مطارح الأنظار المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني

المحقق: علي الفاضلي

الناشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية

المطبعة: مؤسسة العروج

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 1428 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-7986-37-3

المكتبة الإسلامية

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

مطارح الأنظار

تقرير أبحاث الشيخ الأعظم الأنصاري

تأليف: الميرزا أبي القاسم النوري الطهراني

(1236-1292)

تحقيق: علي الفاضلي

المجلد الرابع

قام بنشره معهد الإمام الخميني والتورة الإسلامية للتحقيق والدراسات العليا

1386 (ذيحجة الحرام 1428)

ص: 3

ص: 4

المقدمة

تم تأسيس اكاديمية الامام الخميني (رحمه اللّه) والثورة الاسلامية التي تعد احدي المراكز العلمية - البحثية ، على اساس ضرورة البحث في الابعاد المختلفة للثورة الاسلامية وتنظيم الدراسات البحثية الاساسية والعملية حول آراء وافكار سماحة الامام الخميني (رحمه اللّه).

تاسست الاكاديمية ودشنت بفضل حنكة ودراية ويقظة نجل الامام ، الفقيد الراحل المفغور له آية اللّه الحاج السيد احمد الخميني طاب ثراه باعتبارها احدى المراكز التابعة لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (رحمه اللّه) وهي اليوم تواصل مسيرتها العلمية والبحثية تحت اشراف سامي من قبل سماحة العالم المحقق الفقيه والفاضل المتظلع النبيه ، قرّة عين الامام العبقري وبهجة قلب ولده الألمعي ، السيد حسن الخميني مد اللّه له في العمر السعيد ومتّعه بالعيش الرغيد.

منذ العام الاول لبدء العمل في الاكاديمية وانطلاق المسيرة العلمية المباركة اي في عام 1996م / 1417ه. وحتى الان بادرت هذه المؤسسة العلمية الى تربية العشرات من الباحثين في مضمار الامام والثورة الاسلامية ، والى جانب تجميع وتصينف آلاف الوثائق والمستمسكات العلمية وتأسيس مكتبة تخصصية قيمة تحتوي على عشرات الالاف من الكتب والمجلات العلمية ، قامت بتأليف وترجمة وطبع الكثير من الكتب العلمية القيمة.

واليوم تعلن الاكاديمية بكل فخر واعتزاز عن طبعها لهذا السفر القيم الذي يعد نتيجة للبحوث والمساعي العلمية لاحد حاملي نبراس النور لموكب العلماء ، والمدافع عن حوزة الايمان ، من شجرة طيبة ودوحة مثمرة تفرغت منها كريمة الامام الخميني (رحمه اللّه) ونتجت عليها ابناء سماحة ونحن نضع هذا المنشور المبروك تحت تصرف اصحاب الرأي والعلماء والباحثين الاكارم ونحمد اللّه سبحانه على ذلك.

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

عباسعلي روحاني

رئيس اكاديمية الامام الخميني (رحمه اللّه) والثورة الاسلامية

ص: 5

[الاستصحاب]

اشارة

ص: 6

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين إنّه خير معين (1) الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين (2) الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين أبد الآبدين (3).

القول في الاستصحاب

وتحقيق المقصود فيه في طيّ هدايات

[ تعريف الاستصحاب ]

تحديد : الاستصحاب لغة : أخذ الشيء مصاحبا ، واصطلاحا على ما عرّفه في المشارق ناسبا له إلى الأصوليين (4) : إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه (5).

واعترض عليه بأنّ الاستصحاب دليل ، والإثبات مصدر متعدّ فعل للمكلّف لا سبيل إلى جعله دليلا.

وفيه : أنّ من الواضح نقل الاستصحاب عن معناه اللغوي إلى معناه الاصطلاحي ، ولا شكّ في مسبوقية النقل إلى مناسبة بين المنقول منه والمنقول إليه ، والأغلب أنّها في

ص: 7


1- المثبت من « ز » : وفي سائر النسخ : - إنّه خير معين.
2- المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : - الطيّبين.
3- لم ترد الخطبة في « م ».
4- في « ك ، ل » : ناسبا منه للأصوليين. وفي « ز » : تأسّيا منه للأصوليين.
5- مشارق الشموس : 76 وفيه : « إثبات حكم شرعي ... ».

الأمور الاصطلاحية من نقل الكلّي إلى أفراده ، وقد عرفت أنّ معنى الاستصحاب لغة هو الأخذ مصاحبا ، فإنّه استفعال من صحب ، قال في المجمع : استصحب القوم : صحب بعضهم بعضا (1). ولا ضير في كون الدليل من مقولة الفعل ؛ إذ معنى دليليته هو اعتباره في نظر الشارع على نحو اعتبار الكتاب والسنّة ، فكما أنّ نقل الإجماع يذكر في عداد الأدلّة مع أنّ النقل فعل كالقياس و (2) الاستحسان فإنّه اعتبار على ما تخيّله المعتزى به ولا غائلة فيه ، فكذلك الاستصحاب فإنّ الفعل صالح للاتّصاف بالدليلية.

على أنّ ظاهر الحدود المودعة في كتب القوم هو هذا ، قال شيخنا البهائي : هو (3) إثبات الحكم (4). اه (5).

وقال في الوافية : إنّه التمسّك (6) اه.

وقال بعضهم في الرسالة الاستصحابية : هو الحكم باستمرار أمر (7) اه.

وقال بعض آخر : هو إبقاء ما كان.

وفي الاشارات عن بعض الأواخر (8) : هو الحكم باستمرار ما كان (9).

وعن الشهيد : أنّ قاعدة اليقين هو البناء (10).

ص: 8


1- مجمع البحرين 2 : 99.
2- « م ، ج » : أو.
3- « م ، ج » : إنّه.
4- زبدة الأصول : 106 ، وفيه : « هو إثبات الحكم في الزمن الثاني تعويلا على ثبوته في الأوّل ».
5- « م ، ج » : - « اه » وكذا في الموارد الآتية.
6- الوافية : 200 ، وفيه : « هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت في غير تلك الحال ».
7- الوحيد البهبهاني في رسالة الاستصحاب المطبوعة في الرسائل الأصولية : 424 ، وفيها : « ... أمر كان يقيني الحصول في وقت أو حال ، ومشكوك البقاء بعد ذلك الوقت أو الحال ».
8- « ك » : - الأواخر.
9- اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) 93 / ب ، وأورد فيه أكثر التعاريف التي ذكرها المؤلّف.
10- القواعد والفوائد 1 : 132 ، القاعدة الثالثة ، وفيه : « وهي البناء على الأصل ».

وعن التنقيح : الاستصحاب هو الحكم على وجود شيء (1).

فإنّ صريح هذه الحدود هو أنّ المحمول في هذه القضايا من مقولة الفعل وهو الجنس فيها ، ومنه يظهر ثبوت اصطلاحهم فيه واستقراره على ذلك (2) ، ويوضحه نسبته إلى الأصوليين في المشارق ، ويؤيّده موافقته لسائر مشتقّاته من موارد استعماله ، فيقال : استصحب إذا حكم بثبوت شيء ثابت سابقا فهو مستصحب وذاك مستصحب ، وعند إظهار العلّة في الحكم بثبوت (3) شيء وترتيب آثاره السابقة (4) ، استصحابا للحالة السابقة كما يظهر من موارد استعماله (5) ، نعم قد يفترق في ذلك الأحكام والموضوعات ، فإنّ الحكم المستصحب في زمان الشكّ مصاحب للمستصحب بخلاف الموضوعات ؛ إذ الموضوع المستصحب آثاره مستصحبة ، فيصير الاستصحاب فيها من قبيل الاستعارة التمثيلية كتشبيه المتردّد ب- « من تقدّم رجلا وتأخّر (6) أخرى » وهذا الفرق إنّما هو بواسطة قابلية الحكم للجعل في الزمان الثانى بخلاف الموضوع وإن كان قد يقال : بأنّ الحكم في الزمان الثاني ليس هو الحكم الأوّل بل هو مماثل له ، ولهذا يختلف (7) بالظاهرية والواقعية كما لا يخفى.

لا يقال : قد يكون الشيء معلوم الوجود في الحال ومشكوكه في زمان متأخّر عن (8) الزمان الحاضر ويستصحب إلى زمن يمكن (9) بقاؤه فيه مع أنّ المعنى اللغوي غير واقع (10) في هذا الموضوع (11) ، لانتفاء المصاحبة في زمن غير مدرك.

ص: 9


1- التنقيح الرائع 1 : 7 ، وفيه : « هو الحكم على وجود الشيء أو عدمه في الحال للعلم بوجوده أو عدمه في الماضي ، فيقال : الأصل بقاء ما كان على ما كان ».
2- « ج ، م » : - واستقراره على ذلك.
3- « ك ، ل » : ثبوت.
4- « ك » : السابقة عليه.
5- « ك » : استعمالاته.
6- « ل » : « يقدّم ... يؤخّر ».
7- « ز ، ك » : قد يختلف.
8- « ج ، م » : من.
9- « ك » : يكون.
10- « ل » : واضح.
11- « م » : الموضع.

لأنّا نقول : على تقدير التفسير بالبقاء أيضا كذلك ، مع أنّ استقبال المتعلّق غير مضرّ في صدق المعنى اللغوي ، وإن شئت التوضيح فلاحظ كيف يعبّر عنه بالفارسية فيقال : « همراه داشتن وهمراه داشته شده » ونحو ذلك ممّا هو ظاهر ، ويزيد ذلك توضيحا عند ملاحظة الأحكام المحمولة على الاستصحاب من الحجّية والدليلية والوجوب ، فيقال : الاستصحاب حجّة أو دليل أو واجب ، فإنّه لا يعقل إلاّ بعد كونه الإبقاء (1) ؛ إذ لا معنى لاتّصاف البقاء بالحجّية أو الدليلية أو الوجوب ، وأمّا الإبقاء فيصحّ توصيفه بالأمور المذكورة ، فإنّ المراد بدليلية الإبقاء (2) لو كان من حيث حكم العقل بالبقاء فظاهر ؛ إذ الدليل العقلي على ما عرّف (3) هو حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي ، وانطباقه على الاستصحاب ظاهر ، ولو كان من حيث حكم الشرع فالمراد به هو ترتيب آثار المعلوم على المشكوك ، وموارد استعماله منطبقة على أحد المعنيين ولو على سبيل التوزيع.

وربّما يستعمل مدخولا للام التعليل في مطاوي كلمات المتعبّدين به ، فيكون إشارة إلى نفس تلك القاعدة المتلقّاة من الصادقين عليهم السلام كما في قولهم : للاشتغال أو للضرر أو لليد ، فينقل (4) منه إليها من حيث اشتمال تلك القاعدة عليه ، كما لا يخفى.

وقد يعترض على الحدّ المذكور بوجوه أخر ، والإعراض (5) عنها أجدر.

ثمّ إنّه قد جعله بعضهم - على ما حكي - (6) نفس الحالة السابقة ، ولا شاهد عليه.

وعرّفه المحقّق القمي بأنّه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق ،

ص: 10


1- « ل » : للإبقاء.
2- « ز ، ل ، ك » : لاتّصاف البقاء بهذه الأمور بخلاف الإبقاء ، فإنّه صالح للاتّصاف المذكور ، ضرورة أنّ المراد بدليلية الإبقاء.
3- « ز ، ك ، ل » : عرّف به.
4- « ل » : فينتقل.
5- « ز ، ك ، ل » : المذكور بأمور ضعيفة ، فالإعراض.
6- « ك ، ل ، م » : - على ما حكي.

مشكوك البقاء في الآن اللاحق (1).

وفساده غير خفيّ ؛ إذ الاستصحاب - على ما عرفته (2) - إنّما هو من الأدلّة العقلية وقد (3) عدّه في عدادها غير معدود منهم ، وليس الكون الموصوف بما ذكر (4) حكما عقليا يتوصّل به إلى حكم شرعي ، بل إنّما هو (5) يحصل فيه ، ولعلّه إنّما أخذه من صغرى كلام العضدي حيث قال : إنّ معنى استصحاب الحال أنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء ، ثمّ قال : وقد اختلفوا في صحّة الاستدلال به لإفادته ظنّ البقاء ، وعدمها لعدم إفادته إيّاه (6). فإنّه قد يتسارع إلى الفهم أنّ الخلاف إنّما هو في الكبرى ، والنزاع في حجّية شيء إنّما هو بعد التسليم في مفهومه والمسلّم في المقام هو الصغرى ، فلا بدّ أن يكون ما ذكره في بيان الصغرى هو المفهوم المسلّم ، فيكون حدّا للاستصحاب (7) ، إلاّ أنّه بعيد عن الصواب فإنّ من الواضح أنّ المعنيّ بالتعريف في المقام هي (8) الكبرى فإنّها صالحة لأن ينتزع منها الحدّ كما هو ظاهر ، فبيان الصغرى إنّما هو توضيح للمورد ، وتوضحه (9) ملاحظة ما صنعه العضدي في مقام تحديد القياس فراجعه. ووقوع الخلاف في الكبرى ليس بضائر في كونها ممّا ينتزع منها الحدّ ؛ إذ غاية ما يلزم أن يكون النزاع في حصول الظنّ وحكم العقل بالبقاء وعدمه.

ولقد أجاد صاحب المعالم حيث جعل صغرى ما في كلام العضدي محلاّ للاستصحاب فقال : اختلف الناس في استصحاب الحال ، ومحلّه أن يثبت حكم في وقت ثمّ يجيء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على

ص: 11


1- القوانين 2 : 53 ، وفي ط : ص 265.
2- « ج ، م » : إذ كما عرفت أنّ الاستصحاب.
3- « ز ، ك ، ل » : - قد.
4- « ل » : ذكره.
5- « ج ، م » : - هو.
6- شرح مختصر منتهى الأصول : 453.
7- « م » : حدّ الاستصحاب.
8- « ز ، ك ، ل » : - هي.
9- « ج ، م » : يوضحه.

ما كان وهو الاستصحاب ، أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دليل (1)؟

ومن الظاهر انطباق كلامه على ما نبّهنا عليه.

وكيف كان فما أورده في مقام التحديد ممّا لا يصل إلى طائل.

قال الأستاد أنار اللّه برهانه : ويمكن أن يتعسّف في كلامه على وجه يرجع إلى التحديد للاستصحاب (2) فيقال : إنّ الاستصحاب في قوله : « استصحاب الحال » مصدر للفعل المبنيّ للمفعول أضيف إلى فاعله وهو الحال ، والكون محمولي تامّ لا رابطي ناقص ، وقوله : « يقيني الحصول » كقوله : « مشكوك البقاء » صفة للحكم أو الوصف لا خبر للكون ، والظرف الأخير من متعلّقات الكون لا المشكوك ، فيصير الحاصل أنّ مستصحبية (3) الحال وكونه مستصحبا عبارة عن ثبوته في الآن اللاحق بعد ما كان مشكوكا (4) ، و (5) يقيني الحصول في السابق.

قلت : وقد اعترف سلّمه اللّه بكونه تعسّفا فلا ينبغي الركون إليه ، على أنّه لا يتمّ أيضا ؛ إذ المعهود في مقام التحديد هو بيان الاستصحاب المبنيّ للفاعل.

وقد يتخيّل أنّه ليس في مقام التحديد ، بل إنّما هو أيضا في مقام بيان محلّه كصاحب المعالم ، ويدفعه ملاحظة صدره وذيله كما هو ظاهر (6).

ثمّ إنّ الحدود المتقدّمة متوافقة المعنى غالبا وإن اختلفت (7) ألفاظها على حسب ما قد يناقش في بعضها ويزيّف بعض آخر كما هو دأب المحصّلين في مثل المقام. وأجودها ما دارت عليه ألسنة المشهور من أنّه إبقاء ما كان على ما كان ، وقصارى ما يورد

ص: 12


1- المعالم : 231.
2- « ز ، ك ، ل » : تحديد الاستصحاب.
3- « م ، ج » : مستصحبة.
4- « ز » : مشكوكا فيه.
5- « ز ، ل » : - و.
6- « ز ، ك ، ل » : ليس بصدد التحديد ، بل هو أيضا - كصاحب المعالم - في مقام بيان محلّ الاستصحاب ومورده ، ويدفعه ... وذيله من كتابه.
7- « م » : اختلف.

عليه انتقاض طرده بما إذا ثبت الحكم ثانيا بدليل ، ويدفعه انصراف (1) الحدّ إلى الحيثية المستفادة من التعليق ، فإنّ المتبادر هو الإبقاء ، لكونه سابقا.

والأسدّ الأخصر هو ما عرّفه الأستاد بأنّه إبقاء ما يحتمل الارتفاع ، فإنّه لا يتوجه عليه المناقشة المتقدّمة. وتوضيحه أنّ الاستصحاب وغيره من الأصول العملية إنّما هي من لواحق موضوع الشكّ وبيان لحكمه ، فالشكّ ابتداء حكمه الأخذ بالبراءة الأصلية ، و (2) فيما له حالة سابقة يجب الأخذ بالحالة السابقة ، ومعلوم أنّ الحكم إنّما يلحق الموضوع مع وجوده ، ففي مورد الاستصحاب إنّما يحكم به من حيث إنّه حكم مشكوك له حالة سابقة ، وموارد الأدلة الاجتهادية إنّما هي مواضع الشكّ على وجه يرتفع الشكّ بها ، فإنّها كاشفة ولو ظنّا عن الواقع ، ففيما إذا ثبت حكم في الزمان الثاني بدليل اجتهادي لا يصدق أنّه إبقاء لما يحتمل الارتفاع ، بل هو رفع لاحتمال الارتفاع بما يكشف عن الواقع لا حكم لموضوع الاحتمال.

أقول : وفيه تعسّف لا ينبغي تحمّله في مقام التحديد ، على أنّه لا يلائم القول باعتباره من حيث الظنّ ؛ لكونه دليلا اجتهاديا كسائر الأدلّة الاجتهادية ، غاية الأمر عدم إمكان تعارضه لها نظرا إلى وجه خارجي ، مع أنّه ينتقض أيضا بما إذا ثبت الحكم في الزمان الثاني بأحد الأصول العملية فيما إذا توافق مواردها للاستصحاب.

اللّهمّ إلاّ أن يدفع بكفاية لفظ (3) الإبقاء عن ذلك ، وعلى تقديره فالحدّان متساويان فى ذلك ، واحتمال ورود دليل على لزوم الإبقاء مدفوع بأنّ الدليل الدالّ على لزوم الإبقاء ليس إلاّ الاستصحاب أو ما في معناه ، مضافا إلى أنّ (4) كونه مسوقا لبيان حكم موضوع الشكّ ، وكونه معتبرا من باب التعبّد ، لا ينافي حصول الظنّ منه اتّفاقا ، فليس من محتمل الارتفاع حينئذ ، كما لا يخفى.

ص: 13


1- « م ، ج » : بانصراف.
2- « ز ، ك » : - و.
3- « ج ، م » : لفظة.
4- « ز ، ك ، ل » : - أنّ.

فالتحقيق : أنّ هذه الحدود غالبا حدود لفظية والمعنى معلوم ولا ينبغي الاهتمام في مثله بعد ظهور المقصود.

ثمّ إنّ ممّا (1) ذكرنا من المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي يظهر الوجه في عدم انطباق الاستصحاب لجملة من موارده ، كاستصحاب (2) القهقرى (3) المعروف في لسان عوامّ الطلبة ، وطورا يعبّر عنها (4) بأصالة تشابه الأزمان ، والمراد به إثبات ما ثبت في الزمان اللاحق قبل ذلك الزمان من الأزمنة السابقة ؛ إذ ليس فيه الإبقاء بوجه ، بل قضيّة استصحاب العدم عدم ثبوته في الزمان السابق. نعم يمكن التمسّك فيه بأصالة عدم النقل ولا مدخل له فيما نحن بصدده ، وكاستصحاب الشكّ الساري ، وكاستصحاب العرضي ، واستصحاب حكم العقل ، ونحوها ممّا سنسوق الكلام في (5) تفاصيلها إن شاء اللّه العزيز ، فتأمّل في المقام (6).

ص: 14


1- « ج » : ما.
2- كذا. ولعلّ الصواب : كالاستصحاب.
3- سيوافيك الكلام عنه في ص 286.
4- « ج » : - عنها.
5- « ز ، ك ، ل » : إلى.
6- « ز ، ك ، ل » : - العزيز ، فتأمّل في المقام.

هداية [ في أنّ الاستصحاب من الأدلّة أو من القواعد الفقهية ]

اشارة

هل الاستصحاب من الأدلّة (1) ، أو من القواعد الفقهية؟ وعلى الثاني : فهل هو (2) من القواعد الممهّدة للاستنباط حتّى يكون (3) من المسائل الأصولية ، أو هو من القواعد الكلّية الفرعية؟ فلنا مقامان :

[ المقام ] الأوّل

قد عدّه جماعة من أساطين الفنّ في عداد الأدلّة العقلية كالمحقّق (4) وأضرابه ، ولعلّه مبنيّ على إفادته الظنّ ؛ إذ لا كلام في كونه من الأدلّة حينئذ ، إذ الدليل العقلي هو حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي ، وهو صادق على حكم العقل ظنّا ببقاء ما ثبت ، فإنّه موصل إلى الحكم الشرعي ، كما في صورة العلم العقلي ؛ إذ لا يتفاوت في صدق الحكم العقلي على أفراده بين أن يكون قطعيا كحسن العدل والإحسان ، أو ظنّيا كالاستصحاب والاستحسان ، إلاّ من جهة تفاوت مراتب نفس الحكم والإدراك ظنّا وعلما.

ص: 15


1- « ج » : الأدلّة العقلية.
2- « م » : - هو.
3- « م » : تكون.
4- انظر معارج الأصول : 286 - 287 ؛ المعتبر 1 : 32.

ثمّ لا يخفى أنّ الأخبار الواردة في المقام لو قلنا : إنّها واردة على طبق حكم العقل فتدلّ على اعتبار الاستصحاب من حيث إفادته الظنّ ، فهو أيضا دليل كأخبار الآحاد وغيرها من الأدلّة الشرعية.

وتوضيحه وتحقيقه : أنّ المعيار في كون الشيء دليلا هو كاشفيته عن الواقع على وجه به يوصل إليه ومنه يطلب أمرا واقعيا ثابتا في نفس الأمر ، فكلّما كان الشيء كاشفا ولو ظنا عن الواقع ، فهو دليل ، غاية ما في الباب عدم اعتبار الكاشف الظنّي إلاّ بعد دلالة دليل عليه ، بخلاف ما لو كان علميا ؛ إذ لا حاجة فيه إلى دليل آخر غير نفسه كما هو ظاهر.

فالاستصحاب الظنّي دليل ، سواء كان المدار في اعتباره على القاعدة العقلية التي زعمها القائل بها (1) ، أو على الأخبار ، ألا ترى أنّ جملة من الأدلّة تستفاد (2) حجّيتها من الأدلّة الشرعية ومع ذلك لا يتوهّم خروجها عن الأدلّة.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الأخبار الدالّة على الاستصحاب ليست مقرّرة لما استقرّ عليه بناء العقلاء من اعتبار الاستصحاب الظنّي ، بل إنّما يدلّ على الاستصحاب التعبّدي والأخذ بالحالة السابقة بترتيب آثارها عليها عند الشكّ ، فلا شكّ في عدم كونه دليلا ، فإنّه حينئذ كإحدى (3) القواعد الشرعية من قاعدة اليد والضرر ولزوم البيع ونحوها ، فإنّ المناط في كون شيء قاعدة هو أن يكون مفادا لدليل شرعي ، ولم يكن من حيث كشفه عن الواقع وإن كشف عنه في بعض الأحيان كشفا اتّفاقيا ؛ إذ لم يكن اعتباره من هذه الحيثية ، ومن هنا انقدح أنّ قول الشارع : « إذا شككت فابن على الأكثر » (4) قاعدة شرعية ، بخلاف ما ورد من وجوب متابعة الإمام ، فإنّه دليل من حيث كشفه عن

ص: 16


1- « ز ، ك ، ل » : - بها.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : يستفاد.
3- « ج » : كأحد.
4- الوسائل 8 : 213 ، باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 3 ، وفيه : « إذا سهوت ... ».

الواقع.

والحاصل : أنّ الاستصحاب ليس إلاّ حكم الشارع في موارد الشكّ بالأخذ بالحالة السابقة علاجا للشكّ في الواقعة المشكوك فيها (1) ، وهذا هو المراد من كونه قاعدة فقهية لا دليلا ، لا أنّه لا يمكن جعل تلك القاعدة كبرى عند الشكّ في أحكام جزئيات موضوعها ، كما هو الشأن في جميع القواعد ، فتدبّر.

ثمّ إنّ دليلية الاستصحاب على تقدير أخذه من العقل إنّما (2) يجدي في كونه دليلا ، ولا يجدي في عدّه دليلا آخر في قبال العقل ؛ لأنّه منه ، فيتّحد القسمان إلاّ أن يكون تنبيها على اختلاف نوعي حكم العقل فيه وفي القطعيات.

المقام الثاني

فى أنّه هل البحث في الاستصحاب بحث عن المسألة الأصولية ، أو (3) بحث عن المسألة الفرعية؟ ربّما يتوهّم : أنّ بعد ما علم في المقام الأوّل من أنّه دليل أو قاعدة لا وجه للتكلّم في هذا المقام ؛ إذ على الأوّل فهو من المسائل الأصولية ، وعلى الثاني (4) فهو من المسائل الفرعية ، وليس كما يتوهّم (5) ؛ إذ قد يكون دليلا في الموضوعات الخارجية على الظنّ والتعبّد ولا يصير البحث عنه أصوليا ، وقد يكون قاعدة والبحث عنه أصولي ، لكونها ممهّدة للاستنباط. وكيف كان فتحقيق البحث موقوف على تمهيد مقدّمة :

فنقول : إنّ المعيار في تميّز مسائل العلوم المختلفة على ما هو المقرّر في مقامه أمور : أوّلها - وهو أقواها - : ملاحظة رجوع البحث في تلك المسألة إلى البحث عن

ص: 17


1- « ج » : المشكوكة فيها.
2- « ز ، ك » : ربّما.
3- « ز ، ك » : - بحث عن المسألة الأصولية أو.
4- « ز ، ك » : كما أنّه على الثاني.
5- « ز ، ك » : توهّم.

عوارض الموضوع في ذلك العلم ، فإنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، فإنّ المسألة - على ما هو التحقيق - هو نفس المحمولات من حيث انتسابها إلى الموضوعات ، والموضوع في المسألة قد يكون نفس موضوع العلم ، وقد يكون جزء منه ، أو جزئيا له (1) ، أو جزء من جزئيه ، على الوجه المعهود في مسائل العلوم المدوّنة ، وبيان كيفية البحث عن الأجزاء والجزئيات خارج عمّا نحن بصدده.

وبالجملة : فملاحظة الموضوع من أقوى ما يحصل به (2) التميّز عند اشتباه المسائل ، لكنّه إنّما يجدي إذا كان الموضوع معلوما عند الكلّ متّفقا عليه ، وأمّا إذا كان مختلفا فيه فقد يمكن أن يكون شيء من الموضوع عند البعض ، فالبحث عنه إنّما يعدّ من مسائل الفنّ عنده لا عند من لا يراه منه كما هو ظاهر ، مثلا موضوع الأصول ممّا قد اختلف فيه ، فقيل بكونه ذوات الأدلّة مع قطع النظر عن (3) اتّصافها بالدليلية ، فيكون البحث عن دليليتها داخلا في علم الأصول ، وقيل بكونه الأدلّة مع كونها أدلّة ، فلا يكون البحث عن دليليتها داخلا في العلم ؛ لما تقرّر (4) من أنّ الموضوعات في العلوم المدوّنة لا بدّ وأن يكون إمّا مبنيّة في العلم الأعلى ، أو مبنيّة بنفسها ، ولمّا كان المتعارف فى كتب الأصول البحث عن تلك المسائل أيضا ، تجشّم بعضهم في دفع ذلك بالوجه الأوّل. فيرد عليه : أنّ البحث عن قدم الكتاب وحدوثه ، وكونه معجزة وعدمه ، وكيفية نزوله ، ومراتب بواطنه ، من المسائل المدوّنة في غير الفنّ منه. اللّهمّ إلاّ بنوع من العناية. وبالجملة فعند ذلك لا بدّ من الرجوع إلى غير هذا المعيار.

وثانيها : حدّ العلم فإنّه أيضا ممّا يمكن استعلام حال المسائل به ، فإنّ التحديدات المتداولة في العلوم المدوّنة وإن لم يمكن أن تكون (5) تحديدات حقيقية (6) ومركّبة من

ص: 18


1- « ج ، م » : منه.
2- « م ، ج » : ما به يحصل.
3- « م ، ج » : من.
4- « ز ، ك » : قد تقرّر.
5- في النسخ : يكون.
6- « ل ، ك » : حقيقة.

الأجناس والفصول ، لتعذّر الاطّلاع على كنه العلوم ابتداء ، إلاّ أنّه لا بدّ وأن يكون على وجه شامل لجميع المسائل المبحوث عنها في تلك العلوم ولو شمولا عرضيا بحيث لو اطّلع الطالب على مسألة منها عرف بكونها منها (1) ، فالحدّ هي الجهة الجامعة لمسائل العلم ، ومنه يستعلم حال الموارد المختلفة ؛ إذ لا أقلّ من كونه مانعا عن المسائل التي ليست من العلم ، وجامعا للتي هي منه ، وذلك ظاهر في الغاية ، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّه متى تعارض (2) الموضوع والحدّ في تميّز مسألة على وجه يحكم الأوّل بدخوله في العلم ، والثاني بخروجه عنه (3) ، فالموضوع هو المقدّم ؛ لكونه أصلا في التميّز ، ولهذا قيل : إنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات مع حصول التميّز بغيرها أيضا ، والوجه في ذلك انتزاع الحدّ واقعا من الأمور المختلفة والمحمولات المنتهية إلى جهة متّحدة وهو الموضوع ، فهو تابع للموضوع ، وأمّا المحمول فتميّزه بتميّز الموضوع ؛ لكونه من أحكامه من حيث هو محمول ، فهو الأصل في التميّز كما لا يخفى.

وثالثها - وهو أضعفها - : تدوين أهل العلم لها فيه ، أو تنصيص أهل الفنّ والخبرة بذلك ، هذا بالنسبة إلى مطلق العلوم المدوّنة ، وقد يوجد فى بعض منها ما يخصّ البعض كما في المسائل الفقهية والمسائل الأصولية ، فإنّ من خصائص الأولى أنّ بعد ما استفرغ المجتهد (4) جهده في تحصيل الحكم الشرعي وبذل وسعه في استنباطه بدفع المعارضات للأدلّة وبتوضيح الدلالات فيها ، كان للمقلّد أن يعمل به بلا حالة منتظرة (5) ، كوجوب الصلاة ، ولزوم البيع ، وثبوت الخيار عند ظهور العيب فى المبيع ، ونحوها ، ومن خصائص الثانية أنّه (6) بعد التنقيح والتصحيح لم يكن من شأن المقلّد أن يعمل به ،

ص: 19


1- « ز ، ك ، ل » : عرف أنّها منها.
2- « ز ، ك ، ل » : عارض.
3- « ز ، ك ، ل » : منه.
4- « ز ، ك » : - المجتهد.
5- « ز ، ك ، ل » : كان للمقلّد أن يقلّده فيه ويعمل به بلا حاجة إلى حصول حالة منتظرة إليها.
6- « ج ، م » : أنّ.

كحجّية أخبار الآحاد ، فإنّ بعد إثبات هذه القضيّة ليس للمقلّد أن يعمل بالخبر (1) ؛ إذ غاية الأمر أنّ المجتهد إنّما تصدّى لدفع المعارضات للحجّية ، وأمّا المعارضات لمدلول كلّ واحد من الأخبار ، فلدفعها محلّ آخر ، فلا بدّ من ملاحظة الأصول المعمولة (2) في الأدلّة اللفظية من أصالة عدم الحذف والقرينة (3) والنقل ونحوها (4) ، وتشخيص الأوضاع للألفاظ (5) الواقعة فيها من كون الأمر الواقع فيها للوجوب أو للندب (6) ، إلى غير ذلك من وجوه الاختلافات التي ليس للمقلّد تشخيصها وتحقيقها كما هو ظاهر وإذ قد تمهّد هذه فنقول : إنّ تحقيق الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في تشخيص أصناف الاستصحاب

وجملة الكلام فيه أنّ الاستصحاب من المسائل الفرعية بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية التي هي عندنا أعمّ من الموضوعات الصرفة ، كحياة زيد ، والرطوبة ، واليبوسة ، ونحوها ، ومن الأحكام الجزئية المتعلّقة بخصوصيات المكلّفين ، كوجوب الواجب على زيد ، وحرمة الحرام عليه ، ونحوها ، سواء اعتبرناه أمارة ظنّية فيها كالبيّنة ، أو تعبّدية ؛ لجريان الوجوه المميّزة فيه.

أمّا حديث الموضوع فلأنّه من عوارض جزئيات فعل المكلّف ولو بنحو من العناية في البعض ، ومنه يظهر صدق حدّ الفقه ، عليه وعدم صدق تعريف الأصول عليه ؛ إذ ليس من القواعد الممهّدة للاستنباط ، فإنّها ليست بأحكام شرعية. أمّا

ص: 20


1- « م » : بالخبر الواحد.
2- « ز ، ك ، ل » : العملية.
3- « ز ، ل ، ك » : - والقرينة وفي « ج » : والجزئية.
4- « ز ، ك ، ل » : نحوهما.
5- « ز ، ك ، ل » : الأوضاع والألفاظ.
6- « ز ، ك ، ل » : الندب.

الموضوعات الصرفة فظاهر ، وأمّا الأحكام الجزئية فلعدم كون الشارع مبيّنا لتلك الأحكام ، فإنّ وظيفته بيان الأحكام الكلّية ، وأمّا المعيار المختصّ بتميّز الفقه عن الأصول ، فيجري فيه أيضا (1) ؛ إذ لا حاجة إلى الرجوع إلى المجتهد بعد العلم باعتباره في تشخيص مجاريه ومحالّه ، بل المجتهد والمقلّد فيه سيّان كما في صورة العلم بها ، فلا يحتاج إلى بحث ولا فحص كما في سائر الأصول العملية كالبراءة والاشتغال والتخيير ، نعم ينبغي الاستثناء عن ذلك (2) الاستصحاب في الموضوعات الرجالية لأوله إلى الاستصحاب في الأحكام الكلّية الفرعية التي ليس للمقلّد فيها حظّ ، ولذلك قد اختصّت من (3) بينها باعتبار الظنّ فيها دون غيرها كما مرّ.

وأمّا بالنسبة إلى الأحكام الكلّية فلا ريب في كونه من المسائل الأصولية إن أخذناه من باب الظنّ وجعلناه دليلا عقليا كأضرابه من الوجوه الظنّية العقلية ، سواء كان المستصحب حكما أصليا ، أو فرعيا ؛ لرجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع ، سواء جعلنا الموضوع ذات الدليل كما في الكتاب والسنّة ، فلا ينافي البحث عن حجّيته ، أو هي متّصفة بالوصف ، لرجوع البحث عن سائر الوجوه المبحوثة عنه من بيان تعارضه وتقديم مزيله والانقسامات (4) الحاصلة له إلى غير ذلك بحثا عن حال الموضوع ، ولصدق الحدّ عليه ؛ لكونه من القواعد الممهّدة للاستنباط ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحكم الراجع إليه إثباتا كالحجّية ، أو نفيا كعدمها ؛ لأنّ مسائل العلوم المدوّنة هي المحمولات المرتبطة إلى الموضوعات ربطا إيجابيا كما في الموجبات ، أو سلبيا كما في السوالب ، وإلاّ لخرج (5) كثير من المسائل من كثير من العلوم.

وإن جعلناه من باب الأخبار الواردة عن السادة الأطهار فلا ريب في كونه من

ص: 21


1- « ج ، م ، ل » : - أيضا.
2- « ج » : ينبغي أن يستثنى من ذلك.
3- « م ، ج » : - من.
4- « ز ، ك ، ل » : الانقلابات.
5- في النسخ : لخرجت.

المسائل الأصولية في الأحكام الأصلية ، وكذا في الموضوعات المستنبطة كالأصول المعمولة في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ؛ لرجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع أو عن أجزائه أو جزئياته ، كما هو المعتبر في البحث كما لا يخفى (1).

وأمّا في الأحكام الفرعية فقد يتوهّم كون الاستصحاب من القواعد الفرعية كنفي الحرج والضرر ولزوم العقود ونحوها ؛ لعدم الفارق بينهما ، وربّما فرّط في ذلك بعضهم فزعم عدم انطباقه على قاعدة الموضوع ، بل ولا الحدّ أيضا ؛ لعدم كونه بحثا عن اللواحق الراجعة إلى الموضوع ، ولعدم شمول الحدّ له.

والتحقيق خلاف ذلك (2) ، أمّا حديث عدم اشتمال الحدّ فواه جدا ؛ إذ لا ريب في مدخليته في استنباط الأحكام ، بل وهو العمدة - على ما نبّه عليه بعض الأعاظم - في الاستنباط بعد الكتاب والسنّة ، وربّما يزيد في شأنه لو جعلنا استصحابي البراءة والاشتغال منه. ويوضح (3) ذلك ما لو قلنا بأنّ الأصول اللفظية منه ؛ إذ لا يستقيم أمر الكتاب والسنّة بدونه حينئذ ، وذلك ظاهر في الغاية (4).

وأمّا توهّم عدم رجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع ، فكأنّه ناش عمّا نبّهنا (5) على فساده من منافات كون الاستصحاب من مقولة الفعل مع كونه دليلا ، وقد مرّ تحقيق القول فيه بما لا مزيد عليه.

وأمّا نفي الفارق بين الاستصحاب وسائر القواعد الفرعية كنفي الحرج والضرر ، فغير سديد ؛ لوضوح الفرق بينهما بعد ملاحظة ما أوردناه (6) في المعيار في التميّز (7) بين المسائل ، إذ لا شكّ ولا ريب (8) في أنّ المجتهد بعد ما تصدّع في إثبات حجّية

ص: 22


1- « ز ، ك ، ل » : على ما لا يخفى.
2- « ز ، ك ، ل » : والتحقيق في ذلك خلاف ذلك.
3- « م » : توضيح.
4- « ز ، ك ، ل » : - وذلك ظاهر في الغاية.
5- تقدّم في ص 8.
6- « ج ، م » : أوردنا.
7- « ز ، ك ، ل » : للتميّز.
8- « ز ، ك ، ل » : - ولا ريب.

الاستصحاب بتصحيح مبانيه وتوضيح الوجوه الناهضة عليه بدفع الشبه (1) وقطع المعارضات ، فليس من شأن المكلّف المقلّد العمل به ، إذ غاية ما صنعه المجتهد في المقام تحصيل كبرى لقياس يطلب فيه الحكم الاستصحابي ، ومن المعلوم أنّ المقدّمة الواحدة ليست منتجة ، بل لا بدّ من انضمام صغرى إليها (2) في الاستنتاج ، والعلم بتلك الصغرى في الأحكام الكلّية الفرعية غير ممكن الحصول للمقلّد.

وتوضيحه : أنّ استنباط حكم الماء القليل الملاقي للنجاسة موقوف على مقدّمتين : إحداهما : أنّه مما لم يدلّ دليل على نجاسته ، والثانية : أنّ كلّما لم يدلّ دليل على نجاسة شيء مع العلم بالطهارة السابقة ، فلا بدّ من معاملة الطاهر معه ، وبعد ذلك ينتج طهارة الماء - مثلا - في الظاهر ، والمستنبط للمجتهد هو الكبرى في هذا القياس ، وأمّا الصغرى فلا يمكن استعلام تحقّقها لغير المجتهد ، فإنّها حاكمة بعدم (3) ورود دليل على نجاسته (4) ، وربما يكون في المقام ما يشبه أن يكون دليلا فلا بدّ من دفعه ، ولو لا أنّ المذكور كاف (5) في المقام من إثبات توقّف إعمال الاستصحاب في محالّه على الاستنباط والاجتهاد ، لخرج عن المسائل الأصولية جلّها لو لم نقل كلّها ، كمباحث المقدّمة ، واجتماع الأمر والنهي ، ومباحث الشهرة ، ونحوها ، فإنّ حكم العقل بوجوب المقدّمة بمنزلة الكبرى ولا يكفي (6) فى الحكم بوجوب الوضوء للصلاة هذا الحكم العقلي ما لم يثبت اندراج موضوع هذه القضيّة في موضوعها ، واستنباط هذا موقوف على النظر والاجتهاد في الأدلّة الشرعية التي تقصر عن الوصول دونه (7) أيدي المقلّدة ، وكذا تميّز موارد الشهرة كما لا يخفى (8).

ص: 23


1- « ز ، ك » : الشبهة.
2- « ج ، م » : إليه.
3- « ج ، م » : لعدم.
4- « ز ، ك ، ل » : النجاسة.
5- « م » : كافيا.
6- « ج ، م » : ولا يخفى.
7- « ل » : « إليها » بدل : « دونه ».
8- « ز ، ك ، ل » : على ما لا يخفى.

فظهر الفرق بين القواعد الفرعية كنفي الحرج - إذ بعد أنّ المجتهد في مقام الاجتهاد علم بأنّ الحكم في الشريعة نفي الحرج في كلّ ما يلازمه أو على بعض الوجوه التي أدّى إليه دليله كوجوب الوفاء بالعقود ، لم يبق للمكلّف حالة منتظرة في العمل به ، إذ الموضوع في تلك القواعد ممّا يرجع الأمر فيه إلى العرف ، والمقلّد منهم ، فيحصل عنده الصغرى من غير احتياج إلى ملاحظة الأدلّة ، والكبرى إنّما حصّلها من المجتهد ، فيعمل بمقتضاهما من غير حاجة إلى شيء آخر - وبين (1) الاستصحاب في الأحكام الفرعية ؛ إذ تحصيل الصغرى فيه اجتهادية ويكفي في كونه من مسائل الأصول ، و (2) ذلك بناء على ما أصّلناه من المعيار ، مضافا إلى ما عرفت من صدق الحدّ عليه ورجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع.

لا يقال : إنّ الفحص عن مطلق الدليل لا يجعل البحث اجتهاديا ، بل إذا كان الدليل مثل أخبار الآحاد ، فإنّ ما يرد على خلافها معارض لها على اختلاف وجوه التعارض ، بخلاف الاستصحاب فإنّ الدليل مزيل له.

لأنّا نقول : نعم ، ولكن لا يجدي فيما نحن فيه ؛ إذ لا فرق في عدم إمكان المقلّد أن يكون الدليل مزيلا أو مفيدا كما هو ظاهر.

ومن هنا ينقدح أنّ الأصول العملية التي موضوعاتها (3) الشكّ البحث عنها في الأحكام الكلّية الفرعية من مسائل الأصول ، ولهذا صرّح المحقّق (4) في بعضها بكون المسألة أصولية ولا يكفي فيها أخبار الآحاد ، وقد سمعت أنّ تنصيص أهل الخبرة أيضا من المميّزات ، كما أنّه ينقدح أنّ قاعدة الطهارة أيضا من مسائل الأصول ؛ إذ لا فرق بين (5) استصحاب الطهارة وقاعدتها سوى استناد الحكم في الأوّل (6) شرعا إلى

ص: 24


1- عطف على بين القواعد الفرعية.
2- « ج ، م ، ل » : - و.
3- « ز ، ك ، ل » : موضوعها.
4- انظر معارج الأصول : 226.
5- « ز ، ك ، ل » : فيما بين.
6- كذا. والصواب : في الثاني.

نفس الشكّ ، وفي الثاني (1) إلى الحالة السابقة ولا مدخل لهذا الفرق فيما نحن بصدده ، فتدبّر في المقام.

المقام الثاني : في أنّ الاستصحاب على أيّ وجه من أيّ المسائل

فنقول : بعد (2) ما عرفت في (3) المقام الأوّل يظهر لك أنّ التحقيق كونه من القواعد المشتركة ؛ لاختصاص بعض موارده بالبعض وآخر بغيره (4) على ما مرّ ، وإنّما تدوينهم ذلك في الكتب الأصولية إنّما هو بواسطة مزيّة اختصاص يعلم منه بالمسائل الأصولية من حيث استنباط الأحكام الفرعية منه ، كما لا يخفى.

ص: 25


1- كذا. والصواب : في الأوّل.
2- « ج » : إنّ بعد.
3- « ز ، ك » : ما في.
4- « ج ، م » : لغيره.

ص: 26

هداية [ في تقسيمات الاستصحاب ]

اشارة

ينقسم الاستصحاب باعتبارات مختلفة إلى أقسام متعدّدة :

فمنها : تقسيمه من حيث المستصحب إلى حال العقل وحال الشرع.

وقد يراد من الأوّل العدم الأصلي السابق على وجود كلّ موجود ، حكما شرعيا كان كالبراءة الأصلية ، أو موضوعا خارجيا كالرطوبة واليبوسة ، أو غيرهما كعدم النقل المعمول في الألفاظ ، ولعلّ وجه هذه التسمية حكم العقل بالعدم ما لم يعلم بعلّة الوجود ولا يجب الاطّراد في وجه التسمية (1).

ومن الثاني ما يقابله وهو الوجود ، سواء كان حكما شرعيا - تعبّديا أو عقليا ، كلّيا أو جزئيا ، تكليفيا أو وضعيا - أو موضوعا خارجيا ؛ إذ المقصود بالاستصحاب هو ترتيب أحكامه الشرعية من نجاسة ملاقيه ونحوها ، ومنه يعلم وجه التسمية أيضا في غيره ؛ إذ المطلوب فيها ذلك ، على أنّ أكثر مواردها حكم شرعي.

و (2) تارة يراد منه الحكم العقلي ، سواء كان تكليفيا عدميا كالبراءة الأصلية ، أو وجوديا كإباحة الأشياء قبل الحظر الشرعي وكتحريم التصرّف في مال الغير ووجوب ردّ الوديعة إذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار والخوف ، أو وضعيا

ص: 27


1- « ز ، ك ، ل » : ولا يجب اطرادها كما لا يخفى.
2- « ز ، ك » : - و.

وجوديا كشرطية العلم لثبوت التكليف إذا عرض ما يوجب الشكّ في زوالها (1) مطلقا أو في خصوص مورد ، أو عدميا كعدم الزوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقّق موضوعهما. ومن الثاني الأحكام الشرعية التكليفية - إجماعا كان المستند فيها أو غيره - أو الوضعية كذلك هذا على ما قد يوجد في كلمات بعض الأواخر (2).

والتحقيق : أنّ المراد من الأوّل هو استصحاب نفي الأحكام الكلّية وعدمها ، والتعميم إلى الموضوعات ليس في محلّه ؛ لما قد فسّره المحقّق في المعتبر بالبراءة الأصلية ، وكذلك المحقّق القمي (3) ، وغيرهما على أنّ عدّ الاستصحاب من الأدلّة العقلية ينافي تعميم استصحاب حال العقل إلى الموضوعات ، فإنّه بالنسبة إليها أمارة ولا يسمّى دليلا ، فتأمّل.

ومن الثاني استصحاب وجود تلك الأحكام ، وأمّا تعميم العقلي إلى الوجودى من الأحكام العقلية كما في ثاني التفسيرين على ما تجشّمه بعض الأجلّة (4) ، فليس على ما ينبغي أيضا ، أمّا أوّلا : فلمنافاته للتفسير المذكور في كلام المحقّقين وغيرهما ، وأمّا ثانيا : فلعدم معقولية الاستصحاب في الأحكام العقلية ؛ إذ حكم العقل بوجوب شيء أو حرمته أو شرطيته إمّا أن يكون مستندا (5) إلى علّة معلومة للعقل من وجوه الحسن والقبح ، أو لا ، لا كلام على الثاني ، فإنّه بالإلحاق إلى الأحكام التعبّدية أولى ، كما في الإجماع ، وذلك (6) العلم يستتبع العلم بحسنه أو قبحه لما قرّر من تبعية الأحكام للصفات ، وعلى الأوّل فتلك العلّة المعلومة إمّا معلومة بنفسها ، كما في الأحكام الضرورية العقلية التي يكفي في التصديق بوقوع نسبها تصوّر موضوعاتها ، وإمّا

ص: 28


1- في المصدر : بقائها.
2- الفصول : 366 ( مع تصرّف وتلخيص ) وعنه في بحر الفوائد 3 : 21 ؛ أوثق الوسائل : 446.
3- « ز ، ك ، ل » : + رحمه اللّه.
4- الفصول : 366.
5- المثبت من « ج » : وفي سائر النسخ : « مستندة ».
6- المثبت من « ج » : في سائر النسخ : « فذلك ».

معلومة بواسطة اندراج موضوع القضيّة المفروضة في (1) موضوع آخر يعلم ثبوت الحكم له بداهة ولو بتعدّد الوسائط ، لامتناع التسلسل واستحالة الدور ، لا إشكال في عدم معقولية الاستصحاب على الأوّل ؛ إذ المفروض أنّ نفس تصوّر الموضوع يكفي في الحكم العقلي الضروري (2) ، فعند الشكّ بواسطة حدوث حادث إمّا أن يكون الحكم المتعلّق بذلك الموضوع باقيا فلا استصحاب ؛ إذ لا شكّ ، ففرض الشكّ خلاف للفرض ، وإمّا أن يكون الموضوع مغايرا فلا استصحاب ؛ لعدم الموضوع ، وكذا على الثاني ؛ لأنّ موضوع القضيّة المشكوكة لا بدّ وأن يكون معلوم الاندراج في موضوع تلك القضيّة المعلومة الضرورية ، ومع حدوث الحادثة بازدياد شيء إمّا أن يكون مندرجا فيه (3) ، أو لا يكون (4) ، وعلى التقديرين لا استصحاب ؛ إذ على الأوّل لا شكّ (5) ، وعلى الثاني لا يكون الموضوع باقيا ، والاستصحاب فرع الموضوع.

لا يقال : قد يكون العقل حاكما بقبح شيء بواسطة اندراجه في موضوع غير معلوم للعقل ؛ لتردّده بين أمور غير معلومة ، فيجري فيه الاستصحاب.

لأنّا نقول : على تقدير وجود ذلك وليس كذلك قطعا ، كما يظهر بعد الرجوع إلى الوجدان ، سيّما بالنسبة إلى الأمثلة المذكورة ، فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا ؛ لعدم العلم بالموضوع فلعلّه مقيّد بعدم تلك الحادثة في الأحكام العقلية ، ولهذا (6) ترى فيما لم يحرز الموضوع لا يحكم بالاستصحاب في الأحكام الشرعية أيضا ، سيّما فيما كان الحكم مستفادا من الإجماع لا لما زعمه الغزالي (7) على ما نسب (8) إليه ، بل لعدم العلم بموضوع الحكم كما ستطّلع على تفاصيل ذلك إن شاء اللّه (9).

ص: 29


1- « ز ، ك » : كما في.
2- « ز ، ك ، ل » : الضروري العقلي.
3- « م ، ج » : فيها ، وكتب فوقها « فيه » وعكس ذلك في « ز » ، وفي « ك » : فيها.
4- « م » : - أو لا يكون.
5- « م » : - لا شكّ.
6- « ز ، ك » : لذا.
7- سيأتي عنه في ص 61.
8- « ج ، م » : نسبه.
9- « ز ، ك ، ل » : على تفصيله.

فإن قلت : إنّ الوجه المذكور في استصحاب الأحكام الوجودية العقلية بعينه جار في استصحاب الأحكام العدمية ، فإنّ العقل لا يحكم إلاّ بعد الإحاطة بجميع قيود موضوع الحكم والاطّلاع على حدوده وأطرافه ، ولا يفرق في ذلك الوجود (1) والعدم ، فلا بدّ من عدم (2) جريان استصحاب حكم العقل مطلقا ، ولا وجه للتفصيل.

قلت : ليس الحكم بالعدم الأزلي الأصلي الذي هو المستصحب (3) إلاّ بواسطة انتفاء أحد أجزاء علّة الوجود الراجعة إمّا إلى الفاعل أو إلى القابل - مثلا - على سبيل منع الخلوّ ، فعند حكم العقل بالعدم بواسطة وجود المانع أو فقد المقتضي - مثلا - لا يجب أن يكون المعلول موجودا على فرض حصول الشكّ فيه بواسطة انتفاء العلّة التي استند حكم العقل بالعدم إليها ؛ لاحتمال انتفاء جزء آخر من علّة الوجود ، فنفس العدم الأزلي مستصحب ؛ لعدم (4) العلم بالعلّة التامّة (5) للوجود ، نعم لو فرض وجود تمام أجزاء (6) العلّة التي يستند إليها الوجود عدا ما حكم العقل بعدم المعلول بواسطة انعدامه من أجزاء العلّة التامّة فبعد (7) فرض وجود الجزء (8) المعدوم لا ينبغي (9) الشكّ في وجود المعلول ، وبذلك يسقط استصحاب العدم الأزلي ، وهذا بخلاف الوجود ، فإنّ العقل ما لم يقطع بوجود جميع أجزاء علّته التامّة لا يحكم بوجوده ، فعند الشكّ في جزء منها مع (10) الإحاطة بتمام أطرافه وحدوده ، يعلم إمّا بانتفاء علّة الوجود فلا شكّ (11) في الارتفاع ، وإمّا بوجوده فلا شكّ في البقاء.

ومن هنا ينقدح أنّ ما أفاده المحقّق القمي (12) في بحث الإجزاء من أنّه (13) بعد حصول

ص: 30


1- « ك » : بين الوجود.
2- « ز ، ك » : نفي.
3- « ج » : مستصحب.
4- « م » : بعدم.
5- « ج » : المتأخّرة.
6- المثبت من « ل » في سائر النسخ : « الأجزاء ».
7- « ز ، ك ، ل » : وبعد.
8- المثبت من « ل » وفي سائر النسخ : « جزء ».
9- « ل » : لا يبقى.
10- « ك » : بعد.
11- « ل » : فلا يشكّ ، وكذا في المورد الآتي.
12- لم أجده في بحث الإجزاء من القوانين.
13- « ج ، م » : أنّ.

الذكر المسبوق بالنسيان عدم التكليف مستصحب ، ليس فى محلّه ؛ إذ المفروض أنّ العدم مستند إلى عدم جزء خاصّ من أجزاء علّة الوجود وهو الذكر بواسطة حدوث النسيان ، والمفروض اجتماع بقيّة الأجزاء ، فعند زوال النسيان ووجود الذكر لا مجال للشكّ في التكليف كما لا يخفى. والقول بأنّ العدم المضاف بخصوصه مستصحب ، مدفوع : بعدم التمايز بين الأعدام.

ومنها : تقسيمه باعتبار الدليل إلى استصحاب حال النصّ إلى أن يثبت الناسخ ، وإلى استصحاب حال الإجماع كاستصحاب وجوب المضيّ في الصلاة بعد ما وجد الماء في الأثناء.

ومنها : تقسيمه باعتبار المشكوك فيه إلى استصحاب الحكم الشرعي ، تكليفيا كان أو وضعيا ، وإلى استصحاب الموضوع الخارجى كالرطوبة واليبوسة.

ومنها : تقسيمه باعتبار الشكّ ، فإنّ الشكّ في وجود المستصحب تارة : مسبّب عن الشكّ في وجود المقتضي ، وأخرى : عن الشكّ في وجود المانع ، ولا ثالث في البين فيما كان العلّة التامّة مركّبة من وجود المقتضي وفقد المانع ، فإنّ عدم المعلول علما وظنّا وشكّا من توابع عدم العلّة علما وظنّا وشكّا ، فالشكّ في وجود المستصحب المعلول دائما ناش إمّا من الشكّ في نفس المقتضي أو شرط من شروطه أو جزء من أجزائه ، أو ناش من الشكّ في وجود المانع.

[ أقسام الشكّ في المقتضي ]

[ أقسام الشكّ في المقتضي ](1)

ثمّ الشكّ في المقتضي على أقسام ؛ إذ الشكّ تارة : في مقدار صلوحه للبقاء واستعداده في الوجود (2) ، كما لو علمنا بوجود حيوان لم نعلم بمقدار استعداده وصلوحه للبقاء ومثله الخيار في خيار العيب ، فإنّه لا يعلم بقاؤه في الزمن الثاني من العلم به بعد

ص: 31


1- العنوان من هامش نسخة « ز ».
2- « ك » : للوجود.

الخلاف في فوريته وعدمها.

وتارة : يشكّ في تعيين (1) الاستعداد بعد العلم بأصل الصلاحية ، كما فيما علمنا بوجود حيوان مردّد بين ما يعيش في السنة كالعصفور مثلا ، وبين ما يعيش في الأقلّ منها كالذباب والديدان ، فإنّ الشكّ في البقاء ناش من الشكّ في أنّ الموجود من أيّ النوعين.

وأخرى : يشكّ في زمان حدوثه بعد العلم باستعداده وكونه ممّا يعيش في السنة مثلا ، فلا يعلم أنّ (2) العصفور - مثلا - في أيّ زمان صار موجودا ، فلو كان بدو وجوده في أقلّ من السنة فهو موجود قطعا ، ولو كان فيها فليس بموجود قطعا ، فالشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في ابتداء الوجود (3).

[ أقسام الشكّ في المانع ]

[ أقسام الشكّ في المانع ](4)

والشكّ في المانع أيضا يتصوّر (5) على أقسام : فتارة : يشكّ في وجود المانع مع العلم بمانعيته ، وقد يعبّر عنه بالشكّ في عروض القادح ، كما إذا شككنا في بقاء الطهارة بواسطة الشكّ في طروّ البول.

وتارة : يشكّ في مانعية الموجود ، وقد يعبّر عنه أيضا بالشكّ في قدح العارض ، وهذا القسم أيضا على أقسام ؛ لأنّ (6) الشكّ في تلك (7) الصفة.

إمّا أن يكون بواسطة الشكّ في كونه مانعا وناقضا في أصل الشّرع ، فلا نعلم أنّ الشّارع الصادع (8) كما جعل البول ناقضا للوضوء فهل جعل المذي أيضا من نواقض الطهارة أو لا؟

ص: 32


1- « ز ، ك » : تعيّن.
2- « ك » : في أنّ.
3- « ز ، ك » : الموجود.
4- العنوان من هامش نسخة « ز ».
5- « ز ، ك ، ل » : - يتصوّر.
6- « ز ، ك ، ل » : فإنّ.
7- « ز ، ك » : هذه.
8- « ز ، ك ، ل » : - الصادع.

وإمّا بواسطة عدم العلم بالمقتضي وتعيّنه ، فلا نعلم أنّ الموجود الفلاني مانع بواسطة عدم العلم بالمقتضي ، فلو علمنا به علمنا بالوصف المذكور ، للعلم بالموانع بعد العلم بالمقتضيات ، وذلك كما في موارد الاشتغال مثل دوران المكلّف به بين الظهر والجمعة ، فلو صلّينا الظهر شككنا في ارتفاع التكليف بواسطة عدم العلم بالمقتضي للتكليف.

وإمّا أن يكون بواسطة الشكّ في معنى اللفظ والموضوع المستنبط ، كما فيما لو فرضنا عدم العلم بدخول الخفقة والخفقتين في معنى النوم الناقض المعلوم ، فالشكّ في بقاء الطهارة بواسطة الشكّ في أنّهما من أفراد النوم أو لا (1).

وإمّا أن يكون بواسطة الشكّ في الموضوع الخارجي ، كما إذا عرض رطوبة مشتبهة مردّدة بين كونها بولا وبين غيره ممّا ليس بناقض قطعا.

ثمّ لا يذهب عليك تداخل بعض الأقسام المذكورة دون بعض آخر (2) ، فلا ينبغي أخذ الأقسام الحاصلة من ضرب البعض في الآخر ، وفي المقام بعض تقسيمات أخر لا جدوى في التعرّض لها.

ص: 33


1- « ز ، ك » : أم لا.
2- « ج ، ز » : - آخر.

ص: 34

هداية [ في تعميم النزاع لأقسام الاستصحاب ]

اشارة

هل النزاع في حجّية الاستصحاب وعدمها يعمّ البراءة الأصلية ، أو يخصّ بغيرها (1)؟ وهل يعمّ ما إذا كان المدرك إجماعا ، أو لا؟ وهل يختصّ النزاع بالأحكام الشرعية ، أو يجري في الموضوعات أيضا؟ وهل يجري النزاع في أقسام الشكّ في المقتضي أيضا ، أو يختصّ بأقسام الشكّ في المانع؟

ولمّا كان في كلّ من المقامات الأربع (2) يظهر من بعضهم الخلاف ، فلا بدّ من ذكر كلّ واحد منها في مقام يختصّ به توضيحا (3) للمقام وتحقيقا للمرام.

[ المقام ] الأوّل

في الجهة الأولى من وجوه تحرير الخلاف ، فنقول : زعم جماعة من متأخّري المتأخّرين ممّن عاصرناهم ومن يقاربهم في العصر إلى خروج البراءة الأصلية عن حريم الخلاف وانتظامها في سلك المسلّمات مستندين إلى وفاق المتنازعين فيه مستكشفين ذلك من جملة من عبارات القوم (4).

فمنها : ما أفاده جواد الفضلاء حيث قال : لا كلام في حجّية استصحاب النفي وهو

ص: 35


1- « م ، ج » : بغيره.
2- « ز ، ك ، ل » : الأربعة.
3- « م ، ج » : في مقامه توضيحا.
4- « ز ، ك ، ل » : من جملة عبائر القوم.

المعبّر عنه بالبراءة الأصلية ، وحاصله استصحاب براءة الذمّة من (1) الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات إلى أن يرد الدليل الناقل من النفي الأصلي إلى نفي (2) ذلك الحكم ، فيتّبع حيث ما دلّ الدليل عليه (3). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو بظاهره صريح فيما زعموا حيث نفى الكلام في حجّية استصحاب النفي بعد تفسيره بالبراءة الأصلية.

ومنها : ما أورده (4) الشهيد السعيد في محكيّ الذكرى (5) : الرابع دليل العقل وهو قسمان : قسم لا يتوقّف على الخطاب ، وهو خمسة :

الأوّل : ما يستفاد من قضيّة العقل ، كوجوب قضاء الدين ، وردّ الوديعة ، وحرمة الظلم ، واستحباب الإحسان ، وكراهة (6) منع اقتباس النار ، وإباحة تناول المنافع الخالية عن المضار ، سواء علم ذلك بالضرورة ، أو بالنظر (7) كالصدق النافع والضارّ ، وورود السمع في هذه (8) مؤكّد.

ص: 36


1- في المصدر : عن.
2- في المصدر : - نفي.
3- غاية المأمول فى شرح زبدة الأصول ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) 84 / أوفي نسخة أخرى 178 / أ ، وعنه في اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) 94 / أ ، ولا بأس بنقل عبارته : اختلف كلامهم في تحقيق محلّ النزاع ، فمنهم من نفى الخلاف والإشكال في حجّية أحد القسمين من أصل النفي بعد أن قال وهو المعبّر بالبراءة الأصلية وهو البراءة من الوجوب ، ومنهم من يظهر منه عدم الخلاف في استصحاب النفي كالشهيد والتوني حيث خصّا نقل الخلاف بغيره والكاظميني حيث قال : لا كلام في حجّية استصحاب النفي ، وهو ظاهر كلام من جعل العنوان استصحاب الحال ولم ينقل الخلاف فيه كالتهذيب والمعالم وغيرهما ، وفي الأخير العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما يقتضيه البراءة الأصلية ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا.
4- « ز ، ك » : أفاده.
5- « ج » : + حيث قال.
6- « ز ، ل » : كراهية.
7- في المصدر : أو النظر.
8- « ج » : هذا.

الثاني : التمسّك بأصل البراءة عند عدم الدليل ، وهو عامّ المورد (1) في هذا الباب ، كنفي الغسلة الثالثة في الوضوء ، والضربة الزائدة في التيمّم ، ونفي وجوب الوتر ، ويسمّى ذلك استصحاب حال العقل ، وقد نبّه عليه في الحديث ، كقوله : « كلّ شيء [ يكون ] فيه حلال وحرام فهو لك حلال [ أبدا ] حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (2) وسببه (3) هذا.

الثالث : لا دليل على كذا فينتفي ، وكثيرا ما يستعمله الأصحاب ، وهو تامّ عند التتبّع التامّ ، ومرجعه إلى أصل (4) البراءة.

الرابع : الأصل الأقلّ (5) عند فقد دليل على (6) الأكثر كدية الذمّي عندنا ؛ لأنّه المتيقّن ، فيبقى الباقي على الأصل وهو راجع إليها.

الخامس : أصالة بقاء ما كان - ويسمّى استصحاب حال الشرع وحال الإجماع - في محلّ الخلاف ، كصحّة صلاة المتيمّم الذي يجد الماء في الأثناء ، فنقول : طهارته (7) معلومة والأصل عدم طار ، و (8) صلاته صحيحة قبل الوجدان وكذا (9) بعده. واختلف الأصحاب في حجّيته وهو مقرّر في الأصول (10). انتهى كلامه رفع مقامه.

وجه الدلالة يظهر من تخصيص الخلاف بقسم من الأقسام المذكورة التى منها استصحاب حال العقل.

ومنها : ما ذكره العلاّمة في محكيّ النهاية حيث قال : اختلفوا فى النفي الأصلي هل

ص: 37


1- في المصدر : الورود.
2- وسائل الشيعة 17 : 87 - 88 ، باب 4 من أبواب ما يكتسب به ، ح 1 ، و 24 : 236 ، باب 64 من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 2 : 282 ، باب 32 ، ح 57. وتقدّم في ج 1، ص 359.
3- في المصدر : شبه.
4- « ز ، ك » : أصالة.
5- في المصدر : الرابع : الأخذ بالأقلّ.
6- « ز ، ك ، ل » : في.
7- في المصدر : طهارة.
8- في المصدر : طارئ أو.
9- « ل » : فكذا.
10- ذكرى الشيعة 1 : 51 - 52.

يمكن التوصّل إليه بالقياس أم لا؟ بعد اتّفاقهم على اكتفاء حكم العقل فيه بالاستصحاب. انتهى.

وهذا (1) كما ترى ينادي بأنّ التوصّل بالاستصحاب إلى النفي الأصلي أمر مفروغ عنه عندهم.

ومنها : ما احتجّ به في المعالم من أنّ العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما تقتضيه البراءة الأصلية (2) ، ومثله ما في المعارج (3) ودلالتهما على مقصودهم وجهها (4) ظاهر.

ومنها : عنوان غير واحد من أرباب الفنّ وأصحاب الصناعة بأنّ استصحاب الحال كذا ؛ إذ من الواضح أنّ المراد منه هو الأمر الوجودي.

إلى غير ذلك من الكلمات الدالّة على ذلك تصريحا أو تلويحا ، إلاّ (5) إنّ ذلك بمعزل عن التحقيق ، فإنّ مدّعي الإجماع إن أراد أنّ القوم مطبقون على العمل بمقتضى قاعدة البراءة وهو الحكم بعدم ثبوت ما يترتّب على التكليف ، فهو حقّ ، لكنّه غير مفيد ؛ إذ من المحتمل قويّا - بل ولا بدّ أن يكون هو المتعيّن (6) - أن يكون تعويلهم على ذلك من حيث اقتضاء مجرّد الشكّ من دون احتياج إلى انسحاب الحالة السابقة بالاستصحاب كما هو قضيّة قاعدة البراءة ، أو يكون حكمهم بالعدم مستندا إلى قاعدة العدم ؛ إذ قاعدة « عدم الدليل دليل العدم » من القواعد التي توافق الاستصحاب (7) موردا. وإن أراد أنّ العمل على العدم بمقتضى قاعدة الاستصحاب بانجرار العدم المعلوم سابقا وانسحابه بالاستصحاب إلى زمن الشكّ ليترتّب عليه آثاره ، فغير سديد ؛ إذ عدم الخلاف فيما يستفاد من العبارات المتقدّمة إنّما هو إجماع عملي ، والوجه في أمثال ذلك

ص: 38


1- « ج » : هو.
2- المعالم : 234.
3- معارج الأصول : 287.
4- « ز ، ك ، م » : وجها.
5- « م » : - إلاّ ، وفي « ز ، ك ، ل » : « و » بدل « إلاّ ».
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : المعيّن.
7- « م » : الأصحاب.

ممّا يحتمل أن يكون وقوعه على وجوه مختلفة عدم جواز تعيين وجه منها ، لعدم دليل عليه بالخصوص ، على أنّك قد عرفت (1) فيما تقدّم من مباحث البراءة عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند الشكّ في البراءة وعدمها ؛ لأنّ الأحكام المترتّبة على المستصحب بعد انسحابه بالاستصحاب إنّما هو مترتّب على ما هو مقدّم طبعا عليه وهو مجرّد الشكّ بقبح العقاب بدون البيان في مجاري البراءة.

وبالجملة : فمدّعي الإجماع لا بدّ له من إثبات انعقاد الإجماع على حجّية استصحاب البراءة وإن قطعنا النظر عن اعتبار قاعدة البراءة ، بل الحكم في مواردها إنّما هو مترتّب (2) على العدم المنسحب بالاستصحاب ، ودون إثباته خرط القتاد.

على أنّ دلالة العبارات المتقدّمة على مطلوب مدّعي الإجماع في محلّ من المنع بالنسبة إلى جميعها فإنّ الاستشهاد بكلام العلاّمة إنّما يتمّ فيما لو قلنا بأنّ ضمير الجمع المضاف إليه الاتّفاق إنّما يرجع إلى القوم دون القائلين بالقياس ، مع أنّ سوق العبارة ظاهر فيه. اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ القائلين بالقياس هم النافون (3) للاستصحاب فيتمّ الاتّفاق إلاّ أنّه كما ترى.

وأمّا الاستشهاد بكلام المعالم فلم يثبت أنّ الفقرة الدالّة منها على المطلوب من كلام المستدلّ ولعلّه ناش من اجتهاده في استدلالهم.

وأمّا قولهم في العنوان فلا دلالة له على المطلوب بوجه ، وعلى التنزّل فلعلّ نظرهم مقصور على أنّ الآثار المطلوبة في الاستصحاب غالبا إنّما يترتّب على المستصحب الموجود ، فتأمل.

فالتحقيق في المقام - على ما أفاده الأستاد المحقّق المرتضى أديمت إفاداته - عموم النزاع لأقسام الاستصحاب الوجودي والبراءة الأصلية ، لأمرين :

ص: 39


1- عرفت في ج 3 ، ص 330.
2- « ج » : إنّما يترتّب.
3- « م » : النافين ، وفي « ج ، ك » : القائلين.

الأوّل : أنّه لا ريب في اتّحاد مناط الاستصحاب في الوجودي (1) والعدمي ، فإنّ المدار فيه (2) على اليقين السابق والشكّ اللاحق بأخذه مصاحبا من زمن اليقين (3) إلى زمن الشكّ ليحكم عليه بما كان يحكم عليه في ذلك الزمان ، إمّا بواسطة أنّ تحقّق الشّيء في السابق في مرتبته وتقرّره (4) في ذاته - ولو كان أمرا عدميا - يحتاج في الخروج عنه والحكم بخلافه عند العقلاء إلى دليل مخرج عن ذلك بواسطة حصول الظنّ بالبقاء ، أو بواسطة معاملتهم إيّاه معاملة السابق ولو كان مشكوكا أيضا كما يشعر بذلك بعض وجوه استدلالاتهم في مطاوي كلماتهم ، وإمّا بواسطة دلالة الأخبار على ذلك ، فإنّ الوجوه القائمة على اعتبار الاستصحاب لا يخلو من ذلك ، وكلّ ذلك بالنسبة إلى الوجود والعدم سواء ، فنحن لا نرى (5) فرقا في ذلك بين الوجود والعدم ، فتخصيص أحدهما بالخروج عن النزاع دون الآخر يشبه أن يكون ترجيحا بلا مرجّح.

الثاني : ما يدلّ على دخول البراءة الأصلية في محلّ الخلاف من عباراتهم تصريحا أو تلويحا.

منها : التفصيل الذي عزي إلى المحقّق على ما قد (6) استفيد من قوله في المعتبر بعد تثليثه أقسام الاستصحاب ، قال : استصحاب حال العقل وهو البراءة الأصلية و [ الثاني ] أن يقال عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفاؤه ، وهذا إنّما يصحّ فيما أنّه (7) لو كان هناك دليل لنظفر به (8) ، وأمّا لا مع ذلك فيجب (9) التوقّف ، ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة ، و [ الثالث ] استصحاب حال الشرع (10) ، انتهى. فإنّ اعتبار عموم البلوى في اعتبار

ص: 40


1- « ز ، ك ، ل » : اتّحاد المناط في الاستصحاب الوجودي.
2- « ز ، ك » : في الاستصحاب.
3- « ك » : السابق.
4- « ز ، ك » : تقريره.
5- « ج » : سواء ، ألا ترى.
6- « ز ، ك » : - قد.
7- في المصدر : فيما يعلم.
8- « م » : نظفر به ، وفي « ج » : لظفر به.
9- في المصدر : فإنّه يجب.
10- المعتبر فى شرح المختصر 1 : 32 مختصرا ، وما بين المعاقيف منه.

القسم الثاني يدلّ على أنّ المناط هو حصول العلم أو الظنّ المعتبر بالعدم لا ملاحظة الحالة السابقة ؛ إذ لو كان كذلك لما كان للتفصيل وجه ، لوجود الحالة السابقة في جميع الأقسام الثلاثة.

ومنها : ما أفاده الشّيخ في العدّة (1) من أنّ المحصّلين على أنّ النافي كالمثبت في الاحتياج إلى الدليل ، كما أشرنا إليه نحن (2) أيضا في بعض المباحث الماضية (3) ، ووجه الدلالة أنّ الحالة السابقة لو كانت معتبرة ودليلا لم يكن لما أفاده وجه ؛ ضرورة أنّ مدّعي النفي لا ينفكّ دعواه عن العدم الأزلي ، والمفروض صلوحه لأن يكون دليلا ، سواء كان براءة أو غيرها من الأصول العدمية ، واحتمال أنّ المراد هو احتياج النافي فيما إذا كان العدم والنفي مسبوقا بالوجود ممّا لا يصغى إليه ؛ لعدم الخلاف في ذلك لأحد ، فلا ينبغي حمل كلام الشيخ عليه.

ومنها : احتجاج المثبتين من أنّ كلّ ما ثبت دام ، فإنّ الثبوت وإن كان مرادفا للوجود على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّه قد يطلق على مطلق التقرّر (4) الشامل تسامحا للأعدام الأزلية ، ومن هنا يظهر عدم اتّجاه ما قد يورد على هذه الحجّة من اختصاصها بالوجوديات وإن كان الاعتراض على هذا الوجه حجّة على ما هو المطلوب كما لا يخفى.

ومنها : ما احتجّ إليه المرتضى رحمه اللّه (5) في احتجاج النفي من استلزام القول به التسوية بين الحالتين (6) من غير دليل ، فإنّه بعمومه شامل للاستصحاب الوجودي والعدمي (7).

ومنها : ما تمسّك به جماعة في الاحتجاج على النفي من أنّه لو كان حجّة لزم الحكم بتقديم بيّنة النافي على بيّنة المثبت ؛ لموافقته للبراءة الأصلية.

ص: 41


1- العدّة 2 : 753.
2- « ز » : أشرنا نحن إليه ، وفي « ك » : - إليه.
3- أشار في ج 3 ، ص 331.
4- « ج » : التقرير.
5- الذريعة الى أصول الشريعة 2 : 830.
6- « ز ، ك ، ل » : الحالين.
7- « ج ، م » : لاستصحاب الوجود والعدم.

ومنها : ما ذكره غير واحد من اشتراط العمل بالأصل بالفحص إلى أن يحصل القطع بعدم الدليل كما عليه البعض ، أو الظنّ كما عليه آخرون ، فإنّه ظاهر في أنّ التعويل على الاستصحاب إنّما هو بواسطة القطع أو الظنّ الحاصل بعد الفحص لا على نفس الحالة السابقة ، واحتمال اشتراطهم ذلك نظرا إلى لزوم إجراء عدم المانع بالفحص لتحصيل الظنّ من نفس الأصل - على تقدير التسليم - لا يجري على القول بتحصيل القطع ؛ إذ لا ريب في عدم إفادة الأصل القطع بنفسه لو خلّي وطبعه حتّى بالفحص يحرز عدم المانع كما لا يخفى.

ومنها : ما ذكره أستاد الكلّ في الكلّ (1) المحقّق الخوانساري من أنّ الاستصحاب ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى الشرعي وغيره ، ومثّل للأوّل بنجاسة الثوب والبدن ، وللثاني برطوبته ، ثمّ قال : وذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وبعضهم إلى حجّية القسم الأوّل فقط (2) ؛ حيث إنّه أسند الخلاف إلى غير الحكم الشرعي وهو بعمومه شامل للبراءة الأصلية كما تنبّه له المحقّق القمي - وإن كان لا يخلو عن مناقشة فيه - وبعض آخر ، إلاّ أنّ للمتتبّع ما يغني عن ذكر ذلك.

ومن هنا ينقدح أنّ دعوى خروج الأصول العدمية كأصالة عدم النقل وأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم القرينة ونحوها من الأصول المعمولة في باب الألفاظ ونحوها (3) ، أيضا داخل في النزاع ؛ إذ لا خصوصية (4) في تلك الأصول من حيث الاستصحاب على وجه لا يكون في غيره ، فتخصيص أحدهما بالخروج عن (5) تلك الحيثية تخصيص من غير ما يقضي به ، وجريان الكلمات السابقة فيها ممّا لا يدانيه ريبة ، إلاّ أنّ الأستاد دام عزّه وتحقيقه في فلك الغرّة وسماء التحقيق نقل عن شيخه الشريف رحمه اللّه (6)

ص: 42


1- « ج ، م ، ك » : - في الكلّ.
2- مشارق الشموس : 76.
3- « ج » : غيرها.
4- « ج » : + لشيء.
5- « ج ، م » : من.
6- « ز ، ك ، ل » : - رحمه اللّه.

دعوى إسناد إطباقهم (1) على خروج العدميات مطلقا إلى سيّد (2) الرياض رحمه اللّه (3) ، ولعلّه يظهر من بعض آخر دعوى الإطباق على خروجها ، وكأنّ منشأه ما نقله ولده الشهيد (4) رحمه اللّه (5) في المفاتيح في احتجاج المثبتين وهو أنّه لو لم يكن حجّة لما جاز التمسّك بأصالة عدم القرينة وأصالة عدم النسخ وأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم النقل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، أمّا الملازمة فلوضوح رجوع الأصول المذكورة إلى الاستصحاب ، وأمّا بطلان التالي فلأنّه (6) على تقديره ينسدّ سبيل المحاورة وينفتح طريق المكابرة ، وبطلان التالي - كوضوح الملازمة - ظاهر ، ومع ذلك (7) فالأصول المذكورة مجمع عليها لا يستريب فيها أحد من الأصوليين (8).

وقد أشير إلى الحجّة المذكورة في جملة من الكتب. ففي التهذيب : ولأنّ الأحكام

ص: 43


1- « م » : دعوى إطباق إسناد إطباقهم.
2- فوقها في نسخة « م » : خ : صاحب.
3- كما في تقريراته في ضوابط الأصول : 402 - 403 ، وأيضا في تقريراته للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) : 241 ، قال في ضوابط الأصول : لا ريب في دخول الاستصحاب الوجودي في محلّ النزاع ، ويظهر من بعض المتأخّرين كون الاستصحاب العدمي أيضا محلّ النزاع ، فالحقّ خلافه لوجوه : الأوّل : الإجماع المحكيّ عن الفاضل الجواد وصاحب الرياض على خروج العدمي عن النزاع. قال الأردكانى في تقريراته : والتحقيق خلافه لوجوه : الأوّل : الإجماع المحكيّ عن الفاضل الجواد والسيّد الأستاد وغيرهما الدالّ على عدم كون هذا النزاع في الأصول العدمية.
4- فوقها في نسخة « م » : خ : السيّد.
5- « ز ، ك ، ل » : - رحمه اللّه.
6- « ج ، م » : فلأنّ.
7- في المصدر : أمّا بطلان التالي فلأنّه لو لم يجز التمسّك بها ؛ للزم سدّ باب الاستدلال على الأحكام الشرعية بالكتاب والسنّة غالبا ، بل دائما ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، أمّا الملازمة ففي غلبة الظهور ، وأمّا بطلان التالي فكذلك أيضا ، ومع ذلك.
8- في المصدر : الأصوليين على الظاهر.

الشرعية مبنيّة غالبا عليه ؛ لأنّ الدليل إنّما يتمّ لو لم يتطرّق إليه المعارض من نسخ وغيره ، وإنّما يعلم نفي المعارض بالاستصحاب.

وفي المنية احتجّ عليه بأنّ أكثر الأحكام الشرعية مبنيّة على الاستصحاب ، فيكون حجّة. أمّا الأوّل : فلأنّ الدليل إنّما يجب العمل به إذا لم يطرأ عليه ما يزيل حكمه إمّا مطلقا كالناسخ ، أو بعض مدلولاته كالتخصيص للعامّ والتقييد للمطلق ، أو معارضة دليل راجح عليه ولا وسيلة إلى العلم بانتفاء (1) ذلك إلاّ من الاستصحاب.

وأمّا الثاني : فبيّن.

وفي الرسالة الاستصحابية : ومنهم من أنكر حجّية الضرب الأوّل ، لكن نجد من الجميع حتّى المنكر مطلقا أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، مثلا يقولون : الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا ، فكذلك لغة (2) ؛ لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون أيضا بأصالة بقاء المعنى اللغوي ، فينكرون الحقيقة الشرعية ، إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبّع (3).

وفي بعض شروح المنهاج للإسنوي (4) : وأيضا لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يكن الأحكام الشرعية (5) في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثابتة في زماننا أصلا ؛ لجواز تطرّق النسخ عليها ، فلم تبق (6) ثابتة ، لكنّ الأحكام الثابتة في زمانه صلى اللّه عليه وآله باقية في زماننا بالاتّفاق ، ولم يكن دليل (7) عليها غير الاستصحاب (8) ، انتهى.

ووجه دلالة هذه الحجّة على خروج استصحاب العدم من حريم الخلاف هو أنّ عدم اعتبار تلك الأصول العدمية إنّما جعل تاليا في الشرطية التي يطلب منها اعتبار

ص: 44


1- في المصدر : ببقاء.
2- « ج ، م » : بعد ، وفي المفاتيح : لغته.
3- الرسائل الأصولية ( رسالة الاستصحاب ) : 424.
4- في المصدر : - للإسنوي.
5- في « ل » والمصدر : الشرعية الثابتة.
6- في المصدر : فلم يبق.
7- في المصدر : - دليل.
8- مفاتيح الأصول : 644.

مطلق الاستصحاب باستثناء (1) نقيض التالي لينتج وضع (2) المقدّم ، لاتّحاد المناط وهو سبق اليقين ولحوق الشكّ ، وهو موجود في جميع الأقسام.

ومع ذلك كلّه فالتحقيق شمول النزاع للعدميات ؛ لعدم الفرق في نظر العقل بين الوجودي والعدمي في لحاظ الاستصحاب ، وأمّا دعوى الإجماع على الخروج فنظير دعوى الإجماع على خروج البراءة الأصلية ، وقد عرفت عدم إمكان استكشاف الوجه منه بعد احتمال انعقاده على وجوه مختلفة ، والعمل على طبق الأصول اللفظية ممّا لا يجدي.

وأمّا الجواب عمّا أوردناهما - [ و ] لعلّه يكون منشأ لتخيّل انعقاد الإجماع (3) - فهو أنّه كما يحتمل أن يكون احتجاجا لإثبات حجّية مطلق الاستصحاب بواسطة حجّية قسم منها لاتّحاد المناط ، كذلك يحتمل أن يكون المقصود إثبات حجّية هذا القسم من الاستصحاب أيضا كأن يكون المقصود أنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة في النفي والإثبات مطلقا لزم منه انسداد باب المحاورات والاحتجاجات ، ونظير ذلك في احتماله الوجهين ما مرّ نقله عن (4) المعارج والمعالم (5) من أنّ (6) العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما تقتضيه البراءة الأصلية ؛ إذ يحتمل أن يكون الفقرة الأخيرة من اجتهاد الناقل لا من المستدلّ.

على أنّا لو سلّمنا الإجماع على خروج العدميات من النزاع ، فهو إنّما يسلّم في الأصول المعمولة في الألفاظ فقط ، وأمّا سائر الأصول العدمية ، كأصالة عدم الزوجية والملكية والتذكية ، وعدم الطهارة ، وعدم النجاسة ، وعدم الرطوبة واليبوسة ، ونحوها ،

ص: 45


1- « ج » : فاستثناء.
2- « ج » : بوضع.
3- « ل » : للتخيّل لانعقاد الإجماع ، وفي « ز ، ج » : التخيّل انعقاد الإجماع.
4- « ل » : من.
5- المعارج : 287 ؛ المعالم : 234 ، ومرّ نقله في ص 38.
6- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : بأنّ.

فدخولها في النزاع ممّا لا يدانيه ريب ، بل يظهر من صاحب المدارك والمحقّق الخوانساري (1) صراحة عدم اعتبار مثل هذه الأصول فكيف يمكن دعوى الإجماع عليه ، وإن كان يمكن دعوى اتّحاد المناط بعد خروج الأصول العدمية اللفظية ، إلاّ أنّ الكلام مع مدّعي الإجماع.

فإن قلت : فهل يمكن إنكار انعقاد الإجماع على اعتبار الأصول العدمية؟ ولعلّ المنكر ممّن لا يقطع بشيء في زمان أبدا ، فإنّه يشبه أن يكون إنكارا للأمر الضروري.

قلت : فهل يمكن دعوى الإجماع من الكلّ على ذلك بعد ما عرفت من وجوه (2) الاختلاف (3) وضروب الاعتساف في كلماتهم؟ نعم يصحّ دعوى انعقاد الإجماع العملي على هذه الأصول فإنّه بمكان من التسليم ، ولا ينافي ذلك دعوى بعضهم بحسب اجتهاده الإجماع على خروجها.

وقد يعترض على دعوى الإجماع بأنّ مفروغية الاستصحاب العدمية تلازم (4) المفروغية في جميع أقسام الاستصحاب ، واللازم باطل ، وكذا الملزوم ، أمّا (5) الملازمة فلعدم انفكاك الاستصحاب الوجودي عن استصحاب عدمي في أيّ مورد فرض ، فإنّ لكلّ أمر وجودي ضدّا أو أضدادا (6) ، ولا أقلّ من استصحاب عدم الضدّ أو الأضداد ، مثلا الطهارة يضادّها الحدث ، والزوجية يباينها المزيل لها ، والملكية يناقضها (7) النقل والانتقال ، فعند استصحاب الطهارة يستصحب عدم عروض الحدث ، وفي استصحاب الزوجية عدم المزيل للعلقة ، وفي الملكية عدم النقل والانتقال ، وفي استصحاب وجوب ردّ الوديعة عدم ثبوت ما عدا ذلك بالشرع ، إلى غير ذلك من الموارد ، فإنّ عدم تلك

ص: 46


1- انظر مدارك الأحكام 2 : 387 و 3 : 158 وذهب إليه أيضا المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد 2 : 227 ، 232 ؛ كفاية الأحكام : 252. وسيأتي عنهم في ص 230.
2- « ل » : وجود.
3- « ز ، ك » : الخلاف.
4- « ج ، م » : يلازم ، وفي « ل » : ملازم.
5- « ز ، ك ، ل » : وأمّا.
6- « م » : ضدّ أو أضداد.
7- « ك » : يباينها.

الأمور وإن كان يغاير المطلوب في استصحاب الوجود إلاّ أنّه يلازمه ؛ لأنّ نفي الضدّ أو الأضداد يلازم وجود الآخر ، وأمّا بطلان اللازم فأظهر من أن يظهر وأوضح من أن يوضح ؛ لعود النزاع بين الأقوال التى حافظوا على ضبطها وتحريرها وتنقيحها عبثا ولغوا.

وقد يجاب عنه بأنّ استصحاب تلك الأعدام التي هي أضداد لتلك الأمور الوجودية لا يجدي في ترتيب أحكام الأمور الوجودية عليها ، غاية الأمر أنّ ما يترتّب على نفس تلك الأعدام يمكن إثباته (1) بالاستصحاب دون غيرها ؛ لأنّها على تقدير التسرّي إلى أحكام الوجود أصول مثبتة ولا تعويل عليها.

وفيه أوّلا : أنّ أحكام الوجود والعدم قد تتّحد (2) ، فلا حاجة إلى انسحاب الحالة الوجودية وانجرارها في زمن الشكّ ليترتّب عليها (3) أحكامها ، وذلك في استصحاب العدالة التي هي ملكة وجودية ، واستصحاب عدم الفسق ، فإنّ صحّة الوصيّة إنّما تترتّب (4) على عدم الفسق كما تترتّب (5) على العدالة أيضا ، نعم فيما لو اختلف لا يمكن الاتّكال والتعويل في ثبوت العنوان الوجودى باستصحاب العدم ، فلا يترتّب عليه ، كما أنّه لا يجوز الائتمام لمن استصحبنا عدم فسقه مثلا ، وكما أنّ استصحاب عدم الحدث (6) ممّا يترتّب عليه جواز الدخول في الصلاة أو غيرها ممّا تكون (7) الطهارة شرطا فيه على ما يستفاد من عنوان بعض الأخبار ، وكما في استصحاب عدم وجوب القطع للمتيمّم الواجد للماء في الأثناء ، فإنّ ذلك يكفي في الطهارة ولا حاجة إلى استصحابها.

وثانيا : أنّ الأصول المثبتة ممّا لا تعويل عليها على تقدير الأخبار ، وأمّا على تقدير

ص: 47


1- « ز ، ك ، ل » : إتيانه.
2- « ج ، م » : يتّحد.
3- « ج » : عليه.
4- المثبت من « ل » وفي سائر النسخ : « يترتّب ».
5- « ز ، ج ، م » : يترتّب.
6- « ز » : الحادث ، « ل » : الحادثات.
7- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « يكون ».

الظنّ كما عليه الأكثرون (1) من أصحابنا ومخالفينا ممّن قال بالاستصحاب وعلى تقديره ، فلا ينبغي التردّد (2) في اعتبار (3) الأصول المثبتة ، فإنّه إذا من الأدلّة الاجتهادية التي تكشف (4) عن الواقع ، وبعد انكشافه وتقدير اعتبار الكاشف فلا بدّ (5) من الأخذ بجميع لوازمه وملزوماته ، إلى غير ذلك من الوجوه المتفرّعة عليه والعناوين المنتهية إليه على ما ستعرف تفصيل الكلام فيه.

اللّهمّ إلاّ أن يدّعى التفكيك بين الظنّ (6) اللازم الحاصل من استصحاب الملزوم فلا عبرة (7) ، والظنّ المتعلّق بنفس المستصحب فهو معتبر ، كما أنّ الشّارع قد حكم بالتفكيك بين الظنّ الحاصل من القبلة بالوقت ، فإنّه قد اعتبره في القبلة دون الوقت ، إلاّ أنّ ذلك خارج عمّا نحن بصدده ؛ إذ بعد اعتبار الظنّ فلا وقع لهذا الكلام كما لا يخفى.

فانقدح من جميع ما مرّ ذكره عموم النزاع للبراءة الأصلية والأصول العدمية بأجمعها.

المقام الثاني

فى الجهة الثانية من وجوه تحرير الخلاف ، فنقول : ربّما يتخيّل اختصاص حريم الخلاف بما إذا لم يكن دليل الحكم هو الإجماع ، كما يظهر وجهه عند وجوه الأقوال ، والحقّ عموم النزاع لعموم الأدلّة والعناوين والأمثلة وكلمات المثبتين والنافين ، وقد مرّ في المقام الأوّل ما به (8) يمكن الاكتفاء عن نقل كلماتهم في إثبات المطلب ، فراجعه متدبّرا فيها (9).

ص: 48


1- « ج » : الأكثر.
2- « ز ، ك ، ل » : فلا ينفي الردّ.
3- « ز ، ل » : وفي اعتبار.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « يكشف ».
5- « ز » : فلأنّه.
6- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : « ظنّ ».
7- « ك » : فلا عبرة به.
8- « ج » : بأنّه.
9- « ز ، ك ، ل » : فراجعه فتدبّر.

المقام الثالث

في الجهة الثالثة منها ، فنقول : يظهر من عدّهم الاستصحاب في عداد الأدلّة العقلية - كما يقال كثيرا : ومن جملة الأدلّة العقلية الاستصحاب - اختصاص النزاع بالأحكام ؛ لأنّ الأدلّة العقلية مفسّرة في كلامهم بالأحكام العقلية الموصلة إلى الأحكام الشرعية ، والموضوعات ليست (1) منها ، والاستصحاب فيها ليس (2) دليلا ، بل هو أمارة كاليد والبيّنة وإن توقّف اعتباره فيها على حكم الشارع ؛ إذ ذلك لا يقضي بكونه دليلا كما في البيّنة ، لأنّ (3) ما يثبت بها ليس حكما شرعيا ، فإنّ دخول زيد في « من يجب عليه كذا » مثلا ، ليس من الحكم الشرعي (4) في شيء ، فالحكم الشرعي هو الخطاب المتعلّق بالعنوان الكلّي ، والبيّنة إنّما أقيمت على انطباق ذلك العنوان بالموضوع الخاصّ ، فالثابت (5) بالاستصحاب فيما إذا كان المستصحب حكما كلّيا شرعيا هو الحكم الكلّي ، وفيما إذا كان موضوعا إنّما هو صغرى لقياس يثبت فيه سريان الحكم الكلّي إليه.

وبالجملة : فقضيّة ذلك خروج الموضوعات عن محلّ النزاع ، ولقد أومأ إلى ذلك أمين الأخبارية في الفوائد المدنية حيث قال : اعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الأمّة ، ثمّ ترقّى عن ذلك فقال : بل أقول : اعتبارهما من ضروريات الدين ، إحداهما : أنّ الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلى اللّه عليه وآله إلى أن يجيء ما ينسخه (6) ، وثانيهما : أنّا نستصحب كلّ أمر من الأمور الشرعية ، مثل كون الرجل مالك أرض ، وكونه زوج امرأة ، وكونه عبد رجل ، وكونه على وضوء ، وكونه

ص: 49


1- « ج » : التي ، وفي « م » كانت أوّلا « التي » ثمّ غيّرت ب- « ليست ».
2- « ز ، ك ، ل » : ليس فيها.
3- « ز ، ك ، ل » : ولأنّ.
4- « ل » : من الأحكام الشرعية.
5- « ج » : فالذاهب.
6- « ز » والمصدر : بنسخه.

طاهرا أو نجسا ، وكون الليل والنهار باقيا ، وكون ذمّة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف ، إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا لنقض تلك الأمور ، ثمّ ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين ، وقد يكون قول الحجّام المسلم أو المؤمن (1) ، وقد يكون قول القصّار المسلم (2) ، وقد يكون بيع ما يحتاج إلى الذبح والغسل في سوق المسلمين ، وأشباه ذلك من الأمور الحسّية (3) ، انتهى كلامه. ودلالته على كون الموضوعات خارجة (4) عن محلّ الكلام ممّا لا يدانيه وصمة الريب والإنكار.

وتبعه في ذلك الشيخ الجليل الحرّ العاملي في الفوائد الطوسية حيث قال - بعد نقل كلام عن بعض معاصريه في الردّ على منكري البراءة الأصلية والاستصحاب - ما هذا لفظه : واعلم أنّ كلام المعاصر وغيره هنا مجمل يحتاج إلى التفصيل ليتحقّق (5) محلّ النزاع ، ونحن نفصّل ونقول : الأصل يطلق على معان ويستدلّ به في مواضع اثني عشر ، فأخذ في تعدادها إلى أن قال : السابع : نفي تغيّر الحكم الشرعي في الحالة السابقة ، وهو المسمّى بالاستصحاب في نفس الحكم الشرعي إثباتا ونفيا. والثامن : نفي (6) تغيّر الحالة السابقة إلى أن يثبت تغيّرها ، وهو المسمّى بالاستصحاب في غير نفس الحكم الشرعي ، إلى أن قال بعد ذكر تمام المواضع الاثني عشر : وأمّا السابع ففيه خلاف مشهور ذهب (7) إلى بطلانه المحقّقون كالسيّد والشيخ والمحقّق والشيخ حسن ومولانا محمّد أمين وصاحب المدارك وغيرهم ، إلى أن قال : وأمّا الثامن فلا خلاف فيه والنصوص الشرعية دالّة عليه عموما وخصوصا (8) ، انتهى. ووجه دلالته على خروج

ص: 50


1- في المصدر : أو من في حكمه.
2- في المصدر : + أو من في حكمه.
3- الفوائد المدنية : 288 ، في ط الحجري : 143.
4- « ج ، م » : خارجا.
5- في المصدر وظاهر نسخة « ز » : لتحقّق ، وفي « ك » : لتحقيق.
6- هنا تنتهي نسخة « ل ».
7- في المصدر : وقد ذهب.
8- الفوائد الطوسية : 198 - 199 و 201.

الموضوعات ظاهر لا ينكر ؛ إذ الموضع (1) الثامن المراد به الموضوعات ، وقد مرّ في المقام الأوّل من الكلمات ما يشعر بذلك (2) أيضا.

ولكنّ التحقيق بعد ذلك كلّه دخولها (3) في محلّ الخلاف ، ويدلّ على ذلك - بعد عموم المناط في الكلّ ، فلا تعقل (4) التفرقة بين أقسامه - أمور :

أحدها : كلام العضدي حيث قال - بعد تعريف الاستصحاب بما أشرنا إليه سابقا (5) - : وقد اختلف في صحّة الاستدلال به لإفادة (6) الظنّ بالبقاء (7) ، وعدمها لعدم إفادته إيّاه ، فأكثر المحقّقين - كالمزني والصيرفي والغزالي - على صحّته ، وأكثر الحنفية على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعي (8) ، انتهى. وجه (9) الدلالة أنّ لفظ الحكم في كلامه وإن كان ظاهرا في الحكم الكلّي إلاّ أنّ قول التفتازاني في شرحه بأنّ هذا إشارة إلى أنّ خلاف الحنفية في ذلك في إثبات الحكم الشرعي بالاستصحاب لا نفيه به ، يدلّ على أنّ المراد به الأعمّ من الأحكام الكلّية أو الجزئية ، وأنّ خلاف الحنفية في كلّ من القسمين ، سيّما بعد ملاحظة التمثيل في كلام الأوّل باستصحاب حياة المفقود.

وثانيها : ما في المدارك من إنكار حجّية استصحاب عدم التذكية حيث قال - بعد نقل الاحتجاج على حرمة استعمال الجلد المطروح بأصالة عدم التذكية - : ويشكل بأنّ مرجع الأصل هنا (10) إلى استصحاب الحالة (11) السابقة ، وقد تقدّم الكلام منّا فيه مرارا وبيّنّا أنّ الحقّ أنّ استمرار الحكم يتوقّف على الدليل كما يتوقّف عليه ابتداؤه ؛ لأنّ ما

ص: 51


1- « ج » : الموضوع.
2- « ز ، ك » : به.
3- « ز ، ك » : هو دخولها.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « فلا يعقل » وظاهر نسخة « ز » : يقضي.
5- أشار في ص 11.
6- في المصدر : لإفادته.
7- « ج ، م » والمصدر : ظنّ البقاء.
8- شرح مختصر المنتهى : 453 ، وسيأتي أيضا نصّ عبارته في تعليقة ص 60.
9- « ك » : ووجه.
10- « ج ، م » : هاهنا.
11- في المصدر : حكم الحالة.

ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، فلا بدّ لدوامه من دليل وسبب سوى دليل الثبوت (1) - (2) ، انتهى. وظهور دلالته على عدم اعتبار الاستصحاب في مثل عدم التذكية التي من الموضوعات أيضا ممّا لا يقبل الارتياب ، ومن هنا يظهر وجه آخر في عموم النزاع للاستصحابات العدمية كما أشرنا إليه في المقام الأوّل.

وثالثها : عموم أدلّة المثبتين والنافين لكلّ من القسمين ، فإنّ بناء العقلاء على الاعتبار ممّا لا يفرق فيه بينهما ، وكذا التسوية بين الحكمين في الزمانين من غير دليل ممّا لا دليل على افتراقها بين القسمين ، وستقف على جملة أخرى من أدلّة الطرفين الظاهرة في التعميم إن شاء اللّه.

وأمّا الوجوه الدالّة على خروج الموضوعات ممّا قدّمناها ، فالجواب عنها : أنّ أمثال ذلك في عناوينهم غير عزيز ، مع عموم النزاع لغير ذلك أيضا إلاّ أنّ وجه (3) التخصيص تعلّق غرض أرباب العنوان بهذا القسم منه ، على أنّ الاستصحاب ليس أمارة كما هو القياس في البيّنة ، وتحقيق ذلك : أنّ الشارع تارة : يجعل شيئا أمارة لدخول (4) بعض أفراد العنوان فيه عند الشكّ في ذلك ، كما في البيّنة - مثلا - على تقدير اعتبارها تعبّدا ، وأخرى : يجعل للمشكوك حكما كما يجعل لنفس العنوان الكلّي مع قطع النظر عن كونه مشكوكا حكما ، والاستصحاب من قبيل الثاني لا الأوّل كما لا يخفى.

وأمّا دعوى الإجماع - على ما استظهره (5) الخصم من الكلمات المذكورة - فواهية جدّا بعد ما عرفت من الخلاف في كلام الخاصّة والعامّة ، ولنعم ما أفاده (6) الأستاد - بعد نقله كلام الأمين ما هذا لفظه : عجبا ممّن ينكر الإجماعات التى يدّعيها العلماء الماهرون

ص: 52


1- « ز ، ك » : فلا بدّ من الدليل في دوامه غير دليل الثبوت.
2- مدارك الأحكام 2 : 387. وسيأتي عنه في ص 230. وفي هامش « م ، ز » : ولقد رأيت في كلام المدارك كثيرا ما يتمسّك بالأصل ، ولعلّه إنّما كان منه جريا على طريقة القوم في استفاض [ ة ] الأدلّة على المطلوب. « منه ».
3- « ج » : أيضا ووجه.
4- « م » : دخول ، « ج » : الدخول.
5- « ز ، ك » : استظهر.
6- « ز ، ك » : أفاد.

في التتبّع المتبحّرون في النقد والتحصيل مع عدم وجدانه الخلاف ، ويطعن عليهم - بقوله : الإجماع ما الإجماع؟! ثمّ يدّعي إجماع الأمّة ، بل ضرورة الدين فيما يكون الخلاف فيه بين المسلمين من الخاصّة والعامّة مشهورا معلوما لكلّ أحد راجع كتبهم واستدلالاتهم في النفي والإثبات. انتهى لفظه الشريف أدام اللّه كرامته.

على أنّ دعوى انعقاد الإجماع على خروج شيء من النزاع غير كون ذلك الشيء إجماعيا خارجا عن النزاع ، والممنوع هو الثاني لا الأوّل ، فتأمل.

المقام الرابع

فى الجهة الرابعة ، فنقول : قد يظهر من جواد الفضلاء تخصيص النزاع بما إذا كان الشكّ من جهة المقتضي على أحد الوجوه المقرّرة فيه ، وعدم شمول النزاع فيما إذا كان الشكّ من حيث المانع ، ولعلّه تبعه في ذلك صاحب المعالم حيث إنّهما قد أرجعا قول المحقّق إلى قول السيّد القائل بالعدم.

قال المحقّق في المعارج - بعد ما نقل الخلاف في الاستصحاب واختياره قول المفيد من اعتباره واحتجاجه على مختاره وردّ أدلّة المانعين - : الذي (1) نختاره أن ننظر في الدليل المقتضي لذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقا وجب القضاء باستمرار الحكم ، كعقد النكاح فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، وإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق (2) كقوله : « أنت خليّة وبريّة » فإنّ المستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بهما لو قال : حلّ الوطء ثابت قبل النطق بهذه فيجب أن يكون ثابتا بعده (3) ، لكان استدلالا صحيحا ؛ لأنّ المقتضي للتحليل - وهو العقد - اقتضاه مطلقا ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيكون الحكم ثابتا عملا بالمقتضي.

ص: 53


1- « ز » : بالذي ، « ك » : فالذي.
2- « م » : الخلاف ، « ج » : ألفاظ الطلاق.
3- في المصدر : بعدها.

لا يقال : المقتضي - وهو العقد - لم يثبت (1) أنّه باق فلم يثبت الحكم (2) ؛ لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا بوقت ، فيلزم (3) دوام الحلّ نظرا إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه ، فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع ، فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل ، وإن كان يعني به أمرا وراء ذلك فنحن مضربون عنه (4) ، انتهى كلامه (5).

وقال الشارح الجواد - بعد نقل كلامه - : وهو جيّد لكنّه في الحقيقة رجوع (6) إلى مذهب المرتضى (7).

وقال في المعالم : وهذا كلام جيّد لكنّه عند التحقيق رجوع عمّا اختاره أوّلا ومصير إلى القول الآخر كما يرشد إليه تمثيلهم موضع (8) النزاع بمسألة التيمّم ويفصح عنه حجّة المرتضى ، فكأنّه استشعر ما يرد على احتجاجه من المناقشة فاستدرك بهذا الكلام - وقد اختاره (9) في المعتبر - قول المرتضى ، وهو الأقرب (10) ، انتهى.

فقضيّة إرجاعهما قول المحقّق إلى قول المرتضى اختصاص النزاع عندهم بما إذا كان الشكّ من حيث المقتضي ؛ ضرورة أنّه لو كان النزاع أعمّ من الجهة المفروضة وما إذا كان الشكّ في المانع بأقسامه ، لما كان للإرجاع المذكور وجه ، بل يكون المحقّق مفصّلا بين القسمين لا منكرا للكلّ كالمرتضى.

والحقّ عموم النزاع للقسمين وشموله للجهتين ، وأنّ ما أورداه في حمل كلام المحقّق

ص: 54


1- في المصدر : ولم يثبت.
2- « ز ، ك » : باق فالحكم ليس بثابت.
3- المثبت من بعض نسخ المصدر ، وفي النسخ : فلزوم.
4- المعارج : 289 - 290.
5- « م ، ج » : - كلامه.
6- « ك » : راجع.
7- غاية المأمول فى شرح زبدة الأصول ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) 85 / ب ، وفيه : في الحقيقة اختيار المرتضى.
8- في المصدر : لموضع.
9- « ز ، ك » : وقد اختار.
10- معالم الدين : 235.

ممّا لا يصغى إليه بعد وضوح مراده وظهور كساده ؛ لما عرفت من عدم ما يقضي (1) بالتخصيص عنوانا وتمثيلا واستدلالا بعد اتّحاد المناط في الكلّ وعدم معقولية التفرقة بينهما بدون ذلك.

تذنيب

هل النزاع في حجّية الاستصحاب من جهة الظنّ أو من حيث إنّها قاعدة تعبّدية وإن لم يفد (2) ظنّا في موارده أبدا فعلى الأوّل يكون كسائر الأدلّة الاجتهادية الكاشفة عن واقع مدلولها ، وعلى الثاني يكون كالبيّنة واليد ونحوهما من التعبّديات؟ فنقول : لا إشكال في قابلية وقوع النزاع على كلّ من الوجهين مع قطع النظر عن مذاقهم ومشربهم.

فعلى الأوّل يحتمل (3) أن يراد بالظنّ المبحوث عنه الظنّ النوعي ؛ إذ من الواضح الجليّ أنّ الاستصحاب يفيد الظنّ فيما لم يكن له من الخارج ما يوهن الركون إلى الحالة السابقة كغيره من وجوه الأدلّة الاجتهادية ، وأن يراد به الظنّ الشخصي ؛ لأنّه الظاهر منه في بادئ الرأي ، ويوافقه ظهور جملة من الحجج ، بل صرّح بدورانه مداره شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث قال : لا يخفى أنّ الظنّ الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لا يبقى على نهج واحد ، بل يضعّف بطول (4) المدّة شيئا فشيئا ، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان ، بل ربّما يصير الطرف الراجح مرجوحا ، كما إذا توضّأ عند الصبح - مثلا - وذهل عن التحفّظ ، ثمّ شكّ عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة في ذلك الوقت ، والحاصل أنّ المدار على الظنّ ، فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف (5) ، انتهى كلامه.

ص: 55


1- « ج » : يقتضي.
2- « ج » : تفد.
3- « ج ، م » : فيحتمل.
4- « ج » : لطول.
5- حبل المتين 1 : 164 ، وفي ط الحجري : 37.

إلاّ أنّه يشكل الاعتماد عليه ؛ لعدم اطّراده في الموارد التي بنوا فيها على الاستصحاب كما يظهر من ملاحظة سيرتهم في الفقه ، ويحتمل أن يكون النزاع في إفادته الظنّ كما يظهر عمّا سبق نقله من العضدي (1) ، فالنزاع صغروي ، وأن يكون في اعتباره أيضا كما لعلّه يومئ إليه محقّق القوانين ، وكيف كان فالنزاع في اعتبار الاستصحاب من حيث الظنّ على أحد الوجوه المحتملة فيه هو الظاهر من السلف ، كما ينبئ عن ذلك عدم احتجاجهم بأخبار النقض إلى أن وصلت النوبة إلى الشيخ الجليل الشيخ حسين العاملي والد شيخنا البهائي ، فإنّه أوّل من فتح باب الاستدلال بها في الاستصحاب حيث قال [ - بعد ذكر بعض أخبار الاستصحاب - وهذا في الحقيقة راجع إلى أصل بقاء الشيء على ما كان وهو الاستصحاب كما قدّمناه ، ويتفرّع على ذلك كثير من مسائل الفقه ، كمن تيقّن الطهارة وشكّ في عروض الناقص لا يلتفت وبالعكس يجب الطهارة ، ومن تيقّن طهارة بدنه أو ثوبه وشكّ في عروض النجاسة لا يلتفت وبالعكس يجب التطهير ، وهذا وأمثاله ممّا لا خلاف فيه. (2)].

وعلى الثاني فيحتمل أن يكون المراد بالتعبّد هو التعبّد الشرعي كما هو الظاهر ممّن (3) جنح إليه محتجّا بأخبار النقض ، بل وهو صريح البعض ، وأن يكون تعبّدا عقلائيا ؛ حيث إنّهم مفطورون على البناء على الحالة السابقة والأخذ بها تصحيحا لأمور معادهم وتسهيلا في أمور معاشهم ، بل وربّما يظهر ذلك من احتجاج المعارج (4) من ثبوت المقتضي وعدم صلوح الرافع للرفع ، ومن احتجاج الشيخ في الزبدة (5) من أنّه لولاه لم يتقرّر (6) المعجزة ، وعلى التقديرين فهل التعبّد مطلق وإن كان الظنّ على الخلاف

ص: 56


1- سبق نقله في ص 11 و 51.
2- لم يرد مقول قوله في النسخ وموضعه في نسختي « م ، ز » بياض قدر ثلاث أسطر ، واستدركناه ما بين المعقوفين من العقد الطهماسبى : 24.
3- « ز ، ك » : فمن.
4- المعارج : 286.
5- « ز ، ك » : زبدته. زبدة الأصول : 106.
6- في المصدر : لم تتقرّر.

أو مقيّد بما إذا لم يكن الظنّ على الخلاف؟ وجهان : الأقوى هو الأخير إلاّ أنّ ذلك مع قطع النظر عن كلماتهم ، وإلاّ فهي مضطربة في الغاية ومختلفة في النهاية ، فقد يظهر منهم الاحتجاج بحجّة (1) ظنّية مع عدم اقتصارهم فيه بالظنّ (2) عند العمل والفتوى ، فإنّ جملة منهم اعتمدوا عليه وإن كان الظنّ على الخلاف ، وينادي بذلك كلماتهم في الفقه ، وأوضح دلالة على ذلك (3) حكمهم بتقديم الأصل على الظاهر ، بل ربّما يظهر من الشهيد (4) تقدّم الظاهر على الأصل في موارد معدودة ، ونحن نتعرّض للبحث عن اعتباره وذكر الاحتجاجات الواردة فيه بكلا الطريقين تتميما للمبحث وتحقيقا للمذهب كما هو ديدن القوم في تصانيفهم وكتبهم ، وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 57


1- « ك ، ز » : حجية.
2- « ج » : على الظنّ.
3- في « م ، ج » زيادة « من » وشطب عليها في نسخة « م ».
4- تقدّم عنه في ج 1 ، ص 290.

ص: 58

هداية [ في ذكر الأقوال في اعتبار الاستصحاب ]

اختلف الآراء في اعتبار الاستصحاب فيما عرفت من موارد النزاع وعدمه على أقوال كثيرة ، بل عدّها بعضهم (1) إلى نيّف (2) وخمسين وإن كان بعيدا عن التحقيق ، فإنّه يرى من لا يحكم باعتبار الاستصحاب الساري مفصّلا في المسألة مثلا وفساده ممّا لا يكاد يخفى. ونحن نذكر شطرا منها ممّا له وجه معروف ، لعدم الجدوى في غيره.

فنقول : المشهور من الأقوال أربعة عشر قولا :

الأوّل : الحجّية من باب الوصف مطلقا ، عزاه في الوافية (3) إلى الأكثر.

الثاني : عدم الحجّية كذلك ، عزاه في المنتهى إلى الأكثر ، ولعلّه ليس في محلّه ؛ إذ الأكثر - على ما يشاهد من أكثر موارد كلماتهم ومطاوي إفاداتهم - على الحجّية ولو في الجملة.

الثالث : ما نسب إلى بعض المتأخرين في حكاية بعض الأجلّة (4) من التفصيل بين الشكّ في عروض القادح فيعتبر ، وبين (5) الشكّ في قدح العارض فلا يعتبر.

ص: 59


1- نسبه إلى بعض المعاصرين في وسيلة الوسائل : 289 ، ثمّ قال : وإن كان المذكور منها في الكتب المعروفة في مقام تعداد الأقوال لا يزيد عمّا ذكره شيخنا المصنّف رحمه اللّه.
2- « ج ، م » : بل إنّما جعله بعضهم نيّفا.
3- الوافية : 218.
4- الفصول : 367 ( ثالث الأقوال ).
5- « ز ، ك » : - بين.

الرابع : التفصيل بين ما إذا شكّ في عروض ما علم مانعيته للحكم الشرعي الذي ثبت استمراره إليه مع عدم العلم بطروّ ما يحتمل كونه ذلك الرافع فيعتبر ، وبين غيره فلا يعتبر ، ذهب إليه المحقّق السبزواري (1) في بيان حكم الكرّ المسلوب إطلاقه بممازجة المضاف النجس.

الخامس : التفصيل بين ما ثبت استمراره إلى غاية معيّنة عند الشكّ في حصوله أو في صدقها على أمر حاصل مع العلم بصدقها على (2) غيرها فيكون معتبرا ، وبين غيره فلا يكون معتبرا (3) ، وهو المنسوب إلى أستاد الكلّ المحقّق الخوانساري في شرح الدروس (4) عند قول الشهيد : ولا يجزي ذو الجهات الثلاث في الاستنجاء.

السادس : التفصيل بين النفي والإثبات ، فأثبتوه في النفي ونفوه في الإثبات ، حكاه العضدي عن أكثر الحنفية (5).

السابع : التفصيل بين الأحكام الطلبية فلا يجري فيه ، وبين غيره من الأحكام الوضعية فيجري فيه (6).

الثامن : هو السابع بانضمام الإباحة إلى الوضعيات في الجريان ، وقال بعض الأجلّة :

ص: 60


1- الذخيرة : 116 ، وعنه في الفصول : 367 ( رابعها ).
2- « ز ، ك » : - على.
3- « ز ، ك » والفصول : وبين غيره فلا يعتبر.
4- مشارق الشموس : 76 ، وعنه في الفصول : 367 ( خامسها ).
5- شرح مختصر المنتهى : 453 ، وعنه في الفصول : 367 ، الشرح للعضدي والمتن للحاجبي ، قال الماتن : الاستصحاب : الأكثر كالمزني ... على صحّته وأكثر الحنفية على بطلانه ، كان نفيا أصليا أو حكما شرعيا. وقال الشارح أيضا : ... وأكثر الحنفية على بطلانه ، فلا يثبت به حكم شرعي. وحكاه الكلباسي في اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) ٩٤ / ب_ حيث قال : والتفتازاني نسب في شرح شرحه إلى الحنفية عدم الحجّية في إثبات الحكم الشرعي دون النفي الأصلي.
6- حكاه في الفصول : 367 ( سابعها ) وقال : نقل ذلك عن بعض. وهو مذهب الفاضل التوني كما سيأتي في ص 113.

ولعلّهما متّحدان ، والمسامحة من الناقل (1).

التاسع : عكس ذلك ، ولم يعلم قائله على ما قيل (2).

العاشر : التفصيل بين الحكم الشرعي فيعتبر ، وبين الأمور الخارجية فلا يعتبر ، يظهر من المحقّق الخوانساري في الحاشية (3) على ما ستعرف الكلام فيها ، ونسب إلى السبزواري أيضا (4).

الحادى عشر : عكس ذلك.

الثاني عشر : التفصيل بين ما ثبت الحكم فيه (5) بالإجماع فلا يعتبر ، وبين غيره فيعتبر ، نسب إلى الغزالي (6) وكتابه في الأصول - على ما حكاه البعض - ممّا لا عين فيه منه (7) ولا أثر ، ولعلّه إنّما أخذوه من كتابه في الفقه ، وستعرف أنّ المنقول منه ممّا لا يدلّ على التفصيل المذكور.

الثالث عشر : ما اختاره بعض الأجلّة (8) وهو التفصيل بين ما إذا كان قضيّة الشيء المعلوم ثبوته بقاءه في الوقت المشكوك بقاؤه فيه لو لا عروض المانع أو منع العارض فيعتبر ، وبين غيره فلا يعتبر.

الرابع عشر : ما جنح (9) إليه جملة من متأخّري المتأخّرين وهو اعتباره مطلقا من

ص: 61


1- الفصول : 367 ( ثامنها ).
2- حكاه أيضا في الفصول : 367 في تاسع الأقوال.
3- سيأتي كلامه بتمامه نقلا من شارح الوافية في ص 136 - 138 ، ونقل عنه أيضا المحقّق القمي في القوانين 2 : 66 وفي ط : ص 273 وأورده أيضا في الفصول : 367.
4- سيأتي في ص 178.
5- « ج ، م » : - فيه.
6- نسب إليه المحقّق القمي في القوانين 2 : 55 ، والكلباسي في اشارات الأصول ، قسم الأدلّة الشرعية ( مخطوط ) 94 / أ ، قال الغزالي في المستصفى من علم الأصول 1 : 224 : لا حجّة في استصحاب الإجماع في محلّ الخلاف خلافا لبعض الفقهاء ، ومثاله المتيمّم ...
7- « ز ، ك » : منه فيه.
8- الفصول : 367.
9- « ج ، م » : احتجّ.

باب الأخبار.

ثمّ اعلم أنّ التفصيل الحادي عشر قد نسبه (1) المحقّق (2) صاحب (3) القوانين (4) إلى الأخباريين (5) وجعله عكسا لما صار إليه السبزواري ، ولعلّه ليس على ما ينبغي ؛ حيث إنّ الأحكام تارة يطلق ويراد بها نفس الأحكام الكلّية الإلهية ، وتقابلها (6) الموضوعات بإطلاقاتها من الأحكام الجزئية ، والموضوعات المستنبطة ، والأمور الخارجية من حياة زيد ورطوبة لباسه ويبوسة (7) يده ونحوها (8) ، والأخباري - على ما هو صريح صرّهم وأمينهم (9) - يعتمدون على الاستصحاب فيما عدا الأحكام الكلّية الإلهية من الأمور الخارجية كالليل والنهار والنجاسة والطهارة والملكية والزوجية ونحوها. وقد يطلق ويراد بها ما يعمّ الأحكام الجزئية ، والمعهود من مذهب السبزواري (10) وطريقه (11) تعويله على الاستصحاب في الأحكام الجزئية أيضا كما في الموضوعات المستنبطة أيضا كذلك ، وإنّما يظهر منه فيما نسب إليه عدم اعتداده بالاستصحاب في الأمور الخارجية الصرفة التي لا يكاد يمازجها شوب الحكمية كحياة زيد ورطوبة لباسه ونحوهما ، فيشتركان في اعتبار الاستصحاب في بعض أقسام الموضوعات ، وإنّما افترقا في اعتباره في الأحكام الشرعية لدى السبزواري دون الأخباري ، واعتباره في الموضوعات الصرفة لدى الأخباري دون السبزواري ، فالقولان ليسا بمتعاكسين.

ص: 62


1- « ز ، ك » : قد نسب.
2- « ك » : المحقّق القمي.
3- « م ، ج » : - صاحب.
4- القوانين 2 : 66 - 67 نقل ذلك من الشيخ الحرّ في كتاب الفصول المهمّة وسيأتي الكلام فيه أيضا في ص 183.
5- « ز ، ك » : الأخبارية ، وفي « م » : الأخباري.
6- « ج ، م » : يقابلها.
7- « ز ، ك » : دموية.
8- « ج ، م » : نحوه.
9- انظر الفوائد المدنية : 288 و 295 ، وفي ط الحجري : 143 و 148.
10- انظر الذخيرة : 115 - 116.
11- « ج » : طريقته.

فالتحقيق في التفصيلين : أنّ الأخباري يفصّل بين الأحكام الكلّية الشرعية فلا يعتبر فيها الاستصحاب ، وبين غيرها فيعتبر ، والسبزواري يفصّل بين الموضوعات الصرفة فلا يعتبر ، وبين غيرها فيعتبر ، ولعلّ الذي أوقعه في توهّم التعاكس بين القولين هو ما نقله عن المحقّق الخوانساري حيث قال - فيما نقل عنه - : وهو ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى الشرعي وغيره ، ومثّل للأوّل بنجاسة الثوب وللثاني برطوبته ، إلى أن قال : وذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وبعضهم إلى حجّية القسم الأوّل فقط (1) ، انتهى.

فحسب أنّ التفصيل المذكور في ذيل كلامه - وهو اعتباره في الأحكام دون الموضوعات كما يظهر من التمثيل - مقابل للأخباري (2) ، فجعله عكسا لقولهم ، وكيف كان فالفرق بين هذه الأقوال ممّا لا يكاد يخفى ، وستعرف وجوه الفرق في بعض ما لعلّه يحتاج إلى البيان في الهدايات الآتية فانتظرها (3).

ص: 63


1- مشارق الشموس : 76 ، وعنه في القوانين 2 : 55.
2- « ز ، ك » : الأخباري.
3- انظر ص 178.

ص: 64

هداية في ذكر حجج المطلقين في الحجّية من حيث الظنّ

وهي كثيرة :

الأوّل : ما احتجّ به في المعارج من أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت ؛ إذ الكلام على تقدير ثبوته ، والعارض لا يصلح رافعا ، لأنّ مرجعه إلى احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم وهو معارض باحتمال عدمه ، فيتدافعان ويبقى الحكم سليما عن المعارض (1).

واعترض عليه بعض الأجلّة بأنّه إن أريد بثبوت المقتضي مع احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم تحقّقه (2) بصفة الاقتضاء (3) ، فغير سديد ؛ لأنّ زوال الحكم يستلزم زوال الاقتضاء ، فلا يجامع احتمال زوال الحكم تحقّق (4) الاقتضاء ، ضرورة أنّ الأمر النسبي لا يتمّ بدون المنتسبين ، فلا يمكن العلم بثبوته مع عدم العلم بثبوتهما.

وإن أريد تحقّقه بذاته فغير مفيد ؛ لأنّ ذات المقتضي لا يستلزم ثبوت الحكم ما لم يثبت عدم المانع والتقدير كونه احتماليا ، مع أنّ قوله : وهو معارض باحتمال عدمه ، غير مستقيم ؛ لأنّه إن اعتبر التعارض بين الاحتمالين من حيث الوجود ، فلا منافاة بينهما بهذا الاعتبار أصلا ، ضرورة (5) اجتماعها (6) فيه ، والتعارض فرع التنافي ، وكذا إن اعتبر

ص: 65


1- المعارج : 286 - 287.
2- في المصدر : + معه.
3- « ج » : يوجب له بصفة الاقتضاء.
4- في المصدر : لتحقّق.
5- في المصدر : + صحّة.
6- في المصدر : اجتماعهما.

بينهما من حيث الاقتضاء الثابت لكلّ منهما مع قطع النظر عن الآخر كما هو المتداول في موارد إطلاقه ؛ إذ لا نسلّم أنّ مقتضى أحد الاحتمالين يغاير مقتضى الآخر فضلا عن أن ينافيه ، بل يشتركان في اقتضاء عدم ثبوت الحكم معهما ، وإن اعتبر بين متعلّقيهما فلا ريب في أنّهما لا يتحقّقان فكيف يتصوّر بينهما التعارض الذي هو مشروط بتحقّق المتعارضين (1).

أقول : وفيه ما لا يخفى من اشتباه المقتضي بالعلّة التامّة والخلط بينهما ، فإنّ زوال الحكم يستلزم زوال العلّة التامّة للحكم ، ولا يستلزم زوال المقتضي بصفة الاقتضاء ، فإنّ التحقيق أنّ المانع إنّما هو علّة تامّة لعدم المعلول ونقيضه ، وليس له مدخل في الوجود إلاّ من حيث ارتفاع علّة النقيض ، فالمؤثّر في الوجود هو المقتضي وهو باق بصفة الاقتضاء حال العلم بتحقّق المانع فكيف باحتماله ، ولهذا نرى أنّ فقدان المانع لا يصير (2) سببا لإيجاد شيء في المقتضي لم يكن قبل وذلك ظاهر.

وأمّا حديث النسبة فواه جدا ؛ إذ لا نعني بصفة الاقتضاء وثبوتها فعلا إلاّ مجرّد قضيّة تعليقية فعلية كما لا يخفى.

وأمّا ما أورده أخيرا من الترديدات فنختار الأوسط منها ، قوله : لا نسلّم أنّ (3) مقتضى أحد الاحتمالين يغاير مقتضى الآخر ، منع فاسد ؛ لظهور أنّ المتداول في موارد إطلاقه إنّما هو الأخذ بمقتضاه باعتبار ما أضيف إليه لفظ الاحتمال لا نفسه.

وأمّا ما أورده (4) من اشتراكهما في اقتضاء عدم ثبوت الحكم معهما ، ففساده ممّا لا يدانيه ريب ؛ إذ غاية ما في الباب أنّ (5) عدم العلم بالحكم يلازم الاحتمال لا (6) أنّ عدم

ص: 66


1- الفصول : 369 - 370.
2- « ز ، ك » : ممّا لا يصير.
3- « ز ، ك » : - أنّ.
4- « ز ، ك » : أفاده.
5- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : - أنّ.
6- « ز ، ك » : إلاّ.

ثبوته يلازمه ، ومع ذلك فلا يقال في مثله : إنّ مقتضاه عدم ثبوت الحكم ، فتدبّر.

فالتحقيق في الجواب هو أن يقال : إنّ بعد الغضّ عن عدم دلالتهما (1) على الظنّ - كما هو مرام (2) المستدلّ ؛ لظهور أنّ مجرّد وجود المقتضي لا يوجب الظنّ بوجود المقتضى وإن كان المانع مشكوكا محتملا ، لدوران العلم بوجود المعلول أو الظنّ به مدار العلم بتمام أجزاء علّته التامّة من المقتضي ورفع المانع أو الظنّ به ، وحيث إنّ المقدّر كون بعض أجزائه محتملا فالمعلول احتمالي ؛ ضرورة تبعية النتيجة أخسّ مقدّماتها ، فما (3) لم يحصل الظنّ بعدم المانع لا يحصل الظنّ بوجود المعلول في الخارج - أوّلا بأنّه (4) أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بما إذا كان الشكّ في وجود المزيل من أقسام الشكّ من حيث المانع ، وقد عرفت أعمّية النزاع بالنسبة إلى أقسامه وإلى أصناف الشكّ من حيث المقتضي آنفا (5).

وثانيا بأنّه إن أراد بالمقتضي العلّة التامّة للحكم الشرعي الواقعي أو الحكم الشخصي ببقائه ، فيرد عليه : أنّ جريان الاستصحاب على تقديره غير معقول ؛ ضرورة أنّ العلم بوجود العلّة التامّة يستحيل اجتماعه مع الشكّ في وجود الرافع ، لتركّبها (6) منه أيضا.

وإن أراد ما هو الظاهر من لفظ المقتضي من العلّة الناقضة للحكم النفس الأمري أو الحكم الشخصي ببقائه على أن يكون المراد به الدليل على ما يرشد إليه فرض الشكّ في وجود المانع وعدمه كما هو صريح ذيل الاحتجاج ، ففيه : أنّه لا يمكن إثبات المعلول بمجرّد وجود المقتضي ما لم يحرز عدم المانع.

فالحكم بسلامة المقتضي بعد تعارض الاحتمالين مع عدم ترجيح جانب العدم على

ص: 67


1- « ز ، ك » : دلالتها.
2- « ج » : مراد.
3- « ج » : فيما.
4- خبر لقوله : « إنّ بعد الغضّ ... ».
5- عرفت في ص 31 - 33.
6- « ج » : لتركّبهما.

الوجود ليس بسليم ، وإحراز عدم المانع بالأصل يوجب الدور المحال على تقدير كونه استصحابا ، وينافيه ظاهر الاحتجاج ؛ حيث إنّ المستفاد منه أنّه برهان تامّ من غير أن يكون لشيء (1) فيه مدخلية على تقدير كونه غير الاستصحاب من سائر الأصول ، والإنصاف أنّ هذا الكلام من المحقّق مبنيّ على ما ستعرف (2) من أنّ بناء العقلاء مستقرّ على عدم الأخذ باحتمال المانع بعد إحراز المقتضي ، بل بمجرّده يحكمون بوجود المقتضى وإن كان فيه من الخفاء (3) ما لا يكاد يخفى ، وقد مرّ (4) استظهارنا التعبّد العقلائي من هذه الجهة (5) وما يتلوها ، فتدبّر.

الثاني : ما ذكره شيخنا البهائي رحمه اللّه (6) - وقد سبقه في الاحتجاج به (7) جماعة من الجمهور - من أنّه لو لم يكن حجّة لم تتقرّر المعجزة ، وبطلان التالي غنيّ عن التنبيه ، وأمّا الملازمة فلما ذكره الفخري في المحصول (8) من أنّ المعجزة فعل خارق العادة وهي اعتقاد وقوع الفعل على ما عهد وقوعه قبل ذلك وهو الاستصحاب ، وتوضيحه أنّ الأشياء الخارجية (9) الواقعة في ظرف الخارج لا بدّ وأن تكون (10) باقية على ما هي عليها حتّى يثبت النبوّة بالمعجزة ، وإلاّ فيحتمل أن يكون تسبيح الحصى أو انشقاق القمر أو إحياء الأموات مستندا إلى غير خارق العادة ، فينسدّ باب إثبات النبوّة ، وبقاؤها على ما هي عليها ليس إلاّ الاستصحاب.

وفيه : أنّه على تقدير الاستصحاب لا يثبت النبوّة أيضا ؛ إذ غاية ما يستفاد منه الظنّ وهو لا يغني من الحقّ شيئا ، فلا بدّ من تحصيل العلم باستناد الأفعال الواقعة من مدّعي النبوّة إلى معجزته لا إلى الاتّفاق.

ص: 68


1- المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : شيء.
2- ستعرف في ص 231 وأشار إليه أيضا في ص 85.
3- « م » : الخفايا.
4- مرّ في ص 56.
5- « ج » : الحجّة.
6- « ز ، ك » : - رحمه اللّه.
7- « م » : - به. زبدة الأصول : 106.
8- المحصول 6 : 120.
9- « ك » : الخارجة.
10- في النسخ : يكون.

الثالث : أنّ الاستصحاب يفيد الظنّ ، والظنّ الحاصل منه حجّة ، فالاستصحاب حجّة ، أمّا الصغرى فلوجهين :

أحدهما : الوجدان ، فإنّ الفطرة السليمة والسجيّة المستقيمة حاكمة بالفرق بين الشكّ في الوجود المسبوق بمثله والعدم المسبوق بعدم آخر ، وبين الشكّ فيهما المسبوق كلّ منهما بنقيض الآخر كما في الشكوك الابتدائية ، فكما أنّ وقوف مركب القاضي لدى باب (1) الحمّام أمارة ظنّية على كونه فيه (2) ولا ارتباط بينهما ، وإلاّ كان دليلا ، فكذا في المقام ، فإنّ الوجود (3) السابق أمارة ظنّية على بقاء الموجود في زمن الشكّ كما لا يخفى على من راجع وجدانه وأنصف من نفسه.

وثانيهما : جري السيرة القطعية العقلائية على العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب أحكامها حال الشكّ فيها ، كما يشاهد ذلك بالرجوع إلى ديدنهم في إرسال المراسيل من المكاتيب والجوائز والودائع والأمتعة والأقمشة ، فإنّهم لا يزالون يتعاملون على هذه الطريقة ويتعاطونها من غير ملاحظة دقيقة احتمال الارتفاع مع كثرة أسبابه ولو احتمالا ولا أقلّ من احتمال سدّ الطريق وعدم بقاء المرسول (4) إليه ، بل وعدم بقاء الرسول ، إلى غير ذلك ممّا لا يكاد يحصيها نطاق البيان ، فهذه الأعمال منهم لا يخلو إمّا أن يكون لا لمرجّح مخصّص لأحد طرفي الوجود والعدم في تلك الأعمال ، أو يكون لمرجّح ؛ لا سبيل إلى الأوّل ، لامتناع صدورها عن العامل بعد فرض الاختيار ، فتعيّن الثاني ، وهو إمّا أن يكون مرجّحا واقعيا أو مرجّحا ظاهريا ؛ لا سبيل إلى الثاني ، لانحصار المرجّح الظاهري في أمثال المقام في الاحتياط بمعنى العمل على وجه لعلّه يوصله إلى المطلوب ، ولا شكّ في (5) أنّ موارد (6) الأخذ بالحالة السابقة غير

ص: 69


1- « ج ، م » : - باب.
2- « ز ، ك » : في الحمّام.
3- « ز ، ك » : الوجوب.
4- « ز ، ك » : المرسل.
5- « ز ، ك » : - في.
6- « ز ، ك » : مورد.

منطبقة غالبا على الاحتياط ، فإنّ النسبة بينهما هي العموم من وجه بحسب المورد ، ويرشدك إلى ذلك ملاحظة حالهم في إرسال المراسيل ، فإنّ المطلوب فيه أمران : سلامة الأمتعة ، ووصولها إلى المرسول إليه ، ولا يعلم حصول الثاني بالإرسال ؛ لاحتمال التلف ، فليس هذا من موارد الاحتياط ، فتعيّن أن يكون المرجّح مرجّحا واقعيا وليس في المقام ما يحتمل كونه مرجّحا إلاّ الظنّ ، فلو لم يفد الاستصحاب الظنّ للزم (1) خلوّ الأفعال والأعمال في تلك الموارد عمّا يقتضي رجحان أحد طرفي الوجود والعدم ، وهو فطري الاستحالة ، وليس لأحد أن يقول باختصاص ما ذكرنا بالأمور المتعلّقة بالمعاش دون الأحكام المرتبطة بالمعاد من الأحكام الشرعية ؛ لظهور استقرار بناء أهل الشرع من أصحاب النبيّ وأتباع الأئمّة عليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام (2) على العمل على طبق الحالة السابقة في الأحكام المأخوذة عنهم من غير اختلال في ذلك باحتمال النسخ ، سيّما النائين عنهم ، ويرشدك إلى ذلك ملاحظة حال المقلّدة (3) في أخذ فتاوى المفتين ، فإنّهم لا يبالون في العمل بها باحتمال الرجوع عنها (4) ونحو ذلك من احتمال الفسق أو الموت أو الجنون.

وأمّا الكبرى فلوجهين أيضا :

الأوّل : بناء العقلاء على الاعتماد على مثل هذا الظنّ كما سمعت في الأمثلة المذكورة ، سواء في ذلك الأمور العرفية أو الشرعية.

فإن قلت : نعم ولكن ما الدليل على اعتبار بنائهم في أمثال المقام.

قلت : الدليل على اعتباره تقرير المعصوم لفعلهم ، ورضاؤه بعملهم على طبق الحالة السابقة واتّكالهم في الأحكام المأخوذة عنهم إلى مثل ذلك ، وعدم ردعهم إيّاهم بالأمر بالسؤال عنهم مرّة بعد مرّة ؛ ضرورة عدم كون تلك الأحكام مقرونة بما يستفاد

ص: 70


1- « ج » : لزم.
2- « ك » : التحيّة.
3- « ج » : المقلّدين.
4- « ج » : عنهما.

دوامها منه ، واحتمال عدم اطّلاعهم على هذا الأمر الشائع بينهم (1) مع كونه بمكان من محلّ ابتلائهم ، بمكان من البعد جدّا ، بل ومستحيل عادة وإن لم نقل بإحاطة علمهم فعلا ، كاحتمال أن يكون ذلك منهم عليهم السلام تقيّة ، وإلاّ لبطلت الأحكام عن آخرها ، وأوضح فسادا من الكلّ وقوع الردع وعدم الوصول إلينا ؛ لوضوح توفّر الدواعي على نقل مثل هذه الأمور ، لابتلاء العامّة بذلك ، فحيث لم نظفر (2) عليه فنعلم بأنّهم عليهم السلام قد وكلهم إلى ما هو المركوز في أذهانهم والمجبول عليه طباعهم كما في غيره من وجوه اختلاف طرق الإطاعة والعصيان ، ومنه استكشاف المطالب من العبائر واستعلام المقاصد من الدفاتر إلى غير ذلك من النظائر الموكولة إلى عقولهم.

فإن قلت : قد تواترت الأخبار في النهي عن العمل بمطلق ما وراء العلم ، ومنه الظنّ الحاصل من ملاحظة الحالة السابقة ، مضافا إلى الآيات القرآنية والضرورة الدينية كما مرّ في محلّه (3) ، ولا فرق في الرادع بين العموم والخصوص ، فالردع حاصل والخصم غافل.

قلت : بعد تسليم كفاية العموم في الردع كما هو قضيّة الإنصاف على ما يقضي به الوجدان الخالي عن الاعتساف ، أنّ الأدلّة المذكورة لا تنهض ردعا في المقام ؛ لما قد تحقّق في مباحث الظنّ (4) أنّ المرجع فيها إلى أمرين ، أحدهما : حرمة التشريع ، وثانيهما : طرح الأصول القطعية في مقابل تلك الظنون ، وشيء (5) منهما (6) لا يتمشّى في المقام.

أمّا الأوّل : فظاهر ؛ إذ ليس الأخذ بالحالة السابقة من التشريع في شيء ، بل التعويل إنّما هو على ثبوت الحكم في الزمن الأوّل ، وليس هذا من إدخال ما ليس من الدين فيه.

ص: 71


1- « ج » : منهم.
2- « ج ، م » : لم نعثر.
3- مرّ في بحث الظنّ : ج 3 ، ص 69 - 71.
4- تحقّق في ج 3 ، ص 69.
5- « م » : شيئا. « ج » : إنّ شيئا.
6- « م » : - منهما.

وأمّا الثاني : فلأنّ الأصول المعمولة في قبال الاستصحاب أحد الأصول الثلاثة : البراءة والاحتياط والتخيير ، ولا دليل على اعتبارها فيما خالف الاستصحاب أحدها ؛ لوضوح أنّ عمدة المدرك فيها العقل وبناء العقلاء ، والمفروض في المقام أنّ بناءهم على طرح (1) تلك الأصول والاعتماد على الحالة السابقة ، ففيما لو كان الشكّ في التكليف يعوّلون على الحالة السابقة ولا يعتمدون على البراءة كما في استصحاب الوجوب السابق أو الحرمة السابقة ، ويأخذون بها فيما (2) كان المورد من مجاري الاشتغال كما في استصحاب عدم وجوب السورة في الصلاة ، وبمثله يقولون (3) فيما لو كان المورد من موارد التخيير ، فلا تنهض الأدلّة الناهية عن العمل بغير العلم حجّة في المقام ، فلا جدوى فيما رامه (4) المعترض (5) من إثبات الردع ، نعم لو كان اعتبار تلك الأصول بواسطة الأدلّة السمعية من غير احتمال رجوعها إلى ما يستفاد من العقل ، فيصير الأخذ بالاستصحاب المخالف لأحدها طرحا لها من غير دليل ، إلاّ أنّ من المحقّق في محلّه رجوعها إلى ما يستفاد من العقل ، فيتّحد مفادهما.

وتحقيق المقام وتوضيحه أنّ المخالف للاستصحاب إمّا أن يكون هو الدليل أو الأصل ، فلا كلام (6) في ورود الدليل على الاستصحاب وهو خارج عن مفروض المسألة ؛ لوجوب الفحص عن الدليل في موارد الاستصحاب ، وأمّا الأصل فلا مجرى له في موارد الاستصحاب لتعويل العقلاء على الحالة السابقة على تقدير كونها مظنونة ، ولا يمكن النهي عن العمل بالظنّ الاستصحابي حينئذ والأخذ بأحد الأصول الموهومة ؛ لكونه ترجيحا للمرجوح على الراجح ، فلو حصل الظنّ بوجوب شيء (7) في

ص: 72


1- « م » : ترك.
2- « ج » : + لو.
3- « ز ، ك ، ج » : نقول.
4- « ج » : لزمه.
5- « ك » : المفرض ( ظ ).
6- « ج ، ز ، ك » : لا كلام.
7- « ج ، م » : شيء واجب.

السابق فكيف يسوغ للشارع النهي عن العمل به والأخذ بالموهوم ، وأمّا ما يرى من النهي عن العمل بالقياس وأضرابه من الظنون الباطلة ، فلعدم استقرار بناء العقلاء على العمل به كما في الاستصحاب ، وليس المدار في كلامنا على مجرّد الظنّ ، بل الظنّ الخاصّ الذي استقرّ بناء العقلاء على العمل به (1).

فإن قلت : بعد وجود مناط البراءة وتحقّق مدركها في موارد الاستصحاب - وإن كان مفيدا للظنّ - من قبح العقاب بلا بيان ، كما في الاحتياط من حكم العقل بلزوم دفع الضرر ولو كان محتملا ولو (2) وهما ، لا وجه للقول بطرحها والأخذ بالاستصحاب ؛ إذ الظنّ الاستصحابي لا دليل على كونه بيانا كما أنّه لا دليل على كونه دافعا للضرر ، فاللازم هو الأخذ بأحد الأصول دون الاستصحاب.

قلت : لا نسلّم قبح العقاب فيما إذا كان الظنّ الاستصحابي على الخلاف ، وكذلك المناط في الاحتياط ؛ إذ لا يجب عند العقل دفع الضرر الاحتمالي وإن كان قد يحسن عنده دفعه ، وقس عليهما حال التخيير (3) ؛ إذ مرجعه حقيقة إلى البراءة. هذا (4) غاية توجيه كلماتهم مع اختلافها غاية الاختلاف.

الثاني (5) : أنّ باب العلم في الأحكام العاديّة والشرعية منسدّ لهم غالبا ، والأخذ بالبراءة والاحتياط وطرح الحالة السابقة يورث اختلال نظامهم ، فلا بدّ من الركون إلى الحالة السابقة وهو المطلوب.

وكلّ من الوجهين المذكورين في بيان الكبرى يظهر منهم كما يشعر بذلك عبارة القوانين (6) فلاحظها ، إلاّ أنّ المقصود من الوجه الأوّل إثبات حجّية الظنّ (7)

ص: 73


1- « ج ، م » : - به.
2- « ج » : + كان.
3- « ج ، م » : وقس حال التخيير عليهما.
4- المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : وهذا.
5- تقدّم الأوّل منهما في ص 70.
6- انظر القوانين 2 : 57 - 58.
7- « م » : ظنّ.

الاستصحابي ولو لم نقل بمطلق المظنّة ، والمقصود من الثاني اندراجه في دليل الانسداد على ما حرّرنا كلاّ من الوجهين بما لا مزيد عليه.

ومع ذلك فوجوه النظر ممّا لا يكاد يخفى على أحد :

أمّا أوّلا : فبمنع الصغرى ، فإنّه إن أريد أنّ الاستصحاب مفيد للظنّ في جميع موارده ، فيكذّبه (1) الوجدان ، فإنّ من المشاهد بالعيان عدم إفادته الظنّ في جملة منها ، بل ولم نر من ادّعى ذلك أيضا وإن حكم بعضهم بدوران اعتباره مدار الظنّ ، ومع ذلك فقد رموه بالمخالفة كلّ المخالفة.

وإن أريد أنّه لو خلّي وطبعه ومن حيث ملاحظته في نفسه مع قطع النظر عمّا يوهن ذلك من القضايا الخارجية والأمور المكتنفة بالواقعة الاستصحابية ، مفيد للظنّ وإن لم يفده في بعض الأحيان لبعض الموانع ، فلك أن تقول : إنّه في نفسه لا يفيد الظنّ وان كان قد يفيده باعتبار أمر خارج كالغلبة ، بل ولعلّه كذلك أيضا ، فإنّ التدبّر في موارده يقتضى بأنّ منشأ الظنّ في محلّ حصوله إنّما هو الغلبة في منشأ الشكّ وسبب الاشتباه ويدور الظنّ مدار وجود الغلبة ، والذي يرشدك إلى ما ذكر - من أنّ مجرّد الحالة السابقة ليس سببا لحصول الظنّ بعد امتناع الظنّ بالمعلول مع الشكّ في العلّة كما يساعد عليه الاعتبار الصحيح - أنّ ذلك يستلزم أن يكون حصول الظنّ من الأفعال الاختيارية التي لا واقع لها إلاّ بعد الاختيار مع أنّ الضرورة قضت بكونه كالعلم من الأمور الواقعية التي لها أسباب واقعية ، غاية ما في الباب أنّ المكلّف لو حاول تحصيل واحد منهما من ملاحظة أسبابهما الواقعية يمكن له ذلك. وأمّا اللزوم المذكور فيظهر بملاحظة ما لو (2) علم بالاشتغال بالصلاة مع جهل القبلة وانحصارها في جهتين - مثلا - عند المكلّف ، فإن أراد أن يظنّ (3) بالاستصحاب أنّ القبلة في طرف ، يصلّي أوّلا في غير

ص: 74


1- « ج » : فتكذّبه.
2- « م » : - لو.
3- « ز ، ك » : أنّ الظنّ.

ذلك الطرف ، فيستصحب الاشتغال ويظنّ ببقاء (1) التكليف ، وهو يلازم الظنّ بكون القبلة في الطرف الباقي ؛ إذ المفروض انحصار الجهة في الباقي ، ومن المعلوم أنّ الظنّ ببقاء التكليف لا يعقل بدون الظنّ بكون القبلة في الجهة الباقية ، وإن أراد أن يظنّ (2) بكون القبلة في غير ذلك الطرف ، يصلّي أوّلا في ذلك الغير ، فيستصحب التكليف فيظنّ ببقائه ، ويلازمه (3) الظنّ بكون القبلة في الجهة الباقية على نحو ما عرفت في عكس ذلك في الصورة الأولى ، بل لك أن تقول : ذلك يستلزم حصول الظنّ على طرفي الخلاف (4) ، فإنّا لو حاولنا إملاء حوض من الماء فبعد وصول الماء إلى حدّ مخصوص من الحوض نشكّ في كونه كرّا ، فباستصحاب عدم الكرّية يحصل الظنّ بعدمها ، ولو كان ذلك الحوض مملوّا من الماء وعلمنا بكونه مقدار الكرّ ، ثمّ انتقص (5) الماء إلى أن وصل إلى ذلك الحدّ المخصوص المفروض في العكس ، فباستصحاب الكرّية يحصل الظنّ بكونه كرّا مع ظهور امتناع كون المقدار المخصوص مظنون الكرّية وعدمها ، ومن هنا طعن بعض الأخباريين على المجتهدين بأنّه كيف يمكن (6) حصول الظنّ على طرفي الخلاف ، فالقول بأنّ مجرّد الحالة السابقة من أسباب الظنّ واه جدا.

وأمّا ما استند إليه المستدلّ بانحصار المرجّح الواقعي في الظنّ ، فلا دلالة فيه على كون السبب فيه هو الحالة السابقة ؛ إذ لعلّه يستند إلى الغلبة كما قد تقوّى في بعض الموارد على ما ستعرف.

وأمّا ثانيا : فبمنع الكبرى ، فلأنّ المستدلّ إن أراد تقرير المعصوم في العمل بالظنّ الاستصحابي في أمور معاشهم من غير ارتباط بالأحكام الشرعية كما في أكثر الأمثلة الموردة (7) عن القائلين به ظنّا ، فما علينا من إبطال ذلك أو إحقاقه فعهدته على مدّعيه.

ص: 75


1- « ز ، ك » : بقاء.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : « أنّ الظنّ ».
3- « ج » : يلازم.
4- « م » : - الخلاف.
5- « ز ، ك » : نقص.
6- « ز ، ك ، م » : - يمكن.
7- « م ، ج » : الموروثة.

وإن أراد إثبات التقرير بالعمل به في موضوعات الأحكام ، فقد قام الإجماع على عدم جواز العمل بالظنّ فيها حتّى من القائلين بمطلق الظنّ - أعاذنا اللّه منه - والتقرير فيه غير موجود ؛ لوجود الأدلّة الرادعة فيها من قوله : « كلّ شيء مباح حتّى تعلم أنّه حرام » (1) و « إنّ كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (2) ونحوهما ممّا يدلّ على عدم جواز التعويل بغير العلم ، والمفروض أنّ الاستصحاب منه بعد ؛ لعدم دلالة على اعتباره حينئذ ، وإن أراد دعوى استقرار بناء العقلاء في الأحكام الشرعية على الأخذ بالحالة السابقة ، فممنوعة ، فضلا عن تقرير المعصوم عن ذلك.

وأمّا ما استند إليه من استصحاب عدم النسخ في الأحكام المأخوذة عنهم عليهم السلام بالنسبة إلى أصحابهم وأتباعهم ، فيرد عليه : أنّا لا نسلّم أنّ (3) استنادهم في ذلك إلى مجرّد الاستصحاب ، بل العلم العاديّ حاصل لهم بعدم النسخ ، ومنه يظهر الوجه في منع العمل بالفتاوى بالنسبة إلى المقلّدة بواسطة الاستصحاب عند الشكّ في موت المفتي أو حياته (4) ، كيف والأدلّة الناهية عن العمل بالظنّ فوق حدّ الإحصاء. و (5) قول المستدلّ بعدم (6) الكفاية في الردع ، ممنوع (7) ؛ للقطع بالكفاية وإن كان يحسن المنع بالخصوص أيضا ، مثلا لو شرب الخمر بمحضر من الإمام فعدم ردعه لو فرض لا يدلّ على جواز شربه بعد ما قرع الأسماع (8) قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ [ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ] رِجْسٌ ) (9) نعم يحسن ذلك إجمالا ، فيدور مدار الموارد ، وأمّا ما زعمه من عدم دلالتها على الردع بواسطة رجوعها إلى نفي التشريع - والاستصحاب

ص: 76


1- وسائل الشيعة 17 : 89 ، باب 4 من أبواب ما يكتسب به ، ح 4 ، وفيه : « كلّ شيء لك حلال ... ».
2- وسائل الشيعة 3 : 467 ، باب 37 من أبواب النجاسات ، ح 4 ، وفيه : « كلّ شيء نظيف ... ».
3- « ج ، م » : - أنّ.
4- « م » : جنونه.
5- « ج ، و » : - و.
6- « ج ، م » : لعدم.
7- « ج ، م » : + عليه.
8- « ك » : الاستماع.
9- المائدة : 90.

ليس منه - فهو باطل ؛ إذ الاستصحاب بعد لم يثبت اعتباره ، والعمل بأمارة حالها كذلك تشريع قطعا ؛ إذ الأخذ بالحالة السابقة ليس موافقا للاحتياط في جميع الموارد ، فلا ينفكّ عن التشريع البتّة.

وأمّا طرح الأصول القطعية من البراءة والاحتياط والتخيير ، فلزومه على تقدير الاستصحاب والأخذ به قطعي ، ولا ينافيه استقرار بناء العقلاء على العمل به بعد عدم دليل على اعتباره ، كما في غير الاستصحاب من الظنون المعمولة عند العقلاء الممنوع عنها شرعا كالظنّ الحاصل من قول البريد والمراسيل ، والقول باعتبار تلك الأصول عقلا لا ينافي ذلك ؛ إذ المفروض قطع العقل باعتبار البراءة عند الشكّ أو ما يرجع إليه من الظنون المشكوكة التي منها الاستصحاب ، وكذا الاحتياط ؛ إذ الحكم به في موارده قطعي على ما تقضي (1) به صراحة العقل ، فتلك الأدلّة الناهية تدلّ على أنّ الظنّ ليس مناطا للإطاعة والمخالفة ولا يكفي في تحصيل الثواب والمنفعة وفي دفع العقاب والمضرّة ، فكيف يمكن القول بعدم كفاية مثل هذه الأدلّة في الردع (2)؟ فالظنّ (3) الحاصل من الاستصحاب في نظر الشارع كعدمه كالظنّ الحاصل من القياس.

وأمّا ما رامه المستدلّ من إثبات حجّية الظنّ الاستصحابي بالخصوص ، فمناف لما قرّره من قوله : فكيف يسوغ للشارع النهي عن العمل به والأخذ بالموهوم؟ فإنّ ذلك على فرض صحّته (4) لا يقضي بخصوص الاستصحاب ، بل مقتضاه اعتبار مطلق الظنّ كما هو ظاهر ، وأفسد من ذلك كلّه منعه عن استقرار بناء العقلاء على العمل بالقياس أو إناطة بعض الأمور المتعلّقة بهم (5) ممّا لا يمكن إنكاره.

وأمّا ما أورده من الوجه الثاني في مقام إثبات الكبرى من اندارجه تحت مطلق

ص: 77


1- « ك » : يقضي ، وفي « ج » : يقتضي.
2- « ز ، ك » : النزاع.
3- « ج » : والظنّ.
4- « ز ، ك » : حجّيته.
5- « ز ، ك » : به ، وكذا كتب فوقها في نسخة « م ».

الظنّ الثابت اعتباره بدليل الانسداد ، فقد فرغنا عن تحقيقه وتنقيحه صحّة وفسادا بما لا مزيد عليه في مباحث (1) الظنّ ، فليراجع ثمّة.

وأمّا ثالثا : فبعد تسليم المقدّمتين لا ريب في عدم انتهاضه بتمام المدّعى ؛ لاختصاصه بالاستصحاب المفيد للظنّ ، والمدّعى - بقرينة الأخذ به والرجوع إليه في موارد لا يفيد الظنّ كالنجاسة والطهارة كما يظهر من ديدنهم ويوضحه تقديمهم الأصل (2) على الظاهر - أعمّ من المفيد له ومن غيره.

فإن قلت : عدم إفادة الاستصحاب الظنّ في جميع الموارد إنّما يضرّ (3) فيما لو أراد المستدلّ القول بإفادته الظنّ الشخصي وليس كذلك ، بل قد يكون المستدلّ من أرباب الظنون النوعية ، فيتمّ الاستدلال ؛ إذ لا أقلّ من القول بإفادة الاستصحاب في الموارد المتخلّف عنها الظنّ أنّه لو خلّي وطبعه يفيد الظنّ.

قلت : ومع ذلك أيضا ممّا لا يكاد يتمّ ؛ لظهور الفرق بين الاستصحاب وغيره من الأدلّة الظنّية ، فإنّ عدم إفادة الاستصحاب الظنّ في صورة دليل على خلافه ليس بواسطة وجود المانع عن إفادته الظنّ كما هو كذلك في سائر الأدلّة الظنّية بملاحظة امتناع قيام الظنّ على طرفي الخلاف ، بل بواسطة عدم المقتضي ، فإنّ الظاهر على ما يساعد عليه كلماتهم أنّ شرط إفادة الاستصحاب الظنّ هو عدم الظنّ الخارجي على خلافه ، يدلّ على ذلك قول العضدي (4) في أوّل الاستصحاب : « ولم يظنّ عدمه » وإلاّ لما كان لأخذ القيد المذكور وجه ؛ ضرورة استحالة اجتماع الظنّين على طرفي النقيض ، فأخذ هذا القيد يدلّ على أنّ من جملة أجزاء المقتضي للظنّ الاستصحابي هو عدم الظنّ الخارجي ، فلا ينافي القول بالظنّ النوعي عند قيام الظنّ على خلاف

ص: 78


1- « م » : فيما مرّ من. وفي « ج » : فيما مباحث.
2- « ز ، ك » : تقديم الأصل.
3- « ز ، ك » : يظهر.
4- شرح مختصر المنتهى : 453 ، وتقدّم نقله عنه في ص 11.

الاستصحاب ، لعدم المقتضي للظنّ إذا ، ولا أقلّ من بقاء المقتضي في الظنون النوعية ، وهذا هو السرّ في تقديم سائر الأدلّة الظنّية على الاستصحاب على تقدير القول به ظنّا مع كونه من الأدلّة الاجتهادية أيضا على ما ستعرف في محلّه إن شاء اللّه (1).

وأنت بعد ما أحطت خبرا بما تلونا (2) تقدر على رفع ما عساه أن يقرّر الوجه المذكور بتقريب أنّ بناءهم مستقرّ على الأخذ بالحالة السابقة تعبّدا عقلائيا من غير إناطة لحصول الظنّ ؛ إذ - بعد الغضّ عن عدم معقولية كون الشكّ مرجّحا ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، فلا يعقل دعوى استقرار بناء العقلاء على مثله - عدم دليل على اعتبار بنائهم ، على أنّه لم يذهب إليه فيما وجدناه وهم ، فإنّ الظاهر من القدماء اعتباره ظنّا وإن كان قد يوهم ذلك بعض وجوه احتجاجاتهم كما أومأنا إليه فيما تقدّم ، فتذكّر.

ثمّ إنّ السيّد الصدر المحقّق قد أورد في المقام كلاما (3) وسلك في انتهاض الدليل على مطلبه مسلكا جديدا وطرزا طريفا لا بأس بذكر كلامه حتّى تحرّى في الاعتراض عليه على منواله ، فقال : إنّ العقل إذا لاحظ الممكن - الذي (4) شأنه دوامه بدوام علّته التامّة وزواله بزوالها في زمان يكون من المحتمل عنده أن تحدث علّة الزوال وهي زوال (5) جزء (6) من أجزاء العلّة التامّة فيعدم الممكن ، أو لا تحدث فيبقى الممكن لوجود علّة الوجود - يرجّح جانب الوجود مع ملاحظة تحقّقه السابق وإن كان هو والعدم متساويين في النظر مع ملاحظة (7) حدوث علّة العدم (8) وعدم حدوثها ، فيكون الوجود معلوما متيقّنا أوّلا ، ومشكوكا فيه مع قطع النظر عن اليقين السابق ثانيا ، ومظنونا بعد ملاحظة اليقين السابق ثالثا ، ولا يجوز لعاقل أن يدّعي أنّ نسبة وجود قرية رآها على ساحل بحر كان احتمال خرابها به وبقائها متساويين إلى عدمها عنده ، كنسبة وجود

ص: 79


1- « ز ، ك » : - إن شاء اللّه.
2- « ج ، م » : - بما تلونا.
3- « ز ، ك » : في المقام لطيفا.
4- في المصدر : الممكن الموجود الذي من شأنه.
5- في المصدر : « عدم » بدل : « زوال ».
6- « ج ، م » : جزء زوال.
7- في المصدر : + تساوي.
8- « ج » : القدم.

قرية أخرى إلى عدمها عنده مع تساوي احتمالي بقائها وعدمه ، كيف وهو يسافر بقصد التجارة إلى الأولى دون الثانية ، ومعلوم أنّ هذا الرجحان لا بدّ له من موجب ؛ لأنّ وجود كلّ معلول يدلّ على وجود علّة له إجمالا ، وليست هي اليقين المتقدّم بنفسه ؛ لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، ويشبه (1) أن يكون هي كون الأغلب في أفراد الممكن القارّ أن يستمرّ وجوده بعد التحقّق ، فيكون رجحان وجود هذا الممكن الخاصّ للإلحاق بالأعمّ الأغلب ، قال : هذا إذا لم يكن رجحان الدوام مؤيّدا بعادة (2) أو أمارة أخرى ، وإلاّ فيقوّى بحسب تلك الأمارة والعادة ، وقس على الوجود حال العدم إذا تيقّنّا (3) ، مع أنّ استمرار العدم الازلي للممكن الحادث إلى وقت تمام (4) علّته التامّة يقيني (5) ، انتهى كلامه رفع مقامه (6).

وهو رحمه اللّه (7) وإن دقّق النظر فيما ذكره إلاّ أنّ الحقّ أحقّ بأن يتّبع ، فنقول في الجواب عنه :

أمّا أوّلا : فبالنقض بالموارد التي لا يفيد ظنّا مع وجود الغلبة المذكورة ، بل قد عرفت امتناع حصول الظنّ في بعض المقامات (8) وإلاّ لزم إمّا حصول الظنّ على وجه اختياري ، وإمّا قيام الظنّ على طرفي النقيض كما مرّ مفصّلا.

وأمّا ثانيا : فبالحلّ ، وتحقيقه أنّ هذه الغلبة لا يمكن أن تصير (9) سببا لحصول الظنّ ، أمّا إجمالا فلأنّ الغلبة والاستقراء لا يعقل أن يكون سببا للظنّ إلاّ بعد انتزاع القدر الجامع بين الأمور المستقرأة فيها وبين المشكوك على وجه يظنّ بكونه مناطا في الحكم الساري في الأفراد ، ووجود مثله ممنوع ، والأعمّ منه كالوجود غير حجّة.

ص: 80


1- « ج » : نسبة!
2- « ج ، ز » : لعادة.
3- في المصدر : إذا كان يقينيا.
4- في المصدر : أن تتمّ.
5- شرح الوافية ( مخطوط ) 128 / أ.
6- « ز ، ك » : - رفع مقامه.
7- « ج ، م » : - رحمه اللّه.
8- « ز ، ك » : المقدّمات.
9- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يصير.

وأمّا تفصيلا فبيانه (1) يتوقّف على تحقيق معنى الغلبة وأقسامها ، فنقول : هي (2) عبارة عن كون الجزئيات المندرجة تحت كلّي في الأكثر على حالة واحدة بحيث يظنّ إلحاق المشكوك منها - مع قطع النظر عن ملاحظة تلك الجزئيات - بها بعد ملاحظتها ، والاستقراء عبارة عن تصفّح الجزئيات لإثبات حكم المشكوك وإلحاقه بها ، ولا ريب أنّ مجرّد ملاحظة الجزئيات مع قطع النظر عن استكشاف الجامع بين الأفراد لا يعقل أن يكون مفيدا للظنّ ، وإلاّ يلزم أن يكون الجزئي كاسبا ومكتسبا ، بل لا بدّ من الظنّ بالقدر الجامع ليترتّب عليه الظنّ بالنتيجة ، ومن هنا يظهر الوجه في انحصار الحجّة في القياس ؛ لأنّ الاستقراء والتمثيل ما لم يستخرج منهما القدر الجامع (3) يمتنع منه (4) حصول الظنّ ، وعلى تقدير الاستخراج ينقلب قياسا ، غاية الأمر فيما إذا لم يكن الاستقراء أو التمثيل قطعيا يكون إحدى مقدّمتي القياس ظنّية ، فتكون (5) النتيجة أيضا ظنّية ؛ لتبعيتها (6) أخسّ مقدّماتها (7) ، فالفرق بين الغلبة والاستقراء - على ما نبّهنا عليه - أنّها صفة الأفراد ، والاستقراء وجدانها كذلك ، وقد يكون ملاحظة بعض الأفراد مفيدة للظنّ بالقدر الجامع وهذه وإن كانت ملحقة بالاستقراء حكما إلاّ أنّ الواقع خروجها منه موضوعا ، وبمثله نقول في الغلبة أيضا.

وأمّا لو فرض عدم استخراج القدر الجامع إمّا للشكّ في وجوده أو للقطع بعدمه ، فلا ريب في امتناع حصول الظنّ ، فلا يمكن إلحاق الفرد المشكوك ، وذلك كما إذا احتملنا أو علمنا بأنّ الحكم في كلّ واحد من الأفراد مسبّب عن سبب خاصّ غير مشترك بين الفردين من النوع مثلا ، فلو علمنا بوجود دود في الدار فبغلبة بقاء

ص: 81


1- « ج » : فبأنّه.
2- « ز ، ك » : « الغلبة ».
3- « ز ، ك » : منهما التقدير.
4- « م » : فيه.
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : فيكون.
6- « ز ، ك » : لتبعية النتيجة.
7- « م » : مقدّماتهما.

الأشياء القارّة كالأرض والسماء والماء والهواء لا يصحّ الحكم ببقائه كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الغلبة قد تكون (1) جنسية وهي ما إذا كانت الأفراد الموجودة على صفة أفراد الجنس (2) ، كما إذا شككنا في استدارة جسم من الأجسام السفلية من المعادن أو النبات (3) أو الحيوان - مثلا - فإنّه يحكم فيه بعدمها ؛ لأنّ الغالب في الموجودات الجسمانية المركّبة عدم الاستدارة ، ثمّ إنّ الغلبة الجنسية كنفس الأجناس متدرّجة في المراتب ، والفرض غير خفيّ ، وقد تكون (4) نوعية كما في أفراد الإنسان فيما إذا وجدناها (5) على صفة واحدة ككونها في الأغلب على رأس واحد مثلا ، وقد تكون صنفية كما في أفراد الزنجي فإنّ الغالب فيها السواد مثلا ، وقد يختلف ذلك باختلاف الأصناف المندرجة تحت صنف فقد يكون أهل بلد (6) مخصوص من الزنج على خلاف أفراد الصنف المطلق ، كما في الغلبة الجنسية أيضا تصير مختلفة على ما عرفت ، ولا شكّ في حصول الظنّ من الأقسام المذكورة ، ولا بدّ من الأخذ به أيضا على تقدير القول به أعاذنا اللّه منه بحقّ محمّد وآله (7) ، ولكن ذلك فيما إذا لم تكن (8) الغلبة معارضة (9) بغلبة أخرى.

وأمّا إذا تعارضت الغلبتان الجنسية والنوعية أو الصنفية أو أصناف الصنف كما لا يخفى ، فالتحقيق (10) هو الإلحاق بالغلبة الخاصّة في جميع المراتب ؛ لأنّ منشأ الإلحاق في الغلبة هو الظهور على ما عرفت ، والغلبة النوعية أشدّ ظهورا من الغلبة الجنسية ، والصنفية أظهر من النوعية ، والصنف الخاصّ أظهر من الصنف المطلق ، فبالحقيقة يرجع التعارض إلى تعارض الظاهر والأظهر ، ولا شكّ في تقديم الأظهر على الظاهر

ص: 82


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون.
2- « م » : أفرادا للجنس.
3- « ز ، ك » : النباتات.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون ، وكذا في المورد الآتي.
5- « م » : - ها.
6- « ز ، ك » : مثل بلد ، وفي « ج » : هذا عليه.
7- « ز ، ك » : - بحقّ محمّد وآله.
8- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : لم يكن.
9- « ج » : متعارضة.
10- « ز ، م » : التحقيق.

على ما هو المعهود من تقديم الخاصّ على العامّ.

والسرّ فيه هو أنّ العقل يلاحظ المشكوك بما هو أقرب منه ، مثلا لو فرضنا أنّ محلّة من محلاّت بلدة تقضي بأن تكون أهلها على صفة ، ونفس تلك البلدة تقضي بأن تكون على صفة أخرى ، فعند الشكّ في لحوق فرد من تلك المحلّة بأهلها أو بأهل بلدها ، فلا ريب في أنّ العقل إنّما يستكشف حكمه من أهل تلك المحلّة دون تلك (1) البلدة ، وأمثال هذه المطالب ممّا لا ينبغي الاشتباه فيها ، بل ممّا لا يكاد يشتبه على ما هو ظاهر (2).

وإذ قد عرفت ما مهّدنا (3) فنقول : إنّ التمسّك بغلبة بقاء الممكنات القارّة ممّا لا يجدي في الحكم ببقاء الأحكام الشرعية إلحاقا لها بالأعمّ الأغلب كما صدر عن السيّد الصدر ، لما عرفت من أنّ الغلبة لا يمكن حصول الظنّ منها (4) إلاّ بعد استخراج القدر الجامع القريب ، وانتفاؤه في محلّ (5) الكلام ممّا لا يعتريه أثر الشكّ ، فإنّ القول ببقاء قطرة من الماء في ثوب زيد حال الشكّ فيه إلحاقا لها بوجود الأرض والسماء والبحار والهواء ، لعلّه يقرب من أن يكون من مضحكات الثكلى.

فإن قلت : إنّ هناك مرحلتين : الأولى : أصل بقاء الشيء المشكوك بقاؤه وارتفاعه ، الثانية : مقدار بقائه على تقدير البقاء ، والذي لا يمكن إلحاقه من الأحكام الشرعية كالخيار - مثلا - بالموجودات القارّة ، لعدم القدر الجامع بينهما ، هو مقدار البقاء دون أصل البقاء ، ولعلّ السيّد إنّما قال بالإلحاق في المرحلة الأولى دون الثانية ، فإنّه لا بدّ في المرحلة الثانية (6) من ملاحظة الأحكام الصادرة من الموالي بالنسبة إلى عبيدهم ، وملاحظة استعداد مقدار بقائها ، وبعد إحراز ذلك يحكم بالإلحاق ، ولم يظهر منه مخالفة

ص: 83


1- « ز ، ك » : - تلك.
2- من قوله : « بل ممّا » إلى هنا ليس في « ز ، ك ».
3- « م » : مهّدناه.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : « منه ».
5- « ج ، م » : محالّ.
6- « ج ، م » : فإنّه في المرحلة الثانية لا بدّ.

في ذلك.

قلت : لا شكّ في اعتبار الوجود في الجملة ولو في زمان ما في الاستصحاب ، وبعد الوجود لا بدّ من الشكّ في البقاء والارتفاع ، وما يطلب من الاستصحاب هو مقدار البقاء لا أصل البقاء ، فإنّه عبارة عن الوجود الثابت في الزمان الثاني في الجملة ، وهو معلوم في الأغلب ، ولو رام إلى استصحاب أصل البقاء فهو أيضا فاسد ؛ إذ المفروض أنّه لا شكّ في البقاء في الجملة ، فلا يعقل الاستصحاب فيما لا يعقل فيه الشّك ، ومن هنا يظهر عدم استقامة ما أفاده المحقّق القمي رحمه اللّه (1) - (2) في توجيه ما أفاده السيّد ، ولعلّك بعد الإحاطة بما قرّرنا لك تقدر على استنباط وجوه النظر في كلام الموجّه أيضا.

وأمّا ثالثا : فلأنّ بعد تقدير التسليم عن إفادة الغلبة الظنّ بوجود المشكوك ، فالمستدلّ بها مطالب بالدليل على اعتبار الظنّ ، ولعلّه مبنيّ على القول بمطلق الظنّ ، وقد عرفت فيما حقّقنا لك من مباحث الظنّ عدم دلالة دليل على اعتباره كما أومأنا إليه (3) في الردّ على الوجه الثاني في تقرير الكبرى من الدليل الثاني (4) وإن لم يكن المناقشة فيما يكون مبنيّا على أصل بإنكار ذلك الأصل مرغوبا إليها عند أرباب النظر والتحصيل ، ولكنّ الذكرى تنفع (5).

فالأولى في تقرير الغلبة لو قلنا باعتبارها أن يقال : إنّ (6) الغالب في الأحكام الصادرة من الموالي إلى العبيد أو خصوص الأحكام الشرعية هو البقاء ، ففيما إذا شكّ في بقاء حكم منها وارتفاعه يحكم العقل ظنّا بإلحاقه بالأغلب.

ولكنّه مع ذلك لا يكاد يتمّ ؛ إذ هو موقوف على استخراج القدر الجامع من الغلبة النوعية أو الصنفية ، ودعوى ذلك في الأحكام الشرعية عهدتها على مدّعيها ؛ ضرورة

ص: 84


1- « ز ، ك » : - رحمه اللّه.
2- القوانين 2 : 57.
3- أومأ إليه في ص 77 - 78.
4- كذا. والصواب الثالث.
5- « ز ، ك » : قد تنفع.
6- « ج ، م » : بإنّ.

انتفائه فيما إذا شكّ في استعداد الحكم الشرعي ، إذ لا طريق لنا إلى العلم بمقدار استعداده حتّى يقال بإلحاقه على الأحكام العرفية (1) على تقدير العلم باستعدادها.

وإن شئت التوضيح فلاحظ فيما إذا شككت في عروض مانع للحكم الشرعي أو مانعية عارض له ، فإنّه لا يمكن أن يقال - فيما إذا شكّ (2) في وجود البول بعد الطهارة - إنّ أمر السيّد الفلاني عبده بشراء لحم ، والآخر بضرب زيد ، والآخر بإكرام عمرو ، والآخر بضيافة خالد ، لم يعرض له مانع ، فكذلك لم يعرض المانع للطهارة ، كما أنّه لا يمكن أن يقال - فيما إذا شكّ في مانعية المذي للوضوء - إنّ (3) قلع الأشجار وجري الأنهار ودوران الفلك الدوّار وغيرها من الممكنات غير مانع ، فالمذي أيضا غير مانع.

فقد ظهر من جميع ما مرّ عدم صحّة الاستناد إلى الغلبة في الاستصحاب ، فإنّها لا تصير منشأ لحصول الظنّ منه ، والذي يمكن أن يقال في المقام هو أنّا نرى العقلاء مطبقين على الأخذ بأحكام الحالة السابقة فيما إذا شكّ في المانع بأقسامه بعد إحراز المقتضي ، سواء كان في الوجوديات أو في العدميات ، وإن لم نعلم بالوجه في ذلك فلا نعلم أنّ ذلك منهم مبنيّ (4) على الاستصحاب (5) أو على قاعدة العدم ، وستعرف (6) لذلك زيادة تحقيق وتنقيح في بعض الهدايات الآتية.

وأنت بعد ملاحظة ما اقتصرنا عليه من ذكر الحجج الظنّية وإيراداتها (7) تقدر على دفع سائر الوجوه التي لم نذكرها وهي كثيرة جدّا ، فلاحظها تهتدي إلى وجوه الإيراد عليها ، واللّه الموفّق وهو الهادي (8) إلى طريق الرشاد وسبيل السداد.

ص: 85


1- « ك » : إلى الأحكام الفرعية ، وفي « ج » : بإلحاقه بالأحكام الشرعية.
2- من قوله : « في عروض مانع » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
3- « ز ، ك » : وانّ.
4- « ك » : - منهم ، وفي « م » : مبنيّ عنهم ، وفي « ز » : مبنيّ منهم.
5- « ج » : قاعدة الاستصحاب.
6- ستعرف في ص 231.
7- « ج ، م » : إيرادها.
8- « ز ، ك » : فلاحظها واللّه الهادي.

ص: 86

هداية حاوية للنهاية والبداية [ في ذكر أدلّة حجّية الاستصحاب ]

اشارة

قد عرفت فيما تقدّم عدم دلالة العقل على اعتبار الاستصحاب على ما رامه المثبتون بأذيال الوجوه الظنّية.

وأمّا الكتاب العزيز فقد يظهر من بعض (1) من لا مساس (2) له بالفنّ الاستناد إلى بعض الآيات ، ونحن وإن استقصينا التأمّل في تقريبه ما وقفنا على محصّل منه إلاّ أنّ أمثال هذه التقريبات من أمثاله غير عزيز.

وأمّا الإجماع على إثبات (3) القاعدة السارية في تمام الموارد ، فلم نقف على ناقل منه أو محصّل له.

وأمّا التمسّك بالأدلّة الدالّة على ثبوت الحالة السابقة حال اليقين بتقريب أنّها دالّة على ثبوت الأحكام المشكوكة في اللاحق استلزاما ، فليس بشيء أيضا ؛ لعدم الملازمة بين ثبوت الشيء ودوامه ، فإنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم.

وأمّا الأخبار المرويّة عن السادة الأطهار عليهم السلام فمستفيضة في هذا المضمار :

ص: 87


1- في هامش النسخ ما عدا « ج » : ( هذا « ز ، ك » ) إشارة إلى ما حكاه البعض عن بعض مشايخ الكشفية من التمسّك بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [ الرعد : 11 ] « منه ».
2- « ك » : لا أنس.
3- « ز ، ك » : - إثبات.

منها : ما رواه شيخ الطائفة المحقّة في التهذيب عن شيخه المفيد عن أحمد بن محمّد بن الحسن عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن حسين بن [ الحسن بن ] أبان جميعا عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة قال : قلت له عليه السلام : الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال (1) عليه السلام : « قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء » قلت له : فإن حرّك في (2) جنبه شيء ولا يعلم به؟ قال عليه السلام : « لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض (3) اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن ينقضه بيقين آخر » (4).

وتوضيح المقام في تقريب المرام يحتاج إلى رسم أمرين :

[ الأمر ] الأوّل : في بيان سند الرواية ، فنقول : قد عدّها عدّة من أصحابنا في عداد الصحاح ، بل جعلها صاحب المعالم في المنتقى (5) من المزكّاة في كلّ المراتب (6) بتزكية عدلين.

ومع ذلك فقد نوقش (7) في صحّة سندها : فتارة : بالإضمار ، فإنّ كتب الحديث غير التهذيب خالية عنها ، والإسناد إلى الباقر عليه السلام كما في بعض مصنّفات الفنّ غير معتمد عليه بعد خلوّ كتاب الرواية عنه.

وأخرى : بعدم ظهور وثاقة أحمد بن محمّد من مهرة رجال الرجال ، وأمّا عدّه من مشايخ الإجازة فلا دلالة فيه على الوثاقة ؛ لوجوده في إبراهيم بن هاشم مع أنّ صاحب المعالم يرى روايته من الحسان دون الصحاح ، وقد قيل فيه : إنّه أوّل من

ص: 88


1- « ز ، ك » : قال.
2- في المصدر : إلى.
3- « ج » : تنقض.
4- التهذيب 1 : 8 / 11 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ، ح 1.
5- منتقى الجمان 1 : 124.
6- « ك » : مرتبة.
7- « ز ، ك » : قد نوقش.

نشر أخبار الكوفيين بقم.

فإن قيل : إنّهم ربّما يطعنون على البعض - كما في البرقي - بواسطة روايته عن (1) الضعفاء ، والراوي منه في السلسلة المذكورة هو المفيد ولم يطعن عليه بذلك أحد ، فيدلّ على وثاقة المرويّ عنه.

قلت أوّلا : إنّ الطعن إنّما هو فيما إذا علم ضعف الراوي وليس المقام منه ؛ إذ غاية ما يقال في حقّه عدم توثيقه لا ضعفه ، وذلك لا يكفي في الحكم بالضعف بالنسبة إلى الراويّ وإن اكتفي في الرواية.

وثانيا : إنّ النقل من (2) الراوي يحتمل أن يكون بواسطة الاعتماد عليه والركون إليه ، ويحتمل أن يكون بواسطة الاعتماد على نفس الرواية ولكنّ النقل منه إنّما هو من حيث عدم تفرّق رواة الحديث واتّصال سنده إلى الإمام عليه السلام.

ومع ذلك فلا دلالة في نقل المفيد على وثاقته ؛ إذ لعلّه بواسطة الوثاقة على نفس الرواية.

وتارة أخرى : بأنّ حريزا لم يوثّقه غير الشيخ في الفهرست (3) فكيف يمكن أن يكون (4) الرواية من الصحيح على مصطلح صاحب المعالم ، بل يظهر من النجاشي (5) القدح فيه.

فإن قيل : إنّ العلاّمة أيضا وثّقه في الخلاصة كما يستفاد من (6) عبارة الخلاصة ، قال : حريز - بالراء قبل الياء المنقّطة تحتها نقطتان والزاي أخيرا - ابن عبد اللّه السجستاني أبو محمّد الأزدي من أهل الكوفة أكثر السفر (7) والتجارة إلى سجستان فعرف بها ،

ص: 89


1- « ز ، ك » : من.
2- « ز ، ك » : عن.
3- الفهرست 162 / 249.
4- « ك » : من أن تكون ، وفي « ز ، م » : من أن يكون.
5- رجال النجاشى 144 / 375.
6- « م » : عن.
7- في المصدر : كثير السفر.

وكانت تجارته في السمن والزيت ، قيل : روى عن أبي عبد اللّه ، وقال يونس : لم يسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام إلاّ حديثين ، وقيل : روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال النجاشي : ولم يثبت ذلك ، قال الشيخ الطوسي : إنّه ثقة ، وقال النجاشي : كان حريز ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد اللّه ، وروي أنّه جفاه وحجبه عنه ، وهذا القول من النجاشي لا يقتضي الطعن ؛ لعدم العلم بتعديل الراوي للجفاء ، وروى الكشّي : أنّ أبا عبد اللّه حجبه عنه وفي طريقه محمّد بن عيسى ، وفيه قول ، مع أنّ الحجب لا يستلزم الجرح ؛ لعدم العلم بالسرّ فيه (1) ، انتهى.

قلنا : أمّا أوّلا : فلا دلالة في هذه العبارة على التوثيق ؛ لأنّ نفي الجرح لا يستلزم التعديل ، لكونه أعمّ.

وأمّا ثانيا : فلأنّه (2) بعد التسليم فتعديل العلاّمة في الأغلب تابع لتعديل الشيخ ؛ لحسن ظنّه به ، كما يظهر ذلك لمن مارس كلامهما في التعديل ، إلاّ أنّ ذلك كلّه ممّا لا ضير فيه بعد ما استقرّ التحقيق على اعتبار الرواية الموثوق بها. أمّا حديث الإضمار فلظهور أنّ جلالة شأن الراوي مانعة عن السؤال عن غير الإمام عليه السلام ، والظاهر أنّ الوجه في الإضمار في أمثال هذه الروايات هو تقطيع الأخبار تسهيلا على من حاول الإحاطة بما فيها من الفقرات. وأمّا تعديل أحمد بن محمّد فلا دليل على لزومه سوى أنّه أحد طرق تحصيل الوثوق ، وربّما يحصل من كونه من مشايخ الإجازة ما يزيد على التعديل بمراتب. وأمّا حكاية حريز فكالسابق ممّا لا غائلة (3) فيها بعد الاطمئنان بالصدور ، نعم لا يتمّ على مذهب صاحب المعالم بحسب ما اصطلح عليه ، ويزيدك توضيحا في وثاقة الرواية نقله لها في المنتقى.

الأمر الثاني في توجيه فقرات الرواية كي يتّضح موضع الحاجة في الاحتجاج ،

ص: 90


1- الخلاصة 63 / 4.
2- « ج ، م » : فلأنّ.
3- « ز ، ك » : ولا غائلة.

فنقول : قول السائل : « الرّجل ينام وهو على وضوء » المراد به إمّا تمدّد الأعضاء وإيقاع صورة النوم من المكلّف بالاستلقاء ومدّ الأيدي والأرجل استعارة ، وإمّا الشروع فيما يفضي إلى النوم من مقدّماته مشارفة ، وإمّا النوم الحقيقي ، بناء على أنّ الخفقة من مصاديقه الواقعية ، فلا منافاة بين هذه الفقرة وقوله : « أتوجب الخفقة ». وقوله : « ينام وهو على وضوء » يراد به أنّه يحدث النوم والحال أنّه في زمان مقارن لزمان الوضوء ؛ لمكان دلالة الجملة الفعلية على التجدّد والحدوث بخلاف الجملة الاسمية ، فيرتفع التنافي بين قوليه من أنّ « الرجل ينام » و « هو على وضوء » كما توهّم.

وأمّا لفظ « الخفقة » فقال في الصحاح : خفق الرجل : إذا حرّك رأسه وهو ناعس (1).

ثمّ إنّه هل هو سؤال عن مانعية العارض فيكون الشبهة حكمية ، أو عن (2) عروض المانع فيكون الشبهة موضوعية؟ وجهان ، أظهرهما الأوّل ، فإنّ المنساق منها ذلك ، ويحتمل بعيدا أن يكون السؤال عن (3) اطّراد حكم النوم في جميع أفراده ؛ لاختلافها ظهورا وخفاء بعد العلم بدخولها تحت ماهيّة النوم. وممّا يوضح ما ذكرنا من ظهور الرواية في السؤال عن الشكّ في مانعية العارض ملاحظة ما رواه الشيخ عن حسين بن سعيد عن فضالة عن حسين بن عثمان عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن زيد الشحّام قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفقة والخفقتين؟ فقال عليه السلام : « ما أدري [ ما الخفقة والخفقتان ] إنّ اللّه يقول : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (4) إنّ عليّا عليه السلام كان يقول : من وجد طعم النوم فإنّما [ أ ] وجب عليه الوضوء » (5).

ثمّ لا يخفى أنّ قول الإمام عليه السلام : « قد تنام العين ولا ينام الأذن والقلب » صريح في عدم الملازمة بينهما ، وتوهّم عدم الانفكاك ساقط ، نعم الظاهر أنّ نوم الأذن يلازم نوم

ص: 91


1- الصحاح 3 : 1469.
2- « م » : من.
3- « م » : - السؤال عن ، وفي « ج » : - عن.
4- القيامة : 14.
5- التهذيب 1 : 8 / 10 ؛ الاستبصار 1 : 80 / 252 ؛ وسائل الشيعة 1 : 254 ، باب 3 من أبواب نواقض الوضوء ، ح 8.

القلب ولذا (1) اقتصر الفقهاء على نوم الحاسّتين.

وأمّا قوله : « فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم به » فهو سؤال عن حكم الشكّ في المانع ، ومحصّله : أنّ مجرّد حصول عدم سماع الصوت الحاصل من التحريك المزبور هل يصلح أن يكون ممّا يستكشف به عن وجود النوم كما في سائر الأمارات ، أو لا؟ عكس السؤال الأوّل كما يلوح من ملاحظة نفس السؤال ، فإنّ احتمال عروض النوم أو عدم الالتفات إلى التحريك يصحّ أن يقعا مسئولا بهما في الشكّ في عروض المانع بخلاف الشكّ في مانعية العارض. وبعبارة واضحة : إنّ قول السائل : « وهو لا يعلم به (2) » بعد حصول التحريك في جنبه شكّ في أنّ منشأ عدم العلم ما ذا فهل هو عروض النوم أو مجرّد عدم الالتفات إلى الصوت كما قد يحصل للإنسان؟ وهذا يصلح أن يكون شكّا في عروض المانع بخلاف الشكّ في منع العارض ؛ إذ لا يحتمل مانعية عدم الالتفات إلى الصوت ، للقطع بعدم المانعية ، كما لا يحتمل عدم مانعية النوم ، للعلم بذلك قطعا ، على أنّ الثاني لا يوافقه الجواب كما لا يخفى ، ويزيده توضيحا ملاحظة قوله عليه السلام : « لا حتّى يستيقن أنّه قد نام » وقوله : « حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن » فإنّ ظهور الجواب في كون السؤال عن الشكّ في عروض القادح والمانع ممّا لا ينكر ، ومن هنا يظهر أنّ من (3) اقتصر في الاستدلال بهذه الفقرة ، ثمّ بالغ في الرّد على المحقّق السبزواري من

ص: 92


1- « م » : ولو ، وموضعه في « ج » بياض.
2- « م ، ج » : - به.
3- المراد به ظاهرا القزويني في ضوابط الأصول : 403 حيث قال : إنّ قوله عليه السلام : « لا ينقض » في قوّة الكبرى الكلّية ، أي كلّ من كان على يقين من شيء حرم عليه نقضه إلاّ بيقين آخر ، مضافا إلى أنّ قوله عليه السلام : « فإنّه على يقين من وضوئه » كاف في إثبات المطلوب أعني حجّية مطلق الاستصحاب نظرا إلى حجّية منصوص العلّة ، والعجب من صاحب الذخيرة حيث نفى حجّية الاستصحاب فيما إذا شكّ في مانعية شيء كالمذي للوضوء ، أو شكّ في كون شيء فردا من المانع المعلوم المانعية كالخفقة والخفقتان إذا شككنا في صدق النوم عليهما مع أنّ [ ه ] مورد الرواية.

حيث منعه حجّية الاستصحاب عند الشكّ في منع العارض بأنّ مورد الرواية مخالف ، له فقد أخطأ ، نعم لو احتجّ بالفقرة الأولى أيضا صحّ الردّ والإيراد كما أنّه يدلّ على فساد التفصيل بين الموضوعات وأحكامها كما نسب إلى المحقّق المذكور أيضا على الأوّل.

وإذ قد عرفت هذين الأمرين فاعلم أنّ محلّ الاستدلال هو قوله عليه السلام : « فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشكّ » والتقريب أنّ قوله : « فإنّه » (1) علّة للجواب المحذوف للشرط المستفاد من قوله : « وإلاّ » وقائم مقامه ، كما يوجد مثله كثيرا في كلمات الفصحاء ، سيّما القرآن العزيز فإنّه مشحون بذلك كما في قوله : ( فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (2) وقال أبو الطيّب :

وان تفق الأنام وأنت منهم *** فانّ المسك بعض دم الغزال (3)

فالتقدير : وإن لم يستيقن فلا يجب الوضوء فإنّه على يقين من وضوئه ، فيكون بمنزلة صغرى من القياس ، وقوله : « ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا » بمنزلة الكبرى ، فتنتج النتيجة المطلوبة ؛ لصحّة القياس مادّة وهيئة ، ودلالته على هذا التقدير على حجّية الاستصحاب واضحة لا تكاد تخفى على أحد.

ويحتمل أن يقال أيضا : انّ الجواب هو قوله : « ولا ينقض اليقين بالشكّ » ويكون قوله : « فإنّه » إلخ توطئة لذكر الجواب ، كما قد تعارف عندهم أمثاله كما يقال : إذا قدمت من السفر فعندك منزل فانزل فيه ، وعلى تقديره أيضا يتمّ التقريب كما هو ظاهر إلاّ أنّه بعيد جدّا ، سيّما بعد ملاحظة الواو في قوله : « ولا ينقض » إذ الغالب في هذه الاستعمالات هو الإتيان بكلمة الفاء.

وأمّا ما يقال من أنّ حذف الجواب خلاف الأصل ، فمدفوع بأنّ خلاف الأصل

ص: 93


1- « ز ، ك » : - فإنّه.
2- آل عمران : 97.
3- ديوان المتنبى : 224 في مدح سيف الدولة.

مجوّز الارتكاب بعد وجود الدليل ويكفي فيه ظهور المقام ، نعم في المقام شيء آخر لا يفرق فيه كلا الوجهين وهو احتمال إرادة العهد من اللاّم في قوله : « ولا ينقض [ اليقين ] » فإنّ ذكر اليقين في الوضوء قرينة قابلة لصرف اللفظ عن الحقيقة إليه ، ولا ينافيه لزوم كلّية الكبرى على التقدير الأوّل ؛ إذ يكفي فيها عموم الحكم لأفراد اليقين الوضوئي ولا يقضي بكون اليقين جنسا ، لا يقال : إنّ من المحقّق في محلّه مجازية اللام في العهد ، فأصالة الحقيقة تقضي باعتبار الجنس ، فيتمّ التقريب ؛ لأنّه يقال : قد أشرنا إلى دفع ذلك من أنّ أصالة الحقيقة ممّا لا عبرة بها بعد ما تقدّم من ذكر الوضوء واليقين المتعلّق به ، ونظير ذلك الجمل المتعقّبة (1) بالاستثناء ، والأمر الوارد عقيب الحظر ، وغيرهما ، فإنّ جملة من أرباب الفنّ إنّما أهملوا إعمال أصالة الحقيقة في هذه الموارد نظرا إلى سبق ما يحتمل أن يكون صارفا عن المعنى الحقيقي ، سيّما فيما لم يكن بعيدا عن مساق اللفظ كما في المقام ، فالإنصاف أنّ دلالة هذه الرواية على حجّية الاستصحاب كانت في غاية الظهور لو كان المراد من اليقين هو جنس اليقين ، وبعد وجود ما يحتمل كونه صارفا في المقام فلا يتمّ التقريب إلاّ أن يبنى على دعوى وجود مناط الاستصحاب في غير موارد الوضوء ، وهذا وإن لم يكن بعيدا إلاّ أنّه كما ترى.

فإن قلت : على تقدير أن يكون اللام للجنس أيضا لا وجه للاستدلال ؛ إذ لا عموم في الجنس.

قلت : إنّ الجنس المنفيّ يفيد العموم ، فيصحّ الاستدلال ، وقد يحتمل بعيدا أن يكون المراد باللام هو الاستغراق ، إلاّ أنّه ضعيف جدّا ؛ لأنّه مجاز لا يصار إليه إلاّ بدليل ، على أنّ ذلك إنّما يستلزم نفي العموم والمقصود لا يتمّ إلاّ بعموم النفي.

اللّهمّ إلاّ أن يقال بالفرق بين العموم المستفاد من اللام أو من كلمة « كلّ » كما يشهد به ملاحظة الأمثلة في العرف ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ العموم المستفاد من لفظ « كلّ »

ص: 94


1- « ج ، م » : المتعقّب.

ينحلّ إلى ذوات الأفراد مع قيد الإحاطة ، بخلاف عموم اللام فإنّه ينحلّ إلى نفس الأفراد من دون قيد ، فيتوجّه النفي (1) إلى القيد في الأوّل دون الثاني ، مع أنّ بعضهم قد أفاد (2) أنّ مرجع عموم النفي ونفي العموم إلى ما هو المستفاد من الألفاظ الدالّة على ذلك عرفا ، فلا يفرق في ذلك لفظ الكلّ أو اللام ، فإنّ قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (3) يفيد عموم النفي أو يتعسّف في إثبات العموم على تقدير نفي العموم أيضا ببرهان الحكمة ؛ إذ لا يتعيّن نفي العموم في ضمن البعض ، لاحتمال نفي الكلّ أيضا ، فإنّ السالبة الجزئية لا تناقض السالبة الكلّية.

وبالجملة : فالتحقيق أنّ دلالة الرواية على المطلوب تامّة لو لم يكن قيام الاحتمال المذكور ، فيا ليته لم يكن ولفظ « أبدا » كما يناسب أحدهما يناسب الآخر أيضا.

ومنها : ما رواه الشيخ أيضا في كتاب صلاة التهذيب عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة قال : قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له من الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال عليه السلام : « تعيد الصلاة وتغسله » قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا ، ثمّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : « تغسله وتعيد » ، قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا ، ثمّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : « تغسله (4) ولا تعيد الصلاة » قلت : فلم ذاك؟ قال : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا » قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصاب ولم أدر أين هو فأغسله ، قال : « تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه (5) قد أصابها حتّى تكون على يقين

ص: 95


1- « م » : النفس.
2- « ج ، م » : أفادوا.
3- لقمان : 18.
4- من قوله : « وتعيد » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
5- « م » : أنّها.

من طهارتك » قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه بشيء أن انظر فيه؟ قال : « لا ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك » قلت : فإن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : « تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ » (1).

وهذه الرواية الشريفة مع اشتمالها على أحكام شتّى وفقرات لا غبار عليها ، ممّا لا ضير في إضمارها (2) ولا في قطعها بعد كون الراوي جليل الشأن رفيع المنزلة عظيم القدر ، سيّما بعد ملاحظة ما في العلل (3) من إسنادها إلى أبي جعفر ، ووقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها ممّا لا يقضي بعدم الوثوق بصدورها على ما هو المناط عند التحقيق في حجّية الخبر واعتباره من حيث الصدور. ويمكن الاحتجاج بهذه الرواية من وجوه :

الأوّل : قوله عليه السلام : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك » بعد قول زرارة « ولم ذاك » والتقريب ظاهر مثل ما تقدّم في الرواية الأولى ، بل الأمر في المقام أظهر ؛ لكونه صريحا في التعليل ، فيوجد صغرى مفروضة ، وكبرى معلومة ، ويستدلّ بهما على النتيجة المطلوبة.

واحتمال العهد في المقام أيضا أظهر من احتماله في المقام الأوّل.

لا يقال : إنّ عموم العلّة المنصوصة في الرواية قاض بالأخذ بها حيث ما وجد ، فإنّ

ص: 96


1- التهذيب 1 : 421 ، باب 22 ، ح 8 ؛ الاستبصار 1 : 183 ، باب 109 ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، باب 37 من أبواب النجاسات ، ح 1 وص 477 ، باب 41 من أبواب النجاسات ، ح 1 ، وص 479 ، باب 42 من أبواب النجاسات ، ح 2 ، وص 482 ، باب 44 من أبواب النجاسات ، ح 1.
2- لأجل ذلك ناقش في سندها العلاّمة الحلّي في منتهى المطلب 3 : 296 وفي ط الحجري 1 : 181.
3- علل الشرائع : 361 ، باب 10 ، ح 1.

التحقيق هو الأخذ بعمومها ، وقضيّة ذلك هو اعتبار الاستصحاب مطلقا.

لأنّا نقول : إنّ قضيّة عموم العلّة هو اطّراد الحكم المعلّل بهذه العلّة في مواردها لا ثبوت أحكام أخر على تقدير وجود العلّة ، والحكم في الرواية هو عدم إعادة الصلاة كما أنّ في الرواية السابقة هو عدم وجوب الطهارة ، واطّرادهما في الموارد معلوم غير محتاج إلى الاستصحاب.

الثاني : قوله عليه السلام : « تغسل من ثوبك (1) الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك » فإنّ المنساق منها ثبوت النجاسة إلى أن يعلم بزوالها ، وهو معنى الاستصحاب.

وفيه أوّلا : أنّه يحتمل أن يكون باعتبار قاعدة الاشتغال (2). وثانيا : على تقدير التسليم أنّها تدلّ على الاستصحاب في الطهارة والنجاسة وهما معلوما الحكم من هذه الجهة.

الثالث : قوله - في ذيل الرواية - : « فليس ينبغي أن تنقض (3) اليقين بالشكّ » بالتقريب والتضعيف المتقدّمين.

بقي في المقام شيء (4) ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنّ قول زرارة - في السؤال - : فنظرت فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فرأيته فيه ، إن كان المراد به عدم العلم بالنجاسة التي فحص عنها قبل الصلاة ، فجواب الإمام عليه السلام ظاهر لا إشكال فيه (5) ، وأمّا إن كان المراد به عدم وجدان النجاسة قبل الصلاة ، ثمّ العلم بها بعد الصلاة قبل الصلاة ، فيشكل الأمر من حيث إنّ الإعادة بعد ذلك بواسطة العلم بوجود النجاسة ، فيكون من نقض اليقين باليقين ، فيشكل التعليل المذكور إلاّ أن يكون المراد اليقين بوقوع العمل مطابقا للأمر

ص: 97


1- المثبت من « ج » وسقط من سائر النسخ.
2- « ز ، ك » : الشغل.
3- « م ، ك » : ينقض.
4- « ز ، ك » : بقي الكلام في شيء.
5- « ز » : - لا إشكال فيه ، ومن قوله : « التي فحص » إلى قوله : « وجدان النجاسة » سقط من نسخة « ك ».

الاستصحابي الظاهري ، وهو يفيد الإجزاء ، فتكون (1) الرواية مفيدة لهذا الحكم ، وبعده غير خفيّ على من له أنس بصناعة الكلام ، فإنّ اللازم في الجواب على هذا التقدير « لم يكن ينبغي » فإنّه دليل على المضيّ لا قوله : « وليس ينبغي » فإنّه دليل على الحال ، فتدبّر (2) ، على أنّ ذلك إنّما يتمّ فيما أقدم المصلّي فيها اعتمادا على الطهارة واتّكالا على الاستصحاب ، والظاهر خلافه ، فإنّ المستفاد من قوله : فنظرت فيه فلم أر شيئا ، هو الإقدام عليها عالما بالعلم العاديّ أو الاطمئنان بعدم النجاسة ، فيكون من الأمر العقلي الظاهري لا الشرعي ، وهو ظاهر ، كذا أفاده الأستاد (3) سلّمه اللّه تعالى (4).

قلت : ثمّ لا يخفى دلالة الرواية في بعض فقراتها على عدم لزوم الفحص في الموضوعات عند العمل بالأصل ، وعلى لزوم الاجتناب في الشبهة المحصورة ، وهي قوله : « تغسل من ثوبك الناحية التي ترى (5) أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك » ومن الغريب استنباط البعض من هذه الفقرة اعتبار الظنّ في الموضوعات متخيّلا أنّ معنى قوله : « ترى » تظنّ ، وقد أطنب في تقريبه مع ذهابه إلى جواز الارتكاب في الشبهة المحصورة ، وهو أغرب كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة زرارة رواها في الكافى عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام [ قال : ] قلت [ له ] : من لم يدر في أربع هو أم في اثنين وقد أحرز الثنتين؟ قال عليه السلام : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف (6) إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ،

ص: 98


1- « ج ، م » : فيكون.
2- « ك » : فتدبّر جيّدا.
3- « ج ، م » : - الأستاد.
4- « ز ، ك » : - سلّمه اللّه تعالى.
5- المثبت من « ك » وسقط من سائر النسخ.
6- « ز ، ك » : وأضاف.

ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبنى عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات » (1).

والكلام في هذه الرواية يقع (2) تارة : في السند ، وأخرى : في الدلالة.

أمّا الأوّل : فقد عرفت أنّ لشيخنا الكليني فيها طريقين (3) : أحدهما : ما فيه إبراهيم بن هاشم ، والآخر : ما فيه محمّد بن إسماعيل ، وهو على الأوّل حسن ، لما قرع الأسماع من حال إبراهيم ، وعلى الثاني فالظاهر أنّه صحيح أيضا ، فإنّ محمّد بن إسماعيل هو البندقي النيشابوري كما ذكر في مقدّمات المنتقى (4) وهو ظاهر الوثاقة ، وأمّا ابن بزيع وإن كان في طبقة الفضل إلاّ أنّه يبعد رواية الكليني عنه ، فإنّ المذكور في ترجمته أنّه من رجال أبي الحسن موسى وأدرك أبا جعفر الثاني ، وظاهر الإدراك موته قبله عليه السلام والكليني مات بعد تكميل المائة الثالثة وانقضاء تسع وعشرين بعده. قال الأستاد دام مجده (5) : ويمكن رفع الاستبعاد بأنّ الكليني كان في الغيبة الصغرى وتاريخها نور (6) ، والرضا عليه السلام كان في المائتين ، والفرق بينهما ستّة وخمسون ، ولا يبعد (7) بقاء (8) [ محمّد بن ] إسماعيل في تلك المدّة ، فلعلّه كان في أواخر عمر المرويّ عنه (9) وأوائل عمر الراوي ، فتدبّر.

وأمّا الثاني : فدلالتها مبنيّة على إرادة الجنس من اللام في اليقين مع احتمال العهدية على وجه لا مانع من عدم الأخذ بأصالة الحقيقة ، مضافا إلى اشتمال الرواية على ما يخالف الإجماع من البناء على الأقلّ على ما هو ظاهر ، فلا بدّ إمّا (10) من (11) طرحها أو

ص: 99


1- الكافى 3 : 351 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة 8 : 216 - 217 ، باب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 3.
2- « ج ، م » : فيقع.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : طريقان.
4- المنتقى 1 : 45 ، في الفائدة الثانية عشرة.
5- « ز ، ك » : - دام مجده.
6- « ج » : - وتاريخها نور.
7- « ز ، ك » : فالأبعد.
8- « م » : لقاء.
9- « ز ، ج ، ك » - عنه.
10- « ز ، ك » : - إمّا.
11- « م » : - من.

تأويلها أو حملها على التقيّة ، سيّما بعد ملاحظة موافقتها لمذهب العامّة.

وأمّا ما يقال : من أنّ حمل بعض فقرات الرواية على التقيّة أو طرحها أو تأويلها لا ينافي الاستناد إلى الفقرات الأخر ، فمدفوع : بأنّ العامّ إذا كان في محلّ السؤال واردا على وجه التقيّة كما فيما نحن فيه ، فلا وجه للأخذ بعمومه في غير محلّ السؤال ، فإنّ عدم جواز نقض اليقين بالشكّ في مورد السؤال وارد على وجه التقيّة كما هو المفروض ، ولا دليل على أصالة عدم التقيّة في العمل بالعامّ كما إذا خصّ العامّ بمورده ، فإنّه لا يعمل بأصالة الحقيقة في غيره.

