المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: 1
الموضوع : العقائد والكلام
تاريخ النشر : 1429 ه.ق
ISBN (ردمك): 978-600-5213-01-0
المكتبة الإسلامية
موسوعة
الأسئلة العقائدية
المجلد الأول
تأليف
مركز الأبحاث العقائدية
ص: 1
مركز الأبحاث العقائدية :
إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34
ص . ب : 3331 / 37185
الهاتف : 7742088 (251) (0098)
الفاكس : 7742056 (251) (0098)
العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)
جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله
ص . ب : 729
الهاتف : 332679 (33) (00964)
الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com
البريد الإلكتروني : info@aqaed.com
شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978
شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978
موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول
تأليف
مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة الأولى - 2000 نسخة
سنة الطبع: 1429ه
المطبعة : ستارة
الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش
* جميع الحقوق محفوظة للمركز *
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 3
ص: 4
بقلم : الشيخ محمد الحسون
الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
انقسم المسلمون بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله إلى قسمين :
الأوّل : قال بإمامة وخلافة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ورفض خلافة أبي بكر ومن تبعه من بعده .
الثاني : قال بخلافة أبي بكر ومن تبعه ، ورفض إمامة وخلافة الإمام علي عليه السلام .
والقسم الأوّل يسمّون بالشيعة ، وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
والقسم الثاني يسمّون بالسنّة ، وأتباع مدرسة الخلفاء .
أمّا تسمية القسم الأوّل ب- « الرافضة » أو « الروافض » خاصةً ، دون غيرهم من المسلمين ، فهي تسمية باطلة ، لا أساس لها ؛ إذ سمعنا الكثير من علماء السنّة يعلّلون هذه التسمية للشيعة : بأنّهم رفضوا خلافة أبي بكر لذلك سمّوا بالرافضة ؛ إذ السنّة أيضاً رفضوا إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلماذا لا يسمّون بالرافضة ؟!
وقال لي بعض علمائهم معلّلاً هذه التسمية : أنتم رفضتم الحقّ لذلك سمّيناكم رافضة .
ص: 5
فأجبته : هذا أوّل الكلام ، فكلّ مذهب يدّعي أتباعه أنّهم على الحقّ ، وغيرهم على الباطل .
وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا الاختلاف بين المسلمين مبنيّ على اختلافهم في منصب الإمامة .
فالشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّه منصب إلهي جعلي ، شأنه في ذلك شأن منصب النبوّة ، فكما أنّ الباري عزّ وجلّ هو الذي يختار من بين البشر أنبياءً ، كذلك هو الذي يختار من بينهم أئمة وخلفاء ، وليس للمسلمين دخل في هذا الأمر .
والسنّة يذهبون إلى أنّه ليس كمنصب النبوّة ، بل أنّ اللّه سبحانه وتعالى أوكل هذا الأمر إلى المسلمين ، فإذا توفّي النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب على المسلمين أن يجتمعوا وينتخبوا خليفة لهم ، ولذلك فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، واختاروا من بينهم أبا بكر للخلافة .
ونحن نناقش في اجتماع المسلمين بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ لم يحضر فيه خيرة الصحابة كعليّ عليه السلام وبني هاشم ، وسلمان والمقداد وأبي ذر وغيرهم .
إضافةً لذلك فنحن نسألهم هذا السؤال : ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفّر في الشخص الذي يجب على الأمة أن تنتخبه ؟ فهل تضعون شروطاً خاصة ، أو أنّ الأمّة يحقّ لها أن تنتخب من شاءت ؟ كما يحقّ لكلّ مسلم أن يرشّح نفسه لهذا المنصب الخطير ؟
فعند مراجعتنا لأمهات كتبهم في هذا المجال : كالمواقف للقاضي الإيجي ، وشرحه للشريف الجرجاني ، وشرح القوشجي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ، وغيرها من المصادر الرئيسية عندهم .
ص: 6
نراهم يشترطون ثلاثة شروط في الذي يجب على الأمّة أن تنتخبه لهذا المنصب ، وهي :
الأول : العلم ، أي يكون عالماً بالأصول والفروع بحيث يمكنه من إقامة الحجج والبراهين على أحقيّة الإسلام ، ويمكنه دفع الشبهات الواردة من الكفّار .
الثاني : العدالة ، أي العدالة في سيرته وسلوكه مع الناس ، وفي حكمه بينهم ، والعدالة في تقسيم الأموال .
الثالث : الشجاعة ، أي يكون شجاعاً بحيث يمكنه تجهيز الجيوش والدفاع عن الدين .
ولو وجّهنا هذا السؤال لكلّ مسلم منصف بغضّ النظر عن انتمائه المذهبي ، وهو : في أيّ شخص تتوفّر هذه الشروط بعد النبي صلى اللّه عليه وآله ؟ أي من هو أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟
فهل يستطيع أحد من المسلمين المنصفين أن يتجاوز عليّاً عليه السلام في كونه أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟
والتاريخ أمامنا مليء بما يدلّ على هذا ، ولو أردنا إيراد ما لدينا من أدلّة في كون علي عليه السلام أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ، لاحتجنا إلى مصنّفات كثيرة ، ومن شاء الاطلاع والوقوف على حقيقة الأمر ، عليه أن يراجع مصادر السنّة نفسها - فضلاً عن مصادر الشيعة - ليقف بنفسه على صحة ما ندّعيه .
ومن أجل التخلّص من هذا الإشكال ، نرى من السنّة مَن ذهب إلى القول بجواز تقديم المفضول على الفاضل .
ص: 7
ولا نريد الدخول في تفاصيل هذا الموضوع ، حتّى لا نخرج عن هدف المقدّمة ، وهو موكول إلى محلّ آخر إن شاء اللّه .
عرفنا في ما تقدّم من الكلام ، أنّ المسلمين اختلفوا في أمر مهم وأساسي ، وهو الإمامة .
والاختلافات الواردة بين المسلمين ، سواء في العقائد والأحكام وغيرها ، ناشئة من ذلك الاختلاف :
إذ الشيعة يعتقدون بعصمة الإمام علي عليه السلام وأولاده الأئمة عليهم السلام ، وكون كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجّة عليهم ، كما هو ثابت للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ السنّة - وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن - تشمل أحاديث الأئمة عليهم السلام كما تشمل أحاديث النبي صلى اللّه عليه وآله .
وأتباع مدرسة الخلفاء لا يرون هذا المقام للإمام علي عليه السلام ولأولاده المعصومين عليهم السلام ، إذ الحجّة عندهم قول النبي صلى اللّه عليه وآله فقط ، أما الأئمة عليهم السلام وإن كانوا من أهل البيت ، ويجب احترامهم وحبّهم ، إلا أنّهم يعتبرونهم من الأصحاب والتابعين والرواة والعلماء .
ونتيجة لذلك فقد اختلفت الأحكام بين السنّة والشيعة ، بل اختلفت حتّى في دائرة أحدهما ، فانقسم السنّة إلى مذاهب كثيرة انتشر أربعة منها وهي : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنبلية .
وانقسم الشيعة إلى عدّة مذاهب أيضاً عبر القرون الماضية ، انقرض أكثرها ، وبقي منها ثلاثة : الإمامية ، والزيدية ، والإسماعيلية وإن كانت الأخيرتان قليلة جداً الآن قياساً إلى الأولى .
ص: 8
وظهرت للمسلمين عموماً مباني وآراء جديدة لم تكن موجودة سابقاً ، لذلك تشعّبت آراؤهم واختلفت أحكامهم ، ممّا أدى ببعض العلماء إلى جمع هذه الآراء والأحكام المختلفة في كتب خاصة بها .
وكلّ واحد من أصحاب هذه الآراء والأحكام يذهب إلى صحّة ما يدّعيه ، ويُخطّئ من خالفه ، بل وصل الأمر إلى أكثر من هذا أحياناً ، إذ طعن بعضهم بمخالفه ورماه بالجهل ، بل بالفسق ، بل بالخروج عن المذهب ، أو الخروج عن الدين .
لذلك نشاهد بعض السنّة يذهب إلى تكفير الشيعة والطعن بأعلامهم ، لا لسبب ، بل لأنهم شيعة ، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك إذ وثّقوا مخالفيهم ورووا الحديث عنهم وإن كانوا ارتكبوا الجرائم البشعة كقتل الإمام الحسين عليه السلام .
بل إنّ أتباع المذاهب السنيّة المختلفة طعن بعضهم بالبعض الآخر ، واتهمه بالخروج عن الدين أحياناً ، وسوف نورد جملة من هذه الأقوال قريباً .
والآن فلنورد هذا السؤال : ما الذي يمثّل رأي كلّ مذهب إسلامي ؟
فنقول : لا شكّ أنّ في كلّ مذهب آراء شاذّة ، أي قال بها عدد قليل من علماء ذلك المذهب . فهل أنّ هذه الآراء الشاذّة هي التي تمثّل ذلك المذهب ؟ أو أنّ الذي يمثّله آراء أكثر علماء المذهب ؟ الذي يعبّر عنه بالمشهور ؟
ومن الطبيعي أن يكون جواب : أنّ ما عليه أكثر علماء أي مذهب إسلامي هو الذي يمثّل رأي ذلك المذهب ، ولا يُلتفت إلى الآراء الشاذّة التي قال بها عدد قليل من العلماء .
ص: 9
وهي تشمل على :
(أ) اختلاق روايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذمّ الرافضة .
(ب) كلام بعض علمائهم في ذمّ الرافضة .
(ج) ذمّ رواة الشيعة وأعلامهم ؛ لأنّهم رافضة .
(د) مدح وتوثيق أعداء أهل البيت عليهم السلام المعروفين بالنصب الذي كانوا يسبّون عليّاً عليه السلام،والّذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام .
(ه) فتاوى بعض علماء السنّة المتأخّرين في تكفير الشيعة .
(1) أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت 807 ه- ) في مجمع الزوائد : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لعلي : يا علي سيكون في أمّتي قوم ينتحلون حبّ أهل البيت ، لهم نبز يُسمّون الرافضة ، قاتلوهم فإنّهم مشركون » .
وعلّق عليه بقوله : « رواه الطبري ، وإسناده حسن » (1) .
(2) قال أحمد بن حجر الهيتمي ( ت 973 ه- ) بعد ما نقل أحاديث في تبديع وتضليل والتوعّد بالنار لأهل البدع : « وسيتلى عليك ما تعلم منه علماً قطعياً أنّ الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة ، فيتناولهم هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث ، على أنه ورد فيهم أحاديث بخصوصهم » .
وأخذ بنقل الأحاديث التي تكفّر الرافضة (2) .
(3) حكى محمّد عبد الحليم بن تيمية ( ت 728 ه- ) عن عبد اللّه بن
ص: 10
ادريس ( ت 192 ه- ) قوله : « ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا (1) الكفّار - يعني الرافضة - » (2) .
(4) قال محمّد بن أبي سهل السرخسي ( ت 483 ه- ) في المبسوط : « وأما الروافض قاتلهم اللّه تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرّمون الخِريَت » (3) .
(5) قال عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني ( ت 562 ه- ) في الأنساب : « قال الشعبي : لعن اللّه الروافض لو كانوا من الطير لكانوا رُخماً ، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً » (4) .
(6) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في سير أعلام النبلاء ، في كلامه عن العشرة المبشّرين بالجنّة : « فأبعد اللّه الرافضة ما أغواهم وأشدّهم !! كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة » (5) .
وقال في مكان آخر : « لكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية ، فبعداً لهم » (6) .
وقال أيضاً نقلاً عن الشافعي أنّه قال : « لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة » (7) .
ص: 11
وقال في ميزان الاعتدال : « قال أشهب : سُئل ما لك عن الرافضة فقال : لا تكلّمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون » .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : لم أرَ أشهد بالزور من الرافضة .
وقال مؤمل بن أهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : يُكتب عن كلّ صاحب بُدعة إذا لم يكن داعية إلى الرافضة ، فإنهم يكذبون .
وقال محمّد بن سعيد ابن الأصبهاني : سمعت شريكاً يقول : إحمل العلم عن كلّ من لقيت ، إلا من الرافضة ، يضعون الحديث ويتّخذونه ديناً (1) .
(7) قال محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ( ت 942 ه- ) في سبيل الهدى والرشاد : « وأمّا أعداء اللّه الرافضة فيقولون : عزله بعلي (2) ، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم » (3) .
(8) في ترجمة مروان بن الحكم ، قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « وعاب الإسماعيلية على البخاري تخريج حديثه ، وعدّ من موبقاته أنّه رمى طلحة - أحد العشرة - يوم الجمل ، وهما جميعاً مع عائشة ، فقتل ، ثمّ وثب على الخلافة بالسيف » (4) .
ومعلوم لدى الجميع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاه وزغاً ، ولعنه ، ورفض أن يدعو له .
قال محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري ( ت 405 ه- ) في المستدرك ،
ص: 12
نقلاً عن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال : « كان لا يولد لأحدٍ مولود إلا أُتي به النبيّ صلى اللّه عليه وآله فدعا له ، فأُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : « الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون » .
ثم قال : « وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه » (1) أي البخاري ومسلم .
ومعلوم أنّ مروان بن الحكم كان يسبّ علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة الصلاة .
قال محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ( ت 1255 ه- ) في نيل الأوطار : « كانوا في زمن مروان يتعمّدون ترك سماع الخطبة ؛ لما فيها من سبّ من لا يستحقّ السبّ - وهو علي - والإفراط في مدح بعض الناس - وهو معاوية - » (2) .
ونفس هذا الكلام قاله قبله ابن حجر ( ت 852 ه- ) في فتح الباري (3) .
وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في ميزان الاعتدال : « وله أعمال موبقة ، نسأل اللّه السلامة ، رمى طلحة بسهم ، وفعل وفعل » (4) .
وقال في سير أعلام النبلاء : « فلمّا رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله ، وجرح يومئذٍ ... وكان يوم الحرّة مع مسرف بن عقبة يحرّضه على قتال أهل المدينة » (5) .
(9) في ترجمة عمر بن سعد ، قال ابن حجر ( ت 852 ه- ) في تقريب
ص: 13
التهذيب : « صدوق ، ولكنه مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الّذين قتلوا الحسين بن علي » (1) .
علماً بأن أحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي ( ت 261 ه- ) عدّه من الثقات وذكره في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « مدني ثقة ، كان يروي عن أبيه أحاديث ، وروى الناس عنه ، وهو الذي قتل الحسين » (2) .
(10) وفي ترجمة شبث بن ربعي ، وثّقه عدّة من الحفاظ ، وعدّه أحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي ( ت 261 ه- ) من الثقات وأورده في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « كان أوّل من أعان على قتل عثمان - رضي اللّه عن عثمان - وهو أول من حرّر الحرورية ، وأعان على قتل الحسين بن علي » (3) .
وقال أبو الحجّاج يوسف المزّي ( ت 742 ه- ) في تهذيب الكمال : « وقال الدارقطني : يقال : إنّه كان مؤذّن سجاح ثم أسلم بعد ذلك ، روى له أبو داود والنسائي ... » (4) .
وأورد خير الدين الزركلي ( ت 1369 ه- ) ترجمته مشيراً إلى تأريخه الأسود قائلاً : « أدرك عصر النبوّة ، ولحق بسجاح المنبئة ، ثم عاد إلى الإسلام ، وثار على عثمان ، وكان ممّن قاتل الحسين ، ثمّ ولي شرطة الكوفة » (5) .
وموقف هذا الرجل يوم العاشر من المحرّم سنة 61 ه- معروف ، فهو أحد قادة الجيش الذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام ، وله مواقف مخزية ذلك اليوم . .
ص: 14
(11) وفي ترجمة الخارجي عمران بن حطّان ، يقول أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « قال العجلي : بصري تابعي ثقة .
وقال أبو داود : ليس من أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج ، ثمّ ذكر عمران بن حطّان .
وذكره ابن حبّان في الثقات .
وقال يعقوب بن شيبة : أدرك جماعة من الصحابة ، وصار في آخره أن رأى رأي الخوارج ، وكان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمّه رأت رأي الخوارج ، فتزوّجها ليردّها ، فصرفته إلى مذهبها .
وقال ابن حبّان في الثقات : كان يميل إلى مذهب الشراة .
وقال ابن البرقي : كان حرورياً .
وقال المبرّد في الكامل : كان رأس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم » .
وهو الذي يمدح عبد الرحمن الملجم ، قاتل علي عليه السلام ويقول :
يا ضربة من تقي ما أراد بها *** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لأذكره حيناً فأحسبه *** أوفى البريّة عند اللّه ميزانا (1)
(12) قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) في تاريخ بغداد : « كان عيسى بن مهران المستعطف من شياطين الرافضة ومردتهم ... » (2) . .
ص: 15
(13) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في ميزان الاعتدال عن علي بن هاشم : « ولغلوّه ترك البخاري إخراج حديثه فإنّه يتجنّب الرافضة كثيراً ، كأنّه يخاف من تديّنهم بالتقيّة . ولا نراه يتجنّب القدريّة ولا الخوارج ، ولا الجهميّة ، فإنّهم على بُدعهم يلزمون الصدق » (1) .
(14) وفي ترجمة أزهر بن عبد اللّه بن جميع الحرازي الحمصي ، قال أحمد بن عبد اللّه الخزرجي ( ت القرن العاشر ) في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : « ناصبيّ صدوق اللّهجة » (2) .
وقال عنه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( 748 ه- ) في الكاشف : « ناصبي ، د ، ن ، س » (3) . أي روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي .
وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تقريب التهذيب : « حمّصي ، صدوق ، تكلّموا فيه للنصب » (4) .
وقال في تهذيب التهذيب : « قال ابن الجارود في كتاب الضعفاء : كان يسبّ عليّاً ... وكان في الخيل الذين سبوا أنس بن مالك ، فأتين به الحجّاج ... وقد وثّقه العجلي وابن حبان ... » (5) .
(15) وفي ترجمة أبي لبيد لمازة بن زبار الأزدي الجهضمي ، قال محمّد ابن أحمد بن عثمان الذهبي ( 748 ه- ) في الكاشف : « لمازة بن زبار ، أبو الوليد الجهضمي . . فيه نصب ، وُثّق » (6) . .
ص: 16
وقال في ميزان الاعتدال : « بصري ، حضر وقعة الجمل ، وكان ناصبيّاً ، ينال من علي رضي اللّه تعالى عنه ، ويمدح يزيد » (1) .
وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « قال موسى بن إسماعيل عن مطر بن حمران : كنّا عند أبي لبيد ، فقيل له : أتحبّ عليّاً ؟
فقال : أحبّ علياً !! وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستّة آلاف .
وذكره ابن حبّان في الثقات .
وقال عباس الدوري : عن يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه عن ابن لبيد وكان شتّاماً .
قلت : زاد العقيلي : وقال وهب : قلت لأبي : من كان يشتم ؟
قال : كان يشتم علي بن أبي طالب .
وأخرجه الطبري من طريق عبد اللّه بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، حدّثني الزبير بن خريت ، عن أبي لبيد ، قال : قلت له : لِم تسبّ علياً ؟
قال : أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة وألفين والشمس هاهنا .
وقال ابن حزم : غير معروف العدالة » (2) .
وقال في تقريب التهذيب : « ... صدوق ناصبي » (3) .
وبعد ما لاحظ ابن حجر التناقض الواضح بين توثيق النواصب والطعن في الشيعة ، قال ضمن ترجمة زيارة : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبيّ غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً ، ولا سيّما أنّ علياً ورد في حقّه « لا يُحبّه إلا .
ص: 17
مؤمن ولا يُبغضه إلا منافق » (1) .
انظر واعجب ، فعلماء السنّة خالفوا القاعدة ، إذ مقتضاها الأخذ بقول الشيعي المحبّ ؛ لأنه مؤمن ، والمؤمن صادق بشهادة القرآن . وطرح قول المبغض ؛ لأنّه منافق ، والمنافق كاذب بشهادة القرآن .
ثمّ أخذ ابن حجر بالاعتذار عن قومه بما هو أقبح من ذنبه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
والآن فلننقل فتاوى بعض علمائهم المتأخّرين في الشيعة الإمامية .
عبدالعزيز بن باز (2)
السوال :
من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة ، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنّة وبينهم ؟
الجواب :
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة غير ممكن ؛ لأنّ العقيدة مختلفة ، فعقيدة أهل السنّة والجماعة توحيد اللّه وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يدعى معه أحد ، لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، وأنّ اللّه سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب ، ومن عقيدة أهل السنّة محبّة الصحابة رضي اللّه عنهم جميعاً والترضّي عنهم ، والإيمان بأنّهم أفضل خلق اللّه بعد الأنبياء ،
ص: 18
وأنّ أفضلهم أبو بكر الصدّيق ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي ، رضي اللّه عن الجميع ، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما ، فكما أنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنّة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة ؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها .
السوال :
وهل يمكن التعامل معهم لضرب العدو الخارجي كالشيوعية وغيرها ؟
الجواب :
لا أرى ذلك ممكناً ، بل يجب على أهل السنّة أن يتحدوا وأن يكونوا أمّة واحدة وجسداً واحداً ، وأن يدعوا الرافضة أن يلتزموا بما دلّ عليه كتاب اللّه وسنّة الرسول صلى اللّه عليه وسلم من الحقّ ، فإذا التزموا بذلك صاروا إخواننا وعلينا أن نتعاون معهم ، أمّا ما داموا مصرّين على ما هم عليه من بغض الصحابة وسبّ الصحابة إلا نفراً قليلاً ، وسبّ الصديق وعمر ، وعبادة أهل البيت كعلي - رضي اللّه عنه - وفاطمة والحسن والحسين ، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر أنّهم معصومون وأنّهم يعلمون الغيب ؛ كلّ هذا من أبطل الباطل ، وكلّ هذا يخالف ما عليه أهل السنّة والجماعة .
ابن جبرين (1)
السوال :
ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنّة لفقراء الرافضة - الشيعة - وهل تبرأ ذمّة المسلم الموكّل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا ؟
ص: 19
الجواب :
لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم في باب أهل الزكاة أنّها لا تُدفع لكافر ، ولا مبتدع ، فالرافضة بلا شكّ كفّار لأربعة أدلّة :
الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنّه حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألّفه النوري وسماه : « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » وكما في كتاب « الكافي » ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذّب لقوله تعالى : ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
الثاني : طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها لأنّها من رواية الصحابة الذين هم كفّار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أنّ الصحابة كفروا بعد موت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم إلا علي وذريّته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أمّا الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا ، فهم كفّار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب « الكافي » وغيره من كتبهم .
الثالث : تكفيرهم لأهل السنّة ، فهم لا يصلّون معكم ، ومن صلّى خلف السنّي أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منّا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفّر المسلمين ، فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفّرهم كما كفّرونا وأولى .
الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي وذرّيته ، ودعاؤهم مع اللّه ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلّوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا بربّ العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم . ثمّ إنّهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنّة ، ولا يتصدّقون على فقراء أهل السنّة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة
ص: 20
فليخرج بدلها ، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر ، وحرب السنّة ، ومن وُكِّل في تفريق الزكاة ؛ حرم عليه أن يعطي منها رافضياً ، فإن فعل لم تبرأ ذمّته ، وعليه أن يغرم بدلها ، حيث لم يؤدّ الأمانة إلى أهلها ، ومن شكّ في ذلك فليقرأ كتب الردّ عليهم ، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم ، وكتاب الخطوط العريضة للخطيب ، وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها ، واللّه الموفق .
عبد الرحمن السحيم (1)
السوال :
ما صحّة قول : كلّنا مسلمين شيعة كنّا أم سنّة فلا فرق ؟
الجواب :
إذا صح أنّه لا فرق بين الليل والنهار ، ولا بين الثرى والثريا فيصحّ أنه لا فرق بين الكفر والإسلام .
فالرفض شرك وكفر .
والرفض دين آخر غير دين الإسلام .
ليس لهم مساجد بل حسينيات .
ليس عندهم قرآن بل مصحف فاطمة .
يحجّون إلى كربلاء والنجف والعتبات المقدّسة - بزعمهم - !
يُقدّسون مراقد الأئمة !
يدعون علياً والحسين من دون اللّه !
أي إسلام هذا ؟؟؟!!!
ص: 21
فنحن لا نلتقي مع الرافضة إلا أننا نعيش وإياهم على سطح الأرض !
وهم يقولون مثل ذلك .
حتى قال أحد ملاليهم : نحن لا نلتقي مع السنّة لا في ربّ ولا في رسول ولا في دين .
واللّه المستعان .
عنوان الفتوى : هل يجوز نصرة ما يسمّى حزب اللّه الرافضي ؟
المفتي : الشيخ / عبد اللّه بن جبرين .
رقم الفتوى : 15903 .
تاريخ الفتوى : 21 / 6 / 1427 ه - 2006 - 07 - 17
تصنيف الفتوى : العقيدة - فرق ومذاهب وأديان - كتاب فرق منتسبة - باب طائفة الرافضة .
السوال :
هل يجوز نصرة ما يسمّى حزب اللّه الرافضي ؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم ؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنّة ؟
الإجابة :
لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ، ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرؤا منهم ، وأن يخذلوا من ينضموا إليهم ، وأن يبيّنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة ، فإنّ الرافضة دائماً
ص: 22
يضمرون العداء لأهل السنّة ، ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم ، وإذا كان كذلك فإنّ كلّ من والاهم دخل في حكمهم لقول اللّه تعالى ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
يوم الخميس 16 ، ذو القعدة ، 1427 ه-
الحمد لله ربّ العالمين ، أوجب نصرة المظلومين ، وإغاثة الملهوفين ، وجعل ذلك برهان صدق الأخوة بين المسلمين ، وحرّم القطيعة والتخاذل ، وجعل ذلك آية الفشل وذهاب ريح المؤمنين ، وصلّى اللّه وسلّم على إمام الصابرين وقدوة المحتسبين ، وعلى آله وأصحابه الذين ضربوا أروع الأمثلة في التآخي والتناصر في الدين ، وعلى من اتبعهم بإحسان من المؤمنين الذين لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصادقون .
أما بعد :
فإنّ ما تعرّض له العراق ؛ بلداً وشعبًا ؛ من تآمر صليبي صفوي رافضي ؛ سبقه حكم بعثي ، كان فصلاً من فصول المؤامرة ، ومؤشّراً على نجاح المخطط الأخطبوط الذي يجتاح المنطقة .
ولقد كان سقوط بغداد حدثاً عظيماً على أهل الإسلام ، لم يقع مثله في تداعياته المؤلمة منذ احتلال اليهود لأرض فلسطين ، ممّا يستدعي منّا موقفاً حازماً نستدرك فيه ما فرط من مواقف نعرض فيه أهمّ ما يجب علينا فعله والقيام به ، كلٌّ فيما يخصه ويستطيعه .
ص: 23
أولاً : بعد قرابة أربع سنوات مرّت على احتلال العراق ؛ ظهر جليّاً أنّ الهدف هو الاستيلاء على العراق شراكة بين الصليبيين والرافضة الصفويين ؛ تمكيناً لمطامعهم في المنطقة ، وحماية لليهود المحتلِّين ، وإقصاءً للنفوذ السنّي فيها ، ومحاصرة للسنّة في المنطقة كلّها ؛ لتشكيل هلال شيعي لا تخفى أطماعه ومخططاته ، وأصبح العراق بإسلامه وعروبته ، وبجغرافيته وتاريخه وثرواته ؛ يراد له أن يتبدد وينهب ، وأصبح إعلان التقسيم رسميّاً يتوقع في أية لحظة ، فللرافضة الجنوب وأهم محافظات الوسط ، وللأكراد الشمال ، وللسنّة ما بقي من أرض الوسط .
ولم تترك أحداث العراق للرافضة الاثني عشرية وأشياعهم من سائر فرق الباطنيّة من سربال ولا ستر ولا تقيّة ، فقد أظهر اللّه سرّهم علانية ، وفضحهم على رؤوس الأشهاد ؛ لمن كان له قلب وسلم من الهوى ؛ فقد سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم وحموا ظهورهم ، وتخندقوا جميعاً في حرب العراق وتقسيمه . لقد أثبتوا بصورة عملية كلّ ما كان مسطوراً عندهم في كتبهم ممّا كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقيّة ، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم ، فظهرت أخلاقهم المرذولة ، وعقائدهم البغيضة ، فقالوا وفعلوا ما يشهد لهم بأنّهم أمّة واحدة مع تعدّد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم ، وأنّ مايفعلونه في ديار أهل السنّة من بيعة وطاعة ومهادنة ، ما هو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف .
وممّا يؤكد ما ذكرنا عن الرافضة من حقائق ووقائع ، وأنّ عقائدهم التي يتنصّلون منها ظاهرياً هي عقائد يدينون بها علمياً وعملياً ، ويمارسون مقتضياتها كلّما سنحت لهم الفرصة . . ممّا يؤكد ذلك أنّهم يوظّفون كلّ مناسبة سياسية أو إعلامية لصالحهم ، فيحافظون على الوحدة المذهبية
ص: 24
والشخصية الرافضية أن تهتز قناعاتها رغم تفاوت الأراء الدينية والسياسية بين آياتهم وسياسييهم .
فلا تطلبن من عند يوم وليلة خلاف الذي مرّت به السنوات .
ثانياً : نوجِّه هذه الرسالة لمن يهمُّه أمر الشيعة في العالم ، فنقول لهم : إنّ مايجري على أرض العراق من قتل وتعذيب وتهجير لأهل السنّة ، وتعاون مع العدو المحتلّ ؛ ظلم وبغي وعدوان ، لا نظنّكم تقبلون أن تعاملوا بمثله ، وأنتم تعلمون أنّ الأيام دول ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، فإن كان هذا الذي يجري لا ترضونه ومرفوضاً من قبلكم فلماذا لا يُسمع لكم صوت ، وأنتم ترون كثيراً من الشعب الأمريكي أذعنوا في آخر الأمر لخطاب عقلائهم ، ممّا أدَّى إلى فوز منافسي بوش وزمرته ، وإنّنا نأمل أن يكون للعقل مساحة واقعية على الأقل عندكم ، ولا يكفينا إلا المواقف التي لها أثر عملي يحقن هذه الدماء ، وأما التقيّة فقد نبَّأنا الواقع من أخبارها .
ثالثاً : إنّ أكثر ما يضرُّ الأمة ، ويمكّن منها عدوها : تفرقها واختلافها ؛ كما قال تعالى : ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) . وجاء في quot; صحيح مسلم quot; من حديث : ثَوْبَانَ قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إنَّ اللّهَ زَوى لي الأرض فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا ما زوى لي منها وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأبيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأمَّتِي أَنْ لا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ وَأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوّاً من سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قال يا محمد إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فإنه لا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ وَأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوّاً من سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عليهم من بِأَقْطَارِهَا أو قال من بين أَقْطَارِهَا حتى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضاً وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً .
ص: 25
وفيه أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل ذَاتَ يَوْمٍ من العَالِيَةِ حتى إذا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دخل فَرَكَعَ فيه رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا معه وَدَعَا به طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : سَألتُ ربِّي ثلاثاً فأعْطاني ثِنْتينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا .
وقد بوَّب النووي رحمه اللّه على الحديثين بقوله : « باب هلاك هذه الأمّة بعضهم ببعض » .
ولقد سبر الأعداء غور الأمة الإسلامية ، وعرفوا مجمع الاتفاق ، وفروع الاختلاف بينهم ، فاستطاعوا توظيف اختلافهم لخدمة مخططاتهم ، وإنّنا نناشد من يحمل همَّ الأمة أن يتقوا اللّه في أمتهم ، وأن لايكونوا معول هدم فيها ، وأن يعملوا جاهدين على أن لا تكون العراق ساحة لتجذير الخلاف والفرقة والتناحر .
رابعًا : لاشك أنّ جهاد الأعداء ركن ركين ، ومن أهم شعائر الدين ، وما أُخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلا بالقوة ، وقد وُجِد في المجاهدين في العراق بحمد اللّه مَن ضربوا أروع الأمثلة في التضحية وبذل الأنفس في سبيل اللّه ممّا أرعب الأعداء وكسر شوكتهم ، ونحن نقدِّر لهم ذلك وفقهم اللّه ، غير أنّ هناك قضايا حادثة ومستجدَّة طرأت على الساحة ؛ من إفرازات صراعنا مع عدوِّنا ، وهي بحاجة إلى تأصيل شرعي لا يمكن معرفته إلا بالرجوع إلى العلماء العاملين الربّانيين الذين هم أكثر علماً ، وأطول تجربة ، ويعرفون أصول هذه المستجدَّات ، ويعرفون واقع الصراع بيننا وبين عدونا ، فنناشد جميع المجاهدين أن يضعوا أيديهم بأيدي علمائهم ، وأن لايقطعوا أمراً دونهم ، فهل نفرح من إخواننا بيد أُلفة حانية تمتدُّ تُفَوِّت على الأعداء شماتتهم بنا ؟
ص: 26
وإليكم - معاشر المسلمين - بعضاً ممّا يجب فعله ، على سبيل الإيجاز :
1) العمل على توعية عموم المسلمين بخطر الرافضة ، وعلى وسائل الإعلام أن تقوم بواجبها اتجاه ذلك ، فإن الرافضة لا يستحون أن يصفونا بكلّ نقيصة ، وما وصف حسن نصر اللّه - وهو معروف بحيطته في الكلام - أهل السنّة بأنّهم وهابية لا صلة لهم بالإسلام عنّا ببعيد ، ومثله تحريض الصدر في خطبة عيد الفطر على قتل المسلمين الذين لمزهم بالنواصب ، وتصريحات الحكيم الأخيرة كلّها تصب في حوض التحريض على أهل السنّة وإقصائهم .
2) على أهل العلم والفكر ، ألا يقفوا مكتوفي الأيدي اتجاه ما يجري على إخوانهم أهل السنّة في العراق ، بل الواجب فضح ممارسات الرافضة على كل المستويات ، واستخدام كافة المنابر والمحافل والمناسبات ، بل وإقامة لقاءات خاصة بهذه القضية ، ومحاصرة العابثين بالعراق وشعبه إعلاميّاً وقانونيّاً ، واستنهاض همم الشعوب الإسلامية لتقوم بواجباتها اتجاههم .
3) الوقوف المباشر مع إخواننا أهل السنّة في العراق ، ودعمهم بكلّ أساليب الدعم المدروسة المناسبة ، حتى تنجلي عنهم هذه المحنة ، ولنحذر كل الحذر أن يؤتى إخواننا من قبلنا وبسبب تقصيرنا ، في حين أن الرافضة المعتدين غدت سيوف الأمريكان معهم ، وأموال العراق بأيديهم ، وإيران من ورائهم ، فلا يكن هؤلاء في باطلهم أجرأ منّا على نصرة أهلنا المستضعفين المقهورين ظلماً وعدواناً .
4) وأنتم يا أهل العراق ، كان اللّه في عونكم فاصبروا واثبتوا ، فإنّ صبركم وثباتكم تثبيت لمن وراءكم ، وليكن من وسائلكم في مقاومة العدوان إصلاح ذات بينكم ، وإصلاح ما بينكم وبين اللّه جلّ وعز ، فإنّكم
ص: 27
إن ظفرتم بمعية اللّه ونصره فلا غالب لكم ، واعلموا أنّ صلاح أحوالكم سبب لعطف قلوب الخلق نحوكم ، وذريعة لكم إلى ربكم أن يتولى هزيمة الأحزاب ، فإن هؤلاء الطواغيت من الأمريكان والرافضة وأعوانهم وأحلافهم خلق من خلق اللّه يديلهم ويديل عليهم . فاللّه اللّه أن تؤتوا من قبل أنفسكم ، واصدقوا في اللجأ إلى اللّه ينزل السكينة عليكم ، ويمددكم بمدد من عنده ويقذف الرعب في قلوب أعدائكم ويكفكم شر المنافقين . ( واللّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ) .
5) أيها المسلمون : إن ما سبق ذكره - من وصف لحال أهل العراق - لاينبغي ولا يجوز أن يكون مدعاة لليأس ولا سببا للإحباط ، فإن اللّه ناصر دينه ، ومظهر لأمره وهو مع المؤمنين الصادقين ، وإن جولة الباطل ساعة والحق جولته إلى قيام الساعة ، ولقد مرت بأهل الإسلام كروب ومحن نجوا منها بالصدق وصحة العزائم ، وتحويل الأماني والآمال إلى وقائع وأفعال ( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) ( يوسف : 110 ) .
فاللّهم انصر إخواننا في العراق ، وفي سائر بلاد الإسلام ، واجمع كلمتهم ، ووحّد شملهم ، وأذلَّ عدوَّهم ، وصلّى اللّه وسلّم على نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
الموقعون :
1 - الشيخ العلامة / عبد الرحمن بن ناصر البراك ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .
2 - الشيخ العلامة / عبد اللّه بن محمد الغنيمان ( رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً ) .
ص: 28
3 - الشيخ العلامة / عبد العزيز بن عبد اللّه الراجحي ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .
4 - الشيخ / عبد اللّه بن عبد اللّه الزايد ( رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً ) .
5 - الشيخ / سفر بن عبد الرحمن الحوالي ( رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقاً ) .
6 - الشيخ / عبد اللّه بن حمود التويجري ( رئيس قسم السنة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .
7 - الشيخ / عبد الرحمن الصالح المحمود ( عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .
8 - الشيخ / ناصر بن سليمان العمر ( وكيل كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً والمشرف العام على موقع المسلم ) .
9 - الشيخ / العباس بن أحمد الحازمي ( مدير المعهد العلمي بصبيا سابقاً ) .
10 - الشيخ / عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ( رئيس لجنة مصحف المدينة وعميد كلية القرآن بالجامعة الإسلامية سابقاً ) .
11 - الشيخ / خالد بن عبد الرحمن العجيمي ( عميد شؤون الطلاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .
12 - الشيخ / أحمد بن عبد اللّه شيبان ( المعلم في منطقة عسير سابقاً ) .
13 - الشيخ / علي بن سعيد الغامدي ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً ) .
14 - الشيخ / محمد بن سعيد القحطاني ( عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقاً ) .
ص: 29
15 - الشيخ / سعد بن عبد اللّه الحميد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ) .
16 - الشيخ / عبد اللّه بن عمر الدميجي ( عميد كلية أصول الدين بجامعة أم القرى ) .
17 - الشيخ / عبد العزيز ناصر الجليل ( باحث شرعي وداعية ) .
18 - الشيخ / عبد اللّه بن ناصر السليمان ( المفتش القضائي بوزارة العدل بالرياض ) .
19 - الشيخ / محمد بن أحمد الفراج ( المحاضر في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية سابقاً ) .
20 - الشيخ / خالد بن عبد اللّه الشمراني ( رئيس قسم القضاء بكلية الشريعة في جامعة أم القرى ) .
21 - الشيخ / أحمد بن سعد بن غرم الغامدي ( عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالباحة ) .
22 - الشيخ / سليمان بن حمد العودة ( عميد كلية اللغة العربية والاجتماعية بالقصيم سابقاً ) .
23 - الشيخ / يوسف بن عبد اللّه الأحمد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .
24 - الشيخ / فهد بن سليمان القاضي ( إدارة التوعية والتوجيه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً ) .
25 - الشيخ / محمد بن سليمان المسعود ( القاضي بالمحكمة العامة بجده ) .
26 - الشيخ / عبد العزيز بن سالم العمر ( إمام وخطيب جامع الحبيشي بالرياض ) .
ص: 30
27 - الشيخ / أحمد عبد اللّه العماري ( عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً ) .
28 - الشيخ / حمد بن إبراهيم الحيدري ( عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .
29 - الشيخ / سعد بن ناصر الغنام ( داعية معروف ، ومدرِّس في محافظة الخرج ) .
30 - الشيخ / عبد الرحمن بن سعد الشثري ( كاتب عدل بالرياض ) .
31 - الشيخ / خالد بن محمد الماجد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .
32 - الشيخ / ناصر بن عبد اللّه الجربوع ( القاضي بالمحكمة العامة بالرياض ) .
33 - الشيخ / إبراهيم بن محمد الجار اللّه ( مفكر وكاتب إسلامي بالمنطقة الغربية ) .
34 - الشيخ / عبدالرحيم بن صمايل السلمي ( عضو مركز الدعوة والإرشاد بجدة ) .
35 - الشيخ / خالد بن محمد آل زريق الشهراني ( مدرِّس في منطقة عسير ) .
36 - الشيخ / أحمد بن حسن بن محمد آل عبداللّه ( الموجه في تعليم عسير سابقاً ) .
37 - الشيخ / محمد بن عبداللّه الهبدان ( المشرف العام على موقع نور الإسلام ) .
38 - الشيخ / محمد بن عبد العزيز اللاحم ( مشرف تربوي وخطيب جامع ) .
ص: 31
عنوان الفتوى : تكفير عوام الرافضة .
المفتي : الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك .
رقم الفتوى : 18080 .
تاريخ الفتوى : 26 / 11 / 1427 ه - 2006 - 12 - 17
تصنيف الفتوى : العقيدة فرق ومذاهب وأديان - كتاب فرق منتسبة - باب طائفة الرافضة .
السؤال :
سماحة الشيخ استنكر أحد الأخوة تكفير الرافضة - المقصود من يقومون بأعمال شركية كالاستعانة والاستغاثة بالحسين وزيارة وحِج الأضرحة - فقال الأخ « علماً أنه أقدم مني في طلب العلم » أنّ تكفير عقيدتهم لا يعني تكفير عامة جُهّالهم الذين يُضَلّلون مِن قِبل أئمتهم ، ولكن إن نُصِحوا وبُيِّنَ لهم وأقيمت عليهم الحُجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم ، فما رأي سماحة الشيخ ، هل الجاهل منهم معذور بشركه ؟ .
الجواب :
الحمد لله : الرافضة الذين يسمّون أنفسهم الشيعة ، ويدعون حب آل بيت الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ، هم شرّ طوائف الأمة ، وقد كان المؤسّس لهذا المذهب يهودي اسمه عبد اللّه بن سبأ ، وأصحابه السبئية الغلاة الذين ادّعوا الإلهية في علي رضي اللّه عنه ، وورثتهم يألّهون أئمتهم من ذرية علي رضي اللّه عنه ، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين ، وإذا أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين ، وهؤلاء من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء : إنهم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر
ص: 32
المحض ، ومن الرافضة السبّابة الذين يسبّون أبا بكر وعمر ويبغضونهما ، ويبغضون سائر الصحابة ، ويكفرونهم ، ويفسقونهم إلا قليلاً منهم .
وفي مقابل ذلك يغلون في علي رضي اللّه عنه وأهل البيت ، ويدعون لهم العصمة ، ويدعون أنّ عليّاً رضي اللّه عنه هو الأحق بالأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، وأنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أوصى بذلك ، وأن الصحابة كتموا الوصية ، واغتصبوا حقّ علي في الخلافة ، فجمعوا بين الغلو ، والجفاء ، ثم اعتنقوا بعض أصول المعتزلة كنفي الصفات ، والقدر ، ثم أحدثوا بعد القرون المفضلة بناء المشاهد على قبور أئمتهم ؛ فأحدثوا في الأمة شرك القبور ، وبدع القبور ، وسرى منهم ذلك لكثير من طوائف الصوفية ، والمقصود أن الرافضة في جملتهم هم شرّ طوائف الأمة ، واجتمع فيهم من موجبات الكفر ، تكفير الصحابة ، وتعطيل الصفات ، والشرك في العبادة بدعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الاثنا عشرية فهم في الحقيقة كفّار مشركون لكنّهم يكتمون ذلك ، إذا كانوا بين المسلمين عملاً بالتقيّة التي يدينون بها ، وهي كتمان باطلهم ، ومصانعة من يخالفهم ، وهم يربون ناشئتهم على مذهبهم من بغض الصحابة خصوصاً أبا بكر وعمر ، وعلى الغلو في أهل البيت خصوصاً علي ، وفاطمة ، وأولادهما ، وبهذا يعلم أنهم كفّار مشركون منافقون وهذا هو الحكم العام لطائفتهم ، وأما أعيانهم فكما قرّر أهل العلم أنّ الحكم على المعين يتوقف على وجود شروط ، وانتفاء موانع ، وعلى هذا فإنّهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام . ولكن يجب الحذر منهم ، وعدم الاغترار بما يدعونه من الانتصار للإسلام فإنّهم ينطبق عليهم قوله سبحانه ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ
ص: 33
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) ، وقوله تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) ، ولا يلزم مما تقدم أن كل واحد منهم قد اجتمعت فيه أصولهم الكفرية ، والبدعية . ومن المعلوم أن أئمّتهم ، وعلماءهم هم المضلّون لهم ، ولا يكون ذلك عذراً لعامّتهم لأنّهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق ، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنّة ، والكيد لهم بكل ما يستطيعون ، ولكنّهم يخفون ذلك شأن المنافقين ، ولهذا كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود ، والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنّة ، وبسبب ذلك راجت على كثير من جهلة أهل السنّة دعوة التقريب بين السنّة والشيعة ، وهي دعوة باطلة . فمذهب أهل السنّة ، ومذهب الشيعة ضدّان لا يجتمعان ، فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن أصول مذهب السنّة ، أو بعضها ، أو السكوت عن باطل الرافضة ، وهذا مطلب لكلّ منحرف عن الصراط المستقيم أعني - السكوت عن باطله - كما أراد المشركون من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أن يوافقهم على بعض دينهم ، أو يسكت عنهم فيعاملونه كذلك ، كما قال تعالى ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) ، واللّه أعلم .
ذكرنا في ما سبق كلمات بعض علماء السنّة وطعونهم بمذهب أهل البيت عليهم السلام وأعلامهم ، وقد يتصوّر البعض أنّ المسألة وقفت على هذا الحدّ ، لكنّ المطالع لكتبهم في التراجم والسير وغيرها يرى طعوناً واتهامات صدرت من أعلام كلّ مذهب ضدّ الآخر .
ونحن إنّما نورد كلام بعضهم في البعض الآخر ليقف المطالع على
ص: 34
حقيقة الخلافات الواقعة بين المذاهب السنيّة ، ولا يتصوّر أنّهم مذهب واحد في مقابل مذهب أهل البيت عليهم السلام .
ونقسّم هذا الكلام وهذه الطعونات إلى عدّة أقسام :
(1) قول واحد في آخر .
(2) قول واحد في جماعة .
(3) قول جماعة في واحد .
(4) قول واحد بأهل بلد كافة ونسبتهم إلى الجهل .
(5) الطعن في الشعر .
كان سهم أبي حنيفة ، النعمان بن ثابت الكوفي من الطعون أكثر من غيره من أئمة المذاهب الأربعة الأخرى ، ولنذكر أولاً كلامهم فيه ثم نعقبه بكلام باقي الأعلام :
(1) ذكر الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال : قال مالك : « ما وُلد في الإسلام مولود أضرّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة » (1) .
(2) وبسنده عن حبيب بن زريق - كاتب مالك بن أنس - عن مالك بن أنس قال : « كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الأمّة من فتنة إبليس » (2) .
ص: 35
(3) وبسنده عن مُطرِّف الأصمّ قال : سُئل مالك بن أنس عن قول عمر - في العراق - : بها الداء العضال ، فقال : « الهلكة في الدين ومنهم أبو حنيفة » (1) .
(4) وبسنده عن الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك بن أنس : « أيتكّلم برأي أبي حنيفة عندكم » ؟ قلت : نعم ، قال : « ما ينبغي لبلدكم أن تسكن » (2) .
(5) وبسنده عن ابن أبي سريح قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس وقيل له : تعرف أبا حنيفة ؟ - فقال : « نعم ، ما ظنّكم برجل لو قال : هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب ، وهي من خشب أو حجارة » ؟ قال أبو محمّد : يعني أنّه كان يثبت على الخطأ ويحتجّ دونه ولا يرجع الى الصواب إذا بان له (3) .
(6) وبسنده عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ، حدّثنا منصور بن أبي مزاحم قال : سمعت مالك بن أنس - وذكر أبا حنيفة - فقال : « كاد الدين ، كاد الدين » (4) .
وفي الحديث الذي بعده قال في آخره : « ومن كاد الدين فليس له دين » .
(7) وبسنده عن علي بن زيد الفرائضي ، عن الحنيني قال : سمعت مالكاً يقول : « ما وُلد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة » (5) .
ص: 36
(1) ذكر الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) بسنده عن محمّد بن عبد اللّه ابن عبد الحكم قال : قال لي محمّد بن إدريس الشافعي : « نظرتُ في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة » ، قال أبو محمّد : لأنّ الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطأ (1) .
(2) وبسنده عن الربيّع بن سليمان المرادي قال : سمعت الشافعي يقول : « أبو حنيفة يضع أوّل المسألة خطأ ثمّ يقيس الكتاب كلّه عليها » (2) .
(3) وبسنده عن هارون بن سعيد الأبلي قال : سمعت الشافعي يقول : « ما أعلم أحداً وضع الكتاب أدلّ على عوار قوله من أبي حنيفة » (3) .
(4) وبسنده عن أحمد بن سنان بن أسد القطّان قال : سمعت الشافعي يقول : « ما شبّهت رأي أبي حنيفة إلا بخيط السحّارة ، يمدّ كذا فيجيء أخضر ، ويمدّ كذا فيجيء أصفر » (4) .
(5) وقال أبو نعيم الأصفهاني ( ت 430 ه- ) : قال الشافعي : « نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة ، أو ثلاثون ومائة ورقة ، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة ، ووجدتُ فيه إمّا خلافاً لكتاب اللّه ، أو لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو اختلاف قول ، أو تناقض أو خلاف قياس » (5) .
ص: 37
(1) ذكر الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) بسنده عن عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل قال : قلت لأبي : كان أبو حنيفة استُتيب ؟ قال : « نعم » (1) .
(2) وبسنده عن أحمد بن الحجّاج المروزي قال : سألت أبا عبد اللّه - هو أحمد بن حنبل - عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد ، فقال : « أبو حنيفة أشدّ على المسلمين من عمرو بن عبيد ، لأنّ له أصحاباً » (2) .
(3) وبسنده عن الأقرم قال : « رأيت أبا عبد اللّه مراراً يعيب أبا حنيفة ومذهبه ، ويحكي الشيء من قوله على الإنكار والتعجّب » (3) .
(4) وبسنده عن محمّد بن يوسف البيكندي قال : قيل لأحمد بن حنبل : قول أبي حنيفة : الطلاق قبل النكاح ؟ فقال : « مسكين أبو حنيفة كأنه لم يكن من العراق ، كأنه لم يكن من العلم . قد جاء فيه عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعن الصحابة وعن نيف وعشرين من التابعين مثل سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وطاووس ، وعكرمة ، كيف يجترئ أن يقول : تطلق » (4) .
(5) وبسنده عن مهنى بن يحيى قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء » (5) .
(6) وبسنده عن محمّد بن روح قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « لو أنّ رجلاً ولي القضاء ثمّ حكم برأي أبي حنيفة ، ثمّ سُئلت عنه لرأيت أن أرد أحكامه » (6) .
ص: 38
(7) وبسنده عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي قال : سمعت أحمد بن حنبل وسُئل عن مالك فقال : حديث صحيح ورأي صحيح ، وسُئل عن الأوزاعي فقال : حديث ضعيف ورأي ضعيف ، وسُئل عن أبي حنيفة فقال : « لا رأي ولا حديث » (1) .
(8) وبسنده عن محمّد بن عمرو العقيلي قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد قال : سمعت أبي يقول : « حديث أبي حنيفة ضعيف ورأيه ضعيف » (2) .
(1) ذكر الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : حدّثنا محمّد بن يونس ، حدّثنا ضرار بن صرد ، قال : حدّثنا سليم المقرئ ، حدّثنا سفيان الثوري قال : قال لي حمّاد ابن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) - وهو أستاذ أبي حنيفة - : « أبلغ عنّي أبا حنيفة المشرك أنّي بريء منه حتّى يرجع عن قوله في القرآن » (3) .
(2) وبسنده عن رجاء بن السندي قال : سمعت سليمان بن حسّان الحلبي يقول : سمعت الأوزاعي ( ت 157 ه ) - ما لا أحصيه - يقول : « عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة » (4) .
(3) وبسنده عن سلمة بن كلثوم - وكان من العابدين ولم يكن من أصحاب الأوزاعي أحسن منه - قال : قال الأوزاعي لما مات أبو حنيفة : « الحمدُ لله ، إن كان لينقض الإسلام عروة عروة » (5) .
ص: 39
(4) وبسنده عن محمّد بن كثير قال : سمعت الأوزاعي يقول : « ما ولد في الإسلام أضرّ على الإسلام من أبي حنيفة » (1) .
(5) وبسنده عن أحمد بن الحسن الترمذي قال : سمعت الفريابي يقول : سمعت الثوري ( ت 161 ه- ) ينهى عن مجالسة أبي حنيفة وأصحاب الرأي (2) .
(6) وبسنده عن معاذ بن معاذ قال : سمعت سفيان الثوري يقول : « أستُتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين » (3) .
(7) وبسنده عن مؤمّل بن إسماعيل قال : سمعت سفيان الثوري يقول : « إنّ أبا حنيفة أستُتيب من الزندقة مرّتين » (4) .
(8) وبسنده عن جرير بن ثعلبة قال : سمعت سفيان الثوري - وذكر أبا حنيفة - فقال : « لقد استتابه أصحابه من الكفر مراراً » (5) .
(9) وبسنده عن إبراهيم بن محمّد الفزاري قال : كنّا عند سفيان الثوري إذ جاء نعي أبي حنيفة ، فقال : « الحمدُ لله الذي أراح المسلمين ، لقد كان ينقض عُرى الإسلام عروة عروة ، ما ولد في الإسلام مولودٌ أشأم على أهل الإسلام منه » (6) .
(10) وبسنده عن محمّد بن يوسف الفريابي قال : كان سفيان الثوري ينهى عن النظر في رأي أبي حنيفة . قال : وسمعت محمّد بن يوسف - .
ص: 40
وسئل : هل روى سفيان الثوري عن أبي حنيفة شيئاً ؟ - قال : « معاذ اللّه ، سمعت سفيان الثوري يقول : ربّما استقبلني أبو حنيفة يسألني عن مسألة ، فأجيبه وأنا كاره ، وما سألته عن شيء قط » (1) .
(11) وبسنده عن محمّد بن عصام بن يزيد الأصبهاني يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : « أبو حنيفة ضالّ مضلّ » (2) .
(12) وبسنده عن أبي ربيعة محمّد بن عوف قال : سمعت حماد بن سلمة يكنّي أبا حنيفة : أبا جيفة (3) .
(13) وبسنده عن أسود بن سالم قال : قال أبو بكر بن عيّاش : « سوّد اللّه وجه أبي حنيفة » (4) .
(14) وبسنده عن أحمد بن إبراهيم قال : قيل لشريك : أُستُتيب أبو حنيفة ؟ قال : « قد علم ذاك العواتق في خدورهن » (5) .
(15) وبسنده عن محمّد بن فليح المدني ، عن أخيه سليمان - وكان علامة بالناس - قال : إنّ الذي استتاب أبا حنيفة خالد القسري . قال : فلمّا رأي ذلك أخذ في الرأي ليعمى به .
وروى أنّ يوسف بن عمر استتابه ، وقيل : إنّه لمّا تاب رجع وأظهر القول بخلق القرآن ، فاستتيب دفعة ثانية . فيحتمل أن يكون يوسف استتابه مرّة ، وخالد استتابه مرّة ، واللّه أعلم (6) . .
ص: 41
(16) وبسنده عن يحيى بن سعيد قال : سمعت شُعبة يقول : كفٌّ من تراب خير من أبي حنيفة (1) .
(17) وبسنده عن طريف بن عبد اللّه قال : سمعت ابن أبي شيبة - وذكر أبا حنيفة - فقال : أراد كان يهودياً (2) .
(1) قال يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) ذاكراً من طعن في مالك : « وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة ، وكرهتُ ذِكْره ، وهو مشهور عنه .
وكان إبراهيم بن سعد يتكلّم ، وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه .
وتكلّم في مالك أيضاً - فيما ذكره الساجي في « كتاب العلل » - عبد العزيز ابن أبي سلمة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن إسحاق ، وابن أبي يحيى ، وابن أبي الزناد . وعابوا أشياء من مذهبه ، وتكلّم فيه غيرهم منه .
وتحامل عليه الشافعي ، وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته » (3) .
(2) وقال الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن حسن بن زيد ، عند اجتماع مجموعة من الفقهاء عند أبي جعفر المنصور : فقال ابن أبي ذئب لمالك : « يا مالك داهنت وفعلت وفعلت وملت إلى الهوى » (4) .
ص: 42
(3) وبسنده عن أحمد بن حنبل قال : بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لم يأخذ بحديث درر البيعين بالخيار ، قال : « يُستتاب وإلا ضربت عنقه » (1) .
(4) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) : ويقال : إنّ سعداً وعظ مالكاً فلم يرو عنه . حدّثني أحمد بن محمّد ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : سعد ثقة ، فقيل له : إنّ مالكاً لا يحدّث عنه ، فقال : ومن يلتفت إلى هذا ، سعد ثقة رجل صالح .
وقال أحمد البرقي : سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد : أنّه كان يرى القدر ، وترك مالك الرواية عنه ، فقال : لم يكن يرى القدر ، وإنّما ترك مالك الرواية عنه لأنّه يتكلّم في نسب مالك ، فكان مالك لا يروي عنه ، وهو ثبت لا شكّ فيه » (2) .
(5) وقال الخطيب البغدادي ، أحمد بن علي ( ت 364 ه- ) بسنده عن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : « كثير من هذه الأحاديث ضلال ، لقد خرجت مني أحاديث لوددت أنّي ضربت بكلّ حديث منها سوطين وأنّي لم أحدّث بها » (3) .
(6) وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : « إنّ مالكاً لم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة » (4) .
(7) وقال أيضاً : عن الهيثم بن جميل قال : « سمعت مالكاً سُئل عن ثمان .
ص: 43
وأربعين مسألة ، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها ب- « لا أدري » (1) .
(8) وقال ابن العماد الحنبلي ( ت 1089 ه ) : إنّ مالكاً بكى في مرض موته وقال : « واللّه لوددت أنّي ضُربت في كلّ مسألة أفتيت بها ، وليتني لم أُفت بالرأي » (2) .
(9) وفي فتاوى ابن الصلاح : أنّه - أي مالك - ربما يُسأل خمسين مسألة ، فلا يجيب في واحدة منها » (3) .
(10) وقال يوسف بن عبد اللّه ( ت 463 ه- ) بسنده عن الليث بن سعد أنّه قال : « أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ممّا قال فيها برأيه ، ولقد كتبت إليه في ذلك » (4) .
(1) قال يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) : قيل ليحيى بن معين : والشافعي كان يكذب ؟ قال : « ما أحبّ حديثه ولا ذكره » (5) .
(2) وقال أيضاً : واشتهر عن يحيى أنّه كان يقول عن الشافعي : « إنه ليس بثقة » (6) .
(3) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) عن محمّد ابن عبداللّه بن الحكم أنّه قال : « كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور
ص: 44
مرضاً شديداً حتى ساء خُلقه ، فسمعته يقول : « إنّي لآتي الخطأ وأنا أعرفه » (1) .
(4) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( 852 ه- ) : عن معمّر بن شبيب أنّه سمع المأمون يقول : امتحنت الشافعي في كلّ شيء فوجدته كاملاً ، وقد بقيت خصلة ، وهو أنّه أسقيه من الهندبا تغلب على الرجل الجيد العقل ، فحدّثني ثابت الخادم أنّه استدعى به فأعطاه رطلاً فقال : يا أمير المؤمنين ما شربته قط ، فعزم عليه فشربه ، ثمّ والى عليه عشرين رطلاً فما تغيّر عقله ولا زال عن فجّه » (2) .
(1) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : قال عبد اللّه ابن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : « وددتُ أنّي نجوت من هذا الأمر ، لا عليّ ولا لي » (3) .
(2) وفي فتاوى ابن صلاح : عن أبي بكر الأقرم قال : « سمعت أحمد بن حنبل يستفتى ، فيكثر أن يقول : « لا أدري » (4) .
(3) وفي مناقب الشافعي : قال الفخر الرازي : إنّه - يعني الإمام أحمد - « ما كان في علم المناظرة قوياً ، وهو الذي قال : لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري » (5) .
ص: 45
(4) وقال أحمد بن علي بن حجر ( ت 852 ه- ) : وقال ابن أبي خيثمة : « قيل لابن معين : إنّ أحمد يقول : إنّ علي بن عاصم ليس بكذاب .
فقال : لا واللّه ، ما كان علي عندي قطّ ثقة ، ولا حدّث عنه بشيء ، فكيف صار اليوم عنده ثقة » ؟ (1) .
(5) وقال الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت ( ت 364 ه- ) : قال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد : « أيش نعمل بهذا الصبي ؟ قلنا : ( مخلوق ) قال : بدعة . وإن قلنا : ( غير مخلوق ) قال : بدعة » (2) .
(1) عن الأعمش قال : ذُكر إبراهيم ] بن يزيد بن الأسود ( ت 94 أو 96 ه- ) [ عند الشعبي ] عامر بن شراحبيل ( ت بعد 100 ه- ) [ فقال : « ذاك الأعور الذي يستفتى بالليل ويجلس ويفتي الناس بالنهار . قال : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فقال : ذلك الكذّاب لم يسمع من مسروق شيئاً » (3) .
(2) عن سعيد بن جبير ( ت 95 ه- ) أنّه قال في العمرة : هي واجبة ، فقيل له : إنّ الشعبي يقول : ليست بواجبة ، فقال : « كذب الشعبي » (4) .
(3) عن أيوب قال : قدم علينا عكرمة ] أبو عبد اللّه ، مولى ابن عباس ( ت 107 ه- ) [ فلم يزل يحدّثنا حتى صرت بالمربد ، ثم قال : « أيُحسنُ حَسنُكُم مثل هذا » ؟ (5)
ص: 46
ويقصد به الحسن البصري ( ت 110 ه- ) .
(4) وكان قتادة ] بن دعامة السدوسي (ت 117 ه) [ يقول : « متى كان العلم في السمّاكين ؟ يُعرّض بيحيى بن أبي كثير ( ت 132 ه- ) ، وكان أهل بيته سمّاكين » (1) .
(5) عن محمّد بن الشعر بن مالك بن مغول قال : سمعت إسماعيل بن حمّاد ابن أبي حنيفة يقول : قال أبو حنيفة : « إن ابن أبي ليلى ليستحلّ مني ما لا استحلّه من بهيمة » (2) .
(6) قال أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) : وروينا أنّ منصور بن عمّار ( ت القرن الثالث ) قصّ يوماً على الناس ، وأبو العتاهية ] إسماعيل بن القاسم بن سويد ( ت 211 ه- ) [ حاضر فقال : إنّما سرق منصور هذا الكلام من رجل كوفي ، فبلغ منصوراً ، فقال : « أبو العتاهية زنديق » (3) .
(1) عن مغيرة قال : قدم علينا حمّاد بن أبي سليمان من مكّة ، فأتيناه لنسلّم عليه ، فقال لنا : « أحمدوا اللّه يا أهل الكوفة فإنّي لقيت عطاءً وطاووساً ومجاهداً ، فلصبيانكم وصبيان صبيانكم أعلم منهم » (4) .
وحماد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) هو أستاذ أبي حنيفة .
وعطاء بن السائب ( ت 126 ه- ) .
وطاووس بن كيسان اليماني ( ت 106 ه- ) .
ص: 47
ومجاهد بن جبر ( ت 103 ه- ) .
(2) عن محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال : قال لي محمّد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه ) : « نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة » .
قال أبو محمّد : لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطأ (1) .
(3) وقال أيّوب بن شاذ بن يحيى الواسطي صاحب يزيد بن هارون : سمعت يزيد بن هارون يقول : « ما رأيت قوماً أشبه بالنصارى من أصحاب أبي حنيفة » (2) .
(4) عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي قال : سمعت أحمد بن حنبل - وسُئل عن مالك - فقال : « حديث صحيح ورأي ضعيف ، وسُئل عن الأوزاعي فقال : « حديث ضعيف ورأي ضعيف ، وسُئل عن أبي حنيفة فقال : لا رأي ولا حديث » (3) .
(5) وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : قال الشيخ أبو إسماعيل : قصدت الشيخ أبا حاتم بن حاموش الحافظ بالري ، وكان مقدّم أهل السنّة بالري ، وكلّ من يدخل الري يعرض اعتقاده عليه ، فلمّا قربت من الري كان معي في الطريق رجل من أهلها ، فسألني عن مذهبي ، فقلت : أنا حنبلي ، فقال : مذهب ما سمعت به وهذه بدعة ، وأخذ بثوبي وقال : لا أفارقك حتى أذهب بك إلى الشيخ أبي حاتم ، فقلت : خيراً ، فذهب بي إلى داره ، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم ، فقال : هذا سألته .
ص: 48
عن مذهبه فذكر مذهباً لم أسمع به قط ، قال : ما قال ؟ قال : أنا حنبلي ، فقال : « دعه فكلّ من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم » (1) .
(1) ذكرنا في ما سبق أسماء الأعلام الذين تكلّموا في أبي حنيفة وطعنوا فيه ، وفي مقدّمتهم : مالك بن أنس ( ت 179 ه- ) ، ومحمد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه- ) ، وأحمد بن حنبل ( ت 241 ه- ) .
وكذلك ذكرنا حمّاد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) وهو أستاذ أبي حنيفة ، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ( ت 157 ه- ) ، وسفيان بن سعيد الثوري ( ت 161 ه- ) ، وغيرهم .
(2) قال الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت ( 463 ه- ) : حدّثنا محمّد بن علي بن مخلد الورّاق - لفظاً - قال في كتابي عن أبي بكر محمّد ابن عبد اللّه بن صالح الأسدي الفقيه المالكي قال : سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يوماً وهو يقول لأصحابه : ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والحسن بن صالح وأصحابه ، وسفيان الثوري وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ؟
فقالوا له : يا أبا بكر لا تكون مسألة أصحّ من هذه .
فقال : « هؤلاء كلّهم اتّفقوا على تضليل أبي حنيفة » (2) .
(3) ذكر أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) من تكلّم وطعن في مالك بن أنس فقال : « وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة ، وكرهت ذكره ، وهو مشهور عنه ... وكان إبراهيم بن سعد
ص: 49
يتكلّم ، وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه . وتكلّم في مالك أيضاً - في ما ذكره الشاجي في « كتاب العلل » - عبد العزيز بن أبي سلمة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن إسحاق ، وابن أبي يحيى ، وابن أبي الزناد ، وعابوا أشياء من مذهبه ، وتكلّم فيه غيرهم ... وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته » (1) .
(1) عن مغيرة ، عن حمّاد بن أبي سليمان ، أنّه ذكر أهل الحجاز فقال : « قد سألتهم فلم يكن عندهم شيء ، واللّه لصبيانكم أعلم منهم ، بل صبيان صبيانكم » (2) .
وذكرنا أنّ حماد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) هو أستاذ أبي حنيفة .
(2) عن ابن وهب قال : قال مالك - وذكر عنده أهل العراق - فقال : « انزلوهم عندكم بمنزلة أهل الكتاب ، ولا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ ) » (3) .
(3) وقال سعيد بن منصور : كنت عند مالك بن أنس ، فأقبل قوم من أهل العراق فقال ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) (4) .
(4) وقال عبد اللّه بن وهب : سُئل مالك بن أنس عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له السائل : إنّ أهل الشام يخالفونك فيها فيقولون كذا وكذا . قال :
ص: 50
« ومتى كان هذا الشأن بالشام ؟! إنّما هذا الشأن وقف على أهل المدينة والكوفة » (1) .
وكان للشعراء - ولا زال - دور في ذكر هذه الطعون إذ أوردوها في مقطوعاتهم الشعرية ، نذكر منها :
(1) قال أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) في تاريخ بغداد بسنده عن علي بن صالح البغوي ، قال : أنشدني أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد الواسطي لأحمد بن المعدّل :
إن كنت كاذبة التي حدّثتني *** فعليكِ أثم أبي حنيفة أو زفر
المائلين إلى القياس تعمّداً *** والراغبين عن التمسّك بالخبر (2)
(2) وقال فيه أيضاً : وقال بعض الشعراء :
إذا ذُو الرأي خاصم عن قياس *** وجاء ببدعة هنة سخيفة
أتيناه بقول اللّه فيها *** وآيات محبرة شريفة
فكم من فرج مُحصنة عفيف *** اُحلّ حرامها بأبي حنيفة (3)
(3) ذكر أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) في كتابه صحيح جامع بيان العلم وفضله أنّ أبا سعيد الرازي هجا أهل المدينة ومدح أهل الكوفة بمقطوعة شعرية ، منها :
لا تسألنّ مدينياً فتُحرجه *** إلا عن اليمّ والممشاة والزير
ص: 51
فردّ عليه أحد شعراء المدينة بقوله :
لقد عجبت لغاوٍ ساقهُ قدرٌ *** وكلُّ أمرٍ إذا ما حمَّ مقدور
قال المدينة أرضٌ لا يكون بها *** إلا الغناء وإلا اليم والزير
لقد كذبتَ لعمر اللّه إنّ بها *** قبر الرسول وخير الناس مقبور (1)
(4) وقال محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ( ت 538 ه- ) :
إذا سألوني عن مذهبي لم أبح *** به وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفياً قلت قالوا بأنني *** أُبيح الطلا وهو الشراب المحرّم
وإن مالكياً قلت قالوا بأنني *** أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن حنبلياً قلت قالوا بأنني *** ثقيل حلولي بغيض مجسّم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه *** يقولون تيس ليس يدري ويفهم (2)
(5) وقال أحد الشعراء :
الشافعي من الأئمة قائل *** اللعب بالشطرنج غير حرام
وأبو حنيفة قال وهو مصدّق *** في كلّ ما يروي من الأحكام
شرب المثلّث والمربّع جائز *** فاشرب على طرب من الأيام
وأباح مالكٌ القفا تطرّقاً *** وبه قوام الدين والإسلام
والحبر أحمد حلّ جلد عميرة *** وبذاك يُستغنى عن الأرحام
فاشرب ولُط وازنٍ وقامر واحتج *** في كلّ مسألة بقول إمام (3)
* * * .
ص: 52
لم نورد هذه الأقوال والطعون التي صدرت من كبار علماء أتباع مدرسة الخلفاء بعضهم في البعض الآخر ، لم نوردها لأجل النيل منهم ، فكلّهم علماء الإسلام ، نحترمهم كعلماء ، لهم آراؤهم الخاصّة بهم ، وهم المسؤولون عنها يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .
وإنّما أوردها ردّاً على ما نشاهده هذه الأيام من رمي أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمختلف الألفاظ الشنيعة : مبتدع ، ضالّ ، كافر . لا لسبب ، بل لأنّهم يدافعون عن آرائهم وعقيدتهم في أهل البيت عليهم السلام ، ويقيمون على ذلك الحجج والبراهين الساطعة .
في الوقت الذي نرى المخالفين يسكتون عمّا أورده كبار علمائهم من الطعون بعضهم في البعض الآخر ، ويتحاملون علينا إذا ذكر أحدُنا أحد علمائهم أو طعن ببعضهم بجرحٍ أو عدم توثيق أو نسبته إلى الجهل أحياناً ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
لا يخفى على أحد أهميّة استخدام الوسائل التقنيّة الحديثة ، التي أصبحت في زماننا هذا من أهم وسائل الاتصال وتبادل المعلومات في العالم .
فمن هذا المنطلق سعى مركز الأبحاث العقائديّة أن يستخدم أمثال هذه الوسائل ، ومنها الانترنيت الذي يشكّل في زماننا المعاصر أحدث الأجهزة تقريباً لبث المعلومات وإيصالها إلى الآخرين .
وقد استخدم المركز هذه الوسيلة في عدّة مجالات :
ص: 53
أ - التعرّف على مواقع الشيعة على الانترنيت وإيجاد الصلة المباشرة معها لأجل التعاون وتبادل النظر ، وقد تمّ لحدّ الآن التعرّف على مئات المواقع في هذا المجال .
ب - البحث عن مواقع خصوم الشيعة والنظر والتأمل فيما تنشره هذه المواقع ، ليحاول المركز أن يُنشئ ساحة حوار هادئة مع هذه المواقع ، وليسعه أيضاً أن يحيط بالتيّارات المضادّة والحركات المغرضة التي تستهدف تعكير المياه لتصطاد في الماء العكر .
ج - متابعة أهم الصحف والمجلّات والنشريات التي تنشر باللغة العربية عبر الانترنيت ، حيث يقوم المركز بمتابعة عشرات الصحف والمجلّات يومياً من مجموع 25 دولة ، لينتقي عبر ذلك أحدث المعلومات المرتبطة بالتشيّع ، وليتم التعرّف على ما يستجد في الساحة العالمية من تحركات ضد مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ثمّ تنقل هذه المعلومات إلى قسم الوثائق في المركز ليتمّ لحاظها وتنظيمها وترتيبها في الملفات الخاصة بها .
د - ترتيب وتنظيم مقالات علميّة حول مذهب أهل البيت عليهم السلام ، أو مسابقات حول مسائل العقيدة ، وإرسالها عبر البريد الالكتروني إلى عشرات الآلاف ، وذلك بعد تجميع العناوين بشتى الطرق .
ه - إنشاء « الشبكة العالمية لمركز الأبحاث العقائدية » ، وهي شبكة مستقلّة مختصة بالأبحاث العقائدية والمسائل الخلافيّة على ضوء مباني أهل البيت عليهم السلام .
وهذه الشبكة التي يزورها آلاف الأشخاص من أكثر دول العالم ، لها مكانتها المرموقة في الانترنيت من بين المواقع الإسلامية ، ويرجع ذلك إلى تخصّصها ، ممّا جعلها تكون مرجعاً للجميع ، تبيّن عقائد مذهب أهل
ص: 54
البيت عليهم السلام وتردّ الشبهات عنه ، ممّا أدّى ذلك إلى تحامل الأعداء وغيظهم عليها ، حتّى أنّهم حاولوا عدّة مرّات النفوذ إليها لتخريبها ، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل ، والحمد لله .
وللأهمية القصوى لمحتويات هذه الشبكة ، اقتبست أكثر الشبكات والمواقع الشيعية الكثير من مطالبها ووضعتها في مواقعها المباركة ، وذلك بعد أن أذن المركز للجميع الاقتباس من شبكته بشرط الحفاظ على الأمانة العلمية في النقل وذكر المأخذ .
وهذه الشبكة تحتوي :
1 - المكتبة العقائدية ، والتي تشمل نصّ مئات الكتب والمقالات .
2 - المسبتصرون ، ويحتوي على الأقسام التالية :
من حياة المستبصرين ، مؤلّفات المستبصرين ، المستبصرون يتحدّثون معكم ، مواقع المستبصرين ، اتصال المستبصرين بالمركز ، مساهمات المستبصرين .
3 - الشيعة والتشيّع ، ويحتوي على الأقسام التالية :
معرفة الشيعة في العالم ، مواقع الشيعة على الانترنيت ، مؤسسات الشيعة في العالم .
4 - الندوات العقائدية ، وهذا الحقل يحتوي على كافة الندوات العقائدية التي عُقدت في المركز ، وهي مرتبة حسب الترتيب الزمني ، والموضوع ، وأسماء المحاضرين .
5 - الأسئلة العقائدية ، ويحتوي على كافة الأسئلة العقائدية التي ترد إلى المركز يومياً ، والتي تجيب عليها لجنة مختصة بذلك من داخل المركز وخارجه .
ص: 55
وهذه الأسئلة يختلف مستواها حسب مستوى السائل ، وكذلك تكون الأجوبة مختلفة من حيث الكم والعمق العلمي .
وقد وجد المركز ضرورة إصدار هذه الأسئلة العقائدية مع أجوبتها في موسوعة خاصة تصدر تباعاً ، كي يستفيد منها عموم القرّاء ، فجاءت هذه الأجزاء الخمسة - التي بين أيديكم - كدفعة أولى منها ، مرتبة حسب الحروف الألفبائية ، والتي تحتوي على ألف وخمسمائة سؤال تقريباً .
وفي الختام نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ من ساهم في إصدار هذه الموسوعة من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية في مدينتي قم المقدّسة والنجف الأشرف ، وهم :
(1) الشيخ محمّد رضا السلامي .
(2) الشيخ حسن الكاتبي .
(3) السيّد محمّد علي الحلو .
(4) الشيخ عبّاس الحسّون .
(5) الشيخ لؤي المنصوري .
كما نقدّم جزيل شكرنا وتقديرنا لأساتذة الحوزة العلمية آيات اللّه وحجج الإسلام والمسلمين ممّن ساهم في الإجابة على بعض هذه الأسئلة ، وهم :
(1) السيّد علي الميلاني .
(2) الشيخ محمّد باقر الإيرواني .
(3) الشيخ محمّد السند .
(4) الشيخ محمّد رضا الجعفري .
ص: 56
(5) السيّد عادل العلوي .
كما نشكر الأخ الشيخ أمين نجف الذي أخذ على عاتقه مهمّة التنظيم النهائي لهذه الأسئلة وترتيبها وتوحيدها على نسق واحد .
كما لا بدّ لنا أن لا ننسى المرحوم المغفور له المدافع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، مؤسس هذا المركز المبارك ، الأخ الشيخ فارس الحسّون الذي ساهم في الإجابة على الأسئلة ، وكانت مهمة المراجعة النهائية عليه قبل إرسال الأجوبة لأصحابها ، تغمّده اللّه بواسع رحمته وحشره مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته الطاهرين الطيّبين ، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين .
محمّد الحسّون
مركز الأبحاث العقائدية
22 ربيع الآخر 1428 ه-
الصفحة على الانترنت : site .aqaed .com/Mohammad
البريد الالكتروني : mohammad@aqaed .com
ص: 57
ص: 58
مقدمة المركز ... 5
آية المباهلة ... 61
آية المودّة ... 67
آية الولاية ... 79
ابن تيمية ... 89
ابن عباس ... 113
أبو بكر ... 119
أبو طالب ... 195
أبو هريرة ... 207
الاجتهاد والتقليد ... 211
إحسان إلهي ظهير ... 219
الأذان والإقامة ... 223
الارتداد ... 239
الاستخارة ... 249
استعارة الفروج ... 261
الإسراء والمعراج ... 265
الإسماعيلية ... 271
ص: 59
أُصول الدين وفروعه ... 289
أعلام وكتب ... 301
إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ... 423
الإلهيات ... 501
فهرس المحتويات ... 565
ص: 60
« سليل - البحرين - 26 سنة »
س : شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب ، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء اللّه ، في موضوع آية المباهلة ، أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيت عليهم السلام من خلال الآية الشريفة ، وفّق اللّه الجميع لما فيه الخير .
ج : إنّ الآية نزلت في النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عند مباهلتهم لوفد نجران ، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في « الدرّ المنثور » (1) ، والحاكم النيسابوري في « المستدرك » (2) ، وابن كثير في « تفسيره » (3) .
ثم إنّ دعوة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأهل بيته ومباهلته إلى اللّه تعالى بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند اللّه ، والقسم على اللّه بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلّا اللّه ، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه ، ومباهلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهم عليهم السلام يعني احتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ وبعثته .
ص: 61
كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته ، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم ، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهم عليهم السلام وبين النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما يفيد ذلك حديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » .
فمنزلة الإمام علي عليه السلام بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته ، كما شارك هارون موسى في دعوته ، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله دليل حجّيتهم ومشاركتهم عليهم السلام معه صلى اللّه عليه وآله في تبليغ صدق بعثته صلى اللّه عليه وآله ، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهم عليهم السلام .
« محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية »
س : كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة علي عليه السلام ؟
ج : يستدلّ علماؤنا بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ) (1) على إمامة الإمام علي عليه السلام ، تبعاً لأئمّتنا عليهم السلام .
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين عليه السلام نفسه ، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى ، بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قال عليه السلام (2) .
وروى الشيخ المفيد قدس سره : أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن ؟
فذكر له الإمام الرضا عليه السلام آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ) (3) .
ص: 62
لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما أمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط ، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط ، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج علياً ، فكان علي عليه السلام نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
إلّا أنّ كون علي نفس رسول اللّه بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون عليه السلام مساوياً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في جميع الخصوصيات ، إلّا ما أخرجه الدليل وهو النبوّة ، إذ لا نبيّ بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
ومن خصوصيات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه أفضل من جميع المخلوقات ، فعلي عليه السلام كذلك ، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، إذاً لابدّ من تقدّم علي عليه السلام على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين .
(عبد اللّه . الكويت . 28 سنة . خرّيج ثانوية)
س : في شأن من نزلت آية المباهلة ؟ ومن خرج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للمباهلة ؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معه صلى اللّه عليه وآله ؟
ج : إنّ الآية المباركة نزلت في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومن خرج معه ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقط دون غيرهم ، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم ، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة : ك- « الجامع الكبير » ، و « المستدرك على الصحيحين » ، و « أحكام القرآن » ، وغيرها (1) .
نعم ، هناك رواية بلا سند في « السيرة الحلبية » (2) ، تضيف عائشة وحفصة .
كما توجد رواية تقول : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان ،
ص: 63
وأبو بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده .
لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها :
أوّلاً : إنّها روايات آحاد .
ثانياً : إنّها روايات متضاربة فيما بينها .
ثالثاً : إنّها روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها .
رابعاً : إنّها روايات تعارضها روايات الصحاح .
خامساً : إنّها روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة .
إذاً ، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ ، من أنّ الذين خرجوا معه صلى اللّه عليه وآله هم : علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام .
« ... - الكويت - ... »
س : هل هناك إذن وجواز شرعي للمباهلة لغير المعصوم عليه السلام ، أي في زماننا ؟ وكيف ذلك ، هل في كافّة المواضيع ، أو في حالات خاصّة ؟
ج : وردت أحاديث في هذا المجال (1) تفيد هذا المعنى ، ولكن الذي يبدو منها أنّ هذا الأمر - المباهلة - يختصّ بموضوع العقيدة ، لا مطلق المواضيع .
أي أنّ ظاهر هذه الروايات اختصاص المسألة بموارد إنكار الحقّ ، وعدم تأثير الأدلّة والحجج في نفوس البعض ، وإصرارهم على الباطل ، ففي هذه الحالة التي يتوقّف إظهار الحقّ على الإقدام بالمباهلة ، يجوز إتيان ذلك بالمواصفات التي جاءت في الروايات من الصوم ، والالتزام بالوقت المحدّد وغيرها .
ص: 64
« محمّد ... - ... »
س : كيف عرفت النصارى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في قضية المباهلة على حقّ ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك ، فكيف لم يعترفوا بدينه ؟
ج : هناك احتمالان في المقام :
1 - أن يكون قد أذعنوا في أنفسهم لحقّانية الدين الإسلامي ، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه ، قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) (1) .
2 - أنّهم عندما رأوا أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة ، عرفوا بأنّه صلى اللّه عليه وآله على يقين من أمره ، فبات الأمر واضحاً عندهم ، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده ، كان الواجب عليه صلى اللّه عليه وآله عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه ، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام .
فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المناقشة ، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة .
ص: 65
ص: 66
« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة »
س : يقول البعض : بأنّ الأحاديث الواردة في آية المودّة على أنّها في آل بيت محمّد صلى اللّه عليه وآله كلّها موضوعة ، والسبب أنّ آية المودّة في سورة الشورى وهي مكّية ، وأنّ الإمام علي وفاطمة عليهما السلام قد تزوّجا بعد وقعة بدر ، أي كانوا في المدينة ، فما هو ردّكم عليه ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : لاشكّ ولا شبهة في ورود الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام على أنّ آية المودّة نازلة في حقّ أهل البيت عليهم السلام بشهادة المصادر المتواترة (1) .
وأمّا وجودها في سورة مكّية فلا يضرّ بالمعنى وكم له نظير من ورود آيات مكّية في سور مدنية وبالعكس بعدما ثبت عند الكثير من العلماء والمفسّرين أنّ هذه الآية مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت في المدينة المنوّرة (2) .
فتحصّل أنّ نسبة الوضع لهذه الأحاديث ممّا لا ينبغي فرضها ، فضلاً عن صدورها عن أحد .
ص: 67
« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »
س : ليس المقصود من القربى في آية المودّة هم : علي وفاطمة وابناهما ، وإنّما المقصود منها التودّد إلى اللّه تعالى بالطاعة والتقرّب ، أي : لا أسألكم عليه أجراً إلّا أن تودّوه وتحبّوه تعالى بالتقرّب إليه .
ج : إنّ مستند هذا القول هو رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « قل لا أسألكم عليه أجراً على ما جئتكم به من البينات والهدى ، إلّا أن تتقرّبوا إلى اللّه بطاعته » (1) .
ويرد على هذا القول عدّة أُمور منها :
1 - إنّ الرواية التي يستند إليها ضعيفة السند ، كما صرّح بذلك ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري » (2) .
2 - لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ القربى بمعنى التقرّب .
3 - إنّ التقرّب إلى اللّه تعالى هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها ، فكيف يطلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله التقرّب إلى اللّه تعالى ، لأجل التقرّب إلى اللّه تعالى ، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم ، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد .
هذا وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم السلام ومحبّتهم ، ونزول آية المودّة فيهم عليهم السلام .
« محمّد - قاسم - لبنان »
س : يقال في آية المودّة : إنّه لا يناسب النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يطلب أجراً على الرسالة في
ص: 68
مودّة قرباه ، فما هو الردّ ؟ وشكراً لكم .
ج : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما يطلب المودّة لأقربائه ، ويجعلها أجراً على رسالته لا يعني بذلك جميع أقربائه ، لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن ، إذ كيف يطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مودّة من لعنه اللّه في كتابه كأبي لهب وإنّما يطلب المودّة لجماعة خاصّة ، وأفراد معيّنين من أقربائه ، والذين بهم يتمّ حفظ الرسالة الإسلامية ، والنبوّة المحمّدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمّة المعصومون عليهم السلام من أهل البيت .
ثمّ إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما يطلب الأجر ، فهو بالحقيقة عائد إلى المسلمين لا إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا إلى أهل بيته عليهم السلام ، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودّة بالقدر الذي يفيد سائر الأُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين ، وكتاب اللّه المبين ، وسيرة سيّد المرسلين صلى اللّه عليه وآله .
« ... - البحرين - ... »
س : هناك موضوع يختلج في ذهني وهو : إنّ آية المودّة في القربى كيف تدلّ على الإمامة ؟
وبعبارة أُخرى : علمنا من الآية بأنّ مودّة ومحبّة ذوي القربى - وهم أهل البيت عليهم السلام - فرض وواجب كبقية الواجبات ، ولكن من أين لنا أن نستنتج بأنّهم أئمّة وقادة ؟ فإنّ المحبّة قد لا تستلزم وجوب الطاعة لهم ؟
ج : إنّ الروايات قد بيّنت أنّ المودّة ليست واجبة لجميع قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فعن ابن عباس قال : لمّا نزلت : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) قالوا : يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم ؟
ص: 69
قال : « علي وفاطمة وابناهما » (1) .
وفي رواية أُخرى عن ابن عباس أيضاً قال : « علي وفاطمة وولدهما » .
فالآية مع ضميمة الروايات المفسّرة لها أوجبت مودّة هؤلاء - علي وفاطمة وولدهما عليهم السلام - وحيث إنّ هذا التوادّ على نحو الإطلاق من غير تحديد بوقت أو صفة فلابدّ أن يكون المؤمن دائماً موادّاً لأهل البيت عليهم السلام .
والمودّة المطلقة تستلزم وجوب الاتباع والاقتداء وإلّا لم يكن لها معنىً ، لأنّه لو انفكت الموادّة في مورد واحد لكان ذلك خلاف ما تقدّم من الوجوب مطلقاً ، وهذا يستلزم الاتباع والاقتداء .
« موسى ... - ... »
س : كيف تحكمون بأنّ المستفاد من آية المودّة أنّها لتحكيم أمر العقيدة ، وترسيخ الدين ، والحال أنّ الظاهر من الآية هي مجرد إظهار الودّ والمحبّة ؟
ج : مضافاً إلى وجود دليل عقلي في المقام ، وهو أنّ التخصيص الثابت - استناداً إلى الأخبار الصحيحة والمتواترة - بحقّ أهل البيت عليهم السلام في هذا الموضوع ، يدلّ بكلّ وضوح على أنّ هناك سبب خاصّ ، وهو تعظيم أمر الدين وتركيز قواعده ، وإلّا فلا دليل لاختصاص المودّة لقرابة دون قرابة .
مضافاً إلى هذا كلّه ، يمكننا معرفة الجواب من القرآن الكريم ، فقد وردت عدّة آيات تصرّح بأنّ الأجر المطلوب للنبيّ صلى اللّه عليه وآله هو استمرارية وبقاء الدين (2) .
ثمّ بمقارنة هذه الآيات بآية المودّة نعرف بأنّ المودّة المفروضة والمطلوبة هي في
ص: 70
الواقع لضمان حياة هذا الدين ، وصونه عن الانحراف والضياع ، وبهذا نستنتج بأنّ المودّة المذكورة هي مسألة العقيدة لا غير .
« عبد اللّه - باكستان - 30 سنة »
س : قال ابن منظور في باب « ودد » : « لأنّ المودّة في القربى ليست بأجر » (1) ، بناء على أنّ الاستثناء هنا منقطع ، فما هو الجواب ؟
ج : لفهم الجواب نشير إلى عدّة نقاط :
1 - ينبغي تقديم مقدّمة عن ظهور الاستثناء ودلالاته عند استعماله فنقول : قال العلّامة التستري : « الظاهر أنّ دعوى الاختلاف اختلاق من الناصب الذي ليس له خلاق ، لما تقرّر عند المحقّقين من أهل العربية والأُصول : أنّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وأنّه لا يحمل على المنقطع إلّا لتعذّر المتّصل ، بل ربّما عدلوا عن ظاهر اللفظ الذي هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له لفرض الحمل على المتّصل الذي هو الظاهر من الاستثناء ، كما صرّح به الشارح العضدي حيث قال : واعلم أنّ الحقّ أنّ المتّصل أظهر ، فلا يكون مشتركاً - لفظاً - ولا للمشترك معنى بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّا عند تعذّر المتّصل ، حتّى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه ... فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً ، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه » (2) .
ثمّ قال السيّد المرعشي النجفي معلّقاً : « إنّ المستثنى إن لم يكن داخلاً في المذكور كان استثناؤه عنه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء ، فالمستثنى عند انقطاع الاستثناء أيضاً داخل في المذكور بنحو من الدخول ، وليس الاستثناء إلّا إخراج ما لولاه لدخل ، ومعلوم أنّ الإخراج فرع الدخول
ص: 71
بالضرورة العقلية ، والبداهة الأوّلية ... والذي هو الفارق بين المتّصل والمنقطع من الاستثناء بعد اشتراكهما في دخول المستثنى في المستثنى منه ، دخوله فيه على نحو الحقيقة في المتّصل ، وبنحو من أنحاء الدخول غير الدخول على نحو الحقيقة في المنقطع .
فتحصّل : أنّ مصحّح الاستثناء دخول المستثنى في المستثنى منه بنحوٍ من الدخول ، وإلّا فلا يسوغ في قانون المحاورات العرفية استثناؤه عنه ، فلابدّ لمن يريد فهم مفاد الآية الكريمة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) بحسب المحاورات العرفية أن يحاول التفهّم والتفحّص عن مصحّح استثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة (2) .
فتبيّن ممّا قدّمنا :
أ - إنّ الأصل في الاستثناء هو الحمل على المتّصل مهما أمكن ، ولو بارتكاب مخالفة ظاهر أو ما شابه ، وإلّا فإنّه منقطع .
ب - وعلى التسليم بأنّ الاستثناء هنا منقطع يتمّ به المطلوب أيضاً ، حيث إنّ الاستثناء لا يصحّ إلّا لوجود علاقة بين المستثنى والمستثنى منه ولو بنحو من الدخول ، كأن يكون من توابعه ، أو من شأنه وليس داخلاً حقيقة كما سنوضّحه لاحقاً .
2 - لننقل الكلام الآن في البحث عن سبب صرفهم الآية عن ظاهرها ، والاستثناء عن ظاهره أيضاً ، وهو كونه متّصلاً وجعله منقطعاً فنقول : إنّهم فعلوا ذلك للأسباب التالية :
أ - لقولهم : بأنّ المودّة ليست بأجر ، لأنّها ليست أجراً دنيوياً مادّياً ، فلا يصحّ إدخالها في جملة الأجور التي تقدّم مقابل أيّ شيء ، لاسيّما تبليغ الرسالة .
ب - عدم جواز سؤال النبيّ صلى اللّه عليه وآله الناس أن يكافؤوه ويشكروه ، وينتظر منهم .
ص: 72
الأجر على ما قدّمه لهم من نصح وهداية ، وتبليغ رسالة ربّه لهم ، لأنّ ذلك ينافي الإخلاص ، وانتظار الأجر والثواب من اللّه تعالى .
ج - مخالفة هذه الآية لآيات أُخَر كثيرة تذكر حوار الأنبياء والرسل ، وكذلك نبيّنا صلى اللّه عليه وآله نفسه مع قومه ، كما حكى سبحانه عنهم : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، وقوله : ( وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (2) ، وقوله : ( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (3) ، وقوله : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (4) وغيرها من الآيات ، فهذه أهمّ ما يمكن أن يتسبّب في قولهم بالاستثناء المنقطع .
وللجواب عن هذه الأُمور نقول :
أ - يجوز أن تكون المودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام أجراً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله لعدّة أسباب :
1 - كونه ظاهر الآية ، وكذلك كونه ظاهر الاستثناء ، كما بيّنا في المقدّمة ، من وجوب البناء على كونه متّصلاً ، إلّا إذا استحال ذلك ، وعلى أقلّ تقدير كون المتّصل أظهر من المنقطع ، أو أنّه حقيقة والمنقطع مجاز ، فما شئت فعبّر ، فظاهر القرآن جعل المودّة أجراً .
2 - كون الأجر غير محصور بالأجر المادّي ، وإنّما يشمل المعنوي أيضاً ، لأنّه عمل اختياري ذو قيمة محترمة ، ومعتدّ بها شرعاً وعقلاً وعرفاً ، فتدخل المودّة في مصاديق عنوان الأجر .
فالمحبّة لله ولرسوله ولأهل البيت وللمؤمنين عموماً ثابتة ، ومأمور بها .
ص: 73
شرعاً ، كقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (1) ، وقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (2) ، فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية : بأنّ محبّتنا لله وللرسول لها أجر ، هو مبادلتنا الحبّ مع غفران الذنوب ، وهذا يدلّ على قيمة هذا العمل واحترامه والأمر به .
3 - كون الروايات ، والكثير من المتقدّمين والمتأخّرين ينصّون عند تفسير آية المودّة على جعل المودّة أجراً بصراحة ووضوح ، وهذا يدلّ على صحّة كون المودّة أجراً .
4 - كون المودّة والمحبّة أنسب أجرٍ يقدّمه المهتدي لهاديه ، مع نفعه العظيم لنفس المكلّف ، فإنّ المحبّة تستلزم الاتباع المطلق والولاية المطلقة ، ومحبّة أولياء اللّه الكاملين ، وتستلزم أيضاً محبّة الطرف الثاني له ، والشفاعة له والحشر معه ، فمن أحبّ قوماً حشر معهم .
5 - كون المحبّة والمودّة لأهل البيت عليهم السلام عمل يستطيع كلّ مكلّف فعله ، لقدرة الجميع عليها ، فيناسب جعلها أجراً لعدم اختصاصها بشخص دون شخص ، وبلا فرق بين صغير وكبير ، رجل وامرأة ، صحيح ومريض ، مطيع وعاصٍ ، غني وفقير ، وبلا استثناء أو تخلّف ، فتبيّن : أنّ توهّمهم بأنّ المودّة لا تكون أجراً واضح البطلان .
ب - قد يجاب عن هذه النقطة ، وهذا الإشكال بأُمور منها :
1 - إنّ طلب الجزاء والشكر من قبل المحسن ، من الذين أحسن إليهم ليس مستحيلاً ولا معيباً ، بل هو أمر وارد وعقلائي وعرفي ، بل وقرآني ، فقد حكى القرآن الكريم ذلك عن اللّه تعالى ، إذ قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ .
ص: 74
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) (1) ، وقوله تعالى : ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (2) ، وراجع الآيات التالية أيضاً : يونس : 60 ، ويوسف : 28 ، وإبراهيم : 37 ، والنمل : 73 ، وياسين : 25 - 73 ، وغافر : 61 .
وكذلك ما يؤخذ من أجور ، مثل الطبيب والخليفة والقاضي ، ومعلّم القرآن وغيرها من الأعمال القريبة والتعبّدية ، ولا ينافي أخذهم الأجر الدنيوي لمعاشهم ، مع طلبهم الثواب منه سبحانه .
2 - قد ثبت طلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله لبعض الأُمور والمنافع له - كما هو الحال هنا - ولم ينكره أحد ، كطلبه من أُمّته الصلاة والسلام عليه ، وكذلك لمن يسمع الأذان ، أو يؤذّن أو يقيم أن يسأل له صلى اللّه عليه وآله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ، وكذلك طلب من الناس محبّته ومحبّة أهل بيته ، وعدم أذيته أو أحد من أهل بيته في كثير من الأحاديث المستفيضة ، فهذا كهذا سيّان .
3 - في هذا الطلب بيان من النبيّ صلى اللّه عليه وآله على أهمّية أهل بيته عليهم السلام ، والاهتمام بهم ومحبّتهم والإحسان إليهم ، وأنّ ذلك يريحه ويفرحه ، ويكون وفاءً حقيقياً له ، وشكرهم وامتنانهم لهذا البيت الطاهر على ما قدّمه وضحّى وصبر من أجلهم .
4 - إنّ كون طلب الأجر هنا لا ينافي الإخلاص ، لأنّه جاء بأمر من اللّه تعالى ، فإنّه أمر نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يطلب الأجر على الرسالة بمودّة أهل بيته .
ج - أمّا ادعاء التعارض بين ظاهر هذه الآية والآيات الكريمة الأُخرى التي تنفي سؤال الأنبياء والرسل الأجر من الناس على أداء وتبليغ رسالة ربّهم ودينهم ، فنقول : يمكن تصنيف الآيات الواردة في موضوع الأجر إلى أربعة أصناف ، .
ص: 75
وهي :
الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه : ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (1) .
الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيقول سبحانه : ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (2) .
الثالث : ما يعرف أجره بقوله : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) (3) ، فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة .
الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، فيقول : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (4) .
فتبيّن من مجموع هذه الآيات : بأنّه هناك أجر دنيوي وأُخروي ، وما تجمع على نفيه جميع هذه الآيات هو الأجر الدنيوي ، فيبقى الأجر الأُخروي ، فنستطيع فهمه على الاتصال كما يلي :
إنّ الأجر المطلوب من الناس للنبيّ صلى اللّه عليه وآله مطلوب من أُناس يريدون أن يتقرّبوا إلى اللّه تعالى ، ويتّخذوا له سبيلاً ، فبهذه المودّة يثبت لهم ما يريدون ، وكذلك فإنّه بالتالي يكون التزامهم بالمودّة وإرادتهم سبيل اللّه تعالى ، يكون نفعه عائد إليهم أوّلاً ، ومن ثمّ يعود أجره وثوابه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ الدالّ على الخير كفاعله ، فهو السبب والدليل لجميع القربات ، فيرجع الأجر بالتالي له صلى اللّه عليه وآله أيضاً ، وبالتالي نستطيع إثبات أنّ المودّة أجر دون أيّ مانع ، أو تصادم أو تعارض .
وكلّ ذلك على القول بأنّ الاستثناء هنا متّصل ، وأمّا على القول بالانقطاع ، .
ص: 76
فثبوت ذلك أسهل وأوضح دون أيّ مشكلة ، بل أكثر علمائنا أكّدوا على وجوب كون الاستثناء هنا منقطعاً ، لأنّه بذلك يثبت المدّعى بسهولة ويسر ووضوح ، فنقول لبيان ذلك :
قال الشيخ السبحاني : « إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر ، حيث استثنيت من نفي الأجر لكنّه أجر صوري ، وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحبّ قبل رجوعه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المحبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أسوة في دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ المحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحبّ ... .
إنّ طلب المودّة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعدما فحصه وكتب له وصفة : لا أُريد منك أجراً إلّا العمل بهذه الوصفة ، فإنّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر .
وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، فكأنّ يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله تعالى : ( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ) (1) .
وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال (2) وقال : « ... والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة ، لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه : قل لا أسألكم عليه أجراً ، لكن ألزمكم المودّة في القربى وأسألكموها » (3) . .
ص: 77
وقال السيّد المرعشي النجفي : « والذي لا ينكره ذو نظر سليم ، وفهم مستقيم غير منحرف عن جادّة الإنصاف ، أنّه بعد قيام القرائن الخارجية على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا يطالب من الناس أجراً لرسالته ، لكون تحمّله لأعباء الرسالة خالصاً لوجه اللّه الكريم ومرضاته ، إنّ المصحّح لاستثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة دخولها في أجر الرسالة شأناً - كما بيّننا آنفاً في الاستثناء المنقطع - وأنّ المودّة في قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أجر لرسالته ، لولا أنّ الرسالة لا تقبل الأجر من الناس ، فتبيّن إنّ مفاد الآية : أنّ أجر الرسالة لولا كون مقام الرسالة أجل من أن يؤدّي الشاكرون ما يحاذيها من العوض ، وكون مقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرفع من سؤال الأجر على تحمّل الرسالة ، وأسنى من تنزيل شأن الرسالة إلى حيث يقابلها الناس بشيء ممّا يقدرون عليه من الأعواض والأبدال ، وبنى الأمر على ما هو عليه طريقة العقلاء من مطالبة الأعواض بإزاء المنافع الواصلة منهم إلى الناس ، لا يكون ممّا طلبه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإزاء رسالته إلّا المودّة في قرباه ، وقد أمره اللّه بهذه المطالبة تنبيهاً لجماعة المسلمين على أمرين :
1 - إنّ الاهتمام بالمودّة في قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشدّ عند اللّه من سائر الحسنات طرّاً ، بحيث كانت هي التي تنبغي مطالبتها أجراً للرسالة .
2 - بيان شدّة محبّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لقرباه ، بحيث لو بنى على مطالبته من الناس أجراً على رسالته لم يطلب منهم أجراً إلّا المودّة في قرباه ، والإحسان إليهم ... » (1) . .
ص: 78
« حميد - عمان - ... »
س : هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ؟
ج : قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .
ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام علي عليه السلام حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة (2) .
ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام علي عليه السلام واضحة ، بعد أن قرنها اللّه تعالى بولايته ، وولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، والرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية الإمام علي عليه السلام بحكم المقارنة .
« منير - السعودية ... »
س : ولكن هناك من يقول : إنّ قوله تعالى : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) إنّما هي صفة ، أي أنّهم يصلّون ، وأيضاً هم يركعون ، أي أنّها تكرار للجملة ، فحين
ص: 79
ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى بقوله : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع ، وهذا يدعو للاستغراب ، فكيف أرد عليه بالردّ الشافي ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع ، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو تصدّق الإمام علي عليه السلام بخاتمه على الفقير ، في حال الركوع أثناء صلاته .
إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان ، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعلي وآله عليهم السلام ، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة ، حول هذه الآية وأمثالها ، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها ، من فصل إيتاء الزكاة من حال الركوع .
ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبائي ، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب « المغني » (1) .
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه « الشافي في الإمامة » بقوله : « ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي ، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع ، ولابدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا : الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك ، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب ، معنى الحال دون غيرها ، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله : إنّه يجود بماله في حال ضحكه ، ويغشى إخوانه في حال ركوبه .
ويدلّ أيضاً عليه أنّا متى حملنا قوله تعالى : ( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) .
ص: 80
على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى » (1) .
« منار أحمد - السعودية - 26 سنة - طالب »
س : أُودّ أن أحصل على ردّ شافي على من يقول : إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) على إمامة علي عليه السلام ، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام علي ؟
ج : في الجواب نشير إلى مطالب :
أوّلاً : إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة عقلاً ونقلاً تكاد لا تحصى ، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال .
ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ الإمام عليه السلام لم يكن ملزماً - لا عقلاً ولا شرعاً بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة ، بل بالمقدار الذي يلقي الحجّة على الناس ، وهذا هو الذي حدث بعد ما علمنا من احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير ، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح ، وبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم ؟!
ثانياً : لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا ، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه عليه السلام ؟ مع أنّ المتيقّن هو : عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا ، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء ، فإنّهم أخفوا
ص: 81
الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام ، فما ظهر منها فهو غيض من فيض .
ثالثاً : ثمّ لنفرض مرّة أُخرى ، أنّ الإمام عليه السلام لم يحتجّ بها واقعاً ، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته عليه السلام ؟ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين .
رابعاً : هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي في تفسيره للآية ، حيث قال : « فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنّه تركه للتقية ، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير ... » (1) .
فنقول ردّاً عليه : بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة (2) ، وقد أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة (3) .
« آمنة - البحرين - ... »
س : ما هي قصّة تصدّق الإمام علي عليه السلام بالخاتم؟
ج : إنّ تصدّق الإمام علي عليه السلام بالخاتم ، موضع اتفاق الشيعة وأهل السنّة ، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السنّة تحكي واقعة التصدّق :
روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً ، يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي اللّه بالذي تصلّي له ، أن تتصدّق عليّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في
ص: 82
الصلاة في يمينه ، فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرائيل ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي : فقد باهى اللّه بك ملائكته اليوم ، اقرأ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) (1) .
« عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »
س : أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر .
أُريد أدلّة من كتبنا المعتبرة ، على أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قد تصدّق بالخاتم ، ثمّ أدلّة من كتب إخواننا أهل السنّة .
ج : إنّ الكثير من مصادرنا ذكرت حديث التصدّق بالخاتم ، فراجع الكافي والاحتجاج والخصال وغيرها من المصادر (2) .
وبعض هذه الأحاديث في غاية الاعتبار من حيث السند ، كالتي وردت في « تفسير القمّي » ، وإن كانت استفاضتها تغنينا عن البحث في إسنادها .
وأما المصادر السنّية في الموضوع فقد تجاوزت العشرات ، بل المئات في المقام (3) .
حتّى بعض علمائهم كالتفتازاني (4) والقوشجي (5) والقاضي الإيجي (6)
ص: 83
والجرجاني (1) وغيرهم يصرّحون : بأنّ آية الولاية نزلت في حقّ علي عليه السلام حين أعطى السائل خاتمه ، وهو راكع .
« حميد عبد الشهيد - البحرين - ... »
س : سؤالي هو : نحو تصدّق الإمام علي بالخاتم ، وهو يصلّي ، والمعروف على أنّ الإمام إذا صلّى لا تجلس روحه في الأرض ، ولكن تسبّح في ملكوت اللّه ، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير ؟ لابدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت ، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل .
وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث ؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة ؟ لأنّ ما يقال : إنّه كان في وقت عبادة ، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه ، لكن هذا الجواب لا يغنيني ، شاكرين لكم .
ج : للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط :
1 - لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند اللّه ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب علي عليه السلام .
2 - هذا الالتفات من أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن إلى أمر دنيوي ، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة .
3 - المعروف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه جمع في صفاته بين الأضداد ، حتّى إنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام - عن نفس هذا الأشكال الذي ذكرتموه أجاب ببيتين :
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من *** فعل الصُحاة فهذا واحد الناس
ص: 84
كما نقله عنه الآلوسي في « روح المعاني » (1) .
« عثمان خليل - سنّي - ... »
س : أشكركم على الردّ على رسالتي السابقة ، أمّا بعد :
بعد نقاشي مع بعض الإخوة من الشيعة ، علمت أنّ الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) ، هي من الأدلّة التي يستدلّ بها الشيعة على إمامة علي رضي اللّه عنه ، وأنا عندي بعض الملاحظات على هذا الدليل :
1 - هل بالإمكان أن تزوّدوني بالمصادر التي تذكر أنّ الآية نزلت في علي ، على شرط أن تكون من كتب أهل السنّة ، وأن يكون سند الروايات صحيحاً ؟
2 - هناك بعض الأُمور التي تثبت عدم نزولها في علي رضي اللّه عنه ، وهي :
أوّلاً : الآية جاءت في صيغة الجمع ( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فكيف تكون في علي ؟
ثانياً : يقول اللّه تعالى : ( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ، وأنتم تقولون : تصدّق علي بالخاتم ، وكما تعلمون هناك فرق بين الزكاة والصدقة ، وهذا يبطل ما ذهبتم إليه في شأن نزول الآية .
ثالثاً : ( إِنَّمَا ) أداة حصر كما تعلمون ، فلو سلّمنا أنّ الآية نزلت في علي ، فإنّ هذا يعني أنّ الولاية حصرت في اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله وعلي رضي اللّه عنه فقط ، وهذا ينفي إمامة باقي الأئمّة الذين تعتقدون بإمامتهم ، لذلك فإنّ استدلالكم بهذه الآية يخالف عقائدكم فضلاً عن عقائدنا ، وهذا أيضاً يبطل استدلالكم بالآية .
ص: 85
وأخيراً : أرجو أن يتّسع صدركم لهذه الأسئلة ، وجزاكم اللّه خيراً .
ج : إنّ هذه الآية - بضميمة شأن نزولها - من الأدلّة القاطعة على إمامة علي عليه السلام ، وأمّا الكلام على الملاحظات التي أبديتها فهو كما يلي :
1 - إنّ المصادر التي ذكرت هذا الموضوع كثيرة جدّاً عند الفريقين ، بحيث يصبح الموضوع متواتراً والتواتر آية اليقين والعلم - والإحاطة بجميع هذه الموارد غير يسيرة ، فلنكتف بالمقدار الأقلّ من كتب العامّة (1) .
والجدير بالذكر أنّ بعض العلماء من العامّة ينقل إجماع المفسّرين في المقام على هذا الموضوع (2) ، ثمّ هل يبقى شكّ وريب في نزول هذه الآية في حقّ الإمام عليه السلام بعد هذا ؟!
2 - إنّ الأُمور التي ذكرت أو قد تذكر هي أُمور وهمية ، وليس لها قيمة علمية ، لأنّ المشكوك يجب أن يفسّر على ضوء المقطوع والمتيقّن ، فإنّ شأن نزول الآية ممّا لاشكّ فيه .
وأمّا الجواب عن الموارد التي أشرت إليها ، فهي كما يلي :
أوّلاً : هذا المقام من الموارد التي يجوز فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم .
وفي رأي الزمخشري صاحب « الكشّاف » - وهو من وجوه مفسّري العامّة .
ص: 86
أنّ المقصود من نزول الآية بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ، ليتبعوا علياً عليه السلام في هذا الأمر ، ويتعلّموا منه عليه السلام (1) .
هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن فيه خطابات كثيرة ، استخدم فيها لفظ الجمع وأراد المفرد .
ثانياً : إطلاق ( الزَّكَاةَ ) على الصدقة المندوبة أمر سائغ وشائع عند أهل الاصطلاح ، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة ، وأُخرى يطلق على الصدقة المستحبّة بأنّها زكاة .
وعلى أيّ حال ، فإنّ المقصود في الآية بقرينة إعطائها في حال الركوع - هو الصدقة المندوبة والمستحبّة .
ثالثاً : إنّ ولاية وإمامة باقي الأئمّة عليهم السلام ثبتت بأدلّة قطعية اُخرى مذكورة في محلّها .
وأمّا مفاد ( إِنَّمَا ) في المقام هو حصر إضافي ، أي حصر بالنسبة للموجودين في حياة الإمام علي عليه السلام .
ثمّ إنّ هذه الولاية انتقلت بعد استشهاده إلى الأئمّة الأحد عشر من ولده عليهم السلام ، فلا ننفي الحصر في الآية ، ولكن نحصرها في حقّ من كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام .
« علي - أمريكا - 27 سنة - طالب »
س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين
لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، وجزاكم اللّه خير الجزاء :
إنّ آية الولاية التي جاءت في القران الكريم ، جاءت مقيّدة بأداة ( إِنَّمَا ) ،
ص: 87
والسؤال هو : هل أداة إنّما تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر ؟ وما هي هذه الأغراض ؟
ج : ( إِنَّمَا ) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة ، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه ، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه ، وهو المنقول عن أئمّة التفسير ويقتضيه التبادر حيث لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر .
قال العلّامة الطباطبائي قدس سره : إنّ القصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... ) (1) لقصر الإفراد ، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم ، فأفرد المذكورين للقصر ، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب (2) .
وعلى كلّ حال فالأداة ( إِنَّمَا ) أداة حصر هنا بل دائماً - كما ذكرنا آنفاً - عندما تكون متكوّنة من ( إنَّ ) المشبّهة بالفعل و ( ما ) الكافّة ، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس . .
ص: 88
« جمال - ماليزيا - ... »
س : الإخوة في شبكة العقائد الكرام .
تحيّة طيّبة مشكورة جهودكم الخيّرة في إيصال الحقائق لطالبيها ، سنكون ممتنين غاية الامتنان لو تفضّلتم بتفصيل آراء علماء المذاهب الإسلامية حول ابن تيمية ، مع خالص امتناننا وتقديرنا .
ج : أطبقت آراء علماء المذاهب الإسلامية على انحراف وضلالة ابن تيمية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض الموارد :
1 - قالوا : « كفاك لعنة اقتدائك بالشقي ابن تيمية ، أجمع علماء عصره على ضلاله وحبسه ، ونودي من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه » (1) .
2 - « ولا زال ابن تيمية يتتبع الأكابر ، حتّى تمالا عليه أهل عصره ، ففسّقوه وبدّعوه ، بل كفّره كثير منهم » (2) .
3 - رفض مجموعة من علماء المذاهب المختلفة آراءه ومعتقداته ، مثل : الإمام صدر الدين بن الوكيل المعروف بابن المرحل الشافعي ، الإمام أبو حيّان ، الإمام عزّ الدين ابن جماعة ، الإمام كمال الدين الزملكاني الشافعي ، ملّا علي القاري الحنفي ، شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، الإمام محمّد الزرقاني المالكي ، الإمام تقي الدين السبكي الشافعي ، الحافظ ابن حجر العسقلاني
ص: 89
الشافعي ، الإمام عبد الرؤوف المنّاوي الشافعي ، الشيخ مصطفى الحنبلي الدمشقي ، الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّي الشافعي ، الإمام صفي الدين الحنفي البخاري ، الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي ، شيخ الإسلام صالح البلقيني الشافعي ، الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي (1) .
4 - إنّ شيخهم ابن تيمية ، قال عنه علّامة زمانه علاء الدين البخاري : إنّ ابن تيمية كافر ، كما قاله علّامة زمانه زين الدين الحنبلي ، إنّه يعتقد كفر ابن تيمية ، ويقول : « إنّ الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية ، لأنّه كفّر الأُمّة الإسلامية » (2) .
5 - قال علماء المذاهب : إنّ ابن تيمية زنديق ، وقال ابن حجر : إنّ ابن تيمية عبد خذله اللّه ، وأضلّه وأعماه ، وأصمّه وأذلّه ، وقال العلماء : إنّ ابن تيمية تبع مذهب الخوارج في تكفير الصحابة ، وقال الأئمّة الحفّاظ : « إنّ ابن تيمية من الخوارج ، كذّاب أشر أفّاك » (3) .
6 - فاعلم إنّي نظرت في كلام هذا الخبيث - ابن تيمية - الذي في قلبه مرض الزيغ المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة (4) .
هذا جملة ممّا أردنا ذكره هنا بعد إعراضنا عن الكثير ممّا قيل في هذا المجال .
« الباحث عن الحقّ - سنّي »
س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ التي أرسل بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
ص: 90
والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين ؟
ج : قبل التعرّض لكلمات شيخ المجسّمة ابن تيمية نقدّم كلام ابن الجوزي الحنبلي ، وما ذكره في حقّ الحنابلة لإيضاح الحقيقة أكثر .
قال ابن الجوزي : « ورأيت من أصحابنا من تكلّم في الأُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد اللّه بن حامد ، وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ اللّه تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين ، وأصابع ، وكفّاً ، وخنصراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس .
وقالوا : يجوز أن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفّس ، ثمّ يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظواهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا : صفة فعل ، حتّى قالوا : صفة ذات !
ثمّ لمّا اثبتوا أنّها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل : يد على نعمة وقدرة ، ومجيء وإتيان على معنى برّ ولطف ، وساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقته إذا أمكن ، ثمّ يتحرّجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنّة ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام .
وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل
ص: 91
.
فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنّه لمّا قيل في عيسى روح اللّه اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريم ؟! ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسّيات .
وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنّا به عرفنا اللّه تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو إنّكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، لما أنكر عليكم أحد ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح .
فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال حنبلي إلّا المجسّم ، ثمّ زيّنتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أنّ أصحاب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمّتكم : لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة » (1) .
فهذا حال الحنابلة من أمثال أبي يعلى وغيره فهم مجسّمة حقيقية ، ويثبتون لله تعالى صفات لا تجوز إلّا على المخلوقين ، ومن شاء يرجع إلى طبقات الحنابلة التي ألّفها أبو يعلى ليرى التجسيم طافحاً فيها وفي تراجمه التي ذكرها .
وبعد أن جاء ابن تيمية زاد الطين بلّة ، فبدل أن يغسل العار الذي شانه الحنابلة السابقين عن المذهب كحّله بأُمور وطامات عظيمة ، وإليك نزر يسير من التجسيم في كلمات ابن تيمية :
1 - يقول ابن بطّوطة : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين ابن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل .
ص: 92
دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ اللّه ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر » ! (1) .
2 - اعتقاده بأنّ اللّه تعالى في جهة ومكان :
يقول في ردّه على كلام العلّامة الحلّي : « وكذلك قوله : « كلّ ما هو في جهة فهو محدث » لم يذكر عليه دليلاً ، وغايته ما تقدّم أنّ اللّه لو كان في جهة لكان جسماً ، وكلّ جسم محدث ، لأنّ الجسم لا يخلو من الحوادث ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث .
وكلّ هذه المقدّمات فيها نزاع : فمن الناس من يقول : قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ، فإذا قيل له : هذا خلاف المعقول ؟ قال : هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول : إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا الطريق أولى ، وإن ردّ هذا ردّ ذاك بطريق أولى ، وإذا ردّ ذاك تعيّن أن يكون في الجهة ، فثبت أنّه في الجهة على التقديرين » (2) .
وصريح كلامه في أنّ اللّه تعالى في جهة ومكان .
3 - إيمانه بقيام الحوادث باللّه تعالى :
قال في ردّه على العلّامة الحلّي : « وأمّا قوله : « وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث ، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره » ، فيقال : هذه مسألة كلام اللّه تعالى والناس فيها مضطربون ، وقد بلغوا فيها إلى تسعة أقوال ... » (3) .
فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ ؟ قالوا لكم : نعم ، وهذا قولنا .
ص: 93
الذي دلّ عليه الشرع والعقل (1) .
وقال : وقد ظنّ من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزاغوني أنّ الأُمّة قاطبة اتّفقت على أنّه لا تقوم به الحوادث ، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه ، وهذا مبلغهم من العلم .
وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام ونحوه وما أكثرها ، فمن تدبّرها وجد عامّة المقالات الفاسدة بينونتها على مقدّمات لا تثبت إلّا بإجماع مدّعى أو قياس ، وكلاهما على التحقيق يكون باطلاً (2) .
4 - إيمان ابن تيمية بقدم نوع العالم :
قال ابن تيمية في معرض ردّه : « نحن نقول : إنّه لم يزل مشتملاً على الحوادث ، والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك ... وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معيّن ، فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمّة أهل السنّة منكم : إنّ الربّ لم يزل متكلّماً إذا شاء وكيف شاء » (3) .
5 - إنّ اللّه تعالى يتكلّم بصوت وحروف :
قال ابن تيمية : « وأنّ اللّه تعالى يتكلّم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره ، وأنّ اللّه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه حروفه ، ولا صوت الربّ يشبه .
ص: 94
صوت العبد » (1) .
6 - إنّ اللّه تعالى مركّب وله أبعاض :
قال ابن تيمية : « إذا قلنا : إنّ اللّه لم يزل بصفاته كلّها أليس إنّما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته ؟ وضربنا لهم مثلاً في ذلك فقلنا لهم : أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار ، واسمها اسم واحد وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك اللّه وله المثل الأعلى بجميع صفاته » (2) .
فيصوّر اللّه تعالى ذا أجزاء وأبعاض ، فاليدين التي يثبتها لله غير الساق ، والأصابع غير الصورة ، والصورة غير الوجه ، وهلم جرّا ، وما ذلك إلّا تجزئة للذات الإلهية المقدّسة وتبعيض لها ، وهذا هو التركّب الذي يستلزم حاجة المركّب إلى أجزائه .
7 - تصوير احتياج اللّه تعالى إلى آلات يعمل بواسطتها :
قال ابن تيمية : « والصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب ، وقال في حقّ المسيح وأُمّه : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية ، فدلّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأُخرى .
والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغنيّ المنزّه عن ذلك منزّه عن آلات ذلك ، بخلاف اليد فإنّها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل » (3) .
فيصوّر اللّه تعالى غنيّ عن الكبد والطحال لأنّه أخبر عن نفسه بأنّه صمد ، وأخبر عن عدم ألوهية عيسى عليه السلام بأنّه كان يأكل فإذن هو ليس إله ، فاللّه تعالى .
ص: 95
ليس محتاجاً للكبد والطحال لأنّه لا يأكل ، بينما هو محتاج إلى اليد لأنّه يعمل فيخلق ويرزق ، فإذن لابدّ من وجود يد له لحاجته إليها طبقاً لما وصف نفسه بها وطبقاً لكونه يعمل !!
فانظر إلى أيّ مدى وصل بهم التجسيم ؟ وإلى أيّ حدّ وصلت بهم الجرأة بتصوير اللّه المنزّه عن النقص أو الحاجة بأنّه محتاج إلى اليد ؟! سبحان اللّه عمّا يصفه المجسّمة والمشبّهون !
8 - اعتقاده بأنّ اللّه تعالى ينزل نزولاً حقيقياً إلى الدنيا ، وإنّه يتحرّك وليس بساكن :
قال ابن تيمية : « وأمّا أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كلّ ليلة فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوّه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أُختلف في إسناده .
ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش ، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحمّاد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدّد » (1) .
وقال : « وأمّا دعواك أنّ تفسير القيّوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرّك فلا يقبل منك هذا التفسير إلّا بأثر صحيح مأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو عن بعض أصحابه أو التابعين ؟ لأنّ الحيّ القيّوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ، ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ؛ لأنّ أمارة بين الحيّ والميّت التحرّك ، كلّ حيّ متحرّك لا محالة ، وكلّ ميّت غير متحرّك لا محالة .
ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبيّ الرحمة ورسول ربّ .
ص: 96
العزّة إذ فسّر نزوله مشروحاً منصوصاً ، ووقّت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لُبساً ولا عويصاً » (1) .
ويقول أيضاً : « فهذا لا يصحّ إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم : لا يتحرّك ولا تحلّ به الحوادث ، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً ، وأن يجيء يوم القيامة » (2) .
وهنا طريفة لا يفوتنا الإشارة إليها وهي : إنّ الأرض كروية وهي تتحرّك خلافاً لابن باز الذي ينفي حركتها حول نفسها ، فهي دائماً لا تخلو من ليل ، وعليه فمتى ينزل اللّه تعالى ؟ ومتى يصعد ؟ إذ لازم ذلك إنّه دائماً في حالة صعود ونزول ، أو إنّه دائماً يكون نازلاً ولا يصعد لدوام الثلث الأخير من الليل في الأرض على مدى الأربعة والعشرين ساعة ؟
وقد التفت السلفيون إلى هذا الإشكال ، لكنّهم بقوا حيارى لا يستطيعون جواباً ؛ قال الشيخ ابن باز : « لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كلّ ليلة مع اختلاف الأقطار ، وبين استوائه عزّ وجلّ على العرش ؛ لأنّه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته ، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كلّ قُطر ، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش ؛ لأنّنا لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء ، بل ذلك مختصّ به سبحانه » (3) .
فصال وجال لكنّه لم يأت بشيء سديد أو دفع مفيد ، وإنّما زاد الطين بلّة من حيث جعل اللّه مستوياً على عرشه ، وهو في هذا الحال ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وبما أنّ الكرة الأرضية ثلث الليل الأخير مستمر فيها فهو في حال نزول دائمي ، أو بالأحرى إنّه نازل ولا يصعد إلى العرش !! تنزّه .
ص: 97
اللّه تعالى عمّا يقوله الحنابلة المجسّمة علوّاً كبيراً !
هذا نزر يسير ممّا وقع فيه ابن تيمية ومن حذا حذوه من الهفوات ، ولو أردنا الاسترسال لطال المقام بتأليف مصنّف مستقلّ .
وهنالك كلام لابن تيمية في حقّ أهل البيت عليهم السلام يدلّ على نصبه وتحامله الشديد عليهم ، والدفاع والنصرة لبني أُمية الذين قتلوا وسلبوا أهل البيت عليهم السلام ، وقبل ذلك نستعرض كلمات العلماء في ذلك ، ثمّ نعرّج على كلمات ابن تيمية :
1 - قال ابن حجر العسقلاني : « طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها ؛ لأنّه كان لا تساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي اللّه عنه » (1) .
2 - قال ابن حجر الهيتمي : « ابن تيمية عبد خذله اللّه وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله » (2) .
3 - قال الشيخ محمّد زاهر الكوثري : « فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي ، لأنّه صحّح حديث ردّ الشمس لعلي كرّم اللّه وجهه ، فيكون الاعتراف بصحّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن علي رضي اللّه عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعلي عليه السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدّثه عنه » (3) .
وقال : « ولولا شدّة ابن تيمية في ردّه على ابن المطهّر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرّض لعلي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه على الوجه الذي تراه في .
ص: 98
أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه الكثير من إقحام الخوارج ، مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل » (1) .
4 - قال الشيخ عبد اللّه الغماري في معرض ردّه على الشيخ الألباني : وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، تطاول على الناس ، فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أُخرى ، ثمّ اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما :
إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة كفرية والعياذ باللّه تعالى .
والأُخرى : انحرافه عن علي عليه السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (2) .
وأمّا الكلمات التي أطلقها ابن تيمية في حقّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، والتي يظهر منها التنقيص جليّاً وواضحاً فكثيرة ، وإليك شذر منها .
1 - طعنه في خلافة الإمام علي عليه السلام :
قال : « وأمّا علي فلم يتّفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدّة ، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل الإسلام » (3) .
وقال : « ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفّار سيف ، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالاً وبلاداً » (4) .
وقال أيضاً : « ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلّا علي بن أبي طالب ، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار ، ولا فتح مدينة ! .
ص: 99
ولا قتل كافراً ! بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتّى يقال : إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين ، وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكف عن المسلمين ، فأيّ عزّ للإسلام في هذا » ؟! (1) .
وقال أيضاً طاعناً في خلافته : « فإنّ علياً قاتل على الولاية !! وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير » (2) .
وقال : « فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتّى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتّى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظنّ أنّه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلّا شدّة ، وجانبه إلّا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلّا قوّة ، والأُمّة إلّا افتراقاً » (3) .
2 - جعل قتاله لأجل الملك لا الدين !
قال ابن تيمية : « وعلي يقاتل ليطاع ، ويتصرّف في النفوس والأموال ، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين » ؟ (4) .
وقال أيضاً : « ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحلّ دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر اللّه ورسوله على رئاسته ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » ، وقال : « لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، فيكون علي كافراً لذلك !! لم تكن حجّتكم أقوى من حجّتهم ، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة !!
وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان .
ص: 100
مريداً للعلوّ في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون !! واللّه تعالى يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، فمن أراد العلوّ في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة .
وليس هذا كقتال الصدّيق للمرتدّين ومانعي الزكاة ، فإنّ الصدّيق إنّما قاتلهم على طاعة اللّه ورسوله لا على طاعته ، فإنّ الزكاة فرض عليهم ، فقاتلهم على الإقرار بها وعلى أدائها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو » (1) .
3 - طعنه فيه وفي فضائله :
قال ابن تيمية : « إنّ الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ، والأحاديث التي ذكرها هذا ، وذكر أنّها في الصحيح عند الجمهور ، وأنّهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ، فإنّ هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدلّ على إمامة علي ، ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ، بل وليست من خصائصه ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره ، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ، فإنّ كثيراً منها خصائص لهما ، لاسيّما فضائل أبي بكر ، فإنّ عامّتها خصائص لم يشركه فيها غيره .
وأمّا ما ذكره من المطاعن فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلّا وجّه على علي ما هو مثله أو أعظم منه ... .
فإنّ علي رضي اللّه عنه لم ينزّهه المخالفون ، بل القادحون في علي طوائف متعدّدة ، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ، فإنّ الخوارج متّفقون على كفره ، وهم عند المسلمين كلّهم خير من الغلاة ... . .
ص: 101
ومن المعلوم أنّ المنزّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ، وإنّ القادحين في علي حتّى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ، وهم أعلم من الرافضة وأدين ... .
والذين قدحوا في علي رضي اللّه عنه وجعلوه كافراً أو ظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردّة عن الإسلام ، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة ... .
بخلاف من يكفّر علياً ويلعنه من الخوارج ، وممّن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإنّ هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه ، يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون رمضان ، ويحجّون البيت العتيق ، ويحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ، وليس فيهم كفر ظاهر ، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم ، معظّمة عندهم ... .
فمعلوم أنّ الذين قاتلوه ولعنوه وذمّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولّونه ويلعنون عثمان ، ولو تخلّى أهل السنّة عن موالاة علي رضي اللّه عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته لم يكن في المتولّين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأُموية والمروانية ؛ فإنّ هؤلاء طوائف كثيرة » (1) .
والكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق .
5 - طعنه في فاطمة عليها السلام واتهامها بالنفاق !!
قال ابن تيمية : « إنّ فاطمة رضي اللّه عنها إنّما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها ، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب ، وهذا حال أبي بكر وعمر ، فإنّهما احترزا عن أن يؤذيا أباها أو يريباه بشيء ، فإنّه عهد عهداً وأمر بأمر ، فخافا أن غيّرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذّى بذلك ، وكلّ عاقل يعلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا حكم بحكم وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم ، كان مراعاة حكم النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
ص: 102
أولى !! فإنّ طاعته واجبة ومعصيته محرّمة » (1) .
فصوّر فاطمة عليها السلام بأنّها تريد أن يحكم أبو بكر بغير حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فرفض أبو بكر ذلك فتأذّت !!
وهذا معناه النفاق في فاطمة - أعاذنا اللّه من هذا - لأنّ الذين يريدون أن يحكم إليهم بخلاف حكم اللّه ورسوله هم المنافقون .
هذا وهناك الكثير من المطاعن التي وجّهها ابن تيمية إلى أهل البيت عليهم السلام وإلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، سواء من ناحية التنقيص فيه ، أو تكذيب فضائله الثابتة له ، ومن شاء راجع « منهاج السنّة » ليرى النصب فيه طافح ، والتحامل على علي عليه السلام وأهل بيته ظاهر !! هذا ما يتعلّق بابن تيمية الحرّاني .
وأمّا ما يتعلّق بمحمّد بن عبد الوهّاب فمنهجه هو منهج ابن تيمية لا غير ، سواء من ناحية العقيدة كصفات اللّه والأنبياء وغيرها أو من ناحية تحامله على المسلمين وتكفيرهم ، أو من ناحية تحامله على أهل البيت عليهم السلام .
وارجع إلى كتابه « كشف الشبهات » لترى فيه التكفير الصريح للأُمّة الإسلامية جمعاء ، لأنّها تزور القبور ، وتتوسّل بالأنبياء والصالحين !!
وكذلك كتابه « الدرر السنية في الأجوبة النجدية » ، تجده مليئاً بالتكفير ورمي المسلمين بالغلوّ والشرك ، فمن نماذج تكفيره للمسلمين قوله :
1 - قال : « وهذا أي الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها »!! (2) .
2 - قال : ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) (3) .
ومقصوده بذلك المسلمين الذي يزورون القبور ويتوسّلون بالأنبياء والصالحين ! .
ص: 103
3 - وقال في نفس الصفحة : « فإذا عرفت أنّ هذا الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن ، وقاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الناس عليه ؛ فاعلم أنّ شرك الأوّلين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين » !!
4 - قال : « أنّ الذين قاتلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أصحّ عقولاً وأخفّ شركاً من هؤلاء » !! (1) .
فهذا تكفير صريح لعامّة المسلمين ، أعاذنا اللّه من ذلك .
5 - قال : « وأنا أذكر لك أشياء ممّا ذكر اللّه في كتابه جواباً لكلام احتجّ به المشركون في زماننا علينا » !! (2) .
وغير ذلك كثير جدّاً يمكن مراجعته في الكتابين اللذين أشرنا إليهما .
فمحمّد بن عبد الوهاب لم يتورّع في دماء المسلمين ، وحكم على الأُمّة الإسلامية بالشرك والكفر ، وأنّ شركها أعظم من شرك كفّار قريش أو اليهود والنصارى ، وقام بمحاربتهم وسفك دمائهم ، وقتل ذراريهم واستباحة أعراضهم ، إلى غير ذلك من الأفاعيل الشنيعة التي تبيّن مدى فساد عقيدة هذا الشخص وضحالة تفكيره ، وخطورته في نفس الوقت .
« خالد - السعودية - سنّي »
س : أنتم الشيعة تتّهمون شيخ الإسلام ابن تيمية ، بأنّه يكفّر الشيعة ، فأين دليلكم على ذلك ؟
ج : ابن تيمية !! وما أدراك ما ابن تيمية ؟! أصل الفتنة ، وأصل كلّ خلاف ، شديد النصب للإمام علي عليه السلام .
ص: 104
ابن تيمية يقول بالتجسيم والتشبيه ، ابن تيمية يقول بقدم غير اللّه تعالى ، وبحوادث لا أوّل لها .
ابن تيمية ينفي فضائل الإمام علي عليه السلام ، حتّى اعترض عليه الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » ، وقال عنه : « إنّ هذه الاشتباهات وقع فيها ابن تيمية لتسرّعه في الردّ على الرافضة » .
ابن تيمية يكذّب أكاذيب واضحة ، ولا يتّقي اللّه ولا يتورّع ، ابن تيمية ردّ عليه كبار علماء المذاهب الإسلامية ، قبل علماء الشيعة ، حتّى إنّ بعضهم نعته بالكفر والزندقة .
ونقول في الجواب على قولك : راجع كتابه « منهاج السنّة النبوية » (1) لتجد ذلك بنفسك .
وفي الختام : نذكّرك بكلام الحافظ أبو الفضل عبد اللّه الغماري : « وابن تيمية ، يحتجّ كثير من الناس بكلامه ، ويسمّيه بعضهم شيخ الإسلام ، وهو ناصبي ، عدوّ لعلي كرّم اللّه وجهه ، اتهم فاطمة بأنّ فيها شعبة من النفاق ، وكان مع ذلك مشبهاً ، إلى بدع أُخرى كانت فيه ، ومن ثمّ عاقبه اللّه تعالى ... فكانت المبتدعة بعد عصره تلامذة كتبه ، ونتائج أفكاره ، وثمار غرسه » (2) .
« حيدر القزّاز - كندا - 29 سنة - مهندس »
س : أرجو بيان ما رأي ابن تيمية بالمجرم عبد الرحمن ابن ملجم ( لعنه اللّه ) ؟ وما هو رأيه عندما قتل أمير المؤمنين عليه السلام ؟ مع ذكر المصادر إن أمكن .
ج : إنّ ابن تيمية كعادته يحاول الطعن بالإمام علي عليه السلام ، وذلك بصورة غير مباشرة ، كتكذيب فضائله ، والتشكيك في المسلّمات ، بل وبصورة مباشرة
ص: 105
أحياناً ، فتراه ذلك الناصبي المراوغ ، الذي يتلاعب بالألفاظ والأساليب .
فتراه يقول في ابن ملجم : « والذي قتل علياً ، كان يصلّي ويصوم ، ويقرأ القرآن ، وقتله معتقداً أنّ اللّه ورسوله يحبّ قتل علي ، وفعل ذلك محبّة لله ورسوله في زعمه وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً » (1) .
ويقول عنه أيضاً : « كان من أعبد الناس » (2) .
هذا قول ابن تيمية في ابن ملجم ، وقد وصف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قاتل علي عليه السلام بأنّه : « أشقى الناس » (3) .
« السيّد أحمد السيّد نزار - البحرين »
س : تحية طيّبة وبعد :
هناك من الأصدقاء من يقول : إنّ ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب لا يقولان بالتجسيم ، وما يقال ذلك عنهما نابع من التعصّب ، وردّ التهمة بتهمة مثلها .
أين هي الكتب والمصادر التي يدّعون فيها أنّهما يقولان بالتجسيم بصراحة ؟ دون أن يكون لها وجه آخر ، أرجو ذكر أقوالهما مع ذكر المصادر لكي تتمّ الحجّة .
ج : المعروف عن بعض الحنابلة أنّهم من القائلين بالتجسيم ، بمعنى أنّ لله تعالى يداً ، ووجهاً وعيناً وساقاً ، وأنّه متربّع على العرش ، شأنه شأن الملوك والسلاطين ، واستدلّوا على ذلك ، بآيات من القرآن الكريم ، كقوله تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ، و ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، و ( يَوْمَ يُكْشَفُ
ص: 106
عَن سَاقٍ ) ، و ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) وغيرها من الآيات .
وقالوا : إنّ اليد والوجه والساق والاستواء جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها ، وليست مصروفة إلى معانيها المجازية .
وقالوا : نعم يد اللّه ليست كيدنا ، ووجهه ليس كوجهنا ، وساقه ليس كساقنا بدليل قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .
ولا يخفى عليك أنّ ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب يدّعيان أنّهما من الحنابلة .
وأقوال ابن تيمية في التجسيم كثيرة جدّاً ، وللوقوف على ذلك راجع مثلاً كتابه « الفتوى الحموية الكبرى في مجموعة الفتاوى ، كتاب الأسماء والصفات » .
وإنّ عقيدته في التجسيم كانت واحدة من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكية من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه إلى مصر ، ثمّ سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله .
ولم تنفرد المالكية في الردّ عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية ، والشافعية أيضاً ، وأمّا الحنبلية فقد نصّوا على شذوذه عنهم .
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيمية في الصفات : « إنّها تجسيم صريح » ، ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه « شرح الشمائل » .
وللشافعية دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيمية فيها تصانيفاً كثيرةً ، وربّما يُعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل - المتوفّى سنة 733 ه- - ويكتسب هذا التصنيف أهمّيته لسببين :
أوّلهما : إنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيمية ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيمية موجّهاً إليه .
ص: 107
والثاني : إنّه ختمه بتحدٍّ صريح قال فيه : « ونحن ننتظر ما يَرِدُ من تمويههِ وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في اللّه حقّ جهاده » .
ثمّ لم يذكر لابن تيمية جواباً عليه ، رغم أنّه قد وضع ردّاً على الحموية الكبرى التي ألقاها ابن تيمية على المنبر في سنة 698 ه- .
وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم ، فهو دفاع المجسّمة الصرحاء ، فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه اللّه تعالى عن الأعضاء والأجزاء : « إنّهم جعلوا عُمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي الجسم ، ومن سلك هذا المسلك ، لم يُنزِّه اللّه عن شيء من النقائص البتّة » (1) .
ثمّ طريق إثبات شيء على المتّهم لا يتمّ بإقراره فقط ومن كتبه ، فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً ، خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة أُخرى ، وهي شهادة شهود عليه ، فإن هذا من أقوى أدلّة الإثبات ، خاصّة إذا كانوا كثيرين .
وقد شهد على ابن تيمية الكثير ، منهم : ابن بطوطة في كتابه ، إذ يقول تحت عنوان : حكاية الفقيه ذي اللُّوثة - اللُّوثة بالضمّ : مَسُّ جنون - ! :
« وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ اللّه ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر !
فعارضه فقيه مالكي ، يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم ، قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ... » (2) . .
ص: 108
ومقولة ابن تيمية هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه (1) .
تلك صورة عن عقيدته في اللّه تعالى ، فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ، ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلّا محدوداً ! فتعالى اللّه عمّا يصفون !!
« سامر - فلسطين - ... »
مجرد تعليق بسيط : ابن تيمية والوهّابية ، هم ملعونون وهم كفرة ، كما قال ابن عابدين : خوارج العصر ، وشيخنا عبد اللّه الهرري له باع طويل في الردّ على الكافرين ، ومن كتبه : « المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد ابن تيمية » ، وهو من (500) صفحة ، وله أيضاً الردّ على الوهّابية أكثر من كتاب ، أعانه اللّه للوقوف في وجههم .
وليس الشيعة وحدهم يكفّرون ابن تيمية ، بل أهل السنّة ، فهم مجسّمة ، ويبغضون أهل البيت ، وثبت عندنا أنّ ابن تيمية ردّ أكثر من (20) حديثاً في سيّدنا علي عليه السلام ، أقرأ كتاب المحدّث الهرري « الدليل الشرعي في عصيان من قاتلهم علي من صحابي وتابعي » ، وردّ على ابن تيمية ( لعنه اللّه ) .
« علوي - ... - ... »
س : هل هناك فرق بين المسند والصحيح عند القوم ؟ إذ الوهّابية يرفضون أن يكون الجامع الكبير للترمذي من الصحاح ، وإذا كان هناك ما يدفع كلامهم ، فأرجو البيان وذكر المصدر .
ص: 109
الجواب : الفرق بين المسند والصحيح هو : أنّ المسند هو الأحاديث التي يرويها المحدّث بأسانيد عن كلّ واحدٍ من الصحابة ، فيذكر أحاديثه تحت عنوان اسمه ، كما هو الحال في مسند أحمد مثلاً .
أمّا الصحيح فهو مجموعة الأحاديث ، التي يرى المحدّث صحّتها بحسب شروطه ، مبوّبةً بحسب الموضوعات .
والوهابيّة الذين يرفضون « الجامع الكبير » للترمذي إنّما يقلِّدون ابن تيمية في كتابه « منهاج السنّة النبوية » ، لكنّكم إذا راجعتموه وجدتم ابن تيمية يحتجُّ ب- « الجامع الكبير » للترمذي ، في كلّ موردٍ يكون في صالحه ، وأمّا رفضه له فهو لروايته مناقب أمير المؤمنين عليه السلام .
فقال في حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » : « أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ، وإن رواه الترمذي » (1) .
وقال في موضع : « والترمذي في جامعة روى أحاديث كثيرة في فضائل علي ، كثير منها ضعيف ، ولم يرو مثل هذا لظهور كذبه » (2) .
وفي آخر : « والترمذي قد ذكر أحاديث متعدّدة في فضائله ، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع » (3) .
فهو لا يرفض « الجامع الكبير » للترمذي بل يستدلّ برواياته وينقلها في كتبه ، وإنّما يرفض الروايات التي نقلها في فضائل الإمام علي عليه السلام .
« عماد - ... - ... »
س : هل بإمكانكم إخباري في أيّ كتاب قالت الوهّابية بإنّ اللّه له أرجل وأيدي ، ووجه وأعين ... .
ص: 110
ج : بإمكانك التقصّي عن عقيدة الوهّابية في التجسيم من خلال فتاوى علمائهم ، أو بالسؤال من علمائهم ، عن تفسير آية : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) (1) ، أو قوله تعالى : ( هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (2) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأنظر ماذا تجاب من قبلهم ؟ عندها تستطيع الحكم أنت بنفسك على ما يعتقدونه ، من صفات الربّ جلّ جلاله .
ولعلّنا سنزوّدك ما يمكن ذكره في هذا المقام المختصر ، ببعض أقوال شيخهم ابن تيمية ، فقد قال عن حديث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ اللّه يضحك إلى رجلين ، يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنّة » : متّفق عليه (3) .
ومثله قال عن حديث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ولا تزال جهنّم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط » (4) .
وما ذكره محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه « التوحيد » (5) ، عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا محمّد ، إنّا نجد أنّ اللّه يجعل السماوات على إصبع من أصابعه ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (6) .
وقد قال ابن باز في فتاويه : « التأويل في الصفات منكر ولا يجوز ، بل يجب .
ص: 111
إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق باللّه جلّ وعلا ، بغير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل (1) .
وقال أيضاً : « الصحيح الذي عليه المحقّقون ، أنّه ليس في القرآن مجاز على الحدّ الذي يعرفه أصحاب فنّ البلاغة ، وكلّ ما فيه فهو حقيقة في محلّه (2) .
هذا بعض ما أمكننا إرشادك إليه من أقوالهما ، وجملةً من فتاويهما ، وعليك أن تتحقّق عن الباقي بنفسك ، وإن شئت فارجع إلى :
1 - العقيدة الواسطية لابن تيمية .
2 - شرح العقيدة الواسطية لابن عثمين .
3 - كتاب التوحيد لمحمّد بن عبد الوهّاب .
4 - شرح نونية ابن قيّم الجوزية لمحمّد خليل هراس .
5 - كتاب العرش لابن تيمية .
6 - كتاب السنّة لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل .
وكتب أُخرى لهم في هذا المجال ، وفيها التجسيم بأجلى صورة . .
ص: 112
« زين - السعودية - ... »
س : ما رأي علماء الشيعة في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه ؟
ج : نذكر بعض أقوال علماء الشيعة في ابن عباس :
1 - قال العلّامة الحلّي : « من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كان محبّاً لعلي عليه السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى .
وقد ذكر الكشّي (1) أحاديث تتضمّن قدحاً فيه ، وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي اللّه تعالى عنه » (2) .
2 - قال الشيخ حسن صاحب المعالم : « عبد اللّه بن عباس ، حاله في المحبّة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، والموالاة والنصرة له ، والذبّ عنه ، والخصام في رضاه ، والمؤازرة ممّا لا شبهة فيه ، وقد كان يعتمد ذلك مع من يجب اعتماده معه ، على ما نطق به لسان السيرة » (3) .
3 - قال العلّامة التستري - بعد أن ذكر جملة من مواقفه مع أعداء أهل البيت : « وبالجملة : بعدما وقفت على محاجّاته مع عمر وعثمان ، ومعاوية وعائشة ، وابن الزبير وباقي أعداء أهل البيت ، وتحقيقه للمذهب ودفعه عن
ص: 113
الشبه ، لو قيل : إنّ هذا الرجل أفضل رجال الإسلام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، وحمزة وجعفر ( رضوان اللّه عليهما ) كان في محلّه » (1) .
« يوسف - الإمارات - 30 سنة - طالب جامعة »
س : ما رأيكم في ابن عباس ؟
ج : هناك رأيان في ابن عباس ، رأي عدّه من الثقات للروايات المادحة له ، وقدح بالروايات الذامّة له ، ورأي ثان عدّه من الضعفاء للروايات الذامّة له ، ولأجل معرفة سبب تضعيفه ، نورد بعض ما أُشكل عليه :
أوّلاً : أنّه نقل بيت المال من البصرة إلى الحجاز حينما كان والياً على البصرة ، وهذا دليل خيانته وعدم عدالته ، وخروجه على طاعة إمام زمانه .
وفيه : إنّ ما اشتهر عن نقله لبيت مال البصرة لم يثبت برواية صحيحة يطمئن إليها ، نعم كلّ من اعتمد على الخبر كان مدركه الشهرة وليس أكثر ، بل إنّ بعض علمائنا طعن في صحّة هذه الشهرة ، ونسب ما اشتهر في ذمّ ابن عباس إلى ما أشاعه معاوية من الطعن في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد ذهب إلى ذلك السيّد الخوئي قدس سره في معجمه (2) .
قال ابن أبي الحديد : « وقد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنّه عبد اللّه بن عباس ، ورووا في ذلك روايات ، واستدلّوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب ، كقوله عليه السلام : « أشركتك في أمانتي » ... وقال الآخرون وهم الأقلّون : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد اللّه بن عباس عليّاً عليه السلام ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميراً على البصرة إلى أن قتل علي عليه السلام .
ص: 114
قالوا : ويدلّ على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لمّا قتل علي عليه السلام ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ ولم يخدعه معاوية ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أمير المؤمنين عليه السلام ... فما باله وقد علم النبوّة التي حدثت بينهما ، لم يستمل ابن عباس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ، وكلّ من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي عليه السلام وما كان يلقاه من قوارع الكلام وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنين عليه السلام ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضدّ لما اشتهر من أمرهما ... .
وقد أُشكل عليّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكتاب عنه ، وقد ذكر في أكثر كتب السير .
وإن صرفته إلى عبد اللّه بن عباس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه » (1) .
وقال العلّامة التستري : « قاعدة عقلية : إذا تعارض العقل والنقل يقدّم العقل ، فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته ، ولا استماله معاوية - مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك - نقطع بأنّ النقل باطل ، وكيف يحتمل صحّة ذلك النقل مع أنّه طعن في معاوية بخيانة عمّاله ؟ فلو كان هو أيضاً خان لردّ عليه معاوية طعنه » (2) . .
ص: 115
على أنّا لو سلّمنا صحّة الحادثة ، فإنّ ذلك يمكن أن يكون من باب طروء الشبهة ، على كون استحقاقه بعض بيت المال اعتماداً على اجتهاده ، لقوله لابن الزبير على فرض صحّة الرواية - : « وأمّا حملي المال ، فإنّه كان مالاً جبيناه ، وأعطينا كلّ ذي حقٍّ حقّه ، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب اللّه ، فأخذنا بحقّنا ... » (1) .
فقوله : « هي دون حقّنا في كتاب اللّه » مشعر بأنّ ابن عباس قد اعتمد في اجتهاده على آية في كتاب اللّه ، استظهر منها صحّة حمل ما بقي من بيت المال ، ولعلّه قد تاب بعد تنبيه أمير المؤمنين عليه السلام له .
ثانياً : إنّه ثبت صحّة قوله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، إلّا أنّه لم يثبت بعد ذلك قوله بإمامة الحسن ، وإمامة الحسين ، وإمامة علي بن الحسين عليهم السلام وقد أدركهم ، وهذا طعن في إيمانه ، وصحّة اعتقاده .
وفيه : إنّ التسالم على قوله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأتباعه بلغ إجماع الفريقين ، فلا مجال للتشكيك فيه ، أمّا قوله بإمامة الحسن عليه السلام ، فإنّ الأربلي في « كشف الغمّة » نقل عن أبي مخنف ، بإسناده عن ابن إسحاق السبيعي وغيره قالوا :
« خطب الحسن بن علي عليهما السلام صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام ... ثمّ جلس ، فقام عبد اللّه بن عباس ما بين يديه فقال : معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ، ووصيّ إمامكم فبايعوه .
ثمّ قال الراوي : فرتب العمّال ، وأمّر الأمراء ، وأنفذ عبد اللّه بن عباس إلى البصرة ، ونظر في الأُمور ... » (2) .
وهذا دليل على قوله بإمامة الحسن عليه السلام ، وعلى هذا يترتّب قوله بإمامة الحسين عليه السلام ، وإمامة علي بن الحسين عليهما السلام لعدم وجود الدليل النافي على قوله .
ص: 116
بإمامتهما ، أي لم يصدر منهما عليهما السلام ذمّاً في حقّه ، إضافة إلى حسن سيرته ، واستقامته في عهديهما ، ولم يظهر منه ما يخالفهما ، ولو كانت هناك أدنى مخالفة للإمامين عليهما السلام لأظهره الرواة ، خصوصاً وقد كان معرضاً للطعن والذمّ من قبل أعداء أهل البيت عليهم السلام .
« ... - السعودية - ... »
س : ما هي قيمة أحاديث ابن عباس عند علمائنا ؟ هل هي مقبولة عندهم أو مردودة ؟
ج : لا إشكال في جلالة قدر ابن عباس عند الجميع ، كما يظهر ذلك من كلام العلماء والرجاليين .
نعم ، قد يكون هناك بعض الموارد الموجبة للتوقّف ، ولكن أُجيب عنها بما لا مزيد عليه (1) .
ومجمل الكلام حول هذا الشخص هو : أنّه كان موالياً وعارفاً للحقّ ، ولكن لأُمور لم تتّضح لحدّ الآن كان لا يقتحم الصراعات الموجودة آنذاك ، فكان شاهداً للحقّ إن صحّ التعبير ومدافعاً عنه في حدّ وسعه ، فيجب أن ننظر إلى حياته من هذه الزاوية حتّى نعرف التفسير الصحيح لمجموعة تصرّفاته ، ومواقفه في كافّة الجوانب .
ثمّ وإن كان ابن عباس ثقة ومعتمداً ، ولكن بالنسبة لأحاديثه ينبغي ملاحظة عدّة أُمور :
1 - لا يخفى أنّ مجموعة كبيرة من الأحاديث المنسوبة إليه في كتب الفريقين سندها منقطع ، أي أنّها إمّا مرسلة أو مقطوعة ، فلا حجّية لمفادها ، إلّا ما كانت منها تؤيّد بأخبار معتبرة أُخرى .
ص: 117
2 - توجد هناك طائفة من الأخبار تنقل عن لسان ابن عباس بدون إسنادها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو إلى أحد من الأئمّة عليهم السلام ، أي أنّها آراؤه في تلك الموارد .
وهذا القسم أيضاً لا يعتبر حجّة من الناحية الشرعية ، إلّا إذا كان موافقاً لما صدر عن المعصوم عليه السلام .
3 - إنّ شخصية ابن عباس كانت معرّضةً للهجوم والتشويه من قبل أعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، خصوصاً بني أُمية ، فدسّت الأيادي الأثيمة روايات وأحاديث في سبيل النيل من سمعته ، وهذه الفئة من الروايات جلّها - بل كلّها - جاءت عن طريق العامّة ، وعليه فينبغي التأمّل والتريّث في أحاديثه التي نقلت بإسنادهم ، وإن كانت معنعنة وغير مرسلة ومتّصلة ، خصوصاً في المواضع الخلافية بين الشيعة والسنّة .
ص: 118
« سلمان المحمّدي - البحرين - ... »
س : كيف حصل أبو بكر على تلك المنزلة ، ليكون والد زوجة الرسول ؟
ج : قال تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1) .
فإذا كان من الممكن أن تكون زوجتا نوح ولوط من الكفّار ، ونوح ولوط من الأنبياء ، فلا يمكن أن نحكم بفضل على امرأة لمجرد كونها زوجة نبيّ ، والفضل يكون بالتقوى والقرب من اللّه والإخلاص له ، وكذلك قوله تعالى : ( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (2) .
هذا كلّه في أزواج الأنبياء ، فكيف بآباء أزواج الأنبياء ؟!
« سعيد خليل - لبنان - ... »
س : نشكر لكم جهودكم في طريق الإصلاح ، وإظهار الدين الحقّ .
السؤال : نريد أن نعرف نبذة عن أبي بكر ، ودوره كيف كان ؟ شاكرين
ص: 119
لكم جهودكم ، وأجركم عند اللّه إن شاء اللّه .
ج : سألت عن أبي بكر ، فنجيبك باختصار :
1 - إنّ أبا بكر قد أغضب فاطمة عليها السلام فهجرته حتّى توفّيت ، رواه البخاري في صحيحه (1) ، ومسلم في صحيحه (2) ، وأحمد في مسنده (3) ، وروى ابن قتيبة قول فاطمة عليها السلام لأبي بكر : « واللّه لأدعون اللّه عليك في كلّ صلاة أُصلّيها » (4) .
2 - إنّ أبا بكر لا يعرف معنى قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (5) .
3 - إنّ أبا بكر لسانه قد أورده الموارد (6) .
4 - إنّ أبا بكر وعمر انهزما يوم خيبر وأُحد (7) .
5 - إنّ أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى نزل النهي (8) . .
ص: 120
6 - روى مالك في « الموطّأ » عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لشهداء أُحد : « هؤلاء أشهد لهم » ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول اللّه إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي » ، فبكى أبو بكر ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : أئنّا لكائنون بعدك (1) .
7 - إنّ فاطمة عليها السلام قد دفنت ليلاً ، وصلّى عليها الإمام علي عليه السلام ، ولم يؤذن بها أبو بكر (2) .
« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة »
س : أردت أن استفسر عن بعض الأحداث التي جرت على مالك بن نويرة .
لماذا رفض مالك دفع الصدقات لأبي بكر ؟ وهل كان موالياً لأمير المؤمنين عليه السلام كما يقال ؟ وهل حقّاً امتنع مالك من دفع الزكاة ؟ وهل الرافض لدفع الزكاة يحكم عليه بالكفر ؟
ج : ورد في رواياتنا : بأنّ مالك جاء إلى رسول اللّه في أواخر حياته صلى اللّه عليه وآله ، فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأنّ الخليفة بعده أمير المؤمنين عليه السلام ، فولي الأمر الشرعي بنظر مالك وأتباعه كان أمير المؤمنين عليه السلام ، والصدقات لا تعطى إلى أحد إلّا لولي الأمر الشرعي .
فامتنع مالك وقال : ندفع زكاتنا إلى فقرائنا .
ص: 121
ثمّ إنّ المانع من دفع الزكاة لا يحكم عليه بالكفر ، بأيّ صورة من الصور .
« ... - ... - ... »
س : بعد الشكر الجزيل على كلّ الجهود التي تبذلوها في خدمة الإسلام ، أرجو الإجابة على سؤالي التالي والذي يقول : لماذا كان مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار أبو بكر ، ولم يكن أحد سواه ؟
ج : أوّلاً : يجب أن نشير إلى أنّه لم ينفرد في هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبو بكر فحسب ، كما في مفروض السؤال ، بل كان سواه معهما كما سيأتي .
وثانياً : لابدّ من ملاحظة ظروف الواقعة المفروض فيها التكتّم ، وقلّة المصاحب ، والاحتياج إلى معرفة الطريق وغير ذلك .
وثالثاً : إمكان دراسة الموضوع وملاحظته بأشكال متعدّدة ، فقد يقال : إنّه صاحبه خوفاً منه لا عليه ، أو كان يخشى منه البوح ، ولعلّه يشير إليه قوله تعالى : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أو تؤخذ الواقعة كنوع امتحان وفتنة من اللّه سبحانه لعباده .
هذا ولم نجد في رواية من الخاصّة أو العامّة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله طلب من أبي بكر مصاحبته ، أو كان القرار على ذلك ، وهذه نكتة مهمّة ، بل كلّ ما هناك هو أنّه التقى به وهو في حال خروجه من مكّة ، فصاحبه معه ، وهذا قد فسّر بخوفه من أن يفشي عليه ويخبر عنه ، ولاشكّ أنّه صلى اللّه عليه وآله طلب من أبي بكر في الغار أن يسكن وقد أخذته الرعدة ، وأخبره ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وهذه نكتة مهمّة .
ثمّ أنّه قد صحبه صلى اللّه عليه وآله في هجرته عامر بن فهر - مولى أبي بكر - وعبد اللّه
ص: 122
ابن اريقط الليثي - (1) ، بل كان معهم دليل باسم رقيد ، وقيل : هو عبد اللّه بن اريقط الليثي ، وفي أمالي الشيخ الطوسي : « واستتبع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبا بكر ابن أبي قحافة ، وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار » (2) .
وفي بعض الروايات : « إنّ أبا بكر لحق بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد أن أخبره أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه » (3) ، ومثله في تفسير العيّاشي (4) ، بل في « الخرائج والجرائح » (5) : إنّه صلى اللّه عليه وآله رأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسّس عن خبره وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم - فأخرجه معه إلى الغار ، ومثله في « شواهد التنزيل » (6) .
وورد في « الصراط المستقيم » قالوا : إنّما أباته - أي علياً عليه السلام - لعلمه أنّ الإسلام لا ينهدم بقتله ، واستصحب أبا بكر لعلمه بخلافته .
قلنا : قد رويتم أنّه قال صلى اللّه عليه وآله : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... » على أعمار الأربعة ، فكيف يحرص عليه خاصّة دون غيره ، بل قد روي أنّه صحبه خوفاً من أن ينم عليه .
قال ابن طوطي :
ولمّا سرى الهادي النبيّ مهاجراً *** وقد مكر الأعداء واللّه أمكر
وصاحب في المسرى عتيقاً مخافة *** لئلا بمسراه لهم كان يخبر
وله كلام هناك فراجعه (7) . .
ص: 123
مضافاً إلى ذلك يلزم عدم وجود أهمّية لعمر بن الخطّاب ، إذ إنّ ذا الخصوصية هو أبو بكر فقط ، مع أنّ هذا ينافي ما تعتقدونه في عمر بن الخطّاب وموقعيته المهمّة في الرسالة من موافقة اللّه له في آرائه واقتراحاته ، ومن أنّ العدل تمثّل به ، ومات بموته ، فما ذكرتموه من الاستدلال يرد عليكم أيضاً .
« مروة - مصر - ... »
س : ردّ غير مقنع ، أو كان اللّه بغير قادر أن يعيق أبا بكر لو كانت الفكرة من صحبته خشية أن يخبر عن الرسول ؟
ج : إنّ اللّه تعالى قادر على أن يعيق ، لكنّه لا يعيق ، لأنّ ذلك يستلزم الإلجاء والجبر ، كما لم يعق يوم كسرت رباعية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ويوم ضرب بالحجارة في بداية بعثته ، وغير ذلك كثير .
وهذه هي سنّة اللّه في الحياة ، ليتميّز من يفعل الخير أو الشر ، وإتمام الحجّة على العباد ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ) (1) .
وهناك فرق بين أن يجبر اللّه أبا بكر على عدم الإخبار ، وبين تصرّف الرسول صلى اللّه عليه وآله بحكمة وتدبير مع ذلك الموقف .
« بو حلوفة العربي - الجزائر - سنّي - 34 سنة - ماجستير في اللغة الفرنسية »
س : هل يعتبر أبو بكر أولى بالخلافة ؟ ونحن نعلم أنّ الرسول أمره بالصلاة
ص: 124
جماعة ، هل معنى ذلك أنّ الرسول أعطى الشرعية لأبي بكر ؟ بأن يكون الخليفة والإمام الأوّل على المسلمين .
ج : إنّ رواية صلاة أبي بكر مخدوشة سنداً ودلالةً ، فإنّ رواتها بأجمعهم مجروحون - كما نصّ عليه أرباب الجرح والتعديل في الرجال - أو أنّ بعض الطرق مرسلة ، فلا حجّية لها مطلقاً .
وأمّا الدلالة فمردودة بوجوه شتّى ، منها : إنّ أبا بكر كان مأموراً - كغيره من الصحابة - بالخروج مع جيش أُسامة ، والمتخلّف عن أمر الرسول صلى اللّه عليه وآله يعتبر فاسقاً ، وعليه فهل يعقل أن يأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإمامة الفاسق ؟!
هذا ومع فرض قبول الحديث ، فإنّ خروجه للصلاة لم يكن بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والدليل عليه أنّه صلى اللّه عليه وآله لما سمع بخروج أبي بكر للصلاة ، خرج متّكئاً على علي عليه السلام والعباس مع ما كان عليه من شدّة المرض - ونحّى أبا بكر .
« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة»
س : ما هو قولكم في هاتين الروايتين ، الأُولى : عن بعث الإمام علي عليه السلام لإبلاغ سورة براءة ، وردّ أبي بكر .
فقال أبو بكر : بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه ، أنت أمرت علياً أن أخذ هذه الآيات من يدي ؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا ، ولكن العليّ العظيم ، أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ، وأمّا أنت فقد عوّضك اللّه بما حمّلك من آياته ، وكلّفك من طاعاته ، الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أمّا أنّك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، فأنت من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودّتنا » فسري بذلك عن أبي بكر .
والرواية الثانية : قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر : « أما ترضى يا أبا بكر أنّك صاحبي في الغار » ؟ فما هو القول المبين في هذا الكلام من النبيّ صلى اللّه عليه وآله
ص: 125
لأبي بكر ؟ هل هي موضوعة أم من الزيادات ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : إنّ مبنى التحقيق عند علماء الشيعة - خلافاً لغيرهم - يفرض عليهم أن يعرضوا كافّة أسانيد الروايات للنقد العلمي ، فما ثبتت صحّته فهو مقبول ، وما لم تثبت فهم في حلٍّ منه ، ولا يلزم من هذه القاعدة الحكم بالوضع لتمام أجزاء الرواية ، إذ قد يكون الدسّ والتحريف مسّ جزءً منها ، فكلّ ما في الأمر أنّ الحديث الذي لم يثبت سنده بالطريق الصحيح لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال .
وفي مورد السؤال نقول : بأنّ الرواية الأُولى منقولة في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام (1) ، ولا يخفى ما في سندها من ضعف .
وأمّا الرواية الثانية : فهي منقولة في تفسير فرات الكوفي (2) ، ولكن لم يرد لها سند صحيح ومعتبر ، فالحكم عليها كالحكم على الرواية الأُولى .
ومع غضّ النظر عن السند فلا تدلّ الرواية الأُولى على فضيلة خاصّة ، لورود شرط فيها كما ذكرتموه « إن دمت … » ، وينتفي المشروط بانتفاء شرطه كما هو واضح ، وهذا نظير ما صدر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مجال تقريضه لشعر حسّان بن ثابت في غديريّته قائلاً : « لا تزال - يا حسّان - مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك » ، علماً منه صلى اللّه عليه وآله بانحراف حسّان عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُخريات أيّامه ، فهذا من إعلام النبوّة ، إذ هو تنبيه لأبي بكر حتّى لا يزل ، ولا ينسى العهود والمواثيق التي أخذها صلى اللّه عليه وآله عليه ، وتناساها فيما بعد .
وأمّا الرواية الثانية : فليس فيها أيّة فضيلة ، فإنّ مجرد الصحبة لا تدلّ على ميزة ، خصوصاً بعدما نعلم بأنّ هذه الصحبة لم تكن مدروسة ومقصودة من قبل ، بل بعدما أطّلع أبو بكر على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخذه معه ، حتّى لا يطّلع عليه أحد . .
ص: 126
« علي طاهر العبد اللطيف - السعودية - 38 سنة - خرّيج متوسطة »
س : في آية الغار : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) المخاطب هو أبو بكر ، ألا تعد هذه فضيلة له ؟ أرجو إفادتنا بالجواب مع التفاصيل ، واللّه يحفظكم ويجعلكم ذخراً لنشر فضائل أهل البيت .
ج : نرسل لكم مناظرة الشيخ المفيد قدس سره مع عمر في المنام ، ومن خلالها يتّضح الجواب على سؤالكم :
قال الشيخ المفيد قدس سره : « رأيت في المنام سنة من السنين ، كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة ، فيها أُناس كثير ، فقلت : ما هذا ؟
فقالوا : هذه حلقة فيها رجل يعظ .
قلت : ومن هو ؟
قالوا : عمر بن الخطّاب ، ففرّقت الناس ، ودخلت الحلقة ، فإذا أنا برجل يتكلّم على الناس بشيء لم أحصله ، فقطعت عليه الكلام .
وقلت : أيّها الشيخ ، أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول اللّه تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) (1) .
فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر في هذه الآية على ستة مواضع :
الأوّل : أنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وذكر أبا بكر وجعله ثانيه ، فقال : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .
والثاني : وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال : ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .
والثالث : أنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فجمع بينهما بما تقتضي الرتبة فقال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) .
ص: 127
والرابع : أنّه أخبر عن شفقة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ورفقه به ، لموضعه عنده فقال : ( لَا تَحْزَنْ ) .
والخامس : أخبر أنّ اللّه معهما على حدّ سواء ، ناصراً لهما ودافعاً عنهما ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) .
والسادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم تفارقه سكينته قط ، قال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) (1) .
فهذه ستة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار ، حيث لا يمكنك ولا غيرك الطعن فيها .
فقلت له : حبرت كلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه ، وإنّي بعون اللّه سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف .
أمّا قولك : إنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وجعل أبا بكر معه ثانيه ، فهو إخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ؟! فنحن نعلم ضرورة أنّ مؤمناً ومؤمناً ، أو مؤمناً وكافراً ، اثنان فما أرى لك في ذلك العدّ طائلاً تعتمده .
وأمّا قولك : إنّه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فإنّه كالأوّل لأنّ المكان يجمع الكافر والمؤمن ، كما يجمع العدد المؤمنين والكفّار .
وأيضاً : فإنّ مسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار ، وفي ذلك يقول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) (2) .
وأيضاً : فإنّ سفينة نوح عليه السلام قد جمعت النبيّ ، والشيطان ، والبهيمة ، والكلب ، والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة ، فبطل فضلان . .
ص: 128
وأمّا قولك : إنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فإنّه أضعف من الفضلين الأوّلين ، لأنّ اسم الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) (1) .
وأيضاً : فإنّ اسم الصحبة يطلق على العاقل والبهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل بلسانهم ، فقال اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (2) أنّه قد سمّوا الحمار صاحباً ، فقال الشاعر (3) :
إنّ الحمار مع الحمير مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضاً : قد سمّوا الجماد مع الحيّ صاحباً ، فقالوا ذلك في السيف وقالوا شعراً :
زرت هنداً وكان غير اختيان *** ومعي صاحب كتوم اللسان (4)
يعني : السيف ، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأيّ حجّة لصاحبك فيه ؟!
وأمّا قولك : إنّه قال : ( لَا تَحْزَنْ ) ، فإنّه وبال عليه ومنقصة له ، ودليل على خطئه لأنّ قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) نهي ، وصورة النهي قول القائل : لا تفعل ، فلا يخلو أن يكون الحزن قد وقع من أبي بكر طاعة أو معصية ، فإن كان طاعة فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله لا ينهى عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كانت معصية ، فقد نهاه النبيّ عنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه .
وأمّا قولك : إنّه قال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أخبر أنّ اللّه معه ، ن
ص: 129
وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع ، كقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .
وقد قيل أيضاً : إنّ أبا بكر قال : يا رسول اللّه حزني على علي بن أبي طالب ما كان منه ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب .
وأمّا قولك : إنّ السكينة نزلت على أبي بكر ، فإنّه ترك للظاهر ، لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده اللّه بالجنود ، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (2) .
فإنّ كان أبو بكر هو صاحب السكينة ، فهو صاحب الجنود ، وفي هذا إخراج للنبيّ صلى اللّه عليه وآله من النبوّة ، على أنّ هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً ، لأنّ اللّه تعالى أنزل السكينة على النبيّ في موضعين ، كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال في أحد الموضعين : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (3) ، وقال في الموضع الآخر : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (4) ولما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة ، فقال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) ، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدلّ إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان ، فلم يحر جواباً ، وتفرّق الناس ، واستيقظت من نومي » (5) . .
ص: 130
« علي المؤمن - السعودية - سنّي »
س : سؤالي حول آية : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .
إذا كانت الصحبة لا تعبّر عن كرامة لأبي بكر ، وذلك لأنّها تشمل الكافر والمؤمن ، والحيوان والجماد ، وأنّ السكينة لا تنزل إلّا على المؤمنين .
فالسؤال موجّه للشيعة : إذا آمنا بهذه التفاسير فما هي قيمة أبي بكر ؟
هل نعتبره مثل كلب أصحاب الكهف ؟ أعتقد أنّه من واجبنا الاعتراف ، ولو بنسبة 1% أنّ أبا بكر صاحب ، أختاره اللّه ليكون مع النبيّ ، وأنّه لابأس به على الأقلّ .
أمّا بالنسبة للسكينة ، وأنّها لا تنزل إلّا على المؤمنين ، وأنّها نزلت على النبيّ دون أبي بكر ، فإنّنا نرى السكينة نزلت على أبي بكر ، عندما بايع تحت الشجرة ، وأنّه ممّن رضي اللّه عنهم ، حيث كان ممّن حضروا بدراً ، فلماذا هذا الإجحاف في حقّ الرجل ؟
نعم قد يكون مغتصب للخلافة ، لكن علينا أن نكون موضوعيين في تفسير آية الغار ، ولا نقلّل قيمة الرجل - على الأقلّ في هذا الموقف فقط - بشكل يعكس نفسية الشيعة تجاه أبي بكر .
فليس من المعقول أن تكون آية الغار ضدّ أبي بكر ، وليست في صالحه ، فهل أصبحت صحبة النبيّ والسير معه مذمّة ؟!
ج : للإجابة على هذا السؤال لابدّ من الرجوع إلى القرآن الكريم ، والنظر في آياته البيّنات كي يتّضح لنا ما هي وظيفة اللّه تعالى ، وما هي وظيفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وما هي وظيفة الناس تجاه اللّه تعالى والنبوّة .
وبعد معرفة الوظائف الثلاث لتلك الذوات الثلاث نستطيع معرفة الجواب عن السؤال ، أو بالأحرى معرفة أنّ السؤال صحيح أم ليس بصحيح ؟
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يصرّح بأنّ اللّه تعالى غنيّ عن العالمين ، لا يحتاج إلى غيره ، مهما كان ذلك الغير نبيّاً أو من عامّة الناس .
ص: 131
قال اللّه تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (1) .
وقال تعالى : ( وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (2) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (3) .
وقال تعالى : ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ) (4) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنصّ على غنى اللّه تعالى عن كلّ شيء ، موجوداً أو غير موجود ، حيّاً أو غير حيّ ، إنساناً أو حيواناً أو جماداً أو أيّاً كان ، وعليه يتفرّع السؤال التالي وهو : لماذا خلق اللّه الخلق ؟
وهذا السؤال وإن كان خارج البحث لكنّه يرتبط به من قريب ، حيث إنّ التسلسل في البحث يقتضي وجوده ، أو قل : إنّ البحث مبنيّ على نقاط متسلسلة منها هذا السؤال ، فهو وإن كان غريباً عن البحث نوعاً ما ، لكنّه له ارتباط في البحث من جهة أُخرى .
والجواب : إنّ اللّه تعالى خلق الخلق لمصلحة عائدة إليهم ، وراجعة إلى أنفسهم ، إذ لو لم يخلق اللّه الخلق لما كان هناك ثواب وعقاب ، ولا منازل ودرجات ، ولا جنّة ولا نار ، ولا غير ذلك من الأُمور الكثيرة التي أُسّست بعد الخلقة !
وغاية الخلق هي وصول كلّ مخلوق إلى كماله المطلوب له والمرسوم ضمن خطّ سيره ، فالخلق كمال للمخلوق ، بواسطته يستطيع السير والوصول إلى ما يشاء من كمال وفعلية . .
ص: 132
وبعد خلق اللّه تعالى لخلقه ، فما هي وظيفته تجاههم ؟ أو قل : ما هو المطلوب منه ؟ نقول : يدرك العقل بأنّ المطلوب من اللّه تعالى - بعد أن خلق الخلق - أن يعرّفهم بنفسه ، ويرشد خلقه إليه وإلى الطريق الذي رسمه إليهم .
وباعتبار أنّه لا يمكن أن يتّصل اللّه مباشرة مع خلقه ، فرداً كان أو جماعة لاختلاف الذاتين ، فعليه يوجد هناك بين اللّه تعالى وخلقه رسلاً ومبعوثين ؛ يبيّنون ربّهم تعالى للناس ، ويعرّفونهم له ، فإذاً وظيفة اللّه تعالى هي إرسال الرسل ، ولا يتعدّى أكثر من ذلك ، وهذا ما يدركه العقل وينطق به الشرع .
قال اللّه تعالى : ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) (1) .
وقال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ... ) (2) .
وقال تعالى : ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (3) ، فاللّه تعالى عليه إرسال الرسل والأنبياء إلى خلقه بعد خلقهم ، كي يعرّفوا الناس باللّه تعالى ، وبالتعاليم التي كتبها لعباده ، حتّى لا يبقى هنالك حجّة ، وينتفي العذر عمّن اختار الضلال على الهدى .
هذه الوظيفة التي يدركها العقل ونطق بها الشرع لله تعالى ، أمّا الضلال أو الهدى فبيد الإنسان ، ولا مدخلية لله تعالى به ، وإلّا لزم الجبر بالباطل على اللّه تعالى .
فإذاً اللّه عزّ وجلّ لا يجب عليه إلّا أن يرسل رسل تكشف للناس حقيقة خلقهم وسببه ، وتبيّن لهم طريق الهدى من الضلال .
وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم لا نجده يدلّ على عدالة الصحابة ، وإنّ .
ص: 133
للصحبة قيمة بحدّ ذاتها ، ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالموازين الشرعية والقواعد النبوية ، والاستدلال ببعض الآيات الدالّة على المدح ، وترك الآيات الأُخرى الدالّة على الذمّ قسمة ضيزى ، لا ترضي اللّه ورسوله ولا الباحث المنصف المنقّب عن الحقّ ، وإليك شطراً من الآيات التي نزلت في ذمّ بعض الصحابة .
قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) (1) .
وقال أيضاً : ( كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (2) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (3) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (4) .
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ) (5) .
وقال عنهم يوم أُحد : ( حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) (6) . .
ص: 134
وقال عنهم يوم الأحزاب : ( وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (1) .
وقال عنهم : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) (2) .
وقال تعالى عن أصحاب الإفك الذين رموا زوجة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم من الصحابة : ( فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (3) .
وقال عن المظاهر لزوجته وهو صحابي : ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ) (4) .
وقال تعالى في حقّ أبي بكر وعمر - وهما اللذان جُعلا في القمّة وأصبحا هرم الإسلام ورأسه - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) (5) .
حتّى قال ابن مليكة : كاد الخيّران أن يهلكا أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر قال نافع : لا احفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلّا خلافي ، قال : ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ... ) (6) .
ولم يتوقّف اللّه تعالى في توبيخ أبي بكر لرفع صوته عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأجل صحبته في الغار أو غيرها ، بل عاتبهما وأنزل في حقّ رفع الصوت عند النبيّ توبيخاً وتنبيهاً لهما ، ممّا يدلّل على أنّ الصحبة لوحدها لو كانت كافية لما وقع .
ص: 135
التوبيخ على مجرد رفع الصوت .
وقال اللّه تعالى عن الوليد بن عقبة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (1) .
وقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (2) .
وقال تعالى في حقّهم أيضاً : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (3) .
فاللّه تعالى قد بيّن في هذه الآيات أنّ من الصحابة من استمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله ، وأنّ بعضهم تحبط أعماله كما حبطت أعمال الأُمم الماضية ، وأنّ بعضهم يقول ما لا يفعل ، وأن هذا يعقبه مقت كبير عند اللّه ، وأنّهم يتثاقلون كلّما دعوا إلى الجهاد مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّهم يتّكلون على كثرتهم ويعجبون بها ، وينسون أنّ أمر النصر والهزيمة بيد اللّه ، وأنّهم يتنازعون ويعصون الرسول ، وبعضهم يريد الدنيا ، وأنّهم يظنّون باللّه الظنونا ، ويسرّون بالمودّة إلى الكفّار ، وهذا خلاف ما أمروا به من الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين ، وحكم على بعضهم بالكذب ، وحكم على آخرين بأنّهم يقولون المنكر والزور ، وهدّد بعضهم بإبطال الأعمال عندما لا يتأدّبون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويرفعون أصواتهم فوق صوت النبيّ ، وهما الخيّران أبو بكر وعمر حتّى وصلوا إلى الهلاك .
وحكم على بعضهم بأنّهم لا يعقلون ، وعلى آخرين بالفسق ، وحذّر اللّه .
ص: 136
النبيّ صلى اللّه عليه وآله من طاعتهم في كثير من الأُمور ، فكيف يكون عادلاً من تكون طاعته مضرّة ومؤدّية إلى الهلاك وقوانينه ؟
وأخبر اللّه تعالى عن إخلاف بعضهم للوعد ، فيعاهد اللّه ثمّ لا يفي فيتحوّل إلى منافق ، وأخبر بأنّ منهم منافقون لا يعلمهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما أخبر النبيّ من أنّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلّا القليل ، مثل همل النعم .
فإذاً القرآن الكريم قد ذمّ الصحابة ، وأشار إلى أنّ هنالك عيوباً فيهم ، ومن أُولئك الصحابة أبو بكر وعمر ، وقد كادا أن يهلكا كما يقول ابن أبي مليكة ، مع أنّ أبا بكر صاحب النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار ، وهاجر معه ليلة الهجرة ، وزوّج ابنته وخليفته كما تزعمون .
فالصحبة الغارية لو كانت من الحصون التي تمنع من الذمّ والعتاب لما كان هنالك مبرّر لهذا التوبيخ ، وبما أنّ التوبيخ حاصل وواقع فإذاً يدلّنا القرآن على أنّ الصحبة الغارية لوحدها لا تنفع ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالشرع .
وكذلك إذا رجعنا إلى الآثار النبوية نجد أنّها لا تجعل للصحبة وحدها منزلة ووصفاً ممدوحاً ، بل الصحابة أنفسهم ما كانوا يعتقدون بذلك أيضاً كما سنجد .
فالآثار النبوية كحديث الحوض القائل بلسان النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يردن عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري » (1) ، وفي لفظ آخر : « فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (2) .
وكقوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه » (3) ، ومعنى عدم رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله عدم دخولهم الجنّة ، وإلّا لو دخلوها لرأوه صلى اللّه عليه وآله للروايات .
ص: 137
الكثيرة الواردة من طرقهم من رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله بل رؤية اللّه تعالى ، وهي الفيصل الفارق بين المؤمن والكافر .
وهذا الحديث تحقيق لحديث آخر علّقه النبيّ صلى اللّه عليه وآله حينما قال : « إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنّي أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا ، كما هلك من كان قبلكم » (1) .
وهذا الحديث تحقّق في الصحابة كما بيّنه الحديث السابق ، وكما بيّنه علماء السنّة ، قال ابن تيمية : « وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه ... ، وأمّا شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم ، فكان فيهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان » (2) .
فإذاً الآثار النبوية تدلّ على أنّ الصحبة لوحدها لا تكون كافية في حسن السلوك والمدح والعدالة والرضا إن لم يكن معها التزام بالضوابط الرسالية والتعاليم النبوية .
وكذلك الصحابة لم يكن يعتقدون بأنّ الصحبة لوحدها ذات ميزة أو حاجز ومانع يستطيع الصاحب التحصّن به ، وإن خالف التعاليم الإلهية والسنن النبوية ، فهذا ابن عباس يقول : « يقول أحدهم : أبي صحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان مع رسول اللّه ولنعل خلق خير من أبيه » (3) .
وكان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الصحابة الطلقاء الذين لم يسلموا ، ولكن استسلموا يوم الفتح - كما يقول عمّار بن ياسر - وفيهم شرذمة من التابعين ، وهؤلاء نشأوا على بغض علي وأهل البيت عليهم السلام كما اعترف بذلك الذهبي (4) . .
ص: 138
وكذلك تحقّق الارتداد والنكوص على الأعقاب من قبل الصحابة بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما يخبرنا بذلك الصحابي البراء بن عازب عندما سأله المسيّب يقول : طوبى لك صحبت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبايعته تحت الشجرة ، فيجيبه البراء - الذي هو من أصحاب بيعة الشجرة - بقوله : « يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده » !! (1) .
أي إنّنا غيّرنا وبدّلنا فلم تعد تبعيتنا تنفعنا ، مادام لم نلتزم بها من عدم التبديل والتغيير .
فإذاً الصحبة بما هي صحبة لا تجعل لصاحبها فضيلة أو منزلة أو مقام في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية ، وفي كلمات الصحابة ، وفي كلمات العلماء ، كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم .
والصحبة تصبح ذات منزلة وصاحبها محمود إذا انضمّ إليها الالتزام بالقوانين الشرعية ، وعدم التبديل والتغيير والنكوص على الأعقاب ، عند ذلك يكون للصحبة ميزة وفضيلة .
وأمّا ما ذكرته من « أنّ اللّه اختاره ليكون مع النبيّ » فهذا كلام لا دليل عليه ، إذ لم تشر له آية أو رواية أو أثر تاريخي ولو كان ضعيفاً ، فيبقى إطلاق الكلام من دون مسوّغ ومبرّر .
وأمّا نزول السكينة فهي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حسب السياق الذي نزلت فيه الآيات والضمائر السابقة عليها ، قال تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (2) .
فلاحظ الكلمات : تنصروه ، نصره ، أخرجه ، سكينته ، عليه ، أيده .
فهذه الضمائر السابقة واللاحقة كلّها ترجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلا وجه لإقحام أبي بكر في المقام أصلاً ، خصوصاً بعد ملاحظة الهيئة التشكيلية .
ص: 139
للآية ، أو التصوير الفنّي لطرح المسألة ، فهنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخرج من بيته مهاجراً من المشركين ، وهم من خلفه يتّبعوه ويقتفوا أثره ، فليجأ إلى الغار ، ويقتفوا أثرهم إلى الغار ، وهنا يحزن أبو بكر لأنّ المشركين قد أدركوهم ، وتأخذه الرعدة والشدّة والوجد .
وهنا وفي هذه اللحظة يلتفت الرسول إلى أبي بكر مع أنّه متوجّه إلى اللّه تعالى ، وهو في حالة التوجّه يلتفت إليه ويقول : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، ومادام اللّه معنا فلا معنى للحزن إذاً !
وهنا يأتي الجواب الإلهي والنصر الربّاني فتنزّل السكينة عليه ، أي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتأييد الربّاني بجنود من الملائكة يمنعون الكفّار من رؤية الرسول .
فالتصوير الفنّي للقصّة لا ينسجم ويصبح مختلاً إذا أرجعنا ضمير السكينة إلى أبي بكر ، مع غيابه عن القصّة كاملة من أوّلها وإلى آخرها ، وهذا ما ذكره مفسّرو السنّة أيضاً ، فارجع مثلاً إلى : « صفوة التفاسير » ، « روح المعاني » ، « تفسير القرآن العظيم » ، « فتح القدير » ، « تفسير الثعلبي » ، « تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن » ، « تفسير البحر المحيط » ، وغير ذلك من التفاسير التي صرّحت أو نقلت بأنّ أغلب رأي الجمهور هو رجوع الضمير إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
ويمكن تقرير الدلالة بشكل أوضح فنقول : إنّ الآية المباركة ليس فيها دلالة على فضيلة لأبي بكر بتاتاً ، وذلك إنّ الفضل إن كان في قوله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) فليس فيه فضيلة ، وإنّما أبو بكر متمّم للعدد واحد ، فالرسول الأوّل وأبو بكر ثانيه فلا فضيلة في ذلك .
ولا فضيلة - أيضاً - في قوله تعالى : ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) لأنّ ذلك لا يدلّ على أكثر من انضمام شخص إلى آخر في مكان واحد ، وهذا ليس فضيلة ، إذ يمكن اجتماع المؤمن والكافر في مكان واحد .
ص: 140
وكذلك قوله : ( لِصَاحِبِهِ ) ليست فيها فضيلة ، فالصحبة قد تكون بين المؤمن والكافر ، قال اللّه تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) (1) ، وقال تعالى مخاطباً المشركين : ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (2) ، وقال تعالى في قصّة يوسف مع أصدقائه المشركين : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (3) .
بل يمكن إطلاق الصحبة بين العاقل وغير العاقل كقوله :
إنّ الحمار مع الحمير مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب
فإذاً لفظ الصحبة ليس فيه فضيلة .
وكذلك قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) ليس فيه فضيلة ، لأنّ الحزن ليس أمراً حسناً ومرغوباً بلحاظ نهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنه .
وكذلك قوله : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ليس فيه فضيلة ؛ لأنّه يريد أن ينبهه على أنّ اللّه تعالى لا يغفل عنهم وهو معهم ، فلا داعي ولا مبرّر للحزن .
وأمّا قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فالضمير يعود للنبيّ لئلا يلزم التفكيك بين ضمائر الآية المتقدّمة والمتأخّرة ، فثبت أنّ الآية ليس فيها فضيلة لأبي بكر بتاتاً .
ونقول أيضاً : إنّ السكينة بما أنّها جاءت بلفظ المفرد ، وثبت رجوعها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وحده ، فهي إذاً لا تشمل أبا بكر ، وإلّا لو كانت شاملة له لثنّاها اللّه تعالى كما في الآيات الأُخرى ، كقوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (4) . .
ص: 141
وقال تعالى : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (1) .
فلو كان أبو بكر مقصوداً مع الرسول فضلاً عمّا إذا كان وحده - لثنّى بالآية وقال : فأنزل اللّه سكينته عليهما ، مع أنّه أفرد الضمير ، فإذاً أبو بكر لا يدخل في الآية مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله فضلاً عن أن يكون الضمير راجع له فقط .
وقد حاول الآلوسي دفع هذا الكلام بكلام أطال فيه من دون جدوى أو معنى ، وأتعب نفسه في موطن لا يستحقّ فيه ذلك لوضوح المعنى وظهوره ، من شاء فليراجعه (2) .
ونضيف إلى ذلك أمراً آخر وهو : إنّ أهل السنّة في آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (3) ، قالوا بأنّها نازلة في أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ لأنّ سياق الآية يتحدّث حولهن وما يلزمهن ، قال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) (4) .
فيستدلّ أهل السنّة بوحدة السياق على نزول الآية في نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ودخول بقية أهل البيت في الآية دخولاً حكيماً ! مع أنّ الآية واضحة في تبدّل الصورة الفنية فيها واللحن الخطابي إذ إنّ سياق الآيات هو سياق نصح وإرشاد وتهديد ، وانتهاء الآية بنون النسوة ، بخلاف آية التطهير فإنّ الكلام فيها تلطيف وأريحية .
ص: 142
في جوّها وعدم ذكر ضمير النسوة ، وإنّما أوتي بضمير المذكّر .
أقول : أهل السنّة استدلّوا بوحدة السياق لإثبات أنّ آية التطهير واردة في نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ورفضوا ما ذكر من الأدلّة على عدم ورودها في حقّ نساء النبيّ ، بينما هنا في آية الغار يعكسون الأمر تماماً ، فيخرجون الآية من سياقها وصورتها القرآنية الفنية ، والجوّ المشحون بالارتباط بين اللّه ورسوله ، وإنزال السكينة على الرسول صلى اللّه عليه وآله لأجل ذلك الارتباط مع اللّه تعالى ، يخرجون ذلك كلّه ويجعلونه في حقّ أبي بكر ، مع أنّ وحدة سياق الآية وصورتها الفنية واضحة الدلالة على أنّ السكينة نزلت على الرسول صلى اللّه عليه وآله فقط دون غيره !! فما لكم كيف تحكمون ؟ وبأيّ ميزان تكيلون !
« كميل - الكويت - ... »
س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم :
قول أبي بكر قبيل وفاته : « إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهن ، ووددت أنّي تركتهن ... ، وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ... » ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان .
ج : قد روى هذا القول الطبري في تاريخه (1) ، والطبراني في معجمه (2) ، والهيثمي في معجمه (3) ، وغيرهم من كبار علماء أهل السنّة (4) .
ص: 143
« أبو محمّد - البحرين - ... »
س : بعد الشكر الجزيل والدعاء لكم بالتوفيق ، أرجو أن تتفضّلوا علينا بمعلومات ، عن كتاب الشيخ نجاح الطائي ، الذي يثبت فيه عدم وجود أبو بكر في الغار مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهل الكتاب موجود في سجل الكتب في صفحة العقائد ؟
ج :بالنسبة للكتاب فهو غير موجود في موقعنا على الإنترنت ، والكتاب عبارة عن طرح نظرية تقول : بأنّ أبا بكر لم يكن مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار ، وهذا القول هو أحد الأقوال في المسألة ، لا نجزم بصحّته ولا ننفيه ، مادام له مؤيّدات ، وقابل للبحث والنقد والأخذ والردّ .
« كميل - الكويت - ... »
س : بارك اللّه جهودكم ، ووفّقكم لنصرة الحقّ .
أحببت أن أعرف : ما أصل تسمية أبو بكر بالصدّيق ؟ هل كان ذلك في زمن الرسول أم بعده ؟ وهل كما يقول أهل السنّة : سمّي بذلك لتصديقه الرسول ؟ مع خالص الشكر والامتنان .
ج : وردت عدّة روايات تذكر أنّ الصدّيق هو الإمام علي عليه السلام .
فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (1) .
ص: 144
وعنه صلى اللّه عليه وآله : « صدّيق هذه الأُمّة علي بن أبي طالب ، وهو الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم » (1) .
وعن الإمام علي عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب » (2) .
وهكذا وردت عدّة روايات في كتب الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (3) ، أنّ الذي جاء بالصدق هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والذي صدّق به هو علي عليه السلام (4) .
وقوله تعالى : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (5) أنّ مع الصادقين هو الإمام علي عليه السلام (6) .
وقوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ) (7) ، إنّ من الصدّيقين الإمام علي عليه السلام (8) ، وعليه ثبت أنّ علياً عليه السلام .
ص: 145
هو الصادق والمصدّق والصدّيق .
ولكن أعداءه عليه السلام وبالخصوص بني أُمية لم يتحمّلوا هذه المنقبة لعلي عليه السلام ، فأخذوا يفترون أحاديث على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كذباً وزوراً ، ويثبتون هذه المنقبة لأبي بكر منها : « إنّ اللّه جعل أبا بكر في السماء صادقاً ، وفي الأرضيين صدّيقاً » (1) .
ولكن السيوطي جعل هذا الحديث من الموضوعات في كتابه (2) .
وممّا تقدم يظهر أنّ تسمية أبي بكر بالصدّيق لم تكن في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل ولا في زمانه ، وإلّا لاستفاد من هذه المنقبة في إثبات خلافته بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واثبات صحّة تصرّفه في فدك ، بل جاءت التسمية له بعد وفاته .
« معاذ الأردن - سنّي - 33 سنة - طالب جامعة »
س : إنّكم تفترضون سوء النية سلفاً في أبي بكر ، فأدّى هذا الأمر بكم إلى شطحات مضحكة ، لا يتقبّلها عاقل ، من قبيل : إنّ الرسول اصطحب أبا بكر معه لخوفه منه ، أو أنّه وجده في الطريق !
فلماذا لم يفضح الرسول أمر أبا بكر حينما وصل المدينة ؟ وقوي أمره ؟
أمّا قول : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وأنّ الخطاب للرسول بصيغة الجمع ، فإنّ أيّ مطّلع على بديهيات اللغة العربية يرى من الآية أنّ الخطاب هو من الرسول لأبي بكر .
فالرجاء أن تبقوا ضمن حدود المنطق ، ولا تجنحوا بعيداً بسبب حقدكم الغريب على أبي بكر وعمر .
ج : إنّ الشيعة ليست لديها أحكام مسبقة على الآخرين من دون تقييم أعمالهم ، فما صدر عنهم فهو عن دليل وبرهان ، قد لا يخضع له المتعصّب ،
ص: 146
ولكن يرتضيه العقل السليم .
وبالنسبة لقصّة الغار ، فلسنا الوحيدين في هذا المجال ، فقد جاء على لسان بعض علماء أهل السنّة ما يلي : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر علياً فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلهم عليه ، فأخذه معه ، ومضى إلى الغار (1) .
وأيضاً يذكر الطبري في تاريخه : « إنّ أبا بكر كان لا يعلم بهجرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فعندما سأل الإمام علي عليه السلام ، أخبره بذلك ، أسرع ليلتقي بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فرآه في الطريق ، فأخذه النبيّ معه » (2) ، فترى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله إنّما أخذ أبا بكر على غير ميعاد .
وأمّا أنّه صلى اللّه عليه وآله لماذا لم يفضح أمر أبي بكر في المدينة ؟ فهذا يدخل في ضمن المصالح التي كان يراعيها النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مقابل المنافقين ، لأجل الحفاظ على المجتمع الإسلامي من خطر التشتت والانهيار ، إذ كان الناس جديدي عهد بالدين ، فلم يكن من مصلحتهم أن يبادرهم بهذا الأمر .
ثمّ تلك الفقرة من الآية : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) لا تدلّ على فضيلة ثابتة ، أو منقبة خاصّة ، بل قد ثبت عند علماء المعاني والبيان : أنّ التأكيد يدلّ على شكّ المخاطب ، وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك ، والآية مؤكّدة ب- « أنّ » ، فيظهر أنّ مخاطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان شاكّاً في الحقّ ، وهذا أيضاً من بديهيات اللغة العربية !!
« سلمان - البحرين - ... »
س : سؤالي بالنسبة لقول الإمام جعفر الصادق : « ولدني الصدّيق مرّتين » ، هل هذا حديث صحيح ؟
ص: 147
وثانياً : لو كان صحيحاً فهل يعتبر فضيلة لأبي بكر ؟ ودمتم رمزاً للحقّ والعدالة ؟
ج : إنّ قول الإمام الصادق عليه السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين » يتناقله العامّة عند ذكر فضائل أبي بكر .
والحديث ينقله صاحب كتاب « كشف الغمّة » للأربلي - وهو من الإمامية - إلا أنّه صرّح في مقدّمة كتابه فقال : واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى لتقبّله بالقبول .
فنقل في كتابه « كشف الغمّة » : وقال الحافظ عبد العزيز الأخضر الجنابذي وهو من العامّة في ذكر أُمّ الإمام جعفر الصادق ... ، ولذا قال جعفر : « ولدني أبو بكر مرّتين » (1) .
ولكن عندما نقل الفضل بن روزبهان الحديث عن « كشف الغمّة » أضاف إليه الصدّيق ، فصار الحديث : « ولدني أبو بكر الصدّيق مرّتين » ، وهذا شأنهم لرفع فضائل أصحابهم .
ومع التسليم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قاله ، فلا دلالة في كلامه هذا على الثناء والتعظيم ، بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأُمّهات ، لأنّ أُمّ الإمام عليه السلام هي أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فيكون أبو بكر جدّاً لأُمّ فروة من جهة الأب ومن جهة الأُمّ ، فعبّر الإمام عليه السلام بهذا التعبير ، ولا يكون فضلاً ، لأنّ اللّه تعالى يقول : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (2) .
فإنّ أبا بكر وإنّ كان ما كان فإنّه يخرجُ الخبيث من الطيّب ، ويخرج الطيّب من الخبيث ، فهذا سام بن نبيّ اللّه نوح عليه السلام ، ما ضرّ أبوه عمله ، ولا .
ص: 148
نفعه قربه من أبيه ، بل الذي ينفع هو قوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) .
ثمّ إنّ نفس محمّد بن أبي بكر على طرف نقيض مع أبيه ، فهو من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقتل في سبيل الدفاع عن أمير المؤمنين ، ولعلّه يكون السبب في التناسب بين الإمام عليه السلام وبين أبناء محمّد بن أبي بكر .
وخلو الحديث لو سلّمنا به عن لفظة الصدّيق ، أو أيّ لفظة أُخرى سوى أبو بكر يشعر بعدم إرادة المدح .
« أحمد - البحرين - 42 سنة - طالب أكاديمي »
س : هل لكم أن تذكروا الرواية التي تقول : إنّ أبا بكر لم يخرج للصلاة بأمر النبيّ ، وأنّ النبيّ لما سمع ذلك خرج وصلّى بالناس ، ونحّى أبا بكر ، وياليت أن تذكروا سندها ، ودمتم سالمين .
ج : ورد في كتاب « بحار الأنوار » (2) وكتب أُخرى : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة ، وهكذا ورد في بعض كتب أهل السنّة ، مثل « شرح نهج البلاغة » (3) .
ودعوى أنّ ذلك كان بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دعوى باطلة من وجوه :
الأوّل : إنّ الاتفاق واقع على أنّ الأمر الذي خرج إلى بلال - قل لأبي بكر يصلّي بالناس ، أو قل للناس : صلّوا خلف أبي بكر - كان بواسطة بينهما ، لأنّ بلالاً لم يحصل له الإذن في ذلك الوقت بالدخول على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو على الحالة التي كان عليها من شدّة المرض ، وإذا كان بواسطة احتمل كذب
ص: 149
الواسطة ، لأنّ الواسطة غير معصوم عن الكذب ، والخبر المحتمل الكذب لا يكون حجّة ، لجواز أن يكون بغير أمر النبيّ ولا علمه كما تذهب إليه ، ويدلّ عليه خروج النبيّ في الحال لمّا علم ، وعزله أبا بكر وتوليه الصلاة بنفسه .
الثاني : إنّه لو كان بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله لكان خروج النبيّ مع ضعفه بالمرض وتنحيته أبا بكر عن المحراب ، وتوليه الصلاة بنفسه بعد صدور أمره بتقديمه ، مناقضة صريحة لا تليق بشأن من لا ينطق عن الهوى ، لأنّ الاتفاق واقع على أنّ أبا بكر لم يتمّ الصلاة بالناس ، وقد رواه أهل السنّة في كثير من مصنّفاتهم .
الثالث : لو سلّمنا جميع ذلك ، يعني أنّ الأمر من الرسول مشافهة ، وأنّه يدلّ على الإمامة ، لكان خروج النبيّ في مرضه وعزله له مبطل لتلك الإمامة ، لأنّه نسخها بنفسه ، فكيف يكون ما نسخه النبيّ بنفسه حجّة على ثبوته ؟!
ثمّ إنّ عزل النبيّ له بعد تقديمه إنّما كان لإظهار نقصه عند الأُمّة ، وعدم صلاحيته للتقديم في شيء أصلاً ، فإنّ من لا يصلح أن يكون إماماً للصلاة ، كيف يصلح أن يكون إماماً عامّاً ، ورئيساً مطلقاً مطاعاً لجميع الخلق ؟!
وإنّما كان قصده صلى اللّه عليه وآله إن كان الأمر صدر منه أن يظهر نقصه ، وأنّه غير صالح للتقديم للناس ليكون ذلك حجّة عليهم ، ولئلا يكون لهم عذر غداً عند اللّه بجهلهم حال هذا الرجل ، وما أشبه هذه القصّة بإعطاء سورة براءة وعزله عنها ، وإنفاذه بالراية يوم خيبر ، فإنّ ذلك كلّه كان لإظهار نقصه ، وبيان أنّه لا يصلح لشيء من الأشياء ، ولا لأمر من الأُمور البتة ، وأراد اللّه ورسوله إظهار نقصه للناس ليعرفوه فلا يغتروا به ، وإلّا فكيف يأمره بتبليغ آيات من القرآن ، ثمّ يعزله عنها ؟ أتظنّ أنّ ذلك كان تشهّياً من رسول اللّه ؟ كلّا فما كان أمره وعزله إلّا بوحي من ربّه ، لا ينطق عن الهوى .
والعجب ، كيف يستدلّون على إمامته بالصلاة التي عزل عنها ، ولم يتمّها بالإجماع ، ولا يستدلّون على إمامة علي عليه السلام باستخلاف النبيّ له على المدينة يوم غزوة تبوك ، المتّفق على نقله عنه ، وحصوله منه صلى اللّه عليه وآله لعلي ، وعدم عزله عنها بالاتفاق ؟!
ص: 150
« يونس مطر سلمان - البحرين - 17 سنة - طالب ثانوية »
س : قال اللّه تعالى في كتابه العزيز : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... ) ، ويقول الإمام الصادق عليه السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين ... » وهذا حديث صحيح ، والكلّ يعرف أنّ هذه الآية نزلت في حقّ أهل البيت والأئمّة من ذرّيتهم .
ولو رجعنا للإمام جعفر الصادق نرى أنّ أُمّه تنتسب إلى أبي بكر ، معنى ذلك أنّ أبا بكر ذرّية بعضها من بعض ، ونور على نور ، ما هو تفسيركم لهذا ؟! أرجو الردّ مشكورين ، ودمتم موفّقين في رعاية اللّه .
ج : قال اللّه تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (1) .
إنّ الكلام في هذه الآية على من اصطفاه اللّه من الرسل والأنبياء والأوصياء على بقية الخلق ( الْعَالَمِينَ ) ، وأنّ من اصطفاهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، فلا يزال في الناس من آل إبراهيم مصطفى مادام هناك من يحتاج إلى إمام وحجّة على الأرض ، وقلنا : إنّ هذا المصطفى من آل إبراهيم لقوله تعالى : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، وقد ثبت في موضعه بما لا يقبل الشكّ أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وعلي وأولاده المعصومين عليهم السلام هم المصطفون من آل إبراهيم .
فبعد إبراهيم أصطفى إسماعيل وهكذا ، حتّى وصلت إلى هاشم وعبد المطّلب ، ثمّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ بقية الأئمّة عليهم السلام ، فكلّهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) .
ثمّ ليس كلّ ذرّية الأنبياء مصطفون ، وإنّما يصطفي اللّه من اختاره منهم خاصّة .
ولا يمكن أن يكون أبو بكر من المصطفين ، فإنّه وأباه كانا مشركين ، ولأنّه سيكون من بطن دون بطنهم جميعاً ، فلا تصدق فيه ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن
ص: 151
بَعْضٍ ) إذ لا يصدق بين أبي بكر والنبيّ صلى اللّه عليه وآله مثلاً ذرّية بعضها من بعض ، ولاحظ قوله : ( بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) أي بعض الذرّية وهي المصطفاة من بعض الآباء وهم من اصطفي من الأنبياء والرسل والأوصياء السابقين .
فإنّ الوصاية والعلم وميراث النبوّة كان ينتقل في بيوت الأنبياء ، من بيت إلى بيت في ذرّيتهم ، ليس كلّ ذرّيتهم ، وإنّما البيوت المصطفاة ، قال اللّه تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ... ) (1) ، وهي بيوت الأنبياء والرسل والأوصياء .
فإبراهيم عليه السلام هو أصل الشجرة الواردة في القرآن ، وقد ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّها هو وأهل بيته ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (2) .
وإلّا إذا ادعى مدّع أنّ ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) تشمل كلّ ذرّية الأنبياء ، فالبشر كلّهم ولد آدم ، وهو من المصطفين ، فهل البشر كلّهم مصطفون ؟ وأيّ اختصاص إذاً لآل إبراهيم وآل عمران ؟!
ثمّ هل تقول : أنّ أُمّهات الإمام الصادق عليه السلام كن من الرسل أو الأنبياء أو الأوصياء ؟!
ثمّ إنّ التوالد في الذرّية بلحاظ انتقال النطفة من الأصلاب والأرحام ، وهو لا يشمل نسب الأُمّ ، لأنّ قبل الرحم كان في صلب الأب ورحم أُمّ الأب ، وقبله في صلب أب الأب وهكذا ، بنحو دوري لا بنحو مستقيم ممتد في جانب الأُمّهات .
« أبو فاطمة - ... - ... »
س : الوهّابية يستدلّون بهذا القول علينا في المنتديات الحوارية ، بما ورد في « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري
ص: 152
البغدادي ، أنّه قال : جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام فقال : ولّيتم على هذا الأمر أذلّ بيت في قريش ... على أبي فضيل خيلاً ورجالاً ، فقال علي عليه السلام : « طالما غششت الإسلام وأهله ، فما ضررتهم شيئاً ، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجالك ، لولا أنّا رأينا أبا بكر لها أهلاً ما تركناه » (1) ، سأستشيركم قبل الردّ عليهم الأفكار التي لدي حالياً ، هي :
1 - رغم أنّ كتاب شرح النهج هو حجّة عليهم أكثر منّا ، لأنّ شارحه - وهو ابن أبي الحديد معتزلي وليس شيعياً ، ولكنّهم غير مقتنعين .
2 - راجعت كتاب السقيفة وفدك للجوهري البغدادي ، وأطلعت على ما ذكره المحقّق هادي الأميني ، من أنّ كلّ ما ذكره ابن أبي الحديد هو من كتب أهل السنّة ، وليس من كتبنا .
3 - ذكر المحقّق بأنّ النصّ المذكور موجود في تاريخ الطبري 3 / 202 ، عن محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، وقد قال عنه أبو حاتم كما في ميزان الاعتدال 3 / 641 : منكر الحديث .
4 - أنّا حالياً لم أطلع على ما جاء في « تاريخ الطبري » ، ولكن يوجد اسمان متشابهان عندي ، وأنّا وقعت في حيرة من أمري والاسمان هما :
أ - محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف القرشي الجمحي المكّي .
ب - محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي أبو عبد اللّه ، وقيل أبو صفوان البصري .
فلو تلاحظ سيّدي هناك ابن صفوان ، وابن أبي صفوان ، وهذا هو الثقفي ابن صفوان ، هو من قيل عنه : منكر الحديث ، ابن أبي صفوان هو ثقة - وثّقه ابن أبي حاتم - الذي شغل انتباهي هو الثقفي ، فهل هو ابن أبي صفوان ، فقد جاء في كتاب السقيفة وفدك بأنّه الثقفي .
5 - أنا إلى الآن لم أرد عليهم ، فأنّا أنتظر سماحتكم في الردّ عليهم ، وأنا بمشيئة اللّه تعالى سأبحث عن ما هو الاسم بالضبط من خلال الاطلاع على .
ص: 153
كتاب « تاريخ الطبري » من خلال المكتبات .
6 - الإمام علي عليه السلام لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، وقول ابن أبي سفيان هو قبل ذلك ، هذا في اعتقادي ولم آتي بدليل على ذلك ! وأشكركم على الإنصات لي ، واللّه الموفّق .
ج : إنّ البيعة بمعناها المصافقة والالتزام والتعهّد ، لم تصدر من الإمام علي عليه السلام ، إنّما الذي ثبت هو هدنته معهم ، وإشاعتهم وتلقيهم ذلك منه بمنزلة البيعة ، وهذا لم يحصل إلّا بعد ستة أشهر ، كما روى ذلك البخاري والطبري وغيرهما ، ويكفي البخاري ، لأنّ كتابه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه تعالى عندهم .
فقد روى البخاري بسنده إلى عائشة : « أنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّا أفاء عليه بالمدينة وفدك ، وما بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال » ، وإنّي واللّه لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا واللّه لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، واللّه لآتينهم ، فدخل عليه أبو بكر ... » (1) . .
ص: 154
من أنّ علياً لم يبايع إلّا بعد وفاة فاطمة عليها السلام (1) ، بل وفي الحديث ورد : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه علي .
وهناك مصادر أُخرى نحن في غنى عن ذكرها بعد رواية البخاري ومسلم وغيرهما لها ، لأنّها تدلّ على صحّة هذه الرواية ، وأنّ علياً لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، فكان رافضاً للأمر وغير راضٍ به أصلاً .
فهذه شهادة صريحة بعدّة أُمور :
1 - إنّ علياً عليه السلام كان رافضاً وغير راضٍ بها ، وكان سنده في هذا الرفض فاطمة عليها السلام ، فلمّا توفّيت حاك القوم الحبائل للإيقاع به ، فلذلك اضطرّ إلى البيعة .
2 - إنّ علياً عليه السلام يكره عمر بن الخطّاب ، ويكره حضوره .
3 - إنّ علياً عليه السلام استدعى أبا بكر إلى بيته ، وقال : ننظر في الأمر ، فالبيعة غير معلومة أصلاً .
4 - إنّ العداوة واضحة بين الإمام علي عليه السلام وبين الخلفاء ، فلذلك ترى عمر يرفض بشدّة ذهاب أبي بكر إلى بيت علي وحده !! وهذا من الغرائب ، لأنّ بيت علي وفاطمة هو بيت الوصي ، فلماذا يخاف عمر ويرتاب ؟ وخصوصاً قوله : فما عسى أن يفعلوا بي ، أي عمر يخاف منه ، فما سرّ هذا الخوف ؟! وما هو السبب فيه ؟!
إنّ ذلك واضح جدّاً ، حيث إنّ عمر وأبا بكر قد انقلبا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وغصبا حقّ فاطمة وهجما عليها .
والإمام علي عليه السلام إذا كان قد بايع فهو مضطرّ إلى البيعة ، لأنّه ذكر أنّ .
ص: 155
سبب بيعته أنّ راجعة الإسلام قد رجعت ، قال الإمام علي عليه السلام : « فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد صلى اللّه عليه وآله في الناس ، ممّن تولّى الأمر من بعده ، فلبث بذلك ما شاء اللّه ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين اللّه ، وملّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيّام قلائل ... » (1) .
فهذه الخطبة تبيّن سبب مهادنته وإصلاح الوضع القائم ، بما يصبّ في مصلحة ذات الإسلام ، أمّا أنّه هل مدح خلافة أبي بكر ؟ - كما نقلتم في السؤال - فلم تذكره هذه الخطبة الشريفة ، وإنّما بيّنت فقط سبب البيعة ، وأنّه لماذا بايع ، هذا أوّلاً .
وثانياً : ذكر ابن أبي الحديد ما هو خلاف ذلك ، حيث قال : « ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام : وأعهدك أمس تحمل عقيلة بيتك ليلاً على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ... ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد ... » (2) .
فهذا يدلّ على أنّ علياً عليه السلام أجاب خلاف ذلك الذي ذكرتموه ، والذي نقله الطبري ، فهذا صريح في أنّ الإمام علي عليه السلام كان رافضاً للبيعة ، وكأنّه لم يقم لعدم وجود الناصر ، ولم يؤيّد بيعة أبي بكر ، كما رواه الجوهري البغدادي . .
ص: 156
وثالثاً : نقل ابن أبي الحديد قولاً آخر ، أجاب به علي عليه السلام أبا سفيان ، حيث قال : مرّ أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف وأنشد :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم *** ولاسيّما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلّا فيكم وإليكم *** وليس لها إلّا أبو الحسن علي
فقال علي لأبي سفيان : « إنّك تريد أمراً لسنا من أصحابه ، وقد عهد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عهداً فإنّا عليه » (1) .
فإذاً ، الإمام علي عليه السلام أجاب بجواب آخر غير ما نقله الجوهري - كما ذكرتم - وما نقله الطبري .
وأمّا رواية الجوهري التي ذكرتموها فهي ساقطة سنداً ، لأنّ الجوهري ومن يروي عنه غير موثّق في كتب الشيعة ، بل هو موثّق عند أهل السنّة ، لأنّه عالم ومؤرّخ سنّي وليس شيعياً ، وهو غير موثّق عند الشيعة .
قال السيّد الخوئي قدس سره بعد أن نقل عبارة ابن أبي الحديد : أنّه يعتمد في أخبار السيرة على غير نقول الشيعة ، قال : « أقول : صريح كلام ابن أبي الحديد أنّ الرجل من أهل السنّة ... وعلى كلّ حال فالرجل لم تثبت وثاقته ، إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد ... » (2) .
وصرّح السيّد شرف الدين قدس سره في كتابه : بأنّه من إثبات الجمهور وأعلامهم - أي من أهل السنّة - (3) ، وممّا يدلّ على أنّه شيء له روايات جمّة في كتب السنّة .
وهذا المزّي ينقل عن أبي أحمد العسكري في شرح التصحيف في حقّ أبي بكر الجوهري : « وكان ضابطاً صحيح العلم » (4) . .
ص: 157
وكذلك من يروي عنهم أبو بكر الجوهري ، فجميعهم من أعلام السنّة لا الشيعة ، فكيف يحتجّ علينا بما يرويه أهل السنّة ؟! إذ لابدّ أن يكون الاحتجاج علينا بما يرويه الشيعة الإمامية لا غير .
وأمّا كون ابن أبي الحديد شيعي فهذه مغالطة ، لأنّ التشيّع تارة يراد به تقديم علي بن أبي طالب على الشيخين ، وتفضيله عليهما ، مع الاعتقاد بصحّة خلافتهما ، وبأنّهما من العدول المؤمنين ، وهذا يسمّى تشيّع عند الذهبي (1) ، وكذلك عند الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » .
وتارة يراد بالتشيّع هو الإيمان بخلافة علي عليه السلام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه الخليفة الشرعي ، وغيره باطلة خلافته ولا تصحّ ، وهذا يسمّى رفضاً عند جميع أهل الحديث من أهل السنّة ، وخصوصاً السلفية ، كابن حجر والذهبي والألباني والغماري ، وغيرهم .
وعندنا استعمال معاصر لمعنى التشيّع حصل نتيجة كثرة الاستعمال أو الوجود الخارجي ، وهو أن يكون الشيعي مساوي للإيمان بإمامة علي وولده المعصومين عليهم السلام ، والاعتقاد ببطلان خلافة غيرهم .
فهذه استعمالات ثلاثة ، فمن يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، إذ تشيّع ابن أبي الحديد باصطلاح المحدّثين بالمعنى الأوّل - وهو من يقدّم علي على الشيخين - حيث إنّ المعنى الأوّل عند المحدّثين للشيعي هو تقديم علي على الشيخين - خلافاً لابن حجر العسقلاني حيث عنده تقديم علي على معاوية يعني التشيّع - وأمّا تقديمه على الشيخين فهو الرفض الذي يذمّ صاحبه ذمّاً شديداً ، بحيث لا تصحّ روايته ، وهو مبتدع .
وأمّا من يقدّم علي على معاوية فغالباً مطعون فيه لأنّ ابن أبي الحديد يؤمن بأنّ علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر ، إذ قال في أوّل خطبة نهج البلاغة : .
ص: 158
« الحمد لله الذي تفرّد بالكمال ... وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختصّ الأفضل من جلائل المآثر بنفائس المفاخر ... » .
فباعتبار أنّه يؤمن بأنّ علياً أفضل من أبي بكر وعمر ، وأنّهما مفضولان ، فأصبح شيعياً باصطلاح المحدّثين ، لأنّ الأفضل هو المقدّم ، فعلي عليه السلام هو المقدّم ، كأنّه لم يقدّم لمصلحة - كما يقول ابن أبي الحديد - فعليه يكون ابن أبي الحديد شيعي باصطلاح المحدّثين الأوّل ، وهو من يقدّم علي عليه السلام على الشيخين .
لكن ابن أبي الحديد لا يكون شيعياً باصطلاح الثاني للمحدّثين - وهو الإيمان بخلافة علي وبطلان خلافة غيره - لأنّ ابن أبي الحديد من المؤمنين بصحّة خلافة الشيخين والداعمين لها ، وهذا ما يذكره من أوّل الشرح إلى آخره .
وكذلك لا يكون شيعي بهذا المعنى الحديث - وهو الإيمان بالإمامة ، وأنّ علياً إماماً وولده أئمّة - فإنّه بين هذه العقيدة وبين ما يؤمن - كما هو واضح في شرح النهج - بعد المشرقين .
فإذاً من يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، فتصوّر السامع أنّ ابن أبي الحديد شيعي إمامي أو زيدي ، كما ينصرف له هذا اللفظ عند السماع ، مع أنّ القائل يقصد - مغالطة - المعنى الذي يستخدمه المحدّثون ، وهو تفضيل علي عليه السلام على الشيخين ، فانتبه لهذا ، ولا تكن في غفلة عنه ، لأنّ هذا حتّى السلفية لم يفهموه بعد .
وأمّا الرواية التي وردت في « تاريخ الطبري » ، فهي أيضاً ساقطة سنداً ، لكن اشتبه محقّق الكتاب فقال : والحديث ليس بصحيح ، سنده محمّد بن عثمان بن صفوان ، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3 / 641 ، وقال : « قال أبو حاتم : منكر الحديث » (1) .
وفي كلام محقّق الكتاب خطأ ، لأنّ هناك : .
ص: 159
1 - محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف الجمحي الكوفي المكّي .
2 - محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي .
أمّا الأوّل فهو الذي قال عنه أبو حاتم بأنّه منكر الحديث ، وكذلك قال الدارقطني عنه : « ليس بقوي » (1) ، وصرّح في « تقريب التهذيب » : أنّه ضعيف (2) .
وهو لم يقع في سند رواية الطبري أصلاً ، وهنا وقع المحقّق هادي الأميني في خلل .
وأمّا الثاني فهو ابن أبي صفوان وهو ثقة ، كما قال عنه ذلك ابن حجر في « تقريب التهذيب » (3) ، ولعلّه هو المراد في رواية الطبري ، لأنّ الذي ورد عن الطبري محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي غير موجود ، وإنّما الموجود ابن أبي صفوان الثقفي وهو الثقة ، كما قال عنه ابن حجر .
نعم في سند رواية الطبري مالك بن المغول ، وهو متّهم بالميل عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد روى ابن عدي في « الكامل » (4) في ترجمة عبد اللّه بن شريك ، قلت لشريك : هل لك من أخ تعوده ؟
قال : من ؟ قلت : مالك بن مغول .
قال : ليس لي بأخ من أزري على علي وعمّار بن ياسر .
إذاً ، في سند الرواية من هو متّهم بالميل عن علي عليه السلام فلا يمكن الأخذ بها .
مضافاً إلى أنّ رواتها كلّهم من أهل السنّة ، وليس لهم ذكر في كتب الشيعة وتراجمهم ، فلا يمكن الاعتماد عليها .
ثمّ لو تنزّلنا وقلنا : إنّ علياً عليه السلام قد ذكر هذا الكلام وبايع ، فإنّما ذكره ردّاً على أبي سفيان ، لأنّه رأس الطلقاء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر ، .
ص: 160
ويريدون محو الإسلام واستئصال جذوره من الأساس ، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يردّ ذلك على حساب الخلافة ، لأنّ الخلافة أمر واجب على الناس ، وليس على علي عليه السلام ، لأنّ هناك إمامة وخلافة ، والإمامة ينصّبها اللّه ، وعلي عليه السلام إمام بتنصيب اللّه تعالى ، ومن وظائف الإمامة الخلافة - أي أنّ مقام الخلافة الأحق به الإمام - وهذه الخلافة مشروطة بالنصرة ، وأن يبايع الناس علياً ، فيجب على الناس أن يعيّنوا علياً عليه السلام خليفة عليهم وأن ينصرونه ، فعندما خذلوه وعصوا الحكم الشرعي بوجوب نصبه خليفة ، ما كان على علي عليه السلام إلّا المحافظة على بيضة الإسلام من أهل النفاق ، ومن الطلقاء ، ومن الأعراب الذين ارتدوا ، فلذلك كان علياً عليه السلام يهمّه الإسلام أكثر من الخلافة ، إذ الخلافة تجب على الناس أن يعطوها لعلي عليه السلام ، فلمّا عصوا فلم يبق أمام الإمام علي عليه السلام إلّا نصر الدين والمحافظة عليه ، مادام الناس تراجعوا وتقهقروا عن واجبهم الشرعي - وهو نصب من نصّبه اللّه - فلذلك قال : « فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيام قلائل » .
والشاهد على أنّ أبا سفيان كان يبغي ضرب الإسلام ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج حيث قال : « لمّا اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : أما واللّه إنّي لا أرى عجاجة لا يطفئها إلّا الدم ، يا لعبد مناف فيم أبو بكر من أمركم ! أين المستضعفان ؟ أين الأذلّان ! - يعني علياً والعباس - ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش ؟ ثمّ قال لعلي : أبسط يدك أبايعك ، فو اللّه إن شئت لأملأنها على أبي فضل - يعني أبا بكر - خيلاً ورجالاً » (1) .
فانظر إلى خبث هذا الرجل ، فهو يريد أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض ، حتّى يخلوا له الجوّ ، ويرجع إلى الجاهلية ، وأنظر إلى الخيل والرجال التي توعّد .
ص: 161
بها ، فما هي إلّا الاتفاق بينه وبين المنافقين ، وبين من تقدّم من عندهم عندما قدم ووجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد توفّي .
« علي - لبنان - 25 سنة - إجازة في الحقوق »
س : هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر عن صلاة الجماعة المزعومة من كتب أهل السنّة ؟ وفي حال وجد ما هو الحديث ؟ وشكراً .
ج : يمكن أن يقال في ردِّ من يحاول الاستدلال بصلاة أبي بكر بالناس - إن ثبت - في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفي مسجده للخلافة :
أوّلاً - ليست إمامة الجماعة لدى أبناء العامّة منصباً خطيراً ومهمّاً ، أو قيادة شعبية أو دينية في عرف الإسلام ، ولذلك روي في كتبهم القول : صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر ، ولو صحّ أنّ أبا بكر أمّ الناس ، فلم يكن ذلك كاشفاً حسب الموازين - التي يعترفون بها لإمامة الجماعة - أنّ الرجل ذو أهلية ، ويحمل مزية يصلح بها للزعامّة الدينية والسياسية ، بل جملة منهم لا يشترطون البلوغ في إمام الجماعة .
ثانياً - إنّ سحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأمر من اللّه آيات من سورة البراءة ، التي كان أبو بكر مكلّفاً منه صلى اللّه عليه وآله بقراءتها على الناس في موسم الحجّ الأكبر شاهد على أنّ الرجل لا يصلح لأية قيادة وأية زعامة ، وكذلك فشله في فتح قلعة خيبر .
ثالثاً - إنّ الروايات التي رويت من طرق أبناء العامّة في هذا الشأن مختلفة ، بحيث لا يمكن القول بأنّها تحكي عن معنى واحد ، فإليك بعض منها :
« روى الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن مطلب بن أسد قال : لمّا استعز برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال : دعا بلال للصلاة فقال : « مروا من يصلّي بالناس » ، قال : فخرجت فإذا عمر في
ص: 162
الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : قم يا عمر فصلّي بالناس ! قال : فقام ، فلمّا كبّر عمر سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، فقال رسول اللّه : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون ، يأبى اللّه ذلك والمسلمون » ، قال : فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة ، فصلّى بالناس ... » (1) .
