الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الناشر: المحبين للطباعة والنشر

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 2007 م

ISBN (ردمك): 964-8991-19-7

المكتبة الإسلامية

الحلقة الثالثة في اسلوبها الثاني

الجزء الثاني

بقلم: باقر الايرواني

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله رب العالمين وسلام علی عباده الذين اصطفی محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 2

المؤلف: الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الناشر: المحبين للطباعة والنشر

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 2007 م

ISBN (ردمك): 964-8991-19-7

المكتبة الإسلامية

الحلقة الثالثة في اسلوبها الثاني

الجزء الثاني

بقلم: باقر الايرواني

ص: 1

ص: 2

سرشناسه : ایروانی، باقر، 1328 -

عنوان قراردادی : دروس فی علم الاصول . برگزیده . شرح

عنوان و نام پديدآور : الحلقه الثالثه فی اسلوبهاالثانی/ بقلم باقر الایروانی.

مشخصات نشر : قم: محبین، 14ق. = 20م .= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابك : دوره 964-8991-29-4 : ؛ ج.4 964-91029-6-5 :

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : كتاب حاضر شرح، برگزیده " دروس فی علم الاصول "، محمدباقر صدر می باشد.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد چهارم، 2007م = 1386).

يادداشت : عربی.

یادداشت : كتابنامه.

موضوع : صدر،محمدباقر،1931-1979م . دروس فی علم الاصول -- نقد و تفسیر

موضوع : تعارض ادله

اصول فقه شیعه

ادله و شواهد (فقه)

شناسه افزوده : صدر،محمدباقر،1931-1979م .دروس فی علم الاصول برگزیده

رده بندی كنگره : BP159/8/ص 4د40214 1300ی

رده بندی دیویی : 297/312

شماره كتابشناسی ملی : 1298423

اطلاعات ركورد كتابشناسی : ركورد كامل

ص: 3

ص: 4

الدليل غير اللفظي أو فعل المعصوم وتقريره

اشارة

ص: 5

ص: 6

الدليل الشرعي غير اللفظي

قوله ص 183 س 1 الدليل الشرعي غير اللفظي ... الخ : تقدم ص 85 من الحلقة ان الدليل على قسمين شرعي وعقلي. والشرعي على قسمين لفظي وغير لفظي. وفيما مضى كان الحديث يدور عن الدليل الشرعي اللفظي ، ومن الآن نتكلم عن الدليل الشرعي غير اللفظي. وللدليل الشرعي غير اللفظي مصداقان :

ا - فعل المعصوم علیه السلام .

ب - تقريره علیه السلام للفعل الصادر امامه. وواضح ان الفعل والتقرير ليسا من قبيل اللفظ ، ولذا يقع الحديث عنهما تحت عنوان الدليل الشرعي غير اللفظي.

والحديث عن فعل المعصوم تقدم في الحلقة الثانية ص 155 ولا يوجد هنا حديث جديد سوى بعض التكرار بنحو مختصر. ونذكر ذلك كما يلي :

1 - اذا فعل المعصوم علیه السلام فعلا معينا كما اذا شرب الماء وهو واقف فهل يدل ذلك على وجوبه او لا؟ وهكذا لو ترك فعلا معينا فهل يدل ذلك على حرمته او لا؟

والجواب : اذا كانت قرينة خاصة تدل على الوجوب او الاستحباب حكم على طبقها والا فالفعل بمجرده لا يدل على الوجوب ولا الاستحباب ، بل على عدم الحرمة فقط. وهكذا ترك الفعل لا يدل على الحرمة او الكراهة بل على عدم الوجوب فقط.

2 - واذا صدر من المعصوم علیه السلام فعل عبادي - كما اذا رأيناه يصلي ركعتين

ص: 7

عند دخوله المسجد - فهل يمكن الحكم عليه بالوجوب؟ كلا بل يحكم عليه بالرجحان الاعم من الوجوب والاستحباب.

3 - اذا صدر من المعصوم علیه السلام فعل خاص وعلمنا صدوره منه بنحو الوجوب مثلا حكمنا بوجوبه في حقنا ايضا فيما اذا كانت الصفات والخصائص التي تواجد عليها المعصوم علیه السلام حين صدور الفعل منه ثابتة فينا ايضا ، فاذا رأيناه يفعل فعلا معينا حالة السفر فلا يمكن ان نعمم حكم ذلك الفعل في حقنا الا اذا كنّا في حالة السفر ايضا فيما اذا احتمل ان لحالة السفر مدخلية في ثبوت ذلك الحكم.

ولربما يقال : ان نفس صفة الامامة او النبوة الثابتة للمعصوم علیه السلام يحتمل مدخليتها في ثبوت الحكم في حقه بالخصوص ومعه فلا يمكن تعميم الحكم للغير.

والجواب : ان هذا الاحتمال منفي بقوله تعالى « ولكم في رسول اللّه اسوة حسنة » حيث يدل على ان التأسي بالنبى 9 امر مطلوب ، واذا ثبتت مطلوبية التأسي به 9 ثبتت مطلوبية التأسي بالامام 7 ايضا للقطع بعدم الفارق بين النبي 9 والامام 7. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في الحلقة الثانية.

قوله ص 183 س 8 لعدم الى غير ذلك : من دلالات مثل انّ ترك فعل معين هل يدل على انه مكروه او لا كما اشير الى ذلك في الحلقة الثانية.

قوله ص 183 ص 9 لعدم الاطلاق في دلالة الفعل : لان الفعل لالفظ فيه حتى يتمسك باطلاقه ، ومعه فاللازم الاخذ بالقدر المتيقن وهو صورة الاتحاد في جميع الخصائص التي يحتمل مدخليتها في ثبوت الحكم.

دلالات التقرير

قوله ص 184 س 1 سكوت المعصوم عن موقف ... الخ : اذا صدر فعل

ص: 8

خاص بمرأى من المعصوم علیه السلام - كما اذا توضا شخص امام الامام علیه السلام منكوسا - وسكت عنه كان سكوته امضاء له.

وقد تسأل عن نكتة دلالة السكوت على الامضاء. والجواب : انه يمكن ابراز النكات التالية :

1 - ان المعصوم علیه السلام له غرض معين وهو تبليغ الاحكام ، فاذا لم ينه عن الوضوء منكوسا دل ذلك على جواز النكس في الوضوء والاكان سكوته نقضا لغرضه وهو ايصال الاحكام بشكلها الصحيح ، ونقض الغرض قبيح عقلا.

2 - ان المعصوم علیه السلام يجب عليه ارشاد الجاهل الى الاحكام كما ويجب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فاذا سكت ولم ينه دل ذلك على جواز النكس في الوضوء والاّ لنهى من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او من باب ارشاد الجاهل.

3 - ان ظاهر حال المعصوم علیه السلام كونه في صدد تبليغ الاحكام والحفاظ عليها ، فاذا سكت كان سكوته دالا على جواز الفعل.

والفرق بين هذه النكات الثلاث ان الثالثة ناظرة الى التمسك بالظهور اي بظاهر الحال وذلك كالتمسك بظاهر اللفظ ، فكما ان ظاهر اللفظ يدل على ارادة المتكلم للمعنى كذلك ظاهر الحال يدل على ثبوت الحكم الموافق لظاهر الحال. واما النكتتان الاوليتان فالتمسك فيهما ليس بالظهور بل بدليل عقلي ، فان نقض الغرض قبيح عقلا وهكذا وجوب ارشاد الجاهل والنهي عن المنكر واجبان عقلا ، فكلتا النكتتين اذن عقلية ، غاية الامر يلزم في النكتة الثانية توفر شرائط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلافه في الاولى فانه لا يلزم توفر ذلك.

وبعد هذا تعرض السيد الشهيد قدس سره الى مطلب ثان وهو ان امضاء

ص: 9

المعصوم علیه السلام للفعل الصادر له شكلان فتارة يقوم شخص بعمل معين - كالوضوء منكوسا - ويسكت المعصوم ، واخرى يقوم مجموع العقلاء بعمل معين - كسيرتهم على ان كل من حاز شيئا ملكه - ويسكت علیه السلام . ويسمى عمل العقلاء في الشكل الثاني بالسيرة العقلائية. وهي حجة ودليل على الحكم الشرعي لامضاء المعصوم علیه السلام لها والا فهي بقطع النظر عن الامضاء لا اعتبار لها.

وهناك مطلب وهو ان السيرة العقلائية ذات نوعين (1) :

1 - ان تكون جارية على حكم واقعي معين كالسيرة على ان الحيازة سبب للملكية وكالسيرة على جواز التصرف في مال الغير عند احراز رضاه القلبي بلاحاجة الى صدور تصريح بالاذن. والسيرة الاولى سيرة على حكم واقعي - غير انه وضعي فان الملكية الحاصلة بالحيازة حكم وضعي - بينما السيرة الثانية سيرة على حكم واقعي ايضا ولكنه تكليفي ، فان جواز التصرف حكم تكليفي.

2 - ان تكون السيرة جارية على حكم ظاهري كالسيرة على حجية قول اللغوي والظواهر وخبر الثقة وغير ذلك ، فان الحجية حكم ظاهري (2) ، والسيرة الجارية عليها سيرة على الحكم الظاهري.

ثم ان السيرة على الحكم الظاهري لها مجالان :

ا - ان يرجع العقلاء الى قول اللغوي مثلا في قضاياهم واغراضهم

ص: 10


1- التعرض لتفاصيل السيرة في هذه الحلقة والحلقة الثانية من خصائص هذا الكتاب الجليل
2- حيث اخذ في موضوعها الشك ، فالحجية مجعولة للخبر مثلا عند الشك في مطابقته الواقع والا فعند العلم بمطابقته للواقع لا معنى لجعل الحجية له ، وهذا بخلافه فى الحكم بكون الحيازه سببا للملكية ، فانه لم يؤخذ الشك في الموضوع.

الشخصية - ويعبر عن الاغراض الشخصية بالاغراض التكوينية - كرجوع من يطالع كتابا قصصيا معينا الى اللغوي لتحديد معنى كلمة غريبة واردة فيه او يفرض ان شخصا قصد تأليف كتاب واستعمال بعض الكلمات فيه فيرجع الى اللغوي لتحديد معناها ليستعملها بعد ذلك.

ب - ان يرجع العقلاء الى قول اللغوي لتحصيل المؤمّن او المعذّر ، كما اذا قال المولى لعبده « اكرم العالم » وشك العبد في ان العالم الذي نسى علمه هل يصدق عليه عنوان « العالم » ليجب اكرامه او لا ، فاذا رجع الى اللغوي وقال انه صادق عليه تنجز عليه وجوب اكرامه ، واذا قال له انه لا يصدق عليه كان معذورا فيما اذا لم يكرمه حتى ولو كان اكرامه واجبا واقعا ، فقول اللغوي اذن تارة يكون حجة منجزة للمولى على العبد ، واخرى يكون عذرا للعبد امام المولى. وهذه المنجزية والمعذرية تسمى في المصطلح الاصولي بالحجية. ويطلق على السيرة في هذا المجال بالسيرة في مجال الاغراض التشريعيه فان « اكرم العالم » الصادر من المولى حكم تشريعي من قبل العقلاء.

وبهذا كله اتضح ان السيرة العقلائية على ثلاثة اقسام :

1 - سيرة عقلائية لاثبات حكم واقعي.

2 - سيرة عقلائية لاثبات حكم ظاهري في مجال الاغراض التكوينية الشخصية.

3 - سيرة عقلائية لاثبات حكم ظاهري في مجال الاغراض التشريعية.

اما السيرة الاولى فهي مقبولة ولا اشكال عليها وبواسطتها يمكن ان نحكم بان من حاز شيئا ملكه وان جواز التصرف في ملك الغير يكفي فيه الرضا القلبي ، فان السيرة المذكورة اذا لم تكن مقبولة لدى الشارع لنهى عنها. وهي حجة

ص: 11

بالمصطلح الاصولي اي منجزة ومعذرة.

واما السيرة الثانية فلا يمكن التمسك بها لاثبات الحجية بالمصطلح الاصولي لأنها سيرة من العقلاء في قضاياهم الخاصة ولا معنى لان تكون منجزه او معذرة.

واما السيرة الثالثة - وهي المهمة اذ بها تثبت حجية قول اللغوي والاطمئنان وخبر الثقة وقول صاحب اليد وغير ذلك - فتواجه اشكالا مهما.

وقبل الاشارة له نذكر مقدمة وهي : ان كل عاقل اذا اصدر احكاما فالحجة المنجزة لها لا بد وان يجعلها نفس العاقل المشرع لها لا غيره ، فكل اب اذا شرع لولده احكاما معينة كان من حق هذا الاب ان يجعل حجة خاصة على احكامه التي شرعها ولا يحق لاب آخر غيره ذلك.

وبعد هذا نشير الى الاشكال وهو : ان العقلاء حينما يتمسكون بقول اللغوي ويجعلونه حجة على الاحكام فحيث انه لا يحق للعقلاء ان ينصبوا من انفسهم حجة على احكام الشارع - فانها احكام لغيرهم وليست احكاما مجعولة من قبلهم - فلا بد وان تكون سيرتهم راجعة الى انه لو قدّر في يوم من الايام ان يصيروا موالي فكل منهم يجعل قول اللغوي حجة على احكامه الخاصة به ، ومن الواضح ان سيرة العقلاء بهذا المعنى المعقول لا ترتبط بالشارع لانها سيرة من قبل العقلاء على جعل قول اللغوي حجة في احكام انفسهم لا في احكام الشارع حتى يلزمه النهي عنها اذا لم تكن مقبولة لديه.

وباختصار : ان السيرة بالمعنى الذى يضر الشارع - وهو جعل قول اللغوي حجة حتى في احكام الشارع - مما لا يقدم عليه العقلاء ، وبالمعنى الذي يقدم عليه العقلاء هي مما لا تضر الشارع حتى يكون سكوته عنها امضاء لها.

ص: 12

الجواب عن الشبهة.

والجواب : ان العقلاء وان لم يكن لهم الحق في جعل قول اللغوي حجة في احكام الشارع وانما لهم الحق في خصوص احكام انفسهم ولكنهم يتخيلون ان سيرتهم الجارية على حجية قول اللغوي في احكام انفسهم سيرة يرضى الشارع بتطبيقها حتى في احكام نفسه. وهذا التخيل وان كان باطلا الا انه بعد حصوله فمن اللازم على الشارع - فيما اذا لم يكن قول اللغوى حجة لديه في احكام نفسه - الردع عنه حفاظا منه على احكامه ويقول : ان ما ارتكز في اذهانكم من صحة الرجوع الى اللغوي في احكامي باطل.

بل يمكن القول اكثر من هذا وهو ان السيرة الجارية في مجال الاغراض الشخصية - كالسيرة على الرجوع الى اللغوي عند قراءة الكتاب القصصي - يمكن الاستعانة بها لاثبات حجية قول اللغوي في الاحكام الشرعية ايضا ، اذ هذه السيرة وان كانت مختصة بالكتاب القصصي ولكن من المحتمل ان تستحكم في يوم من الايام ويتولد عند العقلاء بسببها ارتكاز خاطىء برضا الشارع على الرجوع لقول اللغوي حتى في الاحكام الشرعية فلاجل الحفاظ المسبق من الشارع على احكامه يلزمه النهي عن الاخذ بقول اللغوي في الاحكام الشرعية وان لم يكن هذا الارتكاز في مجال الاحكام الشرعية حاصلا بعد.

اشتراط المعاصرة

والسيرة لا يمكن التمسك بها لاثبات حجية قول اللغوي او لكون الحيازة سببا للملكية وغير ذلك الا اذا كانت ثابتة في زمان المعصوم علیه السلام حتى يكون سكوته عنها دليلا على امضائها ، اما اذا كانت حادثة في عصر الغيبة فلا تكون

ص: 13

حجة لعدم حصولها بمراى ومسمع من المعصوم حتى يكون سكوته عنها دليلا على امضائه.

وقد تسأل : كيف يمكن اثبات التعاصر؟ ان الجواب عن ذلك تقدم في الحلقة الثانية ص 178 حيث ذكر فيها خمسة طرق لاثبات ذلك.

لا يلزم التعاصر في بعض السير.

ثم ان معاصرة السيرة لزمن المعصوم علیه السلام وان كانت لازمه ولكن لا في كل سيرة بل في خصوص السيرة التي يقصد منها اثبات حكم شرعي ، فان السيرة على قسمين :

1 - سيرة يقصد بها اثبات حكم شرعي كالسيرة على كون الحيازة سببا للملكية ، فان سببية الحيازة للملكية حكم شرعي يراد اثباته بالسيرة. ومثل هذه السيرة يلزم ان تكون معاصرة كما تقدم.

2 - سيرة يقصد بها اثبات شرط من الشروط. مثال ذلك : ان من اشترى شيئا وكان مغبونا فيه غبنا فاحشا فلا اشكال في ثبوت خيار الغبن له ويحق له فسخ العقد بسببه بيد انه وقع بحث بين الفقهاء فى مدرك ثبوت هذا الخيار ، فقد يتصور ان هناك رواية تدل عليه ولكنه باطل لعدم وجودها. ومن هنا برزت محاولة لاثبات الخيار المذكور عن طريق التمسك بالسيرة بتقريب ان سيرة العقلاء جرت على ان من اشترى شيئا فهو يشتريه بشرط ان لا يكون مغبونا ، وهذا الاشتراط وان لم يذكر صريحا وباللفظ ولكنه ضمني ومضمر في النفس. واذا ثبت هذا الشرط ثبت وجوب الوفاء به بدليل « المؤمنون عند شروطهم ».

وفي هذه السيرة كما نلاحظ لم يرد اثبات حكم شرعي ، فان الحكم

ص: 14

الشرعي وهو صحة الشرط ووجوب الوفاء به ثبت بدليل « المؤمنون عند شروطهم » لا بالسيرة ، وانما السيرة تثبت فقط تحقق اشتراط عدم الغبن في نفس المتعاقدين.

وباتضاح هذا نقول : ان اشتراط معاصرة السيرة لزمن المعصوم علیه السلام يلزم في السيرة الاولى فقط دون الثانية ، اذ في الثانية لا يراد اثبات حكم شرعي بل تحقق شرط عدم الغبن في نفس المتعاقدين ، ومن الواضح ان ثبوت مثل هذا الشرط في نفس المتعاقدين لا يتوقف على ثبوت السيرة زمن المعصوم علیه السلام .

فارق ثان بين السيرتين.

وبعد اتضاح ان اشتراط معاصرة السيرة لزمنه علیه السلام يلزم في السيرة الاولى دون الثانية نذكر فارقا ثانيا بين السيرتين وهو ان السيرة الاولى اذا تمت ثبت مضمونها في حق جميع الناس بما فيهم الانسان الذي لا يعتقد بذلك المضمون. ومثاله السيرة على الاكتفاء بالرضا القلبي في جواز التصرف ، فان هذه السيرة اذا تمت ثبت مضمونها - وهو الحكم بكفاية الرضا في جواز التصرف - حتى في حق من يعتقد ان الرضا الباطني لا يكفي في جواز التصرف ، فان الحكم الشرعي اذا ثبت يكون عاما لجميع الناس ويكون اجتهاد الشخص الذي يعتقد عدم كفاية الرضا الباطني كأنه اجتهاد في مقابل النص. هذا في السيرة الاولى.

واما السيرة الثانية فهي بعد حصولها لا يكون مضمونها ثابتا في حق من لا يلتزم بها ، فلو فرض ان انسانا اشترى شيئا معينا من دون ان يكون ملتزما في قلبه بأن لا يكون مغبونا بل كان عازما على الشراء حتى على تقدير كونه مغبونا - كمن يقدم على شراء دواء معين باي سعر كان لشدة حاجته اليه - فمثل هذا

ص: 15

الشخص لا يثبت له خيار الغبن لان الخيار يثبت من باب اشتراطه لعدم الغبن في نفسه ، فاذا فرض عدم اشتراطه لذلك في نفسه فلا يثبت له الخيار.

قوله ص 184 س 3 او باعتبار انه : لم يذكر قدس سره كلمة « اما » هنا لان هذا داخل تحت الاساس العقلي وليس اساسا جديدا في مقابله ، وهذا بخلافه في النكتة الثالثة ، فانها حيث تعتمد على التمسك بالظهور كرر كلمة « اما » معها.

قوله ص 184 س 7 وكثيرا ما ... الخ : اي وقد لا يكون فرديا ، بل يكون متمثلا في سلوك عام يسمى ... الخ.

قوله ص 185 س 6 اكتفاء بالظن : ذكر الظن من باب المثال ، والا فقد تكون السيرة منعقدة على الاكتفاء بالاحتمال ، ومن هنا عبّر بكلمة « مثلا ». ثم انه انما قيد الشك بكونه في امر واقعي من جهة ان الحجية للظن او الاحتمال لا تثبت الا في حالة الشك في الواقع ، اذ موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الوقعي.

قوله ص 185 س 11 ولا ريب في انطباق ما ذكرناه عليه : وهو ان سكوت المعصوم علیه السلام يدل على الامضاء.

قوله ص 186 س 6 ما ذكرناه : عليه : وهو كون السكوت دالا على الامضاء.

قوله ص 187 س 2 وشهادته : عطف على « شهادته ».

قوله ص 187 س 12 فمرد بناء ... الخ : اي ومادام جعل الحجه على الاحكام يختص بجاعل تلك الاحكام ولا يحق ذلك لغيره فلا بد وان يكون مردّ بناء العقلاء على حجية قول اللغوي الى امر معقول وهو انه يجعل ...

قوله ص 189 س 5 المتباني : الصواب : المتبانى.

قوله ص 189 س 6 انفسهم : الصواب : انفسهم.

ص: 16

قوله ص 189 س 8 بانها تمس الشارع : اي تضر الشارع.

قوله ص 189 س 10 لمولى : وهو الشارع المقدس.

قوله ص 189 س 13 ارتكازا : اي خطأ.

قوله ص 190 س 9 ومهما يكن الحال : اي سواء قلنا بان السيرة حجة في المقام الاول ايضا ام لا.

قوله ص 191 س 9 يراد بها تحليل مرتكزات المتعاملين ومقاصدهما النوعية : اي يراد بالسيرة اثبات ان شرط عدم الغبن مقصود وثابت في مرتكزهما.

ص: 17

ص: 18

وسائل اثبات الدليل الشرعي

اشارة

ص: 19

ص: 20

اثبات صغرى الدليل الشرعي

قوله ص 194 س 1 بعد ان تكلمنا عن الدلالات ... الخ : تقدم صفحة 85 ، 86 من الحلقة عند منهجة ابحاث الكتاب ان البحث تارة يقع في الدليل الشرعي واخرى في الدليل العقلي ، وان البحث عن الدليل الشرعي يقع في ثلاث نقاط : البحث عن الدلالات العامة ، والبحث عن اثبات صدور الدليل ، والبحث عن حجية الظهور. وكان البحث فيما مضى ناظرا الى النقطة الاولى وهي الدلالات العامة. ومن الآن يراد التحدث عن النقطة الثانية ، وهي البحث عن الوسائل والطرق التي يمكن بها اثبات صدور الدليل.

وفى هذا المجال توجد وسيلتان لاثبات صدور الدليل من المعصوم علیه السلام هما :

1 - وسيلة يمكن بواسطتها حصول اليقين بصدور الدليل. ومثالها الخبر المتواتر ، فانه بواسطته يحصل القطع بصدور الدليل من المعصوم علیه السلام .

2 - وسيلة تحصّل اليقين التعبدي بصدور الدليل من دون حصول اليقين الوجداني بذلك. ومثلها خبر الثقة ، فانه بناء على حجيته لا يحصّل اليقين الوجداني بصدور الدليل منه علیه السلام وانما علينا ان نحكم تعبدا بصدوره ولو من دون حصول يقين وجداني بذلك. ونتحدث اولا عن الوسيلة الاولى التي هي مثل الخبر المتواتر.

وقبل كل شيء نطرح السؤال التالي : كيف يحصل اليقين بواسطة الخبر

ص: 21

المتواتر؟ توجد لهذا السؤال اجابتان احداهما للمشهور يأتي بيانها ص 198 من الحلقة ، وثانيتهما للسيد الشهيد. والاجابة الثانية مبنية على تطبيق حساب الاحتمال ، فكل من الخبر المتواتر او الاجماع او السيرة او الشهرة يحصّل اليقين بصدور الدليل من المعصوم علیه السلام عن طريق تطبيق حساب الاحتمال (1).

ولتوضيح ذلك نمنهج ما ذكره قدس سره ضمن النقاط التالية :

1 - تقدم ص 62 من الحلقة ان القطع (2) على قسمين : موضوعي وذاتي. واليقين الموضوعي هو الحاصل من مناشىء عقلائية ، والذاتي هو الحاصل من مناشىء غير عقلائية. وتقدم ايضا ان كلا اليقينين حجة بما في ذلك اليقين الذاتي حيث انه لو نهى الشارع عنه يلزم التناقض في نظر القاطع.

وقد تقول : ما دام كلا القطعين حجة فما الفائدة في تقسيم اليقين اليهما والبحث عن اسباب حصول اليقين ما دام هو حجة من اي سبب كان؟ والجواب : انا نريد بالبحث عن اسباب حصول اليقين الاطلاع على اسباب اليقين الموضوعي لنأخذ بها ونحذر من اسباب اليقين الذاتي. وبكلمة اخرى : عند البحث عن حجية القطع لا وجه للتفرقة بين القسمين لأن كليهما حجة ولكن عند البحث عن اسباب حصول اليقين لا بأس بالتفرقة بين القسمين لنقترب من اسباب حصول اليقين الموضوعي ونبتعد عن اسباب اليقين الذاتي.

2 - ان اليقين الموضوعي تارة يكون ثابتا من دون ان يكون مستنتجا من

ص: 22


1- وهذا يعدّ من الافكار الجديدة والجميلة للسيد الشهيد قدس سره فانه كما استفاد من حساب الاحتمال في كتابه « الاسس المنطقية للاستقراء » لاثبات وجود اللّه سبحانه استفاد منه ايضا في علم الاصول في المجالات المذكورة.
2- كلمة القطع واليقين مترادفتان.

قضية اخرى وثانية يكون مستنتجا من قضية اخرى.

مثال الاول : اليقين بان الكل اكبر من الجزء ، فان هذه القضية ثابتة في الذهن البشري بدون استعانة بقضية اخرى ، وتسمى مثل هذه القضية بالقضية الاولية.

ومثال الثاني : اليقين بان العالم حادث ، فانه مستنتج من قضية اخرى وهي ان العالم متغير وكل متغير حادث.

3 - ان اليقين المستنتج من قضية اخرى على قسمين :

ا - ان يكون بين القضيتين ملازمة عقلية ، وهذا كما في المثال الثاني ، فان اليقين بكون العالم حادثا يلازم اليقين بان العالم متغير وكل متغير حادث ، اذ قولنا العالم متغير وكل متغير حادث قياس منطقي ، والقياس المنطقي يستلزم عقلا اليقين بالنتيجة.

ب - ان لا يكون بين القضيتين ملازمة عقلية. ومثال ذلك : تناول قرص الاسبرين مرات متعددة عند صداع الرأس مع افتراض زوال الصداع في كل مرة ، فان التقارن بين هاتين الحادثتين - تناول القرص وزوال الصداع - في المرة الاولى وان كان لا يستلزم اليقين بكون تناول القرص هو العلة لزوال الصداع ، اذ من المحتمل وجود علة اخرى لم نطلع عليها ولكن هذا التقارن يوجب احتمال كون العلة هي قرص الاسبرين بدرجه معينة ولنفرضها 5% ، وعندما يحصل هذا التقارن في المرة الثانية يأخذ الاحتمال بالارتفاع قليلا فيصبح بدرجة 10% مثلا. وبحصول التقارن المذكور مرات متوالية يأخذ الاحتمال بالارتفاع اكثر فاكثر الى ان يصبح الاحتمال المقابل - اي احتمال كون العلة شيئا آخر غير قرص الاسبرين - ضعيفا جدا الى حد لا يحتفظ به الذهن البشري ويحصل عند ذلك القطع بكون

ص: 23

العلة هي الاسبرين ، فان احتمال وجود العلة الاخرى وان كان لا يزول بالكلية بل يبقى حتى النهاية بدرجة ضعيفة ولكن لشدة ضعفه يشعر الانسان بحصول اليقين له لعدم تمكن الذهن البشري من الاحتفاظ بالاحتمال بعد ضآلته الشديدة.

وبهذا تجلى كيف يتولد اليقين من حساب الاحتمال.

4 - يصطلح على اليقين الحاصل من القياس (1) باليقين الموضوعي الاستنباطي ، وعلى الحاصل من مجموعة قضايا باليقين الموضوعي الاستقرائي. وسبب التسمية واضح ، فان اليقين في الحالتين المذكورتين حيث انه حاصل من مناشىء عقلائية فهو موضوعي ، والاول بما انه مستنبط من القياس فهو استنباطي ، والثاني بما انه حاصل من الاستقراء فهو استقرائي.

5 - ان القضية المستنتجة من القياس ثابتة في المقدمتين - فقولنا « العالم حادث » الذي هو النتيجة ثابت في الكبرى التي تقول « كل متغير حادث » اذ احد مصاديق الكبرى هو العالم حادث - فان النتيجة في باب القياس اصغر من المقدمتين ، لكون السير فيه من الكلي الى الجزئي ، وهذا بخلافه في القضية المستنتجة من الاستقراء ، فانها غير ثابتة في القضايا المستقرءة ، اذ النتيجة في باب الاستقراء اكبر من المقدمات لكون السير فيه من الجزئيات الى الكلي.

6 - ان الوسائل التى تحصّل اليقين بصدور الدليل هي : التواتر ، الاجماع ، سيرة المتشرعة ، الشهرة. واليقين في كل هذه يحصل في نظر السيد الشهيد بواسطة حساب الاحتمال بخلافه على رأي المشهور ، فانه يحصل بطريق آخر. ومن هنا لا بد من البحث عن التواتر والاجماع والشهرة (2) لنوضح كيف يحصل اليقين فيها

ص: 24


1- المراد من القياس القياس المنطقي وهو عبارة عن الصغرى والكبرى.
2- واما سيرة المتشرعة فقد تقدم الحديث عنها في الحلقة الثانية.

عن طريق حساب الاحتمال.

قوله ص 195 س 2 ونحوهما : كالشهرة وسيرة المتشرعة.

اي انه بعد افتراض تحقق اليقين فهو حجة من دون فرق بين القسمين.

قوله ص 195 س 15 على اساس قياس من الاقيسة المنطقية : المراد من الاقيسة المنطقية الاشكال الاربعة للقياس.

قوله ص 196 س 10 اذ قد يكون اقترانهما صدفة : ليس المقصود من الصدفة زوال الصداع بلاعلة بل زواله بعلة اخرى غير ملتفت لها ، وعلى هذا يكون قوله 1 « ويكون للحادثة الاخرى علة غير منظورة » عطف تفسير للصدفة.

قوله ص 197 س 8 والسيرة : كان من المناسب ذكر الشهرة بدل السيرة لانها - الشهرة - المبحوث عنها فيما بعد ، واما السيرة - اي سيرة المتشرعة - فقد تقدم الكلام في الحلقة الثانية عن كيفية افادتها اليقين عن طريق حساب الاحتمال.

ص: 25

مبحث التواتر

اشارة

قوله 197 س 10 الخبر المتواتر من وسائل ... الخ : الوسائل المحصّلة لليقين الوجداني متعددة منها : التواتر ، الاجماع ، الشهرة.

ونبحث اولا عن الخبر المتواتر وكيفية افادته اليقين في نظر المشهور ثم عن كيفية افادته لذلك في نظر السيد الشهيد. وعند بيان طريقة المشهور نبيّن بالمناسبة وبالتبع طريقة المشهور في كيفية تولد اليقين في القضية التجريبية وأنّ تناول قرص الاسبرين عدة مرات كيف يولد اليقين بان الاسبرين هو العلة للشفاء.

لو رجعنا الى الكتب المنطقية (1) للتعرف على رأي المشهور في كيفية حصول اليقين في الخبر المتواتر نجد ان المنطق الارسطي (2) يعرّف الخبر المتواتر بالخبر الذي نقله جماعة كثيره يستحيل تواطؤهم على الكذب. ومن خلال هذا التعريف نفهم ان الخبر المتواتر يتركب من مقدمتين :

أ - اخبار جماعة كثيرة.

ب - ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب.

اما المقدمة الاولى فهي ثابتة بالحس والوجدان ، اذ سمعنا بالاذن اخبار

ص: 26


1- كحاشية ملا عبد اللّه ومنطق المظفر.
2- المنطق المتداول اليوم هو المنطق الارسطي نسبة الى واضعه ارسطو. وقد استمر هذا المنطق من زمن ارسطو والى يومنا هذا. وحينما نعبر برأي المشهور فالمقصود رأي المنطق الارسطي الذي هو السائد الى اليوم.

الجماعة الكثيرة.

واما المقدمة الثانية فمن حقنا ان نسأل المنطق الارسطي ونقول كيف يمكن اثبات ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب؟ ويجيبنا عن ذلك بان هذه القضية هي من القضايا البديهية التي يحكم بها العقل بمجرد تصورها ، فهي مثل قضية « الكل اكبر من الجزء » فكما ان هذه القضية بديهية ويحكم بها العقل بمجرد تصورها كذلك قضية ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب هي مما يحكم بها العقل بمجرد تصورها. ومن هنا عدّ المنطق الارسطي الخبر المتواتر واحدا من القضايا الضرورية الست ، فانا قرأنا فى المنطق ان القضايا الضرورية ست احداها المتواترات.

وشبيه هذا البيان ذكره المنطق الارسطي في القضية التجريبية ، فان اليقين بكون الاسبرين علة للشفاء حاصل من مقدمتين هما :

ا - اقتران الشفاء بتناول القرص مرات عديدة.

ب - ان الصدفة لا تتكرر دائما ولا غالبا. ومع عدم تكرر الصدفة فلا يمكن ان يكون الشفاء حاصلا صدفة وليس لأجل تناول القرص.

واذا سألنا المنطق الارسطي عن هذه القضية - التي هي بمثابة الكبرى - وقلنا له ما هو المدرك لها لأجابنا ان هذه القضية بديهية مثل قضية الكل اكبر من الجزء. ومن هنا عدّ المنطق الارسطي القضية التجريبية واحدة من القضايا الست الضرورية. واضاف قائلا ان هذه القضية ليست ثابتة بسبب التجربة لانها هي المدرك لا ثبات القضية التجريبية - اي كون القرص علة للشفاء - فلو كانت ثابتة بالتجربة يلزم الدور (1).

ص: 27


1- وستأتي مناقشة ذلك وان قضية الصدفة لا تتكرر ثابتة بسبب التجربة وليست من القضايا الاولية الضرورية.

ومن خلال هذا العرض يتضح ان الكبرى في الخبر المتواتر هي ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب بينما الكبرى في باب التجربة هي ان الصدفة لا تتكرر.

وبعد التأمل يمكننا القول بان كلتا الكبريين واحدة وهي ان الصدفة لا تتكرر ، فان الجماعة الكثيرة انما يستحيل اجتماعها على الكذب من جهة استحالة تكرر الصدفة ، فان لازم اجتماع جميع المخبرين على الكذب افتراض ان مصالح جميع المخبرين قد اتفقت صدفة واقتضت الكذب ، وهذا معناه تكرر الصدفة.

وباختصار : ان المنطق الارسطي يرى أن السبب في افادة القضية التجريبية والمتواترة لليقين هو القياس المنطقي المركب من مقدمتين كبراهما قضية « الصدفة لا تتكرر » التي قال انها ضرورية لا تحتاج الى استدلال.

رأي السيد الشهيد

واما السيد الشهيد فهو يرى ان السبب لتولد اليقين في القضية المتواترة والتجريبية هو حساب الاحتمال - لا ما ذكره المنطق الارسطي - فان المخبر الاول حينما يخبر عن قصة « غدير خم » مثلا فاحتمال صدقه ثابت ولنفرضه 1% فاذا اخبر الثاني فاحتمال الصدق يقوى الى 2% مثلا. وهكذا بكل اخبار جديد يقوى احتمال الصدق ويضعف من ذلك الجانب احتمال الكذب الى درجة الصفر او قريب منه. هذا هو منشأ حصول اليقين في القضية المتواترة وليس هو تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي وهي « الصدفة لا تتكرر ».

ص: 28

ونفس الشى يقال في القضية التجريبية ، فان احتمال كون العلة للشفاء تناول القرص وان كان ضعيفا في المرة الاولى الا انه يقوى في المرة الثانية والثالثة وهكذا الى ان يحصل اليقين او ما يقرب منه.

يبقى علينا ان نوضح كيف نحصر السبب لحصول اليقين في حساب الاحتمال والحال ان كون السبب هو تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي امر محتمل ايضا.

وفي هذا المجال يمكن ذكر نكتتين للحصر :

ا - ان القضية التي افترضها المنطق الارسطي هي مبنية بنفسها على التجربة ، فانه حيث لا حظنا في وقائع كثيرة ومتعددة ان لكل شيء علة منظورة - اي مشخصة - ولم يقع صدفة حكمنا بان الصدفة لا تتكرر. فمنشأ هذه القضية اذن هو التجربة وليست هي قضية اولية ثابتة في عقل الانسان. وما دامت ثابتة بالتجربة فلا يمكن ان تكون هي السبب لحصول اليقين بالقضية التجريبية.

ب - ان حصول اليقين في القضية المتواترة والتجريبية لو كان ناشئا من تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي فاللازم ان يحصل اليقين بشكل واحد في جميع الحالات مع انا نلاحظ ان حصول اليقين يكون اسرع لو كان المخبرون في درجة عالية من الوثاقة او كانت الظروف تساعد على صدق تلك القضية وهكذا بالنسبة الى بقية العوامل المؤثرة. وهذا منبه وجداني على ان السبب في حصول اليقين ليس هو تلك القضية التي ادعى المنطق الارسطي ثبوتها في العقل وانها من القضايا الضرورية الواضحة والالزم ان يكون حصول اليقين على منوال واحد في جميع الحالات.

وملخص الحديث : ان المنطق الارسطي يرى ان السبب لحصول اليقين في

ص: 29

القضية المتواترة والتجريبية هو القياس المنطقي المركب من مقدمتين كبراهما عقلية بديهية بينما السيد الشهيد يرى السبب هو الاستقراء وتطبيق حساب الاحتمال.

قوله ص 198 س 6 في القضايا الضرورية الست : ورد في منطق المظفر ج 3 مبحث اليقينيات مانصه : « فالبديهيات اذن هي اصول اليقينيات وهي على ستة انواع بحكم الاستقراء : اوليات ، ومشاهدات ، وتجريبيات ، ومتواترات ، وحدسيات ، وفطريات ». والمنطق الارسطي يدعي ان قضية « الصدفة لا تتكرر » من القسم الاول اي من القضايا الاولية ، وهي قضايا يحكم بها العقل بمجرد تصور الطرفين والنسبة مثل الكل اكبر من الجزء.

قوله 198 س 10 عليّة الحادثة الاولى للحادثة الثانية : اي عليّة تناول القرص للشفاء ، فتناول القرص هو الحادثة الاولى والشفاء هو الحادثة الثانية.

قوله ص 199 س 3 ولا يمكن في رأيه ان تكون ثابتة بالتجربة : ولكن سيأتى منه ص 200 س 16 انها ثابتة بالتجربة ومعه فلا يمكن ان تكون هي السبب لحصول اليقين بالقضية التجريبية.

قوله ص 200 س 5 وان الاعتقاد بها : عطف تفسير.

قوله ص 200 س 10 بامكان افتراض وجود علة اخرى غير منظورة : ويعبّر عن العلة غير المنظورة بالصدفة ، فالصدفة هي وجود علة اخرى غير ملتفت اليها.

قوله ص 200 س 16 ونفس الكبرى : هذا هو الرد الاول على المذهب الارسطي.

قوله ص 200 س 17 ومن هنا ... الخ : هذا هو الرد الثاني. اي ومن اجل ان المنشأ حساب الاحتمال لا تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي نجد ان

ص: 30

حصول اليقين ... الخ.

قوله 201 س 2 بكل ماله دخل ... الخ : سيأتي في البحث التالي اي ص 202 من الحلقة الامور الموجبة لتقوية الاحتمال وبالتالي لسرعة حصول اليقين.

قوله ص 201 س 6 مفردات التواتر : وهي كل خبر من الاخبار.

قوله 201 س 9 وكذلك الحال في لاقترانات : هذا راجع الى القضية التجريبية ، وما قبل ذلك كان ناظرا الى القضية المتواترة.

قوله ص 201 س 15 وليس مشتقا : اي ليس ناشئا.

الضابط للتواتر

قوله ص 202 س 1 والضابط في التواتر ... الخ : قد يسأل : متى يصل الخبر الى درجة التواتر ويعد خبرا متواترا؟ والجواب : يحصل ذلك فيما اذا اخبر جماعة كثيرة عن مضمونه ، فكثرة المخبرين - كما اذا كانوا عشرين او ثلاثين - هي الملاك في صيرورة الخبر متواترا وافادته اليقين ، فكل خبر اخبر به جماعة كثيرة وحصل بسبب ذلك اليقين فهو متواتر.

وقد يسأل ثانيا : ما هو عدد المخبرين الذي يحصل بسببه اليقين؟ والجواب : لا يمكن الحصر في عدد معين ، اذ هناك عوامل تؤثر في سرعة حصول اليقين وبطئه ، فاذا حصلت فلربما العشرة او الاقل يحصل بها اليقين واذا لم تحصل فلربما لا يحصل بالعشرين. وتلك العوامل يمكن تقسيمها الى قسمين :

ا - عوامل موضوعية ، وهي العوامل التي لا تختص بشخص دون اخر ، بل هي لو حصلت في حق اي شخص اثرت في سرعة حصول اليقين او بطئه.

ص: 31

ب - عوامل ذاتية ، وهي العوامل التي تختص ببعض الاشخاص ولا تعم الجميع.

اما العوامل الموضوعية فنذكر لها خمسة امثلة :

1 - وثاقة المخبرين ونباهتهم ، فانه كلما كان كل واحد من المخبرين شديد الوثاقة والنباهة كان حصول اليقين اسرع كما هو واضح.

2 - اختلاف ظروف المخبرين ومسالكهم ، فانه كلما اختلفت ظروف المخبرين من حيث الزمان والمكان والخصوصيات الاخرى وهكذا كلما اختلفت مسالك المخبرين وآراؤهم ومذاهبهم كان حصول اليقين اسرع بخلاف ما اذا تقاربت الظروف والمسالك ، فان حصول اليقين يكون ابطء ، حيث ان احتمال وجود مصلحة شخصية واحدة تدعو الى كذب الجميع قوى.

3 - غرابة القضية المخبر عنها ومألوفيتها ، فان القضية المخبر عنها اذا كانت غريبة وغير مألوفة - كما اذا اخبر عن حصول المطر بنزول الحصى بدل الماء - فحصول اليقين يكون ابطء بخلاف ما اذا كانت مألوفة.

4 - الأطلاع على الظروف الخاصة لكل مخبر ، فان العدو اذا اخبر عن قضية هي في صالح عدوه كان حصول اليقين اسرع لضعف احتمال وجود المصلحة في الاخبار كذبا ، بخلاف ما اذا كان الاخبار من المحب ، فان حصول اليقين يكون ابطء لقوة احتمال وجود المصلحة في الاخبار كذبا.

5 - وضوح المدرك للشهود وعدمه ، فان المدرك للشهود اذا كان هو الحس - كالاخبار عن نزول المطر ، فانه قضية محسوسة تشاهد بالبصر - فحصول اليقين اسرع بخلاف ما اذا كان المستند ليس هو الحس كالاخبار عن العدالة - فانها لا تحس بالعين او السمع ، بل تعرف بآثارها ولوازمها - فيكون حصول اليقين

ص: 32

ابطء.

واما العوامل الذاتية فنذكر لها ثلاثة امثلة :

1 - طباع الناس المختلفة ، فان بعض الاحتمالات ضيئلة جدا لا يمكن لأي ذهن بشري الاحتفاظ بها كما اذا كان الاحتمال 1000000 / 1 ، وهناك بعض الاحتمالات يمكن لبعض الاذهان الاحتفاظ بها دون بعض الاذهان الاخرى كاحتمال 5% ، فانه لا يمكن للعجائز الاحتفاظ به ، ولذا يحصل اليقين لهن بسرعة حيث يزول هذا الاحتمال الضعيف من اذهانهن ولا يحتفظن به بخلافه في الشاب المثقف فانه يبقى محتفظا به ولا يسرع حصول اليقين له.

2 - المباني السابقة الثابتة في الذهن ، فان الانسان اذا كان يبني على افضلية الامام امير المؤمنين علیه السلام فالروايات الواردة لاثبات افضلية غيره عليه لا يحصل منها اليقين له ، وهذا بخلافه لو كانت موافقة للمبنى السابق ودالة على افضلية الامام علیه السلام فانه يسرع حصول اليقين له.

ثم ان المبنى القبلي يؤثر على سرعة وبطء حصول اليقين وان كان وهما غير مطابق للواقع ، فانه ما دام مطابقا للواقع في نظر صاحبه يكفي ذلك لتأثيره اثره.

3 - المشاعر العاطفية ، فان الناس يختلفون من حيث حسن الظن بالآخرين وصفاء نفوسهم ، فمن كان له حسن الظن وصفاء النفس يسرع لديه حصول اليقين لو وصلته اخبار تثني على انسان معين بخلاف من لا صفاء لنفسه وله سوء الظن فانه لا يسرع لديه حصول اليقين.

قوله ص 202 س 3 لان ذلك يتأثر : اي لان حصول اليقين من الكثرة يتأثر ... الخ.

قوله ص 202 س 12 عاملا عكسيا : اي معاكسا لسرعة حصول اليقين.

ص: 33

قوله ص 203 س 4 ايجابا : اي تؤثر في سرعة حصول اليقين. وقوله « او سلبا » يعني يؤثر في بطء حصول اليقين.

قوله ص 203 س 14 او من قدرته على : اي ان حسن الظن بالآخرين تارة يجعل احتمال صدق المخبر في اخباره قويا واخرى يكون سببا لعدم الاحتفاظ بالاحتمال الضئيل بالكذب وتحوّل احتمال الصدق الى اليقين نتيجة لعدم الاحتفاظ بالاحتمال الضئيل بالكذب.

قوله ص 203 س 15 ايجابا او سلبا : فان من له سوء الظن يتفاعل مع الاحتمال الضئيل ويكون ذلك سببا لعدم حصول اليقين له - وهذا تفاعل ايجابي - بينما من له حسن الظن لا يتفاعل مع الاحتمال الضئيل ويكون ذلك سببا لحصول اليقين ، وهذا تفاعل سلبي.

تعدد الوسائط في التواتر

قوله ص 204 س 1 اذا كانت القضية الاصلية ... الخ : اذا تعدد المخبرون عن قضية الغدير مثلا وكثر اخبارهم عنها الى حد التواتر ، فهنالك حالتان :

1 - ان يقول المخبرون : انا نشهد بسماع النبي صلی اللّه علیه و آله يقول : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

2 - ان يقول المخبرون : لم نسمع النبي صلی اللّه علیه و آله يقول : من كنت ... الخ وانما سمعنا اشخاصا آخرين يشهدون بانهم سمعوا النبي صلی اللّه علیه و آله يقول من كنت ... فزرارة مثلا يقول : سمعت ابا ذر يقول : سمعت النبي صلی اللّه علیه و آله قائلا من كنت ... ويصطلح على زرارة اسم المخبر غير المباشري وعلى ابي ذر اسم المخبر المباشري عن النبي صلی اللّه علیه و آله .

وباتضاح هاتين الحالتين نقول : اما الحالة الاولى فلا كلام فيها ، اذ متى ما

ص: 34

كثر المخبرون بدرجة يحصل من اخبارهم اليقين كان خبرهم متواترا.

واما الحالة الثانية - وهي الحالة المتداولة فان الروايات المتداولة بيننا اليوم تخبر عن اهل بيت العصمة علیهم السلام مع الوسائط - فيمكن طرح السؤال التالي فيها : متى يكون الخبر مع الوسائط متواترا؟ والجواب : ان التواتر يتحقق حالة الوسائط فيما اذا تحقق احد الامرين التاليين :

1 - ان يكون عدد المخبرين في كل طبقة من الطبقات قد بلغ حد التواتر ، فلو كان التواتر يتحقق بخمسين مخبر مثلا فيلزم ان يكون عدد المخبرين عن النبي صلی اللّه علیه و آله بالمباشرة خمسين شخصا كما ويلزم ان يكون الاخبار عن كل واحد من هؤلاء الخمسين بمقدار خمسين ايضا ، فابوذر الذي يخبر عن النبي صلی اللّه علیه و آله بالمباشرة يلزم ان يخبر عنه خمسون شخصا ، وسلمان الذي يخبر عنه صلی اللّه علیه و آله مباشرة يلزم ان يخبر عنه خمسون شخصا ايضا وهكذا الى تمام الخمسين. اجل يكفي وجود خمسين واحدة تخبر عن كل واحد من الخمسين السابقة ولا يلزم وجود خمسينات متعددة بعدد كل واحد من الخمسينات السابقة.

2 - ان لا يكون كل واحدة من الطبقات بالغا حد التواتر ولكن نأخذ بتجميع القيم الاحتمالية لقضية الغدير التي يخبر عنها مخبرون غير مباشريين فنقول : ان قيمة احتمال صحة قضية الغدير التي يخبر زرارة باخبار سلمان عنها 100 / 1 مثلا - وانما كان الاحتمال ضعيفا لان كثرة الوسائط تقلل من قوة الاحتمال - وهكذا قيمة احتمال صحة قضية الغدير التي يخبر محمد بن مسلم باخبار عمار عنها 100 / 1 ، وبذلك يرتفع احتمال حقانية قضية الغدير الى 100 / 2. وبهذا الشكل نأخذ بتحميع القيم الاحتمالية بعضها الى بعض الى ان يحصل اليقين. ومن الطبيعي ان هذا يحتاج الى وجود اخبارات غير مباشرية كثيرة ، فان قيمة احتمال صحة قضية الغدير مادام

ص: 35

المخبر عنها غير مباشري ضعيفه فيحتاج الى تجميع اكثر.

قوله ص 204 س 1 المطلوبة اثباتها : لعل حذف التاء من كلمة « المطلوبة » اولى.

قوله ص 204 س 5 من الشهادات الاخرى : اي الشهادة في كل طبقة من الطبقات.

قوله ص 204 س 9 للخبر غير المباشر : وهو اخبار كل مخبر من الطبقة المتأخرة عن الطبقة المتقدمة.

قوله ص 204 س 14 لان مفردات الجمع ... الخ : المقصود من مفردات الجمع كل فرد من افراد الاخبار. وضمير « منها » يرجع الى القيمة ، اي ان قيمة الأخبار لو لم يكن مباشريا اصغر منها لو كان مباشريا.

اقسام التواتر

قوله 205 س 1 اذا واجهنا عددا كبيرا ... الخ : حاصل المبحث المذكور ان التواتر على ثلاثة اقسام :

1 - ان يخبر الجميع عن مدلول مطابقي واحد ، كما هو الحال في حديث الغدير ، حيث يخبر الجميع عن جملة واحدة هي : « من كنت مولاه فهذا على مولاه ». ويسمى هذا بالتواتر اللفظي.

2 - ان يخبر الجميع عن مدلول تضمني او التزامي واحد ، كما لو اخبر اشخاص متعددون عن قضايا متعددة ترتبط بكرم حاتم ، فقال احدهم كان حاتم يوقد النار ليرى الضيوف بيته فيأتوا اليه ، وقال الآخر كان حاتم يقول لعبده لو اتيتني بضيف فأنت حر ، وشبيه بذلك نقل الآخرون. ان مثل هذه القصص

ص: 36

تشترك جميعها في معنى واحد وهو كرم حاتم الذي هو مدلول تضمني او التزامي لها. ويسمى هذا بالتواتر المعنوي.

3 - ان يخبر الجميع عن قضايا متعددة بلا اشتراك في مدلول مطابقي او تضمني او التزامي. ويسمى ذلك بالتواتر الاجمالي. ونتحدث ابتداء عن هذا القسم. ومثاله : كتاب الوسائل ، فان من فتحه ورأى فيه آلاف الاحاديث امكنه ان يقطع بان مقدارا منها كاذب اذ ما اكثر ما كذب على اهل البيت علیهم السلام ولنفترض عدد الكاذب (100) حديث ، وبذلك يتشكل علم اجمالي بكذب (100) حديث من احاديث الوسائل.

وبعد هذا نفترض انتخاب (100) رواية بشكل عشوائي بمعنى جمع روايات متعددة من مختلف الابواب ومن دون قصد مسبق لها ، فواحدة من كتاب الصلاة تدل على حكم يرتبط بالصلاة واخرى من الصوم تدل على حكم يرتبط به وثالثة من الحج تدل على حكم مرتبط به وهكذا ، ثمّ جمعت الروايات المذكورة بدون ان تشترك في مدلول تضمني او التزامي او مطابقي واحد.

وبعد جمع الروايات المذكورة التي هي بقدر (100) رواية نسأل : هل يمكن الجزم بان جميع هذه الروايات المائة ليس كاذبا بل واحد منها على الاقل صادق حتما؟ والجواب : نعم يمكن الجزم بذلك لان احتمال كذب مجموع المائة ضعيف جدا بحساب الاحتمال ، اذ قيمة احتمال كذب الرواية الاولى اذا كان 2 / 1 وقيمة احتمال كذب الرواية الثانية 2 / 1 ايضا وهكذا قيمة احتمال كذب كل رواية من الروايات الاخرى فاذا اردنا التعرف على قيمة احتمال كذب محموع المائة كان من اللازم ضرب 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1 وهكذا الى مائة نصف (1) ، ومن الواضح ان الاحتمال

ص: 37


1- ولمعرفة النتيجة يضرب كل بسط في البسط الآخر وكل مقام في المقام الآخر ، وبضرب 1* 1* 1* 1* ... تكون نتيجة البسط 1. وبضرب المقام بعضه ببعض 2* 2* 2* ... تكون نتيجة المقام بالآلاف ، اي تكون قيمة احتمال كذب الجميع واحدا من آلاف الاحتمالات.

الناتج بعد عملية الضرب يكون ضعيفا جدا وبالعكس من ذلك يصبح احتمال صدق واحدة من الروايات قويا جدا وبالغا الى حد الاطمئنان (1). وسبب حصول هذا الاطمئنان كما عرفت كثرة عدد الاخبار ، فان نفس الكثرة تولّد اطمئنانا بصدق واحد منها. ويمكن ان نصطلح على مثل هذه الكثرة المولدة للاطمئنان بالمضعف الكمي ، اي يضعف احتمال كذب الجميع بسبب الكم وهو

ص: 38


1- اجل صدق جميع الروايات المائه العشوائية ضعيف جدا ايضا ، لان قيمة احتمال ذلك يحصل بضرب 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1 ... ، ولكنا ندعي ان احتمال صدق رواية واحدة يصبح قويا دون الجميز. وللتعرف على قيمة احتمال صدق رواية واحدة لا يضرب 2 / 1* 2 / 1 ... فان عملية الضرب تتبع فيما لو اريد التعرف على قيمة احتمال صدق جميع الروايات. وبهذا تتضح نكتة الفرق بين ما اذا اريد التعرف على قيمة احتمال كذب الجميع وما اذا اريد التعرف على قيمة احتمال صدق رواية واحدة من بين آلاف روايات الوسائل ، ففي الحالة الاولى حيث يراد التعرف على قيمه احتمال كذب الجميع فلا بد من اتباع عملية الضرب بينما في الحالة الثانية حيث لا يراد التعرف على قيمة احتمال صدق الجميع بل على قيمة احتمال صدق رواية واحدة فلا معنى لاتباع عملية الضرب. وقد يقال : لماذا لا نتبع عملية الجمع للتعرف على قيمة احتمال الصدق كما كنا نتبعها في مثال الاسبرين ، حيث كنا نقول : ان احتمال عليّه الاسبرين في المرة الاولى اذا كان بقدر 100 / 1 ففي المرة الثانية يرتقي الى 100 / 2. والجواب : ان عملية الجمع تتبع فيما اذا كان كل احتمال يؤثر على قيمة الاحتمال الآخر بان كانت الاحتمالات مترابطة كما في مثال الاسبرين ، فان حصول الشفاء في المرة الاولى يقوّي من احتمال كون القرص هو العلة في المرة الثانية ، وهذا بخلافه في المقام فان الاحتمالات مستقلة ولا يؤثر صدق الرواية الاولى على قوة احتمال صدق الرواية الثانية لتغاير موضوع كل رواية مع موضوع الاخرى ، ومعه فلا معنى لاتباع عمليه الجمع.

الكثرة. وفي مقابل المضعف الكمّي يوجد مضعّف آخر يأتي في الصورة الثانية والثالثة يمكن ان يصطلح عليه بالمضعّف الكيفي.

والتواتر في هذه الحالة يسمى بالتواتر الاجمالي حيث يطمئن بصدور واحد من الاخبار على سبيل الاجمال دون تعيين.

وقد تسأل : ما فائدة الجزم بصدور خبر واحد من بين الاخبار المائة بعد ما لم يكن متميزا؟ والجواب : انه بعد العلم بصدور واحد من الاخبار المائة يجب الاحتياط وذلك بالاتيان بالصلاة التي دل واحد من الاخبار على وجوبها وبالصوم الذي دل خبر آخر على وجوبه وبالحج الذي دل خبر ثالث على وجوبه ، وهكذا يلزم الاتيان بجميع الافعال التي دلت الاخبار المئة على وجوبها. وهذا نظير ما لو كان لدينا (100) اناء وعلمنا بنجاسة اناء واحد منها فانه كما يجب الاجتناب عن الجميع كذلك في مقامنا يجب الاحتياط بالاتيان بالجميع.

مطلب ظريف

ثم ان السيد الشهيد ذكر مطلبا ظريفا وهو ان واحدا من الاخبار المائة وان كنّا نطمئن بصدوره ولكن لا يمكن ان يتحول هذا الاطمئنان الى اليقين ، اذ لو تحول وجزم بان جميع هذه المائة العشوائية ليس كاذبا بل واحد منها صادق جزما فيلزم ان يحصل الجزم المذكور في بقية المئات العشوائية ايضا لعدم الفرق بينها ، وبالتالي يلزم ان تبقى تلك المائة التي افترضنا اول البحث كونها كاذبة - حيث افترضنا في اول حديثنا عن القسم الثالث العلم بكذب مئة رواية من بين آلاف روايات الوسائل - بلا مصداق فلا بد على هذا الاساس من احتمال كذب جميع كل واحدة من المئات العشوائية ، ومع وجود هذا الاحتمال فلا يمكن تحول الاطمئنان الى

ص: 39

يقين.

نعم يبقى شيء وهو انه بعد حصول الاطمئنان بصدق واحد من الاخبار المائة العشوائية فهل يكون هذا الاطمئنان حجة حتى يجب بسببه الاحتياط او لا؟ والجواب : ان مدرك حجية الاطمئنان هو السيرة العقلائية ، فان العقلاء جرت سيرتهم على الاخذ بالاطمئنان ، واذا رجعنا الى العقلاء فلا نجزم بجريان سيرتهم على الاخذ بالاطمئنان الاجمالي - اي الاطمئنان بصدور واحد غير معين من الاخبار - بل القدر المتيقن جريان سيرتهم على التمسك بالاطمئنان التفصيلي اي الاطمئنان بصدور خبر معين خاص. ومعه فلا يكون التواتر الاجمالى مجديا.

القسم الثاني من اقسام التواتر

قوله ص 206 س 15 الحالة الثانية ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان للتواتر اقساما ثلاثة ، وتحدثنا عن القسم الثالث ، والآن نتحدث عن القسم الثاني وهو ان تشترك جميع الاخبار في مدلول التزامي او تضمني واحد كما اذا نقل احد المخبرين قصة تدل على كرم حاتم ونقل الثاني قصة اخرى تدل على كرمه ايضا وهكذا ، فجميع هذه الاخبار يدل على مدلول التزامي او تضمني واحد وهو كرم حاتم (1).

وقد تسأل : هل هذا التواتر يحصّل الاطمئنان بصدور واحدة على الاقل من تلك القصص المنقولة؟ نعم يحصّل ذلك ، وبالتالي يدل على ثبوت الكرم لحاتم ، لان واحدة من تلك القضايا المنقولة اذا كانت صادرة حتما فيثبت بذلك كرم حاتم.

ولكن كيف يمكن لهذا القسم من التواتر تحصيل الاطمئنان بصدور واحدة

ص: 40


1- وليس من المهم تحقيق ان كرم حاتم مدلول تضمني او التزامي

من تلك القضايا؟ ان توجيه ذلك يتم بامرين :

ا - الكثرة العددية للمخبرين ، فانها تستوجب ان يكون احتمال كذب الجميع ضعيفا جدا اذ احتمال كذب كل شخص في القصة التي ينقلها هو 2 / 1 ، فاذا اردنا ان نعرف قيمة احتمال كذب الجميع لزم ضرب 2 / 1* 2 / 1* 2 / 1* ... الى ان يبلغ عدد الانصاف مقدار مائة ، ونتيجة الاحتمال ضعيفة جدا كما تقدم ذلك في القسم الثالث. ويسمى هذا الامر الاول بالمضعّف الكمّي كما سبق ذلك.

ب - ان لازم احتمال كذب الجميع افتراض ان مصالح جميع المخبرين اما انها قد تماثلت او تقاربت صدفة وذلك بعيد. ووجه لزوم ذلك : انه اما ان يفرض كون المصلحة الشخصية لكل مخبر اقتضت صدفة الكذب في مركز واحد وهو اثبات الكرم لحاتم او يفرض اقتضاء المصلحة لكل واحد صدفة اختلاق كامل القضية التي ينقلها. وعلى الاول يلزم تماثل جميع المصالح صدفة حيث اجتمعت جميعا في مركز واحد وهو الكذب في اثبات الكرم لحاتم ، وعلى الثاني فالمصالح الشخصية وان لم تجتمع في مركز واحد بل في مراكز متعددة وبالتالي لا يلزم تماثلها واتحادها الا انه يلزم تقاربها صدفة ، وكلا الفرضين بعيد بحساب الاحتمال. ويسمى هذا الامر الثاني بالمضعّف الكيفي.

اذن المضعف في القسم الثالث لاحتمال كذب الجميع هو المضعف الكمي فقط ، لان المضعف الكيفي يحتاج الى افتراض امر مشترك بين الاخبار والمفروض عدم وجوده في القسم الثالث ، وهذا بخلافة في القسم الثاني ، فان الموجب لضعف احتمال كذب الجميع شيئان هما المضعف الكمي والكيفي.

وبهذا يتضح ان احتمال كذب الجميع في القسم الثاني اشد ضعفا منه في القسم الثالث لوجود مضعفين في القسم الثاني ووجود مضعف واحد في القسم الثالث.

ص: 41

وقد تسأل : هل يمكن في القسم الثاني تحوّل الاطمئنان بصدور واحدة من القضايا الى يقين او لا يمكن ذلك كما لم يمكن في القسم الثالث؟ قد يقال بعدم الامكان بتقريب : ان الاخبار المنقولة في الدنيا كثيرة جدا ، ونحن نعلم بان (100) من تلك الاخبار كاذب جزما - اذ ما اكثر الاخبار الكاذبة ولا اقل من الاخبار المنقولة في قصة الف ليلة وليلة - ومعه يلزم ان لا يحصل يقين بعدم كذب جميع القضايا المائة التي ترتبط بحاتم ، اذ هذه المائة لو جزمنا بعدم كذب جميعها فيلزم ان نجزم بعدم كذب كل مائة من المئات الاخرى ايضا لعدم الفرق بين هذه المائة وبقية المئات ، وبالتالي يلزم ان يبقى ذلك المعلوم بالاجمال - وهو كذب (100) خبر في الدنيا - بلا مصداق ، لانه لا توجد مئة يحتمل كذب جميعها. هكذا قد يقرر عدم امكان تحوّل الاطمئنان الى يقين ، ولكنه باطل لانا وان كنا نجزم بكذب (100) خبر في الدنيا ولكن لا نجزم بان تلك المائة هي من المئات المشتركة في مدلول التزامي او تضمني واحد ، فيمكن ان تكون تلك المئة من المئات العشوائية اي التي لا تشترك في مدلول التزامي او تضمني واحد ، ومن الواضح ان الاطمئنان الذي ندعي تحوله الى يقين انما ندعي تحوله فيما اذا كان بين الاخبار المائة امر مشترك دونما اذا لم يكن.

وباختصار : ان المائة التي تشترك في امر واحد - ككرم حاتم - يتحول الاطمئنان فيها الى يقين وتبقى بقية المئات الاخرى مجالا لاحتمال انطباق تلك المائة الكاذبة عليها.

القسم الاول من اقسام التواتر.

قوله ص 208 س 4 الحالة الثالثة ... الخ : وفي هذا القسم الذي ذكره في

ص: 42

الكتاب تحت عنوان « الحالة الثالثة » - يفرض ان جميع المخبرين ينقلون مدلولا مطابقيا واحدا مشتركا بين الجميع كما لو فرض ان الجميع ينقلون قضية واحدة معينة ترتبط بكرم حاتم او جملة « من كنت مولاه ... الخ » في قصة الغدير. ويسمى مثل هذا بالتواتر اللفظي.

وهنا احتمال كذب الجميع اضعف منه في القسم الثاني ، ووجه ذلك : ان مضمون الاخبار في هذا القسم اضيق منه في القسم الثاني ، اذ كلها ينقل قضية واحدة ترتبط بكرم حاتم مثلا ، ومن الواضح ان مضمون الاخبار كلما تضيق ازداد احتمال الكذب وهنا. هذا بالنسبة الى احتمال الكذب ، واما بالنسبة الى احتمال الخطأ - لو فرض احتمال خطأ المخبرين من دون احتمال كذبهم - فهو ضعيف ايضا في هذا القسم ، لان القضية المنقولة اذا كانت واحدة فكما ان احتمال كذب الجميع ضعيف جدا كذلك احتمال خطأ الجميع هو اضعف بكثير من احتمال الخطأ في القسم الثاني الذي لا تكون القضية المنقولة فيه واحدة.

وباختصار : ان كلا المضعّفين - الكمي والكيفي - يأتيان في هذا القسم بل المضعّف الكيفي فيه اقوى لان احتمال كذب او خطأ الجميع اضعف من احتمال الكذب والخطأ في القسم السابق.

بل بالامكان ان نضيف هنا ونقول : ان خصوصيات الاخبار في هذا القسم كلما كانت اشد تشابها - خصوصا اذا كان الجميع ينقل لفظا واحدا كحديث « من كنت مولاه ... الخ » - فاحتمال صدق القضية المنقولة يكون اقوى ، لأنّ القضية اذا لم تكن صادقة واقعا فنقل الجميع لالفاظ متشابهة واحده اما ان يكون من باب اقتضاء مصالح الجميع صدفة للتزوير واصدار لفظ واحد كذبا في الوقت الذي كان يمكنهم نقل المعنى الواحد بالفاظ مختلفة ، وهو ضعيف جدا كما هو واضح ، او يكون

ص: 43

ذلك من باب سبق لسان كل واحد صدفة الى التلفظ بحديث « من كنت مولاه ... الخ » وهو ضعيف جدا ايضا. ومن خلال هذا نستكشف ان تطابق الجميع على نقل لفظ واحد ناتج عن حقانية قضية الغدير مثلا وصدور حديث « من كنت مولاه ... الخ » من النبي صلی اللّه علیه و آله .

ويتجلى من خلال هذا العرض ان اقوى اقسام التواتر الثلاثة هو التواتر اللفظي ثم المعنوي ثم الاجمالي لان التواتر الاجمالي لا يوجد فيه الا المضعف الكمي بينما ذانك القسمان يوجد فيهما المضعف الكيفي ايضا. وحيث ان المضعّف الكيفي في التواتر اللفظي يتواجد بدرجة اقوى كان - التواتر اللفظي - اقوى من التواتر المعنوي.

قوله ص 205 س 4 بطريقة عشوائية : اي بلا لحاظ وجود امر واحد مشترك بين الاخبار.

قوله ص 205 س 8 آثار العلم الاجمالي : وهو الاحتياط بامتثال جميع التكاليف الدالة عليها الاخبار. وهذه العبارة تشير الى فائدة العلم بصدور واحد غير معين من الاخبار.

قوله ص 205 س 12 وكلما كانت عوامل الضرب كسورا تضاءلت : بخلاف ما اذا كانت اعدادا صحيحة فان النتيجة ترتفع ولا تتضاءل ، فلو ضربنا 2* 2 ارتفعت النتيجة بخلاف ما اذا ضربنا 2 / 1* 2 / 1 فان النتيجة تنخفض وتصير 4 / 1.

قوله ص 206 س 3 طرفا من اطراف ذلك العلم الاجمالي : اي العلم الاجمالي بوجود مائة خبر كاذب في مجموع الاخبار.

قوله ص 206 س 5 تجمع بشكل آخر : اي عشوائي.

قوله ص 206 س 12 نتيجة جمع احتمالات اطرافه : اي اطراف الاطمئنان

ص: 44

الاجمالي وهي كل فرد من افراد الاخبار المائة التي نطمئن بصدق واحد منها.

قوله ص 206 س 16 مدلولا تحليليا : وهو المدلول التضمنى او الالتزامي.

قوله ص 207 س 12 يعني انها متقاربة : اي ان المصالح متقاربة.

قوله ص 207 س 17 ولا يلزم من ذلك : اي ولا يلزم من تحوّل الاحتمال الى يقين انطباق التحول المذكور على كل مائة تجمع ولو بشكل عشوائي بل لا ينطبق الا على خصوص المائة التي تشترك في امر واحد اذ المضعف الكيفي يختص بالمائة التي تشترك في امر واحد ، ومعه تبقى المئات الاخرى التي لا تشترك في امر واحد لا يتحول فيها الاطمئنان الى يقين ويكون من المحتمل انطباق تلك المائة - التي يعلم بكذبها - عليها.

قوله ص 208 س 4 الأخيارات : الصواب : الاخبارات.

قوله 208 س 14 بالشخص : اي ينقلون واقعة واحدة شخصية معينة.

ص: 45

مبحث الاجماع

اشارة

قوله ص 210 س 1 الاجماع يبحث عن حجيته ... الخ : نمنهج البحث عن الاجماع ضمن النقاط التالية :

1 - ما هي النكتة في حجية الاجماع؟ في ذلك وجوه متعددة نذكر اربعة منها :

ا - ما ذكره الشيخ الطوسي قدس سره من ان العلماء اذا اتفقوا على حكم معين كشف ذلك عن موافقة المعصوم علیه السلام والا كان اللازم عليه من باب اللطف (1) ان يحول دون تحقق ذلك الاتفاق ويمنع من حصوله. وحيث ان الحاكم بوجوب اللطف هو العقل امكن عدّ هذه النكتة نكتة عقلية واساسا عقليا.

ب - ان الوجه في حجية الاجماع هو نفس ادلة حجية الخبر فان خبر الثقة قام الدليل الخاص على حجيتة - كمفهوم آية النبأ - وبعد قيامه على حجيته نقول : ان مثل الشيخ الطوسي او المرتضى اذا نقل الاجماع صدق ان الثقة اخبرنا بخبر فيشمله حينذاك دليل حجية الخبر ويثبت بذلك الاجماع. وبما ان احد الاشخاص المجمعين الذين ينقل عنهم الاجماع هو الامام علیه السلام فيثبت بذلك قوله علیه السلام . وهذا الثبوت ثبوت تعبدي ، اي بسبب الدليل الشرعي الخاص الدال على حجية

ص: 46


1- المقصود من اللطف كل فعل يقرب الى الطاعة ويبعّد عن المعصية ، ولا شك في انّ حيلولة المعصوم عليه السلام من تحقق الاتفاق على الحكم الباطل يقرب الى الطاعة ويبعّد عن المعصية .

الخبر (1).

ج - ما ذهب اليه العامة من التمسك بالحديث الذي ينسبونه الي النبي صلی اللّه علیه و آله « لا تجتمع امتى على خطأ ».

د - ما ذهب اليه السيد الشهيد من التمسك بحساب الاحتمال ، حيث يقال ان حساب الاحتمال يقضي بوجود دليل شرعي معتبر على الحكم بتقريب : ان فتوى كل فقيه وان كان من المحتمل خطؤها الا ان من المحتمل في نفس الوقت استنادها الي دليل شرعي معتبر ، وهذا الاحتمال وان لم يكن قويا الا انه بعد انضمام فتوى كل فقيه الى اختها يقوى ويصل الى درجة الاطمئنان او اليقين (2).

2 - يوجد فارق بين هذه المستندات الاربعة ، ففي المستند الرابع نحاول ان نحصّل بواسطة الاجماع دليلا شرعيا معتبرا على الحكم - حيث نقول : فتوى كل فقيه تكشف بدرجة ضعيفة عن وجود دليل معتبر وبانضمام الفتاوى بعضها الى بعض يحصل الاطمئنان بوجود دليل معتبر - واما في المستندات الثلاثة الاولى فيراد اثبات صحة نفس الحكم المجمع عليه وانه حكم موافق لرأيه علیه السلام حيث نقول في المستند الاول ان مقتضى قاعدة اللطف صحة الحكم المجمع عليه والا لألقى علیه السلام الخلاف بين المجمعين ، وفي المستند الثاني نقول ان ناقل الاجماع ينقل رأيه علیه السلام ضمن نقله لآراء المجمعين وبواسطة دليل حجية الخبر يثبت رأيه علیه السلام ضمن نقله لآراء المجمعين وفي المستند الثالث نقول : ان مقتضى حديث لا تجتمع امتي على خطأ صحة الحكم المتفق عليه.

ص: 47


1- وعبارة الكتاب في بيان هذا الوجه لعلها لا تتطابق تطابقا تاما مع ما ذكرناه.
2- اشار قدس سره الى هذه النقطة من اول كلامه الى قوله ص 210 س 10 « على الحكم الشرعي »

وباختصار : انه في المستند الرابع نحاول تحصيل الدليل على الحكم الشرعي بخلافه في المستندات الاخرى فانا نحاول تحصيل صحة الحكم الشرعي بلا التفات الى دليله. ويترتب على هذا الفارق فارق ثان وهو : انا ذكرنا سابقا الاجماع تحت عنوان « وسائل الاثبات الوجداني للدليل الشرعي » فهو وسيلة من وسائل اثبات الدليل الشرعي ولكن متى يكون وسيلة لاثبات الدليل الشرعي؟ انه على المستند الرابع يكون وسيلة لاثبات الدليل الشرعي حيث ذكرنا انه على المستند الرابع نريد بالاجماع استكشاف الدليل الشرعي ، واما على المستندات الثلاثة الاولى فالاجماع ليس كاشفا عن الدليل الشرعي بل هو دليل غير شرعي - فان الدليل الشرعي هو الكتاب والسنة واما الاجماع والعقل فهما دليلان غير شرعيين - يراد به اثبات نفس الحكم الشرعي لا اثبات الدليل الشرعي. اذن الاجماع عندما نعده من وسائل اثبات الدليل الشرعي فذاك يتم على المستند الرابع فقط (1).

3 - ان الاصوليين - ومنهم الآخوند - قسموا الملازمة الى ثلاثة اقسام :

ا - الملازمة العقلية ، كالملازمة بين ثبوت التواتر وحصول العلم بصدق مضمون الخبر.

ب - الملازمة العادية ، كالملازمة بين آراء اتباع الرئيس ورأي نفس الرئيس ، فان اتفاق آراء الاتباع يلازم عادة رأي الرئيس.

ج - الملازمة الاتفاقية ، كالملازمة بين الخبر المستفيض وحصول العلم بصدقه ، فان الخبر المستفيض الذي هو اقل درجة من المتواتر لا يلازم العلم

ص: 48


1- وقد اشير الى هذه النقطة من قوله ص 210 س 11 والفارق بين الاساس الرابع الى قوله ص 211 س 5 وهذا ما تناوله في المقام

بصدقه الا انه قد يتفق حصول العلم بذلك.

وبعد التعرف على هذه الاقسام الثلاثة نقول : ان غرض الاصوليين من هذا التقسيم الاطلاع على حال الملازمة بين الاجماع وثبوت الدليل الشرعي ، فهل هي ملازمة عقلية او عادية او اتفاقية؟

والسيد الشهيد يعلق على هذا التقسيم بتعليقين :

الاول : ان الملازمة عقلية دائما ولا تكون اتفاقية ولا عادية وانما تنقسم الى الاقسام الثلاثة باعتبار طرفيها ، فان الملازمة قد تتحقق بين ذات الشيئين وفي جميع ظروفهما كالنار والحرارة ، فذات النار تلازم ذات الحرارة في اي حالة من الحالات ، وهذه الملازمة عقلية ، وقد تتحقق بين شيئيين لا في جميع ظروفهما بل في ظروف معينة - وتلك الظروف المعينة موجودة غالبا - وهذه الملازمة عادية ، وقد لا تكون تلك الظروف متواجدة غالبا بل نادرا ، والملازمة حينذاك اتفاقية.

وباختصار : ان الملازمة لا تكون الا عقلية وتقسيمها الى الاقسام الثلاثة هو باعتبار طرفيها لا باعتبار نفسها.

الثاني : ان الاصوليين ذكروا الملازمة بين الخبر المتواتر وصدقه مثالا للملازمة العقلية. وهذا المثال قابل للمناقشة ، فانا نسلم ان الخبر المتواتر متى ما تحقق ثبت صدقه ولكن لا يستحيل انفكاك صدقه عنه - والملازمة العقلية تعني استحالة الانفكاك دون مجرد الثبوت عند الثبوت - والوجه في ذلك ان السبب لحصول العلم بالصدق في الخبر المتواتر هو حساب الاحتمال كما ذكرنا سابقا ، ومن الواضح ان غاية ما يحصله حساب الاحتمال هو العلم بصدق مضمون الخبر دون استحالة الانفكاك.

وقد تسأل عن محل الكلام - الذي ذكر هذا التقسيم لاجله وهو الاجماع -

ص: 49

فهل توجد ملازمة بينه وبين ثبوت صدقه او لا؟ والجواب : ان حال الاجماع حال التواتر فلا توجد ملازمة عقلية بينه وبين صدقه وان كان كلما تحقق حصل العلم بصدق مضمونه ولكن ذلك غير استحالة الانفكاك ، اجل تحصيل التواتر للعلم بصدق مضمون الخبر بحساب الاحتمال اقوى واسرع من تحصيل حساب الاحتمال للعلم في الاجماع وذلك لعدة اسباب تقدمت في الحلقة الثانية ص 172 نذكر واحدا منها وهو : ان الاخبار في باب التواتر اخبار حسية ، فكل مخبر يخبر عن قضية الغدير مثلا اخبارا حسيا بينما اخبار كل فقيه في باب الاجماع اخبار حدسي ، وواضح ان القيمة الاحتمالية للاخبار الحسي اقوى منها في الاخبار الحدسي (1)

4 - وقد تقدم مضمون هذه النقطة سابقا حيث ذكرنا ان الاجماع في نظر السيد الشهيد يكشف عن الدليل الشرعي بتوسط حساب الاحتمال بتقريب : ان فتوى الفقيه وان كان من المحتمل خطؤها الا انه مع ذلك يحتمل استنادها الى دليل شرعي معتبر ، وهذا الاحتمال وان كان ضعيفا لكنه يقوى عند ضم اختها اليها الى درجة قد يحصل الاطمئنان او اليقين (2).

5 - ذكر الشيخ الاصفهاني قدس سره ان الاجماع لا يكشف عن وجود دليل معتبر ، وذلك لوجهين :

ا - انه لو سلم استناد الفقهاء الى رواية معتبرة فبالامكان ان نقول ان تلك الرواية لعلها غير تامة دلالة فى نظرنا لو اطلعنا عليها كما ولعلها بنظرنا غير تامه

ص: 50


1- وقد اشير الى هذه النقطة من قوله ص 211 س 6 وقد قسم الاصوليون الى قوله ص 212 س 14 في الحلقة السابقة.
2- وقد اشير الى هذه النقطة ص 212 س 15 وتقوم الفكرة الى قوله ص 213 س 5 احتمال الخلاف.

سندا ، وعليه فالجزم بتماميتها دلالة وسندا غير ممكن.

ب - يمكن الجزم بعدم استناد الفقهاء لرواية معتبرة والا لذكروها في كتبهم مع انهم لم يذكروها ، وهذا دليل على عدم استنادهم اليها.

وان شئت قلت : ان الفقهاء لو كانوا قد استندوا لرواية فتلك الرواية ان كانت مذكورة في الكتب رجعنا بانفسنا الى تلك الرواية فاذا كانت تامة دلالة وسندا افتينا على طبقها والا طرحناها ، وان لم تكن مذكورة في كتبهم دلّ ذلك على عدم استنادهم اليها ولا لذكروها.

ونجيب اولا عن هذا الوجه الثاني - ثم ننتقل الى الاول - ونقول : لا نقصد من الدليل الشرعي الذي يكشف عنه الاجماع رواية مكتوبة كسائر الروايات المتداولة حتى نرجع اليها مباشرة ونقوم بتقييمها دلالة وسندا بل نقصد من ذلك رواية غير مكتوبة ، فان الفقهاء حينما اتفقوا على حكم معين كحرمة تنجيس المسجد مثلا ولم يكن لذلك مدرك من النصوص دل ذلك على ان الحرمة كانت امرا مركوزا في ذهن اصحاب الائمة علیهم السلام وشيئا واضحا بينهم ، والفقهاء حينما شاهدوا هذا الارتكاز والوضوح افتوا بحرمة تنجيس المسجد واستندوا اليه لان الارتكاز يكشف عن تلقي الحرمة من المعصوم علیه السلام . اذن الاجماع يكشف عن الارتكاز لدى اصحابهم علیهم السلام والارتكاز يكشف عن تلقي الحكم من المعصوم علیه السلام ، فكاشفية الاجماع عن راي المعصوم تحصل بتوسط هذا الارتكاز الذي نعبر عنه بالرواية غير المكتوبة.

وبهذا تزول غرابة عدم تسجيل الرواية - لو كانت هي المستند - في الكتب فانها تتم لو كان المقصود من الرواية الرواية المكتوبة دونما لو كان المقصود هذا الارتكاز.

ص: 51

وبهذا يتضح اندفاع الوجه الاول حيث يقال : ان الذي نريد اكتشافه بالاجماع ليس رواية مكتوبة حتى يشكك في تماميتها دلالة وسندا ، بل المراد اكتشافه هو الارتكاز الوسيط بين الاجماع والسنة التي يراد اكتشافها وهي قول المعصوم علیه السلام او فعله او تقريره.

ثم ان هذا الارتكاز هو المهم. وكل شيء امكننا بواسطته اكتشاف هذا الارتكاز كان حجة وان لم يكن اجماعا. وقد تقدم فى الحلقة الثانية ص 178 خمسة طرق تقوم مقام الاجماع يمكن الاستعانة بها لاكتشاف سيرة اصحاب الائمة علیهم السلام والارتكازات العالقة في اذهانهم.

قوله س 211 س 14 الملزوم : وهو طرف الملازمة.

قوله ص 213 س 15 كذلك : اي سندا.

قوله ص 213 س 17 الموثق : الفرق بين حجية خبر الثقة والخبر الموثق ان الاول يعني حجية خبر الثقة سواء افاد خبره الوثوق والاطمئنان (1) ام لا بينما الثاني يعني حجية الخبر المفيد للوثوق والاطمئنان سواء كان الرواي ثقة ام لا. واما الخبر الحسن فهو الخبر الذي يكون احد رواته او كلهم اماميا ممدوحا بدون ثبوت عدالته.

قوله ص 214 س 12 من فقهاء عصر الغيبة المتقدمين : التقييد بالمتقدمين لما سيأتي من كون الاجماع الكاشف عن الارتكاز هو اجماع الفقهاء المتقدمين دون المتأخرين.

قوله س 214 س 17 الفهقاء والمتقدمين : الصواب : الفقهاء المتقدمين.

قوله ص 215 س 9 وعدم اشارتهم : الواو بمعنى مع.

ص: 52


1- الوثوق والاطمئنان هما بمعنى واحد.

قوله ص 215 س 17 والدليل الشرعي المباشر من المعصوم : وهو قوله علیه السلام او فعله او تقريره.

قوله ص 216 س 8 هذا الحكم : اي الحكم المعين.

الشروط المساعدة على كشف الاجماع.

قوله ص 216 س 12 وعلى اساس ما عرفنا ... الخ : عرفنا ان الوجه في حجية الاجماع كاشفيته عن الارتكاز. وهذه الكاشفية لا تحصل الا اذا تمت الشرائط التالية :

1 - ان يكون الاجماع ثابتا بين الفقهاء المتقدمين ، ولا يكفي حصوله بين المتأخرين مع مخالفة المتقدمين ، اذا الكاشف هو الاجماع بين المتقدمين ، فانهم المقاربون لعصر اصحاب الائمة علیهم السلام وهم الذين يمكن ان يواجهوا ذلك الارتكاز ويكشف اتفاقهم عنه ، واما اتفاق المتأخرين مع مخالفة المتقدمين فلا يكشف عن الارتكاز.

2 - ان لا توجد آية او رواية او اي مدرك آخر يحتمل استناد المجمعين اليه - ويسمى الاجماع مع وجود المدرك بالاجماع المدركي - اذ مع وجوده لا يكون الاجماع كاشفا عن الارتكاز حتى يكون حجة. وهذا مما يلزم التنبه اليه ، اذ قد يتخيل الذهن ان الاجماع لو كان له مدرك فهو اولى بالحجية ولكنه مردود بانه مع وجود المدرك لا يكون الاجماع مسببا عن ذلك الارتكاز وكاشفا عنه ليكون حجة بل هو ناشئ عن المدرك ويلزم الرجوع اليه - المدرك - ليلاحظ اهو تام او لا ، فان كان المدرك مثلا رواية معينة لزم الرجوع اليها ، فاذا كانت تامة السند والدلالة اخذنا بها وان لم يعتمد عليها المجمعون ، واذا لم تكن تامة السند أو الدلالة

ص: 53

لم نأخذ بها وان اعتمد عليها المجمعون.

اجل نستدرك لنقول : ان الرواية قد تكون ضعيفة الدلالة على معنى معين في نظرنا ولكن استناد المجمعين اليها يصير سببا لقوة دلالتها على ذلك المعنى باعتبار ان استنادهم وفهمهم ذلك المعنى المعين منها يولّد اطمئنانا بكون الظروف التي صدرت فيها الرواية ظروفا تساعد على فهم ذلك المعنى المعين ولئن لم يفهم ذلك المعنى الآن فهو ناتج عن تغير تلك الظروف ، الا ان هذا مطلب آخر غير ما نحن بصدده فاننا بصدد البحث عن ان الاجماع الذي له مدرك هل هو حجة او لا؟ ولسنا بصدد ان الاجماع المدركي بعد عدم حجيته هل يجبر ضعف دلالة الرواية او لا.

ثم ان الاجماع المدركي ليس حجة بلا فرق بين الجزم بكون المدرك الموجود قد استند اليه المجمعون وبين ان يكون مما يحتمل استنادهم اليه بدون جزم بذلك ، فانه على كلا التقديرين لا يكون حجة للنكتة المتقدمة وهي انه مع وجود المدرك الجزمي او الاحتمالي لا يقطع بكاشفية الاجماع عن الارتكاز حتى يكون حجة ، اذ لعل سبب تحقق الاجماع هو ذلك المدرك دون الارتكاز.

3 - ان لا تكون هناك قرائن تدل على عدم تحقق ذلك الارتكاز اذ حجية الاجماع انما هي بسبب كاشفيته عن الارتكاز ، فاذا فرضنا وجود قرائن تنفي تحققه وتدل على ان سبب ثبوت الاجماع ليس هو الارتكاز فلا يكون حجة كما هو واضح.

4 - ان لا تكون المسألة من المسائل التي يحكم فيها العقل ، فالاجماع على ان مقدمة الواجب واجبة ليس حجة ، اذ لعل سبب تحقق الاجماع هو حكم العقل بوجوب مقدمة الواجب دون الارتكاز. وهكذا يلزم عدم وجود اطلاق او عموم

ص: 54

يدل على الحكم المجمع عليه ، اذ مع وجود الاطلاق او العموم لا يجزم بكاشفية الاجماع عن الارتكاز ، بل يحتمل كون السبب لتحقق الاجماع هو ذلك الاطلاق او العموم.

وبكلمة جامعة : انه يلزم في حجية الاجماع ان يكون سبب تحققه منحصرا بالتعبد الشرعي - المكتشف بالارتكاز - دون اطلاق او عموم او حكم العقل (1).

قوله ص 216 س 13 وتسلسلها : عطف تفسير. والتسلسل المبين سابقا هو ان الاجماع كاشف عن الارتكاز ، والارتكاز كاشف عن صدور السنة منه علیه السلام .

قوله ص 217 س 4 ومن اليهم : اي ومن يناظرهم ويشبههم وهم المعاصرون للائمة علیهم السلام وان لم يكونوا من الرواة وحملة الحديث.

قوله ص 217 س 6 بل ان لا يكون هناك مدرك ... الخ : ما سبق ناظر الى صورة وجود المدرك الجزمي ، وهذا ناظر لصورة احتمال كون الآية او الرواية مدركا لهم بدون جزم بذلك.

قوله ص 217 س 8 قد يشكّل : بتشديد الكاف ، وقوله : قوة فيه : مفعول ليشكل.

قوله ص 217 س 13 التشكيك المعاصر : اي التشكيك في زماننا الحاضر.

قوله ص 218 س 3 ودور الوسيط : وهو الارتكاز. والضمير في قوله « فيه » يرجع الى الاكتشاف. ثم ان دور الوسيط كشفه عن صدور السنة منه علیه السلام .