ثمّ إنّ بعض المحقّقين كالعلاّمة (1) ومن يحذو حذوه في حفظ مراتب الشريعة قد تصدّى لتوجيه الرواية على وجه لا ينافي مذهب الفرقة المحقّة بأنّ المراد من قوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ » هي قاعدة الاشتغال الآمرة بالإتيان بركعتي الاحتياط ، وليس المذكور في الرواية إلاّ لزوم الإتيان بركعتين ، وأمّا البناء على الأقلّ فلا يستفاد منها أبدا ، فإنّ الاحتياط يقضي بذلك ؛ لأنّ الواقع لو كان على أربع فيحسب له نافلة ، وإلاّ فيجزي (2) عن فرضه ، سيّما بعد ملاحظة مذهب العامّة من لزوم الاتّصال ؛ إذ على تقدير التمامية يلزم زيادة الركعتين المبطلة سهوا وعمدا ، بخلاف مذهب الإمامية فإنّ زيادة السلام لا تضرّ (3) كما في صورة السهو ، فقاعدة الاشتغال والاحتياط تقضي (4) بذلك ، فعلى (5) هذا فسقوط الاستدلال بالرواية واضح ؛ إذ لا دخل (6) للاستصحاب في ذلك ولا يجوز إرادة القاعدتين معا ، لاستلزامها التناقض في المورد ، فإنّ قضيّة الاستصحاب هو البناء على الأقلّ ، وقضيّة الاحتياط على ما سمعت في قبال مذهب العامّة هو البناء على الأكثر لئلاّ يلزم زيادة الركعتين على تقدير التمامية المستلزمة (7) لبطلان العمل

ص: 100


1- انظر منتهى المطلب 1 : 416 ط الحجري.
2- « ك » : فيخرج.
3- « م ، ج » : لا يضرّ.
4- « ز ، ك » : يقضي ، وفي « ج » تقتضي.
5- « ز ، ك » : وعلى.
6- « ز ، ك » : مدخل.
7- « ز ، ك » : المستلزم.

سهوا وعمدا.

ومنها : موثّقة عمّار الساباطي رواها الصدوق في الفقيه عن إسحاق بن عمّار أنّه قال : [ قال لي : ] أبو الحسن الأوّل : « إذا شككت فابن على اليقين » قال : قلت : هذا أصل؟ قال : « نعم » (1).

ودلالتها ظاهرة لا غبار عليها ؛ لعدم ما يصلح لصرف اللام عن حقيقتها ، وإيرادها في الصلاة لا ينافي عمومها ، نعم يرد عليه (2) أنّه يخالف مذهب الشيعة من البناء على اليقين على وجه العموم ، إلاّ أنّ الأخذ بعمومها في غير موارد المخالفة أيضا مشكل ، فإنّه ليس بمنزلة إحدى الفقرتين في الروايات المشتملة على فقرات كثيرة ، فالأولى حملها على لزوم البناء على اليقين الفعلي كما هو أحد احتماليه ، فيسقط الاستدلال بها أيضا ، بل لعلّه هو الظاهر منها ، فيكون مفاد الرواية مفاد قوله : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (3) ودعوى ظهور دلالته على الاستصحاب ، ممنوع (4).

ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب في كتاب الصوم عن محمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن محمّد القاساني (5) قال كتبت إليه - وأنا بالمدينة - عن اليوم الذي يشكّ فيه (6) من رمضان أم لا؟ فكتب عليه السلام : « اليقين لا يدخل فيه الشكّ ، صم للرؤية وأفطر للرؤية » (7).

وجه الدلالة ظاهر ولا يحتمل العهدية ولا يحتمل قاعدة الاشتغال أيضا نظرا إلى

ص: 101


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 351 / 1025 ، باب أحكام السهو والشكّ ؛ وسائل الشيعة 8 : 212 ، باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 2.
2- « ز ، ك ، م » : + من.
3- وسائل الشيعة 27 : 170 و 173 ، باب 14 من أبواب صفات القاضي ، ح 54 و 63 ؛ بحار الأنوار 2 : 259.
4- « ز » : فممنوع ، ومن قوله : « بل لعلّه » إلى هنا سقط من « ك ».
5- « ج » : الكاشاني ، وكذا في الموارد الآتية.
6- « ك » : فيه أنّه.
7- التهذيب 4 : 159 ، باب علامة أوّل شهر رمضان وآخره ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة 10 : 255 ، باب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح 13. وسيأتي في ص 132 و 155 و 501.

قوله : « لا يدخل فيه الشكّ » فإنّ الظاهر منه هو اليقين السابق ، بل ولا يصحّ التفريع لو كان المراد باليقين هو الفعلي منه. أمّا قوله : « صم للرؤية » فظاهر عدم التفريع فيه ، وأمّا قوله : « وأفطر للرؤية » فهو أيضا كذلك ؛ لدوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، فلا يتمشّى فيه الاحتياط. فلا إشكال في الرواية من حيث الدلالة فيا ليتها كانت صحيحة السند ، فإنّها مكاتبة أوّلا ، ولم يصرّح النجاشي بوثاقة عليّ بن محمّد القاساني ثانيا.

قال النجاشي في ترجمته : إنّ عليّ بن محمّد بن شيرة القاساني أبو الحسن كان فقيها مكثرا من الحديث فاضلا ، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسى وذكر أنّه سمع منه مذاهب متكثّرة (1) ، وليس في كتبه ما يدلّ على ذلك ، له كتب أخبرنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن طاهر وقال : حدّثني (2) محمّد بن الحسن قال : حدّثنا سعد عن عليّ بن محمّد بن شيرة القاساني بكتبه (3).

وعدم دلالته على التوثيق ظاهر ، ووصفه بالفقه والفضيلة يعارضه قوله : غمز عليه وسمع منه مذاهب متكثّرة ، نعم في رجال الشيخ أنّ عليّ بن شيرة ثقة من أصحاب الهادي عليه السلام (4) إلاّ أنّه احتمل بعضهم (5) أنّ قوله : « ثقة » تصحيف قوله : « يقال » بقرينة ما ذكره بعد ذلك بلا فصل أنّ عليّ بن محمّد القاساني ضعيف أصبهاني ، وعلى تقدير عدم التصحيف فالمعارضة بينهما ظاهرة (6) إلاّ أن يقال بالتعدّد وأنّ عليّ بن شيرة غير القاساني كما لعلّه مؤيّد بما أفاده العلاّمة من أنّ عليّ بن محمّد القاساني وعليّ بن شيرة كانا من أصحاب أبي جعفر الثاني ، ولكن قيل عليه : إنّه سهو ؛ إذ لم نجدهما في الأصحاب ، مع تصريح النجاشي بالاتّحاد.

فكيف كان فلو لم يكن المدار في السند على الوثوق لم يكن وجه للاستدلال

ص: 102


1- في المصدر : منكرة.
2- في المصدر : حدّثنا.
3- رجال النجاشى 255 / 669.
4- رجال الطوسى 417 / 9.
5- انظر منتهى المقال 5 : 59.
6- « ج ، م » : ظاهر.

بالرواية ، ومع ذلك فالخطب سهل ؛ لحصول الوثوق على ما هو الإنصاف ، مضافا إلى ما ذكره المحقّق البهبهاني في التعليقة (1) من كونه معتمدا ، على أنّ اعتماد محمّد بن الحسن الصفّار على الرواية ممّا يعادل توثيق الراوي قطعا ، بل لا يبعد مشاهدته للمكاتبة بعينها كما هو الأغلب في المكاتبات ، فإنّ البناء على ضبطها وحفظها.

ومنها : ما ذكره غوّاص البحار فيها عن الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن محمّد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام (2) : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين » (3) وفي الخصال أيضا في حديث (4) الأربعمائة عن الباقر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من الملك العلاّم (5) : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ » وإرسال الرواية على الثاني معلوم ، فالاعتماد على الأوّل ، وعليه فالقاسم ضعّفه ابن الغضائري وتبعه العلاّمة (6) ، ويكفي في ضعف الحديث عدم ثبوت وثاقة الراوي على تقدير عدم الاعتداد بالتضعيف المذكور ، إلاّ أنّ اعتماد اليقطيني عليها مع ظهور حاله في الرواية كاف في حصول الوثوق بها ، فإنّه من أكابر القميين ، وقد أخرج البرقي منه لاتّهامه في الرواية ، مضافا إلى اعتماد الكليني بالرواية وذكر أجزائها متفرّقة ، وقد أفاد العلاّمة المجلسي بأنّها في غاية الوثاقة على طريقة القدماء وإن كانت ضعيفة (7) بزعم المتأخّرين (8) ،

ص: 103


1- تعليقة منهج المقال : 238 نقلا من هامش منتهى المقال.
2- « م » : صلوات اللّه عليه.
3- بحار الأنوار 80 : 359 ؛ الخصال 619 ، ح 109 ؛ وسائل الشيعة 1 : 247 ، باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ، ح 6.
4- « ز ، ك » : الحديث.
5- « ز ، ك » : عليه السلام.
6- الخلاصة 248 / 6.
7- « ج » : كان ضعيفا.
8- بحار الأنوار 10 : 117 ، وعنه في القوانين 2 : 62 ، وفيهما : وإن لم يكن صحيحا بزعم المتأخّرين.

فسندها لعلّه ممّا لا غبار عليه فيا ليتها كانت متّضحة الدلالة على المقصود ، فإنّه يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّ من كان على يقين فشكّ في ارتفاع ما تيقّنه ، فليمض على ثبوت ما تيقّنه (1) بترتيب الآثار المترتّبة على المتيقّن على المشكوك ، فمتعلّق اليقين هو ثبوت المتيقّن ، ومتعلّق الشكّ هو بقاؤه ، فيدلّ على القاعدة المطلوبة كما هو المقصود ، فإنّ ذلك هو بعينه (2) الاستصحاب.

وثانيهما : أنّ من كان على يقين وقطع بثبوت (3) شيء فشكّ في ثبوت ذلك الشيء أوّلا وتردّد في صحّة يقينه ، فليمض على يقينه بترتيب الآثار المترتّبة على اليقين حال الشكّ في صحّة اليقين ، فمتعلّق الشكّ هو الثبوت كمتعلّق اليقين ، فيكون مفاد الخبر قاعدة أخرى من فروع قاعدة الشكّ بعد الفراغ ولا ربط له بالاستصحاب في وجه.

وإذا احتمل الأمران فلا وجه للاستدلال مع احتمال ظهور الثاني لاتّحاد موردي الشكّ واليقين ، مضافا إلى ظهور الدفع والنقض في التناقض بين الشكّ واليقين وهو لا يتحقّق إلاّ على الاحتمال الأخير ؛ ضرورة إمكان الجمع بينهما في الاستصحاب ، ولمثل ذلك سلك المحقّق الخوانساري غير ما سلكه القوم كما ستقف (4) عليه إن شاء اللّه.

إلاّ أن يقال : إنّ قوله : « فليمض » ظاهر في الاحتمال الأوّل ، وربّما يؤيّده عدم لزوم التخصيص أيضا ، فإنّه على التقدير الثاني لا بدّ من تخصيصه بما إذا لم يعلم فساد مدرك اليقين السابق ، كذا أفاد.

قلت : لزوم التخصيص مشترك الورود كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في الأخبار العامّة ، وقد يتمسّك لإثبات حجّية الاستصحاب (5)

ص: 104


1- « ج » : تتيقّنه.
2- « ج » : يفيد ، وفي « م » : هو بعينه هو.
3- « م » : ثبوت.
4- ستقف عليه في الهداية الخوانسارية ص 125 وما بعدها.
5- « ز ، ك » : حجّيته.

بالإجماعات القائمة (1) في موارد مخصوصة على وجوب الأخذ بالحالة السابقة كما في استصحاب الطهارة والنجاسة والحدث ودخول الليل والنهار والحياة والوكالة ، فحكموا (2) بجواز الدخول في الصلاة في الأوّل ، وعدمه في الثاني على تقدير عدم العفو ، ووجوب التطهير كما في الثالث ، وجواز الأكل وعدمه في الرابع والخامس ، وعدم جواز قسمة أمواله بين ورثته وعدم جواز نكاح زوجته واستحقاقها النفقة ووجوب إحراز حصّة من مال مورّثه وجواز عتقه لو كان عبدا فيجزي عن الكفّارة في السادس ، وجواز التصرّف في السابع ، إلى غير ذلك من الموارد المختلفة المتشتّتة في أبواب الفقه عبادة ومعاملة ، فإن أريد أنّ ملاحظة هذه الموارد يفيد القطع بأنّ المناط على الحالة (3) السابقة الموجودة في غيرها ، فخلافهم في باب الاستصحاب يكشف عن اختصاص كلّ واحد لعلّة غير جارية في الآخر ، وإن أريد الظنّ فهو القياس الباطل ، وإن أريد كثرتها على وجه يلحق المشكوك فهو في محلّ من المنع ، وعلى تقديره فهو أيضا من القياس كما هو ظاهر.

وقد يتمسّك بأخبار خاصّة واردة في مقامات خاصة :

أحدها : ما رواه الشيخ عن ابن بكير [ عن أبيه ] قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوء أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت » (4) ودلالته على الاستصحاب في خصوص الوضوء واضحة جليّة غير قابلة للإنكار.

وثانيها : رواية عبد اللّه بن سنان في الصحيح قال : سأل رجل (5) أبا عبد اللّه عليه السلام - وأنا حاضر - : أنّي أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ،

ص: 105


1- « ز ، ك » : بإجماعات قائمة.
2- « ز ، ك » : فيحكمون.
3- « ز ، ك » : - الحالة.
4- التهذيب 1 : 102 ، باب صفة الوضوء ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة 1 : 247 ، باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ، ح 7 وص 472 ، باب 43 من أبواب الوضوء ، ح 1.
5- في المصدر : أبي.

فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه » (1) وهذه أيضا صريحة الدلالة على الاستصحاب في الطهارة مطلقا ، لمكان التعليل.

وثالثها : رواية ضريس في الصحيح قال : سألت أبا جعفر عليه السلام (2) عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم أنأكله؟ قال : « أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل ، وأمّا ما لم تعلمه فكله حتّى تعلم أنّه حرام » (3).

وفيه : أنّ (4) استفادة القطع بمطلق الاستصحاب من هذه الأخبار دعوى لا شاهد عليها ، والظنّ بأنّ المناط فيها على الاستصحاب والحالة السابقة من استخراج العلّة ظنّا لا تعويل (5) عليه ، على أنّ الرواية الأخيرة ممّا لا شاهد فيها على المقصود.

فإن قلت : إنّ مقتضى عموم العلّة وسرايتها كما هي منصوصة في الرواية الثانية اعتبار مطلق الاستصحاب ، لاعتبار القياس المنصوص.

قلت : وهذه غفلة واضحة ؛ لأنّ قضيّة تسرية العلّة إلى غير محلّ النصّ هو الاشتراك في ذلك الحكم الذي علّق على موضوعه معلّلا بالعلّة المذكورة لا الحكم بما هو نظير لذلك الحكم فيما وجد فيه العلّة كما يظهر من ملاحظة الحكم بالحرمة في النبيذ لوجود السكر المعلّل به الحرمة في الخمر ، والحكم بثبوت الخيار فيما إذا شكّ فيه قياسا على ثبوت الطهارة ، فإنّ نهاية ما يستفاد من تسرية الحكم في موارد العلّة هو الحكم بوجود مطلق الطهارة حين الشكّ فيها لا ثبوت الخيار ؛ لأنّ بقاء الخيار ليس معلّقا على الأصل حتّى يثبت في الفرع لوجود العلّة.

ص: 106


1- التهذيب 2 : 361 ، باب 17 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، باب 74 ، ح 1.
2- « م » : عليه الصلاة والسلام.
3- التهذيب 9 : 79 ، باب الذبائح ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة 24 : 235 - 236 ، باب 24 من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 2 : 282 ، باب 32 ، ح 57.
4- « ز ، ك » : - أنّ.
5- « ج ، م » : ولا تعويل.

وقد يستدلّ بأخبار أخر أيضا لا دلالة فيها على الاستصحاب في موردها أيضا ، كالرواية الأخيرة ، فإنّها ظاهرة في الشبهة الموضوعية الغير المسبوقة بالحالة السابقة كما هو محلّ البراءة ، ومثل رواية عبد اللّه بن سنان المذكورة في مباحث البراءة ، من قوله : « كلّ شيء [ يكون فيه حلال وحرام فهو ] لك حلال [ أبدا ] حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (1) وعدم ارتباطها بالمقام ممّا لا ينبغي الكلام فيه.

ومنها : ما قد اشتهرت روايته (2) ولم نجدها في كتب الحديث على ما أفاده الأستاد - أديم ظلاله - من قوله : « كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (3) وقول الصادق عليه السلام في موثقة عمّار : « كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (4) والتقريب فيهما أنّ كلمة « قذر » فعل ماض ، وحصول القذارة في الشيء مسبوق بالعلم بالطهارة ، فمفاد الروايتين طهارة كلّ ماء ونظافة كلّ شيء علم طهارته أو نظافته حتّى يحصل العلم بقذارته وأنّه حصل فيه وصف القذارة ، إلاّ أنّ ذلك غير معيّن ؛ لوجود احتمالات أخر في الرواية ، بل وهو (5) أقبح الوجوه. والتحقيق أنّ الرواية الأخيرة يحتمل وجوها ، فإنّ لفظة « قذر » يحتمل الماضوية ، والوصفية ، وعلى الأوّل : يحتمل أن يكون المراد الشبهة الموضوعية فقط ، أو الحكمية فقط ، أو الأعمّ ، وعلى الأخير : يحتمل الشبهة الموضوعية الغير المسبوقة بالعلم بالطهارة ، أو الحكمية كذلك ، أو الأعمّ كذلك ، أو المسبوقة بالعلم بالطهارة في الموضوعات ، أو في الأحكام ، أو فيهما ، أو الأعمّ من المسبوقة بالعلم والغير المسبوقة على اختلاف احتمالاتها من الاختصاص بالموضوع ، أو الحكم ، أو الأعمّ منهما ، فيرتقى

ص: 107


1- وسائل الشيعة 17 : 87 - 88 ، باب 4 من أبواب ما يكتسب به ، ح 1 ، و 24 : 236 ، باب 64 من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح 2. وتقدّم في بحث البراءة ج 1. ص 359.
2- « م » : روايتها.
3- وسائل الشيعة 1 : 133 ، باب 1 من أبواب الماء المطلق ، ح 2 ، وفيه : « ... طاهر إلاّ ما علمت أنّه قذر » و 134، ح 5 ، و 142 ، باب 4 ، ح 2 ، وفيه : « الماء كلّه طاهر ... ».
4- وسائل الشيعة 3 : 467 ، باب 37 من أبواب النجاسات ، ح 4.
5- « ز ، ك » : هذا.

الاحتمال إلى ستّة عشر احتمالا يجمع أكثرها وجوه ثلاثة :

الأوّل : ما مرّ من كون « قذر » فعلا وكون المراد من الشيء ما ثبتت نظافته ، سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية أو الأعمّ منهما.

الثاني : أن يكون « قذر » صفة ويكون المراد بالشيء الموضوعات الخارجية مع عدم سبقها بالعلم ، فيكون المعنى : كلّ شيء من الأمور الخارجية التي يشكّ في نجاستها وطهارتها فيحكم فيها بالطهارة حتّى تثبت فيها النجاسة ، فتدلّ الرواية حينئذ على اعتبار العلم في الحكم بالنجاسة في الشبهات الموضوعية الخارجية ، ولا دخل لها بالاستصحاب كما هو ظاهر ، وكذا لو [ كان ] قذر أعمّ من المسبوق وغير المسبوق ، فإنّ الحكم بعدم النجاسة فيما لم يعلم نجاسته أعمّ من الحكم بوجوب الأخذ بالحالة السابقة كما هو مفاد الاستصحاب ، ومجرّد انطباق بعض موارده لموارد الاستصحاب غير قاض باعتبار الاستصحاب ؛ لعدم دلالة عليه في الرواية ، بل ذلك (1) لعلّه ظاهر الاستحالة ، فإنّ الحكم في هذه الرواية مناطه مجرّد الشكّ ، وفي الاستصحاب هو الشكّ مع الحالة السابقة ، فدليل أحد الحكمين لا يمكن أن يستفاد منه الآخر ، ولذلك لا يصحّ (2) التمسّك بأدلّة البراءة أو بغيرها من أدلّة الأصول التي تنطبق مواردها في بعض الأحيان لمورد الاستصحاب لاعتبار الاستصحاب.

الثالث : أن يكون المراد من الشيء العناوين الكلّية القابلة للحكم عليها بالطهارة كابن آوى (3) وكلب الماء والأرنب مثلا ، أو النجاسة ، فعند عدم العلم بحكمها الشرعي الواقعي لا بدّ من معاملة الطهارة معها حتّى يعلم شرعا أنّها قذر فيجتنب عنها ، فتكون الرواية مختصّة بالشبهة الحكمية ، ويحتمل الوجهين من المسبوقية وعدمها بالعلم بالطهارة إلاّ أنّه لا يدلّ على تقدير التعميم على الاستصحاب ؛ لما عرفت من

ص: 108


1- « ز ، ك » : وذلك.
2- « ج ، م » : ما صحّ.
3- يسمّى بالفارسية « شغال » الصحاح 4 : 2274.

اختلاف مناط القاعدتين ، والفرق بين هذا الاحتمال وسابقه ممّا لا يخفى ، فإنّ الرافع للجهل في السابق هو معرفة ذات الشيء من الرجوع إلى الواقع أو السؤال عن أهل الخبرة ، بخلاف هذا الاحتمال فإنّ رافع الاشتباه هو الدليل الشرعي كما مرّ غير مرّة.

ثمّ إنّ هذه الوجوه المحتملة كلّها مشتركة في أنّ الحكم المأخوذ فيها هو الحكم الظاهري لمكان الغاية وإن اختلفت في أنّ مفاد الأوّل هو اعتبار قاعدة الاستصحاب ، ومفاد الثاني والثالث هو اعتبار العلم في الحكم بالنجاسة ، فيكفي في الحكم بالطهارة عدم العلم بالنجاسة والشكّ فيها وإن اختلفا أيضا في اختصاص الثاني بالموضوعية (1) ، والثالث بالحكمية.

وهل يمكن إرادة المعاني الثلاثة من الرواية بأخذ معنى عامّ شامل للوجوه الثلاثة مع ما عرفت في الأخيرين من الاحتمال ، أو لا؟ وجهان : ذهب المحقّق القمي (2) إلى العدم نظرا إلى اختلاف الشبهة الحكمية والموضوعية في لزوم الفحص وعدمه ، وفي رفع الجهل فيهما ، فإنّ الحكمية جهلها يرتفع بالدليل دون الموضوعية ، وعدم حصول العلم الوجداني في الأحكام دون الموضوعات ، فاستعمال الرواية فيها يوجب إرادة أكثر من معنى واحد مع عدم الجامع من اللفظ.

وزعم بعض الأجلّة إرادة المعاني الثلاثة من الرواية فقال : إنّا لا نلتزم بأنّها مستعملة في كلّ واحد من المعاني المذكورة على الاستقلال حتّى يلزم ما ذكره ، بل في القدر المشترك بينهما كما بيّناه (3) ، انتهى.

فالمراد من الرواية أنّ الجزئيات الخارجية المجهولة حكما أو موضوعا ، سواء كانت مسبوقة بالعلم أو لا ، يحكم فيها بالطهارة حتّى يرتفع الجهل ويحصل العلم في كلّ واحد بحسبه ، ففي الموضوعات بالرجوع إلى أهل الخبرة ، وفي الأحكام بالرجوع إلى

ص: 109


1- « ز ، ك » : في الاختصاص بالموضوعية.
2- القوانين 2 : 64 وفي ط : ص 271.
3- الفصول : 373.

الأدلّة ، وفي الشبهة البدوية يرتفع الجهل ، وفي المسبوقة بالعلم يحصل اليقين بالخلاف ، هذا على ما ذكره الزاعم المذكور.

والتحقيق على ما عرفت عدم جواز إرادة المعاني الثلاثة من الرواية مع جواز إرادة المعنيين الأخيرين منها.

أمّا الأوّل : فلانتفاء القدر الجامع بين المعاني الثلاثة ؛ لما عرفت من أنّ مجرّد انطباق أحد الأصول للآخر موردا لا يصير منشأ لإرادة مفهومه من دليل الآخر بعد اختلاف مناطهما ، وما ذكره الزاعم المذكور وإن كان صحيحا إلاّ أنّه لا يفيد إلاّ الانطباق بحسب المورد (1) ، وبعد اختلاف المناط لا يمكن إلقاء كلام واحد مفيد للمعنيين فإنّ الكلام في قاعدة الاستصحاب لا بدّ أن يكون مسوقا إلى بيان حال الطهارة السابقة واستمرارها لا لبيان الشكّ فيها من حيث كونه شكّا فقط على ما هو مناط الثاني.

وأمّا الثاني : فلوجود القدر المشترك بين المعنيين ، فالمراد بالشيء مطلق مجهول الحكم ، سواء كان الجهل باعتبار شبهة خارجية أو شبهة حكمية ، فالمعنى أنّ كلّ شيء لم يعلم حكمه من الطهارة والنجاسة من أيّ قسم كان فهو محكوم بالطهارة الظاهرية إلى حصول العلم بنجاسته ، وعمومه للمعنيين ظاهر ، وما ذكره المحقّق مانعا خارج عن طريقة استكشاف المرادات من الألفاظ كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بحسب إمكان الإرادة ، وأمّا أنّه هل هي ظاهرة (2) في المعنى الأوّل أو في الثاني أو في الأخيرين؟ فالظاهر ظهورها (3) في المعنى الثاني ؛ لأنّ جهل (4) الحكم وإن كان يسري إلى جهل الموضوع إلاّ أنّه خلاف الظاهر ، مضافا إلى أنّ المعصوم على ما هو (5) الظاهر من مساق الرواية إنّما هو في مقام إقعاد قاعدة يرجع إليها

ص: 110


1- « ك » : لا يفيد الانطباق إلاّ بحسب الموارد.
2- « ز ، ك » : هو ظاهر.
3- « ج ، م » : هو ظهورها.
4- « ز ، ك » : - جهل.
5- « ز ، ك » : المعصوم كما هو.

ولو عند حضوره عليه السلام ، والغالب هو الشبهة الموضوعية ، فإنّ الجهل الحكمي غالبا يرتفع بالسؤال عنهم عليهم السلام ، وأمّا إرادة المعنى الأوّل ففي غاية البعد كما لا يخفى ، هذا تمام الكلام في الرواية الأخيرة.

وأمّا الرواية الأولى فاحتمل المحقّق القمي (1) فيها الوجوه المذكورة ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّه غير مستقيم ؛ لأنّ القاعدة إنّما يحسن جعلها لموارد (2) الاشتباه ، ومن المعلوم بداهة عدم الاشتباه في الماء ، لا في طبيعة الماء (3) ولا في أفراده ، فلا بدّ من الحمل على بيان الحكم الظاهري من جهة الشكّ في عروض المزيل ، فينطبق (4) على الاستصحاب. وفيه : أنّ الاشتباه لا ينحصر (5) فيما يزعمه (6) ؛ إذ قد يحصل باعتبار العوارض ، فإنّ له أفراد (7) مختلفة بحسب ما يعرضه من الحالات من ملاقاته بالنجس مغيّرا له أو غيره ، ومن كونه قليلا أو كثيرا ، جاريا أو محقونا ، ويشاهد ذلك في الكرّ المتنجّس إذا شكّ في تطهيره بإلقاء كرّ عليه ، فإنّ قضيّة (8) القاعدة هو الحكم بالطهارة وإن كانت (9) قضيّة الاستصحاب خلافه. ثمّ إنّ الماء الذي هو مسبوق بالعلم بالنجاسة عند الشكّ في طهارته ونجاسته هل هو داخل فيما بعد الغاية نظرا إلى أنّ العلم أعمّ من الحاصل قبل الشكّ وبعده كما لعلّه يظهر من سيّد الرياض ، أو فيما قبله ؛ لأنّ الرواية منساقة إلى بيان حكم المشكوك ، فتشتمل (10) موارد الشكّ بأجمعها وهو الظاهر؟ وجهان ، إلاّ أنّ الاستصحاب حاكم على الأصل المذكور كما ستعرف إن شاء اللّه في محلّه (11).

فتلخّص من جميع ما مرّ أنّ هذه الروايات لا دلالة فيها على الاستصحاب في

ص: 111


1- القوانين 2 : 63 - 64 وفي ط : ص 271 - 272.
2- « ك » : في الموارد.
3- « ز ، ك » : طبيعته.
4- « ج ، م » : فتطبق.
5- « ج ، م » : لا تنحصر.
6- « ج ، ك » : زعمه.
7- كذا في النسخ ولعلّ الصواب : أفرادا.
8- « ز ، ك » : مقتضى.
9- « ج ، م » : كان.
10- « م » : فيشتمل ، وفي « ز ، ك » : فتشمل.
11- « ز ، ك » : - في محلّه.

مواردها فكيف بإثبات القاعدة الكلّية. هذا ما أفاده الأستاد في الاحتجاج بالروايات العامّة والخاصّة على حجّية الاستصحاب.

قلت : وينبغي القطع بدلالة هذه الأخبار على اعتبار الاستصحاب ، فإنّ غاية ما احتمله سلّمه اللّه في الروايات (1) هو احتمال العهد ، والإنصاف على ما هو ظاهر لمن جانب الاعتساف ظهورها (2) في الجنس ، فيتمّ المقصود. وبهذه الأخبار تنقطع أصالة عدم الاعتبار والآيات الناهية عن العمل بغير العلم وعدم جواز الافتراء على اللّه ، فإنّ الحكم في الزمان الثاني ثبوته ليس افتراء ولا قولا بغير علم ، بل هو إثبات للحكم بقوله : « لا تنقض » وعليك بإمعان النظر في دلالة الأخبار ، فلعلّها بعد تأمّل ما ظاهرة.

ص: 112


1- « ز ، ك » : احتمله الأستاد فيها.
2- « ز ، ك » : هو ظهورها.

هداية [ في حجّية الاستصحاب في الوضعيات دون الطلبيات ]

اشارة

قد عرفت (1) في بعض الهدايات السابقة نسبة القول بحجية الاستصحاب في الوضعيات دون الطلبيات إلى الفاضل التوني ، والمتراءى منه في الوافية عدم جريان الاستصحاب وتعقّله في الطلبيات دون عدم الحجّية ، فإنّ ذلك ربّما لا ينافي التعقّل ، كما أنّ المتراءى منه أيضا هو جريانه في نفس الأسباب والشرائط ، والأحكام الوضعية عندهم السببية والشرطية لا نفس الأسباب والشرائط ، قال - بعد تحديده له وتحرير الخلاف وذكر أدلّة الفريقين من الأخبار وغيرها وتنويع الأحكام إلى الوضعية والتكليفية - : إذا عرفت هذا فإذا ورد أمر بطلب شيء فلا يخلو إمّا أن يكون موقّتا ، أو لا ، وعلى الأوّل يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتا بذلك الأمر ، فالتمسّك حينئذ في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتّى يكون استصحابا وهو ظاهر ، وعلى الثاني أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر للتكرار (2) ، وإلاّ فذمّة المكلّف مشغولة حتّى يأتي به في أيّ زمان كان ، ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كلّ جزء منها ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أو لا. والتوهّم بأنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق ، اشتباه غير خفيّ (3) على المتأمّل ، فهذا أيضا ليس من الاستصحاب في شيء ولا

ص: 113


1- انظر ص 60.
2- في المصدر : التكرار.
3- « ج ، م » : مخفيّ.

يمكن أن يقال بأنّ إثبات الحكم في القسم الأوّل فيما بعد وقته من الاستصحاب ، فإنّ هذا (1) لم يقل به أحد ولا يجوز إجماعا ، وكذلك الكلام في النهي ، بل هو أولى لعدم (2) توهّم الاستصحاب فيه ؛ لأنّ مطلقه يفيد (3) التكرار ، والتخييري كذلك ، فالأحكام الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعية لا يتصوّر فيها الاستدلال بالاستصحاب.

وأمّا الأحكام الوضعية فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة - كالدلوك لوجوب الظهر ، أو الكسوف لوجوب صلاته ، والزلزلة لصلاتها ، والإيجاب والقبول لإباحة التصرّفات والاستمتاعات في الملك والنكاح وفيه لتحريم أمّ الزوجة ، والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة ، إلى غير ذلك - فينبغي أن ينظر إلى (4) كيفية سببيته (5) هل هي على الإطلاق كما في الإيجاب والقبول فإنّ سببيته على نحو خاصّ وهو الدوام إلى أن يتحقّق المزيل (6) وكذا الزلزلة ، أو في وقت معيّن كالدلوك ونحوه ممّا لم يكن السبب وقتا وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السبب وقتا للحكم ، فإنّ السببية في هذه الأشياء على نحو آخر فإنّها أسباب للحكم في أوقات معيّنة ، وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ، فإنّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة؟ وكذا الكلام في الشرط والمانع.

فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام الوضعية أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث إنّها كذلك ، ووقوعه فيها إنّما هو بتبعيتها كما يقال في الماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره من قبل نفسه : بأنّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة ؛ لوجوبه قبل زوال تغيّره ، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة

ص: 114


1- « ز ، ك » : « إذ » بدل « فإنّ هذا ».
2- في المصدر : بعدم.
3- في المصدر : لا يفيد.
4- « ج ، م » : - إلى.
5- في المصدر : سببية السبب.
6- في المصدر : مزيل.

كانت ثابتة قبل زوال تغيّره فيكون (1) كذلك بعده ، ويقال في المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة : إنّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان فكذا بعده (2) ، والطهارة من الشروط.

قال : فالحقّ مع قطع النظر عن الروايات عدم حجّية الاستصحاب ؛ لأنّ العلم بوجود السبب والشرط والمانع (3) في زمان لا يقتضي العلم ، بل ولا الظنّ بوجوده في غير ذلك الوقت (4) ، فالذي يقتضيه النظر بدون ملاحظة الروايات أنّه إذا علم تحقّق العلامة الوضعية تعلّق الحكم بالمكلّف ، وإذا زال ذلك العلم بطروّ شكّ بل وظنّ به أيضا يتوقّف عن الحكم الثابت أوّلا (5) ، إلاّ أنّ الظاهر من الأخبار أنّه إذا علم وجود شيء يحكم به (6) حتّى يعلم زواله (7) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

واعترض عليه المحقّق القمي - تبعا للسيّد الشارح - : بأنّه من غرائب الكلام ؛ إذ الشكّ قد يحصل في التكليف في الموقّت كمن شكّ في وجوب إتمام الصوم لو حصل له المرض في أثناء النهار مع شكّه في أنّه هل يصحّ له الإفطار (8) أو لا؟ وكذلك في صورة التكرار وهو واضح (9). ومحصّل الإيراد عليه أنّه لا ينحصر (10) أسباب الشكّ فيما تخيّله ، فإنّه (11) قد يحصل في حصول الحدّ والوقت ، وقد يحصل في وجود المانع ، وقد يحصل في مانعية العارض ، ففي جميع هذه الصور يجري الاستصحاب من دون مانع ، ولا فرق في

ص: 115


1- في المصدر : فتكون.
2- بعده في المصدر : أي كان مكلّفا ومأمورا بالصلاة بتيمّمه قبله فكذا بعده ، فإنّ مرجعه إلى أنّه كان متطهّرا قبل وجدان الماء فكذا بعده.
3- في المصدر : أو الشرط أو المانع.
4- بعده في المصدر : كما لا يخفى ، فكيف يكون الحكم المعلّق عليه ثابتا في غير ذلك الوقت؟!
5- في المصدر : عن الحكم بثبوت الحكم الثابت أوّلا.
6- في المصدر : فإنّه يحكم به.
7- الوافية : 201 - 203.
8- في المصدر : هل يبيح له الفطر.
9- القوانين 2 : 53 - 54 وفي ط : 265.
10- « ج » : لا تنحصر.
11- « ز ، ك » : لأنّه.

ذلك بين الاحتمالات السابقة من (1) القول بالتكرار وغيره.

ولناصر الفاضل أن يذبّ عنه هذه الإيرادات بأنّ المستصحب في هذه الموارد هو الحكم الوضعي ؛ لأنّه يستصحب فيها عدم المانع ، وأمّا نفس الحكم المعلّق على عدم المانع فلا يمكن استصحابه ؛ لأنّه إن كان معلوما بجميع قيوده المعتبرة فيه فلا يعقل فيه الشكّ لاحقا وجودا وعدما ، وإلاّ فلم يكن معلوما في السابق فلا يجري الاستصحاب كما ستعرف تفصيله.

مضافا إلى أنّ الفاضل المذكور ومن يحذو حذو الأخباريين عندهم قاعدة مقرّرة موسومة بعموم الدليل وهي أنّه إذا ثبت حكم إلى زمان أو حال ، ثمّ شكّ بعد ذلك في عروض ذلك الحال أو في مانعية الحادث ، فلا بدّ من الأخذ بالدليل الدالّ على ذلك الحكم ، ففيما إذا شكّ في وجوب إتمام الصوم لو حصل له المرض - لاحتمال المانعية أو لاحتمال عروض ما هو المانع واقعا - يجب الأخذ بما دلّ على وجوب الصوم في مقابل هذه الاحتمالات نظرا إلى أنّ الدليل دلّ على وجوب الصوم إلاّ في حال كذا ، فلا يجوز الإخلال به إلاّ فيما علم أنّه حال كذا ، وليس نظرهم في هذا الحكم إلى الاستصحاب وثبوت الحكم في الزمان الأوّل ، بل هم يستندون في ذلك إلى عموم الدليل إلى أنّ يعلم بالمخصّص ، وهذه القاعدة وإن كانت فاسدة في نفسها - لأنّ دليل نفس الحكم لا ينهض لدفع الشكّ في عروض المانع أو في مانعية العارض أو حصول حدّ المحدود كما هو ظاهر ، فإنّه لا يتّكل عاقل فضلا عن فاضل في دفع احتمال عروض الطهارة بأدلّة حصول النجاسة في الماء ، وفي دفع احتمال ناقضية المذي للوضوء بأدلّة الوضوء ، فإنّ الأخذ بالعموم إنّما يحسن فيما يحتمل التخصيص ، وأمّا احتمال التخصيص بتبدّل الموضوع فلا مسرح للعامّ فيه - إلاّ أنّها تجدي (2) في دفع النقوض عنه.

ص: 116


1- « ز ، ك » : « و » بدل : « من ».
2- في النسخ : يجدي.

وبالجملة : فهذه القاعدة مقرّرة عند الأخبارية ، ففي موارد هذه الشكوك لا يستندون إلى الاستصحاب ، فموارد العمل بالاستصحاب عندهم هي مواضع الشكّ في المقتضي ، وبملاحظة هذه القاعدة تندفع النقوض المذكورة من كلامه ، فإنّ من (1) البعيد (2) في الغاية عدم تفطّنه لمثل هذه الأمور الواضحة الجليّة ، كيف وهو من فحول الصناعة وبزل الفنّ؟

فالتحقيق في دفع ما أفاده الفاضل أن يقال : إنّ كلامه غير محصّل المراد ، فإنّ صدره يشعر بما نسب إليه من التفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية على ما هو ظاهر ، وذيل إفاداته يؤذّن بتفصيل (3) آخر وهو القول بحجّية الاستصحاب وجريانه في الأمور الخارجية والموضوعات التي يتعلّق بها الأحكام ، وعدمها في الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية ، على ما يظهر من قوله - بعد التقسيم المذكور في كلامه أوّلا وذكر الأسباب الشرعية - : وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ، وقوله : فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام الوضعية أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة ، انتهى. وجريان الاستصحاب في نفس تلك الأحكام إنّما هو بتبعية جريانه فيها عنده.

وكيف كان فإن أراد الأوّل على ما يقتضيه ظاهر النسبة إليه فيرد عليه :

أوّلا : النقض بما إذا ثبت الحكم بدليل لبّي كالإجماع أو الشهرة على القول بها بعد العلم باستمراره في الجملة مع الشكّ في مقداره أو حصول معارض محتمل أو احتمال عروض ما هو المانع أو فى حصول الحدّ إذا كان محدودا ، وبما لو شكّ في النسخ ، وبما لو شكّ في صدق التكرار وعدمه عرفا بدون الإتيان بفرد ، وبما لو شكّ في الوجوب في الوقت إذا فقد المكلّف شرطا من شروطه كما إذا صار فاقد الطهورين ، وبما إذا دار

ص: 117


1- « م » : - من.
2- « ج » : البعد.
3- « ج » : تفصيل.

الأمر بين الفور والتراخي ، فإنّ هذه الصور كلّها محتاجة إلى الاستصحاب مع عدم دليل ينهض ثبوت الأحكام الثابتة فيها غير الاستصحاب ، فإنّ الأخذ بعموم الدليل في هذه الصور فيما لو كان لفظيا أيضا غير معقول ، ولا يتفوّه به في لسانهم أيضا ، فتدبّر.

ولو رام إلى ما أيّدنا به كلامه وانتصرناه (1) من أنّ الحكم إذا كان معلوما بجميع قيوده وموارده فلا يعقل الشكّ فيما سيأتي ، وإلاّ فلا علم به فيما مضى ، فينهدم الاستصحاب على التقديرين بانهدام أحد ركنيه ، قلنا : فينتقض بنفس الأحكام الوضعية ، فإنّ حكم الشارع بسببية شيء لو كان بجميع قيوده معلوما فلا شكّ ، وإلاّ فلا علم ، حرفا بحرف.

وثانيا بأنّ ما أورده من المثالين غير مطابق لما هو بصدده ، فإنّه ليس من استصحاب المانعية التي هي من الأحكام الشرعية ، بل هو استصحاب للموضوع الخارجي ؛ إذ لا شكّ في مانعية النجاسة وشرطية الطهارة حتّى يحتاج إلى الاستصحاب.

وثالثا : فبالحلّ ، وتحقيقه أنّ الحكم على قسمين عرفا : فتارة : يحتمل اختلافه باختلاف الزمان ؛ لاحتمال كونه مأخوذا فيه قيدا ، وأخرى : لا يحتمل ذلك ، وكذا (2) الكلام في سائر القيود المأخوذة في الحكم حالا أو شرطا أو صفة أو غيرها. فعلى الأوّل فهو كما أفاده كما في الأحكام الوجوبية ، بخلاف الثاني فإنّ الحكم أمر واحد استمراري عرفا ولا يحتمل اختلافه باختلاف الزمان (3) ، فيمكن تعلّق العلم به في الزمان الأوّل مع الشكّ فيه في ثاني الزمان كما في الأحكام التحريمية ، كذا أفاد.

قلت : فالشكّ غير معقول إلاّ بواسطة الرافع والمفروض رفعه بالعموم في كلامه.

ص: 118


1- « ز ، ك » : انتصرنا.
2- « ز ، ك » : كذلك.
3- « ز ، ك » : ولا يحتمل اختلاف الزمان.

وإن أراد الثاني فمرجع التفصيل في كلامه إلى التفصيل المنسوب إلى من هو من أهل مشربه من الأخباريين ، فيسقط عنه النقوض المذكورة وينطبق (1) مثاله لما هو بصدده ، ويبقى الكلام في تزييفه فيما ستعرفه في الهداية الأخبارية (2) ، إلاّ أنّه مع ذلك فلا يخلو ما نقلناه من كلامه كغيره من وجوه النظر ، فإنّه جعل الأحكام الاقتضائية هو الواجب والمندوب والمكروه والحرام والأحكام التخييرية الدالّة على الإباحة مع أنّ الأحكام الاقتضائية هي نفس تلك الأوصاف لا الذات المأخوذة معها تلك الأوصاف ، والحكم التخييري هو مجرّد الإباحة لا الدالّ عليها. ودعوى الإجماع على عدم جريان الاستصحاب في الموقّت مع وجود المخالف ، باطلة قطعا ، غاية الأمر بطلان المذهب ، ولا ينافي وجود القول كما نفاه. وحكمه بعدم جريان الاستصحاب في النهي على وجه الأولوية قد عرفت أنّ جريانه فيه أولى. وحكمه بدوام السببية (3) في الإيجاب والقبول ممّا لا دليل عليه ، غاية الأمر اعتبار الدوام في المسبب إذا حصل في الخارج ، وأمّا نفس السبب فقد يحتمل إهماله على بعض الوجوه ، ولذا يشكّ في جواز العقد بالفارسية بعد موت المفتي به مثلا. وقوله : فإنّ ثبوت الحكم في جزئه إلخ ، يستفاد منه اشتراط طبيعة الاستصحاب بعدم الدليل في الواقع في الزمان الثاني مع كفاية انتفائه عند الأخذ بالاستصحاب. وقوله : فظهر أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأسباب والشرائط والموانع من حيث إنّها كذلك ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيتها ، فيه أنّه لم يظهر منه جريانه لا في الوضعية ولا في التكليفية ، فلا يخلو من التهافت.

والقول بأنّ المستفاد من كلامه أنّ السببية تارة : دائمة ، وأخرى : وقتية ، فتبقى المهملة مجرى للاستصحاب ، ينافيه ظهور كلامه في الحصر بينهما ، على أنّه لو تمّ لجرى في الأحكام التكليفيّة ، فتأمّل في المقام فلعلّه لا يخلو عن شيء.

ص: 119


1- « ج » : تنطبق.
2- انظر ص 190.
3- « ج » : السبب.

ثمّ قد يؤيّد كلام الفاضل المذكور بوجه وجيه أفاده الأستاد أنار اللّه برهانه وملخّصه ما أشير إليه سابقا من أنّ الحكم الشرعي غير معلوم بجميع أنحائه وخصوصياته ، فيحتمل تقييده بمكان أو زمان ، وبعد ذلك فلا يجري الاستصحاب ، وتوضيحه وتنقيحه أنّ (1) ممّا برهنّا عليه في محلّه تبعية (2) الأحكام الشرعية للصفات الكامنة والمصالح الموجودة في نفس الأفعال التي هي متعلّقات لتلك الأحكام ، ومن الواضح الجليّ اختلاف الصفات باختلاف وجوه الفعل واعتباراته كاختلاف نفس الفعل باختلاف الحركات والسكنات ، فإنّه ليس خارجا عنهما ، فقد يكون الفعل حسنا في زمان دون زمان أو في مكان دون مكان ، وقد يكون قبيحا إذا كان من فاعل كذا في مكان كذا في زمان كذا عن آلة كذائية ، وقد يكون قبيحا على وجه الإطلاق كما قد يكون حسنا كذلك ، فالفعل في كلّ هذه الصور ليس حاله متّحدا ؛ إذ يختلف بتلك الوجوه ، وهذه الاختلافات كما يلاحظ في الامساك فإنّه قد يعدّ قبيحا إذا لم يكن صاحب المال محتاجا مع احتياج الغير إليه (3) حاجة شديدة ، وقد يعدّ واجبا إذا كان صرفه في الغير - سيّما مع عدم الحاجة إليه - موجبا لإهلاك نفسه ، وناهيك (4) عن ذلك ملاحظة الأدوية التي يعالج بها الأمراض البدنية ، فإنّ تأثير الأفعال في تصحيح الأمراض النفسانية وتمريض النفوس الناسوتية ليس (5) في محلّ تنال إليه يد الإنكار ، فإنّ برهان ذلك بعد حكومة الوجدان به على منار ، فربّ دواء يرطّب في مزاج ويجفّف في آخر ، ويبرّد في طبع ويسخّن (6) في آخر ، فهما في الواقع مختلفان باعتبار وقوعهما في الحالتين ، فالأمر بأحدهما لا يوجب الأمر بالآخر. ولا ريب في أنّ (7) الآمر

ص: 120


1- « ز ، ك » : أنّه.
2- « ج ، م » : بتبعية.
3- « ج » : له.
4- في هامش « ز » : أي حسبك.
5- « ك » : التي ليس.
6- « ز ، ك » : يثخن.
7- « ج ، م » : - في.

إذا أمر بشيء وطلب وقوعه من المأمور إنّما يأمر ويطلب شيئا معلوما عنده على وجوه اختلافه ، فإن كان مطلقا فيطلبه كذلك ، وإن كان مقيّدا فيطلبه على تقييده ، فإنّ إنشاء الأمر والطلب تابع إطلاقه وتقييده بالزمان والمكان والحال والوصف والشرط والإضافة وغيرها من الأمور المتعلّقة بالأفعال التي تختلف باختلافها وتتكثّر بتكثّرها لإطلاق الفعل الذي اقتضت المصلحة الكامنة فيه بالأمر به وتقييده بالأمور المذكورة ، وذلك مشاهد من الأوامر المختلفة على وجوه شتّى في العرف والشرع ، فربّما يكون الشيء واجبا عينيا مضيّقا وأخرى موسّعا ، وتارة كفائيا على الوجهين ، وأخرى شرطيا ، وتارة تعليقيا ، ومرّة تخييريا ، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف ، فاختلاف الأمر في هذه الأفعال بواسطة اختلاف ضروب المصالح الموجودة فيها.

وإذ قد تحقّقت هذه الجملة تحقّق عندك عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية عند الشكّ في كيفية الحكم ومدخلية شيء في ذلك ، وتوضيحه أنّه إذا ثبت وجوب شيء في زمان ، ثمّ شكّ في زمان آخر في بقائه ، فالمستصحب إن أراد به إبقاء الإنشاء الصادر من الآمر حين الشكّ ، فهو غير معقول ؛ لأنّ الإنشاء لا يراد به (1) إلاّ الإرادة الحتمية ، ولا شبهة في كونها آنية غير متقرّرة في الوجود ، فيستحيل بقاؤها.

وإن أراد به إبقاء الأثر الحاصل من الإنشاء المتعلّق بالفعل المنشأ فيه الوجوب الذي يعبّر عنه بالمطلوبية والمحبوبية ، فلا يجوز استصحابه ، فإنّ الإنشاء إن كان متعلّقا بالفعل في الزمان فالحالة المذكورة تنعدم بعد مضيّ الزمان الأوّل ، وإن كان متعلّقا به من دون اعتبار زمان فيه أو مع اعتبار زمان أطول منه فالحالة المذكورة باقية قطعا ، ولا شكّ في عدم جريان الاستصحاب على التقديرين ؛ للقطع بالارتفاع في الأوّل ، وبالبقاء في الثاني ، وإن كان وجه تعلّق الإنشاء بالفعل مشكوكا ، فلا يجري الاستصحاب أيضا ؛ لأنّه عبارة عن إبقاء الحكم في الزمان الثاني فيما كان (2) فيه الحكم

ص: 121


1- « ج ، م » : - به.
2- « ز ، ك » : فيما لو كان.

في الزمان الأوّل على وجه كانت القضيّة المعلومة متّحدة مع القضيّة المشكوكة ، وعند الشكّ لا يعلم بالاتّحاد ؛ لعدم العلم بالموضوع في القضيّة الأولى التي هي معلومة ، إذ المفروض إمكان اختلاف موضوعه بطريان العوارض وعروض الحالات والحوادث الزمانية وغيرها من الأمور التي يصير منشأ لاختلاف الحسن والقبح اللذين (1) هما منشآن للأمر والنهي على ما قرّرنا ، ومع الشكّ في الاتّحاد والاختلاف لا مجرى للاستصحاب ؛ إذ ليس هو إثبات حكم فرد لفرد آخر.

فلو شكّ في وجوب شيء في زمان فعلى ما ذكرنا لا بدّ من أن يقال : إنّ الشكّ فيه في الزمان الثاني إمّا شكّ في الوجوب النفسي بمعنى إفادته البراءة (2) على تقدير عدم كفاية دليل عنه يكفي في الحكم بعدم الوجوب.

وإمّا شكّ في الوجوب التخييري كما لو أمر بالصلاة وشكّ في أنّ وقتها إلى سقوط القرص أو زوال الحمرة المشرقية ، فإنّه يرجع الشكّ فما بين الزمانين إلى الشكّ في الوجوب التخييري ، والمرجع فيه إلى الاشتغال بمعنى الحكم بالضيق ؛ لأنّها به عدم المطلوبية (3).

وإمّا شكّ في الوجوب الغيري ، فلا بدّ من ملاحظة القول بجريان البراءة وعدمه في الواجبات الغيرية ، وليس لك القول بالاستصحاب نظرا إلى أنّ الوجوب (4) السابق هو بعينه مستصحب ، وليس الوجوب الثاني فردا آخر حتّى يدفع بأصالة البراءة ؛ إذ احتمال الاختلاف (5) مع وجود ما يحتمل أن يكون هو الوجه في الاختلاف كاف في عدم جريان الاستصحاب ، وقد عرفت أنّ الفعل يمكن اختلاف وجوهه ومصالحه

ص: 122


1- « ج ، ك » : الذين.
2- « ج » : في الوجوب اليقيني فأدلّة البراءة.
3- المثبت من « ز ، ك » وهامش « م » ، وفي « م » : لأنّها لعدم المطلوبية ، وفي « ج » : أصالة عدم المطلوبية.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الواجب.
5- « ك » : الخلاف.

باختلاف القيود والطواري العارضة له ، فلا يعلم ببقاء الموضوع ، وعلى قياسه الكلام في سائر الأحكام من التحريم والاستحباب والكراهة والإباحة. لكن هذا كلّه بملاحظة ما تقتضيه (1) الدقّة ، ولا أظنّ ابتناء أمر الاستصحاب عندهم عليها ، فلعلّ جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية عندهم موقوف على المسامحة ، فإنّ الوجوب السابق مستصحب كما في الحرمة السابقة ، واحتمال اختلاف الوجوب والحرمة باختلاف الطواري العارضة للفعل ملغى عن أصله ، فإنّ هذه الطواري لا تعدّ قيودا للفعل عرفا ، سيّما في النهي على ما نبّهنا عليه ، فالزمان وما يقرب منه من متعلّقات الفعل مأخوذ ظرفا على وجه لا يختلف المظروف باختلافه ، وستطّلع على زيادة (2) تحقيق لذلك في بعض الهدايات الآتية (3) إن شاء اللّه (4).

تنبيه

ولعلّ عدّ الفاضل المذكور في عداد المفصّلين ليس على ما ينبغي ، فانّ المنع الصغروي ليس تفصيلا بعد تسليم الكبرى ، فإنّه لم يظهر منه مناقشة في دلالة الأخبار (5) فهو قائل بمفاد هذه الأخبار على وجه الكلّية كما يشعر بذلك حصره الاستصحاب المختلف فيه فيما تخيّله ، فمورد النفي والإثبات عنده هو هذا الاستصحاب.

ص: 123


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « يقتضيه ».
2- « ج » : رائحة.
3- انظر ص 193 - 194 وص 387.
4- « ز ، ك » : - إن شاء اللّه.
5- « ز ، ك » : الدلالة للأخبار.

ص: 124

هداية شريفة في تحقيق مقالة منيفة [ في اختصاص الأخبار بالشكّ في الرافع ]

اشارة

قد اشتهر ذهاب أستاد الكلّ في الكلّ المحقّق الخوانساري إلى حجّية الاستصحاب فيما إذا ثبت حكم وعلم استمراره إلى حالة أو غاية معيّنة ، ثمّ شكّ فيه من جهة احتمال حدوث الحالة أو حصول الغاية أو من جهة كون الحادث مندرجا تحت المزيل ، وإلى عدمها في غير ما ذكر من سائر أصناف الشكوك.

والظاهر من كلامه في المشارق هو نفي الحجّية مطلقا ، نعم يظهر منه اعتبار قاعدة أخرى منطبقة لاستصحاب القوم في الموارد المذكورة ، قال في شرح قول الشهيد - ويجزي ذو الجهات الثلاث - : حجّة القول بعدم الإجزاء الروايات الواردة بالمسح بثلاثة أحجار ، والحجر الواحد لا يسمّى ثلاثة أحجار ، واستصحاب حكم النجاسة حتّى يعلم المطهّر الشرعي (1) ، وبدون المسح بثلاثة أحجار لم يعلم المطهّر الشرعي (2). إلى أن ساق الكلام إلى منع حجّية الاستصحاب ، ثمّ قال : اعلم أنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه ، وهو ينقسم إلى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي وغيره ، فالأوّل مثل ما إذا ثبت حكم الشرع (3) بنجاسة ثوب أو بدن - مثلا - في زمان ، فيقولون إنّ بعد ذلك الزمان

ص: 125


1- في المصدر : لها مطهّر شرعا.
2- في المصدر : المطهّر شرعا.
3- في المصدر : حكم شرعي.

أيضا يجب الحكم بالنجاسة إذا لم يحصل اليقين بما يرفعها ، والثاني مثل ما إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان ، فبعد ذلك الزمان أيضا يحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف ، وذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وبعضهم إلى حجّية القسم الأوّل فقط.

واستدلّ كلّ من الفريقين بدلائل مذكورة في محلّها كلّها قاصرة عن إفادة المرام كما يظهر عند التأمّل (1) فيها ، ولم نتعرّض لذكرها هنا ، بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب فنقول : الظاهر أنّ الاستصحاب بهذا المعنى لا حجّية فيه أصلا بكلا قسميه ؛ إذ لا دليل عليه تامّا ، لا عقلا ولا نقلا.

نعم الظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر وهو أن يكون دليل شرعي على أنّ الحكم الفلاني بعد تحقّقه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا - مثلا - معيّن في الواقع بلا اشتراطه بشيء أصلا ، فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له ، ولا يحكم بنفيه بمجرّد الشكّ في وجوده (2) ، انتهى.

وصراحة نفيه الاستصحاب المتنازع فيه (3) بين القوم كافية عن تقريب دلالته على ما ذكرنا ، والوجه فيه أنّ ما أفاده منطبق على بعض موارد الاستصحاب ، وهذا لا يوجب التفصيل فيه ، وذلك نظير ما لو توافق الاستصحاب مع البراءة ، فالقول بالبراءة لا يعدّ تفصيلا في الاستصحاب بعد اختلاف المناط ، فإنّ مناط الاستصحاب هو الوجود السابق ، ومناط ما أفاده هو نفس الشكّ في الفراغ بعد تيقّن الاشتغال ، غاية الأمر جريان الاستصحاب في المقام (4) أيضا.

وتوضيح المطلب : إذا ورد من الشارع أمر بصوم الغد إلى الليل وشكّ في تحقّق الغاية ووصول الليل ، فتارة : يؤخذ لوجوب الإمساك في الوقت المشكوك بالاستصحاب كما عليه القوم ، وتارة : بالاشتغال كما عليه المحقّق ، وأخرى : يؤخذ

ص: 126


1- « ز ، ك » : يظهر للمتأمّل.
2- مشارق الشموس : 75 و 76.
3- « ج ، م » : - فيه.
4- « ز ، ك » : - في المقام.

بنفس الخطاب والأمر كما عليه الأخبارية من تحكيم العامّ في الشبهة الموضوعية ، ومن المعلوم عدم ارتباط أحد الوجوه بالآخر ، فإنّ قضيّة الاشتغال وجوب الصوم والإمساك في زمان الشكّ من غير ملاحظة تبعية بعض الآنات للآخر على وجه لو فرض اجتماع تلك الآنات لكان الحكم فيها وجوب الإمساك بمقتضى القاعدة ، بخلاف الاستصحاب فإنّ الحكم في الزمان الثاني تابع له في الزمان الأوّل كما هو ظاهر ، فتدبّر ، كذا أفاد الأستاد (1) سلّمه اللّه تعالى.

قلت : والتفصيل المذكور المنسوب إليه في محلّه كما يؤذّن بذلك تمسّكه بأخبار الاستصحاب ، غاية الأمر جريان الاشتغال في موارد الاستصحاب الذي عنده حجّة ، فإنّ التمسّك بخبر الشكّ واليقين دليل على أنّ ثبوت الحكم عنده في زمان الشكّ بواسطة ثبوته في الأوّل وإن كان مجرّد الشكّ أيضا كافيا في جريان دليله الأوّل كما لا يخفى ، فتدبّر ، فالنسبة المذكورة مساهلة ظاهرة.

ثمّ قال روّح اللّه (2) روحه الشريف من غير فصل : والدليل على حجّيته أمران : الأوّل : أنّ ذلك الحكم إمّا وضعي أو اقتضائي أو تخييري ، ولمّا كان الأوّل أيضا عند التحقيق يرجع اليهما فينحصر في الأخيرين ، وعلى التقديرين يثبت ما ذكرنا ، أمّا على الأوّل فلأنّه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية - مثلا - فعند الشكّ بحدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال والخروج عن العهدة ، وما لم يحصل الظنّ لم يحصل الامتثال ، فلا بدّ من بقاء ذلك التكليف حال الشكّ أيضا ، وهو المطلوب. وأمّا على الثاني فالأمر كذلك (3) كما لا يخفى (4) ، انتهى.

وتوضيح ما أفاده في المقام أنّه إذا وجب الإمساك من الفجر إلى غسق الليل فلو شكّ المكلّف في الجزء الآخر أنّه هل هو من الليل أو من النهار؟ يجب عليه

ص: 127


1- « ج ، م » : - الأستاد.
2- « ز ، ك » : - اللّه.
3- في المصدر : فالأمر أظهر.
4- المشارق : 76.

الإمساك (1) المشكوك تحصيلا لليقين بالفراغ بعد العلم بالاشتغال ، والتعبير بالظنّ في كلامه لعلّه مقيّد بالظنّ المعتبر شرعا ، وإلاّ فلا نرى له وجها ، وذلك في الأمر والنهي ظاهر جدا ، بل القول بالاشتغال في المقام في بعض موارده هو الحقّ الذي لا محيص عنه ، بل يمكن دعوى الاتّفاق عليه (2) ، والمحقّق القمي مع مبالغته في نفي الاشتغال قد أذعن به في المقام ، إلاّ أنّ اتّكال المحقّق المذكور على عدم الخفاء في جريان قاعدة الشغل (3) في الإباحة ممّا لم نقف له على وجه فيا ليته لم يتّكل عليه ؛ لأنّ الوجه فيه في غاية الخفاء والغموض ، بل ممّا لا وجه له ، وغاية ما يمكن أن يوجّه به هو ما أفاده المحقّق القمي حيث قال : وأمّا في الإباحة وما يستلزمه (4) من الأحكام الوضعية ، فلأنّ عدم اعتقاد إباحته يوجب عدم امتثال أمر اللّه تعالى ، فإنّ الاعتقاد بما سنّه (5) واجب ، واجبا كان أو مباحا أو غيرهما (6) ، وسقوطه ظاهر ، فإنّ وجوب الاعتقاد على ما سنّه على تقدير تسليمه لا يقضي بالاعتقاد إلى الغاية المعيّنة ؛ لأنّ ذلك واجب مطلقا قبل الغاية وبعد الغاية وعند الغاية من غير فرق في ذلك ، فإنّ الاعتقاد ليس وجوبه مغيّا بالغاية ، والمعتقد لا يؤثّر في الاعتقاد ، فإذا حكم الشارع بإباحة العصير قبل الغليان وشكّ في حصوله في زمان ، يحكم بوجوب اعتقاد الإباحة إلى حصول الغليان ، وذلك لا يوجب الحكم بكون المشكوك فيه ممّا وجب الاعتقاد فيه بالإباحة كما هو المطلوب ، مضافا إلى أنّ غاية الإباحة لا يعقل أن يكون إباحة ، بل لا بدّ أن يكون حكما اقتضائيا ، والمفروض وجوب الاعتقاد به أيضا ، فالحكم بوجوب الاعتقاد بالإباحة قبل الغاية دون ذلك الحكم تحكّم ، على أنّ المفروض أنّ المكلّف شاكّ في

ص: 128


1- « ج ، م » : إمساك.
2- « ج ، م » : - عليه.
3- « ج » : العمل؟
4- في المصدر : يستلزمها. ومن قوله : « وأمّا في الإباحة » إلى قوله : « الأحكام الوضعية » سقط من المصدر الذي طبع في المجلّدين.
5- في المصدر : سنّنه.
6- القوانين 2 : 67 وفي ط : 273 - 274.

الإباحة فلا يحصل الاعتقاد ؛ لعدم (1) اجتماع الاعتقاد والشكّ في مورد واحد.

قلت : هذا ما أفاده أستادنا المحقّق في المقام ، ويمكن أن يقال : إنّ بقاء الإباحة في صورة الإباحة موقوف على أصالة البراءة ، فإنّ المفروض أنّ غاية الإباحة هو الوجوب والحرمة ، فالشكّ في حصول الغاية شكّ في التكليف التحريمي أو الوجوبي والأصل البراءة ، فثبت (2) الإباحة ، فالأحكام الاقتضائية ثبوتها في زمان الشكّ عنده مستند (3) إلى الاشتغال ، والإباحة إلى البراءة (4) ، إلاّ أنّ ذلك بعد عدم ظهوره من كلامه لا يتمّ فيما كانت الغاية مندوبة أو مكروهة ، على أنّ البراءة لا يفيد عدا نفي العقاب ولا يفيد حكما ولو كان إباحة (5) على ما برهن عليه في محلّه.

ثمّ قال قدس اللّه نفسه الزكية : والثاني : ما ورد في الروايات من أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ (6) ، فإن قلت : هذا كما يدلّ على حجّية المعنى المذكور كذلك يدلّ على المعنى الذي ذكره القوم ؛ لأنّه إذا حصل اليقين في زمان فينبغي أن لا ينقض في زمان آخر بالشكّ نظرا إلى الرواية ، وهو بعنيه ما ذكروه.

قلت : الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض به ، والمراد بالتعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، وفيما ذكروه ليس كذلك ، لأنّ اليقين بحكم في زمان ليس ممّا يجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض الشكّ (7) ، وهو ظاهر (8) ، انتهى.

وتوضيح ما أفاده المحقّق المذكور هو أنّ هذه الأخبار إنّما هي مسوقة لبيان الحكم الظاهري وعلاج في الواقعة المشكوكة ، فلا يعقل أن يكون المأمور به في تلك الأخبار

ص: 129


1- « ج » : بعدم.
2- « ج » : فيثبت.
3- « ك » : مستندة.
4- « ج » : لا إلى البراءة ، وفي « ك » : لا البراءة.
5- « ج » : الإباحة.
6- « ج ، م » : - بالشكّ.
7- « ز » : شك ، وفي المصدر : ليس ما يوجب حصوله في زمان آخر لو لا عروض شكّ.
8- المشارق : 76.

غير ممكن الحصول ، وعلى هذا التقدير فلا دلالة فيها على استصحاب القوم وتدلّ على الاستصحاب بالمعنى الذي ذكره.

فكلامه متضمّن لدعويين : الأولى : أنّ المراد بالرواية ليس النهي عن النقض مطلقا بل عند التعارض بالمعنى الذي فسّره وهو أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ. الثانية : أنّ هذه الرواية بعد ما عرفت المراد منها لا دلالة فيها على استصحاب القوم.

أمّا الأولى فلأنّ ظاهر لفظ النقض في اللغة والعرف هو كسر الشيء إذا كان متّصل (1) الأجزاء خلاف الإبرام ، ولا بدّ في تحقّق (2) هذا المعنى من اجتماع الناقض والمنقوض ، فإنّ ذلك لا يحصل إلاّ بعد التصادم والتعاند ، ومنه قوله تعالى : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (3) ولا ريب في استحالة إرادة هذا المعنى من الرواية ؛ لامتناع اجتماع الشكّ واليقين فإنّ فرض أحدهما ينافي وجود الآخر ، وعلى تقدير إرادة هذا المعنى من أخبار الباب لا بدّ أن يكون اليقين أمرا متّصلا مستمرّا ، ثمّ ينقطع ذلك الأمر المستمرّ بحدوث الشكّ ، وبطلانه أمر بيّن ، فلا مناص من حملها على خلاف ما هو الظاهر من لفظ النقض على وجه يكون أقرب إلى معناه الحقيقي كما قرّر من لزوم ذلك عند تعذّر الحقيقة ، وأقرب الوجوه إلى المعنى الحقيقي هو أن يكون الشكّ متعلّقا على قضيّة تعلّق بها اليقين قبل حدوث الشكّ ، فيكون المعنى : إذا حصل اليقين بشيء ، ثمّ شكّ في صحّة ذلك اليقين ، فلا بدّ من الأخذ باليقين وعدم الاعتناء بالشكّ ، فإنّه على هذا التقدير (4) تكون القضيّة المعلومة هي بعينها القضيّة المشكوكة من غير تغاير ، ولا ريب في أقربية هذا المعنى من معنى النقض ؛ لاجتماع الشكّ واليقين في مورد واحد من جميع الوجوه حتّى في الزمان أيضا بالنسبة إلى متعلّقهما وإن كان زمان حصولهما متغايرا.

ص: 130


1- « م » : متّصلة.
2- « م ، ك » : تحقيق.
3- النحل : 92.
4- « ز » : التقرير.

فتكون (1) الرواية دليلا على اعتبار أصالة الصحّة في الاعتقادات وتكون (2) من وجوه الدليل على اعتبار استصحاب (3) الساري ، إلاّ أنّ ملاحظة صدر الرواية وذيلها وعدم الارتباط بينها وبين التعليل المذكور في رواية الوضوء - كما ستعرف تفصيل ذلك في محلّه بعيد ذلك (4) إن شاء اللّه - يوجب الإعراض عن هذا المعنى إلى معنى آخر أقرب إلى المعنى الحقيقي بين المعاني المحتملة ، وما يحتمل قريبا في الرواية وجهان : أحدهما يدلّ على استصحاب القوم ، والآخر على استصحاب المحقّق.

أمّا الأوّل : فهو أن يراد من النقض مطلق الأخذ بخلاف الأحكام والآثار المترتّبة على المتيقّن.

وأمّا الثاني : فهو أن يراد من النقض الأخذ (5) بالآثار التي من شأنها البقاء (6) لو لا الشكّ.

ولا شكّ أنّ الثاني أقرب إلى معنى النقض (7) من الأوّل ، وتوضيحه أنّ صدق معنى النقض حقيقة موقوف على وجود أمرين في زمان واحد ، فيتحقّق (8) التعارض والتعاند بينهما فينقض (9) أحدهما بالآخر ، وإذا امتنع تحقّق هذا المعنى فالأقرب إليه أن يراد من اللفظ ما يتحقّق (10) فيه التعارض شأنا ، وذلك لا يصدق إلاّ مع بقاء مقتضي الحكم من زمان إلى زمان ، ثمّ يعرض في الوسط ما يحتمل كونه مزيلا أو احتمل عروض المزيل أو نحو ذلك ، وانطباق هذا المعنى على استصحاب (11) المحقّق ظاهر ، وليس ما ذكرنا من

ص: 131


1- « ج ، م » : فيكون.
2- في النسخ : يكون.
3- كذا. ولعلّ الصواب : الاستصحاب.
4- « ج » : - بعيد ذلك.
5- « ج ، م » : هو الأخذ.
6- سقطت عبارة : « وأمّا الثاني » إلى هنا من نسخة « ك ».
7- « ز ، ك » : إلى النقض معنى.
8- « ز » : فيحقّق.
9- « ج » : فينتقض.
10- « ج ، م » : اللفظ تحقّق.
11- « ز ، ك » : الاستصحاب.

الأقربية مخصوصا بالرواية المشتملة على لفظ النقض كما توهّمه جماعة ، بل لفظ الدفع كما في رواية العلوي « أنّ اليقين لا يدفع بالشكّ » (1) أيضا الظاهر منه ما ذكرنا كالرواية المشتملة على قوله : « اليقين لا يدخله الشكّ » فإنّ قوله : « لا يدخله » أيضا مثل قوله : « لا تنقض » ظاهر فيما ذكرنا (2) بعد امتناع إرادة المعنى الحقيقي منها.

وأمّا الثانية : فقد ظهر ضعفها (3) في خلال تقريب الأولى فلا حاجة إلى إطالة الكلام في تقريرها ، فإنّ التعارض لا يحصل إلاّ فيما ذكره دون ما ذكره القوم.

فإن قلت : إنّ الأمر في استصحاب القوم أيضا كذلك ؛ إذ ليس الكلام في الأحكام الموقّتة التي تزول بزوالها ، ولا فيما تنعدم بعد وجودها آناً ما ، بل في الأحكام القابلة للبقاء والزوال حين الشكّ ، وحينئذ فلو فرض عدم الشكّ في البقاء لكان اليقين به في محلّه ، فإنّ عروض الشكّ لا يمكن إلاّ فيما احتمل انتفاء جزء من العلّة المقتضية للحكم ، فعند عدم الشكّ فلا بدّ من القطع ببقاء العلّة التامّة ، فتفرّع عليها القطع ببقاء الحكم ، فاليقين حاصل لو لا الشكّ.

قلت : نعم ولكن لا بدّ أن يعلم أنّ مراد المحقّق - على ما يظهر في الحاشية التي علّقها على غير المقام على ما حكاه السيّد الشارح في شرح الوافية - هو وجود المقتضي للحكم المعمول به عند عدم الشكّ قطعا ، لامجرّد عدم الشكّ فإنّه وإن كان يلازم اليقين لكنّه بواسطة انتفاء الواسطة بين الشكّ واليقين ، فإنّ المراد بالشكّ ما عدا اليقين في المقام وذلك لا ينافي الشكّ في وجود المقتضي أيضا بخلاف ما ذكره فيما فسّر التعارض بأن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، فالمفروض عنده وجود خطاب يقضي بالحكم لو لا معارضة الشكّ ، ولا ريب في أنّه إذا فرض ارتفاع المعارض بانتفاء احتمال المانع وجب الأخذ بالمقتضي فإنّه يؤثّر (4) أثره على تقدير عدم المانع.

ص: 132


1- تقدّم في ص 103.
2- « ز ، ك » : ذكر.
3- « ج ، م » : صدقها.
4- « ز ، ك » : لا يؤثّر.

لا يقال : إنّ ارتفاع الشكّ لا يوجب اليقين بالبقاء دائما ؛ لإمكان ارتفاعه باليقين بالعدم ، فارتفاع الشكّ لا يوجب اليقين كما هو المقصود.

لأنّا نقول : المفروض وجود المقتضي للحكم في استصحابه ، فالقطع بالعدم لا يتصوّر إلاّ بواسطة القطع بوجود المزيل ، وخروجه عن مفروضه معلوم مفروض.

ثمّ قال طيّب اللّه رمسه اللطيف (1) : فإن قلت : هل الشكّ في كون شيء مزيلا للحكم مع اليقين بوجوده كالشكّ في وجود المزيل أو لا (2)؟

قلت : فيه تفصيل ؛ لأنّه إن ثبت بالدليل أنّ ذلك الحكم مستمرّ إلى غاية معيّنة في الواقع ، ثمّ علمنا صدق تلك الغاية على شيء وشككنا في صدقها على شيء آخر (3) أم لا ، فحينئذ لا ينقض اليقين بالشكّ ، وأمّا إذا لم يثبت ذلك ، بل إنّما ثبت أنّ ذلك الحكم مستمرّ في الجملة ومزيله الشيء الفلاني وشككنا في أنّ الشيء الآخر مزيله أم لا ، فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم وثبوت استمراره ؛ إذ الدليل الأوّل ليس بجار فيه ، لعدم ثبوت حكم العقل في هذه الصورة (4) ، خصوصا مع ورود بعض الروايات الدالّة على عدم المؤاخذة بما (5) لا يعلم ، والدليل (6) الثاني الحقّ أنّه لا يخلو عن إجمال ، وغاية ما يسلّم منه إفادته (7) الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما وإن كان فيه بعض المناقشات (8) ، لكنّه لا يخلو من (9) تأييد للدليل الأوّل ، فتأمّل (10) ، انتهى.

وسوق كلامه هذا لبيان الحكم فيما إذا جاء الشكّ من جهة الشك في مزيلية

ص: 133


1- « ز ، ك » : الشريف.
2- « ز ، ك » : أم لا.
3- في المصدر : ثمّ علمنا حصولها عند حصول شيء وشككنا في حصولها عند حصول شيء آخر.
4- في المصدر : في مثل هذه الصورة.
5- المثبت من « ج » وهو موافق للمصدر ، وفي سائر النسخ : « عمّا ».
6- « م » : دليل.
7- في المصدر : إفادة.
8- « ج » : المنافيات.
9- « ز ، ك » : عن.
10- المشارق : 76.

الحادث ، وحاصله التفصيل بين ما إذا كان الشكّ راجعا إلى الشكّ في الدليل المثبت لليقين في السابق الموجب لإجماله ، وبين ما لم يكن راجعا إلى الشكّ فيه وموجبا لإجماله ، فيحكم ببقاء التكليف على الأوّل دون الثاني ، ودليله في المقام هو ما ذكره فيما إذا كان الشكّ في حصول المزيل وبلوغ الغاية ، فانّ قاعدة الاشتغال جارية (1) بعد العلم بالتكليف من دون إجمال في المكلّف به مفهوما ، بخلاف ما إذا كان مفهومه مجملا فلا يجري عنده القاعدة المذكورة. نعم دليله الثاني لا يقضي (2) بالفرق كما نبّه عليه أيضا.

والحاصل أنّ تفصيله في المقام راجع إلى تفصيله سابقا من أنّ الشكّ إن كان من جهة إجمال الدليل المقتضي لليقين السابق فلا يحكم ببقاء التكليف ، وإن لم يكن كذلك بأن يكون الدليل مسبّبا فيحكم بالبقاء.

ثمّ قال قدس اللّه لطيفه (3) : فإن قلت : الاستصحاب الذي يدّعونه (4) فيما نحن فيه وأنت قد منعته الظاهر أنّه من قبيل ما اعترفت بحجّيته ؛ لأنّ حكم النجاسة ثابت ما لم يحصل الظنّ (5) المعتبر شرعا بوجود المطهّر ، لأنّ حسنة ابن المغيرة وموثّقة ابن يعقوب ليستا حجّتين شرعيتين (6) خصوصا مع معارضتهما بالروايات كما تقدّم ، فغاية الأمر حصول الشكّ بوجود المطهّر وهو لا ينقض اليقين كما ذكرت ، فما وجه المنع؟

قلت : كونه من قبيل الثاني ممنوع ؛ إذ لا دليل على أنّ النجاسة ثابتة ما لم يحصل مطهّر شرعي ، وما ذكروه (7) من الإجماع غير معلوم ؛ لأنّ غاية ما أجمعوا عليه أنّه (8) بعد التغوّط لا يصحّ الصلاة - مثلا - بدون الماء والتمسّح رأسا بثلاثة أحجار متعدّدة ولا بشعب حجر واحد ، وهذا الإجماع لا يستلزم الإجماع على ثبوت الحكم والنجاسة (9)

ص: 134


1- « ز ، ك » : هي جارية.
2- « ج » : لا يقتضي.
3- « ج » : روحه.
4- « ز ، ك » : ندّعونه.
5- في المصدر : ما لم يحصل مطهّر شرعي إجماعا وهاهنا لم يحصل الظنّ.
6- في النسخ والمصدر : حجّة شرعية.
7- في المصدر : ذكره.
8- « ج ، م » : أنّ.
9- في المصدر : ثبوت حكم النجاسة.

حتّى يحدث شيء معيّن في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهّرا ، فلا يكون من قبيل ما ذكرنا.

فإن قلت : هب أنّه ليس داخلا تحت الاستصحاب المذكور ، لكن نقول : إنّه قد ثبت بالإجماع وجوب شيء على المتغوّط في الواقع ، وهو مردّد بين أن يكون المسح بثلاثة أحجار متعدّدة أو الأعمّ منه ومن المسح بجهات حجر واحد ، فما لم يأت بالأوّل لم يحصل اليقين بالامتثال والخروج عن العهدة ، فيكون الإتيان به واجبا.

قلت : الإجماع على وجوب شيء معيّن في الواقع مبهم في نظرنا عليه (1) بحيث لو لم يأت بذلك الشيء المعيّن لا يستحقّ العقاب (2) ، ممنوع ، بل الإجماع على (3) ترك الأمرين معا سبب لاستحقاق العقاب ، فيجب أن لا يتركهما ، والحاصل أنّه إذا ورد نصّ أو إجماع على وجوب شيء معيّن (4) - مثلا - معلوم عندنا أو ثبوت حكم إلى غاية معلومة عندنا ، فلا بدّ من الحكم بلزوم تحصيل اليقين أو الظنّ بوجود ذلك الشيء المعلوم حتّى يتحقّق الامتثال ولا يكفي الشكّ في وجوده ، وكذا يلزم الحكم ببقاء ذلك الحكم إلى أن يحصل العلم أو الظنّ بوجود تلك الغاية المعلومة ولا يكفي الشكّ في وجودها في ارتفاع ذلك الحكم ، وكذا (5) إذا ورد نصّ أو إجماع على وجوب شيء معيّن في الواقع مردّد عندنا بين أشياء (6) ونعلم أيضا عدم اشتراطه بالعلم - مثلا - يجب الحكم بوجوب تلك الأشياء المردّدة بينها (7) في نظرنا وبقاء ذلك الحكم إلى حصول تلك الأشياء أيضا ، ولا يكفي الإتيان بشيء واحد منها في سقوط التكليف ، وكذا حصول شيء واحد في

ص: 135


1- في المصدر : في الواقع منهم في نظره عليه.
2- في المصدر : العقاب به.
3- في « ك » والمصدر : على أنّ.
4- في المصدر : - معيّن.
5- في المصدر : كذلك.
6- في المصدر : مردّد في نظرنا بين أمور ويعلم أنّ ذلك التكليف غير مشروط بشيء من العلم بذلك الشيء - مثلا - أو على ثبوت حكم إلى غاية معيّنة في الواقع مردّدة عندنا بين أشياء.
7- في المصدر : فيها.

ارتفاع الحكم ، سواء (1) في ذلك كون ذلك الواجب شيئا معيّنا في الواقع مجهولا عندنا ، أو أشياء كذلك ، أو غاية معيّنة في الواقع مجهولة عندنا ، أو غايات كذلك ، وسواء أيضا تحقّق قدر مشترك بين تلك الأشياء والغايات ، أو تباينها بالكلّية ، وأمّا إذا لم يكن كذلك وورد (2) نصّ - مثلا - على أنّ الواجب الشيء الفلاني ونصّ آخر على أنّ ذلك الواجب شيء آخر وذهب بعض الأمّة إلى وجوب شيء والآخرون إلى وجوب شيء آخر دونه وظهر بالنصّ أو الإجماع في الصورتين أنّ ترك ذينك (3) الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب ، فحينئذ لم يظهر وجوب الإتيان بهما معا حتّى يتحقّق الامتثال ، بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما ، سواء اشتركا في أمر ، أو تباينا كلّية (4) ، وكذلك الحكم في ثبوت الحكم إلى غاية (5).

هذا مجمل القول (6) في هذا المقام وعليك بالتأمّل في خصوصيات الموارد واستنباط أحكامها عن (7) هذا الأصل ورعاية جميع ما يجب رعايته عند تعارض المعارضات ، واللّه الهادي إلى سواء الطريق (8) ، انتهى كلماته الشريفة قدّس اللّه سرّه (9).

وللمحقّق المذكور كلام (10) آخر في الحاشية على ما حكاه السيّد الشارح مربوط بالمقام لا بأس بإيراده كي ينقّح (11) المرام فقال - عند شرح قول الشهيد رحمه اللّه (12) : ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه - : توضيحه (13) أنّ الاستصحاب لا دليل على حجّيته عقلا ، وما تمسّكوا به ضعيف ، وغاية ما يتمسّك فيها ما ورد في بعض الروايات (14)

ص: 136


1- في المصدر : وسواء.
2- في المصدر : بل ورد.
3- في المصدر : ذلك.
4- « ز ، ك » : كلّيا ، وفي المصدر : بالكلّية.
5- في المصدر : الغاية.
6- « ج » : الكلام.
7- « ز ، ك » : من.
8- المشارق : 76 - 77.
9- « ز ، ك » : - قدّس اللّه سرّه.
10- « ز ، ك » : ثمّ إنّ للمحقّق المذكور كلاما.
11- « ج ، م » : يتّضح.
12- « ج ، م » : - رحمه اللّه.
13- « ج » : وتوضيحه.
14- « ز ، ك » : الأخبار.

الصحيحة : « أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ أبدا أو أنّه ينقضه بيقين آخر مثله » (1) وعلى تقدير تسليم صحّة الاحتجاج بالخبر في مثل هذا الحكم الظاهر (2) أنّه من الأصول ويشكل التمسّك بالخبر الواحد في الأصول إن سلّم جواز التمسّك به في الفروع ، نقول : الظاهر أوّلا أنّه لا يظهر شموله للأمور الخارجية مثل رطوبة الثوب ونحوها ؛ إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه الأمور الذي ليس حكما شرعيا وإن كان يمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي بالعرض ، ومع عدم الظهور لا يمكن الاحتجاج به فيها ، وهذا ما يقال : إنّ الاستصحاب في الأمور الخارجية لا عبرة به.

ثمّ بعد تخصيصه بالأحكام الشرعية نقول : الأمر على وجهين : أحدهما : أن يثبت حكم شرعي في مورد خاصّ باعتبار حال يعلم من الخارج أنّ زوال تلك الحالة لا يستلزم زوال ذلك الحكم ، والآخر : أن يثبت باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك.

مثال الأوّل إذا ثبت نجاسة ثوب خاصّ باعتبار ملاقاته للبول بأن يستدلّ عليها بأنّ هذا شيء لاقاه البول ، وكلّ ما لاقاه البول نجس ، فهذا نجس ، والحكم الشرعي النجاسة ، وثبوته باعتبار حال هو ملاقاة البول وقد علم من خارج ضرورة أو إجماعا أو غير ذلك بأنّه لا تزول (3) النجاسة بزوال الملاقاة فقط.

ومثال الثاني ما نحن بصدده فإنّه ثبت وجوب الاجتناب عن الإناء المخصوص باعتبار أنّه شيء يعلم وقوع النجاسة فيه بعينه ، وكلّ شيء كذلك يجب الاجتناب عنه ولم يدلّ دليل (4) من الخارج أنّ (5) ذلك الوصف الذي يحصل باعتبار زوال المعلومية بعينه لا دخل له (6) في زوال الحكم.

ص: 137


1- تقدّم في ص 88.
2- في المصدر : في مثل هذا الحكم وعدم منعها بناء على أنّ هذا الحكم الظاهر.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ والمصدر : « لا يزول ».
4- في المصدر : ولم يعلم بدليل.
5- في المصدر : + زوال.
6- « ج » : فيه.

وعلى هذا نقول : شمول الخبر للقسم الأوّل ظاهر ، فيمكن التمسّك بالاستصحاب فيه ، وأمّا القسم الثاني فلا ، فالتمسّك (1) فيه مشكل.

فإن قلت : بعد ما علم في القسم الأوّل أنّه لا يزول الحكم بزوال الوصف فأيّ حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب؟ وأيّ فائدة فيما ورد في الأخبار بأنّ (2) اليقين لا ينقض إلاّ بمثله؟

قلت : القسم الأوّل على وجهين : أحدهما : أن يثبت [ أنّ ](3) الحكم بمثل النجاسة بعد ملاقاة النجس حاصل ما لم يرد عليه الماء على الوجه المعتبر في الشرع ، وحينئذ فائدته أنّ عند حصول الشكّ بورود الماء لا يحكم بزوال النجاسة ، والآخر : أن يعلم ثبوت الحكم في الجملة بعد زوال الوصف لكن لم يعلم أنّه ثابت دائما أو في بعض الأوقات إلى غاية معيّنة محدودة أو لا ، وفائدته حينئذ أنّه إذا ثبت الحكم فيستصحب إلى أن يعلم المزيل.

ثمّ لا يخفى أنّ الفرق الذي ذكرنا من أنّ إثبات مثل هذا بمجرّد الخبر مشكل ، مع انضمام أنّ (4) في القسم الثاني لم يبلغ مبلغه في القسم الأوّل وأنّ اليقين لا ينقض بالشكّ ، قد يقال : إنّ ظاهره أن يكون اليقين حاصلا لو لا الشكّ باعتبار دليل دالّ على الحكم في غير صورة ما شكّ فيه ؛ إذ لو فرض عدم دليل عليه لكان نقض اليقين حقيقة باعتبار عدم الدليل الذي هو دليل العدم لا الشكّ كأنّه يصير قريبا ، ومع ذلك ينبغي الاحتياط في كلّ من القسمين ، بل في الأمور الخارجية أيضا (5) ، انتهى كلامه الشريف في التعليقة.

وخلاصته ما أورد على نفسه في الكلام المنقول عنه (6) قبل الحاشية (7) من قوله : فإن

ص: 138


1- « ج » : فلأنّ التمسّك.
2- « ز ، ك » : من أنّ.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- « ك » : أنّ الظهور.
5- شرح الوافية ( مخطوط ) : 133 / ب - 134 / أ.
6- « ج ، م » : - عنه.
7- في ص 135.

قلت : هو إرجاع ما يكون الشكّ فيه من حيث احتمال مانعية الشيء شرعا - كالمذي والاستنجاء بحجر ذي ثلاث شعب - إلى ما يكون الشكّ فيه من جهة الصدق حتّى يقال بجريان الاستصحاب فيه ، وبيان الرجوع فبانتزاع مفهوم عامّ يشكّ في صدقه على المشكوك (1) المانعية كأن يقال : إنّ الوضوء باق إلى حدوث المزيل ، والنجاسة باقية إلى حدوث ما يرتفع بها ، ويشكّ في صدق المزيل على المذي كالرافع على الحجر المذكور فيؤخذ بالاستصحاب في دفع الشكّ.

وخلاصة ما أجاب به عن ذلك هو أنّه لا وجه للإرجاع المذكور ؛ إذ المناط على العناوين الموجودة في كلام الشارع وليس في كلامه ما يدلّ على بقاء النجاسة إلى حدوث ما به يرتفع (2) قطعا ، فانّ الإجماع المدّعى على ذلك ممنوع ، نعم العقل قد انتزع هذا العنوان من قبل نفسه ولا يناط عليه كما هو ظاهر.

ونظير ما أورده في المقام ودفعه كثير (3) كتوهّم البعض عدم جواز الأخذ بالعمومات والأصول الكلّية بعد العلم بوصول التخصيص بها إجمالا. وقد أجبنا عنه بأنّ العامّ المخصّص بالمجمل إنّما يقصر عن الحجّية فيما لم يكن الإجمال انتزاعيا عقليا كما إذا قال الشارع : « أكرم العلماء إلاّ بعضهم » وأمّا فيما مثل المقام (4) فذلك يوجب الفحص على وجه لا يبقى معه العلم الإجمالي بالمخصص وبعد ذلك فظاهر العامّ محكّم ، ومنه حسبان بعضهم عدم جواز التمسّك بقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (5) عند الشكّ في وجوب الوفاء بعقد ؛ لتخصيصه بالعقود الجائزة قطعا ، فعند الشكّ لا يعلم بدخول المشكوك في عنوان المخصّص أو المخصّص ، والجواب عنه أيضا ما عرفت من عدم الاعتبار بعنوان المخصّص الانتزاعي. ومنه أيضا توهّم عدم جواز التمسّك بقوله : « صلّ » لإثبات صحّة صلاة مشكوكة ؛ إذ المراد بالأمر ما لا يكون فاسدا ، وفيه أيضا أنّ الصحّة والفساد

ص: 139


1- كذا. ولعلّ الصواب : مشكوك.
2- « ج » : يرتفع به.
3- هذا هو الصواب وفي « ج ، م » : كثيرة ، وفي « ز ، ك » : كغيره.
4- « ز ، ك » : وأمّا في مثل المقام.
5- المائدة : 1.

أمران انتزاعيان وليسا ممّا جاءا من قبل الشارع ، فلا اعتداد بهما.

وأمّا ما أفاده أخيرا فمرجعه إلى جريان قاعدة الاشتغال فيما إذا علم بوجود المكلّف به بين أشياء مردّدة ، وعدم الأخذ بمقتضاها من القول بوجوب الموافقة القطعية بعد القول بحرمة المخالفة القطعية فيما إذا علمنا إجمالا بأنّ الحكم إمّا كذا وإمّا كذا ، من غير فرق في ذلك بين دوران الأمر بين المتباينين أو الأقلّ والأكثر.

وأمّا ما أورده في التعليقة فلعلّه مطابق لما حقّقه في المقام كما يظهر بالتأمّل ، إلاّ أنّه يظهر من قوله : ثمّ لا يخفى أنّ الفرق الذي (1) إلخ ، وجه (2) آخر في الاستدلال على مرامه ، ومحصّله : أنّ الظاهر من الأخبار عدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، ولا ريب أنّه إذا لم يعلم مقدار الاقتضاء ففي زمان الشكّ لا دليل على الحكم السابق ، فإنّ المفروض عدم شموله لزمان الشكّ ، ومن المقرّر في مقامه هو الأخذ بمقتضى « عدم ثبوت الحكم عند عدم دليل عليه ؛ لأنّه دليل العدم » ففي الزمان الثاني الذي يشكّ في (3) ثبوت الحكم فيه لا مورد لقوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ » لأنّه نقض له باليقين ؛ لما حقّق في محلّه من حجّية « عدم الدليل دليل العدم » بخلاف ما إذا علمنا مقدار الاقتضاء فإنّ الدليل الأوّل شامل لزمان الشكّ ، فإذا حكمنا بخلافه فإنّما هو نقض لليقين بالشكّ لا لأجل عدم الدليل ؛ إذ المفروض وجود الدليل ، فالأخبار لا تشمل ما إذا كان الشكّ في مقدار زمان الحكم كما فرضه القوم.

فصار الحاصل من مذهب المحقّق المذكور أنّه إذا كان الحكم الشرعي محدودا إلى غاية معيّنة أو حالة كذلك ، فلا بدّ من الحكم ببقائه عند الشكّ في وجود الغاية أو الحالة المزيلتين ، وأمّا إذا لم يكن كذلك سواء كان الشكّ في وجود الدليل المقتضي للحكم أو كان الشكّ في مانعية الموجود ، أمّا الأوّل : فصريح كلماته المنقولة تنادي

ص: 140


1- « ز ، ك » : - الذي.
2- « ج ، م » : وجها.
3- « ج ، م » : - في.

بذلك ، وأمّا الثاني : فيظهر منه فيما أورده على وجه السؤال بقوله : « هل الشكّ في كونه إلخ » فإنّ لازم تضعيف أدلّة الاستصحاب والحكم بإجمالها حجّيته في الصورتين اللتين نبّه عليهما فقط : الأولى : الشكّ في وجود الغاية المعلومة أو المزيل المعلوم ، الثانية : الشكّ في صدق الغاية على شيء ، فالأوّل كما إذا شكّ في وجود الليل (1) بعد كونه غاية للصوم ، أو في حدوث البول بعد العلم بكونه مزيلا للطهارة ، و (2) الثاني كالشكّ في صدق النوم المزيل على الخفقة والخفقتين (3) مثلا ، ويجمعهما الشكّ من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي بعد العلم بالحكم الشرعي ، وأمّا إذا كان الشكّ في نفس الحكم الشرعي كالشكّ في مانعية المذي للطهارة بعد العلم بعدم صدق المزيل المعلوم المزيلية وهو البول عليه ، وكالشكّ في إزالة النجاسة بالتمسيح بحجر واحد ذي ثلاث شعب بعد العلم بعدم كونه من مصاديق ثلاثة أحجار ، فالاستصحاب ليس حجّة عنده فيه وإن كان من أقسام الشكّ في المانعية ؛ لأنّه لو فرض عدم الشكّ لا يلزم منه اليقين كما أخذه معيارا في مجاري استصحابه.

وأمّا التمسّك بنفس الخطاب الدالّ على الحكم ، فلا وجه له عنده أيضا ؛ لعدم تعرّض دليل الوضوء لحال عروض المذي ، ولذلك لم يحكم بجريان قاعدة الاشتغال في هذه الصورة أيضا ، فجريان الاستصحاب فيها موقوف على ما يراه القوم فيه ولا يتمّ على ما ذكره.

هذا تمام الكلام في توضيح ما أفاده واستخراج مرامه من ألفاظه الشريفة فها أنا أشرع في الإيراد عليه متمسّكا بالعروة الوثقى والحبل المتين الذي أودعه اللّه ببركات مولانا الأمير في نفوسنا.

فأقول : إنّ خلاصة ما استدلّ به على مطلبه وجهان : أحدهما : الأخذ بقاعدة

ص: 141


1- « ز » : الدليل ، وكذا في « ك » ثمّ غيّر ب- « الليل ».
2- « ز ، ك » : - و.
3- « ج ، م » : الخفقتان.

الاشتغال ، وثانيهما : أخبار الاستصحاب.

ويرد على الوجه الأوّل وجوه من الإيراد : الأوّل : أنّه غير مطابق لما أخذه في عنوان مطلبه ، وتحقيق ذلك أنّ العبارة المنقولة منه - وهو قوله بعد نفيه لاستصحاب القوم واستظهاره حجّية الاستصحاب بمعنى آخر وهو أن يكون دليل شرعي على أنّ الحكم الفلاني بعد تحقّقه ثابت إلى حدوث حالة كذا - شاملة لصور عديدة لا مسرح لقاعدة الاشتغال فيها بوجه ، وتوضيحه أنّ الأحكام على ما ذكره على (1) ثلاثة أقسام : إمّا وضعية أو اقتضائية أو تخييرية ، ولمّا كان مرجع الأولى إلى أحد الأخيرين فينحصر فيهما ، وقد عرفت ما ذكرنا في توجيه التخييرية فلا نطيل (2) بإعادته.

وأمّا الاقتضائية : فإمّا أمر أو نهي ، فالأمر الوارد في الشريعة يحتمل وجوها : فتارة : يكون رجوعه إلى واجبات عينية متعدّدة على حسب تعدّد الأزمنة التي يمكن وقوع المأمور به فيها على وجه لا يناط الوجوب في زمان به في زمان آخر ، كما لو قيل : اجلس في المسجد - مثلا - إلى زمان كذا ، فيما لو كان الجلوس في كلّ آن واجبا مستقلاّ ، ولا ريب في أنّ الوقت الذي يشكّ فيه أنّه مما أمر بالجلوس فيه أو لا الاشتباه فيه ليس بواسطة الاشتباه في الحكم الشرعي ، بل الشبهة موضوعية وجوبية صرفة ولا يكاد يعقل جريان الاشتغال في الموضوع المشتبه كما حقّقنا ذلك في محلّه بما لا مزيد عليه حتى أنّ الأخباري أيضا لم يحم حول الاحتياط في المقام ، ولا أظنّ أنّه يرضى بذلك أيضا.

وتارة أخرى : يقع على وجه يكون مرجعه إلى الواجبات التخييرية كما في الواجبات الموسّعة كما في قوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3) فلو شكّ في زمان في حصول الغاية فالحكم كما ذكرنا (4) البراءة أيضا ؛ إذ لا فرق في جريان

ص: 142


1- « ز ، ك » : - على.
2- « ج ، م » : يسهب.
3- الإسراء : 78.
4- « ز ، ك » : فالحكم على ما ذكرنا.

البراءة بين (1) كون الواجب تخييريا أو تعيينيا ، ولا سيّما في الشبهة الموضوعية ، لكن ذلك بالنسبة إلى لزوم الفعل في الآن المشكوك فيه ، وأمّا بالنسبة إلى إتيان نفس الفعل فقضيّة القاعدة المذكورة هو وجوب إتيانه (2) قبل مجيء الوقت المشكوك تحصيلا للفراغ اليقيني بعد العلم بالاشتغال. نعم يتمّ ذلك على تقدير استصحاب نفس الوقت نظرا إلى أصالة عدم دخول الغاية ، وهو هدم لما أسّس ؛ لرجوعه إلى استصحاب القوم.

وتارة أخرى : يقع على وجه لا يرجع إلى واجبات عينية تخييرية ، فيكون الفعل في تمام الوقت واجبا عينيا مستقلاّ ، والوجوب في أجزاء الوقت راجع (3) إلى الوجوب الغيري كما لو قال : صم إلى الليل ، على أن يكون الإمساك في تمام النهار واجبا مستقلاّ لا واجبات متعدّدة. ففي زمان يشكّ (4) فيه في انقضاء المدّة ودخول الغاية هل يحكم بوجوب الإمساك عملا بالاشتغال أو يؤخذ بالبراءة؟ فيه تفصيل ، فإنّ ما بعد الغاية قد يكون الإمساك فيه محرّما أو موجبا (5) لفساد العمل فيما قبل الغاية ، وقد لا يكون حراما ولا موجبا لفساد العمل على وجه (6) ، فعلى الأوّل ففي زمان الشكّ يدور الأمر (7) بين المحذورين : فإمّا يؤخذ بجانب الحرمة لكونها دفعا (8) ، دون الوجوب لكونه جلبا (9) ، أو يقال بالتخيير ، وعلى التقديرين لا مجال للاحتياط فيه. وعلى الثاني فهو مورد الاحتياط عند التحقيق وإن احتمل بعضهم البراءة ؛ لكون الشبهة مصداقية مع دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، فيصحّ ما أفاده في هذه الصورة خاصّة على التحقيق.

وأمّا على الاحتمال الآخر فلا وقع لكلامه أصلا إلاّ على تقدير استصحاب الوقت وقد عرفت أنّه لا يتمّ إلاّ على مذاق القوم ، مضافا إلى أنّ هذه الصورة خارجة عن

ص: 143


1- « ج » : في.
2- « م » : إثباته.
3- « ز » : الراجع ، وسقطت من نسخة « ك ».
4- « ج » : الشكّ.
5- « ج » : محرّمة أو موجبة.
6- « ج ، م » : - على وجه.
7- « ج ، م » : فالأمر دائر.
8- « ج ، م » : دفع.
9- « ج ، م » : جلب.

عنوان كلامه ؛ لأنّ الحكم في وجوب الصوم ليس مغيّا بغاية ، بل متعلّقه - وهو الصوم - كذلك ، ولا دخل لأحدهما بالآخر.

وعلى هذا القياس فيما لو كان الحكم الاقتضائي نهيا من (1) غير فرق بين قسميهما.

وبالجملة : فإن أراد من كلامه - على ما هو ظاهره - ما يشمل جميع هذه الصور فالمناقشة عليها بما مرّ ظاهرة ، وإن أراد خصوص الصورة المفروضة فبعد عدم انطباقها بعنوانه كما عرفت فهو خلاف قاعدة التعبير ، سيّما (2) من مثله.

ولقد أورد عليه السيّد الشارح - بعد نقل كلامه - : أوّلا : بأنّ (3) الدليل جار فيما إذا ثبت تحقّق حكم في الواقع مع الشكّ في تحقّقه بعد انقضاء زمان لا بدّ للتحقّق منه ، وهذا هو الذي أجرى القوم فيه (4) الاستصحاب ، قال : بيانه أنّا كما نجزم في الصورة التي فرضها بتحقّق الحكم في قطعة من الزمان ونشكّ أيضا حين القطع في تحقّقه في زمان يكون حدوث الغاية وعدم حدوثها (5) متساويين عندنا ، كذلك نجزم بتحقّق الحكم في زمان لا يمكن تحقّقه إلاّ فيه ونشكّ أيضا حين القطع في تحقّقه في زمان متّصل بذلك الزمان ؛ لاحتمال وجود رافع لجزء من أجزاء علّة الوجود وعدمه ، فكما أنّ في صورة الشكّ في الصورة الأولى يكون الدليل محتملا لأن يراد منه وجود الحكم في الزمان الذي يشكّ في وجود الحكم فيه وأن يراد منه عدم وجوده فيه ، كذلك حال الدليل في الصورة التي فرضناها ، وعلى هذا القول (6) لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال والخروج عن العهدة ، ولو امتثل لحصل القطع به ؛ لأنّه في زمان الشكّ إن كان الواقع وجود الحكم فقد فعلنا ما كان علينا من التكليف ، وإن كان الواقع عدمه فقد خرجنا بما فعلنا في زمان القطع عن العهدة.

ص: 144


1- « ج ، م » : مع.
2- « ج ، م » : - سيّما.
3- في المصدر : + هذا.
4- « ز ، ك » : فيه القوم.
5- في المصدر : حدوثه.
6- في المصدر : نقول.

وثانيا : بأنّ تحصيل القطع أو الظنّ بالامتثال إنّما يلزم مع القطع أو الظنّ بثبوت التكليف ، وفي زمان الشكّ ليس شيء منهما حاصلا ولو تمسّك بأنّ الشكّ إنّما هو في أوّل النظر ، وأمّا مع ملاحظة اليقين السابق فالحاصل هو الظنّ ببقاء التكليف ، فيكون المرجع هو ما قاله القوم ، ونحن كما نطالبهم بدليل التعويل على مثل هذا الظنّ نطالبه قدس سره أيضا ، والظاهر أنّ بناء كلامه رحمه اللّه (1) على أنّ اليقين بشغل الذمّة إذا حصل فلا بدّ من اليقين أو الظنّ بالبراءة ولا أقلّ من الظنّ وإن صار يقين شغل الذمّة بعد عروض الشكّ بالبراءة (2) مشكوكا فيه أيضا ، وقد ادّعى الإجماع على هذا أيضا (3) ، انتهى ما أورده السيّد على المحقّق المذكور.

وفيه : أنّ ما ذكره في الوجه الأوّل في الإيراد - وإن كان وجيها في بادئ الأنظار ، فإنّ المورد إذا كان من موارد الاشتغال كالصوم المعتبر فيه الارتباط بين الأجزاء ، فلا فرق في جريان القاعدة بين أن يكون الخطاب مغيّا بغاية كقوله : « صم إلى الليل » أو لم يكن كما إذا قال : « صم » من دون أخذ الغاية ، فيعمّ الدليل غير المطلوب - إلاّ أنّ من المقرّر في مقامه - كما يقتضيه النظر الدقيق - عدم ورود هذا الإيراد على المحقّق المذكور ؛ لأنّ الحكم الشرعي قد يعلم تعلّقه بعنوان معلوم كوجوب الصوم إلى مجيء الليل مثلا ، وإنّما يكون الشكّ في امتثال هذا العنوان ، فيشكّ في تحقّق الصوم من زمان كذا إلى غاية كذائية ، وحينئذ لا بدّ من الاحتياط ، ومثل ذلك ما لو نذر صوم بين هلالي رجب وشعبان وشكّ في يوم أنّه من أيّ الشهرين ، فإنّه لا بدّ من صيامه عملا بالاحتياط اللازم. وقد يعلم تعلّقه بعنوان غير معلوم المراد كما إذا تعلّق الوجوب بالصوم النهاري وشكّ في أنّه هل هو يتمّ عند سقوط القرص أو عند ذهاب الحمرة المشرقية لغة؟ كما في الأقلّ والأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية على ما سبق تحقيق القول فيها ،

ص: 145


1- « ز ، ك » : - رحمه اللّه.
2- في المصدر : في البراءة.
3- شرح الوافية ( مخطوط ) 132 / ب - 133 / أ.

وحينئذ فلا دليل على وجوب الاحتياط ، بل التحقيق هو الأخذ بالبراءة. ولازم هذه المقدّمة ثبوت الفرق بين موارد الاستصحاب على ما ذكره القوم وبينه (1) على ما ذكره ، ومن هنا يظهر وجه الضعف في الوجه الثاني أيضا ، ولعلّه تنبّه بضعفه (2) المورد أيضا كما أشعر بذلك (3) في قوله : « والظاهر أنّ بناء كلامه » وإلى ما ذكرنا يرجع ما أفاده المحقّق القمي في دفع (4) ما أورده السيّد ، فلا مساس لما أورده بعض الأجلّة في الاعتراض عليه بكلامه ، فلاحظ وتأمّل تهتدي إلى ما هو الحقّ بإفاضة من الموفّق الهادي.

ويرد على الوجه الثاني من وجهي استدلاله : أنّ قوله في معنى الرواية : - إنّ المراد منها عدم جواز النقض عند التعارض ، وجعله معنى التعارض أن يكون هناك شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، وحسبانه أنّ هذا المعنى لا ينطبق على استصحاب القوم ، بل هو مختصّ بما أفاده - ممّا لم يظهر له وجه وجيه ، بل لعلّه ممّا لا يستقيم بوجه ، أمّا حمله الرواية على المعنى المذكور فالوجه فيه هو ما عرفته من استفادة ذلك من مادّة النقض والدفع والدخل ، والجواب عن ذلك أنّ الأقربية وإن اقتضت حمل الرواية على ما ذكره إلاّ أنّ هناك قرائن أخر توجب حملها على ما هو متفاهم القوم من إرادة ترتيب مطلق الآثار التي يترتّب على المتيقّن ممّا هي لا يترتّب على نفس صفة العلم كما ستعرف الوجه في هذا التقييد ، ففيما لو شكّ في ثبوت الشفعة أو الخيار في زمان بعد العلم بهما في الجملة لا بدّ من الأخذ بالاستصحاب جريا على طريقة القوم.

أمّا أوّلا : فلأنّ المعنى المذكور من الرواية ممّا لا ينساق عرفا بعد العرض على الأفهام المستقيمة الخالية عن شوائب الأوهام ؛ لظهور ابتنائه على الدقّة التي لا تصل إليها إلاّ الأوحدي ، ومن البعيد في الغاية حمل الروايات التي هي منساقة على متفاهم العرف على مثل هذه الوجوه البعيدة عن أذهانهم ، فإنّ الذهن (5) لا يكاد يلتفت إلى هذا

ص: 146


1- « م » : وفيه.
2- « ز ، ك » : لضعفه.
3- « ز ، ك » : به.
4- « م ، ك » : رفع.
5- « م » : الناس.

المعنى أصلا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ مورد الرواية من استصحاب القوم ، فإنّ قول الإمام : « إذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث ، قام وأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه » (1) تمسّك منه بأصالة عدم وقوع الركعة المشكوكة واستصحاب لعدمها ، وليس من استصحاب المحقّق كما هو ظاهر ؛ لانتفاء التعارض على ما زعمه.

وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله عليه السلام في الرواية بعد قوله : « ولكن ينقض الشكّ باليقين ويبنى عليه » من أوضح القرائن على أنّ المراد بالنقض هو عدم ترتيب الآثار المترتّبة على المتيقّن ؛ لأنّ الظاهر وروده مفسّرا لسابقه كقوله : « ولا يعتدّ بالشكّ » وقوله : « ولا يختلط أحدهما بالآخر » والكلّ ظاهر في ترتيب مطلق الآثار ، ولا يتصوّر فيها القول بأنّ المراد عدم النقض فيما إذا كان شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، ففيما إذا شكّ في الخيار أو الشفعة فلو لم يؤخذ باليقين لصدق أنّه ما بنى على اليقين وأنّه نقض يقينه بالشكّ وبنى على شكّه. وبما (2) ذكرنا من ورود بعض هذه الفقرات مفسّرا للآخر ينقطع ما عسى أن يتوهّم : أنّ جعل النقض قرينة لهذه الفقرات بصرفها (3) عن ظاهرها (4) إلى ما هو المراد منه أيضا محتمل ، فلا وجه للعكس كما هو مبنى الإيراد ، مضافا إلى بعده في نفسه كما ذكرنا ، ويتّضح ما ذكرنا في الغاية بعد ملاحظة قوله عليه السلام في رواية الخصال : « فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ » (5) فإنّ الظاهر من الإمضاء البناء (6) على شيء والعمل عليه ، فيصير قرينة على أنّ المراد بالدفع أو النقض الواردين في العلّة هو ما يساوي الإمضاء ، والقول بأنّ عموم الإمضاء يدفع باختصاص العلّة - كما هو ديدنهم في الأخذ بعموم العلّة وخصوصها في نظائر المقام - ممّا لا يصغى إليه بعد

ص: 147


1- تقدّم في ص 98 وكذا الفقرات الآتية جزء منها.
2- « ز » : مما ، وسقطت من « ك ».
3- « ز ، ك » : تصرّفها ، و « م » : لصرفها ( ظ ).
4- « ج ، م » : - ها.
5- تقدّم في ص 103.
6- في النسخ : على البناء.

مساعدة العرف على الأخذ بعموم الحكم كما يشاهد ما ذكرنا فيما لو اختصّ العامّ بالفرد النادر عند التعويل على تخصيصه بالعلّة.

وبالجملة : فأخبارهم بعضها يكشف عن بعض ، وبعد عدم مساعدة العرف على معنى في البعض فلا بدّ من الأخذ بما هو الظاهر من غيره وحمله عليه ، أمّا حسبانه اختصاص الرواية بموارد استصحابه دون استصحاب القوم نظرا إلى ما أفاده من معنى التعارض ، فمبنيّ على ما أوضحنا مراده عند نقل كلامه ، ومحصّله : أنّ في مورد (1) استصحابه مقتضي اليقين موجود وإنّما الشكّ من حيث احتمال وجود المانع ، بخلاف موارد استصحاب القوم فإنّ الشكّ فيه كما يحتمل من حيث احتمال وجود (2) المانع من اليقين كذلك يحتمل من حيث احتمال انتفاء المقتضي ، فلا يتحقّق التعارض ؛ لأنّ المانع معارض للمقتضي كما تقدّم ، وبذلك دفعنا ما أورد عليه بعض المحقّقين من أنّ فرض عدم الشكّ في كلّ مورد يوجب اليقين كما صرّح به بعض الأجلّة (3) أيضا ، إلاّ أنّ البناء على ذلك موجب لهدم ما أسّسه أيضا ، فإنّ ذلك غير موجود في شيء من موارد الاستصحاب ، لا على ما يراه ولا على ما يراه القوم.

بيان ذلك : أنّ الحكم إذا لم يكن ضروريا غير محتاج إلى علّة العلم فلا بدّ في حصول اليقين بذلك الحكم من واسطة ، ويمتنع عقلا على ما بيّن في محلّه حصول ذلك اليقين من مقدّمة واحدة ، بل لا بدّ من مقدّمتين - إحداهما تحكم باندراج الأصغر في الوسط ، والأخرى (4) تحكم بثبوت الأكبر له - حتّى يمكن تعدّي الحكم منه إليه ، ولا يعقل حصول اليقين بدون إحدى المقدّمتين ، فمقتضى اليقين في كلّ حكم فرض هو الوسط في الإثبات فإنّه هو العلّة في ثبوت العلم ، فمتى وجدت العلّة حصل المعلول ، وإذا انتفت بانتفاء المقدّمتين كلتيهما أو بانتفاء إحداهما انتفى العلم ، ولمّا امتنع خلوّ المدرك الملتفت عن الشكّ أو اليقين لمكان التضادّ من غير ثالث بينهما ؛ إذ المراد بالشكّ

ص: 148


1- « م » : موارد.
2- « ج » : احتمال انتفاء وجود.
3- انظر ص 152.
4- « م » : أخرى.

هو (1) ما عدا اليقين ، يحصل الشكّ لخلوّ (2) المحلّ القابل عن المعارض ، فعدم الشكّ لا تأثير له في حصول اليقين ما لم يفرض وجود علّة العلم من الواسطة في الإثبات المركّب من المقدّمتين ، فانتفاء العلم دائما مستند إلى انتفاء أحد جزئي علّته وهي الصغرى تارة ، والكبرى أخرى ، لا إلى وجود المانع بعد إحراز المقتضي ؛ لأنّ ذلك لا يعقل في العلم.

وإذ قد عرفت هذه فنقول : إذا قيل : « صم » وشكّ في وقت معلوم في وجوب الصوم في ذلك الوقت ، فعدم العلم بهذا الحكم من جهة انتفاء الكبرى ؛ إذ المفروض عدم وجوب الصوم دائما أو موقّتا إلى وقت معيّن ، لإطلاق الأمر وإهماله ، وإن كانت الصغرى موجودة ؛ للعلم بوجود النهار في الفرض مع الشكّ في وجوب الصوم في تمام النهار ، وإذا (3) قيل : « صم إلى غسق الليل » وشكّ في وقت أنّه هل هو من النهار أو لا؟ فعدم العلم بوجوب الصوم في الفرض من جهة انتفاء الصغرى مع العلم بالكبرى وهو وجوب تمام صوم النهار ، فلو فرض في الفرض الأوّل وجود (4) كلمة (5) تدلّ على وجوب صوم النهار لم يكن الشكّ معقولا ، كما أنّه لو فرض في الفرض الثاني ما يدلّ على أنّ الوقت المشكوك من النهار ما كان الشكّ في الوجوب معقولا ، فعدم العلم في المقامين مستند إلى فقد تمام المقتضي للعلم وانتفاء العلّة ، ولا يعقل وجود المانع من العلم بعد إحراز الصغرى والكبرى والعلم بهما ، فظهر من ذلك أنّ استصحاب القوم مع استصحابه مشتركان في عدم مقتضي اليقين ، فإنّ الفرض الأوّل من استصحاب القوم وانتفاء العلم فيه لانتفاء الكبرى ، والفرض الثاني من استصحابه وانتفاء العلم فيه لانتفاء الصغرى.

ص: 149


1- « ز ، ك » : - هو.
2- كذا. ولعلّ الصواب : بخلوّ.
3- « ج » : فإذا.
4- « ز ، ك » : ورود.
5- كتب تحتها في « م » : كلّه « نسخة » وفي « ج » : كلّية.

والقول بأنّ الكبرى مقتض للعلم والعلم بالصغرى بمنزلة عدم المانع ، بعد أنّه من المجازفات والخرافات ليس بأولى من العكس.

وبالجملة : فالقول بأنّ مقتضي اليقين باق في استصحابه دون استصحاب القوم ، تحكّم صرف ؛ لتساويهما في انتفاء المقتضي وهو علّة العلم ، لأنّ مقتضي العلم هو علّته ولا فرق بينهما في المقام ، والشكّ إنّما يحدث بعد انتفاء العلّة والمقتضي من حيث استحالة الخلوّ كما مرّ ، ولئن سلّمنا أنّ الشكّ مانع من حصول اليقين فالمفروض أنّه لا يحصل إلاّ بعد انتفاء إحدى المقدّمتين ، فوجود (1) المانع مسبوق بانتفاء المقتضي ، وعدم الشيء منسوب إلى عدم المقتضي لو اجتمع ذلك وجود المانع.

نعم ، ما ذكره يتمّ فيما لو قلنا بأنّ قولنا : « صم إلى الليل » كما يدلّ على وجوب الصوم في النهار يدلّ على أنّ المشكوك أيضا من النهار ، فيكون العمل على الفرض الباطل بالدليل ، ولا حاجة إلى التكلّف المذكور والتماس ذلك من الاشتغال وأخبار الاستصحاب كما استراح الأخبارية بذلك ، وممّا يوضح ما ذكرنا أنّ الخطاب المغيّى بغاية ينحلّ إلى عقد إيجابي وهو الوجوب قبل الغاية ، وعقد سلبي وهو عدم الوجوب بعد الغاية ، ونسبة المشكوك إلى القبل والبعد مساوية (2) ، فالقول برفع الشكّ فيه بدخوله في العقد الإيجابي دون السلبي تحكّم صرف ومجازفة صريحة ، وذلك لا يتمّ إلاّ على ما ذكرنا من أنّ عدم الشكّ لا دخل له في حصول اليقين ، بل لا بدّ من إحراز موضوع أحدهما على وجه اليقين.

ثمّ إنّه بقي الكلام فيما أورده ذلك المحقّق الأستاد في التعليقة التي علّقها على قول الشهيد في الشبهة المحصورة ، ومحصّله هو الاستناد إلى وجه آخر في عدم حجّية الاستصحاب في موارده عند القوم ؛ لاستناد النقض فيها إلى اليقين وهو مقتضى قاعدة العدم.

ص: 150


1- « ز ، ك » : وجود.
2- « ك » : متساوية.

وجوابه : تارة بالنقض بالاستصحاب في الموارد التي زعم جريانه فيها ، فإنّ زمان الشكّ مع كونه مشكوكا إن كان مشمولا للدليل فلا حاجة إلى الاستصحاب في انسحاب الحكم إليه كما هو المقرّر عند الأخبارية ، وإن لم يكن مشمولا للدليل فالمفروض عدم الدليل بالنسبة إلى زمان الشكّ. قولك : الدليل المغيّى بالغاية (1) ثابت بالفرض فلا يستقيم دعوى عدم الدليل ، غير مستقيم ؛ لأنّ المراد بالدليل إن كان حكم العقل بلزوم الامتثال بعد ملاحظة خطاب الشرع فلا يتمّ إلاّ في بعض الموارد على ما عرفت تفصيل ذلك ، ومع ذلك فهو خروج عن التمسّك بالاستصحاب وأخذ (2) بالاشتغال ، وإن كان مجرّد الخطاب الشرعي فمن الظاهر أنّه لا مسرح للخطاب في زمن الشكّ ؛ إذ لا يعقل الشكّ مع ذلك ، وإن كان المراد هو أدلّة الاستصحاب على أبعد الوجوه فنسبتها إلى المقامين متساوية كما لا يخفى.

اللّهمّ إلاّ أن يدّعى (3) عدم صدق النقض في استصحاب القوم ، وقد عرفت جوابه.

وأخرى بالحلّ وهو أنّ معنى حجّية الاستصحاب هو إلغاء أحكام الشكّ في موارده ، ومنها الأخذ بالبراءة أو الاحتياط أو قاعدة العدم ، فإنّها أصول شرعية مقرّرة في مقام الشكّ ، فالاستصحاب حاكم على هذه الأصول ، وستعرف تفصيل ذلك في محلّه عن قريب إن شاء اللّه.

تذنيب

زعم بعض الأجلّة (4) نهوض أخبار الباب على (5) اعتبار الاستصحاب فيما إذا كان قضيّة الشيء المعلوم ثبوته في زمن الشكّ لو لا عروض المانع أو منع العارض. وبعبارة

ص: 151


1- « م » : بغاية.
2- « ز ، ك » : الأخذ.
3- « م » : إلاّ بدعوى.
4- في هامش « م » : وهو صاحب الفصول فإنّه حقيق بأن يكون جليلا.
5- « م » : إلى.

واضحة إذا كان الشكّ من جهة المقتضي فلا دلالة للأخبار على اعتبار الاستصحاب ، وإذا كان الشكّ من جهة الرافع فينهض الأخبار بإثبات الاستصحاب فيه ، وزعم أنّه مطابق لما نقلناه من (1) المحقّق الخوانساري إلاّ أنّه قد يكون أعمّ موردا ممّا ذهب إليه حيث أفاد ، ولقد أجاد المحقّق الخوانساري في فهم الرواية حيث قال : المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ هو عدم النقض عند التعارض (2) ، ولكنّه ما أجاد في تخصيصها بالأحكام التي ثبت استمرارها إلى غاية معيّنة وشكّ في حصولها ، بل يجري في كلّ ما ثبت بقاؤه ما لم يمنع منه مانع (3) ، انتهى.

والتحقيق : أنّ القولين مختلفان مفهوما وموردا ، فلا وجه لحسبان انطباق أحدهما على الآخر على الوجه المذكور ؛ لاختلاف مناطهما وتغاير ما هو الملاك فيهما ، فإنّ قول المحقّق يناط على ثبوت الخطاب الموجب لليقين في مورد الشكّ لو لاه من دون ملاحظة استعداد المستصحب للبقاء في زمن الشكّ لو لا المانع ، ومدار قول الزاعم إنّما هو ملاحظة حال المستصحب واستعداده من دون نظر إلى ثبوت الخطاب الموجب لليقين لو لا الشكّ ، فملاك الأوّل على ملاحظة حال الدليل ، وملاك الثاني على ملاحظة حال المستصحب.

نعم ، قد يكون المستصحب في مورد الخطاب الموجب لليقين ممّا قضيّته الثبوت عند الشكّ لو لا عروض المانع أو منع العارض كما في استصحاب بقاء الوضوء عند الشكّ في عروض البول.

وقد يكون المستصحب مقتضيا للبقاء مع انتفاء الخطاب الموجب لليقين كما في استصحاب بقاء النجاسة فيما إذا شكّ في مانعية التمسيح بحجر ذي ثلاث شعب ، وكما في استصحاب الطهارة عند عروض المذي ؛ إذ قد عرفت صراحة من المحقّق المذكور عدم

ص: 152


1- « ز ، ك » : عن.
2- المشارق : 76 ، سطر 18.
3- الفصول : 367 و 371.

جريان الاستصحاب في المثال الأوّل.

وقد يكون الخطاب الموجب لليقين موجودا مع الشكّ في اقتضاء المستصحب للثبوت في زمن الشكّ كما في الخطاب الآمر بالصوم إلى الليل فيما إذا شكّ في آن أنّه من النهار أو من الليل ، فإنّ الظاهر أنّ الشكّ من جهة المقتضي.

فالقولان مختلفان مفهوما والنسبة بينهما موردا هو العموم من وجه.

نعم ، لو قلنا بأنّ مآل الشكّ في الغاية إلى الشكّ في المانع بعد إحراز المقتضي للمستصحب بتقريب أنّ الغاية توجب رفع الحكم وتمنع عن ثبوته كما هو الشأن في جميع الموانع ، ومرجع الشكّ في المانع إلى الشكّ في الغاية نظرا إلى أنّ المانع غاية لثبوت المعلول (1) ونهاية لوجوده ، فالقولان متلازمان مصداقا.

إلاّ أنّ ذلك بمكان من الضعف والسقوط ، أمّا الأوّل : فلأنّ الشكّ في الغاية لا يساوق وجود المقتضي دائما كما في قوله : « صم إلى الليل » إذ يحتمل أن تكون (2) الغاية المذكورة في كلام الشارع كاشفة عن انتفاء المقتضي عند وجودها ، فوجود (3) الليل في المثال يحتمل ظاهرا أن يكون كاشفا عن انتفاء السبب.

وأمّا الثاني : فلأنّ الظاهر من المحقّق المذكور أنّ المدار على الغاية المأخوذة غاية في كلام الشارع كما في قوله : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (4) لا كلّ ما يمكن رجوعه إليها وإن لم يكن مأخوذة (5) في كلام الشارع كما أشرنا إلى ذلك في السؤال الذي أورده على نفسه : هل الشكّ في المزيل؟

فظهر من ذلك أنّه ما أجاد فيما استجاد مشعرا بذلك تواردهما على مطلب واحد ، مع أنّ قوله : ولكنّه ما أجاد في تخصيصها إلخ ، ليس بجيّد ؛ إذ لا يستقيم ذلك إلاّ على

ص: 153


1- « ج » : معنى المعلول.
2- « ج ، م » : يكون.
3- « ج » : ووجود.
4- البقرة : 187.
5- كذا.

تقدير أن يكون مذهب المحقّق اختصاص حجّية الاستصحاب بما إذا كان الشكّ في المزيل والرافع مع وجود المقتضي. وقد عرفت أنّ مناط الاستصحاب عنده على وجود الخطاب ، سواء كان المقتضى موجودا أو لا (1).

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ الزاعم المذكور إنّما أخذ في عنوان ما ذهب إليه استمرار الحكم لو لا الرافع ، وقضيّة ذلك عدم حجّية الاستصحاب في الموقّتات ، فلو شكّ في أثناء النهار - لعارض - وجوب إمساك اليوم عليه لا يقول (2) بالاستصحاب مع أنّ ما يظهر منه عند الاستدلال هو اعتبار الاستصحاب فيما إذا شكّ في المانع ، وعدمه فيما إذا شكّ في المقتضي ، من غير أخذ الاستمرار في كلامه ، إلاّ أنّ مقصوده ظاهر فلا تغفل.

وملخّص ما استدلّ به على مرامه هو استحالة إرادة معنى النقض حقيقة ؛ لانتفائه بين اليقين والشكّ ، لعدم (3) إمكان اجتماعهما ، وصدقه حقيقة موقوف على الاجتماع والتصادم ، فلا بدّ من المصير إلى معنى أقرب إلى المعنى الحقيقي ، ولا خفاء (4) أنّ مع وجود المقتضي للبقاء صدق النقض أولى منه مع عدمه.

والجواب عن ذلك هو أنّ الأقربية الاعتبارية مسلّمة ، ولكنّها غير مجدية بعد عدم مساعدة العرف عليها ، والأقربية العرفية ممنوع ، بل الأقرب عرفا هو القول بأنّ المراد هو الأخذ بالأحكام التي تخالف حكم المتيقّن ، فإنّه إذا اختلف حكم الشيء في حالتي الشكّ واليقين يصدق أنّه نقض للسابق ، فالنقض تارة يلاحظ بالنسبة إلى المستصحب ، وأخرى بالنسبة إلى العمل ، مع أنّه يكفي في صدق النقض بالنسبة إلى المستصحب إمكان استمرارها كما في حقّ الشفعة والخيار ، مضافا إلى بعض القرائن المذكورة في الإيراد على المحقّق ، فإنّه يصلح (5) لدفع القولين ، كقوله (6) عليه السلام في رواية زرارة :

ص: 154


1- « ز ، ك » : أم لا.
2- « م » : نقول.
3- « ج » : بعدم.
4- « ز ، ك » : + مع.
5- « م » : تصلح.
6- « ز ، ك » : كما في قوله.

« ولا ينقض اليقين بالشكّ ، بل يبنى على اليقين » (1) ويتمّ عليه كما مرّ ذلك مفصّلا ، ويختصّ بدفع القول هذا قوله عليه السلام في مكاتبة القاساني : « اليقين لا يدخله الشكّ ، صم للرؤية وأفطر للرؤية » (2) فإنّ تفريع قوله : « صم للرؤية » وقوله : « وأفطر للرؤية » على القاعدة المزبورة من عدم دخول الشكّ في اليقين لا يتمّ إلاّ على حجّية الاستصحاب في الشكّ من حيث المقتضي.

وتوضيح ذلك أنّ المراد بهما إمّا استصحاب جواز الإفطار الثابت في شعبان واستصحاب وجوب الصوم الثابت في رمضان على أن يكون الاستصحاب وجوديا حكميا كما هو الظاهر ، وإمّا المراد استصحاب عدم وجوب الصوم من قوله : « صم للرؤية » وعدم جواز الإفطار من قوله : « أفطر للرؤية » على أن يكون الاستصحاب عدميا حكميا ، وإمّا المراد استصحاب نفس شعبان من الأوّل ورمضان من الثاني على أن يكون الاستصحاب موضوعيا ، وعلى التقادير لا يتمّ على ما ذكره.

أمّا على الأوّل : فلأنّ جواز الإفطار ووجوب الصوم ممّا لم يثبت الاستمرار فيهما ما لم يثبت المزيل ، بل التحقيق إنّهما حكمان موقّتان لا يجري فيهما الاستصحاب على ما هو المصرّح به (3) في كلامه.

وأمّا على الثاني : فلأنّ الاستصحاب العدمي في المقام منتزع من الاستصحاب الوجودي ، فلا يعقل تخلّفه عنه.

وأمّا على الثالث : فالأمر أوضح.

فالتفريع المذكور لا يتمّ إلاّ على استصحاب القوم.

فإن قلت : لنا أن نقول : إنّ الحصر المذكور غير حاصر ؛ لاحتمال أن يكون المراد استصحابا آخر ينطبق على موارد استصحاب المفصّل ، وهو أن يكون المراد بالأوّل

ص: 155


1- تقدّم في ص 98 - 99.
2- تقدّم في ص 101.
3- « ج ، م » : - به.

استصحاب عدم دخول رمضان وعدم انقضاء شعبان ، ومن الثاني استصحاب عدم دخول شوّال وعدم انقضاء رمضان (1) على أن يكون الاستصحاب من الاستصحابات الموضوعية العدمية ، فإنّ الأعدام من الأمور المقرّرة الثابتة إلى ثبوت المزيل.

قلت : أمّا أوّلا : فوجوب الصوم ممّا لا يترتّب على عدم دخول شوّال أو عدم انقضاء رمضان ، كما أنّ جواز الإفطار ممّا لا يترتّب على عدم دخول رمضان أو عدم انقضاء شعبان ، بل الأوّل مترتب على دخول (2) رمضان والثاني على شعبان كما يظهر من ملاحظة قوله : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (3).

وأمّا ثانيا : فالأمور العدمية ليست مقرّرة ثابتة إلى ثبوت المزيل ؛ لأنّ ذات العدم لا يقضي (4) بذلك ، أمّا على القول بعدم احتياجه إلى العلّة فالأمر واضح ، وأمّا على القول باحتياجه كالوجود إلى العلّة فلأنّ العلّة هو انتفاء علّة الوجود فبحصولها ترتفع علّة العدم ، فذهاب العدم بواسطة انتفاء استعداده والمقتضي له لا لوجود (5) المانع ، ولذلك لا يحكم بأنّ وجود المال بعد فقده لا يعدّ ناقضا لعدمه ، وكذا سائر الموجودات المسبوقة بالأعدام.

لا يقال : لا ريب في أنّ العدم ممّا يستمرّ لو لا عروض ما يقضي بخلافه.

لأنّا نقول : إنّ مجرّد ذلك غير كاف في المقام ، فإنّ الدعوى في قوّة القول : بأنّ كلّ شيء لو فرض بقاء علّته التامّة فهو باق والوجود والعدم في ذلك متساويان.

فإن قلت : إنّه قد صرّح بجريان الاستصحاب في الأمور العدمية.

قلت : إنّ تصريحه بذلك لا يوجب عدم توجّه الإيراد عليه بما ذكرنا ؛ لأنّ الكلام فيما يقتضيه التحقيق على مذهبه لا فيما صرّح به.

ص: 156


1- « ز ، ج » : شوّال.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : « وجود ».
3- البقرة : 185.
4- « ج » : لا تقتضي.
5- « ج » : لا الوجود.

فكيف كان ، فهذه الرواية حجّة صريحة عليه في جريان الاستصحاب في غير ما ذهب إليه ، ولا تنهض قرينة لدفع ما ذكره المحقّق الخوانساري ، لكون الجواز مغيّا بغاية وكذا الوجوب كما هو ظاهر لا سترة (1) فيه ، وبناء على ما حقّقنا من أنّ انتفاء الأعدام بواسطة انتفاء المقتضي يمكن القول بأنّ رواية زرارة المرويّة في التهذيب (2) قرينة على مذهب المشهور ، فإنّ الطهارة من الأمور العدمية فإنّها عدم القذارة كما لعلّه يشعر بذلك قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) بعد قوله : ( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) (3) وكذلك الرواية الواردة في باب السهو (4) ، فإنّ استصحاب عدم الزيادة يصير (5) قرينة على استصحاب القوم كما لا يخفى بملاحظة هذا التفصيل أيضا.

وعليك بإمعان النظر في المقام وكثرة (6) التأمّل فيه ، فلعلّه يتّضح (7) لك من ذلك وجوه (8) أخر يمكن تأييد مذهب القوم بها (9) ، فكن على بصيرة من ذلك ، واللّه الموفّق وهو الهادي (10).

ص: 157


1- « ج ، م » : لأمره ( ظ ).
2- تقدّمت في ص 95.
3- الأحزاب : 33.
4- تقدّمت في ص 98.
5- « ز ، ك » : تصير.
6- « ج ، م » : أكثر.
7- « ج » : ينفتح ، وفي « ز ، ك » : ينقّح.
8- « ج ، م » : وجوها.
9- في هامش « م ، ز » : قلت : ستعرف في بعض الهدايات الآتية تصريح الأستاد ( دام ظلّه العالي « م » ) على انطباق الروايات على هذا المذهب كما جنح ( احتجّ « م » ) إليه المحقّق الحلّي أيضا ، ويصرّح أيضا بأنّ الاستصحابات العدمية كلّها - سواء كانت معمولة في الألفاظ لتشخيص الأوضاع وتعيين المرادات أو في غير الألفاظ كأصالة عدم التذكية أو عدم انقضاء الشهر مثلا - منطبقة عليه ؛ لبقاء المقتضي والشكّ في الرافع ، فلعلّه رجع عمّا أفاد أوّلا في المقام ، وإلاّ فهو بريء عن الغفلة على [ كذا ] هذا ( بهذا « ز » ) الوجه ، فتدبّر. منه ( عفي عنه « ز » ).
10- « ج ، م » : - واللّه ... الهادي.

ص: 158

هداية استطرادية [ في الأحكام الوضعية ]

اشارة

قد عرفت فيما تقدّم تقسيم الحكم إلى الوضعي والتكليفي في كلام المحقّق الخوانساري ورجوع الأوّل إلى الثاني ، حيث أفاد أنّ الأحكام الوضعية عند التحقيق ترجع (1) إلى الأحكام التكليفية (2). وأورد عليه بعض من تأخر عنه (3) بأنّه ليس بشيء ، فإنّ كون الشيء سببا لآخر أو شطرا أو شرطا أو مانعا والصحّة والبطلان وغيرها ، متعلّقات الخطابات والأدلّة ، وأحكام صدرت من الشارع ، ولها عوارض وخواصّ ، وممّا يهتمّ به (4) ، وكلّ حكم مغاير للخمسة المعروفة لا وجه لإرجاعه (5) إليها بالتكلّف ؛ لاختلافهما (6) مفادا وشرطا ودليلا ومحلاّ ، مع أنّه لو صحّ لزم انحصار الأحكام في الثلاثة ؛ لرجوع الحرمة والوجوب إلى حكم واحد كالندب والكراهة. إلى أن قال : مع أنّ اختلاف الوضعي والتكليفي في كثير من المقامات ضروري كحرمة شرب الخمر ومانعيتها من الصلاة (7) ، فإنّ أحدهما مباين (8) للآخر منفكّ عنه كوجوب الطهارة

ص: 159


1- « ج ، م » : يرجع.
2- تقدّم في ص 127.
3- هو الكلباسي في اشارات الأصول.
4- بعده في المصدر : ولا سيّما الأخيرين فإنّ المقصد الأهمّ في الفقه ، ولا سيّما في المعاملات إنّما هو البحث عنهما.
5- في المصدر : لإرجاعها.
6- في المصدر : لاختلافها!
7- في المصدر : للصلاة.
8- « ج » : متباين.

وشرطيتها للصلاة ، فإنّ شرطيتها تجتمع (1) مع الوجوب والندب ، وكذا اختلاف لوازمهما كجريان لزوم التكليف بما لا يطاق في الحكم التكليفي وعدمه في الوضعيات التعليقية ، وأيضا في الخطابات التكليفية لا بدّ من العلم والشعور والقدرة ، وفي الوضعي ما (2) لا يشترط فيه (3) ذلك ، كما إذا مات قريب الإنسان وهو لا يشعر به ، فإنّ التركة تنتقل إليه ، وإن كان فيها من ينعتق عليه عتق ، وكذا يجب الضمان بإتلاف النائم وما في حكمه (4) ، انتهى.

وتحقيق المقام مع خروجه عن المبحث يقتضي بسطا في الكلام فنقول : ذهب العلاّمة رحمه اللّه في التهذيب (5) والعضدي (6) والآمدي في الإحكام (7) وجماعة من الفريقين إلى ثبوت الأحكام الوضعية ، بل وعليه المشهور على ما (8) نبّه عليه المورد المذكور ، والحقّ - كما عليه المحقّقون - عدم ثبوتها ، بل هي أمور تابعة للأحكام التكليفية ، بل في شرح الفاضل على الزبدة : هذا هو المشهور (9) ، وصرّح السيّد الشارح في بحث الاستصحاب : أنّه قد استقرّ رأي المحقّقين على أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي (10) ، بل وذلك هو ظاهر من عرّف الحكم الشرعي بالخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاء وتخييرا من دون تعرّض للحكم الوضعي ، ثمّ إنّ المثبتين بين من حصرها في

ص: 160


1- المثبت من « ك » وهو موافق للمصدر ، وفي سائر النسخ : يجتمع.
2- « ز ، ك » : - ما.
3- « ز ، ك » : - فيه.
4- اشارات الأصول ( قسم الأدلّة العقلية ) : 3 - 4.
5- تهذيب الوصول : 50.
6- شرح مختصر المنتهى : 81.
7- الإحكام 1 : 96.
8- « ز ، ك » : كما.
9- غاية المأمول فى شرح زبدة الأصول ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) 35 / أ ، وفي نسخة أخرى 88 / ب. قال : الخطاب الوضعي ممّا اختلف في كونه حكما ، فالمشهور - وهو الحقّ - أنّه ليس بحكم وإنّما هو مستلزم له.
10- شرح الوافية ( مخطوط ) 13 / ب.

الثلاثة : السببية والشرطية والمانعية كالعضدي (1) تبعا للحاجبي (2) ، وبين من زاد عليها الصحّة والفساد ، وبين من زاد عليها الرخصة والعزيمة (3) وبين من زاد عليها العلامة والعلّة كثاني الشهيدين (4) ، إلاّ أنّه احتمل رجوع (5) العلّة إلى السبب وكذا العلامة ، أو إلى الشرط ، وبين من لا يرى فيها حصرا ، ولعلّ مراده كثرتها لا عدم انحصارها ؛ إذ لا يعقل ذلك.

وينبغي تحرير محلّ الخلاف أوّلا ، فنقول : لا إشكال في ثبوت أمور هي محمولات في القضايا الشرعية كالطهارة والنجاسة والزوجية والرقّية والكفر والإيمان والملكية ونحوها ممّا لا يحصى كثرة ، فإنّ إنكار تلك الأمور في الشرعيات (6) في مرتبة إنكار القضايا الأوّلية في العقليات ؛ إذ وجود الأسباب الشرعية وموانعها كشرائطها ضروري وفي غاية الكثرة ، فإنّه (7) ربّما يعسر الإحاطة بشرائط ماهيّة واحدة وموانعها كالصلاة مثلا ، كما أنّه لا ريب في فساد دعوى أنّ مفاهيم هذه الأوصاف عين مفاهيم الأحكام التكليفية ، فإنّ القول باتّحاد مفهوم وجوب الصلاة لمفهوم سببية الدلوك ساقط جدّا ، فلا يكاد يعقل لذلك وجه ، وإنّما يتأتّى المناقشة اللفظية في تسمية هذه الأوصاف أحكاما إنشائية ؛ ضرورة حصولها في محالّها من غير تعلّق إنشاء بها كما في اتّصاف الطالب بالطالبية ، والمطلوب بالمطلوبية ، فإنّ إنشاء نفس الطلب يكفي في

ص: 161


1- شرح مختصر المنتهى : 97 - 98.
2- في اشارات الأصول : كالعلاّمة والسيوري وغيرهما.
3- في اشارات الأصول نسبه من دون ذكر العزيمة إلى الحاجبي والعضدي وقال : ويؤذّن كلامهما بكون الصحّة والبطلان في المعاملات منها ، ثمّ قال : ومنهم من زاد عليها الصحّة والبطلان والعزيمة والرخصة كالآمدي ، ونقل في الإشارات أقوال أخر فلاحظ.
4- تمهيد القواعد : 37 ، قاعدة 3.
5- « ج ، م » : برجوع.
6- « ز ، ك » : الشرعية.
7- « ز ، ك » : فبأنّه.

انتزاع هذه الأوصاف عن (1) محالّها ، ولا ريب أيضا في أنّ للشارع بيان هذه الأمور المحمولة على الموضوعات ككشفه عن مانعية الحدث للصلاة ، وجزئية السورة لها ، وإيراث العصيان استحقاق العقاب ، وتضعيف البدن بتكثير الحمّام ، وإضرار الميتة للبدن ، وسببية الدلوك للصلاة ، والطلاق للتحريم ، والنكاح للتحليل ، وشرب الخلّ لشدّ العقل ، ونحوها ممّا لا حدّ فيها ولا حصر لها.

وأمثال هذه البيانات في الكتاب والسنّة وجودها معلوم والمنكر مكابر ، فالحاكم بيننا وبينه بعد حكومة الإنصاف هو الرجوع إلى الأدلّة الشرعية ، ولا شبهة في أنّ هذه الأمور منسوبة إليه تعالى على نحو انتساب سلسلة الممكنات إليه ، وإنّما الكلام في أنّها من الأمور المتأصّلة التي يتعلّق بها الجعل والإبداع والإنشاء كما في الأحكام الخمسة التكليفية أو (2) يكفي في تحقّقها وإيجادها إبداع ملزوماتها من الأحكام التكليفية وإنشائها ، فتسمية هذه الأوصاف أحكاما على الثاني مجازية باعتبار أنّ ما ينتزع منها أحكام ؛ إذ الحكم الشرعي عبارة عن جعله وإنشائه والمفروض عدم تحقّق الإنشاء والجعل فيها ، نعم يصحّ إطلاق الحكم عليها حقيقة باعتبار معناه التصديقي أو بملاحظة أنّها نسب خبرية كما لا يخفى.

وبالجملة : فالمثبت للحكم الوضعي يدّعي أنّ تلك الأمور متعلّقات للجعل بالأصالة بمعنى أنّها أمور إنشائية ، والنافي ينفيه بادّعاء كفاية إبداع الأحكام التكليفية عن إبداعها ، كما هو المقرّر عند أهل المعقول من أنّ الماهيات متعلّقات للجعل الإيجادي والتكويني أصالة ، ولوازمها مجعولات بالتبع ، فالمجعول بالذات هو الأربعة وإن استتبع جعل الزوجية أيضا ، فإنّ هذا هو الذي ينبغي أن يكون محلاّ للخلاف ، فإنكار هذه الأمور رأسا أو ادّعاء (3) اتّحادها للأحكام التكليفية ممّا لا ينبغي أن يذهب إليه (4) الوهم ،

ص: 162


1- « ز ، ك » : من.
2- « ج » : إذ.
3- « ز ، ك » : دعوى.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - إليه.

ومن هنا ينقدح لك القول برجوع النزاع بين الفريقين لفظيا.

فكيف كان ، فلنا على ما صرنا إليه من النفي وجهان :

[ الوجه ] الأوّل (1) : أصالة عدم الجعل ؛ لعدم الحاجة إليها بعد كفاية جعل الأحكام التكليفية عنها اللازم جعلها من باب اللطف كما قرّر في محلّه. وأمّا بيان الكفاية فهو أنّه لا شكّ ولا شبهة في أنّ الأحكام الخمسة التكليفية مجعولات للشارع ، فإنّه اللطف الذي يجب عليه تعالى ، على أنّه (2) الإيجاب لا يعقل بدون الجعل والإنشاء كالتحريم وأخواتهما ، فإذا صدر الطلب من الطالب فلا ريب في احتياجه إلى متعلّق ؛ ضرورة استحالة الطلب بدون (3) المطلوب ، فهو إمّا أن يكون مركّبا من جزءين فصاعدا ، أو بسيطا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون ذلك المطلوب مقيّدا بقيد من الأمور التي ينبغي أن تلاحظ في المطلوب ، وجوديا كان أو عدميا كما إذا طلب الإتيان بالماء البارد أو الصافي ، أو يكون مطلقا من غير ملاحظة شيء فيه ، وعلى التقادير فإمّا أن يكون الطلب معلّقا على حصول أمر من وقت أو حال كالأمر بالصلاة عند الزوال ودلوك الشمس ، وإمّا أن يكون مطلقا غير معلّق على حصول شيء. في كلّ هذه الأقسام لا حاجة إلى جعل شيء (4) من الأحكام الوضعية التي تستفاد من هذه الخطابات ، فإنّ بعد ما فرضنا أنّ الطلب تعلّق بإيجاد المكلّف الصلاة عند زوال الشمس مواجها للقبلة في حالة الطهارة ، فلا حاجة إلى إنشاء سببية الزوال (5) وجعله سببا للصلاة ، كما لا حاجة إلى جعل شرطية الطهارة والقبلة ، كما لا حاجة إلى جعل مطابقتها للأمر وعدم مطابقتها له (6) على تقدير الإتيان بها على ما هي عليها من الأجزاء والشرائط أو الإخلال بها بوجه من الوجوه ، فإنّ هذه الأمور اعتبارات عقلية ينتزعها العقل بعد

ص: 163


1- سيأتي الثاني منهما في ص 170.
2- كذا. ولعلّ الصواب : أنّ.
3- « م » : « من ».
4- « ج » : بشيء ، وفي « ز ، ك » : الشيء.
5- « ج » : إنشائية الزوال.
6- « م » : - له.

كون المطلوب واقعا على وجه من الوجوه ، فينتزع الجزئية عند تعلّق الطلب بمركّب كما ينتزع الكلّية أيضا ، ولذلك لم يذهب وهم إلى أنّ كلّية الكلّ (1) أمر جعلي إنشائي لكفاية تعلّق الطلب بمركّب عنه ، وينتزع الشرطية على تقدير تعلّق الطلب بأمر ملحوظ فيه وجود شيء كالطهارة في الصلاة والبرودة في الماء ، والمانعية على تقدير تعلّقه بأمر ملحوظ فيه عدم شيء كالحدث في الصلاة والتراب في الماء مثلا ، والسببية على تقدير تعلّقه بأمر معلّق على شيء كالصلاة المعلّقة على الوقت مثلا ، والصحة فيما إذا وقع الفعل المأمور به على وجهه ، والفساد إذا لم يقع عليه ، فلو قال الآمر - بعد جعله الحكم التكليفي - : إنّي قد جعلت الوقت سببا أو الطهارة شرطا أو الحدث مانعا ، كان ذلك لغوا صرفا ويجب تنزيه الشارع الحكيم عنه البتّة.

لا يقال : إنّ ما ذكرته إنّما يتمّ بعد فرض صدور الأحكام التكليفية ، ومن أين لك إثبات هذا المعنى في جميع موارد الأحكام الوضعية؟! فلعلّه كان جعل السببية مقدّما على جعل إيجاب الصلاة في الوقت ، فيكون جعل تلك الأحكام مغنيا (2) عن الحكم التكليفي.

لأنّا نقول : إنّ (3) سببية الدلوك للصلاة لا يراد بها سببية لذات الصلاة ، فلا بدّ أن يكون المراد لوجوبها (4) ، ولا يعقل (5) وجوب الصلاة بدون الطلب ، فيرجع جعل السببية إلى جعل الطلب والوجوب الذي هو حكم تكليفي ، فالمتأصّل في مقام الجعل هو الطلب دون الحكم الوضعي.

فإن قلت : إنّ الأدلّة الشرعية صريحة في كون الأحكام الوضعية متعلّقة للجعل ،

ص: 164


1- « ز ، ك » : الكلّي.
2- « م » : مغيّا.
3- « ز ، ك » : - إنّ.
4- « ك » : سببية لوجوبها.
5- « ج » : فلا يعقل ، وفي « ز » : لا يعقل.

فكيف يتأتّى إنكار جعل الوضعيات؟ فمن ذلك قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) ، و « لا صيام لمن لم يبت (2) الصيام من الليل (3) » (4) و « لا عمل إلاّ بنيّة » (5) و « البيّعان بالخيار » (6) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (7) إلى غير ذلك من الأحكام التي لا حصر فيها.

قلت : لا خفاء في أنّ الشارع إنّما حكم في تلك الأدلّة والقضايا بثبوت تلك المحمولات لموضوعاتها ، وقد عرفت أنّ الحكم بهذا المعنى ليس من المتنازع فيه ، فهذه المحمولات لا تخلو (8) من أحد وجهين : إمّا أن يكون اعتبارات عقلية منتزعة من محالّها من الخطابات التكليفية ، وإمّا أن تكون (9) أمورا واقعية ثابتة في حدود ذواتها مع قطع النظر عن تعلّق جعل إنشائي على نحو الجعل في التكليفيات بها. وعلى التقديرين يكون الخطاب المتعلّق بالوضعيات خبرا لا إنشاء كما هو ظاهر الأدلّة المذكورة ولا داعي لصرفها عن ظاهرها ، وذلك بخلاف الأخبار الواردة في مقام جعل الحكم التكليفي كقوله : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ ) (10) مثلا ، وكقوله : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (11) فإنّه لا مناص من الحمل (12) المذكور فيها ؛ لما عرفت

ص: 165


1- وسائل الشيعة 1 : 315 ، باب 9 من أبواب أحكام الخلوة ، ح 1 ، و 1 : 365 - 366 ، باب 1 من أبواب الوضوء ، ح 1 و 6 ، و 1 : 368 ، باب 2 من أبواب الوضوء ، ح 3 ، و 1 : 372 ، باب 4 من أبواب الوضوء ، ح 1 ، و 2 : 203 ، باب 14 من أبواب الجنابة ، ح 2.
2- في المصادر : لم يبيت.
3- « ج ، م » : - الصيام من الليل.
4- مستدرك الوسائل 7 : 316 ، باب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيّته ، ح 1 ، عن عوالى اللآلى 3 : 132 - 133 / 5 و 6 ، وورد أيضا في مصادر العامّة وسيأتي أيضا ص 200.
5- وسائل الشيعة 1 : 46 - 48 ، باب 5 من أبواب مقدّمة العبادات ، ح 1 - 4 و 9.
6- وسائل الشيعة 18 : 5 - 6 ، باب 1 من أبواب الخيار ، ح 1 - 3.
7- مستدرك الوسائل 4 : 158 ، باب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ، ح 5 و 8.
8- في النسخ : لا يخلو.
9- في النسخ : يكون.
10- البقرة : 228.
11- النساء : 103.
12- « ج » : الجعل ، وكتب تحتها : « الحمل نسخة ».

من عدم معقولية التكليف اللازم إلاّ بالطلب ، فلا بدّ من أن يكون هذه الخطابات في معرض إنشاء الطلب ، أو إخبارا عن إنشاء سابق كما لا يخفى.

فمن الأوّل : السببية والشرطية والجزئية والحجّية والمانعية والصحّة والفساد والرخصة والعزيمة والعلّة والعلامة.

أمّا السببية فالوقتية منها عبارة عن إيجاب شيء وطلبه في وقت ، والمعنوية منها عبارة عن طلب شيء معلّقا على شيء آخر كالكفّارة عند الظهار والتحريم عند الإسكار ، ولا يرتاب في أنّ بعد إنشاء الطلب المعلّق على شيء فليس من شأن الشارع إنشاء سببية ذلك الشيء.

وأمّا الشرطية والجزئية فالأمر فيهما ظاهر ممّا مرّ ؛ إذ الجزئية كالكلّية ، والشرطية كالمشروطية ، لأنّهما متضايفان وتجويز الجعل في أحدهما يوجب تجويزه في الآخر ، وفساد ذلك في الآخر ظاهر.

وأمّا الحجّية فلا نعني بها إلاّ كون الشيء بحيث يجب العمل به ، ومعناه هو وجوب الأخذ به والاتّكال عليه.

وأمّا الصحّة والفساد ففي العبادات عبارتان عن مطابقة المأمور به للأمر ، وعدمها ، ولا ريب في كونهما أمرين عقليين منتزعين عن وقوع الفعل على ما هي عليه من الأمور المعتبرة فيه ، وعدمه ، ولذلك أنكرهما العضدي تبعا للحاجبي (1).

وفي المعاملات فمرجعهما إلى كون المعاملة واقعة على وجهها (2) ، فيترتّب عليها أثرها (3) المقصود منها وعدمه ، والعجب ممّن أطلق القول بجعلهما في المعاملات بعد اعتقاد الجعل في السببية ، ويكفيك في الحكم بعدم جعل السببية في المعاملات ملاحظة الأسباب العقلية كالشمس للإشراق والنار للإحراق ، فهل لأحد حسبان أنّ سببية

ص: 166


1- شرح مختصر منتهى الأصول : 98 ، الشرح للعضدي والمتن لابن الحاجب.
2- « م » : وجههما.
3- « م » : آثارها.

الشمس للإشراق مجعولة ؛ إذ ليست من مقولة الأفعال ، بل هي أمر قائم بالشمس كسببية الدلوك للصلاة أيضا؟

وأمّا الرخصة والعزيمة فخروجهما عن (1) أحكام الوضع ظاهر لا حاجة إلى بيانه.

وأمّا العلّة والعلامة فقد عرفت (2) في كلام الشهيد رجوعهما إلى السبب أو إلى الشرط في الأخير.

ومن الثاني : الزوجية والملكية والحرّية والرقّية والطهارة والنجاسة والكفر والإيمان والحدث والجنابة والضمان إلى غير ذلك من المحمولات الشرعية.

وهذه الأمور أيضا لا تخلو من وجهين : فتارة : تكون (3) من الأمور الواقعية المعلومة عند العرف مفهوما ومصداقا كالزوجية والملكية ، فليس للشارع فيها تصرّف إلاّ ببيان بعض المصاديق التي نحن بمعزل عن إدراكها لغيبتها عن نظرنا ، وأخرى : تكون (4) من الأمور التي لا نجدها في عقولنا مفهوما ومصداقا كالجنابة والحدث ، وعلى التقديرين ليست هي (5) من الأمور المجعولة للشارع على (6) نحو الجعل في التكليفيات.

أمّا على الأوّل : فلأنّها أمور واقعية ثابتة عند العرف ، وغاية ما يمكن القول به هو أنّ بعض الأفراد المعمولة عند العرف في تلك المفاهيم ممّا ليست من أفراد تلك المفاهيم في نظر الشارع ، وبعض الأفراد التي نحن معزولون عنها أفراد لها ، كبيع (7) المعاطاة المفيد للملك عندهم مع عدم اعتداد الشارع به في الشرع على القول بذلك ؛ إذ لا يعقل من الملكية إلاّ تعلّق خاصّ بين المالك والمملوك ، وليس المفهوم منها إلاّ حقيقة واحدة فإنّها من المشتركات المعنوية ، ولا يحتمل أن يكون الملكية مشتركة بين الملكية

ص: 167


1- « ز ، ك » : من.
2- عرفت في ص 161.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : لا يخلو ... يكون.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون.
5- « ز ، ك » : - هي.
6- « ز ، ك » : - على.
7- « ز ، ك » : - كبيع.

الشرعية والعرفية اشتراكا لفظيا ، فإذا قال الشارع : « إنّ العقد - مثلا - مملّك » فذلك لا بدّ أن يكون إخبارا بحصول الملك لا إنشاء لحصوله (1). وعلى قياسه الزوجية والرقّية والحرّية والضمان ونحوها ، ومنه أيضا الطهارة والنجاسة بناء على تفسيرهما بالقذارة والنظافة ، فإنّ الظاهر الشرعي فيه نظافة لا يصل إليه عقولنا كالقذارة الشرعية ، فهي إذن أمور واقعية قد (2) كشف الشارع عن وجودها في الواقع ، ولا دخل للجعل فيها إلاّ باعتبار أنّه تعالى خالق كلّ شيء وهو جاعل الظلمات والنور ، فاستناد هذه الأشياء إليه تعالى كاستناد سلسلة الممكنات إليه تعالى بأجمعها على وجه لا يعزب عنه ذرّة لا في السماء ولا في الأرض.

وأمّا على الثاني : فلأنّها أيضا اعتبارات واقعية قد كشف الحكيم المطّلع على الواقع عنها ، فإنّ الحدث هي حالة واقعية حادثة بعد حصول أسبابها من شأنها عدم جواز الدخول معها في العبادة المشروطة بعدمه ، وكذا الجنابة فإنّها أيضا أمر واقعي ، غاية الأمر أنّ العرف لقصور نظرهم عن إدراك ما هو ثابت في الواقع لا يلتفتون إليها ، ولذلك بيّنها (3) الشارع الحكيم بمفهومها ومصداقها وما يترتّب عليها من أحكامها ، وذلك لا يقضي (4) بجعل منه فيها ، فإنّ الجنابة صفة للمكلّف فكيف يعقل أن يكون بجعل الشارع وإنشائه تكليفا وإن كان من منشآت الشارع تكوينا؟

ثمّ إنّ ما ذكرنا في الطهارة والنجاسة من كونهما حقيقتين من الحقائق العرفية (5) هو المطابق لبعض ظواهر الأدلّة كما استوفيناها في محالّها ، ويكفي في ذلك شاهدا ملاحظة قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ [ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ] فَاجْتَنِبُوهُ ) (6) حيث إنّ الأمر بالاجتناب بعد إحراز كونه رجسا ، فهو متفرّع عليه ، وهو

ص: 168


1- « ج ، م » : لحصول الملك.
2- « ز ، ك » : - قد.
3- « م » : نبّهنا.
4- « ج » : لا يقتضي.
5- « ج ، م » : + هذا.
6- المائدة : 90.

الذي يوافقه قواعد العدلية من تبعية الأحكام للصفات. وقد يظهر من الشهيد في القواعد (1) : أنّ النجاسة صفة انتزاعية من الأمر بوجوب الاجتناب عن العين التي ننتزع (2) منه تلك الصفة بعد الأمر ، فجعلها عبارة عن (3) إيجاب الشارع الاجتناب عن الشيء للاستقذار أو الاستنفار. ولعلّ مراده من الأوّل هو القذارة في البول ، ومن الثاني هو النفرة في الكفّار مثلا.

وبالجملة : فعلى هذا فالأمر أظهر ، ولك أن تقول بجريان هذا الكلام في مثل الملكية والزوجية ؛ لرجوع الأوّل إلى إباحة التصرّف في الأموال ، والثاني في الفروج ، فكون الشيء بحيث يجوز فيه التصرّف المالي عبارة عن الملكية ، وعلى هذا القياس يقال في غيرها.

فإن قلت : إنّ جعل الطلب وإنشاءه على وجه التعليق بوقت أو التقييد بوجود شيء أو عدمه جعل للسببية أو الشرطية أو المانعية ، وكذا جعل المطلوب مركّبا جعل للجزئية ، فلا وجه لإنكار جعل هذه الأمور.

قلت : أمّا تعليق الطلب فليس إلاّ إنشاء للطلب المعلّق لا إنشاء للسببية كما هو ظاهر ، وإنّما يصحّ بعد ذلك انتزاع السببية لإيراث الطلب الكذائي استعدادا للمحلّ. وأمّا تقييده بأمر وجودي أو عدمي فليس تعلّق الطلب بالشيء مع تصوّره ببعض أوصافه وأحواله ، وليس يلزم من التصوّر المذكور جعل ولا إنشاء ، بل إذا لحق المتصوّر المذكور طلب وحكم من الأحكام التكليفة يستأهل لأن ينتزع منه الأمور المذكورة ، ومن هنا تعرف ضعف المقالة المتداولة بينهم من أنّ الصلاة من المخترعات الشرعية ؛ إذ لا اختراع هنالك (4) ولا إبداع إلاّ لمجرّد الطلب المتعلّق بعدّة أمور متناسبة في الواقع لا نعلمها.

ص: 169


1- القواعد والفوائد 2 : 85.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : ينتزع.
3- « ز ، ك » : من.
4- « ك » : هناك.

الوجه الثاني من الوجهين (1) : أنّ الأمور التي يتوهّم كونها أحكاما وضعية من الخمسة المعروفة أو مع زيادة العلّة والعلامة والرخصة والعزيمة ، غير قابلة للجعل بالأصالة ؛ لأنّها من الأمور المنجعلة بذواتها بعد تعلّق الجعل الأصيل (2) بمحالّها ، فتعلّق الجعل بها ثانيا تحصيل للحاصل واستحالته ضرورية فطرية.

أمّا الأوّل : فقد عرفت فيما تقدّم أنّ كلّ واحد من هذه الأمور اعتبار عقلي منتزع عن أمر جعلي شرعي بحسب اختلاف مراتب المجعول الشرعي التابع لاختلاف المصالح الداعية إلى الجعل (3) والطلب على وجه خاصّ وجهة مخصوصة ، فقد تقضي (4) المصلحة باعتبار زمان أو مكان أو آلة مخصوصة أو فاعل خاصّ على حالتي الاجتماع مع الغير أو الافتراق ، مقدّما أو مؤخّرا ، مرتّبا أو غير مرتّب ، إلى غير ذلك من وجوه اختلافات (5) الكيفيات المكتنفة بالأفعال التي هي موارد للطلب ومحالّ للجعل التكليفي ، فبحسب اختلاف هذه (6) الكيفيات ينتزع العقل هذه الأوصاف ، وهذا أمر في غاية الظهور ، والعجب من بعض الأجلّة (7) حيث إنّه قد بالغ في ذلك مبلغه مع وضوحه.

وأمّا الثاني : فظاهر لا حاجة إلى بيانه وتوضيحه ، مضافا إلى أنّ الجعل لا بدّ من قيامه بالجاعل ؛ لأنّه من الأمور الصادرة عنه ، فهو من قبيل أفاعيله كالضرب للضارب والقتل للقاتل ، ولا ريب في قيام هذه الأوصاف بغير الجاعل ؛ لقيام السببية بالدلوك والجزئية بالسورة والشرطية بالطهارة والمانعية بالحدث ، فكيف يمكن أن يكون هذه الأمور مجعولة؟ وذلك يصحّ في التكليفيات فإنّ الإباحة فعل المبيح ، وتعلّق الأحكام التكليفية بالغير كتعلّق الوجوب بالصلاة أو الحرمة بالخمر غير مضرّ فيما نحن بصدده ؛ لأنّ الإيجاب عند التحقيق عين الوجوب ذاتا وإن تغايرا (8) اعتبارا

ص: 170


1- تقدّم الأوّل منهما ص 163.
2- « ج » : الأصلي.
3- « ز ، ك » : للجعل.
4- « ج » : تقتضي.
5- « ج » : اختلاف.
6- « م » : - هذه.
7- الفصول : 336.
8- « ج ، م » : وإن تغايره.

بمعنى أنّ الموجود في الخارج ليس إلاّ شيئا واحدا (1) يسمّى إيجابا بملاحظة صدوره عن الفاعل ووجوبا باعتبار تعلّقه بالقابل ، فالوجوب هو الطلب ذاتا لا اعتبارا.

فإن قلت : التسبّب كالإيجاب متّحد مع السببية ، فهو قائم بالجاعل ، وقيام السببية بالغير غير مضرّ كما في الوجوب.

قلت : إن أريد من التسبّب بيان كون الشيء متّصفا بالصفة المذكورة فذلك أمر مسلّم ولا ضير فيه ؛ لأنّ البيان ولو كان في هذه الأمور غير خارج عن وظيفة الشارع. وإن كان المراد إحداث السببية وإبداعها وإيجادها ، فهو أمر غير معقول إلاّ برجوعه إلى حكم تكليفي ، وعند ذلك فحصول السببية قهري فلا يحتاج إلى أن يصير موردا للجعل بالأصالة ، نعم يصحّ استناد الجعل إلى هذه الأمور مجازا ؛ لكونها مجعولات بالتبع ، كما في إسناد الجعل (2) التكويني إلى لوازم الماهيات المجعولة جعلا تكوينيا أصالة على القول بذلك ، فإسناد الجعل إلى الحرارة اللازمة لماهيّة النار في الخارج ، أو إلى الزوجية اللازمة للأربعة ، وإن كان صحيحا باعتبار أنّها مجعولة بواسطة تعلّق الجعل بملزومها إلاّ أنّه إسناد مجازي كما هو ظاهر (3) - (4).

بقي الكلام فيما أورده بعض الأعيان من المعاصرين (5) على المحقّق الخوانساري فيما أورده من التحقيق من رجوع الأحكام الوضعية إلى التكليفية كما نقلناه في أوّل الهداية ، فنقول : أمّا ما أورده من لزوم انحصار الأحكام في الثلاثة ، ففساده ظاهر ؛ لأنّ المناط ليس على مجرّد إمكان رجوع البعض إلى آخر ، بل المناط عدم الحاجة إلى الجعل وامتناعه ، فإن أراد الامتناع كما هو المناط في التحقيق المذكور فسقوطه في غاية

ص: 171


1- في النسخ : شيء واحد.
2- « ز ، ك » : - الجعل.
3- « م » : - كما هو ظاهر.
4- في هامش النسخ ما عدا « ج » : ( و « م » ) لا يخفى ما في المقام من الطفرة ، فتأمّل. « منه »
5- هو الكلباسي في اشارات الأصول كما تقدّم في ص 159.

الظهور ، وإن أراد مجرّد الرجوع فليس من محلّ الكلام في شيء.

وأمّا ما أفاده من قيام الضرورة باختلاف حرمة الخمر ومانعيته للصلاة ، فهو في غاية الجودة إلاّ أنّه لا يجديه شيئا ؛ لما عرفت من أنّ دعوى الاتّحاد بين المفهومين محال (1) بالضرورة ، ولكن أحدهما يمكن أن يكون منتزعا من الآخر من غير أن يكون مجعولا بالأصالة.

وأمّا جريان التكليف بما لا يطاق في الوضعي دون التكليفي ، ففيه : أنّ الوجه في ذلك - كما ستعرف - عدم تنجيز (2) الوضعي ، ومع ذلك فالتكليفي التعليقي يجري فيه التكليف بما لا يطاق كما عليه إطباق أهل التخطئة كما هو الصواب.

وأمّا ما أورده من تخلّف الوضعي عن التكليفي في بعض الأحيان كضمان الصبيّ وجنايته فإنّه ليس في حقّه حكم تكليفي حتّى يقال بصحّة انتزاعه منه ، ففيه : أنّ الحكم التكليفي الذي هو منشأ لانتزاع الوضعي لا يجب أن يكون منجّزا ، بل يكفي في انتزاعه منه وجوده ولو معلّقا. فإن أراد انتفاءه في حقّ الصبيّ مطلقا ولو كان (3) معلّقا ببلوغه أيضا ، فهو ظاهر الفساد ، وإن أراد انتفاءه (4) منجّزا فهو مسلّم ، ولكنّه لا يجديه شيئا ، مع إمكان القول بالخطاب الفعلي لوليّه أيضا ، فتدبّر في الغاية وتأمّل في النهاية تهتدي إلى الحقّ.

تنبيه

يمكن ظهور ثمرة الخلاف بين القولين في موردين : الأوّل : جريان الأصل عند الشكّ في الشرطية والجزئية على القول بالثبوت دون القول بالنفي ، فإنّه على القول بكونها مجعولات متأصّلة مستقلّة يصحّ القول بجريان أصالة عدم الجزئية والشرطية ، وهي

ص: 172


1- « ج ، م » : محالة.
2- « ك ، ج » : تنجّز.
3- « ز ، ك » : - كان.
4- « ج » : ببقائه.

واردة على قاعدة الاشتغال. وأمّا على القول بأنّها أمور انتزاعية فلا وجه لإجراء الأصل المذكور فيها ؛ إذ لا يختلف الجعل على تقدير الجزئية وعدم الجزئية (1) ، لأنّ المجعول أمر واحد ، غاية الأمر اختلاف قيوده. اللّهمّ إلاّ أن يجري الأصل في تعلّق نظر الطالب إلى المشكوك ، فتدبّر.

ولكن هذا بالنسبة إلى شرط الواجب وجزئه ، وأمّا إذا شكّ في شرط الوجوب كاشتراط وجوب الحجّ بقدر الكفاية بعد الرجوع ، فيمكن أن يكون النزاع المذكور أيضا مثمرا ؛ لأصالة عدم الجعل ، وأمّا بناء على القول به (2) فلا بدّ من الرجوع إلى البراءة فيهما.

الثاني : إذا رجع المجتهد عمّا ذهب إليه سابقا ، كما إذا رأى جواز العقد على الباكرة (3) بدون إذن وليّها ، ثمّ رجع واعتقد عدم الجواز ، أو اعتقد جواز العقد بالفارسية ، ثمّ اعتقد خلافه بعد إيقاع العقد في الموردين منه ، فعلى القول بأنّ الزوجية والملكية من الأمور المتأصّلة المجعولة للشارع فيمكن القول بأنّ الرجوع لا يؤثّر فسادا في العقود السابقة كما لا يؤثّر عزل الوكيل في فساد ما عمله حال الوكالة ، فإنّ التأثير في السابق حين ثبوت الوصف حاصل ولا وجه لانتفائه ، بل لا يعقل انتفاؤه بعد وقوعه ، وعلى القول بكونها أمورا انتزاعية من الخطاب التكليفي فثبوتها موقوف على ثبوت الخطاب ، وثبوت الخطاب دائر مدار الرأي الفعلي ، فجواز التصرّف في المال ينتفي بانتفاء الخطاب كما هو ظاهر.

وأمّا ما يستفاد من الكلام المنقول في السابق - من ثبوت الثمرة في جريان التكليف بما لا يطاق في الحكم الوضعي وعدم جريانه في الحكم التكليفي واشتراط العلم والقدرة في التكليفي دون الوضعي - فقد ظهر ضعفه ممّا مرّ على وجه لا يحتاج إلى

ص: 173


1- « ك » : عدمها.
2- « ج ، م » : - به.
3- « ج » : البكر.

تضعيفه ، وقد يقال أيضا : إنّ لازم القول بإنكار الوضعيات إنكار شرطية الستر للصلاة بالنسبة إلى الغافل ، وليس بشيء.

وإن شئت توضيح الحال فنقول : نحن معاشر المنكرين للأحكام الوضعية والقائلين بأنّها أمور انتزاعية ، لا يجب عندنا أن يكون محلّ انتزاع هذه الأمور خطابا فعليا متعلّقا بالمكلّف في الحال حتّى يصحّ القول بتحقّق الثمرة في الأمور المذكورة ، بل يكفي عندنا في الانتزاع وجود الخطاب التعليقي ، فالضمان في الصبيّ ليس منتزعا من الخطاب الفعلي ، بل من الخطاب التعليقي بمعنى أنّه لو بلغ يجب عليه كذا ، وهذا الخطاب ينتزع منه الضمان ، وكذا شرطية الستر تنتزع من الخطاب المتوجّه إلى المصلّي على تقدير الالتفات وعدم الغفلة ، مضافا إلى أنّا نقول : إنّ (1) المراد من نفي الوجوب بالنسبة إلى الغافل إن كان نفي الوجوب الواقعي ففساده ظاهر ؛ لثبوت الأحكام الواقعية على تقدير الغفلة أيضا ولذلك لا يحتاج إلى إيجاد خطاب آخر ، وإن كان المراد نفي الوجوب الظاهري فمسلّم إلاّ أنّ الشرطية أيضا منفيّة في مرحلة الظاهر ؛ ضرورة عدم تعلّق الشرطية مع فرض انتفاء الخطاب المفيد لها (2) ، فتدبّر يظهر لك الحال (3).

ص: 174


1- « ز ، ك » : من أنّ.
2- « م » : لهما.
3- « ج ، م » : - فتدبّر يظهر لك الحال.

هداية [ في اعتبار الاستصحاب عند الشكّ في عروض القادح ]

ذهب (1) المحقّق السبزواري (2) إلى اعتبار الاستصحاب عند الشكّ في عروض القادح دون غيره من الأقسام المذكورة مستندا في ذلك إلى عدم صدق الروايات في غيره حيث إنّ المنهيّ عنه فيها نقض اليقين بالشكّ ، ولا يصدق ذلك إلاّ فيه ؛ إذ النقض عند الشكّ في قدح العارض أو فردية شيء له إنّما يستند إلى وجود ما يحتمل مانعيته لا إلى الشكّ نظرا إلى ما هو المقرّر عندهم عادة من استناد المعلول إلى علّته التامّة أو الجزء الأخير منها ، وهو في غيره ليس شكّا ؛ لتقدّم الشكّ في غيره وتأخّره فيه.

واعترضه جماعة - أوّلهم السيّد في شرح الوافية - : بأنّ الشكّ وإن كان مقدّما في الشكّ (3) في المانعية نوعا إلاّ أنّ النقض غير مستند إليه في استصحاب القوم ، بل إنّما يستند إلى الشكّ الشخصي المؤخّر عن وجود ذلك الشيء.

وفيه : أنّ الشكّ هذا بخصوصه كان موجودا قبل ولم تحصل حالة ثانوية للمكلّف عند حدوث المذي ، كيف وهو من الأفراد التي حكم عليها بذلك؟

وتفصيل هذا المقال وتوضيح هذا الإجمال هو أن يقال : إنّ مقصود المحقّق المفصّل هو أنّ الشكّ في استصحاب القوم إنّما يقارن اليقين السابق ، بل ربّما يكون مقدّما عليه ؛

ص: 175


1- « ز ، ك » : قد ذهب.
2- انظر الذخيرة : 116.
3- « ز ، ك » : - في الشكّ.

إذ الشكّ في انتقاض الطهارة بخروج المذي حاصل حين اليقين بالطهارة أيضا ، فتحصل (1) عند المكلّف قضيّة كلّية واقعية قائلة بأنّ كلّ فرد من أفراد المذي مشكوك الناقضية مثلا ، ولا شكّ أنّها قضيّة (2) حقيقية لا خارجية ، فيعمّ الحكم الأفراد المحقّقة والمقدّرة ، فكما أنّ الحيوانية في قولنا : « كلّ إنسان حيوان » يعمّ جميع أفراد الموضوع على وجه يحكم بحيوانية زيد بعد وجوده بتلك الحيوانية التي حكمنا بها على الإنسان لا بحيوانية غيرها ، فكذلك الشكّ الحاصل في ناقضية المذي الخاصّ إنّما هو بعينه هو الشكّ المحمول على المذي في القضيّة المفروضة ، وإنّما حصل في المقام متعلّق هذا الشكّ على وجه التفصيل (3) عن (4) الكلّي. ألا ترى أنّه لو فرض علمنا بقيام زيد في الغد قبل حضوره فعنده لا يحصل لنا حالة إدراكية عدا ما كان لنا قبل كما لا يخفى.

ومن هنا يظهر أنّ ما احتاله (5) بعض الأجلّة (6) في الجواب المذكور تبعا لغيره من تقدّم الشكّ التقديري دون الفعلي ، ممّا لا يجديه ، وهل هذا إلاّ كرّ على ما فرّ؟ لما عرفت من عدم حدوث حالة ثانوية بعد خروج المذي ، فتدبّر.

والتحقيق في الجواب هو أن يقال : إنّ نقض اليقين إنّما هو بالشكّ في تمام الموارد المفروضة ، ولا يجوز عند العقل نقض اليقين بغير الشكّ أو اليقين بخلافه ؛ إذ لا ارتباط بين اليقين بوجود الطهارة ووجود المذي حتّى يمكن انتقاضه بوجود المذي ، فإنّه حالة نفسانية ولا دخل للامور الخارجية فيه إلاّ إعدادها لانتقاض اليقين بالشكّ ؛ إذ نقض اليقين ليس إلاّ رفعه ، ورفعه إمّا بيقين مثله على خلافه أو لعدم العلم به والتردّد ، فلا نقض في جميع الصور المفروضة إلاّ بالشكّ ، ولهذا ترى الانحصار في قول أبي جعفر عليه السلام : « وإنّما ينقضه بيقين مثله » (7) إذ لا يسبق وهم إلى انتقاض اليقين بيقين غيره على

ص: 176


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : فيحصل.
2- « ز ، ك » : ولا شكّ في الناقضية.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الفضل.
4- « ز ، ك » : من.
5- « ز ، ك » : احتمله.
6- الفصول : 372.
7- تقدّم في ص 88.

شيء آخر غير مباين للمتيقّن أوّلا كما لا يخفى.

وإن أبيت عن ذلك فنقول في الجواب : إنّ المعيار في استصحابه على ما يستفاد من كلامه هو تأخّر زمان الشكّ عن زمان اليقين على وجه يستند الانتقاض إليه ، ومن الظاهر تخلّفه عن مطلوبه ؛ إذ النسبة بين الدليل والمدّعى هو العموم من وجه ؛ لأخصّية المدّعى عن الدليل فيما إذا حدث الشكّ باعتبار أمر خارجي عند الشكّ في قدح العارض كما إذا رأينا رطوبة مشتبهة بين كونها ماء أو بولا مثلا ، بل وإذا كان الشكّ في الحكم الكلّي أيضا كما إذا احتملنا مانعية حادث لم يكن قبل - ولو (1) بحسب (2) نوعه - موجودا كالمذي - مثلا - لو فرضنا حدوثه في اليوم ، أو فيما إذا فرض عدم الالتفات إليه بوجه على تقدير وجوده أيضا ، وأخصّية الدليل عن المدّعى فيما لو كان الشكّ متقدّما أو مقارنا لزمان اليقين عند الشكّ في طروّ العارض ، كما إذا حدث الشكّ بخروج البول في الغد عند اليقين بالطهارة في اليوم ، فعند حضور الغد يشكّ في بقاء الطهارة بواسطة الشكّ في طروّ المانع ، فيستصحب الطهارة السابقة مع تقدّم الشكّ على زمان اليقين أو تقارنه له ، وذلك ظاهر.

وقد يتمسّك في دفع التفصيل المذكور بأنّ مورد الرواية من الأقسام التي لا يقول به فيها ، فإنّ الخفقة والخفقتين ممّا شكّ في اندراجهما تحت ما علم مانعيته. وفيه : أنّ ذلك ليس من موارد الاستصحاب في الرواية ، ولهذا ترى الإمام عليه السلام أجابه بدليل اجتهادي مبيّن للواقع وقال : « يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب » نعم (3) لا يبعد دعوى ذلك بالنسبة إلى قوله : « فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم به » بناء على أن يكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في اندراج فرد تحت مفهوم معلوم المانعية ، ولكن ربّما يمنع عن ذلك أيضا فيقال بأنّ الشكّ إنّما هو من الشكّ في وجود المانع ، حيث إنّ السؤال إنّما هو من

ص: 177


1- « ز » : - لو. « ك » : - ولو.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : تحت.
3- « ج » : « و » بدل « نعم ».

وصول تلك الحالة إلى حالة النوم كما لا يخفى.

وقد يجاب عنه أيضا بأنّ الظاهر من الروايات عدم الاعتداد بالشكّ في حال من الحالات والأخذ بالحالة السابقة وعدم نقض اليقين إلاّ بيقين آخر ، ولا يضرّ في ذلك سبق الشكّ أو لحوقه ؛ ضرورة صدق الاعتداد بالشكّ عند التردّد في مانعية شيء موجود لو لم يؤخذ بالحالة السابقة ، وقد منع الشارع منه في الروايات المتقدّمة ، ومرجعه إلى دعوى إطلاق الأخبار أو عمومها لجميع (1) الأقسام. وهو غير بعيد ، إلاّ أنّ المعتمد في الجواب هو ما قدّمنا.

وقد ينسب إلى المفصّل المذكور (2) التفصيل بين الأحكام والموضوعات أيضا فقال بالعدم في الثاني وبه في الأوّل ، ولم يظهر لنا أنّ التفصيل المتقدّم إنّما هو بعد إخراج الموضوعات كما يظهر من المحقّق الخوانساري في الحاشية المنقولة فيما تقدّم (3) ؛ إذ لا دخل لأحد التفصيلين بالآخر.

وكيف كان ، فقد يتوهّم تعاكس هذا التفصيل (4) لما ذهب إليه الأخباريون ، وليس بإطلاقه على ما ينبغي ؛ إذ يحتمل أن يراد بالموضوعات في مقابل الأحكام وجريان الاستصحاب فيها دونها أن يكون (5) المستصحب هو الموضوع الخارجي كحياة زيد أو عدالة عمرو ، ونحوها كما هو الظاهر بملاحظة سياق العبارة المنقولة في الحاشية.

ويحتمل أن يراد بها الأحكام الجزئية الشرعية التي منشأ الشبهة فيها هي الشبهة في الأمور الخارجية كالطهارة المتعلّقة بثوب خاصّ باعتبار الشكّ في نجاسة البلل الواقع فيه.

فعلى ثاني الاحتمالين يصير القولان متعاكسين ، وعلى الأوّل فلا عكس له في

ص: 178


1- « ز ، ك » : بجميع.
2- انظر ص 62.
3- تقدّم في ص 136 - 138.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : التفصيل هذا.
5- « ك » : وأن يكون.

الأقوال المعروفة.

والمشهور في مستند القول المذكور هو عدم شمول أخبار الباب لها بواسطة أنّ بيانها ليس من وظيفة الشارع ، فإن أراد بها الأحكام الجزئية قبالا للأخبارية ، فمحجوج بموارد الروايات المتقدّمة فإنّها بأجمعها واردة في مقام بيان تلك الأحكام ، وإن كنت في ريب منها فراجعها.

وإن أراد بها نفس الأمور الخارجية كما استظهرناه ، فالجواب عنه تارة بالنقض بالأحكام الجزئية التي وردت الروايات في بيانها ، فإنّ الشارع ليس من وظيفته بيان نجاسة الثوب الخاصّ الذي يشكّ (1) فيها بواسطة الاشتباه فيما لاقاه ، كما أنّه ليس من وظيفته بيان بقاء الرطوبة إلى غاية كذائية.

وأخرى بالحلّ وهو أنّ للموضوع الخارجي جهتين : إحداهما : بيان نفسه من غير تعرّض بشيء من أحكامه ، كأن يبيّن أنّ زيدا - مثلا - موجود أو (2) أنّ البلل الواقع في الثوب الفلاني ماء أو غير ذلك ، والثانية : بيان حكمه إمّا واقعا إذا كان الموضوع للحكم هو نفس الموضوع من غير ملاحظة الجهل ، وإمّا ظاهرا فيما إذا كان الموضوع مشتبه (3) الحكم مثلا ، وما دارت عليه الألسن من أنّ شأن الشارع ليس بيان الموضوعات إنّما هو بالنسبة إلى الجهة الأولى لا الثانية ، فإنّها في الحقيقة راجعة إلى حكم كلّي في قضيّة كلّية تندرج الموضوعات الجزئية الخاصّة في موضوعها ، فإنّ الشارع قد بيّن بعموم قوله : « لا تنقض » حكم الموضوع المشتبه ، وليس هذا من بيان الموضوع في شيء ؛ إذ كما أنّه لا يسبق وهم إلى أنّ بيان حكم كلّي الخمر (4) بيان للموضوع ، فكذلك لا ينبغي أن يرتاب في أنّ القول بلزوم الأخذ بالحالة السابقة وترتيب آثارها على المشكوك عند الشكّ ، كما هو مفاد قوله : « لا تنقض » بيان للموضوع الخارجي.

ص: 179


1- « ج ، م » : شكّ.
2- « ز ، ك » : و.
3- « م » : مشتبهة.
4- « ز ، ك » : كالخمر.

فالتفصيل المذكور في غاية السقوط ، ألا ترى أنّ الشارع قد جعل للموضوع المشتبه أمورا أخر غير الاستصحاب كاليد والسوق والبيّنة ونحوها ، وليس أمثال ذلك من بيان الموضوع في شيء ، بل إنّما هو حكم كلّي متعلّق بموضوع كلّي منطبق على جزئياته كالنجاسة للخمر الحقيقي ، فلا فرق بين القضيّة الحاكمة بنجاسة الخمر والقائلة بحلّية ما يوجد في سوق المسلم عند الاشتباه ، سوى الاشتباه كما لا يخفى على المتدبّر.

فإن قلت : إنّ المستفاد من أخبار الاستصحاب مجعولية المستصحب في مرحلة الظاهر ، كما إذا شكّ في فورية الخيار - مثلا - عند علم المشتري بالغبن أو العيب أو في وجوب شيء بعد ثبوته في الحالة السابقة ، فإنّ المستفاد من قوله : « لا تنقض » هو أنّ الشارع قد جعل في مرحلة الظاهر وجوبا ظاهريا عند الشكّ في البقاء وعدمه كما جعل حكما واقعيا قبل الشكّ ، ولا ريب أنّ الجعل الظاهري ممّا لا يتعقّل في الموضوعات الخارجية دون الأحكام ، فإنّها أمور واقعية لا مدخل لجعل الشارع فيها ، بخلاف الأحكام ؛ إذ ليس لها واقع إلاّ طلب الشارع على اختلاف الموارد ، فتارة إيجابا ، وأخرى استحبابا ، ومرّة تحريما ، ونوبة تنزيها ، كما لا يخفى ، فيمكن الجعل فيها كما هو مفاد الأدلّة ، فينحصر مورد الأخبار المذكورة في الأحكام.

قلت : قد عرفت فيما تقدّم آنفا (1) أنّ معنى قوله : « لا تنقض اليقين » هو وجوب الأخذ بالحالة السابقة وإجراء الأحكام المترتّبة على المتيقّن عليه عند الشكّ ، وليس للجعل فيه عين ولا أثر ، ووجوب الأخذ بالأحكام في الموضوعات معناه ترتيب آثارها عليها ، ففيما إذا شكّ في حياة زيد بعد العلم بها لا بدّ من الحكم بحرمة زوجته (2) على غيره ووجوب إنفاقه لها ونحو ذلك ، وفي الأحكام أيضا معناه هو وجوب الإتيان

ص: 180


1- « ز ، ك » : - آنفا.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « زوجتها ».

بالصلاة عند الشكّ فيه وجواز فسخ المشتري عند الشكّ في بقاء الخيار ، ولا يختلف في ذلك شيء من الحكم والموضوع عدا ما لا مدخل (1) للرواية فيه وهو قبول الوجوب المستصحب للجعل (2) وإمكانه فيه وعدم قبول الموضوع الخارجي لذلك ؛ إذ لا تنافي في قول القائل (3) عند استصحاب الوجوب : إنّه وجوب ظاهري ، مع ظهوره في قولنا : الحياة الظاهرية أو الوجود الظاهري كما لا يخفى ، ومن المعلوم أنّ هذا ممّا لا يقضي (4) بانحصار مورد الأخبار في الأحكام.

فإن قلت : فإذا كان معنى حجّية الاستصحاب في الموضوعات هو الأخذ بأحكامها ، فيرجع النزاع في حجّية الاستصحاب فيها لغوا ؛ لإمكان استصحاب نفس تلك الأحكام والآثار.

قلت : أمّا اوّلا : قد يكون هناك أمور غير موجودة حالة اليقين بوجود الموضوع وأحكام غير محمولة عليه فعلا ، كما إذا كان معلّقا بوجود شيء ، أو حضور زمان كوجوب الفطرة المشروط (5) بحضور زمان العيد ، ونحو ذلك ، فعند الشكّ في وجود زيد وقت حضور زمان العيد لا يمكن استصحاب وجوب الفطرة ؛ لعدم وجودها قبل ، فلا يعود النزاع (6) عبثا.

لا يقال : يكفي في الاستصحاب في مثل ذلك (7) وجودها تقديرا ، كأن يقال : إنّ الفطرة كانت بحيث لو حضر زمان العيد واجبة ، ونشكّ في وجوبها بعد ، فيستصحب ذلك الوجوب التقديري ، وبعد فرض تحقّق التقدير فلا بدّ من الأخذ بوجوبها كما في غيرها من موارد الاستصحاب.

ص: 181


1- « ز ، ك » : دخل.
2- « ز ، ك » : للجهل.
3- « ز » : لا تنافي القول القائل ، وفي « ك » : تنافي لقول القائل.
4- « ج » : لا يقتضي.
5- « ز ، ك » : المشروطة.
6- « ز ، ك » : فلا لغو والنزاع.
7- « ج ، م » : + هو.

لأنّا نقول : هذه قضيّة انتزاعية وليست من الأحكام الشرعية ، فهي ملحقة بالموضوعات التي لا حاجة إلى استصحابها على زعم الخصم كما لا يخفى ، مضافا إلى أنّ في الاستصحاب (1) التقديري كلاما ستعرفه (2) إن شاء اللّه (3) ، مع إمكان فرض (4) المثال على وجه لا يجري فيه الاستصحاب التعليقي (5) كعدم التزكية المترتّب عليه النجاسة ، فافهم.

وأمّا ثانيا : إنّ الاستصحاب في الآثار والأحكام من دون استصحاب الموضوع ممّا لا يعقل بعد الشكّ في وجوده ؛ إذ الموضوع في الاستصحاب - كما ستعرف تحقيقه (6) إن شاء اللّه (7) - لا بدّ من العلم بوجوده والمفروض في المقام كونه مشكوكا ، واستصحابه يغني عن استصحاب الأحكام ؛ إذ معناه ترتيب تلك الأحكام ، بل لا يعقل ؛ لانتفاء الشكّ فيه ، وفرض العدم كما في صورة تعدّد الأدلّة ممّا لا يجدي في المقام ، لتحقّق مورد الاستصحاب عند تعدّد الأدلّة بعد فرض العدم وارتفاعه بعد فرض عدم الاستصحاب في المقام كما لا يخفى.

ص: 182


1- « ج ، م » : استصحاب.
2- « ج ، م » : ستعرف.
3- « ز ، ك » : - إن شاء اللّه.
4- « ز ، ك » : وفق.
5- « ج » : العدمي.
6- ستعرف في هداية تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع ص 375.
7- « ز ، ك » : - إن شاء اللّه.

هداية [ في التفصيل بين الأحكام الكلّية والأحكام الجزئية ]

قد ينسب إلى الأخباريين التفصيل بين الأحكام الكلّية الشرعية والأحكام الجزئية التي منشأ الاشتباه فيها الموضوعات الخارجية ونفس تلك الأمور ، فقالوا بالحجّية في الأخيرين ، وبعدمها في الأوّل ، فكما أنّ أرباب التفصيل المتقدّم قد أفرطوا فهؤلاء قد فرّطوا كما لا يخفى ، وقد مرّ (1) التنبيه على عدم التعاكس بين التفصيلين كما زعمه المحقّق القمي رحمه اللّه (2).

ثمّ إنّ هذا التفصيل منهم مبنيّ على أصلهم من أنّ المرجع في الأحكام الكلّية الشرعية عند الجهل والشكّ إلى الاحتياط ، بخلاف الموضوعات كما في أصالة البراءة على ما مرّ تفصيل الكلام فيها ، فلا عبرة بالحالة السابقة ولو كان موافقا للاحتياط فكيف بما إذا كان مخالفة (3).

وقد تعرّضوا للجواب عن أخبار الاستصحاب تارة بالمعارضة لأخبار الاحتياط ، وأخرى بعدم شمولها للأحكام الكلّية الشرعية. ولهم في بيان الثاني طريقان :

الأوّل (4) : ما أفاده الشيخ الجليل البارع (5) رئيس جهابذة (6) الأخبارية في محكيّ

ص: 183


1- مرّ في ص 62.
2- « ج ، م » : - رحمه اللّه.
3- كذا في النسخ ، ولعلّ الصواب : ولو كانت موافقة ... كانت مخالفة.
4- سيأتي الثاني منهما في ص 188.
5- « ز ، ك » : - البارع.
6- « ز ، ك » : - جهابذة.

الفوائد الطوسية ، قال (1) - بعد قول المصنّف (2) : « ولا تنقض اليقين بالشكّ » - : أقول : هذا إنّما يدلّ على حجّية الأصل بمعنى الاستصحاب لا بمعنى أصالة (3) الإباحة ، ولا دلالة له على الاستصحاب في الحكم الشرعي ، بل هو مخصوص باستصحاب الحالة السابقة التي ليست من نفس الأحكام الشرعية ، سواء كانت مخالفة للأصل أم موافقة له (4) ، مثلا إذا تيقّن الإنسان أنّه توضّأ ثمّ شكّ في أنّه أحدث وبالعكس ، أو تيقّن دخول الليل ثمّ شكّ في طلوع الصبح (5) وبالعكس ، أو تيقّن وقوع العقد ثمّ شكّ في التلفّظ بالطلاق ، أو تيقّن في وقوع الطلاق ثمّ شكّ في الرجعة أو في تجديد العقد ، أو تيقّن طهارة ثوبه ثمّ شكّ في ملاقاة البول له ، أو نحو ذلك ممّا ليس من نفس الأحكام الشرعية وإن ترتّب عليه بعضها ، فإنّ هذه الأشياء لا تحتاج (6) إلى نصّ ، وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق (7) ؛ لأنّ المكلّف لا يمكنه الرجوع في هذه الأشياء إلى المعصوم ، وإذا رجع إليه فإنّه لا يعلم الغيب كلّه ، وهل يتصوّر عاقل أن يقول للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : أخبرني لما أحدثت بعد وضوئي ، وهل خرج منّي منيّ (8) بعد الغسل؟ وهل طلّقت زوجتي أم لا؟ ولمّا اقتضت الحكمة لرفع (9) الحرج والمشقّة أن ينصّ الشارع على العمل في هذه الأشياء التي ليست من الأحكام الشرعية بقواعد كلّية من أصل واستصحاب ونحوهما على تفصيل يستفاد من النصّ المذكور في محلّه ، حكم العامّة بمساواة الأحكام الشرعية الإلهية لتلك الأمور الدنيّة (10) الدنيوية ، بناء على أصلهم من حجّية القياس.

ص: 184


1- « ز ، ك » : - قال.
2- كذا في النسخ ، والصواب « المعاصر » لأنّه كان في مقام ردّ قول بعض معاصريه. كما سيأتي التصريح به في أواخر كلامه.
3- في المصدر : الأصالة.
4- « ز ، ك » : أم لا.
5- « ك » : الفجر.
6- « ج ، م » : المصدر : لا يحتاج.
7- في المصدر : تكليف ما لا يطاق.
8- المثبت من « ج ، ز » وهو موافق للمصدر ، وفي « ك ، م » : شيء.
9- « ج » : برفع.
10- « ج ، م » : الدينية.

وغفل عن الفرق بين الأمرين بعض المتأخّرين من الخاصّة مع أنّ النصوص بالفرق بين المقامين كثيرة ، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق ، أو رفع التكاليف كلّها أو أكثرها والاستغناء عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام بالأصل والاستصحاب كما صرّح به بعض علماء العامّة.

ولا يمكن المعاصر أن يجيب (1) بما ورد من وجوب طلب العلم. لأنّه يقول : لا (2) المراد بالعلم الظنّ الحاصل من الدليل الشرعي كالأصل والاستصحاب ، ولا يجب بعد ذلك الرجوع إلى المعصوم عليه السلام عندهم ، ولأنّهم يدّعون أنّه لا يحصل من الأخبار غير الظنّ حتّى مع المشافهة ؛ لأنّ دلالة الألفاظ ظنّية كما زعموا ، فيلزم من وجوب الرجوع بعد حصول الظنّ الشرعي تحصيل الحاصل.

وممّا يؤيّد الاختصاص هنا بما ليس من نفس الأحكام الشرعية أنّ هذا الحديث إنّما ورد في نواقض الوضوء إذا حصل الشكّ في غلبة النوم على السمع وعدمه ، وفي الشكّ بين عدد الركعات الصادرة عن المصلّي.

وممّا يؤيّد ذلك ويوضحه أنّهم عليهم السلام قالوا (3) : « لا تنقض اليقين أبدا بالشكّ ، وإنّما تنقضه بيقين آخر » (4) فإذا لم يحصل للمكلّف يقين بتجدّد حالة أخرى يمكنه الاستدلال بهذا الحديث ، وإذا حصل له اليقين بتجدّد حالة أخرى كخروج المذي عن المتوضّئ ووجود الماء عند المصلّي بتيمّم (5) ، وحصل عنده شكّ (6) في حكمهما (7) الشرعي ، وهو الذي ينصرف إليه إطلاق الاستصحاب عندهم ، فلا يمكنه الاستدلال بهذا الحديث ؛ لأنّه قد نقض اليقين السابق بيقين وشكّ لا بشكّ منفرد ، ولم يقل في الحديث : لا تنقض اليقين بالشكّ وباليقين والشكّ وإنّما تنقضه بيقينين آخرين (8) ، فلا يكون ذلك دليلا على

ص: 185


1- في المصدر : يجب.
2- في « ك » : « إنّ » بدل « لا ».
3- « ز ، ك » : - قالوا.
4- تقدّم في ص 88.
5- « م » : تيمّم.
6- « ز ، ك » : الشكّ.
7- « ج ، ك » والمصدر : حكمها.
8- « ز ، ك » : بيقين آخر.

الاستصحاب ، على أنّه إنّما يدلّ على أنّ الشكّ لا ينقض إلاّ باليقين ، فلا دلالة له على عدم نقض الشكّ بالظنّ ، ولا الظنّ بالشكّ ، ولا اليقين بالظنّ ، ولا الظنّ بالظنّ ، ولا اليقين باليقين والشكّ ، أو به وبالظنّ ، وهم يستدلّون في جميع تلك الصور بالاستصحاب ، فلا دلالة للحديث على حجّيته مطلقا ، على أنّ اللام في « اليقين » يحتمل كونها للعهد الذكري ؛ لأنّه قال : « فإنّك كنت على يقين من وضوئك ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ » (1) فلا دلالة له (2) على غير الصورة المفروضة التي هي موضوع (3) الحديث ، وهي ليست من الأحكام (4) الشرعية ، والقياس باطل ، والاستدلال بالفرد على الطبيعة غير معقول خصوصا في الأصول هذا (5) ، انتهى.

والجواب عمّا أفاده ذلك الشيخ الجليل أخيرا - بقوله : وممّا يؤيّد ذلك ويوضحه ، إلخ - إنّما يستفاد عمّا أسلفنا ذكره في الهداية السبزوارية ، ونقول في المقام توضيحا (6) : أوّلا : إنّ النجاسة المشتبهة باعتبار حدوث أمر خارجي أو الطهارة المشكوكة بواسطة ملاقاة رطوبة مشتبهة ، ممّا لا ينبغي الاستصحاب فيها ؛ لانتقاض اليقين بالشكّ في البقاء و (7) اليقين بحدوث الأمر الخارجي على ما زعمه ، مع أنّ صدر الكلام المنقول منه ينادي بخلافه كما لا يخفى. والحاصل أنّ النقض في الشبهة الموضوعية عند الشكّ في مانعية العارض ليس إلاّ بيقين وشكّ ، فما هو الجواب عنه هو الجواب عن غيره.

وثانيا : إنّ النقض لا يحصل إلاّ بالشكّ أو باليقين على الخلاف ؛ لأنّ المكلّف بعد العلم بوجوب شيء عليه إمّا أن يأتي به ، أو لا يأتي به ، لا كلام على الأوّل ، وعلى الثاني : فإمّا (8) أن يتركه عصيانا ، أو يعلم بخلافه ، أو يشكّ فيه ، فاليقين لا يتصوّر

ص: 186


1- تقدّم في ص 88.
2- « ز ، ك » : له أبدا.
3- « ج ، م » : موضع ، وفي المصدر : موضوع بالحديث.
4- في المصدر : من نفس الأحكام.
5- الفوائد الطوسية : 208 - 209.
6- « ز ، ك » : - توضيحا.
7- « ز ، ك » : أو.
8- « ز ، ك » : وإمّا.

انتقاضه إلاّ بالشكّ أو اليقين على الخلاف ، والإمام عليه السلام إنّما منع عن عدم ترتيب الآثار عند نقض اليقين بالشكّ ، وحكم بوجوب الإتيان فيما لو كان المعلوم سابقا واجبا ، ولا مدخلية لليقين بوجود شيء آخر للنقض على ما هو غير خفيّ على أوائل العقول.

ولقد أجاد المحقّق القمي رحمه اللّه (1) حيث أورد على السبزواري - في جملة كلام له - بأنّ المتبادر من الخبر أنّ موضع الشكّ واليقين وموردهما شيء واحد ، فاليقين بوجود المذي لم يرد على اليقين بالطهارة ، بل هما أمران متغايران (2) ، انتهى.

ولعمري إنّ وضوح فساد هذه التوهمات ممّا يغني عن إطالة الكلام في إبطالها ، ولهذا لم يفد أستادنا المرتضى في الجواب عنها عدا ما ذكر ، إلاّ أنّ الأنسب أن نذكر (3) بعض ما يرد في ضمن إفادات هذا الشيخ الجليل ، ولو لا أنّ المذكور من إفاداته على ما أودعه (4) لكان ترك التعرّض له (5) أولى.

فنقول : يرد عليه أوّلا : أنّ الفرق بين الأحكام والموضوعات في مثل هذه الأخبار العامّة المسوقة لبيان المشتبهات ممّا لا يصغى إليه ، وليت شعري هل يتصوّر عاقل فرقا بين أن يقول الشارع : أنت في سعة ما لم تعلم وجوب شيء ، كما في الشبهة الوجوبية التي أجمعت الأمّة على البراءة فيها خلا ما يظهر من بعض متعصّبي الأخبارية (6) ، وبين أن يقول : يجب أن يعمل فيما علم وجوبه سابقا بالأحكام السابقة مثلا وعامله معاملة المعلوم؟ فلو أنّ مثل هذا القول يوجب القول بالاستغناء عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام فهؤلاء أوّل من يقول به ، فإنّ مقام الشبهة ممّا لا بدّ من العمل فيه بأصل (7) ، والأصل عندهم هو الاحتياط ، وعند غيرهم يختلف موارده بحسب اختلاف الأدلّة ، وكيف

ص: 187


1- « ج ، م » : - رحمه اللّه.
2- القوانين 2 : 61 وفي ط : ص 270.
3- « ز » : - نذكر.
4- « ز ، ك » : - على ما أودعه.
5- « ز ، ك » : لها.
6- هو أمين الأسترآبادي وبعض متابعيه كما تقدّم عنه في ج 3 ، ص 408.
7- « ج » : بالأصل.

يحتمل هذا القول في حقّ المفيد مع أنّه من أجلاّء القوم؟ وكيف يوجب الاستغناء في عين الاحتياج لما هو مأخوذ منهم عليهم السلام كما لا يخفى؟ مع أنّ ما ذكره في صدر كلامه : فإنّه لا يعلم الغيب كلّه ، فيه ما لا يخفى وإن لم نقل بإحاطة علمهم عليهم السلام فعلا.

وثانيا : أنّ بعد فرض حصول الظنّ من الأصل والاستصحاب في جميع موارده والقول باعتباره من هذه الجهة ، فلا نسلّم لزوم تحصيل الحاصل فيما لو راجع إلى الحجّة وإن قلنا بظنّية الخطابات الشفاهية (1) ؛ إذ لم نجد قائلا بمكافأة الظنون المستفادة من الأصول للأدلّة الاجتهادية فكيف عن قول المعصوم وقد ادّعي الإجماع على ذلك؟ فالقول بذلك إنّما هو من خرافات العامّة وأصحابنا رضوان اللّه عليهم (2) أجلّ (3) شأنا وأعظم قدرا من (4) ذلك ، مع أنّ المقدّمات المذكورة بأجمعها ممنوعة عند التحقيق كما لا يخفى.