هكذا روى ابن زمعة من طريق آخر : « فلمّا سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله صوت عمر ، خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى اطلع رأسه من وراء حجرته ، ثمّ قال : « لا لا ليصل بالناس ابن أبي قحافة » ، يقول ذلك مغضباً » (2) .
ورويت قصّة الصلاة بنحو آخر عن عائشة : « قال الأسود : كنّا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها .
قالت : لمّا مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فقيل له : أنّا أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : « إنّكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فخرج أبو بكر فصلّى ، فوجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجُلين ، كأنّي أنظر إلى رجليه يخطّان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخّر ، فأومئ إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن مكانك ، ثمّ أُوتي به حتّى جلس إلى جنبه .
فقيل للأعمش : وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم » (3) .
وقال ابن كثير : « وقد رواه البخاري في غير موضع من كتابه ، ومسلم والنسائي وابن ماجة ، من طرق متعدّدة عن الأعمش به . .
ص: 163
منها : ما رواه البخاري عن قتيبة ، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية به » (1) .
فينبغي أن تلتفت : إنّ هذا الخبر مع هذه التأكيدات في السند إنّما يثبت إمامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واقتداء أبو بكر به صلى اللّه عليه وآله .
ودعوى أنّ أبا بكر كان إمام الناس لا يعقل ، إذ يعني ذلك أنّ هناك إمامين في صلاة واحدة شخصية .
وقال ابن كثير : « وقال البخاري : ... عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال في مرضه : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه عن عائشة أنّها قالت : لقد عاودت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك ، وما حملني على معاودته إلّا أنّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ، وإلّا أنّي علمت أنّه لن يقوم مقامه أحد إلّا تشاءم الناس به ، فأحببت أن يعدل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن أبي بكر إلى غيره » (2) .
ملاحظة : أترى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يريد أن يتشاءم به الناس ، وعائشة لا تريد ذلك ؟!
ورويت قصّة الصلاة بطريق آخر مختلف عمّا تقدّم ، مع فيما تقدّم من التباين والاختلاف .
عن عبيد اللّه بن عبد اللّه قال : دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدّثيني عن مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟ فقالت : بلى ، ثقل برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وجعه فقال : « أصلى الناس » ؟
قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، فقال : « صبّوا إليّ ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟ .
ص: 164
قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا فأغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟
قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟
قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللّه لصلاة العشاء ، فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أبي بكر بأن يصلّي بالناس ، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً ، فقال : يا عمر صلّ بالناس ، فقال : أنت أحقّ بالناس ، فصلّى بهم تلك الأيّام .
ثمّ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وجد خفّة ، فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس لصلاة الظهر ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومئ إليه أن لا يتأخّر ، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه ، وجعل أبو بكر يصلّي قائماً ورسول اللّه يصلّي قاعداً ... ، إلى أن قال ابن كثير : وفي رواية : فجعل أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللّه وهو قائم ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، ورسول اللّه قاعد ... (1) .
ورواية أُخرى ذكرها ابن كثير عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال : « لمّا مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ وجد خفّة فخرج ، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر .
ثمّ رواه أيضاً عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا ، وقال وكيع مرّة : فكان أبو بكر يأتم بالنبيّ ، والناس يأتمون بأبي بكر » (2) .
ورواية أُخرى تعطي عكس ذلك . .
ص: 165
وعن مسروق عن عائشة قالت : صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه (1) .
وفي رواية أُخرى : « آخر صلاة صلّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به ، خلف أبي بكر » (2) .
وهكذا روايات متعدّدة ، لن تجد روايتين منها تتّفق في المعنى ، فضلاً عن اللفظ ، وذلك دليل على اختلاق القصّة ، والذي روي عن طريق الخاصّة :
عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام يرويه عيسى الضرير : قال : فسألته وقلت : جعلت فداك ، قد أكثر الناس قولهم في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أبا بكر بالصلاة ، ثمّ أمر عمر ، فأطرق عنّي طويلاً ، ثمّ قال : « ليس كما ذكر الناس ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث عن الأُمور ، لا ترضى إلّا بكشفها » .
فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، من أسأل عمّا انتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضلّ غيرك ، وهل أجد أحداً يكشف لي المشكلات مثلك ؟
فقال : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا ثقل في مرضه ، دعا علياً عليه السلام ، فوضع رأسه في حجره وأُغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أخرج فصلّ بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها منّي ، فقالت : صدقت ، ولكنّه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصلّ أنت ، فقال لها : بل يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرّك متحرّك ، مع أنّ رسول اللّه مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه - يعني علياً عليه السلام - فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه السلام : الصلاة ، الصلاة » .
قال : « فخرج أبو بكر يصلّي بالناس ، فظنّوا أنّه بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلم يكبّر حتّى أفاق صلى اللّه عليه وآله ، وقال : ادعوا لي عمّي - يعني العباس - فدعي له فحمله وعلي عليه السلام حتّى أخرجاه وصلّى بالناس وإنّه لقاعد ، ثمّ حمل فوضع على المنبر .
ص: 166
بعد ذلك ، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع وواجم ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا أنّي قد خلّفت فيكم كتاب اللّه فيه النور والهدى والبيان لما فرض اللّه تبارك وتعالى من شيء ، حجّة اللّه عليكم وحجّتي وحجّة ولي ، وخلّفت فيكم العلم الأكبر ، علم الدين ، ونور الهدى وضياءه ، وهو علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل اللّه فاعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا ، واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون .
أيّها الناس هذا علي من أحبّه وتولّاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه اللّه ، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ولا حجّة له عند اللّه ... » (1) .
فقد اتضح لك أيّها الأخ الكريم تضارب روايات القوم في هذه القصّة ، وأنّه دليل على أنّها مختلقة ، وقد قلنا : إنّه إن ثبت لم يكن في ذلك فضل لأبي بكر ، مادام حكم القوم في إمام الجماعة ما قد عرفت .
« محمّد جعفر - ... - ... »
س : إنّ أبا بكر لم يؤذن لحضور جنازة فاطمة عليها السلام ، ليس لأنّه منع من ذلك ، ولكن لأنّ الإمام علي عليه السلام ظنّ أنّ أبا بكر كان يعلم ، لأنّ أسماء بنت عميس - زوجة أبي بكر - كانت قد ساعدت على غسل فاطمة عليها السلام ، فكيف
ص: 167
ترجع إلى بيتها ولا تخبر أبا بكر ؟ هذا ما قاله لي أحد أهل السنّة ، فما هو الجواب ؟
ج : ظنّ الإمام علي عليه السلام لا يكون دليلاً ، على عدم خروج أبي بكر ، والأصل الذي ذكره لا أصل له ، والصحيح عندنا أنّ أبا بكر منع من الحضور على جنازتها عليها السلام بوصية منها .
فقد نقل ابن فتال النيسابوري وصيّتها عليها السلام لأمير المؤمنين عليه السلام ، حيث قالت : « أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقّي ، فإنّهم أعدائي وأعداء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ، ولا من اتباعهم ، وادفني في الليل ، إذا هدأت العيون ونامت الأبصار » .
« ثمّ توفّيت ... واجتمع الناس فجلسوا ، وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة ، فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد أخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلمّا أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وعمّار والمقداد ، وعقيل والزبير ، وأبو ذر وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصّه ، صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل ، وسوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها ... » (1) .
قال الأصبغ بن نباتة : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن علّة دفن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟ فقال عليه السلام : « إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها » (2) .
ويؤيّد هذا ما رواه الصنعاني عن عائشة : « إنّ علياً دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (3) . .
ص: 168
وما رواه ابن شبة النميري عن عائشة : « إنّ علياً رضي اللّه عنه دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (1) .
ولا يخفى أنّ الإمام علي عليه السلام قد صلّى عليها في بيته لا في المسجد للوصية التي أوصت بها عليها السلام .
« حسن أحمد عبد الرزاق - البحرين - ... »
س : هل إنّ أبا بكر كان عادلاً في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ وفي زمان خلافته ؟
ج : إنّ عدالة الصحابي أو عدمها تتبع أعماله وتصرّفاته في حياته ، فلا أصل في المقام لعدالة الصحابة بدون قيد أو شرط ، بل يدخل جميعهم في دائرة التعديل والتجريح .
ثمّ إنّ تصرّفات كلّ شخص وتقلّباته في مختلف شؤون حياته خير دليل على الحكم عليه ، وفي مورد السؤال نذكر لك سيئةً واحدة - على سبيل المثال لا الحصر - تكفي في معرفة الرجل ، وهي شربه للخمر بعد تحريمها (2) .
نعم ، قد حاول البعض تبرير هذا العمل بأنّه كان قبل نزول التحريم .
ولكن يردّه أوّلاً : إنّ التحقيق يدلّنا على أنّ التحريم قد نزل قبله بمدّة ، فإنّ عملية شرب الخمر قد حصلت في عام الفتح - سنة ثمانية من الهجرة - باتفاق أهل الحديث والسير ، والتحريم قد نزل : إمّا في أوائل البعثة أو الهجرة (3) ، وإمّا في سنة أربع من الهجرة (4) ، وإمّا في سنة ست من الهجرة (5) .
ص: 169
وأمّا القول بنزول التحريم في سنة الفتح ، عام ثمانية من الهجرة يوم الشرب المذكور ، فلا يدعمه - على قول البعض - إلّا حديث أحمد ، الذي جاء فيه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد أعرض على شخص كان بصدد إهداء الخمر أو بيعه (1) .
وقصارى ما يستفاد من هذا الحديث أنّ التحريم بلغ هذا الرجل عام الفتح ، لا أنّ التحريم قد نزل فيه ، فلا يعارض الأقوال التي تصرّح بنزول التحريم قبله ، خصوصاً أنّ الرجل المذكور - على ما في حديث أحمد - كان من أعراب البوادي ، فيحتمل قوياً عدم وصول التحريم إليه .
ثانياً : إنّ ذيل رواية شرب الخمر المذكورة خير شاهد على نزول التحريم قبل تلك الواقعة ، إذ جاء فيه أنّ الأمر قد بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقام يجر إزاره حتّى دخل عليهم مغضباً ، وهمّ أن يضرب بعضهم .
وهنا نتساءل : بأنّ التحريم لو لم يسبق هذه الواقعة فما هو معنى غضب الرسول صلى اللّه عليه وآله في المسألة ؟ إذ لو كان مباحاً لم يتأثّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذا الشكل .
وبالجملة ، فلا ينبغي التأمّل في صدق ارتكاب الفواحش والموبقات بالنسبة إليه في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله .
وأمّا بعد حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فمخالفته الوصية بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام لهو دليل واضح لانحراف الشخص وعدوله عن الخطّ المستقيم ، ومن ثمّ زلّة لا تغتفر ، أضف إلى ذلك مبادرته وتأييده الاعتداء على بيت الزهراء عليها السلام ، وضربها وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، خير شاهد على فسق الرجل ، ممّا أدّى ذلك إلى غضب فاطمة عليها السلام عليه بصريح البخاري وغيره (2) .
فمن مجموع هذه الموارد - وموارد أُخرى لم يسعنا التطرّق إليها في هذا المختصر - لا يبقى لدينا أيّ شكّ أو ريب في ثبوت عدم عدالته . .
ص: 170
« محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعي »
س : فيمن نزلت الآية : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ) ؟
ج : إنّ الآيتين في مجال بيان نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها .
أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها كان أبا الدحداح (1) .
وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في حقّ أبي بكر لما يلي :
أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، أو أمير المؤمنين عليه السلام ، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح .
ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه - أبا قحافة - كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال (2) فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن ؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه قبل الآخرين ؟!
وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : « خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : « ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة » ؟ قالا : الجوع يا رسول اللّه .
قال : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، قوموا » ، فقاموا معه ... » (3) .
ص: 171
وهذه الرواية واضحة أنّها بعد فتح الفتوح لأنّ الراوي أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر ، وهي تبطل دعواهم أنّ أبا بكر كان ينفق على مسطح بن أثاثة وقطعها بعد حادثة الأفك ، ثمّ رجع إليها .
وأيضاً فإنّ التقوّل بإغناء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بماله زخرف وباطل ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد استغنى بماله ، ومال كفيله وعمّه أبي طالب ، ومال خديجة عليها السلام في مكّة ، ولمّا هاجر إلى المدينة ، فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أيّ مقطع من الزمن كان صلى اللّه عليه وآله يحتاج إلى ثروة أبي بكر ؟!
ولعلّ لتكلّف هذه المحاولات في شأن النزول المزعوم ، تردّد الآلوسي في تتمّة كلامه في قبول استدلال ابن أبي حاتم ، على ردّ قول الشيعة في هذا المجال ، إذ قال أخيراً : « ... وأطال الكلام - ابن أبي حاتم - في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال » (1) .
« ... - الجزائر - سنّي - 25 سنة »
س : قرأت كثيراً عن ذمّكم ، بل وتكفيركم للخليفة أبي بكر .
أتساءل فقط بيني وبين نفسي ، هل يعقل أن يتحوّل ناصر الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل رجل أسلم في التاريخ ، ولو عدّدت مناقبه على قلّة اطلاعي ما انتهيت ... إلى رجل يسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟
لعمري لولا أبا بكر لهلكت الأُمّة بعد رسولنا صلى اللّه عليه وآله ، أنا واللّه أعلم لا أظنّ أنّ
ص: 172
الأُمور تسير بعبثية مطلقة ، أن يسخّر اللّه رجلاً لنصرة الإسلام ، ثمّ يتنافس على الدنيا ومتعها ؟ لا ، بل ويسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟
هذه بعض من تساؤلاتي أرجو أن تأخذ بعين الاعتبار ، بصّرنا اللّه بعيوبنا ، وهدانا لنعمل كما عمل صحابة الصادق المصدّق لنصرة دين اللّه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
ج : في بادئ الأمر نحن لا نذمّ أبا بكر ، أو نتجاوز عليه بغير حقّ ، وإنّما كلّ ما هنالك أنّنا ننقل عن المصادر المعتبرة عند المسلمين أفعاله وأقواله ، وهي خاضعة للنقد والتمحيص وفق الضوابط الشرعية ، حالها حال أفعال وأقوال بقية العباد .
ثمّ لم يتحقّق عندنا موارد النصرة التي تذكرها عن أبي بكر ، فلم نشهد لأبي بكر موقفاً ، أو مواقف في حروب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يمكن ذكرها أو الإشارة إليها ، وكذلك لم تثبت دعوى أنّه أوّل رجل أسلم في الإسلام .
فقد ورد من طرق أهل السنّة بروايات صحيحة أنّ أوّل من أسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن ذلك ما ذكره ابن ماجة من قول الإمام علي عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين » .
في الزوائد : « هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال ، وقال : صحيح على شرط الشيخين » (1) .
هذا ، وقد ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه حذَّر أصحابه التنافس في الدنيا من بعده : « واللّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخافوا عليكم أن تنافسوا فيها » (2) ، الذي يدلّ مع مجموع أحاديث الحوض الواردة في موضوع الصحابة : أنّ هناك إحداثاً سيحدثها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ستؤثّر على موقفهم الشرعي أمام اللّه تعالى ، لذا يلزم البحث والتفحّص الدقيق عن مواقف .
ص: 173
الأصحاب بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ليصحّ تبنّي موقف شرعي كامل منهم .
« ... - استراليا - 21 سنة »
س : ما اسم أبو بكر ؟ وهل كان من اتباع رسول اللّه ؟
ج : اسم أبي بكر هو عبد اللّه ، وقيل عبد الكعبة ، وقد ذكر أهل النسب وأكثر المحدّثين : أنّ اسمه عتيق ، وعلى أية حال ، فهو ابن أبي قحافة ، عثمان ابن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم .
هناك روايات وردت في كتب أهل السنّة تشير إلى أنّه أوّل من أسلم ، ولكن العلماء المحقّقين ردّوا هذه الدعوى بالتحقيق والبيّنات ، ويمكنك مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني في الجزء الخامس عن أبي بكر وإسلامه وفضائله ، لتتابع هذه التحقيقات بدقّة وشمولية ، وأيضاً يمكنك في الجزء المذكور أن تتابع التحقيق حول فرية الفضائل المنسوبة إليه ، وإدراك البعد السياسي لتدوينها وتسويد الوريقات من أجلها .
وفي رواياتنا : أنّه أسلم طمعاً بعد أن أخبره كهان الجزيرة بأنّ محمّداً صلى اللّه عليه وآله سيظهر على كلّ العرب ، وخير دليل على ذلك ما فعله بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
فمن المعلوم : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد بعثه مع سرية أُسامة قبل وفاته ، وأمره وجمع من كبار الصحابة بالخروج من المدينة للقتال مع أُسامة بن زيد ، ولكنّه تخلّف عن السرية ، وبقي في المدينة ، ولم يمتثل لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى بلغ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك ، فقال قولته المشهورة : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (1) .
وهناك أحداث جليلة جرت بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في عقد البيعة له من قبل عمر
ص: 174
ابن الخطّاب في سقيفة بني ساعده من دون نصّ من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو مشورة للصحابة الكبار ، كعلي عليه السلام والعباس عمّ النبيّ ، وسلمان وعمّار ، وأبي ذر والمقداد ، والزبير وغيرهم ، ممّن تخلّفوا عن هذه البيعة ، ولم يشهدوها .
وأيضاً أخذه لفدك نحلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله للزهراء عليها السلام ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى ماتت - أي ماتت غاضبة عليه كما يذكر البخاري (1) ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث معروف : « إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (2) .
ومخالفاته الكثيرة للكتاب والسنّة ، كمنعه لتدوين الحديث ، وقتله مانعي الزكاة ، وتركه إقامة الحدود ، إلى غير ذلك من الحقائق والوقائع التي تجعل الرجل في مقام المؤاخذة والسؤال ، وإلى درجة أنّ عمر وهو أوّل من بايعه - قد استنكر مبايعته ، أو دعا لقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة ، كما يذكر البخاري عنه : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن اللّه وقى شرها (3) ، وفي رواية : « فمن عاد لمثلها اقتلوه » (4) .
« ... - ... - ... »
س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر حجّ بالناس في العام التاسع للهجرة ؟
ج : قد اختلفت الروايات عند أهل السنّة أنفسهم في إثبات ذلك ، فالمتّفق عليه بحسب رواياتهم هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرسل أبا بكر لتبليغ آيات البراءة لمشركي مكّة في موسم الحجّ ، وبعد ذهابه بأيّام أمر جبرائيل النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يبعث علياً
ص: 175
لتبليغها ، فأخذها الإمام علي عليه السلام من أبي بكر ، فذهب فبلّغها .
ثمّ يبدأ الاختلاف في الروايات ، فأكثرها تثبت رجوع أبي بكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله كئيباً أو خائفاً ، أو مستفسراً مستغرباً ، وهو يقول : « أنزل فيّ شيء » ؟ (1) .
فعلى هذه الروايات يكون أبو بكر قد رجع ولم يحجّ ، لعدم سهولة الذهاب والإيّاب ، للحوق الإمام علي عليه السلام بهم بعد مسير ثلاثة أيّام ، ثمّ الذهاب إلى المدينة والرجوع إليهم ، مع سيرهم وعدم توقّفهم ، إضافة لعدم ورود النقل بذهابه وإيابه في أية رواية من الروايات الكثيرة جدّاً ولو بإسناد ضعيف .
وهناك روايات أُخر تذكر بأنّ أبا بكر لمّا رأى علياً عليه السلام قد التحق بهم ، وعلى ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سأله : أمير أم مأمور ؟ قال الإمام علي عليه السلام : « بل مأمور » (2) .
فهذه الرواية - إن صحّت - فإنّهم يستدلّون بها على مواصلة أبي بكر لأمر الحجّ ، وتركه لأمر تبليغ البراءة لعلي عليه السلام ، ولكن حتّى لو صحّت ، فإنّه يرد على الاحتجاج بها - بمجرد هذه الرواية بمواصلة أبي بكر الحجّ وجعله تحت إمرة أبي بكر - بأنّنا لو دقّقنا في المعنى من ذلك القول ، وقارناه بقوله في رواية أُخرى : « أمير أم رسول » ؟ (3) ، فإنّه يحتمل أنّ أبا بكر قد سأله : هل أنت بأمرك من يريد أخذ آيات براءة وتبليغها ، أم أنّك رسول ومأمور من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؟ .
ص: 176
فأجابه عليه السلام بأنّه رسول ومأمور ، لا آمر بنفسي ومجتهد برأيي ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أرسله على ناقته المعروفة ، والتي لا يستغني عنها بحال ، لكيلا يكذّب أمير المؤمنين ، أو يشكّك بدعوته الإرسال والأمر بذلك منه صلى اللّه عليه وآله .
وبالنظر في الروايات والمواقف الأُخرى فإنّنا نستطيع قول ما يلي :
1 - ما يرجّح كفّة الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر فور وصول الإمام علي عليه السلام كونها أكثر عدداً وطرقاً ، ممّا يقوّي ويصحّح صدورها ، دون التي تذكر بقاء أبي بكر واستمراره ، ولا نستطيع الجمع بين الروايتين ، لأنّ الحادثة واحدة ، والفعل واحد ، ومتون الروايات متعارضة بل متناقضة ، فينبغي ترجيح إحداهما على الأُخرى ، وخصوصاً بما ذكرناه من قوّة وكثرة أسانيدها وطرقها ، وأكثرها تصرّح : بأنّ علياً عليه السلام أخذها منه حينما لحق به ، وذهب بها إلى مكّة ليبلغها ، ولم تذكر الرواية الحجّ أو الطاعة لأبي بكر ، أو المسير معه وتحت إمرته .
2 - وكذلك عدم وجود أيّ حادثة سابقة أو بعثة أو غزوة أو مهمّة يكون فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام مأموراً ، وليس أميراً وقائداً ، إلّا تحت إمارة وقيادة وإمامة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، خلاف أبي بكر وغيره ، فإنّه قد تأمّر عليهم غيرهم ، ممّا يجعلنا نجزم بعدم إمارة أبي بكر في تلك الحجّة ، وعلي موجود فيهم ، وإلّا لأرسله النبيّ صلى اللّه عليه وآله معهم منذ البداية ، أو لبيّنت جميع أو أغلب الروايات ذلك الأمر المهمّ من إمارة أبي بكر للحجّ ولعلي عليه السلام .
3 - لم يذكر أحد المفضّلين لأبي بكر على علي عليه السلام أنّه كان أميراً عليه في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو في الحجّ ، ممّا يدلّ على عدم وجود هذا الأمر ، بل إنّهم كانوا بأمسّ الحاجة لذلك يوم السقيفة ، ولم يستدلّوا على فضل أبي بكر لا بالحجّ بالناس ولا بالإمرة على علي عليه السلام ، بل ينقض عليهم سقيفتهم عزله حينئذ وعدم كفاءته ، وعدم خلافته لمقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
والأحاديث تنصّ بوجوب كون التبليغ من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو من هو منه
ص: 177
كي يؤدّي عنه ، ومعنى « منّي » يستعملها النبيّ صلى اللّه عليه وآله كثيراً ، بمعنى مشابهته واتباع طريقته وسنّته ، والتزامه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله دائماً ومطلقاً ، وقد أكّد ذلك سابقاً بقوله لعلي عليه السلام : « أنت منّي وأنا منك » (1) .
وفي حديث آخر : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » (2) .
4 - إنّ الروايات عموماً تنصّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعث أبا بكر بتبليغ آيات براءة ، ولم تذكر الروايات على بعثه كأمير للحجّ ، وخصوصاً كون الحجّ في ذلك العام مختلطاً ، فيه المسلم والمشرك ، والمتستّرون والعراة ، وكذلك أحكام الحجّ كانت غير متكاملة ، بل مشابهة لحجّ الجاهلية ، بل لم يكن الغرض منها إلّا التبليغ ، والتهيئة لحجّة الوداع ، ولذلك أردفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله بحجّة الوداع ، دعا لها جميع المسلمين ، وقال عندها : « خذوا عنّي مناسككم » (3) ، .
ص: 178
فأيّ حجّ وأيّ مناسك قام بها أبو بكر ، وتشرّف بإحيائها ، أو نشرها ، أو علّمها للمسلمين ؟!
فقد نقل ابن كثير عن ابن إسحاق رواية فيها : « ثمّ مضيا - أبو بكر وعلي - فأقام أبو بكر للناس الحجّ إذ ذاك في تلك السنّة على منازلهم من الحجّ التي كانوا عليها في الجاهلية » (1) .
فالحجّ لم يكن مقصوداً ، بل لأنّه يجتمع فيه المشركون ، فأوقعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الموسم ، ليسمعوا البراءة والأحكام الجديدة في عدم جواز الطواف بعد العام بالبيت عراةً وغير ذلك ، تمهيداً وتوطئة لحَجّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في العام القادم ، وقد أقيلَ أبو بكر عن تبليغ البراءة ، فماذا بقي له ليستمر به ؟!
5 - ما روي من ذكر إمرة أبي بكر في الحجّ ، فمداره والعمدة في إثباته على حديثين ، أحدهما موقوف على تابعي ، وهو حميد بن عبد الرحمن ، يقول : إنّ أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النحر ، نؤذّن بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
قال حميد بن عبد الرحمن : ثمّ أردف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً ، فأمره أن يؤذّن ببراءة ، قال أبو هريرة : « فأذّن معنا علي في أهل منى يوم النحر : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » (2) .
رواه البخاري عن أبي هريرة ، وهو يتعارض مع رواية غير البخاري لحديث أبي هريرة ، مثل رواية محرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : « جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى مكّة ببراءة ، قال : ما كنتم تنادون ، قال : كنّا ننادي : أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت
ص: 179
عريان ... » (1) .
فتلك الرواية لم يخرجها سوى البخاري ، وأمّا رواية محرر هذه ، فقد أخرجها وصحّحها كثير من أئمّة الحديث ، والكتب المعتبرة غير البخاري ! فلا أدري من أين جاء البخاري بهذه الرواية لينفرد بها عن أقرانه من سائر المحدّثين ؟!
وأمّا الرواية الثانية ، وهي رواية النسائي (2) التي تصرّح ببقاء أبي بكر في الحجّ ، فقد رواها عن أبي الزبير عن جابر ، وأبو الزبير معروف بالتدليس المعيب المسقط للرواية ، فهي ساقطة كرواية البخاري عن أبي هريرة .
وكذلك يرد ويشكل على رواية أبي هريرة ما قاله الطحاوي في مشكل الآثار : « هذا مشكل ... فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين ، مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي » ! وهذا يبيّن كذب رواية البخاري عن أبي هريرة لمخالفتها مشهور الروايات .
وأمّا رواية جابر ، فيشكل الاستدلال بها أيضاً ، لأنّها لا تنصّ على إمارة أبي بكر على علي عليه السلام ، لقوله فيها : فقال له أبو بكر : أمير أم رسول ؟ قال : « لا بل أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ببراءة أقرؤها على الناس ... » (3) .
6 - وأمّا الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيظهر منها المباشرة وعدم تأخّره إلى ما بعد إتمام مراسم الحجّ ، فإنّ أدوات العطف المستعملة فيها لا تدلّ على التراخي ، وإنّما المباشرة والاتصال في الأحداث ، كقولهم : فرجع أبو بكر ، فأخذ منه الكتاب ، فانصرف إلى المدينة وهو كئيب ، فقال : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ، وهذا ما أثبته ابن حجر في فتح الباري بقوله : « قال العماد بن كثير : ليس المراد بأنّ أبا بكر رجع من فوره ، بل المراد رجع من حجّته ، قلت : ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة » (4) . .
ص: 180
وأقول مجيباً : أنّ المسافة ليست قريبة أبداً ، فبعض الروايات تذكر أنّ البعث كان بعد ثلاثة أيّام ، والأكثر تؤكّد بأنّ علياً لحق بهم عند الجحفة ، والجحفة أقرب إلى مكّة منها إلى المدينة .
وكذلك لم تذكر أية رواية - ولو ضعيفة أو موضوعة - بأنّ أبا بكر قد رجع والتحق بالبعثة ، بل هناك رواية صحيحة وصريحة تؤكّد إرجاع أبي بكر بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فوراً .
عن أبي بكر نفسه : أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعثه ببراءة لأهل مكّة ، لا يحجّ بعد العام مشرك ... قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ قال لعلي عليه السلام ألحقه فَرُدّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ، قال : ففعل ، فلمّا قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبو بكر قال : يا رسول اللّه ، حدث فيّ شيء ؟ قال : « ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أُمرت ألا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي » (1) .
قال ابن حجر : « في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله ثقات » (2) .
7 - أمّا ما ذكروه من علّة إرسال النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً بدلاً عن أبي بكر - من عادة العرب عند نقض العهود ، بأن يأتي نفس من تعاهد معهم ، أو قريبه لنقض العهد المبرم - فباطل ومردود من وجوه منها :
أ - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان أعلم بهذه العادات وغيرها ، فكم من مشكلة تدخّل بحلّها صلى اللّه عليه وآله ، وكم من مشكلة رآها وصادفها ، بل كم من حديث يذكر فيها للصحابة عادات الجاهلية وأعرافهم لاسيّما الحسنة منها لقوله صلى اللّه عليه وآله : « بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق » (3) ، فلولا علمه بأخلاق وعادات وتقاليد العرب في زمنه .
ص: 181
وغير زمنه لما قال : « لأتمم » ، فإتمامها يدلّ على إقرارها والاعتراف بها ، وهو فرع معرفتها والعلم بها ، فلماذا لم ينتبه لذلك منذ البداية ؟ وكذلك أبو بكر ، فهو عربي وكبير السنّ ، فكيف غابت عنه تلك الأعراف والتقاليد ، حيث بعثه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؟! بل لو سلّمنا عدم معرفتهما لذلك أو نسيانهما ، فكيف استغرب واستهجن عزله عن تلك المهمّة معترضاً سائلاً : أنزل فيّ شيء ؟
وكذلك لم يخبر علي عليه السلام ولا النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه العادة ، ليطيب خاطره ، بل أخبره بأنّ العزل إلهي لا عرفي ولا جاهلي !!
ب - إنّ الروايات جميعاً ذكرت تبليغ آيات براءة ، وليس في شيء من القرآن أو الروايات نقض لعهد سابق ، بل كلّ الروايات تشير إلى أنّ المهلة المحدّدة في القرآن بأربعة اشهر ، كانت لمن كان عهده لأقلّ من تلك المدّة ، أو لمن لا عهد له مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أمّا من كان عهده يطول عن تلك المدّة فعهده إليها ، فالبعث كان لتأكيد العهود واحترامها لا نقضها ، فأين نقض العهد الذي يستدعي أن يحضر من عقده أو قريبه ؟!
ج - هنالك من هو أقرب من علي للنبيّ صلى اللّه عليه وآله نسباً ووجاهة عند قريش ، كعمّه العباس وعقيل وغيرهما ، فلماذا أرسل علياً ؟ الذي أعتذر من النبيّ - كما في بعض الروايات - من عدم قابليته على الكلام بصوت مرتفع بين الناس ، فدعا له النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقال له : « أمّا أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت » ، فوافق على الذهاب لخوفه على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفدائه بنفسه ، وقال : « فإن كان ولابدّ فسأذهب أنا » (1) .
وهذا الإصرار من النبيّ صلى اللّه عليه وآله على علي يؤكّد عدم صحّة ادعائهم ، وخصوصاً أنّ الروايات تؤكّد قوله صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « إلّا أنا أو رجل منّي » ، وقد أكّد مراراً وتكراراً كما روى البخاري وغيره قوله لعلي عليه السلام : « أنت منّي .
ص: 182
وأنا منك » ، وكذلك : « ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » ، فهذه المنزلة وهذا الاختصاص لعلي عليه السلام مع وجود غيره أقرب نسباً ، أو أكبر سنّاً ، أو أكثر قبولاً عند قريش والمشركين ، والإصرار عليه عليه السلام ، لابدّ أنّ وراءه سرّاً ومغزى ؟!
د - بل هناك روايات تنقل أنّ أبا بكر أرسل أبا هريرة وآخرين يؤذّنون في الناس ، وكان علي يؤذّن معهم ، كما يدّعي أبو هريرة ، فيناوبون معه ، فهل هؤلاء المؤذّنون - كأبي هريرة والآخرين الذين أرسلهم أبو بكر - أقرب للنبيّ من أبي بكر ؟ وهل يصلحون لذلك أكثر منه ؟ فلماذا عزل إذاً ؟!
8 - وعلى كلّ حال حتّى لو صحّ أنّه ذهب للحجّ ، وأكمل المناسك ، فإنّه لو تنزّلنا وأثبتنا له ذلك فهي ليست فضيلة ، لأنّ ذلك قد ثبت لمن لا فضيلة له ، ولا سابقة في الموسم الذي سبقه ، فقد أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عتاباً بن أسيد - الذي أسلم في الفتح ، وكان من الطلقاء - على الحجّ عام ثمانية بعد عمرته صلى اللّه عليه وآله ، فهل هذا يعني أنّ عتاباً أفضل الصحابة ؟ أو أنّه صاحب سابقة وفضيلة ، وأفضل أهل مكّة ؟!
ولو طلبنا منكم الإنصاف والتعامل مع الفضائل على حدّ سواء ، فإنّكم أنتم لا تستطيعون أن تجعلوا هذا البعث فضيلة ، لأنّكم حكمتم سابقاً على فضيلة واضحة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّها ليست كذلك ، وذلك حينما خلّفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله على المدينة عندما ذهب إلى تبوك ، وقال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (1) ، وقلتم : بأنّ تخليفه على المدينة ليس فضيلة ، لأنّ .
ص: 183
النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد خلّف عليها سابقاً أُناساً عاديين - كابن أُمّ مكتوم - وجعلتم النصّ المدح له ليس إلّا تطييباً للخاطر ، وأوّلتموه شرّ تأويل ، مع ما ينصّ من عدم الفرق إلّا في النبوّة .
أمّا حادثة أبي بكر ، ففيها العزل وأخذ براءة ، وفيها عدم ثبوت حجّته من أصلها ، وفيها أنّ حجَّه كان كحجّ أهل الجاهلية ، وفيها أنّه لم يمدح من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وفيها أنّه قد حجّ بالناس في السنة الماضية لحجّه أحد الطلقاء ، وكلّ ذلك وأنتم تثبتون الفضيلة ، بل الأفضلية لأبي بكر ، بمثل هذه الأوهام ، وترفضون أيّ فضل لعلي عليه السلام ، ولو نصّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
ص: 184
« ... - ... - ... »
س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول اللّه من كتب أهل السنّة ؟
ج : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة في تلك الأيّام الثلاثة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، ونستدلّ على مدّعانا بأُمور منها :
1 - التناقض الشديد في الروايات ، فمرّة تطلب عائشة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يأمر عمر بالصلاة وليس أبا بكر ، ومرّة تطلب عائشة من حفصة ذلك ، وأُخرى أنّ أبا بكر طلب من عائشة أن تطلب ذلك وتقوله للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأُخرى يؤمر عمر بالصلاة ، فيسمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله صوته ، فيغضب ويقول : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون » (1) ، وأُخرى يقدّم أبو بكر عمر ، فيجيبه عمر : بأنّك أحقّ بها ، ولا يذكر رفض النبيّ لصلاته ، وأُخرى يخرج النبيّ فينظر لهم ويبتسم ويرجع ، وأُخرى يذهب فيصلّي إماماً ، وأُخرى مأموماً خلف أبي بكر ، وهكذا ، فأيّها نصدّق ؟ وهو أمر واحد وحادثة واحدة ، وهذه الأحاديث لا يمكن الجمع بينها ، وكلّها صحيحة عندهم !!
وإجاباتهم عنها بتعدد الأمر والحادثة ، وهذا لا يتلائم ولا يصحّ مهما فعلوا وأوّلوا مع أكثر الروايات ، فمثلاً الرواية التي تذكر إمامة عمر للناس بالصلاة لم يكن أبو بكر موجوداً حينها ، والروايات التي تذكر طلب عائشة وحفصة إمامة عمر بدلاً من أبي بكر لا تذكر أنّ أبا بكر غير موجود ، بل تذكر وجوده وإمامته ، وطلبهن لإمامة عمر إن كان بعد إمامة عمر ، ورفض النبيّ لها ، فذلك لا يعقل ، لأنّ النبيّ أوضح رفضه ، ويكون طلبهن معصية واضحة ، وإن كان طلبهن له قبل إمامة عمر ، فقد بيّن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في جوابه لهن : بأنّ اللّه
ص: 185
يأبى ذلك والمؤمنون ، فكيف اجتهد عمر في مقابل النصّ ؟ وقام بإمامة الناس بعد نصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله على عدم قبول إمامته للصلاة بالناس .
2 - إنكاره صلى اللّه عليه وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكاراً لاذعاً ، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته ، وقوله صلى اللّه عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » (1) ، وهذا التشبيه قال عنه الباجي : « أراد أنّهن قد دعون إلى غير صواب ، كما دعين ، فهن من جنسهن » (2) .
وقال النووي : « قوله صلى اللّه عليه وآله : « صواحب يوسف » أي في تظاهرهن على ما يردن وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسف عليه السلام عن رأيه في الاعتصام ... » (3) .
وإمّا قول من قال بأنّ وجه المشابهة في إظهار خلاف ما في الباطن أو لكثرة الإلحاح فقط ، فذلك الفعل لا يستحقّ هذا التشبيه وهذا التوبيخ ، وأخلاق النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرفع من أن ينكر على نسائه ويشبههن بنساء عاصيات ، وهو على تلك الحال من عدم استطاعته الخروج للصلاة !! وخصوصاً فإنّ نواياهن وما في الباطن الذي كشفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولم تبح به إحداهن أبداً ، إنّما كان نية حسنة وليس منكراً أو معصية ، وإنّما هو أمر مشروع بل مستحبّ .
والمعروف لدى الجميع ، بأنّ صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ، ولا مراجعة له أو إلحاح في شيء ، وإنّما افتتن بأسرهن بحبّه ، وأرادت كلّ واحدة منهن مثل ما أرادت صاحبتها فأشبهن حالهن ، ولهذا التفسير شاهد يدلّ عليه ، وهو عن ابن عباس قال : « لمّا مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، كان في بيت عائشة ، فقال : « أدعو لي علياً » ، قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر ، قال : « أدعوه » ، قالت حفصة : يا رسول اللّه ندعو لك عمر ، قال : .
ص: 186
« أدعوه » ، قالت أُمّ الفضل : يا رسول اللّه ندعو لك العباس ، قال : « أدعوه » ، فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً فسكت .
فقال عمر : قوموا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر يصلّي بالناس » ، فقالت عائشة : إنّ أبا بكر رجل حصر ، ومتى لا يراك الناس يبكون ، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس ، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس ، ووجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله من نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ... ومات في مرضه ذاك عليه السلام » (1) .
فهذا النصّ للحديث يدلّ قطعاً على حال قوله صلى اللّه عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » ، فطلبه صلى اللّه عليه وآله علياً ، وعدم طاعته في ذلك ، وأنّ كلّ واحدة منهن أرادت ما تحبّ وتريد ، لا ما يريده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أي كلّ واحدة أرادت لنفسها ما أرادت الأُخرى ، وهذا ما صدر من صواحب يوسف .
أمّا ما أوّله أكثرهم من أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أراد صاحبة يوسف لا الصواحب ، وكذلك قال : « إنّكن » وأراد عائشة ، فهو تحريف واضح ، وخلاف للظاهر ، بل يشهد على بطلانه شاهد واضح ، وهو قول حفصة لعائشة بعد هذا القول من النبيّ : واللّه ما كنت لأصيبَ منك خيراً .
وقال نفس هؤلاء المؤوّلين : لعلّها تذكّرت من عائشة أيضاً مسألة المغافير ، فهذا القول ألا يعني شمولها بقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهل فهمت حفصة منه الإلحاح البريء من الطلب ؟ أم التظاهر وطلب الفضل والاختصاص بخلاف إرادة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وصرفه عنها إلى ما يُرِدن .
3 - إنكاره صلى اللّه عليه وآله لتلك الصلاة ، والاهتمام ببيان ذلك بوسائل متعدّدة على ما كان يعانيه صلى اللّه عليه وآله من ثقل ومرض ، فمرّة يسمع عمر يصلّي فيقول : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون » ، ومرّة يسمع أبا بكر يصلّي ، فيخرج يهادى .
ص: 187
بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقولون : وجد في نفسه خفّة - فأي خفّة هذه التي لا يستطيع معها لا المشي ولا الوقوف ؟ بل جلس وعزل أبا بكر عن إمامته وبيّن رفضه - بسوء حالته وجلوسه مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (1) .
وتأوّلوا ذلك أيضاً وقالوا : إنّه منسوخ بفعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأخير في مرضه ، فهلا بيّن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك النسخ ، أو فهمه أحد الصحابة ، بل ثبت أنّ أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري صلّيا بجماعة ، وهم قعود مرضى ، وأمروا جماعتيهما بالجلوس ، واثبتوا الحديث الذي سردناه في وجوب صلاة المأمومين جلوساً أن صلّى الإمام جالساً ، فأيّ بيان بعد هذا يبيّنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله برفضه لإمامة أبي بكر وإبطال صلاته ، كما فعل مع عمر .
فقد نقل : أنّهم تفرّقوا عن عمر لمّا سمعوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ينكر إمامته ، ونقلوا : أنّ أبا بكر قد أعاد صلاتهم لمّا رجع عن السفح ، الخ .
ويشهد لكلامنا قول السندي عند شرحه حديث مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله وصلاته : « واستدلّ الجمهور بهذا الحديث على نسخ حديث إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً ... وهذا يفيد الاضطراب في هذه الواقعة ، ولعلّ سبب ذلك عظم المصيبة ، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة لا يخلو عن خفاء ، واللّه تعالى أعلم » (2) .
4 - بعض الروايات تصرّح وبعضها تشير إلى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يصدر عنه أمر لأحد معيّن للصلاة بالناس ، فصلاة عمر بالناس بأمر عبد اللّه بن زمعة لا بأمر .
ص: 188
النبيّ ، وإنّما قال له صلى اللّه عليه وآله : « مر الناس فليصلّوا » (1) ، وكذلك الرواية الأُخرى التي يرويها أحمد عن أنس قال : لمّا مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي توفّى فيه ، أتاه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال بعد مرّتين : « يا بلال قد بلّغت ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليدع » (2) ، فجعل روحي فداه بعد تبليغه وإنكاره عليهم ما عقدوه من جماعة بإمامة أبي بكر أو عمر المشيئة لهم بالصلاة ، أو عدم الصلاة ، كما قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (3) .
ويدلّ على إنكاره صلى اللّه عليه وآله لفعلهم وإصراره عليه رواية البخاري عن أنس : « إنّ المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلّي بهم ، ففاجأهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظنّ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله حين رأوه ، فأشار بيده أن أتمّوا ، ثمّ دخل الحجرة ، وأرخى الستر ، وتوفّي ذلك اليوم » (4) .
ويتّضح منها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان في حالة صحّية أفضل من تلك ، وأنّه قام لوحده ورفع الستر ووجه مستنير ، فلماذا لم يخرج ويصلّي جماعة ؟ وقد صلّى قبلها وهو يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ؟! فإن كان هناك حريص على الجماعة كما تزعمون ، فيجب أن يكون هنا أحرص كما هو واضح ، وإن كان بتلك الحالة يقصد التنبيه إلى إنكاره إمامة أبي بكر للناس ، فهنا الدلالة أوضح ، لأنّه يستطيع الصلاة معهم ولم يصل . .
ص: 189
وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ... ، ولم يفهموا رضا النبيّ صلى اللّه عليه وآله على حالهم كما يزعمون ، وإلّا لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومه صلى اللّه عليه وآله ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟
ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر في حياته صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأشار إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد اللّه ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فصلّى بالناس » (1) .
فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما .
ص: 190
تعوّد في سائر أحواله ، بل دخل مسرعاً حتّى لا يشغله شاغل في البيت ، ليبيّن إنكاره بصورة مهذّبة كما عوّدنا دائماً .
5 - وممّا يكذّب التعيين ويصطدم معه مسألة اهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يصلّي هو بنفسه ، وعدم استسلامه للمرض الشديد الذي كان يعانيه ، فقد أُغمي عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرّة يصرّ على الخروج والصلاة بالناس ، ويتوضّأ حتّى يغمى عليه من شدّة المرض ، ولم يترك ذلك حتّى سمع أصواتهم يصلّون ، فخرج وأنكر ، وفعل ما فعل بصلاته ، وخروجه وهو يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ، وعزله أبا بكر ، بل صلّى قاعداً وبقي المسلمون قائمين ، مع قوله لهم مراراً وتكراراً ، وتطبيقاً : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً ، وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (1) .
وبرّروا هذه المخالفة بقولهم : بأنّ أبا بكر كان مأموماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والناس يأتمّون بأبي بكر ، وهذه المخالفة وهذا التبرير أسوأ من الذنب ، إذ لا توجد لدينا في الإسلام صلاة ذات إمامين ، بل ثبت أنّ هناك مخالفتين عند المسلمين في تصرّفهم ذاك ، لا يمكن تأويله أو قبوله .
فينبغي القول : بأنّ المسلمين اختاروا أبا بكر إماماً برغم إنكار النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك ، كما أنكر إمامة عمر في السابق ، ويأتي أبو بكر بعد ذلك ليقدّمه ، ويجيبه عمر : بأنّك أولى بها منّي ، كما فعلوا في سقيفة بني ساعدة ، حذوَ القذة بالقذةَ ، ويشهد على قولنا هذا ما قاله ابن عمر وابن عباس والإمام علي عليه السلام للمسلمين ، حينما كانوا يبلّغون أحكاماً مخالفة للأحكام الصادرة عن الشيخين ، فيقول ابن عباس : « ألا تخافون أن يخسف اللّه بكم الأرض ، أقول .
ص: 191
لكم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (1) .
ويدلّ أيضاً على تفضيلهم أبا بكر وعمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وميلهم لهما ومن دون دليل ، حديث ابن عمر : « كنّا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله فلا نفاضل بينهم » (2) .
وعن ابن عمر أيضاً : « كنّا نقول في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من يكون أولى الناس بهذا الأمر ؟ فنقول : أبو بكر ثمّ عمر » (3) .
وغيرها من أدلّة وافية كافية تدعم ما ذهبنا إليه من ميلهم وانحرافهم عن أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله نحو أبي بكر وعمر .
وأخيراً : فممّا يبطل ذلك الأمر المزعوم هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شدّد وأكّد في إنفاذ جيش أُسامة ، وفيه كلّ شيوخ قريش ، حتّى إنّهم اعترضوا كيف يولّي فتى لم يبلغ مبلغ الرجال على شيوخ قريش ؟ واعترضوا وأبوا أن يخرجوا ، وقرعهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهو مريض يشتكي رأسه ، فخرج معصوب الرأس ، مرتقياً المنبر رادّاً عليهم ، فعن ابن عمر قال : أمّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أُسامة على قوم ، فطعنوا في إمارته ، فقال : « إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم اللّه لقد كان خليقاً للإمارة ... » (4) .
وهذا الحديث يبيّن أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أراد أن يخرج الجميع سوى أهل بيته نفيراً عامّاً ، وأمّر عليهم فتى صغيراً ، وكلّ ذلك قبل أن يمرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكنّهم .
ص: 192
اعترضوا وأبوا الخروج والانقياد لعبد أسود صغير السنّ ، فمرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله قبل أن يخرجوا ، فأخّروا أنفسهم كثيراً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يزداد مرضه ، وهو يستصرخهم : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (1) ، حتّى خرجوا ورجعوا ، وخرجوا وعسكروا قريباً من المدينة ، ثمّ أصرّوا على المعصية ، وحدث ما حدث من رجوعهم وتركهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله مسجّى ، وذهبوا ليتآمروا في السقيفة .
فهذه أحوالهم وهذه طاعتهم ، فانظر بإنصاف لقضية الصلاة وبعث أُسامة ، فسترى ما فيهما من تشابه ، وقارن بين إرادة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإرادة البعض من المسلمين .
ولنا هنا أن نسأل : كيف يأمر النبيّ أبا بكر بالصلاة وهو يعلم أنّه بعثه في جيش أُسامة ؟! ثمّ كيف يكون أبو بكر في المدينة ليؤمّ المسلمين في المسجد ، وهو خارجها معسكراً في سرية أُسامة ؟! .
ص: 193
ص: 194
« اللواتي - عمان - ... »
س : يقول المعصوم عليه السلام : « لولا الحجّة لساخت الأرض » ، ومن المعلوم أنّ الحجّة في يومنا هذا هو الإمام المهدي عليه السلام ، فمن هو الحجّة في الفترة التي قبل أن يكون النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله حجّة ؟
ج : قد جاء في رواياتنا ، أنّ الحجّة قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو أبو طالب رضي اللّه عنه .
قال العلّامة المجلسي قدس سره : « وقد أجمعت الشيعة على إسلامه ، وأنّه قد آمن بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قط ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام ... » (1) .
ولكنّه كان يعمل بالتقية ، أي لم يظهر أنّه حجّة ، وإلّا لقتل كأهل الكهف .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان ، وأظهر الشرك ، فآتاه اللّه أجره مرّتين » (2) .
ص: 195
« إبراهيم عبد اللّه - السعودية - ... »
س : هل صحيح أنّ آية : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) نزلت في أبي طالب ؟
ج : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيت عليهم السلام ، فوضع في حقّ الإمام علي عليه السلام وأبيه أبي طالب عليه السلام الأراجيف والتهم انتقاماً منهما .
ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالب عليه السلام مات مشركاً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في « صحيح البخاري » عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلّا اللّه ، كلمة أحاج لك بها عند اللّه ، فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ) (1) .
وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة .
والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية .
أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن
ص: 196
القادحين فيه ابن أبي الحديد في « نهج البلاغة » (1) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن علي عليه السلام ، وأنّ في قلبه شيئاً منه .
إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح علي عليه السلام من شخص متهم عليه ؟
وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : « من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على اللّه أن لا يناقشه الحساب » (2) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالب عليه السلام .
وأمّا الآية ففيها :
1 - تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام .
فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسول صلى اللّه عليه وآله لعمّه - وهو كذلك - ولم ينقطع إلّا عند نزول هذه الآية : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ... ) .
وهنا نتساءل : كيف جاز للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية ؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ) (3) فهل يجوز للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين ؟
2 - هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية .
على سبيل المثال : .
ص: 197
أ - عن الإمام علي عليه السلام قال : « سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فنزلت الآية المذكورة » (1) .
ب - وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم ؟ فنزلت (2) .
3 - اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار .
إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ .
4 - لو سلّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك .
والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالب عليه السلام ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً .
« بدر - عمان »
س : ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟
ص: 198
ج : فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب عليه السلام تبعاً لأئمّتهم عليهم السلام .
والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : « منية الراغب في إيمان أبي طالب » للشيخ الطبسي .
وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : « أبو طالب مؤمن قريش » للأُستاذ عبد اللّه الخنيزي .
هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني قدس سره في الجزء السابع والثامن منه .
وقد نقل العلّامة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في « أسنى المطالب » ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : « شهاب الأخبار » ، والتلمساني في « حاشية الشفاء » ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر (1) .
بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :
1 - ما روي عن الأئمّة عليهم السلام والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد .
2 - نصرته للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته .
ص: 199
بمكانته في قومه ، وحتّى بولده ، أكبر دليل على إيمانه .
3 - استدلّ سبط ابن الجوزي على إيمانه ، بأنّه لو كان أبو طالب كافراً ، لشنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعداء الإمام علي عليه السلام (1) .
4 - تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً ، فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه ، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : « فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنّه لم تكن آحادها متواترة ، فمجموعها يدلّ على أمر مشترك ، وهو تصديق محمّد صلى اللّه عليه وآله ومجموعها متواتر » (2) .
5 - قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن .
وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة (3) .
6 - ترحّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته ، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلّا على المسلم .
7 - وبعد كلّ ما تقدّم نقول : إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه ، إنّما يستفاد من أُمور أربعة :
أ - من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين .
ب - من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة .
ج - من موقف النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله منه ، فالموقف المرضي ثابت منه صلى اللّه عليه وآله تجاه .
ص: 200
أبي طالب على أكمل وجه .
د - من إخبار المطّلعين على أحواله عن قرب وعن حسّ ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه ، وقد قلنا : إنّهم مجمعون على ذلك .
بل إنّ نفس القائلين بكفره لمّا لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية حاولوا : أن يشبّهوا على العامّة بكلام مبهم لا معنى له ؛ فقالوا : إنّه لم يكن منقاداً !!
ومن أجل أن نوفي أبا طالب بعض حقّه ، نذكر بعض ما يدلّ على إيمانه ، ونترك سائره ، وهو يعدّ بالعشرات ، لأنّ المقام لا يتّسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، وهي :
1 - قال العباس : يا رسول اللّه ، ما ترجو لأبي طالب ؟ قال : « كلّ الخير أرجوه من ربّي » (1) .
2 - قال ابن أبي الحديد : « روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطّلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أنّ أبا طالب ما مات حتّى قال : لا إله إلّا اللّه ، محمّد رسول اللّه » (2) .
3 - كتب أمير المؤمنين عليه السلام رسالة مطوّلة لمعاوية جاء فيها : « ليس أُمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق » (3) .
فإذا كان أبو طالب كافراً ، وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضّل الكافر على المسلم ، ثمّ لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان ؟! .
ص: 201
4 - ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوله : « إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأُمّي ، وعمّي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية » (1) .
5 - وعنه صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « إنّ اللّه عزّ وجلّ قال له على لسان جبرائيل : حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك » .
أمّا الصلب فعبد اللّه ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه - يعني أبا طالب ، وفاطمة بنت أسد - وبمعناه غيره مع اختلاف يسير (2) .
« ... - السعودية - ... »
س : ما هو رأيكم حول حديث الضحضاح ، وهو ما نقله بعض كتب العامّة مستدلاً به على عدم إيمان أبي طالب ، وهو كالآتي : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن أبي طالب : « وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح » أو : « لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه » (3) ؟
ج : هذا الحديث مردود وغير مقبول سنداً ودلالة لأمرين :
الأوّل : رواة هذا الحديث ضعفاء في غاية الضعف ، وهم سفيان بن سعيد الثوري ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز بن محمّد الدراوردي ، وهم بين مدلّس ، وسيء الحفظ ، وضعيف ، وكثير الغلط ، ومخلّط و ... (4) .
إذاً ، هذا الحديث ساقط من حيث السند ، ولا يمكن الاستدلال به على المدّعى .
ص: 202
الثاني : مضمون هذا الحديث يصطدم مع دلالة عشرات الأحاديث والأخبار التي تصرّح وتشير إلى إيمان أبي طالب عليه السلام ، وبهذا تسقط دلالته عن الحجّية لأجل التعارض المذكور .
وبالجملة : فالحديث المذكور هو من وضع النواصب ، يظهرون به حقدهم للنيل من شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فلو كان أبو طالب عليه السلام أباً لأحد خلفاء الجور لم تثار حوله هذه التهم والأكاذيب .
والذي نرويه في أبي طالب : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال على جنازته : « وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربّيت ، وكفلت صغيراً ، ونصرت وأزرت كبيراً » (1) ، وتألّم كثيراً على موته .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « يا يونس ما يقول الناس في إيمان أبي طالب » ؟ قلت : جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح من نار يغلي منها أُمّ رأسه ، فقال : « كذب أعداء اللّه ، أنّ أبا طالب من رفقاء النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا » (2) .
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان جالساً في الرحبة ، والناس حوله ، فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك اللّه ، وأبوك معذّب في النار ، فقال له : « مه ، فضَّ اللّه فاك ، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه ، أبي معذّب في النار وابنه قسيم الجنّة والنار ، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلّا خمسة أنوار ، نور محمّد ونور فاطمة ، ونور الحسن والحسين ، ونور ولده من الأئمّة ، إنّ نوره من نورنا ، خلقه اللّه من قبل خلق آدم بألفي عام » (3) .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قيل له : إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في .
ص: 203
ضحضاح من نار ، فقال : « كذبوا ، ما بهذا نزل جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله » ، قلت : وبما نزل ؟ قال : « أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه ، فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : إنّ أصحاب الكهف اسرّوا الإيمان واظهروا الشرك ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين ، وإنّ أبي طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فأتاه أجره مرّتين ، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من اللّه تعالى بالجنّة » .
ثمّ قال عليه السلام : « كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب : يا محمّد أخرج عن مكّة ، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب » (1) .
فهل من الصحيح أن نصدّق هؤلاء الرواة الكذّابين والمدلّسين في روايتهم هذه ؟ ونكذّب أهل البيت عليهم السلام الذين طهّرهم اللّه تطهيراً ؟
« محمّد - ... - ... »
س : ما تقولون حول هذه الآية : ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (2) .
فقد زعم بعض العامّة أنّها نزلت في أبي طالب ، إذ كان هو يمنع الأذى عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولكن في نفس الوقت لم يؤمن به ، وهذا الإدعاء جاء في كتبهم اعتماداً على بعض الروايات (3) ؟
ج : هذا أيضاً من المزاعم المكذوبة في سبيل دعم الباطل ، ولا يبتني على هذا
ص: 204
أيّ أساس علمي متين ، فإنّ الرواية المزعومة في الموضوع هي مرسلة فلا تكون حجّة ، هذا أوّلاً .
ثانياً : إنّ الرواة المذكورين في الرواية لا يمتلكون المواصفات اللازمة للوثاقة ، فحبيب بن أبي ثابت كان مدلّساً ، ومغموزاً ، ولا يتابع على أحاديثه (1) .
وسفيان الثوري أيضاً كان مدلّساً ، ويكتب عن الكذّابين (2) ، ثمّ مع هذا هل يبقى أدنى شكّ في كذب الحديث ؟!!
ثالثاً : ورد عن ابن عباس بعدّة طرق ، ما يدلّ على أنّ الآية نزلت في حقّ مطلق المشركين بنحو عامّ ، وأيضاً جاء هذا التفسير الصحيح للآية عن الآخرين (3) .
وبهذا يظهر القول الفصل في الآية ، ويفنّد مزاعم الكذّابين .
رابعاً : الظهور الأوّلي المتبادر من الآية بغض النظر عن الروايات والتفاسير - هو أنّ الفعلين المذكورين في الآية ينهون وينأون على نمط واحد في جهة الإيجاب أو السلب ، فلا يتبادر من الآية أنّ الفعل الأوّل - ينهون - هو أمر إيجابي ومطلوب ، وفي نفس الوقت الفعل الثاني ينأون مذموم ومردود ، بل الاثنان هما من طبيعة عمل الكفّار في قبال الإسلام والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهذا ما يؤيّده أيضاً سياق الآيات السابقة عليها ، إذ تصرّح بأنّ موضوع الآية هم الكفّار .
خامساً : إنّ الرواية المزعومة متعارضة مع الأدلّة الصريحة على إيمان أبي طالب ، فيسقط الحديث المذكور عن الحجّية . .
ص: 205
ص: 206
« محمود عبد إبراهيم - ... - ... »
س : عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « خلق اللّه عزّ وجلّ التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبثّ فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة ، في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل » (1) ، أخرجه مسلم ، فكيف تقولون ستّة أيام ؟
حيث ورد ذلك في موقعكم في كتاب : أين سنّة الرسول ؟ للمحامي أحمد حسين يعقوب : لقد فشلت الموازين التي أوجدها علماء دولة الخلافة ، فحديث خلق اللّه السماوات والأرض في سبعة أيّام صحيح حسب كلّ موازين علماء دولة الخلافة ، فقد قال أبو هريرة : بأنّ الرسول قد أخذ بيده وقال له ! وإسناده من أوّله إلى آخره صحيح حسب موازينهم ، ورجاله كلّهم ثقات حسب موازينهم ، وأبو هريرة صحابي ، ومن العدول حسب تلك الموازين ، ومن المحال عقلاً أن يكذّب على رسول اللّه ؟ حسب الموازين اللّه سبحانه تعالى يؤكّد في أكثر من آية محكمة ، أنّه قد خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ، والرسول لا ينطق عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه من ربّه ، فمن نصدّق حسب رأيكم ؟ هل نصدّق القرآن ؟ أو نصدّق موازينكم !!
ص: 207
وهل يعقل أن يناقض الوحي نفسه !! ومعنى ذلك أنّ الخلل يكمن في الموازين لا في الدين !! (1) ، الرجاء الإجابة .
ج : إنّ الحديث المروي عن أبي هريرة ظاهر وصريح في تعداد سبعة أيّام ، بالأخصّ عند ملاحظة أنّه ينصّ على ذكر الأيّام ، فيقول : خلق اللّه التربة يوم السبت ، وخلق ... يوم الأحد ، وخلق ... يوم الاثنين ، وخلق ... يوم الثلاثاء ، وخلق ... يوم الأربعاء ، وبثّ ... يوم الخميس ، وخلق ... يوم الجمعة ... ، فكلّ من له أدنى معرفة بالحساب ، وبأوّليات اللغة العربية يدرك جيّداً ، أنّ المراد في الحديث سبعة أيّام .
ويؤيّد مدّعانا ما وقع فيه علماء الحديث ، من خلط وخبط في معنى الحديث ، ولو كان ما ذكرتموه من التأويل له أدنى وجه ، لنصّوا عليه وتخلّصوا من سائر الإشكالات والتوجيهات التي ذكروها ، لا لشيء ، بل لالتزامهم بصحّة كلّ ما ورد في صحيح مسلم .
قال ابن كثير : « وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلّم عليه علي بن المديني ، والبخاري ، وغير واحد من الحفّاظ ، وجعلوه من كلام كعب ، وأنّ أبا هريرة إنّما سمعه من كلام كعب الأحبار ، وإنّما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعاً ، وقد حرّر ذلك البيهقي » (2) .
وقال المتّقي الهندي : « وقد تكلّم علماء الحديث حول هذا الحديث ما خلاصته : ذكر ابن القيّم في كتابه المنار المنيف فصل 19 ، صفحة 153 ، ما يلي :
ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة : خلق اللّه التربة يوم السبت ... ، ولكن وقع الغلط في رفعه ، وإنّما هو من قول كعب الأحبار ، كذلك قال إمام أهل الحديث : محمّد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير .
ص: 208
1 / 413 ، وقاله غيره من علماء المسلمين أيضاً ، وهو كما قالوا ، لأنّ اللّه أخبر أنّه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ، وهذا الحديث يقتضي أنّ مدّة التخليق سبعة أيّام ، واللّه أعلم » (1) .
« علي حسن لاري - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية » ضرب عمر له في مصادر سنّية :
س : من المسلّمات أنّ أبا هريرة كان من الذين كذّبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأُمور دنيوية ، كما ممّا لاشكّ فيه : أنّ عمر ضرب أبا هريرة على ذلك ، فهل لنا بمصادر هذه الأُمور من كتب إخواننا أهل السنّة ؟
ج : هناك الكثير من كتب أهل السنّة ذكرت ذلك ، منها : « العقد الفريد » ، حيث جاء فيه : « ثمّ قام إليه بالدرّة فضربه حتّى أدماه ... » (2) ، « الإصابة » (3) ، « شرح نهج البلاغة » (4) ، وغيرها من المصادر السنّية الأُخرى (5) . .
ص: 209
ص: 210
« الهادي - ... - ... »
س : لاشكّ في أنّ فقهائنا يستنبطون الأحكام عن الكتاب والسنّة ، وعليه فلماذا هذه الاختلاف في الفتاوى ؟ بحيث ربما يوجب مشاكل للناس ، كالاختلاف في العيد ، وفي أوّل الشهر ، وفي ذبح الحيوانات بالسكين ، بأنّه هل يلزم أن تكون الآلة حديداً أو يجوز بغيره ؟ أجيبونا مشكورين .
ج : بعد الإيمان باللّه تعالى ، وأنّ له أنبياء ورسل أُنزلت عليهم شرائع ، وسنّت فيها للبشرية قوانين ، وهذه القوانين فيها توضيح لمنهج الحياة الفردية والاجتماعية ، وفيها أوامر ونواهي يلزم على المكلّفين الأخذ بها ، فإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله حاضراً فالمكلّف يرجع إليه ، أو إلى نائبه لأخذ الحكم الشرعي منه ، كذلك بعد رحيله صلى اللّه عليه وآله يرجع المكلّف إلى أوصيائه - وهم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، أو نوّابهم - .
ولكن بعد أن غاب الإمام الثاني عشر عليه السلام غيبة كبرى ، أرجع الناس إلى الفقهاء العارفين بالأحكام والمستخرجين لها من الأدلّة التي ذكرها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، أو الاجتهاد في تحصيل الحكم الشرعي عن طريق القواعد الكلّية التي طرحت على لسان النبيّ وأوصيائه عليهم السلام .
وبما أنّ الإرجاع لم ينحصر في فرد معيّن ، وإنّما صار الإرجاع إلى وصف معيّن وهم الفقهاء العارفين بالأحكام ، فكلّ من تواجد فيه هذا الوصف رجع إليه في معرفة الحكم الشرعي ، وعلى ضوء هذا الوصف يتعدّد الموصوف ، أي
ص: 211
يتعدّد الفقهاء العارفين بأحكام أهل البيت عليهم السلام .
وبما أنّ الأذهان مختلفة والأذواق الفقهية متفاوتة ، والنظر إلى الأحكام الشرعية أو القواعد المطروحة متفاوتات ، فمن الطبيعي يحصل التفاوت بين الفقهاء في الفتوى ، ويحصل الاختلاف في الاجتهاد ، وهو كلّه دين بالنسبة إلى المكلّف ، ملزم بالرجوع والأخذ عنه ؛ لأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أمروا بذلك ، وهم أعلم وأعرف بالاختلافات وحصولها بين الفقهاء ، ومع ذلك الزمونا بالرجوع إليهم .
وأمّا مسألة حصول مشاكل فهذه تحلّ بتحديد الفقيه الذي يرجع إليه المكلّف ، وهو المطلوب لا غير ، والتزام فتاواه والأخذ بها ، وبالتالي لا توجد أيّ مشكلة بالنسبة إليه مادام هو آخذ عن فقيه واحد ، وعالم واحد .
نعم لو عمل بالاحتياط مع معرفة طرقه يلزم فيه مشقّة وجهد ؛ لأنّ الفتاوى مختلفة ومتفاوتة ، وفي بعض الأحيان تكون على طرفي نقيض ، فإنّ مثل هذا الشخص يقع في مشكلة التعامل مع الفتاوى ، ومع ذلك توجد هناك طرق وقواعد كلّية يستطيع من خلالها معرفة الاحتياط وكيفية العمل به ، وكيفية التخلّص من المشاكل التي تواجهه حين العمل به .
وأمّا المقلّد فقد ذكرنا بأنّه مادام ملزم بالأخذ من فقيه واحد - على تفصيل ليس هنا محلّه - فلا يقع في أيّ محذور ، ولا توجد لديه أيّ مشكلة .
« أبو علياء - البحرين - ... »
س : نحن نعلم : بأنّ التقليد في المذهب الشيعي أمر ضروري ، حيث تمّ النصّ عليه من قبل الإمام الحجّة عليه السلام ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا يجب على المقلّد أن يلتزم بتقليد فقيه معيّن ؟ ولا يحقّ له الرجوع إلى فقيه آخر ، مادام ذلك الفقيه حيّ يرزق ؟
ص: 212
ألا تعتقد بأنّه نوع من التسلّط على حرّية الفرد ؟ وإلغاء بند من بنود حرّية الفرد ؟
ج : ليس هناك دكتاتورية في توحيد الفقيه الذي يجب تقليده ، وإنّما المسألة يفرضها الشرع والعقل معاً ؛ فإنّ الشارع المقدّس أمر بالرجوع إلى الفقيه ، أي إلى من توفّرت فيه القدرة على الاستنباط ، هذا من جهة .
ومن جهة أُخرى تعدّد لدينا الفقهاء ، واختلفوا فيما بينهم في الفتوى ، فما هو موقف المكلّف في هذه الحالة ؟
إنّ العقلاء في مثل هذه الحالة يسيرون بسيرتهم المأخوذة من عقلائيتهم ، وهي الرجوع إلى فقيه واحد ، وهذا الفقيه هو الأعلم والأكثر خبرة من غيره من الفقهاء ؛ حتّى نطمئن بامتثال الحكم الشرعي ؛ لأنّنا ملزمون به ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر نتخلّص من مسألة الفوضى التي نقطع بعدم رضا الشارع بها ، والتحيّر الذي لا يريده اللّه ورسوله .
فمسألة تقليد فقيه واحد لا تعني الدكتاتورية أو التقييد في الحرّية ، بل مسألة يفرضها العقل والشرع ، وهي تتماشى مع الحرّية ولا تنافيها ؛ لأنّ الحرّية لا تعني الفوضى ، تعني إطلاق إمكانات الفرد لكن ضمن حدود وقيود تفرضها نفسها ، أو يفرضها العمل الذي تقوم به .
فافرض أنّ الفرد حرّ ، لكن نفس الحرّية تفرض عليه بأن يراعي حقوق الآخرين ولا يتجاوزها ، وإلّا أصبحت ظلماً وتعدّياً ، وبالتالي وقع التنازع وصار تقاتل بين الحرّيات ، فانقلب الحال من مسألة إطلاق حرّية الفرد إلى قتلها وإلغائها بالمرّة ، وهذا خلف ما تمليه الحرّية .
فإذاً لابدّ من ممارسة الحرّية لكن ضمن حدودها المعقولة ، ونطاقها المعيّن الذي تفرض نفسها فيه .
ص: 213
« صالح - تونس - ... »
س : لازلت أطلع على آراء أهل البيت عليهم السلام ، وكلّ مرّة أتعرّض لإشكال ، ويبدو أنّ هذا المذهب فيه عديد من الإشكالات ، وقد تصدق الرواية : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ... » ، فبقدر ما يطّلع أكثر بقدر ما تزيد أسئلته واستفهاماته ، فتسقط بعض القناعات ، وتتثبت الأُخرى ، وتنتظر البقية .
أرجو سيّدي أن تجيبوني على الأسئلة التالية مأجورين :
1 - هل التقليد مسألة ثقافية أم عقائدية ؟ أم من مسلّمات المذهب أم ماذا ؟
2 - متى ظهر التقليد كمبحث ، ومن أوّل من بحث فيه ؟
3 - متى ظهر العمل بالرسائل العملية ، ومن هو أوّل من وضع رسالة عملية ؟
4 - متى ألحق مبحث التقليد في الرسائل الفقهية ؟
5 - بماذا وكيف كان يتعبّد اللّه قبل ظهور الرسائل العملية والتقليد ؟
6 - إذا كان لابدّ للمكلّف غير المجتهد من التقليد ، لماذا لا يأخذ الحكم أو الفتوى من أيّ مرجع ؟ لأنّ الغاية هو اتباع شرع اللّه ، بحيث يكون عمله موافقاً للشريعة ؟
7 - كلّ المراجع تقول : إنّ رسائلهم مبرئة للذمّة ، إذا عمل العامي المطابق لإحدى الرسائل ، أو الفتاوى مبرئ للذمّة ، وحين يوم القيامة نقول : اللّهم لقد اتبعت فلان الذي شهد بعلمه الكثير ، لا أعتقد أنّ اللّه سبحانه سيقول : لقد أضلّك فلان ، وسيسأله لماذا لن تتبع زيد أو عمرو ؟
8 - نقول بلزوم التقليد إلّا ما كان من الضروريات ، فما المقصود ؟
9 - ما المقصود بمسلّمات ، ماذا لو خرج عليها المكلّف أو العالم ؟
10 - إحدى الرسائل العملية تقول : إنّ إحراز الامتثال للتكاليف الإلزامية يتحقّق بأحد أُمور : اليقين التفصيلي ، الاجتهاد ، التقليد ، الاحتياط ، و ... ، ما المقصود باليقين التفصيلي ؟ وما هي الضروريات التي ينحصر فيها ؟
ج : إنّ رأي الشيعة واضح في كلّ موضوع ومسألة ، وليس فيه أي تعقيد أو إشكال ، نعم قد يرد على البعض في بادئ الأمر موارد يحتاج فيها إلى بحث
ص: 214
وفحص ، وهذه لا تعتبر إشكالاً على آراء الطائفة ، بل غاية الأمر إنّما هي شكوك ترتفع بالسؤال من ذوي الخبرة وأهل العلم ، ولا تضرّ ولا تمسّ أصل العقيدة ، بعدما ثبتت بالأدلّة والبراهين .
وأمّا أسئلتكم فنجيب عليها بالترتيب كما يلي :
1 - إنّ موضوع التقليد الذي هو مسألة فقهية ولو لم يكن من مسلّمات المذهب والعقيدة ، ولكن لا يقلّل هذا من شأنه ، بعدما ثبت بالأدلّة العقلية - فضلاً عن النقلية - أنّ التقليد طريق علمي وحيد لمعرفة الأحكام لغير المجتهد والمحتاط .
2 - كانت عملية التقليد ولو في مستويات خفيفة - موجودة ودائرة عند عامّة الشيعة ، حتّى في زمن الأئمّة عليهم السلام لمن لم يتمكّن من الحضور عندهم ، فكان يراجع المحدّثين وعلماء المذهب ، لتلقّي معارف أهل البيت عليهم السلام ، وأحكام الدين .
نعم ، قد ظهر هذا الأمر على العيان ، بعد الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عليه السلام ، وخصوصاً بعد غلبة الخطّ الأُصولي على طريقة الإخباريين في الحوزات العلمية ، لكثرة الحاجة إليه ، وازدياد فروع الأحكام في الحياة ، ومحدودية النصوص الموجودة .
3 - وكما قلنا ، فليس في الموضوع مبدأ زمني محدّد ، بل الأمر كان من العهود الماضية ، بصيغ وشكليّات مختلفة ، إلى أن انتهى في عصرنا بهذه الكيفية من الرسائل العملية .
4 - التقليد هو مفتاح العمل بالأحكام الموجودة في الرسالة ، فينبغي أن تذكر مسائله دائماً في مقدّمتها ، لتسهيل الأمر على المكلّفين .
نعم ، قد لم يذكر هذا الموضوع في بعض الرسائل العملية في الأزمنة السابقة ، وذلك اعتماداً منهم على أنّ الأمر مفروغ عنه ، ومتسالم عليه ، وإلّا فكيف تتمّ حجّية فتاوى وآراء المجتهدين للمكلّفين بغير التقليد ؟
5 - أحكام العبادات والمعاملات في زمان غيبة المعصوم لا سبيل إلى
ص: 215
تصحيحها بغير الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط ، وكما قلنا فإنّ الحاجة إلى التقليد كانت ولا تزال قائمة ، وعليه ، فإنّ عملية التقليد والرجوع إلى العلماء ، ومراجعة فتاواهم ليس أمراً مستحدثاً ، بل يتزامن مع حاجة المكلّفين إلى معرفة دينهم وأحكامه .
6 - إنّ تقليد الأعلم من المجتهدين مسألة أُصولية ، تبحث وتدرس في مظانّها ، ولا يمكننا التوغّل فيها في هذا المختصر .
وبإجمال نقول : إنّ المتيقّن من حجّية قول المجتهدين ، هو قول الأعلم ، وأمّا غير الأعلم - وإن كان مجتهداً - لا يكون رأيه حجّة على الآخرين ، ولو أنّه يجب عليه أن يعمل مطابقاً لما يراه .
ودليل المقام هو : عدم ورود خطاب لفظي حتّى يؤخذ بإطلاقه ، فيكون رأي كلّ مجتهد حجّة ، بل الدليل في المسألة دليل عقلي ، فيجب أن نكتفي بالقدر المتيقّن أي المقدار الأقلّ المتيقّن من دلالة الدليل - وهو رأي الأعلم .
وفي المسألة آراء وأقوال ، وأخذ ورد لا يسعنا التطرّق إليها ، وما ذكرناه هو رأي المحقّقين فيها .
وبعبارة أُخرى : إنّ التقليد هو عبارة عن رجوع غير المختصّ إلى ذوي الاختصاص ، وهذا لا يختصّ في الفقه ، بل بجميع مراحل الحياة ، حيث يرجع كلّ منّا في شتّى المجالات إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، والعقل يحكم بالرجوع إلى الأعلم منهم ، والأكثر اختصاصاً ، والأدقّ خبرة .
7 - نعم ، بما أنّ المجتهد يرى نفسه أهلاً لتقليد الغير ، فيحكم ببراءة ذمّة المقلّد بالعمل برسالته ، ولكن الكلام في وجه عمل المقلّد في ترجيح هذا أو ذاك ، وبحسب الدليل العقلي يجب عليه أن يبحث عن الأعلم ، حتّى يجوز له العمل على رأيه .
ثمّ إنّ كان فحصه هذا وفقاً للأساليب العلمية - والتي ذكرت في مقدّمة الرسائل العملية - فسوف تكون نتيجته حجّة له وعليه ، فيجوز بل يجب عليه العمل بها واتباعها ، وبهذا نعرف أنّ المؤاخذة يوم القيامة سوف تكون بالنظر إلى حجّة المكلّف ، لا إلى الواقع .
ص: 216
8 - التقليد هو في الأحكام غير الضرورية ، والمقصود من الضروريات : ما تسالم عليه أبناء الطائفة وعلماؤها ، وإن لم تكن من أُصول الدين ، كوجوب الصلاة والصوم ، والحجّ وأمثالها ، فإنّها من ضروريات المذهب ، بل الدين ، فلا يجوز التقليد فيها ، بل يجب الاعتقاد القطعي بها .
9 - المسلّمات عبارة أُخرى عن الضروريات .
10 - اليقين التفصيلي هو : العلم الوجداني ، وقد يحصل هذا للمكلّف في بعض الأُمور كالضروريات ، ومقدّمات بعض الأحكام ، كرؤية الهلال - إذا رآه بنفسه - أو حصول القطع والجزم في بعض الموارد .
« أحمد زاهر - الإمارات - ... »
س : الشيعة تعتقد بأنّ الاجتهاد هو : استنباط الحكم الشرعي من النصّ الشرعي ، فما مفهومه عند إخواننا أهل السنّة ؟
ج : إنّ الاجتهاد عند السنّة والشيعة واحد ، وهو : السعي وبذل الجهد لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية ، التي هي : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، مع أُمور قد تضيفها المدرسة العامّية ، كالقياس والاستحسان وغيرهما .
نعم ، يختلفان في الطريقة السلوكية للاجتهاد ، وفي مقدار حجّيته .
إذاً ، الاجتهاد بما هو اجتهاد موجود عند الشيعة والسنّة ، ولكن مرحلة الاجتهاد توقّفت عند السنّة ، وانحصرت في أصحاب المذاهب الأربعة ، بينما الاجتهاد عند الشيعة لم يتوقّف لضرورته .
ونحن نتساءل : إن كان الاجتهاد غير صحيح ، فلماذا اجتهد أصحاب المذاهب الأربعة في كثير من المسائل ؟ وإن كان صحيحاً ، فلماذا منعت عملية الاجتهاد ؟ ووقفت على هؤلاء ، وأُخمدت بذلك الحركة العلمية ؟
ص: 217
« أحمد - كندا - ... »
س : ما حكم التقليد ؟ وما حكم من لا يقلّد ؟ وما هو الدليل عليهما ؟ وهل كان التقليد في زمن الأئمّة عليهم السلام ؟ مع مراعاة أنّهم يختلفون عنّا بالعصمة ، وأنّهم في كلّ زمان مرجع واحد ، أمّا الآن فعدّة مراجع ، بينهم عدّة اختلافات ، ونحن على مذهب واحد ؟
أفيدونا رحمكم اللّه ، وجعلنا وإيّاكم ممّن يكون مع محمّد وآله عليهم السلام .
ج : نحن في زمن المعصوم عليه السلام نأخذ معالم ديننا من المعصوم مباشرة .
أمّا في زمن الغيبة ، فهل التكليف ساقط ؟ الجواب : لا ، لأنّ الآيات القرآنية ، والأحاديث المتواترة ، والعقل ، كلّ هذه تحكم باستمرار التكليف ، وأنّ المخاطب بالتكليف لا ينحصر بمن أدرك المعصوم فقط .
إذاً ، التكليف موجود وساري ، ونحن مكلّفون ، فكيف لنا أن نعرف التكليف المتوجّه إلينا ، لنكون وقد بريئي الذمّة أمام اللّه سبحانه وتعالى ؟
ولمعرفة التكليف أمامنا عدّة خيارات : فإمّا أن يجتهد كلّ واحد منّا ، بحيث يستنبط التكليف المتمثّل بالأحكام الشرعية من الكتاب والحديث ، ويعمل بما توصّل إليه نظره .
وإمّا أن نرجع إلى المجتهد الذي استنبط الحكم ، بشرط أن يكون هذا المجتهد الأعلم الأورع الأتقى ، وإمّا أن نحتاط في الأحكام بين آراء المجتهدين .
ولكن في الجواب عن سؤال سبب الاختلاف في الفتوى ، فكما قلنا لا يوجد معصوم ، والمجتهد يستنبط الأحكام بالاعتماد على الأدلّة ، والفهم فيما بين بني آدم مختلف ، فمن الضروري أن يحدث الاختلاف ، وهذا الاختلاف في الفتوى في مسائل يسيرة ومعدودة ، تكون ذمّة من عمل بها بريئة أمام اللّه تعالى ، وإن لم يصبّ الأمر الواقعي .
ص: 218
« أسد - السعودية - ... »
س : أطلب تزويدي بمعلومات كافية عن الرجل إحسان إلهي ظهير ، وهل هناك من علمائنا من تصدّى له ولمؤلّفاته ؟ أرجو مساعدتي وإرشادي لتلك الكتب إن وجدت .
ج : إنّ هذا الرجل من الباكستانيين الضالّين والمضلّين ، الذين تأثّروا بالخطّ الوهّابي ، خلال دراسته في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة ، له عدّة كتب ضدّ الشيعة ، كما كانت له مجلّة تصدر في الباكستان ومحاضرات ، وترجمت كتبه إلى عدّة لغات عالمية .
ولكن لمن كان له أدنى تأمّل ، ومعرفة بأُصول البحث ، يعلم بدقّة أنّ كتب إحسان الهي ظهير فاقدة لأيّ منهجية ، وخالية عن الأُسس العلمية للمناظرة والحوار ، والدخول في الأبحاث العلمية ، فتارة تراه يفتري على الشيعة ، وينسب إليهم أشياء ، هم لم يسمعوا بها .
وتارة تراه يدلّس في النقل ، فينقل الحديث مبتوراً ، أو ينقل منه مقداراً يوهم فيه على القارئ ما يريد إثباته ، ولو نقل الأحاديث بأكملها لكانت خير شاهد على خلاف مدّعاه .
وتارة تراه يخلط بين آراء الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وغيرهم من الإسماعيلية والزيدية .
وعلى كلّ حال ، فأبحاث هذا الرجل لا يعتمد عليها حتّى علماء أهل السنّة ،
ص: 219
الذين لهم تتبع وتحقيق في المسائل ، لخلوّها كما ذكرنا عن البرهان ، وعدم اتخاذها منهجية التأليف ، نعم تصلح كتبه للتهريج والتغرير للإفهام ، لمن لا إطلاع له بعقائد الشيعة ومبانيها .
ولهذا ترى عدم الاهتمام بالردّ على كتبه من قبل العلماء ، لأنّ العالم لا يستطيع أن يبحث مع جاهل محض .
ومع هذا ، فقد ردّ عليه البعض بردود صغيرة ، وإشارات إلى تُرّهاته ، لئلّا يضلّ بكتبه أحد ، ممّن لا معرفة له بالعلم وأهله ، فأوّل من تصدّى له في أبحاثه ، الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه : « صوت الحقّ ودعوة الصدق » .
وبعده ألّف كتاب باسم : « الشيعة والسنّة في الميزان » ، وأشار إحسان الهي ظهير إلى هذا الردّ في كتابه : « الشيعة والقرآن » (1) .
ثمّ ردّ عليه أحد الكتّاب الباكستانيين بلغة الأردو ، وأشار هو إلى هذا الردّ في كتابه : « الشيعة والقرآن » (2) .
ثمّ ردّ عليه أحد الكتّاب الإيرانيين - حقگو - باللغة الفارسية ، في كتابه : « حجّت اثنا عشري » .
وأفضل ردّ على إحسان الهي ظهير ، هو ضمير كلّ إنسان حرّ ، متعطّش للحقيقة ، وذلك بعد أدنى مراجعة لما ينقله هذا الرجل عن الشيعة ، وتطبيق النقل مع مصادر الشيعة ، ليعرف مدى المغالطة التي استعملها هذا الرجل .
« أحمد - قطر - 36 سنة - طالب ثانوية »
س : هل إحسان الهي ظهير قتله أفراد من الشيعة ؟ وإن كان هذا صحيح ، فهل يجوز قتل مسلم ؟ ولو كانت كتاباته ضدّ الشيعة ، وشكراً .
ص: 220
ج : مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا تكفّر أحداً ، إلّا إذا كان ناصبياً ، والناصبي هو من نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام .
ولم يثبت أنّ الشيعة هم الذين قاموا باغتيال إحسان إلهي ظهير ، وإذا ثبت فإنّما هو عمل فردي ناجم عن ردّة فعل ، ولا يحسب هذا العمل على الطائفة الشيعية ، وكم نشاهد في العالم من أعمال ناجمة عن ردّة فعل ، ولا تحسب على طائفة معيّنة .
ص: 221
ص: 222
« جنيد عباس - غانا - ... »
س : سعادة الأعزّاء : متى شرّع الأذان ؟ وكيف شرّع ؟ وكيف كانت الصيغة في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، مع ذكر الأدلّة والمصادر ، ودمتم بخير .
ج : للإجابة على السؤال يحسن بنا أن نذكر كيفية تشريع الأذان عند أهل السنّة .
إذا رجعنا إلى الروايات التي وردت عند أهل السنّة حول كيفية تشريع الأذان نجدها تذكر بأنّ التشريع جاء من رؤيا رآها صحابي أو صحابيان أو ستّة أو اثنا عشر حسب اختلاف الروايات ومن ثمّ اقترح تلك الرؤية على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنبيّ استحسن ذلك الفعل وأمر الناس بفعله وأضافه إلى الصلاة .
وإليك نصّ الرواية : « اهتمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله للصلاة ، كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها أذّن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القنع يعني الشبور وقال زياد : يعني شبور اليهود ، فلم يعجبه ذلك ، وقال : « هو من أمر اليهود » ، قال : فذكر له الناقوس ، فقال : « هو من أمر النصارى » ، فانصرف عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتمّ لهمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأُري الأذان في منامه .
قال : فغدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبره ، فقال له : يا رسول اللّه إنّي لبين نائم ويقظان إذ آتاني آت فأراني الأذان ، قال : وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك
ص: 223
فكتمه عشرين يوماً ، ثمّ أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال له : « ما منعك أن تخبرني » ؟ قال : سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحيت .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا بلال ، قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فافعله » ، قال : فأذّن بلال » (1) .
وعند الرجوع إلى هذه الروايات الناقلة كيفية تشريع الأذان نجد الاختلافات الكثيرة فيها ، ففيها :
1 - إنّ الرواية عن ابن زيد مختلفة ، ففي بعض النصوص أنّه رأى الأذان في المنام واليقظة ، وفي نقل آخر تقول : رآه في المنام ، وفي نقل ثالث تقول : إنّه قال : لولا أن يقول الناس لقلت : إنّي كنت يقظان غير نائم ؟!
2 - رواية تقول : إنّ عبد اللّه بن زيد رآه ، فاخبر به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأُخرى تقول : إنّ جبرائيل أذّن في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالاً فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ جاء بلال فقال له : « سبقك بها عمر » !!
3 - رواية تنصّ على أنّ ابن زيد رآه ، ورواية أُخرى تقول : إنّ سبعة من الأنصار رآه ، ورواية تقول : أربعة عشر صحابياً رأوه ، ورواية تدخل عبد اللّه بن أبي بكر .
4 - رواية تنصّ على أنّ بلالاً كان يقول : اشهد أن لا إله إلّا اللّه ، حيّ على الصلاة ، فقال له عمر : أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لبلال : « قل كما قال عمر » !!
5 - رواية تفرد فصول الأذان ، ورواية أُخرى تثنّيها ؟!
6 - رواية تقول : إنّ عبد اللّه بن زيد هو الذي أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بذلك ، ثمّ أخبره عمر بن الخطّاب ، فقال له النبيّ : « ما منعك أن تخبرني » ؟! .
ص: 224
وقد أوقع اختلاف الروايات الشرّاح والمحدّثين في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث فقالوا :
أوّلاً : إنّ هذه الرؤية هي رؤية غير الأنبياء عليهم السلام ، ورؤية غيرهم لا يثبت بها حكم شرعي ؟! (1) .
وقد أجابوا عن هذا الإشكال بقولهم : باحتمال مقارنة الوحي لذلك (2) !
وهذا كلام بارد لا يمكن أن يبنى عليه حكم شرعي ، مادام أنّ مجيبه صدّره بالاحتمال ، إذ الاحتمال لا يجري نفعاً في المقام مادام المسألة شرعية ، وتحتاج إلى قطع ويقين من أنّ الوحي أمر بمثل تلك الرؤية !
وأجيب أيضاً : أو لأنّه صلى اللّه عليه وآله أمر بمقتضى الرؤية لينظر أيقرّ على ذلك أم لا ، ولاسيّما لمّا رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه (3) !!
وفيه بطلان واضح ، إذ إنّ ذلك ليس من اجتهاده صلى اللّه عليه وآله - على القول بكونه يجتهد في الأحكام الشرعية كما يجوّزون ذلك - وإنّما هي رؤية لغيره فلا محلّ لإقحام مسألة جواز الاجتهاد له في الأحكام هنا من عدمه ؟!
على أنّه لماذا لا يأتيه الوحي ابتداءً ويخبره بكيفية الأذان بدل أحالته إلى رؤية شخص ، ثمّ إمضاء ذلك الفعل من قبله ؟!
أضف إلى ذلك أنّ الصلاة شرّعت في ليلة معراج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلماذا لم يشرّع معها الأذان ؟ وترك النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حيرة من أمره لا يدري كيف يعلّم الناس بوقت الصلاة حتّى فرّج عنه برؤية عبد اللّه بن زيد ، أو عمر بن الخطّاب ، أو بلال ، أو أبي بكر ، أو غيرهم من الصحابة ؟!
قال الحافظ : « وقد حاول السهيلي الجمع فتكلّف وتعسّف ، والأخذ بما صحّ أولى ، فقال بانياً على صحّة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي ، أنّ .
ص: 225
النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي ، فلماذا تأخّر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة ، وأراد إعلامهم بالوقت رأى الصحابي المنام فقصّه ، فوافق ما كان صلى اللّه عليه وآله سمعه فقال : إنّها لرؤيا حقّ ، وعلم حينئذ أنّ مراد اللّه بما أراه في السماء أن يكون سنّة في الأرض ، وتقوّى ذلك بموافقة عمر ، لأنّ السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضاً في إعلام الناس به على غير لسانه صلى اللّه عليه وآله التنويه بقدره ، والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره ، وأفخر لشأنه » (1) .
وفي كلامه تكلّفات كثيرة نشير إليها تباعاً .
1 - إقراره بأنّ الأذان سمعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله سواء كان في معراجه الأوّل أو الثاني ، وهذا ما نقرّه ونصحّحه لما سيأتي ، لكنّه تعلّل بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يخبر به إلّا بعد رؤية عبد اللّه بن زيد وتأييده برؤية عمر الذي تنطق السكينة على لسانه .
إلّا أنّ هذا الكلام باطل ؛ لأنّ الروايات تذكر أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقي حائراً في كيفية إعلام الناس بالصلاة ، واقترح عليه الصحابة عدّة اقتراحات - كوضع راية أو ناقوس أو استخدام شعار النصارى - والنبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقبل ذلك ، وبقي حائراً ، فإذا كان النبيّ قد سمع الأذان من فوق سبع سماوات فلا معنى للحيرة حينئذ ، بل بنفسه يشرّع لهم الأذان الذي سمعه في السماوات بلا تردّد ، وعدم الحاجة إلى رؤية زيد وتأييد عمر !!
وإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله أقدم على الفعل بعد تأييده برؤية زيد وعمر ، فهذا يعني تشكيك النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيما سمعه من الأذان في السماء ، وهذا باطل لأنّه يلزم منه خلاف ما فرضه السهيلي من الجزم برؤيته في السماء السابعة .
2 - إنّ الرواية التي صحّحها السهيلي واردة بلفظ أنّ ملكاً من السماء علّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأذان كما علّمه الصلاة ، ومن الواضح إنّ تعليم النبيّ صلى اللّه عليه وآله من اللّه تعالى حتّى يعلّم أُمّته ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله قد فعل ذلك ، فقد علَّم أُمّته الصلاة ، فإذاً لابدّ أن يعلّمهم الأذان ، وإلّا كان قد أخفى عليهم ما كان عليه تعليمهم ، وهذا .
ص: 226
باطل لا يرتضى في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
3 - إنّ الروايات صريحة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا اقترحوا عليه ما تفعله اليهود رفض ، وما تفعله النصارى فرفض أيضاً ، وعلّل ذلك بكراهة مشابهتم ، مع أنّهم رووا في روايات أُخرى صحيحة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي ، والمفروض أنّ هذا لم ينزل فيه وحي ، فعليه لابدّ أن يوافقهم الرسول ولا يردّ اقتراحهم !!
4 - إنّ تعليل الكلام بكون « إعلام للناس به على غير لسانه صلى اللّه عليه وآله التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه » تعليل عليل لأنّ هذا الأمر يتعلّق بالشرع المقدّس ، فإظهاره على لسانه أشدّ وأقوى من إظهاره على لسان غيره ، لأنّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله المكلّف بتبليغ الرسالة إلى الناس ، وإلّا إذا رضيت بهذا التعليل يلزم من أن تظهر تشريعات أُخرى على لسان غيره ، لورد نفس التعليل فيها ، مع إنّه لم يظهر ذلك ولم ينقل .
وفي الواقع إنّ هذه الأُمور التي يذكرونها ما هي إلّا تعليلات عليلة أخترعها عقولهم ، وصوّرتها مخيّلتهم لأجل تبرير الواقع الذي نقلته هذه الروايات ، من كون الأذان ناشئ عن رؤية لعبد اللّه بن زيد ، فالتجاؤوا إلى هذه الأُمور العليلة التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، بدل حفظ كرامة النبيّ صلى اللّه عليه وآله والرسالة والإيمان بأنّ الأذان شرّعه اللّه تعالى على لسان نبيّه الكريم لا عن رؤية حلمية أو اقتراح التزم به النبيّ صلى اللّه عليه وآله !! فإنّ ذلك كلّه يؤدّي إلى استنقاص الرسالة والحطّ من قيمتها الإلهية ! وسوف نبيّن لاحقاً أنّ الأذان تشريع إلهي نزل من السماء ، فكن على ذكر من ذلك .
وهناك إشكال عامّ يرد على جميع الروايات ، وهو ما ذكره الحاكم في « المستدرك » حيث قال : « وإنّما ترك الشيخان البخاري ومسلم حديث عبد اللّه بن زيد في الأذان ، والرؤيا التي قصّها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا الإسناد لتقدّم موت
ص: 227
عبد اللّه بن زيد ، فقد قيل : إنّه استشهد بأُحد ، وقيل بعد ذلك بيسير »؟ (1) .
فإذاً تبطل الرواية من الأصل لأنّها رويت بعد موت عبد اللّه بن زيد وهذا لا يمكن قبوله ، ودليل على وضع الرواية وبطلان كلّ ما يبنى عليها ، واستند إليها .
وقال ابن حجر : « وفي الحلية في ترجمة عمر بن عبد العزيز بسند صحيح عن عبد اللّه العمري قال : دخلت ابنة عبد اللّه بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت : أنا ابنة عبد اللّه بن زيد شهد أبي بدراً ، وقتل بأُحد ! فقال : سليني ما شئت ، فأعطاها » (2) .
فإذاً مع إيمان ابن حجر العسقلاني بأنّ عبد اللّه بن زيد استشهد بأُحد ، وعليه تكون الروايات المروية عن رؤيا الأذان منقطعة ، ولكنّنا مع ذلك نجده يستدلّ برؤيته على شرعية الأذان .
فانظر إلى الأمانة العلمية والتقوى التي يحملها ابن حجر وغيره من أقطاب المذهب السنّي !!
والصحيح أنّ الأذان شرّعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأمر اللّه تعالى ، وقد وردت بذلك روايات عديدة من طرق أهل السنّة ، وهي صحيحة السند أيضاً ، فقد أخرج الحاكم بسنده عن سفيان بن الليل قال : « لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان ، قدمت عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ، فذكر الحديث بطوله قال : فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبد اللّه بن زيد بن عاصم ! فقال له الحسن بن علي : « إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك ؛ أذّن جبرائيل عليه السلام في السماء مثنى مثنى ، وعلّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأقام مرّة مرّة ، فعلَّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » ، فأذّن الحسن حين ولي » (3) . .
ص: 228
وعلّق الذهبي على الرواية بقوله : « قال أبو داود : نوح كذّاب ، وهو قول ابن الملقن انتهى .
والمقصود بنوح هو نوح بن درّاج اتهم بالكذب والوضع ! ولم يبيّن سبب كذبه ، ولكن الجوزجاني كشف لنا عن سبب تضعيفه ، فقال : زائغ » (1) .
ومقصود الجوزجاني بالزيغ هو التشيّع كما أفصح عن ذلك الذهبي في ترجمة الجوزجاني في « ميزان الاعتدال » (2) .
وعليه فسبب طعنه كونه شيعياً لا غير ، وإلّا إذا رجعنا إلى ترجمته نجدهم رموه بالكذب والزيغ والوضع بلا أيّ مبرّر أو دليل ، أو قل هو جرح مبهم ، وقد كشف عنه الجوزجاني فصار جرحاً مفسّراً ، وبما أنّه ليس بجرح حتّى على مبانيهم فيكون جرحه لا قيمة له ويحكم بوثاقته كما ذكر بعضهم ! فإذاً الرواية صحيحة .
الرواية الثانية : عن زياد بن المنذر ، حدّثني العلاء قال : قلت لابن الحنفية : كنّا نتحدّث أنّ الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال : عمدتم إلى أحسن دينكم فزعتم أنّه كان رؤيا !! هذا واللّه باطل !
ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا عرج به انتهى إلى مكان من السماء ووقف ، وبعث اللّه ملكاً ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم فعلّمه الأذان (3) ، وهذا الحديث ضعّف بسبب وجود زياد بن المنذر في الرواية !
وعند الرجوع إلى ترجمته نجد أن تضعيفه لم يكن لفرية ارتكبها ، أو مروق عن الدين ركبه ، وإنّما ضعّف لأنّه شيعي يروي فضائل أهل البيت عليهم السلام ، قال ابن عدي : « ويحيى ابن معين إنّما تكلّم فيه وضعّفه لأنّه يروي فضائل أهل البيت » (4) . .
ص: 229
وعلى ذلك تكون الرواية صحيحة السند ، لأنّ تضعيف الراوي لم يكن ناشئاً عن جرح معتدّ به ومقبول ، وإنّما ضعّف لأجل التعصّب والهوى ضدّ أهل البيت عليهم السلام .
ومن هذا يتّضح العداء الذي يكنّه علماء أهل السنّة لأهل البيت عليهم السلام ، والنفور من رؤية فضائلهم ، ممّا أدّى بهم إلى جعل رواية فضائلهم موحية لتضعيف الراوي وإسقاطه عن المقبولية ، وتتّضح لديك مقولة ابن حجر التي قال فيها : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالياً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ، ولاسيّما أنّ علياً ورد في حقّه : « لا يحبّه إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق » (1) .
فالعداء متجذّر في علماء الحديث لغمورهم في النصب ، فلذلك يطعنون برواة فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ولك في النسائي ، والصنعاني ، والحاكم ، وغيرهم خير شاهد .
وأمّا الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام والمروية في كتب علماء الشيعة فهي كثيرة ، وتنصّ على أنّ الأذان تشريع من اللّه تعالى من دون مدخلية للأحلام والمنامات الليلية فيه (2) .
وفي « بدائع الصنائع » بعد أن نقل رواية رؤية عبد اللّه بن زيد قال : « وروي عن محمّد بن الحنفية أنّه أنكر ذلك » (3) .
وقال السيوطي : ( الأذان نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مع فرض الصلاة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... ) ) (4) . .
ص: 230
« محمّد - ... - ... »
س : هل التثويب وهو قول : « الصلاة خير من النوم » جائز في الأذان ؟
ج : هذه بدعة باطلة أحدثها عمر (1) ، واستمرّ عليها الآخرون ، ولا أصل لها في أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه ورد في بعض الأخبار ، إنكار عبد اللّه بن عمر لهذا العمل (2) ، وأنّ الإمام علي عليه السلام حينما سمعه قال : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه » (3) ، وأيضاً قد أفتى الشافعي بكراهة التثويب في الأذان مطلقاً (4) .
هذا ، وقد ورد عندنا الأذان الصحيح المنقول بلسان أهل البيت عليهم السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأسانيد معتبرة ، وليس فيه أيّ إشارة أو تلويح بتلك الفقرة الموضوعة .
« ... - السعودية - سنّي »
س : إنّ القول بحيّ على خير العمل في الأذان من بدع الشيعة .
ج : ذهب معظم أهل السنّة إلى أنّ فقرة « حيّ على خير العمل » لا يصحّ ذكرها في الأذان ، وعبّر بعضهم بلفظ يكره ، معلّلاً ذلك بأنّه لم يثبت عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والزيادة في الأذان مكروهة (5) .
وقال القاسم بن محمّد : « وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به ، وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه
ص: 231
كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان .
قال الزركشي في كتابه المسمّى بالبحر ما لفظه : ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر وهو عميد أهل المدينة - يرى إفراد الأذان ، ويقول فيه : حيّ على خير العمل ... إلى أن قال : فصحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إثبات حيّ على خير العمل » (1) .
وذهب أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم إلى أنّ هذه الفقرة جزء من الأذان والإقامة ، لا يصحّان بدونها ، وهذا حكم إجماعي عندهم ، نسبه الشوكاني إلى العترة وقال : « نسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي » (2) ، ثمّ عقّبه الشوكاني بقوله : « وهو خلاف ما في كتب الشافعية » .
وقد ذهب كثير من الصحابة والتابعين إلى الإقرار بوجود حيّ على خير العمل في الأذان ، وإليك أسماء بعضهم وكلماتهم ، أو الذين نقلوا عنهم :
عن نافع عن ابن عمر أنّه كان يقول في أذانه : « الصلاة خير من النوم ، وربما قال : حيّ على خير العمل » (3) .
وعن الليث بن سعد عن نافع قال : « كان ابن عمر لا يؤذّن في سفره ، وكان يقول : حيّ على الفلاح ، وأحياناً يقول : حيّ على خير العمل ، ورواه محمّد بن سيرين عن ابن عمر : إنّه كان يقول ذلك في أذانه » (4) .
وعن نافع عن ابن عمر : « أنّه كان يقيم الصلاة في السفر ، يقولها مرّتين أو ثلاثاً يقول : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على خير العمل » (5) .
وقال ابن حزم : « فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد » (6) .
ص: 232
عن جعفر بن محمّد عن أبيه : « إنّ علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال : حيّ على الفلاح قال : حيّ على خير العمل ، ويقول : هو الأذان الأوّل » (1) .
3 - أبو أُمامة بن سهل بن حنيف :
روي عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف : « أنّه ذكر حيّ على خير العمل في الأذان » (2) .
وقال المحبّ الطبري في كتابه « الأحكام الكبير » : « ذكر الحيعلة بحيّ على خير العمل ، عن أبي أُمامة بن سهل البدري أنّه كان إذا أذّن قال : حيّ على خير العمل ، ونقله عنه سعيد بن منصور » (3) .
كان بلال يؤذّن الصبح ويقول : « حيّ على خير العمل » (4) .
عن الإمام علي عليه السلام قال : « سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : إنّ خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أنّ يؤذّن بحيّ على خير العمل » (5) .
روي عن أبي محذورة أحد مؤذّني النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن أقول في الأذان : حيّ على خير العمل » (6) .
ص: 233
أذّن بحيّ على خير العمل (1) ، إلى غير ذلك ممّن كان يؤذّن بحيّ على خير العمل .
1 - قال في « الروض النضير » : « وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان » (2) .
2 - قال صاحب كتاب « السنام » : « الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل » (3) .
3 - قال الشوكاني نقلاً عن كتاب « الإحكام » : « وقد صحّ لنا أنّ حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يؤذّن بها ، ولم تطرح إلّا في زمن عمر » (4) .
4 - قال صاحب كتاب « فتوح مكّة » : « أجمع أهل المذاهب على التعصّب في ترك الأذان بحيّ على خير العمل ... ، وقد ذكر العلّامة عزّ الدين أبو إبراهيم محمّد بن إبراهيم ما لفظه : بحثت عن هذين الإسنادين في حيّ على خير العمل ، فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر ، وإلى زين العابدين » (5) .
إلى غير ذلك من المصادر والأقوال التي تنصّ على وجود كلمة « حيّ على خير العمل » في تشريع الأذان !
« ... - ... - ... »
س : من ألغى عبارة « حيّ على خير العمل » من الأذان مطلقاً ، وأضاف
ص: 234
كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح بالخصوص ؟
ج : قد تعارضت روايات أهل السنّة في ذلك ، فبعضها يشير إلى أنّه اقتراح من بلال الحبشي عندما جاء إلى الأذان ووجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فلمّا أفاق الرسول أضاف هذه الجملة إلى الأذان واستحسنها .
وبعضها يشير إلى أنّ أوّل من حذف كلمة « حيّ على خير العمل » عمر بن الخطّاب ، وهو الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح !
أمّا الأحاديث الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأنّه الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » فكلّها ضعيفة ، ونكتفي بما ذكره الشيخ الألباني حيث قال : « قول بلال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن أُثوّب في الفجر ، ونهاني أن أُثوّب في العشاء - رواه ابن ماجه ص 66 - ضعيف ، رواه ابن ماجه (715) عن أبي إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال به .
ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (1 / 378) ، والعقيلي في الضعفاء (ص 26) ، وأحمد (6 / 14) بلفظ : لا تثوّبن في شيء من الصلوات إلّا في صلاة الفجر ... ، وهذا ضعيف من أجل عطاء وابن عاصم ، وعلّه البيهقي بالانقطاع فقال : ... من جميع الوجوه إلّا أنّه منقطع وهو علّة الحديث .
ثمّ قال البيهقي : ورواه الحجّاج بن أرطاة عن طلحة بن مصرف ، وزبيد عن سويد بن غفلة أنّ بلالاً كان لا يثوّب إلّا في الفجر ، فكان يقول في أذانه : حيّ على الفلاح ، الصلاة خير من النوم ، والحجّاج مدلّس » (1) .
فإذاً رواية إضافة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الفجر لم تصحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما لاحظنا كلام الألباني !
ثمّ إنّ الذي أضاف التثويب إلى صلاة الصبح قد حذف لفظ « حيّ على خير العمل » .
ص: 235
من الأذان مطلقاً - في صلاة الصبح وفي غيرها - .
أمّا الرواية الواردة من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي فعل ذلك فهي صحيحة السند ؛ قال الزرقاني عند شرح قول مالك : « أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يؤذّنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح ، قال الزرقاني : هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنّفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر ، وأخرجه أيضاً عن سفيان عن محمّد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه قال لمؤذّنه : إذا بلغت حيّ على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، فقصر ابن عبد البرّ في قوله : لا أعلم هذا روي عن عمر من وجه يحتجّ به وتعلم صحّته ، وإنّما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه قال : والتثويب محفوظ في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبيّ صلى اللّه عليه وآله .
والمعنى هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا كأنّه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثته الأمراء ، وإلّا فالتثويب أشهر عند العلماء والعامّة من أن يظنّ بعمر أنّه جهل ما سنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمر به مؤذنيه بلالاً بالمدينة ، وأبا محذورة بمكّة انتهى .
ونحو تأويله قول الباجي : يحتمل أنّ عمر قال ذلك إنكاراً لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان في غيره ، وقال له : اجعلها فيه ، يعني لا تقلها في غيره انتهى ، وهو حسن متعيّن » (1) .
وأنت تلاحظ تأويل الباجي الذي لا يعرف صدره من عجزه ، فإنّه لفّ ودوران في الألفاظ ؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أدخل لفظ « الصلاة خير من النوم في الأذان » ، فكيف يأتي ويقول : لاستعماله لفظة من .
ص: 236
ألفاظ الأذان وغيره ... الخ ، والمفروض أنّه من ألفاظ غير الأذان !!
وأين التأويل الحسن الذي ارتآه الزرقاني في كلام الباجي وهو فارغ من المحتوى وتلاعب بالألفاظ !! ولله مع أهل السنّة في تقديس عمر شؤون ، نسأل اللّه السلامة منها !
وارجع إلى مصادر الحديث التي روت أنّ عمر بن الخطّاب أضاف هذه الجملة إلى الأذان في المصادر التالية : « السنن الكبرى » للبيهقي و « سنن الدارقطني » (1) .
وأمّا الرواية الواردة عن محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي عن أبيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله استشار الناس لما يهمّهم من الصلاة ... .
قال : قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : « الصلاة خير من النوم » ، فاقرّها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهذا الحديث باطل لأنّ فيه محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي الطحّان ، قال عنه الذهبي : قال يحيى : كان رجل سوء ، وقال مرّة : لا شيء ، وقال ابن عدي : أشدّ ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه عن الأعمش ، ثمّ ذكر له مناكير غير ذلك .
وقال أبو زرعة : ضعيف ، توفّي سنة أربعين ومائتين ، وقال ابن عدي : سمعت محمّد بن سعد ، سمعت ابن الجنيد ، أو صالح جزرة يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : محمّد بن خالد عبد اللّه كذّاب ، إن لقيتموه فاصفعوه » (2) . .
ص: 237
ص: 238
« هاني الرداد - مصر - سنّي »
س : هل صحيح أنّ الشيعة يقولون : أنّه بعد وفاة الرسول ارتدّ الصحابة كلّهم إلّا ستة ؟
ج : إنّ الطبري وغيره ذكروا بأنّ العرب ارتدّت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، عدا فئة في المدينة ، وفئة في الطائف ، وحاربهم أبو بكر فأرجعهم عن الردّة (1) .
فهذه الردّة التي يذكرها الطبري ردّة عن الإسلام ، وأمّا الحديث : « ارتدّ الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... » ، فليست الردّة ردّة عن الإسلام ، وإنّما ردّة عن الخليفة الذي نصّبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والفرق بينهما كثير .
« هاني الرداد - مصر - سنّي »
شكراً جزيلاً لإخواننا الشيعة ، على هذا الحوار الجيّد ، في إطار الإخوّة الإسلامية التي تجمعنا ، ومن هنا ، نمدّ يدنا نحن معاشر أهل السنّة لعودة الحبّ المتبادل ، وبما أنّ الخلاف قد يتطرّق لبعض المسائل العقائدية التي يعتقد كلّ مذهب أنّه على الحقّ ، وأنّ الآخر ضلّ بعض الشيء ، فلإزالة هذا الأمر ، وجب
ص: 239
على كلّ سنّي أن يستغفر لأخيه الشيعي ، ووجب على كلّ شيعي أن يستغفر لأخيه السنّي ، ونطوي صفحة الماضي بالكفّ عن الكلام عن الماضي ، لأجيال عصر صدر الإسلام ، الذين فتحوا البلاد ، حتّى وصل الإسلام إلينا ، وشعارنا دائماً : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .
« ... - ... - ... »
س : إنّني أقوم ببحث حول الشريعة الشيعية ، وأطلب منكم أن تساعدونني ، أتمنّى أن تعطوني هنا حكم الارتداد ، لأنّني مهتمّ جدّاً بهذا الحكم منذ الماضي .
ج : إنّ الارتداد اصطلاحاً هو : الرجوع عن الدين الإسلامي ، وقيل : هو أشدّ أنواع الكفر ، ويبحث في عدّة نقاط منها :
1 - يثبت الارتداد بالإقرار والبيّنة ، أو بصدور فعل دالّ عليه .
2 - يتحقّق الارتداد ، إمّا بإنكار اللّه تعالى ، أو إنكار توحيده تعالى ، أو إنكار رسالة اللّه ، أو رسوله ، أو تكذيب الرسول ، أو جحد ما ثبت ، أو نفي من الدين ضرورة ، أو يعلم أنّه من الدين ومع ذلك ينكره ، من قبيل الاستهزاء بالمصحف الشريف بأيّ شكل كان .