ص: 55


1- لعل الحاق هذا الشرط الرابع بالشرط الثاني أولى لانه من مصاديقه فيقال هكذا : الشرط الثاني : عدم كون الاجماع مدركيا ، ويترتب على ذلك ان لا تكون المسألة عقلية ولا مما فيها اطلاق او عموم .

وكيفية تسلسل الاكتشاف : ان الاجماع يكشف عن الارتكاز ، والارتكاز يكشف عن صدور السنة منه علیه السلام .

قوله ص 218 س 7 مسألة تفريعية : اي فقهية.

مقدار دلالة الاجماع.

قوله ص 218 س 9 لما كان كشف الاجماع ... الخ : في هذا المبحث نقطتان.

1 - ان فتاوى العلماء اذا كانت مختلفة - بأن كان بعضها عاما والآخر خاصا كما لو قال بعض : الخيارات ثابتة في المعاملة وقال بعض آخر الخيارات ثابتة في البيع - اخذ بالخاص وحكم بثبوت الخيار في خصوص البيع لأن المقدار المتفق عليه بين الجميع هو ثبوت الخيار في خصوص البيع لا مطلق المعامله.

2 - اذا قال العلماء : « يثبت الخيار في المعاملة » مثلا ، فهذا التعبير يدل على ثبوت الخيار في المعاملة وباطلاقه يدل على ثبوت جميع اقسام الخيار في جميع اقسام المعاملة ولكن دلالة الاجماع على هذا الاطلاق وكاشفيته عنه اضعف من دلالته على اصل الحكم - اي اصل ثبوت الخيار في المعاملة - لأن نكتة حجية الاجماع كاشفيته عن الارتكاز ، ومن الواضح ان احتمال خطأ المجمعين في تشخيص اصل الارتكاز اضعف من احتمال خطأهم في تشخيص تفاصيله كما هو واضح ، اذ هو - الارتكاز - ليس قضية لفظية حتى تكون دلالتها على اطلاق المعنى مساويا لدلالتها على اصل المعنى بل هو قضية معنوية قد يشوبها الغموض في اطلاقها.

قوله ص 218 س 9 على اساس تجمع انظار ... الخ : اي على اساس اتفاق فتاوى العلماء في القضية الواحدة.

ص: 56

قوله ص 218 س 10 بالمقدار المتفق عليه : وهو الخاص عند اختلاف تعبير العلماء.

قوله ص 218 س 12 ويعتبر كشف الاجماع : هذا اشارة الى النقطة الثانية.

قوله ص 218 س 13 بنحو القضية المهملة : اي بقطع النظر عن الاطلاق والتفاصيل.

قوله ص 219 س 2 ومن اليهم : اي ومن يشبههم ، وهم اصحابهم علیهم السلام من غير الرواة.

قوله ص 219 س 4 حدوده وامتداداته : اي اطلاقه.

الاجماع البسيط والمركب

قوله ص 219 س 9 يقسّم الاجماع ... الخ : الاجماع على قسمين ، فتارة يفرض اتفاق جميع الفقهاء على حكم واحد معين كاتفاقهم على وجوب صلاة الجمعة زمن الغيبة ، ويسمى ذلك بالاجماع البسيط - وكلامنا فيما سبق كان يدور حول هذا الاجماع - واخرى يفرض ان نصف العلماء يقول بالوجوب والنصف الآخر يقول بالاستحباب ، ومثله يسمى بالاجماع المركب.

ثم انه عند اختلاف العلماء على قولين يوجد فرضان :

ا - ان تنفي كلتا الطائفتين الاحتمال الثالث - كحرمة صلاة الجمعة - حتى على تقدير بطلان الرأي المختار لها ، فكل طائفة حتى على تقدير بطلان الوجوب والاستحباب تنفي الحرمة ، وفي مثله يمكن القول بتحقق اجماع بسيط من الكل على نفي الحرمة.

ب - ان تنفي كلتا الطائفتين احتمال الحرمة فيما اذا كان الرأي المختار لها هو

ص: 57

الصحيح فالطائفة الاولى تقول اني انفي الحرمة لو كان احتمال الوجوب الذي اخترته صحيحا ، وعلى تقدير بطلانه لا انفيها ، والطائفة الثانية تقول كذلك اي اني انفي احتمال الحرمة لو كان احتمال الاستحباب صحيحا دونما اذا كان باطلا. وفي مثل هذه الفرضية يصدق على الاجماع انه اجماع مركب على نفي الاحتمال الثالث.

وبعد ان عرفنا اختصاص الاجماع المركب بالفرضية الثانية نسأل : هل الاجماع المركب حجة او لا؟ الصحيح العدم ، لان حجية الاجماع انما هي باعتبار تجميع القيم الاحتمالية ، ومن الواضح انه عند اختلاف العلماء على رأيين نعلم ببطلان احد الرأيين ومعه يكون نصف القيم الاحتمالية باطلا وبالتالي لا يمكن جمع جميع القيم الاحتمالية حتى يتولد اليقين بالارتكاز.

قوله ص 220 س 3 باعتبار كشفه : اي كشفه عن الارتكاز.

ص: 58

الشهرة

قوله ص 220 س 9 كلمة الشهرة بمعنى الذيوع ... الخ : نريد في هذا البحث توضيح معنى الشهرة لغة ثم توضيح معناها في المصطلح الاصولي.

اما لغة فالشهرة تعني الوضوح والذيوع ، يقال : شهر فلان سيفه اي اوضحه بعد ما كان مستورا في غمده ، ويقال : اشتهر الخبر بمعنى وضح وذاع.

واما في المصطلح الاصولي فهي تطلق على معنيين :

ا - الشهرة الروائية. ويراد بها كثرة الناقلين للرواية من دون ان يصل الى حد التواتر. وفي هذا المعنى اضيفت الشهرة الى الرواية.

ب - الشهرة الفتوائية. ويراد بها شهرة الافتاء بفتوى معينة دون ان يصل ذلك الى حد الاجماع. وفي هذا المعنى اضيفت الشهرة الى الفتوى.

وبعد هذا نسال هل يمكن عدّ الشهرة من وسائل الاثبات الوجداني او لا؟ والجواب اما بالنسبة الى الشهرة الروائية فهى تعني بلوغ نقل الرواية الى مادون التواتر. ولكن ما هو التواتر؟ ان التواتر حدد تحديدا كيفيا ، فهو كثرة الناقل للخبر الى حد يحصل العلم بمضمونه. وعلى اساس هذا التحديد لا بد ان تكون الشهرة الروائية - وقد قلنا انها ادون من مرتبة التواتر - عبارة عن نقل جماعة كثيرة للرواية الى حدّ يحصل الظن دون العلم. واذا كانت تحصّل الظن فهي ليست من وسائل الاثبات الوجداني - اذ وسائل الاثبات الوجداني هى الوسائل المفيدة لليقين - وبالتالي لا تكون حجة الا اذا قام دليل قطعي على ثبوت الحجيه تعبدا

ص: 59

للخبر المفيد للظن. وسيأتي في المبحث التالي - ص 223 من الحلقة - اقامة الدليل على ثبوت الحجيه تعبدا للخبر الظني (1) هذا كله في توضيح الشهرة الروائية.

اما الشهرة الفتوائية فهي كما قلنا عبارة عن بلوغ الفتوى لما دون الاجماع. ولكن ما هو الاجماع؟ انه يمكن تحديده بشكلين ، فتارة يحدد بتحديد كيفي واخرى بتحديد كمّي (2) :

1 - فان حدد بتحديد كيفي بان قيل ان الاجماع هو الاتفاق الموجب للعلم بصحة الحكم المتفق عليه (3) ، فالشهرة الفتوائية على هذا تعني افتاء جماعة كبيرة من العلماء بفتوى معينة دون ان يحصل العلم بالحكم. وبناء عليه لا تكون الشهرة الفتوائية من وسائل الاثبات الوجداني لانها لا تفيد اليقين بل الظن ، وبالتالي لا تكون حجة الا اذا قام دليل قطعي على حجيتها تعبدا. وقد اختلف الاصوليون في قيام الدليل القطعي على حجيتها تعبدا وعدمه. ولعل الرأي السائد هو حجيتها تعبدا. وستأتي الاشارة من السيد الشهيد في آخر كلامه (4) الى هذا النزاع الاصولي في حجية الشهرة الفتوائية تعبدا.

ص: 60


1- وبذلك يدخل في وسائل الاثبات التعبدي.
2- اما التواتر فقد مر انه لا يحدد الا بالتحديد الكيفي. والمراد بالتحديد الكمي التحديد من حيث العدد بان يقال ان الاجماع هو اتفاق العلماء باسرهم. ويراد بالتحديد الكيفي التحديد من حيث افادة العلم بان يقال الاجماع هو الاتفاق الموجب للعلم بصحة الحكم بقطع النظر عن كون المتفقين هم الكل او الجل.
3- المراد من العلم ما يشمل الاطمئنان.
4- وهو قوله 1 ص 222 س 3 من الحلقه : ثم ان في الشهرة في الفتوى بحثا آخر ... الخ وانما لم يبحث قدس سره هذا البحث هنا لان البحث هنا ناظر الى وسائل الاثبات الوجداني ، والشهرة الفتوائية بناء على حجيتها تعبدا ليست من وسائل الاثبات الوجداني.

2 - واذا حددنا الاجماع تحديدا كميا ، بان قلنا انه اتفاق العلماء بأسرهم على حكم معين سواء حصل العلم ام لا لزم ان تكون الشهرة الفتوائية - التي فرضنا انها دون الاجماع - عبارة عن افتاء اكثر الفقهاء بفتوى معينة سواء حصل العلم بالحكم ام لا ، فكل فتوى يفتي بها اكثر الفقهاء فهي شهرة فتوائية بدون فرق بين ان نجهل فتوى بقية الفقهاء او نظن بموافقتهم او نعلم بمخالفتهم ، فعلى جميع التقادير تصدق الشهرة الفتوائية.

ثم انه ينبغي الالتفات الى ان الشهرة الفتوائية اذا حصل العلم منها دخلت تحت الاجماع بالتحديد الكيفي فانا ذكرنا في التحديد الكيفي للاجماع انه الاتفاق الموجب للعلم سواء كان اتفاقا لكل الفقهاء ام لأكثرهم ، وبناء عليه اذا افادت الشهرة الفتوائية العلم صارت اجماعا بالتحديد الكيفي وبالتالي من وسائل الاثبات الوجداني.

وطبيعي ان تحصيل الشهرة الفتوائية للعلم يختلف باختلاف الموارد ، فان الاكثر الذي يفتي بالفتوى المشهورة اذا كان فيهم مثل المفيد والطوسى واضرابهم حصل اليقين بشكل اسرع ، بينما اذا لم يكن ضمنهم امثال هؤلاء لم يحصل اليقين بشكل سريع بل ربما لا يحصل ابدا.

كما وان الاعلام الذين لم يدخلوا مع المشهور قد تحرز مخالفتهم وقد لا تحرز ، وعدم الاحراز لربما يسهّل حصول اليقين بخلاف ما اذا احرز ذلك.

ثم ان الموقع العلمي للشخص المخالف له الاثر في هذا المجال ايضا ، فقد لا يكون للمخالف موقع علمي مهم فلا تكون مخالفته مانعة من حصول اليقين بخلاف ما لو كان له ذلك.

وباختصار : ان حصول اليقين من الفتوى المشهورة يتأثر باختلاف

ص: 61

خصوصيات متعددة لا بد من ملاحظتها.

وفي النهاية نلفت النظر الى ان عدّ الشهرة من وسائل الاثبات الوجداني انما هو باعتبار افادتها (1) للعلم احيانا ضمن الشروط المتقدمة.

قوله ص 221 س 5 كما يأتي : اي في المبحث الآتي ص 223 من الحلقة.

قوله ص 221 س 10 ما لم يقم دليل على التعبد بحجيته : وهذا البحث - اي البحث عن حجية الشهرة الفتوائية تعبدا - بحث مشهور بين الاصوليين وتأتي الاشارة اليه ص 222 ص 3.

قوله ص 221 س 11 مجموعة الفقهاء : اي جميع الفقهاء بأسرهم. ولعل التعبير ب- « جميع الفقهاء » انسب.

قوله ص 222 س 4 وهذا خارج عن محل الكلام : لأن الكلام انما هو في وسائل الاثبات الوجداني ، وواضح ان الشهرة الفتوائية بناء على حجيتها التعبدية لا تكون من وسائل الاثبات الوجداني.

قوله ص 222 س 4 وانما يدخل في قسم الدليل غير الشرعي : لعل المناسب : وانما يدخل في وسائل الاثبات التعبدي.

ص: 62


1- اي الشهره الفتوائيه والا فالشهرة الروائيه لا تفيد العلم كما تقدم.

وسائل الاثبات التعبدي أو حجية الخبر

اشارة

ص: 63

ص: 64

وسائل الاثبات التعبدي

قوله ص 223 س 1 وأهم ما يذكر ... الخ : وسيلة الاثبات التعبدي عبارة اخرى عن الظن الذي قام الدليل القطعي على حجيته ، فيمكننا على هذا ابدال جملة « وسائل الاثبات التعبدي » بجملة « الظنون التي قام الدليل القطعي على حجيتها ».

والظنون التي بحث الاصوليون عن حجيتها متعددة كخبر الواحد ، الشهرة الفتوائية ، الاجماع المنقول وغير ذلك (1). ونحن نبحث عن واحد منها وهو خبر الواحد.

وليس المراد من خبر الواحد الخبر الذي يرويه شخص واحد بل كل خبر لم يبلغ حد التواتر حتى وان كان الراوي له اشخاصا متعددين.

ثم انه ليس المقصود من اثبات الحجية للخبر اثباتها لجميع اقسامه حتى مثل خبر غير الثقة الذي لم يعمل به المشهور بل اثباتها لبعض اقسامه - كخبر الثقة - في مقابل السيد المرتضى الذي نسب اليه السلب الكلي وانه لا شيء من الخبر بحجة.

والبحث عن حجية الخبر يقع في مرحلتين :

الاولى : اثبات حجيته على نحو الموجبة الجزئية - المعبر عنها بالقضية

ص: 65


1- تقدمت محاولة ادخال الشهرة الفتوائية والاجماع تحت وسائل الاثبات الوجداني وان كان المشهور بين الاصوليين كونهما من وسائل الاثبات التعبدي.

المهملة - في مقابل السيد المرتض الذي ادعى السلب الكلي.

الثانية : بعد ثبوت حجية الخبر بنحو الموجبة الجزئية يقع الكلام عن تشخيص ذلك الخبر الثابت له الحجية فى الجملة ، فهل الحجة هو خبر الثقة او خبر العادل او الخبر الذي عمل به المشهور او غير ذلك.

المرحلة الاولى.

اشارة

قوله 223 س 8 والمشهور بين العلماء ... الخ : المشهور ان خبر الواحد حجة بنحو الموجبة الجزئية. وخالف في ذلك المرتضى وابن زهرة وابن ادريس والطبرسي قدس سره حيث نسب لهم ان لا شيء من الخبر بحجة.

واستدل المشهور على الحجية بالكتاب والسنة والعقل.

اما الكتاب الكريم فاستدل منه بعدة آيات نذكر منها :

الآية الاولى.

آية النبأ المذكورة في سورة الحجرات : « ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ».

والاستدلال بها على الحجية بوجهين :

الاول : التمسك بمفهوم الشرط.

الثاني : التمسك بمفهوم الوصف (1).

اما تقريب الاستدلال بمفهوم الشرط فبأن يقال : ان الآية الكريمة علقت بمنطوقها وجوب التبين على شرط وهو مجيء الفاسق ، فتدل بمفهومها على عدم

ص: 66


1- والفارق بين الوجهين يأتي عند التعرض للوجه الثاني.

وجوب التبين عند عدم مجىء الفاسق. وهذا المقدار واضح. وقد يتخيل انه به يتم الاستدلال بالآية الكريمة على حجية خبر العادل (1) ، ولكنه باطل ، فانه بمجرد عدم وجوب التبين لا تثبت الحجية ، اذ من الوجيه عدم وجوب التبين عن خبر العادل وفي نفس الوقت لا يكون حجة ولا يجب قبوله.

ولا جل تتميم الاستدلال نقول : اذا لم يجب التبين عن خبر العادل كان حجة اما :

ا - لان وجوب التبين عن خبر الفاسق كناية عرفا عن عدم حجيته فحينما يقال تبين عن خبر الفاسق يفهم منه عدم حجيته ، واذا دل المفهوم على عدم وجوب التبين عن خبر العادل كان ذلك عرفا كناية عن حجيته.

ب - او لما ذكره الشيخ الاعظم من ان وجوب التبين عن خبر الفاسق لو كان وجوبا نفسيا (2) فلا يمكن استفادة حجية خبر العادل ، لان عدم وجوب التبين لا يلازم الحجية فلعله لا يجب التبين عن الخبر ومع ذلك لا يجب قبوله ، ولكنا نقول : ان وجوب التبين ليس وجوبا نفسيا بل هو وجوب شرطي ، بمعنى ان التبين شرط لجواز العمل بخبر الفاسق وبالمفهوم يستفاد اذا جاء العادل بالخبر فجواز العمل به ليس مشروطا بالتبين. والشيخ الاعظم اعتقدانه بهذا المقدار يتم الاستدلال بالآية بلا حاجة الى ضم مقدمة الأسوأية ، اذ جواز العمل بخبر العادل

ص: 67


1- وذلك بعد ضمّ مقدمه الاسوأيه بان يقال اذا لم يكن خبر العادل حجه بل يرد من دون تبين حاله يلزم ان يكون حاله اسؤ من خبر الفاسق اذ الفاسق لم يرد خبره مباشره بل يفحص عن حاله فان لم يتضح صدقه ردّ وهذا بخلاف خبر العادل فانه يرد مباشره بلا فحص عن حاله فيكون اسوء.
2- المقصود من الوجوب النفسي ان الفاسق اذا اخبر عن شيء وجب الفحص عن خبره سواء اريد العمل به ام لا.

اذا لم يكن مشروطا بالتبين فلازمه جواز العمل به بلا حاجة الى تبين وهو المطلوب.

هذا ويمكن ان يقال : ان هذا المقدار لا يكفي لتمامية الاستدلال بالآية ، اي ان مجرد عدم اشتراط جواز العمل بالتبين لا يدل على الحجية ، اذ حينما نقول : جواز العمل بخبر العادل ليس مشروطا بالتبين ففيه احتمالان :

1 - ان يكون المقصود : يجوز العمل بخبر العادل بلا حاجة الى تبين ، ولازم هذا حجية خبره. وهذا الاحتمال هو الذي فهمه الشيخ الاعظم ، وعلى اساسه اعتقد تمامية دلالة الآية على حجية خبر العادل.

2 - ان يكون المقصود : لا يجوز العمل بخبر العادل حتى مع التبين فانه اذا لم يجز العمل به حتى مع التبين صدق ان جواز العمل بخبر العادل غير مشروط بالتبين. وهذا نظير ان يقال : جواز اكل لحم الخنزير ليس مشروطا بالمرض فان في ذلك احتمالين ، فيحتمل كون المقصود يجوز الاكل وان لم يكن هناك مرض ، كما ويحتمل ان يكون المقصود لا يجوز الاكل حتى مع افتراض المرض ، اذ على كلا الاحتمالين يصدق ان جواز الاكل غير مشروط بالمرض.

والى هنا اتضح ان الوجوب لو كان شرطيا فالاية بمفهومها تدل على ان جواز العمل بخبر العادل ليس مشروطا بالتبين ، واتضح ان في ذلك احتمالين احدهما يلائم الحجية والآخر لا يلائمها ، وبعد هذا نأخذ بابطال الاحتمال الثاني - ليتعين الاحتمال الاول الملائم للحجية - بوجهين :

1 - ان خبر العادل اذا لم يجز قبوله حتى بعد التبين يلزم ان يكون حال العادل اسوء من حال الفاسق ، اذ الفاسق بعد التبين عن خبره يجوز العمل بخبره ، فاذا فرض ان العادل لا يجوز العمل بخبره حتى بعد التبين لزم كون حاله اسوء.

ص: 68

2 - ان العادل اذا فحصنا عن خبره واتضح صدقه حصل العلم بصدقه وبعد العلم بصدقه كيف لا يكون حجة ولا يجب قبوله.

واذا بطل الاحتمال الثاني تعين الاحتمال الاول الذي بموجبه يكون خبر العادل حجة.

اعتراضان على آية النبأ

وقد اعترض على الاستدلال بآية النبأ بعدة اعتراضات ، والمهم منها اثنان :

الاول : ان الاية الكريمة من قبيل الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع - اي هي نظير « ان رزقت ولدا فاختنه » - والشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع لا مفهوم لها كما هو واضح.

اما لماذا كانت الشرطية من القبيل المذكور؟ تكمن النكتة في كون الشرط هو المحقق للموضوع كما في رزق الولد ، فانه المحقق للولد ، اذ بدون رزق اللّه تعالى لا يمكن وجوده ، وهكذا في المقام ، فانه من دون مجيء الفاسق بالنبأ لا يتحقق نبأ الفاسق ، وكل شرطيه كان الشرط فيها محققا للموضوع فهي ما نصطلح عليها بالمسوقه لبيان تحقق الموضوع.

والجواب : ان كل شرطية لها موضوع وشرط. وفي المقصود من الموضوع والشرط في الآية الكريمة ثلاثة احتمالات على تقدير بعضها يكون لها مفهوم وعلى تقدير بعضها الآخر لا يكون لها ذلك. والاحتمالات هي :

ا - ان يكون الموضوع طبيعي النبأ لا خصوص نبأ الفاسق ويكون الشرط مجيء الفاسق بالنبأ ، فيصير المعنى هكذا : النبأ ان جاء به الفاسق وجب التبين عنه.

ص: 69

والشرط - وهو مجيء الفاسق - بناء على هذا الاحتمال وان كان يحقق النبأ الا ان مجيء الفاسق بالنبأ ليس هو الوسيلة الوحيدة لتحقق اصل النبأ بل يمكن تحققه بمجىء العادل ايضا ، واذا لم يكن مجىء الفاسق هو الوسيلة الوحيدة كان للآية مفهوم اذ مرّ ص 174 - 175 من الحلقة : ان الشرط اذا لم يكن هو الاسلوب الوحيد لتحقق الموضوع كان له مفهوم.

ب - ان يكون الموضوع نبأ الفاسق بالخصوص لا طبيعي النبأ ، ويكون الشرط مجيء الفاسق به ، والتقدير هكذا : نبأ الفاسق اذا جاء به الفاسق وجب التبين عنه ، وبناء عليه يكون الشرط هو الطريق الوحيد لتحقق الموضوع - اذ نبأ الفاسق بقيد كونه نبأ الفاسق لا يتحقق الا بمجىء الفاسق - ومعه لا يثبت المفهوم جزما.

ج - ان يكون الموضوع هو المخبر - اي الجائي بالخبر - ويكون الشرط فسقه ، والتقدير هكذا : المخبر ان كان فاسقا وجب التبين عنه. وبناء عليه يثبت المفهوم جزما لان الشرط ليس هو المحقق للموضوع ، اذ فسق المخبر لا يحقق وجود المخبر كما هو واضح.

اذن على الاحتمال الاول والثالث يثبت المفهوم دونه على الاحتمال الثاني ، وحيث ان الظاهر من الآية الكريمة هو الاحتمال الاول - لانها اخذت الموضوع طبيعي النبأ ، وقالت : ان جاءكم فاسق بنبأ ولم تقل : ان جاءكم فاسق بنبأ الفاسق ، وهكذا لم تقل : المخبر ان كان فاسقا بل قالت : ان جاءكم فاسق بنبأ فالنبأ هو الموضوع ، ومجيء الفاسق هو الشرط - فالمفهوم ثابت.

الثاني : ان الآية ذكرت في ذيلها تعليلا يدل على ان خبر العادل ليس حجة اذ عللت وجوب التبين عن نبأ الفاسق باحتمال اصابة القوم بالجهالة وعدم العلم ،

ص: 70

حيث قالت : ان تصيبوا قوما بجهالة ، اي مخافة ان تصيبوا قوما بالجهالة وعدم العلم ، وهذا يدل على ان كل خبر اذا لم يفد العلم فالتبين عنه واجب ، وخبر العادل حيث لا يفيد العلم فالتبين عنه واجب. وبكلمة اخرى : لو سلم دلالة الآية بقطع النظر عن التعليل على حجية خبر العادل لكن بسبب التعليل تدل على عدم حجيته ، وهذا نظير ما اذا قيل : لا تأكل الرمان لانه حامض ، فانه بقطع النظر عن التعليل يدل على النهي عن اكل خصوص الرمان ولكن مع الالتفات الى التعليل يستفاد ان كل حامض لا يجوز اكله وان لم يكن رمانا.

وقد اجيب عن هذا الاعتراض بعدة اجوبة نذكر منها ثلاثة :

1 - ان حصيلة الاعتراض ترجع الى معارضة التعليل للمفهوم على تقدير ثبوته ، ويمكن ان يقال : ان المعارضة بين المفهوم والتعليل هي من قبيل معارضة الخاص والعام ، فان التعليل عام يدل على ان كل خبر لا يفيد العلم فهو ليس حجة ، والمفهوم خاص يدل على ان خبر العادل حجة وان لم يفد العلم ، وواضح عند المعارضة بين الخاص والعام يخصص العام بالخاص فتصير النتيجة هكذا : كل ما لا يفيد العلم فهو ليس حجة الا خبر العادل فهو حجة وان لم يفد العلم.

ويمكن مناقشة الجواب المذكور بأنّا لا ندعي ان المفهوم منعقد وثابت ولكنه معارض بالتعليل حتى يقال ما تقدم ، بل ندعي ان التعليل ما دام قد اتصل بالمنطوق ولم يكن منفصلا عنه فلا ينعقد مفهوم اصلا ، اذ التعليل الدال على وجوب التبين حتى في خبر العادل يقتضي عدم انعقاد ظهور للآية في المفهوم ، اي لا يثبت لها ظهور في عدم وجوب التبين عن خبر العادل.

2 - ما ذكره الميرزا بناء على مسلكه في معنى جعل الحجية ، حيث مر

ص: 71

ص 25 من الحلقة انه يرى (1) ان المولى اذا قال جعلت الخبر حجة فمرجع ذلك الى اني جعلت الخبر علما وطريقا ، فمعنى جعل الحجية اذن هو جعل العلمية والطريقية. وقد استفاد قدس سره من هذا المسلك في موارد متعددة منها المقام حيث قال : بناء على المسلك المذكور يرتفع اشكال التعارض بين المفهوم والتعليل ، فان التعليل يقول : كل خبر لا يفيد العلم الوجداني فالتبين عنه واجب ، وهذا المقدار لا يتنافى مع المفهوم ، اذ المفهوم يقول ان خبر العادل لا يجب التبين عنه اي هو حجة ، وحيث ان معنى الحجية جعل العلمية فيصير معنى المفهوم : جعلت خبر العادل علما ، فخبر العادل خارج من موضوع التعليل لان موضوع التعليل هو الخبر الذي لا يفيد العلم ، والمفروض ان خبر العادل علم ومعه فلا منافاة. ثم ان هذا الخروج خروج تعبدي وليس حقيقيا ، اذ بجعل خبر العادل حجة لا يصير علما حقيقة بل علما تعبدا. ومثل هذا الخروج التعبدي يسمى بالحكومة. والدليل المخرج - بكسر الراء - يسمى بالحاكم ، والدليل الآخر المخرج منه يسمى بالمحكوم ، فالمفهوم حيث انه يخرج خبر العادل من التعليل فهو حاكم ، والتعليل الذي خرج منه خبر العادل محكوم (2).

ويرد على هذا الوجه الميرزائي انه مبني على مسلك جعل العلمية ونحن لا نسلمه ، وعلى تقدير تسليمه فالميرزا ذكر ان المفهوم يصير هكذا : خبر العادل

ص: 72


1- وهكذا السيد الخوئي « دام ظله »
2- قد يقال : ان جواب الميرزا هذا يتم على تقدير ثبوت المفهوم وانعقاده ، فانه بعد ثبوته يصير حاكما على التعليل ، ولكن مرّ سابقا ان التعليل ما دام متصلا بالمفهوم فلا ينعقد ظهور في المفهوم اصلا فكيف يصير حاكما على التعليل. والجواب : ان التعليل انما يمنع من انعقاد المفهوم فيما لو كان منافيا له ، فاذا قلنا ان المفهوم حاكم على التعليل فلا يكون منافيا له حتى يمنع من انعقاده.

علم ، وهذا شيء مقبول ، ولكن نقول : كما ان المفهوم جعل الحجية - اي العلمية - لخبر العادل كذلك المنطوق سلب الحجية عن خبر الفاسق ، واذا كانت الحجية الثابتة في المفهوم معناها جعل العلمية فيلزم ان يكون سلب الحجية الدال عليه المنطوق معناه عدم جعل العلمية فيصير المنطوق هكذا : خبر الفاسق ليس حجة اي ليس علما ، ثم بعد هذا نقول : ان التعليل بعمومه يريد توسعة الحكم الثابت في المنطوق - فحينما يقال : لا تاكل الرمان لانه حامض يكون التعليل مفيدا لتوسعة حرمة الاكل لكل حامض وان لم يكن رمانا - اي يريد ان يعمم وجوب التبين وعدم الحجية وبالتالي سلب العلمية عن كل خبر لا يفيد العلم الوجداني فيصير مفاد التعليل هكذا : كل ما لا يفيد العلم الوجداني فهو ليس حجة اي لا اجعله علما تعبدا. ثم نقول : لو ضممنا التعليل بعد توسعته الى المفهوم لم نجد بينهما حكومة بل كمال المعارضة ، فان التعليل يقول : كل خبر لا يفيد العلم الوجداني - ومنه خبر العادل - لم اجعله علما ، والمفهوم يقول : جعلت خبر العادل علما ، وبتعبير آخر : احدهما يقول : خبر العادل ليس علما ، والآخر يقول : خبر العادل علم ، وواضح ان مثل هذين اللسانين ليس بينهما حكومة بل هما متعارضان (1) ، اذ احدهما يثبت العلمية لخبر العادل والآخر ينفيها عنه ، وهذا نظير ما اذا قال شخص : زيد عالم ، وقال آخر : زيد ليس بعالم ، فهل ترى ان احدهما حاكم على الآخر؟ كلا ، بل هما متعارضان.

ولاجل ان يتضح المقصود اكثر نقول : ان هنا نكتتين لم يوجه الميرزا نظره

ص: 73


1- اي هما متعارضان بنحو العموم والخصوص ، فالتعليل عام والمفهوم خاص - وليس بينهما حكومة كما اعتقد الميرزا - ولكن لا يمكن ان يخصص المفهوم التعليل لما مر في الجواب الاول من عدم امكان التخصيص.

اليهما ، فهو قد التفت الى ان المفهوم يجعل الحجية لخبر العادل وبالتالي يجعله علما ، ونحن نسلم هذا ، ولكن هنا نكتتان احداهما : ان المفهوم كما يثبت الحجية والعلمية لخبر العادل كذلك المنطوق ينفي الحجية والعلمية عن خبر الفاسق. وثانيتهما : ان التعليل يوسع من عدم الحجية وسلب العلمية لكل خبر لا يفيد العلم الوجداني. وبعد الالتفات الى هذا يصير التعليل مفيدا لسلب العلمية عن خبر العادل بينما المفهوم يفيد جعل العلمية له فتحصل المعارضة بينهما ولا يكون احدهما حاكما على الآخر.

3 - ما ذكره الآخوند من ان التعليل لا ينافي المفهوم ، حيث ان هناك فرقا بين الجهل والجهالة ، فمعنى الجهل هو عدم العلم ، بينما الجهالة ليست بمعنى عدم العلم بل بمعنى الفعل السفهي ، اي الفعل الذي لا ينبغي صدوره من العاقل ، ولعل الاستعمالات العرفيه اليوم تشهد بذلك ، فحينما يقال : ما هذه الجهالة منك يراد : ما هذا الفعل السفهي الذي لا ينبغي صدوره من العاقل ولا يراد : ما هذا الفعل غير العلمي (1).

وبعد هذا نقول : بناء على ان الجهالة بمعنى الفعل السفهي لا يكون التعليل عاما لخبر العادل ، اذ الاخذ بخبره ليس سفهيا ومما لا ينبغي صدوره من العاقل. وبكلمة ثانية : ان التعليل يدل على عدم حجية كل خبر يكون الاخذ به سفهيا ، وواضح ان الاخذ بخبر العادل ليس سفهيا حتى يكون التعليل دالا على عدم حجيته (2).

ص: 74


1- والشيخ المظفر قدس سره في كتابه « اصول الفقه » ادعى انه لم يجد في اللغة استعمال الجهالة في الجهل وعدم العلم ابدا.
2- واورد في التقرير 4 / ص 360 على هذا الجواب : انه لا معين لحمل الجهالة على السفاهة ، ومن المحتمل ارادة عدم العلم منها.

التقريب الثاني للاستدلال بآية النبأ.

ذكرنا فيما سبق ان اية النبأ يمكن الاستدلال بها على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط تارة ومفهوم الوصف اخرى. وفيما سبق كنا نتحدث عن التقريب الاول وهو مفهوم الشرط ، ومن الآن نريد التمسك بمفهوم الوصف (1). وتقريب ذلك : ان كلمة « فاسق » وصف يدل بالمفهوم على انه اذا جاءكم عادل بنبأ فلا تتبينوا ، وهذا هو مطلوبنا. ولأجل ان يتم هذا التقريب لا بد وان نبني على احد امرين :

ا - ثبوت المفهوم للوصف خلافا لما تقدم في مبحث الوصف - وهو المشهور ايضا - من عدم ثبوته.

ب - ثبوت المفهوم لوصف الفاسق في خصوص الآية الكريمة - وان لم يكن له ذلك في سائر الموارد - باعتبار ان لازم عدم ثبوت المفهوم له وجوب التبين عن خبر العادل كما يجب عن خبر الفاسق ، ومع ثبوته نسأل : هل ان وجوب التبين

ص: 75


1- ينبغى الالتفات الى انه اذا اردنا اخذ المفهوم من الشرط غيّرنا الشرط والجزاء فقط دون غيرهما ، فحينما نقول : اذا جاءك زيد فاكرمه فالشرط « اذا جاءك » والجزاء « فاكرمه » وحينما نأخذ المفهوم نغيرهما ونقول : اذا لم يجىء زيد فلا تكرمه ، واما في مفهوم الوصف فنغير الحكم والوصف ففي قولنا اكرم الرجل العالم يصير المفهوم لا تكرم الرجل الجاهل. وباتضاح هذا نأتي الى الآية الكريمة ، فالمفهوم فيها ان اردنا اخذه من الشرط صار المعنى : ان لم يجيء الفاسق بنبأ فلا تتبينوا ، بينما لو اردنا اخذه من الوصف صار المعنى : ان جائكم عادل بنبأ فلا تتبينوا. اذن لو اردنا اخذ المفهوم من الوصف فالشرط لا نغيره بل نغير وصف الفاسق الى العادل ، واما اذا اردنا اخذه من الشرط فالوصف لا نغيره بل نغير الشرط.

الثابت لخبر العادل هو نفس وجوب التبين الثابت لخبر الفاسق او غيره؟ وكلا الاحتمالين باطل.

اما الاول : فلأن وجوب التبين الثابت لخبر الفاسق بما انه مقيد بالفاسق فلا بد وان يكون منتفيا عن العادل وغير ثابت له ، اذ الحكم المقيد بقيد خاص لا بد وان ينتفي عند انتفاء ذلك القيد الخاص طبقا لقاعدة الاحتراز في القيود المتقدمة ص 134 من الحلقة. اذن وجوب التبين الثابت للعادل لا يمكن ان يكون هو نفس وجوب التبين المقيد بالفاسق بل لا بد وان يكون غيره.

واما الثاني - وهو مغايرة وجوب التبين الثابت للعادل لوجوب التبين الثابت للفاسق - فلأن تشريع وجوب التبين بنحو يختص بالعادل بحيث يكون موضوعه خصوص العادل امر غير محتمل ، فان كون المخبر عادلا لا يحتمل اقتضاءه لوجوب التبين ، بل المقتضي له اما مطلق الخبر او خصوص ما اذا كان المخبر فاسقا. هذه حصيلة الاستدلال بمفهوم الوصف.

ويرده : ان كلا الامرين اللذين يتوقف على احدهما الاستدلال باطل.

اما الاول - وهو ثبوت المفهوم للوصف بشكل عام - فلما تقدم في مبحث الوصف من عدم ثبوت المفهوم له خصوصا فيما اذا ذكر من غير موصوف - كما في الاية ، فان وصف الفاسق ذكر وحده بلا موصوف ، اذ لم يقل « ان جاءكم رجل فاسق بنبأ » ، بل قيل ان جاءكم فاسق - ووجه الخصوصية ان الوصف اذا ذكر بلا موصوف كان اشبه باللقب (1) ، وواضح لدى كل انسان عرفي ان اللقب لا

ص: 76


1- اللقب هو كل لفظ يعد ركنا في الكلام كزيد وقائم في قولنا زيد قائم ، فانه تتركب منهما الجملة ولا يمكن الاستغناء عنهما فكل منهما يسمى باللقب. وهو لا مفهوم له والا كان اللازم ان نستفيد من كلمة « زيد » ان غير زيد - كعمرو وخالد - ليس قائما وهو باطل جزما ، اذ اثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عما عداه ، وهكذا كلمة « قائم » ليس لها مفهوم والا استفدنا منها نفي الصفات الاخرى غير القيام عن زيد اي نستفيد ان زيدا ليس بمجتهد ولا بمؤمن ولا بشاعر و .... وهو باطل جزما ، فان اثبات صفة القيام لزيد لا يدل على نفي غيرها عنه. وبهذا اتضح ان كلمة « فاسق » في الاية حيث ذكرت وحدها بلا موصوف فهي ركن اساسي لا يستغنى عنه فتكون من اللقب ، وهذا بخلاف ما اذا ذكر الموصوف معها فانه يمكن الاستغناء عنها حينذاك فتكون وصفا لا لقبا.

مفهوم له.

واما الثاني - وهو ثبوت المفهوم لوصف الفاسق في خصوص الآية الكريمة - فلأن ثبوت وجوب التبين لخصوص خبر العادل انما يكون باطلا فيما لو كان وجوب التبين وجوبا مولويا تكليفيا اذ لا يحتمل ثبوت التكليف بالتبين لخصوص العادل ولكنا نقول انه ليس وجوبا تكليفيا بل ارشاد الى عدم الحجية وكناية عن ذلك ، فكانه قيل ان خبر العادل ليس حجة ولا يقتضي الحجية وليس موضوعا لها ، وواضح ان هذا شيء معقول وان كان اثبات التكليف بوجوب التبين لخبر العادل بخصوصه غير معقول.

قوله ص 224 س 12 كما تقدم في مباحث الامر : اي ص 118.

قوله 225 س 1 لان الشرطية منتفية في كلتا الحالتين : اي ان كون جواز العمل بخبر العادل ليس مشروطا بالتبين يصدق سواء كان العمل بخبر العادل جائزا من دون حاجة الى تبين ام كان غير جائز حتى بعد التبين.

قوله ص 225 س 11 تصويرها : المناسب : تصويرهما.

قوله ص 226 س 8 كما تقدم توضيحه : اي ص 174 - 175 من الحلقة.

قوله ص 226 س 12 اسراء الحكم المعلل : وهو وجوب التبين الذي هو

ص: 77

كناية عن عدم الحجية.

قوله ص 226 س 13 الى سائر موارد عدم العلم : اي ومنها خبر العادل.

قوله ص 227 س 6 عدم انحصار الجزاء : وهو وجوب التبين.

قوله ص 228 س 3 في رتبة واحدة : اي ليس احدهما حاكما على الآخر بل كلاهما ناظر الى شيء واحد وهو خبر العادل واحدهما يثبت له العلمية والآخر ينفيها عنه.

قوله ص 228 س 8 غير المتزن : اي غير العقلائي.

قوله ص 228 س 10 حيث انيط وجوب التبين بفسق المخبر : لا بد من الالتفات الى انه في الوجه الاول للاستدلال - وهو التمسك بمفهوم الشرط - حينما اراد قدس سره بيان مفهوم الشرط عبّر بان الآية ربطت وجوب التبين بمجىء الفاسق ، واما هنا اي عند بيان مفهوم الوصف لم يعبر ان الآية ربطت وجوب التبين بمجىء الفاسق بل عبّر ربطته بفسق المخبر. ووجه تغيير التعبير واضح على ما اشرنا له سابقا ، فانه عند اخذ مفهوم الشرط لا نتوجه الى الوصف وهو فسق المخبر بل الى الشرط اي مجىء الفاسق فنقول ان الآية علقت وجوب التبين على مجىء الفاسق الذي هو الشرط ، واما عند اخذ مفهوم الوصف فالامر بالعكس تاما اي لا نتوجه الى الشرط بل الى الوصف فنقول ان الاية علقت وجوب التبين على فسق المخبر الذي هو الوصف.

قوله ص 228 س 15 انتفاء شخص ذلك الوجوب : اي انتفاء وجوب التبين الثابت للفاسق ، ان مثل هذا الوجوب لا بد وان يكون منتفيا عن العادل ، فلو كان ثابتا له فهو وجوب آخر غير الوجوب الثابت للفاسق.

قوله ص 229 س 2 له : اي لخبر العادل.

ص: 78

قوله ص 229 س 2 خلاف القاعدة المذكورة : اي قاعدة الاحتراز في القيود.

قوله ص 229 س 5 هذا : اي الثابت لخبر العادل.

قوله ص 229 س 9 اما اللحاظ الاول : هذا رد للامر الاول الذي يبتني عليه الاستدلال بمفهوم الوصف. وقوله « واما اللحاظ الثاني » فهو اشارة الى رد الامر الثاني.

قوله ص 229 س 13 ليس حكما مجعولا : اي ليس حكما تكليفيا مجعولا.

قوله ص 229 س 14 ومرجع ربطه بعنوان : اي عنوان خبر العادل.

قوله ص 229 س 17 بهذا المعنى : اي بمعنى عدم الحجية. الاية الثانية.

قوله ص 230 س 1 ومنها آية النفر ... الخ : والاية الثانية التي استدل بها على حجية الخبر قوله تعالى في سورة برائة : « فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون » (1). وتقريب الاستدلال بها يتوقف على مقدمات ثلاث :

1 - انها دلت على وجوب حذر القوم الباقين الذين انذرهم المنذرون.

2 - ان وجوب الحذر ثابت مطلقا ولا يختص بما اذا حصل العلم من انذار المنذرين.

ص: 79


1- - مضمون الآية الكريمة ان كل قبيلة من القبائل يلزم ان يرحل جماعة منها الى بلد العلم كالمدينة المنورة في ذلك الزمان ليتعلموا الفقه الاسلامي ثم يرجعوا الى اوطانهم لينذروا قومهم الباقين ليحذر هؤلاء الباقون. وقد يبين معنى الآية بشكل آخر.

3 - ان وجوب الحذر مطلقا يدل على حجية انذار المنذرين ، والا لما وجب الحذر الا عند ما يحصل العلم من انذارهم.

وعلينا اثبات المقدمة الاولى ، اذ بامكان قائل ان يقول انه الآية قالت « لعلهم يحذرون » ، وكلمة « لعل » لا تدل على الوجوب ، ومعه كيف يستفاد وجوب الحذر؟ ولا ثبات ذلك يمكن تقديم بيانات ثلاثة :

ا - ما في معالم الاصول من ان كلمة « لعل » وان لم تدل على الوجوب لكنها على الاقل تدل على ان ما يقع بعدها شيء محبوب وراحج ، فالحذر الواقع بعد « لعل » شيء محبوب ، وهذا يفهمه كل من يقرأ الآية. واذا ثبت رجحان الحذر ثبت كونه واجبا ، فرجحان الحذر يستلزم وجوبه. ووجه ذلك : ان الحذر اذا كان راحجا فالمقتضي له - الحذر - لا بد وان يكون ثابتا والا كيف يكون راجحا ، ومع ثبوت المقتضي للحذر يلزم وجوبه ، اذ كيف لا يكون الحذر واجبا مع افتراض ثبوت المقتضي له.

وباختصار : توجد ملازمة بين رجحان الحذر ووجوبه ، وحيث ان الآية تدل على رجحانه يثبت وجوبه ايضا (1).

ب - ان الغاية المقصودة من النفر هي الحذر ، فالنفر والانذار وجبا لأجل ان يتحقق الحذر ، وبما ان النفر واجب (2) فغايته لا بد وان تكون واجبة ايضا ، لان غاية الواجب لا بد وان تكون واجبة ، اذ كيف يكون الشيء واجبا ولا تكون

ص: 80


1- الملازمة بين الرجحان والوجوب يدعيها صاحب المعالم في خصوص الحذر لا في جميع الاشياء ، ومعه فلا يشكل بان غسل الجمعة وغيره من المستحبات راجح وليس بواجب.
2- الدليل على كون النفر واجبا كلمة « لو لا » ، فانها تدل على التحضيض اي الطلب بشدة ، والطلب بشدة عبارة اخرى عن الوجوب.

غايته - التي من اجلها وجب - واجبة.

ج - ان النفر والانذار اذا كانا واجبين ولم يكن الحذر واجبا يلزم محذور اللغوية ، اذ كأنه قيل يجب عليكم ايها النافرون ان ترتقوا المنابر وتحذروا الناس ولكن لا يجب على الناس الحذر من انذاركم والاعتناء بكلامكم ، انه لغو واضح.

وبهذه البيانات الثلاثة تثبت تمامية المقدمة الاولى وهي ان الحذر واجب.

ويمكن بنفس هذه البيانات الثلاثة اثبات المقدمة الثانية - وهي ان الحذر واجب حتى عند عدم حصول العلم من كلام المنذر - فانها كما تثبت اصل وجوب الحذر كذلك تثبت كون وجوبه ثابتا بشكل مطلق ولا يختص بحالة حصول العلم. وبهذا كله يتم تقريب الاستدلال بالآية على حجية الخبر.

ويمكن رده بمناقشة جميع مقدماته الثلاث.

مناقشة المقدمة الاولى.

اما الاولى - وهي ان الحذر واجب - فلبطلان جميع بياناتها الثلاثة.

اما البيان الاول فلما ذكره الشيخ الاصفهاني قدس سره من ان كلمة « لعل » لم توضع لافادة الترجي - اي محبوبية ما بعدها - بل لافادة ترقب وتوقع حصول ما بعدها ، فحينما يقال لعل زيدا يأتي من السفر يستفاد ان المتكلم يترقب المجيء ولا يستفاد ان المجيء شيء محبوب له. ومما يدل على ذلك دخولها على المبغوض احيانا كما فى دعاء ابي حمزه الثمالي « لعلك عن بابك طردتني » اذ من الواضح ان الطرد عن باب اللّه سبحانه امر مبغوض للعبد وليس محبوبا. ومع التسليم بعدم دلالة كلمة « لعل » على محبوبية مدخولها فلا يصح ان يقال اذا ثبتت محبوبية الحذر ثبت وجوبه.

ص: 81

واما البيان الثاني فلانا لا نسلم ان غاية الواجب واجبة بل لربّ شيء يكون واجبا ولا تكون غايته واجبة كما لو فرض ان غاية معينة تحصل بمجموعة اشياء وفرض ايضا ان صبّ الوجوب على تلك الغاية يلزم منه العسر والحرج ولكن لا يلزم من صبه على بعض تلك الاشياء التي تحصل بها الغاية ، ففي مثله لا بد من توجيه الوجوب الى ذلك الشيء الذي تحصل به الغاية ولا يلزم من وجوبه الحرج من دون توجيهه الى نفس الغاية حذرا من الحرج ، وعند ذلك يصير الشيء واجبا دون ان تصير غايته واجبة. ولتوضيح ذلك نذكر المثال التالي : ان تنظيف الاسنان يحصل بمجموعة اشياء : استعمال المسواك ، واستعمال معجون الاسنان ، واستعمال ماء الملح ، ان هذه الثلاثة اذا اجتمعت تحصل نظافة الاسنان بشكل كامل ، ولكن توجيه الوجوب لها جميعا يلزم منه العسر على المكلف ، بخلاف توجيهه الى خصوص استعمال المسواك فلا يلزم منه ذلك ، وفي مثله لا يوجه الحاكم الوجوب الى الغاية - اي تنظيف الاسنان - لان لازمه وجوب الاشياء الثلاثة جميعا وذلك يلزم منه العسر بل يوجهه الى استعمال المسواك فقط ، ومعه فاستعمال المسواك يصير واجبا بدون ان تصير غايته واجبة. وان شئت قلت : ان المولى في مثل هذه الفرضية لا يسد باب عدم الغاية - وهي التنظيف - سدا كاملا ، اذ لازم السد الكامل توجيه الوجوب اليها - الغاية - وقد فرضنا ان توجيهه اليها يلزم منه الحرح ، فلا بد وان نفترض انه يسد بابا من ابواب عدم الغاية وذلك بتوجيه الوجوب الى استعمال المسواك فقط ، فان لازم ذلك سد باب عدم الغاية ولكن لا سدا كاملا بل من جهة استعمال المسواك ، فالتنظيف من ناحية استعمال المسواك واجب ولا يجوز عدمه ، لان الحاكم سد باب عدمه بسبب توجيه الوجوب اليه - اي الى استعمال المسواك - واما من الناحيتين

ص: 82

الاخريتين فلم يسده.

واما البيان الثالث - وهو لزوم اللغوية من وجوب الانذار مطلقا بدون وجوب الحذر مطلقا - فلأن وجوب النفر والانذار مطلقا لا تلزم منه اللغوية مادام الانذار يحصّل العلم في كثير من الاحيان.

ولرب قائل يقول : ان المناسب للحاكم - بناء على هذا - ان يقول للمنذر ان انذارك متى ما كان يحصّل العلم للاشخاص الباقين في البلد وجب - الانذار - عليك وبالتالي يجب على الباقين الحذر ، ومتى لم يحصّل العلم فلا يجب عليك وبالتالي لا يجب على الباقين الحذر ، وليس من المناسب ان يقول الحاكم للمنذر يجب عليك الانذار مطلقا ولكن لا يجب على الباقين الحذر الا عند حصول العلم لهم ، اذ لازمه لغوية اطلاق وجوب الانذار.

والجواب : ان المنذر لو كان بامكانه تمييز ان انذاره متى يفيد العلم للباقين ومتى لا يفيده فمن الوجيه ان يقال لا وجه لجعل وجوب الانذار بشكل مطلق ما دام الحذر لا يجب الا عند حصول العلم ، اما اذا فرض ان المنذر لا يمكنه ذلك بل يحتمل دائما ان يكون انذاره مفيدا للعلم فمن الوجيه جعل وجوب الانذار بشكل مطلق من دون تقييده بما اذا كان مفيدا للعلم.

وعليه فالمقدمة الاولى قابلة للمناقشة بجميع بياناتها الثلاثة.

هذا ولكن بالامكان ان يقال بتماميتها - المقدمة الاولى - في بعض الموارد لتمامية البيان الاول احيانا ، فان الاصفهاني ذكر عند مناقشته للبيان الاول ان كلمة « لعل » لا تدل على المحبوبية بل على الترقب ، وهذا وان كان تاما الا ان بامكان السياق تشخيص شكل الترقب وأنه ترقب محبوب او ترقب مبغوض ، ولا اشكال في ان القارىء للاية الكريمة يفهم من سياقها كون الحذر شيئا محبوبا

ص: 83

وان ترقبه ترقب للمحبوب لا للمبغوض.

مناقشة المقدمة الثانية.

ناقش الشيخ الاعظم المقدمة الثانية بمناقشتين :

1 - ان الموجب لاستفادة وجوب الحذر حتى في حالة عدم حصول العلم ليس هو الا الاطلاق بان يقال ان اطلاق وجوب الحذر وعدم تقييده بحالة حصول العلم يدل على وجوب الحذر حتى في حالة عدم حصول العلم ، ولكن الاطلاق المذكور غير ثابت ، اذ الآية الكريمة ليست في مقام البيان من ناحية وجوب الحذر ليتمسك باطلاقها ، بل في مقام البيان من ناحية وجوب الانذار ، وعليه فالاطلاق الذي يمكن التمسك به هو اطلاق وجوب الانذار لا اطلاق وجوب الحذر.

ولرب قائل يقول : ان اطلاق وجوب الانذار بدون اطلاق وجوب الحذر تلزم منه اللغوية ، اذ لا معنى لوجوب الانذار عند عدم افادة قول المنذر للعلم مع افتراض كون وجوب الحذر منحصرا بحالة حصول العلم.

والجواب عن ذلك مر سابقا ، اذ قلنا ان المكلف حيث لا يمكنه تشخيص متى يفيد انذاره العلم فلا يمكن للمولى ان يقول : يجب عليك ايها المنذر الانذار فيما اذا كان انذارك مفيدا العلم ، بل يوجب الانذار مطلقا من باب الاحتياط ، اذ كل مورد من الموارد يحتمل ان يكون انذار المنذر فيه مفيدا للعلم.

2 - يمكن ابراز قرينة خاصة على كون مقصود الآية وجوب الحذر في خصوص حالة حصول العلم ، وهي : ان الآية اوجبت النفر لاجل حصول التفقة. وما هو التفقه؟ انه عبارة عن تعلم الاحكام الشرعية الصحيحة دون التوهمية ،

ص: 84

فبعض الناس قد يتعلم احكاما يعتقد خطأ انها احكام شرعية ولكنها ليست من الشرع في شيء ، ان تعلم مثل هذه الاحكام ليس تفقها ، وانما التفقه تعلم الاحكام التي هي من الشرع حتما. وبعد هذا نقول : ان الآية اوجبت انذار الاحكام الفقهية ، اي انذار الاحكام التي هي من الشرع حتما ، وبعد تحقق الانذار المذكور أوجبت الحذر. اذن الحذر لا يجب الا اذا احرز الشخص المتخلف في البلد ان المنذر قد انذره بالاحكام الشرعية دون التوهمية. وهذا هو المطلوب ، اذ ثبت ان الحذر لا يجب الا بعد تحقق العلم بكون الاحكام احكاما شرعية ، فتحقق العلم شرط في وجوب الحذر.

ثم ان حاصل المناقشتين يرجع الى عدم وجود اطلاق في الاية يستفاد منه وجوب الحذر في حالة عدم حصول العلم.

والفرق بين المناقشتين ان الاولى كانت تدعي عدم وجود اطلاق في الآية بدون ان تدعي استفادة التقييد ، بينما الثانية تدعي مضافا الى عدم وجود الاطلاق امكان استفادة تقييد وجوب الحذر بحالة العلم.

مناقشة المقدمة الثالثة.

واما المقدمة الثالثة - وهي ان وجوب الحذر الشامل لحالة عدم حصول العلم يدل على حجية الانذار تعبدا - فيرد عليها انا لو سلمنا دلالة وجوب الحذر مطلقا على حجية الانذار تعبدا يمكننا ان نقول ان حجية الانذار تعبدا لا تلازم حجية الخبر ، فلعل الانذار حجة بدون ان يكون الخبر حجة. ويمكن ايضاح ذلك بوجهين :

1 - ان الانذار عنوان اخر غير عنوان الاخبار ، فانه - الانذار - وان كان

ص: 85

عبارة اخرى عن الاخبار ولكن لاكل اخبار ، بل خصوص الاخبار المسبوق باحتمال الخطر ، فاذا كان احتمال الخطر ثابتا سابقا وحصل بعده الاخبار سمي الاخبار حينذاك بالانذار. ومتى يكون احتمال الخطر ثابتا في المرحلة السابقة؟ يتحقق ذلك في بعض الحالات نذكر منها ثنتين :

ا - اذا كان لدى المكلف علم اجمالي بثبوت بعض الاحكام في حقه ، فان كل مكلف بما انه متشرع بالشريعة الاسلامية يعلم اجمالا بثبوت بعض الاحكام عليه ، فان معنى الشريعة ليس الا مجموعة معينة من الاحكام ، فكل مكلف اذن يعلم بثبوت مجموعة من الاحكام في حقه وان كان لا يعرفها على التفصيل. وبعد هذا نقول اذا سلم بوجود علم اجمالي قبل اخبار زرارة مثلا برواية معينة فالحكم الذي يخبر عنه وان وجب امتثاله لكن لا من جهة حجية الخبر بل لأن الحكم منجز - بالعلم الاجمالي المفترض - بقطع النظر عن اخباره ، فالعلم الاجمالي السابق هو الحجة والمنجز للحكم دون الرواية.

ب - اذا لم يكن لدى المكلف علم اجمالي بالاحكام بالنحو المشار له سابقا بل كان لديه شك في ثبوتها فيمكن ان يقال ان الشك المذكور منجز ايضا مادام المكلف لم يفحص في الادلة ، فالشك في حرمة التدخين قبل الفحص عن ثبوتها منجز لها ولا تجري البراءة عنها ، ومع تنجز الحرمة بالشك قبل الفحص فاخبار زرارة عن الحرمة لا يكون هو الحجة المنجزة لها بل الحجة هو الشك قبل الفحص الثابت قبل اخبار زرارة.

2 - لو بنينا على مسلك حق الطاعة القائل بمنجزية احتمال التكليف عقلا كما هو المختار فيمكن ان يقال ان زرارة لو اخبر عن حكم فالحكم يتنجز لكن لا لحجية الاخبار ولا لأجل العلم الاجمالي السابق ولا للشك قبل الفحص بل من

ص: 86

جهة ان الاخبار عن الحكم يولّد احتمال ثبوت الحكم ، وبما ان احتمال التكليف منجز على مسلك حق الطاعة فيكون الحكم ثابتا في حقنا من باب منجزية احتمال التكليف وليس من باب حجية الخبر.

وباختصار : لو سلمنا دلالة الآية على حجية الحذر تعبدا فلا يثبت بذلك حجية الاخبار اذ لعل وجوب الحذر تعبدا ليس لحجية الاخبار تعبدا بل للعلم الاجمالي السابق او لأن الشك قبل الفحص منجز او لتوليد الأخبار عن التكليف احتمال ثبوته.

قوله ص 230 س 6 انه وقع : اي التحذر.

قوله ص 230 س 7 الدالة على المطلوبية : المراد من المطلوبية الرجحان والمحبوبية.

قوله ص 230 س 8 مبرر : اي مقتضي

قوله ص 230 س 10 للنفر الواجب : واستفدنا وجوبه من كلمة « لعل » الدالة على التحضيض وهو الطلب بشدة.

قوله ص 231 س 2 مساوق للحجية شرعا : اي لحجية الاخبار تعبدا. والمراد من الحجية تعبدا ان الخبر حجة حتى اذا لم يفد العلم.

قوله ص 231 س 7 لا الترجي : الترجي هو توقع المحبوب.

قوله ص 231 س 7 مرغوبا عنه : اي مبغوضا.

قوله ص 231 س 8 والاعتراض على ثاني : عطف على الاعتراض في قوله س 5 « بالاعتراض ».

قوله ص 231 س 12 وسد باب من ابواب عدمها : هذا عطف تفسير لقوله « تقريب المكلف نحو الغاية ».

ص: 87

قوله ص 231 س 14 وسد كل ابواب عدمها : عطف تفسير لقوله التكليف بها.

قوله ص 231 س 15 والاعتراض على ثالث : عطف على الاعتراض في قوله س 5 « بالاعتراض ».

قوله ص 231 س 16 مع عدم الحجية التعبدية : اي مع عدم حجية الانذار تعبدا.

قوله ص 232 س 1 او مساهمته : اي ان المنذر تارة يفيد انذاره العلم للسامع واخرى يفيد العلم بعد انضمام انذار بقية المنذرين اليه ، فانذار المنذر تارة يكون علة تامة لحصول العلم واخرى جزء العلة ، والمراد من المساهمة كون الانذار جزء العلة.

قوله ص 232 س 4 وهذه المناقشة : اي اصل مناقشة المقدمة الاولى. والمقصود ان مناقشة المقدمة الاولى ليست تامة في جميع الموارد لان البيان الاول يمكن ان يكون تاما في بعض الموارد.

قوله ص 232 س 7 بالسباق : الصواب : بالسياق.

قوله ص 232 س 8 للاول : متعلق بقوله « تعيين ». والمراد من الاول كون الترقب ترقب المحبوب.

قوله ص 232 س 12 لم تسق : اي ليست في مقام البيان. وقوله « من حيث الاساس » اي من الاول.

قوله ص 233 س 3 او مساهمته فيه : مر معنى المساهمة قبل اسطر.

قوله ص 233 س 4 من وجود قرينة : كان من المناسب الاشارة الى ان معنى التفقه هو تعلم الاحكام الشرعية الصحيحة دون التوهمية ، فان ذلك مقدمة

ص: 88

مهمة يتوقف عليها الاستدلال ، وقد اشار لها الشيخ الاعظم في رسائله.

قوله ص 233 س 7 في ذلك : اي في كون الانذار انذارا بما تفقّه.

قوله ص 233 س 12 والمستتبع : عطف تفسير للمنجز ، وقوله « بجعل الشارع » متعلق بالمنجز.

الاستدلال على حجية الخبر بالسنة.

تقدم ان الادلة على حجية الخبر هى الكتاب والسنة والعقل ، وتحدثنا فيما سبق عن آيتين من الكتاب الكريم ، واتضح ان الاستدلال بآية النبأ تام ، والآن نتحدث عن الدليل الثاني وهو السنة الشريفة. ولكن ما هو الطريق لاثبات السنة؟ وبكلمة اخرى ما هو الطريق لا ثبات راي المعصوم علیه السلام في مسألة حجية الخبر؟ يوجد في هذا المجال طريقان :

1 - التمسك بالاخبار الكثيرة الدالة على حجية الخبر فانها تدل على ان رأي المعصوم علیه السلام هو الحجية.

2 - التمسك بسيرة المتشرعة وسيرة العقلاء الجارية على التمسك بالخبر ، فانه بعد امضائها من قبله علیه السلام يثبت ان رأيه علیه السلام هو حجية الخبر.

اما الطريق الاول - وهو التمسك بالاخبار الكثيرة - فقد يشكل عليه بان التمسك بالاخبار لا ثبات حجية الخبر دور واضح ، اذ ما دام لم تثبت حجية الخبر كيف يتمسك لا ثبات حجيته بنفس الخبر؟ والجواب : انا نتمسك بالاخبار التي نقطع بصدورها - اما لتواترها او احتفافها بالقرائن القطعية - لا بمطلق الاخبار ، ومعه فلا دور ، اذ لا محذور في التمسك بالخبر المقطوع بصدوره لا ثبات حجية الخبر الذي لا يقطع بصدوره.

ص: 89

ثم ان الاخبار التي يراد التمسك بها في المقام يمكن انهاؤها الى عشر طوائف ، وكل طائفة تدخل تحتها مجموعة من الاخبار (1). وسيتضح انها قاصرة الدلالة على المطلوب ، وهي.

1 - ورد ان الراوي الجليل يونس بن عبد الرحمن الفّ كتابا في الحديث اسمه يوم وليلة عرضه بعض الاصحاب على الامام العسكرى علیه السلام وطلب منه تقريضه فقال علیه السلام « هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله » ان هذه الرواية وامثالها تشكّل الطائفة الاولى وتدل على حجية الخبر ، اذ لو لا ذلك لم يكن معنى لقوله علیه السلام « هذا ديني ودين آبائى ».

ويردها : انها تدل على شهادة الامام العسكري علیه السلام بكون الاخبار المسجلة في كتاب يوم وليلة صادرة منهم علیه السلام وكأنه يريد القول ان الاخبار المسجلة في كتاب يونس صادرة يقينا من آبائي علیهم السلام ، وهذا لا ربط له بمقامنا ، فانا نتكلم عن ان الخبر الذي لا نعلم بصدوره هل هو حجة تعبدا او لا.

2 - ورد في روايات كثيرة الحث على حفظ الحديث من الضياع وكتابته والثناء على المحدثين. وكمثال لذلك الحديث المشهور « من حفظ على امتي اربعين حديثا بعثه اللّه فقيها عالما يوم القيامه » (2) ، فان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للحث على حفظه ، اذ من اللغو الامر بحفظ ما ليس حجة.

ويردها : ان الامر بحفظ الحديث لا يدل على حجيته ، اذ يمكن ان لا تكون الاحاديث حجة ومع ذلك يكون حفظها في نفسه من المستحبات بل من

ص: 90


1- وهي مذكورة في كتاب جامع احاديث الشيعة 1 / باب حجية اخبار الثقات ، والوسائل 18 باب 8 ، 11 من ابواب صفات القاضي.
2- ولاجل هذا الحديث قام جماعة بتأليف كتاب بعنوان « اربعون حديثا ».

الواجبات من باب ان حفظ الشريعة لا يتحقق الا بحفظ الاحاديث (1).

3 - ورد عن الامام الصادق علیه السلام انه قال لأبان بن تغلب : اذا قدمت الكوفة فارو لاهل الكوفة هذا الحديث : من شهد ان لا اله الا اللّه مخلصا وجبت له الجنة. ان هذا الخبر وامثاله يشكّل الطائفة الثالثة. وتقريب الاستدلال به : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للامر بروايته ، فان الامر برواية ما ليس حجة لغو.

والجواب : يكفي لزوال اللغوية افتراض ان بعض السامعين للحديث يحصل لهم اطمئنان ووثوق بصدوره ، فكأنه قيل : انقله كيما اذا حصل الاطمئنان للبعض عمل به ، وواضح ان محل الكلام هو الخبر الذي لا اطمئنان بصدوره.

4 - ورد ان المنقول اليه الحديث ربما يكون افقه من الناقل ، ففي رواية ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه علیه السلام « ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خطب الناس في مسجد الخيف فقال : نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها ، فربّ حامل فقه غير فقيه وربّ حامل فقه الى من هو افقه منه ». وتقريب الاستدلال : ان نقل الخبر اذا لم يكن حجة فكيف يصير المنقول اليه افقه.

والجواب : ان حجية الاحاديث للمنقول اليه اذا كانت هي الموجب لأفقهيته فيلزم ان يكون الناقل دائما هو الافقه ، لان المنقول اليه لا تثبت عنده الاحاديث - لو كان نقلها حجة - الا ثبوتا تعبديا ولا تثبت له ثبوتا حقيقيا ، بينما الناقل حيث انه سمع الاحاديث من النبي صلی اللّه علیه و آله فهي ثابتة له ثبوتا حقيقيا فيلزم ان يكون هو الافقه دائما. وعليه لا بد وان يكون الموجب لا فقهية المنقول اليه شيئا

ص: 91


1- يبقى ان نقل الحديث اذا لم يكن حجة فلا وجه للامر بحفظه بنحو الاستحباب او الوجوب. والجواب : لعل النكته في الاستحباب او الوجوب هو ان الحديث اذا حفظ وسجل فلربما يحصل من كثرة تسجيله التواتر او الاحتفاف بالقرينة القطعية.

آخر غير كون نقل الروايات حجة الا وهو ان المنقول له قد يفهم من الحديث نكات ومعان معينة لا يفهمها الناقل ولا يلتفت لها. وبكلمة اخرى : ان النبي صلی اللّه علیه و آله ليس بصدد بيان ان نقل الحديث حجة بل بصدد ان نقل الحديث اذا كان حجة في مورد من الموارد - كما لو كان الحديث مما اطمئن بصدوره - فالشخص المنقول له لربما يكون افقه باعتبار التفاته الى نكات معينة لم يتوجه لها الناقل بل توجه الى الالفاظ فقط.

5 - ورد في احاديث كثيرة تحذير النبي صلی اللّه علیه و آله والائمة علیهم السلام من الكذب عليهم ، ففي بعضها : من كذب عليّ فليتبوء مقعده من النار ، كما وورد التحذير من الكاذبين عليهم ، والتحذير من الكذب والكاذبين يدل على حجية الخبر ، اذ لو لم يكن حجة لما كان هناك داع لجعل الاحاديث الكاذبة واختلاقها فانه بلا فائدة ولما كان هناك داع لتحذير اهل البيت علیهم السلام من الكذب والكاذبين.

والجواب : ان بالامكان افتراض عدم حجية الخبر ووجاهة التحذير من الكذب والكاذبين وذلك :

ا - اما لاجل ان الخبر الكاذب يولّد احيانا اطمئنانا للسامع بمضمونه فيأخذ به.

ب - او لاجل ان القضية التي نقل فيها الخبر ترتبط بالعقائد الاسلامية ، وواضح ان الخبر وان لم يكن حجة لكنه قد يولد احتمالا يؤثر على العقيدة ، فمثلا نحن نعتقد بعصمة الانبياء علیهم السلام على سبيل اليقين ولكن قد يأتي خبر يدل على عدم العصمة ويولّد احتمال عدم العصمة ، وبالتالي يزول عن انفسنا اليقين بالعصمة ، فلاجل ان لا يزول اليقين المذكور حذّر من الكاذبين والاخبار الكاذبة.

6 - ورد في بعض الروايات السؤال من الامام علیه السلام عما اذا ابتلي بواقعة من

ص: 92

الوقائع فالى من يرجع للتعرف على حكمها فاشار علیه السلام في بعضها الى زرارة قائلا : « اذا اردت حديثا فعليك بهذا الجالس » وفي بعضها الآخر يأمر الامام الهادي علیه السلام بالرجوع الى السيد الجليل عبد العظيم الحسني. وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فاي معنى للارجاع الى زرارة وعبد العظيم وامثالهما.

والجواب : ان الامام علیه السلام لم يرجع الى عنوان الثقة بنحو يكون ذلك ضابطا كليا بل ارجع الى اشخاص معينين ، وهذا الارجاع لعله ليس من باب انهم ثقات حتى يثبت حجية خبر كل ثقة بل لعله من باب اطلاعه علیه السلام وعلمه بان زرارة وعبد العظيم لا يكذبان قطعا ، ومعه فلا يمكن استكشاف حجية خبر كل ثقة ، فمثلا لو شهد النجاشي بوثاقة راو معين فبشهادته وان ثبتت وثاقته شرعا لكن لا يحصل يقين وجداني بها حتى ينتفي احتمال صدور الكذب منه بل يبقى الاحتمال المذكور ثابتا ، فان اليقين التعبدي بالوثاقة لا يتنافى معه. وبكلمة اخرى : لعل الامام علیه السلام ارجع الى زرارة وعبد العظيم من جهة يقينه الوجداني بوثاقتهما المستلزم ذلك لزوال احتمال صدور الكذب ولا يثبت بذلك جواز الرجوع الى كل ثقه ما دام لا يقين وجداني بوثاقته.

7 - الاخبار الواردة في ذم من يطرح بعض الاحاديث لمجرد عدم موافقتها لطبعه وذوقه من قبيل « واسوأهم عندي حالا وأمقتهم الذي يسمع الحديث ينسب الينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به (1) وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج والينا اسند ». وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للذم المذكور ، اذ طرحه - ما دام لم يكن حجة - مناسب وفي محله.

ص: 93


1- دان بمعنى اعتقد ، فهم يكفّرون كل من اعتقد بمضمون الاخبار المخالفة لذوقهم.

والجواب : ان الامام علیه السلام ذم هولاء من جهة اعتمادهم على ذوقهم وطبعهم وعدم اعتنائهم بالشرع ومن جهة تكفيرهم لكل من يعتقد ما يخالف ذوقهم ، ان الذم من هذه الناحية وليس لمجرد عدم العمل باخبار الثقات حتى يدل ذلك على حجيتها.

8 - ورد في علاج الاخبار المتعارضة الامر بأخذ الموافق للكتاب او المخالف للعامة وطرح المخالف للكتاب او الموافق للعامة. وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا معنى لفرض التعارض وبيان كيفية علاج ذلك ، فانه عند عدم معارضته بخبر آخر اذا لم يكن حجة ففي صورة معارضته اولى بان لا يكون حجة.

والجواب : ان السائل والامام علیه السلام افترضا ورود خبرين هما حجة لو لا المعارضة - ولأجل المعارضة تحيّر السائل ماذا يفعل - ولكن لم يبين المقصود من ذلك الخبر الحجة فلعله الخبر القطعي الصدور ، فكأن السائل قال للامام علیه السلام يردنا خبران هما حجة - كالخبرين القطعيين صدورا - ولكنهما مع الاسف متعارضان فما ذا نفعل؟ ومعه فلا يمكن ان نفهم من هذه الطائفة حجية مطلق خبر الثقة وان لم يكن قطعي الصدور.

9 - وورد ايضا الترجيح بالاوثقية والاشهرية وانه اذا جاء حديثان متعارضان فرجح الاوثق والاشهر. وتقريب الاستدلال ان يقال - كما تقدم في الطائفة السابقة - ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا معنى لفرض تعارضه وتقديم وصفة العلاج له.

ودلالة هذه الطائفة على حجية الخبر تامة ولا يرد عليها ما اوردناه على الطائفة السابقة اي لا يمكن حملها على الخبرين القطعيين ، اذ في حالة قطعية

ص: 94

الخبرين لا معنى للاخذ بالاوثق والاشهر ، فان اقصى ما تستلزمه او ثقية الراوي هو حصول الظن بصدور الخبر ، ونحن ما دمنا قد فرضنا ان الخبرين قطعيان فلا معنى لترجيح احدهما بما يوجب الظن بالصدور ، فان الخبر اذا كان مظنون الصدور فبواسطة الاوثقية يصير صدره مظنونا بدرجة اقوى وبالتالي يصير راجحا اما اذا كان مقطوع الصدور فبالا وثقية لا يقوى اكثر.

10 - ورد في بعض الروايات ارجاع الامام علیه السلام شيعته الى الثقات من اصحابه. وهي على لسانين :

ا - الارجاع الى عنوان « ثقاتنا » كما في الرواية التي تقول « لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا ونحملهم اياه اليهم ».

ويرده : ان الارجاع الى عنوان « ثقاتنا » لا يثبت حجية مطلق خبر الثقة ، فان عنوان « ثقاتنا » نظير عنوان « ثقتي » يطلق على الثقة الذي يكون امينا للسر وموردا للأعتماد الوثيق ، بل في تعبيرات الرواية اشارة الى ذلك ، وعليه فهذا اللسان لا يثبت حجية مطلق خبر الثقة بل حجية خبر من يكون امينا على اسرار الائمة علیهم السلام .

ب - الارجاع الى اشخاص معينين مع التعليل بانهم ثقات كما في الخبر الذي يرويه محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي : « قال : قلت لابي الحسن الرضا : جعلت فداك اني لا اكاد اصل اليك لأسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ فقال : نعم ». ولهذه الرواية ميزة على بقية الروايات ، حيث تدل على ان حجية خبر الثقة كان امرا مركوزا وواضحا في ذهن السائل وانما كان يسأل عن

ص: 95

المصداق وان يونس هل هو ثقة او لا ، والامام علیه السلام حيث امضى الارتكاز المذكور ولم يردع عنه يثبت حجية خبر مطلق الثقة. ولكن مع الاسف ان روايات هذا اللسان لا تبلغ حدّ التواتر حتى يمكن الاستدلال بها. اجل توجد بعض الروايات التي يمكن حصول الاطمئنان بصدورها من الامام علیه السلام - لقرائن في سندها وغيره - تدل على حجية خبر مطلق الثقة ، وحيث ان الاطمئنان حجة تثبت حجية الرواية المذكورة (1) وبواسطتها تثبت حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص 234 س 7 وفيما يلي نستعرض بايجاز : وفي التقرير تعرض الى خمس عشرة طائفة ولكنه لم يشر للطائفة التاسعة.

قوله ص 234 س 10 التصديق الواقعي : اي انها صادقة وصادرة واقعا.

قوله ص 234 س 14 وهو غير الحجية التعبدية : تقدم ان الحجية التعبدية

ص: 96


1- وهي مثل رواية الكليني في كافيه عن محمد بن عبد اللّه الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : اجتمعت انا والشيخ ابو عمرو - عثمان بن سعيد سلام اللّه عليه - عند احمد بن اسحاق. والرواية طويلة يحدث في جملتها الحميري عن احمد بن اسحاق عن الامام علیه السلام ان « العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما واطعمهما فانهما الثقتان المأمونان » الى آخر الرواية ، فان مراجعة رجال سند الرواية توجب الاطمئنان بصدورها ، فالكليني هو الثقة الامين كما يعرفه الكل ، ومحمد الحميري والعطار من وجوه الاصحاب واجلائهم ، وكلاهما ينقل عن عبد اللّه بن جعفر الحميري الذي قال عنه النجاشي انه شيخ اصحابنا في قم ، واعطف عليه احمد بن اسحاق فانه من اجلاء الاصحاب ايضا ، وبعد هذا كيف لا يحصل الاطمئنان بصدور الرواية المذكورة التي رجالها بالشكل الذي ذكرناه. هذا من حيث صدور الرواية ، واما دلالتها فهي واضحة في حجية خبر مطلق الثقة ، فانه علیه السلام حينما قال « وما قالا لك فعني يقولان » فالمقصود لانهما ثقتان. وللتوسع اكثر يمكن مراجعة كتاب مباحث الدليل اللفظي ج / 4 ص 390.

هي بمعنى جعل الخبر حجة عند عدم العلم بصدوره. ومعنى العبارة : ان اخبار الامام علیه السلام بمطابقة رواية يونس للواقع وصدورها واقعا ليس هو المطلوب وهو كون الخبر حجة عند الشك في صدوره ومطابقته للواقع.

قوله ص 235 س 10 في وجاهته : اي في زوال اللغوية عنه. وتقدير العبارة هكذا : ان الامر بنقل الحديث المذكور يكفي في زوال اللغوية عنه احتمال صيرورته حجة بسبب حصول الوثوق بصدوره للسامع ، ولا يتوقف على افتراض الحجية التعبدية التي معناها جعل الخبر حجة عند الشك في صدوره.

قوله ص 236 س 1 يثبت المنقول : اي الرواية المنقولة. والمقصود من ثبوت الرواية تعبدا كونها حجة تعبدا. وقوله « من هذه الناحية » اي من ناحية ثبوت الرواية المنقولة.

قوله ص 236 س 5 وفي ذلك : اي في ادراك المعاني واستيعابها.

قوله ص 236 س 10 خطأ : متعلق به « اقتناع ».

قوله ص 236 س 15 بدون اعطاء ضابطة كلية للارجاع : اي من دون ان يقال ارجع الى كل ثقة او ارجع الى زرارة وعبد العظيم لانهما ثقتان حتى يستفاد حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص 237 س 6 مطلقا : اي حتى في حالة احتمال تعمد الكذب.

قوله ص 238 س 2 مع ان مجرد عدم الحجية ... الخ : اي ان فرض مخالفة الرواية للطبع والذوق بل وفرض عدم حجيتها لا يسوّغ التسرع في انكارها كما ولا يسوغ تكفير من اعتقد بها وانما المناسب لعدم الحجية هو التشكيك دون الانكار والتكفير ، وهذا كما هو الحال في خبر الفاسق فانه ليس بحجة جزما ولكن ذلك لا يسوغ الجزم بعدم مطابقته للواقع.

ص: 97

قوله ص 238 س 13 وقوة الظن بصدوره : عطف تفسير على قوله « زيادة قيمة الخبر ».

قوله ص 239 س 1 بشكل وآخر : قوله « بشكل » اشارة الى اللسان الاول ، وقوله « واخر » اشارة الى اللسان الثاني. وقوله « الارجاع الى كلي الثقة ابتداء » اشارة الى اللسان الاول. وقوله « واما تعليلا ... الخ » اشارة الى اللسان الثاني. وقوله « على نحو يفهم منه الضابط الكلي » يراد به على وجه يفهم منه حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص 240 س 1 ان مناط التحويل : اي ولما كان المرتكز في ذهن الراوي ان مناط جواز الرجوع الى يونس وغيره هو الوثاقة والامام علیه السلام أقر هذا الارتكاز ... الخ.

الطريق الثاني.

قوله ص 240 س 8 والطريق الآخر لاثبات ... الخ : ذكرنا آنفا وجود طريقين لا ثبات السنة هما : التمسك بالاخبار وبالسيرة. والكلام فيما سبق كان عن الطريق الاول ، والآن نتكلم عن الطريق الثاني وهو السيرة. وللسيرة تقريبان :

1 - سيرة المتشرعة - اي اصحاب الائمة علیهم السلام - على العمل بالاخبار في مجال الاحكام الشرعية ، فاصحاب الامام الهادي والعسكري علیهماالسلام وصلتهم اخبار كثيرة من الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام وكانوا يعملون بها جزما ، وهو يدل على حجيتها وان جواز العمل بها قد وصلهم من الائمة علیهم السلام .

وهنا سؤالان سبق الجواب عنهما في الحلقة الثانية :

ا - كيف نثبت ان سيرة اصحاب الامامين العسكريين علیهماالسلام كانت جارية

ص: 98

على العمل بالاخبار الواصلة لهم من الامامين الصادقين علیهماالسلام .

ب - ما الدليل على حجية السيرة المذكورة على تقدير التسليم بتحققها؟

اما السؤال الاول فجوابه : ان اصحاب الامامين العسكريين علیه السلام واجهوا اخبارا كثيرة وصلتهم عن النبى صلی اللّه علیه و آله والائمة السابقين علیهم السلام ، وموقفهم اتجاهها اما ايجابي بمعنى العمل بها او سلبي بمعنى رفضها. فان كانوا يعملون بها فذاك هو المطلوب والا فنسأل عن سبب رفضهم لها والحال ان العادة والذوق العقلائي يقتضيان العمل باخبار الثقات ، ان السبب لا بد وان يكون هو نهي الائمة علیهم السلام عن العمل باخبار الثقات ، اذ لا يوجد سبب غير ذلك ، ولكنه سبب باطل ، اذ لو كان قد صدر نهي عن العمل بالاخبار فاللازم كونه قويا لان قوة الردع لا بد وان تتناسب وقوة المردوع ، وحيث ان السيرة على العمل باخبار الثقات قوية فالنهي عنها لا بد وان يكون بتلك القوة ، والنهي القوي لم يصدر جزما والا لوصلنا ، وحيث لم يصل دل ذلك على عدم صدوره وبالتالي على عمل الاصحاب باخبار الثقات وهو المطلوب.

واما السؤال الثاني فجوابه : ان عمل اصحاب العسكريين علیهماالسلام باخبار الثقات اما ان يكون بما هم متشرعة واصحاب لأهل البيت علیهم السلام لا يتحركون بحركة الا وهي موافقة لرأيهم علیهم السلام او يكون بما هم عقلاء ولهم ذوق عقلائي يقتضي العمل بخبر الثقة في جميع المجالات ومنها مجال الحكام الشرعية. فان كانوا يعملون بها بما هم متشرعة فلازم ذلك رضا المعصوم علیه السلام بالعمل باخبار الثقات والا لم يكونوا متشرعة ومتقيدين برأي الائمة علیهم السلام ، وان كانوا يعملون بما هم عقلاء فحينئذ نقول لو كان عملهم هذا غير مرضي للمعصوم علیه السلام لردع عنه وحيث لم

ص: 99

يردع دل ذلك على رضاه (1).

2 - التمسك بسيرة العقلاء ، فانا نرى جميع العقلاء يعملون بخبر الثقة في جميع قضاياهم بدون فرق بين الشخصية منها - والمعبر عنها بالاغراض التكوينية كأخبار الثقة عن عودة بعض الاصدقاء من السفر ، فانه يعتمد عليه - وقضاياهم التشريعية المعبر عنها بالاغراض التشريعية كأخبار الثقة بامر الاب بشراء حاجة معينة ، فانه يعتمد عليه وتشترى تلك الحاجة

وبعد هذا يقال : حيث ان من المحتمل تطبيق العقلاء سيرتهم هذه في يوم من الايام في مجال الاحكام الشرعية - جريا على عادتهم وذوقهم العقلائي القاضي بالعمل بخبر الثقة في جميع المجالات - فلو لم يكن ذلك مرضيا له علیه السلام فلا بد من باب الاحتياط والحذر المسبق من النهي عن العمل بخبر الثقة في المجال الشرعي ، وحيث لم يصل الردع المذكور دل ذلك على عدم صدوره.

يبقى شيء وهو انه يوجد فارق بين هذين الشكلين من السيرة ، ففي سيرة العقلاء لم نفترض ان العقلاء جرت سيرتهم بالفعل على العمل بخبر الثقة في المجال الشرعي ، بل ولا حاجة الى هذا الافتراض ، وانما كنا نفترض ان من المحتمل تطبيقها في يوم من الايام في المجال الشرعي ، فاحتمال تطبيقها يكفي لاستكشاف امضائها بلا حاجة الى افتراض تطبيقها الفعلي على المجال الشرعي ، وهذا بخلافه في سيرة المتشرعة ، فانا كنا نفترض ان اصحاب الائمة علیهم السلام كانت سيرتهم قد

ص: 100


1- لا يخفى وجود فارق بين سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة ، ففي سيرة العقلاء نحتاج الى دليل يدل على امضائها فيقال انه حيث لم يردع عنها دل ذلك على امضائها ، بينما في سيرة المتشرعة لا نحتاج الى دليل على الامضاء ، فان نفس جريان سيرة المتشرعة على شيء يدل على رضا المعصوم به ، والا لم يكونوا متشرعة ومتقيدين برضاه علیه السلام .

جرت بالفعل على العمل باخبار الثقات الامر الذي يدلل على وصول المسوغ لهم من المعصوم علیه السلام بلا حاجة للتمسك لحجيتها بالامضاء وعدم الردع.

اعتراض على السيرة العقلائية.

قوله ص 241 س 15 وهناك اعتراض يواجه ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا اذا كانت ممضاة وغير مردوع عنها. وقد يقال : ان الردع عنها ثابت حيث وردت نصوص كثيرة تنهى عن اتباع الظن كقوله تعالى « ان يتبعون الا الظن » ، وحيث ان خبر الثقة لا يفيد الا الظن فيكون العمل به مردوعا عنه بمقتضى هذه النصوص (1).

ويمكن تقديم الاجوبة الاربعة التالية :

1 - ما ذكره الميرزا - مبنيا على مسلكه وهو مسلك جعل العلمية (2) - من ان السيرة بعد ما جرت على التمسك بالخبر فيكون حجة ، وبما ان معنى الحجية هو العلمية يصير الخبر - بعد السيرة على التمسك به وحجيته - علما ، وبصيرورته علما يخرج من الآيات الناهية عن اتباع الظن لانها تنهى عن الظن والمفروض صيرورته علما ، وحيث ان خروج الخبر من موضوع الآيات خروج تعبدي وليس حقيقيا - لان السيرة لا تجعل الخبر علما حقيقة وانما تجعله علما تعبدا - صح القول بان السيرة حاكمة على الآيات لان كل دليل يوسّع او يضيّق تعبدا موضوع دليل

ص: 101


1- هذا التساؤل يختص بسيرة العقلاء لانها التي تحتاج الى امضاء ، اما سيرة المتشرعة فلا تحتاج الى امضاء كي يقال بان الردع عنها ثابت.
2- حاصل المسلك المذكور ان المولى حينما يقول ان الخبر حجة فمعنى ذلك اني جعلت الخبر علما وطريقا ، وقد مر هذا ص 25 من الحلقة.

آخر يسمى بالحاكم.

ويمكن مناقشة هذا الجواب بما يلي :

ا - لو سلمنا ان معنى جعل الحجية هو جعل العلمية فيمكن ان نقول : ان الايات الناهية عن اتباع الظن تنفي الحجية عن الظن وكأنها تقول - بدل قولها « ان الظن لا يغني من الحق شيئا » - ان الظن ليس حجة ، وحيث ان معنى الحجية هو جعل الظن علما فلا بد وان يكون معنى نفي الحجية هو نفي جعل الظن علما ، فاذا ضممنا مضمون السيرة الى الآيات كانت النتيجة هكذا : الخبر حجة وعلم - وهذا مضمون السيرة - وان اي ظن من الظنون بما في ذلك الخبر ليس حجة وعلما ، وهذا مضمون الآيات ، وواضح انه على هذا لا تكون السيرة حاكمة ومخرجة للخبر من الآيات بل بينهما معارضة واضحة اذ كلاهما ناظر الى الخبر ، والسيرة تقول هو علم والآيات تقول هو ليس علما (1). وقد تقدم مضمون هذا الايراد ص 227 من الحلقة.

ب - انا نسأل عن الحاكم والمخرج للخبر من الايات ، فهل هو سيرة العقلاء او هو الامضاء الشرعي للسيرة لا نفسها؟ وكلاهما باطل. اما الاول فلأنه لا يحق للعقلاء جعل الخبر علما ، اذ الحكم بان الظن لا يغني من الحق شيئا حكم شرعي ، ومن الجلي ان توسيع موضوع كل حكم او تضييقه لا يحق الا لجاعل ذلك الحكم دون غيره ، وحيث ان جاعل هذا الحكم هو الشارع فالذي يحق له اخراج الخبر من الظن هو الشارع فقط دون العقلاء. وعلى الثاني يرد : ان الشارع وان كان يحق له اخراج الخبر من الآيات ولكن تحقق الامضاء الشرعي للسيرة اول

ص: 102


1- ولعل الذي اوجب اعتقاد الميرزا بحكومة السيرة تخيله ان مفاد الآيات تحريم العمل بالظن تكليفا لا الارشاد الى عدم حجية الظن ، والحال ان مفادها الارشاد دون التحريم.

الكلام ، وهو المتنازع فيه ، فان الخصم يقول : ان الامضاء الشرعي لم يتحقق بل تحقق الردع لقوله تعالى « ان الظن لا يغني ... » ، فدعوى ان الامضاء الشرعي حاكم ومخرج للظن الخبري من الآيات فرع تحققه. وبكلمة اخرى : قول الميرزا ان السيرة جرت على التمسك بالخبر كلام صحيح ، ولكن قوله فيكون حجة وعلما لا نسلمه ، اذ لا يكون الخبر حجة وعلما الا اذا كانت السيرة ممضاة من قبل الشارع ، والمفروض انه لم يثبت الامضاء ، لانا نحتمل ان الآيات رادعة عن السيرة.