وأمّا ما أفاده من زعمهم ظنّية الدلالة اللفظية ، فليس بأبعد من دعوى قطعية أسناد الأخبار (5) الآحاد.

وثالثا : أنّ من المقرّر في مقامه عدم تخصيص العامّ بالمورد ؛ ضرورة عدم مدخليته في ذلك قطعا ، وبعد ما فرض من عموم قوله : « لا تنقض » فلا وجه للتخصيص ، على أنّ السائل إنّما سأل عن حكم الموضوع المشتبه كما لا يخفى.

ورابعا : أنّ ما ذكره في العلاوة ممّا لا يستقيم بوجه ؛ إذ بعد القول بحجّية الظنّ بواسطة دليل شرعي فالنقض بالظنّ إنّما هو نقض باليقين ، وذلك ظاهر في الغاية.

وأمّا ما أفاده من حديث العهد فقد مرّ الكلام فيه فيما تقدّم بما لا مزيد عليه.

الثاني (6) : ما زعمه أمينهم ، قال في الفوائد المكّية - على ما حكاه في الوافية بعد

ص: 188


1- « ز ، ك » : الشخصية.
2- « ز ، ك » : - رضوان اللّه عليهم.
3- « ج ، م » : فهم أجلّ.
4- « ز ، ك » : عن.
5- « ج ، م » : أخبار.
6- تقدّم الأوّل منهما في ص 183.

إيراد الأخبار (1) الدالّة على الاستصحاب - : لا يقال : هذه القاعدة تقتضي جواز العمل بالاستصحاب في أحكام اللّه كما ذهب إليه المفيد والعلاّمة من أصحابنا والشافعية قاطبة ، وتقتضي بطلان قول أكثر علمائنا والحنفية بعدم جواز العمل به.

لأنّا نقول : هذه شبهة عجز عن جوابها (2) كثير من فحول الأصوليين والفقهاء ، وقد أجبنا عنها في الفوائد المدنية تارة بما ملخّصه أنّ صور الاستصحاب المختلف فيها عند النظر الدقيق والتحقيق راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه ، ومن المعلوم أنّه إذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين ، فالذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة (3) إلى استواء (4) حكم موضوع (5) إلى موضوع آخر يتّحد معه بالذات (6) ويغايره بالقيد والصفات ، ومن المعلوم عند الحكيم أنّ هذا المعنى غير معتبر شرعا وأنّ القاعدة الشريفة المذكورة غير شاملة له.

وتارة بأنّ استصحاب الحكم الشرعي ، وكذا الأصل ، أي الحالة التي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها ، إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، وقد ظهر فى محالّ النزاع بيان ذلك : أنّه تواتر الأخبار منهم عليهم السلام بأنّ كلّ ما يحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة ورد فيه خطاب وحكم حتّى أرش الخدش ، وكثير ممّا ورد مخزون عند أهل الذكر عليهم السلام ، وأنّه (7) ورد في محالّ النزاع أحكام لا نعلمها بعينها ، وتواترت الأخبار عنهم بحصر المسائل في ثلاث : أمر بيّن رشده ، وبيّن غيّه أي مقطوع به لا ريب فيه ، وما ليس هذا ولا ذاك ، وبوجوب التوقّف في الثالث (8) ، انتهى كلامه بألفاظه المحكيّة في الوافية.

ص: 189


1- « ج » : أخبار.
2- « ج ، م » : حلّها ، وكتب عليها في « م » : جوابها.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : بالحقيقة.
4- في المصدر : إسراء.
5- « ج ، م » والمصدر : - موضوع.
6- « ز ، ك » : ذاتا.
7- « ز ، ج ، م » : أنّه ، وفي المصدر : فعلم أنّه.
8- الوافية : 212 - 213.

ومحصّل ما ذكره في الوجه الأوّل مع توضيح منّي هو أنّه لا شكّ في أنّ القيود المعتبرة في القضيّة المعلومة المتيقّنة من زمان أو مكان أو شرط أو حال أو إضافة أو وصف ونحو ذلك ، ممّا يجب أن تكون (1) باقية حال الشكّ في تلك القضيّة على وجه يصدق عليها أنّها قضيّة متيقّنة (2) فشكّ فيها حتّى يكون موردا للأخبار المذكورة.

وأمّا إذا تبدّلت القيود المأخوذة فيها بعد الأصل المقرّر عند العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد واختلافها بالوجوه والاعتبار ، فيحتمل أن لا يكون المصلحة المقتضية للحكم الأوّل باقية ، فالقضيّة المشكوكة بعد انتفاء قيد أو ازدياد حالة تصير واقعة أخرى مباينة للواقعة الأولى ، وإلحاق الأخيرة بها عند الشكّ ليس إلاّ من القياس الباطل ، والاستصحاب في الأحكام الكلّية الإلهية إنّما هو من هذا القبيل بخلافه في الموضوعات فإنّ الشكّ في بقاء الطهارة بعد الشكّ في حدوث البول وعروضه إنّما هو على وجه لا يختلف موضوع الحكم في القضيّة المتيقّنة الأولى ؛ لعدم تبدّل قيد من قيوده أو حال من أحواله.

وأمّا (3) الجواب عنه ، فتارة بالنقض بالاستصحاب في الموضوعات فيما إذا كان الشكّ في رافعية العارض ، كما إذا شكّ في الطهارة بعد حدوث رطوبة مشتبهة ، فإنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة قد ارتفع قيد من قيوده باعتبار حدوث تلك الرطوبة مع أنّه يقول به ، أقول بل بمطلق الموضوعات ؛ إذ لا يعقل وجود الشكّ وارتفاع اليقين إلاّ بواسطة حدوث حالة أو ارتفاع شيء يحتمل اعتباره في الموضوع أو في الحكم ولو على وجه يكون اليقين حاصلا في تلك الحالة. وبالجملة : النسبة المعتبرة في القضيّة لا تختلف (4) علما وشكّا إلاّ باعتبار اختلاف شيء معتبر في تلك النسبة.

لا يقال : يحتمل أن يكون هناك شيء معه يحصل اليقين على وجه لا مدخل له في

ص: 190


1- في النسخ : يكون.
2- « ز ، ك » : عليها الناقضية منتجة.
3- « ج ، م » : - أمّا.
4- في النسخ : لا يختلف.

حصوله إلاّ حصوله في حالة.

لأنّا نقول : فبعد ارتفاعه لا يبقى (1) الشكّ كما لا يخفى.

ولو رام إلى أنّ الموضوعات الخارجية - كوجود زيد ووجود الطهارة السابقة - ممّا لا يعقل فيه اختلاف الموضوع بواسطة اختلاف القيود ؛ لعدم اختلاف الوجود الشخصي ، وعدم تقدّره (2) ، لامتناع قبوله له ، بخلاف الأحكام الشرعية فإنّها من مقولة الطلب واختلافه باختلاف القيود والحالات ممّا لا تدانيه (3) ريبة ، فيجوز الاختلاف في الأحكام دون الموضوعات.

فنقول في الذبّ عنه أوّلا : إنّ (4) الأحكام الجزئية الشرعية ممّا يختلف (5) أيضا ؛ لكونها أمورا جعلية قابلة للاختلاف (6) مع أنّه لا مانع من استصحابها عندهم.

وثانيا : إنّ الوجود وإن كان لا يختلف باختلاف القيود وليس من الأمور المتقدّرة إلاّ أنّ له مراتب شتّى مختلفة باعتبار اختلافات الماهيات المختلفة باختلاف الاستعدادات المختلفة باختلاف الأمور المكتنفة بالماهيّات واللواحق العارضة لها والقيود المعتبرة فيها ، فوجود زيد بعد اكتناف حالة غير موجودة بالماهيّة المعروضة له يحتمل اختلافه كالأحكام الطلبية.

والحاصل : أنّ المستفاد من كلام الفاضل المذكور انحصار الشكّ في الموضوعات في الشكّ في الرافع ، وهذا ليس على ما ينبغي ؛ لإمكان الشكّ في الرافعية والشكّ في المقتضي كما عرفت ومع ذلك لا مفرّ من اختلاف موضوع المسألة بحدوث نقيض القيد المعتبر فيه كما لا يخفى.

وأخرى بالحلّ ويتمّ الكلام فيه في مقامين :

ص: 191


1- « ج ، م » : لا ينبغي.
2- « ز ، ك » : تقديره.
3- « ج ، م » : يدانيه.
4- « ج ، م » : - إنّ.
5- « ك » : تختلف.
6- « ز ، ك » : لكونها قابلة الاختلاف.

[ المقام ] الأوّل : في الشكّ في رافعية العارض ، ولا بدّ من تمهيد مقدّمة وهي : أنّه لا ريب في أنّه قد يكون للمعلول بعد وجوده بوجود (1) علّته التامّة شيء يزيله يعبّر عنه بالرافع كالبول للطهارة وكالطلاق للزوجية ، ولا شكّ في أنّ عدم الرافع ليس معتبرا في وجود المعلول كعدم المانع ، بل الرافع لا يتحقّق إلاّ بعد الوجود فكيف يعتبر عدمه فيه؟ فهو إذا علّة لرفع المحمول عن الموضوع وليس معتبرا في الموضوع ، فلو شكّ في أنّ الشيء الفلاني رافع أو لا يشكّ في استمرار الحكم معه من دون احتمال تغيّر (2) الموضوع ؛ إذ باختلاف العلّة واحتمال حدوثه أو نفيه لا يختلف الموضوع.

وإذ قد تقرّر هذه (3) ، فنقول : إذا شكّ المكلّف بعد خروج المذي في أنّه متطهّر أم لا بعد العلم بالطهارة ، فلا بدّ من القول بالاستصحاب ، والموضوع غير مختلف ؛ لما قرّر في التمهيد من أنّ الطهارة السابقة ممّا لا مدخل لعدم الرافع فيه ولا يكون ذلك من (4) قيوده ولواحقه ، والظاهر أنّ هذا المعنى ممّا يسلمه الخصم أيضا وزعم أنّ الشبهة الموضوعية من هذا القبيل ، ولولاه لما صحّ الحكم في الشبهة الموضوعية أيضا.

فإن قلت : إنّ الرافع وإن لم يكن عدمه (5) معتبرا في وجود المعلول في الآن الأوّل إلاّ أنّ عدمه معتبر في البقاء في الآن الثاني ، فيختلف موضوع المسألة باحتمال الرافعية كما في المانع. وتوضيحه : أنّ عدم المانع لمّا كان مأخوذا في وجود الحكم المعلول فعند احتمال حدوثه يختلف الموضوع ؛ لأنّ المعلوم هو الحكم عند عدم ما يحتمل مانعيته ، والحكم بعد هذه الملاحظة ومقيّدا بهذه الجهة يخالف الحكم بدونها ، والرافع عدمه وإن لم يكن معتبرا في أصل الوجود ولكنّه معتبر في البقاء ، فيختلف موضوع الحكم.

قلت : المستصحب هو الوجود لا البقاء ، وإنّما الاستصحاب (6) يؤثّر في البقاء ،

ص: 192


1- « ج ، م » : لوجود.
2- « ج ، م » : لتغيّر.
3- « ج » : هذا.
4- « م » : من ذلك.
5- « ز ، ك » : - عدمه.
6- « ز ، ك » : المستصحب.

فبالاستصحاب يحكم بالبقاء ، والموضوع هو نفس الوجود ، مثلا الطهارة السابقة عند حدوث المذي مستصحبة وبالاستصحاب باقية ، والموضوع هو وجود الطهارة ، ولا مدخل فيه لعدم (1) الرافع ، ويوضحه ملاحظة حال الطلاق بالنسبة إلى النكاح فيما إذا شكّ في وقوعه بلفظ غيره ك- « أنت خليّة » ونحوه ، فإنّ الزوجية السابقة ممّا لا يؤثّر فيها عدم الطلاق وإن كان يؤثر في البقاء ، والاستصحاب بعد عدم تغيّر (2) الموضوع وعدم اختلاف القضيّة المشكوكة والقضيّة المعلومة ، ممّا يقضي (3) بالبقاء ، والبقاء ليس موضوعا كما لا يخفى.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام إلاّ أنّه لا يخلو عن شيء ، فتأمّل.

وأمّا المقام الثاني : فيما إذا كان الشكّ في المقتضي ، والمانع ممّا له مدخل في وجود الحكم المعلول ، فنقول : قد تقرّر في محلّه - كما ستعرف في الخاتمة (4) - وجوب إحراز الموضوع في الاستصحاب ، وهذا الشرط بإجماله ممّا لا خلاف فيه ولا ريب يعتريه وإن كان قد يخالف بعضهم في بعض مقاماته ، فلا يصحّ الاستصحاب إذا تبدّل الموضوع بموضوع آخر ، بل والمحمول أيضا ، أو جزء منهما ، أو قيد منهما ، فلا بدّ أن لا يكون القضيّة المشكوكة مخالفة للقضيّة المتيقّنة سوى ما هو المفروض من اليقين في إحداهما والشكّ في الأخرى ، بل لو احتملنا تبدّل الموضوع أو ما يعتبر فيه من حال أو وصف أو شرط ، لا يحكم بالاستصحاب فيه أيضا ، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ (5) المعيار في تميّزه أيّ شيء هو؟ فقد يقال بأنّ التحقيق هو التدقيق في أمره ، فعلى هذا فالأمر كما أفاده الأمين ، وقد يقال بأنّ المعيار في التميّز هو العرف ، فكلّ قضيّة يكون متّحدة مع

ص: 193


1- « ج ، م » : عدم.
2- « ج » : تغيير.
3- « ج » : تقتضي.
4- المراد بها هداية تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع ص 377.
5- « ج ، م » : - أنّ.

القضيّة الأخرى عرفا وإن كان قيد من قيود موضوعه مرفوعا ، فالموضوع باق والقضيّة متّحدة ويجري فيها الاستصحاب ، فمن جملة ما لا يعتني العرف بشأنه في اختلاف الموضوع هو الزمان ؛ لأنّ المفهوم عندهم في القضيّة القائلة بأنّ زيدا كان قائما - مثلا - هو كون الرابطة الزمانية ظرفا لوقوع النسبة فيها لا قيدا للموضوع أو المحمول والمظروف من حيث هو مظروف ومأخوذ (1) بهذه الملاحظة وإن كان يختلف باختلاف الظرف عند النظر الدقيق ، إلاّ أنّ أهل العرف يتسامحون فيه أيضا ويحكمون بالاتّحاد ، فالقضيّة المعلومة ممّا لا مخالفة لها عرفا للمشكوكة منها ، فيكون من مجاري الاستصحاب ، وإن كان الزمان مختلفا فيهما ، وكذا كلّ ما يعبّر عندهم بالحال.

وبالجملة : فنحن لو احتملنا اختلاف الموضوع وتبدّله لا نحكم بجريان الاستصحاب إلاّ أنّ الكلام معهم يرجع (2) إلى الصغرى ، مثلا لو استفدنا جواز تقليد المجتهد العادل الحيّ من دليل شرعي فبعد انتفاء قيد من قيوده كالحياة أو العدالة واحتمال اعتباره في الموضوع لا نحكم بجواز التقليد للاستصحاب على ما هو ظاهر ، بخلاف ما لم نحتمل ذلك وإن انتفى القيد ولو بواسطة الرجوع إلى دليل الحكم على وجه تطمئنّ (3) النفس (4) بأنّ الموضوع هو الذات المجرّدة ، وربّما يختلف التعبير في ذلك كما إذا قال : « الماء المتغيّر كذا » أو قال : « الماء إذا تغيّر حكمه كذا » فإنّ الظاهر من الأوّل هو كون الماء المقيّد بالتغيّر موضوعا للحكم فلو زال القيد لا مجال للاستصحاب فيه ، ومن الثاني كون (5) الماء نفسه موضوعا.

فالحاصل : أنّ دعوى انحصار صور الاستصحاب بتمامها فيما زعمه باطلة يكذّبها الوجدان فضلا عن البرهان ، وسيجيء لذلك زيادة تحقيق (6) في الخاتمة (7) إن شاء اللّه

ص: 194


1- « ج ، م » : مأخوذا.
2- « ز ، ك » : راجع.
3- في النسخ : يطمئن.
4- « ك » : به النفس.
5- « ز ، ك » : بكون ، وفي « م » : يكون.
6- « ز ، ك » : بيان.
7- المراد بها هداية تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع في ص 387 - 388.

العزيز. هذا تمام الكلام في الجواب عن أخبار الاستصحاب بعدم (1) الشمول.

وأمّا الجواب عمّا أفاده الأمين أخيرا بالمعارضة ، بل و (2) حصر المسائل في ثلاثة ، فبأنّ الأخبار المذكورة على ما (3) هو واضح لمن تدبّر سياقها حاكمة على أخبار الاحتياط على تقدير دلالتها على لزوم التوقّف حكومة الأدلّة الاجتهادية الخاصّة على الأصول العملية ؛ لارتفاع موضوعها بالاستصحاب ، إذ بعد وجوب الأخذ بالحالة السابقة ولزوم ترتيب الآثار المتقدّمة على المتيقّن حال الشكّ بواسطة الأخبار الآمرة به ، فلا يبقى شكّ و (4) شبهة في موارد الاستصحاب حتّى يكون موردا للاحتياط ويكون من بيّن الرشد ؛ لأنّ لموضوع الشكّ في الشريعة أحكاما : تارة يجب العمل بالبراءة ، وأخرى بالاحتياط ، وأخرى بالاستصحاب ، ومرّة بالتخيير ، على حسب اختلاف مواردها ، وفيما يكون مجرى الاستصحاب لا يجري فيه غيره من الأصول ، لعدم تحقّق مواردها.

وقد يتمسّك في دفعه بالنقض بالموضوعات ؛ إذ لو لا حكومة الأدلّة الدالّة على الاستصحاب لما جاز العمل به فيها أيضا.

اللّهمّ إلاّ أن يدفع بأنّ العمل بها في تلك الموارد وفاقي فلا يرد نقضا ، ولكنّ الإنصاف أنّها دعوى دون إثباتها خرط القتاد ؛ لظهور العموم فيها بحسب اللفظ ، ومن الغريب أنّ المعصوم عليه السلام إنّما قدّم الاستصحاب على الاحتياط اللازم اتّفاقا ، ومنه يظهر وجه الورود في غير المورد أيضا ، فتدبّر.

ص: 195


1- « ج ، م » : لعدم.
2- « ز ، ك » : - و.
3- « ج » : على ما ستعرف.
4- « ز ، ك » : - شكّ و.

ص: 196

هداية [ في التفصيل بين كون دليل المستصحب الإجماع أو النصّ ]

الدليل الدالّ على الحكم الثابت في الزمن الأوّل : إمّا أن يكون لفظيا أو لا :

فعلى الأوّل : فإمّا أن يكون اللفظ بعمومه وإطلاقه شاملا للزمان الثاني الذي وقع الشكّ في ثبوت الحكم فيه أو لا ، وعلى الأوّل : فلا حاجة إلى استصحاب الحكم ؛ لكفاية اللفظ عنه ، نعم قد يتوقّف صحّة الاستدلال باللفظ على (1) الاستصحاب لكنّه لا مدخل له للحكم المدلول بالدليل اللفظي ، كأصالة عدم التخصيص واستصحاب عدم التقييد (2) ونحوهما ، فإنّ الاستناد بالعامّ في (3) جريان الحكم السابق عند احتمال التخصيص لا يتمّ بدون ذلك ، وقد يصير الحكم في الزمان الثاني مظنون الإرادة من نفس اللفظ مع قطع النظر عن إعمال الأصول المعهودة ، فلا حاجة إليها في الاستدلال أيضا ، ويعبّر عن هذا الاستصحاب في لسان القوم باستصحاب حال الدليل ، والظاهر أنّ تسمية هذا القسم بالاستصحاب إنّما هو باعتبار استصحاب عدم التخصيص ، وإلاّ فلا يخلو عن مسامحة ؛ لانتفاء شروط تعقّل الاستصحاب كما لا يخفى. وعلى الثاني : فإمّا أن يكون اللفظ محتمل الدلالة في الزمان الثاني بحيث لا نعلم (4) المراد منه في حالة الشكّ ، فيحتمل أن يكون مرادا من اللفظ ويحتمل أن لا يكون ، وإمّا أن لا يكون

ص: 197


1- « ز » : إلى ، وسقطت من نسخة « ك ».
2- « ك » : القيد ، وفي « ز » : التقيد.
3- « ز ، ك » : « و » بدل « في ».
4- « ز ، ك » : لا يعلم.

كذلك بحيث نعلم بعدم إرادة الحكم في الزمان الثاني من اللفظ ، ففي هذين القسمين لو أريد إثبات الحكم في الزمان الثاني يحتاج إلى الاستصحاب.

فمحلّ الاستصحاب فيما لو كان الدليل لفظيا في مقامين : أحدهما : ما كان الدليل مجملا كالقسم الثاني ، وثانيهما : ما كان الدليل ساكتا عن حال زمان الشكّ.

وعلى الثاني : فإمّا أن يكون الدليل هو العقل ، وإمّا أن يكون هو الإجماع ، لا كلام في المقام على الأوّل ؛ لما سبق تحقيق الكلام فيه فيما تقدّم ، وأمّا على الثاني فالإجماع على طريقة العامّة لو تحقّق في مورد فحكمه حكم اللفظ فيما لو كان ساكتا إذا لم يكن حال الشكّ أيضا إجماعيا ، إذ هو حينئذ دليل بنفسه فإمّا أن يكون موجودا في الحالين ، أو مختصّ بالزمان الأوّل ، فعلى الأوّل لا وجه للاستصحاب ، وعلى الثاني فهو محلّ الاستصحاب أيضا ؛ لسكوت الإجماع عن الحالة الثانية. وأمّا على طريقة المتقدّمين من أصحابنا فحكمه حكم اللفظ بعينه ، لأنّ المفروض كشفه عن قول المعصوم ولفظه ، وهو مختلف. وأمّا على طريقة الحدس فهو أيضا على قسمين : فتارة : على نحو العموم بمعنى حصول القطع برضاء المعصوم في الحكم الفلاني في الحالتين ، وأخرى : على نحو السكوت ، فعلى الأوّل لا استصحاب ، وعلى الثاني فهو محلّ الاستصحاب.

وقد يكون الدليل على وجه يعلم منه نفي الحكم في الزمان الثاني ، وهذا كما يتصوّر في الأدلّة اللفظية كذلك يتصوّر في الإجماع أيضا على الوجوه المختلفة من الطرق كما هو ظاهر.

وقد يكون الدليل اللفظي مردّدا بين الأقسام المذكورة فحكمه حكم الساكت.

فإذا أقسام اللفظ خمسة فإنّه : إمّا دالّ على الحكم في الزمان الثاني ، أو ناف له ، أو مجمل ، أو ساكت ، أو مردّد ، لا استصحاب (1) على الأوّلين ، ومحلّه على الأواخر. وأقسام

ص: 198


1- « ك » : ولا استصحاب.

الإجماع على طريقة العامّة ثلاثة لأنّه : إمّا دالّ أو ساكت أو ناف ، إذ لا إجمال ولا ترديد فيه كما لا يخفى ، فلا استصحاب على الأوّل والأخير بخلاف الثاني ، وأقسامه على الطريقة كأقسام اللفظ. وعلى (1) طريقة المتأخّرين والحدس فله أقسام ثلاثة ؛ إذ لا إجمال ولا ترديد فيه ، يجري الاستصحاب في قسم منها دون القسمين الأخيرين (2).

فظهر من جميع ما تقدّم توضيحه أنّ مجرّد قابلية الحكم للبقاء في الحالة الثانية يكفي في الاستصحاب ولا مدخل للدليل فيه ، ولا يتفاوت الحال في ذلك ، سواء كان هو الإجماع أو غيره.

وقد ينسب إلى الغزالي التفصيل بين ما إذا كان الإجماع دليل ثبوت المستصحب فلا يجري فيه الاستصحاب ، وبين ما إذا كان الدليل نصّا فيجري فيه الاستصحاب ، واستند في ذلك - على ما هو المشهور منه - إلى منافاة الإجماع للخلاف ، فلا يمكن استصحاب حال الإجماع عند الشكّ بخلاف النصّ لإمكان الخلاف مع النصّ.

وأجاب عنه جملة منهم تارة بالنقض بالنصّ فيما لو كان ساكتا أو مجملا ؛ لعدم دلالته في (3) محلّ الخلاف والشكّ ، وأخرى بالحلّ بأنّ الاستصحاب هو الدليل في الزمان الثاني نظرا إلى الأدلّة المعهودة على اختلاف المشارب لا الإجماع ، فمنافاته للخلاف ممّا لا ضير فيه فيما هو المقصود.

والتحقيق : أنّ العبارة المنقولة من الغزالي ممّا لا دلالة فيها على التفصيل المذكور بوجه وهي هذه على ما حكاها في النهاية على ما في شرح الوافية للسيّد في المتيمّم إذا وجد الماء في الأثناء و (4) في المتطهّر إذا خرج منه (5) شيء من غير السبيلين بعد ما استند الشافعي للمضيّ (6) والبقاء إلى الاستصحاب (7) ، قال : المستصحب إن أقرّ بأنّه لم يقم دليلا

ص: 199


1- « ج ، م » : - على.
2- « ز ، ك » : الآخرين.
3- « ج ، م » : دلالته على في.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : أو.
5- « ج ، م » : - منه.
6- « ج ، م » : إلى المضيّ.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الاستصحابات.

في المسألة ، بل قال : أنا ناف ولا دليل على النافي ، فسيأتي بيان وجوب الدليل على النافي ، وإن ظنّ إقامة دليل فقد أخطأ. فإنّا نقول : إنّما يستدام الحكم الذي دلّ الدليل على دوامه ، وهو إن كان لفظ الشارع فلا بدّ من بيانه ، فلعلّه يدلّ على دوامها (1) عند عدم الخروج (2) لا عند وجوده ، وإن دلّ بعمومه على دوامها عند العدم والوجود معا كان ذلك تمسّكا بالعموم ، فيجب إظهار دليل التخصيص ، وإن كان بإجماع والإجماع إنّما انعقد على دوام الصلاة عند العدم دون الوجود ، ولو كان الإجماع شاملا حال الوجود كان المخالف له خارقا للإجماع ، كما أنّ المخالف في انقطاع الصلاة عند هبوب الرياح وطلوع الشمس خارق للإجماع ؛ لأنّ الإجماع لم ينعقد مشروطا بعدم الهبوب وانعقد مشروطا بعدم الخروج وعدم الماء ، فإذا وجد فلا إجماع ، فيجب أن يقاس حال الوجود على حال العدم بعلّة جامعة ، فإمّا أن يستصحب الإجماع عند انتفاء الجامع فهو محال ، وهذا كما أنّ العقل دلّ على البراءة الأصلية بشرط عدم دليل السمع فلا يبقى له دلالة مع وجود دليل السمع ، فكذا هنا انعقد الإجماع بشرط العدم ، فانتفى الإجماع عند الوجود.

وهذه دقيقة وهو أنّ كلّ دليل يضادّه نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه مع الخلاف ، والإجماع يضادّه نفس الخلاف ؛ إذ لا إجماع مع الخلاف ، بخلاف العموم والنصّ ودليل العقل فإنّ الخلاف لا يضادّه ، فإنّ المخالف مقرّ بأنّ العموم بصيغته يتناول محلّ الخلاف ، فإنّ قوله صلى اللّه عليه وآله : « لا صيام على من لم يبت الصيام » (3) شامل بصيغته صوم رمضان مع خلاف الخصم فيه ، فيقول : أسلّم شمول الصيغة لكنّي أخصّه بدليل ، فعليه الدليل ، وهنا المخالف لا يسلّم شمول الإجماع محلّ الخلاف ؛ لاستحالة الإجماع مع الخلاف ولا يستحيل شمول الصيغة مع الدليل ، فهذه دقيقة يجب التنبّه لها.

ص: 200


1- في هامش المصدر : الضمير راجع إلى الصلاة. « منه رحمه اللّه ».
2- في هامش المصدر : أي خروج الحدث من غير السبيلين.
3- المستدرك 8 : 316 ، وفيه : « لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل » ، وتقدّم في ص 150.

قال : فإن قيل : الإجماع يخرم الخلاف فكيف يرتفع بالخلاف (1)؟ أجاب بأنّ هذا الخلاف غير مخرم بالإجماع وإن لم تكن المخالفة خارقة للإجماع ؛ لأنّ الإجماع إنّما انعقد على حالة العدم لا على حالة الوجود ، فمن ألحق الوجود بالعدم فعليه الدليل. لا يقال : دليل صحّة الشروع دالّ على الدوام إلى أن يقوم دليل على الانقطاع ، لأنّا نقول : ليس ذلك الدليل الإجماع ؛ لأنّه مشروط بالعدم فلا يكون دليلا عند العدم فإن كان نصّا فيه (2) لننظر هل يتناول حال الوجود أم لا؟ لا يقال : لم تنكرون (3) على من يقول : الأصل أنّ ما ثبت دام إلى وجود قاطع فلا يحتاج الدوام إلى دليل في نفسه ، بل الثبوت هو المحتاج - كما إذا ثبت موت (4) زيد أو بناء دار كان دوامه بنفسه لا بسبب (5)؟ لأنّا نقول : هذا وهم باطل ، فإنّ كلّ ما ثبت جاز دوامه وعدمه ، فلا بدّ لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت ، ولو لا دليل العادة على أنّ الميّت لا يحيى والدار لا تنهدم بعد البناء إلاّ بهادم أو بطول زمان ، لما عرفنا دوامه بمجرّد موته ، كما لو أخبر عن قعود الأمير وأكله ودخوله الدار ولم تدلّ العادة على دوام هذه الأمور ، فإنّا لا نقضي بدوامها ، فكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده ، فيفتقر دوامها إلى دليل آخر (6) ، انتهت (7) عبارته المحكيّة في شرح الوافية.

ومن المعلوم الظاهر عدم دلالتها على التفصيل المذكور ، بل المستفاد منها نفي الاستصحاب رأسا ، كما يستفاد من قوله - في الجواب عن الاعتراض في آخر كلامه - : هذا وهم باطل ، ومنشأ الاشتباه هو وقوع كلامه في ردّ القائل بالاستصحاب فيمن وجد الماء في الأثناء ، وظنّي أنّه لم يكن ملتفتا إلى الاستصحاب بالمعنى المصطلح

ص: 201


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الخلاف.
2- « ج » : فبيّنة ، وفي شرح الوافية : فبيّنه ( ظ ).
3- « ج ، م » : لم ينكرون وفي المصدر : لم ينكروا.
4- « ج » : ثبوت.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لسبب.
6- شرح الوافية ( مخطوط ) 134 / أ - 135 / أ ؛ المستصفى 1 : 224 - 226 مع تصرّف وتلخيص.
7- « ز ، ك » : انتهى.

أصلا ، كما يظهر من حمل كلام المستصحب تارة : على ما هو المعروف من عدم حاجة النافي إلى الدليل ، وأخرى : على دعوى الدوام ، نعم قد (1) استشعر بذلك أخيرا فأورده بقوله : لم ينكرون على من يقول؟ والعجب منهم أنّهم كيف استنبطوا من هذه العبارة هذا التفصيل.

وأمّا الدقيقة التي تخيّلها دقيقة فمن المعلوم عدم مدخليتها في ذلك ، نعم هو تفصيل في الدليل بمعنى أنّ الأدلّة حالها مختلف (2) في إمكان البقاء ، فالإجماع على معتقدهم ينافي الخلاف فلا يمكن بقاؤه في حال الخلاف ، وذلك بخلاف العموم أو دليل العقل ؛ إذ ذلك لا ينافي الخلاف فيتحقّق في مورد الخلاف أيضا. وقد يتوهّم أنّه مفصّل مثل ما فصّل المحقّق نظرا إلى كلامه أوّلا ، وليس على ما ينبغي ؛ لمنافاة سابقه ولاحقه له. وقد يتوهّم أنّه يفصّل بين الإجماع وغيره من الأدلّة في استصحاب حال الدليل وعدّه من المفصّلين من حيث كون استصحاب الدليل من أقسام الاستصحاب ، وليس في محلّه أيضا ؛ لردّ استصحاب حال (3) الدليل بأنّه (4) إنّما يتصوّر في العامّ أو في المطلق دون سائر الألفاظ المجملة أو الساكتة (5) أو المردّدة أو العقل ، وصريح كلامه في بيان الدقيقة هو الفرق بين الألفاظ والعقل وبين الإجماع ولا مدخل له في الاستصحاب أصلا ، على أنّ استصحاب حال الدليل ليس من الاستصحاب حقيقة إلاّ بواسطة الاستصحاب في عدم التخصيص والتقييد كما مرّ فيما تقدّم ، فكيف (6) كان فجريان الاستصحاب في موارده موقوف على احتمال بقاء المستصحب في محلّ الشكّ وإمكانه من غير مدخلية للدليل فيه ، ولا فرق في ذلك (7) بين كون الدليل لفظا أو غيره.

ص: 202


1- « ز » : - قد.
2- « ز ، ك » : مختلفة.
3- « ج » : - حال.
4- « ج ، ك ، م » : - بأنّه.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الشاكّة.
6- « ج ، م » : وكيف.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - في ذلك.

هداية [ في جواب المحقّق القمّي عن استصحاب الكتابي وردّه ]

قد تحقّق في الهدايات (1) السابقة جريان الاستصحاب فيما كان (2) المستصحب محتملا للبقاء وقابلا له ، ولا فرق في ذلك بين كون المستصحب أمرا شخصيا معيّنا شكّ في بقائه في الزمان المتأخّر ، كما إذا شكّ في وجود زيد المعلوم وجوده سابقا ، ثمّ شكّ في بقائه في الحالة المتأخّرة ، وبين أن يكون أمرا مردّدا بين شيئين يعلم بانتفائه في زمان الشكّ على تقدير ، ويقطع بوجوده وبقائه على تقدير آخر ، كما إذا علمنا بوجود حيوان في الدار مردّد بين كونه فرسا أو غيره ممّا يعيش في عام ، و (3) بين كونه ممّا لا يعيش في عام كأنواع الحيوانات المخلوقة في الأرض من فئران وديدان ونحو ذلك ؛ لاحتمال بقاء الموجود المجمل وعموم أخبار الباب.

لا يقال : إنّ احتمال البقاء يكفي في جريان الاستصحاب فيما لو كان الشيء الواحد محتملا للبقاء ، وليس كذلك في المقام فإنّ كلّ واحد من الأمرين المردّدين لا احتمال فيهما ؛ للعلم بالوجود على تقدير ، وبالعدم على تقدير آخر.

لأنّا نقول : المستصحب - وهو الوجود المجمل (4) - شيء واحد ومحتمل للبقاء ، غاية ما في الباب أنّ الاحتمال إنّما نشأ من الترديد بين الشيئين ، فالترديد في المقام إنّما هو

ص: 203


1- « م ، ج » : الهداية.
2- « ج » : لو كان.
3- « ج ، م » : أو.
4- « ز ، ك » : المحتمل.

محقّق للاحتمال لا أنّه ينافيه كما هو ظاهر. ويترتّب على هذا فروع كثيرة ، كما إذا علم بنجاسة مردّدة بين كونها ممّا ترتفع عن محلّها بغسلة أو لا ترتفع إلاّ بغسلات ، فالنجاسة مستصحبة على المختار ، وخالف في ذلك المحقّق القمي فقال : إنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار صلوحه للامتداد ، فإن كان الموضوع جزئيا معيّنا ثبت بالاستصحاب بقاؤه إلى أقصى مدّة يمكن بقاؤه فيها ، وإن كان كلّيا كما لو علمنا بوجود حيوان في موضع وتردّدنا بين كونه من نوع ما يعيش قليلا كالذباب والنمل أو كثيرا كالإنسان والفرس ، فلا يثبت بالاستصحاب إلاّ بقاؤه في أقصى مدّة ما (1) هو أقلّ الأنواع بقاؤه.

ثمّ بنى (2) على ذلك في الردّ على استصحاب أهل الكتاب كاليهود والنصارى وغيرهم (3) لنبوّة موسى أو عيسى أو غيرهما على نبيّنا وعليهم الصلاة والسلام فذكر ما حكى له بعض سادات الأفاضل من مخاصمة جرت بينه وبين بعض علماء اليهود حيث تمسّك اليهودي باستصحاب نبوّة موسى في إثبات دينه ، فأجابه السيّد بما أجاب الإمام عليه السلام لجاثليق (4) في مجلس المأمون عليه ما عليه من أنّا (5) مقرّ بنبوّة موسى الذي بشّر أمّته بنبوّة (6) محمّد صلى اللّه عليه وآله وكافر بموسى لم يخبر بذلك ، فاعترضه اليهودي بأنّ موسى بن عمران الذي حاله معروف وشخصه معهود وأتى بالمعجزات النيّرات (7) وأنتم تعترفون بنبوّته (8) يستصحب دينه ، فعلى المسلمين إبطاله ، ولا يتفاوت في ذلك بين أن يقول بنبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وأن لا يقول.

فقال المحقّق المذكور - في إبطال الاستصحاب - : إنّ موضوع الاستصحاب لا بدّ أن

ص: 204


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - ما.
2- « ز ، ك » : وبنى.
3- « م » : غيرها.
4- « ز ، ك » : بجاثليق.
5- « ج ، م » : عليه آلاف اللعون بأنّا.
6- « ز ، ك » : بشّر بأمّته نبوّة.
7- « ز ، ك » : المنيرات.
8- « ز ، ك » : نبوّته.

يكون متعيّنا (1) حتّى يجري على منواله ، ولم يتعيّن هنا إلاّ النبوّة في الجملة ، وهي كلّي من حيث إنّها قابلة لأن تكون نبوّة (2) إلى آخر الأبد بأن يقول اللّه : أنت نبيّ وصاحب دين إلى يوم القيامة ، أو إلى زمان (3) محمّد صلى اللّه عليه وآله ، بأن يقول : أنت نبيّ ودينك باق إلى زمان (4) محمّد صلى اللّه عليه وآله ، ولأن يقول : أنت نبيّ بدون أحد القيدين ، فعلى الخصم أن يثبت إمّا التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد وأنّى له بإثباته ، أو الإطلاق ، ولا سبيل إلى الأوّل مع أنّه خارج عن محلّ الفرض ، ولا إلى الثاني ؛ لأنّ الإطلاق في معنى القيد ، فلا بدّ من إثباته ، ومن الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة ، والذي يمكن استصحابه هو الثاني دون الأوّل ؛ إذ الكلّي لا يمكن استصحابه إلاّ بما يمكن من بقاء أقلّ أفراده (5).

وأنت خبير بفساد المبنى والبناء كليهما. أمّا الأوّل فلما عرفت من أنّ عموم أخبار الباب دليل على الاستصحاب في الكلّي أيضا بعد إمكان البقاء واحتماله كما قرّرنا.

فإن قلت : لو كان الاستصحاب مبنيّا على الأخبار فالأمر (6) كما ذكرت ، وأمّا لو كان مبنيّا على الظنّ فهو كما ذكره المحقّق ؛ ضرورة عدم حصول الظنّ من الاستصحاب إلاّ فيما كان مقدار استعداد البقاء معلوما ، وحيث إنّ مقدار الاستعداد في الأحكام الشرعية لا يصير معلوما إلاّ بعد المراجعة إلى الدليل الدالّ عليه ، فلهذا أحال إلى ملاحظة الدليل الدالّ على النبوّة وقال بالتفصيل المذكور ، ومن المعلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب في قبال المسلمين في إثبات الدين ليس مبنيّا على الأخبار وإنّما هو من حيث إفادته الظنّ.

قلت : لا يتفاوت الحال فيما ذكرناه بين أن يكون الاستصحاب من باب الظنّ ، أو

ص: 205


1- في المصدر : معيّنا.
2- في المصدر : هو كلّي قابل للنبوّة.
3- « ج ، ز » : زمن.
4- « ز ، ك » : زمن.
5- القوانين 2 : 69 - 70 ، مع تصرّف وتلخيص.
6- « م » : فأمره.

من باب التعبّد. أمّا الثاني فكما عرفت واعترفت (1) ، وأمّا الأوّل فلأنّ مناط الظنّ لو كان هي الحالة السابقة فهي (2) موجودة في المقامين ، وإن كان هي الغلبة فالنوعية منها غير مفيدة ، والصنفية غير موجودة ، وإن كان لتوهّم أنّ مجرّد الاستعداد يكفي في حصول الظنّ ، ففيه : أنّ الظنّ بوجود المعلول لا يحصل إلاّ بعد حصول الظنّ بوجود أجزاء (3) علّته التامّة ، فإذا كان المانع مشكوكا لا بدّ من تحصيل الظنّ بعدمه حتّى يصير المعلول مظنونا ، وإذا كان المقتضي واستعداد المعلول مشكوكا فلا بدّ من تبديل الشكّ ظنّا ، وإلاّ فلا يمكن أن يكون المعلول مظنونا ، ففيما لو قلنا بالاستصحاب من جهة الظنّ أيضا لا يتفاوت الحال فيما ذكر ، ولهذا ترى أنّ القائل به لم يفصّل بين الشكّ في المقتضي والمانع ، فإنّ معيار الظنّ هو الظنّ ببقاء العلّة في الزمن الثاني ، نعم على القول بالظنّ يجب إحراز هذه الجهة أيضا كما لا يخفى ، على أنّ التمسّك بالاستصحاب لا ينحصر في إفادته الظنّ في المقام ؛ لإمكان الاستصحاب بناء على التعبّد العقلائي كما مرّ (4) الإشارة إليه فيما تقدّم (5).

وأمّا الثاني فلأنّ انقسام النبوّة إلى الأقسام الثلاثة المذكورة إن كان بالنظر إلى المعنى ونفس الأمر مع قطع النظر عن اللفظ وما يعبّر به عن المقصود من العبارات وغيرها ، فممّا لا محصّل له عند التحقيق ؛ إذ الإطلاق ليس وسطا واقعيا ، فالموجود في نفس الأمر القائم بذات الجاعل هو أحد القسمين ؛ لامتناع الجهل بالمراد والمجعول من الجاعل في مقام الجعل كما هو ظاهر ، وإن كان بالنسبة إلى اللفظ والتعبير فمع الإطلاق لا يجري (6) الاستصحاب.

وتوضيح المقام هو أن يقال : إنّ للماهيّة عند العقل وجوها ومراتب : فتارة : يلاحظ

ص: 206


1- « ز ، ك » : أو اعترفت.
2- « م » : فهو.
3- « ز ، ك » : إحراز.
4- مرّ في ص 56.
5- « ز ، ك » : - فيما تقدّم.
6- « ز ، ك » : لا يحرز.

من حيث اعتبار شيء معها وجودا وعدما وعدم ملاحظة شيء معها ، وبهذا الاعتبار ينقسم إلى أقسامها الثلاثة من الماهيّة المطلقة - أي المعرّاة عن القيد - وتمايز المقسم بالالتفات إلى هذه التعرية في القسم وعدم الالتفات إليها في المقسم وإن كان هو كذلك في نفس الأمر ، والماهيّة بشرط شيء ، والماهيّة بشرط لا.

وأخرى : يلاحظ من حيث تحقّقها في الخارج فيمتنع انفكاكها عن أحد القيود الوجودية ؛ إذ لا وجود للعامّ من حيث هو عامّ مع قطع النظر عن أحد الأفراد كما في الطلب - مثلا - فإنّ الأمر القائم بنفس الطالب الذي هو موجود خارجي لا محالة يكون على أحد الوجهين : إمّا الوجوب ، أو الندب.

وأخرى : يلاحظ من حيث التعبير ، فتارة : يعبّر عنها بلفظ يقصر (1) عن إفادة شيء زائد على الطبيعة المطلقة ، بل هو مقصور على إفادتها فقط ، ومرّة : يعبّر عنها بعبارة وافية لأحد القيود الوجودية أيضا ، كما إذا قال : جئني بزيد - مثلا - على الأخير أو برجل أو بإنسان (2) على الأوّل.

ولا شكّ في أنّ (3) التقسيم المذكور للنبوّة ليس بالاعتبار الأوّل حتّى يتصوّر فيه أن يكون الإطلاق وسطا بين القسمين الآخرين (4) ؛ إذ اختلاف الأقسام في المقام باعتبار اختلاف القيود الوجودية كما هو ظاهر ، فلا بدّ أن يكون إمّا على الوجه الثاني ، وإمّا على الوجه الثالث ، وعلى التقديرين لا وجه له ، أمّا على الأوّل فلما عرفت من أنّ الإطلاق ليس وسطا واقعيا في مرحلة التحقّق (5) والوجود ؛ إذ الجنس ما لم (6) يتخصّص بفصل يمتنع وجوده ، وأمّا على الأخير فلأنّ بعد فرض إطلاق العبارة لا مجرى للاستصحاب ؛ لحكومة الإطلاق عند الشكّ ، فإنّه دليل اجتهادي به يرتفع الشكّ ، فلا

ص: 207


1- « ج ، م » : يقتصر.
2- « ج ، م » : إنسان.
3- « ز ، ك » : الأوّل لا شكّ أنّ.
4- « ز ، ك » : الأخيرين.
5- « ج ، ك » : التحقيق.
6- « ز ، ك » : - لم.

يتصوّر الاستصحاب إلاّ بعد فرض انتفائه ، والمفروض أن لا مسوّغ للاستصحاب عنده إلاّ الإطلاق وهو ينافي الشكّ كما لا يخفى.

فقوله : « من الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة » معناه أنّ الأمر الدائر بين الأقسام من الماهيّة المطلقة التي تتحصّل (1) بأحد القيود غير النبوّة التي تعبّر عنها بعبارة مطلقة ، وقد عرفت أنّ التعبير ممّا لا أثر له في الواقع ، فإنّ النبوّة المجعولة المعبّرة بالإطلاق أيضا مردّدة بين أحد القيدين في الواقع ، نعم قد يستكشف من الإطلاق الدوام الذي هو أحد القيدين.

ومن هنا يظهر أيضا أنّ قوله : « إذ الإطلاق في معنى القيد (2) فلا بدّ من إثباته » ممّا لا محصّل له ، سواء أخذ الإطلاق في التعبير أو في الملاحظة ؛ إذ الإطلاق هو عدم ملاحظة القيد واعتباره في المطلق ، فلا يكون في معنى القيد ، ولا حاجة إلى إثباته بدليل غير الأصل ، واستفادة الدوام الذي هو القيد معنى إنّما بواسطة عدم ذكر القيد لفظا كما لا يخفى ، على أنّ منع الاستصحاب في النبوّات (3) باعتبار تردّدها بين الأفراد المختلفة استعدادا يلازمه القول بمنعه في الأحكام الشرعية ، فوجوب الصلاة واقعا مردّد بين الأفراد المختلف (4) استعدادها ، ولا يمكن استصحابه إلاّ في أقصى مدّة يحتمل بقاء أقلّ أفراده استعدادا مع أنّه لا مانع منه عنده ، وقد تفطّن بذلك أيضا حيث قال : ثمّ إنّك بعد ما بيّنا لك سابقا لا أظنّك رادّا علينا الاستصحاب (5) في الحكم الشرعي بما ذكرنا في هذا المقام بأن تقول : إنّ الأحكام (6) الواردة في الشرع إنّما يسلّم جريان

ص: 208


1- في النسخ : يتحصّل.
2- « م » : التقييد.
3- « ز ، ك » : « النبوّة إمّا ».
4- « ج » : المختلفة.
5- في المصدر : أمر الاستصحاب.
6- في المصدر : بأن تقول : يمكن أن يردّ الاستصحاب فيها بمثل ذلك ، ويقال : إنّ الأحكام.

الاستصحاب فيها إن ثبت كونها مطلقات (1) لم تكن (2) مقيّدة (3) إلى وقت خاصّ واختفى علينا أو ممتدّة إلى آخر الأبد ، والذي يجوز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل ، وذلك لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان (4) بأنّ غالب الأحكام الشرعية في غير ما يثبت (5) له حدّ ليست بآنية ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن ، وأنّ الشارع يكتفي (6) فيما ورد عنه مطلقا في استمراره ، ويظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار ، وأنّ تتبّع أكثر الموارد واستقراءها يحصّل الظنّ القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هو (7) الاستمرار إلى أن ثبت الرافع من دليل عقلي أو نقلي (8) ، انتهى.

ومحصّل ما ذكره في الجواب هو دعوى مظنونية الاستمرار باعتبار الغلبة في الأحكام الشرعية.

وفيه أوّلا : أنّ الأحكام المحدودة إذا شكّ في انقضاء حدّها - كما في خيار الحيوان ونحو ذلك - يجري فيه الاستصحاب مع أنّ اللازم ممّا ذكره عدم جريان الاستصحاب إلاّ في المطلقات.

وثانيا : أنّه يظهر من كلامه عدم الاعتبار بالإطلاق في استفادة الدوام منه ، وإنّما يستفاد ذلك منه بواسطة الغلبة ، وفساده غير خفيّ على أحد ، بل هو أيضا معترف بهذا في غير المقام ، فإنّ التحقيق استفادة الدوام منه ولو كان المصداق الموجود منه واحدا نظير إفادة العامّ ذلك إلاّ أنّه ليس بهذه المثابة من الإفادة على ما هو ظاهر.

وثالثا : أنّ بعد فرض الإطلاق فلا مجرى للاستصحاب ؛ إذ هو دليل اجتهادي ، ولو لم تكن (9) الغلبة معتبرة فيه وبإطلاقه شامل لمورد الشكّ فكيف بما إذا كان الغالب في

ص: 209


1- « ز ، ك » : مطلقا.
2- في النسخ : لم يكن ، وفي المصدر : ولم تكن.
3- « ج » : مقيّدا.
4- « ز ، ك » : إنّما يحكمان.
5- في المصدر : ما ثبت في الشرع.
6- في المصدر : يكتفي فيها.
7- في المصدر : هي.
8- القوانين 2 : 73 وفي ط : ص 275 - 276.
9- « ج ، م » : يكن.

المطلقات على ما هو المدّعى منه مفيدا للدوام؟

لا يقال : إنّما هو يستصحب عدم الرافع وهو مشكوك حال وجود الإطلاق أيضا.

لأنّا نقول : إنّ من الواضح المعلوم عدم اقتصاره في موارد الاستصحاب على استصحاب عدم الرافع ، بل الحكم الشرعي المدلول لنفس الدليل أيضا يقول (1) بجريان الاستصحاب فيه على ما هو غير خفيّ.

ثمّ إنّه أورد اعتراضا آخر على نفسه وهو دعوى الاستمرار في النبوّات أيضا باعتبار الغلبة كالأحكام الشرعية ، ففيما إذا شكّ في نبوّة نبيّ دلّ الدليل المطلق على نبوّته يحمل على الاستمرار إلحاقا بالأعمّ الأغلب كما في الأحكام.

فأجاب عنه بأنّ الغالب في النبوّات هو التحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه إلى آخر (2) الأبد فهو نبوّة نبيّنا (3) ، مع أنّه لا يحتاج (4) في إثباته إلى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ (5) نبوّته أيضا مردّدة (6) بين الأمور الثلاثة ، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النصوص والإجماع ، قال : نعم لو كان تمسّكنا بالاستصحاب في المدّة (7) لاستظهر علينا الخصم بما نبّهناه (8) عليه (9) ، انتهى.

فإن أراد بدعوى الغلبة هذه مجرّد أنّ الغالب فيها التحديد في قبال من ادّعى الغلبة فيها على الدوام من غير أن تكون تلك الغلبة مفيدة في إلحاق المشكوك بالأغلب الأعمّ ، فهو في محلّه ، إلاّ أنّ (10) من الواضح أنّ دعوى الغلبة إنّما هو لإلحاق المشكوك. وإن أراد بها الإلحاق والاستنتاج (11) كما هو الظاهر من دعوى الغلبة في مواردها ، ففيه

ص: 210


1- « ج ، م » : نقول.
2- في المصدر : - آخر.
3- « ك » والمصدر : نبيّنا صلى اللّه عليه وآله.
4- في المصدر : أنّا لا نحتاج.
5- « ز ، ك ، ج » : أنّ.
6- « ز ، ك » : مردّدة أيضا.
7- في المصدر : في الدوام.
8- « ز ، ك » : بما نبّهنا.
9- القوانين 2 : 73 وفي ط : ص 276.
10- « م » : أنّه.
11- « ج » : الاستباح ، وفي « م » : الاستناج.

أنّ الغلبة في أمثال الموارد ممّا لا فائدة فيها ؛ لأنّ الفرد المشكوك لا يصير مظنونا بملاحظة الغلبة ؛ إذ الجهة المشكوكة تخالف الجهة التي هي مورد الغلبة.

وتوضيحه : أنّ المستصحب للنبوّة وهو اليهودي مقصوده إثبات الدوام على ما فرضه المحقّق المذكور ، فادّعى غلبة الاستمرار في الاعتراض ، فيلحق (1) نبوّة موسى بغيرها ، فيجري فيها الاستصحاب كما في الأحكام الشرعية ، فأجابه (2) المحقّق بأنّ الغلبة في النبوّات على التحديد عكس الأحكام ، فنبوّة موسى ملحقة بها ، فليس مجرى الاستصحاب.

ونحن نقول : إنّ غلبة التحديد لا تثمر في إلحاق المشكوك وهي نبوّة موسى ؛ إذ المعلوم والمسلّم عند المحقّق المذكور هو وجود فرد مستمرّ خاتم للنبوّات ، واليهود (3) إنّما يدّعي بأنّ النبوّة المستمرّة إنّما هي قائمة بموسى عليه السلام ، فإنّه الخاتم ، فالشكّ إنّما هو في أنّ موسى هل هو آخر الأنبياء وخاتمهم ، أو هو ما قبل الآخر؟ وهذه الجهة ليست (4) موردا للغلبة حتّى يقال بالإلحاق ، وذلك نظير ما لو علمنا بوجود رومي في أشخاص زنجية وفرضنا خروجهم من الدار - مثلا - بعد العلم بأنّ الرومي هو آخرهم ، فلو شككنا في فرد أنّه هل هو الآخر حتّى يكون هو الرومي ، أو هو ما قبل الآخر حتّى يكون هو الزنجي؟ فلا وجه في تشخيص (5) الخارج بالغلبة كما لا يخفى ؛ إذ لا غلبة في هذه الجهة.

ثمّ إنّه اعترض على نفسه أيضا بما ملخّصه : أنّ الأحكام الواردة في شريعة موسى قد تكون (6) مطلقات (7) مثل الأحكام الواردة في شريعتنا ، فيمكن استصحابها.

ص: 211


1- « م » : فلحق.
2- « ز ، ك » : وأجابه.
3- « ك » : اليهودي.
4- « م » : ليس.
5- « ك » : لتشخيص.
6- في النسخ : يكون.
7- « ز ، ك » : مطلقا.

فأجاب بأنّ إطلاق الأحكام مع اقترانها ببشارة عيسى أو موسى برسول يأتي من بعده (1) اسمه أحمد صلى اللّه عليه وآله لا ينفعهم ؛ لاستلزامه قبول (2) رسالته صلى اللّه عليه وآله ، وبعد قبوله فلا معنى لاستصحاب أحكامهم (3).

وفيه : أنّ اليهود إنّما هو في مقام الإلزام (4) للمسلمين يقول باستصحاب الأحكام المطلقة ، وهو لا يسلّم البشارة على ما هو ظاهر ، فتأمّل.

فالأولى في مقام الجواب عن التمسّك بالاستصحاب وجوه :

الأوّل : ما أشار إليه المحقّق المذكور أيضا من أنّ التمسّك بالاستصحاب في أمثال المقام ممّا هو من الأصول الدينية ممّا لا يجدي شيئا ؛ إذ المقصود من المطالب الاعتقادية هو نفس الاعتقاد ، ومن المعلوم عدم حصول الاعتقاد بالاستصحاب لو أريد به تحصيل الاعتقاد من إجراء الاستصحاب ؛ إذ غاية ما تكلّفه القائل به هو إفادته الظنّ ، وعدم اعتباره أيضا في المطالب الاعتقادية ممّا لا يدانيه ريبة ، ولو أريد به استصحاب نفس الاعتقاد الموجود في الزمن الأوّل ، ففساده أجلى من أن يخفى ؛ ضرورة انتفاضه وتبدّله شكّا.

فإن قلت : لو كانت النبوّة محدودة وشكّ في حصول الحدّ فلا بدّ من استصحابها ، وإلاّ لاختلّ على الأمم السابقة أمور دينهم ، بل ودنياهم أيضا.

قلت : لا يعقل استصحاب الاعتقاد بنبوّته (5) وإنّما يستصحبون أحكام تلك الشريعة.

فإن قلت : لا معنى لاستصحاب الأحكام بعد عدم العلم بالموضوع الذي يترتّب عليه الأحكام.

قلت : استصحاب الموضوع يكفي في ترتّب الأحكام وإن لم يكن كافيا في نفس

ص: 212


1- « م » : من بعد.
2- في المصدر : وجوب قبول.
3- القوانين 2 : 74 وفي ط : ص 276.
4- « ز ، ك » : الالتزام.
5- « م » : نبوّته.

الاعتقاد كما هو غير خفيّ على المتأمّل.

الثاني : أنّ المستصحب للنبوّة إن أراد باستصحابها جعل المسلمين مدّعين لأمر هو ينفيه وزعم عدم افتقار النافي في نفيه إلى دليل ، ففيه : أنّ من المقرّر في محلّه عدم الفرق بين النافي والمثبت في الاحتياج إلى الدليل ، فإنّ القضيّة الموجبة كما تحتاج (1) في إثباتها إلى قياس مفيد لتحقّق النسبة التي اشتملت القضيّة عليها ، فكذلك القضيّة السالبة محتاجة إليه ؛ إذ لا فرق في العقول بينهما.

نعم ، قد يكون عدم الدليل دليلا واقعيا على العدم ، فلا حاجة إلى الاستدلال في النفي ، كما إذا كان وجود الشيء ملازما للعلم به فيكون من القضايا التي قياساتها معها (2) ، وهي كما توجّه في السلبيات كذلك توجّه في الإيجابيات كما لا يخفى.

نعم ، المانع الذي يدّعي عدم العلم بشيء لا يطالب بدليل حيث أن لا سبيل إليه إلاّ قوله بذلك ، ولهذا ترى فيما كان إلى إثبات العلم له سبيل لا يصغى إليه ، فإخباره (3) حقيقة هو الدليل على عدم العلم كما لا يخفى.

وإن أراد المستصحب استصحاب الرسالة الثانية بإقرارنا والمنع من رسالة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله (4) فلا يحتاج في المنع إلى الدليل ويكفيه في الاستصحاب إقرار الخصم بثبوت (5) المستصحب في الحالة السابقة. ففيه : أنّ إقرار الخصم بثبوت (6) النبوّة السابقة وعلمه بالمستصحب إن كان بواسطة الدليل الدالّ على نبوّة موسى أو عيسى (7) غير ما أخبر به محمّد صلى اللّه عليه وآله وأوصياؤه الأطهار من تواتر واقعي أو إجماع من سائر الملل ، فعلى الخصم أن يقرّره فهو المستدلّ حينئذ ، وإن كان بواسطة أخبار محمّد صلى اللّه عليه وآله ودلالة القرآن عليه كما هو كذلك الآن في حقّنا ؛ إذ لا شبهة في أنّ علمنا بنبوّة موسى أو عيسى فعلا مستند

ص: 213


1- في النسخ : يحتاج.
2- « م » : معها قياساتها.
3- « ز ، ك » : فاختباره.
4- « ج ، م » : - صلى اللّه عليه وآله.
5- « ز » : ثبوت.
6- « ز ، ك » : ثبوت.
7- « ز ، ك » : + أو غيرهما.

إلى أخبار المعصومين عليهم السلام بذلك ، ففرض العلم بالحالة السابقة يلازم القطع بارتفاعها وانتفائها ، فلا استصحاب ؛ لارتفاع أحد أركانه وهو الشكّ اللاحق ، فإنّ العلم بنبوّة موسى أو عيسى لا يحصل من القرآن وأخبار محمّد صلى اللّه عليه وآله إلاّ بعد العلم بصحّة القرآن ونبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، والعلم بصحّة القرآن هو عين العلم بارتفاع نبوّة غير محمّد صلى اللّه عليه وآله كما هو ظاهر ، نعم يصحّ التمسّك بالاستصحاب فيما لو فرضنا حصول العلم من دليل آخر كالتواتر ، مثلا لو أسلم يهودي يصحّ له التمسّك بالاستصحاب على ما هو ظاهر.

فإن قلت : إنّ حصول العلم بنبوّة عيسى من قول محمّد صلى اللّه عليه وآله لا يتفرّع على نبوّته ، بل هو موقوف على صدقه ولو في هذه القضيّة ، فيحتمل إثبات نبوّة عيسى وإن لم يستلزم صدق نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله.

قلت : لا سبيل لنا (1) إلى صدق محمّد صلى اللّه عليه وآله في هذه القضيّة إلاّ بعلم بنبوّته (2) كما هو ظاهر ، والأخذ بإقراره على تقدير كذبه - العياذ باللّه - بعد كونه جدلا وخارجا عن طريق البرهان لا يفيد لنا العلم بثبوت نبوّة عيسى في الحال كما لا يخفى. اللّهمّ إلاّ أن يدّعى العلم بصدقه في هذه القضيّة نظرا إلى ظهور برهان نبوّة عيسى أو موسى وسطوع آثارها في زمنه على وجه لا يقبل الإنكار ، ومع ذلك فالمانع مستظهر ؛ لانقطاع عدد تواترهم بقتلهم بخت نصر (3) فتدبّر.

الثالث : أنّ معنى استصحاب نبوّة نبيّ هو وجوب التديّن بدينه لا الصفة الثابتة له في نفس الأمر ؛ إذ لا يعتبر فيها في الحالة السابقة و (4) اللاحقة ، إذ لا ينعزل (5) عن منصب النبوّة ، ولا يصير ذلك مشكوكا حتّى يستصحب ، فالمراد من استصحاب النبوّة هو وجوب اتّباعه في دينه والاعتقاد بصحّة ما جاء به من اللّه تعالى شأنه ، ولا ريب أنّ

ص: 214


1- « م » : له.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : نبوّته.
3- « ز ، ك » : البخت النصر.
4- « ز ، ك » : أو.
5- « ز ، ك » : إذ يعزل.

الدين هو أمر وحداني وإن كان مركّبا عن أشياء مختلفة ، ومتى شكّ في جزء منه فالشكّ إنّما هو في أصل الدين وليس من الأمور التي يمكن أن يؤخذ منه أمر مشترك (1) كالصلاة بناء على الصحيح.

فعلى هذا نقول : إنّ من جملة الأمور المقرّرة في شريعة موسى أو عيسى على وجه يختلف تلك الشريعة بالاختلاف فيها الإقرار بنبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فالخصم إن أراد إثبات المستصحب في الحالة السابقة بتسليمنا وإقرارنا فنحن مقرّون بشريعة هي عبارة عن أحكام منها : بشارتهم على نبيّنا ، فلا شكّ في الزمن المتأخّر ، فلا استصحاب. وإن أراد استصحاب شريعة ليس منها البشارة المزبورة فلا علم لنا بتلك الشريعة أوّلا ، فلا استصحاب ؛ لانتفاء أحد أركانه وهو اليقين السابق ، والعلم بأنّ شريعة عيسى أو موسى - مثلا - (2) إنّما هي مغيّاة إلى زمن محمّد صلى اللّه عليه وآله إنّما هو من ضروريات مذهبهم حتّى أنّه لم يسعهم إنكار ذلك ، كما يظهر من التزام الجاثليق بعد ما أجابه أبو الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه آلاف التحيّة والثناء (3) بما عرفت ، ولعلّه (4) منزل على هذا الجواب وإنّما استعار عليه السلام عن دين موسى و (5) عيسى بهما نظرا إلى ما نبّهنا عليه من أنّ المراد باستصحاب النبوّة وإبقائها (6) هو استصحاب الشريعة كما لا يخفى.

ويظهر ما ذكرنا من أنّ المعلوم في تلك الشرائع هو ما قرّرنا من البشارة من الكتب السماوية والآيات القرآنية كقوله تعالى : ( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (7). فإنّ المستفاد منها انحصار (8) رسالته في التصديق بكتب اللّه والبشارة برسول

ص: 215


1- « ج ، م » : أمرا مشتركا.
2- « ج ، م » : عيسى مثلا أو موسى.
3- « ز ، ك » : عليه السلام.
4- « ز » : لعلّ.
5- « ج ، م » : أو.
6- « ج » : بقائها.
7- الصفّ : 6.
8- « ز ، ك » : هو انحصار.

اللّه (1). وقيل : إنّ عمر ذات يوم كان ينظر إلى التوراة ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ألم آت بها بيضاء نقيّة ، واللّه لو كان موسى وعيسى لم يسعهما إلاّ اتّباعي » (2).

وبالجملة : فمن المعلوم جدّا أنّ من الأمور الواضحة المقرّرة في سائر الملل والشرائع هو البشارة على بعثة النبيّ الأمّي ونحن عالمون بذلك ، فالمستصحب إن أراد إثبات دين مستصحب بإقرارنا فنحن نقرّ بهذا الدين ، ولا شكّ في ارتفاعه ، وإن أراد إثبات دين آخر فعليه بإثباته ، ولا علم لنا به سابقا أبدا.

وقد يقرّر ما ذكرنا بوجه آخر وهو أنّا نعلم بأنّ شريعة عيسى مغيّاة بمجيء محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وبعد حصول الغاية لا حاجة إلى استصحاب الحكم ؛ لأنّه معلوم بعد الغاية كقبلها ، بل العمل بما بعد الغاية محقّق للعمل بالحكم المغيّى لا أنّه مناف لها ، فنحن في الحال متديّنون بدين عيسى ولا ضير فيه كما لا يخفى.

فإن قلت : إنّ شريعة عيسى مشتملة على أحكام كثيرة منها : البشارة على ما ادّعيت ، فالقدر المسلّم بيننا وبينكم مستصحب ، وعليك بإثبات البشارة.

قلت (3) : قد عرفت (4) أنّ الدين أمر وحداني لا يقبل التبعيض ، بل الاختلاف في جزئه يوجب الاختلاف في نفس الدين ، ألا ترى أنّ شريعتنا على صادعها آلاف التحيّة (5) تختلف فيما لو خالف أحد في بعض أصولها (6) كالتوحيد أو (7) المعاد أو نحوهما.

لا يقال : لا سبيل إلى إنكار رسالة عيسى في الجملة ، فالقدر المشترك بين الكلّ مستصحب.

لأنّا نقول : إن أراد بالرسالة الصفة الواقعية الثابتة لنفس النبيّ والرسول في نفس

ص: 216


1- « ز ، ك » : برسوله.
2- انظر بحار الأنوار 2 : 99 و 30 : 178 و 76 : 347.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : « فكذلك ».
4- عرفت في الصفحة السابقة.
5- « ز ، ك » : - على صادعها آلاف التحيّة.
6- « ز ، ك » : أصولنا.
7- « ز ، ك » : و.

الأمر فهي معلومة في الحال لا يطرأ إليها ريب ، وإن أراد الشريعة المعلومة إجمالا ففيه أنّه ليس من الدين أصلا بعد ما عرفت.

فإن قلت : لو سلّمنا أنّ البشارة على محمّد صلى اللّه عليه وآله كانت من دين عيسى على الوجه المفروض وتنزّلنا في قبول التحديد ، فلا نسلّم وجود المبشّر عليه وحصول الحدّ ، فلا ضير في الاستصحاب.

قلت : إنّا ندّعي تطابق الأمارات والبشارات الحاصلة في سائر الأمم للنبيّ الأمّي العربي التهامي الذي يقوّي دينه بسيف وصيّه ، فمن ضروريات تمام الملل والشرائع هو كون هذا الجزئي المخصوص المدلول عليه بالأمارات الواضحة المعلومة عندهم نبيّنا كما هو ظاهر لمن تدبّر وتدرّب في الكتب الإلهية والسفر السماوية والصحف الربّانية.

هذا تمام الكلام في استصحاب النبوّة يعنى الشريعة السابقة ، وأمّا استصحاب الأحكام الفرعية الثابتة في واحد من الملل السابقة والأديان الماضية ، ففيه مقامان : فتارة : نحن نتكلّم في جريان الاستصحاب في حقّنا كما لو علمنا بثبوت حكم في زمان من الأزمنة السابقة (1) بطريق معتبر عندنا ، كما ثبت محبوبية ترك الازدواج في بعض الشرائع على ما يدلّ عليها قوله تعالى - في مدح يحيى أنّه كان - : ( سَيِّداً وَحَصُوراً ) (2) وتارة : نتكلّم فيه فيما لو خاصمنا واحد من أهل الملل.

أمّا الأوّل : فسيأتي تفصيله في هداية على حدة (3) - (4).

وأمّا الثاني : فقد يقال بجريان الاستصحاب فيها وكونه مثمرا في المقام ؛ إذ ليس المقصود فيها إلاّ العمل وهو حاصل نظير الاستصحاب في الأحكام الثابتة في شريعة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله عند الشكّ في النسخ ، لكن ينبغي أن يعلم أنّ أصالة عدم النسخ تارة : راجعة

ص: 217


1- « م » : السالفة.
2- آل عمران : 39.
3- « ج ، م » : على حدّها.
4- وهي هداية استصحاب أحكام الشرائع السابقة ص 357.

إلى استصحاب حال الدليل الثابت في الزمن الأوّل من دعوى إفادته عموما أزمانيا ، والشكّ إنّما هو في تخصيصه بزمان دون آخر ، وأخرى : راجعة إلى استصحاب نفس الحكم الثابت في زمان ولو (1) لم يكن مدلولا عليه بلفظ عامّ كما لا يخفى.

والأوّل ليس من استصحاب عدم النسخ وإنّما هو الثاني كما عليه المشهور ، فعلى (2) هذا فكما لا مانع من استصحاب الحكم الثابت في الزمن الأوّل مع حصول الشكّ في نسخه على مذاق القوم ، كذلك لا مانع منه فيما لو ثبت الحكم الفرعي في ملّة سابقة وشريعة ماضية ، ولا وجه لدفعه بالعلم الإجمالي بالنسخ في الأحكام الثابتة في سائر الأمم ؛ إذ ذلك لا يجدي في قبال دعوى اليهود والنصارى استصحاب الحكم وعدم نسخه ، نعم قد يكون مثمرا في المقام الأوّل وستعرفه فيه.

فإن قلت : لا يجري الاستصحاب فيها ؛ لعدم العلم بالمكلّف ، فإنّ المعلوم هو ثبوت الأحكام للأشخاص الموجودين في تلك الأزمنة ، وأمّا من تأخّر منهم فلا يقين في السابق.

قلت : فلا يجري الاستصحاب في الأحكام الثابتة في ديننا أيضا للوجه المذكور بعينه. ولو رام إلى التمسّك بأدلّة الاشتراك كقوله : « حلاله حلال وحرامه حرام » (3) ، فهو إثبات للحكم في زمان الشكّ بدليل اجتهادي لا بالاستصحاب ، والمفروض جريانه على المشهور ، وإثبات الحكم في زمان (4) الشكّ بنفس الاستصحاب لا بالعموم ، على أنّه يمكن إثبات الحكم بشخص واحد للزمانين ، ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره المحقّق القمي في دفع ما أورد (5) على نفسه أخيرا من

ص: 218


1- « م » : - لو.
2- « ز ، ك » : وعلى.
3- روى الكليني في الكافى 1 : 58 ، باب البدع ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحلال والحرام ، فقال : « حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة » ؛ ونحوه في بصائر الدرجات : 148.
4- « م » : زمن.
5- « ز ، ك » : أورده.

أنّه (1) بعد البشارة لا وجه لاستصحاب الحكم الفرعي الثابت ؛ لما عرفت من عدم التسليم إلاّ أن يكون إشارة إلى ما ذكرناه في ثالث الأجوبة والوجوه المتقدّمة كما لا يخفى ، ولعدم المنافاة بين ثبوت البشارة واستصحاب الحكم الفرعي ؛ إذ لا يصغى إلى دعوى كون الأحكام الفرعية التي كانت في تلك الشرائع مغيّاة ببعثة نبيّنا.

هذا غاية الانتصار لهم في المقام إلاّ أنّ الوجه الثاني من الوجوه المذكورة ينهض بدفعه ؛ إذ لا سبيل لنا إلى العلم بتلك الأحكام الثابتة في تلك الشرائع إلاّ أخبار المعصومين عليهم السلام بها ، بل الحقّ الحقيق بالتصديق انتفاء ما يوجب العلم بها واقعا في الأحكام الفرعية إلاّ ذلك ، بخلاف أصول دينهم ؛ إذ كما عرفت فيها يمكن دعوى تواترهم في ذلك ، وتشتّت فرقهم دليل على عدم الإجماع فيهم ، ولهذا تراهم تاركين لشريعتهم أيضا ، وانتسابهم إلى الدهر في هذه الأزمنة وما ضاهاها معلوم كما لا يخفى.

ص: 219


1- « ج ، م » : أنّ.

ص: 220

هداية [ في استصحاب الأحكام العقلية ]

قد عرفت (1) في الهداية الغزالية انقسام الدليل إلى دالّ على الحكم في زمن الشكّ ، وناف له ، وساكت عنه ، ومجمل ، ومردّد بينها (2) ، لو كان لفظا أو إجماعا على بعض الوجوه المقرّرة فيه ، فيجري الاستصحاب على بعض التقادير ولا يجري على بعض آخر كما مرّ الوجه (3) فيها ، وإلى الثلاثة الأول لو كان إجماعا على بعض آخر ، وفي حكمه الأدلّة اللبّية الأخر كالشهرة ونحوها ، ولا إشكال في الكلّ.

وأمّا لو كان دليل الحكم هو العقل فتحقيق القول في جريان الاستصحاب فيه في مقامين :

[ المقام ] الأوّل : فيما إذا كان الشكّ في موضوع حكم العقل ، مثلا لو حكم العقل بقبح سلوك طريق معلوم الضرر وشرب دواء معلوم المهلكية ، ثمّ شكّ في الهلاكة والضرر باعتبار سنوح سانحة ونحوها ، فهل يجري فيه الاستصحاب أو (4) لا؟ فيه تفصيل ؛ لأنّه إن قلنا بحجّية الاستصحاب من حيث إفادته الظنّ يجري الاستصحاب ، لأنّ استصحاب الموضوع يفيد الظنّ ببقائه ، فالصغرى محرزة بالظنّ الاستصحابي ، فمهلكية الدواء المفروض مظنون ، وتنضمّ إليها كبرى قطعية وهي المدلول عليها بحكم

ص: 221


1- عرفت في ص 197 وما بعدها.
2- « ز » : بينهما.
3- « ج ، م » : لوجه.
4- « ز ، ك » : أم.

العقل من حرمة ارتكاب شرب دواء مهلك وسلوك سبيل مضرّ ، فينتج حرمة الشرب والسلوك ، ولا غائلة فيه.

لا يقال : إنّ مورد حكم العقل هو الموضوع المعلوم ، وبعد تبدّله ظنّا لا موضوع فلا استصحاب.

لأنّا نقول : موضوع الحكم هو الواقع ، والعلم طريق إليه ، وباختلاف الطريق لا يختلف الواقع ، غاية الأمر كون النتيجة ظنّية ، لتبعيتها أخسّ مقدّماتها ، فإنّ العلم بثبوت الأكبر للأصغر في النتيجة تابع للعلم بثبوت الأكبر للوسط ، والظنّ به للظنّ (1) به ، كالشكّ فيهما ، كما هو ظاهر على من سلك سبيل (2) النظر ، إلاّ أنّه غير خفيّ على أحد أنّه ليس من الاستصحاب في حكم العقل ؛ إذ لا شكّ فيه عند الشكّ في بقاء موضوعه ، بل إنّما هو من تعلّقه بموضوع مظنون وإن قلنا باعتباره من حيث إفادة الأخبار ذلك ، فلا يجري فيه الاستصحاب ؛ إذ قد عرفت فيما سبق أنّ معنى استصحاب الموضوع هو الأخذ بأحكامه السابقة والحكم بترتيب آثاره المعلومة ، ولا ريب أنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى الأحكام التي تترتّب (3) عليه شرعا ، وأمّا الأحكام العقلية والعاديّة فلا يحكم بترتّبها عليه بواسطة أنّها ليست من مجعولاته فلا يترتّب عليه ، فإذا استصحبنا الموضوع المشكوك كالمثال المفروض يحكم (4) بآثاره الشرعية ولا يترتّب عليه حكم العقل بحرمة ارتكابه ، نعم لمّا كان الدليل العقلي عندنا دليلا على الحكم الشرعي فيحكم بترتّب الحكم الشرعي المدلول عليه بالحكم العقلي.

لا يقال : إنّ الحكم الشرعي مترتّب على الحكم العقلي ، وحيث لا يترتّب عليه فلا وجه للحكم بترتّب ما يتفرّع عليه كما يظهر الوجه في المقام الثاني.

لأنّا نقول : فرق بين المقامين ، فإنّ منع جريان الاستصحاب في الحكم العقلي إنّما

ص: 222


1- « ز ، ك » : الظنّ.
2- « ز ، ك » : - سبيل.
3- في النسخ : يترتّب.
4- « م » : نحكم.

هو بواسطة اختلاف موضوع القضيّة المعلومة والواقعة المشكوكة ، وفي المقام بواسطة عدم كونه مجعولا للشارع ، وانتفاء الموضوع يوجب انتفاء الأصل وهو الحكم العقلي ، وعدم ترتّبه على الموضوع لا يوجب انتفاءه ، فيلازم الحكم الشرعي ، فيحكم (1) بترتّبه على الموضوع ، بخلاف المقام الآتي ؛ إذ بعد انتفاء الأصل والدليل لا يعقل بقاء الفرع.

المقام الثاني : فيما إذا كان الشكّ في نفس الحكم العقلي كما لو فرضنا وجوب ردّ الوديعة في زمان ، ثمّ شكّ فيه بواسطة حدوث حادثة في موضوع ، فهل يحكم بالوجوب استصحابا للحالة السابقة ، أو لا وجه للقول بالاستصحاب؟ يظهر من بعض الأجلّة (2) في بعض التقسيمات (3) للاستصحاب جريانه ، والتحقيق خلافه.

وتوضيح المقال (4) يحتاج إلى تمهيد ، فنقول : لا ريب في أنّ الحكم من الأعراض التي لها تعلّق بالمحكوم به والمحكوم (5) عليه في القضيّة المفروضة ، ومن المعلوم أيضا اختلاف المحكوم به والمحكوم عليه باختلاف القيود المأخوذة فيهما من زمان ومكان وشرط وآلة و (6) حالة ووصف ونحوها ، فلا محالة يختلف الحكم عند اختلاف الموضوع والمحمول المختلفين باختلاف تلك القيود والعوارض اللاحقة لهما (7) ، فذلك الأمر الناعتي (8) والموجود العرضي يتغيّر بتغيّر ما هو قائم به أو متعلّق به ؛ إذ مناط تشخّصه (9) ومعيار وجوده هي تلك الأمور التي يختلف باختلافها الموضوع والمحمول. ولا ريب أيضا في أنّ العقل ما لم يحرز تمام ما يحتمل اعتباره في موضوع حكمه لا يحكم ؛ إذ لا يخفى على الحاكم مورد حكمه ، متى لم يعلم بمدخلية قيد أو شيء في محلّ فلا يحكم ، بل هو متوقّف في ذلك المحلّ.

ص: 223


1- « ز ، ك » : - فيحكم.
2- الفصول : 366.
3- « ج » : تقسيمات.
4- « ز ، ك » : المقام.
5- « ج » : للمحكوم.
6- « ز ، ك » : أو.
7- « ز ، ك » : لها.
8- « ز ، ك » : الذاتي.
9- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : تشخيصه.

وإذ قد تقرّر هذا (1) فنقول : إنّ العقل لو حكم بوجوب ردّ الوديعة أو قبح الظلم وحرمته فذلك الحكم العقلي إمّا ضروري غير محتاج إلى وسط في إثبات ذلك الحكم ، أو نظري محتاج فيه إلى وسط ينتهي إلى ضروري ؛ ضرورة امتناع الخلوّ عن القسمين ، والثاني يرجع إلى الأوّل بعد الانتهاء إلى ضروري كما لا يخفى ، والشكّ في الزمان الثاني إمّا أن يكون باعتبار فقد حالة معتبرة في موضوع حكم العقل ، أو ازدياد قيد لم يكن قبل كائنا ما كان ، فمع تلك الحالة إمّا أن يكون العقل حاكما في ذلك الموضوع بالحكم الأوّل ، أو لا يكون حاكما ، فعلى الأوّل فلا وجه للاستصحاب ، وعلى الثاني فإمّا أن يعلم باختلاف الموضوع بواسطة العلم بمدخلية تلك الحالة وجودا و (2) عدما في حكم العقل أو لا يعلم ، فعلى الأوّل فموضوع الحكم منتف قطعا ولا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع ؛ إذ لا نقض ولا تناقض على تقدير الانتفاء ، لما هو معلوم من انتفاء التناقض بين القضيّة الموجبة ومنتفية (3) الموضوع بعد وضوح اعتبار التناقض في محلّ الاستصحاب في القضيّة المعلومة والمشكوكة كما هو ظاهر ، وعلى الثاني أيضا لا مجرى للاستصحاب ؛ لعدم العلم بالموضوع ولا بدّ من إحرازه يقينا.

وما ذكرنا إنّما هو مسامحة مع الخصم ؛ إذ يحتمل أن يقال : إنّ العقل يحكم على موضوع معلوم من حيث إنّه القدر المعلوم في الحكم له على وجه لا يعلم اعتبار القيود المعتبرة في الموضوع في ثبوت نفس الحكم أيضا.

وإلاّ فالتحقيق : أنّ الشكّ في بقاء الموضوع وعدمه غير معقول ، فدائما إمّا أن يكون الوجود معلوما فالعقل الحاكم في الأوّل موجود في الثاني أيضا فلا حاجة إلى الاستصحاب ، وإمّا أن يكون العدم معلوما فلا وجه للاستصحاب ؛ لارتفاع الموضوع ؛

ص: 224


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : هذه.
2- « ج ، م » : أو.
3- « ز ، ك » : منفيّة.

إذ لا يعقل في حكم العقل على شيء عدم علمه (1) بما هو معتبر فيه ، فالعقل إمّا يحكم بحرمة الظلم ووجوب ردّ الوديعة على وجه عامّ شامل لموضع (2) الشكّ فلا يجري فيه الاستصحاب ، وإمّا يحكم بذلك في موضوع خاصّ نعلم بعدم تلك الخصوصية في موضع (3) الشكّ فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا كما لا يخفى.

فإن قلت : ما ذكرت إنّما يتمّ فيما إذا علمنا بمستند حكم العقل في الواقعة المتيقّنة (4) ، وقد يكون حكم العقل بواقعة وقطعه بنسبة (5) في قضيّة مردّدا بين أن يكون مستندا إلى عدّة أمور مختلفة يحكم به في زمان الشكّ على تقدير ولا يحكم به على آخر ، فيكون العقل في المقام مثل الإجماع ، ومثل ما إذا أدركنا شيئا بالحسّ فإنّ الموجود المحسوس إنّما علمنا به في بعض أزمنة وجوده ؛ إذ ليس يدرك بالحسّ وجوده في الأزمان المتأخّرة والمتقدّمة كما لا يخفى ، فالشكّ (6) يحصل في موضوع حكم العقل لا أنّه يعلم انتفاء الموضوع عند الشكّ كما في موضوع الإجماع ، وقد تقدّم في بعض الهدايات السابقة (7) وسيجيء في الخاتمة (8) - إن شاء اللّه (9) - أنّه قد يتسامح في الموضوع عرفا ، فعلى تقديره لا ضير في استصحاب حكم العقل كما في سائر الأحكام الشرعية.

قلت : إن أريد حصول العلم بواقعة مع قطع النظر عن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين كما قد يحصل العلم بوقائع كثيرة في قضايا عديدة ، فالعلم بالحسن والقبح يتفرّع على هذا العلم كما في التوقيفيات والشرعيات نظرا إلى ما قرّر من تبعية الأحكام للصفات ، ففيه : أنّه خروج عن المتنازع فيه ؛ إذ لا ريب في أنّ ذلك مثل

ص: 225


1- « ز ، ك » : علّته.
2- « ز ، ك » : لموضوع.
3- « ز ، ك » : موضوع.
4- « ز ، ك » : المنفية.
5- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : بنسبته.
6- « ز ، ك » : والشكّ.
7- انظر ص 193.
8- المراد بها هدية تقدّم الاستصحاب ببقاء الموضوع في ص 387 - 388.
9- « ز ، ك » : - إن شاء اللّه.

الإجماع قد يجري (1) فيه الاستصحاب فيما لو أحرزنا الموضوع حقيقة أو عرفا ، وقد لا يجري فيما إذا لم يكن معلوما.

وإن أريد حصول العلم وحكم العقل (2) بوجوب واقعة أو حرمتها من حيث الحسن والقبح كما هو المفروض في المقام ، فالعلم بالوجوب يتفرّع على العلم بالحسن والقبح ، ففيه : أنّه لا يعقل جهالة مستند حكم العقل ؛ إذ القضيّة المفروضة لا تخلو إمّا أن تكون (3) على وجه يكفي في الحكم بثبوت المحمول للموضوع وتحقّق النسبة تصوّر موضوعها كما في القضايا الضرورية كقولنا : الظلم حرام وقبيح ، أو لا يكون على هذا الوجه ، فيحتاج في الحكم بتحقّق النسبة إلى وسط بينهما ليستفاد (4) منه ذلك العلم كما في القضايا النظرية كقولنا : ضرب اليتيم حرام ، فإنّه يحتاج في العلم بتحقّق تلك النسبة إلى ملاحظة اندراج موضوعها في موضوع كلّي يكفي في الحكم عليه بالحرمة تصوّره كما في قولنا (5) : الظلم حرام ، ولا مناص من الانتهاء إلى مثل ذلك دفعا للدور والتسلسل.

فإن كان الشكّ في القضيّة الأولى فلا بدّ من ملاحظة حال الموضوع المحكوم عليه بالحكم العقلي ، فإن كان على وجه لا يختلف بازدياد حالة أو نقصان صفة فلا شكّ في اللاحق ، وإن اختلف بازدياد حالة أو نقصان قيد فعند الشكّ بواسطة أحد الأمرين ارتفع الموضوع قطعا ، ولا سبيل إلى القول بعدم العلم بذلك ، إذ (6) المفروض أنّ القضيّة بديهية يحكم بثبوت المحمول فيها بمجرّد تصوّر الموضوع.

وإن كان الشكّ في القضيّة الثانية فلا بدّ من ملاحظة حال ذلك الوسط البديهي ، فإن كان موضوع القضيّة النظرية المشكوكة مع ازدياد قيد أو نقصان حالة مندرجا

ص: 226


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : وقد يجري.
2- « ز ، ك » : النقل.
3- « ج ، م » : لا يخلو ... يكون.
4- « م » : يستفاد.
5- « ز ، ك » : قوله.
6- « ز » : إذا.

تحت موضوع الوسط فلا شكّ في اللاحق ، وإلاّ فالموضوع يقيني الارتفاع.

فتقرّر أنّ الأحكام العقلية ممّا لا يعقل (1) فرض الشكّ فيها ، والموضوع فيها دائما إمّا معلوم الوجود فلا شكّ ، وإمّا معلوم العدم فلا استصحاب ، وذلك بخلاف الإجماع كما إذا انعقد على نجاسة الماء المتغيّر - مثلا - فبعد زوال التغيّر يشكّ في بقاء الموضوع لا أنّه يعلم بعدمه ، فلو قلنا بالتسامح العرفي أو استكشاف الموضوع من ظواهر الأدلّة فنقول بجريانه ، وإلاّ فلا.

فإن قلت : إنّ غاية ما يلزم ممّا ذكر عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية ، وأمّا الأحكام الشرعية التي يستدلّ عليها بها (2) فلا ضير في استصحابها ، فإنّها بهذه الحيثية من الأحكام التوقيفية.

قلت : ذلك وهم باطل ؛ لأنّ كون تلك الأحكام توقيفية بهذه الحيثية لا ينافي القطع بارتفاع موضوعها كما في المقام ، فإنّ الحكم العقلي في محلّه وموضوعه دليل على الحكم الشرعي في ذلك الموضوع وقد ارتفع قطعا ، فلا ثمرة فيها أيضا ، وقد مرّ التنبيه على الفرق بين المقام وفيما إذا كان الشكّ في الموضوع فيما مرّ ، فراجعه.

فإن قلت : كما أنّ الأحكام العقلية المترتّبة على التحسين والتقبيح العقليين ممّا لا يمكن فرض الشكّ في موضوعاتها فكذا الأحكام الشرعية أيضا كذلك ؛ لابتنائها عند العدلية على المصالح الواقعية والمفاسد الحقيقية ، فلا بدّ من عدم جريان الاستصحاب فيها أيضا.

قلت : الفرق بين المقامين ظاهر وإن كانت الأحكام الشرعية مبتنية على الأحكام العقلية ؛ لعدم علمنا بالموضوع فيها ، حيث إنّها بموضوعاتها غائبة عنّا ونحن بمعزل عنها ، بخلاف الأحكام العقلية فإنّها معقولة لنا فيحصل العلم بالموضوع فيها دونها ،

ص: 227


1- « ز ، ك » : لا يستقلّ.
2- « ز ، ك » : بها عليها.

غاية ما يمكن أن يقال : إنّه إذا لم يكن دليل على إحراز الموضوع في الأحكام الشرعية من خطاب لفظي أو تسامح عرفي لا يمكن القول بالاستصحاب فيها أيضا ونحن لا نضايق من ذلك كما لا يخفى.

ص: 228

هداية [ في التفصيل بين كون المستصحب وجوديا وبين كونه عدميا ]

أكثر الحنفية على حجّية الاستصحاب في النفي ، والنفي في الإثبات ، على ما حكاه العضدي (1) ، وظاهره التفصيل بين كون المستصحب وجوديا فليس بمعتبر (2) فيه ، وبين كونه عدميا فهو معتبر فيه.

وحمله التفتازاني على التفصيل بين الآثار الوجودية التي تترتّب (3) على المستصحب وجوديا أو عدميا فلا يعتبر ، وبين الآثار العدمية التي تترتّب عليه كذلك فيعتبر ، حتّى أنّ استصحاب حياة المفقود لا يؤثّر في انعزال نصيبه من مال مورّثه ؛ لكونه وجوديا ، ويؤثّر في عدم خروج ماله عن (4) ملكه وعدم تعلّق حقّ وارثه بماله.

وهذا مع أنّه تكلّف في ظاهر ما حكاه العضدي ممّا لا وجه له أيضا ؛ إذ قد يمكن التعبير عن الأحكام الوجودية التي جعلها منها على وجه يرجع إلى الأحكام العدمية كما لا يخفى ، ولعلّه دعاه إلى هذا الحمل ما قد يتراءى من كون الاستصحابات العدمية إجماعية خارجة عن محلّ النزاع ، فعدّه تفصيلا في قبال القول بالحجّية مطلقا والنفي يتوقّف على ذلك ؛ إذ على هذا التقدير يكون موافقا للقول بالنفي المطلق ، إلاّ أنّه قد

ص: 229


1- شرح مختصر المنتهى : 453 ، تقدّم عنه في ص 51 و 60 ، انظر تعليقة ص 60.
2- « م » : معتبرا ، « ج » : معتبر.
3- « ج ، م » : يترتّب ، وكذا في المورد الآتي.
4- « ز ، ك » : من.

عرفت (1) فيما تقدّم في تحرير حريم الخلاف عدم الاعتداد بذلك ، فإنّ أدلّة الطرفين يشهد بدخولها في محلّ الكلام كما يظهر من استدلال النافين بأنّه لو كان حجّة لوجب (2) تقديم بيّنة النافي على بيّنة المثبت لاعتضادها بالاستصحاب ، ومن استدلال المثبتين بأنّه لو لم يكن حجّة لما صحّ التمسّك ببرهان لفظي لاحتمال ما ينافي الاستدلال من النقل ونحوه (3) مثلا ، ومطاوي كلمات النافين صريحة فيما ذكر ، ألا ترى أنّ صاحب المدارك (4) يردّ استصحاب عدم التذكية بعدم اعتبار الاستصحاب مطلقا ، وفي كلمات السبزواري ، بل الخوانساري (5) - (6) وغيرهما النفي الصريح في الكلّ كما هو ظاهر من إطلاق عناوينهم الشاملة للمقامين.

وأمّا ما استند إليه الأستاد الأكبر (7) من كونها إجماعية نظرا (8) إلى اعتبار أصالة عدم النقل والحقيقة والنسخ عند المنكرين كالسيّد واضرابه ومن تابعهم ، فهو إنّما يتأتّى في الأصول اللفظية لا مطلقها كما لا يخفى ؛ ضرورة عدم انتهاض الخاصّ دليلا على ثبوت العامّ بعمومه.

واستند بعضهم إلى (9) استكشاف الإجماع على اعتبار العدميات على (10) ما يظهر من تحرير العضدي حيث قال : ولا فرق عند من يرى صحّته بين أن يكون الثابت به نفيا أصليا أو حكما شرعيا فإنّ نفي الفرق بين النفي الأصلي والحكم الشرعي - بعد أن حكم بعدم ثبوت الحكم الشرعي بالاستصحاب قبيل (11) ذلك عند النافي - صريح في خروج العدميات عن النزاع ، وإلاّ لم يكن لنفي الفرق وجه.

ص: 230


1- عرفت في ص 38 وما بعدها.
2- « م » : يوجب.
3- « ز ، ك » : نحوها.
4- تقدّم عنه في ص 51 - 52.
5- « ج » : المحقّق الخوانساري.
6- تقدّم عنهم في ص 46.
7- تقدّم عنه في ص 44.
8- « ز » : نظر.
9- « م » : على.
10- « ز ، ك » : « هنا ».
11- « ز ، ك » : فبقي.

وفيه : أنّ الظاهر من النفي الأصلي هي البراءة الأصلية فلا دلالة فيه على خروج مطلق العدميات.

وكيف كان فقد تحقّق فيما تقدّم في الهدايات السابقة فساد هذا التوهّم (1) ، فالأولى صرف عنان الكلام إلى تحقيق المرام في هذا المقام فنقول : إنّ الفرق بين استصحاب الوجود والعدم ظاهرا (2) فيما هو المناط فيه - سواء كان عقلا أو نقلا - تحكّم صرف ؛ لأنّ المدار لو كان على حصول الظنّ بالبقاء بعد العلم بالحالة السابقة ، فإن قلنا بأنّ (3) مجرّد ثبوت الشيء في السابق مع عدم العلم بارتفاعه يورث ظنّا بالبقاء من غير ملاحظة شيء آخر كالغلبة ونحوها ، فبعد تقدير التسليم ممّا لا يفترق (4) فيه الوجود والعدم ؛ لحصول المناط فيهما معا. ودعوى بداهة الفرق بينهما كما يظهر من البعض ضرورية الفساد بعد ملاحظة الوجدان ، وعلى فرض انضمام شيء آخر بذلك فلا فرق أيضا ، ولو كان المدار على الأخبار فعدم الفرق بينهما أوضح.

نعم ، لو كان ولا بدّ أن يفصّل في المقام فأوجه التفاصيل التفصيل بين العدميات مطلقا والوجودي الذي كان الشكّ في بقائه من جهة الشكّ في الرافع ، وبين الوجودي الذي لم يكن الشكّ في رافعه ، سواء كان الشكّ من حيث المقتضي أو من حيث المانع.

وتحقيقه يتوقّف على تمهيد ، فنقول : قد تقرّر بناء العقلاء كافّة على الحكم بوجود المقتضي والمعلول بعد إحراز المقتضي ، وإن كان المانع وجوده (5) مشكوكا أو الرافع وقوعه محتملا كما إذا فرضنا وجود مقتضي الإحراق في محلّه وشككنا في وجود مانع من وجود الإحراق ، فالعقلاء قاطبة بناؤهم مستقرّ على ترتيب (6) آثار الإحراق ، وكأنّ

ص: 231


1- « ز ، ك » : وكيف كان فلا شبهة في فساد هذا التوهّم كما يظهر من المراجعة إلى بعض الهدايات السابقة.
2- « ز ، ك » : ظاهر.
3- « ز ، ك » : إنّ.
4- « ج » : لا يفرق.
5- « ز ، ك » : وجود المانع.
6- « ز ، ك » : ترتّب.

الوجه في ذلك أنّ بعد فرض وجود المقتضي يشكّ في أنّ علّة عدم المعلول موجودة فيمتنع (1) المعلول بواسطة ذلك ، فالشكّ إنّما هو في امتناع المعلول من حيث وجود معارض علّة وجوده (2) ؛ إذ عدم المانع لكونه أمرا عدميا لا يعقل تأثيره في وجود المعلول إلاّ من حيث ارتفاع وجود علّة النقيض ، فبذلك يصير المحلّ قابلا ، فيظهر أثر المقتضي ، ولا مدخلية لعدم المانع في اقتضاء المقتضي ، ولهذا ترى المقتضي باقيا على صفة الاقتضاء فعلا مع العلم بوجود المانع ، وكلّما كان الشكّ في إمكان شيء وامتناعه فتراهم يعاملون معه معاملة الإمكان ظاهرا (3) كما مرّ (4) الإشارة إليه في العبارة المنقولة عن الشيخ الرئيس ، وبعد تقدير إمكانه فيؤثّر فيه المقتضي ؛ إذ المفروض أنّه تامّ الاقتضاء ، فيقال بوجود المعلول ويترتّب عليه آثاره.

وإذ قد تقرّر هذا (5) فنقول : إنّ الأصول العدمية بأسرها ، والاستصحاب الوجودي فيما إذا كان الشكّ في الرافع ، من هذا القبيل.

أمّا الأوّل : فلأنّ الأحكام العدمية تارة يطلب منها ترتيب حكم عدمي ، وأخرى ترتيب حكم وجودي ، لا كلام على الأوّل ؛ إذ تلك الآثار العدمية التي تلحق الأحكام العدمية إنّما هي في عرضها وإن كانت مترتّبة عليها في الاعتبار ، فهي أيضا محالّ للاستصحاب كنفس (6) تلك الأحكام. وأمّا الثاني : فكلّ ما نتعقّله (7) من الأمثلة في العدميات كأصالة عدم النقل والقرينة والحذف والنسيان والسهو من الأصول المعمولة في مواردها ممّا يراد منها ثبوت حكم أو ظهور دلالة ونحوها من الأحكام الوجودية التي تترتّب (8) على تلك الأمور العدمية ، من هذا القبيل ، فإنّ حدوث النقل مانع (9) عن (10)

ص: 232


1- « ز ، م » : فيمنع.
2- « ك » : وجود.
3- « ز » : ظاهر.
4- مرّ في ج 3 ، ص 62.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : هذه.
6- « ج ، م » : لنفس.
7- « م » : نتعلّقه.
8- « ج ، م » : يترتّب.
9- « م » : مانعة.
10- « ز ، ك » : من.

حمل اللفظ على المعنى المنقول منه ، وكذا قرينة المجاز ووجود الحذف والنسيان أيضا مانع عن ظهور الدلالة كما لا يخفى مع وجود المقتضي لذلك (1) وهو الوضع ، فمدخلية العدم في تلك الأمور المطلوبة من الأصول العدمية (2) إنّما يكون من حيث إنّ وجوده مانع عن ترتّبها على مقتضياتها (3) ، لكونه علّة تامّة لنقيض (4) الحكم كما عرفت ، ومثله الكلام في أصالة عدم الرافع إلاّ أنّه يعتبر مانعيته بالنسبة إلى البقاء لا الحدوث كما هو كذلك في المانع.

فإن قلت : لا مانع من أن يكون ذلك العدم علّة تامّة لترتّب ذلك الأمر الوجودي ، وحيث إنّها في الأمور الشرعية ليست بعلّة (5) حقيقة (6) فإنّها كاشفة عنها واقعا ، فلا مانع من أن يكون العدم مؤثّرا في الوجود ، بل هو واقع ، كما في أصالة عدم التذكية فإنّ النجاسة مترتّبة على نفس العدم ولا ضير فيه.

لا يقال : إنّ خروج الروح وإزهاقه مقتض للنجاسة ، والتذكية مانعة (7) منها ، فبأصالة (8) عدم التذكية يحرز المعلول ، فلا مخالفة فيه لما ذكر.

لأنّا نقول : المقتضي لا بدّ وأن يكون متقدّما على غيره ، والمقام مقارن فلا يجوز أن يكون مقتضيا.

قلت : نعم ولكنّ التحقيق أنّ المثال المذكور أيضا من هذا القبيل ، فإنّ الإزهاق يقتضي (9) النجاسة (10) ، والمقتضي مقدّم على عدم المانع طبعا ، فلا غائلة في مقارنته له زمانا.

فتلخّص : أنّ الاستصحابات العدمية التي نتداولها إنّما هي ممّا يكون المقتضي للآثار

ص: 233


1- « ز ، ك » : له.
2- « ز ، ك » : - العدمية.
3- « م » : مقتضاياتها.
4- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : لنقض.
5- « ج ، م » : علّة.
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : حقيقية.
7- « ج ، م » : مانع.
8- « م » : فأصالة.
9- « ج » : تقتضي.
10- « ز ، ك » : فإنّ الإزهاق المقتضي للنجاسة.

المطلوبة في تلك الاستصحابات موجودا ، والشكّ إنّما هو في وجود المانع لحدوثها أو لبقائها ، نعم لو فرض من الأصول العدمية ما لم يكن المقتضي للآثار المترتّبة عليها موجودا فأصالة عدم المانع لا يكفي في الحكم بترتّب (1) تلك الآثار وهو ظاهر إلاّ أنّ الأمثلة الموجودة ليس منها.

هذا تمام الكلام فيما كان المستصحب عدميا.

وأمّا الثاني : وهو ما كان المستصحب وجوديا فلا ينطبق على القاعدة المزبورة إلاّ فيما كان الشكّ في الرافع فقط ؛ إذ المانع من الحدوث لو كان مشكوكا فلا يعلم (2) بوجود المعلول فلا يقين في السابق ، فلا يجري الاستصحاب الوجودي فيما إذا كان الشكّ في المانع ، وأمّا الشكّ من حيث المقتضي بعد العلم بتماميته في السابق وإن كان يعقل فيه الاستصحاب الوجودي إلاّ أنّه ليس داخلا فيما مهّدناه في المقدّمة.

وبالجملة : فنحن ندّعي استقرار بناء العقلاء على ذلك الحكم بوجود المعلول بعد إحراز المقتضي ولو كان المانع وجوده مشكوكا ، وهذه القاعدة وإن لم يكن (3) من الاستصحاب في شيء إلاّ أنّه ينطبق (4) على موارده المفروضة ، وإليه ينظر عبارة المحقّق كما مرّ نقله فيما سبق (5) ، ولو لا أنّ من المعلوم خلافه في كلمات العلماء - كما عرفت حيث إنّ المستفاد من كلام جملة عدم الاعتداد بالاستصحاب مطلقا - لم يكن دعوى الإجماع عليه أيضا بعيدا ؛ حيث إنّ العمل عليه ، ولا ينافيه إنكارهم تفصيلا بعد الإذعان (6) الإجمالي.

والأخبار الواردة في الباب بناء على التحقيق دلالة لها على غير ذلك ، فإنّ المنساق منها - سواء كان بلفظ النقض أو غير ذلك كما لو قال : « إذا شككت فابن على اليقين » -

ص: 234


1- « م » : ترتّب.
2- « ك » : فلا نعلم.
3- كذا.
4- كذا.
5- انظر ص 53 - 54 و 65 و 68.
6- « م » : الإعادة.

اتّحاد مورد اليقين والشكّ على وجه لم تكن القضيّة المتيقّنة مخالفة للمشكوكة إلاّ بالإيجاب والسلب فقط واليقين والشكّ ، وليس هذا إلاّ في العدميات ؛ لأنّ العدم الثابت المعلوم أوّلا بعينه مشكوك في اللاحق ، إذ لا يتفاوت العدم الأزلي بتفاوت الأمور التي يحتمل تفاوت الوجود بها من حال أو وصف وزمان ومكان ونحوها كما هو ظاهر لا سترة عليه ، وفي الوجودي فيما إذا كان الشكّ في الرافع ؛ إذ المقصود بالاستصحاب هو البقاء ، والمحمول في القضيّة المعلومة السابقة هو الوجود ، ولا مدخل للرافع فيه ، فلا يختلف بالتقييد (1) له (2) بعدمه كما يختلف في المانع من الحدوث كما مرّ تفصيل ذلك فيما مرّ (3) في الهداية الأخبارية (4).

وعلى ما قرّرنا من ثبوت طريقة العقلاء على الأخذ بالاستصحاب في الموارد المفروضة يظهر الوجه فيما ذهب إليه جملة من محقّقي السلف من اعتبار الاستصحاب كالمفيد (5) وأضرابه (6) قبل ظهور دلالة الأخبار عليه ، إلاّ أنّه يشكل أيضا بأنّ الاعتماد (7) بالاستصحاب (8) عند العقلاء إن كان بواسطة ما قد يتوهّم من أنّ العقلاء أيضا قد يتعبّدون بأمارة وإن لم تفد الظنّ كما في التعبّديات الشرعية كالبيّنة ونحوها مثلا ، ففساده ظاهر ؛ إذ لا يعقل التعبّد عند العقل بعد ما نعلم من أنّ المناط هو الواقع عنده وكيف يمكن التعبّد به (9) مع أنّه لا يزيد على شكّ؟ والأخذ بأحد طرفيه ترجيح بلا مرجّح وهو فطري الاستحالة وتجويزه سفسطة ، وإن كان بواسطة إفادته الظنّ في موارده إمّا بملاحظة الغلبة أو بمجرّد العلم بالحالة السابقة أو غير ذلك ، فهو حقّ في

ص: 235


1- « ز ، ك » : بالتقيّد.
2- « ج » : فيه وفي « ك » : به.
3- « ز ، ك » : الحدوث على ما مرّ تفصيله.
4- مرّ في ص 190 - 194.
5- التذكرة : 45.
6- كالمحقّق كما نصّ به في ص 271.
7- « ز ، ك » : « بالاعتماد » بدل : « بأنّ الاعتماد ».
8- « ج » : إلى الاستصحاب.
9- « ج ، م » : - به.

موارد الاستصحاب المعمول عندهم في أحكام معاشهم ، وأمّا في الأحكام الشرعية فحصول الظنّ في موارده بأجمعها غير معلوم ، ودعواه مجازفة بيّنة ومكابرة واضحة ؛ إذ كثيرا ما نجد من أنفسنا في تلك الأحكام عدم رجحان ثبوت المستصحب مع الأخذ به فيها أيضا ، ويظهر ذلك من ملاحظة قضيّة المذي كما (1) لا يخفى ، ولا سيّما إذا عارضه دليل غير معتبر كالقياس.

وبالجملة : دعوى حصول الظنّ في جميع موارد الاستصحاب في الأحكام لا شاهد عليها ، بل يكذّبها (2) الوجدان والبرهان معا ، وبدونه لا دليل عليه ؛ لعدم اعتبار الشكّ عند العقلاء ، فكيف يمكن القول بالاستصحاب للسلف مع عدم دلالة دليل عليه؟ وغاية ما يتعسّف في الذبّ عنه أن يقال : إنّ بناء العقلاء على العمل بالظنّ الاستصحابي إلاّ أنّه لمّا قرّر الشارع العمل بذلك الظنّ في الشرعيات لا جرم صار ذلك ظنّا نوعيا.

وتوضيح ذلك : أنّه لو فرض وجود أمارة ظنّية غير معتبرة عند العقلاء كالنوم - مثلا - فعارض الاستصحاب على وجه انتقل الظنّ الشخصي إليه ، فمع ذلك تراهم يلتزمون بإعمال الاستصحاب وطرح النوم كما يظهر ذلك عند ملاحظة قول الطبيب عند مخالفته لظنّ المريض ، فالأخذ بالاستصحاب في هذا المقام وإن لم يكن مفيدا للظنّ إلاّ أنّه أولى من الأخذ بالأمارة الغير المعتبرة عندهم ، فكان ذلك الظنّ لا يعدّ ظنّا مثل ما يراه الرائي من بعيد فيظنّ السراب ماء كما لا يخفى ، ولمّا قرّر الشارع العمل بالاستصحاب صار العامل به في الشريعة كما إذا كان عند العامل (3) أمارة ظنّية غير معتبرة ، فيأخذ بالاستصحاب وإن لم يكن مفيدا للظنّ من حيث أولويته من الأمارة الغير المعتبرة شرعا ، فكأنّ الظنّ القياسي ليس من الظنّ بعد عدم الاعتداد به عند (4)

ص: 236


1- « ز ، ك » : مما.
2- « م » : يكذّبه.
3- « ز ، ك » : العادل.
4- « ز ، ك » : من.

الشارع ، نعم يبقى الكلام في اعتبار هذا الظنّ في الشريعة ، فلا يبعد أن يقال : إنّ استقراء موارد الاستصحاب يعطي الظنّ القويّ بأنّ الشارع إنّما اعتبر الظنّ الحاصل من ملاحظة الحالة السابقة كما عرفت الوجه في ذلك (1) فيما قدّمنا من الاستناد إلى الأخبار الخاصّة إلاّ أنّ الكلام يبقى حينئذ في اعتبار هذا الظنّ في المقام.

كذا أفاد أديمت إفاداته (2) إلاّ أنّ الإنصاف عدم انتهاضه بدفع الإشكال حقيقة ؛ إذ بعد ما علم من أنّ مناط حكم العقلاء هو حصول الظنّ ومدار حكمهم هو الواقع ففرض عدم اعتبار الظنّ المقابل للاستصحاب والاعتناء بالاستصحاب إنّما هو خلاف الفرض (3) كما لا يخفى.

ص: 237


1- « ز ، ك » : كما عرفت وجهه.
2- « ز ، ك » : « أفاد الأستاد » من دون الجملة الدعائية.
3- « ز ، ك » : المفروض.

ص: 238

هداية [ في كلام النراقي في معارضة الاستصحاب الوجودي والعدمي ]

زعم بعض (1) أفاضل متأخّري المتأخّرين أنّ استصحاب حال الشرع - يعني الاستصحاب الوجودي - ليس معتبرا ، واستصحاب حال العقل - يعني الاستصحاب العدمي - معتبر ، واستند في ذلك إلى أنّ استصحاب الوجود دائما معارض باستصحاب عدمي مسبوق بذلك الوجود ، ومحصّل تفصيله التفكيك بين ما كان المقتضي محرزا وشكّ في حصول الرافع وبين ما كان الشكّ من حيث المقتضي ؛ إذ في موارد الشكّ الأخير دائما يتعارض الاستصحابان فيتساقطان ولا بدّ من الرجوع إلى أصل عملي آخر كالبراءة ونحوها ، بخلاف موارد الشكّ الأوّل فإنّ استصحاب عدم الرافع بعد سقوط الاستصحابين متعيّن.

فالأولى نقل كلامه بطوله لتوضيح مرامه ، قال - في جملة كلام له في تعارض الاستصحابين - : والتحقيق أنّ تعارض الاستصحابين إن (2) كان في موضوع (3) وحكم واحد فلا يمكن العمل بشيء منهما ويتساقطان فيرجع إلى البراءة وشبهها ، وذلك كما إذا قال الشارع في ليلة الجمعة مثلا : « صم » وقلنا : بأنّ الأمر للفور ، وكنّا متوقّفين في

ص: 239


1- في هامش « م » : « وهو المحقّق النراقي » وكذا كتب تحتها في هامش « ز » و « ك » : « أي النراقي » وسيأتي نصّ كلامه.
2- « ز ، ك » : إذا.
3- في المصدر : موضع.

إفادة (1) المرّة والتكرار ، فنقطع بوجوب صوم يوم الجمعة ونشكّ (2) في السبت ، وفيه يتعارض الاستصحابان ؛ لأنّا كنّا يوم الخميس متيقّنين بعدم وقوع التكليف بصوم يوم الجمعة ولا السبت ، وبعد ورود الأمر قطعنا بتكليف صوم الجمعة وشككنا في السبت ، وهذا الشكّ مستمرّ من حين ورود الأمر إلى يوم السبت ولا ينقض بالشكّ ، فيستصحب عدم تكليف يوم السبت بالصوم ، وكذا نقطع في الجمعة (3) بالتكليف بالصوم ونشكّ في السبت ، فيستصحب التكليف ، أي وجوب الصوم ، فيحصل التعارض.

ثمّ أورد على نفسه : بأنّ عدم التكليف المعلوم قبل الأمر إنّما يستصحب لو لا الدليل على التكليف ، واستصحاب الوجوب المتيقّن في الجمعة دليل شرعي ، فيرتفع عدم التكليف ونقض (4) اليقين باليقين.

فأجاب عنه : بأنّ مثله يجري في الطرف الآخر فيقال : وجوب صوم الجمعة (5) إنّما يستصحب لو لا الدليل على عدمه ، واستصحاب عدمه المتيقّن قبل ورود الأمر دليل شرعي ، فيرتفع الوجوب.

لا يقال : إنّ العلم بالعدم قد انقطع وحصل الفصل فكيف يستصحب؟

لأنّا نقول : إنّه (6) لم يحصل فصل (7) أصلا ، بل كنّا قاطعين بعدم إيجاب صوم السبت (8) يوم الخميس وشككنا فيه بعد الأمر ولم نقطع بوجوب صومه أصلا ، فيجب استصحابه (9) ، انتهى.

ص: 240


1- في المصدر : إفادته.
2- « ز ، ك » : الشكّ.
3- « م » والمصدر : يوم الجمعة.
4- في المصدر : وينقض.
5- « م » : يوم الجمعة.
6- « م » : بأنّه.
7- في المصدر : فصلا.
8- « ك » : يوم السبت.
9- مناهج الأحكام : 235 - 236.

وقال في موضع آخر - بعد ما مهّد كلاما يتفرّع على ما قدّمه في أوّل الباب - : لا حجّية للاستصحاب في القسم الثالث مطلقا ، وفسّره بأنّه الذي علم ثبوت الحكم في الجملة أو في حال أو (1) شكّ فيما بعده ، قال : وذلك لأنّ بعد ما علم حكم في وقت أو حال وشكّ فيما بعده وإن كان مقتضى اليقين السابق واستصحاب ذلك الحكم وجوده في الزمان الثاني و (2) الحالة الثانية ولكن مقتضى استصحاب حال العقل عدمه ؛ لأنّ هذا الحكم قبل حدوثه كان معلوم العدم مطلقا ارتفع (3) عدمه في الزمان الأوّل فيبقى الباقي ، ومثّل لذلك بأنّ الشارع إذا أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم أنّه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه بعد ذلك فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس فيه قبل الزوال ، فصار بعده موضع (4) الشكّ ، فلنا (5) شكّ ويقينان وليس بقاء حكم أحد اليقينين أولى من الآخر (6).

إلى أن قال : وبالجملة : بملاحظة اليقين بالعدم الحاصل قبل الشرع أو التكليف أو (7) البلوغ والعقل واستصحابه يحصل التعارض في جميع موارد القسم الثالث ، فلا مرجّح (8) لأحدهما ، فلا يكون شيء منهما حجّة ويجب تركهما والرجوع إلى ما يقتضيه دليل آخر. وعليه فرّع الجواب عن شبهة النبوّة المتقدّمة.

ثمّ قال : وأمّا القسمان الأوّلان فيظهر ممّا ذكر أيضا عدم حجّية استصحاب حال الشرع فيهما أيضا إذا كان المستصحب من الأمور الشرعية بواسطة التعارض (9) ، فإنّ استصحاب الطهارة والمالكية ونحوهما من الأمور المقرّرة في الشريعة إلى ثبوت رافعها عند الشكّ في الرافع ، أو في رافعية معارض باستصحاب عدم جعل الشارع لتلك

ص: 241


1- في المصدر : « و ».
2- في المصدر : « أو » بدل : « و ».
3- في المصدر : علم ارتفاع.
4- في المصدر : بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى موضع.
5- في المصدر : قلنا.
6- في المصدر : ومن إبقاء حكم الآخر بها.
7- في المصدر : « و » بدل : « أو ».
8- في المصدر : ولا مرجّح.
9- في المصدر : الشرعية مطلقا لأجل تعارضه مع استصحاب حال العقل.

الأحكام عند الشكّ فيهما ، وإثبات التكليف والجعل ليس بأولى من إثبات عدمهما بالاستصحاب.

ثمّ قال : ولا يتوهّم أنّه يلزم على هذا انتفاء الحكم الثابت أوّلا (1) في القسمين بمجرّد الشكّ ، فإنّه ليس (2) كذلك ، بل (3) يحكم ببقاء الحكم ولكن لا لأجل استصحاب حال الشرع ، أي استصحاب ذلك الحكم ، بل لأجل استصحاب آخر من حال العقل. بيان ذلك أنّه قد عرفت في المقدّمة الأولى أنّ سبب الشكّ في هذين القسمين إمّا الشكّ في تحقّق المزيل القطعي (4) ، أو الشكّ في جعل الشارع شيئا أو الشيء الفلاني مزيلا للحكم ، ولا شكّ أنّ الأصل عدم تحقّق المزيل وعدم جعل الشارع شيئا أو هذا (5) الشيء (6) مزيلا ، ويلزم من (7) هذا الاستصحاب وجود هذا الحكم ، ولا يعارضه استصحاب عدم التكليف ؛ لأنّ الاستصحاب الأوّل سبب (8)للحكم ببقاء استمرار الحكم ، وهو مزيل لعدم التكليف ، وليس استصحاب عدم التكليف سببا لوجود الشيء المعيّن الذي جعله الشارع مزيلا أو جعل (9) هذا الشيء مزيلا (10).

إلى أنّ قال : وقد تلخّص من ذلك أنّ الأحكام الثابتة إنّما يحكم ببقائها بالاستصحاب إذا شكّ في المزيل لا في غيره ، وأنّ الحجّة (11) من الاستصحاب إنّما هو في القسم الأوّل من قسمي الشكّ ولكن لا استصحاب حال الشرع ، بل استصحاب حال العقل.

ثمّ فرّق بين ما اختاره في المقام وما اختاره البعض من حجّية الاستصحاب عند

ص: 242


1- « ز ، ك » : + في اليقين.
2- في المصدر : - ليس.
3- « ز ، ك » : « لذلك سبيل » بدل : « كذلك بل ».
4- في المصدر : + بعد العلم بعدمه.
5- « ز ، ك » : - هذا.
6- « ج ، م » : هذا لشيء.
7- في المصدر : - من.
8- في المصدر : - سبب.
9- « م » : بجعل وفي المصدر : بجعل الشارع.
10- « ج » : - أو جعل هذا الشيء مزيلا.
11- « ج » : الحجّية.

الشكّ في المزيل بأنّ الظاهر منه استصحاب حال الشرع ، وإن احتمل التوافق فنعم الوفاق.

ثمّ قال : هذا في الأمور الشرعية ، وأمّا الخارجية - كاليوم والليل والحياة والرطوبة والجفاف وأمثالها ممّا لا دخل لجعل الشارع في وجودها - فاستصحاب الوجود فيها حجّة بلا معارض ؛ لعدم تحقّق استصحاب حال العقل فيها (1) ، انتهى كلامه مع تلخيص وتغيير ما (2) منّي.

وملخّصه في تمام ما ذكر (3) هو اعتبار الاستصحاب عند (4) الشكّ في الرافع أو الرافعية (5) ، وعدمه عند الشكّ من حيث المقتضي.

وكيف كان ففيما أورده نظر من وجوه :

أمّا أوّلا : فلأنّ ما فرضه من المثالين من وجوب الصوم أو الجلوس ممّا لا مجال للاستصحاب فيه كما بيّنا وجهه فيما أيّدنا به (6) مذهب الفاضل التوني في الهداية التونية (7). وتوضيحه أنّ الأحكام الشرعية على قسمين : فبعض منها ما يعدّ شيئا واحدا كالحرمة والإباحة مثلا ، وكالاستحباب (8) في وجه ، ومنها ما يعدّ عندهم أحكاما (9) متعدّدة كالوجوب مثلا ، ففيما إذا شكّ في الوجوب ثانيا فإمّا يشكّ في الوجوب الأصلي في قبال الوجوب الثابت أوّلا ، أو في الوجوب التبعي ، أو في الوجوب المردّد بين هذين القسمين ، ففي الأوّل فلا بدّ من الأخذ بالبراءة الأصلية ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ظاهرا كما حرّر في محلّه ، وفي الثاني فلا بدّ من الرجوع إلى قاعدة البراءة والاحتياط عند الشكّ في الجزئية ، فكلّ على ما اختاره في تلك المسألة ، وفي الثالث فاحتمال

ص: 243


1- مناهج الأحكام : 238 - 239 ( الفائدة الأولى ).
2- « ز ، ك » : - ما.
3- « ز ، ك » : ذكرناه.
4- « ز ، ك » : في.
5- « م » : في الرافعية.
6- « ز ، ك » : - به.
7- انظر ص 116.
8- « ز ، ك » : كالاستصحاب.
9- « ج ، م » : أحكام.

الأصلي (1) مدفوع بالبراءة ، واحتمال التبعي كالثاني مرجعه إلى البراءة أو الاشتغال.

لا يقال : فعلى هذا لا مجال (2) لاستصحاب الوجوب مطلقا ، لأنّا نقول : هو كذلك كما عرفت فيما تقدّم ، فالتمثيل (3) بما ذكر غير ملائم لما هو بصدده كما هو ظاهر ، والأولى التمثيل بالتحريم أو الإباحة ممّا لا يعدّ أمورا متعدّدة كما لا يخفى.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الأحكام المجعولة في الشريعة لا تخلو من أحد الوجهين : إمّا أن تكون مقيّدة (4) بالزمان على وجه تختلف تلك الأحكام باختلاف الأزمنة كما في الموقّتات ، وإمّا أن لا تكون مقيّدة (5) بالزمان فهو إذن ظرف لها لا يختلف المظروف باختلافه ، وعلى التقديرين ممّا لا وجه للكلام المذكور.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ بعد تقضّي (6) الزمان والقيد لا معنى لاستصحاب الوجود ، فيجري فيه استصحاب العدم ، ولا يضرّه (7) وجوده في السابق بعد ما فرض تقييده بالزمان في استصحاب العدم بعد زوال القيد ؛ إذ وجوده في الوقت (8) السابق عين عدمه في الوقت اللاحق كما لا يخفى.

وأمّا على الثاني : فلأنّ بعد انقطاع العدم المطلق في الأزل بالوجود المطلق وخروج الماهيّة من الليس إلى الأيس ، فلا وجه لاستصحاب العدم في موضع الشكّ ويجري فيه استصحاب الوجود ؛ لأنّ العدم المطلق قد انقطع بوجود مطلق ، فلا تعارض في المقام ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون مبنى الأمر في الاستصحاب على التدقيق في موضوعه أو على التسامح ؛ إذ على التقديرين يتّجه الترديد المذكور.

ص: 244


1- « ز ، ك » : الوضع.
2- « ج ، م » : فلا مجال.
3- « ز ، ك » : فالتمسّك.
4- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : « يكون مقيّدا ».
5- « ج » : لا يكون مقيدا.
6- « م » : تفصّي ، وفي « ز » : تفضي ( ظ ).
7- « ج ، م » : ولا يضرّ.
8- « ز ، ك » : الظرف.

لا يقال : قد لا يكون جزم بأحد طرفي الترديد المذكور ، فيجري فيه الاستصحابان.

لأنّا نقول : لا خفاء في فساد هذا التوهّم (1) ؛ إذ لا يجري عنده إلاّ أحد الاستصحابين كما هو ظاهر.

وقد يتخيّل ابتناء (2) هذا الكلام على ما تخيّله بعض أهل المعقول من كون الوجود أمرا ممتدّا في تشخّصه على وجه لا يناط امتداده بالزمان كنفس الزمان والحركة وسائر المقادير كما لا يخفى.

وهو أيضا ممّا لا يكاد يتمّ ؛ إذ بعد فرض الامتداد في نفس الوجود فعند الشكّ في حصول حدّه لا وجه لاستصحاب العدم ، وعند الشكّ في وجوده بعد الوصول إلى الحدّ لا وجه لاستصحاب الوجود كما هو ظاهر.

فإن قلت : إنّا نختار جريان الاستصحاب الوجودي بجعل الزمان ظرفا ، ومع ذلك فلا يعقل جريان استصحاب الوجود ؛ لأنّ الممكن ليس مستغنيا عن المؤثّر في البقاء أيضا ، فوجوده (3) في الزمان الثاني لا بدّ له من مرجّح به ينسدّ جميع أنحاء عدمه ويتفاضل إحدى كفّتي ميزان وجوده وعدمه ، والأصل عدم المرجّح ، فيتعارضان ، فلا يحكم بوجود المستصحب في الزمان الثاني كما هو المقصود من الاستصحاب (4) في الأحكام الوجودية.

قلت أوّلا : لا معنى لمعارضة استصحاب الوجود (5) لاستصحاب عدم المرجّح ؛ إذ الشكّ في الوجود في الزمان الثاني ناش من الشكّ في وجود مرجّحه فيه ، فعلى فرض جريان الأصل في المرجّح لا يبقى للشكّ في وجود المعلول مجال كما لا يخفى ؛ إذ به

ص: 245


1- « ج ، م » : التوهّم هذا.
2- « ز ، ك » : استناد.
3- « ز » : وجوده « ك » : ووجوده.
4- « ز ، ك » : بالاستصحاب.
5- « ز ، ك » : - الوجود.

يرتفع ارتفاعا موضوعيا.

وثانيا : على تقدير المعارضة - كما توهّم - فنقول : إنّ استصحاب عدم المرجّح معارض باستصحاب وجوده ؛ إذ احتياج الممكن في البقاء إلى المؤثّر لا يقضي (1) بأن لا يكون المؤثّر هو المفيض الأوّل ، بل والتحقيق أنّه على تقدير وجود الممكن في الزمان الثاني لا بدّ وأن يكون هو المؤثّر الأوّل ؛ لانتفاء المعلول الأوّل بانتفاء علّته الأولى ، فعلى فرض وجوده ثانيا يباين الأوّل على هذه الملاحظة كما لا يخفى ، فالأصل بقاء مرجّحه في الزمان الأوّل ، فيتعارضان فيتساقطان (2) ويبقى استصحاب الوجود بلا معارض.

والقول بأنّ الثابت من وجود المرجّح هو الوجود في الزمان الأوّل فلا يجري فيه استصحاب الوجود ، رجوع إلى ما أبطلناه سابقا من عدم تقييد الوجود بالزمان.

وبالجملة فالمعترض إنّما انتقل من الاعتراض في المعلول إلى العلّة كما لا يخفى ، والجواب هو ما قدّمناه. على أنّه يمكن أن يقال : إنّ الفاضل المذكور إنّما تصدّع بالتفصيل المزبور في الأحكام الشرعية الجعلية ، وأمّا المرجّح لوجود الشيء والحكم وعلّة الجعل ليس منها ، فهو إذن كالموضوعات الخارجية التي يلتزم باستصحاب الوجود فيها.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما زعمه من إجراء الاستصحاب العدمي في القسمين الأوّلين - وهما ما شكّ في وجود المزيل أو إزالة الموجود - ليس على ما ينبغي فيما زعمه ؛ لأنّ المستفاد من كلامه أخيرا عدم تعارض الاستصحاب الوجودي للعدمي فيما إذا كان المستصحب موضوعا خارجيا كالرطوبة والحياة ونحوهما ، والوجه في ذلك أنّ الوجود في الموضوعات الخارجية ليس ممّا يختلف باختلاف الأزمنة ، فاستصحاب

ص: 246


1- « ج » : لا تقتضي.
2- « م » : ويتساقطان ، وفي « ج » : فيعارضان فيساقطان.

العدم ليس جاريا فيها ، فلا يعارض استصحاب الوجود. وقد قرّر وجه التعارض في القسمين بأنّ استصحاب الطهارة والملكية في الزمان الثاني معارض باستصحاب عدم جعل الشارع الطهارة في الزمان الثاني عند الشكّ في وجود الرافع أو الشكّ في رافعية الموجود ، فهل ترى يختلف جعل الشارع طهارة الشيء باختلاف حالات المكلّف من الشكّ في وجود الرافع؟ إذ من المعلوم عدم مدخلية ذلك في الجعل ، فالحال في القسمين كالحال في الموضوعات فإن أمكن القول بالتعارض فلا فرق بينهما ، وإلاّ فلا فرق أيضا.

وتوضيحه : أنّ قضيّة الشكّ في وجود الرافع أو رافعية الموجود هو بقاء المعلول في الزمان الثاني بحسب وجود المقتضي لذلك ، فمع قطع النظر عن الرافع وجود الشيء المرفوع بحسب اقتضاء مقتضيه من الجعل ونحوه في زمان وجود الرافع معلوم ، فلا يتعقّل اختلاف الجعل عند اختلاف حالة المكلّف ، فتدبّر.

وأمّا رابعا : فلأنّ قول أبي جعفر عليه أفضل السلام وأكمل الصلاة (1) في رواية زرارة : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك » (2) حجّة عليه ، فإنّه عليه السلام إنّما راعى جهة استصحاب الوجود وهو استصحاب الطهارة السابقة لا استصحاب عدم الرافع.

فإن قيل : فلعلّه عليه السلام إنّما حكم بذلك من حيث إنّ اللازم لرفع الرافع وعدمه بالاستصحاب هو الوجود لا أنّه اعتبر استصحاب الوجود بنفسه كما هو المدّعى.

قلت : الوجدان (3) السليم حاكم بفساد التوهّم المذكور ، وتوضحه (4) ملاحظة ظاهر الرواية ، فإنّه علّله بوجود الطهارة اليقينية ، وإلاّ كان المتّجه تعليله بعدم العلم بالرافع وهذا ظاهر في الغاية.

فانقدح من جميع ما مرّ : أنّ ما أورده من تعارض الاستصحابين في الحكم الواحد

ص: 247


1- « ز ، ك » : عليه السلام.
2- تقدّم في ص 95.
3- « ز ، ك » : إنّ الوجدان.
4- « ج » : يوضحه.

ممّا لا يصغى إليه لادّائه إلى اجتماع النقيضين ووجود اليقين على طرفي الخلاف والتناقض كما هو ظاهر على من تدبّر ، ولعلّه (1) إنّما قاس الاستصحابين بغيرهما من الأمارتين فيما إذا تعارضتا في موضوع واحد كاليدين - مثلا - على ما يظهر من كلامه أوّلا ، وأنت خبير بظهور الفرق بينهما ؛ حيث إنّ موضوعهما لا يناط بحالة نفسانية ، بخلاف الاستصحاب فإنّ تحقّق موضوعه منوط بتحقّق اليقين والشكّ ، ولا يتصوّر اليقين بطرفي (2) النقيض. وانقدح (3) أيضا بأنّ ما فرّعه من دفع شبهة النبوّة المتقدّمة ممّا لا أصل له كما هو ظاهر لا سترة عليه.

ص: 248


1- « ز ، ك » : ولأنّه.
2- « ج ، م » : لطرفي.
3- « ز ، ك » : القدح.

هداية [ في الاستصحاب في الاعتقاديات ]

قد عرفت فيما قدّمنا (1) في الهداية المعقودة لتحرير محلّ الخلاف في الباب (2) عمومه للأقسام الخمسة من الأحكام الكلّية الفرعية ، والاعتقادية ، والأصولية ، والموضوعات المستنبطة منها الأحكام ، والموضوعات الخارجية المتعلّقة بها الأحكام ، وقد مرّ أيضا ما يستظهر منه جريان الاستصحاب واعتباره وعدمهما في الأقسام المذكورة ، إلاّ أنّه لا بأس بتجديد (3) المقال في توضيح الحال ، فنقول : أمّا الأحكام الكلّية الشرعية فقد عرفت (4) تحقيق الكلام فيه بما لا مزيد عليه ، وأمّا الاعتقاديات فالمقصود من الاستصحاب فيها (5) إمّا إثبات نفس الاعتقاد ، وإمّا إثبات حكمه كوجوب الاعتقاد ، وإمّا إثبات المعتقد ، ولا وجه للكلّ.

أمّا الأوّل : فلأنّ الاستصحاب لا يعقل في الاعتقاد المعلوم انتفاؤه حال الشكّ إن أريد إثبات ذلك الاعتقاد الشخصي الموجود في السابق ، وإن أريد تحصيل الاعتقاد بالاستصحاب على وجه يكون المستند فيه هو الاستصحاب فغاية ما يتعسّف في المقام القول بإفادته الظنّ ، ويرجع النزاع إلى ما فرغنا عن البحث عنه في مباحث

ص: 249


1- « ز ، ك » : فيما مرّ منّا.
2- تقدّم في ص 35.
3- « ج ، م » : لتجديد.
4- عرفت في الهداية الأخبارية ص 183.
5- « م » : - فيها.

الظنّ من عدم اعتباره في الاعتقاديات.

وأمّا الثاني : فلأنّ بعد فرض انتفاء الموضوع لذلك الحكم لا معنى لاستصحاب الحكم. وتوضيحه أنّ الوجوب (1) المتعلّق (2) بالاعتقاد لا يعقل وجوده بعد انتفاء الاعتقاد إن أريد إثبات الحكم والوجوب بعد ارتفاع الاعتقاد ، وإن أريد به بعد وجود الاعتقاد فلا ثمرة فيه ؛ إذ بعد الاعتقاد بنبوّة نبيّ لا يترتب على الوجوب المتعلّق به حكم ، فإنّ المقصود في المطالب الاعتقادية هو نفس الاعتقاد من غير مدخلية شيء آخر والمفروض حصوله.

فإن قلت : يمكن استصحاب وجوب تحصيل الاعتقاد فيما لو دلّ الدليل عليه في السابق عند انتفاء الاعتقاد.

قلت : مع قيام الدليل على الاعتقاد كأن يكون هناك دليل مفيد له لا وجه للاستصحاب ؛ إذ المفروض حصول الاعتقاد بواسطة ذلك الدليل ، ومع عدمه يمكن الاستصحاب ، إلاّ أنّ المقدّر خلافه ؛ لوجود الدليل دائما على ذلك ، فتدبّر. كذا أفيد.

وأمّا الثالث : فلأنّ المعتقد من الموضوعات لا معنى لاستصحابه في موارد الشكّ بمعنى أنّه لا يكون ثابتا في مقام الظاهر ، نعم معنى استصحابه هو ترتيب الآثار المترتّبة عليه حال العلم ، وليس ذلك إلاّ الأحكام الفرعية كما لا يخفى.

وأمّا الأصولية العملية فجريان الاستصحاب فيها فتارة : من حيث التعبّد بواسطة دلالة الأخبار ، وأخرى : من حيث إفادته الظنّ وبناء العقلاء (3) ، فعلى الأوّل لا إشكال في جريان الاستصحاب واعتباره أيضا إلاّ أن يقال بعدم كفاية غير العلم فيها ، وعلى الثاني أيضا كذلك بناء على ما هو التحقيق من كفاية الظنّ في الأصول أيضا ، سيّما على تقدير كون الظنّ الحاصل منه ظنّا مخصوصا لقيام دليل على اعتباره كبناء العقلاء

ص: 250


1- في النسخ : وجوب.
2- « ز ، ك » : المعلّق.
3- « ز ، ك » : الاستصحاب فيها من حيث ... الأخبار تارة ، ومن حيث ... بناء العقلاء أخرى.

مثلا.

وأمّا الموضوعات المستنبطة فالاستصحابات المعمولة فيها ممّا لا ريب في صحّة مفادها بناء على اعتبارها من جهة الظنّ كما هو ظاهر ، وأمّا على تقدير الاستناد إلى الأخبار فاعتبارها مبنيّ على جواز التعويل على الأصول المثبتة وستعرفه بعيد ذلك.

وأمّا الموضوعات الخارجية الصرفة والأحكام الجزئية كحياة زيد والرطوبة واليبوسة والطهارة الخاصّة والزوجية الخاصّة ونحوها ، فجريان الاستصحاب واعتباره فيها ممّا لا كلام فيه كما مرّ (1).

ص: 251


1- مرّ في ص 178 وما بعدها ، انظر أيضا ص 49 وما بعدها.

ص: 252

هداية [ في الأصل المثبت ]

اشارة

[ في الأصل المثبت ] (1)

المستصحب إمّا أن يكون حكما من الأحكام الشرعية فيمكن أن يكون مجعولا في مرحلة الظاهر ؛ لكونه من الأمور الجعلية ، بل لا معنى لاستصحابه إلاّ جعله في الظاهر كما عرفت فيما تقدّم في الهداية السبزوارية (2) ، وإمّا أن يكون موضوعا من الموضوعات التي لا يمكن جعلها في مقام الظاهر.

فعلى الأوّل : لا إشكال في ترتيب كلّ ما يترتّب على الحكم الواقعي عليه ؛ إذ هو بعد الجعل حكم واقعا فيترتّب (3) عليه جميع ما يتفرّع عليه من اللوازم الشرعية والعاديّة والعقلية ، اللّهمّ إلاّ أن يكون ذلك الحكم من خواصّ الأحكام الواقعية من حيث هي واقعية إلاّ أنّه لم نجده.

وعلى الثاني : فما يراد إثباته باستصحاب ذلك الموضوع إمّا أن يكون بواسطة ملازمة وحصول علقة بينه وبين المستصحب على وجه تكون القضيّة الدالّة على الملازمة بينهما لزومية ، أو لا يكون كذلك بل يكون مقارنا للمستصحب اتّفاقا من غير ارتباط بينهما ، فالقضيّة الدالّة عليها اتّفاقية كما إذا علمنا إجمالا إمّا بموت زيد أو بحياة عمرو ، فاستصحاب حياة عمرو يلازم وجود زيد ملازمة اتّفاقية في تلك القضيّة

ص: 253


1- العنوان من هامش « ك ».
2- انظر ص 180.
3- « م » : فرتّب.

الشخصية بواسطة العلم الإجمالي المردّد بينهما ، فعلى الأوّل فإمّا أن يكون المستصحب ملزوما لذلك الأمر ، أو لازما له ، أو كلاهما لازمين لملزوم ثالث ، وعلى التقادير إمّا أن تكون (1) الملازمة عقلية أو عاديّة أو شرعية ، فذلك (2) إذا عشرة بعد انضمام القسم الاتّفاقي إلى التسعة اللزومية.

وإذ قد تمهّد هذا فنقول : إنّ تحقيق الكلام في الأقسام المعهودة في مقامات :

[ المقام ] الأوّل

لا خفاء في عدم ترتّب الأمر المقارن الاتّفاقي على المستصحب بالاستصحاب ، سواء قلنا من حيث التعبّد بالأخبار ، أو باعتباره من حيث الظنّ ، أمّا على الأوّل فتوضيح المقصد يحتاج إلى بيان معنى الرواية ، فنقول : إنّ ارتباط النقض باليقين من عدم جواز نقضه بالشكّ كما هو المدلول عليه بالرواية ليس على ما هو الظاهر منه ؛ إذ بعد فرض الشكّ فالنقض حاصل قطعا فلا معنى للنهي عنه ، فصحّة الكلام عقلا موقوفة على تقدير ، وأقرب المجازات عند نفي ماهيّة أو إثباتها مع انتفائها أو وجودها حقيقة هو نفي الأحكام المترتّبة على تلك الماهيّة أو إثباتها ، كما في قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (3) وقوله : « الطواف بالبيت صلاة » (4) كما هو ظاهر ، فقوله : « لا تنقض » معناه - على مقتضى الدلالة الاقتضائية - لا تنقض أحكام اليقين ، كما في قوله : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (5) وليس المراد الأحكام المترتّبة على نفس اليقين موضوعا ؛ لانتفائها بانتفاء اليقين كما قرّرنا في محلّه من أنّ التنزيلات الشرعية ممّا لا يجدي فيما كان الموضوع فيه اليقين وذلك ظاهر ، بل المراد الأحكام المتفرّعة على المتيقّن من قبيل إضافة الشيء إلى

ص: 254


1- « ج ، م » : يكون.
2- « م » : فلك.
3- تقدّم في ص 165.
4- نهج الحق : 472 ؛ المستدرك 9 : 410 ، عن عوالى اللآلى 1 : 214 و 2 : 167.
5- يوسف : 82.

طريقه ، فلا مجاز في لفظ اليقين كما قد يتوهّم ، فمعنى الرواية هو النهي عن نقض أحكام المتيقّن نظير ما مرّ (1) في النبويّ الرافع للسهو والنسيان ، ولا ريب أنّ أحد المتقارنين في الوجود من غير أن يكون بينهما علقة وارتباط لا يعدّ في عداد الأحكام المترتّبة عليه والآثار المنتهية إليه ، فعلى هذا فلا مجال للقول بثبوت أحد المتقارنين وجودا وعدما عند استصحاب المقارن ؛ إذ ليس هو من أحكامه ، وأمّا الملازمة الاتّفاقية في القضيّة الشخصية المستندة إلى العلم الإجمالي فلا يجدي في كون أحدهما حكما للآخر ولا يجعله محمولا عليه.

نعم ، عند العلم بوجود أحدهما يلزم العلم بالآخر ، فإنّه من آثار العلم والكلام في الأحكام المتعلّقة بالمعلوم ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمرا عاديّا أو شرعيا أو عقليا ؛ إذ بعد فرض عدم الارتباط وعدم محمولية أحدهما على الآخر لا يعقل من ثبوت أحدهما بالاستصحاب ثبوت الآخر وإن كان الآخر حكما شرعيا.

ولو سلّم من ترتّب (2) أحدهما على الآخر بدعوى كونه من أحكامه فلا يثبت أيضا أحدهما باستصحاب الآخر ؛ إذ ذلك الآخر المقارن إمّا أن يكون الحالة السابقة فيه موافقة (3) للاستصحاب في المستصحب ، فلا حاجة إلى استصحابه (4) في إثباته لإمكان استصحابه أيضا ، كما إذا فرضنا ثبوت الواسطة بين العادل والفاسق وعلمنا إجمالا إمّا بعدالة زيد أو بفسقه فاستصحاب عدالة زيد لا يجدي في ترتّب فسقه ؛ لأنّه أيضا مستصحب في عرض هذا المستصحب إلاّ في أحكام قليلة الجدوى كما لا يخفى.

وإمّا أن يكون الحالة السابقة مخالفة للحالة المفروضة في المستصحب ، كما إذا فرضنا حصول العلم الإجمالي على الانفصال الحقيقي بين وجود زيد وبين وجود عمرو ، فإن كان وجود زيد وعمرو كلاهما معلومين (5) سابقا فاستصحاب وجود زيد لا يمكن به (6)

ص: 255


1- مرّ في ج 3 ، ص 356.
2- « ج ، م » : ترتيب.
3- « ج ، م » : موافقا.
4- « ج » : استصحاب.
5- « ج » : معلومان.
6- « ج ، م » : - به.

إثبات عدم عمرو ؛ لجواز استصحاب وجود عمرو فيثبت (1) به عدم زيد ، وإن كان أحدهما معلوم الوجود والآخر معلوم العدم كان من القسم الأوّل.

ومن هنا انقدح أنّ مدار الاستصحاب لو كان على الظنّ أيضا لا وجه لإثبات أحد المتقارنين بالاستصحاب ؛ إذ المفروض كونهما مسبوقين بالحالة السابقة ، فلا يحصل الظنّ بأحد الطرفين ، وتعلّقه بهما أيضا مستحيل ، فيتساقطان (2).

نعم ، لو فرض في مورد حصول العلم بالحالة السابقة في أحدهما ولم يعلم بها في الآخر جاز التمسّك بالاستصحاب في إثبات الآخر على الظنّ مطلقا ، وعلى الأخبار بعد التنزّل على ما عرفت ، ولكن لا بدّ من ملاحظة اعتبار الظنّ في الأمر الآخر وعدمه ، فاللازم الاتّفاقي قد لا يكون ممّا يكتفى فيه بالظنّ مطلقا أو الظنّ النوعي مثلا.

وبالجملة : ففي الفرض المذكور الظنّ بأحدهما يلازم الظنّ بالآخر ، وأمّا اعتبار الظنّ في الآخر وعدم اعتباره فأمر (3) خارج عمّا نحن بصدده ولا بدّ من مراعاته كما في نفس المستصحب على ما لا يخفى.

المقام الثاني

لا خفاء في عدم ترتيب الملزوم على اللازم عند استصحابه ، وفي عدم ترتيب أحد المتشاركين في اللزوم على استصحاب الآخر ، سواء كانا عقليين أو عاديّين أو شرعيين بناء على اعتبار الاستصحاب من حيث التعبّد بالأخبار.

بيان ذلك : أنّك قد عرفت في المقام الأوّل أنّ معنى الرواية الدالّة على الاستصحاب هو عدم جواز نقض الأحكام التي يكون اليقين طريقا إليها ومرآة لها ، وأحكام الشيء عبارة عن الأمور المحمولة على ذلك الشيء والآثار المتفرّعة عليه والعنوانات المنتهية

ص: 256


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : فثبت.
2- « ج » : فتساقطان ، « ز » : فساقطان.
3- « ج ، م » : أمر.

إليه والأشياء النائبة (1) منه ، وليس الملزوم (2) عقليا كان أو شرعيا أو عاديّا ، ولا المشارك في اللزوم بأقسامه ممّا يتفرّع على اللازم أو الملازم (3) كما هو ظاهر ، فباستصحاب اللازم أيّ لازم كان لا يترتّب الملزوم أيّ ملزوم كان ؛ لعدم ترتّبه عليه ، وإنّما الأمر فيه بالعكس كما لا يخفى ، وكذا باستصحاب أحد المتلازمين لا يترتّب المتلازم (4) الآخر ، لعدم كونه من أحكامه وآثاره ، شرعيا كان أو عاديّا أو عقليا.

لا يقال : إنّ الملزوم الشرعي أو الملازم الشرعي إنّما هو من آثار اللازم الشرعي والملازم الشرعي (5).

لأنّا نقول : هذا وهم باطل ؛ إذ لا فرق في ذلك بين أن يكون اللزوم شرعيا أو عقليا ، فلو جاز أن يكون اللازم (6) الشرعي حكما جاز أن يكون الملزوم العقلي أيضا حكما كما هو ظاهر (7).

وأمّا بناء على الظنّ فلا شكّ في أنّ الظنّ بالمعلول واللازم يلازم الظنّ بالعلّة والملزوم ، كما أنّ الظنّ بأحد المعلولين يوجب (8) الظنّ بالمعلول الآخر المشارك له في المعلولية ؛ لأنّ الظنّ به كما عرفت يوجب الظنّ بالعلّة ، والظنّ بالعلّة يوجب الظنّ بتمام معلولاته كما هو ظاهر.

إلاّ أنّه لا بدّ (9) أن يعلم أنّ ما ذكرنا من إثبات الملزوم باستصحاب اللازم عند حصول الظنّ به إنّما هو فيما كان الظنّ كافيا في إثباته على وجه يكون كالمستصحب ؛ إذ الظنّ الحاصل من الاستصحاب لا يختلف بالنسبة إلى اللازم والملزوم ، فإن كان

ص: 257


1- « م » : نائية.
2- خبر ل- « ليس » ، واسمها ضمير عائد إلى « الأحكام » وقوله : المشارك معطوف على الملزوم.
3- « ز ، ك » : الملزوم.
4- « ج ، م » : الملازم.
5- « ج » : - والملازم الشرعي.
6- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : اللزوم.
7- « ز ، ك » : حكما وهذا ظاهر.
8- « ج » : لا يوجب.
9- « ز ، ك » : - لا بدّ.

شخصيا ففيهما ، وإن كان نوعيا فكذلك. بل التحقيق أنّ الظنّ باللازم بعينه هو الظنّ بالملزوم كما لا يخفى ، فربّما لا يكون الملزوم ممّا يكفي (1) فيه مطلق الظنّ أو الظنّ النوعي على ما عرفت في المقارن ، وهكذا الكلام في استصحاب أحد الملازمين (2) لإثبات الملازم الآخر ، إلاّ أنّ بينهما فرقا آخر من جهة أخرى وهو أنّ استصحاب الملازم قد لا يفيد الظنّ بوجود الملازم الآخر لجريان أصل آخر في طرف ذلك الآخر إمّا موافقا لاستصحاب المستصحب المفروض فلا حاجة إليه ، وإمّا مخالفا فيتعارضان.

لا يقال : يمتنع أن يكون في جانب اللازم الآخر أصل يعارض الأصل في المستصحب ؛ إذ المفروض أنّ العلم بأحد الملازمين (3) يوجب العلم بالآخر ، فكلّما فرض أحدهما موجودا وعلمنا بوجوده علمنا بوجود الآخر ، فهو أيضا مستصحب مثل استصحاب الآخر ، فدائما يكون الاستصحاب فيهما موافقا.

لأنّا نقول : إنّ وجود أحد الملازمين والعلم به إنّما يلازم وجود الآخر والعلم به فيما كانت علّة الموجود المعلوم المفروض علّة تامّة للآخر ، وأمّا إذا كانت من جملة أجزاء علّتها كأن تكون (4) مقتضية له فيتوقّف حصول العلم على العلم بعدم المانع ، فقد لا يكون المانع معلوما فيصير الملازم الآخر مشكوكا مع العلم بوجود الملازم الآخر ، فالأصل حينئذ عدمه ، فلا يحصل الظنّ بوجوده عند جريان الاستصحاب في أحدهما ، وما ذكر لا يجري في الظنّ لإمكان تحصيل الظنّ بأنّ علّة أحدهما علّة تامّة للآخر فيحصل الظنّ ، وذلك بخلاف استصحاب اللازم لإثبات الملزوم ؛ إذ كلّما فرض وجود اللازم والمعلول فيلازمه وجود الملزوم والعلّة ، فيصير الملزوم أيضا من موارد الأصل ومجرى للاستصحاب الموافق لاستصحاب اللازم ، إلاّ أنّه مع جريان الأصل في الملزوم وحصول الظنّ به (5) لا حاجة إلى جريان الأصل في اللازم ؛ لأنّ الظنّ بالملزوم هو

ص: 258


1- « ز ، ك » : ممّا لا يكفي.
2- « ك » : المتلازمين.
3- « ك » : المتلازمين.
4- في النسخ : يكون.
5- « ج ، م » : بالملزوم.

بعينه (1) الظنّ باللازم ، فليس مورد الشكّ ، ولا يعقل تعلّق الظنّ بخلافه لو كان مجرى لأصل مخالف للأصل في الملزوم ، مثلا إذا فرضنا ماء مستصحب الطهارة وثوبا نجسا فغسلنا ذلك الثوب بذلك الماء ، فإنّ الظنّ بطهارة الماء يوجب الظنّ بطهارة الثوب لا محالة ، ولا يعقل جريان استصحاب (2) النجاسة في الثوب ولا تعلّق الظنّ بنجاسته ، ولا حاجة إلى استصحاب طهارة الثوب فيما لو كانت (3) الحالة السابقة فيه هي الطهارة أيضا (4). أمّا الأخير فظاهر و (5) أمّا الأوّل فلأنّ الظنّ بالعلّة يوجب الظنّ بالمعلول ولا سبيل إلى القول بالعكس كأن يقال : إنّ الظنّ بنجاسة الثوب يلازم الظنّ بنجاسة الماء ؛ إذ ليس الكلام في الظنّ الحاصل من أيّ سبب كان من الأسباب الخارجية ، بل الكلام في الظنّ الحاصل من جهة الحالة السابقة والمفروض وجود الحالة السابقة فيهما ، والمفروض تقدّم العلّة على المعلول طبعا ، فيحصل الظنّ بوجود العلّة ويتبعه (6) الظنّ بوجود المعلول ، وحيث إنّه يمتنع قيام الظنّ على طرفي الخلاف فتصير (7) النجاسة في اللازم موهومة والطهارة مظنونة ، والوجدان حاكم صدق وشاهد عدل في المقام ، فظهر أنّ تقدّم الأصل السببي المزيل على الأصل المسبّبي المزال على تقدير الظنّ ، وحجّية الاستصحاب من جهة بناء العقلاء من أوضح الواضحات وأجلى (8) الضروريات كما هو ظاهر.

المقام الثالث

قد عرفت في المقامين الأوّلين عدم إثبات المقارن الاتّفاقي باستصحاب المقارن الآخر ، والملزوم بأقسامه باستصحاب اللازم ، وأحد الملازمين باستصحاب الآخر

ص: 259


1- « ج ، م » : + هو.
2- « ج ، م » : الاستصحاب.
3- « ج ، م » : كان.
4- « ز ، ك » : فيه أيضا هي الطهارة.
5- « ج » : - « و ». وشطب عليها في « م ».
6- « م » : وبتبعيته.
7- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : فيصير.
8- « م » أعلى.

بأقسامه ، فهذه سبعة من الأقسام المعهودة ، وأمّا الثلاثة الأخيرة وهي ما كان المترتّب على المستصحب لازما له شرعيا أو عاديّا أو عقليا.

فتحقيق الكلام فيه أن يقال : لا خفاء في أنّه (1) ليس الكلام في ترتّب اللوازم المصاحبة للملزوم حال العلم به ؛ لأنّها حينئذ مسبوقة بالحالة السابقة مثل الملزوم فيستصحب كالملزوم ، فلا حاجة إلى استصحابه في إثباتها كما هو الظاهر ، بل الكلام في اللوازم المتجدّدة و (2) الحادثة بعد العلم بوجود الملزوم ، كما (3) في المثال المفروض في المقام الثاني من أنّ لازم طهارة الماء طهارة الثوب وليس طهارة الثوب من الآثار المترتّبة على طهارة الماء حال العلم بطهارته ، كيف ولو كان كذلك فكيف يعقل التعارض كما فرضنا في المثال المذكور؟ وذلك ظاهر في الغاية.

فعلى هذا نقول (4) : لا ينبغي الارتياب في عدم ثبوت اللازم العقلي أو العاديّ على المستصحب على تقدير الاعتماد على الأخبار (5) ؛ لما قد عرفت أنّ مقتضى الرواية على حسب الدلالة الاقتضائية عدم جواز نقض الأحكام (6) المترتّبة على المتيقّن عند الشكّ ، فالمعنى لا بدّ من تنزيل المشكوك منزلة المتيقّن وأن تعاملونه (7) معاملة المعلوم بترتيب آثاره عليه وإلحاق أحكامه له ، ولا ريب أنّ حكم الشارع بترتيب آثار المعلوم على المشكوك إنّما هو جعله لتلك الأحكام في موضوع الشكّ ، كما أنّ حكمه بترتيبها على المعلوم إنّما هو جعله لها فيه ممّا يمكن أن يكون مجعولا للشارع من حيث هو شارع في مقام التكليف وإن لم يكن خارجا عن مقدوره في مقام التكوين [ و ] يمكن أن يكون مترتّبا على المستصحب في مقام الشكّ ، فكما أنّ نفس الموضوع الخارجي لم يكن قابلا للجعل في المقام ولذلك التجأنا إلى تقدير الأحكام على سبيل المجاز في

ص: 260


1- « ج ، م » : أن.
2- « ز ، ك » : - و.
3- « ز ، ك » : كما هو.
4- « ز ، ك » : وعلى هذا فنقول.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : بالأخبار.
6- « ج » : أحكام.
7- « ج » : تعاملوا.

الحذف (1) ، فكذلك لا سبيل إلى حكم الشارع بثبوت (2) اللازم العاديّ أو العقلي فإنّهما كنفس المستصحب ليسا قابلين (3) للجعل والبقاء في مرحلة الظاهر ، فإنّ ما للشارع في مقام التكليف رفعه له أن يضعه ويحكم به ، وكيف يمكن إبقاء الرطوبة أو الحرارة اللازمة للماء والنار كما هو ظاهر؟ فالمراد بتلك الأحكام لا بدّ وأن يكون هي الأحكام الشرعية كما في جميع التنزيلات الشرعية كما في قوله : « الطواف بالبيت صلاة » (4) فإنّه ليس جعلا لما يترتّب على الصلاة من لوازمها العاديّة كهضم غذاء المصلّي - مثلا - ولا يمكن أن يكون مجعولا ، وكذا في تنزيل العمل (5) المشكوك منزلة الصحيح وتنزيل التراب منزلة الماء ، فإنّه لمّا استحال كون المشكوك معلوم الصحّة حكمنا بأنّ المراد أحكام الصحّة من الإجزاء و (6) إسقاط القضاء ونحو ذلك من الأمور الشرعية المتفرّعة على صحّة العمل في العبادات إذا كان عبادة أو في المعاملات إذا كان منها ، ولعمري لا ينبغي الارتياب في ذلك لمن مارس التنزيلات الشرعية.

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الاستصحاب لا يثمر في ترتيب (7) شيء من الأقسام العشرة إلاّ قسم واحد وهي الأحكام الشرعية للمستصحب ولوازمها الجعلية ، وما ليس له لازم جعلي ولا يكون من الأمور الجعلية ليس محلاّ للاستصحاب كما لا يخفى.

وهل يثمر في إثبات الأحكام الشرعية المترتّبة على تلك اللوازم العقلية والعاديّة التي قلنا بعدم ترتّبها على المستصحب أو لا؟ التحقيق عدم ترتّبها على المستصحب ؛ لأنّ تلك الآثار الشرعية التي موضوعها تلك الأحكام إن أريد إثباتها لا في موضوع فغير سديد ، ضرورة عدم تقوّم العرض بلا جوهر ومن غير أن يكون حالاّ في منعوت ، إذ لا ريب في أنّ قوام وجود تلك الآثار المحمولة على تلك اللوازم بها. وإن

ص: 261


1- « ز ، ك » : المجاز والحذف.
2- « ز ، م » : ثبوت.
3- « ز ، ك » : بقابلين.
4- تقدّم في ص 254.
5- « ج ، م » : عمل.
6- « ج ، م » : أو.
7- « ز ، ك » : ترتّب.

أريد إثباتها في موضوعاتها فكذلك ؛ لأنّ المفروض عدم وجودها في مرحلة الظاهر ، إذ لا تقبل (1) الظاهرية ، فإنّها أمور واقعية صرفة لا يكاد يشوبها الظاهرية. وإن أريد إثباتها في موضوع هو المستصحب فإن أريد إثباتها له من غير أن تكون (2) مجعولة لذلك الموضوع ، ففساده أجلى من أن يخفى على أحد ؛ لكونها أجنبية بالنسبة إلى المستصحب ، إذ ليست (3) ممّا يتفرّع عليه ، وإن أريد إثباتها له بدعوى جعلها له فعهدتها على مدّعيها ؛ إذ لا يزيد مفاد تلك الروايات على أنّ الأحكام المتفرّعة على المتيقّن والآثار المنتزعة عنه لا يجوز نقضها بالشكّ ، ولا ريب أنّ تلك الآثار ليست (4) ممّا يتفرّع على المستصحب بوجه.

نعم ، لو كان المستصحب موجودا واقعيا كان له لازم عقلي أو عاديّ يترتّب عليهما (5) تلك الآثار ، فارتباطها بالمستصحب إنّما هو بواسطة تلك اللوازم العقلية ، ولمّا كان المفروض عدم ترتّب تلك الواسطة فقد انقطع الارتباط بين المستصحب وبين تلك الآثار فلا تعدّ (6) في عداد محمولاته وأحكامه ، فلا دلالة في الروايات على ترتّبها على المستصحب كما هو ظاهر.

نعم ، لو كان الموضوع لتلك الأحكام موجودا في مرحلة الظاهر بمعنى أن يكون مستصحبا كان لترتيب آثاره عليه بالاستصحاب وجه وقد عرفت أنّ الكلام ليس في الآثار المقارنة للمستصحب حال العلم به.

لا يقال : كما أنّ آثار نفس الموضوع والمستصحب مجعولة للشارع كما هو المعقول من استصحاب الموضوع ، فكذلك لمّا كان الموضوع لتلك الآثار غير معقول البقاء بالاستصحاب حكمنا بمجعولية آثاره الشرعية.

ص: 262


1- « ج ، م » : لا يقبل.
2- « ج ، م » : يكون.
3- في النسخ : ليس.
4- في النسخ : ليس.
5- « ج ، ك » : عليها.
6- في النسخ : يعدّ.

لأنّا نقول : قد عرفت صحّة ذلك فيما كان المستصحب هو نفس تلك الأحكام العاديّة أو العقلية ، وأمّا مجعولية تلك الأحكام بعد استصحاب موضوع تلك الأحكام لا يعقل إلاّ أن يكون تنزيلا في تنزيل بمعنى أنّ الشارع لمّا حكم بوجود النار في الخارج عند الشكّ فقد حكم بوجود الحرارة أيضا ، ولمّا كانت (1) النار غير موجودة حقيقة فتكلّفنا في تصحيحه بجعل أحكامها ، وكذلك نقول بمثل ذلك في الحرارة ، ومن المعلوم الواضح عدم مساعدة تلك الأخبار على ذلك ، فإنّها لا تقبل (2) إلاّ تنزيلا واحدا.

فإن قلت : إنّ المراد بالأحكام هي التي يصير المستصحب منشأ لوجودها وتنتهي (3) إليه ولا شكّ أنّ الأثر المترتّب على الأثر المترتّب (4) على المستصحب مترتّب عليه ، فلا بدّ من ترتيبه (5) عليه كما في الآثار المترتّبة على الآثار الشرعية.

قلت : قد عرفت عدم ترتّبها على المستصحب إلاّ بعد وجود موضوعها والمفروض عدمه ، وأمّا الآثار الشرعية المترتّبة على الآثار الشرعية فالوجه فيها ما عرفت في أوّل الهداية من أنّ الحكم الشرعي ولو كان ظاهريا بعد الجعل مترتّب عليه تمام ما يترتّب عليه واقعا إلاّ فيما لم نجده من خواصّ الأحكام الواقعية من حيث هي واقعية ، ولو سلّمنا كون تلك الآثار آثارا للمستصحب فلا يمكن إثباتها له (6) أيضا بالاستصحاب ؛ لأنّ الأصل عدم تلك الأحكام التي يترتب تلك الآثار عليها ، فاستصحاب الموضوع يقتضي بقاءها ، واستصحاب موضوعاتها يقتضي عدمها ، ولو لم نقل بأنّ انعدامها بواسطة انعدام موضوعاتها المعلوم بالأصل الاستصحابي أولى من وجودها بوجود الموضوع ، فلا أقلّ من التساوي (7) ، فيتساقطان.

ص: 263


1- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : كان.
2- « ج ، م » : لا يقبل.
3- « م » : تنهى.
4- « ز ، ك » : - على الأثر المترتّب.
5- « ز ، ك » : ترتّبه.
6- « م » : إثباته لها.
7- « ز ، ك » : التنافي.

فإن قلت : إنّ استصحاب الموضوع مزيل بالنسبة إلى استصحاب عدم تلك الأحكام الموضوعة لتلك الآثار ، فمع فرض جريان الأصل المزيل لا يبقى الشكّ في وجود الآثار المتفرّعة عليه ، فيصير مشمولا للرواية.

قلت : قد تحقّق في موضعه على ما ستعرف (1) - إن شاء اللّه (2) - أنّ وجه التقدّم في الاستصحاب السببي على الأصل السّببي ارتفاع شكّ المسبّب بعد استصحاب السبب ، وفيما نحن فيه لا يرتفع الشكّ ؛ إذ المفروض عدم ترتّب الموضوعات العاديّة والعقلية على المستصحب وما لم يكن وجودها محرزا في مرحلة الظاهر لا يرتفع الشكّ (3) في وجود آثارها كما هو ظاهر وسيجيء لذلك زيادة توضيح في الخاتمة (4).

فإن قلت : لا شكّ في ترتيب الآثار العقلية والعاديّة وما يترتّب عليهما من الأحكام الشرعية على الأدلّة التعبّدية الاجتهادية كالبيّنة والخبر الواحد ، فلو أخبر العدل بوجود زيد في زمان يقتضي (5) بياض (6) شيبته ، فيحكمون بالبياض ويترتّبون عليه ما يترتّب عليه من الآداب اللاحقة له من احترامه ونحوه ، ومجرّد كونها اجتهادية غير مجد ؛ إذ المفروض عدم اعتبارها في نفسها ، بل إنّما تعبّدنا الشارع بالعمل بها فتصير (7) من التنزيلات الشرعية ، وعلى ما قرّرت من أنّها لا تزيد (8) على الأحكام الشرعية في مقام ترتيب الآثار فلا بدّ إمّا من عدم الالتزام بها في الأدلّة الاجتهادية والواقع خلافه ، وإمّا من الأخذ بتمام الأحكام المترتّبة على المستصحب وهو المطلوب.

قلت : فرق ظاهر بين المقامين ، وتحقيقه : أنّ الأدلّة التعبّدية على قسمين : فإنّ منها ما

ص: 264


1- « ز ، ك » : ستعرفه. انظر ص 493 وما بعدها.
2- « م » : اللّه العزيز.
3- من قوله : « إذ المفروض » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
4- انظر ص 380 وما بعدها.
5- « م » : يقضي.
6- « ج ، م » : ببياض.
7- في النسخ : فيصير.
8- « ج ، م » : لا يزيد.

له مدلول كالبيّنة والخبر ، ومنها ما ليس له مدلول (1) كالبراءة في مواردها وأصالة الصحّة في محالّها والاستصحاب في مجاريها.

فالدليل الدالّ على اعتبار القسم الأوّل يدلّ على أنّ مدلول قول العادل في الوقائع التي أخبر عنها لا بدّ من الأخذ بها وتصديقه فيها ، وكذا مدلول قول الشاهد العدل واقع ، فهذه الأدلّة طرق إلى الواقع ، ولمّا لم تكن (2) قطعية من حيث احتمال التخلّف عنها في نظر المكلّف لم تكن حجّة بنفسها ، فاحتاجت (3) إلى بيان اعتبارها دفعا لهذا الاحتمال بوجه لم يكن مضرّا في الاستدلال بها والاعتماد عليها ، ولا شكّ (4) أنّ قول العادل له مدلول مطابقي ومدلول تضمّني والتزامي ، فمعنى اعتباره اعتبار تمام ما يستفاد منه على ما هو المتعارف في الاستفادة عند العرف والعادة ، فالمخبر بوجود زيد مخبر ببياض شيبته أيضا ، وما يترتّب على المدلول المطابقي من الآثار إنّما هو بواسطة الإخبار به وهو بعينه موجود في المدلول الالتزامي ، فيترتّب عليه أيضا آثاره من غير تفاوت بين المدلولين لاستوائهما في المأخذ.

وذلك بخلاف الأدلّة التي ليس لها مدلول كالاستصحاب وأصالة الصحّة ، فإنّ الدليل الدالّ على اعتبارها إنّما يدلّ على أنّ (5) الموارد التي كانت مسبوقة بالحالة السابقة عند الشكّ ، أو الموارد التي شكّ في صحّتها مع احتمالها ، لا بدّ من الأخذ بالحالة السابقة والحمل على الصحّة ، وليس للصحّة مدلول ولا للإبقاء مدلول مثل ما كان في الخبر والبيّنة ، فليس لمواردها مدلول مطابقي ولا التزامي ؛ إذ ليس لفظا ولا حالة إدراكية كالظنّ مثلا ، فإنّه وإن لم يكن لفظا إلاّ أنّه يلازم الظنّ باللازم كالعلم على ما هو غير خفيّ.

ص: 265


1- « ز ، ك » : ليس مدلول له.
2- في النسخ : لم يكن. وكذا في المورد الآتي.
3- « ز ، ك » : واحتاجت.
4- « م » : فلا شكّ.
5- « م » : - أنّ.

وبالجملة : فالأدلّة الاجتهادية لها مداليل كاشفة عن الواقع ، والظنّ هو الواقع الظنّي ، والتعبّد بهما إنّما هو من حيث احتمال الخلاف وذلك لا ينافي الكشف ، وترتيب (1) الأحكام العقلية عليها إنّما هو من حيث الكشف لا من حيث التعبّد ولهذا لو قلنا بالاستصحاب من حيث الظنّ وبناء العقلاء ، فلا ريب في ترتيب الآثار الواقعية من العقلية والعاديّة وما يترتّب عليهما من الأحكام ، شرعية كانت أو عقلية أو عاديّة وذلك ظاهر.

فإن قلت : لا ريب في صحّة الاستدلال بالأصول العملية في مباحث الألفاظ كأصالة عدم النقل وأصالة عدم القرينة والاشتراك ونحوها مع أنّ الآثار المطلوبة منها ليست ممّا يترتّب على نفس العدم المستصحب في تلك الموارد ، بل إنّما هي مترتّبة عليها بتوسّط أمر عاديّ أو عقلي ، مثلا أصالة عدم القرينة قاضية بعدم إرادة المجاز من اللفظ في الاستعمال المشكوك بواسطة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة والمطلوب في استصحاب عدم القرينة إثبات استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي على ما هو مقتضى أصالة الحقيقة ، ومن الظاهر الجلي ، عدم ترتّب المطلوب هذا على عدم القرينة ، بل لا بدّ من ضمّ مقدّمة عقلية أو عاديّة من أنّ العادة تقضي (2) بأنّ بعد عدم إرادة المجاز لا بدّ من إرادة الحقيقة لئلاّ يلغو الاستعمال ، وكذا الكلام في أصالة عدم الاشتراك وعدم النقل كما لا يخفى.

قلت : إن أريد أنّ الأصول اللفظية معمولة في مواردها بواسطة الاستصحاب استنادا فيه إلى الأخبار ، فلا نسلّم كونها من باب الاستصحاب أوّلا ؛ إذ لعلّه من باب الأصول العدمية التي يكفي في ترتيب آثارها مجرّد الشكّ من غير ملاحظة الحالة السابقة ولا نسلّم اعتبارها حينئذ.

ص: 266


1- « ز ، ك » : ترتّب.
2- « ج » : تقتضي.

وإن أريد أنّ (1) الأصول العدمية اللفظية معتبرة معمولة في مواردها بواسطة بناء العقلاء وحصول الظنّ بالاستصحاب ، فلا ضير فيه ؛ إذ قد عرفت أنّ الاستصحاب لو كان من حيث الظنّ وبناء العقلاء يترتّب عليه الآثار العقلية والعادية وما يترتّب عليهما كائنا ما كان ، بل التحقيق أن ليس العمل بها فيها إلاّ بمجرّد بناء العقلاء ، ولذلك كان من الأمور المتّفق عليها كما مرّ ، وليس عمل العقلاء بها إلاّ بواسطة تلك الآثار ، فهي المطلوبة في تلك الاستصحابات على وجه يتخيّل في بادئ الرأي أنّها بأنفسها مجاز لتلك الأصول كما هو ظاهر.

هذا هو الكلام في المسألة الأصولية على ما هو قضيّة التحقيق ، إلاّ أنّ موارد تلك الأصول - التي يترتّب على المستصحب فيها الآثار الشرعية بتوسّط أمر عاديّ أو عقلي ، فليسمّ بالأصول المثبتة كما اصطلح عليها (2) شيخ المتأخّرين كاشف الغطاء في الفقه (3) - في غاية الاختلاف ، فربّما لا يعتنون (4) بتلك الأصول ، كما لو فرضنا وجود النار على جسم قابل للانفعال منها ، ثمّ شككنا فيها ، فإنّه لا يذهب وهم إلى ترتّب الآثار الشرعية المترتّبة على وجود النار (5) بواسطة لوازمها العاديّة ، كالإحراق مثلا ، فباستصحاب وجود النار لا يحكمون بضمان من كان سببا لإلقاء (6) النار على ذلك الجسم ، وكذا لو أنّ شخصا رمى غيره بسهم وكان على وجه لو لم يمنعه مانع من الوصول إليه لكان مهلكا له ، فبأصالة عدم المانع لا يترتّب ضمان الرامي ؛ إذ ليس الضمان في المثالين من لوازم وجود النار وعدم المانع ، بل إنّما يترتّب عليهما بواسطة أمر عاديّ هو الإحراق عادة في النار ، والهلاك عادة في السهم ، وذلك ظاهر. وكذا تراهم

ص: 267


1- « م » : بأنّ ، وفي « ج » : إمكان!
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : عليه.
3- كشف الغطاء 2 : 102 وفي ط الحجري : 102 في المقام العاشر.
4- « ج ، م » : لا يفتنون.
5- من قوله : « على جسم » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
6- « ج » : لإبقاء.

لا يحكمون بوصول الماء إلى البشرة - فيما لو شكّ في إصابة الماء بها لاحتمال مانع كالجورب (1) أو شيء آخر منفصل عن البشرة من أقسام اللباس - باستصحاب عدم المانع ؛ إذ ليس صحّة الغسل - مثلا - في المثال المذكور مترتّبا (2) على عدم المانع بلا واسطة ، بل بواسطة الوصول الذي هو (3) لازم عاديّ لعدم المانع كما لا يخفى. وكذا لو أنّ موكّلا وكّل شخصا في عقد بيع أو نكاح أو في طلاق زوجته على وجه لو لم يمنعه مانع عن إيقاع العقد أو الطلاق لكان قد أوقعه قطعا ، فإنّ بأصالة عدم المانع لا يرتّبون (4) آثار الملك على المبيع المفروض من جواز التصرّف فيه بنقله إلى الغير أو الوصيّة به لوارثه ، ولا يحكمون بتوارث ورثته فيه ، ولا أحكام الزوجية من جواز الوطي ووجوب النفقة والتوارث ونحوها ، ولا أحكام الأجنبية ؛ إذ ليس تلك الأحكام مترتّبة على نفس العدم المستصحب في عدم المانع ، بل بواسطة مقدّمة عاديّة وهو وقوع العقد البيعي أو النكاحي أو وقوع الطلاق عادة عند عدم المانع ، وتلك الآثار أحكام لتلك المقدّمة العاديّة. وكذا لو كان هناك كرّ من الماء موجودا ، ثمّ شكّ في وجوده وعدمه من أصل ، فباستصحاب بقاء ذلك الكرّ لا يحكمون بطهارة شيء لاقاه لو كان موجودا.

فإنّ الحكم في الأمثلة المفروضة كلّها عدم تلك الأحكام استصحابا له كما لا يخفى.

وربّما يظهر من جملة من موارد المسائل الفرعية (5) الفقهية استناد جملة منهم فيها إلى تلك الأصول.

فمنها : ما لو شكّ في مانعية وسخ قليل عن وصول الماء إلى البشرة في مواضع الوضوء أو الغسل ، فإنّهم يترتّبون (6) على أصالة عدم المانعية صحّة الوضوء والغسل مع أنّه لا فرق بينه وبين ما عرفت من مثال الجورب ، ولعلّ كاشف الغطاء قد اعتبر

ص: 268


1- « ز ، ك » : الجوراب.
2- « ز ، ك » : مترتّبة.
3- « ج ، م » : - هو.
4- « ج ، م » : لا يترتّبون.
5- « ج ، م » : - الفرعية.
6- كذا. ولعلّ الصواب « يرتّبون ».

الظنّ بالوصول في المثال المفروض تفصّيا عن مثل ذلك كما لا يخفى.

ومنها : ما أفاده الشيخ وابن حمزة في الوسيلة والعلاّمة والمحقّق والشهيدان والمحقّق الثاني (1) في جملة من موارد التداعي فيما تمسّكوا بأصالة تأخّر الحادث.

قال المحقّق في الشرائع - على ما هو المحكي عنه (2) - : لو مات المسلم عن ذميين (3) فتصادقا على تقديم (4) إسلام أحدهما على موت الأب وادّعى آخر مثله فأنكر أخوه ، فالقول قول المتّفق على تقديم إسلامه مع يمينه ، وذلك إذا ادّعى عليه العلم وأنّه لا يعلم أنّ أخاه أسلم قبل موت أبيه ، وكذا لو كانا مملوكين فأعتقا واتّفقا على تقديم حرّية أحدهما واختلفا في الآخر ، ثمّ قال : الثانية لو اتّفقا على أنّ أحدهما أسلم في شعبان والآخر في غرّة رمضان ، ثمّ قال المتقدّم : مات الأب قبل هلال رمضان ، وقال المتأخّر : مات بعد دخول شهر رمضان ، كان الأصل بقاء الحياة ، والتركة بينهما نصفين (5) ، انتهت عبارته قدّس اللّه نفسه الزكية (6).

وملخّص ما يستفاد منه أنّ الصور ثلاثة : فتارة : لا يعلم تقدّم الإسلام على الموت مع الجهل بتاريخهما ، وأخرى : مع العلم بتاريخ الموت والجهل بتاريخ الإسلام ، ومرّة : العكس (7) بأن يعلم تاريخ الإسلام والجهل بتاريخ الموت.

ص: 269


1- المبسوط 8 : 273 ، فيه : لأنّ الأصل الحياة حتّى يعلم زوالها ؛ الوسيلة : 225 ، فيه : كان القول قول من ادّعى التأخير إذا لم تكن بيّنة على التقديم ؛ قواعد الأحكام 3 : 480 وفي ط الحجري 2 : 200 ، فيه : لأنّ الأصل بقاء الحياة ؛ تحرير الأحكام 2 : 200 ط الحجري ؛ الدروس 2 : 108 ، فيه : حلف مدّعي تأخّر الموت ؛ المسالك 14 : 141 - 142 ، فيه : الأصل استمرار حياة الأب إلى بعد الوقت الذي اتّفقا على إسلام المسلم فيه.
2- « ز ، ك » : على ما حكي عنه.
3- في المصدر : ابنيين.
4- في المصدر : « تقدّم » وكذا في الموردين الآتيين.
5- شرائع الإسلام 4 : 907 - 908 ط الشيرازي ، 4 : 124 ط البقّال ، وليس فيه قوله : « وذلك إذا ادّعى عليه العلم و ».
6- « ز ، ك » : « انتهى » وليس فيهما « عبارته قدّس اللّه نفسه الزكية ».
7- « ز ، ك » : بالعكس.

ففي الأوّليين : قد حكم باستقلال المتقدّم في الإسلام ؛ إذ لم يعلم باستحقاق المدّعي لتأخّر الموت ، ولا يكفي فيه القول بأنّ الكفر مانع وبعد وجود المقتضي للتوارث وهو التوالد يحكم بالإرث بينهما ؛ إذ بعد التسليم عن ذلك بالغضّ عن كون الإسلام شرطا لا أنّ الكفر مانع ، نقول : إنّ المانع مستصحب الوجود ؛ لأنّ الكفر كان معلوما ، نعم لو كان المانع غير معلوم كان القول على التقدير (1) المذكور موجّها على بعض الوجوه.

وفي الثانية : حكم بانتصاف المال بينهما نصفين ؛ لأنّ الأصل تأخّر الموت عن إسلامه (2) ، ومن المعلوم أنّ توارثه وانتصاف المال نصفين إنّما يترتّب على كونه مسلما حال حياته لا على تأخّر موته عن إسلامه ، فهو من أحكام المتقدّم ، واستصحاب تأخّر الموت لا يثمر في إثبات تقدّم الإسلام إلاّ عادة.

وبالجملة : فموارد أصالة التأخّر غالبا من هذا القبيل ، فلا بدّ إمّا من توجيه لكلماتهم في مواردها ، وإمّا من الأخذ بمقتضى الدليل ، ولا ينبغي التوحّش من الانفراد بعد مساعدة الدليل. ومع ذلك فيمكن توجيه بعض موارد النقض في كلماتهم ولو بنوع من العناية كأن يقال في المثال المفروض في الشرائع : إنّ حصول (3) علقة التوارث إنّما هو (4) من الآثار الشرعية المترتّبة على نفس الحياة من غير توسّط شيء آخر ، كما أنّ توارثه من قريبه إنّما هو لواحق حياته ، فلو شكّ في ذلك بعد العلم بموت قريبه والشكّ في تأخّر موته عنه ، نحكم (5) بتوارثه من مال قريبه باستصحاب حياته ؛ لكونه من أحكامه شرعا بلا واسطة ، وبمثله نقول في المثال المذكور فلا حاجة في انتصاف المال بين الأخوين إلى إحراز موته بعد إسلامه على وجه يصدق أن يقال فيه : إنّه مات عن مسلمين ، بل يكفي في ذلك استصحاب حياته مع العلم بإسلامه ، كذا أفاد فتأمّل.

ص: 270


1- « ز ، ك » : التقيّد.
2- « ز ، ك » : الإسلام.
3- « ز ، ك » : - حصول.
4- « ز ، ك » : هي.
5- « ج » : يحكم.

وحيث إنّ توجيه بعض الأمثلة ليس ممّا يجدي في أصل المسألة فالأولى صرف عنان الهمّة إلى بيان ضابطة جامعة بين الموارد (1) فإنّها هي المهمّة.

فقد يقال في ذلك : إنّ الاستناد إلى الأصول المثبتة للآثار الشرعية بواسطة أمور غير شرعية ، والتعويل عليها لعلّه من باب الركون إليها بواسطة إفادتها الظنّ كما عليه بناء العقلاء ؛ إذ قد عرفت أنّه على تقدير إفادة الاستصحاب الظنّ كما هو المأخذ لبناء العقلاء في العمل به لا فرق بين الآثار الشرعية والعقلية والعاديّة ، فبعد (2) وجود موضوعات تلك الآثار الشرعية (3) المترتّبة على الآثار العقلية ولو ظنّا لا مانع من ترتيب تلك الآثار ؛ لأنّ الظنّ بالملزوم هو الظنّ باللازم على التحقيق ، أو يلازمه كما هو مذاق البعض ، وعلى تقدير اعتبار الظنّ الاستصحابي في الملزوم أو في اللازم لا وجه لإنكاره ، وقد عرفت أيضا في الهداية الحنفية (4) أنّ بناء السلف من أصحابنا كالمفيد وأضرابه قبل ظهور دلالة الأخبار عليه على العمل بالاستصحاب ، كما يظهر من استدلال المحقّق (5) من حيث استقرار بناء العقلاء عليه و (6) إفادته الظنّ إلاّ أنّ ذلك ليس مطّردا ؛ لعدم الفرق بين الموارد التي لا يعتمدون على الأصول المثبتة والموارد التي يعوّلون عليها من هذه الجهة.

ويمكن أن يقال أيضا (7) : إنّ الواسطة التي يترتّب عليها الحكم الشرعي في موارد الأصول المثبتة مختلفة : فتارة : على وجه لا يعدّ في العرف واسطة بل الحكم الشرعي في أنظارهم مترتّب على نفس المستصحب وإن كان بعد التدقيق والتحقيق مترتّبا على الواسطة ، وأخرى : على وجه يكون الواسطة جليّة لا يمكن الإغماض عنها ولو بحسب متفاهم العرف ، فعلى الأوّل يحكمون بترتّب الآثار الشرعية على المستصحب ، وعلى

ص: 271


1- « ج ، م » : ضابطة لعلّها تجمع بين الموارد.
2- « ج ، م » : وبعد.
3- « ز ، ك » : تلك الأحكام والآثار الشرعية.
4- عرفت في ص 235.
5- انظر معارج الأصول : 286 - 287.
6- « ز ، ك » : - و.
7- « ز ، ك » : - أيضا.

الثاني لا يحكمون بذلك ، وحسبان ترتّب الحكم الشرعي المترتّب على الواسطة عليه إمّا بملاحظة خفائها ، وإمّا بواسطة اتّحاد الواسطة والمستصحب وجودا وإن كانا مختلفين عنوانا.

وينطبق على الأوّل بعض الموارد المذكورة ، كما إذا شكّ في مانعية وسخ من وصول الماء إلى محال الوضوء والغسل ، فإنّ استصحاب عدم المانع لا يترتّب عليه حصول الطهارة الشرعية إلاّ بواسطة عاديّة هي وصول الماء إلى البشرة وكما إذا لاقى شيئا يابسا (1) لرطوبة نجسة مستصحبة فإنّهم يحكمون بترتّب (2) نجاسة الملاقي على استصحاب الرطوبة النجسة مع أنّ ذلك لا يثمر إلاّ بواسطة تأثيرها في الملاقي وتأثّرها منها من حيث خفاء الواسطة ، بخلاف ما إذا كانت الواسطة جليّة كما في مثال مانعية الجورب أو مانعية الشمعة من وصول الماء على البشرة كما لا يخفى.

وينطبق على الثاني بعض الموارد الأخر كاستصحاب الكرّية في وجه ، وتوضيحه أنّ استصحاب الكرّية يتصوّر على وجهين : ففي وجه لا مجرى له عند التحقيق إلاّ بالمسامحة في الموضوع ، كما إذا استصحبنا وصف الكرّية كأن يقال : إنّ الماء الفلاني كان كرّا في الأمس وبعد انتصاف الماء في اليوم لا نعلم بعدمها وارتفاعها ، والأصل بقاء الكرّية ، وليس هذا الأصل من الأصول المثبتة لطهارة ملاقيه ، فإنّ من الأحكام الشرعية التي يترتّب على الكرّية ذلك ، إلاّ أنّ الكلام في جريان ذلك الاستصحاب ، لأنّ الكرّية المعلومة في الأمس إنّما كانت متعلّقة بموضوع قد ارتفع قطعا ، فلا يجري الاستصحاب إلاّ بعد المسامحة في موضوعه. وفي وجه آخر يجري الاستصحاب إلاّ أنّه لا يترتّب عليه طهارة الملاقي ، كما إذا استصحبنا بقاء الكرّ في الحوض بعد ما كان وجوده معلوما ، فإنّ طهارة الملاقي ليس من الآثار المترتّبة على بقاء الكرّ في الحوض ،

ص: 272


1- كذا. ولعلّ الصواب شيء يابس.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يحسبون ترتّب.

نعم لو نذر شيئا (1) على تقدير بقاء الكرّ في الحوض يترتّب عليه ، وإنّما الطهارة مترتّبة على كرّية هذا الماء وهذا العنوان وإن كان مخالفا لبقاء الكرّ ولا يترتّب عليه إلاّ بواسطة ملازمة عقلية كأن يقال بعد استصحاب بقاء الكرّ في الحوض : وليس فيه ماء إلاّ هذا الماء ، فينتج : فهذا الماء كرّ ، إلاّ أنّه لمّا كان متّحدا في الوجود مع بقاء الكرّ المستصحب لا يعدّ في عداد الوسائط ، فيسامحون في ترتيب آثار (2) عنوان على عنوان آخر ، لاتّحادهما وجودا.

وفيه : أنّه لا يجدي في جميع الموارد بمعنى عدم اطّراده ، فربّما يعتمدون بتلك الأصول مع جلاء الواسطة واختلاف الوجود أيضا. على أنّ الثاني غير منعكس أيضا ؛ إذ قد تكون الواسطة منتزعة (3) من المستصحب ولا يعوّلون (4) على الاستصحاب ، كما إذا فرضنا وجود زيد في الدار وكان مهدور الدم ، ثمّ شككنا في بقائه فيها مع العلم بوجود شخص غير معلوم في الدار ، فاستصحاب وجود زيد في الدار لا يجدي في قتله كما هو ظاهر. على أنّ اختلاف الأحكام باختلاف العنوان ممّا لا ريب فيه وإن اتّحد المعنون ، فمجرّد الاتّحاد الوجودي مع اختلاف عناوين الوجود غير مجد ، وعدم التفات العرف إلى مثل ذلك غير مضرّ ؛ لعدم مدخلية العرف في أمثال ذلك كما لا يخفى.

وقد يفصّل في العمل بالاستصحاب المثبت في مثال الوضوء والغسل بين أن يكون الشكّ في وجود المانع ، أو مانعية الموجود ، ففي الثاني لا عبرة به (5) ، وفي الأوّل يعتمد عليه ، كما عن بعض مشايخنا المعاصرين أدام اللّه إفاداته (6) ، وتفصّى عن إثبات الأصل بالسيرة (7).

ص: 273


1- « ج ، م » : بشيء.
2- « ز ، ك » : - آثار.
3- « ج ، م » : يكون الواسطة منتزعا.
4- « ز ، ك » : فلا يعوّلون.
5- « ج ، م » : - به.
6- « ز ، ك » : - أدام اللّه إفاداته.
7- قال في الفصول : 378 : وأمّا التعويل على أصالة عدم حدوث الحائل على البشرة في الحكم

وليس بذلك البعيد (1) إلاّ أنّه خارج عن المفروض ، وقد عرفت (2) اعتبار الظنّ بعدم المانع عن كاشف الغطاء تفصّيا عن ذلك.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ غالب الموارد التي يتمسّك فيها بتلك الأصول إنّما هو في مواضع (3) التداعي كما فيما حكيناه عن المحقّق (4) ، ولا ريب أنّ المتداعيين يختلف تقاديرهم في تحرير الدعوى عند الحاكم ، فربّما يكون تشاجرهم في شيء بحيث لو أثبته المدّعي بإقامة بيّنة شرعية أو حلف عليه كان ما هو المقصود من التشاجر راجعا إليه وإن لم يكن البيّنة وافية بإثبات المقصود ، لتسالمهم في الأمر الآخر ، فكأنّ مقصود المدّعي مركّب (5) من أمرين أحدهما ثابت بالبيّنة والآخر بالتسليم (6) من الآخر ، وكذا الكلام في جانب المنكر فإنّ مطابقة قوله للأصل ربّما يكون من جهة مجرّد تشخيص المدّعي والمنكر بإجراء أحكامهما عليهما ، فلا يعتبر في ذلك أن يكون الأصل المطابق لقوله وافيا بتمام مقصوده فقد لا يكون كذلك ، وأمّا ترتّب المقصود على ذلك إنّما هو بواسطة التسالم بينهما كما يظهر ذلك في تقديمهم قول مدّعي الصحّة في عقد يدّعي أحد المتعاقدين وقوعه على عوض غير مملوك كالخمر والخنزير ، والآخر على ألفي دينار مثلا ، فإنّ أصالة الصحّة لا تقضي (7) بوقوع العقد على ألفين وإنّما قضيّة ذلك عدم كون الخمر والخنزير أحد العوضين ، فالحكم باشتغال ذمّة الآخر بالمبلغ المزبور بعد الحكم

ص: 274


1- « م » : التعبّد.
2- عرفت في ص 268.
3- « م ، ك » : موضع.
4- حكاه عنه في ص 269.
5- كتب فوقه في نسخة « م » : مركّبا.
6- « م » : لتسليم.
7- « م » : لا يقضي ، « ج » : لا تقتضي.

بالصحّة إنّما هو مستند إلى تسليم ذلك عند الآخر.

وإذ قد عرفت هذا فنقول - في المثال المذكور في كلام الشرائع (1) - : إنّ تأخّر الموت بنفسه مستصحب ولا يتفاوت فيه الحال ؛ لكونه من مجاري الأصل حقيقة ، وأمّا تأخّره عن إسلامه فهو من الأمور المتسالمة بينهما على تقدير استصحاب تأخّر الموت كما في تسالمهم على وقوع العقد (2) على تقدير الصحّة على ألفي دينار ، ولك أن تقول : إنّ مجرّد مطابقة القول للأصل لا يجدي في إثبات المقصود إلاّ بعد اليمين وهي كالبيّنة من الطرق الواقعية ، وقد عرفت أنّ الطرق الواقعية ممّا يوجد بجميع لوازمها الواقعية.

وتحقيق المقام وتوضيحه : أنّ الموارد التي يتمسّك فيها بتلك الأصول في الغالب هو مواضع التداعي كما في استصحاب تأخّر الموت ، ولا شكّ في اعتبار هذا الاستصحاب بالنسبة إلى الأحكام التي تترتّب (3) على نفس التأخّر. وأمّا الآثار اللاحقة لكون الموت متأخّرا عن الإسلام فلا عبرة بهذا الاستصحاب فيها ، فالأخذ بتلك الآثار لأحد أمرين : إمّا من جهة تسالمهما على أنّ الوراثة بعد إثبات التأخّر الذي هو مجرى الأصل ومفاده ممّا لا كلام فيه ، فكأنّ المدّعي لمقارنة الموت للإسلام أو تقدّمه عليه مقرّ بكونه وارثا بمجرّد ثبوت تأخّر الموت وإن لم يفد إثبات تأخّره عنه ، فالاستناد إلى الأصل إنّما هو لإثبات هذا الجزء ولا غبار عليه من هذه الجهة ؛ لعدم كونه مثبتا له بل هو عين مفاده ، كما في أصالة الصحّة فيما إذا اختلف المتعاقدان في وقوع العقد على ثمن غير مملوك شرعا كالخمر والخنزير أو على عوض آخر ، فإنّ قضيّة الصحّة لا تزيد على مجرّد الصحّة ولا يثبت بها خصوصية الثمن الآخر كما هو المدّعى به في كلام الآخر ، ومع ذلك فالحكم باشتغال ذمّة المشتري بخصوصية العوض مستند إلى تسالم المتبايعين في أنّه (4) بعد إحراز الصحّة فالعوض هو هذا الشيء الخاصّ كما لا يخفى ، وأمّا

ص: 275


1- تقدّم نصّ عبارته في ص 269.
2- « ز ، ك » : الصيغة.
3- « ج ، م » : يترتّب.
4- « ج ، م » : أنّ.

في جهة ثبوت الواقع باليمين فإنّها أيضا كسائر الطرق الاجتهادية مثبتة للواقع كالبيّنة نظرا إلى الأمر بالتصديق للحالف في الدليل الدالّ عليه ، ومن المعلوم أنّ بعد فرض واقعية اليمين يترتّب عليها تمام أحكام الواقع كما في غيرها على ما مرّ.

وأمّا الاستناد إلى الأصل فلا يثمر إلاّ في تشخيص المدّعي والمنكر عند القاضي ، ولا يلزم أن يكون الأصل الموافق لقول المنكر وافيا بإثبات مرامه بتمام أجزائه ، فأصالة تأخّر الموت إنّما تجدي (1) في كون المدّعي لذلك (2) منكرا فعليه اليمين ، ثمّ يترتّب على اليمين تأخّر الموت عن الإسلام ، ثمّ بعد ثبوت ذلك باليمين ينتصف المال بينهما ، نعم يتمّ النقض بذلك لو قلنا بكونه وارثا مع عدم اليمين بمجرّد الأصل ومع عدم التسالم ، ودون القول بذلك حينئذ خرط القتاد.

هذا ما يقتضيه الجليل (3) من النظر (4) وأمّا دقيق النظر (5) فلا يرى استقامته أيضا.

أمّا أوّلا : فلأنّ دعوى ترتّب الأحكام التي هي من لواحق تأخّر الموت عن الإسلام كوراثة (6) المدّعي للتأخّر ونحوها على تسالمهما ، مكابرة صرفة ومجازفة محضة ؛ للقطع بأنّ الآخر في الأغلب ممّا لا يرضى بذلك أبدا وهو ينفي استحقاقه للإرث رأسا ، فقد يكون بعض الدعاوي مترتّبا على بعض آخر وإظهار البعض ربّما يكون مقدّمة لإظهار الآخر ، فكيف يقال بالتسالم؟ ولو فرض إقراره أحيانا بذلك فلا يمكن الأخذ بإقراره أيضا ؛ إذ الغالب إنّما هو من باب التعليق (7) على الأمور المستحيلة ولو بحسب اعتقاده. وأمّا التنظير بأصالة الصحّة فممّا لا يجدي أيضا ؛ لأنّ المشتري في مقام ادّعاء بطلان البيع رأسا فلا يظهر (8) منه تسليم كون العوض شيئا مملوكا فضلا عن

ص: 276


1- « ج ، م » : يجدي.
2- « ز ، ك » : لذاك.
3- كانت أوّلا في نسخة « م » : « الجلي » ثمّ غيّر بما في المتن وعكس ذلك في نسخة « ك ».
4- « ز ، ك » : جليل النظر.
5- « ز ، ك » : وأمّا دقيقه.
6- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : كوارثه.
7- « ز ، م » : التعلّق.
8- « م » : ولا يظهر ، « ج » : لا يظهر.

خصوصية شيء ، فكيف يتأتّى (1) القول بأنّه مقرّ بأنّ بعد إحراز الصحّة أحد (2) العوضين هو الشيء الخاصّ كما هو ظاهر؟

وأمّا ثانيا : فلأنّ كون اليمين من الطرق الاجتهادية كالبيّنة ونحوها في محلّ المنع ، والأمر بالتصديق ممّا لا دلالة فيه على كونه مثبتا للواقع كما لا دلالة في الأدلّة الدالّة على حمل فعل المسلم على الصحّة على ذلك ، وتفصيل الكلام فيه خارج عن المقام.

وأمّا ثالثا : فلأنّ مجرّد مطابقة قول واحد من المتداعيين لأصل من الأصول لا يثمر في جعله منكرا ما لم يكن ذلك الأصل وافيا بتمام مطلوبه وجميع مقصوده ؛ إذ ليس حكم الإنكار والادّعاء حقيقة من الأمور التوقيفية ، بل التحقيق أنّ ما ورد من الشرع في بيان حكمهما من كون البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر إنّما هو مطابق لما يحكم به الوجدان الصحيح والعقل الصريح في حقّ المدّعي والمنكر ، فعدم حاجة المنكر إلى إثبات دعواه ليس إلاّ بواسطة وفاء الأصل المطابق لقوله بتمام مقصوده ، ومن ثمّ تراهم لا يحكمون بتقديم قول مدّعي سقوط الخيار في البيع على قول من يدّعي عدم سقوطه بواسطة مطابقة قول مدّعي السقوط لأصالة اللزوم في البيع ، لعدم الاعتناء بهذا الأصل في قبال أصالة عدم سقوط الخيار ، لأنّ الشكّ في اللزوم وعدمه ناش من الشكّ في إسقاط الخيار وعدمه ، وبعد إحراز عدم السقوط لا يبقى الشكّ في عدم اللزوم ؛ لأنّه مزيل له ، فليس كلّ أصل مشخّصا للمنكر ، فأصالة تأخّر الموت لا يجدي في إثبات تأخّره عن الإسلام كما هو المقصود في المقام.

فإن قلت : قد يختلف وجوه التقارير في تحرير الدعاوي ففي كلّ وجه يراد من الأصل المعمول فيه إثبات ذلك الوجه دون غيره ، ومصبّ الدعوى في المقام هو إثبات تأخّر الموت وهو كاف ، وأمّا تأخّره عن الإسلام فهو شيء آخر و (3) يحتاج إلى دعوى

ص: 277


1- « ج ، م » : ينافي.
2- « ج » : لأحد.
3- « ج » : - و.

ثانية.

قلت : نعم ، ولكنّه غير مجد في تلك الدعوى والمقصود ترتّبها عليه كما هو ظاهر من عبارة الشرائع (1) على أنّ مجرّد التغيير في العبارة ربّما لا يجدي في الإنكار والادّعاء ، فإنّ المدّعي حقيقة هو المطالب بشيء ، والمنكر هو من يطالب منه ، وإن اختلفا في التعبير على وجه يعدّ في ما يتراءى في الأنظار أن يكون المدّعي منكرا والمنكر مدّعيا ، وعلى مثل هذا بنينا في الردّ على جامع المقاصد المحقّق الثاني (2) فيما إذا اختلف المتعاقدان في وقوع العقد على عشرين أو ثلاثين تومانا (3) فضّيا (4) مثلا ، حيث حكم بالتداعي والتحالف ؛ إذ من الواضح أنّ المطالب بالعشرة الزائدة هو المدّعي وإن كان ادّعاؤهما (5) في العبارة على أمر وجودي كما لا يخفى.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام ، والإنصاف أنّه لم يظهر لنا وجه في تصحيح موارد الأصول المثبتة في كلمات القوم على وجه جامع لجامع مواردها. ولعلّ العمدة فيها هو البناء عليها من جهة الظنّ كما ذكرنا ، فكن على بصيرة كي (6) لا يلتبس عليك الحال ، ثمّ إنّ ما أوردنا في المقام إنّما هو بالنسبة إلى اللوازم دون الملزومات أو المشارك في اللزوم أو المقارن ، فتدبّر فإنّه من المزالق (7).

ص: 278


1- تقدّم نصّ عبارته في ص 269.
2- انظر جامع المقاصد 7 : 293.
3- « ج » : + ذهبيا.
4- في هامش « م » : تومانا ذهبيا.
5- « ز » : ادّعاءها ( ظ ).
6- « ز ، ك » : لكلي.
7- « ز ، ك » : - فإنّه من المزالق.

هداية [ في أصالة تأخّر الحادث ]

اشارة

قد شاع التمسّك بأصالة تأخّر الحادث عندهم وهي بظاهرها ليست في محلّها ، فإنّ الظاهر من لفظة (1) الأصالة هو الاستصحاب وليس التأخّر معلوما في السابق حتّى يستصحب ذلك التأخّر ، بل (2) لا يعقل كما هو غير خفيّ على أحد ، فالمراد منها القاعدة التي مقتضاها هو الحكم بتأخّر الحادث من استصحاب عدمه في الزمان (3) السابق على زمان (4) اليقين لو كان الحادث هو الوجود ، أو استصحاب وجوده السابق لو كان هو العدم (5) ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ موارد إطلاقاتهم لهذه القاعدة كما يظهر من مطاوي كلماتهم هو الأوّل.

وكيف كان فالمطلوب من إجراء هذا الاستصحاب في موارده (6) إمّا إثبات تأخّر شيء حادث عن بعض أجزاء الزمان كأن يقال : إنّ الحادث الفلاني لا يعلم بحدوثه في الأمس أو في اليوم ، ومقتضى استصحاب عدمه في الأمس تأخّر وجوده عنه ، وإمّا إثبات تأخّر حادث عن حادث آخر مثله ، كما إذا كان هناك حادثان ولم يعلم سبق أحدهما على الآخر ، فيحكم بمقتضى استصحاب عدمهما - على حسب اختلاف

ص: 279


1- « ز ، ك » : لفظ.
2- « ج ، م » : + و.
3- « م » : الزمن.
4- « ز ، ك » : - زمان.
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : الوجود.
6- « ز ، ك » : - في موارده.

المقامات على ما ستعرف - بالتأخّر ، فإذا لنا مقامان (1) :

[ المقام ] الأوّل

لا خفاء في أنّ الأحكام الشرعية المترتّبة على نفس التأخّر بمعنى عدمه السابق على زمان اليقين فيما إذا كان الحادث وجوديا ، ووجوده السابق فيما إذا كان عدميا يترتّب على العدم في الأوّل والوجود في الثاني على تقدير استجماع الشرائط المعتبرة في الاستصحاب كما هو ظاهر ، كما لا إشكال في أنّه (2) بعد العلم بالوجود في الأوّل والعلم بالعدم في الثاني يترتّب عليهما أحكام مطلق الوجود والعدم ، وهل يترتّب على (3) الأحكام التي تترتّب (4) على محض الحدوث الذي هو عبارة عن وجود غير مسبوق بالوجود فيما كان المستصحب عدما ، وعن عدم غير مسبوق بمثله - مثلا - فيما كان المستصحب وجودا ، أو لا؟ التحقيق هو الأوّل ؛ لأنّ الحدوث على هذا المعنى له جزءان : أحدهما : العدم المطلق أو الوجود كذلك ، وثانيهما : كونه غير مسبوق بمثله وجودا وعدما ، والأوّل معلوم بالوجدان كما هو المفروض ، والثاني و (5) هو الجزء العدمي فيهما معلوم بالاستصحاب ولا غائلة فيه ؛ لعدم كونه من الأصول المثبتة كما قرّرنا في موارد جمّة ، منها : إثبات الأقلّية فيما دار الأمر بينها وبين الأكثر ؛ إذ ليس الأقلّ عنوانا وجوديا لازما لعدم الجزئية مثلا ، بل مجرى الأصل ومفاده هو هذا العنوان على ما هو ظاهر ، ولا ريب في عدم ترتّب الأحكام اللاحقة بعنوان (6) وجودي آخر لازم للمستصحب في المقام ؛ لما عرفت في الهداية السابقة من عدم التعويل على مثل (7) هذه الأصول.

ص: 280


1- « ج » : مقامين.
2- « ج ، م » : أنّ.
3- كذا. ولعلّ الصواب « عليهما ».
4- في النسخ : يترتّب.
5- « ز » : - و.
6- « ز » : لعنوان.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : بمثل.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما يتمّ فيما لو كان وجود ذلك الحادث مستمرّا حتّى في زمان اليقين بالوجود أيضا ، وأمّا إذا كان الحادث المفروض أمرا غير قابل للوجود المستمرّ كأمثال (1) الأفعال التوليدية التدريجية كالحركة والتكلّم ونحوهما ممّا ينقضي شيئا فشيئا وممّا لا يتّصف بالوجود إلاّ في آن من الزمان ، فلا يمكن إثبات الأحكام المترتّبة على وجوده (2) في زمان اليقين ، كما إذا فرضنا حدوث التكلّم أو الولادة التي هي الخروج من الرحم إمّا في يوم الجمعة وإمّا في يوم السبت ؛ إذ لا يمكن استعلام بدو وجوده لعدمه في السبت أيضا ، لأنّ المفروض أنّه آني الوجود ، فكما أنّه لا يمكن إثباته في الجمعة ؛ لأنّ الأصل عدمه فيها ، فكذا لا يمكن إثباته في السبت أيضا ؛ لأنّ الأصل عدمه أيضا ، فالمقام نظير الشبهة المحصورة ؛ إذ لا فرق بين أن يكون الظرف لوجود شيء مكانا أو زمانا ، إذ نسبتهما إلى الوجود متساوية ، فالعلم الإجمالي حاصل بانتقاض أحد الأصلين ، وذلك لا يضرّ في جريانهما وتعارضهما ، على أنّ استصحاب التأخّر وعدمه في الجمعة لو أريد به إثباته في السبت ممّا لا تعويل عليه ؛ لكونه مثبتا ، وتوضح (3) التعارض بين الأصلين ملاحظة أن لو كان العلم الإجمالي بين وجوده في الخميس أو السبت مع العلم بعدمه في الجمعة كما لا يخفى ، ولعلّ هذا هو الوجه في حكمهم بقضاء صلوات خمسة فيما إذا قطع المكلّف بحدوث حدث منه عقيب واحد من وضوءاتها وإن كان مقتضى استصحاب عدمه على تقدير الأصول المثبتة هو الحكم بقضاء صلاة العشاء فقط ، فتدبّر.