3 - شروط الارتداد هي : العقل والبلوغ والقصد والاختيار ، فعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه ارتدّ ظاهراً ، ولكن قلبه مطمئنّ بالإيمان ، لأنّ ارتداده لم يكن عن قصد واختيار .
4 - ينقسم الارتداد : إلى فطري وملّي ، وقيل : الفطري هو من ولد من مسلمينِ ، والملّي هو من أسلم عن كفر أصلي ثمّ ارتدّ ، وتوبته ظاهراً مقبولة ،
ص: 240
نعم اختلف العلماء في قبول توبة المرتد الفطري .
5 - هل يطهر المرتد بالتوبة ؟ فيه تفصيل يراجع في محلّه .
6 - هل يلزم المرتد قضاء ما فاته من العبادات حال الارتداد أو لا ؟
7 - هل تبقى ولاية المرتد على الصغير أو لا ؟
8 - ما حكم تصرّفات المرتد حال الارتداد من نكاح وغيره ؟
9 - ما حكم أماناته وميراثه و ... ؟
هذه أحكام تطرح في مسألة الارتداد ، يمكنكم مراجعتها في محلّها .
10 - ما هي عقوبة المرتد ؟
قيل : بقتل الفطري والملّي إذا لم يتب ، هذا إذا كان المرتد رجلاً ، وأمّا المرأة المرتدّة سواء كان ارتدادها فطري أو ملّي فعقوبتها السجن حتّى تتوب ، ويضيّق عليها في المطعم والمشرب على المشهور بين علمائنا .
11 - من يتولّى قتل المرتد ؟ الإمام عليه السلام خاصّة ، أو الحاكم ، أو مطلق من سمع أو رأى ؟ فيه أقوال .
12 - الارتداد الجماعي - أهل الردّة - كيف يكون قتالهم ؟ وهل يسبون أم لا ؟ فهناك أحكام لأهل الردّة ، فراجعها في محلّها .
14 - أجمع علماء الشيعة على ارتداد وكفر النواصب والغلاة .
« محمّد اللواتي - أمريكا - ... »
س : الإسلام دين الحرّية ، والرسول صلى اللّه عليه وآله كان يخيّر الناس ولا يجبرهم لقبول الإسلام ، كما إنّ القرآن الكريم يقول : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (1) .
السؤال : ما الحكمة من قتل المرتد ؟ وهل يتعارض هذا الحكم مع مبدأ الحرّية الشخصية ؟
ص: 241
ج : نعم ، إنّ الإسلام دين الحرّية ، ولكن هذا لا يعني أن لا تكون له قوانين خاصّة ، لحفظ كيان الدين والمجتمع عن الغواية والضلال ، فمن حقّ الدين أن يأتي بأُسس وقواعد ، تحمي معتنقيه عن الوقوع في الانحراف والضياع .
وأمّا بالنسبة لما ذكرتموه ، فإنّ حكم القتل يختصّ بالمرتدّ الفطري ، وهذا الحكم تعبّدي ، أي أنّنا وبعد ما عرفنا أنّ الحكم بالأصالة هو لله تبارك وتعالى - وهو حكيم على الإطلاق - فيجب علينا أن نعتقد ونلتزم بأنّ كلّ حكم صادر من قبله تعالى كان من منطلق المصلحة والحكمة ، وهذا أساس قبول الدين واعتناقه ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ... ) (1) .
نعم ، وفي نفس الوقت ، لابأس أن نتحرّى فلسفة وحكمة الأحكام الشرعية ، ولكن من باب الوقوف عليها ، لا من جهة قبولها .
وهنا قد يرى الإنسان الملتزم بأنّ هذا القانون قد جاء لحفظ المجتمع الإسلامي من الانهيار العقائدي ، إذ من الضروري في كلّ مجموعة - سياسية أو اجتماعية ، أو حتّى عسكرية أو غيرها - أن تحمي نفسها ، وتحافظ على أسرارها ، وتقف في وجه الذين يريدون أن يعبثوا بأنظمتها وقوانينها السائدة ، فإن كان الدخول والخروج من الدين سهلاً غير ممتنع ، لكان الذين لا يريدون أن يلتزموا بأيّ مبدأ وعقيدة وعمل ، تتاح لهم الفرصة أن يخالفوا كلّ قانون ، ثمّ عند المعاقبة سوف تكون دعواهم أنّهم خرجوا من هذا الدين ، وهو كما ترى يفتح المجال لكلّ مشاغب وفوضوي .
ولأجل ما ذكرنا يرى الإسلام أنّ الإنسان له الحرّية في اعتناقه للدين ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ... ) ، ولكن عندما يسلم يجب عليه الالتزام بالأحكام والأنظمة المعينة ، وحذراً من المخالفة والتنصّل جاء هذا الحكم لوقاية الدين وقوانينه . .
ص: 242
وأمّا ما ذكرته من الآية ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) فهي لا ترتبط بما نحن فيه ، بل إنّها خطاب للكفّار ، فهم لم يعتنقوا الإسلام حتّى تطبّق عليهم الأحكام الشرعية .
« محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »
س : هل صحيح أنّ جميع الصحابة الذين مدحهم القرآن ارتدّوا بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟
ج : لا ريب بأنّ فضل الصحبة للرسول صلى اللّه عليه وآله فيه اقتضاء المدح والثناء إن لم يمنع منه مانع ، وهذا لا كلام فيه ؛ إنّما الكلام في طروّ هذا المانع عند جمع من الصحابة في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فظاهرة النفاق - الذي هو أمر مسلّم عند الكلّ - أدلّ دليل على وجود هذا المانع .
وأمّا بعد وفاته صلى اللّه عليه وآله فإنكار بعضهم لوصاياه ، وحياد الآخرين منهم في هذا المجال ، جعل الأمر جلياً وواضحاً للمتتّبع المنصف .
وعلى أيّ حال ، فمجمل الكلام : إنّ الصحبة تكون ذا مزية إذا كانت في طاعة اللّه ورسوله ، فالعدول والانحراف عن الخطّ السليم ، الذي رسمه الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله للأُمّة ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام - كما هو ثابت تاريخياً - هو نوع من التراجع والارتداد عن منهج الرسالة في تطبيق أوامره ونواهيه صلى اللّه عليه وآله ، وهذا هو معنى الروايات الواردة في مصادرنا الخاصّة في هذا المجال .
والغريب أنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ - كتاريخ الطبري - أنّ العرب ارتدّوا كلّهم بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله عدا فئةٍ في المدينة والطائف ، وهذا لا يثير التساؤل ؟!
وأمّا ما يثار في حقّ الشيعة بأنّهم يقولون بارتداد جميع الصحابة ، فهذا إفك وبهتان عظيم ، كيف وهم يلتزمون بالولاء لأفضل الصحابة ، وهو علي عليه السلام وأهل بيته ، وأيضاً يعظّمون ويبجّلون البعض منهم ، أمثال سلمان وأبي ذر ، وعمّار والمقداد ، وغيرهم .
ص: 243
نعم ، هم يعتقدون - وفقاً للأدلّة العقلية والنقلية - بعدول البعض عن خطّ الرسالة بعد ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ ورد لفظ ردّة وارتداد لبعض الصحابة في روايات ومصادر الشيعة ، فإنّما هو ارتداد عن الولاية والإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام لا ارتداد عن ظاهر الإسلام .
« السيّد سلمان - البحرين »
س : نشكر لكم هذا الجهد الكبير الذي يبذل منكم للارتقاء بالفكر الإسلامي ، والعمل على نشر أفكار وتعاليم ديننا الحنيف .
لقد أشرتم إلى قضية المرتدّ ، والحكم عليها من دون الإشارة إلى نوعية الارتداد ، فهناك ارتداد سلمي ، حيث يقوم المرتدّ بالعدول عن الإسلام إلى غيره من الأديان من قناعة نفسية ، ولا يقوم بأيّ عمل ضدّ الإسلام والمسلمين ، وهناك ارتداد محارب للإسلام والمسلمين ، بأن يستغل ارتداده لضرب الدين الحنيف وتعاليمه النيّرة .
فسؤالي هنا : ما هو الحكم في المسألتين ؟
ج : إنّ المرتدّ على قسمين :
1 - مرتدّ عن فطرة .
2 - مرتدّ عن ملّة .
والحكم الشرعي هو : إنّ المرتدّ عن فطرة يقتل بخلاف المرتدّ عن ملّة .
ولم يقسّم الشرع في المرتدّ عن فطرة ، بين الارتداد السلمي وارتداد محارب للإسلام والمسلمين ، كما ذكرتم من التقسيم ، ولا بين من ارتدّ عن قناعة نفسية ولا غيره .
وأمّا الدليل على قتل المرتدّ عن فطرة ، الروايات الكثيرة المروية في مصادر المسلمين والتي تبلغ حدّ التواتر ، منها :
عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن مسلم تنصّر ؟ قال : « يقتل ولا يستتاب » .
ص: 244
قلت : فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ ؟ قال : « يستتاب ، فإنّ رجع وإلّا قُتل » (1) .
وللتفصيل أكثر راجع : « وسائل الشيعة / أبواب حدّ المرتدّ » (2) .
« محمّد - الإمارات - سنّي - 20 سنة - طالب »
س : هل يجوز حرق الكفّار أو المرتدّين ؟ أين الدليل بأنّها مردودة سنداً ؟
ج : لا يجوز حرق الكفّار والمرتدّين ، ولم يذهب إلى ذلك من فقهائنا أحد ، فقد ذكر المحقّق الحلّي في حكم المرتد : « ويتحتّم قتله ، وتبين منه زوجته ، وتعتدّ منه عدّة الوفاة ، وتقسّم أمواله بين ورثته » (3) .
وأمّا الحرق بالنار ، فلم تدلّ عليه إلّا رواية واحدة ، وموردها ما إذا ارتدّ المسلم الفطري ، وأخذ بالسجود إلى الأصنام ، فتختصّ بهذا المورد ، لا أنّ كلّ مرتدّ يفعل به ذلك ، والسجود للأصنام يشتمل على إبراز للارتداد بدرجة مفرطة وغير مقبولة ، وبهذا اللحاظ يرتفع مستوى عقوبته .
« علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب »
س : هل يعقل أن يختار اللّه لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد ؟ أم أنّ اللّه لا يعلم الغيب ؟ سبحان اللّه عمّا يصفون ، يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم .
ج : هذه الملازمات ليست شرعية ، ولا لازمة لأحد ، ولا حجّة على أحد ، ولا دليل عليها ، فمن قال إنَّ اللّه تعالى اختار للأنبياء أصحابهم ؟ الذي أرسل الرسل أصلاً لإصلاحهم ، لأنّهم في وضع سيء جدّاً ، يستوجب إنذارهم وإبلاغهم رسالة
ص: 245
اللّه تعالى وأحكامه ، فقد يكون العصر الذي يُبعث فيه الأنبياء الذروة في الانحطاط والضلال والظلام .
ثمّ إنّ النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان كثيراً ما يحذّر ويقول : « لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم » (1) ، وكان أيضاً يحذّر الصحابة ويخبرهم برجال يرتدّون من بعده ، ويُطردَون عن الحوض ، كما روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : « بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلّم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار واللّه ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك ... » (2) .
وفي حديث أنس : « ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ... » (3) .
وفي حديث سهل : « وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمّ يحال بيني وبينهم » (4) .
وفي حديث أبي هريرة : « ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلّم ، فيقال : إنّهم قد أحدثوا بعدك ، وأقول : سحقاً سحقاً » (5) . .
ص: 246
وفي رواية أبي سعيد الخدري : « فأقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي » (1) ، وزاد في رواية عطاء ابن يسار : « فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (2) .
وفي حديث أبي بكرة : « ليردن عليَّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : ربّ أصحابي أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (3) ، وقال عن هذا الحديث ابن حجر : « وسنده حسن » (4) ، وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه ، وزاد : فقلت : يا رسول اللّه ادع اللّه أن لا يجعلني منهم ، قال : « لست منهم » ، وقال ابن حجر : « وسنده حسن » (5) .
وفي البخاري : « فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (6) .
ونقول : مع هذه الأحاديث الكثيرة التي تصادم ما تقولون به نذكر آية واحدة وهي قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (7) .
فهل قولنا موافق لقول اللّه والرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ أم إطلاقكم العدالة هو الموافق ؟ .
ص: 247
ص: 248
« سمير - ... - ... »
س : ما هو رأي مذهب أهل البيت في موضوع الخيرة ؟ استخارة اللّه في موضوع ما .
ج : ذكر العلّامة المجلسي قدس سره في كتابه « بحار الأنوار » الجزء الثامن والثمانين أبواباً في الاستخارات ، وفضلها وكيفيّاتها ، فذكر في الباب الأوّل الروايات الواردة في الحثّ على الاستخارة ، والترغيب فيها ، والرضا والتسليم بعدها ، منها :
1 - عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « يقول اللّه عزّ وجلّ : من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخير بي » .
2 - عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر » .
3 - عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال : « بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى اليمن ، فقال لي وهو يوصيني : يا علي ما حار من استخار ، ولا ندم من استشار » .
ومن خلال مراجعة هذه الروايات يتّضح أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يؤكّدون على موضوع الخيرة ، ويعلّمون أصحابهم كيفية الاستخارة ، وصلواتها ودعائها .
إذاً فالخيرة أمر حسن ومحبّذ ، وعليه جرت سيرة العلماء والمؤمنين .
ص: 249
« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »
س : أرجو منكم أن تذكروا لي الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في كيفية الاستخارة ، بالتفصيل إن أمكن .
ج : وردت عدّة روايات في مسألة الاستخارة ، نذكر بعضها ، وهي على أقسام :
الأوّل : الاستخارة بالرقاع .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا أردت أمراً فخذ ست رقاع ، فأكتب في ثلاث منها : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل ، وفي ثلاث منها مثل ذلك افعل ، ثمّ ضعها تحت مصلاك ، ثمّ صلّ ركعتين ، فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرّة : استخير اللّه برحمته خيرة في عافية ، ثمّ استو جالساً وقل : اللّهم خر لي واختر لي في جميع أُموري ، في يسر منك وعافية ، ثمّ اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها ، وأخرج واحدة ، فإن خرج ثلاث متواليات أفعل ، فأفعل الأمر الذي تريده ، وإن خرج ثلاث متواليات لا تفعل ، فلا تفعله ، وإن خرجت واحدة افعل والأُخرى لا تفعل ، فأخرج من الرقاع إلى خمس ، فأنظر أكثرها فاعمل به ، ودع السادسة لا تحتاج إليها » (1) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا أردت أمراً فخذ ست رقاع ، فاكتب في ثلاث منهن : بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلان افعل كذا إن شاء اللّه ، واذكر اسمك وما تريد فعله ، وفي ثلاث منهن : بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلان لا تفعل
ص: 250
كذا ، وتصلّي أربع ركعات ، تقرأ في كلّ ركعة خمسين مرّة « قل هو اللّه أحد » ، وثلاث مرّات « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » ، وتدع الرقاع تحت سجّادتك ، وتقول بعد ذلك : اللّهم إنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علّام الغيوب ، اللّهم آمنت بك فلا شيء أعظم منك ، صلّ على آدم صفوتك ، ومحمّد خيرتك ، وأهل بيته الطاهرين ، ومن بينهم من نبيّ وصدّيق وشهيد ، وعبد صالح ، وولي مخلص ، وملائكتك أجمعين ، إن كان ما عزمت عليه من الدخول في سفري إلى بلد كذا وكذا خيرة لي في البدو والعاقبة ، ورزق تيسّر لي منه ، فسهّله ولا تعسّره ، وخر لي فيه ، وإن كان غيره فاصرفه عنّي ، وبدّلني منه ما هو خير منه ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، ثمّ تقول سبعين مرّة : خيرة من اللّه العليّ الكريم ، فإذا فرغت من ذلك عفّرت خدّك ، ودعوت اللّه وسألته ما تريد » (1) .
الثاني : الاستخارة بصلاة ركعتين وبرقعتين .
عن علي بن محمّد ، رفعه عنهم عليهم السلام ، قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ، ولا يجد أحداً يشاوره ، فكيف يصنع ؟ قال : « شاور ربّك » قال : فقال له : كيف ؟ قال : « انو الحاجة في نفسك ، واكتب رقعتين ، في واحدة لا ، وفي واحدة نعم ، واجعلهما في بندقتين من طين ، ثمّ صلّ ركعتين ، واجعلهما تحت ذيلك ، وقل : يا اللّه إنّي أشاورك في أمري هذا ، وأنت خير مستشار ومشير ، فأشر عليّ بما فيه صلاح وحسن عاقبة ، ثمّ أدخل يدك ، فإن كان فيها نعم فافعل ، وإن كان فيها لا ، لا تفعل ، هكذا شاور ربّك » (2) .
الثالث : الاستخارة بمائة مرّة .
عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قلت له : ربما أردت الأمر يفرق منّي فريقان ، أحدهما يأمرني والآخر ينهاني ؟ قال : فقال لي : « إذا كنت كذلك ، فصلّ ركعتين ، واستخر اللّه مائة مرّة ومرّة ، ثمّ أنظر أحزم الأمرين .
ص: 251
لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه ، ولتكن استخارتك في عافية ، فإنّه ربما خيّر للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله » (1) .
الرابع : الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل .
وسأل محمّد بن خالد القسري الإمام الصادق عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة الليل ، وأنت ساجد مائة مرّة ومرّة » ، قال : كيف أقول ؟ قال : « تقول : استخير اللّه برحمته ، استخير اللّه برحمته » (2) .
الخامس : الاستخارة بمائة مرّة ومرّة عقيب ركعتي الفجر .
عن حمّاد بن عثمان قال : سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه مائة مرّة ومرّة في آخر سجدة من ركعتي الفجر ، تحمد اللّه وتمجّده وتثني عليه ، وتصلّي على النبيّ وعلى أهل بيته ، ثمّ تستخير اللّه تمام المائة مرّة ومرّة » (3) .
السادس : الاستخارة بمائة مرّة بعد صوم ثلاثة أيّام .
عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إذا أردت أمراً ، وأردت الاستخارة كيف أقول ؟ فقال : « إذا أردت ذلك فصم الثلاثاء والأربعاء والخميس ، ثمّ صلّ يوم الجمعة في مكان نظيف ركعتين ، فتشهّد ثمّ قل وأنت تنظر إلى السماء : اللّهم إنّي أسألك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أنت عالم الغيب ، إن كان هذا الأمر خيراً فيما أحاط به علمك ، فيسّره لي ، وبارك لي فيه ، وافتح لي به ، وإن كان ذلك لي شرّاً فيما أحاط به علمك ، فاصرف عنّي بما تعلم ، فإنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وتقضي ولا أقضي ، وأنت علّام الغيوب ، .
ص: 252
تقولها مائة مرّة » (1) .
السابع : الاستخارة بمائة مرّة يتصدّق قبلها على ستّين مسكيناً .
عن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السلام في الأمر يطلبه الطالب من ربّه ، قال : « يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً ، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي ، ويلبس أدنى ما يلبس من يعول من الثياب إلّا أن عليه في تلك الثياب إزاراً ، ثمّ يصلّي ركعتين ، فإذا وضع جبهته في الركعة الأخيرة للسجود هلّل اللّه وعظّمه ومجّده ، وذكر ذنوبه ، فأقّر بما يعرف منها مسمّى ، ثمّ يرفع رأسه ، فإذا وضع في السجدة الثانية استخار اللّه مائة مرّة ، يقول : اللّهم إنّي استخيرك ، ثمّ يدعو اللّه بما يشاء ويسأله إيّاه ، وكلّما سجد فليفض بركبتيه إلى الأرض ، يرفع الإزار حتّى يكشفهما ، ويجعل الإزار من خلفه بين إليتيه وباطن ساقيه » (2) .
الثامن : الاستخارة بمائة مرّة عقيب الفريضة .
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه يسجد عقيب المكتوبة ويقول : « اللّهم خر لي ، مائة مرّة ، ثمّ يتوسّل بالنبيّ والأئمّة عليهم السلام ، ويصلّي عليهم ، ويستشفع بهم ، وينظر ما يلهمه اللّه فيفعل ، فإنّ ذلك من اللّه تعالى » (3) .
التاسع : الاستخارة بمائة مرّة في آخر ركعة من صلاة الليل .
عن جعفر بن محمّد بن خلف العشيري قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة الليل ، وأنت ساجد مائة مرّة » ، قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : « تقول : استخير اللّه برحمته ، استخير اللّه برحمته » (4) . .
ص: 253
العاشر : الاستخارة بمائة مرّة عند الإمام الحسين عليه السلام .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما استخار اللّه عبد قط في أمر مائة مرّة عند رأس الحسين عليه السلام ، فيحمد اللّه ويثني عليه ، إلّا رماه اللّه بخير الأمرين » (1) .
الحادي عشر : الاستخارة بسبعين مرّة .
عن معاوية بن ميسرة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما استخار اللّه عبد سبعين مرّة بهذه الاستخارة ، إلّا رماه اللّه بالخيرة ، يقول : يا أبصر الناظرين ، ويا أسمع السامعين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صلّ على محمّد وأهل بيته ، وخر لي في كذا وكذا » (2) .
الثاني عشر : الاستخارة بعشر مرّات .
عن محمّد بن مسلم ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كنّا أُمرنا بالخروج إلى الشام ، فقلت : اللّهم إن كان هذا الوجه الذي هممت به خيراً لي في ديني ودنياي ، وعاقبة أمري ولجميع المسلمين ، فيسّره لي وبارك لي فيه ، وإن كان ذلك شرّاً لي ، فاصرفه عنّي إلى ما هو خير لي منه ، فإنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علّام الغيوب ، استخير اللّه ويقول ذلك مائة مرّة ... » (3) .
الثالث عشر : الاستخارة بسبع مرّات .
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابّة ، أو الحاجة الخفيفة أو الشيء اليسير استخار اللّه عزّ وجلّ فيه سبع مرّات ، وإذا كان أمراً جسيماً استخار اللّه فيه مائة مرّة (4) .
الرابع عشر : الاستخارة بثلاث مرّات . .
ص: 254
عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في الاستخارة : « تعظّم اللّه وتمجّده وتحمده وتصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ تقول : اللّهم إنّي أسألك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، وأنت علّام الغيوب ، استخير اللّه برحمته » .
ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إن كان الأمر شديداً تخاف فيه ، قلته مائة مرّة ، وإن كان غير ذلك قلته ثلاث مرّات » (1) .
الخامس عشر : الاستخارة بمرّة واحدة .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « من استخار اللّه مرّة واحدة وهو راض به ، خار اللّه له حتماً » (2) .
السادس عشر : الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال .
عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال » (3) .
السابع عشر : الاستخارة بالقرعة .
عن منصور بن حازم قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسألة ، فقال له : « هذه تخرج في القرعة » ؟ ثمّ قال : « وأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى اللّه عزّ وجلّ ، أليس اللّه يقول تبارك وتعالى : ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (4) .
وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائه من قولهم : « كلّ مجهول ففيه القرعة » قلت له : إنّ القرعة تخطأ وتصيب ، فقال : « كلّ ما حكم اللّه فليس بمخطأ » (5) . .
ص: 255
وأمّا كيفية الاستخارة بالقرعة ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : « من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرّات ، وإنّا أنزلناه عشر مرّات ، ثمّ يقول : اللّهم إنّي استخيرك لعلمك بعاقبة الأُمور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللّهم إن كان أمري هذا ممّا قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه ، وحُفّت بالكرامة أيّامه ولياليه ، فخر لي بخيرة ترد شموسه ذلولاً ، وتقعص أيّامه سروراً ، يا اللّه إمّا أمر فأأتمر ، وإمّا نهي فأنتهي .
اللّهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ، ثلاث مرّات ، ثمّ يأخذ كفّاً من الحصى أو سبحة » (1) .
نكتفي بهذا المقدار من الروايات .
وأمّا بالنسبة إلى الاستخارة بالمصحف ، فإنّا وإن لم نجد رواية في ذلك ، ولكن السيّد ابن طاووس في « فتح الأبواب » (2) قال : « رأيت ذلك - أي المشاورة لله تعالى بالمصحف - في بعض كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم ... عدنا الآن إلى ما وقفنا عليه في بعض كتب أصحابنا من صفة الفال في المصحف الشريف ، وهذا لفظ ما وقفنا عليه :
صفة القرعة في المصحف : يصلّي صلاة جعفر عليه السلام ، فإذا فرغ منها دعا بدعائها ، ثمّ يأخذ المصحف ، ثمّ ينوي فرج آل محمّد بدءاً وعوداً ، ثمّ يقول : اللّهم إن كان في قضائك وقدرك أن تفرّج عن وليّك وحجّتك في خلقك في عامنا هذا وفي شهرنا هذا فاخرج لنا رأس آية من كتابك نستدلّ بها على ذلك .
ثمّ يعدّ سبع ورقات ، ويعدّ عشرة أسطر من ظهر الورقة السابعة ، وينظر ما يأتيه في الحادي عشر من السطر ، ثمّ يعيد الفعل ثانياً لنفسه ، فإنّه يتبيّن حاجته إن شاء اللّه تعالى » (3) . .
ص: 256
ثمّ قال : « فصل : وحدّثني بدر بن يعقوب المقرئ الأعجمي رضوان اللّه عليه بمشهد الكاظم عليه السلام في صفة الفال في المصحف بثلاث روايات من غير صلاة ، فقال : تأخذ المصحف وتدعو ، فتقول : اللّهم إن كان من قضائك وقدرك أن تمن على أُمّة نبيّك بظهور وليّك وابن بنت نبيّك ، فعجّل ذلك وسهّله ويسّره وكمّله ، وأخرج لي آية استدلّ بها على أمر فائتمر ، أو نهي فأنتهي - أو ما تريد الفال فيه - في عافية .
ثمّ تعدّ سبع أوراق ، ثمّ تعدّ في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ستة أسطر ، وتتفاءل بما يكون في السطر السابع .
وقال في رواية أُخرى : إنّه يدعو بالدعاء ، ثمّ يفتح المصحف الشريف ، ويعدّ سبع قوائم ، ويعدّ ما في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ، وما في الوجهة الأُولى من الورقة الثامنة من لفظ اسم اللّه جلّ جلاله ، ثمّ يعدّ قوائم بعدد لفظ اسم اللّه ، ثمّ يعدّ من الوجهة الثانية من القائمة التي ينتهي العدد إليها ، ومن غيرها ممّا يأتي بعدها سطوراً بعدد لفظ اسم اللّه جلّ جلاله ، ويتفاءل بآخر سطر من ذلك .
وقال في الرواية الثالثة : إنّه إذا دعا بالدعاء عدّ ثماني قوائم ، ثمّ يعدّ في الوجهة الأُولى من الورقة الثامنة أحد عشر سطراً ، ويتفاءل بما في السطر الحادي عشر ، وهذا ما سمعناه في الفأل بالمصحف الشريف قد نقلناه كما حكيناه (1) .
ونقل هذا العلّامة المجلسي في « بحار الأنوار » وقال : « وجدت في بعض الكتب أنّه نسب إلى السيّد (ره) الرواية الثانية ، لكنّه قال : يقرأ الحمد وآية الكرسي ، وقوله تعالى : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) إلى آخر الآية ، ثمّ يدعو بالدعاء المذكور ، ويعمل بما في الرواية » (2) . .
ص: 257
« ... - السعودية - ... »
س : ما هو حكم الخيرة أو الاستخارة ؟ فنرى البعض يعتقد بأنّها من عالم الغيب ، بخلاف البعض الآخر الذي يتعامل معها معاملة عادية .
وسؤالي بشكل أوضح هو : هل أنّ الخيرة ترشدنا إلى الواقع ؟ أو أنّها مجرد تعيين الوظيفة ورفع التحيّر ؟
ج : إنّ الأحاديث الواردة في هذا الموضوع تشير على أنّ الاستخارة - الخيرة - هي من مصاديق الدعاء ، أي أنّ المستخير يطلب من اللّه تعالى أن يرشده إلى الخير والصواب .
وعليه ، فإنّ حيثيات الدعاء تتدخّل في كيفية النتيجة ، فحالة المستخير من الطهارة والتوجّه والإقبال نحو الدعاء ، وأيضاً وقت الاستخارة ومكانها ونوعها لها دخل عظيم في إعطاء النتيجة المتوقّعة .
نعم ، هناك بعض الأنواع من الاستخارة قد تخرج بنتائج أقرب إلى الواقع من غيرها ، وهكذا قد يكون بعض الأشخاص يمتلكون قدرة خاصّة في استنباط بعض النتائج في الخيرة ، حازوا على هذه الملكة بممارسة رياضات شرعية .
هذا ، ولكن لا يوجد في المقام ما يدلّ على أنّ هناك قاعدة عامّة يمكن الاعتماد عليها مطلقاً ، فكلّ ما في الأمر هو أنّ الموضوع يرتبط بالدعاء والداعي ، ومصلحة الباري تعالى .
« أحمد - ... - ... »
س : لاشكّ بأنّكم سمعتم بطرق مختلفة في الاستخارة : هذا من القرآن ، وذلك بالسبحة ، وآخر بحسابات خاصّة ، و ... ، فهل هذه وردت عن المعصومين عليهم السلام ؟ أي أنّها مؤيّدة من قبلهم ؟ أم ماذا ؟
ص: 258
ج : الاستخارة أو الخيرة بالمعنى العام - أي طلب الخير من اللّه تعالى - أمر مستحسن في الشريعة ، وقد وردت روايات كثيرة بهذا الصدد تحثّ على هذا العمل ، كما هو واضح لمن يراجع المجامع الحديثية في هذا الباب .
وأمّا الأساليب المختلفة التي تمارس في هذا المجال ، فهي طرق مختصّة بأهلها اقتنعوا بها بعدما أعطت التجربة صحّتها ، أو قربها إلى الواقع .
نعم ، جاء في بعض الأحاديث ما يدلّ على بعض الأنواع من الاستخارة ، ولكن هذه الروايات جميعها ضعيفة السند ، لا يمكن الاعتماد عليها جزماً ، بل يصحّ العمل بمضمونها برجاء المطلوبية .
هذا ولكن الذي يظهر من سيرة المتشرّعة والمؤمنين : هو المعاملة مع الخيرة معاملة الأمر اللازم ، فيأتمرون لأوامرها وينتهون لنواهيها ، وليس هذا إلّا لحصول نتائج حسنة منها ، لا أنّهم قصدوا العمل بالأحاديث الواردة في المقام .
« ... - السعودية - ... »
س : كثيراً ما يعترض السلفيّون في موضوع الاستخارة بالقرآن ، بأنّكم تتفاءلون به ، وهو عمل منهي عنه ، فهل يوجد في كتب العامّة ما يمكننا بردّهم ؟
ج : الاستخارة وردت بنحو الإطلاق عند الفريقين - الخاصّة والعامّة - بما لا مجال للشكّ في مشروعيتها وجوازها ، بل رجحانها واستحبابها ، وهي باختصار : عبارة عن طلب الخير مطلقاً ، أو عند التحيّر في ترجيح موضوع على موضوع آخر ، وهذا أمر متّفق عليه عند كافّة أرباب الحديث ، كما هو واضح لمن راجعهم .
ولو أمعنّا النظر في مضمون هذه الروايات بأجمعها ، نرى أنّ مفادها تنصب في مجرى مطلق الدعاء ، أي أنّ المستخير يدعو ويطلب الصلاح والخير لما يستخير له .
ص: 259
وهناك طرق خاصّة وردت في بعض الروايات عندنا تبيّن كيفية الاستخارة ، وأيضاً قد ينقل بعض الاستخارات غير المنصوصة عن البعض ، وهي بأجمعها وإن لم تتّصف بقوّة السند - خلافاً للقسم الأوّل - ولكن تدخل تحت عنوان الدعاء قطعاً .
وعلى هذا لا يبقى إشكال على هذه الأنواع من الاستخارة ، ويدلّ على جواز هذا الأمر عند العامّة ، ما ورد في بعض رواياتهم من عمل الأصحاب به (1) .
وممّا ذكرنا يظهر لك : عدم المانع من الاستخارة بالقرآن ، فإنّ المستخير يرى نفسه متحيّراً في موضوع ما ، ويريد أن يستدلّ على الصواب ، فيدعو ويطلب من اللّه تعالى هدايته وتوجيهه نحو الحقّ ، بإشارة آية أو مقطع منها ، وهذا العمل بنفسه عمل جائز وسائغ ، ولا ينطبق عليه عنوان التفاؤل المنهي عنه - إن قلنا به - .
مضافاً إلى أنّ الروايات التي تمنعنا من التفاؤل بالقرآن جميعها ضعيفة السند ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، واعتبارها حجّة في المقام . .
ص: 260
« هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة »
س : كثيراً ما يردّد أعداء الشيعة أنّ هناك ما يسمّى باستعارة الفروج في مذهب الإمامية ؟ فماذا يقصدون ؟ وما هي حقيقة ذلك ؟
ج : لاشكّ ولا ريب بأنّ أعداء الشيعة والتشيّع قد كرّسوا جهودهم لتضليل الرأي العام ، في سبيل النيل من سمعة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولكن يأبى الحقّ إلّا أن يظهر .
وممّا افتروه في هذا المجال ، مسألة مختلقة سمّوها « استعارة الفروج » يريدون منها أن ينسبوا إلى الشيعة بأنّهم - والعياذ باللّه - يعتقدون بالإباحية في الجنس !! ( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) (1) .
وعلى أيّ حال ، فإنّ الموضوع واضح وجلّي ، وهو يختصّ بباب نكاح الجواري والإماء ، وتوضيحه : إنّ نكاح الإماء لا يكون بصيغة العقد ، بل بملك اليمين فقط ، فمالكها هو الأولى بها بالأصالة ، ولكن في حالة عدم الاقتراب منها - أو بعد الاقتراب والاستبراء - يحقّ لمالكها أن يزوّجها ممّن يشاء ، بمنحه له حصّة ملكيّته لها ، وعلى ضوء ما ذكرنا لا يحتاج هذا الزواج الجديد إلى صيغة النكاح ، بل ينعقد بالملكية التي وهبها المالك إيّاه .
ص: 261
وطبيعي أنّه لا يحقّ للمالك المجيز في هذه الفترة - فترة النكاح المشار إليه - أن ينكح ويقترب من أَمَتِه ، إلّا بعد انتهاء فترة النكاح المذكور واستبرائها .
ثمّ إنّ هذه المسألة ليست اتفاقية عند جميع علماء الشيعة ، فمنهم من يقول بالمنع ، كما حكاه الشيخ الطوسي قدس سره في « المبسوط » (1) و « النهاية » ، والعلّامة الحلّي قدس سره في « المختلف » .
ولرفع الاستغراب في هذا المجال ، نذكر فقرات من كتب أهل السنّة ، حتّى يتّضح أنّ الشيعة ليسوا متفرّدين في أمثال هذه الموارد :
1 - « وإن كانت المنكوحة أمة فوليّها مولاها ، لأنّه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالإجارة » (2) .
2 - « إذا ملك مائة دينار ، وأمة قيمتها مائة دينار ، وزوّجها من عبد بمائة ، و ... » (3) .
ترى مشروعية تزويج الإنسان الحرّ أمته من غيره حتّى العبد .
3 - « رجل له جارية فقال : قد وطئتها ، لا تحلّ لابنه ، وإن كانت في غير ملكه ، فقال : قد وطئتها ... » (4) .
فترى فرض الوطء في غير الملك .
4 - « والأمة إذا غاب مولاها ليس للأقارب التزويج » (5) .
والمفهوم من العبارة ، أنّ المولى إذا كان حاضراً ، فله أن يزّوج أمته ممّن يشاء .
5 - « إذا أحلّ الرجل الجارية للرجل ، فعتقها له ، فإن حملت ألحق الولد به . .
ص: 262
ويحلّ الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه ، والمرأة لزوجها ... ، وهي أحلّ من الطعام ، فإن ولدت فولدها للذي أحلّت له ، وهي لسيّدها الأوّل .
إذا أحلّت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته ، له جاريتها فليصبها وهي لها ... .
وهو حلال ، فإن ولدت ، فولدها حرّ ... .
امرأتي أحلّت جاريتها لابنها ، قال : فهي له » (1) .
« أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة »
س : هذه شبهة وردت في أحد منتديات مواقع الوهّابية ، أرجو الردّ السريع عليها .
إعارة الفروج ، فقد روى الطوسي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر قال : قلت : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « نعم ، لابأس به ، له ما أحلّ له منها » (2) .
أرجو المساعدة على ردّ تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً .
ج : وما أسموه بإعارة الفروج ، فهو ليس تعبيراً صحيحاً ، وإنّما الصحيح أنّ يقال : أحكام نكاح الإماء ، لأنّ هذه الروايات واردة في أحكام الإماء اللاتي يشتريهن المسلمون بأموالهم ، وقد ورد في أحكامها ، كما عن العلّامة الحلّي قدس سره في « المختلف » : ( المشهور عند علمائنا إباحة وطء الإماء بتحليل المولى للغير .
وقال ابن إدريس : إنّه جائز عند أكثر أصحابنا المحصّلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة ، والعمل عليه والفتوى به ، وفيهم من منع منه والحقّ الأوّل .
وحجّتنا : قوله تعالى : ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (3) وهو يصدق بملك
ص: 263
المنفعة ، كما يصدق بملك الرقبة .
وما رواه محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن رجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « هي له حلال ما أحلّ منها » ) (1) .
وقال ابن العلّامة قدس سره في « إيضاح الفوائد » : « اعلم أنّ السيّد - أي المالك للأمة - يملك منفعتين من أمته ، منفعة الاستمتاع ومنفعة الاستخدام ، فإذا زوّجها عقد على إحدى منفعتيها ، وبقيت المنفعة الأُخرى ، فيستوفيها في وقتها وهو النهار ، ويسلّمها إلى الزوج وقت الاستراحة والاستمتاع ، وهو الليل » (2) .
وقال المحقّق الكركي قدس سره في « جامع المقاصد » : « والصيغة وهو لفظ التحليل ، مثل أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلّ من وطئها ، والأقرب إلحاق الإباحة به .
ولو قال : أذنت لك ، أو سوّغت ، أو ملكت فكذلك .
ولا تستباح بالعارية ، ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع ... .
والشرط الرابع : الصيغة ، ولا خلاف في اعتبارها ، لأنّ الفروج لا يكفي في حلّها مجرّد التراضي ، ولا أيّ لفظ اتفق ، بل لابدّ من صيغة متلقّاة من الشرع ، وقد اجمعوا على اعتبار لفظ التحليل ، وبه وردت النصوص ، فيقول : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حلّ من وطئها » (3) .
فنقول : أين الإعارة للفروج ؟ وقد سمعت قول العلماء أنفاً : أنّه لا يستباح بالعارية ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع !! وإنّما صيغة التحليل المذكورة مستفادة من أدلّة الشرع ، وفق روايات صحيحة ذكرها العلماء في متون استدلالاتهم في باب أحكام الإماء ، فليراجع ثمّة . .
ص: 264
« أحمد - البلوشي - السعودية ... »
س : ما معنى الإسراء والمعراج وما هي أسبابه ونتائجه ؟
ج : لقد أسرى النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله بروحه وجسده من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس ، كما في سورة الإسراء ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .
ثمّ عرج صلى اللّه عليه وآله بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء ، كما جاء في سورة الإسراء ، ووردت بذلك الأخبار الكثيرة ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .
وأمّا أهداف الإسراء والمعراج فهي :
أوّلاً : إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة ، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها ، وإدراك أسرارها ، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن العشرين ، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه ، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب .
ثانياً : إنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل ، وقد بيّن اللّه سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية ، فقال : ( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) (1) .
وإذا كان الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء ، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره ، فإنّ من الطبيعي أن
ص: 265
يعدّه اللّه سبحانه إعداداً جيّداً لذلك ، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بعض آثار عظمة اللّه تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة ، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه ، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره ، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده .
ثالثاً : لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنذاك يعيش في نطاق ضيّق ، وذهنية محدودة ، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية ، أو القريبة من الحسّ ، التي كانت تحيط به ، أو يلمس آثارها عن قرب .
فكان والحالة هذه لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب ، الذي استخلفه اللّه فيه ، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه ، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه ، واستكشاف أسراره ، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه ، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه ، ومن ذلك الواقع المزري الذي يعاني منه ، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة ، وكلّ جيل وإلى الأبد .
رابعاً : والأهمّ من ذلك : أن يلمس هذا الإنسان عظمة اللّه سبحانه ، ويدرك بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه باللّه إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق ، لا يختار له إلّا الأصلح ، ولا يريد له إلّا الخير ، قادر على كلّ شيء ، ومحيط بكلّ الموجودات .
خامساً : إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية ، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية ، وغزو الفضاء ، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً ، وليطمئن المؤمنون ، وليربط اللّه على قلوبهم ، ويزيدهم إيماناً (1) . .
ص: 266
« سمير حسن - السعودية - ... »
س : هل إنّ ما رآه النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله في الإسراء والمعراج كان برؤية قلبية فقط ؟ أم أنّها كانت قلبية وبصرية أيضاً ؟
أرجو الإجابة على سؤالي مدعماً بأقوال المعصومين عليهم السلام ، وغفر اللّه لكم ، وشكر مساعيكم في نشر العقيدة الحقّة .
ج : تعتقد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، والزيدية ، والمعتزلة : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُسري يقظة بجسمه وروحه إلى بيت المقدس لقوله تعالى : ( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) ، وعرج إلى السماوات لقوله تعالى : ( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) .
ودلّت عليه الروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام والصحابة ، كابن عباس وابن مسعود ، وجابر وحذيفة وأنس ، وعائشة وأُمّ هاني .
وعليه تكون رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله في معراجه رؤية بصرية وقلبية للسماوات ، فرأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنّة والنار بعينه الشريفة ، ورأى جبرائيل على ما هو عليه ، من الهيئة التي خلقه اللّه تعالى عليها ، فعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (1) قال : « رأى جبرائيل على ساقه الدرّ ... » (2) .
نعم رأى ربّه برؤية قلبية لا بصرية ، فعن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ربّه عزّ وجلّ ؟
قال : « نعم ، أما سمعت اللّه يقول : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) لم يره
ص: 267
بالبصر ولكن رآه بالفؤاد » (1) .
ونذكر لكم روايتين تدلّان على هذا المعتقد :
1 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « جاء جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأخذ واحد باللّجام ، وواحد بالركاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه ... » (2) .
2 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لمّا أُسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى بيت المقدس ، حمله جبرائيل على البراق ، فأتيا بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء ، وصلّى بها ، وردّه ... » (3) .
« حسين جابر - السويد »
س : ما هي الكتب المؤلّفة عن الإسراء والمعراج ؟ أرجو منكم الجواب ، في أمان اللّه .
ج : يمكنكم مراجعة الكتب التالية للاطلاع على مسألة الإسراء والمعراج :
1 - علم اليقين 1 / 489 . 2 - حقّ اليقين 1 / 168 . 3 - الميزان في تفسير القرآن 13 / 7 . 4 - الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله 3 / 15 .
« ... - ... - ... »
س : ورد في أحاديث المعراج أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأى في هذه الجولة الملكوتية بعض أصحاب الجنّة والنار من أُمّته فيهما ، فما هو التخريج لهذه القضية ؟ مع أنّنا
ص: 268
نعلم بوقوع هذه المثوبات أو العقوبات فيما بعد ، أي أنّ المحاسبة ومن ثمّ إعطاء النتائج لأفعال العباد سوف تكون في القيامة .
ج : نعم جاء في نصوص المعراج ما ذكرتم ، ولكن الذي يظهر بعد التوفيق بين الأدلّة العقلية والنقلية في المقام هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شاهد الصور المثالية لهؤلاء الأشخاص ولتلك الأحداث ، لا أنّه صلى اللّه عليه وآله رآها بنحو القضية الخارجية والواقعية ، وبهذا ينحلّ الأشكال المذكور ، ولا يبقى أيّ استبعاد في المقام .
وقد تنبّه لردّ هذا المحذور المتوهّم بعض أساطين المذهب قديماً وحديثاً ، منهم الشيخ الطبرسي قدس سره ، حيث قال في معرض جوابه : « فيحمل على أنّه رأى صفتهم أو أسماءهم » (1) .
« ... - السعودية - ... »
س : كيف كلّم اللّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ليلة المعراج ؟ وهل رأى اللّه ؟ وإنّني سمعت أنّه كلّمه بصوت الإمام علي عليه السلام ، فما هي الأدلّة على ذلك من كتب أهل السنّة ؟ وشكراً .
ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية قائمة على عدم إمكانية رؤية اللّه تعالى - رؤية حسّية ومادّية - وكذا الكلام في نوعية كلامه سبحانه وتعالى مع ما سواه ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) (2) ، ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (3) ، فكلّ ما روي أو نقل أو قيل خلاف ذلك فهو إمّا مؤوّل ، أو مطروح من رأسه ، فإنّ القول بالتجسيم باطل مستحيل ، كما قرّر ذلك في مباحث علم الكلام .
ص: 269
وأمّا مخاطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلسان الإمام علي عليه السلام في المعراج ، فهي من مناقب وفضائل الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وقد جاء هذا الموضوع - مضافاً إلى المصادر الشيعة - في كتب أهل السنّة أيضاً ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : المناقب للخوارزمي (1) ، ينابيع المودّة (2) ، المناقب المرتضوية للكشفي (3) ، أرجح المطالب (4) ، وغيرها .
« محمود البحراني - البحرين - 17 سنة - طالب ثانوية »
س : في الروايات التي جاءت عن الإسراء والمعراج أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأى أشكال التعذيب والجنّة والنار ، وسؤالي : كيف رأى النبيّ هؤلاء المعذّبين والمعذّبات في النار ؟ أليس عذاب النار في الآخرة ؟ أم أنّه رآهم في البرزخ ؟ ولكم الشكر الجزيل .
ج : إنّ رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك كرؤيته للأنبياء عليهم السلام في السماء ، فالروايات دلّت على أنّ اللّه تعالى مثّل له أرواحهم في أجساد تشبه أجسادهم التي كانت لهم في الدنيا ، ولهذا استطاع أن ينعتهم لقريش .
وهذا النوع من التمثيلات ليس بممتنع عقلاً ، وكذلك ما ورد من التمثيلات التي رآها صلى اللّه عليه وآله لأقوام يتنعّمون في الجنّة ، وآخرون يعذّبون في النار ، فهي نوع من التشبيه الحقيقي لمقامات الصالحين في معارج القرب ، وكذلك في بواطن صور المعاصي ونتائج الأعمال ، فيحمل ما ورد في ذلك على أنّه صلى اللّه عليه وآله رأى صفتهم وأسماءهم ، ولا مانع من أنّها نوع من التمثيلات البرزخية التي تصوّر الأعمال بنتائجها .
ص: 270
س : ما هي صحّة المذهب الإسماعيلي ؟ وهل لكم أن توضّحوه من كلّ جوانبه ؟ جزاكم اللّه خير جزاء ، وأعانكم على كلّ الأعداء ، إنّه سميع مجيب الدعاء .
ج : إنّ المذهب الإسماعيلي منتسب إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام .
وتاريخ وفاة إسماعيل فيه اختلاف ، والصحيح أنّه توفّي سنة 145 ه- ، يعني ثلاث سنوات قبل استشهاد أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، لأنّه عليه السلام استشهد سنة 148 ه- .
والإمام الصادق عليه السلام فعل بجنازة إسماعيل ما لم يفعل بأحد أبداً ، فقبل أن يحمل نعشه ، جاء وفتح عن وجهه ، واشهد الحاضرين كلّهم على أنّ هذا المسجّى الميت ابنه إسماعيل ، الذي مات حتف أنفه ، ثمّ حينما حملت الجنازة من المدينة إلى البقيع ، كان عليه السلام بين فترة وفترة ، يأمر أن يضعوا الجنازة ، فيفتح عن وجهه ، ويشهد الناس على أن هذا الميت هو ابنه إسماعيل ، مات حتف أنفه .
وفي هذا دلالة قاطعة ، على أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يرى في عمله هذا حفظ التشيّع والإمامة ، فلابدّ من دفع هذا الباطل ، وإن لم يكن ذلك اليوم قائماً فإنّه سيقوم فيما بعد ، كما يشهد التاريخ القطعي أنّ هذا الباطل قام فيما بعد .
ثمّ إنّ الذين كانوا يأخذون من إسماعيل مبدأ حركة لهم ، ومركز نشاط هؤلاء أدّعو دعوتين :
الدعوى الأُولى : إنّ الإمامة كانت في إسماعيل زمن أبيه ، والإمامة إذا
ص: 271
كانت في أحد فإنّها لا تستبدل بغيره ، بل تنتقل إلى من يرثه بالإمامة .
فصحيح أنّ إسماعيل مات زمن أبيه ، ولكن الإمامة كانت فيه فلا تستبدل ولا تعطى إلى أخيه موسى بن جعفر ، وإنّما تنتقل منه إلى ابنه محمّد بن إسماعيل ، الذي هو الإمام الثاني للإسماعيلية ، وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادق عليه السلام ، وعاصروا الإمام الكاظم عليه السلام بعد استشهاد أبيه .
الدعوى الثانية : إنّ إسماعيل ثبت موته ، ولكنّه قام من قبره بعد ثلاثة أيّام ، وعاد إلى الحياة ثمّ غاب ، وقد رؤي سنة 153 ه- في سوق البصرة ، وله كرامات ومعجزات .
هذه الدعوى الثانية عليها ألف ملزم وملزم ، لأنّ التاريخ وكثير من الاعتبارات تشهد على بطلانها .
وأساس الكلام في الدعوى الأُولى ، أنّ الإمام الصادق عليه السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل ، بل هناك روايات كثيرة تدلّ على أنّ الإمام الصادق عليه السلام في حياته ، بل ومنذ أن كان الإمام موسى الكاظم عليه السلام صبيّاً في المهد ، كان ينصّ على أن ابنه موسى هو الإمام بعده .
وهذه الروايات جاءت بعضها في كتاب « الكافي » للشيخ الكليني ، في باب النصّ على إمامة موسى بن جعفر عليهما السلام .
نعم الشيعة البعيدين عن الإمام عليه السلام ، كان يُخيّل إليهم أنّ الإمامة لا تكون إلّا في أكبر أولاد الإمام عليه السلام ، لهذا كانوا يرون أو يتنبّؤون بأنّ الإمامة سوف تكون في إسماعيل .
ولمّا توفّي إسماعيل بدا لله تعالى ، أي أظهر اللّه تعالى جهلهم ، بعد أن كان هذا الجهل خافياً ، بأنّ الإمام ليس هو إسماعيل ، وإنّما الإمام الذي يكون حيّاً بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام ، هو الإمام موسى الكاظم عليه السلام .
فهذا معنى ما ورد في الحديث : « بدا لله في إسماعيل » (1) ، « بدا » لا أنّه .
ص: 272
جعله إماماً ثمّ عزله عن الإمامة ، بل يعني أظهر اللّه تعالى علمه بعد أن كان مخفيّاً ، وأظهر للناس جهلهم بعد أن كان يخيّل أنّهم عالمون بالإمام بعد الإمام الصادق عليه السلام ، وأنّه ابنه الأكبر إسماعيل .
فقامت الدعوة الإسماعيلية على أساس ، أنّ الإمام بعد الإمام الصادق عليه السلام - بحسب الرتبة - هو إسماعيل ، وأنّه مات وهو إمام ، ولم تسلب منه الإمامة إلى أخيه ، وإنّما انتقلت بالإرث إلى ابنه محمّد ، هذا أساس الدعوة الإسماعيلية .
نعم ، من يقول بأنّه قام بعد ثلاثة أيّام من موته ، ورجع حيّاً ، وغاب عن أعين الناس ، هذه الدعوى لا يصدّقها عاقل ، وإنّما يقبلها البسطاء جدّاً .
ثمّ إنّ هناك كلام لهم موجود في مصادر الإسماعيلية ، ويعترف به الكثير منهم ، وهو بأنّ الإمام الصادق عليه السلام حينما توفّي نصّ على ابنه الإمام الكاظم عليه السلام ، ومن هنا قسّموا الإمامة إلى قسمين : إمامة مستقرّة ، وإمامة مستودعة .
والإمامة المستودعة يستودعها اللّه تعالى في آخر تستّراً وتحفّظاً على الإمام الذي استقرّت به الإمامة الإلهية .
فيدّعون أنّ إمامة الإمام الكاظم عليه السلام إمامة مستودعة ، تستّراً على الإمامة المستقرّة الإلهية ، التي كانت عند إسماعيل ، ثمّ استقرّت في ابنه محمّد ، هذا المعتقد يردّه ما بيّنّاه بصورة مجملة .
وأمّا الحديث عن أُصول العقائد الإسماعيلية ؟ فإنّهم يدّعون أنّ للشريعة باطناً - وهو أهمّ جانب في الشريعة - وظاهراً .
وأنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً .
والأدلّة على ذلك كثيرة ، منها : إنّ الإمام بعد محمّد بن إسماعيل ، يسمّونه بقائم القيامة ، ويقولون بأنّه عند انتقال الإمامة إليه قامت القيامة ، ومعنى قيام القيامة : أنّ التكاليف كلّها سقطت عن جميع المكلّفين ، لأنّ هذه التكاليف موضوعها هذه الحياة الدنيا ، وإذا قامت القيامة سقطت التكاليف !!
فيدّعون أنّه بقيام قائم القيامة ، وهو الإمام الثالث - بعد إسماعيل وابنه
ص: 273
محمّد - سقطت التكاليف ، وبقي باطن الشريعة يؤخذ به ، إلى أن انتقلت دولة الفاطميين من المغرب إلى مصر ، فرأى المعزّ لدين اللّه أنّ أكبر اتهام وزلّة ومأخذ عليهم ، أنّ جماعة الفاطميين لا يأخذون بظاهر الشريعة ، فلا يحرّمون ما حرّمه اللّه ، ولا يلتزمون بما أوجبه اللّه ، فأعلن بأنّ الأحكام الظاهرية لم تسقط ، وأنّه يجب على من يعتقد بإمامة إسماعيل الأخذ بظاهر الشريعة وباطنها معاً إلى زمن الحاكم بأمر اللّه الفاطمي .
ثمّ إنّ فرقة الدروز تعتقد : بأنّ الحاكم بأمر اللّه هو أفضل من أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم بباطن الشريعة وظاهرها ، وفي نفس الوقت كان يعلم أنّ الأساس هو العمل بباطن الشريعة دون ظاهرها ، ولكنّه خدع الناس بالتزامه بالظاهر ، وأمّا الحاكم بأمر اللّه فهو ألقى ثوب الظاهر وأظهر الباطن .
ثمّ إنّ الإسماعيلية على قسمين : إسماعيلية شرقية ويسمّون الآن بالأقاخانية - وإسماعيلية غربية - ويسمّون بالمستعلية أو البهرة أو الداودية وإسماعيلية الأقاخانية لا يتقيّدون بأيّ حكم من ضروريات الدين ، فلا يحجّون ولا يصلّون ولا يزكّون ولا ... ، بل ولا يأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة .
نعم الإسماعيلية المستعلية يتقيّدون بالأحكام الإلهية ، فيحجّون و ... ويأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة ، ولكن لا يأتون إلى زيارة الإمام الكاظم عليه السلام ، ومن بعده من الأئمّة عليهم السلام ، لعدم اعتقادهم بهم كأئمّة .
« أبو صافية اليامي - السعودية - إسماعيلي - 40 سنة - متخصّص في الفقه والفكر الإسلامي »
س : إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة الفجّة الخاطئة من منسوبي طائفة نكنّ لها كلّ الودّ والحبّ ، ولم يدر في خلدي أبداً أنّ إخواننا الإمامية سوف يقعون في نفس المستنقع الذي وقع فيه غيرهم من دعاة الفرقة والتناحر ،
ص: 274
الذين يكيلون التهم جزافاً ، ويرمون المؤمنين بما هم منه براء ، طلباً منهم إلى إشباع رغباتهم ، وتحكيم أهوائهم بلا دليل ولا برهان ، وإمعاناً منهم في زيادة الهوة ومساهمة في توسيع دائرة الفرقة ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل .
ونقول : مع الأسف لقد جازف المجيب في كثير من المعلومات التي أوردها ولم يحالفه التوفيق ، لأنّه لم يراع حرمة الأمانة العلمية ، ولم يتوخّ الدقّة والإنصاف فيما أورده .
وبالرغم من أنّني لن أردّ على جميع الأخطاء التي وردت في مجمل إجابتك ، لكن سوف أُعلّق على بعض النقاط ، آمل أن تجد عندكم إنصافاً ، وأن تأخذ مكانها كملحق على الإجابة السابقة .
أوّلاً : كأنّك تشير بطرف خفي أنّ جميع الأحاديث الواردة في مدى الحبّ والتقدير الشديدين من الإمام الصادق عليه السلام للإمام إسماعيل تعتبر عن مجرد احترام ظاهر ، وكأنّك تريد أن تقول : إنّ الإمام جعفر عليه السلام كان يبطن شيئاً آخر اتجاه ابنه الأكبر إسماعيل ، وهذا ما تنفيه الروايات الصحيحة عنه في كتب السيرة ، وفي كتب الإمامية على وجه الخصوص .
ثانياً : أردت أن تحوّر الحادثة الفريدة ، والتصرّف الذي لم يسبق له مثيل عند كشف جنازة الإمام إسماعيل ، والإشهاد عليها ، لتلويها بما يوافق هواك .
فلئن كان الصادق عليه السلام يتخوّف على محبّي إسماعيل من اعتقاد إمامته ، فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة أنّه الإمام بعد أبيه ، وقد كان بإمكانه أن ينصّ على أحد أبنائه الآخرين جهراً ، وينفي الإمامة منه بدلاً من أخذ الشهادات على وفاته بهذه الطريقة الغريبة .
وممّا لا جدل فيه : إنّ كثيراً من الشيعة يعلمون أنّ الإمامة في إسماعيل في حياة الصادق عليه السلام بشهادة الكثير من الإمامية ، ومنهم على سبيل المثال النوبختي في كتاب فرق الشيعة وغيره ، وبشهادتك نفسك حيث قلت : وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادق عليه السلام .
ومن فمك أدينك ، وفي هذا ما يدلّ على أنّ الهوى قد حجبك عن رؤية الحقيقة .
ص: 275
ثالثاً : قولك : إنّ الإمام الصادق عليه السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل .
فهو قول تخالفه الروايات والوقائع التاريخية ، ورويتم مثل ما روينا أنّ الإمامة في إسماعيل ، وعندما أعيتكم الحيل لجأتهم إلى أنّ المشيئة الإلهية قد تغيّرت إرضاء لهواكم ، فاخترعتم نظرية البداء الباطلة ، بقولكم المزعوم : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل » (1) ، فلا تحاولوا تفسيرها بشيء من التلفيق والتأويل المعوج عندما انكشفت للجميع وظهر بطلانها ، ولا يصلح العطّار ما أفسد الدهر .
رابعاً : ادعاؤك أنّ الإسماعيلية ترى أنّ الجانب الباطني للشريعة أهمّ من الجانب الظاهري ، فقول من جانبه الصواب ولم ينظر بعين الإنصاف ، فالإسماعيلية المحقّة أتباع الأئمّة الفاطميين الأطهار ، تطفح تآليفهم بالردّ على من يدّعي ترجيح أيّ جانب على الآخر ، وإنّما يرون أنّهما سيّان ، يؤكّد كلّ منهما الآخر ، ويشدّه ويؤيّده ، وإن استطعت أن تنقل لنا مصدر معلوماتك فأورده مشكوراً لنتدبّره ، ولا أظنّك تستطيع .
أمّا قولك - : وإنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً - فأطم وأشنع ، ومن يكيل التهم جزافاً فاللّه حسيبه .
وقولك : أنّ الإمام المعزّ لدين اللّه هو الذي أعاد أحكام الشريعة فبهتان عظيم ، وقول مفترى عار عن الصحّة ، تكذّبه الحقائق التاريخية ، ومؤلّفات علمائنا عن بكرة أبيهم ، وليس له سند علمي ولا تاريخي ولا نقلي ، وإنّي أربأ بإخواننا الإمامية ، وهم الذين اكتووا وتضرّروا كثيراً من أقوال المشنّعين المفترين ، أن يسلكوا هذا المسلك المخزي من الكذب والبهتان والمجازفة بالتهم الشنيعة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
وأربأ بهم عن كيل الأباطيل على طائفة كبيرة ملأت الأرض نوراً وعلماً ، .
ص: 276
وأعادت للإسلام ولمذهب أهل البيت عليهم السلام رونقه وبهاءه بعد اندراسه ، وأحيوا ما أماته الظالمون منه ، فعاد غضّاً طرياً كما كان بديئاً ولو كره الظالمون .
خامساً : أمّا افتراءاتك على الإمام الحاكم بأمر اللّه معزّ الإسلام وبدر التمام ، صاحب العلوم المضيئة والأنوار البهية فكسابقتها مبنية على غير أساس ، فمن يتصدّر للإجابة والفتوى فيما لا يعلم فتلك مصيبة عظيمة ، ومنقصة لا تليق بإخواننا الإثنا عشرية ، وكان الأولى بك أن ترجع إلى الكتب التي ألّفها الإمام الحاكم ودعاته الأبرار في الردّ على انحراف الدروز واعتقادهم الفاسد ، وتبرئ الإمام الحاكم من باطلهم وكفرهم لا أن تحكّم الهوى ، وتبني أحكامك على أقوال المتخرّصين من أعداء أهل البيت عليهم السلام ، راجع على سبيل المثال : كتاب الرسالة الواعظة في الردّ على ترهات الدروز وضلالهم ، من تأليف حميد الدين أحمد بن عبد اللّه الكرماني ، أكبر دعاة الإمام الحاكم بأمر اللّه ، فقد أتى فيها من الحجج والبراهين بما يفنّد زورك وكذبك .
سادساً : أمّا كلامك الموجّه إلى الآغاخانية في عدم تقيّدهم بشيء من ضروريّات الدين ، فليس لدي المعرفة الكافية عن ممارساتهم ، وعيب بي أن أتصدّر للردّ نيابة عنهم حمية بلا علم ولا دليل ، والتهمة متوجّهة إليهم والردّ متحتّم عليهم .
هذا ما أحببت أن أضيفه ، واللّه يجمع أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله إلى ما فيه صلاحها ، وأن يبعدها عن ما يوقعها في شباك الفرقة والتنابز بالألقاب ، ورمي الغافلين بما هم منه براء .
ج : لعلّ من الطبيعي أن تدافع عن عقيدتك بهذا الدفاع ، وترى ما يقال عنها خاطئاً ، ولكن مثل ما تدعو جميع الفرق للبحث عن الحقيقة ومعرفة الفرقة الناجية ، لابدّ أن يكون الكلام شاملاً لكم ولنا أيضاً ، فنحن ندعو جميع المسلمين للبحث الموضوعي البعيد عن التعصّب والعاطفة ، ومن حقّك أن تستمر في متابعة أقوالنا ، ولك الحقّ في الردّ على أيّ قول لا تراه صحيحاً ، حتّى نتوصّل وإيّاك إلى معرفة الحقيقة .
وهذا لا يعني أنّنا نسعى للفرقة والتناحر ، بل نحن مع الحوار الهادئ المبني
ص: 277
على الودّ والمحبّة لجميع من يطلب الحقيقة ، ونحن نجيب عن النقاط التي ذكرتها ونرجو الوصول إلى الحقّ من دين محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام .
أوّلاً : أنّ ما يبطنه الإمام الصادق عليه السلام لإسماعيل هو أنّه ليس الإمام بعده ، وإن كان يظهر له الحبّ والاحترام هذا ما كنّا نعنيه ، وإذا وردت من الروايات ما يشير إلى وجود احترام وتقدير ، فإنّ الإمامة الصحيحة لا تعرف بالحبّ والاحترام ، بل تحتاج إلى تعريف من اللّه تعالى أنّه هو الإمام ، والإمام الصادق عليه السلام كان يعلم أن إسماعيل ليس هو الإمام بعده لعلامات موجود فيه ، يعرفونها منذ ولادته ، ويتناقلونها أباً عن جدّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فالتعامل معه كان لا يتعدّى الحبّ والتقدير لأحد أبنائه بل أكبرهم .
ثانياً : نحن لا ننكر أنّ بعض الشيعة قد توهّم أنّ الإمام بعد الصادق عليه السلام هو إسماعيل ، باعتبار أنّه أكبر الأولاد ، وهذا التوهّم لا يكفي في جعل إسماعيل إماماً ، بل لابدّ من نصّ ، والنصّ موجود في حقّ أخيه ، وما فعله الإمام الصادق عليه السلام من أخذ الشهادات هي شيء إضافي ، ليثير انتباه المتوهّمين ، وللتأكيد عدم الإمامة في إسماعيل ، وهذا الوهم الحاصل عند بعض الشيعة الناتج من كون إسماعيل أكبر الأولاد هو الذي أشرنا إليه بقولنا : وعلى هذا أكثر الإسماعيلية .
ونحن نذكر لك نصّاً واحداً أشار فيه الإمام الصادق عليه السلام على إمامة موسى الكاظم ، وهناك المزيد ، فعن أبي جعفر الضرير ، عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام وعنده إسماعيل ابنه ، فسألته عن قبالة الأرض ، فأجابني فيها ، فقال له إسماعيل : يا أبه ، إنّك لم تفهم ما قال لك !
قال - الراوي - : فشقّ ذلك عليّ ، لأنّا كنّا يومئذ نأتمّ به بعد أبيه ، فقال - الإمام لإسماعيل - : « إنّي كثيراً ما أقول لك : الزمني وخذ منّي فلا تفعل » ، قال : فطفق إسماعيل وخرج ، ودارت بي الأرض ، فقلت : إمام يقول لأبيه : إنّك لم تفهم ، ويقول له أبوه : « إنّي كثيراً ما أقول لك تقعد عندي ، وتأخذ منّي ، فلا تفعل » !
ص: 278
قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، وما على إسماعيل أن لا يلزمك ؟ ولا يأخذ عنك ، إذا كان ذلك وأفضت الأُمور إليه ، علم منها الذي علمته من أبيك حين كنت مثله ؟ قال : فقال : « إنّ إسماعيل ليس منّي كأنا من أبي » .
قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فمن بعدك - بأبي أنت وأُمّي - ؟ فقد كانت في يدي بقية في نفسي ، وقد كبرت سنّي ، ودقّ عظمي ، وجاء أجلي ، وأنا أخاف أن أبقى بعدك ، قال : فرددت عليه هذا الكلام ثلاث مرّات ، وهو ساكت لا يجيبني ، ثمّ نهض في الثالثة وقال : « لا تبرح » ، فدخل بيتاً كان يخلو فيه ، فصلّى ركعتين ، يطيل فيهما ، ودعا فأطال الدعاء ، ثمّ دعاني ، فدخلت عليه ، فبينا أنا عنده ، إذ دخل عليه العبد الصالح ، وهو غلام حدث ، وبيده درّة ، وهو يبتسم ضاحكاً ، فقال له أبوه : « بأبي أنت وأُمّي ، ما هذه المخفقة التي أراها بيدك » ؟
فقال : « كانت مع إسحاق يضرب بها بهيمة له ، فأخذتها منه » ، فقال : « أدن منّي » ، فالتزمه وقبّله وأقعده إلى جانبه ، ثمّ قال : « إنّي أجد بابني هذا ما كان يعقوب يجد بيوسف » .
قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، زدني ... .
قال الإمام الصادق : « قم ، فخذ بيده ، فسلّم عليه - أي على الإمام موسى الكاظم عليه السلام - فهو مولاك وإمامك من بعدي ، لا يدّعيها فيما بيني وبينه أحد إلّا كان مفترياً ، يا فلان إن أخذ الناس يميناً وشمالاً فخذ معه ، فإنّه مولاك وصاحبك ، أمّا أنّه لم يؤذن لي في أوّل ما كان منك » .
قال : فقمت إليه فأخذت بيده فقبّلتها ، وقبّلت رأسه ، وسلّمت عليه ، وقلت : أشهد أنّك مولاي وإمامي ... ، إلى أن يسأل الراوي الإمام : بأبي أنت وأُمّي أخبر بهذا ؟ قال : « نعم ، فأخبر به من تثق به ، وأخبر به فلاناً وفلاناً - رجلين من أهل الكوفة - وارفق بالناس ، ولا تلقين بينهم أذى » .
قال : فقمت فأتيت فلاناً وفلاناً ، وهما في الرحل ، فأخبرتهما الخبر ، وأمّا
ص: 279
فلان فسلّم ، وقال : سلّمت ورضيت ، وأمّا فلان فشقّ جيبه ، وقال : لا واللّه لا أسمع ولا أطيع ، ولا أقرّ حتّى أسمع منه ... .
فلمّا جاء إلى الإمام قال له : « ابني موسى إمامك ومولاك بعدي ، لا يدّعيها أحد فيما بيني وبينه إلّا كاذب ومفتر » (1) .
والحادثة الفريدة التي ذكرناها تصرّف طبيعي من إمام معصوم ، وزعيم لطائفة الحقّ في أن يدفع عن اتباعه أيّ توهّم ، كأن يعتقدوا بقاء إسماعيل حيّاً وغيبته ، ولا يحكم العقل بأنّه لا يكون مثل هذا التصرّف من الإمام عليه السلام إلّا إذا كان أكثر الشيعة يعتقدون بإمامة إسماعيل ، بل العقل يحكم بالعكس ، وأنّ وظيفة الإمام عليه السلام - الذي هو لطف من اللّه - تحتّم عليه دفع الشبهات ، حتّى عن العدد القليل من أصحابه ، بل الواحد ، بل قد يحصنهم قبل الشبهة ، والشواهد من الروايات على ذلك كثيرة ، فاستفادة أكثر الإسماعيلية من فعل الإمام بإسماعيل هنا ما هو إلّا توهّم ومبالغة .
فقولك : فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة - لهو تسرّع في القول لا يقبله العقل العلمي ، ولابأس من الإشارة أنّه بعد أن فعل الإمام عليه السلام بإسماعيل ما فعل عاد الكثير ممّن كانوا يتوهّمون أنّ الإمامة ستكون في إسماعيل إلى الحقّ بإمامة موسى الكاظم عليه السلام ، وهي الفائدة المرجوة من فعل الإمام عليه السلام .
ثمّ من قال لك أنّا نستدلّ على إمامة موسى الكاظم عليه السلام بما فعله الإمام الصادق عليه السلام بإسماعيل ؟ ومن قال لك أنّ الإمام لم ينصّ على الإمام بعده ؟ بل إنّ الإمام عليه السلام فعل الأمرين ، وهو غاية التدبير والتبليغ ، فقد نصّ على الإمام الكاظم عليه السلام في زمن حياة إسماعيل وعند وفاته وبعدها ، كما كشف عن وجه إسماعيل ليثبت للشيعة موته القطعي دفعاً لأيّ توهّم أو شبهة . .
ص: 280
وأمّا استفادتك من أنّ أكثر الشيعة كانوا إسماعيلية من كلام النوبختي ، فاعتقد أنّ عبارة النوبختي واضحة ، حيث قال : أكثر الإسماعيلية ، ولم يقل أكثر الشيعة ، فلربما كان الإسماعيلية مثلاً مائة ، وأكثرهم ثمانين أو سبعين فلاحظ ، فمن أي كلامي تدينني ، ومن هو الذي حجبه الهوى عن رؤية الحقيقة .
ثالثاً : نحن نطالبك بالروايات المدّعاة في إمامة إسماعيل ، ولم نروي نحن أنّ الإمام هو إسماعيل ، وما نقوله في البداء هو الذي قلناه ، لا كما تريد أن تفهمه من أنّ الإمامة كانت في إسماعيل ثمّ حوّلت إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، بل نقول : إنّ الإمامة في الأصل لم تكن في إسماعيل ، بل هي لموسى عليه السلام ، وما ذكره صاحب فرق الشيعة من أنّ الإمام الصادق عليه السلام أشار بالإمامة لإسماعيل ليس قوله بل قول من زعم ذلك ، وعلى فرض أنّه قوله ، فهو لا يمثّل إلّا رأيه الشخصي ، وليس قوله هذا صادر من المعصومين ، ونحن غير ملزمين بقوله مع مخالفة جميع علماء ومحدّثي الطائفة له .
ثمّ لا تنسى أنّنا نعرض عقيدتنا حسب ما روي عندنا ، ولا حجّة علينا من روايات الآخرين ، فالموجود عندنا روايات تنصّ على إمامة الكاظم عليه السلام ، وروايات فيها ظهور البداء من اللّه تعالى في حقّ الإمام الكاظم عليه السلام ، وليس عندنا روايات تنصّ على إمامة إسماعيل ، وللبداء عندنا معنى ثابت مأخوذ من أئمّتنا عليهم السلام ، ومذكور في كتبنا ، فبمقتضى الجمع بين الروايات وبين معنى البداء عندنا خرجنا بالنتيجة التي لا يمكن الركون إلى غيرها ، وعليها اعتقاد الشيعة الإمامية الآن ، وهي حمل روايات البداء على ما عرفت .
فكيف لك أن تحتجّ علينا بما رويتم أنتم ؟ وبما تعتقدون من بطلان البداء ، وهو لا يكون نقاش في كيفية استفادتنا إمامة الكاظم عليه السلام من رواياتنا ، بل يكون نقاش في أُصول أُخرى ، وهي صحّة الروايات عندنا أو عندكم ، أو إمكان تعارضها ، وعن صحّة عقيدة البداء ، وهو شيء آخر كما تعلم .
ص: 281
بل أنتم أعيتكم الحيل حتّى قلتم بالإمامة المستقرّة والإمامة المستودعة ، بعد أن لم تستطيعوا دحض حجج مخالفيكم في إمامة الكاظم عليه السلام .
رابعاً : إنّ ما ذكرناه هناك عن الإسماعيليين بشكل عام ، والحديث كان عن بعضهم ، وأنت قد قسّمت الإسماعيلية إلى محقّة وباطلة ، فكان حديثنا عن تلك المجموعات التي تقول أنّها من الفرقة الإسماعيلية ، ونحن ننقل لك ما كتب عن الإسماعيلية من بعض المصادر التاريخية ، ففي كتاب « الشيعة في إيران » ، فعند حديثه عن بعض الحكّام الإسماعيليين يقول : « وبعده نائب محمّد - بن بزرك أميد - وهو نجله الحسن بن محمّد أوّل حاكم إسماعيلي ، خرج على النظام المألوف المتمثّل برعاية ظواهر الشرع من خلال تمسّكه بقاعدة التأويل ، وأسّس نوعاً من الحكومة التأويلية القائمة على أساس الباطنية ، والموافقة لهواه » ، ويقول الجويني : « إنّما قام في أوّل توليه شؤون الحكم بعد أبيه بإبطال الشعائر الشرعية ، والقواعد الإسلامية ، التي كانوا يلتزمون بها منذ عهد الحسن بن الصباح » (1) .
وأعلن الحسن بن محمّد هذا عن شعائر القيامة ، وقال : « الآن حان يوم القيامة ، واليوم حساب لا عمل ، لذا من عمل بحكم الشريعة في يوم القيامة ، وواظب على العبادات والشعائر استوجب النكال والقتل ، والرجم والتعذيب » (2) .
وفي « جامع التواريخ » : « وحكم بعده محمّد بن الحسن ... وحاول في أيّام حكومته أن يرد الاعتبار للإسماعيليين ، ويزيل عنهم اسم الإلحاد من خلال إظهار التمسّك بالإسلام ، بيد أن نجله علاء الدين أعاد نهج الإلحاد بعده » .
ولك الحقّ في أن تقول : أنّ الحديث عن هذه الجماعات بعيد عن الفرقة المحقّة ، ولكن عذرنا على كلّ حال أنّهم يعدّون من الإسماعيلية ، وكان كلامنا عن الإسماعيلية عامّاً ، مع أنا لا ننكر أنّ حقّ الكلام كان لابدّ فيه من .
ص: 282
التفصيل والتفرقة بين فرق الإسماعيلية ، فلك عذرنا من على ما ظهر من كلامنا من تعميم ، ولعلّك إذا عرفت السبب في ذلك عذرتنا ، فإنّ كتب الإسماعيلية نادرة أكثرها مخطوطة ، ما عدا ما طبع منذ فترة ، كالكتب التي حقّقها عارف تامر ، ولا تظنّ أنّي أقول ذلك مجازفاً ، فقد بحثت عن كتب الإسماعيلية في مكتبات إيران عندما احتجتها في بحث حول حديث الثقلين ، ولكنّي لم أجد منها إلّا ما يعدّ على الأصابع ، وقد لا يتجاوز العشرين المطبوعة منها والمخطوطة ، ولكنّي لا أقول أنّ كتب الإسماعيلية قليلة ، ولكن أقول : إنّها نادرة الوجود ، فنلجأ عند حاجتنا للبحث عنهم إلى كتب التاريخ والفرق من غيرهم ، إذ ما موجود عندنا مثل كتاب « دعائم الإسلام » ، وكتاب « افتتاح الدعوة » للقاضي النعمان ، لا يوجد فيه من عقائد الإسماعيلية ما يشفي الغليل .
فهل لك أن تدلّنا على المصادر المطبوعة التي يمكن الاعتماد عليها في أخذ عقائد الإسماعيلية ؟ أو أن تكتب لنا عقائدكم بشيء من التفصيل المدعوم بالدليل والمصدر ، حتّى يصبح النقاش فيما بيننا أكثر علمية ، ولك جزيل الشكر .
وأمّا ما ذكرنا عن الحاكم بأمر اللّه ، فهو مأخوذ من كتب التاريخ والفرق كما ذكرنا ، ولك الحقّ في الاعتراض عليه ، ولكن قد ذكرنا لك السبب في ذلك آنفاً .
خامساً : نحن لم نذكر أن الحاكم كان يرضى بما يقوله الدروز في حقّه أو لا يرضى ، بل ذكرنا مقولة الدروز فيه ، والدروز كما تعرف فرقة منّشقة من الفرقة الإسماعيلية ، ونحن لم نعثر عليه ، بل قلنا ما قاله الآخرون فيه .
وأخيراً : نسأل اللّه أن يوفّق الجميع للتعرّف على الحقيقة ، والاتحاد تحت لواء الفرقة الناجية ، ومن اللّه التوفيق .
ص: 283
« أبو عمر - أمريكا - ... »
س : ما الفرق بين الإمامية والإسماعيلية ؟ وهل الإسماعيلية مذهب من مذاهب الشيعة ؟
ج : نلفت انتباهكم إلى أنّ الفرقة الإسماعيلية تشعّبت إلى عدّة فرق ، ولكلّ فرقة اعتقادها الخاصّ ، ومن أشهرها : الواقفة ، القرامطة ، الفاطمية ، النزارية ، الأقاخانية ، البهرة ، الدرزية .
ثمّ إنّ هناك فروق كثيرة بين الإمامية والإسماعيلية ، أهمّها هي : إنّ الإمامة عند الشيعة انتقلت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى ولده الإمام موسى الكاظم عليه السلام للنصّ ، ثمّ إلى بقية الأئمّة من بعده ، إلى الإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر عليه السلام .
بينما ترى الإسماعيلية أنّ الإمامة انتقلت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى ولده الأكبر إسماعيل ، ثمّ إلى محمّد بن إسماعيل ، وهكذا .
وقد ردّ علماء الشيعة في مصنّفاتهم وكتبهم مزاعم الإسماعيلية وأثبتوا خلاف ما يرون .
« العرادي - البحرين - ... »
س : أودّ الاستفسار منكم عن منشأ ظهور فرقة الإسماعيلية ؟
ج : إنّ منشأ ظهور هذه الفرقة يعود إلى مسائل سياسية ودنيوية .
فإنّ إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام توفّي في حياة أبيه ، وشيّعه الإمام الصادق عليه السلام ، وكشف عن وجهه قبل دفنه درئاً للشبهة ، ومع هذا كلّه ، فإنّ فرقة من الشيعة - ولأغراض دنيوية - ادعوا أنّه لم يمت ، أو أنّ الإمامة انتقلت إلى ابنه محمّد بن إسماعيل .
والسبب في ذلك هو للحصول على أموال ومناصب ، بالإضافة إلى التدخّلات
ص: 284
الخارجية لإيجاد الاختلاف ، وهذا يعود إلى الظروف السياسية آنذاك .
« علي علي - الكويت - 18 سنة - طالب »
س : سؤالي يختصّ بالحشّاشين ، من هم ؟ ومن مؤسّسهم ؟ وما علاقتهم بالشيعة ؟ وهل لهم ارتباطات بالشيعة ؟
ج : إنّ الحشّاشين فرقة من الفرق الإسماعيلية ، لا يفترقون عنهم من ناحية العقيدة ، إلّا أنّهم جماعة سرّية يطيع أفرادها أئمّتهم طاعة عمياء ، وعرفوا بالحشّاشين لأنّ مقاتليهم كانوا يستعملون الحشيش - وهو مادّة مخدّرة - عندما يقومون بأداء مهمّات خطرة ، كالاغتيال مثلاً .
ويعرفون أيضاً بالنزارية ، لأنّ مؤسّس هذه الجماعة - وهو الحسن بن الصباح الحميري - استميل إلى نصرة الحاكم نزار بن المستنصر الفاطمي .
وبدأ تاريخهم من فتح الحصن الجبلي « ألموت » - شمال شرق مدينة قزوين في إيران على يد مؤسّسهم عام 483 ه- ، وأخذوا ينشرون دعوتهم من هذا المكان حتّى أخذوا كثير من القلع في بلاد الشام وفارس .
وفي عام 654 ه- أبادهم هولاكو بعدما احتلّ قلعة ألموت .
وفي عام 671 ه- وجّه السلطان بيبرس ضربته القاضية على الحاكم السياسي لهذه الفرقة في قلع الشام وقضى عليهم ، وأمّا من أفلتته الكارثة منهم ، وظلّ متمسّكاً بآرائه ، فقد ذهب في غمار الإسماعيلية الآخرين .
هذا ، وليس لهم علاقة ولا ارتباط بالشيعة الإمامية .
« إبراهيم حسن الدرازي البحراني - البحرين - 24 سنة - دبلوم »
س : نطالب سماحتكم بالمزيد من التفصيل عن الشيعة الإسماعيلية ، في أيّ البلاد يتواجدون ؟ وعددهم ؟ وأفكارهم ؟ ونشاطاتهم ؟
ص: 285
ج : لقد أُلّفت كتب تتحدّث عن هذه الفرقة ، منها : « بحوث في الملل والنحل » للشيخ السبحاني ، ونحن نطلعك على بعض ما كتب ، وعليك مطالعة الكتاب لتعرف المزيد .
تتواجد الفرقة الإسماعيلية في كثير من الأقطار ، منها : الهند وباكستان ونواحي اليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان وأفريقية وإيران .
وتعتبر السمة البارزة للدعوة الإسماعيلية هو تأويل الظواهر ، وإرجاعها إلى خلاف ما تبادر منها في عرف المتشرّعة ، وهذا هو الذي جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان ، ويتكيّف بمكيّفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدّات ، وإن كانت خلاف الشرع أو الضرورة الدينية ، كما وأنّ تأويل الظواهر عندهم لا يعتمد على ضابطة ، فكلّ يؤوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية .
إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعل عند الأئمّة الإسماعيلية ، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفية ، وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي ، يتطوّر مع الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلامية عيناً ولا أثراً ، كما وأنّ الدعوة الإسماعيلية شعرت أيّام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلّا إذا أضافت طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم ، بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الإمام ، فجعلت الدعاة من حدود الدين إمعاناً في إسباغ الفضائل عليهم .
ويعتقد بعض الإسماعيلية بالنطقاء الستة ، وأنّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمّة سبعة ، وآخر أئمّتهم إسماعيل متم للدور ، ويأتي بعده رسول ناطق وناسخ للشريعة السابقة ، وهو محمّد بن إسماعيل ، وهذا ما يصادم عقائد جمهور المسلمين ، من أنّ نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه وآله هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب ، فعند ذلك وقعت الإسماعيلية في مأزق كبير ، وتناقض وتعارض مع معتقداتهم ، فمن جانب يصرّحون بخاتمية النبوّة ، وأُخرى
ص: 286
يعبّرون عن محمّد بن إسماعيل بالناطق .
وقد بلغ باتباع الفرقة الإسماعيلية من الطاعة العمياء لأئمّتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامّة ، أو الدعاة الخاصّين ، بلغ بهم في طاعتهم لأئمّتهم في رفع بعض الأحكام الإسلامية عن الجيل الإسماعيلي ، بحجّة أنّ العصر يضادّه ، ويشهد على ذلك ما كتبه المؤرّخ الإسماعيلي مصطفى غالب ، إذ يقول في إمام عصره آقا خان الثالث : أنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الإسماعيلية ، وإنّي أهيب بكلّ إسماعيلية أن تنزع نقابها ، وتنزل إلى معترك الحياة ، لتساهم مساهمة فعّالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الإسماعيلية الخاصّة ، وللعالم الإسلامي عامّة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة ، أسوة بجميع النساء الإسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الإسماعيليات ، وآمرك أن تبلّغ ما سمعت لعموم الإسماعيليات بدون إبطاء » .
وتعتقد بعض الإسماعيلية : إنّ الإمامة مستمرّة الوجود في الأدوار جميعاً من أوّلها إلى آخرها ، وكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الإمام الصادق عليه السلام يساوي في الفضل والكمال الإمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فمثلاً كريم آقا خان تساوي كفّته في معالي الأُمور كفّة الإمام علي عليه السلام ، فيقوم بنفي ما يقوم به الإمام .
فنقول : كيف يكون الإمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة ، وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقّى علومه الأوّلية في مدارس سويسرا ، ثمّ انتسب إلى جامعة هارفورد الأمريكية ؟!
ص: 287
ص: 288
« مها - لبنان - ... »
س : ما الفرق بين فروع الدين وأُصوله ؟ الرجاء تعداد الفروع والأُصول .
ج : في الفرق بينهما يمكن أن يقال :
1 - إنّ أُصول الدين لا يجوز فيها التقليد ، بل على كلّ مكلّف أن يعرفها بأدلّتها ، وهذا بخلاف فروع الدين التي يمكن فيها التقليد .
2 - إنّ إنكار أيّ أصل من أُصول الدين يخرج منكره عن الدين الكامل ( أي المذهب الحق ) ، وهذا بخلاف فروع الدين ، إلّا إذا أدّى إنكار فرع من فروع الدين إلى إنكار أصل من أُصول الدين .
3 - إنّ أُصول الدين يمكن أن يستدلّ عليها بالعقل فقط ، والنقل يكون شاهداً مؤيّداً ، وهذا بخلاف فروع الدين .
وأُصول الدين عند الإمامية خمسة : التوحيد ، العدل ، النبوّة ، الإمامة ، المعاد .
وفروع الدين عشرة : الصلاة ، الصوم ، الخمس ، الزكاة ، الحجّ ، الجهاد ، الأمر بالمعروف ، النهي عن المنكر ، التولّي لأولياء اللّه ، التبرّي من أعداء اللّه .
« عائشة عبد الرحمن - البحرين - سنّية »
س : أنا سيّدة أعتقد بولاية أهل البيت عليهم السلام ، وأودّ أن أنهج بمنهاج الشيعة ،
ص: 289
لذا أودّ منكم مساعدتي في تغيير مذهبي .
ج : نعلمك بأنّ المعتقد لابدّ وأن يكون عن يقين ، بعد مطالعة وتحقيق تام ، للتتمّ بذلك الحجّة ، يعني يكون للإنسان حجّة ودليلاً يحتجّ به يوم القيامة أمام اللّه تعالى .
ونحن لا ندعو أيّ شخص إلى التشيّع واعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام قبل أن يقتنع هذا الفرد بالمذهب اقتناعاً تامّاً ، بل ندعو الجميع إلى البحث والتحقيق ، ومن ثمّ اعتناق ما توصّل إليه العقل من دليل ، والنظر في الموروث ، وعرضه على الدليل ، فما وافق منه الدليل يؤخذ بعين الاعتبار ، وما خالف يترك .
« علي العلي - الكويت - ... »
س : ما هي الضروريّات المذهبية ؟
ج : إنّ كيفية تشخيص الضروري من مختصّات أهل العلم - أي من جملة الأُمور الاختصاصية - يعلم بها العلماء على أثر التحصيل والتحقيق في الحوزة العلمية ، وليست من الأُمور التي يصل إليها كل أحد من الناس .
فالضروري من المذهب : ما يكون إنكاره موجب للخروج من المذهب ، وهذا نظير كثير من الأُمور ، فمثلاً الذنوب تنقسم إلى قسمين ، صغائر وكبائر ، حينئذ يُسأل ما هي الذنوب الكبائر ؟ وما المراد من الكبيرة ؟ فمعرفته من اختصاص العلماء ، ليرجعوا إلى الأدلّة ليعيّنوا أنّ الذنب الفلاني من الكبائر ، أو من الصغائر ؟
فقضية أنّ هذا المعتقد من الضروريّات ، أو ليس من الضروريّات ، يرجع تعيّنه وتشخيصه إلى نظر المجتهد .
والضروريّات المذهبية هي ما دلّت عليها الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة ، ودلّت على أنّ من أنكر ذلك فهو يخرج من المذهب ، فإمامة أمير المؤمنين علي
ص: 290
عليه السلام والأئمّة كلّهم - أي الأئمّة الإثنى عشر - وعصمتهم ، وشفاعتهم في يوم القيامة ، ورجعتهم أيضاً - حيث أنّ غير واحد من علمائنا يقول : أنّ الاعتقاد بالرجعة من ضروريّات المذهب - وقضايا من هذا القبيل ، هذه تعدّ من ضروريّات المذهب ، بحيث من ينكر هذا الأمر - مع علمه بكونه ضروريّاً - يكون خارجاً عن المذهب .
« أُمّ أحمد الدشتي - الكويت - ... »
س : ما الفرق بين الأُصول والعقيدة والشريعة ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : إنّ المراد من الأُصول هو أُصول الدين ، وهي : التوحيد والنبوّة والمعاد ، وهي بمثابة الأساس والأصل ، الذي يُشيّد البناء عليه ، وكأنّ الدين كلّه متوقّف على هذه الأُصول ، فلولاها لا يمكن الإقرار بحكم من الأحكام الشرعية .
وأمّا العقيدة فهي في اللغة بمعنى : التصديق بالشيء والجزم به ، دون شكّ أو ريبة ، فهي بمعنى الإيمان ، يقال : اعتقد في كذا ، أي آمن به ، والإيمان بمعنى التصديق ، يقال آمن بالشيء ، أي صدّق به تصديقاً لا ريب فيه ولاشكّ معه .
وأمّا العقيدة في الشرع فهي بمعنى : التصديق بالأُصول الخمسة عن دليل ، وبكلّ ما ينبثق عن هذه الأُصول أو يرتبط بها ، كالاعتقاد بوحدانيّة اللّه تعالى ، وصفاته وعدله ، ونبوّة الأنبياء ، والإقرار بما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإمامة الأئمّة عليه السلام وعصمتهم ، والمعاد والجنّة والنار .
والمراد من الشريعة هو الدين ، وقد عرّف الدين بأنّه : عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل الحياة .
ص: 291
« ... - الكويت - ... »
س : ما هو السبب في عدم جواز الأخذ بأُصول الدين تقليداً ؟ والحال يجوز ذلك في الفروع ؟
ج : مفهوم ومعنى أُصول الدين هو الأُسس والركائز الثابتة للعقيدة والدين ، فلا يعقل اعتناق مبدأ بدون الالتزام القلبي ، بل بمجرد التبعية لشخص أو مجتهد ، وهذا أمر متعارف ويبتني على واقع مدعوم من جانب العقل والعقلاء .
وبعبارة أُخرى : لا يصدق عنوان المسلم مثلاً على أحد إلّا إذا اعتقد والتزم بثوابت الدين الإسلامي وأوّلياته في داخل نفسه ، فإن لم يعتقد بهذه المبادئ بل تقبّلها وارتضى بها اعتماداً على كلام الآخرين فلا يحسب هذا اعتقاداً صحيحاً .
نعم ، هنا نقطة هامّة قد تبعث القلق عند البعض وهي :
إنّ الكثير من عامّة الناس لا يمكنهم الوصول إلى مرحلة الاستدلال في أُمّهات المسائل الاعتقادية ، فهل هذا يضرّ بالتزامهم الديني ؟
فنقول : إنّ الكلام في اعتقادهم ، فإن كانوا يعتقدون بالمبادئ والأُسس - بغضّ النظر عن منشأ ذلك - فهم مسلمون حقّاً ، فإنّ التقليد المحظور في المقام هو القبول بدون الاعتقاد ، بل استناداً لكلام المجتهد .
فيظهر لنا ، بأنّ العامّي لو اعتقد بأُصول الدين حقيقة ، تكون عقيدته صحيحة بلا إشكال ، وإن كان الباعث ليقينه هذا هو رأي المجتهد .
وأمّا الفروع فبما أنّها خارجة عن متناول العقل عموماً ، ولا تمسّ أصل العقيدة ، فلا يضرّ فيها التقليد ، خصوصاً إذا عرفنا بأنّ طريقة الحصول على أحكام الفروع وجزئياته عملية غير سهلة ، وتحتاج إلى اختصاص وخبرة .
ص: 292
« معروف - ... - ... »
س : ما هو المِلاك في تمييز أُصول الدين الإسلامي عن فروعه ؟ وكيف صار التوحيد أصلاً من أُصول الدين ، والصلاة فرعاً من فروعه ؟
ج : إذا عرفنا الفرق بين أُصول الدين وفروعه ، عرفنا الملاك في تمييز أُصول الدين عن فروعه ، ولتوضيح المسألة أكثر ، نقول :
أُصول الدين بحسب اصطلاح العلماء : هي ما بنيت عليها الدين إثباتاً ونفياً ، أي أنّه يجب على كلّ مسلم أن يعتقد بها على الأقلّ ، حتّى يدخل في حوزة الدين .
ومن جانب آخر من أنكر وجحد أصلاً من هذه الأُصول يعتبر خارجاً عن دائرة الدين .
ومن هذا المنطلق ، عبّر علماؤنا عن التوحيد والنبوّة والمعاد : بأنّها أُصول ديننا ، لما رأوا أنّ النصوص الدينية تصرّح وتدلّ على ملازمة قبول الدين للاعتقاد بهذه الأركان الثلاثة على الأقلّ ، واستنباطهم هذا يعتمد على الأدلّة العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة .
وأمّا الفروع : فهي ما كانت من الأحكام ، فينبغي فيها الالتزام والعمل على طبقها ، ولم يكتف فيها بالجانب الاعتقادي ، أي أنّها ذو سمات جوارحية لا جوانحية ، بخلاف الأُصول ، المطلوب فيها اليقين والقطع والجزم ، لا العمل .
وأمّا الإمامة ، فالمتّفق عليه عند علمائنا : أنّها من أُصول المذهب ، فليست من أُصول الدين ولا فروعه .
ومن عبّر عنها بأنّها من أُصول الدين ، يجب حمل كلامه على ما قلناه ، نظراً للقواعد العامّة التي ذكرناها في تمييز الأصل عن الفرع .
ص: 293
« أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب »
س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار وهو : الشخص العامّي الذي ليس له معرفة في مجال علوم الحديث والرجال ، أي التي تحتاج إلى متخصّص ، بحيث هناك أحاديث تتكلّم في مجال العقائد التي تصبّ في المنظومة العقائدية للفرد ، أي كيف يعرف هل هذا حديث متواتر أو صحيح أو ضعيف أو موضوع ؟ طبعاً يرجع إلى أهل الفنّ في هذا المجال ، وبهذا يصبح هذا الفرد مقلّداً ، ولا يجوز التقليد في المسائل العقائدية .
وبعبارة أُخرى : أصبح مقلّداً في الأُمور العقائدية من حيث لا يشعر .
ج : حينما يقال لا يجوز التقليد في المسائل العقائدية ، فالمقصود أنّ نفس العقيدة لا يجوز التقليد فيها ، وأمّا الأُمور الجانبية الأُخرى فلا محذور في التقليد فيها ، فالرجوع إلى شخص لمعرفة أنّ هذا الحديث صحيح السند مثلاً أو لا ، أو هو متواتر أو لا ، ليس رجوعاً إليه في نفس العقيدة ، كي يكون ذلك تقليداً محرّماً ، وإنّما هو رجوع إليه في مجال آخر لا يرتبط بالعقيدة .
« يوسف - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة »
س : أُريد دليلاً قرآنياً وحديثاً نبويّاً لكلّ أصل من أُصول الدين ؟ وشكراً .
ج : تنقسم عقيدة التوحيد إلى ما يأتي :
1 - الإيمان بوجود اللّه تعالى .
2 - الإيمان بوحدانية اللّه تعالى .
3 - الإيمان بكمال اللّه تعالى .
فمن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق الشعور بالسببية ، قوله
ص: 294
تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) (1) .
ومن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق فطرة التديّن ، قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (2) .
ومن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق استقامة النظام الكوني ، قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (3) .
ومن الآيات التي تدلّ على أنّ اللّه واحد عن طريق وحدة النظام الكوني ، قوله تعالى : ( مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) (4) .
وقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) (5) .
ومن الآيات التي تدلّ على أنّ اللّه واحد عن طريق وحدة أثاره ، قوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (6) . .
ص: 295
ومن الآيات التي تشير إلى صفات اللّه تعالى :
الحيّ : ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (1) .
العالم : ( وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) (2) .
القادر : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3) .
العادل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (4) .
الغني : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (5) .
اللطيف : ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ) (6) .
إنّ الأخبار مستفيضة في أنّ اللّه تعالى واحد ، ولكن لا بالعدد ، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره عن شريح بن هانئ عن أبيه قال : إنّ إعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنّ اللّه واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا إعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ؟
فقال أمير المؤمنين : « دعوه ، فإنّ الذي يريده الإعرابي هو الذي نريده من القوم » ، ثمّ قال عليه السلام : « يا إعرابي ، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال أنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز لأنّه تشبيه ، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى . .
ص: 296
وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » (1) .
ومن الروايات التي تشير إلى وجوده تعالى قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ويحك ، إنّ البعرة تدلّ على البعير ، وآثار القدم تدلّ على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ، أما يدلّان على الصانع الخبير » (2) .
أمّا أسماؤه تعالى فكثيرة ، وهي تدلّ على كماله تعالى .
فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلّا واحداً ، من أحصاها دخل الجنّة ، وهي اللّه ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأوّل ، الآخر ... » (3) .
قال الشيخ الصدوق قدس سره : « إحصاؤها هو الإحاطة بها ، والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدها » (4) .
2 - النبوّة : فمن الآيات قوله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (5) .
ولقد شهد اللّه لرسوله بالقول على أنّه رسول ، وذلك بقوله : ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (6) ، هذا بالإضافة إلى الخطابات القرآنية للنبيّ بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) و : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) . .
ص: 297
وسأل رجل الإمام الصادق عليه السلام السؤال التالي : من أين أثبت الأنبياء والرسل ؟
فأجابه الإمام عليه السلام : « إنّه لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشرونه ، ويحاجهم ويحاجونه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه ... » (1) .
3 - المعاد : من الآيات قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (2) ، و ( فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (3) ، و ( وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (4) ، و ( كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ ) (5) ، و ( وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (6) .
ومن الروايات قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا بني عبد المطّلب ، أنّ الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلّا جنّة أو نار ، وخلق جميع الخلق وبعثهم على اللّه عزّ وجلّ ، كخلق نفس واحدة وبعثها ، قال اللّه تعالى : ( مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) » (7) .
4 - العدل : من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (8) . .
ص: 298
ومن الروايات قول أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له ، وهو يبيّن الذنوب التي تغتفر ، والتي لا تغتفر : « وأمّا الذنب الذي لا يغفر ، فمظالم العباد بعضهم لبعض ، إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا برز لخلقه ، أقسم قسماً على نفسه ، فقال : وعزّتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ، ولو كفّ بكف ، ولا مسحة بكف ، ونطحة ما بين القرنا إلى الجماء ... » (1) .
5 - الإمامة : من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (2) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) .
ومن الروايات قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ألا وإنّ لكل مأموم إماماً يقتدي له ، ويستضيء بنور علمه ... » (4) .
وقول الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ اللّه أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل » (5) .
وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة ، ظاهراً مشهوراً ، أو مستتراً مغموراً ، لئلا تبطل حجج اللّه وبيّناته » (6) .
وقول الإمام الصادق عليه السلام : « لا يصلح الناس إلّا بإمام ، ولا تصلح الأرض إلّا بذلك » (7) .
وعن سليم بن قيس قال : ( سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيّار يقول : كنّا عند معاوية ، أنا والحسن والحسين ، وعبد اللّه بن عباس ، وعمر بن أُمّ سلمة ، .
ص: 299
وأُسامة بن زيد ، فجرى بيني وبين معاوية كلام ، فقلت لمعاوية : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وستدركه يا علي ، ثمّ ابنه محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وستدركه يا حسين ، ثمّ ... » ) (1) . .
ص: 300
« بدر الدين - المغرب ... »
س : قرأت في كتاب « دفاع عن السنّة » حديثاً مطوّلاً عن عمر بن الخطّاب ، في وصف علاقته بأبي بكر وأبي موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، ونظراً لما يحمله هذا الخبر من الكلام الجديد على القارئ ، والذي يفضي إلى نتائج خطيرة ، والخبر جاء نقلاً عن « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد .
فسؤالي إذا سمحتم : هل المرجع المذكور معتمد لدى علماء أهل السنّة ؟
ج : نود إعلامك أوّلاً : إنّ أهل السنّة قد اتبعوا منهجاً عامّاً في تعديل الرجال وتجريحها ، وكان أهمّ أساس اعتمدوه في التجريح والتعديل ، هو رواية الراوي فضائل علي عليه السلام ومناقبه ، وجعلوا أساس ضعف الراوي وكذبه وتخليطه هو رواياته فضائل علي عليه السلام ، ولك أن تتابع مثلاً كتابي « الموضوعات » لابن الجوزي ، وكتاب « اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة » ، بل كتابي « تهذيب التهذيب » لابن حجر ، وكتاب « ميزان الاعتدال » للذهبي ، وأمثالها كثير ، تجد أنّ عمدة تضعيف الراوي ، هو روايته لفضائل علي عليه السلام ، ولعلّك إذا استقصيت كتب الجرح والتعديل لأخذك العجب في بنائهم التوثيقي ، وفي تجريحهم للشخص .
فمثلاً أحمد بن الأزهر النيسابوري ، بعد أن مدحه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » ، ونقل توثيق المحدّثين له قال : « لما حدّث أبو الأزهر بحديث عبد
ص: 301
الرازق في الفضائل ، يعني عن معمّر عن الزهري ، عن عبيد اللّه بن عباس ، قال : نظر النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى علي رضي اللّه عنه فقال : « أنت سيّد في الدنيا سيّد في الآخرة » الحديث ، أخبر بذلك يحيى بن معين ، فبينما هو عنده في جماعة من أهل الحديث إذ قال يحيى : من هذا الكذّاب النيسابوري الذي يحدّث عن عبد الرازق بهذا الحديث ؟
فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا ، فتبسّم يحيى فقال : إمّا إنّك لست بكذّاب ، وتعجّب من سلامته وقال : الذنب لغيرك في هذا الحديث » (1) ، على أنّ هذا الراوي من أهل السنّة ، فاتهموه بالكذب لروايته الحديث ، ومثله عبد الرازق بن همام الحافظ الصنعاني ، صاحب « المصنّف » المعروف ، وهو من كبار أهل السنّة ، فإذا ذكروه قالوا : كان يتشيّع ، وقال أبو داود : وكان عبد الرازق يعرّض بمعاوية ، وقال العجلي : ثقة يتشيّع (2) .
وهكذا هو ديدنهم في من يروي فضائل علي عليه السلام ، ولعلّ اختلافهم في تشيّع الحاكم النيسابوري ، وإصرار بعضهم على كونه شيعيّاً ، ليس بشيء إلّا لروايته فضائل علي عليه السلام ، وقد أغفلها الشيخان في صحيحيهما ، فمتى تجد من يذكر فضائل علي ومناقبه ، ويطعن على مخالفيه ، ويذكر معائبهم يوثّق ويأخذ بقوله ؟!
هذا هو حال ابن أبي الحديد المعتزلي ، فهم لا يعتبرونه لهذه العلّة التي عمّموها على كلّ من روى فضائل علي عليه السلام ، لذا قال الشعبي : ماذا لقينا من علي ؟ إن أحببناه ذهبت دنيانا ، وإن بغضناه ذهب ديننا .
فلا عليك - أيّها الأخ - بعد ذلك في اعتبار وعدم اعتبار الراوي ، أو الكتاب عند أهل السنّة ، بعد أن عرفت معيار جرحهم وتعديلهم . .
ص: 302
« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »
س : هل يصحّ الاحتجاج على أهل السنّة ، بما أورده ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ، وما أورده المسعودي في « مروج الذهب » ؟
حيث إنّ هذا الشيء قد حصل فعلاً في بعض المؤلّفات الكلامية والعقائدية ... وعلى الطرف الآخر هل يصحّ الاحتجاج على الإمامية بهذين الكتابين ؟
حيث أكثر البعض مثل : إحسان الهي ظهير - مع تدليسه بعض الحقائق - من الاحتجاج على الإمامية بهما ... .
ما هو مبدأ الاحتجاج على أهل السنّة بهما ، وعلى أيّ أساس احتجّ به ظهير ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : الثابت أنّ ابن أبي الحديد معتزلي المذهب في الأُصول ، وحنفي المذهب بالفروع ، ولذا يصحّ للإمامي أن يحتجّ بما يذكره في « شرح نهج البلاغة » على الطرف الآخر ، وأيضاً المسعودي صاحب « مروج الذهب » ، بالإضافة إلى ثناء القوم عليه ، ذكره السبكي في طبقاته (1) ، وعليه يصحّ للإمامية أن يحتجّوا بما يذكره على الطرف الآخر .
ولما ذكرناه حول الرجلين لا يكون ما يذكرانه حجّة للقوم على الشيعة الإمامية ، وإن كانا يعدّان من علماء التاريخ والأدب المعتدلين غير المتعصّبين فيما ينقلانه ويحكمان به .
« يحيى العسقلاني - السعودية »
س : لقد سمعت حديثاً ، وقرأت في شبكات الوهّابية ، حول كتاب « كسر
ص: 303
الصنم » لأبي الفضل البرقعي ، فمن هو هذا الرجل الذي نسبه القوم للتشيّع ؟ وهل تعرفونه ، وما هي منزلته العلمية ؟ أفيدونا جعلني اللّه فداكم .
ج : كان أبو الفضل البرقعي من أسرة عريقةٍ من أهالي قم ، وكان من جملة المحصّلين في الحوزة العلمية ، إلّا أنّه كان منذ شبابه خفيف العقل ، منحرف الفكر ، فترك الدراسة ، وذهب إلى طهران بدعوةٍ من بعض السفارات الأجنبية ، بواسطة بعض عملائها ، فجعلوا يروّجون له ، ويمدّونه بالأموال ، ويطبعون مقالاته ، حتّى أفتى كبار المراجع بضلالته ، وأوعزوا إلى الجهات الحكومية بإلقاء القبض عليه وتأديبه ، فانكشف حاله ، وافتضح أمره ، ومَقتَه الناس وطردوه ، فمات على تلك الحال ، وخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .
وإنّ حال البرقعي وأمثاله عند الشيعة الإمامية ، يشبه تماماً حال ابن تيمية وأتباعه عند أهل السنّة ، فقد وصف علماء السنّة ابن تيمية بخفّة العقل ، وكذلك وصفوا أتباعه بأنّهم خفاف العقول .
فقد خاطب الحافظ الذهبي ابن تيمية في رسالةٍ له إليه - مذكورة في المصادر السنّية - بقوله : « يا خيبة من اتبعك ، فانّه معرّض للزندقة والانحلال ... ، فهل معظم أتباعك إلّا مقيّد مربوط ، خفيف العقل ، أو عامّي كذّاب ، بليد الذهن ... » (1) .
وقال عنه الحافظ ابن حجر الهيثمي في « الفتاوى الحديثية » : « عبد خذله اللّه وأخزاه ، وأصمّه ، وأعماه » (2) .
فحال البرقعي حال ابن تيمية ، والأخبار عن ضلاله ، وسوء حاله في الآخرة ليس إخباراً عن غيب ، بل هو على ضوء الموازين الشرعية ، وترك الجواب عمّا كتبه كالسكوت عن أباطيل ابن تيمية . .
ص: 304
ولا يخفى أنّ الطعن الصادر من العلماء في ابن تيمية ليس طعناً في عموم أهل السنّة ، أو كلّ علماء الشام ، فكيف يقال بأنّ الطعن في البرقعي طعن في علماء قم ؟ فإنّ هذا الكلام لا يصدر من عاقل فاهم !
ونحن نسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا لمعرفة الحقّ واتّباعه أينما كان .
« علي العلي - الكويت - ... »
س : ما مدى صحّة ما في الكتب الأربعة ؟
ج : تعتقد الشيعة أنّ الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث ، وأمّا وجوب العمل بما فيها من الأخبار ، أو بكلّ ما رواه إمامي ، ودوّنه أصحاب الأخبار منهم ، فلم يقل به أحد من المحققّين ، ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسام أربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف .
وهذا هو رأي الأُصوليين من علماء الشيعة ، بينما يرى الإخباريون من علماء الشيعة صحّة كلّ ما موجود في الكتب الأربعة ، بمعنى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور ، وهذا القول باطل من أصله ، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ؟ ولاسيّما أنّ في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع .
« ... - ... - ... »
س : ماذا تعني الكتب الفكرية ؟ وما المراد من الفكر ، والفكر الإسلامي بالذات ؟
ج : إنّ المراد من الفكر - في مورد السؤال - المواضيع التي تعتمد أساساً على الاستدلالات العقلية في قبال العلوم النقلية التي تتركّز في البحث عن النصوص القرآنية أو الحديثية .
ص: 305
فالفكر الإسلامي يطلق على كافّة الأُسس الثقافية ، والعلوم العقلية التي تستمد جذورها من الكتاب أو السنّة ، مع محورية العقل في طريق الاستنتاج والاستنباط .
وعليه ، فالكتب الفكرية هي الكتب التي تبرز في هذا الاتجاه ، وتكون معظم مباحثها من نوع التعقّل والتعمّق في المواضيع الدينية .
« صادق - السعودية - ... »
س : من هو أنس بن مالك الأنصاري ، خادم الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ نريد معلومات كاملة عنه ، مع الشكر الجزيل ، رحمكم اللّه .
ج : إنّ أنس بن مالك الأنصاري ، خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأحد أصحابه ، روى أحاديث كثيرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، منها مثلاً : حديث الطير … .
وكان أحد المنحرفين عن الإمام علي عليه السلام ، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال عند ذكر المنحرفين عن علي عليه السلام : « وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين ، أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه ، وأعان أعداءه ، ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة ؛ فمنهم أنس بن مالك ، ناشد علي عليه السلام الناسَ في رَحَبة القصر - أو قال رحبة الجامع بالكوفة - : « أيّكم سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : مَن كنت مولاه فعلي مولاه » ؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم ، فقال له : « يا أنس ، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتَها » ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كبرتُ ونسيت ، فقال : « اللّهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة » .
قال طلحة بن عمير : فو اللّه ، لقد رأيتُ الوَضَح به بعد ذلك أبيض بين عينيه » (1) .
ص: 306
وفي رواية البلاذري : « قال علي على المنبر : « نشدت اللّه رجلاً سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول يوم غدير خم : اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، إلّا قام فشهد » ، وتحت المنبر أنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وجرير بن عبد اللّه ، فأعادها فلم يجبه أحد منهم .
فقال : « اللّهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها ، فلا تخرجه من الدنيا حتّى تجعل به آية يعرف بها » .
قال أبو وائل : فبرص أنس ، وعمي البراء ، ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته ، فأتى السراة فمات في بيت أُمّه بالسراة » (1) .
« خادم أهل البيت - السعودية - ... »
س : هل أنس خادم الرسول صلى اللّه عليه وآله ، كان موالياً لأهل البيت ؟ ولماذا ؟
ج : إنّ أنس بن مالك خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّن كتم شهادته بحديث الغدير في الإمام علي عليه السلام ، فقال أنس : « كبرت سنّي ونسيت ، فقال علي : « إن كنت كاذباً فضربك اللّه ببيضاء لا تواريها العمامة » ، فابتلي أنس بالبرص » (2) .
وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أبو هريرة ، أنس بن مالك ، وامرأة » (3) .