2 - ما ذكره الآخوند من ان الايات الكريمة - المعبر عنها في الكتاب بالعمومات - لا يمكن ان تكون رادعة عن السيرة للزوم الدور من الرادعية ، فالرادعية مستحيلة لانها دورية ، ونوضح الدور ضمن المقدمات الثلاث التالية :

ا - ان كون الايات رادعة موقوف على ان يكون عمومها للسيرة حجة ، اذ العموم الحجة هو الذي يمكن التمسك به دون غيره.

ب - وعموم الآيات لا يكون حجة الا اذا لم تكن السيرة مخصصة للآيات ، اذ لو كانت مخصصة للآيات لم يكن عمومها لها - السيرة - حجة كما هو واضح.

ج - وعدم كون السيرة مخصصة للآيات موقوف على ان تكون الآيات رادعة عن السيرة ، اذ لو لم تكن الآيات رادعة عن السيرة لكانت السيرة حجة وبالتالي مخصصة للآيات.

اذن كون الايات رادعة موقوف على كون الايات رادعة ، وهو ما قلناه من كون رادعية الايات دورية.

والجواب : انا نسلم المقدمة الاولى وهي : ان رادعية الآيات موقوفة على حجية عمومها ، ولكن لا نسلم المقدمة الثانية التي تقول ان حجية عموم الايات

ص: 103

موقوفة على عدم كون السيرة مخصصة للآيات ، اذ المقصود منها اما ان حجية عموم الآيات موقوفة على العلم بأن السيرة ليست مخصصة للآيات او ان المقصود ان حجية عموم الآيات موقوفة على عدم العلم بكون السيرة مخصصة للآيات (1).

وما ذكر من الدور يتم على الاحتمال الاول ، لانه لا يحصل العلم بعدم كون السيرة مخصصة للايات الا اذا كانت الآيات رادعة عن السيرة فيلزم الدور ، واما على الاحتمال الثاني فالدور غير لازم ، لانا نقول هكذا : رادعية الايات موقوفة على حجية عمومها ، وحجية عمومها موقوفة على عدم العلم بتخصيص السيرة للآيات ، ومن الواضح ان عدم العلم بتخصيص السيرة للآيات ليس موقوفا على كون الآيات رادعة حتى يلزم الدور ، بل انا ما دمنا نشك في ان الآيات رادعة عن السيرة أو لا - وبتعبير آخر ان الامضاء الشرعي للسيرة هل هو متحقق أو لا - يصدق انا لا نعلم بكون السيرة مخصصة للآيات. وحيث ان الاحتمال الصحيح هو الثاني - اذ العقلاء يتمسكون بالعموم ما داموا لم يحرزوا المخصص له بلا حاجة الى احراز عدم التخصيص - فلا دور.

3 - ما ذكره الشيخ الاصفهاني من ان مدرك حجية ظهور الآيات - بل وكل ظهور - هو السيرة العقلائية ، ومعه يقال ان العقلاء ما دام يتمسكون بالخبر ويجعلونه حجة فلا يمكن ان تنعقد سيرتهم على العمل بظهور الآيات للتنافي الواضح بينهما ، اذ سيرتهم اذا انعقدت على حجية ظهور الآيات فلازم ذلك ان لا

ص: 104


1- والثمرة بين الاحتمالين تظهر عند الشك في كون السيرة مخصصة للآيات ، فعلى الاحتمال الاول لا يكون عموم الآيات حجة ، اذ شرط الحجية العلم بعدم المخصص والمفروض انا نشك فيه ، وهذا بخلافه على الاحتمال الثاني ، فان عموم الآيات يكون حجة لأن حجية العموم مشروطة بعدم العلم بالتخصيص والمفروض الشك في المخصص.

شيء من الظن بحجة ، ومع حكمهم بعدم حجية الظن كيف يتمسكون بالخبر ويجعلونه حجة والحال انه لا يفيد الا الظن. وعليه فالعقلاء ما داموا يتمسكون بالخبر فلا يمكن ان يتمسكوا بظهور الآيات وبالتالي لا يكون ظهور الآيات حجة ، ومن ثم لا يمكن ان تكون الآيات رادعة عن السيرة

والجواب : انه لا منافاة بين حجية الخبر وحجية ظهور الآيات في العموم ، ووجه ذلك يتجلى بعد التعرف على المقصود من حجية الظهور ، فما هو المقصود من قولنا الظهور حجة؟ المقصود ان العقلاء يجعلون الظهور كاشفا عن مراد المتكلم ، فظهور الآيات يرونه كاشفا عن مراده سبحانه وأنه لا شيء من الظن بحجة ، وحجية الظهور بهذا المعنى لا تتنافى وحجية الخبر ، وهل ترى منافاة بين ان يقال ظهور الآيات كاشف عن عدم حجية الظن لدى الشارع والقول بأن الظن الخبري حجة لدى العقلاء؟ كلا لا منافاة بين كاشفية الظهور عن مراد الشارع وحجية الظن الخبرى ، وانما المنافاة ثابتة بين ما انكشف بالظهور - وهو عدم حجية الظن لدى الشارع - وبنائهم على حجية الخبر.

وان شئت قلت : ان المنافاة ان كانت ثابتة فهي بين المنكشف بظهور الايات والعمل بالخبر لا بين الكاشفية عن المراد والعمل بالخبر ، وحيث ان حجية الظهور تعني الكاشفية عن المراد - لا نفس المراد - فهي لا تتنافى والعمل بالخبر. وكأن الاصفهاني قدس سره تخيل ان معنى حجية ظهور الايات هو ان الظن ليس حجة ، مع ان من الواضح ان عدم حجية الظن هو المراد والمنكشف بالظهور وليس هو نفس حجية الظهور ، فان معنى حجية الظهور كونه كاشفا عن المراد ، ومن الجلي ان نفس الكاشفية لا تتنافى وحجية الخبر.

4 - والصحيح ان يقال في الجواب : ان الايات اذا كانت رادعة عن السيرة

ص: 105

فهي تردع عن اي سيرة؟ فهل تردع عن سيرة المتشرعة او تردع عن سيرة العقلاء؟

فان كان المقصود هو الاول فيرده ان الآيات لو كانت صالحة للردع عن سيرة المتشرعة فلماذا لم يرتدعوا ولماذا بقوا يتمسكون بالاخبار والحال ان هذه الآيات يقرؤنها صباحا ومساء؟ ان عدم ارتداعهم دليل واضح على ان الايات المذكورة لا تصلح للردع والا لارتدعوا بسببها (1).

وان كان المقصود هو الثاني فيرده : انا وان كنا نحتمل ان الايات تردع العقلاء ولكنهم لم يعيروا لها اهمية ، بل تساهلوا وتسامحوا ، ان العقلاء بما هم عقلاء وان احتملنا في حقهم ذلك حتى مثل زرارة ومحمد بن مسلم - فانا سابقا لم نحتمل في حقهم التهاون باعتبار انا كنا نلاحظهم بما هم متشرعة ومن اصحاب الامام الصادق علیه السلام ، اما اذا نظرنا اليهم بما هم عقلاء فنحتمل في حقهم ذلك - لكنا نقول ان سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة حيث انها مستحكمة وقوية جدا فاذا اريد الردع عنها فلا بد وان يكون الردع قويا جدا وبمستوى قوتها ، فان ردّ الفعل لا بد وان يتناسب مع الفعل في القوة ولا يقل عنه درجة ، فلو كان القرآن الكريم يقصد ردع السيرة لكان من المناسب ان ترد اية بل آيات صريحة في ذلك تقول ان الخبر ليس حجة ، والحال انا لا نجد ذلك في الآيات الناهية عن الظن ، فانها تنهى عن الخبر باطلاقها الشامل له ولا تنهى عنه بخصوصه ، ومثل هذا لا يكفي في الردع عن مثل السيرة المذكورة.

ص: 106


1- ان قلت : لعلها صالحة للردع وانما لم يرتدعوا لتسامحهم وتساهلهم. قلت : كيف يحتمل ذلك في حق زرارة ومحمد بن مسلم وأبان ونظائرهم ممن قال الامام الصادق عليه السلام في حقهم : لو لا هؤلاء لاندرست آثار النبوة؟

قوله ص 240 س 11 كما تقدم كيفية ... الخ : هذا اشارة الى السؤال الثاني وجوابه ، كما وان قوله « وقد تقدم في الحلقة السابقة بيان ... الخ » اشارة الى السؤال الاول وجوابه.

قوله ص 241 س 2 وعلاقات الآمرين بالمأمورين : هذا عطف تفسير للاغراض التشريعية ، فانها تعني الاوامر الصادرة من الموالي الى العبيد.

قوله ص 241 س 12 الامر الذي يفرض : اي ان الميل العقلائي الى العمل بخبر الثقة اذا لم يكن مرضيا للشارع لزمه الردع عنه حتى لا يطبقه العقلاء في الاحكام الشرعية.

قوله ص 242 س 9 ما يدل على الحجية : وهو السيرة. والضمير في قوله « مدلولها » يرجع الى الآيات. وقوله « فلا معنى لحكومته عليه » يعني لا معنى لحكومة مدلول السيرة على مدلول الآيات.

قوله ص 242 س 10 موضوعها : المناسب : موضوعهما.

قوله ص 242 س 16 أو يضيقون : الصواب : أو يضيقوا. وقوله « من قبل غيرهم » : اي من قبل الشارع.

قوله ص 243 س 13 كذلك : اي في العموم.

قوله ص 243 س 15 ما لم يعلم ب ... الخ : كلمة « ما » زائدة.

قوله ص 244 س 9 وتنجزه به : عطف تفسير لاكتشاف مراد المولى بالظهور.

قوله ص 244 س 10 عمل آخر لهم : وهو العمل بخبر الثقة. والذي تنجز بالظهور هو عدم حجية الظن.

قوله ص 244 ص 17 التقريب الاول : المراد به التمسك بسيرة المتشرعة

ص: 107

الذي مر تقريبه ص 240 من الحلقة. ولا يخفى ان قوله 1 « لاننا اثبتنا في التقرير الاول ... الخ » يريد به ان كيفية اثبات انعقاد سيرة المتشرعة على العمل بالخبر مرت في التقريب الاول من الحلقة الثانية ص 196.

قوله ص 245 س 1 واقامة الحجة : عطف تفسير للردع.

قوله ص 245 س 2 بالتقريب الثاني : وهو التقريب الثاني المار ص 240 من الحلقة.

قوله ص 245 س 2 فقد يكون له وجه : لما ذكرنا من احتمال ان الآيات ردعت العقلاء ولكنهم لم يرتدعوا ، فان العقلاء يمكن افتراض عدم ارتداعهم وان لم يمكن ذلك في حق المتشرعة.

قوله ص 245 س 5 من هذا القبيل : اي من قبيل قوله تعالى « ان الظن لا يغني من الحق شيئا » ، فانه باطلاقه يشمل خبر الثقة.

الدليل العقلي على حجية الخبر

قوله ص 245 س 6 واما دليل العقل فله شكلان .. الخ : تقدم ان الادلة على حجية الخبر ثلاثة : الكتاب ، السنة ، العقل. وتم الحديث الى الآن عن الاستدلال بالكتاب والسنة ، واتضح ان الاستدلال بآية النبأ والسيرة بكلا شكليها تام. واما الاستدلال بالعقل فله شكلان :

الشكل الاول : ما ذكره الشيخ الاعظم في رسائله لا ثبات حجية خصوص اخبار الثقات. وحاصله : انه توجد لدينا اخبار كثيرة ذكر قسم كبير منها في كتاب « وسائل الشيعة ». وجميع هذه الاخبار لم يرد من طريق الثقات ، بل بعضها ورد من طريقهم. واذا فرض انا فرزنا اخبار الثقات فنسأل : هل يمكن دعوى القطع

ص: 108

بصدور بعض اخبار الثقات؟ فاذا فرض ان عدد اخبار الثقات (1000) مثلا فهل يمكن دعوى القطع بصدور (10) مثلا من اهل البيت علیهم السلام ؟ نعم يمكن دعوى القطع هذه ، اذ لا يحتمل ان جميع اخبار الثقات كاذب ولم يصدر شيء منها منهم علیهم السلام ، وبذلك يتشكل لدينا علم اجمالي بصدور (10) اخبار من بين (1000) خبر ، ومعه يجب العمل بكل خبر للثقة نحتمل صدوره منهم علیهم السلام بمقتضى منجزية العلم الاجمالي ، فكما انه لو علمنا بنجاسة (10) أواني من بين (1000) آنية يجب الاجتناب عن الجميع كذا في المقام يجب العمل بكل خبر نحتمل صدوره منهم علیهم السلام ، وهذا هو المطلوب ، اذ ثبت عن طريق هذا البيان لزوم العمل بكل خبر للثقة وهو معنى حجيته.

وقد اعترض على هذا البيان باعتراضين احدهما نقضي والآخر حلي.

الجواب النقضي.

اما الجواب النقضي فحاصله : انا كما نعلم اجمالا بصدور بعض اخبار الثقات كذا نعلم اجمالا بصدور مجموعة من بين جميع اخبار الوسائل ، فيمكن ان نشير الى جميع اخبار الوسائل بما في ذلك الاخبار الضعيفة ونقول انا نعلم اجمالا بصدور مجموعة من هذه الاخبار ، وبناء على هذا لا تنحصر اطراف العلم الاجمالي باخبار الثقات فقط بل تعم الاخبار الضعيفة ايضا ، ومعه يثبت لزوم العمل بالاخبار الضعيفة ايضا ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به ، فان الاخبار الضعيفة ليست حجة ولا يلزم العمل بها.

وذكر الآخوند في كفايته ردا على هذا النقض بانا نسلم بهذا العلم الاجمالي الكبير الذي دائرته جميع اخبار الوسائل ولكن هذا لا يتنافى وأن يكون الى جانب

ص: 109

هذا العلم الكبير علم اجمالي صغير دائرته خصوص اخبار الثقات ، ففي نفس الوقت الذي نشير فيه الى جميع اخبار الوسائل ونقول انا نعلم بصدور (10) منها يمكن ان نشير الى خصوص اخبار الثقات ونقول انا نعلم بصدور (10) منها ، ومع ثبوت العلمين المذكورين نقول ان العلم الكبير منحل بواسطة العلم الصغير ، ومع الانحلال يكون العلم المنجز هو الصغير دون الكبير. ووجه الانحلال ما تقدم في الحلقة الثانية ص 370 من انحلال كل علم كبير بالصغير متى ما توفر شرطان :

ا - كون الصغير بعض اطراف الكبير.

ب - كون المعلوم فى الكبير لا يزيد على المعلوم في الصغير. وكلا هذين الشرطين متوفر في المقام.

اما الاول فلأن اخبار الثقات هي قسم من مجموع اخبار الوسائل.

واما الثاني فلأن المعلوم صدوره من بين مجموع اخبار الوسائل لا يزيد على المعلوم صدوره من بين اخبار الثقات.

الجواب الحلّي

قوله ص 247 س 5 الثاني جواب حلي ... الخ : واما الجواب الحلي - وقد اشار له الشيخ الاعظم في رسائله - فهو :

ا - ان الدليل المذكور لا يثبت وجوب العمل بالخبر الدال على الاباحة وانما يثبت وجوب العمل بالخبر الدال على الوجوب او الحرمة مع ان المقصود من حجية الخبر كونه حجة سواء كان دالا على التكليف - كالوجوب او الحرمة - او على الاباحة. والوجه في عدم اثبات هذا الدليل لوجوب العمل بالخبر الدال على الاباحة ان الدليل المذكور يقتضي وجوب العمل بخبر الثقة من باب العلم

ص: 110

الاجمالي بصدور مجموعة من اخبار الثقات ، فان مقتضى منجزية العلم الاجمالي لزوم الاحتياط والعمل بكل خبر للثقة يحتمل صدوره ومن الواضح ان العلم الاجمالي لا يقتضي لزوم العمل بالخبر الدال على الاباحة ، فان العلم الاجمالي منجز في خصوص باب الوجوب والحرمة دون بقية الاحكام ، فمثلا لو على بان احد الانائين حرام وجب الاجتناب عنهما من باب الاحتياط ومنجزية العلم الاجمالي ، اما لو علم باباحة احد الانائين (1) فهل يجب ارتكاب كلا الانائين؟ كلا ، اذ الاحتياط يقتضي الاتيان بالواجب او ترك الحرام ولا يقتضي الاتيان بالمباح او تركه.

ب - ان الدليل المذكور قد لا يقتضي احيانا وجوب العمل بالخبر حتى اذا كان دالا على الوجوب او الحرمة. ولتوضيح ذلك نقول : يوجد في القرآن الكريم بعض العمومات الدالة على اباحة كل شيء كقوله تعالى « خلق لكم ما في الارض جميعا » (2) ، ومثل هذا العموم حجة بلا اشكال ، اذ سنده قطعي ودلالته معتبرة لانه ظاهر في العموم والظهور حجة. وبعد هذا نقول لو ورد خبر ثقة يقول : لحم الارنب حرام فهذا الخبر مع انه يدل على التحريم ولكن مع ذلك لا يلزم الاخذ به ، لان لازم الاخذ به طرح العموم القرآني الدال بعمومه او اطلاقه على حليه لحم الارنب ، ومن الواضح ان طرح العموم القرآني الذي هو حجة جزما بخبر لم تثبت

ص: 111


1- مع افتراض عدم الاطلاع على حال الاناء الثاني ، اما مع الاطلاع على انه محرم فهذا معناه العلم الاجمالي بحرمة احد الانائين.
2- فان اللام في قوله تعالى « لكم » تدل على النفع اي خلق لنفعكم ما في الارض جميعا ، ولازم ذلك حلية جميع ما في الارض ، وما خرج فانما يخرج بالمخصص.

حجيته (1) ليس هو من الاحتياط في شيء اذ اي احتياط في طرح الدليل القرآني الذي هو حجة جزما لخبر لم تثبت حجيته بعد.

اجل يمكن ان يقال : ان طرح العموم القرآني يمكن تقريب كونه موافقا للاحتياط ببيان ان العمومات القرآنية بشكل عام وخصوصا مثل عموم « خلق لكم ما في الارض جميعا » مما نجزم بطرو تخصيصات كثيرة عليها اخرجت منها كثيرا من الاشياء وحكمت عليها بالحرمة ، وهذه التخصيصات لا نعرفها تفصيلا بل اجمالا فيعلم اجمالا بوجود محرمات كثيرة خرجت بالتخصيص من العمومات ، ومع علمنا هذا فلا تكون العمومات حجة في عمومها لان شرط حجية العموم ان لا يعلم بطرو التخصيص عليه ، اما مع العلم بذلك يكون سقوطه عن الحجية وعدم العمل به هو الملائم للاحتياط بمعنى ان التمسك به لا ثبات حلية الارنب مثلا يكون مخالفا للاحتياط ، اذ لعل الارنب هو من جملة تلك المحرمات التي خرجت من العمومات.

ومن خلال هذا البيان اتضح ان العمل بالعمومات غير جائز وان طرحها هو المناسب. واتضح انه لئن لم يمكنّا سابقا جعل خبر الثقة مخصصا للعموم القرآني - من جهة ان طرح معلوم الحجية لاجل مشكوك الحجية مخالف للاحتياط - فيمكننا من خلال هذا البيان طرح العموم القرآني لان في طرحه الموافقة الكاملة للاحتياط. وطرح العموم القرآني هذا وان لم يكن تقييدا او تخصيصا (2) لكنه هو

ص: 112


1- اذ المفروض ان خبر الثقة لم تثبت حجيته بعد بل يراد بالدليل العقلي المذكور اثبات حجيته.
2- لان التقييد او التخصيص معناه وجود عام وخاص كلاهما حجة ويقدم الخاص على العام بالتخصيص ، فالتخصيص اذن يستدعي كون العام حجة في عمومه بينما في هذا التقريب نريد ان نقول ان العام ليس حجة حتى بقطع النظر عن الخبر الدال على حرمة الارنب الذي هو اخص من العام.

في نتيجة التقييد او التخصيص ، اذ التقييد او التخصيص يقتضي طرح العموم وعدم الاخذ به وهذا البيان يقتضي ايضا طرح العموم ، اجل في التقييد والتخصيص نطرح العموم لا لاجل عدم حجيته في نفسه بل لاجل وجود المخصص او المقيد ، واما في هذا البيان فنطرح العموم القرآني من باب انه ليس حجة في نفسه لا من اجل وجود المخصص او المقيد.

قوله ص 245 س 8 بالعلم الاجمالي : متعلق بالاستدلال.

قوله ص 246 س 9 العلم الذي ابرز ... الخ : وهو العلم الكبير ، والعلم الثاني هو العلم الصغير.

قوله ص 247 س 1 على الحجة : لعل المناسب : على الحجية.

قوله ص 247 س 6 بالمعنى المطلوب : وهو كون الخبر حجة حتى لو كان دالا على الاباحة وحتى لو كان في مقابله عموم قرآني.

قوله ص 247 س 9 للاحكام الترخيصية : وهي الاباحة والكراهة والاستحباب.

قوله ص 247 س 18 للتكاليف المعلومة بالاجمال : فان الاخبار التي نعلم بصدورها اجمالا انما يجب العمل بها من باب انها تدل على تكاليف ، فتلك التكاليف حيث انه يجب العمل بها وجب العمل بالاخبار المعلوم صدورها اجمالا.

قوله ص 248 س 2 في دليل قطعي الصدور : وهو كالعموم القرآني الذي

ص: 113

مثلنا به.

قوله ص 248 س 5 ومعلوم الحجية : عطف تفسير على قطعي الصدور.

قوله ص 248 س 6 ومن الواضح : لعل المناسب ان لا يوضع هذا رأس السطر.

قوله ص 248 س 8 التخصيص بها : لعل التعبير بكلمة « به » اولى من « بها » ، فان رجوع الضمير الى خبر الثقة اولى من رجوعه الى حجية خبر الثقة.

قوله ص 248 س 10 مثلا : وورود ... الخ : نقطتا الشارحة في غير محله.

قوله ص 248 س 13 والمطلقات الترخيصية : اي الدالة على عدم الوجوب وعدم الكراهة والمرخصة في الفعل مثل العموم القرآني الذي ذكرناه سابقا.

قوله ص 248 س 15 فسوف لن ... الخ : فانه لو كان خبر الثقة حجة لامكن بواسطة اخبار الثقات تعيين موارد التخصيص ، ولكن حيث انه ليس حجة فلا يمكن تشخيص تلك الموارد ، ومع عدم تشخيصها يبقى العلم الاجمالي بطرو المخصصات على حاله لا ينحل ، ومع عدم انحلاله تسقط العمومات عن الحجية.

قوله ص 348 س 17 لا نعمل بها : اي بالعمومات القرآنية الدالة على الترخيص.

قوله ص 249 س 1 طرح اطلاق ما دل ... الخ : اي العموم القرآني.

قوله ص 249 س 2 والتقيد : عطف على « طرح ». اي يلزم ان يتقيد بحرمة الارنب من باب الاحتياط.

ص: 114

الشكل الثاني

قوله ص 249 س 5 الشكل الثاني للدليل العقلي ... الخ : تقدم ان الدليل العقلي على حجية الخبر له شكلان ، وكان الحديث فيما سبق عن اولهما. واما الشكل الثاني فهو ما يسمى بدليل الانسداد وهو لا يثبت حجية خصوص الخبر بل حجية كل ظن من الظنون ، وحيث ان الخبر احد مصاديق الظن فتثبت حجيته (1) والدليل المذكور مركب من مقدمات خمس هي :

1 - انا نعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة الاسلامية ، وهذه الواجبات والمحرمات باقية الى يوم القيامة ، فلنا اذن دعويان في هذه المقدمة ، احداهما : انا نعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات. وثانيتهما : انها باقية الى يوم القيامة.

اما الدليل على الدعوى الاولى فواضح ، فانه ما دمنا نعتقد بان الاسلام شريعة فلا بد من وجود واجبات ومحرمات ، اذ الشريعة لا يمكن ان تكون شريعة الا اذا كان فيها واجبات ومحرمات ، ولا نتصور شريعة تشتمل على مجموعة مباحات بلا اشتمال على واجبات ومحرمات.

واما الدليل على الدعوى الثانية فواضح ايضا ، اذ من البديهي ان الواجب واجب والحرام حرام الى يوم القيامة.

2 - ان تلك الواجبات والمحرمات لا نعلمها على سبيل التفصيل بل اجمالا.

ص: 115


1- نلفت النظر الى مصطلحي الظن الخاص والظن المطلق فخبر الثقة او غيره من الظنون ان تمسك لحجيته بدليل الانسداد سمي بالظن المطلق ، وان تمسك بدليل قطعي خاص - غير دليل الانسداد - كالسيرة العقلائية او آية النبأ سمي بالظن الخاص او بالعلمي.

وبكلمة اخرى ان باب العلم بتلك الاحكام منسد وهكذا باب العلمي (1). اما انسداد باب العلم فهو بديهي ، اذ لا يمكن لفقيه ان يدعي تمكنه من تحصيل العلم بغالب الاحكام ، اجل بعض الاحكام معلوم كوجوب الصلاة والصوم لكنه مقدار قليل والمدعى ان المعظم ليس معلوما. واما انسداد باب العلمي فنحن نفترض ذلك ، فانّه عند الاستدلال بدليل الانسداد نفترض عدم حجية خبر الثقة والا لم تصل النوبة الى دليل الانسداد. ومع انسداد باب العلم والعلمي فلا يمكن تحصيل العلم بمواطن تلك المحرمات والواجبات.

لا تقل : اذا كان باب العلم والعلمي منسدا فكيف ادعي في المقدمة الاولى العلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات.

فانه يقال : ان علمنا بذلك وليد الاعتقاد بالشريعة الاسلامية ، فان لازم الشريعة هو الاشتمال على واجبات ومحرمات كما ذكرنا سابقا.

3 - ان المحرمات والواجبات اذا كانت باقية الى يوم القيامة فكيف نمتثلها مع فرض عدم علمنا التفصيلي بها؟ قد يقال يمكن امتثالها عن طريق الاحتياط بان نأتي بكل فعل نحتمل وجوبه ونترك كل فعل نحتمل حرمته ، وبذلك نكون قد حصلنا على الموافقة القطعية ، ولكنه باطل ، لان الاحتياط التام في جميع الوقائع يستلزم العسر والحرج وقد قال تعالى : « ما جعل عليكم في الدين من حرج ».

4 - وقد يقال نرجع الى الاصول العملية الجارية في كل واقعة ، فان كان الاصل الجاري هو البراءة اخذنا به وان كان هو الاستصحاب اخذنا به وهكذا ، ولكنه باطل ايضا ، اذ الاصول لا يمكن ان تجري مع وجود العلم الاجمالي.

5 - واذا كان التكليف ثابتا بمقتضى المقدمة الاولى ولم يمكن العلم به تفصيلا

ص: 116


1- ومن اجل هذه المقدمة سمي هذا الدليل بدليل الانسداد.

بمقتضى المقدمة الثانية ولم يجب الاحتياط بمقتضى المقدمة الثالثة ، ولم يجز الرجوع الى الاصول العملية بمقتضى المقدمة الرابعة فماذا نفعل؟ ان العقل يقول اذا حصل ظن بالوجوب كان اللازم الاخذ به ، اذ لو لم نأخذ به تعين الاخذ بالطرف الموهوم وهو احتمال عدم الوجوب ، وبما انه يقبح ترجيح المرجوح على الراجح فاللازم الاخذ بالظن ، وهذا هو المطلوب ، اذ كنا نقصد اثبات حجية الظن. واذا ثبتت حجيته ثبتت بذلك حجية خبر الثقة لانه احد مصاديق الظن (1). هذه هي حصيلة دليل الانسداد. ويمكن مناقشتها بما يلي :

ا - انا لا نسلم المقدمة الثانية التي تقول ان باب العلم والعلمي منسد ، فان باب العلم وان كان منسدا الا ان باب العلمي مفتوح ، اذ اثبتنا سابقا حجية خبر الثقة بآية النبأ والسيرة والطائفة العاشرة من الاخبار ، ومن الواضح ان اخبار الثقات وافية بمعظم الاحكام.

ب - لا نسلم المقدمة الاولى التي تقول ان لنا علما اجماليا بثبوت الاحكام في مجموع الوقائع ، اذ يمكن ان ندعي ان هذا العلم الاجمالي في مجموع الوقائع منحل بالعلم الاجمالي في دائرة اخبار الثقات.

وتوضيح ذلك : ان مجموع الوقائع - الا ما شذ - مشتبهة الحكم ، وهي كثيرة جدا (2) ، ولنقرض ان عددها (1000) واقعة. وهذه الوقائع نجزم بان حكم

ص: 117


1- وقد وقع الخلاف بين الاصوليين في انه بعد تمامية دليل الانسداد هل يحكم العقل بحجية الظن او انه لا يحكم هو بذلك بل يستكشف ان الشارع قد جعل الظن حجة ، فعلى الاول تكون حجية الظن حكما عقليا ويسمى ذلك بمسلك الحكومة ، وعلى الثاني تكون حجية الظن حكما شرعيا ، ويسمى ذلك بمسلك الكشف.
2- لا تقل : ان مجموع الوقائع ليست مشتبهة الحكم بل اكثرها معلوم ، فنعلم ان شرب الشاي والقهوة جائز ، وشرب الخمر ونحوه محرم ، والصلاة والصوم او نحوهما واجب وهكذا في الباقي. فأين اذن الوقائع التي يقال ان اكثرها مجهول. فانه يقال : ان هذه الوقائع صارت معلومة الحكم بسبب الاخذ باخبار الثقات ولكن مفروض كلامنا الآن عدم ثبوت حجية خبر الثقة.

بعضها هو الوجوب او الحرمة ، اذ الشريعة لا يمكن ان تخلو من واجبات ومحرمات ، ولنفرض ان المقدار الذي نجزم بكونه محرما او واجبا هو بمقدار (100). ثم نقول انا لو رجعنا الى اخبار الثقات لكنّا نجزم بان قسما منها صادر من المعصوم علیه السلام ، وقد فرضنا ان ذلك القسم الذي نجزم بصدوره (100) حديث. وهذه الاحاديث المائة التي نجزم بصدورها حيث انها تحكي عن (100) تكليف لذا يكون العمل بها واجبا. ومن خلال هذا يتضح ان لنا علما اجماليا كبيرا - في مجموع الوقائع الالف - بثبوت (100) تكليف ، ولنا ايضا في دائرة اخبار الثقات (100) خبر نجزم بصدورها تدل على (100) تكليف ، ولازم ذلك انحلال العلم الكبير بالعلم الصغير ، لان الكبير ينحل بالصغير متى ما فرض ان الصغير جزء من الكبير ، وفرض ان المعلوم في الصغير لا يقل عن المعلوم في الكبير ، وكلا هذين الشرطين متوفر في المقام. وبانحلال الكبير بالصغير يكون الاحتياط واجبا في دائرة العلم الصغير فقط ، اي ان كل خبر ثقة دل على وجوب او تحريم واحتملنا صدقه يكون العمل به لازما ، وحيث ان الاحتياط في اطراف العلم الصغير لقلتها مما لا يوجب العسر - الذي كان لازما من الاحتياط في العلم الكبير - لذا يكون الاحتياط في اطراف الصغير لازما بلا مانع.

ج - لا نسلم بالمقدمة الثالثة - وهي عدم وجوب الاحتياط - على اطلاقها بل نسلمها في الجملة ، بمعنى ان الاحتياط الكامل في مجموع الوقائع الالف حيث انه عسري فنرفع اليد عنه لكن لا رفعا كاملا بل بالمقدار الذي يرتفع به العسر ،

ص: 118

فان الضرورات تقدر بقدرها. وعلى ضوء هذا نقول : ان الاحتياط الكامل في مجموع الوقائع الالف وان لم يجب لكونه عسريا ، ولكن لا نرفع اليد عنه في دائرة المظنونات ، بل كلما ظننا بوجوب شيء كان العمل بالظن واجبا ، بيد ان العمل بهذا الظن واجب لا من باب انه ظن بل لان العمل به موافق للاحتياط. ويترتب على ذلك - اي كون العمل بظن الوجوب لازما من باب انه احتياط - انا لو ظننا بعدم الوجوب فلا يجب العمل بهذا الظن لان العمل به ليس موافقا للاحتياط وانما الموافق للاحتياط هو العمل بالطرف الموهوم اي احتمال الوجوب. اذن اللازم هو العمل بالاحتياط ، غير ان الاحتياط تارة يقتضي العمل بالطرف المظنون - وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بالوجوب - واخرى يقتضي العمل بالطرف الموهوم ، وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بعدم الوجوب.

وباختصار : ان لازم دليل الانسداد - بعد رفع اليد عن الاحتياط الكامل - هو العمل بالاحتياط الذي قد يكون تارة مطابقا للعمل بالظن واخرى غير مطابق له ، لا انه يلزم العمل بالظن في جميع الحالات حتى يكون لازم ذلك حجية الظن.

اجل نستدرك ونقول : اذا قال قائل ان الشريعة الاسلامية لم تبن على الاحتياط لانها الشريعة السمحة السهلة - فلو كان الاحتياط لازما سواء كان موافقا للطرف المظنون او للطرف الموهوم لم تكن سمحة سهلة - امكن ان نتنزل ونرفع اليد عن الاحتياط ونجعل المدار على الظن ، فاذا حصل ظن بالوجوب اخذنا به واذا حصل ظن بعدم الوجوب عملنا به ايضا وان لم يكن العمل بالظن المذكور موافقا للاحتياط ، ولازم هذا ان الحجة هو الظن وليس المدار على الاحتياط ، وبهذا يثبت المطلوب وهو حجية الظن.

ص: 119

قوله ص 249 س 10 بتكاليف شرعية : اي وجوبية وتحريمية ، واما الاحكام الترخيصية وهي الاباحة وأخواها فالعلم الاجمالي بها لا يكون منجزا ، ولذا اقتصر قدس سره على التكاليف الشرعية التي هي الواجبات والمحرمات.

قوله ص 249 س 11 في مجموع الشبهات : اي في مجموع الوقائع التي فرضنا انها ألف.

قوله ص 249 س 14 لا قطعي وجداني : اي ان الطريق القطعي على قسمين :

ا - قطعي وجداني وهو كالخبر المتواتر.

ب - قطعي تعبدي وهو الظن الذي قام الدليل القطعي على حجيته.

قوله ص 250 س 1 ان الاحتياط بالموافقة القطعية : اي ان الاحتياط الذي يحصل بواسطة الموافقة القطعية للعلم الاجمالي.

قوله ص 250 س 13 والثاني ترجيح : المناسب ان لا يذكر هذا رأس السطر.

قوله ص 251 س 4 بعض الامارات الشائعة : كخبر الثقة ، فانه من الامارات الشائعة ويفي بمعظم الاحكام.

قوله ص 251 س 11 عن المرتبة العليا من الاحتياط : وهي الاحتياط في مجموع الوقائع الالف.

قوله ص 251 س 11 بالقدر الذي : اي لا انه نرفع اليد عن الاحتياط رأسا.

قوله ص 251 س 14 وأين هذا من حجية الظن : اي ان هذا وان كان اخذا بالظن لكنه لا يستلزم حجية الظن ، فنحن نأخذ بالظن الوجوبى من باب انه

ص: 120

موافق للاحتياط لا بما انه ظن.

قوله ص 252 س 4 وقد تلخص من استعراض : ذكر هذا من باب التمهيد للبحث الآتي ، فكانه قدس سره يقول : من خلال هذا كله اتضح ان الخبر في الجملة حجة بواسطة آية النبأ وغيرها ، وبعد هذا ننتقل في البحث الآتي الى تحديد الخبر الذي ثبتت حجيته في الجملة وهل هو كل خبر او ...

قوله ص 252 س 6 كسيرة المتشرعة والسيرة العقلائية : وهكذا الطائفة العاشرة من الاخبار.

المرحلة الثانية.

اشارة

قوله ص 252 س 7 ونأتي الآن ... الخ : يمكن منهجة هذا المبحث ضمن نقاط ثلاث :

1 - تقدم ص 223 من الحلقة ان البحث حول الخبر يقع في مرحلتين هما :

ا - في اثبات حجية الخبر في الجملة

ب - في تحديد دائرة الخبر الحجة.

وفيما سبق كان الحديث يدور عن المرحلة الاولى ، ومن الآن يقع عن المرحلة الثانية وهي ان الخبر بعد ان ثبتت حجيته في الجملة فهل الحجة كل خبر او خصوص خبر الثقة او خصوص خبر العادل؟

والجواب : انه لو لا حظنا آية النبأ فالمستفاد منها ان الحجة هو خبر العادل ، فخبر الفاسق وان كان ثقة ليس حجة ، فانظر الى منطوقها حيث يقول : ان جاءكم فاسق - اي سواء كان ثقة ام لا - فتبينوا ، اما اذا لا حظنا السيرة والروايات فالمستفاد منها ان الحجة هو خبر الثقة وان لم يكن عادلا ، فان سيرة العقلاء جرت

ص: 121

على العمل بخبر الثقة وان لم يكن عادلا ، وهكذا المستفاد من الروايات (1).

وباتضاح هذا قد يقال : انه بناء عليه تقع المعارضة بين آية النبأ من جهة والسيرة والروايات من جهة اخرى ، اذ آية النبأ تقول ان خبر الفاسق ليس حجة سواء كان خبر ثقة ام لا ، بينما السيرة تقول : خبر الثقة حجة سواء كان عادلا ام لا. وهذه معارضة بنحو العموم والخصوص من وجه - وليست بنحو العموم والخصوص المطلق حتى يقال بالتخصيص - ومادة الاجتماع التي يتعارضان فيها هي خبر الثقة غير العادل الذي هو محل النزاع والخلاف (2) ، فالآية تقول ليس هو حجة ، والسيرة تقول هو حجة ، وبعد التعارض يتساقطان ونرجع الى اصالة عدم حجيته ، فان الاصل فيما يشك في حجيته هو عدم الحجية كما تقدم ص 67 من الحلقة.

هذا ويمكن دفع المعارضة بان مفاد آية النبأ موافق للسيرة وليس مخالفا لها ، فآية النبأ تدل على حجية خبر الثقة لا خبر العادل ، ووجه ذلك : ان آية النبأ وان عبرت بالفاسق وقالت ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الا انه يمكن القول بكون المراد من الفاسق هو غير الثقة لا غير العادل ، والقرينة على ذلك هي التعليل ، فان المستفاد منه ان خبر الفاسق انما يجب التبين عنه لاحتمال الوقوع في الجهالة اي السفاهة وهي الفعل غير العقلائي ، ومن الواضح ان الاخذ بالخبر انما يكون سفهيا فيما اذا كان ناقل الخبر غير ثقة اما اذا كان ثقة فلا يكون الاخذ به سفهيا وان لم يكن عادلا.

2 - انه لو فرضنا وجود خبر واجد لشرط الحجية - بان كان خبر ثقة أو

ص: 122


1- من قبيل العمري وابنه ثقتان.
2- فان النزاع والخلاف انما هو في خبر الثقة فيما اذا لم يكن عادلا.

عادل - ولكن كان مضمونه مخالفا لفتوى المشهور فهل يسقط بسبب ذلك عن الحجية ، واذا فرضنا العكس بأن كان الخبر غير واجد لشرائط الحجية ولكن كان مضمونه موافقا لفتوى المشهور فهل يرتفع بذلك الى درجة الحجية ويصير حجة او لا؟ اذن ههنا بحثان :

احدهما : ان الخبر الحجة هل توهنه الشهرة الفتوائية اذا كانت مخالفة له وتسقطه عن الحجية او لا؟

ثانيهما : ان الخبر اذا لم يكن حجة وكانت الشهرة الفتوائية موافقة لمضمونه فهل تجبره وترفعه الى درجة الحجية؟ هذان بحثان تقدم كلام موجز عنهما في الحلقة الثانية ص 201.

3 - ان خبر الثقة انما يكون حجة فيما اذا كان اخبارا عن قضية محسوسة - كالاخبار عن نزول المطر - او عن قضية غير محسوسة ولكنها ذات اثار محسوسة كالاخبار عن عدالة زيد مثلا ، فان العدالة شيء غير محسوس ولكن لها اثار محسوسة كالمواظبة على فعل الواجبات وترك المحرمات ، واما اذا فرض ان الخبر لم يكن محسوسا وليس له آثار محسوسة فلا يكون حجة لعدم انعقاد السيرة العقلائية والمتشرعية على العمل بمثله.

ويترتب على هذا ان فتوى المجتهد لا تكون حجة على المجتهد الآخر ، لان اخباره عن الحكم ليس اخبارا حسيا حتى يكون حجة ، وانما هو حدسي. اجل فتوى المجتهد حجة على مقلديه ولكن لا من باب حجية خبر الثقة بل للادلة الخاصة على جواز التقليد كقوله تعالى « واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون » والسيرة العقلائية على الرجوع لاهل الخبرة.

ص: 123

لا قيمة للاجماع المنقول

اتضح من خلال هذا ان الخبر الحدسي ما دام ليس حجة فالناقل لقول الامام علیه السلام اذا كان ينقله عن حدس لا عن حس - كما لو فرض انه استكشف رأي الامام علیه السلام من اتفاق مجموعة من العلماء على فتوى معينة - فلا يكون نقله معتبرا لانه نقل حدسي لا حسي. اجل ان نقله لاتفاق العلماء حيث انه نقل لامر حسي - اذ الاتفاق امر حسي - فيكون معتبرا ويثبت بذلك الاتفاق (1) ، وبثبوت الاتفاق يثبت رأي الامام علیه السلام لو كان الشخص المنقول اليه يرى الملازمة بين ثبوت الاتفاق ورأي الامام علیه السلام .

وبهذا يتضح حال الاجماعات التي ينقلها الشيخ الطوسي وغيره ، فانه كان يقول القدماء من العلماء في توجيه حجيتها : ان الشيخ الطوسي مثلا حينما يدعي الاجماع فهو ينقل ضمنا قول الامام علیه السلام - ولكنه نقل بالمعنى لا بنص الالفاظ - فانه علیه السلام بمقتضى قاعدة اللطف لا بد وان يكون من الموافقين لهم غاية الامر لا يكون مشخّصا ومميزا من بين بقية الاشخاص.

واجاب المتأخرون عن هذا التوجيه بان الشيخ الطوسى وان كان ناقلا لقول الامام علیه السلام ضمن نقله للاجماع الا انه نقل حدسي وبسبب قاعدة اللطف مثلا ، وليس نقلا حسيا ليكون حجة ، فان الحجة هو خبر الثقة الحسي دون الحدسي. اجل ان الاتفاق حيث انه امر حسي فيكون نقله حجة وبثبوته يثبت

ص: 124


1- طبيعي ان الاتفاق يثبت بشرط ان لا يكون الناقل ذا تسامح عند نقله للاتفاق ، فهناك بعض اذا شاهد اتفاق عشرة من العلماء على حكم معين نسب الاتفاق الى الجميع ، ان مثل هذا لا يكون نقله للاتفاق معتبرا.

رأي الامام علیه السلام على تقدير ثبوت الملازمة عند الشخص المنقول اليه (1).

قوله ص 252 س 9 وشروطها : هذا عطف تفسير لسابقه ، اي ان المقصود في المرحلة الثانية تحديد دائرة الحجية ، وبكلمة اخرى شروط الحجية ، وان شرط الحجية هل هو الوثاقة او العدالة.

قوله ص 253 ص 7 بالتعارض والتساقط : اي في مادة الاجتماع ، وهي خبر الثقة غير العادل التي هي محل النزاع والكلام.

قوله ص 253 س 8 لان التعليل بالجهالة : وهكذا التعليل بالندم يشهد بذلك ، فان العاقل لا يندم اذا اخذ بخبر الفاسق ما دام ثقة وانما يندم لو اخذ بخبر غير الثقة.

قوله ص 253 س 12 وهل يسقط .. الخ : هذا اشارة الى النقطة الثانية من النقاط الثلاث المتقدمة. والمراد من الامارة الظنية النوعية مثل الشهرة الفتوائية فانها تورث الظن غالبا.

قوله ص 254 س 2 في الحلقة السابقة : ص 201.

قوله ص 254 س 3 ولا شك في ان ادلة .. الخ : اشارة الى النقطة الثالثة من النقاط الثلاث المتقدمة.

قوله ص 254 س 12 ومن اجل ذلك : اي عدم حجية الخبر الحدسي.

قوله ص 255 س 2 في مثل ذلك : اي في نقل الاتفاق كما اذا كان ينقل

ص: 125


1- ينبغي الالتفات الى ان الاجماع على نحوين : محصل ومنقول ، فالمحصل هو الاجماع الذي يحصله المجتهد بنفسه بتتبعه دون ان ينقل له. والمنقول هو ما ينقله الغير له. والحديث عن المحصل تقدم في مبحث وسائل الاثبات الوجداني ص 210 من الحلقة ، وهنا يتحدث قدس سره عن الاجماع المنقول. وعليه فقد وقع فصل بين البحثين ولم يجمعا في مكان واحد.

اتفاق الكل والحال ان المتفق عشرة مثلا.

قوله ص 255 س 5 وعلى هذا الاساس : اي على اساس عدم حجية الخبر الحدسي.

قوله ص 255 س 6 فانه كان يقال : اي من قبل العلماء القدماء.

قوله ص 255 س 12 بل في اثبات تلك الفتاوى فقط : اي بل في اثبات الاتفاق فقط ، فان كان الشخص المنقول اليه يرى الملازمة بين هذا الاتفاق ورأى الامام علیه السلام ثبت رأيه علیه السلام والا فلا.

حجية الخبر مع الواسطة.

وقوله ص 255 س 13 ولا شك في ان حجية الخبر ... الخ : للخبر صورتان ، فتارة يكون اخبارا عن الامام علیه السلام بلا واسطة كما لو كنا معاصرين لزرارة واخبرنا عنه علیه السلام بأن قراءة السورة بعد الحمد واجبة في الصلاة ، واخرى يكون اخبارا عنه علیه السلام مع الواسطة كما لو اخبر الشيخ الطوسي عن زرارة (1) عنه علیه السلام بان السورة واجبة.

وفى الصورة الاولى لا يوجد اشكال ، واما الصورة الثانية ففيها اشكال يتوقف استيضاحه على بيان مقدمة وهي : ان الشارع اذا أراد جعل الحجية لشي فذلك يحتاج الى ركنين :

ا - وجود خبر مثلا لكي تنصب عليه الحجية ، فالخبر موضوع للحجية ومن دون افتراضه لا يمكن جعلها. ومن اللازم افتراض وجود الخبر اولا لكي تنصب عليه الحجية ثانيا ، فان موضوع الحكم متقدم على الحكم.

ص: 126


1- مع افتراض معاصرة الشيخ لزراره حتى يكون النقل عنه عن حس.

ب - وجود اثر شرعي لمضمون الخبر ، فوجود الاثر شرط للحجية ، والحجية مشروطة به ، فاذا لم يكن لمضمون الخبر اثر شرعي فلا يمكن ان تثبت له الحجية للزوم محذور اللغوية ، نظير ما اذا اخبر شخص بان الجو شديد الحرارة ، فان هذا الاخبار لا يمكن ان يحكم عليه الشارع بالحجية لعدم الاثر الشرعي لحرارة الجو. وهذا شيء واضح.

ثم ان الشرط لا بد وان يكون غير الحجية المشروطة اذ الشرط مغاير للمشروط ومتأخر عنه ولا يمكن ان يكون نفسه.

وبعد اتضاح هذه المقدمة نعود لبيان الاشكال ونقول : انه لو كنّا معاصرين لزرارة واخبرنا عن الامام علیه السلام بوجوب السورة امكن ان تثبت له الحجية دون اي اشكال لتوفر كلا الركنين السابقين فيه ، اذ موضوع الحجية وهو خبر زرارة ثابت بالوجدان ، والاثر الذي هو شرط الحجية ثابت ايضا ، فان وجوب السورة هو الاثر لمضمون خبر زرارة (1) ، واما اذا فرض ان الاخبار كان مع الواسطة - كما لو اخبر الشيخ الطوسي عن زرارة عنه علیه السلام - فهنا يأتي الاشكال بتقريب ان خبر زرارة لا نجزم بثبوته كي تثبت له الحجية ، فان ثبوت الحجية له - خبر زرارة - فرع ثبوته وحيث انه لم يحرز ثبوته فكيف تثبت الحجية له.

وقد يدفع هذا الاشكال بان خبر الشيخ الطوسي حيث انه ثابت بالوجدان فيمكن ان تثبت له الحجية ، واذا صار حجة ثبت بذلك خبر زرارة - لان اخبار زرارة هو المضمون لخبر الشيخ الطوسي وبعد ثبوته بالتعبد الشرعي وصيرورته كأنه ثابت وجدانا تثبت له الحجية. وبهذا البيان يتضح ان بالامكان تطبيق

ص: 127


1- اذ المضمون الذي اخبر عنه زرارة هو ان الامام علیه السلام اخبرني ، فمضمون خبر زرارة هو اخبار الامام علیه السلام وليس هو وجوب السورة ، اجل وجوب السورة اثر لاخباره علیه السلام .

الحجية على خبر زرارة بعد تطبيقها على خبر الطوسي اولا ، اذ بتطبيقها عليه يثبت خبر زرارة وبعد ثبوته نطبق عليه الحجية.

ولكن هذا الدفاع اشكل عليه باشكالين مذكورين في الرسائل والكفاية :

ا - انه على الدفاع المذكور يلزم ان يكون الحكم موجدا لموضوع نفسه ، اي يلزم ان تكون الحجية موجدة لموضوع نفسها ، لان خبر زرارة ثبت بالحجية الثابتة لخبر الطوسي ، ومع ثبوته بالحجية فكيف تثبت له الحجية بعد ذلك وتصير حكما له ، ان لازم هذا صيرورة الموجد للشيء حكما له والحكم للشيء يلزم ان يكون موجدا له ، وهذا مستحيل فان الحكم متأخر عن موضوعه فلو كان هو الموجد لموضوعه يلزم ان يكون متقدما عليه.

ب - وهذا الاشكال ناظر الى خبر الطوسي بخلاف السابق فانه ناظر الى خبر زرارة. وحاصله : ان الحجية كيف تثبت لخبر الطوسي ، فانه وان كان ثابتا بالوجدان ويمكن ثبوت الحجية له من دون اي اشكال الا انه يأتي الاشكال من ناحية ان ثبوت الحجية له موقوف على وجود الاثر لمضمونه ، ومن الواضح ان مضمونه ليس هو الا ان زرارة اخبرني عن الامام علیه السلام ، فاخبار زرارة هو المضمون لخبر الطوسى ، واذا لاحظنا خبر زرارة لم نجد له اثرا شرعيا الا شيئا واحدا وهو الحجية ، اذ زرارة بما انه عادل فخبره حجة (1) ومن خلال هذا نخرج بهذه النتيجة وهي ان الحجية ثابتة لخبر الطوسي بلحاظ اثر شرعي هو نفس الحجية فيلزم ان تكون الحجية هي الشرط وهي الحكم المشروط مع انا اشرنا في المقدمة الى ان الحجية المشروطة متقدمة على الشرط ولا يمكن ان تكون نفسه.

ولاجل استيعاب الاشكالين جيدا نذكر الفروق بينهما :

ص: 128


1- واما وجوب السورة فهو ليس اثرا لمضمون خبر الطوسي وانما هو اثر لمضمون خبر زرارة.

1 - ان الاشكال الاول ناظر الى خبر زرارة بينما الثاني ناظر الى خبر الطوسي.

2 - ان الاول ناظر الى محذور كون الحكم موجدا لموضوع نفسه بينما الثاني ناظر الى محذور كون الشرط عين المشروط.

3 - ان الاول ناظر الى اختلال الركن الاول من الركنين السابقين بينما الثاني ناظر الى اختلال الركن الثاني.

دفع الاشكالين

وبعد اتضاح الاشكالين نقول في دفعهما ان حجية خبر الطوسي وحجية خبر زرارة لو كانتا حجية واحدة كان كلا الاشكالين تاما ، اما اذا فرض ان احداهما غير الاخرى فكلاهما مدفوع. والصحيح ان احداهما غير الاخرى لان الدليل الدال على حجية الخبر يدل على حجيته بنحو القضية الحقيقية ، اي يدل انه كلما فرض وجود خبر خارجي فهو حجة ، فاذا كان عندنا خمسة أخبار فعدد الحجيات خمس ولكل خبر حجية خاصة به ، واذا حصل خبر جديد حصلت حجية جديدة ، وهذا نظير الدليل على حرمة الخمر ، فكما انه يدل على صيرورة الحرمة فعلية عند تحقق الخمر خارجا بحيث كلما حصل خمر جديد حصلت حرمة جديدة كذلك الحال في حجية الخبر فان الحجية تصير فعلية عند تحقق الخبر خارجا بحيث كلما تحقق خبر جديد خارجا تحققت حجية خاصة به.

وعلى هذا الضوء نقول : ان خبر الطوسي وخبر زرارة بما انهما فردان من الخبر فيلزم ان يكون لكل منهما حجية خاصة به ، وبذلك يندفع كلا الاشكالين.

اما الاشكال الاول فباعتبار ان خبر زرارة وان كان يوجد بواسطة الحجية

ص: 129

الثابتة لخبر الطوسي ، وبعد تحقق خبر زرارة فالحجية وان كانت تثبت له الا ان هذه الحجية التي صارت حكما لخبر زرارة هي غير حجية خبر الطوسي وليستا واحدة حتى يلزم ان يكون الموجد للشيء حكما له.

واما الاشكال الثاني فباعتبار ان مضمون اخبار الطوسي وان لم يكن له اثر سوى الحجية الا ان هذه الحجية هي غير الحجية الثابتة لخبر الطوسي ، فالحجية الثابتة لخبر الطوسي وان كانت لا تثبت الا بلحاظ حجية خبر زرارة الا ان هذه الحجية غير تلك الحجية فلا يلزم اتحاد الشرط والمشروط.

قوله ص 256 س 1 كذلك : اي شرعي.

قوله ص 256 س 2 وجعل الحجية له : عطف تفسير للتعبد به.

قوله ص 256 س 4 وعن افتراض : عطف على « عن الخبر ».

قوله ص 256 س 11 واما اذا نقل شخص : كالشيخ الطوسي مثلا.

قوله ص 256 س 13 على الشخص الناقل : وهو الشيخ الطوسي على ما ذكرنا.

قوله ص 257 س 6 المستفادة من الدليل : اي ان الحجية التي وجد بها خبر زرارة والحجية الثابتة لخبر زرارة كلتاهما مستفادة من دليل واحد وهو دليل حجية خبر الثقة ، فدليل حجية خبر الثقة دليل واحد يدل على حجية واحدة بها يوجد خبر زرارة وهي في نفس الوقت حكم لخبر زرارة.

قوله ص 257 س 14 وشرطها : عطف على موضوعها - ولا بد من شطب الفارزة الموجودة قبل كلمة « وشرطها » - والمقصود ان الحجية مجعولة على موضوعها وشرطها على نحو القضية الحقيقية.

قوله ص 257 س 14 المقدر الوجود : صفة للشرط والموضوع لا

ص: 130

لخصوص الشرط.

قوله ص 257 س 15 وفعلية الحجية : اي ان الحجية تصير فعلية فيما اذا صار موضوعها وشرطها فعليا ، وكلما تعدد الشرط والموضوع تعددت الحجية.

قوله ص 257 س 16 كما هو الشأن في سائر : مثل الخمر حرام.

ص: 131

قاعدة التسامح في ادلة السنن

اشارة

قوله ص 258 س 10 ذكرنا ان موضوع الحجية ... الخ : اتضح من خلال ما سبق ان الخبر الذي حكم الشارع بحجيته هو خبر الثقة لا غير ، ولكن هناك رأي اصولي يقول انه في خصوص باب المستحبات يمكن القول بحجية خبر غير الثقة ايضا ، فغير الثقة اذا اخبر باستحباب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا كان خبره حجة ايضا. واستند اصحاب هذا الرأى الى بعض الروايات الدالة على ان من بلغه عن النبي صلی اللّه علیه و آله ثواب على عمل فعلمه كان له ذلك الثواب وان كان صلی اللّه علیه و آله لم يقله ، ففي صحيح هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه علیه السلام « قال : من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه » (1) وعلى هذا لو وردت رواية من شخص غير ثقة تقول : من سرّح لحيته كانت له شجرة في الجنة ، فمن سرّح لحيته لتحصيل هذا الثواب كان له الثواب المذكور وان كان الخبر كاذبا.

وتسمى الاخبار المذكورة باخبار من بلغ حيث ورد في بعضها التعبير بجملة « من بلغه ». كما وتسمى القاعدة المستفادة من الاخبار المذكورة بقاعدة التسامح في ادلة السنن ، فالسنن التي هي المستحبات يتسامح في سندها وان لم يتسامح في سند غيرها.

وقد استفاد بعض الاعلام من اخبار من بلغ اكثر من ذلك حيث استفاد منها حجية خبر غير الثقة في باب المكروهات ايضا ، فلو دل خبر لشخص غير ثقة

ص: 132


1- الوسائل : 1 باب 18 من ابواب مقدمة العبادات حديث 6

على كراهة شرب الماء حالة القيام كان حجة بالرغم من عدم وثاقة الراوي (1).

ولتحقيق مدى صحة الرأي المذكور - القائل بحجية الخبر الضعيف في باب المستحبات فقط او باضافة المكروهات - نرجع من جديد الى صحيح هشام المتقدم لنستعرض الاحتمالات في المقصود منه ، وهي اربعة ، على الاول منها يثبت المطلوب وهو حجية خبر غير الثقة في باب المستحبات ، وعلى الثلاثة الاخيرة منها لا يثبت ذلك. والاحتمالات هي :

1 - ان يكون دالا على حجية خبر غير الثقة في خصوص باب المستحبات او بتعبير آخر على حجية مطلق البلوغ وان كان حاصلا بخبر غير الثقة ، وهذا الاحتمال هو المطلوب.

2 - ان يكون دالا على اثبات استحباب الفعل الذي بلغ عليه الثواب ولكن لا بعنوانه الاولي بل بعنوان البلوغ ، فلو دل خبر ضعيف على استحباب تسريح اللحية صار مستحبا لكن لا بما هو تسريح اللحية بل بما انه قد بلغ عليه الثواب.

والفرق بين هذا الاحتمال وسابقه ان السابق يدل على انشاء حكم ظاهري وهو الحجية ، بينما هذا الاحتمال يدل على انشاء حكم واقعى ، فان حجية الخبر حكم ظاهري - والحكم الظاهري هو الحكم المجعول حالة الشك ، وحجية الخبر حيث انها مجعولة حالة الشك في الحكم الواقعي فهي حكم ظاهري - بينما استحباب الفعل حكم واقعي حيث لم يجعل حالة الشك حتى يصير حكما

ص: 133


1- وهناك من يقول : لو ورد خبر لغير ثقة يدل على وجوب شيء معين فهذا الخبر وان لم يكن حجة فى اثبات الوجوب لكنه حجة في اثبات الاستحباب ، فاذا كان الخبر يدل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فيمكن الاستناد اليه في الحكم بالاستحباب دون الوجوب.

ظاهريا. نعم الاحتمالان المذكوران يشتركان في شيء واحد وهو جواز فتوى الفقيه باستحباب التسريح ، اذ الاحتمال الثاني ينشىء الاستحباب حسب الفرض والاحتمال الاول ينشىء الحجية للخبر.

3 - ان يكون دالا على الارشاد لحكم العقل ، فان العقل حينما يسمع الخبر الضعيف الدال على ثواب تسريح اللحية يحكم بحسن ذلك من باب الرجاء والاحتياط ، كما ويحكم باستحقاق من يسرح لحيته رجاء للثواب. واخبار من بلغ لعلها لا تفيد مطلبا اكثر من حكم العقل هذا بل تريد تأكيد حكم العقل والارشاد اليه.

4 - ان يكون بصدد وعد المسرّح لحيته بالثواب حتى تحصل له الرغبة بالاحتياط حينما يسمع باستحباب بعض الاشياء. وبكلمة اخرى هناك مصلحة في نفس الوعد بالثواب لتحصل للمكلف الرغبة في الاحتياط. وهذا نظير قولك لولدك : متى ما طلب منك شخص المساعدة ازاء ان يدفع اليك مقدارا معينا من المال فساعده وانا اعطيك ذلك المقدار لو لم يف ، انك في هذا المثال تعد بدفع ذلك المقدار حتى تحصل لولدك الرغبة في مساعدة الآخرين فتعد بدفع المال لمصلحة في نفس الوعد وهي الترغيب في مساعدة الآخرين.

ولا يخفى ان هذا الاحتمال الاخير يشترك مع سابقه في نقطة ويختلف عنه في اخرى ، فهو يشترك معه في عدم اشتماله على حكم شرعي ، فكلاهما لا يثبت حكما شرعيا - بخلاف الاحتمالين الاولين فانهما يثبتان حكما شرعيا - ويختلف عنه في افادته لمطلب مولوي بينما الثالث يفيد الارشاد ، فان الثالث يدل على الارشاد لحكم العقل بحسن الاحتياط بينما الرابع يعد وعدا مولويا بالثواب فهو مشتمل على المولوية في مقام الوعد بالثواب بينما الثالث لا يشتمل على اي مولوية.

ص: 134

ومن خلال هذا تجلى ان الفروق بين الاحتمالات كما يلي :

ا - ان الاحتمال الثالث لا يتضمن المولوية بل الارشاد لحكم العقل بخلافه في الاحتمالات الثلاثة الاخرى فانها تتضمن المولوية اما في جعل الحجية او في انشاء الاستحباب او في الوعد.

ب - ان الاحتمالين الاولين يتضمنان جعل حكم اما بالحجية او بالاستحباب بخلاف الاخيرين فانهما لا يتضمنان جعل حكم بل الارشاد او الوعد.

ج - ان الاحتمالين الاولين وان اشتركا في جعل الحكم الا ان الحكم المجعول في الاول ظاهري وفي الثاني واقعي.

د - انه على الاحتمالين الاولين يتمكن الفقيه من الفتوى باستحباب تسريح اللحية مثلا بينما على الاخيرين لا يمكنه ذلك. اما انه على الاولين يمكنه ذلك فباعتبار ان الاحتمال الثاني يجعل الاستحباب مباشرة حسب الفرض ، والاول يجعل الحجية للخبر الضعيف ، وبعد حجيته يحق للفقيه الفتوى بالاستحباب على طبقه. واما انه على الاخيرين لا يحق له ذلك فلأن الثالث يتضمن الارشاد لا اكثر ، والرابع يتضمن الوعد بالثواب لا غير. وهذا الفرق الاخير فارق عملي بينما الفوارق الثلاثة الاولى نظرية لا غير.

هل هناك ثمرة عملية بين الاول والثاني.

ذكرنا ان الفارق العملي بين الاحتمالين الاولين والاخيرين انه على الاولين يحق للفقيه الفتوى بالاستحباب بخلافه على الاخيرين. وهناك سؤال : هل يوجد فارق عملي وثمرة عملية بين الاحتمال الاول والثاني او لا؟ اختلفت الاجابة عن

ص: 135

ذلك ، فالسيد الخوئي « دام ظله » قال : انه لا توجد ثمرة عملية بينهما بينما السيد الشهيد يرى وجود الثمرة ، وذكر لذلك ثلاثة امثلة :

1 - اذا كان خبران احدهما يدل على استحباب شيء معين والآخر ينفي استحبابه ونفترض ان الدال على الاستحباب ضعيف السند بينما النافي له خبر ثقة ففي مثل هذه الحالة هل يحصل تعارض بين هذين الخبرين الدال احدهما على الاستحباب والآخر على نفيه؟ ان الثمرة العملية تظهر هنا ، فعلى الاحتمال الاول يحصل التعارض ، اذ احدهما يثبت الاستحباب والاخر ينفيه بينما على الاحتمال الثاني لا يحصل ، اذ المثبت للاستحباب لا يثبت الاستحباب لذات الفعل حتى يتعارض مع الخبر النافي للاستحباب عن ذات الفعل وانما الخبر المثبت للاستحباب يثبت الاستحباب بعنوان البلوغ ، ومن الواضح عدم التنافي بين ان يكون الفعل في نفسه ليس مستحبا وفي نفس الوقت يكون مستحبا بعنوان البلوغ ، وهذا نظير ما اذا ترجى اخوك المؤمن شرب الشاي في داره فانه بعنوان شرب الشاي ليس مستحبا ولكنه بعنوان رجاء المؤمن يكون مستحبا.

2 - لو فرض ورود خبر من غير الثقة يقول بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا فبناء على الاحتمال الاول الذي يفرض فيه جعل الحجية للخبر الضعيف لا يكون الخبر المذكور حجة لا في اثبات الوجوب ولا في اثبات الاستحباب ولا في اثبات الجامع بينهما وهو اصل الطلب والرجحان.

اما انه لا يمكن ان يكون حجة في اثبات الوجوب فلأنه لم يقل احد بل ولا يحتمل ان يكون الخبر الضعيف حجة في اثبات الوجوب.

واما انه لا يمكن ان يكون حجة في اثبات الاستحباب فلأن الخبر بعد ما لم يكن دالا على الاستحباب كيف يكون حجة فيه فان حجية شيء في شيء فرع

ص: 136

دلالته عليه.

واما انه لا يمكن ان يكون حجة في اثبات الجامع فلأن الجامع مدلول التزامي للخبر - اذ المفروض ان الخبر الضعيف يدل على الوجوب بالمطابقة ، ولازم ذلك كون الفعل مطلوبا وراجحا - وبعد فرض ان الخبر لم يكن حجة في اثبات المدلول المطابقى وهو الوجوب فلا يكون حجة في اثبات ، المدلول الالتزامي ، فان مثل السيد الخوئي (1) يرى ان الدلالة المطابقية اذا سقطت عن الحجية فالدلالة الالتزامية تسقط عن الحجية ايضا. هذا كله بناء على الاحتمال الاول ، واما بناء على الاحتمال الثاني فيثبت الاستحباب لان المفروض بناء عليه ان اخبار من بلغ تثبت الاستحباب للفعل بعنوان البلوغ ، وحيث انه يصدق - عند ما يدل الخبر على وجوب الدعاء - بلغ الثواب على الدعاء (2) فيكون الدعاء مستحبا بعنوان البلوغ.

3 - اذا دل خبر ضعيف على استحباب الجلوس في المسجد مثلا الى ان تطلع الشمس وفرض عدم دلالته على حكم الجلوس ما بعد الطلوع ففي مثله هل يمكن استصحاب الاستحباب لما مع الطلوع او لا بعد افتراض ان نفس الخبر لا دلالة له على الحكم بعد الطلوع؟ ان ذلك يرتبط بالاحتمالين ، فعلى الاول يجري الاستصحاب لان المفروض حجية الخبر الضعيف في اثبات الاستحباب قبل الطلوع ، وما دام الاستحباب ثابتا قبل الطلوع فيمكن استصحاب بقائه. واما بناء على الثاني فلا يجري ، لان الاستحباب لم يثبت لذات الفعل وانما ثبت لعنوان البلوغ ، ومن الواضح ان عنوان البلوغ منتف بعد الطلوع جزما لان الذي بلغنا

ص: 137


1- وهكذا السيد الشهيد.
2- اذ الخبر الدال بالمطابقة على وجوب فعل دال بالالتزام على الثواب عند فعله.

عليه الثواب هو الجلوس الى حين الطلوع واما ما بعده فجزما لم يبلغ ثوابه فكيف يجري الاستصحاب؟ فان شرط جريانه بقاء الموضوع وهو مما نجزم بانتفائه لاختصاص عنوان البلوغ بما قبل الطلوع ، وهذا بخلافه على الاحتمال الاول فان الخبر الضعيف بعد صيرورته حجة يثبت الاستحباب لذات الفعل فيجري استصحابه.

المختار في المسألة

وبعد ان عرفنا الاحتمالات الاربعة في روايات من بلغ وان النافع منها هو الاول نريد التعرف على مدى امكان استفادته ليثبت المطلوب. والصحيح عدمه ، اذ الاخبار المذكورة تثبت الثواب حتى في صورة كذب الخبر - حيث قالت : كان له ذلك الثواب وان لم يقله النبي صلی اللّه علیه و آله - ومن الواضح انه لو كان المقصود اثبات الحجية فالمناسب اثباتها في صورة الشك في كذب الخبر لا في صورة كذبه واقعا ، فانه مع كذبه واقعا لا معنى لجعله حجة. وعليه فقاعدة التسامح في ادلة السنن التي يراد منها اثبات حجية الخبر الضعيف في باب المستحبات غير ثابتة (1).

قوله ص 258 س 11 خبر الثقة على تفصيلات متقدمة : من قبيل ان يكون حسيا لا حدسيا وان لا يكون مخالفا للمشهور على رأي بعض.

ص: 138


1- ينبغي الالتفات الى ان في المقصود من قاعدة التسامح احتمالين : 1 - ان خبر غير الثقة هل هو حجة في المستحباب او لا؟ 2 - هل يمكن الحكم باستحباب الفعل الدال على استحبابه خبر غير الثقة؟ وعلى الاول يكون النافع هو الاحتمال الاول من الاحتمالات الاربعة المتقدمة ، وعلى الثاني يكون النافع الاحتمالين الاولين. والسيد الشهيد حيث جعل محل الكلام هو البحث عن الحجية دون الحكم بالاستحباب لذا لم يسلم بقاعدة التسامح.

قوله ص 259 س 4 لمطلق البلوغ : اي تجعل الحجية للخبر الضعيف ايضا.

قوله ص 259 س 5 بدوا : وان كان التأمل يقتضي اختيار الاحتمال الثالث كما سبق في الحلقة الثانية.

قوله ص 259 س 8 واقعي نفسي : اما انه واقعي فلانه ليس كالحجية مجعولا حالة الشك. واما انه نفسي فلان استحبابه ليس من باب المقدمة للتوصل الى مستحب آخر.

قوله ص 261 س 5 لا يثبت مؤداه : وهو استحباب ذات الفعل.

قوله ص 261 س 6 بل هو بنفسه يكون موضوعا : لان الخبر الضعيف بنفسه يحقق البلوغ ، وبتحقق البلوغ يتحقق الاستحباب.

قوله ص 261 س 7 وكونه معارضا : هذا دفع لاشكال مقدر. اما الاشكال فهو انه قد يقال ان البلوغ غير محقق ، اذ الخبر الدال على الاستحباب لو لم يكن معارضا امكن القول بتحقق البلوغ ولكن المفروض معارضته بخبر آخر ينفي الاستحباب ، ومعه لا يصدق البلوغ. واما الدفع : فهو ان المعارضة لا تنفي صدق عنوان البلوغ ، نظير ما اذا اخبر شخص بسفر زيد واخبر آخر بانه لم يسافر فانه يصح ان يقال بلغني سفر زيد.

قوله ص 261 س 16 لانه مدلول تحليلي : اي التزامي او تضمني.

قوله ص 262 س 2 بكامله : فان المدلول المطابقي الكامل للخبر هو الطلب الوجوبي ، فاذا لم يكن الخبر حجة في هذا المدلول بكامله فلا يكون حجة في جزءه وهو الطلب فقط.

قوله ص 262 س 10 ومهما يكن : اي سواء كانت هناك ثمرة عملية بين الاحتمال الاول والثاني ام لا.

ص: 139

ص: 140

حجية الظهور

اشارة

ص: 141

ص: 142

البحث الثالث في حجية الظهور

اشارة

قوله ص 263 س 1 الدليل الشرعي .. الخ : مرّ ص 86 من الحلقة ان البحث في الدليل الشرعي يقع في ثلاث نقاط هي :

ا - البحث عن بعض الدلالات العامة مثل ان الامر ظاهر في الوجوب ، والجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم وهكذا. وقد مر هذا من ص 87 الى ص 193 من الحلقه.

ب - البحث عن وسائل اثبات صدور الدليل. وقد مر هذا من ص 194 الى ص 262. وبقيت النقطة الثالثة وهي ما نريد التحدث عنها الآن.

ج - البحث عن حجية الظهور.

وقبل البحث عن حجية الظهور نوضح ثلاثة مصطلحات هي : الظهور ، النص ، المجمل.

ان الدليل اذا كانت دلالته صريحة بحيث لا تقبل احتمال الخلاف فهو نص ، واذا كان محتملا لعدة معان بدون رجحان لبعضها على بعض فهو مجمل ، واذا كانت بعض المعاني منسبقة عرفا الى الذهن فهو الظاهر.

اما البحث عن الظاهر فسيأتي في البحث الآتي ص 265 من الحلقة. واما النص فلا اشكال في حجيته لان دلالته قطعية لا تحتمل الخلاف. واما المجمل فهو ليس حجة في خصوص معنى من معانيه وانما هو حجة في الجامع بينها لو فرض امكان تنجزه على جامعيته واجماله ، فمثلا لو امر المولى بالدعاء عند رؤية الهلال

ص: 143

وتردد المقصود من الامر بين الوجوب والاستحباب - بناء على كون الامر مشتركا لفظا بينهما وليس موضوعا لخصوص الوجوب - فلا يكون منجزا لخصوص الوجوب ولا لخصوص الاستحباب بل للجامع بينهما وهو اصل الطلب والرجحان ، اذ الجامع المذكور وان كان مجملا لكنه قابل للتنجز على المكلف (1) فيتنجز الا اذا حصل سبب مزيل للمنجزية ، وذلك في احدى الحالات الاربع التالية :

1 - ان يرد دليل ثان يدل على ان الدعاء عند الرؤية مستحب ، فان هذا الدليل يوجب رفع الاجمال عن الدليل الاول بعد ضمه اليه ويثبت ان المقصود منه الاستحباب.

2 - ان يرد دليل ثان يدل على ان الدعاء عند الرؤية ليس واجبا ، فانه بضمه الى الاول يرتفع اجمال الاول كما هو واضح.

وفرق هذه الحالة عن صاحبتها ان الدليل في السابقة مثبت لاحد المعنيين بينما في الثانية هو ناف لذلك.

3 - ان يرد دليل ثان مجمل وبضمه الى الاول يرتفع الاجمال. ومثال ذلك : روايتا الكر ، فانه وردت في تحديد مقدار الكر روايتان احداهما تقول : الكر (600) رطل والاخرى تقول الكر (1200) رطل. وكلمة « الرطل » في هذين النصين لم يحدد المقصود منها ، اذ الرطل رطلان رطل عراقي ورطل مكي - والمكي ضعف العراقي - ولكن عند ضم احداهما الى الاخرى يفهم ان مقصود الاولى من

ص: 144


1- ومثال الجامع الذي لا يقبل التنجز ما لو قال المولى كل الطعام وتردد مقصوده بين الوجوب والتهديد ، فان الجامع بينهما لا يمكن تنجزه ، او فرض انه قال تحرز عن رغبة النكاح ودار الامر بين ان يكون المقصود تحرز عن الرغبة في النكاح او تحرز عن الرغبة عن النكاح ، فان الجامع لا يمكن تنجزه ايضا.

الرطل هو المكي ومقصود الثانية هو العراقي ، فان المكي ما دام ضعف العراقي فمن المناسب ان تكون الرواية الثانية ناظرة الى العراقي والاولى الى المكي ، لان (1200) ضعف (600). وباختصار : المقصود من هذه الحالة ان ترد روايتان كل منهما مجملة ونعلم ان المقصود منهما واحد - ففي الروايتين السابقتين نعلم بان المقصود شيء واحد والا وقع التعارض بينهما - ويكون للمجمل في الرواية الاولى معنى يتناسب مع احد معنيي المجمل في الرواية الثانية.

4 - ان يرد دليل ثان يثبت احد معاني المجمل دون ان يكون ذلك مستلزما لنفى المعانى الاخرى ، نظير ما لو ورد « جئني بعين » وتردد المقصود بين الذهب والفضة ، فلو ورد دليل ثان يقول يجب الاتيان بالفضة فالعلم الاجمالي بوجوب الاتيان اما بالذهب او الفضة يسقط عن المنجزية ويجب الاتيان بخصوص الفضة (1) فان الامر بالاتيان بالفضة وان كان لا يتنافى مع وجوب الاتيان بالذهب ، اذ وجوب احدهما يلتئم مع وجوب الآخر (2) ولكن مع ذلك يسقط العلم الاجمالي عن المنجزية ويجب الاتيان بخصوص الفضة لان العلم الاجمالي لا يكون منجزا الا اذا توفرت اركان اربعة - تقدمت في الحلقة الثانية ص 366 - ثالثها تعارض الاصول العملية في الاطراف ، فلو تعارضت ثبت التنجز والا فلا ، وفي المقام لا تتعارض لان الاتيان بالفضة حيث دل الدليل الثاني على وجوبه فلا يمكن اجراء البراءة عنه ، ومعه فتجري البراءة عن وجوب الاتيان بالذهب بلا معارض. وبكلمة اخرى : ان البراءة عن وجوب الفضة لا تجري لاننا بواسطة

ص: 145


1- لو كان العلم الاجمالي غير ساقط عن المنجزية فاللازم الاتيان بالذهب والفضة لان الجامع اذا تنجز وجب من باب تحصيل الموافقة القطعية الاتيان بهما معا.
2- وهذا بخلافه في الحالة الاولى فان ثبوت الاستحباب يتنافى وثبوت الوجوب.

الدليل الثاني نجزم بوجوبها ولا نشك فيه بخلاف وجوب الذهب فانه مشكوك فيه فتجري البراءة عنه بلا معارض.

قوله ص 263 س 2 في نسبتها اليه : اي نسبة تلك الامور الى المدلول.

قوله ص 263 س 3 ولا يحتمل .. الخ : بفتح الياء ، اي ولا يحتمل مدلوله مدلولا آخر بدلا عنه.

قوله ص 263 س 5 والمنسبق : عطف تفسير على الظاهر.

قوله ص 264 س 3 الا معنى واحد قابل لهما : المناسب هكذا : ويكون احد المعاني لهذا مناسبا لواحد من معاني ذاك.

قوله ص 264 س 6 في حالة عدم التنافي ... الخ : واما مع التنافي فتلك هي الحالة الاولى.

قوله ص 264 س 15 في المدلول التصوري والمدلول التصديقي معا :

المدلول التصوري هو المدلول الوضعي الذي ينسبق الى الذهن عند سماع الكلمة. والمدلول التصديقي هو قصد المعنى. اي ان الدليل اذا كان نصا في دلالته على اصل المعنى ونصا في دلالته على قصد المتكلم له فلا اشكال في حجيته ، اذ مع القطع بالدلالة لا وجه للتأمل في الحجية.

دليل حجية الظهور

قوله ص 265 س 1 واما الظاهر فظهوره حجة : ذكرنا فيما سبق ان النص حجة وهكذا المجمل حجة في الجامع. وبقي ان نتحدث عن الظاهر. ان الكلام اذا كان ظاهرا في معنى معين فظهوره حجة - وتسمى حجية الظهور باصالة الظهور - والدليل على حجيته ثلاثة وجوه تقدم في الحلقة الثانية الاولان منها. والوجوه

ص: 146

الثلاثة هي :

1 - التمسك بسيرة المتشرعة اي اصحاب الائمة علیهم السلام ، فانها كانت جارية على التمسك بظهور القرآن الكريم والاحاديث الواردة من الائمة السابقين ، وهي حجة جزما بمعنى أنها كاشفة عن موافقة الامام علیه السلام - بلا حاجة الى استكشاف موافقته من عدم الردع - اذ بدون موافقته لا تكون السيرة سيرة للمتشرعة فان المتشرع هو من يوافق عمله رضا الامام علیه السلام ومع عدم الموافقة لا يكون متشرعا.

وقد تسأل : كيف يمكن اثبات ان سيرة اصحاب الائمة علیهم السلام كانت جارية على العمل بالظواهر؟ والجواب : تقدم في الحلقة الثانية ص 178 بيان خمسة طرق لا ثبات ذلك ، ونستعين هنا بالطريق الرابع منها فيقال : انه لو لم يعمل اصحاب الائمة علیهم السلام بالظهور فلا بد من وجود بديل يعتمدون عليه في فهم المراد ، وحيث ان ترك الظهور والاعتماد على البديل ظاهرة غريبة فمن اللازم نقلها في الكتب التأريخية ، وحيث لم تنقل كان ذلك دليلا على عدم البديل وبالتالي على الاعتماد على الظهور.

2 - التمسك بسيرة العقلاء على العمل بالظهور ، فانهم في كل زمان بما فيه زمان الائمة علیهم السلام يعملون بالظهور - اذ لو لم يعملوا به وكان لهم بديل لنقله التأريخ - فلو لم يكن الائمة علیهم السلام موافقين للسيرة المذكورة لردعوا عنها ، وعدم الردع دليل على الامضاء.

اجل هنا شيء لا بد من الالتفات اليه وهو انه ذكر ص 184 من الحلقة ان عدم الردع يدل على الامضاء اما لنكتة عقلية - وهي لزوم نقض الغرض او وجوب النهي عن المنكر - او لنكتة استظهارية ، فان ظاهر حاله علیه السلام انه في مقام المحافظة على الشريعة ، فسكوته ظاهر في الموافقة. وهنا نقول : حينما نتمسك

ص: 147

بالسيرة العقلائية لا ثبات حجية الظهور فلا بد وان لا نتمسك لا ثبات عدم الردع بالنكتة الاستظهارية ، اذ يلزم من ذلك الدور ، لانا نتمسك بالظهور - اي ظهور حاله علیه السلام في الموافقة - لا ثبات حجية الظهور. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في الحلقة الثانية ص 212.

3 - التمسك بالاحاديث الدالة على وجوب التمسك بالقرآن الكريم والسنة الشريفة كقوله صلی اللّه عليه وآله : ما ان تمسكتم بهما - اي القرآن واهل البيت علیهم السلام - لن تضلوا بعدي ابدا. وتقريب الاستدلال : ان احد مصاديق التمسك بالقرآن واهل البيت هو العمل بظهور الكتاب والسنة فيكون واجبا ومشمولا لاطلاق الامر بالتمسك وبالتالي يكون الظهور حجة.

وقد يشكل عليه بان لازمه الدور ، اذ ظاهر الاحاديث المذكورة بمقتضى اطلاقها الشمول للعمل بالظهور ، ومعنى ذلك انه قد تمسكنا بالظهور لا ثبات حجية العمل بالظهور.

وللتخلص من ذلك لا بد من افتراض حجية الظهور ولو في الجملة بمعنى انه لا يلزم - لتمامية الاستدلال بالاحاديث المذكورة - افتراض حجية الظهور في جميع الموارد بل يكفي حجية ظهور خصوص الاحاديث المذكورة فانه اذا ثبت ذلك - ولو من باب ان العمل بظهور هذه الاحاديث هو القدر المتيقن من عمل العقلاء بالظهور - فيمكن التمسك به لا ثبات حجية الظهور في بقية الموارد (1).

ص: 148


1- قد يقال : انا اذا تمسكنا بالسيرة العقلائية لا ثبات حجية ظهور هذه الاحاديث فيثبت بها ايضا حجية بقية الظواهر ، فان السيرة لا تفرق بين ظهور وظهور. والجواب : انا نفترض ان القدر المتيقن من السيرة هو العمل بظهور هذه الاحاديث بحيث يكون العمل ببقية افراد الظهور مشكوكا.

اشكال على الدليلين الاولين.

اتضح ان الادلة على حجية الظهور ثلاثة. وهناك اشكال على الدليل الاول وهو سيرة المتشرعة وعلى الدليل الثاني وهو سيرة العقلاء.

اما الاشكال على سيرة المتشرعة فهو ان انعقاد سيرة اصحاب الائمة علیهم السلام على العمل بالظهور وان كان مسلما ولكنا لا نجزم بعملهم بجميع اقسام الظهور ، فان الظهور تارة يكون جليا وواضحا ومثل هذا يجزم بعملهم به ، واخرى غير جلي ومثله لا يجزم بانعقاد السيرة على العمل به. ومثاله : ما اذا كان الكلام ظاهرا في معنى معين واحتمل ان قرينة على خلاف ظهوره اتصلت به ولكنها اختفت علينا ، ان مثل هذا الظهور - الذي قال المشهور بحجيته وخالفناه في ذلك كما تقدم في الحلقة الثانية ص 215 - كيف يمكن الجزم بانعقاد سيرة المتشرعة على العمل به ، فان انعقاد السيرة على العمل به في غير الحالة المذكورة وان كنا نجزم به الا انه في هذه الحالة لا نجزم بذلك.

اجل اذا كان مدرك حجية الظهور هو الدليل الثاني اي سيرة العقلاء دون سيرة المتشرعه لم يرد هذا الاشكال ، لان سيرة العقلاء يمكن التأكد منها بالرجوع اليهم ويمكن للمشهور الجزم بعمل العقلاء بالظهور حتى في الحالة المذكورة. هذا كله في الاشكال على الدليل الاول.

واما الدليل الثانى وهو سيرة العقلاء فالوارد عليه اشكالان :

1 - ان التمسك بسيرة العقلاء اخص من المدعى ، فانه لا يثبت بها حجية الظهور في الموارد التي توجد فيها امارة عقلائية على خلاف الظهور ، كما لو كان لدينا كلام ظاهر فى معنى معين وكانت في مقابله امارة عقلائية - وان لم تكن

ص: 149

معتبرة شرعا كالقياس مثلا - فانه في هذه الحالة لا يعمل العقلاء بهذا الظهور المقابل بالامارة حتى ولو كانت غير معتبرة شرعا. هذا هو مقتضى التمسك بسيرة العقلاء بينما المدعى حجية الظهور حتى في هذه الحالة ، فان من قال بالحجية قال بها حتى في حالة مخالفة القياس للظهور. ويمكن دفع ذلك بما يلي :

ا - ان الدليل الدال على عدم حجية القياس يدل على ان اللازم للمكلف ان يطبق حالة وجود القياس جميع الآثار التي يرتبها حالة عدم وجوده فان هذا هو معنى عدم حجية القياس عرفا ، ومن الواضح ان احد الاثار التي يطبقها المكلف لو لم يكن القياس ثابتا لديه هو العمل بالظهور ، فدليل عدم حجية القياس على هذا الضوء يكون دالا على حجية الظهور المقابل للقياس وانه لا ينبغي ترك الظهور لاجله.

ب - ان هذا الاشكال يتم بناء على مسلك الشيخ الاصفهاني القائل بان سيرة العقلاء اذا جرت على عمل معين في حدود معينة فالامضاء الذي نستكشفه بواسطة عدم الردع يتحدد بتلك الحدود المعينة لا اكثر ، فاذا فرض ان العقلاء يعملون بالظهور في حالة عدم وجود قياس مخالف له فالثابت بالامضاء هو العمل بالظهور في هذه الحالة لا اكثر ، اما اذا تجاوزنا هذا المسلك وقلنا ان الامضاء لا يتعلق بالعمل الخارجي في حدوده الخاصة بل بالنكتة العقلائية المرتكزة في اذهان العقلاء التي من اجلها يعملون بالظهور (1) فلا يتم ما ذكر حيث ان النكتة

ص: 150


1- مسألة تعلق الامضاء الشرعي بالنكتة الارتكازية او بمقدار العمل الخارجي وقعت محلا للكلام بين الاعلام فممن اختار كون المدار على النكتة الارتكازية السيد الحكيم في المستمسك عند البحث في ثبوت الكرية بقول صاحب اليد ج 1 ص 215 بينما السيد الخوئي في فقه الشيعة ج 2 ص 75 والتنقيح ج 2 ص 329 وافق الاصفهاني في كون المدار على مقدار العمل الخارجي وقد تعرض السيد الشهيد الى المسألة المذكورة في بحوثه ج 2 ص 127.

التي لاجلها يعمل العقلاء بالظهور هو كونه مقتض للحجية - اي ان كل ظهور له اقتضاء الحجية ما دام لم يزاحم بحجه اخرى - وبامضاء هذه النكتة تكون النتيجة هي حجية الظهور فيما اذا لم يكن في مقابله حجة اخرى ، وبما ان الشارع الغى حجية القياس فلا يكونه مقابل الظهور حجة مزاحمة وبالتالي يكون حجة لدى الشارع لسقوط المزاحم عن الحجية.

2 - ان سيرة العقلاء وان جرت على العمل بالظهور الا انها جرت على العمل به في كلام الانسان الاعتيادي الذي متى ما اراد خلاف الظهور نصب قرينة متصلة على ذلك ، ومن الواضح ان الشارع ليس كذلك ، فانه كثيرا ما يعتمد على القرائن المنفصلة ، فيطرح احد المعصومين علیهم السلام عاما من العمومات ويأتي المخصص له من معصوم آخر متأخر عنه. وما دام للشارع هذه العادة - والمفروض انه لا يوجد بين العقلاء من له مثل هذه السيرة حتى يلاحظ انه يعمل بظهور كلامه او لا - فكيف يمكن ان يدعى ان العقلاء جرت سيرتهم على العمل بالظهور حتى في مثل كلام الشارع.

والجواب : ان هذا يتم فيما لو كان من اللازم اتحاد الموضوع الذي يمضي الشارع الظهور فيه مع الموضوع في السيرة ، فانه بناء عليه حيث ان الموضوع الذي جرت السيرة العقلائية على العمل بالظهور فيه هو الانسان الاعتيادي فيلزم ان يكون الموضوع الذي قد امضى الشارع الظهور فيه هو الانسان الاعتيادي ايضا ، ولكنا لا نقبل هذا ، اذ من الممكن ان تجري السيرة على العمل

ص: 151

بظهور كلام الانسان الاعتيادي ولكن الشارع يمضي الظهور في حق مطلق الانسان ولو غير الاعتيادي بتقريب : ان العقلاء وان جرت سيرتهم على العمل بالظهور في حق الانسان الاعتيادي لكن من المحتمل ان يطبقوا سيرتهم هذه يوما من الايام على كلام الشارع ايضا اما من باب الاعتياد - فان الاعتياد على العمل بالظهور في كلام الانسان الاعتيادي قد يوجب العمل بالظهور احيانا حتى في حق الانسان غير الاعتيادي - او من باب الغفلة عن كون الشارع ذا عادة خاصة ، وعليه فاللازم على الشارع من باب الاحتياط المسبق الردع عن هذه السيرة خوف تطبيقها يوما من الايام على كلامه ايضا ، فاذا لم يصلنا الردع دلّ ذلك على امضائها.