وأمّا أحكام مطلق وجود ذلك الشيء فمن المعلوم ترتّبه عليه كما هو ظاهر لا سترة عليه.

المقام الثاني

ص: 281


1- « ز ، ك » : المستمرّ مثل.
2- « ج » : وجودها.
3- « ج ، ك » : توضيح.

فيما إذا كان المقصود بأصالة التأخّر تأخّر الحادث عن صاحبه ، فنقول : لا ريب في ترتّب (1) أحكام التأخّر مطلقا بخلاف الأحكام المترتّبة على تأخّره عن صاحبه ، ثمّ إنّ هذين الحادثين إمّا أن يكون تاريخ وجودهما مجهولا ، وإمّا أن يكون أحدهما معلوما والآخر مجهولا ، وأمّا فرض المعلومية فيهما فخارج (2) عن المفروض.

أمّا في الأوّل : فلا يحكم بأحدهما ، كما في تعارض الجمعتين في بلد واحد ، أو في الغرقى والمهدوم عليهم ، والطهارة والحدث ، ونحوها (3) ممّا لا ضبط فيها ، وقد يقال في أمثال ذلك بتقارنهما ، فإن كان التقارن عبارة عن وجود أحدهما مصاحبا للآخر على وجه يكون أمرا وجوديا كما هو الظاهر فلا عبرة به ، وإن كان عبارة عن عدم تقدّم أحدهما على الآخر فيكون أمرا عدميا مفادا للأصل فيهما فلا غائلة فيه إلاّ أن يقال بترتّبه (4) على الأوّل أيضا لكون الواسطة خفيّة كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فربّما يكون مفيدا من طرف واحد ، وربّما يكون مفيدا من الطرفين (5) ، والمعيار في ذلك أنّه كلّما كان أحد الطرفين أو كلاهما مجرى للأصل العدمي فهو مفيد لترتّب أحكام العدم والتأخّر عليه ، بخلاف ما إذا كان لازما من لوازم العدم.

مثال ما إذا كان الأصل مفيدا من طرف واحد ما إذا علمنا بحدوث كرّية الماء المفروض في الحوض - مثلا - وحدوث ملاقاة اليد النجسة لهذا (6) الماء فإذا لم يكن أحد التاريخين معلوما فلا كلام ، وأمّا إذا كان تاريخ الكرّية معلوما كأن كان في السبت ولم يعلم تاريخ الملاقاة فاستصحاب عدم الملاقاة في الجمعة لا يثمر في استصحاب (7) طهارة اليد لكونه مثبتا ، إذ من لوازم الملاقاة يوم حال الكرّية هو الطهارة وليست من لوازم

ص: 282


1- « ج ، ز ، ك » : ترتيب.
2- « م » : خارج ، « ج » : فهو خارج.
3- « م » : نحوهما.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : مترتّبة.
5- « ج » : طرفين.
6- « م » : بهذا.
7- في « م » كانت أوّلا « إثبات » ثمّ شطب عليها وكتب تحتها بما في المتن.

عدم حدوثه في الجمعة كما هو ظاهر ، و (1) أمّا إذا كان تاريخ الملاقاة معلوما كأن كان في السبت - مثلا - فاستصحاب عدم الكرّية يثمر في نجاسة الماء ؛ لأنّ عدم الكرّية من لوازمه (2) الشرعية انفعاله (3) بالنجاسة ، وليس القليل إلاّ عدم كونه كرّا كما هو ظاهر ، ولا يعارضه استصحاب طهارة الماء ؛ لكونه مزالا بالنسبة إلى هذا الاستصحاب ، ومن هذا القبيل ما فرضه المحقّق في مسألة الإرث (4) ؛ إذ على تقدير العلم بتاريخ الإسلام (5) لا يثمر استصحاب تأخّر الموت في انتصاف المال بينهما ، وعلى تقدير العلم بتاريخ الموت أصالة تأخّر الإسلام يجدي في انحصار الوارث الآخر ؛ إذ الانحصار عبارة عن وجود شيء مع عدم غيره ، فكأنّ العدم فصل له (6) وما (7) هو بمنزلة الجنس فيه معلوم وجدانا ، والفصل العدمي مفاد الأصل فلا يكون مثبتا كما هو ظاهر.

ومثال ما إذا كان الأصل مفيدا من الطرفين ما إذا علمنا بموت الأب والابن مع الجهل بتاريخ موت الأب والعلم بتاريخ موت الابن ، فبأصالة تأخّر موت الأب واستصحاب وجوده قبل زمان اليقين يترتّب توارثه (8) من مال الابن ، لكن (9) ذلك من أحكام نفس الحياة المستصحبة ، ومع العكس يفيد توارث الابن من مال الأب بعين (10) ما ذكر ، وقد لا يكون مفيدا ، كما إذا كان تاريخهما مجهولا أيضا فيما إذا فرضنا حدوث حدث وطهارة مع الشكّ في السبق واللحوق ؛ إذ لا يتفاوت الحال في ذلك مع (11) جهل (12) التاريخين أو العلم بأحدهما ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ استصحاب تأخّر

ص: 283


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - و.
2- « ج » : لوازمها.
3- « ج » : انفعالها.
4- تقدّم نصّ عبارته في الهداية السابقة في ص 269.
5- « ز ، ك » : بتأخّر تاريخ الإسلام.
6- « ك » : فكان العدم فصلا له.
7- « ج » : - ما.
8- « ز ، ك » : لوارثه.
9- « م » : فأين. « ج » : لأنّ.
10- « ج » : لعين.
11- « م » : - مع.
12- « ج » : بجهل.

الحدث لا يجدي في انتقاض الطهارة ، وكذا استصحاب تأخّر الطهارة لا يجدي في حصول الطهارة ، كيف والموارد (1) على ما عرفت مختلفة ، فإطلاق القول بعدم الفائدة في صورتي العلم بالتاريخ والجهل به كما عن الشيخ الجليل فيلسوف القوم في كشف الغطاء ، ليس في محلّه.

قال قدس اللّه نفسه الزكية (2) - في مسألة العلم بحدوث الحدث والطهارة مع الشكّ في السبق واللحوق ردّا على من فصّل بين العلم بالتاريخ في أحدهما والجهل بالآخر - : إنّ أصالة التأخّر إنّما قضت بالتأخّر (3) على الإطلاق لا بالتأخّر عن الآخر (4) ومسبوقيته به ؛ إذ وصف السبق حادث والأصل عدمه ، فيرجع ذلك إلى الأصول المثبتة وهي منفيّة ، فأصالة عدم الاستباحة وبقاء شغل الذمّة سالمان عن المعارض. قال : ولذلك أطلق الحكم فحول العلماء في مسألة الجمعتين ، ومسألة من اشتبه موته (5) في التقدّم وغيرهما (6) ، وفي مسألة عقد الوكيلين وغيرها ، أو المشتبهين في سبق الكمال على العقد وتأخّره ، ولم يفصّلوا بين علم التاريخ في أحدهما وعدمه (7) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع اللّه في الجنّة من مقامه (8).

وفيه نظر (9) : أمّا أوّلا : فلما عرفت من أنّ الحكم ربّما يترتّب على نفس التأخّر وعدم الحادث لا على تأخّره عنه ومسبوقيته به كما عرفت فيما قدّمنا لك من الأمثلة.

وأمّا ثانيا : فلأنّ إطلاق القول في تلك المقامات إنّما هو فيما إذا كان التاريخان مجهولين كما هو الظاهر ، ومن المعلوم عدم الفرق بينهما حينئذ ، ولنا أن نقول : إنّ

ص: 284


1- « م » : وكيف فالموارد. « ج » : وكيف كان فالموارد.
2- « ز ، ك » : رحمه اللّه.
3- في المصدر : بالتأخير.
4- في المصدر : الأخير.
5- في المصدر : موتهم.
6- في المصدر : غيرها.
7- كشف الغطاء 2 : 102 ، وفي ط الحجري : 102.
8- « ز ، ك » : - رفع اللّه ... مقامه.
9- « ج ، م » : - وفيه نظر.

الإطلاق فيها بواسطة عدم الفائدة في صورتي العلم والجهل ، ولهذا (1) فصّلوا فيما إذا كان العلم بالتاريخ مجديا كما مرّ في مثال الإرث ، فإنّ الشيخ وجملة من أعاظم الفحول كابن حمزة والشهيدين والمحقّقين والعلاّمة فصّلوا فيه كما عرفت (2).

نعم ، يعتبر في موارد تلك الأصالة أن لا يكون الحكم المطلوب إثباته أو نفيه من لواحق عنوان آخر غير المستصحب كما نبّهنا عليه ، لكنّه قد يوجد في كلمات الفقهاء الحكم بترتّب آثار اللاحقة بعنوان لازم للمستصحب في تلك الأصالة على ما مرّ بعضها في الهداية السابقة ، ومن جملة تلك الموارد ما أورده الشهيد السعيد (3) في المسالك.

قال (4) : إذا أذن المرتهن للراهن في البيع ورجع ، ثمّ اختلفا فقال المرتهن : رجعت قبل البيع ، وقال الراهن : بعده ، كان القول قول المرتهن ترجيحا لجانب الوثيقة ؛ إذ الدعويان متكافئتان (5).

قال : وجه التكافؤ : أنّ الراهن يدّعي تقدّم البيع على الرجوع والأصل عدمه ، والمرتهن يدّعي تقدّم الرجوع على البيع والأصل عدم تقدّمه أيضا ، فتكافأ الأصلان فيتساقطان ، ويبقى حكم الرهن على العين باقيا وهو ترجيح جانب الوثيقة. إلى أن قال : وفي إطلاق الحكم بذلك بحث آخر وهو أنّ ذلك كلّه إنّما يتمّ حيث يطلقان الدعويين من غير اتّفاق منهما على زمان معيّن للبيع أو الرجوع ، أو مع اتّفاقهما إلى وقت واحد ؛ لتحقّق الأصول المذكورة ، أمّا لو اتّفقا على زمان أحدهما واختلفا في تقدّم الآخر ، فإنّ الأصل مع مدّعي التأخّر ليس إلاّ ، ووجه ذلك أنّهما لو اتّفقا - مثلا - على وقوع البيع يوم الجمعة وادّعى المرتهن الرجوع قبله من غير تعيين زمان ، فالأصل

ص: 285


1- « ك » : لذا.
2- عرفت في الهداية السابقة في ص 269.
3- « ز ، ك » : - السعيد.
4- « م » : قال في مسألة.
5- المثبت من المصدر وفي النسخ : متكافئان.

يقتضي تأخّره ؛ لأنّ ذلك حكم كلّ حادث إلى أن يعلم وجوده وإنّما علم وجوده بعد البيع ، فيقدّم قول الراهن ، ولو انعكس بأن اتّفقا على وقوع الرجوع يوم الجمعة وادّعى الراهن وقوع البيع قبله من غير اتّفاق على وقت ، فالأصل يقتضي تأخّره إلى أن يعلم وجوده وإنّما علم بعد زمان الرجوع ، فيقدّم قول المرتهن.

قال قدّس اللّه روحه (1) : وهذا التفصيل هو الأقوى وهو خيرة الدروس ، وفيما عداه يقدّم قول المرتهن كما ذكره الأصحاب ؛ لقيام الدليل على ترجيح جانب الوثيقة كما حقّقنا (2) ، انتهى ما أفاده (3).

وبعد الاطّلاع على ما نبّهنا (4) عليه في الهداية السابقة من عدم التعويل على مثل هذه الأصول ؛ لعدم دلالة دليل على اعتبارها والوجوه التي وجّهنا بها كلام القوم ، لا يخفى عليك ما فيه من وجوه الصحّة والفساد ، فتدبّر.

ولعلّ العمدة في تلك الوجوه بعد البناء على الظنّ هو القول بأنّ ترتيب اللوازم العاديّة وأحكامها من باب التسالم ، واللّه الموفّق (5) الهادي.

تذنيب

عكس الاستصحاب المذكور استصحاب (6) القهقرى على ما هو المعروف في لسان عوام الطلبة ، وقد نبّهنا على فساده في أوائل المبحث بهذا العنوان (7) ؛ إذ ليس من الاستصحاب ، لاستلزامه اليقين السابق والشكّ اللاحق ، وما يراد من ذلك إثبات الوجود اللاحق في الزمن السابق المشكوك ذلك الوجود فيه ، ولا دليل على ثبوت

ص: 286


1- « ز ، ك » : رحمه اللّه.
2- مسالك الأفهام 4 : 77 - 79.
3- « ز ، ك » : - ما أفاده.
4- « م » : بما نبّهناه.
5- « ز ، ك » : - الموفّق.
6- كذا. ولعلّ الصواب : الاستصحاب.
7- انظر ص 14.

ذلك من العقل ولا من النقل ، وقد يعبّر عن ذلك بأصالة تشابه الأزمان وهو أيضا ممّا لا وجه له ؛ لعدم ما يقضي (1) بذلك على ما هو الظاهر منها (2). اللّهمّ إلاّ أن يكون المدرك فيها الغلبة ، فتأمّل.

نعم ، يمكن أن يكون هذا نتيجة لاستصحاب عدمي معقول وهو أن يقال : لو لم يكن كذلك لزم حادث آخر والأصل عدمه كأصالة عدم النقل ، مثلا لو ثبت أنّ الأمر في العرف للوجوب فشكّ أنّه (3) في اللغة أيضا كذلك أم لا (4) ، فلو قلنا بأنّه (5) في اللغة أيضا للوجوب لا يلزم حادث غير ما دلّ الدليل على وجوده وحدوثه في الحال ، ولو قلنا بعدمه يلزم أن يكون هناك أيضا حادث آخر والأصل عدمه ، ولا يعارضه أصالة تأخّر الحادث ؛ لأنّ مجرى ذلك فيما إذا كان الاستعمال في السابق معلوما على الإجمال ولم يعلم خصوصية المستعمل فيه ، وحينئذ لا يجري أصالة تأخّر الحادث ؛ للعلم بالحدوث إجمالا ، والكلام في التعدّد والاتّحاد ، والأصل يقضي (6) بالثاني ؛ لأصالة عدم تعدّد الوضع ، وهذا وإن كان مثبتا إلاّ أنّه من الموارد التي لا مناص من العمل بها ؛ لكونه من مباحث الألفاظ ، نعم لو كان المعنى المستعمل فيه في السابق معلوما كاللاحق وشكّ في بدو الحدوث والنقل فأصالة التأخّر تقضي (7) بالتأخّر ، ولا يجري فيه أصالة عدم النقل في السابق كما في الحقيقة الشرعية ، فإنّ استعمال الصلاة في اللغة معلوم وفي عرف المتشرّعة أيضا معلوم وإنّما شكّ في بدو النقل ، فبأصالة عدم النقل لا يمكن إثبات الحقيقة الشرعية بالنسبة إلى زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ إذ الأصل تأخّر الحادث

ص: 287


1- « ج » : ما يقتضى.
2- « م » : منه.
3- « ج ، م » : - أنّه.
4- « ج ، م » : أيضا للوجوب أو لا.
5- « ج ، م » : بأنّها.
6- « ج » : يقتضى.
7- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : يقضي. « ج » : تقتضي.

إلى زمن اليقين بوجوده (1) ، وإثبات الأصل ممّا لا ضير فيه على ما عرفت مرارا كما لا يخفى ، واللّه الموفّق (2) الهادي.

ص: 288


1- « ج » : لوجوده.
2- « ز ، ك » : - الموفّق.

هداية [ في استصحاب الصحّة ]

قد تداول بينهم التمسّك باستصحاب الصحّة فيما إذا شكّ في أثناء العمل في صحّته باعتبار الشكّ في اعتبار شيء فيه وعدمه ، وتنظّر فيها بعض الأواخر ، والتحقيق عندنا عدم الاعتداد به في بعض الوجوه دون آخر.

وتوضيح المقصد أن يقال : إنّ بطلان العبادة - مثلا - تارة بواسطة انتفاء أمر معتبر فيها على وجه غير ممكن التدارك كما إذا ترك السورة في الصلاة مع الوصول إلى حدّ الركوع ، وأخرى بواسطة وجود ما يقطع به العمل (1) كالتكلّم في الأثناء فهو قاطع للعمل ومبطل أيضا ؛ إذ كلّ قاطع مبطل ولا عكس. وكيف كان (2) فالكلام يقع في موردين ؛ إذ المستصحب للصحّة (3) إنّما يريد (4) الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء المادّية للصلاة مثلا ، وأمّا بالنسبة إلى الجزء الصوري (5) لها واشتمال الصلاة على هذا الجزء الصوري إنّما يستفاد من الأخبار الواردة الدالّة على قطعها ، فيستفاد منها أنّ لها هيئة (6) ارتباطية تقطع بقواطعها ، كما إذا (7) استفدنا من لفظ النقض في (8) أنّها حالة مستمرّة ، وهذا

ص: 289


1- « ج » : - العمل.
2- « م » : - كان.
3- « ج » : بالصحّة.
4- « ج ، م » : يراد.
5- « ز ، ك » : الأجزاء الصورية.
6- « ز ، ك » : أنّ الماهية.
7- « ج ، ز ، ك » : - إذا.
8- كذا. والظاهر زيادة لفظة « في ».

الجزء الصوري وإن كان داخلا في عنوان القسم الأوّل لأنّ انتفاءه انتفاء أمر معتبر فيها على وجه لا يمكن تداركها ، إلاّ أنّ التقسيم له فائدة أخرى تطّلع عليها بعيد ذلك.

أمّا الكلام في القسم الأوّل (1) فالصحّة المقصود إثباتها تارة : يراد منها موافقة الأمر ، وأخرى : ترتّب (2) الأثر عليه على اختلاف المعنى منها ، ولا وجه لاستصحابها على التقديرين ، أمّا على الأوّل فلأنّ كون الجزء موافقا للأمر إمّا يقصد منه الأمر المستفاد من الأمر بالكلّ ، وإمّا الأمر المتعلّق بنفس الكلّ ، والثاني غير حاصل (3) عند فقد الكلّ كما هو المفروض ، والأوّل قطعي حال الشكّ فلا يقين بالسابق على الأوّل ، ولا شكّ في اللاحق على الثاني ، وأمّا على الثاني فلأنّ الأثر المستصحب إمّا أن يكون أثر الكلّ ، أو الأثر المترتّب على الأجزاء التي لم يأت بها ، أو أجزاء (4) الماهيّة (5) ، لا معنى للأوّلين ؛ لعدم اليقين السابق فيهما ، كما أنّه لا معنى للأخير أيضا ؛ إذ الأثر المترتّب على الجزء ليس إلاّ كونه بحيث (6) لو انضمّ إليه الأجزاء الباقية على وجه معتبر شرعا لكان مؤثّرا في حصول الكلّ والمركّب ، ووقوعه على هذا الوجه أمر قطعي لا شكّ فيه ، وعدم ترتّب الأجزاء اللاحقة لا يوجب زوال الأثر من الأجزاء السابقة ، وهذه الصفة موجودة فيها فعلا ؛ إذ لا يزيد ذلك على حيثية تعليقية يكفي في صدقها صدق التعليق وإن كذب المتعلّقان كما لا يخفى.

لا يقال : قد يكون الأجزاء اللاحقة مؤثّرة في وقوع الأجزاء السابقة على وجه الصحّة فيشكّ في ذلك فيستصحب.

لأنّا نقول : أوّلا : فلا قطع بالمستصحب في أوّل الأمر حينئذ. وثانيا : لو فرض حصول القطع فيمتنع زواله ؛ لأنّ ما وقع على صفة يمتنع انقلابه من تلك الصفة (7).

ص: 290


1- سيأتي القسم الثاني في ص 296.
2- « ج » : ترتيب.
3- « ج » : + حال!
4- في النسخ : الأجزاء.
5- « ز ، ك » : الماهيّة.
6- « ز ، ك » : - بحيث.
7- « م » : الصحّة.

وثالثا : لا يثمر في الأجزاء الباقية إذ لا يزيد ذلك على القطع الوجداني بصحّتها وعلى تقديره لا يجدي بالنسبة إليها كما لا يخفى.

ويمكن أن يقرّر الاستصحاب في هذا المقام بوجوه إلاّ أنّه لا يجدي في الكلّ.

الأوّل : استصحاب القابلية ، وبيانه : أنّ القراءة - مثلا - كان على وجه يصحّ أن يكون جزء فعليا للصلاة ، وبعد حدوث تلك الحادثة لا يعلم بقاؤها على هذه الصفة والأصل بقاؤها.

وفيه : أنّ الشكّ في كون الجزء المفروض قابلا لأن يصير جزء فعليا من الصلاة إمّا بواسطة أمر سابق على ذلك الجزء أو في نفس ذلك الجزء أو بواسطة أمر لاحق له. لا معنى له على الأوّلين لما عرفت من القطع بذلك ، وكذا على الثالث ؛ لأنّ الشكّ إنّما هو في اللاحق ، واستصحاب كونه جزء فعليا لا يرتفع الشكّ الموجود بالنسبة إلى اللاحق ، لكونه من الأصول المثبتة.

الثاني : استصحاب وجوب الإتمام ، فإنّ قبل عروض سانحة كان الواجب إتمام الصلاة ، وبعد ذلك لا يعلم به ، فيستصحب الوجوب السابق.

وفيه : أنّ الإتمام معناه ضمّ الأجزاء الباقية إلى الأجزاء الماضية ليتمّ العمل والمفروض عدم العلم بالباقي والشكّ في اعتبار شيء آخر فيه ، واستصحاب وجوب الإتمام لا يجدي في ارتفاع الشكّ في أنّ الشيء (1) الفلاني جزء أم لا.

الثالث : استصحاب حرمة القطع ؛ لأنّ قبل حدوث الشكّ كان يحرم على المكلّف قطع الصلاة ، وبعده يشكّ في الحرمة والأصل بقاؤها ، فيحرم عليه التكلّم أو شيء آخر من القواطع.

وفيه : أنّ حرمة القطع وفعل القاطع إن أريد حرمته بذاته مع قطع النظر عن اتّصافه

ص: 291


1- « ج » : الجزء.

بالقاطعية فغير مسلّمة ؛ إذ لا دليل على حرمة التكلّم مع قطع النظر عن كونه قاطعا للصلاة. وإن أريد حرمته بعنوان القاطعية فلا بدّ من العلم بكونه قاطعا ، وعلى تقدير الشكّ في الجزء أو الشرط في حال الترك لا يعلم انقطاع الصلاة بواسطة ذلك الشيء المتروك حتّى لا يكون التكلّم قاطعا ؛ إذ بعد الانقطاع لا يعقل القطع ولا عدم انقطاعها (1) بواسطة ذلك الشيء ؛ إذ المفروض كونه مشكوكا حتّى يكون قطعا ، فيكون من موارد الشبهة الموضوعية التي لا دليل على لزوم الاجتناب فيها في غير ما سبق بالعلم الإجمالي ، فالأصل البراءة فلا يحرم القطع كما لا يخفى.

فإن قيل : إنّ العرف يحكمون بكونه قطعا فيحرم.

قلنا : لا مدخل للعرف في مثل المقام كما هو ظاهر. نعم ، لو كان المستند في الحكم دليلا لفظيا غير الاستصحاب كآية البطلان (2) كان للتمسّك بالعرف فيها وجه ، ولمّا انجرّ الكلام إلى هذا المقام فالمناسب تحقيق هذه (3) الآية الشريفة (4).

قد استدل بها جماعة في جملة من الموارد ، منهم ابن إدريس (5) في إفطار قضاء الصوم قبل الزوال رادّا على الرواية الدالّة على الجواز بأنّها خبر واحد لا يقبل لتخصيص الكتاب ، ومنهم بعض آخر (6) في وجوب إتمام الصلاة وعدم إبطالها عند الشكّ في الجزئية والشرطية أو (7) المانعية ، فالآية تدلّ على عدم جواز إبطال العبادات والأعمال ، سواء كان العمل صحيحا لو لا الإبطال كالصوم المفروض في كلام ابن إدريس ، أو شكّ في صحّته كما في الصلاة عند الشكّ في الشرطية أو المانعية.

وتقريب الاستدلال على وجه شامل للإبطال فيما شكّ في بطلانه (8) أن يقال : إنّ الآية

ص: 292


1- « ز ، ك » : انقطاعه.
2- محمّد : 34.
3- « ز ، ك » : هذا.
4- « ز ، ك ، ج » : - الآية الشريفة.
5- لم أعثر عليه في السرائر.
6- انظر هامش فرائد الأصول 2 : 377.
7- « م » : و.
8- « ز ، ك » : - فيما شكّ في بطلانه.

بعمومها تدلّ على عدم جواز رفع اليد عن العمل ، ففيما لو لم يكن وجه للإبطال سوى ذلك فظاهر. وأمّا في القسم (1) الآخر فعدم جواز رفع اليد إمّا بواسطة وجوب المضيّ في العبادة وإن كانت فاسدة ، وإمّا بواسطة صحّتها وكونها مسقطة للقضاء والإعادة ، والأوّل باطل ؛ للعلم بانتفائه عدا ما ثبت في موارد مخصوصة ، فتعيّن الثاني. وليس لأحد أن يقول : إنّ وجوب المضيّ لا يبقي الشكّ في المانعية أو الجزئية - مثلا - كما في الاستصحاب ؛ إذ التمسّك بالأدلّة الاجتهادية كالكتاب يجدي بالنسبة إلى إثبات اللوازم والملزومات كما في الاستدلال على صحّة المعاملة بوجوب الوفاء لها على ما هو المدلول عليه بقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) إذ قد يمكن استكشاف بعض الموضوعات بعموم العامّ ، كما (3) إذا شكّ في كون زيد صديقا للمولى مع العلم بكونه من جيرانه بعد ما أمر المولى بإضافة جيرانه على وجه العموم مع العلم بعدم إرادة العدوّ منهم ، فبعموم وجوب إضافة الجيران وإكرامهم يحكم في المشكوك بكونه صديقا فيجب إضافته وإكرامه ، فنقول بمثل ذلك في المقام فإنّ حرمة الإبطال وعدم جواز رفع اليد عن العمل بعمومها (4) يستكشف عن صحّة العمل ، فالصحّة مستفادة من عموم النهي كما لا يخفى. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال.

والإنصاف عدم دلالة الآية على ذلك ؛ إذ الوجوه المحتملة فيها كثيرة :

الأوّل : أن يكون المراد بها إحداث صفة البطلان في العمل والنهي عنه على ما يقتضيه ظاهر قوله : « لا تبطلوا » فإنّه من الإبطال وهو في اللغة ظاهر في إحداث البطلان الذي (5) هو المصدر المجرّد منه بعد ما كان العمل صحيحا ولم يكن باطلا ، فيختصّ بما إذا كان العمل صحيحا لو لا الإبطال ، بل الظاهر منه على المفروض أن يكون الإبطال بعد تمام العمل ووقوعه على وجه الصحّة بإحداث عمل محبط لما وقع

ص: 293


1- « ز ، ك » : تقسيم.
2- المائدة : 1.
3- « ج ، م » : + فيما.
4- « ز ، ك » : بعمومه.
5- « ز ، ك » : - الذي.

صحيحا كالشرك ونحوه ، ويعاضده قوله تعالى قبل الآية هذه : ( وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ * ... أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (1) ويوضحه (2) قوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (3) فإنّ الظاهر كونهما على وجه واحد ، ومن المعلوم أنّ المستفاد من الثاني النهي من إحداث صفة البطلان في الصدقات الصادرة من العباد (4) بالمنّ على من تصدّق بشيء له أو أذى عليه كما فيما ورد في تفسيره ، ويؤيّده تفسيره في الروايات بالشرك فقال عليه السلام : « لا تبطلوا أعمالكم بالشرك » (5) وقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله في رواية مضمونها أنّه قال : « من قال : لا إله إلاّ اللّه غرس له في الجنّة كذا ، ومن قال : الحمد لله له كذا » ، إلى أن تعجّب بعض من السامعين فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « فلا ترسلوا إليها نارا فتحرقوها » (6) ، ثمّ قرء قوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (7).

الثاني : أن يكون المراد بالآية إحداث الموصوف بالبطلان متّصفا بهذه الصفة ، فالمعنى : لا يجوز لكم إيجاد الصلاة باطلا بواسطة عدم إطاعة اللّه وإطاعة رسوله من عدم تعليم (8) أحكام العمل وكيفياته كما يقتضيه ظاهر العطف على « أطيعوا » والأفعال المزيدة قد تستعمل في هذا المعنى كما في قولهم : « لا تضيّق فم الركية للفتى (9) » فإنّ المراد به عدم إيجاده متّصفا بهذه الصفة ، وأمثاله في العرف كثيرة ، ومنها قولهم : « مجمل » إذ ليس الإجمال صفة طارئة ، فالنهي عن الإجمال كأن يقال : « لا تجمل في القول » معناه : لا توجد قولا متّصفا بعدم وضوح الدلالة ، وكذا قولهم : « مبيّن » إذ البيان في قبال

ص: 294


1- محمّد : 32 - 33.
2- « م » : توضيحه.
3- البقرة : 264.
4- « ج ، م » : العبادات.
5- لم أجده.
6- المثبت من « ك » وهو موافق لمصادر الرواية وفي « م » : فتحرقها وفي « ج ، ز » : فيحرقها.
7- وسائل الشيعة 7 : 186 ، باب 31 من أبواب الذكر ؛ بحار الأنوار 8 : 186 ، باب 23 ، ح 154 و 93 : 168 ، باب 2 ، ح 3.
8- كذا ، والأنسب تعلّم.
9- « ز ، ك » : - للفتى.

الإجمال وليس ممّا يطرأ اللفظ بعد الحدوث في الأغلب ، فالأمر بالبيان بيان لإيجاد بيان ظاهر الدلالة وبيّن المقصود وذلك ظاهر.

الثالث : أن يكون المراد بها ما هو مناط الاستدلال المذكور من وجوب المضيّ على العمل وعدم جواز رفع اليد عنه ، وهو لو لم نقل بكونه خلاف الظاهر بالنسبة إلى الوجهين الأوّلين فلا أقلّ من التساوي ، سيّما الأوّل منهما ؛ لموافقته (1) للعرف واللغة ونظائرها في الكتاب العزيز وما قبلها والروايات الواردة فيها كما مرّ ، سلّمنا عدم المكافئة فلا يجوز الحمل على الأخير ؛ إذ لا ريب في جواز رفع اليد عن كثير من الأعمال الواجبة فكيف بالمستحبّات والمباحات ، وتخصيصها بالشرعيات مجازفة ، وعلى تقديره العمل بها فيها أيضا مكابرة ، والقول بالأخذ بعمومها خرج ما خرج ، وبقي الباقي في العامّ مجازفة في مكابرة ؛ إذ التخصيص قد يبلغ حدّا لا يجوز القول به في كلام الحكيم وإن قلنا بجواز تخصيص الأكثر ، فلا بدّ من حملها على طائفة معهودة صادقة على الصلاة (2) الواجبة فقط أو على الإبطال بالشرك كما ورد في الرواية ، ولا يجوز أن يكون هذا فردا منها ، فيكون البيان مختصّا ببعض (3) أفراده ؛ لعدم الجامع القريب بين الإبطال على الوجه المزبور ورفع اليد ، فيلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد (4).

فجملة الكلام في هذا المقام : أنّ الشكّ لو كان متعلّقا بما هو بمنزلة الجزء الماديّ من الصلاة كما في السورة مثلا ، فلا جريان للاستصحاب فيه على بعض الوجوه المتقدّمة ، ولا يجدي في بعض آخر ؛ إذ المدار على ارتفاع هذا الشكّ إمّا وجدانا ، وإمّا شرعا وكلاهما منفيّان ، أمّا الأوّل فبالفرض ، وأمّا الثاني فلعدم جريان استصحاب صحّة

ص: 295


1- « ز ، ك » : بموافقته.
2- « م » : الصلوات.
3- « ز ، ك » : محضا لبعض.
4- « ج ، م » : المعنى الواحد.

الأجزاء السابقة ، وعدم إثبات استصحاب وجوب (1) الإتمام والقابلية عدم جزئية المشكوك ، وعدم العلم بالموضوع في استصحاب حرمة القطع ، وعدم دلالة الآية على حرمة القطع في هذا المقام (2).

وأمّا الكلام في القسم الثاني (3) وهو ما إذا كان الشكّ في الجزء الصوري للصلاة مثلا ، وبعبارة أخرى ما إذا كان الشكّ في قاطعية شيء للصلاة أو عروض القاطع ، وقد عرفت أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في حرمة القطع أنّ الصلاة ذات هيئة ارتباطية متّصلة بعض أجزائها بالآخر (4) في نظر الآمر ، فالتحقيق جريان الاستصحاب فيه وكونه مفيدا أيضا. بيان ذلك : أنّه لا شكّ في اتّصاف الأجزاء السابقة بحالة ارتباطية على وجه يمكن أن يصير جزء فعليا للصلاة فيما لو انضمّ إليها الأجزاء الأخر ، فتلك الحالة تارة : نعلم ببقائها عند انضمام الأجزاء الباقية إليها صحيحة ، وتارة : نعلم بارتفاعها كما إذا عرض المصلّي حال اشتغاله بالصلاة قاطع معلوم القاطعية كالتكلّم ، وأخرى يشكّ في بقائها وارتفاعها بواسطة الشكّ في عروض القاطع كالتكلّم بكلام طويل - مثلا - أو قطع العارض كأن تكلّم بلفظة واحدة مفيدة كقولنا (5) : « ق » أمرا مثلا ، والأصل بقاء تلك الحالة وبعد وجودها شرعا تصير مطابقة للأمر بها ويترتّب عليها آثارها ، وهو المراد بالصحّة المستصحبة.

لا يقال : القطع أمر نسبي لا يتحقّق إلاّ بين شيئين متحقّقين والمفروض عدم وجود الأجزاء اللاحقة ، فلا يتحقّق القطع.

لأنّا نقول : عند العلم بحصول القاطع المعلوم أيضا لا يكون الأجزاء الباقية

ص: 296


1- « ز ، ك » : - وجوب.
2- في هامش نسخة « م » : اللّهمّ إلاّ أن يتمسّك بأنّ وجوب الإتمام إنّما يلازم عدم الجزئية شرعا ؛ لعدم القول بالفصل ، إذ لا يعقل القول بوجوب الإتمام مع لزوم الإعادة ، فتأمّل « منه ».
3- تقدّم القسم الأوّل في ص 290.
4- « ز ، ك » : « ببعض » بدل : « بالآخر ».
5- « م » : كقوله.

موجودة ، فكيف يتصوّر القطع فيه مع أنّه مسلّم عندنا؟ فما هو الجواب فيه هو الجواب هنا أيضا. وحلّه (1) أنّ المقطوع هو الكون الصلاتي المترتّب بعض (2) أجزائها على بعض الموجود في نظر المصلّي على ما (3) أمر به الشارع في صورتي العلم والشكّ ، ولا يتأتّى القول بأنّ الربط بين الأجزاء (4) السابقة واللاحقة على هذا الوجه يكون من أوّل الأمر مشكوكا فلا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ موارد الاستصحاب موارد الشكّ وهذا من لوازم الشكّ كما لا يخفى.

فإن قلت : إنّ الشكّ في الجزئية والشرطية والمانعية أيضا يلازم الشكّ في الهيئة الطارئة للأجزاء وارتفاعها والأصل بقاؤها على (5) تلك الحالة أيضا ، فالمقامان يجري الاستصحاب فيهما.

قلت : إنّ الشكّ في الجزئية وإن كان يلازم الشكّ في الهيئة لانبساطها على تمام الأجزاء فالشكّ في واحد منها شكّ فيها أيضا ، إلاّ أنّ البطلان مستند إلى فقد الجزء كالسورة ، أو وجود المانع كالنجاسة الثابتة قبل الصلاة أيضا ، وارتفاع الجزء الصوري تابع لارتفاعه ، فلا يستند إلى ارتفاعها البطلان كما لا يستند إلى بقائها صحّة الصلاة من هذه الحيثية ؛ لبقاء الشكّ فيه بعد ذلك أيضا ، وقد عرفت في المقام الأوّل جريان هذا الاستصحاب وعدم جدواه ؛ لكونه مثبتا بالنسبة إلى نفي الشكّ عن المشكوك المفروض.

والحاصل : أنّ وجود الربط لمّا كان في المقام مستصحبا صحّ الاستناد إليه في إثبات الصحّة التابعة لوجوده (6) بخلاف المقام الأوّل ، إلاّ على دعوى غير بيّنة ولا مبيّنة من أنّه كلّما وجب إبقاء (7) الربط الذي هو بمنزلة الجزء الصوري كان الصلاة صحيحة مطابقة

ص: 297


1- « ز ، ك » : علمه. « ج » : حمله.
2- « م » : على بعض.
3- « ج ، م » : - ما.
4- « ز ، ك » : أجزائه.
5- « ج ، م » : في.
6- « ج » : بوجوده.
7- « ز » : إلقاء.

للأمر مسقطة للقضاء.

ومن ذلك كلّه يظهر لك الوجه في استناد جملة من الفحول كالشيخ وأضرابه (1) باستصحاب الصحّة في موارد الشكّ ، فإنّها كلّها في هذا المقام دون المقام السابق ، ولا شكّ أيضا أنّ قاعدة الاشتغال في الشكّ في الجزئية و (2) الشرطية ممّا لا يجوز الاعتماد عليها بعد جريان استصحاب الصحّة ؛ لكونه واردا عليها.

نعم ، لا ينبغي الركون إليه في المقام الأوّل على تقدير القول بالاشتغال ؛ لعدم المدخلية في الاستصحاب بالنسبة إلى المشكوك ، فما قد يظهر من بعضهم مع مصيره إلى القول بالاشتغال من التمسّك بأصالة الصحّة واستصحابها زاعما ورودها على الاشتغال ، ممّا لا وجه له ، ولعلّ التعويل على الآية أيضا في هذا المقام ممّا لا يخلو عن قوّة ، سيّما بالنسبة إلى الأجزاء السابقة ، فتدبّر.

ص: 298


1- انظر الخلاف 3 : 150 ؛ المبسوط 2 : 147 ؛ السرائر 1 : 220 ؛ المعتبر 1 : 54 ؛ نهاية الإحكام 1 : 538 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 24 ؛ تمهيد القواعد : 273.
2- في هامش « م » : قلت : ولعلّ جريان استصحاب بقاء الربط مخصوص بما إذا حصل الشكّ في الأثناء على ما قيّدنا بذلك عنوان الهداية ، وإلاّ فلو فرض حصول الشكّ في انقطاع الصلاة بالأمر الفلاني قبل الدخول فيها فلو فرض صحّة الدخول في الصلاة بعدم إمكان قصد القربة على تقدير الشكّ ، فلا وجه للاستصحاب ؛ لعدم اليقين السابق كما لا يخفى على المتأمّل ، اللّهمّ إلاّ أن يتمسّك بالاستصحاب العدمي بالنسبة إلى وجود القاطع أو قاطعية الموجود ، فتأمّل فإنّه خارج عن المفروض على تقدير حدوره « منه ».

هداية [ في استصحاب الاشتغال ]

اشارة

قد اشتهر بينهم التمسّك باستصحاب الاشتغال في موارد كثيرة ، وتحقيق القول في ذلك أن يقال : إنّ الشكّ في البراءة والاشتغال تارة بواسطة الشكّ في حصول المبرئ المعلوم المبرئية ، كما إذا علمنا بالتكليف المعلوم المبيّن كوجوب صلاة الظهر وشككنا في الإتيان بها ، وتارة بواسطة الشكّ في مبرئية الفعل الموجود ، كما إذا سلّم على جماعة شخص فتبرّع في الجواب عنه ثالث خارج منهم أو واحد من الجماعة فشككنا في براءة الباقي وإسقاط تكليفهم بحصول هذا الفعل من الشريك أو المتبرّع ، وكما إذا صلّى على الميّت صبيّ مراهق على القول بشرعية عباداته فشككنا في سقوط الوجوب بفعله عن غيرهم ، وكما إذا تبرّع في زكاة فطر الضيف أجنبي أو الضيف بنفسه زكّى فشككنا في سقوط وجوب الزكاة عن صاحب الضيف ، وكما إذا التقطنا شيئا فشككنا في سقوط وجوب التعريف بفعل الوكيل ، ونحوها ممّا لا يعدّ ولا يحصى ، وتارة بواسطة الشكّ في أصل التكليف وكيفياته بعد العلم به إجمالا ، كما إذا علمنا بوجوب الصلاة في الجمعة ولم نعلم المكلّف به تفصيلا هل هو الظهر أو الجمعة؟ في الشبهات الحكمية بأقسامها ، وكما إذا اشتبهت القبلة بين الجهات أو الجهتين في الشبهات الموضوعية على ما مرّ تفاصيلها ، ولنورد الكلام في هذه الأقسام في مقامين :

ص: 299

المقام الأوّل

في القسمين الأوّلين ، فنقول : التحقيق (1) عدم الاحتياج إلى الاستصحاب فيهما ، وعلى تقديره فلا يجدي فيما هو المطلوب عند الشكّ في البراءة والاشتغال.

أمّا الأوّل : فلأنّ الحاجة إلى الاستصحاب إنّما هو فيما إذا كان المستصحب مشكوك البقاء أو الحكم المترتّب عليه ، وجودا كان المستصحب أو عدما ، فعند ذلك يحكم ببقاء ذلك المستصحب إمّا بواسطة إثبات نفسه ، وإمّا بواسطة إثبات الحكم المتفرّع عليه ، والمقام ليس منه ، إذ ليس المقصود إثبات نفس المستصحب بدون أن يترتّب عليه شيء ، وأمّا الأحكام المترتّبة على المستصحب فهي مترتّبة على ما هو مقدّم طبعا على الاستصحاب وهو مجرّد الشكّ المعتبر في محلّ الاستصحاب ومجراه. وتوضيحه : أنّ أحكام المستصحب - وجودا كان أو عدما - قد يختلف مع الأحكام المترتّبة على عدم العلم به والشكّ فيه كما (2) في استصحاب وجود زيد وعدمه ، فإنّ ما يترتّب على الوجود المحكوم بالبقاء - كالحكم بعدم جواز نكاح حليلته ، ووجوب النفقة عليه ، ووجوب انعزال نصيبه من مال مورّثه ، ونحوها - ممّا لا يترتّب على عدم العلم بوجوده ، فمجرّد عدم العلم مع عدم العلم بالحالة السابقة الوجودية لا يجدي في ترتيب هذه الأحكام ، وقد يتّحد مع الأحكام المترتّبة على عدم العلم بذلك (3) المستصحب ، فإذا لا حاجة في الحكم بترتيب هذه الآثار على إحراز وجود المستصحب أو عدمه ، بل يكفي في ذلك مجرّد عدم العلم ، كما فيما إذا شككنا في حجّية شيء كالظنّ - مثلا - فإنّ ما يترتّب على عدمها إنّما يترتّب على نفس الشكّ فيها ، كما نبّهنا على ذلك فيما تقدّم في مباحث الظنّ (4) حيث تمسّك بعضهم في مقام تأصيل الأصل بأصالة عدم الحجّية ، وما

ص: 300


1- « ز ، ك » : إنّ التحقيق هو.
2- « م » : كما هو.
3- « ز ، ك » : « عدم ذلك » ، بدل : « عدم العلم بذلك ».
4- نبّه في ج 3 ، ص 76.

نحن فيه من قبيل الثاني فإنّ وجوب الإتيان بالمأمور به عند الشكّ في الامتثال مترتّب على مجرّد الشكّ في الامتثال ولا بدّ من البراءة اليقينية ، فقولهم : « الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية » ناظر إلى إحراز القيد وهو تحصيل اليقين ، ولا يجوز الاقتناع بالشكّ ، فإنّ المناط في ذلك هو لزوم دفع الضرر على ما هو صريح العقل القاطع كما في نظائره من وجوب شكر المنعم ونحوه ، ومجرّد حصول المناط كاف في الحكم بآثاره المترتّبة عليه ولا حاجة في ذلك إلى إحراز المستصحب بالاستصحاب لترتيب هذه الآثار.

وأمّا الثاني : فلأنّا لو سلّمنا الاحتياج إلى إحراز المستصحب وجودا أو عدما في المقام حتّى يترتّب عليه الآثار المطلوبة فتلك الآثار ممّا لا يترتّب (1) على المستصحب. بيان ذلك أنّ الاشتغال عبارة عن صفة منتزعة من الإنشاء والطلب بالنسبة إلى المكلّف بمعنى أنّ الطالب بعد ما أنشأ الطلب التكليفي بالقول أو كشف عنه بعد إيجاده في نفسه بواسطة القول على اختلاف القولين ، يمكن أن ينتزع (2) من المكلّف صفة يعبّر عنها بالاشتغال كما ينتزع من الفعل كونه مطلوبا ، وبذلك يصحّ إطلاق الطالب على الآمر أيضا ، وهاهنا (3) معنى آخر يعبّر عنه بالوجوب تارة وبالإيجاب أخرى على اختلاف الاعتبارات ، وهو المراد بالحكم الشرعي ومرجعه إلى أحد الأخيرين ، وليس هذا الإنشاء عندنا - كما عليه المحقّقون - إلاّ الإرادة الجازمة والكراهة الثابتة بناء على أنّ الطلب هو عين الإرادة لا ما يستتبعه وإن كان مغايرا له ، ولا أمر آخر مفارق له كما زعمه الأشاعرة.

وبالجملة : فالوجوب الذي هو حكم شرعي يكون في عرض الاشتغال إن فرضنا الوجوب بالنسبة إلى الفعل ، وهما معلولان حينئذ لعلّة ثالثة وهو الإيجاب والطلب والإرادة ، وإن لاحظناه (4) بالنسبة إلى الطالب فالاشتغال مترتّب عليه عقلا ، وعلى

ص: 301


1- « ز ، ك » : ممّا يترتّب.
2- « ج ، ز » : ينزع.
3- « ز ، ك » : هنا.
4- « ز ، ك » : لاحظنا.

التقديرين لزوم الامتثال من الأحكام العقلية المترتّبة على الاشتغال فعند وجوده الحقيقي يترتّب عليه لزوم الامتثال المطلوب من استصحابه في أمثال المقام ، وأمّا عند إحراز الاشتغال بالاستصحاب لا يترتّب عليه إلاّ أحكامه الشرعية.

نعم ، يصحّ في المقام استصحاب الوجوب الذي هو حكم شرعي ؛ إذ معنى الاستصحاب هو جعله في مقام الظاهر وإنشاؤه ، وبعد الجعل والإنشاء (1) يترتّب عليه (2) جميع لوازمه العقلية والشرعية من وجوب الامتثال وحدوث الاشتغال ، فإنّه على تقدير القول بالجعل ظاهرا حقيقي واقعي لا استصحابي ظاهري كما لا يخفى.

نعم ، يترتّب على استصحاب الاشتغال آثاره الشرعية المترتّبة عليه ، مثلا لو قيل بأنّ من اشتغل ذمّته بالفرائض لا يجوز له ارتكاب السنن والنوافل ، صحّ الاستناد إلى الاستصحاب في الحكم بعدم جواز ارتكاب النوافل له ، ومن اشتغل ذمّته بالظهر لا يجوز له الدخول في العصر.

اللّهمّ إلاّ أن يقال في المقام بأنّ الاستصحاب مجد من وجهين :

أحدهما : أنّ المستفاد من الأمر بإبقاء الاشتغال حال الشكّ عرفا هو جعل الحكم الشرعي وإنشاء طلب ظاهري ؛ إذ كما عرفت أنّ الاشتغال والوجوب من أطراف إضافة واحدة كالصفة المنتزعة من المأمور به وهي المطلوبية ، فإنّ بعد كشف الشارع والطالب عن إرادته الجازمة يمكن لنا انتزاع تلك الأوصاف من محالّها ، فالمراد بالحكم الشرعي هو الأثر الباقي بعد الإنشاء ؛ ضرورة انعدامه بعد وجوده على ما صرّح بذلك أستاد (3) الكلّ في رسالته المعمولة في مقدّمة الواجب ، فكما أنّ الحكم بالبقاء المستفاد من دليل الاستصحاب يعدّ عرفا جعل حكم مثله في الظاهر ، فكذلك بالنسبة إلى الصفة المنتزعة من المكلّف ، فإنّ التفرقة بينهما مكابرة.

ص: 302


1- « ج ، م » : - والإنشاء.
2- « ز ، ك » : - عليه.
3- « م » : الأستاد.

وثانيهما : أنّه لا ريب في ترتّب الأحكام الشرعية المترتّبة على الاشتغال عليه بعد الاستصحاب ، كعدم جواز الدخول في العصر بعد الشكّ في الإتيان بالظهر واستصحاب بقاء الاشتغال بالظهر ، وقد يكون ذلك الحكم الشرعي المجعول في مرحلة الظاهر كما هو المستفاد (1) من استصحاب موضوعه ، لازما لحكم شرعي آخر ، وحينئذ فلا ريب في لزوم الأخذ بهذا الحكم الشرعي أيضا ؛ إذ بعد القول بمجعولية هذا الحكم الشرعي فيترتّب عليه جميع ما يترتّب عليه ويجب الأخذ بكلّ ما هو مستند إليه كوجوب مقدّماته ونحو ذلك ، ومن جملة مقدّمات الإتيان بالعصر إنّما هو الإتيان بالظهر قبل الإتيان به ، فالقطع ببراءة الذمّة عن صلاة العصر يتوقّف على الإتيان بالظهر حال الشكّ ، وهو من نتائج بركات بقاء الاشتغال استصحابا وذلك ظاهر.

ثمّ أنّه قد يتوهّم : عدم الفرق بين استصحاب الاشتغال وقاعدته ؛ حيث إنّ كلاّ منهما موقوف على العلم السابق والشكّ اللاحق ، وقد مرّ (2) منّا ما يوضح به فساد ذلك ، فإنّ الحكم المترتّب على المستصحب إنّما هو مترتّب عليه ، فبانسحابه في الزمن الثاني يترتّب عليه بخلافه في قاعدة الاشتغال ؛ إذ لا حاجة فيها إلى انسحاب المعلوم كما في قاعدة البراءة واستصحابها.

المقام الثاني

في القسم الأخير من الأقسام المذكورة ، ونقول فيه أيضا : إنّ بعد الإجمال في المكلّف به تارة : يكون الشكّ في أنّ ما يمكن الامتثال به مبرئ عن الاشتغال اليقيني أو لا ، كما إذا تردّد المكلّف به بين المطلق والمقيّد بعد تعذّر المقيّد ، وأخرى : في أنّ أحد الفعلين مبرئ مع التمكّن منهما معا أو لا (3).

ص: 303


1- « ز ، ك » : الظاهر المستفاد.
2- مرّ في ج 3 ، ص 332 وما بعدها.
3- « ج ، م » : - أو لا.

والتحقيق : عدم الاعتداد بالقاعدة المزبورة فيهما أيضا ، أمّا الأوّل فلعين ما ذكر في المقام الأوّل من عدم الحاجة ؛ لكفاية الشكّ عن الاستصحاب بانسحاب المستصحب ، فلا بدّ من الإتيان بالمطلق كعتق الكافرة عند تعذّر المقيّد ؛ لبقاء العلّة التامّة للامتثال وهو دفع احتمال الضرر الموجود عند الشكّ في الفراغ.

فإن قلت : إنّ مقتضى الاشتغال هو كون المقيّد مأمورا به ، وبعد تعذّره فلا أمر به ؛ لسقوطه بسقوط المأمور به.

قلنا : لا إشكال في وجوب الامتثال بالمطلق على تقدير القول بالبراءة عند دوران الأمر بين المطلق والمقيّد كما هو التحقيق ؛ لوجود الأمر والتمكّن من المأمور به ، وأمّا على القول بالاشتغال فلا شكّ في (1) أنّ الالتزام بالمقيّد إنّما هو بواسطة دفع الضرر المحتمل في جانب المقيّد ، وذلك لا يقضي (2) بأنّ المأمور به هو خصوص المقيّد واقعا على وجه لو تعذّر كان الأمر ساقطا بواسطة سقوطه ، بل هو أخذ بالاحتياط ؛ لكونه جمعا بين الحقّين ، وبعد التعذّر لا بدّ من الإتيان بالمطلق دفعا للخوف ، ولا ينافي ذلك تعذّر أحد أطراف العلم الإجمالي ؛ إذ لو كان العلم حاصلا قبل التعذّر لا يتفاوت الحال بين التعذّر وعدمه ، فإنّه بمنزلة الامتثال به.

نعم ، لو كان العلم الإجمالي حاصلا بعد التعذّر لم يتّجه القول بالإتيان ؛ لأوله (3) على الشكوك البدوية كما نبّهنا عليه في الشبهة المحصورة (4) ، وبعد التسليم نقول : لا جدوى في الاستصحاب ؛ لكونه من الأصول المثبتة ، اللّهمّ إلاّ أن يدفع بأحد الوجهين على ما سبق ذكرهما (5) ، ومنه (6) يظهر الكلام في الثاني أيضا ؛ لكون الأصل على تقدير الأخذ (7) مثبتا كما في استصحاب البراءة ولقد نبّهنا على ذلك في أصالة البراءة أيضا ، فتدبّر (8).

ص: 304


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : إلى.
2- « ج » : لا يقتضي.
3- « ك » : لا دلالة ، وفي « ز » : لإدلاله ( ظ ).
4- نبّه عليه في ج 3 ، ص 474.
5- سبق في ص 302.
6- « ز ، ك » : من هنا.
7- « ز ، ك » : الحاجة.
8- « ز ، ك » : - فتدبّر.

هداية [ في استصحاب الفرد المردّد ]

إذا علمنا بحدوث حادث مردّد بين أمرين وجوديين أو عدميين أو مختلفين كما إذا علمنا بدخول شخص في الدار مردّد بين كون الداخل زيدا أو عمرا فهل في المقام أصل يرجع إليه فيهما أو في أحدهما ، أو لا؟

والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ في المثال المذكور تارة : يراد من إعمال الأصل فيه إثبات عدم كون الداخل زيدا أو عمرا ليترتّب عليه أحكامه ، وأخرى : يراد فيه (1) استصحاب عدم دخول زيد أو عمرو.

لا مجال للاستصحاب على الأوّل ؛ لأنّه بمنزلة إثبات الفصول المعتبرة في ماهيّات الأنواع بالأصول ، كما إذا قطعنا بحدوث حيوان مردّد بين كونه ناطقا أو ناهقا ، فإنّه لا مجال لاستصحاب عدم الناطقية أو الناهقية فيه ؛ إذ لا يكون عدم الناطقية أو عدم الناهقية معلوما بالنسبة إلى هذا الموجود المردّد ، فعدم كون الداخل زيدا (2) لم يكن معلوما قبل فلا علم في السابق ، فينتفي الاستصحاب بانتفاء أحد أركانه. وما قد يرى في بعض كلمات العلماء من إثبات عدم السيادة بالأصل (3) ، فمبنيّ على المسامحة ؛ إذ

ص: 305


1- « ز ، ك » : فيه هو.
2- « ج » : « زيد » وفي « م » : « غير زيد » ثمّ شطب على « غير ».
3- انظر مصباح الفقيه 1 : 270 ط الحجري ؛ كتاب الطهارة من ( التنقيح ) للسيّد الخوئي 6 : 94 ؛ جامع المدارك 1 : 81 ؛ كتاب الخمس للحائري : 483.

المقصود استصحاب عدم تولّده من هاشم ، وعلى تقدير جريان الاستصحاب لا ينبغي الشكّ في أنّ استصحاب عدم كون الداخل زيدا لا يجدي في كون الداخل عمرا ؛ لأنّه من المقارنات الاتّفاقية وقد عرفت في الهدايات السابقة عدم إحراز المقارن باستصحاب المقارن كما مرّ (1).

وأمّا على الثاني فلا ريب في جريان استصحاب عدم دخول زيد كجريانه بالنسبة إلى عمرو أيضا ، إلاّ أنّه لا يفيد أحد الاستصحابين في إثبات كون الآخر داخلا ؛ لأنّه مثبت فلا تعويل عليه ، وهل يترتّب على الاستصحابين أحكام عدم الحادثين معا أو لا؟ التحقيق التفصيل بين الموارد ، فإنّه ربّما يترتّب على الاستصحابين أحكامهما معا ، وربّما لا يترتّب شيء منهما ، وربّما يقال بترتّب حكم واحد منهما لا على سبيل التعيين ، وربّما يترتّب حكم واحد منهما على سبيل التعيين.

أمّا الأوّل : ففيما لم يكن للعلم الإجمالي حكم لعدم لزوم المخالفة العملية (2) كما إذا تطهّرنا بما يحتمل كونه ماء أو بولا ، فإنّه يعلم إجمالا إمّا بزوال الحدث بواسطة الوضوء ، أو بحدوث النجاسة في محالّ الوضوء ، فإنّه يترتّب على استصحاب عدم كونه بولا عدم نجاسة المحالّ ، وعلى استصحاب عدم كونه ماء عدم حصول الطهارة ، فتأمّل.

وكما إذا كان هناك ماء غير معلوم الكرّية فلاقاه جسم نجس فإنّه يؤخذ بعدم نجاسة الماء وعدم طهارة الملاقي.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ ذلك فيما إذا لم يكن في المقام أصل موضوعي مثل طهارة المائع في الأوّل نظرا إلى قاعدة الطهارة ، فإنّه مزيل لاستصحاب بقاء الحدث ، وكاستصحاب عدم الكرّية فيثبت بذلك النجاسة كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : ففي الشبهة المحصورة ، إلاّ أنّ الكلام في المقام مع قطع النظر عن جريان الأصل الموضوعي.

ص: 306


1- مرّ في ص 254.
2- « ك » : العلمية؟

فإن قلت : لا دليل على اعتبار الاستصحاب فيما خالفه العلم الإجمالي ؛ إذ مع ذلك يمتنع حصول الظنّ من الطرفين ، وأمّا الأخبار فالظاهر منها ما إذا لم يكن في البين علم إجمالي ، فلا وجه للعمل بالاستصحاب لا عقلا ولا نقلا.

قلت : قد عرفت (1) أنّ بناء القوم فيه على ما استفدنا من كلماتهم فيما سبق على العمل به من باب الظنّ النوعي وهو موجود ، وأمّا الأخبار فلا نسلّم عدم شمولها للمقام (2) كما عرفت تفصيل الكلام فيها في محلّها (3) من لزوم الاجتناب وعدم التعويل على استصحاب الطهارة فيهما أو في أحدهما ؛ لانقطاع الحالة السابقة بالعلم الإجمالي. وهل الأصلان في موارد الشبهة المحصورة يمنع عن التعويل عليهما عدم جريانهما أو تعارضهما؟ التحقيق التفصيل (4) بين الموارد.

وتوضيحه أن يقال : إنّ محلّ جريان الاستصحاب إن كان مجرى للدليل الدالّ على لزوم الاجتناب فعدم التعويل بواسطة عدم الجريان ؛ إذ الدليل على الاجتناب - وهو حكم العقل بعد خطاب الشرع بلزوم الاجتناب عن الحرام الواقعي وعدم التصرّف في الدليل الدالّ على الواقع (5) كما هو مفروض الكلام من لزوم الاجتناب في الشبهة المحصورة - دليل اجتهادي حاكم على الاستصحاب - فلا يجري الاستصحاب بعد حكم العقل بخلافه وذلك فيما إذا كان الاستصحاب جاريا في حكم يخالف مقتضى حكم العقل بلزوم الاجتناب (6) ، كما فيما إذا علمنا بحرمة أحد المالين المباحين إجمالا ، فإنّ خطاب الشارع (7) بحرمة التصرّف في مال الغير والغصب يقضي (8) بلزوم الاجتناب عنهما ، واستصحاب الحلّية والإباحة لا يجدي في قبال ذلك ، فلا مجرى للاستصحاب ؛

ص: 307


1- انظر ص 55.
2- « م » : المقام.
3- « ز ، ك » : محالّها.
4- « ز ، ك » : هو التفصيل.
5- « ز ، ك » : الرافع.
6- من هنا إلى قوله : عنهما ، سقط من نسخة « ك ».
7- « ز » : الشرع.
8- « ج » : يقتضي.

لارتفاع الشكّ المأخوذ في مجراه بالدليل الاجتهادي ، وإن كان مجرى الاستصحاب أمرا آخر غير ما يجري فيه ذلك الدليل الدالّ على لزوم الاجتناب على وجه يكون الاستصحاب محقّقا لموضوع لا يجري فيه ذلك الدليل الحاكم بلزوم الاجتناب ، فعدم التعويل من باب التعارض بعد الجريان ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين إجمالا ، فإنّ استصحاب الطهارة وارد على ذلك الدليل بمعنى أنّه محقّق لموضوع لا يجري فيه ذلك الدليل ، فإنّ العقل يحكم باحتمال النجاسة مقدّمة بلزوم الاجتناب ، والاستصحاب يحكم بعدم الاحتمال شرعا ، فالأصلان جاريان إلاّ أنّهما متعارضان كما سبق بيانه تفصيلا في الشبهة المحصورة ، هذا ما يقتضيه جليّ النظر.

وأمّا دقيق الفكر فيقضي (1) بعدم الفرق بين المقامين ؛ إذ الدليل الدالّ على لزوم الاجتناب ليس دليلا اجتهاديا حقيقة ، بل هو عبارة عن وجوب تحصيل الامتثال بعد العلم بالاشتغال ، والاجتناب من المالين المشتبهين من جهة المقدّمة العلمية ، والاستصحاب على أيّ تقدير حاكم على قاعدة الاشتغال ، فاستصحاب الحلّية والإباحة رافع لاحتمال أن يكون هذا الفرد هو المحرّم ، فلا يجري فيه المقدّمة العلمية.

نعم ، لو كان الأصلان في المشتبهين غير الاستصحاب كأن كانا براءتين ، فلا مجال لجريانهما في قبال قاعدة الاشتغال ؛ لورودها عليها وحكومتها بالنسبة إليها كما لا يخفى ، فتدبّر.

وأمّا الثالث : ففيما إذا لم يكن الموافقة القطعية بعد اعتبار العلم الإجمالي في الجملة واجبا ، كما فيمن يرى عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة بالنسبة إلى الكلّ ، وكما إذا فرضنا حصول العلم الإجمالي بين شيئين غير مرتبطين على ما مرّ تفصيل الكلام فيهما.

ص: 308


1- « ج ، م » : يقضي.

وأمّا الرابع : ففيما إذا لم يكن للآخر حكم أو لم يكن في محلّ الابتلاء ، كما إذا علمنا بوقوع عقد مردّد بين أن يكون دائما أو منقطعا ، فإنّ أصالة عدم الدوام يحتمل بالنسبة إلى نفي توارث الزوجة من الزوج فيما لو ادّعته ، وأصالة عدم الانقطاع لا تجدي (1) في هذا الحكم شيئا ، وكما إذا قال الموكّل : وكّلتك في بيع العبد ، وادّعى الوكيل وكالته في بيع الجارية ، فإنّ القول قول الموكّل ؛ لأصالة عدم توكيله لبيع العبد ، فيجدي في أخذ الثمن من الوكيل ، وأصالة عدم الوكالة في بيع الجارية فيه لا يجدي (2) شيئا ، كما إذا ادّعى أحد المتعاقدين وقوع العقد على عشرة والآخر وقوعه (3) على ثمانية ، فأصالة عدم وقوعه على العشرة يجدي (4) في أخذ الزائد ، ولا يجدي في هذا الحكم نفيا ولا إثباتا أصالة عدم وقوعه على الثمانية ، وكما إذا شكّ في ولادة شخص من هاشم ، فأصالة عدم تولّده من هاشم يثمر في عدم استحقاقه الخمس ، ولا يثمر أصالة عدم تولّده من غيره في نفي هذا الحكم ، وكما إذا شكّ في كون مكان مسجدا أو دارا ، فأصالة عدم كونه مسجدا يجدي في اللبث فيه جنبا ، ولا يضرّ في ذلك أصالة عدم كونه دارا ، وكما إذا شكّ في كون القرينة صارفة أو مؤكّدة ، فأصالة عدم الصرف يجدي في حمل اللفظ على المعنى الحقيقي ، ولا يضرّ في ذلك عدم كونها مؤكّدة إلاّ على تقدير أن يكون أصالة عدم التأكيد مثبتا (5) ؛ لكونها صارفة ، وذلك جار في الكلّ ، وقد عرفت عدم الاعتداد بهذه الأصول ، ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده بعضهم من أنّه لو شكّ في القرينة الحالية لا يجوز التمسّك بالأصل في نفيها لوجود الحال قطعا بين المتكلّم والمخاطب ، ممّا لا وجه له ؛ إذ أصالة عدم كون الحال قرينة تجدي في حمل اللفظ على المعنى الحقيقي ، وأصالة عدم كونها غير قرينة ، لا يضرّ في ذلك.

ص: 309


1- « ج ، م » : لا يجدي.
2- « ز ، ك » : لا يحتمل.
3- « ز » : على وقوعه.
4- « ك » : تجدي وكذا في المورد الآتي.
5- « ز ، ك » : مثبتة.

ثمّ إن شئت قلت في تلك الأمثلة وما يضاهيها : إنّ الأصل إنّما يجري في اللوازم والآثار إلاّ أنّه لا يجدي في اللوازم المتجدّدة ، فكن على بصيرة من الأمر كي لا تشتبه (1) عليك حقيقة الحال في الموارد.

ص: 310


1- « ز ، ك » : لا يشتبه.

هداية [ في الاستصحاب في الأجزاء بعد تعذّر الكلّ ]

إذا تعذّر الإتيان بالكلّ بعد التمكّن منه فلإجراء حكم الكلّ في الأجزاء الباقية طرق : أحدها : الأخذ بالعمومات الدالّة على عدم سقوط الميسور بالمعسور ووجوب الإتيان بما هو المقدور ، كقوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (1) و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (2) وقوله : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » (3) على ما سبق منّا تحقيق القول فيها في بعض المباحث الماضية (4).

وثانيها : الاستقراء فإنّه قد يوجد في كلمات البعض دعوى مطلوبية الأجزاء الباقية بعد تعذّر المركّب في أمثال المركّبات الشرعية ، وليس بتلك المكانة من البعد إلاّ أنّه لا يثمر (5).

ص: 311


1- عوالى اللآلى 4 : 58 ، ح 205 وفيه : « لا يترك الميسور ... ».
2- عوالى اللآلى 4 : 58 ، ح 207.
3- رسائل السيّد المرتضى 2 : 244 ؛ تفسير مجمع البيان 3 : 329 ؛ تفسير جوامع الجامع 1 : 536 ؛ عوالى اللآلى 4 : 58 ، ح 206 ؛ بحار الأنوار 22 : 31 ، باب 37 ؛ وورد في كتب العامّة مسندا كصحيح البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة والنسائي والبيهقي ومصنّف عبد الرزاق ومسند ابن راهويه وأحمد وأبي يعلى وصحيح ابن خزيمة وابن حبّان ومعجم الأوسط للطبراني.
4- في بحث البراءة في ج 3 ، ص 561. وقد بسطنا الكلام هناك فلاحظ.
5- « ج ، م » : لا يسمن.

وثالثها : الاستصحاب كما أنّه أحد وجهي كلامي المحقّق والعلاّمة في مسألة وضوء الأقطع في المعتبر والمنتهى (1) ، والوجه الآخر في كلامهما احتمال الاستناد إلى الأدلّة الاجتهادية.

وكيف (2) كان ، فللمستصحب أن يقرّره بوجهين :

الأوّل : أنّه لا ريب في تعلّق التكليف بالكلّ عند التمكّن منه على ما هو المفروض في عنوان الهداية فهو بحيث لو كان المكلّف آتيا به كان التكليف ساقطا قطعا ، وبعد التعذّر شكّ في سقوط التكليف والأصل بقاؤه وعدم سقوطه ، فيجب (3) الإتيان بالأجزاء الباقية.

فإن قلت : إن أراد المستصحب استصحاب وجوب (4) الكلّ فقد ارتفع قطعا ، وإن أراد استصحاب الأجزاء الباقية فلم يعلم وجوبها قبل ، فلا يجري الاستصحاب.

قلت : أمّا أوّلا : فليس من دأب المناظر في ميدان المناظرة صرف عنان الكلام إلى تعيين ما هو المستصحب في المقام ، بل عليه أن يلاحظ فيما هو المرام من الاستصحاب كما لا يخفى على من تأمّل (5).

وأمّا ثانيا : فهنا (6) شقّ ثالث وهو اختيار بقاء التكليف المردّد بين كونه على وجه يرتفع بعد التعذّر قطعا وبين كونه على وجه لا يرتفع كأن يكون المكلّف به هو القدر المشترك بين الكلّ وغيره ، واستصحاب أمثال الأمور المردّدة ممّا لا ضير فيه ؛ لصدق الحدّ عليه وشمول الدليل له.

ص: 312


1- المعتبر 1 : 144 ؛ المنتهى 2 : 37 وفي ط الحجري 1 : 59.
2- « ز ، ك » : فكيف.
3- « ز ، ك » : سقوط التكليف وعدمه فيجب.
4- « م » : وجود.
5- في هامش « م » : فيه أنّ الترديد في المستصحب وإبطال كلّ شقّ من طرفي الترديد ليس كلاما خارجا عن طور المناظرة وقانون التوجيه ( ظ ). « منه ».
6- « ج ، م » : فهاهنا.

نعم ، لا بدّ من ملاحظة أن لا يكون المقصود من إثبات المردّد بالاستصحاب إجراء أحكام أحد الأطراف عليه.

فإن قلت : إنّ المقام ليس من موارد الاشتغال ؛ إذ ما هو معلوم الوجوب غير ممكن الامتثال ، وما هو ممكن الامتثال غير معلوم الوجوب ، فالأصل البراءة. لا يقال : إنّ عدم إمكان الكلّ لا يضرّ في استصحاب وجوب الباقي كما في المطلق والمقيّد ، فإنّ قضيّة مطلق الاشتغال وجوب الامتثال بالمطلق أيضا. لأنّا نقول : إنّ الأخذ بالمقيّد لم يكن أخذا بما هو المكلّف به في الواقع وإنّما كان من وجوه الاحتياط ، بخلاف الإتيان بالكلّ في المقام فإنّ الأخذ به بعد (1) التمكّن منه والإتيان به إنّما هو الأخذ بما هو المكلّف به واقعا وليس من موارد الاحتياط ، فإنّه هو المتعيّن في حقّ المتمكّن ، وبعد تعذّر الكلّ لا مجال للاستصحاب.

قلت : لا فرق بين استصحاب المطلق بعد تعذّر المقيّد وبين استصحاب الباقي بعد تعذّر الكلّ.

وتوضيح ذلك وتحقيقه : أنّ من الواجبات الموسّعة ما لا يختلف أفراده إلاّ باعتبار اختلاف الأزمنة التي يقع الفعل فيها مع مماثلتها واتّحادها نوعا ، ومنها ما يختلف أفراده باعتبارات أخر أيضا ، كما في الصلاة بالنسبة إلى أحوال المكلّفين من الأمور التي تختلف عناوين الأحكام باختلافها كالسفر والحضر أو وجدان الماء وتعذّره والصحّة والمرض والعجز والقدرة ونحوها ، فإنّ الصلاة بالنسبة إلى كلّ من المسافر والحاضر شيء ، وبالنسبة إلى الواجد والفاقد شيء ، وبالنسبة إلى المريض والصحيح شيء ، وكذا العاجز والقادر (2) ، فالمتّصف بالوجوب الموسّع هو القدر المشترك بين تلك الأفراد المختلفة شخصا ونوعا المتّحدة في كونها صلاة ، وليس خصوص صلاة الحاضر واجبا موسّعا ؛ ضرورة عدم وجوبها على المسافر ، ولا واجبا مضيّقا ؛ ضرورة حصول

ص: 313


1- « ز ، ك » : لعدم.
2- « ج ، م » : والصحيح والعاجز والقادر شيء.

الامتثال بغيرها عند لحوق ما يقضي بذلك الغير وهذا ظاهر لا سترة عليه ، فالأمر بوجوب الإتيان بالكلّ كأقيموا الصلاة إنّما قيّد إطلاقه حال الإمكان بأن يأتي المكلّف بالسورة مثلا أو على وجه خاصّ وكيفية مخصوصة ، والإتيان بالمأمور به على هذا الوجه ليس أمرا متيقّنا حتّى يؤخذ به ويدفع الباقي بالأصل ، بل هو مردّد بين أن يكون المطلوب هو خصوص المقيّد على وجه لو انتفى القيد انتفى التكليف رأسا ، وبين أن يكون المطلوب هو المطلق ولكن قيّد إطلاقه بكذا في حال كذا على وجه لو انتفى القيد لم ينتف التكليف بالمطلق ؛ لاحتمال أن يكون المطلوب هو القدر المشترك بين الكلّ والأجزاء الباقية ، فعلى التقديرين المطلوب عند التمكّن هو المقيّد وإنّما المجمل هو وجه التكليف به ، ومنه جاء الاشتغال كدوران الأمر بين المتباينين كما في الظهر والجمعة.

وبالجملة : فمعلومية المكلّف به عند التمكّن ليس باعتبار أنّه المكلّف به حقيقة على وجه لو انتفى القيد ينتفي التكليف ، بل يحتمل أن يكون بواسطة أنّه كلّ فهو مطلوب بنفسه ، وأن يكون بواسطة (1) أنّه (2) أحد (3) أفراد الواجب الموسّع فلا يرتفع التكليف بعد ارتفاعه كما لا يخفى.

هذا غاية ما يمكن أن ينتصر للمستدلّ في المقام ، إلاّ أنّه بعد ذلك أيضا ممّا لا يستقيم (4) بعد الغضّ عن جريان قاعدة الاشتغال ، فإنّها هي مبنى (5) الاستصحاب كما لا يخفى ؛ لأنّ استصحاب (6) الوجوب المردّد كما هو المفروض لا يجدي في الحكم بوجوب الأجزاء الباقية التي هي إحدى (7) طرفي الترديد.

ص: 314


1- « ز ، ك » : - بواسطة.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : - أنّه.
3- « ج ، م » : أخذ أحد.
4- « ز ، ك » : ممّا يستقيم.
5- « ج » : منشأ ، وفي « ز » : « على » بدل : « مبنى » وفي « ك » : فإنّها مبنيّ على. وما أثبتناه من « م » وكانت فيها أوّلا « على » ثمّ شطب عليها وكتب بما في المتن مع علامة الظاهر.
6- « ز ، ك » : - استصحاب.
7- « م » : أحد.

وبعبارة واضحة : إنّ المقصود بالاستصحاب (1) هو الحكم بوجوب الأجزاء الباقية التي هي إحدى (2) طرفي الترديد وهذا ممّا لا يترتّب على استصحاب الأمر المجمل إلاّ أن يكون الأصل مثبتا ، أو قلنا باستثناء هذه الموارد - باعتبار خفاء الواسطة أو اتّحادها وجودا مع المستصحب - من الأصول المثبتة ، فإنّ بقاء الوجوب وإن كان يغاير وجوب الباقي مفهوما إلاّ أنّه (3) لا مصداق للمستصحب إلاّ أن يكون الباقي واجبا كما في مثال بقاء الكرّ.

الثاني : أنّ تلك الأجزاء التي شكّ في وجوبها كانت واجبة في السابق عند التمكّن ، فيستصحب وجوبها إلى أن يحصل القطع بالارتفاع.

وفيه : أنّ من الواجب في جريان الاستصحاب كما مرّ غير مرّة اتّحاد القضيّة المشكوكة والقضيّة المتيقّنة موضوعا ومحمولا ، فلو اختلف عنوان الموضوع أو المحمول فلا يجري فيه الاستصحاب ، والمقام ممّا يغيّر فيه الموضوع والمحمول كلاهما :

أمّا الأوّل : فلأنّ المتّصف بالوجوب من هذه الأجزاء لم يكن ذواتها ، بل هي بعنوان أنّها أجزاء كانت متّصفة بالوجوب ، وقد تبدّل ذلك العنوان فإنّها قد صارت معنونة بعنوان الكلّية ؛ إذ ليس (4) الكلّ حينئذ إلاّ تلك الأجزاء.

وأمّا الثاني : فلأنّ الوجوب المحمول على تلك الأجزاء ، عند التمكّن من الكلّ [ ليس إلا ] وجوبا مقدّميا تبعيا وقد تبدّل بالوجوب النفسي ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الأجزاء مطلوبة بأوامر متعدّدة مستقلّة ، وبين أن يكون الأمر بها مستفادا من الأمر بالكلّ ؛ إذ على تقديره لا يزيد على إفادة كونها مطلوبة للغير ، إذ احتمال المطلوبية النفسية عند الشكّ مدفوع بأصالة البراءة كما هو ظاهر ، فإثبات وجوب تلك الأجزاء وجوبا نفسيا باستصحاب وجوبها عند التمكّن ليس إلاّ كإثبات قعود عمرو

ص: 315


1- « ز ، ك » : أنّ الاستصحاب.
2- « ج ، م » : أحد.
3- « ج ، م » : أن.
4- « ج » : ليست.

باستصحاب قيام زيد.

هذا على ما يقتضيه مذاق التحقيق ، وأمّا على مشرب القوم فلا ينهض هذا الجواب بدفع الاستصحاب وإن أفاده (1) غير واحد منهم كالمحقّق الخوانساري (2) والمحقّق القمي (3) ونقله الأستاد دام شرفه (4) عن شيخه الشريف (5) ، وهو بمكان من البعد منهم ؛ إذ بعد ما يظهر منهم من المسامحة في أمر الاستصحاب موضوعا ومحمولا حتّى أنّهم قد استصحبوا الكرّية في الماء الموجود في الحوض بعد انتصافه فيه فلا مانع من الأخذ بمقتضى الاستصحاب في أمثال المقام ، سيّما بعد ملاحظة أنّ العرف ربّما لا يفرّقون بين نوعي الوجوب ويفهمون من الوجوب أمرا جامعا بين النفسي والغيري ، وكيف (6) كان فعلى مشربهم لا ينبغي التردّد في جريان هذا الاستصحاب ، ولعلّ ذلك منهم غريب.

ص: 316


1- « ج » : أفاده بها.
2- مشارق الشموس : 110.
3- لم أجده في القوانين.
4- « ز ، ك » : - دام شرفه.
5- كما في تقريرات درسه للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) : 291 ؛ وفي ضوابط الأصول : 432.
6- « ز ، ك » : فكيف.

هداية [ في قاعدة اليقين ]

اشارة

قد ذكرنا فيما مهّدناه لتحديد الاستصحاب في أوّل الباب أنّه استفعال من صحب ، وهو لغة أخذ الشيء مصاحبا ، وعدم صدقه على ما إذا سرى الشكّ إلى زمن اليقين ممّا لا ريب فيه ؛ ضرورة توقّفه على تحقّق المستصحب كما هو ظاهر ، واصطلاحا فعلى (1) ما مرّ من وجوه اختلاف تحديداته يستفاد منها اعتبار تحقّق المستصحب في زمن اليقين وكان الشكّ في بقائه وارتفاعه بعد ما كان التحقّق في زمان معلوما ، وهذا كما ترى تنحصر موارده (2) في الشكوك الطارئة فيه لا عليه ، فما قد يوجد في بعض الكلمات من عدم حجّية الاستصحاب في الشكّ الساري ينبغي أن يحمل على عدم تعقّل الاستصحاب فيه وخروجه عن (3) أفراده ، بل ولو فرض اعتباره وحجّيته فلا يسمّى استصحابا ، مضافا إلى عدم دلالة شيء من أخبار الباب على اعتبار هذا الاستصحاب.

نعم (4) ، ظاهر بعض منها كرواية الخصال وهو قوله عليه السلام : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه » (5) دلالته على اعتباره مطلقا كما هو أحد احتماليها على ما احتملناه

ص: 317


1- « م » : ففي.
2- « ج ، م » : مورده.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : من.
4- « ز ، ك » : « من » بدل : « نعم ».
5- تقدّم في ص 103.

في ردّ الاستدلال بها على الاستصحاب كما ذكرها غوّاص بحار الأنوار (1) في جملة أدلّة الاستصحاب عند ذكر القواعد المشتركة (2).

وقد تفطّن بذلك الشيخ الأجلّ كاشف الغطاء فيمن تيقّن بالطهارة وشكّ فى الحدث حيث قال : [ ولو سبق العلم بتقدّم شيء أو تأخّره ، ثمّ طرأ الشكّ غير متذكّر لسبب العلم ، بنى على علمه على إشكال ، وإن ذكر سببه ورأى أنّه غير قابل لترتّب العلم فلا بناء عليه ؛ لأنّ المراد بعدم نقض اليقين بالشكّ عدم النقض بالشكّ الطارئ بعده بقسميه - ما اقترن بسبب الاستدامة وغيره - دون الطارئ عليه. ](3) وأومأ إليه أيضا المحقّق القمي (4) في بحث حجّية العامّ بعد التخصيص حيث استصحب بعضهم الحجّية في مقام الاستدلال على الحجّية.

وبالجملة : فذلك ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ولا يهمّنا إطالة الكلام فيه ، بل المقصود إنّما هو التنبيه عليه.

فالمهمّ في المقام هو بيان أنّ الأعمال المترتّبة على المعلوم السابق هل هي ممضاة شرعا أو لا بدّ من استئنافها؟ وهل يمكن إجراء تلك الأحكام بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة أو لا؟ فتحقيق الكلام في مقامين :

[ المقام ] الأوّل :

في بيان حكم الأعمال السابقة في أمثال هذه الوقائع ، مثلا لو اعتقد عدالة زيد فصلّى معه ، أو طلّق حليلته وهو بمسمع منه ، أو اعتقد عدم جزئية السورة في الصلاة بواسطة إخباره عن مجتهده ، أو استنبطه المجتهد عن (5) دليل ، ثمّ شكّ في عدالته في الزمان

ص: 318


1- انظر البحار 77 : 359.
2- « ك » : القواعد الشرعية الكلّية.
3- كشف الغطاء 2 : 103 وفي ط الحجري : 102. وفي النسخ موضع مقول القول قدر سطر بياض.
4- القوانين 1 : 265.
5- « ز ، ك » : من.

الأوّل وفي دلالته فهل يحكم بصحّة صلاته وعدم لزوم الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه (1) ، وعدم وجوب نفقة الزوجة عليه فيما مضى ، إلى غير ذلك من الأحكام الماضية أو لا؟

التحقيق أن يقال : إنّ تلك الأحكام إمّا أن يكون موضوعها نفس الاعتقاد ، وإمّا أن يكون الاعتقاد طريقا إلى ما هو الموضوع حقيقة وهو الواقع أو جزء منه وهو الواقع المعلوم.

فعلى الأوّل لا كلام في صحّة تلك الأعمال ؛ لوقوعها عن أهلها في محلّها ، لكن حيثما كان الموضوع مجرّد الاعتقاد ولو في وقت ما يعني وقت الاشتغال بالعمل كما في مثال الاقتداء مع الإمام المعلوم عدالته حال الاقتداء على وجه ، وأمّا لو كان الموضوع هو دوام الاعتقاد فلا إشكال في فساد العمل أيضا ؛ لانتفاء موضوعه بمعنى أنّ تبدّل الاعتقاد يكشف عن عدم تحقّق الموضوع وقت الاشتغال بالعمل.

وعلى الثاني وهو ما إذا كان الموضوع مجرّد الواقع أو مع العلم فالشكّ إمّا أن يكون شكّا في الموضوع كما في مثال العدالة ، وإمّا أن يكون شكّا في الحكم كما في مثال جزئية السورة.

فعلى الأوّل : لا ريب في أنّ قضيّة القواعد الأوّلية عدم صحّة الأعمال ، بل لا بدّ من الأخذ بما يقتضيه الأدلّة فيما لم يكن هذا الاعتقاد حاصلا ، مثلا لو كان العدالة الواقعية معتبرة في واقعة الطلاق فصحّة الطلاق موقوفة (2) على إحرازها والمفروض عدم العلم بها ، فلا بدّ من الأخذ ببقاء الزوجية وأصالة عدم وقوع الطلاق والمباينة كما هو ظاهر.

نعم ، في أمثال المقام قاعدة أخرى تقضي بالإجزاء والاكتفاء وصحّة الأعمال الماضية على تقدير نهوضها فيما نحن بصدده وهي قاعدة الشكّ بعد الفراغ عن العمل المدلول عليها بجملة من الأخبار كقوله : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » بعد قوله : « إذا

ص: 319


1- « ج ، م » : الخارج.
2- « ج » : موقوف.

شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره » (1) إلخ ، وقوله : « كلّ شيء قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (2) فإنّ مقتضي هذه القاعدة عدم الاعتناء بالشكّ والقول بصحّة الصلاة والإجزاء بها ، إلاّ أنّ شمولها للمقام ممّا لا يخلو عن شيء فإنّ الشكّ تارة : متعلّق بإحداث البطلان في العمل الماضي عمدا ، وتارة بترك شيء منه نسيانا أو سهوا ، وتارة : متعلّق (3) بإيجاد نفس العمل وعدم إيجاده ، وتارة : متعلّق (4) بصحّة الاعتقاد بما هو معتبر في العمل ، لا إشكال في شمولها للأوّلين ، ويحتمل شمولها للثالث على أفسد الاحتمالين ، وأمّا الرابع فشمول تلك الأخبار لمثل هذا الشكّ في غاية الإشكال والحكم به في نهاية الصعوبة ، سيّما فيما لو بنينا على اعتبار تلك القاعدة من حيث الظهور فإنّ عدم ظهور الأخبار الدالّة عليه في مثل المقام ظاهر.

نعم ، لا يبعد القول بذلك على تقدير التعبّد ، وستعرف (5) لذلك زيادة تحقيق في محلّه (6) إن شاء اللّه.

وعلى الثاني : فلا ريب في فساد الأعمال الماضية ، سواء فرض في المقلّد أو في المجتهد ؛ لعدم ما يقضي (7) بالصحّة.

وأمّا القاعدة المذكورة فقرائن اختصاصها بما إذا كان الشكّ في الموضوع دون الأحكام على منار كما توضحه (8) ملاحظة الأخبار الواردة في هذا المضمار ، بل لا يكاد يذهب إليه وهم كما يدلّ عليه قوله : « في شيء لم تجزه » وقوله : « قد جاوزه » وقوله : « ودخل في غيره » سيّما بعد ملاحظة قوله : « في شيء من الوضوء » وقوله في رواية أخرى : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (9) إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتدبّر.

ص: 320


1- سيأتي في ص 445.
2- سيأتي في ص 446.
3- « ز ، ك » : يتعلّق.
4- « ز ، ك » : يتعلّق.
5- ستعرف في ص 461 - 462.
6- « ز ، ك » : - في محلّه.
7- « ج » : يقتضي.
8- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : يوضحه.
9- سيأتي في ص 446.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى قاعدة كلّية مطّردة ، وإلاّ فقد يكون في بعض الموارد أدلّة خاصّة تدلّ على عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ من أيّ وجه كان في الأحكام أيضا كما في خصوص الصلاة لرواية خاصّة.

المقام الثاني

في بيان الحال في تلك الواقعة بالنسبة إلى الوقائع المستقبلة ، فنقول : إنّه يمكن الاستناد في المضيّ على الآثار الماضية بالنسبة إلى زمن المستقبل بأحد الأمرين :

الأوّل : ما قد يظهر من الشيخ الأجلّ كاشف الغطاء (1) فيمن شكّ في الوضوء بين الظهر والعصر حيث استظهر جواز الدخول في العصر بالوضوء المشكوك فيه ، ونقل الأستاد - دام عزّه - عن بعض أجلّة معاصريه الفتوى بذلك أيضا ، والوجه فيه أنّ المستفاد من الأدلّة الدالّة على لزوم حمل الفعل على الصحّة إنّما هو الحكم بإحراز ما يحتمل الفساد بتركه وترك ما يحتمله بفعله واقعا ، وبعد ذلك فلا فرق بين الأعمال الماضية والمستقبلة ، كما في الاستصحاب فإنّ الطهارة المستصحبة كما تجري بالنسبة إلى الصلاة الماضية كذلك تجري بالنسبة إلى ما يشتغل بها المكلّف بعد ذلك أيضا ، مثلا لو شكّ في الوضوء بعد صلاة الظهر فالشارع حكم (2) بإلغاء الشكّ ، والحكم بأنّ الشاكّ متطهّر واقعا بمعنى (3) لزوم ترتيب (4) الطهارة الواقعية عليه ومن جملة ذلك جواز الدخول فيما هو مشروط بالطهارة واقعا كالصلاة والطواف ونحوهما ، هذا وقد استشكل فيه مرّة أخرى.

ص: 321


1- كشف الغطاء 2 : 107 وفي ط الحجري : 103 ( البحث الثاني ).
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - حكم.
3- « م » : « على » بدل : « بمعنى ».
4- « ز ، ك » : ترتّب.

الثاني : ما يظهر من الشيخ الجليل أيضا في بعض فروع الكشف (1) من أنّ أفعال المسلم محمولة على الصحّة ، وقضيّة ذلك عامّة بالنسبة إلى أفعال الجوارح والأعمال القلبية وما يطرأ للإنسان من الحالات والملكات ، ففيما لو شكّ في صحّة الاعتقاد فالأصل يقضي (2) بصحّته ومطابقته للواقع كصحّة قوله : وبعد ما حمل اعتقاده على الصحّة وحكم حكما شرعيا بواقعية ما اعتقده فلا يفرق في ذلك الأعمال السابقة والأفعال اللاحقة.

وشيء (3) من الوجهين لا يكاد يتمّ : أمّا الأوّل : فلأنّ الصحّة المستفادة من الأخبار لا تزيد على الصحّة في الأعمال السابقة التي قد انقضى محلّها ، وأمّا الأعمال الآتية فمحلّها باق ولا يزيد مفادها على عدم المؤاخذة بالأفعال الماضية ، وأمّا ثبوت الواقع بواسطة الحمل فممّا لا دليل عليه ، فعلى هذا فلا بدّ في الأعمال اللاحقة من العمل على ما يقتضيه القواعد فيما لو فرضنا انتفاء ذلك الاعتقاد وإن قدّر بناء العمل على الآثار الماضية أيضا (4).

وأمّا الثاني : فلأنّ صحّة الاعتقاد كصحّة القول والاجتهاد لها وجهان : أحدهما : عدم تقصير المعتقد كالقائل والمجتهد في تحصيل اعتقاده وقوله واجتهاده ، فالفاسد منها (5) ما لم يتفحّص المعتقد في تحصيله ، وعمد القائل بالكذب ، وقصّر المجتهد في الاجتهاد ، وثانيهما : مطابقة قوله واعتقاده واجتهاده للواقع ، فالفاسد منها ما يخالف الواقع.

فإن أراد المستدلّ من قاعدة الصحّة في الاعتقاد ما يعمّ الثاني أيضا فهو وإن كان يجدي فيما رامه إلاّ أنّه ممّا لا دليل عليه ؛ لعدم إفادة الأدلّة فيما عدا الصحّة

ص: 322


1- كشف الغطاء 1 : 201 - 202 ، وفي ط الحجري 35 ( البحث السادس والثلاثون ).
2- « ج ، ك » : يقتضي.
3- « ج ، م » : شيئا.
4- « ز ، ك » : - أيضا.
5- « ز ، ك » : - منها.

بالوجه (1) الأوّل ، فإنّ وجوب تكذيب السمع والبصر على تقدير شمول مثله للأفعال الصادرة عن الفاعل الجاهل ، ممّا ليس فيه دلالة على كون القول أو (2) الاعتقاد أو الاجتهاد مطابقا للواقع ، بل ولا أظنّ أنّ أحدا يقول بذلك فيما إذا كان مدرك الاعتقاد و (3) الاجتهاد موجودا حاضرا لدى المعتقد والمجتهد ، مثلا لو فرضنا أنّ المجتهد إنّما قطع بجزئية السورة في الصلاة بواسطة رواية مرسلة ضعيفة الدلالة فتذكّر بعدم إفادة مثلها القطع في العادة فشكّ في نفس الحكم الذي أفتى به من (4) أوّل الأمر ، فلا يعقل الحكم بواسطة أصالة الصحّة بالمطابقة كما هو ظاهر ، حتّى أنّ الشيخ (5) أيضا (6) إنّما يستفاد من بعض تضاعيف كلماته تقييده بخفاء المدرك ، وكلامه إنّما هو في مجرّد الاعتقاد مع قطع النظر عن مدرك الاعتقاد.

وإن أراد صحّة الاعتقاد على الوجه الأوّل فهو حقّ لكنّه لا يفيد (7) فيما رامه ؛ إذ غايته عدم تقصيره وعصيانه في تحصيل الاعتقاد والاجتهاد وعدم تعمّده (8) بالكذب ، وأين (9) هو من مطابقة قوله واعتقاده واجتهاده للواقع (10)؟

تنبيه

زعم بعض من لا تحقيق له شمول أخبار الاستصحاب للشكوك السارية أيضا ؛ لأنّ قضيّة الأخبار عامّة شاملة للمقامين ، إذ المناط فيها على مجرّد الشكّ واليقين وهو حاصل فيهما ، وحيث إنّ بعض من لا درية (11) له قد تفصّى عن مثله بعدم انصراف

ص: 323


1- « ز ، ك » : بوجه.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : و.
3- « م » : أو.
4- « م » : فمن.
5- كشف الغطاء 2 : 103 ، وفي ط الحجري 102.
6- « ز ، ك » : - أيضا.
7- « ز ، ك » : لا يفيده.
8- « ز ، ك » : العمل.
9- « ز ، ك » : وإنّ.
10- « ج ، م » : بالواقع.
11- « ك » : لا دراية.

الأخبار إلى الشكوك السارية فاعترضه بأنّ الانصراف إنّما يتمّ (1) فيما لو سلّمناه عند إطلاق الدليل والمفروض على ما بيّن في محلّه عموم أخبار الباب ، فلا وجه لدعوى الانصراف فيه ، ولقد أغرب بعضهم فادّعى أنّ مورد الأخبار المذكورة في الشكوك السارية ، وهو غريب عجيب (2) ؛ إذ ليس فيها منها عين ولا أثر.

والتحقيق : عدم الارتباط بينهما ، وتوضيحه يتوقّف على بيان وجوه الفرق بين المقامين ، فنقول : إنّ الاستصحاب يفترق مع الشكّ الساري مفهوما وموردا وثمرة.

أمّا الأوّل : فلأنّ المعتبر في الاستصحاب هو الوجود السابق - وإن لم يكن معلوما في السابق ، بل لو علمنا (3) بوجوده في السابق في زمان الشكّ ببقائه على وجه تقارن (4) الشكّ اليقين في زمان واحد كان استصحابا ، وأمّا ما هو المعروف من اعتبار اليقين السابق فمن حيث إنّ اليقين مرآة عن الوجود والتحقّق ، وليس لخصوص وصف اليقين في السابق مع قطع النظر عن استكشاف الواقع به مدخلية في الاستصحاب - والشكّ اللاحق في بقاء الموجود المتحقّق سابقا وارتفاعه ، والمعتبر في الشكّ الساري هو وصف اليقين السابق على الشكّ - وإن كان ذلك اليقين متعلّقا بموجود في اعتقاد المعتقد حال الاعتقاد إلاّ أنّ حدوث ذلك وتحقّقه غير ملحوظ في الشكّ الساري ولو في اعتقاده - والشكّ اللاحق في صحّة ذلك اليقين ومطابقته للواقع وعدمها ، ولا ينافي القطع بارتفاعه على تقدير وجوده وصحّة اليقين أو القطع ببقائه على هذا التقدير (5) أو الشكّ فيه ؛ إذ لا يناط بالشكّ في الوجود في الزمن الثاني ، وإنّما مناطه الشكّ في صحّة الاعتقاد وهو لا ينافي القطع بالبقاء ؛ ضرورة إمكان حصول القطع بالملازمة مع الشكّ في وجود الملزوم كما هو ظاهر.

ص: 324


1- « ز ، ك » : « هو » بدل : « يتمّ ».
2- « ج ، م » : - عجيب.
3- « ز ، ك » : علمناه.
4- « ز ، ك » : يقارن.
5- « ز ، ك » : هذا الفرض والتقدير.

وأمّا الثاني : فلأنّ الاستصحاب في موارد الشكّ الساري بأجمعها يقضي بعدم التحقّق وعدم ثبوت الحكم ، فلا يجتمع معه في مورد.

وأمّا الثالث : فلأنّ المطلوب في مورد الاستصحاب إنّما هو تصحيح الأعمال المترتّبة على الوجود بعد حدوث الشكّ ، فهو يثمر في الأعمال المستقبلة غالبا وعلاج بالنسبة إليها ، والمطلوب في مورد الشكّ الساري إنّما هو تصحيح الأعمال الماضية الصادرة حال اليقين ، وإنّما الحاجة في صحّة العمل المترتّب على ذلك اليقين والشكّ في صحّة اليقين إنّما كشف عن الحاجة.

وإذ قد تقرّر الفرق بين المقامين فليس ينبغي أن يذهب وهم إلى أنّ ما ورد في أحدهما يصلح أن يكون دليلا في الآخر ؛ إذ لا جامع بينهما إلاّ مجرّد لفظ اليقين والشكّ ، وهل يصلح ذلك بعد وجوه (1) الاختلاف والتباين منشأ لمثل هذا التوهّم؟ وليت شعري فهل قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة : « فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ » (2) يمكن أن يجعل بيانا لحكم (3) الشكّ في صحّة اليقين بعد سؤال السائل : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة؟ فإنّ السؤال إنّما هو عن حكم المتيقّن بعد الوجود والشكّ في بقائه وارتفاعه ، ولا ربط بينه وبين حكم الشكّ في صحّة اليقين وتحقّق المتيقّن ، وهل يمكن أن يكون المراد به أعمّ من الشكّين بعد انتفاء الجامع بين متعلّق الشكّين واليقينين (4)؟ كما أنّه لم يذهب وهم إلى أنّ قول الإمام : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » (5) يعمّ الشكّ في وجود المشكوك فيه وعدمه بعد العلم بوجوده في الجملة.

نعم ، قد نبّهنا (6) على ما يظهر من رواية الخصال في أحد احتماليه ، فإنّ قوله : « من

ص: 325


1- « ز ، ك » : وجود.
2- تقدّم في ص 88.
3- « ز ، ك » : بحكم.
4- « م » : اليقين.
5- تقدّم في ص 319 - 320 وسيأتي في ص 445.
6- نبّه في ص 104 وتقدّمت رواية الخصال في ص 103.

كان على يقين » يحتمل أن يراد به من كان وصف اليقين حاصلا له (1) ثمّ شكّ في صحّة ذلك اليقين فليمض على يقينه ويحكم بصحّة يقينه ، ويحتمل أن يراد من كان له متيقّن موجود (2) معلوم على أن يكون اليقين جهة للقضيّة لا موضوعا فيها ثمّ شكّ في بقائه وارتفاعه فليمض على يقينه ويحكم بوجود المتيقّن بترتيب آثاره عليه ، فعلى الأوّل يصير دليلا للشكّ الساري ، وعلى الثاني دليلا للاستصحاب ، إلاّ أنّ الثاني بقرينة قوله : « فليمض » أظهر ؛ لبعده (3) بالنسبة إلى الأوّل كما (4) لا يخفى.

تذنيب

قد يظهر من بعضهم التمسّك في موارد سريان الشكّ باستصحاب الحكم الظاهري ، مثلا فيما لو اعتقد المجتهد حلّية العصير العنبي أو طهارته ، ثمّ طرأ الشكّ عليه ، فقبل طريان الشكّ على (5) صحّة الاعتقاد كان العصير في مرحلة الظاهر بحسب ما أدّى إليه نظر المجتهد حلالا وطاهرا ، وبعد الشكّ يستصحب الحلّية الظاهرية والطهارة الثابتة في مرحلة الظاهر.

وليس في محلّه ؛ لأنّه من الاستصحاب العرضي وهو ليس معتبرا (6). وتحقيقه أنّه إذا كان للفعل أو الشيء المستصحب جهتان يترتّب على إحداهما حكم قطعا ، وترتّبه على الأخرى مشكوك من أوّل الأمر ابتداء ، ثمّ بعد ارتفاع الجهة المعلومة لا يمكن استصحاب ذلك الحكم ؛ إذ ثبوت الحكم بالنسبة إلى الجهة المشكوكة غير معلوم وبالنسبة إلى الجهة المعلومة معلوم الارتفاع ، مثلا فيما لو فرضنا حيوانا متولّدا من الكلب والغنم ولم يعلم إلحاقه بأحد عموديه عرفا ، فمقتضى القاعدة الحكم بطهارته

ص: 326


1- « ز ، ك » : - له.
2- « ج ، م » : وموجود.
3- « ز ، ك » : لبعدها.
4- « ز ، ك » : فكما.
5- « ز ، ك » : في.
6- « ز ، ك » : بمعتبر.

نظرا إلى أصالة الطهارة ، إلاّ أنّه ربّما يغالط فيقال : إنّ ذلك الحيوان المتولّد من الكلب باعتبار ملاقاته لباطن الكلب أو بواسطة تلطّخه بدم النفاس كان نجسا قطعا ، وبعد ما زالت النجاسة العرضية - مثلا - يشكّ (1) في بقاء النجاسة وارتفاعها فتستصحب (2) النجاسة ، وفساده ممّا لا يكاد يخفى على أوائل العقول. ومن هذا القبيل جملة من موارد الاستصحاب وقد مرّ الإشارة إلى بعضها ، كما في استصحاب وجوب الأجزاء بعد تعذّر الكلّ ، ومنه ما غالط به بعض الأخبارية على ما نقل عنه في ردّ العمل بالاستصحاب في الأحكام من أنّ العمل به قبل الفحص حرام قطعا ، وبعده يشكّ فيها ، والاستصحاب يقضي بحرمته ، ومنه ما تمسّك به بعضهم (3) في إثبات حجّية العامّ المخصّص باستصحاب حجّيته قبل التخصيص بعده ، فإنّ الكلّ على حدّ سواء في عدم الاعتداد بالاستصحاب فيها (4) ؛ لأنّ الحكم اللاحق للعنوان باعتبار أمر طار عليه قد ارتفع قطعا ، إذ لا ريب في انتفاء الاعتقاد بالحلّية أو الطهارة بالنسبة إلى المثال الأوّل ، فإنّه كان هو المنشأ لتخيّل الحكم الظاهري ولم يكن حكما ظاهريا أيضا كما لا يخفى ، والحكم اللاحق للعنوان باعتبار أمر (5) آخر غير معلوم الثبوت ابتداء ، فلا يتحقّق الاستصحاب.

فالاستصحاب في هذه الموارد بالنسبة إلى الجهة المشكوكة يكون من الاستصحاب في الشكوك السارية ، وبالنسبة إلى الجهة المعلومة من الاستصحاب في الشكوك العرضية ، فعند التحقيق يكون الشكّ في الاستصحاب العرضي من الشكّ في الأقلّ والأكثر لا على وجه الارتباط بين الأقلّ والأكثر ، بل الأقلّ بعنوانه معلوم تفصيلا والزائد غير معلوم كذلك ، وبمثل ذلك يجاب في المغالطة الأخبارية فإنّ الحرمة اللازمة

ص: 327


1- « ج ، م » : نشكّ.
2- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : فيستصحب.
3- نقل المحقّق القمي في القوانين 1 : 265 عن بعضهم أيضا ، كما تقدّم عنه في ص 318.
4- « م » : فيهما ( ظ ).
5- « ج ، م » : - أمر.

لعدم (1) الفحص قد زالت والحرمة الذاتية لم تثبت ، وكذا في العامّ المخصّص فإنّ الحجّية المستندة إلى عدم التخصيص قد ارتفعت ، وغيرها مشكوكة من أوّل الأمر وإلاّ يلزم البداء المحال وذلك أمر واضح وإن اشتبه بعض أفراده على بعض الأفهام ، ولكن بعد ملاحظة ما ذكرنا من الأمثلة لا يكاد يشتبه الأمر على أحد ، وأوضح فسادا من الكلّ ما لو شكّ - مثلا - في حيوان خلق إبداعا وشكّ في طهارته ونجاسته ، فإنّ المغالط قد ينجّسه بنجاسة عرضية كأن يبول عليه أحد ، ثمّ بعد زوال تلك النجاسة العرضية يستصحب النجاسة لإثبات النجاسة الذاتية ، فكن على بصيرة من الأمر وتأمّل واغتنم واللّه الموفّق الهادي (2).

ص: 328


1- « ز ، ك » : بعدم.
2- « ز ، ك » : - واللّه ... الهادي.

هداية [ في الاستصحاب التعليقي ]

قد اصطلح بعض الأواخر على تسمية بعض أقسام الاستصحاب بالاستصحاب التعليقي ، وربّما يتراءى في بعض الأنظار (1) عدم الاعتداد بهذا القسم من الاستصحاب.

وتحقيق المقام : أنّ موضوع الحكم قد يكون الماهيّة المجرّدة عن الوجودين كما في لوازم الماهيّة مثل (2) زوجية الأربعة ونحوها كما في الأحكام الطلبية فإنّ الوجوب إنّما هو من لواحق الماهيّة كالمطلوبية ؛ إذ بعد الوجود فلا وجه لوجوبه ومطلوبيته ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، غايته أنّ الطالب إنّما يلاحظ الماهيّة الموجودة في الذهن بعنوان وجودها في الخارج فيلحقها وصف المطلوبية ومن هذه الجهة تفترق الزوجية اللازمة للأربعة ، ولهذا ترى (3) أنّ المتصوّر لماهيّة الصلاة لا يعدّ ممتثلا للأمر بها.

وقد يكون الماهيّة (4) الموجودة في الخارج ، فالوجود الخارجي ليس إلاّ جزء من موضوع الحكم ، فهو متعلّق به لا أن يكون معلّقا عليه ، كما في نجاسة الكلب فإنّ النجاسة إنّما هي من ملحقات الموجود (5) الخارجي وليست النجاسة معلّقة على وجود

ص: 329


1- السيّد المجاهد في المناهل : 625 ( كتاب الأطعمة والأشربة ) كما عنه في فرائد الأصول 3 : 222.
2- « ز ، ك » : في مثل.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - ترى.
4- « ز ، ك » : الماهيّة.
5- « ز ، ك » : الوجود.

الكلب في الخارج ، نعم لو كان الموضوع هو نفس الماهيّة (1) كما في المثال المتقدّم صحّ التعليق بالوجود الخارجي.

وقد يكون الموضوع هو الموجود الخارجي لكن تعلّق الحكم به معلّق على حصول أمر آخر.

والفرق بين المقامين واضح فإنّ انتفاء الحكم على تقدير عدم المعلّق عليه بواسطة انتفائه وإن كان الموضوع موجودا على الأخير ، وانتفائه على تقدير عدم الموضوع بواسطة انتفاء الموضوع ، فعدم النجاسة فيما لو قدّر عدم الكلب بواسطة عدم الكلب ، فنجاسة الكلب منفيّة لا أنّ النجاسة عن الكلب منفيّة ، بخلاف ما إذا كان الحكم معلّقا على أمر آخر كما في وجوب الحجّ فإنّ الوجوب عن المكلّف منفيّ عند انتفاء الاستطاعة كما لا يخفى (2).

وبالجملة : فالحكم المتعلّق على موضوع خاصّ ليس معلّقا على وجود الموضوع فيما لو كان الموضوع هو الموجود ، وإلاّ فلم يبق لنا حكم تنجيزي أصلا ، فالمراد بالاستصحاب التعليقي هو استصحاب الحكم المعلّق على وجود أمر عند احتمال زوال ذلك الحكم ، مثلا إنّ نجاسة العصير العنبي معلّق على غليان ذلك العصير واشتداده وعدم ذهاب ثلثيه ، وهذه عبارة عن قضيّة تعليقية وهي أن يقال : إنّ العصير إنّما هو على وجه لو غلى واشتدّ ولم يذهب ثلثاه كان نجسا ، فالشكّ في هذه القضيّة تارة : يتعلّق ببقاء الملازمة في الوقت الثاني وارتفاعها ، وتارة : ببقاء السببية المستفادة من اقتران الشرط في جملة المقدّم بأداة الشرط ، وأخرى : في الحكم المعلّق عليه. لا إشكال في جريان الاستصحاب على الأوّلين ؛ لعدم المانع منه وليس من الاستصحاب التعليقي

ص: 330


1- « ز » : الماهيّة.
2- في هامش « م » : لو علم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام في نصف شعبان لقامت .... رحالهم على الخشب.

في شيء منهما ، وإنّما الكلام في استصحاب الحكم المعلّق عليه ، كما إذا شكّ في نجاسة العصير المأخوذ من الزبيب فيقال : إنّ العنب - مثلا - عصيره فيما لو غلى واشتدّ ولم يذهب ثلثاه نجس قطعا ، وبعد ما صار زبيبا يشكّ في نجاسة عصيره وعدمها ، فيستصحب الحكم المعلّق عليه. وكما أنّ المرأة قبل الوقت عند بياضها كانت بحيث لو دخل الوقت يجب عليها الصلاة. وبعد دخول الوقت يشكّ (1) في الوجوب بواسطة احمرار وجدتها (2) غير معلوم الحيضية ، فيستصحب الوجوب المعلّق على دخول الوقت. وكما في وجوب الحجّ فإنّ المكلّف قبل الاستطاعة كان بحيث لو استطاع وجب عليه الحجّ ، ثمّ شكّ في الوجوب المعلّق على الاستطاعة عند الخوف من العدوّ الذي يحتاج دفعه إلى بذل بعض من المال ، فيستصحب الوجوب المعلّق ، ولا ضير في هذا الاستصحاب أيضا من جهة التعليق.

فإن قلت : إنّ استصحاب الحكم المعلّق دائما معارض باستصحاب عدم الحكم المنجّز عند فقد المعلّق عليه ، مثلا استصحاب وجوب الحجّ معارض باستصحاب عدم وجوب الحجّ المنجّز عند عدم الاستطاعة ، وكذا استصحاب وجوب الصلاة معارض باستصحاب عدم وجوب الصلاة قبل ، فلا يجدي استصحاب الوجوب.

قلت : نعم ، ولكنّ الشكّ في الوجوب وعدمه بعد حصول المعلّق عليه مسبّب عن الشكّ في بقاء الحكم المعلّق عليه ، وبعد استصحاب الحكم المعلّق فلا يبقى للشكّ في الوجوب مجال ، فلا تعارض ؛ لأنّه مزيل بالنسبة إليه ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب من حيث إنّ المستصحب معلّق (3) ، نعم لا بدّ من ملاحظة شيء آخر في أمثال هذه الموارد وهو أنّ سبب الشكّ قد يكون من أجزاء المقدّم والتالي في القضيّة التعليقية فلا بدّ من إحراز هذه المقدّمة ، فالملازمة إنّما هي (4) بين المقدّم والتالي لكن بعد

ص: 331


1- « ج ، م » : شكّ.
2- في النسخ : وجدها.
3- « ز ، ك » : معلوم.
4- « ج ، م » : هو.

الأخذ بجميع ما يعتبر في الطرفين ، ففيما لو علمنا بذلك فلا شكّ في عدم جريان الاستصحاب ؛ إذ عدم الحكم على تقدير قطعي وثبوته على تقدير مشكوك أصلا ، وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في هذه الموارد. وكذا فيما لو شككنا في جزئية شيء للمقدّم أو للتالي إلاّ أن يستفاد من ظهور اللفظ الوارد في مقام التعليق شرطية الشيء الخاصّ مع قطع النظر عمّا عداه ، فإنّ المناط في تشخيص هذه الأمور على الرجوع إلى الأدلّة الدالّة على هذه الأحكام التعليقية ، فربّما يستفاد منها شرطية شيء خاصّ ، وربّما يستفاد انضمام شيء آخر إليه ، وهذا هو الوجه في خلافهم في وجوب الحجّ على المستطيع فيما لو توقّف دفع العدوّ على دفع بعض المال الذي يبقى معه الاستطاعة ، وربّما يتسامح في بعض ما يحتمل كونه جزء من المقدّم كالوصف أو الحال أو الزمان فيلاحظ (1) فيها كونها ظرفا لا قيدا لأحد الطرفين ، مثلا في قولنا الماء المتغيّر فيما لو كان مقدّما في قضيّة تعليقية قد يعتبر مركّبا فبانتفاء أحد جزئية ينتفي التالي ، وقد يعتبر المقدّم هو الماء في حال التغيّر على وجه لا يكون التغيّر مناطا في الملازمة (2) ، فعلى الأوّل لا معنى للاستصحاب ، وعلى الثاني يجري الاستصحاب ، إلاّ أنّه لا يخفى على أحد أنّه (3) بعد إحراز أنّ السبب والعلّة التامّة للحكم وحدوثه (4) هو الماء في حال التغيّر والمفروض وجوده في الحال أيضا ، فالشكّ في البقاء والارتفاع غير معقول إلاّ على تقدير احتمال أن لا تكون (5) العلّة المبقية هي (6) العلّة المحدثة ، فالشكّ في البقاء والارتفاع معقول على هذا الوجه.

فبالحقيقة الاستصحاب التعليقي ليس إلاّ كالاستصحاب التنجيزي ، فكما أنّ جريان الاستصحاب التنجيزي عند التحقيق يتوقّف على اتّحاد القضيّة المشكوكة

ص: 332


1- « ز ، ك » : فلاحظ.
2- « ز ، ك » : للملازمة.
3- « ج ، م » : أنّ.
4- « ج » : هو وحدوثه.
5- « ج ، م » : يكون.
6- « ج ، م » : هو.

والمتيقّنة ، فكذا جريان التعليقي أيضا يتوقّف على الاتّحاد بين القضيّة التعليقية المشكوكة وبين معلومها.

فإن قلت : إنّ الظاهر من الجملة الشرطية هو أنّ المقدّم علّة لوجود التالي وإن كان الواقع شرطا (1) من العلل الناقصة كأن يكون شرطا أصوليا مثلا ، فعند وجود المعلّق عليه لا معنى للشكّ.

قلت : قد لا يكون التعليق مستفادا من ظواهر الألفاظ الواردة في المقام ؛ لإمكان استفادته من أمر لبّي ، فلا ظهور فيه ، ومع ذلك فالشكّ ممكن بواسطة احتمال ارتفاع أحد أجزاء (2) العلّة (3) التامّة للحكم المعلّق عليه ولا ينافيه ظهور اللفظ في العلّية ؛ إذ ربّما يتّفق اجتماع الأجزاء عدا الجزء المعلّق عليه فيصحّ التعليق على وجوده أو بواسطة ارتفاع ما يمكن أن يكون من العلّة ، ويحتمل أن يكون من أجزائها ، فيستصحب الحكم المعلّق عليه عند هذه الاحتمالات.

فإن قلت : إنّه (4) قبل زمان الشكّ كانت العلّة التامّة موجودة عدا الجزء المعلّق عليه ، وبعد وجوده والشكّ في ارتفاع بعض الأجزاء أو ارتفاع ما يحتمل الجزئية يستصحب العلّة التامّة ، فيترتّب عليها المعلول.

قلت : نعم ، ولكنّه لا بدّ أن يعلم أنّه على تقدير احتمال ارتفاع بعض أجزاء العلّة ، كما إذا علمنا بأنّ التغيّر في مثال الماء من أجزاء العلّة ثمّ شككنا في ارتفاعه وبقائه يستصحب العلّة التامّة ، ولا حاجة إلى استصحاب الحكم المعلّق عليه ، لترتّبه على العلّة ، كما أنّ بعد فرض جريان الاستصحاب في الموضوع لم يبق شكّ في الحكم ولا معنى لاستصحابه ولو مع قطع النظر عنه ، وعلى تقدير ارتفاع ما يحتمل كونه من العلّة

ص: 333


1- « ز ، ك » : هو شرطا.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الأجزاء.
3- « ز ، ك » : للعلّة.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : إنّ.

يكون الأصل مثبتا ، مثلا لو زال التغيّر قطعا واحتملنا أن تكون (1) العلّة مركّبة منه ومن غيره فأصالة بقاء العلّة لا يترتّب عليها (2) أنّ الموجود هي العلّة إلاّ بملازمة عقلية وقد عرفت عدم الاعتداد بمثله ، فتدبّر.

ص: 334


1- « ج ، م » : يكون.
2- « ج ، م » : عليه.

هداية [ في بيان استصحاب الحكم المخصّص ]

[ في بيان استصحاب الحكم المخصّص ] (1)

إذا ثبت في الشريعة حكم بدليل عامّ عموما أزمانيا ثمّ ثبت بدليل مخصّص لذلك العامّ ارتفاع ذلك الحكم في قطعة من الزمان ففي زمان الشكّ هل يؤخذ بعموم العامّ أو باستصحاب حكم (2) الخاصّ؟ وجهان بل قولان :

يظهر من ثاني المحقّقين في جامع المقاصد (3) في تلقّي الركبان فيما إذا شكّ في بقاء الخيار وارتفاعه تحكيم عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (4) على استصحاب الخيار (5) ، ويظهر من الشهيد (6) في عدّة مواضع من المسالك (7) الأخذ بالاستصحاب (8).

والتحقيق أن يقال : إنّ (9) الدليل الدالّ على الحكم المخالف للاستصحاب تارة : يكون مهملا بالنسبة إلى الأزمنة التي تقع فيها الأفراد ، كما إذا قال المولى : أكرم العلماء ملاحظا فيها عموم الأفراد فقط من غير مدخلية الزمان في ذلك الحكم ، فلا يختلف الوجوب باختلاف الأزمنة حينئذ.

ص: 335


1- العنوان من هامش « م ».
2- « ج ، م » : الحكم.
3- « ز ، ك » : - في جامع المقاصد.
4- المائدة : 1.
5- جامع المقاصد 4 : 38.
6- « ز ، ك » : + رحمه اللّه.
7- « ز ، ك » : - في عدّة مواضع من المسالك.
8- مسالك الأفهام 3 : 190 و 431 ، و 4 : 100 و 184 ، و 5 : 192 ، و 8 : 34 ، وقارن بما ذهب في خيار الغبن والرؤية 3 : 204 و 221.
9- « م » : - يقال إنّ.

وتارة : يكون عامّا (1) بالنسبة إليها فتارة : على وجه يكون الحكم ثابتا في تمام الزمان فيكون كلّ واحد من أجزاء الزمان جزء لا فردا (2) ، وأخرى : على وجه يكون الحكم ثابتا في كلّ واحد من أفراد الزمان فيكون كلّ جزء من الزمان ملحوظا في نظر الآمر فردا مغايرا للآخر.

ومرّة : يكون الدليل مشكوكا فيه إهمالا وعموما على الوجهين.

لا إشكال في جريان الاستصحاب على الأوّل ؛ لعدم المانع منه بعد وجود أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق.

كما أنّه لا إشكال في جريانه على الأوّل من الثاني ؛ لأنّ المفروض خروج القطعة المفروضة المخصّصة من العامّ ، وخروجها عن العامّ في زمن اليقين والشكّ بالنسبة إلى لزوم التخصيص في العامّ مساو لعدم ملحوظية الزمان فيه إلاّ على هذا الوجه الذي لا يفرق فيه الخروج في الزمانين ، وذلك ليس من تخصيص العامّ في شيء ، بل لو فرض عدم اعتبار الاستصحاب أيضا لم يكن الأخذ بالعامّ وجيها ؛ لعدم دلالته على أفراد الزمان ، بل لا بدّ من الأخذ بسائر الأصول كما إذا لم يكن في ذلك المورد عموم ولا استصحاب.

ومن هذا القبيل مسألة الخيار فإنّ ما يظهر لنا بعد التأمّل الصادق عدم دلالة ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) على عموم زماني يكون كلّ جزء من أجزاء الزمان ملحوظا في نظر الشارع مقصودا له في وجوب الإمضاء بمضمون العقد ولزوم الوفاء به ، فلو تساهل من له الخيار في الأخذ بخياره على وجه لم يصدق فيه الغرر (4) العرفي صحّ استصحاب حكم الخاصّ والأخذ بالخيار في ثاني الزمان ، ووافقنا في ذلك جماعة من

ص: 336


1- « ز ، ك » : تكون عامّة.
2- « ز ، ك » : لأفراده.
3- المائدة : 1.
4- « ج » : الفور ، كتب تحتها في نسخة « م » : « ضرر ».

الأعاظم منهم سيّد الرياض (1) إلاّ أنّه قيّد الحكم بما إذا كان الحكم الخياري مدركه الإجماع ، وأمّا لو كان الوجه في ثبوت الخيار هو نفي الضرر والضرار فلا يجري فيه الاستصحاب ؛ لاستناد الحكم فيه إلى علّة معلومة الارتفاع كما في استصحاب الأحكام العقلية. وأمّا ما أفاده المحقّق الثاني من أنّ قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) لو لم يكن عامّا بالنسبة إلى الزمان لم ينتفع (3) بعمومه ، فهو في غاية الجودة ، إلاّ أنّه لا يجديه فإنّ من الظاهر أنّ عموم الزمان الملحوظ فيه لا يجب أن يكون على الوجه الثاني كما لا يخفى ، هذا إذا كان عموم الدليل في مجموع الزمان على ما هو القسم الأوّل من التقسيم الثاني.

وأمّا القسم الثاني وهو ما كان عموم الدليل بالنسبة إلى الأزمنة عموما متناولا لكلّ جزء من أجزائه بحيث يكون كلّ واحد منها فردا برأسه ملحوظا للآمر (4) ، فلا يجري فيه الاستصحاب على بعض الوجوه ويجري على بعض آخر ، ويكشف عن العموم على هذا الوجه إمّا ملاحظة عنوان العامّ كأن يكون مشتملا على أداة استغراق بالنسبة إلى الزمان أيضا كما في قولنا أكرم العلماء في كلّ زمان زمان ، وإمّا يستفاد ذلك من عنوان المخصّص فإنّه دليل على المستثنى منه كالمستثنى في ملاحظة الزمان فيه قيدا ؛ لأنّ الظاهر منه الاتّصال ، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون العموم مستفادا على الوجه المذكور من اللفظ أو العقل بمعونة حذف المتعلّق ونحوه.

وكيف كان ففيما لو وجد مثل هذا العامّ في الأدلّة فإمّا أن يكون الحكم في دليل المخصّص معلّقا على موضوع موجود في بعض الأفراد الملحوظة في ذلك العامّ ، كما إذا أمر المولى بلزوم الإتيان بالصلاة في كلّ زمان - مثلا - إلاّ من كان مريضا أو مسافرا

ص: 337


1- الرياض 8 : 199 - 200 ، و 10 : 387 ، وفي ط الحجرية 1 : 525 - 526 ، و 2 : 135.
2- المائدة : 1.
3- « ج » : لم ينفع.
4- « م » : به الآمر.

مثلا ، فعند الشكّ في ارتفاع ذلك الموضوع لا إشكال في جريان الاستصحاب في نفس ذلك الموضوع ، ويلازمه عدم الاعتداد بالعموم على ما هو الظاهر ، كما إذا شكّ في حصول الحدّ في الفرد الخارج من عموم الزمان كما في قولنا : « أكرم العلماء في كلّ يوم إلاّ يوم الخميس » ثمّ شكّ في انتهائه مثلا ، وإن كان بينهما فرق (1) آخر من جهة أخرى. وإمّا أن لا يكون كذلك ، كما إذا شكّ في المثال المذكور في وجوب الإكرام في الجمعة فلا بدّ من الأخذ بعموم العامّ فيه ، ولا وجه للأخذ بالاستصحاب في مثله وإن فرضنا عدم عموم العامّ ؛ لأنّ المفروض أنّ الزمان قيد للحكم فبملاحظة اختلافه يختلف أفراد الحكم ولا يصحّ إجراء حكم فرد وانسحابه في آخر بالاستصحاب ، وليس هذا بواسطة أنّ العامّ دليل اجتهادي ولا يعارضه الاستصحاب العملي كما قد يتوهّم.

نعم ، لو فرضنا إهمالا في عنوان المخصّص ولم يكن عموم العامّ كاشفا عن اعتبار الزمان في المخصّص على الوجه المعتبر فيه - إذ كما أنّ المخصّص يكشف عن عموم العامّ قد يكون عموم العامّ أيضا كاشفا للمخصّص كما إذا ثبت عدم وجوب إكرام العلماء في الخميس لا على وجه التقييد - فيجري فيه الاستصحاب ، وإنّما يمنع منه عموم العامّ فلو لا العامّ كان الاستصحاب هو المرجع ، بخلاف الأوّل فإنّه على هذا التقدير لا يصحّ الأخذ بالاستصحاب ، بل لا بدّ فيه (2) من الرجوع إلى ما يقتضيه سائر القواعد الممهّدة لبيان مواضع الشكّ.

ثمّ إنّ كلام المحقّق الثاني والشهيد إن كان في خصوص قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فلم يظهر لنا مخالفتهم لما أوردناه من التحقيق وإن صعب الأمر في (3) بعض المصاديق من المفهوم المذكور كما عرفت في خصوص المثال على حذو ما سبق ، وإن كان ذلك من

ص: 338


1- « ج ، م » : فرقا.
2- « ج ، م » : - فيه.
3- « ز ، ك » : « يختصّ » بدل : « صعب الأمر في » وبعد « في » زاد ما بين السطور في نسخة « م » بخط آخر : « تحقيق ».

جهة إطلاق القول بحكومة العامّ الزماني على الاستصحاب أو ورود الاستصحاب على العامّ ، ففساده ممّا لا يكاد يخفى بعد ما أوردنا (1) لك من التحقيق ، وأنت بعد ما أحطت خبرا بما قد سلف ذكره تقدر على الاحتجاج بكلّ من الوجهين وإبطاله ، فلا نطول بذكره ، إلاّ أنّ هاهنا كلاما أفاده بعض أفاضل السادات (2) من متأخّري المتأخّرين - لا بأس بنقله تتميما للمبحث - : من أنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل دليل شرعي مخصّص للعمومات ، ولا ينافيه عموم أدلّة حجّيته من أخبار الباب الدالّة على عدم جواز النقض بغير (3) اليقين (4) ؛ إذ ليس العبرة في العموم والخصوص بدليل الدليل ، وإلاّ لم يتحقّق لنا في الأدلّة دليل خاصّ ؛ لانتهاء (5) كلّ دليل إلى أدلّة عامّة ، بل العبرة بنفس الدليل ، ولا ريب أنّ الاستصحاب الجاري في كلّ مورد خاصّ (6) لا يتعدّاه إلى غيره فيقدّم على العامّ كما يقدّم على غيره من الأدلّة (7) ، ولذا ترى (8) أنّ الفقهاء يستدلّون في [ إثبات ](9) الشغل والنجاسة والتحريم بالاستصحاب في مقابلة ما دلّ على البراءة الأصلية وطهارة الأشياء وحلّيتها ، ومن ذلك استنادهم (10) إلى استصحاب النجاسة والتحريم في صورة الشكّ في ذهاب ثلثي العصير في (11) كون التحديد (12) تحقيقيا

ص: 339


1- « ز ، ك » : أوردناه.
2- في هامش « م » : وهو العلاّمة الطباطبائي السيّد مهديّ بحر العلوم في الفوائد الغروية [ 116 - 117 ] وكذا كتب تحتها في « ز ، ك » : « سيّد بحر العلوم » وأدرج « في الفوائد الغروية » في المتن بعد « السادات » وليس بصواب.
3- « ز ، ك » : بعد.
4- في المصدر : عدم جواز نقض اليقين بغيره.
5- في المصدر : لانتهاء حجّية.
6- في المصدر : خاصّ به.
7- في المصدر ونقل فرائد الأصول 3 : 277 : الأدلّة عليه.
8- « ز ، م » : نرى.
9- ما بين المعقوفين من المصدر.
10- المثبت من « ك » وهو موافق للمصدر ونقل فرائد الأصول وفي « م » زيادة : على استثنائهم ( ظ ) وفي « ج » زيادة : إلى استنادهم وفي « ز ، ك » : استثناؤهم إلى استنادهم.
11- في المصدر ونقل فرائد الأصول : وفي.
12- في المصدر : التحديد به.

أو تقريبيا (1) ، وفي صيرورته (2) قبل ذهاب الثلثين دبسا ، إلى غير ذلك (3) ، انتهى كلامه على ما لخّصه بعض الأجلّة (4).

ثمّ اعترض الملخّص (5) عليه بأنّ هاهنا مقامين : الأوّل : تخصيص العامّ ورفع شموله لبعض ما يتناوله بالاستصحاب ، الثاني : إبقاء حكم التخصيص بعد قيام دليله في بعض ما يتناوله العامّ بالاستصحاب.

أمّا المقام الأوّل : فلا ريب في عدم حجّية الاستصحاب فيه ، سواء كان حكم العامّ موافقا للأصل أو مخالفا له (6) ؛ لاقتصار حجّيته على صورة عدم اليقين على الخلاف وإن كان اليقين حاصلا من عموم ونحوه (7) ممّا يكون في أدنى درجات الاعتبار ، وإلاّ لم يوجد أمر ولا نهي ؛ لمعارضة كلّ منهما باستصحاب البراءة الأصلية ؛ إذ لا فرق بين عموم العامّ وغيره من حيث كونه دليلا لفظيا. ولم يصلح عامّا للتمسّك به في موارد الشكّ إلاّ فيما لا يجوز تطرّق التخصيص إليه من دليل خارجي ؛ لأنّ القدر الثابت بالعامّ هو ذلك البعض الذي لا يجوز أن يكون مخصّصا.

وأمّا المقام الثاني : فلا ريب في حجّية الاستصحاب فيه إذا اشتمل على شرائط الحجّية وهو ممّا لا خلاف فيه وليس من تخصيص العامّ بالاستصحاب في شيء ، ومن هذا الباب ما ذكره من الأمثلة ، فإنّ عمومات البراءة إنّما دلّت على البراءة عند عدم ما يدلّ على الاشتغال ، فإذا دلّ الاستصحاب على بقاء الاشتغال أو على بقاء الموضوع يتفرّع عليه ، فشأن الاستصحاب في تلك العمومات تحقيق عنوان لا يجري فيه العمومات ، وكذلك الكلام في عموم الطهارة.

ص: 340


1- في المصدر : لا تقريبيا.
2- في المصدر : صورة صيرورته.
3- الفصول : 214.
4- في هامش « ز ، ك ، م » : [ وهو « م » ] صاحب الفصول ، انتهى وسيصرّح بذلك أيضا كما سيأتي.
5- « م » : المتلخّص.
6- « ج ، م » : - له.
7- « ز » : نحوها.

إلى أن قال : فاتّضح ممّا حقّقنا أنّ الفاضل المذكور قد خلط بين المقامين من حيث إنّ صدر كلامه يدلّ على مصيره إلى الجواز في المقام الأوّل ، وذيله على إثبات الجواز في المقام الثاني ، واتّضح أيضا ضعف دليله وعدم مساعدة ما استشهد به من كلام الأصحاب على ما أرسله ، فثبّت ولا تغفل (1) - (2) ، انتهى ما أورده الملخّص (3) في الفصول بتغيير (4) وإسقاط ما وتلخيص في الجملة.

أقول - وباللّه التوفيق وهو الهادي إلى كلّ الصواب وحقّ الصواب (5) - : ولقد أجاد المعترض في بعض ما أورده ولكنّه ما أجاد في الكلّ ، وتوضيح المقام وتحقيقه أنّ الاستصحاب تارة : يلاحظ بالنسبة إلى سائر الأصول المعمولة في موارد الشكّ من أصالة البراءة والطهارة والاشتغال ونحوها ، ولا شكّ في تقديم الاستصحاب على تلك الأصول ؛ لأنّ ما دلّ على اعتبارها مغيّا بغاية تتحقّق (6) بالاستصحاب كأمثال الأدلّة الاجتهادية لفظية أو غيرها ، وأخرى : يلاحظ بالنسبة إلى الأدلّة الاجتهادية من العمومات المنجّزة كقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (7) ونحوه من عمومات الحلّ كقوله : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (8) فإنّ التحقيق على ما عرفت فيما قدّمنا في أصالة الاباحة عدم دلالتها على إثبات الحلّ في مقام الشكّ والظاهر كما هو المراد بالأصل ، ومثل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) (9) ممّا يستفاد من مساقها أو من دليل خارجي من الاستثناء ونحوه استمرار الأحكام المدلول عليها بتلك العمومات ، وقد عرفت فيما مرّ من التحقيق أنّ العامّ المقصور على استغراق الأفراد ممّا لا كلام فيه.

ص: 341


1- « ز ، ك » : فلا تغفل.
2- الفصول : 214 - 215.
3- « ج ، م » : - الملخّص.
4- « ز ، م » : بتغيّر.
5- « ز ، ك » : - وباللّه ... الصواب.
6- في النسخ : يتحقّق.
7- المائدة : 4 و 5.
8- البقرة : 29.
9- المائدة : 3.

وأمّا المستغرق للأزمان فقد عرفت انقسامه إلى عموم دائمي استمراري ، وإلى عموم أزماني استغراقي.

لا كلام في جريان الاستصحاب في القسم الأوّل من دون أن يكون مخصّصا للعامّ ؛ إذ التخصيص فرع الارتباط ، والمفروض عدم دلالته عليه في كلّ زمان فلا ارتباط فلا تخصيص.

وأمّا القسم الثاني فقد مرّ أنّ المخصّص ربّما يكون معلّقا على موضوع فيستصحب ذلك الموضوع وليس من التخصيص في شيء ، وقد يكون الشكّ في حصول الحدّ فيستصحب وليس من التخصيص في شيء ، وقد يكون عنوان المخصّص مهملا فيمكن استصحابه لو (1) لا العموم فلا يجري فيه الاستصحاب نظرا إلى ورود الدليل الاجتهادي على العملي كائنا ما كان ، وقد يكون الدليل عامّا شاملا لتمام أفراد الزمان على حسب ما لاحظها الآمر في مقدار الزمان ، سواء كان ذلك العموم مستفادا من عنوان العامّ أو من عقل أو نقل ونحوهما ، فلا بدّ من الأخذ بعموم العامّ وليس من مجرى الاستصحاب في شيء ؛ لأنّ المفروض كونه مقيّدا (2) بالزمان وبعد زوال القيد وحصول قيد آخر للحكم يصير فردا آخر قطعا ، ولا يمكن انسحاب حكم فرد قطعي المغايرة (3) لفرد آخر فيه.

فاتّضح ممّا حقّقنا أنّ الفاضل المذكور إنّما خلط بين الأدلّة التعليقية الدالّة على أحكام الشكّ وبين غيرها ، وما استشهد به (4) من كلام الفقهاء إنّما هو من هذا القبيل. وأمّا الاستشهاد بعمومات الحلّ فلعلّه مبنيّ على ما نبّهنا عليه من أنّ متمسّك البعض في مقام إثبات الإباحة الأصلية هو هذه العمومات والمعترض المذكور إنّما خلط بين الكلّ وإن أصاب بعض الحقّ في عدم جواز ورود الاستصحاب كائنا ما كان على

ص: 342


1- « ج ، ز ، ك » : - لو.
2- « م » : مقيّدة.
3- « ز ، ك » : فرد المغاير.
4- « ج ، م » : - به.

الدليل اللفظي الاجتهادي ، فتارة يظهر من كلامه تقديم الاستصحاب على الأدلّة التعليقية ، وأخرى تقديم الاستصحاب الموضوعي على غيره ، وقد يظهر منه عدم جريان الاستصحاب في غير العموم المعلّق حكمه على العلم وغير استصحاب الموضوع مع أنّك تحقّقت جريانه في القسم الأوّل وليس من العمومات المعلّقة على العلم حكما ، وقد يظهر منه مدافعة العامّ للاستصحاب فيما لا يجري لكونه اجتهاديا ، وليس كذلك ؛ لما عرفت من أنّه (1) بعد ما صار الزمان قيدا لكلّ فرد من أفراد الحكم الواقع فيه يختلف الأفراد باختلاف الأزمنة ، وبعد الاختلاف ليس من محلّ الاستصحاب في شيء حتّى يكون ارتفاعه بواسطة الدليل ، بل بواسطة عدمه لعدم (2) محلّه ومجراه كما (3) هو ظاهر (4).

ص: 343


1- « ج ، م » : أنّ.
2- « م » : عدم تقدّم.
3- « م » : فيما.
4- « ز » : كما مرّ هو الهادي. « ك » : كما مرّ واللّه الهادي.

ص: 344

هداية [ ( في الاستصحاب ) في الأمور التدريجية ]

[ ( في الاستصحاب ) في الأمور التدريجية ] (1)

المستصحب قد يكون من الأمور التي تجتمع (2) أجزاؤها في الوجود الخارجي كالرطوبة (3) واليبوسة ونحوهما ، وقد يكون ممّا ليس له جزء (4) خارجي (5) كالطهارة والنجاسة والملكية والحلّية والحرمة ونحوها ، لا إشكال في جريان الاستصحاب في هذين القسمين على تقدير اجتماع سائر الشرائط على التفاصيل المتقدّمة ، وقد يكون ممّا لا يجتمع أجزاؤه في الوجود الخارجي كالتكلّم والمشي والجريان ممّا ينتهي إلى مقولة الحركة أو ما ينتزع منها من الأوصاف اللازمة لها كمقدارها (6) - مثلا - ممّا ينقضي شيئا فشيئا كالليل والنهار والشهر ونحوها ، وقد يظهر من البعض (7) تمثيله لذلك بالكرّية وليس في محلّه ؛ لأنّ الكرّية ليست (8) من الأمور التدريجية وإنّما تحصل دفعة وإن توقّف حصولها كذلك على اجتماع أجزاء متفرّقة في الأزمنة المختلفة في بعض الأوقات ، وإلاّ فيمكن (9) حصولها بدون ذلك أيضا ، وهل يمكن القول بجريان

ص: 345


1- العنوان من هامش « م ».
2- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : يجتمع.
3- في هامش « م » : لا يخفى أنّ ما ذكرنا من الرطوبة يصحّ باعتبار المحلّ وحينئذ فيصحّ في الجميع ، فتدبّر. « منه ».
4- « ز ، ك » : جزئي.
5- « ج » : خارجيا.
6- « ز ، ك » : لمقدارها.
7- « ز ، ك » : بعضهم.
8- « ز ، ك » : ليس.
9- « ز ، ك » : فيكون.

الاستصحاب في هذا القسم؟ الحقّ نعم لو لم نأخذ بضبط أمر الموضوع واعتمدنا في إحرازه على المسامحة العرفية ، وأمّا إذا قلنا بالتدقيق في الموضوع فلا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ الموجود من الأجزاء في الأمور التدريجية قد ارتفع قطعا وغير الموجود في ذلك الزمان غير معلوم الوجود ، بل قضيّة الأصل عدمه ، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم من ملاحظة كلمات العلماء أخباريا وأصوليا جريان الاستصحاب في تلك الأمور عندهم فلعلّ الأمر عندهم مبنيّ على التسامح ، وليس بذلك البعيد في أمثال الأمور المفروضة كالتكلّم والمشي فإنّ الموضوع عندهم أمر اتّصالي قارّ ولو بحسب ما يؤدّي إليه أنظارهم وإن كانت قاصرة عن الوصول إلى ما هو الواقع فيها وقد يتراءى أن يكون المستصحب هو العزم على التكلّم أو المشي ، أو المادّة في جريان النهر ، وعدم الاعتداد بما يمنع عن وقوع هذه الأمور بعد إحراز العزم والمادّة ، فيكون الاستصحاب مرجعه (1) إلى استصحاب الأمر العدمي ولا يعقل التدريج في الأمور العدمية (2) ، هذا إنّما يتمّ في الأمور التدريجية التي تقع (3) في الزمان ، وأمّا نفس الزمان فربّما يقوّى في النظر عدم جريان الاستصحاب فيه ولو بعد مراعاة المسامحة العرفية كما لا يخفى ، سيّما بعد ملاحظة ظهور أخبار الباب في مثل الزمان وعدم إمكان حصول الظنّ ببقائه.

نعم ، في الزمان استصحاب عدمي لا غبار عليه كاستصحاب عدم وصول الشمس إلى دائرة (4) نصف النهار ، وعدم استتار القرص ، وعدم وصوله إلى الأفق (5) ، ونحو ذلك كاستصحاب عدم طيّ المسافة المفروضة في البروج التي تدور الشمس في منطقتها (6) ، إلى غير ذلك ، وقد عرفت أنّ تلك الأعدام ممّا لا يصحّ وصفها بالتدريجية ، بل هي أمور مستمرّة معلومة مستصحبة إلى زمن العلم بارتفاعها ؛ لوجود علّة الوصول إلى

ص: 346


1- « ز ، ك » : فيكون مرجع الاستصحاب.
2- « ز ، ك » : التدريجية.
3- « ج ، م » : يقع.
4- « ج ، م » : - دائرة.
5- « ز ، ك » : الأرض.
6- « ز ، ك » : منطقها.

تلك الحدود من المسافة (1) ، فلاحظ وتدبّر فإنّ الأمر بمكان من الغموض والخفاء في بعض الموارد من الزمانيات والزمان (2).

ص: 347


1- « ج ، م » : المسافات.
2- « ز ، ك » : - وتدبّر ... والزمان.

ص: 348

هداية [ في استصحاب الكلّي ]

[ في استصحاب الكلّي ] (1)

إذا شككنا في بقاء القدر المشترك والجنس بعد العلم بزوال فرد منه فهل يمكن الأخذ باستصحاب الجنس والقدر المشترك في إثبات بقائه ولو في فرد آخر أو لا؟ و (2) تحقيق الكلام أنّ هاهنا (3) صورا عديدة :

الأولى : أن يكون ذلك الأمر المشترك غير معيّن في ضمن أحد الفردين ابتداء ، بل يكون مردّدا بين فردين أحدهما قطعي الارتفاع ، فلو كان المشترك متقوّما بقوامه فقد ارتفع قطعا ، ولو كان متحقّقا بتحقّق غيره فهو باق قطعا.

الثانية : أن يكون وجوده معلوما في ضمن معلوم معيّن قطعي الارتفاع مع احتمال تقوّمه بفرد مماثل له نوعا.

الثالثة : أن يكون كالثانية مع احتمال تبدّله بفرد متّحد معه في الجنس.

لا إشكال في جريان الاستصحاب على المسامحة العرفية في ضبط الموضوع بالنسبة إلى القدر المشترك في الأولى من الصور ؛ لعدم مدخلية الخصوصية المعلومة الارتفاع في الحكم المترتّب على نفس الأمر المشترك بين الفردين ، فإنّ المطلوب بالاستصحاب على ما عرفت مرارا هو الأخذ بلوازم المستصحب فقط ، ففي المقام لا

ص: 349


1- عنونه في هامش « م » ب- « في استصحاب القدر المشترك بعد ارتفاع فرد خاصّ ».
2- كذا. والأنسب بدون « و ».
3- « ز ، ك » : هنا.

وجه للأخذ بأحكام إحدى الخصوصيتين باستصحاب القدر المشترك.

وذلك كما في استصحاب كلّي الحدث المشترك بين الأصغر والأكبر فإنّه يترتّب عليه أحكام مطلق الحدث من عدم جواز الدخول في المشروط بالطهارة من صلاة أو (1) طواف ونحوهما (2) ، ولا يحكم بأنّه الجنابة مثلا ، فيجوز له الجواز في أحد المساجد واللبث في غيرها ، وأمّا وجوب الغسل عليه فهو بواسطة وجوب الدخول فيما هو مشروط بالطهارة وتحصيل القطع بالطهارة الواقعية التي (3) لا تحصل إلاّ بعد الغسل كما لا يخفى. وبالجملة : فكلّ واحد من موجبات الوضوء والغسل أمر حادث والأصل عدمه ، وليس الأخذ به مجديا فيما نحن بصدده إلاّ أنّ أصل (4) الحدث المشترك أمر معلوم والأصل بقاؤه إلى حدوث رافعه ، ووجوب الغسل عليه قد عرفت الوجه فيه ، نعم لو كان الوضوء محمولا على غير الجنب كما يظهر من قوله : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (5) على بعض الوجوه ، كان لإثبات وجوب الوضوء بعد عدم وجوب الغسل بانتفاء موضوعه بالأصل وجه ، ومن هذا القبيل استصحاب بقاء النجاسة المردّدة بين كونها ممّا ترتفع بغسلة واحدة أو بغسلتين. واستصحاب بقاء الاشتغال بالأمر الواقعي الواقع على الظهر أو الجمعة بعد فعل أحدهما.

ومن هنا يظهر جريان الاستصحاب في هذه الصورة بناء على التدقيق أيضا ، وليس هذا من الاستصحاب العرضي في شيء ؛ لأنّ الحكم في الجهة المعلومة قد ارتفع (6) قطعا والجهة المشكوكة مشكوكة من أوّل الأمر بخلاف مثل استصحاب الاشتغال ، فإنّ المعلوم أوّلا هو القدر المشترك بين الأفراد ، فالخصوصيات خارجة عن المعلوم وانتفاؤها لا يوجب ارتفاع المعلوم ، فيستصحب إلى حصول العلم بالارتفاع.

ص: 350


1- « ز ، ك » : و.
2- « ج ، م » : نحوها.
3- « ج » : « وهي » بدل : « التي ».
4- « ز ، ك » : الموصل.
5- المائدة : 6.
6- « ز ، ك » : لارتفع.

وبالجملة : فهذه الصورة والاستصحاب العرضي متعاكسان في كيفية العلم بالمشترك والخصوصيات ، فإنّ المعلوم في الأخير هو الخصوصية كالمشكوك والمشترك معلوميته حاصل من معلومية الخصوصية ، بخلاف الصورة هذه فإنّ المعلوم أوّلا هو القدر المشترك ويتبعه الحكم بلزوم الإتيان بالفرد فيستصحب إلى أن يحصل العلم بالارتفاع.

وأمّا الثانية : فكالأولى في جريان الاستصحاب بعد البناء على المسامحة العرفية ، وأظهر الأمثلة في ذلك ما لو تبدّل أحد أفراد الماهيّة المشكّكة المختلفة شدّة وضعفا بالآخر ، كما إذا علمنا بارتفاع السواد الشديد ، ثمّ شككنا في قيام الفرد الضعيف مقامه فإنّهم بانون في مثله على استصحاب مطلق السواد كما يظهر من استصحاب كثرة السهو فيما لو كانت قائمة على فرد شديد معلوم الارتفاع ، ثمّ يشكّ (1) في ارتفاع الماهيّة وانقلاب محلّه متّصفا بضدّه أو اتّصافه بفرد مماثل له في الماهيّة الضعيفة ، وكذا في استصحاب كثرة السفر.

وأمّا الثالثة : فكما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار يشكّ في تبدّله حمارا (2) بعد القطع بارتفاعه ، فالتحقيق عدم جريان الاستصحاب فيه كما هو ظاهر بناء على الدقّة في الموضوع ، وأمّا العرف فقد (3) يتسامح في مثل ذلك فيحكمون ببقاء الحيوان المشترك ؛ لأنّ القدر المشترك هو ممّا لا يختلف باختلاف الأفراد والمفروض وجوده في الخارج والأصل بقاؤه إلى ثبوت رافعه.

لكنّ الإنصاف أنّ جريان الاستصحاب في بعض أقسام هذه الصورة وبعض الأمثلة فيها كاد أن يكون بطلانه من أجلى البديهيات وأعلى (4) الضروريات وإن كان الأستاد دام علاه مصرّا على توجيه الاستصحاب فيه مراعاة لمذاق القوم ، وغاية ما

ص: 351


1- « ز ، ك » : نشكّ.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : حجارا.
3- « ج ، م » : + يقال.
4- « ز ، ك » : - البديهيات وأعلى.

يمكن أن يتعسّف في المقام هو أن يقال : إنّ العرف ربّما يتخيّلون الموضوع في هذه الاستصحابات أمرا قارّا مستمرّا غير مختلف باختلاف الأفراد ولا متفاوت (1) بتفاوت الآحاد ، كما يظهر من استصحاب بقاء السلسلة الفلانية والقبيلة الكذائية ، أو استصحاب بقاء النوع أو عمارة البلد أو القرية مثلا ، فكأنّ المعلوم أوّلا عندهم هو ما يقضي (2) بوجود ذلك النوع أو السلسلة (3) كما عرفت في استصحاب جريان النهر (4) ، ومنه حكمهم باستصحاب الحيض فيما رأت الدم بعد أيّام قرئها وقبل كمال (5) العشرة ، ومنه الحكم باستصحاب النجاسة فيما لو زال التغيّر (6) في جهة مع الشكّ في حدوث التغيّر من جهة أخرى. وكيف كان فليس (7) أمر الاستصحاب عندهم مبنيّا على المداقّة حتّى أنّ من ذهب إلى تجدّد الأكوان وتبدّل الأمثال في الأعراض كالنظّام إنما يتمسّك بالاستصحاب فيما لو شكّ في بقاء الكون الموجود أو العرض (8) المفروض مع اختلاف الأفراد المتتالية على تقدير الوجود ، ولهذا لم نر أحدا أحال الاستصحاب على بقاء الأكوان وتجدّد الأمثال وعدمه.

وبالجملة : الذي يظهر لنا عدم جريان الاستصحاب عند الدقّة في الصورتين الأخيرتين ؛ لأنّ المطلوب في هذا الاستصحاب وإن كان هو الأمر الكلّي الذي لا يختلف باختلاف الأفراد إلاّ أنّه لم يكن بنفسه موجودا معلوما وإنّما كان موجودا في الخارج باعتبار وجود الفرد ، فوجوده أوّلا قطعنا بارتفاعه ، وثانيا لم يعلم به ولو كان على تقدير الوجود غير مختلف مع الأوّل والأصل عدمه ، بل لو كشف الغطاء عن

ص: 352


1- « ز ، ك » : يتفاوت.
2- « ج » : يقتضي.
3- في هامش « م » : ولعلّ الوجه في استصحاب بقاء السلسلة والنوع أو نسل بني فلان عدم العلم بانعدام الموجودين منهم فيخرج عن مفروض الصورة ، فتدبّر.
4- عرفت في ص 345 - 346.
5- « ج ، م » : تكامل.
6- « ج » : التغيير ، وكذا في المورد الآتي.
7- « ز ، ك » : فكيف كان ليس.
8- « ز » : الفرض.

وجه المطلوب لكنت أقول : إنّ قضيّة ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في الصورة الأولى أيضا ، وأمّا عرفا فيختلف فيه الأمثلة في الصورتين على ما عرفت ، فربّما نقطع (1) بالمسامحة وربّما نقطع بعدمها ، فالأمر في تشخيص ذلك في غاية الإشكال ونهاية الصعوبة ، فتدبّر.

ثمّ إنّ الفاضل التوني قد أورد في الوافية كلاما يقرب ممّا ذكرنا حيث قال : الرابع : أن يكون الحكم الشرعي المترتّب على الأمر الوضعي المستصحب ثابتا في الوقت الأوّل ويكون الحكم في الوقت الثاني فرعا لثبوته (2) في الأوّل ، فإذا لم يثبت في الزمان الأوّل فكيف يمكن إثباته في الزمان الثاني؟ ثمّ فرّع عليه عدم إمكان إثبات النجاسة باستصحاب عدم المذبوحية في الجلد المطروح ؛ لأنّ النجاسة لم تكن (3) ثابتة في وقت الحياة ، قال : والسرّ فيه أنّ عدم المذبوحية لازم لأمرين : الحياة ، والموت حتف أنفه ، والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو هو بل ملزومه الثاني أعني الموت حتف أنفه ، فعدم المذبوحية لازم أعمّ لموجب النجاسة ، فعدم المذبوحية العارض للحياة مغاير لعدم المذبوحية العارض للموت حتف أنفه ، والمعلوم ثبوته في الزمان الأوّل هو الأوّل لا الثاني وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني ، ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ؛ إذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا (4) معلوم.

قال : وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلاّ مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدار في الوقت الثاني باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل ، وفساده غنيّ عن البيان (5) ، انتهى كلامه.

ص: 353


1- المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : يقطع.
2- في المصدر : الوقت الأوّل إذ ثبوت الحكم في الوقت الثاني فرع لثبوت الحكم.
3- « ج ، م » : لم يكن.
4- « ج » : هاهنا.
5- الوافية : 210.

ولقد أجاد فيما أفاد من أصل المدّعى (1) وإن كان ما أجاد فيما فرّع عليه ، أمّا أوّلا : فلأنّ النجاسة ليست من الأحكام المترتّبة على الموت حتف أنفه فهي من لواحق عدم التذكية كما يستفاد من حصر المحلّل في المذكّى في قوله (2) تعالى : ( وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (3) وفي الخبر : « فما علمت أنّه مذكّى فهو حلال » (4) فالحرمة والنجاسة إنّما هما (5) مترتبان في عنوان الأدلّة على عدم التذكية وضدّاهما عليها (6) ، فاستصحاب عدم التذكية وإن كان لا يجدي في إثبات الموت حتف أنفه - لأنّ نفي أحد الأضداد بالأصل لا يوجب إثبات الضد الآخر ؛ لكونه من الأصول التي لا تعويل عليها - إلاّ أنّه لا حاجة إلى إحراز الموت في هذه الأحكام.

وأمّا ثانيا : فلأنّ عدم المذبوحية ممّا لا يختلف أبدا فهو عدم واحد مستمرّ مستصحب وهو معلوم حال الحياة ، وبعد إزهاق الروح يشكّ في رفع ذلك الأمر العدمي المعلوم ، والأصل يقضي (7) ببقائه ، ولا يعقل الترديد بين أن يكون ذلك العدم لازما للحياة أو (8) الموت حتف أنفه ؛ لعدم التمايز بين قسميه كما في سائر الأعدام ، وبعد إحرازه (9) بالأصل على ما هو معلوم لكونه مفادا للأصل يترتّب عليه أحكامه المترتّبة عليه ، وعدم نجاسة الجلد (10) حال الحياة ممّا لا دخل له في نجاسته بعد الممات وزهوق (11) الروح.

أفاد الأستاد أدام اللّه إفاداته (12) أنّ في سالف الزمان كنّا نفصّل بين الكلّيات الذاتية

ص: 354


1- « ز ، ك » : أجاد في أصل المدّعى.
2- « ج ، م » : قوله.
3- المائدة : 3.
4- وسائل الشيعة 3 : 408 ، باب 9 من أبواب النجاسات والأواني والجلود ، ح 6 ، و 4 : 354 ، باب 2 من أبواب لباس المصلّي ، ح 1 ، وفيها : « كلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي ».
5- « ج ، م » : - هما.
6- « ز » : عليهما.
7- « ج » : يقتضي.
8- « م » : إذ.
9- « ز ، ك » : إحرازها.
10- « ز » : الحلية ، « ك » : عدم النجاسة والحلية.
11- « ز ، ك » : إزهاق.
12- « ز ، ك » : - أدام اللّه إفاداته.

للأفراد وبين العرضية لها (1) في إمكان الاستصحاب وعدمه ، فلا يمكن على الأوّل بخلاف الثاني ، والحقّ الحقيق بالتصديق عدم جريان الاستصحاب حقيقة في الصورتين الأخيرتين ؛ لما قرع سمعك مرارا من أنّ الفرد المتقوّم به الكلّي ذاتيا أو عرضيا قد ارتفع (2) والفرد الآخر مشكوك والأصل عدمه ، والحكم بوجوده بعد ذهاب الفرد بالاستصحاب قريب من الاستصحاب العرضي وإن كان بينهما فرق في الجملة ، فإنّ الأمر مردّد بين الفرد المقطوع به المعلوم ارتفاعه وبين الشكّ في جهة أخرى مباينة (3) للجهة المعلومة في الاستصحاب العرضي ، وفي المقام مردّد بين الفرد المعلوم المقطوع بارتفاعه وبين الشكّ في قيام الفرد الآخر مقامه وتطوّر الكلّي بطور وراء طوره الأوّل ، وقد عرفت الفرق بين الصورة الأولى وبينه أيضا فيما تقدّم ، فتدبّر (4).

ص: 355


1- « م » : عرضيتها ، « ج » : عرضيها.
2- « ز ، ك » : - قد ارتفع.
3- « ك » : متساوية.
4- « ز ، ك » : - فتدبّر.

ص: 356

هداية [ في استصحاب أحكام الشرائع السابقة ]

اشارة

قد عرفت فيما تقدّم (1) أنّ أمين الأخبارية قد ادّعى اعتبار الاستصحاب في الأحكام الشرعية عند الشكّ في النسخ وعدمه ، بل عدّه من ضروريات الدين وإن لم يأت على ذلك بسلطان مبين ، وهل المراد به أصالة عدم التخصيص التي مرجعها إلى أحد الأصول اللفظية كأصالة عدم القرينة في المجاز وأصالة عدم المخصّص في العامّ الأفرادي ونحوهما ، أو المراد به استصحاب نفس الحكم الشرعي في محلّ الشكّ؟ فنقول : إنّ مقتضى ما اصطلح عليه القوم فيه من أنّه عبارة عن انتهاء مدّة (2) الحكم لا بدّ من كون الدليل الدالّ على الحكم عامّا بحسب الأزمان وإن لم نقل بوجوب كون الدليل بنفسه عامّا ؛ لإمكان استفادة العموم من الخارج ، وحينئذ لا مناص من أن يكون المراد به أصالة عدم التخصيص ، إلاّ أنّه قد يكون الحكم ثابتا للمكلّف من حيث هو مكلّف مع قطع النظر عن وقوعه في زمان دون زمان بحيث لو وجد في زمان واحد (3) جميع مصاديق المكلّف كان الحكم متوجّها إليهم غير مختلف بالنسبة إليهم ، فعند ذلك لو شكّ في ثبوت الحكم في الأزمنة المتأخّرة يمكن إبقاء الحكم فيها بالاستصحاب من غير أن يكون راجعا إلى أصل لفظي أصلا ، فإثبات الحكم في

ص: 357


1- عرفت في ص 49.
2- « م ، ز » : هذه ، « ك » : هذا.
3- « ز ، ك » : - واحد.

الزمان (1) الثاني ليس تحكيما للعموم نظرا إلى أصالة العموم وعدم ورود المخصّص في أفراد الزمان ؛ لأنّ المفروض عدم العموم من حيث اللفظ وعدم ما يفيده من الخارج ، وأمّا أدلّة الاشتراك فلا يفيد عموما في الدليل كما لا يخفى ؛ إذ قضيّة الاشتراك لا يزيد على مجرّد الاشتراك كما أنّه ليس بواسطة أدلّة الاشتراك ، لأنّ المقصود جريان استصحاب عدم النسخ مع قطع النظر عن أدلّة الاشتراك ، بل إثبات الحكم المذكور في زمان الشكّ إنّما هو بالاستصحاب ، فموارد الأدلّة الدالّة على ثبوت الأحكام مع قطع النظر عن أدلّة الاشتراك على قسمين : فمنها : ما هي مشتملة على العموم الأزماني ولو بمعونة القرائن الخارجية ، فعند الشكّ في ثبوت تلك الأحكام المدلول عليها بهذه الأدلّة لا بدّ من الأخذ بأصالة عدم التخصيص كما هو المراد من استصحاب عدم النسخ بحسب ما اصطلحوا عليه ، ومنها : ما لا يشتمل (2) عليه بنفسه ولا يستفاد من الخارج ، فمع قطع النظر عن أدلّة الاشتراك لا بدّ من الأخذ باستصحاب ذلك الحكم والقول بعدم نسخه باختلاف الأزمان.

فإن قلت : إنّ استصحاب عدم النسخ لا يجدي في هذه الأزمنة وبعد انقطاع الوحي؟ لعدم النسخ قطعا فكيف يعقل القول به في هذه الأزمنة؟

قلت : نعم ، ولكنّ المراد عدم نسخة في زمن حياة النبيّ كأصالة عدم القرينة وإن سرى الحكم إلينا بالاستصحاب بعد عدم كون الحكم منسوخا في زمن النبيّ كما هو قضيّة الاستصحاب.

فإن قلت : إنّ عدم ثبوت النسخ في زمن النبيّ لا يجدي في إثبات الحكم في حقّنا ؛ لاختلاف الموضوع في الاستصحاب ، لانعدام المكلّفين الموجودين وانوجاد غيرهم مع عدم العلم بثبوت الحكم في حقّهم ، فلا يجري الاستصحاب.

ص: 358


1- « م » : الزمن.
2- « ج » : لا يشمل.

قلت : المقدّر عدم اختلاف الموضوع ؛ لأنّ محلّ الكلام إنّما هو فيما إذا كان الحكم ثابتا لعنوان المكلّف من حيث هو مكلّف ولا يختلف هذا العنوان بالوجود والعدم ، فإنّه لو ثبت الحكم لعنوان من العناوين كالحلّية للغنم و (1) الحرمة للخمر فلا يختلف الحكم في الأفراد الموجودة والمعدومة ، فلو فرضنا اجتماع الأفراد في الوجود كان الحكم ثابتا لها كما أنّه لو كان الكلّ معدوما ، ففيما إذا كان البعض موجودا والآخر معدوما لا ينبغي القول بالاختلاف على ما هو المفروض ، فالشكّ إنّما هو بسبب اختلاف الأزمان الواقع فيها نوع المكلّف ، فالموجود والمعدوم مع قطع النظر عن الشكّ الزماني حالهم بالنسبة إلى شمول الدليل لهم سواء.

وإن أبيت عن ذلك وعسر فهم مثل هذه الأمور الجليّة الواضحة عليك فلنلزمك (2) بما هو قريب من مذاقك فنفرض شخصا واجدا لزمان النبيّ وزمان غيره بعده فنثبت (3) الحكم في حقّه بالاستصحاب ويتمّ (4) في الباقي بالإجماع (5) المركّب ، ولا يمكن القلب استنادا إلى البراءة ؛ لورود الاستصحاب عليها ، فتأمّل.

هذا إذا كان الحكم ثابتا في شريعة واحدة ، وأمّا إذا تعدّدت الشرائع فهل ينسحب الحكم الثابت في إحداها في الأخرى بالاستصحاب أو لا؟ وجهان ، بل المنقول من القوم قولان ، وفصّل محقّق القوانين (6) بين ما نقل في الأخرى على طريق المدح لهم ولهذه الأمّة وبين غيره ، ولعلّه ليس تفصيلا في جريان الاستصحاب ، بل هو تفصيل في مجرّد الاتّباع لحكم ثابت في الشرائع السابقة في شريعتنا كما يظهر ممّا عنون به الفصل فإنّه أعمّ من أن يكون ثبوت الحكم بالاستصحاب في شريعتنا أو بغيره ، ومع ذلك فلا يكاد يتمّ ؛ إذ لا شكّ في وجوب اتّباع ما ثبت في شريعتنا ولو بأيّ نحو كان ، والكلام

ص: 359


1- « ج ، م » : أو.
2- « ز ، ك » : فلألزمك.
3- « ج ، ك » : فثبت.
4- « ز ، ك » : نتمّ.
5- في النسخ : بإجماع.
6- القوانين 1 : 495.

إنّما هو في اتّباع الحكم الثابت في الشريعة السابقة ووجوبه في حقّنا لا في العمل بما علمنا بكونه مشروعا في ملّتنا بواسطة نقله من الشرائع السابقة.

وكيف كان فالذي يقتضيه جليّ (1) النظر القول بجريان الاستصحاب (2) فيما إذا ثبت الحكم في تلك الشريعة لعنوان المكلّف على نحو ما فرضناه في الشريعة الواحدة ، فإنّه لا مانع من الاستصحاب فيه كما أنّه لا مانع من الأخذ بالعموم الثابت في تلك الشريعة والأخذ بأحكامه إن لم يستفد منه اختصاصه بتلك الشريعة ، كما إذا اشتمل على لفظ « أبدا » أو « إلى يوم القيامة » مثلا ؛ لعدم الفارق بين ثبوت الحكم على أحد الوجهين في الشريعة الواحدة أو في الشريعتين.

وقصارى ما يتوهّم في الفرق بينهما : أنّ تبليغ الرسول ممّا له مدخل في الحكم فيختلف الحكمان باختلاف الرسول ، سواء كان الحكم الثابت في لسان أحدهما مخالفا لما ثبت من الآخر أو موافقا لاختلافه باختلاف الحيثية ، ففيما لو شككنا في ارتفاع الحكم الذي جاء به نبيّنا صلى اللّه عليه وآله يصحّ الأخذ بالاستصحاب في إثباته في زمن الشكّ ، بخلاف ما لو كان الحكم ثابتا في إحدى الشرائع السابقة فإنّ استصحابه ممّا لا يجدي في ثبوت الحكم في حقّنا ؛ لأنّ الأخذ بواسطة الرسول ممّا هو كجزء موضوع للحكم فلا يصغى إليه وإن قطعنا به ، فضلا من أن يكون مستصحبا ، ولا أقلّ من الشكّ في مدخلية التبليغ في الحكم ومعه لا مسرح للاستصحاب أيضا.

وفيه : أنّه لم يثبت من الأخبار ولا من غيره من طرق الاعتبار مدخلية تبليغ النبيّ في الحكم ، بل إنّما هو مرآة عن الواقع ، وبعد الوصول إلى ما هو الواقع من الأحكام الإلهية لا ينبغي التأمّل في وجوب الأخذ به كما أشبعنا الكلام فيه في المباحث الماضية ، بل ولا يعقل ذلك بعد ما عرفت من أنّ الجهات المحسّنة والمقبّحة علل تامّة وإنّما

ص: 360


1- « ز ، ك » : - جليّ.
2- سيوافيك على ما يقتضيه دقيق النظر عدم جريان الاستصحاب في ص 366 - 368.

الشارع كشف عنها ، كما استظهرنا ذلك عن اعتراض بعض المخالفين بعدم الاختيار على المفروض وجواب أصحابنا كالمحقّق الطوسي وشيخنا البهائي عنه بأنّ ترك القبيح لصارف لا ينافي الاختيار.

ثمّ إنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين (1) القول بذاتية الصفات المستتبعة للأحكام من الحسن والقبح وبين القول باختلافها بالوجوه والاعتبار ؛ إذ على الأخير أيضا يمكن القول بجريان الاستصحاب ، بل وهذا محلّ جريانه ؛ لأنّ القول بالذاتية ينافي الاختلاف ، فيجب بقاء الأحكام وليس من الاستصحاب في شيء.

فما يظهر من محقّق القوانين - في مقام الردّ على من ذهب إلى أنّ عدم العلم بالناسخ كاف في استصحابه - من أنّه مبنيّ على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو ممنوع ، بل التحقيق أنّه بالوجوه والاعتبار (2) لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلاّ مع قابلية المحلّ كما سيجيء.

ممّا لا يكاد يخفى (3) وجوه النظر فيه ، أمّا أوّلا : فلما عرفت من أنّه على القول بالذاتية لا مسرح للاستصحاب ، وأمّا ثانيا : فلأنّ القول بالاعتبار لا ينافي بقاء الحكم المتفرّع عليه لإمكان عدم تغيّره (4) ، وإلاّ فكيف يعقل الاستصحاب فيما إذا شكّ في النسخ في شريعة واحدة؟ وأمّا ثالثا : فلأنّ إحراز القابلية لا ينافي القول بالوجوه والاعتبار كما يظهر من مساق كلامه ، وعلى تقديره فهو مشترك الورود بين الشريعة الواحدة والشريعتين ، فتدبّر.

وقد يورد على الاستصحاب المذكور على ما يوجد في بعض كلمات بعض الأجلّة بأنّه ممّا لا يعتنى به ؛ ضرورة أنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن استصحابه في

ص: 361


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : وبين.
2- القوانين 1 : 495.
3- « م » : يحصى.
4- « ج ، م » : تغييره.

حقّ آخرين (1) ، لتغاير الموضوع فإنّ ما ثبت في حقّهم على تقدير الاتّحاد وعدم الاختلاف فهو (2) مثله لا نفسه ، ولهذا يتمسّك في تسرية الأحكام الثابتة في حقّ الحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع والأخبار الدالّة على الشركة لا بالاستصحاب (3) ، انتهى.

وهو بمكان من الوهن : أمّا أوّلا : فلأنّ من المسلّم عنده جريان الاستصحاب في الشريعة الواحدة مع وضوح اتّحاد الوجه فيهما فما هو الجواب هو الجواب.

وأمّا ثانيا : فلأنّ مفروض الكلام على ما عرفت آنفا عدم اختلاف الموضوع باختلاف المكلّفين ؛ لثبوت الحكم لنوع المكلّف من حيث هو مكلّف ، ضرورة اتّحاد الموضوع على المفروض ، فلا يزيد استصحاب حكم جماعة لجماعة (4) أخرى ، وعلى التنزّل فلا بدّ من ملاحظة حال الواجد للشريعتين واستصحابه في حقّه وإتمام الدعوى في الغير بالإجماع المركّب ، ومن هنا يظهر أنّ ما استشهد به من إثبات الحكم لجماعة أخرى وتسريته في حقّ الغير يحتاج إلى أدلّة الاشتراك ، ممّا لا يصغى إليه فيما نحن فيه ؛ لعدم الاحتياج إليها بعد الاستصحاب وإنّما الحاجة إليها فيما إذا كانت الأحكام مختصّة بجماعة من الأمّة بحسب الأدلّة الدالّة عليها كخطابات الشفاه (5) فإنّها على التحقيق ممّا لا يعقل شمولها للغير فيصير مختصّة بالمشافهين الحاضرين مجلس الخطاب والوحي.

قلت : ولك أن تقول : بعدم الحاجة إلى أدلّة الشركة في خطاب الشفاه أيضا إلاّ من حيث كشفه عن الحكم المدلول عليه بالخطاب تارة ، وبها أخرى كما لا يخفى ، فتدبّر.

وبالجملة : فهذه الوجوه الضعيفة ممّا لا ينهض بدفع الاستصحاب إلاّ أنّه في المقام

ص: 362


1- « م » : الآخرين.
2- قوله : « على تقدير الاتّحاد ... فهو » لم يرد في المصدر.
3- الفصول : 315.
4- « ز ، ك » : بجماعة.
5- « ز ، ك » : الشفاهة.

شيئان آخران :

الأوّل (1) : أنّ الاستصحاب ممّا لا مجرى له بعد العلم الإجمالي بورود (2) النسخ في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، فإنّ قضيّة ذلك عدم الاعتداد بالاستصحاب في حكم من أحكامها ، لوجوب إحراز (3) المعلوم بالإجمال في أطراف الشبهة وترك العمل بتمامها مقدّمة كما عرفت في الشبهة المحصورة ، فإنّ المقام أيضا منها ، فلا يمكن الأخذ بالأصل في الكلّ لمخالفته للعلم الإجمالي ، ولا الأخذ بالبعض لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح مع التعيين ولعدم ما يقضي (4) بالتخيير مع عدمه.

وقد يجاب عن ذلك بأنّ المعلوم بالإجمال ممّا علم تفصيلا بوجودها في ضمن الأحكام المعلومة الموجودة عندنا.

وفيه : منع واضح إن أريد العلم بوجود المنسوخات في الشرائع السابقة بتمامها في الأحكام الموجودة عندنا ؛ إذ على هذا التقدير لا معنى للشكّ في منسوخية الحكم المفروض في مجرى الاستصحاب على ما هو ظاهر. وإن أريد أنّ الموجود عندنا من الأحكام إنّما هو (5) القدر المعلوم لنا إجمالا لا منسوخه (6) وإن لم نعلم بكونه محرزا فيها ، فلا يجدي ؛ لوجوب العلم بالموافقة القطعية وترك الأطراف جميعا.

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ المقصود من إحراز المنسوخات في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة إنّما هو العلم (7) بتلك الأحكام المنسوخة على الوجه الذي صار منسوخا في شريعتنا والأخذ بنواسخها على ما هو ظاهر ، والمفروض معلومية وجوب العمل بهذه الأحكام الثابتة في شريعتنا مطلقا ، سواء كانت ناسخة لما قرّر في

ص: 363


1- سيأتي الثاني منهما في ص 366.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : لورودها.
3- « م » : الإحراز.
4- « ج » : يقتضي.
5- المثبت من « م » ، ولم ترد كلمة « هو » في سائر النسخ.
6- « ج ، م » : بمنسوخية.
7- « ج ، م » : العمل.

سائر الشرائع أو لم تكن (1) فأصالة عدم المنسوخية في الأحكام التي ليست من موارد الشكّ ممّا لا يجدي ؛ لكونها في غير محلّ الابتلاء من المكلّف ، لكونه معلوما بالتفصيل من جهة أخرى وقد عرفت (2) فيما تقدّم عدم وجوب الاجتناب عن تمام أطراف الشبهة فيما إذا لم يكن بعضها بمحلّ الابتلاء من المكلّف ؛ لعدم تنجّز الخطاب عليه على ما عرفت تفصيل الكلام فيه ، فيجري في الطرف الأصل فيعمل به ويعتمد عليه من غير معارضة ولا غائلة ؛ لكونه من الأدلّة الشرعية ، والعلم الإجمالي ممّا لا أثر له بعد معلومية أحد أطرافه بدليل معتبر شرعا كالاستصحاب والبيّنة ونحوها من الطرق الواقعية أو الأصول العملية من غير فرق بينهما من هذه الجهة وإن كان الفرق بينهما من جهة أخرى واضحا كما هو ظاهر.

وتوضيح المطلب : أنّ مجرّد العلم الإجمالي بوجود شيء بين أشياء متعدّدة لا يقضي (3) بوجوب إحراز (4) المعلوم الإجمالي وعدم جريان الأصل الموضوعي في الأطراف ، فإنّه على ما عرفت إنّما هو بواسطة لزوم المخالفة القطعية فيما لو أخذ بالأصل في الكلّ والترجيح بلا مرجّح فيما لو خصّصنا الأخذ بالبعض دون آخر كما عرفت مفصّلا في محلّه ، وليس في المقام كذلك ، فإنّا لو فرضنا الوقائع ألفا - مثلا - فنعلم بأنّ تسعمائة منه منسوخة قطعا وعندنا في هذه الشريعة المقدّسة يكون على هذا المقدار أحكام معلومة - مثلا - فنعلم بواسطة معلومية هذه الأحكام وجوب الأخذ بها ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون هذه هي الأحكام المنسوخة من سائر الشرائع وبين أن لا تكون (5) تلك الأحكام فنعلم بوجوب العمل بهذه الأحكام تفصيلا ، والعلم الإجمالي

ص: 364


1- في النسخ : لم يكن.
2- عرفت في ج 3 ، ص 470.
3- « ج » : لا يقتضي.
4- « ز ، ج » : الإحراز.
5- في النسخ : لا يكون.

بمنسوخية جملة من الأحكام الواقعة (1) في سائر الشرائع لا يورث في هذه الأحكام شيئا آخر بعد العلم بوجوب العمل بها في هذه الشريعة ، فأصالة عدم النسخ في هذه الأحكام لا يوجب (2) العمل بهذه الأحكام ؛ للعلم بوجوب العمل بها تفصيلا ، بخلاف أصالة عدم النسخ في المائة الباقية فإنّها تقضي (3) بوجوب العمل بها ، فأطراف العلم الإجمالي ليست على حدّ سواء في جريان الأصل الموضوعي (4) ، فيؤخذ بما يجري فيه ؛ لكونه من الأدلّة الشرعية الظاهرية ، وذلك نظير ما عرفت من أنّه لو كان أحد الأطراف في الشبهة المحصورة محكوما بحكم موافق للعلم الإجمالي تفصيلا كما إذا علمنا بحرمة أحد الأطراف من غير جهة الغصب ، ثمّ علمنا بحرمة مردّدة بينه وبين غيره من جهة الغصب - مثلا - فإنّه لا يجب الاجتناب عن الطرف الآخر ؛ لعدم إيراثه حكما جديدا (5) بالنسبة إلى الطرف المعلوم بالتفصيل ، وبالنسبة إلى الآخر يكون من الشكوك البدوية ؛ إذ مرجع الشكّ إلى أنّ هذه الحرمة إنّما هي بالنسبة إلى هذا (6) الطرف فيكون (7) حراما ، أو بالنسبة إلى الطرف الآخر حتّى لا يكون حراما ، فيصير من موارد البراءة على ما مرّ تفصيل الكلام فيها.

وبمثل ذلك نقول فيما نحن بصدده فإنّ الوقائع في جميع الأديان على ما فرضناه ألف والمفروض أنّ تسعمائة منها معلومة لنا تفصيلا لثبوت الأحكام الواردة فيها في هذه الشريعة ، والمائة الباقية مشكوكة ، وقد علمنا إجمالا بأنّ جملة من تلك الوقائع ممّا نسخت أحكامها الثابتة في الشريعة السابقة في هذه الشريعة المقدّسة ، والعلم الإجمالي لا ثمرة فيه إلاّ العمل بأطرافه على وجه يصير المعلوم الإجمالي محرزا في ضمن

ص: 365


1- « ز ، ك » : الواقعية.
2- « ز ، ك » : لو يوجب.
3- « ج » : تقتضي.
4- « ز ، ك » : النوعي.
5- « ز ، ك » : إجمالا ، « ج » : فذلك.
6- « ز ، ك » : هذه.
7- « ز ، ك » : ليكون.

الأطراف المحتملة ، والمفروض وجوب العمل بتلك القطعة من الأحكام المعلومة تفصيلا ، فلم يفد العلم الإجمالي في هذه القطعة شيئا ، فأصالة عدم النسخ فيها لا تجدي (1) ، للعلم بحكمها تفصيلا ، فتلك القطعة ليست بمحلّ الابتلاء من المكلّف ، وتبقى أصالة عدم النسخ في المائة الباقية سليمة عن المعارض حاكمة على قاعدة المقدّمية ، فيجب الأخذ بها ؛ لكونها دليلا شرعيا ظاهريا.

فإن قلت : نعم ، ولكن نحن ندّعي وجود (2) العلم الإجمالي بين المائة الباقية أيضا ، فلا يمكن إجراء أصالة عدم النسخ فيها أيضا.

قلت : على هذا التقدير يختلف الأحكام باختلاف الموارد ، فإنّه يتصوّر النسخ في تلك المائة على وجوه : فتارة : نعلم (3) بأنّ بعض الأحكام الواجبة في الشرائع السابقة قد صارت محرّمة ، وتارة : نعلم بأنّ بعضا (4) منها صارت مباحة ، وتارة : نعلم بأنّ بعض الأحكام المباحة في تلك الشرائع (5) صارت واجبة ، وتارة : نعلم بأنّ منها صارت محرّمة ، فلا يجري الاستصحاب على بعض الوجوه كما في الوجهين الأخيرين ؛ لأنّ الإباحة في الشريعة السابقة لا يجدي (6) استصحابها في قبال العلم الإجمالي بانقلابها وجوبا أو تحريما ، ويجري في الوجهين الأوّلين ؛ لأنّ الإباحة لا حكم لها ، إذ (7) لا مقدّمة للمباح.

وتوضيحه : أنّ العلم الإجمالي يجب الامتثال بأطرافه مقدّمة ، وفيما كان المباح معلوما إجماليا لا يجب إحرازه ؛ لانتفاء المقدّمة فيه كما بيّنا الوجه في ذلك فيما مرّ ، فكن على بصيرة من الأمر في الموارد وتدبّر (8).

ص: 366


1- في النسخ : لا يجدي.
2- « ج ، م » : بوجود.
3- « ج ، م » : يعلم.
4- « ج ، م » : - بعضا.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الشريعة.
6- « ز ، ك » : لا تجدي.
7- « ج ، م » : أو.
8- « ز ، ك » : - من الأمر في الموارد وتدبّر.

الثاني (1) : أنّ من المعلوم عند الأمّة سيّما نحن معاشر الإمامية أنّ نبيّنا صلى اللّه عليه وآله إنّما بلّغ عن ربّه غاية الإبلاغ وجاء بتمام محاويج العباد على المعتاد من غير إهمال فيه ولا تقصير منه تعالى عن ذلك ، ويدلّ على ذلك بعد مساعدة الاعتبار لكونه أفضل الأنبياء الكبار موافقة (2) الأخبار عن السادة الأطهار عليهم من الصلاة أفضلها ومن السلام أنماها ما دجى الليل وأضاء النهار (3) ومعاضدة كلمات العلماء الأخيار ولم يكلنا في حكم من الأحكام إلى (4) شريعة من الشرائع السابقة حتّى أرش الخدش ، ومن المعلوم أيضا عندنا أنّه (5) في مقام تأسيس الأحكام إنّما شرّع الأحكام الواقعية ولم يكتف بالأحكام الظاهرية في وجه ، فما كانت (6) فيه مصلحة الوجوب فنبّه على وجوبه ، وما كانت (7) فيه مفسدة الحرمة نبّه على حرمته ، فإنّ الحقّ أنّه لا يعقل الاتّكال على الأحكام الظاهرية في مقام التأسيس ، سواء كانت (8) براءة أو استصحابا أو غيرهما ، فكلّ ما أوجبه بخصوصه فهو واجب ، وكلّ ما حرّمه فهو حرام ، وكلّ ما ندب إليه فهو مندوب ، وكلّ ما أعرض عنه فهو مكروه ، وكلّ ما لم يكن فيه أحد الوجوه فهو مباح حقيقة وواقعا من غير شوب الظاهرية فيه.

وإذ (9) قد تقرّر هذا فنقول : إنّه لو وجد حكم من الأحكام الثابتة في الشريعة السابقة فالمستصحب إن أراد استصحابه من غير فحص فلا كلام في فساده ؛ لاشتراط العمل به على تقديره عند الكلّ بالفحص ، وإن أراد استصحابه بعد الفحص في شريعتنا فإن علم حكم الواقعة التي تكون من مجاري الاستصحاب في هذه الشريعة فلا كلام أيضا مخالفا أو موافقا ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بأصالة البراءة ، فإنّ النبيّ إنّما

ص: 367


1- تقدّم الأوّل منهما في ص 362.
2- « ز ، ك » : بموافقة.
3- « ز ، ك » : - عليهم من الصلاة ... النهار.
4- « ج » : على.
5- « ز ، ك » : - أنّه.
6- في النسخ : كان.
7- في النسخ : كان.
8- في النسخ : كان.
9- « ز ، ك » : إذا.

شرّع البراءة لما لم يعلم حكمه من شريعته والمقام منه ، فنحن نستكشف من الأخبار المذكورة في البراءة والمذكورة في بيان تبليغ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تمام الأحكام أنّ الحكم الواقعي النفس الأمري في تلك الواقعة الخاصّة هو الإباحة فلا بدّ من الأخذ بها ، ولهذا تراهم مطبقين على إجراء البراءة في مثل هذه الموارد من غير اشتراط الفحص عن الحكم في سائر الشرائع ، ولو لا أنّ من المعلوم من هذه الشريعة المقدسة عدم الاتّكال بشيء من الشرائع السابقة وعدم جواز الرجوع في شيء من الأحكام وأخذها إليها ، لما صحّ الأخذ بالبراءة في مواردها إلاّ بعد الفحص عن الأحكام الثابتة فيها أيضا كما هو كذلك بالنسبة إلى أحكامنا.

فإن قلت : إنّ الأخذ بالاستصحاب في هذه الأحكام الثابتة في سائر الشرائع إنّما هو أخذ بها من حيث دلالة الأخبار الواردة فيه ، وليس هذا إلاّ الأخذ بشريعتنا في الحقيقة ؛ لانتهاء المدرك في الأخذ إليها.

قلت : نعم ، ولكن نحن (1) نعلم بعدم جواز الرجوع إلى الشرائع السابقة وأخذ الحكم منها ولو على هذا الوجه لا بدعوى اختصاص أخبار الاستصحاب بما إذا كان اليقين السابق حاصلا في هذه الشريعة حتّى يمنع عنها بعموم اليقين الشامل للحاصل في غيرها أيضا ، بل بدعوى العلم بأنّ الأحكام التي نحن نحتاج (2) إليها إنّما هو مستفاد من شريعتنا تأسيسا كما في الأحكام الواقعية ، ومعالجة كما في الأحكام الظاهرية.

وبالجملة : فالمعلوم من الشريعة عدم الاعتداد بشيء من أحكام الشرائع السابقة ، وليس هذا بواس طة مدخلية قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله وإبلاغه في الحكم حتّى يقال بكونه طريقا ومرآة فلا يعقل المدخلية ، كما أشرنا إليه آنفا (3) ، بل بواسطة دعوى العلم بإباحة كلّ ما لم يعلم حرمته أو وجوبه في شريعتنا ، وأين (4) هذا من دعوى المدخلية؟ فالحقّ الحقيق

ص: 368


1- « ز ، ك » : - نحن.
2- « ج » : محتاج.
3- أشار في ص 360.
4- « ز ، ك » : وإنّ؟ « ج » : وليس.

بالتصديق عدم جريان الاستصحاب في الأحكام المذكورة ، ولعلّه إلى ما ذكرنا يشير المحقّق القمي في مقام الردّ على استصحاب النبوّة وقد نبّهنا (1) عليه (2) ، وعلى هذا فلا بعد فيما أفاده وقد نبّه لذلك أيضا المحقّق النراقي (3).

تذنيب

قد ذكروا في المقام ثمرات ليس شيء منها بشيء :

الأولى : أنّه على القول بجريان الاستصحاب فالأصل في كلّ أمر مجرّد عن قرائن التعبّدية أو التوصّلية أن يكون محمولا على التعبّد ، فلا يمكن الامتثال إلاّ بعد الإخلاص ونيّة القربة ؛ لثبوت ذلك في الشرائع السابقة لقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ حُنَفاءَ ] وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ) (4) حيث (5) إنّ المستفاد من ظاهر الآية الشريفة أنّ الغرض في أمرهم والداعي إلى طلب ما هو المطلوب منهم منحصر في الإخلاص له تعالى في أعمالهم تحصيلا للقربة عنده وطلبا للزلفى لديه ، فحيثما لم يكن الداعي لهم في أفعالهم المأمور بها تحصيل القربة لم يحصل الامتثال ؛ لبقاء داعي الأمر والغرض منه ؛ فإنّ الظاهر أنّ اللام للغاية على حدّ قوله : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) (6) وعلى القول بعدم جريان الاستصحاب فلا وجه لهذا الأصل ؛ لاختصاصه بالآية السابقة ، والأصل عدم ثبوت فعل زائد على القدر المعلوم من التكليف كما هو المرجع فيما شكّ في وجوبه وعدمه على ما مرّ في بعض المباحث الماضية.

وفيه أوّلا : أنّ من المعلوم أنّ جريان الاستصحاب على القول به لا بدّ وأن يكون

ص: 369


1- « ج ، م » : تنبّه.
2- تقدّم في ص 218 - 219.
3- انظر مناهج الأحكام : 189 - 190 و 238.
4- البيّنة : 5. وله بحث عن هذه الآية في مقدّمة الواجب في مطارح الأنظار 1 : 307 وما بعدها.
5- « ج » : ثبت.
6- القصص : 8.

فيما إذا ثبت الحكم لعنوان (1) المكلّف على وجه لا يحتمل فيه الاختصاص ، وإلاّ فكيف يمكن تسرية حكم جماعة لجماعة غيرهم بالاستصحاب؟ وظاهر قوله : ( وَما أُمِرُوا ) اختصاص الحكم بهم فلا يكون الموضوع محرزا ، ولا أقلّ من الشكّ.

وثانيا : أنّ المستفاد من الآية ليس عدم حصول الامتثال بالنسبة إليهم إلاّ بعد الإتيان بالفعل على وجه القربة أيضا ؛ لأنّ استفادة هذا المعنى موقوف على كون « اللام » الداخلة على الفعل للغاية وليس بصحيح ؛ إذ قضيّة ذلك على ما قرّرناه أن يكون المأمور به (2) محذوفا في الكلام وتكون (3) العبادة على الوجه المخصوص غاية في تلك الأوامر ، فيكون المعنى : وما أمروا بشيء إلاّ لأجل العبادة على وجه الإخلاص ، وحينئذ لا يصحّ عطف قوله : ( وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ) على قوله : ( لِيَعْبُدُوا اللّهَ ) لأنّهما من الأفعال المأمور بها (4) ، فلا يصحّ أن يكون غاية لها على ما هو قضيّة العطف.

اللّهمّ إلاّ أن يقال بأنّ كلمة « اللام » في المعطوف عليه للغاية وفي المعطوف لمعنى آخر كأن يكون للتقوية مثلا ، إلاّ أنّه كما ترى يوجب استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو كما عليه المحقّقون باطل ، فالّذي يساعده صحيح الاعتبار بل ويعاضده بعض الآثار كما نقلها بعض أهل التفسير أنّ مفاد الآية لا يزيد على نفي الشرك ، كما في قوله : ( وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) (5) فاللام في قوله : ( لِيَعْبُدُوا اللّهَ ) لام الإرادة والتقوية ممّا تدخل على نفس المأمور به والمراد ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) (6) وقوله : ( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) (7) وقوله (8) : « وأمرنا لنعبد

ص: 370


1- « ز ، ك » : بعنوان.
2- « ز ، ك » : المأمور بها.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون.
4- « م » : بهما.
5- النساء : 36.
6- الأحزاب : 33.
7- الشورى : 15.
8- « م » : - قوله.

اللّه (1) » ونظائره في التنزيل وفي الكلمات (2) الشعرية والأمثال العربية كثيرة (3) ، فيصحّ العطف أيضا ؛ إذ المعنى حينئذ : وما أمروا إلاّ بالعبادة على وجه الإخلاص ونفي الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ؛ حيث إنّها أصول الأحكام الأصلية والفرعية فلا ينافي الحصر أيضا ، فالقيد المذكور جزء للمأمور به لا أنّه خارج عنه و (4) داع إلى الأمر به.

وثالثا : أنّه على التنزّل فلا حاجة إلى الاستصحاب في إثبات الحكم المذكور في شريعتنا ؛ لدلالة ذيل الآية على ثبوت الحسن فيه ولو في هذه الشريعة ، فإنّ قوله تعالى : ( ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) (5) إمّا مأخوذ من القيام بمعنى الثابت المنصوب الذي لا يزول ، أو من القوام الذي لا عوج فيه ، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل ، وقد عرفت أنّ الكلام في الثمرة إنّما يظهر فيما لو لم يكن الحكم ثابتا في الشريعة ؛ إذ لا كلام في وجوب العمل بما ثبت من شريعتنا.

الثانية : صحّة الجعالة مع جهالة الجعل وجواز الضمان فيما لم يجب ؛ لثبوتهما في الشريعة التي كان عليها يوسف عليه السلام كما يستفاد من قوله : ( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (6) فإنّ الجعل هو الحمل وهو مجهول المقدار ، وقد ضمنه المؤذّن مع عدم وجوبه على الملك ؛ لعدم استحقاقه الجعل إلاّ بعد الجعل والعمل ، فعلى القول بالاستصحاب يثبت في شريعتنا دون القول الآخر.

وفيه : أنّه يرد على الأوّل أن تلك ليست من الجعالة الحقيقية ، بل هي تورية فيها لما دعى إليها من الأغراض ، وعلى التنزّل فالجهالة ممنوعة ؛ لمعهودية مقدار حمل البعير

ص: 371


1- « ز ، ك » : - اللّه. « ج » : - لنعبد اللّه.
2- « ج » : كلمات.
3- في هامش « م » : ونظير ذلك أن يقال بالفارسية : بفرما تا آب بياورند.
4- « ج ، م » : - و.
5- البيّنة : 5. وفي النسخ : ( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) وهذه وإن وردت في آية 36 من سورة التوبة ، وآية 40 من سورة يوسف ، وآية 30 من سورة الروم ، إلاّ أنّ الكلام في آية سورة البيّنة.
6- يوسف : 72.

في الأغلب على وجه يكفي في نفي الغرر ، مع أنّ ثبوت ذلك في الشريعة التي كان عليها غير ثابت ؛ إذ النقل في القرآن من حيث حكاية قول (1) المؤذّن لا يوجب صحّة المنقول بعد عدم ثبوت عصمة (2) المؤذّن وإذن يوسف له فيه ، والحمل على الصحّة لا يقتضي (3) إلاّ تصحيح نفس الفعل الشخصي لا تشريع الحكم في شريعتنا ، وعلى الثاني أنّه ليس المعنيّ بقوله : ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) أن قال (4) : الجعالة التي هي ثابتة (5) في ذمّة الملك على تقدير العمل أنا به زعيم فيما لو امتنع المضمون له ، بل معناه : أنّ عهدة المال عليّ وأنا به قائم ، ولا أقلّ من احتماله.

الثالثة : قوله تعالى في حكاية أيّوب عليه السلام (6) : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (7) فإنّ الضغث هو الشماريخ القائمة على الساق الواحد ، فإنّه على القول بالاستصحاب يصحّ الوفاء بمثله فيما لو (8) نذر مثله دون القول الآخر.

وفيه : أنّ من الواضح متابعة وقوع الحنث وعدمه لما هو المتعارف في استعمال آلات الضرب فيما لم يكن المقصود للحالف أو الناذر معهودا معلوما ، ولا يفرّق في ذلك شريعة من الشرائع ، وأمّا حكاية أيّوب عليه السلام فلعلّه بواسطة أعمّية مقصوده للوجهين - الدفعي والتدريجي - أو أنّها قضيّة في واقعة وليست من الأحكام الثابتة التي كان عليها أيّوب ولهذا قد أوحي إليه (9) علمها ، وإلاّ فكيف يعقل عدم علمه بأحكام شريعته التي كان عليها؟ فإنّه عليه السلام لم يكن صاحب شريعة على حدّها. لا يقال : يحتمل أن يكون هذا بدلا عن المنذور ثابتا في شريعته تعبّدا فيصحّ استصحابه في شريعتنا

ص: 372


1- « ج » : فعل.
2- « ز ، ك » : قصّة.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لا يقضي.
4- « ج » : مال.
5- « ج » : هو ثابت.
6- « ج ، م » : على نبيّنا وعليه ( الصلاة و « ج » ) السلام.
7- ص : 44.
8- « ج ، ز » : - لو.
9- « ج ، م » : أوحى اللّه.

ليكون بدلا تعبّديا ، لأنّا نقول : قد عرفت منافاته لعدم علمه عليه السلام بأحكام شريعته.

الرابعة : قوله تعالى مدحا ليحيى على نبيّنا وعليه السلام : إنّه كان ( سَيِّداً وَحَصُوراً ) (1) فإنّه يستفاد منه أرجحية العبادة على التزويج ، فيستصحب على الاستصحاب دون القول الآخر.

وفيه : أنّ المراتب في ذلك مختلفة والوقائع فيه متفاوتة ، فربّما يكون ترك التزويج لأمر العبادة والفراغ فيها وعدم اختلال الحواسّ والمشاعر في المناجات ، وذلك أمر مرغوب فيه مطلوب مستحسن في جميع الشرائع ؛ إذ من المعاين بالوجدان ترك ملاهي (2) النفس والاشتغال بما يستأنس بها من النسوان والتجرّد والانقطاع عن الخلق للوصول إلى الحقّ ممّا لا ينكر الحسن فيه ، فهو بهذا العنوان ممّا لا حاجة في إثباته إلى الاستصحاب ، وربّما يكون ترك التزويج مخلاّ في ذلك فيجب كما يستفاد من ملاحظة أحوال فحول الرجال ، فيكون الكمال في التزويج ، ولبعض الواصلين إلى الدرجة العليا والمرتبة القصوى حالة الاجتماع بينهما على وجه لا يضرّ أحدهما بالآخر فهو في عين الوحدة والتجرّد مشغول وبالعكس كما لا يخفى ، فإن أريد إثبات الأرجحية المطلقة في هذه الشريعة لثبوتها في شريعة يحيى ، فظاهر الفساد ؛ للعلم بخلافه أوّلا في هذه الشريعة ، ولعدم ثبوته على هذا الوجه في غيرها ثانيا ، وإن أريد إثبات الأرجحية ولو في بعض المراتب فنحن لا نضايق من ثبوته على الوجه المذكور في شريعة يحيى إلاّ أنّه لا حاجة في ذلك إلى الاستصحاب ؛ لمعلوميته في هذه الشريعة.

الخامسة : قوله تعالى في قصّة شعيب وموسى : ( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (3) فإنّه يستفاد منه صحّة الإجارة على تقدير الترديد في زمان الإجارة ، فعلى الاستصحاب يصحّ في شريعتنا

ص: 373


1- آل عمران : 39.
2- « ز » : ملاعب وفي « ك » : ملاعبة.
3- القصص : 27.

دون القول الآخر.

وفساده ممّا لا يكاد يخفى ؛ لوضوح وقوع العقد على الثمانية وكون العشرة من عنده تفضّلا وتطفّلا كما لا يخفى ولا ضير فيه ، وعليك بملاحظة الموارد المذكورة في كلامهم فإنّه قلّ ما يكون فيه شيء خال عن الإشكال ، واللّه وليّ الإفضال والهداية.

ص: 374

هداية [ في تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع ]

لا بدّ في جريان الاستصحاب من بقاء الموضوع الذي هو محلّ حصول المستصحب وتحقّقه ، وقد يظهر من بعضهم (1) عدّه في عداد شروط العمل بالاستصحاب وليس على ما ينبغي ؛ لأنّ الظاهر من شروط العمل ما هو الخارج عن حقيقة المشروط مع توقّف إجمالي عليه اعتبارا ، وبقاء الموضوع ممّا له مدخل في تقوّم حقيقة الاستصحاب ؛ إذ بدونه لا يعقل ، ففي عدّه من الشروط تسامح ، وكيف كان فالمراد به هو الموضوع في القضيّة الحملية التي كانت متيقّنة حال العلم وكان المستصحب محمولا فيها ، كما في قولنا : الثوب طاهر أو نجس ، والصلاة واجبة ، والخمر حرام ، ونحو ذلك ، فإنّ الصلاة والثوب والخمر موضوعات لمحمولاتها التي هي الوجوب والطهارة والنجاسة والحرمة في تلك القضايا ، والمراد من بقائه هو تقرّره على ما كان عليه حين حمل المستصحب عليه.

فإن كان المحمول هو الوجود فالموضوع (2) هو الماهيّة لا بشرط شيء المعرّاة عن الوجودين وإن كانت متّصفة ومتحلّية بالوجود الذهني حال الحمل عليها أو (3)

ص: 375


1- عبّر عنه ب- « بعض المتأخّرين » في « هداية نافعة في جميع ما تقدّم » في آخر بحث الاستصحاب.
2- « ز ، ك » : والموضوع.
3- « ج ، م » : - أو.

بالوجود الخارجي ، إلاّ أنّ ذلك الاتّصاف في (1) ظرف الحمل على ما هو اللازم فيه من تصوّر الأطراف ، ومع ذلك فليس الحمل عليها في هذه الملاحظة ؛ لامتناع قيام الوجودين بالماهيّة ، بل على نفسها من غير ملاحظة شيء آخر (2) معها وإن كان لا ينفكّ عن الوجود الذهني واقعا ، ولهذا لا يفرق في ذلك بين العلم بوجودها أو بعدمها أو الشكّ فيهما ، فإنّ من المعلوم اتّحاد الموضوع في هذه الحالات ؛ ضرورة امتناع حمل العدم ، أو نفي الوجود عن الماهيّة الموجودة ، أو التردّد في ذلك.

وإن كان المحمول أمرا وراء الوجود أو (3) ما هو بمنزلته في اتّصاف الماهيّة به كالعدم من الأمور الوجودية التي تلحق (4) الموضوع باعتبار وجودها ذهنا أو خارجا كالوجوب والطهارة والرطوبة والقيام والقعود ونحوها ، فالموضوع هو الأمر الموجود على اختلاف المحمولات إمّا ذهنا وإمّا (5) خارجا ، وذلك أمر ظاهر في غاية الظهور والوضوح.

فما قد يتوهّم (6) : من عدم اطّراد هذا الشرط في موارد الاستصحاب ؛ لانتقاضه بالاستصحاب في الأمور الخارجية كوجود زيد فإنّ الموضوع لو كان باقيا فلا شكّ في وجوده ، ممّا لا يصغى إليه.

وقد استصعبه (7) بعضهم فاكتفى عن الشرط المذكور بعدم العلم بارتفاع الموضوع ، وأنت خبير بفساده بعد ما بيّنا المراد (8) من البقاء - وإن أبيت عن ذلك - وقلت : إنّ الظاهر من لفظ البقاء هو الوجود ، وعلى تقديره فلا يعقل الشكّ ، فنقول : فعلى ما

ص: 376


1- « ج ، م » : إلاّ أنّه في.
2- « ز ، ك » : - آخر.
3- « ج ، م » : و.
4- « ج ، م » : يلحق.
5- « ز ، ك » : « أو » بدل : « وإمّا ».
6- المتوهّم شريف العلماء ، كما في ضوابط الأصول : 437 - 438 ؛ تقريرات درسه للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) : 308.
7- « ج » : استضعفه.
8- « ز ، ك » : - المراد.

زعمت فلا حاجة (1) إلى إحراز الموضوع في الاستصحاب في كلّ مورد ؛ إذ المراد بقولهم : لا بدّ من بقاء الموضوع في الاستصحاب ، هو بقاؤه في الاستصحاب الذي له موضوع ، وأمّا فيما ليس له موضوع فانتفاء الشرط بانتفاء الموضوع ، كما في قولنا : يجب ستر العورة في الصلاة ، فإنّ المقصود منه وجوب الستر على تقدير وجود الساتر ، وذلك ظاهر لمن له أدنى ممارسة في استنباط المطالب من العبائر واستخراج المقاصد من الدفاتر.

ثمّ إنّ الدليل على هذه (2) الدعوى بعد إطباق العقلاء : هو أنّ الحكم إن أريد إثباته في موضوع كان ثابتا له في حال العلم بالحكم فهو المطلوب ، وإن أريد إثباته في موضوع غيره فذلك لا يسمّى استصحابا كما أنّ الحكم بعدم ثبوته له ليس نقضا لليقين بالشكّ على ما هو المنهيّ عنه في أخبار الباب ، وبوجه آخر أنّ المستصحب لا أقلّ من أن يكون عرضا من الأعراض فإن أريد إثباته لا في موضوع فيلزم تقوّم العرض بلا جوهر ومن غير أن يكون حالاّ في منعوت ، وفساد اللازم كالملازمة ظاهر ، وإن أريد إثباته في موضوع فأمّا في موضوعه ابتداء فلا كلام على ما هو المطلوب ، وأمّا في غيره فإن أريد إثبات الحكم الأوّل بحسب شخصه فيلزم انتقال العرض من موضوعه مع أنّ وجوده بتشخّصه وهو بموضوعه ؛ لأنّه من مشخّصاته ، وإن أريد إثبات حكم آخر ولو باختلافهما (3) نوعا فليس من الاستصحاب في شيء لا لغة ولا اصطلاحا ، كما أنّ نفيه عنه ليس نقضا لليقين بالشكّ.

لا يقال : ذلك مسلّم عند العلم بانتفاء الموضوع ، وأمّا عند الشكّ فلا يجري فيه البرهان ؛ للقول ببقاء العرض في الموضوع المحتمل.

لأنّا نقول : ذلك واه جدّا فإنّه إن أريد أنّ العرض على تقدير وجود موضوعه

ص: 377


1- « ج » : لا حاجة.
2- « م » : هذا.
3- « ك » : اختلافها.

موجود فهو واضح إلاّ أنّه لا يجدي ، وإن أريد أنّ بمجرّد احتمال (1) وجوده يحكم بوجود العرض ففساده ظاهر ؛ إذ الحكم بوجود العرض لا ينفكّ عن العلم بوجود الموضوع.

نعم ، في المقام إشكال آخر وهو [ أنّه ] بعد ما عرفت من البرهان فلا جدوى في إحراز الموضوع بالعرف ؛ لعدم قيام الحكم بالموضوع العرفي ، بل محلّ الحكم حقيقة هو الموضوع الواقعي ، وتخيّل العرف قيامه بالأمر المنتزع عندهم لا يثمر في تحقّق الواقع ، فربّما يعتقدون جواز شيء ممتنع أو امتناع شيء جائز ، كما أنّه لو كان الأسد الحقيقي موردا لحكم من الأحكام فاعتقاد أنّ الغنم هو الأسد بحسب العرف لا يجدي في ترتّب الأحكام المتفرّعة على الأسد الحقيقي ، إلاّ أن ينهض على اعتبار تخيّلهم دليل آخر.

وكيف كان فالذي يساعده صحيح النظر هو وجوب بقاء الموضوع في الاستصحاب وإلاّ لم يكن استصحابا.