« أبو محمّد - البرازيل - ... »
س : من هو الذي يسمّى جون ؟ وكان في جيش الإمام الحسين عليه السلام ؟
ص: 307
ج : جون بن حوي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، من الموالي ، مولى أبي ذر الغفاري ، انضمّ إلى أهل البيت عليهم السلام بعد أبي ذر ، فكان مع الإمام الحسن عليه السلام ، ثمّ مع الإمام الحسين عليه السلام ، وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ، ثمّ إلى العراق ، وقف يوم عاشوراء أمام الإمام الحسين عليه السلام يستأذنه في القتال ، فقال له الحسين عليه السلام : « أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا للعافية ، فلا تبتل بطريقتنا » ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم ، واللّه أن ريحي لنتن ، وأنّ حسبي للئيم ، وأنّ لوني لأسود ، فتنفّس عليّ بالجنة ، فيطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، لا واللّه ، لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ، ثم برز وهو يقول :
كيف يرى الكفّار ضرب الأسود *** بالسيف ضرباً عن بني محمّد
أذب عنهم باللسان واليد *** أرجو به الجنّة يوم المورد
ثمّ قاتل حتّى قتل ، فوقف عليه الإمام الحسين عليه السلام فقال : « اللّهم بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد صلى اللّه عليه وآله » .
وروى علماؤنا عن الإمام الباقر عليه السلام ، عن أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام ، أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ، ليدفنوا القتلى ، وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك .
« أبو علي - عمان - ... »
س : بعد التحية والسلام ، هل لكم أن تخبرونا بنبذة عن حياة الشخصية الإسلامية علي بن يقطين ؟
ج : علي بن يقطين بن موسى البغدادي ، كان ثقة وجليل القدر ، وله منزلة عظيمة عند الإمام الكاظم عليه السلام ، ولد سنة 120 ه- ، وقيل 124 ه- ، سكن بغداد ، وهو كوفي الأصل ، ومولى بني أسد .
ص: 308
كان لأبيه منزلة سامية لدى الدولة العباسية أوّل أمرها ، حيث كان داعياً لهم ، فانتقلت هذه المنزلة له ، واتخذه الرشيد وزيراً ، وكان على صلة وثيقة بالإمام الكاظم عليه السلام ، يعمل بإرشاده على إغاثة المظلومين ، توفّي سنة 182 ه- ، وله كتب ، منها كتاب ما سئل عن الصادق عليه السلام من الملاحم ، وكتاب مناظرة الشاكّ بحضرته عليه السلام ، وله مسائل عن الإمام الكاظم عليه السلام .
وللمزيد من التعرّف على هذه الشخصية يمكنكم مراجعة كتاب « أعيان الشيعة » (1) ، و « معجم رجال الحديث » (2) .
« أحمد محمّد الياسري - البحرين - ... »
س : ما مصداقية تفاسير القمّي والعيّاشي عند الشيعة ؟ ومن هما القمّي والعيّاشي ؟
وهل كلّ ما ورد من روايات في هذين التفسيرين صحيحة ؟ وخصوصاً أنّ أكثر ما يطعن في الشيعة من قبل خصومهم ، هي روايات من هذين التفسيرين ، وشكراً جزيلاً .
ج : أعلم أنّ الشيعة تعتقد بعدم وجود كتاب كلّ رواياته صحيحة من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، وكلّ الكتب سواه قابلة للبحث والنقاش ، وتجري على أسانيدها قواعد الجرح والتعديل .
وأمّا القمّي والعيّاشي فهما من أقطاب علماء الشيعة ، ومع هذا لا يمكننا الحكم بصحّة كتابيهما ، ففيهما الصحيح والضعيف ، وكلّ هذا يخضع إلى مباني الرجال ، وقوانين الجرح والتعديل ، لتمييز الصحيح من الضعيف ، وشأن هذين الكتابين شأن جميع كتب الشيعة .
ص: 309
« عبد اللّه - ... - ... »
س : ما هو رأيكم في كتاب منتخب كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ؟ وهل كلّ ما ورد فيه صحيح ؟ وما نسبة الصحّة فيه ؟
هناك مرويّات فيه بدون إسناد ، هل يعتدّ بها عند أصحابها ؟ باعتبار أنّ عدم إسنادها هو بمثابة إطلاقها إطلاق المسلّمات ، أم أنّ أمثال هذه المرويّات غير معتدّ بها ؟ وفّقكم اللّه إلى ما يرضاه .
ج : صاحب كتاب كنز العمّال هو الشيخ علي بن سلطان المتّقي الهندي ، ألّف كتاب كنز العمّال لأجل أن يجمع نصوص الأحاديث الواردة في مختلف الكتب ، والمنسوبة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأيضاً ما نقل في مختلف الكتب عن الصحابة والآثار الواردة عنهم .
هذه الأحاديث والآثار رتّبها بترتيب خاصّ بحسب الحروف ، وبحسب الأبواب ، وأيضاً جعل عناوين الأبواب بحسب الحروف في ابتكار خاصّ ، وأسلوب معيّن ، ثمّ إنّ هذا الكتاب الكبير لخّصه وجعله تحت عنوان : « منتخب كنز العمّال » .
وعلى كلّ حال ، فإنّ قصد المؤلّف من تأليف هذا الكتاب - سواء الأصل أو المنتخب - إنّما كان لجمع الأحاديث ، وترتيبها بهذا الترتيب الخاصّ ، ولم يقصد تمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها ، فلذا كان كتابه جامعاً بين الغثّ والسمين .
وعلى كلّ محقّق يريد أن يأخذ بشيء من أحاديث هذا الكتاب وأمثاله ، فعليه أن يراجع السند ، ويطمئن بصحّة السند ، حتّى يتمكّن من الأخذ بذلك الحديث .
ص: 310
« محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة »
س : ما رأيكم بموسى الموسوي صاحب كتاب الشيعة والتصحيح ؟
ج : إنّ موسى الموسوي الأصفهاني ، كان مذموماً منذ شبابه عند أقرانه وزملائه ، وعند العلماء ، لما يرون من تصرّفاته السيّئة ، وغير اللائقة لشخص عادي ، فضلاً عن سيّد معمّم ، ينتمي إلى أسرة مرجعية دينية ، وكان هذا سبباً في تحرّز الكثير منه ، ومن أفعاله الذي سبّب عزلة اجتماعية له ، ممّا أدى إلى انخراطه إلى عالم السياسة ، وتقلّباته المستمرّة فيه ، حفظاً لشخصيّته المنهارة مسبقاً أمام الجميع ، واستجلاباً لموارد ماليّة ، تمكّنه من الاستمرار في الحياة المادّية التافهة .
فتارةً كان يتّفق مع عناصر من الحكومة البهلوية في إيران ، حتّى إنّه قد أصبح في فترة خاصّة ، مندوباً في المجلس التشريعي الإيراني ، وأُخرى يرتدّ عليهم ، ويتعامل مع البعثيين في سبيل إطاحة الحكم الملكي فيها ، وثالثة يطمح في رئاسة الجمهورية في إيران بعد زوال الحكم الملكي ؛ وبما أنّ أحداً لم يول اهتماماً به وبما يراه انتهى أمره إلى أن يكون آلة إعلامية بيد أعداء الدين ، في سبيل كسر شوكة الشيعة ، باستخدامه انتسابه إلى المرجعية غطاءً ساتراً على أباطيله ، ومن ثمّ وفّرت الدوائر الاستعمارية له كافّة الإمكانيات المادّية في أحضانها ، كي يفرغ في الهجوم على معتقدات الشيعة إلى أن مات قبل سنين .
وعلى كلّ حال : فإنّ هذا الشخص شأنه شأن ابن نوح عليه السلام ، فكما أنّ هذا الأخير قد ضيّع انتماءه إلى بيت النبوّة والرسالة بعدم تبعيّته لها ، فهو أيضاً أضاع الانتساب إلى بيت السيادة والمرجعية ، بعدوله وانحرافه عن خطّها المستقيم .
وأمّا بالنسبة إلى التهم والمواضيع التي طرحها في كتابه فليست بجديد ، بل كلّها قد وردت كشبهات على لسان المخالفين ، وقد أُجيب عنها كراراً ومراراً ، بالتفصيل أو الإجمال .
ص: 311
« يوسف إبراهيم الجمعة - الكويت - ... »
س : ماذا يقرب أبي الفضل العباس للرسول ، والإمام علي ؟ وكذلك ماذا يقرب مسلم بن عقيل للاثنين ؟
ج : إنّ أبا الفضل العباس ، ومسلم بن عقيل عليهما السلام من الشخصيات الإسلامية البارزة ، وورعهما وتقواهما ، ومواقفهما في نصرة الدين الحنيف ، ممّا لا يشك به أحد ، حتّى استشهدا في سبيل العقيدة ، ونصرة الدين ، وإعلاء كلمة لا إله إلّا اللّه .
وأمّا قرابتهما من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : فأبو الفضل العباس ، هو ابن الإمام علي عليه السلام ، الذي هو ابن عمّ الرسول صلى اللّه عليه وآله .
ومسلم هو ابن عقيل ، الذي هو أخو الإمام علي عليه السلام ، وابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً .
« محمّد - الإمارات - ... »
س : ما هو رأيكم بمحمّد التيجاني ؟
ج : إنّ الدكتور التيجاني كان على مذهب أهل السنّة ، وثمّ بعد بحث وتحقيق ومراجعة أُمّهات المصادر اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وتوصّل بالبحث العلمي إلى أن اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والأخذ منهم هو طريق النجاة ، فركب سفينة النجاة ، وتمسّك بالثقلين .
وبعد استبصاره ألّف عدّة كتب ، منها : « ثمّ اهتديت » ، و « اسألوا أهل الذكر » ، و « لأكون مع الصادقين » ، و « الشيعة هم أهل السنّة » ، واهتدى الكثير بواسطة كتبه إلى الحقّ .
ص: 312
« أُمّ زينب - الإمارات - ... »
س : أُودّ الاستفسار عن المختار بن يوسف الثقفي رضي اللّه عنه ، وما حقيقة ما يتردّد حوله من مزاعم ؟ وما موقف الأئمّة عليهم السلام منه ؟
ج : ذكر السيّد الخوئي قدس سره ترجمة المختار في كتابه « معجم رجال الحديث » ، فقال : ( والأخبار الواردة في حقّه على قسمين : مادحة وذامّة ، أمّا المادحة فهي متضافرة ، منها ... عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت ، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين » ، وهذه الرواية صحيحة .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة » .
وعن عمر بن علي بن الحسين : أنّ علي بن الحسين عليهما السلام لمّا أتي برأس عبيد اللّه بن زياد ، ورأس عمر بن سعد قال : فخرّ ساجداً وقال : « الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي ، وجزى اللّه المختار خيراً » ) (1) .
ثمّ ذكر السيّد الخوئي ثلاث روايات أُخرى في هذا المجال ، ثمّ ذكر بعض الروايات الذامّة وقال : « وهذه الروايات ضعيفة الإسناد جدّاً » .
ثمّ نقل قدس سره قول المجلسي في « بحار الأنوار » فقال : « وقال المجلسي قدس سره : قال جعفر بن نما : أعلم أنّ كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الأخبار ، ولا رؤية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ ، ولو تدبّروا أقوال الأئمّة في مدح المختار لعلموا أنّه من السابقين المجاهدين ، الذين مدحهم اللّه تعالى جلّ جلاله في كتابه المبين ، ودعاء زين العابدين عليه السلام للمختار دليل واضح ، وبرهان لائح ، على أنّه عنده من المصطفين الأخيار ، ولو كان على غير
ص: 313
الطريقة المشكورة ، ويعلم أنّه مخالف له في اعتقاده ، لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب ، ويقول فيه قولاً لا يستطاب ، وكان دعاؤه عليه السلام له عبثاً ، والإمام منزّه عن ذلك ، وقد أسلفنا من أقوال الأئمّة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له ، ونهيهم عن ذمّه ما فيه غنية لذوي الأبصار ، وبغية لذوي الاعتبار ، وإنّما أعداؤه عملوا له مثالب ، ليباعدوه عن قلوب الشيعة ، كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السلام له مساوي ، وهلك بها كثير ممّن حاد عن محبّته ، وحال عن طاعته ، فالولي له عليه السلام لم تغيّره الأوهام ، ولأباحته تلك الأحلام ، بل كشفت له عن فضله المكنون ، وعلمه المصون ، فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمّة الأطهار … » (1) .
والخلاصة : لم يكن المختار إلّا رجلاً أبلى في سبيل قضية أهل البيت عليهم السلام أحسن البلاء ، فعمل أعداؤه على محاربته ، من خلال وضع التهم والأكاذيب عليه ، ولما كان خصومه هم الغالبون ، وقد امتد نفوذهم بعده ، فمن الطبيعي أن تصاغ هذه الأكاذيب في روايات مسندة ، لتدخل التاريخ بوجه مشروع ، حين يكون منهج المؤرّخ هو جمع الأخبار ، دون التحقيق والتمحيص فيها ، أو بوجه غير مشروع ، حين تلتقي مع هوى المؤرّخ ، أو تعينه على نصرة الاتجاه الذي يميل إليه ، أو التنكيل بالاتجاه الذي يميل عنه .
« معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة »
تعليق على الجواب السابق : يتهم بعض المؤرّخين المختار الثقفي بأنّه كان طالب سلطة ، ويقولون بأنّ الناس لقّبته في ذلك الزمان بالكذّاب ، ولكن للمختار فضل عظيم ، فقد تعقّب قتلة الحسين ، وما عرف عن أحد شارك في
ص: 314
قتل الحسين إلّا أحضره وقتله ، وفي ذلك روايات وتفاصيل طويلة ، ثمّ قتل المجرم عبيد اللّه بن زياد ، بعد هزيمته في معركة عظيمة ، وأرسل رأسه لمحمّد بن الحنفية شقيق الحسين ، ولزين العابدين ، ويروى أنّه لما أحضر رأس ابن زياد دخلت حية سوداء من منخريه ، ثمّ خرجت من أنفه ، فعلت ذلك ثلاثاً والناس تنظر .
وقد أبلى المختار بلاء حسناً في تعقّب قتلة الحسين وآله ، إلى أن غدره مصعب ابن الزبير ، وقتله مع أنصاره ، ونعتقد أنّ في عمل المختار شفاء لصدور الناس الذين نقموا على قتلة ابن بنت رسول اللّه نقمة عظيمة .
« ... - الكويت - ... »
س : ما هو الدليل على أنّ أبي مخنف لوط بن يحيى يعتبر من الرواة الثقات المعتمدين بمرويّاتهم ؟ مع العلم قد ضعّفه مثل الإمام الذهبي ، وقال عنه : إخباري لا يوثق به .
وابن عدي قال عنه : شيعي محترق ، ويحيى بن يحيى ليس بثقة .
ج : لقد ترجمه شيخ الرجاليين النجاشي ، حيث ترجمه وعبّر عنه ب : « شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه ... وصنّف كتباً كثيرة ... » (1) ، ذكر منها (28) كتاباً .
وتابعه العلّامة في الخلاصة (2) ، وابن داود في رجاله (3) ، وغيرهم .
ثمّ الرجل بلا شبهة شيعي إمامي ، صرّح بتشيّعه جمع من العامّة ، منهم ابن عدي في « الكامل » قال : « وهو شيعي محترق » !! (4) ، والذهبي في « تاريخ
ص: 315
الإسلام » قال : « الرافضي الإخباري ، صاحب هاتيك التصانيف » (1) ، كما صرّح بذلك جلّ أصحابنا ، وجمع من مخالفينا ، فلا يتمّ إنكار ابن أبي الحديد لذلك في شرح النهج (2) ، بل قال عنه في تنقيح المقال : « من الخرافات التي تعوّدت العامّة عليها في مذهبهم ، وفيما يرجع إليه ، كيف وقد صرّح جماعة منهم بتشيّعه ، بل جعل بعضهم تشيّعه سبباً لردّ روايته ، كما هي عادتهم غالباً ... والعجب العجاب أنّ ابن أبي الحديد نطق بما سمعت ، بعد أن روى أشعاراً في أنّ علياً عليه السلام وصيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال : ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل ، انتهى ، فإنّ نقله لتلك الأشعار شاهد لتشيّعه ، وإلّا لم يكن ليرويها ، كما هي عادة أهل السنّة غالباً » (3) .
ثمّ إنّ كون الرجل شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه - شهادة من مثل النجاشي العظيم - يُعدّ بحقّ مدحاً معتدّاً به ، يثبت - لا أقلّ - حسنه واعتباره .
وأمّا ما نقلته عن الذهبي وابن عدي فغريب ، إذ صرف كون الرجل عندهم شيعيّاً كاف في سقوطه ، وعدم وثاقته ، وهذا من أمثال هؤلاء كاف لنا في مدحه ، ووثاقته واعتباره .. !! حيث علّلوا عدم وثاقته بتشيّعه !! لا بكذبه وفسقه وفجوره ، فتدبّر .
« ... - لبنان - ... »
س : في البداية آجركم اللّه على هذه الصفحة المميّزة والمهمّة .
السؤال : من هو رجب البرسي ؟ وما صحّة كتابه مشارق أنوار اليقين عند
ص: 316
مراجعنا الكرام ؟ ومن هم المراجع الذين ينقضون كلامه ؟ وما دليلهم ؟ وهل هناك من يتّهمه بالغلوّ ؟ وما دليلهم ؟ وشكراً .
ج : كتاب مشارق أنوار اليقين كسائر الكتب ، تخضع رواياته للبحث السندي ، والبحث في الدلالة ، ففيه الروايات الصحيحة السند ، وفيه الروايات الضعيفة السند .
وأمّا ما ورد في الكتاب من الاعتماد على أرقام معيّنة للحروف ، وطرق أُخرى لإثبات المطالب ، فإنّها وإن كانت لا تعتبر حجّة ودليلاً مستقلّاً ، إلّا أنّها قرائن تنفع في الاستدلال .
هذا ، ويمكنكم مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني (1) ، في ترجمته للبرسي في قسم شعراء الغدير ، حيث ذكر ترجمة الحافظ البرسي ، ودافع عنه ، وردّ من اتهمه بالغلوّ .
« ... - البحرين - ... »
س : ما موقف الشيعة من خالد بن الوليد ؟ ولقبه سيف اللّه المسلول ؟
ج : إنّ الشيعة لا تقول بعدالة جميع الصحابة ، إذ لم يرد دليل على كون جميع الصحابة عدول ، وعليه ، فحال الصحابة حال غيرهم في إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن كان منهم على سنّة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وبقي على ذلك إلى أن توفّي ، فإنّ الشيعة وكلّ عاقل يقدّسونه ، ومن غيّر وبدّل فإنّه لا يستحقّ أيّ تقديس .
وأمّا خالد ، فإنّ الشيعة تتبرّأ منه ومن أفعاله ، وهنا نشير إلى بعض أفعاله من مصادر أهل السنّة ، وعليكم بمراجعة المصادر :
1 - غضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله على خالد لمّا بعثه إلى بني جذيمة ، داعياً إلى الإسلام ،
ص: 317
ولم يبعثه مقاتلاً ، فقتل خالد بعضهم ، فقال النبيّ : « اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد » مرّتين (1) .
2 - إنّ خالداً سبّ عمّاراً ، ومن سبّ عمّاراً ، سبّه اللّه .
إنّ خالداً عادى عمّاراً وابغضه ، ومن عادى عمّاراً وابغضه عاداه اللّه وأبغضه (2) .
3 - إنّ خالداً قتل مالك بن نويرة ، وهو مسلم ، ودخل بزوجته (3) .
وإنّ خالداً بعدما أضرّ المسلمين أيّام كفره وجاهليته في وقعة أُحد ، وإن كان قد أسلم وقاتل الكفّار ، ولكن لم يكن قتاله عن تقوى وبصيرة في الدين ، بل كانت على طبق العادات الجاهلية ، وإعمال الأغراض الشخصية ، والشهوات النفسانية ، كما أنّ خالداً كان معروفاً بعدائه للإمام علي عليه السلام . .
ص: 318
« إبراهيم عبد الكريم - النيجر - ... »
س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل اللّه أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه .
سؤالي هو : ما نقد الشيعة في البخاري وصحيحه .
ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيت عليهم السلام .
إنّ الشيعة تحتجّ بصحيح البخاري على أهل السنّة من باب الإلزام ، وإلّا فهو ليس حجّة عليهم ، وإنّما الشيعة لها طرقها الخاصّة في الرواية عن النبيّ وأهل البيت عليهم السلام .
« علي - السعودية - ... »
س : أُودّ أن أسألكم عن رأيكم في كتاب أُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، لمؤلّفه ناصر بن عبد اللّه بن علي القفاري .
وأُودّ أن أعرف ردّكم على هذا الكتاب ، أرجو الإجابة عن سؤالي ؟
ج : إنّ نظرة أوّلية يلقيها الباحث على الكتاب ، توصله إلى أنّ الكتاب ليس تأليف فرد واحد ، بل هو تأليف لجنة شكّلت لهذا الأمر ، وذلك للاختلاف الفاحش في الأسلوب بين بحث وآخر ، بل وحتّى في طريقة أخذ النتائج .
هذا ، وإنّ الأُستاذ محمّد الحسيني ، كتب هوامش نقدية على هذا الكتاب ، نشرت في أعداد مجلّة « المنهاج » الصادرة في بيروت .
كما أنّ الدكتور فتح اللّه المحمّدي ، ألّف كتابه « سلامة القرآن من التحريف » في الردّ على بحث التحريف من كتاب القفاري .
ص: 319
هذا ، وقام الدكتور فتح اللّه المحمّدي أيضاً ، بتأليف كتاب اقتصر فيه على الأكاذيب والتدليس والافتراءات الموجودة في كتاب القفاري .
ومهما حاول القفاري واللجنة التي معه ، لإعطاء صورة موضوعية للكتاب ، إلّا أنّ الأكاذيب والقصّ في الأحاديث والتحريفات - كما هو ديدن الوهّابيون ، ولا يستطيعون أن يتخلّوا عنه - واضحة وجلية فيه .
« أُمّ محمّد - السعودية - ... »
س : أواجه كثير من الأسئلة في العقائد من بعض الزملاء السنّة ، وقد ساعدني الاطلاع على موقعكم الردّ على الكثير منها ، أثابكم اللّه على هذا العمل خير ثواب .
أرغب في الاطلاع على بعض الكتب ، لتساعدني في ردّ الشبهات عن مذهب أهل البيت ، فهلا نصحتموني ببعض الأسماء لهذه الكتب ؟ جزاكم اللّه خير الدنيا والآخرة .
ج : يمكنكم مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني قدس سره المجلّد الثالث ، حيث ردّ فيه على الكثير من الشبهات المطروحة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك ننصحكم بمراجعة كتاب « دلائل الصدق » للعلّامة المظفّر قدس سره ، وكتاب « المراجعات » للسيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره .
« محمّد إسماعيل - الكويت »
س : ما هو مذهب أبو العلاء المعرّي ؟ ودمتم موفّقين .
ج : قال الذهبي : « أبو العلاء : هو الشيخ العلّامة ، شيخ الآداب ، أبو العلاء ، أحمد بن عبد اللّه بن سليمان ... القحطاني ، ثمّ التنوخي المعرّي الأعمى ، اللغوي ، الشاعر ، صاحب التصانيف السائرة ، والمتّهم في نحلته .
ص: 320
ولد في سنة ثلاث وستّين وثلاث مائة ، وأضرّ بالجدري ، وله أربع سنين وشهر ، سالت واحدة ، وابيضّت اليمنى ، فكان لا يذكر من الألوان إلّا الأحمر ، لثوب أحمر ألبسوه إيّاه ، وقد جدّر ، وبقي خمساً وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهّداً فلسفياً .
وكان قنوعاً متعفّفاً ، له وقف يقوم بأمره ، ولا يقبل من أحد شيئاً ، ولو تكسّب بالمديح لحصّل مالاً ودنيا ، فإنّ نظمه في الذروة ، يعدّ مع المتنبي والبحتري ... » (1) .
وقال ابن حجر : « أحمد بن عبد اللّه بن سليمان ، أبو العلاء المعرّي ، اللغوي الشاعر ، روى جزأً عن يحيى بن مسعر ، عن أبي عروبة الحرّاني ، له شعر يدلّ على الزندقة ، سقت أخباره في التاريخ الكبير ... » .
قال السلفي : « من عجيب رأى أبي العلاء ، تركه تناول كلّ مأكول لا تنبته الأرض ، شفقة على الحيوانات ، حتّى نسب إلى التبرهم ، وأنّه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع ، وإنكار الرسل ، وفي شعره ما يدلّ على هذا المذهب ، وفيه ما يدلّ على غيره ، وكان لا يثبت على نحلته ، ولا يبقى على قانون واحد ، بل يجري مع القافية إذا حصلت ... » (2) .
قال الشيخ عباس القمّي : « الشاعر الأديب الشهير ، كان نسيج وحده بالعربية ، ضربت اباط الإبل إليه ، وله كتب كثيرة ، وكان أعمى ذا فطانة ، وله حكايات من ذكائه وفطانته .
حكي أنّه لما سمع فضائل الشريف السيّد المرتضى اشتاق إلى زيارته ، فحضر مجلس السيّد ، وكان سيّد المجالس ، فجعل يخطو ويدنو إلى السيّد ، فعثر على رجل ، فقال الرجل : من هذا الكلب ؟ فقال المعرّي : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً . .
ص: 321
فلمّا سمع الشريف ذلك منه ، قرّبه وأدناه ، فامتحنه فوجده وحيد عصره ، وأعجوبة دهره ، فكان أبو العلاء يحضر مجلس السيّد ، وعدّ من شعراء مجلسه ... » (1) .
« أُمّ علي القلاف - الكويت - ... »
س : هل كان زوج العقيلة زينب موجود في واقعة الطف ؟ وهل كان لها أبناء قتلوا مع الإمام الحسين ؟ وما هي أسمائهم ؟ مع جزيل الشكر .
ج : عبد اللّه بن جعفر زوج السيّدة زينب عليها السلام ، لم يكن في واقعة الطفّ ، وفي سبب تخلّفه عن الإمام الحسين عليه السلام عدّة أقوال :
منها : إنّ الإمام الحسين عليه السلام أشار عليه بالبقاء لمصالح ما .
ومنها : إنّه كان مريضاً آنذاك ، ومنها : أقوال أُخرى ، وتبقى كلّ هذه الأقوال في حيّز الاحتمال ، والتاريخ لم يذكر لنا بوضوح أسباب تخلّفه .
وعلى كلّ حال ، فإنّ أمثال عبد اللّه بن جعفر ، وابن عباس ، وابن الحنفية ، كان لهم دور مهمّ في إيصال مظلومية الإمام الحسين عليه السلام إلى الجميع .
وللسيّدة زينب عليها السلام ابناً باسم عون الأكبر من شهداء الطفّ ، قتل في حملة آل أبي طالب ، وهو مدفون في حفيرة آل أبي طالب ، ممّا يلي رجلي الإمام الحسين عليه السلام .
« محمّد إسماعيل - الكويت »
س : أبو حيّان التوحيدي ، هل يعتبر أحد علماء أهل السنّة ؟ وما منزلته عند
ص: 322
علمائهم ؟ وهل صحيح أنّ هناك من علمائهم من رماه بالزندقة ؟
ج : قال العلّامة الأميني قدس سره : « أبو حيّان التوحيدي ، صاحب التصانيف ، قيل : اسمه علي بن محمّد بن العباس ، نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته ، وكان يتفلسف ، بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس ، قال ابن مالي في كتاب الفريدة : كان أبو حيّان كذّاباً ، قليل الدين والورع ، مجاهراً بالبهت ، تعرّض لأُمور جسام من القدح في الشريعة ، والقول بالتعطيل .
وقال ابن الجوزي : كان زنديقاً ، وقال الذهبي : صاحب زندقة وانحلال » (1) .
وقال الذهبي : « أبو حيّان التوحيدي : الضالّ الملحد ، أبو حيّان ، علي بن محمّد بن العباس ، البغدادي الصوفي ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية ، ويقال : كان من أعيان الشافعية ... .
وقال أبو الفرج بن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي ، وأبو حيّان التوحيدي ، وأبو العلاء المعرّي ، وأشدّهم على الإسلام أبو حيّان ، لأنّهما صرّحا ، وهو مجمج ولم يصرّح .
قلت : وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني ، في كتابه الذي ألّفه في تقريظ الجاحظ ، فأنظر إلى المادح والممدوح ! وأجود الثلاثة الرماني ، مع اعتزاله وتشيّعه .
وأبو حيّان ، له مصنّف كبير في تصوّف الحكماء ، وزهّاد الفلاسفة ، وكتاب سمّاه البصائر والذخائر ، وكتاب الصديق والصداقة ... » (2) .
« محمّد إسماعيل - الكويت - ... »
س : هل يعتبر الجاحظ عند علماء أهل السنّة والرجاليين من الثقات ؟ وما رأي علماؤهم به ؟ أرجو ذكر بعض الكلمات عنه ؟
ص: 323
ج : قال الذهبي : « الجاحظ : العلّامة المتبحّر ، ذو الفنون ، أبو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي ، صاحب التصانيف .
أخذ عن النظّام ، وروى عن أبي يوسف القاضي ، وثمامة بن أشرس .
روى عنه أبو العيناء ، ويموت بن المزرع ابن أخته ، وكان أحد الأذكياء .
قال ثعلب : ما هو بثقة .
وقال يموت : كان جدّه جمّالاً أسود ... .
قلت : يظهر من شمائل الجاحظ أنّه يختلق .
قال إسماعيل الصفّار : حدّثنا أبو العيناء قال : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك ، فأدخلناه على الشيوخ ببغداد ، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي ، فإنّه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله » (1) .
وقال ابن حجر : « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف ، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل .
قال ثعلب : ليس بثقة ولا مأمون ، قلت : وكان من أئمّة البدع انتهى » (2) .
وقال الشيخ عباس القمّي قدس سره : « الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري ، اللغوي النحوي ، كان من غلمان النظّام ، وكان مائلاً إلى النصب والعثمانية ، وله كتب منها : العثمانية ، التي نقض عليها أبو جعفر الإسكافي ، والشيخ المفيد ، والسيّد أحمد بن طاووس ، وطال عمره ، وأصابه الفالج في آخر عمره ، ومات في البصرة ، سنة 255 » (3) .
« محمّد إسماعيل - الكويت »
س : هل صحيح أنّ أوّل عالم كيميائي هو خالد بن يزيد ؟ مع العلم أنّه من
ص: 324
سلالة أبي سفيان ، فهل أنّها من المختلقات أم ماذا ؟ وهل يوجد دليل ؟ ودمتم موفّقين .
ج : المشهور والمعروف أنّ جابر بن حيّان ، هو مؤسّس علم الكيمياء .
قال السيّد الخوئي قدس سره : « جابر بن حيّان : الصوفي الطرسوسي ، أبو موسى ، من مشاهير أصحابنا القدماء ، كان عالماً بالفنون الغريبة ، وله مؤلّفات كثيرة ، أخذها من الصادق عليه السلام ، وقد تعجّب غير واحد من عدم تعرّض الشيخ والنجاشي لترجمته ، وقد كتب في أحواله ، وذكر مؤلّفاته كتب عديدة ، من أراد الاطلاع عليها ، فليراجعها .
قال جرجي زيدان في مجلة « الهلال » على ما حكي عنه : إنّه من تلامذة الصادق عليه السلام ، وإنّ أعجب شيء عثرت عليه في أمر الرجل ، أنّ الأوروبيين اهتمّوا بأمره ، أكثر من المسلمين والعرب ، وكتبوا فيه وفي مصنّفاته تفاصيل ، وقالوا : إنّه أوّل من وضع أساس الشيمي الجديد ، وكتبه في مكاتبهم كثيرة ، وهو حجّة الشرقي على الغربي إلى أبد الدهر » (1) .
وإمّا خالد بن يزيد بن معاوية ، فإنّه كان له علم بالكيمياء ، لا أنّه أسّسه .
قال الذهبي : « خالد بن يزيد بن معاوية : ابن أبي سفيان ، الأمير أبو هاشم الأموي .
روى عن دحية الكلبي وأبيه ، وعنه : رجاء بن حيوة ، والزهري ... .
وكان من نبلاء الرجال ، ذا علم وفضل ، وصوم وسؤدد .
قال ابن خلكان في ترجمته : كان من أعلم قريش بفنون العلم ، قال : وكان بصيراً بهذين العلمين : الطبّ والكيمياء ، وله نظم رائق » (2) . .
ص: 325
« خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »
س : هل صحيح أنّ جابر بن حيّان كان من الإسماعيلية ؟ وأنّ الإسماعيلية تعدّه من أحد أبوابها ؟
ج : إنّ جابر بن حيّان يعدّ من مفاخر علماء الشيعة الإمامية لا من علماء الإسماعيلية ، فقد قال السيّد الخوئي قدس سره في ترجمته : « من مشاهير أصحابنا القدماء » (1) ، ومعنى أصحابنا أي أصحاب الإمامية لا الإسماعيلية .
وقال عنه السيّد محسن الأمين قدس سره : « من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأحد أبوابه ، ومن كبار الشيعة » (2) .
« علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس »
س : نعلم أنّ أوّل دولة شيعية كان تأسيسها بالمغرب ، من قبل المولى إدريس الأوّل ، الذي يحظى باحترام كبير لدينا ، فهل كانت هذه الدولة بإذن من الإمام آنذاك ؟ أم أنّ الأمر كان بمبادرة شخصية من المولى إدريس ؟ وإن كان الأمر كذلك ، فهل يجوز هذا الأمر ؟ وشكراً .
ج : كما تعلمون ، فإنّ المولى إدريس ، قد أتى المغرب بعد ما شهد واقعة فخّ وشارك فيها ، وهذا الأمر يساعدنا كثيراً في تفسير حركته ، إذ إنّ قائد حركة فخّ ، قد صرّح في خطبته أبّان خروجه على العباسيين ، بأنّه يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلى اللّه عليه وآله (3) .
ص: 326
ومن جانب آخر ، قد أبّنه الإمام موسى الكاظم عليه السلام بقوله : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى واللّه مسلماً صالحاً صوّاماً ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله » (1) ، حتّى إنّ علياً ويحيى ابني عبد اللّه - من أركان حركة فخّ - كانا يقولان : « ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر عليهما السلام ، فأمرنا بالخروج » (2) .
وعلى ضوء ما ذكرنا ، فإنّ حركة إدريس في المغرب ، بما أنّها كانت امتداداً لحركة فخّ ، واستمراراً لها ، فإنّها كانت تحظى بتأييد غير مباشر من الأئمّة عليهم السلام كما هو سيرة الأئمّة عليهم السلام في تأييد الحركات الثورية السليمة في وجه أعداء الدين في ظروف التقية فهم عليهم السلام وإن كانوا لم يشاركوا في هذه النهضة ونظائرها - لمصالح كانت تفرض عليهم - ولكن دعموها بأقوالهم تصريحاً أو تلويحاً ، فمثلاً نسب إلى الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « إدريس بن عبد اللّه من شجعان أهل البيت ، واللّه ما ترك فينا مثله » (3) ، حتّى أنّه جاءت رواية مرسلة على لسان الرسول صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « عليكم بإدريس بن إدريس فإنّه نجيب أهل البيت وشجاعهم » (4) .
ولا يخفى في المقام ، أنّ سيرة الأدارسة - وعلى الأخصّ إدريس الأوّل والثاني - خالية من إدعاء الخلافة أو الإمامة ، ممّا يؤيّد علاقتهم بأئمّة زمانهم عليهم السلام ، كما هو ظاهر بأدنى تأمّل .
وعلى هذا ، فإنّ حركتهم - حتّى لو قلنا أنّها كانت بمبادرة شخصية - جاءت لتأييد خطّ الإمامة والولاية ، لا الدعوة إلى أنفسهم .
نعم ، وإن كان هذا لا يدلّ على تصحيح كافّة تصرّفاتهم في الحكم ، من .
ص: 327
جانب الأئمّة عليهم السلام ، ولكن يشير إلى مشروعية حركتهم في الأساس .
« طلال المرهون - الكويت - ... »
س : هل أنّ كتاب الإمامة والسياسة له أسانيد صحيحة ؟
ج : إنّ كتاب « الإمامة والسياسة » لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، الذي عبّر عنه ابن حجر العسقلاني بأنّه : « صدوق ... قال الخطيب : كان ثقة ديّناً فاضلاً ... » (1) ، بل نقل عنهم أنّهم قالوا فيه : أنّه منحرف عن أهل البيت عليهم السلام !
هذا ؛ ولا نعلم لماذا لا يناقش في كتب غيره ، ويسأل عن كتابه هذا ، الذي عبّر عنه محمّد فريد وجدي : « هو من أقدم الكتب وأوثقها في مسائل الخلافة الإسلامية » (2) .
وأخيراً ، إنّ السؤال عن الكتاب ، لا لشيء إلّا أنّه ذكر شمّة بسيطة جدّاً عن مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام ، والهجوم على دار الزهراء البتول عليها السلام ، وإسقاط جنينها المحسن عليه السلام ... ولاشكّ أنّ نقل مثل هذا كاف في إسقاطه حتّى من مثل البخاري وصحيحه لو كان ... !!
« أُمّ علي القلّاف - الكويت - ... »
س : هل قاتل محمّد بن الحنفية مع الإمام الحسين ؟ وإن لم يقاتل فأين كان ؟ ولم لم يقاتل معه ؟ مع جزيل الشكر .
ص: 328
ج : في سبب تخلّفه عن الإمام الحسين عليه السلام عدّة أقوال :
منها : إنّ الإمام الحسين عليه السلام أشار عليه بالبقاء لمصالح ما .
ومنها : إنّ ابن الحنفية كان مريضاً آنذاك ، ومنها : أقوال أُخرى ، وتبقى كلّ هذه الأقوال في حيّز الاحتمال ، والتاريخ لم يذكر لنا بوضوح أسباب تخلّفه .
وعلى كلّ حال ، فإنّ أمثال ابن الحنفية ، وعبد اللّه بن جعفر ، وابن عباس ، كان لهم دور مهمّ في إيصال مظلومية الإمام الحسين عليه السلام إلى الجميع ، وليس يخفى على أحد ما قام به محمّد بن الحنفية من دور في هداية المختار ، لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين عليه السلام .
« ... - الكويت - ... »
س : بالبداية يعجز اللسان عن النطق بكلمات الشكر والإعجاب ، فأنتم - حفظكم اللّه - أكبر من ذلك .
ظهر لنا المدعو عثمان الخميس ، والذي لا له هدف في هذه الحياة سوى الشيعة ، وبطلان مذهبهم واعتقاداتهم - كما يدّعي - ولا أدّعي عندما أقول لسماحتكم : إنّه يكيل بالكيل العظيم لنا ، وأنا قرأت له الكثير في ردّه على كتب التيجاني ، وكتاب المراجعات ، وكتاب التحريف ، وكثير من ذلك ، ولكن الخطير في الأمر ، أنّني وكثير من الأخوان نؤمن - والحمد لله - بمذهبنا وعقيدتنا ، ولكن هذا الإنسان يهيج بنا الشكّ في كتبه بشكل عجيب .
فأرجو من سماحتكم الردّ السريع ، علماً بأنّني على أتمّ استعداد أن آتي بكلّ كتب هذا المسمّى بعثمان الخميس .
مع خالص الشكر ، آملاً ألا تهمل رسالتي ، وأن تردّ بأسرع ما يمكن ، نظراً لترقّب كثير من الشباب معي لردّكم الكريم ، مع خالص الشكر لسماحتكم .
ص: 329
ج : نسأل اللّه تعالى لكم كمال التوفيق ، لما قمتم به وستقومون به - إن شاء اللّه - في الدفاع عن العقيدة الحقّة ، المتمثّلة بمذهب أهل البيت عليهم السلام .
ونعلمكم : بأنّ المدعو عثمان الخميس ، لا توجد عنده أدلّة ، فضلاً عن أن تكون فيها شيء من القوّة ، وأقصى ما يمكن أن يقال في حقّه : إنّه رجل مراوغ ، له قدرة على الخطابة ، من دون أي سوابق علمية ، أو مبانٍ يعتمد عليها ، بالأخصّ في ردّه على الشيعة ، فإنّه ردّ جاهل بالمباني التي تعتمد عليها الشيعة ، وإنّما هو جمع من هنا وهناك ، وحتّى في الجمع حرّف الكثير فيما نقله من مصادر الشيعة .
ومع هذا كلّه ، فإنّه لا يستحقّ الردّ عليه ، ولكن بما أنّ له أسلوباً في الخطابة ما ربما يوهم للبعض أنّه على حقّ ، أو يوجب التشكيك عند آخرين ، فقد عمد مركز الأبحاث العقائدية إلى ترشيح الشاب المستبصر السيّد عصام العماد للردّ عليه .
والدكتور عصام العماد من اليمن ، كان وهّابياً ثمّ تشيّع ، فردّ على عثمان أفضل ردّ في ثلاث ساعات ، وكذلك شرع مع عثمان بمناظرة على الإنترنت ، ممّا أدّت إلى هروب وهزيمة عثمان عن المناظرة ، يمكنكم الاستماع إلى الردّ والمناظرة في موقعنا على الإنترنت .
هذا ، والمركز على استعداد تامّ للتعاون معكم ، وإن كان عثمان الخميس لا يستحقّ أيّ اهتمام به ، مع هذا يمكنكم إيصال جميع مؤلّفاته ومحاضراته إلى المركز في قم ، وإن كان بعضها موجود عندنا .
« ... - ... - ... »
س : لقد ألّف الشيخ عثمان الخميس كتباً ضدّ الشيعة ، فهل تمّ الردّ عليه بكتب ؟ وشكراً .
ص: 330
ج : إنّ عثمان الخميس ، لم يأت بالشيء الجديد ، وإنّما هو تكرار لما أتى به ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهاب ، وإنّ عثمان تأثّر كثيراً بما أورده إحسان الهي ظهير في كتبه ، حتّى أنّه تابعه كثيراً ما حتّى في أكاذيبه ، وما وقع فيه من خلط .
وإنّ أفضل ردّ على عثمان الخميس ، هو محاضرات الدكتور عصام العماد ، الذي كان وهّابياً ، ثمّ اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكذا مناظرته معه .
وكذلك يمكنكم مراجعة ما كتبه الشيخ حسن العماني في كتابه « ردّ أباطيل عثمان الخميس على حديث الثقلين » ، وكتابه الآخر « ردّ أباطيل عثمان الخميس على آية التطهير » .
« يوسف - الإمارات - 30 سنة - طالب جامعة »
س : ما رأيكم في ابن عمر ؟
ج : إنّ مقياس الوثاقة والعدالة لدى الإمامية هو حسن الصحبة والطاعة للمعصوم عليه السلام ، فمخالفة الشخص للإمام يوجب الطعن فيه ، مهما بلغ من المنزلة الاجتماعية ، وامتاز بالنسب واشتهر بالحسب ، وإنّ موقفه من الإمام المعصوم يعدّ فاصلاً مهمّاً في حسن حاله ، وقبول رواياته ، وممّا يؤسف له أنّ عبد اللّه بن عمر ، قد اتخذ موقفاً متخاذلاً من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فامتناعه عن بيعته كان بلا موجب ، وتردّده في قبول خلافته لا يعتمد على دليل شرعي يوجب معه التوقّف عن إمامته .
مع أنّ قوله في الإمام علي عليه السلام يعدّ دليلاً على معرفته التامّة بمنزلة الإمام عليه السلام ، حيث قال في حديثٍ له : « إنّا إذا عددنا قلنا : أبو بكر وعمر وعثمان ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن فعلي ؟ قال ابن عمر : ويحك علي من أهل البيت لا يقاس بهم » (1) .
ص: 331
ممّا يعني ارتكاز أفضلية الإمام علي عليه السلام على الثلاثة في نفسه ووجدانه ، إلّا أنّ تردّده في مبايعة الإمام علي عليه السلام ، مع تمام معرفته به ، يوجب طعناً في عدالته ، وخرقاً في وثاقته .
ثمّ روي أنّه قد دخل في أحد الليالي على الحجّاج ، فقال الحجّاج : « ما الذي أتى بك ؟ قال : جئتك لأبايعك ، فقال : ما الذي دعاك إلى ذلك ؟
فقال : قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية » ، فاخرج الحجّاج له رجله من الفراش ، وقال له : اصفق بيدك عليها » (1) .
فسيرة عبد اللّه بن عمر مع الإمام علي عليه السلام ، وتقاعسه عن الخروج معه ، يوجب منّا التوقّف في وثاقته ، بل الطعن في عدالته ، وهذا ملاكنا في توثيق الرجال وتضعيفهم .
« عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس »
س : ما هي قصّة أحمد الكاتب ، هل هو أنكر مذهب أهل البيت ، وأصبح من السنّة ؟ أم فقط لا يعتقد بوجود الإمام المنتظر عليه السلام ؟
ج : الذي يظهر من كتاباته وتصريحاته ، عدم الالتزام بأُسس ومبادئ المذهب الشيعي ، فإنّ القول بعدم ولادة الإمام المنتظر عليه السلام ، وعدم لزوم العصمة في الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، والنسبة المكذوبة عليهم في التزامهم بالشورى في مسألة الإمامة ، كلّها تدلّ على عدم الاعتقاد بأوّليّات المذهب الشيعي الاثني عشري .
« حسين أحمد العصفور - البحرين - 22 سنة - طالب ثانوية »
إنّ موقف أحمد الكاتب وعثمان الخميس يذكّرني بآية في القرآن ، وهي
ص: 332
قول حاشية العزيز عندما طلب منهم تفسير منامه ، قالوا له : إنّها أضغاث أحلام ، ثمّ قالوا : إنّهم لا يعرفون في تفسير الأحلام شيئاً ... .
السوال : من أين قالوا أنّها أضغاث أو غير أضغاث ، مع أنّهم لا يعرفون فيها شيئاً ؟! هذا هو منهج الجهلة ، دائماً يصنّفون الشيء ، مع أنّهم لا يعرفون فيه شيئاً ، فيقولوا : هذا ضعيف ، وهذا قوي ، وهذا حديث مردود ، وهكذا ... .
أحمد الكاتب وأمثاله هكذا : « هذه الرواية موضوعة ، وهذا الدليل ضعيف » يصنّف مع أنّه لا قدرة له على فهم النصوص .
ثانياً : إنّهم لا يدركون حقيقة مهمّة ، وهي : إنّ نفي الشيء يحتاج إلى دليل ، وليس فقط إثبات الشيء ، البديهيات نفيها يحتاج إلى دليل ، فهُم دائماً ينفون الأشياء الواضحة بدون دليل ، ولاية الإمام علي عليه السلام ، ووجود الإمام وغيرها ، نفيها يحتاج إلى دليل ، وليس إثباتها .
« مازن الحيدري - العراق - ... »
س : هل إنّ رواية ترك عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين في فترة خلافته ، والتجائه إلى معاوية ، وقوله : « الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي » صحيحة ؟! مع الشكر والامتنان لكم .
ج : الوارد في التاريخ هو التحاق عقيل بمعاوية ، ولكن المختلف فيه بين المحقّقين هو زمان ذلك ، فهل كان في زمن خلافة الإمام علي عليه السلام أم بعد ذلك ؟
أمّا حقيقة هذه المقولة فلم تثبت صحّة ذلك في التاريخ ، وإن ثبتت هذه المقولة ، ففيها دلالة على الطعن في معاوية ، حيث صرّح بأنّه لا آخرة مع معاوية ، ومعنى ذلك إبطال الشرعية لمعاوية ، وسلب الحقّ عنه .
علماً أنّ الحقبة الزمنية آنذاك غامضة جدّاً ، وهنالك الكثير من الحلقات التاريخية المفقودة ، ممّا تجعل القضايا مبتورة ومشوّشة ، مضافاً إلى الإعلام الأمويّ يجعلنا نتوقّف في الكثير ممّا ورد في التاريخ ، ممّا ظاهره الخدشة في بني هاشم ، إذ هو دأب الأمويين ومن لفّ لفّهم .
ص: 333
« أحمد حسن - البحرين - ... »
س : لديّ بعض الأسئلة ، أرجو منكم الإجابة عليها ، جزاكم اللّه ألف خير :
1 - مَن هو كعب الأحبار ؟
2 - مَن هو وهب بن منبه ؟
وأخيراً أتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وشكراً .
ج : أمّا كعب الأحبار ، فهو ابن ماتع الحميري ، كان في الجاهلية من علماء اليهود في اليمن ، أسلم في زمن أبي بكر ، وقيل : في أيّام عمر ، وقدم المدينة في دولة عمر ، وأخذ يروي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرسلاً ، وعن عمر وصهيب وعائشة ، ثمّ خرج إلى الشام فسكن حمص ، وتوفّي فيها سنة (32 ه) ، عن عمر جاوز المائة وأربع سنين .
قال ابن أبي الحديد : « روى جماعة من أهل السير : إنّ علياً عليه السلام كان يقول عن كعب الأحبار : إنّه لكذّاب ، وكان كعب منحرفاً عن علي عليه السلام » (1) .
وعن زرارة قال : ( كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر عليه السلام ، وهو محتب مستقبل الكعبة ، فقال : « أما إنّ النظر إليها عبادة » ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : إنّ كعب الأحبار كان يقول : إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « فما تقول فيما قال كعب » ؟ فقال : صدق القول ما قال كعب ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « كذبت وكذب كعب الأحبار معك » ، وغضب ، قال زرارة : ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ، ثمّ قال : « ما خلق اللّه عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحبّ إليه منها ... » ) (2) .
ص: 334
والخلاصة : إنّ كعب الأحبار كان من المنحرفين عن خطّ علي عليه السلام ، وكان من الكذّابين والوضّاعين للأحاديث .
وأمّا وهب ، فهو ابن منبّه الصنعاني ، ولد سنة (34 ه) في خلافة عثمان ، روى عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وابن عباس ، وأنس ، وغيرهم .
كان قاضياً على صنعاء ، له كتاباً في القدر ، مات سنة (110 ه) ، روى له البخاري حديثاً واحداً ، وقال عمرو بن علي الفلاس : « كان ضعيفاً » (1) .
كما نبّه على ضعفه النجاشي (2) ، والشيخ الطوسي (3) .
« أبو عبد الرحمن القلموني - أمريكا - سنّي »
س : هل صحيح أنّ الشيعة لا يقبلون بمصادر أهل السنّة كصحيح البخاري ومسلم والصحاح الست ؟ وأنّ رأي أئمّتهم مقدّم ، بل ناسخ لما قد ورد في القرآن الكريم ، أو على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟
ما هي أهمّ مصادر الشيعة التي يبنون عليها عقائدهم وتشريعاتهم ؟
ج : نعم ، إنّ الشيعة لا تقبل بالبخاري ومسلم ، وبقية الصحاح الست ، لما فيها من الإسرائيليات ، والأحاديث التي فيها إهانات صريحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وللأنبياء عليهم السلام .
ثمّ لا يوجد عند الشيعة كتاب صحيح من أوّله إلى آخره ، غير القرآن الكريم ، فكلّ كتاب غير القرآن يخضع للبحث السندي ، فإذا صحّ سنده عملت به وإلّا فلا .
ثمّ كلّ ما ترويه الشيعة عن الأئمّة عليهم السلام ، هو بعينه حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ،
ص: 335
حيث صرّح الأئمّة : إنّ حديثنا هو حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يا جابر ، إنّا لو كنّا نحدّثكم برأينا وهَوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم » (1) .
وعن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً قال : « لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا ، كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا ، بيّنها لنبيّه ، فبيّنها لنا » (2) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّها آثار من رسول لله صلى اللّه عليه وآله ، أصل علم نتوارثها كابر عن كابر عن كابر ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم » (3) .
وأمّا أهمّ مصادر الشيعة الروائية لأحاديث أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدّاً ، منها : الكافي والتهذيب والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، و ... .
« معصومة - باكستان ... »
س : أرجو منكم أن تحسنوا لي : وذلك بإرسال التفاصيل حول المؤتمر الذي أُقيم في لبنان ، والذي نظّم من قبل الأمريكان ، عام 1954 أو 1956 ، وكان للعلّامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء دور كبير فيه .
فأرجو منكم أن تساعدونني في الحصول على تفاصيل ذلك المؤتمر .
ج : يحاول المستعمرون - وكما يعرف ذلك الجميع - خدمة أغراضهم السياسية ، وطموحاتهم غير الشرعية ، بشتّى الوسائل التي تتفتق عنها مخيِّلتهم النهمة ، متستّرين - وصولاً إلى ذلك - بأشكال مختلفة من الشعارات والعناوين
ص: 336
الجذّابة ، مستدرجين من تنطلي عليه أكاذيبهم وأحابيلهم التي لا تغرب حقيقتها عن ذوي الألباب .
نعم ، وصورة تلك الحال كانت واضحة في المؤتمر ، الذي دعت له جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية ، للانعقاد بتاريخ 22 نيسان عام (1954 م) في لبنان ، وبالتحديد في مدينة بحمدون ، وحينها تلقّى الشيخ كاشف الغطاء قدس سره دعوة رسمية موجّهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية ، لحضور هذا المؤتمر ، الذي ينحصر - على حدّ زعمهم - بعلماء المسلمين والمسيحيين ، وأن تتحدَّد أعمال هذا المؤتمر بمناقشة ودراسة المواضيع التالية :
1 - دراسة القيم الروحية للديانتين الإسلامية والمسيحية .
2 - تحديد موقف الديانتين من الأفكار الشيوعية الإلحادية .
3 - وضع البرامج الكفيلة بنقل القيم الروحية التي تؤمن بها الديانتان إلى الجيل الحديث .
وكان غير خافٍ على أحد أنَّ الغرض المتوخّى من إقامة هذا المؤتمر - الذي كانت تروِّج له الإدارة الأمريكية آنذاك - هو تسخير المسلمين وعلمائهم كاتباع منفّذين للسياسة الغربية ، التي هالها وأقلقها التوُّرم المظهري الكاذب ، لسريان الأفكار الشيوعية في أنحاء مختلفة من العالم ، أبّان تلك الحقبة الغابرة التي شهدت انخداع العديد من تلك الشعوب بتلك الأفكار الإلحادية ، التي ساهم في انتشارها حينذاك حدّة التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد - وهو مرض الرأسمالية العضال - تزامناً مع ما أُسمي بالثورة الصناعية ، واستثمار أصحاب رؤوس الأموال لحالة التفاوت الحاد بين عنصري العرض والطلب بعد الهجرة المكثّفة ، التي شهدتها المدن الصناعية الكبرى من القرى والأرياف ، فانتهز دعاة هذه الأفكار المنحرفة حالة البؤس المزري ، التي أحاطت بالأيدي العاملة هناك ، من خلال خداعهم بحالة الفردوس المزعوم ، التي ستحقّقها لهم عند تصدّيها لقيادتهم ، ولكن الزمن أتى على كلِّ أكاذيبهم ففضحها ، وكلِّ حيلهم فأبطلها ، وسقطوا في مزبلة التاريخ بلا أسف عليهم .
ص: 337
نعم ، لقد كانت حالة الاضطراب التي بدأت تعمّ دوائر صناعة القرار في أوربا ، لمواجهة طغيان المدّ الشيوعي آنذاك هي التي دفعت أُولئك المفكِّرين إلى اللجوء إلى الدين ، كانجح سلاح لا تمتلك أمامه تلك القيم الإلحادية للنظرية الشيوعية شيئاً ، بل وتبدو قباله عاجزة تافهة ، وهو ما كان ولا زال يخشاه حملة تلك الأفكار ، والمروِّجين لها ، حمقاً بعد إفلاسهم .
وحقّاً ، فقد كان ذلك قراراً صائباً موفَّقاً ، لو انبعث من نوايا صادقة هدفها إسعاد البشرية ، ورفع الحيف عنها ، بيد أنّها أطروحة تفتَّقت عنها مخيَّلة جهة ، كانت ولا زالت مصدر محنة وبلاء ، بل وعاصفة سوداء أُبتليت بها الإنسانية عامَّة ، والشعوب الإسلامية خاصّة ، وعلى امتداد التاريخ المعاصر ، وحتّى يومنا هذا ، فكانوا بحقّ أسوأ بكثير ممَّن يستثيرون بالمسلمين والمسيحيين الهمم لمواجهتهم .
ومن هنا ، فقد كان موقف الشيخ كاشف الغطاء قدس سره حادّاً ، وصريحاً في رفضه لحضور هذا المؤتمر ، من خلال ما أرسله إلى المؤتمرين ، من جواب طويل أسماه « المُثل العليا في الإسلام لا في بحمدون » ، والذي أوضح فيه - بصراحة جلية - رأيه في مواضيع هذا المؤتمر وبحوثه ، مبيّناً ما توقّعه السياسة الأمريكية وحليفتها الإنكليزية من ظلم ، وتجني على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة ، مع إشارته الواضحة إلى بُعد دعاة هذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية ، التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة ، وإنَّ من يُنادي بتلك القيم يجب عليه أن يكون من أوَّل العاملين بها ، والمؤمنين بحقيقتها ، وذلك ما لا ينطبق على الدعاة لعقد هذا المؤتمر والراعين له .
« السعودية - 17 سنة - طالب »
س : ماذا يجب علينا نحن الشيعة اتجاه ابن القيّم ؟ فهل هو من المعادين لأهل البيت كابن تيمية ؟
ص: 338
ج : في القرن السابع للهجرة ظهرت مدرسة عقيدية وفقهية جديدة بين المسلمين ، وهي تنتمي إلى أهل السنّة ، أصلّ لها وطرح مفاهيمها ابن تيمية الحرّاني ، وجاء بعده أبرز تلامذته ابن القيّم الجوزية ، وقد قدّموا رؤية فكرية تختلف في آرائها ومنهجها عن المذاهب الفقهية والفكرية الأُخرى .
وقد مثّلت في حينها خروجاً على أهل السنّة ، وإن اعتبرها البعض فيما بعد حركة تجديدية ، ويمكن تلخيص آراء هذه المدرسة فيما يلي :
1 - تبنّت قضايا عقائدية متّصلة بالأسماء والصفات ، وقامت بمراجعة لمدرسة الأشاعرة وغيرها من المدارس الفكرية السنّية ، وقدّمت تصوّراً عقائدياً اصطدم مع آراء كلّ تلك المدارس مفاده : إنّ جميع ما ورد في صفات اللّه تعالى - من الآيات والأحاديث - يجب أن تفهم على ظاهرها ، وما يؤدّيه اللفظ من معنىً بلا تأويل .
وأثبتت بذلك أنّ اللّه تعالى في السماء ، وأنّه ينزل منها إلى السماء الدنيا ، وأنّ له وجهاً ويدين ورجلين وجوارح ، واعتبرت من يخالفها معطّلة وكفّاراً .
2 - سمّت نفسها - ومن يسير على نهجها - بأهل السنّة والجماعة ، واعتبرت منهجها امتداداً لعقيدة السلف من الصحابة والتابعين .
3 - قسّمت التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
أ - توحيد الأُلوهية .
ب - توحيد الربوبية .
ج - توحيد الأسماء والصفات .
4 - وصفت غيرها من المسلمين بأنّهم يؤمنون بالربوبية ولا يؤمنون بالأُلوهية ، كما كان حال كفّار قريش ، ثمّ قامت بالاستدلال بالآيات التي نزلت في كفّار قريش والمجتمع الجاهلي ، وتطبيقها على المجتمعات المسلمة رغم مخالفتها في هذا الاستدلال للمذاهب الفقهية والفكرية والسنّية قبل غيرها .
5 - توسّعت في استخدام سلاح التكفير ووصم من خالفها من المسلمين بالشرك والابتداع في الدين ، وتشدّدت في أحكامها على من سمّتهم بالمبتدعة
ص: 339
من بقية المسلمين ، وأثارت مشاكل وفتناً داخل المجتمع الإسلامي .
6 - انحازت إلى تمجيد معاوية بن أبي سفيان - مؤسّس الدولة الأموية - وابنه يزيد ، وكتب ابن تيمية كتاباً في فضائلها ، وفي المقابل قامت بالتقليل من مكانة الإمام علي والإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام .
وهذه الأفكار والآراء التي أطلقها ابن تيمية في المسلمين وفي أهل البيت تبنّاها تلميذه ابن القيّم الجوزية ، حيث سار على نهج أُستاذه وتبنّى عقائده وأفكاره ، وواصل السير على دربه ، ومن الكلمات القليلة التي تدلّ على تحامل ابن القيّم الجوزية على أهل البيت عليهم السلام والمسلمين وشيعة أهل البيت ما نورده هنا ، معرضين عن كثير من الكلمات التي لا تعدّ ولا تحصى .
1 - قال في كتابه « المنار المنيف في الصحيح والضعيف » في معرض استعراضه للكلمات التي تبيّن الإمام المهدي عليه السلام ومن هو قال : « وفي كونه من ولد الحسن سرّ لطيف ، وهو أنّ الحسن رضي اللّه تعالى عنه ترك الخلافة لله ، فجعل اللّه من ولده من يقوم بالخلافة الحقّ المتضمّن للعدل الذي يملأ الأرض ، وهذه سنّة اللّه في عباده أنّه من ترك لأجله شيئاً أعطاه اللّه أو أعطى ذرّيته أفضل منه .
وهذا بخلاف الحسين رضي اللّه عنه ، فإنّه حرص عليها ! وقاتل عليها ! فلم يظفر بها ! واللّه أعلم » (1) .
فانظر إلى تحامله الشديد على الحسين عليه السلام ، فيجعل من قيامه من أجل إقامة العدل ، والحكم بما أنزل اللّه تعالى ، والرجوع إلى الهدي النبوي الشريف ، بعدما حرّفه الأمويون بعد تسلّم معاوية دفّة الحكم ، ومن ثمّ أدلى بها إلى ابنه يزيد ، فساءت الأحوال ، وتردّت الأوضاع ، وفشى الظلم ، وظهر الفساد في البرّ والبحر ، ونكص المسلمون على أعقابهم ، واستدارت الأُمّة من جديد ، فاحتاجت إلى من يحيها ويقيم أودها ، ويصلح ما انحرف منها ، ويرجع النصاب إلى أهله ، فلم يكن من يقوم بذلك غير الإمام الحسين عليه السلام - عميد البيت الهاشمي - الذي ضحّى بنفسه .
ص: 340
وبأهله من أجل الإسلام والمسلمين ، لكن ابن القيّم - ومن قبله أُستاذه ابن تيمية - يجعل ذلك كلّه لأجل الدنيا ، ولأجل الكرسي ، ولأجل المُلك .
ولا يجعله لله تعالى !! ويحكم بعقوبة اللّه المنزلة ، وهي منع ذرّية الحسين من ظهور المهدي فيها ، لأنّ الحسين طلب الدنيا فحرم منها !!
ويتحامل ابن القيّم على الشيعة فيقول : « وأمّا ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعدّ .
قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب « الإرشاد » : وضعت الرافضة في فضائل علي رضي اللّه عنه وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث .
ولا تستبعد هذا فإنّك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال » (1) .
وقال : « ومن ذلك حديث : « أكذب الناس الصبّاغون والصواغون » ، والحسّ يردّ هذا الحديث ، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم كالرافضة فإنّهم أكذب خلق اللّه » (2) .
وقال : « وأمّا الرافضة الإمامية : فلهم قول رابع وهو : أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري المنتظر ، ومن ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحسّ فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كلّ يوم ، يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم : أُخرج يا مولانا ، أُخرج يا مولانا ، ثمّ يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه .
ولقد أحسن من قال :
ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلّمتموه بجهلكم ما آن .
ص: 341
فعلى عقولكم العفا فإنّكم *** ثلّثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كلّ عاقل » (1) .
فانظر إلى هذا الكلام وما فيه من التشنيع والتحامل على شيعة أهل البيت عليهم السلام .
فابن القيّم الجوزية حاله معلوم بعد معرفة انتمائه المذهبي وتوجّهه الفكري ، فهو المعلّم الثاني في المدرسة السلفية بعد ابن تيمية ، وهو المكمّل لدرب أُستاذه في منهجه المختلف عن مناهج المسلمين ، وكلّ ما عند ابن تيمية من تحامل على المسلمين وعلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام وعلى شيعتهم فهو موجود عنده وزيادة ، وقد نقلنا إليك شطراً من كلماته .
وقد ألّف ابن القيّم الجوزية كتباً متعدّدة في الردّ على المسلمين والتحامل عليهم منها :
1 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة : وقد بيّن فيه عقيدته السلفية ، وهجم بلسان لاذع على عموم المسلمين المخالفين لعقيدته المجسّمة .
2 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطّلة والجهمية : وهو كسابقه من حيث التعقيد والهجوم .
وبعد هذا يتّضح الحال والموقف الذي يتّخذ تجاهه ، فنفس الموقف المأخوذ نحو ابن تيمية يؤخذ نحو ابن القيّم .
« دينا - البحرين - 15 سنة - طالبة ثانوية »
س : هل حقّاً أنّ عمر بن عبد العزيز ، وهارون الرشيد ، وصلاح الدين الأيوبي ممّن يعادون الشيعة ؟ وما الدليل على ذلك ؟
ص: 342
ج : إنّ من تذكرين من بني أُمية ، وبني العباس ، وغيرهما لهم تواريخ تشهد بها كتب التاريخ والسير ، فلو تابعتِ كلّ واحدٍ منهما لوجدتي الحكم عليهم بنفسكِ ، وسيكون قراركِ موفّقاً في هذا الشأن .
إنّ أية شخصية تاريخية سيكون موقفنا منها من خلال موقف تلك الشخصية من أهل البيت عليهم السلام ، وسأوقفكِ على قاعدة عامّة تستطيعين من خلالها تقييم الشخصيات التاريخية :
نحن الشيعة نقول بخلافة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذلك لنصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليه يوم الغدير ، وغيره من المواضع ، فقال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ، ومن خلال نصوص كثيرة تثبت ولاية وخلافة الإمام علي عليه السلام ، كما أنّنا نقول : بأنّ الخلافة بالنصّ وليست بالشورى والإجماع ، كما يدّعي غيرنا .
هكذا تسلسل الإمامة والخلافة في علي وأولاده عليهم السلام من الأئمّة الاثني عشر ، وكلّ من تجاوز هؤلاء الأئمّة يعدّ ظالماً وغاصباً مهما بلغ غايته من العدل والشجاعة وأمثالهما .
فخلفاء بني أُمية ، وأمثالهم من بني العباس يعدّون غاصبين لأهل البيت عليهم السلام ، وهم ليسوا شرعيين مع وجود الأئمّة ، فعمر بن عبد العزيز كان يعيش في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام ، وهارون الرشيد كان يعيش في زمن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهكذا يعدّ كلّ واحد منهما غاصباً للخلافة التي نصّ عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
نعم ، يمكن أن يكون لعمر بن عبد العزيز خصوصية رفع السبّ والشتم عن علي عليه السلام ، بعد أن جعلوه بنو أُمية سنّة ، وهذا موقف جيّد ورائع ، إلّا أنّه لا يزال يعدّ غاصباً لمنصب أهل البيت عليهم السلام الشرعي .
أمّا هارون الرشيد ، فرواياتنا - نحن الشيعة - متّفقة ومتواترة على قتله للإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وقد دسّ له السمّ ، بعد أن سجنه أربعة عشر عاماً ظلماً وعدواناً ، ولاحق من خلال ذلك شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فقتل منهم ، وسجن
ص: 343
وشرّد المئات من الشيعة دون ذنب ، إلّا كونهم أتباع أئمّة آل البيت عليهم السلام .
أمّا صلاح الدين الأيوبي ، فالمعروف عنه ، قضاؤه على دولةٍ شيعية في مصر ، تعدّ من أهمّ الدول الشيعية ، وهي الدولة الفاطمية ، فقتلهم ولاحقهم وشرّدهم ، حتّى عرف صلاح الدين الأيوبي شخصية سيئة في التاريخ الشيعي ، ويمكنكِ الرجوع إلى كتب التاريخية ، ك- « الكامل في التاريخ » لابن الأثير ، و « مروج الذهب » للمسعودي ، و « تاريخ اليعقوبي » ، وغيرها لتقفين على الحقيقة .
« دينا - البحرين - 15 سنة - طالبة ثانوية »
يحار المرء في الوصول إلى حقيقة شخصية صلاح الدين وسبر أغوار نفسيته ، ولكن المنصف إذا أبحر بعمق في سفينة المؤرّخ والمفكّر الكبير السيّد حسن الأمين عبر كتابه « صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين » يمكن أن يصل إلى شاطئ فيه الكثير من الصور واللوحات التي تعبّر إن لم يكن عن كلّ الحقيقة فأكثرها جلاء في حياة هذا الرجل .
يقول السيّد الأمين : « إنّ صلاح الدين الأيوبي لم يكد يطمئن إلى النصر الرائع في تلك المعركة ، حتّى أسرع إلى القيام بعمل لا يكاد الإنسان يصدّقه ، لولا أنّه يقرأ بعينيه تفاصيله الواضحة ، فيما سجّله مؤرّخو تلك الحقبة ، المؤرّخون الذين خدرت عقولهم روائع استرداد القدس ، فذهلوا عمّا بعده ، لم تتخدّر أقلامهم ، فسجّلوا الحقائق كما هي ، وظلّ تخدير العقول متواصلاً من جيل إلى جيل ، تتعامى حتّى عما هو كالشمس الطالعة .
حصل بعد حطين أنّ صلاح الدين الأيوبي آثر الراحة بعد العناء ، والتسليم بعد التمرّد ، فأسرع يطلب إلى الإفرنج إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام » (1) .
ص: 344
ولكي يتوصّل صلاح الدين إلى إحلال السلام ، وإنهاء حالة الحرب مع الصليبيين ، رضخ بصورة مذهلة وغريبة إلى كلّ الشروط التي اشترطوها عليه أثناء المفاوضات ، ومنها : التنازل للصليبيين عن الكثير من المدن التي كان صلاح الدين قد استردها منهم بالحرب ، حيفا ويافا وقيسارية ونصف اللد ، ونصف الرملة وعكّا وصور ، وسوى ذلك ، حتّى صارت لهم فلسطين إلّا القليل (1) .
إضافة إلى ما وراء ذلك من اعتراف بوجودهم وإقرار لاحتلالهم ، ورفع العنت والمعاناة عن رقابهم الموضوعة تحت سيوف المجاهدين ، وإعطائهم الفرصة الذهبية للراحة ، والاستعداد التام للانقضاض على القدس من جديد ، الأمر الذي حصل فعلاً بعد موت صلاح الدين .
ويقول الدكتور حسين مؤنس : « ثمّ دخلوا في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح الرملة ، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل ، يمتد من صور إلى يافا ، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس - التي انتقلت إلى طرابلس - إلى القوّة بعد أن كانت قد انتهت ، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتّى بيروت ، وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقّقها صلاح الدين - فيما عدا استعادته لبيت المقدس - قد ضاعت » (2) .
متى يكون الجنوح للسلم ؟
إنّه لأمر غريب حقّاً وعجيب جدّاً بل ومريب أن يجنح إلى السلم قائد لجيش منتصر ، ثمّ إنّ هذا الذي جنح إليه صلاح الدين هل هو سلم أم استسلام ؟!
قال اللّه تعالى في محكم التنزيل : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (3) . .
ص: 345
يلاحظ أنّ اللّه تعالى قد اشترط في هذه الآية الكريمة أن يجنح المعتدون أنفسهم إلى السلم ، فيجنح إليه عندئذ المسلمون ، وهذا يعني أنّ الهزيمة الأكيدة قد حاقت بالأعداء ، ولاحت لهم بوادرها ، فجبنوا عن متابعة الحرب ، وجنحوا إلى طلب الصلح حفظاً على أرواحهم وأنفسهم ، ولم يعودوا مؤهّلين إلى تقديم شروط ، وباتوا مستعدّين للاستجابة للشروط التي يفرضها عليهم المسلمون ، وغنيّ عن البيان أنّ المسلمين بما هم مكلّفون بتبليغ الإسلام إلى البشرية جمعاء ، وبما هم مأُمورون به من العدل والإنصاف ، وتأليف قلوب الكفّار ليسلّموا لله ، ويؤمنوا بالحقّ الذي جاء من عنده ، لن يشترطوا في شروطهم ، ولن يجعلوها شروطاً تعجيزية مجحفة ، بل سيقتصرون من الشروط على سبيل المثال لا الحصر على فتح الطريق أمام حرّية الدعاة في التبليغ ، ونشر نور الرسالة الربانية .
استرداد الأسرى من المؤمنين - إن كان هناك أسرى - أو تبادلهم مع الأسرى من الكفّار المقاتلين .
الجلاء التام الكامل عن كلّ شبر من الأرض الإسلامية التي دخلها الكفّار أو احتلوها أثناء الحرب .
وربما دفع جزية للمسلمين ، حتّى لا يفكّر الكفّار مستقبلاً في نقض هذه الشروط .
ولكن شيئاً من هذا لم يحصل بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين المعتدين فما الذي حصل إذاً ؟
1 - إنّ صلاح الدين هو الذي طلب الصلح والهدنة ، وبادر إليها رغم أنّه المنتصر في معركة حطين التي انتهت بتحرير القدس .
2 - الصليبيون استغلوا استغلالاً كبيراً هذه المبادرة السلمية من صلاح الدين ، وفرضوا عليه شروطهم كاملة .
3 - لم يحقّق صلاح الدين أيّاً من مقتضيات الجنوح الإسلامي إلى السلم ،
ص: 346
فالصليبيون لا يزالون محتلّين لمنطقة كبيرة جدّاً من البلاد الإسلامية .
4 - وزاد من سوء هذا الجنوح إلى السلم تنازل صلاح الدين للصليبيين عن مناطق أُخرى ، ومدن مهمّة كانت في يده .
كلّ هذا في الوقت الذي لم يكن فيه صلاح الدين في حالة ضعف أو تقهقر ، بل كان في حالة عظيمة من الانتصار والتقدّم والقوّة ، بل وكان الخليفة الناصر العباسيّ يلحّ عليه في أن يمدّه بجيش الخلافة ، وكان ذلك إيذاناً بنصر كاسح على الصليبيين المعتدين ، سيؤدّي إلى طردهم خارج البلاد الإسلامية ، والتنكيل بهم تنكيلاً يجعل الرعب يدبّ في قلوب من خلفهم من الكفّار ، بحيث لا يراودهم أي أمل ، ولو في مجرد التفكير مستقبلاً بالاعتداء على ديار المسلمين ، طبقاً لقوله عزّ من قائل : ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (1) .
فلماذا جنح صلاح الدين إلى السلام مع الصليبيين ؟
هنا لابدّ أن يثور في الفكر سؤال كبير ، وبحث عن السبب الذي دفع صلاح الدين إلى إيقاف الحرب مع الصليبيين ، والجنوح الشديد نحو مسالمتهم ، وعقد معاهدة الصلح معهم بهذا الشكل المريب ، وهو السؤال الذي لم يبخل التاريخ بالإجابة عنه بصراحة ووضوح ، ومن قبل أقرب المقرّبين من المؤرّخين إلى صلاح الدين .
لو كان صلاح الدين مجاهداً في سبيل اللّه والإسلام لالتزم بالتعاليم الإسلامية بشكل عامّ ، وبالأحكام المتعلّقة بالسلم والحرب بشكل خاصّ ، وواقع الحال يؤكّد غير ذلك .
ولو كان صلاح الدين بطلاً قوميّاً كما يدّعون له لاختار أن يستمر في الحرب حتّى يطهّر الأرض العربية من رجس الغزاة المعتدين ، ويكنس منها كلّ .
ص: 347
أثر للصليبيين ، قبل أن يفكّر بالخلود إلى الراحة والدعة ، وموادعة أعداء الأُمّة ، الرابضين في أهمّ مدنها وبقاعها ، والجاثمين فوق صدور أبنائها .
إنّه لا مفرّ أمامنا من الاعتراف : إنّ صلاح الدين الأيوبي ما هو إلّا طالب لسلطة وملك ، حازهما بكلّ خسّة ونذالة ، وطامح لمجد شخصيّ ناله بالغدر والخيانة ، ولم تكن الدواعي الإسلامية والدوافع القومية لتخطر على باله ، أو لتحتلّ حيّزاً ولو صغيراً في قلبه .
ومن هنا ، نستطيع أن نفهم مبادرته لإيقاف الحرب ، وسعيه الحثيث لعقد الصلح مع الصليبيين ، ومحاولاته المتكرّرة لثني الخليفة العباسي الناصر عن إرسال أيّ جيش إلى فلسطين لمعاضدته في قتال الصليبيين ، وطردهم من الديار الإسلامية (1) .
كان نور الدين زنكي ولي نعمة صلاح الدين ، قد طلب إليه أن يزحف من مصر ، في حين يزحف نور الدين من الشام ، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين ممّا يسهل القضاء عليهم ، فأبى ذلك صلاح الدين ، لأنّه اعتقد أنّه إذا زال الصليبيون أصبح تابعاً لنور الدين ، ولمّا أدرك أنّ نور الدين عازم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدّبه ، احتمى منه بالصليبيين ، كما نصّ على ذلك ابن الأثير ، وأبو شامة وابن العديم وغيرهم .
على أنّ صلاح الدين الذي أبرم هذا الصلح مع الصليبيين ، ورسم هذه الصورة الهزيلة لجيشه ، زاعماً في رسالته للخليفة أنّ جيشه قد ملّ القتال وسئم الحرب ، وغدا عاجزاً ضعيفاً عن مواصلة الكرّ والفرّ ، كان يعدّ لحرب جديدة ، ولكن لا لإنقاذ الوطن الإسلامي من خطر الصليبيين هذه المرّة ، وإنّما لتوسيع رقعة مملكته الخاصّة على حساب ممالك إسلامية أُخرى ، لأنّ إنقاذ الوطن الإسلامي من الصليبيين يحدّ من نفوذه ويقلّل من هيمنته ، أمّا القتال في .
ص: 348
مناطق أُخرى ، فإنّه يزيد من نفوذه ويكثر من هيمنته ، فإذا ضمن ذلك فليبق الصليبيون في بلاد الشام ، ولو أنّ المناطق التي عزم على القتال فيها هي مناطق أجنبية يريد إدخالها ضمن المناطق الإسلامية لهان الأمر ، ولكن صلاح الدين الذي عزم على مسالمة الصليبيين وإنهاء الحرب معهم والتسليم بوجودهم ، صلاح الدين هذا كان يخطّط لغزو البلاد الإسلامية ، وسفك دماء المسلمين ، تحقيقاً لمطامعه الشخصية ، عزم على ترك الصليبيين في أمان ، واتجه لترويع المسلمين الآمنين .
ويذكر ابن الأثير في تاريخه ، وابن كثير في « البداية والنهاية » : إنّ صلاح الدين كان عازماً على أن يغزو بنفسه بلاد الأناضول ، التي كانت وقتذاك بلاداً إسلامية ، يحكمها أولاد قلج أرسلان السلجوقي ، وأن يوجّه أخاه « العادل » لغزو بلاد « خلّاط » ، والدخول منها إلى أذربيجان ، ومن ثمّ بلاد العجم ، لكن المنية عاجلت صلاح الدين ، وحالت بينه وبين الإقدام على جريمة أُخرى من جرائمه الكثيرة في حقّ الإسلام والمسلمين .
ما الذي فعله صلاح الدين ؟ نقول بكلّ صراحة :
1 - قضى صلاح الدين على الدولة الفاطمية في مصر ، وأباد المكتبات العظيمة ، وشتّت الكتب التي سهروا طويلاً على جمعها وترتيبها ، ووضعوها بين أيدي العلماء ، لينهلوا من معينها الفيّاض ، ونكّل بأتباعهم وأشياعهم بكلّ قسوة ووحشية .
هذه الدولة العظيمة ، التي كانت طوال فترة حكمها ، السدّ المنيع أمام أطماع الروم البيزنطيين ، والحارس القوي اليقظ على ثغور دولة الإسلام ، سواء في الشام بالمشرق ، أو في إفريقيا بالمغرب ، متابعة في ذلك الدور العظيم ، الذي كانت تقوم به قبلها الدولة الحمدانية في حلب ، بقيادة سيف الدولة الحمداني ، والتي قضى عليها هي الأُخرى أسياد صلاح الدين وآباؤه .
2 - اكتفى صلاح الدين بالنصر الذي حقّقه في معركة حطين ، والتي انتهت
ص: 349
بانتزاع القدس من أيدي الصليبيين ، وبدلاً من متابعة الحرب ، واضعاً يده في يد الخليفة الناصر العباسي حتّى طرد الصليبيين من كافّة الأرجاء والمدن الإسلامية ، آثر مصلحته الشخصية في بسط نفوذه على بلاد الشام ، وتمكين ملكه فيها ، بعيداً عن نفوذ الخليفة ، أو تدخّله في شؤون تصريفه لأُمور مملكته هذه .
ولتحقيق هذه الغاية بادر إلى مسالمة الصليبيين وموادعتهم ، بل إلى التحالف معهم لقتال جيش الخلافة لو جاء إلى فلسطين ، هذه المسالمة التي تنازل صلاح الدين من أجل الوصول إليها ، عن معظم مدن فلسطين ولبنان للصليبيين ، واعترف لهم بشرعية وجودهم فيها خلافاً لتعاليم الإسلام ورغبة المسلمين ، بما فيهم الخليفة الناصر العباسي .
3 - في عام 1190 م أصدر صلاح الدين مرسوماً دعا فيه اليهود إلى الاستيطان في القدس (1) .
وبهذا المرسوم انفتح الطريق منذ ذلك اليوم لقيام دولة إسرائيل ، وما وصلت إليه في عصرنا الحاضر من طغيان وفساد في الأرض .
4 - قبل أن يموت صلاح الدين ، قام بتقسيم البلاد التي كان يحكمها بين ورثته على الشكل الذي يحدده ابن كثير كما يلي :
مصر : لولده العزيز عماد الدين أبي الفتح .
دمشق وما حولها : لولده الأفضل نور الدين علي .
حلب وما إليها : لولده الظاهر غازي غياث الدين .
الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة على قاطع الفرات : لأخيه العادل .
حماه : لابن أخيه محمّد بن تقي الدين عمر . .
ص: 350
حمص والرحبة وغيرها : لابن عمّه أسد الدين بن شيركوه .
اليمن : لأخيه ظهير الدين سيف الإسلام طفتكين بن أيوب .
بعلبك : لابن أخيه بهرام شاه بن فروخ شاه .
بصرى : للظافر بن الناصر .
ويضيف ابن كثير بعد هذا النصّ قائلاً : « ثمّ شرعت الأُمور بعد صلاح الدين تضطرب وتختلف في جميع الممالك » .
ويقول الدكتور حسين مؤنس واصفاً تلك القسمة : « قسّم صلاح الدين الإمبراطورية ممالك بين أولاده واخوته وأبناء أخويه ، كأنّها ضيعة يملكها ، لا وطناً عربياً إسلامياً ضخماً يملكه مواطنوه » !
ثمّ يقول عمّا آل إليه الحال بين ورثة صلاح الدين : « عملوا أثناء تنافسهم بعضهم مع بعض ، على منح بقايا الصليبيين في أنطاكية وطرابلس وعكا امتيازات جديدة ، فتنازل لهم السلطان » العادل « عن الناصرة ، وكانت بقية من أهل مملكة بيت المقدس الزائلة قد أقامت في عكا ، واستمسكت بلقب « ملوك بيت المقدس » ، فاعترف لهم به هذا « العادل » في ثلاث معاهدات ... ، وحاول الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب ، أن يتحالف مع الصليبيين على عمّه « العادل » ... وعندما أقبل الإمبراطور فريدريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ، ونزل عكا سنة 1227 م ، أسرع الملك « الكامل » سلطان مصر وتنازل له عن بيت المقدس ، وجزء من أرض فلسطين يمتدّ من الساحل إلى البلد المقدّس ، ووقّع معاهدة بذلك في 18 شباط 1229 م ، وفي سنة 1244 م تقدّم أيوبي آخر هو الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، فجعل للصليبيين الملكية الكاملة لبيت المقدس ، وسلّم لهم قبة الصخرة » .
ويعقب السيّد الأمين على ذلك فيقول : لم يكد صلاح الدين يموت حتّى استقلّ كلّ واحد من ورثته بما ورثه عن صلاح الدين ، وتمزّقت البلاد وفقدت وحدتها ، وتشتّت الشعب قطعاً قطعاً لا تربطها رابطة ، ولم يقنع كلّ وارث بما
ص: 351
ورثه ، بل راح كلّ واحد منهم يطمع فيما في يد غيره ، ويستعين على غريمه بالصليبيين ... .
فماذا بقي لصلاح الدين ؟ هذا ممّا يمكن أن يتفاخر به مؤيّدوه بتحرير القدس ، وقد أدّت تصرّفاته الرعناء ومطامعه الشخصية إلى أن يعود الصليبيون إلى القدس ؟!
إنّ هذه الحقائق عن مخازي صلاح الدين الأيوبي لم ينفرد بها السيّد الأمين ، ولم يخترعها من عند نفسه ، وإنّما انتزعها من بطون كتب التاريخ ، وخاصّة من المؤرّخين الذين عاصروا صلاح الدين ، والفترة التي تلت عصره ، وكانوا من المقرّبين إليه والأثيرين عنده ، وقام مشكوراً بجهد كبير ليكشف لنا هذه الحقائق الناصعة ، مأخوذة من مؤرّخين لا يرقى الشكّ إلى ولائهم لصلاح الدين ، وبالتالي إلى صدق ما كتبوه عنه وعن ورثته ، من مثل العماد الأصفهاني ، والقاضي بهاء الدين بن شدّاد ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنعمان بن محمّد ، والمقريزي ، وابن القلانسي ومن إليهم ، ونقله عنهم بعد ذلك جمع كثير من المؤرّخين المعاصرين ، منهم الدكتور حسن إبراهيم حسن ، والدكتور طه أحمد شرف ، والدكتور حسين مؤنس ، وسواهم .
وأخيراً : هذا هو صلاح الدين الأيوبي ، وهذه هي شخصيّته الحقيقية كما أفصح عنها التاريخ ، لم يكن مجاهداً إسلامياً ، ولا بطلاً قومياً عربياً ، وإنّما كان مجرد طالبٍ لسلطة ، وطامع بملك ، وقد نالهما عبر مراحل طويلة من خداعه للمسلمين والعرب ، فباسم الجهاد سالم الصليبيين بل وتحالف معهم ، وباسم الجهاد قاتل شعوباً إسلامية ، وقضى على دول إسلامية في مصر واليمن وسواهما ، وكان قاسياً جدّاً لدرجة الوحشية مع المسلمين الذين يحكمهم ، ومتسامحاً لدرجة مريبة جدّاً مع اليهود والصليبيين .
ولابأس أن ننقل في هذا الختام ، حديث الدكتور حسين مؤنس عن سيرة صلاح الدين مع الشعب ، والمعاملة السيئة والقاسية التي كان هو وعمّاله
ص: 352
يعاملون بها الناس : « كانت مشاريعه ومطالبه متعدّدة لا تنتهي ، فكانت حاجته للمال لا تنتهي ، وكان عمّاله من أقسى خلق اللّه على الناس ، ما مرّ ببلده تاجر إلّا قصم الجُباةُ ظهره ، وما بدت لأيّ إنسان علامة من علامات اليسار إلّا أُنذر بعذاب من رجال السلطان ، وكان الفلّاحون والضعفاء معه في جهد ، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلّا تلقفها الجُباةُ ، ولا بدت سنبلة قمح إلّا استقرّت في خزائن السلطان ، حتّى أملق الناس في أيّامه ، وخلّفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصداً » (1) .
هذا هو صلاح الدين الأيوبي على حقيقته الكاملة ، ولكن الناس خدّرتهم أنباء الفتوحات المزيّفة ، والبطولات الموهومة ، فلم يعودوا يميّزون بين الغثّ والثمين ، ولا بين الصدف والجوهر ، وكلّ هذا بفضل التعتيم المستمر على حوادث التاريخ ، والتزوير المخطّط من قبل حواشي السلاطين .
أضف إلى ذلك أنّ الناس عندما يهبطون إلى درك من الضعف والعجز يحاولون أن يفتّشوا عن بطولات لهم في التاريخ ، وعندما لا يجد هؤلاء لهم أبطالاً حقيقيين لا يضيرهم أن يستظلّوا تحت سقف أبطال مزيّفين ، ولا يكتفون بذلك بل يجعلون منهم أبطالاً أسطوريين ، يقاتلون طواحين الهواء باسمهم وتحت راياتهم ، ولله في خلقه شؤون ، والحمد لله ربّ العالمين .
« اللواتي - عمان ... »
س : هل يعتبر المأمون العباسيّ من الشيعة أم لا ؟
ج : إنّ المأمون أحد الخلفاء العباسيين ، احتلّ منصب الخلافة ، وهو يعلم أنّه ليس له ، وهو الذي سقى الإمام الرضا عليه السلام السمّ .
ص: 353
نعم سبب هذه الشبهة : هو ما كان يظهر على لسانه بين الحين والآخر من الكلمات ، فيها اعتراف بأحقّية أهل البيت عليهم السلام للخلافة ، وكما تعلمون ، فإنّ الخلفاء كلّهم يعلمون بأنّ منصب الخلافة والإمامة ليس حقّاً لهم ، ولكن بعضهم كان يتجاهل هذا بالمرّة ، والبعض الآخر - ومنهم المأمون - كان يظهر على لسانه الحقّ .
« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »
س : ما هي قيمة كتاب سليم بن قيس الهلالي ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : قال عنه العلّامة آقا بزرك الطهراني قدس سره ما نصّه :
« سليم بن قيس الهلالي ، أبي صادق العامري ، الكوفي التابعي .
أدرك أمير المؤمنين علياً ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، والباقر عليهم السلام ، وتوفّي في حياة علي بن الحسين ، متستّراً عن الحجّاج أيّام إمارته ، هو من الأُصول القليلة ، التي أشرنا إلى أنّها ألّفت قبل عصر الصادق عليه السلام .
قال أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتاب الغيبة : ليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم السلام خلاف في أنّ كتاب سليم ابن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول ، التي رواها أهل العلم ، وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام ، أقدمها لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل ، إنّما هو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، والمقداد وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، ومن جرى مجراهم ، ممّن شهد رسول اللّه ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ، وتعوّل عليها .
وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام أنّه قال : « من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبّينا كتاب سليم بن قيس الهلالي ، فليس عنده من أمرنا شيء ، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً ، وهو أبجد الشيعة ، وهو سر من أسرار آل محمّد عليهم السلام … » .
ص: 354
كتاب سليم هذا من الأُصول الشهيرة عند الخاصّة والعامّة ، قال ابن النديم : هو أوّل كتاب ظهر للشيعة .
ومراده أنّه أوّل كتاب ظهر فيه أمر الشيعة ، كما أشير إليه في الحديث ، في توصيفه بأنّه أبجد الشيعة .
وقال القاضي بدر الدين السبكي ، المتوفّي سنة 769 ه- ، في محاسن الوسائل في معرفة الأوائل : إنّ أوّل كتاب صنّف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي … .
نقل كثير من قدماء الأصحاب في كتبهم ، كإثبات الرجعة ، والاحتجاج ، والاختصاص ، وعيون المعجزات ، ومن لا يحضره الفقيه ، وبصائر الدرجات ، والكافي ، والخصال ، وتفسير فرات ، وتفسير محمّد بن العباس بن ماهيار ، والدر النظيم في مناقب الأئمّة المهاميم ، من كتاب سليم بأسانيد متعدّدة ، تنتهي أكثرها إلى أبان بن أبي عياش فيروز ، الذي ناوله سليم الكتاب ، وأوصاه به قرب موته ، ولكن يرويه غير أبان أيضاً عن سليم … » (1) .
« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »
س : ما هي قيمة الكتب التالية ، ومؤلّفيها عند الإمامية : « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، « مروج الذهب » للمسعودي ، « الفتوح » لابن أعثم الكوفي ، « تاريخ اليعقوبي » ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : بالنسبة إلى ابن أبي الحديد ، فهو معتزلي في الأُصول ، وحنفي في الفروع ، وشرحه على نهج البلاغة وإن كان مفيداً جدّاً ، إلّا أنّه قد حوى من الموضوعات التي لا يمكن الموافقة عليها ، واشتمل أيضاً على ردود على كبار علمائنا في كثير من المباحث العقائدية .
ص: 355
وأمّا المؤرّخون الثلاثة - ابن أعثم الكوفي ، صاحب كتاب « فتوح الإسلام » ، والمسعودي صاحب كتاب « مروج الذهب » ، واليعقوبي صاحب كتاب « تاريخ اليعقوبي » - الذين سألت عنهم ، فقد ينسبون كلّهم ، أو بعضهم إلى التشيّع ، وعلى كلّ حال ، فإنّ كتبهم التاريخية من المصادر المعروفة المشهورة التي يرجع إليها في البحوث العلمية والتاريخية ، وأمّا أن نعتقد بصحّة كلّ ما جاء في هذه الكتب ، وأمثالها من الكتب التاريخية ، فهذا غير صحيح .
ويمتاز المسعودي بتأليفه كتاباً في إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا ما يقوّي كونه من الشيعة .
« إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم »
س : الإخوة الأعزّاء في مركز الأبحاث العقائدية .
في شاشات التلفزيون يعرض مسلسل تاريخي « الحجّاج الثقفي » لعنة اللّه على أعداء أهل البيت عليهم السلام .
هذا المسلسل يحمل في طيّاته مغالطة عن بنت الإمام الحسين عليه السلام ، وبنت فاطمة الزهراء وعلي عليهما السلام ، وبنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهي السيّدة سكينة عليها السلام .
في المسلسل شخصية السيّدة بأنّها تجالس الرجال والشعراء ، وتحدّثهم ، وأنّها قد تزوّجت من مصعب بن الزبير ، وهو موالٍ لأخيه عبد اللّه بن الزبير ، ومن المعلوم لدى الكثير منّا أنّ آل الزبير هم يكنّون العداوة والبغضاء لأهل البيت عليهم السلام .
فهل يصدّق البعض منّا ما يعرض على شاشات التلفزيون ؟ وهل وصل الأمر إلى المغالطة والكذب في سيرة أهل البيت عليهم السلام ؟ وهل هذا حقّاً حدث ؟! عقولاً حيارى تحتاج لنور يضيء الظلام الذي استغرقت فيه .
قد يدخل الشكّ لبعض العقول ، وللذين لا يملكون المعرفة عن حياة السيّدة سكينة عليها السلام ، وحياة مصعب بن الزبير ، فهذه العقول تحتاج للنور ، ننتظر نور أقلامكم أخوتي ، نوّر اللّه دربكم بنور الولاية .
ص: 356
نسأل اللّه أن يثبّتنا على الولاية لعلي وآله عليهم السلام ، وموفّقين لكلّ خير .
هذا ونكون لكم شاكرين سرعة الإجابة ، علماً أنّ الإجابة سوف توضع في إحدى المنتديات الشيعية .
ج : في مقام الجواب نورد لكم بحثاً مفصّلاً حول حياة هذه السيّدة الجليلة ، اقتبسناه من كتاب « أعلام النساء المؤمنات » ، مع إجرّاء بعض التعديلات ، وذلك لاقتضاء الضرورة لأمثال هكذا أبحاث ، للدفاع عن الحقيقة وردّ الشبهات :
السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام .
أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي .
وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة ، والزهرة الباسمة الناظرة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، وأحسنهنّ أخلاقاً ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التامّ ، تتّصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل ، وذات عبادة وزهد .
يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام : « وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع اللّه ، فلا تصلح لرجل » (1) .
كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :
لعمركَ أنّني لأحبّ داراً *** تحلّ بها سكين-ة والرباب
أحبّهما وأبذل جلّ مالي *** وليس للائم-ي في-ها عت-اب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً *** حياتي أو يعلّيني التراب (2)
وفي هذه الأسطر القليلة ، نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة : .
ص: 357
لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة .
وعندما ذُبح أخوها عبد اللّه الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :
سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي *** منك البكاء إذا الحِمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً *** مادام منّي الروح في جث-ماني
فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة الن-سوان (1)
وبعد مصرع الحسين عليه السلام ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه .
فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه .
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر .
ص: 358
لم نجد من شعرها إلّا أبيات قليلة ، قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة عليها السلام من مجالسة الشعراء ، والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين عليه السلام ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين ، وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية .
ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ، ترثي أباها الحسين عليه السلام :
لا تعذليه فهمّ قاطعٌ طُرقه *** فعينه بدموع ذُرَّفٍ غدقة
إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه *** ريب المنون فما أن يُخطيء الحدقة
بكفّ شرّ عباد اللّه كلّهم *** نسل البغايا وجيش المرّق الفسقة
يا أُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكم *** غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه
الويل حلّ بكم إلّا بمن لحقه *** صيّرتموه لأرماح العِدى درقة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً *** لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة
لكن على ابن رسول اللّه فانسكبي *** قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة
لم يسلم أهل البيت عليهم السلام من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتّى شيعتهم ومحبّيهم لاقوا ما لاقوا من شتّى أنواع التهم والافتراءات ، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً .
فعند مطالعتكَ للتاريخ ، لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الاتهامات ، فعلي يشرب الخمر ! وأبوه مات كافراً ! وعبد اللّه بن جعفر زوج العقيلة زينب عليها السلام يسمع الغناء ويطرب !
وأمّا مسألة تعدّد الزوجات والأزواج ، فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها
ص: 359
عند المؤرّخين ، فالحسن عليه السلام يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، وأُم كلثوم وقصّة زواجها من عمر بن الخطّاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام وزواجها من حفيد عثمان بن عفّان ، ثمّ تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدّد أزواجها .
قالت الدكتورة بنت الشاطئ بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الأسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذّاً ، حتّى ليشطّر الاسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام شطّر شطرين ، فكان منه زوجان : عبد اللّه بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .
ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجية تتبّعاً دقيقاً ، يعتمد على اليقين التاريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التاريخ النقلي بوجه عامّ ، وهو هنا في موضع زوجية سكينة ، أبعد من أن يُلتمس ، وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .
فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع ، حتّى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح ، الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية ، أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية ، وقرائن غالبة .
لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل ، لو أنّه توزّع بين مراجع شتّى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها ، أو أصلها ، أو ادعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح ، والوزن والمقابلة ، والتعديل والترجيح ، ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد ، دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها ، أو
ص: 360
حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .
ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ، سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .
وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !
وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب - كما في دائرة المعارف الإسلامية -.
وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70 ه- ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله - كما في « الأغاني » -.
وأن تزوّجها - كما في « دائرة المعارف » - عبد اللّه بن عثمان ابن أخي مصعب ، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم .
وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد اللّه ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه .
ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد اللّه : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : واللّه ما ألبستها إيّاه إلّا لتفضحه .
وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد اللّه بن سالم ، سعدة بنت عبد اللّه ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي .
وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول :
ص: 361
وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال .
وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل ، يرفضون الاعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ، ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثمّ مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها ، وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام ، ثمّ من عمّ أبيه عمرو بن حكيم .
وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب أُمّ سكينة ترفض زواجها من عبد اللّه بن مروان بعد قتل مصعب .
وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون أُمّهاتهم ، حتّى جعلت هشام بن عبد الملك - الذي ولد بعد مقتل مصعب ، أو كان رضيعاً في عامه الأوّل - يتدخّل في حكاية إبراهيم بن عبد الرحمن ، لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير .
فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول .
وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة : أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد اللّه ابن الإمام الحسن عليه السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد اللّه بن الإمام الحسن عليه السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط ) ، إسعاف الراغبين : 210 ، رياض الجنان : 51 ، مقتل الحسين للمقرّم : 330 ، سكينة بنت الحسين للمقرّم : 72 ، أدب الطف 1 : 162 ، سفينة بحار الأنوار 1 : 638 .
ص: 362
لم تنتهي تهم الأعداء - أعداء آل محمّد عليهم السلام - لسكينة بنت الحسين عليه السلام بتعدّد أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة .
وما كنّا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة ؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلّا أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الاتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة .
ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لأُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الافتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟!
ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التاريخ المزيّف ، والجواب عنهما :
الأوّل : روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، ورواية نصيب ، ورواية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام ، لما يعرفونه من عقلها ، وبصرها بالشعر ، فخرجوا يتقادّون حتّى استأذنوا عليها فأذنت لهم ، فذكروا لها الذي كان من أمرهم ، فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
طرقتُكِ صائدة القلوب وليس ذا *** حين الزيارة فارجعي بسلام
وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره ، ألا قال : فادخلي بسلام .
ثمّ قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
ص: 363
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها *** وأحسن شيء ما به العين قرّت
فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح ، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره .
ثمّ قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
فلو تَركتْ عقلي معي ما طلبتُها *** ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره .
ثمّ قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت *** فيا حرباً مَن ذا يهيم بها بعدي
فما أرى له همّة إلّا مَن يتعشّقها بعده ! قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال :
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت *** فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي
ثمّ قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
من عاشقين تواعدا وتراسلا *** ليلاً إذا نجم الثريا حلقا
باتا بأنعم ليلة وألذّها *** حتّى إذا وضح الصباح تفرّقا
قال : نعم .
قالت : قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا .
قال إسحاق في خبره : فلم تثنِ على واحدٍ منهم في ذلك اليوم ، ولم تقدّمه .
قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم ، إلّا جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية ، وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
فيا ليتني أعمى أصم تقودني
بثينة لا يخفى عليّ كلامها
قال نعم .
قالت : رحم اللّه صاحبكَ كان صادقاً في شعره ، كان جميلاً كاسمه ، فحكمت له .
ص: 364
وعلّق الأُستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية ، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت ، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني - فقد كان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ ، فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها - .
وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيت عليهم السلام كفاطمة وزينب عليهما السلام ، مع أنّهما أجلّ وأعلم من سكينة ، بل لم يذكر التاريخ اجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمّة عليهم السلام للحكومة فيما بينهم .
نعم ورد في نهج البلاغة : ( سُئل عليه السلام : مَن أشعر الشعراء ؟ فقال : « إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابدّ فالملك الضليل » ) (1) ، يريد امرئ القيس .
أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة ، مع أنّه لم يرو لها إلّا سبعة أبيات ، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير .
وقد سُئل الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عن هذا الاجتماع ، فقال : لم يذكره ابن قتيبة ، ولا ابن طيفور في « بلاغات النساء » ، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج .
وقال قدس سره : « أبو الفرج كتابه كتاب لهو ، وقد يأخذ عن الكذّابين ، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب » (2) .
وقال الشيخ جعفر النقدي : أمّا وصف الحسين عليه السلام لابنته سكينة من غلبة الاستغراق مع اللّه تعالى ، فيكذّب الانقال المروية عن الزبير بن بكّار ، وأضرابه من النواصب ، كعمّه مصعب الزبيري ، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم ، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة ، وعقيلة من عقائل بيت العصمة . .
ص: 365
وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني ، ومَن حذا حذوه ، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروٍّ ، على أنَّ الزبير بن بكّار كان عدوّاً لآل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتّى أرادوا قتله ، ففرَّ من مكّة إلى بغداد أيّام المتوكّل ، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه « وفيات الأعيان » .
وجدير بالذكر هو أن تعلم أنّ مثل هذا الاجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه التيمي ، فقد روى أبو الفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها ... وبحضرتها جماعة من الشعراء ، فقالت : مَن قدر منكم أن يزيد فيها بيتاً يشبهها ، ويدخل في معناها حلّتي هذه ؟ فلم يقدر أحد منهم على ذلك .
وذكر أبو الفرج نفسه اجتماعاً مشابهاً للاجتماع الذي نسبه للسيّدة سكينة ، عقد برعاية امرأة أموية ، قال : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، قال : حدّثني عبد اللّه بن إسماعيل ابن أبي عبيد اللّه كاتب المهدي ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدّثني أبو يوسف التجيبي ، قال : حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة ، وكان شيخاً كبيراً ، قال : حدّثني النصيب أبو محجن ، أنّه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء ، فقال : هل لكم أن نركب جميعاً ، فنسير حتّى نأتي العقيق ، فنمتّع فيه أبصارنا ؟
فقالوا : نعم ، فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكّروا ثمّ ساروا حتّى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون ويرون بعض ما يشتهون ، حتّى رفع لهم سواد عظيم ، فأمّوه حتّى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ، ونساء بارزات ، فسألنهم أن ينزلن ، فاستحوا أن يجيبوهن من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيعَ أو نمضي في حاجة لنا ، فحلّفنهم أن يرجعوا إليهن ، ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا .
ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم ، فلم تلبث جاءت المرأة فقالت :
ص: 366
ادخلوا ، فدخلنا على امرأة جميلة برزت على فرش لها ، فرحبّت وحيّت ، وإذا كراسي موضوعة ، فجلسنا جميعاً في صفّ واحدٍ كلّ إنسان على كرسي ، فقالت : إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغداء ؟
فقلنا : بل تدعين الصبي ولن يفوتنا الغداء ، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلّا كلا ولا ، حتّى جاءت جارية جميلة قد سترت عليها بمطرف فأمسكوه عليها حتّى ذهب بصرها ، ثمّ كُشف عنها ، وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها ، فرحّبت بهم وحيّتهم ، فقالت لها مولاتها : خذي ويحك من قول النصيب ، عافى اللّه أبا محجن :
ألا هل من البين المفرق من بد *** وهل مثل أيّام بمنقطع السعد
تمنّيت أيّامي أُولئك والمنى *** على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي
فغنّته ، فجاءت كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ ، وأشجى صوت .
ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :
أرق المحبّ وعاده سهده *** لطوارق الهم التي ترده
وذكرت من رقّت له كبدي *** وأبى فليس ترق لي كبده
لا قومه قومي ولا بلدي *** فنكون حيناً جيرة بلده
ووجدت وجداً لم يكن أحد *** من أجله بصبابة يجده
إلّا ابن عجلان الذي تبلت *** هند ففات بنفسه كمده
قال : فجاءت به أحسن من الأوّل ، فكدت أطير سروراً .
ثمّ قالت لها : ويحك خذي من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :
فيا لك من ليل تمتعت طوله *** وهل طائف من نائم متمتّع
نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه *** ولو نائماً مستعتب أو مودع
ص: 367
له حاجة قد طالما قد أسرّها *** من الناس من صدر بها يتصدّع
تحملها طول الزمان لعلّها *** يكون لها يوماً من الدهر منزع
وقد قرعت في أُمّ عمرو لي العصا *** قديماً كما كانت لذي الحلم تقرع
قال : فجاءني واللّه شيء حيّرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء ، وسروراً باختيارها الغناء في شعري ، وما سمعت منه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها .
ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :
يا أيّها الركب إنّي غير تابعكم *** حتّى تلموا وأنتم بي ملمونا
فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم *** يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا
أم خبروني عن داء بعلمكم *** وأعلم الناس بالداء الأطبونا
قال نصيب : فو اللّه زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش ، وأنّ الخلافة لي .
ثمّ قالت : حسبكِ يا بنية ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير ، وقالا : واللّه لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإنّ في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا .
فقالت : على معرفة كلّ ما كان منّي فأيّ شعركما أفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :
يقر بعيني ما يقرّ بعينها *** وأحسن شيء ما به العين قرّت
ثمّ قولك يا كثير في عزة :
وما حسبت ضمرية جدوية *** سوى التيس ذي القرنين إن لها بعلاً
قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة
ص: 368
دينار وحلّتين وطيب ، ثمّ دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلّا فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة ، فأمّا الأحوص فقبلها ، وأمّا كثير فلم يقبلها ، وقال : لعن اللّه صاحبتكَ وجائزتها ، ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت .
فسألت النصيب ممّن المرأة ؟ فقال : من بني أُمية ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد .
وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقّاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب وإصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة ، رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبد الملك ابن مروان ، قال : دخل الأقيشر على عبد الملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر ، وقول نصيب :
اهيم بدعد ما حييت فإن أمت *** فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي
فقال الاقيشر : واللّه لقد أساء قائل هذا البيت .
فقال عبد الملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟
قال : كنت أقول :
تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت *** أُوكل بِدَعد من يهيم بها بعدي
فقال عبد الملك : واللّه لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها .
فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟
قال : كنت أقول :
تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت *** فلا صلحت هند لذي خلّة بعدي
فقال القوم جميعاً : أنت واللّه يا أمير المؤمنين أشعر القوم .
الثاني : حديث الصورين :
ص: 369
قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبد اللّه الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة ، وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ، فقالت سكينة بنت الحسين عليه السلام : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتّى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : واللّه إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثمّ انصرف إلى مكّة ، وقال :
قالت سكينة والدموع ذوارف *** منها على الخدين والجلباب
ليت المغيريّ الذي لم أجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا نلام على هوى وتصابي
خبرت ما قالت فبتّ كأنّما *** ترمي الحشا بنوافذ النشاب
أسكين ما ماء الفرات وطيبه *** منّي على ظمأ وفقد شراب
بألذّ منك وإن نأيت وقلّما *** ترعى النساء أمانة الغيّاب
وأجاب الأُستاذ علي دخيّل على هذه الرواية قائلاً : إنّ هذه الأبيات ليست في سكينة بنت الحسين عليه السلام ، وإنّما هي في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ، وإنّ عداوة الزبيري صيّرتها في سكينة ، ودليلنا :
1 - قال العلّامة الشنقيطي : أكثر الروايات « سكينة » في المتمم ، « وأسكين » في المرخم ، والرواية الصحيحة : قالت « سعيدة » في المتمم ، و « أسعيد » في المرخم ، وسعيدة تصغير سعدى وهي بنت عبد الرحمن بن عوف .
وسبب هذا الشعر أنّ سعدى المذكورة كانت جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : لا أراكَ يا ابن أبي ربيعة سادراً في حرم اللّه ، أما
ص: 370
تخاف اللّه ويحكَ ، إلى متى هذا السفه ؟!
فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلتُ فيكِ ؟
قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها الأبيات .
فقالت : أخزاك اللّه يا فاسق ، علمَ اللّه إنّي ما قلت ممّا قلت حرفاً ، ولكنّك إنسان بهوت .
هذا هو الصحيح ، وإنّما غيّره المغنّون فجعلوا « سكينة » مكان سعيدة ، « وأسكين » مكان « أسعيد » .
2 - قال الأُستاذ عبد السلام محمّد هارون : ويُفهم من كلام أبي الفرج أنّ الرواية الصحيحة في البيت « قالت سعيدة » ، وفي البيت الخامس التالي « أسعيد » ، وكلاهما تصغير ترخيم لسعدى ، وهي سعدى بنت عبد الرحمن ابن عوف .
وللشعر على هذه الرواية قصّة في الأغاني ، ثمّ قال أبو الفرج : وإنّما غيّره المغنّون .
3 - ذكرت هذه القصيدة بكاملها في ديوان ابن أبي ربيعة ، لشارحه الأُستاذ محمّد علي العناني المصري ، قال : وكانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : مالي أراكَ يابن أبي ربيعة سادراً في حرم اللّه ، ويحكَ أما تخاف اللّه ، ويحكَ إلى متى هذا السفه ؟
فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلت فيك ؟
قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :
ردع الفؤاد بنكرة الأطراب *** وصبا إليكِ ولاتَ حينَ تصابي
إن تبذلي لي نائلاً يشفى به *** سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي
وعصيتُ فيك أقاربي فتقطّعت *** بيني وبينهم عرى الأسباب
ص: 371
وتركتني لا بالوصال ممتّعاً *** يوماً ولا أسعفتني بثواب
فقعدت كالمهريق فضلة مائه *** من حرّها جرة للسع شراب
يشفى به منه الصدى فأماته *** طلب السراب ولات حين طلاب
قالت سعيدة والدموع ذوارف *** منها على الخدين والجلباب
ليت المغيري الذي لم تجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا تلام على هوى وتصابي
خبرت ما قالت فبتّ كأنّما *** ترمي الحشا بنوافذ النشاب
أسعيد ما ماء الفرات وطيبه *** منّي على ظمأ وفقد شراب
بألذّ منك وإن رأيت وقلّما *** ترعى النساء أمانة الغيّاب
فلمّا فرغ من الإنشاد قالت له : أخزاكَ اللّه يا فاسق ، علم اللّه أنّي ما قلتُ ما قلتَ حرفاً ، ولكنكَ إنسان بهوت .
4 - إنّ أبا الفرج نفسه ذكر في موضع آخر من أغانيه هذا الاجتماع عن الرواة أنفسهم ، وذكر سكينة ، ولكن لم ينسبها إلى الحسين عليه السلام ، كما ذكر شعراً غير الشعر الأوّل .