قوله ص 265 س 3 بالسنة المستكشفة : فان سيرة اصحاب الائمة علیهم السلام تكشف عن رأيهم الذي هو السنة.

قوله ص 265 س 5 ولو في الجملة : اي ولو في خصوص ظهور هذه الاحاديث الآمرة بالتمسك بتقريب ان حجية ظهور هذه الاحاديث هو القدر المتيقن من سيرة العقلاء المنعقدة على العمل بالظهور.

قوله ص 266 س 7 واطلاقها : عطف تفسير على ظهور الاحاديث.

قوله ص 266 س 8 كما ان الوجهين الاولين : المناسب التعبير بالوجه الثاني ، فان سيرة العقلاء هي التي تحتاج الى الامضاء ، واما سيرة المتشرعة فلا تحتاج في حجيتها الى الامضاء.

قوله ص 267 س 4 وهنا نقول : اي في هذه الحلقة الثالثة.

قوله ص 268 س 3 ولكن الصحيح : هذا رد ثان على اصل الاشكال ، وليس ردا على قولهم « اللّهم الا اذا ... ». والمناسب وضعه رأس السطر.

ص: 152

قوله ص 268 س 6 غير انك ... الخ : المناسب ان لا يجعل هذا رأس السطر فانه متصل بسابقه.

قوله ص 268 س 8 مطلقا : اي حتى فيما اذا كان مزاحما بمثل القياس.

قوله ص 268 س 8 كذلك : اي اقتضائية.

قوله ص 268 س 11 والامر الآخر : المناسب : وثانيهما.

قوله ص 268 س 11 الوجه الاول : الصحيح : الوجه الثاني.

قوله ص 269 س 1 وهذا الاعتراض ... الخ : هذا رد على الاشكال الثاني.

تشخيص موضوع الحجية.

قوله ص 269 س 14 ظهور الكلام في المعنى الحقيقي ... الخ : قبل توضيح المقصود نذكر مقدمة مرت في الحلقة الثانية ص 214. وحاصلها : ان لظهور اللفظ في معناه شكلين ، فتارة يكون ظهورا تصوريا واخرى ظهورا تصديقيا. والمقصود من الظهور التصوري انسباق المعنى الى الذهن وانتقاشه فيه عند سماع اللفظ ، فانه اذا سمعنا كلمة « كتاب » مثلا تصورنا معناها حتى ولو فرض صدورها من نائم بل ولو من اصطكاك حجرين. ان هذا الخطور الحاصل عند سماع اللفظ من اي مصدر كان هو الظهور التصوري.

ولو فرض ان اللفظ المذكور صدر من شخص ملتفت دل ذلك على ان المتكلم قد قصد معناه ، وهذا ما يسمى بالظهور التصديقي ، فالدلالة على قصد المعنى هي عبارة اخرى عن الظهور التصديقي.

ومنه يتضح ان النائم اذا تلفظ بلفظ فلا يحصل الا الظهور التصوري اما اذا تلفظ به الملتفت حصل منه ظهوران : تصوري وتصديقي.

ص: 153

وبعد استذكار هذين المصطلحين نذكر مطلبا آخر هو ان المتكلم لو تلفظ بلفظ معين ونصب قرينة على خلاف معناه الحقيقي فالظهور التصوري في المعنى الحقيقي يبقى ولا يزول ، فلو قال الاب لولده : « اذهب الى البحر وخذ العلم منه » فكلمة « البحر » تبقى ظاهرة في المعنى الحقيقي وهو البحر من الماء فيخطر ذلك الى الذهن وان كانت القرينة على ارادة المعنى المجازي - وهو الشخص العالم - موجودة ، اجل هذه القرينة تمنع من انعقاد الظهور التصديقي اي من الدلالة على قصد المتكلم للبحر الحقيقى. هذا اذا كانت القرينة متصلة. اما المنفصلة فهي كما لا تمنع من الظهور التصوري كذلك لا تمنع من الظهور التصديقي وانما تمنع من حجيته ، فلو فرض ان فقرة « خذ العلم » وردت منفصلة بان قال الاب بعد يوم « خذ العلم منه » فان الجملة الاولى تبقى دالة على قصد المتكلم للبحر الحقيقي غاية الامر لا يكون هذا القصد حجة (1).

وبعد الفراغ من هذه المقدمة نطرح سؤالين :

ا - ما هو الظهور الحجة؟ فهل هو الظهور التصوري او الظهور التصديقي؟

ب - ما هو الشرط الذي يلزم توفره قبل تطبيق الحجية على الظهور؟

اما بالنسبة للسؤال الاول فله ثلاثة اجوبة :

1 - ما ذكره الشيخ الاصفهاني من ان الحجة هو الظهور التصوري بشرط عدم العلم بالقرينة المتصلة والمنفصلة على الخلاف ، فموضوع حجية الظهور على هذا مركب من جزئين : الظهور التصوري ، وعدم العلم بالقرينة المتصلة والمنفصلة.

ص: 154


1- خلافا للميرزا حيث اختار انها تهدم الظهور التصديقي وتزيله ولا يبقى ظهور في قصد المعنى الحقيقي كما يأتي ص 288 من الحلقة.

2 - ما ذكره الميرزا تبعا للشيخ الاعظم من ان الحجة هو الظهور التصديقي بشرط عدم وجود القرينة المنفصلة واقعا.

3 - ما اختاره السيد الشهيد من ان الحجة هو الظهور التصديقي بشرط عدم العلم بالقرينة المنفصلة ، فموضوع الحجية على هذا مركب من جزئين : الظهور التصديقي ، وعدم العلم بالقرينة المنفصلة.

وفرق هذا الاحتمال عن سابقه انه في السابق اعتبر عدم وجود القرينة المنفصلة واقعا بينما في هذا الاحتمال اعتبر عدم العلم بها لا عدمها الواقعي. هذا كله بالنسبة الى السؤال الاول.

واما بالنسبة الى السؤال الثاني - وهو ان اي شرط يلزم توفره قبل تطبيق الحجية - ففي جوابه نقول : لو اخذنا بالاحتمال الاول فلا يشترط اي شرط قبل تطبيق الحجية لان موضوعها مركب من جزئين : الظهور التصوري وعدم العلم بالقرينة ، وكلاهما محرز بالوجدان ، وبعد احرازهما الوجداني لا يبقى الا تطبيق الحجية على الظهور.

واذا اخذنا بالاحتمال الثاني فتارة يفترض الجزم بعدم القرينة المتصلة والمنفصلة واخرى لا يجزم بذلك ، فعلى الاول يتم تطبيق الحجية على الظهور دون اي شرط. وعلى الثاني لا يمكن ذلك اذ مع احتمال القرينة المتصلة واقعا لا يحرز ثبوت الظهور التصديقي (1) ، فلأجل احرازه لا بد من الجزم بعدم وجودها واقعا ، كما لا بد من نفي القرينة المنفصلة واقعا ، اذ الجزء الثاني لموضوع حجية الظهور حسب الفرض هو عدم القرينة المنفصلة واقعا ، فلا بد من نفي احتمال وجودها واقعا. اذن نحن بحاجة الى نفي احتمال القرينة المتصلة واحتمال القرينة المنفصلة.

ص: 155


1- اذ مع وجود القرينة المتصلة يزول الظهور التصديقي طبقا لما ذكرناه في المقدمة.

ولكن كيف يمكن ذلك؟ يمكن ذلك بناء على افتراض جريان سيرة العقلاء على التمسك باصالة عدم القرينة عند الشك في وجودها واقعا. وعليه فبناء على الاحتمال الثاني لا يمكن التمسك باصالة الظهور مباشرة بل لا بد قبل تطبيقها من تطبيق اصل سابق وهو اصالة عدم القرينة كي ينفى به احتمال وجود القرينة واقعا وبالتالي ليجزم بوجود كلا الجزئين.

ولو اخذنا بالاحتمال الثالث فلا يضر احتمال القرينة المنفصلة واقعا لان المعتبر بناء عليه هو عدم العلم بالقرينة المنفصلة لا عدم وجودها الواقعي ، وعدم العلم صادق حتى مع احتمال وجودها واقعا. اجل احتمال القرينة المتصلة مضر ولا بد من نفيه ، اذ مع احتمالها لا يجزم بوجود الظهور التصديقي ، فلا بد قبل تطبيق اصالة الظهور من اجراء اصالة عدم القرينة لنفي احتمال وجود القرينة المتصلة واقعا.

وباختصار : انه بناء على الاحتمال الاول لا يحتاج الى اجراء اصالة عدم القرينة في المرحلة السابقة ، وعلى الثاني يحتاج الى اجرائها مرتين ، مرة لنفي القرينة المتصلة واخرى لنفي القرينة المنفصلة ، وعلى الثالث يحتاج الى اجرائها مرة واحدة لنفي القرينه المتصلة.

ترجيح الاحتمال الثالث.

والارحج من الاحتمالات السابقة هو الثالث ، فالاول ضعيف ، اذ العقلاء انما يبنون على حجية الظهور بمعنى جعله كاشفا عن مراد المتكلم ، وواضح ان الكاشف عن المراد هو الظهور التصديقي دون التصوري ، اذ التصوري يحصل في حق النائم ايضا والحال لا مراد له.

ص: 156

والاحتمال الثاني ضعيف ايضا من ناحية عدم امكان احراز جزئه الثاني - وهو عدم القرينة المنفصلة واقعا - اذ الطريق لا حرازه ليس الا اصل عدم القرينة الذي مستنده بناء العقلاء ، وواضح ان العقلاء لا يبنون على اصل الا عند وجود حيثية كاشفة تصحح الاصل ، وفي المقام لا توجد حيثية كاشفة عن عدم القرينة واقعا الا الظهور ، فظهور الكلام وكشفه عن المراد هو الحيثية الكاشفة عن عدم القرينة المنفصلة حيث ان من البعيد ان يتكلم المتكلم بكلام ظاهر في معنى وهو لا يريد ذلك المعنى اعتمادا على قرينة منفصلة يذكرها في المستقبل ، ومن هنا لو كان الكلام مجملا وغير ظاهر في معنى فلا نستبعد مجيء قرينة تفسره ، فالمبعد للقرينة هو الظهور ، وعلى هذا فالعقلاء يبنون على حجية الظهور اولا وبعد ذلك ينفون القرينة المنفصلة لا انه يبنون على عدم القرينة المنفصلة اولا ثم بعد ذلك يبنون على حجية الظهور. وعليه فالمناسب ان يكون الجزء الثاني من موضوع حجية الظهور هو عدم العلم بالقرينة المنفصلة - حتى لا يحتاج الى اجراء اصالة عدم القرينة - لا عدم وجودها واقعا ، وهذا معناه تعين الاحتمال الثالث.

كيف ننفي القرينة على الاحتمال الثالث.

وبعد اتضاح صحة الاحتمال الثالث نقول : انه على الاحتمال المذكور يحتاج تطبيق حجية الظهور الى احراز الظهور التصديقي. ولكن كيف يحرز؟ والجواب : اذا كنا نقطع بعدم القرينة المتصلة والمنفصلة او لا اقل كنا نقطع بعدم القرينة المتصلة فلازم ذلك القطع بتحقق الظهور التصديقي وامكان تطبيق حجية الظهور بلا حاجة لا جراء اصالة عدم القرينة. اما اذا لم نقطع بعدم القرينة المتصلة فلا نحرز تحقق الظهور التصديقي ، ولكن هل يمكن نفي احتمال القرينة المتصلة بواسطة اصالة عدم

ص: 157

القرينة؟ والجواب : ان في ذلك تفصيلا يتضح بعد ملاحظة مناشىء احتمال خفاء القرينة المتصلة ، وهي ثلاثة :

1 - ان يفرض ان احتمال خفاء القرينة المتصلة مسبب عن احتمال غفلة السامع عن الالتفات اليها ، فلعل المتكلم ذكرها والسامع غفل عنها.

2 - ان يفرض ان احتمال خفاء القرينة المتصلة مسبب عن احتمال اسقاط الناقل لها ، فالمتكلم ذكرها الا ان الناقل اسقطها حين نقله.

3 - ان يفرض ان احتمال الخفاء مسبب عن امر ثالث كما لو فرض ان الكلام كان مكتوبا في ورقة واحتمل ذكر القرينة في الورقة ايضا الا ان بعض الورقة قد تلف ونحتمل ان القرينة كانت مذكورة في القسم التالف. وفي مثل هذا الفرض نحتمل بالوجدان خفاء القرينة المتصلة ولكن ليس سبب ذلك هو الغفلة او الاسقاط بل الامر الثالث المذكور (1).

وباتضاح هذه المناشىء الثلاثة نقول :

اما المنشأ الاول فيمكن نفيه بواسطة اصالة عدم الغفلة - فان العقلاء عند صدور فعل او كلام من شخص لا يحملونه على الغفلة وان ادعى هو ذلك ، فلو شتم شخص غيره ثم اعتذر بصدور ذلك غفلة منه لم يعذره العقلاء - وبواسطتها يحرز عدم وجود القرينة المتصلة وبالتالي يحرز الظهور التصديقي. وحيث ان المفروض عدم العلم بالقرينة المنفصلة فيمكن حينذاك تطبيق اصالة الظهور بلا محذور.

ثم ان اصالة عدم الغفلة قد تسمى باسم آخر وهو اصالة عدم القرينة. وانما

ص: 158


1- ومثال ثان : ما لو فرض ان القرينة المحتملة كانت ارتكازية لبية لم يذكرها الناقل اعتمادا على وضوحها وارتكازها ، ان مثل هذه القرينة لا يمكن نفيها ايضا.

سميت بذلك باعتبار ان اصالة عدم الغفلة تنفي احتمال وجود القرينة.

واما المنشأ الثاني - وهو احتمال اسقاط الناقل للقرينة - فيمكن نفيه ايضا بظهور حال كل انسان حينما ينقل قضية من القضايا انه ينقل جميع ما له دخل في فهم القضية او بتعبير آخر ان كلامه يشتمل ضمنا على شهادته بانه لا يسقط ما يرتبط بفهم القضية ، فلو كانت هناك قرينة قد اتصلت بظاهر الكلام فمن اللازم على الراوي نقلها ، فاذا لم ينقلها كان ذلك شهادة منه على عدم وجودها.

واما المنشأ الثالث فلا يمكن نفيه باصل او ظهور ، وكيف يمكن نفي احتمال وجود القرينة في القسم التالف من الورقة.

ومن خلال هذا كله اتضح ان موضوع حجية الظهور هو الظهور التصديقي بشرط عدم العلم بالقرينة المنفصلة. واتضح ايضا انه اذا لم نحرز الظهور التصديقي من جهة احتمال وجود القرينة المتصلة فان كان المنشأ لاحتمال القرينة هو الغفلة او الاسقاط فيمكن نفيهما وبالتالي يثبت الظهور التصديقي ، ويمكن حينذاك تطبيق اصالة الظهور ، اما لو كان المنشأ امرا ثالثا غيرهما فلا يمكن نفيه وبالتالي لا يكون الظهور التصديقي محرزا ولا يمكن تطبيق اصالة الظهور.

هل اصالة الظهور ترجع الى اصالة عدم القرينة او بالعكس.

اتفق الشيخ الاعظم والآخوند على ان العقلاء لا يوجد عندهم اصلان احدهما باسم اصالة الظهور والآخر باسم اصالة عدم القرينة ، بل الثابت عندهم اصل واحد. وبعد هذا الاتفاق اختلف في ذلك الاصل الواحد ، فاختار الآخوند ان الاصل الذي يبني عليه العقلاء هو اصالة الظهور وبعد بنائهم على حجية الظهور ينفون القرينة ، اذ الظهور عند العقلاء امارة كاشفة عن عدم القرينة ، بينما

ص: 159

الشيخ الاعظم اختار العكس ، اي ان العقلاء يبنون على عدم القرينة ويتفرع على هذا البناء بناؤهم على الظهور. اذن على رأي الآخوند ترجع اصالة عدم القرينة الى اصالة الظهور بينما على رأي الشيخ الاعظم ترجع اصالة الظهور الى اصالة عدم القرينة.

وكلا هذين الرأيين يمكن التأمل فيه لانهما مبنيان على اساس باطل وهو اعتقاد ان اصالة الظهور واصالة عدم القرينة يجريان في مورد واحد ، فانه بناء عليه يصح النزاع في ان ايهما الاصيل وايهما الفرع ، ولكن هذا باطل ، فان كل واحد من هذين الاصلين يجري في مورد خاص به لا يشركه الآخر فيه ، فاصالة الظهور تجري - على ما اتضح سابقا - فيما اذا كان الظهور محرزا ، فانه بعد احرازه يكون المورد صالحا لتطبيق اصالة الظهور ، واما اصالة عدم القرينة فموردها مناقض تماما لمورد اصالة الظهور ، ان موردها الشك في الظهور ، فانه عند الشك في الظهور من جهة احتمال الغفلة (1) تجري اصالة عدم القرينة لنفي احتمال القرينة وبالتالي لاحراز الظهور.

اذن مورد اصالة الظهور هو حالة احراز الظهور بينما مورد اصالة عدم القرينة هو حالة الشك في الظهور من جهة احتمال الغفلة عن القرينة ، وبعد اختلاف المورد بهذا الشكل فلا معنى لان يقال ان هذا الاصل يرجع الى ذاك او ذاك يرجع الى هذا.

قوله ص 269 س 15 كثيرا ما لا ينثلم : لعل التقييد بالكثرة دون الدوام من جهة ان القرينة قد تزيل الظهور التصوري احيانا كما لو كثر استعمالها واقترانها

ص: 160


1- واما اذا كان من جهة احتمال اسقاط الناقل للقرينة فقد تقدم انه لا تجري اصالة عدم القرينة بل يتمسك بالشهادة الضمنية للناقل.

باللفظ ، فان ذلك قد يكسب اللفظ ظهورا تصوريا جديدا يتناسب والقرينة.

قوله ص 270 س 8 له في ذلك : اي للفظ في ارادة المعنى الحقيقي.

قوله ص 270 س 16 وكيفية تطبيقها : هذا اشارة الى ما عبرنا عنه بالسؤال الثاني وهو ان اي شرط يلزم توفره قبل تطبيق حجية الظهور.

قوله ص 271 س 2 مع عدم العلم بالقرينة على الخلاف متصلة او منفصلة : لعل عدم ذكر الاحتمال الرابع - وهو ان يكون موضوع الحجية الظهور التصوري وعدم القرينة المتصلة والمنفصلة واقعا - لعدم وجود قائل به.

وقد يقال : ان الوجه في عدم ذكره هو ان الظهور التصوري ثابت ولا يتزعزع حتى مع القرينة المتصلة ، ومع ثبوته يكون حجة الا اذا علم بان المتكلم لا يريده ، ولا يعلم ذلك الا اذا علم بنصب القرينة. اذن الظهور التصوري يكون حجة ما دام لا يعلم بالقرينة وليس المناط على عدم وجودها واقعا.

والجواب : انه بناء على هذا يلزم عدم ذكر الاحتمال الثاني ايضا اذ عليه يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي ، ومن الواضح ان الظهور التصديقي محفوظ حتى مع وجود القرينة المنفصلة واقعا ، ومع ثبوته لا بد وان يكون حجة الا اذا علم بعدم ارادة المتكلم له ، ولا يعلم ذلك الا اذا علم بنصب القرينة المنفصلة ، وعلى هذا فالذي يضر بحجية الظهور التصديقى هو العلم بوجود القرينة المنفصلة لا وجودها واقعا.

قوله ص 271 س 5 عدم صدور القرينة المنفصلة : انما قيدت القرينة بكونها منفصلة لانه مع كونها متصلة لا يبقى ظهور تصديقي حتى يكون حجة.

قوله ص 271 س 11 وتختلف هذه الاحتمالات : هذا اشارة الى جواب السؤال الثاني.

ص: 161

قوله ص 271 س 13 ابتداء : اي بلا حاجة الى تطبيق اصالة عدم القرينة اولا.

قوله ص 272 س 2 مباشرة : اي بلا اجراء اصالة عدم القرينة قبل ذلك.

قوله ص 272 س 3 كذلك : اي مباشرة.

قوله ص 272 س 8 لكى ينقح : اي يثبت.

قوله ص 272 س 9 وكذلك لا يمكن : هذا عدل لقوله في السطر الثالث : « ولا يمكن الرجوع اليها ... الخ ».

قوله ص 273 س 4 محرز حتى مع هذا الاحتمال : اذ الجزء الثاني لموضوع الحجية على هذا الاحتمال هو عدم العلم بالقرينة المنفصلة ، ومن الواضح ان عدم العلم ثابت حتى مع احتمال وجود القرينة المنفصلة واقعا.

قوله ص 273 س 6 والتحقيق في تمحيص : هذا شروع في ابطال الاحتمالين الاولين وبالتالي اختيار الاحتمال الثالث. والتمحيص هو تمييز الاحتمال الصحيح عن الباطل.

قوله ص 273 س 8 وهي انما تناط ... الخ : اي والحجية يثبتها العقلاء للظهور الكاشف عن المراد - اذ العقلاء لا يثبتون الحجية لشيء تعبدا وبلا نكتة - وواضح ان الكاشف عن المراد ليس هو الظهور التصوري بل التصديقي ، ومعه فلا بد وان تكون الحجية ثابتة للظهور التصديقي دون التصوري.

قوله ص 274 س 1 وان ما قاله يريده : عطف تفسير لقوله « ارادة مفاده ».

قوله ص 274 س 2 وهي كاشفية مساوقة ... الخ : لما ذكرنا سابقا من استبعاد تكلم المتكلم بكلام ظاهر في ارادة معنى وهو لا يريده بلا نصب قرينة

ص: 162

متصلة ، ومما يؤكد ذلك ان كلام المتكلم لو لم يكن له ظهور - بان كان مجملا - فلا يستبعد ورود قرينة منفصله تفسره.

قوله ص 274 س 3 وحيث ان الاصول ... الخ : المناسب عدم جعل هذا رأس السطر.

قوله ص 274 س 5 لافتراض اصالة القرينة : الصحيح : لافتراض اصالة عدم القرينة.

قوله ص 274 س 7 لا أنها ... الخ : اي الكاشفية.

قوله ص 274 س 9 وهكذا يتعين : اي بعد وضوح بطلان الاحتمالين الاولين.

قوله ص 274 س 15 لأنها : اي الغفلة.

قوله ص 274 س 15 وظهور الحال : عطف تفسير لقوله « خلاف العادة ». والمناسب وضع الفارزه قبل كلمة « وبها ... الخ ».

قوله ص 275 س 7 موضوع اصالة الظهور : وهو الظهور التصديقى.

قوله ص 275 س 12 لا توجد حيثية كاشفة : وهي ظهور الحال او الشهادة الضمينة.

قوله ص 275 س 13 ويبنون : الصواب : ويبنوا.

قوله ص 276 س 3 او باصل عقلائي آخر : وهو كاصالة عدم الغفلة.

الظهور الذاتي والظهور الموضوعي.

قوله ص 276 س 9 الظهور سواء كان تصوريا ... الخ : بعد اتضاح حجية الظهور للادلة الثلاثة المتقدمة ص 265 قد يسأل سائل هل كل ظهور حجة بما في

ص: 163

ذلك الظهور الذاتي او خصوص الظهور الموضوعي؟ والمقصود من الظهور الذاتي الظهور الذي يحصل لدى ذهن كل شخص شخص ، فانت حينما تسمع كلاما ويحصل منه ظهور معين في ذهنك يسمى ذلك بالظهور الذاتي ، وهكذا حينما يسمع شخص ثان كلاما ويحصل له منه ظهور معين فانه يسمى بالظهور الذاتي ايضا. وسبب الظهور الذاتي احد امرين ، فهو قد يحصل بسبب الوضع - فان اللفظ اذا كان موضوعا لمعنى معين فكل من يسمعه ينسبق الى ذهنه ذلك المعنى المعين - وقد يحصل بسبب أنس الذهن بمعنى معين ، فمن يعيش بلد دجلة والفرات تكون كلمة « الماء » ظاهرة لديه في خصوص ماء دجلة والفرات لا لوضع كلمة « الماء » لخصوص ذلك بل بسبب المحيط الضيق والانس الذهني بماء دجلة والفرات.

والمقصود من الظهور الموضوعي الظهور الناشىء بسبب الوضع واللغة دون المحيط الضيق.

وبهذا يتجلى ان الظهورين المذكورين قد يجتمعان - كما لو حصل الظهور لدى ذهن خاص وكان سببه الوضع ، فباعتبار حصوله للذهن الخاص هو ظهور ذاتي وباعتبار حصوله من الوضع هو ظهور موضوعي - وقد يفترقان كما لو حصل الظهور لدى ذهن خاص ولم يكن سببه الوضع بل الانس الذهني الخاص.

وبعد تجلي الفرق بين قسمي الظهور نعود لنقول : هل كلا قسمي الظهور حجة او خصوص الظهور الموضوعي؟ والجواب : ان الحجة هو خصوص الظهور الموضوعي ، لان العقلاء انما يبنون على حجية الظهور باعتبار ان ظاهر حال كل متكلم ارادته للمعنى الظاهر ، ومن الواضح ان ظاهر حال المتكلم هو ارادته للمعنى الظاهر بسبب الوضع دون الظاهر بسبب الانس الذهني الخاص.

وقد يقال : ان هذا وان كان متينا الا انه كيف يمكن تشخيص ان الظهور

ص: 164

ظهور موضوعي ناشىء من الوضع وليس ذاتيا ناشئا من الانس الذهني الخاص.

والجواب : يمكن تشخيص ذلك باعتبار ان العقلاء متى ما حصل لهم ظهور خاص ولم يجدوا قرينة تدل على نشوئه من غير الوضع فهم يينون على نشوئه منه وكونه ظهورا موضوعيا لا ذاتيا. اذن الظهور الكاشف عن الوضع هو الظهور الموضوعي دون الذاتي الا ان الظهور الذاتي هو طريق لاحراز الموضوعي فيما اذا لم تكن هناك قرينة تدل على نشوء الظهور من الانس الذهني الخاص. وعليه ففائدة الظهور الذاتي هو الكشف عن الظهور الموضوعي كما وان فائدة الظهور الموضوعي هو الكشف عن الوضع.

قوله ص 276 س 9 سواء كان تصوريا او تصديقيا : الظهور التصوري هو خطور المعنى للذهن ، والظهور التصديقي هو دلالة اللفظ على قصد المتكلم وارادته المعنى.

قوله ص 276 س 10 انسان معين : اي في ذهن هذا الانسان وذاك.

قوله ص 276 س 10 وهذا هو الظهور الذاتي : سمي بالذاتي لانه يحصل لذات هذا الانسان وذاك. وسمي الآخر بالموضوعي باعتبار انه لم ينشأ من عوامل ذاتية خاصه كالبيئة والانس الذهني.

قوله ص 276 س 11 بموجب علاقات اللغة : اي بموجب الوضع. وعطف « اساليب التعبير العام » على « علاقات اللغة » تفسيري.

قوله ص 276 س 12 والاول يتأثر ... الخ : اي قد يتأثر لا انه يتأثر دائما بالعوامل الخاصة.

قوله ص 276 س 14 وعلاقاته : عطف تفسير على الانس الذهني. والفارزة لا بد وأن توضع بعد كلمة « وعلاقاته » لا قبلها.

ص: 165

قوله ص 277 س 1 واساليب التعبير العام : عطف تفسير لعلاقات اللغة.

قوله ص 277 س 2 لان هذه الحجية : اي حجية الظهور.

قوله ص 277 س 5 موضوعيا : اي ظهورا موضوعيا.

قوله ص 277 س 13 بين التبادر على مستوى ... الخ : اي بين التبادر الذاتي والتبادر الموضوعي.

قوله ص 277 س 16 تكويني : اي ان كاشفية الظهور الموضوعي عن الوضع لم تنشأ بسبب الاعتبار والجعل وانما هي تكوينية ككاشفية الاحراق عن النار. وقد مر ذلك في الحلقة الثانية ص 76.

الظهور الموضوعي في عصر النص.

قوله ص 278 س 1 لا شك ان ظواهر ... الخ : قبل التعرض لهذا المبحث نذكر مقدمة ، وهي ان للاستصحاب اشكالا ثلاثة :

ا - استصحاب القهقرى ، ب - الاستصحاب الاستقبالى ، ج - الاستصحاب المتداول.

فلو كنت اعلم بان ثوبي طاهر امس وأشك الآن في بقاء طهارته فهذا مورد الاستصحاب المتداول ، واليقين فيه موجود سابقا والشك موجود الآن.

ومثال الثاني : الحج ، فانه واجب على المستطيع بشرط ثبوت الشرائط - كالحياة والعقل والقدره - من اوله الى آخره ، فلو زالت القدرة مثلا اثناء الحج كشف ذلك عن عدم كونه واجبا من الاول ، فوجوب الجزء الاول اذن مشروط ببقاء الشرائط الى نهاية العمل. وهكذا الحال في الصلاة وبقية الواجبات ، فان وجوب الركعة الاولى مشروط ببقاء جميع الشرائط الى آخر الصلاة. هذا ولكن

ص: 166

كيف يعرف المصلي بقاءه على الشرائط الى اخر العمل لينوي الوجوب منذ البداية مع انه يحتمل زوال القدرة في الاثناء؟ هنا يأتي دور الاستصحاب ، فاذا كان المكلف واجدا للشرائط في بداية العمل فباستصحاب بقائه عليها الى الزمان المستقبل يثبت احراز ذلك.

والفارق بين هذا الاستصحاب وسابقه ان زمان اليقين في السابق كان متقدما وزمان الشك هو الآن بينما في هذا الاستصحاب الامر بالعكس تماما ، فزمان اليقين هو الآن وزمان الشك متأخر وفي الاستقبال. ويسمى الاستصحاب المذكور بالاستصحاب الاستقبالي وهو حجة في مثل هذه الموارد للسيرة العقلائية.

واما استصحاب القهقرى فمثاله دلالة صيغة « افعل » على الوجوب فانه يقال في تقريب الدلالة ان المتبادر منها في زماننا هذا هو الوجوب ولكن المهم هو اثبات التبادر والوضع في زمان النص لتحمل عليه ، وطريق اثبات ذلك هو اصالة عدم النقل المعبر عنها احيانا باستصحاب القهقرى بان يقال : ان معنى الصيغة في زماننا هذا هو الوجوب لان ذلك هو المتبادر حسب الفرض ، فلو لم يكن ثابتا عصر صدور النص - بان كانت الصيغة موضوعة سابقا للاستحباب مثلا ثم بعد ذلك تغير معناها ووضعت للوجوب - فلازم ذلك حصول التغير والنقل في معناها حيث كانت اولا للاستحباب ثم نقلت للوجوب ، واصالة عدم النقل تبطل هذا التغير ويثبت بها ان المعنى المتبادر الآن هو بنفسه المعنى الموضوع له سابقا. ويمكن تسمية اصالة عدم النقل باستصحاب القهقرى حيث ان المعنى الثابت في هذا الزمان نستصحبه الى الزمان السابق ونأخذ بالرجوع والتقهقر الى الزمان السابق ، كما ويمكن تسميتها باصالة الثبات في اللغة ، اذن باستصحاب القهقرى

ص: 167

المعبر عنه احيانا باصالة عدم النقل او باصالة الثبات في اللغة يثبت ان كل معنى نفهمه من اللفظ الآن فهو بنفسه مفهوم عصر صدور النص ايضا وليس معنى حادثا جديدا. ولو لا هذا الاصل لم يمكن اثبات المقصود من اي نص نواجهه (1).

وزمان اليقين في هذا الاستصحاب هو الآن وزمان الشك هو الزمان الماضي بينما في الاستصحاب الاستقبالي يكون زمان اليقين هو الآن وزمان الشك هو المستقبل ، اما في الاستصحاب المتداول فزمان الشك هو الآن وزمان اليقين هو السابق.

وبعد اتضاح هذه المقدمة نعود الى صلب الموضوع ونقول : عرفنا من خلال ما سبق ان الحجة هو الظهور الموضوعي دون الذاتي ، والسؤال في هذا المبحث : هل المدار في الظهور الموضوعي على الظهور الموضوعي الثابت الآن او على الظهور الموضوعي الثابت زمان صدور النص؟ فان الكلمة الواحدة قد يختلف ظهورها الموضوعي باختلاف عصرين (2) نظير كلمة « الشك » الواردة في حديث « لا تنقض اليقين بالشك » فانها ظاهرة في زماننا هذا في حالة تساوي الطرفين بينما في الزمان السابق هي ظاهرة في غير العلم ، فان الشك يعني خلاف العلم ، فالظن شك ايضا حسب المعنى القديم وليس شكا حسب المعنى الجديد

والجواب : ان المدار على الظهور الموضوعي زمن صدور النص لان ظاهر حال المتكلم ارادته للمعنى الظاهر حين صدور الكلام منه دون ما يثبت فيما بعد. وهذا مطلب واضح ولكن كيف يمكن احراز الظهور الموضوعى زمن صدور

ص: 168


1- وحجية استصحاب القهقرى لم تثبت الا في هذا المورد. والقهقرى هو الرجوع الى الوراء.
2- فان الالفاظ قد يطرأ التغير على معانيها بسبب عوامل متعددة اجتماعية او فكرية او غير ذلك.

الكلام وان الظهور الحاصل في زماننا ليس خاصا به بل ثابت زمن صدور النص ايضا؟ يمكن احراز ذلك بواسطة اصالة عدم النقل او بتعبير آخر اصالة الثبات في اللغة او استصحاب القهقرى بان يقال ان المعنى المستظهر من النص اذا لم يكن واحدا في كلا الزمانين فلازمه حصول التغير في معنى اللفظ ، واصالة الثبات في اللغة تنفي ذلك.

ومدرك الاصالة المذكورة هو سيرة العقلاء بتقريب : ان معاني الالفاظ وان كان بالامكان تغيرها - فكلمة « الشك » مثلا يتحول معناها الى حالة تساوي الطرفين بعد ما كان اعم من ذلك - ولكن التغير يحتاج غالبا الى فترة زمينة طويلة كمائة سنة مثلا لانه بطيء وتدريجي وليس دفعيا ، وحيث ان عمر الانسان العادي اقصر من المدة المذكورة عادة فلا يمكن له - الانسان العادي - مشاهدة التغير في معاني الالفاظ ويتخيل عدم التغير وبالتالي يصير ذلك سببا لبنائه على عدم وقوع التغير عند الشك في حصوله.

ثم ان بناء الانسان العادي على عدم تغير معاني الالفاظ - للنكتة السابقة - وان كان بناء باطلا ، حيث ان المعاني قد تتغير بشكل بطيء الا ان الشارع حيث لم يردع عنه كان ذلك دليلا على امضائه له.

ان قلت : ان معنى هذا امضاء الشارع للباطل وحاشاه عن ذلك.

قلت : انه بامضائه البناء المذكور لا يريد ان يقول اني امضى نفس البناء الباطل بل امضي نتيجته وهي الحكم بعدم تغير المعنى عند الشك في تغيره.

ثم انه مما يؤكد صحة اصالة عدم النقل ان اصحاب الامامين العسكريين علیهم السلام كانوا يعملون بظواهر الاحاديث الواصلة لهم من النبي صلی اللّه علیه و آله مع ان من المحتمل كون تلك الظواهر حادثة وغير ثابتة عصر صدور النص ، ان هذا

ص: 169

الاحتمال موجود ومع ذلك لا يعتنون له وما ذلك الا لاعتمادهم على اصالة الثبات في اللغة وعدم النقل.

موردان لا يعمل فيهما باصالة عدم النقل.

قوله ص 280 س 3 ولكن اصالة عدم النقل ... الخ : اجل هناك موردان لا يعمل فيهما العقلاء باصالة عدم النقل :

1 - اذا علم باصل التغير وشك في تقدمه وتأخره فانه لا يستصحب بقاء المعنى الاول الى زمن الشك. ومثال ذلك كلمة « الشك » فانها كانت موضوعة في البداية لغير اليقين الشامل للظن وقد تغير هذا المعنى الى معنى جديد وهو حالة تساوي الطرفين ولكن قد نشك ان هذا التغير حصل زمن الائمة علیهم السلام - ولازمه حمل كلمة « الشك » الموجودة في الاحاديث الصادرة عنهم على المعنى الجديد - او حصل بعد زمانهم ولازمه حمل كلمة « الشك » على المعنى القديم ، في مثل ذلك لا يمكن اجراء اصالة عدم النقل لاثبات ان التحول حصل بعد زمانهم علیهم السلام . ووجه ذلك ان العقلاء لا يبنون على اصل من الاصول الا بعد وجود حيثية كاشفة تقتضي مضمون ذلك الاصل ، ومن الواضح انه في حالة الشك في اصل التحول والنقل توجد حيثية كاشفة عن عدم حصوله وهي كون النقل والتحول حالة شاذة ونادرة ، ان الندرة والشذوذ تقتضيان ان يبني العقلاء عند الشك في اصل التحول على عدم حصوله ، اما اذا علم بوقوع اصل التحول الذي هو حالة شاذة فلا توجد حيثية تقتضي تأخر وقوع هذه الحالة الشاذة وعدم تقدمها.

2 - ما اذا علم بوجود ظروف وعوامل تساعد على حصول التحول والنقل فانه لا يبعد عدم بناء العقلاء في مثل هذه الحالة على اصالة عدم النقل ويختص

ص: 170

اعتمادهم عليها بصورة عدم وجود الظروف المساعدة.

قوله ص 278 س 4 في عصر السماع : اي عصرنا هذا الذي نسمع فيه الرواية او نقرأها في الوسائل مثلا.

قوله ص 278 س 5 وموضوع حجية : الصواب : وموضوع الحجية.

قوله ص 278 س 8 ومن الواضح : المناسب ان لا يجعل هذا رأس السطر.

قوله ص 278 س 9 في زمان صدور ... الخ : هذا مفسر لكلمة « فعلا ».

قوله ص 278 س 9 وعليه فنحن بالتبادر : في التعبير مسامحة ، لان التبادر هو نفس الظهور الذاتي على ما تقدم ص 277 س 7 لا انهما شيئان واحدهما علة للآخر ، اجل لو لم تكن كلمة « بطريق الإن » موجودة امكن تصحيح العبارة بلا مسامحة.

قوله ص 278 س 15 وقد نسميه .. الخ : وقد يسمى ايضا باستصحاب القهقرى.

قوله ص 279 س 3 والتطور البطىء : هذا عطف تفسير للثبات النسبي ، فان المقصود من الثبات النسبي هو التطور البطيء الذي لا يحس به الانسان فترة عمره التي هي فترة قصيرة ، فالثبات اذن نسبي ، اي هو ثبات بالنسبة الى العمر القصير للانسان.

قوله ص 279 س 4 وتطابق ظواهرها : عطف تفسير لعدم التغير.

قوله ص 279 س 7 باعتباره : اي التغير.

قوله ص 279 س 13 طيلة قرنين ونصف : لان الفترة من زمن النبي صلی اللّه علیه و آله الى الامام العسكري علیه السلام (250) سنة تقريبا.

قوله ص 280 س 4 في الظهور او الوضع : الترديد بين الظهور والوضع

ص: 171

مع ان الظهور يحصل عادة من الوضع باعتبار ان الظهور يحصل احيانا من دون وضع كما في صيغة الامر الواردة بعد النهي ، فانها ظاهرة في الاباحة مع انها قد لا تكون موضوعة لذلك بل للوجوب.

التفصيلات في الحجية.

قوله ص 281 س 1 توجد عدة اقوال .. الخ : اتضح مما سبق ان الظهور حجة لسيرة المتشرعة والعقلاء. ولكن هل هو حجة في جميع الحالات او هناك تفصيل؟ والتفاصيل المعروفة ثلاثة :

1 - التفصيل بين ظواهر القرآن الكريم وغيرها ، فظواهر القرآن الكريم ليست حجة بخلاف غيرها. وهذا التفصيل منسوب الى الاخباريين وتقدمت الاشارة له في الحلقة الثانية ص 216 ولذا لم يتعرض له هنا.

2 - التفصيل المختار لصاحب القوانين بين المقصود بالافهام فالظهور له حجة وبين غيره فلا يكون حجة ، فاذا كنت تتكلم مع شخص تقصد تفهيمه وكان وراء الباب من لا تقصد تفهيمه فالظهور في حق الاول حجة دون الثاني. ووجه ذلك : ان الشخص المقصود تفهيمه يجزم بارادة المعنى الظاهر ، اذ احتمال ارادة غيره لا منشأ له الا احتمال نصب قرينة لم يلتفت اليها غفلة ، ان هذا هو المنشأ الوحيد لاحتمال ارادة غير الظاهر ، ومن الواضح انه يمكن نفيه باصالة عدم الغفلة ، اما غير المقصود بالافهام فلا ينحصر منشأ احتماله لارادة غير الظاهر بالغفلة بل له منشأ آخر وهو احتمال نصب المتكلم لقرينة خاصة بينه وبين المقصود بالافهام كما اذا فرض وجود عهد ذهني بينهما اعتمد المتكلم عليه في تفهيم المعنى غير الظاهر ، وفي مثل ذلك لا يمكن نفي الاحتمال المذكور باصالة عدم الغفلة ، فان عدم وصول

ص: 172

غير المقصود بالافهام الى مثل هذه القرينة لم ينشأ من غفلته بل من كون القرينة في نفسها خاصة لا يمكن ان يصل اليها الا المقصود بالافهام. هذا ما يمكن ان يوجه به التفصيل المذكور.

وقد ناقشه الاعلام بان للعقلاء اصلا آخر - غير اصالة عدم الغفلة - يمكن به نفي كل قرينة يحتمل وجودها واقعا حتى اذا كانت مثل العهد الذهنى الخاص وهو اصالة عدم القرينة ، ومعه يبطل التفصيل المذكور ، فانه وجيه لو فرض انحصار الاصل النافي للقرينة باصالة عدم الغفلة اما بعد وجود ما هو اوسع منه فلا يتم. هذا ما اجاب به الاعلام.

ويمكن التعليق على الجواب المذكور بان مجرد دعوى وجود اصل آخر يسمى باصالة عدم القرينة لا يكفي فان العقلاء حينما يبنون على اصل من الاصول لا بد من وجود نكتة وحيثية مصححة له ، والمناسب للاعلام ابراز تلك النكتة وعدم الاكتفاء بدعوى الاصل الواسع من دون ابرازها. ومن هنا سوف نقوم باستعراض مناشىء احتمال ارادة خلاف الظاهر وابراز الحيثيات التي يمكن بها ابطال كل واحد من تلك المناشىء. والمناشىء خمسة :

ا - احتمال ابهام المتكلم لمقصوده الحقيقي وتستره به : فيحتمل ارادة المتكلم خلاف الظاهر بلا نصب قرينة عليه لكونه بصدد اخفاء مقصوده. وهذا المنشأ - كما هو واضح - ليس ثابتا في حق المقصود بالافهام بل يختص بغيره ، اذ تستر المتكلم بمراده لا يلتئم وقصد التفهيم.

وهل توجد حيثية يمكن بها نفي هذا المنشأ؟ اجل هي ظهور حال المتكلم في انه لا يعيش حاله الاتقاء والتستر بمراده.

ب - احتمال ان المتكلم سوف يذكر في المستقبل قرينة منفصلة تدل على ان

ص: 173

مراده خلاف الظاهر ، وهذا المنشأ ثابت في حق المقصود بالافهام ايضا ، اذ المقصود بالافهام يحتمل ان المتكلم سوف ينصب قرينة منفصلة في المستقبل على ارادة خلاف الظاهر.

وهل توجد حيثية يمكن بها نفي هذا المنشأ؟ اجل هي ظاهر حال كل متكلم انه بصدد تفهيم مراده بشخص كلامه الصادر منه لا بمجموع ما يصدر منه من كلام ولو في المستقبل.

ج - احتمال الغفلة عن القرينة التي نصبها المتكلم. وهذا المنشأ ثابت في حق المقصود بالافهام ايضا لانه يحتمل غفلته عن القرينة التي نصبها المتكلم.

وهل توجد حيثية يمكن بها نفي هذا المنشأ؟ اجل هي اصالة عدم الغفلة ، فان الغفلة حالة شاذة في حياة الانسان ، فعند الشك فيها يكون شذوذها مبعدا لها.

د - احتمال ان المتكلم نصب قرينة على ارادة خلاف الظاهر ولكنها خاصة بينه وبين من يقصد افهامه كما هو الحال في العهد الذهني الخاص. وهذا المنشأ هو الذي ابرزه صاحب القوانين كتوجيه لتفصيله. وهو غير ثابت في حق المقصود بالافهام ، اذ المفروض ان القرينة الخاصة معهودة بين المتكلم والمقصود بالافهام.

وهل توجد حيثية تنفيه؟ اجل هي ان ظاهر حال كل متكلم اعتماده على الاساليب العامة والمتداولة للتفهيم دون الاساليب الخاصة كالقرينة العهدية الخاصة بين المتكلم والمقصود بالافهام. وبهذا يتضح بطلان تفصيل صاحب القوانين قدس سره .

ه- - احتمال اعتماد المتكلم على قرينة خاصة يطلع عليها كل حاضر في مجلس الحوار كتحريك الرأس او اليد وتغيير قسمات الوجه ونحو ذلك من الخصوصيات

ص: 174

التي يشاهدها كل حاضر في المجلس وان لم يكن مقصودا بالافهام (1).

وفرق هذا المنشأ عن الرابع ان القرينة المحتملة في الرابع قرينة تختص بالمقصود بالافهام ، واما القرينة المحتملة في هذا المنشأ فهي قرينة يطلع عليها كل حاضر في المجلس وان لم يكن مقصودا بالافهام. وهذا المنشأ ليس ثابتا في حق المقصود بالافهام بل ليس بثابت في حق كل حاضر مجلس الخطاب وان لم يكن مقصودا بالافهام.

وهل توجد حيثية تنفي هذا المنشأ؟ اجل هي ان الناقل للرواية يفهم منه ضمنا شهادته بانه ينقل كل ما سمعه وشاهده مما له مدخليه في فهم المقصود ، فاذا لم ينقل قرينة على ارادة خلاف الظاهر دل ذلك على عدم وجودها.

التفصيل الثالث في حجية الظهور.

3- والتفصيل الثالث في حجية الظهور (2) هو ان المتكلم اذا تكلم بكلام ظاهر في معنى معين فتارة يحصل الظن الشخصي بارادته المعنى الظاهر واخرى يشك في ذلك وثالثة يظن بعدم ارادته. وتسمى الاولى بحالة حصول الظن الشخصي على وفق الظهور ، والثالثة بحالة حصول الظن الشخصي بالخلاف ، والحالة الثانية هي حالة لا يكون فيها ظن بالوفاق ولا بالخلاف. وسبب تعدد هذه الحالات هو ان كل ظهور لوخلي ونفسه ومن دون قرينة مزاحمة له يكون كاشفا كشفا نوعيا عن كونه مرادا للمتكلم. ولكن قد تقترن احيانا بالظهور قرينة

ص: 175


1- هذا المنشأ وسابقه دمجا في التقرير ج 4 ص 274 في امر واحد ، وذكر في الامر الخامس منشأ سادس.
2- لم ينسب في الكتب الاصولية لقائل معين.

مزاحمة له ، فاذا كانت اضعف منه - الظهور - بقي الظهور مفيدا للظن بكونه مرادا وحصل الظن الفعلي على طبقه ، واذا كانت القرينة اقوى من الظهور حصل الظن الفعلي بالخلاف ، واذا كانت مساوية للظهور فلا يحصل الظن الفعلي بالخلاف ولا بالوفاق.

وبعد الاطلاع على هذه الحالات يفصل هذا القول ويقول بحجية الظهور في الحالة الاولى التي فيها ظن فعلي بالوفاق دون ذلك في الحالتين الاخيرتين. ووجه ذلك : ان الظهور يعتبره العقلاء حجة من باب انه كاشف عن المراد ، وبما انه في الحالتين الاخيرتين لا يكون كاشفا عن المراد فلا يكون حجة.

واشكل الاعلام على هذا التفصيل بان العقلاء يأخذون بالظهور ويعتبرونه حجة في جميع الحالات الثلاث لا في خصوص الحالة الاولى.

والتعليق على ما ذكره الاعلام واضح فانا لو رجعنا الى العقلاء لوجدناهم يتمسكون بالظهور في خصوص الحالة الاولى التي فيها ظن فعلي بارداة الظاهر ولا يتمسكون به اذا لم يحصل ظن بكونه مرادا ، فالتاجر مثلا اذا ارسل له التاجر الآخر بضاعه بثمن معين ولم يحصل له ظن بكون الظاهر مرادا فلا يكتفي بالظاهر بل يأخذ بالاستفسار ، وهكذا لو فرض انك ذهبت الى السوق واشتريت سلعة واخبرك البائع بوزنها ولم يحصل لك الظن من ظاهر كلامه اخذت باستفساره من جديد ولا تكتفي بظاهر كلامه.

ومن هنا فصّل الميرزا بان المجال الذي يراد اتباع الظاهر فيه تارة يكون من قبيل الاغراض الشخصية المعبر عنها بالتكوينية - كما في المثالين السابقين. واخرى يكون من قبيل الاغراض التشريعية (1) كما هو الحال في ظاهر الكتاب

ص: 176


1- وهو محل الكلام ، فان الكلام هو في ظاهر الاوامر والنواهي.

والسنة واحكام الموالي العرفيين. فان كان من القبيل الاول فالظهور لا يكون حجة الا فيما اذا حصل الظن الفعلي بكونه مرادا لما ذكرناه من سيرة العقلاء في المثالين السابقين ، واما اذا كان من القبيل الثاني فالظهور حجة حتى اذا لم يحصل الظن بكونه مرادا حيث ان العقلاء لا يفرقون في المجال الثاني بين ما اذا حصل الظن بكون الظهور مرادا وما اذا لم يحصل بل يعملون به في كلتا الحالتين.

وهذا الكلام من الميرزا وان كان متينا حيث ان العقلاء يعملون بالظهور في المجال الثاني مطلقا ومن دون تفصيل بين الحالات الثلاث ولكن لم يدفع قدس سره الحجة التي استند اليها اصحاب هذا التفصيل فانهم قالوا ان الظهور انما يعتبره العقلاء حجة من باب انه كاشف عن مراد المتكلم ومع عدم حصول الظن بالوفاق لا يكون الظهور كاشفا حتى يكون حجة ، وكان من المناسب له دفع هذه الحجة بان يبين ان نكتة حجية الظهور وان كانت هي الكاشفية الا انها لا تستدعي حصر الحجية بالحالة الاولى بل يبقى الظهور حجة في جميع الحالات الثلاث فيما اذا كان الغرض غرضا تشريعيا لا تكوينيا.

ويمكن توضيح ذلك ضمن النقاط الاربع التالية (1).

ص: 177


1- وقبل بيان النقاط لا بد من استذكار مطلب تقدم اول الكتاب وهو الفرق بين الامارة والاصل في نظر السيد الشهيد. وحاصله : ان المولى شرّع بعض المحرمات كما وشرّع بعض المباحات ، فشرّع حرمة الخمر واباحة الماء ، ولكن اذا حصل الاشتباه في مائع ولم يعلم انه ماء او خمر ففي مثله يوازن المولى بين مصلحة الاباحة ومفسدة الحرمة ، فاذا كانت المصلحة هي الاقوى فسوف يصدر قانونا باباحة كل مشكوك ويقول كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام ، واذا كانت المفسدة اقوى شرّع الحكم بالاحتياط ويقول اخوك دينك فاحتط لدينك. والحكم باباحة المشكوك او حرمته هو ما يسمى بالحكم الظاهري ، فالحكم الظاهري اذن حكم ناشىء من الملاك الاهم. وبعد التعرف على حقيقة الحكم الظاهري يبقى كيف نفرق بين الامارة والاصل مع ان كليها حكم ظاهرى؟ والفرق هو انا عرفنا ان الحكم الظاهري حكم ناشيء من الملاك الاهم ، واهمية الملاك لها شكلان ، فتارة يكون احد الملاكين في نفسه اهم من الآخر ، واخرى يكون الملاكان في نفسهما بدرجة واحدة من حيث الاهمية وانما تنشأ - الاهمية - من حيث قوة الكشف الثابتة في احدهما ، وفي الحالة الاولى يكون الحكم الظاهري اصلا وفي الثانية امارة ، فمثلا الخبر الدال على حرمة الارنب هو حجة لا من جهة ان الحرمة لها خصوصية بل لأن كاشفيته عن ثبوت الحرمة اقوى ، ومن هنا لو فرض انه كان دالا على الاباحة تثبت الاباحة ايضا ، وهذا بخلافه في الاصل العملي ، فانه لو شككنا في حلية التتن واباحته فاصالة الاباحة تقول هو حلال ، والحلية تثبت لا من جهة قوة في انكشافها بل لان مصلحتها اهم من مفسدة الحرمة في نفسهما. اذن حجية الامارة حكم ظاهري متولد من اهمية الملاك الثابتة بسبب قوة الكشف.

1 - ان نكتة حجية الظهور هي كونه كاشفا عن المراد ، ولكن اذا كان الظهور ظهورا لكلام المولى - وهو ما يعبر عنه بمجال الاغراض التشريعية - فالمدار على كاشفيته لدى المولى دون العبد.

2 - ان المقصود من كون الظهور كاشفا عند المولى هو ان المولى اذا لاحظ مجموع ظواهر كلامه فتارة يلاحظها على سبيل التفصيل ، بان يلحظ هذا الظهور مستقلا وذاك مستقلا وهكذا ، واخرى يلحظها بنظرة اجمالية بان يلحظ المجموع من حيث المجموع. فان لاحظها بنظرة تفصيلية فسوف لا يجعل الحجية لجميعها من باب الكاشفية بل يجعلها لخصوص الظهور الموافق للمراد دون غير الموافق ، اذ بعد النظرة التفصيلية يمكن للمولى تمييز الظهور الموافق للمراد عن غيره. واما اذا لاحظها بنظرة اجمالية فسوف يرى ان اغلبها مطابق لمراده ، وهذه الغلبة سبب لصيرورة كل ظهور كاشفا عن المراد ، ولاجل هذه الكاشفية يجعل المولى الحجية

ص: 178

لكل ظهور.

3 - ان حجية الظهور امارة وليست اصلا ، لان الحجية تثبت للظهور من جهة قوة كاشفيته عن المراد ، وقد تقدم ان كل حكم ظاهري ينشأ من قوة الكاشفية هو امارة وليس اصلا.

4 - وبعد ان عرفنا ان الحجية تثبت للظهور من جهة قوة كاشفيته نسأل ما هو المقصود من قوة كاشفيته؟ فهل المقصود قوة كاشفيته لدى المولى او قوة كاشفيته لدى العبد؟ الصحيح ان المقصود قوة كاشفيته لدى المولى ، لان المولى حينما يجعل الحكم الظاهري على طبق الملاك الاهم لا بد وان تكون اهمية الملاك ثابتة عنده وفي نظره - اذ الحكم الظاهري هو الحكم الذي ينشأه المولى على طبق ما هو الملاك الاهم في نظره - والكاشفية في جميع الظواهر هي بدرجة واحدة في نظر المولى وليس بعضها اقوى من بعض ، اجل تختلف درجة الكاشفية فيما لو كان المدار على قوة الكاشفية لدى المكلف فان المكلف متى ما حصل له الظن الفعلي على طبق الظهور كانت درجة كاشفيه الظهور اقوى عنده واذا لم يحصل له الظن الفعلي على طبق الظهور كانت درجة الكاشفية اضعف عنده. اذن في ظواهر كلام المولى - المعبر عنها بمجال الاغراض التشريعية - لا معنى للتفصيل في حجية الظهور ، بل هو حجة في جميع الحالات الثلاث السابقة لان وجه حجية الظهور هو قوة كاشفيته لدى المولى ، ومن الواضح ان درجة كاشفية الظهور لدى المولى هي واحدة في جميع الحالات ، وهذا بخلافه في مجال الاغراض الشخصية ، فان الغرض بما انه يرجع للشخص نفسه دون المولى فالمدار على قوة الكاشفية عنده دون المولى وقوة الكاشفية عنده لا تحصل الا اذا حصل الظن الفعلي على طبق الظهور. هذا هو حصيلة نكته الفرق بين الظواهر في مجال الاغراض التشريعية حيث هى

ص: 179

حجة في جميع الحالات وبينها في مجال الاغراض الشخصية حيث لا تكون حجة الا في حالة حصول الظن الفعلي على وفقها.

قوله ص 281 س 6 على الخلاف : اي على ارادة معنى مخالف للظهور.

قوله ص 281 س 10 ثم التواطؤ عليها : ليس المقصود من كلمة « ثم » الاشارة الى الترتيب بل المقصود ان من المحتمل اعتماد المتكلم على قرينة متواطىء عليها بصورة خاصة بين المتكلم والمقصود بالافهام.

قوله ص 281 س 16 في الحالة المذكورة : اي حالة احتمال الاعتماد على قرينة خاصة متواطىء عليها بين المتكلم والمقصود بالافهام.

قوله ص 282 س 7 متوفرة : الصحيح : وهي متوفرة.

قوله ص 282 س 14 مقتض لذلك : اي ذلك الاصل العقلائى مقتض لنفي ذلك المنشأ.

قوله ص 283 س 7 كان نظر المتكلم اليه : اي كان مقصودا بالافهام.

قوله ص 283 س 10 في لحن الخطاب : اي في كيفية طرح الخطاب وبيانه.

قوله ص 283 س 12 والفرق بين المقصود ... الخ : اي ان هذه المناشىء الخمسة بعضها غير ثابت في حق المقصود بالافهام وبعضها الآخر ثابت في حقه. وقد تقدم بيان ذلك.

قوله ص 284 س 14 بطبعه : اي لو لم تكن قرينة وامارة مزاحمة له.

قوله ص 284 س 15 على الاقل : اي وقد يقتضي الاطمئنان والقطع بان المعنى الظاهر مراد.

قوله ص 285 س 1 أثرّ : بتشديد الثاء.

قوله ص 285 س 6 وعلى هذا فقد ... الخ : اي وبعد ان عرفت وجود

ص: 180

حالات متعددة ثلاث فقد يفصل ويقال ان الظهور في الحالة الثالثة ليس حجة بل وفي الثانية ايضا ، وانما تكون له الحجية في الحالة الاولى فقط.

قوله ص 285 س 16 المطلقة : اي في جميع الحالات الثلاث.

قوله ص 286 س 1 قيد : الصواب : قد.

قوله ص 286 س 7 عمّق المحقق النائيني : اي قال ان المشهور من الاصوليين حينما اختاروا حجية الظهور مطلقا فمقصود هم انه حجة مطلقا في مجال الاغراض التشريعية دون الشخصية.

قوله ص 286 س 10 وتنظيم علاقات الآمرين بالمامورين : وبعبارة اخرى : مجال التكاليف.

قوله ص 286 س 11 لمجرد اقتضائه النوعي : فان نوع الظهور وبشكل عام يقتضي الكشف عن المراد.

قوله ص 286 س 14 تنجيزا وتعذيرا : كاشفية الظهور في مقام التنجيز انما تكون فيما اذا دل على وجوب شيء او حرمته ، واما كاشفيته في مقام التعذير فهي فيما اذا دل على اباحة شيء ، فان الظهور الدال على الاباحة يكون عذرا للمكلف فيما لو كان الشيء حراما او واجبا واقعا.

قوله ص 287 س 3 ولا يحل الشبهة التي ... الخ : المراد من الشبهة هي الحجة التي يستند اليها هذا التفصيل والتي اشار لها قدس سره بقوله ص 285 س 9 : ويمكن تبرير ... الخ.

قوله ص 287 س 5 الذي يفي بذلك : اي بحل الشبهة وبيان نكتة الفرق.

قوله ص 287 س 11 وذلك يجعل : اي هذه النظرة الاجمالية تجعل الغلبة ... الخ.

ص: 181

قوله ص 287 س 14 حجية الامارة : المراد من الامارة في المقام هو الظهور.

قوله ص 287 س 15 الاغراض الواقعية الاكثر اهمية : اي الحكم الظاهري ناشىء من الملاك الواقعي الاهم ، وهذه الاهمية التي تريد الامارة ان تتحفظ عليها ولاجلها جعلت الحجية لها هي الاهمية بلحاظ قوة الكشف والاحتمال.

قوله ص 287 س 16 بلحاظ قوة : متعلق بقوله « اكتسبتها ».

قوله ص 287 س 17 كما تقدم في محله : اي ص 34.

قوله ص 288 س 6 كاشفيته : الصواب : كاشفية.

الخلط بين الحجية والظهور.

قوله ص 288 س 10 اتضح مما تقدم ... الخ : تقدم ص 269 من الحلقة ان الدلالة على ثلاثة اقسام.

1 - الدلالة التصورية. وهي تصوّر المعنى للذهن عند سماع اللفظ حتى وان صدر من اصطكاك حجرين. وسبب الخطور هو الوضع ، فان اللفظ متى ما كان موضوعا لمعنى فسماعه يكون موحبا لخطور معناه. وهذا الخطور يحصل حتى مع وجود القرينة المتصلة على الخلاف كما في مثال اذهب الى البحر وخذ العلم منه ، فانه يخطر للذهن المعنى الحقيقي للبحر بالرغم من وجود القرينة المتصلة على خلافه.

2 - الدلالة التصديقية الاولى. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد استعمال المعنى واراده على مستوى الارادة الاستعمالية. وهذه الدلالة تزول

ص: 182

بالقرينة المتصلة ، فلو قيل اذهب الى البحر كان ذلك دالا على ان المتكلم قد قصد استعمال البحر الحقيقي ولكن اذا ذكرت القرينة المتصلة وقيل خذ العلم منه زالت الدلالة على قصد استعمال الحقيقي.

3 - الدلالة التصديقية الثانية. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم اراد المعنى واقعا لا انه اراده على مستوى الاستعمال فقط. وهذه الدلالة تزول بالقرينة المتصلة ايضا ، فلو قيل اذهب الى البحر وخذ العلم منه لا تحصل الدلالة على ان المتكلم قد اراد المعنى الحقيقي للبحر ارادة جدية.

ثم ان الدلالة التصديقية الاولى والثانية هل تزولان بالقرينة المنفصلة كما تزولان بالمتصلة او لا؟ كلا لا تزولان بذلك ، ووجه ذلك ان هاتين الدلالتين تتحددان على ضوء شخص الكلام فمتى ما تكلم المتكلم بكلام وفرغ من شخص كلامه حصلت الدلالة التصديقية الاولى والثانية ، فلو قال اذهب الى البحر وخذ العلم منه كانت القرينة المتصلة - خذ العلم منه - جزء من شخص الكلام ، ومع كونها جزء من شخص الكلام تتحدد الدلالة التصديقية الاولى والثانية على طبقها اي يكون الكلام دالا على ان المتكلم لم يرد البحر من الماء لا على مستوى الارادة الاستعمالية ولا على مستوى الارادة الجدية وانما اراد البحر من العلم. هذا لو كانت القرينة متصلة. اما اذا كانت منفصلة بان قال اذهب الى البحر وسكت وبعد يوم او يومين ذكر القرينة فلا تزول الدلالة التصديقية الاولى والثانية - لان القرينة المنفصلة ليست جزء من شخص الكلام حتى تتحدد الدلالة على طبقها - بل تبقى ، غاية الامر لا تكون حجة.

هذا ولكن الميرزا ذكر ان صدور القرينة المنفصلة يزيل الدلالة التصديقية الثانية من اساسها لا انها تبقى وتزول حجيتها فقط. وللتوضيح اكثر نقول : ان

ص: 183

الميرزا قسم الدلالة الى ثلاثة اقسام :

1 - التصورية ، اي الخطور. وهي لا تزول بالقرينة المتصلة فضلا عن المنفصلة.

2 - تصديقية اولى ، وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قال واستعمل معنى معينا. وهذه تزول بالقرينة المتصلة دون المنفصلة. ولحد الآن لم نختلف معه.

3 - تصديقية ثانية. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد اراد المعنى المعين واقعا. والحجية ثابتة لهذة الدلالة دون الاولى والثانية. وذكر قدس سره ان هذه الدلالة تزول بالقرينة المتصلة بل وبالمنفصلة ايضا. وهنا تظهر نقطة الخلاف ، فالميرزا يرى تقوّم هذه الدلالة بعدم القرينة المنفصلة بينما نحن نرى بقاءها وعدم زوالها بالقرينة المنفصلة وانما الذي يزول هو الحجية فقط. ووجه ذلك ما تقدم من ان هذه الدلالة تتحدد على طبق شخص الكلام ، فاذا انتهى شخص الكلام بان قال المتكلم اذهب الى البحر وسكت حصلت الدلالة التصديقية الثانية اي كان الكلام دالا على ان المتكلم يريد واقعا البحر من الماء (1) لان شخص الكلام لم تذكر فيه

ص: 184


1- قد يقول قائل : كيف نثبت بعد ان تم شخص الكلام ان المتكلم قد اراد واقعا البحر من الماء والحال نحن لم ندخل قلب المتكلم لنعلم ماذا اراد؟ والجواب : ان المتكلم اذا قال اذهب الى البحر خطر للذهن البحر من الماء ، وهذا الخطور نشعر به بالوجدان ولا نحتاج لاثباته الى محرز - اذ هو نظير الجوع ، فكما ان الجوع نحرزه من خلال الوجدان ولا يحتاج الى مثبت فكذا الخطور - واذا ثبت فيمكن ان نثبت ان المتكلم قصد استعمال البحر من الماء عن طريق اصالة التطابق ، فان ظاهر حال كل متكلم كونه قاصدا لاستعمال نفس المعنى الذي يخطر للذهن ، واذا ثبت قصد استعمال البحر من الماء فبواسطة اصالة التطابق بين المعنى الاستعمالي والمراد الجدي - واصالة التطابق هذه غير السابقة - نثبت ان المراد الجدي للمتكلم هو البحر من الماء ، فان ظاهر حال كل متكلم كونه مريدا جدا للمعنى الذي استعمل فيه اللفظ. اذن بواسطة اصلين للتطابق نثبت ان المراد الجدي للمتكلم هو البحر من الماء. وفي اصلي التطابق هذين نلاحظ شخص الكلام ، فاذا تم شخص الكلام اثبتنا هذين التطابقين وبالتالي يثبت ان المراد الجدي هو البحر من الماء مثلا.

القرينة الدالة على ارادة البحر من العلم ، فاذا ذكرت القرينة المنفصلة بعد ذلك كانت مذكورة بعد ما انعقدت الدلالة على ارادة البحر من الماء ولا تزول هذه الدلالة بعد ذلك بل يكون ذكر القرينة مكذبا ومنافيا لهذه الدلالة وموجبا لانتفاء حجيتها ، والمنبه الوجداني على ذلك هو ان الاعتماد على القرينة المنفصلة يخالف بالوجدان الاصل والطبع العقلائي ، ولا وجه لذلك الا كون القرينة المنفصلة مخالفة للظهور التصديقي الدال على ارادة البحر من الماء ، فلو كان الظهور يزول عند ورودها فلماذا تكون مخالفة للاصل العقلائي بل يلزم ان لا تكون مخالفة له كما في القرينة المتصلة ، فانا نجد بذوقنا ان ذكر القرينة المتصلة ليس فيه اي حرازة ومخالفة للذوق ، وما ذلك الا من جهة ان القرينة المتصلة حينما ترد تزيل الظهور في ارادة البحر من الماء ، وبزواله لا يبقى شيء واقعا امامها لتكون منافية له ، اذن ما ذكره الميرزا من ان القرينة المنفصلة تزيل اصل الظهور التصديقي الثاني غير مقبول وفيه خلط بين الظهور والحجية ، فان الذي يزول بذلك هو الحجية لا اصل الظهور (1). اجل ما ذكره من كون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي الثاني كلام مقبول ، لان الحجية لا تثبت الا للظهور الكاشف عن المراد الواقعي ، وواضح ان الكاشف عن المراد الواقعي هو الظهور التصديقي الثاني فيكون هو الحجة.

قوله ص 288 س 10 مما تقدم : اي ص 269.

ص: 185


1- والظاهر ان هذا البحث لا ثمرة عملية له.

قوله ص 289 س 9 انه قال كذا : اي استعمل كذا ، فان كلمتي استعمل وقال هما بمضمون واحد.

قوله ص 290 س 3 لا يمكن قبوله بظاهره : اي ولعل مقصود الميرزا معنى آخر غير ظاهر كلامه ، بان يكون مقصوده موافقا لما ذكرناه وهو زوال الحجية بالقرينة المنفصلة لا زوال اصل الظهور التصديقي الثاني.

قوله ص 290 س 5 كما تقدم : اي في مبحث تشخيص موضوع الحجية ص 269.

قوله ص 290 س 9 والمدلول التصديقي : اي الاول.

قوله ص 290 س 14 وما استعمل فيه : عطف تفسير على قوله « ما قاله ».

الظهور الحالي.

قوله ص 291 س 6 وكما ان الظهور اللفظي حجة ... الخ : الظهور على قسمين فتارة يكون لفظيا واخرى حاليا. اما الظهور اللفظي فهو حجة. وكلامنا السابق كله كان ناظرا له. واما الظهور الحالي - كما لو فتح شخص غرفته لاخر فان ظاهر حاله رضاه بمطالعة الكتب الموجودة فيها ، وهكذا لو عرض على البنت الزواج من شخص فسكتت فان ظاهر حال سكوتها رضاها به - فهل هو حجة او لا؟ والجواب : قد يقال : نعم ، ويستدل على ذلك :

ا - بسيرة المتشرعة من اصحاب الائمة علیهم السلام حيث كانوا يعملون بالظهور الحالي كما يعملون بالظهور اللفظي. وهذا الاستدلال غير مقبول لعدم امكان اثبات السيرة المذكورة ، فان وجود الظهور الحالي ليس امرا شائعا حتى يجزم بانعقاد سيرة اصحاب الائمة علیهم السلام على العمل به.

ص: 186

ب - او بالاوامر الكثيرة الدالة على وجوب التمسك بالقرآن الكريم والسنة الشريفة.

وهذا باطل ايضا ، فان الاخذ بالظهور الحالي لا يصدق عليه عنوان التمسك بالقرآن والسنة حتى يجب من باب وجوب العمل بالكتاب والسنة ، وانما يصدق ذلك في الظواهر اللفظية ، فان التمسك بظاهر لفظ القرآن الكريم والسنة الشريفة عمل وتمسك بهما.

والصحيح ان الدليل على حجية الظهور الحالي هو سيرة العقلاء ، فقد جرت سيرتهم على العمل بالظهور الحالي كما جرت على العمل بالظهور اللفظي. ولكن كيف يمكن اثبات ان السيرة المذكورة قد امضاها المعصوم علیه السلام ؟ والجواب : تقدم ص 184 من الحلقة ان المعصوم علیه السلام اذا سكت عن سيرة او فعل دل سكوته على الامضاء لاحد وجوه ثلاثه :

1 - لو لم يكن الفعل مرضيا له كان سكوته نقضا للغرض.

2 - لو لم يكن مرضيا له لردع عنه من باب النهي عن المنكر.

3 - ان سكوته علیه السلام يدل على الامضاء من باب ان ظاهر حال سكوته علیه السلام هو الامضاء.

وفي المقام لا بد من التمسك بالوجهين الاولين دون الثالث اذ يلزم من التمسك به الدور ، لانا بصدد اثبات حجية الظهور الحالي بسيرة العقلاء ، فلو اردنا اثبات امضاء السيرة بالظهور الحالي لسكوت المعصوم علیه السلام يلزم توقف حجية الظهور الحالي على حجية الظهور الحالي.

قوله ص 291 س 11 والاحوال : عطف تفسير للافعال.

ص: 187

الظهور التضمني.

قوله ص 292 س 6 اذا كان للكلام ظهور ... الخ : عنوان هذا البحث في الكتب القديمة « هل العام بعد التخصيص حجة في الباقي اولا » بينما المذكور في الحلقة هو ان الدليل اذا كانت له ظهورات ضمينة متعددة وسقط بعضها عن الحجية فهل يسقط البعض الآخر عنها أولا (1) فلو قال المتكلم « اكرم من في الدار من العلماء » وفرض ان عددهم (100) فهنا مدلولان : مطابقي ، وهو وجوب اكرام الجميع ، وتضمني وهو وجوب اكرام هذا العالم ووجوب اكرام ذلك العالم ووجوب اكرام الثالث وهكذا الى تمام المائة. وعدد الدلالات التضمنية على هذا (100) بينما الدلالة المطابقية واحدة. واذا صدر مخصص منفصل (2) بعد يوم او اكثر يقول لا تكرم العلماء الفساق وفرض ان عددهم (10) فسوف نعلم بسقوط المدلول المطابقي عن الحجية وانه لا يجب اكرام تمام المائة كما سنعلم بسقوط عشر دلالات تضمنية عن الحجية ، وبعد هذين السقوطين - سقوط المدلول المطابقي وعشر دلالات تضمنية عن الحجية - فهل تسقط بقية الدلالات التضمنية التسعين عن الحجية او لا؟ وبكلمة اخرى هل العام بعد تخصيصه واخراج الفساق العشرة منه يكون حجة في الباقي بحيث يلزم اكرام التسعين او لا؟ وهناك اجابتان عن هذا السؤال احداهما تقول نعم يسقط عن الحجية في وجوب اكرام الباقي ، وهذا معناه تبعية الدلالة التضمنية للمطابقية في الحجية. وثانيهما يقول بعدم السقوط ، وهذا

ص: 188


1- وقد تقدم ص 77 من الحلقة الوعد بهذا المبحث وانه اذا سقط المدلول المطابقي عن الحجية فهل يسقط المدلول التضمني ايضا او لا؟
2- واما الكلام عن المخصص المتصل فتأتي الاشارة له آخر البحث.

معناه عدم تبعية المدلول التضمني للمدلول المطابقي في الحجية.

اما الاجابة الاولى فيمكن ان توجه بان العام انما دل على وجوب اكرام التسعين باعتبار انه قبل ان يرد المخصص كان مستعملا في العموم اي في مجموع المائة ، ولازم ذلك استعماله في التسعين ايضا ، وبعد ان ورد المخصص فحيث لا يكون العام مستعملا في المائة فلا مثبت لاستعماله في التسعين اذ الاستعمال في غير المائة - سواء كان تسعين ام ثمانين ام ... - استعمال مجازي ولا مرجح لمجاز على مجاز.

ولا يقولن قائل بوجود المرجح للاستعمال في التسعين وهو كونها اقرب الى المائة.

فانه يقال : ان هذه الاقربية مسلمة ولكنها اقربية عددية وهي لا تجدي في مقام الترجيح وانما المجدي هو الاقربية من حيث نفس المعنى.

واذا اتضح عدم وجود المثبت للاستعمال في التسعين فلا يمكن تطبيق اصالة التطابق وان المتكلم بعد ان استعمل العام في التسعين فباصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي لا بد وان يكون المراد الجدي هو اكرام التسعين ، كلا ان هذا غير ممكن لان المفروض ان العام بعد ورود المخصص لم يستعمل فى التسعين.

وقد ذكر الاخوند وجماعة من الاصوليين في مقام ردّ التوجيه المذكور ان بالامكان الالتزام باستعمال العام - بعد ورود المخصص المنفصل - في العموم اي في المائة ، ولازم ذلك استعماله في التسعين ، وبضم اصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي يثبت ان التسعين مراد جدي.

لا يقال : لماذا لا نطبق اصالة التطابق في العشرة الاخرى مادام العام مستعملا فيها ايضا حيث ان المفروض استعمال العام في تمام المائة حتى بعد ورود

ص: 189

المخصص؟

فانه يقال : ان العشرة الاخرى وان كان العام مستعملا فيها الا انه بعد ورود المخصص والعلم بان المتكلم لا يريدها بالارادة الجدية فلا يمكن تطبيق اصالة التطابق بلحاظها.

ويبقى من حقنا التساؤل كيف يمكن للآخوند اثبات استعمال العام في العموم حتى بعد ورود المخصص المنفصل؟ والجواب : انه تقدم في المبحث السابق ان القرينة المنفصلة اذا وردت فهي لا تزيل الظهور التصديقي الاول اي لا تزيل الظهور في كون العام مستعملا في معناه الحقيقى وهو العموم وانما تزيل حجيته في العموم.

اشكال ودفع.

قد يقال : ان الآخوند نقل التبعيض من مرحلة الاستعمال الى مرحلة المراد الجدي ، ففي مرحلة الاستعمال استعمل العام في مجموع المائة الا ان المراد الجدي هو خصوص التسعين دون مجموع المائة ، ومعه فيمكن الاشكال بان نقل التبعيض من الاستعمال الى مرحلة المراد الجدي ليس مجديا ، لان التبعيض في المراد الجدي اذا لم يكن مضرا فليكن في مرحلة الاستعمال غير مضر ايضا ، فلماذا صار في مرحلة الاستعمال مضرا دون مرحلة المراد الجدى؟

والجواب : ان العام اذا لم يكن في مرحلة الاستعمال مستعملا في تمام المائة فلا يمكن اثبات استعماله في التسعين ، اذ استعماله فيها وفي الثمانين وبقية المراتب لم يثبت الا بواسطة استعمال العام في المائة - فان الاستعمال في المائة يستلزم الاستعمال في جميع المراتب الادون - اما اذا لم يكن مستعملا فيها فلا يثبت

ص: 190

الاستعمال في مرتبة التسعين ولا في غيرها من المراتب ، اذ الاستعمال في كل مرتبة غير المائة مجاز ، ولا مرجح لمجاز على مجاز. ومن هنا نعرف لماذا يؤكد الآخوند على الاستعمال في تمام المائة حتى بعد ورود المخصص ، ان تأكيده ناشىء من جهة ان المثبت للاستعمال في التسعين وغيرها من المراتب نكتة واحدة وهي الاستعمال في المائة ، فاذا سقطت هذه النكتة بان لم يكن العام مستعملا في المائة فلا يمكن اثبات استعماله في التسعين ، فهو يؤكد على الاستعمال في المائة ليثبت الاستعمال فى التسعين ، واذا كان مستعملا في التسعين فبضم اصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي يثبت ان التسعين كما هي مراد استعمالي هي مراد جدي ايضا. هذا كله في مرحلة الاستعمال ، اما في مرحلة المراد الجدي فالنكتة لا ثبات ان التسعين مراد جدي والسبعين مراد جدي وهكذا ليست نكتة واحدة بل نكات متعددة ، اذ كل مرتبة لها اصالة تطابق خاصة بها تثبت ان تلك المرتبة مرادة بالارادة الجدية ، فالعام اذا ثبت استعماله في تمام المائة بعد ورود المخصص فباصالة التطابق وان لم يمكن اثبات ان تمام المائة مراد جدي - حيث ان ورود المخصص يمنع من تطبيق اصالة التطابق ، الا ان التسعين يمكن اثبات كونها مرادة جدا ، حيث ان العام مستعمل بعد ورود المخصص في تمام المائة ولازم ذلك استعماله في التسعين ايضا ، واذا كان مستعملا في التسعين فيمكن بواسطه اصالة التطابق (1) اثبات ان التسعين مرادة جدا. اذن عدم ارادة المائة بالارادة الجدية لا يمنع من ارادة التسعين بالارادة الجدية ، لان تلك يوجد مانع من تطبيق اصالة التطابق بلحاظها بخلاف هذه. وبهذا يتضح ان بالامكان تقديم الميزان التالي : متى ما كان المثبت لارادة

ص: 191


1- واصالة التطابق هذه غير اصالة التطابق الساقطة في المائة ، فان لكل مرتبة اصالة تطابق خاصة بها.

جميع المراتب نكتة واحدة فبسقوط تلك النكتة يلزم سقوط المثبت لارادةاى مرتبة من المراتب - وهذا كما هو الحال في مرتبة الاستعمال ، فان المثبت لاستعمال العام في مرتبة التسعين وغيرها من المراتب هو الاستعمال في المائة ، فاذا فرض عدم الاستعمال في المائة فلا مثبت للاستعمال في التسعين ولا في غيرها من المراتب - ومتى ما كان المثبت متعددا فبسقوط النكتة المثبتة لارادة بعض المراتب لا يلزم سقوط النكتة المثبتة لارادة بقية المراتب ، وهذا كما هو الحال في مرتبة المراد الجدي ، فان المثبت فيها لاي مرتبة من المراتب هو اصالة التطابق التي هي متعددة بعدد المراتب وبسقوط اصالة التطابق لاثبات ارادة المائة لا يلزم سقوطها في بقية المراتب.

المخصص المتصل.

كنا نفترض لحد الآن المخصص منفصلا ، اما اذا كان متصلا كما لو قال المتكلم اكرم كل من في الدار الا الفساق - ولنفرض عددهم (10) - فقد اتفقت الكلمة على حجية العام في تمام التسعين. ووجه هذا الاتفاق هنا وعدم حصول مثله في المخصص المنفصل ان المخصص اذا كان متصلا فالعام مستعمل حتما في تمام التسعين لانه مع اتصال المخصص ينعقد منذ البداية ظهور للعام في تمام التسعين بتقريب ان كلمة « كل » موضوعة للعموم وهو تختلف دائرته سعة وضيقا بذكر قيد « الا الفساق » وعدمه ، فقيد « الا الفساق » اذا لم يكن مذكورا فدائرة العموم هي المائة والاستعمال لا يكون حقيقيا الا اذا استعملت الجملة في تمام المائة ، ومن هنا كان الآخوند يؤكد على الاستعمال في المائة ، اما اذا كان قيد « الا الفساق » مذكورا فدائرة العموم تصير ضيقة وهي التسعون ، فان القيد المذكور يوجب صيرورة

ص: 192

دائرة العموم هي التسعين ، فاذا استعمل العام في التسعين كان مستعملا في معناه الحقيقي ، وحيث ان العام عند ذكر قيد « الا الفساق » مستعمل في التسعين - وهذا مما لم يختلف فيه للاتفاق على ان العام مستعمل في التسعين عند ذكر قيد « الا الفساق » - فهو مستعمل في معناه الحقيقي لا في المجازي ليقال انه لا مرجح لمجاز على مجاز.

قوله ص 292 س 7 ظهور استقلالي : وبتعبير علم المنطق ظهور مطابقي او دلالة مطابقية.

قوله ص 292 س 14 دل على عدم وجوب بعض ... الخ : الظاهر ان كلمة « اكرام » ساقطة. والتقدير : دل على عدم وجوب اكرام بعض.

قوله ص 293 س 13 والدلالات التضمنية : عطف الدلالات على الظواهر تفسيري ، والفارزة الموضوعة قبل كلمة « والدلالات » غير مناسبة.

قوله ص 293 س 15 وهي الظهور التصديقي لاداة : وبتعبير اخصر : وهي الاستعمال في تمام المائة.

قوله ص 294 س 11 وانما يكشف فقط عن عدم تعلق ... الخ : بل لا يكشف عن ذلك ايضا ، حيث تقدم في المبحث السابق ان ورود القرينة المنفصلة لا يزيل الظهور التصديقي الثاني ، اي الظهور في كون المعنى الحقيقي - وهو الاستعمال في المائة - مرادا بالارادة الجدية بل يزيل الحجية عن هذا الظهور لا اصله. وانما لم يعلق السيد الشهيد على هذه النقطة من كلام الآخوند لانها غير مؤثرة على اصل المطلب فان المهم في المطلب كون العام مستعملا بعد ورود المخصص في تمام المائة والزائد على ذلك غير مهم.

ص: 193

قوله ص 294 س 16 لو خلي وطبعه : اي بقطع النظر عن المخصص.

قوله ص 295 س 1 ليسوا كذلك : اي ليسوا مرادين بالارادة الجدية.

قوله ص 295 س 3 لهم : المناسب : له.

قوله ص 295 س 8 من مرحلة الظهور التصديقي الاول : وبتعبير اوضح : من مرحلة الاستعمال الى مرحلة المراد الجدي.

قوله ص 295 س 12 كذلك : اي في الحجية.

قوله ص 296 س 1 ولها نكتة واحدة : هذا عطف تفسير لقوله « مترابطة ». والمقصود من النكتة الواحدة هو الاستعمال في المعنى الحقيقي اي في تمام المائة.

قوله ص 296 س 5 ان هذا الفرد : كالتسعين مثلا داخل في نطاق الاستعمال ، وذلك الفرد كالثمانين داخل وهكذا.

قوله ص 296 س 12 ظاهر في الجدية : اي له اصالة تطابق خاصة به كما اشرنا لذلك سابقا.

قوله ص 296 س 15 وهكذا يثبت : اي والنتيجة الثابتة من كل هذا البيان هو ان العام حجة في الباقي.

قوله ص 297 س 5 مستعملة في استعياب ... الخ اي انها مستعملة في معناها الحقيقي وهو العموم غاية الامر ان دائرة العموم بسبب المخصص المتصل صارت اضيق وتشمل التسعين فقط.

قوله ص 297 س 7 فلا تجوّز : بتشديد الواو.

قوله ص 297 س 9 وعلى اي حال : اي في صورة المخصص المتصل سواء كان الاستعمال في التسعين مجازا ام لا.

ص: 194

الدليل العقلي

ص: 195

ص: 196

الدليل العقلي :

قوله ص 289 س 1 الدليل العقلي كل قضية ... الخ :

تقدّم ص 85 من الحلقة منهجة الابحاث الاصولية وان الحديث يقع تارة عن الدليل الشرعي واخرى عن الدليل العقلي ، والحديث لحد الآن كان يدور حول الدليل الشرعي ، واما الدليل العقلي فنمنهج المطالب المذكورة فيه ضمن النقاط التالية :

1 - ما هو المقصود من الدليل العقلي؟ المقصود منه كل حكم عقلي يستنبط منه حكم شرعي ، فمثلا حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته يستنبط منه حكم شرعي وهو وجوب تهيئة بطاقة الطائرة وجواز السفر ونحو ذلك من مقدمات الحج ، اما الحكم العقلي الذي لا يستنبط منه حكم شرعي كاستحالة اجتماع النقيضين فليس دليلا عقليا بالمصطلح الاصولي ، فان مثل الحكم المذكور مما لا اشكال في حجيته بين الجميع ولا يشمله مصطلح الدليل العقلي الذي وقع النزاع بين الاصوليين والاخباريين في حجيته.

هذا هو المقصود من الدليل العقلي دون ما قد ينسبق الى الذهن من كونه عبارة عن الدليل الدال على الحكم العقلي - كما هو الحال في الدليل الشرعي ، فان المقصود منه الدليل الدال على الحكم الشرعي لا نفس الحكم الشرعي - ولكنه باطل بل المقصود منه نفس الحكم العقلي لا الدال عليه ، اذ لا يوجد في الاحكام العقلية دال ومدلول.

ص: 197

2 - ان الابحاث المطروحة في الدليل العقلي على قسمين ، بعضها ابحاث صغروية ناظرة الى تحقق حكم العقل وعدمه كالبحث عن ان العقل هل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته او لا ، وهل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده او لا وهكذا ، وبعضها ابحاث كبروية كالبحث عن ان حكم العقل حجة او لا؟ اذن تارة يبحث هل يحكم العقل بالملازمة في هذا المورد وذاك او لا ، واخرى يبحث بعد حكمه بالملازمة مثلا هل حكمه حجة او لا (1).

3 - وهل الابحاث المطروحة في الدليل العقلي ابحاث اصولية او لا؟ والجواب : ان البحث الكبروي بحث اصولي فان البحث عن حجية حكم العقل كالبحث عن حجية الخبر ، فكما ان البحث عن حجية الخبر بحث اصولي - حيث ان حجية الخبر يستعان بها في مقام استنباط الاحكام الشرعية ولولاها لما امكن استنباط الاحكام الشرعية من الخبر - فكذا البحث عن حجية حكم العقل بحث اصولي حيث انها تقع في طريق الاستنباط ولولاها لما امكن استنباط وجوب المقدمة.

واما الابحاث الصغروية فهي على شكلين ، فبعضها يشكّل عنصرا مشتركا في مقام الاستنباط - كحكم العقل بالملازمة فانه يقع عنصرا مشتركا لاستنباط الحكم بوجوب تهيئة الجواز والبطاقة وغير ذلك من المقدمات - ومثل هذه الابحاث ابحاث اصولية ، وبعضها الآخر لا يشكّل عنصرا مشتركا بل يختص باستنباط حكم شرعي واحد - كحكم العقل بحرمة الكذب فانه ليس عنصر

ص: 198


1- والى هذه النقطة اشار قدس سره بقوله : والبحث عن القضايا العقلية ... الخ.

مشتركا بل يختص بخصوص الكذب - ومثله لا يكون البحث عنه اصوليا (1).

4 - والقضية العقلية ذات شكلين ، فتارة تكون شرطية واخرى فعلية ، ونذكر للشكل الاول مثالين :

أ - حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، فان الحكم المذكور يرجع في روحه الى قضية شرطية هي انه ان كانت الصلاة مثلا واجبة شرعا فمقدمتها وهي الوضوء واجبة.

ب - حكم العقل بالملازمة بين قبح الشيء وحرمته ، فان مرجعه الى قضية شرطية هي : إن كان الكذب قبيحا فهو حرام.

واما الشكل الثاني - القضية العقلية الفعلية - فمثاله حكم العقل باستحالة تكليف غير القادر ، فان حكم العقل هذا لا يرجع في روحه الى قضية شرطية بل هو قضية فعلية ليس فيها اي اشتراط (2).

5 - ان القضية العقلية الفعلية يمكن تقسيمها الى قسمين : قضية فعلية تحليلية وقضية فعلية تركيبية.