ومن هنا ينقدح أنّه كما يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع فكذلك يعتبر بقاء المحمول لا بوصف الحمل ؛ ضرورة ارتفاع الشكّ على تقديره ، بل بمعنى عدم اختلاف المحمول ، بل وبقاء كلّ ما يحتمل من اختلافه اختلاف أحد العمودين في القضيّة من شرط أو وصف أو حال ، زمانا أو مكانا وغيرها نظرا إلى لزوم اتّحاد القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة.

فعلى هذا فالأولى في التعبير في بيان الاشتراط أنّه لا بدّ من اتّحاد الموضوع والمحمول ، بل الأولى منه أيضا اتّحاد النسبة ؛ لاختلافها باختلاف أحد الأركان كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب عند العلم بارتفاع الموضوع ، وأمّا عند الشكّ في بقائه وارتفاعه فصور الشكّ ثلاثة : فتارة : يكون الشكّ في الموضوع

ص: 378


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - احتمال.

الخارجي كما إذا تعلّق الحكم بالكلب - مثلا - فشككنا في وجوده وارتفاعه من غير أن يكون الشكّ مسببا عن الشكّ في حكم شرعي أو موضوع لغوي ، وأخرى : يكون الشكّ في موضوع لغوي لعدم العلم بوضع اللفظ الواقع موضوعا في القضيّة للمعنى الشامل للمشكوك بعد عروض حالة كما في الشكّ في شمول الكلب الواقع في المملحة قبل أن يصير ملحا ، ومرّة : يكون الشكّ في الحكم الشرعي لعدم العلم بما تعلّق به الحكم شرعا كما في الشكّ في كون النجاسة من أحكام الكلب من حيث هو كلب ومتقوّم بصورته (1) الكلبية أو من لواحق الهويّة الجسمية مثلا ، وكما في الشكّ في كون النجاسة من الأحكام اللاحقة بعنوان الماء (2) فيما إذا تغيّر أو من المحمولات الثابتة للماء المتغيّر.

لا شكّ في عدم الجدوى في الاستصحاب الجاري (3) في نفس الموضوع فيما إذا كان الشكّ على أحد الوجهين الأخيرين ؛ لعدم ارتفاع الشكّ بالاستصحاب ، فإنّ أصالة بقاء الكلب عند الشكّ في اندراج الملح أو ما يقرب منه لا يجدي في رفع الشكّ ، كما أنّ (4) أصالة بقاء الموضوع لا تجدي (5) في الحكم بنجاسة الملح إلاّ على وجه لا اعتداد به كما في استصحاب بقاء الماء (6) الكرّ ، فالمقصود إثبات كون الشيء المخصوص موضوعا ولا دليل عليه والثابت وهو مطلق الموضوع غير مجد ، وأمّا على الوجه الأوّل فجريان الاستصحاب كوضوح فائدته ظاهر ، إلاّ أنّه قد يظهر من بعض الأجلّة (7) تبعا لغير واحد منهم أنّ عند الشكّ في الموضوع لا بدّ في استصحاب الحكم المتفرّع عليه من استصحاب نفس الموضوع توطئة لاستصحاب الحكم ، فإنّهم زعموا أنّ وجود

ص: 379


1- « ز ، ك » : ومقوّم صورته.
2- « ز » : إلاّ.
3- « ز ، ك » : - الجاري.
4- من قوله : « أصالة بقاء الكلب » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : لا يجدي.
6- « ج ، م » : - الماء.
7- انظر الفصول : 381.

الموضوع أعمّ من أن يكون وجودا واقعيا كما فيما لو أحرزنا الموضوع بالوجدان ، أو بالاستصحاب ، وليس على ما ينبغي ؛ إذ - بعد ما عرفت من عدم الجدوى في الاستصحاب الجاري في نفس الموضوع في جميع الأقسام لعدم ارتفاع الشكّ به كما مرّ - نقول : إنّ الشكّ في الحكم تارة : يكون مسبّبا عن الشكّ في بقاء الموضوع وارتفاعه ، فعلى تقدير وجوده فالحكم مقطوع به ، وعلى تقدير عدمه فالحكم قطعي الارتفاع ، وتارة : يكون مسبّبا عن شيء بحيث لو قطعنا بوجود الموضوع أيضا كان الشكّ فيه على ما كان عليه قبل العلم بالموضوع. مثال الأوّل ما إذا شككنا في بقاء التغيّر في الماء وارتفاعه ، فإنّ الشكّ فيه يوجب الشكّ في زوال النجاسة مثلا ، مثال الثاني ما إذا شككنا في وجود زيد وعلى تقدير وجوده نشكّ في طلاق زوجته ، فإنّ الشكّ في الطلاق وعدمه لا يناط بوجوده ، فعلى تقدير الوجود فالشكّ فيه موجود.

وعلى التقديرين فإمّا أن يكون الحكم الشرعي مترتّبا على الموضوع من غير توسّط أمر عاديّ أو عقلي ، أو لا يكون مترتّبا على نفس الموضوع ، بل أمر لازم له (1) عقلا أو عادة ، وعلى التقادير الأربعة لا حاجة في استصحاب الحكم الشرعي إلى استصحاب الموضوع أوّلا ، فعلى تقدير الحاجة فلا جدوى فيه ثانيا.

أمّا الأوّل : فبيانه أمّا إجمالا : فلكفاية الاستصحاب الموضوعي عن استصحاب الحكم على قسميه فيما إذا كان الحكم مترتّبا على نفس الموضوع وكفاية استصحاب نفس الواسطة من غير حاجة إلى استصحاب موضوعه في ترتّب الحكم الشرعي على الموضوع العاديّ أو العقلي اللذين فرضناهما واسطة (2) بقسميه (3). وأمّا تفصيلا ، فلأنّ معنى استصحاب الموضوع على ما عرفت سابقا ليس إلاّ جعل أحكامه المتعلّقة به شرعا ؛ إذ ليس قابلا للإبقاء بواسطة عدم قبوله الجعل فاستصحاب الموضوع يغني

ص: 380


1- « ز ، ك » : - له.
2- « ك » : بواسطة وظاهر نسخة « ز » : بواسطته.
3- « ك » : تقسيمه.

عن استصحاب الحكم.

لا يقال : كما أنّه يمكن توارد الأدلّة الاجتهادية في مورد الاستصحاب فكذلك يمكن تعدّد الاستصحاب بجريانه (1) تارة : في موضوعه ، وأخرى : في نفسه.

لأنّا نقول : إنّ جريان الاستصحاب في موارد الأدلّة الاجتهادية بعد فرض انتفائها وفرض انتفاء الموضوع ينافي الاستصحاب ، فعلى الأوّل فرض الانتفاء محقّق للاستصحاب ، وعلى الثاني مناف له ، وذلك ظاهر لا سترة عليه.

وما ذكرنا ظاهر فيما إذا كان الشكّ في الحكم الشرعي مسبّبا عن الشكّ في الموضوع وجودا وعدما ، وأمّا إذا كان الشكّ في الحكم باعتبار أمر آخر كما في مثال الطلاق فنقول : إنّ استصحاب وجود زيد أيضا يكفي في استصحاب الحكم الشرعي المترتّب على الطلاق ؛ لأنّ الموضوع إنّما يلحقه أحكام عديدة ويكفي في لحوقها له فرض وجوده وإن توقّف فعليته على تحقّق المفروض ، والمقدّر أنّ الاستصحاب (2) الجاري في نفس الموضوع معناه ترتيب (3) أحكامه الشرعية ، فبعد استصحاب الموضوع وتحقّقه تعبّدا يحكم بترتّب جميع أحكامه من غير حاجة إلى استصحاب آخر.

وتوضيحه وتحقيقه : هو أنّه لا شكّ أنّ القضايا الشرعية ليست قضايا خارجية ، بل إنّما هي قضايا حقيقية يكفي في صدقها فرض تحقّق موضوعها ، كما يلاحظ ذلك في نجاسة الكلب مثلا ، وطهارة الماء ، فإنّ إثبات هذه المحمولات لموضوعاتها لا يتوقّف على وجودها في الخارج ، فزيد الموجود في الخارج من أحكامه ولواحقه حرمة زوجته (4) على غيره ووجوب نفقتها عليه عند العلم بعدم الطلاق ، كما أنّ من أحكامه حرمة زوجته على الغير (5) عند الشكّ في الطلاق ، فيكفي في لحوق هذا الحكم له وتعلّقه

ص: 381


1- « ز » : لجريانه.
2- « ز » : استصحاب.
3- « ز ، ك » : ترتّب.
4- « م » : « زوجيته » وكذا في الموردين الآتيين.
5- « ز ، ك » : غيره.

به فرض وجوده ؛ إذ لا فرق بين الحكم الثابت للموضوع بين أن يكون الحكم مدلولا لدليل اجتهادي أو مفادا لأصل عملى إلاّ في الظاهرية والواقعية التي لا مدخل لها في المقام.

وبالجملة : فالذي يظهر من ملاحظة القضايا الشرعية أنّ الأحكام تلحق (1) الموضوعات على تقدير الوجود ، فزيد الموجود حكمه حرمة زوجته عند العلم بعدم الطلاق وعند الشكّ فيه ، وأمّا الشكّ في وجود زيد فلا مدخل لهذا الحكم فيه أبدا ، كما لو شككنا في ارتفاع نجاسة الكلب فإنّ استصحاب نجاسة الكلب لا يناط بوجود الكلب وإن كانت النجاسة متعلّقة بالكلب الموجود ، نعم يتوقّف فعلية هذا الحكم في الخارج على وجود الكلب ، فلو كان الشكّ في وجود الكلب يكفي استصحابه في ترتّب هذه الأحكام المترتّبة (2) عليه ، فعند التحقيق يرتفع الشكّ الحاصل في الحكم من غير جهة الموضوع (3) بفرض وجوده ، وتعلّق أحكامه به على هذا الفرض ، ويبقى الشكّ فيه من جهة بقاء الموضوع خاصّة ، وقد عرفت كفاية استصحاب الموضوع في رفع هذا الشكّ أيضا. هذا إذا كان الشكّ في الحكم الشرعي الذي يترتّب (4) على نفس الموضوع من غير توسّط (5) أمر عادي ، أو عقلي.

وأمّا الكلام فيما إذا كان الحكم الشرعي مترتّبا على الموضوع بالواسطة ، فالحقّ أيضا (6) عدم الحاجة إلى استصحاب الموضوع ؛ لكفاية استصحاب نفس الواسطة ، حيث إنّها من الموضوعات أيضا ، مثلا لو شككنا في حرمة شيء مهلك بواسطة كونه ذا كيفية مائلة عن حدّ الاعتدال في إحدى الكيفيات الأربعة التي تحصل منها الأمزجة على ما يعبّر عنها بالسمّية مثلا ، فإنّه لا حاجة في إثبات الحرمة إلى استصحاب

ص: 382


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يلحق.
2- « ز ، ك » : المتفرّعة.
3- « ز ، ك » : الموضوع ويبقى.
4- « ز » : ترتّب.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : توسيط.
6- « ز ، ك » : - أيضا.

السمّية التي يترتّب عليها الإهلاك ، ثمّ استصحاب الإهلاك ، ثمّ استصحاب الحرمة بإعمال استصحابات ثلاث ، بل يكفي في ذلك استصحاب المهلك ومعناه حرمة أكله على ما عرفته (1).

أمّا أوّلا : فلأنّ المهلك أيضا موضوع من الموضوعات ، واستصحابه غير محتاج إلى إحراز الموضوع فإنّه على ما هو موضوع لا موضوع له ، كما في الماهيّة المعرّاة عن الوجود والعدم فيما كانت موضوعا في استصحاب الوجود ، نعم لو فرض له حكم آخر فيحتاج إلى اعتبار موضوع آخر إلاّ أنّه لا مدخل له في المقام ، والسرّ في ذلك أنّ المهلكية كالسمّية من الأعراض الحالّة في محلّ واحد ؛ لامتناع قيام المعنى بالمعنى ، غاية الأمر أنّ السمّية واسطة في ثبوت الإهلاك في المحلّ فكما يمكن ملاحظة ذلك المحلّ منعوتا (2) بالسمّية ومتّصفة بها واستصحابها ، فكذا يمكن ملاحظته متّصفة بالمهلكية ، وعلى هذا التقدير لا حاجة في استصحاب المهلك إلى استصحاب السمّ كما أنّه لا حاجة في استصحاب الحرمة إلى استصحاب المهلك ، بل يكفي فيه نفس استصحاب المهلك فإنّ معناه ترتيب (3) أحكامه.

وأمّا ثانيا : أنّه على تقدير استصحاب السمّية فإن أريد إثبات الحرمة باستصحابها فغير سديد ؛ لكونه من الأصول المثبتة ، وإن أريد إثبات المهلكية وترتّبها على السمّية ، ثمّ استصحاب الحرمة فغير مفيد ؛ لعدم ترتّب الإهلاك على السمّية المستصحبة ، لأنّه من الآثار العاديّة أو العقلية ولا يترتّب على المستصحب ، وعلى القول باعتبار الأصل المثبت فيكفي في إثبات الحرمة استصحاب السمّية ، ولا حاجة إلى إحراز الإهلاك بالاستصحاب ؛ لترتّب الحرمة على السمّية حينئذ (4).

ص: 383


1- « ج ، م » : عرفت.
2- « ز ، ك » : متقوّما.
3- « ز ، ك » : ترتّب.
4- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : - حينئذ.

وأمّا الثاني : فلأنّه (1) بعد تسليم الحاجة إلى استصحاب الموضوع نقول : لا شكّ في أنّ الوجه في احتياج استصحاب الحكم إلى إحراز الموضوع على ما مرّ إنّما هو امتناع قيام العرض بلا جوهر أو انتقاله إلى محلّ آخر ، فمن جملة الأحكام العقلية المترتّبة على بقاء الموضوع جواز استصحاب عرضه الحالّ فيه وحكمه القائم به ، ولا شكّ أيضا أنّ إثبات الموضوع بالاستصحاب لا يجعل الموضوع موجودا واقعيا فلا يترتّب عليه ما هو من لوازمه عقلا ، فجواز استصحاب الحكم لا يترتّب على استصحاب الموضوع كائنا ما كان.

لا يقال : ما ذكرت جار بعينه في استصحاب الموضوع ؛ لأنّ ما هو المحلّ للعرض إنّما هو الموضوع المعلوم بحسب الواقع ، والمفروض أنّه (2) حال الشكّ وعدم العلم به لا يعلم وجوده فكيف يمكن الحكم بترتّب الأحكام العرضية على ما لا نعلم وجوده؟ وبالجملة فترتّب الأحكام وكون الموضوع محلاّ للعرض القائم به ليس من الأحكام الشرعية ، بل ذلك من لوازم الموضوع الواقعي عقلا ، فباستصحابه (3) لا يمكن الحكم بترتّب (4) آثاره عليه.

لأنّا نقول : فرق ظاهر بين المقامين ، فإنّ الأحكام الشرعية أمور جعلية متعلّقة بأفعال المكلّفين بحسب اختلافاتها ، فربّما يصير الفعل المتعلّق بموضوع خارجي واقعي موردا لواحد منها كحرمة شرب الخمر ووطي الأجنبية ، وقد يصير الفعل المتعلّق بمشكوك الموضوع أيضا موردا لذلك الحكم ، كما فيما إذا شككنا في حلّية الخمر لاحتمال انقلابه خلاّ ، وكما إذا احتملنا وقوع العقد المحلّل على الأجنبية من الوكيل مثلا ، فالموضوع الواقعي يتعلّق به حكم ويتعلّق بالمشكوك أيضا ذلك الحكم ، ولا ضير فيه ؛ لحلول العرض إذا في المشكوك ، غاية الأمر أنّ الحكم المتعلّق بالموضوع الواقعي

ص: 384


1- « ج ، م » : فلأنّ.
2- « ز ، ك » : - أنّه.
3- « ز ، ك » : واستصحابه.
4- « م » : الحكم ترتيب.

واقعي والمتعلّق بالموضوع المشكوك ظاهري ، بخلاف جواز استصحاب حكم المتعلّق بالموضوع فإنّه من الأحكام العقلية التي لا تشوبها (1) الشرعية في وجه ، كذا أفاد سلّمه اللّه تعالى.

إلاّ أنّ ذلك لعلّه ينافي ما تقدّم من البرهان على لزوم بقاء الموضوع ؛ ضرورة اقتضائه الحكم بثبوت شخص العرض الموجود في المحلّ ولا يتأتّى (2) ذلك فيما كان المستصحب نفس الموضوع كما عرفت ، فإنّ الحكم الثابت للموضوع الواقعي ولو بحسب شخصه يغاير الحكم المتعلّق بالموضوع المشكوك بواسطة قوله : « لا تنقض » بل وفيما كان المستصحب هو الحكم الشرعي المتعلّق به ؛ ضرورة أنّ الحكم الثابت في زمان الشكّ بواسطة أدلّة الاستصحاب يغاير الحكم الواقعي شخصا ، فتأمّل.

وكيف كان ، فلا وجه للقول بإحراز الموضوع بالاستصحاب ، بل ولا بشيء آخر ممّا هو في عرض الاستصحاب من الأصول العملية لو فرض ، وذلك بخلاف البيّنة وما يماثلها من الطرق الواقعية ؛ إذ بها يثبت نفس الموضوع كما إذا كان معلوما فيحتاج في إثبات الحكم إلى الاستصحاب ؛ إذ لا دخل للبيّنة بعد إقامتها على ثبوت موضوع في الحكم المتعلّق به ، هذا إذا كان الاستصحاب جاريا في الموضوع كما في القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة المذكورة وهو ما كان الشكّ في الموضوع مسبّبا عن الشكّ في الأمور الخارجية.

وأمّا في القسمين الأخيرين فقد عرفت عدم جريان الاستصحاب أصلا إلاّ إذا كان الشكّ في اندراج فرد تحت كلّي ، كما إذا شكّ في اندراج من يشكّ في صلاته (3) أربع مرّات في كلّي كثير الشكّ بعد ما كان شكّه عشر مرات مثلا ، فإنّ جريان الاستصحاب فيه وعدمه موكول إلى ما سبق في بيان استصحاب القدر المشترك ، وأمّا فيما عدا ذلك

ص: 385


1- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : لا يشوبها.
2- « ز ، ك » : ينافي.
3- « ج » : صباح صلاته.

فالاستصحاب في خصوص الموضوع لا مجرى له ؛ لعدم العلم به في السابق ، واستصحاب القدر المشترك والأمر المردّد بين الأمرين ممّا لا يجدي في ترتيب (1) أحكام أحد طرفي الترديد.

وتوضيحه : أنّه إذا كان الشكّ فيه (2) من جهة الاشتباه في الموضوع المستنبط أو الاشتباه في الأدلّة الشرعية ، فالمستصحب إن أراد استصحاب الموضوع الخاصّ في محلّ الشكّ فلا علم به في السابق ، وإن أراد استصحاب مطلق الموضوع فاعتباره موقوف على اعتبار الأصول المثبتة التي لا تعويل عليها عندنا ، وذلك ظاهر لا سترة عليه.

ثمّ إنّه إن ميّز المورد فلا كلام ، وإلاّ فلا بدّ من إزالة الشكّ في الأقسام المذكورة ، ففيما إذا كان الشكّ فيه باعتبار الخارج فلا بدّ من ملاحظة الواقع بفتح عين (3) البصر أو البصيرة أو نحو ذلك ، ففي صورتي البقاء والارتفاع واقعا لا إشكال لجريان (4) الاستصحاب على الأوّل ، وعدمه في الثاني ، وعلى تقدير الاشتباه أيضا فالوجه استصحاب نفس الموضوع على ما عرفت ، وسيجيء (5) - إن شاء اللّه - عدم الحاجة إلى (6) الفحص في استصحاب الموضوعات ، وفيما إذا كان الشكّ في اللغة لا بدّ من الرجوع إلى ما يزيل الشكّ كالعرف واللغة على حسب تميّز ما قد يشتبه من الألفاظ ، فإن تعيّن الموضوع فهو ، وإلاّ فليس من مجاري الاستصحاب ، وفيما إذا كان الشكّ في الموضوع من جهة الاشتباه في الدليل الشرعي فيمكن تمييز (7) الموضوع بوجوه - والمراد بالموضوع في المقام هو ما صحّ حمل المستصحب عليه بوجه من الوجوه نظير

ص: 386


1- « ز ، ك » : ترتّب.
2- « ز ، ك » : - فيه.
3- « ز ، ك » : العين.
4- « ج ، م » : بجريان.
5- سيجيء في ص 513 - 514.
6- « ز ، ك » : في.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : تميّز.

الموضوع في المنطوق والمفهوم (1) لا خصوص المسند إليه والمبتدأ والموضوع في القضيّة الحملية ، فيتعدّد (2) الموضوع في قضيّة واحدة مثلا يجب عليك الصلاة وقت الزوال ، فالوجوب هو المستصحب ، والباقي هو الموضوع على اختلاف الموارد - :

الأوّل : أن يكون المعيار في التميّز هو التدقيق فيقال : باعتبار كلّ ما يحتمل مدخليته في الموضوع من وصف أو حال أو زمان أو مكان أو شرط أو إضافة ونحوها ، فلو أحرزنا جميع ما يحتمل اعتباره في الموضوع يمكن إجراء الاستصحاب وإلاّ فلا (3) ، سواء كان الموضوع محرزا في الأنظار العرفية أو في الأدلّة الشرعية ولو بنحو من العناية فيها ، أو لم يكن ، من غير فرق بين أن يكون الشيء ممّا يحتمل مدخليته في أصل ثبوت الحكم أو في استدامته.

فعلى هذا المعيار تنقسم (4) موارد الاستصحاب على أقسام : فتارة : لا مجرى له مطلقا كما إذا شكّ في اعتبار وصف لا يرجع إلى الزمان في الموضوع ، وأخرى : يجري الاستصحاب قطعا كما (5) إذا كان الشكّ في الرافع (6) ، سواء كان في وجوده أو في رافعيته لما قد تقرّر في الهداية الأخبارية (7) من أنّ الشكّ في الرافع إنّما هو بعد إحراز الموضوع على ما مرّ تفصيل الكلام فيه ، ومرّة : يفصّل بين ما كان المعتبر في الموضوع ولو احتمالا زمانا على وجه الظرفية كما في استصحاب الخيار على بعض الوجوه ، وبين ما كان على وجه القيدية (8) كما في استصحاب الأحكام الطلبية كالوجوب فإنّه ممّا يمكن أن يكون الزمان قيدا له على ما مرّ (9).

الثاني : أن يكون المعيار في التميّز هو الرجوع إلى ما هو الموضوع عند العرف ، فكلّ

ص: 387


1- « ج ، م » : المفهوم والمنطوق.
2- « ج ، ز » : فتعدّد.
3- « ز ، ك » : فلا يمكن.
4- « ز ، ك » : ينقسم.
5- فوقها في « م » : نسخة : ممّا.
6- « م » : الواقع.
7- تقدّم في ص 193.
8- « ز ، ك » : التقيدية.
9- انظر ص 123.

ما يعتبر في موضوع الحكم عرفا لا بدّ من إحرازه ، ثمّ يجري الاستصحاب على منواله ، سواء كان موافقا لما اعتبره العقل موضوعا على الوجه الذي مرّت (1) الإشارة إليه أم مخالفا ، من غير فرق بين موافقته لعنوان (2) الدليل ومخالفته له ، فلو كان المعتبر في الدليل هو الماء المتغيّر مع عدم اعتبار التغيّر (3) في الموضوع العرفي فالمتّجه هو العرف في ذلك ، فلا يفرق فيه الأدلّة اللفظية وغيرها كالإجماع ونحوه ، وقضيّة اعتبار هذا المعيار جريان الاستصحاب في الموارد المتقدّمة في أغلبها ؛ ضرورة اتّساع دائرة الاستصحاب على هذا التقدير جدّا ، ومنه استصحاب نجاسة الكلب بعد صيرورته جمادا بالموت ولو لم يعلم نجاسة الميتة ، كاستصحاب بقاء العلقة الزوجية بعد موت أحد الزوجين ، إلى غير ذلك.

الثالث : أن يكون المرجع عند الشكّ في الموضوع إلى ظواهر الخطابات الشرعية ولا ينافي ذلك ما تقدّم من كون المقسم (4) هو ما كان الشكّ في الموضوع من جهة الشكّ في الأدلّة الشرعية ، فإنّ المراد هو أنّه قد يحتمل أن يكون المأخوذ في العنوان الشرعي على وجه يحتمل أن يكون قيدا في الموضوع ، وأن يكون مجرّد العنوانية والمرآتية من غير مدخلية له فيه ؛ لاحتمال أن يكون هو القدر المتيقّن ، فيؤخذ بما هو الظاهر فيها من اعتبار العنوان قيدا أو عنوانا فقط من غير ملاحظة العرف في انتزاعهم الموضوع والدقّة مخالفا أو موافقا ، واللازم على هذا التقدير عدم إحراز الموضوع في الأدلّة اللبّية ، فإن أقيم دليل على العرف فهو المرجع فيها ، وإلاّ فالمناط هو الدقّة ، وبدونها لا استصحاب ، فلو كان الدليل مشتملا على عنوان كما إذا ورد الماء المتغيّر نجس ونحوه ممّا ظاهره اعتبار الوصف (5) العنواني فعند ارتفاعه لا استصحاب ، بخلاف ما إذا كان

ص: 388


1- « ج ، م » : مرّ.
2- « ز ، ك » : بعنوان.
3- « ج » : التغيير.
4- « م ، ك » : القسم.
5- « ز ، ك » : مما هو ظاهر في اعتبار الوصف.

الوصف المأخوذ في الدليل ظرفا للمحمول كما إذا ورد الماء نجس إذا تغيّر.

لا يقال : بعد ما كان ظاهر الدليل هو القيدية (1) فالمتّجه هو الأخذ به وطرح ما ينتزعه (2) العرف من الموضوع ؛ ضرورة اعتبار الظواهر على وجه الإطلاق ، ومعه لا يتمشّى المعيار الأوّل أيضا ، فالوجه هو القول باختصاص المعيار إلى (3) هذا.

لأنّا نقول : إنّ ظهور الدليل ليس على وجه ينافي حكم العرف بأعمّية الموضوع ، فيبنون في انتزاع الموضوع على تصرّف في الدليل بدعوى فهم المرآتية دون العنوانية ، أو بدعوى أنّه القدر المتيقّن - مثلا - على وجه من وجوه التمحّل (4) والاعتساف ، فلا ضير في المعيارين الأوّلين أيضا ، كذا أفيد ، وللنظر فيه مجال واسع.

وكيف كان ، فالعمدة في المقام هو الترجيح بين هذه الوجوه المذكورة في التميّز ، قال الأستاد دام مجده العالي (5) وأوضح الوجوه المذكورة أوسطها ، فلا عبرة بالتدقيق العقلي ولا بالدليل الشرعي ، فيجري الاستصحاب في جملة من الموارد التي بنينا الأمر فيها على ملاحظة الموضوع.

إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ الميزان العرفي كغيره من الأمور الراجعة إليهم ممّا لا ضبط فيه (6) فربّما يزعمون تبدّل الموضوع كما في انقلاب العلقة حيوانا ولا يحكمون بذلك فيما يساويه في الانقلاب ، بل ولا يبعد أن يكون أوضح تبدّلا ، كما في استحالة الكلب ملحا أو العصير خلاّ ، وكما في استصحاب وجوب تقليد المجتهد بعد موته ، واستصحاب بقاء العلقة بين الزوجين فلا يبالون بالنظر واللمس (7) مع انقلاب الموضوع وتبدّله على وجه القطع والجزم ، فيعتقدون أنّ القضايا التي وردت في بيان أحكام هذه الموضوعات إنّما

ص: 389


1- « ز ، ك » : التقيدية.
2- « ج ، م » : ينزعه.
3- « ز ، ك » : - إلى.
4- « ز ، ك » : المحلّ.
5- « ز ، ك » : دام علاه.
6- « ز ، ك » : فيهم.
7- « ز ، ك » : الحسّ.

هي مشروطة عامّة يبتني الحكم فيها على كون الموضوع متّصفا بالوصف العنواني من غير أخذه فيه ، ومنه استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره حيث تراهم يشيرون (1) إلى الماء فيقولون : إنّ هذا الماء كان نجسا وشكّ في بقائها والأصل بقاؤها مع أنّ من الظاهر أنّ هذا الماء لم يكن نجسا بل بوصف التغيّر (2) ، فما كان معلوم النجاسة قد ارتفع والموجود غير معلوم النجاسة ، ومثله استصحاب نجاسة العذرة إذا استحالت ترابا ، والخشب المتنجّس إذا صار رمادا أو فحما مثلا.

وذلك ممّا يعرف من ديدنهم في الأمور (3) المتعلّقة بهم عادة وغيرها أيضا ، وسواء في ذلك على ما عرفت وجود دليل لفظي أو لبّي على أصل الحكم ، لكن بعد تصرّف منهم في عنوان الدليل فيتخيّلون أنّ الموضوع في الكلب ليس خصوص الصورة (4) النوعية التي بها يتميّز عن غيره من أنواع الحيوان ، ولا مطلق الجسم ، فلو انقلب حجرا لا يحكمون بذلك ، كما لو انقلب الخمر - مثلا - هرّة لا يعلمون بالاستصحاب ، بل يأخذون ما هو أعمّ من الصورة النوعية وما هو أخصّ من مطلق الجسم نظير تصرّفهم في الدليل الدالّ على نجاسة ملاقي النجس ، فإنّ الدقّة العقلية لا يقضي (5) بالفرق بين ورود النجاسة على الماء أو ورودها عليه في صدق الملاقاة ، إلاّ أنّهم يفرّقون في ذلك زعما منهم أنّ النجاسة كباقي الأوصاف الحالّة في الجسم المتعدّية إلى غيره بالملاقاة ، كالحموضة ونحوها فإنّ ورودها يؤثّر في حموضة المورود (6) دون أن يكون الماء واردا على الحموضة.

ومن هنا يعلم وجه اختلاف كلمات العلماء في موارد الاستحالة ، فهذا هو المحقّق قد يحكم (7) باستصحاب نجاسة الخنزير الواقع في المملحة حيث حكم في المعتبر (8) بعدم

ص: 390


1- « ج ، م » : فيشيرون.
2- « ج » : التغيير.
3- « ج ، م » : أمور.
4- « ج ، م » : الصورية.
5- « ج ، ك » : لا يقتضي.
6- « ز ، ك » : المورد.
7- « ز ، ك » : المحقّق في الحكم.
8- المعتبر 1 : 451.

طهارته بالاستحالة وأسند الخلاف إلى أبي حنيفة معرضا عنه محتجّا على ما (1) صار إليه بأنّ النجاسة قائمة بالأعيان ولا تزول بتغيّر (2) الأوصاف والأحوال وقد يتردّد (3) في نجاسة الخشب المتنجّس إذا استحال رمادا أو دخانا. وكذا العلاّمة في القواعد (4) إنّما (5) اقتفى أثر المحقّق في الإسناد المذكور والاحتجاج أيضا ، إلاّ أنّه أسند القول بعدم الطهارة إلى أكثر أهل العلم ، وصريح كلام غيرهما أنّ الاستحالة من المطهّرات.

وبالجملة : فاضطراب كلماتهم (6) على ما يظهر من مطاويها ممّا لا ينكر ، فلعلّه يجمعها ما قلنا من اختلاف الأمور العرفية في الأغلب ولا كلام فيه ، وإنّما المهمّ إثبات الكبرى من وجوب الأخذ بهذا المعيار ، فإنّ الصغرى ظاهرة لا تخفى (7) على أحد ، وما يشعر بذلك قولهم بأنّ الاستحالة من المطهّرات ، فإنّ معنى كون الشيء مطهّر الشيء هو بقاء ذلك الشيء وإزالة نجاسته بذلك المطهّر كما يظهر من كون الماء مطهّرا ، وتوضحه ملاحظة ما احتجّ به العلاّمة في النهاية (8) من أولوية الحكم بالطهارة بعد الاستحالة في المتنجّس ، وتبعه في ذلك صاحب المعالم (9) فحكم بأنّ الخشب المتنجّس إذا طهّر بالماء فبالإحراق أولى ، ويزيد توضيحا أنّهم ممّن عدا كاشف اللثام (10) وجماعة ممّن حذوا حذوه (11) لم يفرّقوا بين النجس والمتنجّس في الحكم بالطهارة في الاستحالة ، ولو لا

ص: 391


1- « ز ، ك » : لما.
2- « ج ، م » : بتغيير.
3- تردّد في الشرائع 4 : 754 ط الشيرازي.
4- قواعد الأحكام 1 : 195 ، وليس فيه إسناد القول بعدم الطهارة إلى أكثر أهل العلم ، بل قاله في المنتهى 3 : 287 وفي ط الحجرية 1 : 179.
5- « ز ، ك » : - إنّما.
6- « ك » : كلامهم.
7- في النسخ : لا يخفى.
8- نهاية الإحكام 1 : 291 ، في المطلب الرابع في أنواع المطهّرات.
9- معالم الدين ( قسم الفقه ) 2 : 776 في مسألة مطهرية النار لما يستحيل بها رمادا.
10- كشف اللثام 1 : 462 وفي ط الحجرية 1 : 57.
11- « ز ، ك » : حذى حذوه ، « ج » : حذوه أحذوه.

أنّ الموضوع عندهم هو الأمر العرفي الباقي في التحويلات مع شدّتها لم يصحّ ذلك منهم في وجه ؛ لعدم الأولوية بعد اختلاف الموضوع ، ولكان التفصيل بين النجس والمتنجّس في محلّ من القبول كما صنعه الفاضل ، إلاّ أنّ عدم تفرقة الأصحاب بينهما يكفي في الردّ على الفاضل في التفصيل.

مضافا إلى استفادة عدم الفرق بينهما من بعض الأخبار ، ففي الخبر عن الجصّ : يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب عليه السلام بخطّه الشريف : « أنّ النار والماء قد طهّراه » (1) حيث إنّ الراوي لم يفصّل بين العذرة التي هي من النجاسات وعظام الموتى التي هي من المتنجّسات ، ولم يفصّل الإمام عليه السلام بينهما أيضا فحكم بما حكم وإن كان نفس الحكم ممّا لم يعمل به الأصحاب ؛ إذ لا ضير في ذلك ، لجواز الاستناد إلى الرواية في الجهة التي لم يظهر منهم خلافها.

وبالجملة : فالصغرى ممّا لا كلام فيها ، وأمّا الكبرى فيدلّ عليها (2) أمران :

الأوّل - وهو العمدة - : صدق اتّحاد القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة في نظر العرف المأمورين بعدم نقض اليقين إلاّ باليقين المخاطبين بقوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا » فإنّ صدق النقض المنهيّ عنه في تلك الأخبار على تقدير عدم العمل بالاستصحاب في الموارد التي تعدّ (3) عندهم من بقاء الموضوع ظاهر (4) ؛ ضرورة تنزيل الخطابات الشرعية على الأفهام العرفية لا على التدقيقات الفلسفية (5) على ما هو ظاهر ، إذ لا شكّ في أنّ المخاطب بهذه الروايات أهل العرف من العوامّ وغيرهم ، فإذا لا يخلو إمّا أن يكون ما يفهمونه من صدق النقض في أمثال المقامات التي لا مسرح

ص: 392


1- وسائل الشيعة 3 : 527 ، باب 81 من أبواب النجاسات ، ح 1 ، و 5 : 358 ، باب 10 من أبواب ما يسجد عليه ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 77 : 152.
2- « م » : عليه.
3- « ز ، ك » : يعدّ.
4- « ز ، ك » : ظاهر ، بل.
5- « ج » : الفلسفة.

للنقض العقلي فيها مرادا للحكيم المخاطب لهم (1) أو لا ، لا سبيل إلى الثاني فإنّه على ما يساعد عليه صحيح الاعتبار وصريح بعض الأخبار أجلّ من أن يخاطب قوما ويريد خلاف ما يفهمونه ، فتعيّن الأوّل وهو المطلوب.

الثاني : أنّه لو لم يكن مرجع الموضوع في الاستصحاب هو العرف على وجوه اختلاف موارده لزم أن يكون أمر الاستصحاب موكولا إلى مسألة عقلية تصدّى لها (2) بعض أهل المعقول من تجدّد الأمثال في (3) الأعراض والأكوان وثبوت الحركة الجوهرية على ما بنى عليها (4) بعض أفاضل محقّقيهم (5) ؛ ضرورة امتناع البقاء على أحد التقادير مع لزوم العلم بإمكان البقاء في الزمان الثاني في موارد الاستصحاب ، وبطلان اللازم ممّا لا يكاد يخفى (6) ؛ لعدم مصرّح بذلك منهم ولا مشعر به ، بل ويمكن القول بأنّ القائلين بهذه الأقوال لا مناص لهم من العمل بالاستصحاب ، وذلك أمر ظاهر ويكفيك ملاحظة موارد كلمات العلماء (7) في خصوص بعض الموارد ، فلعلّه يمكن دعوى الاتّفاق على الأخذ بالاستصحاب فيها كالكرّية واستصحاب الليل والنهار وجري الأنهار ، فإنّها من المتّفق عليها بين الأصولية والأخبارية ، ولو لا البناء على بقاء الموضوع العرفي لما صحّ تلك الاستصحابات (8) على ما عرفت الوجه فيها مرارا (9).

وممّا يكشف حجاب الريب عن ذلك تتبّع كلمات (10) أصحابنا الفقهاء في الفروع الفقيهة فإنّهم قد أفتوا فيما إذا كانت العين المرهونة عصيرا فانقلب خمرا بوجوب الردّ مع الفكّ ؛ لعدم ما يتقوّم به الرهان من الأموال في نظر الشارع ، فلو انقلب بعد ذلك

ص: 393


1- « ز ، ك » : - لهم.
2- « ز » : بها.
3- « ز ، ك » : « و ».
4- « ز ، ك » : عليه.
5- هو الملاّ صدرا الشيرازي. انظر ص 352.
6- « م » : يحصى.
7- « ز ، ك » : كلماتهم.
8- « ز ، ك » : ذلك في الاستصحابات ، « ج » : ذلك الاستصحاب.
9- انظر ص 345 - 346.
10- « ز ، ك » : - كلمات.

خلاّ قالوا بعود المالية والملكية والرهنية استصحابا لها مع وضوح أنّ بعد الانقلاب قد ارتفع الملكية والرهنية التابعة لها قطعا ، وهذه الملكية جديدة لم تكن محلاّ للرهنية ، ولو لا أنّ المرجع في الاستصحاب هو حكم العرف ببقاء الموضوع لما صحّ ذلك في وجه ، إلاّ أنّهم يزعمون بقاء الاختصاص الإجمالي في المنقلب خمرا ولهذا يحكمون بوجوب الردّ إلى الراهن ؛ لإمكان العلاج ، فالموضوع عندهم ليس خصوص الصورة النوعية المتقوّمة بالعصير ، بل الأمر المردّد بينه وبين مطلق الجسم وهو باق في الحالتين ، ومنه حكمهم بوجوب ردّ الخمر المنقلب من العصير على الغاصب فيما إذا غصبه عصيرا فانقلب خمرا ، ومع ذلك فعليه الضمان للقيمة ؛ لأنّه بمنزلة التلف كما في عوض الحيلولة ، ومنه حكمهم ببقاء الإطلاق في الماء إذا أريق فيه شيء (1) من الجلاب وغيره من المضاف أو استصحاب الإضافة في العكس ، فإنّ عدم بقاء الموضوع في هذه الموارد دقّة ممّا لا يدانيه شوب الإنكار مع ظهور إطباقهم على اشتراط بقاء الموضوع ، فلا مسرح لنا إلاّ القول بأنّ بقاء الموضوع في العرف على وجه يعدّ عرفا باقيا كاف في الاستصحاب.

وأمثال هذه الأمور في كلماتهم ممّا لا مجال لإنكارها ، ولكن لا بدّ من التفرقة بين المقامات فتراهم (2) لا يعلمون بالاستصحاب في بعض الموارد ويأخذون به في نظيره على ما نبّهنا عليه ، ويمكن أن يكون ذلك بواسطة اختلاف المحمولات فإنّ القضايا العرفية تختلف (3) من هذه الجهة أيضا ، كما هو مشاهد من ملاحظة قولنا : الإنسان ماش ، وقولنا : الحيوان كاتب ، وقولنا : الإنسان ضاحك ، فإنّ المستفاد من الأوّل عموم الموضوع بعموم (4) المحمول ، واختصاصه في الثاني ، وتساويه في الثالث ، ولعمري تشخيص الموارد العرفية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال وليس أمرا مطّردا

ص: 394


1- « ج » : شيئا.
2- « م » : فيراهم.
3- في النسخ : يختلف.
4- « ج ، م » : لعموم.

يؤخذ (1) به في جميع المراتب المشكوكة ، فليتأمّل في المقام فإنّه من مزال الأقدام.

بقي في المقام شيء وهو أنّه قد اشتهر في الألسنة ، بل قد يظهر من ثاني الشهيدين (2) الإصرار عليه أنّ الأحكام تتبع الأسماء وهو بظاهره لعلّه ينافي الرجوع في التميّز إلى العرف ، فإنّهم على ما عرفت لا يبالون باختلاف الاسم في إجراء الأحكام الثابتة للعنوانات ، فربّما يحكمون بالحكم مع القطع بعدم صدق الاسم كما في مسألة الاستحالة ، فإنّ أكثر أهل العلم على ما نسبه إليهم العلاّمة (3) على عدم حصول الطهارة فيلحقه حكم النجاسة مع عدم لحوقه الاسم ، إلاّ أنّه قد يظهر من بعضهم القدح فيه بالقطع بأنّ مجرّد اختلاف اللفظ لا يصير منشأ لاختلاف الحكم ، فلو سمّي الكلب إنسانا لم يطهّر إجماعا ، فدوران الأحكام مدار الأسماء ممّا لا معنى له ، وهو وإن أصاب في المطلب لظهور عدم كون القضيّة المعروفة (4) آية أو رواية أو مجمعا عليها ويكفيك في دفعها (5) إسناد العلاّمة القول بخلافها إلى أكثر أهل العلم ، ولكنّه قد أخطأ في الطريق على ما نبّه (6) عليه العلاّمة الطباطبائي في المصابيح ؛ إذ ليس المراد منها أنّ الأحكام تتبع الألفاظ ، بل المراد بتبعيتها للأسماء هو تبعيتها للمسمّيات (7) ، أي الأمور الواقعية التي يستكشف عنها بتلك الألفاظ ، ومن هنا يظهر الوجه في قولهم : الأحكام تتبع الأسماء دون الألفاظ ، فإنّ فيه إيماء إلى أنّ المناط على الأسماء من حيث كونها آلات (8) لتعرّف المسمّيات.

وكيف كان ، فيمكن القول بعدم التنافي بينهما أيضا من وجهين :

ص: 395


1- « ج ، م » : نأخذ.
2- الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية 1 : 285 ، و 2 : 22 ؛ مسالك الأفهام 1 : 122 ؛ روض الجنان 1 : 436 ، وفي ط الحجري : 163.
3- تقدّم عنه في ص 391.
4- « ج » : المفروضة.
5- « ز ، ك » : وضعها.
6- « ز ، ك » : - نبّه.
7- « ج ، م » : للأسماء يعني المسمّيات.
8- « ج ، م » : آلة.

الأوّل : أنّ العرف إنّما يفهمون المراد من الأسماء الواردة في مقام التعرّف لتلك المسمّيات ما هو أعمّ ممّا يفهم منه في غير المقام (1) ، فإنّ محصّل ما ذكرنا في ذلك يرجع إلى عدم اقتصار العرف في أمر الموضوع على ما هو المستفاد من ظواهر الأدلّة ولكن لا على وجه لا يكون متعلّقا بموضوع ولو بحسب اقتراحهم ، فإنّ ذلك ممّا لا مناص منه كما هو ظاهر ، فالمراد من القضيّة هذه على ما ذكرنا هو (2) تبعية (3) الأحكام لموضوعاتها المستكشف عنها بتلك الأسامي ولو بحسب ما يقترحون في ذلك الاستكشاف.

الثاني : أنّ المراد من هذه القضيّة يحتمل أن يكون الحكم الجزئي الشخصي المتعلّق بموضوع خاصّ يتبع اسم هذا الموضوع ، وذلك لا ينافي تعلّق حكم مماثل للحكم الأوّل بما هو أعمّ للمسمّى.

إلاّ أنّ الإنصاف عدم استقامة الوجهين كما هو غير خفيّ على من لاحظها ، فالحقّ هو أنّ هذه القضيّة تنافي (4) إحالة أمر الموضوع إلى العرف ، كذا أفاد الأستاد أديمت إفاداته (5).

قلت : وذلك وإن لم يكن محذورا لما عرفت من منافاتها لما نقلنا من العلاّمة من أنّ أكثر أهل العلم على عدم الاعتداد بالاستحالة المغيّرة (6) للأسماء ، إلاّ أنّ الخروج عمّا هو ظاهر الدليل (7) في تعلّق الأحكام بالموضوعات والأخذ بمثل هذه الاقتراحات من جعل الموضوع تارة شيئا خاصّا ، وأخرى عامّا ، ممّا لا يكاد يخفى بطلانه ، سيّما بالنسبة إلى الأحكام المجمع عليها التي لا يدلّ عليها دليل لفظي يستكشف منه الموضوع.

فالذي يقوّى في النظر أنّ أوضح الوجوه المذكورة في تميّز (8) الموضوع هو الرجوع

ص: 396


1- « ج ، م » : أعمّ من المفهوم منه في غير المفروض.
2- « م » : - هو.
3- « ج ، م » : بتبعية.
4- في النسخ : ينافي.
5- « ز ، ك » : مدّ ظلّه.
6- « ج ، م » : المعتبرة.
7- « ز ، ك » : الخروج عن ظاهر ما هو الدليل.
8- « ج » : تمييز.

إلى عناوين الأدلّة بعد أنّ الواضح هو أسدّية المعيار التدقيقي والأخذ بالموضوع التحقيقي ، وذلك لا ينافي عدم اقتصارهم في بعض المقامات على ما هو المستفاد من ظاهر الدليل الوارد في مقام الحكم ؛ لإناطة الحكم إلى ما هو أعمّ من المستفاد من الظاهر ، وليس ذلك على وجه الاقتراح كما هو في المعيار العرفي كذلك ، بل قد يكون ذلك بواسطة فهم العرف إلقاء (1) بعض الخصوصيات في الحكم كما هو كذلك في قولهم : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (2) إلى غير ذلك من الموارد ، فالأخذ بذلك الأمر الأعمّ ليس أخذا بما هو خارج عن مدلول اللفظ الوارد في مقام بيان الحكم ، فإنّ مداليل الألفاظ معتبرة مطلقا ، سواء كانت على وجه المطابقة أو الالتزام كما في الدلالات الإيمائية والاقتضائية ، وهذا الأمر العامّ وإن لم يكن من مدلول اللفظ مطابقة إلاّ أنّ اللفظ يدلّ عليه ولو بوجه من الإيماء والإشارة التزاما ، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ ما ذكرنا يختلف غاية الاختلاف باختلاف الأحكام والمحمولات ، فإنّ بعض هذه الأحكام على وجه لا يستفاد من الدليل إلاّ اختصاصه بما هو المستفاد من الدليل مطابقة وليس له مدلول التزامي ، والبعض الآخر يستفاد ذلك منه (3) أيضا ، مثلا الملكية المترتّبة على الكلب الواقع في المملحة مستصحبة قطعا ولكنّ النجاسة يمكن الاختلاف فيها على ما عرفت (4).

وبالجملة : فالرجوع إلى عناوين الأدلّة في تشخيص الموضوع في الاستصحاب على ما يصل إلى النظر أقوى الوجوه ، وعلى ذلك فما نقلنا (5) عن الفاضل في الفرق بين النجس والمتنجّس في محلّه ، ولا يرد عليه النقض بمثل الماء المتنجّس إذا استحال بولا

ص: 397


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : إبقاء.
2- الوسائل 3 : 405 ، باب 8 من أبواب النجاسات ، ح 2 و 3. وسيأتي في ص 548 و 554 و 647.
3- « ز ، ك » : منه ذلك.
4- « ز ، ك » : عرفته.
5- نقله في ص 391.

في جوف الحيوان المأكول اللحم أو استحال (1) فاكهة ، أو الحشيش النجس (2) إذا استحال طيبا لما عرفت من أنّ التعدّي عن عنوان الدليل الوارد في مقام بيان الحكم بحذف الخصوصيات وإسقاط ما يحتمل أن يصير وجها للاختلاف ، موقوف على مساعدة العرف في ذلك العنوان ، فحيثما لم يساعده كما في أمثال المقام فلا ضير فيه ، وأمّا إذا لم يكن هناك دليل مشتمل على عنوان من موضوعات الأحكام الشرعية كما إذا كان الدليل إجماعا فإن كان المورد من الموارد التي يظهر (3) صدق النقض على تقدير عدم الاستصحاب فاللازم هو الأخذ بالاستصحاب ، وإلاّ فالمرجع إلى غيره من الأصول ، فليتأمّل في المقام فإنّه بعد في غاية الإبهام (4) ، واللّه الموفّق وهو المعين (5).

ص: 398


1- « م » : استحالة.
2- « ز ، ك » : المتنجّس.
3- في « ج » زيادة : « عدم » وشطب عليها في نسخة « م ».
4- « ج ، م » : الإيهام.
5- « ز ، ك » : واللّه هو الموفّق والمعين والهادي.

هداية [ في عدم جريان الاستصحاب مع وجود المعارض ]

و (1) لا بدّ في جريان الاستصحاب عدم (2) ابتلائه بالمعارض ، وقد يظهر من جملة - كما مرّ (3) في السابق - عدّه في جملة (4) شروط العمل به واعتباره ، وليس في محلّه ، فإنّ التحقيق أنّ الاستصحاب لا مجرى له عند وجود المعارض ، سواء كان من الأدلّة الاجتهادية أو من الأصول العملية ولو كان المعارض استصحابا آخر أيضا.

وتوضيح ذلك : أنّ عدم الاعتداد بالدليل تارة : يكون بواسطة عدم ما يقضي (5) باعتباره (6) ، أو بانتفاء موضوعه ، وأخرى : يكون بواسطة وجود المانع منه ، ففيما إذا لم يكن المقتضي للعمل موجودا لا يصحّ استناد الطرح إلى وجود المانع ، والاستصحاب في مقام المعارضة من هذا القبيل وليس من قبيل معارضته أخبار الآحاد بعضها ببعض ، فإنّ من المعلوم وجود المصلحة الداعية إلى جعلها طريقا حال المعارضة ، فيكون الأخذ بأحدهما من قبيل تزاحم الحقوق كما في إنجاء الغريق وإنقاذ الحريق ، بخلاف الاستصحاب فإنّه في موارد التعارض بما (7) يمكن المكافئة معه ليس كذلك إلاّ أن

ص: 399


1- « ج ، م » : وممّا.
2- « ز ، ك » : من عدم.
3- « ج ، م » : - مرّ.
4- « ز ، ك » : - جملة.
5- « ج » : يقتضي.
6- « ك ، م » : باعتبارها.
7- « ز ، ك » : لما.

يكون مبنيّا على الظنّ الشخصي فإنّه يدور مدار الظنّ وإن لم نعلم بالتزام القائل به بهذا ، وستعرف الوجه في ذلك عند كيفية أنحاء التعارض الواقع بين الاستصحاب وبين غيره من أنحاء الأدلّة.

وكيف كان ، فالمخالف للاستصحاب قد يكون من الأدلّة الاجتهادية ، وقد يكون ممّا هو من سنخه من الأصول العملية ، سواء كانت في عرضه من استصحاب أو مقدّمة عليه أو مؤخّرة عنه كأصالة البراءة والاحتياط وأصالة الصحّة والقرعة واليد ونحوها ممّا ستقف (1) على تفاصيلها ، فلنذكر كلّ واحد منها في هداية على حدّها (2) توضيحا للمقام وتفصيلا لما هو المقصود من الكلام لئلاّ (3) يقع الخلط بينها (4).

ص: 400


1- « م » : سيقف.
2- « ز ، ك » : حدّتها.
3- « ز ، ك » : المرام.
4- « ز ، ك » : - لئلاّ يقع الخطل بينها.

هداية [ في حكومة الأمارات على الاستصحاب ]

اشارة

في بيان الحال في معارضة الاستصحاب مع الأدلّة الاجتهادية ولا بأس ببيان المراد من الأدلّة الاجتهادية ، فنقول : إنّ مقتضى ما اصطلح عليه الأستاد الأكبر المحقّق البهبهاني في تعليقاته على المعالم نظرا إلى حدّي الاجتهاد والفقه من حيث اعتبار الظنّ في الأوّل والعلم في الثاني ، هو أنّ كلّ دليل يكشف عن الحكم الواقعي فهو دليل اجتهادي ؛ إذ (1) به يحصل مرتبة الاجتهاد للعالم ، سواء كان من الأدلّة العملية أو الأدلّة (2) الظنّية كأخبار الآحاد ونحوها ، وكلّ دليل يعلم منه الحكم الفعلي في الواقعة الحاضرة عند الفقيه المتحيّر الشاكّ فهو دليل غير اجتهادي ، وقد اشتهر هذا القسم من الدليل بالدليل الفقاهتي (3) ؛ إذ به يحصل الفقاهة للعالم وبهذا الاعتبار يصير فقيها يعني ما (4) يحصل به الفقاهة في قبال الأوّل فإنّه يحصل به الاجتهاد.

قال المحقّق المذكور في التعليقة المذكورة - بعد تضعيفه لإرادة الظنّ من العلم في تعريف الفقه - : والحقّ أنّ المراد من العلم هو اليقين ؛ لأنّ الفقه هو العلم دون الظنّ ، لأنّ الظنّ هو الاجتهاد كما ظهر وإن كان الاجتهاد لا بدّ فيه من اليقين باعتباره شرعا ،

ص: 401


1- « ز ، ك » : « و » بدل : « إذ ».
2- « ز ، ك » : - الأدلّة.
3- « ز » : بالدليل الفقاهي ، « ج ، م » : بدليل الفقاهة.
4- « ز ، ك » : - ما.

فاعتقاد الفقيه بالنظر إلى حكم اللّه الواقعي اجتهاد ؛ لأنّه ظانّ به ، وبالنظر إلى (1) حكم اللّه الظاهري فقه وعلم ؛ لأنّه عالم به ، كما أنّ له أسامي أخر أيضا مثل أنّه قاض بالنظر إلى أنّه يرفع المخاصمة بين المترافعين إليه بالخصومة ، وحاكم الشرع بالنظر إلى مثل ضبط مال (2) الأيتام والمجانين والغيّب ، وغير ذلك من الأسامي كما بيّناه في الفوائد (3) ولكلّ اسم من تلك الأسامي أحكام مخالفة لأحكام الاسم الآخر ومباينة له ؛ لأنّ الفقيه عمله (4) بالأدلّة الخمسة ولا يجوز للفقيه تقليده وبعد الموت يموت قوله ، بخلاف القاضي فإنّ حكمه باق إلى يوم القيامة وماض على الفقهاء وغيرهم ، وعمله بالشهادة والحلف ونحو ذلك ، قال رحمه اللّه : فتعيّن كون المراد من العلم المعنى الحقيقي ولا محيص عنه قطعا ؛ لما عرفت وستعرف من المفاسد في جعل المراد منه الظنّ أو ما يشمله (5) ، انتهى.

وصريح ما أفاده هو ما ذكرنا من أنّ الدليل على قسمين : قسم : يحصل (6) منه الاجتهاد وهو ما يحكي عن حكم اللّه الواقعي الثابت في نفس الأمر ، وليس للشكّ في موضوعه مدخل في وجه وإن كان محلّ الاستدلال هو مقام الشكّ وعدم العلم كما هو ظاهر لا سترة عليه ، والآخر : ما يحصل منه الفقاهة (7) التي هو العلم بالأحكام الشرعية ، فلا بدّ إمّا من حمل الأحكام على الأحكام الظاهرية باستعمالها فيها أو بتقيّدها بها (8) ، وإمّا من تقدير مضاف للأحكام يكون متعلّقا للعلم كوجوب العمل ، وهو الأولى ؛ لأنّ الظرف حينئذ لا بدّ أن يكون متعلّقا بالأحكام دون العلم ، وعلى تقدير التقييد (9) فيها أو الاستعمال لا يصحّ ؛ إذ الأحكام الظاهرية لا تكون (10) مستفادة من الأدلّة كما لا يخفى.

ص: 402


1- « ج ، م » : - إلى.
2- « ز ، ك » : أموال.
3- الفوائد الحائرية : 499 ، فائدة 33.
4- « ز ، ك » : علمه.
5- حاشية المعالم ( مخطوط ) : 80 / أ.
6- « ج ، م » : ما يحصل.
7- « ز ، ك » : الفقاهية.
8- في النسخ : به.
9- « م » : التقيّد.
10- « ج ، م » : لا يكون.

ولا يرد عليه ما زعمه بعض الأجلّة (1) تبعا لبعضهم من أنّ التصرّف في الأحكام يغني عن ذلك والكلام فيما كان العلم باقيا على معناه المعهود من غير تصرّف فيه ؛ إذ تعلّق العلم بشيء خاصّ لا يوجب التصرّف فيه كما هو ظاهر.

فالعلم بوجوب العمل بالأحكام الواقعية التي هي مستنبطة من الأدلّة التفصيلية هو الفقه ، وليس العلم بوجوب العمل بتلك الأحكام وإن كانت واقعية إلاّ العلم بالحكم الظاهري ، فما يدلّ على هذا الحكم الفعلي وهو وجوب الأخذ بالظنّ - مثلا - من حيث إنّه مشكوك الاعتبار هو دليل الفقاهة كالأدلّة (2) الدالّة على اعتبار الأدلّة الظنّية من الإجماع ، والكتاب والسنّة القطعيين ، وأدلّة الأصول من البراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير ، فإنّها هي التي يحصل (3) منها العلم بوجوب العمل ، ولعلّه إنّما أخذه من قول العلاّمة من أنّ الظنّ في طريق الحكم لا فيه نفسه ، وظنّية الطريق لا ينافي قطعية الحكم ، فالحكم المستفاد من الخبر حكم واقعي ، و (4) وجوب الأخذ بمفاد الخبر حكم ظاهري ، ونفس الخبر دليل الاجتهاد ، والإجماع على اعتبار الخبر دليل الفقاهة.

ثمّ إنّه إن أقيم (5) دليل على اعتبار هذا الظنّ الحاصل من الخبر مثلا ، وإلاّ فلا بدّ من الرجوع إلى عدم الحجّية وقاعدة العدم فهو حكم ظاهري في المسألة الأصولية ، أو (6) إلى البراءة أو إحدى أخواتها من الأصول في المسألة الفرعية وهو حكم ظاهري في المسألة الفرعية ، ويمكن أن يكون دليل واحد دليل الاجتهاد بالنسبة إلى مرتبة كما في الأدلّة (7) الدالّة على حجّية الخبر في المسألة الأصولية ، ودليل الفقاهة بالنسبة إلى مرتبة أخرى كما فيها بالنسبة إلى المسألة الفرعية.

ص: 403


1- انظر الفصول : 7 و 391.
2- « م » : كأدلّة.
3- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : تحصل.
4- « ج ، م » : - و.
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : إنّه أقيم.
6- « ج ، م » : و.
7- « ج » : أدلّة.

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الأحكام الظاهرية والواقعية أيضا متدرّجة (1) من حيث إنّ أدلّة الفقاهة (2) وأدلّة الاجتهاد (3) متدرّجة (4) ، فكلّ (5) مترتبة منها واقعي بالنسبة إلى المرتبة المؤخّرة عنها ، وظاهري بالنسبة إلى المرتبة المقدّمة عليها ، فخبر الواحد إذا له جهتان : إحداهما : كشفه عن الحكم الواقعي ، وثانيتهما (6) : اعتباره وعدم الاعتناء باحتمال خلافه ، فهو من الجهة الأولى دليل اجتهادي وموضوع لحكم ظاهري هو وجوب الأخذ به ، ومن الثانية حكم ظاهري في المسألة الفرعية وحكم واقعي في المسألة الأصولية ، والدليل الدالّ على اعتباره دليل الفقاهة على الأوّل ، ودليل الاجتهاد على الثاني ، فيتداخل الأقسام بذواتها وإن كانت متميّزة بحيثياتها.

هذا ما يستفاد ممّا أفاده المحقّق المذكور ، إلاّ أنّه بعد لا يخلو عن مناقشة وإن كانت راجعة إلى الاصطلاح في بعض الوجوه ، فإنّ الموروث من قدماء أرباب الصناعة وأصحاب الفنّ هو الحكم بتقديم أدلّة الاجتهاد مطلقا على أدلّة الأحكام الظاهرية ، ولا يصحّ ذلك بإطلاقه على ما أفاده ؛ إذ لا بدّ حينئذ من ملاحظة الأدلّة الدالّة على الأحكام الظاهرية ، فإن كانت من الأصول العملية كالاستصحاب وأخواتها فيحكم فيها بالتقديم ، وإن كانت غيرها كالإجماع والسنّة ونحوها فلا بدّ من المعارضة على ما قرّر في التراجيح ، على أنّه لم يعهد إطلاق دليل الفقاهة على مثل الإجماع ونحوه فإنّ المعهود منها هي الأصول العملية الكلّية المستعملة في الأحكام ، أو الجزئية المقرّرة فيها وفي موضوعاتها مثلا ، مضافا إلى أنّ ما قرّره في تعريف الفقه ممّا لا يخلو عن نظر ، فتدبّر.

وكيف (7) كان ، فالأنسب بما نحن بصدده من بيان معارضات الاستصحاب هو أن

ص: 404


1- « ز ، م » : مندرجة.
2- « ز ، ك » : الفقاهية.
3- « ك » : الاجتهادية.
4- « ز » : مندرجة.
5- « ج » : بكلّ « ز ، ك » : لكلّ.
6- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : ثانيهما.
7- « ز ، ك » : فكيف.

يقال : إنّ الدليل الاجتهادي هو ما يدلّ على الحكم الواقعي من غير ملاحظة الشكّ في موضوعه ، وما يدلّ على حكم الواقعة (1) من حيث كونها مجهول الحكم كأن يكون مبنيّا (2) لحكم الشكّ فهو دليل عملي مثل الأصول الأربعة الكلّية والأصول الجزئية كالقرعة وأشباهها ، وأمّا الأخبار الآحاد فليست مبنيّة (3) لحكم الواقعة باعتبار الشكّ ، وكذا ما يدلّ على اعتبارها أيضا فإنّ الأدلّة الدالّة عليه إنّما تدلّ على اعتبارها من حيث إنّها طرق إلى الواقع وحكايات عنه وكواشف منه (4) ، وستعرف لذلك زيادة تحقيق.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : أنّ المراد بالأدلّة الاجتهادية هو ما عدا الأصول العملية ممّا يكشف عن حكم الواقعة المشكوكة لا من حيث إنّها مشكوكة ، ولا ضير في ذلك أن يكون قطعيا أو ظنّيا أو تعبّديا صرفا ، وفيما ذكرنا أيضا يختلف المراد ، مثلا إنّ الحكم الواقعي في الشكّ في التكليف هو البراءة ، فلو تخلّف عنها المجتهد وحكم بالاحتياط كما عن الأخباريين فهو في حقّه حكم ظاهري ، ولو تردّد في ذلك الحكم فلا بدّ له من الرجوع إلى أصل آخر مقرّر فيما شكّ في كونه من موارد البراءة والاحتياط ، وهو أيضا قد يصير مجهولا إلى الانتهاء إلى حدّ لا يعقل فيه الخطأ كالعلم ، فإنّه ليس وراء عبّادان قرية.

ولا بأس بتوضيح المقال بالمثال ، فيقال : إنّ الدليل الدالّ (5) على حرمة العصير من حيث هو عصير وموضوع واقعي دليل اجتهادي ، وهذه الحرمة المستفادة منه حكم واقعي ، ففي صورة القطع بذلك فلا إشكال ، وكذا في صورة الظنّ فإنّ الدليل الدالّ على اعتباره لا يدلّ عليه من حيث إنّه مجهول الحكم ، وأمّا لو جهلنا بذلك الحكم الواقعي

ص: 405


1- « م » : واقعة.
2- « ز » : مبيّنا.
3- « ج ، م » : فليس مبنيا ، « ز » : مبيّنة.
4- « ج ، م » : طريق إلى الواقع وحاكي عنه وكاشف منه.
5- « ز ، ك » : - الدالّ.

فإن (1) وصلنا إلى ما هو حكم (2) الشاكّ من الأخذ بالبراءة - مثلا - فهو ، ويكون إذا ذلك الحكم حكما ظاهريا ، وذلك الدليل أصلا وقد يعبّر عنه بالواقعي الثانوي ، وإلاّ فالمرجع ما هو مقرّر بعد ذلك فذلك الحكم ظاهري ثانوي ، وذلك الدليل أصل ثانوي ، إلى أن ينتهي (3) في المرتبة الرابعة أو الثالثة إلى ما لا يعقل الشكّ فيه كأحد (4) القضايا البديهية.

وإذ قد عرفت المراد من الدليل الاجتهادي فنقول : إذا وقع التعارض بين الاستصحاب والأدلّة الاجتهادية فتارة : يقع الكلام فيما إذا كان مبنى الاستصحاب على الظنّ ، وأخرى : فيما كان مبناه الأخبار.

فعلى الأوّل لا إشكال في تقديم الأدلّة على الاستصحاب فيما لو كانت مفيدة للقطع ؛ لارتفاع موضوع الاستصحاب بالقطع حقيقة وواقعا ، فلا يعقل الاستصحاب.

وأمّا فيما لم تكن (5) مفيدة للقطع فإن قلنا باعتبار الاستصحاب من حيث الظنّ ولو نوعا ، كما استظهرناه من مذاق القدماء من القوم (6) ، فلا شكّ أيضا في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب ؛ لأنّ المدرك فيه هو بناء العقلاء وليس بناؤهم على الأخذ بالحالة السابقة في قبال الدليل القاضي بارتفاعها ، ولعلّ السرّ في ذلك عدم بقاء استعداده لإفادة الظنّ ، ويكون ملحقا بأخبار المجانين - مثلا - في عدم استعداده لإفادة الظنّ النوعي ، فليس عدم إفادته الظنّ من حيث وجود المعارض والمصادمة كما في تعارض الأخبار مثلا ؛ لأنّ المنساق من كلمات بعضهم على ما نبّهنا عليه فيما تقدّم (7) أنّ عدم الظنّ على الخلاف وعدم الدليل مأخوذ في ماهيّة الاستصحاب ، ويزيد ذلك وضوحا فيما لو انتفى الظنّ من غير جهة المعارضة بواسطة الموهنات (8) الأخر.

ص: 406


1- « ج ، م » : وإن.
2- « م » : - حكم.
3- « ج ، م » : ينهى.
4- « ز ، ك » : كأخذ.
5- في النسخ : لم يكن.
6- « ج ، م » : - من القوم.
7- انظر ص 78.
8- « ز ، ك » : الأمارات.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ذلك إنّما يثمر في ارتفاع الظنّ الشخصي ، وأمّا الظنّ النوعي فلا معنى لارتفاع استعداده ، ويمكن أن يقال : إنّ الوجه في ذلك أنّ بناء العقلاء على ذلك إنّما هو في مقام التحيّر ، وبعد وجود الدليل فلا حيرة لهم فليس بناؤهم على الأخذ بالحالة السابقة.

وكيف كان ، فالذي يسهّل الخطب في المقام هو اتّفاق القائلين (1) بالاستصحاب من الأصحاب وغيرهم على العمل بالدليل وطرح الحالة السابقة في قباله ، ولم يعهد منهم الخلاف في ذلك من وجه عدا ما يظهر من المحقّق القمي حيث إنّه - بعد ما نقل عن بعض المتأخّرين (2) عدم معارضة الاستصحاب بدليل - قال : إن أراد من الدليل ما ثبت رجحانه على معارضه فلا اختصاص لهذا الشرط بالاستصحاب فإنّه سار في الكلّ.

وإن أراد من الدليل ما يقابل الأصل ، ففيه : أنّ الإجماع على ذلك إن سلّم في أصل البراءة وأصل العدم فهو في الاستصحاب ممنوع ، ألا ترى أنّ جمهور المتأخّرين قالوا :

إنّ مال المفقود في حكم ماله حتّى يحصل العلم العاديّ بموته استصحابا للحالة السابقة مع ما ورد من الأخبار المعتبرة بالفحص أربع سنين ثمّ التقسيم بين الورثة ، فكيف يدّعى الإجماع على ذلك؟

وإن أراد أنّ الاستصحاب من حيث هو لا يعارض الدليل القطعي (3) كما أنّ العامّ والمفهوم من حيث إنّهما كذلك لا يعارضان الخاصّ والمنطوق ، فله وجه إلاّ أنّه لا ينافي تقديمه على الدليل بواسطة الخارج كما فيهما أيضا.

ثمّ أردف ذلك باحتمال أخذ الظنّ في تعريف الاستصحاب كأن يكون الحكم مظنون البقاء فحكم بانتفاء الاستصحاب وحقيقته عند وجود الدليل ، فلا يعقل الاشتراط ، وعلى تقدير عدم اعتباره في ماهيّة (4) ورود (5) الأمر بين اعتباره من جهة الظنّ

ص: 407


1- « ج ، م » : العاملين.
2- هو الفاضل التوني في الوافية : 208.
3- في المصدر : النطقي.
4- « ز ، ك » : اعتباره من جهة.
5- « ج » : مردّد.

ومن جهة (1) الأخبار فأورد على الاشتراط على الأوّل بمثل ما أورده أوّلا من عدم الاختصاص بالاستصحاب لتبدّل الظنّ وهما بعد ورود الدليل ، وعلى الثاني في غير ما إذا كان الدليل قطعيا بأنّ المرجع إلى تعارض الدليلين حينئذ أيضا ، فلا وجه للاختصاص (2) ، هذه (3) خلاصة ما أفاده في القوانين إلاّ أنّه لم نقف على وجه.

أمّا أوّلا : فنختار من الترديدات ثانيها (4) ، و (5) منع الإجماع ممّا لا يصغى إليه بعد ظهوره بالتتبّع في مطاوي كلماتهم ، وأمّا حديث المفقود فممّا لا مساس له بالمقصود ؛ لأنّ القائلين (6) بالاستصحاب على ما يظهر منهم في الفقه إنّما تمسّكوا به من جهة ضعف تلك الأخبار عندهم على ما صرّح به المحقّق في الشرائع (7).

على أنّ بعد التسليم عن ذلك أنّ الكلام في المقام إنّما هو في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب بمعنى أنّه لو قام دليل على ارتفاع الحالة السابقة فهل يؤخذ بالاستصحاب ويحكم بحسبه بوجودها وترتيب آثارها عليها ، أو لا بدّ من الأخذ بمفاد ذلك الدليل والحكم بارتفاع الحالة السابقة وعدم ترتيب الآثار عليها ، بل ترتيب آثار العدم عليها كما هو ظاهر؟ مثلا لو قامت (8) البيّنة على موت زيد المشكوك موته فإن قلنا بأنّ من شرط العمل بالحالة السابقة عدم العلم بارتفاعها في الزمان اللاحق ، فلا يجب إنفاق زوجته من ماله ، بل يؤخذ بأحكام موته من عدم تورّثه من مال مورّثه وتقسيم أمواله بين الورثة ونحوها. وإن قلنا بعدم الاشتراط ، فيقع التعارض ؛ لأنّ قضيّة الاستصحاب هو الأخذ بالحالة السابقة ، والبيّنة تقضي (9) بارتفاعها.

ص: 408


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : وصحّة.
2- القوانين 2 : 75 - 76 وفي ط : ص 277.
3- المثبت من « ك » في سائر النسخ : هذا.
4- « ز » : ثانيهما.
5- « م » : « إذ » بدل « و ».
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : العاملين.
7- الشرائع 4 : 846 ط الشيرازي.
8- « ز ، ك » : قام.
9- « ج » : يقتضي.

وأمّا لو قام دليل على أنّ حكم المشكوك المسبوق بالحالة السابقة مطلقا أو في خصوص مورد - مثلا - هو كذا بخلاف ما هو المستفاد من دليل الاستصحاب ، فلا شكّ في وقوع التعارض بين أدلّة الاستصحاب وبينه ، كما في الشكّ في عدد الركعات فإنّ قوله : « فابن على الأكثر » في مقام الشكّ ممّا يقضي (1) بعدم الأخذ بالحالة السابقة وترتيب آثار الوجود على المشكوك المسبوق بالحالة السابقة العدمية ، والأخبار الواردة في تقسيم مال المفقود من هذا القبيل ، ولا تعارض بينها (2) وبين الاستصحاب بمعنى أنّ (3) المستفاد منها أنّ المفقود الذي لا يعلم (4) وجوده وعدمه بعد الفحص عنه (5) أربع سنين يقسّم ماله بين ورثته كما أنّه تعتدّ زوجته ، ثمّ تحل للازدواج (6) بعد أن لم تصبر مثلا ، فهذه قاعدة خاصّة وأصل خاصّ وارد في مقام حكم الشيء المشكوك كنفس الاستصحاب ، ولا ريب في تقدّمه عليه على تقدير اعتبار الأخبار الدالّة عليه كما عرفت في تقديم (7) أخبار الشكّ في عدد الركعات عليه كما لا يخفى ، وليس مفادها أنّ الحالة السابقة التي هي مناط الاستصحاب قد ارتفعت وإن كانت مشاركة في الحكم بعدم الأخذ بالآثار المترتّبة على الحالة السابقة مع الدليل القاضي بارتفاع الحالة السابقة ، ولعلّ ذلك هو الوجه في الاختلاط بينهما (8).

وبالجملة : فالمقصود هو القول بعدم الأخذ بالحالة السابقة فيما لو قام دليل على ارتفاعها (9) لا (10) القول بعدم ما يقضي (11) بخلاف ما يقضي به الاستصحاب في مقام عدم

ص: 409


1- « ج » : يقتضي.
2- « ز ، م » : « بينهما » ، ثمّ استدرك في نسخة « م » ما بين السطور « وبين الاستصحاب ».
3- « ز ، ك » : « بل » بدل « أنّ » وكان في نسخة « م » : « أن بل » ثم شطب على « بل ».
4- « م » : لا نعلم.
5- « ز » : فيه ، « ك » : في.
6- « ج ، م » : للأزواج.
7- « م » : تقدّم.
8- « ج » : بينها.
9- « م » : ارتفاعهما؟
10- « ز ، ك » : - لا.
11- « ج » : « يقتضي » وكذا في المورد الآتي.

العلم بالحالة السابقة ، غاية ما يمكن أن يقال : هو أنّ الأحكام المعمولة في الأدلّة اللفظية من تقديم (1) الخاصّ على العامّ ونحوه ، ممّا يجب مراعاتها في المقام أيضا فلا وجه لتقديم أخبار الاستصحاب على مثل هذه الأخبار الخاصّة المبنيّة (2) لحكم الشكّ ، فيجاب عنه بالقضيّة المعروفة من أنّ العامّ مع عمومه ربّما يقدّم على الخاصّ لأمور خارجية عنهما وذلك ظاهر جدّا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره من الترديد بين أخذ الظنّ في تعريف الاستصحاب ممّا ليس في محلّه ؛ لعدم اعتبار الظنّ في واحد من التعاريف على ما سمعت الكلام فيها ، نعم يظهر من العضدي (3) أنّ الاستصحاب هو الاستدلال المعهود ، وعلى تقدير تعقّله فليس استصحابا كما لا يخفى.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره في ثاني شقّي هذا (4) الترديد من عدم الاختصاص بالاستصحاب بعد تبدّل الظنّ المعتبر (5) فيه وهما ، ليس على ما ينبغي ؛ لأنّ اطّراد ذلك وجه للاختصاص ، وإلاّ فلا وجه للقول بالتبدّل على الإطلاق فلعلّه لم يتبدّل في مورد.

وأمّا رابعا : فلأنّ المستفاد من مقالته أخيرا هو وقوع التعارض بين أخبار الاستصحاب وبين الأدلّة الاجتهادية ، وسيأتي بعيد (6) ذلك عدم استقامة أمثال هذه الكلمات على ما هو مذاقنا في الاستصحاب.

هذا تمام الكلام فيما لو قلنا بالاستصحاب من جهة الظنّ النوعي ، ومحصّله : أنّ الاستصحاب مثل الغلبة يزول استعداده للظنّ بعد وجود الدليل ، فإنّ إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب إنّما هو فيما كان الفرد المشكوك ممّا تساوى طرفاه لو لا إلحاقه بالأعمّ ،

ص: 410


1- « ز ، ك » : تقدّم.
2- « ز » : المبيّنة.
3- شرح مختصر المنتهى : 453 وتقدّم عنه في ص 11.
4- « ج » : - هذا.
5- « ز ، ك » : المعتدّ.
6- « ز ، ك » : بعد.

وبعد قيام الدليل على تفرّده من الأفراد الأخر لا يبقى موضوع المفروض في الغلبة كما هو ظاهر ، والعمدة هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة (1) المؤيّد بعدم ظهور الخلاف بين العاملين بالاستصحاب على ما عرفت.

وأمّا لو قلنا بالاستصحاب من جهة الظنّ الشخصي فمع قطع النظر عن عمل القائل به قضيّة القاعدة هو القول بدوران الأمر مدار الظنّ ، فعلى فرض وجود الظنّ في طرف الاستصحاب لا معني للقول بتقديم (2) غيره عليه مع وجود ما هو المناط في الاعتبار على ما هو مقتضى الإنصاف إلاّ أنّه لم يعهد منهم ذلك في وجه ، فيبنى طرح الظنّ الاستصحابي في قبال الأدلّة الاجتهادية على دعوى الإجماع على ذلك ، وعلى تقديره فيشكل الأمر في استفادة اعتبار مثل ذلك من الدليل ، فليتدبّر فيه فإنّه ممّا لا يكاد يتمّ في وجه.

وأمّا على الثاني (3) : فلا إشكال في ورود الدليل الاجتهادي على الاستصحاب فيما لو كان مفيدا للقطع ؛ لأنّ الممنوع في تلك الأخبار نقض اليقين بالشكّ وليس المقام منه ؛ إذ المفروض حصول اليقين على ارتفاع الحالة السابقة ، وصريح بعضها هو جواز نقضه بيقين آخر مثله ، بل الأمر به من حيث وقوع الفعل المطلوب في حيّز الخبر من قوله : « لكنّه ينقضه » ومثل ذلك نسمّيه بالورود ، وتحقيقه أن يكون الدليل على وجه بتحقّقه يرتفع محلّ الآخر وينتفي موضوعه.

وأمّا فيما لو كان الدليل الدالّ على ارتفاع الحالة السابقة ظنّيا فقد يقال (4) : إنّه يقدّم على الاستصحاب من قبيل تقديم (5) الأدلّة القطعية ؛ لانتهاء الظنّ إليه ، فعند الدقّة الناقض لليقين ليس إلاّ اليقين ، إلاّ أنّه كلام خال عن التحقيق ؛ لأنّ المناط في الورود

ص: 411


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : جملة.
2- « ج ، م » : تقدّم.
3- أي فيما كان مبناه الأخبار.
4- « ز ، ك » : قال. والقائل به بعض الأعيان كما سيأتي في ص 418.
5- « ز ، ك » : تقدّم.

هو ارتفاع موضوع الدليل حقيقة ولا يتحقّق ذلك إلاّ بعد تحقّق اليقين الواقعي الوجداني ، ومن المعلوم أنّ اليقين باعتبار شيء يغاير كون ذلك الشيء يقينا ، فالورود موضوع واقعي متفرّع على موضوع واقعي ، وجعل الشيء بمنزلة اليقين لا يترتّب عليه ما هو من لوازم حقيقة اليقين واقعا كارتفاع الشكّ مثلا ، فالتحقيق أنّه ليس من الورود ، بل هو من جهة التحكيم ، وتوضيحه يحتاج إلى تمهيد مقدّمتين :

الأولى : في أنحاء التصرّفات الواقعة في الأدلّة ولو بحسب ما يظهر منها صورة (1) ، فتارة : يكون بالورود على نحو ما عرفت آنفا ، وربّما يكون بينه وبين التخصّص (2) فرق من أنّ التخصّص (3) قد يكون أعمّ من الورود فإنّه على ما عرفت لا بدّ من أن يكون الوارد رافعا لموضوع المورود (4) فينتفي ما هو المناط بعد وجود ذلك الدليل ، بخلاف التخصّص (5) فإنّه قد يحتمل أن يكون فيما لا ارتباط بين الحكمين أيضا ، فإنّ وجوب إكرام زيد لا ارتباط له بوجوب (6) إهانة عمرو مثلا ، ولا يبعد أن يقال بالتخصّص (7) في ذلك ، فتأمّل.

وأخرى : يكون على وجه التخصيص ولازمه بقاء الموضوع وإخراج الحكم ، كما في قولنا : أكرم العلماء ، ولا تكرم زيدا العالم مثلا.

وأخرى : يكون على وجه الصرف عن الظاهر مطلقا كما في قرائن المجاز ، وذلك على وجهين : فتارة : يكون الصارف بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الدليل الأوّل ، كما في قولنا : رأيت أسدا (8) ، وقولنا : أعني الرجل الشجاع مثلا ، وأخرى : لا يكون الصارف كذلك ولكنّ العقل بعد ملاحظة ذلك الصارف وظهوره في مقام الصارفية يحكم بأنّ

ص: 412


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ظهوره.
2- « ج » : « التخصيص ».
3- « ج ، ز » : « التخصيص ».
4- « ج » : الورود.
5- « ج ، ز » : « التخصيص ».
6- « ج ، م » : لوجوب.
7- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : بالتخصيص.
8- « ك » : أسدا يرمي.

ظهوره حاكم على ظهور اللفظ في معناه الحقيقي كما في العامّ والخاصّ أيضا ، فإنّ العقل بعد ما يلاحظ من التناقض بين العامّ والخاصّ - ضرورة رجوعهما إلى سالبة كلّية وموجبة جزئية أو موجبة كلّية وسالبة جزئية - يحتمل عنده ورود ظهور الخاصّ على العامّ بحمله عليه أو التصرّف في الخاصّ بحمل أمره أو نهيه على وجه لا ينافي ظهور العامّ ، وهكذا في القرينة فإنّ من المحتمل ورود ظهور « يرمي » على ظهور المعنى الحقيقي ابتداء ، مثل احتمال ورود ظهور المعنى الحقيقي على ظهور القرينة كأن يحمل على معنى لا ينافي المعنى الحقيقي ، ثمّ (1) بعد ملاحظة التعارض والتناقض يساعد على تقديم (2) ظهور الخاصّ والقرينة في الأغلب على الآخر ، فيحكم بحمل العامّ على الخاصّ ، والحقيقة على المجاز ، ففي هذين القسمين ليس الخاصّ والقرينة ناظرين (3) إلى خلافهما بمدلوليهما ؛ لما عرفت من عدم الارتباط بينهما ، ولهذا قد تراهم يلتزمون بورود العامّ على الخاصّ أيضا ، وقد لا يحكمون بمقتضى القرينة الصارفة أيضا ، بخلاف ما إذا كان أحد المتعارضين ولو في الصورة ناظرا إلى الآخر بمدلوله اللفظي كأن يكون مبيّنا له مفسّرا له كاشفا للمراد عنه ، ولازمه عدم المعارضة وعدم التناقض ؛ ضرورة انتفاء التعارض بين المفسّر والمفسّر ، والبيان والمبيّن ، كيف وهو ناظر إلى ما هو المراد منه وإن كان لا يخلو عن ارتكاب شيء أيضا إلاّ أنّ الفرق بينهما واضح ظاهر غير خفيّ على أحد ، وذلك بحسب الواقع قد يكون عين التخصيص وإن لم يكن منه ظاهرا بواسطة اختلاف وجوه الكلام كما إذا كان المفسّر خاصّا بحسب المفهوم ، وقد يكون غيره كما إذا كان المفسّر مساويا للمفسّر ، وإن جوّزنا التفسير بالأعمّ فمخالفته مع التخصيص أظهر ، ومنه يظهر أنّ ملاحظة النسبة بين المفسّر والمفسّر ليس في محلّه ؛ إذ بعد كونه بيانا فلا يعقل ملاحظة النسبة ، لاختصاصها بالمتعارضين والمفروض انتفاؤه

ص: 413


1- « ز ، ك » : « و » بدل : « ثمّ ».
2- « ز ، ك » : تقدّم.
3- هذا هو الصواب ، وفي « ج ، م » : ناظران. وفي « س. ك » : ناظرا.

على وجه يقضي (1) بذلك.

ثمّ إنّ البيان قد يختلف وضوحا وخفاء ، فأوضح البيانات ما قد يوجد في كلمات اللغويين والمترجمين من بيان معنى اللفظ في تلك اللغة أو في لغة أخرى ، وأخفى من ذلك ما قد عرفت من تفسير الأسد بالرجل الشجاع ، وأخفى من ذلك قوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) وآيتي الاستباق (3) والمسارعة (4) على تقدير دلالتها (5) على المطالب المستدلّ بها عليها ، فإنّها بيانات للأحكام الثابتة في الدين بأجمعها ، فكأنّ (6) مفادها أنّ المجعول (7) في (8) الدين هو ما لا حرج فيه ، وأنّ المراد بتلك الأوامر الواردة في الشريعة والمقصود منها الفورية مثلا ، فلا مجال للتعارض على ما زعمه المحقّق القمي ؛ إذ (9) من المعلوم أنّ البيان ليس منافيا للمبيّن ، وأخفى من ذلك ما تسمعه في حكومة الأدلّة الاجتهادية على الأصول العملية ، ومن جملة علامات البيان أنّه لو قطع النظر عن ورود المبيّن كان البيان لغوا صرفا ، كما يظهر من ملاحظة قولنا : أعني الرجل الشجاع ، لو لم يكن كلاما برأسه ، أو (10) قولنا : ما أردت الأسد الحقيقي ، بل أردت الرجل الشجاع ، إذا (11) لم يكونا مسبوقين بقولنا : رأيت أسدا مثلا ، ومن كواشفه أيضا أنّ حمل البيان على وجه لا يكون بيانا ممّا يعدّ في العرف من إخراج الكلام عمّا سيق إليه بالمرّة ، بخلاف التخصيص فإنّ حمل الأمر فيه على الاستحباب أو تصرّف آخر فيه على وجه لا ينافي عموم العامّ ، ليس بهذه المثابة من القبح كما لا يخفى على من

ص: 414


1- « ج » : يقتضي.
2- الحج : 78.
3- قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) البقرة : 148 ؛ المائدة 48.
4- قوله تعالى : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) آل عمران : 133.
5- « ز ، ك » : دلالتهما.
6- « ز ، ك » : لكان.
7- « ز » : المجمعون ، « ك » : المجموع.
8- « م » : « من » ، « ز » : « فمن ».
9- « ج » : « و » بدل : « إذ ».
10- « ز ، ك » : إذ.
11- « ك » : إذ ، وكذا غيّرت ب- « إذ » في نسخة « ز ».

ألقى السمع وهو سديد السليقة ومستقيم الطبيعة.

الثانية : قد عرفت في بعض ما قدّمناه من مباحث الظنّ أنّ معنى جعل الشيء طريقا فيما يحتاج إلى الجعل - كالظنّ وما يشاركه في اشتماله على احتمال عدم المطابقة للواقع ممّا يكون أصل مفاده مع قطع النظر عن حجّيته (1) كاشفا عن الواقع حاكيا له ناظرا إلى ما في نفس الأمر مطابقا للواقع بحسب أصل مفاده وإن احتمل الخلاف أيضا عقلا (2) ولو احتمالا مساويا - ليس ما قد يظهر من بعض الأفاضل أنّ ذلك الشيء يكون من الأسباب الشرعية كالزوال - مثلا - للصلاة حتّى يكون معنى اعتبار البيّنة أو خبر الواحد أنّه إذا أقيمت البيّنة على كذا يجب كذا ، وإذا ورد خبر مدلوله كذا يجب الأخذ به مثلا ، كما في غيرها من الأسباب الشرعية التي هي معرّفات للأحكام.

بل التحقيق أنّ معناه جعلها مرآة عن الواقع وطريقا إليها تنزيلا لما ليس من العلم منزلة العلم ، فيترتّب عليه الآثار التي تترتّب (3) على المعلوم ممّا كان العلم طريقا إليها ، تنزيلا لاحتمال الكذب المتطرّق في البيّنة منزلة العدم ، فلا بدّ من طرح الأحكام الشرعية المترتّبة على الاحتمال والشكّ ، والأخذ بالأحكام التي تلحق (4) المعلوم ممّا يكون العلم طريقا إليها ، ويجب الأخذ بقوله وتصديقه والاعتراف بمطابقته للواقع والإذعان بحقّية خبره والاعتقاد بصدق كلامه وعدم الاعتناء (5) باحتمال الكذب وعدم المطابقة في كلامه ، وحيث إنّ الأمر بالتصديق والاعتقاد بالمطابقة بعد وجود الشكّ (6) وجدانا ممّا لا يعقل فلا جرم يؤول المعنى إلى إلغاء أحكام الشكّ (7) ، فتقع الأدلّة الدالّة على الحجّية في تلك الأمارات مفسّرة للشكّ الواقع في أدلّة الأصول ، وهذا هو المراد

ص: 415


1- « ز ، ك » : صحّته.
2- « ز ، ك » : فعلا.
3- في النسخ : يترتّب.
4- « ز ، ك » : يلحق.
5- « ز ، ك » : الاعتداد.
6- « ز ، ك » : شكّ.
7- « ز ، ك » : الأحكام المترتّبة على الشكّ.

بالتنزيل كما في غيره من التنزيلات الشرعية ، مثلا فيما لو لم يكن هذا الاحتمال منزّلا منزلة العدم كان له أحكام منها الأخذ بالبراءة فيما لو كان الشكّ في نفس التكليف ، والأخذ بالاحتياط فيما لو كان الشكّ في المكلّف به بعد العلم بثبوت التكليف ، والأخذ بالاستصحاب فيما لو (1) كان للمشكوك حالة سابقة مثلا ، والأخذ بالتخيير في موارد الحيرة ، كما عرفت تفصيل الكلام فيها بما لا مزيد عليه وكان ثبوت هذه الأحكام للشكّ أمرا قطعيا على وجه كان الحكم بعدم حجّية أمارة مشكوكة مستندة إلى لزوم طرح هذه الأحكام من غير دليل شرعي كما عرفت مرارا ، فإذا حكم الشارع بتنزيل هذا الاحتمال منزلة العدم وجعل ذلك الشيء كما إذا كان معلوما ، كان معناه أنّه يجوز (2) طرح الأحكام الثابتة لهذا (3) الاحتمال شرعا وترتيب آثار الشيء إذا لم يتطرّق إليه احتمال ، ففي مورد البراءة لا يجوز الأخذ بالبراءة ، وفي مورد الاحتياط لا يجب الأخذ بالاحتياط ، وفي مورد الاستصحاب لا مناص من الأخذ بما يدلّ على ارتفاع الحالة السابقة والأخذ بأحكام الواقع ، وكذا الكلام في التخيير لأوله حقيقة إلى البراءة.

نعم ، لمّا كانت واقعية تلك الأمارة وطريقيتها (4) بواسطة حكم الشارع وتنزيله لها منزلة الواقع لا جرم كانت الأحكام المترتّبة على الواقع هي الأحكام التي تكون بجعل الشارع دون الأحكام العقلية التي لا دخل للشارع في مقام التكليف والشارعية فيها وإن لم تكن (5) خارجة عن قدرته في مقام التكوين كما في غيره من التنزيلات الشرعية على ما عرفت وجه الكلام فيها في بعض الهدايات السابقة.

ومن هنا يظهر الوجه في أنّ حسن الاحتياط ليس ممّا يرتفع بعد دلالة دليل اجتهادي ظنّي على ثبوت حكم مخالف للاحتياط ؛ لأنّ ذلك إنّما كان من آثار عدم

ص: 416


1- « ج ، ز » : - لو.
2- « ز » : لم يجوز.
3- « ج » : بهذا.
4- « ج ، م » : طريقتها.
5- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : لم يكن.

إحراز الواقع في نفسه مع قطع النظر عن (1) الشرع أيضا ، فلم يكن ذلك بوضع الشارع حتّى يرتفع برفعه ، فلو قامت البيّنة على تعيين جهة القبلة بين الجهات المحتملة فغاية ما يستفاد منها هو رفع الوجوب الناشئ من عدم البيان بعد ثبوت التكليف ، وأمّا حسنه فهو من (2) آثار حقيقة الشكّ وعدم العلم عقلا ، والعقل قاض به إحرازا للواقع المطلوب ، فهو ثابت حقيقة ، نعم لو تبدّل الشكّ علما ارتفع الحسن أيضا بارتفاع محلّه كما هو ظاهر.

وبالجملة (3) : فجعل الشيء علما غير العلم واقعا ، فأحكام العلم واقعا غير مترتّب على ما ليس بعلم واقعا.

فإن قلت : لازم ما ذكرت عدم ارتفاع وجوب الاحتياط أيضا ، فإنّ وجوبه أيضا من الأحكام العقلية فإنّ العقل خوفا من وقوع النفس في الضرر المحتمل يحكم بوجوب الاحتياط كما عرفت في موارده ، بل اللازم عدم ارتفاع البراءة أيضا فإنّها أيضا حكم عقلي فلا يرتفع كما في حسن الاحتياط.

قلت : كم من فرق بينهما ، فإنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط إنّما هو بواسطة عدم البيان على وجه تؤمن (4) النفس من وقوعها في الضرر ، و (5) بعد وجود الدليل والبيان المعتبر يرتفع موضوع الحكم ، بخلاف الحسن فإنّه يحكم به (6) العقل من حيث عدم وصوله إلى الواقع ، وبعد إقامة الدليل المعتبر هو موجود أيضا ؛ إذ المفروض عدم كونه واقعا في الواقع فيلحقه حكمه واقعا. وبمثله نقول في البراءة كما سيجيء له زيادة تحقيق إن شاء اللّه.

ص: 417


1- « ز ، ك » : من.
2- « ز ، ك » : « فمن » بدل : « فهو من ».
3- « ج ، م » : فبالجملة.
4- في النسخ : يؤمن.
5- « ز ، ك » : - و.
6- « ز ، ك » : - به.

وإذ قد تمهدت (1) هاتين المقدّمتين فنقول : إنّ نسبة الأدلّة الاجتهادية إلى الأصول العملية نسبة المفسّر إلى المفسّر ، والمبيّن إلى المبيّن ؛ لأنّك قد عرفت أنّ معنى اعتبارها هو إلغاء أحكام الاحتمال التي هي بعينها مفاد الأصول العملية التي منها الاستصحاب ، فإنّ قوله : « لا تنقض » معناه ترتيب أحكام المتيقّن على المشكوك حال الشكّ ، ومفاد قوله : « إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم » (2) أو آية النبأ هو أنّ المراد والمقصود من الشكّ هو غير الشكّ في الموارد التي يوجد فيها الخبر أو البيّنة (3) ، فالبيان في هذه الموارد ممّا يشبه التخصيص معنى ؛ لكون المبيّن خاصّا إلاّ أنّه ليس من التخصيص ظاهرا (4) ؛ لما عرفت من اختلاف وجوه الكلام ، فإنّ قولك : أردت الإنسان ، بعد الأمر بإكرام الحيوان ليس من التخصيص ظاهرا ؛ لعدم تعرّض المخصّص بلفظه لمفاد العامّ كما عرفت في المقدّمة الأولى (5) وإن كان في معناه ، ولهذا لا يناقضه إلاّ أنّه كما عرفت من أخفى أفراد البيان.

ولذا قد التبس الأمر في ذلك على بعض الأعيان فزعم أنّ بعد ورود الأدلّة الاجتهادية يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة (6) ، وغفل عن وجود الشكّ الواقعي حسّا (7) في موارد الاستصحاب ، فلا يتحقّق الورود ، فإنّ المتبادر من الأخبار هو اتّحاد مورد اليقين والشكّ والمفروض أنّ متعلّق الشكّ هو الحكم الواقعي ، ولا يجدي في رفع ذلك اليقين بالحكم الظاهري ، فإنّ اليقين بشيء غير اليقين باعتبار شيء فيه ، والموجب للورود هو الأوّل دون الثاني ، ولا ملازمة بينهما (8) كما أشرنا إليه سابقا أيضا (9).

وكذلك قد اختفى الأمر على بعض الأفاضل فزعم أنّ موارد الأدلّة الاجتهادية

ص: 418


1- « ز ، ك » : عرفت.
2- سيأتي في ص 474.
3- « ز ، ك » : البيّنة أو الخبر.
4- « ز ، ك » : في الظاهر.
5- قوله : « لعدم تعرّض ... » إلى هنا ورد في « ص. ك » بعد قوله : « أو الخبر » فيما تقدّم.
6- « ز » : قطعا حقيقة ، « ك » : حقيقة قطعا.
7- كتب فوقها في نسخة « م » : حتّى ما.
8- « ز ، ك » : « هاهنا » بدل : « بينهما ».
9- أشار في ص 411 - 412.

بواسطة أدلّة اعتبارها مخصّصة - بالفتح - عن عموم قوله : « لا تنقض » وهذه الدعوى وإن كانت أقرب من الأولى إلاّ أنّه غير جار على التحقيق أيضا ؛ لمكان الفرق الواضح (1) بين الحكومة والتفسير وبين التخصيص ، ومنشأ التحكيم فيما نحن بصدده هو ما مهّدناه في المقدّمة الثانية من أنّ معنى اعتبار الدليل الاجتهادي ليس ما يظهر من صاحب المعالم (2) أنّه من الأسباب الشرعية المحضة ، بل معناه ما عرفت من أنّ البيّنة من حيث إنّها حاكية عن مدلولها صادقة شرعا لا بدّ من طرح الأصول في قبالها والأخذ باحتمال الواقع وطرح احتمال خلافه وعدم الاعتناء بالشكّ ، ولهذا يكون لكلّ واحد من الأدلّة الاجتهادية جهتان : جهة موضوعية بها (3) صارت (4) حجّة شرعية ، وجهة طريقية لأجلها حكم الشارع باعتبارها (5) شرعا ، فهي إذا برزخ بين الأسباب الصرفة والطرق الصرفة كالعلم مثلا ، فلو لاحظنا قوله : « لا تنقض اليقين » وقوله : « اعمل بالبيّنة » مثلا وتحقّقنا مفادهما نعلم بأنّ الثاني بيان للأوّل ، فكأنّ الثاني يفسّر (6) الشكّ المعتبر في موضوع الاستصحاب وليس من التخصيص في شيء ، وممّا يدلّ على ذلك هو ما عرفته في المقدّمة الأولى من أنّ علامة البيان هو كونه لغوا لو فرض عدم المبيّن كما يظهر من (7) أدلّة العسر والحرج وآيتي المسارعة (8) والاستباق (9) ، فإنّها (10) على تقدير أن لا يكون في الدين أمر أو نهي تقع لغوا صرفا ، بل يكون (11) أضحوكة محضة (12)

ص: 419


1- « ز ، ك » : الواقع.
2- لم نعثر عليه.
3- « ز ، ك » : - بها.
4- المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : صار.
5- « ج ، م » : باعتباره.
6- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : تفسير.
7- « ج ، م » : في.
8- قوله تعالى : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) آل عمران : 133.
9- قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) البقرة : 148 ؛ المائدة : 48.
10- « م » : فإنّهما.
11- « ز ، ك » : « حتّى أنّه » بدل : « بل يكون ».
12- « ج » : محضا.

كما لا يخفى ، بخلاف التخصيص كما في قوله : لا تكرم زيدا العالم ، فإنّه كما يصحّ بعد ورود العامّ كذا يصحّ على تقدير انتفاء العامّ رأسا ، وذلك ظاهر في الأدلّة الاجتهادية ؛ إذ بعد ما عرفت من أنّ معنى عدم اعتبارها هو الاعتناء بالشكّ والأخذ بأحكامه بحسب اختلاف الموارد ، ومعنى اعتبارها هو إلغاء تلك الأحكام ، لا ينبغي الارتياب في لغوية اعتبار الأدلّة الاجتهادية لو لم تكن (1) تلك الأحكام ثابتة للشكّ.

وبعبارة أخرى : لو لم تكن هذه الأحكام ثابتة لموارد الشكّ لم يكن لإلغائها - كما هو مفاد اعتبار الأدلّة الاجتهادية - معنى ، بل كان لغوا صرفا.

ثمّ لا فرق في ذلك بين التقديم والتأخير ؛ إذ الجمع بين الأدلّة لا يفرق فيه ذلك كما في العموم والخصوص أيضا ، نعم لو كان معنى اعتبارها كونها أسبابا شرعية كان القول بالتخصيص في محلّه.

ومن هنا ينقدح فساد مقالة من زعم أنّ بين الدليل الدالّ على البيّنة وبين الاستصحاب عموم من وجه ، حيث إنّ الأوّل يعمّ الموارد التي تؤخذ (2) فيها الحالة (3) السابقة وغيرها ، والثاني أعمّ من موارد البيّنة وغيرها ، فلا بدّ من الأخذ بالمرجّحات.

إذ بعد ما تحقّق من كون تلك الأدلّة محكّمة على الأدلّة التي بها يثبت أحكام الشكّ فلا معنى لملاحظة النسبة ، إذ المفسّر وإن كان عامّا مقدّم على المفسّر ، والوجه فيه هو أنّ بعد فرض التفسير فهو عند العرف أظهر ، فلا بدّ من الأخذ به ، على أنّ العموم في المقام ممنوع ، فإنّ دليل البيّنة حاكم على مطلق أحكام الشكّ التي منها الاستصحاب ، ومنشأ الخيال المذكور هو ملاحظته بالنسبة إلى خصوص دليل الاستصحاب ، ونظير ذلك ما مرّ مرارا من أنّ أدلّة نفي العسر والحرج إنّما يلاحظ بالنسبة إلى جميع الأحكام

ص: 420


1- « ج ، م » : « لم يكن » وكذا في المورد الآتي.
2- « ك » : يؤخذ ، « ج » : يوجد ، وفي نسخة « م » كان تمام حروفها مهملا.
3- « ز ، ك » : بالحالة.

الثابتة في الدين ولا يلاحظ بالنسبة إلى خصوص الصلاة.

وبالجملة : فبعد ما عرفت من التحقيق فلا وقع لأمثال هذه الكلمات الواهية.

وممّا ذكرنا يظهر الوجه في تقديم الأدلّة الاجتهادية على سائر الأصول غير الاستصحاب أيضا كالبراءة ونحوها ، فإنّ الكلّ مشتركة في كونها أحكاما للشكّ ، وجميع الأدلّة الاجتهادية أيضا مشتركة في كونها مبطلة (1) لأحكام الشكّ ، ويلزمها اعتبار مدلولها ، ولك أن تقول بأنّ الغرض من جعلها اعتبار مفاد هذه الأدلّة الظنّية ، ويلزمها إلغاء أحكام الشكّ ، إلاّ أنّ الأوّل بالواقع أقرب (2) كما لا يخفى ، فتدرّب وتدبّر (3).

تذنيب

زعم بعض متأخّري المتأخّرين أنّه لو حمل اليقين الناقض في الأخبار على اليقين الواقعي المتعلّق (4) بالحكم النفس الأمري ، كان الدليل الدالّ على اعتبار الأدلّة الاجتهادية مخصّصة لأخبار الاستصحاب بالتقريب الذي عرفت الوجه فيه في كلام القائل بالتخصيص مطلقا ، ولو حمل على الأعمّ من اليقين الظاهري والواقعي كان القول بالورود مطلقا في محلّه ؛ لارتفاع موضوع الشكّ بعد فرض وجود اليقين بالحكم الظاهري ، وأنت بعد ما أحطت خبرا (5) بما قرّرنا لك فيما تقدّم تعرف أنّه كلام ظاهري لا يلتفت إليه ؛ إذ لا يعقل حمل اليقين على اليقين الظاهري ، فإنّ مورد الشكّ واليقين كليهما (6) هو الواقع ، فالمستفاد من أخبار الاستصحاب أنّ الشكّ في الحكم الواقعي لا

ص: 421


1- « ج ، م » : مبطلا.
2- في هامش « م » : والوجه في كونه أقرب أنّ الأمارة الظنّية التي تحكي بمدلولها عن الواقع جهة الواقع منها غير قابلة لأن تصير متعلّقة للجعل ، وإنّما القابلة له هو احتمال خلاف الواقع ، فمقتضى الترتيب الطبيعي هو رفع احتمال المخالفة ، ويلزمه اعتبار الاحتمال المطابق ، فتدبّر. « منه »
3- « ج ، م » : - وتدبّر.
4- « ج ، م » : المعلّق.
5- « ج ، م » : - خبرا.
6- « ج ، م » : كلاهما.

يرفع اليقين بالحكم الثابت أوّلا إلاّ باليقين الواقعي ، واليقين بالحكم الظاهري لا يرفع الشكّ بالحكم الواقعي ، فلا يكون واردا رافعا لموضوع الشكّ ، فلا بدّ من التحكيم على ما عرفت.

فإن قلت : إنّه لو حمل اليقين في الأخبار على اليقين بالحكم الواقعي لما صحّ التمسّك بالاستصحاب في موارد الأدلّة الاجتهادية ؛ لعدم اليقين بالحكم الواقعي في أوّل الأمر.

قلت : المستفاد من الأخبار هو عدم جواز نقض اليقين المتعلّق بالحكم بالشكّ المتعلّق بالواقع إلاّ باليقين المتعلّق بالواقع ، فالحكم الثابت أوّلا ممّا لا يلاحظ فيه الواقعية أو الظاهرية ، بل لفظ اليقين هو عبارة عن إدراك جزمي وهو حاصل ولا دخل لمتعلّقه فيه ، وأمّا الشكّ فلا يعقل تعلّقه إلاّ بالحكم الواقعي ، وإلاّ لم يكن الشكّ في البقاء والارتفاع ، بل مرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في حجّية الدليل الدالّ على الحكم أوّلا.

نعم ، لو كان الشكّ متعلّقا بالحكم الظاهري كأن (1) كان الشكّ في الحجّية فالمشكوك هو بقاء الحجّية (2) وارتفاعها ، واليقين الثاني كان متعلّقا بحجّيته أيضا ، كان من الورود كما لا يخفى ، وكن على بصيرة من الأمر واحفظ ما ذكرنا من الحكومة فإنّه ينفعك في كثير من مباحث التعادل (3) والتراجيح.

ثمّ إنّ لنا نوعا آخر من التحكيم وهو أن يكون الدليل دالاّ على أنّ الحكم الفلاني الثابت للموضوع الفلاني الواقعي ثابت لموضوع ظاهري آخر نزّله الشارع منزلة ذلك الموضوع الواقعي ، كما في موارد الاستصحاب الموضوعي بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المترتّبة على الموضوعات الواقعية كأحكام الطهارة المترتّبة على المتطهّر الواقعي من جواز الجواز في المسجدين ومسّ كتابة القرآن ، فإنّها مترتّبة على موضوع

ص: 422


1- « ز ، ك » : - كأن.
2- « ز ، ك » : الحجّة.
3- « ز ، ك » : من المباحث الآتية في التعادل.

نزّله الشارع منزلة الواقع بالاستصحاب ، وهذا هو المراد ممّا قرع الأسماع من حكومة الاستصحاب الموضوعي بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على الموضوع الواقعي ، فهذه الحكومة عكس الحكومة في الاجتهاديات فإنّ مقتضاها المضايقة من ترتيب (1) أحكام الشكّ ، وقضيّة هذه الحكومة التوسعة من جريان أحكام الواقع على المستصحب كما عرفت.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحكومة والورود إنّما تنبّهنا به من ملاحظة كلام الصدوق في اعتقاداته (2) مثل قوله : اعتقادنا في الفلان أنّ أخباره واردة (3) على كذا أو حاكمة (4) عليه ، فليراجعها.

ص: 423


1- « ز ، ك » : ترتّب.
2- الاعتقادات : 114 ، وفيه : « اعتقادنا في الحديث المفسّر أنّه يحكم على المجمل ، كما قال الصادق عليه السلام ». وعنه في وسائل الشيعة 27 : 2. باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 28.
3- « ج ، م » : وارد.
4- « ج ، م » : حاكم.

ص: 424

هداية [ في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملية ]

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملية الدائرة في الأحكام والموضوعات كالبراءة والاحتياط والتخيير ، أمّا تعارض الاستصحاب مع البراءة بمعنى قاعدة البراءة لا استصحابها فإنّه على تقدير تعقّله كما مرّ إليه الإشارة (1) يكون من تعارض الاستصحابين ، وستعرف الكلام فيه إن شاء اللّه ، فلا شكّ في تقديم الاستصحاب عليها ، سواء قلنا بالبراءة من جهة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان أو بواسطة أخبار الإطلاق والتوسعة فيما ليس فيه علم.

أمّا على الأوّل (2) فالأمر واضح فإنّ حكم العقل لا يزيد على قبح العقاب على ما هو غير معلوم ولا ينافي ذلك جواز العقاب على ما هو معلوم ، ففي مورد تعارض الاستصحاب والبراءة لنا حكمان : أحدهما : الحكم الواقعي في واقعة العصير إذا ذهب ثلثاه بالشمس - مثلا - بعد الاشتداد والغليان الذي هو متعلّق جهل المكلّف ، وثانيهما : حكم الشارع بحرمة نقض الحالة السابقة والمفروض كونه معلوما ، فيختلف مورد الحكمين ، فإنّ حكم العقل (3) بقبح العقاب إنّما هو في شيء غير معلوم ، والعقاب على

ص: 425


1- « ز ، ك » : الإشارة إليه. وأشار إليه في ص 38 وتقدّم الكلام فيه مفصّلا في ج 1. ص 329.
2- في هامش « ج » : تعارض الاستصحاب مع قاعدة البراءة العقلية.
3- « ز ، ك » : - فإنّ حكم العقل.

شيء معلوم ، ويكفي هذه الجهة في الحكم (1) بحرمة العصير العنبي إذا لم يذهب ثلثاه بالنار مثلا.

أمّا على الثاني (2) فلوجوه ثلاثة : أحدها : ما عزاه بعضهم إلى صاحب الذخيرة وتبعه في ذلك سيّد الرياض (3) قدّس اللّه روحهما الزكية (4) من أنّ المنساق من أخبار البراءة هو الشكوك البدوية التي لم يرد فيها من أصل الشريعة أمر أو نهي ، وأمّا ما ورد فيه أمر أو نهي وإن كان بعد ذلك أيضا مشكوكا فلا تشمله هذه الأخبار ؛ إذ لا فرق في الورود بين أن يكون واردا في زمان الشكّ أو قبله ، إذ لا تقييد في قوله : « حتّى يرد فيه أمر أو نهي » (5) ففيما له حالة سابقة لا تعارض بين الأخذ بالاستصحاب وقاعدة البراءة المستفادة (6) من قوله : « حتّى يرد فيه أمر أو نهي » لدخوله تحت الغاية ، فلا يجوز إعمال البراءة ؛ إذ المفروض أنّه ممّا ورد فيه أمر وليس المقصود هو الأمر الاستصحابي ، بل الأمر الدالّ على ثبوت الحكم في الزمن الأوّل.

وفيه : أنّ المتبادر من الأخبار هو العلاج في حال الحيرة والجهل ، ولا يفرق في ذلك ورود النهي قبل ذلك مع الجهل في الحال ، فتنزيل هذه الأخبار على مثل ما ذكره السيّد في غاية البعد عند الدقيق من النظر وإن كان قد يجلو (7) عند الجليّ من النظر ، فتدبّر (8).

ص: 426


1- « ز ، ك » : يكفي في هذه الجهة الحكم.
2- في هامش « ج » : تعارض الاستصحاب مع قاعدة البراءة الشرعية.
3- في هامش « م » : لا يخفى أنّ المتراءى من السيّد إنّما هو القول بذلك في قاعدة الطهارة لا في أصالة البراءة وإن كان مناط الأمر وملاكه فيهما متّحدا ، فتدبّر. « منه ». انظر ص 430.
4- « ز ، ك » : - قدّس ... الزكية.
5- من هنا إلى قوله : أمر أو نهي ، سقط من نسخة « ك ». وتقدّم الحديث في ج 3، ص 358.
6- « ج ، م » : المستفاد.
7- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : قد يخلو.
8- « ز ، ك » : - فتدبّر.

وثانيها : ما ذكرنا في وجه (1) التقديم على تقدير استنادها (2) إلى العقل ، والفرق بينه وبين الأوّل هو أنّ النهي الملحوظ في الأوّل هو غير النهي الاستصحابي. وفيه هو (3) بعينه.

وثالثها : و (4) هو التحقيق على ما أفاده (5) أستادنا المحقّق رفع اللّه بدره في سمائه (6) أنّ أخبار الاستصحاب حاكمة على أخبار البراءة فتكون (7) مقدّمة عليها.

وأمّا الثاني فلما مرّ الكلام فيه في الهداية السابقة بما (8) لا مزيد عليه.

وأمّا الأوّل فلما عرفت في بعض مباحث البراءة والاحتياط أنّ الحكم الوارد في موضوع الشكّ على قسمين : فتارة : يكون حكما للشكّ من غير أن يكون محتاجا في ترتيب الآثار إلى إحراز شيء كما في البراءة والاحتياط ، فإنّ مجرّد الشكّ يكفي في الحكم بترتيب آثار البراءة والاشتغال بحسب اختلاف مورديهما ، وتارة : يكون حكما للشكّ لكن بعد إحراز شيء آخر كما في الاستصحاب ، فإنّ ما يترتّب على المشكوك ليس من أحكام نفس الشكّ ، بل هو من أحكام الواقع المحرز في مقام الشكّ بالاستصحاب ، فالمنساق من أخبار البراءة هو الأخذ باحتمال عدم التكليف من حيث عدم العلم بالتكليف لا البناء على أنّ هذا الاحتمال هو الواقع ، فلا يستفاد منها جعل أحد (9) طرفي الاحتمال بمنزلة الواقع كما في أخبار الاحتياط أيضا ، فإنّ الأخذ بأطراف الشبهة فيما يحتمل الوجوب ليس باعتبار البناء على أنّ المحتمل منزّل منزلة الواقع ، بل بواسطة احتمال أنّه الواقع ، وكذا فيما يحتمل الحرمة ، فإنّ الفرق بين الإذعان بواقعية احتمال والأخذ به من حيث إنّه واقع وبين الأخذ بشيء باحتمال أنّه الواقع في منار من

ص: 427


1- « ج ، م » : توجيه.
2- « ج » : إسنادها.
3- « ز ، ك » : « ما مرّ » بدل : « هو ».
4- « ز ، ك » : - و.
5- « ز ، ك » : أفاد.
6- « ز ، ك » : - رفع ... سمائه.
7- في النسخ : فيكون.
8- « ز ، ك » : ممّا.
9- « ز ، ك » : أخذ.

الوضوح ، بخلاف أخبار الاستصحاب فإنّ مفادها هو عدم نقض اليقين السابق والإذعان ببقائه والقول بأنّ احتمال عدمه غير مطابق للواقع ، غاية ما في الباب أنّ واقعية الاحتمال جعلي صرف وتعبّدي محض ، ومن هنا ترى أنّ الاستصحاب لا يفيد شيئا وراء ما يفيده الواقع بمعنى أنّ حكم الشيء المشكوك المسبوق بالحالة السابقة هو حكمه عند العلم به من غير اختلاف بينهما ، ولنعم ما أفاده الأستاد في الكشف عن هذا المعنى من أنّ الاستصحاب على ما يعطيه التدبّر إنّما هو بمنزلة المتمّم لأدلّة الاجتهاد كالإجماع المركّب ، فإنّ الحكم في زمان اليقين مستند إلى الدليل الأوّل وفي زمان الشكّ مستند إلى الاستصحاب ، كما هو في الإجماع المركّب أيضا كذلك.

فعلى ما ذكرنا يظهر الوجه في تقديمه على البراءة فإنّه بمنزلة الأدلّة الاجتهادية بالنسبة إلى حكم الشكّ مع (1) القطع النظر عن البناء على أحد طرفي الاحتمال ، فكما عرفت الوجه في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الأصول فكذلك تعرف تقديمه عليها من غير فرق بينهما من هذه الجهة ، وتوضيحه : أنّ دليل البراءة يحكم بعدم الحكم في الواقعة المشكوكة ، ودليل الاستصحاب يقضي بالبناء على الحالة السابقة وأخذها واقعا بجعل احتمال بقائها واقعا ، وحيث إنّه (2) لا معنى لجعل الاحتمال واقعا إلاّ بالتنزيل من جعل أحكامه (3) الشرعية في مورد الاحتمال ورفع أحكام الاحتمال في مورد ذلك الاحتمال المنزّل منزلة الواقع ، لا جرم كان مفاد أدلّة الاستصحاب ناظرا إلى أدلّة البراءة ، وهو معنى الحكومة ، فكما قد عرفت حكومة نفس الدليل بالنسبة إلى البراءة لكون دليله بمفاده اللفظي ناظرا إليها ، فكذا فيما (4) هو بمنزلة متمّماته كالإجماع المركّب ، فقوله : « لا تنقض » يكون بيانا للشكّ في مورد البراءة فإنّ المراد به هو في غير ما له حالة سابقة ثابتة بالدليل ، كما أنّ مفاد الدليل الدالّ على الأوّل هو بيان أنّ المراد

ص: 428


1- « ج » : فمع.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : أن.
3- « ز » : الأحكام.
4- « ز » : فكذا ما.

بالشكّ هو في غير موارد الدليل كما لا يخفى.

ومن هنا ينقدح الوجه في عدم ذهابنا إلى القول بالإجزاء فيما لو (1) انكشف الخلاف في الطرق الظاهرية ؛ إذ بعد ما فرضنا من أنّ المصلحة في جعل هذه الطرق لا تزيد (2) على مصلحة الواقع بل إنّما تكون (3) طرقا موصلة إليه ، لا يعقل (4) القول بالإجزاء ؛ ضرورة أنّ اللازم للقول بالإجزاء هو القول ببدليتها عن الواقع كما في التيمّم لا (5) القول بطريقيتها (6).

وكيف كان ، فالحقّ أنّ بعد وجود دليل (7) الاستصحاب لا يجري دليل البراءة ؛ لأنّ عدم العلم المأخوذ في موضوع البراءة على ما يفسّره أخبار الاستصحاب غير الشكّ الذي يكون مسبوقا بالحالة السابقة ، فتكون أخبار الاستصحاب حاكمة (8) على أخبار البراءة ، ولا ينافي ذلك حكومة الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب ؛ لأنّ العارف بصناعة الكلام له فهم هذا المقام فهو على وجه يحكم عليه الدليل ويكون حاكما على هذه الأصول ، والسّر في ذلك اختلاف مراتب الشكّ ، ففي موارد الأصول على ما قرّرنا مرارا لا مناص من اعتبار الشكّ فيها (9) إلاّ أنّه ربّما يكون عدم الشكّ (10) المعتبر في بعضها مأخوذا في موضوع الآخر فيكون حاكما على الآخر ، وربّما يكون أحدهما (11) في عرض الآخر فيتعارضان كما ستعرف.

وأمّا تعارض الاستصحاب مع الاحتياط ، فتقديم الاستصحاب عليه ممّا لا ينكر (12) ،

ص: 429


1- « ز » : « إذا » بدل : « لو » وسقطت من نسخة « ك ».
2- في النسخ : لا يزيد.
3- في النسخ : يكون.
4- « ز » : لا يقضي ، وسقطت من نسخة « ك ».
5- « ز ، ك » : « على » بدل : « لا ».
6- « ج ، م » : بطريقتها.
7- المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : - دليل.
8- « ج ، م » : فيكون ... حاكما.
9- المثبت من « ز » ، ولم ترد كلمة « فيها » في سائر النسخ.
10- « ز » : الشكّ المأخوذ.
11- « ز » : « مأخوذا » بدل : « أحدهما ».
12- « ز » : لا يخفى.

والوجه التحقيقي فيه ما عرفت من الحكومة.

وأمّا تعارض الاستصحاب مع أصالة التخيير فيما إذا دار الأمر بين المتباينين ولم يكن للعمل بأحدهما مرجّح في البين ، فمن المعلوم تقديم الاستصحاب عليه ؛ لأنّ التخيير حكم عقلي صرف ومقدّماته لا تجري في موارد وجود الحالة السابقة ؛ لأنّ الأخذ بها مرجّح (1) بمقتضى قوله : « لا تنقض ».

وممّا ذكرنا يظهر وجه تقديم الاستصحاب على أصالة الطهارة المعمولة في الموضوعات والأحكام على بعض الوجوه أيضا ؛ لأنّ ما أفاده السيّد (2) في البراءة جار فيها من غير مناقشة على ما يظهر من سياق دليلها فلاحظها ، مضافا إلى جريان الوجه المطابق للتحقيق فيها أيضا.

هذا تمام الكلام في تقديم الاستصحاب ومعارضته مع الأصول الكلّية الدائرة في الأحكام الشرعية والموضوعات ، فتفطّن (3) فإنّ الوصول إلى حقيقة الأمر دونه خرط القتاد ، بل وأصعب منه ، واللّه الموفّق الهادي (4).

ص: 430


1- « ز ، ك » : لكون الأخذ بها مرجّحا.
2- في هامش « م » : قلت : بل السيّد ما أفاد الوجه إلاّ في المقام ، فتدبّر. « منه ».
3- « ز ، ك » : تفطّن.
4- « ز ، ك » : - واللّه ... الهادي.

هداية [ في تعارض الاستصحاب مع القرعة ]

في تحقيق الكلام فيما إذا تعارض الاستصحاب مع القرعة التي جعلها الشارع لكلّ أمر مجهول ، فإنّها أيضا من الأصول المعمولة في الموضوعات ولا كلام لأحد من المسلمين ولا المنتحلين إليه في أصل مشروعيتها ، ونقل الإجماع عليها متظافر ، والأخبار الواردة فيها على ما جمعها وانتظمها في سلك التحرير بعض أفاضل متأخّري (1) المتأخّرين (2) بالغة حدّ التواتر فإنّها تبلغ حدّ الأربعين ، بل ويزيد عليه خمسة ، ولم نعرف فيها مخالفا إلاّ من لا يعتدّ بخلافه ؛ لعدم اعتداده بمخالفة اللّه ومخالفة رسوله ، بل يمكن (3) استفادة أصل مشروعيتها من الكتاب العزيز من قوله عزّ من قائل (4) في حكاية يونس - على نبيّنا وعليه السلام (5) - : ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (6) وقوله جلّ اسمه (7) في حكاية مريم : ( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (8) على تأمّل يظهر الوجه فيه من بعض الهدايات السابقة.

ص: 431


1- « ز » : متأخّر وسقطت من « ك ».
2- عوائد الأيّام : 460 - 651 وفي ط الحجري : 225 - 226.
3- « ك » : بل ويمكن.
4- « ز ، ك » : قوله تعالى.
5- « ز » : عليه السلام ، ولم ترد في « ك ».
6- الصافات : 141.
7- « ز ، ك » : قوله تعالى.
8- آل عمران : 44.

وبالجملة : فالأخبار كثرتها في ذلك ممّا تكفي (1) عن تجشّم تصحيح السند وتوضيح الدلالة ؛ إذ لا إجمال في مفادها بحسب المفردات الواقعة فيها ، ولا بحسب الهيئة الملتئمة من (2) ملاحظة بعضها إلى الآخر ، إلاّ أنّ الأخذ بعمومها حتّى في الأحكام ممّا لم يذهب إليه وهم ، ولو عمل بأمثال القرعة في الأحكام الشرعية لم يبق منها عين ولا أثر ويصير الفقه علما جديدا لا يشتمل عليه زبر الأوّلين ولا يوجد شيء منه في كتب الآخرين ، ولعلّك (3) بعد التأمّل في أخبارها تقدر على استخراج ذلك منها أيضا ، إلاّ أنّ الخطب فيه سهل (4) بعد الإجماع القطعي على التخصيص على تقدير العموم.

وأمّا الأخذ به في الموضوعات فلا إشكال فيه من جهة الدلالة اللفظية ؛ لما عرفت من وضوح الدلالة وسلامة السند ، إلاّ أنّ الواقع أنّ دلالتها موهونة في الموارد التي لم يظهر من الأصحاب التعويل عليه والاتّكال به كما في أمثاله من العمومات الموهونة كأخبار نفي الضرر والحرج ونحوهما ، فإنّه لا ينبغي الاجتراء على مثل هذه الأمور بعد إعراض العلماء الأخيار العارفين بمواقع الكلام والآخذين بمجامع الأخبار.

بل قد يتخيّل في وجه ذلك أنّ موارد القرعة لا يخلو إمّا أن يكون موارد الدليل ، أو لا ، وعلى التقديرين فلا مجال للقرعة فيها ، أمّا على الأوّل فواضح ؛ لارتفاع الاشتباه والتحيّر بواسطة الدليل ، وأمّا على الثاني فلأنّ الأصول العملية لمكان أخصّية أدلّتها بالنسبة إلى القرعة مقدّمة عليها ، إلاّ أنّ ذلك لا يتمّ في التخيير ؛ إذ لا دليل عليه سوى حكم العقل به بعد التحيّر ، وبعد إمكان الترجيح بالقرعة لا يحكم العقل به ؛ لانتفاء مقدّماته.

ولا يخفي أنّ هذا الوجه (5) لو تمّ فهو يجري (6) في الأحكام أيضا مع قطع النظر عن

ص: 432


1- « ز ، ك » : يكتفي.
2- « ز ، ك » : عن.
3- « ز ، ك » : فلعلّك.
4- « ز » : فيها يسهل.
5- « ج ، م » : الوجه هذا.
6- « ز ، ك » : « فيجري » بدل « فهو يجري ».

انعقاد الإجماع على التخصيص أيضا ، ومع ذلك فلا يتمّ في التخيير إلاّ بدعوى الإجماع ؛ لما ذكره المتخيّل من انتفاء مقدّماته ، وكيف كان فلا إشكال في خروج الأحكام مع قطع النظر عن هذا الوجه.

وأمّا الموضوعات فالإنصاف أنّ هذا الوجه لا يتمّ فيه أيضا ؛ لأنّ مبنى هذا الوجه على ملاحظة النسبة بين أخبار الأصول وأدلّة القرعة والأخذ بأحكام التعارض من تقديم (1) الخاصّ على العامّ ونحوه ، والذي يقتضيه التدبّر في أخبار القرعة من حيث اشتمال بعضها (2) على أنّ « من فوّض أمره إلى اللّه هداه اللّه إلى ما هو الأصلح بحاله » ونحوه ممّا يقرب مضمونه ؛ لما ذكرنا أنّ القرعة من الطرق الواقعية الموصلة إلى ما هو الثابت في نفس الأمر ، فإنّ من ألطاف اللّه على عباده إهداءهم إلى مثل هذا الطريق (3) الذي ينكشف الواقع به من اللّه ، فيكون مقدّما على الأصلين - البراءة والاحتياط - قطعا بحسب مفاد الأدلّة الدالّة على اعتبارهما ، فإن كان في المقام إجماع على تقديم الأصول على القرعة فهو ، وإلاّ فالقول بتقديم القرعة على ما وراء الاستصحاب في غاية القوّة نظرا إلى استفادة الطريقية من سياق (4) الأدلّة الواردة في اعتبارها.

وأمّا الاستصحاب فالأمر فيه في غاية الإشكال مع قطع النظر عن دعوى الإجماع على تقديمه عليها فيما لو حاولنا استفادة ذلك من الأدلّة ، فإنّك على ما عرفت يظهر من دليله طريقته بالنسبة إلى بعض الأصول كالبراءة والاحتياط والتخيير ، فيحتمل أيضا بالنسبة إلى القرعة أن يكون طريقا فيكون مقدّما عليها ، كما يحتمل العكس ، ويحتمل أيضا أن يكون أحدهما في عرض الآخر فلا يتحقّق حكومة بينهما ولا بدّ (5) من الأخذ

ص: 433


1- « ز ، ك » : تقدّم.
2- انظر وسائل الشيعة 27 : 257 ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم ، ح 4 و 5 و 13.
3- « ك » : هذه الطرق ، وفي « ج » : هذا الطرق.
4- « ج ، م » : مساق.
5- « ز ، ك » : « ولا » بدل « ولا بدّ ».

بقواعد المعارضة ، فيقدّم عليه الاستصحاب لمكان الأخصّية.

ومنشأ الاحتمالات هو أنّ الجهل المعتبر في موضوع هذه الأصول قد يكون مأخوذا في أحدهما (1) بعد الشكّ المأخوذ في آخر ، كما في الشكّ المأخوذ في البراءة فإنّ الحقّ على ما مرّ إنّما هو تأخّره عن الشكّ المأخوذ في الاستصحاب ، ولذا قلنا بحكومة الاستصحاب عليها ، وقد يكون أحدهما في عرض الآخر ، كما في الشكّ في أخبار البناء على الأكثر في عدد الركعات مثلا ، فيعارضان فيحكم بالتخصيص أو يؤخذ بالخاصّ حكومة على اختلاف وجوه الكلام الوارد في عنوان الدليل ، فالشكّ المأخوذ في القرعة يحتمل أن يكون متعلّقا بالواقع والظاهر معا لكن بالنسبة إلى الاستصحاب فيقدّم عليها ، ويحتمل أن يكون الشكّ في مورد الاستصحاب كذلك فيقدّم القرعة عليه ، ويحتمل أن يكون المعتبر فيهما شكّ واحد واقعيا فقط أو ظاهريا أيضا ولازمه التكافؤ على ما عرفت.

هذا فيما لو حاولنا استفادة ذلك من الأدلّة وإلاّ فالأمر سهل ؛ إذ بعد ما فرضنا من كون القرعة طريقا فلا يجب الأخذ بها في الموضوعات ، لعدم وجوب الفحص في العمل بالأصول فيهما ، ولا يزيد شأن القرعة على البيّنة فكما أنّ مع إمكان إقامة البيّنة على إثبات موضوع يصحّ العمل بالاستصحاب ، بل وسائر الأصول ، فكذا مع إمكان استخراج الواقع بالقرعة يجوز العمل بالأصل ، بل الأمر كذلك مع إمكان تحصيل العلم القطعي أيضا.

لا يقال : إنّ المستفاد من أخبار القرعة هو وجوب إيجادها ولزوم الإقراع ، وبعد الوجود على ما اعترفت (2) لا بدّ من الأخذ بما استخرجه القرعة فالإشكال باق بحاله.

لأنّا نقول : قد يناقش في استفادة وجوب الإقراع من الأدلّة ، بل لا يزيد حالها على البيّنة كما عرفت ، ومعنى اعتبارها أنّها لو أقيمت فهي معتبرة ، وفي المقام أمر آخر

ص: 434


1- « ج ، م » : أحدها.
2- « ز ، ك » : عرفت.

وهو أنّ الاستصحاب في الموارد الجزئية الفرعية لو سلّم عدم العلم بتقدّمه على القرعة فالاستصحاب في المسألة الأصولية بحاله ؛ إذ يرجع (1) الكلام إلى أنّ المرجع هو القرعة (2) وعدم الأخذ بأحكام الشكّ ، أو يجب الحكم بما يقضي (3) به الاستصحاب ، والأصل يقضي بالثاني.

وقد يتخيّل في المقام : أنّ أخبار القرعة لمكان عمومها لأنواع (4) الشكّ المعتبر (5) في موارد الأصول أعمّ من أخبار الاستصحاب ، وهي بواسطة شمولها للأحكام والموضوعات أعمّ من أخبار القرعة ، فيتعارضان في مورد الاجتماع فلا وجه لتقديم الاستصحاب على القرعة. إلاّ أنّك بعد ما تعلم من أنّ النسبة بين الأدلّة إنّما تلاحظ (6) قبل خروج فرد من أحد المنتسبين لا بعده - إذ المدار على إرادة الخاصّ من العامّ ولا فرق في ذلك بين الفردين كما لا يخفى - لا حاجة إلى تضعيف هذا الخيال وتزييف هذا الاحتمال (7) فإنّه بمكان من الوضوح.

وقد يتخيّل أيضا - في تقديم الأصول على القرعة - : أنّ المتبادر من الاشتباه والجهل هو الاشتباه في جميع المراتب ، فمورد القرعة فيما إذا لم يكن في المقام شائبة من الدليل ولو كان أصلا. إلاّ أنّه مجرّد دعوى لا شاهد عليها.

وقد يقال في ذلك أيضا : إنّ الاستصحاب وكذا سائر الأصول مقدّم على القرعة طبعا ؛ إذ لا معنى للاستصحاب إلاّ الحالة السابقة والشكّ في ارتفاعها ، وبعد تحقّق مورده فلا بدّ من ترتيب (8) آثاره عليه ، فلا يبقى للقرعة موضوع ولا مورد.

ص: 435


1- « ج ، م » : مرجع.
2- « ز ، ك » : الفرعية؟
3- « ج » : يقتضي ، وكذا في المورد الآتي.
4- « ج ، م » : أنواع.
5- « ز ، ك » : - المعتبر.
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يلاحظ.
7- « ز ، ك » : - وتزييف هذا الاحتمال.
8- « ز ، ك » : ترتّب.

قلت : ولعلّ (1) ذلك موقوف على عدم استفادة الطريقية من أخبار القرعة ، وإلاّ فهو في الأدلّة الاجتهادية كالبيّنة أيضا كذلك ، فتدبّر.

تنبيه

اعلم (2) أنّ موارد القرعة على قسمين : قسم له واقع غير معلوم عندنا كما في قطيعة الغنم الموطوءة واحدة منها ، والآخر ما ليس له واقع كأكثر موارد القرعة التي قالوا بالقرعة فيها اتّفاقا ، كما إذا وقع التشاحّ بين الزوجات في المضاجعة فيمن قدم (3) من سفره أو من (4) عقد عليهنّ دفعة واحدة - مثلا - [ و ] كما إذا تنازع المتعلّمان في تقديم أحدهما على الآخر في التعليم ، وكما إذا وردا في مكان من المسجد أو من مباح الأصل للحيازة مثلا ، أو إذا تشاجر الإمامان في الجماعة في المسجد ، وأمثال ذلك ممّا يقرب من عشرين موردا على ما عدّها بعض الأكارم.

فبملاحظة هذين القسمين ينقدح لك القول بأنّ تشريع القرعة إنّما هو بواسطة الوصول إلى المصالح الجزئية التي لا تكاد تنضبط ؛ لعدم اجتماعها في عنوان كلّي وأمر جامع لجميعها المكنونة في خصوص الموارد الجزئية والموضوعات الشخصية (5) ، فإنّ المصالح الكلّية المنضبطة المندرجة تحت قاعدة كلّية إنّما بيّنها (6) الحكيم الخبير (7) في ضمن أصول كلّية ، وحيث إنّه كان بعد ذلك مصالح جزئية لم يكن يصل إليها المكلّفون إلاّ بجعل طريق للوصول إليها ، شرّع لنا ما به نهتدي إليها أيضا كالقرعة في الموارد المذكورة التي لا واقع (8) لها ، ومنه (9) الاستخارة في مقام الحيرة ، كذا أفيد.

ص: 436


1- « ز ، ك » : وبعد.
2- « ج ، م » : - اعلم.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : أقدم.
4- « ز ، ك » : - من.
5- « ز ، ك » : الخفية.
6- « ك » : نبّهنا.
7- « ج ، م » : اللطيف.
8- « ز ، ك » : وقع.
9- « ز ، ك » : منها.

قلت : ولعلّ اختصاص الإجماع بالعمل بها في الموارد التي لا واقع (1) لها يكشف عن فهم المجمعين من لفظ الاشتباه والجهل الذي لا يشوبه غيره ظاهرا وواقعا ، فيسهّل الخطب في تقديم الاستصحاب عليه ، إلاّ أنّ دعوى ذلك في الأخبار مكابرة بعد ورود رواية قطيعة الغنم فيما له واقع ، فتدبّر (2).

ص: 437


1- « ز ، ك » : وقع.
2- « ز ، ك » : - فتدبّر.

ص: 438

هداية [ في تعارض الاستصحاب مع اليد ]

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع اليد وليعلم أوّلا : أنّ (1) اليد تارة : تكون (2) مثبتة للملك كما في الحيازة ، وأخرى : تكون (3) كاشفة عنه ، لا كلام في الأولى (4) منهما ، وأمّا الثانية فلا إشكال في كونها من أمارات الملك وعلامات الاختصاص عرفا ، وأمّا شرعا فلا ينبغي الارتياب في كاشفية اليد عن الملك في الجملة ، بل ونقل الإجماع - على ما قيل - عليها متضافر (5) ، ويكشف عن ذلك (6) حكمهم بتقديم قول ذي اليد على غيره في موارد الخصومات ومظانّ المرافعات ونحو ذلك ، والأخبار في ذلك أيضا كثيرة ، وإلاّ لم يقم للمسلمين سوق.

وليس المقام ممّا ينبغي فيه تحقيق الكلام فيهما وإنّما الشأن في كيفية تعارضها مع الاستصحاب ، فنقول : لا شكّ أنّ الوجه في حجّية اليد إنّما هو باعتبار ظهورها في الملكية فإنّ التعيين الموجود (7) في اليد يحتمل وجوها (8) : كأن تكون (9) مغصوبة أو عارية

ص: 439


1- « ج ، م » : أنّه انّ.
2- « ج ، م » : يكون.
3- « ج ، م » : يكون.
4- « ز ، ك » : الأوّل.
5- « ز ، ك » : متضافرة.
6- « ز ، ك » : عنه.
7- « ز ، ك » : تعيين موجود.
8- « ز ، ك » : وجودها.
9- « ج ، م » : يكون.

أو مستأجرة أو مرهونة أو مملوكة ونحو ذلك من الوجوه المحتملة لها إلاّ أنّ الغالب في غالب أفراد (1) النوع هو الملكية ، وهذا الظهور المستفاد من هذه الغلبة قد اعتبره الشارع ، فاليد المردّدة بين هذه الوجوه المختلفة الظاهرة في الملكية قد جعلها الشارع أمارة للملك بإلغاء احتمال الخلاف وعدم لزوم ترتيب (2) آثار الاحتمال عند الشكّ.

فلا جرم لا بدّ من تقديم اليد على الاستصحاب ، فهي (3) حاكمة على الاستصحاب على نحو حكومة سائر الأدلّة الاجتهادية عليه ، ولا ينافي ذلك ورود البيّنة التي هي أيضا من الأدلّة الاجتهادية والأمارات الواقعية على اليد ؛ لما قد عرفت أنّ اليد المردّدة بين الوجوه المحتملة الظاهرة في واحد منها جعلها الشارع أمارة للملك ، والبيّنة إذا أقيمت فإنّما تدلّ على تعيين واحد من تلك الوجوه ، فتكون (4) حاكمة عليها ، فإنّ مراتب الشكّ متفاوتة ، فربّما يعتبر موضوعا لحكم (5) بعد فرض انتفاء العلم وحصول الشكّ في جميع المراتب ، وربّما يختلف ذلك بحسب ما يقتضيه الدليل ، وذلك نظير (6) ما قرع الأسماع مرارا من لزوم حمل اللفظ على معناه الحقيقي عند دوران الأمر بين الحقيقة والمجاز لظهوره فيها ، ولا ينافي ذلك الظهور قيام دليل على اعتبار المعنى المجازي في مورد.

وكيف كان ، فالحقّ الحقيق بالتصديق هو حكومة اليد على الاستصحاب ، سواء قلنا به تعبّدا أو ظنّا ، أمّا على الأوّل فظاهر ممّا بيّنّا لك آنفا ، وأمّا على الثاني فقد يتراءى في بعض الأنظار الجليّة تساويهما ؛ لابتنائهما على الظهور والظنّ ، ولا بدّ من الأخذ بالمعالجات المعمولة بين أمثالهما من تقديم الظنّ الشخصي على النوعي مثلا ، والحكم بالمرجّحات عند تساويهما بذهاب الظنّ منهما ، إلاّ أنّه لا وجه لذلك عند

ص: 440


1- « ز » : فرد ، وسقطت من « ك ».
2- « ز ، ك » : ترتّب.
3- « ز ، ك » : فهل هي.
4- « ج ، م » : فيكون.
5- « ز ، ك » : تعتبر موضوعا يحكم.
6- « ز ، ك » : ونظيره.

الأنظار الدقيقة ؛ لأنّ الوجه في ظهور الاستصحاب ليس على ما قيل إلاّ غلبة بقاء الموجودات الممكنات ، ولا ريب في أنّ هذه الغلبة غلبة جنسية لا تكاد تقابل (1) الغلبة الصنفية ، فإنّ الأغلب فيما يوجد في أيدي الناس في معاملاتهم وتقلّباتهم له المحتملة بين وجوه السلطنة وضروب الاستيلاء من الملكية والإجارة والوكالة والوديعة والعارية والعداوة المردّدة بينها أن يكون على وجه الملكية ، فالظنّ حاصل بانتقاض الحالة السابقة التي هي (2) المناط في الاستصحاب.

ولو لا تقديم اليد على الاستصحاب لم يقم للمسلمين سوق ؛ إذ الأغلب سبق الأعيان الموجودة في الأيدي بالحالة السابقة المنافية (3) لمقتضى اليد ، ولا فرق في ذلك بين قيام البيّنة على الحالة السابقة أو علمنا بخلاف مقتضى اليد ؛ لعدم التنافي (4) بين مفاديهما ، فإنّ قضيّة البيّنة هي ملكية العين قبل اليد لغير صاحب اليد ، وقضيّة اليد هي الملكية حالة الاستيلاء ، ولا منافاة بينهما ؛ لإمكان الجمع بينهما ، إذ لا يعقل أن تكون (5) الأمارة المنزّلة منزلة العلم أعلى شأنا من نفس العلم.

نعم ، لو أقرّ ذو اليد على أنّ الموجود في يده كان ملكا لغيره قبل حدوث يده لم يحكم بمقتضى اليد لا لأجل تقديم (6) الاستصحاب على اليد - كما زعمه بعض مشايخنا المعاصرين على ما يظهر من كلامه في بعض فروع المسألة من قوله : من أنّ المتيقّن من أدلّة اليد هو فيما إذا لم يعارضها الاستصحاب فإنّ ذلك بمكان من البعد - بل من حيث إنّ الإقرار منضمّا إلى اليد دليل على دعوى انتقال الملك من المقرّ له إليه ، فعليه إقامة ما يثبت به الدعوى من بيّنة ونحوها ، وبذلك يظهر الفرق بين الإقرار والبيّنة ، فإنّ الإقرار من حيث إنّه فعله يدلّ بالالتزام على انتقاله منه إليه ، دون البيّنة فإنّه لا دلالة

ص: 441


1- « ز ، ك » : لا يكاد يقاوم.
2- « ج ، م » : هو.
3- « ز ، ك » : النافية.
4- « م ، ك » : المنافي.
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون.
6- « ز ، ك » : تقدّم.

فيها على ذلك كما في صورة العلم ، فلو لم نقل باعتبار الاستصحاب كان الوجه (1) هو ما ذكرنا أيضا وذلك ظاهر.

وفي المقام إشكال آخر وهو أنّهم شكر اللّه مساعيهم (2) لم يفرّقوا في موارد اليد والحكم بتقديمها على الاستصحاب بين ما هو موجود في الأيدي بحسب الظاهر المتعارف من الاستيلاء والسلطنة ، كاستيلاء الرجل على ملبوسه ومأكوله وداره وما يتقلّب به فيها من أثاث وفراش (3) وغير ذلك من العقار والمنقول من خيل وأنعام ونحوها ، وبين ما ليس في اليد بحسب ما هو المتعارف فيها ، كالكنز المدفون في الدار المنقولة إلى الغير بسبب من الأسباب الشرعية ، وكالجوهرة المكنونة في جوف الدابّة والسمكة ، فإنّ اليد على الكنز وتلك الجوهرة إنّما هو بواسطة السلطنة على الدار والدابّة وليس للمالك (4) عليها سلطنة ابتداء كما في غيرها ، فحكموا بتقديم اليد على الاستصحاب في أمثال المقام كما يظهر من حكمهم بوجوب تعريف المال المذكور للمالك المنتقل منه الملك إليه لو كان حيّا ولوارثه لو كان ميّتا مع عدم نهوض المناط في التقديم في هذا القسم ؛ لعدم ظهور في ذلك لا شخصا ولا نوعا.

اللّهمّ إلاّ أنّ يقال : إنّ حكمة التشريع في اليد هي استفادة الظهور منها بكون (5) ما في اليد ملكا لذيها ولا يجب الاطّراد في ذلك ، إلاّ أنّ هذا مجرّد ادّعاء لم يقم عليه دليل ولا وفت به بيّنة ، ولذلك لا يكون المقام خاليا عن الإشكال كما تشعر (6) به عبارة المدارك (7) وإن عاتبه بعض من تأخّر عنه (8) في ذلك بما ليس في محلّه.

ص: 442


1- « ز » : كما انّ الوجه.
2- « ز ، ك » : - شكر اللّه مساعيهم.
3- « ز ، ك » : من أساس ومتاع وفراش.
4- « ز ، ك » : ممالك.
5- « ك ، م » : يكون.
6- « ز ، ك » : يشعر.
7- المدارك 5 : 372.
8- غنائم الأيّام 4 : 300 ، انظر كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : 143 - 144.

نعم ، هناك أخبار يدلّ على وجوب التعريف في بعضها صراحة كما في رواية الصرّة (1) الموجودة في جوف الأضحية يوم النحر ، وعناية في غيرها بدعوى اتّحاد المناط ونحوه ، واللّه الموفّق وهو (2) الهادي.

ص: 443


1- وسائل الشيعة 25 : 452 ، باب 9 من كتاب اللقطة ، ح 1 و 2.
2- « ز ، ك » : - الموفّق وهو.

ص: 444

هداية [ في تعارض الاستصحاب مع قاعدة التجاوز ]

اشارة

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع الأصل المدلول عليه بجملة من الأخبار المعتبرة الآتية إن شاء اللّه المعبّر (1) عنه بأصالة وقوع الفعل عند الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ ، وتحقيق الكلام فيه في مقامين :

المقام الأوّل

في أصل مشروعية الأصل المذكور ، فنقول : إنّما يدلّ على الأصل المذكور بعد منقول الإجماع على ما نقله الأستاد دام عزّه المستفيضة (2) من الأخبار :

أحدها : الموثّق : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » (3).

وثانيها : الخبر المنقول عن الصادق عليه السلام : « إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فليس شكّك بشيء » (4).

وثالثها : قوله عليه السلام أيضا : « كلّ شيء [ شكّ فيه ممّا ] قد جاوزه ودخل في غيره فليمض

ص: 445


1- « ز ، ك » : المعبّرة.
2- « ز ، ك » : - المستفيضة.
3- وسائل الشيعة 1 : 470 ، باب 42 من أبواب الوضوء ، ح 2.
4- سيكرّره في الحديث السابع فلاحظ تخريجه هناك.

عليه » (1).

ورابعها : صحيحة زرارة ففيها : « فإذا قمت من الوضوء وقد فرغت عنه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها فشكّك في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك [ فيه وضوءه ] لا شيء عليك فيه » (2).

وخامسها : رواية محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام : رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ عن الصلاة؟ قال عليه السلام : « مضى على صلاته ولا يعيد » (3).

وسادسها : مضمرة بكير بن أعين قال : قلت له الرجل يشكّ بعد ما توضّأ (4)؟ قال :

« هو حين ما يتوضّأ (5) أذكر منه حين يشكّ » (6).

وسابعها : صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : رجل شكّ في التكبير وقد قرء؟ قال عليه السلام : « يمضي » قلت : رجل شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال عليه السلام : « يمضي » ثمّ قال عليه السلام : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء » (7).

وثامنها : الصحيح المشتمل على قوله عليه السلام : « وإن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (8).

وتاسعها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد

ص: 446


1- سيكرّره في الحديث الثامن فلاحظ تخريجه هناك.
2- وسائل الشيعة 1 : 469 ، باب 42 من أبواب الوضوء ، ح 1.
3- وسائل الشيعة 1 : 470 ، باب 42 من أبواب الوضوء ، ح 5 ، وفيه : « يمضي ».
4- في المصدر : يتوضّأ.
5- في المصدر : حين يتوضّأ.
6- وسائل الشيعة 1 : 471 ، باب 42 من أبواب الوضوء ، ح 7.
7- وسائل الشيعة 8 : 237 ، باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 1.
8- وسائل الشيعة 6 : 318 ، باب 13 من أبواب الركوع ، ح 4 ، و 369 ، باب 15 من أبواب السجود ، ح 4.

مضى فامضه كما هو » (1).

وعاشرها : ما رواه في الوسائل عن قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل ركع وسجد ولم يدر هل كبّر أو قال شيئا في ركوعه وسجوده؟ هل يعتدّ بتلك الركعة والسجدة؟ قال عليه السلام : « إذا شكّ فليمض في صلاته » (2).

فتلك عشرة كاملة إلى غيرها من الأخبار الواردة في هذا المضمار ، ولا كلام في استفادة ما ذكر (3) منها ؛ لظهورها فيه ، وكثرة الأخبار والاعتبار عند الأصحاب تغنينا عن تجشّم تصحيح أسانيدها ، فلا يعتدّ بما قيل من ضعف في بعض رواتها (4) أو إضمار في بعضها أو إرسال في آخر.

إنّما الكلام في أنّ هذه القاعدة هل بعمومها شاملة لما إذا شكّ في الشيء وجودا و (5) صفة ، أو يختصّ بالوجود فقط وليست شاملة لما إذا شكّ في اعتبار كيفية زائدة على نفس الوجود في الشيء؟ فلو شكّ في نفس الوضوء ووجوده ، فلا إشكال في أنّ الأصل وقوعه بعد تجاوز محلّه على ما ستقف على تفاصيله. وأمّا لو شكّ في الوضوء لا في وجوده ، بل فيه بمعنى تعلّق الشكّ بما هو معتبر فيه من جزء أو شرط ونحوه ، فعلى الأوّل تدخل في القاعدة الشريفة المزبورة ، وعلى الثاني لا تدخل إلاّ أن يلاحظ ذلك الجزء بنفسه من غير تعلّق له بشيء آخر ، فيكون من موارد القاعدة الشريفة (6).

فيه إشكال ، وتوضيح الكلام وتحقيق المقام هو أن يقال : إنّ هناك قاعدتين : إحداهما : أصالة وقوع الفعل عند الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ ، والأخرى : أصالة حمل

ص: 447


1- وسائل الشيعة 8 : 238 ، باب 23 من أبواب الخلل في الصلاة ، ح 3.
2- وسائل الشيعة 8 : 239 ، باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 9 ؛ قرب الإسناد : 198، ح 755، وفي ط الحجري : 91.
3- « ز ، ك » : ذكرنا.
4- في هامش « م » : فإنّه قد يناقش في وثاقة بكير.
5- « ك » : أو.
6- « ز ، ك » : المذكورة.

فعل المسلم على الصحّة وستعرف تفصيل الكلام في الأخيرة - إن شاء اللّه - في محلّها (1) ، ولا إشكال في شمول تلك القاعدة للموارد التي يشكّ فيها في غير الوجود على تقدير التسرية من فعل الغير إلى فعل النفس كما ستطّلع عليها ، وإنّما الإشكال في شمول القاعدة التي نحن بصددها لهذه الموارد ، ووجه الإشكال أنّ الظرفية المستفادة من كلمة « في » في قوله : « فيه » في الأخبار المذكورة تارة : يراد بها الظرفية المتداولة عندهم في قولهم : « شكّ في شيء » يعني شكّ في أصل وجوده وعدمه ، فكلمة « في » صلة مبيّنة (2) لما وقع في (3) محلّ الشكّ ولما هو مشكوك ، كما في اللام الداخلة على المراد المبيّنة (4) لأنّ ما دخلته هو المراد. وتارة (5) : يراد بها الظرفية التي ليست من هذا القبيل ، فالشكّ (6) في شيء معناه الشكّ في أثنائه لا في نفسه ووجوده.

ولا ريب أنّ المعنيين مختلفان (7) ولا جامع بينهما ، فإن أريد من قوله : « فيه » المعنى الأوّل كما هو الظاهر من قولهم : « شكّ فيه » فلا ريب في عدم اشتمال القاعدة المزبورة لهذه الموارد إلاّ أن يرجع الشكّ إلى نفس ذلك الشيء الذي شكّ باعتباره في أثناء المشكوك فيه كما عرفت وإن كانت هذه الموارد مشمولة لقاعدة حمل الفعل على الصحّة على تقدير التسرية.

وإن أريد من قوله : « فيه » المعنى الثاني فيلزم خروج الموارد التي شكّ في نفس العمل وإن شملت الموارد التي حصل في العمل شكّ مع بعده عن مساق الرواية ، مضافا إلى لزوم تخصيص مورد الخبر ، فإنّ الشكّ في أجزاء الوضوء حين الاشتغال به ممّا يعتدّ به ولا بدّ من الأخذ بأصالة العدم فيها.

ص: 448


1- وهو في الهداية الآتية.
2- « ك » : مبنيّة ( ظ ) وفي « ج » : مثبتة.
3- « ج ، م » : - في.
4- « ك » : المبنية ( ظ ) وفي « ج » : المثبتة ( ظ ).
5- في النسخ : فتارة.
6- « ج » : فانّ الشكّ.
7- « ج » مختلفين.

وإن أريد من قوله : « فيه » كلاهما يلزم إرادة المعنيين من لفظ واحد مع ما قرّر في (1) محلّه من شناعة (2) مثله ، اللّهمّ إلاّ أن يتمسّك بذيل ما يجمع بين المعنيين من القدر المشترك وهو بعيد في الغاية.

فالأولى إرجاع الشكوك الأثنائية إلى الشكوك الوجودية بملاحظة وجود نفس الجزء أو الشرط وإيجاد الكيفية التي باعتبارها حصل الشكّ في العمل المشتمل عليها كما لا يخفى.

المقام الثاني

في تعارض الاستصحاب مع هذه القاعدة ، فنقول : الحقّ حكومة هذه القاعدة على الاستصحاب أيضا ؛ لمكان تعرّض أخبارها لفظا لأخبار الاستصحاب على ما عرفت في غيرها من الموارد ، وإن أبيت عن ذلك فلا إشكال في تقدّمها على الاستصحاب ؛ لمكان أخصّية هذه الأخبار عن أخبار الاستصحاب ، كما في أخبار البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات ، على أنّ الإمام عليه السلام إنّما قدّم تلك القاعدة في مواردها على الاستصحاب ، ولو لم يكن هذه القاعدة مقدّمة عليه لم يتحقّق لها مورد أصلا ؛ لاستحالة انفكاكه عنها في شيء من مواردها ، وذلك أمر ظاهر لا سترة عليه.

وينبغي التنبيه على أمور :

[ لتنبيه ] الأوّل

هل المستفاد من هذه الأخبار هو الحكم بوجود المشكوك فيه ليترتّب مطلقا (3) عليه جميع ما يترتّب على وجوده واقعا من الآثار الشرعية كما في الاستصحاب

ص: 449


1- « ج ، ز » ونسخة بدل في « م » : من.
2- « ك » : امتناع.
3- « ز ، ك » : - مطلقا.

الوجودي ، أو وقوعه من الحيثية التي وقع الشكّ باعتبارها فقط لا الحكم بوجوده مطلقا فلا يترتّب عليه إلاّ الآثار الشرعية التي تلحق المشكوك بالحيثية (1) التي يصدق باعتبارها التجاوز عن محلّ المشكوك؟ وجهان ، بل يمكن أن يقال قولان :

يظهر من فيلسوف القوم الشيخ الجليل كاشف الغطاء في مقدّمات الكشف (2) القول بالوجود.

والحقّ على ما يقتضيه القواعد الراجعة إلى استفادة الأحكام من الأدلّة هو الثاني على ما أفاده الأستاد أنار اللّه برهانه (3).

ويظهر الثمرة في ترتيب غير الآثار المترتّبة على تلك الحيثية من الأحكام اللاحقة لمطلق الوجود ، كما إذا شكّ في الوضوء بعد الفراغ من الظهر ، فعلى الأوّل يصحّ الدخول في العصر لوجود الطهارة الشرعية التي يجوز معها الدخول في جميع ما هو مشروط بها شرعا ، وعلى الثاني يجب الاقتصار بالظهر فقط ولا يجوز الاكتفاء به لصلاة العصر ؛ لأنّ الوضوء إنّما تجاوز محلّه بالنسبة إلى الظهر فقط دون العصر ، فلا بدّ من تحصيل الطهارة للعصر شرعا.

وتحقيق المقام يتوقّف على تمهيد مقدّمة وهي أنّه لا يكاد يخفى على أحد أنّ الحكم بوجود الشيء المشكوك مع العلم بكونه مشكوكا ممّا لا يعقل ، فلا بدّ من تنزيل الكلام الدالّ على ذلك على وجه لا ينافي حكم العقل بفساد ذلك كما في غيره من المواضع التي لا بدّ صرف الكلام الوارد فيها إلى خلاف ما يظهر منه صونا لكلام الحكيم عن (4) أمثال هذه (5) المحاذير على ما عرفت في جملة من التنزيلات الشرعية وتعبّديات الشارع

ص: 450


1- « ز ، ك » : فالحيثية.
2- انظر كشف الغطاء 1 : 201 وفي ط الحجري : 35 في البحث السادس والثلاثين.
3- « ز ، ك » : - أنار اللّه برهانه.
4- « ج ، م » : من.
5- « ج ، م » : - هذه.

كما في الاستصحاب أيضا كذلك ، ولا يخفى أيضا أنّ بعد ما بنينا على صرف الكلام عن ظاهره بارتكاب تقدير (1) فيه من قبيل الدلالة الاقتضائية ، فذلك ليس أمرا منضبطا كأن يكون على طور واحد وطرز فارد لا يمكن التخلّص عنه ، بل إنّما هو على حسب ما يظهر للمنزّل من مصالح التنزيل ومفاسده ، فربّما يحكم بوجود شيء مشكوك تنزيلا له منزلة الموجود على وجه الإطلاق لمصلحة دعته إلى التنزيل المذكور على الوجه المذكور ، وربّما يحكم بوجود شيء لا على وجه الإطلاق ، بل يحكم بوجوده معنونا بعنوان خاصّ ، فعلى الأوّل يجوز ترتيب آثار ذلك الشيء عليه حال الشكّ على وجه الإطلاق ، وعلى الثاني لا بدّ من الاقتصار على الأحكام الشرعية المترتّبة على ذلك العنوان فقط.

ومن (2) ذلك يجيء التفكيك بين اللوازم والملزومات العقلية ، بل الشرعية أيضا ، كما فيما لو أقرّ واحد بأبوّته لزيد وأنكرها زيد ، فإنّه يحكم بلوازم الأبوّة للمقرّ ولا يجب أن يقيم زيد بلوازم البنوّة ، فيعطى ميراث الأب ولا يؤخذ من (3) ورثته (4) ميراثه ، وأمثال هذه التفكيكات (5) في الشريعة غير عزيز ، وإنّما المائز بين القسمين الرجوع إلى عنوان الدليل ، فإن استفدنا منه الحكم بوجود الشيء مطلقا كما في الاستصحاب فما يترتّب عليه هي (6) الأحكام الشرعية المترتّبة على ذلك بجميع عناوينه ، وإن استفدنا منه حكمه (7) بوجوده بعنوان خاصّ فلا يجوز التعدّي إلى حكم ذلك الشيء بغير العنوان الذي باعتباره حكم بوجوده ، بل لا بدّ من الاقتصار عليه ؛ لعدم ما يقضي (8) بذلك من دليل عقلي أو نقلي ، والأصل يقضي (9) بعدمه.

ص: 451


1- « ز ، ك » : تقييد.
2- المثبت من « م » وفي النسخ : فمن.
3- « ج » : « قسم » بدل : « من ».
4- « ج ، م » : ورثه.
5- « ج ، م » : أمثال التكليفات.
6- « ج ، م » : هو.
7- « ز ، ك » : حكمه منه.
8- « ج » : يقتضي ، « ز ، ك » : يفضي.
9- « ج » : يقتضي.

وإذ قد تمهّد هذا (1) فنقول : إنّ قوله عليه السلام : « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (2) إنّما هو تنزيل للمشكوك فيه منزلة الموجود لكن على عنوان مخصوص (3) باعتبار قيد المجاوزة عن المحلّ.

نعم ، لو كان الحكم بوجود الشيء المشكوك من غير أن يكون مقيّدا بهذا القيد كان الحكم بوجوده مطلقا على إطلاقه في محلّه ؛ لعدم ما ينافي ذلك بعد وجود ما يقضي (4) به ، وأمّا بعد التقييد (5) فلا ، فالوضوء إنّما هو شيء قد شكّ فيه ، ولكن باعتبار أنّه معنون بعنوان الوجوب (6) الغيري لصلاة الظهر قد جاوز محلّه ؛ لأنّ محلّ الشرط (7) هو مقارنته مع المشروط والمفروض انقضاء المشروط ، ولكن باعتبار أنّه مقدّمة للعصر ممّا لم يتجاوز محلّه ، نعم لو بنينا على المحلّ العرفي ففيما لو شكّ قبل الشروع في الصلاة مطلقا في الوضوء ، فيحكم بوجوده ويصحّ معه الدخول في الصلاتين ؛ لإحراز القيد الأخير في المشكوك المحكوم بالوجود شرعا.

لا يقال : إنّ الوضوء الواحد حقيقة يكفي عن جملة من الصلوات ، وبعد ما فرضنا من أنّ صلاة الظهر إنّما وقعت على طهارة ووضوء فلا بدّ من الحكم بجواز الدخول في العصر أيضا ، وإلاّ فيلزم أن لا يكون الظهر واقعا على طهارة وقد قال الشارع : « لا صلاة إلاّ بطهور » (8) وبالجملة : فالطهارة أمر مقدّمي ويكفي في وجود المقدّمة وترتيب ذويها (9) عليها ترتيب واحد منها والمفروض تحقّقه بالنسبة إلى صلاة الظهر التي هي

ص: 452


1- « ج ، م » : هذه.
2- تقدّم في ص 446.
3- « ز ، ك » : مخصّص.
4- « ج » : يقتضي ، « ز » : يفضي.
5- « ز » : التقيّد.
6- « ج » : وجوب.
7- « ج » : الشروط.
8- وسائل الشيعة 1 : 315 ، باب 9 من أبواب أحكام الخلوة ، ح 1 ، و 365 - 366 ، باب 1 من أبواب الوضوء ، ح 1 ، و 369 ، باب 2 من أبواب الوضوء ، ح 3 ، و 372 ، باب 4 من أبواب الوضوء ، ح 1 ، وج 2 : 203 ، باب 14 من أبواب الجنابة ، ح 2. وتقدّم في ص 165.
9- « ز ، ك » : ذيها.

واحدة منها.

لأنّا نقول : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، فإنّ وجود المقدّمة حقيقة وواقعا يكفي في ترتيب ذويها (1) عليها من غير إعادة (2) لها وتكرار فيها (3) ، وأمّا وجودها التنزيلي فلا بدّ من الاقتصار على قدر التنزيل شرعا ، وأمّا حديث الطهور (4) فواه جدّا ؛ لكونه طهارة شرعية على حسب التنزيل كما في الاستصحاب ، فهذه القاعدة أيضا محكّمة على قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » على نحو تحكيم الاستصحاب عليه إلاّ أنّه لا بدّ من مراعاة مقدار التنزيل في كلّ واحد منهما.

وما ذكرنا من مراعاة العنوان المنزّل ومقدار التنزيل ليس بذلك البعيد ، فإنّ كثيرا ما يوجد أمثاله (5) في الأحكام الشرعية ، فإنّ للشيء قد يكون وجوها مختلفة وعناوين متعدّدة يستتبع كلّ واحد منها أحكاما متفاوتة كما عرفت في الوضوء ، وكذلك في الغسل فإنّه من حيث إنّه حركة وسكون له أحكام ومن حيث إنّه تصرّف في مال الغير له أحكام أخر ، فلو شكّ في الغسل بعد التجاوز عن محلّه يحكم بوجوده من حيث إنّه شرط شيء (6) لا يجوز الدخول فيه بدونه مثلا ، ولا يثبت بذلك جميع عناوينه ، فلا يجب على الشاكّ في الغسل بعد البناء على وجوده دفع الأجرة إلى صاحب الحمّام مثلا ، وذلك أمر ظاهر بعد ظهور تعقّل التفكيك بين الأمور المتضايفة في الشريعة والعناوين المتلازمة كما في الأقارير والدعاوي ونحوها ممّا لا حدّ له ولا حصر (7) فيه ، وبعد دلالة الدليل على الوجه المذكور فإنّ قضيّة القواعد المعمولة في استخراج المطالب من الألفاظ الواردة في بيانها هو الأخذ بجميع ما يظهر من القيود في

ص: 453


1- « ز ، ك » : ذيها.
2- « ز ، ك » : إفادة.
3- « ز ، ك » : منها.
4- « ز ، ك » : الظهر.
5- « ز ، ك » : مثاله.
6- « ز ، ك » : - شيء.
7- « ز ، ك » : لا ينحصر.

الدليل عند استفادة المطلوب منه ، وقد عرفت أنّ مضمون هذه الأخبار مع جميع القيود الملحوظة فيه من صدق الشيء والشكّ فيه والتجاوز عن محلّه لا يصدق على الشيء المشكوك فيه بجميع عناوينه وتمام حيثياته ؛ لعدم صدق المضمون على الوضوء في الملاحظة المذكورة ، لانتفاء القيد (1) الأخير ، فيختلف عن أحكام يترتّب (2) على عنوان غير مشتمل على هذا القيد وقد مرّ مرارا بأنّه لا غرو في ذلك.

و (3) من ذلك ما لو نذر قراءة سورة معيّنة كسورة يس - مثلا - في الصلاة ، فإنّ التجاوز من محلّ السورة إنّما يجدي في الحكم بقراءة مطلق السورة لا السورة الخاصّة ؛ لعدم ثبوت هذا (4) العنوان بالأصل.

ونظيره في غير المقام ما (5) لو ثبت اشتغال ذمّة واحد لآخر بإقامة شاهد على استراقه منه شيئا وإتمامه باليمين ، فإنّه يحكم بمجرّد الاشتغال دون عنوان السرقة فلا يجوز قطع يده ، بخلاف ما لو ثبت بشاهدين فإنّ عنوان السرقة يثبت بذلك فيترتّب عليه أحكامها.

ولا مناص ممّا ذكرنا إلاّ بدعوى أنّ المستفاد من الأخبار هو الحكم بوجود المشكوك فيه مطلقا ، وعدم الاعتناء بأمثال هذه النكات والدقائق في استنباط الأحكام من الأدلّة واستخراج المطالب من الألفاظ (6) الواردة في مقامها ولعلّها خارجة عن طريق العلم والاستدلال ، فإنّ الأحكام العرفية مع كمال سهولتها فهي في عين الصعوبة ، فليس كلّ ما يكون حاله إليهم سهلا فإنّه صعب مستصعب ، فتدبّر.

ص: 454


1- في النسخ : قيد.
2- « م » : ترتّب.
3- « ز ، ك » : - و.
4- « ز ، ك » : هذه.
5- « ز ، ك » : - ما.
6- « ز » : ألفاظ.
[ لتنبيه ] الثاني

لا إشكال في شمول هذه القاعدة وجريانها فيما إذا (1) شكّ في وجود شيء يحتمل تركه نسيانا بعد التجاوز عن محلّه ، كما لو شكّ في الوضوء بعد الدخول في الصلاة باحتمال ترك الوضوء نسيانا ؛ لظهور الأخبار المذكورة في هذه الصورة ولا ينبغي الارتياب فيه ، كما أنّه لا إشكال في عدم شمولها وجريانها فيما لو شكّ في صحّة أصل العمل مع العلم بالكيفية (2) التي وقع العمل عليها وحضور صورة العمل عند الشاكّ ، كما إذا علمنا بكيفية أداء « الضاد » في قوله : ( وَلَا الضَّالِّينَ ) وشككنا في كون القراءة المتكيّفة بالكيفية المخصوصة مبرئة أو لا ، والوجه في ذلك أيضا ظاهر ؛ لعدم ظهور الأخبار في مثل هذه الصورة ، ويمكن استظهار عدم الشمول من عدم كون المورد (3) في هذه الأخبار من هذا القبيل ، مضافا إلى أنّ تجاوز المحلّ ممّا لا دخل له في هذا الشكّ ؛ لكونه شكّا في الحكم الشرعي أو ما هو بمنزلة ذلك كما لا يخفى ، لوجود الشكّ قبل العمل وبعده أيضا.

وهل تجري (4) فيما إذا شكّ في العمل بغير النسيان كالعصيان - مثلا - وما إذا شكّ في العمل لا من عذر ، كما إذا شكّ في وصول الماء حال التوضّؤ بالبشرة لاحتمال وجود مانع كالخاتم - مثلا - أو لا؟ وجهان : من الأخذ بعموم بعض الأخبار المتقدّمة ؛ لكونه شكّا بعد التجاوز فلا بدّ من الإمضاء فيه وعدم الاعتداد به ، ومن ظهورها في مورد النسيان فقط.

ولعلّ الثاني أقرب نظرا إلى قوله عليه السلام في مضمرة بكير بن أعين : « هو حين ما يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (5) والتقريب من وجهين :

ص: 455


1- « ز ، ك » : لو.
2- في النسخ : بكيفية.
3- « ز ، ك » : المراد.
4- « ز ، ك » : يجري.
5- تقدّم في ص 446.

أحدهما : أنّ قوله عليه السلام : « هو حين ما يتوضّأ » إلخ إنّما هو وارد في مقام الجواب ؛ لكونه علّة له كما في قوله :

« فانّ المسك بعض دم الغزال »(1)

كما لا يخفى على العارف بصناعة الكلام ، والعلّة لا بدّ من أن تكون (2) مطّردة جامعة لتمام مواردها وجميع مواضعها ، كما أنّه لا بدّ من أن تكون (3) منعكسة غير شاملة لما لا يوجد فيه تلك العلّة ، كما يظهر من قولك : « الخمر حرام ؛ لأنّه مسكر فإنّ بعموم (4) العلّة كما يمكن استكشاف حرمة المسكر في غير الخمر كذا يمكن استكشاف عدم حرمة الخمر الغير المسكر مثلا ، فمفهوم التعليل يخصّص العمومات الدالّة على الإمضاء مطلقا.

وثانيهما : انصراف الشكّ الواقع في السؤال إلى الشكّ في صورة النسيان كما استظهره الإمام عليه السلام فأجابه بما يلائمه من الأذكرية (5) مع تركه الاستفصال بين صور الشكّ في سؤال السائل كما هو ظاهر ، وفهم الإمام إنّما هو إمام الأفهام ، وهو كذلك واقعا ؛ لما عرفت من ظهور الشكّ الواقع في هذه الأخبار في الشكّ النسياني جميعا.

وذلك ممّا لا ريب فيه إلاّ أنّ العموم أيضا بحاله (6) لو قطع عن هذين الوجهين. نعم يمكن الاستناد إلى ظهور حال المسلم فيما لو شكّ في العصيان كما ستقف عليه إن شاء اللّه ، ولا مدخل للمقام له ؛ للفرق الواضح بينهما كما ستعرف فإنّ النسبة هي العموم من وجه.

ص: 456


1- البيت للمتنبّي في مدح سيف الدولة كما في ديوانه : 224 وتقدّم أيضا في ص 93 وصدره : فان تفق الأنام وأنت منهم
2- في النسخ : يكون.
3- في النسخ : يكون.
4- « ك » : من عموم ، « ز » : فانّ العموم.
5- « ز ، ك » : الأذكر.
6- « ز ، ك » : بحالة.
[ لتنبيه ] الثالث

لا إشكال في اعتبار هذه القاعدة الشريفة ؛ لكونها متلقّاة عن معدن الوحي ومهبط التنزيل ولا يخفى شرافتها على أحد ، بل وأقول : لا خفاء في كونها أتقن من القاعدة التي نحن بصددها من قاعدة الاستصحاب ، وإنّما الشأن في بيان المراد من المحلّ الذي اعتبر التجاوز عنه فيما هو المناط في هذه القاعدة ، فهل يتحقّق بمجرّد الفراغ عن الشيء ، أو يعتبر مع ذلك الدخول في شيء غيره؟ وعلى الثاني فهل يكتفى فيه بمجرّد المغايرة ولو مثل تحريك اليد والتنفّس (1) ونحوهما ، أو لا بدّ من الدخول فيما هو من أجزاء المركّب ، أو شيء آخر مستقلّ؟

فنقول : قد عرفت أنّ الشكّ تارة : يتعلّق بما هو معتبر في شيء شرطا أو شطرا ، وأخرى : يتعلّق بنفس الشيء ، فعلى الأوّل لا إشكال في ظهور المراد من المحلّ في الأجزاء ، فإنّ محلّ كلّ جزء هو بعد الجزء الذي اعتبره الشارع قبله وقبل كلّ جزء اعتبره بعده ، كما في قولك : ( نَسْتَعِينُ ) بعد قولك : ( إِيَّاكَ ) وقبل قولك : ( اهْدِنَا ) وهكذا بالنسبة إلى كلّ جزء يفرض ، سواء كان آية مستقلّة أو كلمة ونحوها.

نعم ، لو شكّ في أجزاء الكلمات كما فيما إذا شكّ في نون ( نَسْتَعِينُ ) أو في لين ( وَلَا الضَّالِّينَ ) فالتجاوز عن محلّها إنّما يصدق فيما إذا احتاج التكرار في المشكوك إلى تكرار في الأجزاء الأخر ، فإنّ إعادة لين لا يمكن إلاّ بإعادة ( وَلَا الضَّالِّينَ ) لعدم استفادة شيء ممّا هو المقصود من لين فقط أو النون فقط ، ولا فرق في ذلك بين الدخول في شيء آخر وبين عدمه ، سواء كان ذلك الشيء من الواجبات النفسية أو الغيرية أو المندوبات أو المباحات ؛ لعدم مدخلية شيء (2) منها (3) في ذلك.

وأمّا الشرائط فيحتمل أن يقال : إنّ محلّها قبل الدخول في المشروط ؛ لكونها أمورا (4)

ص: 457


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : النفس.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : في شيء.
3- « ز » : منهما.
4- « ز ، ك » : أمور.

خارجة عن حقيقة المشروط ينبغي تحصيلها قبل الدخول في المشروط.

ويحتمل أن يقال : إنّ الشرط لا بدّ من أن يكون مقارنا مع المشروط ، ففيما (1) لو شكّ في أثناء العمل في الشرط لم يكن ممّا تجاوز محلّه ولا بدّ من الإتيان به (2) بالنسبة إلى الأجزاء الباقية ، فلو شكّ في طهارة يده - وكان تطهيرها ممكنا على وجه لا يفوته الترتيب في المأمور به المشروط بالطهارة فطهّرها - صحّ العمل ، نعم لو لم يتمكّن من إيجاد الشرط ولو بواسطة فقد شرط آخر لو حاول إيجاده كفوات الموالات - مثلا - يحتم القول ببطلان العمل ولا ضير فيه.

ويحتمل أن يقال بالتفصيل بين الشرائط ، فإنّ منها ما هو شرط للأفعال الواقعة في العمل كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، ومنها ما هو شرط للأفعال والأكوان أيضا كما في الستر والاستقبال مثلا ، ففي الأوّل يقال بعدم التجاوز ، وفي الثاني بالتجاوز ، والوجه في ذلك صدق الأخبار وعدمه في المقامين ، فلا قاطع لأصالة عدم الوقوع (3) على تقدير عدم الصدق وعلى تقدير الصدق فالقاطع موجود.

ولعلّ هذا التفصيل هو الأوجه إلاّ أنّه قد يستفاد من رواية عليّ بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ما ينافي هذا التفصيل ، قال : سألته عن رجل يكون على وضوء ويشكّ على وضوء هو أم لا؟ قال : « إذا ذكر وهو في صلاته انصرف وأعادها ، وإن ذكره وقد فرغ من صلاته أجزأ ذلك » (4) فإنّ حكم الإمام عليه السلام بالانصراف والإعادة في الصورة (5) المفروضة ينبئ عن بقاء محلّ الشرط في الأثناء مطلقا ؛ لأنّ الوضوء من شروط الأفعال ، ومع ذلك فالتفصيل أقرب كما يساعده

ص: 458


1- « ز ، ك » : فيما.
2- « ج » : له.
3- « ز ، ك » : الواقع.
4- قرب الإسناد 177 / 651 وفي ط الحجري : 83 ؛ وسائل الشيعة 1 : 473 ، باب 44 من أبواب الوضوء ، ح 2 ، وفيهما : « انصرف وتوضّأ وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ».
5- « ز ، ك » : الصلاة.

الاعتبار الصحيح بعد ظهور اعتبار تجاوز المحلّ وعدمه في أسباب هذه الشروط وهي الأفعال كما لا يخفى ، والرواية المذكورة معمولة في موردها لا ينبغي التسرية منها إلى مورد آخر ، لكونها قضيّة في (1) واقعة ، وعلى الثاني ففيما إذا تعلّق الشكّ بنفس الشيء مستقلاّ كما إذا شكّ في الاستنجاء أو الغسل أو الوضوء أو التيمّم فهل المدار في محالّها هو المحلّ المعتبر لها شرعا - فلو كان موقّتا بانقضاء وقته ، وبسقوط التكليف في غير الموقّت - أو المناط على محلّ وقوع هذه الأفعال عادة ، سواء يوافق محلّها الشرعي أو (2) لا زيادة ونقصانا؟ وعلى الثاني فهل المعتبر هي العادة النوعية التي عليها مدار معاش أبناء النوع ، أو العادة الشخصية التي اعتادها الشاكّ خاصّة كمن اعتاد الاستبراء بعد البول أو الوضوء بعد إيجاد أسبابه؟ وجوه :

يظهر من العلاّمة وجماعة من متابعيه ومنهم الشهيد في شرح الألفية وكاشف الغطاء في الكشف (3) اعتبار العادة الشخصية حيث حكموا بصحّة الغسل فيما لو شكّ في غسل الشقّ الأيسر إن كان من عادة المغتسل إتمام العمل مع بقاء محلّ الغسل شرعا لعدم وجوب الموالاة فيه ، وعلّله بظنّ الكمال بعد الانتقال عن العمل من دون افتقار إلى تدارك فعل المشكوك ، وحكم بالفساد من دون العادة المذكورة.

ولا يذهب عليك أنّ ذلك لأجل تقديم الظاهر على الأصل عندهم كما قد يتوهّم ، فإنّ ذلك في موارد معدودة كما في عدد ركعات الصلاة على ما قيل ، بل الاستناد (4) إلى الظهور (5) في مثل المقام على ما يستفاد من التعليل المذكور في الروايات السابقة وهو

ص: 459


1- « ز ، ك » : - في.
2- ك : أم.
3- تذكرة الفقهاء 1 : 212 ، وفي ط الحجري 1 : 22 ؛ قواعد الأحكام 1 : 206 ؛ المقاصد العلية في شرح رسالة الألفية : 123 ، وفي ط الحجري : 73 ؛ كشف الغطاء 2 : 108 ، وفي ط الحجري : 103 ( البحث الثاني ) قال : « وذو العادة يقوّى في النظر عدم الالتفات إلى شكّه مع ضبط العادة ؛ لأنّه في ذلك الحال أذكر ».
4- « ز » : الإسناد.
5- « ز ، ك » : الطهور.

قوله : « فإنّه حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (1) ولا ضير في ذلك ؛ لأنّ عمومه معوّل (2) عليه وإن كان مورده خاصّا ، فلا فرق بين أن يكون العمل مربوطا بعمل آخر كما في الأجزاء ، أو (3) مستقلاّ كما في الاستبراء بعد تجاوز محلّ التخلّي.

ولعلّ البناء على العادة الشخصية مناف لما عرفت من التفصيل بين شرط الأكوان والأفعال ؛ لوضوح وجود العلّة في القسمين ولكنّ الإنصاف على ما أفاده الأستاد أدام اللّه أيّام إفادته (4) أنّ البناء على العادة (5) الشخصية في غاية الإشكال ، فإنّ دعوى تنزيل الأخبار عليها والقول بأنّ المراد بمحلّ الشيء هو المحلّ الذي من عادة الفاعل إيقاع ذلك الشيء فيه ، لا يساعدها نقل ولا عقل بعد ظهور أنّ المراد بالمحلّ المأخوذ في أخبار الباب هو محلّه التكليفي دون محلّه التكويني ، ولعلّ العلاّمة أيضا لا يلتزم بذلك في نظير المقام فإنّهم حكموا بوجوب التوضّؤ على من كان من عادته ذلك أوّل الوقت فيما لو شكّ في وقت العصر في ذلك في وقته.

والقول بأنّ ذلك من جهة النصوص القاضية به (6) ، مدفوع : بأنّ نظر الأخبار الآمرة بذلك أيضا إلى عدم تجاوز المحلّ فتدلّ على المقصود ، وحملها على الحكم التعبّدي ممّا يأباه مساقها.

وأمّا التعليل المذكور فشموله للأعمال المستقلّة مشكل ، فإنّ ظاهره هو البناء على الوقوع حال التجاوز فيما إذا علم الدخول في العمل ، وتذكّر الاشتغال (7) به وهو إنّما يكون فيما إذا كان المشكوك جزء كالشكّ في جزء من الوضوء بعد الفراغ ، وغاية ما يتعسّف في الإلحاق به هو ما إذا كان الشيء المشكوك كالجزء للعمل السابق عرفا

ص: 460


1- تقدّم في ص 446.
2- « ك » : معمول.
3- « ك » : أم.
4- « ز ، ك » : دام ظلّه العالي.
5- « ز ، م » : العادية.
6- « ز ، ك » : - به.
7- « ز ، ك » : الاستعمال.

وعادة ولعلّ الاستنجاء منه في العرف ، وأين ذلك من الشكّ في الأفعال المستقلّة التي لا يناط أحدهما (1) بالآخر أصلا؟ نعم لك القول بذلك فيما لو ادّعيت أنّ المستفاد من أخبار الباب أنّ بعد وجود ما يقتضي لشيء (2) شرعا أو عقلا أو عادة وعدم مانع من ذلك إلاّ متابعة السهوي (3) في الأوّل والسهو والنسيان في الأخيرين ، لا بدّ من الحكم بوجوده وصحّته والإمضاء عليه من جهة الظهور المستفاد من وجود المقتضي والشكّ في المانع وأنّى لك بهذا؟

وممّا ذكرنا يظهر (4) ضعف اعتبار العاديّة النوعية وإن كان (5) أقلّ فسادا من سابقها ، فإنّ الظاهر من المحلّ هو محلّ التكليف لا التكوين ، فالأسلم القول بأنّ قبل تجاوز محلّ الفعل شرعا يجب الأخذ بالقاعدة المزبورة وانقطاع الأصل بها ، وبعده فالأصل المذكور في محلّه ولا محلّ للمحلّ العاديّ بقسميه (6) ، وقد عرفت أنّ محلّ الشيء شرعا إمّا بانقضاء زمانه لو كان موقّتا ، أو بسقوط التكليف عنه في غيره ، ثمّ إنّه هل يتوقّف صدق التجاوز على الدخول في الغير أو لا؟ الظاهر هو الثاني ، وعلى الأوّل فالمعتبر في الغير هو ما يترتّب عليه شرعا لا مطلقة ، فيحكم بالقاعدة القاطعة لأصالة عدم وقوع الفعل فيما إذا لم يدخل فيما يترتّب على المشكوك شرعا ، فلا يضرّ التنفّس (7) ونحوه ممّا لا دخل له في المركّب ، فتدبّر.

[ لتنبيه ] الرابع

هل القاعدة المذكورة محكّمة فيما إذا شكّ في صحّة الاعتقاد السابق مطلقا أو فيما إذا لم يكن متذكّرا لموجب الاعتقاد ، أو ليست محكّمة فيها مطلقا؟ وجوه ، بل أقوال : يظهر

ص: 461


1- كذا. والصواب ظاهرا : أحدها.
2- « م » : يقضي بشيء.
3- « ك » : السهو.
4- « ز » : + الوجه. والظاهر أنّه شطب عليها.
5- « ج ، م » : كانت.
6- « ز » : بقسيميه.
7- « م » : النفس.

الأوّل من بعض سادات مشايخ الأستاد دام عزّه (1) في المناهل (2) ، والثاني من فيلسوف القوم في الكشف (3) في ذيل الاستصحاب ، والحقّ على ما أفاده الأستاد المحقّق هو الثالث ، فلو اعتقدنا عدالة زيد أو وقوع فعل في الأمس وشككنا في اليوم في صحّة الاعتقاد السابق ، لا بدّ من البناء على الصحّة على الأوّل ، وفيما إذا لم يكن متذكّرا لدليل الاعتقاد دون ما إذا كان متذكّرا على الثاني ، ولا بدّ من الحكم بالفساد أخذا بأصالة العدم على الثالث.

وما يمكن الاستناد به للأوّلين في مورد (4) وفاقهما وجهان : الأوّل : ما يظهر من الشيخ في ذيل الاستصحاب من ذهابه إلى جريان أخبار الاستصحاب في المقام ، فإنّ ظاهر قوله : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه » (5) هو الأخذ بصحّة اليقين السابق والبناء عليه ، وكذا ما يستفاد من قوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا » (6) مطابق للرواية المذكورة في الدلالة على المطلوب ، وثانيهما : البناء على صحّة العمل الذي قد جاوز محلّه ولو كان الشكّ في الاعتقاد وصحّته.

ص: 462


1- « ز ، ك » : - دام عزّه.
2- لعلّه ورد في القسم غير المطبوع منه.
3- قال في كشف الغطاء 1 : 201 ، وفي ط الحجري : 35 في بحث 35 : ولو لم يبق علمه باليقين السابق مع علمه بأنّه كان عالما فلا يخلو : إمّا أن ينسى طريق علمه السابق ، أو يذكره ويتردّد في قابليته لإفادة العلم ، أو يعلم عدم قابليّته ، والأقوى جري الاستصحاب في القسمين الأوّلين خاصّة. وأمّا ما وقع منه من العمل فيحكم بصحّته ما لم يعلم بعدم مقتضى علمه. وقال أيضا في كشف الغطاء ٢ : ١٠٣ ، وفي ط الحجري : ١٠٢ : ولو سبق العلم بتقدّم شيء أو تأخّره ثمّ طرأ الشكّ ، غير متذكّر لسبب العلم بنى على علمه على إشكال ، وإن ذكر سببه ورأى أنّه غير قابل لترتّب العلم فلا بناء عليه ؛ لأنّ المراد بعدم نقض اليقين بالشكّ عدم النقض بالشكّ الطارئ بعده بقسميه _ ما اقترن بسبب الاستدامة وغيره _ دون الطارئ عليه ، والظاهر عدم الفرق في شكّ الصلاة والوضوء بين المنصوص عليه وبين غيره ؛ لظاهر الإطلاق.
4- « ز ، ك » : مواد.
5- تقدّم في ص 103.
6- تقدّم كرارا.

وكلاهما فاسدان لا ينبغي للمتأمّل التعويل عليهما ، أمّا الأوّل فقد عرفت (1) في بعض الهدايات (2) السابقة فساد هذا التوهّم بما لا مزيد (3) عليه إلاّ أنّه إلى الآن لم نكن عالمين بأنّ مثل هذا التوهّم ممّا يمكن من أمثال الشيخ الجليل ، بل إنّما أوردناه في قبال بعض أهل العصر وبعض من الطلبة ، ولكنّا بعد محتاجين إلى الإفصاح عن هذا المقصد على وجه لا يشكّ فيه أحد. فنقول : إنّ ملخّص ما ذكره يرجع إلى اعتبار الاستصحاب في الشكوك السارية ، وذلك ليس في محلّه ؛ لاختلاف مناط القاعدتين وموردهما ، فلا يمكن أن يكون اللفظ الواحد مفيدا لهما ، فإنّ ملاك الأمر في الشكوك السارية على مجرّد وصف اليقين والشكّ (4) في صحّة ذلك اليقين ، فلا يلاحظ فيه وجود المتيقّن في السابق ، بل يكفي فيه حصول نفس اليقين وإن لم يكن مطابقا للواقع ، فلو فرض وجود المتيقّن في الواقع مع انتفاء وصف اليقين لم يكن من محلّ الشكوك السارية ؛ لانتفاء ما هو القوام فيه ، فمتعلّق الشكّ واليقين أمر واحد وهو الثبوت ، ومناط الحكم في الاستصحاب على ثبوت متيقّن في السابق والشكّ في وجوده في اللاحق ، فلا حاجة إلى وصف اليقين في الاستصحاب إلاّ من حيث إنّه مرآة عن وجود المتيقّن ، ولذلك لا يفرق بين اقتران وصفي الشكّ واليقين أو (5) سبق أحدهما على الآخر ، فمتعلّق الشكّ واليقين فيه أمران ، فإنّ متعلّق الشكّ هو البقاء ، ومتعلّق اليقين هو الثبوت ، فإحدى القاعدتين تباين الأخرى ، فأخبار الاستصحاب لا يمكن أن تكون (6) مسوقة لبيانهما (7) فلا بدّ من حملها على إحداهما والمفروض دلالتها (8) على الاستصحاب بتسليم من الخصم فتعيّن حملها عليه.

ص: 463


1- انظر ص 319 - 320.
2- « ز ، ك » : الدرايات.
3- « ز ، ك » : ممّا يزيد.
4- « ز ، ك » : ولو شكّ.
5- « ز ، ك » : « و » بدل « أو ».
6- في النسخ : يكون.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لبيانها.
8- « ز ، م » : دلالتهما وكذا في المورد الآتي.

والقول بعدم دلالتها على الشكّ الساري وإن كان اللفظ لا يأبى عن ذلك لو لوحظ مجرّدا عن موارد (1) الروايات ، بل قد نبّهنا (2) على ظهوره بعد امتناع إرادة المعنى الحقيقي من تلك الأخبار لامتناع التناقض بين الشكّ واليقين في الهداية الخوانسارية ، لكن قول الإمام عليه السلام : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك » (3) من أقوى الشواهد على إرادة هذا المعنى دون ما هو المناط في الشكوك السارية.

نعم في الروايات التي احتجّ الأصحاب بها على الاستصحاب ما هو محتمل الوجهين كما أشرنا إليه عند (4) الاحتجاج بها وهو رواية الخصال : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه » (5) إلاّ أنّه قد يستظهر دلالتها على الاستصحاب أيضا نظرا إلى اتّحاد مساقها لما هو مساق أخبار الاستصحاب.

ولئن سلّمنا إمكان اجتماعهما في الإرادة من دليل واحد فالشكوك السارية ممّا لا عبرة بها ؛ لابتلائها بالمعارض دائما ، فإنّ اليقين بشيء لا محالة مسبوق بحالة سابقة على ذلك اليقين وهي مستصحبة حال الشكّ في صحّة اليقين ؛ إذ المفروض أنّ (6) اليقين السابق مشكوك الصحّة فيؤول الأمر إلى ارتفاع تلك الحالة وبقائها ، الأصل يقضي (7) بالثاني فلو اعتقدنا عدالة زيد بعد العلم بفسقه أو مع جهل حاله فلو شكّ في صحّة ذلك الاعتقاد لا بدّ من استصحاب الفسق (8) أو حكم الجهل ، فإنّ توهّم سقوط الحالة السابقة بمثل اليقين المشكوك صحّته شطط من القول كما هو ظاهر ، فالقول بالصحّة كما هو قضيّة الاستصحاب (9) الساري معارض بالقول بعدمها كما هو قضيّة الاستصحاب (10) الطارئ.

ص: 464


1- « ك » : مورد.
2- نبّه في ص 130 - 132.
3- تقدّم في ص 95.
4- « ز ، ك » : فعند.
5- تقدّم في ص 103.
6- « ز » : - أنّ.
7- « ج » : يقتضي.
8- « ك » : نفس الفسق.
9- « ج ، ز » : استصحاب.
10- « ز ، ك » : استصحاب.

وأمّا الثاني فعدم ظهور أخبار الشكّ بعد الفراغ فيما إذا شكّ في صحّة اليقين ظاهر ، فتأمّل في المقام فلعلّه لا يحتاج إلى زيادة تقرير وبيان واللّه الموفّق وهو الهادي (1).

ص: 465


1- « ز ، ك » : واللّه الهادي.

ص: 466

هداية [ في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحّة ]

اشارة

في بيان الحال في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحّة ، وتحقيق الكلام في المقام (1) في مطلبين :

المطلب الأوّل

المطلب الأوّل (2)

في بيان أصل مشروعيتها وأقسامها ، وتنقيح البحث في موارد :

الأوّل : في أنّ الأصل في الأعيان الموجودة في الخارج هل هو الصحّة أو الفساد؟ الذي يظهر من الشيخ الجليل العلم البارع (3) في مقدّمات الكشف هو الأوّل ، بل ساق الحكم في ذلك إلى كلّ ممكن ، فقال : الأصل فيما خلق (4) اللّه من الأعيان من عرض أو جوهر - حيوان أو غير حيوان - صحّته ، وكذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما وضعت له وعلى وفق الطبيعة التي اتّحدت به من مسلم أو (5) مؤمن أو مخالف أو كافر كتابي أو غير كتابي ، فيبنى أخباره ودعاويه على الصدق ، وأفعاله وعقوده وإيقاعاته على الصحّة حتّى يقوم شاهد على

ص: 467


1- « ز ، ك » : - في المقام.
2- سيأتي المطلب الثاني في ص 483.
3- « ز ، ك » : - العلم البارع.
4- « ج ، م » : خلقه.
5- في المصدر : - أو.

الخلاف إلاّ أن يكون على (1) مقابلته (2) خصم. وقال أيضا : إنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات أو نباتات أو حيوانات أو عبادات أو عقود (3) أو إيقاعات أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن تكون (4) على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التمام في الذات وعدم النقص في الصفات وعلى طور ما وضعت له مبانيها ، وعلى وجه يترتّب (5) آثارها فيها على معانيها (6) ، انتهى ما أفاده رحمه اللّه.

والتحقيق في المقام هو أن يقال : إنّ المراد بالأصل ليس هو الدليل لظهور عدم مناسبته لما نحن بصدده ، ولا القاعدة لعدم ما يقضي (7) بإقعادها في الأدلّة الشرعية ، فالمراد به إمّا الاستصحاب ، وإمّا الظاهر.

أمّا (8) الأوّل فليس على ذلك الاطّراد ، كما أفاده الشيخ المذكور فإنّ غاية ما يقضي به الصحّة فيما إذا كان الفساد طارئا على الطبيعة ، وأمّا إذا كان الفساد بواسطة عدم وصولها إلى حالة مطلوبة في الطبيعة فالأصل يقضي بعدم الصحّة ، مثلا الجنازة لها حدّ طبيعي مطلوب في ذلك الحدّ وقد يعرضه الفساد من الديدان ، فأصالة عدم الفساد رفع (9) الفساد من الجهة الثانية لا الأولى كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني فالظاهر أنّ المراد هو الظهور الناشئ من غلبة سلامة الممكنات وأعيان الموجودات ، وإلاّ فلو لاحظنا مطلق الطبائع - سواء الموجودة فيها والمعدومة - فغلبة السلامة ممنوعة ؛ لظهور أنّ الفاسد مفهوما أكثر من الصحيح ، لتوقّف الصحّة في كلّ موجود على قيود متكثّرة يفسد بانتفاء كلّ قيد منها ، فهذه الغلبة وإن كانت مسلّمة

ص: 468


1- في المصدر : في.
2- « ز ، ك » : مقابلة.
3- « ز ، ك » : عقودات.
4- في النسخ : أن يكون.
5- في المصدر : + عليه.
6- كشف الغطاء 1 : 201 - 202 ، وفي ط الحجري 35 في بحث 36.
7- « ز ، ك » : تقتضي. « ج » يقتضي.
8- « م » : وأمّا.
9- « ج » : يرفع.

غير قابلة للإنكار إلاّ أنّه لا دليل على اعتبارها فيا (1) ليتها كانت معتبرة مع أنّ هذه غلبة جنسية وقد تعارضها الغلبة الصنفية أو النوعية ، فليس المدار على الأخذ بهذه الغلبة ، سيّما في موضوعات الأحكام ، فأصالة الفساد محكّمة عند الشكّ في الصحّة في الأعيان فيما إذا تعلّقت بها العقود وإن كان الظاهر منهم تقديم قول مدّعي الصحّة فيما لو اختلف (2) البيّعان في صحّة المبيع وفساده ، بل علّله غير واحد منهم (3) بأنّ الأصل السلامة ، وهو على إطلاقه كما ترى.

الثاني : هل قضيّة الأصل في الأفعال هو حملها على الصحيح ، أو لا؟ فتارة : في فعل النفس فقد عرفت الكلام فيه (4) في الهداية السابقة بما (5) لا مزيد عليه ، وأخرى : في فعل الغير فنقول : الأصل بمعنى الظاهر المستند إلى الغلبة في وقوع (6) الأفعال صحيحا فهو أمر ظاهر في الغاية وإنّما الكلام في صحّتها (7) كما مرّ آنفا.

وأمّا الأصل بمعنى أصالة العدم فيمكن تقريره بوجه يطّرد في جميع الموارد وهو أن يقال : إنّ قضيّة التديّن بدين الإسلام هو وقوع جميع أفاعيل المسلمين على وجه صدع أحكامها الصادع المقدّس ، إلاّ أن يمنع من وقوعها على وجهها ومشتملة على ما هي معتبرة فيها من إحراز الشروط ورفع الموانع مانع من سهو أو نسيان أو إسهاء أو عصيان ، والأصل عدمه ، فالمقتضي للصحّة موجود بالفرض والمانع مفقود بالأصل.

وفيه : أوّلا : أنّ غاية ما يقضي به الإسلام هو الاعتقاد بالصحّة في الأفعال الجامعة لشرائطها لا إيقاعها على وجهها كما هو المقصود ؛ إذ (8) لا يعتبر في الإسلام بعد الاعتقاد

ص: 469


1- « ز ، ك » : « فيها » بدل « فيا ».
2- « ز ، ك » : اختلفت!
3- انظر : المبسوط 2 : 133 ؛ المهذّب لابن البراج 1 : 401 ؛ الدروس 3 : 117 ؛ جواهر الكلام 37 : 229.
4- « ج ، م » : - فيه.
5- « ز » : ممّا.
6- « ج ، م » : غلبة وقوع.
7- « ج ، م » : حجّيتها.
8- « ز ، ك » : أو.

شيء ، وثانيا : أنّ للإنسان أيضا قوّة تقضي (1) بعدم وقوع الفعل على وجهها خلاف ما يقضي به (2) الإسلام من قوّتيه الغضبية والشهوية ، وثالثا : أنّ الإسلام غاية ما يقضي به هو عدم صدور الفاسد عنه مع علمه بالحكم ، وأمّا الجهل فلا يقضي (3) الإسلام بعدمه ، اللّهمّ إلاّ على ما يراه ابن الجنيد من أنّ الأصل في المسلم العدالة إلاّ أن يكون معلوم الفسق. فكيف كان فالأصل على الوجه المذكور ممّا لا وجه له.

وقد يستند في إثبات هذه القاعدة إلى الأدلّة الأربعة :

أمّا الكتاب العزيز : فقوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (4) وجه الدلالة أنّ النهي عن حصول الظنّ لكونه خارجا عن مقدرة (5) المكلّف غير معقول ، فلا بدّ من أن يراد به النهي عن ترتيب (6) أثر الإثم فيما فعله الفاعل ، وقوله تعالى : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (7) فإنّ المستفاد من بعض الروايات (8) أنّ المراد القول في أفعالهم بحملها على الحسن دون الحمل على القبيح ، وبعد ذلك فدلالته ظاهرة على المطلوب ، بل وهو أوضح من الآية الأولى ؛ لاحتمال أن يقال : إنّ (9) عدم ترتيب أحكام الإثم والنهي عنه لا يلازم ترتيب آثار الحسن على الفعل كما هو المقصود.

وأمّا السنّة : فكثيرة : منها : قول الأمير عليه السلام : « ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت سوء وأنت تجد له في الخير محملا » (10) وقول

ص: 470


1- « ز ، ك » : يقضي وفي « ج » : تقتضي.
2- « ز ، ك » : - به.
3- « م » : فلا يقتضي.
4- الحجرات : 12.
5- « ك » : قدرة.
6- « ز ، ك » : ترتّب.
7- البقرة : 83.
8- انظر الوسائل 16 : 340 - 341 ، باب وجوب نصيحة المسلمين وحسن القول فيهم حتّى يتبيّن غيره ، من أبواب فعل المعروف : ح 2 و 3 ؛ بحار الأنوار 71 : 340 - 341 ، باب 20 ، ح 124 - 125.
9- « ز ، ك » : - إنّ.
10- الوسائل 12 : 302 ، باب 161 من أبواب أحكام العشرة ، ح 3 ؛ بحار الأنوار 72 : 196 و 199 ، - باب 62 ، ح 11 و 21. وأورد هذه الروايات سردا النراقي في عوائد الأيّام : 222 وما بعدها ، عائدة 23 في بيان قاعدة أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحّة.

الصادق عليه السلام لمحمّد بن فضيل : « يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال قولا وقال : لم أقله فصدّقه (1) وكذّبهم » (2) ودلالتهما ظاهرة ، سيّما الأخير كما يشعر بذلك حكمه تكذيب السمع والبصر مع أنّهما من أظهر الحواسّ الظاهرة ، وقوله عليه السلام في رواية اليماني في عداد حقّ المؤمن على المؤمن « أن لا يتّهمه (3) فلو اتّهمه انماث الإيمان في قلبه (4) كما ينماث الملح في الماء » (5) ومثله رواية أبي المأمون الحارثي واليماني (6) أيضا بتغيير ما فيهما ، وقوله عليه السلام في رواية عمر بن يزيد : « من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما ، ومن عامل أخاه بمثل ما عامل به الناس فهو بريء عمّا ينتحل » (7) وقوله عليه السلام في رواية أبي حمزة : « ولا يقبل اللّه من مؤمن وهو مضمر من (8) أخيه المؤمن سوء » (9) وقوله : « ملعون ملعون من اتّهم أخاه المؤمن » (10) إلى غير ذلك من الروايات.

وهي مع كثرتها ممّا لا يغني ولا يجدي ؛ لعدم دلالتها على المقصود في وجه ، لأنّ المراد هو إثبات قاعدة تقضي بحمل الأفعال على الصحيح فيما إذا دار الأمر بينه وبين الفاسد ، والصحّة والفساد غير ملازمين للحسن والقبح.

ص: 471


1- في المصدر : قسامة وقال لك قولا فصدّقه.
2- الوسائل 12 : 295 ، باب 157 من أبواب أحكام العشرة ، ح 4.
3- « ج ، ز ، م » : - أن لا يتّهمه.
4- المثبت من « ك » وهو موافق للمصدر ، وفي سائر النسخ : - في قلبه.
5- الوسائل 12 : 206 - 207 ، باب 122 من أبواب أحكام العشرة : ح 8.
6- الوسائل 12 : 207 ، باب 122 من أبواب أحكام العشرة ، ح 10 ، و 12 : 302 ، باب 161 من أبواب أحكام العشرة ، ح 1.
7- الوسائل 12 : 302 ، باب 161 من أبواب أحكام العشرة ، ح 2.
8- في المصدر : على.
9- الوسائل 12 : 299 ، باب 159 من أبواب أحكام العشرة ، ح 2.
10- الوسائل 12 : 231 ، باب 130 من أبواب أحكام العشرة ، ح 5.

وغاية ما يسلّم من دلالة الآيتين والأخبار المذكورة أنّه لا بدّ من عدم حمل الأفعال على القبيح (1) لا حملها على الصحيح ، نعم لو كان كلّ قبيح فاسدا وكلّ صحيح حسنا كان الاستناد إلى مثل هذه الروايات والآيات في محلّه ، ولعلّ الملازمة أغلبية في العبادات ، وأمّا المعاملات فتباين المعنيين فيها غير خفيّ ، مضافا إلى أنّ الآية الثانية ظاهرها ملاحظة اللين في المعاشرة ، فإنّها بظاهرها نهي عن الغضاضة والغلاظة ، وقضيّة قول الأمير هو الحمل على الأحسن (2) ، فلو تردّد الأمر بين القول بوقوع صلاة زيد في الدار أو في المسجد لا بدّ من القول بوقوعها فيه دون الدار ، والإجماع على خلافه ، فلا بدّ من تأويله بخلع معنى التفضيل عن اسمه (3) ، فلا يزيد على سائر الأخبار المذكورة ، وقول الصادق عليه السلام لابن فضيل لا يدلّ على أزيد ممّا ذكرنا مع ما قد يستشكل فيه من أنّ تكذيب خمسين قسامة لتصديق (4) واحد ممّا لا يعلم الوجه فيه ، إلاّ أنّه مدفوع بأنّ التكذيب في نفس الخبر لا غبار عليه لصدق (5) الأوّل بملاحظة المخبر ، وكذب الثاني بملاحظة الخبر ، ولا تعارض.