ثمّ قال الأُستاذ علي دخيّل : كيف تعقد سكينة مثل هذا الاجتماع ، والمدينة بأسرها في مأتم على الحسين عليه السلام ؟! فالرباب - أُمّ سكينة - يقول عنها ابن كثير : « ولما قُتل كانت معه ، فوجدت عليه وجداً شديداً ... وقد خطبها بعده أشراف قريش ، فقالت : ما كنتُ لأتخذ حمواً بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واللّه لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً ، ولم تزل عليه كمدة حتّى ماتت ، ويقال : إنّها عاشت بعده أيّاماً يسيرة » (1) .
وأُمّ البنين فقد كانت تخرج كلّ يوم ترثيه - العباس عليه السلام - وتحمل ولده عبيد .
ص: 372
اللّه ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة - فيهم مروان بن الحكم - فيبكون لشجى الندبة .
والرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما امتشطت فينا هاشمية ، ولا اختضبت حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات اللّه عليه » (1) .
وأنت سلّمك اللّه إذا علمت أنّ سكينة تقول للصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي في الشام : قُل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
قال سهل : فدنوتُ من صاحب الرأس فقلت له : هل لكَ أن تقضي حاجتي ، وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟
قال : وما هي ؟
قلت : تُقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعتُ إليه ما وعدته .
وإذا كان حال هذه السيّدة في الصيانة والحجاب في موضع سلب فيه الاختيار ، فهل يتصوّر مسلم أن تواعد عمر بن أبي ربيعة الصورين ؟!
ولو قلنا : إنّ اجتماع الصورين تأخّر عن واقعة الطف كثيراً حتّى نستها سكينة ، فإنّ ابن أبي ربيعة تاب عام 62 ه- ، فيبطل الاجتماع أيضاً .
ولو صحّ اجتماع الصورين لَذَكَرَهُ كبار مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، فقد تميّزوا بالإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة ، فهذه كتب الشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي والطبرسي ، وغيرهم من أعلام الطائفة ، وهي خالية من الإشارة إلى ذلك ونحوه .
ومَن قرأ مصنّفات هؤلاء الأعلام يجد ما كتبوه عمّن شذّ من أولاد الأئمّة عليهم السلام ، فهذا جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام ، وقد وصفوه بالكذب وشرب الخمر ، ومعاونة الظالمين ، كما تناولوا غيره كعلي بن إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام .
ص: 373
وغيرهما ، فهم لم يتعصّبوا إلّا للحقّ ، ولم يكتبوا إلّا للتاريخ .
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ : ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التاريخ الأدبي بعصرها ؟
الأخبار التي بين أيدينا تشير إلى أنّها ظهرت لأوّل مرّة في موسم الحجّ سنة 60 ه- ، حين صحبت أباها رضي اللّه عنه في هجرته من المدينة إلى مكّة ، وقد كانت إذ ذاك في ربيعها الثاني عشر ، أو الثالث عشر ، وغير بعيد أن تكون لفتت إليها الأنظار بنضرة صباها ، وحيوية مرحها ، وبهاء طلعتها ، ولكن مهابة أبيها الإمام الحسين كافية وحدها لأن تلجم ألسنة الشعراء عن التغنّي باسمها في قصائد الغزل ، فهل ترى حلّت عقدة لسانهم بعد عودتها إلى المدينة إثر فاجعة كربلاء ؟!
المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ أُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادّة حزينة حتّى لحقت بزوجها الشهيد .
وإنّ أُمّ البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوج الإمام علي بن أبي طالب ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ، فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبد اللّه ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .
فهل ترى كان يحدث هذا ، وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟!
هل كان مروان بن الحكم يسمع أُمّ البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب ، لفراق عمر بن أبي
ص: 374
ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنّين بقولها على لسانه :
ليتَ المغيري الذي لم أجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا نلام على هوى وتصابي
فهل عمر قال فيها ما قال بعد عودتها من سفرها إلى مصر مع عمّتها زينب عقيلة بني هاشم ؟
الذين أرّخوا للسيّدة زينب عليها السلام ذكروا وفاتها في شهر رجب سنة 62 ه- ، وقد ثوت في مرقدها الأخير هناك ، وآبت سكينة من رحلتها مضاعفة اليتم ، لتشهد بعد ذلك ثورة أهل المدينة على بني أُمية ، وخروجهم على يزيد بن معاوية لقلّة دينه ، وهي الثورة التي انتهت بوقعة الحرّة ، حيث استشهد من أولاد المهاجرين والأنصار 306 شخصاً ، وعدد من بقية الصحابة الأوّلين ، وهجر المسجد النبوي ، فلم تقم فيه صلاة الجماعة لمدى أيّام .
والمنقول أنّ عمر تاب توبته المشهورة في ذلك العام ، وشُغل العالم الإسلامي بعد ذلك بقيام حركة التوّابين في العراق ، الذين أظهروا الندم على عدم نصرة الإمام الحسين الشهيد ، فلم يَروا كفارة دون القتل في الثأر له ولصحبه ، فهل يا ترى كانت سكينة تصمّ أُذنيها عن هتاف التوّابين لترغيم « ابن سريج » على الغناء في دارها مع عزّة الميلاء ، وتفتنه عن توبته عن الغناء (1) .
« محمّد البغدادي - العراق - 20 سنة - طالب »
س : نسأل المولى العزيز القدير أن يحفظكم لخدمة هذا الدين الحنيف ، وعلى وجه الخصوص المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام .
أخواني الأعزّاء طلبي منكم هو : أن توضّحوا الشخصية الدينية التي أبت أن
ص: 375
تخضع إلى أعداء اللّه والإسلام ، لأنّه كثير من الناس يجهلونها ، وهي شخصية البطل مالك بن نويرة رضي اللّه عنه .
ولكم منّي أجمل التوفيق بسعي لخدمة اللّه وآل بيت نبيّه عليهم السلام .
ج : كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع ، وأريحية عالية بين العرب حتّى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم ، والمبادرة إلى إسداء المعروف ، والأخذ بالملهوف .
وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته حتّى إنّه لمّا أسلم ورجع إلى قبيلته ، وأخبرهم بإسلامه ، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد ، أسلموا على يديه جميعاً ، ولم يتخلّف منهم رجل واحد .
وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى نصّبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلّها ، وتقسيمها على الفقراء ، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه .
واختصّ مالك بأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص ، حتّى إنّه ما بايع أبا بكر ، وأنكر عليه أشدّ الإنكار ، وعاتبه بقوله له :
« أربِع على ضلعك ، والزم قعر بيتك ، واستغفر لذنبك ، وردّ الحقّ إلى أهله ، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام اللّه ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجّة ، ولا معذرة » (1) .
وأرسل أبو بكر - في بداية خلافته - خالد بن الوليد لمحاربة المرتدّين ، ولمّا فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح ، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته .
وكان مالك قد فرّق أفراد عشيرته ، ونهاهم عن الاجتماع ، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً ، فأمر خالد ببثّ السرايا ، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام ، وإلقاء القبض على كلّ من لم يجب داعي الإسلام ، وأن يقتلوا كلّ مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر . .
ص: 376
فلمّا دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل ارتاع القوم ، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم ، فقالوا : إنّا لمسلمون ، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون ، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضع قوم مالك السلاح ، ثمّ صلّى الطرفان ، فلمّا انتهت الصلاة ، قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك ، فكتّفوهم بما فيهم مالك بن نويرة ، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد .
وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ، ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدَّ عن الإسلام ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت .
وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد ، وهما : أبو عتادة الأنصاري ، وعبد اللّه بن عمر ، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية ، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقّه .
فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وبقبض أُمّ تميم - زوجة مالك - ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة رضي اللّه عنه .
« خالد الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »
س : هل كان نصير الدين الطوسي قدس سره إسماعيلياً ؟ وما هو سبب تواجده أكثر من 20 سنة في قلاع الإسماعيلية ؟
وهل ألّف كتباً على المذهب الإسماعيلي قبل أن يعتنق مذهب الاثني عشرية ؟ وكيف كانت وفاته ؟ وهل قتل نفسه والعياذ باللّه كما يزعم البعض ؟
ج : إنّ خواجه نصير الدين الطوسي قدس سره هو من أعظم علماء الشيعة الإمامية على التحقيق ، ولا يصغى إلى ما يتقوّله البعض حول فساد مذهبه في بادئ الأمر .
ص: 377
وأمّا الجواب على الشبهات التي أُثيرت حوله ، فكما يلي :
أوّلاً : أنّ بدء إقامة الخواجة عند الإسماعيليين ، يتزامن مع الهجوم الأوّل للمغول على عهد جنكيز ، ففراراً من وطأة الغزاة لجأوا - كما غيره ممّن استطاعوا الفرار والنجاة - إلى قلاع الإسماعيلية التي صمدت في وجه جنكيز ، فتمكّن الطوسي من الاستمرار في دراساته العلمية هناك ، خصوصاً أنّ أمراء الإسماعيلية قد أظهروا الودّ والمحبّة في الأوائل ، وإن اختلفوا معه أخيراً .
نعم ، هناك رأي لبعض المؤرّخين - كصاحب كتاب درّة الأخبار - بأنّ الطوسي ذهب إلى الإسماعيليين مرغماً ، وأقام عندهم مكرهاً ، إذ هدّدوه بالالتحاق بهم ، ويؤيّد مورّخ آخر - وهو سرجان ملكم - هذا الفكرة في تاريخه ، وإن كان يختلف معه في كيفية الإرغام .
وفي المقابل ، ينفي آخرون قصّة إرغامه أو سجنه ، بل وادّعى بعضهم أنّ الطوسي كان محلّ ثقة واعتماد عند الإسماعيليين .
وعلى كلّ ، فإنّ الذي يظهر من بعض كتبه قدس سره هو صحّة مضايقته ، أو فرض الإقامة الجبرية عليه ، ففي تتمّة كتاب شرح الإشارات يلوّح - وإن لم يصرّح - بتلك الضغوط ، وتراكم الهموم والغموم الواردة عليه .
وعلى الجملة ، فاغلب الظنّ أنّ الإسماعيليين وإن رحّبوا بالطوسي بدواً ، ولكن عندما ثبت عندهم - بمرور الزمن - عدم رضوخه لعقيدتهم ، استعملوا معه أساليب أُخرى للتأثير عليه ؛ وهذا هو الوجه الصحيح في كيفية تعامل الإسماعيليين مع الطوسي من البدو إلى الختم .
فالطوسي كان يستعمل حالة التقية معهم ، لدفع شرّهم وأذاهم ، وهذا الأسلوب كان ينفع أحياناً ، وقد لا ينفع في بعض الأحيان ، عندما يصل الأمر إلى حد أُسس العقيدة ، فكان يظهر عدم موافقته لبعض آرائهم ، فينتهي الأمر إلى الشدّة والضيق .
ومهما يكون الأمر ، فإنّ الطوسي لم يتأثّر بأية سلبية إسماعيلية في عقيدته ،
ص: 378
كيف وهو رأس المتكلّمين والفلاسفة في عصره ، فكيف ينخدع بأدلّة واهية ، وأُسس غير متينة ؟
وهذه كتبه بين أيدينا ، كلّها في دعم الدين والمذهب ، وليست فيها أية إشارة إلى صحّة المذهب الإسماعيلي .
نعم ، قد ينسب إليه بعض الرسائل والكرّاسات التي يفوح منها ما يؤيّد الفكر الباطني والإسماعيلي ، ولكن لا يمكن التأكّد من هذه النسبة ، بل ويظهر من بعض هذه الرسالات أنّ النسبة مفتعلة ، لعدم مجانستها مع باقي مؤلّفاته من حيث الأسلوب ، وكيفية الكتابة .
ثمّ حتّى وإن ثبت نسبة بعضها إليه ، يجب تفسيرها من باب التقية ، فإنّه كان ملزماً بها مدّة إقامته عند الإسماعيليين .
وأمّا دعوى اعتناقه المذهب الاثني عشري بعد الإسماعيلية فهي باطلة من الأساس ، فلا يوجد لإثباتها دليل قطعي مقنع ، مضافاً إلى استبعادها عقلاً ، إذ إنّ الذي حدث في الأمر هو مجيء هولاكو ، وإبادة الحكم الإسماعيلي بيده ، وهذا بحدّ نفسه لا يكون حافزاً على التشيّع بعدما نعرف أنّ المغول كانوا وثنيين لا يفرّقون بين المذاهب .
وأمّا في داخل قلاع الإسماعيلية ، فليس هناك ما يكون باعثاً للمنهج الصحيح - الاثني عشرية - بعدما نعلم شدّة عصبية أُولئك لمذهبهم ، ممّا لا يبقى مجالاً لتبليغ أو دراسة بقية المذاهب .
فالصحيح - كما قلنا - هو أنّ الطوسي كان يعتنق المذهب الإمامي الاثني عشري من البدء ، ولكن لخطورة الموقف كان يتّقي أحياناً لدى الحكّام اتقاءً لشرّهم ، وصيانةً للعلم والعقيدة .
وأمّا أسطورة انتحاره ، فهي أيضاً من المجعولات والموضوعات التي لا ينبغي الوقوف عندها ، فإنّه قدس سره كان من أساطين العلم والتقوى ، ولا يتصوّر في حقّه بعض المكروهات ، فكيف بقتل نفسه الذي هو من أعظم المحرّمات ؟!
ص: 379
« حسين - السعودية - 28 سنة - بكالوريوس هندسة الحاسب الآلي »
س : من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف الكافي ، قد جمع أحاديث الكافي في عصر النوّاب الأربعة ، الذين كانوا يلتقون بالإمام المهدي عليه السلام ، ويلقون عليه الأسئلة ، ويأخذون منه الإجابات ، ويدفعون له الأخماس ، الخ .
ومن المعلوم : أنّ الغيبة الصغرى استمرت من عام 260 ه- إلى 329 ه- ، والشيخ الكليني جمع كتابه في هذه الفترة الزمنية ، حيث توفّي عام 327 ه- ، أي في حياة النائب الرابع .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم يُعرض الكافي على الإمام المهدي لتصحيحه ؟ وهو الكتاب الذي ضعيفه يفوق صحيحه ، حيث إنّ تصحيح الحديث أكثر أهمّية من الإجابة على أسئلة الناس والتواقيع ، لأنّ الأحاديث هي المشرب والمنبع والمستقى للتشريع والتبليغ ، الذي جاء به الرسول والأئمّة ؟!
نرجو التفضّل بالإجابة على هذا السؤال ؟
ج : يلاحظ في الجواب عدّة أُمور :
أوّلاً : إنّ كتاب الكافي وإن كان يشتمل على بعض الأحاديث غير المعتبرة سنداً أو متناً ، ولكن ليس بالحجم الذي ذكرته .
والمهمّ في هذا المجال ، عدم الالتزام بصحّة جميع ما ورد فيه ، كما هو رأي المحقّقين من علماء الشيعة .
ثانياً : ليس من مهام الإمام عليه السلام تمحيص الكتب والمؤلّفات ، وتمييز الصحيح عن السقيم فيها ؛ وهذا الأمر متّفق عليه عند الشيعة ، حتّى بالنسبة للإمام الحاضر والظاهر عليه السلام ، فكيف بالإمام الغائب ؟!
بل وظيفة الإمام عليه السلام هي : ترسيم الخطوط العريضة لمسار الأُمّة في عصر الحضور - إن كانت الظروف مهيّأة ، ولم تكن هناك تقية وخوف - وأمّا في فترة الغيبة ، فالأمر يختلف قليلاً عن زمن الحضور .
ثالثاً : حتّى في عصر الأئمّة السابقين عليهم السلام لم يكن من ديدن الشيعة ورواتها
ص: 380
عرض كافّة الرسائل والمدوّنات والمجموعات على أئمّتهم عليهم السلام ، حتّى مع فرض إمكان الاتصال بهم ، وعدم المانع من ذلك .
وعلى سبيل المثال ، لم تعرض الأُصول الأربعمائة - التي هي من المجموعات الأُم في تدوين الكافي - بأجمعها أو أكثرها على الأئمّة عليهم السلام ؛ بل وحتّى في زمن الصادقين عليهما السلام - الذي كان العصر الذهبي بالنسبة لانتشار الفكر الشيعي - ومع حرّية الاتصال بهما عليهما السلام في الجملة ، لم يرد دليل مقنع على التزام أو إلزام أصحاب المجموعات الروائية - أو ما تسمّى بالأُصول - بعرض أحاديثهم على الإمام عليه السلام .
نعم ، هناك بعض الموارد الاستثنائية ، باقتراح بعض الرواة أو وجوه الشيعة ، ولكن الكلام في القاعدة في المقام .
رابعاً : لعلّ المغزى من وراء هذا الإجراء - عدم لزوم العرض - كان هو التمهيد لعملية الاجتهاد شيئاً فشيئاً في الأوساط العلمية عند الشيعة ؛ فالإمام عليه السلام كان يريد أن يرقى الفكر الشيعي - تحسّباً لفترة الغيبة الكبرى المتوقّعة - ويتهيّأ لفترة الغيبة وعدم حضوره عليه السلام ، فيبني أُسس الاجتهاد ، ويخوض في مجاله حتّى يتحمّل الفجوة ، ووجود المعصوم عليه السلام إلى أمد طويل ، حتّى يظهر اللّه أمره إن شاء اللّه تعالى .
« أحمد - قطر - 36 سنة - طالب ثانوية »
س : نشكركم على جهودكم في إفادة الناس وبالأخصّ الشيعة ، وسؤالي هو : ما رأي الشيعة في سعد بن عبادة ؟
ج : ننقل لكم كلمات من ترجمته :
قال السيّد علي ابن معصوم : « سعد بن عبادة بن دلهم بن حارثة بن أبي حزينة ابن تغلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري ، كان
ص: 381
سيّد الخزرج وكبيرهم ، يكنّى أبا ثابت وأبا قيس ، من أعاظم الصحابة ، وهو أحد النقباء ، شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلّها ما خلا بدرا - فإنّه تهيّأ للخروج فلدغ فأقام وكان جواداً - وكان له جفنة تدور مع رسول اللّه في بيوت أزواجه .
عن يحيى بن كثير قال : كان لرسول اللّه من سعد بن عبادة جفنة ثريد في كلّ يوم ، تدور معه أينما دار من نسائه ، وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ، ويحسن القول والرمي ، والعرب تسمّي من اجتمعت فيه هذه الأشياء الكامل ، ولم يزل سعد سيّداً في الجاهلية والإسلام ، وأبوه وجدّه وجدّ جدّه لم يزل فيهم الشرف ، وكان سعد يجير فيجار وذلك لسؤدده ، ولم يزل هو وأصحابه أصحاب إطعام في الجاهلية والإسلام .
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « الجود شيمة ذلك البيت » ، يعني بيتهم - وهو الذي اجتمعت عليه الأنصار ليولّوه الخلافة -.
وقد أختلف أصحابنا رضي اللّه عنه في شأنه ، فعدّه بعضهم من المقبولين ، واعتذر عن دعواه الخلافة بما روى عنه أنّه قال : لو بايعوا علياً لكنت أوّل من بايع .
وبما رواه محمّد بن جرير الطبري عن أبي علقمة ، قال : قلت لسعد بن عبادة ، وقد مال الناس لبيعة أبي بكر : تدخل فيما دخل فيه المسلمون .
قال : إليك عنّي فو اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إذا أنا متّ تضلّ الأهواء ، ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحقّ يومئذ مع علي » ، وكتاب اللّه بيده ، لا نبايع لأحد غيره ، فقلت له : هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول اللّه ؟ فقال : سمعه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن .
قلت : بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم ، فحلف أنّه لم يهم بها ، ولم يردّها وأنّهم لو بايعوا علياً كان أوّل من بايع سعد .
وزعم بعضهم أنّ سعداً لم يدع الخلافة ، ولكن لما اجتمعت قريش على أبي بكر يبايعونه ، قالت لهم الأنصار : أمّا إذا خالفتم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في وصيّه
ص: 382
وخليفته وابن عمّه ، فلستم أولى منّا بهذا الأمر ، فبايعوا من شئتم ، ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة ، فلمّا سمع سعد ذلك ، قال : لا واللّه لا أبيع ديني بدنياي ، ولا أبدل الكفر بالأيمان ، ولا أكون خصماً لله ورسوله ، ولم يقبل ما اجتمعت عليه الأنصار ، فلمّا سمعت الأنصار قول سعد سكتت ، وقوي أمر أبي بكر .
وقال آخرون : دعوى سعد الخلافة أمر كاد أن يبلغ أو بلغ حدّ التواتر ، وكتب السير ناطقة بأنّ الأنصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة ، فلم يتمّ لهم الأمر ، وما زعمه بعضهم خلاف المشهور .
فقد روى أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري في التاريخ : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا قبض ، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا سعد بن عبادة ليولّوه الخلافة وكان مريضاً ، فخطبهم ودعاهم إلى إعطاء الرياسة والخلافة ، فأجابوه ثمّ ترادد الكلام ، فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا : نحن أولياؤه وعترته ؟
فقال قوم من الأنصار نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال سعد : فهذا أوّل الوهن ، وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه أن أخرج إلي ، فأرسل أنّي مشغول ، فأرسل إليه عمر أخرج فقد حدث أمر لابدّ من أن تحضره ، فخرج فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ، ومعهما أبو عبيدة فتكلّم أبو بكر ، فذكر قرب المهاجرين من رسول اللّه ، وإنّهم أولياؤه وعترته ، ثمّ قال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا نفتات عنكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأُمور ... .
فقال اسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه : واللّه لئن لم تبايعوه ليكون للخزرج عليكم الفضيلة ، فقاموا فبايعوا أبا بكر ، فأنكر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كلّ جانب ، ثمّ حمل سعد بن عبادة إلى داره ، فبقى أيّاماً وأرسل إليه أبو بكر ليبايع ، فقال :
ص: 383
لا واللّه حتّى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، واضرب بسيفي ما أطاعني ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجنّ والأنس ما بايعتكم ، حتّى أعرض على ربّي .
فقال عمر : لا ندعه حتّى يبايع .
فقال بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وليس بمبايع لكم حتّى يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه أهل بيته ، وطائفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه ، إنّما هو رجل واحد فاتركوه ، وجاءت أسلم فبايعت ، فقوى بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس ... » (1) .
وقال السيّد علي البروجردي : « سعد بن عبادة ، في المجالس ما يظهر منه جلالته ، وأنّه ما كان يريد الخلافة لنفسه بل لعلي عليه السلام ، وقد ورد في السير مدحه وتبجيله ، إلّا أنّه روي عن علي عليه السلام : « أوّل من جرّأ الناس علينا سعد ، فتح باباً ولجه غيره ، وأضرم ناراً لهبها عليه وضوءها لأعدائه » .
وفي كتاب المجالس : العجب أنّهم يجعلون ذنب سعد بوله قائماً ، ويذكر البخاري في صحيحه ذلك من السنن النبوية .
أقول : وقد نقل عن البلاذري في تاريخه : أنّ عمر بعث محمّد بن مسلمة الأنصاري ، وخالد بن الوليد من المدينة ليقتلاه ، فرمى إليه كلّ منهما سهماً فقتلاه .
وفي روضة الصفا أنّه بتحريك بعض الأعاظم .
فالنقل المذكور بأنّه قتلته طائفة من الجنّ من الأراجيف والأباطيل التي كانت عادتهم على ذكرها ... .
وعن محكي كتاب الاستيعاب : كان عقبياً نقيباً سيّداً جواداً مقدّماً وجيهاً ، له سيادة ورئاسة ، يعترف له قومه بها ، وتخلّف عن بيعة أبي بكر ، وخرج من .
ص: 384
المدينة ولم يرجع إليها ، إلى أن مات بحوران من أرض الشام » (1) .
« ... - سنّي - ... »
س : ملاحظة : ولكنّني تعجبت من أمر كيف خفي عليك ، وهو أنّك وفي ضوء استشهادك بكتب أهل السنّة ، قد اختلط عليك أمر مهمّ ، وهو أنّك ذكرت مصادر لعلماء لا يعدّون من أهل السنّة ، بل ربما عدّوا من الشيعة ، وهذا - كما تعلم - لا يصحّ في مقام الاستدلال على المحاور المخالف ، لاحظ أخي ما يلي :
قلت أنت : ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمام عليه السلام عليهما ، وعلى غيرهما بعبارة : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل ... .
واسمح لي أن أقول : بأنّ ابن أبي الحديد ، لم يكن من أهل السنّة ، بل كان شيعياً مغالياً ، ثمّ تحوّل إلى معتزلي ، وإليك بيان ذلك من قول أحد علماء الشيعة :
قال شيخكم الخوانساري : عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني ، صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل العصمة والطهارة ... ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين ، وغلوّه في أمير المؤمنين عليه السلام شرحه الشريف ، الجامع لكلّ نفيسة وغريب ، والحاوي لكلّ نافحة ذات طيب (2) .
وأيضاً استشهدت بكتاب « ينابيع المودّة » ، وأقول : مؤلّفه هو سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفّى سنة 1294 هجرية .
ص: 385
من يتأمّل كتابه يعلم أنّ مؤلّفه شيعي ، وإن لم يصرّح علماء الشيعة بذلك ، لكن آقا بزرك الطهراني عدّ كتابه هذا من مصنّفات الشيعة ، في كتابه « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » (1) ، ولعلّ من مظاهر كونه من الشيعة ، ما ذكره في كتابه « ينابيع المودّة » عن جعفر الصادق عن آبائه عليهم السلام ، قال : « كان علي عليه السلام يرى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت ، وقال له : لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوّة ، فإن لم تكن نبيّاً ، فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء » (2) .
وروى عن جابر ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا سيّد النبيين وعلي سيّد الوصيين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي ، وأخرهم القائم المهدي » (3) .
وعن جابر أيضاً قوله : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا جابر إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، المعروف بالباقر - ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام - ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة ، لا يثبت على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان » (4) .
فإنّ من يروي مثل هذه الروايات لا يمكن أن يكون سنّياً .
ج : أمّا قولك أنّ ابن أبي الحديد شيعي المذهب ، فهذا غير صحيح لعدّة أُمور : .
ص: 386
الأوّل : ما يذكره من الردّ على السيّد المرتضى ، ودِفاعه عن خلافة الخلفاء الثلاثة ، وأنّها خلافة شرعية ، قول لا يقوله شيعي ، فضلاً عن أن يقوله مغالي في علي عليه السلام ، فهل أنّ المغالي في علي عليه السلام يدفع الخلافة عنه إلى غيره ؟ أو يثبتها له بمقتضى غلوّه ؟ راجع بداية « شرح نهج البلاغة » تجد هذا الكلام .
الثاني : تصريحه بأنّه ليس بشيعي وإمامي ، وذلك عندما قال في معرض شرحه على الخطبة الشقشقية ، بعد أن ذكر : « أمّا الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها ، وتذهب إلى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه غصب حقّه .
وأمّا أصحابنا ... » (1) .
فلاحظ هنا : ذكر نفسه وأصحابه مقابل الإمامية ، بل تبرّأ من قول الإمامية ، فأين الغلوّ ؟ بل أين التشيّع ؟ فضلاً عن الغلوّ .
الثالث : قوله : « وتزعم الشيعة أنّ رسول اللّه ... ، وهذا عندي غير منقدح » (2) .
فلو كان شيعياً ، لما أخرج نفسه عن معتقد الإمامية وقال : « وهذا عندي غير منقدح » .
الرابع : قوله : « فإن قلت : هذا نصّ صريح في الإمامة ، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك » ؟
قلت : يجوز أن يريد أنّه إمامهم - أي علي عليه السلام - في الفتاوى والأحكام الشرعية ، لا في الخلافة (3) .
فهنا ابن أبي الحديد ، يدفع قول من يقول بأنّ خلافة علي عليه السلام بالنصّ ، مع أنّ نكران النصّ على إمامة علي ليس من معتقدات الشيعة ، فضلاً عن الغلاة .
وهناك الكثير من تلك القرائن ، فراجع شرح النهج ، وخصوصاً في الأجزاء الأربعة الأول . .
ص: 387
فإن قلت : إذاً على ماذا تحمل كلام الخونساري ؟
قلنا : إنّ الخوانساري صرّح بكونه من علماء أهل السنّة ، ولكن للأسف لم تنقل تمام كلامه ، بل قمت بالتقطيع وحذف الكلمات التي لا تعجبك حتّى تضلّل على الناس ، كما هي عادة أسلافك من الوهّابيين .
وننقل نصّ كلام الخونساري حول ابن أبي الحديد ، والقارئ هو الذي يحكم بيننا .
« الشيخ الكامل الأديب المؤرّخ عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني الحكيم الأُصولي المعتزلي ، المعروف بابن أبي الحديد .
صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، هو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة ، وإن كان في زيّ أهل السنّة والجماعة ، منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ، ومعترفاً في ذلك المصاف بأنّ الحقّ يدور مع والد الحسنين ، رأيته بين علماء العامّة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم ... » .
ثمّ على فرض أنّه عدّه من علماء الشيعة فهنا قد اعتمد على حدسه واجتهاده ، ومِن الواضح أنّه في مجال التراجم لا يُعتمد على النقل ، فيما لو كان منشأه الحدس والاجتهاد ، بل على ما كان منشأه الحسّ ، وقد تقدّم فيما ذكرناه لك من القرائن الأربعة ما يؤكّد أنّ الخوانساري اعتمد على حدسه ، ولا يُتبع في ذلك ، ثمّ إنّ الخوانساري لم يصرّح بأنّه من الإمامية ، وإنّما قال : إنّه موالي ، وهي كلمة يمكن أن تأوّل .
وفي الختام : نودُّ أن نبيّن : أنّ هناك فرقاً بين الشيعي والمحبّ ، فإنّ الشيعي من يتّبع ويقفو أثر الأئمّة عليهم السلام ، وأمّا المحبّ فهو من لا يبغض آل محمّد عليهم السلام ، وسنذكر لك بعض الذين يحبّون آل محمّد إلّا أنّهم ليسوا بشيعة .
ونرجو التوجّه إلى شيء : وهو أنّ إلصاق تهمة الرفض والتشيّع لكلّ من
ص: 388
يذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام حتّى ترد رواياتهم منهجاً قديماً اتخذه الكثير من أصحاب الرجال ، وهو لا يخفى على من مارس كتبهم ، ولا يسع المجال لبسط الكلام فيه ، ولكن خذ هذه القاعدة ، وقس عليها كلّ ما يرد عليك من أمثال ما ذكرت في سؤالك .
وأمّا في قولك : بأنّ صاحب كتاب ينابيع المودّة شيعي ، فهو أيضاً غير ثابت ، لبطلان الدليلين اللذين تقدّمت بهما .
أمّا الأوّل : وهو أنّه ذكر في كتاب الذريعة ، وكلّ مَن ذكر في الذريعة ، فهو شيعي ، إذاً فالقندوزي شيعي .
والجواب عن هذا القياس الذي أضمرت كبراه : بأنّا نمنع الكبرى ، بدليل أنّ الطهراني ذكر من كان صابئياً ، فضلاً عمّن كان سنّياً ، فحول كتاب التاجي ، قال صاحب الذريعة ما نصّه : « كتاب التاجي : المؤلّف باسم عضد الدولة المعروف بتاج الملّة ، ألّفه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ، المتوفّى 384 ، وهو صابئي ... » (1) .
وأيضاً ذكر من علماء العامّة ، صاحب « فرائد السمطين » ، حيث قال : « للحمويني من العامّة » (2) .
فمع اعترافه بأنّه من العامّة ، ومع ذلك يذكر كتابه ، وذلك لأنّ الطهراني أورد في كتابه الكثير من كتب أهل السنّة ، التي روت فضائل أهل البيت عليهم السلام ، أو شروح نهج البلاغة لعلماء أهل السنّة ، وإن كان عنوان الكتاب يدلّ على أنّ الكتاب مختصّ بالمؤلّفين الشيعة ، ولكنّه ذكر بعض الكتب التي تصبّ في أهل البيت عليهم السلام ، وإن كان مؤلّفوها من علماء السنّة ، وذلك من باب المسامحة والتجوّز . .
ص: 389
وأمّا الثاني : وهو أنّ الذي يروي هذه الروايات لا يكون سنّياً فهذا غير مطّرد ، فهناك الكثير من أهل السنّة المعتدلين غير المتعصّبين قد ذكروا فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ونقلوا تلك الروايات ، نذكر منهم :
1 - محمّد بن إدريس الشافعي صاحب كتاب الأُم ، ذكر في حبّه لآل محمّد عليهم السلام ما نصّه :
« إن كان رفضاً حبّ آل محمّد *** فليشهد الثقلان أنّي رافضي (1) »
ومع هذا القول ، هل يمكن لأحد أن يقول بتشيّعه ؟
2 - من الذين نقلوا حديث الثقلين بلفظ وعترتي ، لا بلفظ وسنّتي :
1 - عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (2) .
2 - الحسين بن إسماعيل أبو عبد اللّه الضبّي المحاملي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (3) .
3 - دعلج بن أحمد السجزي ، أخرج روايته لحديث الثقلين الحاكم النيسابوي (4) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (5) .
4 - الحاكم النيسابوري في مستدركه (6) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (7) .
5 - أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره لقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا .
ص: 390
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (1) في كتاب الكشف والبيان ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (2) .
وإن شئت ذكرنا لك الكثير منهم ، وهذا لا يدلّ على تشيّعهم ، بل هم فقط نقلوا لنا ذلك ، نعم لو صرّحوا بأنّ هذا مذهبنا ، أو هو مذهب أصحابنا ، لدلّ على أنّهم شيعة .
« ناجي - الكويت - 36 سنة »
س : أُريد ترجمة المغيرة بن شعبة مع المصادر .
ج : ولد المغيرة بن شعبة الثقفي سنة عشرين قبل الهجرة ، ومات في الكوفة ، ودفن فيها سنة خمسين للهجرة ، وله سبعين سنة .
ولهذا عدّه الشيخ الطوسي قدس سره في رجاله في أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وآله .
كان صاحب غدر ومكر ، ففي كتاب « الغارات » قال : ( ذكر عند علي عليه السلام وجدّه مع معاوية ، فقال عليه السلام : « وما المغيرة ، إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم ، وركبها منهم فهرب ، فأتى النبيّ صلى اللّه عليه وآله كالعائذ بالإسلام ، واللّه ما أرى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً ، ألا وأنّه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة ، يجانبون الحقّ ، ويسعرون نيران الحرب ، ويوازرون الظالمين ... » ) (3) .
وعن الشعبي قال : « سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أنّ مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلّا بمكر ، لخرج من أبوابها كلّها » (4) .
ص: 391
كان صاحب فظّة وغلظة ، فقد جعله عمر على البحر والياً ، فكرهه الناس لسوء خلقه وتصرّفاته فعزله ، ثمّ جعله على البصرة والياً ، فبقي عليها ثلاث سنين ، ثمّ غضب عليه فعزله ، ثمّ جعله على الكوفة والياً .
فعن ابن سيرين : « كان الرجل يقول للآخر : غضب اللّه عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة فولاه الكوفة » (1) .
كان صاحب رشوة ، ففي أُسد الغابة : « وأوّل من رشا في الإسلام ، أعطى يرفأ حاجب عمر شيئاً ، حتّى أدخله إلى دار عمر » (2) .
كان زانياً ومطلاقاً ، فعن قتادة : « إنّ أبا بكرة ، ونافع بن الحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، شهدوا على المغيرة بن شعبة أنّهم رأوه يولجه ويخرجه ، وكان زياد رابعهم ، وهو الذي أفسد عليهم .
فأمّا الثلاثة فشهدوا بذلك ... فقال عمر حين رأى زياداً : إنّي لا أرى غلاماً كيّساً ، لا يقول إلّا حقّاً ، ولم يكن ليكتمني ، فقال : لم أر ما قالوا ، لكنّي رأيت ريبة ، وسمعت نفساً عالياً ، قال : فجلدهم عمر وخلا عن زياد » (3) .
قال ابن المبارك : « كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصففن بين يديه ، وقال : إنّكن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ، ولكنّي رجل مطلاق ، أنتنّ طلاق » (4) .
عن ابن وهب : « سمعت مالك يقول : كان المغيرة بن شعبة نكّاحاً للنساء ، ... وكان ينكح أربعاً جميعاً ، ويطلقهن جميعاً » (5) .
وكان المغيرة يسبّ علياً عليه السلام ويلعنه ، ففي « تاريخ الطبري » : « وأقام المغيرة .
ص: 392
على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ علي عليه السلام والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان ، واللعن لهم ... » (1) .
وعن عبد اللّه بن ظالم قال : « لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون علياً عليه السلام » (2) .
وأمر - هو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية - حجر بن عدي أن يقوم في الناس ، فيلعن علياً عليه السلام ، فأبى ذلك ، فتوعّده (3) .
وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من سبّ علياً فقد سبّني » ، وهذا الحديث قد صحّحه الهيثمي في « مجمع الزوائد » (4) ، وهكذا صحّحه الذهبي ، ورواه أحمد في مسنده وغيره (5) .
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (6) وهو أيضاً حديث صحيح السند .
وهناك موارد كثيرة تدلّ على نفاق المغيرة .
منها : قد صرّح بنفاقه عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، ففي الطبري - بعد .
ص: 393
ذكر إنكار الناس على عثمان توليه ابن عامر - فقال عثمان : « وولّيت شبيهاً بمن كان عمر يولّي ، أنشدك اللّه يا علي ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : « نعم » ، قال : فتعلم أنّ عمر ولاه ؟ قال : « نعم » ، قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر » (1) .
وذكر الطبري - بعد ذكر بيعة عبد الرحمن لعثمان - : « وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن : يا أبا محمّد قد أصبت إذ بايعت عثمان ، وقال لعثمان : لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا ، فقال عبد الرحمن : كذبت يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة » (2) .
وروى عنه أنّه قال : « وددت واللّه أنّي لو علمت ذلك ، إنّي واللّه ما رأيت عثمان مصيباً ، ولا رأيت قتله صواباً » (3) .
وقال فيه الإمام علي عليه السلام : « فإنّه واللّه دائباً يلبس الحقّ بالباطل ، ويموّه فيه ، ولن يتعلّق من الدين إلّا بما يوافق الدنيا ... » (4) .
وهو معدن كلّ شرّ ومنبعه ، فهو الذي أشار على أبي بكر وعمر على تصدّي الأمر حتّى يكون لأمثاله حظّ ، كما أنّه أشار عليهما بجعل نصيب للعباس لتضعيف أمر أمير المؤمنين عليه السلام ، وأشار على معاوية باستلحاق زياد به حتّى يكمل استيلاؤه ، وأشار عليه باستخلافه ابنه السكّير ، لئلا يعزله معاوية عن الإمارة .
وقال ابن الأثير : ( وكان المغيرة يدّعي أنّه ألقى خاتمه في قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فنزل ليأخذه ، فكان آخرهم عهداً برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولم يصحّ ذلك ، ولم يحضر دفنه فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً به ، وسئل علي عليه السلام عن قول المغيرة ، فقال : « كذب آخرنا عهداً به قثم ... » ) (5) . .
ص: 394
« حمد - قطر - 21 سنة - طالب جامعة »
س : رغم اطلاعي على عشرات بل ربما المئات من مواقع الشيعة المتميّزة ، ولكنّي أجد نفسي مأسوراً لموقعكم ، وكلّ مرّة أدخله أشعر أنّني أدخله للمرّة الأُولى ، ونسأل اللّه لكم التوفيق في خدمة الإسلام والمسلمين ومذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام .
سؤالي : ما هو موقف الشيعة الإمامية من الصحيحين البخاري ومسلم ؟ وكتب الحديث الأُخرى ؟ أرجو التوضيح .
ج : إنّ لتقييم صحيحي البخاري ومسلم مجالاً واسعاً ويحتاج إلى بحث طويل ، ولكن نذكر هنا بعض النقاط المسجلّة عليهما ، وتشترك الصحاح الأُخرى معها في بعضها :
1 - ضعف بعض رجال الصحيحين ، وأنّهم غير موثقين في علم الرجال .
2 - العصبية الشديدة التي تحلّى بها مؤلّفا الكتابين .
3 - الفترة الزمنية الطويلة الممتدّة بين زمن صدور الحديث وتاريخ تدوينه ، مع النظر إلى دواعي وأسباب الجعل والوضع .
4 - تقطيع بعض الأحاديث عند البخاري تمشياً لذوقه ورأيه .
5 - النقل بالمعنى ، كما يلاحظ في صحيح البخاري .
6 - تتميم وتكميل صحيح البخاري بوسيلة الآخرين .
7 - ملاحظة كثرة الأحاديث المخالفة للأدلّة العقلية والدينية فيهما .
وللإطلاع على تفاصيل هذه النقاط ، راجع كتاب « أضواء على الصحيحين » للشيخ محمّد صادق النجمي .
مع ملاحظة أنّ بعض علماء ومحقّقي أهل السنّة يتّفقون معنا في الرأي ، بل بعضهم طعنوا في شخص البخاري ومسلم ، ولكن أنّى لأصواتهم أن يصل إلى الأسماع تحت هذه الضوضاء المتعمّدة !
ويمكنك مراجعة كتيب : « البخاري وصحيحه » للشيخ حسين غيب غلامي ،
ص: 395
الموجود على صفحتنا ، وأيضاً يفيدك الرجوع إلى كتاب « نظرة عابرة إلى الصحاح الستة » لعبد الصمد شاكر .
« أبو ياسين - الكويت - 24 سنة »
س : جزاكم اللّه خير الجزاء على هذا المجهود العظيم ، الذي تبذلونه في سبيل إعلاء كلمة الحقّ ، والدفاع عن مذهبنا الطاهر بموالاة الرسول وآل بيته عليهم السلام .
إخواني لي سؤال عن هذه الفقرة التالية :
جاء في كتاب « الخرائج والجرائح » ، قال أبو بصير : ( كنت مع الباقر عليه السلام في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران ، متكئاً على مولى له ، فقال عليه السلام : « ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء » فقلنا : يا ابن رسول اللّه ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : « يجلس في مجلسنا ، ولا حقّ له فيه ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده » ) (1) .
السؤال هو : ما هو موقفنا نحن الشيعة من الخليفة عمر بن عبد العزيز ؟ وهل هذا الحديث المنقول عن الباقر عليه السلام صحيح أم لا ؟ وإذا كان صحيحاً هل معناه أن لا نترّحم على هذا الخليفة ؟ وما سبب رأي الإمام عليه السلام به - أي بالخليفة - هذا ولكم جزيل الشكر .
ج : إنّ موقف الشيعة من جميع الخلفاء واحد ، فكلّهم يشتركون في اغتصابهم للخلافة ، التي هي حقّ من حقوق الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولا يختلف في ذلك سواء اظهروا العدل ، أو اظهروا الجور ، فكلّهم يستحقّون العذاب الأليم يوم القيامة ، ومن قضى بين المسلمين بحقّ ، وهو ليس أهلاً للقضاء
ص: 396
والحكم بين المسلمين فهو في النار ، كما ورد في معنى بعض الروايات .
ولا يخفى عليك أنّ اللعن ورد على آل مروان كما في زيارة عاشوراء ، وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل ، يصف بها النار ومن يدخلها ، فيقول عليه السلام : « وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أُمية لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة ، يدخلون من ذلك الباب فتحطّمهم النار حطماً ، لا تسمع لهم فيها واعية ، ولا يحيون فيها ولا يموتون » (1) ، وقد ورد أنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أُمية وآل مروان .
والإمام ذكر في نهاية الحديث المعني ما يوضّح سبب قوله ذلك ، وهو جلوس عمر في مجلسهم الذي خصّهم اللّه به ، ولكن ذكر حقيقة عمر بن عبد العزيز على لسان الأئمّة عليهم السلام لا يختصّ بهذه الرواية ، فغيرها كثير ، فأنظر مثلاً « دلائل الإمامة » للطبري الشيعي ، و « الصراط المستقيم » ، و « بصائر الدرجات » ، و « الثاقب في المناقب » ، و « الخرائج والجرائح » ، وغيرها من المصادر .
« ... - ... - ... »
س : أقوم بمناظرة مع أحد الطلبة السنّة ، وقد ذكرت له حادثة مبارزة الإمام علي عليه السلام مع عمرو بن العاص ، وأنّ الأخير كشف عن عورته للفرار ، فلم يصدّق ، وطلب منّي الدليل من كتب التاريخ السنّية ، فأرجو إعطائي المصادر ، ورقم الصفحات إن أمكن .
ج : قال البيهقي : « دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس ، فلمّا رآه مقبلاً استضحك ، فقال يا أمير المؤمنين : اضحكَ اللّه سنك وأدامَ سرورك ، وأقرَّ عينك ، ما كلّ ما أرى يوجب الضحك ؟ فقال معاوية : خطر ببالي يوم صفّين ، يوم بارزتَ أهلَ العراق ، فحَمَل عليك علي بن أبي طالب ، فلمّا غشيكَ
ص: 397
طرحتَ نفسكَ عن دابتك ، وأبديتَ عورتكَ ، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما واللّه لقد واقفت هاشمياً منافياً ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك ... » (1) .
وذكرت هذا المعنى عدّة مصادر سنّية معتبرة أُخرى (2) .
« أبو علي - أمريكا - 21 سنة - طالب جامعة »
س : لديّ سؤال ، وأتمنّى منكم الإجابة ، أفادكم اللّه .
ما هو رأي مدرسة آل البيت عليهم السلام في الزبير ابن عمّة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ وهل توقّف عن مقاتلة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في واقعة الجمل ؟ جزاكم اللّه عنّا وعنكم خير الجزاء ، نسألكم الدعاء .
ج : قبل وقوع معركة الجمل خرج الإمام علي عليه السلام لطلب الزبير ، وحدّثه عن خروجه ، وما هو عذره أمام اللّه في ذلك الخروج ، وذكّره بحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه يقاتل علياً فرجع الزبير ، وقيل : أنّه رجع نادماً على فعلته ، ورجع أمير المؤمنين عليه السلام مسروراً ، وقيل : أنّ سبب ندم الزبير وعودته عن القتال هو معرفته أنّ عمّار بن ياسر مع علي عليه السلام ، وهو يعلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « يا عمّار تقتلك الفئة الباغية » (3) .
ولكن هذا الندم وخروجه عن المعركة قد لا يكفي في نجاة الزبير من الحساب الشديد ، ويؤيّد ذلك ما ورد : « إنّ الزبير وقاتله في النار »(4) .
ص: 398
أمّا ما ورد من الأحاديث التي تبشّر قاتل الزبير بالنار فقط ، دون الإشارة إلى مصير الزبير ، فذلك لأنّ قاتله كان مستحقّاً للنار من عدّة جهات ، بالإضافة إلى إعطائه الأمان للزبير وغدره به ، وقتله في أثناء الصلاة كما قيل ، وكان خروج قاتل الزبير على أمير المؤمنين عليه السلام يوم النهروان كاشفاً عن عدم إيمانه وتصديقه بأحقّية أمير المؤمنين عليه السلام ، وما كان قتله للزبير إلّا بدوافع شخصية .
والمحصّل من كلّ هذا : إنّ قاتل الزبير وإن كان مستحقّاً للنار ، لكن الزبير يبقى أيضاً محاسباً عن أفعاله ، وبالخصوص خروجه على أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان عليه لتحقيق التوبة إرجاع الجيش عن محاربة أمير المؤمنين عليه السلام ، أو المحاولة على الأقلّ ، بل يجب عليه المقاتلة مع أمير المؤمنين عليه السلام ، كما فعل الحرّ بن يزيد الرياحيّ مع الإمام الحسين عليه السلام .
« يعقوب الشمّري - اسكتلندا - 18 سنة - طالب »
س : هل صحيح أنّ كلّ من الكتب التالية : تاريخ اليعقوبي ، مقاتل الطالبيين ، تاريخ المسعودي ، تعتبر مصادر شيعية ؟
ج : الكتب الثلاثة المذكورة هي كتب تاريخ وسير ومقاتل ، فيرد فيها الغثّ والثمين ، ولابدّ من تمحيصها أو تمحيص الخبر والحديث المنقول قبل الاعتماد عليه والركون إليه .
على أنّ اليعقوبي لم يثبت تشيّعه ، وأبا الفرج الأصفهاني كان زيدي المذهب ومرواني النسب .
وأمّا المسعودي فبما أنّ السبكي ذكره في طبقاته (1) ، فلذا يعدّ من علماء العامّة ؛ ومن جانب آخر بما أنّه صاحب كتاب إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام ، فيحتمل قويّاً أن يكون من الشيعة .
ص: 399
وبالجملة ، لا يخفى أنّ مبنى الشيعة في العمل بما في الكتب والأخبار والأحاديث هو : البحث السندي أوّلاً ، ثمّ البحث الدلالي ، ولا يشذّ من هذه القاعدة أيّ كتاب وتصنيف إلّا القرآن الكريم .
« كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين »
س : هل كان حجر بن عدي هو صاحب مقولة : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين للإمام الحسن عليه السلام ؟ وعلى اعتبار صحّة هذا الكلام ألا يكون ذلك من أخطائه الفادحة التي تخرجه من ملّة الشيعة ؟ حيث من أهمّ شروط الانتساب للتشيّع الاعتقاد بأنّ الحسن المجتبى عليه السلام إمام مفترض الطاعة ، خصوصاً وأنّنا نعتبر هذا الصحابي من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام .
ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام .
ج : ورد في بعض الكتب غير المعتبرة هذا القول منسوباً إلى حجر بن عدي بسند مرسل وضعيف ، لوجود ثقيف البكّاء المجهول ، أو غير الموثّق فيه .
ومضافاً إلى عدم حجّية النسبة المذكورة - لوهن سندها من جهتين - نجد عامّة المصادر من الفريقين تصرّح بأنّ القائل لهذه المقولة هو شخص آخر ، وفي أكثرها أنّه سفيان بن أبي ليلى (1) .
على أنّ العبارة المذكورة لا تليق أن تنسب إلى أيّ شخص من شيعة الإمام عليه السلام ، فكيف يعقل أن تصدر ممن ثبت أنّه من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسن عليه السلام ، وهو الذي قتل صبراً لولائه ؟!
ص: 400
والنتيجة : إنّ النسبة المذكورة مفتعلة قطعاً ، وضعها بعض الأُمويين للنيل من كرامة هذا الصحابي الجليل المتفاني في الولاية .
« كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين »
س : ما هي مكانة عبد اللّه بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفية في وجداننا ؟ وهل هما مخلصان لأئمّة زمانهما ؟ ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام .
ج : إنّهما كانا من الموالين لخطّ أهل البيت عليهم السلام بلاشكّ ولا شبهة .
وأمّا الكلام فيهما من جهة عدم حضورهما في كربلاء ففيه وجوه وأقوال ، منها : أنّ تخلّفهما كان بأمر الإمام عليه السلام لمصالح شتّى .
ومنها : وجود المانع من مرض وغيره .
وعلى أيّ حال ، فلا إشكال في إخلاصهما وولائهما ؛ نعم من اليقين أنّ مكانتهما عند الشيعة وأئمّتها عليهم السلام لا تصل إلى مقام شهداء كربلاء ، الذين ضحّوا بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل العقيدة ، وفدوا الإمام عليه السلام بأرواحهم وأجسامهم .
« السيّد محسن الميلاني - كندا - 25 سنة - طالب »
س : هل يمكن القول بأنّ مقام أبي الفضل العباس عليه السلام أعلى من كلّ من هم دون المعصومين الأربعة عشر ؟ أفيدونا مأجورين .
ج : إنّ المتتبّع لتاريخ حياة أبي الفضل عليه السلام يلمس بوضوح : بلوغ العباس بن علي عليهما السلام درجة عالية من الالتزام بالشريعة ، وطاعة أُولي الأمر ، المتمثّلين بالأئمّة المعصومين عليهم السلام ، بأن يوكل الإمام الحسين عليه السلام إليه مهمّة حمل رايته في واقعة
ص: 401
الطفّ ، وقيادة البيت الهاشمي في تلك المعركة .
وفي فقرات الزيارة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام بسند معتبر - والتي يذكرها الشيخ القمّي قدس سره في مفاتيح الجنان - يلمس القارئ سمو منزلة أبي الفضل عليه السلام ، وشهادة المعصوم عليه السلام بحقّه في بلوغه مراتب عدّة ، كما هو المستفاد من هذه الفقرات : « أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبيّ صلى اللّه عليه وآله » ، و « أشهد أنّك قتلت مظلوماً ، وأنّ اللّه منجز لكم ما وعدكم » ، و « أشهد وأشهد اللّه أنّك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل اللّه » ، و « أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل ، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك » .
وغيرها من الفقرات التي يستفاد منها : إنّ العباس عليه السلام يُعدّ في المرتبة الأُولى بعد المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام .
وأمّا تحديد هذه المرتبة ومقدارها فعلمها عند اللّه تعالى ، لأنّ العصمة لطف إلهيّ وملكة نفسانية ، لا يتسنّى الاطلاع عليها ، نعم يمكن للمعصوم أن يخبر عنها .
« إبراهيم حسين لمع - الكويت - 32 سنة - طالب جامعة »
س : كنت أتصفّح بعض مواقع إخواننا أهل السنّة ، والذين أقول عنهم إخواننا حتّى ولو كانت مواقعهم تكفّرنا ، وندعو لهم بالهداية .
قد أثاروا الكثير من الشبهات علينا - كتحريف القرآن ، ونوم الإمام علي عليه السلام في نفس الفراش مع عائشة والرسول صلى اللّه عليه وآله - .
ولكنّني بعد البحث وجدت ردوداً في مواقعنا على هذه الشبهات وهي مقنعة ، ففي معظم الأحيان فإنّ الروايات الواردة حتّى في الكافي حول هذا الموضوع هي روايات ضعيفة ، بل وغير معتبرة ، فإذا كانت كذلك لماذا تضمّنها هذا الكتاب القيّم ؟ ولم يتمّ إسقاطها منه ؟ آجركم اللّه .
ص: 402
ج : نحن لا ندّعي أن كتاب « الكافي » من الكتب التي لا يوجد فيها إلّا الصحيح من الحديث ، كما يدّعي أهل السنّة في بعض كتبهم - كالبخاري ومسلم - وأنّه لا يوجد فيها إلّا الصحيح من الحديث .
بل نقول : كلّ كتبنا حتّى المعتبرة منها - ككتاب الكافي - من المحتمل أن توجد فيه روايات ضعيفة ، أي لم نحرز فيها شرائط الحجّية ، لا بمعنى أنّها مكذوبة ومجعولة ومدسوسة وموضوعة ، والسبب في ذلك : إنّ كثير من المحدّثين لم يشترطوا في جمعهم أن يكون الحديث صحيحاً ، بل جمعوا من الأحاديث ما يعلمون أنّ بعضها مرسلاً ، أو أن أصحابها مجهولون ، وما إلى ذلك .
وعذرهم في ذلك هو : مادام يحتمل أن تكون الرواية صادرة عن الإمام عليه السلام فهم يدوّنوها ، ووزرها على من رواها ، وهو ليس مقصوراً على الشيعة ، وكذلك الحال في دلالة الروايات ، فإنّ المحدّثين وإن استبعدوا بعض الأحاديث ، فإنّهم أيضاً يدوّنونها مادام يحتمل من التغيّر والتأويل ما يجعل ذلك الحديث صحيحاً ، كما أنّ العلماء والمحدّثين لا يرون أنفسهم أنّهم أفقه الفقهاء في مضامين الأحاديث ، فإنّهم وإن لم يقبلوا بعض الأحاديث من جهة المضمون ، إلّا أنّهم ينقلونها إلى من هو أفقه قولاً منهم ، عملاً بقول الإمام الصادق عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « نضر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها ، وبلّغها من لم تبلغه ، يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » (1) .
ومن هنا فالبحث في صحّة وضعف بعض الأحاديث لم يتوقّف لحدّ الآن ، لأنّ جرح الرجال وتعديلهم ما يكون حسّي ، وما يكون حدسي اجتهادي ، ثمّ إنّ بعض الأحاديث لها معاضد ومؤيّد ، وبعضها يظهر لها طرق أُخرى ، ثمّ أنّ مباني تضعيف وتوثيق الرجال تختلف بين علماء الرجال ، وبالتتبع تصحّح أو تحسّن أو .
ص: 403
تضعّف الأحاديث ، فلاحظ .
« عيسى سلمان - البحرين - 36 سنة - طالب ثانوية »
س : من هو المختار ؟ ومتى كانت ثورته ؟
ج : قال ابن نما الحلّي حول المختار ما نصّه : « هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمير الثقفي ، وقال المرزباني : ابن عمير بن عقدة بن عنزة ، كنيته أبو إسحاق ، وكان أبو عبيدة والده يتنوّق في طلب النساء ، فذكر له نساء قومه ، فأبى أن يتزوّج منهن ، فأتاه آت في منامه ، فقال : تزوّج دومة الحسناء الحومة ، فما تسمع فيها للائم لومه ، فأخبر قومه ، فقالوا : قد أمرت ، فتزوّج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب ، فلمّا حملت بالمختار ، قالت : رأيت في النوم قائلاً يقول :
ابشري بالولد *** أشبه شيء بالأسد
إذا الرجال في كبد *** تقاتلوا على بلد
كان له *** الحظّ الأشد
فلمّا وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها : إنّه قبل أن يترعرع ، وقبل أن يتشعشع ، قليل الهلع ، كثير التبع ، يدان بما صنع ... .
كان مولده في عام الهجرة ، وحضر مع أبيه وقعة قس الناطف ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمّه ، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شيئاً ، وتعاطى معالي الأُمور ، وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر ، وخلال مأثورة ، ونفس بالسخاء موفورة ، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها ، وهمّه تعلو على الفراقد بنفاستها ، وحدس مصيب ، وكفّ في الحروب مجيب ، ومارس التجارب فحنكته ، ولابس الخطوب فهذّبته .
وروي عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال : رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السلام ،
ص: 404
وهو يمسح رأسه ويقول : « يا كيّس يا كيّس » ، فسمّي كيسان ... » (1) .
وقد اختلفت الروايات عنه ، فمنها مادحة ، ومنها ذامّة ، فمن المادحة : ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : « لا تسبّوا المختار ، فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة » (2) .
وكذلك ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام لابن المختار لمّا سأله عن أبيه ، فقال عليه السلام : « سبحان اللّه ، أخبرني أبي واللّه أنّ مهر أُمّي ممّا بعث به المختار ، أولم يبن دورنا ؟ وقتل قاتلنا ؟ وطلب بدمائنا ، فرحمه اللّه ... ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلّا طلبه ... » (3) .
أمّا الروايات الذامّة : فمنها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان المختار يكذب على علي بن الحسين عليهما السلام » (4) ، وكذلك ما ورد عن علي بن الحسين عليهما السلام رفضه لإحدى هداياه ، وقوله عليه السلام لرسل المختار : « أميطوا عن بابي ، فإنّي لا أقبل هدايا الكذّابين ، ولا أقرأ كتبهم » (5) .
والروايات الذامّة للمختار ضعيفة السند جدّاً ، كما ذكر السيد الخوئي في معجمه (6) ، وقال أيضاً : « ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور على قلوب أهل البيت عليهم السلام بقتله قتلة الحسين عليه السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت عليهم السلام ، يستحقّ بها الجزاء من قبلهم » (7) .
أمّا ثورة المختار ، فقد كانت ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر ، سنة ست وستين (8) . .
ص: 405
« ... - ... - ... »
س : أرجو أن تسعفوني بإعطائي معلومات عن والدة محمّد بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المعروف بمحمّد بن الحنفية ، وهل هي من قوم مالك بن نويرة ؟
ج : ليست أُمّه من قوم مالك بن نويرة وسبيه ، بل في تزوّج الإمام عليه السلام منها عدّة روايات ، ليس فيها واحدة بأنّها من قوم مالك ، وإليك بعضها :
1 - إنّها من سبي اليمامة في عهد أبي بكر .
قال الذهبي : « وأُمّه من سبي اليمامة زمن أبي بكر » (1) .
وقال المزّي : « واسمها خولة بنت جعفر ... بن حنيفة ، وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر ... ، وقيل : كانت أُمّه لبني حنفية ، ولم تكن من أنفسهم » (2) .
وقال ابن سعد : « عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : رأيت أُمّ محمّد بن الحنفية سندية سوداء ، كانت أمة لبني حنيفة ، لم تكن منهم ، وإنّما صالحهم خالد على الرقيق ، ولم يصالحهم على أنفسهم » (3) .
ويشهد لهذه الرواية ما رواه ابن كثير عن غزوة اليمامة : « وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده ، فجعل يريه القتلى ليعرفه بمسيلمة ... ثمّ بعث خالد الخيول حول اليمامة ، يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبيّ ، ثمّ عزم على غزو الحصون ، ولم يكن بقي فيها إلّا النساء والصبيان والشيوخ الكبار ... فانتظر - خالد - الصلح ، ودعاهم خالد إلى الإسلام فأسلموا عن آخرهم ، ورجعوا إلى الحقّ ، وردَّ عليهم خالد بعض ما أخذ من السبيّ ، وساق الباقين إلى
ص: 406
الصدّيق ، وقد تسرى علي بن أبي طالب عليه السلام بجارية منهم ، وهي أُمّ ابنه محمّد ، الذي يقال له : محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه » (1) .
وقد روى البخاري عن أنس قال : « ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذّاب » (2) ، وأقرَّ ذلك ابن حجر في شرحه لهذه الرواية (3) .
وقال ابن حجر : « وهي خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة ، ويقال من مواليهم ، سبيت في الردّة من اليمامة » (4) .
فجميع هذه الروايات عند هؤلاء المحقّقين تؤكّد : بأنّ الحنفية من اليمامة ، من قوم مسيلمة الكذّاب ، وإنّما اختلفوا في كونها من بني حنيفة أنفسهم ، أو أنّها أمة لهم ليس إلّا .
2 - إنّها من سبي اليمن في ردّتهم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .
قال البلاذري : « قال علي بن محمّد المدائني : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب ، وصارت في سهمه ، وذلك في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن ولدت منك غلاماً فسمّه باسمي وكنّه كنيتي » ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام غلاماً فسمّاه محمّداً ، وكنّاه أبا القاسم » (5) .
3 - إنّها تزوّجت أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن أعتقها .
قال البلاذري : « أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة ، فسبوا خولة بنت جعفر ، ثمّ قدموا بها المدينة في أوّل خلافة أبي بكر فباعوها من علي عليه السلام ، وبلغ الخبر قومها ، فقدموا المدينة على علي عليه السلام فعرفوها ، وأخبروه بموضعها .
ص: 407
منهم ، فأعتقها علي ومهرها وتزوّجها ، فولدت له محمّداً ابنه ... وهذا أثبت من خبر المدائني » (1) .
ويشهد لهذه الرواية ويقاربها ما رواه ابن حجر فقال : « خولة بنت إياس بن جعفر الحنفية ، والدة محمّد بن علي بن أبي طالب ، رآها النبيّ صلى اللّه عليه وآله في منزله فضحك ، ثمّ قال : « يا علي أمّا إنّك تتزوّجها من بعدي ، وستلد لك غلاماً فسمّه باسمي ، وكنّه كنيتي وأنحله » .
رويناه في فوائد أبي الحسن أحمد بن عثمان الآدمي من طريق إبراهيم بن عمر ابن كيسان ، عن أبي جبير عن أبيه قنبر حاجب علي ، قال : رآني علي فذكره ، وسنده ضعيف ، وثبوت صحبتها مع ذلك يتوقّف على أنّها كانت حينئذٍ مسلمة » (2) .
والنتيجة : فإنّه على جميع الاحتمالات والروايات ، ليس هناك شكّ في أنّ الحنفية ليست من سبيّ قوم الصحابي الجليل مالك بن نويرة .
« ... - ... - ... »
س : هل كان خالد بن الوليد مأموراً بقتل مالك بن نويرة ؟
ج : إنّ خالداً لم يؤمر بالذهاب إلى مالك ، وقد خالفه الأنصار في ذهابه إليه ، وبالتالي يتبيّن بأنّ خالداً ذهب لغرض آخر ، ألا وهو امرأة مالك ، حتّى إنّ مالكاً رضي اللّه عنه أخبرنا بذلك ، وهو شاهد عيان لما يدور حوله ، وما يعرفه من خالد عندما رأى امرأته عند أسره ، وهي مكشوفة الوجه ، قال لها : لقد قتلتيني ، أي أنّي سأقتل بسببك ، وهذا قول من يشاهد الأحداث ، بل المجنى عليه ، وهو
ص: 408
خير شاهد ، وليس هو قول الجاني أو أنصاره ، أو حتّى قولنا بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة .
ولنسرد الروايات والأقوال في مالك ، وقتل خالد له ، ومن أصحّ الكتب والمحقّقين عند أهل السنّة .
1 - قال ابن حجر : « قال المرزباني : وكان - مالك بن نويرة - من أرداف الملوك ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله استعمله على صدقات قومه ، فلمّا بلغته وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمسك الصدقة وفرّقها في قومه » (1) .
2 - روى عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري : « إنّ أبا قتادة قال : خرجنا في الردّة حتّى إذا انتهينا إلى أهل أبيات ، حتّى طلعت - أي طفقت - الشمس للغروب ، فأرشفنا إليهم الرماح ، فقالوا : من أنتم ؟ قلنا : نحن عباد اللّه ، فقالوا : ونحن عباد اللّه ، فأسرهم خالد بن الوليد ، حتّى إذا أصبح أمر أن يضرب أعناقهم .
قال أبو قتادة : فقلت : اتقِ اللّه يا خالد ! فإنّ هذا لا يحلّ لك ، قال : اجلس ، فإنّ هذا ليس منك في شيء .
قال : فكان أبو قتادة يحلف لا يغزو مع خالدٍ أبداً .
قال : وكان الأعراب هم الذين شجّعوه على قتلهم من أجل الغنائم ، وكان ذلك في مالك بن نويرة » (2) .
3 - روى المتّقي الهندي عن أبي عون وغيره : « إنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك ابن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت ، وشهد له بذلك أبو قتادة ، وعبد اللّه بن عمر ، فقدّمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد امرأته ، فقال - أي عمر - لأبي بكر : إنّه قد زنى فارجمه ، فقال أبو بكر : ما كنت لأرجمه ، تأوّل فأخطأ . .
ص: 409
قال : فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله ، قال : ما كنت لأقتله ، تأوّل فأخطأ .
قال : فاعزله ، قال : ما كنت لأشيم - أي لأغمد - سيفاً سلَّه اللّه عليهم أبداً » (1) .
4 - روى ابن عساكر الزهري عن سالم عن أبيه قال : « قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعاً شديداً ، فكتب إلى خالد ، فقدم عليه ، فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأوّل فأخطأ » ؟ (2) .
5 - أقرّ ابن حجر بأسلوب خالد وتصرّفاته فقال : « وكان سبب عزل عمر خالداً ما ذكره الزبير بن بكار قال : كان خالد إذا صار إليه المال قسّمه في أهل الغنائم ، ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً ، وكان فيه تقدّم على أبي بكر ، يفعل أشياء لا يراها أبو بكر ، أقدم على قتل مالك بن نويرة ، ونكح امرأته ، فكره ذلك أبو بكر ، وعرض الدية على متمم بن نويرة ، وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك ، ولم يرَ أن يعزله ، وكان عمر ينكر هذا وشبههُ على خالد ، وكان أميراً عند أبي بكر ... » (3) .
6 - أمّا ابن كثير فقد روى قصّة مالك مع خالد كما يلي : « فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي : كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة ، فلمّا اتصلت بمسيلمة - لعنهما اللّه - ثمّ ترحّلت إلى بلادها - فلمّا كان ذلك - ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره ، وتلوَّم في شأنه ، وهو نازل بمكان يقال له : البطاح ، فقصدها خالد بجنوده ، وتأخّرت عنه الأنصار ، وقالوا : إنّا قد قضينا ما أمرنا به الصدّيق ، فقال لهم خالد : إنّ هذا أمر لابدّ من فعله ، وفرصة لابدّ من انتهازها ، وإنّه لم يأتني فيها كتاب ، وأنا الأمير ، وإليّ .
ص: 410
تردّ الأخبار ، ولست بالذي أجبركم على المسير ، وأنا قاصد البطاح !!
فسار يومين ، ثمّ لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به ، فلمّا وصل البطاح ، وعليها مالك بن نويرة ، فبثّ خالد السرايا في البطاح ... فجاءته السرايا ، فأسروه وأسّروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة - الحرث بن ربعي الأنصاري - أنّهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون - أي الأعراب الذين ذكرهم أبو قتادة كما في الرواية الأُولى أنّهم شجّعوا خالداً من أجل الغنائم - : أنّهم لم يؤذّنوا ولا صلُّوا ... وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة ، فلمّا سمع الداعية ، خرج وقد فرغوا منهم !! فقال : إذا أراد اللّه أمراً أصابه .
واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة !! وهي أُمّ تميم ابنة المنهال ، وكانت جميلة !! فلمّا حلّت بني بها - وهذا تردّه الروايات الأُخرى الأصحّ منه - ... وأمر برأسه فجعله مع حجرين ، وطبخ على الثلاثة قدراً ... ويقال : إنّ شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ، ولم تفرغ الشعر لكثرته !! - لكثرته أم لكرامته ! - وقد تكلّم أبو قتادة مع خالد فيما صنع ، وتقاولا في ذلك ، حتّى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصدّيق ، وتكلّم عمر مع أبي قتادة في خالد ... وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصدّيق خالداً ، وعمر يساعده ، وينشد الصدّيق ما قال في أخيه من المراثي ، فوداه الصدّيق من عنده ... واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة ، وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله » ! (1) .
7 - ونختم برواية ابن الأثير ، ونكتفي بقوله وتعليقه : « مالك بن نويرة ... قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، واستعمله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على بعض صدقات بني تميم ، فلمّا توفّي النبيّ صلى اللّه عليه وآله وارتدّت العرب ، وظهرت سجاح ، وادعت النبوّة صالحها ، إلّا إنّه لم تظهر عنه ردّة ، وأقام بالبطاح ، فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان ، .
ص: 411
سار إلى مالك ، وقدم البطاح ، فلم يجد به أحد ، كان مالك قد فرّقهم ونهاهم عن الاجتماع ، فلمّا قدم خالد البطاح بثّ سراياه ، فأتى بمالك بن نويرة ونفرٍ من قومه ، فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فحبسهم في ليلة باردة ، وأمر خالد فنادى ادفئوا أسراكم ...!! ، فخرج وقد قُتِلوا ، فتزوّج خالد امرأته !!
فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثرَ عليه ، فقال أبو بكر : تأوّل فأخطأ ، ولا أشيم سيفاً سلّه اللّه على المشركين ، وودى مالكاً ، وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدّو اللّه ، قتلت امرءاً مسلماً ، ثمّ نزوت على امرأته ، لأرجمنّك .
وقيل : إنّ المسلمين لما غشّوا مالكاً وأصحابه ليلاً أخذوا السلاح ، فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم : ضعوا السلاح وصلُّوا ... فقدم متمم على أبي بكر يطلب بدم أخيه ، وأن يردَّ عليهم سبيهم ، فأمر أبو بكر بردِّ السبيّ ، وودى مالكاً من بيت المال ... فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمّة ، ويدلّ على أنّه لم يرتَدَّ .
وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد أختلف في ردّته ، وعمر يقول لخالد ٍ : قتلت امرءاً مسلماً ، وأبو قتادة يشهد أنّهم أذّنوا وصلّوا ، وأبو بكر يردّ السبيّ ، ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدلّ على أنّه مسلم ... رحمه اللّه ورضي عنه » (1) .
أقول : ونستفيد من هذه الروايات أيضاً بأنّ سبي خالد لقوم مالك ليس شرعيّاً .
ونختم برواية تشهد لما قدّمناه من سبب قتل خالدٍ مالكاً كما يرويها الذهبي : « إنَّ خالداً بثّ السرايا ، فأتي بمالك ، فاختلف قول الناس فيهم وفي .
ص: 412
إسلامهم ، وجاءت أُمّ تميم كاشفة وجهها فأكبّت على مالك ، وكانت أجمل الناس ، فقال لها : إليك عنّي ، فقد واللّه قتلتني .
فأمر بهم خالد ، فضُربت أعناقهم ، فقام أبو قتادة فناشده فيهم ، فلم يلتفت إليه ، فركب أبو قتادة فرسه ، ولحق بأبي بكر وحلف : لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد .
وقال : ترك قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم » (1) ، ورواه أيضاً ابن عساكر (2) .
وقال ابن حجر : « وروى ثابت بن قاسم في الدلائل : إنّ خالداً رأى امرأة مالك ، وكانت فائقة في الجمال ، فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتيني ، يعني سأُقتل من أجلك » (3) .
فقد ثبت من كلّ ذلك أنّه ليس هناك ردّة لمالك ، ولا سبي صحيح ، بل أرجع لهم سبيهم ، وبقي مالك مسلماً صحابياً جليلاً .
« خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »
س : في الحقيقة أردت أن أسال سماحتكم عن ابن النديم ، صاحب كتاب الفهرست ، هل هو شيعي - كما يقول البعض - أم أنّه من العامّة ؟ وبارك اللّه فيكم ، ونسألكم الدعاء .
ج : هناك الكثير من المؤشّرات التي ترجّح عدم كون ابن النديم شيعياً ، منها :
1 - عدم ترجمة النجاشي والشيخ الطوسي له في كتابيهما ، فيظهر منه أنّ
ص: 413
الرجل من أهل العامّة (1) .
2 - عندما يذكر الأئمّة عليهم السلام لا يقول : الإمام الصادق مثلاً ، بل يقول : جعفر الصادق ، دون الإشارة إلى إمامته ، وهذا على خلاف عادة الكتّاب الشيعة .
3 - عندما يذكر مؤمن الطاق ، يعنونه بشيطان الطاق ، ثمّ يقول : إنّ الشيعة تلقّبه بمؤمن الطاق .
4 - تتلمذه على البلاذري نديم المتوكّل العباسيّ ، المعروف بعدائه ونصبه لأهل البيت عليهم السلام .
5 - تقديمه لذكر فقهاء المذاهب الأُخرى على فقهاء الشيعة في كتاب الفهرست .
6 - بعض الذين وصفوه بالتشيّع ، استدلّوا على ذلك بحجج واهية ، فمثلاً الزركلي يقول عنه : « وكان معتزلياً متشيّعاً ، يدلّ كتابه على ذلك ، فإنّه كما يقول ابن حجر ، يسمّي أهل السنّة الحشوية ، ويسمّي الأشاعرة المجبّرة ، ويسمّي كلّ من لم يكن شيعياً عامّياً » (2) .
فإنّ ذكره لأسمائهم هذه المتداولة في عصره لا تجعله لوحدها شيعياً .
« عبد اللّه - السعودية - 38 سنة »
س : ربما يقول أو يشكل بعضهم : إنّ أكثر استشهاداتك مأخوذة من كتاب العقد الفريد للأندلسي ، وهذا الكتاب كتاب أدب ، وفيه ما فيه من المبالغات والتصوّرات والتخيّلات التي لا واقع لها ، كما يفعل الشعراء والأدباء في وصفهم للأحداث والأشياء ، إذ تراهم يبالغون في الوصف للوصول إلى الغاية الأدبية ، أو قد يتصوّرون تصوّرات يسقطونها على أحداث واقعية .
ص: 414
وابن عبد ربّه الأندلسي أديب ، ولا يستثنى من هذه القاعدة ، وكتابه هو كتاب أدب ، وليس كتاب تاريخ ، أو أحاديث يوثق به ويطمئن إليه ، بل أكثر من ذلك ، إذ يعمد أحياناً إلى اتهام العقد الفريد أنّه مشحون بالأكاذيب ، طبعاً هذا ما قاله لي أحد الأصدقاء السنّة في معرض ردّه عليّ حين استدلالي بالعقد الفريد على نقطة أثرتها معه .
ج : أعلم أنّنا لا نقول بصحّة كلّ ما في بطون الكتب - إلّا كتاب اللّه تعالى - كما يفعل إخواننا السنّة ، بل كلّ كتاب عندنا مهما تكن وثاقته ، مؤلّفه خاضع عندنا للجرح والتعديل ، وهذا ما تجده في كثير من بحوث علمائنا ، هذا من جهة .
أمّا الجهة الأُخرى ، فالرواية وإن وردت في العقد الفريد ، فإنّ كانت ذات سند فنبحث عن سندها ، وكذلك ما يعضدها من مصادر أُخرى وردت فيها ، وبالتالي يرتقي بحثك إلى صورة علمية واقعية لا تقبل الشكّ ، وهذا ليس بخصوص العقد الفريد ، بل كلّ كتاب فهو ليس وحده مشحون بالأكاذيب - على قولك - بل حتّى كتب التاريخ والرواة وغيرهم مشحونة بالأكاذيب ، فكان الخليفة يعطي لمن يضع حديث في ذمّ علي عليه السلام الآلاف من الدنانير الذهب من بيت مال المسلمين ، فما المانع من وضعها ؟!
كما فعل بعض ممّن يعدّ من الصحابة ومجموعة من التابعين !!
« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »
س : سؤالي حول ابن الصبّاغ المالكي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .
ج : ابن الصبّاغ المالكي ، من مشاهير فقهاء المالكية ، وقد أكثر النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه « جواهر العقدين » ، وعبّر عنه الشيخ أحمد ابن عبد القادر العجيلي الشافعي ب- : « الشيخ الإمام علي بن محمّد الشهير بابن
ص: 415
الصبّاغ من علماء المالكية » .
وقد ذكر رشيد الدين خان الدهلوي كتاب « الفصول المهمّة » لابن الصبّاغ ، وقال : « إنّه من كتب أهل السنّة » .
وقد أكثر النقل من كتاب « الفصول المهمّة » عبد اللّه بن محمّد المدني الشافعي في كتابه « الرياض الزاهرة » .
وترجم له الزركلي في « الأعلام » بقوله : « ابن الصبّاغ : فقيه مالكي ... » (1) .
ويروي عنه بالإجازة السخاوي ، وينقل عن فصوله المهمّة الصفوري في « نزهة المجالس » ، ونقل عنه الحلبي في سيرته ، والشيخاني القادري في « الصراط السوي » ، ومحمّد محبوب عالم في تفسيره ، والصبّان في « إسعاف الراغبين » ، والعدوي الحمزاوي في « مشارق الأنوار » ، والشبلنجي في « نور الأبصار » (2) ، والمولوي الدهلوي في « سعادة الكونين » ، والبلخي في « ينابيع المودّة » ، ونجم الدين المكّي في « اتحاد الورى » .
وكان ابن الصبّاغ المالكي يلقّب بألقاب التفخيم كالعلّامة والإمام ، والشيخ والبحر إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير ، التي تنم عن علوّ منزلته العلمية وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتفقوا بأنّ ابن الصبّاغ كان من أكابر علماء السنّة ، وأعاظم محدثيهم .
« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »
س : سؤالي حول سبط ابن الجوزي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .
ص: 416
ج : لقد أثنى عليه علماء أهل السنّة ، واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ، ووثّقوه وأطّروه ، ومنهم :
أ - ابن خلكان بترجمة ابن الجوزي : « وكان سبطه شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه ، وقبول عند الملوك وغيرهم ، وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطّه في أربعين مجلّداً ، سمّاه مرآة الزمان ... » (1) .
ب - اليافعي : « العلّامة الواعظ المؤرّخ ... اسمعه جدّه ، ومن جماعة ، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة ، فوعظ بها وحصل له القبول العظيم ، للطف شمائله ، وعذوبة وعظه ، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّداً ، وشرح الجامع الكبير ، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة ، ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبلياً ، ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك » (2) .
ج - القطب التوسي ، وقد عظّم شأن مرآة الزمان القطب التوسي ، فقال في الذيل الذي كتبه بعد أن ذكر التواريخ : فرأيت أجمعها مقصداً ، وأعذبها مورداً ، وأحسنها بياناً ، وأصحّها رواية ، تكاد جنّة ثمرها تكون عياناً مرآة الزمان .
وقال في ترجمته : « كان له القبول التامّ عند الخاصّ والعامّ من أبناء الدنيا ، وأبناء الآخرة ، ولما ذكر أنّه تحوّل حنفياً لأجل المعظم عيسى ، قال : إنّه كان يعظم الإمام أحمد ، ويتغالى فيه ، وعندي أنّه لم ينقل عن مذهبه إلّا في الصورة الظاهرة » (3) .
د - الأزنيقي : « شمس الدين أبو مظفّر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه ، وقبول عند الملوك وغيرهم ، .
ص: 417
روي عن جدّه ببغداد ، وسمع ابن الفرج ابن كليب وابن طبرزد ، وسمع بالموصل ودمشق وحدّث بها وبمصر ... » (1) .
ه- - الذهبي : « ابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ ... درّس وأفتى ، وكان في شيبته حنبلياً ، توفّي في الحادي والعشرون من ذي الحجّة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك » (2) .
ومحمود بن سليمان الكفوي : « يوسف بن قزغلي بن عبد اللّه البغدادي ، سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، صاحب مرآة الزمان في التاريخ ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه ... تفقّه وبرع وسمع من جدّه ... وكان إماماً عالماً فقيهاً ، واعظاً جيّداً نبيهاً ، يلتقط الدرر من كلمه ، ويتناثر الجوهر من حكمه ... وله القبول التامّ عند العلماء والأمراء ، والخاصّ والعامّ ، وله تصانيف معتبرة مشهورة ... » (3) .
ز - ابن الوردي : « الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي ، واعظ فاضل ، له مرآة الزمان تاريخ جامع ، قلت : وله تذكرة الخواص من الأُمّة من مناقب الأئمّة » (4) .
ح - أبو مؤيّد الخوارزمي : « أمّا المسند الأوّل ، وهو مسند الأُستاذ أبي محمّد الحارثي البخاري ، فقد أخبرني الأئمّة بقراءتي عليهم : ... والشيخ الإمام شمس الدين يوسف بن عبد اللّه ، سبط الإمام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه ... » (5) .
وهذا ولقد اعتمد على روايته جمهور علماء السنّة ، بل لقد احتجّ بأقواله ورواياته جماعة من متعصّبيهم في مقابل الإمامية ، كالخواجة الكابلي في .
ص: 418
صواعقه ، والدهلوي في كتابه التحفة ، والقاضي السبكي في السيف المسلول ، حيث استندوا إلى روايته ، وقد نصّ محمّد رشيد الدهلوي في إيضاح لطافة المقال على كون سبط ابن الجوزي من قدماء أئمّة الدين المعتمدين عند أهل السنّة » (1) .
« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »
س : سؤالي حول القندوزي الحنفي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .
ج : الشيخ سليمان بن إبراهيم ، من أعلام الحنفية في الفروع ، وأساطين النقشبندية في الطريقة ، وقد كتب ولده وخليفته الشيخ عبد القادر أفندي إلى بعض الأفاضل الذين ترجموه : إنّ والده كان حنفي المذهب نقشبندي المشرب .
ولعلّ ما شمله من عواطف السلطان عبد العزيز في دار الخلافة - الآستانة - وتعينه من قبله بمسند مشيخة تكية الشيخ مراد البخاري ، وامتثاله للأمر ومباشرته له دليل على بعد مذهبه عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكتابه « ينابيع المودّة » الذي يشير فيه إلى فضائل الإمام علي عليه السلام وحده لا يكفي على تشيّعه .
« ... - البحرين - 13 سنة - طالبة »
س : ما هو موقف الشيعة من كتاب « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » ؟ ومن مؤلّفه الشيخ النوري الطبرسي ؟ وأشكر حسن تعاونكم .
ص: 419
ج : الشيخ النوري الطبرسي هو أحد محدّثي الطائفة ، الذي بذل وسعه في جمع الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام وغيرهم ، وكتابه هذا جمع فيه الأحاديث التي تنسب التحريف للقرآن ، ولا يعني جمعه لهذه الأحاديث أنّه يقول بتحريف القرآن ، بل كان هدفه هو جمع تلك الروايات التي تنسب التحريف للقرآن ، فالرواية شيء والاعتقاد شيء آخر .
والذي يمعن النظر في كتاب « فصل الخطاب » يرى : أنّ المحدّث النوري لم ينكر ما قام عليه الإجماع ، واتفاق المسلمين من عدم الزيادة ، ولم يقل إنّ القرآن قد زيد فيه ، بل قد صرّح بامتناع زيادة الآية أو تبديلها ، فقال : « وهما منتفيان بالإجماع ، وليس في أخبار التغيير ما يدلّ على وقوعهما ، بل فيها ما ينفيهما » (1) .
وقد اعترف المحدّث المذكور بخطئه في تسمية هذا الكتاب ، كما حكى عنه تلميذه الشهير ، وخرّيج مدرسة العلم ، الثقة الثبت الشيخ آقا بزرك الطهراني - مؤلّف كتاب « الذريعة » ، و « أعلام الشيعة » - فقال : ذكرنا في حرف الفاء من الذريعة عند ذكرنا لهذا الكتاب مرام شيخنا النوري في تأليفه « فصل الخطاب » ، وذلك حسبما شافهنا به ، وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه ، فإنّه كان يقول : « أخطأت في تسمية الكتاب ، وكان الأجدر أن يسمّى بفصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب ، لأنّي أثبتت فيه أنّ كتاب الإسلام القرآن الشريف الموجود بين الدفتين ، المنتشر في أقطار العالم ، وحي إلهيّ بجميع سوره وآياته وجمله ، ولم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ، ولا زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم ، وقد وصل إلينا المجموع الأوّلي بالتواتر القطعي ، ولاشكّ لأحد من الإمامية فيه ، فبعد ذا أمن الإنصاف أن يقاس الموصوف بهذه الأوصاف بالعهدين ، أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير ؟ .
ص: 420
كما أنّي أهملت التصريح بمرامي في مواضع عديدة من الكتاب ، حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب والملامة ، بل صرّحت غفلة بخلافه ، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص 22 بالقول : إذ المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقية للمجموع بين الدفتين ، كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد ص 26 » (1) .
هذا رأينا في الكتاب ، أمّا رأينا في صاحبه ، فيقول الشيخ لطف اللّه الصافي : « لم نر في علماء الإمامية ومشايخهم من يعتني بكتاب فصل الخطاب ، ويستند إليه ، وليس بينهم من يعظّم المحدّث النوري لهذا التأليف ، ولو لم يصنّف هذا الكتاب لكان تقدير العلماء عن جهوده في تأليفه غيره من المآثر الرائعة ، كالمستدرك وكشف الأستار وغيرهما ، أزيد من ذلك بكثير ، ولنال من التقدير والإكبار أكثر ما حازه من العلماء وأهل الفضل ، وليست جلالة قدر الرجل في العلم والتتبع والإحاطة بالحديث ممّا يقبل الإنكار » (2) .
« ... - البحرين - 13 سنة - طالبة »
س : ما هو موقف الشيعة من مقولة السيّد نعمة اللّه الجزائري صاحب كتاب « الأنوار النعمانية » ، حيث يقول فيه : « أنّنا لا نشترك معهم في إله ولا نبيّ » ؟ يقصد أهل السنّة ، وأشكر حسن تعاونكم .
ج : لقد أوضح السيّد نعمة اللّه الجزائري مراده في نفس الصفحة ، هو : « إنّ الأشاعرة لم يعرفوا ربّهم بوجه صحيح ، بل عرفوه بوجه غير صحيح ، فلا فرق بين معرفتهم هذه ، وبين معرفة باقي الكفّار ، لأنّه ما من قوم ولا ملّة إلّا وهم يدينون باللّه سبحانه ويثبتونه ، وأنّه الخالق ، سوى شرذمة شاذّة وهم الدهرية ، وأسوأ الناس حالاً المشركون أهل عبادة الأوثان ، ومع هذا فهم إنّما يعبدون
ص: 421
الأصنام لتقرّبهم إلى اللّه سبحانه زلفى ، فقد عرفوا اللّه سبحانه بهذا الباطل ، وهو كون الأصنام مقرّبة إليه ، وكذلك اليهود ، حيث قالوا : عزير ابن اللّه ، والنصارى حيث قالوا : المسيح ابن اللّه ، فهما قد عرفاه سبحانه بأنّه ربّ ذو ولد ، فقد عرفاه بهذا العنوان ، وكذلك من قال بالجسم والصورة والتخطيط ، و ... .
فقد تباينا وانفصلنا عنهم في الربوبية ، فربّنا من تفرّد بالقدم والأزل ، وربّهم من كان شركاؤه في القدم ثمانية .
وكذلك الحال بالنبوّة ، فالنبيّ الذي خليفته أبو بكر ليس نبيّنا ، بل نبيّنا الذي أوصى بالإمامة بعده لعلي عليه السلام ، فهذا النبيّ الذي تصفونه بهذه المواصفات التي لا تنطبق على المواصفات التي نقولها للنبيّ صلى اللّه عليه وآله هي التي جعلتنا لا نقول بذلك النبيّ مع تلك المواصفات » .
أمّا رأينا في السيّد الجزائري فهو من محدّثي الطائفة الذين دأبوا على جمع الأخبار والتعليق عليها ، والعلماء ينظرون إليه بالامتنان للجهود التي بذلها في إيصال الأخبار إلينا ، وهم غير ملزمين بالأخذ بكلّ ما يقوله المحدّث الجزائري من آرائه العلمية ، بل هو ثقة في نقله الأخبار .
ص: 422
« قاسم لاجوردي نيا - إيران - ... »
س : لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ؟
ج : إنّ المثل العليا والقيم الساعية التي جسّدها الإمام الحسين عليه السلام في الطفّ ، جعلت السائرين على نهجه ، والمرتبطين به يحيون ذكراه ، وينشرون مآثره ، باعتبارها خير أسوة يتأسّى بها الناس .
فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً ، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم ، أمر طبيعي وغير مستهجن ، لأنّه نابع من ذات الإنسان ، ومتصل بفطرته ، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة ، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الأحداث العظيمة فيها ، وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء ؟!
لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ ، لما جرى فيها من فجائع من جهة ، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى .
فالشيعة يقيمون هذه المآتم ، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق ، ومن منطلقات أُخرى ، منها :
1 - امتثال أمر اللّه تعالى ، والقاضي بمودّة العترة الطاهرة ، حيث قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) ، ومواساة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكى على
ص: 423
الإمام الحسين عليه السلام ، وهو لم يزل في سني الطفولة .
فقد ورد عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟! فقال : « أخبرني جبرائيل ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها مضجعه » (1) .
2 - نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له ، وخذلاناً للباطل وإماتة له ، وهذا الأمر من أجله أوجب اللّه تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3 - إنّ إحياءنا لهذه الذكرى ، حفظ لها من الضياع ، وصون لمبادئها من التزييف ، ولولا ذلك لاضمحلت ، وخبت جذوتها ، ولأنكرها المخالفون ، كما حاولوا إنكار غيرها !!
4 - بإقامتنا لهذه الشعائر - لاسيّما المجالس الحسينية - نكشف عن منهج مدرستنا ، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات ، حيث يعرض التفسير والتاريخ ، والفقه والأدب ، و ... فهي مؤتمرات دينية ، تطرح فيها مختلف المعارف والعلوم .
5 - إنّ إحياءنا لهذه الشعائر ، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل ، لأنّها حية وغير معقّدة ، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس !
فالإحياء والمشاركة ، والتنمية لشعائر الحسين عليه السلام إحياء لذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه قال : « حسين منّي وأنا من حسين » (2) فهما عليهما السلام من سنخ واحد ، .
ص: 424
وإحياء ذكرى النبيّ صلى اللّه عليه وآله إحياء للدين ، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام .
وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر ، فمن أرادها فليطلبها من مضانّها .
« أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية »
س : ما ردّكم على من يعتبر لطم الصدور ومواكب العزاء بدعة ؟
ج : إنّ مجالس العزاء التي تقام لأهل البيت عليهم السلام - خصوصاً للإمام الحسين عليه السلام - بشكل عامّ ، أو التي تقام لذوي الفضل والفضيلة بشكل خاصّ ليست ببدعة .
لأنّ البدعة هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، ومجالس العزاء لذوي الفضل والفضيلة - فضلاً عن أهل البيت عليهم السلام والحسين عليه السلام - من الدين ، لوجود النصوص الشرعية من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، على استحباب إقامتها ورجحانها ، منها :
1 - روى البخاري في صحيحه ، في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ، بسنده عن عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر وابن رواحه ، جلس يعرف فيه الحزن ... » (1) .
قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود » (2) .
ص: 425
2 - روى البخاري في صحيحه ، في الباب المذكور ، بسنده عن أنس قال : « قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شهراً حين قتل القرّاء ، فما رأيت رسول اللّه حزن حزناً قط أشدّ منه » (1) .
فإذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن عليهم ، جاز الجلوس لذلك ، ولنقتصر على هذا القدر من الروايات ، وإن أردتم التفصيل فعليكم بمراجعة كتاب « سيرتنا وسنّتنا » للعلّامة الأميني قدس سره .
وأمّا اللطم على الصدور ، فهو من حيث الأصل مباح شرعاً ، إذا كان القيام به لهدف مشروع ، وغرض عقلائي ، ولم يترتّب عليه ضرر كبير .
ودليلنا الشرعي على جوازه ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (2) ، وأيضاً ذكره الشهيد في الذكرى (3) .
وهناك وجوه تدلّ على حسنه وصحّته ، نذكر أهمّها :
الأوّل : توقّع الثواب من اللّه سبحانه وتعالى والأجر ، حيث إنّ اللطم على الصدور هو مصداق من مصاديق إظهار الحزن ، وعلامة من علامات الحبّ والولاء الشديد لأهل البيت عليهم السلام المظلومين وللإمام الحسين عليه السلام ، الذي ضحّى بكلّ شيء من أجل الدين .
الثاني : تعظيم شعائر أهل البيت عليهم السلام ، وتعزيز عظمتهم وتكريم مقامهم أمام الرأي العام .
الثالث : يرمز إلى تأييد الإمام الحسين عليه السلام في ثورته المباركة ، وإعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين ، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار .
ص: 426
والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل .
إذاً ظهر من هذا أنّ اللطم على الصدور ليس ببدعة ، بل هو أمر جائز ، بل راجح إذا كان لأجل مظلومية أهل البيت عليه السلام ، لاسيّما الإمام الحسين عليه السلام .
« موسى - السعودية - ... »
س : لو سمحتم أن توردوا لنا مصادر - سواء من كتبنا أو من كتب العامّة - على أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام نصب عزاءً للإمام الحسين عليه السلام ، وأنّه كرّر ذكر مظلوميته في كلّ سنة ، وشكراً جزيلاً لكم .
ج : أوّلاً : إنّ أوّل مجلس نصبه الإمام زين العابدين عليه السلام هو في الشام ، عندما خطب في ذلك الحشد ، وأخذ ينعى ويعدّد صفات أبيه ومظلوميته ، والناس من حوله تبكي ، فهذا مجلس عزاء أقامه الإمام زين العابدين عليه السلام في الجامع الأموي (1) .
ثانياً : ما كان يفعله الإمام زين العابدين عليه السلام عند مروره بالقصّابين ، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وأخذه البكاء أمامهم ، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين عليه السلام في الملأ العام ، وليس فقط تذكير .
ثالثاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال : « حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليهما السلام في مثل هذه الأيّام - يعني محرّم - فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً قال لي : « مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه » ، ثمّ وسّع لي في مجلسه ، وأجلسني إلى جانبه ، ثمّ قال لي : « أن تنشدني شعراً ، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيّام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أُمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على
ص: 427
مصابنا ولو واحداً كان أجره على اللّه ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره اللّه معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة » ، ثمّ إنّه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام ، ثمّ التفت إليّ وقال لي : « يا دعبل إرث الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ، ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت » ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (1)
فهنا الإمام عليه السلام عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين عليه السلام ، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته .
رابعاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض المؤلّفات ، أنّه لمّا أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ابنته فاطمة عليها السلام بقتل ولدها الحسين عليه السلام ، وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة بكاءً شديداً ، وقالت : « يا أبت متى يكون ذلك » ؟ قال : « في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي » ، فاشتدّ بكاؤها وقالت : « يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له » ؟
فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا فاطمة إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة ، فإذا كان القيامة ، تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال ، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده ، وأدخلناه الجنّة » (2) .
خامساً : روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « إن.
ص: 428
المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ... » .
ثمّ قال عليه السلام : « كان أبي (صلوات اللّه عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيّام منه ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام » (1) .
فالإمام عليه السلام أقام العزاء للإمام الحسين عليه السلام ، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه ، وتغيّر لونه .
وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم ، نعم تبقى مسألة لابدّ من الالتفات إليها ، وهي حالة الأئمّة عليهم السلام وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة ، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية - هي التي وقعت فيها معركة كربلاء - والعباسية ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام ، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن ، لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة ، ويريد أن يحفظ نفسه ، ويقوم بما هو المطلوب منه ، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفية التي عليها نحن اليوم .
« عبد العزيز - الكويت - 27 سنة - خرّيج معهد التكنلوجيا »
س : ما هو الدليل على جواز إقامة الاحتفالات في أفراح محمّد وآل محمّد ؟ على أن يكون الجواب من المصادر السنّية ، جزاكم اللّه خير الجزاء .
ص: 429
ج : هناك استدلالات عديدة لجواز الاحتفال بمولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، استدلّ بها علماء الفريقين ردّاً على الوهّابية ، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده صلى اللّه عليه وآله بدعة ، من الأدلّة :
1 - قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) ، باعتبار أنّ شعائر اللّه تعالى هي أعلام دينه ، خصوصاً ما يرتبط منها بالحجّ ، لأنّ أكثر أعمال الحجّ إنّما هي تكرار لعمل تاريخي ، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم عليه السلام ، وشعائر اللّه مفهوم عامّ شامل للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ولغيره ، فتعظيمه صلى اللّه عليه وآله لازم .
ومن أساليب تعظيمه ، إقامة الذكرى في يوم مولده ونحو ذلك ، فكما أنّ ذكرى ما جرى لإبراهيم عليه السلام من تعظيم شعائر اللّه سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبيّ الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله يكون من تعظيم شعائر اللّه سبحانه .
2 - قوله تعالى : ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ) (2) ، فإنّ المقصود بأيّام اللّه ، أيّام غلبة الحقّ على الباطل ، وظهور الحقّ ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة ، فإنّ إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام اللّه سبحانه .
3 - قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) (3) ، إذ من المصاديق الجلية لرحمة اللّه سبحانه ، هو ولادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، الذي أرسله اللّه رحمة للعالمين ، فالفرح بمناسبة ميلاده صلى اللّه عليه وآله مطلوب ومراد .
4 - قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (4) ، فإنّ الاحتفالات بميلاده صلى اللّه عليه وآله ما هي إلّا رفع لذكره ، وإعلاء لمقامه . .
ص: 430
5 - قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) ، بأنّ مودّة ذوي القربى مطلوبة شرعاً ، وقد أمر بها القرآن صراحة ، فإقامة الاحتفالات للتحدّث عمّا جرى للأئمّة عليهم السلام ، لا يكون إلّا مودّةً لهم ، إلّا أن يدّعى أنّ المراد بالمودّة الحبّ القلبي ، ولا يجوز الإظهار .
6 - قوله تعالى : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) (2) ، باعتبار أنّ إقامة الاحتفال للتحدّث عنه صلى اللّه عليه وآله فيه نوع من التعظيم والنصرة له .
7 - قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) ، فقد اعتبر يوم نزول المائدة السماوية عيداً وآية ، مع أنّها لأجل إشباع البطون .
فيوم ميلاده صلى اللّه عليه وآله ، ويوم بعثته ، الذي هو مبدأ تكامل فكر الأُمم على مدى التاريخ ؛ أعظم من هذه الآية ، وأجل من ذلك العيد ، فاتخاذه عيداً يكون بطريق أولى .
8 - قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، فقد قال الحلبي : « أي وقد أقسم اللّه بليلة مولده صلى اللّه عليه وآله قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، وقيل أراد بالليل ليلة الإسراء ، ولا مانع أن يكون الإقسام وقع بهما ، أي استعمل الليل فيهما » (4) .
9 - إنّ الاحتفال بالمولد سنّة حسنة ، وقد قال صلى اللّه عليه وآله : « من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها » (5) .
10 - بأنّ جلّ أعمال مناسك الحجّ ما هي إلّا احتفالات بذكرى الأنبياء ، .
ص: 431
فأمر اللّه تعالى باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى إحياء لذكرى شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو تخليد لذكرى هاجر حينما عطشت هي وابنها إسماعيل ، فكانت تسعى بين الصفا والمروة ، وتصعد عليهما لتنظر ، هل ترى من أحد .
ورمي الجمار تخليد لذكرى إبراهيم عليه السلام ، حينما ذهب به جبرائيل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع أحجار فساخ .
وذبح الفداء ، إنّما هو تخليد لذكرى إبراهيم عليه السلام أيضاً ، حينما أُمر بذبح ولده إسماعيل ، ففداه اللّه بذبح عظيم .
وفي بعض الأخبار : إنّ أفعال الحجّ إنّما هي احتفال بذكرى آدم ، حيث تاب اللّه عليه عصر التاسع من ذي الحجّة بعرفات ، فأفاض به جبرائيل حتّى وافى إلى المشعر الحرام فبات فيه ، فلمّا أصبح أفاض إلى منى ، فحلق رأسه إمارة على قبول توبته ، وعتقه من الذنوب ، فجعل اللّه ذلك اليوم عيداً لذرّيته .
فأفعال الحجّ كلّها تصير احتفالات ، وأعياداً بذكرى الأنبياء ، ومن ينتسب إليهم ، وهي باقية أبد الدهر .
وأخيراً : أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، هو دليل الفطرة والدين والشرع منسجم تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها - فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمثل والقيم التي يؤمنون بها ، على احترام الأشخاص الذين بشرّوا بها ، وضحّوا في سبيلها ، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك .
ورأوا : أنّ إحياء الذكرى لهؤلاء الأشخاص ، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص ، وإنّما من أجل أنّهم بذلك يحيون تلك القيم والمثل في نفوسهم ، وتشدّ الذكرى من قوّة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها ، وترسّخها في نفوسهم ، وتعيدهم إلى واقعهم .
وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصّون به بعض الأيّام ، أو بعض الأماكن ، وقديماً قيل :
ص: 432
مررت على الديار ديار ليلى *** أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبُّ الديار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الديارا
ويلاحظ : إنّ الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات ، التي تمثّل تحوّلاً من نوع ما في حياة الناس عامّة لا يقتصر على فئة دون فئة ، ولا يختصّ بفريق دون فريق ، فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والملك والسوقة ، والعالم والجاهل ، والمؤمن والكافر ، وغيرهم ، الكلّ يشارك في إقامة الذكريات للمثل والقيم ، ومن يمثلها حسب قدراته وإمكاناته .
فهذه الشمولية تعطينا : إنّ هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية ، تنبع من داخل الإنسان ، ومن ذاته ، وتتصل بفطرته وسجيته ، حينما يشعر أنّه بحاجة إلى أن يعيش مع ذكرياته وآماله ، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسّد له طموحاته .
فيوم ولادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو يوم فرح المسلمين ، ويوم عيد وبهجة لهم ، ولابدّ وأن يستجيب الإسلام لنداء الفطرة ، ويلبّي رغباتها مادامت منسجمة مع منطلقاته وأهدافه ، ولا يحرمها من عطاء رحمته وبرّه ... مادام أنّه دين الفطرة ، الذي يوازن بين جميع مقتضياتها ، ويعطيها حجمها الطبيعي من دون أن يكون ثمّة إهمال مضرّ ، أو طغيان مدمّر .
وهذه هي عظمة تعاليم الإسلام ، وهذا هو رمز الخلود له ، وفّقنا اللّه للسير على هدى هذا الدين ، والالتزام بشريعة ربّ العالمين ، إنّه خير مأمول ، وأكرم مسؤول .
« يعرب البحراني - الإمارات - ... »
س : اللطم أثناء المأتم الحسيني ، ما هو الدليل الشرعي عليه ؟ وبداية نشوئه في أيّ فترة من التاريخ الإسلامي ؟
ج : من الأدلّة على جواز اللطم في المجالس الحسينية هو الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا
ص: 433
البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (1) ، واللطم نوع من الجزع .
ولا يخفى عليكم ، أنّ النهي عن الجزع نهي تشريعي ، وليس نهياً تكوينياً ، وبالتالي فهو قابل للتخصيص ، وقد ورد تخصيص من الشارع المقدّس لعموم النهي عن الجزع ، هذا أوّلاً .
وثانياً : لأصالة الإباحة ، فطالما لم يكن في اللطم ضرر ، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي .
وثالثاً : اللطم على مصائب أهل البيت عليهم السلام يدخل في باب تعظيم الشعائر ، وشدّ الناس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الإسلام .
وأمّا بداية نشوئه ، فالظاهر أنّه عريق ، كما يبدو من بعض الحوادث التي يذكرها ابن الأثير في تاريخه ، حيث ذكر في الحوادث الواقعة في القرن الرابع والخامس هجري ، أنّه وقع خلاف وصدام بين الشيعة والسنّة ، بسبب بعض أعمال يوم عاشوراء من اللطم وغيره .
« هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية »
س : من فضلكم أُريد أن اعرف هل الشيعة يقيمون عزاءً في ذكرى موت كلّ واحد ؟
ج : إنّ الشيعة تحيي الذكريات ، وتعتقد بأنّ في إحيائها الأجر والثواب ، وإنّها من مصاديق تعظيم شعائر اللّه ، فتحيي ذكريات الأعياد والفرح ، كيوم مولد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والمبعث الشريف ، ومواليد الأئمّة عليهم السلام من أهل البيت ، كما تحيي الشيعة ذكريات الحزن ، كيوم وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام .
ص: 434
والشيعة تؤكّد على إقامة مراسيم العزاء على الميت ، وذلك بالحضور في التشييع ، وإقامة مجالس يقرأ فيها القرآن ، ويهدى ثوابه إلى الميت ، وكذلك الذهاب إلى القبر ، وقراءة القرآن عنده ، وإهداؤه إلى صاحب القبر ، وعمل الأعمال الصالحات ، وإهداؤها إلى روح الميت .
« أحمد - السعودية - ... »
س : البعض يقولون : كيف نتطبّر مع أنّ التطبير مضرّ ؟ وإن لم يكن مضرّاً ، فهو ممّا لا يعقل دخوله ضمن الدين وشعائره ؟
ج : إنّ موضوع التطبير له بحث خاصّ من الناحية الشرعية ، ولا نريد أن ندخل فعلاً في هذا الباب ، ولكن الذي نودّ أن نذكّر به في مورد السؤال هو : أنّه لا دليل على حرمة مطلق الضرر ، وإلّا لكان أكثر المباح حراماً ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به .
وأمّا دخوله ضمن الشعائر فهو يتبع مشروعية العمل أوّلاً ، وتأثيره الإيجابي عند الناس ثانياً .
ولا نقول حينئذ إنّه من صميم الدين ، بل هو من مصاديق الشعائر الحسينية ، التي تشدّ المؤمنين بواقعة كربلاء ، وتحثّهم على التضحية والفداء في سبيل عقيدتهم .
« عصام الحسيني - العراق - 30 سنة - طالب جامعة »
عظّم اللّه لكم الأجر بمصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وجعلكم اللّه من الطالبين بثأره مع إمام منصور من أهل بيت النبوّة عليهم السلام .
أمّا بالنسبة إلى مسألة التطبير ، فإنّها من الأُمور التي جعلها العلماء من المستحبّات ، هذا من الناحية الفقهية ، فإنّنا نجد البعض - ومنهم بعض الشيعة -
ص: 435
ينتقدوننا على هذا العمل ، وذلك لجهلهم الفائدة المتوخّاة من ذلك من جهة ، ولما يؤثّره الإعلام الوهّابي ومن كان على شاكلتهم من جهة أُخرى .
فأقول إلى أخوتي الشيعة : لا تتسرّعوا بالحكم على شيء لا تعرفون أبعاده .
وأمّا بالنسبة إلى صحّته ، فنقول :
1 - ضرب السيّدة زينب عليها السلام بمحمل الرحل ، وسيل الدماء من تحت القناع أمام الإمام زين العابدين عليه السلام ، عندما رأت أهل الكوفة خرجوا ينظرون إليهم ، ولم يمنعها الإمام عليه السلام من ذلك .
2 - ذكر الأئمّة عليهم السلام : « إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (1) ، وأنّ في القرح ألم للناس ، فلو كان الحرمة في ذلك لنهو الناس .
3 - قول الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام في زيارة الناحية : « لأبكين عليك بدل الدموع دماً » (2) ، فلو كان الإدماء حرام فلماذا يفعل ذلك الإمام عليه السلام ؟
4 - إنّه ليس كلّ ما يؤلم الإنسان حرام ، وإلّا لحرم الختان للصبيان ، وثقب الأذن والأنف .
5 - إنّ في التطبير تأسّي بالإمام الحسين عليه السلام الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجلنا ، والذي لم يبق مكان في جسده إلّا وقد أدمي ، وهو ينادي : « وا قلّة ناصراه » ، فلو خرج من قبره لوجد هذه الحشود التي تلبس الأكفان ، ومخضّبة بالدماء جنوداً مجنّدة تحت رايته ، فهذه الدماء أسوة بدماء الحسين عليه السلام ، وما أجمل هذه الأسوة من أجل رجل قدّم كلّ ما يملك من أجل رضا اللّه .
واعلموا أنّ في التطبير رضا لله تعالى ، ولرسوله صلى اللّه عليه وآله ، وللإمام عليه السلام كما قال أحد المراجع .
وهناك أسباب عديدة للتطبير ، يطول المقام لذكرها ، وعظّم اللّه لكم الأجر . .
ص: 436
« ... - السويد - 24 سنة »
إنّ التطبير من الحجامة فلا إشكال فيه ، كذلك إنّ الأصل في الأشياء الحلّ ، ولم يأتي دليل بتحريمه .
والعقيلة زينب عليها السلام حين ضربت برأسها مقدّم المحمل أمام الإمام زين العابدين عليه السلام لم ينهاها ، وكذلك أنّ الفاطميات خمشن وجوههن ، وأنّ التطبير لا يوهن المذهب مثله ، مثل رمي الجمرات في الحجّ مثلاً ، وأنّ قضية الضرر وما يترتّب عليها ما ورد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة من بعده عليهم السلام ورد عن بعضهم القيام في الليل حتّى تتفطّر أقدامهم ، وما ورد من أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام حجّ ماشياً - كالإمام السجّاد عليه السلام - حتّى تورّمت قدماه .
ألا يكون هذا فعل جائز مع وقوع الضرر في فعله ، فيكون كذلك التطبير فيه ضرر ، ولكن جائز الفعل مثله مثل القيام في الليل حتّى تتفطّر القدم ، ويحصل الضرر ؟!
وورد في زيارة الناحية المقدّسة : « ولأبكين عليك بدل الدموع دماً » (1) .
كما ورد في الروايات : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (2) فيكون هنا خصوصية لجواز فعل التطبير ، بل واستحبابه .
وما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « رحم اللّه من أحيا أمرنا » (3) ، وما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (4) ، وما ورد عن الإمام السجّاد عليه السلام من أنّه كان يبكي حتّى يمتزج في الإناء دموعه مع دم خارج من عينه .
ص: 437
وما ورد عن الإمام السجّاد عليه السلام من أنّه يقوم الليل حتّى تتفطّر قدماه ، وهذا فيه ضرر ، مع ذلك لم يترك هذا الأمر ، إذ ليس كلّ أمر فيه ضرر يكون محرّماً .
« علي - ... - ... »
س : ما هو التفسير الديني والعلمي للطم الصدور ؟ ودمتم لنا بألف خير .
ج : لا يخفى عليكم أنّ أوّل من أقام العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فعن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقالت : يا رسول اللّه ، إنّي رأيت الليلة حلماً منكراً ، قال : « وما هو » ؟ قالت : إنّه لشديد ، قال : « وما هو » ؟
قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ، ووضعت في حجري .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً ، فيكون في حجرك » .
فولدت فاطمة عليها السلام الحسين ، فقالت : فكان في حجري ، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فدخلت به يوماً على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تهراقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه ، مالك ؟
قال : « أتاني جبرائيل عليه السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (1) .
وعن أُمّ سلمة قالت : ( كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله في
ص: 438
بيتي ، فنزل جبرائيل فقال : يا محمّد ، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « ريح كرب وبلاء » .
قالت : وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ) (1) ، وهناك روايات أُخرى كثيرة في هذا المجال .
وهكذا تجد أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أقاموا العزاء على الحسين عليه السلام ، وأمرونا بذلك ، وبإظهار الحزن .
ومن هذا المنطلق ، أخذت الشيعة الإمامية تعمل بهذه الوصية ، فتظهر مختلف علامات الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، كلّ بحسب منطقته ، وعاداته وتقاليده .