اما القضية التحليلية فهي قضية يقوم فيها العقل بتحليل حقيقة من الحقائق ، ونذكر لذلك مثالين :

أ - حكم العقل برجوع حقيقة الوجوب التخييري الى وجوبين

ص: 199


1- وأشار قدس سره الى هذه النقطة بقوله : ولا شك في ان البحث الكبروي اصولي ... الخ.
2- لا تقل : يمكن ارجاعه الى قضية شرطية ايضا وانه ان وجد عاجز فيستحيل تكليفه. فانه يقال : ان هذا اشتراط بوجود الموضوع ، واشتراط القضية بوجود الموضوع لا يجعلها شرطية ، والا فكل قضية من القضايا هي مشروطة بتحقق الموضوع فيلزم صيرورة جميع القضايا شرطية ، فقولنا ( زيد قائم ) يلزم صيرورته قضية شرطية وانه ان كان زيد موجودا فهو قائم. ثم انه ( قدس ) اشار للنقطة الرابعة بقوله : ثم ان القضايا العقلية ... الخ

مشروطين (1) ، فان ذلك قضية فعلية تحليلية ، فهي فعلية باعتبار ان روحها لا تتضمن اشتراطا ، وهي تحليلية باعتبار انها تتضمن تحليل حقيقة الوجوب التخييري.

ب - حكم العقل بان حقيقة العلاقة بين الحكم وموضوعه هي علاقة المسبب بالسبب ، فانه مرّ في الحلقة الاولى ص 157 ان كل حكم يتركب من موضوع وحكم ، والموضوع بمثابة السبب والحكم بمثابة المسبب ، فحينما يقال المستطيع يجب عليه الحج مثلا نلاحظ ان الاستطاعة بمثابة السبب لوجوب الحج ووجوب الحج بمثابة المسبب عنها ، فالعلاقة بين الحكم وموضوعه - على هذا - ترجع في حقيقتها الى علاقة المسبب بالسبب. ان تفسير هذه العلاقة بهذا الشكل هو قضية عقلية فعلية تحليلية. اما انها عقلية فباعتبار ان الحاكم بالتحليل هو العقل ، واما انها فعلية فلعدم تضمنها اشتراطا ، واما انها تحليلية فلتضمنها تحليل حقيقة العلاقة بين الحكم وموضوعه. هذا في القضية التحليلية.

واما القضية التركيبية فهي قضية لا تتضمن تفسير حقيقة من الحقائق بل اثبات الاستحالة (2) لحقيقة من الحقائق بعد وضوح تلك الحقيقة كحكم العقل بان تقييد الحكم بالعلم به مستحيل ، ان مثل هذه القضية قضية عقليه فعلية تركيبية ، فهي عقلية لكون الحاكم هو العقل ، وهي فعلية لعدم تضمنها اشتراطا ، وهي تركيبية لتضمنها تركيبا اي اثبات شيء - وهو الاستحالة - لشيء آخر وهو تقييد الحكم بالعلم به (3).

ص: 200


1- فالوجوب التخييري بين الصوم والاطعام مثلا يرجع الى انه يجب الصوم ان لم تطعم ، او الاطعام ان لم تصم .
2- او الضرورة كما اشير له في الحلقة الثانية ص 233 .
3- واشار 1 لهذه النقطة بقوله ص 299 س 5 : والقضايا الفعلية ... الخ .

6 - وفي النقطة السابقة تحدثنا عن القضية الفعلية ، واما شقيقتها وهي القضية الشرطية فيمكن بدورها ان تقسم الى قسمين :

أ - ان يكون الشرط امرا شرعيا كحكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فانه قضية عقلية حيث يحكم العقل بان الصلاة مثلا ان كانت واجبة شرعا فمقدمتها - وهي الوضوء - واجبة ايضا ، والشرط في هذه القضية كما نرى قولنا « الصلاة واجبة شرعا » وهو امر شرعي ، فان الشارع هو الذي يحكم بوجوب الصلاة وبدونه لا يحكم العقل بوجوب المقدمة. ومثل هذه القضية الشرطية تسمى بالدليل العقلي غير المستقل او بالملازمات العقلية غير المستقلة. اما انها دليل عقلي فلكون الحاكم بالملازمة هو العقل ، واما انه غير مستقل فلأن العقل لا يحكم بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب الوضوء مثلا الا بعد حكم الشارع اولا بوجوب الصلاة ، فحكم العقل بالملازمة اذن غير مستقل بل هو متوقف على حكم الشارع بوجوب الصلاة مثلا.

ب - ان يكون الشرط امرا عقليا ، كحكم العقل بالملازمة بين قبح الشيء وحرمته ، فالعقل يقول مثلا ان كان الكذب قبيحا - اي عقلا - فهو حرام شرعا ، وفي هذه القضية نرى ان الشرط امر عقلي وهو قبح الكذب عقلا وليس امرا شرعيا ، وتسمى مثل هذه القضية بالدليل العقلي المستقل او بالملازمات العقلية المستقلة. اما انها دليل عقلي فلكون العقل هو الحاكم بالملازمة ، واما انه دليل عقلي مستقل فلأن حكم العقل بها لا يتوقف على حكم شرعي (1).

7 - وبعد ان عرفنا في النقطة السابقة ان القضية الشرطية قد تكون احيانا

ص: 201


1- تبتدأ هذه النقطة من قوله 1 ص 299 س 12 والقضايا الشرطية ... الخ

من قبيل الدليل العقلي المستقل (1) نعود الى عدلها وهي القضية الفعلية لنسأل هل تدخل تحت الدليل العقلي المستقل او لا؟ والجواب : نعم تدخل تحته فيما اذا كانت تركيبية (2) كقولنا تقييد الحكم بالعلم به مستحيل ، ان هذه القضية تدخل تحت الدليل العقلي المستقل ، لأن حكم العقل بالاستحالة المذكورة لا يتوقف على امر شرعي ، فانه سواء حكم الشارع بوجوب الصلاة مثلا ام لا يحكم العقل باستحالة تقييد وجوب الصلاة وامثاله بالعلم.

وبعد التعرف على دخول القضية التركيبية تحت الدليل العقلي المستقل قد يسأل هل تدخل في المسائل الأصولية او هي خارجة عن علم الاصول بتقريب : ان المسائل الاصولية هي ما يستنبط منها ثبوت حكم شرعي ، وواضح ان القضية التركيبية - مثل قضية « ان تقييد الحكم بالعلم مستحيل » - لا يستنبط منها ثبوت حكم شرعي بل يستنبط منها عدم ثبوت الحكم المقيد بالعلم.

والصحيح ان القضية التركيبية تدخل في علم الأصول لانه يستنبط منها نفي الحكم ، والمتوقع من المسألة الأصولية ان تقع في طريق استنباط نتيجة شرعية اعم من ان تكون هي ثبوت حكم او نفيه وليس المتوقع منها خصوص اثبات الحكم.

وقد تقول : عرفنا شيئين :

أ - ان القضية الفعلية تدخل تحت الدليل العقلي المستقل فيما اذا كانت تركيبية.

ب - ان القضية التركيبية هي من المسائل الأصولية ، ولكن لم نعرف حال القضية التحليلية (3) - التي هي عدل التركيبية - هل تدخل تحت الدليل العقلي

ص: 202


1- طبيعي وقد تكون احيانا من قبيل الدليل العقلي غير المستقل.
2- القضية التركيبية على ما تقدم هي المتضمنة لا ثبات الاستحالة.
3- ومثالها : ان حقيقة الوجوب التخييري ترجع الى وجوبين مشروطين.

المستقل او لا (1)؟ وهل القضية التحليلية من المسائل الأصولية او لا؟

اما السؤال الأول فجوابه : نعم القضية التحليلية تدخل تحت الدليل العقلي المستقل ايضا ، فان قولنا : الوجوب التخييري يرجع عقلا الى وجوبين مشروطين حكم عقلي لا يتوقف على افتراض وجود حكم شرعي ، فسواء حكم الشارع بوجوب الاطعام والصيام تخييريا ام لا فان العقل يحكم برجوع الوجوب التخييري الى وجوبين مشروطين.

واما السؤال الثاني فجوابه : ان القضية التحليلية هي من المسائل الأصولية حيث يستفاد منها بشكلين في مقام الاستنباط :

أ - انها تقع احيانا في طريق اثبات استحالة قضية معينة اي في طريق اثبات قضية تركيبية ، فان القضية التركيبية عبارة اخرى عن استحالة قضية معينة.

ب - انها تقع احيانا في مقام تحديد كيفية تطبيق مسألة من المسائل الأصولية.

مثال الشكل الأول : القضية التحليلية المفسرة لحقيقة الحكم المجعول على نحو القضية الحقيقية ، فقضية الحج واجب على المستطيع قضية حقيقية ، اي ان الحكم فيها لم ينصب على خصوص الافراد الموجودة في الخارج ، بل على كل فرد فرض كونه مستطيعا سواء كان موجودا بالفعل في الخارج ام لا. والموضوع فيها - وهو المستطيع - بمثابة السبب ، والحكم - وهو الوجوب - بمثابة المسبب ، فالاستطاعة متى ما تحققت كان ذلك سببا لتحقق وجوب الحج ، فروح القضية الحقيقية على هذا ترجع الى ان الحكم فيها مسبب عن الموضوع ، فكلما تحقق الموضوع كان ذاك سببا لتحقق الحكم. وبعد هذا نقول : ان تحليل الحكم في القضية

ص: 203


1- السؤال الأول هذا وجوابه لم يتعرض لهما في عبارة الكتاب.

الحقيقية بهذا الشكل يمكن ان يستفاد منه في مسألة اخرى وهي انه هل يمكن تقييد الحكم بوجوب الحج بالعلم بان يقال يجب الحج على المستطيع ان كان عالما بوجوب الحج؟ والجواب : كلا لا يمكن ذلك لان الوجوب اذا كان منصبا على المستطيع المقيد بالعلم بالوجوب فهذا معناه ان موضوع الوجوب مركب من جزئين هما المستطيع والعلم بالوجوب ، وهذا مستحيل للزوم الدور منه ، اذ وجوب الحج متوقف على العلم بوجوب الحج - باعتبار ان العلم بالوجوب جزء الموضوع ، وقد قلنا ان الحكم مسبب عن موضوعه ، فلو كان العلم بالوجوب جزء الموضوع يلزم توقف الوجوب عليه - وحيث ان العلم بالوجوب متوقف على ثبوت الوجوب فيلزم كون الوجوب موقوفا على الوجوب.

وباختصار : ان القضية التحليلية التي تقول : « الحكم في القضية الحقيقية يرجع الى كون الحكم مسببا عن موضوعه » وقعت في طريق اثبات قضية تركيبية وهي ان تقييد الحكم بالعلم به امر مستحيل لمحذور الدور. وقد مرّ كل هذا في الحلقة الاولى ص 156 - 158 تحت عنوان ( موضوع الحكم ).

ومثال الشكل الثاني ما اذا قيل : ان افطرت متعمدا فصم شهرين متتابعين ، فلو فرض ان شخصا افطر ولكنه شك في ان صوم الشهرين متعيّن عليه او هو مخيّر بينه وبين اطعام ستين فقيرا - والثمرة تظهر فيما لو اطعم ستين مسكينا ، فان صوم الشهرين

لو كان معينا فلازمه عدم الاكتفاء بالاطعام ولزوم صوم شهرين ، بينما لو كان مخيرا اكتفي بالاطعام - فالمشهور بين الفقهاء ان المكلّف بعد اطعامه الفقراء لا يلزمه صوم الشهرين لجريان البراءة عنه. ولكنه كيف تجري البراءة (1)؟

ص: 204


1- لا تضاح المثال نذكر مقدمة هي : انه وقع كلام بين الأصوليّين في حقيقة الوجوب التخييري فلو قيل : ان افطرت فاطعم ستين فقيرا او صم شهرين فما هي حقيقة هذا الوجوب التخييري؟ توجد في ذلك عدة اراء نذكر منها اثنين : أ - انه يرجع الى وجوب الجامع فكأنه قيل ان فطرت وجب عليك الجامع اي احدهما ، وبعد وجوب احدهما يحكم العقل بالتخيير بين الفردين ، اذن بناء على هذا الرأي يرجع الوجوب التخييري الى كون الواجب شرعا هو الجامع والعقل يخير بين الفردين. ب - انه يرجع الى وجوبين مشروطين شرعيين فكأنه قيل : ان لم تصم فاطعم وان لم تطعم فصم. ويشكل عليه بان لازمه استحقاق المكلّف لعقابين عند تركه الصيام والاطعام معا - لانه حينما يترك الصيام يصير الاطعام واجبا عليه وهكذا حينما يترك الاطعام يصير الصيام واجبا عليه ، والمفروض مخالفته لكلا الوجوبين - وهو باطل بالوجدان ، فان تارك الواجب المخير لا يستحق الا عقابا واحدا.

والجواب : ان قلنا برجوع الوجوب التخييري الى وجوب الجامع كان شكنا راجعا الى الشك في اننا هل مخيرون بين الاطعام والصيام او ان الصيام متعيّن ، فان الصيام لو كان واجبا مخيرا فمعناه ان الواجب هو الجامع ، وبوجوب الجامع نصير مخيرين بين الاطعام والصيام ، بينما لو لم يكن الصيام واجبا مخيرا بل كان واجبا معينا فلازمه عدم إجزاء الاطعام وتعين الصيام ، فالمقام على هذا يكون من مصاديق دوران الأمر بين التعيين والتخيير فتجري البراءة عن التعيين باعتبار انه خصوصية توجب التضييق والكلفة على المكلّف وأصل البراءة ينفي كل كلفة وضيق مشكوك (1). هذا بناء على رجوع الوجوب التخييري الى وجوب الجامع.

واما بناء على رجوعه الى وجوبين مشروطين فعند تحقق الاطعام يحصل الشك في وجوب الصيام اذ ما دمنا نحتمل كون الصيام واجبا مخيرا فلازمه - بناء على الرأي المذكور - احتمال كون وجوبه مشروطا بعدم تحقق الاطعام فاذا تحقق حصل الشك في وجوبه فتجري البراءة عنه.

وباختصار : ان تحليل حقيقة الوجوب التخييري يساعد على تحديد كيفية

ص: 205


1- وهناك رأي يقول : ان مورد الشك بين التعيين والتخيير لا تجري فيه البراءة عن خصوصية التعيين بل يجري الاشتغال ، ولكن هذا الرأي لا يؤثر على بحثنا فانا نريد ان نقول بناء على جريان البراءة فهي تجري لنفي خصوصية التعيين.

اجراء اصل البراءة ، فبناء على رجوع الوجوب التخييري الى وجوب الجامع فالبراءة تجري عن خصوصية التعيين بينما بناء على رجوعه الى وجوبين مشروطين تجري البرائة عن وجوب الصيام. وستأتي الاشارة الى هذا المطلب في مبحث الوجوب التخييري ص 369 من الحلقة (1).

8 - سوف نرى في الابحاث المقبلة وجود ترابط وتفاعل بين القضايا العقلية ، فقد نتكلم عن قضية تحليلية معينة ويصير ذلك سببا للبحث عن قضية تحليلية اخرى او عن قضية تركيبية.

مثال ذلك : البحث عن حقيقة الوجوب التخييري وانها ترجع الى وجوبين مشروطين ، فانه قد يولد قضية تركيبية - حيث قد يقال بان لازم ذلك استحقاق عقوبتين حالة ترك كلا الفردين فتكون حقيقة الوجوب التخييري بالتفسير المذكور مستحيلة - او قضية تحليلية ، فانه بعد اختيار رجوع الوجوب التخييري الى وجوبين مشروطين قد يحتاج الى البحث عن حقيقة الوجوب المشروط وتحديدها فان في ذلك اختلافا ، فالشيخ الأعظم فسّر الوجوب المشروط بشكل والمشهور فسروه بشكل آخر كما يأتي ايضاح ذلك في بحث الوجوب المشروط.

والخلاصة : ان البحث عن قضية تحليلية قد يولّد بحثا في قضية تركيبية كما وقد يولّد بحثا في قضية تحليلية اخرى. ولربما تدعو الحاجة احيانا الى بحث القضية التحليلية الاخرى في نفس الموضوع الذي تبحث فيه القضية التحليلية الاولى فيما اذا كان الارتباط بين القضيتين التحليليتين ارتباطا قويا الى درجة لا يسمح للفصل بينهما (2).

ص: 206


1- وقد اشير الى هذه النقطعة بقوله 1 ص 300 س 5 : وكذلك تعتبر القضايا ... الخ.
2- وقد اشير الى هذه النقطة بقوله 1 ص 301 س 6 : وسوف نلاحظ ... الخ.

ثم انه بعد الفراغ من هذه النقاط الثمان يقع الكلام في مقامين :

أ - ما هي القضايا التي يحكم بها العقل؟ فهل يحكم باشتراط القدرة في التكليف؟ وهل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته؟ وهل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده؟ وهكذا. ويمكن تسمية ذلك بالبحث عن صغريات الدليل العقلي.

ب - اذا فرض حكم العقل مثلا باشتراط القدرة في التكليف فهل حكم العقل هذا حجة او لا؟ ويمكن تسمية ذلك بالبحث الكبروي.

قوله ص 299 س 13 من قبيل المثال الاول لها : اي للقضايا الشرطية ، والمراد من المثال الأول ما اشير له آخر ص 298 بقوله 1 : من قبيل ادراك العقل ان وجوب شيء يستلزم وجوب مقدمته.

قوله ص 299 س 14 من قبيل المثال الثاني لها : اي ان قبح الفعل يستلزم حرمته.

قوله ص 300 س 5 وكذلك تعتبر : اوضحنا سابقا وجه التعبير بكلمة ( كذلك ).

قوله ص 300 س 13 والبرهنة عليها : عطف تفسير لقوله : « اثبات قضية عقلية تركيبية ».

قوله ص 301 س 2 مثلا : اي ذكر هذين الاتجاهين للوجوب التخييري هو من باب المثال ، والا فهناك اتجاهات اخرى.

قوله ص 301 س 4 ودوران ... الخ : عطف تفسير على ( الشك ).

قوله ص 301 س 9 قضايا عقلية تركيبية : كان من المناسب ان يقال : او قضايا تحليلية.

ص: 207

ص: 208

استحالة التكليف بغير المقدور

اشارة

ص: 209

ص: 210

استحالة التكليف بغير المقدور :

قوله ص 303 س 1 في التكاليف مراتب متعددة ... الخ :

حصيلة البحث المذكور : ان العقل هل يحكم باستحالة تكليف غير القادر او لا ، وبتعبير آخر هل يحكم باشتراط القدرة في التكليف او لا. وهذا بحث عن اول صغرى من صغريات الدليل العقلي. ولاجل اتضاح المطلب اكثر نرجع الى الحلقة الثانية ص 13 وهذه الحلقة ص 21 لنستذكر ان لكل تكليف اربع مراحل ، فامر الاب ولده بمواصلة الدراسة مثلا يمر بمراحل اربع هي :

1 - مرحلة الملاك ، بمعنى ان مواصلة الدراسة لا بدّ من اشتمالها على المصلحة في نظر الأب والا لما وجّه الأمر لها.

2 - مرحلة الشوق والحب ، فانه بعد الاطلاع على وجود المصلحة في مواصلة الدراسة يحصل الشوق لها ، وطبيعي ان الشوق والحب لا يحصلان الا بعد العلم بوجود المصلحة ولا يكفي وجودها الواقعي من دون علم بها. وهذا معنى ما يقال ان المصلحة بوجودها العلمي توجب الشوق والحب لا بوجودها الواقعي.

3 - وبعد حصول الشوق يعتبر الوالد مواصلة الدراسة في عهدة ولده ويجعلها عليه ويقول له ولدي واصل دراستك (1). وما هو الغرض من هذا الاعتبار والجعل؟ يمكن تصور الغرض بشكلين :

ص: 211


1- كلمة الجعل والاعتبار يمكن ابدالهما بكلمة الوجوب ، فان الوجوب والجعل والاعتبار كلمات مترادفة.

أ - اطلاع الولد على اشتمال مواصلة الدراسة على الحب والمصلحة.

ب - تحريك الولد نحو مواصلة الدراسة وبعثه لها. وطبيعي ان ظاهر الجعل هو الثاني وان الغرض هو التحريك لا مجرد الاخبار عن وجود المصلحة والشوق ، فقوله تعالى : ( ولله على الناس حجّ البيت ) يدل على التحريك نحو الحج ايضا لا على وجود المصلحة والشوق فقط.

4 - مرحلة التنجر واستحقاق العقوبة (1) ، فالولد يستحق العقوبة بعد جعل التكليف عليه ومخالفته له.

وبعد التعرف على هذه المراحل الاربع نعود للتساؤل السابق لنرى ان القدرة بناء على كونها شرطا للتكليف هل هي شرط له :

1 - في مرحلة الملاك بحيث لا مصلحة في الفعل عند عدم القدرة؟

2 - او هي شرط له في مرحلة الشوق بحيث لا شوق للفعل عند انتفاء القدرة عليه؟

3 - او هي شرط في مرحلة الجعل بحيث لا جعل عند انتفاء القدرة؟

4 - او هي شرط في مرحلة التنجّز بحيث لا استحقاق للعقوبة عند عدم القدرة؟

اما بالنسبة للتساؤل الرابع فواضح ان القدرة شرط عقلا في استحقاق العقوبة ، اذ من دونها لا يكون للمولى على عبده حق الاطاعة.

واما بالنسبة للتساؤلين الاولين فالقدرة قد تكون شرطا في المصلحة والشوق - بحيث لا مصلحة ولا شوق عند انتفائها - وقد لا تكون ، ومراجعة الوجدان تشهد بذلك ، فالانسان يحب العودة لحالة الطفولة ويشتاق لها بالرغم

ص: 212


1- التنجّز واستحقاق العقوبة تعبيران مترادفان.

من عدم كونها مقدورة.

مصطلح اصولي :

والقدرة متى ما كانت شرطا في المصلحة والملاك بحيث من دونها لا مصلحة سميت بالقدرة الشرعية ، ومتى لم تكن شرطا في ذلك سميت بالقدرة العقلية (1).

واما بالنسبة للسؤال الثالث - وهو ان القدرة هل هي شرط في الجعل - فالجواب : ان الغرض من الجعل اذا كان هو مجرد ابراز المصلحة والشوق فالقدرة ليست دخيلة فيه بمعنى ان الجعل يمكن ان يكون ثابتا في حق غير القادر ايضا لان المصلحة والشوق اللذين فرض ان ابرازهما هو الغرض من الجعل يمكن ثبوتهما في حق غير القادر.

ان قلت : ان المصلحة والشوق وان كان بالامكان ثبوتهما في حق غير القادر ولكن نفس الجعل والوجوب لا يمكن ثبوته في حقه - غير القادر - فانه لا يصح ان يقال لغير القادر : يجب عليك الفعل الذي لا تقدر عليه.

قلت : ان الجعل والوجوب ليسا الاعبارة عن الاعتبار ، والاعتبار سهل المؤونة ، فيمكن ثبوته في حق غير القادر ايضا.

ان قلت : ان الوجوب وان كان مجرد اعتبار وهو سهل المؤونة ولكن جعله للفعل غير المقدور لغو لعدم امكان امتثاله ، واللغو لا يصدر من الحكيم.

قلت : يكفي في ارتفاع اللغوية كون الغرض من جعل الوجوب ابراز المصلحة والشوق. اجل لو كان الغرض هو التحريك فهو مما لا يمكن ثبوته في حق

ص: 213


1- وللقدرة الشرعية والعقلية مصطلح آخر وهو ان القدرة اذا اخذها الشارع في لسان الدليل سميت بالقدرة الشرعية واذا لم يأخذها بل العقل اعتبرها سميت بالقدرة العقلية.

غير القادر لان التحريك انما يصح فيما اذا جازت العقوبة عند عدم التحرك ، وحيث ان غير القادر لا تصح عقوبته عند عدم تحركه فلا يصح تحريكه (1). وبعد هذا نقول : بما ان ظاهر كل دليل هو جعل الحكم بداعي التحريك فمن اللازم اختصاص مفاد الادلة بالقادر (2).

ما المقصود من القدرة :

ثم انه ماذا يقصد من كون الفعل مقدورا؟ المقصود كون الفعل تحت اختيار المكلف بحيث يمكنه فعله وتركه ، والخارج عن اختياره - اما لانه ضروري الوقوع كدقات القلب او ضروري الترك كالطيران الى السماء او لانه قد يحصل وقد لا يحصل ولكنه في حالات حصوله يحصل من دون اختيار المكلّف كما في نبع الماء من تحت الأرض فان الماء قد ينبع وقد لا ينبع ، وفي حالات نبعه ينبع من دون اختيار المكلّف (3) - ليس بمقدور.

ص: 214


1- قد يقال : كان بالامكان افادة المطلب بشكل مختصر فيقال : ان جعل الحكم بداعي التحريك يختص بالقادر باعتبار ان غيره لا يمكن ان يتحرك بلا حاجة الى اضافة الزوائد المذكورة. والجواب : ستتضح ص 309 من الحلقة الفائدة من اضافة الزوائد.
2- ومن الغريب ان بعض الاعلام المتأخرين منهم السيد الخوئي في هامش اجود التقريرات ج 1 ص 264 والمحاظرات ج 4 ص 188 اختار ان القدرة معتبرة فقط في حكم العقل بلزوم الامتثال فان العقل لا يلزم بالامتثال الا مع القدرة على المتعلق ، واما في متعلق التكليف فهي ليست بمعتبره ابدا لا باقتضاء نفس التكليف ولا بحكم العقل حيث ان التكليف ليس الا عبارة عن اعتبار كون الفعل في ذمة المكلف ، وهو لا يقتضي اعتبار القدرة على المتعلق. هذا ما اختاره في مبحث الضد ، ولكنّا لم نره يلتزم بنتائج هذا الرأي في ابحاثه الاخرى.
3- كان من المناسب التمثيل بغير هذا المثال ، فان نبع الماء ليس فعلا للانسان ، والمفروض ان الكلام هو فيما يكون فعلا له ولكنه يصدر بغير اختياره ، ويمكن التمثيل بالنوم ، فانه فعل للانسان قد يصدر منه بلا اختيار. واذا كان هذا قابلا للمناقشة ايضا فيمكن ذكر امثلة اخرى.

ثمرة مدخلية القدرة في جعل الحكم :

ان اثمرة شرطية القدرة في استحقاق العقوبة واضح ، اذ يلزم عدم ثبوت العقوبة عند عدم القدرة بينما لو لم تكن شرطا يلزم ثبوتها.

والاشكال الذي يمكن طرحه - وقد اشير له في الحلقة الثانية ص 238 - هو ان القدرة لو قلنا بكونها شرطا في الجعل والوجوب فما هي ثمرة ذلك؟ فان الوجوب سواء كان مشروطا بالقدرة ام لا فذاك غير مهم ، فانه حتى لو كان ثابتا في حق غير القادر فلا فائدة في ثبوته بعد عدم امكان عقوبته.

والجواب : يمكن تصوير ثمرة ثبوت الوجوب في حقه في مسألة وجوب القضاء وذلك باحد شكلين :

1 - لو فرض ان المكلّف لم يتمكن من الاتيان بالصلاة في وقتها المقرر وفرض ايضا ان الدليل الخاص دل على وجوب قضاء الصلاة لو لم يأت بها المكلّف فيما لو كان ملاك لها في وقتها فانه في مثل ذلك اذا خرج الوقت يحصل الشك في وجوب القضاء للشك في اشتمال الصلاة على الملاك ، فان كان لها ملاك وجب قضاؤها والا فلا ، ولكن ما هي الوسيلة لا ثبات اشتمالها على الملاك ليجب قضاؤها (1)؟ ان الوسيلة لا ثبات ذلك هي ان الوجوب اذا لم يكن مشروطا بالقدرة فيمكن التمسك بدليل « اقيموا الصلاة » لا ثبات وجوب الصلاة في حق غير القادر وبالتالي لا ثبات وجود الملاك بالدلالة الالتزامية ، واما اذا كان

ص: 215


1- قد يقال : ان ثبوت الملاك في الصلاة داخل الوقت امر واضح لا يحتاج الى اثبات ، وهل يحتمل ان الصلاة التي هي عمود الدين ليس فيها ملاك. والجواب : ان عهدة هذه الدعوى على مدعيها ، فنحن لا نسلم اشتمال الصلاة دائما على الملاك بل ذاك يحتاج الى مثبت بالشكل الذي اوضحناه.

مشروطا بالقدرة فلا يمكن ذلك ، لان الدلالة المطابقية على الوجوب اذا سقطت عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية عنها ايضا.

2 - ان يفرض ان فعلا معينا لم يكن المكلّف قادرا عليه ولكنه صدر منه صدفة وبلا اختيار - كما لو فرض ان الوالد كلف ولده بتنظيف غرفته ومرت على الولد فترة لم يتمكن لانحراف صحته من التنظيف ولكنه حالة النوم حصل منه ، اذ الانسان حالة النوم قد تصدر منه افعال لا يتمكن منها حالة اليقظة - ففي مثله هل يكفي الفعل المذكور في سقوط الوجوب او يبقى ويلزم القضاء بعد الوقت؟ ان الثمرة هنا تظهر فلو لم تكن القدرة شرطا في الوجوب فيمكن التمسك بدليل وجوب الفعل لا ثبات الوجوب وبالتالى لا ثبات كون الفعل الصادر مصداقا للواجب ويكون اتيانه مسقطا للوجوب وللقضاء ، اما اذا كانت القدرة شرطا في الوجوب فلا يمكن التمسك بدليل الوجوب لا ثبات الوجوب ، وبالتالي لا يمكن اثبات ان الفعل المأتي به واجب ومسقط للقضاء الا اذا كانت هناك قاعدة اخرى - سواء كانت اصلا عمليا ام امارة - تقتضي كونه مسقطا للقضاء.

وبعد اتضاح هاتين الثمرتين نلفت النظر الى الفارق بينهما ، وهو أمران :

أ - ان المفروض في الثمرة الاولى عدم اتيان المكلّف بفعل بينما المفروض في الثانية اتيانه به.

ب - انه في الاولى يراد اثبات وجوب القضاء بينما في الثانية يراد اثبات سقوط القضاء.

قوله ص 303 س 2 هو المصلحة الداعية ... الخ : ذكر المصلحة من باب المثال والا فقد يكون الملاك هو المفسدة الداعية الى التحريم.

قوله ص 303 س 3 من ادراك تلك المصلحة : الادراك هو العلم. ووجه

ص: 216

التقييد به واضح فانه لا يحصل الشوق لشيء لمجرد وجود المصلحة فيه واقعا بل لا بدّ من العلم بوجودها ، فالمريض اذا لم يعلم بمرضه لا يشتاق لاستعمال الدواء. وهذا معنى ما يقال من ان المصلحة بوجودها العلمي توجب الشوق لا بوجودها الواقعي.

قوله ص 304 س 2 كذلك : اي كشرط فيهما.

قوله ص 304 س 5 بصورة مجردة : اي مجردة عن داعي التحريك بان كانت متمحضة لابراز المصلحة والشوق.

قوله ص 304 س 7 وقد يوجه ... الخ : هذا دفع لمحذور اللغوية المشار اليه سابقا.

قوله ص 304 س 8 على الاطلاق : اي حتى في حق العاجز ، وقوله « في حق الجميع » اي حتى في حق العاجز.

قوله ص 304 س 10 انما هو بسبب الادانة : اي لا يصح التحريك الا في مورد يمكن فيه العقاب لو لم يتحرك فيه المكلّف.

قوله ص 304 س 11 وحكم العقل بالمسؤولية : عطف تفسير للادانة.

قوله ص 304 س 17 والقدرة انما تتحقق : هذا اشارة الى ما اوضحناه تحت عنوان « ما المقصود من القدرة ».

قوله ص 305 س 2 كذلك : اي تكوينا.

قوله ص 305 س 3 ولم يقع : الصواب : ولا يقع.

قوله ص 305 س 13 الذي هو مفاد الدليل : صفة لجعل الحكم.

قوله ص 305 س 13 باطلاق الدليل : انما عبر بكلمة ( اطلاق ) باعتبار ان ثبوت اصل الوجوب في حق القادر معلوم ، وانما يراد التمسك باطلاقه لاثبات

ص: 217

شمول الوجوب للعاجز.

قوله ص 305 س 15 ومبادىء الحكم له : عطف تفسير للملاك ، وضمير له يرجع الى العاجز.

قوله ص 305 س 16 وبهذا تعرف : الصواب : يعرف.

قوله ص 306 س 9 بمبادئه : ذكر المبادىء باعتبار ان ثبوت الوجوب بلا مبادىء امر غير ممكن.

قوله ص 306 س 12 بدليل : الصواب : بالدليل ، اي بدليل الواجب.

قوله ص 306 س 13 من طلب حاله : اي انه مسقط للقضاء او غير مسقط له.

حالات ارتفاع القدرة قوله ص 306 س 15 ثم ان القدرة التي ... الخ :

تقدم ان القدرة شرط في موردين : العقاب والتكليف بداعي التحريك ، فبدونها لا يصح العقاب كما ولا يصح التكليف بداعي التحريك ، وهذا واضح ، ولكن قد يفرض ان المكلّف يدخل عليه وقت الصلاة مثلا وهو قادر عليها غير انه بعد فترة تزول قدرته ، والسبب في زوال القدرة احد امور ثلاثة :

1 - التواني في اداء الواجب حتى ينتهي الوقت ، وفي مثله يسقط الأمر جزما بسبب العصيان ، فالقدرة على فعل الواجب زالت بسبب العصيان.

2 - اراقة الماء مثلا عمدا وبلا مبرر وبالتالي ازالة القدرة على اداء الصلاة الوضوئية بلا مسوغ.

3 - انعدام الماء وسط الوقت بلا تسبيب من المكلّف بل صدفة.

ص: 218

وبعد اتضاح هذا نسأل : هل يستحق المكلّف العقاب في الحالات الثلاث المذكورة؟ نعم يستحق ذلك في الحالة الاولى والثانية ، اذ في الاولى تماهل حتى انتهى الوقت وزالت قدرته ، وفي الثانية اراق الماء بلا مبرر وازال القدرة عن نفسه بعد ما كانت موجودة ، ويكفي ثبوت القدرة اول الوقت في استحقاق العقاب.

واما في الحالة الثالثة فلا بدّ من التفصيل بين علم المكلّف بان الماء سينعدم بعد قليل ومع ذلك يسوّف حتى ينعدم وبين ما اذا لم يعلم بذلك ، فعلى الاول يستحق العقاب دونه على الثاني.

والخلاصة : ان العقل والعقلاء يحكمون في الحالات الثلاث المذكورة باستحقاق المكلّف للعقاب ، فانه وان كان مضطرا لترك الوضوء مثلا الا ان ذلك بسوء اختياره ، والاضطرار الناشىء من سوء الاختيار لا يتنافى واستحقاق العقوبة.

وللمتكلمين والاصوليين عبارة مشهورة تشير لذلك هي : ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا ، اي ان فقدان القدرة اذا كان بسوء الاختيار فالمكلّف يستحق العقاب ، فان استحقاقه لا يتوقف على ثبوت قدرته في تمام الوقت. اذن الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي - اي لا ينفي - الاختيار والقدرة بل هي موجودة بلحاظ استحقاق العقاب ، لان وجودها اول الوقت يكفي في ذلك.

وهل يسقط التكليف عند الاضطرار بسوء الاختيار :

ذكرنا ان المكلّف اذا اراق الماء او عصى حتى انتهى الوقت كان مستحقا

ص: 219

للعقاب ولكن هل يصح توجيه التكليف بالوضوء مثلا له او انه بعد الاراقة لا يبقى خطاب ( توضأ ) موجها له ، وبكلمة اخرى : حينما نقول ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار فهل المقصود انه لا ينافيه من ناحية العقاب فقط او من ناحية التكليف ايضا؟ المعروف سقوط التكليف لانه بعد الاراقة لا يكون المكلّف قادرا على الوضوء ومعه كيف يقال له توضأ والحال ان تحريك من لا يتمكن من التحرك امر غير معقول ، اذن العقاب حالة الاضطرار بسوء الاختيار وان كان معقولا الا ان التكليف غير معقول ، ولاجل هذا اضافوا لتلك العبارة المشهورة تكملة وقالوا : ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينا فيه خطابا ، اي الاضطرار بسوء الاختيار لا يزيل استحقاق العقاب ويزيل الخطاب والتكليف حيث ان القدرة التي يتطلبها استحقاق العقاب - وهي القدرة اول الوقت - موجودة بينما القدرة التي يتطلبها الخطاب - وهي القدرة حين توجيه الخطاب - غير موجودة.

هذا ولكن السيد الشهيد خالف المشهور وذهب الى امكان بقاء التكليف ايضا ، فكما ان استحقاق العقاب ثابت فكذلك الخطاب ثابت. ووجه ذلك : ان المشهور ماذا يقصد من سقوط الخطاب؟ ان فيه احتمالين :

أ - ان التكليف بالوضوء باق بعد الاراقة ويبقى الشارع يقول للمكلّف توضأ ، الا ان التكليف المذكور لا يكون محركا نحو الوضوء ، فالساقط ليس هو الوجود الفعلي لخطاب توضأ بل محركيته وتأثيره وفاعليته ، واذا كان هذا هو المقصود للمشهور فهو امر مقبول ، اذ من الواضح ان خطاب توضأ لا يمكن ان يحرك من لا يتمكن من التحرك.

ب - ان التكليف ساقط ولا يبقى له وجود بعد الاراقة فهو ليس فقط لا

ص: 220

يكون محركا بل ساقط من اساسه ، واذا كان هذا هو المقصود فيرده : ان خطاب ( توضأ ) لا وجه لسقوطه الا اذا كانت القدرة شرطا فيه بحيث يكون وجوده بقاء مشروطا ببقائها ، فاذا زالت سقط ، الا ان هذا باطل ، اذ يكفي وجود القدرة اول الوقت لحدوث التكليف وبقائه ولا يتوقف بقاؤه على استمرارها لما ذكرنا سابقا من ان المولى يجعل التكليف لغرض تحريك المكلّف ، والتحريك لا يصح الا متى ما صح العقاب على تقدير المخالفة ، وقد تقدم ان العقاب يصح متى ما كان المكلّف قادرا اول الوقت وان انتفت بعد ذلك ، ونتيجة هذا : ان التكليف يصح متى ما كانت القدرة موجودة اول الوقت وان زالت بعد ذلك. وبكلمة اخرى يكفي في ثبوت التكليف وجود القدرة بالمقدار المصحح للعقاب وهو وجودها اول الوقت.

اجل ينبغي ان يكون واضحا ان امكان وجود خطاب ( توضأ ) وان كفى فيه وجود القدرة اول الوقت وقبل الاراقة الا ان هذا الوجود للخطاب بعد حصول الاراقة وجود غير نافع ، لأن الفائدة المحتملة في ثبوت الخطاب بعد الاراقة لا تخلو من احد امور ثلاثة :

1 - ان يكون ثبوته كاشفا عن ثبوت المبادىء وهي المصلحة والشوق ، فخطاب ( توضأ ) يكشف عن اشتياق المولى للوضوء وكونه ذا مصلحة.

ويرده : ان الوضوء هو ذو مصلحة ومما يشتاق له المولى حتى وان لم يكن خطاب ( توضأ ) ثابتا بدليل ان المكلّف بعد اراقته للماء يصح عقابه على عدم الوضوء ، فلو لم تكن المصلحة والشوق ثابتين فيه لما صح عقابه ، وعليه فروح التكليف - وهي مبادئه - ثابتة حتى وان لم يكن ثابتا.

2 - ان يكون ثبوته موجبا لتحريك المكلّف نحو الوضوء.

ويرده : ان خطاب ( توضأ ) لا يمكنه تحريك المكلّف بعد اراقة الماء.

ص: 221

ج - ان ثبوته موجب لاستحقاق المكلّف للعقاب.

ويرده : ان ثبوت القدرة قبل الاراقة يكفي لصحة عقاب المكلّف على عدم الوضوء وان سقط الخطاب بعد ذلك ولا تتوقف صحة عقابه على بقاء الخطاب.

وباختصار : ان وجود خطاب ( توضأ ) وجود غير نافع لان روح التكليف وهي مبادئه ثابتة على كلا التقديرين ، والعقوبة ثابتة على كلا التقديرين ايضا ، والتحريك مفقود على كلا التقديرين ايضا (1).

قوله ص 307 س 12 بانه سيطر : الصواب : سيطرأ وتماهل.

قوله ص 308 س 2 ما نشأ عن العصيان والتعجيز : عدم ذكر السبب الثالث من جهة ان الاضطرار الناشىء من طرو سبب خارج عن اختيار المكلّف ليس اضطرارا بسوء الاختيار ، فان منشأ الاضطرار ما دام خارجا عن الاختيار فلا يكون الاضطرار بسوء الاختيار.

قوله ص 308 س 3 مطلقا : مراده من الاطلاق ما ذكره بعد ذلك بقوله « سواء كان ... الخ ».

قوله ص 308 س 8 يردف : اي يضاف له.

قوله ص 309 س 1 بالقدر الذي يحقق : اي بالقدرة في اول الوقت ، حيث انها هي المصححة للادانة اي العقوبة.

قوله ص 309 س 3 والبرهان على ... الخ : الصواب : والبرهان على ان شتراط ... الخ.

ص: 222


1- قد يقال : ان الفائدة تظهر في وجوب القضاء ، فان الخطاب اذا لم يكن ساقطا بعد الاراقة فالقضاء واجب بينما اذا كان ساقطا فلا يجب. وفيه : ان الخطاب وان لم يكن ساقطا بعد الاراقة لكنه يسقط عند انتهاء الوقت جزما ، فان الامر بالاداء يسقط بانتهاء الوقت ، ووجوب القضاء لو ثبت فهو بدليل خاص ، ومعه فلا ثمرة لوجود الخطاب من هذه الناحية.

قوله ص 309 س 4 وهو ان التكليف : الواو زائدة. والصواب : هو ان ... الخ.

قوله ص 309 س 10 والوجوب المجعول ايضا : عطف تفسير للخطاب. وقوله « ايضا » : اي كما لا ينافي العقاب. والمراد من الاطلاق هو شمول العقاب للعاجز وعدم اختصاصه بالقادر.

الجامع بين المقدور وغيره :

قوله ص 309 س 15 ما تقدم حتى الآن ... الخ :

تقدم ان القدرة شرط في التكليف فهو لا يتعلق بشيء الا اذا كان مقدورا ، وههنا ثلاث صور لا بدّ من الالتفات اليها :

1 - ان تكون جميع حصص المتعلّق غير مقدورة ، ومثله لا اشكال في عدم امكان تعلّق التكليف به.

2 - ان تكون بعض الحصص مقدورة دون بعض ، وفي مثله ان كان التكليف متعلقا بالشيء بنحو الاطلاق الشمولي (1) فايضا يكون - التكليف - مستحيلا لأن معنى الاطلاق الشمولي تعلق التكليف بجميع الحصص ، والمفروض ان بعضها غير مقدور.

3 - وان كان متعلقا بالشيء بنحو الاطلاق البدلي كما لو قيل : سافر - وكان للسفر حصتان احداهما مقدورة دون الاخرى - بنحو الاطلاق البدلي لا الشمولي ، اي كان المطلوب حصة واحدة من السفر لا كلتا حصتيه ، فقد وقع

ص: 223


1- حينما يقال : ان اطلاق « اكرم العالم » شمولي فالمراد دلالته على وجوب اكرام جميع افراد العالم ، وحينما يقال ان اطلاق « اكرم عالما » بدلي فالمراد دلالته على وجوب اكرام فرد واحد من افراد العالم.

النزاع بين الاعلام في ان الوجوب هل يمكن تعلقه بجامع السفر او يكون متعلقا بخصوص الحصة المقدورة ، فالميرزا اختار ان الأمر وان كان في لسان الدليل متعلقا بعنوان السفر وجامعه الا انه بحسب الواقع متعلّق بخصوص الحصة المقدورة لأن الغرض من التكليف هو التحريك ، والتحريك لا يمكن الاّ نحو المقدور ، بينما المنسوب للمحقّق الثاني كون التكليف متعلقا بالجامع لا بخصوص الحصة المقدورة لأن الغرض من التكليف وان كان هو التحريك وهو يختص بالأمر المقدور الا ان احدى حصص الجامع ما دامت مقدورة فالجامع يكون مقدورا ، فان القدرة على الجامع لا تتوقف على القدرة على جميع حصصه بل يكفي لحصولها القدرة على بعض افراده (1) ، وما دام نفس الجامع مقدورا فيبقى التكليف متعلقا بالجامع ولا وجه لتعلقه بخصوص الحصة المقدورة.

وقد وافق المحقّق الثاني على هذا الرأي جملة من الاعلام كالسيد الخوئي والسيد الشهيد.

وقد تسأل عن ثمرة هذا الاختلاف وان المكلّف ما دام لا يتمكّن من الاتيان الاّ بالحصة المقدورة فاي ثمرة لكون التكليف متعلقا بخصوص الحصة المقدورة او بالجامع؟

والجواب : تظهر الثمرة فيما لو اتى المكلّف بالحصة غير المقدورة صدفة كما لو قال الأب لولده : سافر وكان للسفر حصتان احداهما مقدورة وهي السفر في

ص: 224


1- ولعل الوجدان قاض بذلك ، فلو قال صديقك : زرني هذه الليلة ، فقلت له : لا اتمكّن هذه الليلة لبعض الموانع ، فيقول : زرني اذن اما هذه الليلة او الليلة المقبلة ، فتقول : نعم هذا جيد. تأمل في هذا المثال ونضائره تجد ان تعلق التكليف باصل الزيارة الجامعة بين كونها هذه الليلة او الليلة المقبلة امر معقول ، ولا وجه له الا كون جامع الزيارة مقدورا وان كانت بعض حصصه غير مقدورة

اليقظة والأخرى غير مقدورة وهي في المنام ، فلو تحققت الحصة غير المقدورة بان رفع الولد حالة نومه ووضع في الطائرة فعلى رأي المحقق الثاني يكون هذا السفر مصداقا للواجب ومجزيا لأن الوجوب متعلّق بالجامع وهو صادق عليه ، واما على رأي الميرزا فلا يكون مجزيا بل تجب العودة والسفر من جديد (1) لان التكليف متعلّق بخصوص الحصة المقدورة وهي السفر في اليقظة ، والسفر في المنام لم يتعلّق به التكليف فاجزاؤه عن الحصة الواجبة يحتاج الى دليل ، فان اجزاء غير الواجب عن الواجب يحتاج الى دليل.

ص: 225


1- طبيعي فيما اذا لم يكن السفر واجبا من باب المقدمة بل كان واجبا نفسيا والا لم تجب اعادته لأن الغرض منه التوصل والمفروض حصوله.

ص: 226

شرطية القدرة بالمعنى الأعم او مبحث الترتب

اشارة

ص: 227

ص: 228

شرطية القدرة بالمعنى الأعم :

اشارة

قوله ص 312 س 1 تقدم ان العقل يحكم ... الخ :

تقدم ان التكليف لا يتعلق بغير المقدور ، فالوجوب لا يتعلّق بالصلاة مثلا الا مع قدرة المكلّف عليها قدرة تكوينية بان يكون سالم الاعضاء والحواس ، فالمغمى عليه الفاقد للاحساس لا يكون مكلّفا بها ، وهذا واضح ، ولكن لو فرض ان المكلّف كان سالم الاعضاء والحواس الاّ انه مبتلى بواجب اهم كانقاذ شخص اوشك على الغرق فهل مع توجه الأمر بالانقاذ يبقى الأمر بالصلاة متوجها او لا؟ كلا لا يمكن ذلك ، فان الصلاة والانقاذ ضدان ، وتوجه الأمر للضدّين في وقت واحد امر غير ممكن ، فمع توجه الأمر بالانقاذ لا يمكن توجه الأمر بالصلاة والا يلزم طلب الجمع بين الضدين وهو مستحيل.

وقد يقال : ان الأمر بالجمع بين الضدين وان كان مستحيلا الا ان ذلك فيما لو كان الأمر واحدا بان قال المولى اجمع بين الضدين ، اما اذا كان بأمرين بان قيل في امر صل وفي امر ثان انقذ فهو ليس بمستحيل ، والمفروض في المقام وجود امرين.

والجواب : ان العقل يرى الاستحالة في كلتا الحالتين ولا يفرق بينهما.

ومن مجموع هذا نخرج بالنتيجة التالية : ان كل تكليف يشترط فيه شرطان :

أ - القدرة التكوينية بمعنى سلامة الاعضاء والحواس.

ص: 229

ب - عدم الابتلاء بالامر بالضد كالانقاذ.

ونصطلح على مجموع هذين الشرطين بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعم بخلاف خصوص الشرط الأول - اي سلامة الاعضاء - حيث نصطلح عليه بالقدرة التكوينية بالمعنى بالاخص.

وكل ما ذكرناه لحد الآن هو في الحقيقة تمهيد لطرح السؤال التالي : ماذا يراد من الشرط الثاني الذي هو عدم الابتلاء بالضد فهل يراد به عدم وجود نفس امر انقذ او عدم الاشتغال بامتثاله دون مجرّد عدم وجوده؟ اختار الآخوند الاوّل وانه مع وجود من اوشك على الغرق وتوجه الأمر بانقاذه فلا يمكن توجه الأمر بالصلاة سواء اشتغل المكلّف بالانقاذ او لا ، فنفس وجود امر انقذ يمنع من وجود امر صل ، لان لازم وجودهما معا الأمر بالضدين.

واختار جملة من الاعلام منهم الميرزا (1) الثاني وان شرط وجود امر صل هو عدم الاشتغال بالانقاذ وليس وجود امر انقذ بمجرده مانعا من وجود امر صل ، فاذا لم يشتغل المكلّف بالانقاذ فمن المعقول توجه امر صل اليه فيقال له : انقذ فان لم تشتغل بالانقاذ فصلّ ، ويصطلح على مثل هذين الأمرين - اي الأمر بالانقاذ والأمر بالصلاة مترتبا على عدم الاشتغال بالانقاذ - بالامرين الترتبيين ، لان الامر بالصلاة مترتب على عدم الاشتغال بامتثال امر انقذ.

والثمرة بين الرأيين واضحة ، اذ على الاول اذا لم يشتغل المكلّف بالانقاذ واشتغل بالصلاة وقعت صلاته باطلة لعدم الأمر بها بخلافه على الثاني.

ادلة الرأيين :

اما الآخوند فقد استدل على رأيه بان لازم الرأي الثاني القائل بامكان

ص: 230


1- وهذا هو الرأي السائد بين علمائنا المتأخرين كالسيد الخوئي والسيد الشهيد وغيرهما

فكرة الترتب ومعقولية توجه الأمر بالمهم - الصلاة - عند عدم الاشتغال بالاهم - الانقاذ - توجه الامر لكلا الضدين في آن واحد ، فعند عدم الاشتغال بالانقاذ يتوجه الأمر بالصلاة لتحقق شرطه - وهو عدم الاشتغال بالانقاذ - والأمر بالانقاذ لان مجرد عدم الاشتغال بالانقاذ لا يستوجب سقوط امره وانما يسقط عند زوال الموضوع وتحقق الغرض بالفعل.

واما الميرزا الذي هو من رواد الرأي الثاني القائل بامكان فكرة الترتّب فقد ذكر في تقريرات درسه خمس مقدمات لاثبات ذلك (1) ، بيد ان السيد الشهيد اختصر تلك المقدمات واثبت الامكان ضمن مقدمات ثلاث تكفلت الاولى منها توضيح ان المنافاة بين صل وانقذ ليست الا من حيث عالم الامتثال بمعنى ان امتثال صل لما كان يبعّد عن امتثال انقذ وامتثال انقذ لما كان يبعّد عن امتثال صل حصلت المنافاة بينهما. وتكفّلت الثانية اثبات ان امر صل لا يبعّد من امتثال انقذ. وتكفّلت الثالثة اثبات ان انقذ لا يبعّد عن امتثال صل.

ونتيجة النقاط الثلاث بعد هذا هو ان امتثال كل واحد من صل وانقذ لا يبعّد ولا ينافي امتثال الآخر بل بينهما كمال الملائمة ، هذا هو مضمون النقاط الثلاث على سبيل الاجمال ، واما تفصيلا فكما يلي :

ص: 231


1- ولكن بعض المقدمات الخمس ليس له مدخلية لا ثبات الامكان كما يتّضح ذلك لمن راجعها ونبه عليه العلمان السيد الخوئي والسيد الشهيد. ويقال ان فكرة امكان الترتب كانت موجودة قبل الميرزا ، حيث تبناها كل من السيد محمد الاصفهاني الفشاركي والسيد المجدّد الشيرازي الاستاذين الجليلين للميرزا ، وكان دور الميرزا دور المشيد لاركان الفكرة واصلاح اسسها. وفي كتاب « فرائد الأصول » للشيخ الأعظم الطبعة القديمة ص 309 س 5 عبائر منقولة عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء تدل على انه كان يقول ايضا بامكان الفكرة المذكورة ، وفي ذلك الموضع بالذات يرد الشيخ الأعظم على الفكرة بنفس ما ذكره الآخوند لا ثبات الاستحالة وبذلك يحصل اتجاه ثان يقول بعدم امكان الترتب من رواده الشيخ الأعظم.

النقطة الاولى : نشعر بالوجدان بالمنافاة بين صل وانقذ لو وجها للمكلّف في وقت واحد ، ولكن ما هو سبب المنافاة؟ ان في ذلك ثلاثة احتمالات :

1 - ان يكون التنافي بين المبادىء هو السبب لذلك ، فلاجل دلالة امر صل على المصلحة والشوق في الصلاة ودلالة امر انقذ على الشوق والمصلحة في الانقاذ يحصل التنافي بين الامرين ، ولكنه باطل ، اذ اي مانع من اشتمال الصلاة على المصلحة والشوق وفي نفس الوقت يكون الانقاذ متصفا بذلك ايضا.

2 - ان يكون التنافي بسبب نفس الجعل ، بمعنى ان جعل الوجوب على هذا الضد يتنافى وجعله على الضد الآخر من جهة امتناع نفس توجيه الوجوب الى المتضادين حتى بقطع النظر عن المصلحة والشوق ، وهو باطل ايضا ، لأن الوجوب اعتبار وهو سهل المؤونة ، فكما يمكن اعتبار الليل نهارا وبالعكس يمكن ايضا اعتبار هذا الضد واجبا وفي نفس الوقت يعتبر الضد الآخر واجبا.

3 - ويتعيّن بعد بطلان الوجهين السابقين ان يكون التنافي من حيث الامتثال ، فلأجل ان صل يدفع بالمكلّف نحو الصلاة بينما انقذ يدفع به نحو الضد يتحقق التنافي.

وبهذا تنتهي النقطة الاولى واتضح من خلالها ان سبب المنافاة بين صل وانقذ هو التنافي من حيث عالم الامتثال.

النقطة الثانية : وبعد كون المنافاة بين صل وانقذ من حيث الامتثال نوضح في هذه النقطة ان صل لا ينافي امتثال انقذ ولا يقول امتثلني ولا تمتثل انقذ. وسبب ذلك ان صل مشروط بعدم امتثال انقذ فهو يقول ان لم تمتثل انقذ فامتثلني ولا يقول امتثلني واترك امتثال انقذ. وان شئت قلت : ان امر صل لا يوجد الاّ بعد ترك امتثال انقذ ، فعدم امتثال انقذ مقدمة وجوبية لصل وشرط لا صل حدوث

ص: 232

صل ، ومن الواضح ان الواجب لا يدعو لتحقيق مقدمته الوجوبية ، فكما ان امر ( حج ) لا يقول حصّل الاستطاعة - اذ قبل حصول الاستطاعة لا وجوب للحج حتى يقول حصّل الاستطاعة - كذا امر صل لا يدعو الى مقدمته الوجوبية ولا يقول اترك الاشتغال بالانقاذ ، فانه مع الاشتغال بالانقاذ لا وجود لامر صل حتى يقول اترك الاشتغال بالانقاذ.

النقطة الثالثة : وبعد تجلي ان امر صل لا ينافي امتثال امر انقذ ولا يقول لا تمتثل انقذ نوضح في هذه النقطة ان امر انقذ بدوره لا ينافي امتثال صل. وسبب ذلك ان امر انقذ اما ان يكون مقيدا بعدم امتثال امر صل ايضا او يكون مطلقا وغير مقيد بذلك ، فان كان مقيدا فلا يكون منافيا لامتثال صل لنفس ما تقدم في النقطة الثانية ، وان كان مطلقا فهو وان كان يقول لا تمتثل امر صل الاّ انه لا يقول ذلك ابتداء ومباشرة ، اذ مباشرة يقول امتثلني ، وبتبع قوله امتثلني يكون قد بعدنا عن امتثال صل ، حيث ان لازم امتثال انقذ عدم امتثال صل ، وباتضاح هذا نقول : ان خطاب انقذ حينما يقول امتثلني فمعنى ذلك انه يقول لا تحقق موضوع امر صل - فان موضوع صل هو عدم امتثال انقذ فاذا كان انقذ يقول امتثلني فهذا يرجع الى انه لا تحقق موضوع صل - وواضح ان هذا المقدار مما لا يأباه خطاب صل ، فان الخطاب - اي خطاب كان - لا يقول اوجد موضوعي (1) ، واذا لم يقل خطاب صل اوجد موضوعي فلا يكون قول انقذ لا توجد موضوع صل منافيا لصل ، وان شئت قلت : ان امر انقذ وان كان يقول لا تمتثل صل ولكنه لا يقول ذلك مباشرة بل مباشرة يقول امتثلني اي اعدم موضوع خطاب صل ، ومن

ص: 233


1- لانه قبل وجود موضوع صل لا يكون لخطاب صل وجود حتى يتمكن ان يقول اوجد موضوعي.

الواضح ان الخطاب لا يرفض ترك امتثال نفسه في حالة عدم تحقق موضوعه ، اذ في حالة عدم تحقق موضوعه لا يكون له وجود ، وجلي ان الخطاب لا يرفض عدم امتثال نفسه الا في حالة وجوده - الخطاب - وتحقق موضوعه وشرطه (1) ولا يأبى عن عدم امتثال نفسه في حالة عدم تحقق وجوده. هذه حصيلة النقطة الثالثة وبتمامها يتجلى ان فكرة الترتب فكرة ممكنة لان التنافي بين الأمرين لا ينشأ الا من ناحية الامتثال على ما تقدم في النقطة الاولى ، وقد اثبتنا انه لا تنافي بين صل وانقذ من ناحية الامتثال ، فلا امتثال صل ينافي امتثال انقذ - على ما اتضح في النقطة الثانية - ولا امتثال انقذ ينافي امتثال صل على ما اتضح في النقطة الثالثة.

نقاط ثلاث :

اشارة

قوله ص 317 س 4 وهكذا نعرف ... الخ : وبعد اتضاح امكان فكرة الترتّب نذكر ثلاث نقاط ترتبط بالفكرة المذكورة :

1 - اتضح مما سبق ان كل تكليف ليس مشروطا بخصوص سلامة الاعضاء المعبر عنها بالقدرة التكوينية بالمعنى الأخص بل هو مشروط اضافة لذلك بعدم الاشتغال بامتثال تكليف آخر.

ونستدرك الآن لنقول : ان التكليف وان كان مشروطا بعدم الاشتغال بامتثال تكليف آخر ولكن مقصودنا من ذلك هو عدم الاشتغال بتكليف آخر مساو او اهم ، فامر صل مثلا مشروط بعدم الاشتغال بواجب آخر اهم من الصلاة او مساو لها ، وبتعبير جامع هو مشروط بعدم الاشتغال بواجب آخر لا يقل اهمية عن الصلاة ، اما اذا كان الواجب الآخر اقل اهمية فلا يكون وجوب

ص: 234


1- الشرط والموضوع شيء واحد ، فان كل شرط للوجوب هو موضوع له

الصلاة مقيدا بعدم الاشتغال به ، فانه لا معنى لاشتراط الواجب بعدم الاشتغال بما هو أدون منه فان وجوب المهم هو الذي يعقل اشتراطه بترك الاهم ولا معنى لاشتراط وجوب الاهم بترك المهم لكونه خلف فرض الاهمية (1).

2 - اتضح ان صيغة التقييد التي يحكم بها العقل في كل تكليف هي : ان كل تكليف هو مشروط بعدم الاشتغال بالاهم او بالمساوي ، واذا واجه المكلّف واجبين كالصلاة وازالة النجاسة فللتعرف على ان ايهما هو المشروط بترك الآخر لا بدّ من التفحص على الملاك الأهم (2) ، فان كان ملاك الصلاة هو الأهم كان وجوب الازالة هو المشروط بعدم الاشتغال بالصلاة ويبقى وجوب الصلاة مطلقا ، ولو فرض العكس فالعكس ، ولو كانا متساويين كان كل منهما مشروطا بترك امتثال الآخر المعبّر عنه بالترتّب من الجانبين.

ثم انه لو كان احد الوجوبين مشروطا بترك الآخر واراد المكلّف الامتثال بشكل لا يقع في العصيان فعليه الاتيان بالاهم فانه حينئذ يكون ممتثلا لوجوب الاهم كما هو واضح وفي نفس الوقت يكون وجوب المهم ساقطا عنه حيث ان وجوب المهم مشروط بترك الاهم ، فاذا تحقق الاهم سقط وجوب المهم. وعليه فلو اتى المكلّف بالاهم لم يكن عاصيا لشيء من الأمرين بينما لو حقق المهم فهو وان كان ممتثلا لامره لكنه يكون عاصيا لأمر الاهم. هذا لو كان احد الواجبين اهم ، اما لو كانا متساويين فبأي واحد منهما اتى المكلّف يكون ممتثلا لان الاتيان باي واحد منهما يكون موجبا لامتثال امره وفي نفس الوقت يكون موجبا

ص: 235


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : وهكذا نعرف ... الخ.
2- وقد تسأل : ما هو الطريق لاحراز اهمية الملاك؟ والجواب : توجه عدة طرق نذكر بعضها : أ - ان يكون احد الواجبين فوريا والآخر موسعا ، فان الفوري هو الاهم. ب - ان يكون احدهما مما له بدل والآخر مما ليس له بدل ، فان ما لا بدل له هو الأهم. ج - ان يدل الاجماع على ان الملاك الأهم هذا دون ذاك

لسقوط الأمر بالآخر (1).

3 - وقد تسأل عن ثمرة البحث عن امكان الترتّب واشتراط كل تكليف بعدم الاشتغال بامتثال واجب آخر اهم او مساو؟ والجواب : تظهر الثمرة في ثلاثة موارد هي (2) :

الثمرة الاولى : بناء على تقييد كل تكليف بعدم الاشتغال بالأهم او المساوي لا يكون بين خطاب صل وازل تعارض (3) بل تزاحم (4). ووجه ذلك ان الدليلين انما يكونان متعارضين فيما اذا لم يمكن تشريعهما للتكاذب بينهما ، ومن الواضح بعد اشتراط كل تكليف بعدم الاشتغال بالاهم او المساوي يكون مفاد خطاب صل

ص: 236


1- وقد اشار 1 لهذه النقطة بقوله : ومن هنا نصل الى صيغة عامة للتقييد ... الخ.
2- كان من المناسب عدّ الثمرة واحدة لا متعددة ، فان ما يذكر تحت عنوان الثمرة الثانية والثالثة هما من لوازم الثمرة الاولى.
3- المقصود من التعارض هو تكاذب الدليلين في مقام التشريع وعدم امكان جعل كلا الحكمين ، ونذكر لذلك مثالين : أ - اذا قيل صل ولا تصل فانه مع صدور صل لا يمكن صدور لا تصل ، وهذا ما يسمى بالتعارض بنحو التباين. ب - اذا قيل اكرم كل عالم ولا تكرم اي فاسق فان الاول يدل على وجوب اكرام كل عالم سواء كان عادلا ام فاسقا ، والثاني يدل على حرمة اكرام اي فاسق سواء كان عالما ام لا فيحصل التعارض بينهما في العالم الفاسق ، فهذا يقول اكرمه وذاك يقول لا تكرمه ، ويسمى هذا بالتعارض بنحو العموم والخصوص من وجه. وعلى هذا فالتعارض تارة يكون بنحو التباين واخرى بنحو العموم من وجه.
4- المتزاحمان هما الحكمان اللذان يمكن تشريعهما غير ان المكلّف تضيق قدرته عن امتثالهما معا كوجوب الصوم ووجوب التكسّب تحصيلا للمعاش ، فان تشريعهما معا ممكن ، فمن الوجيه ان يقال صم وتكسب ، واذا لم يمكن لفرد في بعض الاحيان الجمع بينهما كمن يعيقه الصوم عن التكسب تحقق التزاحم بينهما لا لعدم امكان تشريعهما بل لضيق القدرة عن امتثالهما. والوظيفة اتجاه المتزاحمين هي تقديم الاهم ملاكا سواء كان موافقا للكتاب ومخالفا للعامة او لا بينما الوظيفة اتجاه المتعارضين هي تقديم الارجح سندا او دلالة فيقدم المخالف للعامة او الموافق للكتاب او الاشهر ويقطع النظر عن اهمية الملاك.

وازل هكذا : صل ان لم تشتغل بواجب اهم او مساو وازل ان لم تشتغل بواجب اهم او مساو ، ولا محذور في جعل مثل هذين الحكمين.

ومن هنا نعرف معنى العبارة القائلة بان « باب التزاحم خارج عن باب التعارض » فان المقصود منها هو ما ذكرناه اي ان مثل صل وازل اللذين هما متزاحمان لا يوجد بينهما تعارض بينما بناء على انكار فكرة الترتب يتحقق بينهما التعارض ولا يكون التزاحم بينهما اجنبيا عن باب التعارض.

ان قلت : بل يوجد تعارض بين صل وازل ، فان الأمر بالصلاة في قوله تعالى : ( « اقم الصلاة لدلوك الشمس ... الآية » ) مطلق وليس مقيدا بعدم الاشتغال بالازالة ، وهكذا الامر بالازالة هو مطلق وليس مقيدا بعدم الاشتغال بالصلاة ، ومثل هذين المفادين المطلقين لا يمكن جعلهما وبينهما تعارض.

قلت : ان الخطابين وان كانا من حيث اللفظ مطلقين ولم يقيد احدهما بترك الاشتغال بواجب آخر الا انهما مقيدان بحكم العقل بعدم الاشتغال بواجب آخر اهم او مساو وهو يكفي لرفع التعارض.

التزاحم بين الواجب والحرام

التزاحم بين التكليفين له حالتان ، فتارة يكون بين تكليفين كلاهما وجوبي كالتزاحم بين امر ازل وصل ، واخرى بين تكليفين احدهما وجوبي والآخر تحريمي كمن اوشك على الغرق وتوقّف انقاذه على اجتياز ارض مغصوبة متوسطة بينه وبين النهر ، فان وجوب الانقاذ وحرمة الغصب حكمان متزاحمان ولا تعارض بينهما. اما انه لا تعارض بينهما فلأن كلا منهما مقيد بعدم الاشتغال بواجب آخر مساو او هم ، وكل خطابين من هذا القبيل لا يقع بينهما تعارض ، واما انه يوجد بينهما تزاحم فباعتبار ضيق قدرة المكلّف عن امتثال كلا

ص: 237

الحكمين (1)

الثمرة الثانية : واذا تحقق التزاحم بين صل وازل طبقا للثمرة السابقة فاللازم اعمال مرجحات باب التزاحم وهي تقديم الاهم ملاكا حيث انه بتقديمه ينتفي وجوب المهم لكونه مشروطا بعدم الاشتغال بالاهم ، فاذا قدم المكلّف الازالة واشتغل بها لم يبق للصلاة وجوب وبالتالي لم يكن عاصيا لشيء من الخطابين ، وهذا بخلاف ما لو قدم المهم فانه يكون عاصيا لأمر الاهم.

هذا كله لو كان اهم في البين ، اما اذا كانا متساويين فالمكلّف مخيّر في تقديم اي واحد منهما شاء لان كلا منهما مشروط بعدم الاشتغال بالآخر ، فاذا اشتغل بهذا انتفى وجوب ذاك ، واذا اشتغل بذاك انتفى وجوب هذا.

واذا اهمل المكلّف كلا الواجبين الاهم والمهم فهل يستحق عقابين او عقابا واحدا؟ المناسب لفكرة الترتّب القائلة بان كلا التكليفين موجه الى المكلّف بنحو الترتّب الالتزام باستحقاق عقابين عقاب على مخالفة هذا وعقاب على مخالفة ذاك ، لان المفروض توجه كلا التكليفين الى المكلّف.

ولكن قد يشكل على الالتزام بتعدد العقاب بانه لمّا لم يمكن الجمع بين الصلاة والازالة فلا وجه لاستحقاق عقابين بل المناسب استحقاق عقاب واحد. وقد ذكر الآخوند (2) ان استاذه الميرزا محمّد حسن الشيرازي قدس سره كان من القائلين بامكان فكرة الترتب وكان الآخوند يشكل عليه بان لازم الفكرة المذكورة الالتزام بتعدد العقاب عند ترك كلا التكليفين والحال انه مما لا يمكن

ص: 238


1- هذا وقد ذكر الميرزا في اجود التقريرات ج 1 ص 322 بعض الشبهات على الترتب بين الواجب والحرام وناقشها. ثم ان اقحام بيان هذا المطلب - اي التزاحم بين الواجب والحرام - اثناء بيان الثمرات غير مناسب ، بل المناسب ذكره مستقلا بعد الفراغ من ذلك.
2- الكفاية ج 1 ص 218 طبعة المشكيني.

الالتزام به لعدم تمكن المكلّف من الجمع بين الازالة والصلاة معا.

هذا ويمكن مناقشة الآخوند بامكان الالتزام بتعدد استحقاق العقاب عند ترك كلا التكليفين ، ومجرّد ان الجمع بين الصلاة والازالة غير ممكن لا يمنع من تعدد الاستحقاق ، اذ المناط في استحقاق العقاب هو فعلية التكليف والمفروض ان كلا التكليفين فعلي في حق المكلّف.

الثمرة الثالثة : واذا اتضح تحقق التزاحم بين خطاب صل وازل بناء على فكرة الترتب وبالتالي لزوم تقديم الاهم ملاكا فهل ان تقديم الاهم كالازالة مثلا يعني سقوط التكليف بالصلاة سقوطا تاما او يعني السقوط الناقص؟ والجواب : انه يعني السقوط الناقص ، فتقديم وجوب الازالة يقتضي سقوط الوجوب عن الصلاة حالة الاشتغال بالازالة فقط ويبقى ثابتا حالة عدم الاشتغال بها ، وبهذا يحصل الفرق بين حالة التعارض وحالة التزاحم ، فانه لو اخذنا برأي الآخوند القائل باستحالة الترتب كان بين خطاب صل وازل تعارض ، فاذا قدمنا خطاب ازل من باب موافقته للكتاب او مخالفته للعامة فخطاب صل يسقط من اساسه وهذا بخلاف ما لو قلنا بامكان الترتب فانه يتحقق التزاحم وبتقديم الاهم يبقى التكليف بالمهم ثابتا عند عدم الاشتغال بالاهم (1).

الامكان يستلزم الوقوع :

قوله ص 321 س 9 ولا يحتاج اثبات هذا الوجوب الترتبي ... الخ : تقدم ان المكلف عند توجه الامر بالازالة اليه يمكن ان يوجه له في الوقت نفسه الامر

ص: 239


1- وبهذا اتضح امكان صياغة الثمرات الثلاث بصيغة ثمرة واحدة فيقال : بناء على امكان فكرة الترتب يتحقق تزاحم بين الخطابين دون التعارض ويترتب على ذلك لزوم تقديم الاهم ملاكا ولازم ذلك عدم سقوط الخطاب بالمهم من اساسه.

بالصلاة مشروطا بترك الازالة. وقد يقال : ان مجرّد امكان توجيه الوجوب المذكور للمكلّف ما لم يرتق الامكان الى مستوى الوقوع غير نافع فالمهم اثبات هذا الوجوب بالفعل ولا يكفي مجرّد امكانه ، فان صحة الصلاة في المسجد الذي فيه نجاسة تحتاج الى وجود امر بها بالفعل ولا يكفيها مجرد امكان وجوده ، وواضح ان امكان الشيء لا يستلزم وقوعه.

والجواب : ان الامكان وان لم يكن مستلزما للوقوع ولكنه في خصوص مقامنا يستلزمه بتقريب انه يوجد لدينا امر بالصلاة يقول « اقم الصلاة لدلوك الشمس ... الخ » والعقل بعد حكمه بتقييد كل تكليف بعدم الاشتغال بالاهم او المساوي فمن اللازم تقيد الخطاب المذكور بعدم الاشتغال بالازالة التي هي واجب اهم او مساو للصلاة. وبهذه الطريقة يثبت ان الآية الكريمة تدل على تحقق وجوب للصلاة مشروطا بعدم الاشتغال بالازالة.

الثمرة العملية لفكرة الترتب :

قوله ص 321 س 15 ومن نتائج هذه الثمرة ... الخ : اتضح مما سبق ان ثمرة فكرة الترتب هي تحقق التزاحم بين صل وازل بخلافه بناء على انكارها فانه يتحقق التعارض ولكن الثمرة بهذا المقدار لا تعدو كونها ثمرة نظرية واصولية الا ان من نتائج الثمرة المذكورة تحقق ثمرة عملية وهي تصحيح الصلاة عند الاشتغال بالازالة فانه بعد تحقق التزاحم بين صل وازل وتقديم الأمر بالاهم يبقى الأمر بالمهم مشروطا بترك الأهم ، فهناك امر متعلق بالصلاة مشروطا بترك الازالة ، فاذا ترك المكلّف الازالة واشتغل بالصلاة وقعت منه صحيحة لوجود امر ترتبي متعلق بها ، وهذا بخلافه على رأي الآخوند المنكر لامكان الترتب فانه لا يمكنه

ص: 240

الحكم بصحة الصلاة لعدم وجود امر ترتبي متعلّق بها (1).

هذا ولكن الآخوند دافع عن نفسه قائلا : ان بالامكان تصحيح الصلاة عن طريق آخر وهو الملاك بتقريب ان صحة الصلاة تحتاج الى امرين : وجود الملاك وقصد القربة ، وكلاهما متوفّر ، اما قصد القربة فباعتبار ان المكلّف جاهل ويعتقد عدم المحذور في ترك الازالة والاتيان بالصلاة فيتأتى منه لاجل ذلك قصد القربة ، واما الملاك فباعتبار ان وجود خطاب ازل يمنع من وجود خطاب صل ولا يمنع من ملاك الصلاة ، فان المنافاة ثابتة بين خطاب صل وخطاب ازل ، فاذا تحقق خطاب ازل امتنع وجود خطاب صل ، اما ملاك الصلاة وملاك الازالة فلا ممانعة بينهما ليلزم من ثبوت المصلحة او الامر بالازالة انتفاء المصلحة عن الصلاة. هذا حصيلة ما افاده قدس سره .

ويرده : ان وجود النجاسة والامر بازالتها وان كان لا يمنع من بقاء المصلحة ثابتة في الصلاة ولكن مع ذلك يحتمل زوالها عنها بسبب المزاحمة بالازالة ولا يوجد طريق يحرز به بقاؤها سوى الامر فان الأمر المتعلق بالصلاة يدلّ بالمطابقة على الوجوب وبالالتزام على ثبوت الملاك فيها ، فاذا فرض عدم تعلق الامر الترتبي بالصلاة واستحالة ثبوته فلا محرز لوجود الملاك في الصلاة.

قوله ص 312 س 1 واشتراطه : عطف تفسير على قوله : « تقيد التكليف ».

قوله ص 312 س 6 تكوينا : بان كان سالم الاعضاء والحواس.

قوله ص 312 س 7 للتضاد ... الخ : اي ان فوات الصلاة بانقاذ الغريق

ص: 241


1- وبهذا اتضح الردّ على السيد الخوئي فانه جعل ثمرة امكان الترتب هي تصحيح العبادة عند ترك الاهم بينما المناسب ان تكون الثمرة هي انتفاء التعارض وتحقق التزاحم ، ويتفرع على تحقق التزاحم صحة الصلاة ، فصحة الصلاة ليست هي الثمرة مباشرة لامكان الترتب وانما هي لازم مترتب على الثمرة المذكورة.

ناشىء من التضاد بين الصلاة والانقاذ ، فانه مع الاتيان بالصلاة لا يمكن الانقاذ ومع الانقاذ لا يمكن الاتيان بالصلاة.

قوله ص 313 س 7 ان لا يكون : اي المكلّف.

قوله ص 313 س 8 فلأن قيده : اي موضوعه.

قوله ص 314 س 8 بالمعنى الذي : اي بمعنى عدم الاشتغال بامتثال الضد.

قوله ص 314 س 8 بنفس ثبوته : اي وليس المانع من التكليف بالضد الآخر - كالصلاة - هو الاشتغال بالانقاذ.

قوله ص 315 س 7 او بالبناء على عصيانه : اي ان امر صل ما دام مشروطا فهو لا ينافي امتثال انقذ من دون فرق بين ان يكون شرطه هو عدم امتثال انقذ او البناء على عصيانه.

قوله ص 315 س 8 على هذا النحو : اي فهو وجوب مشروط بعدم امتثال انقذ او بالبناء على عصيانه.

قوله ص 315 س 9 ومحركيته : عطف تفسير لفاعليته ، اي ان امر صل يستحيل ان يكون تحريكه نحو امتثاله منافيا لامر انقذ.

قوله ص 316 س 2 مشروطا بدوره ايضا : ويسمى الترتب في هذه الحالة بالترتب من الجانبين.

قوله ص 316 س 4 بنفس البيان السابق : وهو ان امر انقذ ما دام مشروطا بعدم امتثال صل فيستحيل ان يقول لا تمتثل صل لانه بامتثال صل لا وجود له اصلا حتى يمكنه ان يقول لا تمتثل صل.

قوله ص 316 س 7 ويصلح ان ... الخ : عطف تفسير لقوله : « يبعّد عن امتثال » ، اي ان انقذ وان كان يبعّد عن امتثال صل ويصلح ان يستند عدم وقوع

ص: 242

الصلاة الى امر انقذ.

قوله ص 316 س 8 بذلك : متعلّق بالواجب.

قوله ص 316 س 10 الذي يساوق : صفة لقوله : « امتثال نفسه ».

قوله ص 316 س 11 ونفي موضوعه : عطف تفسير لأفناء الشرط ، فان شرط الوجوب يكون موضوعا له فلازم نفي شرط الوجوب نفي الموضوع.

قوله ص 316 س 11 وهذا يعني : اي ما دام انقذ يقول بالمباشرة امتثلني ، والمفروض ان امتثلني يعني لا توجد موضوع صل فبضم هذا لذاك تكون النتيجة ان انقذ وان كان يقتضي عدم امتثال صل ويقول لا تمتثل صل ولكنه يقتضي ذلك عن طريق نفي اصل وجوب الصلاة - لان انقذ بقوله امتثلني كأنه يقول لا توجد موضوع صل - ولا يقتضي ترك امتثال الصلاة عند افتراض تحقق وجوبها وتحقق شرطه وموضوعه.

قوله ص 316 س 13 لا نفيه : اي لا نفي امتثال الوجوب المشروط مع حفظ ... الخ.

قوله ص 316 س 16 اذ يستحيل : لانه قبل وجود شرطه لا وجود له اصلا حتى يقوم بحفظ شرطه فقبل تحقق الاستطاعة مثلا لا وجود لوجوب الحج اصلا حتى يقول اوجد الاستطاعة.

قوله ص 317 س 1 وبهذا يتبرهن : هذا نتيجة النقاط الثلاث.

قوله ص 317 س 2 على الأقل مشروطا : اي ان الامر بالضدين يمكن في حالتين احداهما : ان يكون كل منهما مشروطا بترك الآخر ، ويسمى بالترتب من الجانبين ، وثانيهما : ان يكون احدهما بالخصوص مشروطا بترك الآخر ، ويسمى بالترتب من جانب واحد ، والذي يكفي لامكان الامر بالضدين كون احدهما

ص: 243

على الاقل مشروطا بعدم امتثال الآخر ولا يلزم اشتراط كليهما بذلك.

قوله ص 318 س 3 بمعرفة النسبة : اي انهما متساويان او احدهما اهم.

قوله ص 318 س 11 وان المكلّف : عطف على قوله : « ان الامر ».

قوله ص 319 س 4 لان الدليل مفاده جعل الحكم : فمفاد دليل صل هو وجوب الصلاة على كل من يفرض بالغا عاقلا قادرا ، وهكذا الحال بالنسبة لمفاد ازل.

قوله ص 319 س 10 كذلك : اي المقيد بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعم.

قوله ص 320 س 8 مغاير لباب التعارض : بينما على رأي الآخوند المنكر لامكان الترتب يكون كل دليلين متزاحمين كصل وازل داخلين تحت المتعارضين ولا يكون باب التزاحم خارجا عن باب التعارض ، وبالتالي يلزم تطبيق قواعد باب التعارض - وهي تقديم الموافق للكتاب او المخالف للعامة ونحو ذلك - على كل متزاحمين.

قوله ص 320 س 13 في مورد ما : كمورد توقف انقاذ الغريق على اجتياز الأرض المغصوبة.

قوله ص 321 س 11 الدليل العام : كدليل « اقم الصلاة لدلوك ... الخ ».

قوله ص 321 س 13 عن ذاك : اي عن وجوب المتعلّق مشروطا بعدم الاشتغال بواجب لا يقل عنه اهمية.

قوله ص 321 س 14 المزاحم الآخر : وهو وجوب الازالة.

قوله ص 321 س 15 هذه الثمرة : اي المشار لها في هذه الصفحة من الحلقة س 5 بقول : ومنها ان تقديم ... الخ.

قوله ص 322 س 7 على وجهة النظر المذكورة : وهي وجهة نظر الآخوند

ص: 244

القائلة باستحالة الأمر الترتبي.

قوله ص 322 س 9 فحيث امر : الصواب : فحيث لا امر.

ما هو الضد؟

قوله ص 322 س 11 عرفنا ان الأمر بشيء ... الخ : تقدم ان كل تكليفين يوجد بين متعلقيهما تضاد - كأزل وصل فان متعلقيهما وهما الصلاة والازالة بينهما تضاد - فلا تعارض بينهما ما دام الترتب ممكنا ، اي ما دام كل منهما مشروطا بعدم الاشتغال بواجب اهم او مساو. هذا ولكن يوجد موردان لا تعقل فيهما فكرة الترتب هما :

1 - مورد التناقض ، فالصلاة وعدمها (1) متناقضان لا يعقل فيهما الترتب ، فلا يمكن ان يقال صل فان لم تشتغل بالصلاة وجب عليك تركها ، انه غير معقول ، اذ عند عدم امتثال صل يكون ترك الصلاة متحققا ومع تحققه لا يمكن الأمر به لانه لا يعد وعن كونه امرا بتحصيل الحاصل.

وان شئت قلت : عند عدم امتثال صل لا يمكن الأمر بترك الصلاة لا امرا مطلقا ولا امرا مشروطا ، اما انه لا يمكن الأمر به امرا مطلقا - بمعنى ان يقال صل واترك الصلاة - فلأنه امر بالجمع بين الضدين وهو غير معقول ، واما انه لا يمكن الأمر به مشروطا بعدم امتثال صل فلأنه امر بتحصيل الحاصل. اذن كلما كان بين الشيئين تناقض فلا يمكن الأمر بهما بنحو الترتب ، ولو تعلق الامر بهما كان بين الامرين تعارض.

2 - مورد الضدين اللذين لا ثالث لهما كالجهر والاخفات فلا يمكن ان يقال

ص: 245


1- ويعبر عن مثل عدم الصلاة بالضد العام او النقيض.

اجهر في صلاتك وان لم تجهر يجب عليك الاخفات لنفس النكتة السابقة ، فانه عند عدم الجهر يكون الاخفات حاصلا والأمر به امرا بتحصيل الحاصل.

وبهذا يتضح ان فكرة الترتب لا تعقل الا في الضدين اللذين لهما ثالث كالصلاة والازالة فان لهما ضدا ثالثا وهو تركهما معا والاشتغال بالاكل مثلا.

وبامكاننا تقديم هذا الضابط الكلي : متى لم يعقل الامر بالشيئين بنحو الترتب - كما في النقيضين او الضدين اللذين ليس لهما ثالث - كان بين الامرين تعارض ، ومتى ما كان الأمر بنحو الترتب معقولا كما في الضدين اللذين لهما ثالث فلا تعارض بين الأمرين ، فتحقق التعارض وعدمه على هذا يدور مدار امكان الترتب وعدمه.

قوله ص 323 س 12 على وجوب او حرمة فعله : الصواب : على وجوب تركه او حرمة فعله. اي متى ما قيل صل ثم قيل يجب ترك الصلاة او يحرم فعل الصلاة تحققت المعارضة.

اطلاق الواجب لحالة المزاحمة :

قوله ص 324 س 9 قد تكون المزاحمة قائمة ... الخ : حاصل المبحث المذكور ان الامرين :

أ - تارة يفرضان بشكل لو امتثل احدهما لم يمكن امتثال الآخر ، كما لو رأى المكلّف نجاسة في المسجد وكان الوقت ضيقا بحيث لو مارس الازالة فاتته الصلاة ، وهذه الحالة هي التي كنا نتكلّم عنها لحد الآن ، واتضح ان بالامكان الامر بالصلاة منوطا بعدم الاشتغال بالازالة.

ب - واخرى يفرضان لو اراد المكلّف امتثال احدهما فلا يفوته امتثال

ص: 246

الآخر كما لو كان وقت الصلاة واسعا بحيث لا يكون الاشتغال بالازالة مفوتا لها. وفي هذه الحالة هل يوجد تزاحم بين الامر بالازالة والامر بالصلاة؟ وبكلمة اخرى هل يوجد تضاد بين الصلاة والازالة أولا؟ فان المزاحمة بين الامرين انما تتحقق عند المضادة بين المتعلقين فاذا كانت مضادة بين الصلاة والازالة تحققت المزاحمة بين امريهما والا فلا. وفي الاجابة عن هذا السؤال يوجد احتمالان :

1 - عدم المزاحمة بين الامرين لامكان ازالة النجاسة ثم الصلاة.

2 - ثبوت المزاحمة بين الامر بالازالة واطلاق صل ، فان مقتضى اطلاق صل ثبوت الحق للمكلّف في الاتيان بالصلاة اي وقت احب - ما بين الزوال والغروب مثلا - بما في ذلك الوقت الذي توجد فيه نجاسة ، بينما امر ازل يريد الازالة في تلك الفترة ويرفض الصلاة.

هذا ويمكن ان يقال بوجود ارتباط وثيق بين مسألتنا هذه والمسألة المتقدمة ص 390 من الحلقة وهي ان الجامع بين المقدور وغير المقدور هل يمكن تعلق التكليف به اولا ، فان :

أ - قلنا بعدم امكان تعلق التكليف به - الجامع بين المقدور وغيره - كما هو مختار الميرزا وقلنا بامكان الترتب كما هو مختار الميرزا ايضا كان الامر بجامع الصلاة ممتنعا ، لان المفروض مع وجود النجاسة في المسجد والامر بازالتها صيرورة الصلاة غير مقدورة ومع عدم القدرة عليها يصير الامر بجامع الصلاة ممتنعا ، وهل يتحقق حينئذ التعارض او التزاحم؟ الصحيح تحقق التزاحم بلا معارضة لان المفروض انا اخذنا امكان الترتب بعين الاعتبار ، ومع فرض امكان الترتب لا يتحقق التعارض بل التزاحم ، ومع تحقق التزاحم فاللازم تقديم الاهم ، وحيث ان الاهم هو الازالة - لان وجوبها فوري بخلاف وجوب الصلاة فانه

ص: 247

موسع - فيكون وجوب الازالة مطلقا بينما وجوب الصلاة مشروطا بترك الازالة.

ب - وان قلنا بعدم امكان الترتب كما هو مختار الآخوند - اي انكرنا الفرضية الثانية وتحفظنا على الفرضية الاولى وهي ان الجامع بين المقدور وغيره لا يمكن تعلق التكليف به - تحقق التعارض كما هو واضح لما ذكرنا سابقا من ملازمة انكار فكرة الترتب لتحقق التعارض بين الدليلين.

ج - وان انكرنا الفرضية الاولى (1) وقلنا بمقالة المحقق الكركي - وهي ان الجامع بين المقدور وغيره مقدور ويمكن تعلق التكليف به - لم تتحقق معارضة ولا مزاحمة ، لانه بناء على هذا الافتراض يكون المكلّف حين وجود النجاسة في المسجد قادرا على الازالة وفي نفس الوقت قادرا على الاتيان بجامع الصلاة ، اي ان القدرة على الاتيان بالجامع تجتمع في وقت واحد مع القدرة على الازالة ، ومع اجتماع القدرتين في وقت واحد فلا تتحقق المزاحمة ، اذ تحققها فرع عدم اجتماع القدرتين في وقت واحد. اذن التزاحم غير متحقق ومع عدم تحققه فبالاولى لا يتحقق التعارض (2).

قوله ص 325 س 5 فلا تضاد بين الواجبين : ومع عدم المضادة لا يتحقق التزاحم لانه فرع المضادة بين المتعلقين.

قوله ص 325 س 13 فان اخذنا في تلك المسألة : لم يذكر قدس سره العدل لهذا الشق. والمناسب ان يقول بعد ذلك : وان اخذنا بوجهة نظر المحقق الثاني ... الخ.

قوله ص 325 س 14 واخذنا القدرة التكوينية ... الخ : التعبير المذكور

ص: 248


1- لم يشر في الكتاب لهذه الحالة وكان من المناسب الاشارة اليها.
2- لا يخفى ان في عبارة الكتاب آخر هذا المبحث شيئا من التشويش.

صعب ، وقد ابدلناه سابقا بتعبير - امكان الترتب - فان امكان الترتب عبارة اخرى عن كون الشرط للتكليف هو عدم الاشتغال بالاهم او المساوي.

قوله ص 326 س 2 تمنع : الصواب : ممتنع.