على أنّ هذه الأخبار معارضة بجملة أخرى تدلّ على خلاف ذلك ، ففيها : « لا تثق بأخيك كلّ الثقة فإنّ سرعة (6) الاسترسال لا (7) تستقال » (8).

وأمّا الإجماع : فهو ثابت نقلا وتحصيلا على ما هو الظاهر ، ويكشف عنه (9) ملاحظة فتاوى الفقهاء في موارد جمّة من تقديم قول مدّعي الصحّة في موارد التداعي على

ص: 472


1- « ز ، ك » : + « و » وشطب عليها في « ك ».
2- « ز ، ك » : الحسن.
3- شطب عليها في « ك » وكتب « أحسنه ».
4- « ز ، ك » : فصدق.
5- « ج » : فصدق.
6- في كثير من المصادر : « صرعة » وفي بعضها كما في المتن.
7- « ج ، ز ، م » : « من »! وما في المتن ورد في بعض المصادر وفي بعضها الآخر : « لن ».
8- الوسائل 12 : 146 و 147 ، باب 102 من أبواب أحكام العشرة ، ح 1 و 4 ، وورد الحديث في كثير من الكتب الخاصّة والعامّة.
9- « ز ، ك » : « عن » بدل « عنه ».

مدّعي الفساد ، وغير ذلك ممّا لا يمكن اختفاؤه على من سلك سبيل الفقه ولو لحظة (1) ، مع اعتضاده بالسيرة القاطعة المستمرّة المتّبعة فإنّ بناء العمل خلفا عن سلف على حمل الأفعال الصادرة عن العباد - عبادة ومعاملة على أنحائها المختلفة وأقسامها - على الصحيح ، ويكفيك ملاحظة الأعمال الصادرة عنهم في مقامات متفاوتة كما لا يخفى (2).

وأمّا العقل : فدلالته على هذا الأصل الشريف أظهر من أن ينكر وأوضح من أن يحرّر ؛ إذ (3) لولاه لاختلّ النظام وينهدم ما عليه القوام فلا يتأتّى التصرّف في الأموال ولا التمتّع منها ولا تقوم (4) جماعة للمسلمين ولا سوق ، بل لا يمكن المعاش في البلدان (5) وشواهق الجبال والبرايا ، وذلك أمر ظاهر جدّا ، إلاّ أن يناقش في ذلك بأنّ بعد إعمال الأصول المقرّرة في الشريعة من الاستصحاب المعتبر في الموضوعات واليد والإقرار (6) ونحوها لا نسلّم لزوم الاختلال على تقدير الإهمال ، ومع ذلك فالإنصاف ممّن جانب الاعتساف قاض باللزوم كما هو ظاهر جدّا.

وبالجملة : فالعمدة في إثبات هذا الأصل هو الإجماع والسيرة والوجه العقلي.

الثالث : قد عرفت (7) أنّ الشيخ الجليل البارع صرّح بأنّ (8) الأصل في الأقوال الصحّة (9) ، وتحقيق القول فيه أنّ القول يلاحظ من وجوه : فتارة : من حيث إنّه فعل من الأفعال مع قطع النظر عن الدلالة ، وأخرى : من حيث إنّه دالّ على المعنى الموضوع تحقيقا أو تقديرا ، وتارة : من حيث مطابقة النسبة المأخوذة فيه للواقع وعدمها.

لا إشكال في لزوم حمله على الصحيح فيما لو دار بينه وبين الفاسد من حيث إنّه

ص: 473


1- « ك » : ولاحظه.
2- في هامش « م » - ولم يتحقّق لي موضعه - : لادّائه إلى سوء الحال والمنايا ، فيجب لتقرأه.
3- « ك » : « و » بدل « إذ ».
4- « ج ، م » : يقوم.
5- « ز ، ك » : معاش البلدان.
6- زاد هنا في هامش « م » : وقاعدة الطهارة.
7- عرفت في ص 467.
8- « ج » : « بجريان » بدل « بأنّ ».
9- « ج ، ز ، م » : - الصحّة.

تحريك للأعضاء على وجه يوجد به الصوت المعتمد على بعض المخارج بعد ما عرفت من لزوم الحمل في مطلق الأفعال ؛ لأنّه منه.

كما أنّه لا ريب في لزوم الحمل على الصحيح فيما لو شكّ في القول من الجهة الثانية بمعنى أنّه لو شكّ أنّ القول الصادر من فلان هل هو صادر منه تعزيرا (1) ، أو (2) استهزاء ، أو هو صادر منه إظهارا لما يكشف عنه ذلك القول؟ فاللازم حمله على الثاني ؛ لكونه هو الغالب في المحاورات ولولاه لا نسدّ باب المحاورة وانفتح طريق المكابرة.

وأمّا الكلام من الجهة الثالثة فتحقيقه أن يقال : لا كلام في قول غير المسلم ، وأمّا المسلم مطلقا فلا دليل على حمل قوله على الواقع وترتيب آثار المطابقة عليه ، أمّا (3) الأدلّة المتقدّمة فالآيتان والأخبار منها قاضية بعدم حملها على الكذب المخبري وهو أعمّ من صدق الخبر كما هو المطلوب ، والإجماع فقده في محلّ الخلاف ظاهر ، والعقل غير قاض بذلك بعد (4) اعتبار قول ذي اليد والإقرار في الملك والطهارة والنجاسة ، أمّا (5) الأدلّة التي يتوهّم نهوضها في المقام فمنها قوله تعالى : ( يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (6) وقوله عليه السلام : « إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم » (7) وقوله في حقوق المؤمن : « أن لا يكذّبه » (8) وقوله : « المؤمن وحده حجّة » (9) ولا دلالة في شيء منها على المطلوب ؛ لظهورها جميعا سوى الأخير في لزوم التصديق المخبري وعدم تكذيبهم بإنشائهم قولا

ص: 474


1- « ك » : تعييرا.
2- « ز ، ك » : و.
3- « ز ، ك » : وأمّا.
4- « ج » : لعدم.
5- « ج » : وأمّا.
6- التوبة : 61.
7- وسائل الشيعة 19 : 83 ، باب 6 من كتاب الوديعة ، ح 1 ، وفيه : « المؤمنون » بدل : « المسلمون ». وتقدّم في ص 418.
8- وسائل الشيعة 12 : 207 ، باب 122 من أبواب أحكام العشرة ، ح 10 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 456 ، باب 105 من أبواب أحكام العشرة ، ح 16.
9- وسائل الشيعة 8 : 297 ، باب 4 من أبواب صلاة الجماعة ، ح 5.

مخالفا للواقع عملا (1) في اعتقادهم ، وأمّا صدق نفس الخبر ممّا لا رائحة فيها وقد أشبعنا الكلام في ذلك في مباحث الظنّ (2) ، وأمّا الرواية الأخيرة فهي مجملة في غاية الإجمال فكيف يكون المؤمن الواحد حجّة في أفعاله وأقواله؟ ولا إشكال في ذلك وإنّما الإشكال في أنّ الأصل في خبر العادل هو القبول خرج ما خرج من الشهادة ، فلا يكفي فيها إلاّ عادلان ، أو عدم القبول ، ويثمر ذلك في الوكالة والنيابة ونحوها وقد ذكرنا (3) ذلك مفصّلا في محلّه في مباحث الظنّ فراجعه متأمّلا مغتنما ، واللّه الموفّق الهادي إلى طريق السداد وسبيل الرشاد (4).

الرابع : هل يحمل الاعتقاد على الصحّة ، أو لا؟ و (5) الحقّ هو الأوّل من حيث نفس الاعتقاد ، فلا يترتّب عليه الآثار (6) المترتّبة على فساد نفس الاعتقاد ، فيحكم (7) بأنّ اعتقاده (8) حاصل من الوجوه التي ينبغي تحصيل الاعتقاد (9) منها دون الوجوه التي لا يجوز تحصيله منها ، وأمّا صحّته على وجه يتسرّى إلى صحّة المعتقد فلا دليل عليه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا في الأفعال - من لزوم حملها على الصحيح فيما لو دار بينه وبين الفاسد نظرا إلى اختلال نظام المعاش - إنّما هو قضيّة إجمالية ولا بدّ في تفصيلها من التنبيه على أمور :

منها : هل الأصل المذكور ممّا يتساوى فيه العالم والجاهل بالأحكام الشرعية أو لا؟ فنقول : إنّ الصور المتصوّرة في المقام عديدة : فتارة : نعلم بأنّ الفاعل عالم بالأحكام

ص: 475


1- « ج ، م » : عمدا.
2- لم يتقدّم ؛ لأنّ نسخ المطارح كانت ناقصة في ذلك المبحث.
3- « ز ، ك » : ذكر.
4- « ز ، ك » : واللّه الهادي.
5- كذا. والأنسب بدون « و ».
6- « ز » : آثار.
7- « ز ، ك » : والحكم.
8- « ز ، م » : بأنّ اعتقاد ، ثمّ غيّر في « م » ظاهرا ب- « أنّه اعتقاد ».
9- « ز ، ك » : تحصيلها للاعتقاد.

الشرعية عبادة كانت أو معاملة ، ولا ينبغي الارتياب في لزوم حمل فعله على الصحيح ولا سيّما إذا لم يكن ممّن لا يبالي بالأحكام الشرعية ، وأمّا إذا كان منهم كما يرى في بعض الظلمة والفسقة من علمهم بوجوه الصحّة وضروب الفساد فالظاهر نهوض الأدلّة السابقة من السيرة وغيرها على الحمل وذلك ظاهر.

وأخرى : لا نعلم أنّه عالم أو جاهل ، سواء كان ممّن يبالي بالأحكام الشرعية أو لم يكن ، أو لم نعلم بأنّه من أيّ القسمين ، والظاهر أنّ هذه الصورة أيضا بصورها (1) ممّا لا إشكال فيها ، فيجب الحمل على الصحيح للأدلّة السابقة.

ومرّة : نعلم بأنّه جاهل بالأحكام الشرعية ، كما إذا اختلف المتعاقدان في وقوع العقد في الإحرام أو في الإحلال مع العلم بجهلهما بالحكم الشرعي من عدم الصحّة في الإحرام ، فهل يحكم بوقوعه صحيحا ، أو لا؟ وجهان : يظهر من سيّد المدارك (2) الثاني (3) ، والظاهر هو الأوّل ؛ لقيام السيرة على الحمل ، ولعلّها ليس بمحلّ لا يقبل إنكارها (4) ، فتدبّر.

وتارة : يعلم بوقوع الفعل من المسلم على وجه الفساد الظاهري ، كما إذا باع أحد أطراف الشبهة المحصورة ، فهل يجب الحمل على الصحيح بالقول بأنّ الواقع هو كون المبيع هو الفرد الجائز نقله وانتقاله - مثلا - من باب البخت والاتّفاق ، أو لا؟ الظاهر هو الثاني ، لعدم ما يدلّ على ذلك في خصوص الفرض وهو ظاهر لا سترة عليه.

ومنها : هل يجري أصالة الصحّة في كلّ ما يتعلّق بالعقد شرطا كان أو جزء ، ركنا كان أو غيره ، أو يختصّ بغير الأركان؟ وجهان : يستفاد من ثاني المحقّقين (5) الثاني ، فلا محلّ عنده لأصالة الصحّة ما لم يكن أركان العقد محرزا. نعم لو شكّ في الصحّة وعدمها

ص: 476


1- « ز ، ك » : تصورها.
2- مدارك الأحكام 7 : 315.
3- « ز ، ك » : - الثاني.
4- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : إنكاره.
5- جامع المقاصد 7 : 311.

بواسطة عدم إحراز شرط كالقبض في الصرف أو من جهة وجود مانع ، فلا بأس في الاستناد إلى الأصل المذكور.

والظاهر هو الأوّل ؛ لانتهاض الوجوه المتقدّمة في المقام من غير فرق بين الأجزاء والأركان وغيرها ، ولعلّ الوجه فيما ذهب إليه هو أنّ دليل الحمل عنده ليس إلاّ عموم قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) تحكيما له في الشبهة المصداقية ، فعلى هذا لا بدّ من إحراز ما به يصدق العقد على المشكوك من الأركان ، وأمّا بدونه فلا يصدق أنّه عقد فلا يشمله عموم ( أَوْفُوا ) .

وبعبارة أخرى : إنّ الشكّ إذا كان في وجود المقتضي فلا تنهض (2) الآية الشريفة دليلا على الصحّة في العقد فإنّها (3) مقيّد بالقيود التي اعتبرها الشارع في صحّتها ، فلا يصحّ التمسّك بالآية ما لم يحرز المقتضي للصحّة وهو الذي يعبّر عنه بالأركان ، وأمّا إذا أحرز المقتضي وكان الشكّ في ثبوت شرط أو رفع مانع فيصحّ التمسّك بالآية في رفع (4) الشكّ.

وفي كلّ من التفصيل والمبنى نظر ، أمّا المبنى فلأنّ التمسّك بالعامّ المخصّص بمجمل (5) في الشبهة المصداقية محلّ منع ؛ إذ وجوب الوفاء بالعقد مخصّص لا محالة ، والمفروض وقوع الشكّ في أنّ المورد الخاصّ من الأفراد التي لم يصادفها (6) التخصيص أو لا ، فكيف يتأتّى الاستناد إلى (7) العامّ في مثل المقام.

وأمّا أصل التفصيل فلأنّ قضيّة ما ذكره التفصيل بين ما هو من أجزاء المقتضي جزء كان أو شرطا ، وبين المانع ؛ إذ (8) الشروط قد يلاحظ في كلمات الشارع على وجه

ص: 477


1- المائدة : 1.
2- المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : لا ينهض.
3- في النسخ : فإنّه.
4- « ج » : دفع.
5- « ك » : بالمجمل.
6- « ز ، ك » : لم يصادقها.
7- « ز ، ك » : في.
8- « ك » : « و » بدل : « إذ ».

يحتمل أن يكون من أجزاء المقتضي.

نعم ، على تقدير اختصاص ذلك بالموانع يصحّ ما ذكره ، مع أنّ أصالة عدم المانع أيضا (1) تجدي هذه الجدوى كما لا يخفى ، ولعلّه لذلك قد عدل عن المقالة المذكورة إلى جريان الأصل في الشروط أيضا في مقام (2) ، فإنّها تظهر منه عند شرح قول العلاّمة في كتاب الضمان : ولا يصحّ من الصبيّ وإن أذن له الولي ، فلو اختلفا قدّم قول الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته (3) ، وليس لمدّعي الأهلية أصل يستند إليه ولا ظاهر يرجع إليه. فإنّه (4) أفاد في توجيه كلام العلاّمة ما ذكرنا من التفصيل (5) - (6) ، وصرّح بذلك في موضع آخر في كتاب الإجارة أيضا (7) وقال - فيما إذا قال البائع : بعتك وأنا صبيّ - بتقديم قول مدّعي الصحّة واندفاع أصالة عدم البلوغ بهذا الأصل (8) ، فتدبّر.

ومنها : إذا اتّحدت الصحّة عند الفاعل والحامل ، أو كانت الصحّة عند الفاعل أخصّ ، فلا إشكال في الحمل على الصحيح عند دوران الأمر بينه وبين الفاسد ، والوجه فيه ظاهر سيّما على الأخصّية.

وأمّا إذا كانت الصحّة عند الفاعل مباينة للصحّة عند الحامل كما إذا رأى الفاعل أنّ الأخرس طلاقه بالإشارة - مثلا - ولا يقع بالكتابة ، ورأى الآخر أنّ الأخرس طلاقه بالكتابة ولا يقع بالإشارة ، فهل يحمل الفعل على الصحيح عند العامل ، أو عند الحامل؟ وجهان : أظهرهما الحمل على الصحيح عند الفاعل ؛ إذ ربّما يعدّ ذلك من الحمل على الفاسد ولو عند العامل ، بل قد يكون عند العامل حمله على ما هو عند

ص: 478


1- « ز ، ك » : - أيضا.
2- « ز ، ك » : - في مقام.
3- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : « ذمّتها ».
4- « ز ، ك » : لأنّه.
5- « ز ، ك » : التفاصيل.
6- جامع المقاصد 5 : 315.
7- جامع المقاصد 7 : 307 - 308 و 311 ، و 8 : 175 ( كتاب القراض ).
8- جامع المقاصد 4 : 452.

الحامل معصية (1) كما لا يخفى ، فيشمله أدلّة النهي عن الحمل على الفساد.

وأمّا إذا كانت الصحّة عند الحامل أخصّ من الصحّة عند العامل والفاعل عكس الصورة الأولى ، فعند العلم بوقوعه على وجه يوافق مذهب الحامل فلا إشكال أيضا في الحمل ، وأمّا مع عدم العلم بالمخالفة والمباينة فيصير مثل ما إذا تباينت (2) الصحّتان رأسا ، فلا بدّ من الحمل على الصحيح عند العامل ؛ لأنّ الحمل (3) على ما هو الصحيح عند الحامل إنّما هو حمل على الفاسد ، وهل يحكم بترتيب الآثار بالنسبة إلى غير العامل عند العلم بوقوعه على وجه المخالفة والمباينة ، أو لا؟ وجهان ، فلو حكم أحدهما بصحّة المعاطاة - مثلا - وحكم الآخر بالفساد مع علمه بوقوع المعاطاة من الحاكم بالصحّة ، فعلى الأوّل يجوز التصرّف في المبيع المزبور من غير الفاعل ، وعلى الثاني لا يجوز ، والكلام في هذه المسألة خارج عمّا نحن بصدده ، فإنّ الموضوع (4) المفروض ممّا علم فيه وجه الفعل والمعتبر في أصالة الصحّة عدم العلم بوجه الفعل كأن يكون مردّدا بين وجهي الصحيح والفاسد.

وتحقيق المقام مذكور في محلّه وملخّصه : أنّ مدرك الحكم المذكور إذا كان من المدارك التي يتعاطونها أرباب الاستنباط وأصحاب الاجتهاد من الأخبار والكتاب والعقل والإجماع (5) ، فإن كان الفعل المذكور من قبيل العبادات فلا يحكم بالصحّة فلا يصحّ استنابة من يرى عدم وجوب السورة مع العلم بعدم قراءتها للصلاة ولا يصحّ الايتمام به ، وكذا إذا كان من الأحكام فلا يحلّ أكل الذبيحة التي يرى بعضهم حلّيتها عند فري الودجين مثلا ، وأمّا إذا كان (6) الفعل معاملة كما إذا باع أحدهما بالفارسية أو

ص: 479


1- « ج » : بمعصية.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : تبانت.
3- « ز ، ك » : - لأنّ الحمل.
4- في النسخ : موضوع.
5- « ز ، ك » : الإجماع والعقل.
6- من قوله : « من الأحكام فلا يحلّ » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».

بالمعاطاة فالذي قوّيناه (1) في محلّه هو إمضاء هذه المعاملة بترتيب (2) آثار الملك عليها ، والوجه في الفرق بينهما مذكور في محلّه ، وأمّا إذا كان المدرك أمرا باطلا فلا عبرة به قطعا.

ومنها : هل الأصل المذكور يعمّ المسلم بأقسامه من المؤمن والمخالف والكافر أيضا ، أو يختصّ (3) بالمسلم (4) مطلقا ، أو يخصّ (5) المؤمن فقط؟ وجوه : أقواها الأوّل ؛ لقيام السيرة المستمرّة على حمل أفعال المخالفين والكفّار على الصحيح فيرتّبون (6) عليها آثارها المطلوبة منها من النقل والانتقال وإن كان ظاهر العنوان مخالفا لما ذكرنا كظاهر قول الأمير عليه السلام : « ضع » (7) لانتفاء الاخوة بين المؤمن والمخالف والكافر. ولك أن تقول : إنّ ترتيب (8) الآثار على تلك الأفعال ليس بواسطة حمل أفعالهم على الصحيح فيما لو دار بينه وبين الفاسد ، بل بواسطة وجوب إلزامهم على أمر ألزموا (9) به أنفسهم كما هو مفاد النصّ ، فيجوز التصرّف في المتعارضين في عقودهم وإن كان باطلا عندنا كما في ثمن الخمر ، ولا تحلّ (10) لنا نساؤهم إلى غير ذلك من الآثار ما لم تكن (11) متجاوزة عنهم إلينا ، وأمّا مع التجاوز كما في معاملتهم بشيء معاملة الطهارة أو النجاسة فلا يحمل على الصحّة كما لا يخفى.

ومنها : أنّ أصالة الصحّة لا تقضي (12) إلاّ بإثبات (13) الصحّة من الجهة المشكوكة ،

ص: 480


1- « ز ، ك » : قرّبناه.
2- « ز ، ك » : بترتّب.
3- « ز ، ك » : « يخصّ ».
4- « ك » : المسلم.
5- « ج ، م » : يختصّ.
6- المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : فيترتّبون.
7- تقدّم في ص 470.
8- « ز » : ترتّب.
9- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ما لو لزموا.
10- في النسخ : ولا يحلّ.
11- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : لم يكن.
12- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : لا تقتضي.
13- « ك » : إثبات.

وأمّا الجهة التي لا تناط (1) بالجهة المشكوكة فلا سبيل إلى إحرازها بالأصل المذكور ، مثلا لو شكّ في صحّة الإيجاب في العقد فحمله على الصحيح لا ينافي عدم تعقّبه (2) بالقبول ؛ لأنّ صحّة الإيجاب لا يناط بتعقّبه بالقبول.

نعم ، صحّة الإيجاب بمعنى وقوعه مؤثّرا في حصول مضمونه منوط بتعقّبه للقبول وهذه ممّا لم يقم عليها دليل ، ومن هنا ينقدح فساد ما قد توهّمه بعض الأواخر انتصارا للمشهور فيما إذا اختلف الراهن والمرتهن في وقوع البيع على العين المرهونة فيما إذا أذن المرتهن بذلك قبل الإذن وبعده ، فزعم أنّ الوجه في تقديم قول المرتهن هو أصالة صحّة البيع فإنّ صحة البيع معناها وقوعه على وجه يترتّب عليه آثاره الشرعية ، و (3) أمّا وقوعه قبل الإذن أو بعد الإذن فمن الأمور العقلية التي لا مدخل للصحّة فيها (4) ، ونظير ما لو تمسّك بأصالة الصحّة في الإذن فإنّ (5) حمل الإذن على الصحيح لا يقضي (6) بوقوع البيع بعد الإذن كما هو المطلوب ، ومن هنا نقول بتقديم قول منكر الإجارة والقبض في الفضولي والصرف والهبة مع جريان أصالة الصحّة في البيع والهبة كما لا يخفى.

ومنها : قد يظهر من بعض من لا دربة (7) له إنكار جريان أصالة حمل الفعل على الصحيح فيما إذا كان الفاعل هو الغير ، وهو على إطلاقه من أسخف الاحتمالات ؛ لظهور أنّ مدارك الأصل إنّما هي تجري (8) في فعل الغير فقط ، ولذلك أفردناه (9) عن الأصل المتقدّم (10) في هداية مستقلّة.

ص: 481


1- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : لا يناط.
2- « ز ، ك » : « نقصه » وكذا كانت أوّلا في نسخة « م » ثمّ غيّرها بما في المتن.
3- « ز ، ك » : - و.
4- في النسخ : فيه.
5- « ز ، ك » : - فإنّ.
6- « م » : لا يقضي.
7- « ز ، ج » : درية ، « ك » : دراية.
8- في النسخ : يجري.
9- « ز ، ك » : أفردنا.
10- « ز ، ك » : المقدّم.

نعم ، في المقام شيء يجب الالتفات إليه وهو أنّ الأفعال الصادرة عن الغير على وجوه متعدّدة : فتارة : لا يكون متعلقا لتكليف الحامل إلاّ على وجه عرضي فرضي ، كما لو باع شيئا وشكّ في صحّته وفساده ، وتارة : يكون متعلّقا لتكليفه فتارة : على وجه الوجوب الكفائي ، كما في دفن الأموات وكفنها والصلاة عليها والقضاء بين المسلمين ونحوها من الواجبات الكفائية المتعلّقة بجميع أرباب التكليف ، وأخرى : لا على وجه الوجوب الكفائي ، كما فيما (1) لو استناب أحدا ليعمل عنه عملا.

لا شكّ في جريان أصالة الصحّة في الأوّل وإن كان صحّة الفعل مؤدّيا إلى ما هو متعلّق بتكليف (2) الحامل بالعرض ، كما لو نذر التصدّق بشاة مخصوصة باعها غيره ، فإنّ أصالة الصحّة في البيع المذكور يكفي في الحكم ببراءة ذمّته عن النذر فيما لو تصدّق بها كما أنّه لا ريب في كفاية أصالة الصحّة في الواجبات الكفائية ، ولذلك لا تراهم بعد علمهم بمباشرة واحد من أهل الكفّار بالفعل متفحّصين عن وجه الفعل وصحّته وفساده وليس ذلك إلاّ بواسطة الحمل على الصحّة.

وأمّا القسم الأخير فقد يظهر من جماعة اعتبار العدالة في النائب وعدم اكتفائهم بحمل فعله (3) على الصحيح من حيث إنّه متعلّق بتكليفه وإن كان يحمل عليه من جهة تعلّقه بالفاعل ، مثلا لو استناب أحدا للحجّ الواجب عليه فأصالة الصحّة في فعل النائب يجدي في استحقاقه الأجرة ولا يجدي في الحكم ببراءة ذمّة المنوب عنه ، فاعتبروا في ذلك العدالة. وقد يشكل ذلك من حيث عدم ظهور الفرق بينه وبين القسم الثاني من الواجبات الكفائية ، ولعلّ الوجه في الفرق بينهما أنّ المطلوب في الواجب الكفائي هو وقوع الفعل صحيحا في الخارج فهو مركّب من أمرين : أحدهما : أصل وجود الفعل ، وثانيهما : كونه على وجه الصحّة ، وكلاهما محرزان ، أمّا الأوّل

ص: 482


1- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : في.
2- « ج ، م » : لتكليف.
3- « ز ، ك » : فعلهم.

فبالفرض ، وأمّا الثاني فبالأصل ، فلا وجه للقول بعدم الاكتفاء ، والمطلوب في أعمال النائب هو وقوع الفعل في الخارج صحيحا عن المنوب عنه ، فهو مركّب من أمور ثلاثة : أحدها : الأوّل ، وثانيها (1) : الثاني ، وثالثها : وقوعه عنه ، وغاية ما يستفاد من الأصل هو وقوعه صحيحا ، وأمّا وقوعه صحيحا عنه فلا يقضي (2) أصالة الصحّة به فلا بدّ في إحراز ذلك (3) من التماس وجه آخر كاخباره إذا كان ممّن يعتدّ بأخباره كما إذا كان عادلا ، كذا أفاد ولعمري إنّه (4) قد أجاد فهو الجواد الذي لا يكبو.

المطلب الثاني

المطلب الثاني (5)

في تعارضها مع الاستصحاب ، فنقول : لا إشكال في تقدّم (6) أصالة الصحّة على استصحاب حكمي عدمي لا ينفكّ عنه دائما وهو استصحاب الفساد (7) المعمول في كلّ المعاملات والعبادات وعدم وقوع العقد على وجه يترتّب (8) عليه الأثر ، وإلاّ فلم يكن لجعل الأصل المذكور مورد (9) كما قد عرفت ورود أصالة وقوع الفعل فيما تجاوز محلّه على أصالة عدم وقوعه ، ولا ينبغي الإشكال أيضا في تقدّم (10) أصالة الصحّة على استصحاب موضوعي لا ينفكّ عنه دائما أيضا وهو أصالة عدم وقوع هذا الفعل المخصوص المشكوك صحّته وفساده صحيحا ، ولا يعارضه أصالة عدم وقوعه فاسدا كما هو الشأن في جميع الأصول الخارجة في الأمور الحادثة ؛ لعدم ترتّب شيء على

ص: 483


1- « ز ، ك » : الثاني.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : فلا يقتضي.
3- « ز ، ك » : - ذلك ، وفي « ك » : إحرازه.
4- « ز ، ك » : - إنّه.
5- تقدّم الأوّل منهما في أوّل الهداية.
6- « ج » : تقديم.
7- في نسخة « ج » زيادة وهي : « لأنّ الأصل الموضوعي على الأوّل متعارضان ، كما إذا شكّ في وقوع العقد على الخلّ أو الخمر أو وقوعه في الإحلال والإحرام ونحو ذلك ، فكيف كان فهذا الأصل » وستأتي هذه الزيادة في سائر النسخ بعد قوله : « يتعارضان بخلاف الأوّل » الآتي بعد سطور.
8- « ز » : ترتّب.
9- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : موردا.
10- « ج » : تقديم.

أصالة عدم وقوعه فاسدا إلاّ على القول بالأصول المثبتة التي لا تعويل عليها عند التحقيق ، لأنّ القول بتقديم هذا الاستصحاب على أصالة الصحّة هدم لما أسّسناه من القول بالأصل المذكور ، واللازم ضروري الفساد ؛ لما عرفت من المفاسد لولاه.

وإنّما الكلام في تقديم أصالة الصحّة على استصحاب موضوعي ينفكّ عنه في بعض الأحيان ، وهو أصالة عدم وقوع الموضوع الذي يشكّ من جهته في صحّة العقد وفساده ، مثلا إذا شكّ في صحّة العقد بواسطة الشكّ في رؤية المبيع أو بواسطة الشكّ في القبض في الصرف أو في الهبة ، فالأصل عدم وقوع الرؤية وعدم القبض.

وأمّا وجه انفكاكه عنه أنّ الشكّ في الصحّة قد يكون بواسطة وقوع العقد على واحد من الحادثين ، وقد يكون بواسطة وجود أمر معلوم العدم في السابق ، أو انتفاء أمر معلوم الوجود في السابق ، فعلى الأخيرين يتعارضان بخلاف الأوّل ؛ لأنّ الأصل الموضوعي على الأوّل متعارضان ، كما إذا شكّ في وقوع العقد على الخلّ أو الخمر ، أو وقوعه في الإحلال أو الإحرام ونحو ذلك.

فكيف كان ، فهل الأصل المذكور مقدّم على الاستصحاب الموضوعي الذي ينفكّ عنه مع كونه مزيلا للشكّ في الصحّة والفساد ، أو لا؟ فيه إشكال نظرا إلى اختلاف كلمات الفحول في المقام وعدم مساعدة الأصول عليه أيضا ، فإنّ المحقّق في مقامه أنّ الأصول التي هي مزيلة للشكّ المأخوذ في موضوع الأصول الأخر مقدّمة عليها وقضيّة ذلك تقديم الاستصحاب الموضوعي عليه ، ومع ذلك فلا نرى للتقديم وجها وجيها.

ويظهر من العلاّمة (1) تقديم الاستصحاب عليه وتبعه في ذلك أوّل الشهيدين وثاني المحقّقين ، قال العلاّمة في كتاب الضمان من القواعد : ولا يصحّ من الصبيّ وإن أذن له الوليّ ، فإن (2) اختلفا قدّم قول الضامن ؛ لأصالة براءة الذمّة وعدم البلوغ (3). وذكر في

ص: 484


1- من قوله : « تقديم الاستصحاب الموضوعي » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
2- « ك » : ولو ، وفي « ز » : و.
3- قواعد الأحكام 2 : 156.

التذكرة : لو ادّعى المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فإن عيّنا الضمان (1) وقتا وكان البلوغ (2) غير محتمل فيه قدّم قول الصبيّ ، لحصول العلم بعدم البلوغ ولا يمين على الصبي لأنّها إنّما تثبت في المحتمل ، وإن كان الصغر غير محتمل قدّم قول المضمون له من غير يمين ؛ للعلم بصدقه ، فإن احتمل (3) الأمران و (4) لم يعيّنا له وقتا فالقول قول الضامن مع يمينه (5).

فحكم العلاّمة بتقديم قول الصبيّ في هذه الصورة مع جريان أصالة الصحّة يكشف عن تقديمه أصالة عدم الصبيّ على أصالة الصحّة ، وقوله في القواعد : وليس لمدّعي الصحّة أصل يعوّل عليه ولا ظاهر يستند إليه ، صريح فيما ذكرنا. وصرّح الشهيد رحمه اللّه (6) بمعارضة أصالة الصحّة لأصالة عدم الصبيّ وحكم بالرجوع إلى أصالة البراءة ، وقد عرفت أنّ المحقّق الثاني أيضا قد اختار مذهب مصنّفه في شرح العبارة ، ويظهر من الشهيد الثاني (7) تقديم أصالة الصحّة على الاستصحاب في جملة من الموارد ، ولعلّه هو الأقرب.

وتحقيق المقام يحتاج إلى تمهيد فنقول : لا إشكال في لزوم الأخذ بأصالة الصحّة فيما إذا كان الشكّ في الصحّة وعدمها (8) مستندا إلى الشكّ في وقوع العقد على أحد الحادثين لتساقط الأصل من الجانبين ، فلا بدّ من الرجوع إلى أصالة الصحّة على تقدير تأخيرها عنه أيضا ، وأمّا إذا كان الشكّ مسبّبا عن الشكّ في وجود أمر غير معلوم كما في الشكّ في الصحة الناشئة عن الشكّ في الرؤية فلا بدّ من ملاحظة أنّ الثابت بأصالة

ص: 485


1- في المصدر : للضمان.
2- المثبت من المصدر وهامش « ك » ، وفي سائر النسخ : الضمان.
3- « ز ، ك » : وإن احتمل.
4- في المصدر : أو.
5- تذكرة الفقهاء 2 : 87 ( الطبعة الحجرية ).
6- نقله عن حواشيه في جامع المقاصد 5 : 315.
7- انظر مسالك الأفهام 3 : 268.
8- « ز » : قدمها.

الصحّة ما ذا فهل هو مجرّد وصف الصحّة بدون الموصوف فيحكم بترتيب (1) آثار الوصف فقط دون الموصوف ، أو وصف الصحّة في موصوف بقدر احتياجه (2) إليه فيحكم بثبوت الموصوف على وجه يتحمّل إثبات الوصف والصحّة ، أو يحكم بثبوت الموصوف على جميع وجوهه وعناوينه فيترتّب عليه جميع الآثار المترتّبة على ذلك الموضوع كما إذا ثبت الموضوع بالاستصحاب ، فلو قلنا بأنّ الثابت بالأصل هو الوصف فقط فلا إشكال في ورود الأصل الموضوعي على أصالة الصحّة ؛ لأنّ المزيل مقدّم على المزال كيف ما كان ، ولو (3) قلنا بأحد الأخيرين فالتحقيق هو تقديم أصالة الصحّة على الأصل الموضوعي من باب الحكومة ، فإنّ السيرة القائمة على الأخذ بأصالة الصحّة تكشف عن أنّ مورد الشكّ المعتبر في الاستصحاب ليس فيما يجري فيه أصالة الصحّة ، وليس الاستصحاب حينئذ مزيلا ؛ لأنّ الثابت بأصالة الصحّة هو نفس الرؤية لا الصحّة المتفرّعة عليها ليكون استصحاب عدم الرؤية كافيا في إثبات عدم الصحّة ف- [ -قضيّة ] عدم وقوع الرؤية وأصالة وقوعها كما هو مفاد الأصلين تعارضهما ، وقضيّة حكومة أصالة الصحّة على أصالة العدم تقدّمها عليها ، وإن أبيت عن الحكومة فلا شكّ في أنّ الظهور في أصالة الصحّة أخصّ من الظهور في الاستصحاب كما في تعارض الغلبة النوعية والصنفية.

ثمّ لا يخفى أنّ التحقيق هو إثبات وصف الصحّة في موصوف لا على جميع عناوينه ، فلا يحكم بوجود الرؤية فيما لو (4) شكّ فيها مطلقا أخذا بأصالة الصحّة ؛ إذ لم يقم عليه دليل ، بل الثابت بالدليل هو إثبات الرؤية على وجه يكفي في قيام الوصف به شرعا ، كما عرفت نظيره في أصالة وقوع الفعل فيما جاوز محلّه فإنّه لا يحكم بوقوعه مطلقا

ص: 486


1- « ز » : بترتّب.
2- « ز ، ك » : احتياجها.
3- « ز ، ك » : فلو.
4- « ج ، م » : - لو.

على جميع وجوهه وعناوينه ، فلو فرضنا أنّ (1) الرؤية ممّا يترتّب عليه أحكام أخر كما لو نذر على تقديرها شيئا لا يحكم بوجوبه كما لا يخفى ، وقد يظهر منهم الحكم بوقوعه مطلقا وليس في محلّه فإنّ أصالة عدم الرؤية محكّمة فيه ، فبالحقيقة يؤخذ بأصالة الصحّة في إثبات الرؤية لأجل إثبات الصحّة ، ويؤخذ بأصالة العدم لإثبات سائر الأحكام ، وذلك ظاهر فيجمع بينهما على الوجه المذكور.

نعم ، فيما إذا كان الشكّ في الصحّة باعتبار الشكّ في وقوع العقد على أحد الحادثين كما لو باع شيئا واختلفا في أنّه الخمر أو الخلّ ، قد يظهر (2) من غير واحد منهم وقوع العقد على الخلّ دون الخمر مع أنّ الاقتصار على ثبوت الصحّة لا يقتضي (3) تعيين (4) الموصوف كما لا يخفى ، فتدبّر في المقام فإنّه في غاية الإعضال (5) ونهاية الإشكال واللّه الموفّق وهو (6) الهادي.

ص: 487


1- « ز ، ك » : - أنّ.
2- « ز ، ك » : وقد يظهر.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لا يقضي.
4- « ز ، ك » : تعيّن.
5- « ز » : الاعتضال.
6- « ز ، ك » : - هو.

ص: 488

هداية في تعارض الاستصحابين

وقد تصدّى بعضهم (1) في المقام بإيراد أقسام التعارض فيهما على حسب اختلاف الوجوه المتصوّرة فيه ، فقسّمهما (2) موردا إلى ما تعارضا في مورد واحد كاستصحابي (3) الطهارة والحدث مع العلم بهما فيما إذا شكّ في السبق واللحوق ، أو في موردين كاستصحاب طهارة الماء الواقع فيه الصيد واستصحاب عدم زهوق روحه مثلا.

ومستصحبا إلى الوجوديين أو العدميين أو مختلفين ، إمّا حكميين أو موضوعيين أو مختلفين.

وباعتبار وجه التعارض إلى ما كان التعارض بينهما بالذات كاستصحابي الطهارة والحدث ، أو بواسطة التضادّ بين لازميهما كما في استصحابي (4) الطهارة والاشتغال إذ لا تعارض بينهما إلاّ (5) بملاحظة أنّ لازم الأوّل عدم المؤاخذة ولازم الثاني العقاب ، أو بواسطة أمر خارج من علم إجمالي كما في الشبهة المحصورة ، أو إجماع كما في استصحاب طهارة الماء إذا انضمّ إليه ماء نجس مجموعهما كرّ واحد.

وباعتبار الشكّ المأخوذ فيهما إلى ما يكون أحد الشكّين دائرا مدار الآخر وجودا

ص: 489


1- ضوابط الأصول : 440.
2- « ز ، ك » : فقسمتها.
3- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : كاستصحاب.
4- « ز ، ك » : استصحاب.
5- « م » : - إلاّ.

وعدما متولّدا منه مسبّبا عنه كما في استصحاب الاشتغال عند الشكّ في الطهارة ، وإلى ما لا يكون أحد الشكّين مسبّبا عن الآخر كما في استصحابي الطهارة والحدث.

وقد توهّم بعضهم (1) : أنّه قد يكون كلّ من الشكّين مسبّبا عن الآخر ومثّله باستصحابي عدم التخصيص في العامّين من وجه في مورد التعارض ، فإنّ الشكّ في تخصيص كلّ منهما مسبّب عن الشكّ في تخصيص الآخر.

وليس بسديد ؛ لعدم معقولية العلّة (2) من الطرفين فإنّه دور ظاهر ، وأمّا ما أورده من التمثيل فواضح السقوط ؛ لأنّ الشكّ إنّما هو من أمر خارج ثالث وهو عدم البيان (3) ، ويشعر بذلك انتفاؤهما عنده فإنّ علّة ارتفاعهما عدمها (4) علّة حدوثهما كما هو ظاهر.

والحقّ أنّ التقسيمات المذكورة (5) ممّا لا يجدي شيئا فيما نحن بصدده إلاّ التقسيم الأخير ، وأمّا باقي الأقسام فلا يختلف الحكم باختلافها (6) ، فلا فائدة في تطويل البحث بإيراد كلّ منها (7) في مقام كما صنعه المتصدّي.

وإذا عرفت ذلك فنقول : إذا كان الأصلان المتعارضان ممّا يترتّب على كلّ منهما شيء لا يترتّب على الآخر ، فإن كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر فالحكم هو تقديم (8) الاستصحاب الذي في مورد الشكّ السببي على الاستصحاب في الشكّ المسبّبي ، وإن لم يكن أحدهما مسبّبا عن الآخر فالحكم هو التساقط لا التخيير ولا الترجيح فالمرجع (9) إلى أصل آخر ، وإذا لم يكن الأصلان ممّا يترتّب على (10) كلّ منهما أثر فالمحكّم هو الأصل الذي يترتّب عليه الأثر ، ومن هنا يظهر الوجه فيما أفتوا به جملة من أنّ الخيّاط لو قطع الثوب قباء فقال المالك بقطعة قميصا ، فالقول قول

ص: 490


1- مناهج الأحكام : 248.
2- « ج » : الغلبة؟
3- « ج ، م » : النسيان.
4- « ج » : عدمهما.
5- « ز ، ك » : التقسيم المذكور.
6- « ز » : باختلافهما.
7- « ز » : منهما.
8- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : تقدّم.
9- « ز » : فالمرجّح؟
10- « ج ، ز » : - على.

المالك ؛ لأصالة عدم الإذن في القطع في القباء ، ولا تعارضها (1) أصالة عدم الإذن في القميص ؛ إذ لا أثر في المعارض إلاّ على وجه لا تعويل عليه من القول بإثبات الأصل أحكاما عاديّة أو عقلية ، وسيظهر لك الوجه في ذلك عن قريب.

قلنا : في المقام دعويان : إحداهما : تقديم الأصل في مورد الشكّ السببي على الأصل في مورد الشكّ المسبّبي ، وثانيتهما (2) - (3) : تساقط الأصلين (4) فيما عدا ذلك على أيّ وجه فرض من الأقسام المذكورة.

أمّا الأولى : فتارة : يقع الكلام من حيث إنّ الاستصحاب من الأمارات الظنّية ، وأخرى : من حيث كونه حكما تعبّديا ، أمّا على الأوّل فلا إشكال في تقديم السببي المزيل على المسبّبي المزال ؛ ضرورة أنّ الظنّ بالسبب يلازم الظنّ بالمسبّب والمفروض قيام الأمارة الظنّية على وجود السبب فلا يعقل (5) الانفكاك.

وتوضيح ذلك : أنّ المسبّب من الأحكام المترتّبة على السبب ومن الأمور اللازمة له والمفروض حصول الظنّ بالملزوم لوجود أمارته ، فالمسبّب (6) لا يخلو إمّا أن يكون مظنونا ، أو مشكوكا ، أو مظنون العدم ، لا سبيل (7) إلى الأخيرين ، أمّا الأوّل منهما فظاهر البطلان ؛ لأنّ الظنّ بالعلّة علّة تامّة للظنّ بالمعلول ولا يمكن التخلّف ، وأمّا الثاني فلأنّ الظنّ بالعدم في جانب المعلول والمسبّب لا يعقل إلاّ بعد ارتفاع الشكّ عن (8) العلّة والسبب ، فالأمارة الظنّية القائمة في جانب المعلول لا بدّ من قيامها في الحقيقة في جانب العلّة على خلاف مقتضى الاستصحاب كأن تكون (9) حاكمة بانتقاض الحالة

ص: 491


1- « ج » : لا تعارضهما.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ثانيهما.
3- سيأتي الكلام عنها في ص 507.
4- بناء على التعبّد ، وأمّا بناء على الظنّ فظاهرهم الاختلاف في ذلك ، فحكموا بالتساقط في الأغلب ، كما سيأتي في ص 507.
5- « م » : فلا يقل.
6- « ز ، ك » : كالمسبّب.
7- « ز ، ك » : ولا سبيل.
8- « ز ، ك » : من.
9- في النسخ : يكون.

السابقة في جانب العلّة والمفروض خلافه ، وبالجملة فالظنّ كالعلم والشكّ في المعلول (1) مانع للظنّ والعلم والشكّ في العلّة ، فتعيّن الأوّل وهو المطلوب.

فإن قلت : إنّ ما ذكرت إنّما يتمّ فيما لو كان المستصحب ملتفتا إلى مجرى الاستصحاب في السبب أوّلا ؛ إذ لو فرض التفاته إلى مجرى الاستصحاب في المسبّب يجري فيه الاستصحاب ، فتنعكس (2) القضيّة ؛ إذ كما أنّ الظنّ بالعلّة يوجب الظنّ بالمعلول كذا الظنّ بالمعلول يوجب الظنّ بالعلّة ، فلا يمكن القول بتقديم الاستصحاب (3) السببي ؛ لانتفاء ما هو الملاك في الاستصحاب من لزوم كون المورد مشكوكا ، ولئن سلّمنا عدم حصول الظنّ من المسبّب بوجود السبب فلا أقلّ من القول بعدم حصول الظنّ من الطرفين ، كما إذا فرضنا قيام البيّنة على الطرفين فإنّه لا يكاد يحصل الظنّ عند تعارض الأمارتين في طرفي العلّة والمعلول ؛ لأنّ ما يوجب الظنّ بالعلّة بعينه قائم (4) في طرف المعلول فيكافئان فلا يحصل الظنّ بشيء منهما.

قلت : وهذه غفلة واضحة ؛ لأنّ المفروض أنّ الشكّ في المسبّب ناش عن الشكّ في السبب ، فيمتنع (5) الالتفات إليه من دون التفات إلى الشكّ في السبب ، وبعد الالتفات إليه مع الحالة السابقة فيتحقّق ملاك الاستصحاب فيه وبتحقّقه يرتفع الملاك في المسبّب ، وما ذكره المعترض مبنيّ على أن يكون الشكّ في المسبّب في عرض الشكّ في السبب ، فإنّه لا ملازمة بين الشكّين على تقديره فيمكن الالتفات إلى أحدهما دون الآخر.

وأمّا حديث الانعكاس فواه جدّا ؛ إذ لم يذهب وهم إلى أنّ الأخذ باستصحاب (6) المسبّب يوجب انتقاض الحالة السابقة في السبب ، غاية ما يمكن أن يتوهّم (7) هو الأخذ

ص: 492


1- « ز ، ك » : بالمعلول.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : فينعكس.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : استصحاب.
4- « ز ، ك » : في العلّة بعينه موجود.
5- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : فيمنع.
6- « ز ، ك » : بالاستصحاب.
7- « ز ، ك » : أن يقال.

بالحالة السابقة في السبب في غير ما يترتّب عليها بالنسبة إلى المسبّب أخذا بالاستصحاب في المسبّب أيضا ، والسرّ فيه أنّ دليل الإنّ إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن دليل على انتفاء العلّة ؛ إذ لو فرض وجود الدليل على ارتفاع العلّة فوجود الدليل على بقاء المعلول ممّا لا يجدي شيئا ، لكونه شأنا من شئونه وطورا من أطواره.

اللّهمّ إلاّ أن يكون مفاد الدليل الدالّ على وجود المعلول هو ثبوت العلّة فإنّهما حينئذ يتعارضان.

ومن هنا ينقدح أنّ ما ذكره من تعارض الأمارتين في طرفي المعلول والعلّة كالبيّنتين ، ممّا (1) لم يقع في محلّه أيضا أمّا أوّلا فلأنّ قيام البيّنة على المعلول مع أنّ المفروض نشو الشكّ فيه من الشكّ في العلّة من غير تعرّض لوجوده (2) في مفاد البيّنة غير معقول. وأمّا ثانيا : فلأنّ وجود إحدى البيّنتين لا يناط بوجود الأخرى (3) ، فيمكن قيامها على طرفي الخلاف ، بخلاف الاستصحابين ؛ لأنّ ملاك الأمر فيه على الحالة السابقة وهي في المعلول تابع لها في العلّة ، فلا يمكن انتهاضها أمارة في المعلول بوجه ، فظهر (4) فساد ما توهّمه من عدم الظنّ في الطرفين ؛ لمكان التعارض بين الأمارتين كما لا يخفى.

فإن قيل : إنّ ما ذكرت إنّما يتمّ فيما إذا قلنا بالاستصحاب من حيث إفادته الظنّ في خصوص الموارد لامتناع قيام الظنّ على المعلول بعد فرض قيامه على العلّة ، وأمّا إذا (5) كان اعتباره من باب إفادته الظنّ نوعا فلا مانع من الأخذ بأحكام المسبّب نظرا إلى الأمارة القائمة (6) عليه بحسب الشرع.

قلنا : وهذه أيضا غفلة صريحة ؛ إذ الأمارة في طرف العلّة لو كانت مفيدة للظنّ

ص: 493


1- « ز ، ك » : ما.
2- « ج ، م » : لوجودها.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : الآخر.
4- « ز ، ك » : يظهر.
5- « ز ، ك » : إن.
6- « ز ، ك » : أمارة قائمة.

الشخصي فلا مجال لاعتبار الاستصحاب في طرف المعلول ؛ لأنّ الظنّ بالعلّة يلازم الظنّ بالمعلول والمأخوذ في مورد الاستصحاب عدم كونه مظنونا ، وإن لم تكن (1) مفيدة للظنّ ففي جانب المعلول لا نسلّم وجود الأمارة النوعية ، فإنّ المدّعى هو أنّ صنف الحالة السابقة في المعلول فيما إذا كانت العلّة مسبوقة بالحالة السابقة لا يفيد الظنّ ، ومجرّد أنّ الحالة السابقة في كلّي الموجودات يفيد الظنّ لا يجدي في المقام بعد معارضته بخصوص المورد (2) صنفا أو نوعا.

وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام جماعة من الفحول كالمحقّق والعلاّمة وأضرابهما مع ذهابهم إلى حجّية الاستصحاب من باب الظنّ حيث إنّهم لا يرون تقديم المزيل على المزال ، فالمحقّق (3) حكم بتعارض استصحاب الطهارة باستصحاب اشتغال الذمّة (4) بالصلاة ، والعلاّمة (5) حكم - في مسألة الصيد المرميّ في الهواء الواقع في الماء مع الشكّ في استناد موته إلى الرمي - بنجاسة الصيد وعدم جواز أكله وطهارة الماء ، فيا للعجب منهم فإنّ القول بحرمة الأكل وانقطاع أصالة الحلّ بالموت وطهارة الماء من العجائب ؛ إذ ترتيب (6) بعض الأحكام المترتّبة على أصالة عدم التذكية من الحكم بحرمة الأكل دون بعض آخر من الحكم بنجاسة الماء الملاقي له مع اشتراكهما في جريان الأصل فيهما ترجيح بلا مرجّح ، وسيأتي لذلك زيادة تحقيق.

ولنعم ما صنعه صاحب الحدائق في المقام مع سلوكه في أمثاله مسلكا وعرا ، فهو حقيق بمن لم ينهج كالعلاّمة منهجا عسرا حيث قال في مقام تعداد المياه (7) المشتبه - بعد ما فرض مثل ما فرضه العلاّمة من الصيد ، وبعد ما ذكر أدلّة الطرفين - : والذي يظهر

ص: 494


1- في النسخ : لم يكن.
2- « ج » : الموارد.
3- انظر المعتبر 1 : 32 ؛ مختصر النافع : 21.
4- « ز ، ك » : بتعارض الطهارة باشتغال الذمّة.
5- تحرير الأحكام 1 : 55 ، وفي ط الحجري : 6 ، انظر أيضا منتهى المطلب 1 : 29 ، ط الحجري.
6- « ز ، ك » : ترتّب.
7- « ز ، ك » : الماء.

لي أنّ كلام الجميع غير خال عن الإجمال ، بل الاختلال ؛ إذ لا يخفى أنّ ثبوت النجاسة للماء وعدمها إنّما نشأت (1) من الصيد والحكم بطهارته أو نجاسته ، فالواجب أوّلا : بيان الحكم فيه بالطهارة أو النجاسة ، ولا ريب أنّ مقتضى عدم التذكية عندهم كما يكون (2) موجبة للتحريم كذلك يكون (3) موجبة للنجاسة كما صرّحوا [ به ] في جملة من المواضع ، منها الجلد (4) ومنها اللحم المطروحان (5) حيث حكموا بالتحريم والنجاسة بناء على الأصل المشار إليه ، وحينئذ فكما يكون العلم بعدم التذكية موجبا للتحريم والنجاسة كذلك حال الاشتباه وعدم العلم موجب لهما ، ولا ريب أنّ الصيد في الصورة المفروضة ممّا اشتبه فيه الحال بالتذكية وعدمها ، والتمسّك بأصالة عدم التذكية يوجب الحكم بتحريمه ونجاسته ، ومتى تثبت (6) نجاسته فوقوعه في الماء القليل موجب لتنجيسه عند القائل بها بالملاقاة (7) والنجاسة لا تختصّ (8) بالترتّب على العلم بعدم التذكية خاصّة الذي هو الموت حتف الأنف حتى يتمّ لهم أنّ النجاسة هنا مشكوك فيها لاحتمال التذكية ، بل كلّ (9) ما يترتّب على ذلك يترتّب (10) على الشكّ أيضا كما عرفت ، فإنّه لمّا كان كلّ من حلّ الصيد وطهارته مترتّبا على العلم بالتذكية كان انتفاؤهما بانتفاء ذلك تحقيقا للسببية ، وعدم العلم بالتذكية كما عرفت أعمّ من العلم بالعدم.

وبالجملة : فنجاسة الماء وطهارته في الصورة المزبورة (11) دائرة مدار طهارة الصيد ونجاسته وقد عرفت أنّ عدم العلم بالتذكية كما يكون سببا في التحريم يكون سببا في

ص: 495


1- في المصدر : نشأ.
2- في المصدر : تكون.
3- في المصدر : تكون.
4- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : أكله.
5- في المصدر : المواضع منها مسألة اللحم والجلد المطروحين.
6- « ز ، ك » : ثبت.
7- في المصدر : القائل بنجاسة القليل بالملاقاة.
8- في النسخ : لا يختصّ.
9- « ز ، ك » : كان.
10- في المصدر : بل كما تترتّب على ذلك تترتّب.
11- « ز ، ك » : - في الصورة المزبورة.

النجاسة ، وحينئذ فقول المستدلّ : إنّ الشكّ في استناد الموت إلى الجرح أو الماء يقتضي الشكّ (1) ، مسلّم لو كانت النجاسة مترتّبة على الموت حتف الأنف خاصّة كما ذكروه ، وأمّا إذا قلنا بترتّبها أيضا على الشكّ في التذكية وعدم العلم بها فلا ، وحينئذ (2) فالظاهر هو القول بالنجاسة (3) ، انتهى ما أفاده بلّغه اللّه مراده (4). وهو جيّد جدّا وإن قصر بيانه عن إفادة السرّ في ذلك كما لا يخفى على من لاحظ ما ذكره بعد ما ذكرنا ، هذا تمام الكلام فيما إذا قلنا بالاستصحاب ظنّا.

وأمّا على الثاني (5) : فالحقّ أيضا تقديم الاستصحاب (6) المزيل على المزال خلافا لما يظهر من محقّق القوانين (7) وإن كان خلافه غير مختصّ بما إذا كان الاستصحاب حجّة تعبّدية كما هو المفروض. وبالجملة : فالذي يراه في أمثال المقام هو الحكم بالجمع بين مقتضى الأصلين ، فيؤخذ في مورد التعارض بالأصل في المزال ، وفي غيره بالأصل في المزيل كما يحكمون بالتفكيك في موارد جمّة في الأحكام الشرعية كما هو ظاهر.

ويدلّ على ما ذكرنا من تقديم المزيل وجوه من الأدلّة :

الأوّل : الإجماع القطعي ، وتقريره هو أنّا نعلم بالحدس الصائب أنّه يمكن تصوير (8) صور فرضية (9) لو سئل عنها عن كلّ قرع سمعه حديث العلم لم يمكنهم الجواب (10) عنها (11) إلاّ على وجه يقدّم فيه المزيل (12) على المزال ، ويكشف عن ذلك ملاحظة بعض الفروض والصور ، فإنّ استصحاب العدالة يجدي في جواز الاقتداء بمن اتّصف بها وحرمة

ص: 496


1- في المصدر : الشكّ في عروض النجاسة.
2- المثبت من « ك » وهو موافق للمصدر ، وفي سائر النسخ : فحينئذ.
3- الحدائق الناضرة 1 : 527 - 528.
4- « ز ، ك » : - بلّغه اللّه مراده.
5- أي على كون الاستصحاب حكما تعبّديا ، وتقدّم الكلام بناء على الظنّ في ص 491.
6- « ز » : استصحاب.
7- القوانين 2 : 76 وسيأتي عنه أيضا.
8- « ز ، ك » : ممكن تصوّر.
9- « ج ، ك » : فرضه.
10- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الجواز.
11- « م » : - عنها.
12- « ز ، ك » : وجه تقديم المزيل.

المطلّقة التي طلّقت بمحضر منه وقبول شهادته والإيصاء به واستنابته وتوكيله فيما كانت مشروطة بها مع أنّ الأصل في جميع ذلك عدم ترتّبها كما لا يخفى ، واستصحاب طهارة (1) الماء يجدي في جواز الغسل به والتطهير به وشربه وتعمير المسجد به ونحو ذلك من الأمور المخالفة للأصل ، واستصحاب طهارة الأرض يجدي في جواز السجود عليه والتيمّم به (2) ، واستصحاب نجاسة العصير يجدي في حرمة أكله ونجاسة ملاقيه من الأجسام ، واستصحاب حياة الزوج يجدي في وجوب نفقتها على الزوج وحرمة تزويجها وعدم جواز تقسيم ماله إلى غير ذلك من الأحكام ، ومنها استصحاب عدم التذكية لحرمة اللحم ونجاسة الجلد وعدم جواز البيع وعدم جواز الاستصباح بالشحم (3) إلى غير ذلك من الأمور المترتّبة عليها من الأحكام المخالفة للأصول في طرف هذه الأحكام ، ولقد أفتوا جميعا بذلك في بعض هذه الموارد ونحن نعلم بعدم الفرق بينهما بوجه.

وقد يقرّر الإجماع بأنّ الاستصحاب (4) المزيل دائما يكون من استصحاب الموضوع واستصحاب المزال من الحكم ، وقد ادّعى الشيخ عليّ في تعليقاته على الروضة (5) الإجماع على تقديم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي.

وبعد ما عرفت من التقرير فنحن في غنى عن تجشّم إثبات الصغرى في هذه الحجّة مع وضوح تطرّق المنع إليها ، فتدبّر.

الثاني : السيرة المستمرّة في جميع الأعصار والأمصار بين العاملين بالاستصحاب في أمور معادهم أو معاشهم في عباداتهم ومعاملاتهم مع عدم انفكاك ذلك عن

ص: 497


1- « ز ، ك » : - طهارة.
2- « م » : - به.
3- « ج ، ز » : الشحم.
4- في النسخ : استصحاب.
5- كما عنه في ضوابط الأصول : 443 ، ثمّ قال : والإجماع الذي نقله وإن لم يكن دليلا في المسألة الأصولية لكن يكفي مرجّحا لأحد المتعارضين.

استصحاب وجودي أو عدمي مسبّب (1) الشكّ فيه عن الشكّ في مجرى الاستصحاب الذي يعوّلون عليه ، وإن شئت التوضيح فلاحظ نفسك هل تجد فيه انتظارا للعمل بأحكام الطهارة فيما إذا حكمت شرعا بطهارة شيء؟

الثالث : أنّه لو لا ذلك لاختلّ النظام وفسد الأمر على الخواصّ والعوامّ فإنّ ذلك في معنى عدم حجّية الاستصحاب ؛ إذ الأحكام المترتّبة على المستصحب لا يخلو من أن تكون (2) مسبوقة بالحالة السابقة الموافقة للمستصحب ، أو تكون مخالفة لها ، أو لا يعلم ذلك ، فعلى الأوّل فلا حاجة إلى استصحاب ذلك الموضوع في استصحابه عند من يزعم (3) المذكور لكفاية استصحابه (4) وإن كان عندنا غير معقول لما عرفت من فساده في الهداية الموضوعية فراجعها (5) ، ولا يصحّ ترتّبها (6) على الأخيرين لمعارضة الاستصحاب في أوّلهما وقاعدة العدم في ثانيهما للاستصحاب الأوّل ، وذلك ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فشناعة (7) القول بعدم التقديم ممّا لا يخفى على أحد ، ولعمري كيف مال إليه ذلك المحقّق النحرير مع أنّه بمكان من الضعف والسقوط على ما شاهدت فيما قدّمناه من التقرير.

ولا مدفع لذلك إلاّ بالتفصيل بين الموارد كأن يقال : إنّه إذا تحقّق مجرى المزيل قبل تحقّق (8) مجرى المزال فلا شبهة في تقديم المزيل على المزال وإجراء جميع ما يترتّب على المستصحب عليه ؛ لعدم (9) المانع عن الترتيب فعلا ، بل وجود الدليل الشرعي عليه كما

ص: 498


1- « ك » : سبب.
2- في النسخ : يكون. وكذا في المورد الآتي.
3- « ج » : زعم وفي « ك » : يوهم ، وفي « م » : الزعم ، وجعل ما بين « من » و « الزعم » علامة استدراك ولكن لم يكتبه.
4- « ز ، ك » : « لكفايته » بدل : « لكفاية استصحابه ».
5- انظر ص 380.
6- « ك » : ترتيبها.
7- « ز ، ك » : يشهد بشناعة.
8- « ز ، ك » : « فهل يتحقّق » بدل : « قبل تحقّق » وفي « م » : « قيل » بدل : « قبل ».
9- « ز ، ك » : « بعده » بدل : « لعدم ».

لو فرضنا الشكّ في طهارة الماء مع الحالة السابقة ، ثمّ استصحبنا (1) الطهارة من غير التفات إلى الشكّ في نجاسة الثوب المغسول بذلك الماء ، فإنّ الحكم بطهارة الماء شرعا يلازمه طهارة الثوب المغسول به شرعا ، وحيث إنّه لا التفات إلى مجرى الاستصحاب في المزال لعدم الالتفات بالشكّ في النجاسة فلا تحقّق لمجراه مع تحقّق مجرى المزيل وعدم المعارض ، والشكّ بعد الحكم الاستصحابي في المزيل لا يجدي شيئا ؛ لأنّه محكوم بالطهارة شرعا ، والإجماع والسيرة واختلال النظام كلّها مسلّمة في هذا المورد (2).

وأمّا إذا تحقّق مجرى الأصلين دفعة واحدة كما إذا كان الشكّ في نجاسة الثوب مقارنة مع الشكّ في طهارة الماء كما في مسألة الصيد والثوب المنشور على الأرض المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، فلا دليل على تقديم الأصل المزيل لا الإجماع كما هو واضح ، ولا السيرة ؛ لعدم ثبوتها في محلّ الفرض ، ولا يختلّ النظام بذلك ، بل الحقّ هو الأخذ بالأصل في المزال ؛ لأنّه الدليل شرعا ، وأمّا (3) الأصل المزيل فلا يجدي في ذلك الحكم ؛ لأنّه إنّما هو في المقام فرضي ، إذ لو لم يكن الأصل المزال جاريا كان الأخذ به محكّما والدليل الفرضي لا يفيد حكما.

وليس ما ذكر من التفصيل بعيدا عن مذاق الشريعة فإنّ التفصيل بين الالتفات بالشكّ وعدمه (4) في جريان الأصل وعدمه ليس مختصّا بما نحن بصدده ، فإنّه نقول بمثله في بعض موارد أصالة الصحّة أيضا ، كما إذا شكّ قبل الصلاة في الوضوء فذهل (5) عن الشكّ هذا فصلّى من غير تجديد للطهارة ، ثمّ ذكر الشكّ بعد الصلاة ، فإنّه لا يجدي التمسّك بقاعدة الشكّ بعد الفراغ في الحكم بصحّة الصلاة ؛ لأنّ استصحاب الحدث

ص: 499


1- « ج ، م » : استصحبا.
2- « ك » : هذه الموارد.
3- « ز ، ك » : « لا » بدل : « أمّا ».
4- « ز ، ك » : « يجديه » بدل : « وعدمه ».
5- « ز ، ك » : فذاهل.

محكّم عليه ، وأمّا إذا شكّ بعد الصلاة فهي من موارد أصالة الوقوع والشكّ بعد الفراغ فلا يجدي فيه التمسّك باستصحاب الحدث نظرا إلى أنّ الشكّ هذا لو كان قبل الصلاة كان مجرى للاستصحاب ؛ لأنّه دليل فرضي صرف وهو لا يفيد حكما كما أنّه لا يجوز التمسّك بأصالة الوقوع (1) في الصورة الأولى ، لأنّه ليس شكّا بعد الفراغ ، بل هو تذكّر للشكّ قبل العمل وذلك ظاهر.

وبالجملة : فهذا (2) التفصيل يدفع (3) الشناعة الواردة على أصحاب القول بعدم تحكيم المزيل على المزال ، وهذا غاية ما يمكن الانتصار لهم ، ومع ذلك ففساده أجلى من أن يكاد يخفى على من له دربة (4) ، فإنّ الاستصحاب غير محتاج إلى الشكّ الفعلي ، بل الشكّ الفرضي كاف في جريانه كما عرفت في الهداية السبزوارية ، فإنّ استصحاب الطهارة عند عروض المذي كما يفتي به المجتهد لا يتوقّف على فعلية الشكّ في انتقاض الطهارة بالمذي ، وممّا يضحك الثكلى في المقام هو أنّه لو فرض عدم الالتفات إلى الشكّ في نجاسة ثوب بعد استصحاب طهارة الماء والالتفات إلى نجاسة ثوب آخر فلا بدّ من الحكم بطهارة الأوّل ونجاسة الثاني مع وحدة الماء ولا سيّما مع وحدة النجاسة إلاّ أنّ الالتزام بمثله في الأحكام الظاهرية غير عزيز ، فتدبّر.

وكيف (5) كان ، الظاهر عدم الفرق في تقديم الأصل المزيل على المزال فيما إذا فرض تحقّق الشكّ في مجرى المزال كما إذا التفت الشخص إلى الشكّ أوّلا ؛ لأنّ البناء على الأخذ بالمزيل مطلقا سواء كان ملتفتا أو لم يكن ، وأمّا ما ذكرناه من عدم الأخذ بأصالة الوقوع فيما إذا ذهل عن الشكّ قبل العمل وعدم جريان أصالة بقاء الحدث فيما إذا شكّ بعد العمل ، فممّا لا دخل له بالمقام ؛ لأنّ الأوّل ليس موردا لأصالة الوقوع ،

ص: 500


1- سقط قوله : « والشكّ بعد الفراغ ... » إلى هنا من « ر. ك ».
2- « م » : فبهذا.
3- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يندفع.
4- « ج ، ز » : درية.
5- « ز ، ك » : فكيف.

لأنّه حقيقة شكّ قبل تجاوز المحلّ ، وكذا الثاني ؛ لحكومة أصالة الوقوع على أصالة عدم الطهارة كما عرفت.

الرابع : أنّ الأخبار المذكورة تدلّ على تقدّم المزيل على المزال وذلك بوجهين : أحدهما : أنّ جملة من موارد هذه الأخبار من الاستصحاب (1) المزيل و (2) قدّمه على الاستصحاب (3) المزال معلّلا في ذلك ب- « أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ » ولولاه لزم اختصاص شيء بشيء مع تعليله بعلّة مشتركة بينه وبين غيره.

وتوضيح ذلك : أنّ خبر زرارة (4) دلّ على كفاية استصحاب الطهارة عند الشكّ في عروض النوم ، وكذا خبره الآخر (5) دلّ على كفاية استصحاب الطهارة في الثوب عند احتمال عروض النجاسة مع أنّ استصحاب الطهارة الوضوئية معارض باستصحاب بقاء الشغل بالصلاة ، وكذا استصحاب طهارة الثوب معارض باستصحاب الاشتغال فيما يشترط الدخول فيه بها مثلا ، فالموجود في هذه الموارد يقينان : أحدهما : في السبب ، والآخر : في المسبّب ، وشكّان كذلك ، والإمام مع ذلك حكم باستصحابي الطهارة في المقامين وعلّله ب- « أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ » فلو لا أنّ الشكّ في المسبّب كيفيته كان بمنزلة عدم الشكّ واليقين لم يصحّ التعليل المذكور ؛ لوجود (6) العلّة بعينه في المسبّب أيضا ، ومعنى تنزيل اليقين والشكّ في المسبّب منزلة العدم هو عدم الأخذ بأحكام اليقين والشكّ فيه ، وهذا هو بعنيه هو الحكم بحكومة المزيل على المزال ، فيكون المزيل بمنزلة دليل اجتهادي في مورد المزال ؛ إذ بتحقّقه لم يبق له مورد ولا مجرى ؛ لأنّ ملاك الاستصحاب وهو الشكّ يكون (7) ملغى في مورده وذلك ظاهر ، وقد

ص: 501


1- في النسخ : استصحاب.
2- « ز ، ك » : - و.
3- في النسخ : استصحاب.
4- تقدّم في ص 88.
5- تقدّم في ص 95.
6- « ز ، ك » : بوجود.
7- « ز ، ك » : - يكون.

يتوهّم أنّ رواية القاساني (1) : « اليقين لا يدخله الشكّ » بعد (2) قوله : « صم للرؤية وأفطر للرؤية » أيضا من الموارد المذكورة ، ولعلّها ممّا لا يساعدها الخصم ؛ لاحتمال القول بأنّ المستصحب فيها هو الحكم فيها (3).

نعم ، بناء على ما حقّقنا من أنّ استصحاب الحكم لا يعقل بدون استصحاب الموضوع يتمّ ذلك بالنسبة إلى الأخذ باستصحاب الموضوع المزيل ، فلا يجري (4) ذلك في مقام التعارض ؛ لأنّ استصحاب جواز الصوم ووجوبه في الشهرين غير معارض لاستصحاب الموضوع ، بل على ما زعمه غيرنا معاضد له ، ولا يمكن دفعه بالتفصيل السابق ؛ لأنّه وإن كان جاريا بالنسبة إلى الرواية الأولى ، لأنّ الشكّ في الاشتغال لم يكن موجودا حين تحقّق مجرى استصحاب الطهارة ، إلاّ أنّ الثانية إنّما هو سؤال عن صحّة الصلاة بعد الشكّ في الطهارة فمجرى الاستصحابين موجود فيها ، ومع ذلك فقد حكم الإمام باستصحاب الطهارة معلّلا بالعلّة المذكورة.

الثاني : أنّ قضيّة عموم أخبار الباب وإعمال أصالة الحقيقة فيها هو تقديم (5) المزيل على المزال ؛ إذ على تقدير الأخذ بالمزيل لا يلزم تخصيص في قوله : « لا تنقض اليقين بالشكّ » القائل بعدم جواز نقض كلّ يقين بالشكّ ، وعلى تقدير الأخذ بالمزال ولو في مورد التعارض لا بدّ من تخصيص العامّ الحاكم بعدم (6) جواز نقض اليقين بالشكّ ، فيتوقّف على وجود دليل التخصيص و (7) إذ ليس فليس.

وتوضيح ذلك : أنّ الظاهر من الأخبار بعد تسليم دلالتها على الاستصحاب هو وجوب البناء على المتيقّن بالأخذ بأحكامه وترتيب آثاره الشرعية عليه ، فلو شكّ في

ص: 502


1- تقدّم في ص 101.
2- كذا. والصواب : « قبل ».
3- « ج ، م » : فيهما.
4- « ج ، م » : ولا يجدي.
5- « م » : تقدّم.
6- « ج ، م » : لعدم.
7- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - و.

طهارة ماء بعد العلم بها في السابق يجب بحكم الاستصحاب من القول بترتيب (1) جميع ما كان يترتّب عليه حال العلم في غير ما يكون العلم موضوعا له من الآثار الشرعية كجواز شربه وصحّة الوضوء منه وطهارة ملاقيه وتطهّر (2) ما يغتسل منه إلى غير ذلك من الآثار الشرعية المترتّبة عليه.

فإن قلنا بأنّ المحكّم (3) فيما إذا غسلنا الثوب بمستصحب الطهارة هو استصحاب طهارة الماء ، فلا يلزم تخصيص في عموم قوله : « لا تنقض » لأنّ الاستصحاب في طرف المزال (4) مرتفع موضوعا ، لأنّ الشكّ فيه بمنزلة عدم الشكّ ، لأنّه كالعلم حينئذ.

فإن قلنا بأنّ اللازم هو الأخذ باستصحاب نجاسة الثوب ، فيلزم تخصيص قوله : « لا تنقض » لأنّه يقين على هذا التقدير يجوز نقضه بالشكّ ؛ لأنّ معنى عدم جواز النقض في المورد المذكور هو الحكم بطهارة الثوب وعند عدمه فالنقض ظاهر كما لا يخفى.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الحكم بنجاسة الثوب يؤثّر في نجاسة الماء فلا يلزم التخصيص (5) ، بل هو أيضا من التخصيص الموضوعي.

وفساده لا يكاد يخفى على أوائل العقول (6) ؛ لأنّ طهارة الثوب من الأحكام الشرعية لطهارة (7) الماء وليس نجاسة الماء من الأحكام الشرعية المترتّبة على نجاسة الثوب ، إلاّ (8) أن يفرض ورود النجاسة عليه مع كونه قليلا فينعكس القضيّة فيه ؛ لأنّ استصحاب النجاسة هو المزيل حينئذ.

ص: 503


1- « ز » : بترتّب.
2- « ك » : تطهير.
3- « ز ، ك » : الحكم.
4- المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : المزيل.
5- « ز ، ك » : تخصيص.
6- « ك » : « وفساده على أوائل العقول غير خفيّ » وقوله : « غير خفيّ » أو « لا يكاد يخفى » سقط من « ز ».
7- « ز » : بطهارة.
8- « ز ، ك » : - إلاّ.

فإن قلت : لا شكّ أنّ الشكّ واليقين في طرف الأصل المزال من أفراد الشكّ واليقين حقيقة على ما يشهد به الوجدان الصحيح ، وغاية ما ذكر من الوجه إنّما هو أنّ الأخذ بالشكّ واليقين في طرف المزيل يوجب خروج الشكّ الموجود في طرف المزال عن كونه شكّا ؛ لتنزيله شرعا بمنزلة اليقين ، بخلاف الأخذ بالشكّ واليقين في طرف المزال ؛ لأنّه لا يوجب خروج المأخوذ في المزيل عن كونه شكّا فيلزم التخصيص ، وذلك باطل ؛ إذ لا فرق بين أن يكون دخول أحد الفردين في العامّ موجبا لخروج الآخر حكما كما إذا كان العامّ شاملا للشكّ المعتبر في المزيل ، أو يكون دخول أحدهما موجبا لخروج الآخر موضوعا كما إذا كان العامّ شاملا للشكّ المأخوذ في المزال ، والوجه في ذلك أنّ الخروج الموضوعي في العامّ لا يلاحظ إلاّ بعد وجوب العمل بالفرد الذي يوجب دخوله خروج الآخر موضوعا ، وشمول العامّ لأفراده في إرادة اللافظ سابق على وجوب الأخذ بالفرد الذي يوجب خروج الآخر موضوعا ؛ لأنّ نسبة العامّ إلى أفراده متساوية ، ففي مقام الإرادة لا سبق فيها ولا لحوق ، فكيف يتأتّى القول بأنّ الأخذ بالمزيل يوجب التخصيص دون الأخذ بالمزال؟ فإنّه لا فرق بينهما في كونهما موجبين للتخصيص في مقام إرادة الأفراد من العامّ.

نعم ، هو كذلك في مقام العمل كما عرفت ، والتخصيص إنّما يلاحظ بالنسبة إلى إرادة (1) الفرد المخصّص وعدمه من العامّ وعدمها لا بالنسبة إلى وجوب العمل وذلك ظاهر ، وإذ قد ثبت أنّ العامّ متساوية النسبة بالنسبة إلى الفردين فيصير مجملا فيهما ، فلا بدّ من الحكم بالتساقط.

قلت : الذي يقتضيه التحقيق هو القول بتقدّم (2) المزيل على المزال لا التساقط ؛ لأنّ الشكّ المأخوذ في المزيل ليس من أفراد العامّ في إرادة اللافظ والمولى ؛ إذ لا إشكال في

ص: 504


1- « ز ، ك » : - إرادة.
2- « ج ، ك » : بتقديم.

دخول الشكّ في المزيل في العامّ وإرادة المولى من العامّ هذا (1) الفرد هو بعينه عدم دخول الشكّ المعتبر في المزال في الإرادة ، فإنّ وجوب العمل إنّما هو فرع دخوله تحت الإرادة ، بل التحقيق أنّه لا فرق بين دخوله تحت الإرادة في العامّ وبين وجوب العمل كما لا يخفى.

وبالجملة فنحن نقول : إنّ خروج الشكّ المعتبر في المزال في إرادة المولى واللافظ بواسطة دخول الشكّ المعتبر في المزيل ودخوله قطعي (2) ، ففي الحقيقة لا يتحقّق مجرى الاستصحاب المسبّبي بواسطة انتفاء الشكّ فإنّه هو الملاك في أمر الاستصحاب ، فالتعارض في المقام صوري صرف ؛ لانتفاء المعارض في الواقع.

فإن قلت : قد سبق - في بعض مباحث الظنّ في الاعتراض على من زعم أنّ نتيجة الانسداد بعد إخراج القياس هو الظنّ الذي لم يقم قاطع على عدم اعتباره ، ورام بذلك (3) القول بعدم (4) حجّية الشهرة ونحوها لقيام (5) الظنّ على عدم حجّيتها مستندا في ذلك بأنّ دخول المانع تحت الدليل يوجب التخصيص ، بخلاف الممنوع فإنّ دخوله يوجب تخصيص حكم العقل بغير المانع - أنّ مفاد الظنّ الممنوع أيضا هو خروج المانع عن الدليل موضوعا ، غاية الأمر أنّ المانع يدلّ على خروج الممنوع مطابقة والمانع (6) يدلّ على خروجه التزاما ، فدخول كلّ واحد منهما دليل قطعي على خروج الآخر ، وبمثله نقول في الاستصحابين ؛ لعدم الفرق بينهما في وجه.

قلت : قد أشرنا سابقا بدفع ذلك ، ونزيدك توضيحا بالفرق بين المقامين ، ففيما إذا كان الحكم من الأحكام العقلية يوجب العمل بالظنّ بعد الانسداد على القول به ، لا

ص: 505


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : هو.
2- « ز » : في قطعي ، « ك » : فيه قطعي.
3- « ز ، ك » : ذلك.
4- « ز ، ك » : بعد.
5- « ز ، ك » : بقيام.
6- كذا. والصواب : الممنوض. وقوله : خروجه ، أي خروج المانع.

ضير في ذلك ؛ لأنّ دخول المانع يوجب خروج الممنوع مطابقة ، ودخول الممنوع يوجب خروج المانع التزاما ، فعدم كلّ منهما من الأحكام المترتّبة على وجود الآخر ، بخلاف الاستصحابين في المقام فإنّ ارتفاع كلّ واحد من الشكّين ليس من الأحكام المترتّبة على الآخر ؛ لأنّ الأخذ بالاستصحاب (1) المزيل وإن كان يوجب ارتفاع الشكّ في المزال ولكنّ الأخذ بالاستصحاب (2) المزال لا يوجب ارتفاع الشكّ في المزيل ؛ لأنّ نجاسة الماء ليس من الأحكام المترتّبة على نجاسة الثوب.

فإن قلت : إنّ ذلك إنّما يتمّ فيما إذا كان المتعارضان حكمهما مستفادا من دليلين ليكون أحدهما حاكما على الآخر ، وأمّا إذا كان حكمهما مستفادا من دليل واحد فكيف يتأتّى القول بحكومة دليل واحد في بعض موارده عليه في بعض آخر؟

قلت : ولا ضير في ذلك بوجه ؛ لأنّ العامّ الأفرادي ينحلّ إلى أدلّة متعدّدة حسب تعدّد أفراده ، فيكون لكلّ واحد من أفراد الشكّ دليل على حدّه فيكون حاكما على دليل آخر في شكّ آخر وذلك ظاهر في الغاية.

وبالجملة : فالإنصاف ممّن جانب الاعتساف يقضي (3) بورود المزيل على المزال وحكومته عليه ، فإنّ كلّ من راجع وجدانه يجد من نفسه فيما إذا أراد بيان (4) حكم الشكّين المتولّد أحدهما عن الآخر أنّ الشكّ المتولّد ليس داخلا تحت إرادته ؛ لجعله كعدم الشكّ بواسطة دخول السبب في إرادته ، فتأمّل في المقام فإنّه حقيق به (5).

ومن هنا ينقدح أنّ ما سلكه محقّق القوانين (6) - من الجمع بين الأصلين فيحكم في المثال المذكور بنجاسة الثوب وطهارة الماء والأرض المنشور عليه الثوب - ممّا لا

ص: 506


1- في النسخ : باستصحاب.
2- في النسخ : باستصحاب.
3- « ج » : « يقتضي » وكذا في المورد الآتي.
4- « ز » : فيما إذ أراد بين ، « ك » : فيما دار الأمر بين.
5- « ز ، ك » : - في المقام فإنّه حقيق به.
6- القوانين 2 : 76 - 77.

يقضي به قانون ، وتوضيح ذلك أنّ الجمع غير معقول ؛ لأنّ استصحاب طهارة الماء إن كان مؤثّرا في طهارة الثوب المنشور على الأرض - مثلا - فهو المدّعى ، وإلاّ فإن أريد من استصحاب الطهارة ترتيب الأحكام التي توافق (1) الطهارة في الحالة السابقة فهي بعينها موارد للأصل ، وإن أريد ترتيب الأحكام (2) التي تخالفها (3) في الحالة السابقة فهي بعينها مجار للأصل بخلافها ، فلم يبق للأصل المذكور مورد حتّى يقال : يجمع (4) بين الأصلين كما أوضحنا فيما تقدّم ، فراجعه متأمّلا.

وأمّا الثانية (5) : وهي أنّه متى لم يكن الشكّ في الاستصحابين أحدهما مسبّبا عن الآخر - سواء كان الشكّان مستندين (6) إلى أمر ثالث واحد أو إلى أمرين - فالحكم هو التساقط دون الترجيح والتخيير إذا كان الاستصحاب من باب التعبّد ، وإذا كان من باب الظنّ فظاهرهم الاختلاف في ذلك ، فالكلام تارة : يقع فيما إذا كان الاستصحاب حجّة (7) من باب الظنّ ، وتارة : فيما إذا كان حجّة تعبّدية.

أمّا على الأوّل : فلا كلام في تقديم المفيد للظنّ الشخصي وطرح الآخر على تقدير اعتبار الظنّ الشخصي فيه ؛ إذ الاستصحاب الخالي عن الظنّ ليس حجّة حينئذ ، كما إذا تعارض الشهرتان مع انتفاء الظنّ من واحدة منهما ، وكذا لا كلام (8) في تقديم المفيد له فيما لو قلنا باعتباره من باب الظنّ النوعي ؛ لأنّ المأخوذ فيه أن لا يكون عدمه مظنونا ، وبعد وجود الظنّ في طرف يصير عدم الآخر مظنونا لا محالة ، وأمّا لو لم يفد أحدهما ظنّا فهل يحكم بالتخيير بينهما أو بالترجيح أو التساقط؟ التحقيق أنّه لا بدّ من ملاحظة بناء العقلاء في ذلك فإنّه هو المأخذ في اعتبار الظنّ النوعي في الاستصحاب ،

ص: 507


1- في النسخ : يوافق.
2- « م » : بترتيب الأحكام الأحكام.
3- « ج ، م » : يخالفها.
4- « ز ، ك » : بجمع.
5- أي الدعوى الثانية ، وتقدّمت الأولى منهما في ص 491.
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : مستندا.
7- « ز ، ك » : - حجّة.
8- « ك » : وكذا الكلام.

ولعلّ بناءهم على الترجيح في أمثاله لإمكان حصوله على هذا التقدير ، إلاّ أنّه لم يظهر منهم ذلك في موارد التعارض فحكموا بالتساقط في الأغلب ، فكن على بصيرة من ذلك (1).

وأمّا على الثاني : فلأنّ الوجوه المحتملة في المقام أربعة : إمّا الجمع ، وإمّا الطرح ، وإمّا الترجيح ، وإمّا التخيير ، أمّا الجمع فالمفروض عدم إمكانه ، وأمّا الترجيح والتخيير فلا دليل عليهما ، فتعيّن (2) الثاني وهو طرحهما بتساقطهما والرجوع إلى أصل ثالث مؤخّر عنهما في المرتبة ، أمّا الترجيح فلأنّ المرجّح لأحد الأصلين إمّا أن يكون أحد الأدلّة الاجتهادية ، أو واحد من الأصول العملية ، ولا يصلح (3) شيء منهما لذلك.

أمّا الأوّل : فإن كان حجّيته ثابتة معلومة في الشريعة فمع (4) موافقته لأحد الأصلين لا مورد لكلّ واحد منهما ، مخالفا كان أو لا ؛ لاعتبار الشكّ والجهل المرتفع بالدليل في موضوع (5) الأصل ، فلا يتعقّل التعارض بينهما حتّى يتوقّف تقديم أحدهما على الآخر على أخذ الدليل مرجّحا له وذلك ظاهر.

وإن لم يكن معلوم الاعتبار كأن لم يقم دليل على حجّيته كالشهرة الظنّية أو الأولوية - مثلا - فلا يتعقّل الترجيح به أيضا ، أمّا أوّلا : فلأنّ تقديم أحد الأصلين بما لم يقم دليل على اعتباره إنّما هو طرح للأصل المعلوم ، بيان ذلك أنّ مفروض المقام عدم اعتبار مثل الظنّ الحاصل من الأولوية ، ومعنى ذلك على ما قدّمنا في مباحث الظنّ هو حرمة طرح الأصول القطعية الثابتة في الشريعة في قبال الظنّ ، فأصالة عدم ثبوت الترجيح بهذا الظنّ على تقدير الأخذ به يكون مطروحا مع أنّه أصل قطعي ثابت بالدليل.

ص: 508


1- « ز ، ك » : - من ذلك.
2- « ج ، م » : فيعيّن.
3- « ز » : ولا يصحّ.
4- « ز ، ك » : مع.
5- « ز ، ك » : موضع.

نعم ، لو كان حصول الظنّ في أحد الطرفين موهنا للآخر كان القول بتقديم الموافق في محلّه ؛ لأنّه حينئذ دليل قطعي بلا معارض ، أمّا كونه دليلا فلأنّ الظنّ الموافق له ليس بدليل فهو المعتمد ، وأمّا كونه بلا معارض فلأنّ سقوط الآخر بواسطة الظنّ ليس من الأحكام الشرعية له ، بل هو حينئذ من الأحكام العقلية المترتّبة على موضوع الظنّ الحاصل قهرا ، إلاّ أنّ ذلك لا يجدي فيما فرضنا من حجّية الأصل تعبّدا ؛ لأنّ مخالفة الظنّ لا يسقطه عن الاعتبار.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الترجيح لا يحصل بالأمارة الظنّية عند تعارض الأصلين ؛ لأنّ المدار في الأمارة على الواقع ، والمناط في الأصل على التعبّد في مقام الظاهر ، فلا ارتباط بينهما ومن المعلوم أنّ الترجيح يمتنع فيما إذا لم يكن بين المتعارض والمرجّح مناسبة ذاتية كأن يكونا من سنخ واحد.

وتوضيح ذلك : أنّه إذا قامت الشهرة على وجوب شيء ودلّ الاستصحاب أيضا على وجوبه معارضا باستصحاب آخر يقتضي (1) عدم وجوبه مثلا ، فمفاد الشهرة هو (2) وجوب ذلك الشيء في الواقع ، ومفاد الاستصحاب هو وجوبه من حيث إنّ المكلّف شاكّ بالواقع غير عالم به ، وتقوية الأصل هو أن يدلّ الدليل على أنّ ما يفيده الأصل هو كذلك في مقام الظاهر لا أنّ الحكم هو كذلك بحسب الواقع ، فإنّ الأصل هو علاج عملي ظاهرا ، ومن الظاهر عدم تقوية ذلك في مقام العمل كما لا يخفى ، فالترجيح لا يحصل إلاّ بعد أن يكون المرجّح مفيدا لشيء يطابق ما هو المناط (3) في دليلية المتعارض ، ومن هنا تراهم لا يحكمون بترجيح الوجوه الظنّية فيما إذا تعارضت البيّنتان ، وذلك ظاهر. ومن هنا ينقدح أيضا أنّ الأمارة الظنّية لو كانت حجّة شرعية مع قطع النظر عمّا ذكرنا أيضا لا تصلح (4) لترجيح أحد الأصلين المتعارضين.

ص: 509


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : يقضي.
2- « ز ، ك » : - هو.
3- « ز ، ك » : مناط.
4- في النسخ : لا يصلح.

وأمّا الثاني : فلأنّ ذلك الأصل إمّا أن يكون مقدّما عليه لكونه مزيلا له ، أو مؤخّرا عنه لكونه مزالا (1) بالنسبة إليه ، أو يكون في عرضه ، ولا وجه للترجيح به على الوجوه :

أمّا على الأوّل : لأنّ الأصل المزيل على تقدير جريانه فهو بمنزلة الدليل الاجتهادي ، فلا مورد لشيء من الأصلين كما في صورة الدليل الاجتهادي ، مثلا لو شكّ المكلّف في بقاء طهارته من جهة شكّه في حدوث الناقض فلو فرضنا أنّ استصحاب الطهارة ليس مزيلا لاستصحاب الأمر بالصلاة وقلنا بتعارضهما ، فلا يمكن تقديم استصحاب الطهارة لأصالة عدم الناقض ، إذ على تقدير جريانها لا مورد لشيء من الأصلين ، أمّا الأصل المزال فعدم جريانه ظاهر ، وأمّا الأصل الآخر وإن لم يكن الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ في المزيل إلاّ أنّ بعد ما فرضنا من أنّه علم في مورد المزال فهو دليل اجتهادي بالنسبة إليه أيضا.

وأمّا على الثاني : فلما عرفت أيضا من عدم إمكان اجتماع المزيل والمزال في مرتبة واحدة ، فلو فرضنا وجود أصل مزال فهو في الحقيقة ليس مرجّحا ، بل هو المرجع بعد سقوط الأصلين كما في الأدلّة الاجتهادية ، فإنّ معنى الترجيح هو تقوية أحد المتعارضين ، وذلك لا يتحقق إلاّ إذا (2) أمكن اجتماعهما ، والمفروض أنّ النسبة بينهما هو نسبة الأصل والدليل فمتى وجد الدليل ارتفع الأصل ، فالأصل هو الحكم الظاهري بالنسبة إلى الأصلين المذكورين ، فتأمّل.

وأمّا على الثالث : فلما ستعرف تفصيله في مباحث التعادل من أنّ كثرة الأصول ليست (3) من المرجّحات ، والوجه فيه إجمالا أنّ دليل الترجيح إمّا العقل أو النقل ، ولا يقضي (4) به شيء منهما ، والأوّل انتفاؤه ظاهر ؛ لأنّ المناط في كونه دليلا هو التعبّد ولا

ص: 510


1- « ج » : مزيلا.
2- « ج » : فيما إذا.
3- « ج » : ليس.
4- « ج » : لا يقتضي.

يتقوّى جهة التعبّد به بزيادة الأصول (1) ، نعم لو كان المناط هو الواقع كما في الأخبار صحّ الترجيح (2) بالكثرة ففيما هو المناط لا تزيد (3) الكثرة شيئا ، وأمّا الثاني فلأنّ غاية ما يمكن الأخذ به (4) في المقام هو أنّ طرح الأصلين يوجب إخراج فردين من العامّ الدالّ على حجّية الأصل المفروض ، بخلاف ما إذا قلنا بتقديم هذين الأصلين على الأصل فإنّه يلازم تخصيص واحد ، ولا شكّ أنّ ارتكاب أقلّ التخصيص في العامّ أولى ، فأصالة العموم في قوله : « لا تنقض » حاكم بطرح (5) الأصل الواحد وأخذ الأصول المتعدّدة. وفساده ظاهر ؛ لأنّ العامّ إنّما ينهض (6) حجّة فيما إذا شكّ في قلّة التخصيص وكثرته إذا كان الأمر دائرا بين الأقلّ والأكثر على وجه يكون خروج الأقلّ أمرا متّفقا عليه وإنّما كان الشكّ في الزائد ، دون ما إذا كان الشكّ في خروج فردين مباينين للفرد الآخر على أن لا يكون الأقلّ داخلا في الأكثر ، فإنّ التحقيق أنّ العامّ في المقام يبقى بالنسبة إليهما مجملا ؛ إذ لا فرق في نظر العقل بين خروج زيد وبكر من عموم « أكرم العلماء » أو خروج عمرو.

وبالجملة : فالظاهر أنّ كثرة الأصول لا تنهض مرجّحة ، فلا بدّ من التساقط والرجوع إلى أصل آخر مؤخّر عنهما كأصالة البراءة أو الاحتياط وغيرهما من الأصول المعمولة في الأحكام والموضوعات.

وأمّا بطلان التخيير عند تعارض الأصلين فلأنّ الحاكم بالتخيير إمّا أن يكون هو العقل أو النقل ، أمّا الأخير فانتفاؤه ظاهر في الأصلين ؛ لاختصاص أخبار التخيير بالأخبار المتعارضة ، ودعوى جريان فحواها في المقام واهية ، وأمّا العقل فلا يحكم بالتخيير إلاّ إذا كان المتعارضان حال المعارضة حجّتين بمعنى أن يكون كلّ واحد منهما

ص: 511


1- « ز ، ك » : الأصل.
2- « ز ، ك » : يرجع إلى الترجيح.
3- « ز ، ك » : لا يزيد.
4- « ز ، ك » : - به.
5- « م » : يطرح.
6- « ج ، ز » : تنهض.

مشتملا على ما هو مناط الحجّية والأصلان في المقام ليسا كذلك ، أمّا أنّ التخيير لا يكون إلاّ فيما كان الدليلان باقيين على ما هو مناط الحجّية فلأنّه لولاه لا يحكم العقل بالالتزام بأحدهما ؛ لقصر حكم العقل به (1) فيما إذا كان المتعارضان من قبيل تزاحم الحقوق التي يجب على المكلّف تحصيلهما إلاّ أنّه عدم قدرته لهما يوجب سقوط فعلية الطلب لكلّ منهما تعيّنا ، فيجب (2) أحدهما تخييرا كما ستعرفه (3) بعيد ذلك في مباحث التعادل والتراجيح ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا داعي للعقل على التخيير ، فإنّه ينقلب الشبهة بدوية فيصير مورد البراءة فيحكم بالتساقط ؛ لأنّ الأمر دائر بين الدليل وما ليس بدليل ولا حكم للعقل فيه ، وأمّا أنّ الأصلين ليسا كذلك فلأنّ العلم الإجمالي بانتقاض أحد الأصلين في مورد التعارض يوجب انتفاء ما هو المناط في الاعتبار في أحد الأصلين ، فلا يحكم العقل بالتخيير فيهما ، مثلا إذا تعارض استصحاب الطهارة في الماء المتمّم باستصحاب النجاسة (4) في المتمّم نعلم إجمالا إمّا بطهارة الوارد والمورود أو بنجاستهما ، فإحدى (5) الحالتين السابقتين منتقضة لا محالة ، وبعد العلم الإجمالي بارتفاع ما هو المناط في حجّية أحد الأصلين لا يبقى حكم التخيير فيهما بوجه ، وذلك نظير ما لو قلنا بأنّ خبر العادل حجّة ، فجاءنا خبران متعارضان ، علمنا إجمالا بأنّ أحدهما خبر الفاسق ، فارتفع ما هو المناط في الاعتبار في أحدهما ، وبعد ذلك فلا وجه للحكم بالتخيير بينهما وذلك ظاهر لا سترة فيه ، ولعلّ ذلك هو المشهور بينهم ؛ إذ لم نجد من حكم بالتخيير بين الأصلين بعد التعارض وإن كان يوهم بعض كلماتهم الترجيح بكثرة الأصول كما يشاهد في مباحث الألفاظ.

قلت : ولعلّه مبنيّ على أنّ الأصل حجّة من جهة الظنّ ، ولا يبعد دعوى الترجيح على تقديره كما لا يخفى.

ص: 512


1- « ز ، ك » : - به.
2- « ز ، ك » : ويجب.
3- « ز ، ك » : ستعرف.
4- « م » : الطهارة.
5- « م » : فأحد.

هداية نافعة في جميع ما تقدّم

قد عرفت أنّ بعض المتأخّرين (1) ذكر للاستصحاب شروطا : أحدها : بقاء الموضوع ، وثانيها : عدم المعارض ، وثالثها : الفحص عن المعارض ، وقد عرفت أيضا أنّ الشرطين الأوّلين ليسا من الأمور الخارجة عن (2) الاستصحاب المشروطة حجّيته بها ، بل لا يتعقّل الاستصحاب بدون الموضوع كما لا يتعقّل مع وجود الدليل المعارض ، فهما (3) حقيقة شرطان (4) لجريان الاستصحاب.

وأمّا الفحص فهو عند التحقيق شرط للحجّية ؛ لإمكان تعقّله بدون الفحص ، نعم لا يجوز العمل به قبل الفحص (5) فهو شرط للحجّية كما ذكره لكن لا مطلقا ، بل بالنسبة إلى الشبهات الحكمية فيما إذا قلنا بالاستصحاب فيها ، وفي الشبهات الموضوعية التي (6) لا يتعدّى العمل بالأصل فيها إلى العمل بالأحكام الكلّية الشرعية كاستصحاب عدالة الراوي ، فإنّه حينئذ لا بدّ من الفحص أيضا ، وأمّا الشبهات الموضوعية فيما عدا ما عرفت فالحقّ عدم وجوب الفحص فيها عند إعمال الأصل فيها إجماعا ، بل كاد أن

ص: 513


1- عرفت في « هداية تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع » ص 375.
2- « ز ، ك » : من.
3- « م » : العارض لهما.
4- في النسخ : شرط.
5- « م » : - قبل الفحص.
6- « ز ، ك » : الذي.

يكون من الضروريات التي لا يخفى على أوائل العقول من الأطفال والمخدّرات في الحجال ، وما يتراءى منهم الحكم بوجوب الفحص في الموضوع كما عن الشيخ (1) من حرمة الأكل في ليلة رمضان إذا اعتمد الأكل على استصحاب بقاء الليل في أكله من غير فحص ، فهو على خلاف القاعدة ، فالمفتي بها مطالب بالدليل وإن أقام عليها برهان ، وإلاّ فلا نعرف لها وجها ، وقد نبّهنا على مثل ذلك في البراءة حيث أفتوا بوجوب الفحص فيما إذا شكّ في حصول الاستطاعة في الحجّ (2).

وكيف كان ، فهذه قاعدة محكّمة لا يكاد يمكن الخروج عنها إلاّ بدليل متين وسلطان مبين (3) ، والأصل في ذلك بعد الإجماع المذكور إطلاقات أخبار الباب من عدم جواز نقض اليقين إلاّ (4) باليقين ، خرج ما خرج من التقييد بالفحص في موارد الأصول المعمولة في الأحكام [ و ] بقي الباقي تحت العامّ ، والمدّعي للتقييد لا بدّ له من إقامة ما يفيد ذلك ؛ وإذ (5) ليس فليس ، وقد مرّ في الهداية الحاوية للبداية والنهاية عند ذكر الأخبار ما هو صريح في عدم اعتبار الفحص فراجعها (6) ، ولا فرق في ذلك بين الأصول والأدلّة المعمولة في الموضوعات الخارجية من البيّنة والسوق وأصالة الصحّة واليد ونحوها ، والوجه في الكلّ ما عرفت من الإطلاقات والعمومات المثبتة لاعتبار هذه الأصول إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم أنّ عدم الفحص فيها مقصور على ما إذا شكّ في وجود دليل به ينتقض الحالة السابقة ، وأمّا إذا شكّ في وجود المعارض الوارد عليه كاحتمال أصل مزيل للأصل المعمول في الموضوع فلا وجه للاتّكال على الأصل بدون الفحص ، فإنّ ما يدلّ على وجوب الفحص في الأحكام يدلّ على وجوبه في المقام أيضا ، ولا فرق في ذلك بين المجتهد والمقلّد فإنّ لكلّ واحد منهما يجوز العمل بالأصل قبل الفحص

ص: 514


1- النهاية : 155.
2- نبّه عليه في ج 3 ، ص 590.
3- « ز ، ك » : بدليل مبين.
4- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - إلاّ.
5- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - و.
6- مرّ في ص 98.

بالنسبة إلى ما ينتقض به الحالة السابقة ، ولا يجوز العمل به قبل الفحص بالنسبة إلى المعارض.

ومن هنا قد يشكل الأمر في عمل المقلّد العامّي الذي لا يعرف مورد الأخذ بالاستصحاب فيه به ، فإنّ المجتهد لا بدّ له من أن يعرّفه بموارده ولا يفتي له بالأخذ بالحالة السابقة مطلقا ، فعليه أن يسأل خصوصيات الموارد من المجتهد ، وعليه أن يفتي له بخصوصيات الموارد ، فالمجتهد يعيّن مورد المزيل والمزال ويفتي بمقتضاه ، ولا يمكن دفع احتمال المعارض بالأصل بتقريب أنّ المقتضي للعمل بالأصل في مورد تحقّقه موجود ، والشكّ إنّما هو في وجود ما يمنعنا عن العمل به من المعارض ، والمانع مدفوع بالأصل ، وبعد وجود المقتضي فلا بدّ من الأخذ به ؛ لأنّ عدم المعارض كما عرفت فيما سبق (1) مفصّلا بمنزلة جزء المقتضي للاستصحاب ، فبدونه لا مجرى له (2) كما مرّ ، فالواجب على المجتهد والمقلّد في العمل بالأصل هو ما قلنا من تعريفه له خصوصيات الموارد لئلاّ يقع العامل به في المهالك ، فتدبّر.

لا يقال : إنّ البيّنة المعمولة في الشبهات الموضوعية أيضا يمكن تعارضها (3) ببيّنة (4) أخرى ، ومع ذلك لا يجب الفحص عنها.

لأنّا نقول : الفرق واضح ؛ لأنّ المعارض في البيّنة لا يلزم أن يكون موجودة (5) مع البيّنة الأخرى والاستصحاب في المقام موجود دائما كما لا يخفى ، وأمّا وجوب الفحص في الأحكام أو ما ينتهي إليها كالموضوعات المستنبطة ونحوها فدليله واضح ؛ إذ هو بعد الإجماع عليه يوجب عدمه رفع الأحكام الواقعية والمخالفة القطعية على وجه ربّما يعدّ من الخروج من الدين ، وينهض بذلك جميع أدلّة وجوب التفقّه كقوله : ( فَسْئَلُوا

ص: 515


1- سبق في ص 399.
2- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - له.
3- « م » : تعارضهما.
4- « ج ، م » : بيّنة.
5- كذا في النسخ ولعلّ الصواب « موجودا ».

أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (1) وقوله : « هلاّ سألوا ، هلاّ يمّموه ، قاتلهم اللّه » (2) إلى (3) غير ذلك من الوجوه التي قدّمنا (4) ذكرها في مباحث البراءة ، ويؤيّده الأدلّة (5) الآمرة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مضافا إلى أنّ العمل بالأصل قبل الفحص في الأحكام غير معقول ؛ للعلم الإجمالي بانتقاض جملة كثيرة من موارد هذه الأصول ، ومع ذلك فلا مجرى للأصل.

فإن قلت : إنّ بعد تسليم العلم الإجمالي في مورد الأصل لا معنى للقول به أصلا ؛ لأنّ غاية ما يتصوّر هو القول بوجوب الفحص وهو لا يجدي في دفع الاحتمال (6) ، لأنّ المعلوم الإجمالي بين أطراف الشبهة بعد الفحص أيضا لا يكون محرزا ، إذ به لا يعلم إلاّ ما هو موجود من الأدلّة في هذه الطرق المعمولة عندهم ، وأمّا الموارد الأخر المنقوضة التي لا سبيل إلى العلم بها بهذه الطرق فهي باقية على اشتباهها في موارد الأصل ، ومع ذلك فكيف يصحّ الاستناد إلى الأصل؟

قلت : هذه شبهة ربّما تورد على القول بوجوب الفحص في العمومات لأجل العلم بالتخصيص فيها ، وقد دفعناها في مقامه بالمنع من العلم بوجود المخصّص زائدا على ما يستبان من الأدلّة ، فإحراز عدم التخصيص في هذه الأدلّة المعمولة يوجب الاعتماد على العموم ، وبمثله نقول في المقام فإنّ موارد انتقاض الأصل في غير ما يستفاد من هذه الأدلّة الاجتهادية في محلّ من المنع ، وغاية ما يبقى في المقام بعد ارتفاع العلم بإحراز المعلوم بالإجمال في المشتبهات هو احتمال وجود الناقض ، وقضيّته لا تزيد (7)

ص: 516


1- النحل : 43 ؛ الأنبياء : 7.
2- وسائل الشيعة 3 : 346 ، باب 5 من أبواب التيمّم ، ح 1 - 3 و 6.
3- « ز ، ك » : « و » بدل : « إلى ».
4- تقدّم في ج 3 ، ص 584.
5- « ز ، ك » : الآية.
6- المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : - الاحتمال.
7- « ز ، ك » : لا يزيد.

على حسن الاحتياط في العمل بالأصل ، وهو ممّا لا يكاد ينكره أحد فإنّه سبيل النجاة نجانا اللّه تبارك وتعالى وإيّاكم عن التورّط في الشبهات ووفّقنا للفوز بأعلى الدرجات ، وهذا (1) آخر ما أفاده الأستاد (2) المحقّق النحرير ونظمناه في سلك التحرير مستعينا في ذلك من العليم القدير ، فالحمد لله على ما أنعمنا به من نعمه الظاهرة والآية الباهرة والصلاة على خير خلقه وأفضل رسله محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم القيامة (3). وقد فرغ عن تحريره وتنميقه العبد الآثم أقلّ الطلبة والحاجّ في شهر ذي قعدة 1264 (4).

ص: 517


1- « ز ، ك » : هذه.
2- « ز ، ك » : « الأستاد سلّمه اللّه » وبذلك انتهت نسختي « ز ، ك » ونهاية نسخة « ك » : ولقد تمّت كتابة هذه الأجزاء في شهر محرّم الحرام في السامرّاء المنوّرة على مشرّفها آلاف من السلام والتحيّة ، سنة 1297.
3- هنا نهاية نسخة « ج ».
4- هنا نهاية نسخة « م » وبعدها : وقد فرغت من تسويده يوم الأربعاء ثامن وعشرين من شهر محرّم الحرام سنة 1280.

ص: 518

[ التعادل والترجيح ]

اشارة

ص: 519

ص: 520

القول في التعادل والترجيح

القول (1) في التعادل (2) والترجيح

وهما من أحوال التعارض وبذلك يستعلم (3) دخول المبحث في مباحث الفنّ ؛ لرجوع البحث فيه إلى البحث عن أحوال الدليل ، بل وهذا هو القدر المتيقّن (4) المتّفق على (5) دخوله (6) في مباحث الفنّ ، لإمكان الخلاف في سائر المباحث كحجّية الكتاب والأخبار ونحوها بل زعم بعضهم (7) خروجها عن الفن ودخولها في مباحث الكلام نظرا إلى أنّ ما ينبغي أن يثبت في الفنّ هي (8) الأمور اللاحقة للموضوع بعد ما كان نفس الموضوع مفروغ الوجود بأن يكون بنيا أو مبنيّا في الأعلى ، وقد دفعناه في محلّه تارة بأنّ الثابت في هذه المباحث ليس إلاّ حالا (9) من أحوال الموضوع فإنّ الدليل ليس

ص: 521


1- « د » بسم اللّه الرحمن الرحيم. هداية. القول.
2- « س ، م » : في التعارض والتعادل.
3- « ج » : ستعلم.
4- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : - المتيقّن.
5- « س » : - على.
6- « م » : دخولهما.
7- نسبه إلى البعض أيضا من دون تعيينه السيّد باقر اليزدي في وسيلة الوسائل : 376 و 90. قال الآشتياني في بحر الفوائد ٤ : ٣ : وذكروا مباحث الألفاظ في القسم الأوّل ... ومسائل حجّية الأدلّة كحجّية الكتاب والأخبار والإجماع ونقله من المبادئ التصديقية. وقال التبريزي في أوثق الوسائل ٥٨٦ : وأمّا ما أشرنا إليه من إكثارهم الخلاف في أكثر المسائل الأصولية فذلك مثل دعوى دخول مباحث الألفاظ طرّا وكذا البحث عن حجّية الكتاب والسنّة والإجماع والعقل في المبادئ ودخول البحث عن حجّية الأوّلين في الكلام. انظر أيضا أوثق الوسائل ١٢١ ومشكاة المصابيح ٤ _ ٥.
8- « د » : هو.
9- المثبت من « د » ، وفي سائر النسخ : « حال ».

ظاهر الكتاب بل هو مراد اللّه في الواقع وكذا الدليل هو السنّة والخبر حكاية عنها وليس البحث إلاّ عن حجّية الحكاية ، وأخرى بآخر كما مرّ مفصّلا في محلّه (1).

وبالجملة : فلا إشكال في أنّ هذه (2) المسألة من مباحث الأصول بعد ما عرفت ، مضافا إلى انطباق الحدّ (3) عليه فإنّ نفعها في الاستنباط ممّا لا ينبغي إنكاره (4). وكيف كان ، فتحقيق (5) الكلام في طيّ هدايات.

ص: 522


1- انظر ص 18.
2- « ج » : « نوع » بدل : « هذه »!
3- المثبت من « د » وهامش « م » وعليها علامة صحّ ، وفي متن « م » و « س » : « الحجّة » ، وفي « ج » : الخبر.
4- « ج » : إنكارها.
5- « د » : فيتحقّق.

هداية [ في تعريف التعارض ]

في التعارض ، وهو تفاعل من العرض بمعنى الورود ، ومنه قوله تعالى : ( يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) (1) وقوله (2) : ويوم العرض الأكبر وقولهم : « عرضت الناقة على الحوض » وفي اصطلاح الأصوليين على ما عرّفه غير واحد منهم (3) عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين فكان أحدهما في عرض الآخر ووارد عليه ، فيمنع كلّ واحد منهما عن الآخر ، فظهر وجه المناسبة بين المعنيين ، كما في قولهم : عرضني في الطريق عارض ، أي ورد عليّ وارد و (4) منعني وسدّني (5) عنه ، ومنه الاعتراض ، والمراد بالمدلول أعمّ من المطابقي والتضمّني والالتزامي ، وخرج بذلك الوارد والمورود كالأدلّة الاجتهادية والأصول العملية ؛ لعدم التنافي بين المدلولين فيهما فإنّ رحى الأصول العملية تدور على عدم العلم ومن المحال اجتماعه مع العلم ، كما هو المعتبر في الدليل الوارد ، وكذا خرج المتحاكمان كما في الأدلّة (6) النافية للعسر والحرج بالنسبة إلى أدلّة سائر الأحكام ؛ إذ لا

ص: 523


1- غافر : 46 ؛ الشورى : 45 ، وفي النسخ : ويوم يعرضون عليها ، وفي « س » : ويوم يعرض عليها. وفي التنزيل العزيز في سورة الأحقاف : 20 و 34 : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) .
2- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : قوله جلّ ذكره.
3- كما في القوانين 2 : 276 وفي تقريرات شريف العلماء للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) 494.
4- « ج ، م » : - و، وفي « د » : أي وارد منعني.
5- « ج » : وحدّني.
6- في النسخ : أدلّة.

تنافي بين الحاكم والمحكوم (1).

وتحقيق ذلك : أنّ الحكم الثابت في موضوع الحاكم مناف للحكم الثابت في المحكوم لا محالة إلاّ أنّ الدليلين لا يعدّان من المتنافيين عرفا بعد ما عرفت من أنّ الحاكم بمدلوله اللفظي متوجّه (2) إلى بيان مدلول المحكوم كما في أدلّة كثير الشكّ ، فإنّ قول الشارع : من كثر عليه الشكّ فلا تعتدّ - مثلا - إنّما هو ناظر بمدلوله لفظا إلى قوله : من شكّ بين الثلاث والأربع - مثلا - ويكشف عن ذلك ورود الحاكم لغوا فيما لو قطع النظر عن المحكوم على ما سبق في محلّه (3) ، ولذلك (4) لا تجد التنافي بينهما لفظا وإن كان حكم كثير الشكّ مخالفا لحكم غيره ، كما لا يخفى على من له ممارسة بصناعة الكلام ، وذلك بخلاف « أكرم زيدا ولا تكرم زيدا » أو « أكرم العلماء ولا تكرم زيدا العالم » ونحو ذلك من أنحاء التعارض الواقع في الأدلّة على ما ستطّلع على تفاصيلها - إن شاء اللّه - من غير فرق بين العموم والخصوص أو القرائن الصارفة في المجازات ، وملاك الفرق هو ما ذكرنا من أنّ المتحاكمين لا بدّ وأن يكون أحدهما مفسّرا للآخر ، ومن المعلوم عدم تنافي المفسّر للمفسّر ، بل يؤكّده (5) حقيقة وإن كانا متخالفي الحكمين فتدبّر ، وخرج الأدلّة القطعية ؛ لأنّ مناط اعتبار الأدلّة (6) القطعية ليس إلاّ على نفس الصفة النفسانية وهي الحالة الإدراكية الجازمة ، ومن المعلوم امتناع اجتماع تلك الحالة على طرفي الخلاف كما هو كذلك بالنسبة إلى صفة الظنّ أيضا فإنّ رجحان طرفي النقيض غير

ص: 524


1- في هامش « م » : در حفظ معالم شريعت مى كوش *** تن وتو به خرقه طريقت مى پوش از جام محبّت ولىّ مطلق *** مستانه همى مى حقيقت مى نوش « منه »
2- « ج » : متبوعة.
3- سبق في ص 413.
4- « م » : كذلك.
5- « ج » : بل لو كان؟
6- « س » : أدلّة؟

معقول.

ومن هنا يظهر أنّ ما أورده القوم من العلاّمة في التهذيب والمبادئ (1) - (2) وغيره من اختصاص التعارض بالأدلّة الظنّية ولا يعقل في الأدلّة القطعية في محلّه ، فإنّ مرادهم من الأدلّة الظنّية ما ليس ملاك الدليلية فيها على نفس صفة الظنّ.

وربّما يورد عليهم (3) بأنّهم إن أرادوا القطع بالصدور فهو ممكن في كلّ الأقسام أو بالمضمون نوعا بحيث لو لا أحد المتعارضين لأفاد الآخر القطع ، أو الظنّ فكذلك ، أو فعلا ، فهو محال في الكلّ ، وإن أرادوا في القطعيين والمختلفين الفعلي ، وفي الظنّيين النوعي ، فهو صحيح ولكنّه تفكيك (4) ، انتهى.

وبعد ما تقدّم يظهر لك الوجه في فساد هذا التوهّم ، وتوضيحه : أنّا نختار الشقّ الأخير ولا ضير في التفكيك المذكور بوجه ؛ لأنّ دليلية (5) القطعي لا يعقل من غير أن يكون مفيدا للقطع الفعلي ، فإن أفاد القطع فهو دليل وإلاّ فليس دليلا ، فإنّ ذلك لا يناط بجعل جاعل فيه ، بل من حيث إنّه مرآة عن الواقع وكاشف عنه ، وهذه (6) الحيثية عند انتفاء الصفة منتفية ، بخلاف الأمارة الظنّية فإنّ دليليتها منوطة بجعل الجاعل ، فربّما يجعلها دليلا وحجّة عند وجود الوصف ، وربّما يجعلها حجّة عند عدمه أيضا نظرا إلى وجود المصلحة التي اقتضت ذلك ، فالدليل القطعي بعد انتفاء القطع لو فرض جعله حجّة يكون من الأدلّة الظنّية فيما لو كان مفيدا له ، أو التعبّدية عند عدمه ، وإلاّ فهو باطل أصلا كما لا يخفى ، فالتفكيك إنّما جاء من نفس الدليل القطعي والظنّي ؛

ص: 525


1- « د ، س » : - التهذيب والمبادئ.
2- التهذيب : 278 ؛ مبادئ الوصول الى علم الأصول : 230.
3- المورد شريف العلماء.
4- ضوابط الأصول : 481. انظر أيضا تقريرات شريف العلماء للأردكاني ( مخطوط ) : 395.
5- « ج ، د » : دليله.
6- « ج » : « هو ».

لإمكان (1) اتّصاف الثاني بالدليلية عند انتفاء الوصف ، وعدمه في الأوّل ، فإنّ الظنّ النوعي معقول ، والقطع النوعي غير معقول.

وأمّا تعارض الإجماعين مع أنّ المعتبر في دليليته هو القطع ، فلا ينافي (2) ما ذكرنا من امتناع التعارض بين القطعيين (3) ؛ إذ غاية ما هناك هو القطع بصدور الحكم المجمع عليه عن الإمام ، وأمّا القطع بكونه هو الحكم النفس الأمري الواقعي المطابق للمصلحة في نفس الفعل مع قطع النظر عمّا يقتضيه وجوه الفعل كوقوعه (4) في مقام (5) التقيّة ونحوه ، فهو محال ، فإنّ جهات التعارض متعدّدة (6) ، فربّما كان الصدور قطعيا مع الشكّ في جهة صدوره ، وبذلك يعلم التعارض في الأخبار على القول بحجّيتها من باب الظنّ ، فإنّ الظنّ بالصدور في الخبرين لا ينافي تعارضهما من جهة أخرى لما (7) ستعرف من تعدّد جهات التعارض.

ومحصّل الكلام في المقام : أنّ التعارض بين القطعيين غير معقول كالظنيين الفعليين ، وأمّا التعارض بين المختلفين فلا إشكال في امتناعه فيما إذا كان أحدهما قطعيا مطلقا ؛ لامتناع حصول الظنّ على خلاف القطع ولعدم اعتبار دليل كائنا ما كان إذا كان خلافه مقطوعا به كما هو المفروض ، وأمّا إذا (8) لم يكن أحدهما قطعيا فإن كان أحدهما مفيدا للظنّ شخصا فلا يجوز التعارض فيما إذا كان الآخر اعتباره موقوفا على عدم قيام ظنّ على خلافه كما في الاستصحاب على القول به ظنّا ، ويجوز فيما إذا كان الآخر حجّة نوعية أو تعبّدية.

ثمّ إنّ التعارض قد يكون بين اللبّيين كالشهرتين أو أولوية وشهرة أو استقراء

ص: 526


1- « ج ، س » : « لأنّ » بدل : « لإمكان ».
2- « ج ، د » : فلا تنافي.
3- « ج ، م » : القطعين.
4- « م » : لوقوعه. « د » : بوقوعه.
5- « د » : المقام.
6- « د » : متفاوتة.
7- « ج » : كما.
8- « د » : إن.

وإحداهما على القول بها ، وقد يكون بين اللفظيين كالخبرين (1) ونحوهما ، فعلى الأوّل لا يمكن التعارض إلاّ من جهة واحدة وهي الكشف عن الحكم الواقعي ، وعلى الثاني فيقع التعارض من جهات ثلاث : دلالة ، وصدورا ، وجهة صدور ، فإنّ الدليل اللفظي متى لم يعلم فيه تلك الجهات الثلاث ولو علما شرعيا لا يجوز الاتّكال عليه ، فلا بدّ من إحراز وجه صدوره عن المعصوم فلعلّه صدر عنه تقيّة بعد إحراز أصل صدوره ، كما أنّه لا يجوز التعويل عليه ما لم نعلم بدلالته على ما هو المقصود في الاستدلال به ، وهذه أمور ظاهرة واضحة لا يكاد يستريب فيها أحد ولا سترة عليها ، واللّه الموفّق الهادي.

ص: 527


1- « ج ، م » : كالحديثين.

ص: 528

هداية [ في تعريف التعادل ]

تعادل الدليلين عبارة عن تساوي اعتقاد مدلوليهما (1) ، وقد اختلف الآراء في إمكانه ووقوعه ، فعن أحمد والكرخي المنع ، والباقون على خلافه ، والمنقول (2) في دليل المنع هو أنّ بعد التعادل إمّا (3) يجب الأخذ بهما وهو محال ، أو لا يجب الأخذ بهما وهو لغو في جعلهما حجّتين ، أو يجب الأخذ بأحدهما المعيّن وهو ترجيح بلا مرجّح ، أو الغير المعيّن وهو راجع إلى طرحهما لجواز التخيير دائما بينهما ، فيلزم طرح كلّ منهما ، وهو غير واضح الدلالة على الدعوى (4) المذكورة ؛ لإبهامها في الغاية وعدم وضوحها مع ظهور فسادها رأسا ، إذ لا يعقل في ذلك مانعا ، مضافا إلى وقوعه في الخارج كما في الرعد المتواتر (5) في الصيف وأمثاله ممّا لا نهاية له ، فإنّ موارد التوقّف ممّا لا يحصى (6).

فالأولى صرف عنان الكلام إلى مسألة نافعة في المقام وهي أنّه بعد ما تعارض الدليلان (7) فهل القاعدة هي (8) إعمالهما في الجملة ، أو طرحهما وتساقطهما ، وقبل الخوض في الاستدلال ينبغي بيان المراد من الإعمال والتساقط.

ص: 529


1- كذا عرّفه في القوانين 2 : 282.
2- كما في القوانين 2 : 282.
3- « م » : إمّا أن.
4- « س » : « على المدّعى لدعوى » والظاهر شطب فيها على « المدعى ».
5- « د » : المتواترة.
6- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : لا يخفى.
7- « د » : بعد التعارض بين الدليلين.
8- « د ، ج » : - هي.

فنقول : المراد (1) بالإعمال هو الأخذ بأحدهما المعيّن فيما عيّن العمل به بعد الجمع أو الترجيح من أحد وجوه الجمع و (2) الترجيح كما ستعرف ، أو بأحدهما الغير المعيّن على أن يكون الخيرة في التعيين بيد المكلّف بواسطة المرجّحات المتقدّمة في نفسه عند العمل والتعارض.

والمراد بالتساقط يحتمل أحد الأمرين (3) : الأوّل : أن يكون المراد من تساقطهما انتفاءهما رأسا وعدم الأخذ بهما أصلا والرجوع إلى (4) الأصول التي ينبغي الأخذ بها على حسب اختلاف المقامات موافقا لأحدهما كما إذا كان أحدهما مبيحا ، أو مخالفا لهما كما إذا كانا تكليفيين. وثانيهما : أن يكون المراد به تساقطهما في مورد التعارض والأخذ بهما في نفي الاحتمال (5) الثالث ، فالمرجع هو الأصل الموافق لأحدهما لو فرض وإلاّ فالتخيير بين الاحتمالين عقلا ، وعلى القول بالتساقط لا بدّ من ملاحظة المتعارضين ، فربّما يتعيّن الوجه الثاني ، كما إذا كان المتعارضان أمارتين من الأمارات الظنّية كالأولوية والشهرة مثلا ، فإنّه يمكن حصول الظنّ منهما على نفي الثالث والمفروض حجّية مطلق الظنّ ، فيكون الظنّ الحاصل من الأمارتين حجّة ، وأمّا إذا كان المتعارضان خبرين فالظاهر أنّ المتعيّن (6) هو الوجه الأوّل ؛ لأنّ الخبرين المتعارضين في الأغلب لا يستفاد منهما نفي الثالث ، لأنّ المخبر ليس إلاّ في صدد الإخبار عمّا هو المدلول المطابقي ، وأمّا الالتزامي فقلّ (7) ما يوجد أن يكون المخبر في صدد الإخبار به على أن يكون خبره منحلاّ إلى خبرين ، كما في المتواترات المعنوية التضمّنية أو الالتزامية.

ص: 530


1- « د » : إنّ المراد.
2- « ج » : « أو » بدل : « و ».
3- « س ، م » : أمرين.
4- « ج » : على.
5- في النسخ : احتمال.
6- « د ، م » : المعيّن.
7- « م » : فقيل.

والفرق (1) بين احتمالي التساقط والتخيير ظاهر ، أمّا على الأوّل فلا حاجة إلى توضيحه لكن ذلك يتمّ فيما إذا لم نقل بترجيح أحد المتعارضين بالأصل ، وإلاّ فالمقدّم منهما هو الموافق للأصل ، وأمّا على الثاني فلأنّ المراد بالتخيير هو الأخذ بأحد الدليلين شرعا لا الأخذ بمجرّد الاحتمالين عقلا ، ومن هنا يظهر سقوط ما تمسّك به البعض في إثبات التخيير بأنّ نفي الثالث المستفاد من المتعارضين دليل على التخيير ، أمّا أوّلا : فلأنّ المتعارضين لا دلالة فيهما على نفي الثالث على الإطلاق ، وأمّا ثانيا : فلأنّ التخيير المتنازع فيه هو التخيير الشرعي بين المتعارضين دون التخيير العقلي وقد عرفت أنّ ذلك لا دلالة فيه عليه.

وإذ قد عرفت هذا فنقول : قد يقال (2) بأنّ الأصل في المتعارضين هو التساقط دون الإعمال نظرا إلى أنّ الدليل الدالّ على اعتبار المتعارضين لا يخلو إمّا أن يكون من الأدلّة اللبّية كالإجماع ودليل العقل ، أو من الأدلّة اللفظية ، لا إشكال في التساقط على الأوّل ؛ إذ القدر المعلوم من حجّيتهما هو حال خلوّهما عن المعارض ، وأمّا عند التعارض فيبقى كلّ واحد منهما خاليا عن دليل الاعتبار ، وأمّا على الثاني فإمّا أن يقال بعدم شموله للمتعارضين ، أو يقال بشموله لهما ، أو لأحدهما ، لا سبيل إلى الأخيرين ، فتعيّن (3) الأوّل وهو المطلوب.

بيان ذلك - بعد الغضّ عن القول بعدم انصراف المطلق إلى المتعارضين - : أنّ شموله لهما على وجه الوجوب العيني محال عقلا ، وعلى وجه الوجوب التخييري حال التعارض موجب لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى ؛ لأنّ قوله : « اعمل بالخبر » مثلا عند عدم التعارض يراد منه الوجوب العيني ، فلو استفيد منه الوجوب التخييري لزم

ص: 531


1- « س » : فالفرق.
2- قاله السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : 683. وسيكرّره مع جوابه في ص 653.
3- « س » : فيتعيّن.

استعماله فيهما ، وشموله لأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح ، ولأحدهما الغير المعيّن عندنا والمعيّن عند اللّه خلاف المفروض ؛ لأنّ المفروض تساويهما فيما دلّ الدليل عليه ، وأمّا مطابقة الواقع فخارجة (1) عن ملاك الدليلية (2) ، على أنّ ذلك يوجب الطرح ؛ لدوران الأمر بين الحجّة واللاحجّة المحرّم الأخذ بها لدخولها فيما وراء العلم ، ولأحدهما الغير المعيّن مطلقا أيضا باطل ؛ لأنّه ليس من أفراد العامّ والمطلق فإنّه أمر انتزاعي صرف ليس مشمولا للدليل ، فلو فرض القول بالتخيير لا بدّ وأن يكون مستندا إلى أخبار التخيير الواردة في علاج المتعارضين. هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للتساقط (3).

ولكنّ الإنصاف أنّ الأصل هو الإعمال (4) دون التساقط ؛ لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار هذه الأدلّة وإطلاقهما على وجه شامل للمتعارض (5) ولغيره.

وأمّا ما عرفت من دليل المنع فواه جدّا ، أمّا أوّلا : فلأنّ مجرّد كون الدليل لبّيا لا يقضي بعدم شموله للمتعارض ؛ لاحتمال قيام الإجماع على وجه يشمل المتعارض (6) أيضا كما يحتمل دلالة العقل على اعتبار الدليل حال التعارض أيضا وذلك كما في الأخبار ، فإنّ التحقيق (7) أنّ الإجماع على حجّية الأخبار الموثوق بها منعقد حال التعارض ، كما استكشفنا ذلك في محلّه من الأمارات المذكورة هناك ، وكذا دليل الانسداد على تقدير تماميته قضيّته عامّة (8) للمتعارض وغيره ، سيّما بناء على ما هو التحقيق فيه من الحكومة.

وبالجملة : فسخافة هذه المناقشة وأمثالها في أمثال المقام ظاهرة ؛ إذ ليس كلّ ما كان لبّيا غير معلوم التناول حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن والمعلوم.

ص: 532


1- « م » : فخارج.
2- « د » : الأصلية.
3- « م » : للتصادق.
4- « د » : الإجمال.
5- « م ، س » : التعارض.
6- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : التعارض.
7- « د » : المتحقّق.
8- « د » : عامّ.

وأمّا ثانيا : فنختار أنّ الدليل الدالّ على الحجّية شامل للمتعارضين معا ، ولا محذور.

قوله : « وهو محال (1) عقلا » ممنوع (2) ولكنّه غير مجد ؛ إذ التكليف بالمحال تارة : يتصوّر من حيث إنّ المكلّف به في نفسه محال كالأمر بالمحالات العقلية أو العاديّة كالطيران إلى السماء (3) ونحو ذلك (4) ، وتارة : يلاحظ من حيث إنّ اجتماع الأمرين محال ، فيتفرّع محالية المكلّف به على التكليف ، بخلاف الأوّل فإنّ الأمر يتوجّه إلى مطلوب ممتنع الوجود فيه ، وفي الثاني يستحيل اجتماع المطلوبين من حيث إنّهما مطلوبين ، فالامتناع إنّما نشأ من الأمرين ، ولا شكّ أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ؛ لأنّ استحالة مطلوبية العمل بأحد الخبرين ليس بواسطة عدم إمكان الامتثال به في نفسه كما في التكليف بالطيران إلى السماء ونحوه ، وإنّما جاءت بواسطة وجود مقتضي (5) العمل ووجوب الأخذ به في الثاني أيضا ؛ ضرورة إمكان الامتثال لكلّ واحد من الخبرين لو لا الآخر ، ولا ريب أيضا أنّ كلّ واحد من الأدلّة المطلقة أو العامّة الدالّة بإطلاقها أو عمومها (6) على وجوب شيء من الأشياء أو (7) عمل من الأعمال كائنا ما كان مقيّد بصورة الإمكان بالامتثال بذلك الشيء والعمل (8) عقلا كما قرّر في محلّه ، وقضيّة ذلك هو عدم

ص: 533


1- « د » : ولا محالة.
2- « س » : - ممنوع.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : كطيران السماء ، وكذا في المورد الآتي.
4- في هامش « م » : لا يخفى أنّ ما ذكرنا - من أنّ الامتناع إنّما نشأ من نفس التكليف ، فالممتنع إنّما تحقّق موضوعه بعد التكليف لا قبله ، وذلك لا يوجب إلاّ سقوط الممتنع عن كونه مكلّفا به دون الممكن - إنّما يقضي بامتناع التساقط واستحالته ، ووجهه هو أنّ من المحال عقلا أن يكون وجود الشيء مقتضيا لعدمه ، والقول بالتساقط لازمه ذلك ؛ لأنّ المفروض أنّ استحالة الجميع إنّما هو بعد الوجوب ، فلو فرض أنّ ذلك يوجب عدم وجوبه يلزم من وجوبه عدم وجوبه وهو محال عقلا ، فتدبّر. « منه رحمه اللّه ».
5- « ج » : وجود ما يقتضي.
6- « د » : بإطلاقهما أو عمومهما؟
7- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : و.
8- « د » : العمل به.

التساقط بالإعمال في الجملة على حسب اختلاف المقامات من وجود المرجّح تارة ، والتخيير أخرى ، والجمع مرّة.

نعم ، لو كان استحالة وجوب كلّ واحد منهما على وجه استحالة المحالات قبل تعلّق التكليف بالمكلّف كان الوجه هو القول بالتساقط ، ولكن قد عرفت أنّ الامتناع إنّما نشأ من نفس الأمر وإطلاقه وتقييده بالإمكان عين مفاد القول بعدم التساقط.

لا يقال : إنّ اجتماع المطلوبين في نفسه محال ؛ لكونه عملا بالمتضادّين مثلا ، فلو فرض عدم الأمر بهما أيضا كان اجتماعهما في مقام العمل محالا.

لأنّا نقول : المطلوب هو كلّ واحد من الأفراد ، والاجتماع ليس مطلوبا أصلا ، والمفروض أنّ العمل بكلّ واحد في نفسه ممكن ، والامتناع إنّما نشأ من الجمع (1) وهو لازم الأمرين ، ومحاليته يستلزم عدم كونه مكلّفا به لا عدم كون الأفراد مكلّفا بها أصلا ليلزم التساقط ، ومعنى عدم وجوب الجمع (2) بين العمل بالدليلين مع بقاء مقتضي العمل بكلّ (3) واحد منهما هو الإعمال على وجه التخيير مثلا ، وذلك كما في تزاحم الحقّين والواجبين كإنقاذ الغرقى وإنجاء الحرقى ، فإنّ القول بعدم وجوب إنجاء كلّ واحد من الغريقين عند دوران الأمر بينهما وعدم إمكان الجمع بينهما ملحق (4) بأقوال أصحاب السوداء ، وليس الوجه في ذلك إلاّ بقاء مصلحة الوجوب في كلّ واحد منهما على وجه لو فرض انتفاء الآخر كان الواجب هو بعينه ولذلك (5) مع عدم وسعة الزمان لإنجائهما معا امتنع اجتماعهما في الوجود ، ومن المعلوم أنّ امتناع شيء لا يوجب رفع التكليف عن شيء ممكن آخر ، فالاجتماع إنّما ارتفع التكليف به ، فيبقى (6) الممكن في مقام التكليف وهو الإتيان بأحد الفردين على أن يكون الخيرة بيد المكلّف.

ص: 534


1- المثبت من « د » ، وفي سائر النسخ : الجميع.
2- « ج ، س » : الجميع.
3- « ج ، م » : لكلّ.
4- « ج » : يلحق.
5- « ج ، د » : كذلك.
6- « م » : فبقي.

لا يقال : إنّ ذلك مسلّم فيما علم وجود المصلحة فيهما عند التعارض ، وهو فيما نحن فيه أوّل الكلام ؛ لاحتمال أن لا يكون المصلحة موجودة في الخبرين عند التعارض كأن يكون في أحدهما دون الآخر أو لا يكون في شيء منهما.

لأنّا نقول : المتّبع ظواهر الأدلّة والمفروض إطلاقها (1) لكلّ واحد منهما ، وبذلك يستكشف وجود المصلحة فيهما ولو عند التعارض ، ولهذا قلنا في مباحث الأمر والنهي بصحّة صلاة الجاهل بالغصب في المكان المغصوب ؛ إذ لو لم يكن إطلاق الأمر باقيا حال الغصب لم يكن للقول بالصحّة وجه.

وبالجملة : فكم من فرق بين أن يكون عدم القدرة مسبّبا عن التكليف ، أو كان سابقا عليه ، والوجوب العيني المتعلّق بكلّ واحد من المتعارضين استحالته من قبيل الأوّل لا الثاني ، فإنّ مقتضى الأوّل هو التخيير ؛ لثبوت التكليف أوّلا ، بخلاف الثاني ؛ إذ الامتناع السابق يمنع (2) عن تعلّق التكليف ابتداء.

وتوضيح الفرق هو أنّ الامتناع موجب لامتناع تعلّق (3) التكليف بالممتنع ، وهذه الصفة لا بدّ وأن تكون (4) مقدّمة على التكليف بذلك الممتنع الذي فرض امتناع تعلّق التكليف به ؛ لكونه ممتنعا إلاّ أنّ موضوع ذلك الممتنع تارة : يتحقّق قبل التكليف بشيء ، وأخرى : بعده ، وفي المقام الممتنع الذي يمتنع التكليف به هو امتثال الجميع وذلك فرع التكليف بالأفراد (5) ، وإلاّ فلا معنى لعنوان الامتثال فإنّه فرع الأمر ، فلا يجب (6) الامتثال في الجميع لامتناعه ، ويجب الأخذ بأحدهما لإمكانه (7).

ص: 535


1- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : « إطلاقهما ».
2- « س ، م » : يمتنع.
3- « ج » : للامتناع لتعلّق.
4- في النسخ : يكون.
5- « ج » : بالأفراد ذلك.
6- « ج » : « فلا يجدي » وكذا في المورد الآتي.
7- في هامش « م » : ملخّص القول في المقام : أنّ إطلاق الأمر بالأخذ بالدليل قاض باعتبار كلّ واحد من الدليلين حتّى عند التعارض ، وتوهّم عدم الانصراف إلى الصورة المفروضة واه جدّا ، والعمل بكلّ واحد ممكن ، نعم الجمع بينهما اللازم من الأمرين وهو العمل بأحدهما عند العمل بالآخر ممتنر. والجمع بينهما ليس من الأمور التي يتعلّق به التكليف بالأصالة ، بل إنّما وجب بملاحظة الأمر بكلّ واحد منهما ، واستحالته يوجب رفع التكليف الذي فرضنا إجزاءه من الأمرين بالفردين عنه ولا يجدي ذلك في رفع التكليف عنهما ، فكلّ واحد منهما مأمور به ، ولهذا صار الخيرة بيد المكلّف في الإتيان بأيّهما شاء ، مع أنّ كون الاختيار بيد المكلّف غير معقول في الأحكام الشرعية إلاّ فيما لا يختلف فيه الفعل عند اختلاف اختياراته كما في الواجب المخيّر ، غاية ما في الباب أنّ الطلب التخييري لكلّ واحد منهما منتف ؛ لمكان استحالة الجمع اللازم على تقدير الطلب الفعلي بهما ، فالمختار من شقوق الترديدات هو أنّ كلّ واحد منهما واجب شأنا ، والعقل حاكم بالوجوب التخييري بعد تقيّد كلّ واجب بصورة الإمكان ، وليس لفظ الأمر مستعملا إلاّ في معنى واحد ليلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ولا ضير في مثل هذا الطلب كما في تكليف الغافل والجاهل ممّا لا يختلف الطلب باختلافه ، غاية الأمر كونه معذورا عن الجهل والغفلة [ وذلك ] لا يقضي بانتفاء أصل الطلب رأسا ، ولذلك لا حاجة إلى طلب جديد بعد الإفاقة من الجهل والغفلة ، فتدبّر « منه ».

ومن هنا يظهر وجه ما أفاده شيخنا البهائي (1) في بعض مباحث الأمر من أنّ الواجب المضيّق الأهمّ يقدّم على غير الأهمّ منه على اختلاف مراتب الأهمّية ، فقد يكون أحدهما من حقوق الناس فيقدّم على حقّ اللّه للاتّكال على كرمه والتعويل على (2) فسحة (3) فضله ، وضعف ما نوقش فيه (4) من أنّ الواجب حينئذ ملاحظة أدلّة الحقوق فإنّهما إمّا قطعيان ، أو ظنّيان ، أو مختلفان ، ويرجّح أحدهما على الآخر بحسبه.

وتوضيح الضعف : أنّ ملاحظة حال الدليل بعد أنّ المفروض تساويهما في وجوب

ص: 536


1- « س » : + رحمه اللّه ، نقل عنه أيضا الشيخ حسين القمي في حاشيته على القوانين المسمّى بالتوضيح انظر هامش القوانين 1 : 113 - 114 ؛ وانظر أيضا هداية المسترشدين : 224 ؛ مطارح الأنظار ( بحث الضدّ ) 1 : 542.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : إلى.
3- « د » : فسيحة.
4- « ج » : - ما نوقش فيه. وفي « د » : وضعّف بالمناقشة فيه.

العمل بكلّ واحد منهما ممّا لا وجه له (1) ، بل اللازم مراعاة (2) الأهمّية في نفس الحقوق المتعارضة ، ولا معنى للرجوع إلى ملاحظة حال الدليل ، فلا تغفل (3).

ثمّ إنّ القول بعدم التساقط لعلّه هو المشهور ، بل نفى الخلاف عنه في المعالم (4) ، ولا فرق في ذلك بين الأمارة القائمة على الأحكام أو الموضوعات ، فإنّ القول بتساقط البيّنتين فيما إذا تعارضتا كاد أن يكون مخالفا للإجماع وإن حكاه بعضهم عن العلاّمة فيما إذا أقيمتا على وقوع النجاسة في أحد الإناءين إلاّ أنّ المشهور على دخول الفرض في الشبهة المحصورة ، بل لم نجد مثل ذلك منه أيضا في أمثاله.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كما هو ظاهر إنّما يتمّ إذا كان الدليلان حال التعارض باقيين على كونهما دليلين ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في الظنّ الشخصي المعارض بالظنّ النوعي إذا لم يكن ذلك دليلا أيضا فالأقوى هو التساقط ؛ لدوران الأمر حينئذ بين الحجّة واللاحجّة كما نبّهنا على ذلك فيما إذا تعارض الأصلان ، فإنّ ملاك الدليلية مرتفع عن أحدهما عند التعارض بواسطة العلم الإجمالي بانتفاض (5) إحدى الحالتين السابقتين ، وليس كذلك في الأخبار ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال : هو أنّ القطع بمخالفة أحد الخبرين للواقع يقضي بالحكم بعدم كون أحدهما دليلا كما في الأصلين ، وهو ليس بسديد ؛ لأنّ المدار على دخول المتعارضين (6) تحت عنوان ما دلّ على حجّيتهما كأن يكون كلّ واحد منهما من أخبار العدول ، أو كان كلّ واحد منهما موثوق الصدور ، ونحوه ممّا دلّ الدليل على اعتبار ذلك العنوان على حسب اختلاف مشاربهم في ذلك.

نعم ، لو كان مناط الدليلية على الواقع بعد القطع بالمخالفة لم يكن بدّ من القول بالتساقط ، فتأمّل في المقام واللّه الموفّق وهو الهادي.

ص: 537


1- « ج ، م » : - له.
2- « س » : ملاحظة.
3- ما بين السطور في نسخة « م » : والتحقيق في المقام استحالة التساقط رأسا.
4- المعالم : 250.
5- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : بالتعارض.
6- « س » : أحد المتعارضين.

ص: 538

هداية [ في قاعدة الجمع مهما أمكن ]

بعد ما عرفت في الهداية السابقة من أنّ قضيّة القواعد هو عدم تساقط الدليلين فهل يجب الجمع بين الدليلين بإعمال الوجوه الدلالية بينهما وارتكاب جهات التأويل فيهما أو في أحدهما نظرا إلى أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، أو لا؟ وجهان : بل يمكن أن يقال قولان ، والتحقيق في المقام أنّ هذه قضيّة مشهورة لا أصل لها وإن بالغ فيها المحدّث [ ابن ] أبي (1) جمهور الإحسائي ، بل ادّعى عليها إجماع العلماء حيث قال في غوالى اللآلى بعد ذكر المقبولة (2) : إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أوّلا البحث عن معناهما وكيفيات دلالات ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص (3) عليه واجتهد في تحصيله فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، فإذا لم تتمكّن (4) من ذلك أو لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث (5) ، انتهى.

وقد اشتهرت هذه القضيّة بحيث صارت من الأمثال السائرة ، والمراد بها الجمع في الدلالة بإخراج المتعارضين عن ظاهرهما وحملهما على ما لا تنافي بينهما ، وبالطرح رفع

ص: 539


1- في النسخ : أبو.
2- كذا. والصواب : المرفوعة.
3- « ج ، م » : فاحرض.
4- « د ، ج ، م » : لم يتمكّن.
5- عوالى اللآلى 4 : 36.

اليد عن سندهما في الجملة ، والجمع وإن استلزم طرحا في الجملة إلاّ أنّ بعد ما عرفت من أنّ مرادهم منه ما ذكرنا لا وجه لما قد يتوهّم في دفعه بأنّ الجمع على أيّ وجه فرض يستلزم الطرح ، فيلزم من وجوده عدمه ، ومع ذلك فالحقّ كما عليه بعض أعاظم المحقّقين (1) أنّه لم يقم على الجمع مطلقا دليل.

نعم ، تتّجه تلك المقالة في بعض المقامات دون غيرها ، وتفصيل الكلام وتوضيحه أن يقال : إنّ للجمع مراتب : فتارة : لا يحتاج إلى شاهد لاكتفاء نفس الدليلين (2) عنه ، وأخرى : يحتاج (3) إلى شاهد واحد ، ومرّة : يحتاج إلى شاهدين لعدم اكتفاء نفس الدليلين عنهما.

أمّا الأولى فالواجب فيها الجمع بين الدليلين ، كما في العامّ والخاصّ المطلقين وما يقاربهما في كون أحدهما بمنزلة النصّ بالنسبة إلى الآخر كما في المطلق والمقيّد والقرائن الصارفة بالنسبة إلى الحقائق.

أمّا في الأوّل فلأنّ المتبادر من الدليلين والمنساق منهما عرفا هو الأخذ بالخاصّ بعد مخالفته لحكم العامّ ؛ لأنّ شمول العامّ للفرد ليس في مرحلة الخاصّ لذلك الفرد ، فيقدّم الخاصّ على العامّ مطلقا إلاّ فيما إذا كان العامّ أقوى من الخاصّ دلالة بواسطة اعتضاده بأمارة خارجية (4) كأن يكون الخاصّ على خلاف مذاق الشريعة أو ينافي أصول المذهب وقواعده أو يكون مساق العامّ آبيا عن التخصيص كما فيما دلّ على جواز نكاح أمة الزوجة بدون إذنها وكما في قوله : « أجمع لك السهو في كلمتين إذا شككت فابن على الأكثر » (5) فإنّ هذه الموارد لا بدّ من تقديم العامّ فإنّه ربّما يقدّم على

ص: 540


1- هو الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائرية : 233 - 237 ، فائدة 23 ؛ انظر أيضا الرسائل الأصولية للوحيد : 451 - 452.
2- « ج » : شاهد اكتفاء بنفس الدليل.
3- « م » : - يحتاج.
4- « ج » : خارجة.
5- الوسائل 8 : 212 ، باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 1.

الخاصّ.

فكيف (1) كان ، ففي غير أمثال هذه الموارد لا إشكال في وجوب الجمع بين الدليلين بحمل العامّ الدالّ على وجوب إكرام العلماء - مثلا - على الخاصّ الحاكم بعدم وجوب إكرام زيد العالم ، ولعلّ السرّ في ذلك هو دوران الأمر بين الأخذ بأصالة الحقيقة التي هي من الأصول المعمولة في العامّ وبين طرح دليل اجتهادي دلّ على لزوم الأخذ بسند الخاصّ ؛ إذ المفروض أنّه لا كلام في كون الخاصّ أيضا حجّة شرعية يجب الأخذ به بإجماع (2) ونحوه ، ولا ريب أنّ الأخذ بالدليل الاجتهادي لازم عند دوران الأمر بينه وبين الأصل ؛ لأنّ الشكّ المأخوذ في موضوع (3) الأصل يرتفع بعد وجود الدليل الاجتهادي ، فإنّ الشكّ في شمول العامّ للخاصّ يرتفع بعد العلم بلزوم العمل بالخاصّ بواسطة الدليل ، لكن هذا إذا فرض دلالة الدليل على الخاصّ على وجه لا حاجة إلى إعمال أصالة الحقيقة في ذلك الدليل كأن يكون إجماعا أو نحو ذلك ، وأمّا إذا احتاج إلى إعمال أصالة الحقيقة في دليل الخاصّ على وجه لا يعلم بدخوله تحت العامّ الدالّ على الحجّية ، فالظاهر تعارض الأصلين في دليل الخاصّ وفي نفس العامّ إلاّ أنّ الأصل المعمول في دليل الخاصّ وحجّيته (4) مزيل لغيره.

وأمّا في المطلق والمقيّد فالأمر أظهر ؛ لأنّ دلالة العامّ على الأفراد ربّما يعدّ أظهر من دلالة المطلق (5) عليها ، لأنّها وضعية في العامّ على بعض الوجوه وعقلية في المطلق نظرا إلى أنّ إثبات الحكم للماهيّة التي هي مذكورة في مقام البيان يوجب حصول الامتثال بأيّ فرد منها ، فشمول المطلق للأفراد على وجه يكفي في الامتثال به بأيّ فرد كان إنّما هو بواسطة عدم البيان ، والمقيّد هو البيان بعد وروده ، فالمطلق كأنّه برزخ بين الأدلّة

ص: 541


1- « ج » : وكيف.
2- « م » : بالإجماع.
3- « ج » : موضع.
4- « س ، د » : الحجّية.
5- « د » : المطلقة.

الاجتهادية والأصول العملية بواسطة استناد (1) الدلالة فيه إلى اللفظ والعقل معا ، فالعرف قاض بتقديم (2) المقيّد ووروده على المطلق ، ومنه يستظهر اتّحاد التكليف فلا حاجة إلى اشتراط العلم بالاتّحاد في الحمل كما قدّمناه في مباحثه ، ومثل ما ذكر (3) في لزوم الحمل والتقديم (4) كلّ ما كان أحد الأمارتين أظهر في العرف من الآخر على وجه يكفي في الحمل ملاحظة نفسهما من غير حاجة إلى استشهاد من الخارج كما إذا ورد في قولهم عليهم السلام : « يجب غسل الجمعة » وقولهم (5) : « لا ينبغي تركه » وقلنا بأنّ دلالة « يجب » على الوجوب أظهر من دلالة « لا ينبغي » على الاستحباب ، فإنّه لا إشكال في أنّ الظاهر يحمل على الأظهر ويحكم بأنّ المراد من « لا ينبغي » هو الوجوب كما يستفاد ذلك من القرائن اللفظية الصارفة ، فإنّ حمل « يرمي » على شيء لا ينافي الحيوان المفترس أيضا معقول إلاّ أنّه لمكان الأظهرية لا بدّ من ارتكاب التأويل في « الأسد » دون قولك : « يرمي ».

وبالجملة : فالمعيار في هذا القسم هو صلوح حمل أحد المتعارضين على الآخر بقرينة موجودة في نفسهما (6) ، بل والتحقيق (7) أنّ هذا القسم خارج عن الأخبار العلاجية ولا شكّ في وجوب الجمع ، ولم نعلم في ذلك مخالفا ؛ إذ لم نجد من أوّل الفقه إلى آخره من حكم بالتخيير بين العامّ والخاصّ بعد اعتقاد وجود الموضوع كما هو ظاهر (8) ، ومن

ص: 542


1- « ج » : إسناد.
2- « د » : بتقدّم.
3- « ج » : ذكرنا.
4- « د » : التقدّم.
5- « س » : + عليهم السلام.
6- « د » : نفسها.
7- « د » : ويتحقّق.
8- قال في مصباح الأصول 3 : 353 : وظهر بما ذكرنا أنّ ما ذكره صاحب الحدائق واحتمله صاحب الكفاية أخيرا من أنّه يعامل مع العامّ والخاصّ معاملة المتعارضين من الرجوع إلى المرجّحات ، وإلى التخيير مع فقدها ، ليس في محلّه ؛ إذ مع وجود الخاصّ يرتفع موضوع حجّية العامّ ، وبعد عدم كون العامّ حجّة لا معنى للتعارض بينه وبين الخاصّ ؛ لأنّ التعارض هو تنافي الحجّتين من حيث المدلول.

المعلوم أيضا أنّ (1) الأخذ بالمرجّحات السندية كالموافقة للكتاب أو مخالفة العامّة ونحوهما ممّا (2) لا وجه في مثل المقام ، وقد يظهر من بعضهم تقديم المطلق على المقيّد نظرا إلى كونه مخالفا لما عليه العامّة ، فإن تخيّل أنّه من الموارد التي يحكم بتقديم الظاهر على الأظهر لخصوصية خارجية كما في تقديم العامّ على الخاصّ فهو ، وإلاّ فهو سهو ظاهر كما لا يخفى ، ولا فرق فيما ذكرنا من لزوم الحمل بين القول بحجّية أصالة الحقيقة تعبّدا وبين القول بها من باب إطباق العقلاء (3) على العمل بها ؛ لأنّ بناءهم على العمل بالخاصّ أيضا ؛ إذ الحكم بالأخذ بظاهر العامّ عندهم أيضا معلّق على عدم ورود الخاصّ والقرينة أو البيان ، ولا إشكال في ذلك أبدا.

نعم ، قد استشكل بعضهم في المقام بأنّه (4) كيف يعقل حمل العامّ على الخاصّ مع اختلاف المتكلّم بهما؟ فإنّ كلام أحد لا يصحّ أن يجعل قرينة على كلام غيره.

وهو في غاية السخافة ؛ لأنّ ذلك مسلّم في غير أمناء الشرع ، وأمّا في كلمات الأئمّة والمعصومين عليهم السلام فالحقّ هو ذلك فإنّهم عليهم السلام بمنزلة متكلّم واحد ، ولكنّ الكلام في كيفية ذلك ؛ إذ لا يخلو إمّا أن يكون الخاصّ الوارد في كلام الصادق عليه السلام قرينة للعامّ الوارد في الكتاب أو كلام النبي (5) ، أو كاشفا عن القرينة ، وعلى التقديرين لا وجه له ، أمّا على الأوّل فلاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فإنّ قبل زمان الصادق (6) كان الواقعة محتاجا إليها أيضا ، وأمّا على الثاني فلأنّ المعلوم عندنا أنّ عمل السابقين لم يكن على وجه الخصوصية حتّى يصحّ القول بأنّ الخاصّ كاشف عن القرينة المقترنة للعامّ ، وذلك ظاهر في الغاية عند ملاحظة أحوال السلف وأحكام الشريعة.

ص: 543


1- « د » : - « أنّ » ، وسقط من قوله : « ومن المعلوم » إلى « كما لا يخفى » من نسخة « ج ».
2- « س » : - ممّا.
3- « م » : العلماء.
4- « د ، س » : بأن.
5- « س » : + صلى اللّه عليه وآله.
6- « س » : + عليه السلام.

فإن قلت : يحتمل أن يكون المراد بالعامّ الوارد في الصدر الأوّل هو العموم الواقعي ، ويكون ورود الخاصّ في العصر المتأخّر ناسخا له أو كاشفا عن كونه منسوخا بناء على الخلاف في جواز النسخ بعد انقطاع زمن الوحي وعدمه.

قلنا : ذلك وإن كان في محلّه إلاّ أنّه بعيد جدّا فإنّ موارد ذلك لا يعدّ من التخصيص الأزماني في شيء والظاهر أنّها (1) من موارد التخصيص الأفرادي ، وإليه يؤذن كلماتهم في مقامات مختلفة.

ويمكن الجواب عنه بأنّ العامّ قبل ورود التخصيص يحتمل أن يكون الحكم به من الأحكام الظاهرية ، والحكم الواقعي هو الخاصّ ، وإنّما أخّره الشارع الصادع لمصلحة اقتضت ذلك نظرا إلى لزوم التوسعة على المسلمين في أوّل الأمر تأليفا لقلوبهم ، فإنّ الشريعة استقرّت تدريجا ولم يتبيّن (2) جميع الأحكام في أوّل الأمر كما يظهر من ملاحظة الأحكام الشرعية فإنّ الأغلب إنّما استفدناه (3) من الأخبار الصادقية والباقرية عليهما السلام والصلاة وليس ذلك من الإغراء بالجهل نظير من لم يطّلع على الخاصّ بعد وروده ؛ إذ هو حكم ظاهري لغير المطّلع على الخاصّ ، وهذه الشبهة بجوابها ممّا أفادها الوحيد البهبهاني في رسالته (4) المعمولة في الجمع بين الدليلين (5) على ما حكاها (6) الأستاد دام عزّه.

قلت : وهو بعيد أيضا غاية البعد ؛ إذ الالتزام بأنّ تلك الأحكام الكثيرة أحكام ظاهرية أيضا ممّا لا يقبلها مستقيم الذهن (7) بل لا يكاد يعقل ؛ للقطع بأنّ عدم بيان بعض الأحكام المتعلّقة بالشكّ أو (8) المناسك ونحوها إنّما هو بواسطة عدم السؤال عنها ، نعم يمكن القول بأنّ بعض الموارد يحتمل أن يكون من هذا القبيل كما يحتمل أن يكون

ص: 544


1- « د » : انّهما.
2- « س » : لم يبيّن.
3- « س ، م » : استفدناها. « ج » : استفيدها.
4- « د » : الرسالة.
5- انظر الرسائل الأصولية : 465 - 471.
6- « د » : حكاه.
7- « د » : المستقيم في الذهن.
8- « د » : و.

من قبيل النسخ في بعض آخر ومن قبيل الكشف عن القرينة في بعض آخر. وكيف (1) كان فما أفاده لم يكن حاسما لمادّة الشبهة ، فتأمّل.

وأمّا الثالثة (2) : وهي التي يحتاج الجمع فيها إلى شاهدين ، فكما (3) إذا كان الدليلان متباينين بحيث لا يكفي في رفع التناقض والتعارض بينهما التصرّف في أحدهما فقط ، كما إذا ورد أكرم زيدا ، ولا تكرم زيدا مع عدم إمكان حمل الأمر على التهديد - مثلا - فإنّ إخراج أحدهما عن الظاهر لا يكفي في رفع التعارض ؛ لتناقض ظاهر الآخر للمعنى المأوّل (4) في الآخر أيضا ، فإنّ حمل الأمر على الاستحباب ينافي ظهور النهي في التحريم ، وهكذا (5) في نظائر المثال المذكور.

وهل يجب الجمع بإخراج كلّ واحد من الدليلين ، أو لا بدّ من الأخذ بالترجيح فيما إذا وجد ، والتخيير (6) عند عدمه؟ ظاهر العبارة المنقولة عن غوالى اللآلى (7) هو وجوب الجمع ، فإنّ عبارته بإطلاقها تدلّ على المقام وإن احتملت المعنى الذي ذكرناه آنفا في العامّ والخاصّ كما لا يخفى على من أعطاه حقّ النظر ، والتحقيق هو عدم وجوب الجمع ، بل لا بدّ من الأخذ بالمرجّح عند وجوده ، والحكم بالتخيير بين الدليلين عند عدمه ، وذلك لوجهين :

الأوّل : أنّ بناء العرف في أوامرهم في أمثال المقام على الأخذ بالترجيح والتخيير دون الجمع بطرح الظاهرين والأخذ بمعنى ثالث (8) ، فإنّهم إذا ورد عليهم نظير المقام لا يتأمّلون في أخذ المرجّح ثمّ التخيير فيعاملون في الظاهرين معاملة الصريحين (9) وإنّما

ص: 545


1- « د » : فكيف.
2- سيوافيك الكلام عن المرتبة الثانية في ص 548.
3- « ج » : وكما.
4- « م » : الأوّل.
5- « ج » : وكذا.
6- « م » : وجدوا التخيير؟
7- تقدّم عنه في ص 539.
8- « ج » : بالمعنى ثالثا.
9- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : تصريحين.

يهتمّون في صرف السند ، وذلك ظاهر لمن لاحظ الأوامر العرفية ، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّ صرف الظاهرين عن ظاهرهما يتوقّف على وجود قرينة صارفة لهما ، فعند انتفائها لا يعقل الحكم بصرف الظاهر عن ظاهره ؛ لانتفاء ما يقضي بذلك ، ولا يصلح لذلك في المقام شيء عدا ما قد يتوهّم من أنّ الأخذ بدليل السند والحكم بصدوره قاض برفع الظهور وارتكاب التأويل في الظاهر ، وهو ليس بسديد ؛ لأنّ مجرّد الحكم بالصدور لا يقضي بكون الصادر قرينة صارفة لشيء آخر ، إذ كون الشيء قرينة من الأمور التي مرجعها إلى أظهرية مفادها عن مفاد ما فرض كونها قرينة له والمفروض أنّ الحكم بالصدور ليس كذلك.

وتوضيح المقام : أنّ مفاد أدلّة التصديق بالخبر هو الحكم بصدوره (1) عن الإمام ومطابقة الحكاية للمحكيّ عنها (2) وواقعية هذه الحكاية ، وأمّا وجوب الأخذ بظاهره - سواء كان ظهوره مستندا إلى نفس اللفظ أو إلى قرينة صارفة - فلا دلالة في أدلّة تصديق (3) الخبر عليها بوجه ، بل الوجه في ذلك هو الأخذ بالطرق العرفية في تشخيص المرادات في الألفاظ من إعمال أصالة الحقيقة والأخذ بمفاد القرينة الصارفة في الاستعمالات المجازية لمكان أظهرية القرينة من ظهور الوضع بالنسبة إلى الحقيقة ، فالصرف إنّما هو من لوازم نفس الظهور ، فلو لم نقل أنّ الأخذ بظهور الدليلين قرينة على طرح أحد الصدورين فلا مجال للقول بالعكس ؛ لانتفاء ما يقضي (4) بذلك ، وأمّا ما (5) قد عرفت في المرتبة الأولى من الحكم بتقديم ظهور الخاصّ على العامّ لدوران الأمر بين طرح السند في الخاصّ والدلالة في العامّ ، فلا ينافي ما في المقام ؛ للفرق الظاهر بين المقامين من صلاحية الخاصّ للصرف دون المقام لعدم الارتباط بينهما.

ص: 546


1- « ج » : بصدورها.
2- كذا. والأولى : عنه.
3- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : التصديق.
4- « ج ، د » : يقتضي.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - ما.

وبالجملة : إنّ التصرّف في الدلالة في المتباينين ممّا لا يقضي به دليل ، وأمّا طرح أحدهما تخييرا والأخذ بالآخر فهو ممّا يقضي به العرف في أمثال المقام بعد العلم ببقاء المصلحة عند دوران الأمر بين المتعارضين.

فإن قلت : إذا فرضنا رواية ظاهرة في معنى غير واقع أو غير ممكن فاللازم صرفها عن ظاهرها وحملها على معنى واقع ممكن قريب من معناها الحقيقي ، كما ينادي بذلك قولهم : إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات ، ولا فرق في ذلك بين رواية واحدة أو روايتين ، فلا بدّ من حمل الخبرين المتعارضين على معنى لا منافاة بينهما جمعا بينهما ودفعا للتعارض.

قلت : القاضي بالفرق بين الرواية الواحدة وما نحن بصدده هو العرف ، فإنّ البناء في الواحدة على الحمل دون المقام.

أقول : ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الامتناع في الرواية الواحدة بعد الحكم بالصدور قاض بالتأويل ، فيصير قرينة عقلية على وجوب الحمل ، بخلاف المقام لإمكان رفع الامتناع بالتخيير فإنّه إعمال في الجملة ، فهو بمنزلة التأويل في الرواية الواحدة ، فالطرح في المقامين بعد التأويل ، فتأمّل.

فإن قلت : إذا علمنا بصدور الخبرين من (1) الإمام عليه السلام كأن سمعنا منه شفاها فلا بدّ من صرف الدلالة قطعا ، وبعد ما فرضنا من قيام الأخبار الظنّية مقام العلم من حيث وجوب التصديق بها والأخذ بها فيجري فيها ما يجري في الأخبار العلمية (2) ، وقضيّة ذلك هو التصرّف في الدلالتين (3) والحكم بسلامة السندين.

قلت : نعم ولكنّه يجب أن يعلم أنّ صرف الدلالة في القطعيين وعدم التعرّض للسند فيهما بالتخيير إنّما هو من آثار نفس القطع واقعة ، وتنزيل (4) الظنّ منزلة القطع لا يقضي

ص: 547


1- « م » : عن.
2- « م ، د » : العملية.
3- « د ، س » : الدليلين.
4- « د » : ينزّل. « ج » : وترتّب.

إلاّ بما يمكن ترتّبه من آثار القطع عليه ، والآثار الواقعية (1) غير ممكن اللحوق بشيء آخر كما لا يخفى. وبعبارة أخرى : القطع بالصدور في المتناقضين يصلح قرينة لصرف الظاهر فيهما بواسطة خاصّية في نفس القطع بخلاف ما يقوم مقامه من التنزيلات التعبّدية.

الثاني : أنّ الجمع بين الدليلين على الوجه المذكور ينافي أخبار التخيير ، فإنّ الحكم بانحصار مورد التخيير في الأخبار بما إذا لم يكن الجمع بينهما ممكنا بوجه من الوجوه كأن يكون المعاني المجازية فيهما معلومة (2) الانتفاء و (3) غير محتمل الإرادة (4) خلاف الظاهر ؛ إذ على تقدير وجود مثل هذا المورد فهو في غاية القلّة لا ينبغي أن يحمل هذه الأخبار مع كثرتها واشتهارها وتعاضدها على مثل هذا المورد النادر الذي يكاد أن لا يوجد منها عين ولا أثر ، إذ ما من (5) لفظ إلاّ ويحتمل معان (6) مجازية عديدة فكيف يصحّ حملها عليه؟ فإنّ إطلاقها قاض بذلك ومع عدم مساعدة العرف على الحمل كما في العامّ والخاصّ فاللازم (7) هو الأخذ بالإطلاق ، على أنّ مورد السؤال في بعضها في الأمر والنهي وهو يكشف عمّا ذكرنا.

بقي الكلام في المرتبة الثانية (8) وهي ما يكفي في رفع التعارض صرف أحد المتعارضين عن ظاهره فقط فيحتاج إلى شاهد ، كما تعارض العامّين (9) من (10) وجه (11) كما في قولنا : « أكرم العلماء ، ولا تكرم الفسّاق » وما ورد منهم عليهم السلام من قولهم : « اغسل ثوبك

ص: 548


1- « ج ، س » : الواقعة.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : معلوم.
3- « د » : أو.
4- « ج » : للإرادة.
5- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : - من.
6- « ج » : لمعان.
7- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : اللازم.
8- قدّم المرتبة الثالثة في ص 545.
9- كذا. والصواب ظاهرا : العامّان.
10- المثبت من هامش « د » وفي النسخ : في.
11- « س » : في وجه به.

من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (1) وقولهم : « لا بأس بخرء الطير » (2) وفي حكمه ما إذا تعارض ظاهران لا يكون بينهما (3) ترجيح في نفس الظهور على وجه يكفي في التأويل صرف أحدهما ، كما إذا قيل : « لا ينبغي ترك غسل الجمعة واغتسل للجمعة » على القول بعدم أظهرية الأمر في الوجوب من دلالة قولنا : « لا ينبغي الترك » في الاستحباب فإنّه حينئذ يكفي في رفع التنافي حمل الأمر على الاستحباب أو حمل « لا ينبغي » على الوجوب.

وكيف كان ، فهل يجب الجمع بين الأدلّة بطرح الظهورين للإجمال نظرا إلى انتهاض كلّ منهما صارفا لظهور الآخر ، أو يجب التخيير نظرا إلى إطلاق ما دلّ على التخيير عند التعارض ، أو يفصّل بين العامّين من وجه - ففي (4) مورد التعارض يتوقّف ويرجع إلى ما يقتضيه الأصل أو غير ذلك كما إذا لم يكن ذلك - وبين ما هو في حكمه فيجب الأخذ بأخبار التخيير؟ وجوه : قد يقال بالأوّل نظرا إلى صلاحية كلّ واحد من الظهورين لصرف ظهور الآخر ، فيحكم في مورد التعارض بالإجمال كما يقضي بذلك ملاحظة العرف في المقام وفي نظائره ، فإنّ (5) بعد وجود ما يصلح لأن يكون قرينة من الطرفين لا مفرّ من ذلك إذا لم يكن بينهما ترجيح ، وأمّا عند الترجيح فمن المعلوم هو الأخذ بما فيه الترجيح ، كما إذا كان التخصيص في أحدهما بالمورد ، أو كان أحدهما أقلّ (6) أفرادا من الآخر ، أو نحو ذلك ، فيلحق بالعامّ والخاصّ المطلقين من حمل العامّ

ص: 549


1- الوسائل 3 : 405 ، باب 8 من أبواب النجاسات ، ح 2. وتقدّم في ص 397 وسيأتي في ص 554 و 646.
2- انظر الفقيه 1 : 71 ، باب ما ينجس الثوب ، ح 164 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 560 ، باب 6 من أبواب النجاسات والأواني ، ح 2 و 4. وسيأتي في ص 646.
3- « م » : منهما.
4- « ج » : وهي.
5- شطب عليها في نسخة « د » وكتب فوقها : « فإنّه ».
6- « س » : أقوى.

على الخاصّ ، والسرّ في ذلك أنّ العرف متى ما لم ينزّلوا الظاهر منزلة النصّ في المتعارضين لا يلتفتون إلى صرف السند وطرحه ، وتنزيل الظاهر منزلة النصّ إنّما هو بواسطة عدم قرينة يوجب (1) الصرف وعدم صلاحية شيء لذلك كما في المتباينين ، وأمّا إذا وجد عندهم ما يصلح لذلك فإن كان معيّنا (2) في أحد الظاهرين كما في العامّ والخاصّ وما يقرب منه من المطلق والمقيّد والظاهر والأظهر والعامّين من وجه فيما إذا كان شمول أحدهما لمحلّ التعارض أظهر من الآخر بوجه من الوجوه ، فمن الواضح تقديمه على غيره في جميع الأقسام ، وقد عرفت الوجه في ذلك كلّه فيما (3) تقدّم.

ويزيدك توضيحا في المقام أنّه متى فرض أحد المتعارضين أظهر من الآخر وجب تقديمه ؛ لدوران الأمر بين الأخذ بدليل عملي وهو أصالة الحقيقة (4) في العامّ وبين الدليل الاجتهادي أو (5) ما هو بمنزلته في حكومته على الأصل المعمول في الظاهر.

وبيان ذلك : أنّ دليل الأظهر إمّا أن يكون مختصّا به نصّا فيه كأن يكون إجماعا مثلا ، أو لا ، فعلى الأوّل فلا إشكال في تقديم الأظهر على الظاهر ، فإنّ الإجماع الدالّ على حجّية الأظهر ووجوب الأخذ به رافع للشكّ في مورد أصالة الحقيقة للقطع بالتخصيص عند وجود ما يصلح له مع القطع باعتباره. وأمّا على الثاني فلأنّ العامّ الدالّ (6) على حجّية الخاصّ كما في آية النبأ - مثلا - إعمال الأصل فيه مزيل لإعمال الأصل في العامّ الذي تعارض الخاصّ ؛ لأنّ الشكّ في تخصيص المعارض ناش من الشكّ في شمول دليل الحجّية للخاصّ ، وبعد إعمال الأصل في دليل الخاصّ نقطع باعتباره فيحصل القطع بالتخصيص.

فإن قلت : كما أنّ آية النبأ تدلّ على حجّية الخاصّ كذلك تدلّ على حجّيته ، فأصالة

ص: 550


1- كذا في النسخ ولعلّ الأنسب : توجب.
2- « م » : مغنيا.
3- « س » : كما.
4- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : + وما.
5- « ج ، س » : إذ.
6- « س » : - الدالّ.

الحقيقة في دليل الحجّية متعارضة ، فإنّ إعمال الأصل في دليل الحجّية بالنسبة إلى الخاصّ يوجب تخصيصه (1) بالنسبة إلى العامّ في مورد التخصيص ، وإعمال الأصل فيه بالنسبة إلى مورد التخصيص في العامّ يوجب تخصيصه بالنسبة إلى الخاصّ ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.

قلت : نعم ولكن إعمال الأصل بالنسبة إلى الخاصّ أولى ؛ لأنّ بعد ما فرض من شمول العامّ الدالّ على الحجّية للخاصّ لا يبقى لأصالة الحقيقة فيه بالنسبة إلى مورد التخصيص محلّ فكأنّه خارج عن الإرادة في أوّل الأمر ، بخلاف ما إذا أخذنا (2) بالأصل في دليل الحجّية بالنسبة إلى مورد التخصيص فيلزم تخصيصه بالنسبة إلى الخاصّ من غير مخصّص يقضي (3) بذلك ؛ لأنّ شموله لمورد (4) التخصيص لا ينهض قرينة على خروج الخاصّ مثل ما عرفت في استصحابي (5) المزيل والمزال ، ومرجع ذلك كلّه إلى نفس الظهور كما لا يخفى.

هذا إذا كان ما يصلح للصرف معيّنا في أحد المتعارضين ، وأمّا إذا كان ذلك موجودا فيهما كما في العامّين من وجه وما في حكمه فيقضي كلّ واحد منهما بالصرف ، ومع عدم المرجّح لا مجال لإنكار الإجمال ، وما ذكرنا كما يكفي في رفع توهّم الأخذ بأحدهما تعيينا (6) في مقام التعارض كذلك يكفي في رفع توهّم التخيير بينهما أيضا ؛ لأنّ مورد التخيير فيما إذا كان الدلالة مفروغا عنها كأن كانت غير محتملة التأويل بحسب الأوضاع والقرائن العرفية واللغوية ، وأمّا عند احتمال التأويل لوجود ما يصلح للصرف فليس من مورد التخيير بوجه.

وتحقيق ذلك : أنّ لكلّ واحد من العامّين من وجه سندا ودلالة ، والدليل قد دلّ على لزوم الأخذ بالسند فيهما وفي دلالتهما ، فالأمر دائر بين طرح دليل السند فعلا

ص: 551


1- « ج » : الحقيقة.
2- « د » : أخذ. « ج ، س » : أخذها.
3- « ج ، م » : تقضي.
4- « ج » : كمورد.
5- « س » : استصحاب.
6- « ج ، د » : تعيّنا.

والحكم بالتخيير وبين طرح دليل الدلالة والحكم بالإجمال ، والثاني أولى ؛ لما قد عرفت من أنّه (1) بمنزلة الدليل الاجتهادي ، ونظير ذلك في الرواية الواحدة إذا لم يمكن حملها على مدلولها الحقيقي مع تعدّد وجوه المجاز وتساويها (2) في القرب إلى الحقيقة. والفرق بين المقام والمتباينين حيث حكمنا فيهما بالتخيير دون المقام هو أنّ وجه التصرّف فيهما منحصر في التصرّف في السند ؛ لعدم إمكان التصرّف الدلالتي فيهما ، لانتفاء ما يقضي به من القرينة الصارفة ، بخلاف المقام فإنّ وجه التصرّف في الدلالة ممكن (3) أيضا مع الأولوية فكأنّ السند فيهما مفروض الصدور والتنافي إنّما هو بين الدلالتين ، فيحكم (4) بالإجمال فيتوقّف في الحكم ويرجع في العمل إلى أصل عملي مطابق لأحدهما ، وعلى تقدير انتفائه فإن استفدنا منهما نفي الثالث فلا بدّ من التخيير العقلي بين الاحتمالين وإلاّ فالمرجع أصل (5) ثالث.

ويمكن الاستناد (6) للوجه الثاني بإطلاق أدلّة التخيير عند التعارض بعد انقطاع اليد عمّا يصلح مرجّحا لأحدهما ، وربّما يمكن دعوى مساعدة العرف على ذلك أيضا ، إلاّ أنّه لا يخلو عن إشكال فإنّ موارد التميز مختفية (7) غالبا فإنّها سهل عسر (8) كما لا يخفى ، ومنه يظهر وجه التفصيل بعد ما عرفت وجه الأوّل أيضا ولعلّه الأقرب أيضا ، فإنّ مساعدة العرف على التخيير فيما هو بمنزلة العامّين من وجه لا يخلو من (9) قوّة ، وأمّا فيهما فالتخيير بعيد في الغاية ، سيّما بعد ملاحظة أنّ التخيير في العامّين من وجه يوجب التفكيك في السند ، فإنّ في غير مورد التعارض لا وجه للتخيير فلا بدّ من الحكم بصدورهما في غيره وترتيب (10) آثار الصدور ، وفي محلّ التعارض لا بدّ من طرح

ص: 552


1- « ج » : أنّ السند. « س » : كونه.
2- « م » : تساويهما.
3- « د » : يمكن.
4- « س » : للحكم.
5- « د » : أمر.
6- « م » : الاستثناء.
7- « ج ، د » : مخفية.
8- « د » : عسير.
9- « د » : عن.
10- « ج » : ترتّب.

أحدهما ، وهذا وإن كان غير عزيز في الأحكام الشرعية الظاهرية إلاّ أنّ الالتزام به في الأوامر العرفية مستهجن في النهاية ومستبعد في الغاية ، وذلك بخلاف ما في حكم العامّين من وجه فإنّه لا استبعاد في التخيير بينهما ، مضافا إلى أنّ صلاحية الصرف في العامّين (1) في كلّ واحد منهما بالنسبة إلى الآخر لعلّها أقوى من الصلاحية في غيرهما ، فتدبّر.

هذا هو تمام الكلام في المراتب الثلاثة المتقدّمة ولكنّه مقصور في الأدلّة الناهضة في الأحكام ، وأمّا الجمع بين الأمارات القائمة على الموضوعات الخارجية كما إذا تعارضت البيّنتان فلوجوب الجمع بينهما بالحكم بالتنصيف ونحوه ، وعدمه محلّ آخر يطلب منه (2) تفصيله.

وأمّا إجماله فنقول : إذا تعارض الأمارتان في حقّ من حقوق الناس فهل يحكم بالتساقط والرجوع إلى أمارة أخرى ، أو يجمع بينهما حيث ما يمكن الجمع بينهما؟ فإذا شهد عندك عدلان بأنّ الملك الفلاني لزيد وشهد آخران بأنّ المشهود عليه لعمرو فهل يحكم بالتنصيف بينهما ، أو لا؟ الظاهر هو الأوّل ، بل عليه جماعة من الفحول (3) فإنّ فيه إعمالا للأمارتين وتصديقا للبيّنتين في الجملة ، بخلاف القول بالتساقط ؛ إذ لا تصديق فيه أصلا مع أنّه من الأمور الواجبة ، والأخذ بأحدهما بالكلّية تضييع لحقّ الآخر بالكلّية ، ولعلّه يساعده العرف أيضا.

ومن هنا يظهر أنّ الجمع في المقام غير الجمع في الأدلّة ؛ إذ كما عرفت أنّ الجمع هناك عبارة عن صرف أحد الظاهرين بقرينة ظهور الآخر ، بل المراد بالجمع هو التنصيف.

وربّما يقال : إنّ الجمع بهذا الوجه يوجب المخالفة القطعية بالنسبة إلى غير من له الحقّ ، بخلاف الحكم لأحدهما فإنّه يوجب المخالفة الاحتمالية ؛ إذ كما يحتمل أن يكون

ص: 553


1- « م » : عامّين.
2- « د » : من.
3- كالشهيد الثاني في تمهيد القواعد : 284 ، قاعدة 97.

لغير من له الحقّ يحتمل أن يكون له (1).

وفيه : أنّ التنصيف كما يوجب المخالفة القطعية يوجب الموافقة القطعية فالأمر دائر بين تحصيل الموافقة الاحتمالية في الكلّ وإن استلزم مخالفة احتمالية كذلك ، أو تحصيل الموافقة القطعية في البعض وإن استلزم المخالفة القطعية كذلك ، ولا يبعد ترجيح الأخير على الأوّل في كلّ ما للبعض أثر أيضا كما في حقوق الناس ، فتدبّر.

هذا تمام الكلام في الجمع بين الدليلين على اختلاف أقسامه ، وقد عرفت أنّ الجمع فيما يجب الجمع إنّما هو موافق للقواعد ، وفيما لا يجب لا دليل على الجمع من الخارج أيضا ، وأمّا موارد التخيير فحيثما لا يمكن الجمع مع الانقطاع عن المرجّحات الصدورية.

وربّما يظهر من بعضهم (2) في بعض موارد التعارض في العامّين من وجه كقوله :

« اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » وقوله : « لا بأس بخرء الطير » (3) إعمال المرجّحات الصدورية ، وقال بالتخيير فيهما بعد الانقطاع إلاّ فيما قام الإجماع (4) على عدم التخيير.

وضعفه ظاهر فإنّ عدم الحكم بالتخيير في موارد تعارض العامّين من وجه ليس مخالفا للقواعد حتّى يحتاج في دفعه إلى دليل خارجي من إجماع ونحوه ، بل لا محلّ للتخيير فيهما كما هو ظاهر ممّا مرّ.

وممّا قرّرنا يظهر أيضا فيما إذا تعارض جهة الصدور في الخاصّ والعامّ ، وهكذا باقي الأقسام ، واللّه الموفّق وهو الهادي.

ص: 554


1- « س » : له الحقّ.
2- قال النراقي في عوائد الأيّام : 349 ، عائدة 40 : إذا تعارض العامّان من وجه يرجع إلى الترجيح إن كان ، وإلاّ فيحكم بالتخيير إن أمكن ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل السابق عليهما. انظر الرياض 2 :344- 345 ، وفي ط الحجري 1 : 83.
3- تقدّما في ص 548.
4- « د » : دليل الإجماع.

هداية [ في المرجّحات الدلالية ]

[ في المرجّحات الدلالية ] (1)

في بيان الوجوه التي يقع الترجيح بها وهي أربعة : الأوّل : الترجيح من حيث الصدور كتقديم ما رواه الأعدل أو الأورع على غيره.

الثاني : الترجيح من حيث جهة الصدور فيحكم بتقديم ما لا يحتمل إلاّ الفتوى على ما يحتمل التقيّة.

الثالث : الترجيح من حيث المتن فيقدّم ما هو متنه أفصح على غيره نظرا إلى أنّ احتمال صدوره أقرب من الآخر ، فيرجع إذا إلى الوجه الأوّل.

الرابع : الترجيح من حيث الدلالة كالحكم بتقديم الأظهر على الظاهر.

وبعد ما عرفت من رجوع الثالث إلى الأوّل فالضابط أنّ وجوه الترجيح يختلف باختلاف وجوه التعارض ، وهو قد يكون في السند ، وقد يكون في وجه الصدور ، وقد يكون في الدلالة ، فإنّ ما هو المناط في دليلية الأدلّة اللفظية هو إحراز هذه الجهات في الدليل كما مرّ غير مرّة.

أمّا الكلام في المرجّحات التي بها يترجّح أحد الدليلين على الآخر دلالة ، فتحقيقه أنّ يقال : إنّ الكبرى في ذلك مفروغ عنها وهو الحكم بتقديم الأظهر في أيّ مرتبة كانت على الظاهر كذلك ، بعد ما هو المعهود من أنّ مناط الدلالة في الألفاظ على

ص: 555


1- سيستدرك هذه الهداية بهداية أخرى في ص 643.

الظهور والأخذ بأصالة الحقيقة ما لم يوجد ما يصلح لأن يكون قرينة صارفة للظهور في طرف الأصل ، وأمّا بعد وجود ما يصلح لذلك فالمعهود من طريقة أهل اللسان التي هي المرجع في باب الألفاظ وكشف القناع عن وجوه المرادات هو الأخذ بذلك ، ولا غائلة في ذلك بوجه ، إنّما الكلام في تميّز موارده وتشخيص الصغريات ، وهو في غاية الإشكال ؛ إذ ما من أمر يرجع فيه إلى العرف إلاّ وفيه أمور خفيّة لا يكاد يطمئنّ الناظر في إلحاقها بأحد الطرفين ، فيلحق بالمجملات لمكان التردّد فيها ، ومع ذلك فقد تكلّفوا لبيان هذه الموارد تفصيلا وعقدوا لذلك بابا سمّوه بباب تعارض الأحوال من وجوه التصرّف في أحد الظاهرين على وجه يندفع به التعارض بينهما ، وهي أمور خمسة : النسخ ، والإضمار ، والمجاز ، والتخصيص ، والتقييد ، فإنّ تعارض الدليلين بحسب الدلالة يرجع إلى تعارض أحد هذه الوجوه بعضها مع بعض.

ثمّ إنّ التعارض قد يقع بين نوع واحد منها كتعارض التخصيص بمثله والمجاز كذلك كالتقييد والإضمار مثلا ، وقد يكون بين أفراد نوعين منها وهو قد يكون ثنائيا ، وقد يكون ثلاثيا ، وقد يكون رباعيا ، وقد يكون خماسيا.

ونحن نتعرّض لأحكام التعارض الثنائي ويعلم أحكام البواقي منها ، فنقول : إن كان التعارض بين نوعين منها فإذا وقع التعارض بين النسخ وغيره ، فالظاهر تأخّر النسخ عن غيره ؛ لأنّ الغالب هو عدم النسخ حتّى بالنسبة إلى الإضمار أيضا ، إلاّ أنّه قد يمكن أن يكون في خصوص مورد يحكم فيه بتقديم النسخ على غيره مطلقا لخصوصية في نفس ذلك المقام لا تتعدّاه ؛ لما عرفت من أنّ (1) المعيار هو الظهور العرفي.

وإذا وقع التعارض بين المجاز والتخصيص فالمعروف بينهم تقديم الثاني ؛ لأنّ العرف يساعد على التقديم في الغالب للغلبة ، ولست أقول : إنّ التخصيص بالنسبة إلى سائر أنواع المجازات المعمولة في الحقائق أغلب ، ولأنّ أغلب العمومات مخصّصة كما يظهر

ص: 556


1- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : - أنّ.

من بعضهم (1) لفساد الأوّل قطعا والحكم بتقديم التخصيص فيما لو دار الأمر بينه وبين المجاز ولو في كلمة أخرى ، بل أقول : إنّ ارتكاب التخصيص في العامّ أكثر من ارتكاب سائر أنواع المجاز في الحقائق. وبعبارة واضحة : إنّ إرادة غير زيد من العلماء ونحوه أكثر من إرادة الرجل الشجاع من الأسد ، فلو دار الأمر بين ارتكاب نوع من المجاز في العامّ أو في غيره وبين التخصيص فيحكم بالثاني ، وهذه الغلبة مسلّمة في الواقع وتصير منشأ للظهور العرفي.

وإذا تعارض التخصيص والتقييد فالمعروف بينهم (2) تقديم الثاني ، وتحقيق المقام إنّما يظهر بعد ما هو التحقيق في مسألة (3) الإطلاق والتقييد ولا بأس بإشارة إجمالية إليها تتميما للمطلب.

فنقول : الذي وقفنا عليه في تضاعيف كلماتهم أنّ الإطلاق والتقييد إنّما يعتبران على وجوه :

فتارة : يعتبر الإطلاق من حيث ملاحظة الأحوال على وجه لا يعدّ الأحوال المختلفة المقارنة (4) للمطلق من أفراده كما في إطلاق الأمر بالنسبة إلى الحالات التي يقع المأمور والمأمور به فيها ، فإنّ تلك الحالات لا يعقل أن تكون (5) من أفراد الطلب ولكن يعتبر إطلاق الأمر وتقييده بالنسبة إليها ، مثلا يحكم بإطلاق الطلب ويؤخذ فيما شكّ في تقييده بوقوع حادثة وعدمه مع ظهور أنّ الصادر من الآمر من (6) الإرادة الجازمة التي كشف عنها باستعمال الأمر فيها أمر واحد شخصي يمتنع فرض صدقه على كثيرين. اللّهمّ إلاّ أن يكون تلك التقييدات راجعة إلى المطلوب فيمكن أن يكون الطبيعة المطلوبة تختلف أفرادها بواسطة احتفاف (7) تلك الحالات بها وانضمامها إليها ،

ص: 557


1- انظر مشكاة المصابيح : 279.
2- « د ، م » : منهم.
3- « ج ، م » : مثله.
4- « ج » : المقاربة. « د » : المتقاربة.
5- في النسخ : يكون.
6- « س » : - من.
7- « ج » : اختلاف.

إلاّ أنّ ذلك لعلّه ممّا لا يساعده كلماتهم وإن كان مطابقا لما حقّقناه في مباحث المتقدّمة ، وإن شئت التفصيل فراجعها.

وتارة : يعتبر الإطلاق من حيث ملاحظة التعيّنات المتبادلة والتشخّصات (1) المتعاقبة ، كما يلاحظ في إطلاق الفرد المنتشر والنكرة (2) بالنسبة إلى خصوصيات أفراد (3) الطبيعة التي قيّدت بالفردية المحتملة على وجه لا يضرّ في ذلك اختلاف التعيّنات الطارئة عليها.

وتارة : يعتبر الإطلاق بالنسبة إلى الطبيعة المرسلة التي ليست في نفسها إلاّ نفسها محذوفا عنها جميع ما عداها.

والفرق بين هذين الوجهين ظاهر ؛ إذ هما بعد اشتراكهما (4) في أنّ الإطلاق فيهما ملحوظ بالنسبة إلى الأفراد ضرورة أنّ الرقبة إنّما (5) يلاحظ إطلاقها بالنسبة إلى المؤمنة والكافرة ، وكذا قولك : « جاء (6) رجل » إنّما يلاحظ إطلاق الرجل بالنسبة إلى زيد وعمرو ، إنّما يمتاز الأوّل عن الثاني بأنّ إطلاقه للأفراد بدلي ، بخلاف الثاني فإنّه شمولي لا بمعنى العموم الأصولي ، بل بمعنى الإحاطة دفعة واحدة وذلك ظاهر.

ووجه اختلاف هذين الوجهين للوجه الأوّل أيضا ظاهر لا يكاد يخفى.

وإذ قد عرفت هذه الوجوه فاعلم أنّهم اختلفوا في أنّ تقييد المطلق هل هو (7) يوجب مجازا في المطلق ، أو لا؟ على أقوال ثالثها ما جنح (8) إليها بعض المتأخّرين (9)

ص: 558


1- « د » : التعيينات ... التشخيصات.
2- سقط قوله « من حيث » إلى هنا من نسخة « س ».
3- « س » : - خصوصيات أفراد.
4- « ج » : التزامهما.
5- « ج » : « فيهما » بدل : « إنّما ».
6- المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : وجاء.
7- « س » : - هو.
8- « د ، م » : احتجّ.
9- نسبه أيضا إلى بعض الأواخر في مشكاة المصابيح : 315. انظر بحث المطلق والمقيّد من مطارح الأنظار 2 : 9. وفي هامشه نسبه إلى صاحب ضوابط الأصول : 225 - 226.

- على ما حكي - التفصيل بين ما قيّد بمقيّد متّصل بالمطلق كقولك : « رجل مؤمن ورقبة مؤمنة » وبين ما قيّد بمنفصل كما إذا كان المقيّد عقلا أو إجماعا مثلا ، ولم يظهر منهم الفرق بين وجوه المطلق من الاعتبارات المتقدّمة.

وكيف كان فالحقّ أنّ التقييد ليس مجازا مطلقا ، سواء كان متّصلا أو لا ، وسواء في ذلك وجوه الإطلاق.

أمّا بالنسبة إلى الوجه الأوّل : فذلك أظهر من أن يخفى على أوائل العقول ، فإنّ المجاز عبارة عن الكلمة المستعملة في خلاف ما وضعت له ، وهل ترى قولنا : « اضرب رجلا » يفترق قولنا (1) : « اضرب رجلا في الدار أو قائما أو ضربا شديدا » إلى غير ذلك من وجوه متعلّقات الفعل كأن يكون اضرب باعتبار ما يدلّ على الطلب من الصيغة مستعملا (2) في خلاف ما وضعت له من الطلب ، ولو كان الأمر على ما ذكر لأدّى إلى أن يكون اللفظ مستعملا في مجازات متعدّدة عند تعدّد وجوه (3) التقييد على وجه الإحاطة بها ، ومستعملا في معنى مجازي وحقيقي إذا (4) اعتبر التقييد بالنسبة إلى (5) بعض الوجوه القابلة (6) له.

والإنصاف أنّه لم يظهر من المشهور القائلين بالمجازية ذهابهم إلى ذلك أيضا ، نعم ربّما يظهر من بعضهم (7) المجازية بالنسبة إلى التقييد (8) بالشرط حيث يحكمون بأنّ الأمر حقيقة في الطلب المطلق مجاز في الطلب المشروط ، وفيه - بعد أنّ التفكيك بين أقسام التقييد ممّا لا يقضي به دليل - : أنّ الطلب المشروط ليس خارجا عن حقيقة الطلب على ما هو المحقّق في مقامه ، فلا وجه للقول بأنّ اللفظ الموضوع بإزاء الطلب إنّما يصير مجازا إن استعمل لأن يكشف الطالب عن هذا القسم من الطلب على تقدير القول

ص: 559


1- « د » : قولنا يفرق. « ج » : يفترق عن قولنا.
2- « م ، س » : مستعملة.
3- « س » : وجود.
4- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : إذ.
5- « ج » : « على » بدل : « بالنسبة إلى ».
6- « ج » : المقابلة.
7- انظر كفاية الأصول : 100.
8- « د ، م » : التقيّد.

باختلافه للطلب المطلق ، وكيف كان ففساد هذه الدعوى في إطلاق الهيئة والصيغة ظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الوجه الثاني : فمرجع النزاع فيه إلى تعيين مدلول النكرة من حيث إنّ المعتبر فيها التجرّد عن أمور بها تتعيّن تلك الخصوصيات التي مدلولها مردّد بينها على ما يراه البعض من جزئية مدلولها ، أو التجرّد عنها وعن الخصوصيات أيضا على ما يظهر من مقالة المشهور من كونها كلّيا ، أو لا يعتبر في مدلولها التجرّد ، بل مدلولها مأخوذ لا بشرط شيء من الأمور المعيّنة أو نفس التشخّصات على اختلاف القولين ، فلعلّ القائل بالمجازية إنّما زعم أنّ مدلولها مأخوذ بشرط أن لا يكون معه قيد ، فإذا انضمّ إليه القيد (1) يجب تجريده عن قيد التجرّد ليصحّ التقييد (2) فيصير مجازا ، ولكنّ التحقيق خلافه كما يساعد بذلك العرف ؛ إذ لا استنكار (3) في التقييد عندهم أبدا ، فلو استعمل النكرة مرادا بها فرد خاصّ إذا لم يكن الخصوصية مقصودة باللفظ على أن يكون اللفظ مرآة وكاشفا عن المركّب لم يكن مجازا وإن كان اللفظ مستعملا في الفرد الغير المعيّن من حيث تعيّنه (4) بذلك المعيّن المدلول عليه بلفظ آخر ، وأمّا إذا كانت الخصوصية مدلولا عليها بلفظ النكرة فلا ينبغي الارتياب في كونها مجازا ، إلاّ أنّ ذلك خلاف المفروض فإنّ الكلام في عنوان التقييد وخروجه عنه ظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الوجه الثالث : فالأمر أيضا ظاهر ؛ لأنّ الحقّ على ما يشهد به العرف أنّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة السارية في حدّ ذاتها في جميع الأفراد والخصوصيات على وجه لا يذبّ عنها شيء منها في هذه المرتبة وهي موجودة في جميعها ، فإنّ الفرد عين الماهيّة الخارجية وإذا تحصّلت في الذهن تصير ماهيّة مطلقة ، فتارة : يلاحظ مأخوذا معها شيء آخر ، وتارة : لا يلاحظ معها شيء آخر ، فقد يجرّد

ص: 560


1- « م » : إليها. « د » : هذا القيد.
2- « د » : التقيّد.
3- « د » : لا إشكال.
4- « د » : نفسه.

عن هذه الملاحظة أيضا فهي في هذه المرتبة ليست إلاّ هي فإنّها حينئذ نفس المعنى والماهيّة في نفسها مع قطع النظر عن (1) جميع ما عداها ، وهذا (2) هو المقسم للاعتبارات اللاحقة للماهيّة (3) ، ويمايز (4) القسم بأنّ المعتبر في المقسم ليس إلاّ نفس الماهيّة والقسم هي (5) الماهيّة (6) مع الالتفات بكونها نفس الماهيّة من غير اعتبار هذه الملاحظة والالتفات في القسم وإلاّ لكان الماهيّة مأخوذة بشرط شيء ، فالقيود المعتورة (7) على الماهيّة إنّما تلحق الماهيّة (8) في هذه المرتبة السارية التي هي مع الكثير كثير ومع الواحد واحد وتتصف بالأمور المتقابلة (9) في حدود ذواتها كالفصول اللاحقة لها ، وذلك معنى ما قيل من أنّ اللابشرط لا ينافي ألف شرط ويجتمع معها.

فلو فرض لحوق قيد بتلك الطبيعة المطلقة فإمّا أن يراد من اللفظ الدالّ على المطلق تلك الطبيعة المقيّدة ، فذلك وإن لم يوجب تصرّفا في نفس المعنى لما عرفت من عدم تطرّق التغيير (10) في الماهيّة المطلقة بواسطة لحوق الشرط والقيد ، إلاّ أنّه يوجب تصرّفا في اللفظ الدالّ على الماهيّة حيث إنّه لم يجعل مرآة للمعنى من حيث هي هي ، بل المقصود باللفظ (11) كشف الماهيّة المقيّدة ولا ريب في كونه مجازا.

وإمّا أن يراد من اللفظ نفس المعنى ولو حال حصوله مع شرط خاصّ على وجه يكون لتلك (12) الخصوصية كاشفا (13) آخر غير ما كشف عن نفس المعنى من اللفظ المطلق من عقل أو لفظ ، فممّا لا ينبغي الارتياب فيه كونه حقيقة من دون شائبة

ص: 561


1- « س » : في.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : هذه.
3- « م » : عن الماهيّة.
4- « د » : تمايز.
5- « ج » : هو.
6- « س » : - والقسم هي الماهيّة.
7- « ج » : المعتبرة.
8- « م » : - إنّما تلحق الماهيّة.
9- « د » : المتضادّة.
10- « د ، م » : التغيّر.
11- « د » : من اللفظ.
12- « د ، س » : لذلك.
13- كذا. والصواب : كاشف.

المجازية.

وممّا ذكرنا يظهر لك ضعف ما أفاده بعض المحقّقين في تعليقاته على المعالم حيث زعم اختصاص كون المطلق فيما إذا قيل بأنّ اللفظ موضوع للماهيّة التي هي تنقسم إلى أقسامها بخلاف ما إذا قيل بكونه موضوعا للقسم من حيث إنّ المعتبر في القسم هو التجرّد كأن يكون التقييد بكونها لا بشرط معتبرا فيها ، وقد عرفت فساده ؛ إذ ذلك ناش من عدم الفرق بين القسم والمقسم وقد قلنا بأنّ التميّز (1) حاصل بالاعتبار بمعنى أنّ الماهيّة اللابشرط تارة : تلتفت النفس إلى كونها منشأ لانتزاع (2) هذا الاعتبار منها ، وتارة : لا تلتفت إلاّ إلى نفسها وإن كانت منشأ لانتزاع هذه الصفة حال الالتفات إلى نفسها أيضا ، فلا فرق فيما نحن بصدده بين أن يكون اللفظ موضوعا للقسم أو يكون موضوعا للمقسم.

نعم ، لو قيل بأنّ قيد التجرّد مأخوذ في معنى اللفظ كان التقييد مستلزما لإلغاء قيد التجرّد عن المعنى ليصلح لأن يكون مقيّدا ، فيكون المطلق مجازا من حيث استعماله في جزء المعنى الموضوع له.

ولكنّه فاسد قطعا كما يشعر بذلك كلمات اللغويين ويساعده الاعتبار الصحيح والوجدان الصريح ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القيد مرادفا للمطلق أو لم يكن مرادفا كأن يكون منفصلا (3) ؛ إذ مجرّد كون القيد غير متّصل بالمطلق لا يدلّ على أنّ المراد من لفظ المطلق ليس معناه الحقيقي ، فلعلّ القرينة المنفصلة جزء من الدالّ على تمام المراد ، نعم ربّما يمكن ذلك وقد قلنا بإمكانه في المتّصل أيضا كأن يكون المراد من المطلق هو خصوص المقيّد ويكون القيد المذكور قرينة للمجاز.

فظهر بطلان ما زعمه المفصّل أيضا ، فالتحقيق أنّ التقييد لا يوجب مجازا في

ص: 562


1- « ج » : التمييز.
2- « ج » : للانتزاع ، وكذا في المورد الآتي.
3- « س ، د » : مفصّلا.

المطلق ، وما هو مجاز منه في الحقيقة خارج عن عنوان التقييد.

وإذ قد عرفت ما قدّمنا لك فاعلم أنّ المشهور القائلين بالمجازية أيضا زعموا أنّ التقييد مقدّم على التخصيص إذا دار الأمر بينهما ، فإن كان ذلك بواسطة الغلبة فربّما يتطرّق إليها المنع ، فإنّ ذلك ليس في مرتبة من الظهور بحيث لا يتطرّق إليه المنع كما هو الإنصاف ، بل ربّما يدعى خلافه وإن كان بعيدا في الغاية.

وإن كان بواسطة صحّة إطلاق المطلق كالرقبة على المقيّد كالمؤمنة دون العامّ على الخاصّ فإنّه لا يصحّ إطلاق العلماء على جماعة خاصة ويصحّ إطلاق الرقبة على المؤمنة ، فهذا إن لم يكن راجعا إلى ما هو التحقيق من أنّ المطلق لا يوجب التقييد (1) مجازا فيه ، ممّا لا دليل على اعتباره في استكشاف المرادات به.

وإن كان بواسطة أنّ العرف مع تساوي العلّتين ربّما يقدّمون التقييد على التخصيص فهو في محلّه إلاّ أنّ ذلك في الحقيقة يؤول إلى أنّ التقييد ليس مجازا ، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّ شمول المطلق للأفراد ليس شمولا وضعيا مثل شمول العامّ للأفراد ، ففيما إذا ورد العامّ في قبال المطلق تنهض العامّ بيانا للمطلق فيكون بمنزلة المقيّد للمطلق ويجب الأخذ به ورفع (2) اليد عنه.

وتوضيح ذلك أنّ مراتب الأدلّة في حكومة بعضها على بعض [ و ] ورودها على آخر متفاوتة جدّا ، فربّ دليل يرتفع به الدليل الآخر وإن كان اجتهاديا كما عرفت من ارتفاع العامّ بالخاصّ وإن كان أوله في الحقيقة إلى أصل عملي ، ومنشأ ذلك فيها اختلاف دليليتها ، مثلا فيما نحن بصدده من المطلق وجه كونه دليلا في الأفراد ليس كونه موضوعا للأفراد كما أنّ العامّ موضوع لها ، بل قد عرفت أنّ المطلق موضوع للماهيّة المعرّاة عن جميع الاعتبارات واللواحق ، وعند إطلاقه يسبق إلى الذهن نفس المعنى ، وحيث إنّه لو كان المراد غير تلك الماهيّة المطلقة كان على المتكلّم أن يكشف عن

ص: 563


1- « د » : التقيّد. « س » : التعبّد.
2- « س » : يرفع.

مراده بلفظ مقيّد للمطلق لئلاّ يكون كلامه قاصرا عن الإحاطة بتمام مقصوده ومراده ، والمفروض في مقام الإطلاق انتفاؤه بحكم العقل بضميمة هذه المقدمة الخارجية بشموله للأفراد صونا لكلام الحكيم عن وروده في مقام البيان مع قصوره عن الإفادة ، فالمقتضي للإطلاق هو عدم وصول البيان مع وروده في مقامه ، نعم مجرّد عدم وصول البيان يكفي في سريان الحكم المعلّق بالمطلق في جميع الأفراد حيث إنّ الماهيّة المرسلة سارية فيها فكأنّ كونه دليلا مستند (1) إلى أمرين : أحدهما : صلاحية سريان الطبيعة في الأفراد وهذا الأمر من لوازم نفس الماهيّة المطلقة ومقتضياتها ، الثاني : عدم ما يقضي بقصر تلك الطبيعة في بعض الأفراد ، فكلّ ما يصلح لأن يكون بيانا من الأمور المعتبرة عرفا وعادة ينهض بالتقييد ويصير سببا لتقصير (2) الماهيّة على بعض الأفراد ، وليس كذلك القول بالعكس ؛ لأنّ الأخذ بعموم العامّ ليس بواسطة عدم المخصّص ، لأنّ المخصّص مانع عن مقتضى الوضع الثابت في العامّ ، بخلاف المطلق فإنّ عدم البيان من مقتضيات الشمول فيه ، ولذلك قلنا بأنّه البرزخ بين الأدلّة الاجتهادية والأصول العملية ، فتدبّر.

وخلاصة ما ذكرنا هو الحكم بتقديم التقييد على التخصيص نوعا على القول بالمجازية وعلى ما هو التحقيق أيضا إلاّ أنّ القائل بالمجازية إنّما قال بذلك نظرا إلى ما هو الواقع مع كونه غافلا (3).

وإذا تعارض التقييد مع المجاز أو (4) الإضمار فالظاهر تقديمه عليهما (5) ؛ لتقدّمه على التخصيص المقدّم عليه نوعا ، فإنّ المجاز يكون (6) مشهورا (7) ، و (8) مع عدم مساعدة العرف

ص: 564


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : مستندا.
2- « ج » : لقصر.
3- « م » : عاقلا.
4- « د » : و.
5- « س » : عليها.
6- « س ، ج » : قد يكون.
7- « د » : فيه مشهورا ، وفي « م » : فيه يكون مشهورا.
8- « م » : - و.

على التخصيص.

وإذا تعارض الإضمار والمجاز فالمقدّم غالبا هو الثاني ؛ لأنّه الأغلب ، وأمّا الإضمار فهو قليل بالنسبة إليه.