فبعضهم اتّخذ مثلاً اللطم على الصدور طريقة من طرق إظهار الحزن ، ليظهر من خلاله حبّه وولائه الشديد للإمام الحسين عليه السلام ، واعتبروه عملاً راجحاً ، يتوقّعون فيه الأجر والثواب من اللّه تعالى .
ودليلهم على جوازه إجماع علماء الطائفة الشيعية عليه ، وبعض الروايات .
« موالي - الكويت - 19 سنة - طالب »
س : في جوابكم للأخ علي حول قضية اللطم ، ذكرتم الروايتين ، ولكن هناك روايات في قضية منع النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك لدى العامّة ، فكيف نردّ على هذه الروايات ؟ وكيف نثبت جواز اللطم على بقية المعصومين عليهم السلام ؟
ص: 439
ج : إنّ الروايات المانعة التي أشرتم إليها عند العامّة - إن صحّت سنداً - فإنّها تدلّ على المنع من البكاء على الميّت على نحو الإطلاق ، فيمكن الذبّ والدفاع عن الروايات المجوّزة - كالتي وردت في جواب بعض الإخوة - بأنّ هذه الأحاديث خاصّة في مورد الإمام الحسين عليه السلام ، فتخصّص تلك الاطلاقات بهذه المخصّصات ، وهذا أسلوب مألوف في علم الأُصول - كما هو ثابت في محلّه - للجمع بين الأدلّة ونفي التعارض بينها .
على أنّ الروايات المانعة المشار إليها هي بنفسها - مع غضّ النظر عن الأخبار الواردة في شأن الإمام الحسين عليه السلام - متعارضة مع روايات أُخرى في مصادر أهل السنّة ، فورد في بعضها : أنّ عائشة ردّت هذه الروايات ، ونقلت صور أُخرى ، لا تدلّ على المنع (1) .
ويؤيّد رواية عائشة ، ما ورد في سنن الترمذي ، من أنّ منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان في مجال بكاء اليهود على أمواتهم (2) .
وأمّا تعميم الحكم لباقي المعصومين عليهم السلام ، فأوّلاً : بالاطلاقات الواردة ، لتسرّي الأحكام من بعض المعصومين عليهم السلام على جميعهم - إلّا إذا ورد خطاب يخصّص بعضهم دون بعض - .
وثانياً : بنفس الرواية التي أوردناها في جواب بعض الإخوة ، إذ جاء فيها : « وعلى مثله - أي الإمام الحسين عليه السلام - تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (3) .
ولا ريب ، أنّ المثيل الأوّل والأخير للمعصوم ، هو المعصوم عليه السلام .
وبالجملة : نستنتج جواز ، بل استحباب إقامة كافّة أنواع العزاء - ومنها اللطم - على الإمام الحسين عليه السلام ، وباقي الأئمّة عليهم السلام . .
ص: 440
« ... - الكويت - ... »
س : قد يتساءل الفرد ، مادام الإمام الحسين عليه السلام الآن في نعيم اللّه وجنانه ، فكيف نبكي على مصابه ؟ أو بعبارة أُخرى : كيف يتوافق البكاء على مصابه عليه السلام ، مع كونه في أعلى الدرجات من النعيم ؟ ولكم منّي جزيل الشكر .
ج : قد روى علماء المسلمين في كتبهم : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يؤمن أحدكم حتّى يكون اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما » (1) .
وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دائماً يوصي أُمّته بمودّة ذوي القربى ، قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (2) ، والإمام الحسين عليه السلام من القربى بإجماع المسلمين ، ومن مودّته أن نحبّه ونقتدي به ، ونفرح لفرحه ، ونحزن لحزنه وما يصيبه .
فبكاؤنا على الحسين عليه السلام من مصاديق المودّة في القربى ، أضف إلى ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل البيت عليهم السلام في التأكيد على البكاء عليه ، وما فيه من الثواب .
« رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب »
س : ما فائدة البكاء في محرّم ؟ وما فائدة اللطم على الصدور ؟ السؤال ليس عن الأحاديث الشريفة ، بل كيف يمكن للبكاء واللطم أن يؤثّرا في حياتنا وسلوكنا ؟
ج : إنّ البكاء بمعناه النفسي حالة تأثّر النفس وتفاعلها مع الحدث ،
ص: 441
وإحساسها بالألم ، فتستجيب للحدث بتعبير معيّن وهو البكاء ، وبكاؤنا على الإمام الحسين عليه السلام ، هو ردّة فعل للحدث المؤلم الذي حلّ به ، فتفاعلنا مع قضيّته عليه السلام أوجب أن تتفاعل نفوسنا وأحاسيسنا لما أصابه عليه السلام ، وبذلك فإنّنا قد عبّرنا باستجابتنا لمصيبته عليه السلام بالبكاء ، الذي هو حالة تفاعل كما ذكرنا .
ومثل ذلك ، اللطم على الصدور ، فهو تعبير عن الألم والحزن ، الذي يعتلج قلوبنا ، وتعبير عن مدى ما أصابنا من عظم المصيبة ، فالحرقة التي تصيب النفس - والحزن يسيطر عليها - يمكن للإنسان أن ينفّس عمّا أصابه بفعل ما يكون ترويحاً وتنفيساً ومجاراةً ومواساةً لمن حلّت به هذه الفاجعة ، أو القضية المؤلمة .
« مصلح - السعودية - ... »
س : ماذا يعني حضور الأرواح الطاهرة في مجالس الذكر ؟ وهل يتعيّن على النساء في مجالسهن ، عدم لبس الملابس الرقيقة ؟
ج : قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « رحم اللّه شيعتنا ، خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بماء ولايتنا ، يحزنون لحزننا ، ويفرحون لفرحنا » (1) .
ومن المؤكّد أنّ أرواحهم الطاهرة ناظرة إلى تلك المجالس المنعقدة من أجل إحياء أمرهم ، فلابدّ لكلّ من يحضر تلك المجالس ، أن يلتزم بما يتناسب مع معنوياتها وروحانيتها من حيث الملبس ، وسائر الحركات والأعمال .
« ... - ... -... »
س : إنّ بعض إخواننا من السنّة يقول : لا يجوز الأكل من مائدة يوم عاشوراء ومثيلاتها ، لأنّها أُقيمت لغير اللّه تعالى ، فما هو الردّ عليهم ؟
ص: 442
ج : إنّ الذبح والإطعام تارة يضاف لله تعالى فيقال : ذبح لله ، وإطعام لله ، ومعناه : أنّه ذبح لوجهه تعالى ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة ، وغير ذلك .
وتارة يضاف إلى المخلوق ، وهنا مرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى المخلوق طلباً للخير منه ، مع كونه حجراً أو جماداً ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، فهذا شرك وكفر سواء سمّي عبادة أو لا .
ومرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى الخالق ، فيقال : ذبحت الشاة للضيف ، أو ذبحت الشاة للحسين عليه السلام ، وأطعمت للحسين عليه السلام ، أو لغيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لا محذور فيه ، لأنّه قصد ثواب هذه الذبيحة ، أو هذا الطعام للحسين عليه السلام ، أو لأحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام .
ونظيره من يقصد أنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها ، وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لوالدي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة ، وعبادة لله تعالى لا لأبويه .
ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح للحسين عليه السلام ، أو بالإطعام له ، أو غيره التقرّب إلى الإمام الحسين عليه السلام دون اللّه تعالى ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم الإمام الحسين عليه السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام على الذبيحة ، لكان ذلك عندهم منكراً ، وحرّمت الذبيحة ، فليس الذبح لهم ، بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدي ثوابه إليهم ، كسائر أعمال الخير .
والخلاصة : إنّ الإطعام يوم عاشوراء إطعام لله تعالى ، صحيح أطلق عليه إطعام للحسين عليه السلام ، ولكن قصد أنّ ثوابه للحسين عليه السلام ، وليس هو إطعام لغير اللّه تعالى ، كما يتوهّمه الوهّابيون .
« محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية »
س : هل الغياب في اليوم العاشر من محرّم لا يجوز ؟ وكذلك في وفاة الأئمّة عليهم السلام ؟
ص: 443
ج : من مصاديق الآية الشريفة : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) هو الحضور في المجالس والمآتم التي تعقد في اليوم العاشر من المحرّم ، وأيّام شهادة الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فإنّ الحضور فيها يعدّ من تقوى القلوب ، ويقرّب إلى اللّه تعالى .
وعلى أتباع أهل البيت عليهم السلام أن يحيوا هذه المجالس بحضورهم ، كما وردت عن أهل البيت عليهم السلام في وصف شيعتهم : « يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا » (2) ، إذ الحبّ القلبي لوحده لا يكفي ، فلابدّ من تجاوز هذا الحبّ القلبي إلى مرحلة الإظهار والعمل ، ومن أبرز مصاديق الإظهار ، إحياء أمرهم عليهم السلام بعقد المجالس والمآتم ، والحضور فيها .
ولا ننسى أن ننبّه : أنّ الغياب عن الحضور في هذه المجالس إذا كان تهاوناً من الشخص ، أو أحرز الشخص أنّه سيؤدّي إلى إضعاف هذه المجالس ، فهنا العلماء يفتون بحرمة الغياب .
« مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية »
س : ما نظرة فقهاء الشيعة ومثقّفيهم في قضية البكاء ، ولطم الصدور ، وغيرها من الأُمور الأُخرى ، المتعلّقة بسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ؟
نودّ من خلال إجابتكم جواب بسيط وشافي ، ويدخل في الأذهان بسهولة ، حتّى نتمكن من سردها لإخواننا من غير الشيعة ، الذين يسألوننا عن ذلك دوماً ، ولكم جزيل الشكر والامتنان .
ج : قد روى علماء المسلمين في كتب الحديث بكاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله على الإمام الحسين عليه السلام قبل شهادته ، وذلك لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام
ص: 444
الحسين عليه السلام ، وهذا تكرّر عدّة مرّات من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك بكاء أمير المؤمنين عليه السلام ، والصحابة لمّا أخبرهم النبيّ بما سيجري على الإمام الحسين عليه السلام .
أضف إلى ذلك ، ما ورد صريحاً في روايات أهل البيت الصحيحة السند في الحثّ على إقامة المأتم على الإمام الحسين عليه السلام .
وكما تعلمون فإنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بهم في إقامة المأتم ، ومن ذلك اللطم عند الشيعة ، فإنّه مظهر من مظاهر الحزن عندهم ، ويدخل تحت عمومات استحباب إقامة المأتم .
أضف إلى ذلك فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسين عليه السلام ، وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (1) خير دليل على هذا .
« مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية »
س : كيف كانت طريقة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، منذ زمن الأئمّة عليهم السلام ، من الإمام زين العابدين عليه السلام وإلى زماننا هذا ؟ أي كيف تطوّر العزاء الحسيني ؟
ج : إنّ تاريخ إقامة العزاء الحسيني بصورتها البسيطة من البكاء والحداد والنوح ، قد يرجع - طبقاً لجملة من الروايات - إلى زمن آدم عليه السلام ، وأمّا في العصر الإسلامي فقد أقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أوّل عزاء لولده الحسين عليه السلام .
ثمّ بعد استشهاده عليه السلام يقول التاريخ : إنّه بعد رحيل الجيش الأموي من كربلاء ، اجتمع جمع من الناس وبكوا ، وأقاموا مأتماً على الشهداء قبل دفنهم ، حتّى إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام حينما قدم إلى كربلاء في ذلك الحين ،
ص: 445
رآهم على تلك الحالة ، ومن بعده استمرّت المراسم بين حين وآخر بأساليب متعدّدة من إقامة المجالس ، وإنشاد الشعر والمراثي ، إلى أن وصل دور الحكومات الشيعية - مثل الدولة الحمدانية والبويهية ، وعلى الأخصّ الصفوية - فتحرّكت المواكب ، والهيئات الشيعية ، وبتأييد صريح ، ودعم واضح منهم لهذه المآتم والمجالس والمواكب .
وأمّا نوعية العزاء وتطوّره فهو في الواقع قد أُخذ سبيله في التغيير والتطوّر في كلّ زمان ومكان ، حسب ما تراه الشيعة طريقاً ووسيلةً لإحياء ذكر الإمام الحسين عليه السلام ، وفقاً لما يراه علماؤهم من جوازه ، وعدم منافاته للشرع .
« أبو محمّد - عمان ... »
س : كيف أُقنع أُناس من مذاهب أُخرى بقضية اللطم على الصدر في شهر محرّم ؟
ج : إنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بالنسبة إلى إقامة العزاء ، ومادام أنّ أصل الحزن وإقامة العزاء ثابت على الحسين عليه السلام ، فإنّ اللطم هو واحد من مصاديق إظهار الحزن عند الشيعة ، فلا نحتاج في المسألة إلى دليل خاصّ ، مادام هو داخل تحت عمومات الحزن .
أضف إلى ذلك ، فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسين عليه السلام ، وبحضور الإمام السجّاد عليه السلام ، وحيث لم ينهاهن الإمام عليه السلام ، فيكون تقريراً لجوازه واستحبابه على الإمام الحسين عليه السلام .
« رملة السيّد - البحرين ... »
س : بما أنّ شهر محرّم قريب ، فما هي الأعمال التي يستحبّ القيام بها في
ص: 446
هذا الشهر العظيم ؟ وشكراً على تفضّلكم بالإجابة على الأسئلة ، ورحم اللّه والديكم .
ج : مع حلول شهر محرّم الحرام ، تتجدّد ذكرى استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام - ريحانة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - وأصحابه الأوفياء ، وأسر أهل بيته ظلماً وجوراً ؛ ولهذا السبب وبالذات تلتزم الشيعة - وحتّى المنصفون من غيرهم - بإحياء شعائر هذه النهضة الخالدة عبر القرون والأجيال ، لكي يستلهم المجتمع البشري في كلّ زمانٍ مفردات الإيمان ، والإباء في سبيل العقيدة الإسلامية الحية ، من عناصر هذه الحركة والجهاد .
وعليه ينبغي لكلّ مسلم ، أن يظهر من سلوكه وآدابه ، ما يدلّ على الحزن والأسى ، وأن يجتنب بقدر الإمكان من مظاهر الفرح والابتهاج والسرور ، ففي تاريخ اليعقوبي : « وروى بعضهم : إنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكاً يوماً قط ، منذ قتل أبوه » (1) .
وأن يحرص على الحضور في المآتم والمجالس الحسينية التي تنعقد في هذا الشهر تعظيماً للشعائر ، وتأكيداً للمحافظة على تلك القيم السامية في النفس ، وإظهاراً للمودّة والولاء لخطّ أهل البيت عليهم السلام ، والبراءة من أعدائهم في طول التاريخ .
وفي هذا المجال لا يفوتنا أن نذكر فضل قراءة زيارة عاشوراء ، وما لها من آثار عظيمة دينيّاً ودنيويّاً ، فقراءتها أمر مستحبّ مؤكّد في كلّ وقت وزمان .
« أُمّ أبرار - البحرين »
س : هذه مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بالمأتم الحسيني ، من بعض الأخوات في دولة البحرين ، نرجو التفضّل بالإجابة عليها :
ص: 447
1 - تقرأ في مآتم النساء رواية تزويج القاسم على ابنة عمّه سكينة في كربلاء .
أ - فما هو الحكم الشرعي بقراءتها ، أو الاستماع لها ، علماً بأنّها رواية غير صحيحة ؟
ب - وهل هناك بأس ، أو تجريح عند نثر الحلوى في الزفاف ؟
2 - ما رأيكم في التصفيق في المأتم أثناء المصيبة ، أو في الدور ، كالوقوف لقراءة الردّة أو اللطمية ؟
3 - هل يجوز الضرب على الفخذ أثناء اللطمية ؟ أم أنّ الضرب محصور على الصدر فقط ؟
4 - ما هي نصيحتكم لمن يريد كتابة رواية حسينية لقراءتها في المأتم ؟
5 - ما هي الكتب التي تنصحون بالاعتماد عليها لكتابة رواية حسينية ، أو للتحقّق من صحّة رواية معيّنة ؟
6 - ما هو الحكم الشرعي لمن كتب رواية حسينية ، معتمداً على مصدر غير موثوق ، أو كانت الرواية غير صحيحة ؟
7 - كيف نميّز الرواية الصحيحة من الخاطئة ؟
8 - ما مدى صحّة بعض العبارات في بعض الروايات ، مثل : « شقّت جيبها » و « نشرت شعرها » ، وهل يجوز قراءتها في المأتم ؟
9 - لو أُعطيت إحدى القارئات مقطع من رواية لقراءتها ، وهي على علم سابقاً بعدم صحّة هذه الرواية ، فهل تأثم إذا قرأتها ؟ هل هناك مواصفات معيّنة للقارئات الحسينيات ؟
10 - ماذا تنصح أصحاب المآتم الحسينية ، لتفعيل دورها في حياتنا اليومية ، وعلى جميع الأصعدة ، الروحي ، الاجتماعي ، الأخلاقي ؟
11 - ما هو الحكم الشرعي للغناء ، بغناء أهل الباطل « المطربين » في الأعراس ؟ وهل هناك اختلاف إذا تمّ تغيير اللحن ، أو تغيير بعض الكلمات ، وبقاء اللحن ؟
12 - ما رأيكم في ارتداء الملابس الضيّقة ، التي تبرز فتنة الجسم ،
ص: 448
وتكشف بعض المناطق ، مثل الصدر ، والساقين ، أمام النساء في الأعراس وداخل المأتم ؟
13 - تستخدم بعض أنواع المطّارات « قناني الماء » كطبل في الأعراس ، فما هو حكمها الشرعي ؟
14 - ما رأيكم في إدخال المعرس داخل المأتم ، وتصويره مع عروسه في أوضاع مختلفة ، مثل الضمّ والتقبيل ؟
15 - هل يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالغناء أمام الرجل ؟
16 - هل تأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت للقارئة الغناء أمام الرجل ؟ إذا كانت القارئة معتادة على الغناء أمام الرجال ؟
17 - ما هو رأيكم في اختيار قارئة للأعراس ، معلوم سابقاً أنّها تغنّي بغناء أهل الباطل ؟ أو تستخدم الطبول ، أو تغنّي أمام الرجل الأجنبي ؟
وهل هناك فرق إذا طلبناها للغناء بصورة مباحة فقط في المناسبة الخاصّة بنا ؟
18 - ما هو رأيكم في الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء أو النعال ؟
19 - ما هو الحكم في رمي الأوساخ داخل المأتم ؟ أو عدم الاكتراث بالأوساخ داخله ؟
ج : بالنسبة إلى قراءة رواية تزويج القاسم عليه السلام من ابنة عمّه سكينة في كربلاء جائزة ، إن كان الغرض من قراءتها هو الإبكاء وإقامة العزاء ، لكن لا مع التأكيد على صحّتها ، فقد اختلف العلماء فيها على قولين ، ولكلٍّ أدلّته .
كما لا مانع من نثر الحلوى في المجلس المنعقد بعنوان زفاف القاسم ، إذا كان الغرض منه إهداء ثواب ذلك إليه عليه السلام .
كما لا مانع من التصفيق في المأتم المقصود منه تهييج العواطف ، والمشاعر الدينية والإنسانية .
ونصيحتنا لمن يريد أن يكتب رواية حسينية أن يسند المطالب التي يكتبها إلى الكتب التي نقل عنها ، حتّى تكون عهدة الرواية على أصحاب تلك الكتب .
ص: 449
وأن يعتمد على المصادر المعتبرة ، والكتب المشهورة ، التي اعتمد عليها علماؤنا السابقون ، وخطباؤنا الملتزمون بالنقل عن تلك الكتب المعتبرة ، ككتب السيّد ابن طاووس ، والشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ عباس القمّي ، وغيرهم (قدّس سرّهم) .
وكتابة الرواية الحسينية بالاعتماد على ما لا يرى جمهور علمائنا صحّته غير جائزة ، كأيّ كتابةٍ أُخرى ، لاسيّما مع الاعتقاد بالصحّة خلافاً للعلماء .
وأمّا تمييز الرواية الصحيحة من الخاطئة ، فهو من الأُمور التخصّصية التي لابدّ من دراستها ، ومعرفة المعايير والموازين الخاصّة بها .
وأمّا قراءة بعض العبارات : « كشقّت جيبها ، ونشرت شعرها » ، فلا مانع منه ، مع وجوده في بعض الكتب المشهورة للأصحاب ، إذا كان لغرض الإبكاء ، لكن لا مع الالتزام بصحّتها ، والتأكيد على وقوعها بصورة حتمية ، إلّا من العارف بموازين الصحّة .
وأمّا قراءة ما يعلم مسبقاً عدم صحّته فلا يجوز إذا كان العلم بعدم صحّة الرواية المعيَّنة مستنداً إلى مدرك صحيح .
ولابدّ أن يكون قارئ مأتم الإمام الحسين عليه السلام ، سواء كان رجلاً أو امرأة ، متحلّياً في سلوكه وأخلاقه ، واعتقاده ، وجميع شؤونه ، بصفات تتناسب مع تصدّيه لمثل هذا المقام العظيم ، الذي يرتبط بقضايا أهل البيت عليهم السلام .
وأمّا نصيحتنا لأصحاب المجالس الحسينية ، أن يكونوا دعاة لأهل البيت عليهم السلام بغير ألسنتهم ، كما في الخبر عنهم عليهم السلام ، وأن يكونوا زيناً لهم لا شيناً عليهم ، كما في الخبر عنهم أيضاً .
وعلى الجملة ، فإنّ الغرض من إقامة المجالس ، هو نشر فكر أهل البيت عليهم السلام ، وتعاليمهم وأدبهم ، فكيف يتمّ ذلك مع انتفاء هذه الأُمور عن أصحاب تلك المجالس ؟
والحكم الشرعي للغناء بالباطل في الاحتفالات المقامة بمناسبة الأعراس ،
ص: 450
هو الحرمة ، ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جوازه مطلقاً .
ولا إشكال في ارتداء النساء الملابس الضيّقة في مجالسهن ، مع عدم اطلاع أي أجنبي على المجلس مطلقاً .
واستخدام بعض أنواع المطّارات كطبل في الأعراس ، كما جاء في السؤال ، لابأس فيه على الظاهر .
كما أنّه لا مانع من تصوير المعرِّس مع عروسه في أوضاع مختلفة في غرفة خاصّة بهما ، ولكن بشرط عدم إظهار هذه الصور في المأتم .
ولا يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالقراءة أمام الرجل ، وتأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت بذلك .
وإذا كانت القارئة للأعراس تاركة لأعمالها السابقة ، وكان ما تقرؤه الآن في الأعراس مطابقاً للحكم الشرعي ، من دون أيّ اقترانٍ بمحرّمات أُخرى فهذا لابأس به ، بشرط أن لا يكون غناء محرّماً .
ثمّ إنّ الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء ، أو النعال ، ورمي الأوساخ داخل المأتم ، وغير ذلك ، إن كان موجباً لهتك المجلس ، وإهانةً لصاحبه ، والحاضرين فيه فلا يجوز .
« ... - الإمارات - ... »
س : أنا طالبة في المرحلة الثانوية ، موالية لأهل البيت عليهم السلام ، وفي يوم عاشوراء نضطرّ للتغيّب عن المدرسة ، لإحياء ذكرى الحسين عليه السلام ، فنجد أنفسنا في اليوم التالي محاصرين بأسئلة ، واتهامات لا تحصر ، أحاول أن أجيب عليها قدر معلوماتي ، ولكنّي أتمنّى أن تفيدوني بإجابات أكثر دقّة وصحّة ، والأسئلة غالباً ما تكون محصورة في :
1 - لماذا تهتمّون بذكرى الإمام الحسين أكثر من الرسول والأنبياء ؟ فتتغيّبون عن الدوام في هذا اليوم بالذات ؟
ص: 451
2 - لماذا تحيون ذكرى الحسين ؟ وتبكون عليه رغم مرور كثير من السنين على استشهاده ؟
ج : نحن نبكي على الإمام الحسين عليه السلام ، ونقيم المأتم عليه ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل استشهاده ، لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام الحسين عليه السلام .
أيبكي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها ؟!
ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ! إن ترك الحزن والبكاء خروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين .
فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يستيقظ يوماً من النوم فزعاً ، وفي يده تربة حمراء يقلبّها بيده ، وعيناه تهراقان من الدموع ، وهو يقول : « أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق » (1) .
ولمّا ترى أُمّ سلمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقلّب شيئاً في كفّه ، ودموعه تسيل ، والحسين نائم على صدره ، تسأله عن ذلك ، فيقول صلى اللّه عليه وآله : « إنّ جبرائيل أتاني بالتربة التي يقتل عليها ، وأخبرني أنّ أُمّتي يقتلوه » (2) .
وكذلك يستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يبكي ، فتقول له عائشة : ما يبكيك ؟
فيقول : « إنّ جبرائيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ... . يا عائشة والذي نفسي بيده ، إنّه ليحزنني ، فمن هذا من أُمّتي يقتل حسيناً بعدي » ؟! (3) .
فنحن نهتمّ بالحسين عليه السلام لاهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله به ، ونبكي عليه لبكاء النبيّ عليه ، ونحزن عليه لحزن النبيّ عليه . .
ص: 452
« ياسر العسبول - البحرين - ... »
س : من أين جاءت عادة التطبير التي يستخدمها بعض الناس للتعبير عن الحزن ؟
ج : إنّ غالب مظاهر العزاء ، ومبرزات الحزن والولاء ، من اللطم وضرب الزنجيل ، وضرب الطبول ، وغيرها قديمة جدّاً بقدم الواقعة .
ويعسر بيان أو تحديد فترة زمنية خاصّة بها ، إذ هي تختلف من مكان لآخر ، ومن زمن لغيره ، بحسب الظروف الاجتماعية ، والضغوط السياسية التي كانت تسمح لأبناء الطائفة إبراز مظاهر ولائهم .
وفي المقام ، لابأس بدراسة حياة البويهية قبل نحو ألف سنة ، ودخولهم بغداد ، وفسح المجال لهذه الأُمور ، ثمّ قمّة ذلك أيّام الحكم الصفوي في إيران ، لفسحه وإباحته إبراز بعض مظاهر الولاء والعزاء بدون خوف من الحكّام .
« عبد اللّه - عمان »
س : هل هناك أحاديث تدلّ على استحباب اللطم ؟ أحاديث فيها كلمة اللطم صراحة ، والاستحباب كذلك .
ج : نحن لا نحتاج إلى حديث يدلّ على استحباب اللطم مادامت المسألة راجعة إلى العرف ، ففي العرف كلّ شيء يكون من مظاهر الحزن على الإمام الحسين عليه السلام فيكون مستحبّاً ، وكما تعلمون فإنّ لكلّ أُناس عادات وتقاليد في إظهار الحزن ، ومن عاداتنا وتقاليدنا في إظهار الحزن اللطم ، فيكون داخلاً تحت العمومات التي تحثّ على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ، وإظهار الحزن عليهم .
وبعد هذا ، فنذكّركم بورود روايات وردت عن فعل اللطم من قبل السيّدة زينب عليها السلام ، وسائر الهاشميات وغيرهن .
ص: 453
« عبد السلام - هولندا - سنّي »
س : هل صحيح ما يقوله علماء السنّة : إنّ لا أحد من صحابة رسول اللّه احتفل بعيد المولد النبويّ ؟ وإنّ الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة بدء في عهد الدولة الفاطمية ؟ ولكم جزيل الشكر .
ج : نقول في مشروعية الاحتفال بذكرى مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وغيره من المناسبات الإسلامية :
1 - الاحتفال لغة هو : الاهتمام والاجتماع على الأمر ، فإن كان هذا الأمر المهتمّ به ، والمجتمع عليه من الأُمور المشروعة ، والتي فيها ذكر لله سبحانه وتعالى ، وتعظيم لرسوله الكريم صلى اللّه عليه وآله ، وأمثال ذلك من الأُمور المشروعة ، والمرضية في الشريعة ، فهو أمر مندوب ومستحبّ ، وقد رغّب الشارع المقدّس فيه ، فقال تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) .
2 - بالنسبة للصحابة فسواء عملوا بهذا الأمر ، واحتفلوا بهذه المناسبة ، أو لم يعملوا ، فليس فعلهم وتركهم حجّة شرعية ، يجب العمل بها ، ولذلك نجد أنّ علياً عليه السلام ، حينما عرضوا عليه الخلافة في قضية الشورى بين الستة ، بشرط العمل بكتاب اللّه وسنّة النبيّ وسيرة الشيخين ، فرفض عليه السلام ذلك ، ولم يقبل العمل إلّا بكتاب اللّه وسنّة نبيّه .
3 - إنّ القاعدة الفقهية تقول : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » ، فما لم يوجد نهي في القرآن ، أو السنّة النبوية على أمر فهو مباح ، يجوز العمل به ، ولا يعتبر بدعة ، كما يدّعيه بعض المذاهب الشاذّة .
وهكذا القاعدة الأُصولية العقلية القائلة : بأصالة البراءة ، وأنّ الإنسان بريء الذمّة ، لا يعاقب على شيء يعمله حتّى يرد فيه نهي شرعي .
كما يمكن أن نؤيّد المسألة ببعض الروايات الدالّة على استحباب تعاهد هذا
ص: 454
اليوم - 17 ربيع الأوّل - بالصيام ، والتوسعة على العيال ، وأمثال ذلك ، ممّا فيه إشعار بالاهتمام بمثل هذه المناسبات ، وإن اختلفت صور الاهتمام من زمان إلى آخر ، فاختلاف مصاديق الاهتمام لا يدلّ على اختلاف الحكم الشرعي ، كما نرى ذلك في كثير من المواضيع الخارجية ، كالوسيلة النقلية ، وطرق المواصلات ، وما شاكل ذلك ، فلا يعدّ هذا خلافاً لم يعمله الأصحاب ، فكذا موردنا في إظهار البهجة والسرور ، وإنشاد الأشعار والمدائح في حقّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، في ذكرى ولادته .
هذا مضافاً إلى أنّ مثل هذه المجالس ، لا تخلو من قراءة القرآن والوعظ والإرشاد ، والتقرّب إلى اللّه تعالى ، وهذا كلّه من الأُمور المستحبّة بشكل مؤكّد .
« عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس »
س : لقد كثر التهجّم على مذهبنا من البدع والخرافات التي التصقت بنا ، وخصوصاً عملية التطبير ، وأصبحت تروّج الصور المسيئة على صفحات الإنترنت .
ج : مهما عملنا من عمل ، وتنزّلنا فسوف لن يرضى عنّا الأعداء ، ولن يتركونا بحالنا ، لأنّ هدفهم التنقيص من المذهب الحقّ .
ونزيدك علماً ، بأنّ إقامة العزاء تختلف من قوم إلى آخر ، فلكلّ عادات وتقاليد لا يمكن محاربتها ، والوقوف أمامها ، مع عدم دلالة دليل على حرمتها .
« علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كلّية الدراسات التجارية »
س : بالنسبة للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص
ص: 455
في أيّام عزاء الإمام الحسين عليه السلام ، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز هذا الأمر ، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة .
وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره ، والتي تنهى عن لبس السواد ؟ مثل هذه الرواية :
« عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ( لمّا فتح رسول اللّه مكّة بايع الرجال ، ثمّ جاء النساء يبايعنه ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ ... وقالت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول اللّه ما ذلك المعروف الذي أمرنا اللّه أن لا نعصيك فيه ؟ قال صلى اللّه عليه وآله : لا تلطمن خدّاً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تنتفن شعراً ، ولا تشققن جيباً ، ولا تسوّدن ثوباً ... ) » (1) .
علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم ، أفيدونا جزاكم اللّه تعالى خيراً .
ج : لقد ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد ، إلّا أنّ هناك ما يشبه الاتفاق على جوازه ، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وإليك ما أورده بعضهم :
1 - واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين عليه السلام فإنّه لا يكره ، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر اللّه على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة ، يستفاد منها ذلك (2) .
2 - لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان (3) .
ولم يبين المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّة عليهم السلام ، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام ، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم وحبّهم لأهل .
ص: 456
البيت عليهم السلام ، فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت عليهم السلام .
وقد روي عنهم عليهم السلام : « رحم اللّه من أحيا أمرنا » (1) ، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود ، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث ؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً ، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد ؟!
فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول صلى اللّه عليه وآله الإمام الحسين عليه السلام ، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره عليه السلام ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر ، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لابدّ من المحافظة عليه ، لتراه الأجيال القادمة ماثلاً أمامهم ، فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع ، وأبطل ما عداه .
ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسين عليه السلام :
1 - ما رواه ابن قولويه : « إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى ، نزل على البحر ، ونشر أجنحته عليها ، ثمّ صاح صيحة وقال : يا أهل البحار ألبسوا أثواب الحزن ، فإنّ فرخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مذبوح » (2) .
وفهم الشيخ النوري من هذه الرواية : عدم كراهة لبس السواد ، أو رجحانه حزناً على أبي عبد اللّه عليه السلام ، كما عليه سيرة كثير في أيّام حزنه ومأتمه (3) .
2 - ما رواه البرقي ، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين قال : « لمّا قتل جدّي الحسين بن علي عليهما السلام ، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يعمل لهن الطعام للمأتم » (4) . .
ص: 457
وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد ، بل استحبابه في عاشوراء ، تدلّ على أُمور أُخرى ، منها : استحباب إقامة المأتم ، والإطعام ، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين عليه السلام ، حيث كان الإمام السجّاد عليه السلام شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة ، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم .
وفي الفتاوى نرى ما يلي : إنّ من الثابت استحباب مؤاساة أهل البيت عليهم السلام مطلقاً ، بحزنهم وفرحهم ، لعموم ما دلّ على ذلك ، ولاستحباب التأسّي بهم ، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم .
فقد ورد أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام كانت أيّام محرّم أيّام حزنه ، وعزائه ومصابه ، ونحن مأمورون باتخاذهم أسوة مطلقاً .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي إن صحّت سنداً - فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق ، فيخصّص ذلك الإطلاق بالروايات المجوّزة ، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ولقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .
وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (2) .
فلبس السواد ، ولطم الخدود ، وخمش الوجوه ، وغيرها وإن كانت مكروهة إلّا أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسين عليه السلام .
« سلمان - البحرين »
س : هناك أحاديث تنهي عن النياحة واللطم ، منها :
ص: 458
1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « النياحة من عمل الجاهلية » (1) .
2 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة » (2) .
3 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا ينبغي الصياح على الميّت ، ولا تشقّ الثياب » (3) .
هل هذه الأحاديث صحيحة أو ضعيفة ؟ وإذا كانت صحيحة ، فهل يفهم منها أنّ النياح والصياح واللطم على الميّت مكروه محرّم ؟ وجزاكم اللّه خيراً .
ج : بالنسبة إلى رواية « النياحة من عمل الجاهلية » ، فقد رواها الشيخ الصدوق قدس سره مرسلة ، ولم يذكر لها سنداً .
نعم روى عن شعيب بن واقد نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن النياحة (4) ، ولكن في طريق السند إلى شعيب ، وقع حمزة بن محمّد العلوي ، وعبد العزيز بن محمّد ابن عيسى الاظهري ، وهما مهملان ، وشعيب نفسه غير مذكور في كتب الرجال فهو مجهول .
ثمّ إنّ الرواية جمعت نواهي كثيرة ، بعضها مقطوع بكراهته ، وعليه فلا يدلّ النهي عن النياحة فيها على الحرمة ، إذ هي معارضة بروايات فيها جواز النياحة ، فطريق الجمع هو : حمل الحرمة على النوح بالباطل ، وللتفصيل أكثر راجع كتب الفقه ، هذا إذا لم تكن هذه الرواية صدرت تقية ، لشهرة هذا الحكم عند العامّة .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية - التي رواها القاضي النعمان - فهناك كلام طويل في المؤلّف ومذهبه ، بين كونه إمامي أو إسماعيلي ؟ وحذف أسانيد روايته في الكتاب طلباً للاختصار ، وقال : إنّه اقتصر على الثابت الصحيح ممّا جاء .
ص: 459
عن الأئمّة من أهل بيت الرسول صلى اللّه عليه وآله .
ولم يرد فيه عن الأئمّة بعد الإمام الصادق عليه السلام ، وعليه فلم يعتمد الفقهاء على كتابه ، وإنّما أخذوها كمؤيّدات .
ثمّ إنّ هذه الرواية وردت عند العامّة بألفاظ أُخر ، ولا تخفى الإشارة على اللبيب ، فراجع .
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثالثة ، ففيها الحسن الصيقل ، وهو لم يذكر بمدح ، وإنّما ذكره الشيخ في أصحاب الأئمّة ، وامرأته روت عن الإمام الصادق عليه السلام كما في هذه الرواية ، وروت عن زوجها الحسن الصيقل ، إضافة إلى وجود كلام في بقية رجال السند .
وأمّا متن الرواية : فقد حمل قوله فيها : « لا ينبغي » على الكراهة ، وظاهر « لا ينبغي الصياح » هو الصياح العالي ، فمن حمل « لا ينبغي » على الحرمة ، قال : بحرمة الصياح العالي ، لا النوح بصوتٍ معتدل .
« ... - ... - سنّي »
س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة ، لماذا الشيعة يحيون ذكرى شهادة الحسين ؟ أليس هذا من الجزع؟
ج : كأنّك تريد أن تقول : إنّ العزاء جزع ، والجزع منهي عنه ، فالعزاء منهي عنه .
وهذا الاستدلال فاسد من حيث سقوط صغراه ، وذلك : إنّ العزاء ومأتم الحسين عليه السلام هو عبارة عن ذكر الإمام الحسين ، وذكر فضائله ومقامه ، ثمّ العروج على واقعة الطفّ ، وإظهار الحزن وذرف الدموع عليه .
فإذا كان العزاء هو ذلك ، فنأتي إلى مفرداته ، فالمفردة الأُولى هي ذكر
ص: 460
فضائل الحسين ، والصفات المعنوية التي تحلّى بها ، وهذا ليس فيه شيء مخالف للدين ، وليس فيه نهي ، بل هو أمر مشروع ، وطبق الموازين الشرعية ، فافتح ترجمة أي شخص دون الحسين عليه السلام من كتب التراجم لدى السنّة والشيعة ، تجده يبدأ بذكر فضائل المترجم له ، إن كانت له فضائل ، فهذا الذهبي تحت ترجمة الإمام الحسين عليه السلام يقول : « الإمام الشريف الكامل ، سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وريحانته في الدنيا ، ومحبوبه ، أبو عبد اللّه الحسين بن أمير المؤمنين ... » (1) ، ثمّ أخذ بذكر مناقبه .
وأمّا واقعة الطفّ فقد ذكرها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وتألّما وبكيا لذكرها ، وهاك بعض الروايات الصحيحة من حيث السند حتّى على مباني السلفية ؟
عن أبي أُمامة قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لنسائه : « لا تُبكُّوا هذا الصبيّ » - يعني حسيناً - وكان يوم أُمّ سلمة ، فنزل جبرائيل عليه السلام فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الداخل وقال لأُمّ سلمة : « لا تدعي أحداً يدخل بيتي » ، فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله في البيت ، أراد أن يدخل ، فأخذته أُمّ سلمة فاحتضنته ، وجعلت تناغيه وتسكنه ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقال جبرائيل عليه السلام : « إنّ أُمّتك ستقتل ابنك هذا » ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يقتلونه وهم مؤمنون بي » ؟ قال : « نعم يقتلونه » ، فتناول جبرائيل تربة ... » (2) .
وقال الذهبي : « وإسناده حسن » (3) .
وأخرج الطبراني بسنده - ورجاله ثقات - في « المعجم الكبير » في ترجمة الحسين عليه السلام عن أُمّ سلمة قالت : « كان الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما) .
ص: 461
يلعبان بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بيتي ، فنزل جبرائيل عليه السلام فقال : « يا محمّد إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك » ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال : « ريح كرب وبلاء » .
قالت : وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ، قال : فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم ، وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم » (1) .
وأخرج الحديث غير الطبراني أيضاً (2) .
وقال الصنعاني : ( أخبرنا عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند عن أبيه ، قال : قالت أُمّ سلمة : كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله نائماً في بيتي ، فجاء حسين يدرج ، فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه ، قالت : ثمّ غفلت في شيء ، فدبّ فدخل فقعد على بطنه ، قالت : فسمعت نحيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجئت فقلت : يا رسول اللّه ، واللّه ما علمت به ، فقال : « إنّما جاءني جبرائيل ، وهو على بطني قاعد ، فقال لي : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتله ، ألا أُريك التربة التي يقتل بها » ؟
قال : « قلت : بلى » .
قال : « فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة » .
قالت : فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ، ويقول : « يا ليت شعري من يقتلك بعدي » ) (3) .
وأخرج الطبراني بسنده - ورجاله ثقات - عن أُمّ سلمة قالت : (كان رسول .
ص: 462
اللّه صلى اللّه عليه وآله جالساً ذات يوم في بيتي ، فقال : « لا يدخل عليّ أحد » فانتظرت فدخل الحسين رضي اللّه عنه ، فسمعت نشيج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : واللّه ما علمت حين دخل ، فقال : « إنّ جبرائيل عليه السلام كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه ؟ فقلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيل عليه السلام من تربتها ، فأراها النبيّ صلى اللّه عليه وآله .
فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال : « ما اسم هذه الأرض » ؟ قالوا : كربلاء ، قال : « صدق اللّه ورسوله ، أرض كرب وبلاء » ) (1) .
وأخرجه الهيثمي في « مجمع الزوائد » وقال : « رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات » (2) .
وكذلك أقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله المأتم والعزاء على الحسين في بيت عائشة ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح ، وأحمد في مسنده (3) .
وأقام مأتم الحزن والبكاء عليه في بيت السيّدة فاطمة عليها السلام ، كما في « مقتل الخوارزمي » (4) .
وهناك الكثير من الروايات التي تشير إلى :
1 - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى وحزن على الحسين عليه السلام ، وأقام عليه العزاء والمأتم في بيوت نسائه ، بل وأمام جمع من الصحابة ، بل وأقام له المأتم منذ أوّل يوم من ولادته ، كما أخرجه الهيثمي في مجمعه بسند صحيح وغيره (5) .
2 - الأخبار الكثيرة التي تنصّ على أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّ أُمّته .
ص: 463
ستقتل الحسين عليه السلام ، وجاءه بتربة من أرض كربلاء ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شمّها واستنشق منها رائحة دم ابنه الحسين الشهيد .
3 - أعطى صلى اللّه عليه وآله لبعض زوجاته تربة الحسين عليه السلام ، وأنّها عرفت مقتله من تحوّل لون تلك التربة إلى دم عبيطاً في يوم العاشر (1) .
وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين ؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلّا وجد تحتها دم عبيط ، فقال عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان .
قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله ثقات » (2) .
وعن الزهري قال : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلّا عن دم .
قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح » (3) .
وعن أبي قبيل قال : لمّا قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي .
قال الهيثمي : « رواه الطبراني وإسناده حسن » (4) .
بل نجد أوسع صور العزاء والحزن تظهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كربلاء عند قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فهذا ابن عبّاس يقول : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ينتقطه ... فقلت : ما هذا ؟
قال : « دم الحسين وأصحابه ، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم » .
قال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجاله أحمد رجال الصحيح » (5) .
فإذاً لا يوجد أيّ مانع شرعي من إقامة المأتم الحسيني ، بل في إقامته أسوة .
ص: 464
واقتداء بالنبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، إذ هو المقيم له والقائم عليه ، كما أسلفنا من خلال الروايات الصحيحة الواردة من طرق أهل السنّة ، وعليه فتسقط المقدّمة الأُولى ، وهي كون البكاء والمأتم نوع من الجزع ، ولا يبقى لها مكان تجلس عليه ، علاوة على المناقشة في كون البكاء في المأتم ، هل هو يصدق عليه جزع أم لا ، والصحيح أنّه لا ، لكن لا مجال لبيان ذلك .
« أحمد محمّد صالح - السعودية - 18 سنة - طالب ثانوية »
س : إنّي من المشاركين في أحد المنتديات ، وقد أثار الدم في عروقي موضوع عن الشيعة ، ولكن لا أعرف الردّ الوافي الكافي ، فأجبت بقدر استطاعتي ، فأنتم تعلمون مدى الظلم الذي يقع علينا في السعودية ، لأنّنا محبّي أهل البيت ، فقلت : لدينا مناهل العلم ، وأواجه هذا الردّ من أحد السنّة عليّ ، ولا أستطيع إجابته فأجيبوني ، وكان قوله هو :
شهد مقتل علي والحسين من شهده من أهل البيت ، ومرّت سنون وما أحدثوا مأتماً ولا نياحة ، فأين الدليل على هذه المناظر المخزية المخجلة التي نراها من الروافض هذه الأيّام ؟ والتي تصدّ الناس عن الدخول في الإسلام ؟!
سؤال مطروح استفدته من كلام نفيس لشيخ الإسلام في نسف بدع الروافض في عاشوراء ! حيث قال :
ومن ذلك : إنّ اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم اللّه فيه سبط نبيّه ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء ، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام .
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين ، وقد كانت شَهِدَت مصرع أبيها ، عن أبيها الحسين بن علي ، عن جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكّرها ، وإن قادم عهدها ، فيحدث لها
ص: 465
استرجاعاً إلّا أعطاه اللّه من الأجر مثل يوم أُصيب منها » (1) .
فقد علم اللّه أنّ مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدّد ذكرها مع تقادم العهد ، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أوّلاً .
ولا ريب أنّ ذلك إنّما فعله اللّه كرامة للحسين ، ورفعاً لدرجته ومنزلته عند اللّه ، ومبلغاً له منازل الشهداء ، وإلحاقاً له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء .
ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدّهما ولأُمّهما وعمّهما ؛ فإنّهما ولدا في عزّ الإسلام ، وتربّيا في حجور المؤمنين ، فأتمّ اللّه نعمته عليهما بالشهادة ، أحدهما مسموماً ، والآخر مقتولاً ، لأنّ اللّه عنده من المنازل العالية في دار كرامته ، ما لا ينالها إلّا أهل البلاء .
كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا سئل : أيّ الناس أشدّ بلاء ؟ فقال : « الأنبياء ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإنّ كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفّف عنه ، ولا تزال البلاء بالمؤمن حتّى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة » (2) ، وشَقِي بقتله من أَعَانَ عليه ، أو رَضِي به !
فالذي شَرَعه اللّه للمؤمنين عند الإصابة بالمصاب وإن عَظُمَت ، أن يقولوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
فأمّا اتخاذ المآتم في المصائب ، واتخاذ أوقاتها مآتم ، فليس من دين الإسلام ، وهو أمر لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا أحد من السابقين الأوّلين ، ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من عادة أهل البيت ، ولا غيرهم .
وقد شهد مقتل علي أهل بيته ، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته ، وقد مرّت على ذلك سنون كثيرة ، وهم متمسّكون بسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا .
ص: 466
يحدثون مأتماً ولا نياحة ، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر اللّه ورسوله ، أو يفعلون ما لابأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة .
قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ، ومن الرحمة ، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان » (1) .
وقال : « ليس منّا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية » (2) ، يعني مثل قول المصاب : يا سنداه ، يا ناصراه ، يا عضداه .
وقال : « النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ودرع من جرب » (3) .
وقال : « لعن اللّه النائحة والمستمعة » (4) ، وقد قال في تنزيله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (5) ، وقد فسّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : ( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) بأنّها النياحة .
وتبرّأ النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الحالقة والصالقة ، والحالقة : التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة : التي ترفع صوتها عند المصيبة .
وقال جرير بن عبد اللّه : كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميّت وصنعهم الطعام للناس من النياحة .
وإنّما السنّة : أن يصنع لأهل الميّت طعام ، لأنّ مصيبتهم تشغلهم ، كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا نعي جعفر بن أبي طالب لمّا استشهد بمؤتة ، فقال : « اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمر يشغلهم » (6) ، والآن هل لديكم دليل واحد على .
ص: 467
قيامهم بذلك ؟ أفيدونا .
فأرجوكم ساعدوني ، ولكم الأجر والثواب .
ج : لا تبتئس بما قاله لك الأخ السنّي السعودي ، ولا تحزن لما أورده لك من كلام إمامه وشيخ إسلامه ابن تيمية ، فقل له :
أوّلاً : إنّ إمامك كان ناصبياً ، فلا يلزمنا كلامه ، ويكفينا في تعريفه مقالة أهل السنّة فيه ، وإليك بعض ذلك :
1 - قال ابن حجر الهيتمي المكّي في « الجوهر المنظّم في زيارة القبور المعظّم » : « من هو ابن تيمية حتّى ينظر إليه ، أو يعوّل في شيء من أُمور الدين عليه » .
2 - وقال : « ابن تيمية عبد خذله اللّه وأضلّه وأعماه وأصمّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ... » (1) .
فهذا حال ابن تيمية بشهادة ابن حجر صاحب « الصواعق المحرقة » .
ثانياً : ما دمت نقلت عن ابن تيمية بعض كلامه محتجّاً به علينا ، وليس يلزمنا ذلك ، فلننقل لك أيضاً بعض الشواهد من كلامه نحتجّ بها عليك ، ولا يسعك التخلّف عن آثارها ، وهي تكفي في الدلالة على نصبه العنيد ، ودفاعه عن يزيد ، فإليك نماذج من تحريفاته حول استشهاد الإمام الحسين عليه السلام :
1 - « ولم يكن في الخروج - خروج الحسين - لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ... ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشرّ لم يحصل منه شيء ، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله ، ونقص الخير بذلك ، وصار ذلك سبباً لشرّ عظيم » (2) .
2 - « وإنّ الرأس حمل إليه - أي إلى يزيد - وإنّه هو الذي نكت على ثناياه ، وهذا مع أنّه لم يثبت ففي الحديث ما يدلّ على أنّه كذب » (3) . .
ص: 468
3 - « وأمّا من سبي نسائه والذراري ، والدوران بهم في البلاد ، وحملهم على الجمال بغير أقتاب ، فهذا كذب وباطل » (1) .
4 - « أمّا ما يرويه من لا عقل له يميّز به ما يقول ، ولا له إلمام بمعرفة المنقول ، من أنّ أهل البيت سُبوا ، وأنّهم حُملوا على البخاتي - البخاتي نبت لها من ذلك الوقت سنامان - فهذا من الكذب الواضح الفاضح لمن يقول به » (2) .
5 - « وليس ما وقع من ذلك - من قتل الحسين - بأعظم من قتل الأنبياء ، فإنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون النبيّين بغير حقّ ، وقتل النبيّ أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك قتل علي رضي اللّه عنه أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك عثمان أعظم ذنباً ومصيبة » (3) .
6 - « ولكن ظهر من أمره - يزيد - في أهل الحرّة ما لا نستريب أنّه عدوان محرّم ، وكان له موقف في القسطنطينية - وهو أوّل جيش غزاها - ما يعدّ من الحسنات » (4) .
7 - « لكن - يزيد - لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا إلى الروضة ، ولا كان القتل في المسجد » (5) .
فهذه سبعة شواهد تغنيك في معرفة ابن تيمية الناصب المعاند ، ولا تنسَ بأن تسأل المسلم السنّي السعودي عن إمامه ابن تيمية ، أين مات ؟ فقد مات في السجن .
ولماذا سجن ؟ لأنّه قد حاكمه أصحاب المذاهب عند السلطان على شذوذه في آرائه . .
ص: 469
وحسبك أن تدلّه فليقرأ رسالة الذهبي إليه ، وهي في تكملة « السيف الصقيل » للكوثري ، ولينظر ما قاله الكوثري عنه في كتاب مقالاته .
وإلى هنا تبيّن لك أنّ ما قاله ابن تيمية ليس له عندنا ولا عند غيرنا من بقية المسلمين - سوى اتباعه - ما يسوى شروي نقير .
والآن عودة إلى ما عابه المسلم السنّي السعودي من إقامة المآتم في المصائب ، وهو غير صائب بل هو خائب ، لأنّا سنذكر له بعض ما لا يسعه إنكاره من مصادره الموثوقة عند أهل السنّة :
فسله أوّلاً : ما رأيه فيما جاء في « صحيح البخاري » في كتاب الجنائز ، باب من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحزن ، وروي في حديث عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، جلس يعرف فيه الحزن ، وأنا أنظر من صائر الباب - شقّ الباب - » (1) .
قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود » (2) .
وقال ابن حجر : « وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً : جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار ، وجواز نظر النساء المحتجّبات إلى الرجال الأجانب ... » (3) .
وسله ثانياً : ما رأيه فيما رواه البخاري في صحيحه أيضاً عن أنس ، قال : « قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شهراً حين قُتل القرّآء ، فما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حزن حزناً قط أشدّ منه » (4) .
قال ابن حجر : « قوله : ما حزن حزناً قط أشدّ منه ، فإنّ ذلك يشمل حال جلوسه وغيرها » (5) . .
ص: 470
فقل للسنّي السعودي إذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن جاز الجلوس لذلك أيضاً شهراً ودهراً .
وسله ثالثاً : ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه مرّ بدار من دور الأنصار من بني عبد الاشهل وبني ظفر ، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فبكى ثمّ قال : « لكن حمزة لا بواكي له » (1) .
قال الحلبي : « فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكين حمزة بين المغرب والعشاء ، أي وكذلك أسيد بن حضير أمر نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكين حمزة .
أي ولمّا جاء صلى اللّه عليه وآله بيته حمله السعدان وأنزلاه عن فرسه ، ثمّ اتكأ عليهما حتّى دخل بيته ، ثمّ أذّن بلال لصلاة المغرب ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على مثل تلك الحال يتوكّأ على السعدين ، فصلّى صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء ، فقال : « ما هذا » ؟ فقيل : نساء الأنصار يبكين حمزة ، فقال : « رضيّ اللّه عنكنّ وعن أولادكن » ، وأمر أن تردّ النساء إلى منازلهنّ .
وفي رواية : خرج عليهنّ ، أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء ، فإنّ بلالاً أذّن بالعشاء حين غاب الشفق ... فقام من نومه وخرج وهنّ على باب المسجد يبكين حمزة رضي اللّه عنه ، فقال لهن : « ارجعن يرحمكن اللّه ، لقد واسيتن معي ، رحم اللّه الأنصار ، فإنّ المواساة فيهم كما علمت قديمة » ... وصارت الواحدة من نساء الأنصار بعدُ لا تبكي على ميّتها إلا بدأت بالبكاء على حمزة رضي اللّه عنه ثمّ بكت على ميّتها ، ولعلّ المراد بالبكاء النوح » (2) .
وسله رابعاً : عمّا رواه الطبري عن سعيد بن المسيّب قال : « لمّا توفّي أبو بكر .
ص: 471
أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطّاب حتّى قام ببابها ، فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهينَ ، فقال عمر لهشام بن الوليد : أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر ، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إنّي أُحرّج عليك بيتي .
فقال عمر لهشام : أدخل قد أذنت لك ، فدخل هشام ، فأخرج أُمّ فروة أُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك » (1) .
فقل له : لا يخلو الأمر ، إمّا أن يكون فعل عائشة صحيحاً بإقامة النوح ، فلا يجوز لعمر أن يمنعه ، وإمّا أن يكون الأمر بالعكس ، ولمّا كانت عائشة تروون في حقّها : « خذوا شطر دينكم عن الحميراء » (2) ، فهي أعلم من عمر الذي لم يرد شيء في فقاهته ، بل هو كان يعترف على نفسه فيقول : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (3) .
إذاً فعقد مجلس النوح جائز وليس ببدعة ، وقد أقامته عائشة على أبيها .
وسله خامساً : لئلا يستزل الشيطان هذا السعودي فيقول بمنع عمر ، فإنّ عمر نفسه قد ناقض نفسه ، وذلك حين مات خالد بن الوليد ، فقد قال : « دعهنّ يبكين على أبي سليمان - وهو خالد بن الوليد - ما لم يكن نقع أو لقلقة ، والنقع التراب على الرأس ، واللقلقة الصوت » (4) .
ونحو هذا رواه ابن عساكر عن محمّد بن سلام قال : « حدّثني أبان بن عثمان قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلّا وضعت لُمتها على قبر خالد ، يقول : حلقت رأسها » (5) . .
ص: 472
فأين كان عنهن عمر ؟ فلماذا لم ينه عن الحلق ؟
وعجيب أمر عمر في تناقضه ، فهو ينهى عائشة وآل أبي بكر عن النوح على أبي بكر وهو صاحبه ، ولولاه لما صار خليفة من بعده ، ويسمح بالبكاء لنساء بني المغيرة في النوح على خالد على ما كان بينهما من عداوة وهجرة ، كما هو معروف ، حتّى إنّ ابن حجر ذكر في « الإصابة » في أواخر ترجمة خالد : « وسمع - أي عمر - راجزاً يذكر خالداً ، فقال : رحم اللّه خالداً ، فقال له طليحة بن عبيد اللّه :
لا أعرفنّك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زوّدتني زادي » (1)
وسله سادساً : عمّا ورد في تأبين الأموات ، بدءاً من وقوف فاطمة عليها السلام على قبر أبيها صلى اللّه عليه وآله فقالت :
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما نُعيت وحالت دونك الكثب » (2)
ومروراً بمجيء أعرابي وقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : قلت فقبلنا ، وأمرت فحفظنا ، وبلّغت عن ربّك فسمعنا : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (3) ، وقد ظلمنا أنفسنا ، وجئناك فاستغفر لنا ، فما بقيت عين إلّا سالت (4) .
وكذلك موقف ابن مسعود على قبر عمر يبكي ، ويطرح رداءه ثم أبّنه (5) ، وانتهاءً بقول أمير المؤمنين عليه السلام على قبر خبّاب بن الأرت ، لمّا رجع من حرب صفّين إلى الكوفة ، فوجد خبّاباً قد مات ، فوقف على قبره وقال : « رحم اللّه .
ص: 473
خبّاباً ، لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش زاهداً ، وابتلي في جسمه فصبر ، ولن يضيّع اللّه أجر من أحسن عملاً » (1) ، إلى غير ذلك من جمل الرثاء التي تحمل آيات الثناء ، وتعرب عن جليل العزاء ، فضلاً عن البكاء .
وسله سابعاً : عن سنّة الجلوس للعزاء عند المسلمين ، ألم تكن قائمة دائمة ؟ فما رأيه فيما رواه ابن قيّم الجوزية وهذا تلميذ - إمامه ابن تيمية ، فهو على شاكلته - في كتابه فقال : « لمّا توفّي العباس أحجم الناس عن تعزية ولده عبد اللّه إجلالاً له وتعظيماً ، حتّى قدم رجل من البادية ، فأنشده :
اصبر نكن بك صابرين فإنّما *** صبر الرعية بعد صبر الرأس
خير من العباس صبرك بعده *** واللّه خير منك للعباس
قال : فسرى عنه ، وأقبل الناس على تعزيته » (2) .
وسله ثامناً : عمّا رواه ابن الأثير وابن كثير في وفاة عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا هو شقيق عائشة فقال الثاني : « ولمّا توفّي كانت وفاته بمكان يقال له الحبشي - على ستة أميال من مكّة ، وقيل أثنى عشر ميلاً - فحمله الرجال على أعناقهم حتّى دفن بأعلى مكّة ، فلمّا قدمت عائشة مكّة زارته ، وقالت : أما واللّه لو شهدتك لم أبك عليك ، ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذي مت فيه ، ثمّ تمثّلت بشعر متمم بن نويرة في أخيه مالك :
وكنّا كندماني جذيمة برهة *** من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا
فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالك *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
قال ابن كثير : رواه الترمذي وغيره » (3) .
وقال ابن الأثير : « ولمّا اتّصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلى مكّة حاجة ، .
ص: 474
فوقعت على قبره فبكت عليه ، وتمثّلت :
وكنّا كندماني جذيمة حقبة *** من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا
فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا » (1)
وسله تاسعاً : عمّا رواه البخاري : « ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرحمن ، فقال : انزعه يا غلام ، إنّما يظلّه عمله » (2) .
وذكر ابن حجر : « مرّ عبد اللّه بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة ، وعليه فسطاطاً مضروب ، فقال : يا غلام أنزعه فإنّما يظلّه عمله ، قال الغلام : تضربني مولاتي قالت : كلّا فنزعه » (3) .
وزاد ابن عساكر : « فقالت لها - لعائشة - امرأة : وإنّك لتفعلين مثل هذا يا أُمّ المؤمنين ؟ قالت : وما رأيتني فعلت ؟ إنّه ليست لنا أكباد كأكباد الإبل ، ثمّ أمرت بفسطاط ، فضرب على القبر ... » (4) .
وعن ابن أبي مليكة : « أنّه رآها - عائشة - زارت قبر أخيها عبد الرحمن » (5) .
أليس فيما ذكرت من الشواهد ما يكفي لإثبات سنّة الجلوس للعزاء ، وعقد مجالس النوح والبكاء ، وإنشاد وسماع واستماع الرثاء ، وزيارة القبور ، والدعاء عندها بالمأثور ؟
وبعد ، هل يحقّ للسنّي السعودي أن يلوم من يحيي ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام ، أو ينتقد مظاهر الحزن التي يمارسها الشيعة معبّرين عن شعورهم بالولاء لصاحب الذكرى ، وإنّما يصرّ الشيعة على إحياء مراسيم العزاء في كلّ عام .
ص: 475
تذكيراً للآخرين ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) ، ولئلا يلفها ضباب النسيان ، وينكرها اتباع آل أبي سفيان ، كما حدثت لبيعة الغدير ، وإسقاط المحسن ، و ... .
ثمّ هي خير وسيلة إعلامية يملكها الشيعة لتبليغ مبادئهم ، وبلوغ مآربهم في إفهام الآخرين مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، وفضح أعمال الأمويين والعباسيين وغيرهم من أعداء الدين .
وإنّما خصّوا الحسين عليه السلام بمزيد من الذكرى ، لأنّه بقية الخمسة من أصحاب الكساء ، ولولاه لقضى بنو أُمية على دين جدّه ، وقد استهانوا بكلّ قيمه وأخلاقياته ، وحسبك أن تقرأ من خطبة للإمام الحسين عليه السلام قوله : « أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام اللّه ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر ... » (2) ، فهو عليه السلام أعلن سرّ نهضته ، فمن أحقّ من شيعته بالاستجابة لدعوته ؟
كما إنّ مظاهر إحياء الذكرى بما فيها من خروج المواكب في الطرقات ، وحتّى ما يجري فيها ممّا يسمّيه السنّي السعودي - من المناظر المخزية المخجلة - ليست هي أخزى بدعة من ضرب الدرباش ، وبدعة الرقص ، وما إليه ممّا يمارسه أهل الوجد والمجاذيب من أهل السنّة ، حتّى قال شاعرهم الأخرس البغدادي ناقداً لهم : .
ص: 476
أقال اللّه صفّق لي وغنّي *** وقل هجراً وسم الهجر ذكرا
فإن تكن السيادة باخضرار *** فإنّ السلق أشرف منك قدرا
وما هي ألا كنحو العرضة التي يمارسها أشياخ قومه حتّى اليوم .
وهل ينكر ما تعرضه برامج إذاعته التلفزيونية من تمثيليات ، لا يستسيغها كثير من أبناء بلده ، فهل هو ممّن يرى القذاة في عين غيره ، ولا يرى الجذع في عينه ؟
وأحسبه إنّما قال : مناظر مخزية مخجلة ، لأنّها تكشف عن صحائف يحسبها منسية ، وتثير الحسّ الخامل والغافل للبحث عن ملابسات القضية .
نعم هي أخزى لأنصار بني أُمية ، فإنّ إقامة الشعائر الحسينية تذكير للناس بتاريخ الأمويين المخزي ، فتظهر خزايتهم بارتكاب عظيم الجنايات في المسلمين ، ولم يكن السنّي السعودي أوّل من يستنكر إقامة تلك الشعائر ، ولا يكون آخرهم ، فهم قد دأبوا على استنكار إعادة تلك الذكريات ، حتّى قال شاعرهم :
هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة *** فتمثّلوا بعداوةٍ وتصوّروا
ويلاه من تلك الفضيحة إنّها *** تطوى وفي أيدي الروافض تنشر
فردّ عليه غير واحد من شعراء الشيعة ، فقال بعضهم مشطّراً للبيتين ، ورادّاً الصاع بصاعين :
هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة *** أَبناء من قتلوا الحسين فكبّروا
قد ساءهم أن لا يكونوا شاركوا *** فتمثّلوا بعداوة وتصوّروا
ويلاه من تلك الفضيحة إنّها *** تحكي الذي فعلوه لمّا تذكر
فبها فضيحتهم تبين وجهدهم *** تطوى وفي أيدي الروافض تنشر
والآن فلندع هذا كلّه جانباً ، وللنظر إلى مسألة إقامة الشعائر الحسينية من الوجهة الشرعية ، فماذا تقتضيه الأدلّة والقواعد ؟ فنقول :
ص: 477
أوّلاً : إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ما لم يأت تحريم ببرهان ، فعلى مدّعي الحرمة إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنّة ثابتة مقبولة ، فالأصل إذاً مع منكر الحرمة لا مع المستنكر ، فلنا مطالبته بالدليل لا بالتضليل .
ثانياً : كلّ عمل من تلك الأعمال على الإجمال يسع المتضلّع الفقيه ، تخريج وجه له وجيه ، من عمومات الأدلّة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة ، كما يستفاد من كلام الشيخ كاشف الغطاء قدس سره في جوابه على مسائل البصريين ، حول ما يجري في الساحة من ذكرى عاشوراء ، وله كلام في ذلك ننقل بعضه مضموناً ، فيما يخصّ مسألة اللطم على الصدور ، وخروج المواكب في الطرقات .
1 - ففي مسألة اللطم والدم ، حسبنا ما يرويه أعلامنا ، ويرويه أيضاً غيرنا من حديث دعبل بن علي الخزاعي ، وإنشاده قصيدته التائية عند الإمام الرضا عليه السلام أيّام ولاية العهد بخراسان ، وكان منها :
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (1)
فسمع الإمام الرضا عليه السلام ولم يستنكر عليه قوله ، فإذا جاز لمثله أن يسمع ذلك ثمّ هو يبكي ، ويثيب الشاعر على قصيدته ثواباً جزيلاً ، فجائز لنا أن نلطم الخدّ أو الصدر في المصيبة الحسينية مادام مشروعاً ، ولو كان منكراً فيه خلاف للشرع لأنكره ، ولكنّه لم ينكر فهو جائز .
2 - وأمّا مسألة خروج المواكب في الطرقات ، فهو أيضاً جائز في نفسه ، دون ما قد يصادفه من وقوع بعض المحرّمات ، فإنّ مساوقة المحرّم للخروج لا تعني حرمة الخروج ، لأنّ حرمة الشيء لا توجب حرمة ما يقع فيه ، فمن تغنّى بالقرآن مثلاً ، لا يقال له إنّ قراءة القرآن حرام ، بل يقال له : إنّ التغنّي بالقرآن حرام . .
ص: 478
على أنّ خروج المواكب قد ثبت تاريخاً أنّه كان من عهد البويهيين في بغداد ، منذ القرن الرابع الهجري ، وكان ذلك العصر يعجّ بأفذاذ العلماء وجهابذة العلم - كالشيخين المفيد وابن قولويه ، والشريفين المرتضى والرضي ، والشيخ الطوسي - ولم يسمع من أحدهم إنكار ذلك ، بل ورد أنّ الشريف الرضي قدس سره لما ورد لزيارة جدّه الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، ورأى جماعة من الأعراب يعدّون ركضاً ، وهم ينوحون ويلطمون دخل في زمرتهم ، وأنشأ في ذلك الحال على البديهية مرثيته الخالدة ، التي لازالت حتّى اليوم تتلى وأوّلها :
كربلا لا زلتِ كرباً وبلا *** ما لقي عندكِ آل المصطفى (1)
إلى أن يقول فيها :
لو رسول اللّه يحيى بع-دهم *** قعد اليوم عل-يه-م للعزا
ونحن نقول له : أيّها الشريف لقد قعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للعزاء عليهم من يوم ولادة الحسين عليه السلام ، حين هبطت عليه ملائكة الرحمن تهنئه بمولد الحسين عليه السلام وتعزّيه بما يجري عليه ، وقد تكرّر منهم ومنه صلى اللّه عليه وآله أن بكى ، وأخبر أزواجه وأصحابه بمقتل الحسين ، حتّى ورد في حديث لعائشة قالت : فلمّا ذهب جبرائيل عليه السلام من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج صلى اللّه عليه وآله والتربة في يده يبكي ، فقال : « يا عائشة إنّ جبرائيل عليه السلام أخبرني أنّ الحسين ابني مشهور مقتول في أرض الطفّ ، وإنّ أُمّتي ستفتتن بعدي » ، ثمّ خرج إلى أصحابه فيهم : علي ، وأبو بكر ، وعمر ، وحذيفة ، وعمّار ، وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟
فقال : « أخبرني جبرائيل أنّ مشهور الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه » (2) .
3 - وأمّا مسألة زيارة قبورهم عليهم السلام ، فهي مستحبّة عندنا مؤكّدة الاستحباب ، .
ص: 479
كما أنّ عند العامّة زيارة القبور مسنونة أيضاً ، لأنّها تذكّر بالآخرة ، وحتّى البكاء عند القبور ليس فيه محذور ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله زار أُمّه آمنة بنت وهب ، ومعه ألف مقنّع ، فبكى وبكوا معه ، حتّى لم ير باكياً أكثر من يومئذ (1) .
فهل علم السنّي السعودي أنّ أُمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ماتت ، وكان هو ابن ستّ سنين على أكثر تقدير ؟
وهل درى أنّ النبيّ زار قبر أُمّه وهو في طريقه إلى عمرة الحديبية ، أي بعد أربع وخمسين سنة ؟
وهل درى أنّ قبر آمنة كان بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وثمّة رواية أنّه بالحجون بمكّة ، وقيل جمعاً بين الروايتين : أنّها دفنت أوّلاً بالأبواء ، ثمّ نبشت ونقلت إلى مكّة ، ودفنت بالحجون .
وهل درى أنّ الشيعة إنّما يفعلون نحو هذا اقتداء بسنّته صلى اللّه عليه وآله ، فهم يزورون قبور أئمّتهم ، وإن تطاول العهد ، ومهما طال الأمد ، ويعمّرونها بإصلاحها ، وهم يحيون مراسيم ذكراهم ، ويقيمون العزاء عليهم ، ويبكون لمصابهم ، كلّ ذلك اقتداء بسنّته صلى اللّه عليه وآله .
4 - وأمّا أعمال الشبيه على ما فيه ما ينبغي عليه التنبيه ، فإنّه كأيّ عمل آخر يشوبه ما يقتضيه التنزيه ، ولا يعني ذلك الحكم بالحرمة لمجرّد وقوع بعض المنافيات ، التي ليست هي منه بسبيل ، وإنّ آثار ذلك التمثيل أسرع تأثيراً في الناس من باقي مظاهر الحزن والعزاء .
حتّى أدرك ذلك الغربيون والشرقيون فجلب انتباههم ، وصاروا يبحثون عن الحسين عليه السلام من هو ؟ وما هي أهداف ثورته ؟ ولماذا يحيي الشيعة ذكراه كلّ .
ص: 480
عام ؟ واقتنع غير واحد بمبدأ الحسين عليه السلام ، حتّى قال بعضهم : لقد شيّعني الحسين ، وقال غاندي : تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر .
ولأحد المستشرقين كلمة في المقام ، يحسن إيرادها ، وذلك هو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » قال : « من جملة الأُمور السياسية التي ألبستها رؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون ، وصارت مورثة جدّاً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ، هي أُصول التمثيل ، باسم التشبيه والتعزية في مأتم الحسين ... .
التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الأوربائيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلّات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ أُموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب قليلاً قليلاً ، أصابوا هدفين بسهم واحد ، تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الأُمور السياسية ...
فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة ، فألبست ذلك لباس المذهب ... وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في إقامة العزاء والشبيه قد حصل ، من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة المصائب ، التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين .
ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول ، فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تأثير عظيم ، ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر ... هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ، ومقامات معيّنة ، وحيث إنّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة ، والمقامات المعيّنة يكون اشتراك الفرق الأُخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاصّ ، فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم ، بذلك الأثر
ص: 481
الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العامّ والخاصّ إليه ، حتّى إنّ بعض الفرق الإسلامية الأُخرى ، وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك ...
إنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم ، وعمل الشبيه واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت إليها قلوب باقي الفرق ... نحن - الأوربائيين - بمجرّد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملّية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحّش ، ونحن غافلون عن أنّنا لو سبرنا غور هذه الأعمال ، لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة ، وهؤلاء بأحسن وجه ، والذي يجب علينا أن ننظر إلى حقائق عوائد كلّ قوم ، وإلّا فإنّ أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عوائدنا ، ويعدّون بعض حركاتنا منافية للآداب ، ويسمّونها بعدم التهذيب بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها ، التي طبعاً إثر التهيّج الطبيعي ، فإنّهم يعتقدون أنّ لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ، انتهى » .
وأخيراً : حسبنا ما قاله الأئمّة عليهم السلام في إحياء أمرهم ، والتذكير بمصابهم ، ولا يضيرنا قول عائب خائب ، فإنّ لكلّ امرئ ما نوى ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، بشرط تنزيه تلك الأعمال عمّا يشينها من أقوال وأفعال ، ولا نترك فرصة لمن استزلهم الشيطان ، فيرمونها بالفرية والبهتان ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (1) .
« عالية - البحرين - 20 سنة »
س : لديّ سؤال : لماذا نبكي على أئمّة أهل البيت ؟ ونقوم بالتعزية عليهم ،
ص: 482
مع العلم أنّ تلك الحادثة - مثل مصيبة الإمام الحسين - كانت من الماضي ؟ ونسألكم الدعاء ، والشكر الجزيل .
ج : يمكن الإجابة على سؤالك من عدّة وجوه :
الوجه الأوّل : لقد بكى على الحسين عليه السلام الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله قبل استشهاده ، وقد ثبت ذلك من طرقنا ومن طرق العامّة ، ويمكن تأسّياً بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن نبكي على الحسين عليه السلام ، ولا علاقة للزمان وبعده عن واقعة استشهاده ، لأنّه لو كان للزمان علاقة لكان الأولى بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن لا يبكي على الحسين عليه السلام قبل حصول الواقعة ، بل الذي يدعونا - كما يدعو الرسول صلى اللّه عليه وآله - للبكاء هو مظلومية الإمام الحسين عليه السلام .
الوجه الثاني : قد ورد أيضاً أنّ بعض الأنبياء عليهم السلام قد بكوا على الإمام الحسين ، وبعد الأنبياء عن واقعة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام أكثر من بعدنا عن تلك الواقعة ، ومع الاختلاف في السبق واللحوق .
الوجه الثالث : قد ورد أيضاً أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى على حمزة وجعفر ، وأمر النساء بالبكاء عليهما ، حتّى صار البكاء على حمزة من عادة نساء أهل المدينة .
الوجه الرابع : بعد أن ثبت عندنا بالدليل القاطع عصمة أئمّتنا عليهم السلام يمكننا الأخذ برواياتهم وسيرتهم ، وقد كان دأب المعصومين عليهم السلام بعد واقعة الطفّ البكاء على الحسين عليه السلام ، وكان بعضهم يقيم مآتم العزاء ، وكانوا يأمرون شيعتهم بالبكاء ، وإقامة العزاء ، وحضور مجالس العزاء ، حتّى ورد عندنا فضل للتباكي على الحسين عليه السلام ، ونحن تبعاً لهم عليهم السلام نسير على خطاهم ، ونهتدي بهديهم ، ونأتمر بأوامرهم .
فقضية البكاء على الحسين عليه السلام من القضايا الفرعية ، التي يمكن إثباتها بعد إثبات الأُصول التي تعتمد عليها ، ولا تتوقّف تلك الأُصول على جواز أو عدم جواز البكاء ، حتّى يستلزم الدور المحذور .
ص: 483
« حسين - البحرين - 24 سنة - مدرّس »
س : الرجاء التوضيح الشافي والوافي فيما ورد في مقتل الإمام الحسين عليه السلام : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ، ودام ذلك ثلاث أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت .
مع توضيح كيفية بكاء السماء دماً ، ولكم منّا جزيل الشكر والتقدير .
ج : سؤالك يتكوّن من سبع فقرات تريد إيضاحها :
1 - بكت لموته الأرض والسماء ، قد ورد عنهم عليهم السلام : إنّ بكاء الأرض كان بتفجّرها دماً ، وما رفع حجر عن الأرض إلّا كان تحته دماً عبيطاً ، وقد فسّر في خبر آخر بالسواد .
أمّا بكاء السماء ، فعن الإمام الصادق عليه السلام بعد أن سئل عن بكاء السماء ، قال : « كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء » (1) ، وقد فسّر بكاء السماء في أخبار أُخر بوقوع الدم ، فعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام بعد سؤاله عن أيّ شيء بكاؤها ؟ قال : « كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم » (2) .
وفي خبر آخر نسب البكاء بالحمرة إلى الشمس ، فقال : « بكت السماء على الحسين أربعين صباحاً بالدم ، والأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، والشمس بكت أربعين صباحاً بالحمرة » (3) ، والذي يجمع بين الأخبار أنّ كلا الأمرين قد حصل .
2 - وأمطرت دماً ، قال أحدهم : أمطرت السماء دماً احمرت منه البيوت
ص: 484
والحيطان ، وقال آخر : ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وقال آخر : وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً ، وأصبحنا وحياضنا وجرارنا مملوءة دماً .
3 - أظلمت الأفلاك من الكسوف .
4 - اشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام .
لعلّ العبارتين بمعنى واحد وهو ذهاب نور الشمس وانكسافه ، وصيرورة النهار ليلاً كما في بعض الأخبار .
5 - والكواكب في أفلاكها تتهافت ، لم نعثر على مكان وجود هذه العبارة في المقتل ، ومع وجودها فيمكن أن يفهم منها : ظهور الشهب بكثرة في السماء ، الذي كان يفهم منه في ذلك الزمان سقوط الكواكب .
6 - عظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت ، بعد كلّ هذه الحوادث الغريبة عليهم والمروّعة ، علموا بفداحة الأمر الذي حصل ، وتوقّعوا الهلاك العاجل ، حتّى جاء عن بعضهم قوله : حتّى ظنّنا أنّها هي ، يعني القيامة .
« علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب »
س : هل الحسين خير من الرسل والأنبياء ؟ أم أنّه الوحيد الذي مات حتّى تفعلوا كل هذا من أجله ؟ يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم .
ج : ألم يثبت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى على الحسين عليه السلام قبل مقتله ؟ ونصب المأتم عليه في مسجده ، فكيف بنا بعد أن قتل !
فقد روى أحمد عن عبد اللّه بن نجى عن أبيه : « أنّه سار مع علي رضي اللّه عنه ، وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات » ، قلت : وماذا ؟ قال : « دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبيّ اللّه أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟
ص: 485
قال : بلى ، قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك أنّ أشمّك من ترتبه ؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أنْ فاضتا » (1) .
وهناك روايات كثيرة في هذا الباب ، مثل رواية أُمّ الفضل ... قالت : « فدخلت يوماً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فوضعته - أي الحسين - في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأُمّي مالك ؟ قال : « أتاني جبرائيل عليه السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا » ، فقلت : هذا ؟ فقال : « نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » .
قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (2) ، فلماذا تنقم وتنزعج من البكاء والتأثّر على مقتل الحسين ؟!
يا أخي : إنّ الحسين سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وابنه وحامل نسله ونسبه وسببه وإسلامه ، وضحّى بنفسه وأعزّ ما عنده من أخوة وأولاد ، وأهل بيت وأصحاب مؤمنين ، ونساء أهل البيت ، وعانوا ما عانوا من عطش وتقتيل وتمثيل وسبي وتخويف ... وعندنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفاطمة وعلي والحسن عليهم السلام أفضل من الحسين عليه السلام ، وكلّهم أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة ، ولكن تختصّ مصيبة الحسين عليه السلام ومقتله بأشياء عظيمة توجب الاهتمام والإحياء والاقتداء به عليه السلام .
« السيّد علي - الكويت - 17 سنة »
س : إنّ بعض العلماء يشكّك في قضية البكاء على الحسين ، وأنّه لا يغفر الذنوب ؟ وفّقكم اللّه لخدمة الدين ، وشكراً .
ص: 486
الجواب : لاشكّ أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام حاولوا على مدى الزمان منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف مراجع الدين أمام هذا التيار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، والحبّ والولاء الموجودان لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات ، فأثبتوا لهم تمسّكهم بأهل البيت عليهم السلام مهما كلّفهم الأمر .
فقضية ثواب البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، فهي من القضايا المسلّمة عند علمائنا ، فقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال ، نذكر منها :
1 - عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتّى تسيل على خدّه ، بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه ... » (1) .
2 - عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ( قال لي : « يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه السلام » ، قال : فأنشدته ، فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فو اللّه ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار ، فقال لي : « يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة » ) (2) .
3 - عن صالح بن عقبة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « من أنشد في الحسين عليه السلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً .
ص: 487
فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة » ، فلم يزل حتّى قال : « من أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال : أو تباكى - فله الجنّة » (1) .
4 - عن أبي عمارة المنشد قال : ( ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد اللّه عليه السلام في يوم قط ، فرئي أبو عبد اللّه عليه السلام متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان عليه السلام يقول : « الحسين عَبرة كُلّ مؤمن » ) (2) .
5 - عن أبي بصير قال : ( قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « قال الحسين بن علي عليهما السلام : أنا قتيل العَبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر » ) (3) .
6 - عن الفضل بن شاذان قال : ( سمعت الرضا عليه السلام يقول : « لمّا أمر اللّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده ، و ... قال : يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أُمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ، فيستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم » ) (4) .
7 - عن إبراهيم بن أبي محمود قال : « قال الرضا عليه السلام : « إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حرمة في أمرنا . .
ص: 488
إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام » .
ثمّ قال عليه السلام : « كان أبي عليه السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه ، حتّى يمضي منه عشرة أيّام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين » ) (1) .
8 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا نزلت : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (2) في اليهود ، أي الذين نقضوا عهد اللّه ، وكذّبوا رسل اللّه ، وقتلوا أولياء اللّه : « أفلا أُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأُمّة » ؟
قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : « قوم من أُمّتي ينتحلون أنّهم من أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى .
ألا وإنّ اللّه يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم ، ألا ولعن اللّه قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم .
ألا وصلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً ، ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين اللّه » (3) .
9 - عن الإمام علي عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إذا كان يوم القيامة نادى .
ص: 489
مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد ، مع قميص مخضوب بدم الحسين ، فتحتوي على ساق العرش ، فتقول : أنت الجبّار العدل اقض بيني وبين من قتل ولدي ، فيقضي اللّه لابنتي وربّ الكعبة .
ثمّ تقول : اللّهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ، فيشفعها اللّه فيهم » (1) .
نكتفي بهذا المقدار من الروايات ، وللمزيد راجعوا المصادر الحديثية .
« حفيظ بلخيرية - تونس »
س : يحتفل الشيعة في كلّ سنة بأربعينية الحسين عليه السلام ، وسؤالي لا يتعلّق بإحياء الذكرى ، بل في مسألة الأربعين ، هل تتوافق مع الحديث القائل : « لا حزن بعد الثلاث » ؟
ج : لم نجد الحديث المذكور في الكتب الحديثية المعتبرة عند الفريقين - السنّة والشيعة - وعلى فرض التسليم بوجوده وصحّته إن وجد ، تكون زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام ممّا خُصّ فعله تبعاً للروايات المعتبرة الواردة في هذا الشأن ، وزيارة الأربعين لا تشتمل على معنى الحزن فقط ، وإنّما حالها كحال معظم الشعائر الحسينية المندوبة الأُخرى التي يراد منها :
1 - تعظيم شعائر اللّه التي وصفها الحقّ سبحانه وتعالى بأنّها من تقوى القلوب .
2 - التعبير عن الولاء لأولياء اللّه ، والسير على منهجهم وخطاهم .
3 - السعي لبيان مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، وما جرى على أئمّة الحقّ التي تعني مظلومية الإسلام ، والذي يصبّ في دعم العقيدة والدين ، إلى غير ذلك من المعاني والعبر التي حفلت بها هذه الشعائر ، حتّى ورد الحثّ الشديد من أئمّة أهل
ص: 490
البيت عليهم السلام على إقامتها وتفعيلها .
أمّا ما ورد من الأحاديث في زيارة الأربعين ، فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم » (1) .
وقد وردت صيغة عن الإمام الصادق عليه السلام لكيفية هذه الزيارة جاء فيها : « تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ اللّه وحبيبه ، السلام على خليل اللّه ونجيبه ... » (2) .
« حفيظ بلخيرية - تونس - ... »
س : نشاهد على شاشة التلفاز شباب يضربون أنفسهم بسلاسل من حديد ، وذلك لإحياء ذكرى الشهيد الحسين عليه السلام ، فما هو معنى هذا الفعل ؟
ج : إنّ شعائر الضرب بالسلاسل على الظهور قد يكون لها منشأ من نفس أحداث واقعة كربلاء ، تقريباً وتعبيراً عمّا كان يتعامل به أعداء أهل البيت من إيذاء وضرب ، وممارسات الأسر في حقّ النساء والأطفال ، ضرباً على ظهورهم بالسياط ، لذا يعمل الموالون على إحياء هذا المشهد المأساوي الذي قدّمه أهل بيت العصمة وعيالاتهم في سبيل نصرة الدين والتضحية من أجل إحياء الإسلام المحمّدي الأصيل .
وفلسفة هذه الأعمال والشعائر للمصيبة الحسينية أنّها تهدف على إحياء روح التأسّي والتأثّر والولاء لأهل البيت عليهم السلام ، الذي أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع الكتاب الكريم ، وجعلهم عدلاً له ، كما هو الوارد في الحديث
ص: 491
المعروف : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » (1) .
وبغضّ النظر عن معنى هذا الفعل فإنّ للشيعي الموالي الحرّية في اختيار السلوك الذي يعبّر به عن حزنه ومواساته للسبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه ، ما لم يدخل ذلك في دائرة الحرام .
وعليه ، فإنّ مختلف الشعائر الحسينية مفتوحة للتطوّر بمرور الزمان ، كما أنّها تطوّرت إلى ما نشاهده اليوم عمّا كانت عليه سابقاً عبر تراكم العادات ، واختلاف أشكال التعبير .
« ... - ... - ... »
س : يعدّ البعض اللطم على الصدور في المآتم حرام ، ويستدلّ بعدّة أدلّة ، فما هي الأدلّة على مشروعية اللطم على الصدور ؟
ج : الاستدلال على مشروعية اللطم يتمّ على نقاط :
1 - إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، أي إنّ كُلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة
ص: 492
ونهي ، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم : من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة .
فإنّ أصالة الإباحة أصل في علم أُصول الفقه ، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف يمكنك اطلاعهم عليها ، وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل وليس العكس .
2 - بل إنّ اللطم على الإمام الحسين عليه السلام مستحبّ ، لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر اللّه ، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر اللّه ، لأنّ يوم الحسين يوم من أيّام اللّه بلا جدال .
3 - ولكن مع كُلّ هذا ، فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات التي فيها إقرار اللطم على الإمام الحسين وبقية المعصومين عليهم السلام ، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم : « برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه » (1) ، إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم ، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين عليه السلام زمن الحادثة الدالّ على تقريره .
وأيضاً ما رواه العلّامة المجلسي : من أن دعبل الخزاعي لمّا انشد الإمام الرضا عليه السلام :
إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (2)
لطمت النساء ، وعلا الصراخ من وراء الستار ، وبكى الإمام الرضا عليه السلام حتّى أُغمي عليه مرّتين ، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى ، إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره عليه السلام .
ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله .
ص: 493
تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .
وقال في الجواهر : « وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر ... بل ربما قيل إنّه متواتر » (2) .
وفي اللّهوف : « ولمّا رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء .
فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً » (3) .
ومن المعلوم : إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان معهم .
وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين عليه السلام ، وفسّر الإمام الباقر عليه السلام الجزع بقوله : « أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ... » (4) .
وغيرها من الروايات ، أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم !! نعم إنّ ذلك مختصّ بالحسين عليه السلام كما ذكر الفقهاء .
ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي ، منها :
1 - إنّه إلقاء في التهلكة : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (5) ، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة ، ولو سلّمنا فإنّه ليس فيما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا . .
ص: 494
وإن حدث في بعض الحالات النادرة ، فإنّ مات أحدهم مثلاً ، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً ، فهو كما يتّفق في كُلّ شيء مباح ، كركوب السيارة مثلاً .
2 - إنّه إضرار بالنفس ، والإضرار حرام ، مع أنّه لم يثبت حرمة كُلّ إضرار بالنفس ، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ ، والعقلاء يقدمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر ، بل قد يقدمون على أُمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها .
3 - من أنّ هذه الممارسات - ومنها اللطم - فيها توهين للمذهب ، وجوابه : إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف ، وأنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف في صدق التوهين هنا أو لا .
ولو أردنا مجارات كُلّ من خالفنا وشنّع علينا بممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء حتّى الحجّ والصلاة .
4 - قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة ، ولكن تعريف البدعة هو : إدخال ما ليس في الدين فيه ، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً ، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه ، وأنّه من الدين .
« عبد اللّه - السعودية - 30 سنة - دكتور »
س : من المتعارف عليه بين أبناء الشيعة الإمامية إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، ويصاحب ذلك في كثير من الأحيان اللطم ، أو ما عرف بالعزاء .
وهو إنشاد القصائد الرثائية في أهل البيت ، ويصحب ذلك اللطم على الصدور ، وحسب اطلاعي المتواضع ، فإنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يحيون هذه الأيّام ، ولكن لم يرد بأنّهم كانوا يلطمون على صدورهم ، أو كانوا يحثّون على ذلك ، ولو كانت هذه العادة هي شعيرة خاصّة ، أو لها أهمّية لجاءت أخبار الأئمّة بالحثّ عليها ، بل ربما هناك ما يتعارض مع مثل ذلك .
ص: 495
فنحن نعرف وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخته زينب عليها السلام ليلة العاشر : بأن تتعزّى بعزاء اللّه ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... مع أنّ السيّدة زينب ليست بحاجة لذلك ، إلّا أنّ الإمام ربما قال لها ذلك من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة .
كذلك سمعت من البعض : بأنّ أوّل ظهور لهذه العادة كان في عصر الشيخ المفيد ، وكان الشيخ يقف موقفاً سلبياً ممّن يمارسون هذه العادة ، أُودّ أن أسمع تعليقكم حول هذا الموضوع بالتفصيل ؟ شاكراً ومقدّراً لكم .
ج : نلخّص الجواب في نقاط :
1 - هناك كلّية صحيحة يرجع إليها في الاستدلال ، وهي : كُلّ ما يأمر به ، أو يحثّ عليه ، أو يفعله أو يقرّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام فهو جائز بالمعنى العام ، أي أعمّ من الواجب والمستحبّ والمباح .
وهناك قضية يأتي بها المغالطون كثيراً على أنّها كلّية صحيحة يمكن الاستدلال بها ، ليموّهوا على مناقشيهم بنوع من المغالطة ، وهي : إنّ كُلّ جائز وليس الواجب يجب أن يفعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام ، وهي عكس الأُولى ، وهذه الكلّية غير صحيحة وباطلة ، ولم تثبت لا عقلاً ولا شرعاً .
ومن راجع علم المنطق يعرف : إنّ العكس المستوي في الموجبة الكلّية يكون موجبة جزئية ، فعكس القاعدة الأُولى : كُلّ ما يفعله الإمام فهو جائز ، وهي موجبة كلّية ، يكون : بعض ما هو جائز يفعله الإمام ، وهي موجبة جزئية ، ثمّ إنّه لم يثبت في الشرع أنّ كُلّ شيء جائز - سواء كان مستحبّاً أو مباحاً - يجب أن يفعله الإمام .
ملاحظة : نحن اقتصرنا في القضية على فعل الإمام عليه السلام لأنّ المخالفين الذين يتعمّدون المغالطة يحتجّون دائماً علينا بأنّ الإمام لم يفعل كذا ، ولم يفعل كذا ، فهو غير جائز ، ولا يحتجّون علينا بعدم فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلّا نادراً .
أمّا نحن ، فإنّ هذه القاعدة واضحة عندنا ، فلا نحتجّ عليهم بعدم فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لشيء لإثبات عدم جوازه إلّا من باب النقض .
ص: 496
ومن هنا عرفت الجواب على كُلّ من يعترض على فعل ما بأنّ الإمام عليه السلام لم يفعله ، أو لم يثبت فعله له ، ومنها الاستدلال بعدم فعل الإمام عليه السلام للطم .
2 - تبيّن أنّ إقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو الإمام عليه السلام لفعل ما يدلّ على جوازه بالمعنى الأعم ، ولا يثبت به الوجوب ، فهو يحتاج إلى دليل آخر .
وفي موردنا جاءت عدّة روايات تثبت إقرار الإمام عليه السلام لما فعله الآخرون من اللطم أمامه ، أو لم ينكر على من ذكر اللطم على الإمام الحسين عليه السلام ، ويبيّن له المنع من ذلك .
منها : ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .
ومنها ما رواه الشيخ الصدوق : إنّ دعبل الخزاعي انشد الإمام الرضا عليه السلام قصيدته التي فيها :
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (2)
فلم يعترض عليه الإمام عليه السلام بأنّ فاطمة عليها السلام لا تفعل الحرام ، وهو اللطم ، بل بكى عليه السلام .
ومنها : ورد في زيارة الناحية المقدّسة : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ونظرن سرجك عليه ملويّا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ... » (3) ، وغيرها .
3 - إنّ استنباط الحكم الشرعي لقضية معيّنة يتمّ من خلال قواعد مقرّرة في أُصول الفقه وعلم الفقه ، ويستدلّ بها من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ولا .
ص: 497
ينحصر الدليل بقول المعصوم أو فعله ، وإذا فقد الدليل من هذه الأربعة يرجع إلى الأُصول العملية التي تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف باتجاه هذه القضية .
وقد قرّروا أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأتِ فيه تحريم ، فإذا سلّمنا بفقد الدليل على اللطم ، نرجع إلى هذا الأصل الأوّلي فيه وهو الإباحة ، ولم يثبت في هذه القضية أصل ثانوي من أنّه إضرار بالنفس ، وعلى فرض ثبوته فليس كُلّ ضرر - وإن كان لا يعتدّ به - حراماً .
4 - ومثل هذا يثبت بخصوص خروج المواكب في الطرقات وإنشاد المراثي ، على أنّ شعائر خروج المواكب في الطرقات كان من عهد البويهيين في بغداد في القرن الرابع الهجري ، وهو عصر علماء عظام من الإمامية - كالمفيد وابن قولويه والمرتضى والرضي - ولم يسمع من أحد منهم الاعتراض والنهي عن ذلك ، ولم نعرف المصدر الذي نقلت منه موقف الشيخ المفيد السلبي بخصوص ذلك ، فنرجو أن تذكر المصدر حتّى ننظر فيه .
5 - وأمّا ما أوردته من الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام يخاطب زينب عليها السلام : بأن تتعزّى بعزاء اللّه ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... ، فإنّ متن الرواية هكذا : « انظرن إذا أنا قتلت ، فلا تشقّقن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً ... » (1) .
وليس فيها : « ولا تلطمن عليّ خدّاً » حتّى تستدلّ بها على النهي عن اللطم .
بل عن رواية الأقدم منهما وهو أبو مخنف - المتوفّى 158 ه- - عن الحارث بن كعب وأبي الضحّاك عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ، أنّ المخاطبة كانت زينب عليها السلام ، إذ قال لها الحسين عليه السلام : « يا أُخية ، إنّي أُقسم عليك فابري قسمي : لا تشقّي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت » (2) . .
ص: 498
مع ملاحظة أنّ القضية في كُلّ الروايات واحدة ، وهي خبر إنشاد الحسين لعدّة أبيات التي أوّلها : يا دهر أُفٍّ لك من خليل ... ، ليلة عاشوراء ، فمرّة مخاطباً النساء معاً ، ومرّة مخاطباً زينب عليها السلام وحدها ، إضافة إلى أنّ رواية السيّد ابن طاووس مرسلة .
نعم ، قد يستدلّ برواية أُخرى في « دعائم الإسلام » عن الإمام الصادق عليه السلام : أنّه أوصى عندما احتضر فقال : « لا يلطمن عليّ خدّ ، ولا يشققن عليّ جيب ، فما من امرأة تشقّ جيبها إلّا صدع لها في جهنّم صدع ، كلّما زادت زيدت » .
ولكن بغضّ النظر عمّا قيل في توثيق كتاب « دعائم الإسلام » ، فقد قال السيد الخوئي بخصوص هذه الرواية وغيرها : « إلّا أنّ الأخبار لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه » (1) .
ولذا أفتى علماؤنا بجواز شقّ الثوب على الأب والأخ فراجع .
فيتّضح أنّ ما تقدّم من الروايات لا تنهض حجّة لمقاومة الأدلّة التي ذكرناها . .
ص: 499
ص: 500
« أُمّ محمّد - البحرين - ... »
س : كيف نثبت أنّ للكون علّة غير محتاجة ؟ مع جزيل الشكر ، وفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضى .
ج : نثبت ذلك عن طريق الدليل العقلي والدليل الشرعي :
أمّا الدليل العقلي فنقول : لو كانت علّة الكون محتاجة للزم التسلسل ، وهو باطل عقلاً ، وذلك ببيان :
معنى كون العلّة محتاجة ، أي مفتقرة ومعلولة إلى علّة ثانية توجدها ، وهي غير محتاجة ، وإلّا لاحتاجت العلّة الثانية إلى علّة ثالثة وهكذا ، فيكون بعضها معلول لبعض آخر ، وذلك البعض الآخر معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علّة ليست بمعلول ، وهو ممتنع وباطل ، لاستحالة التسلسل .
فيثبت أنّ علّة الكون ليست بمعلول ، أي ليست بمحتاجة ، وهو المطلوب .
وأمّا الدليل الشرعي فنقول : وردت آيات وروايات كثيرة تنصّ على أنّ الخالق والموجد لهذا الكون هو اللّه تعالى ، ووصفته بأنّه غنيّ غير محتاج ، فمن الآيات :
1 - قوله تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) (1) .
ص: 501
2 - قوله تعالى : ( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) (1) .
3 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (2) .
4 - قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ) (3) .
5 - قوله تعالى : ( وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (4) .
« يوسف - الكويت - ... »
س : سمعت أحد الخطباء في الكويت يقول : إنّ المقصود بكلمة الربّ في القرآن الكريم ، هو الإمام علي ، فنرجو التوضيح ، وشكراً .
ج : لا إشكال في عدم صحّة إطلاق كلمة « الربّ » بمعناه ومصطلحه الحقيقي على غير اللّه عزّ وجلّ ؛ وأمّا استعمال هذه الكلمة مجازاً في غيره - تبارك وتعالى - فهو بمكانٍ من الإمكان ، فمثلاً ورد في سورة يوسف عليه السلام : ( اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) (5) .
وعليه فلا مانع من الاستعمال المجازي ، ثمّ نحن لا نعلم قصد المتكلّم حتّى نحكم على كلامه ، فإنّ كان يقصد المعنى الحقيقي فهو مردود وغير معقول ، وقد ورد في استنكاره عدّة روايات من المعصومين عليهم السلام ، فمنها :
ما رواه الكشّي عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقابلته للغالين (6) .
ص: 502
وأيضاً جاء في « الخصال » : ( إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إيّاكم والغلوّ فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم » ) (1) ، وغيرها .
وأمّا إذا كان المقصود التجوّز في الاستعمال والتنزيل فلابأس به .
« ... - ... - ... »
س : كيف نستطيع معرفة اللّه ؟ وما هي الأدلّة العقلية لوجوده تعالى ؟ وما هو أفضل كتاب يفضّل قراءته في هذا المجال ؟
وكيف نؤمن بربّ لا نراه ؟ وكيف وجد اللّه ؟ ومن أين ؟ أرجو الإجابة ، وأنا مؤمن باللّه ولكن للاطمئنان ، ودمتم سالمين .
ج : إنّ وجود اللّه تعالى أغنى من أن يحتاج إلى بيان ، أو يتوقّف على برهان ، حيث أدركه كُلّ ذي عقل ، وأحسّ به كُلّ ذي شعور ، وفهمته كُلّ فطرة ، حتّى الذي ينكره بلسانه لا محالة يتوجّه إليه عند الاضطرار بقلبه وجَنانه ، بل يمكن القول بأنّ وجوده تعالى فطري ، لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل ، ولكن نذكر لكم بعض الأدلّة العقلية على وجوده تعالى ، حسبما طلبتموه :
الأوّل : برهان النظم :
أوضح الأدلّة على إثبات اللّه تعالى ، الذي يحكم به العقل ، هو دليل النظم والتدبير .
فالكُلّ يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ، ورواسيه من المجرّة إلى النملة .
فنرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن النظم ، وأتقن تدبير وأحسن صنع ، وأبدع تصوير ، فيحكم العقل بالصراحة ، أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ،
ص: 503
ولهذا التنظيم من منظّم ، ولهذا السير الحكيم من محكم ، وذلك هو اللّه تعالى .
الثاني : امتناع الصدفة :
فإنّا إذا لم نؤمن بوجود الخالق لهذا الكون العظيم ، فلابدّ وأن نقول : بأنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ الطبيعة هي التي أوجدته .
لكن من الواضح ، أنّه لا يقبل حتّى عقل الصبيان أن تكون هذه المخلوقات اللامتناهية ، وجدت بنفسها بالصدفة العمياء ، أو بالطبيعة الصماء .
الثالث : برهان الاستقصاء :
فإنّ كلّاً منّا ، إذا راجع نفسه يدرك ببداهة ، أنّه لم يكن موجوداً أزلياً ، بل كان وجوده مسبوقاً بالعدم ، وقد وجد في زمان خاصّ ، إذاً فلنفحص ونبحث : هل أنّنا خلقنا أنفسنا ؟ أم خلقنا أحد مثلنا ؟ أم خلقنا القادر اللّه تعالى ؟
ولاشكّ أنّنا لم نخلق أنفسنا ، لعدم قدرتنا على ذلك ، ولاشكّ أيضاً أنّ أمثالنا لم يخلقونا لنفس السبب ، إذاً لا يبقى بعد التفحص والاستقصاء إلّا أنّ الذي خلقنا هو اللّه تعالى ، لأنّه القادر على خلق كُلّ شيء .
الرابع : برهان الحركة :
أنّا نرى العالم بجميع ما فيه متحرّكاً ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة قوّة ، والقوّة لا توجد بغير علّة .
إذاً لابدّ لهذه الحركات والتحوّلات والتغيّرات من محرّك حكيم قدير ، وهو اللّه تعالى .
الخامس : برهان القاهرية :
إنّ الطبيعة تنمو عادة نحو البقاء ، لولا إرادة من يفرض عليها الفناء .
فالإنسان الذي يعيش ، والأشجار التي تنمو ، لا داعي إلى أن يعرض عليها الموت أو الزوال إلّا بعلّة فاعلة قاهرة .
ص: 504
فمن هو المميت ؟ ومن هو المزيل ؟ ذلك الذي له القدرة على فناء مخلوقاته ، وهو اللّه تعالى .
هذه أدلّة خمسة ، من بين الأدلّة العقلية الكثيرة التي تبرز الإيمان الفطري بوجود اللّه تعالى .
وأمّا كيف وجد ؟ وأين وجد ؟ فذلك ممنوع شرعاً عن التحدّث عنه ، بل ولا يمكن للعقل أن يدركه .
والكتاب المفضّل لمعرفة هذه الأُمور هو كتاب « الإلهيات » للشيخ السبحاني ، وكتاب « العقائد الحقّة » للسيّد علي الحسيني الصدر .
« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »
س : ما معنى الإرادة التكوينية ؟ والإرادة التشريعية ؟
ج : الإرادة التكوينية : هي التصرّفات التي تقع في شؤون عالم الخلق من التكوين ، والإبداع والمعاجز ، ومطلق الأفعال والأعمال ، في مقابل الإرادة التشريعية التي هي بمعنى أحكام الدين ، والشرائع الإلهية .
وبعبارة أُخرى : كُلّ ما كان من شأنه أن يدخل في دائرة الوجود - إثباتاً ونفياً - تتولّاه الإرادة التكوينية لله عزّ وجلّ ، فيحكم بوجوده تارةً فيصبح موجوداً ، أو ينفي وجوده أحياناً فيدخل أو يبقى في ظلمة العدم .
ولكن الإرادة التشريعية هي : الأوامر والنواهي الصادرة من اللّه تعالى ، والتي تصل إلى ذوي العقول ، بصورة نزول الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام .
وعليه ، فالإنسان يجب أن يتبع الإرادة التشريعية ، فيلتزم بأحكام الحلال والحرام ، والدين بصورة عامّة ، ولكن لا يستطيع أن يخرج في أفعاله وأعماله عن دائرة الإرادة التكوينية ، لأنّ كافّة تصرّفاته وتقلّباته في عالم الوجود تكون بالقدرة ، والإمكانية التي تعطى له من جانب اللّه جلّ وعلا .
ص: 505
« أحلام -... - ... »
س : كيف يتحقّق العدل الإلهي بخلق أُناس ذو عاهة ؟
ج : لا يخفى عليكم أنّ السبب في خروج أطفال مصابين إلى الحياة الدنيا هو بفعل الأبوين ، لا بفعل اللّه تعالى حتّى يخلّ بعدله تعالى ، وذلك بسبب سوء تغذيتهما ، أو بسبب اعتيادهما بعض الأُمور المضرّة ، وما إلى ذلك من ارتكاب ما حرّم اللّه تعالى في النكاح ، والمأكل والمشرب و ... .
ويتجلّى لنا العدل الإلهي في هؤلاء المصابين ، حينما نسمع أنّه تعالى يرفع عنهم التكليف الشاقّ ، ويعوّضهم برحمته الثواب الجزيل ، فيعطي للمتألّم عوضاً لتألّمه وابتلائه من الأجر ما يكون أنفع بحاله .
روى الشيخ الصدوق قدس سره عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام ، أن يا موسى ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ، وإنّما أبتليه لما هو خير له ، وأعافيه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقضائي ، أكتبه في الصدّيقين عندي ، إذا عمل برضائي فأطاع أمري » (1) .
« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »
س : بدر سؤال في ذهني عن موت الأطفال وهو : كيف نوفّق بين هذا الشيء وبين عدم صدور القبيح من عند اللّه ، خصوصاً عندما يعذّب اللّه بعض الأقوام ، أليس اللّه بقادر على إبقائهم عند نبيّ ذاك الزمان ، وينزل ملائكة وحور العين لكي يساعدوه على تربيتهم ؟ فأجبت نفسي بهذا الجواب ، وأُريد رأيكم فيه :
ص: 506
1 - إنّ هذا الأمر لا يعدّ قبيحاً على اللّه جلّ وعلا ، لأنّ الأطفال ملك له ، وله أن يفعل بهم ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته .
2 - قد يمكن إبقاء الأطفال ، لا لأنّ اللّه لا يستطيع ذلك ، ولكن لسبب ما هم غير قابلين للبقاء ، وكما يقولون : القصور في القابل وليس في الفاعل .
3 - قد يكون بسبب العلم المسبق لله تعالى بأنّ هؤلاء الأطفال سيتّبعون آباءهم ، وبالتالي لمحو الفساد يجب موتهم .
ج : الجواب صحيح إلى مقدار ما ونضيف عليه ما يلي :
1 - صحيح أنّ الأطفال بل جميع المخلوقات هي ملك لله تعالى ، لكن ذلك لا يعني أنّ اللّه تعالى يفعل بها ما يشاء من الظلم أو القبح .
2 - نظرية التعويض تقول : إنّ اللّه تعالى إذا سلب عبداً شيئاً سوف يعوّضه في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو في كليهما .
3 - اللّه تعالى قادر على جعلهم في كنف النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ذلك ليس الهدف من بعث الأنبياء والرسل .
إذ الهدف منهم هو التربية الروحية ، وليس التربية البدنية ، بمعنى ليس مهمّته حضانة الأطفال .
4 - ما ذكرتم من اتباعهم لآبائهم الكافرين ، هو أحد المحتملات ، وهنالك احتمالات أُخرى أيضاً ، إذ ربما يكون إماتتهم لأجل إثابة أبويهم مثلاً ، أو لأجل مصالح أُخرى لا تنفك عن حكمته وعدله ولطفه ، وإن لم نعلم بها .
« يوسف - الكويت - ... »
س : هل الإمام علي عليه السلام خالق السماوات والأرض ؟ وشكراً .
ج : إنّ من المتيقّن الذي لا ريب فيه أنّ الخالقية بالاستقلال هي من شؤون الربوبية ، ولا مجال لأيّ توهّم بخلافه ، وهذا المعنى أطبقت عليه كافّة الأديان السماوية ، فضلاً عن المذاهب ، إذ هو أقلّ مراتب الاعتقاد بالتوحيد .
ص: 507
وتصرّح بهذا المعنى الآيات القرآنية العديدة ، والروايات المتواترة من الفريقين في أبواب التوحيد ، وصفات الباري في المجامع الروائية .
وبناءً على ذلك فما يتحدّث به بعضهم على خلاف هذا المعنى فهو أمّا من الموضوعات - أو على أقلّ تقدير لم يثبت سنداً - وأمّا مؤوّل بتفاسير لا يردّها العقل والنقل .
فمثلاً في موضوع السؤال ، إذا كانت الخالقية في بعض الموارد - لا على الإطلاق - تخوّل بإذن اللّه تعالى إلى مخلوق ، فهذا أمر آخر يمكن تعقّله إذا ثبت نصّاً ، نظير ما جاء في ذكر معاجز عيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) (1) .
« ليلى - البحرين - ... »
س : هل العدل من صفات الذات ؟ أو من صفات الأفعال ؟
ج : قسّم المتكلّمون صفاته سبحانه إلى صفة الذات ، وصفة الفعل .
والأوّل : ما يكفي في وصف الذات به ، فرض نفس الذات فحسب ، كالقدرة والحياة والعلم .
والثاني : ما يتوقّف الذات به على فرض الغير وراء الذات ، وهو فعله سبحانه .
فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل ، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل ، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات ، بحكم انتزاعها من مقام الفعل .
وبموجب هذا التقسيم ، فصفة العدل من صفات الأفعال لا صفات الذات .
ص: 508
« ... - ... - ... »
س : إنّنا نؤمن بأنّ كُلّ ما يفعله اللّه هو خير ، ما هو تفسيركم في من يولد غير مسلم ، هل هذا خيراً له ؟
ج : نحن نعتقد أنّ اللّه تعالى لا يفعل شرّاً ، ولا لغواً ولا عبثاً ، وإنّما كُلّ أفعاله تتّصف بالخير والمصلحة والحكمة .
وعليه ، فعملية التوالد عملية تتّصف بالخير والمصلحة للمجتمع والأسرة ، وهي نتاج طبيعي لاقتراب الزوج من زوجته ، فخروج الطفل إلى الحياة الدنيا فيه خير ومصلحة .
ولكن تارة يخرج من أبوين مؤمنين فذلك نور على نور ، وأُخرى يخرج من أبوين كافرين فهذا سببه الأبوين لا الباري عزّ وجلّ ، إذ إنّ الإنسان يولد على الفطرة ، وإنّما أبواه يهوّدانه وينصّرانه .
ولكن باعتبار أنّ اللّه تعالى عادل سوف يحاسب كُلّ من الطفلين بمقدار سعيه وعمله ، ويتوقّع من المؤمن أكثر ممّا يتوقّع من الكافر ، فهو تعالى يقدّر جهود كُلّ منهما لما يتحمّله من المشاقّ في الوصول إليه تعالى .
« حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة »
س : ما معنى أنّ اللّه تعالى ليس مركّباً من الأجزاء العقلية والمقدارية ؟
ج : إنّ من مراتب التوحيد الذاتي لله تعالى هو التوحيد الأحدي ، أي الاعتقاد بأنّه تعالى بسيط منزّه عن أيّ تركيب خارجي أو عقلي ، إذ أيّ نوع من التركيب - لو فرض - فإنّه يتنافى مع وحدانيّته ، وتوضيح المقام يحتاج إلى مجال أوسع ، ولكن هنا نشير إلى نقطة وهي :
ص: 509
إنّ الكلّ المركّب يحتاج دائماً في وجوده إلى أجزائه التركيبية ، وعليه فالمحتاج إلى غيره في الوجود معلول لذلك الغير ، ولا يوصف بوجوب الوجود والألوهية .