قوله ص 326 س 2 بالازالة والامر : الصواب : والامر بالازالة.

قوله ص 326 س 6 وفقا لما تقدم : اي من اشتراط كل تكليف بعدم الابتلاء بواجب آخر.

قوله ص 326 س 7 فان فسرنا عدم الابتلاء بعدم الامر : ذكر مختار الآخوند هنا غير مناسب ، لانه افترضنا فيما سبق ان الحديث على تقدير امكان الترتب ، اي على تقدير كون الشرط هو عدم الاشتغال بالمساوي او الاهم.

قوله ص 326 س 9 لا امر بها : اي لا امر بها بما هي حصة ولا بما هي مصداق للجامع. اما عدم الامر بها بعنوانها الخاص - اي بما هي حصة فلفرض ان الامر يتعلق بالجامع لا بالحصة. واما عدم تعلق الامر بجامعها فلأن المفروض انا نتكلّم الآن على مسلك الميرزا القائل بان الجامع بين المقدور وغيره لا يمكن تعلق الامر به.

قوله ص 326 س 10 وان فسرنا عدم الابتلاء : بل هذا هو مورد الحديث على ما فرض سابقا حيث تقدم ان الفرضية الثانية هي افتراض امكان الترتب ، وبعد اخذ هذه الفرضية بعين الاعتبار فلا معنى لتكرار افتراضها الآن.

التقييد بعدم المانع الشرعي :

قوله ص 326 س 15 قلنا ان القانون ... الخ : سبق وان اتضح ان كل تكليفين اذا تزاحما قدم الاهم منهما ، ويراد هنا الاستدراك وتبيان ان الاهم انما

ص: 249

يقدم فيما اذا لم يشترط احد التكليفين بما سوى الشرط العقلي العام وهو عدم الاشتغال بالاهم او المساوي ، اما اذا كان احدهما مشروطا بشرط اضافي اي بعدم المانع الشرعي والآخر لم يكن مشروطا بذلك فلا يقدم الاهم ملاكا بل يقدم التكليف الذي لم يؤخذ فيه الشرط المذكور وان كان اضعف ملاكا. ولتوضيح ذلك نذكر المثال التالي : لو فرض ان شخصا اشترط عليه آخر ضمن عقد من العقود زيارة الامام الحسين (ع) ليلة عرفة في كل عام فاذا فرض في سنة من السنين حصول استطاعة الحج للمشترط عليه فسوف يتوجه له خطابان احدهما يقول يجب عليك الوفاء بالشرط وثانيهما يقول يجب عليك الحج ، وكل منهما كما هو واضح مقيد بعدم الاشتغال بالواجب الاهم والمساوي ، بيد ان الخطاب الاول - وجوب الوفاء بالشرط - مقيّد بقيد اضافي وهو عدم وجود مانع شرعي حيث ورد في الرواية ان شرط اللّه قبل شرطك (1) فانها تدل على ان الشرط انما يجب الوفاء به فيما اذا لم يزاحمه واجب من الواجبات الالهية ، وما دام دليل وجوب الوفاء بالشرط مقيدا بعدم المانع الشرعي فاللازم تقديم وجوب الحج ولا يلتفت الى اهمية ملاك وجوب الوفاء بالشرط على تقدير اهمية ملاكه. اذن لنا دعويان هما :

أ - ان وجوب الحج الذي لم يشترط بعدم المانع الشرعي هو المقدم.

ب - لا يلتفت الى اهمية ملاك وجوب الوفاء بالشرط.

اما الدعوى الاولى فوجهها واضح ، فان وجوب الوفاء ما دام مقيدا بعدم المانع الشرعي - والمفروض ان وجوب الحج مانع شرعي - فيلزم انتفاء وجوب الوفاء بالشرط عند ثبوت وجوب الحج سواء اتى المكلّف بالحج ام لا ، فان

ص: 250


1- وسائل الشيعة ج 17 ب 22 من ابواب موانع الارث ص 409.

وجوب الحج حتى وان لم يمتثل مانع شرعي.

واما الدعوى الثانية فوجهها ان وجوب الحج ما دام مانعا شرعيا فيلزم عند ثبوته عدم ثبوت وجوب الوفاء ، ومع عدم ثبوته كيف يحرز ثبوت الملاك فيه - الوفاء بالشرط - فان احراز الملاك فرع ثبوت الحكم ، فعند انتفائه لا يمكن احرازه ، ومع عدم ثبوت ملاكه لا معنى لترجيحه باهمية الملاك.

مصطلح اصولي :

ثم ان المقيد بعدم المانع الشرعي قد يصطلح عليه بالمقيد بالقدرة الشرعية بينما مثل وجوب الحج الذي ليس مقيدا بذلك قد يصطلح عليه بالمقيد بالقدرة العقلية ، وعلى ضوء هذين المصطلحين يصح ان نقول : ان المقيد بالقدرة العقلية مقدم على المقيد بالقدرة الشرعية ولا يلتفت الى اهمية الملاك ، وانما يلتفت لها فيما اذا لم يكن احد التكليفين مقيدا بالقدرة الشرعية بل كانا معا مقيدين بالقدرة العقلية.

ولا يخفى ان هذا الاصطلاح للقدرة الشرعية والقدرة العقلية يغاير مصطلح القدرة العقلية والشرعية بالمعنى المتقدم ص 304 من الحلقة فان ما سبق كان يقصد به ان المصلحة والارادة اذا كانتا مشروطتين بالقدرة بحيث عند عدم القدرة لا مصلحة ولا ارادة فالقدرة شرعية وان لم تكونا مشروطتين بذلك بل كان العقاب فقط هو المشروط بالقدرة فالقدرة عقلية.

قوله ص 327 س 5 على الخلاف : اي على خلافه ، فان وجوب الوفاء بالشرط مقيد بعدم وجود حكم على خلافه.

قوله ص 327 س 10 بلسان ان شرط : اي ان مفاد المقيد لدليل وجوب

ص: 251

الوفاء ولسانه هو ان شرط اللّه قبل شرطك.

قوله ص 327 س 13 اما الاول : اي انه يجب تقديم وجوب الحج.

قوله ص 327 س 13 بنفسه : اي حتى اذا لم يمتثله المكلّف.

قوله ص 327 س 15 على الخلاف : اي على خلاف وجوب الوفاء بالشرط.

قوله ص 328 س 15 مر بنا في الحلقة السابقة : بل وفي هذه الحلقة ايضا ص 304.

ص: 252

الوجوب المشروط

اشارة

ص: 253

ص: 254

قاعدة امكان الوجوب المشروط :

قوله ص 329 س 1 للوجوب ثلاث مراحل ... الخ : يراد في هذا المبحث اثبات امكان تقيد الوجوب ببعض الشروط فوجوب الحج يعقل اشتراطه بالاستطاعة ووجوب الصلاة يعقل اشتراطه بالزوال وهكذا وجوب بقية الواجبات في مقابل من انكر امكان ذلك كالشيخ الانصاري حيث اختار استحالة ذلك وان التكليف دائما هو مطلق ولا يمكن ان يكون مشروطا ، فوجوب الحج مطلق وثابت حتى قبل حصول الاستطاعة وانما المقيد بالاستطاعة هو الواجب - اي الحج - فمفاد دليل وجوب الحج على هذا هكذا : الحج المقيّد بالاستطاعة واجب. ونفس الشيء يقال في صلاة الظهر مثلا ، فان مفاد دليلها هكذا : صلاة الظهر المقيدة بالزوال واجبة ، فالوجوب ثابت في جميع الاوقات وحتى قبل الزوال وانما المقيد بالزوال هو الصلاة (1) وهكذا في صوم شهر رمضان يكون وجوب الصوم ثابت قبل دخول شهر رمضان والمقيد بذلك هو الصوم لا وجوبه فيكون مفاد دليل وجوب الصوم : الصوم المقيد بدخول شهر رمضان واجب.

وباختصار : هذا الرأي يرى ان الوجوب مطلق وان المشروط هو الواجب (2).

ص: 255


1- وعلى ضوء هذا يمكن للمكلّف قصد الوجوب عند اتيانه بالوضوء حتى قبل الزوال. كما انه بناء على هذا ينحل الاشكال القائل كيف يجب على المجنب في شهر رمضان الاغتسال قبل الفجر مع انه لا وجوب للصوم قبل الفجر حتى يجب الغسل؟ ان هذا مندفع بناء على عدم تقيد الوجوب بالفجر.
2- وبناء على هذا يكون الواجب المشروط في نظر الشيخ الأعظم عين الواجب المعلق ، والكتاب لم يتعرض لدليل الشيخ على رأيه هذا وانما تعرض لدليل آخر. وملخص دليله : ان الوجوب يستفاد من الهيئة ، فحينما يقال صل توجد مادة وهي الصلاة وهيئة هي هيئة افعل ، والذي يدل على الوجوب هو الهيئة ، وحيث ان مفاد الهيئة في نظر الشيخ جزئي والجزئي لا يقبل التقييد فلازم ذلك استحالة تقيد الوجوب وتحتم رجوع جميع القيود الى المادة وهي الصلاة مثلا. هذا ملخص دليل الشيخ الذي لم يتعرض له في الكتاب. واما ما تعرض له فهو انه سبحانه جعل الوجوب للحج وشرّعه بقوله « ولله على النار. .. » قبل ان تحصل الاستطاعة للمكلّف ، وما دام الوجوب مشرعا قبل حصول الاستطاعة فلازم ذلك عدم شرطية الاستطاعة لوجوب الحج والا فكيف شرّع الوجوب بمقتضى الآية الكريمة قبل تحقق الاستطاعة خارجا.

وبعد التعرف على هذا نمنهج مطالب الكتاب ضمن النقاط التالية :

1 - تقدم في مباحث سابقة ان للحكم مراحل ثلاث : الملاك اي المصلحة مثلا ، والارادة اي الشوق ، والجعل اي الوجوب مثلا.

2 - يوجد لكل واحد من هذه المراحل الثلاث نحوان من الشروط ، وفي هذه النقطة نوضح شروط مرحلة الملاك على ضوء المثال التالي : ان استعمال الدواء للمريض واجب عقلا بل ولعله واجب شرعا ايضا ، ولكن ما هي المصلحة فيه؟ انها استرجاع المريض حالته الطبيعية ، وبعد ان كانت المصلحة كامنة في استرجاع الحالة الطبيعية نقول : يوجد لاستعمال الدواء شرطان هما :

أ - المرض ، فمن دونه لا مصلحة في استعمال الدواء.

ب - تناول الدواء بعد وجبة الطعام فيما اذا كانت الفائدة منحصرة بذلك.

هذان شرطان لاستعمال الدواء ، واذا تأملنا قليلا وجدنا فارقا بينهما وهو انه من دون تحقق المرض لا مصلحة اصلا في استعمال الدواء ، فشرط اتصاف الدواء بالمصلحة هو المرض ، ولذا يمكن ان يسمى مثل المرض بشرط الاتصاف بالمصلحة. اما الاكل فليس هو شرطا لاصل وجود المصلحة فان المصلحة ثابتة في استعمال الدواء حتى قبل الاكل غاية الامر لا تترتب المصلحة ولا يظهر لها

ص: 256

مفعول الا بعد تناول الطعام ، فتناول الطعام اذن شرط لترتب المصلحة لا لأصل وجودها ، ولذا قد يتناول المريض احيانا الطعام قبل حلول الموعد لا لغرض سوى استعمال الدواء ، فلو لم يكن استعمال الدواء قبل الاكل ذا مصلحة فلماذا تناول الطعام قبل الموعد المقرر (1).

وكما كان للمصلحة شرطان شرط لأصل الاتصاف بالمصلحة وشرط لترتبها فكذا الارادة التي هي المرحلة الثانية من مراحل الحكم لها الشرطان المذكوران احدهما المرض المعبر عنه بشرط الاتصاف وثانيهما بعدية الطعام المعبّر عنها بشرط الترتب ، بيد ان المرض شرط لنفس الارادة بمعنى ان الانسان قبل ان يمرض لا ارادة له لاستعمال الدواء وانما تحدث بعد ذلك ، وهذا بخلافه في بعدية الطعام فانها ليست شرطا لنفس الارادة والا لم تكن للمريض ارادة لاستعمال الدواء قبل تناول الطعام والحال ان الوجدان على خلاف ذلك ، فهو يريد استعمال الدواء حتى قبل ان يأكل ، ولذا قد يأكل وجبة الطعام قبل موعدها المقرر لا لغرض سوى استعمال الدواء بعدها ، فلو لم تكن ثابتة قبلا فلماذا الاندفاع نحو الطعام قبل الموعد المقرر.

وقد تسأل : اذا لم تكن بعدية الطعام شرطا لنفس الارادة فهي شرط لأي شيء؟ انها شرط للمراد اي لاستعمال الدواء ، فالانسان حينما يمرض يريد استعمال الدواء ولكن لا يريد استعماله المطلق بل المقيد بما بعد الطعام ، فبعدية الطعام قيد لاستعمال الدواء الذي هو المراد (2).

4 - وبعد اتضاح ان المرض شرط لنفس الارادة بمعنى انه قبل المرض لا

ص: 257


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : « وفي كل من هذه المراحل الثلاث ... الخ ».
2- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : « وشروط الاتصاف تكون شروطا لنفس الارادة ... الخ ».

توجد ارادة لاستعمال الدواء وانما تحدث بعده قد تسأل هل ارادة استعمال الدواء تحدث للمريض عند ما يكون مريضا حقا او عند ما يتخيل ويتصور انه مريض؟ الصحيح هو الثاني ، فهو يريد الدواء عند ما يتخيل كونه مريضا وان لم يكن مريضا واقعا فان المرض واقعا من دون اعتقاد به لا يحدث الارادة للدواء وانما المحدث لها هو اعتقاد المرض سواء كان ثابتا حقا ام لا.

وبكلمة اخرى ان السبب لحدوث الارادة هو المرض بوجوده العلمي التخيلي دون وجوده الواقعي ، وهذا بخلاف المصلحة في استعمال الدواء فانها لا تثبت الا عند وجود المرض واقعا سواء اعتقد الشخص بكونه مريضا او لا (1).

5 - وننتقل الى مرحلة الجعل - اي الوجوب مثلا - لنقول ان الوجوب له شرطان ايضا ، فالمرض شرط لاتصاف استعمال الدواء بالوجوب ومن دونه لا وجوب اصلا بخلاف بعدية الطعام - التي هي شرط الترتب - ليست شرطا لاصل الوجوب ، فان الوجوب ثابت على المريض حتى قبل استعمال الطعام وانما هي شرط لمتعلق الوجوب اي الواجب وهو استعمال الدواء ، فاستعمال الدواء هو المقيد ببعدية الطعام ولذا نقول في مقام التعبير : الدواء ما بعد الطعام واجب آخذين بعدية الطعام قيدا للدواء لا لكلمة واجب.

وخلاصة البحث الى الآن : ان المرض الذي هو - شرط الاتصاف - شرط

ص: 258


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله ص 331 س 6 : « غير ان الارادة التي ذكرنا ... ». ثم لا يخفى ان غالب الامور النفسية هي من هذا القبيل فانها معلولة للاعتقاد لا لثبوت الشيء واقعا ، فالخوف مثلا لا يحدث الا عند الاعتقاد بوجود الاسد في الدار فمن اعتقد بذلك حصل له الخوف وان لم يكن موجودا فيها واقعا ، ومن لم يعتقد بذلك لا يحصل له وان كان موجودا فيها واقعا ، وهكذا الحب والبغض ، فمن اعتقد باحسان شخص له احبه وان لم يكن كذلك واقعا ، ومن لم يحصل له الاعتقاد بالاحسان فلا حب له ولو كان كذلك واقعا. وهذا معنى ما يقال من ان القضايا النفسية تنشأ من الصور العلمية دون الوجودات الواقعية.

لاتصاف استعمال الدواء بالمصلحة ، وهو شرط ايضا لنفس الارادة كما وهو شرط لنفس الوجوب بينما بعدية الطعام هي شرط لترتب المصلحة وشرط للمراد وشرط للواجب (1).

6 - والنقطة الاساسية في هذا المبحث هي تحقيق المراد من الاستطاعة (2) ، فانه ذكرنا ان الاستطاعة شرط لوجوب الحج ومن دونها لا وجوب اصلا ولكن هل المراد بها الاستطاعة الفعلية الموجودة خارجا او الاستطاعة الفرضية؟ قد يقال ان الشرط هو الاستطاعة الفعلية دون الفرضية ، لكنه باطل ، اذ لازم ذلك عدم تحقق الوجوب قبل حصول الاستطاعة خارجا مع انه لا اشكال في ثبوت وجوب الحج على المستطيع حتى قبل تحقق استطاعته خارجا ، فان قوله تعالى : « ولله على الناس ... » يثبت الوجوب حتى قبل تحققها خارجا ، اذ الآية الكريمة ثابتة حتى قبل تحقق الاستطاعة وتدل على وجوب الحج سواء كان مستطيع خارجا ام لا.

هذا ولكن الصحيح ان يقال : ان لوجوب الحج مرحلتين : مرحلة الوجوب الانشائي ومرحلة الوجوب الفعلي ، والوجوب الانشائي - الذي هو عبارة عن انشاء الوجوب وتشريعه في حق كل من فرض استطاعته ، ويعبر عنه بالجعل ايضا - ليس مشروطا بتحقق الاستطاعة خارجا بل بافتراض تحققها ، فالآية الكريمة تنشأ الوجوب في حق كل من يفرض استطاعته ، وحينما تقول « ولله على

ص: 259


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : « ونفس الفارق بين شروط الاتصاف ... ». ثم ان المثال الشرعي لذلك فعل الصلاة فان لوجوبه مصلحة وارادة وجعلا. والبلوغ والعقل والقدرة هي شروط لاصل الاتصاف فمن دون البلوغ مثلا لا مصلحة ولا ارادة ولا وجوب ، فهو شرط لاتصاف الصلاة بالمصلحة وشرط لارادتها وشرط لوجوبها بينما الوضوء مثلا - الذي هو شرط للترتب - هو شرط للترتب المصلحة لا لأصل وجودها وهو شرط للمراد لا للارادة كما وهو شرط للواجب دون الوجوب.
2- او المرض في مثال الدواء.

الناس ... الخ » كأنها تقول اذا فرض وجود المستطيع وجب عليه الحج. اجل اذا تحققت الاستطاعة خارجا وصار المكلّف مستطيعا بالفعل تحول الوجوب الى الفعلية (1).

اذن من هذا نعرف ان للوجوب مرحلتين : مرحلة الفعلية ومرحلة الانشاء ، والاستطاعة بوجودها الفرضي التقديري شرط لانشاء الوجوب وبوجودها الخارجي الفعلي شرط للوجوب الفعلي ، فالمولى يقول من فرض كونه مستطيعا فانا قد انشأت في حقه وجوب الحج ، واذا تحقق المستطيع في الخارج صار الوجوب في حقه فعليا.

وقد تسأل : ان اشتراط الوجوب الانشائي بفرض الاستطاعة والوجوب الفعلي بالاستطاعة الفعلية وان كان امرا وجيها ولكن ما هي النكتة التي لاجلها صارت الاستطاعة الفرضية شرطا للوجوب الانشائي ولم تصر الاستطاعة الفعلية هي الشرط له؟ والجواب : ان النكتة هي ان انشاء الوجوب امر نفساني ويحصل في النفس ومن الواضح ان الصفة النفسانية لا معنى لاناطتها بالوجود الخارجي للشرط بل لا بد من اناطتها بالوجود النفسي وهو افتراض الاستطاعة ، وهذا بخلافه في الوجوب الفعلي فانه امر خارجي ولا بدّ من اناطته بالوجود الخارجي للاستطاعة.

وحصيلة هذه النقطة ان للحج مثلا نحوين من الشروط : شروط الاتصاف وشروط الترتب ، فالاستطاعة شرط للاتصاف بالوجوب بينما الاحرام مثلا شرط للترتب ، والاستطاعة - التي هي شرط الاتصاف - هي شرط للوجوب الانشائي بوجودها الفرضي وهي شرط للوجوب الفعلي بوجودها الفعلي. واما

ص: 260


1- ويعبر عن الوجوب الفعلي بالمجعول.

الاحرام الذي هو شرط الترتب فهو ليس شرطا لا للوجوب الانشائي ولا للوجوب الفعلي وانما هو شرط للواجب اي الحج (1).

7 - وفي هذه النقطة ندفع الشبهة التي قد يستند اليها في اثبات استحالة الواجب المشروط ، وهي ان الوجوب المشروط لو كان ممكنا فيلزم ان لا يكون الوجوب ثابتا قبل تحقق شرطه ، فوجوب الحج مثلا يلزم ان لا يكون ثابتا قبل الاستطاعة لتأخر تحقق المشروط عن تحقق شرطه مع ان من الواضح ثبوت الوجوب للحج قبل تحقق الاستطاعة فان قوله تعالى : ( « ولله على الناس ... » ) يثبت الوجوب للحج سواء كان مستطيع خارجا ام لا ، ولازم ذلك عدم اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة.

والجواب : ان لوجوب الحج مرحلتين : مرحلة الوجوب الانشائي ومرحلة الوجوب الفعلي ، والآية الكريمة ناظرة الى الوجوب الانشائي ، فانها تنشأ الوجوب للحج ، وقد تقدم في النقطة السادسة ان الوجوب الانشائي ليس مشروطا بالاستطاعة الخارجية حتى يقال كيف ثبت قبل تحققها - الاستطاعة الخارجية - وانما هو مشروط بالاستطاعة الفرضية وهي ثابتة عند تحقق الوجوب الانشائي ، فان المولى حينما ينشأ وجوب الحج يفترض المستطيع ويقول لو فرض وجود مستطيع وجب عليه الحج ، هذا في الوجوب الانشائي الذي تكفلته الآية الكريمة ، واما الوجوب الفعلي فهو لا يتحقق الا بعد تحقق الاستطاعة خارجا. اذن بتحقق الاستطاعة خارجا يصير الوجوب فعليا وقبل ذلك لا وجوب فعلي حتى يرد الاشكال وانما المتحقق هو الوجوب الانشائي وهو مشروط بالاستطاعة

ص: 261


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : « واذا لاحظنا المرحلة الثالثة بدقة ... الخ ». ثم ان اول من وجدناه يقسم الشروط الى القسمين المذكورين شروط الاتصاف وشروط الترتب هو الشيخ العراقي في تقرير درسه بدايع الافكار ص 335 .

الفرضية المتحققة حين تحققه (1).

8 - وقد تسأل عن ثمرة هذا البحث وانه ماذا يترتب على الوجوب المشروط لو كان ممكنا؟ والجواب ان لهذا المبحث ارتباطا وثيقا بحل مشكلة المقدمات المفوتة التي حاصلها ان من المسلّم وجوب الاغتسال على الجنب في شهر رمضان قبل طلوع الفجر والحال ان وجوب الصوم يبتدأ بعد طلوع الفجر ، ان لازم هذا تحقق وجوب المقدمة قبل تحقق وجوب ذيها وهو امر غير معقول (2) وقد قدمت عدة حلول للمشكلة المذكورة احدها ما ذكره الشيخ الانصاري - مبنيا على رأيه من استحالة الوجوب المشروط - من ان وجوب الصوم لا يكون مشروطا بطلوع الفجر بل هو ثابت قبل ذلك ايضا ، ومع ثبوته قبل الطلوع يكون ثبوت الوجوب للغسل قبل الطلوع على وفق القاعدة وليس مخالفا لها كما يأتي ايضاح ذلك ص 349 من الحلقة (3).

قوله ص 330 س 1 وكيفية استيفائها : عطف تفسير على قوله « ترتب تلك المصلحة ».

قوله ص 330 س 6 وشرب الدواء سواء كان مطلوبا تشريعيا ... الخ : شرب الدواء اذا اراده نفس المريض سمي بالمراد التكويني لان الارادة التكوينية عبارة عن تعلق ارادة المريد بنفس فعله لا بفعل غيره ، اما لو اراده الطبيب سمي بالمراد التشريعي لان الارادة التشريعية تعني تعلق ارادة المريد بفعل غيره لا بفعل نفسه ، وباتضاح هذا نقول : المقصود ان مصلحة استعمال الدواء مشروطة

ص: 262


1- وقد اشار قدس سره لهذه النقطة بقوله : « واما ما يقال من ان الوجوب المشروط ... الخ ».
2- ويسمي الأصوليون مثل الغسل بالمقدمة المفوتة حيث ان المكلّف لو لم يأت به قبل زمان وجوب ذي المقدمة لفاته الصوم. ويأتي التعرض لمشكلة المقدمات المفوتة ص 347 من الحلقة تحت عنوان « المسؤولية عن المقدمات قبل الوقت ».
3- وقد تعرض 1 لهذه النقطة بقوله : « واما ثمرة البحث عن امكان ... الخ ».

بالمرض في اصل ثبوتها وببعدية الطعام في ترتبها من دون فرق بين كون استعمال الدواء قد اراده الطبيب او اراده نفس المريض.

قوله ص 330 س 9 في المرحلة الثانية : لو كان قدس سره يعبر هكذا : « وشروط الاتصاف تكون شروطا في المرحلة الثانية اي لنفس الارادة » لكان اوضح.

قوله ص 330 س 13 فالانسان لا يريد ... الخ : عدم وضع هذا رأس السطر اولى فانه متصل بسابقه. ثم ان هذا مثال للارادة التكوينية ، واما ما يذكره بقوله « ولا يريد من مأموره ... الخ » فهو مثال للارادة التشريعية ، وقوله « كذلك » : اي مريضا.

قوله ص 330 س 15 او لمن يوجهه : وهو الطبيب ، فانه الذي يوجّه المريض.

قوله ص 331 س 4 ومتعلقة ... الخ : اي هي فعلية بيد انها متعلقة بالمقيد اي الحصة الخاصة وهي الدواء المقيد بما بعد الطعام.

قوله ص 331 س 5 نحو ايجاد القيد نفسه : اي نحو ايجاد الطعام او بتعبير ادق بعدية الطعام.

قوله ص 331 س 8 بل بوجودها التقديري اللحاظي : فان المريض يريد استعمال الدواء عند اعتقاد كونه مريضا وتخليه لذلك سواء كان مريضا حقا ام لا فلو لم يقدّر المرض - اي لم يلحظه ولم يعتقده - لما اراد استعمال الدواء حتى لو كان مريضا واقعا.

قوله ص 331 س 8 لان الارادة معلولة : اي والنكتة فيما ذكرناه واضحة ، فان الانسان انما يريد الدواء عند اعتقاده بمرضه وعند اعتقاده بوجود المصلحة في

ص: 263

استعماله للدواء وليست ارادته للدواء مرتبطة بوجود المرض والمصلحة واقعا.

قوله ص 331 س 9 ولحاظ ماله دخل ... الخ : عطف تفسير على قوله « ادراك المصلحة ».

قوله ص 331 س 16 او فيمن يتولى توجيهه : هذا في الارادة التشريعية ، وما سبقه ناظر الى الارادة التكوينية.

قوله ص 332 س 2 فقد علمنا سابقا : وذلك في مواطن متعددة منها في الحلقة الاولى ص 156. والمقصود : انا عرفنا ان جعل الحكم عبارة عن نفس الحكم الانشائي اي انشاء وجوب الحج مثلا على المستطيع.

قوله ص 332 س 4 مشروطا : الصواب : شروطا.

قوله ص 332 س 8 باعتباره امرا نفسيا منوطا ومرتبطا : الصواب : منوط ومرتبط. والمقصود الاشارة الى نكتة كون الوجوب الانشائي للحج مشروطا بافتراض الاستطاعة وتقديرها لا بوجودها الخارجي ، وحاصل النكتة : ان الوجوب الانشائي عبارة عن الانشاء ، والانشاء امر نفسي ، والامر النفسي لا يمكن ان يكون مشروطا ومرتبطا بالامر الخارجي بل بالامر النفسي اي بافتراض الاستطاعة وتقديرها وتصورها.

قوله ص 332 س 9 كالارادة تماما : اي فكما ان الارادة منوطة بالشرط بوجوده التصويري لا بوجوده الخارجي - كما اشير الى ذلك في الصفحة السابقة من الحلقة س 6 - كذلك في الجعل.

قوله ص 332 س 10 ولهذا كثيرا ما يتحقق الجعل ... الخ : فالحكم الانشائي بوجوب الحج على المستطيع مثلا ثابت قبل ان تتحقق الاستطاعة خارجا.

قوله ص 332 س 11 واما فعلية المجعول : هذا عدل لقوله في س 7 « ان

ص: 264

الجعل باعتباره ... الخ » ، اي هذا كله في الجعل واما المجعول وهو الحكم الفعلي بوجوب الحج ... الخ.

قوله ص 332 س 14 واما شروط الترتب : اي هذا كله في الاستطاعة التي هي شرط للاتصاف واتضح انها بوجودها الخارجي شرط للوجوب الفعلي وبوجودها اللحاظي شرط للوجوب الانشائي ، واما شروط الترتب كالاحرام فهي ليست شرطا لاصل الوجوب بل شرط للواجب اي الحج ، فان الحج هو المراد للمولى وهو الواجب ايضا ، وبما ان شرط الترتب كالاحرام مثلا هو شرط للمراد كما مر في النقطة الثالثة فيلزم ان يكون شرطا للواجب ايضا ، فان الواجب والمراد شيء واحد وهو الحج فاذا كان الاحرام شرطا للمراد فهو شرط للواجب ايضا ، والى هذا المعنى اشار قدس سره بقوله « تبعا لاخذها قيودا في المراد ».

قوله ص 332 س 16 وبهذا نعرف : اي بهذا نعرف ان الوجوب الفعلي للحج - المعبر عنه بالمجعول - لا يكون ثابتا قبل تحقق الاستطاعة - التي هي شرط الاتصاف - خارجا لان وجوب الحج ما دام مشروطا في عالم الانشاء والجعل بالاستطاعة فيلزم ان لا يصير فعليا الا بعد تحققها خارجا.

قوله ص 333 س 3 بين الجعل والمجعول : اي بين الوجوب الانشائي للحج والوجوب الفعلي له.

قوله ص 333 س 4 اناطة الجعل بالوجود التقديري : اي ومن الواضح ان لحاظ المولى وتقديره للشرط ثابت عند تحقق الحكم الانشائي ، فان المولى حينما يقول « ولله على الناس ... الخ » يفترض الاستطاعة ويقدّرها وكأنه يقول : كل من فرض وقدّر انه مستطيع فالحج واجب عليه ، اذن لم يلزم ثبوت الحكم قبل شرطه.

ص: 265

قوله ص 333 س 5 واناطة المجعول بالوجود الخارجي له : اي واناطة الحكم الفعلي بالوجود الخارجي للشرط ، وواضح ان الوجوب الفعلي للحج لا يثبت قبل تحقق الاستطاعة خارجا وانما الثابت هو الوجوب الانشائي وهو ليس مشروطا بالاستطاعة الخارجية ، ومعه فلا يلزم ثبوت الوجوب قبل تحقق شرطه.

قوله ص 333 س 7 في بحث مقبل : اي ص 349 من الحلقة.

ص: 266

المسؤولية اتجاه المقدمات

اشارة

ص: 267

ص: 268

المسؤولية اتجاه القيود والمقدمات :

قوله ص 334 س 1 تنقسم المقدمات ... الخ : حاصل هذا المبحث ان الأصوليين قسموا المقدمة الى ثلاثة اقسام :

1 - مقدمة الوجوب. ويقصد منها المقدمة التي يتوقف عليها اصل الوجوب بحيث لا يكون متحققا قبل تحققها كالاستطاعة لوجوب الحج ، فانه قبل تحققها لا وجوب اصلا للحج.

وانما صار وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة باعتبار انه سبحانه حينما جعل الوجوب للحج وانشأه لم يجعله على مطلق المكلّف بل على المكلف المستطيع فبسبب اخذ الاستطاعة قيدا صار الوجوب مشروطا بها والا لم يكن مشروطا بل مطلقا.

2 - المقدمة الشرعية للواجب (1) ، وهي المقدمة التي لا يتوقف عليها اصل الوجوب ، وانما يتوقف عليها امتثاله توقفا شرعيا كالوضوء بالنسبة الى الصلاة ، فان اصل وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء - والا يلزم عدم وجوبها على من لم يتوضأ - وانما هو شرط لحصول الواجب ، وبكلمة اخرى هو شرط لامتثال الوجوب ، وحيث ان توقف امتثال الامر بالصلاة على الوضوء توقف شرعي وليس توقفا عقليا سمي هذا القسم من المقدمة بالمقدمة الشرعية للواجب.

ص: 269


1- ينبغي الالتفات الى ان مقدمة الواجب والمقدمة الوجودية ومقدمة الصحة الفاظ مترادفة فلا غرابة اذا عبّرنا تارة بمقدمة الواجب واخرى بالمقدمة الوجودية.

3 - المقدمة العقلية للواجب ، وهي المقدمة التي لا يتوقف عليها اصل الوجوب بل امتثاله توقفا عقليا كالسفر بالنسبة الى الحج ، فان وجوب الحج لا يتوقف على السفر والا يلزم عدم ثبوت الوجوب على من لم يسافر وانما هو مقدمة لامتثاله ، وهذه المقدمة مقدمة عقلية فان العقل هو الذي يحكم بلزوم السفر لامتثال الامر بالحج بخلافه في الوضوء فانه لا يحكم بمقدميته للصلاة ، ومن هنا يسمى مثل السفر بالمقدمة العقلية باعتبار ان العقل هو الذي يحكم بمقدميته. ومن امثلة المقدمة العقلية ارتقاء السلّم فانه لو وجب النوم على السطح فالعقل يحكم بمقدمية ارتقاء السلّم ووجوبه ليتمكن من امتثاله.

وبعد اتضاح هذه الاقسام الثلاثة للمقدمة نشير الى فارق بين القسم الثاني والثالث ، ففي القسم الثاني لم يأمر المولى بذات الصلاة بل بالصلاة المقيدة بالوضوء ، فحصول الوضوء يكون مقدمة للتقيّد المطلوب ، اذ المفروض ان المطلوب ليس هو ذات الصلاة بل الصلاة مع التقيد بالوضوء ، فتحصيل الوضوء انما يلزم من باب انه مقدمة لحصول التقيد بالوضوء ، وهذا بخلافه في القسم الثالث فان المولى يأمر بذات الحج لا الحج المقيد بالسفر ، فالاتيان بالسفر اذن لا يكون مقدمة للتقيّد لفرض عدم طلب تقيد الحج بالسفر (1).

ص: 270


1- ورد في عبارة الكتاب ان المقدمة المذكورة - كالوضوء مثلا - مقدمة عقلية للتقيّد ، وقد تسأل : ان كون الوضوء مقدمة للتقيد امر مسلم ولكن كيف هو مقدمة عقلية لا شرعية؟ ولتوضيح الجواب نذكر رأيا للآخوند يقول فيه : ان تقسيم المقدمة الى شرعية وعقلية ليس تاما بل المقدمة دائما عقلية ، فالوضوء مثلا مقدمة عقلية بتقريب : ان الوضوء انما صار مقدمة للصلاة باعتبار ان المولى لم يأمر بذات الصلاة بل بالصلاة+ التقيد بالوضوء ، ومن الواضح ان التقيد بالوضوء بعد ما كان مطلوبا فتكون مقدمية الوضوء مقدمة عقلية ، اذ مقدمية القيد لتحقق التقيد مما يحكم بها العقل ، فالتقيد بالوضوء بعد ما كان مطلوبا يحكم العقل بلزوم الاتيان بالقيد وهو الوضوء لكي يحصل التقيد.وان شئت قلت : ان المولى بعد ما امر بالمقيد - المراد بالمقيد هو ذات المقيد كالصلاة مثلا+ التقيد - فالعقل يحكم بلزوم الاتيان بالقيد لان المقيد عبارة عن ذات المقيد+ التقيد ، وحيث ان التقيد لا يحصل الا بواسطة ايجاد القيد فاللازم عقلا ايجاد القيد مقدمة للتقيد. ثم لا يخفى ان السيد الشهيد قدس سره بهذه العبارة لا يريد ان يدعي ان الوضوء مقدمة عقلية كما يقول الآخوند وانما يقصد ان مقدمية الوضوء للتقيد مقدمية عقلية ولكن هذا المقدار لا يخرج الوضوء عن كونه مقدمة شرعية للصلاة ، فانه وان كان مقدمة عقلية لحصول التقيد الا ان اعتبار التقيد بالوضوء بما انه لم يثبت الا من طريق الشارع فبهذا الاعتبار يمكن عدّه مقدمة شرعية.

وبعد هذا نطرح التساؤلين التاليين :

1 - هل يجب على المكلّف ايجاد جميع الاقسام الثلاثة للمقدمة او خصوص القسمين الأخيرين؟

2 - متى يجعل المولى المقدمة وجوبية ومتى يجعلها وجودية؟ وبتعبير آخر ما هو الضابط الذي يسير عليه المولى في جعل بعض المقدمات شرطا لاصل الوجوب والبعض الآخر شرطا للواجب؟

اما بالنسبة للتساؤل الأول فجوابه : ان المقدمة اذا كانت وجوبية فلا يجب على المكلف ايجادها ، فالاستطاعة مثلا لا يجب ايجادها ، اذ قبل تحققها لا وجوب للحج ليحرك نحو تحصيلها وبعد تحققها فالامر بالحج وان كان موجودا لكنه لا يحرك نحو تحصيلها ، لانه بعد فرض حصولها يكون تحريكه نحوها من قبيل التحريك لتحصيل الحاصل.

واما اذا كانت المقدمة وجودية - كالوضوء بالنسبة للصلاة - فيجب تحصيلها ويكون الامر بالصلاة مثلا محركا نحو تحصيل الوضوء ، لان كل امر يحرك نحو ايجاد متعلقه وحيث ان المقدمة الوجودية قيد في المتعلق - فان الوجوب متعلق بالصلاة المقيدة بالوضوء - فامر « صل » مثلا الذي يحرك نحو متعلقه يكون محركا ايضا نحو ايجاد الوضوء لفرض ان التقييد بالوضوء جزء من المتعلق. اجل ان

ص: 271

الامر بالصلاة لا يحرك نحو الوضوء الاّ بعد دخول وقت الصلاة ، اذ قبل دخوله لا يكون فعليا ليحرك نحو الصلاة وبالتالي ليحرك نحو التقيد بالوضوء وانما يصير فعليا بعد دخول الوقت وحينذاك يحرك نحو المتعلق وبالتالي يحرك نحو الوضوء.

وبهذا يتضح ان المكلّف لا يمكنه ان ينوي الوجوب بوضوئه اذا اتى به قبل الوقت ، اذ قبل الوقت لا وجوب للصلاة ليجب الوضوء

وقد تسأل عن المقدمة التي هي وجوبية ووجودية معا - كالزوال بالنسبة لصلاة الظهر فانه من دون الزوال لا تجب صلاة الظهر بل ولا يمكن ايجادها ولو على سبيل الاستحباب ، فالزوال شرط لتحقق الوجوب وشرط لامكان تحقق الواجب - هل يجب على المكلف تحصيلها او لا؟ كلا لا يجب تحصيلها ، اذ قبل تحقق الزوال لا وجوب لصلاة الظهر لكي يحرك نحو تصيل المقدمة ، اجل ان القيد وهو الزوال اذا تحقق وصار الوجوب فعليا حرك هذا الوجوب المكلف نحو التقيد اي نحو ايجاد الصلاة بعد الزوال وعدم تأخيرها عن وقتها المقرر.

واما بالنسبة للتساؤل الثاني فجوابه : ان المقدمة تارة تكون شرطا لاصل الاتصاف بالمصلحة بحيث قبل تحققها لا تكون المصلحة متحققة اصلا - كما في الاستطاعة بالنسبة الى الحج فانه يمكن ان يقال بعدم المصلحة اصلا في الاتيان بحج الاسلام قبل تحقق الاستطاعة - واخرى تكون شرطا لترتب المصلحة لا لأصل وجودها ، وهذا كما في الاحرام والوضوء ، فاذا كانت :

أ - شرطا لاصل المصلحة فاللازم جعلها شرطا لاصل الوجوب اي جعلها مقدمة وجوبية ، لان الاستطاعة ما دامت غير متحققة فلا مصلحة في الحج لكي يهتم المولى بتحصيل الاستطاعة ويطلب ايجادها ، فاللازم في هذه الحالة جعل الاستطاعة مقدمة وجوبية للحج ، اذ لو جعلت مقدمة للواجب - اي قيدا في

ص: 272

الواجب - للزم ايجادها لما مر في جواب السؤال الاول من وجوب ايجاد مقدمة الواجب.

ب - واما اذا كانت المقدمة شرطا لترتب المصلحة فلها حالتان ، فتارة تكون اختيارية للمكلف - كما هو الحال في الوضوء - واخرى غير اختيارية كما في دخول الوقت بالنسبة لصلاة الظهر (1) ، فان دخول الوقت ليس تحت اختيار المكلّف. فان كانت :

أ - اختيارية فاللازم اخذها قيدا في الواجب لان المصلحة في الصلاة مثلا ثابتة قبل تحقق الوضوء ، ومع ثبوتها قبل الوضوء فالمولى يهتم بتحصيل الوضوء ويلزم اخذه قيدا في الواجب اذ قيود الواجب يلزم على المكلّف تحصيلها.

ب - وان كانت غير اختيارية فيلزم اخذها قيدا في الواجب والوجوب معا. اما وجه اخذها قيدا في الواجب فباعتبار انها شرط للترتب. واما اخذها قيدا في الوجوب فلأنه لو اقتصر على اخذها قيدا في الواجب لزم على المكلّف تحصيلها والمفروض عدم امكان تحصيلها لكونها غير اختيارية.

اذن من خلال هذا اتضح ان المقدمة تكون وجوبية في حالتين :

1 - اذا كانت شرطا لاصل الاتصاف بالمصلحة.

2 - اذا كانت شرطا لترتب المصلحة وكانت غير اختيارية.

قوله ص 334 س 4 كذلك : اي مما يتوقف عليها فعلية الوجوب.

قوله ص 334 س 4 واخذها مقدرة الوجود ... الخ : عطف تفسير على التقييد الشرعي.

ص: 273


1- لئن كان في بعض الامثلة التي ذكرناها تأمل فالامر سهل بعد ما كان المقصود تقريب المطلب.

قوله ص 334 س 5 على نهج القضية الحقيقية : هذا راجع الى جعل الحكم ، فان الحكم بوجوب الحج مثلا مجعول على نهج القضية الحقيقية اي هو غير ثابت لخصوص الافراد الموجودة في الخارج بالفعل بل لكل من فرض انه مستطيع سواء كان موجودا بالفعل ام سيوجد في المستقبل.

قوله ص 335 س 7 والتقيد : التقيد عبارة عن الارتباط والاضافة بين شيئين ، فحينما يقال « غلام زيد » توجد ثلاثة اشياء : ذات الغلام ، وزيد ، والاضافة بينهما المعبر عنها بالتقيد. وفي مقامنا حينما يقال « تجب الصلاة المقيدة بالوضوء » فالمقصود ان الواجب هو : ذات الصلاة+ التقيد بالوضوء ، واما القيد فهو خارج عن المقيد ، اذ لو كان داخلا لكان جزء ولم يكن قيدا ، فان الفرق بين القيد والجزء هو ان الجزء داخل في المركب بينما القيد خارج عنه (1) ، فالركوع مثلا جزء من الصلاة بينما استقبال القبلة شرط لها ، وما ذاك الا لان الركوع داخل في حقيقة الصلاة ومقوم لها بينما استقبال القبلة خارج عنها وان كان يلزم ايقاعها مقيدة به.

قوله ص 335 س 15 ولا مدينا : بضم الميم وهو من الادانة بمعنى العقاب. وقوله « بها » متعلق بقوله « مدينا » لا « بالمكلف ». وضمير « بها » يرجع الى المقدمات.

قوله ص 336 س 2 تبعا لتحريكه نحو متعلقه : اي ان الوجوب بما انه يحرك نحو متعلقه والمفروض ان المقدمة الوجودية قيد في المتعلق فيلزم ان يكون الوجوب محركا نحو المقدمة الوجودية ايضا.

ص: 274


1- ولذا قال السبزواري في منظومته في مقام تحديد المقيد : « تقيد جزء وقيد خارجي » اي ان القيد خارج عن حقيقة المقيد وان كان ذات التقيد داخلا فيه وجزء منه.

قوله ص 336 س 10 وايقاع الفعل مقيدا به : عطف تفسير على التقيد ، اي ان المقصود من تحريك الوجوب نحو التقيد هو انه يحرك نحو ايجاد الصلاة بعد الزوال مثلا في مقابل عدم ايجادها ابدا وايجادها لا بعد الزوال.

ص: 275

ص: 276

مبحث الشرط المتأخر

اشارة

ص: 277

ص: 278

القيود المتاخرة زمانا عن المقيد :

اشارة

قوله ص 338 س 1 القيد سواء كان قيدا ... الخ :

يتعرض هذا البحث الى مشكلة واجهها الاصوليون تسمى بمشكلة الشرط المتأخر. وحاصلها : ان العلة كما نعرف لا يجوز تأخرها عن المعلول بل لا بدّ وان تكون مقارنة له ، وعلى ضوء هذا يقع الاشكال في بعض الموارد الشرعية التي تكون العلة فيها متأخرة عن المعلول كما في اجازة بيع الفضولي بناء على الكشف ، فان الملكية بناء على الكشف تحصل من حين العقد والحال ان العلة الموجبة لحصولها وهي الاجازة متأخرة عن العقد.

ومثال ثان لذلك غسل المستحاضة ، فان الاستحاضة اذا كانت كثيرة فيجب على المرأة ثلاثة اغسال : غسل في الصباح ، وغسل في الظهر ، وغسل في الليل ، وقد وقع النزاع بين الفقهاء في ان الغسل الليلي هل هو شرط لصحة صوم اليوم السابق او هو شرط لصحة صوم اليوم الآتي ، وبناء على الرأي الاول القائل بانه شرط لصحة صوم اليوم السابق يكون الغسل شرطا متأخرا للصوم السابق (1). والمشكلة في هذين المثالين ونظائرهما تقول : ان الشرط بمثابة العلة او جزء العلة ، ومن الواضح ان العلة واجزاءها لا يجوز تأخرها عن المعلول.

وبعد اتضاح هذا نمنهج مطالب الكتاب ضمن النقاط الاربع التالية :

1 - ان الشرط في القضايا الشرعية تارة يكون شرطا لاصل الحكم

ص: 279


1- واما بناء على كونه شرطا لصوم اليوم الآتي فالشرط متقدم لا متأخر.

واخرى شرطا لمتعلق الحكم. ونذكر لكل واحد مثالين.

أ - رؤية هلال رمضان بالنسبة الى وجوب الصوم ، فان وجوب الصوم مشروط برؤية الهلال ، ومن دون رؤيته لا يجب الصوم.

ب - الزوال بالنسبة الى وجوب صلاة الظهر فان صلاة الظهر لا تجب الا اذا تحقق زوال الشمس ، فالزوال شرط لاصل الوجوب.

وهذان مثالان للشرط الراجع لأصل الحكم. اما الراجع لمتعلق الحكم فهو :

ج - الوضوء بالنسبة الى الصلاة ، فانه ليس شرطا لوجوبها والا يلزم عدم وجوب الصلاة عند عدم تحصيل الوضوء ، وانما هو شرط لنفس الصلاة التي هي متعلق الحكم والتي تسمى بالواجب ايضا ، فالوضوء اذن شرط للواجب لا للوجوب (1).

د - استقبال القبلة بالنسبة للصلاة ، فانه ليس شرطا لوجوبها وانما هو شرط لنفس الصلاة التي هي متعلق الوجوب.

2 - ان الشرط سواء كان راجعا للحكم ام لمتعلقه تارة يكون شرطا متقدما واخرى مقارنا. ولتوضيح ذلك نذكر اربعة امثلة اثنان منهما للشرط المتقدم الراجع الى الحكم والى المتعلق واثنان آخران للشرط المقارن الراجع الى الحكم

ص: 280


1- يوجد اختلاف بين الفقهاء في شرط الصلاة وانه نفس الوضوء او الطهارة الحاصلة منه والمسببة عنه ، فهناك من يقول ان شرط الصلاة هو نفس الوضوء اي نفس الغسلات والمسحات وهناك من يقول ان الطهارة الحاصلة من الوضوء والمسببة عنه هي الشرط. ونحن حينما ذكرنا الوضوء كمثال للشرط المتقدم كان ذلك مبنيا على ان الشرط هو نفس الوضوء ، فان نفس الوضوء امر متقدم على الصلاة ، اما اذا كان الشرط هو الطهارة الحاصلة بالوضوء فالشرط شرط مقارن لان الطهارة الحاصلة من الوضوء امر مقارن للصلاة وليست متقدمة عليها.

والى المتعلق.

أ - اما مثال الشرط المتقدم الراجع لأصل الحكم فكرؤية هلال رمضان بالنسبة الى وجوب الصوم ، فان رؤية الهلال شرط لاصل الوجوب وهي شرط متقدم ، اذ وجوب الصوم يبتدأ من حين طلوع الفجر ، وحيث ان رؤية الهلال متقدمة على طلوع الفجر فهي شرط متقدم على طلوع الفجر الذي هو زمان ابتداء وجوب الصوم.

ب - واما مثال الشرط المقارن الراجع لمتعلق الحكم فهو كالزوال بالنسبة لوجوب الصلاة ، فانه شرط لاصل الوجوب وهو مقارن لزمان حدوث الوجوب ، فان الوجوب يحدث مقارنا للزوال لا بعده.

ج - واما مثال الشرط المتقدم لمتعلق الوجوب فهو كالوضوء بالنسبة للصلاة ، فان الوضوء شرط للصلاة التي هي متعلق الوجوب وليس شرطا لوجوبها ، وهو شرط متقدم عليها بناء على ان الشرط هو الوضوء بمعنى الغسلات والمسحات لا الطهارة المسببة عنه والا كان شرطا مقارنا.

د - واما مثال الشرط المقارن لمتعلق الوجوب فهو كالاستقبال بالنسبة للصلاة فانه شرط لنفس الصلاة لا لوجوبها ، وهو مقارن لها.

3 - ان الشرط كما يكون متقدما او مقارنا للمشروط كذلك يكون احيانا متأخرا عنه ، ولتوضيح ذلك نذكر مثالين احدهما للشرط المتأخر الراجع للحكم وثانيهما للشرط المتأخر الراجع للمتعلق.

أ - اما الراجع لاصل الحكم فكأجازة بيع الفضولي بناء على الكشف ، فان الاجازة شرط للملكية الحاصلة من حين العقد ، فالملكية امر متقدم حاصل من حين العقد وشرطها وهو الاجازة امر متأخر ، فالاجازة اذن شرط لنفس الحكم -

ص: 281

اي الملكية (1) - وهي متأخرة من حيث الزمان عن زمان ثبوت الحكم.

ب - واما الراجع لمتعلق الحكم فكالغسل الليلي بالنسبة الى صوم اليوم السابق للمستحاضة ، فان الغسل شرط للصوم الذي هو متعلق الحكم وهو شرط متأخر من حيث الزمان عن صوم اليوم السابق.

4 - وبعد ان عرفنا ان الشرط قد يكون متأخرا فسوف تتضح المشكلة التي اشرنا لها في اول البحث ، وهي ان الشرط من احد اجزاء العلة ، والعلة كما لا يمكن ان تتأخر بكاملها عن المعلول فكذا لا يمكن تأخر بعض اجزائها ، فان العلة لو تأخرت فلازمه تأثير المعدوم في الموجود فان المعلول لا يوجد الا بالعلة وحيث ان العلة غير موجودة عند تحقق المعلول كما هو المفروض فيلزم من ايجادها للمعلول مع فرض عدمها تأثير العلة التي هي معدومة في المعلول الذي هو امر موجود ، وهذا هو ما قلنا من ان الشرط لو كان متأخرا عن المشروط يلزم تأثير المعدوم في الموجود.

وبهذا تنتهي النقاط الاربع التي ذكرنا في اولاها ان الشرط قد يكون شرطا للحكم وقد يكون شرطا للمتعلق ، وفي الثانية ذكرنا ان الشرط قد يكون متقدما وقد يكون مقارنا ، وفي الثالثة ذكرنا ان الشرط قد يكون متأخرا (2) ، وفي الرابعة ذكرنا اشكال الشرط المتأخر (3).

ص: 282


1- والملكية وان لم تكن حكما تكليفيا لكنها حكم وضعي ، ونحن لم نخصص الكلام بالحكم التكليفي بل هو شامل للاعم منه ومن الوضعي ، ثم انه عبر في الكتاب بكلمة « النفوذ » ، والمراد منها هو الصحة ، فان نفوذ العقد عبارة اخرى عن صحته ، ومن الواضح ان الصحة كنفس الملكية حكم وضعي ، ولا فرق بين ان يقال الاجازة شرط للملكية او الاجازة شرط لصحة العقد فانه على كلا التقديرين يكون الشرط شرطا للحكم يعني الوضعي.
2- وانما افردنا الشرط المتأخر في نقطة مستقلة باعتبار ان المشكلة تكمن فيه.
3- والآخوند وسّع مشكلة الشرط المتأخر وعمّمها للشرط المتقدم فقال ان الشرط المتقدم يرد فيه الاشكال ايضا فان العلّة كما لا يمكن ان تتأخر كذلك لا يمكن ان تتقدم بل هي مقارنة زمانا للمعلول.

وبعد التعرف على مشكلة الشرط المتأخر نذكر حلين من الحلول المقترحة لها (1) : الحلّ الأول :

عرفنا ان اشكال الشرط المتأخر له مجالان :

أ - الشرط المتأخر للواجب كالغسل الليلي بالنسبة الى صوم المستحاضة المتقدم ، فان شرطه متأخر لا لاصل الوجوب بل لمتعلقه وهو الصوم الذي يعبر عنه بالواجب.

ب - الشرط المتأخر للحكم كاجازة عقد الفضولي بناء على الكشف ، فان الاجازة المتأخرة شرط لحصول الملكية التي هي امر متقدم وثابت من حين العقد بناء على الكشف. حلّ المشكلة في المجال الأول :

اما بالنسبة الى المجال الاول - اي شرائط الواجب - فيمكن دفع الاشكال بانا حينما نقول الغسل الليلي شرط للصوم فليس المقصود ان الغسل الذي يؤتى به

ص: 283


1- قد يقال ان المشكلة باطلة من جذورها فان العلة انما يستحيل تأخرها عن المعلول في خصوص الامور التكوينية فالنار لا يمكن ان تتأخر عن الاحراق ، واما القضايا الشرعية فلا بأس بتأخر العلة فيها عن المعلول لانها بيد الشارع وراجعه له فيمكنه تأخير العلة عن معلولها. وهذا الجواب وان نسب الى صاحب الجواهر ولكن يرد عليه ان العلّة اذا كان يستحيل تأخرها عن المعلول فلا فرق في الاستحالة بين القضايا الخارجية والقضايا الشرعية ، وهذا نظير استحالة اجتماع النقيضين فهل ترى من الصحيح ان يقال ان النقيضين يستحيل اجتماعهما في القضايا الخارجية التكوينية فقط؟ كلا ان الاستحالة لا تختص بمجال دون آخر.

في الليل يكون مؤثرا في الصوم المتقدم حتى يقال بان الامر المتأخر كيف يؤثر في الأمر المتقدم ، وانما المقصود ان المطلوب ليس هو مطلق الصوم بل الحصة الخاصة وهي الصوم الذي يكون بعده غسل في الليل ، فان المولى اذا طلب شيئا فتارة يكون مطلوبه الشيء على اطلاقه واخرى حصة خاصة منه ، فاذا طلب منك زيارته فتارة يكون مطلوبه مطلق الزيارة واخرى حصة خاصة منها ، وعلى تقدير كون المطلوب هو الحصة فتارة تكون تلك الحصة هي الزيارة المقرونة بامر متقدم - كالزيارة التي يكون قبلها اخبار حتى يتمكن من احضار الفاكهة او الانتظار في البيت - واخرى تكون هي الزيارة المقرونة بامر مقارن كالزيارة التي يكون معها تقديم الهدية ، وثالثة تكون هي الزيارة المقرونة بامر متأخر كالزيارة التي لا يكون بعدها اظهار المن والتفضل.

اذن ليس المقصود من كون الغسل الليلي شرطا للصوم تأثيره في الصوم المتقدم ليقال ان المتأخر كيف يؤثر في المتقدم وانما المقصود تعلّق الطلب بالحصة الخاصة وهي الصوم الذي بعده غسل ، وتعلق الطلب بالحصة الخاصة امر معقول ، والتحصيص كما يعقل حصوله بشيء متقدم او مقارن كذلك يعقل حصوله بامر متأخر كما هو واضح.

وباختصار : ان روح هذا الجواب ترجع الى اخراج الغسل الليلي عن صفة التأثير والعلية الى صفة التحصيص (1). حل المشكلة في المجال الثاني :

واما بالنسبة الى المجال الثاني - اي شرائط نفس الحكم - فالجواب : ان شرط الحكم تارة يكون شرطا للحكم الانشائي الذي يعبّر عنه بشرط الجعل

ص: 284


1- هذا الجواب ذكره السيد الخوئي دام ظله.

واخرى يكون شرطا للحكم الفعلي الذي يعبّر عنه بشرط المجعول.

اما اذا كان الشرط المتأخر شرطا في مقام الجعل فيمكن دفع المشكلة فيه بسهولة حيث يقال ان الاجازة المتأخرة انما تكون شرطا في عالم الجعل بوجودها اللحاظي لا بوجودها الخارجي ، اي ان لحاظ الاجازة هو الشرط دون الاجازة الخارجية المتأخرة فانه مرّ سابقا ان المولى حينما يشرع الحكم يلاحظ الشرائط ويفرضها موجودة ثم يجعل الحكم قائلا لو فرض ان المالك اجاز فالملكية ثابتة من حين العقد ، فالشرط لجعل الملكية ليس هو نفس الاجازة المتأخرة بل فرض الاجازة ولحاظها ، ومن الواضح ان لحاظ الاجازة امر مقارن للجعل وليس متأخرا عنه وانما المتأخر هو الملحوظ لا نفس اللحاظ.

واما اذا كان الشرط المتأخر شرطا للمجعول اي للحكم الفعلي فنحتاج الى جواب جديد ولا يكفينا الجواب السابق ، فان الشرط للملكية الفعلية ليس هو لحاظ الاجازة بل نفس الاجازة الخارجية اذ الملكية الفعلية لا تحصل بمجرّد لحاظ الاجازة بل بنفس الاجازة ، ومعه يشكل بان الامر المتأخر كيف يمكنه التأثير في الامر المتقدم؟ ويمكن دفع ذلك بان الاجازة المتأخرة وان كانت مؤثرة في الأمر المتقدم اي في الملكية المتقدمة الا ان ذلك لا محذور فيه ، اذ الامر المتأخر انما لا يصح ان يؤثر في الأمر المتقدم فيما لو كان الامر المتقدم ذا وجود خارجي حقيقي ، اما اذا كان وجوده فرضيا واعتباريا فلا محذور في تأثير الأمر المتأخر فيه ، فان الامر الاعتباري سهل المؤونة ، ومن الواضح ان الملكية وبقية الاحكام ليست موجودات خارجية حقيقية ولذا لا ترى بالعين ولا تلمس باليد بل هي مجرد افتراض واعتبار يفترضه العقلاء ، ولا مانع من تأثير الأمر المتأخر في ايجاد امر اعتباري متقدم فالمولى عند حصول الاجازة المتأخرة يقول : انا الآن اعتبر

ص: 285

حصول الملكية من حين العقد ، وهو شيء معقول.

مناقشة الحل :

وهذا الحل وان كان متينا لكنه يدفع نصف المشكلة لا جميعها ، فان مشكلة الشرط المتأخر لها مجالان :

أ - ان الوجوب المتقدم كيف يؤثر فيه الأمر المتأخر؟ والمشكلة في هذا المجال تندفع بالجواب المتقدم فيقال بأن الوجوب الانشائي ليس شرطه نفس الأمر المتأخر بل لحاظ الأمر المتأخر ، واللحاظ امر مقارن ، واما الوجوب الفعلي فهو مجرّد اعتبار وافتراض.

ب - ان الأمر المتأخر كيف يؤثر في اتصاف الفعل بالمصلحة او في ترتب المصلحة فانه تقدم ص 336 من الحلقة ان الشرط يكون شرطا للواجب فيما اذا كان شرطا لترتب المصلحة ويكون شرطا لاصل الوجوب فيما اذا كان شرطا لأصل المصلحة ، ومن الواضح ان اتصاف الفعل باصل المصلحة او ترتب المصلحة امر تكويني خارجي وليس امرا اعتباريا افتراضيا حتى يقال بان الأمر المتأخر يمكن ان يؤثر في الامر الاعتباري ، فمثلا الغسل الذي هو شرط للصوم اذا حصل في الليل ترتبت المصلحة على الصوم السابق وحينئذ يقال كيف يؤثر الغسل المتأخر في ترتب المصلحة على الصوم المتقدم والحال ان ترتب المصلحة امر خارجي حقيقي وليس اعتباريا. وهكذا يأتي الاشكال نفسه في الغسل الليلي فيما لو فرضناه شرطا لاصل الوجوب (1) فان الغسل في الليل كيف يمكنه ان يؤثر في اتصاف الصوم السابق بالمصلحة والحال ان الاتصاف بالمصلحة امر تكويني

ص: 286


1- وهذا الافتراض غير مطابق للواقع. ثم ان المقصود من كون الغسل شرطا لاصل الوجوب ان المرأة اذا لم تغتسل في الليل فلا يكون الصوم واجبا في النهار السابق وانما يثبت عليها الوجوب فيما لو اغتسلت في الليل.

خارجي لا يمكن ان يؤثر فيه الأمر المتأخر.

وبكلمة جديدة : ان الحكم ذو مراحل اربع منها مرحلة الملاك ومنها مرحلة الاعتبار اي مرحلة جعل الوجوب ، ومشكلة الشرط المتأخر تأتي في كلتا هاتين المرحلتين ففي مرحلة الملاك يقال : ان الامر المتأخر كيف يؤثر في وجود اصل المصلحة او في ترتبها ، وفي مرحلة الاعتبار - اي الوجوب - يقال : كيف يؤثر الامر المتأخر في الوجوب المتقدم ، وهذا الجواب الاول يحل المشكلة في المرحلة الثانية دون الاولى ، ومن هنا نكون بحاجة الى تقديم جواب جديد يمكنه دفع المشكلة في كلتا المرحلتين.

الحل الثاني :

وهو ما ذكره جماعة منهم الآخوند. وحاصله : ان الشرط للملكية ليس نفس الاجازة المتأخرة بل هو التعقب ولحوق الغسل الليلي ، ومن الواضح ان التعقب واللحوق امر مقارن وليس امرا متأخرا وانما المتأخر هو طرف التعقب واللحوق لا نفس التعقب واللحوق.

وان شئت قلت : ان هذا الجواب يعترف بان الشرط المتأخر امر مستحيل اذ الاتصاف باصل المصلحة او ترتب المصلحة امر حقيقي خارجي لا يمكن ان يؤثر فيه الامر المتأخر بيد انه يحاول تأويل الشرط واخراجه من كونه شرطا متأخرا الى كونه مقارنا حيث يجعل الشرط هو التعقب واللحوق لا نفس الاجازة والغسل المتأخر.

ص: 287

ثمرة البحث عن امكان الشرط المتأخر.

وما هي ثمرة البحث عن امكان الشرط المتأخر واستحالته ، فانه بعد ما دل الدليل الشرعي على شرطية الغسل الليلي للصوم المتقدم فلا فائدة للبحث عن امكان الشرط المتأخر فان كل ما دل الدليل عليه لا بدّ من التسليم به سواء كان الشرط المتأخر مستحيلا - الذي لازمه جعل الشرط هو التعقب بالغسل لا نفسه - ام كان ممكنا فانه على كلا التقديرين لا ثمرة عملية لذلك وان كانت الثمرة العلمية ثابتة حيث انه بناء على استحالة الشرط المتأخر يلزم تحويل الشرط وجعله هو التعقب بالغسل لا نفسه. وباختصار : ان الثمرة العلمية وان كانت ثابتة ولكن ما هي الثمرة العملية؟ يمكن في هذا المجال ذكر ثمرتين :

1 - انه بناء على استحالة الشرط المتأخر يلزم استحالة الواجب المعلق بخلافه بناء على امكانه فانه يلزم امكانه. وقد مر ذلك في الحلقة السابقة ص 275 ويأتي في هذه الحلقة ص 346. ولتوضيح ذلك نذكر مثالا للواجب المعلق ثم نذكر كيفية ارتباط امكانه بامكان الشرط المتأخر.

لو فرض ان انسانا اهديت له اموال في غير اشهر الحج فهل يثبت عليه وجوب الحج من حين الاهداء او لا؟ هناك من الفقهاء من يقول بان الوجوب يثبت من حين الاهداء ولا يجوز التصرف في تلك الاموال بشراء دار بها او التزويج او السفر وغير ذلك (1) بل يجب التحفظ الكامل عليها ليمكن الحج بها في اشهر الحج ، فالوجوب اذن يستقر من حين الاهداء ويكون فعليا غاية الامر يكون الواجب وهو الحج متأخرا ومعلقا على مجيء الاشهر ، وهذا ما يصطلح

ص: 288


1- الاّ اذا لزم الحرج والمشقة الشديدة من عدم ذلك.

عليه بالواجب المعلق. وينبغي الالتفات الى ان الوجوب وان كان يثبت من حين الاهداء لكنه مشروط بعدم طرو المرض في اشهر الحج وهكذا هو مشروط ببقاء المكلف عاقلا وبعدم سرقة تلك الاموال والا فكيف يمكن بقاء الوجوب. اذن ثبوت الوجوب من حين الاهداء مشروط بامر متأخر وهو ان يكون المكلف عاقلا وقادرا على الحج في اشهره ، فاذا قلنا باستحالة الشرط المتأخر فلازم ذلك استحالة ثبوت الواجب المعلق ويكون ثبوت الوجوب للحج من حين الاهداء مستحيلا. ومن هنا نرى ان الميرزا لما كان يبني على استحالة الشرط المتأخر اختار استحالة الواجب المعلق ايضا وما ذاك الا لأن امكان الواجب المعلق يرتبط بامكان الشرط المتأخر.

2 - وهذه الثمرة تظهر فيما اذا دل الدليل على اعتبار الرضا في شيء معين كما هو الحال في باب العقود ، فان الفضولي لو اجرى عقدا على ملك الغير لم يكن عقده صحيحا وموجبا للنقل والانتقال الا بعد اجازة المالك ورضاه ، فاذا أجاز حصلت الملكية ، وهذا شيء واضح ولكن لو شككنا في ان اجازة المالك هل هي ناقلة او كاشفة فما هو الموقف؟ وبكلمة اخرى : لو شك في كون الاجازة هل هي شرط مقارن للملكية او شرط متأخر فما هو الموقف (1)؟ وفي هذه الحالة تظهر الثمرة فلو قلنا باستحالة الشرط المتأخر فمن اللازم البناء على كون الاجازة ناقلة

ص: 289


1- هذا التعبير من حيث المضمون نفس التعبير الاول ، فان معنى كون الرضا شرطا مقارنا للملكية هو ان الملكية لا تحصل الا اذا قارنها الرضا ، فحين حصول الرضا تحدث الملكية مقارنة له ، واذا كانت الملكية لا تحصل الا عند الرضا فهذا معناه ان الرضا ناقل وموجب لحصول الملكية من حين حصوله وليس كاشفا عن حصول الملكية من حين العقد. واما اذا قلنا بان الرضا شرط متأخر فمعنى ذلك ان الرضا حينما يحصل في الزمان المتأخر فالملكية تحصل في الزمان المتقدم ، فحصول الملكية في الزمان المتقدم منوط بحصول الرضا في الزمان المتأخر ، واذا كان هذا معنى كون الرضا شرطا متأخرا فلازمه كون الاجازة كاشفة ، فحصول الرضا في الزمان المتأخر يكشف عن تحقق الملكية في الزمان المتقدم.

لا كاشفة لان معنى الكشف هو ان الاجازة حينما تحصل بعد العقد بساعة او ساعتين فهي تؤثر في حصول الملكية من حين العقد وان كانت - اي الاجازة - متأخرة ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به بناء على استحالة الشرط المتأخر اذ كون الاجازة المتأخرة مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة فيه احتمالان كلاهما باطل :

أ - ان تكون نفس الاجازة المتأخرة بالرغم من تأخرها مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة ، وهذا باطل لان لازمه تأثير الامر المتأخر في الامر المتقدم وقد فرض استحالة الشرط المتأخر اي استحالة تأثير المتأخر في المتقدم.

ب - ان لا يكون الشرط لحصول الملكية المتقدمة نفس الاجازة المتأخرة ليلزم تأثير المتأخر في المتقدم بل الشرط هو التعقب ولحوق الاجازة الذي هو امر مقارن للعقد وليس متأخرا عنه ، وهذا الاحتمال وان كان معقولا اذ لا يلزم منه تأثير المتأخر في المتقدم لفرض ان المؤثر هو التعقب الذي هو امر مقارن للعقد ولكن مع ذلك لا يمكن المصير اليه لمخالفته لظاهر دليل « لا يحل مال امرىء الا بطيبة نفس منه » اذ ظاهره ان الشرط لحلية المال هو نفس طيب النفس لا التعقب بذلك.

والخلاصة : لو قلنا باستحالة الشرط المتأخر فاللازم البناء على كون الاجازة ناقلة لان كونها كاشفة فيه احتمالان كلاهما باطل ، هذا لو قيل باستحالة الشرط المتأخر.

واما اذا قلنا بامكانه فلا يتعيّن كون الاجازة ناقلة بل كلا احتمالي الكشف والنقل ممكن ولا بد من اتباع ظاهر الدليل والعمل به فان اقتضى النقل قيل به وان اقتضى الكشف قيل به.

قوله ص 338 س 1 للحكم المجعول : المقصود من القيد هو الشرط ، كما ان

ص: 290

المقصود من الحكم المجعول هو الاعم من الحكم التكليفي والوضعي.

قوله ص 338 س 7 مقيدا : الانسب : مقيدة.

قوله ص 338 س 11 لنفوذ : اي لصحة عقد الفضولي ، وبتعبير آخر لحصول الملكية ، فان الملكية والصحة والنفوذ كلها متقاربة ، وهي حكم وضعي.

قوله ص 338 س 12 على القول بالكشف : واما على القول بالنقل فالاجازة تكون من قبيل الشرط المقارن.

قوله ص 338 س 13 الدخيل في صحة صيام النهار : كان من المناسب ان يقال : الذي هو قيد وشرط لنفس صيام النهار ، فان تعبير الكتاب قد يفهم منه ان الغسل قيد لنفس الصحة ، وحيث ان الصحة حكم وضعي فيلزم ان يكون الغسل شرطا متأخرا لنفس الحكم والحال ان المفروض التمثيل لشرط الواجب لا لشرط الحكم.

قوله ص 339 س 1 على قول بعض الفقهاء : وعلى القول الآخر الذي يقول بان الغسل الليلي شرط لصوم اليوم الآتي يكون الغسل مثالا للشرط المتقدم للواجب.

قوله ص 339 س 3 والقيد : عطف تفسير للشرط.

قوله ص 339 س 10 وليس القيد علة : اي وليس الشرط مؤثرا ليلزم تأثير المتأخر في المتقدم وانما هو محصص فقط.

قوله ص 339 س 11 والتحصيص : كان من المناسب وضع الفارزة قبل كلمة « والتحصيص » ، اي ومن الواضح ان التحصيص كما يمكن : ... الخ.

قوله ص 339 س 11 كما تقدم : اي ص 332.

قوله ص 340 س 1 ولكنه : اي الحكم.

ص: 291

قوله ص 340 س 5 والوجوب : عطف تفسير للحكم من باب عطف الخاص على العام ، وقوله « او للواجب » عطف على قوله للحكم.

قوله ص 340 س 6 للضابط المتقدم : اي ص 336 من الحلقة.

قوله ص 340 س 10 والجواب المذكور : اي ومن الواضح ان هذا الجواب ناظر الى حل مشكلة الشرط المتأخر بلحاظ عالم الوجوب الاعم من الانشائي والفعلي (1) ولم ينظر لحلها بلحاظ عالم الملاك.

قوله ص 340 س 13 ووجودها : قوله « في ترتب المصلحة » ناظر الى شرط الواجب الذي هو شرط للترتب ، كما وان قوله « ووجودها » ناظر الى شرط الوجوب الذي هو شرط لاصل وجود المصلحة.

قوله ص 340 س 13 ودخل : عطف على « دخل قيد الواجب ».

قوله ص 340 س 14 وترتب المصلحة : الواو استينافية ، اي ومن الواضح ان ترتب المصلحة وأصل الاتصاف بها امر تكويني وليس مجرد اعتبار.

قوله ص 341 س 3 كالغسل المذكور : المثال المذكور مجرد افتراض غير مطابق للواقع ، فان الغسل شرط للواجب لا للوجوب.

قوله ص 341 س 5 ومن هنا قد يقال : اي من ان الشرط المتأخر لا يمكن ان يؤثر في الامر المتقدم - وهو ترتب المصلحة او اصل الاتصاف بها - قيل باستحالة الشرط المتأخر والتزم بتأويل كل شرط متأخر الى مقارن. وهذا شروع في الجواب الثاني عن اشكال الشرط المتأخر.

قوله ص 341 س 14 في الحلقة السابقة : بل وفي هذه الحلقة يأتي ص 346.

ص: 292


1- ويعبر عن الوجوب الانشائي بعالم الجعل وعن الوجوب الفعلي بالمجعول او بالوجوب المجعول.

قوله ص 341 س 15 وتظهر من ناحية اخرى : هذا عطف على قوله « تظهر من ناحية ... الخ » وهو اشارة الى الثمرة الثانية.

قوله ص 342 س 1 متقدما : المناسب : مقارنا ، ولكنه قصد من المتقدم غير المتأخر الذي هو صادق على المقارن.

قوله ص 342 س 3 في المثال : اي في مثال البيع.

قوله ص 342 س 5 ان كان بالمعنى الحقيقي للشرط المتأخر : اي بمعنى ان نفس الاجازة المتأخرة - لا التعقب بالاجازة - مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة.

قوله ص 342 س 6 وان كان بالتأويل : اي بان يكون التعقب بالاجازة هو الشرط.

قوله ص 342 س 8 واما على الثاني : هذا عدل لقوله في السطر الثاني : فانه على القول بامتناع الشرط المتأخر.

ص: 293

ص: 294

الواجب المعلّق

اشارة

ص: 295

ص: 296

زمان الوجوب والواجب :

قوله ص 343 س 1 لا شك في ان زمان الوجوب ... الخ :

هذا هو المبحث المعروف بالواجب المعلق. واول من نسبت له فكرة الواجب المعلّق هو صاحب الفصول. ولتوضيحها نقول : ان زمان الوجوب :

أ - تارة يتطابق مع زمان الواجب تطابقا تاما ، كصلاة الظهر ، فان زمان الصلاة محدد بما بين الزوال والغروب ، وهذا الزمان هو بنفسه زمان الوجوب ، فان وجوب صلاة الظهر محدد ايضا بما بين الزوال والغروب ، ويسمى مثل هذا بالواجب المنجّز (1).

ب - واخرى يكون زمان الوجوب متقدما على زمان الواجب ، وطبيعي ليس المقصود ابتداء زمان الواجب بعد انتهاء زمان الوجوب فانه مستحيل بل المقصود ان زمان الوجوب يتقدم على زمان الواجب ويبقى مستمرا الى نهاية زمان الواجب ، كما هو الحال في وجوب صوم شهر رمضان ، فانه يبتدأ من حين رؤية الهلال على ما يستفاد من قوله تعالى « فمن شهد منكم الشهر فليصمه » (2) بينما زمان الصوم متأخر عن ذلك حيث يبتدأ من حين طلوع الفجر الذي هو متأخر عن زمان رؤية الهلال (3). واصطلح صاحب الفصول على مثل هذا

ص: 297


1- وعبارة الكتاب لم تشر له .
2- حيث يدل على ان مجرد رؤية الهلال تكفي لتوجه الامر بالصوم .
3- ومثال آخر لذلك وجوب الحج فانه تقدم في البحث السابق ان بعض الفقهاء يقول اذا استطاع المكلّف وجب عليه الحج وان كانت استطاعته قبل اشهر الحج ويكون الوجوب فعليا ثابتا قبل اشهر الحج والواجب وهو الحج معلقا على مجيء اشهر الحج .

الواجب الذي يكون زمان الوجوب فيه متقدما على زمان الواجب بالواجب المعلق حيث ان الوجوب فيه فعلي والواجب معلق على امر متأخر كطلوع الفجر.

ولو سئل عن الفرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط كان الجواب انهما يشتركان في ان كلا منهما غير منجّز - اي غير فعلي - من بعض الجهات ويختلفان في ان الواجب المشروط يكون نفس الوجوب فيه غير فعلي ومشروطا بشرط ، واما في الواجب المعلق فالواجب غير فعلي بل مشروط بخلاف الوجوب ، فالصوم مثلا هو المعلق والمشروط بمجيء زمان لم يحصل بعد كطلوع الفجر مثلا (1).

وبعد اتضاح حقيقة الواجب المعلق تعرضت عبارة الكتاب الى اشكال وبعد الجواب عنه تعرضت الى اشكالين فتكون مجموع الاشكالات ثلاثة هي :

1 - ان توجيه الوجوب للصوم قبل مجيء زمان الصوم لغو ، اذ ما الفائدة في توجيه الوجوب من حين رؤية الهلال ما دام لا يمكن الاتيان بالصوم حينئذ.

ص: 298


1- وقد تقول : مرّ سابقا ان الشيخ الاعظم قدس سره يفسر الواجب المشروط بتفسير يخالف فيه المشهور ، فالمشهور يقول ان الواجب المشروط هو الواجب الذي يكون نفس الوجوب فيه مشروطا بالشرط - وكان من المناسب ان يسمى بالوجوب المشروط لا الواجب المشروط - بينما الشيخ الاعظم يقول ان نفس الوجوب لا يكون مشروطا - لاستحالة تقييده اذ هو مفاد للهيئة ومفادها معنى حرفي ، والمعنى الحرفي جزئي لا يقبل التقييد - بل الواجب هو المشروط ، فجميع القيود على رأيه ترجع الى المادة اي الى الواجب ، والوجوب مطلق وفعلي ، فمثلا وجوب صلاة الظهر فعلي ثابت قبل تحقق الزوال فان الزوال ليس قيدا للوجوب وانما هو قيد للواجب وهو الصلاة. وبعد هذا يتّضح عدم وجود فرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط بتفسير الشيخ ، ومن هنا نرى ان الشيخ حينما يسمع من صاحب الفصول فكرة الواجب المعلق ينكر عليه ذلك ، وما ذاك الا لأنه لا يرى للواجب المعلق وجودا في مقابل الوجوب المشروط بتفسيره ، وعلى هذا فهو في الحقيقة لا ينكر روح الواجب المعلّق وانما ينكر الوجود الخاص له في مقابل الواجب المشروط بتفسيره.

وفيه : ان مصلحة الصوم اذا فرض حدوثها من حين رؤية الهلال فمن المناسب توجيه الوجوب من حين الرؤية وعدم تأخيره الى طلوع الفجر ، فان توجيه الوجوب يتبع ثبوت المصلحة ، فمع فعلية المصلحة من حين الرؤية فالمناسب توجهيه من حينها ايضا دون ان يلزم محذور اللغوية ، بل يمكن ان نضيف ان ثبوت الوجوب من حين الرؤية له بعض الفوائد ، فلو كان ثابتا قبل طلوع الفجر كان محركا للمكلف نحو تحصيل مقدمات الصوم ، فمثلا من جملة مقدماته الغسل من الجنابة ، فاذا لم يكن الوجوب ثابتا قبل الفجر يرد اشكال يقول لا وجه لوجوب الغسل قبل الفجر ما دام وجوبه مقتبسا من وجوب الصوم ، واذا اريد الاتيان بالغسل من حين طلوع الفجر لزم فوات الصوم ، فالاتيان به قبل الفجر لا وجه لوجوبه وبعده مفوت للصوم ، وهذا الاشكال يسمى باشكال المقدمات المفوتة. وانما سمي بذلك باعتبار ان الغسل اذا لم يؤت به قبل الفجر فات الصوم. والاشكال مندفع بناء على ثبوت وجوب الصوم قبل الفجر ، اذ يقال انما وجب الغسل قبل الفجر لثبوت وجوب الصوم آنذاك ، واما بناء على عدم ثبوته قبل الفجر فالاشكال يبقى بحاجة الى جواب آخر (1).

2 - ان حقيقة الوجوب (2) ليست هي الا التحريك ، فحقيقة الامر بالصوم هي التحريك نحو الصوم ، ولكن ليس المقصود هو التحريك الفعلي فانه باطل بالوجدان ، اذ امر « صم » ليس محركا للمكلّف تحريكا فعليا والا يلزم عدم وجود عاص على وجه الارض ، لان الامر اذا كان يحرك تحريكا فعليا للصوم عاد الكل

ص: 299


1- قد يقال : ان الوجه في وجوب الغسل قبل الفجر هو دلالة الروايات على ذلك. وفيه : انا نوجه السؤال الى نفس الروايات ونقول كيف اثبتت الوجوب للغسل قبل الفجر بعد ما كان وجوب الصوم يبتدأ من حين طلوع الفجر.
2- وقد ذكر هذا في الكتاب بعنوان الاعتراض الاول.

ممتثلا لامر الصوم فلا بدّ وان يكون المقصود هو التحريك الشأني ، اي ان امر « صم » فيه شأنية وقابلية تحريك المكلّف نحو الصوم ، وبعد هذا نقول ان الوجوب قبل مجيء زمان الواجب ليست له قابلية تحريك المكلّف نحو الصوم فان قابلية التحريك فرع قابلية التحرك وحيث انه لا يمكن التحرك قبل الفجر فلا يمكن التحريك آنذاك وبالتالي يلزم عدم امكان تحقق الوجوب قبل الفجر اذ قد عرفنا ان حقيقة الوجوب متقومة بقابلية التحريك وحيث فرض عدم القابلية قبل الفجر فلا حقيقة للوجوب آنذاك.

وفيه : انا لا نسلم تقوّم حقيقة الوجوب بالتحريك بل الوجوب عبارة عن اعتبار الفعل في ذمة المكلّف ، اجل الداعي والغرض من اعتبار الفعل في الذمة هو تحريك المكلّف الى الفعل ، فالتحريك اذن هو الداعي لاعتبار الوجوب لا انه نفس حقيقة الوجوب ، وبعد هذا نقول : ان المستفاد من ادلة الواجبات ان الداعي لاعتبار الوجوب وان كان هو التحريك نحو الفعل ولكن ليس هو التحريك من اول زمان ثبوت الوجوب الى آخر زمان ثبوته حتى يقال بان الوجوب في الواجب المعلّق لا يمكن ان يكون محركا من اول زمان ثبوته وانما الداعي هو ان يكون محركا ولو في بعض فترة ثبوته (1) ، ومن الواضح ان وجوب الصوم الثابت قبل طلوع الفجر وان لم يكن قابلا لتحريك المكلّف من بداية ثبوته ولكنه يمكن ان يكون محركا له بعد ذلك اي حينما يطلع الفجر.

3 - ان فكرة الواجب المعلّق تعتمد على امكان الشرط المتأخر ، فاذا لم

ص: 300


1- فمثلا قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) يستفاد منه ان الداعي لاعتبار الوجوب هو تحريك المكلّف نحو الصوم ولكن لا من حين رؤية الهلال بل ولو بعد فترة. وهكذا مثل خطاب « اقم الصلاة لدلوك الشمس » يستفاد منه ان الداعي هو تحريك المكلّف الى الصلاة خلال فترة ما بين الزوال والغروب اي ولو في بعض هذه الفترة لا في جميعها.

يكن ممكنا لزم عدم امكان الواجب المعلّق.

وتوضيح ذلك : ان وجوب الصوم اذا كان ثابتا قبل طلوع الفجر فنحن نسأل : هل طلوع الفجر قيد للواجب فقط - اي قيد للصوم فقط - او هو قيد له وللوجوب ايضا.

فان كان قيدا للواجب فقط لزم المكلّف تحصيل طلوع الفجر لانه تقدم ص 336 من الحلقة ان المكلّف يلزمه تحصيل قيود الواجب التي تسمى بالمقدمات الوجودية ، فاذا كان طلوع الفجر قيدا للصوم يلزم تحصيله وهو باطل لعدم كونه اختياريا.

وان كان قيدا للوجوب ايضا لزم ان يكون الوجوب حادثا عند طلوع الفجر وقبله لا وجوب وهو باطل لان المفروض في الواجب المعلق تقدم الوجوب على طلوع الفجر.

وينبغي ان نستدرك ونقول ان هذا المحذور يتم فيما لو كان طلوع الفجر قيدا لوجوب الصوم بنحو الشرط المقارن بمعنى ان الوجوب يحدث مقارنا لطلوع الفجر فاذا طلع الفجر فمقارنا له يحدث الوجوب ، اما اذا فرضنا ان طلوع الفجر قيد للوجوب بنحو الشرط المتأخر فلا يتم المحذور ، وذلك بان نفترض ان طلوع الفجر حينما يحدث يكون موجبا لحدوث وجوب الصوم من حين رؤية الهلال ، انه بناء على هذه الفرضية لا يرد الاشكالان السابقان اي اشكال لزوم تحصيل طلوع الفجر واشكال لزوم حدوث وجوب الصوم عند طلوع الفجر (1). ومن هنا صح

ص: 301


1- وهكذا يقال في بقية الشرائط غير طلوع الفجر كبقاء الصحة والقدرة والعقل الى زمان الواجب اي الى طلوع الفجر ، فان وجوب الصوم من حين رؤية الهلال لا يثبت الا اذا كان المكلّف عاقلا وصحيحا وقادرا حين طلوع الفجر والا فكيف يثبت على من هو مجنون او مريض او غير قادر حين طلوع الفجر ، ومعه فمن اللازم ان يكون ثبوت الوجوب من حين رؤية الهلال مشروطا بالصحة والعقل والقدرة حين طلوع الفجر بنحو الشرط المتأخر ولا يمكن ان تكون شرطا مقارنا كما ولا يمكن ان تكون شرطا للواجب من دون ان تكون شرطا للوجوب لنفس البيان السابق.

لصاحب هذا الاعتراض الثالث ان يقول ان فكرة الواجب المعلق تبتني على امكان فكرة الشرط المتأخر ، ولهذا نجد ان الميرزا حيث انكر امكان الشرط المتأخر انكر تبعا لذلك فكرة الواجب المعلق.

قوله ص 343 س 7 بالوجوب المعلق : في العبارة شيء من الايهام ، حيث توهم ان نفس الوجوب معلق مع ان الوجوب ليس معلقا وانما الواجب معلق فكان من المناسب ان يقال : الواجب بهذا النحو من الوجوب سمي بالواجب المعلق ... الخ.

قوله ص 343 س 13 ما دام وجوبا معطلا : اي ما دام الوجوب وجوبا معطلا عن الامتثال.

قوله ص 343 س 14 او ليس ذلك لغوا : هذا استفهام تقريري ، اي ان جعل مثل هذا الوجوب لغو.

قوله ص 344 س 9 ولفعلية الوجوب ... الخ : الواو استينافية ، اي ان ثبوت الوجوب الفعلي من حين طلوع الهلال فيه فوائد كحل مشكلة المقدمات المفوتة بالبيان المتقدم سابقا.

قوله ص 345 س 1 اي انه : اي ان الوجوب حكم قابل لبعث المكلّف وتحريكه.

قوله ص 345 س 4 ومن الواضح ... الخ : كان من المناسب ان لا يوضع هذا رأس السطر لاتصاله بسابقه ، اي ومن الواضح انه في فترة ما قبل طلوع الفجر لا قابلية لتحرك المكلّف نحو الصوم فلا قابلية للتحريك ، وبانتفاء قابلية

ص: 302

التحريك يكون الوجوب منتفيا.

قوله ص 345 س 6 في عالم الحكم : اي ان الوجوب لو لاحظناه بما هو حكم فهو ليس الا اعتبارا لا اكثر.

قوله ص 345 س 10 اعداده : اي اعداد الحكم.

قوله ص 345 س 12 كذلك : اي محركا شأنيا.

قوله ص 345 س 15 لما تقدم : اي ص 336 من الحلقة.

قوله ص 346 س 6 والشيء نفسه نقوله عن القدرة : اي كما ان طلوع الفجر فيه شقوق ثلاثة والصحيح منها هو الشق الاخير كذلك الحال في القدرة والصحة والعقل عند طلوع الفجر ، فان فيها الشقوق المذكورة والصحيح منها هو الاخير ، اي هي شرط للوجوب بنحو الشرط المتأخر.

قوله ص 346 س 8 ومن هنا كنا نقول في الحلقة السابقة : بل وفي هذه الحلقة ايضا ص 341.

قوله ص 346 س 9 المتعلق : الصواب : المعلق. ثم ان المناسب التعبير بالواجب المعلق لا الوجوب المعلق ، اذ المعلق هو الواجب دون الوجوب.

قوله ص 346 س 11 فتأتي الاشارة اليها : اي في البحث المقبل ص 347 من الحلقة حيث تحل بواسطة الواجب المعلق مشكلة المقدمات المفوتة.

ص: 303

ص: 304

المقدمات المفوتة

اشارة

ص: 305

ص: 306

المسؤولية عن المقدمات قبل الوقت :

قوله ص 347 س 1 اتضح مما تقدم ... الخ : هذا هو المبحث المعروف بمبحث المقدمات المفوتة. ونمنهج ذلك ضمن النقاط التالية :

1 - تقدم ص 336 من الحلقة ان المقدمات اذا كانت مقدمات وجودية فيلزم على المكلّف تحصيلها. كما وعرفنا ان تحصيلها يجب بعد صيرورة وجوب ذي المقدمة فعليا ، فمثلا الوضوء الذي هو من المقدمات الوجودية للصلاة يجب على المكلّف تحصيله بعد دخول وقت الصلاة ، اذ قبل ذلك لا وجوب فعلي للصلاة لكي يجب.