هذا تمام الكلام فيما إذا كان التعارض بين نوعين من الوجوه المذكورة ، وإن وقع التعارض بين فردين من نوع واحد كالتخصيصين والتقييدين ونحو ذلك فقد ذكروا لتقديم أحدهما على الآخر وجوها : أقواها ملاحظة قلّة التخصيص وكثرته ، فربّما يصل التخصيص حدّا يعدّ في العرف مستهجنا ، ومن الظاهر أنّ ارتكاب التخصيص فيما كثر فيه التخصيص أولى ؛ لارتفاع ظهوره بزيادة التخصيص ، ويحتمل أن يقال : إنّ ظهوره أقوى من غير المخصّص ، والمدار على العرف ، ولا يجري ذلك في التقييد أو يجوز ذلك مطلقا وإن انحصر في فرد ، وقد يرجّح أحد التخصيصين على الآخر فيما إذا كان أحدهما مسبوقا بالسؤال بأنّ التخصيص في العامّ الغير المسبوق أولى منه في المسبوق ، فإن أريد منه تخصيص المورد فهو حقّ ، وإن أريد الإطلاق فهو ممنوع.

ثمّ إنّ جملة من الأصوليين قالوا بتقديم المنطوق على المفهوم عند عدم الاختلاف إلاّ من هذه الجهة ، فإن أرادوا بذلك مفهوم المخالفة فربّما يكون له وجه ؛ لأنّ المنطوق لعلّه أقرب عرفا وأظهر دلالة منه ، وإن أرادوا الأعمّ منه ومن الموافقة ، ففيه : أنّ الأولوية قد تصير على وجه يكون اللفظ منساقا لبيان الحكم في الفرد الأولى ، فاللفظ ظهوره العرفي إنّما هو يلاحظ بالنسبة إليه ، وقد يكون اللفظ نسبته (1) إليهما متساوية ، وقد يكون على وجه يستفاد منه حكم الأولى أيضا وإن لم يكن سياق اللفظ لإفادة الأولى كما أنّه (2) في المعاني الكنائية أيضا تحتمل (3) الوجوه المذكورة ، ففي الصورة الأخيرة يحتمل تقديم المنطوق عليه ، وأمّا في الصورتين الأوليين فلا وجه للحكم بالتقديم كما لا

ص: 565


1- « م » : يستند.
2- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : أنّ.
3- في النسخ : يحتمل.

يخفى.

وقد يظهر من بعضهم أيضا تقديم الحقيقة على المجاز مع القرينة الصارفة فيما إذا دار الأمر بين التصرّف فيما هو ظاهر وضعا وبين ما هو ظاهر بواسطة القرينة ، فإن أريد بذلك أنّ العرف يحكمون بالتقديم (1) فهو مسلّم فيما يساعده العرف إلاّ أنّ المدّعى اطّراد ذلك ، وهو ممنوع كيف ومرجعه إلى دعوى أقوائية الظهور (2) الناشئ من الوضع من الظهور الناشئ من القرينة؟ وفيه : أنّ المجاز مع القرينة يعامل معه معاملة الحقيقة من غير فرق.

والسرّ فيه أنّ القرينة إمّا لفظية ، أو غير لفظية ، والثاني (3) إمّا قطعية ، أو ظنّية ، لا كلام في الثاني ؛ لعدم اعتبار الظنّ الغير (4) المستند إلى لفظ في استكشاف المرادات ، فلا يجوز طرح أصالة الحقيقة في قبال أمثال هذه الظنون ممّا لا يعتبرها العقلاء في استكشاف مطالبهم من عبائرهم ، وعلى تقدير اعتبارها فالأمر يدور مدار أقوائية الظنّ ولا عبرة بمجرّد الاستناد إلى الوضع كما هو ظاهر.

وأمّا القطع فالأمر فيه ظاهر لا ريب في تقدّمه على غيره ، فلا يجوز (5) طرح المقطوع في قبال أصالة الحقيقة المعمولة في الحقيقة المقابلة لهذا المجاز المقطوع.

وأمّا الأوّل فالقرينة اللفظية لا بدّ وأن يكون ظهورها مستندا (6) إلى الوضع ، كما في « يرمي » من قولك : « أسد يرمي » ، وعند التأمّل يعلم أن لا معارضة بين نفس المجاز والحقيقة وإنّما التعارض في الواقع بين القرينة الصارفة وبين الحقيقة والمفروض استناد الظهورين كليهما (7) إلى الوضع ، والحكم بتقديم أحدهما على الآخر تحكّم.

ص: 566


1- « د » : بالتقدّم.
2- في النسخ : ظهور.
3- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : فالثاني.
4- المثبت من « س » ، وفي سائر النسخ : المغيّر.
5- « د » : إذ لا يجوز.
6- « س ، ج » : مستندة.
7- في النسخ : كلاهما.

لا يقال : إنّ القرينة الصارفة بعد تعارضها لما اعتبرت صارفة بالنسبة إليها يهوّن أمره فلا يقاوم (1) ظهور هذه الحقيقة.

لأنّا نقول : المناط على (2) قوّة الظهور فلعلّ الصارفة ، لها قوّة تدفع بها كلتا الحقيقتين ، فتأمّل.

وكيف كان ، فالمعيار على ما سمعت مرارا هو قوّة الظهور ، ومن هنا تراهم يقدّمون الكلام المشتمل على التأكيد وأداة القسم على ما ليس فيه عند التعارض. هذا تمام الكلام فيما إذا تعارض الدليلان.

وأمّا إذا وقع التعارض بين أزيد منهما فالحكم في التقديم والتأخير هو ما عرفت من تقديم الأظهر على غيره ، ولكن قد يقال في المقام : إنّ المعالجة بين الأدلّة لا بدّ أن يلاحظ فيها الترتيب ، فإذا (3) كان في المقام عامّ ، وبعد ذلك وقفنا على خاصّ ، ثمّ على خاصّ غيره ، فزعم بعضهم (4) أنّ بعد التخصيص الأوّل تنقلب النسبة بين الدليلين وتصير عموما من وجه ، والمقصود في المقام إزاحة مثل هذه الأوهام والتنبيه عليها لئلاّ يقع غيره في مثله وإلاّ فهذه أمور واضحة جليّة لا يكاد يعتريها شكّ ولا يدانيها ريب.

فنقول : إنّ التعارض بين الأدلّة الزائدة على اثنين (5) يقع على وجهين : الأوّل : أن يكون التعارض بين واحد منها وبين الآخرين ، الثاني (6) : أن يكون التعارض بين الجميع ، وعلى الأوّل فالخبران المعارضان للآخر إمّا أن يكونا نصّين ولو بالنسبة إلى معارضهما ، أو ظاهرين ، أو يكون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا ، فهذه صور ثلاثة :

ص: 567


1- « ج » : فلا يفاد من.
2- « س » : - على.
3- « د » : فإن.
4- انظر عوائد الأيّام : 349 - 353 ، عائدة 40 ؛ مناهج الأحكام : 330 - 331.
5- « د » : الاثنين.
6- سيأتي الكلام فيه في ص 573.

الأولى : أن يكونا نصّين ، كما إذا ورد عامّ كقولنا : « أكرم العلماء » ثمّ ورد بعد ذلك خاصّ ، ثمّ خاصّ آخر ، فإن كانت النسبة بين الخاصّين تباينا كما إذا كان أحدهما « لا تكرم زيدا » والآخر « لا تكرم بكرا » فلا إشكال في عدم ملاحظة الترتيب بمعنى أنّه لا يتفاوت الحال في ذلك ، سواء اعتبر التخصيص بهما دفعة واحدة ، أو اعتبر التخصيص بأحدهما مقدّما على الآخر ، فإنّ العامّ المخرج منه فرد بعد باق على عمومه بالنسبة إلى فرد مباين للفرد المخصّص ، فيخصّص بالآخر أيضا من غير إشكال ، فإن كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا كقولك : « أكرم العلماء ، ولا تكرم الفقهاء ، ولا تكرم فقهاء البصرة » فإن اعتبرنا التخصيص (1) بأعمّ المخصّصين فلا إشكال ؛ لعدم التنافي بينه وبين الأخصّ ، فيكون مؤكّدا والنسبة باقية بحالها ، وإن اعتبرنا التخصيص بالأخصّ مقدّما فتقلب النسبة بين العامّ الأوّل والمخصّص العامّ عموما من وجه لتعارضهما (2) في فقيه غير البصرة واختصاص العامّ بالأصولي واختصاص الخاصّ بفقيه البصرة.

ومثله ما إذا كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا من وجه كقولك : « لا تكرم الأصوليين » و « لا تكرم الفقهاء » بعد قولك : « أكرم العلماء » فإنّ ملاحظة الترتيب توجب انقلاب النسبة بعد التخصيص بأحدهما إلاّ أنّ الواقع عدم ملاحظة الترتيب بينهما ، بل يجب التخصيص بهما دفعة ؛ لأنّهما قرينتان على التخصيص في العامّ وملاحظة الترتيب بينهما ترجيح من غير مرجّح ؛ لتساويهما في الكشف عن المراد من لفظ العامّ ولا مدخل للسبق واللحوق في ذلك ولا في العلم بأحدهما قبل الآخر.

نعم ، قد (3) يجب ملاحظة الترتيب فيما إذا كان لتقديم (4) أحد التخصيصين مرجّح مع تفاوت الحال في ملاحظة الترتيب ، مثل ما إذا قيل : « أكرم العلماء » ثمّ بعد ذلك « لا

ص: 568


1- « ج » : اعتبر بالتخصيص.
2- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : لا لتعارضهما.
3- « ج » : - قد.
4- « د » : التقدّم.

تكرم الأصوليين » و « لا يجب عليك إكرام العلماء » فإنّه لا إشكال في كونهما نصّين بالنسبة إلى قوله : « أكرم العلماء » أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ دلالة « لا يجب » على عدم الوجوب أظهر من دلالة الأمر على الوجوب ، ولا خفاء أيضا في تفاوت الحال فيما لو فرض الترتيب في المعالجة فإنّه على تقدير عدم ملاحظة الترتيب يلزم ارتكاب تخصيص ومجاز ، أمّا الأوّل فلقوله : « لا تكرم الأصوليين » وأمّا الثاني فلقوله « لا يجب » فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب مع تخصيص العلماء (1) بغير الأصوليين ، بخلاف ما إذا فرض التخصيص أوّلا فإنّ بعد ذلك يصير العامّ الأوّل أخصّ مطلقا من العامّ الظاهر في عدم وجوب الإكرام ، فيخصّص به ؛ لدوران الأمر بين التخصيص في قوله : « لا يجب » والمجاز في قوله : « أكرم » وقد عرفت أنّ التخصيص أولى من ارتكاب سائر أنواع المجاز.

وكيف كان ، فحيث إنّ المقام ممّا يتفاوت فيه الحال (2) مع وجود المرجّح لأحد التصرّفين فلا بدّ من الأخذ وهو العلم بالتخصيص بالنسبة إلى الخاصّ قطعا ، سواء حمل الأمر فيه على الاستحباب أو لا ، فإنّ الخاصّ قرينة صارفة للعامّ قطعية من غير توقّف (3) على أمر غير حاصل ، فيدور الأمر بين ارتكاب المجاز في العامّ الأوّل أو تخصيص العامّ الثاني بحمله على الأصوليين في المثال المذكور وقد عرفت الأولوية فيما سبق آنفا.

فمحصّل الكلام في الصورة الأولى أنّ بعض الموارد ممّا لا فائدة في ملاحظة الترتيب كما إذا كانا متباينين ، وبعض ممّا يتفاوت فيه الحال لانقلاب النسبة إلاّ أنّه بواسطة عدم

ص: 569


1- « د » : العامّ.
2- من هنا إلى قوله : « وإن كان الظاهران متباينين » قدر ثلاث صفحات تقريبا لم ترد في نسخة « ج » ولعلّ نسخة الأصل لها سقطت منها ورقة.
3- « د ، م » : توقّفها.

المرجّح لا يجوز ملاحظة الترتيب ، وبعض الموارد ممّا يجب الملاحظة لوجود المرجّح كما عرفت ، ولا بدّ أن يعلم أنّ ما ذكرنا من اختلاف الأقسام وأحكامها إنّما هو ملحوظ في المخصّصات المنفصلة كما عرفت في الأمثلة المذكورة ، وأمّا المخصّصات المتّصلة كالصفة والشرط والغاية وبدل البعض ونحوها فاللازم فيها ملاحظة الترتيب ؛ لكونها جزء من العنوان ، فما يحتمل معارضته للعنوان إنّما يؤخذ معارضا بعد أخذ العنوان على جميع أنحاء قيوده.

نعم ، قد يشكّ في بعض المخصّصات في أنّه ملحق بأيّ الفرقتين فيشكّ في حكمه أيضا كالاستثناء ؛ إذ يحتمل أن يكون من قيود الموضوع كالصفة ، ويحتمل أن يكون كالمخصّص المنفصل كقولك : « لا تكرم زيدا » بعد الأمر بإكرام العلماء ، والظاهر إلحاق الاستثناء بالمخصّصات المتّصلة فإنّ قولك : « ما جاءني القوم إلاّ زيد » يجري مجرى « ما جاءني غير زيد » ولا يعدّ عندهم من الكلامين المنفصل أحدهما عن الآخر.

وربّما يكون ما ذكرنا من الإشكال في إلحاق الاستثناء وجها لاختلافهم في العارية حيث إنّهم نفوا فيها الضمان إلاّ عند اشتراطه ، ثمّ إنّهم اختلفوا في الذهب والفضّة ، فقال بعضهم بالضمان ولو عند عدم الشرط ، وبعضهم خصّ الحكم بالدراهم والدنانير وحكم بعدم الضمان في غيرهما كما عن الإيضاح (1) محتجّا في ذلك برواية دلّت على استثناء الدراهم والدنانير فحكم بتخصيص ما دلّ على استثناء مطلق الذهب والفضّة ، وأورد عليه ثاني المحقّقين (2) بأنّه لا تعارض ؛ لأنّ استثناء الذهب والفضّة في الرواية يقتضي ثبوت الضمان في هذين الجنسين ، واستثناء الدراهم والدنانير في الرواية التي تضمّنه يقتضي كون المخرج من العموم الدراهم والدنانير ، ولا تعارض بين المخصّصين ، فيحكم بخروج الجنسين ، وظاهر المورد أنّه فرض الاستثناء من قبيل المعارض المنفصل ، وإلاّ فعلى تقدير الاتّصال فلا بدّ من سلوك ما سلكه سيّد الرياض تبعا

ص: 570


1- ايضاح الفوائد 2 : 129 - 130.
2- جامع المقاصد 6 : 79.

للفاضل السبزواري (1) من أنّ النسبة بين ما دلّ على ثبوت الضمان في الذهب والفضّة وبين المستثنى منه في الرواية التي استثني فيها الدراهم والدنانير عموم من وجه ؛ لتصادقهما في غير النقدين من الجنسين وافتراقهما في النقدين وفي غيرهما من غير الجنسين كالثوب مثلا ، ففي مورد التعارض يرجع إلى عموم ما دلّ على عدم الضمان.

وكيف كان ، فاختلاف المذاهب في هذه المسألة منشؤه اختلافها في المسألة التي نحن بصددها ، ولعلّ الأقوى هو الإلحاق بالمخصّصات المتّصلة كما عرفت ، كما أنّه لا يبعد دعوى أقوائية ما أوضحه صاحب الإيضاح ؛ لدوران الأمر بين رفع اليد عن (2) الحصر المستفاد من المستثنى والمستثنى منه في رواية الدراهم والدنانير ، وبين إطلاق المطلق وهو الذهب والفضّة وإرادة المقيّد ، ولعلّ الثاني أولى ؛ لأنّ الرواية الأولى أظهر دلالة في الحصر من دلالة المطلق على الماهيّة (3) المطلقة كما لا يخفى ، هذا إذا كان المتعارضان نصّين مع إمكان العمل بهما كما عرفت في الموارد المذكورة.

وأمّا إذا لم يمكن العمل بهما لتباينهما كما في قولك : « أكرم العلماء » وقولك : « لا تكرم العلماء العدول » وقولك : « لا تكرم الفسّاق من العلماء » حيث إنّ التخصيص بهما يوجب استغراق العامّ ، فلا بدّ من التخصيص بأحدهما دون الآخر ، فإن وجدنا مرجّحا لأحدهما دلالة فهو ، وإلاّ فالمرجع إلى المرجّحات الصدورية من غير إشكال.

الصورة الثانية : أن يكون المعارضان (4) للثالث ظاهرين فلا يخلو إمّا أن يكون النسبة بينه وبينهما تباينا ، أو عموما وخصوصا من وجه بالنسبة إليهما جميعا ، أو بالنسبة إلى أحدهما ، فعلى الأوّل فلا إشكال في لزوم الأخذ بالمرجّحات الصدورية إن وجدت وإلاّ فالتخيير ، وعلى الثاني فالحكم في مورد التعارض هو الإجمال بناء على

ص: 571


1- رياض المسائل 9 : 179 - 180 ، وفي ط الحجري 1 : 625 ؛ ذخيرة الأحكام : 135.
2- « د ، م » : من.
3- « د » : الماهية.
4- « س » : المتعارضان.

ما هو المختار ، وعلى الثالث كما إذا ورد « أكرم العلماء ، ولا تكرم العلماء ، ولا تكرم الفسّاق » فالحكم بالنسبة إلى المتباينين هو الرجوع إلى مرجّحات الصدور ، فإن وجد مرجّح في طرف النهي فلا معارضة بينه وبين النهي في الثالث ، وإن وجد في طرف الأمر فيطرح النهي ويصير التعارض بين الأمر والنهي في العالم الفاسق ومرجعه إلى التوقّف كما مرّ ، وإن لم يوجد مرجّح في أحد الطرفين فلا بدّ من الحكم بالتخيير بين المتباينين ، فإن اختار المكلّف النهي الثاني فلا إشكال ، وإن اختار الأمر فهل في مورد التعارض يحكم بالإجمال ، أو المرجع إلى العامّ المطروح في قبال الأمر؟ وجهان : من أنّ حكم الشارع بالتخيير مرجعه إلى الترجيح بما ينقدح في نفس المكلّف فالمرجّح موجود ، ومن أنّ في مورد التعارض يتساقطان فلا بدّ من الرجوع إلى « لا تكرم الفسّاق » لسلامته عن المعارض ، وحكم الشارع بالتخيير ليس من لوازمه رفع اليد عن الثالث ، ولعلّ الثاني أقوى.

الصورة الثالثة : أن يكون أحد المعارضين للثالث نصّا والآخر ظاهرا فإن (1) كان الظاهران عامّين من وجه فلا إشكال ؛ لأنّ الخاصّ إمّا أن يكون مخرجا لمورد التعارض ، كالعالم الفاسق فيما إذا أمر بإكرام العلماء مع النهي عن إكرام الفسّاق ، فيختصّ الأمر بالعالم الغير الفاسق والنهي بمطلق (2) الفاسق ، وبذلك يرتفع التعارض.

وإمّا أن يكون الخاصّ مخرجا لمورد الافتراق كأن يكون مفاده النهي عن إكرام الفاسق الغير العالم ، فينحصر مورد قوله : « لا تكرم الفسّاق » بالعالم الفاسق ، فيصير خاصّا مطلقا بالنسبة إلى الأمر فيقدّم عليه. وإمّا أن يكون مخرجا لعنوان يعمّ النوعين كقوله : « لا تكرم الأصوليين » فالنسبة باقية بحالها فلا يتفاوت الحال فيه (3).

وإن كان الظاهران متباينين كما إذا قيل : « أكرم العلماء ، ولا تكرم العلماء ولا تكرم

ص: 572


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : وإن.
2- « م » : لمطلق.
3- نهاية ما سقط من نسخة « ج ».

الأصوليين » فالأقوى تقديم العلاج في الدلالة على العلاج في الصدور ؛ لأنّ العرف لا يتأمّلون في ذلك ولازمه تخصيص العامّ الأوّل بالخاصّ ، ثمّ تخصيص العامّ الثاني بالعامّ المخصّص ؛ لأنّه في نفس الأمر يكون المراد به الأخصّ ، وقد يحتمل القول باندراجه في الأخبار العلاجية لتباينهما ظاهرا ، كما أنّه قد يحتمل التفصيل بين ما كان الخاصّ دليلا لفظيا ، أو لبّيا فيحكم بالأوّل في الأوّل ، وبالثاني في الثاني ، إلاّ أنّ الأقوى هو ما عرفت.

هذا تمام الكلام في الصور الثلاثة المتفرّعة على ما إذا كان التعارض بين واحد من الأدلّة وبين الباقي.

وأمّا إذا كان التعارض بين الجميع (1) فالصور المفروضة فيما تقدّم جارية فيه أيضا ؛ إذ المعارضان منها (2) بالنسبة إلى الثالث لا بدّ وأن يكونا على إحدى الصور ، مضافا إلى أنّ هذين المعارضين إمّا أن يكون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا ، أو كلاهما ظاهرين ، فإنّ نصوصية كلّ واحد منهما بالنسبة إلى الآخر غير معقول.

الصورة الأولى : أن يكون المعارضان نصّين بالنسبة إلى الثالث مع ظهورهما في نفسهما أيضا ، كما في قوله : « أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق من العلماء ويستحب إكرام الأصوليين » فكلّ واحد من الأخيرين ينهض بتخصيص الأوّل ، ويعالج بينهما بما هو المعالجة لهما من الأخذ بالمرجّحات في الدلالة ، وإلاّ فالحكم بالإجمال.

الصورة الثانية : الأولى بحالها مع نصوصية أحد المتعارضين أيضا ، كما في قول القائل : « لا تكرم العلماء ، ويستحب إكرام الأصوليين ، ويجب إكرام الأصولي من أهل المشهد » فيحمل العامّ الأوّل على العامّ (3) الثاني فيحكم بحرمة إكرام ما عدا الأصولي من العلماء ، وللعامّ الثاني على الخاصّ فيحكم بوجوب إكرام أصولي المشهد ، ولا

ص: 573


1- هذا هو الوجه الثاني ، وتقدّم الأوّل منهما في ص 567.
2- « ج ، د » : منهما.
3- « س » : - العام.

يتفاوت الحال في ملاحظة الترتيب في هذين الصورتين كما لا يخفى.

الصورة الثالثة : أن يكون المعارضان ظاهرين بالنسبة إلى الثالث مع (1) ظهورهما أيضا ، فالنسبة بين الكلّ إمّا أن يكون التباين ، أو العموم من وجه ، أو في بعض الأوّل وفي الآخر الثاني ، فعلى الأوّل كما إذا ورد : « لا تكرم العلماء ، ويستحب إكرام العلماء ، ويباح إكرام العلماء (2) » لأنّه من الرجوع إلى مرجّحات الصدور ، وعلى الأوّل (3) كما إذا ورد : « أكرم العلماء ، ولا تكرم الفسّاق ، ويباح إكرام أهل البصرة » ففي مورد التعارض وهو العالم الفاسق البصري ، يحكم بالإجمال كما أنّه يحكم بالإجمال في العالم البصري ، والفاسق العالم ، والفاسق البصري ، وعلى الثالث كما إذا ورد : « أكرم العلماء ، ويباح إكرام العلماء ، ولا تكرم الفسّاق » فيعالج أوّلا بين المتباينين بالتخيير عند عدم المرجّح ، وعلى تقديره فيؤخذ به ، ثمّ يعالج بين الراجح أو المختار وبين الثالث.

الصورة الرابعة : الثالثة بحالها مع نصوصية أحدهما أيضا.

الصورة الخامسة والسادسة : أن يكون أحد المتعارضين نصّا والآخر ظاهرا بالنسبة إلى الثالث مع ظهورهما في نفسهما أو نصوصية أحدهما بالنسبة إلى الآخر أيضا ، والأمثلة (4) كثيرة والحكم ظاهر ، والضابط في الكلّ هو تقديم الأظهر على الظاهر من غير ملاحظة الترتيب في حمل الظواهر على النصوص و (5) تفصيل الأمثلة بذكرها يحتاج إلى زمان أوسع ممّا أحاط بنا من هذا الجزء من الزمان ، واللّه (6) الموفّق وهو الهادي (7).

ص: 574


1- « ج » : ومع.
2- كذا. والظاهر وقع هنا سقط ، لأنّه ما جاء حكم الأوّل وجاء تعليله.
3- كذا. والصواب ظاهرا : الثاني.
4- « ج » : « السابعة » بدل : « الأمثلة » وموضعه في « س » بياض.
5- « ج ، س ، م » : « في » بدل « و ».
6- « م » : « إنّه » بدل « اللّه ».
7- في « د » : بدل « واللّه ... » : وإنّه الموفّق والمعين.

هداية [ في المرجّحات الصدورية ]

بعد ما عرفت تحقيق القول في المرجّحات التي يتقوّى بها أحد الدليلين على الآخر دلالة لا بدّ من تحقيق الكلام في المرجّحات الصدورية ، وقبل الخوض في المطلب لا بدّ من أن يعلم أنّ الحكم برجحان أحد الدليلين على الآخر وإثبات الحكم الشرعي بأحدهما دون الآخر يحتاج إلى دليل ، وعند عدمه لا يجوز الحكم بالترجيح ؛ لأنّ عند عدم الترجيح فالحكم إمّا التخيير كما هو التحقيق ، أو التساقط والتوقف ، والمفروض إقامة البرهان من الطرفين على المذهبين ، فالأخذ بالترجيح على كلّ واحد من المذهبين بدون دليل ، يوجب طرح البرهان القائم على المذهبين بغير دليل ، وفساد ذلك أجلى من أن يبيّن.

وكيف كان ، فقد مرّت الإشارة منّا في الهدايات السابقة إلى أنّ المرجّحية كالحجّية تتوقّف على دلالة ، وعند عدمها يحكم بعدمها ؛ لأنّ الشكّ في ذلك يكفي في الحكم بعدمها ، فلا بدّ من الاقتصار على ما ثبت بدليل معتبر كونه مرجّحا مثل ما ورد في الأخبار العلاجية على تقدير انتهاضها عليها كما ستعرف ، إلى غير ذلك من وجوه الأدلّة الناهضة على الأخذ بوجوه التراجيح التي تعرف تفصيلها عن قريب إن شاء اللّه.

ص: 575

ولنبدأ بذكر الأخبار الواردة في هذا المضمار تيمّنا ، فنقول : إنّها كثيرة جدّا ، بل تبلغ إلى نيّف وثلاثين على ما حكي (1) ، إلاّ أنّ أظهرها دلالة وأشهرها رواية مقبولة عمر بن حنظلة ، وتتلوها في بعض الوجوه مرفوعة زرارة المرويّة في (2) غوالى اللآلى ، فالأنسب هو إيرادهما والاكتفاء بهما عن غيرهما.

فقد روى المشايخ الثلاثة ، بل الأربعة - لوجودها في الاحتجاج (3) أيضا - هذه الرواية ، ففي الكافى : محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن عيسى عن صفوان [ بن يحيى ] عن داود بن حصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال عليه السلام : « من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذه (4) سحتا وإن كان حقّا ثابتا له ؛ لأنّه أخذه (5) بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن يكفر به ، قال اللّه عزّ وجلّ : ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) (6) » قلت : فكيف يصنعان؟ قال عليه السلام : « ينظران إلى من كان

ص: 576


1- قاله المحقّق القمي في القوانين 2 : 289 ، حيث قال : تنيف على ثلاثين وتقرب أربعين.
2- « د » : عن.
3- الكافى 1 : 67 - 68 ، باب اختلاف الحديث ، ح 10 ، و 7 : 413 ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح 5 إلى قوله : « حدّ الشرك باللّه » ؛ الفقيه 3 : 8 ، باب الاتّفاق على عدلين في الحكومة ، ح 3233 ؛ التهذيب 6 : 218 ، باب 87 ، ح 6 وص 301 ، باب 92 ، ح 52 ؛ الوسائل 1 : 34 ، باب 2 من أبواب مقدّمة العبادات ، ح 12 ، و 27 : 13 ، باب 1 من أبواب صفات القاضي ، ح 4 ، وص 106 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 1 ، وص 136 ، باب 11 من أبواب صفات القاضي ، ح 1 ؛ الاحتجاج 2 : 260 / 232 ط أسوة.
4- في المصدر : يأخذ ، وفي باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور : فقال : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنّما يأخذ سحتا.
5- « ج » وبعض نسخ الرسائل 3 : 57 : أخذ وفي المصدر في باب كراهية الارتفاع : حقّه ثابتا ؛ لأنّه أخذ.
6- النساء : 60.

منكم ممّن قد روى أحاديثنا (1) ونظر في حلالنا وفي حرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا (2) به حكما فإنّي جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله (3) منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه وعلينا ردّ والرادّ علينا رادّ (4) على اللّه وهو على حدّ الشرك باللّه » قلت : فإن كان كلّ واحد (5) اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين (6) في حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم (7) به الآخر » قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال عليه السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما [ به ] المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم » قلت : فإن كان الخبران عنهما (8) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : « ينظر [ فما ] وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة » قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال : « يؤخذ (9) ما خالف العامّة ففيه الرشاد » قلت :

ص: 577


1- في المصدر : حديثنا.
2- في المصدر في باب كراهية الارتفاع : فارضوا.
3- في « ج » والرسائل : فلم يقبل.
4- في المصدر : الرادّ.
5- في المصدر : رجل.
6- في المصدر : الناظرين.
7- في المصدر : يحكم.
8- في المصدر : عنكما.
9- في المصدر : - يؤخذ.

جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال : « ينظر إلى ما هو أميل إليه (1) حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟ قال : « إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات ».

والكلام في هذه الرواية تارة : يقع في السند ، وأخرى : في الدلالة.

أمّا الأوّل : فنقول : لا إشكال في اعتبار سند هذه الرواية ، ولذلك اشتهرت بالمقبولة ، ولعلّ تسميتها بها ليس بواسطة كونها معمولا بها عندهم ، بل لأنّ هذه الرواية لا تندرج في أحد أقسام الحديث ؛ لاختلاف الأصحاب في بعض رواتها على وجه لا يدخل في واحد منها اصطلاحا ، إلاّ أنّه يظهر منهم الاعتماد عليها ، فتأمّل.

وكيف كان ، فرواة هذه الرواية ممّن عدا داود وعمر بن حنظلة كلّهم موثّقة فإنّ محمّد بن يحيى العطّار ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب من أعاظم الأصحاب كمحمّد بن عيسى وصفوان ممّا قيل (2) في حقّه : لا يروي إلاّ عن ثقة كالبزنطي مع أنّه من أصحاب الإجماع ، وأمّا داود فقد قال الشيخ (3) وابن عقدة : إنّه واقفي ، ووثّقه النجاشي (4) ، فتصحيح الفاضل التوني (5) للرواية مبنيّ على ترجيح قول النجاشي لكونه أضبط ، وقد يقال بأنّ أضبطية النجاشي يعارضه صراحة كلام الشيخ في الحكم بوقفه ،

ص: 578


1- في المصدر : ما هم إليه أميل.
2- قاله الشيخ في عدّة الأصول 1 : 152 ، حيث قال : وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.
3- رجال الطوسى 349 / 5.
4- رجال النجاشى 159 / 421.
5- الوافية : 327.

فإنّ التوثيق ظاهر في الإمامية بخلاف كلام الشيخ ، وعلى ذلك يبنى في الردّ على من زعم أنّ صراحة كلام الشيخ تنهض قرينة لصرف كلام النجاشي عن ظاهره ، وفساده غير خفيّ على أحد ؛ إذ لا معنى لصرف كلام متكلّم عن كلام متكلّم آخر.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مرجع كلام الشيخ إلى العلم بكونه واقفيا ، ومرجع كلام النجاشي إلى عدم العلم ، فلا تعارض بينهما كما لا تعارض بين مطلق المعدّل والجارح ، وهو كما ترى.

وأمّا عمر بن حنظلة فقد قيل : إنّه ممّن لم يصرّح فيه أهل الرجال بمدح ولا قدح إلاّ أنّ المحكيّ عن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة (1) أنّه حقّق توثيقه في مقام آخر ، وقد حكم بوهن التوثيق المذكور ابنه صاحب المعالم فيما حكى عنه : بأنّي رأيت بخطّ والدي أنّ الوجه في توثيقه ما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن خليفة في باب المواقيت عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال عليه السلام : « إذا لا يكذب علينا » ولا دلالة فيه على التوثيق (2).

وهو ممّا لا يصغى إليه ، أمّا أوّلا : فلأنّ الحكم بتوثيقه أوّلا كاف من الشهيد رحمه اللّه فلعلّ توثيقه لم يكن مستندا إلى هذه الرواية لاحتمال تأخّره عمّا كتبه. وأمّا ثانيا : فلأنّ دلالة الرواية على التوثيق ظاهرة ؛ لأنّ عدم الكذب في حيال ذاته لا يصلح أن يكون مترتّبا على الإتيان بالوقت ، كما أنّه يترتّب الدخول في الجنّة على الإسلام في قولك - بعد ما قيل : أسلمت - : إذا تدخل الجنة ، فلا بدّ أن يكون قوله : « إذا لا يكذب علينا »

ص: 579


1- لم أجده في حاشية الخلاصة ونقل عن الرعاية : 131 ابنه وغيره في المنتقى كما سيأتي.
2- منتقى الجمان 1 : 19 ، وفيه ناقش في سند الحديث لا في دلالته. وأمّا حديث الوقت فقد ورد في : التهذيب ٢ : ٢٠ و ٣١ ، باب ٤ ، ح ٧ و ٤٦ ؛ الاستبصار ١ : ٢٦٠ ، باب ١٤٨ ، ح ٧ وص ٢٦٧ ، باب ١٤٩ ، ح ٢٦ ؛ الكافى ٣ : ٢٧٥ ، باب وقت الظهر والعصر ، ح ١ ، وص ٢٧٩ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٦ ؛ الوسائل ٤ : ١٣٣ و ١٥٦ ، باب ٥ و ١٠ من أبواب المواقيت ، ح ٦ و ١ ، و ٢٧ : ٨٥ ، باب ٨ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٠.

علّة لأمر محذوف ، والظاهر هو ما له مدخل في عدم الكذب كالوثاقة ونحوها.

وبالجملة : فهذه الرواية لا تنقص من توثيق بعض علماء الرجال في الدلالة على الوثاقة ، فتأمّل.

وأمّا الثاني : فقد أورد عليها (1) بوجوه : الأوّل : بأنّه أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاص مورده بحكم القاضي في القضاء في الموضوعات كالدين والإرث ونحوهما (2).

الثاني : أنّ الترجيح بالشهرة بعد تساويهما في العدالة يستلزم الأخذ بالأعدل وإن خالف المشهور ، وفساده ظاهر ؛ ضرورة استقرار عملهم على الأخذ بالضعاف المطابق للمشهور وطرح الصحاح في قباله وإن بلغ في الصحّة ما بلغ.

الثالث : أنّ الأخذ بظاهر الرواية يوجب جواز تعدّد الحاكمين في واقعة واحدة ، وهذا ممّا لا يكاد الالتزام به.

والجواب أمّا عن الأوّل : فبمنع (3) الاختصاص كما يشعر بذلك احتجاجهم بالرواية في القضاء والرواية والفتوى ، فإنّ العامّ لا يخصّص بالمورد.

وعن الثاني : فبما نبّهنا عليه في بعض مباحث الظنّ (4) من أنّ المراد بالشهرة هي (5) الشهرة في الرواية دون الفتوى أو الأعمّ منهما ، ولا إجماع على وجوب تقديم الرواية المشهورة في النقل على الرواية التي رواها (6) الأعدل.

وعن الثالث بأنّها محمول على ما هو المعهود من استحباب مشاورة العلماء في الحكم كما هو المذكور في آداب القضاء.

وقد يورد أيضا بوجوه ضعيفة أخر على الرواية وليس بشيء.

والتحقيق في الإيراد عليها أمور : منها : أنّه قد اعتبر فيها في مقام الترجيح اجتماع

ص: 580


1- « د » : عليه.
2- « س ، م » : نحوه.
3- « د » : فيمتنع.
4- انظر ج 3 ، ص 117 - 118 ، وسيأتي الكلام عن الشهرة أيضا ص 607.
5- « س » : هل.
6- المثبت من « م » وفي « د » : راوينا.

أمور أربعة : الأعدلية ، والأورعية ، والأفقهية ، والأصدقية ، ولا أكاد أظنّ أنّ الأخباري أيضا يلتزم بذلك ؛ إذ قلّ ما يوجد ما يجتمع فيه الأمور الأربعة (1) ، والتفكيك بينهما ممّا ينافيه ظاهر العطف ، وعلى تقدير التفكيك فلا دلالة في الرواية على الاقتصار على المرجّحات المنصوصة في مقام الترجيح ، بل تكون (2) على هذا التقدير واردة في مقام إراءة الطريق كما لعلّه يومئ إليه ظاهر الأصدقية كما ستعرف.

ومنها : أنّ العلم بالأعدلية متعسّر في الأغلب ؛ إذ غاية ما يتكلّف في المقام هو الظنّ بمجرّد الملكة ، وأمّا شدّتها في واحد دون واحد فممّا لا سبيل لنا إليه جدّا ، فإنّ مدار تشخيص هذه الأمور في أمثال زماننا إلى الرجوع إلى ما ذكره أهل الرجال في أوصاف الرواة ، ومن الظاهر أنّه لا يستفاد منها ذلك ؛ لأنّ تمجيد بعض الرواة بذكر بعض مدائحه ممّا لا دلالة فيه على عدم اتّصاف غيره به وذلك أمر ظاهر ، ومن هنا قلنا بأنّ ما قد يوجد في بعض الأخبار من الثمرات المترتّبة على بعض الأعمال لا يدلّ على أفضلية ذلك العمل بالنسبة إلى غيره ، فتأمّل.

ومنها : أنّ ذكر موافقة الكتاب في عداد المرجّحات مقارنة لمخالفة العامّة ، ثمّ بعد ذلك أمر بالأخذ بما خالف العامّة لعلّه لأجل لطيفة هي أنّ كلّ ما وافق الكتاب فقد خالف العامّة ، وإلاّ فلا وجه لذلك ؛ لأنّ توسيطه بين الأخذ بالمشهور وبين ما خالف العامّة ممّا لا نعرف له وجها.

بيان ذلك : هو أنّه لا يخلو إمّا أنّ نقول بتخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، أو لا نقول ، فعلى الأوّل لا بدّ من ذكرها بعد تمام المرجّحات ؛ إذ لا إشكال على هذا التقدير في وجوب التخصيص بعد ما ترجّح أحد المتعارضين على الآخر ولو بواسطة مخالفة العامّة ، وعلى الثاني فلا بدّ من ذكرها قبل كلّ مرجّح ولا أقلّ من أن يكون في عرض المشهور حينئذ.

ص: 581


1- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : الأربع.
2- في النسخ : يكون.

ومنها : أنّ الأمر بالإرجاء والتوقّف ممّا لا يصحّ على إطلاقه ؛ إذ ربّما لا يمكن ذلك ، فلعلّ ذلك ممّا يؤذّن باختصاص الرواية فيما يمكن تحصيل العلم فيه في أمثال أزمنة الأئمة عليهم السلام (1). هذا تمام الكلام في المقبولة.

وأمّا المرفوعة فهي ما نسبها في القوانين إلى غوالى اللآلى مرفوعة إلى زرارة قال : سألت الباقر عليه السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال عليه السلام : « يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر » فقلت : يا سيّدي إنّهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم؟ فقال : « خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك » فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان؟ فقال : « انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه وخذ بما خالفهم فإنّ الحقّ فيما خالفهم » فقلت : ربّما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ [ فقال : « إذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط » فقلت : إنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ ] فقال : « إذا فتخيّر أحدهما وخذ (2) به وتدع الآخر » وفي رواية : « فإذا فأرجه حتّى تلقى إمامك فتسأله » (3).

والإنصاف أنّ هذه الرواية مع كونها قاصرة السند لكونها مرفوعة مع عدم ظهور حال الكتاب الذي رفعها فيه كما طعن فيه بعض من ليس له سجيّته الطعن في الروايات كصاحب الحدائق (4) ، ممّا لا يغني عن شيء ؛ لعدم وضوح وجوه الترجيح المذكورة فيها عندنا ، كما أذعن الشيخ الجليل ثقة الإسلام في ديباجة الكافى (5) بذلك

ص: 582


1- من هنا سقط من نسخة « ج » قدر أربع صفحات تقريبا.
2- في القوانين والعوالى : فتأخذ.
3- القوانين 2 : 290 ؛ عوالى اللآلى 4 : 133 / 229 - 230 وما بين المعقوفين منهما.
4- الحدائق 1 : 99.
5- الكافى 1 : 9. في هامش « م » : اعلم يا أخي - أرشدك اللّه - أنّه لا يسع أحد تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلاّ ما أطلقه العالم بقوله : « اعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّ وجلّ فذخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فذروه » ، وقوله : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » ، وقوله : « خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » ، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله : « بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » ، انتهى موضع الحاجة من كلامه. ولعمري إنّه قد أفصح عمّا نحن بصدده غايته ، فتدبّر.

حيث أفاد : أنّ ما سوى التخيير بين الأدلّة المتعارضة ممّا لا يمكن (1) استفادته من الأخبار العلاجية ؛ لاختلاف مواردها وعدم العلم بوجوه الجمع بينها (2) ، فهذه المرفوعة تعارض المقبولة في ترتيب المرجّحات ، فإنّ المقدّم في الترجيح في المقبولة هو الأعدلية ، ثمّ بعد ذلك الترجيح بالشهرة ، بخلاف المرفوعة فإنّ الترجيح بالشهرة مقدّم عليها وإن كان يمكن ترجيح المقبولة على المرفوعة على الوجهين ؛ لأعدلية رواتها مع استشهارها أيضا بالنسبة إلى المرفوعة ، إلاّ أنّ وجوه الاختلاف بين هذه الروايات كثيرة ظاهرة : فتارة : آمرة بأخذ ما وافق الكتاب ، وأخرى بطرح ما خالف العامّة ، وتارة : حاكمة بالتوقّف ، ومرّة : ناطقة بوجوب التخيير ، إلى غير ذلك ، فلا تكاد (3) يستقيم شيء منها كما هو ظاهر على المتأمّل في مساقها.

ومن هنا يعلم سقوط ما توهّمه بعض الأخبارية - في الطعن على أساطين العلماء كالعلاّمة الذي هو بين أرباب العلوم كالبدر الطالع بين النجوم ، فإنّه هو الذي قد منّ اللّه تعالى بوجوده على الفرقة الناجية - من أنّ هؤلاء إنّما تركوا الأخبار العلاجية وأخذوا بالظنّ (4) في مقام الترجيح تبعا للعامّة ، فإنّ هذه الأخبار ممّا لا يستفاد (5) منها شيء ، بل لنا أن نقول : إنّ اختلاف طرق هذه الروايات من أقوى الشواهد على عدم اختصاص المذكورات بالترجيح ، فعليك بالإنصاف في المقام والاجتناب عن الاعتساف في تحصيل المرام ، واللّه الموفّق وهو الهادي.

ص: 583


1- « د » : لا يكون.
2- « د » : بينهما.
3- « د ج م » : فلا يكاد.
4- « س » : بالطعن.
5- « س » : ممّا يستفاد.

ص: 584

هداية [ في التعدّي عن المرجّحات المنصوصة ]

بعد ما عرفت عدم وفاء الأخبار العلاجية بما هو المطلوب في مقام الترجيح فهل لنا في المقام دليل يدلّ على الأخذ بما يترجّح أحد الدليلين على الآخر وإن لم يكن من المرجّحات المنصوصة ، أو لا؟ التحقيق : نعم ، فتارة : نتكلّم فيما يستفاد من الروايات من وجوب الأخذ بما هو الأقرب من الواقع من المتعارضين ، وتارة : فيما هو قضيّة المذاهب على اختلافها في حجّية الأخبار.

واعلم أوّلا : أنّ المقصود في المقام إنّما هو إثبات أنّ أقوائية أحد الدليلين مطلقا يوجب ترجيح الأقوى على غيره ، والمراد من الأقوائية (1) هو أعمّ من أن يكون في أحد الخبرين احتمال لا يوجد في الآخر ، كما إذا علمنا مثلا بورود أحد الخبرين في مقام (2) بيان الحكم الواقعي واحتملنا صدور الآخر تقيّة ، أو (3) يكون الاحتمال في أحدهما أضعف من الاحتمال في الآخر كما إذا احتمل ورودهما تقيّة إلاّ أنّ الاحتمال في أحدهما أضعف منه في الآخر.

وإذ قد عرفت هذا فنقول : أمّا الكلام فيما يستفاد من الروايات فهو أن يقال : إنّ اختلاف الأخبار العلاجية دليل على أنّ المناط في الترجيح على مطلق الأقوائية

ص: 585


1- « م » : أقوائية.
2- « س » : - في مقام.
3- « د » : و.

والأقربية كما أومأنا إليه مرارا وأشار إليه أيضا محقّق القوانين (1) ، وهذا وإن كان قويّا إلاّ أنّه ربّما يمنعه مانع ويطالب على استكشاف ذلك من الأخبار بدليل ، فالأولى أن يقال : إنّ هناك (2) إشعارات وتلويحات ينبّه بها البصير ويعترف بها الخبير على اعتبار مطلق الأقوائية ، فمن تلك ما يلوح من الأخبار المشتملة على لفظ « الثقة » و « الوثوق » كرواية الاحتجاج وغيره عن الحسن بن جهم عن الرضا عليه السلام : يجيء الأحاديث عنكم متخالفة (3)؟ قال عليه السلام : « ما جاءك عنّا فقسه على كتاب اللّه عزّ وجلّ وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا » قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلم يعلم (4) أيّهما الحقّ؟ فقال : « إذا لم يعلم (5) فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (6).

وكرواية الغوالى « خذ بما هو أوثقهما » (7).

وكرواية الاحتجاج أيضا في احتجاج أبي عبد اللّه عليه السلام عن الحارث بن مغيرة ، قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام [ فتردّه إليه ] » (8) والتقريب في ذلك واضح حيث إنّ المعصوم عليه السلام قد وكّل أمر الترجيح والاختيار في الأخبار على الوثوق ، ومن الظاهر أنّ مناط الوثوق هو الأقربية إلى الواقع ؛ ضرورة فساد احتمال التعبّد في الوثاقة وإن كان يمكن ذلك في العدالة ، ولذلك

ص: 586


1- انظر القوانين 2 : 290 ، وما بعدها.
2- « د » : هنا.
3- في المصادر : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة.
4- في المصادر : فلا نعلم ، وفي الوسائل : ولا نعلم.
5- في المصادر : لم تعلم.
6- الاحتجاج 2 : 264 / 233 وسيأتي عنه في ص 633 ؛ الوسائل 27 : 121 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 40 ؛ البحار 2 : 224 ، باب 529.
7- تقدّم في ص 582 وفيه : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك.
8- الاحتجاج 2 : 264 / 234 ؛ الوسائل 27 : 122 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 41.

عدلنا في المقام إلى الأخبار المشتملة على الوثوق. نعم لا يبعد دعوى أنّ العدالة أيضا معتبرة من حيث إنّها طريق لا من حيث إنّها موضوع لكن مجال المنع فيها واسع بخلاف الوثاقة ، والأمر في ذلك موكول إلى استقامة الطبيعة كما لا يخفى.

ومنها : ما في رواية عمر بن حنظلة من الأمر بأخذ ما قاله أصدق المخبرين ، فإنّ اعتبار الصدق في الترجيح ممّا لا يحتمل التعبّد قطعا فليس إلاّ بواسطة أنّ رواية الأصدق أقرب مطابقة إلى الواقع وأبعد عن احتمال الكذب من غيره.

لا يقال : إنّ المدار على صدق الراوي لا على صدق الرواية ولا تنهض على المطلوب إلاّ على تقدير الثاني ؛ إذ لا منافاة بين صدق المخبر وكذب الخبر.

لأنّا نقول : إنّ العرف قاض بأنّ ترجيح أحد الخبرين على الآخر بواسطة صدق مخبره ليس إلاّ بواسطة صدق الخبر كما هو ظاهر لمن تدبّر.

ومنها : ما يظهر في المقبولة أيضا من قوله : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » فإنّه يمكن الاستظهار من عموم التعليل المذكور ، وبيان ذلك أنّه حكم في الرواية بتقديم (1) الرواية المشهورة على الرواية الشاذّة وعلّل ذلك بأنّ المجمع عليه لا ريب [ فيه ] ولا ريب في أن ليس المراد بنفي الريب هو نفي الريب (2) من جميع الوجوه المحتملة كما هو كذلك في المجمع عليه بحسب مصطلحهم في الفتاوى ، أمّا أوّلا : فلأنّ مجرّد كون الرواية ظاهرة ممّا نقلها غير واحد من الرواة لا يستلزم أن يكون مقطوعا بها ، وإلاّ لزم أن يكون الرواية الشاذّة ممّا يقطع بفسادها (3) ، وفساده قطعي ؛ إذ على تقديره يكون التعارض بين الحجّة واللاحجّة ، مع (4) أنّه يمتنع أن يكون الخبران على هذا التقدير مشهورين كما هو صريح الرواية.

وأمّا ثانيا : فلأنّ غاية ما يستفاد من الشهرة هو القطع بالسند ، وأمّا الدلالة أو

ص: 587


1- « د » : بتقدّم.
2- « س » : - نفي الريب.
3- « د » : بفساده.
4- « س » : فمع.

جهة (1) صدور الرواية فلا مدخل للشهرة في نفي الريب عنها من هذه الجهة ، فاحتمال التقيّة غير مدفوع فلا بدّ أن يكون المراد بنفي الريب هو الريب الموجود في الطرف المخالف للشهرة ، فلا بدّ أن يكون المراد بعدم الريب هو انتفاؤه بالنسبة إلى الريب الموجود في خلاف المشهور ، ومتى حقّقنا انتفاء الريب في أحد الخبرين مع وجوده في الآخر ولو من جهة واحدة يجب الأخذ بما ليس فيه الريب أخذا بعموم التعليل.

لا يقال : لا يجوز التسرية إلى غير مورد العلّة ؛ إذ لعلّ المناط في العلّية هو القدر المخصوص من الأقوائية الحاصلة في الخبر المشهور بالنسبة إلى الشاذّ ، وهذا المقدار (2) المخصوص وإن كان يمكن حصوله في أحد الخبرين وإن لم يكن مشهورا إلاّ أنّه حوالة على المجهول ؛ إذ لا سبيل إلى تشخيصه ، فلا بدّ من الاقتصار على المورد المعلوم حصول المقدار المذكور.

لأنّا نقول : بعد الغضّ عن إطلاق العلّة لنا أن نقول : إنّ الأقوائية الحاصلة في المشهور لا تزيد على سائر المرجّحات كما لا يخفى.

وأمّا احتمال إرادة الشهرة الفتوائية في المقام فضعيف جدّا لا ينبغي الالتفات إليه.

وأضعف منه ما وجدناه في كلمات بعض المعاصرين (3) من أنّ المراد بكون الخبرين مشهورين أن يكون أحدهما مطابقا للشهرة عند القدماء والآخر عند المتأخّرين ، وهذا الكلام لغاية سخافته لا يليق بأنظار العلماء إلاّ أنّ ذكره للتنبيه لئلاّ يتوهّم في المقام ، وإلاّ فهو ممّا يضحك الثكلى.

ومنها : ما ورد في الروايات : « أنّ لكلّ حقّ حقيقة ولكلّ صواب نورا ، فما (4) وافق كتاب

ص: 588


1- نهاية ما سقط من نسخة « ج ».
2- « د » : القدر.
3- « د » : المتأخّرين تقدّم عنه أيضا في بحث القطع : ج 3 ، ص 118.
4- المثبت من المصادر ، وفي النسخ : وما.

اللّه فخذوه » (1) وجه الدلالة ظاهر بعد وضوح أنّ المناط هو أن يكون لكلّ حقّ حقيقة فإنّه يؤذّن بأنّ المدار على استكشاف الواقع.

ومنها : الأخبار الآمرة بالأخذ بما خالف العامّة ، وتوضيح المقام : أنّ الوجه في ترجيح ما خالف العامّة على ما وافقهم يحتمل أن يكون أمورا :

الأوّل : ما علّله شيخ الطائفة وتبعه في ذلك المحقّق (2) أيضا من أنّ المخالف للعامّة أبعد عن التقيّة وأقرب إلى ما يرد في بيان الحكم الواقعي ، وهذا الوجه وإن كان يساعده صحيح الاعتبار إلاّ أنّه لا يظهر من الأخبار ، نعم ربّما يستشعر من بعض الروايات مثل ما رواه الشيخ في باب الخلع عن الحسن بن سماعة عن الحسن بن أيّوب عن ابن بكير (3) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « ما سمعت منّي يشبه قول الناس

ص: 589


1- الوسائل 27 : 109 - 110 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 10 ؛ المستدرك 17 : 325 ، باب 12 من أبواب صفات القاضي ، ح 13. وتقدّم بتمامه في ج 3، ص 124.
2- عدّة الأصول 1 : 147 ؛ معارج الأصول : 225 ، قال الشيخ الطوسي : فإن كان رواتهما متساويين في العدد والعدالة عمل بأبعدهما من قول العامّة ويترك العمل بما يوافقهم. قال المحقّق _ بعد نقل كلام الشيخ _ : والظاهر أنّ احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه السلام ، ثمّ ناقش فيه. كما سيأتي في ص ٦١٣ نصّ عبارته. قال الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول ٤ : ١٢١ : إنّ ترجيح أحد الخبرين بمخالفة العامّة يمكن أن يكون بوجوه : الأوّل : مجرّد التعبّد ، كما هو ظاهر كثير من أخباره ، ويظهر من المحقّق استظهاره من الشيخ. وقال أيضا في الفرائد ١ : ٦١٣ : إنّ الوجه في الترجيح بمخالفة العامّة أحد وجهين : أحدهما : كون الخبر المخالف أبعد من التقيّة ، كما علّل به الشيخ والمحقّق ، فيستفاد منه اعتبار كلّ قرينة خارجية توجب أبعدية أحدهما عن خلاف الحقّ ولو كانت مثل الشهرة والاستقراء ، بل يستفاد منه عدم اشتراط الظنّ في الترجيح ، بل يكفي تطرّق احتمال غير بعيد في أحد الخبرين بعيد في الآخر ... الثاني : كون الخبر المخالف أقرب من حيث المضمون إلى الواقع. والفرق بين الوجهين : أنّ الأوّل كاشف عن وجه صدور الخبر ، والثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع.
3- هذا هو الصواب ، وفي النسخ : « أبي بكر ».

ففيه (1) التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه » (2) فإنّه يمكن استفادة الوجه المذكور من هذه الرواية.

ثمّ إنّه ليس المراد بأنّ (3) جميع ما يشبه قول الناس فيه التقيّة ، كما أنّه ليس المراد بالثاني هو الجميع (4) ؛ للقطع بموافقة بعض الأحكام الواقعية لأقوالهم كالقطع بورود التقيّة فيما لا يشبه قولهم كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المراد بالمشابهة أعمّ من (5) أن يكون نفس الفتوى مشابهة لفتاويهم (6) ، أو يكون استنباط الفتوى من المدارك شبيها لاستنباطهم كأن يكون الدليل استحسانا أو قياسا ونحو ذلك ، والمحمول على التقيّة هي الجهة المشابهة فقط ، فالمحمول على التقيّة - في قول أبي جعفر عليه السلام لزرارة حيث سأله بقوله : أصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : « لا إنّه لا تصلّي (7) نافلة في وقت فريضة ، أرأيت إن كان عليك [ صوم ] من شهر رمضان أكان لك أن تطوّع حتّى تقضيه؟ » قال : قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني (8) - هو الاستدلال لا نفس الحكم فإنّ (9) المشابه (10) هو الاستدلال فقط ، ومثله قياسه الحجّ عن الأب على الدين الواجب له.

الثاني : هو أقربية مضمون المخالف للواقع من الموافق.

والفرق بين الوجهين هو أنّ الأوّل يرجّح (11) جهة صدور الرواية ، والثاني يقوّي

ص: 590


1- في المصادر : « فيه ».
2- تهذيب الأحكام 8 : 98 ، باب 4 ، ح 9 ؛ الاستبصار 3 : 318 ، باب 183 ، ح 10 ؛ الوسائل 22 : 285 ، باب 3 من كتاب الخلع ، ح 7 ، و 27 : 123 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 46.
3- « م » : أنّ.
4- « س ، م » : الجمع.
5- « ج ، س » : - أعمّ من.
6- « م ، د » : لفتواهم.
7- في النسخ : لا يصلّي.
8- المستدرك 3 : 160 ، باب 46 من أبواب المواقيت ، ح 3.
9- « س » : لأنّ.
10- « د » : المشابهة.
11- « ج » : ترجيح.

مضمون الرواية كما هو ظاهر ، وهذا الوجه ممّا يظهر من جملة من الأخبار كما في المقبولة حيث علّل ذلك بقوله : « ففيه الرشاد » وفي المرفوعة : « فإنّ الحقّ فيما خالفهم » بناء على ما هو الظاهر من أنّ كلمة « ما » موصولة وفي رواية أخرى : « فإنّ الرشد في خلافهم » (1) وفي رواية عليّ بن أسباط قال : قلت للرضا عليه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، فقال عليه السلام : « ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه » (2). وأوضح دلالة من ذلك مرفوعة أبي إسحاق الأرجاني (3) إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال عليه السلام : « أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله (4) العامّة ». فقلت : لا أدري فقال : « إنّ عليّا عليه السلام لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء (5) الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء (6) جعلوا له ضدّا من عند أنفسهم (7) ليلبسوا على الناس » (8) ولعلّ المراد أنّ أصول مطالبهم الموروثة (9) من أسلافهم التي يتفرّع عليها فروع مذاهبهم في الموارد المتفرّقة في الفقه والأصول مخالفة لما بيّن لهم الأمير عليه السلام ، وإلاّ فأغلب المخالفات في المسائل الفقهية إنّما نشأ بعد زمان الأمير عليه السلام في زمان السامري من هذه الأمّة ، نعم ذلك الشقيّ ما قصر في مخالفة الصادق عليه السلام حتّى قال - فيما حكى ابنه - : خالفت جعفرا في كلّ ما يقول أو يفعل لكنّي لا أدري هل

ص: 591


1- الوسائل 27 : 112 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 19 ، عن مقدّمة الكافى.
2- الوسائل 27 : 115 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 23.
3- « س » والبحار : الأرجائي.
4- في المصادر : تقول.
5- « ج ، م » : - الشيء.
6- لم ترد في المصادر « بشيء ».
7- في المصادر : عندهم.
8- علل الشرائع : 531 ، باب 315 ، ح 1 ، وعنه في الوسائل 27 : 116 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 24 والبحار 2 : 237 ، باب 29 ، ح 25.
9- « د » : المورّثة.

يغمض عينيه في الركوع أو يفتحهما؟ (1) قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون.

الثالث : أن يكون الوجه في المخالفة هو مطلوبية مخالفتهم على أن يكون المخالفة معتبرة من حيث الموضوعية ، فلا يكون المناط في كشفها عن صدور الرواية من غير جهة التقيّة كما هو المدار في الوجه الأوّل ، أو أقربية المضمون للواقع على ما هو المناط في الوجه الثاني ، ويمكن استظهار ذلك من قوله : « فإنّ الرشد في خلافهم » إذا جعلنا الخلاف مصدرا ، فيكون المعنى فإنّ الرشد في مجرّد مخالفتهم ومحض خلافهم ، وكذا يستفاد من قوله : « فإنّ الحقّ فيما خالفهم » إذا اعتبر كلمة « ما » مصدرية لا موصولة.

وإذ قد تحقّق هذه الوجوه فنقول : إنّ الوجه الثالث ممّا يلتصق بما نحن بصدده لكنّه كما عرفت مبنيّ على استظهار غير ظاهر وإن كان محتملا ، والوجه الأوّل وإن كان يساعده الاعتبار إلاّ أنّه لم يكن معلوما من الأخبار ، نعم يمكن الاتّكال عليه عند ما يراد تشخيص عمل العلماء بمطلق القوّة ، والوجه الثاني لو تمّ كما عرفت من دلالة الأخبار عليه ينهض بما هو المقصود حيث إنّ المناط فيه هو الأقربية إلى الواقع ، فيعلم منه أنّ الأقرب إلى الواقع مقدّم على غيره ، وهذا هو الوجه في تعويل الأصحاب على الأخذ بما هو الأقرب إلى الواقع عند المعارضة ، وليس في ذلك متابعة للعامّة كما افتراهم بذلك بعض القاصرين ، فحاشاهم عن متابعة من ملئوا طواميرهم عن وجوب مخالفتهم ، وهل يرتضي المنصف من نفسه أن يظنّ في حقّ الشيخ والمحقّق والعلاّمة مثل هذا الظنّ؟ فإنّ بعض الظنّ إثم.

وقد يستدلّ على ذلك - مضافا إلى ما عرفت - بوجهين (2) آخرين : أحدهما : ظهور الإجماع على ذلك وليس بكلّ البعيد ، وقد نقل الإجماع غير واحد من أصحابنا

ص: 592


1- زهر الربيع : 522 نقلا من هامش الرسائل 1 : 615 و 4 : 125.
2- « س » : جهتين.

كالعلاّمة في النهاية والأستاد الأكبر في بعض رسائله وسيّد المفاتيح (1) ، ويستكشف ما ذكرنا من الرجوع إلى كلماتهم حيث يقتصرون في مقام الاستدلال بإحراز صغرى (2) الأقوائية من غير ملاحظة أنّ مجرّد إحراز الصغرى لا يجدي في إثبات الحكم المستدلّ عليه نظرا إلى أنّ الكبرى مفروغ عنها ، وقد عرفت (3) تعليل الشيخ والمحقّق في مخالفة العامّة فراجع.

وثانيهما : قاعدة الاشتغال فإنّ الأمر دائر بين الأخذ بما في طرفه المرجّح الظنّي والتخيير ؛ إذ المفروض انتفاء التساقط على المختار.

فإن قلت : قد علم ممّا مرّ (4) في بعض مباحث الظنّ أنّ الاشتغال في المسألة الفرعية ربّما يقدّم على الاشتغال في المسألة الأصولية ، وعلى ذلك بنيت في ردّ من زعم إهمال النتيجة الحاصلة من دليل الانسداد ، ثمّ حاول التعميم بالقاعدة المزبورة ، فلعلّ المقام أيضا من الموارد التي يقدّم الاشتغال في المسألة الفرعية عليه في الأصولية.

قلت : فرق ظاهر بين المقامين ؛ إذ أدلّة التخيير بين الدليلين الواردة في مقام علاج المتعارضين ناطقة بأنّ الطريق هو أحد الخبرين ، وبعد قيام الدليل الاجتهادي على

ص: 593


1- قال في النهاية كما عنه في مفاتيح الأصول : 686 : لنا الإجماع على العمل بالترجيح والمصير إلى الراجح من الدليلين. قال الوحيد في الفوائد الحائرية :220- 221 : وعند الأخباريين أنّ بناء المرجّحات على التعبّد ... وأمّا المجتهدون فلمّا كان بناؤهم على التحرّي وتحصيل ما هو أقرب إلى ظنّهم في السند والدلالة والتوجيه فلا يستشكلون في هذه الأخبار أيضا ، وكلّ يبني الأمر فيها على ما هو الأقرب عنده. قال السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٧١٧ : ولظهور اتّفاقهم على صحّة الترجيح بكلّ ما يفيد الظنّ عدا القياس. قال العلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٣٢ : لنا أنّه لو لم يعمل بالراجح لعمل بالمرجوح وهو خلاف المعقول ، ولأنّ الإجماع من الصحابة وقع على ترجيح بعض الأخبار على البعض. ونقل ذلك أيضا في مفاتيح الأصول : ٦٨٦ عن الآخرين.
2- « د » : الصغرى.
3- عرفت في ص 589.
4- مرّ في ج 3 ، ص 251.

التخيير لا وجه للاحتياط في المسألة الفرعية بخلاف ما ذكرنا في مباحث الظنّ ، كذا أفاد سلّمه اللّه (1).

قلت : وفيه ما لا يخفى ، أمّا أوّلا : فلأنّ المفروض في دليل الانسداد حجّية مطلق الظنّ بواسطة الاحتياط في المسألة الأصولية ، وبعد اعتبار الظنّ وقيامه على أنّ السورة ليست جزء في الصلاة لا وجه للشكّ في كونها جزء حتّى يتحقّق موضوع الاشتغال في المسألة الفرعية ، فكلّما فرض حجّية دليل ولو بواسطة الاحتياط لا يعقل الشكّ الشرعي في المسألة الفرعية ؛ لأنّ الشكّ في المسألة الفرعية مسبّب عن الشكّ في المسألة الأصولية ، وهو دام ظلّه العالي تفطّن بذلك أيضا إلاّ أنّه دفعه بعدم المنافاة بين مفاد الظنّ القائم على عدم الوجوب وبين ما يدلّ على وجوبه بالفرض (2) ؛ لكونه واقعا في أطراف العلم الإجمالي في المسألة الفرعية ، وظنّي أنّه غير مجد ؛ لأنّ العلم الإجمالي القاضي بالاحتياط إنّما ارتفع بواسطة حجّية الظنّ القائم على أحد أطراف العلم الإجمالي ، نعم ذلك يجدي فيما لو كان الشكّ ناشئا من غير الجهة التي أقيمت عليها الحجّة الظنّية وذلك ظاهر.

وأمّا ثانيا : فلأنّ إطلاق أدلّة التخيير لا يفرق فيه بين ارتفاع الاحتياط في الفرع وبين ارتفاعه في المسألة الأصولية ، فلو أخذ ما به (3) يلزم القول بالتخيير (4) مطلقا كما لا يخفى ، فالحقّ عدم استقامة الوجه المذكور نظرا إلى ما حقّقنا من أنّ أصالة البراءة محكّمة فيما دار الأمر بين التعيين والتخيير وإن قلنا بتقديم الاشتغال في المسألة الأصولية على الاشتغال في المسألة الفرعية ، على أنّه قد يحتمل أن يكون المرجّح النصوص في طرف آخر ، فلا يمكن الاستناد إلى الاشتغال ؛ لتعارضه من الطرفين ، فتأمّل.

ص: 594


1- « د » : أفاده الأستاد.
2- « م ، س » : بالعرض.
3- « س ، ج » : « بأنّه » بدل « ما به ».
4- « س » : بالنتيجة.

هذا تمام الكلام فيما يستفاد من الروايات والأدلّة الخاصّة ، وأمّا الكلام فيما هو قضيّة لمذاهب (1) بتقريب أنّ ما مرّ من التلويحات الأخبارية والإجماعات المنقولة ربّما يمنع عنها مانع ، وحيث إنّ دائرة المنع أوسع ممّا يمكن أن يحاط به فنحن إرخاء لعنان الخصم وإغماضا عمّا ذكرنا نفصّل الكلام على مقتضى المذاهب وإلاّ فالخبير تنبّه ممّا ذكر (2) قطعا ، فنقول : إنّه قد يدّعى جريان دليل الانسداد القاضي بحجّية مطلق الظنّ في نفس مسألة الترجيح ، وتقريره هو أنّه لا ريب في وجوب الترجيح على المجتهد في الأخبار المتعارضة ؛ إذ لو لم يؤخذ به لزم طرح الأخبار الكثيرة المستلزمة للمخالفة القطعية ، والمرجّحات المنصوصة قد (3) عرفت (4) حالها من عدم انضباطها وقلّة مواردها وعدم إمكان الجمع بينها في الروايات المختلفة ، والاحتياط بالجمع بين مدلولي المتعارضين غير ممكن أو غير واجب إجماعا ، فلا بدّ من الأخذ بالظنّ القائم على أحد الطرفين ، ضرورة بطلان ترجيح المرجوح على الراجح.

فإن قيل : فليراجع إلى التخيير في كلّ الموارد. قلنا : مردود بالعلم الإجمالي بالمخالفة القطعية على تقديره.

ولكنّ الإنصاف عدم استقامة الوجه المذكور ؛ لأنّ الأغلب ارتفاع التعارض بين المتعارضين بإعمال المرجّحات الإجماعية كحمل الظاهر على النصّ والأظهر ، ونحو ذلك من المرجّحات المعمولة في الدلالة على ما عرفت شطرا منها ؛ إذ أغلب موارد التعارض كما يظهر بالتتبّع مرجعها إلى التعارض في الدلالة ، وبعد إعمال المرجّحات المنصوصة أيضا على الوجه المعلوم اعتبارها من اجتماع الأخبار (5) العلاجية لا نسلّم أنّ الرجوع إلى التخيير يستلزم المخالفة القطعية.

ص: 595


1- « د » : المذهب.
2- « س » : ذكرنا.
3- « ج » : وقد.
4- قد عرفت في ص 582 - 583.
5- « ج » : « أخبار » وكذا في المورد الآتي.

وتوضيح المقام : هو أنّه قد عرفت (1) أنّ التعارض الواقع بين الأدلّة قد لا يحتاج الجمع بينها إلى قيام شاهد خارجي على الجمع ، وقد يحتاج ، وعلى الثاني فتارة : يكفي في الجمع إخراج أحدهما عن الظهور ، وتارة : لا يكفي ، بل لو أريد الجمع فاللازم إخراجهما عن ظاهريهما ، قد عرفت وجوب الجمع على الأوّل ، والرجوع إلى الأصل في الثاني ما لم يظهر لأحد الظاهرين مرجّح به يتقوّى ظهوره بالنسبة إلى الآخر ، فإنّ المطابقة المضمونية (2) ممّا لا يكفي في حمل ظهور أحد الظاهرين على الآخر ما لم يرجع إلى قوّة نفس الظهور ، وأغلب موارد التعارض يرجع إلى هذين القسمين ، وأمّا القسم الثالث فبعض المرجّحات المتّفق على الترجيح بها الأخبار العلاجية - كالترجيح بالشهرة فيما لم يكن (3) معارضة بالأعدلية - مثلا - أو كانت وقلنا بتقديم المقبولة على المرفوعة كما عرفت (4) - ممّا لا كلام في لزوم الأخذ بذلك البعض ، وأمّا ما يبقى بعد ذلك فالعلم الإجمالي ببقاء التكليف بين الأخبار المتعارضة من جهة الترجيح ممنوع وعلى المستدلّ إقامة الدليل على ذلك وأنّى له بذلك؟ فلا وجه للاعتماد على دليل الانسداد في نفس مسألة الترجيح ؛ لعدم تمامية مقدّماته ، وهل يجدي في ذلك ملاحظة الأدلّة (5) الدالّة على حجّية أخبار الآحاد ، أو لا؟ فيه تفصيل.

وتحقيقه : أنّه اختلف آراء المتمسّكين بعروة الانسداد ، فمنهم من يرى أنّ نتيجة البرهان حجّية الظنّ بنفس الحكم الفرعي ، وهذا هو المشهور بينهم ، ومنهم من زعم أنّها حجّية الظنّ المتعلّق بطرق الأحكام كما علم في محلّه مستوفى ، ومنهم من قال بأنّ النتيجة بعد تسليم المقدّمات هو الحكم بوجوب تفريغ الذمّة وتحصيل الامتثال الظنّي ، والظنّ بالفراغ كما يحصل بإتيان نفس الواقع الظنّي كذلك يحصل بالأخذ بما هو قضيّة

ص: 596


1- قد عرفت في ص 540.
2- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : المضمونة.
3- كذا. والصواب ظاهرا : لم تكن.
4- عرفت في ص 583.
5- في النسخ : أدلّة.

ما يظنّ كونه بدلا عن الواقع وهو الإتيان بما يستفاد من الطريق الظنّي.

فأصحاب المقالة المشهورة لا يعقل لهم مباحث التراجيح حيث إنّ الظاهر أنّ نتيجة الدليل هو الظنّ الفعلي.

قلت : ذلك على ما هو التحقيق من حكومة العقل باعتبار الظنّ بعد إبطال البراءة والاحتياط والرجوع إلى الأصول المحرّمة (1) ، وأمّا على تقدير الكشف كأن يكون (2) الانسداد مع بطلان المحتملات كاشفا عن كون الظنّ حجّة كما هو المعتمد عند أصحاب هذه المقالة فيمكن أن يكون الحجّة عندهم نوع الأمارة الظنّية فيتعقّل عندهم مسألة الترجيح (3) كما لا يخفى. وكيف كان ، فعلى ما هو التحقيق لا يمكن التعارض عند القائلين بالظنون الشخصية ، نعم يتأتّى ذلك في حقّهم بالنسبة إلى الأدلّة التي يعتمدون عليها من جهة أدلّة خاصّة كالصحاح الأعلائية الموثوق بها مثلا.

وأمّا أصحاب المقالة الثانية فقد يظهر من بعض الأجلّة على ما استظهره الأستاد دام مجده وعلاه من تضاعيف كلماته أنّه يكفي في الأخذ بالخبر المقرون بالمرجّح الظنّي عند التعارض ما زعمه من اعتبار الظنّ في الطريق ولا حاجة إلى ملاحظة اعتبار الظنّ في مسألة الترجيح بالانسداد أو بغيره.

وتوجيهه على ذلك المذهب أن يقال : إنّ الحاصل من دليل الانسداد هو إعمال الظنّ في طريق الأحكام والأخذ بما يظنّ (4) فعلا في كلّ واقعة أنّه هو الطريق ، ولا خفاء في أنّ الطريق الظنّي فعلا في الواقعة التي توارد فيها الطريقان (5) هو المعاضد (6) بالوجه الظنّي دون الآخر ، فلا بدّ من الأخذ به وطرح مقابله بحسب نفس دليل حجّية الأخبار وإن لم يكن ذلك المرجّح الظنّي معلوم الاعتبار ، وهو ضعيف جدّا ؛ لأنّ قضيّة العلم

ص: 597


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : محرّمة.
2- « د ، س » : + بعد.
3- « م » : التراجيح.
4- « د » : الأخذ بالظنّ.
5- « س » : الطريق.
6- « د » : فهو المعارضة.

الإجمالي بوجود الطريق المنصوب بين الأمور المحتملة لذلك على هذا المذهب ليس إلاّ اعتبار الظنّ في تشخيص نوع الطريق بين الأنواع المحتملة ، وأمّا تشخيص شخص الطريق بين المتعارضين فليس يقضي بذلك شيء من وجوه الأدلّة التي أقامها هو وبعض موافقيه هنالك ، ونظير ذلك هو القول بحجّية الظنّ الحاصل بالموضوع كالوقت - مثلا - استنادا إلى جريان دليل الانسداد في الأحكام الشرعية.

وتوضيح المقام وتحقيقه : أنّ العلم الإجمالي الذي هو الملاك في دليل الانسداد تارة : يدّعى على وجه يقضي بحجّية الظنّ المتعلّق بنوع الأمارة ، فيكون الظنّ المتعلّق بخصوصية الأمارة في الواقعة الخاصّة خارجا عن مقتضى العلم الإجمالي ، فيحتاج التعويل عليه في مقام الترجيح من التماس دليل آخر وذلك كأن يقال : إنّا نعلم إجمالا بأنّ الشارع الحكيم قد جعل لنا طريقا إلى مطلوبه ولا تكليف إلاّ بما يستفاد من ذلك الطريق وقد تشابه علينا ذلك الطريق ، فلا بدّ من الأخذ بالظنّ التفصيلي في تشخيص ذلك المعلوم الإجمالي ، فإنّ هذا الدليل لا يستفاد منه إلاّ حجّية الطريق المظنون بحسب نوعه ، وأمّا أنّ المقدّم في مقام التعارض هو أيّهما؟ فلا دلالة فيه بوجه.

وأخرى : على وجه يقضي بحجّية الظنّ المتعلّق بشخص الطريق كأن يقال : إنّا نعلم إجمالا أنّ الشارع الحكيم قد جعل لنا في كلّ واقعة طريقا إلى ما هو مطلوبه في تلك الواقعة ، وحيث لا نعلمه بخصوصه فلا بدّ من الأخذ بالظنّ في تشخيصه.

ونظير الأوّل ما إذا قلنا بثبوت الأحكام الشرعية الواقعية مع عدم العلم بها ولو من وجه شرعي ، وبعد بطلان الوجوه المحتملة يحكم العقل باقتناع الامتثال الظنّي ووجوب تفريغ الذمّة على وجه ظنّي ، وأمّا لو تعلّق الظنّ بموضوع الحكم الشرعي كما إذا ظنّ بدخول الوقت المستلزم للظنّ بوجوب الصلاة فيه على الظانّ فهو خارج عن مفاد الدليل ، فإنّ العلم الإجمالي في نفس الأحكام لا يقضي إلاّ بحجّية الظنّ في نفس الأحكام.

ص: 598

ونظير الثاني ما إذا قلنا بأنّا نقطع بأنّ هذه الحركات والسكنات الصادرة منّا طول الليل والنهار تشتمل على أمور واجبة علينا وأمور محرّمة بالنسبة إلينا ، ولمّا انسدّ باب العلم في تشخيص هذه الحركات انفتح طريق الظنّ بها بالاقتناع به في مقام الامتثال.

والمذكور في كلام الزاعم المذكور هو الوجه الأوّل وقد عرفت أنّه غير واف بإثبات المطلوب.

وأمّا الوجه الثاني فمع فساده في أصله غير مذكور في كلماتهم كما يظهر بالتتبّع في مطاويها ، ولعلّ ذلك هو منشأ الخلط ، وقد تفطّن بذلك في نظير المقام حيث لم يعتبر الظنّ بالعدالة مع أنّ الظنّ بها أيضا مثل الظنّ بأنّ المقدّم من المتعارضين هو الموافق للمرجّح الظنّي فراجع كلامه ، بل الحقّ أنّ أرباب هذه المقالة الباطلة كما ليس لهم العمل بالمرجّحات الظنّية كذلك ليس لهم العمل بالمرجّحات المنصوصة ، فإنّ العلاج المهديّ إليه بواسطة الأخبار العلاجية إنّما يعالج به فيما هو الحجّة عند السائل لا فيما هو الحجّة مطلقا.

وتحقيق ذلك : أنّ القائلين بالظنون الخاصّة يعوّلون عليها بواسطة قيام حجّة شرعية كالإجماع على حجّية أمارة خاصّة كأخبار الآحاد ، ولا شكّ أنّ قضيّة ذلك حجّية الخبر في نفس الأمر لجميع المكلّفين ، فما هو حجّة لنا فهو حجّة للسائل في الأخبار العلاجية أيضا وبذلك يصحّ الأخذ بالمرجّحات المنصوصة عند تعارض الظنون الخاصّة بخلاف ما إذا اشتبه الحجّة والطريق في أمور محتملة لذلك فإنّ الظنّ بأنّ الأمارة (1) (2) الفلانية هي الحجّة التي يجب عليها التعويل يحتمل أن يكون مخالفا للواقع ولو عند الظانّ أيضا ، فما ظنّه حجّة يحتمل أن لا يكون حجّة واقعية والسائل إنّما سأل عمّا هو الحجّة في الواقع ، والوجوه المذكورة في الترجيح بناء على ذلك يختصّ بما هو الحجّة الواقعية ، فليس لهذا القائل إعمال المرجّحات المنصوصة فيما ظنّه طريقا وحجّة ؛

ص: 599


1- « س » : الظنّ بالأمارة.
2- « س » : الظنّ بالأمارة.

إذ لا يعلم بأنّه هو الطريق الذي يجب الأخذ بتلك المرجّحات عند تعارضه بمثله مثلا.

لا يقال : فتلك الأمارة المظنونة وإن لم يعلم بكونها الحجّة الواقعية إلاّ أنّها حجّة قطعية نظرا إلى الدليل القاضي بذلك ، فيصحّ الأخذ بالمرجّحات المنصوصة فيها أيضا.

لأنّا نقول : هذه المرجّحات ليست بمرجّحات لمطلق ما هو الحجّة ، بل لما هو كذلك عند السائل كما لا يخفى ، فإنّ ظهور اختصاص السؤال بما هو المتعارف بينهم من الأخبار ممّا لا يقبل الإنكار ، فتأمّل.

نعم ، يمكن القول باكتفاء الظنّ عند الانسداد بما هو الحجّة الواقعية في ترتيب مثل هذه الآثار أيضا إلاّ أنّه لا يخلو من شيء.

وأمّا على المذهب المختار (1) من أنّ نتيجة البرهان هو وجوب تفريغ الذمّة الحاصل بإتيان ما هو الواقع وبإتيان ما هو بدل منه ، فالتحقيق أنّه لا يتصوّر التعارض أيضا كما عرفت من مذاق المشهور.

أمّا بالنسبة إلى الظنّ (2) بالواقع فظاهر ؛ لأنّ النتيجة هو الظنّ الشخصي ولا يعقل التعارض بين الظنّين كما في القطعين (3).

وأمّا بالنسبة إلى الظنّ بما هو مسقط عن الواقع وبدل منه - وإن كان يعقل (4) القول بتعلّق الظنّ بنوع الأمارة فيصير الظنّ المتعلّق بتقديم أحد أفراد ذلك النوع على الآخر خارجا عمّا هو مفاد الدليل كما عرفت على تقدير القول بحجّية الظنّ في خصوص الطريق فقط ، فيحتاج في إثبات حجّية مثل هذا الظنّ إلى دليل آخر غير الدليل الأوّل - إلاّ أنّه ليس على ذلك المنوال ، فإنّا (5) ندّعي أنّ الظنّ بالفراغ لا يحصل من خبر

ص: 600


1- عطف على « أمّا أصحاب المقالة الثانية » في ص 597.
2- « ج » : الطريق.
3- « س ، د » : الظنّيين كما في القطعيين.
4- « س » : يعلّق.
5- « د » : لأنّا.

العادل فيما يعارضه خبر الأعدل - مثلا - فالمفرّغ (1) للذمّة عند التعارض منحصر فيما هو الأقوى ، وعلى هذا فلا تعارض ، وبالجملة فنوع الأمارة مظنون الحجّية فيما إذا لم يعارض بعضها ما هو أقوى منه ، فتدبّر.

نعم ، قد يشكل الأمر في ذلك فيما إذا تعلّق الظنّ بحسب الواقع بخلاف ما هو المظنون كونه بدلا ، ودفعه بالتزام الأخذ بما هو أقوى الظنّين (2) كما مرّ ذلك مفصّلا في محلّه.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى دليل الانسداد ، وأمّا الكلام في سائر الأدلّة الدالّة على حجّية أخبار الآحاد فتحقيقه أن يقال : إنّ بعد فرض انتفاء الأدلّة الخاصّة على حجّية مطلق الأقوائية في مقام الترجيح لا وجه للأخذ بها على مذهب من زعم وجوب العمل بقول العادل تعبّدا كما عرفت فيما مهّدنا لك من الأصل ، فلا بدّ من الاقتصار على المرجّحات المنصوصة الثابتة.

نعم ، يصحّ الأخذ بها على تقدير القول بحجّية الأخبار الصادرة ظنّا عن الأئمّة الأطهار ، فإنّ الأقوائية مرجعها إلى أقوائية الظنّ بصدور الأقوى ممّا (3) هو الملاك في الحجّية ، والمناط في الاعتبار متأكّد في الأقوى دون الآخر ، وبذلك يظهر أنّ الأخذ بما هو الأقوى (4) صدورا لازم على ما هو التحقيق من حجّية الأخبار الموثوق بها ، فإنّ سكون النفس وركونها في الأخذ بما هو الأقوى من الدليلين (5) ، ولا حاجة إلى إقامة برهان غير ما انتهض على اعتبارها في محلّه ، ولا يلزم من ذلك عدم اعتبار المعارض الآخر نظرا إلى انتفاء الوثوق فيه كما هو المفروض حتّى يؤول الأمر حقيقة إلى انتفاء التعارض كما عرفت نظير ذلك على القول بحجّية الظنّ المطلق ، والوجه في ذلك أنّ

ص: 601


1- « س » : كالمفرغ وفي « ج » : فالمفروغ.
2- « س » : الظنيين.
3- « ج ، د » : فيما. خ ل بهامش « م » : فما.
4- « د » : أقوى.
5- « س » : الدليل.

زوال الوثوق بالمعارضة لا يقضي بعدم الحجّية كما أنّ الذاهب إلى حجّية الخبر المظنون الصدور أيضا يلتزم بذلك ، وليس لك إجراء مثله على القول بمطلق الظنّ كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في المرجّحات التي بها يتقوّى أحد الدليلين على الآخر بإحدى الجهات الراجعة إلى كونه دليلا كتقوية الدلالة والصدور وجهة الصدور.

وفي المقام مرجّحات أخر لا دخل لها في تقوية الجهات الراجعة إلى الدليلية وهي ما يتقوّى بها أحد الدليلين مضمونا على الآخر كموافقته للأمارات (1) الظنّية كالاستقراء والشهرة الفتوائية ونحوها ، فالظاهر جريان الأدلّة المذكورة فيها أيضا إلاّ أنّ الإجماع المنقول في المقام السابق لعلّه لا ينهض في المقام بدعوى ظهور اختصاصه بما إذا أفاد المرجّح تقوية للدليل من حيث هو دليل ، وأمّا مجرّد الموافقة المضمونية (2) فلا يورث تقوية في الدليل ، ولعلّك بعد الرجوع إلى وجوه التراجيح الواقعة في كلماتهم كما يظهر بالتصفّح في مطاويها تقدر على فكّ هذه العقدة فراجعها.

لا يقال : إنّ غاية ما يستفاد من الوجوه المذكورة في مقام الترجيح بالوجوه الظنّية هو الظنّ وهو لا يغني من الحقّ شيئا فكيف يجوز التعويل بمثله في المسألة الأصولية مع أنّ الشيخ نفى الخلاف في عدم اعتباره فيه كما عن العدّة (3) ونقل السيّد الإجماع عليه ونسبه السيّد الشارح في شرحه للوافية (4) إلى المحقّقين؟ فالتعويل على الظنّ في الترجيح يرجع إلى التعويل عليه في المسألة الأصولية وقد عرفت فساده في مذهب أهل التحقيق.

لأنّا نقول : بعد الغضّ عن ظنّية الوجوه المذكورة كما ربّما هو ظاهر لمن راجع نفسه منصفا أنّ ذلك وإن اشتهر عندهم غاية الاشتهار إلاّ أنّ عدم الفرق بينها (5) وبين غيرها

ص: 602


1- « س » : كموافقة الأمارات.
2- « م » : المضمونة.
3- لم أجده.
4- انظر شرح الوافية ( مخطوط ) 200 / ب - 201 / أ.
5- « د » : بينهما.

من المسائل الفرعية في منار كما يقضي بذلك الإنصاف.

قلت : ولعلّ الوجه في ذلك هو تخيّل أنّ المرجع في المسائل الفرعية هو المسألة الأصولية ، فاعتمدوا فيها على العلم قطعا للدور والتسلسل اللازمين على تقدير الظنّ فيها.

وذلك ليس على ما ينبغي ؛ لإمكان انتهائه إلى العلم في مدرك المسألة الأصولية كما لا يخفى.

وكيف كان فغاية ما يلزم من نقل الإجماع المذكور هو الظنّ بذلك ، فيؤول الأمر إلى تعارض الظنّ المانع والممنوع وقد مرّ في محلّه أنّ الأقوى هو الأخذ بأقوى الظنّيين ، فتأمّل في المقام فلعلّك تهتدي إلى ما هو التحقيق في الكلام واللّه الموفّق وهو الهادي.

ص: 603

ص: 604

هداية [ في بيان المرجّحات المنصوصة ]

قد مرّ تفصيل القول في حكم التراجيح بحسب الكبرى فلنعطف الكلام إلى تفاصيل الصغريات فتارة : في المرجّحات المنصوصة ، وأخرى : في غيرها في طيّ هداية أخرى.

واعلم أوّلا : أنّ التعارض بين الدليلين إمّا أن يكون بحسب الدلالة وقد عرفت أنّ المناط فيه على الظهور ، فالمقدّم منهما هو الأظهر.

وإمّا أن يكون بحسب الصدور وقد عرفت أيضا أنّ المقدّم هو الأقرب إلى الواقع.

وإمّا أن يكون بحسب جهة الصدور وقد مرّ أيضا أنّ المقدّم هو الأبعد عن التقيّة من الآخر.

وقد يكون التعارض بين كلّ واحد من هذه الجهات وبين الجهة الأخرى ، كما إذا دار الأمر بين حمل الرواية على التقيّة أو تصرّف (1) في الدلالة ، فالظاهر هو تقديم الترجيح في الدلالة على العلاج في السند مطلقا ولو كان المرجّح بحسب الدلالة في غاية الضعف ، وقد مرّ التنبيه (2) على فساد مقالة من زعم تقديم المطلق على المقيّد بواسطة موافقة المقيّد لمذهب العامّة ، ولعلّ ذلك محلّ وفاق عندهم ، ولا فرق فيه بين أن يكون المرجّح في الدلالة داخليا كما مرّ أو خارجيا وستعرف تفصيله ، والوجه في

ص: 605


1- « د » : التصرّف.
2- مرّ في ص 543.

ذلك هو ملاحظة طريقة العرف في امتثال أوامر الموالي.

وإذا وقع التعارض بين الترجيح بحسب السند بالأخذ بالمرجّحات السندية الداخلية كالأعدلية ونحوها وبينه بالأخذ بالمرجّحات الخارجية كالشهرة - مثلا - فيظهر من سيّد المفاتيح (1) طاب ثراه تقديم المرجّح الخارجي على الداخلي مطلقا ولعلّه ليس في محلّه على إطلاقه ؛ إذ ربّما يكون الأقرب هو المرجّح الداخلي ، نعم ، لا يبعد القول بأنّ الغالب هو تقديم الخارجي ؛ لأنّه هو الأقرب ، فالمناط هو الأقربية.

وإذا عرفت (2) ذلك فاعلم أنّ المرجّحات المنصوصة مختلفة غاية الاختلاف ، وأوضح الروايات الواردة فيها هي المقبولة فنسوق الكلام فيها توضيحا لما اشتملت عليها من الفقرات وتحقيقا لتقديم بعضها على الآخر ، فنقول : إنّه قد اعتبر فيها الترجيح أوّلا بعدّة أمور وهي : الأعدلية ، والأفقهية ، والأورعية ، والأصدقية ، والأخذ بظاهرها كما مرّ غير نافع في مقام الترجيح لندر اجتماعها في الغاية ، بل ينبغي أن يكون المراد الترجيح بكلّ واحد منها ويكشف عن ذلك أمور :

أمّا أوّلا : فالعارف بصناعة الكلام ومن له ذوق في تحصيل المرام إذا تأمّل في مساق الخبر وأعطاه حقّ النظر لعلّه يقطع بذلك ، فإنّ اجتماع أمور في مقام التعبير مع اعتبار كلّ واحد منها على حدّه في مقام التأثير ممّا ليس بذلك البعيد.

وأمّا ثانيا : فالسائل لم يعدّ إلى السؤال عن اجتماع بعضها دون الآخر مع أنّ الترتيب الطبيعي على تقدير اعتبار الأمور الأربع يقضي بذلك.

وأمّا ثالثا : فانفراد الأعدلية عن أخواتها في مرفوعة زرارة شاهد صدق على اعتبار كلّ واحد منها في مقام الترجيح.

وأمّا رابعا : فلأنّ اعتبار الأعدلية مع الأصدقية في غاية البعد ، فإنّ ما هو المعتبر من العدالة في الخبر هو التحرّز عن الكذب ، وأمّا الاجتناب عن غيره من المعاصي فممّا

ص: 606


1- مفاتيح الأصول : 689.
2- « س » : إذ قد عرفت.

لا دخل (1) له في صدق الخبر إلاّ أن يكون المدار على التعبّد الصرف ولا نقول به ، فما هو الحاصل من أحدهما يحصل من الآخر.

فينبغي أن يحمل على أنّ المعتبر في مقام الترجيح هو أحد هذه الأمور ، ولا يضرّ في ذلك تكرار أحدهما ولو بعبارة أخرى غير العبارة التي عبّر بها أوّلا ؛ إذ لا شبهة أنّ خبر العادل أقرب إلى الواقع من غيره وقضيّة ذلك أقربية الأعدل من غيره ، وذلك أمر ظاهر بالرجوع إلى كلماتهم فإنّ المناط عندهم الأقربية ولذلك يقدّمون روايات حسن بن عليّ بن فضّال مع كونه فطحيا على رواية بعض آخر وإن كان إماميا حيث إنّه لم يتّكل على الروايات التي رواها عن أبيه ؛ لعدم بلوغه حال التحمّل مع أنّ المعتبر عندهم هو البلوغ حال الرواية ، ومن هنا ينقدح لك الوجه في تقديم رواية صاحب الواقعة على غيره ؛ لكونه على حرص من ضبط الرواية في الأغلب.

ومن المرجّحات المذكورة في المقبولة اشتهار أحد الخبرين دون الآخر بحسب الرواية وقد عرفت (2) المراد منه ، وتوضيحه أنّ الشهرة في المقام المراد منها معناها اللغوي كقولهم : سيف شاهر ، أي ظاهر بارز لا سترة عليه ولا يخفى عند أحد ، ولذلك أردفه في الرواية بقوله : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » فالرواية التي تتداول (3) بين الرواة ويحكيها جماعة من الثقات تعدّ مشهورة ، وما انفرد في روايتها بعض الرواة على وجه يستراب فيها هو الشاذّ النادر.

ثمّ المراد باشتهار الرواية هو اشتهارها على وجه ينتهي اشتهارها إلى المعصوم ، وأمّا لو اشتهرت في بعض الطبقات دون أخرى فالظاهر أنّ الرواية ليست شاملة لها وإن كان لا يبعد إلحاق مثلها بالمشهورة حكما كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في أمثال هذه الأزمنة قد يشكل العلم بموضوع هذه الشهرة ؛ لاجتماع

ص: 607


1- « س » : مدخل.
2- عرفت في ص 580.
3- « ج » : يتداولون « د » : يتداولوه.

الأحاديث في الأغلب في الكتب المشهورة عندنا من تصانيف المشايخ الستّة وافتراق الأصول التي أخذوا منها من الأصول الأربعمائة ، نعم يمكن استظهار ذلك من تعدّد طرق الرواية فإنّ بعضها مرويّة في جميع تلك الكتب ومع ذلك قد يكون طريق صاحب الكتاب متعدّدا فيها وبعضها ينفرد في ذكرها بعضهم.

وبالجملة : فلا ريب في اعتبار مثل هذه الشهرة في الرواية عند الأصحاب فلا ينبغي فيها الإطناب.

ثمّ إنّه قد زعم بعضهم شمول الشهرة هذه للشهرة في الفتوى ، وقد دفعناه في محلّه بما لا مزيد عليه (1) ، إلاّ أنّ الشهرة في الفتوى أيضا قد يمكن أن تكون (2) مرجّحة للرواية ، فلا بأس بذكرها إجمالا تتميما للمبحث وهي على أقسام : فتارة : لا يحصل منها الترجيح لإحدى (3) الروايتين ولا التوهين للأخرى (4) ، وتارة : يحصل الترجيح فقط وحينئذ فقد يكون من المرجّحات الداخلية ، وقد يكون من المرجّحات الخارجية ، وتارة : يحصل منها التوهين أيضا.

أمّا القسم الأوّل : فيتحقّق في موارد : منها : ما إذا علم بفساد مدرك المشهور كاستنادهم إلى رواية عادمة الدلالة على مطلبهم مع القول بأنّها لا تصلح لأن تكون (5) قرينة صارفة كما هو التحقيق ، أو مع عدم كشفها عن القرينة كشفا قطعيا ، وأمّا إذا قلنا بالأوّل فالشهرة تنهض قرينة على إرادة خلاف الظاهر كما إذا كانت كاشفة.

ومنها : ما إذا كان مأخذ المشهور أمرا لا يصلح للترجيح كما إذا كان أصلا من الأصول العملية.

ومنها : أن يكون مآخذهم مختلفة ، كما إذا زعموا استحباب شيء فبعضهم

ص: 608


1- انظر ج 3 ، ص 117 - 118.
2- في النسخ : يكون.
3- « د ، س » : لأحد.
4- « م ، ج » : للآخر.
5- في النسخ : يكون.

للاحتياط والآخر (1) لتضعيف الرواية - مثلا - والآخر للتسامح - مثلا - إلى غير ذلك من وجوه اختلاف المدارك ، فيكون الشهرة تقييدية نظير الإجماع التقييدي.

ومنها : ما إذا كان المأخذ مردّدا بين واحد من الأمور المذكورة وبين ما يصلح للترجيح.

وبالجملة : ففي أمثال هذه الموارد لا وجه للتعويل على الشهرة في مقام الترجيح.

وأمّا القسم الثاني : فكما إذا علم استناد المشهور إلى الرواية على وجه يورث اطمئنانا في صدورها أو جهة صدورها أو دلالتها وكما إذا أفاد الظنّ الواقعي بالحكم المطابق لمضمون أحد الخبرين ، فعلى الأوّل يكون الشهرة من المرجّحات الداخلية ، وعلى الثاني تكون (2) من المرجّحات الخارجية.

وأمّا القسم الثالث (3) : فكما إذا علم استناد المشهور إلى أحد الخبرين مع إعراضهم عن الآخر على وجه يكشف عن ضعف فيه وقوّة لمعارضه ولذا قيل : كلّما ازدادت الصحاح في قبال المشهور ازداد وهنا.

ومن المرجّحات موافقة الكتاب والسنّة (4) ومخالفة العامّة ، قد سبق (5) ما يرشدك إلى أنّ كلاّ من مخالفة العامّة وموافقة الكتاب والسنّة مرجّح في حيال ذاتهما ، فيكون اجتماعهما في الرواية تنبيها على لطيفة الملازمة بينهما ، وإلاّ فلا يكون لذكر المخالفة بعد ذلك وجه.

قلت : يحتمل أن يكون المعتبر في الترجيح أوّلا اجتماعهما ، ثمّ على تقدير عدم الاجتماع فالمرجّح هو المخالفة كما نبّهناك على مثله في الأصدقية فراجعه ، وكيف فالأولى تخصيص كلّ واحد منهما بالبحث.

ص: 609


1- « د » : الأخرى.
2- في النسخ : يكون.
3- « د ، س » : الثاني.
4- من هنا إلى قوله : « مرجّح » سقط من نسخة « د ».
5- سبق في ص 581.

فنقول : أمّا موافقة الكتاب فتحقيق الكلام فيه يتوقّف على بيان وجوه المخالفة المتصوّرة بين الكتاب والخبر وهي على أنحاء شتّى : أحدها : أن يكون مفاد الخبر المخالف رافعا لموضوع الحكم الكلّي المستفاد من عمومات الكتاب ، مثل ما ورد في الموارد الخاصّة من أدلّة الأحكام المخالفة للأصول العملية المأخوذة من العامّ الكتابي كقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) (1) ونحو ذلك.

وثانيها : أن يكون الثابت بالخبر أخصّ مطلقا ممّا ثبت بالكتاب ، مثل ما ورد من تخصيص وجوب الإنصات عند القراءة بحال قراءة الإمام (2) ، ومثل ما ورد في وجوب الغسل على المريض المتعمّد بالجنابة وإن أصابه ما أصابه (3) فإنّه تخصيص لقوله : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (4).

وثالثها : أن يكون بين مفاد الخبر والكتاب عموما من وجه ولا يحضرني الآن مثالا لهذا القسم.

ورابعها : أن يكون المخالفة على وجه المباينة.

فعلى الأوّل : لا ينبغي الارتياب في تقديم الخبر على الكتاب ؛ إذ لولاه لم يثبت تكليف قطعا بالأخبار ، والسرّ فيه انتفاء المخالفة حقيقة وإنّما يظنّها مخالفة من لا يكاد يعقل معنى المخالفة ، كما أنّه لا إشكال في لزوم طرح الخبر على الرابع فإنّ الاخبار الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب ربّما تعدّ (5) من المتواترات وليس بذلك البعيد فإنّها زخرف لا بدّ من ضربها على الجدار.

ص: 610


1- الطلاق : 7.
2- انظر الوسائل 8 : 355 ، باب 31 ، باب عدم جواز قراءة المأموم خلف من يقتدي به في الجهرية ووجوب الإنصات لقراءته.
3- انظر التهذيب 1 : 198 ، باب 8 ؛ الاستبصار 1 : 162 ، باب 96 ؛ الوسائل 3 : 373 ، باب 17 ، باب وجوب تحمّل المشقّة الشديدة في الغسل لمن تعمّد الجنابة دون من احتلم.
4- البقرة : 185.
5- في النسخ : يعدّ.

وعلى الثاني : فلا ريب في وجوب تخصيص الكتاب بالخبر المخالف للكتاب على تقدير جواز التخصيص مع وجود مرجّح لذلك الخبر ولو في أدنى مراتب المرجّحية ؛ لعدم المانع منه ووجود المقتضي له ، وعلى تقدير عدم جواز التخصيص فلا تعارض ؛ لعدم اعتبار الخبر المخالف للكتاب ، فيكون المخالفة موهنة للخبر ، وعلى تقدير عدم المرجّح فالمرجع هو عامّ الكتاب لسقوط الخبرين بالمعارضة عن الحجّية ، وليس المقام محلّ التخيير ؛ لادّائه إلى عدم حجّية الكتاب ، إذ على تقديره كما يجوز (1) الأخذ بما يوافق كذلك يجوز الأخذ بما يخالف الكتاب ، وذلك طرح للكتاب من غير وجه.

قلت : ولعلّك تقول : إنّ التخيير بين الخبرين والأخذ بالمخالف يقوم مقام الأخذ بالخبر مع الترجيح ، فكما لا غائلة في التخصيص مع الترجيح لا غائلة فيه مع ما هو بمنزلته شرعا وليس ذلك طرحا للكتاب من غير وجه ، وكيف كان فعلى ما أفاده مدّ اللّه ظلاله على رءوس العالمين (2) ليس المورد من موارد التخيير ، ولا من موارد ترجيح (3) الموافق للكتاب (4) على الآخر ، أمّا الأوّل فلما عرفت ، وأمّا الثاني فلأنّ الترجيح بالعموم إنّما يحصل بعد فرض بقائه على عمومه وهو حينئذ دليل مستقلّ.

قلت : كونه دليلا مستقلاّ لا ينافي أن يكون مرجّحا للدليل الموافق ، فإنّ كثرة الدليل أيضا من وجوه الترجيح كما هو معلوم وستعرفه.

وبالجملة : فالذي يفضي إليه النظر هو الأخذ بالخبر الموافق وطرح الخبر المخالف (5) ؛ لحصول الترجيح له بالموافقة ، ولا سيّما فيما قلنا باعتبار أصالة الحقيقة من باب الظنّ ، ولو تنزّلنا عن ذلك فالحكم - كما نبّهت عليه - هو التخيير ، وعلى تقدير الأخذ بالخبر

ص: 611


1- « س » : لا يجوز.
2- « د » : دام ظلّه.
3- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : - ترجيح.
4- « س ، ج ، م » : بالكتاب.
5- « ج ، د ، م » : - المخالف ، وشطب عليها في « س ».

المخالف (1) فلا ضير في تخصيص الكتاب ؛ لأنّ التخيير بمنزلة الترجيح ولا مانع من ذلك بعد ما هو المعلوم من إطلاق أدلّة التخيير وقد أوردت عليه دام ظلّه فلم ينكره عليّ.

وعلى الثالث : فإن قلنا بأنّ مرجع التعارض في العامّين (2) من وجه إلى تعارض سنديهما فمن المعلوم وجوب تقديم الكتاب ؛ لكونه معلوم الصدور ، فيبقى الخبر الموافق سليما عن المعارض ؛ إذ المفروض أنّ المخالف بمعارضته للكتاب (3) فقد سقط عن الاعتبار كما في صورة التباين ، فالمخالفة موهنة حينئذ.

وإن قلنا بأنّ مرجع التعارض إلى (4) الدلالة مع قطع النظر عن السند مطلقا ، فالظاهر تقديم الموافق على المخالف ؛ لدوران الأمر بين طرح ظاهر واحد والحكم بسقوطه من الاعتبار وبين طرح ظاهرين ، والأوّل على القول باعتبار أصالة الحقيقة من باب الظنّ أولى ، ولا يبعد ذلك بناء على الأخذ بها من حيث بناء العقلاء أيضا (5) ، فتدبّر.

وإن قلنا بالتفصيل بين العامّين من وجه وأخواتهما كما عرفت ممّا فصّلناه لك في محلّه ، فيلحق بكلّ من القسمين حكمه من غير إشكال. وينبغي أن يعلم أنّ المراد من العموم والخصوص المطلق أو من وجه هو ذلك باعتبار موضوع الحكم وذلك أمر ظاهر لا يكاد يخفى على أوائل العقول.

وأمّا موافقة السنّة فالمراد (6) بها قول الحجّة (7) أو فعله أو تقريره على وجه قطعي ولا اختصاص لها بالنبيّ وإن كان يظهر من بعض تلك الأخبار ذلك.

وأمّا السنّة الظنّية فهي (8) في عرض الأخبار المتعارضة و (9) لا يصلح للترجيح في

ص: 612


1- « م » : الموافق.
2- « د » : عامّين.
3- « د » : بمعارضة الكتاب.
4- « س » : + ملاحظة.
5- « م » : - أيضا.
6- في النسخ : والمراد.
7- « س » : + عليه السلام.
8- « د » : وهي.
9- « س » : - و.

حيال ذاتها ، اللّهمّ إلاّ لمعاضدة أو شهرة في الرواية ونحو ذلك ممّا هو خارج عمّا نحن بصدده ، والكلام فيه كالكلام في الكتاب تحقيقا وتنقيحا.

وأمّا مخالفة العامّة فلا إشكال في حصول الترجيح بها في الجملة ، بل وبموافقتهم (1) يسقط الآخر عن الحجّية فيما إذا انضمّت قرائن التقيّة إليه.

قال شيخ الطائفة في العدّة (2) : إذا تساوت الروايتان في العدالة والعدد عمل بأبعدهما عن قول العامّة وترك العمل بما يوافقهم.

واعترضه المحقّق في المعارج بأنّ الظاهر أنّ احتجاجه في ذلك برواية (3) رويت عن الصادق عليه السلام وهو إثبات لمسألة علمية بخبر واحد ، ولا يخفى عليك ما فيه مع أنّه قد طعن فيه (4) فضلاء من الشيعة كالمفيد وغيره.

فإن احتجّ بأنّ الأبعد لا يحتمل إلاّ الفتوى والموافق للعامّة يحتمل التقية فوجب (5) الرجوع إلى ما لا يحتمل.

قلنا : لا نسلّم أنّه لا يحتمل إلاّ الفتوى ؛ لأنّه (6) كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الإمام كذلك يجوز الفتوى بما يحتمل التأويل مراعاة لمصلحة يعلمها الإمام وإن كنّا لا نعلمها.

فإن قال : ذلك يسدّ باب العمل بالحديث.

ص: 613


1- « ج ، د » : لموافقتهم.
2- العدّة 1 : 147.
3- « ج ، م ، س » : رواية؟
4- أي في الاحتجاج به. قال المفيد في جوابات أهل الموصل ( رسالة العدد ) ص 47 وعنه في مستدرك الوسائل 17 : 306 : وإنّما المعنى في قولهم عليهم السلام : « خذوا بأبعدهما من قول العامّة » يختصّ ما روي عنهم في مدائح أعداء اللّه والترحّم على خصماء الدين ومخالفي الإيمان فقالوا عليهم السلام : إذا أتاكم عنّا حديثان مختلفان أحدهما في قول المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه السلام والآخر في التبرّي منهم ، فخذوا بأبعدهما من قول العامّة ؛ لأنّ التقيّة تدعوهم بالضرورة إلى مظاهرة العامّة بما يذهبون إليه من أئمّتهم.
5- المثبت من « م » وهو موافق للمصدر وفي سائر النسخ : يوجب.
6- « ج ، س » : ولأنّه.

قلنا : إنّما (1) يصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل لا مطلقا ، فلم يلزم سدّ باب العلم (2) ، انتهى.

وضعّفه في المعالم أوّلا بأنّ ردّ الاستدلال بالخبر بأنّه إثبات لمسألة علمية بخبر واحد ، ليس بجيّد إذ لا مانع من إثبات مثله بالخبر المعتبر من الآحاد ، ونحن نطالبه بدليل منعه (3). إلاّ أنّه رحمه اللّه بناء على ما سلكه في الأخبار إنّما منع من صحّة الخبر في المقام ، وليس بجيّد ؛ لأنّ الأخبار في هذا المعنى فوق حدّ الاستفاضة ، بل وكاد تبلغ حدّ التواتر.

وثانيا بأنّ الإفتاء بما يحتمل التأويل وإن كان محتملا إلاّ أنّ احتمال التقيّة على ما هو المعلوم من أحوال الأئمّة عليهم السلام أقرب وأظهر ، وذلك كاف في الترجيح ، فكلام الشيخ عندي هو الحقّ (4) ، انتهى.

وهو كذلك ، والسرّ فيه : أنّ بناء العرف واللغة على الأخذ بالأصول المعمولة في الألفاظ من الأمور المشخّصة (5) لنفس الإرادة وتعيين ما هو المراد منها ما لم يظهر دلالة يمكن التعويل عليه في صرف تلك الأمور ، والإنصاف أنّ الاعتماد على أصالة عدم التقيّة في أمثال المقام ربّما لا يساعده المقام ، فيدور الأمر بين الأخذ بتلك الأصالة دفعا لاحتمال التقيّة وبين الأخذ بأصالة عدم القرينة وأصالة الحقيقة دفعا لاحتمال التأويل من غير جهة التقية ، ولا ريب أنّ الثاني في كلماتهم أغلب فالأخذ به أقرب كما أفاده محقّق المعالم ، نعم قد يمكن أن يكون المقام بواسطة احتفاف القرائن والشواهد الدالّة

ص: 614


1- « ج ، س » : « ربّما ».
2- معارج الأصول : 225 - 226 وقارن بما تقدّم في ص 589.
3- ثمّ قال صاحب المعالم : « نعم هذا الخبر الذي أشار إليه لم يثبت صحّته فلا ينهض حجّة » وما ذكره في المتن من قوله : « إلاّ أنّه رحمه اللّه » إلى قوله : « حدّ التواتر » اعتراض منه على صاحب المعالم.
4- المعالم : 255 - 256.
5- « س » : المستحقّة.

على عدم التقيّة مردّدا بينهما ، وقد يزيد ذلك فيرجّح كما لا يخفى.

وبالجملة : فلا ينبغي إنكار كفاية المخالفة في مقام الترجيح على أحد الوجوه التي مرّ (1) إليها الإشارة من الأخذ بالمخالفة تعبّدا ، أو من جهة أنّ الموافق لا يحتمل إلاّ الفتوى ، أو من جهة أنّ الواقع في خلاف مقالتهم ، أو من جهة أنّ في خلافهم حسنا ومصلحة تزيد على مصلحة الواقع وإن لم تدرك نظير جلوس النبيّ حين ما سمع قيام اليهود عند دفن الأموات إبداء لمخالفتهم وإرغاما لأنفهم (2) ، فقاتلهم اللّه أنّى يؤفكون.

ثمّ إنّ بعض الأخبار يشتمل على الأخذ بما خالفهم وهو ظاهر في المخالفة القولية ، وبعض الآخر يشمل على الأخذ بما يخالف أخبارهم ، فمن الأوّل ما قد سمعت مرارا ، ومن الثاني ما قد رواه الصدوق عن الرضا عليه السلام : « فانظروا إلى ما وافق أخبارهم فدعوه » (3) وما رواه القطب الراوندي عن الصادق عليه السلام : « فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه » (4) والظاهر أنّ المآل في ذلك إلى أمر واحد كما يكشف عن ذلك اجتماعهما في رواية الصدوق عن محمّد بن موسى بن المتوكّل عن [ عليّ بن الحسين ] السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد اللّه [ البرقي ] عن أبيه عن محمّد بن عبد اللّه (5) قال : قلت للرضا : كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال : « إذا ورد عليكم خبران مختلفان

ص: 615


1- مرّ في ص 589 - 592.
2- الخلاف 1 : 719 ، مسألة 534 ؛ البحار 79 : 25 ، باب 12.
3- هذه الرواية قطعة من الرواية الآتية بعد سطور.
4- مختصر رسالة القطب الراوندي المطبوع في ميراث حديث شيعة 5 : 272 - 273 ؛ وعنها في الفوائد المدنية : 381 وفي ط الحجري : ص 187 ؛ الوسائل 27 : 118 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي. ونقل عنها بالواسطة في البحار ٢ : ٢٣٥ ، باب ٢٩ ، ح ٢٠. وسيأتي بتمامه في ص ٦٢١.
5- في مختصر الرسالة وفي الفوائد المدنية : عبيد اللّه.

فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة ، فخذوه وانظروا إلى ما وافق (1) أخبارهم فدعوه » (2).

ولعلّ ذلك أمر ظاهر لا ينبغي الارتياب فيه وإنّما الإشكال في تعيين ما هو المقصود من المخالفة في هذه الأخبار الكثيرة ، فإنّ الأخذ بظاهرها يوجب اختصاص هذه الأخبار بموارد قليلة لا يكاد يلتزم به الخبير في مثل هذه الروايات ، فإنّ مخالفة جميع العامّة كما هو الظاهر من الروايات لا يوجد إلاّ أقلّ قليل من الأحكام وهي تعدّ في (3) ضروريات المذهب في الغالب ، بل الأغلب (4) ، نعم قد يتّفق ذلك في غاية الندرة كما في روايات طهارة البئر مثلا.

وعلى تقدير التأويل (5) فيها بأنّ المراد مخالفة البعض فهل المدار على مخالفة أيّ الفرق منهم؟ فإنّهم مع اجتماعهم على أمر باطل متفرّقين (6) على وجوه شتّى ومذاهب لا تنتهي.

والأظهر في النظر أنّ هذه الأخبار إنّما وردت أنموذجا لما هو اللائق أن يؤخذ به ودستورا لما هو الحقيق لأن يعمل به ، وليس المراد بها تشخيص موارد المخالفة فإنّها مختلفة جدّا لا تكاد تنضبط ، فإنّ المقتضي للتقيّة تارة : يوجد في المتكلّم ، وأخرى : في المخاطب بحسب بلديهما أو بلد آخر ، أو السامع ، أو (7) الحاكم في ذلك الزمان أو زمان آخر ، والفقيه يستشعر (8) بذلك في موارده ، فإنّ ذلك محال على أنظار أرباب النظر وأصحاب البصر.

ص: 616


1- في المصادر : يوافق.
2- مختصر رسالة قطب الراوندي المطبوع في ميراث حديث شيعة 5 : 274 - 275 ؛ وعنها الفوائد المدنية : 382 وفي ط الحجري : ص 187 ؛ الوسائل 27 : 119 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 34. ونقل عنها بالواسطة في البحار ٢ : ٢٣٥ ، باب ٢٩ ، ح ١٩.
3- « د » : - في.
4- « د » : في الأغلب.
5- « ج » : + منع هنا.
6- « ج ، د » : مفترقين.
7- « د » : و. « س » : إذ.
8- « س » : يشعر.

وهل يلزم في التقيّة وجود قول من العامّة على طبق ما يحتمل التقيّة ، أو لا؟ وجهان :

قال المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق : المقدّمة الأولى : غير خفيّ على ذوي العقول من أهل الإيمان وطالبي الحقّ من ذوي الأذهان ما أصاب بهذا الدين (1) من أولئك المردة المعاندين بعد موت سيّد المرسلين وغصب الخلافة من وصيّه سيّد الوصيين (2) ، وتواثب أولئك الكفرة عليه وتزايد الأمر شدّة بعد موته صلوات اللّه عليه وما بلغ به (3) حال الأئمّة عليهم السلام من الجلوس في زوايا التقيّة والاصطبار (4) على كلّ محنة وبليّة ، وحثّ الشيعة على استشعار شعار التقيّة والتديّن بما عليه تلك الفرقة الأموية الغويّة حتّى كوّرت شمس الدين النيّرة وخسفت كواكب (5) المقمرة ، فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلاّ القليل ؛ لامتزاج أخبارنا (6) بأخبار التقيّة كما اعترف بذلك ثقة الإسلام وعلم الأعلام محمّد بن يعقوب الكليني نوّر اللّه مرقده في جامع (7) الكافى حتّى أنّه قدس سره تخطّأ العلم برجحان الرواية (8) عند تعارض الأخبار والتجأ إلى مجرّد الردّ والتسليم للأئمّة الأبرار ، فصاروا صلوات اللّه عليهم محافظة على أنفسهم وشيعتهم يخالفون بيّن الأحكام وإن لم يحضرهم أحد من أولئك الأنعام ، فتراهم يجيبون في مسألة واحدة أجوبة (9) متعدّدة وإن لم يكن بها قائل من المخالفين كما هو ظاهر لمن تتبّع قصصهم وأخبارهم واحتدى (10) سيرهم (11) وآثارهم ، وحيث إنّ أصحابنا رضوان اللّه عليهم خصّوا الحمل على

ص: 617


1- في المصدر : ما بلي به هذا الدين.
2- « س » : الأوصياء. « ج » : من وصيّ سيّد المرسلين. وفي المصدر : من وصيّة أمير المؤمنين.
3- في المصدر : إليه.
4- في المصدر : زاوية ... والإغضاء.
5- في المصدر : كواكبه.
6- في المصدر : أخباره.
7- في المصدر : جامعه.
8- في المصدر : تخطّأ العمل بالترجيحات المرويّة.
9- في المصدر : في المسألة الواحدة بأجوبة.
10- في المصدر : وتحدّى.
11- « ج » : بسيرهم.

التقيّة بوجود قائل من العامّة وهو خلاف ما أدّى إليه الفهم الكليل والفكر العليل من أخبارهم رأينا أن نبسط الكلام بذكر جملة من الأخبار الدالّة على ذلك لئلاّ يرمينا (1) الناظر إلى مخالفة الأصحاب [ من غير دليل ] وينسبنا إلى الضلال والتضليل.

ثمّ أخذ بذكر الأخبار المشعرة بذلك ناقلا ما ذكره من المحدّث الأمين أيضا وذكر في عدادها ما رواه في الكافى في الموثّق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن مسألة فأجابني فيها ، ثمّ جاءه رجل آخر (2) فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء (3) رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا بن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله [ رجلان ] من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كلّ واحد [ منهما ] بغير ما أجبت به صاحبه؟! فقال : « يا زرارة إنّ هذا خير لنا [ وأبقى لنا ولكم ] فلو (4) اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم » ثمّ قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا [ وهم يخرجون من عندكم مختلفين ] قال : فأجابني بمثل جواب أبيه (5).

قال في الحدائق - بعد توجيه دلالة الرواية على ما هو مطلوبه وذكر طرف من الأمور - : ولعلّك بمعرفة (6) ذلك تعلم أنّ الترجيح بين الأخبار [ بالتقيّة ] بعد العرض على الكتاب العزيز من أقوى المرجّحات ، فإنّ جلّ الاختلاف الواقع في أخبارنا ، بل كلّه عند التأمّل والتحقيق ناش (7) عن التقيّة (8) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، وهو كما

ص: 618


1- « س » : يريبنا. وفي المصدر : يحملنا الناظر على.
2- لم ترد كلمتي « فيها » و « آخر » في مصادر الحديث.
3- المثبت من « د » وهو موافق للمصادر ، وفي « س ، ج ، م » : جاءه.
4- في المصادر : ولو.
5- الكافى 1 : 65 ، باب اختلاف الحديث ، ح 5 ؛ ورواه الصدوق في العلل : 395 ، باب 131 ، ح 16 ؛ وعنه في البحار 2 : 236 ، باب 29 ، ح 24.
6- في المصدر : بمعونة.
7- في المصدر : نشأ.
8- الحدائق الناضرة 1 : 4 - 6 و 8.

ترى صريح في أنّ الحمل على التقيّة لا يستلزم وجود قول من العامّة على طبقه.

واعترضه الوحيد البهبهاني في فوائده بوجوه : منها : أنّ الحكم إذا لم يكن موافقا لمذهب العامّة يكون رشدا وصوابا ؛ لأنّ الرشد في خلافهم إذا المراد هو الرشد الواقعي مع قطع النظر عن وقوع الفعل من جهة التقيّة ، وإلاّ فهذه الجهة قد تعرض (1) لمذهب من مذاهب العامّة فيصير رشدا.

ومنها : أنّ ذلك لا يصلح وجها للتقيّة ؛ لأنّ القول بخلاف ما ذهب إليه العامّة ولو واحدا أدخل في وقوع الأذى منهم على الشيعة فإنّهم كانوا يتّهمونهم بأمور جزئية فكيف بالقول بما هو خلاف الكلّ منهم؟

ومنها : أنّ التقيّة اعتبرت لأجل ترجيح الخبر الذي هو الحقّ على الذي هو ليس بحقّ ورشد على ما يظهر من الأخبار وهذا ينافي ما ذكر قطعا (2).

والتحقيق في المقام : أنّ المحدّث المذكور إنّما قال بذلك روما إلى أنّ وجه الاختلاف بين الأخبار لا ينحصر في التقيّة بالمعنى المعهود بين الأصحاب ، بل يمكن أن يكون التقيّة على هذا الوجه ولم يرد بذلك أنّ التقيّة على هذا الوجه تنهض مرجّحة للخبر ، وإنّما ساق الكلام في ذلك المقام لا في مقام الترجيح ، نعم قد نبّه على ذلك بقوله : « ولعلّك » فلو أراد بذلك الترجيح بمثل هذه التقيّة كما يشعر به قوله : « من أقوى المرجّحات » فيرد عليه : أنّه لا يعقل أن يكون هذه التقيّة من المرجّحات ، كيف والخبران متساويان في هذا الاحتمال؟ كما اعترضه المحقّق البهبهاني ، إلاّ أنّ الظاهر منه في تضاعيف كلماته في الموارد الفقهية عدم الاعتداد بمثل هذه التقيّة في مقام الترجيح ، فالإنصاف أنّ مقصوده ما عرفت من إبداء وجه الاختلاف بين الأخبار ، وإنّما رام بذلك إبطال تقسيم الأخبار عند المتأخّرين من أصحابنا إلى الأقسام الأربعة.

ص: 619


1- في النسخ : يعرض.
2- الفوائد الحائرية ( الفوائد الجديدة ) : 353 - 354 مع تلخيص.

وعلى ذلك فلا يرد عليه شيء من الوجوه المذكورة : أمّا الأوّل : فلاختصاص (1) كون الرشد في خلافهم بصورة التعارض ، وعلى إشكال في ذلك أيضا ؛ إذ الأخذ بعمومه ربّما يخالف الإجماع ، بل الضرورة.

وأمّا الثاني : فلأنّ أهل البيت أدرى بما في البيت ، فلعلّ المقام يقضي بالتقيّة على ذلك الوجه ولا دليل يقضي بامتناعه.

وأمّا الثالث : فلما عرفت من أنّ المقصود بذلك ليس إلاّ بيان وجه الاختلاف كما هو الإنصاف ، فراجعه متدبّرا ، وما ذكره من وجه الاختلاف ليس بذلك البعيد أيضا ، ويكشف عنه - مضافا إلى ما ذكره - رواية الخثعمي قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « من عرف أنّا لا نقول إلاّ حقّا فليكتف بما يعلم منّا ، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه » (2) ويحتمل أن يكون الأخبار التي يتراءى اختلافها بحسب أنظارنا واقعة على وجه من الوجوه المحتملة في الواقع إلاّ أنّها خفيت (3) علينا لقصورنا عن الإحاطة بجميع وجوه الواقع (4) وأنحاء نفس الأمر ، ويؤيّد ذلك ما قد روي عنهم من النهي عن إنكار ما قد ينسب إليهم عليهم السلام صونا عن وقوعنا في الكفر من حيث لا نشعر ، ومن هنا أفتى بعضهم بحرمة الإنكار عند سماع الخبر والرواية ، ويستعلم ذلك من بعض التعليلات الواردة في الروايات القاصرة عنها عقولنا كقولهم : « ربّ الماء ربّ التراب » (5) وممّا روي (6) أنّ بعض أهل العراق سألهم (7) أنّه كم آية يقرأ في الزوال؟ فقال عليه السلام : « ثمانون » ، ولم يعد السائل سؤاله في توضيحه وانصرف ، فقال الإمام عليه السلام : « وهذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك مع أنّه لم يستفسر عمّا قلت له من وجوبه وندبه وسائر كيفياته » ،

ص: 620


1- « س » : فلأنّ اختصاص.
2- الوسائل 27 : 108 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 3 ؛ البحار 2 : 220 و 244 ، باب 29 ، ح 1 و 47.
3- « س » : جعلت.
4- « س » : الترافع.
5- الوسائل 3 : 370 ، باب 14 من أبواب التيمّم ، ح 15 و 17.
6- عطف على « من النهي ... ».
7- سأل عن الصادق عليه السلام.

فقيل له (1) : ما أردت بذلك وما هذه الآيات؟ فقال : أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيدان على عشرة وهي ثمان ركعات (2). وما ورد (3) من حكمهم بوجوب الوتر ، ثمّ التفسير بوجوبه على النبيّ ، إلى غير ذلك من الموارد ، وكيف كان فهذه أحد الوجوه المحتملة في الجمع بين الأخبار المختلفة واللّه أعلم.

ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر المقبولة المشتملة على هذه المرجّحات تقديم الترجيح بمخالفة الكتاب على موافقة العامّة وهو محمول على ما إذا كان الخبر المخالف للكتاب مباينا (4) ، مثل ما رواه القطب الراوندي عن الصادق عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فردّوه (5) ، وإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه » (6).

والوجه في ذلك الحمل أنّ بعد القول بحجّية الأخبار الظنّية فعلى تقدير أن يكون الخبر خاصّا يجوز تخصيص الكتاب به ، فلو فرضنا أنّ أحد الخبرين المتعارضين يكون مخالفا للعامّة مع كونه أخصّ من الكتاب فيترجّح على الآخر وينهض مخصّصا بعموم الكتاب ؛ لأنّ العمل بأصالة الحقيقة في الكتاب إنّما يصحّ فيما لم يوجد ما يصلح لأن يكون قرينة والمفروض وجود ذلك ، وأمّا إذا كان الاختلاف بين الكتاب وبين الخبر المخالف على وجه العموم والخصوص من وجه ، فإن قلنا برجوع التعارض فيهما إلى السند فمن المعلوم لزوم طرح المخالف بعد مقاومته للكتاب حينئذ ، وإن قلنا برجوعه إلى الدلالة فيعاضد الدلالتان ويرتفع بذلك الخبر المخالف أيضا ، فلا وجه

ص: 621


1- فسّره عليه السلام من دون سؤال.
2- الوسائل 6 : 64 ، باب 13 من أبواب القراءة ، ح 3 والحديث منقول بالمعنى.
3- الوسائل 4 : 68 ، باب 16 من أبواب أعداد الفرائض ، ح 6.
4- « د » : متباينا.
5- « س » : فذروه.
6- تقدّم في ص 615.

لتقديم العلاج الكتابي على العلاج بالمخالفة مطلقا ، وإنّما يصحّ ذلك فيما عرفت (1) من المباينة والعموم من وجه ، كما لا وجه لتقديم العلاج بالمخالفة على العلاج بالكتاب مطلقا ، وإنّما يصحّ فيما إذا كان الخبر أخصّ من الكتاب.

ومن المرجّحات المذكورة في المقبولة قوله عليه السلام أخيرا : « ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » بعد قوله : « فإن وافقهما الخبران » لا يخفى أنّ موافقة الخبرين للعامّة على وجهين : أحدهما : أن يكون بعضهم موافقا لأحد الخبرين وبعض الآخر منهم للآخر وهو الظاهر من السياق ، والثاني : أن يكون كلّ واحد من الخبرين موافقا لجميعهم بأن يكون حكم الواقعة عندهم هو التخيير بين حكمين (2) يستفاد أحدهما من أحدهما والآخر من الآخر.

وقوله : « أميل إليه قضاتهم » أيضا يحتمل بعد ما ذكرنا وجهين : أحدهما : أن يكون المقصود باسم التفضيل ما هو المعهود منه من إفادته كثرة الفعل وشدّته ، وثانيهما : أن يكون المقصود به كثرة المائلين لا شدّة الميل على ضرب من التأويل ، وهذا الوجه يلائم الوجه الأوّل من الموافقة فإنّ كثرة الميل بعد اختلاف المدارك بعيد ، سيّما بعد ملاحظة اختلاف مذاهب القضاة ، فإنّ الكلام فيمن هو المرجع عندهم في الأحكام الشرعية فقضاة مذهب الشافعي - مثلا - لا يتصوّر بعد أخذهم مذهب الشافعي كثرة ميلهم إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة ، فلا بدّ من الحمل على كثرة المائلين ، نعم يصحّ ذلك على الوجه الثاني ؛ إذ بعد ما هو المفروض من أنّ حكم الواقعة عندهم التخيير فيمكن كثرة ميل قضاتهم إلى طرف من أطراف التخيير ، و (3) هذا وإن كان مناسبا لظاهر لفظ العامّة فإنّه ظاهر في الجميع وملائما (4) لاسم التفضيل إلاّ أنّه بعيد عن السياق كما عرفت ، كذا أفيد.

ص: 622


1- « م » : عرفت فيه.
2- المثبت من « س » ، وفي سائر النسخ : احتمالين.
3- « د ، س » : - و.
4- « س » : ملائم.

قلت : ويحتمل أن يكون المراد بالموافقة هو موافقة البعض ، ومع ذلك فلا ينافي كثرة ميلهم إلى طرف ؛ إذ ليس بناؤهم على إصابة الواقع على ما هو عليه ، نعم لو فرض انحصار المطلوب في إصابة الواقع فبعد اختلاف المدارك لا وجه لكثرة الميل ، وأمّا بعد ما هو المعهود منهم من التخلّف عن العترة الطاهرة والأخذ بمشتهيات نفوسهم القاصرة فلا استبعاد في كثرة الميل إلى طرف من أطراف المسألة الخلافية كما هو ديدنهم في الحال.

فيكون محصّل المراد على هذا الوجه : إذا وافق الخبران العامّة بأن يكون أحدهما موافقا لبعضهم والآخر لبعض آخر فينظر إلى (1) كثرة ميل أكابر قضاتهم وسلاطينهم إلى أحدهما فيترك ويؤخذ بالآخر ، ولا حزازة في ذلك إلاّ بواسطة تقدير مضاف للقضاة ، ولا بأس به بعد مساعدة السياق عليه وذلك يستقيم وجها للأخذ بالآخر ، فيكون الرواية الشريفة إشارة إلى اغتشاش أمورهم في الفتوى والقضاء ونحو ذلك ، وكم من إشارة مثلها في أخبار أهل البيت ، عليهم من الصلاة أفضلها ومن السلام أزكاه وأنماه.

ثمّ إنّ الترجيح بهذا المرجّح ممّا لا ينبغي الارتياب فيه فإنّه على منار من الوضوح ، والذي ينبغي أن ينظر فيه هو أنّه لو فرضنا تعارض الترجيح الصدوري لترجيح جهة الصدور فهل المقدّم في العمل أيّهما؟ مثلا لو دار الأمر بين روايتين ، إحداهما مخالفة للعامّة ، والأخرى راويها أعدل (2) ، فهل يجب الأخذ بالمخالفة ، أو يجب الأخذ بالأعدلية؟ ظاهر المقبولة والمرفوعة المتقدّمين هو الأوّل ؛ لاعتبار الترجيح بالأعدلية فيهما مقدّما على الترجيح بالمخالفة ، إلاّ أنّ قضيّة القاعدة هو الثاني ؛ لدوران الأمر بين ارتفاع اليد عن عموم الدليل الدالّ على الحجّية بواسطة الأخذ بالترجيح الصدوري إذ يستلزم ذلك خروج الآخر عن عموم الدليل ، وبين ارتفاع اليد عن أصالة عدم التقيّة ، ولا ريب أنّ الثاني أهون فإنّ العمل بتلك الأصالة وإن كان بواسطة الدليل الدالّ عليها إلاّ أنّ التصرّف فيها لا يوجب التصرّف في أمر لفظي ، فالأخذ بمرجّح جهة الصدور

ص: 623


1- « ج » : إلى ما هو.
2- « س » : الأعدل.

أولى ، ويحتمل القول بعدم الفرق ؛ إذ الأخذ بمرجّح الصدور لا يفيد في الأخذ بعموم الدليل ؛ إذ المفروض كونه متروك العمل بعد حمله على التقيّة ، وليس بسديد كما لا يخفى.

قلت : ويحتمل أن يقال : إنّ الأخذ بمرجّح الصدور أيضا لا يستلزم التصرّف في دليل الحجّية فإنّ الحجّية في مقام النوع لا تنافي (1) عدم اعتبار فرد منه في مقابل الفرد المقارن للمرجّح ، بل عنوان الترجيح قاض بذلك أيضا ، سيّما على ما قدّمنا من أنّ القاعدة تقضي بالتخيير بين الخبرين عند فقد الترجيح بينهما فإنّ ذلك بمنزلة تزاحم الحقوق ، ولا ريب في أنّ حصول الترجيح لأحد الواجبين لا يوجب التصرّف في دليل الوجوب كما نبّهناك عليه ، فتدبّر ، وجه التدبّر أنّ (2) التصرّف في الدليل لازم بوجه من الوجوه ولو بواسطة التقييد بالإمكان على ما ستعرف.

وفي المقام أخبار تدلّ على تقديم المرجّح المعمول في جهة الصدور على مرجّح الصدور ، والظاهر أنّ عملهم أيضا على ذلك كما يظهر بالتتبّع في مطاوي كلماتهم.

فمنها : ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالعمل (3) والآخر ينهانا عن العمل (4)؟ قال : « لا تعمل بواحد منهما حتّى تأتي (5) صاحبك فتسأله عنه » قال : قلت : لا بدّ أن يعمل (6) بأحدهما ، قال : « اعمل (7) بما فيه خلاف العامّة » (8).

ومنها : ما رواه الصدوق رحمه اللّه بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن حسين بن السري قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا ما خالف

ص: 624


1- المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لا ينافي.
2- « د » : « إذ » بدل : « وجه التدبّر أنّ » ومن قوله : « وجه التدبّر » إلى « ستعرف » لم يرد في « ج ». وورد في هامش « م » ولعلّه الأنسب.
3- في المصدر : يأمرنا بالأخذ به.
4- في المصدر : عنه.
5- في المصدر : تلقى.
6- في المصدر : نعمل.
7- في المصدر : خذ.
8- الاحتجاج 2 : 357 ، عنه في الوسائل 27 : 122 ، باب 9 ، من أبواب صفات القاضي ، ح 42.

القوم » (1) وما رواه أيضا بإسناده إلى ابن فضّال عن الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح : هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلاّ التسليم [ لكم ] ، فقال : « لا واللّه [ لا يسعكم ] إلاّ التسليم لنا » قلت : فيروى عن أبي عبد اللّه عليه السلام شيء ويروى عنه خلافه فبأيّهما نأخذ؟ قال : « خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه » (2) والتقريب في ذلك ظاهر حيث إنّهم عليهم السلام أمروا بالأخذ بما خالف العامّة من غير تقديم شيء على ذلك ، فتدبّر.

هذا تمام الكلام في المرجّحات المنصوصة في المقبولة والمرفوعة ، وأمّا ما اشتمل عليه الأخبار الأخر فأمران :

أحدهما : الأخذ بالأحدث ويدلّ عليه أخبار : منها : رواية حسين بن مختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : « أرأيتك لو حدّثتك بحديث العامّ ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه بأيّهما كنت تأخذ؟ » قال : لكنت آخذ بالأخير ، فقال : « رحمك اللّه » (3).

ومنها : ما رواه معلّى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إذا جاء حديث من (4) أوّلكم وحديث من آخركم فبأيّهما نأخذ؟ فقال : « خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله » (5).

ومنها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عمرو الكناني قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا أبا عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ، ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلافه ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ » قلت : بأحدثهما وأدع الآخر ، فقال : « قد أصبت يا أبا عمرو ، أبى (6) اللّه إلاّ أن يعبد

ص: 625


1- الوسائل 27 : 118 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 30 ، عن رسالة الراوندي.
2- الوسائل 27 : 118 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 31 ، عن رسالة الراوندي.
3- الوسائل 27 : 109 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 7.
4- في المصدر : « عن » ، وكذا في المورد الآتي.
5- الوسائل 27 : 109 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 8.
6- في النسخ : وأبى.

سرّا » (1).

والحقّ في المقام أن يقال : إنّ الأخذ بالأحدث في يومنا هذا يحتمل وجوها :

أحدها : أن يكون من باب التعبّد الشرعي ، وهذه الأخبار لا تنهض بإثباته فإنّ الظاهر منها أنّ الأخذ بالأحدث إنّما هو بواسطة احتمال التقيّة في الأوّل وإلاّ فما الوجه في سؤال المعصوم عليه السلام عن الراوي : « بأيّهما كنت تأخذ؟ » فإنّه في مقام بيان الحكم التعبّدي لا بدّ من أن يظهر الحكم بنفسه كما هو ظاهر ويرشدك إليه قوله : « أبى اللّه إلاّ أن يعبد سرّا ».

وثانيها : أن يكون الأخذ بالثاني من باب احتمال التقيّة في الأوّل وهو أيضا لا يخلو من وجهين : أحدهما : أن يكون صدور الحكم ثانيا منهم قرينة واقعية على أنّ الأوّل صادر تقيّة ، والثاني : أن يكون قرينة تعبّدية على أنّ الأوّل صادر تقيّة ، والأوّل ليس مطّردا ؛ إذ قد يكون آثار التقيّة لائحة من الثاني كما لا يخفى على من تتبّع ، والثاني خلاف الظاهر من الرواية.

وثالثها : أن يكون الثاني ناسخا للأوّل وذلك لا يتمّ في الأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهم السلام ولا بأس بالتزامه في الأخبار النبوية.

والحاصل : فهذه الأخبار على إطلاقها ليست معمولا بها عند أصحابنا ؛ للإرسال في بعضها وضعف بعض رواة (2) الآخر كإسماعيل وأبي عمرو ، فلا يصلح وجها لعدم الأخذ بإطلاق أخبار التخيير كما لا يخفى.

الثاني : الاحتياط على ما نطق به المرفوعة وبعد ما عرفت من طعن بعض الأخبارية (3) في الكتاب الذي اشتمل عليها لا وجه للتعرّض لذلك فاللّه الموفّق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

ص: 626


1- الوسائل 27 : 112 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 17.
2- « د » : رواة بعض.
3- وهو صاحب الحدائق كما تقدّم في ص 582.

هداية [ في المرجّحات غير المنصوصة المضمونية ]

بعد ما عرفت تفصيل القول في المرجّحات المنصوصة فلا بدّ من الإشارة إلى بعض المرجّحات التي ذكرها القوم وهي أمور :

منها : الترجيح بموافقة الأصل ومخالفته ، والموافق يسمّى مقرّرا والمخالف ناقلا ، واختلفت (1) كلماتهم في ذلك ، فعن العلاّمة وأكثر العامّة (2) اختيار الناقل ، وذهب شيخ الطائفة (3) إلى اختيار المقرّر ، وتوقّف في ذلك قوم ، وصار إلى التخيير آخرون ، وعن المحقّق في المعارج (4) اختيار التخيير في أخبار الأئمّة عليهم السلام والأخذ بالأحدث في أخبار الرسول صلى اللّه عليه وآله على تفصيل في ذلك ستطّلع عليه (5) ، وكأنّه ليس منطبقا على هذا العنوان وإنّما هو قول في المسألة المتقدّمة كما لا يخفى.

وينبغي أن يكون المراد بالأصل في هذا المقام هي الأصول العملية كالبراءة والاستصحاب لا القواعد الكلّية مثل قاعدة نفي العسر والحرج ونفي الضرر والضرار (6) ونحوهما فإنّ ذلك خارج عمّا نحن بصدده ؛ لرجوع الترجيح في ذلك إلى الترجيح

ص: 627


1- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : اختلف.
2- مبادئ الوصول : 237 ؛ تهذيب الوصول : 279 ، وعن العلاّمة وأكثر العامّة في المعالم : 253.
3- العدّة 1 : 152 ، وفيه ذهب إلى التوقّف أو التخيير ، ونسب أيضا ذلك - أي اختيار المقرّر - إلى الشيخ في المعالم : 253.
4- معارج الأصول : 225.
5- ستطّلع عليه في ص 631.
6- « س » : - والضرار.

بالعامّ للخاصّ.

كما أنّه ليس المراد بالأصل التخيير فإنّ موافقة أحد الخبرين للتخيير غير معقول ؛ إذ التخيير مورده فيما إذا تعارض الخبران أو الاحتمالان مع عدم المرجّح لأحدهما ، فعلى الأوّل ظاهر فساده ، وعلى الثاني فلأنّ كلاّ من الخبرين موافق لأحد احتمالي الواقعة.

اللّهمّ إلاّ أن يكون مفاد أحد الخبرين هو التخيير ويكون مفاد الآخر هو أحد الاحتمالين ، وذلك أيضا فاسد ؛ لأنّ ورود الرواية على وجه يكون مفادها التخيير بين الفعل والترك في غير ما يكون مفادها إباحة (1) غير معقول ، وعلى تقدير ذلك لا يكون أحد الخبرين حينئذ موافقا لأصالة التخيير ؛ إذ المقصود من الموافقة هو أنّ الأصل على وجه لو فرض ارتفاع الدليلين بالتساقط - مثلا - صحّ الرجوع إلى الأصل الموافق ، وفي المقام ليس كذلك ؛ إذ بعد فرض التساقط في ذلك المورد يدور الأمر بين التخيير والتعيين ، والأصل فيه ليس التخيير ، بل الاشتغال أو البراءة من التعيين.

وأمّا الاشتغال فليس المراد بالأصل في المقام هو أيضا ؛ إذ المراد به إمّا الاحتياط اللازم ، أو غيره ، والثاني لا يجدي (2) في مقام الترجيح ، والأوّل غير معقول أن يكون مرجّحا ؛ لأنّ موارد وجوب الاحتياط فيما إذا ثبت التكليف الإجمالي ودار الأمر بين أمور محصورة في تعيين المكلّف به ، كما في دوران الأمر بين الظهر والجمعة والصلاة بالجهات الأربع والاجتناب عن الإناءين - مثلا - كما مرّ وجوه ذلك في موارده مفصّلا فأحد الخبرين لو دلّ على وجوب الظهر بخصوصه لم يكن موافقا للاحتياط (3) ، كما إذا دلّ الدليل على وجوب الصلاة بجهة خاصّة ، ولو دلّ على وجوب الجمع بين المحتملين لم يكن ذلك من موافقة الخبر للاحتياط ؛ إذ مدلول الخبر حينئذ هو الاحتياط ، ألا

ص: 628


1- « د » : الإباحة.
2- « س » : فلا يجدي.
3- من هنا إلى قوله « إذ مدلول الخبر » سقط من نسخة « ج ».

ترى أنّ واحدا من القوم لم يذهب إلى ترجيح أخبار الاحتياط على القول بتحقّق المعارضة بينها وبين أخبار البراءة أنّ (1) الترجيح لأخبار الاحتياط لموافقتها للاحتياط وذلك أمر ظاهر لا يكاد يخفى.

ومن هنا ينقدح لك أنّ الترجيح بالأصل على تقديره إنّما هو ترجيح مدلولي ولا مدخل للسند فيه ، نعم على القول باعتبار الأصل ظنّا يزيد على ذلك شيء وهو كشفه عن مطابقة مضمون الموافق للواقع ، بخلاف ما إذا قيل به تعبّدا فإنّ المطابقة اللازمة على هذا التقدير عملية صرفة ، ولذلك قلنا بأنّه ترجيح مدلولي صرف ، فتدبّر.

وإذ قد تحقّقت ذلك فاعلم أنّه احتجّ القائل بتقديم الناقل بأنّه يستفاد منه ما لا يستفاد إلاّ منه ، والموافق حكمه معلوم بالعقل فلا يحتاج حكمه إلى البيان ، ولمّا كان وظيفة الشارع بيان أمور غير معلومة كان اعتبار الناقل أولى.

وهذه الحجّة ظاهرة الضعف وبيّنة الفساد وسبيل المنع إلى مقدّمتيها واضح ؛ إذ لا نسلّم الأولوية أوّلا ولا غضاضة فإنّ وظيفة الشارع بيان ما يحتاج إليه العباد على أيّ وجه يكون ، وهل ترى أنّ الإمام عليه السلام أحال أمرا من الأمور في حكم من الأحكام إلى (2) أصل من الأصول؟ كلاّ ثمّ كلاّ فإنّ الأصل إنّما هو علاج لمرض الشكّ في الواقع عند عدم إمكان الوصول إليه ومن هو في الواقع يستتبع الواقع كيف يوكل السائل عن الواقع إلى ما هو علاج للشكّ فيه؟! وذلك ظاهر ، وعلى تقدير التسليم لا دليل على جواز الاتّكال بمثل هذه الظنون العقلية التي منشؤها استحسان عقلي في مقام الترجيح ولا ينافي ذلك ما تقدّم من عموم حجّية الظنّ في مقام الترجيح ؛ إذ لم يكن التعويل هناك إلاّ على العمل والإجماع ، وانتفاؤها في المقام معلوم.

واحتجّ أيضا القائل بتقديم الناقل بأنّ العمل به يقتضي تقليل النسخ ؛ لأنّه يزيل

ص: 629


1- كذا. والصواب : « وأن » أو « بأنّ ».
2- « م » : على.

حكم العقل فقط ، بخلاف المقرّر فإنّه يوجب تكثيره (1) ؛ لإزالته حكم الناقل بعد إزالة الناقل حكم الأصل المستفاد بالعقل.

أقول : وهذه الحجّة مبنيّة (2) على مقدّمتين : إحداهما : أنّ الأخذ بأحدث الخبرين لازم ، والثانية : أنّ الأحدث ينبغي أن يكون الناقل ؛ إذ لو كان المقرّر هو الأحدث يلزم ارتفاع حكم الناقل به وارتفاع حكم الأصل بالناقل ، فالنسخ اللازم على تقدير الأخذ بالمقرّر أكثر من النسخ اللازم على تقدير الأخذ بالناقل ؛ لأنّ ورود المقرّر ليس نسخا للأصل ، بل هو مقرّر له و (3) مؤكّد له.

وفسادها ظاهر أمّا أوّلا : فلأنّ رفع الحكم الثابت بالأصل لا يعدّ من النسخ في شيء ، اللّهمّ إلاّ أن يراد منه مطلق الإزالة وهو مع كونه خلاف مصطلحهم لا يلائم قول المحقّق كما ستعرفه (4).

وأمّا ثانيا : فلأنّ الأخذ بالأحدث قد عرفت (5) القول فيه على وجه يغني عن إعادة (6) الكلام في المقام.

وأمّا ثالثا : فلأنّ الاعتماد على هذه الاعتبارات الضعيفة ممّا لم يعلم جوازه في مقام الأحكام الشرعية.

واحتجّ القائل بتقديم المقرّر بأنّ حمل الحديث على ما لا يستفاد إلاّ من الشرع أولى من حمله على ما يستقلّ (7) العقل بمعرفته ؛ إذ فائدة التأسيس أقوى من فائدة التأكيد ، وحمل كلام الشارع على الأكثر (8) فائدة أولى ، والحكم بترجيح الناقل يستلزم الحكم بتقديم المقرّر عليه وذلك يقتضي كونه واردا حيث لا حاجة إليه ؛ لأنّ مضمونه معلوم - إذ ذلك بالعقل - فلا يفيد سوى التأكيد وقد علم مرجوحيته ، بخلاف ما إذا رجّحنا

ص: 630


1- « ج ، س » : تكثره.
2- « س » : مبتنية.
3- « س » : « بل » بدل : « و ».
4- ستعرفه في الصفحة الآتية.
5- عرفت في ص 626.
6- المثبت من « س » ، وفي سائر النسخ « إفادة ».
7- « س » : ما لا يستقلّ.
8- « د » : أكثر.

المقرّر فإنّ ترجيحه يقتضي تقديم (1) الناقل عليه ، فيكون كلّ (2) منهما واردا في موضع الحاجة ، أمّا الناقل فظاهر ، وأمّا المقرّر فلوروده بعده فيؤسّس ما رفعه الناقل فيكون هذا أولى.

ولا يخفى أنّ هذه الحجّة متّحدة مناطا مع احتجاج القائل بالناقل ؛ إذ بعد اشتراكهما فيما نبّهنا عليه من المقدّمتين بتفاوت (3) قليل في تشخيص الصغرى استند المستدلّ الأولى إلى تقليل النسخ وتكثيره ، والمستدلّ بالثانية إلى ورود كلّ منهما في مقام الحاجة حملا لكلام الشارع على ما هو الأكثر فائدة ، فما هو المذكور في دفعها ينهض بدفع هذه الحجّة أيضا.

ومن هنا يظهر صحّة ما ذهب إليه المحقّق (4) من التفصيل بين أخبار الأئمّة عليهم السلام فيحكم بالتخيير لانقطاع النسخ في أخبارهم عليهم السلام ، وبين أخبار الرسول صلى اللّه عليه وآله فيحكم بوجوب الأخذ بالأحدث لو علم التاريخان ، سواء كان مطابقا للأصل أو مخالفا ، ويتوقّف عند جهل التاريخ.

والتحقيق في المقام : هو أنّ الترجيح بموافقة الأصل ومخالفة الأصل لا يبتني على القول بلزوم الأخذ بأحدث الروايتين ، ولذلك قلنا (5) بأنّ قول المحقّق لا ينطبق على العنوان وإنّما هو قول في مسألة (6) الأخذ بالأحدث ، وهو حقّ في تلك المسألة كما يظهر ممّا أومأنا إليه فيها من المحتملات (7) وإحقاق الحقّ منها وإبطال ما سواه ، إلاّ أنّ التزام النسخ فيما يحتمل النسخ كأخبار الرسول صلى اللّه عليه وآله أيضا مشروط بما يصحّ معه النسخ كمضيّ زمان العمل - مثلا - لئلاّ يلزم النسخ قبل حضور وقت الفعل ، فتدبّر.

ص: 631


1- « د » : تقدّم.
2- « س » : كلّ واحد.
3- « ج ، د » : يتفاوت.
4- معارج الأصول : 225 ، وتقدّم عنه في ص 627.
5- قاله في ص 627.
6- في النسخ : المسألة.
7- أومأ في ص 626.

وأمّا التحقيق في مسألة ترجيح أحد الخبرين بالأصل وإن قطعنا النظر عن وجوب الأخذ بالأحدث فهو أن يقال : إنّ الأصول العملية بناء على التعويل عليها من باب الظنّ بعدم التكليف في البراءة وببقاء المستصحب في الاستصحاب فلا ينبغي النزاع في الترجيح بالأصول فإنّها حينئذ تفيد تقوية فيما هو ملاك الحجّية ومناط الاعتبار كما في صورة تعدّد الدليل ، وأمّا بناء على القول بها بواسطة القاعدة العقلية والأخبار الواردة فيها من حيث التعبّد بها وإن لم تفد ظنّا كما هو المعروف بين المتأخّرين ، فلا يكاد يعقل الترجيح بالأصل ؛ إذ مفاد كلّ من الأصل والخبر غير مفاد الآخر فإنّ هذا من واد وذاك (1) من آخر ، فلا يحصل تقوية فيما هو المناط في دليلية الرواية ، والترجيح التعبّدي ممّا لا دليل عليه كما هو المفروض ، فلا بدّ من الأخذ بإطلاق أخبار التخيير ، وبذلك يرتفع الشكّ في مورد الأصل فيحكم بالتخيير بين الدليلين وذلك ظاهر.

وقد يتراءى في بادئ النظر تفصيلا وهو أن يقال : إنّ موضوع الأصول قد يكون الشكّ والحيرة ، وقد يكون عدم العلم بالخلاف ، فعلى الأوّل لا وجه للترجيح بالأصل لما عرفت من اختلاف مناطهما ، وعلى الثاني كما ربّما يستظهر من بعض أدلّة الأصول كقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ ) (2) في البراءة ، وقوله عليه السلام : « لا حتّى يستيقن » في الاستصحاب ، وقوله عليه السلام : « كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (3) في أصالة الطهارة ، فإنّ ظاهر هذه الأدلّة جريان الأصول عند عدم العلم بالخلاف ، وذلك لا ينافي العلم بالوفاق ، فيمكن الترجيح بهذه الأصول ؛ إذ لا مانع من ذلك بعد تحقّق مورد الأصل وجريانه.

وهو كلام ظاهري خال عن التحصيل أمّا أوّلا : فلعدم جريان الأصل في مورد

ص: 632


1- « م » : ذلك.
2- البقرة : 286 ؛ الطلاق : 7.
3- تقدّم في ص 107 مع اختلاف ، فلاحظ.

التعارض على ما ذكر أيضا ؛ إذ لا أقلّ من اعتبار عدم العلم بالخلاف في مجرى الأصل ، وذلك أيضا غير معلوم في محلّ التعارض ؛ لأنّ الخبر المخالف للأصل ما لم يحكم بسقوطه ، فلا يعلم عدم العلم بخلاف الأصل فلا يعلم بتحقّق مورد الأصل ولا يحكم بسقوطه ما لم يعلم بترجيح معارضه عليه ، فيلزم توقّف الجريان عليه ، وهو محال ظاهرا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الوجه في عدم الترجيح على ما عرفت هو عدم حصول التقوية بالأصل لأحد الدليلين ؛ لاختلاف مفادهما من حيث إنّ مفاد الأصل هو حكم الواقعة المشكوكة من حيث إنّها مشكوكة ومفاد الخبر هو الحكم الواقعي لها ، وما ذكر في وجه التفصيل ممّا لا ينهض (1) بدفع هذا الوجه بوجه ، فهو خارج عن قانون التوجيه ؛ إذ اللازم للمفصّل دفع ما جعله النافي وجها للنفي ، فتدبّر.

فالتحقيق في المقام : هو الأخذ بإطلاق أخبار التخيير لا الترجيح بالأصل ، ولا الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل ، أمّا الأوّل فلما عرفت ، وأمّا الثاني فلقول الرضا عليه آلاف التحية والثناء فيما رواه الطبرسي في الاحتجاج : « إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (2) وفي المرفوعة : « فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » (3).

ومن محاسن الاتّفاق أنّ الإمام عليه السلام حكم بالتخيير في مورد الأصل ، كما في صحيحة عليّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم : « صلّى (4) في المحمل » وروى بعضهم : « لا يصلّيها إلاّ على الأرض » فأعلمني كيف أصنع؟ وأعلمني (5) كيف تصنع أنت لأقتدي بك؟ فوقّع عليه السلام : « موسّع عليك بأيّة

ص: 633


1- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : لا يلتصق.
2- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ، وتقدّم عنه في ص 586.
3- تقدّم في ص 582.
4- في المصادر : أن صلّهما.
5- ليس في المصادر قوله : « كيف أصنع وأعلمني ».

عملت » (1).

وفيما رواه في الوسائل فإنّه قال : قال أحمد بن عليّ الطبرسي في الاحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليه السلام : يسأله (2) عن المصلّي إذا قام من التشهد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ إلى أن قال عليه السلام في الجواب : « إنّ في ذلك حديثين أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى (3) حالة أخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ، ثمّ جلس ، ثمّ قام ، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا » (4) فإنّ مفاد الخبر القائل بجواز الصلاة في المحمل مطابق للأصل وقد حكم الإمام عليه السلام بالتخيير ، كما أنّ الرواية الدالّة على عدم ثبوت التكبير موافقة للأصل وقد (5) أفاد عليه السلام بالتخيير ، اللّهمّ إلاّ أن يكون الخبران واردين في بيان الحكم الواقعي في نفس الواقعة ، وهو كما ترى.

نعم ، في الرواية الأخيرة يمكن أن يستشكل فيها بأنّ سياق الجواب فيها ممّا لا يشاكل كلام الأئمّة عليهم السلام فإنّه ليس شأنهم الاجتهاد و ( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (6). ويجاب عنه بأنّهم قد يستعملون هذه الوجوه إراءة لشيعتهم طريق الاجتهاد وسبيل الاستنباط.

وقد يقال أيضا : إنّ النسبة بين ما يدلّ على تكرار التكبير في كلّ انتقال وبين ما دلّ

ص: 634


1- تهذيب الأحكام 3 : 228 ، باب 23 ؛ الوسائل 4 : 330 ، باب 15 من أبواب القبلة ، ح 8 ، و 27 : 122 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 44.
2- في المصدر : يسألني بعض الفقهاء.
3- المثبت من « س » وهو موافق للمصدر ، وفي سائر النسخ : من.
4- الوسائل 6 : 363 ، باب 13 من أبواب السجود ، ح 8 ، و 27 : 121 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 39.
5- « س » : فيه.
6- ص : 27.

على عدم لزومه بعد السجدة الثانية عموم مطلق ، وقضيّة ذلك هو الحمل دون التخيير ، وقد يتعسّف في دفعه بأنّ العامّ لعلّه كان غير قابل للتخصيص ، فتدبّر.

ومنها : الترجيح بموافقة الحظر والإباحة وقد عرفت فيما قدّمنا لك أن لا محصّل لهذا الترجيح ، ومع ذلك فلا يخلو كلماتهم عن تشويش وتناقض أيضا فإنّ اختلافهم في تلك المسألة إلى الأقوال المختلفة وانحصار القول في هذه المسألة مع كونها من جزئيات تلك المسألة ممّا لم نعرف له وجها.

قلت : قد سبق (1) أنّ أقوال تلك المسألة تنطبق على مسألة الأخذ بالأحدث وإنّما راموا بالموافقة (2) والمخالفة تشخيص الصغرى ، كما ينادي بذلك ما عرفت من الأدلّة التي تمسّك بها أصحابها ، وهذه المسألة إنّما يلاحظ فيها مطابقة الرواية للاحتياط كما ورد به المرفوعة ، فلا غائلة في اختلاف الأقوال.

نعم ، قد يشكل (3) المقام بأنّ المشهور - على ما هو المحكيّ - قالوا بتقديم الحظر في المقام ، وهذا ينافي ما هو المعروف من مذهب المجتهدين من الأخذ بالبراءة فيما تعارض فيه النصّان وعدم الأخذ بالاحتياط.

ودفعه أيضا ظاهر ؛ إذ لم يعلم ذهاب المجتهدين من أصحابنا في المقام أيضا إلى الاحتياط ، بل المختار هو التخيير كما هو ظاهر ، فلا تناقض أيضا.

وقد يتمسّك في ذلك بما اشتهر عندهم من أنّ دفع المضرّة أولى من جلب المنفعة وبقوله : « ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام الحلال » (4) ، ولا يستقيم شيء منهما ؛ لعدم قطع العقل بالأوّل ، نعم ربّما يستحسنه العقول وليس بذلك البعيد كما أومأنا إليه في مباحث البراءة ، وعدم دلالة الثاني ؛ لظهوره في الشبهات الموضوعية.

ص: 635


1- سبق في ص 631.
2- « س » : لموافقة.
3- « ج » : يستشكل.
4- هذا هو الصواب. وفي النسخ : الحلال الحرام. وتقدّم تخريجه مع تفصيل في بحث البراءة : ج 3، ص 463.

ومنها : كون مفاد أحد الخبرين حكما وضعيا فيرجّح على ما هو مفاده حكم تكليفي ، والمستند في ذلك عدم احتياج الأوّل إلى الفهم بخلاف الثاني ، وقيل : فيرجّح الثاني على الأوّل ؛ لأنّه يترتّب عليه الثواب.

وضعف هذه الوجوه ممّا لا يكاد يخفى على ذي فطنة ؛ إذ قدّمنا في بعض مباحث الاستصحاب ما يغني عن إطالة الكلام في المقام ، وعلى التنزّل فهذه الاعتبارات الضعيفة ممّا لا دليل على اعتبارها ، فإطلاق أخبار التخيير في محلّه وقد ذكروا أمورا ليس شيء منها بشيء.

ثمّ إنّ الترجيح بالمرجّحات هذه ليس كالترجيح بالشهرة ونحوها فإنّها ليست أمارة على الحكم في نفسها كما في الشهرة.

فالمرجّحات المضمونية على قسمين : قسم ما يكون من الأمارات على الأحكام كالشهرة والاستقراء ونحوهما ، وقسم لا يكون كذلك كموافقة الأصل وكون مفاد أحد الخبرين حكما وضعيا وأمثال ذلك ، وقد عرفت الكلام في هذا القسم.

وأمّا القسم الأوّل فلا بدّ من تفصيل الكلام فيه أيضا ، فنقول : إنّ مثل هذه الأمارات تارة : يعلم اعتبارها ، وتارة : يشكّ في ذلك ، وتارة : يعلم عدم اعتبارها : فعلى الأوّل فلا إشكال في حصول الترجيح بها بعد القول بها ؛ إذ كثرة الأدلّة معتبرة في مقام الترجيح ، وعلى الثاني فالقول بالترجيح بها موكول إلى ما قدّمنا من اعتبار مطلق الظنّ في مقام الترجيح وعدمه ، وعلى الثالث كما في القياس وأضرابه من الظنون التي دلّ الدليل على عدم اعتبارها فهل يصحّ (1) التعويل عليها في مقام الترجيح ، أو لا؟ قولان :

قال المحقّق قدّس اللّه نفسه الزكية في المعارج : ذهب ذاهب إلى أنّ الخبرين إذا تعارضا وكان القياس موافقا لما تضمّنه أحدهما كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر

ص: 636


1- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : يصلح.

على معارضه ، ويمكن أن يحتجّ لذلك بأنّ الحقّ في أحد الخبرين فلا يمكن (1) العمل بهما ولا طرحهما ، فتعيّن أن يعمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض فلا بدّ من العمل بأحدهما من مرجّح والقياس ممّا يصلح أن يكون مرجّحا لحصول الظنّ به ، فتعيّن العمل بما طابقه. لا يقال : أجمعنا على أنّ القياس مطروح في الشريعة ، لأنّا نقول : بمعنى أنّه ليس بدليل على الحكم لا بمعنى أنّه لا يكون مرجّحا لأحد الخبرين على الآخر ، وهذا لأنّ فائدة كونه مرجّحا كونه دافعا (2) للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ويكون العمل به لا بذلك القياس ، وفي ذلك نظر (3) ، انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.

والحقّ الحقيق بالتصديق هو أنّ ما ذهب إليه الذاهب ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ولا أن يكون مسرحا لأنظار العلماء ، فإنّ بداهة (4) بطلان التعويل على القياس على أيّ وجه يقاس ممّا لا ينبغي أن يقاس بأجلى الضروريات وأوّل البديهيات في مذهب القائلين بإمامة الأئمّة عليهم أفضل الصلاة والسلام ومع ذلك فحيث إنّ المحقّق مع جلالة قدره وعظم مرتبته قد تصدّى لذكره ، فنحن اقتفاء له بخيل الطرف في هذا الميدان فنقول : يدلّ على فساد ما ذهب إليه الذاهب - أعاذنا اللّه وإخواننا عن أمثال هذه المذاهب الباطلة - أمور :

الأوّل : إجماع الفرقة المحقّة بأجمعهم على ترك التعويل عليه والركون إليه ، وبذلك يشهد كلّ موافق ومخالف ويذعن كلّ منافق ومؤالف وبهذا كانوا معروفين عند خصومهم ويبرءون (5) ممّن زعم ذلك حتّى أنّهم تركوا بعض من ربّما يظهر منه الميل إليه ، وقصّة هجر بعض الكتب المنسوب إلى بعض أصحاب هذا القول معروفة إلى أن صار

ص: 637


1- « م » : ولا يمكن.
2- « ج ، ش » : رافعا.
3- معارج الأصول : 261 - 262.
4- « ج ، د » : بداهته.
5- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : ينزّلون.

الأمر بمرتبة لم يمكن إنكار ذلك عليهم.

والذاهب إن زعم أنّ الترجيح به ليس تعويلا عليه والقدر المعلوم من بطلانه هو ما إذا كان القياس دليلا لأحد طرفي الحكم في الواقعة فبعد أنّ ذلك فاسد في نفسه والمدّعي لذلك لا بدّ له من الرجوع إلى كلمات الأصحاب في المسائل الفقهية كي يتّضح له الحال ويظهر له صدق المقال (1) ، فإنّا بعد ما استقصينا التتبّع في مطاويها واستوفينا التصفّح في تضاعيفها ما وقفنا على مورد اتّكل فيه الأصحاب في مقام الترجيح عليه على وجه يظهر منه إعراضهم عنه ؛ إذ كثيرا ما لا يكون المورد خاليا عن قياس معتبر عند العامل به كما لا يخفى.

يرد (2) عليه : أنّ الترجيح بالقياس يرجع إلى التعويل عليه والأخذ به دليلا أمّا أوّلا : فلظهور أنّ الوجه في تقديم الخبر الموافق للقياس وطرح الآخر هو القياس ، ولا معنى للأخذ بشيء دليلا إلاّ جعله مناطا لحكم على وجه يرتفع به الأصل المحكّم في محلّ ذلك الحكم لولاه ، والأصل في المسألة الأصولية على ما يفيده الأخبار هو التخيير أو التوقّف ، فلو لم يكن القياس دليلا في المسألة الأصولية لم يجز رفع اليد عن الأصل المذكور ، فقوله : بمعنى أنّه ليس بدليل مسلّم ، ونقول : إنّ الترجيح به راجع إلى اعتقاد كونه دليلا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الحكم في المسألة الفرعية أيضا مستند إليه فإنّ في دفع المعارضات وتوضيح الدلالات وغيرها - ممّا يتوقف تمامية الدليل الشرعي عليه من الأصول وغيرها - مدخلا في الحكم الشرعي الفرعي المستنبط من الدليل ، بل (3) ربّما يكون الحكم في العادة مستندا إلى القياس بتمامه من حيث استناد الحكم المعلول إلى ما هو الأخير من أجزاء علّته التامّة كما يقضي بذلك العرف والعادة ، وهل ذلك إلاّ افتراء

ص: 638


1- « س » : المقام.
2- المثبت من « م » وفي « س ، د » : ويرد وفي « ج » : « فتدبّر » بدل : « ويرد ».
3- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : - بل.

على اللّه؟

وإن زعم أنّ أمر الترجيح ممّا قد يتساهل فيه كما زعمه بعض الأفاضل (1) فيما نبّهنا عليه في بعض مباحث الظنّ (2) ، فيمكن الاعتماد فيه بأمور لا يجوز التعويل عليه في غير مقام الترجيح.

فهو زعم باطل وتوهّم عاطل قد برهنّا على فساده فيما سلف بما لا مزيد عليه.

الثاني : الأخبار المستفيضة (3) ، بل المتواترة القائلة بأنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول ، وأنّه ليس شيء أبعد في (4) دين اللّه من عقول الرجال ، وأنّ في القياس محق الدين وفساد شريعة سيّد المرسلين ، وأنّه ليس على دين الرسول من استعمل القياس فيه ، وأنّ مقاييس الأوهام تقصر عن إدراك المطالب والأحكام.

ولا يكاد يخفى أنّ الأخذ بالقياس في مقام الترجيح استعمال للقياس في الدين ، وليس المذكور في عناوين هذه الروايات لفظ الدليل حتّى يتوهّم الذاهب أنّه ليس بدليل مع أنّك قد عرفت على تقدير ذلك ، فالحقّ أنّ التعويل عليه مرجعه إلى جعله دليلا وإنكاره ربّما يعدّ في إنكار الضروريات.

لا يقال : هذه الأخبار تعارض الأخبار الدالّة على اعتبار مطلق القوّة في الترجيح تعارض العموم والخصوص من وجه ، وعند عدم المرجّح في مادّة التعارض يسقط

ص: 639


1- قال في الفصول : 445 : ويظهر من رواية الحسن بن الجهم المتقدّمة ترجيح المعتضد بالقياس على الحكم الثابت بالكتاب أو الحديث المأثور عنهم عليهم السلام على غيره ، وله وجه ، ولا ينافيه الأخبار الدالّة على عدم حجّية القياس ؛ لأنّ الحجّية غير المعاضدة.
2- انظر ج 3 ، ص 315.
3- الوسائل 27 : 41 ، باب 6 من أبواب صفات القاضي ، ح 10 ، و 29 : 352 ، باب 44 من أبواب ديات الأعضاء ، ح 1 ، و 27 : 45 ، باب 6 من أبواب صفات القاضي ، ح 22 ؛ المستدرك 17 : 262 ، باب 6 من أبواب صفات القاضي ، ح 25 ؛ بحار الأنوار 2 : 303 ، باب 34 ، ح 40.
4- « س » : من.

الاعتبار فيهما معا ، فلا وجه للاستناد بهذه الأخبار الواردة في مقام المنع عن العمل بالقياس.

لأنّا نقول : إنّ دلالة الأخبار على (1) حرمة العمل بالقياس أظهر (2) من دلالة هذه الأخبار على حجّية مطلق القوّة ، ولعلّك تذكّر بعد الرجوع إليها فإنّها إشعارات محضة مستفادة من موارد جمّة لا يصحّ اجتماعها في عنوان لفظي حتّى يؤخذ بلوازمه من ملاحظة النسبة بينه وبين ما يعارضه ، فإنّ ذلك أمر قد استشعرنا به بأنّه بعد إعمال أنواع العنايات والتنويرات.

الثالث : أنّ أصحابنا الإمامية قد أولعوا في تحقيق المباحث التي يتوقّف عليها الاستنباط في الكتب (3) الأصولية كما يشهد بذلك مراجعتها ، ولو لا أنّ من المحظور عندهم الترجيح بالقياس كان الواجب عليهم التعرّض لمباحثه كعلماء الجمهور وتشخيص أقسامه ، وعدم الاعتناء به في مقام الدليلية كما زعمه الذاهب لا يوجب عدم الاعتناء به مطلقا ، فلا يصلح (4) ذلك عذرا في عدم تعرّضهم ، وهذا إجماع آخر منهم على عدم الاعتناء به ، وما عسى يظهر من البعض من الاستناد بوجوه ظنّية في تشخيص الأحكام الشرعية ، كما يلوح من استناد كاشف اللثام (5) في طهارة الماء الموجود في البئر : بأنّ الكرّ الموجود في خارج البئر لا ينجّس بالملاقاة فكيف ينفعل فيها مع اتّصاله بالمادّة ، ونحو ذلك ، فمحمول على إرادة التأييد بمثل هذه الاعتبارات ، وليس مستندهم في الحكم إلاّ ما هو المعتبر شرعا كما هو ظاهر من ديدنهم في غير هذه الموارد (6).

ص: 640


1- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : « أخبار » من دون لفظه « على ».
2- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : - أظهر.
3- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : كتب.
4- « د » : يصحّ.
5- كشف اللثام 1 : 276 - 277.
6- « ج ، د » : هذا المورد. قال الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائرية : 452 : والفقهاء رحمهم اللّه ربّما يجعلون القياس المفيد للظنّ مؤيّدا مطلقا وإن اتّفقوا على عدم حجّيته وحرمة العمل به لا بأن يكون دليل الحكم ومستنده.

وبالجملة : فالقياس وجوده وتقارنه لأحد الخبرين - لو لم ينقص من عدمه ؛ إذ ربّما يعدّ المخالف للقياس مخالفا لطريقة العامّة - لا يوجب شيئا من الأحكام الشرعية حتّى أنّ الاحتياط في مورده أيضا غير مطلوب ، فلا وجه للأخذ بالخبر الموافق (1) بواسطة قاعدة الاشتغال على تقدير تماميتها ، فإنّ العالم بواقعيات الأشياء قد منع من الاتّكال على الوجوه الظنّية ، كما رواه في العيون عن مولانا الرضا عليه السلام في رواية - بعد الترجيح فيها بموافقة الكتاب والسنة ، ثمّ التخيير - : « وما لم تجدوه في شيء من ذلك الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » (2).

ويغنينا عن ذلك كلّه ما ورد في ذيل المرفوعة (3) من قوله : « فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » والتقريب ظاهر ؛ إذ ليس المقصود من الوقوف هو الوقوف عند عدم المرجّح في النفس ؛ إذ يستحيل صدور الفعل بدون المرجّح ، بل المراد به عدم الاعتناء بالمرجّحات التي لم ينصّ عليها بالخصوص أو بوجه من الوجوه التي عرفت سبيل الاستنباط فيها من الأدلّة الدالّة عليها كما تقدّم.

فالإنصاف أنّ التعدّي من المرجّحات المنصوصة إلى غيرها موقوف على حصول الاطمئنان بعمل الأصحاب فيه ونحوه ، فعليك بإمعان النظر في هذا المقام مراعيا أحسن الأوصاف مجانبا عن الاعتساف ، واللّه الموفّق وهو الهادي سواء السبيل.

ص: 641


1- « ج ، د » : المخالف.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 20 ، باب (30) فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار ، ح 45 ؛ وعنه في الوسائل 27 : 115 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 21 ، و 27 : 165 ، باب 12 من أبواب صفات القاضي ، ح 36.
3- كذا. والصواب : المقبولة ، وقد تقدّمت بتمامها في ص3. 578.

ص: 642

هداية [ في بعض آخر من المرجّحات الدلالية ]

قد قدّمنا (1) بعض القول في المرجّحات (2) بحسب الدلالة ولنشر إلى بعض (3) آخر ممّا أمسكنا منه ، فنقول : كما أنّ المرجّحات الصدورية تنقسم إلى داخلية كالأعدلية والشهرة في الرواية ، وخارجية كالشهرة في الفتوى والقياس ونحوهما من الأمارات ومثل أن يكون مفاد الرواية حكما وضعيا من غير الأمارات ، كذلك المرجّحات المعمولة في الدلالة أيضا على قسمين : فتارة : يقع الترجيح بأمور مرتبطة بالدلالة ، وتارة بأمور خارجة عنها غير منوطة بها.

وقبل الخوض فيه ينبغي أن يعلم أنّ ملاحظة (4) الترجيح في الدلالة إنّما هو متأخّر عن ملاحظته في الصدور وجهته ، فلا يفيد التعرّض في الدلالة ، إلاّ بعد فرض المتعارضين معلومي الاعتبار من هاتين الجهتين ، كما في تعارض الكتابين أو المتواترين من الأخبار أو أحدهما بالآخر بعد عدم الأخذ باحتمال التقيّة في المتواترين ، وكما في أخبار الآحاد فيما لا سبيل إلى قدح في السند أو منع في جهة الصدور.

ومن هنا يظهر أنّ أخبار التخيير أيضا ممّا لا مسرح لها في تعارض الدلالة ؛ إذ لا

ص: 643


1- قدّم في ص 555.
2- « ج » : بالمرجّحات.
3- « د » : ولنشرع ببعض ، وفي « م » كتب أوّلا « لنشرع » ثمّ شطب على « ع ».
4- « ج ، د » : - ملاحظة.

وجه لملاحظة الدلالة إلاّ بعد فرض التكافؤ من سائر الجهات مع احتمال وجود الترجيح من هذه الجهة ، والمنساق من أخبار التخيير ليس إلاّ حال عدم ما يصلح للترجيح مطلقا.

وإذ قد عرفت هذا فاعلم أنّه لا ريب في اعتبار المرجّحات الداخلية المعمولة في الدلالة ممّا يعتبرها أهل اللسان في كشف المراد من الأمور المكتنفة بالألفاظ ، والأغلب رجوعها إلى الغلبة ، والمعتبرة منها ما كانت بحيث يصحّ التعويل عليها عرفا في التفهيم عند التخاطب ، فلا عبرة بالحادثة بعد الاستعمال ولا بما لا يعلم تعويل المتكلّم عليها ؛ لعدم العلم بتحقّقها حال الاستعمال.

وتوضيح ذلك : أنّه تارة : يعلم بتحقّق الغلبة على وجه يصحّ الاتّكال عليها في مقام التفهيم والتفهّم ، كما في غلبة التخصيص على سائر أنواع المجاز فإنّها غلبة واقعية قابلة لأن يعتمد عليها المتكلّم بكلامين يحتمل أحدهما التخصيص ، والآخر مجازا آخر ، في تقديم التخصيص في أحدهما على المجاز في الآخر (1) ، وتارة : تحصل (2) الغلبة بعد الاستعمال على وجه يكون الاستعمال المقترنة (3) بالقرينة موجبة لحدوث الغلبة ، ففي تلك الاستعمالات لا وجه للتعويل على الغلبة ؛ إذ بها تحصل وإنّما تثمر بعد حصولها ، وتارة : لا يعلم تعويل المتكلّم عليها - مثلا - أنّ الأمر في عرف الأئمّة عليهم السلام إنّما غلب (4) استعماله في الندب كما زعمه صاحب المعالم رحمه اللّه (5) ، فهذه الغلبة على تقدير صحّتها إنّما يجدي فيما يعلم التعويل عليها ، وأمّا لو فرضنا أنّ أحدا سأل الإمام عليه السلام عن شيء فأمره فلا يصلح (6) لأن يكون هذه الغلبة معوّلا عليها في صرف الأمر عن ظاهره وحمله على المجاز ، فالغلبة المعتبرة هي الغلبة على الوجه الأوّل ، وأمّا الأخيران فلا

ص: 644


1- « م » : آخر.
2- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : يحصل.
3- « د » : المقرونة.
4- « س » : غلبت.
5- المعالم : 53.
6- « د » : فلا يصحّ.

عبرة بهما.

وأمّا المرجّحات الخارجية فكالشهرة والإجماع (1) المنقول ونحوهما ممّا لا مدخل لها في الدلالة ؛ إذ لا يعقل أن يصير اللفظ دالاّ بعد تقارنه بالشهرة ، لكونها أجنبية عن اللفظ.

فإن قلنا باعتبار هذه الأمور الخارجية ، فالترجيح لمضمون الخبر الموافق لها لا لنفس الخبر ؛ لأنّ التعويل على أصالة الحقيقة إنّما يصحّ فيما لم تكن معارضة بمثلها ، ودفع المعارض فرع ما يصلح لأن تكون (2) قرينة صارفة والمفروض انتفاؤها ؛ إذ الأمر الخارجي ممّا لا يصلح للصرف في عرف أهل اللسان ، فيحكم بالإجمال والتساقط ، والمفروض حجّية المقارن المطابق لأحد المضمونين فيرجع إليه.

وإن قلنا بعدم اعتبارها ، فالحقّ أنّها لا تأثير لها في شيء فلا يكون شيء منها مرجعا ، ولا مرجّحا ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلما عرفت من أنّ ترجيح أحد الظاهرين على الآخر فرع وجود ما يصلح لأن يكون مانعا عن الآخر ، والشهرة الحادثة بعد صدور الخبر أو (3) الإجماع (4) المنقول كيف يعقل أن يكون سببا لظهور اللفظ؟

اللّهمّ إلاّ أن تكون (5) كاشفة عن القرينة فيدور الأمر مدارها (6) من حيث الاكتفاء بها ولو كانت مظنون الوجود أو لا ، نعم لو كشفت (7) على وجه اليقين عن وجود القرينة المعتبرة في صرف اللفظ عند العرف ولو كانت ظنّية في حيال ذاتها صحّ التعويل عليها ، وعلى تقديره فالعبرة بالقرينة لا بالشهرة ، مثلا قوله تعالى : ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ

ص: 645


1- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : إجماع.
2- في النسخ : يكون.
3- « د » : و.
4- في النسخ : إجماع.
5- في النسخ : يكون.
6- « س » : مداره.
7- قوله : « نعم لو كشفت » ورد في نسخة « س » بعد « وجه اليقين ».

أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) (1) ظاهر يشمل الزوجة المتوفّى عنها زوجها وغيرها أيضا ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (2) أيضا يشمل القبيلتين فإبقاء الظاهر الأوّل والحكم باختصاص الثاني بغير المتوفّى عنها زوجها ، أو (3) الحكم باختصاص الأوّل وإبقاء الثاني بحاله من دون ما يصلح لذلك ، ترجيح بلا مرجّح ، فعلى المجتهد الأخذ بالأصول المعمولة عنده في مثل المقام.

نعم ، لو فرض أنّ المتعارضين يمكن رفع اليد عن أحدهما سندا كما في الأخبار الظنّية يمكن القول بترجيح المطابق للشهرة على بعض الوجوه المتقدّمة ، إلاّ أنّ ذلك رجوع عمّا نحن بصدده من انحصار وجه التعارض في الدلالة وقد عرفت صعوبة الخطب في (4) ذلك المقام ومن هنا أذعن سيّد المدارك (5) بأنّ مخالفة الأصحاب أشكل من طرح الخبر الصحيح.

وبالجملة ، ففيما لو فرض الكلام في الدلالة فقط لا نرى وجها للأخذ بالشهرة ، ومن هنا ترى أنّ السيّد المذكور ما تبع الشهرة في الحكم بنجاسة رجيع الطير الغير المأكول لحمه فقال (6) : المتّجه القطع بطهارة الذرق تمسّكا بالأصل السالم من (7) المعارض ، مع تعارض رواية عبد اللّه بن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (8) ورواية الشيخ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله » (9) في خصوص المسألة ، فظهر أنّ كلام السيّد وأمثاله إنّما هو فيما أمكن التصرّف السندي في الرواية دون ما كان الكلام متمحّضا في الدلالة على ما هو المفروض.

ص: 646


1- الطلاق : 4.
2- البقرة : 234.
3- « س » : « و » بدل : « أو ».
4- « س » : فيما.
5- مدارك الأحكام 4 : 95.
6- المدارك 2 : 262.
7- « م » : عن.
8- تقدّم في ص 397 و 548.
9- تقدّم في ص 458 - 549.

وكيف كان ، فزعم سيّد الرياض عليه الرحمة (1) إلى جواز الترجيح بمثل هذه الشهرة كما يظهر منه في جملة من موارد الكتاب المذكور ، وفصّل بعض المشايخ المعاصرين في بعض كلماته فقال بأنّ الشهرة تنهض قرينة معيّنة لأحد احتمالي المشترك ولا تصلح (2) لأن تكون (3) قرينة صارفة للحقيقة ، ومن هنا حكم بأنّ المراد بالرطل في مسألة تحديد الكرّ هو الرطل العراقي ؛ لأنّ الشهرة تنهض قرينة معيّنة للفظ الرطل المشترك بين العراقي والمدني ، وليت شعري ما أبعد قول المفصّل عن الواقع فكأنّما اعتمد على مخاطرة وقعت في باله ، وإلاّ فليس بالحريّ ضبط أمثاله في الكتاب كما لا يخفى ذلك عند أولي الألباب.

وكلاهما فاسدان : أمّا الأوّل : فلأنّ الشهرة على تقدير عدم الحجّية ليست مختلفة الحال ، فكما لا يجوز الركون إليها في محلّ رواية لا يجوز التمسّك في مورد الروايتين إن أريد التمسّك بها في نفسها ، وإن أريد الترجيح فقد عرفت عدم معقولية الترجيح بحسب الدلالة بالشهرة إلاّ في صورة الكشف عن القرينة ، وعلى تقدير معقولية الترجيح بها فلا بدّ من أن يكون ممّا يعتمد عليها العرف في مقام استكشاف المراد ، اللّهمّ إلاّ أن يكون قرينة تعبّدية ، وفساد هذه الأمور من أجلى (4) الضروريات ، نعم لو كان حجّية أصالة الحقيقة مقيّدة بعدم قيام ظنّ على خلافها أو اعتبرناها من حيث إفادتها الظنّ بالمراد جاز التعويل على الخبر الموافق للشهرة ، ولكنّه غير خفيّ أنّها حينئذ لا تكون (5) من المرجّحات ؛ إذ بعد فرض إفادتها الظنّ يرتفع موضوع الحجّة في الآخر فهي بأن تكون موهنة (6) أولى (7) ، وأمّا على القول بالتعبّد فلا مجال لطرح الظهور

ص: 647


1- انظر الرياض 2 : 217 و 344 - 345 ، وفي ط الحجري 1 : 63 و 83.
2- « د » : يصحّ وفي سائر النسخ : يصلح.
3- في النسخ : يكون.
4- « ج ، د » : أعلى.
5- في النسخ : لا يكون.
6- « س » : موهونة.
7- « س » : أولى من الترجيح.

إلاّ بدليل معتبر شرعا والمفروض عدم اعتبار الشهرة ، فلا تصلح (1) لذلك.

وأمّا الثاني : فلا ينطبق على شيء من الأقوال والمذاهب ولا يساعده وجه من الوجوه الاعتبارية ؛ إذ لا فرق في نظر العقل والعرف في ذلك ، فالصالح لأحدهما ينبغي أن يكون صالحا للآخر والفرق تحكّم والإنكار تباهت وصرف العمر في تزييفه بطالة ، فإنّه إنّما نشأ منه بواسطة عدم استئناسه بالمطالب الأصولية وإلاّ فهو أجلّ شأنا من هذه الخيالات ، فتدبّر في المقام واللّه الموفّق وهو الهادي.

ص: 648


1- في النسخ : فلا يصلح.

هداية [ في حكم المتكافئين : التخيير أو التوقّف؟ ]

قد استوفينا أحكام التراجيح على حسب ما هو في وسعنا وقدّمنا الكلام في التعادل أيضا إلاّ أنّه لا بأس بإعادة الكلام فيه تنبيها على مطالب لم يسبق إليها الإشارة ، قد اختلفت كلمة أصحابنا المتمسّكين بالعروة الوثقى في أنّ الحكم بعد فقد الترجيح في الأخبار هل هو التوقّف ، أو التخيير؟ فالمنسوب إلى الأخباريين من أصحابنا رضوان اللّه عليهم هو الأوّل ، والمشهور من مذهب المجتهدين منهم شكر اللّه مساعيهم هو الثاني ومنشأ الخلاف بينهم اختلاف الأخبار ، وربّما يعاضد كلّ منهما بوجوه أخر على ما قدّمنا في بيان الأصل هل هو التساقط أو التخيير.

وكيف كان ، فتدلّ على الأوّل طائفة من الأخبار وهي صنفان : أحدهما : الأخبار العامّة الواردة في مقام حكم المشتبه وقد مرّ بجوابها في مباحث البراءة والاحتياط (1) ، الثاني : الأخبار الخاصّة بما إذا تعارض الخبران الآمرة بالتوقّف والإرجاء والاحتياط وهي كثيرة :

منها : ما في منقول الوسائل عن محمّد بن إدريس نقلا من كتاب مسائل الرجال [ ومكاتباتهم ل ] عليّ بن محمّد [ الهادي عليه السلام مسائل ](2) محمّد بن [ عليّ بن ] عيسى

ص: 649


1- تقدّمت أخبارها في ج 3 ، ص 369 - 370 وجوابها في ص 376 - 384.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ : « بن ».

[ حدّثنا محمّد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمّد بن عليّ بن عيسى ] كتب إليه مسألة عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك : فقد اختلف (1) علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه والردّ إليه فيما اختلف فيه؟ فكتب : « ما علمتم أنّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموه فردّوا (2) إلينا » (3).

ومنها : خبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : « انظروا إلى (4) أمرنا وما جاءكم عنّا فما (5) وجدتموه للقرآن موافقا فخذوه (6) ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، فإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم [ من ذلك ] ما شرح لنا » (7).

ومنها : موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام [ سألته ] عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمره بأخذه ، والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال عليه السلام : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه » (8).

ومنها : موثّقة ابن بكير المرسلة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : « إذا جاءكم منّا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوه (9) ، وإلاّ فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم » (10).

ومنها : ما ذيل المقبولة بعد ما قال : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا ، قال : « إذا

ص: 650


1- في المصادر : قد اختلف.
2- في الوسائل والسرائر : وما لم تعلموا فردّوه.
3- الوسائل 27 : 119 - 120 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 36 ؛ السرائر 3 : 584 ؛ وعنه في بحار الأنوار 2 : 245 ، باب 29 ، ح 55 ، وصدره في الوسائل : نقلا من كتاب مسائل الرجال لعليّ بن محمّد عليه السلام أنّ محمّد بن عليّ بن عيسى كتب ... وتقدّم في ج 3. ص 123.
4- لم ترد « إلى » في المصادر.
5- في المصادر : فإن.
6- في المصادر : فخذوا به.
7- الوسائل 27 : 120 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 37. وتقدّم في ج 7. ص 123.
8- الوسائل 27 : 108 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 5.
9- في المصدر : فخذوا به.
10- الوسائل 27 : 112 ، باب 9 من أبواب صفات القاضي ، ح 18. وتقدّم في ج 10. ص 124.

كان ذلك فأرجه وقف حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » (1).

وتدلّ على الثاني أيضا أخبار كثيرة قد أشير فيما مرّ إلى جملة منها فراجعها (2).

والإنصاف : أنّ الراجح في النظر هو ما ذهب إليه المجتهدون فإنّ الظاهر من هذه الأخبار الخاصّة اختصاص موردها بما إذا تيسّر تحصيل العلم بالواقع والمفروض في زماننا هذا تعذّره ، فليس المنساق منها بيان حكم المشتبه فيما إذا لم يكن مرجوّ الزوال كما يرشد إليه قوله : « حتّى تلقى إمامك » وقوله : « حتّى نشرح لكم ما شرح لنا ».

وعلى تقدير التنزّل فأخبار التخيير أخصّ من هذه الأخبار ، فلا بدّ من الأخذ بالأخصّ تحكيما له على العامّ ، فإنّ موارد التوقّف بناء على عدم اختصاصها بصورة التمكّن من العلم يعمّ حال التمكّن وعدمه ، وأخبار التخيير تختصّ بما إذا كان المكلّف متحيّرا من جميع الجهات وهي حالة عدم التمكّن.

ولئن سلّمنا تواردهما في مورد واحد فالحقّ أنّ الترجيح لأخبار التخيير من وجوه : الأوّل : كثرتها فإنّها تبلغ نيّفا وعشرا على ما حكي ، الثاني : اعتضادها بذهاب المشهور إليه ، بل في المعالم : لا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب وعليه أكثر أهل الخلاف (3) ، الثالث : صحّة أسانيدها كما هو ظاهر بعد الرجوع إليها.

ولعلّ بعد ملاحظة ما ذكر يحصل الاطمئنان بأنّ الحكم في الواقعة هو التخيير دون التوقّف.

فإن قلت : إنّ ملاحظة حالات العقلاء في العمل بما في أيديهم من الطرق المعمولة عليها عندهم يعطي التوقّف ؛ إذ ربّما ينسبون القائل بالتخيير فيما تعارض عنده قول زيد بقول عمرو في واقعة إلى الهجر والهذيان (4) ، وذلك من أقوى المرجّحات لأخبار

ص: 651


1- تقدّم في ص 576 - 578.
2- راجع ص 633 - 634.
3- المعالم : 250. وتقدّم عنه في ص 537.
4- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : الهليان.

التوقّف.

قلت : وذلك مسلّم ومع ذلك لا يجدي فيما نحن (1) بصدده ؛ للفرق الظاهر بين العقلاء في الأمور المتعلّقة بمعاشهم وبينهم (2) في الأمور المتعلّقة بمعادهم ، لأنّ (3) المفروض عدم إمكان الوصول إلى واقع الواقعة عندهم في أمور المعاد ، بخلافه في أمور المعاش لإمكان الوصول إلى الواقع في ذلك ، وقد لوّحنا أنّ اللازم عند إمكان الوصول إلى الواقع هو التوقّف.

وتوضيح ذلك : أنّ بناء العرف في الأمور المستقبلة على الأخذ بالظنّ كما لا يخفى ، وعند عدم الظنّ لا يجترءون بالعمل ، وبعد فرض تعارض الأمارتين مع عدم المرجّح لا حامل لهم على الفعل ؛ لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ، فلا مجال لعدم التوقّف عندهم ولا يجوز قياس حالهم بحالنا من حيث نحن متعبّدون بأحكام الشارع ، وإنّما الملحوظ عندنا رفع ما هو الواجب علينا والملحوظ عندهم التوصّل إلى الواقع ، ولو فرض استواء الحالين نلتزم بالتوقّف.

وتحقيق المقام وتوضيح المرام : أنّ المقامات مختلفة : فتارة : لا بدّ من الحكم بالتخيير كما عليه المشهور (4) ، وتارة : يحكم بالتوقّف والاحتياط بين الدليلين ، وتارة : يحكم بالتساقط. أمّا مقام التخيير ففيما إذا قلنا بحجّية خبر العادل تعبّدا صرفا من غير أن يلاحظ فيها (5) كونه طريقا إلى الواقع كما ربّما يظهر من بعضهم ، فإنّ قضيّة القاعدة التي قدّمناها في أوائل الباب هو التخيير بحسب حكم العقل بين الدليلين ، ونزيدك توضيحا ونقول : إنّ التوقّف على ذلك التقدير ممّا لا يقضي به دليل ، بل الدليل على خلافه ، كما في صورة تزاحم الحقّين (6) والواجبين فإنّ إطلاق الدليل الدالّ على لزوم

ص: 652


1- « س » : نحن فيه.
2- « ج ، د » : - بينهم.
3- « م » : فلأنّ. وفي « ج » : أمّا أوّلا فلأنّ.
4- بل نفى الخلاف عنه في المعالم كما تقدّم في ص 537 والصفحة السابقة.
5- « د » : فيه.
6- « د » : الحقوق.

الأخذ بالدليل تعبّدا قاض بذلك مطلقا ولو حال التعارض ، وعند ذلك فيلاحظ نفس الحقّين فإن كان أحدهما أهمّ من الآخر يؤخذ به كما إذا دار الأمر بين حقوق اللّه وحقوق الناس على تقدير أهمّية أحدهما بالنسبة إلى الآخر كما عليه البعض ، وإن لم يكن أحدهما أهمّ من الآخر فمع وجود المرجّحات الخارجية يجب الأخذ بها ، وبدونه يحكم بالتخيير ، وليس ملاحظة الدليل الدالّ على الوجوب حينئذ وجيها ، بل يدور الأمر مدار تعيين الواجبين من غير حاجة إلى ملاحظة الدليل.

فإن قلت : لا سبيل إلى القول بوجوب العمل بكلّ من الدليلين حال التعارض ؛ لأنّ مفاد الأدلّة الدالّة على ذلك هو الوجوب العيني ، ولا يعقل تعلّق الوجوب العيني بالمكلّف حال التعارض بالنسبة إلى كلّ منهما ، والوجوب التخييري غير مستفاد منها و (1) إلاّ على وجه (2) استعمال الألفاظ (3) الواردة في تلك الأدلّة في الوجوب العيني والوجوب التخييري ، وهو محظور عندهم (4).

قلت : قد قدّمنا (5) دفع هذه الشبهة بما لا مزيد عليه ونقول أيضا : إنّ جميع الأوامر الصادرة في الشريعة مقيّدة بالإمكان العقلي ، وهذا التقييد يكفي في دفع هذه العويصة من غير حاجة إلى ملاحظة أمر آخر ، وبيانه : أنّ خبر العادل حينئذ بمنزلة قول الوالدين من وجوب العمل بقولهما ، فإذا أمر الوالدة بأمر يناقض ما أمر به الوالد لا ريب في أنّ الوجوب الفعلي الذي هو المناط في تحقّق الإطاعة والعصيان وعليه يدور الثواب والعقاب غير متحقّق بالنسبة إلى الأمرين ؛ لامتناع ذلك على قواعد العدلية ، إلاّ أنّ ذلك لا يقضي (6) بالتصرّف في الدليل الدالّ على وجوب امتثال (7) أوامر الوالدين ، كما أنّ عدم العلم بالتكليف لا يوجب التصرّف في دليل التكليف على

ص: 653


1- كذا. والظاهر زيادة « و ».
2- « ج » : سبيل.
3- « س » : الاستعمال للألفاظ. « م » : استعمال للألفاظ.
4- « د » : محظور عنهم.
5- تقدّم ص 531.
6- « د » : لا يقتضي.
7- « س » : الامتثال.

وجه يوجب (1) تخصيصا وإخراجا لفرد من عموم اللفظ مع أنّ العقاب على ترك الامتثال قبيح عند عدم العلم ، فكان التصرّف في أمر عقلي لا يوجب خروج اللفظ عن ظاهره ، بل اللفظ الدالّ على الوجوب بحاله.

نعم ، لا يمكن الجمع في الامتثال وهذا حكم عقلي يلتزم به على حسب ما هو المقدور وهو العمل بأحدهما ، ومنه جاء التخيير ، وإلاّ فكيف يعقل أن يكون الحكم الشرعي دائرا مدار خيرة المكلّف من دون استواء الأفراد في المصلحة؟

فالمختار من شقّي السؤال هو أنّ الدليل يدلّ على الوجوب العيني بالنسبة إليهما معا وذلك لا يوجب محذورا ؛ إذ الامتثال بغير الممكن ممّا لا يلتزم به العقل ولا يدلّ عليه دليل من الشرع ، فيقتصر في الامتثال بالممكن وهو أحدهما وهو المعنيّ من التخيير ، ويكشف عن ذلك أنّه لو تمكّن من العمل بهما بعد ما كان أحدهما غير ممكن العمل يكفي الخطاب الأوّل عن ذلك ، كما فيما إذا أفاق المكلّف من جهله ؛ إذ لا حاجة إلى خطاب جديد وإنشاء للتكليف ثانيا بعد العلم ، ولا غائلة في صدور مثل هذه الخطابات عن الحكيم بعد فرض اشتمالها على حكم غير (2) المتمكّن أيضا كما في جميع الواجبات المشروطة ، ولئن سلّمنا أنّ التصرّف حينئذ في أمر لفظي فلا شكّ أنّ اللازم أيضا هو الحكم بالتخيير ؛ لأنّ عنوان الفرد الخارج عن العموم قاض بذلك.

وبيانه : أنّ التخصيص بأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح ، وأحدهما لا بعينه ليس فردا للعامّ حتّى يصحّ الحكم بخروجه ، فلا بدّ أن يكون الخارج هو عنوان الفرد الغير المقدور ، والداخل هو الفرد المقدور (3) ، ولا ريب في أنّ هذين العنوانين ممّا تتبادل (4) أفرادهما ، كما إذا كان عنوان الخارج عن العامّ هو العالم - مثلا - فإنّ تبادل أفراد العالم ظاهر فقد يكون الرجل عالما فيصير عامّيا جاهلا ، ثمّ يصير عالما بعد ذلك ، إلى غيره.

ص: 654


1- « د » : لا يوجب.
2- « ج ، د ، م » : - غير.
3- « س » : - والداخل هو الفرد المقدور.
4- « س » : تتناول.

ولا ريب أيضا أنّ تبادل أفراد عنوان الخارج تارة : لا يكون باختيار المكلّف كما عرفت من صيرورة العالم جاهلا ؛ إذ لا يناط علمه وجهله إلى اختيار من توجّه إليه التكليف بذلك العامّ الخارج منه العالم ، وتارة : يكون باختيار المكلّف كما إذا قيل : « أكرم العلماء - مثلا - إلاّ من أجرته دارك » فإنّ تبادل عنوان المستأجر للدار في أفراده إنّما هو باختيار المكلّف ، فأيّ منهم اختار أن يؤجره الدار يكون خارجا عن العموم ، والآخر داخلا يجب الحكم بإكرامه مثلا ، وما نحن فيه من قبيل الثاني فإنّ الخارج هو عنوان المعجوز عنه وذلك العنوان يختلف أفراده باختيار المكلّف ، فكلّ ما اختاره (1) المكلّف في مقام العمل بوجوه مرجّحة منقدحة في نفس العامل يصير الآخر غير مقدور ، وذلك أمر شائع في الأوقاف والوصايا كما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

والحاصل : أنّ قضيّة القواعد في الأدلّة التعبّدية هو القول بالتخيير ، ولا ينافي ذلك عدم توجّه الخطاب الفعلي على المكلّف كما في تزاحم الحقوق وتعارض الواجبين ، ولذلك قلنا بأنّ الحكم هو ملاحظة نفس الحكمين من وجود المرجّحات الداخلية من الأهمّية ونحوها والخارجية وعدمها من غير ملاحظة حال دليلهما ، فتدبّر.

وأمّا مقام التوقّف ففيما إذا قلنا باعتبار الخبر من حيث إنّه طريق معمول به عند العقلاء ، مرآة للواقع ، كاشف عنه ، فإذا تعارض - بناء على هذا القول - خبران لا بدّ من التوقّف ؛ إذ يستحيل أن يكون طريق الواقع على طرفي الخلاف ، فيقطع بأنّ الواقع في أحدهما ، والآخر ليس ممّا يتوصّل به إلى الواقع ، وحيث إنّه لا مزيد لأحدهما على الآخر فالعقل يقضي بالتوقّف ؛ لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ، ومن هنا قلنا بأنّ العمل المعهود من العقلاء هو التوقّف فيما يتعلّق بأنفسهم من أمور المعاش ؛ إذ ليس المعتبر عندهم إلاّ نفس الواقع ، فعند الترديد فيه لا يجوز الخروج عن أطراف الترديد فلا

ص: 655


1- « ج » : اختار.

وجه للرجوع إلى أصل ثالث مخالف لهما ؛ للقطع بارتفاع الأصل المخالف بواسطة العلم الإجمالي بأنّ الواقع في أحدهما فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما حينئذ أو التخيير العقلي بين الاحتمالين.

قلنا : في المقام مطلبان : أحدهما : أنّ بعد القول بحجّية الأخبار من حيث الطريقية لا بدّ من التوقّف وعدم جواز التخيير بينهما ، الثاني : أنّه لا يجوز الرجوع إلى أصل ثالث مخالف لهما ، أمّا الأوّل فلما عرفت من دوران الأمر بين الطريق وما هو ليس بطريق من دون ترجيح لأحدهما على الآخر ، وأمّا الثاني : فلاعتضادهما في نفي الثالث كما يومئ إليه عمل العقلاء فيما هو طريق إلى مطالبهم ، فالأصل فيما هو حجّة من حيث كونه طريقا هو التوقّف ، سواء كان طريقا للأحكام أو الموضوعات ، إلاّ ما خرج بالدليل كالأخبار فإنّها على ما هو التحقيق حجّيتها بالخصوص مع قطع النظر عن دليل الانسداد من حيث الطريقية ، ومع ذلك فنقول فيهما بالتخيير بواسطة إطلاق أخبار التخيير.

فإن قلت : من البعيد جدّا أن يكون أخبار التخيير واردة على خلاف القاعدة المعمولة عند العقلاء وقد مرّ (1) أنّ الحكم بالتخيير إنّما هو فيما إذا قلنا باعتبار أمارة تعبّدا من غير ملاحظة الطريقية ، ولازم ذلك إمّا القول باعتبار الأخبار تعبّدا ، وإمّا القول بعدم التخيير فيما هو حجّة من باب الطريقية.

قلنا : نعم ولكنّ الإنصاف أنّ الأدلّة الدالّة على حجّية الأخبار ظهورها في كونها طرقا واقعية ممّا لا مجال لإنكاره فالعمل عليها لعلّه أقرب ، وأمّا الأخذ بأخبار التخيير في المقام فلا ضير في كونه تعبّديا عند عدم إمكان الوصول إلى الواقع ، كأن يكون التخيير أيضا من الأصول العملية التي حكم به الشارع فيما لا دليل على التعيين مع عدم إمكان إحراز الواقع كما أنّه لا بعد في جعل الشارع الأخذ بالحالة السابقة

ص: 656


1- مرّ في ص 652.

علاجا للشاكّ والمتحيّر كما لا يخفى.

وأمّا مقام التساقط ففيما إذا تعارض أصلان من الأصول العملية إذا لم يكن أحدهما مزيلا للآخر كأصالتي البراءة والاستصحابين كما في الشبهة المحصورة واستصحاب طهارة الماء المتمّم ونجاسته المتمّم بعد الإجماع على أنّ الماء الواحد في السطح الواحد لا يختلف (1) حكمه بالطهارة والنجاسة ، والسرّ في ذلك : أنّ الأصل عبارة عن حكم ظاهري جعله الشارع للواقعة المشكوكة في مقام علاج الشكّ ، وذلك يمتنع أن يكون مجعولا في مقام التعارض بالنسبة إلى المتعارضين جميعا ، وبالنسبة إلى (2) أحدهما أيضا.

أمّا بالنسبة إلى الأوّل : فلأنّ قوله : « لا تنقض » وقوله : « ليس على من لا يعلم شيء » إلى غير ذلك من أدلّة الأصول مرجعها (3) إلى طلب الشارع ترتيب الآثار الشرعية على المشكوك على حسب اختلاف الموارد ، فترتيب آثار الطهارة على الماء المتمّم وآثار النجاسة على المتمّم يناقض القطع الحاصل من الإجماع على أنّ حكم الماء في السطح الواحد واحد ، وكذا القطع بنجاسة أحد الإناءين يناقض جعل الشارع حكم الطهارة لكلّ واحد من الإناءين ، فلا بدّ إمّا من القول بعدم شمول أدلّة الأصول لموارد التعارض بالنسبة إلى جميع المتعارضين أخذا بالإجماع الدالّ على اتّحاد الحكم وبالأدلّة الواقعية التي تدلّ على وجوب الاجتناب عن النجس الواقعي الموجود بين الإناءين ، وإمّا من القول بعدم وجوب امتثال الأوامر الواقعية وعدم لزوم اتّباع الإجماع الموجود في محلّ التعارض دفعا للتناقض ، ولا ريب أنّ بعد وجود الإجماع كما هو المفروض وكذا بعد فرض وجود الدليل الواقعي الدالّ على لزوم الاجتناب يمتنع عقلا تجويز عدم وجوب الامتثال ؛ لعدم لزوم اتّباع الإجماع ، لأنّه يؤول إلى إيجاب شيء على الغير مع عدم إرادة امتثاله ، وذلك محال عندنا فلا بدّ من القول بعدم شمول

ص: 657


1- « س » : الواحد قد يختلف.
2- « د ، ج ، م » : - إلى.
3- « س » : ومرجعها.