ثمّ إنّ المركّب الخارجي أو المقداري ، هو المجموعة ذو الأجزاء الخارجية المحسوسة ، مثل تركيب كُلّ مادّة من عناصر معدنية ، أو مواد كيمياوية .
وأمّا المراد من التركيب العقلي ، فهو اشتمال الشيء على أجزاء عقلية - لا خارجية - أي تقسيمات ذهنية مع توحيده في الخارج ، مثلاً : واقع الإنسان هو شيء واحد في الخارج ، ولكنّه ينحل في الذهن عند تعريفه ، بأنّه « حيوان ناطق » إلى جنس وهو « الحيوان » ، وإلى فصل وهو « الناطق » ، فهذا التقسيم لا أثر له في الخارج ، ولكن يتصوّره العقل والفكر ، وهذا يسمّى بالتركيب العقلي .
« أحمد - ... - ... »
س : إذا كان اللّه في كُلّ مكان ، كما قال الإمام علي عليه السلام ، فهذا يعني أنّه موجود في دورات المياه ، والعياذ باللّه !
ج : لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي ، وإمّا غير مادّي .
والموجود المادّي : هو الموجود الذي له مادّة وجسم - أي ذو أبعاد ثلاثة ، طول وعرض وعمق - والجسم يستدعي كونه في مكان خاصّ ، وجهة خاصّة ، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين ، أو جهتين أو أكثر ، وإلاّ لصار جسمين ، أو أكثر ، لا جسم واحد .
والموجود غير المادّي : هو الموجود الذي ليس له مادّة وجسم ، فهو ليس له مكان خاصّ ، ولا جهة خاصّة ، بل يمكن أن يكون في أماكن وجهات مختلفة ومتعدّدة كالهواء مثلاً .
ص: 510
بعد هذه المقدّمة نقول : إنّ وجود اللّه تعالى وجود غير مادّي ، فهو موجود في كُلّ مكان ، وفي كُلّ جهة ، قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) .
أي إنّ اللّه تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجّهوا وجوهكم ، فهنالك وجه اللّه ، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة ، وقد وسع ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة ، وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكُلّ ، وما يصدر عن الكُلّ في كُلّ مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية .
وقال تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2) .
وجاء في « الاحتجاج » في ذيل هذه الآية : ( فقال ابن أبي العوجا : ذكرت اللّه فأحلت على الغائب .
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ويلك ! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم » ؟!
فقال ابن أبي العوجا : فهو في كلّ مكان ، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إنّما وصفت المخلوق ، الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان ، وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا اللّه العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان » ) (3) .
ص: 511
وبعد هذا البيان يتّضح الجواب على سؤالكم ، فالموجودية ليست موجودية مادّية ، بل هي موجودية غير مادّية ، فهو تعالى مطّلع عليها ، ولا يخفى عليه منها شيء ، وله السلطة والقدرة عليها ، وإلّا يلزم جهله بها .
« علي شكر - بريطانيا - 18 سنة - طالب »
س : اللّه نور السماوات والأرض ، هل معناها أنّ اللّه منوّر السماوات والأرض بما خلق كالشمس ؟ أو اللّه له نور غير الشمس ، أي اللّه بذاته نور مظهر لكلّ شيء ، ونوره مظهر للشمس وغيرها ؟ أو أنّ النور هو خلق ، أو أمر كالروح ، واللّه غير النور ؟
ج : إنّ معنى النور : هو ما يظهر به الأجسام الكثيفة للأبصار ، فهو ظاهر لذاته ومظهر لغيره .
هذا هو النور المحسوس المعروف ، فكأنّ النور بطبيعته يظهر بذاته ويظهر الأشياء الأُخرى ، والتي كأنّها معدومة في ظلمتها ، فإيجادها يعني إظهارها إلى الوجود بعد إعدامها في حوالك الظلمة .
هكذا هو اللّه تعالى ، فإيجاده للموجودات بعد إعدامها ، كالنور الذي يوجد الأشياء بعد إعدامها في حوالك الظلمة ، فاللّه تعالى موجود بذاته موجد لكلّ ممكن .
فالتمثيل بالنور من هذه الجهة ، وليس من جهة بيان معنى نورانية اللّه تعالى ، تعالى اللّه عن كلّ مثل ، وعن كلّ شيء ، وعن كلّ مخلوق إذ كيف نجعل اللّه تعالى كأحد مخلوقاته ؟
فالنور هو مخلوق من قبله تعالى ، فكيف يكون الخالق عين مخلوقاته ؟ إذ بالإمكان إيجاد النور وإعدامه ، واللّه تعالى لا تعترض عليه هذه الأحوال من الإيجاد والعدم .
ص: 512
فلا يحقّ ولا يجوز أن نقول : إنّ نور الشمس مثلاً ، أو نور القمر هو من نوره تعالى ، نعم نقول على سبيل المجاز من نوره بمعنى إيجاده وخلقه ، إذ بقدرته دلّ عليهما بعد ما كانا معدومين .
على أنّ نور اللّه تعالى لا تدركه عقولنا ولا حواسنا ، ولا يمكن لأحد أن يبلغ كنه نوره ، فنوره ذاته ، وذاته محجوبة عن خلقه ، فتعالى اللّه ربّنا أحسن الخالقين .
« زهرة - البحرين - ... »
س : كيف يمكن إقناع أحد المادّيين بوجود اللّه عزّ وجلّ ؟
ج : لابدّ لمن يريد أن يقنع الآخرين على عقيدة ما - كالعقيدة بوجود اللّه تعالى - أن يكون على مستوى عال من المعرفة والثقافة بتلك العقيدة ، حتّى يمكنه أن يؤثّر ويقنع ، كما له القوّة على ردّ الشبهات ، والاعتراضات الواردة حول هذه العقيدة التي يريد طرحها .
فباعتبار أنّ المادّي لا يؤمن بالأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة على وجود اللّه تعالى ، فلابدّ من ذكر الأدلّة العقلية التي يؤمن بها ، الدالّة على وجوده تعالى ، وبعد الإيمان بوجوده تعالى ، حينذاك يمكن أن نثبت له من خلال الأدلّة النقلية والعقلية على وجود الحياة البرزخية ، والحياة الأخروية .
وتعميماً للفائدة ، نذكر لكم ما كتبه أحد المؤمنين في هذا المجال :
يقول المادّيون : لا إله ، فمن الموجد ؟
أنّا نرى الأبناء يولدهم الآباء ، ونرى النبات تنبته الشمس والماء والتربة ، ونرى الحيوان يخلق من حيوانين ، و ... أمّا قبل ذلك فلم نر شيئاً ، فإنّ العمر لم يطل من قبل ...
إذاً كلّ قول يؤيّد الإله ، ويؤيّد عدم الإله ، يحتاج إلى منطق غير حسّي .
ص: 513
المادّي الذي يقول : لا إله ، يحتاج إلى الدليل .
والمؤمن الذي يقول : اللّه تعالى يحتاج إلى برهان .
لكن الأوّل لا دليل له ، فإنّ العين لم تر الإله ، أمّا أنّها رأت عدمه فلا ، وكذا الأذن ، واللمس ، وغيرها ... .
ومن الهراء : أن يقول أحد : إنّ الصناعة الحديثة دلّت على عدم الإله ؟
هل القمر الاصطناعي يدلّ على عدم الإله ؟ هل الذرّة تدلّ على عدم الإله ؟ هل الكهرباء والصاروخ والطائرة تدلّ على عدم الإله ؟
القمر الاصطناعي ليس إلّا كالسكين الحجري - الذي يقولون عنه : - صنعه الإنسان البدائي ، لا يرتبط هذا ولا ذاك بالإله نفياً أو إثباتاً .
ولنا أن نقول : نفرض أنّ الإله موجود ، فما كان حال القمر الاصطناعي ؟ بل : القمر الاصطناعي الذي يصرف عليه ملايين ، ويجهد في صنعه ألوف من العلماء ، ثمّ لا ينفع إلّا ضئيلاً أدلّ على وجود الإله ، إذ كيف هذا له صانع ، وليس للقمر المنير صانع ؟
إنّ من يطلب منّا الإذعان بعدم الإله للكون ، ثمّ هو لا يذعن بعدم الصانع للطائرة ، مثله كمن يطلب من شخص أنّ يقول بعدم بانٍ لقصر مشيّدة ، ثمّ هو لا يقول بعدم صانع لآخر .
عالم وملحد :
قال الملحد : الحواس خمس : الباصرة ، السامعة ، الذائقة ، اللامسة ، الشامّة ، وكلّ شيء في العالم لابدّ وأن يدرك بإحدى هذه الحواس :
فالألوان ، والأشكال ، والحجوم ، تدرك بالباصرة .
والأصوات ، والألحان ، والكلام ، تدرك بالسامعة .
والطعوم ، والمذوقات ، والأطعمة ، تدرك بالذائقة .
والخشونة ، واليبوسة ، والرطوبة ، والحرارة ، تدرك باللامسة .
والروائح ، والمشمومات ، والعطريات ، تدرك بالشامّة .
ص: 514
فمن أين نثبت وجود اللّه ؟ والحال أنّا لم نره ، ولم نسمع صوته ، ولم نذق طعمه ، ولم نلمس جسمه ، ولم نشمّ ريحه .
فصنع العالم كرتين ، إحداهما من حديد ، والأُخرى من خشب ، وصبغهما ، ثمّ أتى بهما إلى الملحد ، وقال : أنا أخبرك بأنّ إحدى هاتين الكرتين حديد ، والأُخرى خشب ، أنظر وعيّن ؟!
نظر الملحد ، وعجز عن التعيين بالنظر .
قال العالم : فأصغ وعيّن ؟ أصغى الملحد ، وعجز عن التعيين بالسمع .
قال العالم : ذق وعيّن ؟ ذاق الملحد ، وعجز عن التعيين باللسان .
قال العالم : اشمم وعيّن ؟ شمّ الملحد ، وعجز عن التعيين بالأنف .
قال العالم : ألمس وعيّن ؟ لمس الملحد ، وعجز عن التعيين باللمس .
ثمّ وضعهما العالم في يد الملحد ، وحينذاك أدرك أنّ الأثقل الحديد ، فقال : هذا هو الحديد ، وهذا الأخف هو الخشب .
قال العالم : من أخبرك أنّ الأثقل الحديد ، والأخف الخشب ؟
قال الملحد : عقلي هو الذي أرشدني إلى ذلك .
قال العالم : فليست المعلومات منحصرة بالحواس الخمس ، وإنّ للعقل حصّة مهمّة من العلوم ، واللّه تعالى الذي نقول به إنّما هو معلوم للعقل ، وان لم يكن مدركاً للحواس .
فانقطع الملحد ، ولم يحر جواباً !!
طالب وزميل :
قال الطالب : لا وجود لله إطلاقاً .
الزميل : من أين تقول هذا ؟ ومن علّمك ؟
الطالب : أمّا من علّمني ؟ فما أنت وهذا ؟ وأنّا لا أتحاشى من أن أقول : إنّ المدرسة هي التي أوحت إليّ بهذه الفكرة ، وإنّي جدّاً شاكر لها ، حيث أنقذتني من التقاليد إلى سعة العلم .
ص: 515
وأمّا من أين أقول ؟ فلأنّي لم أر اللّه ، وكلّ غير مرئي لا وجود له .
الزميل : إنّي لا أريد أن أناقشك في دليلك الآن ، لكن أقول : هل أنت ذهبت إلى الكواكب ؟ هل أنت ذهبت إلى القطب ؟ هل أنت ذهبت إلى قعر البحار ؟
الطالب : كلا !
الزميل : فإذا قال لك قائل : إنّ اللّه تعالى في الكواكب ، أو في قعر البحر ، أو في القطب ، فبماذا كنت تجيبه ؟
الطالب ، فكّر ملياً !! ولم يحر جواباً .
فقال الزميل : إنّ من الجهل أن ينكر الإنسان شيئاً لم يره ، أو لم يسمع به ، وأنّه لجهل مفضوح .
كان بعض الناس قبل اختراع السيارة والطائرة ، والراديو والتلفون ، والكهرباء والتلفزيون ، إذا سمعوا بها أقاموا الدنيا وأقعدوها إنكاراً على من يقول ، واستهزاءً به ، وكانوا يجعلون كلامه مثار ضحك وسخرية !! فهل كان لهم الحقّ في ذلك ؟
إنّهم كانوا يقولون : لم نر هذه الأشياء .
وأنت مثلهم تقول : لم أر اللّه .
الطالب : أشكرك جدّاً على هذه اللفتة العلمية ، وإنّي جدّاً شاكر لك ، حيث أخرجتني عن خرافة غرسها في ذهني معلّم جاحد منذ دخلت المدرسة ، وهي : إنّ اللّه حيث لم نره يجب علينا إنكاره ، والآن فهمت الحقيقة .
مؤمن ومنكر :
كان علي وجميل يتناظران في وجود اللّه تعالى ، فكان علي يسرد الأدلّة على الإثبات ، وجميل يردّها ، أو لا يقبلها .
ولما طالت المجادلة بينهما ، قال علي : إنّ في جارنا رجلاً من علماء الدين ، اسمه أحمد ، فهيا بنا نذهب إليه ونجعله الحكم فيما بيننا .
قبل جميل مقالة علي ولكن بإكراه ، لأنّه كان يزعم أن لا حجّة لمن يقول
ص: 516
بوجود اللّه إلّا التقليد ، وذهبا معاً إلى دار العالم للقضاء بينهما ، وبعد أن استقرّ بهما المجلس .
قال العالم : خيراً ؟
جميل : إنّي وصديقي علي نتباحث حول وجود اللّه ، ولم يتمكّن علي من الإثبات ، أو بالأحرى : أنا لم أقتنع بأدلّته ، فهل الحقّ معي أم معه ؟ وأقول - قبل كلّ شيء - : إنّي لا أقتنع بالقول المجرّد ، وإنّما أريد الإثبات ، مع العلم أنّي خرّيج مدرسة فلسفية عالية ، لا أقبل شيئاً إلّا بعد المناقشة والجدال ، وأن يكون محسوساً ملموساً .
أحمد : فهل لك في دليل بسيط ، وبسيط جدّاً تقتنع به ، بدون لفّ ودوران .
جميل : ما هو ؟ هات به ، وإنّي أنتظر مثل هذا الدليل منذ زمان !!
أحمد : إنّي أخيّرك بين قبول أحد هذه الشقوق الأربعة ، فاختر إحداها : إنّك موجود بلا شكّ ، فهل :
1 - أنت صنعت نفسك ؟
2 - أم صنعك شيء جاهل عاجز ؟
3 - أم صنعك شيء عالم قادر ؟
4 - أم لم يصنعك شيء ؟
فكّر جميل ساعة بماذا يجيب : هل يقول : أنا صنعت نفسي بنفسي ، وهذا باطل مفضوح !
أم يقول : صنعني شيء جاهل ؟ وهذا أيضاً مخالف للحقيقة ، فإنّ التدابير المتخذة في خلق الإنسان فوق العقول ، فكيف يركّب هذه الأجهزة بهذه الكيفية المحيرة ، شيء جاهل ؟!
أم يقول : لم يصنعني شيء ؟ وهو بيّن البطلان ، فإنّ كلّ شيء لابدّ له من صانع .
أم يعترف بأنّه مصنوع لشيء عالم وقادر ، وحينئذ ينهار كلّ ما بناه من الأدلّة
ص: 517
- المزعومة - لعدم وجود اللّه تعالى .
وبعد فكر طويل ، رفع رأسه وقال : لابدّ لي من الاعتراف ، بأنّي مصنوع لعالم قدير .
أحمد : ومن هو ذلك العالم القدير ؟
جميل : لا أدري .
أحمد : ولكن ذلك واضح معلوم .
لأنّ من صنعك ليس من البشر ، فإنّ البشر لا يقدرون على خلق مثلك ، ولا من الجمادات ، فانّ الجماد لا عقل له ، إذاً : هو اللّه تعالى .
علي : هل قنعت يا جميل بهذا الدليل ؟
جميل : إنّه دليل قوّي جدّاً ، لا أظنّ أحداً يتمكّن من المناقشة فيه ، وإنّي شاكر لك وللعالم أحمد .
معلم وتلميذ :
ذهب جماعة من الطلّاب إلى مدرسة إلحادية ، وفي اليوم الأوّل من الدوام حضروا الصفّ ، وكان في الصفّ منضدة عليها تصوير أحد زعماء الملحدين .
فجاء المعلم ، وقال للطلّاب : هل لكم عين ؟ وأين هي ؟
وهل لكم أذن ؟ وأين هي ؟ وهل لكم أيدٍ وأرجل ؟ وأين هي ؟
قال الطلّاب : نعم ، لنا أعين وأذن وأيد وأرجل ، وهي هذه ، وأشاروا إلى هذه الأعضاء .
قال المعلم : وهل ترون هذه الأعضاء وتحسّون بها ؟
قال الطلّاب : نعم ، نراها ونلمسها .
قال المعلم : وهل ترون هذا التصوير على المنضدة ؟
قالوا : نعم ، نراه .
قال المعلم : وهل ترون المنضدة وسائر ما في الغرفة ؟
قالوا : نعم ، نراها .
ص: 518
وهنا انبرى المعلم قائلاً : وهل ترون اللّه ؟ وهل تحسّون به ؟
قالوا : لا ، لا نرى اللّه ولا نلمسه .
قال المعلم : فهو إذاً خرافة تقليدية .
إنّ كلّ شيء في الكون نحسّ به ونراه ، أمّا ما لا نراه ولا نحسّ به ، فهو خطأ ، يلزم علينا أن لا نعترف به ، وإلّا كنّا معتقدين بالخرافة .
وهنا قام أحد التلاميذ ، وقال : اسمح لي أيّها الأُستاذ بكلمة ؟
المعلّم : تفضّل .
التلميذ : أيّها الزملاء أجيبوا على أسئلتي .
الزملاء : سل .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون المعلّم ؟ هل ترون الصورة الموضوعة على المنضدة ؟ هل ترون المنضدة ؟ هل ترون الرحلات ؟
الزملاء : نعم ، نرى كلّ ذلك .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عين المعلّم ؟ هل ترون أذن المعلّم ؟ هل ترون وجهه ؟ هل ترون يده ورجله ؟
الزملاء : نعم نرى كلّ ذلك .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عقل المعلم ؟
الزملاء : كلّا ! لا نرى عقله .
التلميذ : فالمعلّم إذاً لا عقل له ، فهو مجنون حسب مقالته ، لأنّه قال : كلّ ما لا يراه الإنسان فهو خرافة ، يجب على الإنسان أن لا يعترف به ، وأنّا لا نرى عقل المعلم ، فهو إذاً لا عقل له ، ومن لا عقل له يكون مجنوناً .
وهنا ألقم المعلّم حجراً ، واصفرّ وجهه خجلاً ، ولم ينبس ببنت شفة ، وضحك الطلّاب .
آينشتاين يعترف :
تحاكم جماعة من المادّيين إلى آينشتاين ليروا رأيه بالنسبة إلى اللّه تعالى ؟
ص: 519
فأجاز لهم أن يمكثوا عنده (15) دقيقة ، معتذراً بكثرة أشغاله ، فلا يتمكّن أن يسمح لهم بأكثر من هذا الوقت .
فعرضوا عليه سؤالهم ، قائلين : ما رأيك في اللّه ؟
فأجاب قائلاً : ولو وفّقت أن أكتشف آلة تمكّنني من التكلّم مع الميكروبات ، فتكلّمت مع ميكروب صغير ، واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان ، وسألته : أين تجد نفسك ؟ لقال لي : إنّي أرى نفسي على شجرة رأس شاهقة ! أصلها ثابت وفرعها في السماء .
عند ذلك أقول له : إنّ هذه الشعرة التي أنت على رأسها ، إنّما هي شعرة من شعرات رأس إنسان ، وإنّ الرأس عضو من أعضاء هذا الإنسان ، ماذا تنظرون ؟
هل لهذا الميكروب المتناهي في الصغر : أن يتصوّر جسامة الإنسان وكبره ؟ كلّا !
إنّي بالنسبة إلى اللّه تعالى لأقلّ وأحطّ من ذلك الميكروب بمقدار لا يتناهى ، فأنّى لي أن أحيط باللّه الذي أحاط بكلّ شيء ، بقوى لا تتنامى ، وعظمة لا تحدّ ؟
فقام المتشاجرون من عند آينشتاين ، وأذعنوا للقائلين بوجود اللّه تعالى .
« أبو الزين - الأردن - ... »
س : ما هو حكم القائل بوحدة الوجود ؟
ج : ورد في كتاب « التنقيح في شرح العروة الوثقى » حكم القائلين بوحدة الوجود ما نصّه :
« القائل بوحدة الوجود ، إن أراد أنّ الوجود حقيقة واحدة ولا تعدّد في حقيقته ، وإنّه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن ، فهما موجودان ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والاختلاف إنّما هو بحسب المرتبة
ص: 520
، لأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر وموجد له .
فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو ممّا لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه ، بل هو مذهب أكثر الفلاسفة ، بل ممّا اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ، ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى إنّه عليه السلام يقول : « أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الربّ وأنا المربوب » ، وغير ذلك من التعابير الدالّة على أنّ هناك موجودين متعدّدين ، أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامّي .
وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل ، وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة ، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّا موجود واحد ، ولكن له تطوّرات متكثّرة ، واعتبارات مختلفة ، لأنّه في الخالق خالق ، وفي المخلوق مخلوق ، كما إنّه في السماء سماء ، وفي الأرض أرض ، وهكذا .
وهذا هو الذي يقال له توحيد خاصّ الخاصّ ، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين إلى بعض الجهلة من المتصوّفين وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار ، فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ، ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح ، وزندقة ظاهرة ، لأنّه إنكار للواجب ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلّا بالاعتبار ، وكذا النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأبو جهل - مثلاً - متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس ، وإنّما يختلفان بحسب الاعتبار .
وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أنّ الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة ، وإنّما الموجود متعدّد ، ولكنّه فرق بيّن بين موجودية الموجود ، وموجودية
ص: 521
غيره من الماهيات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق .
وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة ، فإنّما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي ، الذي هو الوجود لا من أجل أنّها نفس مبدأ الاشتقاق ، ولا من جهة قيام الوجود بها ، حيث إنّ للمشتقّ اطلاقات : فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به ، كما في زيد عالم أو ضارب ، لأنّه بمعنى من قام به العلم أو الضرب .
وأُخرى : يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق ، كما عرفته في الوجود والموجود .
وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة ، وهذا كما في اللابن والتامر ، لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما ، إلّا أنّ البائع لمّا كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة - وهو كونه بائعاً - لهما صحّ إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنّه بمعنى أنّها منتسبة ومضافة إلى اللّه سبحانه ، بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية ، فالموجود بالوجود الانتسابي متعدّد ، والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد .
وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألّهين ، فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التألّه ، حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصّياً .
ولقد اختار ذلك الأكابر ممّن عاصرناهم ، وأصرّ عليه غاية الإصرار ، مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار ، حيث إنّه تعالى قد أطلق عليه الموجود في بعض الأدعية .
وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه ، لابتنائه على أصالة الماهية - على ما تحقّق في محلّه - وهي فاسدة ، لأنّ الأصيل هو الوجود ، إلّا أنّه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .
ص: 522
بقي هناك احتمال آخر وهو : ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود ، وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، فيلتزم بوحدة الوجود والموجود ، وإنّه الواجب سبحانه ، إلّا أنّ الكثرات ظهورات نوره ، وشئونات ذاته ، وكُلّ منها نعت من نعوته ، ولمعة من لمعات صفاته ، ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص .
وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألّهين ، ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ، قائلاً : بأنّ الآن حصص الحقّ ، واضمحلت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلّا أنّه لم يظهر لنا - إلى الآن - حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام .
وكيف كان ، فالقائل بوحدة الوجود - بهذا المعنى الأخير - أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد » (1) .
« طالب نور - ... - ... »
س : اسم اللّه الأعظم اسم يستودعه عند خاصّة أوليائه ؛ وهو نور يقذفه اللّه في قلوب عباده المؤمنين - الصادقين المخلصين العارفين - به ، وذلك لا يكون إلّا لمن بلغ ذروة من الكمال ، والترويض النفسي ، فقد قال اللّه العظيم في محكم كتابه الكريم : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
ص: 523
عَلِيمٌ ) (1) كيف يصل المؤمن إلى معرفة الاسم الأعظم ؟ وهل هو موجود في البسملة كما قيل ؟
وهل أن اسم اللّه الأعظم موجود في ( ألم ) الموجودة في سورة آل عمران ؟ ولماذا ؟
وما هو معنى كلمة اللّه ، فيقال إنّها ليست عربية الأصل ؛ مستشهدين بآية قرآنية إن وجدت ؟
ج : إنّ الاسم الأعظم أودع اللّه تعالى معرفته عند خاصّة أوليائه ، العارفين به ، المخلصين له ، وهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وهو اسم من ثلاث وسبعين حرف ، أودع اللّه تعالى عندهم عليهم السلام اثنين وسبعين حرفاً ، واختصّ بواحدٍ لنفسه .
فما قصدت بالمؤمنين في النصّ الذي ذكرته هم أئمّة آل البيت عليهم السلام بقرينة الصادقين المخلصين العارفين فأيّ أحد منّا عرف اللّه كما عرفه أهل البيت عليهم السلام ؟!
إذ المعرفة والصدق والإخلاص قيود احترازية عن دخول أيّ أحد في حدّ من عرف الاسم الأعظم ، فلا يشمل إذاً غيرهم ولا يتعدّى ذلك إلى سواهم .
ثانياً : البسملة لها شرفها ومنزلتها عند اللّه تعالى ، وهل هي الاسم الأعظم أم لا ؟
إنّ الاسم الأعظم كما قلنا هو سرّ اللّه تعالى الذي لا يطّلع عليه أحد إلّا أوليائه المعصومين عليهم السلام ، فلا أحد يستطيع المجازفة في الخوض بذلك .
نعم منزلة بسم اللّه الرحمن الرحيم كمنزلة الاسم الأعظم في سره وفي عظمته ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال : « إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها » (2) .
ص: 524
فهذه المنزلة للبسملة وكونها كالاسم الأعظم يكشف لنا عظمتها عند اللّه تعالى ، واستخدامها كالاسم الأعظم يشترط فيه الإيمان والتصديق بأنّها كالاسم الأعظم ، ولذا فهذه الرواية ستقرّب لنا هذا المعنى ، وكون استخدام أيّ شيء مشروط بالإيمان به والتصديق والتسليم .
وجاء في « مناقب آل أبي طالب » : « وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفّين ، فأخذ علي عليه السلام يده ، وقرأ شيئاً وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ما قرأت ؟ قال : « فاتحة الكتاب » ، كأنّه استقلّها ، فانفصلت يده نصفين ، فتركه عليٌّ ومضى » (1) .
وهذا يعني أنّ استخدام أيّ شيء مهما بلغ مشروط بالتسليم والتصديق به ، فكذلك هي البسملة وأمثالها من الأسماء ، والآيات والأدعية .
ثالثاً : إذا قلنا إنّ « ألم » وأمثالها من الاسم الأعظم ، فهذا لا يعني إمكانيتنا استخدام هذه الحروف كالاسم الأعظم ، فالاسم الأعظم كما قلنا أسراره مودعة عند أهل البيت عليهم السلام ، وللاسم الأعظم تأليف وترتيب يختصّ به من يحمله من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، فمعرفة كونه من الاسم الأعظم لا ينفع وحده دون معرفة تأليفه وترتيبه .
فقد ورد مثلاً : « ح م س ق » هو حروف من اسم اللّه الأعظم المقطوع ، يؤلّفه الرسول أو الإمام عليهما السلام ، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي اللّه تعالى به أجاب .
فتأليف الاسم الأعظم من الحروف المقطّعة هو سرّ مودع لدى خاصّة أوليائه وأصفيائه ، وهم أئمّتنا عليهم السلام .
رابعاً : إنّ لفظ « اللّه » هو اسم علم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى .
ص: 525
قيل : هو غير مشتقّ من شيء بل هو علم ، وقيل عن سيبويه : هو مشتقّ وأصله « إله » دخلت عليه الألف واللام فبقي « الإله » ، ثمّ نقلت حركة الهمزة إلى اللام وسقطت فبقي « اللّه » ، فأسكنت اللام الأُولى وأُدغمت وفخّم تعظيماً ، لكنّه يترقّق مع كسرة ما قبله ، كما في قوله تعالى : ( يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) فهنا لفظ اللّه خفّف لسبقه بمجرور .
فأصله عربي كما علمت ، مشتقّ من « إله » أي معبود ، فقد ورد « كان إلهاً إذ لا مألوه » أي كان معبوداً قبل أن يعبد ، سبحان اللّه وتعالى عن كُلّ وصفٍ ومثل .
« حسين علي - الجزائر - 26 سنة - ليسانس فلسفة »
س : أُريد معرفة رأي أهل البيت في قضية حدوث العالم أو قدمه ؟ مع العلم أنّ الشيخ الرئيس ابن سينا يقول بقدمه .
ج : إنّ حدوث العالم أمر متسالم عليه عند كُلّ أرباب الأديان والمذاهب السماوية ، ومنها الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويؤيّده العقل السليم ، والقواعد الأساسية من علم الكلام ، وما خالف هذا الرأي مردود ، أو مؤوّل إن كان صاحبه يعتنق الإسلام .
ومن الأدلّة النقلية في المقام ورود الآيات الكريمة في خلق العالم والسماوات والأرضيين وغيرها ، فهي بصراحتها تدلّ على حدوثها ؛ وأيضاً الأحاديث والروايات الكثيرة في هذا الباب لا تعطي مجالاً للتفكير في قدم الخلق ، فمنها :
1 - قال الإمام علي عليه السلام : « الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ... مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته ... » (1) .
ص: 526
2 - قال الإمام علي عليه السلام : « لم يزل ربّنا قبل الدنيا هو مدبّر الدنيا وعالم بالآخرة ... » (1) .
3 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « الحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان ، لم يوجد لوصفه كان ... ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان ... » (2) .
4 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لأنّ الذي يزول ويحوّل يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ... وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغييره دخوله في الحدث ... » (3) .
5 - قال الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ، ولا شيء معه في ديموميّته ، فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة لا شيء قبل اللّه ، ولا شيء مع اللّه في بقائه .
وبطل قول من زعم أنّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك أنّه لو كان معه شيء فبقائه لم يجز أن يكون خالقاً له ، لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا ... » (4) .
وغيرها من الروايات الصريحة بهذا المعنى .
« محمّد باقر - البحرين - ... »
س : كيف تردّ على الشبهة التي تقول بوجود اللّه في جهة معيّنة ؟
ج : إنّ اللّه تعالى لو كان في جهة معيّنة ، يصدق أن يقال إنّه ليس في الجهة
ص: 527
الأُخرى ، وبذلك يكون محدوداً ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ومَن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه ، ومَن حدّه فقد عدّه ، ومَن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « علام » فقد أخلى منه ، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كُلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كُلّ شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ... » (1) .
وقال عليه السلام أيضاً : « لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد عنها غير مباين ... » (2) .
وقال عليه السلام : « لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده ... » (3) .
« السيّد محمّد السيّد حسن شرف - البحرين - ... »
س : نحن نقول على أنّ اللّه تعالى خالق ، وصفة خالق صفة أزلية لله عظم شأنه ، إذاً لابدّ من وجود مخلوقات أزلية تلازم هذه الصفة عند اللّه تعالى .
ج : إنّ صفة الخالقية والرازقية وماشابههما ليست من صفات الذات حتّى تكون أزلية وقديمة مع الذات ، بل هي صفات فعلية تنسب إلى الباري بعد قيامه عزّ وجلّ بها ، واللّه قادر على الخلق ، وما لم يخلق فلا يقال له خالق ، بل يقال له قادر على الخلق ، والقدرة هي من الصفات الذاتية الأزلية .
ص: 528
« أبو الزين - الأردن - ... »
س : في موضوع عينية الصفات يعلّق صديقي الأشعري بقوله : ظواهر الشريعة تصف اللّه تعالى بصفات عديدة ، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر ، فهل يمنع العقل اتصاف ذات ما بصفات ما ؟ وهل اتصاف ذات بصفات يعد تكثراً في تلك الذات ؟
فالجوهر ذات ليست منقسمة ، ومع ذلك هي متّصفة بصفات عديدة ، ولم يدّعي أحد أنّ الجوهر يتكثّر عند وصفه بتلك الصفات ، بل وكثير من البسائط ، فهل اتصاف اللّه تعالى بالصفات الإلهية يستلزم التكثّر في الذات ؟
يقول هو : إنّ الإمامية خلطوا بين معنى الذات ومعنى الصفات ، ولم نسمع عن عاقل بقول بأنّ مفهوم الذات هو مفهوم الصفة ، فماذا تعنون بالعينية ؟ ويردف أنّ رأي المعتزلة أقرب إلى القبول من مذهبكم ؟
ج : رأي عينية الصفات لذات اللّه تعالى هو الرأي الحقّ الذي لا مناص عنه ، وبيانه : إنّ البسيط لو احتاج إلى غير ذاته فقد افتقر .
وهنا نتساءل : هل إنّ اللّه تعالى يحتاج في علمه - مثلاً - إلى خارج ذاته ؟ وإنّ الصفات المذكورة هي قديمة في جنب قدم ذاته ؟
فحذراً من هذين الإشكالين يتحتّم علينا أن نلتزم بعينية الصفات لذاته حتّى لا يحتاج ذاته تعالى لشيءٍ آخر خارج عنها ، وهذا المعنى هو المصرّح به على لسان الإمام علي عليه السلام : « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة ... » (1) .
وأمّا التمثيل بالجوهر ، فهو في غير محلّه ، فإنّ الجوهر تعريف تحليلي لا يوجد له مصداق في الخارج ، بدون اتصافه بصفة أو مواصفة ، فمصداقية التعينية تحتاج وتتوقّف على اتصافه بالصفات ، إذ أين الجوهر بلا صفة حتّى نتكلّم عنه ؟!
ص: 529
ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الإمامية قد حقّقوا ودقّقوا بما لا مزيد عليه بأنّ ذات اللّه تعالى تختلف مفهوماً عن صفاته ، ولكنّها تتحدّ معها مصداقاً وخارجاً ، أي إنّ صفة العلم مثلاً من جهة مفهوم العلم تختلف عن ذات الباري عزّ وجلّ ، فليس اللّه تعالى هو بمعنى العلم ، ولكن مصداقهما - الذات والعلم - متحدّ في ذاته ، فليس الاتحاد والعينية في حوزة المفهوم حتّى يناقش ، بل الاندماج وعدم التمايز والتغاير هو في جهة المصداق ، أي إنّ الواقع في الخارج هو وجود واحد ، ولكن يتّصف أحياناً باسم الجلالة ، وتارةً ب- « العالم » .
وأمّا ما تقوله الأشاعرة فهو مردود عقلاً ونقلاً ، وحتّى إنّ ظواهر الشريعة التي تمسّكوا بها لا تدلّ على أزيد من اتصاف الذات بتلك الصفات ، وأمّا أنّ هذه الصفات تكون زائدةً على الذات فلا دلالة فيها ، بل الدليل العقلي والنقلي كما ذكر يؤكّد اتحاد الصفات مع الذات .
وأمّا رأي المعتزلة في المقام ، فهو وإن كان في بعض جزئياته أقرب إلى الواقع من رأي الأشاعرة ، ولكنّه أيضاً خلط وخطأ وقعوا فيه لتفادي الوقوع في محذور أشد ، وهو زيادة الصفات على الذات ، فهم عرفوا - خلافاً للأشاعرة - أنّ زيادة الصفات توجب إشكالاً عسيراً لا مخلص عنه ، فحذراً منه نفوا واقعية الصفات في مجال ذاته تعالى ، وأعطوا للذات النيابة عن الصفات .
ولكن يلاحظ عليهم : إنّ عدم زيادة الصفات على الذات لا يدلّ بالملازمة على نفي واقعية الصفات ، بل الحلّ أن نلتزم بوحدة الصفات مع الذات مصداقاً واختلافهما مفهوماً ، كما عليه الإمامية .
« هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية »
س : أحسّ نفسي بعيدة عن ديني ، يمكن لكثرة مشاكلي ، أو لأنّي لست قوّية ، أرجو منك أن تساعدني ، كيف نقدر أن نتقرّب إلى اللّه ؟ كيف نقدر على أن نكون على الصواب ؟ وشكراً .
ص: 530
ج : إنّ الابتعاد عن اللّه تعالى منشؤه عدم معرفة اللّه تعالى حقّ المعرفة ، فإذا عرفنا خالقنا حقّ المعرفة سنتقرّب إليه وسيتقرب إلينا ، فإذا خطونا خطوة واحدة لمعرفة اللّه والتقرّب إليه ، سيأخذ اللّه تعالى بأيدينا ويساعدنا على هذا ، وسيكون اللّه أقرب إلينا من حبل الوريد .
وأمّا أنّنا كيف يمكن لنا أن نعرف اللّه تعالى ونتقرّب إليه ؟ فهذا أمر سهل ، فما علينا إلّا أن نترك التعصّب الأعمى ، ونصفّي قلوبنا ، ونتبع من أمرنا اللّه تعالى باتباعهم ، نتبع نبيّه الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله بكُلّ ما جاء به ، ومن أوامره صلى اللّه عليه وآله أن نتّبع أهل بيته ، فإذا عرفنا النبيّ وأهل البيت عليهم السلام ، وتعرّفنا على سلوكهم وسيرتهم ، وما رسموه لنا في حياتنا الدنيوية من تعاليم عبادية وأخلاقية ، وعملنا بكُلّ ما قالوه ، بهذا سنتقرّب إلى اللّه تعالى ، ولا نحسّ بأنّنا على بعد مع اللّه تعالى .
روى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال وفي عدّة مواطن ، ومنها : قبيل وفاته في وصيّته لأُمّته : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1) .
ص: 531
فلكُلّ فعل طريق ، وطريق القرب من اللّه تعالى ، أن نحبّ من أحبّه اللّه ، وأن نبغض من أبغضه اللّه ، وأن نأتم بأوامر أولياء اللّه ، وأن نبتعد عن الطواغيت الذين لعنهم اللّه تعالى .
« وسيمة المدحوب - البحرين - ... »
س : قال الإمام علي عليه السلام : « لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته ... » (1) ، إلى ماذا يشير الإمام عليه السلام بهذا الحديث ؟
وفي الختام ، نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل اللّه لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق .
ج : إنّ الصفات لمّا كانت عين الذات ، فمن المستحيل معرفتها بشكلها وصورتها التفصيلية والحقيقية ، إذ معنى ذلك هو معرفة اللّه بكنهه وحقيقته ، وهذا محال كما ثبت في محلّه ، فالعقل قاصر عن إدراك كنه اللّه وصفاته ، التي هي عين ذاته ، لأنّه محدود ، ومن المستحيل إحاطة المحدود باللامحدود .
والعقل يمكن أن يدرك وجود اللّه تعالى ، وصفاته الملازمة له من كونه عالماً حيّاً متكلّماً ، ويمكن أن يعرف ويدرك العقل هذه الصفات بشكل يتناسب مع عظمة اللّه تعالى ، وعدم مادّيته وعدم حدوثه ، وما إلى ذلك من الملازمات ، فهذه هي المعرفة الواجبة التي يجب على كُلّ مكلّف معرفتها ، أمّا المعرفة بالشكل الأوّل ، فهي المعرفة المحرّمة بل المستحيلة في حدّ ذاتها .
وهذا من أوضح الأدلّة على بطلان قول المشبّهة والمعطّلة وصحّة المذهب الحقّ في التوحيد .
ص: 532
« رباب - البحرين - 20 سنة - طالبة جامعة »
س : كيف يعذّب اللّه المسلمين بالنار وهو الرحمن الرحيم ؟ وكيف تكون النار رحمة للناس وتطهيراً ؟
ج : إنّ الإنسان ميّال إلى اللّهو واللعب والراحة ، فلو خُلّي وطبعه زاغ عن جادّة الحقّ والصواب التي رسمها اللّه تعالى له ، وخصّه بها ودعاه إليها ، بانتخابه واختياره ، فمن أجل أن يسوقه إليها ، بلّغه على لسان أنبيائه بوعده ووعيده ، تحفيزاً له لنيل الثواب ، وتجنّب العقاب ، وبالتالي بلوغ السعادة المرجوّة .
ومن هنا يُعلم أنّ عقوبة اللّه تعالى للإنسان غير مقصودة بالذات ، لأنّ رحمته تعالى سبقت غضبه وانتقامه ، بل هي وسيلة لتحقّق ما يُصلِح الإنسان ، وينفعه في الدنيا والآخرة ، عبر الالتزام بأوامر اللّه تعالى ، والانتهاء عن نواهيه ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (1) .
« ... - الجزائر - 33 سنة »
س : التعبّد المحض لله عن طريق ماذا يكون ؟ إذا علمنا أنّ معرفته مستحيلة لأنّه مجهول ، ما عرفناك حقّ معرفتك ، وكيف للعاجز أن يعرف الكامل ؟
ج : إنّ كُلّ إنسان مؤمن باللّه تعالى ، معرفته به على قدر وسعه ، وعلى مقدار فهمه وعقله ، والتعبير عن اللّه تعالى بأنّه مجهول غير صحيح ، فإنّ كُلّ أحد يعلم بوجوده ، ويعتقد بقدرته وخالقيته ورازقيته ، وإلى آخره .
نعم ذات اللّه تعالى لا يتوصّل إليها أحد ، ولا يمكن الاطلاع عليها ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله في هذه العبارة يقول : « ما عرفناك حقّ معرفتك » (2) ، فلم ينكر أصل
ص: 533
المعرفة ، إذاً حقّ المعرفة أمر ، وأصل المعرفة أمر آخر ، فكُلّ يعرف ربّه وخالقه ورازقه على قدر عقله وفهمه وإلى آخره .
« ... - ... - ... »
حقيقة الموضوع مهمّ جدّاً لأنّه عقائدي ، وله وجهان : الظاهر والباطن ، فظاهره يثير الفضول ، وباطنه يمحّص الإيمان .
أردت التدخّل لوجود شبهة في هذا الموضوع ، رؤية اللّه وهو طريق لا مفرّ منه ، وأضرب على ذلك مثال ، قال الرسول الأعظم : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » (1) .
وللجواب المقنع على هذا السؤال هو السير ، أي من العلم إلى الإيمان ، من الظاهر إلى الباطن ، وليس البقاء في الظاهر ، والسؤال على الباطن فمهما أجاب المجيب ، ووصف الباطن فمحال أن يصدق من هو في الظاهر ، ولو اقتنع بالأدلّة العقلية الجدلية المتناهية ، وخاض بحر التفلسف ، إنّك لا تهدي من أحببت .
إنّ الإمام عليه السلام أجاب بحسب ما يقتضيه ظاهر القوم : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » ، وفي كلامه سرّ لا يكشف ، وإن أظهره ، ففي إظهاره كتمانه على الباحث الطالب للحقّ حمل المفاتيح ، والسير حتّى الوصول إلى اللّه ، وهو سبب الوجود مرتبة الإنسانية .
والسلام والصلاة على محمّد وآله .
« السيّد حسين الجزائري - إيران »
س : ما معنى هذه الآية الشريفة : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟
ص: 534
ج : ذكر العلّامة الطباطبائي قدس سره في تفسير هذه الآية ما نصّه :
« وقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (1) النور معروف ، وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا ، فالأشياء ظاهرة به ، وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته ، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر .
هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ، ثمّ عمّم لكُلّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة ، أو الحقيقة الثانية ، فعدّ كُلّ من الحواس نوراً ، أو ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس .
ثمّ عمّم لغير المحسوس ، فعدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات ، كُلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .
وإذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء ، كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود ، إنّما هي موجودة بإيجاد اللّه تعالى ، كان هو المصداق الأتم للنور .
فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء ، وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته ، يوجد ويستنير به الأشياء .
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، حيث أُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى اللّه منوّر السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه ، أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها ، تعالى اللّه عن ذلك وتقدّس .
ومن ذلك يستفاد ، أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كُلّ شيء لنفسه ، أو لغيره ، إنّما هو عن إظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي
ص: 535
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (1) إذ لا معنى للتسبيح والعلم به ، وبالصلاة مع الجَهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (2) .
وسيوافيك البحث عنه إن شاء اللّه .
فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام ، الذي يستنير به كُلّ شيء ، وهو مساو لوجود كُلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة » (3) .
كما ذكر قدس سره في بحثه الروائي ما نصّه :
في التوحيد ، بإسناده عن العباس بن هلال قال : ( سألت الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقال : « هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض » .
وفي رواية البرقي : « هدى من في السماوات وهدى من في الأرض » ) (4) .
أقول : إذ كان المراد بالهداية الهداية الخاصّة ، وهي الهداية إلى السعادة الدينية ، كان من التفسير بمرتبة من المعنى ، وإن كان المراد بها الهداية العامّة ، وهي إيصال كُلّ شيء إلى كماله ، انطبق على ما تقدّم .
« ... - ... - ... »
س : كيف يمكن أن نفسّر غضب ورضا اللّه تعالى ، كقولنا : إنّ اللّه يغضب لغضب الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ويرضى لرضاه ؟
ص: 536
ج : من الواضح أنّ الرضا والغضب من الصفات النفسانية للإنسان ، واللّه تعالى ليس بجسم فلا صفات نفسانية له ، ولذا يكون وصف اللّه تعالى بالغضب وصفاً مجازياً ، ومرادهم من هذا : إنّ الغضب من اللّه تعالى هو العذاب ، ومن الرضا الرحمة والثواب .
والحاصل : إطلاق مثل هذه العناوين على اللّه تعالى إطلاق مجازي ، والمراد من هذا الإطلاق هو أنّ اللّه تعالى يثيب كُلّ محسن إذا عمل له تعالى ، ويعذّب كُلّ من عصاه ، وخالف أوامره ونواهيه .
« شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة »
س : ما هي أنواع الشرك في العقيدة الشيعية ؟
ج : إنّ معنى الشرك هو : أن لا نعدل باللّه شيئاً في العبادة ، أي أن لا نشرك مع اللّه تعالى في عبادتنا أحداً .
وعلى هذه القاعدة ، تتفرّع أنواع أُخرى من الشرك ، فكُلّ مورد وردت فيه القربة إلى اللّه تعالى ، إلّا أنّ الإنسان جعل في ذلك شريكاً في عبادته ، فقد بطلت القربة وتحقّق الشرك ، فالشرك بمعناه الاشتراك في الأمر ، فاشتراك أحد مع اللّه تعالى في أيّ موردٍ من الموارد ، يطلب فيه الخلوص إلى اللّه تعالى ، ثمّ يجعل الإنسان شريكاً في ذلك ، فقد تحقق الشرك .
روي في « الكافي » : « أكبر الكبائر الشرك باللّه » (1) .
وقد عرّف الأئمّة عليهم السلام أنّ الشرك ظلم ، فعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل ، إلى أن قال : « فأمّا الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك » (2) .
هذا هو الشرك عند الشيعة ، وليس شيء آخر يتعدّى هذه القاعدة ، التي
ص: 537
أثبتناها لكِ ، ثبتكِ اللّه على القول الثابت ، وهداكِ ووفقكِ .
« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »
س : إذا كان النور يعني الإيجاد ، فما معنى الآية الكريمة : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (1) و ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (2) ؟
ج : النور مصطلح يستعمل في موارد مختلفة ، لبيان مفاهيم غامضة ، فيعطي صورة واضحة عن مراد المستعمل ، والحكمة في الموضوع ، أنّ معنى النور في اللغة ، هو المصدر الذي يضيء ، وفي نفس الوقت هو مضيء ، ومنه قد استعير في كُلّ مورد يحتوي على صفة من جهة ، وهو يعطي تلك الصفة من جهة أُخرى .
وعلى هذا الأساس ، تفسّر آية ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فإنّ النور هنا الموجد الذي له الوجود ، إذ إنّ صفة الخالقية في اللّه تعالى ، تقتضي إعطاء الوجود للمخلوق ، مضافاً إلى كونه - الوجود - عنده تبارك وتعالى ، وهذا يمثل في عالم المادّة بالنور الذي يضيء ما حوله مع اضائته في نفسه .
وأمّا النور في الآيتين الأخريتين ، فهو بمعنى الهداية والصراط المستقيم ، وهنا أيضاً ، بما أنّ اللّه تعالى يعطي الهداية ، وهو مهتدٍ في نفس الوقت ، استعمل النور في تصوير معنى الهداية .
« عبد المنعم عبد الباقي الصادق - السعودية »
س : مع دعائي لكم بالتوفيق والسداد ، سؤالي هو : لله تعالى أسماء
ص: 538
وصفات ، فكيف نفرّق بين الاسم والصفة ؟ وما هي الأسماء ؟ وما هي الصفات ؟
ج : إنّ الفرق بين الصفة والاسم هو : أنّ الاسم يعني الذات مأخوذ بوصف من أوصاف تلك الذات ، فلفظ العالم اسم من أسماء اللّه تعالى ، يعني ذات مأخوذة بوصف العلم .
أمّا الصفة : فهي النظر إلى ذات الصفة من حيث هي صفة ، مع قطع النظر على اتصاف الذات بها .
ربما يتبيّن الفرق جيّداً بمقال نأخذه على الإنسان ، حيث يسمّى الإنسان من حيث هو هو حيواناً ناطقاً ، ولكن إذا نظرنا إليه من حيث صفة الطبابة ، أو النجارة ، فلا يسمّى إنساناً ، بل طبيباً ونجّاراً .
كما أنّ الفرق بين الصفة والاسم عبارة عن : أنّ الأوّل لا يحمل على الموضوع ، فلا يقال : زيد عِلم ، بخلاف الثاني ، فيحمل عليه ، ويقال : زيد عالم .
وعلى ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه وصفاته سبحانه ، فالعلم والقدرة والحياة صفات ، والعالم والقادر والحيّ أسماؤه تعالى .
« محمّد - العراق - ... »
س : ما هو عالم الغيب والشهادة الذي ذكر في القرآن الكريم ؟
ج : إنّ المراد بعالم الغيب والشهادة هو اللّه تعالى ، كما في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (1) ، وإنّما ورفع ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) لأنّه نعت ل- ( الَّذِي ) ، أو كونه فاعل لمن قرأ ( يُنفَخُ ) بالفتح .
ص: 539
والمراد منه : يعلم السرّ والعلانية ، وورد عن ابن عباس : « عالم الغيب والشهادة ، أي ما يشاهده الخلق وما لا يشاهدونه ، وما يعلمونه وما لا يعلمونه ، ولا يخفى عليه شيء من ذلك » (1) .
« عبد العزيز محمّد - السعودية - ... »
س : كيف نوفّق بين قولنا : بأنّ اللّه تعالى يريد للإنسان خيراً ، مع خلقه تعالى للشيطان ، والنفس الأمّارة بالسوء ، والشهوات ، والتي تشكّل أسباباً مساعدة للانحراف والفجور والفسوق ؟
ج : إنّ مقتضى كون الإنسان مختاراً في سيره التكاملي يفرض عليه انتخاب أحد الطريقين ، ولابدّ عندها من مواجهة الشيطان ، والشهوات ، والهوى ، حتّى إذا ما تمكّن فيها وانتصر عليها استطاع أن يرتقي سُلّم كماله بنفسه ، ويحصل على لقب أشرف الموجودات بفضل صبره ، وتحمّله في طريق كان مليئاً بالاختبار ، والامتحان والمعاناة .
فالغرائز والشهوات المودعة عند الإنسان - كالشهوة الجنسية مثلاً - تلعب دوراً هامّاً في بقاء واستمرار الوجود الإنساني ، وهي بالإضافة إلى ذلك ، تشترك مع هوى النفس والشيطان ، باعتبارها عناصر فاعلة ومؤثّرة في معادلة تكامل الإنسان ، وقربه من اللّه تعالى .
ومن هنا : فإنّ اللّه تعالى لا يخلق إلّا الخير ، ولا يريد لعباده إلّا خيراً ، ولكن إيجاده للخير في كثير من الأحيان يلازمه ويرافقه وجود الشرّ .
نظير غريزة حبّ الأولاد ، فإنّ وجودها في حياة الإنسان ممّا لا يمكن الاستغناء عنها ، ولولاها لانعدمت الرعاية التي نلاحظها عند الأبوين ، فيما
ص: 540
يتعلّق بأبنائهما ، ولوجدت الكوارث تلو الكوارث إلى أن تنتهي بانعدام النسل الإنساني .
وممّا هو مسلّم ، فإنّ آثاراً سلبية توجد مع وجود هذه الغريزة ، وذلك حينما تنعدم الضوابط الإلهية والأخلاقية ، فتجعل من الأبناء - بسبب حبّ الآباء المفرط لهم - صنم ينسيهم ذكر اللّه تعالى .
وفي النهاية : نؤكّد على أنّ اللّه تعالى متفضّل ومتكرّم على عباده ، وليس لهم عليه تعالى حقّ من الحقوق ، حتّى إذا ما منعهم نعمة أو سلبهم عافية ، قيل : بأنّ اللّه سبحانه قد ظلمهم ، وبخس حقّهم ، لأنّه تعالى معط بلا عوض ، وآخذ بلا جور .
« جوزيف - لبنان - مسيحي - 22 سنة - طالب جامعة »
س : لدّي سؤال لم أستطع صياغته ، وأتمنّى أن تحاولوا فهم قصدي :
السؤال هو : ما هو اللّه ؟ ومن هو اللّه قبل أن يخلق الخلق ؟ بمعنى : أنّ اللّه هو الرازق بعد أن خلق الخلق ، وقام برزقهم .
وأنّ اللّه أصبح خالقاً بعد أن خلق الخلق ، وهذا يعني أنّه قبل خلق الخلق لم يكن خالقاً .
قرأت في صفحة المسائل العقائدية في موقعكم النصّ التالي : كمال مطلق ومطلق الكمال ، ومن كمال الكمال أن يظهر الكمال ، لأنّه إن لم يظهر ذلك لكان نقصاً منه ، وهذا يعني أنّه كان ناقصاً قبل أن يخلق الخلق ؟ وبعد أن خلق الخلق أصبح كاملاً ، فلماذا لم يصبح كاملاً من الأصل ؟
أي إنّ كماله جاء فيما بعد ، بعد أن خلق خلقه ، واستنتاجي هذا أدّى بي إلى استنتاج آخر ، وهو : أنّ اللّه بدأ يتطوّر بشكل تدريجي إلى أن وصل إلى ما وصل إليه الآن ، حتّى في خلقه ، بدأ يخلق بشكل تدريجي ، فعلى مستوى الجماد انظروا خلق المريخ وهو قاحل غير صالح للحياة ، ثم تطوّر وخلق
ص: 541
كوكباً أكثر تطوّراً وهو الأرض ، وعلى مستوى الأحياء ، في البداية خلق حيوانات لا عقل لها مسيّرة لا مخيّرة ، ثمّ تطوّر الأمر إلى أن خلق الإنسان الذي يعتبر حيواناً متطوّراً بحكم وجود أداة العقل فيه .
سؤالي بشكل أدقّ : نحن نعرف اللّه بأنّه خالق لأنّه خلقنا ، وبالتالي أصبح خالق ، ولكن قبل أن يخلقنا هل هو خالق ؟
ج : بما أنّ سؤالكم ذو جهات مختلفة ومتميّزة ، فنرجو أن تتابعوا بدقّة وإمعان النقاط التالية ، حتّى يتّضح لكم الجواب :
أوّلاً : إنّ الاستدلال على وجود اللّه تعالى وصفاته الذاتية لا يتوقّف على وجود المخلوقات أو عدمها ، لأنّ الأدلّة العقلية القائمة في الموضوع هي أدلّة مستقلّة عن وجود المخلوق ، أي أنّها لا تنظر إلى ما سوى الباري تعالى ، كما هو مقرّر في علم الكلام .
وعليه ، فلا يعقل أن تعلّق معرفة اللّه تعالى بوجود الخلق ، أي إنّ ذاته المقدّسة وصفاته الذاتية أزلية أبدية ، لا تفتقر في وجودها إلى أيّ شيء آخر .
ثانياً : هناك تقسيم خاصّ بالنسبة لصفات اللّه سبحانه ، فما كانت منها قديمة وأزلية مع ذاته تعرف بالصفات الذاتية ، وما لم تكن كذلك فتسّمى بالصفات الفعلية .
والفارق بينهما أنّ القسم الأوّل لا يتوقّف وجوده على شيء غير ذاته المقدّسة ، فهو معها قديمة أزلية أبدية ؛ بخلاف القسم الثاني الذي يبتني تعريفه - وجوداً أو عدماً - على وجود أو عدم عالم الخلق ، أي إنّ ظهور هذا القسم الأخير يعتمد على وجود المخلوق .
ثالثاً : اتفق علماء الكلام على أنّ العلم ، والقدرة ، والإرادة ، والحياة ، والأزلية ، والأبدية كلّها من صفات الذات ، وأمّا بقية الصفات التي يصحّ إطلاقها على ذاته فهي بأجمعها صفات فعل .
وعلى سبيل المثال فصفة الرازقية والخالقية تعتبر من صفات الفعل ، أي أنّها لا يصحّ إسنادها إلى وجوده تعالى إلّا بعد ظهور الخلق .
ص: 542
رابعاً : وأجمع علماء الكلام أيضاً على أنّ جميع صفات الفعل - حتّى قبل ظهورها وبروزها - هي مقدورة للباري تعالى ، أي أنّها مشمولة لصفة القدرة الذاتية .
وبعبارة واضحة : إنّ الصفات الفعلية - وإن لم توجد بعد في عالم الخلق - تكون دائماً في دائرة قدرة اللّه تعالى ، ولكن لم تكن ذاتية وأزلية ، بل إنّها في زمان محدّد وحسب إرادة اللّه تعالى - تبرز إلى عالم الوجود .
خامساً : إنّ حكمة الخلق وفلسفته موضوع غامض ، قد لا يمكن التوغّل فيه ، لعدم الإحاطة بجميع جوانبه ، فالصفح عنه أحرى وأجدر .
نعم ، وردت أحاديث مختلفة - فضلاً عن بعض الآيات القرآنية - تشير إلى جوانب مختلفة من هذا الموضوع ، والظاهر أنّ هذه الأدلّة النقلية هي بصدد الكشف عن بعض الغوامض ، التي كانت عند السائل أو المخاطب ، وليس لاستيعاب كافّة العلل والدلائل .
وأمّا على مستوى النظريات ، فهناك آراء مختلفة في حكمة الخلق ، من : نظرية التجلّي ، وإظهار الكمال ، وإفاضة الفيض ، والتفضّل ، وغيرها .
والذي يظهر من خلال دراسة أدلّة هذه النظريات : إنّ الأقرب إلى الصواب هي نظرية التفضّل ، وقد قرّر في محلّه في علم الكلام ؛ وعليه فنظرية إظهار الكمال ليست هي نظرية جامعة ومانعة من جميع الجهات ، بل هي نظرية اقناعية إن صحّ التعبير أي أنّها تلقى على مستوى خاصّ من المخاطبين لإقناعهم ، لا أنّ دلالتها تامّة في جميع الحالات .
« محمّد صادق - ... - ... »
س : هناك آية في القرآن تشير إلى المشيئة الإلهية في هبة الطفل إلى الإنسان ( يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ) ، وفي الوقت الحاضر تمكّن
ص: 543
علماء الإخصاب والحمل من تحديد جنس المولود ، وعلى هذا فما هو تفسير الآية الشريفة ؟ وما هي مدخلية الإنسان في تعيين الهبة المنظورة في القرآن الكريم ؟ ولكم منّا جزيل الشكر .
ج : نتمكّن في هذا المجال أن نشير إلى ما يلي :
1 - مجرّد ادعاء بعض الأطباء التمكّن من تغيير جنسية الجنين من خلال تناول أطعمة معيّنة ، أو حقن الرحم بالحيوانات المنوية الحاملة للجنس المرغوب به ، أو سحب خلية واحدة ، وإجراء دراسة عليها لتحديد جنس الجنين ، ثمّ إرجاع خصوص الأجنة المرغوب بجنسها ، لا يعدو كُلّ هذا الادعاء ، ولا يعدو الاحتمال ، فلماذا نغتر بسرعة بهذه الادعاءات ونصدّقها من دون تريّث ؟!
إنّه لو كان ما كتب في هذا المجال حقّاً ، فلماذا لا تبرز هذه الادعاءات على الأرض على مستوى الفعلية والتطبيق ؟ ليحصل جميع الناس الذي يرغبون بالإناث على الإناث ، والذين يرغبون بالذكور على الذكور ؟! ما أكثر الادعاءات وأقلّ الواقع .
2 - إنّ الادعاءات المذكورة على تقدير صوابها لا تشكل نقضاً على الآية الكريمة ، إنّها ذكرت أنّ اللّه تعالى يقوم بأربعة أشياء ، وليس شيئاً واحداً أو شيئين ، فإذا تحقّقت جميع هذه الأربعة كان ذلك نقضاً على الآية الكريمة ، والأربعة هي : يهب لبعض الذكور ، ويهب لبعض الإناث ، ويهب لبعض الاثنين سوية ومعاً بنحو التوأم ، ويجعل البعض عقيماً ، إنّه لأجل تحقّق النقض ، يلزم أن نفترض أنّ العقيم الذي لا قدرة لحيامنه على الإنجاب يمنح فرصة الإنجاب ، ويلزم أن نفترض أنّ الفرصة الممنوحة هي بالخيارين ، فرصة الذكور فقط ، وفرصة الإناث فقط ، وفرصة الاثنين سوية ومعاً ، هل مثل هذا تحقّق ادعاؤه لأحد ؟
لنقرأ سوية الآية الكريمة حيث تقول : ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ) ، أي يرزقهم زوجاً وتوأماً
ص: 544
من الذكور والإناث سوية ، ( وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ) (1) .
3 - لنفترض أنّ العلم الحديث تمكّن من منح الفرص الأربع ، ولكن هل يمنحها من دون أن يدخل الزوجان غرفة المختبر أو الطبيب ؟ لأخذ بعض الخلايا أو الجينات .
كلّا ، لا يمنحها كذلك ، بل لابدَّ من طيّ مقدّمات طويلة وصعبة ، قد يتعب على أثرها الزوجان ، بينما اللّه سبحانه يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور ، بلا حاجة إلى أخذ خلية أو دخول المختبر ، وهل هذا لا يكفي وحده لبيان الفارق الشاسع ، وبيان عظمة اللّه سبحانه ؟!
« السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة »
س : كنت قد دخلت مع أحد الأحباش في موضوع المشيئة ، وقد علّق على جوابكم ، بأنّ اللّه تعالى قال : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) (2) ، وهذا يعني أنّ كُلّ شيء متعلّق بمشيئة اللّه تعالى .
وقد قال أيضاً : إنّ اللّه تعالى قد خلق الشرّ ، والدليل : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) (3) ، أي إنّ الشرّ مخلوق لله تعالى والعياذ باللّه ؟ ومن هنا فإنّ أدخل اللّه أحدهم النار بمشيئته فهذا ليس ظلماً ، لأنّ الناس ملكاً لله يفعل بهم ما يشاء ، فما تعليقكم على هذا ؟ ولكم الأجر والثواب .
ج : الملاحظ في السؤال عدم التناسب بين المقدّمتين المذكورتين فيه ، وبين النتيجة التي وقعت مركزاً للسؤال ، ففي المقدّمة الأُولى ذكر أنّ كُلّ شيء في الدنيا يقع بمشيئة اللّه سبحانه ، وهذا صحيح ، وفي المقدّمة الثانية ذكر أنّ اللّه
ص: 545
سبحانه خلق الشرّ كما خلق الخير ، ثمّ النتيجة التي يسأل عنها هي : إنّ الناس حيث إنّهم جميعاً ملك اللّه سبحانه ، فله أن يفعل بهم ما يشاء ، كإدخال الجميع في النار ، وعدم التناسب بين ذينك ، وهذا أمر واضح .
ولكن على أية حال فهمت أنّكم تسألون عن هذه القضية ، وهي أنّ الناس ماداموا ملكاً لله سبحانه فله حقّ أن يفعل بهم ما يشاء ، بما في ذلك إحراقهم بالنار من دون سبب .
والجواب : إنّ ملاك الظلم لا ينحصر بحيثية التصرّف في ملك الآخرين ، كي يقال : إنّ اللّه سبحانه مادام يتصرّف في ملكه فلا ظلم في البين ، بل هناك ملاك آخر للظلم ، وهو أن يعاقب المولى عبده من دون أن يفترض ارتكاب العبد لأيّ انحراف أو جريمة .
واللّه سبحانه إذا أدخل الناس في نار جهنّم فمن جهة الملاك الأوّل هو وأن لم يكن ظالماً ، إلّا أنّه من جهة الملاك الثاني هو ظالم فلا يجوز ذلك في حقّه .
« علي - أمريكا - 27 سنة - طالب »
س : رحم اللّه والديكم ووالد والديكم ، ورحمكم اللّه وعافاكم ، وأعطاكم الأجر والثواب ، وبعد ، أتمنّى أن تجيبوني على سؤالي :
إنّ اللّه تعالى يبتلي الناس إمّا بحرمانهم من النعمة ، أو بإعطائهم النعمة ، أي أن يعطيهم المال فيرى ماذا يصنعون به ، أو يحرمهم من المال ويرى صبرهم ، والحرمان امتحان أصعب من توفّر النعمة ، فلماذا لا يكون امتحان وابتلاء جميع الناس سواسيه ؟
فالفقير قد يشعر بأنّ الغنيّ أفضل منه ، وأنّ اللّه ابتلى الفقير أكثر من ابتلائه للغنيّ ، وكذلك قد يشعر المريض أو المحروم من نعمة الأولاد ، وجزاكم اللّه خيراً .
ج : إنّ موضوع الابتلاء والامتحان في دار الدنيا من الموضوعات الدقيقة ، التي
ص: 546
تبتنى على أُسس واقعية وحكم قويمة ، تبلغ إلى مرتبة الأسرار الإلهية ، التي لا يمكن أن تدركها عقول البشر مهما بلغت من العظمة ، وأوتيت من الأسباب ، إلّا أنّ المستفاد ممّا ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة : إنّ الابتلاء إنّما هو لأجل إظهار حقيقة الإنسان ، ليصل إلى الجزاء الموعود ، الذي أعدّه اللّه تعالى في الدار الآخرة ، فلم يكن الابتلاء والامتحان بحسب المنظور القرآني ، لأجل ميزة دنيوية ، أو الحصول على جزاء دنيوي ، إلّا في بعض الأفراد ، التي ورد النصّ عليها خيراً كان أو شرّاً .
فالفقر والمرض والمحن والآلام وغيرها ، ممّا يعدّها الإنسان ابتلاءات ، إمّا أن تكون سبلاً للوصول إلى المقامات الرفيعة ، والكمالات الواقعية ، والدرجات الراقية في الآخرة ، فهي في الحقيقة سلالم الكمال ودرجات الرفعة والقرب ، أو تكون سبباً في رفع الموانع عن طريق الإنسان ، فبالآخرة فإمّا هي لزيادة المقتضى لنيل الكمالات ، أو لإزالة الموانع والعقبات ، فهي لا تعدّ بهذا المنظور ابتلاءً في الواقع ، فالفقر والمرض بهذا المقياس لا تكون محناً بل سبباً لنيل الكمال .
نعم ، قد يكون المقياس هي المرتبة في الدنيا ، فتكون الابتلاءات والمحن بالنسبة إلى المظاهر الدنيوية وحظوظها فيختلط الأمر ، كما ذكره السائل ، فربما تكون النعم والمحن بل مطلق الابتلاء ترجع إلى بعض الأعمال الصادرة من الشخص ، أو الصفات التي ترتكز في النفس ، أو تؤثّر في الخلف ، وحينئذٍ لا تكون الأُمور الحاصلة بالنسبة إلى الأفراد - ممّا ذكره السائل - من دون سبب ، فهي تابعة لأسباب أو أُمور دقيقة واقعية .
« السيّد محمّد السيّد حسن الموسوي »
س : أحتاج على إجابة للسؤال التالي وبالتفصيل ، حفظكم الرحمن :
سمعت بعض العلماء يقول : إنّ الشرّ لا وجود له ، وأنّه لم يخلق أصلاً ، ولكنّه
ص: 547
وجد بسبب أفعال البشر ، أي أنّه ناتج عن سوء ما اقترفت يد البشرية .
وسؤالي هو : إن لم يكن للشرّ وجود أصلاً ، فكيف تستطيع أفعال الإنسان السيّئة أن تكون مصدراً لوجوده ؟ - بفرض القول أنّ الشرّ لا يعدّ شرّاً في باطنه - لكن يبقى التساؤل ، لِم قيل : إنّ أفعال الإنسان الشريرة مصدره ؟ وكيف ذلك ؟ أين الصواب ؟
نسألكم الدعاء ، مع ألف سلامة ، ودمتم بحفظ اللّه سالمين .
ج : إنّ الخير والشرّ كلاهما منسوبان إلى اللّه تعالى ، قال عزّ من قائل : ( قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ) (1) إلّا أنّ الفرق أنّ الشرّ منسوب إلى الإنسان ابتداءً ، وإليه تعالى بالواسطة ، والشرّ من الأُمور النسبية لا وجود له ، إلّا ما ينطبق على الأثر المترتّب على الأعمال الصادرة من الإنسان ، وقد ورد في الحديث : « إذا كثر الزنا في أُمّتي كثر موت الفجأة » (2) ، وأمثال ذلك من الآثار ، فإنّ كُلّ عمل سواء كان خيراً وصالحاً أو سوءً يترتّب عليه أثر يناسبه ، شأنها شأن الآثار المترتّبة على الأشياء ، فإنّ النبتة المعيّنة الفلانية فيها آثاراً معروفة ، وعلى شرب السمّ مثلاً يترتّب الموت ، فالشرور هي نتائج أعمال الإنسان وأفعاله ، ولأجل ذلك ورد في عدّة روايات تحث الإنسان على التفكّر في عواقب الأُمور ، وما يترتّب على أفعاله من آثار سيئة ، نسأل اللّه التوفيق والهداية .
« عبد الرحيم - الجزائر - 35 سنة - أُستاذ »
س : إنّ صفات اللّه تعالى هي عين ذاته ، لكنّنا نسمع عن الصفات الذاتية والصفات الفعلية ، هل كلتاهما عين ذات اللّه ؟
وكذلك نسمع : إنّ رحمة اللّه تعالى سبقت غضبه ، فهل هذا يعني أنّ غضب اللّه محدود ؟
ص: 548
وكيف نوفّق بين هذا ، وبين قول الإمام علي عليه السلام : « فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ... » (1) .
وأخيراً : أسأل عن اسم اللّه الأعظم ، فقد سمعنا مؤخّراً أنّه مخلوق ، أليس اسم اللّه عين ذات اللّه ؟
أرجو من حضرتكم أن تجيبوا بالتفصيل ، ولا ترشدونا إلى كتب ، فإنّها صعبة الاقتناء هنا في الجزائر ، ونسألكم الدعاء .
ج : إنّ الصفات التي تكون عين ذات اللّه تعالى هي الصفات الذاتية الثبوتية ؛ وأمّا الصفات الفعلية الثبوتية ، فبما أنّها تفتقر في وجودها إلى خارج ذاته تبارك وتعالى ، فإنّها ليست عين الذات .
والمقصود من العبارة الواردة في بعض الأدعية من سبق الرحمة على الغضب هو : أنّ الرحمة الإلهية هي الأصل في الوجود ، ولولا بعض الموانع من قبل العباد ، لما كانت هناك حاجة إلى إعمال غضبه تعالى بالنسبة إليهم ، فالغضب أمر عرضي ، ويحتاج إلى دليل وعلّة ، بخلاف الرحمة الإلهية التي هي فضل منه تبارك وتعالى بالنسبة لكافّة أجزاء الوجود ، ولا يحتاج إلى أي دافع وموجب إلّا وجوده تعالى .
وأمّا المراد من كلام الإمام عليه السلام في تلازم التوصيف للتحديد ، فهو في مجال نفي التفرقة بين ذات اللّه سبحانه وبين صفاته الذاتية ، والتصريح بعينية هذه الصفات لذاته تعالى ، ولا علاقة لهذه الفقرات من كلامه عليه السلام بالصفات الفعلية التي منها الرحمة والغضب .
وأمّا الاسم الأعظم ، فهو عبارة عن الإشارة إلى المسمّى الذي هو ذات اللّه تعالى .
فتارةً يطلق الاسم ويراد نفس الذات ، فهذا لا ينكر اتحاده وعينيته مع الذات ، وتارةً يراد منه الآلة المشيرة إلى الذات ؛ ومن المعلوم تمايز هذا القسم
ص: 549
الأخير مع الذات لتباين المشير عن المشار إليه ، فإذا قيل أحياناً : أنّ الاسم الأعظم مخلوق ، فيجب حمله على هذا المعنى الأخير ، ويدلّ على ما قلنا قول الإمام عليه السلام : « لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة » (1) .
« يعقوب الشمّري - اسكتلندا - 18 سنة - طالب »
س : هل يصحّ القول بأنّ اللّه يتكلّم ؟ أو أنّ اللّه يخلق الكلام ؟ ويوجد في عقيدة الأباضية مصطلح الكلام النفسي لله ، فما معناه مع بيان عقيدة الشيعة فيه ؟
ج : التعبيران بمعنى ومصداق واحد ، فتكلّم اللّه تعالى هو خلق الكلام لا غير .
نعم ، قد يكون الأمران مختلفين عند البعض - الأشاعرة - ولكن بحسب التحقيق لا فرق بينهما مفهوماً ومصداقاً ، فعندما يتكلّم البارئ تعالى ، ففي الواقع يخلق الألفاظ والأصوات المبيّنة لمراده .
واصطلاح الكلام النفسي جاء من قبل الأشاعرة ، فإنّهم الأصل في ذلك ، ومنهم جرى على ألسنة الآخرين .
ومعناه مجملاً : أنّهم يعتقدون بأنّ اللّه تعالى توجد في نفسه معان ومفاهيم ، قد تخرج إلى خارج ذاته بواسطة الألفاظ والأصوات ، وقد لا تخرج وتبقى في كمون ذاته تعالى ؛ وهذه المعاني القائمة بذاته هي التي تسمّى بالكلام النفسي .
وبحسب الأدلّة العقلية والنقلية فلا أساس لهذا الموضوع بتاتاً ، إذ لا يرد نصّ صريح من القرآن والسنّة الصحيحة يمكن الاستدلال عليه ، هذا من جهة النقل .
ص: 550
وأمّا عقلاً ، فإنّ التعريف الذي يتبنّوه في المقام هو بنفسه تعريف للعلم الإلهي ولا غير ؛ فكيف يتصوّر كلام بلا خروج عن الذات مع درك الذات له ، أليس هذا هو العلم بهذه المعاني ؟!
وبالجملة ، فإنّ تعريفهم للكلام النفسي لا يغني ولا يسمن من جوع ، إذ إنّ التعريف يجب أنّ يكون جامعاً ومانعاً ؛ وحينئذ ما هو الفرق بين ما يذكرونه وبين تعريف علمه تعالى .
« محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »
س : ما هو المعنى من المقولة : لا ينتج عن الواحد إلّا واحد ؟
ج : قالت الحكماء : الواحد لا يصدر عنه من حيث هو واحد إلّا شيء واحد .
وذلك لأنّه إن صدر عنه شيئان ، فمن حيث صدر عنه أحدهما لم يصدر عنه الآخر وبالعكس ، فإذاً صدرا عنه من حيثيتين .
والمبدأ الأوّل تعالى واحد من كُلّ الوجوه ، فأوّل ما يصدر عنه لا يكون إلّا واحداً .
ثمّ إنّ الواحد يلزمه أشياء ، إذ له اعتبار من حيث ذاته ، واعتبار بقياسه إلى مبدئه ، واعتبار للمبدأ بالقياس إليه .
وإذا تركّبت الاعتبارات حصلت اعتبارات كثيرة ، وحينئذ يمكن أن يصدر عن المبدأ الأوّل بكُلّ اعتبار شيء ، وعلى هذا الوجه تكثر الموجودات الصادرة عنه تعالى .
وأمّا المتكلّمون فبعضهم يقولون : إنّ هذا إنّما يصحّ أن يقال في العلل والمعلولات ، أمّا في القادر ، أعني : الفاعل المختار ، فيجوز أن يفعل شيئاً من غير تكثير بالاعتبارات ، ومن غير ترجيح بعضها على بعض .
وبعضهم ينكرون وجود العلل والمعلولات أصلاً ، فيقولون : بأنّه لا مؤثّر إلّا اللّه .
ص: 551
واللّه تعالى إذا فعل شيئاً كالإحراق ، مقارناً بالشيء كالنار ، على سبيل العادة ، ظنّ الخلق أنّ النار علّة ، والإحراق أثره ومعلوله ، وذلك الظنّ باطل .
وبعبارة أُخرى : اعتقد بعض الفلاسفة : بأنّ الذات الإلهية المقدّسة ، ولكونها واحدة من كُلّ ناحية ، ولا تقبل الكثرة والتعدّد ، فلا يصدر منها سوى مخلوق مجرد واحد ، سمّوه « العقل الأوّل » ، واستندوا في معتقدهم هذا على القاعدة المعروفة التي تقول : « الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد » .
وقد اعتمدوا لإثبات القاعدة على مسألة السنخية بين العلّة والمعلول ، وقالوا : لولا ضرورة السنخية بين العلّة والمعلول ، لأمكن أن يكون كُلّ موجود علّة لأيّ معلول ، لكن لزوم السنخية يحول دون هذا الأمر ، وعندما نقر بوجوب السنخية بين العلّة والمعلول ، يجب علينا أن نقرّ بأنّ العلّة الواحدة من كُلّ ناحية تستلزم أن لا يكون لها أكثر من معلول واحد .
ويمكن الردّ على هؤلاء بعدّة طرق :
1 - على فرض صحّة هذا الاستدلال ، فإنّه لا يفهم منه محدودية القدرة الإلهية ، بل هو تعالى قادر على كُلّ شيء ، لكن قدرته بالنسبة للعقل الأوّل بدون واسطة ، وبالنسبة للموجودات الأُخرى مع وجود واسطة ، وكلاهما يعتبران في حدود المقدور ، فما الفرق بين أن يباشر الإنسان عملاً معيّناً بيده ، أو بوسيلة وأداة معيّنة من صنعه ؟ فالفعل فعله في كلتا الحالتين .
2 - ما قيل بخصوص قاعدة « الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد » ، لا يصحّ تطبيقه على الفاعل المختار بنظر بعض المحقّقين .
3 - بغضّ النظر عن ذلك فإنّ قانون « السنخية بين العلّة والمعلول » محلّ إشكال حتّى في غير الفاعل المختار ، لأنّه لو كان المراد من السنخية هو السنخية والتشابه من جميع الجهات ، فهو مستحيل التحقّق بين واجب الوجود وممكن الوجود ، فالممكنات مهما تكن فهي متباينة مع واجب الوجود في جهات كثيرة ، فلو اشترطنا السنخية التامّة وفي جميع الجهات ، فكيف
ص: 552
يمكن أن يخلق وجود غير مادّي موجودات مادّية ؟
4 - يمكن القول : بأنّ الكون نسخ واحد لا أكثر على الرغم من احتوائه ظاهراً على موجودات متعدّدة ومتكثّرة .
فإنّنا لو دقّقنا النظر لعلمنا بأنّ مجموع عالم الوجود موجود واحد متصل ومترابط ، وعلى الرغم من كُلّ تنوّعاته وكثرة قوانينه المؤثّرة فيه فهو واحد ، وهذا الموجود الواحد يفيض من الوجود الإلهي الواحد ، وهذا المخلوق الواحد له خالق واحد .
« علي عبد اللّه - البحرين - 30 سنة - طالب جامعة »
س : هل قانون العلّة والمعلول خاصّ بعالم الطبيعة ؟ أم حتّى عالم الأمر ؟ ودمتم سالمين .
ج : إنّ قانون العلّة والمعلول إنّما تصحّ مصداقيته إذا كان هناك تجانس بين الجانبين ، ولكن من قال بأنّ الخلق معلول الخالق ؟
والحال يشير إلى أنّ الخلق مخلوق الخالق ، والعلاقة إنّما هي علاقة مخلوق بخالقه ، وليس علاقة معلول بِعِلّته .
ونحن كمخلوقين نعجز تمام العجز عن إدراك وتصوّر نوع هذه العلاقة ، لأنّنا لا نستطيع أن نحيط علماً بالربّ جلّ جلاله ، حيث إنّنا لم نعط القدرة على التصوّر والإحاطة .
وإنّنا كمخلوقين لم نكن واعين وشاهدين على كيفية خلق أنفسنا ، فلا يمكننا القول بأنّ الخلق قد تمّ وفق قانون العلّة والمعلول .
نعم ؛ قد يمكن من حيث الوجهة اللغوية القول بأنّ اللّه تعالى هو علّة الخلائق ، أو أنّه علّة العلل ؛ غير أنّ هذا ليس إلّا مجرد تعبير ، وأنّ مجرد التعبير لا يسعه أن يكون دليلاً عقلياً .
ص: 553
وما نعهده من الأمثلة من الحرارة والنار ، والبرودة والثلج ، وسنخية العلّة ، فهي كلّها تأتي في حدود المخلوقين ، وليس في حدود تعريف العلاقة بين الخالق والمخلوق .
فبفطرتنا النزيهة نعرف أنّ الخالق غير المخلوق ، وأنّه لا يصحّ بوجه من الوجوه القياس بين الربّ والمربوب ، وبين القادر والعاجز ، وبين الغنيّ والفقير .
والخلاصة : إنّ قانون العلّية خاصّ بعالم الطبيعة ، ولا يجري إلى عالم الخلق والأمر .
« أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة »
س : ما هي حدود قاعدة اللطف من القرآن الكريم ؟ وشكراً .
ج : خلاصة قاعدة اللطف هي : إنّ اللّه تعالى بلطفه ورحمته لا يترك هذه الأُمّة المرحومة - أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله - أو فقهائها إذا حصل اجتماع منها ، أو منهم على خطأ ، وإنّما يقوم بإبطال هذا الخطأ بمثل إلقاء الخلاف بينهم ، من قبل الإمام عليه السلام لطفاً بعباده تعالى ، ورحمة منه بهم .
ولازم هذا أنّنا لو رأينا الأُمّة ، أو الفقهاء قد أجمعوا على مسألة ، نستكشف أنّ إجماعهم كان على حقّ ، إذ لو كان على خطأ ، لأوقع اللّه تعالى - من باب اللطف - الخلاف بينهم ، بإثارته من قبل الإمام عليه السلام ، ويرد على هذه القاعدة :
أوّلاً : عدم تمامية القاعدة في نفسها ، إذ لا يجب اللطف عليه تعالى ، بحيث يكون تركه قبيحاً يستحيل صدوره منه سبحانه ، بل كُلّ ما يصدر منه تعالى مجرد فضل ورحمة على عباده .
ثانياً : إنّ قاعدة اللطف على تقدير تسليمها ، لا تقتضي إلّا تبليغ الأحكام على النحو المتعارف ، وقد بلّغها وبيّنها الأئمّة عليهم السلام للرواة المعاصرين لهم ، فلو لم
ص: 554
تصل إلى الطبقة اللاحقة لمانع من قبل المكلّفين أنفسهم ، ليس على الإمام عليه السلام إيصالها إليهم بطريق غير عادي ، إذ قاعدة اللطف لا تقتضي ذلك ، وإلّا كان قول فقيه واحد كاشفاً عن قول المعصوم عليه السلام ، إذا فرض انحصار العالم به في زمان ، وهذا واضح الفساد .
ثالثاً : أنّه إن كان المراد إلقاء الخلاف ، وبيان الواقع من الإمام عليه السلام ، مع إظهار أنّه الإمام ، بأن يعرفهم بإمامته ، فهو مقطوع العدم .
وإن كان المراد هو إلقاء الخلاف مع إخفاء كونه إماماً فلا فائدة فيه ، إذ لا يترتّب الأثر المطلوب من اللطف ، وهو الإرشاد على خلاف شخص مجهول ، كما هو ظاهر .
« نوفل - المغرب - 26 سنة »
س : المرجو من سماحتكم تفسير ما يلي : هل عبارة « بلا كيف » في صفات اللّه تعطي تفسيراً ؟
وما معنى المشيئتين في قوله تعالى : ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .
ج : إنّ ما جاء به الأشاعرة في هذه النظرية ، وقولهم : بأنَّ لله يداً حقيقة بلا كيف ، لا يرجع إلى معنى صحيح مفهوم ، وذلك أنّ العقيدة الإسلامية تتّسم بالدقّة والحصانة ، وفي نفس الوقت بالسلامة من التعقيد والإبهام ، وتبدو جلية مطابقة للفطرة والعقل السليم ، فإبرازها بصورة الإبهام والألغاز - كما في هذه النظرية - لا يجتمع مع موقف الإسلام والقرآن في عرض العقائد على المجتمع الإسلامي .
فالقول بأنّ له يداً لا كأيدينا ، أو وجهاً لا كوجوهنا ، وهكذا سائر
ص: 555
الصفات الخبرية أشبه بالألغاز ، إذ لو كان امرارها على اللّه تعالى بنفس معانيها الحقيقية ، لوجب أن تكون الكيفية محفوظة حتّى يكون الاستعمال حقيقيّاً ، لأنّ الواضع إنّما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيّتها ، فاستعمالها في المعاني الحقيقية وإثبات معانيها على اللّه سبحانه بلا كيفية ، أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة ، ولكن بلا ذنب ولا مخلب ولا ناب ولا ... .
وباختصار : قولهم : إنّ لله يداً حقيقة لكن لا كالأيدي ، كلام يناقض ذيله صدره ، فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة ، وحذف الكيفية حذف لحقيقتها ولا يجتمعان .
أضف إلى ذلك أنّه ليس في النصوص من الكتاب والسنّة من هذه البلكفة - أي بلا كيف - عين ولا أثر ، وإنّما هو شيء اخترعته الأفكار للتذرّع به في مقام ردّ الخصوم على تهجّمهم عليهم بتهمة التجسيم ، ولذلك يقول العلّامة الزمخشري :
قد شبّهوهُ بخلقهِ فتخوَّ فُوا *** شَنْعَ الورى فتستّروا بالبلكفة(1)
وأمّا معنى الآية : إن مشيئة العبد تتفرّع على مشيئة اللّه تعالى ، وإعمال سلطنته ، والاستثناء من النفي يفيد أنّ مشيئة العبد متوقّفة في وجودها على مشيته تعالى ، ومشيته تعالى لم تتعلّق بأفعال العباد ، وإنّما تتعلّق بمبادئها ، كالحياة والقدرة وما شاكلهما .
وبطبيعة الحال أنّ المشيئة للعبد إنّما تتصوّر في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة اللّه سبحانه ، وأمّا في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري فلا تتصوّر ، لأنّها لا يمكن أن توجد من دون وجود ما تتفرّع عليه ، والآية الكريمة إنّما تشير إلى هذا المعنى .
ص: 556
« حامد محل - العراق - 36 سنة - طالب علم »
س : أرجو الردّ على إشكال أصل المعرفة ، فإثبات الخالق عند الإمامية بالعقل ، وعند الأشاعرة بالنقل .
والدليل العقلي على إثبات الخالق هو : دفع الضرر ، ولكن إمّا أن يكون النبيّ موجوداً أو غير موجود ، فإذا كان موجوداً ، فنحن نتّبع النقل لا العقل ، وأمّا إذا كان غير موجود ، فمن أين نعرف أنّ هناك خالقاً ؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء .
ج : إنّ اللّه سبحانه منح الإنسان العقل ، وميّزه به عن البهائم والدواب بهذه المنحة ، وقد وصف القرآن الكريم من لا يستفيد من عقله وفكره بأنّه شرّ الدواب ، قال تعالى : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) (1) ، وفي العقل قدرة ذاتية منحه اللّه إياها في الوصول إلى معرفة وجود خالق للكون ، بل حتّى له قدرة في بيان جملة من صفات هذا الخالق .
وعودة سريعة إلى قصّة ابن طفيل حي بن يقظان تستطيع أن تستشفّ قدرة الإنسان المنعزل عن الوحي ، والاتصال بالأنبياء في الوصول أو التيقّن من وجود خالق ومدبّر لهذا الكون ، وفي هذا المعنى يقول الإمام الصادق عليه السلام في وصف العقل ودوره في الإلهيات : « إنّ أوّل الأُمور ومبدأها وقوّتها وعمارتها ، التي لا ينتفع شيء إلّا به ، العقل الذي جعله اللّه زينة لخلقه ونوراً لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم وأنّهم مخلوقون ، وأنّه المدبّر لهم ، وأنّهم المُدبرون ، وأنّه الباقي وهم الفانون ، واستدلّوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه وسمائه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وليله ونهاره ، وبأنَّ له ولهم خالقاً ومدبّراً لم يزل ولا يزول ، وعرفوا به الحسن من القبيح ، وأنّ الظلمة في الجهل ، وأنَّ النور في العلم ، فهذا ما دلّهم عليه العقل » (2) .
ص: 557
وقال عليه السلام : « بالعقول يعتقد التصديق باللّه ، وبالإقرار يكمل الإيمان به ، ولا ديانة إلّا بعد المعرفة ، ولا معرفة إلّا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفة للتشبيه ، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكُلّ ما يمكن فيه يمتنع عن صانعه ... » (1) .
أمّا من يستدلّ بالدليل النقلي فقط على إثبات الخالق ، وغير ذلك من مسائل الإلهيات ، فنقول : إنّ آيات القرآن الكريم تحرّض كُلّ التحريض على التدبّر في آيات اللّه ، وبذل الجهد في تكميل معرفة اللّه ومعرفة آياته ، بالتذكّر والتفكّر والنظر فيها ، والاحتجاج بالحجج العقلية ، وقد استدلّ القرآن على بعض المطالب الإلهية بالأدلّة العقلية ، وسلك المنهج العقلي ، فاستدلّ على التوحيد مثلاً بقوله : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (2) ، وقوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (3) .
واستدلّ في إبطال مقالة من زعم من المشركين أنَّ له سبحانه ولداً ، قال : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (4) .
فالقوّة العاقلة هي هبة سماوية من اللّه سبحانه إلى البشر ، وهي وإن لم تكن بقادرة على كشف جميع الأخبار السماوية ، وتحتاج إلى الوحي الإلهي ، لكنّها ليست بعاجزة مطلقاً ، ومن هنا لا يجوز التقليد في أُصول الدين ، فإن دلَّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ المسائل السماوية - كإثبات وجود الخالق - هي قابلة للتحقيق للعقل البشري .
ص: 558
وعليه ، فالبحث عن وجود اللّه تعالى لا يقتصر على الدليل النقلي فقط ، بل العقل - بما هو عقل وله قدرة ذاتية على تشخيص الضرر - يأمرنا بدفع الضرر المحتمل ، وكذلك يستقلّ العقل بلزوم شكر المنعم ، وإلّا خالف الإنسان إنسانيته ، ولم يعدّ أهلاً للتميّز عن العجماوات ، ولا يتحقّق الشكر إلّا بمعرفة هذا المنعم .
ومن هنا كان للعقل دور في هذه المعرفة ، ولعلّ الأدلّة التي ذكرها الفلاسفة والمتكلّمون - مثل : دليل النظم ، وبرهان الإمكان ، وبرهان حدوث المادّة - كافية في بيان قدرة العقل مستقلّة عن الوحي في الوصول إلى معرفة وجود الخالق وصفاته ، بل وحتّى الإيمان بالأنبياء والتصديق بهم يحتاج إلى مقدّمات عقلية ، منها : مطالبتهم الإثبات بالمعجزة وإظهارها ، كي يسدّ الطريق على مدّعي النبوّة ، فللعقل دور مهمّ في مسائل الإلهيات لا يمكن تجاوزه ، أو الاكتفاء بالنقل في إثبات هذه المسائل دونه .
« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »
س : تحية طيّبة وبعد ، كنت في أحد المجالس الحسينية ، وسمعت الشيخ على المنبر يقول : مكتوب على ساق العرش : إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة .
وسمعت الكثير من هذه الروايات التي تتكلّم عن ساق العرش ، ولكن سؤالي : هل اللّه له عرش مثل ما تقول الوهّابية ؟ وأن لم يكن له عرش فما تفسير هذه الروايات التي تذكر على المنابر من غير شرح ولا تفسير للعوام ؟ وتكون وسيلة للطعن في الشيعة من قبل أعدائهم ، وجزاكم اللّه كُلّ خير .
ج : لقد ورد ذكر العرش في الآيات القرآنية ، وفي كثير من الأدعية والروايات عن المعصومين عليهم السلام ، والذي نختلف فيه عمّا يقوله الوهّابيون أنّهم يصوّرون العرش بالمعنى الظاهري ، أي كرسي كبير له أربعة قوائم مثلاً ،
ص: 559
وهكذا يصوّرون أنّ اللّه جالس عليه ، ونحن لا نقول بذلك ، لأنّه يستلزم الكثير من المحاذر ، منها : أنّ كلامهم سيستلزم الجسمية والمحدودية والمكان والحدوث ، وما إلى ذلك .
وما نقوله نحن في العرش تبعاً لأهل البيت عليهم السلام أنّه : هو العلم ، فعن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العرش والكرسي ؟
فقال عليه السلام : « إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كُلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة ، فقوله : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) يقول : الملك العظيم ، وقوله : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ، يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك الكيفوفية الأشياء ، ثمّ العرش في الوصل متفرّد من الكرسي ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعاً غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لأنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ، ومنه الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ، والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان ، لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ، أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان » (1) .
فعلى هذا ، فالعرش هو العلم الذي لا يقدر قدره أحد .
وتكون الرواية التي فيها مكتوب على ساق العرش : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ، جاءت على الرمز ، ويجب أن نفهمها على ضوء ما تقدّم من معنى العرش والكرسي ، فلا تكون ساق العرش قد جاءت على الحقيقة ، ولا لفظة مكتوب قد جاء على الحقيقة أيضاً ، وإنّما إذا كان العرش هو العلم ،
ص: 560
فإنّ من ضمن هذا العلم الغيبي الإلهي أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ، وعبّر عن هذه الضمنية بأنّه مكتوب على ساق العرش .
« آيات - لبنان - 35 سنة - طالبة جامعة »
س : أُودّ أن أسأل عن الأطفال الذين يولدون مصابين بحالات إعاقة ، فهناك من يعترض على حكم اللّه جلّ جلاله في هذا الأمر ، والكثير يسأل هل من العدل أن يولد هكذا أطفال لآباء مذنبين ، فيكون عقاب الأهل بأن رزقهم اللّه هكذا مولود ؟ وما ذنب الطفل ليعيش هكذا حياة ، وهو ولد بلا ذنب ارتكبه بيده ؟
كيف نستطيع أن نفسّر عدل اللّه بهذه الحالة لإنسان لا يمكن أن يستوعب البرّ على البلاء والمصيبة ؟
ولكم جزيل الشكر ، ودمتم في كنف اللّه وحفظه .
ج : ينبغي أن يعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم ، هي على قسمين :
أحدهما : يكون السبب عمل الناس ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1) .
والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار ، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائه ، ومعلوم أنّه لا يمكن أن يتحمّل الطفل وزر أبويه ، قال اللّه سبحانه : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (2) ، ولكن بعض الأفعال القبيحة تصبح كالنار في إحراقها ، فلو
ص: 561
ألقى أحد طفلاً في النار فهو يحترق جزماً ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه عليه ، بل الظالم من ألقاه في النار ، فلو قطع أحد رقبة أحد ، فمقطوع الرقبة سوف يموت جزماً ، أو دسّ أحد سمّاً قاتلاً في طعام ، فالذي دسّ إليه السمّ سوف يموت حتماً ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه ، بل الظالم هو قاطع الرقبة ، والذي دسّ إليه السمّ .
وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوين عند المواقعة ، أو لشرب بعض الأدوية ، أو غيرها من الأسباب التي أشار إليها الرسول صلى اللّه عليه وآله في النصيحة التي قدّمها إليها بواسطة الإمام علي عليه السلام ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه - والعياذ باللّه - على أحد ، وهذا كلّه في القسم الأوّل .
ثانيهما : الحوادث التي تحدث في العالم قد قدّرت ونظّمت ، ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة ، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم ، بأنّ يولد لأحد ولد وللآخر تولد البنت ، والأعمار تقدّر تحت هذه الحكمة الإلهية ، التي تكون ضمن الآجال الحتمية ، ويدخل تحت هذا أن يكون شخص من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والآخر من ذرّية شخص آخر ، ويدخل في هذا الإطار ، وفي هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين شريفين ملتزمين بجميع نصائح النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأوامر الشريعة الغرّاء ، ويكون في هذا البلاء وامتحان للمعاق ولغيره .
إنّ المقادير تجري كما قدّرها اللّه سبحانه ، ولا راد لقضائه ، ولا مبدّل لحكمه ، ولا تدرك عقولنا مغزى الحكمة ، وليس يدخل ذلك في الظلم ، لأنّ الظلم هو وضع الشيء في غير محلّه ، واللّه لا يفعل ذلك ، والصابر على قضاء اللّه مأجور ، والجازع مأزور ، كما ورد في بعض الروايات ، وإلى هذا المعنى يشير الإمام الحسين عليه السلام في بعض كلماته : « لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضى اللّه رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفّينا أُجور الصابرين ... » (1) .
ص: 562
وقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال : ( قلت : لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام : يا ابن رسول اللّه ، أنا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً ، ومنهم من يسقط غير تامّ ، ومنهم من يولد أعمى ، أو أخرس ، أو أصم ، ومنهم من يموت في ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً ، فكيف ذلك وما وجهه ؟
فقال عليه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم ، وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له ، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له ، وهو المتفضّل ما أعطاه ، وعادل فيما منع ، ولا يُسأل عمّا يفعل ، وهم يسألون » .
قال جابر : فقلت : يا ابن رسول اللّه ، وكيف ولا يسأل عمّا يفعل ؟
قال عليه السلام : « لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصواباً ، وهو المتكبّر الجبّار ، والواحد القهّار ، فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء ممّا قضى اللّه فقد كفر ، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد » ) (1) .
ص: 563
ص: 564
مقدمة المركز ... 5
دليل الكتاب ... 59
آية المباهلة
تدلّ على عظمة أهل البيت ... 61
تدلّ على إمامة أمير المؤمنين ... 62
شأن نزولها في مصادر أهل السنّة ... 63
جواز المباهلة لغير المعصوم ... 64
سبب تخلّي النصارى عن المباهلة ... 65
آية المودّة
ثابتة في حقّ أهل البيت ... 67
تدلّ على مودّة أهل البيت ... 68
حكمة طلب الأجر للقربى فيها ... 68
كيف تدلّ على الإمامة ... 69
هي مسألة عقائدية ... 70
الاستثناء فيها منقطع لا متّصل ... 71
آية الولاية
دلالتها على إمامة أمير المؤمنين ... 79
ص: 565
تعليق على الجواب السابق وجوابه ... 79
احتجّ بها الإمام علي ... 81
رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق ... 82
في مصادر الشيعة والسنّة ... 83
تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة ... 84
في مصادر أهل السنّة ... 85
( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر ... 87
ابن تيمية
آراء علماء المذاهب حوله ... 89
اعتقاداته ... 90
تكفيره الشيعة ... 104
رأيه في قاتل علي ... 105
ردّ علماء أهل السنّة على قوله بالتجسيم ... 106
تعقيب على الجواب السابق ... 109
رأيه في الجامع الكبير للترمذي ... 109
كلماته الدالّة على التجسيم ... 110
ابن عباس
أقوال علماء الشيعة فيه ... 113
ما قيل فيه مردود ... 114
تقييم رواياته ... 117
ص: 566
أبو بكر
الفضل بالتقوى لا والد زوجة النبيّ ... 119
بعض مثالبه ... 119
رفض مالك بن نويرة دفع الزكاة له ... 121
صحبته للنبيّ لم تكن بطلب منه ... 122
تعليق على الجواب السابق وجوابه ... 124
صلاة جماعته المزعومة ... 124
الروايتان لا تثبتان له فضيلة ... 125
مناظرة الشيخ المفيد حول صحبته ... 127
السكينة لم تنزل عليه ... 131
من روى قوله وددت أنّي لم أكشف ... 143
قول ينفي وجوده في الغار ... 144
ليس هو الصدّيق الأكبر ... 144
علّة معيّته مع النبيّ في الغار ... 146
حديث الصادق ولدني أبو بكر مرّتين ... 147
صلاته ... 149
لا يمكن أن يكون من المصطفين ... 151
ما نقل من مدح علي له ضعيف ... 152
روايات صلاته متضاربة ومختلفة ... 162
لم يصل على جنازة فاطمة ... 167
شرب الخمر بعد تحريمها ... 169
لم يكن ثرياً ... 171
لم يكن ناصراً ... 172
ص: 567
اسمه وأنّ إسلامه كان طمعاً ... 174
لم يحجّ في العام التاسع للهجرة ... 175
لم يأمره النبيّ بالصلاة ... 185
أبو طالب
هو الحجّة قبل النبيّ ... 195
آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه ... 196
الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين ... 198
كذب حديث الضحضاح ... 202
ردّ بعض التهم الموجّهة إليه ... 204
أبو هريرة
مناقضته لصريح الكتاب في خلق السماوات والأرض ... 207
ضرب عمر له في مصادر سنّية ... 209
الاجتهاد والتقليد
باب مفتوح ومن هنا ينشأ الاختلاف ... 211
تقليد فقيه معيّن لا يتنافى مع حرّية الفرد ... 212
عشرة أسئلة في أحكام التقليد ... 214
في نظر السنّة والشيعة ... 217
دليل وجوب التقليد ... 218
إحسان إلهي ظهير
الرادّين عليه ... 219
ص: 568
لم تقتله الشيعة ... 220
الأذان والإقامة
تشريع الأذان ... 223
التثويب بدعة باطلة ... 231
حيّ على خير العمل منهما ... 231
عمر حذف حيّ على خير العمل ... 234
الارتداد
حصل بعد وفاة الرسول ... 239
تعليق على الجواب السابق ... 239
شروطه وأحكامه ... 240
السبب في قتل المرتد ... 241
معناه في روايات الشيعة ... 243
لا ينقسم إلى سلمي ومحارب ... 244
جواز حرق المرتد الفطري ... 245
حصل لكثير من الصحابة للنصوص ... 245
الاستخارة
في رأي أهل البيت ... 249
الروايات الواردة في كيفيّتها ... 250
حكمها ... 258
مشروعيتها ... 258
حجّيتها بالقرآن ... 259
ص: 569
استعارة الفروج
مسألة مختلقة ... 261
هي نكاح الإماء ... 263
الإسراء والمعراج
معناهما وأهدافهما ... 265
كيفية رؤية النبيّ فيهما ... 267
الكتب المؤلّفة حولهما ... 268
كيفية رؤيته صلى اللّه عليه وآله لقضايا المستقبل ... 268
كيفية تكليم اللّه للنبيّ ... 269
ما رآه صلى اللّه عليه وآله لأهل الجنّة والنار كان تمثيلاً لهم ... 270
الإسماعيلية
عقائدها ... 271
تعليق على الجواب السابق وجوابه ... 274
الفرق بينها وبين الشيعة ... 284
منشأ ظهورها ... 284
منهم الحشّاشون ... 285
تواجدهم وبعض معتقداتهم ... 285
أُصول الدين وفروعه
الفرق بينهما ... 289
المعتقد لابد أن يكون عن يقين ... 289
ص: 570
كيفية تشخيص الضروري ... 290
معنى الأُصول والعقيدة والشريعة ... 291
حكمة الفرق بينهما ... 292
الفرق بينهما ... 293
لا يجوز التقليد في العقيدة ... 294
الأدلّة على أُصول الدين ... 294
أعلام وكتب
ابن أبي الحديد وكتابه في نظر السنّة ... 301
الاحتجاج بما ينقله ابن أبي الحديد والمسعودي ... 303
البرقعي وكتابه كسر الصنم ... 303
الكتب الأربعة في نظر الأُصوليين والاخباريين ... 305
الكتب الفكرية والفكر الإسلامي ... 305
ترجمة أنس بن مالك خادم النبيّ ... 306
أنس من الذين كذبّوا على الرسول ... 307
ترجمة جون مولى أبي ذر ... 307
ترجمة علي بن يقطين ... 308
حول تفسيري القمّي والعيّاشي ... 309
روايات منتخب كنز العمّال ... 310
سيرة موسى الموسوي ... 311
قرابة العباس ومسلم من النبيّ ... 312
شخصية محمّد التيجاني ... 312
موقف الشيعة من المختار الثقفي ... 313
ص: 571
تعقيب على الجواب السابق ... 314
أبو مخنف شيعي ثقة ... 315
البرسي وكتابه مشارق أنوار اليقين ... 316
الشيعة تتبرّأ من خالد وأفعاله ... 317
الشيعة تحتجّ بالبخاري على أهل السنّة ... 319
القفاري وكتابه أُصول مذهب الشيعة ... 319
الكتب التي فيها ردّ الشبهات ... 320
ترجمة أبي العلاء المعرّي ... 320
تخلّف عبد اللّه بن جعفر عن الحسين ... 322
ترجمة أبي حيّان التوحيدي ... 322
ترجمة الجاحظ ... 323
ترجمة جابر بن حيّان وخالد بن يزيد ... 324
جابر بن حيّان لم يكن إسماعيلياً ... 326
حركة إدريس كانت مؤيّدة من قبل الأئمّة ... 326
قيمة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة ... 328
تخلّف ابن الحنفية عن الحسين ... 328
عثمان الخميس في ميزان النقد ... 329
الرادّون على عثمان الخميس ... 330
عدم وثاقة عبد اللّه بن عمر ... 331
عقيدة أحمد الكاتب ... 332
تعقيب على الجواب السابق ... 332
عقيل وتركه لعلي عليه السلام ... 333
كعب الأحبار ووهب بن منبه ... 334
ص: 572
الشيعة لا تقبل بالصحاح الستة ... 335
موقف كاشف الغطاء من مؤتمر لبنان ... 336
موقفنا من ابن القيّم الجوزية ... 338
موقفنا من عمر بن عبد العزيز والرشيد والأيوبي ... 342
تعقيب على الجواب السابق ... 344
المأمون ليس شيعياً ... 353
قيمة كتاب سليم عند الإمامية ... 354
قيمة بعض الكتب ومؤلّفيها عند الإمامية ... 355
ردّ الشبهات عن السيّدة سكينة بنت الحسين ... 356
شخصية مالك بن نويرة ... 375
خواجه نصير الدين الطوسي ... 377
الكافي لم يعرض على الإمام ... 380
ترجمة سعد بن عبادة ... 381
ابن أبي الحديد والقندوزي ليسا من الشيعة ... 385
ترجمة المغيرة بن شعبة ... 391
تقييمنا للصحيحين ... 395
موقف الشيعة من عمر بن عبد العزيز ... 396
مصادر كشف عمرو بن العاص لعورته ... 397
الزبير محاسب على أفعاله ... 398
مذهب اليعقوبي والأصفهاني والمسعودي ... 399
ما نسب إلى حجر بن عدي مفتعل ... 400
مكانة عبد اللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية عندنا ... 401
العباس يُعدّ في المرتبة الأُولى بعد المعصومين ... 401
ص: 573
الكتب الشيعية المعتبرة ونقلها للأحاديث الضعيفة ... 402
ترجمة المختار الثقفي وتاريخ ثورته ... 404
خولة والدة محمّد بن الحنفية ... 406
خالد بن الوليد وتعلّقه بزوجة مالك بن نويرة ... 408
ابن النديم صاحب الفهرست ليس شيعياً ... 413
روايات عقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي ... 414
ابن الصبّاغ المالكي ليس شيعياً ... 415
سبط ابن الجوزي ليس شيعياً ... 416
القندوزي الحنفي ليس شيعياً ... 419
النوري وكتابه فصل الخطاب ... 419
موقفنا من الجزائري وما ورد في كتابه ... 421
إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام
أسباب إقامتها ... 423
إقامتها ليست بدعة ... 425
الأئمّة يقيمون العزاء على الحسين ... 427
الأدلّة على جواز الاحتفال بمولد النبيّ ... 429
الأدلّة على جواز اللطم ونشوئه ... 433
الشيعة تحيي الذكريات ... 434
الضرر في التطبير ... 435
تعقيب على الجواب السابق ... 435
تعقيب على الجواب السابق ... 437
اللطم على الصدور ... 438
ص: 574
تعليق على الجواب السابق وجوابه ... 439
بكاؤنا على الحسين من مصاديق المودّة ... 441
تأثير البكاء واللطم على النفوس ... 441
حضور الأرواح في مجالس الذكر ... 442
حكم الإطعام فيها ... 442
حكم الغياب عن المجالس يوم العاشر من محرّم ... 443
روايات صحيحة السند تحثّ على إقامتها ... 444
كيفية تطوّر العزاء الحسيني ... 445
لطم الهاشميات دليل على جوازه ... 446
ماذا ينبغي فعله فيها ... 446
مجموعة أسئلة حول المأتم الحسيني ... 447
مصداق للتأسّي بالنبيّ ... 451
مظاهر العزاء قديمة جدّاً ... 453
من مظاهر الحزن اللطم ... 453
مشروعية الاحتفال بمولد النبيّ ... 454
تهجّم الأعداء ... 455
الدليل على مشروعية لبس السواد ... 455
الأحاديث الناهية عن النياحة واللطم ... 458
لا جزع في إقامتها ... 460
رأي ابن تيمية حولها ... 465
سبب البكاء على الحسين ... 482
كيفية بكاء الأفلاك على الحسين ... 484
النبيّ بكى على الحسين قبل مقتله ... 485
ص: 575
ثواب البكاء على مصيبة الحسين ... 486
ما ورد في زيارة الأربعين ... 490
الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي ... 491
أدلّة تحريم اللطم واهية ... 492
اللطم جائز للإقرار وللأصل ... 495
الإلهيات
إثبات أنّ للكون علّة غير محتاجة ... 501
استعمال كلمة الربّ في غيره مجازاً ... 502
الأدلّة العقلية على وجود اللّه تعالى ... 503
الإرادة التكوينية والتشريعية ... 505
التوفيق بين العدل الإلهي وبين خلق أُناس ذو عاهة ... 506
التوفيق بين موت الأطفال وعدم صدور القبيح من عند اللّه ... 506
الخلق قد تخوّل بإذن اللّه إلى مخلوق ... 507
العدل من صفات الأفعال ... 508
المولود من كافرين لا ينافي كون كلّ أفعال اللّه خير ... 509
اللّه تعالى منزّه عن التركيب ... 509
اللّه تعالى موجود في كلّ مكان ... 510
اللّه نور السماوات والأرض ... 512
بحث مبسّط في إثبات وجود اللّه ... 513
حكم القائل بوحدة الوجود ... 520
حول الاسم الأعظم ولفظ الجلالة ... 523
الأدلّة النقلية لحدوث العالم ... 526
ص: 576
شبهة وجود اللّه في جهة معيّنة ... 527
صفة الخالق صفة فعلية ... 528
عينية الصفات لذات اللّه ... 529
كيف نتقرّب إلى اللّه تعالى ... 530
لم يطلع العقول على تحديد صفته ... 532
لماذا يعذّب اللّه تعالى المسلمين ؟ ... 533
معرفة اللّه تعالى لكُلّ إنسان بمقدار عقله ... 533
تعليق على الجواب السابق ... 534
معنى اللّه نور السماوات والأرض ... 534
معنى رضا وغضب اللّه تعالى ... 536
معنى الشرك عند الشيعة ... 537
معنى النور ... 538
الفرق بين الاسم والصفة ... 538
معنى عالم الغيب ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ... 539
إرادة الخير للإنسان لا تعارض وجود الشرّ فيه ... 540
الخالقية من صفات الفعلية لا الذاتية ... 541
يهب لمن يشاء إناثاً أو ذكوراً ... 543
المشيئة الإلهية ... 545
الابتلاء لأجل إظهار حقيقة الإنسان ... 546
الشرور هي نتائج أعمال الإنسان وأفعاله ... 547
الصفات الذاتية هي عين ذات اللّه ، وسبق رحمته غضبه ... 548
معنى الكلام النفسي لله ... 550
الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد ... 551
ص: 577
قانون العلّية لا يجري إلى عالم الخلق ... 553
قاعدة اللطف ... 554
عبارة بلا كيف لغز وإبهام ... 555
للعقل دور مهمّ في مسائلها ... 557
معنى مكتوب على ساق العرش ... 559
خروج المعاقين لا يعدّ ظلماً من اللّه ... 561
الفهرس ... 565
ص: 578