2 - واذا لم يكن الوضوء واجبا قبل دخول الوقت طرحنا هذا السؤال : لو فرض ان المكلّف كان واجدا للماء قبل دخول الوقت وكان يعلم بتعذّر تحصيله بعد دخول الوقت فهل يلزمه الوضوء قبل دخول الوقت؟ وهل يجوز له اراقة الماء قبل دخوله الوقت؟ كلا لا يلزمه الوضوء قبل الوقت كما ويجوز له اراقته قبل دخول الوقت (1) ، اذ قبل دخول الوقت لا تكليف بالصلاة ليجب الوضوء وبالتالي لتحرم الاراقة. واذا جازت الاراقة قبل الوقت فمتى ما حل وقت الصلاة فلا يخاطب المكلّف بوجوب الصلاة الوضوئية ، اذ المفروض كونه عاجزا عن ذلك وانما يخاطب بالصلاة مع التيمم. اجل لو فرض ان المكلّف توضأ قبل الوقت فوضوءه هذا وان لم يكن واجبا ولكن متى ما حل الوقت توجه الخطاب بالصلاة

ص: 307


1- اما بعد دخول الوقت فلا تجوز الاراقة لصيرورة وجوب الصلاة والوضوء فعليا.

الوضوئية لفرض القدرة عليها. اذن مع الاتيان بالوضوء قبل الوقت يتوجه بعد دخول الوقت الامر بالصلاة الوضوئية ومع عدم الاتيان به قبل الوقت فلا يمكن توجيه الامر بالصلاة الوضوئية. ومن هنا صح ان نطلق على الاتيان بالوضوء قبل الوقت بأنه مقدمة وجوبية للامر بالصلاة الوضوئية بعد دخول الوقت ، فكما ان الاستطاعة مقدمة وجوبية للامر بالحج بمعنى انه لا يجب تحصيلها ولكن لو حصلت صدفة توجه وجوب الحج كذلك الحال في الاتيان بالوضوء قبل الوقت فانه ليس بواجب على المكلّف ولكن لو حصل صدفة توجه الامر بالصلاة الوضوئية الى المكلّف بعد دخول الوقت.

ويمكن ان نصطلح على الوضوء في الحالة المذكورة بانه مقدمة مفوتة ، اي اذا لم يؤت به قبل الوقت فات الواجب وهو الصلاة الوضوئية. ونؤكد اننا لا نريد بهذا صحة الاطلاق المذكور في جميع الحالات بل في خصوص الحالة المتقدمة اي حالة ما اذا كان عدم الاتيان بالوضوء قبل الوقت موجبا لعجز المكلّف عن الصلاة الوضوئية بعد دخول الوقت.

3 - ان بحث المقدمات المفوتة لم يعقد للبحث عن الوضوء في الحالة المذكورة التي يصطلح عليه فيها بالمقدمة المفوتة وانما عقد للبحث عن المقدمة التي تكون هذه الحالة هي الطابع العام لها اي للمقدمة التي صفتها الدائمية انه اذا لم يؤت بها قبل الوقت فات الواجب. ومثال ذلك : الغسل قبل الفجر في شهر رمضان فانه متى ما ترك فات الصوم ، وهكذا السفر الى الحج فانه واجب قبل وقت الحج - الذي هو اليوم التاسع من ذي الحجة - ومن ترك السفر قبل وقت الحج فلا يمكنه الاتيان بالحج. وعليه فالطابع العام للغسل والسفر ان المكلّف متى ما تركهما قبل الوقت فات عليه الواجب وليس هذا طابعا لهما في بعض الحالات دون بعض.

ص: 308

والاصوليون واجهوا مشكلة في مثل هذه المقدمات حاصلها : كيف يجب الغسل قبل الفجر مع انه لا وجوب للصوم ذلك الحين حتى يجب الغسل فان وجوب الغسل وجوب غيري مترشح من الوجوب النفسي وليس نفسيا (1).

ومن اجل حلّ هذه المشكلة تولدت فكرة الواجب المعلق في ذهن صاحب الفصول.

والحلول المطروحة لحل هذه الشبهة متعددة نذكر منها ثلاثة :

1 - تقدم ص 329 من الحلقة ان الشيخ الأعظم انكر الواجب المشروط بتفسيره السائد بين الاصوليين ، فانهم فسروه بالواجب الذي يكون نفس وجوبه مشروطا ببعض الشروط كالحج فان نفس وجوبه مشروط بالاستطاعة وهو قدس سره انكر التفسير المذكور لاعتقاده باستحالة تقيد الوجوب - باعتبار ان الوجوب مفاد الهيئة ، ومفاد الهيئة معنى حرفي ، والمعنى الحرفي جزئي ، والجزئي لا يقبل التقييد - واختار ان الوجوب مطلق وفعلي دائما والقيود ترجع الى الواجب ، ففي مثال الصوم يكون الوجوب ثابتا قبل طلوع الفجر والتقييد بالطلوع راجع الى الصوم لا الى وجوبه ، واذا قبلنا تحقق الوجوب قبل الطلوع كان اتصاف الغسل بالوجوب قبل الفجر على طبق القاعدة ومن دون اشكال.

وفيه : انه مبني على استحالة الواجب المشروط بالمعنى المشهور ، وهي غير مسلمة كما مرّ ص 329 من الحلقة حيث تقدم ان تقيد نفس الوجوب امر معقول.

2 - واذا بنينا على عدم استحالة الواجب المشروط بتفسيره المشهور نكون بحاجة الى حل آخر لدفع المشكلة وهو يتمثل في فكرة الواجب المعلق بان نقول :

ص: 309


1- اذ لو كان نفسيا وجب الاغتسال على من لا يجب عليه الصوم كالحائض مثلا مع انه لا يجب عليها جزما.

ان الدليل بعد ان دل على اتصاف الغسل بالوجوب قبل طلوع الفجر كان ذلك كاشفا عن سبق وجوب الصوم وتقدمه على الطلوع فزمان الصوم وان كان يبتدأ من حين الطلوع الا ان وجوبه يبتدأ قبل ذلك بدليل اتصاف الغسل قبل الفجر بالوجوب ، وهذا هو معنى الواجب المعلق ، فان معناه ان الوجوب للصوم ثابت قبل طلوع الفجر وان كان زمان نفس الصوم يبتدأ عند طلوع الفجر.

3 - لو انكرنا فكرة الواجب المعلق كما انكرها الميرزا فبالامكان حل المشكلة عن طريق آخر بان نقول : ان القدرة - كما عرفنا في ابحاث سابقة - هي دخيلة في ثبوت الوجوب وفي العقوبة جزما ولكن بالنسبة الى الملاك لا يتحتم ان تكون دخيلة فيه بل ربما تكون دخيلة فيه بحيث لا تكون المصلحة في الصوم مثلا ثابتة عند عدم القدرة - وتسمى القدرة حينئذ بالقدرة الشرعية - وربما لا تكون دخيلة فيه بان يكون الملاك ثابتا حالة العجز وعدم القدرة ايضا ، وتسمى القدرة حينئذ بالقدرة العقلية.

وباتضاح هذا نقول : ان الدليل الشرعي اذا دل على ثبوت وجوب الغسل قبل طلوع الفجر كان ذلك كاشفا عن كون القدرة قدرة عقلية ، وبتعبير آخر يكون كاشفا عن ثبوت ملاك الصوم في حق غير القادر ايضا ، ومعه فيكون ثبوت وجوب الغسل قبل طلوع الفجر على مقتضى القاعدة ، اذ لو لم يأت المكلّف بالغسل قبل الفجر فات عليه الصوم ، وبفواته يفوت الملاك الثابت في حقه.

ثم تعرضت عبارة الكتاب بعد ذلك الى انه لو فرضنا العكس فالامر يكون بالعكس ، اي لو لم يدل دليل على وجوب المقدمة قبل دخول الوقت ولكن دل على ان الملاك ثابت في حق العاجز ايضا ففي مثله نحكم بان المقدمة واجبة قبل دخول الوقت ، فانه ما دام قد دل الدليل على ثبوت الملاك في حق العاجز ايضا

ص: 310

فلا بدّ من الحكم بوجوب المقدمة قبل دخول الوقت

ثم تعرضت عبارة الكتاب الى مطلب ثالث وهو انه هل يمكن ان يستفاد من دليل وجوب ذي المقدمة ثبوت ملاك الواجب في حق العاجز ايضا او لا؟ فدليل وجوب الصوم مثلا هل يمكن ان يستفاد منه ان مصلحة الصوم ثابتة في حق العاجز ايضا او لا؟ والجواب بالنفي ، اي لا يمكن ان يستفاد اطلاق الملاك من دليل وجوب الصوم مثلا بل ذلك يحتاج الى قيام دليل خاص ، اذ دليل وجوب الصوم يدل بالمطابقة على وجوب الصوم وبالالتزام على ان في الصوم مصلحة ، وحيث ان المدلول المطابقي وهو وجوب الصوم مقيد بالقدرة وغير ثابت في حق العاجز فلا يمكن بعد هذا الجزم بثبوت الملاك في حق العاجز ، لان المدلول المطابقي اذا سقط عن الحجية في حق العاجز سقط المدلول الالتزامي عنها ايضا.

قوله ص 347 س 3 ان الواجب اذا كان له زمن متأخر : كالصلاة التي زمانها ما بعد الزوال ، وهي تتوقف على الوضوء الذي فرضنا عدم امكان الاتيان به بعد الزوال.

قوله ص 347 س 5 في حينها : اي في وقتها المقرر وهو ما بعد الزوال مثلا.

قوله ص 348 س 6 وفعليته في حينه : عطف تفسير على « الوجوب ».

قوله ص 348 س 9 من هذا القبيل : اي يفوت الواجب لو لم يؤت بها قبل الوقت.

قوله ص 348 س 12 من قبل : بكسر القاف وفتح الباء ، اي ان وجوب السفر ليس نفسيا وانما هو ناشىء من وجوب الحج. وهكذا قوله في السطر الثاني : « من قبل وجوب الصيام » يراد به الاشارة الى ان وجوب الغسل وجوب غيري ناشىء من وجوب الصوم وليس وجوبا نفسيا.

ص: 311

قوله ص 348 س 15 وفي تحديد الضوابط ... الخ : وقد اتضح ان الضوابط التي على ضوئها تجب المقدمة المفوتة هي اما انكار الواجب المشروط بتفسيره المشهور والاخذ بتفسير الشيخ ، او التسليم بالواجب المعلق ، او كون ملاك الواجب مطلقا وثابتا في حق العاجز ايضا.

قوله ص 349 س 6 يعني من الناحية العملية : اي ان الثمرة العملية لانكار الواجب المشروط بتفسيره المشهور هو وجوب المقدمات المفوتة قبل الوقت.

قوله ص 349 س 10 الذي تقدم : صفة لما في تقريرات الشيخ الانصاري او لقوله الوجوب المشروط.

قوله ص 349 س 14 من قبل : بكسر القاف وفتح الباء ، اي ان وجوب المقدمة المفوتة اذا كان وجوبا غيريا ناشئا من قبل وجوب ذي المقدمة استكشفنا من ذلك ان الواجب معلق.

قوله ص 349 س 15 الوجوب معلق : المناسب : الواجب معلق.

قوله ص 350 س 1 فحكم : الصواب : نحكم.

قوله ص 350 س 15 كما انه في كل حالة ... الخ : الى هنا انتهى التفسير الثالث ، وهذا اشارة الى مطلب جانبي اوضحناه في الشرح.

قوله ص 350 س 16 كذلك : اي غير دخيلة في الملاك.

ص: 312

اخذ العلم في موضوع الحكم

اشارة

ص: 313

ص: 314

صور اخذ القطع في موضوع الحكم :

اشارة

قوله ص 352 س 1 قد يفترض ... الخ :

حاصل هذا المبحث هو : هل يمكن تقييد الحكم بخصوص العالم بحيث يؤخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم فيقال مثلا ان علمت بوجوب الجمعة صارت حينذاك واجبة عليك؟ واذا اجيب بعدم الامكان قيل فكيف توجيه بعض الاحكام التي ثبتت لخصوص العالم كوجوب الجهر والاخفات والقصر والتمام ، فان وجوب الجهر يختص بخصوص العالم بوجوب الجهر ، وهكذا في الباقي.

ولتوضيح الحال نقول : توجد اربع صور لتقييد الحكم بخصوص العالم هي :

1 - ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع نفس الحكم الذي تعلق به القطع فيقال مثلا : ان قطعت بوجوب الجمعة صارت حينذاك واجبة عليك.

2 - ان يؤخذ القطع بالحكم لا في موضوع نفس ذلك الحكم بل في موضوع حكم آخر يماثل الحكم الذي تعلق به القطع فيقال مثلا ان قطعت بوجوب الجمعة وجبت عليك بوجوب ثان مغاير للاول.

3 - ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر مضاد للحكم الذي تعلق به القطع كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة حرمت عليك الجمعة.

4 - ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر ليس مضادا ولا مماثلا للحكم الذي تعلق به القطع بل مخالف له ، كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة وجب عليك التصدق ، فان وجوب التصدق ليس ضدا لوجوب الجمعة ولا نفسه

ص: 315

ولا مثله بل مخالف له.

هذه صور أربع. وقد وقع الاتفاق على امكان الصورة الرابعة حيث لا محذور في ان يقال ان قطعت بوجوب الجمعة وجب التصدق ، وانما الكلام في الصور الثلاث الاولى.

ونتحدث اولا عن الصورة الاولى - وهي الصورة المهمة - ثم عن الثانية والثالثة.

اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه :

اما اخذ القطع بالحكم في موضوع نفس الحكم الذي تعلق به القطع - كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة وجبت عليك - فقد قرأنا في الحلقة السابقة انه مستحيل لمحذور الدور ، اذ العلم بالوجوب موقوف على ثبوت الوجوب - كي يتعلق العلم به - فلو كان ثبوت الوجوب موقوفا على العلم به لزم الدور ، اذ العلم بالوجوب يصير موقوفا على العلم بالوجوب. وقرأنا في الحلقة السابقة ايضا ان هذا الدور يمكن دفعه عن طريق المناقشة في المقدمة الاولى حيث يمكن القول بعدم تسليم توقف العلم بالوجوب على ثبوت الوجوب ، فان العلم بالشيء لا يتوقف على ثبوته ، فالعلم بمجيء زيد لا يتوقف على تحقق مجيء زيد واقعا والا يلزم ان يكون كل علم مصيبا وعدم وجود علم مخطىء. هذا ما تقدم في الحلقة السابقة ، وفي هذه الحلقة ولاجل تحقيق صحة الدور وعدمها نقول : ان القطع المأخوذ في موضوع الحكم تارة يكون هو خصوص القطع المصيب واخرى مطلق القطع اعم من كونه مصيبا او لا ، فان :

أ - كان القطع المأخوذ في موضوع الحكم هو خصوص المصيب فتقريب

ص: 316

الدور بالبيان السابق تام ، فان القطع المصيب للواقع موقوف على ثبوت الواقع والا لم يكن مصيبا ، فالقطع بثبوت وجوب الجمعة مثلا لا يكون مصيبا الا اذا كان الوجوب ثابتا في الواقع ، فلو توقف ثبوت الحكم بوجوب الجمعة على القطع بالوجوب لزم الدور اي توقف العلم بثبوت الوجوب على العلم بثبوت الوجوب. وما افيد في دفع الدور من عدم توقف العلم بالشيء على ثبوته باطل لانه يتم في القطع غير المصيب واما المصيب فهو موقوف على ثبوت الشيء في الواقع والا لم يكن مصيبا.

ب - وان كان القطع المأخوذ في موضوع الحكم هو الاعم من المصيب فالدور ببيانه السابق لا يكون تاما ، فان القطع غير المصيب لا يتوقف على ثبوت الشيء في الواقع ، ومن هنا نكون بحاجة لاثبات استحالة هذا القسم الى ذكر بيانات اخرى نقتصر على اثنين منها :

الاول : ان كل قاطع يعتقد بكون قطعه كاشفا عن ثبوت الشيء وليس مثبتا له ، فمن قطع بوجود الاسد في الشارع فهو لا يعتقد ان قطعه هو الذي جاء بالاسد الى الشارع بل دور قطعه دور الكاشف عن وجود الاسد. وفي مقامنا نطبق هذا ونقول : ان القاطع بوجوب الجمعة لا يصدّق بكون قطعه هو المولّد للوجوب وانما يرى ان قطعه كاشف عن تحقق الوجوب ، ومعه فلا يمكن للمولى تشريع الحكم بوجوب الجمعة على القاطع بالوجوب ، لان مثل هذا الحكم لا يمكن ان يصدّق به المكلف اذ لازمه كون القطع مولدا للوجوب ، ومع عدم امكان تصديق المكلف به يكون تشريعه لغوا.

الثاني : ما ذكره الميرزا. وهو يتوقف على بيان مقدمة صغيرة حاصلها : ذكر في علم المعقول ان العلم بالاشياء يحصل بواسطة حضور صورها في الذهن ،

ص: 317

فالعلم بالكتاب يحصل بحضور صورة الكتاب في الذهن والعلم بزيد يحصل بحضور صورته في الذهن وهكذا. ويسمى مثل هذا العلم بالعلم الحصولي ، فالعلم الحصولي اذن عبارة عن حضور صور الاشياء وارتسامها في الذهن. اما نفس الصور كيف يحصل العلم بها؟ لا يحصل العلم بها بواسطة حضور صور اخرى - والا يلزم التسلسل ، اذ الصورة الاولى تعلم بواسطة حضور صورة ثانية ، والثانية بواسطة ثالثة وهكذا - بل بواسطة حضورها في الذهن مباشرة ، فالصورة الذهنية الاولى بما انها حاضرة بنفسها في الذهن فلا يحتاج بعد حضورها بنفسها الى حضور صورتها. ويصطلح على مثل هذا العلم بالعلم الحضوري. وعليه فحصول العلم بالاشياء يتم عن طريق العلم الحصولي اي بحضور صورها في الذهن واما نفس الصور فيتم العلم بها عن طريق العلم الحضوري اي بحضورها بنفسها.

وبعد هذه المقدمة ذكر الميرزا ان القطع بالحكم لو اخذ في موضوع نفس الحكم يلزم الدور. ولكن اين يلزم الدور؟ يلزم في مرحلة الوصول اي في مرحلة العلم ، فالمكلف لا يمكنه العلم بالحكم والاطلاع عليه الا بشكل دوري ، وهذا بخلاف الدور المتقدم سابقا (1) فانه كان يلزم في مرحلة الجعل والتشريع بينما هذا يلزم في مرحلة العلم والوصول. وايضاحه يتم بالشكل التالي.

1 - ان تحقق العلم بالحكم يتوقف على العلم بالموضوع ، فالمكلف لا يمكنه العلم بوجوب الاجتناب عن هذا السائل الا اذا علم بكونه خمرا ، فان الخمر هو موضوع وجوب الاجتناب ، ولا يتحقق العلم بوجوب الاجتناب الا بعد العلم بتحقق الخمرية ، وهكذا لا يمكنه العلم بان هذا الفعل المعين واجب الا اذا علم بانه

ص: 318


1- الذي كان يقول ان العلم بالحكم موقوف على ثبوت الحكم ، فلو كان ثبوت الحكم موقوفا على العلم به يلزم الدور.

صلاة مثلا وعليه فالعلم بالوجوب او اي حكم آخر موقوف على العلم بتحقق موضوع ذلك الحكم.

2 - وبعد توقف العلم بالحكم على العلم بالموضوع نسأل عن الموضوع ونقول ما هو الموضوع في مقامنا الذي يتوقف العلم بالحكم على العلم به؟ انه العلم بالحكم ، اذ المفروض ان العلم بالحكم اخذ موضوعا للحكم.

3 - وبعد كون الموضوع هو العلم بالحكم تصير العبارة السابقة - اي قولنا العلم بالحكم يتوقف على العلم بالموضوع - بعد تبديل كلمة « الموضوع » بكلمة « العلم بالحكم » هكذا : العلم بالحكم يتوقف على العلم بالعلم بالحكم.

4 - ان العلم بالعلم بالحكم ليس الا عبارة عن العلم بالحكم ، لانا عرفنا من خلال المقدمة السابقة ان نفس العلم بالحكم لا يعلم بواسطة ارتسام صورة ثانية في الذهن اي لا يحصل بواسطة علم ثان بل بحضور نفس الصورة الاولى لدى الذهن ، اذن العلم بالعلم بالحكم ليس علما ثانيا مغايرا للعلم الاول بل هو نفس العلم بالحكم.

5 - وبعد اتضاح ان العلم بالعلم بالحكم ليس الا نفس العلم الاول وليس علما ثانيا منضما الى العلم الاول تصير العبارة السابقة هكذا : ان العلم بالحكم يتوقف على العلم بالحكم (1). وهذا ما رام الميرزا اثباته ، اذ اراد اثبات لزوم الدور في مرحلة العلم والوصول وقد تم ذلك اذ ثبت ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالحكم.

ص: 319


1- يمكن توضيح مطلب الميرزا هكذا : العلم بالحكم موقوف على العلم بتحقق الموضوع ، وحيث ان الموضوع هو العلم بالحكم فالقضية المذكورة تساوي ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالعلم بالحكم ، وحيث ان العلم بالعلم بالحكم هو نفس العلم بالحكم فترجع القضية المذكورة الى ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالحكم.

ويمكن مناقشة ذلك بان لدينا ضورتين لا بدّ من التفرقة بينهما :

1 - ان يؤخذ العلم بثبوت الحكم الفعلي - المعبر عنه بالمجعول - في ثبوت الحكم الفعلي فيقال مثلا ان ثبوت الوجوب الفعلي للقصر على المسافر موقوف على ثبوت الوجوب الفعلي للقصر عليه. ولا اشكال في لزوم الدور في هذه الصورة ، اذ العلم بالحكم الفعلي موقوف على ثبوت الحكم الفعلي ، وثبوت الحكم الفعلي موقوف على العلم بالحكم الفعلي ، فبيان الميرزا للدور يكون تاما ، وهكذا البيان الاول حيث يصير العلم بالحكم الفعلي مولدا للحكم الفعلي لا كاشفا والحال ان واقع المطلب على العكس فان العلم بوجود الاسد في الدار لا يولّد وجوده فيه بل هو كاشف عنه.

2 - ان يؤخذ العلم بالحكم الانشائي - المعبر عنه بالجعل او التشريع - في موضوع الحكم الفعلي فيقال هكذا : ان علمت بتشريع وجوب القصر على المسافر ثبت عليك حينذاك الوجوب الفعلي للقصر ، فالعلم بالمجعول لم يؤخذ في موضوع الحكم المجعول بل العلم بالجعل اخذ في موضوع الحكم المجعول. وهذه الصورة معقولة ولا يرد عليها البيان الاول ولا الثاني.

اما ان الاول لا يرد عليها فباعتبار انه لا يلزم في هذه الصورة صيرورة العلم بالشيء مولّدا له ، فالعلم بالتشريع لا يولّد التشريع بل يولّد الحكم الفعلي ، وهو معقول ، اذ لا محذور في ان يكون العلم بالشيء مولّدا لشيء آخر غير ما تعلق به العلم ، فالعلم بوجود الاسد وان لم يكن مولّدا لوجود الاسد ولكن لا محذور في توليده لشيء آخر كالخوف والفرار.

واما ان الثاني لا يرد عليها فباعتبار ان غاية ما يلزم هو توقف العلم بالحكم الفعلي على العلم بالتشريع والحكم الانشائي وهو مما لا محذور فيه انما

ص: 320

المحذور في توقف العلم بالحكم الفعلي على العلم بالحكم الفعلي.

ومن هنا نعرف كيف نجيب لو سألنا سائل : ان تقييد الحكم بخصوص العالم اذا لم يكن ممكنا فكيف نفسر اخذ الشارع العلم بوجوب القصر في موضوع وجوب القصر ، وهكذا بالنسبة للجهر والاخفات؟ والجواب : ان بالامكان التوصل الى ذلك من خلال الصورة الثانية ، فيقول المولى هكذا : اذا علمت بتشريع القصر على المسافر ثبت عليك حينذاك الوجوب الفعلي للقصر.

ثم ان عبارة الكتاب تعرضت لمطلب آخر وهو انه لو رفضنا الصورة الثانية كما رفضنا الصورة الاولى وقلنا ان التقييد في كليتهما غير ممكن - كما هو رأي الميرزا حيث يرفض الصورة الثانية ايضا - فسوف نقع في حيرتين :

1 - لو اراد المولى تقييد وجوب القصر بخصوص العالم فكيف يمكنه التوصل الى ذلك بعد افتراض عدم امكان الصورة الثانية؟

2 - لو اراد المولى جعل الحكم مطلقا وعدم تخصيصه بالعالم فكيف يمكنه التوصل الى ذلك بناء على رأي الميرزا القائل بكون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، فانه اذا استحال التقييد بخصوص العالم استحال الاطلاق ايضا؟

ان هاتين الحيرتين يقع فيهما مثل الميرزا ، ومرجعهما روحا الى حيرة واحدة حاصلها : لزوم كون الاحكام المشرعة مهملة فلا هي مقيدة ولا مطلقة ، فلو سألنا المولى وقلنا له ان الحكم الذي شرعته هل هو واقعا وفي مقام التشريع مطلق او مقيد فلا بدّ وان يجيب ليس هو مقيدا ولا مطلقا.

وان شئت قلت : لو فرض ان الميرزا اراد تشريع حكم لخادمه واراد جعله مقيدا بخصوص حالة العلم فما هو الطريق لذلك؟ ولو اراد جعله مطلقا فما هو

ص: 321

الطريق لذلك بعد وضوح ان الحكم واقعا وفي مقام التشريع لا يخلو من كونه مطلقا او مقيدا ولا يمكن ان يكون مهملا فان الاهمال لا يتصور في مقام الواقع والتشريع وانما يتصور في مقام الاثبات والدلالة فالدليل في مقام الدلالة قد يكون مهملا نظير « اقيموا الصلاة » فانه مهمل من حيث ان السورة جزء او لا واما بلحاظ الواقع فلا بدّ وان يكون اما مقيدا بجزئية السورة او مطلقا من ناحيتها.

وقد تشبث الميرزا لرفع هذه الحيرة بفكرة متمم الجعل (1) التي يرجع حاصلها الى ان المولى يصدر اولا حكما يقول فيه يجب القصر على المسافر ، وهذا الحكم ليس مختصا بالعالم ولا مطلقا له وللجاهل بل هو مهمل من هذه الناحية ، وبعد ذلك اذا اراد تخصيصه بخصوص العالم او تعميمه له وللجاهل امكنه لاجل التوصل الى التقييد او الاطلاق الاستعانة بجعل ثان وذلك باصدار خطاب آخر بلسان : المسافر يجب عليه القصر لو كان عالما بالخطاب الاول الصادر منذ البداية ، هذا لو اراد تقييد الحكم بالعالم ، ولو اراد اطلاقه اصدر خطابا آخر بلسان : المسافر يجب عليه القصر سواء كان عالما بالخطاب الاول ام لا. اذن الخطاب الاول مهمل وليس مقيدا ولا مطلقا وانما يثبت اطلاقه وتقييده بواسطة خطاب ثان مسمى بمتمم الجعل ، فمتمم الجعل هو الذي يثبت الاطلاق والتقييد دون الخطاب الاول.

وذكر الميرزا ايضا ان الخطاب الثاني المعبّر عنه بمتمم الجعل لا يثبت الاطلاق او التقييد في الجعل الاول بل يثبت نتيجة الاطلاق والتقييد فيه. والنكتة في ذلك ان الاطلاق والتقييد لم يحصلا في نفس الجعل الاول مباشرة بل حصلا

ص: 322


1- لهذه الفكرة جذور قبل الميرزا نجدها في كلمات غير واحد من الاعلام منهم الآخوند في مسألة التعبدي والتوصلي.

بواسطة الجعل الثاني ، فمن اجل هذا صح ان يقال ان الجعل الاول لا يثبت فيه الاطلاق والتقييد بل نتيجة ذلك. وههنا تساؤلان :

1 - هل محذور الدور يرتفع بفكرة متمم الجعل او لا؟ نعم يرتفع بذلك لان الدور انما يلزم فيما لو فرض ان المولى قال : ثبوت الجعل الاول موقوف على العلم بالجعل الاول ، لكنه لم يقل ذلك بل قال ان ثبوت الجعل الثاني موقوف على العلم بالجعل الاول ، ولا محذور في ذلك لان ثبوت الجعل الثاني وان توقف على العلم بالجعل الاول الا ان ثبوت الجعل الاول ليس موقوفا على العلم بالجعل الثاني ليلزم الدور.

2 - لماذا اطلق الميرزا على الخطاب الثاني عنوان متمم الجعل ولم يعبر عنه بالجعل المستقل؟ ان ذلك لاجل رجوع كلا الخطابين الى روح واحده وملاك واحد وان كانا من حيث الصورة خطابين ، فالخطاب الثاني ليست له روح مستقلة ولا ملاك مستقل ليعبّر عنه بالجعل المستقل ، ولاجل وحدة الروح كان التقييد والاطلاق الحاصل بواسطة الخطاب الثاني في حكم تقييد واطلاق الخطاب الاول. هذه حصيلة فكرة متمم الجعل.

ويمكن مناقشة ذلك بان الحكم الفعلي بوجوب القصر في الخطاب الثاني اذا كان مقيدا بالعلم بالخطاب الاول فنسأل بماذا هو مقيد؟ فهل هو مقيد بالعلم بتشريع الخطاب الاول او بالعلم بالحكم الفعلي في الخطاب الاول؟ وبكلمة اخرى : ان فعلية الخطاب الثاني المعبّر عنها بالمجعول اذا كانت مقيدة فهل هي مقيدة بالعلم بالجعل في الخطاب الاول او بالعلم بالمجعول في الخطاب الاول ، فان :

أ - اخذنا بالاحتمال الاول وقلنا بتقيّد الحكم الفعلي في الخطاب الثاني بالعلم

ص: 323

بالجعل في الخطاب الاول فهو وان كان معقولا ولكنه تطويل بلا طائل ، اذ تقييد الحكم الفعلي بوجوب القصر بالعلم بتشريع وجوب القصر يمكن الحصول عليه بلا توسيط فكرة متمم الجعل فيمكن اعمال هذا التقييد في نفس الخطاب الاول بلا حاجة الى خطاب ثان بان يقول المولى : متى ما علمت بتشريع وجوب القصر على المسافر صار عليك وجوب القصر فعليا ، اذ تقدم امكان تقييد الحكم الواحد بالعلم من دون لزوم محذور الدور وذلك بجعل مرتبة الفعلية منوطة بالعلم بالانشاء.

ب - وان اخذنا بالاحتمال الثاني وقلنا بان الحكم الفعلي في الخطاب الثاني مقيد بالعلم بالحكم الفعلي في الخطاب الاول فيرده : ان الاحتمال المذكور غير معقول في نفسه ، اذ مع تقيد الحكم الفعلي في الخطاب الثاني بالعلم بالحكم الفعلي في الخطاب الاول فنسأل متى يكون الحكم في الخطاب الاول فعليا؟ فهل هو فعلي في حق خصوص العالم به بحيث تكون فعلية الخطاب الاول مقيدة بالعلم بفعلية نفس الخطاب الاول ولازمه الدور كما هو واضح ، او هو فعلي في حق العالم والجاهل معا ولازمه عدم اهمال الخطاب الاول بل يكون مطلقا ، وهذا خلف ما ذكره الميرزا من اهمال الجعل الاول.

ثمرة البحث :

وقد يسأل عن ثمره بحثنا هذا؟ والجواب : انها تظهر بالشكل التالي :

1 - لو قلنا بامكان تقييد الاحكام بالعلم وامكان الاطلاق ايضا كما هو مختار السيد الشهيد - حيث ذكر ان تقييد الحكم بالعلم يمكن بواسطة تقييد المجعول بالعلم بالجعل بان يقول المولى اذا علمت بتشريع وجوب القصر صار

ص: 324

عليك فعليا ، فالتقييد ممكن كما وان الاطلاق ممكن بالاولوية - فمتى ما دل الدليل على حكم معين وشك في تقييده بالعالم واطلاقه فيمكن التمسك باطلاق الدليل لنفي احتمال تقيده بخصوص العالم كما هو الحال في بقية القيود الاخرى التي يشك في قيديتها للحكم كقيدية الايمان في الرقبة ، فكما لو شك في اعتبار قيدية الايمان امكن التمسك باطلاق الدليل لنفيها كذا يمكن التمسك بالاطلاق في المقام لنفي قيدية العلم.

2 - وان قلنا بان تقييد الحكم بالعلم مستحيل وانه متى ما استحال التقييد استحال الاطلاق - كما هو رأي الميرزا - فلا يمكن التمسك باطلاق الدليل لاثبات ان الحكم ثبوتا وواقعا مطلق وغير مقيد بالعلم لان الاطلاق الاثباتي انما يكشف عن الاطلاق الثبوتي فيما اذا كان الاطلاق الثبوتي ممكنا ، وحيث فرضنا استحالته - لاستحالة التقييد وكلما استحال التقييد استحال الاطلاق - فلا يمكن التمسك بالاطلاق الاثباتي في الدليل.

3 - وان قلنا بان تقييد الحكم مستحيل كما هو رأي الميرزا ولكن قلنا ان استحالة التقييد لا تستوجب استحالة الاطلاق بل يكون الاطلاق واجبا من جهة ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل النقيضين او الضدين اللذين لا ثالث لهما ، فلا يمكن ايضا التمسك باطلاق الدليل لاثبات اطلاق الحكم ، لان الاطلاق الاثباتي انما يتمسك به فيما اذا كان الاطلاق الثبوتي مشكوكا ومرددا ، فبالاطلاق الاثباتي يرفع الشك ويثبت الاطلاق ثبوتا ، اما اذا فرض ان الاطلاق الثبوتي كان حتميا وواجبا - كما هو المفروض على هذا الاحتمال فلا معنى للتمسك بالاطلاق الاثباتي لكون التمسك به تمسكا بالدليل لاثبات شيء معلوم الحصول ، اجل لو اردنا التمسك باطلاق الدليل فلا بدّ وان يكون لاثبات شيء آخر غير

ص: 325

اطلاق الحكم كأن يتمسك به لاثبات اطلاق ملاك الحكم فان اطلاق الحكم وان كان معلوما الا ان اطلاق الملاك وشموله للجاهل حيث انه مشكوك فيتمسك باطلاق الدليل لاثبات شمولية الملاك. وهذه المحاولة وان كانت معقولة الا انها مع ذلك باطلة لانه حينما يراد التمسك بطلاق الدليل لا ثبات اطلاق الملاك فنسأل : هل يجعل اطلاق الدليل كاشفا بالمباشرة عن اطلاق الحكم او يجعل اطلاق الدليل كاشفا في المرحلة الاولى عن اطلاق الحكم وبعد ثبوت اطلاق الحكم يجعل اطلاق الحكم كاشفا عن اطلاق الملاك؟ فان :

أ - جعلنا اطلاق الدليل كاشفا بالمباشرة عن اطلاق الملاك (1) فيرده : ان الدليل لا يدل بالمباشرة على الملاك ليتمسك باطلاقه لاثبات اطلاق الملاك ، وانما يدل بالمباشرة على الحكم وبعد دلالته على الحكم يدل على الملاك.

ب - وان جعلنا اطلاق الدليل كاشفا ابتداء عن اطلاق الحكم ثم نستعين باطلاق الحكم لاثبات اطلاق الملاك فيرده : ان اطلاق الدليل لو سلم كونه كاشفا عن اطلاق الحكم الا ان اطلاق الحكم لا يمكن ان يدل على اطلاق الملاك الا اذا كان تقييد الحكم ممكنا ولم يقيد ، فان اطلاقه حينئذ كاشف عن اطلاق الملاك ، اما بعد فرض استحالة تقييد الحكم فلا يكون اطلاقه كاشفا عن اطلاق الملاك ، وحيث ان المفروض في المقام استحالة تقييد الحكم بالعلم فلا يكون اطلاقه كاشفا عن اطلاق الملاك.

قوله ص 352 س 2 مضاد له : اي للحكم الذي تعلق به القطع.

قوله ص 352 س 10 وتحقيق الحال : كل ما سبق كان مذكورا في الحلقة الثانية ، والكلام الجديد في هذه الحلقة يبتدأ من هذه الجملة. وحاصل هذا

ص: 326


1- اخّر هذا الاحتمال في عبارة الكتاب ونحن قدمناه لكونه اوضح.

التحقيق : ان محذور الدور مقبول في خصوص العلم المصيب دون الاعم.

قوله ص 353 س 5 بالتقريب المذكور : اي المشار له ص 352 س 7 من الحلقة.

قوله ص 353 س 6 بوجوه : ذكر منها قدّس سره هنا وجهين.

قوله ص 353 س 15 بعلم زائد : اي بعلم ثان.

قوله ص 354 س 3 الا ان كل هذا ... الخ : هذا جواب الوجهين السابقين.

قوله ص 354 س 4 في موضوعه : اي في موضوع نفس الحكم المجعول.

قوله ص 354 س 12 الثبوتيين : واما الاثباتيان فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة على جميع الآراء كما تقدم في مبحث التقابل بين الاطلاق والتقييد. ثم ان الوجه في التقييد بالثبوتيين هو ان كلامنا في كون الحكم الصادر من المولى هل هو واقعا وفي مقام التشريع مقيد او مطلق وليس الكلام بلحاظ عالم الدلالة.

قوله ص 355 س 4 لا بها : الصواب : لا بهما ، اي لا بنفس الاطلاق والتقييد.

قوله ص 355 س 5 عن اطلاقه : اي اطلاق الجعل الاول.

قوله ص 355 س 13 ان اراد تقييد الحكم : اي تقييد الحكم الفعلي - المعبر عنه بالمجعول - في الجعل الثاني.

قوله ص 355 س 15 وان اراد تقييد الحكم : اي تقييد الحكم الفعلي في الجعل الثاني.

قوله ص 356 س 13 فلا يمكن ذلك : اي نفي احتمال قيدية العلم بالاطلاق.

قوله ص 356 س 14 كما يرى ذلك : اي انه اذا استحال التقييد كان الاطلاق ضروريا.

ص: 327

قوله ص 357 س 4 وهذا معلوم بالضرورة : اي ان اطلاق الحكم معلوم بالضرورة على هذا المبنى الثالث الذي يقول بان الاطلاق ضروري عند استحالة التقييد.

اخذ العلم بالحكم في موضوع ضده او مثله :

قوله ص 357 س 11 واما الافتراض الثاني ... الخ : تقدم في بداية البحث ان اخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم له اربع صور وهي :

1 - اخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم الذي تعلق به القطع.

2 - اخذ العلم بالحكم في موضوع ضده.

3 - اخذ العلم بالحكم في موضوع مثله.

4 - اخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر مخالف.

والكلام الى الآن كان في الصورة الاولى واتضح ان التقييد فيها ممكن فيما اذا اخذ القطع بالحكم الانشائي - المعبر عنه بالجعل - في موضوع الحكم الفعلي المعبر عنه بالمجعول.

واما الصورة الرابعة فقد تقدم انها ممكنة جزما لوجاهة ان يقال ان قطعت بوجوب الجمعة وجب التصدق. وعلى هذا بقي ان نتحدث عن الصورة الثانية والثالثة.

اما الصورة الثانية - وهي اخذ القطع في موضوع حكم مضاد نظير قولنا ان قطعت بوجوب الجمعة حرمت عليك - فهي مستحيلة للزوم اجتماع الحكمين المتضادين فيها ، اذ عند القطع بالوجوب يكون الوجوب ثابتا لفرض القطع به كما ويكون التحريم ثابتا لفرض تحقق موضوعه ، ومع لزوم اجتماع المتضادين

ص: 328

يستحيل تصديق المكلف بثبوت التحريم عند القطع بالوجوب ، ومع استحالة تصديقه بثبوت مثل الحكم المذكور يكون تشريعه غير ممكن للغوية تشريع حكم لا يمكن تصديق المكلف به.

لا يقال : ان اجتماع المتضادين انما يلزم فيما اذا قطع المكلف بالوجوب وكان قطعه مصيبا للواقع - اي كان الوجوب ثابتا في الواقع - اما اذا كان القطع مخطئا فلا يلزم ذلك اذ مع خطأ القطع لا يكون الوجوب ثابتا واقعا ليلزم اجتماعه مع التحريم ، ويترتب على هذا ان هذه الصورة لا تكون باطلة دائما وفي جميع الحالات بل في خصوص ما ذا كان القطع مصيبا.

فانه يقال : انه في صورة خطأ القطع وان لم يلزم اجتماع المتضادين في عالم الواقع بيد انه يلزم اجتماعهما في نظر القاطع ، فان القاطع يرى ان قطعه مصيب دائما والا لم يكن قاطعا. وعليه فبنظر القاطع يلزم دائما محذور اجتماع المتضادين ، غاية الامر في حالة كون القطع مصيبا يلزم محذور آخر وهو اجتماعهما في الواقع ايضا. وعلى هذا يصح ان نقول : يلزم في حالة اصابة القطع اجتماع المتضادين في نظر القاطع والواقع معا ، وفي حالة الخطأ يلزم اجتماعهما في نظر القاطع فقط (1).

وبعد هذا تعرضت عبارة الكتاب الى مطلب آخر وهو : ان المولى اذا قال ان قطعت بوجوب الجمعة ثبت عليك التحريم فمعنى ذلك سلب الحجية عن القطع ، فان لسلب الحجية عن القطع اسلوبين :

أ - ان يقال بلسان صريح ان القطع بالوجوب ليس حجة.

ب - ان يشرع حالة القطع بالوجوب حكم مضاد للوجوب فيقال ان

ص: 329


1- وواضح ان اجتماع الضدين كما هو مستحيل واقعا كذلك هو مستحيل في نظر القاطع ، فلا يمكن لعاقل القطع بان هذه الورقة من الكتاب بيضاء وسوداء في وقت واحد فانه وان لم يلزم من قطعه هذا اجتماع الضدين حقيقة وواقعا ولكن مع ذلك هو مستحيل في نفسه.

قطعت بالوجوب ثبت التحريم ، ان معنى هذا سلب الحجية عن القطع والا فكيف اثبت التحريم ولم تعر اهمية للقطع.

اذن متى ما امكن - عند القطع بالوجوب - اثبات التحريم او اي حكم آخر مضاد فلازم ذلك امكان سلب الحجية عن القطع ، ومتى لم يمكن ذلك - كما هو الصحيح حيث قلنا ان اثبات التحريم عند القطع بالوجوب لازمه اجتماع المتضادين - فلازمه عدم امكان سلب الحجية عنه.

وبهذا اتضح انا لو سئلنا : لماذا لا يمكن سلب الحجية عن القطع اجبنا بان سلبها يتحقق باثبات حكم آخر مضاد وهو غير ممكن لان لازمه اجتماع المتضادين في نظر القاطع بل وفي الواقع على تقدير اصابة القطع. الصورة الثالثة (1) :

واما الصورة الثالثة - وهي اخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر مماثل نظير ان قطعت بوجوب الجمعة ثبت عليك وجوب آخر - فقد يقال باستحالتها لمحذور اجتماع المتماثلين.

وقد يقال بان اجتماع الوجوبين ليس من اجتماع المثلين كي يكون مستحيلا ، اذ عند اجتماع الوجوبين يندك احدهما في الآخر ويصيران وجوبا واحدا اكيدا نظير اجتماع سواد ثان مع السواد الاول في مكان واحد فانه يتحول السواد الاول الى سواد أكيد ، وانما يستحيل اجتماع السوادين او الوجوبين فيما اذا بقي كل منهما على حده الخاص بحيث يعدان بعد الاجتماع سوادين ايضا ، اما اذا زال حدهما الخاص وعدا سوادا واحدا فلا يلزم اجتماع المثلين نظير ما اذا قال المولى اكرم عادلا واكرم فقيرا ، فانه اذا راى العبد شخصا يجمع الفقر والعدالة اجتمع

ص: 330


1- افراد هذه الصورة بعنوان مستقل لطول الفصل.

الوجوبان في حقه بدون ان يلزم محذور اجتماع المثلين لاندكاك احدهما في الآخر وتحولهما الى وجوب واحد اكيد.

والجواب : ان اندكاك احد الوجوبين في الآخر انما يعقل لو كانا عرضيين اي كان احدهما في عرض الآخر (1) كما في اكرم عادلا واكرم فقيرا ، فان وجوب اكرام العادل ليس في طول وجوب اكرام الفقير لعدم توقفه عليه ، كما ان وجوب اكرام الفقير ليس في طول وجوب اكرام العادل لعدم توقفه عليه فهما اذن وجوبان عرضيان لعدم توقف احدهما على الآخر ، وفي مثله يعقل الاندكاك والتحول الى وجوب واحد اكيد ، اما اذا كانا طوليين بمعنى توقف احدهما على الآخر فلا يكون التأكد والاندكاك معقولا (2) ، وحيث ان الوجوبين في المقام طوليان وليسا عرضيين - حيث ان الوجوب الثاني موقوف على حصول القطع بالوجوب الاول ، ولو لا حصول القطع بالوجوب الاول لم يتولد الوجوب الثاني - فلا يكون التأكد والتوحد معقولا.

قوله ص 357 س 12 يرى في ذلك : اي في اثبات التحريم عند القطع بالوجوب مثلا.

قوله ص 358 س 6 نفس المحذور المتقدم : اي يقال لا يمكن ان يصدق المكلف بثبوت الوجوب الثاني عند القطع بالوجوب الاول - لمحذور اجتماع المثلين - ومعه فيكون تشريع الحكم الثاني لغوا.

قوله ص 358 س 12 وترتب : عطف تفسير على « طولية ».

ص: 331


1- المقصود من العرضية عدم توقف احد الوجوبين على الآخر.
2- لان لازم التأكد والتوحد في الشيئين اللذين بينهما طولية وتوقف صيرورة الشيء الواحد متوقفا ومتوقفا عليه ، وبعتبير آخر صيرورة الشيء الواحد علة ومعلولا ، لان الشيء المتوقف عليه علة والشيء المتوقف معلول ، فاذا اتحدا صار الشىء الواحد علة ومعلولا.

قوله ص 358 س 13 كما في المثال : اي مثال اكرم الفقير واكرم العادل.

قوله ص 358 س 13 حيث ان احدهما ... الخ : اي حيث ان الوجوب الثاني متأخر رتبة عن الوجوب الاول لان الوجوب الثاني متوقف على حصول القطع بالوجوب الاول ... الخ.

ص: 332

الواجب التعبدي والتوصلي

اشارة

ص: 333

ص: 334

تقسيم الواجب وملاكه :

اشارة

قوله ص 359 س 1 لا شك في وجود واجبات ... الخ :

ذكر الاعلام ان الواجب ينقسم الى تعبدي وتوصلي. والوجه في ذلك ان الواجب تارة لا يسقط عن ذمة المكلف الا اذا اتي به بقصد القربة كالصلاة والصوم ونحوهما ، ويسمى مثل ذلك بالواجب التعبدي ، واخرى يسقط عن الذمة ولو لم يؤت به بقصد القربة كرد السلام وقطع المسافة للحج ، ويسمى مثل ذلك بالواجب التوصلي.

والفرق بهذا المقدار بين الواجب التوصلي والتعبدي مسلم وواضح وليس هو المنظور الاساسي في هذا البحث وانما المنظور الاساسي هو ان الفارق بينهما هل يكمن في عالم الجعل والوجوب او في عالم الغرض والملاك.

توضيح ذلك : ان الفرق بين الوجوبين تارة يجعل بلحاظ عالم الجعل بان يقال : ان المولى في عالم الجعل تارة يصب الوجوب على الفعل المقيد بقصد الامتثال فيقول مثلا تجب الصلاة المقيدة بقصد الامتثال ، واخرى يصبه على ذات الفعل فيقول مثلا يجب رد السلام دون ان يقيده بقصد الامتثال ، والاول هو الواجب التعبدي والثاني هو التوصلي. وبناء على هذا يكون الفارق بلحاظ عالم الجعل.

واخرى - وهو الرأي الثاني - يقال ان الوجوب لا يمكن ان ينصب على الفعل المقيد بقصد الامتثال لمحاذير تأتي الاشارة لها انشاء اللّه بل دائما ينصب على

ص: 335

ذات الفعل من دون فرق بين الواجب التوصلي والتعبدي ففي الصلاة مثلا يصب المولى الوجوب على ذات الفعل ويقول تجب الصلاة ولا يقول تجب الصلاة المقيدة بقصد الامتثال لاستحالة ذلك. هكذا يقول جماعة منهم الآخوند.

وقد تقول : اذا كان الوجوب في كلا القسمين منصبا على ذات الفعل فما هو الفارق بينهما اذن؟ والجواب : ان اصحاب هذا الرأي قالوا ان الفارق يكمن في الملاك والغرض ، بمعنى ان الغرض من الوجوب المتعلق بذات الفعل تارة يكون سنخ غرض لا يحصل الا مع الاتيان بالفعل بقصد الامتثال ، واخرى سنخ غرض يحصل ولو لم يؤت بالفعل بقصد الامتثال ، والاول هو التعبدي والثاني هو التوصلي.

وهذا الرأي - الذي اختاره الآخوند وجماعة والذي يجعل الفارق بلحاظ الملاك والغرض - تولد بسبب اعتقاد اصحابه بطلان الرأي الاول ، اي بسبب اعتقادهم استحالة كون الفارق بلحاظ عالم الجعل ، وهذه الاستحالة ان تمت تعين - كما اختاروه - جعل الفارق بلحاظ الغرض والملاك والا كان اللازم جعله بلحاظ عالم الجعل ومتعلق التكليف.

اما وجه استحالة اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر فقد ذكرت له براهين متعددة نذكر منها :

البرهان الاول

ما ذكره الآخوند من لزوم صيرورة قصد الامتثال متقدما ومتأخرا في آن واحد ، وهو مستحيل كما هو واضح. والوجه في لزوم ذلك : ان قصد امتثال الامر ، متأخر عن وجود الامر ، اذ لا بدّ من وجود الامر اولا حتى يمكن فرض قصد امتثاله ، فانه من دون وجود الامر فاي شيء يقصد المكلف امتثاله ، واذا كان

ص: 336

قصد الامتثال متأخرا عن الامر وموقوفا عليه وفي طوله نقول : لو كان قصد امتثال الامر مأخوذا في متعلق الامر بحيث كان الامر منصبا على الفعل المقيد بقصد الامتثال لزم تقدم قصد الامتثال على وجود الأمر ، لان قصد الامتثال حينما يؤخذ في متعلق الامر يصير معروضا ومركزا للامر ، ومن الواضح ان معروض الشيء متقدم عليه ، فزيد اذا كان معروضا للقيام فلا بدّ من فرض تقدمه على القيام كي يعرض عليه.

وباختصار : ان قصد امتثال الامر بما انه يتوقف على وجود الامر فهو متأخر عن الامر ، فلو كان مأخوذا في متعلق الامر صار متقدما على الامر ، فيلزم صيرورة قصد الامتثال متقدما على الامر ومتأخرا عنه وهو مستحيل.

جواب البرهان الاول :

والجواب يتوقف على استعراض مقدمة نذكر فيها ثلاثة مطالب قرأناها فيما سبق وهي :

1 - قرأنا في الحلقة الاولى ص 157 وجود مصطلحين اصوليين هما : « الموضوع والمتعلق » ، ولاجل التعرف عليهما نذكر المثال التالي : لو فرض ان المولى قال يجب الحج على المستطيع كان الوجوب منصبا على شيئين هما الحج والمستطيع. ولو دققنا في الحج والاستطاعة لوجدنا فارقا بينهما وهو ان الاستطاعة لا يدعو الوجوب الى تحصيلها ولا يطلب منا السعي نحو ايجادها بل يقول متى حصلت صدفة واتفاقا وجب الحج ، وهذا بخلافه بالنسبة الى الحج ، فان الوجوب يدعو اليه ويطلب ايجاده ولا يقول لو فرض صدفة تحقق الحج وجب ، اذا اتضح هذا نقول : ان مثل الحج الذي يدعو الامر الى ايجاده يصطلح عليه بالمتعلق ، بينما مثل الاستطاعة يصطلح عليها بالموضوع ، فالمتعلق مصطلح يطلق

ص: 337

على ما يدعو التكليف الى ايجاده او تركه بينما الموضوع مصطلح يطلق على ما لا يدعو اليه التكليف بل يكون ثابتا على تقدير حصوله صدفة.

2 - قرأنا في الحلقة الاولى ايضا ص 156 ان للحكم مرحلتين : مرحلة الجعل ومرحلة المجعول ، فان كل حكم يمر بمرحلتين ، فاولا ينشؤه المولى ويشرعه بمثل لسان « ولله على الناس ... » ، وثانيا يصير فعليا وذلك عند تحقق الاستطاعة - الموضوع - خارجا ، فانشاؤه وتشريعه يسمى بالجعل ، واذا صار الحكم فعليا بسبب فعلية موضوعه سمي بالمجعول.

3 - اذا اراد المولى تشريع حكم كوجوب الحج على المستطيع فلا يمكنه ذلك الا اذا فرض وجود الحج ووجود الاستطاعة ، فان الوجوب عرض من الاعراض كالسواد والبياض والقيام ، فكما ان هذه تحتاج الى وجود محل مسبق لتطرأ عليه كذلك الحال في الوجوب ، فان المولى لا يمكنه تشريعه الا اذا كان محله منذ البدء ثابتا ، فان ثبوت الوجوب بلا محل امر مستحيل ، وهذا مطلب واضح ولا يحتاج الى زيادة بيان ، وانما الذي لا بدّ من الوقفة القصيرة عنده هو ان الحج والاستطاعة اللذين هما محل الوجوب هل لا بدّ من وجودهما - قبل تشريع الوجوب - بالوجود الخارجي او بالوجود التصوري؟ اي هل لا بدّ من فرض تحقق الحج والاستطاعة وبعد ذلك يشرع المولى الوجوب او ان اللازم تصور المولى لهما في ذهنه اولا ثم تشريع الوجوب بعد ذلك؟ والصحيح هو الاحتمال الثاني اي لا بدّ من تصورهما اولا ثم تشريع الوجوب فانه اذا تصور المولى الحج والاستطاعة وجّه الوجوب بعد ذلك الى الحج المشروط بالاستطاعة ، والاحتمال الاول باطل جزما ، اذ كيف يحتمل لا بدية وجود الحج اولا ثم صب الوجوب عليه!! انه غير محتمل ، اذ لازمه بقاء المولى منتظرا المكلف متى يأتي بالحج لكي

ص: 338

يصب عليه الوجوب واذا لم يأت به يكون الوجوب منتفيا. هذا اضافة الى لزوم عدم عصيان المكلف لو ترك الحج ، اذ قبل ان يأتي به لا وجوب لكي يكون عاصيا له ، اذن هذا الاحتمال باطل والامر بالعكس تماما ، فالوجوب لا بدّ من افتراضه اولا وبعد ذلك يوجد الحج خارجا ، فان المكلف انما يأتي بالحج لاجل استقرار الوجوب عليه اولا فتحقق الحج خارجا هو من نتائج وثمرات الوجوب ومن الامور المسببة عنه من دون ان يكون هو المحل له ، وانما المحل هو الحج بوجوده التصوري ، فالمولى اذا تصور الحج صب الوجوب عليه وبعد صبه عليه يقوم المكلف بايجاده خارجا.

والخلاصة : ان تشريع الوجوب وانشاءه يتوقف على تصور الحج والاستطاعة لا على وجودهما الخارجي ، اجل صيرورة الوجوب فعليا يتوقف على تحقق الاستطاعة - التي تسمى بالموضوع - خارجا ، فما لم تتحقق خارجا وتصير فعلية لا يصير الوجوب فعليا بل يبقى انشائيا.

ومن كل هذا البيان سنخرج بهذه النتيجة وهي ان الحكم على مستوى الجعل والانشاء يتوقف على تصور كل من الحج والاستطاعة اي على تصور كل من المتعلق والموضوع (1) ، واما على مستوى المجعول - اي على مستوى الحكم الفعلي - فهو يتوقف على تحقق الموضوع خارجا اي تحقق الاستطاعة ، ومن هنا قيل ان فعلية الحكم منوطة بفعلية موضوعة بخلاف تشريعه وجعله فانه منوط بتصور موضوعه ومتعلقه ، وبهذا تنتهي المقدمة بمطالبها الثلاثة.

وبعد هذا نعود الى الجواب وحاصله : ان البرهان على استحالة اخذ قصد الامتثال يرجع الى لزوم صيرورة قصد الامتثال متقدما ومتأخرا وهو باطل ،

ص: 339


1- فان الحج متعلق والاستطاعة موضوع على ما اتضح سابقا.

ولكنا نقول ليس هو باطلا ، اذ تأخر قصد الامتثال عن الامر وان كان امرا مسلما بيد ان المتأخر عن الامر هو قصد الامر بوجوده الخارجي اي ان المكلف لا يمكنه تحقيق قصد الامتثال في قلبه حقيقة الا اذا فرض وجود الامر اولا والا فاي شيء يقصد امتثاله ، اذن ما قيل في المقدمة الاولى من ان قصد الامتثال متأخر عن الامر يراد به ان قصد الامتثال بوجوده الخارجي متأخر عنه بينما المراد في المقدمة الثانية حينما قيل ان قصد الامتثال لو كان مأخوذا في المتعلق يلزم تقدمه على الامر هو لزوم تقدم قصد الامتثال بوجوده التصوري على الامر ولا يلزم تقدمه بوجوده الخارجي عليه اذ المتعلق للامر وان كان متقدما على الامر الا انه متقدم عليه بوجوده التصوري على ما اشرنا له في المطلب الثالث.

وبعد هذا تكون النتيجة هي ان قصد الامتثال متقدم بوجوده التصوري ومتأخر بوجود الخارجي وهذا لا محذور فيه وانما المحذور فيما لو كان بوجوده الخارجي متقدما ومتأخرا.

ثم ان منشأ الاشتباه في اعتقاد لزوم الدور هو عدم التمييز بين المتعلق والموضوع فتخيل ان المتعلق هو الموضوع ، فحينما يقال ان قصد الامتثال مأخوذ في متعلق الامر يتخيل ان المقصود اخذ قصد الامتثال في الموضوع ، وبناء عليه يلزم ان يكون قصد الامتثال بوجوده الخارجي متقدما على الامر ومتأخرا عنه ، اذ تحقق قصد الامتثال خارجا بما انه متوقف على وجود الامر فيكون متأخرا عنه فلو كان مأخوذا في المتعلق الذي هو الموضوع حسب تخيل صاحب هذا البرهان يلزم تقدمه لان الموضوع بوجوده الخارجي متقدم على الامر الفعلي ، ولكن بعد ان ميزنا بين المتعلق والموضوع بالشكل المتقدم وميزنا بين الجعل والمجعول وعرفنا اناطة الجعل بتصور كل من المتعلق والموضوع بخلاف المجعول فانه منوط

ص: 340

بتحقق الموضوع خارجا ، بعد ان عرفنا كل هذا فلا نقع في الاشتباه ، اذ قصد الامتثال وان كان متأخرا عن الامر ولكنه متأخر عنه بوجوده الخارجي ، فلو اخذ في متعلق الامر يلزم تقدمه ولكن بوجوده التصوري - اذ الجعل يتوقف على تصور المتعلق اولا - لا بوجوده الخارجي حتى يلزم الدور اذ الذي يلزم تقدمه بوجوده الخارجي هو الموضوع لا المتعلق.

البرهان الثاني

يمكن توضيح هذا البرهان ببيانين يرجعان الى روح واحدة :

أ - ان لازم تعلق الامر بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال صيرورة الامر بالصلاة محركا نحو محركية نفسه ، اذ معنى قصد امتثال الامر هو محركية الامر نحو الفعل ، فقصد امتثال الامر بالصلاة معناه ان المحرك نحو الصلاة هو الامر بها ، وعلى هذا يمكننا ابدال جملة « قصد امتثال الامر بالصلاة » بجملة « محركية الامر بالصلاة نحو الصلاة ». وعلى ضوء هذا فلو قال المولى تجب الصلاة المقيدة بقصد الامتثال فمعناه ان الامر بالصلاة سوف يحرك نحو شيئين فهو يحرك نحو ذات الصلاة ويحرك نحو قصد الامتثال ، وبما ان قصد الامتثال معناه محركية الامر فسوف يكون الامر بالصلاة محركا نحو قصد امتثاله اي نحو محركية نفس الامر بالصلاة ، وهذا هو ما قلناه من لزوم صيرورة الامر بالصلاة محركا نحو محركية نفسه وهو غير معقول فان المعقول هو التحريك نحو الفعل لا نحو محركية وعليّة نفسه اذ الشيء اذا لم يقبل ان يكون علة لنفسه فبالاولى لا يقبل ان يكون علة لعليّة نفسه (1)

ب - ان قصد امتثال الامر (2) لا يمكن ان يتحقق الا اذا اتى المكلف بتمام

ص: 341


1- هذا البيان مذكور في كلمات الشيخ الاصفهاني في نهاية الدراية ج 1 ص 132.
2- هذا البيان مذكور في كلمات الاصوليين كوجه مستقل لا كبيان آخر.

متعلق الامر فانه اذا اتى بتمام المتعلق قاصدا امتثال الامر فحينذاك يصدق تحقق قصد الامتثال. وفي المقام نقول ان الامر لو كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فالمتعلق للامر ما هو؟ فهل هو ذات الصلاة او هو الصلاة مع التقيد بقصد الامتثال؟ كلا ليس هو ذات الصلاة ، ومع عدم كونه ذات الصلاة فلا يمكن للمكلف ان يقصد الاتيان بذات الصلاة لاجل الامتثال اذ ذات الصلاة ليست متعلقا للامر حتى يقصد بها الامتثال بل لا بدّ وان يقصد الاتيان بالصلاة مع قصد الامتثال لاجل قصد الامتثال ، وهذا باطل ، اذ قصد الصلاة بهذا الشكل لا يحتمل فقيه لزومه مضافا الى ان لازمه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال اي تعلق الشيء بنفسه ومحركية الشيء نحو نفسه.

ويمكن ان نوضح هذا البيان الثاني بعبارة اخرى (1) بان نقول : ان قصد امتثال الامر لا يمكن ان يتحقق الا بان يكون المأتي به مصداقا لمتعلق الامر ، ومن الواضح ان الامر اذا كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فالمصداق للمتعلق ليس هو ذات الصلاة بل الصلاة بقصد الامتثال ، فاذا اراد المكلف الاتيان بهذا المصداق بقصد الامتثال فلازمه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال وهذا معناه توقف الشيء على نفسه اي توقف قصد الامتثال على قصد الامتثال وهو مستحيل. هذا حاصل البرهان الثاني.

واجاب غير واحد من الاعلام عنه بان الامر اذا كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فهذا معناه ان المتعلق مركب من جزئين هما : الصلاة وقصد الامتثال ، ومع كون المتعلق جزئين يلزم انحلال الامر المتعلق بهذا المركب الى امرين ضمنيين احدهما متعلق بالجزء الاول وهو الصلاة ، والآخر بالجزء الثاني

ص: 342


1- وليست هي بيانا ثالثا.

وهو قصد الامتثال ، واذا امكننا الحصول على هذين الامرين اندفع كلا البيانين.

اما البيان الاول - الذي كان يقول ان معنى قصد امتثال الامر محركية الامر ، فلو كان الامر متعلقا بالصلاة وبقصد الامتثال كان الامر محركا نحو قصد الامتثال وبالتالي محركا نحو محركية نفسه - فيمكن دفعه بان اي امر يكون محركا نحو محركية نفسه فهل الامر الاول يكون محركا نحو محركية نفسه او الامر الثاني يكون كذلك؟ وكلاهما باطل. اما الامر الاول فلأنه متعلق بذات الصلاة ولم يتعلق بقصد الامتثال حتى يكون محركا نحو محركية نفسه. واما الامر الثاني فلأنه وان كان متعلقا بقصد الامتثال الا انه متعلق بقصد امتثال الامر الاول وليس متعلقا بقصد امتثال امر نفسه ، ومعه فاقصى ما يلزم محركية الامر الثاني نحو محركية الامر الاول ، وهذا شيء معقول ، اذ محركية الامر نحو محركية غيره امر ممكن ، والذي لا يمكن هو تحريك الامر نحو محركية نفسه.

واما البيان الثاني - الذي يقول بان لازم اخذ قصد الامتثال في المتعلق توقف تحقق الامتثال على الاتيان بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال بقصد الامتثال - فيرده : ان ذات الصلاة هي متعلق للامر الاول فيمكن الاتيان بها بقصد امتثال الامر الاول ولا يلزم الاتيان بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال بقصد الامتثال حتى يلزم تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال (1).

البرهان الثالث

وتوضيح هذا البرهان (2) يتوقف على استعراض مقدمة تشتمل على

ص: 343


1- وقد تقول : انه بهذه الطريقة امكن امتثال الامر الاول ولكن لم يحصل امتثال الامر الثاني. والجواب : ان امتثال الامر الثاني حاصل ايضا حيث ان مقصود الامر الثاني هو حصول قصد الامتثال والمفروض حصوله بعد الاتيان بذات الصلاة بقصد امتثال الامر الاول.
2- وهو للميرزا على ما في اجود التقريرات ج 1 ص 108.

مطالب اربعة هي :

1 - قرأنا فيما سبق ان الشروط على قسمين فقسم منها يرجع الى نفس الوجوب وتسمى بشرائط الوجوب ، ومثالها الاستطاعة بالنسبة الى الحج ، فان وجوب الحج مشروط بها بحيث لا وجوب للحج قبلها ، وقسم من الشروط يرجع الى متعلق الوجوب - المعبر عنه بالواجب - وتسمى بشرائط الواجب او بالمقدمة الوجودية او بمقدمة الواجب ، كالوضوء للصلاة ، فان وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء بل هو ثابت سواء توضأ المكلف ام لا وانما هو شرط في متعلق الوجوب اي الصلاة ، فالوجوب منصب على الصلاة المقيدة بالوضوء.

2 - قرأنا ايضا ان شرائط الوجوب لا يجب على المكلف تحصيلها فالاستطاعة مثلا لا يجب تحصيلها ، اذ قبل تحققها لا وجوب للحج كي يدعو الى تحقيقها وبعد تحققها لا معنى لدعوة الوجوب الى تحقيقها للزوم محذور طلب تحصيله الحاصل ، هذا بالنسبة الى شرائط الوجوب ، واما شرائط الواجب فيلزم تحصيلها فالوضوء مثلا يجب تحصيله ، اذ وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء بل هو مطلق وثابت حتى قبل الوضوء ، ومع ثبوته يكون محركا نحو تحصيله.

3 - قرأنا ايضا ان الواجب اذا كان مقيدا بقيد غير اختياري فمن اللازم رجوع ذلك القيد الى الوجوب ايضا ، فصلاة الظهر مثلا - التي هي الواجب - مقيدة بالزوال ، وحيث ان الزوال قيد غير اختياري فمن اللازم رجوعه الى الوجوب ايضا ، فنفس صلاة الظهر مشروطة بالزوال ووجوبها مشروط به ايضا ، اذ لو لم يكن الوجوب مشروطا بالزوال لزم تعلق الوجوب بالصلاة المقيدة بالزوال وبالتالي يلزم تحريك الوجوب نحو تحصيل الصلاة والزوال ، وهو واضح البطلان ، اذ الزوال امر غير اختياري لا يمكن تعلق الوجوب به فلذا لا بدّ من

ص: 344

تقيد اصل الوجوب به كي لا يكون - الوجوب - ثابتا قبله بل ثابتا على تقدير حصول الزوال اتفاقا وصدفة.

4 - اوضحنا فيما سبق الفرق ين مصطلحي المتعلق والموضوع وقلنا : ان ما يدعو التكليف الى تحصيله يسمى بالمتعلق بينما الذي لا يدعو الى تحصيله يسمى بالموضوع ، فالحج يسمى بالمتعلق ، لان التكليف يدعو الى ايجاده بينما الاستطاعة والبلوغ والعقل تسمى بالموضوع لانه لا يدعو الى ايجادها بل هو يثبت متى ما حصلت صدفة واتفاقا. ويمكن ان نقول ان جميع شرائط الوجوب هي داخلة تحت مصطلح الموضوع لان الوجوب لا يدعو الى تحصيلها بل يثبت على تقدير حصولها صدفة. وعلى هذا فمن حقنا ابدال مصطلح الموضوع بمصطلح شرائط الوجوب (1).

وباتضاح هذا نعود الى البرهان ، وحاصله : ان قصد امتثال الامر مركب من جزئين هما :

أ - قصد الامتثال :

ب - وجود الامر ، فانه لا بدّ من وجود الامر كي يمكن تحقيق قصد الامتثال.

واذا كان قصد امتثال الامر مركبا من هذين الجزئين فيلزم من اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر اخذ كلا الجزئين ، وحيث ان احد الجزئين هو وجود الامر فيلزم ان يكون المتعلق مقيدا بوجود الامر ، فالوجوب مثلا منصب على الصلاة المقيدة بقصد الامتثال ، والمقيدة ايضا بوجود الامر ، وحيث ان وجود

ص: 345


1- ولكن ليس المقصود من هذا ان مصطلح الموضوع منحصر بشرائط الوجوب ، فان له مصاديق اخرى غير ذلك بل المقصود انه في خصوص هذا الموضع يراد من الموضوع شرائط الوجوب.

الامر ليس اختياريا - لانه ليس من فعل المكلف بل من فعل الشارع - فمن اللازم ان يكون قيدا في اصل الوجوب طبقا لما ذكرناه في المطلب الثالث وبالتالي يلزم ان يكون الامر بالصلاة مشروطا بوجود الامر بالصلاة وهو واضح الاستحالة ، فان ثبوت الامر لا يكون مشروطا بوجود نفسه ، هذا حاصل البرهان الثالث.

ويرده : كما هو مذكور في كلمات السيد الخوئى دام ظلّه (1) - : ان القيد غير الاختياري المتقيد به الواجب وان كان من اللازم اخذه في الموضوع - اي اخذه شرطا لاصل الوجوب - الا ان النكتة التي تستدعي اخذه في الموضوع - وهي ان القيد غير الاختياري كالزوال مثلا اذا لم يؤخذ شرطا لاصل الوجوب يلزم تحصيله وهو غير ممكن لكونه غير اختياري - لا تتم في مقامنا ، اذ القيد غير الاختياري في المقام هو وجود الامر ، ومثل هذا القيد لا يلزم اخذه شرطا في اصل الامر ، اذ لو لم يؤخذ فيه لا يلزم محذور وجوب تحصيله لانه يحصل بمجرد انشاء الوجوب ، فبمجرد انشاء الوجوب يكون الامر حاصلا ، ومع حصوله لا معنى لوجوب تحصيله لانه من قبيل وجوب تحصيل الحاصل ، وهذا بخلاف ما لو كان القيد غير الاختياري مثل الزوال فانه لا يتحقق بمجرد الامر بالصلاة ، فلو لم يكن الامر بالصلاة مشروطا بالزوال يلزم تحقق الوجوب قبل الزوال وبالتالي يلزم تحصيل الزوال والحال انه غير اختياري.

مختار السيد الشهيد :

والسيد الشهيد قدس سره في عبارة الكتاب لم يوضح مختاره وانه من القائلين بالاستحالة او من القائلين بالامكان ولكنه في تقرير درسه الشريف ذكر عدة ادلة دقيقة على الاستحالة وتبنى القول بالاستحالة فراجع مباحث الدليل

ص: 346


1- راجع هامش اجود التقريرات ج 1 ص 106

اللفظي ج 2 ص 89 ولكنه بعد ذلك وفي ص 95 تراجع قائلا : ان الدقة الفلسفية ان كانت تقتضي الاستحالة بيد ان المولى العرفي الذي لم يدرس الفلسفة والاصول لا يعتقد بالاستحالة ويرى امكان التقييد ثبوتا ، والشارع المقدس وان كان دقيقا الا انه في مقام التشريع يتبع الطريق العرفي.

ثمرة البحث :

قوله ص 364 س 10 وثمره هذا البحث ... الخ : ورب سائل يسأل عن ثمرة بحث الفرق الاساسي بين الواجب التعبدي والتوصلي وانه بلحاظ عالم الجعل والوجوب او بلحاظ عالم الملاك.

وقد ذكر الاعلام مجالين للثمرة احدهما في مجال الاصل اللفظي وثانيهما في مجال الاصل العملي (1).

المجال الأول للثمرة :

اما الاصل اللفظي ففي توضيحه نقول : لو فرض ان المولى امر بواجب معين كرد السلام مثلا وشك في كونه توصليا لا يلزم فيه قصد القربة او تعبديا يلزم فيه ذلك فهل يمكن التمسك بمثل اطلاق قوله تعالى : ( « واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها » ) لاثبات انه توصلي بتقريب انه لو كان تعبديا يلزم فيه قصد القربة فمن اللازم تقييده وحيث لم يقيد دل ذلك على انه توصلي؟ ان الثمرة تظهر في هذا المجال اي في مجال صحة التمسك بالاطلاق وعدمه فانه لو قلنا بان الفارق بين التعبدي والتوصلي هو ان ذاك قد اخذ في متعلق امره قصد الامتثال وهذا لم يؤخذ

ص: 347


1- المقصود من الاصل اللفظي هو مثل الاطلاق بينما المقصود من الاصل العملي هو مثل اصل البراءة.

فيه ذلك فالتمسك بالاطلاق وجيه ، واما اذا قلنا بان اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر غير ممكن للبراهين السابقة وغيرها وان الفارق هو من حيث الملاك فالتعبدي يكون قصد الامتثال دخيلا في حصول ملاكه بخلاف التوصلي فانه لا يكون كذلك ، فبناء عليه لا يصح التمسك بالاطلاق لاثبات ان قصد الامتثال ليس دخيلا في الملاك ، ووجه ذلك : انه لا طريق للتعرف على حال الملاك الا متعلق الامر فان متعلق الامر اذا كان مطلقا كشف ذلك عن كون الملاك مطلقا وان قصد الامتثال غير دخيل فيه ، واذا كان مقيدا كشف ذلك عن كون الملاك مقيدا ، ولكن هذا الطريق في المقام غير ممكن اي لا يمكن التمسك باطلاق متعلق الامر لاستكشاف ان الملاك مطلق ولا يعتبر فيه قصد الامتثال حيث انه اما ان يكون المقصود من التمسك باطلاق متعلق الامر لاستكشاف اطلاق الملاك هو التمسك به بصورة مباشرة لاثبات اطلاق الملاك ، وهو واضح البطلان ، لان الامر ليس ناظرا ابتداء ومباشرة الى الملاك حتى يكون اطلاق متعلقه دالا على اطلاق الملاك ، او يكون المقصود التمسك به بصورة غير مباشرة بمعنى انه ابتداء يتمسك باطلاق الامر لاثبات اطلاق متعلقه ، فاذا ثبت اطلاق المتعلق جعل ذلك كاشفا عن اطلاق الملاك ، فاستكشاف اطلاق الملاك على هذا الاساس يتم عن طريق اطلاق متعلق الامر ، واطلاق متعلق الامر يثبت بواسطة اطلاق الدليل ، وهذا باطل ايضا فان اطلاق متعلق الامر انما يكشف عن اطلاق الملاك فيما اذا امكن تقييد متعلق الامر ولم يقيد بالفعل اما اذا لم يمكن تقييده للبراهين السابقة وغيرها حسب الفرض فاطلاقه لا يدل على اطلاق الملاك كما هو واضح. المجال الثاني للثمرة :

واما فيما يخص المجال الثاني للثمرة وهو مجال الاصل العملي فتوضيحه هو

ص: 348

انه لو فرض عدم امكان التمسك بالاطلاق اللفظي لسبب وآخر من قبيل عدم كون المولى في مقام البيان فالنوبة حينئذ تصل الى الاصل العملي - كما لو فرض ان قوله تعالى ( « واذا حييتم ... الخ » ) ليس في مقام البيان حتى يتمسك باطلاقه - والسؤال يقع عن الاصل العملي فهل يقتضي البراءة او الاشتغال؟ بناء على امكان اخذ قصد الامتثال في متعلق الوجوب يكون الشك في كون رد جواب السلام توصليا او تعبديا راجعا الى الشك في تعلق الوجوب بالأقل او الاكثر ، فان الوجوب اذا كان متعلقا بالرد من دون اضافة قصد الامتثال فهذا معناه التعلق بالاقل وان كان متعلقا بالرد مع قصد الامتثال فهذا معناه التعلق بالاكثر ، ومتى ما شك في متعلق التكليف وانه الاقل او الاكثر جرت البراءة عن تعلقه بالزائد فيقال ان تعلق الوجوب بالاقل اي باصل الرد متيقن وتعلقه بالزائد - وهو قصد الامتثال - مشكوك فتجري البراءة عنه. هذا لو قيل بامكان تعلق الوجوب بقصد الامتثال ، اما لو قيل بعدم امكانه وان قصد الامتثال ليس دخيلا في متعلق الوجوب بل هو دخيل في الملاك فلا تجري البراءة وانما يجري الاشتغال ، اذ تعلق الوجوب بقصد الامتثال ليس محتملا ومشكوكا حتى تجري البراءة عنه لفرض ان تعلق التكليف به مستحيل وانما يحتمل مدخليته في حصول الملاك. وبكلمة ثانية نحن نحتمل ان غرض المولى لا يحصل بمجرد الرد من دون قصد الامتثال فمع الرد من دون قصد الامتثال لا يتحقق الغرض وبالتالي يبقى الوجوب ولا يسقط ، وفي مثله يجري الاشتغال ويجب الاتيان بقصد الامتثال ، لان الشك ليس في تعلق الوجوب بقصد الامتثال لتجري البراءة عنه لما قد فرضنا من عدم امكان ذلك ، وانما الشك في سقوط الوجوب ، فالوجوب يعلم بتعلقه بالرد فقط ولكن يشك في سقوطه بدون ضم قصد الامتثال لاحتمال عدم حصول الغرض بمجرد الرد ،

ص: 349

والعقل في موارد الشك في سقوط التكليف يحكم بالاشتغال ، وان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى وانما يحكم بالبراءة في موارد الشك في تعلق الوجوب.

وباختصار : بناء على امكان تعلق التكليف بقصد الامتثال يكون الاصل مقتضيا للبراءة عن وجوب قصد الامتثال بينما بناء على عدم الامكان يكون مقتضيا للاشتغال.

قوله ص 359 س 8 قيدا او جزء : القيد هو الشرط ، فان الوجوب تارة يكون متعلقا بالصلاة فقط فيكون قصد الامتثال حينئذ شرطا للمتعلق ، واخرى يكون متعلقا بالصلاة وبقصد الامتثال فيكون جزء.

قوله ص 360 س 11 والوجوب : عطف تفسير على « الامر ».

قوله ص 360 س 11 معرض : الصواب : معروض.

قوله ص 360 س 15 وتصور مفهومه : عطف تفسير على « عنوانه ».

قوله ص 361 س 1 دهن : الصواب : ذهن.

قوله ص 361 س 7 فقد عرفنا سابقا : اي في الحلقة الاولى ص 157.

قوله ص 361 س 11 بينما وجوده متفرع على الوجوب : اي والحال ان وجود قصد الامتثال متفرع على الوجوب.

قوله ص 362 س 8 فلا يمكن للمكلف ان يقصد الامتثال بذات الفعل : اي بل لا بدّ وان يقصد الامتثال بالفعل المقيد بقصد الامتثال ، وهذا مضافا الى انه لا يقول به فقيه يلزم منه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال ، اي لازمه تعلق الشيء بنفسه ومحركية الشيء نحو محركية نفسه وهو باطل.

قوله ص 362 س 9 وان شئت قلت : هذا ليس بيانا ثالثا بل هو نفس البيان

ص: 350

الثاني بعبارة اخرى ولذا في مقام الجواب ذكر قدس سره جوابا عن البيان الاول والثاني دون الثالث.

قوله ص 363 س 9 فلا بدّ من اخذه قيدا في موضوع الوجوب : كما تقدم ذلك في هذه الحلقة ص 337 ، ويمكن ابدال تعبير « موضوع الوجوب » بتعبير « شرط الوجوب » ، اي لا بدّ من اخذه شرطا للوجوب ايضا.

قوله ص 363 س 11 في الحلقة السابقة : في ص 265.

قوله ص 363 س 11 وقد يعترض عليه : اي وقد يجاب عن هذا البرهان.

قوله ص 363 س 14 وهو يساوق التحريك نحو القيد : حيث ان المقيد عبارة عن مجموع ثلاثة اشياء : ذات المقيد والتقييد والقيد ، فالتحريك نحو المقيد تحريك الى مجموع هذه الثلاثة التي احدها القيد.

قوله ص 363 س 16 وفي هذه الحال : اي في حالة اخذ القيد في الموضوع ، وبتعبير ثان : في حالة اخذه شرطا في الوجوب لا يكون الوجوب محركا نحو القيد اذ المفروض حدوث الوجوب بعد حصول القيد بل يكون محركا نحو ذات المقيد - اي نحو الاتيان بالصلاة مثلا - ونحو التقييد ، اي نحو الاتيان بصلاة الظهر مثلا بعد الزوال وعدم تأخيرها الى ما بعد الغروب.

قوله ص 364 س 5 لانه موجود بنفس وجوده : اي بنفس وجود هذا الجعل.

قوله ص 365 س 8 وقد تذكر ثمرة اخرى : ولكنه قدّس سره لا يرتضيها ، ولذا عبر بقوله « وقد تذكر ... الخ » باعتبار ان الشك في سقوط الوجوب انما يجري فيه الاشتغال فيما اذا كان احتمال عدم السقوط ناشئا من ناحية احتمال يرجع الى العبد كما اذا احتمل المكلف انه لم يأت بالصلاة مثلا ، واما اذا كان احتمال عدم

ص: 351

السقوط ناشئا من امر يرجع الى المولى بحيث يكون عليه بيانه فهنا لا يحكم العقل بالاشتغال بل بالبراءة ، ومقامنا من القبيل الثاني حيث ان احتمال عدم سقوط الوجوب ناشيء من احتمال دخالة قصد الامتثال في الملاك ومثل هذا يجب على المولى بيانه ، اذ دخالة قصد الامتثال في الملاك وعدمها امر يرجع الى المولى وعليه بيانه ، وقد اشار قدّس سره لهذا المطلب في مباحث الدليل اللفظي ج 2 س 106.

قوله ص 365 س 9 وعدم الدليل : اي وعدم امكان التمسك بالاطلاق اللفظي من جهة عدم كون المولى في مقام البيان مثلا ، اذ مع امكان التمسك به لا تصل المرحلة الى الاصل العملي.

قوله ص 365 س 12 ومجرى لاصالة الاشتغال : عطف على كلمة « مجرى » السابقة قبل ثلاثة أسطر.

ص: 352

حقيقة الوجوب التخييري

اشارة

ص: 353

ص: 354

التخيير في الواجب :

اشارة

قوله ص 366 س 1 التخيير تارة يكون عقليا ... الخ :

نعرف ان الواجب ينقسم الى : تعييني وتخييري ، والتعييني هو مثل وجوب الصلاة حيث ان الوجوب متعلق بخصوص الصلاة وليس لها بديل ، والتخييري هو مثل كفارة شهر رمضان فانها مخيرة بين الاطعام والصوم والعتق ، وهذا شيء واضح. والذي نريد ان نقوله هنا هو ان الاصوليين قسموا الواجب التخييري الى قسمين : واجب مخيّر بالتخيير الشرعي وواجب مخيّر بالتخيير العقلي. والفرق بين القسمين هو ان المولى تارة يفرض تصديه بنفسه للتخيير وذكر البدائل مقرونة بكلمة « اما وأو » كأن يقول : ان افطرت فاما ان تطعم او تصوم او تعتق ، ومثل هذا التخيير شرعي ، واخرى لا يتصدى بنفسه لذلك بل يتصدى فقط لتوجيه الحكم الى الشيء الكلي ، كما لو قال : ان افطرت فاطعم ستين فقيرا بدون تشخيص الفقراء ولا نوعية الطعام ، فان التكليف هنا متوجه الى كلي الفقراء وكلي الطعام من دون تصد لتعيين المصاديق ، وفي مثله يحكم العقل بالتخيير بين افراد الطعام وافراد الفقراء ويقول ما دام المولى لم يشخّص الافراد فانت مخير بين اطعام هذه المجموعة من الستين او تلك ، وهكذا يقول بالنسبة الى الطعام. ان مثل هذا التخيير يسمى بالتخيير العقلي لحكومة العقل بالتخيير بين الافراد دون الشارع بخلافه في التخيير الشرعي فان الحاكم به هو الشارع.

ولم يقع بين الاصوليين اختلاف في حدود هذا المقدار من الفرق وانما وقع

ص: 355

الاختلاف بينهم في الفرق بين حقيقة التخيير الشرعي وحقيقة التخيير العقلي ، فهل حقيقة الوجوبين واحدة والفارق بينهما لا يعدو المقدار الذي ذكرناه او ان هناك فارقا بين الحقيقتين اضافة الى الفارق المتقدم. وفي هذا المجال وجدت عدة اتجاهات نذكر منها ثلاثة هي :

1 - ان حقيقة الوجوب في التخييرين مختلفة ، فحقيقة الوجوب في التخيير العقلي تغاير حقيقة الوجوب في التخيير الشرعي ، فانه في التخيير العقلي يكون الوجوب واحدا لا متعددا ويكون متعلقا بالجامع فحينما يقال : اطعم ستين فقيرا يكون الوجوب واحدا ومتعلقا بكلي اطعام الستين لا باطعام هذه الستين او تلك ، واما في التخيير الشرعي فالوجوب متعدد بعدد البدائل ويكون تعلقه بكل واحد مشروطا بعدم الاتيان بالباقي ، فحينما يقال مثلا ان افطرت فاطعم او صم او اعتق فالبدائل ثلاثة ، وبعددها يتعدد الوجوب بنحو مشروط ، فالاطعام واجب مشروطا بعدم الاتيان بالصوم والعتق ، وهكذا العتق واجب بشرط عدم الاتيان بعدليه.

ويرده : ما تقدم في الحلقة السابقة من ان لهذا الاتجاه لوازم لا يمكن الالتزام بها من جملتها تعدد العقاب ، فان التخيير الشرعي اذا كان يرجع الى وجوبات متعددة مشروطة فلازمه استحقاق المكلف عند تركه لجميع البدائل لثلاث عقوبات لان وجوب العتق فعلي باعتبار انه مشروط بترك عدليه والمفروض تحقق الشرط فيلزم صيرورة المشروط - الوجوب - فعليا وبما انه لم يمتثل فيلزم استحقاق العقاب على مخالفته ، وهكذا الحال بالنسبة الى وجوب الاطعام والصيام فهو فعلي لنفس النكتة ، ومن الواضح ان تعدد استحقاق العقوبة مما لا يلتزم به فقيه.

ص: 356

2 - ان حقيقة الوجوب في كلا التخييرين واحدة ، فالوجوب في التخيير العقلي واحد ومتعلق بالكلي الجامع ، وهكذا الحال في التخيير الشرعي ، فان الوجوب فيه واحد متعلق بالجامع ، فحينما يقال ان افطرت فصم او اطعم او اعتق يكون الوجوب واحدا متعلقا بالجامع وهو عنوان « احدها » وكأنه قيل ان افطرت وجب عليك احد الامور الثلاثة.

وقد تسأل عن نكتة جعل الوجوب في التخيير الشرعي واحدا متعلقا بالجامع والحال ان ظاهر الدليل تعدد الوجوب بعدد الافراد. ان نكتة ذلك احد امرين هما :

أ - نفس النكتة التي ذكرت في الاتجاه الاول ، فانه في الاتجاه الاول ذكر ان الالتزام بالوجوبات المتعددة المشروطة يلزم منه تعدد العقاب الذي لا يلتزم به فقيه ، وهذه النكتة بنفسها تقتضي في هذا الاتجاه القول بان التخيير الشرعي يرجع الى وجوب واحد متعلق بالكلي الجامع ولا يرجع الى وجوبات مشروطة بعدد الافراد.

ب - التمسك بقاعدة « الواحد لا يصدر الا من واحد » فيقال ان الغرض في التخيير الشرعي واحد وليس متعددا ، ففي قول المولى ان افطرت فصم او اطعم او اعتق يكون الغرض واحدا ، اذ لو كان متعددا بان كان للصوم غرض ومصلحة مستقلة وهكذا لعدليه لزم ان يوجه المولى الوجوب لجميعها بان يقول يجب تحصيل العتق والصوم والاطعام جميعا لفرض تواجد المصلحة المستقلة في كل واحد ، اذن الغرض واحد ولكنه يحصل باي واحد من الافراد الثلاثة ، وما دام واحدا لزم ان يكون المؤثر والموجد له واحدا وهو الجامع بين الافراد الثلاثة لا كل واحد من الثلاثة لئلا يلزم صدور الغرض الواحد من الافراد الكثيرة الذي

ص: 357

هو مستحيل ، وما دام الموجد للغرض الواحد هو الجامع يلزم تعلق الوجوب به لا بالافراد لعدم كونها موجدة للغرض.

3 - ان حقيقة الوجوب في كلا التخييرين واحدة - كما يقوله الاتجاه الثاني - فالوجوب واحد ومتعلق بالجامع دون الافراد غاية الامر ان هذا الاتجاه يقول بان الوجوب الواحد المتعلق بالجامع يسري الى الافراد فيتعلق الوجوب بكل واحد من الافراد بنحو مشروط ، وهذا بلا فرق بين كون التخيير عقليا او شرعيا بينما اصحاب الاتجاه الثاني لم يقولوا بهذه السراية بل بوقوف الوجوب على الجامع (1).