أدلّة الأصول لموارد التعارض بالنسبة إلى المتعارضين معا.

وأمّا بالنسبة إلى الثاني : فلأنّ أحدهما المعيّن دخوله تحت قوله : « لا تنقض » يحكم بعدم ما يوجب ذلك بعد اشتراك الآخر له في ذلك ، وأحدهما المعيّن في الواقع لا يجوز أن يكون الدليل الدالّ على الأصل شاملا له ؛ إذ الواقع أنّ أحدهما طاهر والآخر نجس ، ولا وجه لإنشاء حكم ظاهري لذلك الواقع ، وأحدهما الغير المعيّن ليس فردا ثالثا للعامّ حتّى يقال بأنّ الخارج هو أحدهما والداخل هو أحدهما الآخر ؛ إذ المفروض أنّ ذلك أمر انتزاعي من ذوات الأفراد وقد عرفت أنّ ذوات الأفراد لا تصلح (1) لأن تكون خارجة ، فذلك الأمر الانتزاعي يلحق بمنشإ انتزاعه في ذلك ، فلا يعقل أن يكون المراد من الشكّ (2) المأخوذ في أدلّة الأصول هو الشكّ الموجود في أطراف العلم الإجمالي كما في الشبهة المحصورة ، فلا بدّ في مورد التعارض من الحكم بتساقطهما والرجوع إلى أصل ثالث مؤخّر عنهما ، وهل ذلك من باب التخصيص أو التخصّص؟ التحقيق (3) أنّه من واد آخر ؛ إذ قد عرفت (4) أنّ الأصل عبارة عن علاج شرعي مجعول في مقام الشكّ ومرجعه إلى طلب الشارع وإنشائه وخطابه ولا يتوجّه خطاب الشارع إلى مثل هذا المورد ، ومنه يظهر الفرق بين المقام وبين ما مرّ من مورد التخيير فإنّ عدم توجّه الخطاب في مورد التخيير بواسطة عذر من قبل المكلّف من عدم قدرته ، وفي المقام حيث إنّ مرجعه - على (5) ما عرفت - إلى (6) إنشاء حكم ظاهري ترخيصا أو غير ذلك لا يجوز من المكلّف صدوره ؛ لاستلزامه نقض الغرض على تقدير الجعل فيهما معا ، والترجيح بلا مرجّح على تقدير الجعل في أحدهما في وجه

ص: 658


1- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : لا يصلح.
2- « س » : بالشكّ.
3- « س » : والتحقيق.
4- عرفت في الصفحة السابقة.
5- « س » : إلى.
6- المثبت من « م » وفي سائر النسخ : - إلى.

وعدم معقوليته في وجه آخر كما عرفت ذلك مفصّلا (1).

فإن قلت : قد قرّر في مقامه أنّ الشارع إذا طلب شيئا فيمتنع أن يرخّص في ترك الامتثال ؛ لأنّ ارتفاع الأمر منحصر في النسخ أو البداء أو الامتثال ، والأخير مفروض الانتفاء ، والأوّلان فاسدان أيضا كما هو ظاهر ، وأمّا إذا جعل بدلا عمّا هو المطلوب فيصحّ الاقتناع بالبدل وترك الامتثال بما يوجب اليقين بوقوع المطلوب فيه.

فنقول : إذا علمنا إجمالا بوجوب شيء مردّد بين أمور فلو جوّز الشارع ترك الامتثال عن ذلك الواجب المردّد يلزم ما ذكرت من اللوازم الفاسدة ، ولم لا يجوز أن يجعل الشارع بدلا عمّا هو المطلوب الواقعي في تلك الأمور بأن يقتنع بترك بعض المحتملات ويجوّز ارتكاب البعض فيحكم بأنّ ارتكاب أحد الإناءين غير جائز بدلا عمّا هو النجس في الواقع ، وارتكاب الآخر ممّا لا ضير فيه كما أذن بذلك فيما إذا اشتبهت القبلة بين جهات عديدة؟

قلت : نعم وذلك أمر معقول ولكنّ الكلام فيما يدلّ على ذلك ولا يمكن أن يكون دليل ذلك دليل الأصل ، وتوضيح ذلك : أنّ مفاد قوله : « لا تنقض » هو النهي عن عدم ترتيب الآثار المترتّبة على المعلوم سابقا ، وكذا مفاد قوله : « كلّ شيء مطلق » (2) مثلا هو ترخيص عدم ترتيب آثار التكليف على المشكوك ، وكذا قوله : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه » (3) مثلا يستفاد منه الإباحة الظاهرية للمشكوك ، والدليل (4) الدالّ على البدلية لا بدّ من أن يكون مفاده بدلية أحد الأطراف عن الواقع بحيث لو فرض ترك الواقع في خلال العمل بالبدل لم يكن المكلّف معاقبا ، كما في الأدلّة (5) الدالّة على ترخيص الترك فيما إذا اشتبهت القبلة.

ص: 659


1- عرفت في ص 654.
2- تقدّم في ج 3 ، ص 159.
3- تقدّم في ج 3 ، ص 359.
4- المثبت من « د » وفي سائر النسخ : دليل.
5- في النسخ : أدلّة.

وبالجملة : ففرق ظاهر بين أن يقنع الأمر عن الواقع ببدله كما إذا قامت البيّنة على أنّ النجس هو هذا الإناء المعيّن فيجب الاجتناب عنه ولا يجب الاجتناب (1) عن الآخر ، وبين أن يجعل للمشكوك حكما ظاهريا في مقام الشكّ علاجا ، ومفاد الأصل هو الثاني ، ومفاد الدليل الدالّ على البدلية لا بدّ وأن يكون على الوجه الأوّل ، ولا يجوز أن يكون الكلام المنساق لأحدهما منساقا للآخر ، نعم بعد ما بنى المكلّف على الأخذ بالعلم الإجمالي بالامتثال بجميع أطراف الشبهة يجوز جعل الطريق إلى الواقع والبدل ، وأمّا الاستناد بدليل الأصل في هذا المقام فليس بسديد كما عرفت ، فلا بدّ إمّا من القول بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة وأمثالها كما هو التحقيق ، وإمّا القول بجواز الارتكاب بالنسبة إلى الجميع على وجه غير مرضيّ من حكومة أدلّة الأصول بالنسبة إلى الأدلّة الواقعية بتخصيص التكاليف إلى صورة العلم التفصيلي على ما فرغنا (2) عن إبطاله في مباحث البراءة والاحتياط من دون تفصيل بين إبقاء (3) ما يساوي الحرام وبين ارتكاب الجميع.

والحاصل : أنّ حكم الأصلين المتعارضين هو التساقط والرجوع إلى أصل ثالث ، أمّا الأوّل فلما عرفت من امتناع ترخيص الشارع بعد العلم الإجمالي عدم الامتثال ، وأمّا الثاني فلأنّ الأصلين وجودهما كعدمهما حقيقة في نفي الثالث فلا بدّ من الرجوع إليه.

واعلم أنّ ما ذكرنا من أنّ حكم الأصلين المتعارضين هو التساقط إنّما هو فيما إذا قلنا باعتبار الأصول تعبّدا ، وأمّا على القول باعتبارها من باب إفادة الظنّ فالظاهر أنّ حكم الأصل لا يخالف حكم الطرق الواقعية ، فتدبّر في المقام فلعلّك تطّلع على ما ربّما أسقطناه مخافة الإطالة ، واللّه الموفّق وهو وليّ الهداية.

ص: 660


1- المثبت من « س » وفي سائر النسخ : - الاجتناب.
2- انظر ج 3 ، ص 448 - 449.
3- « ج » : إلغاء.

هداية [ في لزوم الفحص عن المرجّح ]

قد عرفت فيما تقدّم وجوه التراجيح المعمولة في الأدلّة على وجه لا مزيد عليه كما عرفت (1) موارد التساقط والتخيير والتوقّف ، فهل يجوز الأخذ بمقتضى المذكورات قبل الفحص ، أو لا بدّ في إعمالها من الفحص؟ الحقّ هو الثاني فلا يجوز التعويل على ما يصل من وجوه التراجيح إلى نظر المجتهد ، نعم لو علم بأنّ بعد الفحص أيضا لا يزيد على ما وصل (2) إليه نظره أوّلا جاز له التعويل عليه ، والدليل على ذلك هو بعينه ما دلّ على عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ، والعمل بالأصل قبل الفحص عن الدليل.

والسرّ في ذلك : هو أنّ الجهل في الأحكام إنّما يصلح لأن يكون عذرا شرعا أو عقلا إذا لم يكن جهلا ابتدائيا ؛ إذ مع احتمال تحصيل العلم لا دلالة في العقل على قبح المؤاخذة عن الجاهل ، وأمّا ما يرى من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية فهو إنّما تفضّل من الشارع الحكيم ، وذلك هو الوجه في عدم معذورية الجاهل المقصّر في الأحكام ؛ إذ المراد بالتقصير هو أن لا يطلب العلم ولا يتفحّص مع إمكانه في حقّه ، وبالجملة فذلك من الأمور الواضحة الجليّة.

ص: 661


1- عرفت في الهداية السابقة ص 652 وما بعدها.
2- « س » : يصل.

نعم ، قد يشكل في المقام من أنّ معيار وجوب الفحص هو العجز عن الوصول إلى الأحكام فهل العجز المعتبر هو العجز النوعي أو العجز الشخصي؟ فلو فرض أنّ مجتهدا - مثلا - قد عجز عن الوصول إلى الواقع في واقعة لعارض خارجي لظلمة أو حبس ونحوه فهل يسقط بذلك عنه الفحص ويجوز له العمل بما يراه راجحا ، أو يجب عليه التقليد؟ الظاهر هو الثاني واعتبار العجز لنوع المجتهد من أمثاله وأقرانه ؛ إذ لا دليل على (1) جواز العمل بما يظنّه حينئذ فيكون ملحقا بالعامّي فيجب عليه التقليد أو يحتاط ، وذلك أمر ظاهر في الغاية لا حاجة إلى إطالة الكلام فيه أطال اللّه أعمارنا ووفّقنا لصرفها فيما يرضيه ونجتنب عمّا يسخطه بحقّ محمّد وآله الأطهار الأمجاد. هذا آخر ما أفاده الأستاد المحقّق نوّر اللّه شمس سماء تحقيقه وأكمل بدر فلك تدقيقه (2) على يد أقلّ الطلبة الحاجّ أبي القاسم بن المرحوم الحاجّ محمّد عليّ الطهراني عاملهما اللّه بلطفه الخفي بالنبيّ وآله ، قد فرغت عن تسويد هذه النسخة الشريفة يوم الخميس أحد عشر من شهر جمادى الثاني (3) سنة 1276 (4).

ص: 662


1- « م » : إلى.
2- « ج » : تحقيقه. وهنا نهاية نسخة « ج » وبعدها في نسخة « د » وبذلك أيضا نهايتها : بمنّه وجوده تمّت بعون اللّه تعالى عزّ شأنه.
3- من قوله : « بالنبيّ » إلى هنا من نسخة « م ».
4- هذا هو الصواب ظاهرا حيث رجع المؤلّف إلى موطنه طهران سنة 1277 ، وفي نسخة « م » : 1279.

الفهارس العامّة

اشارة

1. فهرس الآيات

2. فهرس الأحاديث

3. فهرس الأشعار والأمثال

4. فهرس الأعلام

5. فهرس الكتب

6. فهرس الفرق والجماعات

7. فهرس الأماكن

8. فهرس الأشياء والحيوانات

9. فهرس مصادر التحقيق

10. فهرس المطالب

ص: 663

ص: 664

فهرس الآيات

سورة الفاتحة (1)

( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (5)... 2 : 457

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (6)... 2 : 457

( وَلَا الضَّالِّينَ ) (7)... 2 : 455 ، 457

سورة البقرة (2)

( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (29)... 1 : 125 ، 367 ؛ 2 : 341

( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (83)... 2 : 470

( حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ( 144 ، 150 )... 1 : 443

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (185) 2 : 156 ، 610

( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (187)... 2 : 153

( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ ) (228)... 2 : 165

( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) (234)... 2 : 646

( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (238)... 1 : 54

( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (264)... 2 : 293 - 294

( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (275)... 1 : 390

( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ) (281)... 1 : 368

ص: 665

( لا يُكَلِّفُ اللّهُ ) (286)... 2 : 632

سورة آل عمران (3)

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ) (7)... 1 : 89

( سَيِّداً وَحَصُوراً ) (39)... 2 : 217 ، 372

( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (44)... 2 : 431

( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ ... ) (97) ... 1 : 583 ؛ 2 : 93

( اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (102)... 1 : 368

سورة النساء (4)

( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (24)... 1 : 390

( وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) (36)... 2 : 370

( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) (60)... 2 : 576

( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (86)... 1 : 140

( الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ) (98)... 1 : 297 ، 298

( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (103)... 2 : 165

سورة المائدة (5)

( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1)... 1 : 93 ، 125 ، 306 ، 390 ؛ 2 : 139 ، 293 ، 335 ، 336 ، 337 ، 338 ، 477

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (3) 1 : 389، 391؛ 2 :

ص: 666

... 341 ، 354

( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ... فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ ) (4)... 1 : 391 ؛ 2 : 341

( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (5)... 2 : 341

( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (6)... 2 : 350

( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) (90)... 2 : 76 ، 168

سورة الأنعام (6)

( نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (143)... 1 : 70

( قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ) ( 143 ، 144 )... 1 : 70

( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) (145)... 1 : 70 ، 367

( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (149)... 1 : 582

سورة الأعراف (7)

( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ) (33)... 1 : 367

( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) (204)... 1 : 86 ، 140

سورة الأنفال (8)

( اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (25)... 1 : 193

( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (42)... 1 : 353

سورة التوبة (9)

( يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (61)... 2 : 474

ص: 667

( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) (102)... 1 : 298

( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (122)... 1 : 582

سورة يونس (10)

( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (59)... 1 : 69

سورة هود (11)

( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (114)... 1 : 172

سورة يوسف (12)

( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (72)... 2 : 371 ، 372

( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (82)... 2 : 254

سورة الرعد (13)

( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (11)... 1 : 354

سورة النحل (16)

( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (7) 1 : 204 ، 582 ؛ 2 : 515 - 516

( أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) (45)... 1 : 166

( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (92)... 2 : 130

ص: 668

سورة الإسراء (17)

( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (15)... 1 : 29 ، 341

( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (36) 1 : 84 ، 94 ، 147 ، 369 ، 584

( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (78)... 2 : 142

سورة الأنبياء (21)

( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (7) 1 : 204 ، 582 ؛ 2 : 515 - 516

سورة الحج (22)

( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (78) 1 : 83 ، 457 ، 489 - 490 ، 570 ؛ 2 : 414

سورة المؤمنون (23)

( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (7)... 1 : 44

سورة النور (24)

( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) (63)... 1 : 167

سورة القصص (28)

( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) (8)... 2 : 369

( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ ) (27)... 2 : 373

ص: 669

سورة لقمان (31)

( إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (18)... 2 : 95

سورة الأحزاب (33)

( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (33)... 2 : 157 ، 370

سورة الصافّات (37)

( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (141)... 2 : 431

سورة ص (38)

( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (27)... 2 : 634

( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (44)... 2 : 372

سورة غافر (40)

( يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) (46)... 2 : 523

سورة الشورى (42)

( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) (15)... 2 : 370

( يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) (45)... 2 : 523

( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) (49)... 1 : 296

ص: 670

سورة محمّد (47)

( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ) (19)... 1 : 300

( وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ ) (32)... 2 : 293

( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (33)... 2 : 293 ، 294

سورة الحجرات (49)

( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً ) (6) 1 : 126 ، 129 ، 130 ، 131 ، 137 ، 139 ، 142 ، 145 ، 146 ، 167

( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (12)... 2 : 470

سورة الصف (61)

( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ ) (6)... 2 : 215

سورة التغابن (64)

( خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (2)... 1 : 296 ، 298

سورة الطلاق (65)

( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) (4)... 2 : 645 - 646

( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) (7)... 1 : 125 ، 353 ، 412 ؛ 2 : 610

سورة المعارج (70)

( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (31)... 1 : 44

ص: 671

سورة القيامة (75)

( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (14)... 2 : 91

سورة البيّنة (98)

( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) (5) 2 : 369 ، 370

ص: 672

فهرس أحاديث المعصومين عليهم السلام

طرف الحديث... الجزء والصفحة

« أ تدري لم أمرتكم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامّة؟ »... 2 : 591

« اتركوا ما لا بأس به حذرا ممّا به البأس »... 1 : 464

« أجمع لك السهو في كلمتين »... 2 : 540

« أخوك دينك فاحتط لدينك »... 1 : 369 ، 506

« إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوء »... 2 : 105

« إذا أمرتكم بشيء ، فأتوا منه ما استطعتم »... 1 : 561 ؛ 2 : 311

« إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا »... 1 : 124 ؛ 2 : 650

« إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره »... 2 : 445

« إذا ذكر وهو في صلاته انصرف »... 2 : 458

« إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة »... 2 : 586

« إذا شكّ فليمض في صلاته »... 2 : 447

« إذا شككت فابن على الأكثر »... 2 : 16

« إذا شككت فابن على اليقين »... 2 : 101

« إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره »... 2 : 320 ، 445

« إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم »... 2 : 418 ، 474

« إذا كان ذلك فأرجه »... 2 : 650

« إذا لا يكذب علينا »... 2 : 579

ص: 673

« إذا لم تعلم فموسّع عليك »... 2 : 633

« إذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع »... 2 : 147

« إذا ورد حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه »... 2 : 621

« إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا ما خالف القوم »... 2 : 624

« إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف العامّة »... 2 : 615

« أرأيتك لو حدّثتك بحديث العامّ »... 2 : 625

« أربع من كنّ فيه ، لم يهلك على اللّه بعدهنّ »... 1 : 16

« أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة ... وتأخذ بالحائطة »... 1 : 369

« اسكتوا ممّا سكت اللّه عنه »... 1 : 353 - 354

« اطلبوا العلم ولو بالصين »... 1 : 300

« اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه »... 2 : 397 ، 548 ، 554 ، 646

« اقض بين الناس بالبيّنات »... 1 : 227

« ألم آت بها بيضاء نقيّة؟ »... 2 : 216

« أما علمت؟ »... 1 : 582

« أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل »... 2 : 106

« أمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه ورسوله »... 1 : 378

« أ من أجل أنّه مكان واحد يجعل فيه الميتة »... 1 : 465

« إنّ اللّه حلّل حلالا ، وحرّم حراما »... 1 : 70

« أنّ عالما من علماء بني إسرائيل قد ناجى إلى اللّه »... 1 : 227

« إنّ في ذلك حديثين »... 2 : 634

« إنّ كلّ شيء طاهر »... 2 : 76

« أن لا يكذّبه »... 2 : 474

ص: 674

« أن لا يتّهمه فلو اتّهمه انماث الإيمان »... 2 : 471

« إنّ لكلّ حقّ حقيقة ولكلّ صواب نورا »... 2 : 588

« إنّ لله حجّتين حجّة في الظاهر وهي الرسل »... 1 : 24

« إنّ النّار والماء قد طهّراه »... 2 : 392

« أن يقولوا ما لا يعلمون »... 1 : 370

« إنّ اليقين لا يدفع بالشك »... 2 : 132

« انظروا إلى أمرنا وما جاءكم منّا »... 1 : 123 ؛ 2 : 650

« إنّك قد أخذتني بالقياس »... 1 : 312

« إنّما خلّد أهل النار في النار »... 1 : 15

« إنّما الشك في شيء لم تجزه »... 2 : 325

« ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك »... 2 : 591

« أيّما امرئ ركب بجهالة أمرا »... 1 : 375

« بأنّ ذلك وأشباهه يعرف من كتاب اللّه »... 1 : 570

« بعثت على الملّة السمحة السهلة »... 1 : 490

« به يثاب ويعاقب »... 1 : 24

« البيّعان بالخيار »... 2 : 165

« تارك فيكم الثقلين »... 1 : 83

« تصوم وتصلّي وتتّقي اللّه لا تدري ما أمركم؟ »... 1 : 298

« تعيد الصلاة وتغسله »... 2 : 95

« تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّها قد أصابها »... 1 : 462 - 463

« تمعّكت كما تتمعّك الدابّة »... 1 : 584

« ثمانون » في جواب أنّه كم آية يقرأ في الزوال... 2 : 620

ص: 675

« حتّى تعرف الحرام منه بعينه »... 1 : 363

« حتّى علمت أنّه مذكّى »... 1 : 389

« حتّى يرد فيه أمر أو نهي »... 2 : 426

« حديث يأخذه صادق عن صادق خير من الدنيا »... 1 : 257

« حلاله حلال وحرامه حرام »... 2 : 218

« خذ بما اشتهر بين أصحابك »... 1 : 117 ، 244

« خذوا بما رووا وذروا ما رأوا »... 1 : 155 ، 211

« خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ »... 2 : 625

« دع ما يريبك إلى ما لا يريبك »... 1 : 369 ، 506 ؛ 2 : 101

« دين اللّه لا يصاب بالعقول »... 1 : 22

« ذلك وأشباهه يعرف من كتاب اللّه »... 1 : 83

« الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم »... 1 : 13

« ربّ الماء ربّ التراب »... 2 : 620

« رفع عن أمّتي تسعة »... 1 : 355 ، 528 ، 553

« رفع عن أمّتي ستّة »... 1 : 554

« سأخبرك عن الجبن وغيره »... 1 : 365

« صلّ فيه ولا تغسله »... 2 : 106

« صلّى في المحمل »... 2 : 633

« ضع أمر أخيك على أحسنه »... 2 : 470 ، 480

« الضعيف من لم ترفع إليه الحجّة »... 1 : 298

« طلب العلم فريضة »... 1 : 294 ، 300

« الطواف بالبيت صلاة »... 2 : 254 ، 261

ص: 676

« العقل ما عبد به الرحمن »... 1 : 24

« العمري ثقتي ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّي »... 1 : 257

« العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي ، فعنّي يؤدّيان »... 1 : 257

« على مثل هذا فاشهد أو دع »... 1 : 10

« عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا »... 1 : 211

« فابن على الأكثر »... 2 : 409

« فإذا قمت من الوضوء وقد فرغت عنه »... 2 : 446

« فإنّ الرشد في خلافهم »... 2 : 591

« فانظروا إلى ما وافق أخبارهم فدعوه »... 2 : 615

« فإنّك كنت على يقين من وضوئك »... 2 : 186

« فإنّه حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ »... 2 : 460

« فإنّه على يقين من وضوئه »... 2 : 325

« فتخيّر أحدهما فتأخذ به »... 2 : 633

« فما علمت أنّه مذكّى فهو حلال »... 2 : 354

« فما وافق أخبارهم فذروه »... 2 : 615

« فليمض على يقينه فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ »... 2 : 147

« فما لكم والقياس؟ »... 1 : 273

« فما يمنعك عن محمّد بن مسلم الثقفي »... 1 : 257

« فهو كافر »... 1 : 295 - 296

« في الغنم السائمة زكاة »... 1 : 135

« قتلوه قاتلهم اللّه ألاّ سألوا »... 1 : 584

« قد تنام العين ولا ينام القلب »... 2 : 88 ، 91

ص: 677

« القضاة أربعة : ثلاثة في النار »... 1 : 70

« كافر يا أبا محمّد »... 1 : 299

« كلّ أمر مجهول ففيه القرعة »... 1 : 466

« كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره »... 2 : 446 ، 452

« كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف »... 1 : 456

« كلّ شيء قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه »... 2 : 320 ، 446

« كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه »... 2 : 659

« كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام »... 1 : 364 ، 366

« كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان »... 1 : 589

« كلّ شيء مباح حتّى تعلم أنّه حرام »... 2 : 76

« كلّ شيء مطلق » 1 : 159 ، 328 ، 358 ، 376 ، 412 ، 523 ، 545 ؛ 2 : 659

« كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر »... 2 : 107

« كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله »... 2 : 646

« كلّ شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال » 1 : 359 ، 412 ، 448 ، 455 ، 491 ، 589 ؛ 2 : 37 ، 107

« كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر »... 2 : 107

« كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو »... 2 : 447

« كلّ ما غلب اللّه فيه فهو أولى بالعذر »... 1 : 354 - 355

« كلّما اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام الحلال »... 1 : 402

« لا » في جواب هل على من لم يعرف شيئا شيء؟... 1 : 375

« لا ، أمّا إذا كان بجهالة ، فليتزوجها »... 1 : 507

« لا إنّه لا تصلّي نافلة في وقت فريضة »... 2 : 590

ص: 678

« لا بأس بخرء الطير »... 2 : 548 - 549 ، 554

« لا بل عليهما جميعا ويجزي كلّ واحد منهما الصيد »... 1 : 506 - 507

« لا تبطلوا أعمالكم بالشرك »... 2 : 294

« لا تثق بأخيك كلّ الثقة »... 2 : 472

« لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة »... 1 : 556

« لا تعمل بواحد منهما حتّى تأتي صاحبك »... 2 : 624

« لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم »... 1 : 558

« لا تنقض اليقين بالشك »... 1 : 10 ، 432 ؛ 2 : 185 ، 392 ، 462 ، 502

« لا صلاة إلاّ بطهور »... 2 : 165 ، 452 ، 453

« لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب »... 2 : 165

« لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل »... 2 : 165 ، 200

« لا ضرر »... 1 : 306

« لا عمل إلاّ بالنية »... 2 : 165

« لأنّك كنت على يقين من طهارتك »... 2 : 247 ، 464

« لا واللّه لا يسعكم إلاّ التسليم لنا »... 2 : 625

« لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون »... 1 : 369

« لقد سألت عن طعام يعجبني »... 1 : 589

« لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا »... 1 : 299

« ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط »... 1 : 375

« ليس على ديني من استعمل القياس »... 1 : 314

« ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام على الحلال »... 1 : 463 ؛ 2 : 635

« ما أجهلك بلسان قومك »... 1 : 79

ص: 679

« ما أدري ما الخفقة والخفقتان »... 2 : 91

« ما أسوأ حالك لو كنت تموت على مثل هذه الحالة » 1 : 224 ، 499 - 500 ، 584

« ما جاءك عنّا فقسه على كتاب اللّه »... 2 : 586

« ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم »... 1 : 353 ، 528

« ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقية »... 2 : 589 - 590

« ما علمتم أنّه قولنا فالزموه »... 1 : 123 ؛ 2 : 650

« ما غلب اللّه شيئا على العباد إلاّ وهو أولى به »... 1 : 193

« ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه »... 1 : 561 ، 569 ؛ 2 : 311

« ما لكم والقياس إنّما هلك من هلك »... 1 : 369

« ما من شيء أبعد في دين اللّه من عقول الرجال »... 1 : 22

« ما يحلّ مال امرئ إلاّ بطيب من نفسه »... 1 : 422

« مضى على صلاته ولا يعيد »... 2 : 446

« ملعون ملعون من اتّهم أخاه المؤمن »... 2 : 471

« ملعون من همّ بها »... 1 : 13

« من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما »... 2 : 471

« من أفتى الناس بغير علم فليتبوأ »... 1 : 70

« من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت »... 2 : 576

« من دان اللّه بغير سماع من صادق ألزمه اللّه التيه »... 1 : 22 ، 76

« من زاد في صلواته شيئا ، فعليه الإعادة »... 1 : 559

« من شكّ في اللّه وفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فهو كافر »... 1 : 295

« من عرف الاختلاف فليس بمستضعف »... 1 : 297 - 298

« من عرف أنّا لا نقول إلاّ حقّا »... 2 : 620

ص: 680

« من فوّض أمره إلى اللّه هداه اللّه إلى ما هو الأصلح »... 2 : 433

« من قاس شيئا من الدين قرنه اللّه مع إبليس »... 1 : 306

« من قال لا إله إلاّ اللّه غرس له في الجنّة كذا »... 2 : 294

« من قام جميع ليله وصام ... ولم يعرف وليّ اللّه فيواليه ... لم يكن له على اللّه حقّ » 1 : 22

« من قضى بالحقّ وهو لا يدري »... 1 : 72

« من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه »... 2 : 103 ، 317 ، 462 ، 464

« موسّع عليك بأيّة عملت »... 2 : 633

« المؤمن وحده حجّة »... 2 : 474

« المؤمنون عند شروطهم »... 1 : 93 - 94

« الميسور لا يسقط بالمعسور »... 1 : 440 ، 561

« الناس في سعة ما لم يعلموا »... 1 : 158 ، 355 ، 357 ، 528 ، 586

« نحن نحكم بينكم بالظاهر ، واللّه أعلم بالسرائر »... 1 : 227

« نعم » في جواب أفيونس بن عبد الرحمن ثقة؟... 1 : 211 ، 256

« نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الغرر أو عن بيعه »... 1 : 572

« وإن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض »... 2 : 446

« وإنّما ينقضه بيقين مثله »... 2 : 176

« الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة »... 1 : 124

« ولا يختلط أحدهما بالآخر »... 2 : 147

« ولا يعتدّ بالشكّ »... 2 : 147

« ولا يقبل اللّه من مؤمن وهو مضمر من أخيه »... 2 : 471

« ولا ينقض اليقين بالشك »... 2 : 155

« ولكن ينقض الشكّ باليقين »... 2 : 147

ص: 681

« وليكن فيه شيء من السدر »... 1 : 568

« وما لم تجدوه في شيء من ذلك الوجوه فردّوا إلينا »... 2 : 641

« هلاّ سألت »... 1 : 461

« هلاّ سألوا ، هلاّ يمّموه »... 2 : 516

« هلك من حيث لا يعلم »... 1 : 352

« هو الذي لا يهدي حيلة إلى الكفر »... 1 : 300

« هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك »... 2 : 320 ، 446

« يا أبان إنّك قد أخذتني بالقياس »... 1 : 281

« يا زرارة إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم »... 2 : 618

« يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك »... 2 : 582

« يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب »... 2 : 177

« يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك »... 2 : 471

« يرجئه حتّى يلقى من يخبره »... 2 : 650

« يركع ركعتين وأربع سجدات »... 2 : 98

« يريقهما جميعا ويتمّم »... 1 : 465

« اليقين لا يدخل فيه الشك »... 2 : 101 ، 132 ، 155 ، 501

« يكون فيه حلال وحرام »... 1 : 365 - 366

« يمضي »... 2 : 44

« ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به »... 1 : 117 ، 370

ص: 682

فهرس الأشعار والأمثال

وإن تفق الأنام وأنت منهم

فإنّ المسك بعض دم الغزال

ج 4 ، ص 93 ، 456

چگونه شكر اين نعمت گذارم

كه دست مردم آزارى ندارم

ج 3 ، ص 13

الغريق يتشبّث بكلّ حشيش

ج 3 ، ص 248 ، 283

ليس وراء عبّادان قرية

ج 4 ، ص 405

من لا يعرف الفقه صنّف فيه

ج 4 ، ص 166

ص: 683

فهرس الأعلام

آدم عليه السلام : ج 3 ، ص 79 ، 92.

2 بن الجنيد : ج 4 ، ص 470.

الآمدي : ج 4 ، ص 160.

ابن حمزة : ج 4 ، ص 269 ، 285.

أبان بن تغلب : ج 3 ، ص 25 ، 26 ، 247 ، 271 ، 281 ، 312.

ابن الزبعرى : ج 3 ، ص 79.

إبراهيم بن عبد الحميد : ج 3 ، ص 155.

ابن زهرة : ج 3 ، ص 121 ، 331.

إبراهيم بن هاشم : ج 3 ، ص 138 ، 287 ، 288.

ابن طاوس ، علي رضي الدين : ج 3 ، ص 154.

ج 4 ، ص 88 ، 96 ، 99.

ابن عقدة : ج 3 ، ص 288 ج 4 ، ص 578.

إبليس : ج 3 ، ص 306.

ابن الغضائري : ج 3 ، ص 258.

ابن أبي جمهور الإحسائي : ج 4 ، ص 539.

ج 4 ، ص 103.

ابن أبي عمير : ج 3 ، ص 124.

ابن فضّال : ج 3 ، ص 258 ، 288.

ابن إدريس الحلّي : ج 3 ، ص 32 ، 36 ، 121 ، 122 ، 185 ، 464.

ج 4 ، ص 625.

ج 4 ، ص 292 ، 649.

ابن قبة : ج 3 ، ص 62 ، 63 ، 148 ، 173 ، 209.

ابن بابويه : ج 3 ، ص 121.

ابن محبوب : ج 3 ، ص 589.

ابن البرّاج : ج 3 ، ص 121.

ابن المغيرة : ج 4 ، ص 134.

ابن بكير : ج 3 ، ص 124.

ابن الوليد : ج 3 ، ص 257 ، 258.

ج 4 ، ص 105 ، 589 ، 650.

ابن يعقوب : ج 4 ، ص 134.

ص: 684

أبو إسحاق الأرجاني : ج 4 ، ص 591.

أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن محمّد الحجّال : ج 3 ، ص 256.

أبو بصير : ج 3 ، ص 299 ، 559.

أحمد بن محمّد بن الوليد : ج 3 ، ص 258.

ج 4 ، ص 103.

الأردبيلي ، المقدّس ، المحقّق : ج 3 ، ص 277 ، 500 ، 580.

أبو الجارود ، زياد بن منذر : ج 3 ، ص 465 ، 491.

الأستاذ - الأنصاري مرتضى.

أبو جعفر من القرّاء : ج 3 ، ص 111.

الأستاذ الأكبر - الوحيد البهبهاني.

أبو حمزة الثمالي : ج 4 ، ص 471.

الأسترآبادي محمّد أمين : ج 3 ، ص 17 ، 19 ، 120 ، 408.

أبو حنيفة : ج 3 ، ص 585.

ج 4 ، ص 49 ، 50 ، 52 ، 62 ، 188 ، 193 ، 194 ، 195 ، 618.

ج 4 ، ص 390 ، 591 ( السامري من هذه الأمّة ) ، 622.

إسحاق بن عمّار : ج 4 ، ص 101.

أبو الصلاح الحلبي : ج 3 ، ص 285.

إسماعيل بن مرار : ج 4 ، ص 626.

أبو علي سينا - الشيخ الرئيس.

الأسنوي : ج 4 ، ص 44.

أبو عمرو الكناني : ج 4 ، ص 625 ، 626.

الأصفهاني الشيخ محمّد تقي صاحب هداية المسترشدين : ج 3 ، ص 501 ( فخر الأعاظم ).

أبو المأمون الحارثي : ج 4 ، ص 471.

الأصفهاني الشيخ محمّد حسين صاحب الفصول - بعض الأجلّة.

أبو هاشم : ج 3 ، ص 15.

أمين الأخبارية - لأسترآبادي.

أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي : ج 4 ، ص 615.

الأنصارى مرتضى ، الأستاذ : ج 3 ، ص 43 ، 154 ، 184 ، 280 ، 281 ، 283 ،

أحمد بن إسحاق أبو علي : ج 3 ، ص 257.

أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن محمّد الحجّال : ج 3 ، ص 256.

أحمد ابن حنبل : ج 4 ، ص 529.

أحمد بن محمّد بن الوليد : ج 3 ، ص 258.

أحمد بن عبدون : ج 3 ، ص 258.

الأردبيلي ، المقدّس ، المحقّق : ج 3 ، ص 277 ، 500 ، 580.

أحمد بن محمّد بن عيسى : ج 3 ، ص 589.

الأستاذ - الأنصاري مرتضى.

ج 4 ، ص 88 ، 90 ، 102.

الأستاذ الأكبر - الوحيد البهبهاني.

ص: 685

323 ، 475 ، 510 ، 544 ، 577.

2 لبزنطى : ج 4 ، ص 578.

ج4 ، ص12 ، 13 ، 39 ، 42 ، 52 ، 98 ،

بعض الأجلّة ( صاحب الفصول ، الشيخ محمّد

99 ، 112 ، 120 ، 127 ، 129 ، 187 ،

حسين الأصفهاني ) : ج 3 ، ص 29 ، 59 ،

237، 316 ، 354 ، 389 ، 396 ، 427 ،

74 ، 77 ، 131 ( صاحب الفصول ) ، 144

428، 445 ، 450 ، 460 ، 462 ، 517 ،

( صاحب الفصول ) 167 ، 205 ، 223 ،

544 ، 597 ، 662.

276 ،328 ، 329 ، 343 ، 374 ، 377 ،

أيوب عليه السلام : ج 4 ، ص 372.

378 ، 446 ، 458 ، 460 ، 500 ، 534 ،

الباقر عليه السلام : ج 3 ، ص 70 ، 117 ، 123 ، 124 ، 298 ، 300 ، 465 ، 589.

542 ، 543.

ج 4 ، ص 88 ، 96 ، 106 ، 176 ، 247 ، 447 ، 582 ، 590 ، 618 ، 650.

ج 4 ، ص 28 ، 59 ، 60 ، 61 ، 65 ، 109 ، 146 ، 148 ، 151 ، 170 ، 176 ، 340 ، 342 ، 361 ، 379 ، 403 ، 597.

بحر العلوم السيّد مهدي الطباطبائي : ج 4 ، ص 339 ، ( بعض أفاضل السادات ) ، 342 ( الفاضل المذكور ) ، 395.

بعض الأواخر ( السيّد عبد اللّه شبّر ) : ج 3 ، ص 78.

البحراني الشيخ يوسف صاحب الحدائق :

بكير بن أعين : ج 4 ، ص 446 ، 455.

ج 3 ، ص 20 ، 23 ، 33 ، 45 ، 49 ، 120 ، 185 ، 196 ، 373 ، 462 ، 476 ، 481 ، 482.

البهائي : ج 3 ، ص 154 ، 187 ، 263 ، 265 ، 293.

ج 4 ، ص 494 ، 582 ، 616 ، 619.

ج 4 ، ص 8 ، 55 ، 56 ، 68 ، 361 ، 537.

بخت نصر : ج 4 ، ص 214.

البهبهاني - الوحيد البهبهاني.

البرقي : ج 4 ، ص 89 ، 103.

التفتازاني : ج 4 ، ص 51 ، 229.

ج 4 ، ص 615.

التوني الملا عبد اللّه : ج 3 ، ص 121 ، 134 ، 159 ، 360.

ج 4 ، ص 113 ، 116 ، 117 ، 120 ،

ص: 686

123 ، 243 ، 353 ، 578.

الحسن بن راشد : ج 4 ، ص 103.

جابر بن يزيد الجعفي : ج 3 ، ص 123 ج 4 ، ص 650.

الحسن بن سماعة : ج 4 ، ص 589.

جاثليق : ج 4 ، ص 204 ، 215.

الحسن بن علي بن فضّال : ج 3 ، ص 288.

جبريل : ج 3 ، ص 223.

ج 4 ، ص 607.

الجزائري السيّد نعمة اللّه : ج 3 ، ص 19 ، 20.

حسين بن الحسن بن أبان : ج 4 ، ص 88.

جمال المحقّقين - الخوانساري آقا جمال.

حسين بن السري : ج 4 ، ص 624.

جميل بن درّاج : ج 3 ، ص 124.

الحسين بن سعيد الأهوازي : ج 4 ، ص 88 ، 91 ، 95.

الجواد عليه السلام : ج 3 ، ص 465.

حسين بن عثمان : ج 4 ، ص 91.

ج 4 ، ص 99 ، 102.

حسين بن مختار : ج 4 ، ص 625.

جواد الفضلاء - فاضل جواد.

الحلّي ، ابن إدريس صاحب السرائر - ابن إدريس الحلّي.

الحاجبي : ج 3 ، ص 166 ، 185.

الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهر - العلاّمة الحلّي.

ج 4 ، ص 161 ، 166.

الحلّي ، المحقّق الأوّل : ج 3 ، ص 108 ، 121 ، 153 ، 167 ، 321 ، 330 ، 336 ، 373 ، 374 ، 376 ، 387 ، 389 ، 515.

الحارث بن مغيرة : ج 4 ، ص 586.

ج4 ، ص 15 ، 24 ، 28 ، 40 ، 50 ، 53 ،

الحرّ العاملي : ج 3 ، ص 120 ، 408.

54 ، 68 ، 126 ، 234 ، 269 ، 274 ،

ج 4 ، ص 50 ، 183 ، 187.

283 ، 285 ، 312 ، 387 ، 389 ، 390 ،

حريز بن عبد اللّه السجستاني : ج 3 ، ص 355.

391 ، 408 ، 494 ، 589 ، 593 ، 613 ، 627 ، 630 ، 631 ، 636 ، 637.

ج 4 ، ص 88 ، 89 ، 90 ، 95 ، 98.

الحسن بن أيّوب : ج 4 ، ص 589.

الحسن بن جهم : ج 4 ، ص 586 ، 625.

ص: 687

حمّاد بن عيسى : ج 4 ، ص 88 ، 95 ، 98.

السيّد الرضي صاحب نهج البلاغة : ج 3 ، ص 34 ، 579.

حمزة بن طيّار : ج 3 ، ص 369.

الرقيب العتيد : ج 3 ، ص 413.

الخثعمي : ج 4 ، ص 620.

زرارة بن أعين : ج 3 ، ص 84 ، 117 ، 287 ، 298 ، 299 ، 462 ، 558.

خلف من القرّاء : ج 3 ، ص 111.

ج 4 ، ص 88 ، 95 ، 96 ، 97 ، 98 ، 154 ، 157 ، 177 ، 247 ، 446 ، 501 ، 576 ، 582 ، 590 ، 618.

الخوانساري آغا جمال الدين ، جمال المحققين ، المحقق الجمال : ج 3 ، ص 102 ، 130 ، 133 ، 185 ، 188 ، 223 ، 228 ، 500 ، 539 ، 581.

زكريّا بن آدم : ج 3 ، ص 211.

الخوانساري آغا حسين : ج 3 ، ص 77 ، 498 ، 561.

زيد الشحّام : ج 4 ، ص 91.

ج 4 ، ص 42 ، 46 ، 60 ، 61 ، 63 ، 104 ، 125 ، 131 ، 132 ، 136 ، 140 ، 145 ، 150 ، 152 ، 154 ، 157 ، 159 ، 171 ، 178 ، 230 ، 316.

زيد بن علي بن الحسين الشهيد : ج 3 ، ص 70.

داود بن حصين : ج 3 ، ص 379.

السامري من هذه الأمّة : ج 4 ، ص 591.

ج 4 ، ص 576 ، 578.

السبزواري صاحب الذخيرة : ج 3 ، ص 516 ، 580 ، 581.

الدزفولي الشيخ أسد اللّه : ج 3 ، ص 108.

ج 4 ، ص 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 92 ، 93 ، 175 ، 187 ، 230 ، 426 ، 571.

الراوندي قطب الدين سعيد بن هبة اللّه :

سعد بن عبد اللّه الأشعري : ج 3 ، ص 124 ، 256.

ج 3 ، ص 124.

ج 4 ، ص 102 ، 103.

ج 4 ، ص 615 ، 621.

السكاكي : ج 3 ، ص 51.

الرضا عليه السلام : ج 4 ، ص 99 ، 586 ، 591 ، 615 ، 633 ، 641.

سلطان العلماء : ج 3 ، ص 290.

ص: 688

سماعة بن مهران : ج 3 ، ص 273 ، 369 ، 464.

صاحب الإيضاح ( فخر المحقّقين ) : ج 4 ، ص 571.

ج 4 ، ص 624 ، 650.

صاحب الحدائق - البحراني.

السيّد - المرتضى.

صاحب الرياض - الطباطبائي السيّد علي.

الشافعي : ج 4 ، ص 622.

صاحب الفصول - بعض الأجلّة.

شبر السيّد عبد اللّه ( بعض الأواخر ) : ج 3 ، ص 78.

صاحب المدارك : ج 3 ، ص 36 ، 45 ، 213 ، 318 ، 443 ، 472 ، 481 ، 500 ، 543 ، 579 ، 581.

شريف العلماء : ج 3 ، ص 276.

ج 4 ، ص 46 ، 50 ، 230 ، 476 ، 646.

ج 4 ، ص 42 ، 316.

صاحب المعالم ، حسن بن الشهيد الثاني :

شعيب عليه السلام : ج 4 ، ص 373.

ج 3 ، ص 79 ، 80 ، 96 ، 99 ، 102 ،

الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي : ج 3 ، ص 14 ، 58 ، 112 ، 115 ، 374 ، 389 ، 515 ، 573.

105 ، 116 ، 131 ، 141 ، 185 ، 187 ، 213 ، 232 ، 263 ، 287 ، 330 ، 397 ، 400.

ج 4 ، ص 8 ، 36 ، 60 ، 136 ، 169 ، 269 ، 285 ، 484 ، 485.

ج 4 ، ص 11 ، 12 ، 50 ، 53 ، 88 ، 89 ، 90 ، 391 ، 419 ، 579 ، 614 ، 644.

الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي العاملي :

الصادق عليه السلام : ج 3 ، ص 15 ، 70 ، 83 ،

ج 3 ، ص 111 ، 112 ، 116 ، 117 ، 258 ، 290 ، 391 ، 394 ، 485 ، 555.

117 ، 124 ، 256 ، 295 ، 299 ، 355 ،

ج 4 ، ص 57 ، 161 ، 167 ، 269 ، 285 ، 335 ، 338 ، 394 ، 459 ، 485 ، 579.

359 ، 364 ، 369 ، 464 ، 589.

الشيخ - الطوسي محمّد بن الحسن.

ج 4 ، ص 89 ، 90 ، 91 ، 103 ، 105 ،

الشيخ الرئيس أبو علي سينا : ج 3 ، ص 62.

ص: 689

106، 446 ، 471 ، 472 ، 543 ، 579 ،

الطباطبائي ، السيّد علي صاحب الرياض :

586، 589 ، 591 ، 613 ، 615 ، 618 ،

ج 3 ، ص 177 ، 252 ، 303 ، 318 ، 567.

620 ، 621 ، 624 ، 625 ، 646 ، 650.

ج 4 ، ص 43 ، 111 ، 337 ، 426 ، 430 ، 570 ، 647.

صالح العلماء - المازندراني ملاّ صالح.

الطباطبائي ، السيّد المجاهد صاحب المفاتيح : ج 4 ، ص 43 ، 462 ( بعض سادات مشايخ الأستاذ ) ، 593 ، 606.

السيّد صدر الدين القمي شارح الوافية :

الطباطبائي ، السيّد مهدي بحر العلوم : ج 4 ، ص 339 ، 342 ( بعض أفاضل السادات ) ، 395.

ج 1 ، ص 23 ، 87 ، 360 ، 361 ، 408.

الطبرسي ، أحمد بن علي صاحب الاحتجاج : ج 4 ، ص 624 ، 633 ، 634.

ج 4 ، ص 79 ، 83 ، 84 ، 115 ، 132 ،

الطبرسي ، صاحب مجمع البيان : ج 3 ، ص 126 ، 130.

136 ، 144 ، 145 ، 146 ، 160 ، 175 ، 199 ، 602.

الطوسي ، محمّد بن الحسن ، شيخ الطائفة :

صدقة : ج 3 ، ص 365.

ج 3 ، ص 39 ، 41 ، 43 ، 95 ، 108 ،

الصدوق ، محمّد بن علي ابن بابويه القمي :

111 ، 113 ، 121 ، 122 ، 126 ، 130 ،

ج 3 ، ص 124 ، 183 ، 342 ، 355 ، 359 ، 376 ، 515 ، 545.

138 ، 138 ، 153 ، 154 ، 181 ، 183 ،

ج 4 ، ص 101 ، 423 ، 615 ، 624.

217 ، 330 ، 331 ، 480 ، 506 ، 558.

الصفّار ، محمّد بن الحسن : ج 3 ، ص 123 ، 257 ، 258.

ج 4 ، ص 41 ، 50 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ،

ج 4 ، ص 88 ، 101 ، 102.

صفوان بن يحيى : ج 3 ، ص 295 ، 379 ، 506.

ج 4 ، ص 576 ، 578.

الصيرفي : ج 4 ، ص 51.

ضريس : ج 4 ، ص 106.

ص: 690

95 ، 101 ، 105 ، 269 ، 298 ، 514 ، 578 ، 579 ، 589 ، 593 ، 602 ، 613 ، 614 ، 627 ، 646.

عبد اللّه بن محمّد : ج 4 ، ص 633.

الطوسي ، خواجه نصير الدين : ج 3 ، ص 293.

عبد الرحمن بن الحجّاج : ج 3 ، ص 506 ، 507.

ج 4 ، ص 361.

ج 4 ، ص 91.

الطهراني ، أبو القاسم ( المؤلّف ) : ج 4 ، ص 662.

عبد السلام بن سالم : ج 3 ، ص 257.

العاملي ، الشيخ حسين والد البهائي : ج 4 ، ص 56.

عبيد بن زرارة : ج 4 ، ص 589.

العاملي ، حسين بن شهاب الدين : ج 3 ، ص 90.

العسكري ، أبو محمّد عليه السلام : ج 3 ، ص 257.

العاملي ، زين الدين بن علي العاملي - الشهيد الثاني.

العضدي : ج 3 ، ص 65 ، 185.

العاملي ، السيّد محمّد - صاحب المدارك.

ج 4 ، ص 11 ، 51 ، 56 ، 60 ، 78 ، 160 ، 161 ، 166 ، 229 ، 230 ، 410.

عبد الأعلى مولى آل سام : ج 3 ، ص 570.

العقيقي : ج 3 ، ص 258.

عبد الأعلى بن أعين : ج 3 ، ص 83.

العلاء بن رزين : ج 3 ، ص 256.

عبد اللّه بن أبي يعفور : ج 3 ، ص 256.

العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف بن المطهّر :

عبد اللّه بن الحسن : ج 4 ، ص 447.

ج 3 ، ص 33 ، 36 ، 37 ، 41 ، 43 ، 52 ، 65 ، 66 ، 112 ، 133 ، 134 ، 135 ، 150 ، 154 ، 165 ، 184 ، 195 ، 376 ، 476 ، 515 ، 576 ، 579.

عبد اللّه بن سليمان : ج 3 ، ص 589.

ج 4 ، ص 37 ، 39 ، 65 ، 66 ، 89 ، 90 ، 100 ، 102 ، 103 ، 160 ، 189 ، 269 ، 285 ، 312 ، 391 ، 395 ، 397 ، 403 ، 459 ، 460 ، 478 ، 484 ، 485 ، 494 ، 525 ، 537 ، 583 ، 593 ، 627.

عبد اللّه بن سنان : ج 3 ، ص 359 ، 589.

ج 4 ، ص 105 ، 646.

ص: 691

علم الهدى - السيّد المرتضى.

ج 4 ، ص 101.

علي بن إبراهيم القمي : ج 3 ، ص 295.

عمّار بن ياسر : ج 3 ، ص 584.

ج 4 ، ص 98.

عمر بن حنظلة : ج 3 ، ص 117 ، 124 ، 370 ، 379.

علي بن أبي طالب عليه السلام : ج 4 ، ص 91 ، 103 ، 470 ، 472 ، 591 ، 617.

ج 4 ، ص 576 ، 578 ، 579 ، 587.

علي بن أحمد بن محمّد بن طاهر : ج 4 ، ص 102.

عمر بن الخطّاب : ج 4 ، ص 216.

علي بن أسباط : ج 4 ، ص 591.

عمر بن يزيد : ج 4 ، ص 471.

علي ابن بابويه القمي أبو الحسن والد الصدوق : ج 3 ، ص 111 ، 115 ، 204.

العمري : ج 3 ، ص 257.

علي بن جعفر : ج 4 ، ص 447 ، 458.

العميدي ، السيّد عميد الدين : ج 3 ، ص 134 ، 135.

علي بن الحسن بن فضّال : ج 3 ، ص 138.

العيّاشي : ج 3 ، ص 156.

علي بن الحسين السعدآبادي : ج 4 ، ص 615.

عيسى بن مريم عليه السلام : ج 4 ، ص 204 ، 212 ، 213 ، 214 ، 215 ، 216 ، 217.

علي بن سندي : ج 3 ، ص 506.

الغزالي : ج 4 ، ص 29 ، 51 ، 61 ، 199.

علي بن شيرة : ج 4 ، ص 102.

الفاضل الجواد شارح زبدة الأصول : ج 4 ، ص 35 ، 53 ، 54 ، 160.

الشيخ علي بن محمّد بن زين الدين الشهيد الثاني : ج 4 ، ص 497.

الفاضل الهندي ، كاشف اللثام : ج 3 ، ص 39 ، 391.

علي بن محمّد بن شيرة القاساني : ج 4 ، ص 101 ، 102 ، 155 ، 501.

ج 4 ، ص 391 ، 640.

علي بن مهزيار : ج 4 ، ص 633.

الفخر الرازي ، الفخري : ج 3 ، ص 93.

عمّار الساباطي : ج 3 ، ص 465.

ج 4 ، ص 68.

فخر المحقّقين صاحب الإيضاح : ج 4 ، ص

ص: 692

571.

462 ، 463 ، 467 ، 468 ، 473.

فضالة : ج 3 ، ص 91.

كاشف اللثام - الفاضل الهندي.

الفضل بن شاذان : ج 4 ، ص 98 ، 99.

الكاظم عليه السلام : ج 3 ، ص 273 ، 298 ، 369 ، 506 ، 507.

الفضيل ( الفضل ) بن عثمان المرادي : ج 3 ، ص 16.

ج 4 ، ص 90 ، 99 ، 101 ، 447 ، 458 ، 625 ، 633.

الفيروزآبادي : ج 3 ، ص 94.

الكاظمي ، صاحب شرح الوافية : ج 3 ، ص 133 ، 134 ، 135 ، 184.

القاسم بن يحيى : ج 4 ، ص 103.

الكرخي : ج 4 ، ص 529.

القمي الميرزا أبو القاسم : ج 3 ، ص 29 ، 59

الكركي ، المحقّق الثاني : ج 3 ، ص 111 ، 285 ، 391 ، 485 ، 488 ، 494 ، 560.

، 74 ، 77 ، 79 ، 80 ، 96 ، 99 ، 136 ،

ج 4 ، ص 269 ، 278 ، 285 ، 335 ، 337 ، 338 ، 476 ، 484 ، 485 ، 570.

141 ، 145 ، 167 ، 188 ، 201 ، 222،

الكشّي : ج 3 ، ص 256.

232 ، 263 ، 270 ، 272 ، 275 ، 279،

ج 4 ، ص 90.

283، 285 ، 343 ، 360 ، 377 ، 427 ،

الكلباسي : ج 4 ، ص 159 ( بعض من تأخّر عن الخوانساري ) ، 171 ( بعض الأعيان من المعاصرين ).

446 ، 498 ، 543 ، 544 ، 548.

الكليني ، محمّد بن يعقوب ثقة الإسلام :

ج4 ، ص10 ، 28 ، 30 ، 42 ، 56 ، 62 ،

ج 1 ، ص 15 ، 273 ، 297.

84 ، 109 ، 110 ، 111 ، 115 ، 128 ،

ج 4 ، ص 99 ، 103 ، 582 ، 617 ، 618.

146 ، 183 ، 187 ، 204 ، 205 ، 211،

كميل بن زياد : ج 3 ، ص 369.

212، 218 ، 316 ، 359 ، 361 ، 368 ،

407 ، 496 ، 506.

كاشف الغطاء ، الشيخ جعفر النجفي : ج 3 ، ص 27 ، 566.

ج 4 ، ص 267 ، 268 ، 274 ، 284 ،

318، 321 ، 322 ، 323 ، 450 ، 459 ،

ص: 693

المازندراني ملاّ صالح ، صالح العلماء : ج 3 ، ص 102.

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : ج 4 ، ص 576 ، 578.

المأمون : ج 4 ، ص 204.

محمّد بن عبد اللّه ( عبيد اللّه ) : ج 4 ، ص 615.

المتنبي ، أبو الطيّب : ج 4 ، ص 93.

محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري : ج 4 ، ص 634.

المجلسي : ج 3 ، ص 123 ، 446.

محمّد بن علي بن عيسى : ج 4 ، ص 649.

ج 4 ، ص 103 ، 318.

محمّد بن عيسى : ج 4 ، ص 576 ، 578.

المحقّق - الحلّي.

محمّد بن عيسى اليقطيني : ج 4 ، ص 90 ، 103.

المحقّق الأوّل - الحلّي.

محمّد بن فضيل : ج 4 ، ص 471 ، 472.

المحقّق الثالث : ج 3 ، ص 125.

محمّد بن قولويه : ج 3 ، ص 256.

المحقّق الثاني - الكركي.

محمّد بن مسلم الثقفي : ج 3 ، ص 256 ، 257 ، 298.

محقّق الجمال - الخوانساري آغا جمال.

ج 4 ، ص 103 ، 446 ، 447.

المحقّق القمي - القمي أبو القاسم.

محمّد بن موسى بن المتوكّل : ج 4 ، ص 615.

محمّد بن أبي عمير : ج 3 ، ص 124.

محمّد بن يحيى العطّار : ج 3 ، ص 589.

محمّد بن أحمد بن زياد : ج 4 ، ص 649.

ج 4 ، ص 576 ، 578.

محمّد بن إسماعيل البندقي النيشابوري : ج 4 ، ص 98 ، 99.

السيّد المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي ، الشريف المرتضى ، علم الهدى : ج 3 ، ص 69 ، 95 ، 98 ، 108 ، 113 ، 121 ،

محمّد بن إسماعيل بن بزيع : ج 4 ، ص 99.

محمّد بن الحسن الصفّار : ج 3 ، ص 123 ، 257 ، 258.

ج 4 ، ص 88 ، 101 ، 102.

محمّد بن عبد الحميد : ج 3 ، ص 257 ، 258.

ص: 694

122 ، 150 ، 181 ، 184 ، 209 ، 256 ، 330 ، 516 ، 579.

النجاشي : ج 3 ، ص 138 ، 258 ، 379.

ج 4 ، ص 41 ، 50 ، 54 ، 230 ، 602.

ج 4 ، ص 89 ، 90 ، 102 ، 578 ، 579.

مريم عليها السلام : ج 4 ، ص 431.

النجفي الشيخ جعفر - كاشف الغطاء.

المزني : ج 4 ، ص 51.

النراقي ، ملاّ أحمد : ج 3 ، ص 239 ، 245 ، 593 ( بعض أفاضل متأخري المتأخّرين ).

مسعدة بن صدقة : ج 3 ، ص 364.

ج 4 ، ص 239 ( بعض أفاضل متأخّري المتأخرين ) ، 368 ، 431 ( بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين ).

معلّى بن خنيس : ج 4 ، ص 625.

النظّام : ج 4 ، ص 352.

المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان : ج 3 ، ص 257 ، 258.

الوحيد البهبهاني ، محمّد باقر الأستاذ الأكبر : ج 3 ، ص 71 ، 247 ، 321 ، 416.

ج 4 ، ص 53 ، 88 ، 89 ، 189 ، 235 ، 613.

ج 4 ، ص 103 ، 230 ، 401 ، 404 ، 544 ، 593 ، 618 ، 619.

المفيد الثاني : ج 3 ، ص 582.

وليد بن عقبة : ج 3 ، ص 138 ، 145.

منصور بن حازم : ج 3 ، ص 295.

الهادي عليه السلام : ج 3 ، ص 123 ، 257.

موسى بن عمران عليه السلام : ج 4 ، ص 204 ، 211 ، 212 ، 213 ، 214 ، 215 ، 216 ، 373.

ج 4 ، ص 102 ، 649.

موسى بن محمّد بن علي بن عيسى : ج 4 ، ص 649.

هاشم جدّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ج 4 ، ص 306 ، 309.

مهدي صاحب الزمان عليه السلام : ج 4 ، ص 634.

هشام بن الحكم : ج 3 ، ص 24.

ميسر بن عبد العزيز : ج 3 ، ص 257 ، 258.

هشام بن سالم : ج 3 ، ص 369.

ص: 695

ج 4 ، ص 625.

يوسف عليه السلام : ج 4 ، ص 371.

يحيى عليه السلام : ج 4 ، ص 217 ، 372 ، 373.

يونس عليه السلام : ج 4 ، ص 431.

يحيى بن أكثم : ج 3 ، ص 465.

يونس روى عنه محمّد بن عيسى اليقطيني : ج 4 ، ص 89.

يزيد بن خليفة : ج 4 ، ص 579.

يونس بن عبد الرحمن : ج 3 ، ص 211 ، 256.

يعقوب من القرّاء : ج 3 ، ص 112.

ج 4 ، ص 624.

يعقوب بن يزيد : ج 3 ، ص 124.

اليماني : ج 4 ، ص 471.

ص: 696

فهرس الكتب

الاحتجاج : ج 4 ، ص 576 ، 586 ، 624 ، 633 ، 634.

تعليقة المعالم ( هداية المسترشدين ) : ج 3 ، ص 162 ، 205 ، 223 ، 227 ، 238 ، 260 ،

الإحكام : ج 4 ، ص 160.

276 ، 283.

الاختصاص : ج 3 ، ص 257.

تعليقة المعالم للوحيد البهبهاني : ج 4 ، ص

إرشاد الأذهان : ج 3 ، ص 195.

401.

إشارات الأصول : ج 4 ، ص 8.

تعليقة منهج المقال : ج 4 ، ص 103.

الأصول الأربعمائة : ج 4 ، ص 608.

تمهيد القواعد : ج 3 ، ص 392.

الاعتقادات للصدوق : ج 3 ، ص 342.

التنقيح الرائع : ج 4 ، ص 9.

ج 4 ، ص 423.

التوراة : ج 4 ، ص 216.

الأنوار النعمانية : ج 3 ، ص 20.

كتاب التوحيد للصدوق : ج 3 ، ص 355.

إيضاح الفوائد : ج 4 ، ص 570.

تهذيب الأحكام : ج 3 ، ص 92 ، 121 ،

بحار الأنوار : ج 3 ، ص 123 ، 257.

164 ، 258.

الأصول الأربعمائة : ج 4 ، ص 608.

ج 4 ، ص 88 ، 95 ، 101 ، 157 ، 579.

ج 4 ، ص 103.

تهذيب الوصول إلى علم الأصول للعلاّمة الحلّي :

بصائر الدرجات : ج 3 ، ص 123.

ج 3 ، ص 39 ، 135.

تحف العقول : ج 3 ، ص 70.

ج 4 ، ص 43 ، 160 ، 525.

تذكرة الفقهاء : ج 4 ، ص 484.

جامع المقاصد : ج 3 ، ص 111.

تعليقة الروضة البهية - حاشية الروضة البهية.

ج 4 ، ص 278 ، 335.

ص: 697

حاشية الخلاصة للشهيد الثاني : ج 3 ، ص 258.

ج 4 ، ص 616 ، 618.

ج 4 ، ص 579.

الخصال : ج 4 ، ص 103 ، 147 ، 317 ، 325 ، 463.

حاشية الروضة البهية لآغا جمال الدين الخوانساري : ج 3 ، ص 539.

الخلاصة : ج 4 ، ص 89 ، 90.

حاشية الروضة البهية للشيخ علي حفيد الشهيد الثاني : ج 3 ، ص 391.

الدروس : ج 4 ، ص 286.

ج 4 ، ص 497.

ذكرى الشيعة : ج 3 ، ص 58 ، 112 ، 389 ، 515.

حاشية الشرائع للمحقّق الثاني : ج 3 ، ص 391.

ج 4 ، ص 36.

حاشية شرح اللمعة - حاشية الروضة البهية.

رجال الطوسي : ج 4 ، ص 102.

حاشية العضدي لآغا جمال الخوانساري :

الرسالة الاستصحابية للوحيد البهبهاني :

ج 3 ، ص 130 ، 188.

ج 4 ، ص 8 ، 44.

حاشية كتاب ابن الغضائري للشهيد الثاني : ج 3 ، ص 258.

رسالة البراءة والاحتياط ، للوحيد البهبهاني : ج 3 ، ص 416.

حاشية المعالم للسلطان : ج 3 ، ص 290.

رسالة الجمع بين الدليلين للوحيد البهبهاني : ج 4 ، ص 544.

حاشية المعالم للوحيد البهبهاني : ج 4 ، ص 401.

رسالة مقدّمة الواجب لآغا حسين الخوانساري : ج 4 ، ص 278.

الحبل المتين : ج 4 ، ص 55.

روض الجنان : ج 3 ، ص 112.

الحدائق الناضرة : ج 3 ، ص 20 ، 185 ، 472.

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية :

ص: 698

السرائر : ج 3 ، ص 123.

ج 4 ، ص 41 ، 602 ، 613.

شرائع علي ابن بابويه القمي : ج 3 ، ص 115.

غاية المأمول في شرح زبدة الأصول : ج 4 ، ص 160.

شرائع الإسلام : ج 4 ، ص 269 ، 270 ، 275 ، 278 ، 408.

غنية النزوع : ج 3 ، ص 113 ، 146 ، 331.

شرح الألفية ( المقاصد العلية ) : ج 3 ، ص 111.

غوالي اللآلي : ج 4 ، ص 539 ، 545 ، 576 ، 582 ، 586.

ج 4 ، ص 459.

الفصول الغروية : ج 3 ، ص 205 ، 206 ، 223 ، 283.

شرح تهذيب الأحكام ( غاية المرام ) للسيّد نعمة اللّه الجزائري : ج 3 ، ص 19.

ج 4 ، ص 341.

شرح الروضة البهية ( المناهج السوية ) للفاضل الهندي : ج 3 ، ص 391.

الفقيه - من لا يحضره الفقيه.

شرح زبدة الأصول ( غاية المأمول في شرح زبدة الأصول ) : ج 4 ، ص 160.

الفوائد الحائرية : ج 3 ، ص 321.

شرح الوافية للسيد صدر الدين القمي : ج 3 ، ص 23.

ج 4 ، ص 618.

ج 4 ، ص 132 ، 175 ، 199 ، 201 ، 602.

الفوائد الطوسية : ج 4 ، ص 50 ، 184.

شرح الوافية للكاظمي : ج 3 ، ص 133 ، 184.

الفوائد المدنية : ج 3 ، ص 17 ، 120.

الصحاح للجوهري : ج 4 ، ص 91.

ج 4 ، ص 49 ، 188 ، 189.

العدّة : ج 3 ، ص 126 ، 183 ، 330 ، 331.

الفوائد المكيّة : ج 4 ، ص 188.

الفهرست للطوسي : ج 4 ، ص 89.

القاموس المحيط : ج 3 ، ص 94.

قرب الإسناد : ج 4 ، ص 447 ، 458.

قواعد الأحكام : ج 4 ، ص 391 ، 484 ، 485.

القواعد والفوائد للشهيد الأوّل : ج 3 ، ص

ص: 699

14.

649.

ج 4 ، ص 169.

مسائل محمّد بن علي بن عيسى : ج 4 ، ص 649.

القوانين : ج 4 ، ص 73 ، 408 ، 582.

مستطرفات السرائر : ج 3 ، ص 123.

الكافي : ج 3 ، ص 24 ، 164 ، 257 ، 258 ، 273 ، 295 ، 297 ، 298 ، 299 ، 359 ، 589.

مشارق الشموس في شرح الدروس : ج 4 ، ص 7 ، 9 ، 60 ، 125.

ج 4 ، ص 98 ، 576 ، 582 ، 617.

مشرق الشمسين : ج 3 ، ص 154.

كتاب الصفّار : ج 3 ، ص 258.

المصابيح للسيّد بحر العلوم : ج 4 ، ص 395.

كشف الغطاء : ج 3 ، ص 27 ، 566.

معارج الأصول : ج 3 ، ص 167 ، 173 ، 315 ، 321 ، 373.

ج 4 ، ص 284 ، 322 ، 450 ، 459 ، 462 ، 467.

ج 4 ، ص 38 ، 45 ، 53 ، 56 ، 65 ، 613 ، 627 ، 636.

كشف اللثام : ج 3 ، ص 289.

معالم الدين : ج 3 ، ص 103 ، 116 ، 127

مبادئ الوصول : ج 4 ، ص 525.

، 265.

مجمع البحرين : ج 4 ، ص 8.

ج 4 ، ص 38 ، 39 ، 45 ، 54 ، 537 ،

مجمع البيان لعلوم القرآن : ج 3 ، ص 85.

613 ، 651.

المحاسن : ج 3 ، ص 465.

المعتبر في شرح المختصر : ج 3 ، ص 153 ،

المحصول : ج 4 ، ص 68.

330 ، 387.

مدارك الأحكام : ج 3 ، ص 112.

ج 4 ، ص 28 ، 40 ، 54 ، 312 ، 390.

ج 4 ، ص 51 ، 442.

مفاتيح الأصول : ج 4 ، ص 43.

مسالك الأفهام : ج 3 ، ص 290.

المقاصد العلية في شرح رسالة الألفية : ج

ج 4 ، ص 285 ، 335.

مسائل الرجال ومكاتباتهم : ج 4 ، ص

ص: 700

3 ، ص 111.

391.

ج 4 ، ص 459.

نهاية الوصول للعلاّمة الحلّي : ج 3 ، ص 37 ، 65 ، 135 ، 150 ، 154 ، 165.

كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 3 ، ص 92 ، 164 ، 258 ، 359.

ج 4 ، ص 37 ، 199 ، 593.

ج 4 ، ص 101.

نهج البلاغة : ج 3 ، ص 13 ، 16.

مناهج الأحكام : ج 3 ، ص 593.

نهج المسترشدين : ج 3 ، ص 184.

المناهج السوية - شرح الروضة البهية.

الوافي : ج 3 ، ص 164 ، 258.

المناهل : ج 4 ، ص 462.

الوافية : ج 3 ، ص 121 ، 159 ، 360.

منتقى الجمان : ج 4 ، ص 88 ، 90 ، 99.

ج 4 ، ص 8 ، 59 ، 113 ، 188 ، 189 ، 353.

منتهى المطلب : ج 4 ، ص 312.

وسائل الشيعة : ج 3 ، ص 258 ، 554.

المنهاج للإسنوي : ج 4 ، ص 44.

ج 4 ، ص 447 ، 634 ، 649.

المنتهى : ج 4 ، ص 59.

الوسيلة : ج 4 ، ص 269.

المنية : ج 4 ، ص 44.

هداية المسترشدين - تعليقة المعالم.

النهاية للطوسي : ج 3 ، ص 480.

نهاية الإحكام للعلاّمة الحلّي : ج 4 ، ص

ص: 701

فهرس الفرق والجماعات

الأخبارية ، الأخباريون ، الأخباري : ج 3 ، ص

ج 4 ، ص 70.

24 ، 79 ، 80 ، 85 ، 92 ، 120 ، 171 ،

الأصوليون ، الأصولية ، الأصولي : ج 3 ، ص

222، 321 ، 342 ، 351 ، 368 ، 371 ،

120 ، 141 ، 171 ، 342 ، 352 ، 371 ،

383 ، 386 ، 408 ، 587.

373 ، 383 ، 408 ، 516 ، 540 ، 587.

ج4 ، ص 62 ، 63 ، 116 ، 119 ، 127 ،

ج 4 ، ص 7 ، 9 ، 43 ، 189 ، 346 ،

142، 150 ، 151 ، 178 ، 179 ، 183 ،

393 ، 523 ، 565 ، 568 ، 569 ، 573.

187 ، 327 ، 346 ، 393 ، 581 ، 649.

الأطفال : ج 4 ، ص 514.

أرباب التواريخ : ج 3 ، ص 156.

الإماء : ج 3 ، ص 271.

الأشاعرة ، الأشعرية : ج 3 ، ص 165 ، 242.

الإمامية : ج 4 ، ص 100 ، 120 ، 247 ، 366 ، 640.

ج 4 ، ص 301.

الأموية : ج 4 ، ص 617.

الإشراقيون : ج 3 ، ص 19.

أهل البصرة : ج 4 ، ص 574.

أصحاب الإجماع : ج 4 ، ص 578.

أهل التخطئة : ج 4 ، ص 172.

أصحاب الأعراف : ج 3 ، ص 299.

أهل الخلاف : ج 4 ، ص 651.

أصحاب الأئمّة : ج 3 ، ص 195 ، 223.

أهل الرجال : ج 4 ، ص 581.

أصحاب السوداء والجنون : ج 3 ، ص 166 ، 174 ، 462 ، 492.

أهل العراق : ج 4 ، ص 681 ، 620.

أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله : ج 3 ، ص 90 ، 223.

أهل المدينة : ج 3 ، ص 322.

ص: 702

أهل الكتاب : ج 4 ، ص 204.

الشافعية : ج 4 ، ص 189.

الأيتام : ج 4 ، ص 402.

الشيعة ، شيعة : ج 3 ، ص 21.

أئمّة اللغة : ج 3 ، ص 156.

ج 4 ، ص 101 ، 613 ، 617 ، 619 ، 634.

البربر : ج 3 ، ص 465.

الصبيان : ج 3 ، ص 71.

البصري : ج 4 ، ص 574.

الصحابة : ج 3 ، ص 82.

بنو إسرائيل : ج 3 ، ص 227.

العامّة : ج 3 ، ص 322.

التابعون : ج 3 ، ص 82.

ج 4 ، ص 100 ، 188 ، 198 ، 199 ،

الجمهور : ج 4 ، ص 68.

577 ، 581 ، 582 ، 583 ، 589 ، 591 ،

جمهور المتأخرين : ج 4 ، ص 407.

605 ، 609 ، 612 ، 613 ، 615 ، 616 ،

الجواري : ج 3 ، ص 84 ، 224 ، 584.

617 ، 618 ، 619 ، 621 ، 622 ، 623 ،

الحجّام : ج 4 ، ص 50.

624 ، 625 ، 627 ، 641.

الحشوية : ج 3 ، ص 151.

العبيد ، عبيد: ج3 ، ص 271 ، 500 ، 538 ،

الحنفية : ج 4 ، ص 51 ، 60 ، 189 ، 229.

576.

الخوارج : ج 4 ، ص 90.

ج 4 ، ص 85.

الخيّاط : ج 4 ، ص 490.

العجائز : ج 3 ، ص 235.

الذمّي : ج 4 ، ص 105.

لعدلية : ج 3 ، ص 1 ، 165 ، 166 ، 171 ،

الرجاليون : ج 3 ، ص 64 ، 154.

ا 241 ، 429.

رومي ، الرومي : ج 4 ، ص 211.

ج 4 ، ص 190 ، 653.

الزنج ، زنجية ، الزنجي : ج 4 ، ص 82 ، 211.

العشّار : ج 3 ، ص 381 ، 467.

السفهاء : ج 3 ، ص 538.

علماء الجمهور : ج 4 ، ص 640.

سلاطين العامّة : ج 4 ، ص 623.

علماء الرجال : ج 4 ، ص 580.

السودان : ج 3 ، ص 465.

الشافعية : ج 4 ، ص 189.

ص: 703

عوام الطلبة : ج 4 ، ص 14 ، 286.

373 ، 387 ، 635.

الغيّب : ج 4 ، ص 402.

ج 4 ، ص 649.

الفقهاء : ج 3 ، ص 342 ، 443 ، 490.

المخدّرات : ج 4 ، ص 514.

ج 4 ، ص 189 ، 285 ، 393 ، 402 ، 568.

مشايخ الإجازة : ج 3 ، ص 258.

فقهاء البصرة : ج 4 ، ص 568.

ج 4 ، ص 88 ، 90.

القرّاء العشرة : ج 3 ، ص 111.

مشايخ الرواية : ج 3 ، ص 156.

القصّار : ج 4 ، ص 50.

مشايخ القراءة : ج 3 ، ص 111.

القضاة ، قضاة : ج 3 ، ص 72.

المشّاءون : ج 3 ، ص 19.

ج 4 ، ص 576 ، 622 ، 623.

المشركون : ج 4 ، ص 106.

القميون : ج 4 ، ص 103.

المعتزلة : ج 3 ، ص 21.

الكفّار : ج 3 ، ص 224 ، 296 ، 297 ، 397 ، 407 ، 417 ، 499 ، 584.

موالي ، الموالي : ج 3 ، ص 500 ، 538 ، 576.

ج 4 ، ص 169 ، 480 ، 482.

ج 4 ، ص 85.

الكوفيّون : ج 3 ، ص 136 ، 138 ، 288.

النسوان ، النساء : ج 3 ، ص 71 ، 146 ، 271.

ج 4 ، ص 88.

النصارى : ج 4 ، ص 204 ، 218.

اللغويون : ج 4 ، ص 414 ، 562.

اليهود : ج 3 ، ص 266 ، 367 ، 368.

المترجمون : ج 4 ، ص 414.

ج 4 ، ص 204 ، 211 ، 212 ، 218 ، 615.

المجانين : ج 4 ، ص 402 ، 406.

اليهودي : ج 4 ، ص 204 ، 211.

المجتهدون : ج 3 ، ص 321 ، 351 ، 352 ،

ص: 704

فهرس الأماكن

البصرة : ج 4 ، ص 568 ، 574.

ج 4 ، ص 618 ، 620.

البيت ( بيت اللّه الحرام ) : ج 4 ، ص 254 ، 261.

قم : ج 3 ، ص 136 ، 138 ، 288.

الروم : ج 4 ، ص 106.

ج 4 ، ص 88.

سجستان : ج 4 ، ص 89 ، 90.

الكوفة : ج 3 ، ص 89.

الصين : ج 3 ، ص 21 ، 300.

اللوح المحفوظ : ج 3 ، ص 190 ، 367.

عبّادان : ج 4 ، ص 405.

المدينة : ج 4 ، ص 101.

العراق : ج 3 ، ص 312.

الهند : ج 3 ، ص 471.

ص: 705

فهرس الأشياء والحيوانات

ابن آوى : ج 4 ، ص 108.

أواني الذهب والفضّة : ج 3 ، ص 471.

أثاث : ج 4 ، ص 442.

الإيارج : ج 3 ، ص 537.

الأرنب : ج 4 ، ص 108.

البحار : ج 4 ، ص 83.

الأسد ، أسد : ج 3 ، ص 317.

البدر : ج 4 ، ص 583.

ج 4 ، ص 378 ، 412 ، 414 ، 542 ،

البروج : ج 4 ، ص 346.

557 ، 566.

البعير : ج 3 ، ص 270.

الأشجار : ج 4 ، ص 85.

ج 4 ، ص 371.

الأضحية : ج 4 ، ص 443.

البقر : ج 3 ، ص 270.

الأقمشة : ج 4 ، ص 69.

البقّم : ج 3 ، ص 590.

الإناء ، الإناءان ، الإناءات : ج 3 ، ص 38 ،

بلدة ، البلدة ، بلد ، البلد : ج 4 ، ص 83 ، 282 ، 352 ، 591.

44 ، 50 ، 166 ، 360 ، 401 ، 402 ،

البهائم : ج 3 ، ص 179.

419، 450 ، 451 ، 452 ، 453 ، 454 ،

البيت : ج 3 ، ص 517.

455، 457 ، 462 ، 464 ، 468 ، 469 ، 470، 472 ، 473 ، 474 ، 476 ، 480 ،

البئر : ج 3 ، ص 270 ، 287 ، 340 ، 515.

481 ، 482 ، 496 ، 530.

ج 4 ، ص 640.

ج 4 ، ص 137 ، 537 ، 628 ، 657 ، 659.

التتن : ج 3 ، ص 54 ، 159 ، 353 ، 358 ، 360 ، 363 ، 367 ، 587.

أنعام : ج 4 ، ص 442.

التراب ، تراب : ج 3 ، ص 79 ، 329 ،

ص: 706

474.

حشيش ، الحشيش : ج 3 ، ص 248 ، 283.

ج 4 ، ص 261 ، 390 ، 620.

ج 4 ، ص 397.

ترياق : ج 3 ، ص 172 ، 418.

حصاة ، الحصاة ، الحصى : ج 3 ، ص 70.

ثوب ، ثوبان ، الثياب ، الثوب : ج 3 ، ص 32 ، 33 ، 38 ، 39 ، 45 ، 228 ، 579.

ج 4 ، ص 68.

ج4 ، ص56 ، 83 ، 95 ، 96 ، 97 ، 98 ،

حمار : ج 4 ، ص 351.

105، 125 ، 126 ، 137 ، 178 ، 179 ،

الحمّام : ج 4 ، ص 69 ، 162 ، 453.

184، 259 ، 260 ، 375 ، 498 ، 499 ،

الحنطة : ج 3 ، ص 185.

500 ، 501 ، 503 ، 505 ، 506 ، 548 ، 554 ، 571.

حوصلة : ج 3 ، ص 393 ، 470 ، 471.

الجبن : ج 3 ، ص 365 ، 465 ، 491 ، 589.

الحوض : ج 3 ، ص 471.

ج 4 ، ص 106.

ج 4 ، ص 75 ، 272 ، 523.

الجدار : ج 4 ، ص 610.

الحيوان الصاهل : ج 3 ، ص 567 ، 570.

الجصّ : ج 4 ، ص 392.

الحيوان المتولّد من الحيوانين : ج 3 ، ص 392 ، 394.

الجلاب : ج 3 ، ص 394.

ج 4 ، ص 327 من الكلب والغنم ، 327 من الكلب.

الجلد المطروح : ج 4 ، ص 51 ، 353 ، 495.

الحيوان الناطق : ج 3 ، ص 567 ، 570.

الجواد : ج 4 ، ص 483.

الحيوانات البحرية : ج 3 ، ص 393.

الجورب : ج 4 ، ص 268 ، 272.

الحيوانات البرّية : ج 3 ، ص 393.

الجوهرة : ج 4 ، ص 442.

الحيوانات العجم : ج 3 ، ص 228.

حجر ، أحجار : ج 4 ، ص 125 ، 134 ، 135 ، 139 ، 141 ، 152 ، 390.

الحيوانات المختلف فيها : ج 3 ، ص 391.

الخاتم : ج 4 ، ص 455.

ص: 707

خرء الطيور ، خرء الطير : ج 3 ، ص 318.

دخان : ج 4 ، ص 391.

ج 4 ، ص 548 - 549 ، 554 ، 646.

درهم ، دراهم ، الدراهم : ج 3 ، ص 9 ، 40 ، 340 ، 480 ، 487 ، 589 ، 591.

خزانة ، خزائن : ج 3 ، ص 471.

ج 4 ، ص 570 ، 571.

الخشب : ج 4 ، ص 390 ، 391.

الدفاتر : ج 4 ، ص 377.

الخلّ ، خلّ : ج 3 ، ص 419 ، 457 ، 588.

الدواء ، دواء : ج 4 ، ص 221 ، 222.

ج 4 ، ص 162 ، 389 ، 393 ، 487.

الديدان ، دود : ج 4 ، ص 32 ، 81 ، 203 ، 468.

الخمر ، خمر : ج 3 ، ص 28 ، 44 ، 65 ،

دينار ، الدنانير : ج 3 ، ص 156 ، 310.

67 ، 168 ، 307 ، 346 ، 413 ، 419 ،

ج 4 ، ص 274 ، 275 ، 570 ، 571.

448، 450 ، 451 ، 452 ، 453 ، 454 ،

الذباب : ج 4 ، ص 32 ، 204.

455، 456 ، 457 ، 458 ، 460 ، 470 ،

الذرق : ج 4 ، ص 646.

471 ، 474 ، 476 ، 499 ، 552 ، 588.

الذهب : ج 3 ، ص 471 ، 535.

ج 4 ، ص 105 ، 106 ، 170 ، 172 ، 179 ، 180 ، 274 ، 275 ، 359 ، 375 ، 384 ، 390 ، 393 ، 394 ، 456 ، 487.

ج 4 ، ص 570 ، 571.

الخنزير : ج 4 ، ص 105 ، 274 ، 275 ، 390.

رجيع الطير : ج 4 ، ص 646.

خيل : ج 4 ، ص 442.

الرطل العراقي والمدني : ج 4 ، ص 647.

الدابّة ، دوابّ : ج 3 ، ص 366.

رغيف ، أرغف : ج 3 ، ص 446.

ج 4 ، ص 442.

الركية : ج 4 ، ص 294.

الدار ، دار : ج 3 ، ص 46 ، 51.

رماد : ج 4 ، ص 390 ، 391.

ج 4 ، ص 81 ، 201 ، 211 ، 309 ، 353 ، 442 ، 472 ، 655.

الرمان : ج 3 ، ص 129 ، 146 ، 568 ( ماء الرمّان ).

زبر الأوّلين : ج 4 ، ص 432.

ص: 708

الزبيب ، زبيب : ج 4 ، ص 331.

الشمس : ج 3 ، ص 10 ، 500.

الزيت : ج 4 ، ص 89.

ج 4 ، ص 163 ، 166 ، 200 ، 346 ، 425.

ساحل بحر : ج 4 ، ص 79.

شواهق الجبال والبرايا : ج 4 ، ص 473.

السدر : ج 3 ، ص 567 ، 568 ، 569.

الصرّة : ج 4 ، ص 443.

السراب : ج 4 ، ص 236.

الصعيد : ج 3 ، ص 79.

السراج : ج 3 ، ص 4.

الصندوق : ج 3 ، ص 423.

السرير : ج 3 ، ص 517.

الصيد : ج 4 ، ص 489 ، 494 ، 495 ،

السمّ ، السموم : ج 3 ، ص 166 ، 172 ، 418 ، 462.

499.

ج 4 ، ص 384.

صيصة : ج 3 ، ص 393.

السمسم : ج 3 ، ص 487.

طومار : ج 3 ، ص 183.

السمك : ج 3 ، ص 393.

طين ، الطين : ج3 ، ص290 ( طين الطريق ) ،

السمكة : ج 4 ، ص 442.

474.

السمن : ج 3 ، ص 463 ، 465.

ظفر : ج 3 ، ص 83 ، 570.

ج 4 ، ص 89 ، 106.

العذرة : ج 4 ، ص 390 ، 392.

السهم : ج 4 ، ص 267.

العصفور : ج 4 ، ص 32.

سيف : ج 3 ، ص 118 ، 377.

العصير العنبي ، العصير: ج3 ، ص 54 ، 168 ،

ج 4 ، ص 90.

199.

شاة ، ج 4 ، ص 482.

ج 4 ، ص 326 ، 330 ، 331 ، 339 ،

الشطرنج : ج 3 ، ص 592.

389 ، 393 ، 394 ، 425 ، 497.

الشعير : ج 3 ، ص 185.

عظام الموتى : ج 3 ، ص 392.

الشماريخ : ج 4 ، ص 372.

العقار : ج 4 ، ص 442.

ص: 709

العنب : ج 4 ، ص 331.

القرص : ج 4 ، ص 346.

عين : ج 3 ، ص 535.

قرية ، القرية : ج 4 ، ص 79 ، 352.

غذاء ، الغداء : ج 3 ، ص 173 ، 589.

القمر : ج 4 ، ص 68.

ج 4 ، ص 261.

قميص : ج 4 ، ص 490.

الغزال : ج 4 ، ص 93 ، 456.

الكلب : ج 3 ، ص 474.

غسالة الحمّام : ج 3 ، ص 290.

ج 4 ، ص108 ( كلب الماء ) ، 326 ، 327 ،

الغنم : ج 3 ، ص 130 ، 133 ، 135 ( الغنم السائمة ).

329 ، 330 ، 379 ، 382 ، 388 ، 389 ، 390 ، 396 ، 397.

ج 4 ، ص 329 ، 359 ، 378 ، 437.

الكنز : ج 4 ، ص 442.

فاكهة : ج 4 ، ص 397.

كواكب المقمرة : ج 4 ، ص 617.

فحم : ج 4 ، ص 390.

كوز ، كوزين : ج 3 ، ص 19.

فراش : ج 4 ، ص 442.

لباس : ج 3 ، ص 62 ، 268.

فرس ، الفرس : ج 4 ، ص 203 ، 204.

الماء ، ماء : ج3 ، ص 8 ، 19 ، 43 ، 189 ،

الفضّة : ج 3 ، ص 471 ، 535.

193 ، 464 ، 465 ، 471 ، 472 ، 499 ،

ج 4 ، ص 570 ، 571.

515 ، 567 ( ماء الورد ، الماء المطلق ، ماء

الفلك الدوّار : ج 4 ، ص 85.

السدر ) ، 568 ( ماء السدر ، ماء الرمّان ) ،

فئران : ج 4 ، ص 203.

569 ( ماء السدر ).

قباء ، القباء : ج 4 ، ص 490 ، 491.

ج 4 ، ص 47 ، 75 ، 83 ، 111 ، 115 ،

القتاد : ج 3 ، ص 312 ، 324 ، 377 ، 378 ، 494.

134 ، 136 ، 138 ، 163 ، 164 ، 177 ، 194 ، 227 ، 237 ، 259 ، 260 ، 267 ،

ج 4 ، ص 39 ، 195 ، 276 ، 430.

272 ، 273 ، 283 ، 306 ، 379 ، 388 ،

القدح : ج 3 ، ص 45 ، 49.

389 ، 390 ، 391 ، 397 ، 471 ، 489 ،

ص: 710

494 ، 495 ، 497 ، 498 ، 502 ، 503 ، 505 ، 506 ، 512 ، 620 ، 657.

528 ، 533 ، 538.

المحلّة : ج 4 ، ص 83.

الملح ، ملح : ج 4 ، ص 379 ، 389 ، 471.

المحمل : ج 4 ، ص 633 ، 634.

المملحة : ج 4 ، ص 379 ، 390 ، 397.

مرآة : ج 3 ، ص 4 ، 6 ، 225 ، 294 ، 310 ، 311.

الميزاب : ج 3 ، ص 45 ، 473.

ج 4 ، ص 256 ، 324 ، 360 ، 368 ،

الناقة : ج 4 ، ص 523.

463 ، 525.

النبيذ : ج 3 ، ص 307.

المرقد : ج 3 ، ص 355.

ج 4 ، ص 106.

المسجد ، المساجد : ج 3 ، ص 56 ، 57 ،

النرد : ج 3 ، ص 592.

156.

النمل : ج 4 ، ص 204.

ج 4 ، ص 324 ، 350 ، 392 ، 436 ،

النواة ، نواة : ج 3 ، ص 70.

472 ، 497.

النجوم : ج 4 ، ص 583.

المسك : ج 4 ، ص 93 ، 456.

النهر ، الأنهار : ج 4 ، ص 346 ، 352 ، 393.

المسكر : ج 3 ، ص 355.

الودجين : ج 4 ، ص 479.

ج 4 ، ص 456.

هرّة : ج 4 ، ص 390.

معجون ، المعجون ، المعاجين : ج 3 ، ص

الهلال : ج 3 ، ص 54 ، 594.

ج 4 ، ص 145.

ص: 711

فهرس مصادر التحقيق

1. أجود التقريرات تقرير بحث محمّد حسين النائيني ، السيد أبو القاسم الخوئي ( م 1413 ) ، قم ، مؤسسة مطبوعاتي ديني.

2. الاحتجاج ، أحمد بن علي الطبرسي ( ق 6 ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، ط 1 ، 1413 ، انتشارات اسوه.

3. أحسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة أو تتميم روضات الجنّات ، السيّد محمّد مهدي الأصفهاني الكاظمي ( م 1390 ) ، بغداد ، مطبعة النجاح ، 1348.

4. الإحكام في أصول الأحكام ، علي بن محمّد الآمدي ( م 631 ) ، تحقيق : عبد الرزاق عفيفى ، دمشق - بيروت ، ط 2 ، 1402 ، المكتب الإسلامي.

5. اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : حسن المصطفوي ، مشهد المقدّسة ، جامعة مشهد ، 1348 ش.

6. الأربعون حديثا ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ( م 1110 ) ، تحقيق : محمّد التفرشي الدرودي ، قم ، 1358 ش - 1399 ق ، دار الكتب إسماعيليان.

7. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : فارس الحسّون ، قم ، ط 1 ، 1410 ، مؤسسة النشر الإسلامي.

8. إرشاد القلوب ، حسن بن أبي الحسن الديلمي ، ( م 841 ) ، قم ، 1412 ، منشورات الشريف الرضي.

ص: 712

9. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، طهران ، ط 4 ، 1363 ش ، دار الكتب الإسلامية.

10. إشارات الأصول ، محمّد إبراهيم بن محمّد حسن الكلباسي ( م 1261 ) ، طبع قسم مباحث الألفاظ منه بالمطبعة المعتمدية ( منوچهر خان معتمد الدولة ) سنة 1245 ، وقسم الأدلّة الشرعية منه مخطوط استفدنا من مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي برقم 3018 ، قوبل مع نسخة المؤلّف.

11. الإشارات والتنبيهات ، حسين بن عبد اللّه بن سينا ( م 427 ) ، قم ، ط 1375 ش ، نشر البلاغة.

12. الاعتقادات ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، تحقيق : عصام عبد السيّد ، المطبوع في سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد.

13. أعيان الشيعة ، السيّد محسن الأمين العاملي ( م 1371 ) ، تحقيق السيّد حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، 1403 ه. ق - 1983 م.

14. الألفيّة والنفليّة ، محمّد بن مكي العاملي ، الشهيد الأوّل ( م 786 ) ، تحقيق : علي الفاضل القائني ، قم ، ط 1 ، 1408 ، مكتب الإعلام الإسلامي.

15. الأمالي ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة ، قم ، ط 1 ، 1414 ، دار الثقافة.

16. الأمالي ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، الشيخ المفيد ( م 413 ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري وحسين استاد ولي ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي.

17. الانتصار ، علي بن الحسين الموسوي ، السيّد المرتضى ( م 436 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1415.

18. الأنوار النعمانية ، السيّد عبد اللّه الجزائري ( م 1112 ) مطبعة شركت چاپ ، تبريز.

ص: 713

19. أوثق الوسائل في شرح الرسائل ، ميرزا موسى بن جعفر التبريزي الغروي ( م ح 1295 ) ، الطبعة الحجرية.

20. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد ، محمّد بن الحسن بن يوسف الحلّي فخر المحقّقين ( م 771 ) ، تحقيق : الكرماني والاشتهاردي والبروجردي ، ط 1 ، 1378 ، المطبعة العلمية.

21. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، محمّد باقر المجلسي ( م 1110 ) ، بيروت ، ط 2 ، 1403 ق - 1983 م ، مؤسسة الوفاء.

22. بحر الفوائد في شرح الفرائد ، ميرزا محمّد حسن الآشتياني ( م 1319 ) الطبعة الحجرية.

23. بدائع الأفكار ، ميرزا حبيب اللّه الرشتي ( م 1312 ) ، الطبعة الحجرية.

24. بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول ، محمّد حسن بن عبد اللّه المامقاني ( م 1321 ) ، مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم 2 / 1116.

25. بصائر الدرجات ، محمّد بن الحسن الصفّار ، ( م 290 ) ، تحقيق : ميرزا محسن كوچه باغي ، طهران ، 1362 ش - 1404 ق ، مؤسسة الأعلمي.

26. البيان ، محمّد بن جمال الدين محمّد مكي العاملي ، الشهيد الأوّل ( م 786 ) ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية. وعن طبعة بنياد فرهنگى إمام مهدي عليه السلام ، بتحقيق : محمّد الحسّون ، ط 1 ، 1412.

27. البيان في تفسير القرآن ، السيّد أبو القاسم الخوئي ، ( م 1413 ) ، طهران ، 1364 ش.

28. تاج العروس من جواهر القاموس ، السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( م 1205 ) ، بيروت ، منشورات مكتبة الحياة.

29. التبيان في تفسير القرآن ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : أحمد حبيب قصير العاملي ، قم ، ط 1 ، 1409 ، مكتبة الإعلام الإسلامي بالأفست.

30. تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ،

ص: 714

العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ، قم ، ط 1 ، 1420 ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام ، وعن الطبعة الحجرية.

31. تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة ، محمّد بن الحسن ، الحرّ العاملي ( م 1104 ) ، تحقيق : محمّد القائني ، ط 1 ، 1422 ، نصائح.

32. تحف العقول ، الحسن بن علي ابن شعبة الحرّاني ( ق 4 ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم ، ط 3 ، 1363 ش - 1404 ق ، مؤسسة النشر الإسلامي.

33. التذكرة بأصول الفقه ، محمّد بن محمّد النعمان ، الشيخ المفيد ( م 413 ) المطبوع في سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد.

34. تذكرة الفقهاء ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 1 ، لم يصدر حاليا كلّ الأجزاء منه ، وعن الطبعة الحجرية.

35. تذكره مدينة الأدب ، محمّد علي مصاحبي النائيني المتخلّص ب- « عبرت » ( م 1321 ش؟ ) ، مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ، طهران ، 1376 ه. ش.

36. تقريرات شريف العلماء ، المولى حسين بن محمّد إسماعيل الأردكاني الحائري ، الفاضل الأردكاني ( م 1302 ) ، مخطوطة مكتبة السيّد النجومي ، ومنها مصوّرة في مركز إحياء التراث.

37. تكملة نجوم السماء ، الميرزا محمّد مهدي اللكهنوي الكشميري ( م 1309 ) ، منشورات مكتبة بصيرتي ، قم.

38. تمهيد القواعد ، زين الدين بن علي العاملي ، الشهيد الثاني ( م 965 ) ، تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1416 ق - 1374 ش.

39. التنقيح في شرح العروة الوثقى ، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الخوئي ، الشهيد الميرزا علي الغروي التبريزى ، قم ، ط 3 ، 1410 ، دار الهادي.

ص: 715

40. كتاب التوحيد ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، تحقيق : السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، منشورات جماعة المدرّسين.

41. تهذيب الأحكام ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : السيد حسن الموسوي الخرسان ، طهران ، ط 4 ، 1365 ش ، دار الكتب الإسلامية.

42. تهذيب الأصول ، السيّد روح اللّه الموسوي الخميني ( م 1412 ) ، قم ، 1410 ، دار الفكر.

43. تهذيب الوصول إلى علم الأصول ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، لندن ، 1421 ق - 2001 م ، منشورات مؤسّسة الإمام علي عليه السلام.

44. الجامع للشرائع ، يحيى بن سعيد الحلّي ( م 690 ) ، تحقيق : لجنة التحقيق بإشراف الشيخ جعفر السبحاني ، قم ، 1405 ، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام.

45. جامع المدارك في شرح مختصر النافع ، السيّد أحمد الخوانساري ( م 1405 ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران ، ط 2 ، 1355 ، مكتبة الصدوق.

46. جامع المقاصد في شرح القواعد ، علي بن الحسين ، المحقّق الكركي ، المحقّق الثاني ( م 940 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، ط 1.

47. جنّة النعيم والعيش السليم في أحوال السيّد عبد العظيم الحسني ، محمّد باقر واعظ كجوري ( م 1313 ) ألّف كتابه في سنة 1295 ، تحقيق السيّد صادق الحسيني ، طبع مؤتمر السيّد عبد العظيم الحسني ، ط 1 ، 1383 ه. ش ، ومن الطبعة الحجرية.

48. جوابات أهل موصل ( رسالة العدد ) ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، الشيخ المفيد ( م 413 ) ، تحقيق : الشيخ مهدي نجف ، المطبوع في مصنّفات الشيخ المفيد ، الناشر : المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد.

49. جوامع الجامع ، الفضل بن الحسن الطبرسي ( م 548 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1418.

ص: 716

50. جواهر الفقه ، القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي ( م 481 ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ، قم ، ط 1 ، 1411 ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

51. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، محمّد حسن النجفي ( م 1266 ) ، تحقيق : عبّاس القوچاني و ... ، قم ، ط 3 ، 1367 ش ، دار الكتب الإسلامية.

52. حاشية الخلاصة ، المطبوع في رسائل الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي العاملي ( م 965 ) ، تحقيق ونشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1421 ق - 1379 ش.

53. حاشية شرائع الإسلام ، علي بن الحسين بن عبد العالي ، المحقّق الكركي ( م 940 ) المطبوع في حياة المحقّق الكركي وآثاره ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قم ، 1423 ، منشورات الاحتجاج.

54. الحاشية على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، جمال الدين محمّد بن الحسين الخوانساري ( م 1125 ) ، قم ، منشورات مدرسة الرضوية بالأوفست من الطبعة الحجرية.

55. حاشية مجمع الفائدة والبرهان ، محمّد باقر بن محمّد أكمل ، الوحيد البهبهاني ( م 1205 ) ، تحقيق ونشر مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، قم ، ط 1 ، 1417.

56. حاشية المعالم ، محمّد باقر بن محمّد أكمل ، الوحيد البهبهاني ( م 1206 ) ، مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي برقم 9644.

57. الحبل المتين في أحكام الدين ، محمّد بن الحسين العاملي ، الشيخ البهائي ( م 1030 ) ، تحقيق : السيّد بلاسم الموسوي الحسيني ، مشهد المقدّسة ، ط 1 ، 1424 ق - 1382 ش ، مجمع البحوث الإسلامية ، ومن الطبعة الحجرية.

58. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، يوسف بن أحمد البحراني ( م 1186 ) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 717

59. الحديقة الهلالية ، محمّد بن الحسين العاملي الشيخ البهائي ( م 1030 ) ، تحقيق : السيّد علي الموسوي الخرسان ، قم ، ط 1 ، 1410 ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

60. الخصال ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، تحقيق : على أكبر الغفاري ، قم ، منشورات جماعة المدرسين.

61. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، الحسن بن يوسف ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، قم ، منشورات الرضي بالأوفست من منشورات الطبعة الحيدرية ، النجف ، 1381 ق - 1961 م.

62. الخلاف ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1417.

63. الدرر النجفية ، يوسف بن أحمد البحراني ( م 1186 ) ، الطبعة الحجرية.

64. الدروس الشرعية في فقه الإمامية ، محمّد بن مكي العاملي ، الشهيد الأوّل ( م 786 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1412.

65. دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، النعمان بن محمّد المغربي ( م 363 ) ، تحقيق : آصف بن علي أصغر فيضي ، القاهرة ، 1383 ق - 1963 م ، دار المعارف.

66. ديوان أبي الطيب المتنبي ، أحمد بن عبد الصمد ( م 354 ) ، تحقيق : عبد الوهّاب عزّام ، بيروت ، 1398 ق - 1978 م.

67. الذريعة إلى أصول الشريعة ، علي بن الحسين الموسوي ، السيّد المرتضى ( م 436 ) ، تحقيق : أبي القاسم گرجى ، طهران ، جامعة طهران.

68. الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، آقا بزرك الطهراني ( م 1389 ) ، قم ، دار الكتب العلمية ، إسماعيليان.

69. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ، محمّد باقر بن محمّد المؤمن السبزواري ، ( م 1090 ) ، الطبعة الحجرية.

ص: 718

70. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي ، الشهيد الأوّل ( م 786 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 1 ، 1419.

71. الرجال ، أحمد بن علي النجاشي ( م 450 ) ، تحقيق : السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، قم ، ط 5 ، 1416 ، مؤسسة النشر الإسلامي.

* رجال الكشّي - اختيار معرفة الرجال.

72. الرجال ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، قم ، منشورات الرضي بالأوفست عن طبع النجف منشورات الحيدرية ، 1380 ق - 1961 م.

73. الرسائل الأصولية ، محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني ، ( م 1205 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، قم ، ط 1 ، 1416.

74. الرسائل التسع ، جعفر بن الحسن ، المحقّق الحلّي ( م 676 ) ، تحقيق : رضا الأستادي ، قم ، ط 1 ، 1371 ش - 1413 ق ، مكتبة آية اللّه المرعشي.

75. رسائل الشريف المرتضى ، علي بن الحسين ، السيّد المرتضى ( م 436 ) ، إعداد : السيّد مهدي الرجائي ، قم ، 1405 ، دار القرآن الكريم.

76. رسائل الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي العاملي ( م 965 ) ، قم ، مكتبة بصيرتي.

77. رسائل المحقّق الكركي ، علي بن الحسين ، المحقّق الكركي ، المحقّق الثاني ( م 940 ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، ج 1 و 2 ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، ط 1 ، 1409 ، وج 3 ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، ط 1 ، 1412.

78. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، زين الدين بن علي العاملي ، الشهيد الثاني ( م 965 ) ، تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1422 ق - 1380 ش ، ومن الطبعة الحجرية.

79. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، زين الدين بن علي العاملي ، الشهيد الثاني ( م 965 ) ، تحقيق : السيّد محمّد الكلانتر ، قم ، ط 1 ، 1410 ، انتشارات داوري ،

ص: 719

بالاوفست عن طبعة النجف.

80. رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل ، السيد علي الطباطبائي ( م 1231 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، ط 1 ، 1412 ، ومن الطبعة الحجرية.

81. زبدة الأصول ، محمّد بن حسين العاملي ، الشيخ البهائي ( م 1030 ) ، تحقيق : فارس حسّون كريم ، قم ، 1423 ق - 1381 ش ، مدرسة ولي عصر عليه السلام العلمية.

82. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي ( م 598 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410.

83. سفينة النجاة ، المطبوع مع الأصول العملية ، فيض الكاشاني ( م 1091 ) ، تحقيق وإصدار : دار إحياء الإحياء ، قم ، ط 3 ، 1412.

84. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ، جعفر بن الحسن ، المحقّق الحلّي ( م 676 ) ، تحقيق : السيّد صادق الشيرازي ، طهران ، ط 2 ، 1409 ، انتشارات الاستقلال ، ومن طبع مؤسّسة المعارف الإسلامي ، قم ، بتحقيق : محمّد علي البقّال.

* شرح اللمعة الدمشقية - الروضة البهية.

85. شرح نهج البلاغة ، عبد الحميد ابن أبي الحديد ( م 655 أو 656 ) ، تحقيق : محمّد أبي الفضل إبراهيم ، قم ، 1404 ق ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي ، بالاوفست من طبع دار إحياء الكتب العربية.

86. شرح الوافية ، السيّد صدر الدين محمّد بن مير محمّد باقر الرضوي القمي الهمداني ( م 1165 ) ، مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي برقم 12086.

87. الصحاح ، إسماعيل بن حمّاد الجوهري ( م 393 ) ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطّار ، بيروت ، دار العلم للملايين.

88. الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي ( م 877 ) ، تحقيق : محمّد باقر البهبودي ، ط 1 ، 1384 ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار

ص: 720

الجعفرية.

89. ضوابط الأصول ، السيّد إبراهيم بن محمّد باقر القزويني ( م 1262 ) ، الطبعة الحجرية سنة 1275.

90. طبقات أعلام الشيعة ( الكرام البررة ونقباء البشر ) ، محمّد محسن آغا بزرك الطهراني ( م 1389 ) ، تحقيق : السيّد عبد العزيز الطباطبائي ، مشهد ، دار المرتضى ، ط 2 ، 1404.

91. العدّة في أصول الفقه ، محمّد بن الحسن الطوسي ( م 460 ) ، تحقيق : محمّد رضا الأنصاري القمي ، قم ، ط 1 ، 1417 ق - 1376 ش ، المطبعة ستاره.

92. عقد الطهماسبي ( الحسيني ) ، حسين بن عبد الصمد العاملي ، والد الشيخ البهائي ( م 984 ) ، تحقيق ونشر : السيّد جواد المدرّسي ، ط گلبهار ، يزد.

93. علل الشرائع ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، النجف ، 1385 ق - 1966 م ، منشورات المكتبة الحيدرية.

94. عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية ، محمّد بن علي بن إبراهيم الإحسائي ، ابن أبي جمهور ( م ح 880 ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم ، ط 1 ، 1403 م - 1983 م ، مطبعة سيّد الشهداء.

95. عوائد الأيّام ، المولى أحمد النراقي ( م 1245 ) ، تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1417 ق - 1375 ش ، ومن الطبعة الحجرية.

96. العويص ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، الشيخ المفيد ( م 1413 ) ، تحقيق : محسن أحمدي ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

97. عيون أخبار الرضا عليه السلام ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، بيروت ، ط 1 ، 1404 ، منشورات الأعلمي.

98. غاية المأمول في شرح زبدة الأصول ، جواد بن سعد بن جواد الكاظمي ، الفاضل

ص: 721

الجواد ( ق 11 ) ، مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي ، بخطّ المؤلّف برقم 3794 ، ونسخة أخرى برقم 10495 تاريخ كتابتها سنة 1070.

99. غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام ، السيّد نعمة اللّه الجزائري ( م 1112 ) ، مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي بخطّ المؤلّف برقم 6127.

100. غاية المسئول ونهاية المأمول في علم الأصول ، السيّد محمّد حسين الشهرستاني ( م 1315 ) ، الطبعة الحجرية.

101. غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام ، الميرزا أبو القاسم القمي ( م 1221 ) ، تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1417 ق - 1375 ش.

102. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ، حمزة بن علي الحلبي ( م 585 ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ، قم ، 1417 ، مؤسسة الإمام الصادق ، طبع منه قسم الفروع وراجعت قسم الأصول منه إلى الطبعة الحجرية المطبوع في الجوامع الفقهية.

103. فرائد الأصول ، الشيخ مرتضى الأنصاري ، ( م 1281 ) ، إعداد : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، قم ، ط 5 ، 1424 ، مجمع الفكر الإسلامي.

104. فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ، السيّد علي بن موسى ابن طاوس ( م 664 ) ، قم ، ط 1 ، دار الذخائر للمطبوعات.

105. الفصول الغروية في الأصول الفقهية ، محمّد حسين بن عبد الرحيم الأصفهاني ( م 1250 ) ، الطبعة الحجرية.

106. الفصول المختارة ، محمّد بن محمّد بن النعمان الشيخ المفيد ( م 413 ) ، تحقيق : السيّد علي مير شريفي ، قم ، ط 2 ، 1414 ق - 1993 م ، دار المفيد.

107. الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( م 1104 ) ، تحقيق : محمّد القائني ، قم ، ط 1 ، 1418 ، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام.

108. الفوائد الحائرية ، محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني ( م 1205 ) ، تحقيق ونشر :

ص: 722

مجمع الفكر الإسلامي ، ط 2 ، 1424.

109. الفوائد الطوسية ، محمّد بن الحسن ، الحرّ العاملي ( م 1104 ) ، تحقيق : السيّد مهدي اللاجوردي الحسيني والشيخ محمّد الدرودي ، قم ، المطبعة العلمية.

110. الفوائد المدنية ، محمّد أمين الأسترآبادي ( م 1036 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1424 ، ومن الطبعة الحجرية.

111. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : السيّد عبد العزيز الطباطبائي ، إعداد ونشر : مكتبة المحقّق الطباطبائي ، قم ، ط 1 ، 1420.

112. القاموس المحيط ، محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( م 817 ) ، بيروت ، ط 1 ، 1991 م - 1412 ق ، دار إحياء التراث العربي.

113. قرب الإسناد ، عبد اللّه بن جعفر الحميري ( ق 3 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 1 ، 1413.

114. قواعد الأحكام ، حسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1413.

115. القواعد والفوائد ، محمّد بن مكّي العاملي ، الشهيد الأوّل ( م 786 ) ، تحقيق : الشهيد الدكتور السيّد عبد الهادي الحكيم ، قم ، مكتبة المفيد.

116. القوانين المحكمة ، الميرزا أبو القاسم القمي ( م 1231 ) ، الطبعة الحجرية بخطّ عبد الرحيم في مجلّدين ، ومن طبعة حجرية أخرى في مجلّد طبعت في سنة 1299 بخطّ كلب علي القزويني ، أشرت إليها ب- « ط ».

117. الكافي ، محمّد بن يعقوب الكليني ( م 329 ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران ، ط 3 ، 1388 ، دار الكتب الإسلامية.

118. كتاب الخمس ، الشيخ مرتضى الأنصاري ( م 1281 ) ، إعداد : لجنة تحقيق تراث الشيخ

ص: 723

الأعظم ، قم ، ط 1 ، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره.

119. كتاب الخمس ، مرتضى بن عبد الكريم الحائري ( م 1406 ) ، تحقيق : محمّد حسين أمراللّهي ، قم ، ط 1 ، 1418 ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

120. كتاب الزكاة من مستند العروة الوثقى ، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الخوئي ، الشهيد مرتضى البروجردي ، قم ، ط 1 ، 1413 ، مدرسة دار العلم.

121. كتاب الصلاة ، الشيخ مرتضى الأنصاري ( م 1281 ) ، إعداد : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، قم ، ط 1 ، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشيخ الأنصاري.

122. كتاب الصلاة ، تقرير بحث الميرزا حسين النائيني ، محمّد علي الكاظمي الخراساني ( م 1365 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1411.

123. كتاب الصلاة من التنقيح ، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الخوئي ، الشهيد الميرزا علي الغروي التبريزي ، قم ، ط 3 ، 1410 ، دار الهادي.

124. كتاب الطهارة ، الشيخ مرتضى الأنصاري ( م 1281 ) ، إعداد : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، قم ، ط 1 ، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشيخ الأنصاري ، ومن الطبعة الحجرية.

125. كتاب الطهارة من التنقيح ، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الخوئي ، الشهيد الميرزا علي الغروي التبريزي ، قم ، ط 3 ، 1410 ، دار الهادي.

126. كتاب القضاء ، الميرزا حسن الآشتياني ( م 1319 ) ، قم ، ط 2 ، 1404 ق - 1363 ش ، دار الهجرة.

* الكرام البررة - طبقات أعلام الشيعة

127. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، إسماعيل بن

ص: 724

محمّد العجلوني ( م 1162 ) ، بيروت ، ط 3 ، 1988 م - 1408 ق ، دار الكتب العلمية.

128. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء ، جعفر بن خضر ، كاشف الغطاء ( م 1228 ) ، تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، 1422 ق - 1380 ش ، ومن الطبعة الحجرية.

129. كشف القناع عن وجوه حجّية الإجماع ، أسد اللّه بن إسماعيل التستري ، المحقّق الكاظمي (1237) ، الطبعة الحجرية.

130. كشف اللثام عن قواعد الأحكام ، محمّد بن الحسن الأصفهاني ، الفاضل الهندي ( م 1137 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، ط 1 ، 1416 ، ومن الطبعة الحجرية.

131. كفاية الأحكام ، محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري ( م 1090 ) ، الطبعة الحجرية.

132. كفاية الأصول ، الآخوند محمّد كاظم الخراساني ( م 1329 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، قم.

133. كلّيات سعدي شيرازي ( ق 7 ) ، تصحيح محمّد علي فروغي ، ط 5 ، 1361 ش ، انتشارات جاويدان.

134. لباب الألقاب في ألقاب الأطياب ، حبيب اللّه الشريف الكاشاني ( م 1340 ) ، مكتبة بوذرجمهرى ، ط 1 ، 1378.

135. المآثر والآثار ، محمّد حسن خان اعتماد السلطنة ( م 1313 ) ، تصحيح : إيرج أفشار ، انتشارات أساطير ، طهران ، ط 1 ، ومن طبع مكتبة سنائي.

136. مبادئ الأصول إلى علم الأصول ، الحسن بن يوسف ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : عبد الحسين محمّد علي البقال ، قم ، ط 3 ، 1404 ، مكتب الإعلام الإسلامي.

137. المبسوط ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، تحقيق : السيّد محمّد تقي الكشفي ، طهران ، 1387 ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

138. مجمع البحرين ومطلع النيرين ، فخر الدين الطريحي ( م 1087 ) ، تحقيق : السيّد أحمد

ص: 725

الحسيني ، ط 2 ، 1408 ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

139. مجمع البيان لعلوم القرآن ، الفضل بن الحسن الطبرسي ( م 548 ) ، طهران ، ط 1 ، 1365 ، انتشارات ناصر خسرو بالاوفست من طبع بيروت ، دار المعرفة. ومن طبع بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، ط 1 ، 1415.

140. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، المولى أحمد الأردبيلي ، المحقّق الأردبيلي ( م 993 ) ، تحقيق : العراقي والاشتهاردي واليزدي ، قم ، 1403 ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

141. المجموع في شرح المهذّب ، محيي الدين بن شرف النووي ( م 676 ) ، بيروت ، دار الفكر.

142. المحاسن ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( م 274 ) ، تحقيق : السيّد جلال الدين الحسيني ، المحدّث الأرموي ، قم ، ط 2 ، دار الكتب الإسلامية.

143. المحصول في علم الأصول ، محمّد بن عمر ، الفخر الرازي ( م 606 ) ، تحقيق : طه جابر فياض العلواني ، بيروت ، ط 2 ، 1412 ، مؤسّسة الرسالة.

144. مختلف الشيعة ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1412.

145. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ، السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي ( م 1009 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، قم ، ط 1.

146. مرآة الشرق ، محمّد أمين الخوئي ( م 1367 ) ، مخطوط ، وسينشر بتحقيق صديقنا الشيخ علي الصدرائي الخوئي.

147. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ، زين الدين بن علي العاملي ، الشهيد الثاني ( م 965 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة المعارف الإسلامية ، قم ، ط 1 ، 1413 ؛ وعن الطبعة الحجرية قليلا.

ص: 726

148. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ميرزا حسين النوري الطبرسي ( م 1320 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 1 ، 1408.

149. المستصفى ، محمّد بن محمّد الغزالي ( م 505 ) ، قم ، دار الذخائر بالأوفست عن الطبعة الأميرية ببولاق مصر ، سنة 1322.

150. مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي ( م 1245 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 1 ، 1415.

* مستند العروة الوثقى - كتاب الزكاة.

151. مشارق الشموس في شرح الدروس ، حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري ( م 1099 ) ، الطبعة الحجرية.

152. مشرق الشمسين وإكسير السعادتين ، محمّد بن الحسين العاملي ، الشيخ البهائي ( م 1030 ) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، مشهد المقدّسة ، ط 1 ، 1414 ق - 1372 ش ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية.

153. مشكاة المصابيح في التعادل والتراجيح ، السيّد محمّد بن علي الحسيني التبريزي الخسروشاهي « فرغ منه في سنة 1269 » ، الطبعة الحجرية.

154. مصباح الأصول ، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الخوئي ، السيّد محمّد سرور الواعظ البهسودي ، قم ، ط 5 ، 1417 ، مكتبة الداوري.

155. مصباح الفقيه ، آغا رضا بن هادي الهمداني ( م 1322 ) ، الطبعة الحجرية.

156. مطارح الأنظار ( مباحث الألفاظ ) ، أبو القاسم النوري الطهراني ( م 1292 ) ، تحقيق ونشر : مجمع الفكر الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1425.

157. معارج الأصول ، جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي ( م 676 ) ، تحقيق : السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، لندن ، 1423 ه - 2003 م ، منشورات مؤسّسة الإمام علي عليه السلام.

158. معالم الدين وملاذ المجتهدين ، الحسن ابن الشهيد الثاني زين الدين العاملي ( م

ص: 727

1011 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق - 1365 ش ؛ وقسم الفقه منه بتحقيق : السيّد منذر الحكيم ، قم ، ط 1 ، 1418 ، مؤسّسة الفقه للطباعة والنشر.

159. المعتبر في شرح المختصر ، جعفر بن الحسن ، المحقّق الحلّي ( م 676 ) ، تحقيق : لجنة التحقيق بإشراف آية اللّه مكارم الشيرازي ، قم ، 1364 ش ، منشورات مؤسّسة سيّد الشهداء.

160. المعجم الوسيط ، إبراهيم مصطفى و ... ، استانبول ، 1410 ق - 1989 ، دار الدعوة.

161. مفاتيح الأصول ، السيّد محمّد الطباطبائي ، السيّد المجاهد ( م 1242 ) ، الطبعة الحجرية.

162. مفاتيح الشرائع ، فيض الكاشاني ( م 1091 ) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، قم ، 1401 ، مجمع الذخائر الإسلامية.

163. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة ، السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي ( م 1226 ) ، تحقيق : محمّد باقر الخالصي ، قم ، ط 1 ، 1419 ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

164. مقالات الأصول ، ضياء الدين العراقي ( م 1361 ) ، تحقيق : محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم ، قم ، ط 1 ، 1414 ، مجمع الفكر الإسلامي.

165. المقاصد العلية في شرح رسالة الألفية ، زين الدين علي العاملي ، الشهيد الثاني ( م 965 ) ، تحقيق ونشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ط 1 ، 1420 ق - 1378 ش ، من الطبعة الحجرية.

166. المقنع ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم ، 1415.

167. المقنعة ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، الشيخ المفيد ( م 413 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي.

168. كتاب المكاسب ، الشيخ مرتضى الأنصاري ( م 1281 ) ، إعداد : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، قم ، ط 1 ، 1415.

169. كتاب من لا يحضره الفقيه ، محمّد بن علي ابن بابويه ، الشيخ الصدوق ( م 381 ) ، تحقيق :

ص: 728

على أكبر الغفّاري ، قم ، ط 2 ، 1404 ، منشورات جماعة المدرّسين.

170. مناقب آل أبي طالب ، محمّد بن علي بن شهرآشوب ( م 588 ) ، النجف الأشرف ، 1376 ق - 1956 م ، المطبعة الحيدرية.

171. مناهج الأحكام والأصول ، المولى أحمد النراقي ( م 1245 ) ، الطبعة الحجرية.

172. المناهل ، السيّد محمّد الطباطبائي ، السيّد المجاهد ( م 1242 ) ، الطبعة الحجرية.

173. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ( م 1011 ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم ، ط 1 ، 1362 ش ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

174. منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) تحقيق ونشر : مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد المقدّسة ، ط 1 ، 1412 ، وعن الطبعة الحجرية.

175. منتهى المقال في أحوال الرجال ، محمّد بن إسماعيل المازندراني ، أبو علي الحائري ( م 1216 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، ط 1 ، 1416.

176. المهذّب ، القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي ( م 481 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1416.

177. المهذّب البارع في شرح المختصر النافع ، أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي ( م 841 ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

178. ميراث حديث شيعة ، باهتمام : مهدي المهريزي وعلي الصدرائي الخوئي ، قم ، ط 1 ، دار الحديث.

179. نضد القواعد الفقهية ، مقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي ( م 826 ) ، تحقيق : السيّد عبد اللطيف الكوهكمري ، قم ، 1403 ، مكتبة آية اللّه المرعشي.

* نقباء البشر - طبقات أعلام الشيعة

180. نور البراهين أو أنيس الوحيد في شرح التوحيد ، السيّد نعمة اللّه الجزائري ( م 1112 ) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، قم ، ط 1 ، 1417 ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 729

181. النهاية ، محمّد بن الحسن الطوسي ، شيخ الطائفة ( م 460 ) ، قم ، منشورات قدس ، بالأوفست عن طبعة بيروت ، دار الأندلس.

182. نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، قم ، ط 2 ، 1410 ، مؤسسة إسماعيليان.

183. نهج البلاغة ، محمّد بن الحسين الموسوي ، السيّد الرضي ( م 406 ) ، تحقيق : صبحي الصالح ، بيروت.

184. نهج الحق وكشف الصدق ، الحسن بن يوسف ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، قم ، 1407 ، دار الهجرة.

185. نهج المسترشدين في أصول الدين ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي ( م 726 ) ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية.

186. الوافية في أصول الفقه ، المولى عبد اللّه بن محمّد البشروي الخراساني ، الفاضل التوني ( م 1071 ) ، تحقيق : السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، قم ، ط 1 ، 1412 ، مجمع الفكر الإسلامي.

187. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، محمّد بن الحسن ، الحرّ العاملي ( م 1104 ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط 2 ، 1414.

188. الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، محمّد بن علي الطوسي ، ابن حمزة ( ق 6 ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قم ، 1408 ، مكتبة آية اللّه المرعشي.

189. وسيلة الوسائل في شرح الرسائل ، السيّد محمّد باقر بن مرتضى اليزدي الطباطبائي ( م 1298 ) ، الطبعة الحجرية ، سنة 1291.

190. هداية الأبرار إلى طريق الأئمّة الأطهار ، حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي ( م 1076 ) ، تحقيق : رءوف جمال الدين الحسيني ، النجف ، ط 1 ، 1396.

191. هداية المسترشدين ، محمّد تقي بن عبد الرحيم الأصفهاني ( م 1248 ) ، الطبعة الحجرية.

ص: 730

فهرس المطالب

القول في الاستصحاب

تعريف الاستصحاب.......................................................... 7

الاستصحاب القهقرى ( أصالة تشابه الزمان ).................................. 14

(1) هداية في أنّ الاستصحاب من الأدلّة أو من القواعد الفقهية....................... 15

لنا مقامان :

المقام الأوّل في أنّه على إفادته الظن فهو حينئذ من الأدلّة ، وعلى الأخبار فإنّه حينئذ كإحدى القواعد الشرعية 15

المقام الثاني في أنّه هل البحث في الاستصحاب بحث عن المسألة الأصولية أو بحث عن المسألة الفرعية؟ 17

تحقيق البحث موقوف على تمهيد مقدّمة :

المعيار في تميّز مسائل العلوم أمور :

الأوّل ملاحظة رجوع البحث إلى البحث عن عوارض الموضوع في ذلك العلم...... 17

الثاني حدّ العلم.............................................................. 18

الثالث تدوين أهل العلم لها فيه ، أو تنصيص أهل الفنّ بذلك..................... 19

بعد تمهيد المقدّمة تحقيق الكلام في مقامين :

المقام الأوّل في تشخيص أصناف الاستصحاب.................................. 20

المقام الثاني في أنّ الاستصحاب على أيّ وجه من أيّ المسائل..................... 25

(2) هداية في تقسيمات الاستصحاب.............................................. 27

ص: 731

ينقسم الاستصحاب باعتبارات مختلفة إلى أقسام متعدّدة :

منها تقسيمه من حيث المستصحب إلى حال العقل وحال الشرع.................. 27

منها تقسيمه باعتبار الدليل إلى استصحاب حال النصّ إلى أن يثبت الناسخ وإلى استصحاب حال الإجماع 31

منها تقسيمه باعتبار المشكوك فيه إلى استصحاب الحكم الشرعي ، وإلى استصحاب الموضوع الخارجي 31

منها تقسيمه باعتبار الشك................................................... 31

أقسام الشك في المقتضي..................................................... 31

أقسام الشك في المانع........................................................ 32

(3) هداية في تعميم النزاع لأقسام الاستصحاب..................................... 35

الكلام فيها في المقامات الأربع :

المقام الأوّل في أنّه هل النزاع في حجّية الاستصحاب وعدمها يعمّ البراءة الأصلية ، أو يخصّ بغيرها؟ 35

المقام الثاني في أنّه هل يعمّ ما إذا كان المدرك إجماعا ، أولا؟...................... 48

المقام الثالث في أنّه هل يختصّ النزاع بالأحكام الشرعية ، أو يجري في الموضوعات أيضا؟... 49

المقام الرابع في أنّه هل يجري النزاع في أقسام الشك في المقتضي ، أو يختصّ بأقسام الشك في المانع؟ 53

تذنيب في أنّه هل النزاع في حجيّة الاستصحاب من جهة الظنّ أو من حيث إنّها قاعدة تعبّدية ، فعلى الأوّل يكون كسائر الأدلّة الاجتهادية ، وعلى الثاني يكون كالبيّنة واليد من التعبّديات؟..................... 55

(4) هداية في ذكر الأقوال في اعتبار الاستصحاب................................... 59

(5) هداية في ذكر حجج المطلقين في الحجّية من حيث الظنّ.......................... 65

ص: 732

وهي كثيرة :

الأوّل ما احتجّ به في المعارج.................................................. 65

المناقشة فيه................................................................. 66

الثاني ما ذكره شيخنا البهائي والمناقشة فيه...................................... 68

الثالث في أنّ الاستصحاب يفيد الظنّ ، والظنّ الحاصل منه حجّة ، فالاستصحاب حجة 69

أمّا الصغرى فلوجهين :

أحدهما : الوجدان........................................................... 69

ثانيهما : جري السيرة القطعية................................................ 69

أمّا الكبرى فلوجهين أيضا :

الأوّل : بناء العقلاء.......................................................... 70

الثاني : باب العلم في الأحكام منسدّ........................................... 73

وجوه النظر فيه :

أمّا أوّلا فبمنع الصغرى...................................................... 74

أمّا ثانيا فبمنع الكبرى....................................................... 75

كلام السيّد الصدر شارح الوافية.............................................. 79

المناقشة فيه................................................................. 80

(6) هداية حاوية للنهاية والبداية في ذكر أدلّة حجّية الاستصحاب..................... 87

الاستدلال بالأخبار العامّة :

1 - صحيحة زرارة الأولى.................................................. 88

تقريب المرام يحتاج إلى رسم أمرين :

الأمر الأوّل في بيان سند الرواية............................................... 88

الأمر الثاني في توجيه فقرات الرواية............................................ 90

2 - صحيحة زرارة الثانية................................................... 95

ص: 733

الكلام في سندها............................................................ 96

الكلام في دلالتها............................................................ 96

3 - صحيحة زرارة الثالثة................................................... 98

الكلام في سندها............................................................ 99

الكلام في دلالتها............................................................ 99

4 - الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار..................................... 101

5 - مكاتبة علي بن محمّد القاساني.......................................... 101

تمامية دلالتها..................................................... 101 - 102

المناقشة في سندها.......................................................... 102

6 - رواية الخصال........................................................ 103

الكلام في سندها.......................................................... 103

الكلام في دلالتها.......................................................... 104

قد يتمسّك لإثبات حجّية الاستصحاب بالإجماعات القائمة في موارد مخصوصة

................................................................ 104 - 105

الاستدلال بأخبار خاصّة :

1 - رواية ابن بكير....................................................... 105

2 - رواية عبد اللّه بن سنان................................................ 105

3 - رواية ضريس........................................................ 106

الاستدلال بأخبار أخر لا دلالة فيها :

1 - رواية عبد اللّه بن سنان « كلّ شيء يكون فيه حلال ... »............... 107

2 - كلّ ماء طاهر ... 3 - وموثّقة عمّار « كلّ شيء نظيف ... ».......... 107

(7) الهداية التونية في حجّية الاستصحاب في الوضعيات دون الطلبيات............... 113

نقل كلام الفاضل التوني.................................................... 113

ص: 734

اعتراض المحقّق القمي عليه.................................................. 115

ذبّ إيرادات المحقّق القمي عنه............................................... 116

التحقيق في دفع ما أفاده الفاضل التوني....................................... 117

تأييد كلام الفاضل التوني بوجه وجيه........................................ 120

تنبيه في أنّ عدّ الفاضل التوني في عداد المفصّلين ليس على ما ينبغي.............. 123

(8) الهداية الخوانسارية في اختصاص الأخبار بالشك في الرافع...................... 125

نقل بعض كلام المحقّق الخوانساري........................................... 125

توضيح كلامه............................................................. 126

نقل بعض كلام المحقّق الخوانساري وتوضيح ما أفاده........................... 127

نقل بعض كلام الخوانساري وتوضيح ما أفاده................................ 129

نقل بعض كلامه أيضا وتوضيح ما أفاده...................................... 133

نقل بعض آخر من كلامه.................................................. 134

كلام آخر للخوانساري في حاشية المشارق على ما حكاه شارح الوافية.......... 136

توضيح ما أفاده............................................................ 140

حاصل مذهب الخوانساري................................................. 140

ايرادات المقرّر الطهراني عليه................................................ 141

ايرادات شارح الوافية على الخوانساري...................................... 144

الإيراد الأوّل.............................................................. 144

الإيراد الثاني.............................................................. 145

المناقشة في الإيراد الأوّل.................................................... 145

المناقشة في الإيراد الثاني..................................................... 146

المناقشة في كلام الخوانساري في حاشية المشارق............................... 150

تذنيب في ذكر كلام صاحب الفصول....................................... 151

ص: 735

المناقشة فيه................................................................ 152

(9) هداية استطرادية في الأحكام الوضعية........................................ 159

كلام المحقّق الخوانساري في رجوع الأحكام الوضعية إلى الأحكام التكليفية....... 159

إيراد الكلباسي عليه........................................................ 159

ذكر القائلين من الطرفين................................................... 160

تحرير محلّ الخلاف......................................................... 161

لنا على ما صرنا إليه من النفي وجهان :

الوجه الأوّل............................................................... 163

الوجه الثاني............................................................... 170

المناقشة في كلام الكلباسي.................................................. 171

تنبيه في ثمرة الخلاف بين القولين في موردين :

الأوّل.................................................................... 172

الثاني..................................................................... 173

ذكر بعض الثمرات وردّها......................................... 173 - 174

(10) الهداية السبزوارية في اعتبار الاستصحاب عند الشك في عروض القادح........ 175

كلام المحقّق السبزواري..................................................... 175

اعتراض جماعة عليه........................................................ 175

المناقشة فيه................................................................ 175

التحقيق في الجواب......................................................... 176

قد ينسب إلى المحقّق السبزواري التفصيل بين الأحكام والموضوعات والمناقشة فيه.. 178

(11) الهداية الأخبارية في التفصيل بين الأحكام الكلّية والأحكام الجزئية............. 183

ينسب هذا التفصيل إلى الأخباريين وتعرّضوا للجواب عن أخبار الاستصحاب تارة بالمعارضة لأخبار الاحتياط ، وأخرى بعدم شمولها للأحكام الكلّية الشرعية ولهم في بيان

ص: 736

الثاني طريقان :

الطريق الأوّل ما أفاده الشيخ الحرّ في الفوائد الطوسية.......................... 183

الجواب عمّا أفاده الشيخ الحرّ............................................... 186

الطريق الثاني ما زعمه أمين الأسترآبادي في الفوائد المكّية....................... 188

توضيح ما أفاده............................................................ 190

الجواب عنه تارة بالنقض................................................... 190

وأخرى بالحلّ في مقامين.................................................... 191

المقام الأوّل................................................................ 192

المقام الثاني................................................................ 193

(12) الهداية الغزالية في التفصيل بين كون دليل المستصحب الإجماع أو النصّ......... 197

(13) هداية في جواب المحقّق القمي عن استصحاب الكتابي وردّه.................... 203

نقل كلام المحقّق القمي..................................................... 204

المناقشة فيه................................................................ 205

الأولى في الجواب عن التمسّك بالاستصحاب وجوه :

الوجه الأوّل............................................................... 212

الوجه الثاني............................................................... 213

الوجه الثالث.............................................................. 214

(14) هداية في استصحاب الأحكام العقلية....................................... 221

لو كان دليل الحكم هو العقل فتحقيق القول في جريان الاستصحاب فيه في مقامين :

المقام الأوّل فيما إذا كان الشك في موضوع حكم العقل........................ 221

المقام الثاني فيما إذا كان الشك في نفس الحكم العقلي.......................... 223

(15) الهداية الحنفية في التفصيل بين كون المستصحب وجوديا فليس بمعتبر وبين كونه عدميا فهو عتبر 229

ص: 737

الكلام فيما كان المستصحب عدميا.......................................... 229

الكلام فيما كان المستصحب وجوديا........................................ 234

(16) هداية في كلام النراقي في معارضة الاستصحاب الوجودي والعدمي............ 239

نقل كلام النراقي في أنّ استصحاب حال الشرع - يعني الاستصحاب الوجودي - ليس معتبرا ، واستصحاب حال العقل - يعنى الاستصحاب العدمي - معتبر............................................... 239

وجوه النظر في كلامه :

أمّا أوّلا................................................................... 243

أمّا ثانيا................................................................... 244

أمّا ثالثا................................................................... 246

أمّا رابعا.................................................................. 247

(17) هداية في الاستصحاب في الاعتقاديات...................................... 249

(18) هداية في أصل المثبت...................................................... 253

تمهيد..................................................................... 253

تحقيق الكلام في مقامات :

المقام الأوّل في عدم ترتّب الأمر المقارن الاتّفاقي على المستصحب بالاستصحاب.. 254

المقام الثاني في عدم ترتيب الملزوم على اللازم عند استصحابه ، وعدم ترتيب أحد المتشاركين في اللزوم على استصحاب الآخر ، سواء كانا عقليين أو عاديّين أو شرعيين بناء على اعتبار الاستصحاب من حيث التعبّد بالأخبار 256

الكلام بناء على الظنّ...................................................... 257

المقام الثالث في عدم ثبوت اللازم العقلي أو العاديّ على المستصحب بناء على الأخبار 259

موارد الأصول المثبتة في غاية الاختلاف...................................... 267

أمثلة من عدم اعتناء الفقهاء بالأصول المثبتة................................... 267

ص: 738

فروع تمسّكوا فيها بالأصول المثبتة........................................... 268

توجيه كلمات الفقهاء :

1 - لعلّ الاعتماد عليها من باب إفادتها الظنّ كما عليه بناء العقلاء.............. 27

الإشكال فيه بعدم الاطّراد.................................................. 271

2 - خفاء الواسطة........................................................ 271

3 - اتّحاد الواسطة والمستصحب وجودا.................................... 272

انطباق بعض الموارد لخفاء الواسطة........................................... 272

انطباق بعض الموارد للاتّحاد في الوجود...................................... 272

الإشكال في خفاء الواسطة والاتّحاد في الوجود بعدم الاطّراد وعدم الانعكاس..... 273

4 - في مواضع التداعي.................................................... 274

المناقشة فيه................................................................ 276

الإنصاف عدم وجود وجه جامع لتوجيه كلمات القوم ولعلّ العمدة البناء عليها من جهة الظنّ 278

(19) هداية في أصالة تأخّر الحادث............................................... 279

المراد من الأصالة.......................................................... 279

مقامان :

المقام الأوّل في إثبات تأخّر شيء حادث عن بعض أجزاء الزمان................. 280

المقام الثاني في إثبات تأخّر حادث عن حادث آخر مثله......................... 282

تذنيب في الاستصحاب القهقرى............................................ 286

(20) هداية في استصحاب الصحّة............................................... 289

الكلام في قسمان :

القسم الأوّل إذا كان الشك في الأجزاء المادّية................................. 290

تقرير الاستصحاب في هذا المقام بوجوه إلاّ أنّه لا يجدي في الكلّ................ 291

ص: 739

الأوّل استصحاب القابلية والمناقشة فيه....................................... 291

الثاني استصحاب وجوب الإتمام والمناقشة فيه.................................. 291

الثالث استصحاب حرمة القطع والمناقشة فيه.................................. 291

تحقيق آية البطلان :

استدلال جماعة بها......................................................... 292

تقريب الاستدلال بها....................................................... 292

الإنصاف عدم دلالة الآية على ذلك ؛ إذ الوجوه المحتملة فيها كثيرة :

الأوّل : أن يكون المراد بها إحداث صفة البطلان في العمل...................... 293

الثاني : أن يكون المراد بها إحداث الموصوف بالبطلان متّصفا بهذه الصفة......... 294

الثالث : أن يكون المراد بها ما هو مناط الاستدلال المذكور من وجوب المضيّ على العمل 294

جملة الكلام في هذا المقام................................................... 295

القسم الثاني إذا كان الشك في الجزء الصوري................................ 296

التحقيق جريان الاستصحاب فيه............................................ 296

(21) هداية في استصحاب الاشتغال............................................. 299

الكلام في مقامين :

المقام الأوّل فيما إذا كان الشك في البراءة والاشتغال بواسطة الشك في حصول المبرئ المعلوم المبرئية ، أو بواسطة الشك في مبرئية الفعل الموجود............................................................. 300

التحقيق عدم الاحتياج إلى الاستصحاب فيهما ، أمّا الأوّل...................... 300

أمّا الثاني.................................................................. 301

اللّهم إلاّ أن يقال في المقام بأنّ الاستصحاب مجد من وجهين :

أحدهما................................................................... 302

ثانيهما................................................................... 303

ص: 740

المقام الثاني فيما إذا كان الشك في البراءة والاشتغال بواسطة الشك في أصل التكليف ( الشبهات الحكمية ) وفي الشبهات الموضوعية......................................................................... 303

(22) هداية في استصحاب الفرد المردّد........................................... 305

تحقيق المقام على ما يقتضيه جليّ النظر....................................... 305

تحقيق المقام على ما يقتضيه دقيق الفكر....................................... 308

(23) هداية في الاستصحاب في الأجزاء بعد تعذّر الكلّ............................ 311

إجراء حكم الكلّ في الأجزاء الباقية بطرق :

أحدها الأخذ بالعمومات................................................... 311

ثانيها الاستقراء............................................................ 311

ثالثها الاستصحاب........................................................ 312

تقريره بوجهين :

الأوّل.................................................................... 312

المناقشة فيه................................................................ 314

الثاني والمناقشة فيه......................................................... 315

جريان الاستصحاب على مشرب القوم من المسامحة في أمره موضوعا ومحمولا..... 316

(24) هداية في قاعدة اليقين..................................................... 317

تحقيق الكلام في مقامين :

المقام الأوّل في بيان حكم الأعمال السابقة.................................... 318

المقام الثاني في بيان تلك الواقعة بالنسبة إلى الوقائع المستقبلة..................... 321

تنبيه في عدم شمول أخبار الاستصحاب للشكوك السارية....................... 323

تذنيب في عدم جواز التمسّك باستصحاب الحكم الظاهري في موارد سريان الشك 326

(25) هداية في الاستصحاب التعليقي............................................ 329

(26) هداية في بيان استصحاب الحكم المخصّص.................................. 335

ص: 741

نقل كلام المحقّق والشهيد الثانيين في الأخذ بالاستصحاب...................... 335

تحقيق الكلام.............................................................. 335

ذكر ما أفاده السيّد بحر العلوم على ما لخّص كلامه صاحب الفصول............ 339

اعتراض صاحب الفصول عليه.............................................. 340

الجواب عن بعض ما أورده صاحب الفصول.................................. 341

(27) هداية في الاستصحاب في الأمور التدريجية................................... 345

(28) هداية في استصحاب الكلّي................................................ 349

ذكر صور ثلاث لاستصحاب الكلّي......................................... 349

جريان الاستصحاب في الصورة الأولى على المسامحة العرفية في ضبط الموضوع بل وعلى التدقيق أيضا 349

جريان الاستصحاب في الصورة الثانية بعد البناء على المسامحة العرفية............ 351

جريان الاستصحاب في الصورة الثالثة بعد البناء على المسامحة العرفية............ 351

إشكال المقرّر الطهراني على الشيخ الأستاذ.................................... 351

كلام الفاضل التوني يقرب ممّا ذكرنا......................................... 353

بعض المناقشات فيما فرّع عليه..................................... 353 - 354

تفصيل الأستاد في سالف الزمان بين الكلّيات الذاتية للأفراد وبين العرضية لها 354 - 355

(29) هداية في استصحاب أحكام الشرائع السابقة................................ 357

الكلام فيما إذا كان الحكم ثابتا في شريعة واحدة.............................. 357

الكلام فيما إذا تعدّدت الشرائع............................................. 359

تفصيل صاحب القوانين والمناقشة فيه........................................ 359

الذي يقتضيه جليّ النظر القول بجريان الاستصحاب........................... 360

قصارى ما يتوهّم في الفرق بينهما........................................... 360

الجواب عنه............................................................... 360

ص: 742

الفرق في جريان الاستصحاب بين القول بذاتية الصفات المستتبعة للأحكام من الحسن والقبح وبين القول باختلافها بالوجوه والاعتبار......................................................................... 361

نقل كلام صاحب القوانين في الفرق في ذلك................................. 361

وجوه النظر فيه............................................................ 361

إيراد صاحب الفصول على الاستصحاب المذكور............................. 361

المناقشة فيه................................................................ 362

في المقام شيئان آخران في دفع الاستصحاب :

الأوّل أنّ الاستصحاب ممّا لا مجرى له بعد العلم الإجمالي بورود النسخ في الشرائع السابقة 362

قد يجاب عنه.............................................................. 363

المناقشة فيه................................................................ 363

التحقيق في الجواب......................................................... 363

الثاني وهو المختار في عدم جريان الاستصحاب................................ 366

تذنيب في ذكر الثمرات المذكورة وليس شيء منها بشيء :

الأولى على القول بجريان الاستصحاب فالأصل في كلّ أمر مجرّد عن قرائن التعبّدية أو التوصّلية أن يكون محمولا على التعبّد ووجوه النظر فيها................................................................. 369

الثانية صحّة الجعالة مع جهالة الجعل وجواز الضمان فيما لم يجب والمناقشة فيها... 371

الثالثة المستفادة من آية ( خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ... ) والمناقشة فيها................. 372

الرابعة أرجحية العبادة على التزويج والمناقشة فيها............................. 372

الخامسة صحّة الإجارة على تقدير الترديد في زمان الإجارة والمناقشة فيها......... 373

(30) هداية في تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع............................. 375

الكلام في أنّ بقاء الموضوع من المقوّمات لا من الشروط........................ 375

المراد ببقاء الموضوع........................................................ 375

ص: 743

الدليل على هذه الدعوى................................................... 377

يعتبر في الاستصحاب أيضا بقاء المحمول لا بوصف الحمل...................... 378

الكلام في جريان الاستصحاب عند الشك في بقاء الموضوع وارتفاعه............ 378

إذا كان الشك في الموضوع من جهة الاشتباه في الدليل الشرعي فيمكن تمييز الموضوع بوجوه 386

المراد بالموضوع في المقام.................................................... 386

1 - أن يكون المعيار في التمييز التدقيق...................................... 387

2 - أن يكون المعيار في التمييز العرف...................................... 387

3 - أن يكون المرجع إلى ظواهر الخطابات الشرعية........................... 388

أوضح الوجوه المذكورة أوسطها............................................. 389

الميزان العرفي لا ضبط فيه................................................... 389

وجه اختلاف الفقهاء في موارد الاستحالة.................................... 390

الدليل على الكبرى - وهو وجوب الأخذ بهذا المعيار - أمران :

الأوّل - وهو العمدة - صدق اتّحاد القضية المتيقّنة والقضيّة المشكوكة......... 393

الثاني لو لم يكن المرجع العرف لزم أن يكون أمر الاستصحاب موكولا إلى مسألة عقلية من تجدّد الأمثال وثبوت الحركة الجوهرية......................................................................... 393

وممّا يكشف عن ذلك تتبّع كلمات الفقهاء................................... 393

تنافي الرجوع إلى العرف مع قولهم : « الأحكام تتبع الأسماء ».................. 394

يمكن القول بعدم التنافي بينهما بوجهين....................................... 395

الإنصاف عدم استقامة الوجهين............................................. 396

كلام المقرّر في أنّ أوضح الوجوه في تمييز الموضوع الرجوع إلى عناوين الأدلّة..... 396

(31) هداية في عدم جريان الاستصحاب مع وجود المعارض........................ 399

(32) هداية في حكومة الأمارات على الاستصحاب............................... 401

ص: 744

تعريف الوحيد البهبهاني الدليل الاجتهادي والدليل الفقاهتي.................... 401

المناقشة فيما أفاده.......................................................... 404

الأنسب في تعريف الدليل الاجتهادي........................................ 405

ملخّص الكلام............................................................ 405

لا شكّ في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب بناء على الظنّ النوعي...... 406

كلام المحقّق القمي......................................................... 407

وجوه النظر فيه............................................................ 408

الكلام فيه بناء على الظنّ الشخصي......................................... 411

الكلام فيه بناء على الأخبار :

لا إشكال في ورود الدليل الاجتهادي على الاستصحاب فيما لو كان مفيدا للقطع 411

أمّا فيما لو كان الدليل ظنّيا فقد يقال بالورود................................. 411

التحقيق أنّه ليس من الورود بل هو من جهة التحكيم.......................... 412

توضيحه يحتاج إلى تمهيد مقدّمتين :

الأولى في أنحاء التصرّفات الواقعة في الأدلّة من الورود والتخصّص والتخصيص والحكومة 412

الثانية في معنى جعل الشيء طريقا فيما يحتاج إلى الجعل......................... 415

بيان حكومة الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب.............................. 417

ردّ كلام بعض الأعيان حيث زعم أنّه من الورود............................. 418

انقداح فساد مقالة من زعم أنّ بين الدليل الدالّ على البيّنة وبين الاستصحاب عموم وخصوص من وجه 420

ظهور وجه تقديم الأدلّة الاجتهادية على سائر الأصول......................... 421

تذنيب في الكلام مع بعض متأخّري المتأخّرين في المراد من اليقين الناقض في الأخبار 421

ص: 745

نوع آخر من الحكومة...................................................... 422

ما ذكرنا من الحكومة والورود تنبّهنا به من كلام الصدوق في اعتقاداته.......... 423

(33) هداية في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملية........................... 425

بيان تقديم الاستصحاب على البراءة العقلية................................... 425

تقديم الاستصحاب على البراءة الشرعية بوجوه ثلاثة :

الأوّل منسوب إلى صاحبا الذخيرة والرياض والمناقشة فيه....................... 426

الثاني بعين ما ذكر في البراءة العقلية.......................................... 426

الثالث - وهو التحقيق - حكومة الاستصحاب على البراءة................... 427

حكومة الاستصحاب على الاحتياط......................................... 429

بيان تقديم الاستصحاب على أصالة التخيير................................... 430

بيان تقديم الاستصحاب على أصالة الطهارة.................................. 430

(34) هداية في تعارض الاستصحاب مع القرعة................................... 431

الكلام في أصل مشروعيتها................................................. 431

وهن دلالتها في الموارد التي لم يظهر من الأصحاب التعويل عليه................. 432

تخيّل في تقديم الدليل والأصول العملية على القرعة والمناقشة فيه................. 432

تخيّل في أنّ النسبة بين أخبار القرعة وأخبار الاستصحاب عموم من وجه فلا وجه لتقديم الاستصحاب والمناقشة فيه 435

تخيّل أيضا في تقديم الأصول على القرعة والمناقشة فيه.......................... 435

تخيّل وجه آخر في تقديم الأصول على القرعة والمناقشة فيه...................... 435

تنبيه في أنّ موارد القرعة على قسمين........................................ 436

(35) هداية في تعارض الاستصحاب مع اليد...................................... 439

بيان كيفية تعارض اليد مع الاستصحاب..................................... 439

حكومة اليد على الاستصحاب.............................................. 440

ص: 746

(36) هداية في تعارض الاستصحاب مع قاعدة التجاوز............................ 445

تحقيق الكلام فيه في مقامين :

المقام الأوّل في أصل مشروعيتها............................................. 445

المقام الثاني في حكومة هذه القاعدة على الاستصحاب.......................... 449

تنبيهات :

التنبيه الأوّل هل المستفاد من هذه الأخبار هو الحكم بوجود المشكوك فيه ليترتّب عليه جميع الآثار الشرعية ، أو وقوعه من الحيثية التي وقع الشك باعتبارها فقط؟................................................. 449

التنبيه الثاني هل تجري القاعدة فيما إذا شك في العمل بغير النسيان كالعصيان؟... 455

التنبيه الثالث في بيان المراد من الحلّ الذي اعتبر التجاوز عنه.................... 457

التنبيه الرابع هل القاعدة المذكورة محكّمة فيما إذا شكّ في صحّة الاعتقاد السابق مطلقا ، أو فيما إذا لم يكن متذكرا لموجب الاعتقاد ، أو ليست محكّمة فيها مطلقا؟.............................................. 461

(37) هداية في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحّة............................. 467

تحقيق الكلام في مطلبين :

المطلب الأوّل في بيان أصل مشروعيتها وأقسامها.............................. 467

تنقيح البحث في موارد :

الأوّل في أنّ الأصل في الأعيان الموجودة في الخارج هل هو الصحّة أو الفساد؟.... 467

الثاني هل قضيّة الأصل في الأفعال هو حملها على الصحيح ، أو لا؟.............. 469

الثالث في تحقيق القول في أنّ الأصل في الأقوال الصحّة......................... 473

الرابع هل يحمل الاعتقاد على الصحّة ، أو لا؟................................ 475

المطلب الثاني في تعارضها مع الاستصحاب.................................... 483

لا شك في تقدّم أصالة الصحّة على استصحاب حكمي عدمي لا ينفك عنه دائما وهو استصحاب الفساد 483

لا إشكال في تقدّم أصالة الصحّة على استصحاب موضوعي لا ينفك عنه دائما وهو

ص: 747

أصالة عدم وقوع هذا الفعل المخصوص...................................... 483

الإشكال في تقديم أصالة الصحّة على استصحاب موضوعي ينفك عنه في بعض الأحيان وهو أصالة عدم وقوع الموضوع الذي يشكّ من جهته في صحّة العقد وفساده............................................ 484

(38) هداية في تعارض الاستصحابين............................................. 489

أقسام التعارض في الاستصحابين............................................ 489

عدم الجدوى في التقسيمات المذكورة إلاّ التقسيم الأخير....................... 490

هنا دعويان :

الأولى تقديم الاستصحاب السّببي المزيل على المسبّبي المزال بناء على الظنّ......... 491

الثانية تقديم الاستصحاب السّببي المزيل على المسبّبي المزال بناء على التعبّد......... 496

الدليل على تقديم المزيل بوجوه :

الأوّل الإجماع القطعي...................................................... 496

الثاني السيرة المستمرّة....................................................... 497

الثالث أنّه لو لا ذلك لاختلّ النظام.......................................... 498

الرابع الأخبار............................................................. 501

الدعوى الثانية فيما إذا لم يكن الشك في أحدهما مسبّبا عن الآخر أمّا بناء على الظنّ فظاهرهم الاختلاف على ذلك ، فحكموا بالتساقط في الأغلب....................................................... 507

أمّا بناء على التعبّد فالحكم هو التساقط...................................... 507

(39) هداية نافعة في جميع ما تقدّم في الفحص عن المعارض.......................... 513

القول في التعادل والترجيح

الكلام في دخول المبحث في مباحث الفن..................................... 521

(1) هداية في تعريف التعارض................................................... 523

(2) هداية في تعريف التعادل.................................................... 529

ص: 748

هل القاعدة في المتعارض هي إعمالهما في الجملة ، أو تساقطهما؟................ 529

المراد بالإعمال............................................................ 530

المراد بالتساقط............................................................ 530

كلام السيّد المجاهد في أنّ الأصل في المتعارضين هو التساقط..................... 531

الإنصاف أنّ الأصل هو الإعمال............................................ 532

وجوه النظر في كلام السيّد المجاهد........................................... 532

القول بعدم التساقط هو المشهور............................................. 537

(3) هداية في قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.............................. 539

الكلام في المراد بها......................................................... 539

تتّجه تلك المقالة في بعض المقامات........................................... 540

إنّ للجمع مراتب :

المرتبة الأولى : لا يحتاج إلى شاهد لاكتفاء نفس الدليلين عنه ، فالواجب فيها الجمع بين الدليلين 540

الكلام في العامّ والخاصّ.................................................... 540

الكلام في المطلق والمقيّد..................................................... 541

المرتبة الثالثة : يحتاج الجمع فيها إلى شاهدين كالمتباينين........................ 545

التحقيق عدم وجوب الجمع بل لا بدّ من الأخذ بالمرجّح عند وجوده ، والحكم بالتخيير عند عدمه 545

ذلك لوجهين :

الأوّل بناء العرف في أوامرهم في أمثال المقام.................................. 545

الثاني الجمع بين الدليلين على الوجه المذكور ينافي أخبار التخيير................. 548

المرتبة الثانية يحتاج الجمع فيها إلى شاهد كالعامّين من وجه..................... 548

إجمال الكلام في الجمع بين الأمارات القائمة على الموضوعات الخارجية كما إذا تعارضت

ص: 749

البيّنتان................................................................... 553

(4) هداية في المرجّحات الدلالية................................................. 555

التصرّف في أحد الظاهرين على وجه يندفع به التعارض بينهما هي أمور خمسة... 556

أحكام التعارض الثنائي :

الكلام في التعارض بين النسخ وغيره......................................... 556

الكلام في التعارض بين المجاز والتخصيص..................................... 556

الكلام في التعارض بين التخصيص والتقييد................................... 557

تعارض التقييد مع المجاز أو الإضمار.......................................... 564

تعارض الإضمار والمجاز..................................................... 565

الكلام فيما إذا كان التعارض بين فردين من نوع واحد كالتخصيصين.......... 565

الكلام في تقديم المنطوق على المفهوم......................................... 565

الكلام في تقديم الحقيقة على المجاز........................................... 566

انقلاب النسبة............................................................. 567

التعارض بين الأدلّة الزائدة على اثنين يقع على وجهين :

الوجه الأوّل أن يكون التعارض بين واحد منها وبين الآخرين................... 567

الصور المفروضة ثلاثة :

1 - أن يكونا نصّين...................................................... 568

2 - أن يكون المعارضان للثالث ظاهرين.................................... 571

3 - أن يكون أحد المعارضين للثالث نصّا والآخر ظاهرا...................... 572

الوجه الثاني إذا كان التعارض بين الجميع..................................... 573

الصور المفروضة :

1 - أن يكون المعارضان نصّين بالنسبة إلى الثالث مع ظهورهما في نفسهما أيضا. 573

2 - الأولى بحالها مع نصوصية أحد المتعارضين أيضا........................... 573

ص: 750

3 - أن يكون المعارضان ظاهرين بالنسبة إلى الثالث مع ظهورهما أيضا.......... 574

4 - الثالثة بحالها مع نصوصية أحدهما أيضا.................................. 574

5 و 6 - أن يكون أحد المتعارضين نصّا والآخر ظاهرا بالنسبة إلى الثالث مع ظهورهما في نفسهما أو نصوصية أحدهما بالنسبة إلى الآخر أيضا............................................................... 574

(5) هداية في المرجّحات الصدورية............................................... 575

ذكر الأخبار الواردة في هذا المضمار :

مقبولة عمر بن حنظلة...................................................... 576

الكلام في سندها.......................................................... 578

الكلام في دلالتها.......................................................... 580

مرفوعة زرارة............................................................. 582

المناقشة في سندها ودلالتها.................................................. 582

تعارض المرفوعة والمقبولة في ترتيب المرجّحات................................ 583

(6) هداية في التعدّي عن المرجّحات المنصوصة..................................... 585

إثبات أقوائية أحد الدليلين مطلقا يوجب ترجيح الأقوى على غيره............... 587

المراد من الأقوائية.......................................................... 587

الكلام فيما يستفاد من الروايات وجوب الأخذ بما هو أقرب من الواقع.......... 585

اختلاف الأخبار العلاجية دليل على أنّ المناط في الترجيح على مطلق الأقوائية والأقربية 585

إشعارات على مطلق الأقوائية منها الأخبار المشتملة على لفظ « الثقة » و « الوثوق » 586

منها ما في المقبولة من الأمر بأخذ ما قاله أصدق المخبرين....................... 587

منها ما يظهر من المقبولة أيضا من قوله : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه »........ 587

منها ما ورد في الروايات : « أنّ لكلّ حقّ حقيقة ... »........................ 588

منها الأخبار الآمرة بالأخذ بما خالف العامّة................................... 589

ص: 751

الوجه في ترجيح ما خالف العامّة أمور :

الأوّل ما علّله شيخ الطائفة من أنّ المخالف للعامّة أبعد عن التقية وأقرب إلى الواقع 589

الثاني هو أقربية مضمون المخالف للواقع من الموافق............................ 590

الثالث هو مطلوبية مخالفتهم على أن يكون المخالفة معتبرة من حيث الموضوعية.... 592

تضعيف الوجه الأوّل والثالث وتقوية الوجه الثاني............................. 592

وقد يستدلّ على ذلك بوجهين آخرين :

أحدهما ظهور الإجماع...................................................... 592

ثانيهما قاعدة الاشتغال..................................................... 593

الكلام فيما هو قضية المذاهب على اختلافها في حجّية الأخبار.................. 595

قد يدعى جريان دليل الانسداد في مسألة الترجيح............................. 595

عدم استقامة الوجه المذكور................................................. 595

الكلام في سائر الأدلّة الدالّة على حجّية أخبار الآحاد.......................... 601

مرجّحات أخر لا دخل لها في تقوية الجهات الراجعة إلى الدليلية................. 602

(7) هداية في بيان المرجّحات المنصوصة........................................... 605

تقديم الترجيح في الدلالة على العلاج في السند مطلقا.......................... 605

تقديم المرجّح الخارجي على الداخلي غالبا..................................... 606

الكلام في المقبولة.......................................................... 606

الترجيح بكلّ واحد من الصفات لا اجتماعها................................. 606

الكلام في اشتهار أحد الخبرين دون الآخر.................................... 607

الكلام في موافقة الكتاب................................................... 609

أنحاء المخالفة.............................................................. 609

الكلام في موافقة السنّة..................................................... 612

الكلام في مخالفة العامّة..................................................... 612

ص: 752

كلام الشيخ في العدّة....................................................... 613

اعتراض المحقّق عليه........................................................ 613

تضعيف صاحب المعالم الاعتراض............................................ 613

مآل المخالفة القولية ومخالفة أخبارهم إلى أمر واحد............................ 615

ما هو المقصود من المخالفة؟................................................. 616

هل يلزم في التقية وجود قول من العامّة على طبق ما يحتمل التقية ، أو لا؟........ 616

ذهب صاحب الحدائق إلى الثاني............................................. 616

اعتراض الوحيد البهبهاني عليه............................................... 618

التحقيق في المقام........................................................... 619

ظاهر المقبولة تقديم الترجيح بمخالفة الكتاب على موافقة العامّة وهو محمول....... 621

الكلام في الترجيح بميل حكّامهم وقضاتهم.................................... 622

الكلام في تقديم ترجيح جهة الصدور على الترجيح الصدوري.................. 623

ما اشتمل عليه سائر الأخبار أمران :

1 - الأخذ بالأحدث..................................................... 625

الأخذ بالأحدث يحتمل وجوها ثلاثة......................................... 626

الحاصل عدم مرجحيّة تأخّر الصدور......................................... 626

2 - الاحتياط على ما نطق به المرفوعة والمناقشة فيه........................... 626

(8) هداية في المرجّحات غير المنصوصة المضمونية.................................. 627

المرجّحات المضمونية على قسمين :

قسم يكون من الأمارات على الأحكام كالشهرة والاستقراء.

قسم لا يكون كذلك.

الكلام في ذكر موارد القسم الثاني :

1 - الترجيح بموافقة الأصل ( المقرّر ) ومخالفته ( الناقل )...................... 627

ص: 753

ذكر القائلين به............................................................ 627

المراد بالأصل في المقام...................................................... 627

ذكر احتجاج القائل بتقديم الناقل والمناقشة فيه................................ 629

ذكر احتجاج آخر للقائل بتقديم الناقل والمناقشة فيه................... 629 - 630

ذكر احتجاج القائل بتقديم المقرّر............................................ 630

المناقشة فيه................................................................ 631

التحقيق في المسألة هو التفصيل بين التعويل عليها من باب الظنّ وغيره........... 631

التحقيق في المقام هو الأخذ بإطلاق أخبار التخيير.............................. 633

2 - الترجيح بموافقة الحظر والإباحة والمناقشة فيه............................. 635

3 - كون مفاد أحد الخبرين حكما وضعيا فيرجّح على ما هو مفاده حكم تكليفي والمناقشة فيه 636

الكلام في القسم الأوّل من المرجّحات المضمونية............................... 636

تارة يعلم اعتبار تلك الأمارات فلا إشكال في حصول الترجيح بها.

وتارة يشك في ذلك فالقول بالترجيح بها موكول إلى اعتبار مطلق الظنّ.

وتارة يعلم عدم اعتبارها كالقياس وأضرابه فهل يصحّ الترجيح بها ، أو لا؟....... 636

قولان :

القول بالترجيح بالقياس.................................................... 636

المناقشة فيه بأمور :

الأوّل إجماع الفرقة على ترك التعويل عليه.................................... 637

الثاني الأخبار المستفيضة بل المتواترة.......................................... 639

الثالث عدم تعرّض الأصحاب لمباحثه........................................ 640

الإنصاف أنّ التعدّي من المرجّحات المنصوصة إلى غيرها موقوف على حصول الاطمئنان بعمل الأصحاب فيه 641

ص: 754

(9) هداية في بعض آخر من المرجّحات الدلالية.................................... 643

تأخّر الترجيح في الدلالة عن الترجيح في الصدور وجهته....................... 643

تقسيم المرجّحات الدلالية بقسمين : 1 - الترجيح بأمور مرتبطة بالدلالة. 2 - بأمور خارجة عنها 643

اعتبار مرجّحات الداخلية والأغلب رجوعها إلى الغلبة.......................... 644

عدم اعتبار المرجّحات الخارجية.............................................. 645

(10) هداية في حكم المتكافئين : التخيير أو التوقّف؟............................... 649

المنسوب إلى الأخباريين التوقّف والمشهور من المجتهدين التخيير.................. 649

تدلّ على الأوّل طائفة من الأخبار........................................... 649

تدلّ على الثاني أيضا طائفة من الأخبار....................................... 651

الراجح مذهب المجتهدين.................................................... 651

تحقيق المقام أنّ المقامات مختلفة : 1 - التخيير. 2 - التوقّف. 3 - التساقط.... 652

أمّا مقام التخيير ففيما إذا قلنا بحجّية الخبر تعبّدا................................ 652

أمّا مقام التوقّف ففيما إذا قلنا بحجّية الخبر من حيث إنّه طريق معمول به عند العقلاء 655

أمّا مقام التساقط ففيما إذا تعارض أصلان من الأصول العملية بناء على اعتبارها تعبّدا 657

أمّا على القول باعتبارها بناء على الظنّ فحكم الأصل حكم الطرق الواقعية....... 660

(11) هداية في لزوم الفحص عن المرجّح.......................................... 661

الفهارس العامّة

فهرس الآيات............................................................. 665

فهرس الأحاديث.......................................................... 673

فهرس الأشعار والأمثال.................................................... 683

ص: 755

فهرس الأعلام............................................................. 684

فهرس الكتب............................................................. 697

فهرس الفرق والجماعات................................................... 702

فهرس الأماكن............................................................ 705

فهرس الأشياء والحيوانات................................................... 706

فهرس مصادر التحقيق..................................................... 712

فهرس المطالب............................................................ 731

ص: 756

رسالة في المشتقّ

اشارة

تقرير أبحاث الشيخ الأعظم الأنصاري

تأليف

الميرزا أبي القاسم النوري الطهراني

( 1236 - 1292 )

تحقيق

علي الفاضلي

قام بنشره معهد الامام الخمينى والثورة الاسلامية للتحقيق والدراسات العليا 1386 ( ذي الحجة الحرام 1428 )

ص: 757

ص: 758

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد ، فهذه رسالة في بحث المشتقّ من مباحث ألفاظ أصول الفقه وكانت من تقريرات بحث الشيخ الأعظم الأنصاري للميرزا أبي القاسم النوري الطهراني وجفّ قلمه الشريف ولم يف عمره بإتمامها.

ذكرها الطهراني وقال : وهي بمضمونها مندرجة في مطارح الأنظار (1) ، لكن لم تندرج في المطبوع منه ، فينبغي أن تطبع في مباحث الألفاظ من المطارح ؛ لتكميل مباحثه.

النسخ المعتمدة

1. النسخة المطبوعة على الحجر في سنة 1305 مع رسائل أخر (2) للشيخ الأعظم الأنصاري والشيخ الشهيد فضل اللّه النوري وجاء في آخر الرسالة : « به سعى واهتمام عالى جناب قدسى انتساب آقا شيخ موسى [ النورى ] وعالى جاه ... آقا ميرزا حسين [ الكجورى ] زيد عزّه سنه يك هزار وسيصد وپنج در دار الخلافه طهران منطبع شد ».

2. نسخة المكتبة الرضوية برقم 24236 ( فهرست الرضوية : ج 6 ، ص 246 )

ص: 759


1- الذريعة 21 : 40 - 41.
2- طبعت عنها مكتبة المفيد في سنة 1404 بترصيف آخر مع أغلاط مطبعية والخلط في نسبة الرسائل إلى مؤلّفيها.

وكتب في الصفحة الأولى : « ممّا قرّره الفاضل الحاج ميرزا أبو القاسم الطهراني عن شيخه المحقّق الأنصاري » وجاء في آخرها : « تمّت بيد الواقف الجاني محمّد بن داود الحسيني ( ظ ) رحم اللّه من استغفر للواقفين وذكرهما بالخير وبالفاتحة بعد موتهما » والظاهر أنّه بخطّ آخر غير كاتب النسخة.

وجعلنا رمزها « ق ».

وينبغي أن أنبّه أنّ نسخة من المطارح التي تشتمل على مبحث المشتقّ أيضا عرّفت في فهرست مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم 7445 ( الفهرست : ج 25 ، ص 424 ) وبعد أن حصلنا على مصوّرتها تبيّن أنّها لم تكن مطارح الأنظار.

ص: 760

الصورة

ص: 761

الصورة

ص: 762

الصورة

ص: 763

الصورة

ص: 764

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

القول في المشتقّ وهو اسم مفعول من الاشتقاق ، وهو افتعال من الشقّ - بالكسر - وهو نصف الشيء كما صرّح به في الصحاح (1) ، فالاشتقاق أخذ شقّ الشيء وهو نصفه ، وحينئذ فالمشتقّ هو المأخوذ من الشيء نصفا مثلا ، ومن هنا يجري اعتبار الأصل والفرع بجعل المأخوذ منه أصلا ، والمأخوذ فرعا.

وقد جرى اصطلاح القوم على تسمية اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مشتقّا ، فكأنّ الواضع لاحظ في وضعه مادّة قابلة لأن يرد عليها صور مختلفة وإن كانت لتلك المادّة في نفسها أيضا صورة فعلية كالمصدر ؛ فإنّ القابل لورود الصور عليها هو مادّة المصدر لا صورتها ، فكلّ واحدة من تلك الصور - المصوّرة المأخوذة في المشتقّات غير الصورة المصدرية - واردة على مادّة المصدر بناء على أنّه الأصل وغيره فرع عليه كما يقضي به الذوق السليم ، فإنّ مداليل المشتقّات من مراتب مدلول المصدر وموارد ظهوره ، فيكون أولى بأن تعتبر أصلا لغيره ، وكأنّ من جعله فرعا إنّما لاحظ كون مدلوله جزءا من مداليل غيره من المشتقّات ، فيكون اللائق بالمعنى اللغوي جعله فرعا ؛ لأنّ الكلّ هو الشيء ، وجزءه شقّ منه ، فاللفظ الدالّ على ذلك الجزء مشتقّ من اللفظ الدالّ على الكلّ إلاّ أنّ الأوّل أولى كما لا يخفى.

ص: 765


1- الصحاح 3 : 1502.

وكيف كان ، فقد ذكر جماعة أنّ أقسام الاشتقاق ثلاثة ؛ لأنّ الفرع إمّا أن يشتمل على اصول حروف الأصل وترتيبه ، أو يشتمل على الأوّل دون الثاني ، أو لا يشتمل على شيء منهما بعد وجود مناسبة في الجملة في اللفظ والمعنى على وجه يصحّ معه اعتبار أحدهما أصلا ، والآخر فرعا.

فالأوّل : هو المشتقّ بالاشتقاق الصغير ، وقد يقال له : الأصغر أيضا ، كقولك : « ضارب » المأخوذ من الضرب المشتمل على حروف الأصل وترتيبه.

والثاني : هو المشتقّ بالاشتقاق الكبير ، وقد يقال له : الصغير ك- « جذب » المأخوذ من « الجبذ » أو « جبذ » المأخوذ من « الجذب » مثلا.

والثالث : هو المشتقّ بالاشتقاق الأكبر ، وقد يقال له : الكبير أيضا ك- « ثلم » و « ثلب ».

وعرّف المشتقّ بالاشتقاق الأصغر بأنّه لفظ وافق أصلا باصول حروفه ولو حكما ، مع مناسبة المعنى ، وموافقة الترتيب.

واشكل على الحدّ بلزوم الدور ؛ فإنّ معرفة الأصل موقوفة على معرفة الاشتقاق مع توقّف معرفة المشتقّ عليه (1).

واجيب عنه بوجوه (2) جلّها بل كلّها لا يخلو عن نظر :

والأولى في الدافع أنّه يكفي في معرفة الأصل ما عرفت في معناه اللغوي ؛ فإنّ المراد به ما يجعل أمرا آخر شقّا منه سواء كانا لفظيين أو غيرهما ، وهو بهذا المعنى لا يتوقّف على معرفة الاشتقاق الذي هو أخذ اللفظ من مادّة لفظ آخر كما هو المراد في المقام ؛ فإنّه من موارده ، ولا يتوقّف تصوّر العامّ على تصوّر الخاصّ وإن أمكن جعل

ص: 766


1- نقله في الفصول : 59.
2- انظر الفصول : 59.

العامّ مرآة لتصوّر الخاصّ بإضافة الامور المخصّصة اللاحقة له كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ الوجه في اعتبار القيود المأخوذة في التعريف ظاهر كما أنّ المغايرة الاعتبارية لازمة وكافية في صدق الاشتقاق بالزيادة والنقصان ، حركة وحرفا ، مفردا ومركّبا ، ثنائيا ، أو ثلاثيا ، أو رباعيا ، وقد قالوا (1) بارتقاء الأقسام إلى خمسة عشر ، وذكروا أمثلة كلّ واحد من الأقسام ، وطوينا عن ذكرها روما للاختصار ، واشتغالا بما هو الأهمّ.

فنقول : إنّ تنقيح البحث في المشتقّ في طيّ هدايات.

هداية

لا خلاف ظاهرا في صدق المشتقّ مع اتّصاف المورد فعلا بمبدإ الاشتقاق ، والوجه فيه ظاهر ، فإنّه القدر المتيقّن في موارد الاستعمال ، كما لا خلاف أيضا في عدم الصدق إلاّ على وجه المسامحة والمجاز كما ستعرف وجه ذلك إن شاء اللّه بالنسبة إلى مورد لم يتّصف بعد ، وإنّما يتّصف في الزمان المستقبل ، وقد يحكى من بعضهم صدقه في المستقبل أيضا.

وفي صدقه على المورد بعد انقضاء المبدأ وارتفاعه عن المورد خلاف ، فالمنسوب إلى أصحابنا الإمامية رضوان اللّه تعالى عليهم أنّه صادق مع عدم اتّصاف المورد بالمبدإ فعلا ، وأنّه يكفي فيه الاتّصاف قبل زمان الإطلاق ، واختاره بعض العامّة أيضا.

والمحكيّ عن جماعة من العامّة أنّه لا يكفي فيه ، وإنّما الشرط في الصدق بقاء المبدأ فعلا ، واختاره جماعة من أصحابنا المتأخّرين ، وهو الذي يساعد عليه النظر ، وفي

ص: 767


1- كما في نهاية الوصول 1 : 188 وفي الفصول : 59.

المقام أقوال مستحدثة ، ومفصّلة بين الموارد ، ستقف عليه إن شاء اللّه.

وقبل الخوض في الاستدلال لا بدّ من رسم امور يتّضح معها (1) المقصود :

الأوّل : في تحرير محلّ الخلاف وهو من وجوه :

أحدها : قد عرفت تقسيم المشتقّ إلى الأصغر والصغير والكبير ، والظاهر عدم الفرق في جريان النزاع في الأقسام الثلاثة ؛ إذ لا نجد ما يوجب ذلك وإن كان ظاهر العنوان والأمثلة اختصاصه بالأصغر ؛ فإنّه (2) المتبادر من العنوان إلاّ أنّ التأمّل في المقام يوجب القطع بوجود المناط في الخلاف في الجميع.

قال بعض الأجلّة : « وحيث يطلق المشتقّ هنا ، فالمراد منه [ ال ] قسم الأوّل » (3) فإن أراد أنّ أغلب موارد الإطلاق هو ذلك ، فله وجه إلاّ أنّه لا وجه لاختصاصه بالمقام ، وإن أراد اختصاص محلّ الخلاف بذلك ، فلا نعرف وجهه.

وثانيها : الظاهر خروج الأفعال في المصادر المزيدة ، على القول بأنّها مشتقّة من المصادر المجرّدة عن مورد الخلاف ، أمّا الأخير ، فلأنّ مجرّد الاشتقاق من المصدر لا يوجب جريان النزاع المذكور ؛ فإنّ تلك المصادر بمنزلة نفس المصادر المجرّدة في الدلالة على الحدث ، ولا يتوهّم صدقها إلاّ في موارد وجود المعنى الحدثي ، وذلك بخلاف الأوصاف ؛ فإنّ ارتفاع الصفة لا يوجب ارتفاع الموصوف ، فيمكن توهّم صدق الصفة ولو بعد ارتفاعها حيث كانت عنوانا للذات كما لا يخفى.

ومن هنا يظهر أنّ خروج أسماء المعاني عن محلّ النزاع أولى عن خروج الجوامد التي يمكن ورود الصور المختلفة عليها من انقلاب الماء هواء ، ثمّ انقلابه نارا مثلا.

وجه الأولوية : أنّ الباقي في الحالتين الواردتين إنّما يمكن جعله بمنزلة مورد

ص: 768


1- « ق » : منها.
2- « ق » : وإنّه.
3- الفصول : 58.

الاتّصاف في المشتقّ وجعل الصورتين بمنزلة الأوصاف الواردة على ذلك المورد ، فيتوهّم فيه جريان النزاع المذكور وذلك بخلاف أسماء المعاني ؛ فإنّ هذا التفكيك فيها غير معقول.

وأمّا الأوّل ، فلأنّ المطلوب بالنزاع هو بيان أنّ العنوان المفروض اتّحاده مع شيء آخر في زمان الاتّصاف هل يوجب زوال ذلك العنوان عدم اتّصاف المورد وعدم صدقه عليه ، أو لا؟ وهذا لا يجري في الفعل ؛ لعدم اتّحاده مع الغير.

أمّا الأوّل ، فلأنّ الكلام في صدق المشتقّ على ذلك المورد المفروض زوال الوصف عنه بعد فرض الاتّصاف وهو بعينه معنى الاتّحاد الذي يوجب الحمل.

لا يقال : لا نسلّم اعتبار الحمل في النزاع ؛ فإنّ الكلام في تعيين مدلول المشتقّ مع قطع النظر عن وقوعه في تركيب فضلا عن كونه محمولا.

لأنّا نقول : لا ينبغي الارتياب في أنّ النزاع في الصدق الموصوف على اعتبار الحمل كما نشاهد في عنوان جماعة من أهل الفنّ حيث عنونوا هل يشترط في صدق المشتقّ بقاء المبدأ ، أم لا؟ ولا ينافي ذلك اعتبار كون النزاع في تعيين مدلول المشتقّ أيضا كما لا يخفى.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الفعل في مرتبة كونه فعلا لا يعقل اتّحاده مع شيء ؛ لأنّ مدلول الفعل مركّب من الحدث والنسبة إلى فاعل ما الواقعة في زمان خاصّ وهو المدلول المركّب يمتنع اتّحاده مع شيء.

نعم ، يمكن انتزاع معنى آخر بسيط من ذلك المركّب وجعله محمولا على الفاعل وهو عين مدلول المشتق مثلا كما لا يخفى.

فإن قلت : لا ريب في أنّ الفعل إنّما يقع مسندا وهو مع الفاعل - ضميرا أو ظاهرا - معدود في القضايا ، والجمل الخبرية في الماضي والمضارع مثلا وهو في معنى

ص: 769

الحمل.

قلت : لا ريب في أنّ الإسناد مغاير للحمل ؛ فإنّ الأوّل عبارة عن تعيين الفاعل المبهم المأخوذ من مدلول الفعل الذي نسب إليه صدور الفعل إمّا بالمخاطبة كما في الأمر ، وإمّا بذكر الفاعل ظاهرا أو مضمرا في الماضي والمضارع وهو الوجه في الجمل الخبرية ، ومناط الحمل هو بيان أنّ أحد الأمرين عين الآخر في الوجود الخارجي ، وهذا المعنى (1) ملازم لجعل كلّ واحد من المتّحدين في الوجود موضوعا ، والآخر محمولا في الجملة ، ولا شكّ في انتفاء ذلك في الفعل ، وإلاّ لصحّ جعله مبتدأ أيضا مع أنّه باطل إجماعا من القوم فضلا عن عدم مساعدة الوجدان على الحمل.

وممّا يشعر بمغايرة الإسناد والحمل هو وجود الإسناد في الجمل الإنشائية دون الحمل كما هو ظاهر.

وإن أبيت عن ذلك ، فنقول : إنّ الزمان الخاصّ مأخوذ في مفهوم الفعل وحينئذ ، فإن كان ذلك زمان الماضي ، فلا بدّ من انقضائه حتّى يصحّ إسناد الفعل إلى الفاعل في ذلك الزمان ، وإن كان زمان الحال ، فلا بدّ من صدور الفعل في ذلك الزمان حتّى يسند إليه الفعل ، وإن كان زمان المستقبل ، فلا بدّ من عدم صدوره حتّى يسند إليه الفعل في ذلك الزمان ، فلا يعقل فيه النزاع المذكور كما هو ظاهر ، ولا ينبغي قياس سائر المشتقّات بالفعل ؛ لما ستعرف من عدم اعتبار الزمان في مدلولها لا قيدا ولا جزءا ، وعلى تقدير التنزّل فالفرق بين اعتبار الزمان في الفعل وفيها في غاية الوضوح.

وثالثها : الظاهر جريان الخلاف في غير اسم الفاعل من المشتقّات كاسم المفعول والصفة المشبهة وصيغة المبالغة وأسماء المكان والزمان والآلة ؛ لعموم الأدلّة

ص: 770


1- « ق » : - المعنى.

والعناوين ، مع عدم ظهور فرق بين الموارد وهو المصرّح به في كلام جماعة من أرباب الفنّ.

ولا وجه لما قد يحكى عن بعضهم (1) من اختصاصه باسم الفاعل ؛ لأنّ الأمثلة الواردة في كلام القوم لا تتجاوز منه ، لقوّة احتمال أن يكون ذلك في كلامهم من حيث إنّه مثال للمطلوب ، فلا يفيد الاختصاص.

ولو فرضنا ظهورها في الاختصاص ، فنقول : إنّه لا وجه له بعد صحّة جريان النزاع في غيره أيضا ؛ لوجود المناط بعينه في غيره أيضا.

وما ربّما يتوهّم - من الفرق بأنّ الغالب في اسم المفعول هو الصدق بعد الانقضاء ، وفي الصفة المشبهة هو عدم الصدق بخلاف اسم الفاعل فإنّ موارده مختلفة - مدفوع بمنع الفرق المذكور ، وإنّما الوجه في ذلك هو ملاحظة الصدق باعتبار زمان التلبّس في الجميع كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما صنعه بعض الأجلّة (2) من ذكر مداليل سائر المشتقّات قبل الدخول في المسألة مع اعتقاد اختلاف المداليل فيها أيضا ، فإنّ الظاهر عدم الفرق في الجميع.

وممّا يدلّ على عموم النزاع لاسم المفعول ما ذكره جماعة (3) في ثمرات المسألة من بناء الكراهة في استعمال الماء المشمّس والمسخّن ، فإنّهما من اسم المفعول كما هو ظاهر.

ص: 771


1- قال الرشتي في بدائع الأفكار : 176 : فزعم بعض من أدركنا عصره من الأفاضل اختصاص النزاع المعروف باسم الفاعل وما بمعناه ؛ بدلالة تمثيلهم به.
2- الفصول : 59.
3- نسبه إلى جمع من المحقّقين في الفصول : 60 وإلى غير واحد من الفقهاء الأصفهاني في هداية المسترشدين : 83 والرشتي في بدائع الأفكار : 177.

وأبعد من ذلك ما يحكى عن التفتازاني (1) من تخصيص النزاع باسم الفاعل بمعنى الحدوث دون مثل المؤمن والكافر والأبيض والحرّ والعبد ، فإنّه لا وجه له أبدا.

وأمّا دعوى الإجماع (2) على عدم تسمية المؤمن اللاحق كافرا ، فإن أراد الإجماع على عدم ترتيب الآثار ، فهو مسلّم ، ولا يجدي في نفي الموضوع ، وإن أراد الإجماع على عدم التسمية ، فهو ممنوع ؛ لوجود الخلاف قطعا في التسمية وإن لم يترتّب عليه الأحكام كما هو ظاهر.

نعم ، يمكن دعوى اتّفاق العرف على السلب وهو صحيح ، ودليل على اشتراط التلبّس في الصدق كما ستعرف.

ورابعها : أنّه يحكى عن جماعة منهم الشهيد الثاني قدس سره (3) باختصاص النزاع بما إذا لم يطرأ على المحلّ ضدّ وجودي ، فإنّه معه لا يصدق اتّفاقا.

ولعلّ الوجه فيه أنّه مع طريان الضدّ أو صدق الآخر يلزم اجتماع الضدّين ، ولو صحّ ذلك ، فارتفاع نفس الوصف وإن لم يطرأ عليه الضدّ أولى بأن لا يكون محلاّ للخلاف ؛ لأنّ التنافي بين الوجود والعدم أشدّ من التنافي بين الوجوديين وإن استند نفي منع التنافي على تقدير الصدق ، لاختصاص التنافي بما (4) إذا لم يتّصف المورد بالمرّة بذلك الوصف بناء على شمول المشتقّ لما انقضى عنه المبدأ ، فيلتزم به في المتضادّين أيضا إلاّ أنّ ذلك فيهما على خلاف التحقيق ؛ لأنّ بناء الفرق والاستعمال على الفعلية كما ستعرف.

ص: 772


1- حكى عنه في هداية المسترشدين : 83 وفي الفصول : 60 وفي المناهج : 35 ونقله أيضا الرشتي في بدائع الأفكار : 176 - 177.
2- انظر الفصول : 60.
3- تمهيد القواعد : 85 ، قاعدة 19 ، وعنه في المناهج للنراقي : 35.
4- « ق » : بهما.

وخامسها : أنّه قد يحكى عن بعضهم (1) اختصاص النزاع بما إذا كان المشتقّ محكوما به وأمّا إذا كان محكوما عليه ، فلا خلاف في عدم اشتراط بقاء المبدأ ؛ لعدم الخلاف في أنّ الزاني والسارق في آية الجلد والقطع (2) لا يعتبر فيهما الاتّصاف.

وفيه : أنّ الإجماع على كفاية وجود العنوان في الزمان الماضي في وجوب إجراء الحدّ عليهما هو لا يدلّ على صدق العنوان لغة عليهما بعد الانقضاء.

مع أنّه لم يعهد اختلاف مدلول اللفظ بجعله موضوعا أو محمولا بحسب الأوضاع اللغوية كما هو ظاهر ، وقد تبيّن وجه الخروج بأنّه اتّفق المسلمون على أنّ قوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ) إلخ (3) و ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ) إلخ (4) و ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (5) ونحو ذلك يتناول من لم يتّصف بهذه المبادئ حال النزول.

وفيه أوّلا : أنّ آية القتل لا ربط لها بالمقام ؛ لأنّ المشركين في الآية لا يكون محكوما عليه.

وثانيا : أنّ عدم الاتّصاف حال النزول ممّا لا ربط له بالمقام ؛ لأنّ الكلام في الصدق بالنسبة إلى ما انقضى عنه المبدأ لا بالنسبة إلى من لم يتّصف بعد كما هو ظاهر ، وكيف كان ، فالوجه في الاستعمال المذكور في الآيات هو ملاحظة حال المتلبّس كما لا يخفى ، فلا ينبغي جعل ذلك منشأ للخروج عن الخلاف.

الثاني (6) : قد صرّح جماعة من أهل التحقيق أنّ الزمان خارج عن مدلول المشتقّ المقصود بالبحث عنه في المقام وهو الذي يقتضيه التأمّل في مدلوله في موارد

ص: 773


1- هو الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : 85. انظر الفصول : 60.
2- النور : 2 والمائدة : 38.
3- النور : 2.
4- المائدة : 38.
5- التوبة : 5.
6- أي الأمر الثاني مرّ الأوّل في ص 12.

الاستعمالات العرفية سيّما بناء على ما ستعرفه من بساطة مداليل المشتقّات ؛ فإنّها عنوانات حينئذ للذوات التي يفرض اتّحادها معها في الخارج ، فيكون تلك الأسماء تعبيرات عن بعض مراتب وجود الذوات الخارجية ، فكما أنّ زيدا لا دلالة فيه على الزمان ، فكذا العالم ، وافتقار وجود هذا المفهوم الواقع في الزمان ليس إلاّ كافتقار وجود الحوادث الزمانية إلى الزمان ، وذلك لا يدلّ على أخذ الزمان في مدلوله.

وممّا يوضّح ذلك ملاحظة افتقار الجسم إلى الحيّز ، فإنّه لم يذهب وهم إلى أخذ المكان في مدلول الجسم كما هو ظاهر ، وليس افتقار العنوان المذكور إلى استلزام ذلك الزمان بأشدّ من افتقار نفس المعنى الحدثي إليه ، مع أنّه لا كلام في عدم دلالة المصدر على الزمان.

وممّا يرشد على ذلك اتّفاق علماء العربية ظاهرا كما حكاه جماعة أيضا على عدم أخذ الزمان في مداليل الأسماء التي منها المشتقّ المبحوث عنه هنا كما يدلّ عليه الحدود الواردة عنهم للأسماء كما هو ظاهر ، ومع ذلك كلّه فقد يتراءى من بعضهم (1) أنّ الزمان معتبر في مدلول المشتقّ بل ولم يرض بذلك حتّى ادّعى اتّفاق الاصوليين على ذلك ؛ حيث إنّهم حكموا بكونه حقيقة في الحال ، وإنّما اختلفوا في كونه حقيقة في الماضي إمّا على وجه الاشتراك اللفظي ، أو القدر المشترك بين الزمانين مثلا ، ثمّ حاول الجمع بين الإجماعين بحمل إجماع أهل العربية على عدم الدلالة مطابقة ، وحمل إجماع الاصوليين على الدلالة التزاما.

وقال بعض الأجلّة : « إنّ مفهوم الزمان خارج عن مدلول المشتقّ [ وضعا ] ، وقيد لحدثه باعتبار الصدق والإطلاق ، فالفاعل - مثلا - إنّما وضع ليطلق على الذات المتّصفة

ص: 774


1- وهو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : 14 وعنه في بدائع الأفكار : 178.

بمبدئه الخاصّ ، أعني المبدأ المأخوذ باعتبار زمن الاتّصاف ، أو الأعمّ منه وممّا بعده » (1).

قلت : الظاهر سقوط كلّ واحد منهما :

أمّا الأوّل ، فلأنّ معنى اتّفاق الاصوليين على كونه حقيقة في الحال هو الاتّفاق على صدقه على تقدير وجود المبدأ في المورد واتّحاده معه ، والخلاف في كونه حقيقة في الماضي هو أنّ الاتّصاف الفعلي هل هو شرط في الصدق ، أو يكفي فيه الاتّصاف قبل زمان الصدق أيضا في الجملة؟ وهذا المعنى ممّا لا يتوهّم معه دخول الزمان في مدلول المشتقّ كما يرشد إلى ذلك ملاحظة حال الجوامد وإمكان جريان هذا النزاع فيها (2) وإن كان التحقيق عدم وقوعه فيها للاتّفاق على توقّف الصدق على الفعلية ، فلا وجه لحمل الماء على الهواء المنقلب منه كما هو ظاهر ، فكما أنّ الاتّفاق على ذلك لا يوجب توهّم دخول زمان الحال في الجوامد ، فكذا في المقام.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الظاهر من كلامه حيث فرض خروج الزمان وضعا عن مدلول المشتقّ ، واعتبره قيدا للحدث أنّه معتبر في وضع المبدأ والمعنى الحدثي وهو في غاية السقوط كما تقدّم.

وإن أراد نفي كونه جزءا وإنّما هو شرط خارج - على أن يكون التقييد داخلا والقيد خارجا كما هو أبعد الاحتمالين في كلامه - فهو أيضا ممّا لا وجه له ، فإنّه ممّا لا يقضي (3) به شيء ، ومناف لكلمات جلّ القوم بل كلّهم بعد ما عرفت من معنى الخلاف والوفاق المذكورين.

مع أنّ قوله : « مفهوم الزمان » خارج فاسد قطعا ؛ لأنّه لو كان داخلا على وجه

ص: 775


1- الفصول : 60.
2- في النسختين : « فيه ».
3- في النسختين : « لا يقتضي ».

الشرطية ، أو الشطرية ، فليس ذلك الداخل هو مفهوم الزمان ، وإلاّ كان قولك الضرب الواقع في الزمان تفسيرا للضارب وهو ظاهر البطلان.

الثالث : قد عرفت عدم اعتبار الزمان لا جزءا ولا قيدا في مدلول المشتقّ.

ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون الأزمنة المذكورة مقيسة إلى حال النطق ، أو حال التلبّس ؛ لأنّ ما تقدّم من الوجوه التي يستكشف منها خروج الزمان عنه لا فرق فيها بين الوجهين.

والمراد بحال التلبّس المذكور في جملة من عبارات أصحاب التحقيق ليس الحال المقابل للماضي والمستقبل ليكون قسما من أقسام الزمان حتّى يقاس تارة بالنسبة إلى حال النطق ، واخرى بالنسبة إلى حال التلبّس ، بل المراد به هو تحقّق اتّصاف المورد واقعا بالعنوان ومفهوم المشتقّ كما هو ظاهر.

والمراد بالماضي هو عدم اتّصاف المورد به بعد الاتّصاف واقعا ، ولمّا كان تصوّر هذا المعنى موقوفا على تصوّر (1) قبليته وبعديته ، فقد يوهم ذلك اعتبار الزمان المقيس إلى زمان التلبّس معتبرا فيه ، وليس كذلك بل المقصود واقعا بيان الاتّصاف الفعلي وعدم الاتّصاف الفعلي بعد أن كان متّصفا من دون أن يكون للزمان المذكور مدخلا ، ولعلّ ذلك أمر واضح بعد ملاحظة الأطراف.

ومع ذلك فكلمات جماعة في المقام غير خالية عن شوب الإبهام إلى خلاف المقصود ، حيث إنّهم (2) في مقام بيان أنّ المراد بالحال هو حال التلبّس دون حال النطق ، يذكرون أنّ المراد بالحال في المقام هو حال التلبّس يعني الحال الذي يطلق عليه اللفظ بحسبه سواء كان ماضيا بالنسبة إلى حال النطق ، أو حالا ، أو مستقبلا ، فلو قلت :

ص: 776


1- في النسختين : « تصوير ».
2- نقل كلمات صاحب هداية المسترشدين.

« زيد كان ضاربا » أو « سيكون ضاربا » كان حقيقة لإطلاقه على الذات المتّصفة بالمبدإ بالنظر إلى حال اتّصافه وتلبّسه به وإن كان ذلك التلبّس في الماضي أو المستقبل.

وأمّا إذا اريد به الاتّصاف في حال النطق ، فهو أيضا حقيقة إلاّ أنّه لا قائل باعتبارها بالخصوص في صدق المشتقّات حتّى يكون إطلاقها على من تلبّس في ماضي النطق ، أو مستقبله مجازا مطلقا (1). انتهى.

ولا يخفى أنّ قوله : « يعني الحال الذي يطلق عليه اللفظ بحسبه » ظاهر في أنّه قسم من أقسام الزمان ، غاية الأمر أنّ المضيّ والاستقبال فيه إنّما يلاحظ بالنسبة إلى زمان التلبّس لا بالنسبة إلى زمان النطق مع أنّه خلاف المقصود كما لا يخفى.

وبالجملة ، فليس حال المشتقّات في ذلك بأخفى من حال الجوامد ، فكما أنّه لا ينبغي أن يتوهّم ذلك فيها ، فكذلك في المقام لكن ذلك لا ينبغي أن يجعل منهم خلافا في المقام ؛ فإنّ الإنصاف أنّهم في مقام بيان أنّ الحال ليس حال النطق والتكلّم وإن أوهم أنّه من أقسام الزمان كما يشعر بذلك تصريحهم بأنّ الزمان خارج عن مدلول المشتق في مقام آخر.

نعم ، يظهر من بعضهم (2) أنّ المراد بالحال هو حال النطق ، ويومئ إليه احتجاجهم بقول بعض النحاة على صحّة قولنا : « ضارب أمس » على كونه حقيقة في الماضي ، فإنّه لو كان المراد به حال التلبّس ، فهو غير محتاج إلى الاحتجاج ، فالمراد به ماضي التكلّم كما ربّما يرشد إليه ما ذكره جماعة من أنّ قولنا : « ضارب غدا » مجاز بل عن العضدي (3) دعوى الاتّفاق على ذلك.

ص: 777


1- هداية المسترشدين : 81.
2- انظر الفصول : 60 ؛ هداية المسترشدين : 82.
3- حكى عنه في هداية المسترشدين : 82.

وهو لا يتمّ إلاّ على تقدير إرادة حال النطق ، فإنّه لو اريد به حال التلبّس ، فيصير ذلك بمنزلة قولنا : « سيكون ضاربا » وعلى هذا لا ينبغي القول بكونه مجازا ، فكيف بالاتّفاق على ذلك كما هو واضح جدّا.

قلت : قد عرفت خروج الزمان عن مدلول المشتقّ أوّلا ، فلا وجه لإرادة حال التكلّم ، أو غيره من « الحال » فإنّه مناف لما ذكره المحقّقون من أنّ المراد به حال التلبّس ، وما عرفت - من المراد من حال التلبّس ، والاحتجاج بقول بعض النحاة - وارد على خلاف التحقيق.

وأمّا دعوى اتّفاق العضدي على مجازية قولنا : « ضارب غدا » فبعد أنّه مخالف لصريح الوجدان من انتفاء وجه المجاز في ذلك ، فإنّا لا نجد فرقا بين قولنا : « سيكون ضاربا » أو « ضارب غدا » إلاّ من حيث تعيين الزمان في الثاني دون الأوّل ، فكما أنّه لا ينبغي أن يذهب الوهم إلى مجازية الأوّل ، فكذا الثاني كما هو واضح ، فلا بدّ من توجيهه بما لا ينافي ما تقدّم ، كأن يقال : إنّ المراد بالمجازية في التركيب المذكور هو إرادة خصوص الزمان المستقبل من قولك : « ضارب » وذكر « الغد » قرينة على ذلك كما زعمه جماعة في مدلول المطلق والمقيّد حيث إنّهم لا يرون أنّ الإطلاق والتقييد من باب تعدّد الدوالّ والمداليل ، بل يقولون : إنّ المراد من قولك : « أعتق رقبة » هو خصوص المؤمنة وقولك : « مؤمنة » قرينة عليه ؛ لأنّ التركيب أفاد ذلك ، وهذا التوهّم بعيد في قولك : « سيكون ضاربا » فلا ينافي القول بالمجازية في « ضارب غدا » والقول بخلافه في « سيكون ضاربا ».

الرابع : الظاهر أنّ هذا النزاع من الأبحاث اللفظية المتعلّقة بتعيين مدلول المشتقّ لفظا كما يظهر من ملاحظة كلماتهم وأمثلتهم واستدلالات الطرفين بالتبادر وصحّة السلب ونحوها ، فلا تنافي بين الذهاب على أنّ المشتقّ ظاهر في الفعلية بالمعنى المتقدّم

ص: 778

وبين ما هو المعروف من علماء الميزان من أنّ الوصف (1) العنواني في الموضوع في القضايا المتعارفة في المحاورات هل يكفي فيه مجرّد إمكان اتّصاف ذات الموضوع به - كما هو المنسوب إلى الفارابي - أو يجب فيه تحقّق النسبة في أحد الأزمنة الثلاثة التي يعبّر عنه بالفعلية التي يؤخذ جهة في قبال الإمكان والضرورة والدوام - كما هو المنسوب إلى الشيخ [ الرئيس ] - حيث إنّ القول بالإمكان في تلك المسألة ينافي اعتبار الفعلية بالمعنى المذكور هناك ، فكيف بالمعنى المردّد في المقام؟

ووجه عدم التنافي أنّ الظاهر أنّ ذلك النزاع في صحّة الحكم والقضية بحسب المعنى والعقل ؛ إذ لا يعقل الحكم على ما لا يمكن اتّصافه بعنوان الإنسانية في قولك : « الإنسان كاتب » أو « ضاحك » ولا يجري المحاورة على شيء يمتنع اتّصافه بوصف الإنسانية مثلا ، فالإمكان هو القدر المتيقّن ، فلا حاجة إلى فرض تحقّق النسبة في زمان في صحّة الحكم والقضية كما أفاده الشيخ ، وذلك لا ينافي أن يكون العبارة الدالّة على ثبوت عنوان الموضوع أو المحمول ظاهرا في الفعلية أو في غيرها كما هو المطلوب بالنزاع في المقام كما هو ظاهر على المتأمّل.

والحقّ في المقام أنّ النزاع المذكور أيضا من الأبحاث اللفظية المتعلّقة بتعيين مدلول اللفظ (2) الواقع موضوعا في القضية كما يظهر ممّا أورده شارح المطالع في بيان الخلاف الواقع بين الشيخ والفارابي ، وما اختاره الشيخ في تلك المسألة هو بعينه ما اختاره المحقّقون في المقام من توقّف الصدق على التلبّس الفعلي - وإن فرض ذلك قبل زمان التلبّس أو بعده - لكنّ الإطلاق باعتبار زمان التلبّس.

قال بعد ما بيّن المراد من الإمكان : « ثمّ إنّ الفارابي اقتصر على هذا الإمكان ،

ص: 779


1- في النسختين : « وصف ».
2- في النسختين : « لفظ ».

وحيث وجده (1) الشيخ مخالفا للعرف ، زاد [ فيه ] قيد « الفعل » لا فعل الوجود في الأعيان بل ما يعمّ الفرض الذهني والوجود الخارجي ، فالذات الخالية عن العنوان يدخل في الموضوع إذا فرضه العقل موصوفا به بالفعل ، مثلا إذا قلنا : « كلّ أسود كذا » فيدخل في الأسود ما هو أسود في الخارج ، أو (2) ما لم يكن أسود ، ويمكن أن يكون أسود إذا فرضه العقل أسود [ بالفعل ] » (3). انتهى.

وهو بعينه هذا النزاع اللفظي ، وإلاّ فلا وجه لقوله : « وجده الشيخ مخالفا للعرف » فإنّ الاستدلال بالعرف دليل على ذلك ، ولا يراد بالفعلية تحقّق النسبة في أحد الأزمنة الثلاثة وإن لم يفرض معه التلبّس في زمان الحكم كما لا يخفى.

وحينئذ فقول الفارابي مخالف للعرف جدّا حيث إنّه اكتفى في الصدق بمجرّد الإمكان وهو بعيد جدّا ، ولم يحك في المسألة قولا لأحد من أصحاب النظر ، فلعلّ نظره إلى ما تقدّم من صحّة الحكم ولو في القضية المعقولة ، وقد عرفت على تقديره أنّ المتّجه ما أفاده ، ولا يحتاج إلى الفعلية إلاّ أنّه لا تنافي (4) قول الشيخ بتوقّف الصحّة في القضية الملفوظة على الفعلية بالمعنى المتقدّم ، فمورد النفي والإثبات في كلامهما غير متّحد.

إذا تمهّد هذه الامور ، فنقول : الظاهر المستفاد من موارد استعمال المشتقّات بأسرها هو كونها موضوعات للمفاهيم التي تتّحد مع الذوات الصادقة عليها باعتبارات مختلفة ؛ من صدور الفعل منها ، ووقوعها عليها ، وكونها محلاّ لها ، وكونها آلة

ص: 780


1- المثبت من المصدر وفي النسختين : « وجدوا ».
2- في المصدر : و.
3- لوامع الأنوار فى شرح مطالع الأنوار : 135 ( البحث الثاني ).
4- كذا.

لإيجادها ، أو مكانا ، أو زمانا لذلك ، وهذه العلقة أوجبت (1) صدق تلك المفاهيم وحملها عليها ، فيدور ذلك مدار الاتّحاد واقعا ، وعند الانقضاء والتبدّل - سواء كان بمجرّد الارتفاع ، أو ورود ضدّ آخر عليه - لا يصدق تلك المفاهيم عليها ، فلا وجه لدعوى الصدق.

والقول بأنّ مجرّد الاتّصاف في زمان قبل فرض الحمل والاتحاد يوجب الصدق - كما قد يتمسّك في ذلك ببعض الموارد المشتبه - مدفوع بعدم مساعدة العرف على ذلك من دون قرينة ، وأغلب مواضع الاشتباه إنّما يكون الإطلاق باعتبار حال التلبّس على الوجه المتقدّم ، فيكون ذلك على خلاف مطلوبهم أدلّ.

وعند التحقيق يكون ما ذكر استنادا إلى التبادر وصحّة السلب عن مورد لا يكون الذات متّحدة مع المفاهيم المذكورة ولو بحسب الفرض والاعتبار ، والوجدان الصحيح الخالي عن شوائب الأوهام الحاصل لنا في أربعين سنة بعد تتبّع موارد الاستعمالات في جميع اللغات أعدل شاهد على ذلك من غير فرق بين المبادئ على اختلافها من الأفعال والكيفيات الراشحة وغيرها.

إلى هنا جفّ قلمه الشريف طيّب اللّه نفسه ، وروّح اللّه رمسه بمحمّد وآله صلوات اللّه عليهم.

ص: 781


1- في النسختين : « أوجب ».

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.