ان قلت : ان هذا الاتجاه اذا كان يقول بسراية الوجوب الى الافراد فلازمه تعدد العقاب عند ترك جميع الافراد الثلاثة ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به.

قلت : ان هذه الوجوبات الثلاثة ما دامت ترجع في حقيقتها وروحها الى ذلك الوجوب الواحد المتعلق بالجامع فلا يلزم من عصيانها الا استحقاق عقوبة واحدة.

ثم انه تقدم عدم سراية الوجوب على الاتجاه الثاني من الجامع الى الافراد بل يبقى واقفا على الجامع ، ومعه يكون معروض الوجوب ومركزه هو الجامع دون الافراد ، اذ الافراد لم يسر اليها الوجوب حتى تكون معروضة له وانما هي

ص: 358


1- من خلال هذا يتضح ان بين الاتجاه الثاني والثالث نقطة اشتراك ونقطة اختلاف. اما نقطة الاشتراك فهي ان كلا الاتجاهين يقول بان الوجوب في كلا التخييرين متعلق بالجامر. ونقطة الاختلاف هي ان الاتجاه الثاني لا يقول بسراية الوجوب من الجامع الى الافراد بينما الاتجاه الثالث يقول بذلك. وعلى ضوء هذا الاختلاف يمكن ان نذكر نقطة اختلاف اخرى وهي ان الاتجاه الثاني ارجع التخيير الشرعي الى العقلي بينما الاتجاه الثالث عكس الامر وارجع التخيير العقلي الى الشرعي حيث جعل الوجوب المتعلق بالجامع ساريا الى الافراد بنحو مشروط.

مصداق لمعروض الوجوب كما هو الحال في زيد وعمرو وبكر فانهم ليسوا معروضا للنوعية ، بل معروضها هو الانسان فالانسان نوع دون زيد وعمرو وبكر وانما هم مصاديق للانسان الذي هو معروض النوعية وليسوا بانفسهم المعروض لها.

ثم تعرض قدس سره بعد ذلك الى اشكال ودفع. اما الاشكال فحاصله : ان اصحاب الاتجاه الثالث يقولون بسراية الوجوب من الجامع الى الافراد ، وهذه السراية غير معقولة لان الوجوب اذا وجه الى الجامع فكيف يسري الى الافراد؟ ان هذه السراية اما ان تحصل بنحو اتوماتيكي ومن دون ان يسرّي الشارع الوجوب من الجامع الى الافراد او تحصل من نفس الشارع بان يقوم هو بتسرية الوجوب من الجامع الى الافراد ، وكلا الاحتمالين باطل.

اما الاول فلأن الشارع اذا وجّه الوجوب الى الجامع فلا يمكن ان ينتقل الى غير محله ويتحرك عنه بلا محرك.

واما الثاني فلأن الشارع اذا وجّه الوجوب الى الجامع يكون توجيهه ثانية الى الافراد لغوا ، فانه لا معنى لوجوب الجامع والافراد معا بل لا بدّ اما من وجوب الجامع فقط او وجوب الافراد فقط ، هذا بالنسبة الى الاشكال.

واما بالنسبة الى الدفع فيمكن اختيار الشق الاول والقول بان الوجوب يسري بنفسه من الجامع الى الافراد من دون تسرية من الشارع بتقريب : ان الذي يسري ليس هو الوجوب نفسه حتى يقال كيف يسري بنفسه وانما الذي يسري هو الشوق والحب فالشوق المتعلق بالجامع يسري الى افراده سريانا مشروطا. وهذا وان لم يمكن اقامة البرهان عليه الا انه وجداني فالوجدان قاض بان كل من احب شيئا كليا فقد احب افراده حبا مشروطا ، فمن احب شراء دار لها

ص: 359

افراد متعددة يشعر بالوجدان بحبه لشراء الدار الاولى ان لم يتمكن من شراء بقية الدور ويحب شراء الثانية ان لم يتمكن من شراء غيرها وهكذا. اذن المدعى سريانه هو الحب والشوق دون نفس الوجوب ، ومحذور اللغوية غير لازم ، فان اللغوية تلزم لو فرض ان الساري هو الوجوب نفسه وكانت التسرية بفعل الشارع اما اذا فرض ان الساري هو الحب والشوق - المعبّر عنهما بالمبادىء التكوينية للوجوب - فلا يلزم ذلك.

ثمرة الاختلاف في حقيقة التخيير

قد تسأل عن ثمرة الاختلاف بين الاتجاهات الثلاثة السابقة ، فهل النزاع علمي فقط او له ثمرة عملية؟ يمكن ان نذكر لذلك ثمرتين :

1 - سيأتي في مبحث اجتماع الامر والنهي ص 398 من الحلقة ان بامكان المولى صبّ الوجوب على الكلي وتوجيه النهي في نفس الوقت الى بعض حصصه كأن يقول تجب الصلاة ولا تصل في الحمام ، ان الوجوب متوجه الى طبيعي الصلاة والنهي الى حصة خاصة وهي الصلاة في الحمام ، ربما يقال ان هذا غير ممكن ، لان الوجوب اذا توجه الى طبيعي الصلاة فلازمه وجوب جميع حصصه التي احدها الصلاة في الحمام ، وحيث انها منهي عنها فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد.

ان تحقيق حال هذه المسألة يرتبط بهذه الاتجاهات فان بني على ان الوجوب التخييري يسري (1) من الجامع الى الافراد فالمثال المذكور لا يكون ممكنا لان الوجوب المتوجه الى جامع الصلاة يسري الى جميع الافراد التي منها الصلاة في الحمام وحيث انها منهي عنها فيلزم اجتماع الامر والنهي في شيء

ص: 360


1- بمعنى سراية الحب ، والمقصود من اجتماع الامر والنهي اجتماع الحب والبغض.

واحد ، واما اذا بني على ان الوجوب يبقى على الجامع ولا يسري الى الافراد فالمثال المذكور ممكن ، اذ لا يلزم اجتماع الامر والنهي في شيء واحد بل يكون الوجوب مستقرا على طبيعي الصلاة والنهي على الحصة.

2 - لو وجب شيء معين وشك في كونه واجبا معينا او مخيرا كما لو قال المولى ان افطرت وجب عليك صوم شهرين وشك في كون الصوم واجبا معينا لا يجزي عتق الرقبة بدله او مخيرا بينه وبين العتق ، ونفترض ان الاطلاق لم يمكن لسبب وآخر التمسك به لاثبات كون الصوم واجبا معينا ففي مثله ان بني على الاتجاه الثاني القائل بان مرجع التخيير الى تعلق الوجوب بالجامع من دون سراية الى الافراد يكون الشك في المثال المذكور راجعا الى الشك في ان الواجب هو الجامع او خصوص الصوم ، وبتعبير ثان يكون الشك راجعا الى الشك في التخيير والتعيين ، فانه اذا كان الواجب خصوص الصوم فلازمه التعيين واذا كان هو الجامع فلازمه التخيير بين الصوم والعتق ، ومتى ما كان الامر دائرا بين التعيين والتخيير فقد ذكر بعض الاعلام (1) ان البراءة تجري عن خصوصية التعيين ولازمه جواز الاكتفاء بالعتق بينما اختار بعض آخر جريان الاشتغال وتعين خصوص الصوم.

واما على الاتجاه الاول القائل بان مرجع التخيير الى الوجوبات المشروطة فالاصل يقتضي البراءة من دون اختلاف فان الصوم اذا كان واجبا مخيرا فلازمه - بناء على رجوع التخيير الى وجوبات مشروطة - اشتراط وجوب الصوم بعدم العتق ، فعند العتق لا يكون وجوب الصوم ثابتا ، هذا لو كان الصوم واجبا مخيرا ، واذا كان معينا فلازمه كون وجوب الصوم مطلقا وغير مشروط بعدم العتق. اذن

ص: 361


1- على ما يأتي في الجزء الثاني من هذه الحلقة انشاء اللّه.

على الاتجاه الاول يرجع الشك الى الشك في كون الصوم هل هو واجب مشروط بعدم العتق او مطلق وبالتالي لو اتينا بالعتق فسوف نشك في ثبوت الوجوب للصوم - اذ نحتمل ان يكون وجوب الصوم مشروطا بعدم العتق - وعند الشك في ثبوت التكليف يرجع الى البراءة بلا خلاف بين الاعلام.

ولاستيضاح المطلب اكثر نقول : ان الشك في وجوب الصوم يتولد في حالة ما اذا اتي بما يحتمل كونه بديلا وهو العتق فعند الاتيان بالعتق يحصل الشك في وجوب الصوم ، وفي هذه الحالة تجري البراءة عن وجوبه ، واما في حالة عدم الاتيان بالعتق فلنا جزم بوجوب الصوم ولا شك فيه لتجري البراءة عنه فوجوب الصوم معلوم على احد تقديرين ومشكوك على تقدير ثان فهو معلوم على تقدير عدم الاتيان بالعتق ومشكوك على تقدير الاتيان به ، ونحن نريد ان نجري البراءة حالة الاتيان بالعتق ولا نريد اجراءها حالة عدم الاتيان به.

وخلاصة القول في بيان هذه الثمرة : انه على الاتجاه الثاني تجري البراءة على رأي بعض الاعلام والاشتغال على رأي بعض آخر ، بينما على الاتجاه الاول تجري البراءة من دون اختلاف (1).

قوله ص 367 س 12 ليس من ناحيتها الاعقاب واحد في فرض ترك الجميع : قد يقال بان رجوع الوجوبات المشروطة المتعددة الى وجوب واحد ان كان يدفع اشكال تعدد العقاب فلماذا لا يذكر نفس هذا في الدفاع في حق الاتجاه الاول ، فانه قد اورد على الاتجاه الاول بان لازمه تعدد العقاب فلماذا لا يدفع هذا المحذور ويقال بان الوجوبات المشروطة المتعددة حيث انها ترجع الى وجوب

ص: 362


1- نؤكد على ان البراءة المراد اجراؤها هي البراءة عن وجوب الصوم حالة العتق لا البراءة عنه حالة عدمه ، كما ونؤكد ان حصيلة الثمرة ترجع الى انه على الاتجاه الاول يكون اجراء البراءة حتميا وبلا خلاف بينما على الاتجاه الثاني يوجد اختلاف.

واحد فلا يلزم عند مخالفتها تعدد العقاب.

والجواب : انه فرض على الاتجاه الثالث كون الوجوب الصادر من الشارع واحدا وهو الوجوب المتعلق بالجامع بيد ان هذا الوجوب الواحد المنصب على الجامع يسري الى الافراد ، ومعه فيكون القول برجوع الوجوبات المشروطة المتعددة الى الوجوب الواحد المتعلق بالجامع وجيها ، واما على الاتجاه الاول فلم يفرض كون الوجوب الصادر من الشارع واحدا متعلقا بالجامع بل فرض العكس حيث فرض ان الصادر ابتداء متعدد ومتعلق بالافراد تعلقا مشروطا من دون ان يكون في البداية واحدا متعلقا بالجامع حتى يقال برجوع الوجوبات المشروطة المتعددة المتعلقة بالافراد الى ذلك الوجوب الواحد المتعلق بالجامع.

قوله ص 367 س 14 بالنحو المذكور : اي سريانا مشروطا.

قوله ص 367 س 15 وعليه : اي على الاتجاه الثاني.

قوله ص 368 س 9 بلا موجب : اي بعد جعل الوجوب على الجامع.

قوله ص 368 س 13 لأن الكلام هنا : اي في هذا الافتراض الذي نتكلم فيه حيث افترضنا ان السراية الحاصلة ثابتة في مرحلة الشوق والارادة دون مرحلة نفس الوجوب والحكم.

قوله ص 368 س 14 عن المبادىء التكوينية : وهي الشوق والارادة.

قوله ص 368 س 14 وهذه الملازمة : اي الملازمة بين حب الجامع والشوق اليه وبين الشوق الى افراده شوقا مشروطا.

قوله ص 369 س 8 اي في ثبوته : اي ان الشك في اطلاق الوجوب واشتراطه معناه بعبارة اخرى هو الشك في ثبوت وجوب الصوم عند الاتيان بالعتق الذي يحتمل كونه بديلا عن الصوم.

ص: 363

قوله ص 369 س 9 وهذا شك في الوجوب الزائد : اذ وجوب الصوم حالة عدم الاتيان بالعتق معلوم وليس مشكوكا ، واما عند الاتيان به فيحصل الشك في وجوب الصوم وهو شك في وجوب زائد على الوجوب المتيقن حالة عدم العتق.

ص: 364

الوجوب الغيري لمقدمات الواجب

اشارة

ص: 365

ص: 366

الوجوب الغيري لمقدمات الواجب :

اشارة

قوله ص 370 س 1 اتضح مما تقدم ... الخ :

هذا هو المبحث المعروف بأن « مقدمة الواجب واجبة او لا » او « ان ما لا يتم الواجب الا به (1) واجب او لا » ويمكن فهرسة مطالب هذا المبحث ضمن خمس نقاط :

1 - تقدم ص 336 من الحلقة ان الواجب اذا كان له مقدمة يتوقف وجوده عليها - كالسفر بالنسبة الى الحج - فتحصيلها واجب ، لان وجوب الحج يحرك نحو متعلقه - وهو الحج - وبالتبع يحرك نحو السفر ايضا لعدم تحقق الحج الا بالسفر ، فالتحريك نحو الحج تحريك نحو السفر.

2 - لرب قائل يقول ان بحث الاصوليين عن وجوب مقدمة الواجب بحث غير وجيه ، اذ من الواضح لدى الجميع ان الحج اذا كان واجبا فمقدمته وهي السفر يلزم الاتيان بها ولا يسوغ تركها ، اذ بتركها لا يتحقق الحج والمفروض وجوبه.

والجواب : ان الاصوليين يسلمون بان مقدمة الواجب واجبة عقلا بمعنى ان السفر لا بدّ من الاتيان به عقلا لتوقف امتثال وجوب الحج عليه ، فالوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية العقلية لم يقع فيه اختلاف بين الاصوليين وانما

ص: 367


1- « وما لا يتم الواجب الا به » عبارة اخرى عن المقدمة ، حيث ان ذا المقدمة لا يتم ولا يوجد الا بالمقدمة.

الاختلاف وقع في ان مقدمة الواجب التي هي واجبة عقلا هل هي واجبة شرعا ايضا او لا ، فالنزاع انما هو في الوجوب الشرعي دون الوجوب العقلي بمعنى اللابدية.

3 - المشهور بين الاصوليين ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة اي ان مقدمة الواجب واجبة شرعا غير ان وجوبها وجوب تبعي ، وفي المقصود من الوجوب التبعي احتمالان :

أ - ان الوجوب النفسي المتعلق بالحج يولد الوجوب الغيري المتعلق بالسفر ، فوجوب السفر حيث انه متولد ومعلول لوجوب الحج يسمى بالتبعي.

ب - ان الشارع حينما يشرع وجوب الحج لا بدّ من وجود ملاك ومصلحة تقتضي الوجوب ، وهذا الملاك سبب لنشوء وجوبين احدهما الوجوب النفسي للحج وثانيهما الوجوب الغيري للسفر ، بيد ان هذا الملاك لما كان اولا وبالذات يقتضي وجوب الحج وثانيا وبالتبع يقتضي وجوب السفر سمي وجوب السفر بالتبعي حيث ان الملاك يستتبعه ثانيا وبالتبع.

4 - عرّف الواجب الغيري بتعريفين فتارة قيل بانه الواجب الذي وجب لاجل غيره واخرى بأنه ما وجب لاجل واجب آخر (1) ، فالسفر مثلا واجب لاجل غيره وهو الحج كما ويصدق عليه انه وجب لاجل واجب آخر ، هذا بالنسبة الى الواجب الغيري ، واما الواجب النفسي فهو ما وجب لا لأجل الغير ولا لأجل واجب آخر.

5 - اشكل على التعريف المتقدم بان لازمه صيرورة جميع الواجبات النفسية غيرية ، فالصلاة مثلا تصبح واجبا غيريا ، لان تشريع الوجوب لها لا بدّ

ص: 368


1- والفارق بين التعريفين يتضح فيما بعد انشاء اللّه تعالى.

وان يكون لاجل مصلحة تترتب عليها والا كان لغوا ، وبما ان الصلاة شيء مغاير للمصلحة وليس نفسها فيصدق على الصلاة انها وجبت لاجل شيء آخر وهو المصلحة. وهكذا بالنسبة الى الحج والصوم و ... ، ولا يبقى مصداق للواجب النفسي سوى الايمان باللّه سبحانه ، فانه لم يجب لاجل مصلحة مترتبة عليه ، اذ هو بنفسه وبذاته محبوب وذو مصلحة لا انه شيء تترتب عليه المصلحة بعد حصوله بحيث تكون المصلحة مغايرة له بل مصلحته ذاتية له (1).

واجيب عن هذا الاشكال بان الصلاة مثلا وان وجبت لاجل المصلحة المترتبة عليها الا ان المصلحة ليست واجبة ، واذا لم تكن واجبة فلا يصدق على الصلاة انها وجبت لاجل واجب آخر ، اجل يصدق عليها انها وجبت لشيء آخر ولا يصدق انها وجبت لاجل واجب آخر (2) ، ونحن نختار ان الواجب الغيري هو ما وجب لاجل واجب آخر.

وقد يعترض بان المصلحة كيف لا تكون واجبة التحصيل والحال ان الصلاة وجبت لاجلها؟ ان ثبوت الوجوب للصلاة مع عدم ثبوته للمصلحة التي لاجلها صارت الصلاة واجبة ما هو الا من قبيل زيادة الفرع على الاصل.

والجواب : انا نسلم شيئا وننكر شيئا آخر ، فنسلم ان الصلاة اذا كانت محبوبة ومرادة فمن اللازم ان تكون مصلحتها محبوبة ومرادة اذ الصلاة صارت محبوبة لاجل مصلحتها ومعه فلا يمكن ان تكون الصلاة محبوبة دون مصلحتها ، اذن الملازمة في عالم الشوق والارادة مسلمة ، هذا ما نسلمه. واما ما ننكره فهو

ص: 369


1- التمثيل بالايمان باللّه سبحانه لما كانت مصلحته ذاتيه اولى من تمثيل الاخوند بمعرفة اللّه سبحانه اذ المعرفة قد يقال انها تجب لا لمصلحة ذاتية بل لاجل توقف شكر المنعم عليها الذي هو امر مغاير للمعرفة.
2- وبهذا اتضح الفارق بين التعريفين.

الملازمة في عالم الوجوب فلا نسلم ان الصلاة اذا كانت واجبة فمصلحتها واجبة التحصيل اذ الوجوب كما تقدم ص 22 من الحلقة اعتبار وجعل يستعمله المولى لتحديد مركز حق اطاعته فاذا اراد اثبات حق اطاعته على شيء استعمل الوجوب لتحصيل ذلك ، وباتضاح هذا يتضح ان المحبوب والمراد الاصيل للمولى وان كان هو المصلحة والملاك ، والصلاة مقدمة لذلك الا انه قد تقتضي نكتة خاصة تحديد المولى مركز اطاعته في مقدمة مراده الاصيل - والمقدمة هي الصلاة - لا في نفس مراده الاصيل - المصلحة - ومع عدم تحديد مركز حق الاطاعة في المصلحة فلا يصدق على المصلحة انها واجبة وبالتالي لا يصدق على الصلاة انها وجبت لاجل واجب آخر وان صدق عليها انها وجبت لشيء آخر ، ومعه فلا تصير واجبا غيريا ، وهذا بخلاف الوضوء مثلا فانه وجب لاجل واجب آخر فهو واجب غيري.

قوله ص 370 س 1 مما تقدم : اي ص 336 من الحلقة.

قوله ص 370 س 2 المتعلق بها الصواب : المتعلق به : المتعلق به.

قوله ص 370 س 4 من شؤون حكم العقل بلزوم الامتثال : اي لما كان العقل يحكم بلزوم امتثال الحج فمن لوازم ذلك حكمه بلزوم السفر.

قوله ص 370 س 11 وبضم مقدمية : اي لما كان ذلك الملاك يقتضي بذاته وجوب الحج بينما اقتضاؤه لوجوب السفر ثانيا وبالعرض وباعتبار كونه مقدمة سمي وجوب السفر بالتبعي.

قوله ص 372 س 3 والجعل : عطف تفسير على « الاعتبار » ، ووضع النقطة قبل كلمة « والجعل » خطأ مطبعي.

قوله ص 372 س 4 الذي هو العنصر الثالث : تقدم ص 22 ان الحكم في

ص: 370

عالم الثبوت له مراحل ثلاث : الملاك ، والارادة ، والوجوب الذي هو عبارة عن الاعتبار.

قوله ص 372 س 7 لا في عالم الجعل والاعتبار : عطف على « عالم الحب والارادة ».

قوله ص 372 س 9 لمركز حب الاصيل : اي لمركز حب المراد الاصيل. وذلك المركز هو المصلحة.

خصائص الوجوب الغيري :

قوله ص 373 س 3 ولا شك لدى الجميع ... الخ : على تقدير ثبوت الوجوب الغيري للمقدمة يقع التساؤل عن خصائص الوجوب المذكور التي بها يمتاز عن الوجوب النفسي الثابت لذي المقدمة. والخصائص اربع هي :

1 - ان الوجوب الغيري لا يصلح للمحركية الاستقلالية بخلاف النفسي فانه صالح لذلك. والمقصود من ذلك ان المكلف لا يمكنه في حالة عدم ارادة الحج مثلا التحرك نحو السفر بقصد امتثال الامر الغيري المتعلق به ، فالتحرك نحو امتثال الامر الغيري المتعلق بالسفر من دون التحرك نحو امتثال الامر النفسي المتعلق بالحج امر غير ممكن لان الشارع وان اراد السفر الا انه اراده لاجل التوصل به الى الحج ، اما بقطع النظر عنه فلا يريده ، ومعه فلا يمكن ارادة السفر بدون ارادة الحج فان ارادة المكلف لا بدّ وان تتطابق مع ارادة الشارع ، وحيث فرض ان الشارع لا يريد السفر عند عدم ارادة الحج فلا يمكن للمكلف ان يأتي بالسفر بقصد امتثال وجوبه الغيري ، بل لو راجع المكلف قرارة نفسه لوجد بوضوح ان اتيانه بالسفر عند عدم ارادته للحج لا ينشأ من الوجوب الغيري المتعلق بالسفر

ص: 371

وانما هو ناشىء من دواع اخرى كالتنزه والتجارة فهو يسافر ليتنزه ويتاجر ولا يسافر لاجل امتثال امر اللّه الغيري المتعلق بالسفر.

2 - ان امتثال الوجوب الغيري لا يوجب استحقاق الثواب فلو اتى المكلف بالسفر بقصد امتثال وجوبه الغيري فلا يستحق الثواب لان اتيانه بالسفر لا يخلو من احدى حالتين ، فاما ان يأتي به بقصد ان يتحقق منه امكان الاتيان بالحج او يأتي به من دون توجه الى الحج ، وعلى الاول وان استحق الثواب ولكن ليس على الاتيان بالسفر بما هو اتيان بالسفر بل عليه بما هو بداية وشروع في امتثال الامر بالحج ، ومعنى هذا بعبارة اخرى استحقاق الثواب على امتثال الواجب النفسي دون امتثال الامر الغيري ، وبكلمة ثانية ان من اتى بالسفر بقصد التوصل الى الحج يصدق عليه من حين الشروع في السفر انه شرع في امتثال الامر النفسي المتعلق بالحج ، ومعه فمن بداية السفر يصير مستحقا للثواب ولكن لاجل امتثال الامر النفسي بالحج وليس على امتثال الامر الغيري بما هو امتثال له ، هذا كله لو اتي بالسفر بقصد امكان الاتيان بالحج.

واما لو اتي به بقطع النظر عن الحج فلا يكون هناك قصد لامتثال الامر الغيري المتعلق بالسفر ليستحق الثواب عليه ، فانه تقدم في الخصوصية الاولى ان المكلف لا يمكنه قصد امتثال الامر الغيري المتعلق بالسفر بقطع النظر عن قصد امتثال الامر النفسي المتعلق بالحج.

ويمكن ان نقول : ان ثبوت هذه الخصوصية للوجوب الغيري امر وجداني لا يحتاج الى اثبات ، فان الوجدان قاض بان الحج لو كان له عشر مقدمات واتى المكلف بجميعها فلا يستحق احد عشر ثوابا واحد منها على امتثال الحج والبقية على امتثال المقدمات العشر بل قاض باستحقاقه لثواب واحد على امتثال الحج

ص: 372

غاية الامر ان ذلك الثواب الواحد يتضاعف ويزداد باعتبار ان الفعل كلما ازدادت مقدماته صار اشق.

3 - ان مخالفة الوجوب الغيري لا توجب استحقاق العقاب ، فالتارك للسفر لا يستحق العقاب على تركه امتثال الوجوب الغيري المتعلق بالسفر وانما يستحقه على عدم امتثال الوجوب النفسي المتعلق بالحج ، فان السفر ليس له ملاك خاص به ليلزم استحقاق العقاب على تفويته وانما الملاك ثابت في الحج فقط ، وبترك السفر يلزم تفويت ملاك الحج وبالتالي يلزم استحقاق العقاب من الناحية المذكورة ، هذا مضافا الى قضاء الوجدان بهذه الخصوصية ، فانه قاض بان التارك للحج بما له من مقدمات لا يستحق عقوبات متعددة بعدد المقدمات المتروكة بل عقوبة واحدة على ترك الحج.

4 - ان الوجوب الغيري توصلي وليس عباديا ، فالمكلف اذا سافر الى مكة المكرمة مثلا لا بقصد الاتيان بالحج بل بقصد التجارة او التنزه بيد انه بعد وصوله اليها قصد الاتيان بالحج فلا يلزمه الرجوع الى بلده والسفر منه الى مكة من جديد ، لان الغرض من وجوب السفر هو الوصول الى مكة والمفروض حصوله فلا وجه للتكرار ، وبكلمة ثانية : المطلوب هو واقع المقدمة دون المقدمة المقيدة بقصد التوصل بها لذيها.

قوله ص 373 س 4 اذا كان ثابتا : يأتي البحث عن ثبوت الوجوب الغيري للمقدمة وعدمه ص 382 من الحلقة.

قوله ص 373 س 11 لأن ارادة العبد المنقاد ... الخ : اي لان العبد اذا كان منقادا حقيقة وواقعا فلازمه ان يريد ما أراده المولى ، والمفروض ان المولى يريد السفر عند ارادة الحج ولا يريده بقطع النظر عنه.

ص: 373

وكلمة « التكوينية » صفة للارادة. ثم ان الارادة على قسمين : تكوينية وتشريعية. والفرق بينهما : ان الشخص المريد اذا كان يريد فعل نفسه فالارادة تسمى بالارادة التكوينية ، واذا كان يريد فعل غيره فالارادة تسمى بالارادة التشريعية ، فاذا اراد الاب من ولده ان يدرس ويجد ويجتهد فارادته تشريعية لانها متعلقة بفعل غيره ، واما اذا أراد ان يكون هو بنفسه مجدا ومجتهدا فارادته تكوينية لتعلقها بفعل نفسه ، ومن هنا يتضح ان ارادة العبد للسفر هي ارادة تكوينية لانها ترتبط بفعل نفسه واما ارادة المولى للسفر فهي تشريعية لانها ترتبط بفعل غيره.

قوله ص 374 س 1 بما هو امتثال : اي بما هو امتثال للوجوب الغيري.

قوله ص 374 س 3 من قبل : بكسر القاف وفتح الباء.

قوله ص 374 س 4 وهو منصرف : اي غير قاصد.

مقدمات غير الواجب :

قوله ص 375 س 7 كما تتصف مقدمات الواجب ... الخ : كان الكلام فيما سبق عن مقدمة الواجب. وقد تسأل عن حال مقدمة الحرام والمكروه والمستحب.

اما مقدمة المستحب فحالها حال مقدمة الواجب دون اي فرق ، فاذا قلنا بوجوب مقدمة الواجب لزم القول باستحباب مقدمة المستحب ، لان نكتة وجوب مقدمة الواجب ليست هي الا توقف الواجب عليها ، وهذه النكتة بنفسها ثابتة في مقدمة المستحب.

واما مقدمة الحرام فهي على قسمين ، اذ تارة تكون بشكل لو حصلت فحتما

ص: 374

يحصل الحرام ولا يمكن تخلفه كمن قبض السكين ووضعها على رقبة غيره واخذ بامرارها ، فان امرارها يستلزم حصول القتل ولا يمكن تحققه من دون تحققه. واخرى يفرض انها لو حصلت فلا يلزم تحتم حصول الحرام كما هو الحال في شراء السكين ، فان تحققه لا يستلزم حصول القتل ، فلربما يشتري الشخص السكين ولا يتحقق منه قتل الغير.

واذا اتضح وجود هذين القسمين لمقدمة الحرام نقول : ان القسم الاول محرم لان ترك الحرام يتوقف على ترك هذا القسم من المقدمة ، واما القسم الثاني فليس بمحرم لعدم توقف ترك الحرام على تركه ، اذ ترك الحرام لا يتوقف على ترك كل واحدة واحدة من مقدماته بل يكفي لتحققه ترك مقدمة واحدة من مقدماته (1).

واما مقدمة المكروه فحالها حال مقدمة الحرام دون اي فرق ، ويأتي فيها التفصيل السابق ، فالمقدمة التي يتوقف على تركها ترك المكروه مكروهة دون غيرها.

قوله ص 375 س 8 عند القائلين بالملازمة : اي عند القائلين بان مقدمة الواجب واجبة.

قوله ص 375 س 12 من العلة التامة له : اي للحرام.

الثمرة الفقهية للنزاع في الوجوب الغيري :

قوله ص 376 س 6 ومسألة الملازمة بين وجوب الشيء ... الخ : من

ص: 375


1- وعلى هذا فشراء السكين لا يكون محرما من باب انه مقدمة للحرام وان احتمل القول بحرمته من جهة اخرى ككونه معاونة على الاثم ونحو ذلك ، ولكن هذا مطلب آخر لو تم فهو اجنبي عن محل الكلام ، فان الكلام انما هو في الحرمة من جهة المقدمية للحرام.

الواضح ان مسألتنا هذه وهي مسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته من المسائل القديمة والاصيلة في علم الاصول ولسنا مبالغين اذا قلنا هي اقدم مسألة فيه ، وبالرغم من ذلك وقع تشكيك في اصوليتها باعتبار انه يلزم في المسألة الاصولية استنباط حكم شرعي منها ، ومسألة الملازمة ليست كذلك ، فان القول بثبوت الملازمة وان استنبط بواسطته ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة كوجوب السفر الى مكة ونحوه ولكن هذا المقدار لا يكفي في اصولية المسألة فانه ذكرنا في البحث السابق ان الوجوب الغيري الثابت للمقدمة لا يحرك تحريكا استقلاليا كما وانه لا عقاب على مخالفته ولا ثواب على موافقته ، ومعه فلا يكون متضمنا لروح الحكم وانما يحمل اسمه فقط ، فان روح الحكم عبارة عن كونه محركا وموجبا للثواب والعقاب والا فهو كالقشر بلا لب وكاللفظ بلا معنى ، وواضح ان المسألة تصير اصولية فيما لو كانت تحصّل حكما شرعيا يشتمل على روح الحكم وحقيقته ولا يكفي تحصيلها لاسم الحكم دون روحه ، ومن هنا اخذ الاصوليون بتصوير ثمرة مسألة الملازمة ، وقد ذكر في الكتاب ثمرتان لذلك. الثمرة الاولى (1) :

ولتوضيحها نذكر مقدمة تشتمل على نقاط ثلاث هي :

1 - قرأنا فيما سبق الفرق بين مصطلحي التعارض والتزاحم ، فان الحكمين تارة يتكاذبان في مقام الجعل بحيث اذا كان احدهما صادرا من الشارع فلا يمكن صدور الثاني منه ، كما لو قال احد الدليلين تجب صلاة الجمعة زمن الغيبة والثاني يقول تحرم الجمعة زمن الغيبة فان الدليل الاول اذا كان صادرا من الشارع فلا يمكن صدور الثاني منه والعكس بالعكس ، ومثل هذه الحالة تسمى بحالة

ص: 376


1- هذه الثمرة لم تذكر في الكتب الاصولية الاخرى بل ولم يذكرها قدّس سره في تقرير درسه.

التعارض. اما اذا افترض عدم تكاذب الدليلين بهذا الشكل بيد انه لم يكن بامكان المكلف امتثالهما معا ، كما هو الحال في امر « صل » وامر « انقذ الغريق » فانه لا تكاذب بينهما في مقام الجعل لامكان صدورهما من الشارع بلا اي تناف غير انه قد لا يمكن للمكلف امتثالهما معا كما لو ضاق وقت الصلاة واوشك شخص على الغرق ، فان الجمع بين الصلاة والانقاذ غير ممكن في مقام الامتثال. ومثل هذه الحالة تسمى بالتزاحم.

وباختصار : ان التعارض هو تنافي الدليلين في مقام الجعل ، والتزاحم هو تنافيهما في مقام الامتثال بلا تناف في مقام الجعل.

2 - ان العلاج في باب التزاحم هو تقديم الحكم الأهم ملاكا بينما العلاج في باب التعارض هو تقديم الاقوى سندا او دلالة ولا ينظر الى اهمية الملاك.

3 - ان كل حكم من الاحكام هو مشروط بالقدرة على امتثاله ، فامر « صل » مثلا مشروط بالقدرة على امتثاله ، فالنائم لا يكون مأمورا بالصلاة. وهذا واضح ، ولكن قرأنا فيما سبق ان كل حكم من الاحكام كما هو مشروط بالقدرة على امتثاله كذلك هو مشروط بعدم وجود حكم آخر لا يمكن عند امتثاله امتثال الآخر ، اذ في هذه الحالة يكون التكليف متوجها الى الاهم فقط ويبقى المهم لا تكليف به حالة الاشتغال بالاهم ، اجل في حالة عدم الاشتغال بالاهم لا مانع من تعلق التكليف بالمهم. ومن هنا نخرج بهذه النتيجة وهي : انه كلما كان عندنا تكليفان لا يمكن امتثالهما معا فما هو الاهم منهما يكون ثابتا وغيره لا يكون ثابتا الا في حالة عدم الاشتغال بالاهم ، ومثال ذلك : انقاذ الغريق والصلاة عند ضيق وقتها ، ان مثل هذين لا يمكن امتثالهما ، اذ الاتيان باحدهما يفوت امكان الاتيان بالآخر ، وفي مثل ذلك لا بدّ من ملاحظة ان ايهما هو الأهم ، فاذا كان الانقاذ هو

ص: 377

الاهم كان التكليف متعلقا به وتبقى الصلاة لا امر بها الا عند عدم الاشتغال بالانقاذ.

وبعد الفراغ من هذه المقدمات نعود الى الثمرة وحاصلها : انه بناء على ثبوت الملازمة يتحقق التعارض بين الدليلين ويلزم تطبيق احكام باب التعارض وهي تقديم الاقوى سندا او دلالة ولا ينظر الى اهمية الملاك بينما بناء على عدم ثبوت الملازمة يتحقق التزاحم ولا بدّ من تقديم الاهم ملاكا ، ولا ينظر الى قوة السند او الدلالة.

وهذه الثمرة تظهر فيما لو كان عندنا واجب وحرام وكان الواجب مقدمة لفعل الحرام ونفترض ان الواجب كان مقدمة للحرام بنحو العلة التامة. ومثال ذلك : ما لو قال الظالم : ان صليت قتلت ولدك فان فعل الصلاة علة لقتل الولد ومقدمة له. وفي مثله اذا بني على ان مقدمة الحرام حرام (1) صارت الصلاة واجبة ومحرمة وبذلك يتحقق التعارض ، اذ لا يمكن ان يكون الشيء الواحد واجبا ومحرما. اما انها واجبة فلفرض انها في نفسها كذلك ، واما انها محرمة فلأنها مقدمة وعلة تامة لتحقق الحرام وقد قرأنا سابقا ان مقدمة الحرام محرمة فيما اذا كانت علة تامة لتحقق الحرام (2).

ولاول وهلة قد يتخيل ان المعارضة تتحقق بين وجوب الصلاة وحرمتها الغيرية ولكنها بالدقة هي بين دليل وجوب الصلاة ودليل حرمة القتل ، فان

ص: 378


1- قلنا لو بني على ان مقدمة الحرام حرام ولم نقل لو بني على ان مقدمة الواجب واجبة ، فهذه الثمرة اذن ترتبط بالملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدمته ولا ترتبط بالملازمة بين وجوب الشيء ومقدمته. اجل الثمرة الثانية ترتبط بذلك.
2- ومن هنا يتضح الوجه في افتراض كون الواجب علة تامة ، اذ لو لم يكن علة تامة لتحقق الحرام فلا يكون محرما فان مقدمة الحرام لا تكون محرمة الا اذا كانت علة تامة لتحقق الحرام.

المعارضة لا تتحقق الا بين التكاليف النفسية ، ودليل حرمة القتل بعد ضم الملازمة اليه يصير مقتضيا لحرمة القتل حرمة نفسية ولحرمة الصلاة حرمة غيرية وبذلك يعارض دليل وجوب الصلاة فدليل وجوب الصلاة يقول الصلاة واجبة ودليل حرمة القتل يقول الصلاة محرمة.

هذا كله لو قلنا بثبوت الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدمته ، واما بناء على انكار ذلك فلا يتحقق التعارض بل التزاحم ، اذ الصلاة لا تصير محرمة وواجبة ليلزم التعارض بل هي واجبة فقط غاية الامر بما ان القتل محرم - والمفروض عدم امكان امتثال هذين الحكمين - فيتحقق التزاحم بينهما ويقدم الاهم.

وكان الواجب اهم ملاكا من الحرام

وقد قيدت عبارة الكتاب هذه الثمرة بما اذا كان الواجب اهم من الحرام. وفي وجه التقييد المذكور خفاء.

وقد يقال في بيانه بان ملاك الحرام اذا كان هو الاهم فلا يمكن الامر بالصلاة لا بنحو مطلق ولا بنحو مشروط بعصيان حرمة القتل ، اما انه لا يمكن الامر بها بنحو مطلق فواضح ، اذ كيف يقال يحرم القتل مطلقا وتجب الصلاة مطلقا ، ما هذا الا امر بالضدين ، واما انه لا يمكن الامر بها بشرط عصيان حرمة القتل فلأن فرض مخالفة الحرمة معناه تحقق قتل الولد ، ولازم تحقق القتل تحقق الصلاة ، ومعه يكون الامر بالصلاة امرا بتحصيل الحاصل. وهذا بخلاف ما اذا كان الواجب هو الاهم فانه يمكن ثبوت الحرمة مشروطة بعدم الصلاة ، اذ مخالفة الواجب التي هي بعبارة اخرى ترك الصلاة لا تلازم امتثال حرمة القتل حتى

ص: 379

يكون ثبوتها تكليفا بما هو حاصل فيمكن ان يقال ان لم تصل فلا تعرّض النفس المحترمة للقتل (1).

ص: 380


1- هكذا قد يقال. وفيه : انا لا نسلم بان فرض مخالفة حرمة القتل يستلزم فرض تحقق الصلاة حتى يكون الامر بها امرا بتحصيل الحاصل ، اذ يمكن تحقق تعريض النفس المحترمة للقتل لا لأجل الصلاة بل لاغراض اخرى من قبيل التشفي ، وحينئذ يصح ان يقال ان خالفت النهي عن القتل وعرّضت النفس المحترمة للقتل فالصلاة واجبة عليك. ان قلت : ان المقصود من مخالفة الحرمة هو مخالفة حرمة القتل الحاصلة بسبب الصلاة ، وواضح ان مخالفة هذه الحصة الخاصة من الحرمة لا يمكن فرض تحققها الا بتحقق الصلاة. قلت : اذا كان هذا هو المقصود فلازم ذلك عدم صحة الامر الترتبي من الجانب الآخر ايضا فلا يمكن ان يقال ان خالفت الامر بالصلاة ولم تصل فلا تعرّض النفس المحترمة للقتل ، لانه مع ترك الصلاة فالقتل الناشىء من الصلاة لا يمكن تحققه وبالتالي لا يمكن تحقق مخالفة الحرمة المتعلقة به ، فالتكليف بعدم مخالفة الحرمة يكون تكليفا بغير المقدور ، وعليه فالتقييد المذكور لم يتضح لنا وجهه. التأمل في اصل الثمرة ويمكن التأمل في اصل الثمرة باعتبار ان تحقق التعارض بين دليل حرمة القتل ودليل وجوب الصلاة ليس مبنيا على القول بسراية الحرمة من حرمة القتل الى الصلاة بل حتى لو لم نقل بالملازمة والسراية يتحقق التعارض بين وجوب الصلاة شرعا وحرمة قتل المؤمن بعد الالتفات الى اللابدية العقلية وانه لا بدّ عقلا لامتثال حرمة القتل من ترك الصلاة ، انه بعد الالتفات الى هذه اللابدية العقلية لا يمكن الامر بالصلاة ويرى العرف استحالة صدورهما من المولى وتشريعهما معا ، اذ كيف يمكن ان تكون العلة واجبة والمعلول محرما. ان قلت : ان لازم هذا البيان دخول جميع موارد التزاحم تحت باب التعارض ، ولا يبقى مورد للتزاحم ، ففي مثل الازالة والصلاة مثلا يقال : مع الامر بالازالة التي لا يمكن ان تجتمع مع الصلاة لا يمكن الامر بالصلاة ويتحقق التعارض بينهما. قلت : ان كل تكليف بما انه مشروط عقلا بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم فلا يتحقق التعارض بينهما لامكان الامر بالازالة والصلاة تحت ظل الشرط العقلي المذكور ، وفي المقام اذا اريد رفع التعارض بين الامر بالصلاة والنهي عن القتل من خلال الطريق المذكور - وذلك بتشريع كل من الامر بالصلاة والنهي عن القتل مشروطا بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم - كان الجواب ان هذا وان كان متينا الا ان التخلص من التعارض بهذا البيان وعدمه لا يفرق فيه بين القول بالملازمة وعدمه فان اللابدية العقلية تكفي للقيام مقام القول بالملازمة. ان قلت : انه بناء على الملازمة تصير النتيجة هكذا : تحرم الصلاة غيريا وتجب نفسيا ، وواضح ان مثل هذين الخطابين متعارضان ولا يمكن الاستعانة بالشرط العقلي السابق لرفعه ، اذ لا معنى لان يقال تحرم عليك الصلاة ان لم تشتغل بامتثال وجوب الصلاة او بالعكس فان هذا متصور في الحكمين الثابتين لموضوعين دون الثابتين لموضوع واحد. قلت : المفروض ان طرف المعارضة للوجوب النفسي للصلاة ليس هو الحرمة الغيرية للصلاة بل الحرمة النفسية للقتل بعد ضم الملازمة فان الحرمة الغيرية ليست امرا قابلا للوقوع طرفا للمعارضة ، واذا كانت الحرمة النفسية هي الطرف للمعارضة فلا يفرق في تحقق المعارضة بين القول بالملازمة والقول باللابدية العقلية.

الثمرة الثانية

الثمرة الثانية (1) : وهذه الثمرة تظهر فيما لو كان لدينا فعلان احدهما واجب والآخر حرام بيد ان الحرام مقدمة للواجب والواجب ذو المقدمة على عكس ما مر في الثمرة السابقة ، والمقدمة هنا مقدمة للواجب بخلافه فيما سبق حيث كانت مقدمة للحرام.

ومثال هذه الثمرة انقاذ الغريق واجتياز الارض المغصوبة ، فان الانقاذ واجب ولكنه قد يكون امام النهر الذي فيه الغريق ارض مغصوبة ويتوقف الانقاذ على اجتياز تلك الارض ، ففي مثل هذه الحالة يصير الاجتياز الذي هو حرام مقدمة للانقاذ الذي هو واجب.

والسؤال هو ان المكلف اذا اجتاز المغصوب فهل يكون اجتيازه محرما او لا؟ وهذه الثمرة تريد الاجابة على هذا السؤال وتوضيح ان الاجتياز متى يكون محرما ومتى لا يكون كذلك.

ان اجتياز المغصوب يقع محرما في حالتين وغير محرم بل واجبا في حالتين اخريين ، اذ المجتاز للمغصوب تارة :

1 - يجتاز المغصوب ويشتغل بانقاذ الغريق. وفي مثل هذه الحالة لا يكون

ص: 381


1- هذه الثمرة هي المتداولة في كلمات الاصوليين.

الاجتياز محرما لانا فرضنا (1) ان الواجب وهو الانقاذ اهم ، وقد قلنا سابقا ان الاهم هو الذي يتوجه اليه التكليف وغير الاهم - وهو الاجتياز في المقام - لا يتوجه اليه التكليف الا عند عدم الاشتغال بالاهم ، وحيث فرضنا في هذه الحالة اشتغال المكلف بالانقاذ فلا يكون الاجتياز محرما عليه.

2 - واخرى يجتاز المغصوب بلا انقاذ الغريق بل بقصد التنزه مثلا. وفي مثله اذا قلنا بعدم وجوب مقدمة الواجب يقع الاجتياز محرما لانا ذكرنا انه عند عدم الاشتغال بالاهم وهو الانقاذ فلا مانع من توجه الحرمة الى غير الاهم وهو الاجتياز ، والمفروض في هذه الحالة عدم البناء على وجوب مقدمة الواجب حتى يلزم صيرورة الاجتياز واجبا وبالتالي حتى يلزم صيرورة هذا الوجوب مانعا من ثبوت الحرمة للاجتياز.

3 - وثالثة يفترض ان المجتاز لا ينقذ الغريق كالحالة السابقة غير انه يفرض البناء على ان مقدمة الواجب اذا كانت موصلة - اي قد حصل بعدها ذو المقدمة وهو الانقاذ مثلا - فهي واجبة واذا لم تكن موصلة فهي غير واجبة (2). وفي هذه الحالة يكون الاجتياز محرما لنفس النكتة في الحالة السابقة فانه بعد عدم الاشتغال بالاهم فلا مانع من اتصاف غير الاهم وهو الاجتياز بالحرمة ، وحيث ان الاجتياز غير موصل - اذ لم يحصل بعده الانقاذ - فلا يكون واجبا من باب المقدمة وبالتالي تكون الحرمة ثابتة للاجتياز بلا مانع يمنع من ثبوتها.

4 - ورابعة يفترض حصول الاجتياز بلا انقاذ ايضا ولكن مع البناء على

ص: 382


1- هذا الافتراض وان لم يصرح به قدّس سره في صدر هذه الثمرة ولكنه قد اعتمد على الاشارة له في الثمرة الاولى.
2- سياتي في الابحاث المقبلة ان شاء اللّه تعالى تحقيق ان الواجب هل هو مطلق المقدمة او خصوص الموصلة.

وجوب مقدمة الواجب وان لم تكن موصلة ، وفي هذه الحالة لا يكون الاجتياز محرما لان المجتاز وان لم يشتغل بالانقاذ الا ان عدم الاشتغال به لا يسقط وجوبه ، ومع وجوبه يكون الاجتياز واجبا بالوجوب الغيري لانا فرضنا في هذه الحالة ان مقدمة الواجب واجبة وان لم يحصل بعدها ذو المقدمة ، ومع وجوب الاجتياز بالوجوب الغيري فلا يمكن اتصافه بالحرمة ، اذ ثبوت الوجوب يمنع من ثبوت الحرمة ، فان الشيء الواحد لا يمكن ان يكون واجبا وحرما (1).

قوله ص 376 س 8 العريقة : اي الاصيلة ، يقال - كما في المنجد - هو أعرق منك اي آصل منك.

قوله ص 376 س 15 الذي تقع مخالفته ... الخ : وتقع موافقته ايضا موضوعا لاستحقاق الثواب.

قوله ص 377 س 10 كما عرفنا سابقا : من جملة ذلك ص 320 من الحلقة حيث ذكر ان باب التزاحم خارج عن باب التعارض ولا تطبق عليه احكامه.

ص: 383


1- يوجد سؤالان يرتبطان بالمقام : 1 - لماذا لم يتعرض قدّس سره لبيان خصوصية التعارض والتزاحم في الثمرة الثانية كما تعرض لهما في الثمرة الاولى؟ والجواب : ان ذلك حيث اشير له في الثمرة الاولى فلا داعي بعد هذا للتكرار في هذه الثمرة. 2 - ما هو روح الفرق بين الثمرتين بعد وضوح ان كون الاولى ناظرة لكون الواجب مقدمة للحرام والثانية الى العكس وان الحرام هو المقدمة للواجب لا يستدعي عقد ثمرتين بعد ان كانت روحهما واحدة؟ وقد يقال : ان الاولى ناظرة الى حيثية التعارض والتزاحم بخلاف الثانية فانها ناظرة الى حيثية ثبوت الحرمة وعصيانها ، وهذا لا يكفي للفرق ايضا لأن الحيثية المذكورة مترتبة على حيثية التعارض والتزاحم المذكورة في الثمرة الاولى. ولعل وحدة روح الثمرتين هو السبب في عدم تعرضه قدّس سره في بحثه الخارج للثمرة الاولى كما لم يتعرض اليها غيره من الاعلام.

شمول الوجوب الغيري :

اشارة

قوله ص 378 س 16 قام القائلون بالملازمة ... الخ : قسّم الاصوليون مقدمة الواجب الى عدة تقسيمات كتقسيمها تارة الى داخلية وخارجية واخرى الى وجوبية ووجودية وثالثة الى ....

والغرض من ذكر هذه التقسيمات هو التعرف على ان البحث عن وجوب المقدمة هل يشمل جميع الاقسام او ان بعضها لا يشمله باعتبار عدم امكان اتصافه بالوجوب الغيري لنكتة تأتي الاشارة لها ان شاء اللّه تعالى. والتقسيمات هي :

التقسيم الاول

تقسيم المقدمة الى داخلية وخارجية. والمقصود من الداخلية الاجزاء فان كل جزء هو مقدمة لحصول المركب ، فالركوع مثلا مقدمة لحصول الصلاة ، وحيث انه داخل فيها ومقوم لها صح تسميته بالمقدمة الداخلية ، والمقصود من الخارجية الشرائط ، فان الوضوء مثلا تتوقف عليه صحة الصلاة وحيث انه خارج عنها صح تسميته بالمقدمة الخارجية.

وقد وقع الكلام بين الاصوليين في ان البحث عن وجوب المقدمة هل يشمل الداخلية ايضا او يختص بالخارجية ، وفي ذلك اتجاهان احدهما يقول بالشمول وثانيهما بعدمه.

اما الاتجاه الاول فتوجيهه : ان الصلاة مثلا كما تتوقف على المقدمة الخارجية كذلك تتوقف على الداخلية ، ومع انحفاظ المقدمية والتوقف في الداخلية ايضا فلا وجه لعدم شمول النزاع لها.

واما الاتجاه الثاني فيمكن توجيهه ببيانين :

ص: 384

أ - ان الجزء ليس مقدمة اصلا حتى يمكن اتصافه بالوجوب الغيري ، فان المقدمية فرع الاثنينية ، اي لا بدّ من وجوب شيئين في الخارج ليكون احدهما مقدمة للآخر كالسفر والحج فان السفر غير الحج خارجا والحج يتوقف على السفر ، وهذا بخلافه في باب الجزء فان الركوع مثلا لا يغاير الصلاة خارجا بل هي عين الركوع والسجود وبقية الاجزاء ، ومعه فلا يعقل ان تتوقف الصلاة على اجزائها ، اذ لازمه توقف الشيء على نفسه ، ومن خلال هذا يتضح ان عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري ليس لوجود مانع من اتصافها به بل لفقدان المقتضي وهو المقدمية.

ب - ان الاجزاء لا تتصف بالوجوب الغيري لوجود المانع ، اي حتى لو سلمنا بثبوت المقتضي لاتصافها به فمع ذلك لا تتصف به لوجود مانع وهو : ان الاجزاء بما انها نفس الصلاة خارجا فالوجوب النفسي المنصب على الصلاة ينحل الى وجوبات نفسية - ولكنها انحلالية وضمنية - بعدد الاجزاء ، فكل جزء يتوجه اليه وجوب نفسي ضمني ، فالركوع واجب بوجوب نفسي ضمني ، والسجود واجب بوجوب نفسي ضمني ، وهكذا ، ومعه فيستحيل الاتصاف بالوجوب الغيري والا يلزم اجتماع وجوبين في شيء واحد وهو مستحيل.

لا يقال : لماذا لا يكون اجتماع الوجوبين كاجتماع السوادين ، فكما ان الورقة اذا كانت متصفة بالسواد امكن حلول سواد جديد عليها وذلك بتأكد السواد الاول وتحوله الى سواد اكيد كذلك في المقام نقول بالتأكد والتحول الى وجوب واحد اكيد.

فانه يقال : ان التأكد والتوحد لا يعقل في الوجوبين وان كان معقولا في السوادين ، اذ السوادان هما في عرض واحد ، وليس احدهما علة للآخر كي لا

ص: 385

يعقل التوحد ، وهذا بخلافه في الوجوب الغيري والنفسي ، فان الغيري على ما قالوا هو معلول ومتولد من النفسي وفي رتبة متأخرة عنه والنفسي علة له وفي رتبة متقدمة عليه ، ومن الواضح ان العلة والمعلول لا يمكن اتحادهما والا صارت العلة معلولا والمعلول علة او صار الوجود الواحد علة ومعلولا ومتقدما ومتأخرا.

التقسيم الثاني

تقسيم المقدمة الى وجوبية ووجودية. والوجوبية هي المقدمة التي يتوقف عليها وجوب الواجب كالاستطاعة حيث يتوقف عليها وجوب الحج. والوجودية هي التي لا يتوقف عليها وجوب الواجب بل وجوده كالسفر حيث لا يتوقف عليه وجوب الحج - والا لانتفى الوجوب عمن تهاون عن السفر - بل وجوده.

وباتضاح هذا نقول : ان المقدمة الوجوبية خارجة عن محل البحث حيث لا يمكن ان تتصف بالوجوب ابدا لا بالوجوب النفسي ولا بالغيري. اما انها لا تتصف بالنفسي فلأنه قبل حصولها لا وجوب نفسي للحج ليثبت لها وبعد حصولها لا معنى لوجوب تحصيلها لاستحالة تحصيل الحاصل. واما انها لا تتصف بالغيري فلأن الغيري بما انه متولد من النفسي فهو لا يثبت الا عند ثبوت النفسي ، وبما ان النفسي لا يثبت الا بعد حصول الاستطاعة فلا معنى حينئذ لتعلق الوجوب بها اذ يكون ذلك من قبيل وجوب تحصيل الحاصل.

التقسيم الثالث

تنقسم المقدمة باعتبار آخر الى علمية وعقلية وشرعية (1). والعلمية هي

ص: 386


1- وهناك قسم رابع ذكره الآخوند في الكفاية وهو المقدمة العادية. ولعل السبب في اعراض السيد الشهيد عن الاشارة له هو ان المقدمة العادية ليست بحسب الحقيقة مقدمة فان لبس الحذاء مثلا قبل الخروج من الدار وان كان بحسب عادة الناس مقدمة للخروج من الدار ولكنه لا يتوقف الخروج عليه حقيقة حتى يكون مقدمة ومتصفا بالوجوب الغيري.

المقدمة التي لا يتوقف عليها وجود الواجب وانما يتوقف عليها العلم بتحقق الواجب كغسل شيء من فوق المرفق في الوضوء ليعلم بغسل المقدار الواجب ، فان غسل اليد ما بين رؤوس الاصابع والمرفق لا يتوقف على غسل شيء من فوق المرفق كما هو واضح وانما يتوقف العلم بتحقق ذلك على غسل المقدار الزائد.

ومثال ثان : ما اذا كان لدينا او ان عشرة وعلمنا بنجاسة واحد منها فان ترك التسعة الباقية واجب من باب المقدمة لكن لا لأنه مقدمة لترك نفس ذلك الاناء النجس فان تركه يتحقق بترك نفسه ولا يتوقف على ترك التسعة الباقية وانما العلم بتحقق ذلك يتوقف على ترك التسعة الباقية.

واما المقدمة العقلية فهي المقدمة التي يتوقف عليها تكوينا وخارجا وجود الواجب كالسفر بالنسبة للحج ، فان وجود الحج يتوقف تكوينا على تحقق السفر.

واما المقدمة الشرعية فهي المقدمة التي اخذها الشارع قيدا في الواجب كالوضوء بالنسبة للصلاة فان الصلاة لا تتوقف عقلا على الوضوء وانما تتوقف عليه شرعا باعتبار ان الشارع اخذ الوضوء قيدا للصلاة.

وبعد اتضاح هذه الاقسام الثلاثة نقول :

اما المقدمة العلمية فهي خارجة عن محل البحث لانها لا يمكن ان تتصف بالوجوب الغيري ، اذ الذي يتصف به هو مقدمة الواجب اي ما يكون مقدمة لتحقق الواجب بحيث لا يحصل الواجب بدونها ، ومن الواضح ان غسل اليد من رؤوس الاصابع الى المرفق لا يتوقف على غسل المقدار الزائد ليجب غسل المقدار الزائد من باب المقدمة والوجوب الغيري.

ص: 387

ولا ينبغي ان يفهم من هذا انا ندعي عدم اتصاف المقدمة العلمية بالوجوب اصلا وانما ندعي عدم اتصافها بالوجوب المقدمي الغيري وان كانت تتصف بالوجوب من ناحية اخرى اي من ناحية ان احراز حصول الواجب لا يتحقق بدونها. وبتعبير آخر : هي تتصف بالوجوب من باب قاعدة « الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية » ولكن هذا مطلب آخر لسنا بصدده وانما نحن بصدد الوجوب الغيري المقدمي.

واما المقدمة العقلية التي هي كالسفر بالنسبة للحج فهي القدر المتيقن من محل البحث فان القدر المتيقن - على تقدير ثبوت الوجوب الغيري واتصاف المقدمة به - هو ثبوته للمقدمة العقلية اذ عليها يتوقف وجود الواجب.

واما المقدمة الشرعية فهي التي وقعت محلا للبحث فقد ذهب بعض كالميرزا الى خروجها عن محل البحث لعدم امكان اتصافها بالوجوب الغيري بتقريب : ان المقدمة الشرعية - كالوضوء مثلا - متصفة بالوجوب النفسي ، وما دامت هي واجبا نفسيا فكيف تتصف بالوجوب الغيري ، انه غير ممكن لأن لازمه اجتماع الوجوبين في شيء واحد ، وقد تقدم نظير هذا منه قدّس سره في المقدمة الداخلية كالركوع مثلا اذ اختار ان الركوع لا يتصف بالوجوب الغيري لنفس النكتة المذكورة.

يبقى السؤال عن نكتة اتصاف الوضوء بالوجوب النفسي في رأي الميرزا ، ان نكتة ذلك هي ان الوضوء مثلا لا يكون مقدمة شرعية للصلاة الا اذا اخذه الشارع قيدا في الصلاة ، ومع اخذه قيدا فيها فسوف ينصب وجوب الصلاة الذي هو وجوب نفسي على الصلاة المقيدة بالوضوء ، ولازم ذلك انحلال هذا الوجوب النفسي الواحد الى وجوبين نفسيين ضمنيين احدهما متعلق بالصلاة والآخر

ص: 388

بالوضوء ، وعليه يكون الوضوء بحسب النتيجة متصفا بالوجوب النفسي.

وفيه : انا وان سلمنا شرطية الوضوء للصلاة ولكن لا نسلم ان لازم شرطيته انصباب الوجوب النفسي عليه ، اذ تقدم في مبحث الشرط المتأخر ان مرجع شرطية شيء للصلاة الى تعلق الوجوب بالحصة الخاصة اي مرجعه الى تعلق الوجوب بالصلاة مع التقييد بالوضوء ، فالوجوب منصب على شيئين : الصلاة والتقييد ، واما نفس القيد وهو الوضوء فليس متعلقا للوجوب ولا ينصب عليه والا يلزم عدم الفرق بين مثل الركوع والوضوء ، فيلزم ان يكون الوضوء جزء للصلاة كالركوع لعدم وجود اي فارق بينهما اذ الوجوب النفسي كما هو متعلق بالركوع كذلك هو متعلق بالوضوء مع انا نعرف ان الوضوء يمتاز عن الركوع ، ففي الركوع يكون الوجوب النفسي الثابت للصلاة متعلقا بالتقييد بالركوع وبنفس الركوع واما في الوضوء فالوجوب النفسي الثابت للصلاة متعلق بالتقييد بالوضوء دون نفس الوضوء ، ومع عدم تعلق الوجوب النفسي بالوضوء فلا مانع من تعلق الوجوب الغيري به.

ان قلت : انك اذا سلمت تعلق الوجوب النفسي بالتقيد بالوضوء فلا بدّ وان تسلم تعلقه بنفس الوضوء ايضا ، اذ التقييد لا يتحقق الا بتحقق نفس القيد لكونه منتزعا منه ، ولازم ذلك ان يكون الامر النفسي المتعلق بالتقييد متعلقا بالوضوء ايضا.

قلت : اذا كان المقصود من هذا الكلام ان التقييد بالوضوء هو عين الوضوء ونفسه وان الامر النفسي المتعلق بالتقييد يكون متعلقا بالوضوء فهذا باطل جزما ، اذ التقييد عبارة عن النسبة بين ذات المقيد والقيد ، فلو كان التقييد نفس القيد لزم من ذلك كون النسبة عين طرفها والحال ان لها وجودا مغايرا لوجود طرفيها

ص: 389

فالنسبة بين الصلاة والوضوء ليست هي نفس الوضوء بل غيره.

وان كان المقصود ان التقييد شيء مغاير للقيد خارجا وليس نفسه الا ان حصول القيد هو مقدمة لحصول التقييد فهذا شيء ، صحيح الا انه لا يلزم منه كون الامر النفسي المتعلق بالتقييد متعلقا بالقيد وانما يلزم منه تعلق امر مقدمي غيري بالقيد باعتبار انه مقدمه لحصول التقييد ، وهذا لا ينفع الميرزا لانه يريد الحصول على وجوب نفسي للوضوء حتى يكون مانعا من تعلق الوجوب الغيري به.

قوله ص 379 س 10 ويقال في مقابل ذلك : هذا عدل لقوله : « وقد يقال بالتعميم ».

قوله ص 380 س 3 من خلال ذلك : اي من خلال اجتماعهما.

قوله ص 380 س 6 كما يقال : التعبير بقوله « كما يقال » يدل على تضعيف هذا الرأي وهو كون الوجوب الغيري معلولا للوجوب النفسي ، والوجه في ضعفه على ما سيأتي ص 382 من الحلقة ان الوجوب فعل اختياري للشارع يحصل بسبب تشريعه وجعله ولا يعقل تولد وجوب من وجوب ، فان الوجوب لا يقبل الولادة.

قوله ص 380 س 10 من قبل : بكسر القاف وفتح الباء.

قوله ص 380 س 11 على ما تقدم : اي ص 335 من الحلقة.

قوله ص 380 س 11 لانه من : الصواب : لانه اما.

قوله ص 380 س 12 او معه : الترديد بقوله « معلول للوجوب النفسي او معه » اشارة الى الاحتمالين المتقدم ذكرهما ص 370 حيث ذكر قدّس سره ان التعبير عن الوجوب الغيري بالتبعي اما باعتبار انه معلول للوجوب النفسي او باعتبار ان هناك ملاكا واحدا ينشىء المولى بسببه الوجوب النفسي اولا وبالذات

ص: 390

والوجوب الغيري ثانيا وبالتبع.

قوله ص 381 س 15 بما تقدم : اي في مبحث الشرط المتأخر ص 339 من الحلقة.

قوله ص 381 س 16 جعل الامر متعلقا بالتقييد : اي جعل الامر متعلقا بالفعل مع التقييد.

قوله ص 382 س 2 لانه طرف له : فان التقييد نسبة لها طرفان احدهما القيد.

قوله ص 382 س 3 بما هو معنى حرفي : اي بما هو نسبة - فان المعنى الحرفي في المصطلح الاصولي يراد به النسبة - في مقابل التقييد بالمعنى الاسمي الذي هو عبارة عن نفس كلمة « التقييد ».

تحقيق حال الملازمة :

قوله ص 382 س 8 والصحيح انكار الوجوب الغيري ... الخ : ولحد الآن لم يتم التعرض لصلب الموضوع وهو ان مقدمة الواجب هل هي واجبة او لا ، وقد حان الآن وقت ذلك ، وقبل الاشارة الى الرأي المختار ينبغي استذكار ان المقصود من الوجوب المبحوث عنه هنا ليس هو الوجوب العقلي فانه لا اشكال لدى كل عاقل ان مقدمة الواجب يلزم الاتيان بها عقلا لتوقف تحقق الواجب عليها. وبكلمة ثانية : الوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية العقلية لم يقع موردا للخلاف بين الاصوليين بل هو من الامور المسلمة عندهم ، وانما الذي وقع موردا للخلاف هو الوجوب الشرعي بمعنى ان مقدمة الواجب التي قلنا بوجوب الاتيان بها عقلا هل اثبت الشارع المقدس لها الوجوب مضافا الى الوجوب الذي اثبته

ص: 391

لذي المقدمة او انه اثبت الوجوب لذي المقدمة فقط دون المقدمة؟

وبعد اتضاح المقصود من الوجوب نعود لنقول : هل مقدمة الواجب متصفة بالوجوب الشرعي او لا؟ الصحيح انها ليست واجبة بالوجوب الشرعي ولكنها محبوبة للمولى ويريدها ، فلنا دعويان :

أ - ان مقدمة الواجب ليست واجبة بوجوب شرعي ، اي لا ملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته.

ب - ان مقدمة الواجب محبوبة للمولى ، اي انه توجد ملازمة بين حب الشيء وحب مقدمته.

اما الدعوى الاولى فيمكن اثباتها بالبيان التالي : ان مقدمة الواجب لو كانت واجبة فنسأل : هل وجوبها حصل بسبب وجوب ذي المقدمة بمعنى ان وجوب الحج مثلا هو الذي ولّد وجوب السفر وترشح منه بشكل قهري ، او ان وجوبها حصل بسبب جعل الشارع المقدس الوجوب عليها ، فالشارع صب الوجوب اولا على الحج وثانية على السفر. وعليه ففي المقام احتمالان ، وكلاهما باطل.

اما الاول فباعتبار ان الوجوب فعل اختياري للشارع يحصل باختياره وفعله ولا يمكن ان يحصل من وجوب آخر ، فان الوجوب لا يولّد وجوبا اذ هو ليس قابلا للولادة.

واما الثاني فباعتبار ان المولى حينما يجعل الوجوب على شيء فلا بدّ ان يكون ذلك بداع وهدف معين ، ونحن نسأل عن ذلك الهدف ، فهل الهدف من جعل الوجوب على السفر مثلا تبيان ثبوت الملاك والمصلحة فيه او تبيان لزوم التحرك نحو السفر واستحقاق العقاب على تركه؟ وكلاهما غير صحيح.

ص: 392

اما الاول فباعتبار ان نفس السفر لا ملاك له حتى يحاول المولى اظهاره عن طريق جعل الوجوب عليه ، اجل ذو المقدمة وهو الحج مثلا له ملاك الا ان ملاكه قد تم بيانه واظهاره بواسطة الوجوب النفسي الثابت للحج.

واما الثاني فباعتبار ان الوجوب الغيري ليس له محركية مستقلة ولا استحقاق للعقاب على مخالفته كما تقدم توضيح ذلك عند التعرض لخصائص الوجوب الغيري. هذا كله في اثبات الدعوى الاولى وهي : ان مقدمة الواجب ليست واجبة.

واما الدعوى الثانية - وهي ان مقدمة الواجب محبوبة للمولى - فوجهها واضح ، فانه وان لم يمكن اقامة البرهان على ان من احبّ شيئا احبّ مقدماته الا ان الوجدان قاض بذلك ، فانه يحكم بان من احب ان يكون عالما فقد احب مقدمات ذلك ومن احب الزواج فقد احب مقدماته ايضا وهلم جراء. ومما يؤيد ذلك : ان من الامور الواضحة لدى كل متشرع محبوبية الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات النفسية للشارع المقدس ، فلو لم تكن هناك ملازمة بين حب الشيء وحب مقدماته فلا وجه لاستكشاف محبوبيتها اذ لا يوجد ما يكشف عن كونها محبوبة سوى ان الغرض من هذه الواجبات - وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر مثلا - لما كان محبوبا فيلزم كون مقدمة هذا الغرض المحبوب - والمقدمة هي الصلاة مثلا - محبوبة ايضا. اذن الملازمة بين حب الشيء وحب مقدمته لو لم تتم فلا وجه لاستكشاف كون الصلاة محبوبة.

وقد تقول : ان الوجه في استكشاف محبوبيتها ليس ما ذكر بل هو تعلق الامر بها ، فان تعلق الامر بالصلاة مثلا يكشف عن كونها محبوبة والا لما تعلق الامر بها.

ص: 393

وفيه : ان تعلق الامر بالصلاة لا يدل على محبوبيتها اذ لعل وجه ذلك هو كونها مقدمة للغرض المحبوب من دون ان تكون محبوبة بنفسها.

قوله ص 382 س 9 والايجاب : عطف تفسير على « الجعل ».

قوله ص 383 س 1 كما تقدم في محله : اي في الحلقة الثانية ص 14 وهذه الحلقة ص 22.

قوله ص 383 س 5 كما مر : في هذه الحلقة ص 373.

حدود الواجب الغيري :

قوله ص 383 س 14 وفي حالة التسليم بالواجب الغيري ... الخ : هناك بحث اصولي يقول لو ثبت ان مقدمة الواجب واجبة او لا اقل محبوبة فهل الواجب مطلق المقدمة سواء كانت موصلة - اي حصل بعدها ذو المقدمة - ام لا او ان الواجب هو خصوص الموصلة ، فالسفر الى الحج مثلا هل هو واجب وان لم يحصل بعده الحج او ان الواجب هو خصوص السفر الحاصل بعده الحج؟ اختار صاحب الفصول والسيد الخوئي والسيد الشهيد ان الواجب هو خصوص الموصلة بينما ذهب الآخوند الى ان الواجب مطلق المقدمة.

وذكر الآخوند انا لو اردنا التعرف على ان الواجب هو مطلق المقدمة او خصوص الموصلة فعلينا ان نبحث هذه النقطة وهي : ان الغرض من وجوب المقدمة هل هو التمكن من الاتيان بذي المقدمة او حصول ذي المقدمة؟ فان كان الغرض هو التمكن فلازم ذلك وجوب مطلق المقدمة اذ مطلق المقدمة يوجب حصول التمكن من ذي المقدمة ، وان كان الغرض هو حصول ذي المقدمة فاللازم وجوب خصوص الموصلة. ثم اضاف قدّس سره ان الصحيح من هذين

ص: 394

الاحتمالين هو كون الغرض التمكن ، ومعه فاللازم وجوب مطلق المقدمة.

ولكن لماذا كان الصحيح هذا الاحتمال؟ ذكر قدّس سره ان الحصول لا يمكن ان يكون هو الغرض بحيث يكون الوجوب الغيري متعلقا بالمقدمة الموصلة ، اذ لازم ذلك صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا لأن الوجوب الغيري اذا كان متعلقا بالمقيد - اي المقدمة المقيدة بحصول ذي المقدمة بعدها - كان حصول الواجب النفسي مقدمة لحصول هذا المقيد - اذ حصول الواجب النفسي قيد ، والقيد مقدمة لحصول المقيد - واذا كان حصول الواجب النفسي مقدمة للمقيد فلازم ذلك صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا ، اذ قد فرضنا ان المقيد هو المتعلق للوجوب الغيري ، واذا كان المقيد واجبا غيريا فمقدمته وهو حصول الواجب النفسي يكون واجبا غيريا ايضا ، فان مقدمة الواجب الغيري واجب غيري بالاولوية.

هذا ما استدل به الآخوند لاثبات ان الغرض من الوجوب الغيري هو التمكن دون الحصول.

وفي مقابل هذا يمكن الاستدلال على العكس وان الغرض هو الحصول وليس التمكن ، اذ لو كان التمكن هو الغرض فنسأل : هل هو الغرض الاصيل والاساسي من وجوب المقدمة او هو غرض غير اصيل؟ والاحتمال الاول باطل لوجهين :

أ - ان كون التمكن هو الغرض الاصيل خلاف الوجدان ، فانه قاض بان الشارع لا يريد السفر لمجرد انه يوجب التمكن من الحج وان لم يحصل بعده الحج ، بل يريد السفر الذي يحصل الحج بعده.

ب - يلزم من كون التمكن هو الغرض الاصيل خلف الفرض ، اذ قد فرضنا

ص: 395

ان المقدمة قد تكون موصلة وقد لا تكون ، فلو كان التمكن هو الغرض الاصيل والنفسي فلازمه صيرورة المقدمة موصلة دائما ولا توجد مقدمة غير موصلة ، فانه لو كان التمكن هو الغرض الاصيل فهذا الغرض حيث انه حاصل في كل مقدمة فيلزم صيرورة كل مقدمة موصلة الى الغرض الاصيل وهو التمكن ، اذ كل مقدمة يحصل بها التمكن من ذي المقدمة.

والاحتمال الثاني - وهو كون التمكن غرضا غير اصيل - لازمه وجود غرض اصيل ونفسي ، اذ كل شيء غير اصيل يلزم ان ينتهي الى شيء اصيل لقاعدة ان كل ما بالغير لا بد وان ينتهي الى ما بالذات ، وحيث فرضنا ان التمكن ليس هو الغرض الاصيل فيلزم وجود غرض اصيل ينتهي اليه هذا الغرض غير الاصيل ، وحيث لا يوجد غرض اصيل الا الوصول لذي المقدمة فيلزم كون الوصول هو الغرض الاصيل. وبهذا يثبت ما اردناه وهو كون الغرض الاصيل هو الحصول دون التمكن.

يبقى قد تقول : ان هذا طريق لطيف لاثبات كون الغرض هو الحصول دون التمكن ولكن كيف ندفع ما ذكره الآخوند من ان الغرض لو كان هو الحصول يلزم صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا؟ يمكن دفع ذلك بانه ليس المقصود من تعلق الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة هو ان الوجوب الغيري متعلق بالمجموع المركب من المقدمة وقيد حصول الواجب النفسي حتى يلزم ان يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري بل المقصود ان الواجب لو كان له عشر مقدمات مثلا فالوجوب الغيري لا يتعلق بكل واحدة واحدة بحيث تكون هناك عشرة وجوبات بل هناك وجوب واحد يتعلق بمجموع المقدمات العشر ، فان الذي يحصل الواجب النفسي بعده ليس هو كل مقدمة مقدمة بل هو مجموع

ص: 396

المقدمات العشر.

وبكلمة ثانية : نحن لا نفسر المقدمة الموصلة بالمقدمة التي يكون الواجب النفسي حاصلا بعدها ليرد ما ذكره الآخوند بل نفسرها بالمقدمة التي لو حصلت لحصل بعدها الواجب النفسي حتما ، وتلك المقدمة ليست هي الا مجموع المقدمات من حيث المجموع واما كل مقدمة بمفردها فلا يصدق عليها لو حصلت لحصل بعدها الواجب النفسي حتما.

وبكلمة ثالثة : ان المقدمة تارة تكون علة تامة لحصول ذي المقدمة واخرى جزء العلة التامة ، والاولى نسميها بالموصلة وهي التي ينصب عليها الوجوب الغيري دون كل مقدمة مقدمة لانها جزء العلة التامة وليست علة تامة. وبناء على هذا التفسير الجديد للمقدمة الموصلة لا يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري ليلزم صيرورته واجبا غيريا.

وبكلمة رابعة : ان قيد الموصلة يؤخذ في متعلق الوجوب الغيري بما هو مشير ومعرّف الى واقع المقدمة التي لا ينفك عنها ذو المقدمة ولا يؤخذ فيه بنحو الموضوعية فلو فرض انه يوجد في الخارج نحو ان من السفر احدهما حاصل بعده الحج والآخر لم يحصل بعده الحج فبقيد الموصلة كأنه يراد الاشارة الى النحو الاول وانه هو المطلوب دون الثاني.

قوله ص 384 س 7 مقدمة للواجب الغيري : اي وما هو المقدمة للواجب الغيري يكون واجبا غيريا بالاولوية.

قوله ص 385 س 11 والا تسلسل الكلام : اي اذا لم ينته الغرض غير النفسي الى غرض نفسي اصيل يلزم التسلسل ، وهذا نظير العالم الذي يكون علمه مكتسبا من الغير فانه لا بدّ وان ينتهي علمه الى عالم يكون علمه ذاتيا له

ص: 397

والا يلزم التسلسل ، اذ العالم الذي اكتسب علمه من الغير يكون علمه معلولا لعالم ثان ، فلو كان علم هذا الثاني ليس ذاتيا لزم افتراض عالم ثالث وهكذا.

قوله ص 385 س 12 حتى يعود اليه : حتى يعود الكلام الى غرض نفسي وهو حصول الواجب النفسي.

مشاكل تطبيقية :

قوله ص 386 س 1 استعرضنا فيما سبق ... الخ : هناك مشكلتان واجههما الاصوليون عند بحثهم عن مقدمة الواجب هما :

1 - ذكرنا فيما سبق اربع خصوصيات للوجوب الغيري ، وكانت الخصوصية الثانية ان امتثال الوجوب الغيري لا يوجب استحقاق الثواب ، وهذه الخصوصية صارت سببا لمشكلة حاصلها : انه ورد في عدة روايات استحقاق المكلف للثواب على بعض المقدمات كمن سافر الى الحج او لزيارة الامام الحسين علیه السلام ماشيا على قدميه فان له بكل خطوه يخطوها ثوابا عظيما (1) ، ان هذه الروايات تثبت الثواب على الخطوات بالرغم من انها مقدمات للمطلوب النفسي وليست بنفسها مطلوبات نفسية ، وهذا يتنافى والخصوصية الثانية للوجوب الغيري.

2 - ذكرنا في الخصوصية الرابعة ان الوجوب الغيري توصلي لا يتوقف سقوطه على قصد القربة ، وهذه الخصوصية صارت سببا لمشكلة حاصلها : ان الوضوء والتيمم والغسل هي واجبات غيرية مع انها تتوقف على قصد القربة ، وهذه المشكلة هي المعروفة بمشكلة عبادية الطهارات الثلاث.

ص: 398


1- فقد ورد في بعضها : « من اتى قبر الحسين علیه السلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة الف حسنة ومحى عنه الف سيئة ورفع له الف درجة ». والروايات في ذلك كثيرة راجع الوسائل ج 10 الباب 41 من ابواب المزار.

ويمكن دفع المشكلة الاولى بان الآتي بالخطوات لزيارة الامام الحسين علیه السلام او لأداء الحج يقصد من اول خطوة يخطوها امتثال الامر النفسي المتعلق بالزيارة والحج ، ومعه فيكون مستحقا للثواب على الخطوات بما هي شروع في امتثال الامر النفسي لا بما هي خطوات وامتثال للامر الغيري ليرد الاشكال ، والروايات المتقدمة يمكن حملها على ذلك (1). هذا بالنسبة الى المشكلة الاولى.

واما بالنسبة الى المشكلة الثانية فقد ذكر الآخوند في دفعها بان المقدمة اذا كانت عبارة عن ذات الفعل فلا يلزم قصد القربة ، وهذا كالسفر بالنسبة للحج ، فان المقدمة للحج هو ذات السفر ومعه فلا يلزم حين الاتيان بالسفر قصد القربة ، واما اذا كانت المقدمة ليست ذات الفعل بل الفعل مع انضمام قصد القربة - كما هو الحال في الوضوء فان المقدمة للصلاة ليست ذات الوضوء بل الوضوء المنضم اليه قصد القربة - فيلزم الاتيان بقصد القربة ولكن لا من جهة توقف سقوط الامر بالمقدمة على قصد القربة ليرد الاشكال بل من جهة ان نفس المقدمة تتوقف على قصد القربة.

وبكلمة ثانية : ان قصد القربة في باب الوضوء هو جزء من المقدمة وليس شيئا خارجا عنها ليلزم الاشكال من لزوم ضمه اليها حين الاتيان بها.

وبكلمة ثالثة : ان الذي ذكرناه في الخصوصية الرابعة هو ان قصد القربة لا يلزم ضمه الى المقدمة ، ومن الواضح انه في باب الوضوء لا يكون قصد القربة

ص: 399


1- هذا كله لو قلنا بان الخطوات مطلوبة طلبا غيريا ، اما لو قلنا بانها مطلوبة طلبا نفسيا - بتقريب ان المشي على الاقدام الى قبر الامام الحسين علیه السلام مطلوب في نفسه حتى ولو لم تتحقق زيارته علیه السلام لان في ذلك نحوا من تعظيم الشعائر وهكذا بالنسبة الى الحج - فالاشكال مرتفع من اساسه.

شيئا منضما الى المقدمة بل هو مقوم لها بحيث من دونه لا يصدق الاتيان بالمقدمة.

وان شئت قلت : ان العبادية لم تطرأ على المقدمة بل المقدمية طارئة على العبادة.

ان قلت : ان هذا وجيه ولكن قد يورد بان قصد القربة وان كان جزء من ذات المقدمة وليس اجنبيا عنها غير انه لا يمكن للمكلف الاتيان به اذ معنى قصد القربة كون المحرك للمكلف نحو الوضوء هو الامر وليس الرياء او التبريد او شيئا آخر ، ومعه فنسأل عن هذا الامر الذي صار محركا للمكلف نحو الوضوء ، انه ليس الا الامر بالوضوء ، وحيث ان الامر المذكور غيري فلا يصلح لأن يكون محركا لما تقدم في الخصوصية الاولى من عدم صلاحية الامر الغيري للمحركية.

قلت : يمكن الجواب بوجهين :

أ - ان المحرك ليس هو الامر بالوضوء بل الامر بالصلاة الذي هو امر نفسي ، ومعه فلا يرد الاشكال.

لا يقال : ان لازم هذا عدم صحة الوضوء لو لم يأت المكلف به بقصد امتثال الامر بالصلاة.

فانه يقال : نعم يلزم قصد الامر بالصلاة بل ذلك هو المطابق للواقع الخارجي ، فان المكلف لا يأتي بالوضوء الا لاجل التوصل به الى الصلاة او نحوها من الغايات (1) ، وكل من قصد التوصل الى ذلك فقد قصد امتثال الامر بالصلاة او نحوها من الغايات لعدم انفكاكه عنه فقصد التوصل الى الصلاة هو عبارة اخرى عن قصد امتثال امر الصلاة وكون امر الصلاة هو المحرك.

ص: 400


1- هذا بناء على قطع النظر عن ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء فان ذلك هو الجواب الثاني.

ب - ان هناك رأيا معروفا يقول بان الوضوء مستحب ونور في نفسه وان لم يقصد به الصلاة ، ومعه فيمكن للمكلف الاتيان به بقصد امتثال الاستحباب النفسي ويكون هو المحرك له ، وبالتالي فلا يلزم الاشكال.

اجل هذا الجواب يجدي في خصوص الوضوء دون التيمم والغسل حيث لم يثبت من الادلة استحبابهما النفسي.

وبهذا اتضح ان المكلف مخيّر في مقام قصد القربة بالوضوء بين ان يقصد امتثال الامر النفسي المتعلق بالصلاة او يقصد الاستحباب النفسي المتعلق بالوضوء.

قوله ص 386 س 6 وان ما ثبت من عبادية ... الخ : هذا اشارة الى المشكلة الثانية ، وقوله فيما سبق « وقد لوحظ ان ما ثبت ... الخ » اشارة الى المشكلة الاولى.

قوله ص 386 س 9 فهو انها : اي الخصوصية الثانية.

قوله ص 386 س 14 يمكن تطبيقه على ذلك : اي يمكن ان يكون مقصود الروايات ان الآتي بالخطوات يثاب عليها بما انه قد قصد من حين الاتيان بها امتثال الامر النفسي.

قوله ص 387 س 9 نستكشف انطباق هذه الحالة عليها : اي نستكشف ان قصد القربة جزء مقوم للمقدمة وليس شيئا خارجا عنها.

قوله ص 387 س 16 وهذا التحريك يتمثل في قصد التوصل : اي ان قصد امتثال الامر بالصلاة وكونه المحرك لا ينفك عن قصد التوصل بالوضوء الى الصلاة.

ص: 401

ص: 402

الاجزاء في الاوامر الظاهرية والاضطرارية

اشارة

ص: 403

ص: 404

دلالة الاوامر الظاهرية والاضطرارية على الاجزاء :

اشارة

قوله ص 389 س 1 لا شك في ان الاصل اللفظي ... الخ :

لتوضيح هذا المبحث نطرح السؤالين التاليين :

1 - لو فرض ان المكلف امتثل الامر الاضطراري بان تيمم مثلا وصلى ثم تمكن من الماء فهل يجب عليه اعادة الصلاة مع الوضوء او لا؟ وبكلمة اخرى : هل الامر الاضطراري يجزي عن امتثال الامر الواقعي الاختياري او لا؟ وطبيعي نطرح هذا التساؤل بقطع النظر عن الروايات الخاصة الواردة في هذا المجال لنعرف ما تقتضيه القاعدة الاولية ، فالبحث اذن ليس بحثا عما تقتضيه الروايات بل عما تقتضيه القاعدة الاولية.

2 - اذا امتثل المكلف الامر الظاهري كما لو قلد مجتهدا وعمل برأيه فترة من الزمن ثم قلد من يفتي ببطلان اعماله السابقة فهل يلزمه اعادتها او لا؟

وقبل الاجابة نقدم مقدمة صغيرة حاصلها : ان مقتضى القاعدة الاولية في كل امر عدم تحقق امتثاله بغير متعلقه ، فلو قال المولى اعتق رقبة فلا يسقط الامر الا بعتق الرقبة ولا يكفي توزيع ثمنها على الفقراء ، فان توزيع الثمن ليس هو المأمور به ، فاسقاطه للامر يحتاج الى دليل ، اذ لو كان مسقطا لكان من المناسب تقييد الامر بان يقال يجب عتق الرقبة ان لم يوزع ثمنها ، وحيث لم يقيد بل اطلق كان ذلك دليلا على عدم اجزاء غير العتق. اذن مقتضى القاعدة في كل امر - المقصود من القاعدة الاصل اللفظي اي الاطلاق - هو عدم اجزاء غير متعلقه

ص: 405

عنه.

وبعد الفراغ من المقدمة نقول : ان لازم هذه القاعدة عدم اجزاء الوظيفة الظاهرية او الاضطرارية عن امتثال الامر الواقعي ولا يسقط الامر الواقعي الا بالاتيان بالمأمور به الواقعي بيد انه قد يدعى وجود نكتة خاصة تقتضي اجزاء امتثال الامر الظاهري والاضطراري عن امتثال الامر الواقعي. ولتوضيح ذلك نتكلم تارة عن الامر الاضطراري واخرى عن الامر الظاهري.

دلالة الاوامر الاضطرارية على الاجزاء عقلا

قوله ص 390 س 1 اذا تعذر الواجب الاصلي ... الخ : وامثلة الاوامر الاضطرارية كثيرة منها مثال التيمم بدل الوضوء ومنها الصلاة جالسا عند عدم القدرة على القيام ، فاذا تحققت القدرة على الوضوء او القيام فهل تجب الاعادة او لا؟ ولتوضيح ما تقتضيه القاعدة نقول : تارة نفترض ان جواز البدار الى الصلاة من جلوس او مع التيمم في بداية الوقت مشروط ببقاء العذر - اي عدم القدرة على الوضوء والقيام - الى آخر الوقت ، واخرى يفرض جواز البدار وان لم يكن العذر مستوعبا لتمام الوقت.

ونتكلّم اولا عن الحالة الثانية - ثم عن الاولى - والقاعدة فيها تقتضي عدم وجوب الاعادة ، فلو لم يكن المكلف قادرا على الصلاة مع الوضوء او القيام وبادر الى الصلاة مع الجلوس او التيمم في اول الوقت ثم ارتفع العذر قبل انتهاء الوقت فلا تلزمه الاعادة ، ويمكن توضيح وجه ذلك بالشكل التالي : لو اتى المكلّف بالصلاة جالسا او مع التيمم كانت الصلاة المذكورة مصداقا للواجب الاضطراري ، وحينئذ نسأل : هل الصلاة المذكورة واجبة على سبيل التعيين بحيث

ص: 406

لا يجوز للمكلف تأخير صلاته الى ما بعد ارتفاع العذر او هو مخير بينها وبين الانتظار الى ارتفاع العذر ليأتي بالصلاة الاختيارية؟ لا اشكال في ان الصحيح هو الثاني فيجوز الانتظار الى ارتفاع العذر. واذا ثبت تخير المكلف بين الصلاة العذرية والانتظار لاداء الصلاة الاختيارية فلازم ذلك كفاية الصلاة العذرية التي يأتي بها اول الوقت لان الواجب عليه هو الجامع - اي احدى الصلاتين : الاضطرارية او الاختيارية - والمفروض تحقق الجامع بالاتيان باحد فرديه وهو الصلاة العذرية فيكون ما اتي به كافيا ولا تلزم الاعادة.

ان قلت : ان التخيير اذا كان بالشكل التالي - الاتيان بالصلاة العذرية حالة العذر والاتيان بالصلاة الاختيارية بعد ارتفاع العذر - لم تجب الاعادة كما ذكر ، لكن لماذا لا يكون التخيير بشكل آخر بان يكون التخيير بين الاتيان بصلاتين - وهما الصلاة العذرية حالة العذر والاختيارية بعد ارتفاعه - وبين الانتظار الى حالة ما بعد ارتفاع العذر ليؤتى بصلاة واحدة وهي الاختيارية ، والتخيير اذا كان بهذا الشكل فالاتيان بالصلاة العذرية حالة العذر لا يكفي بل لا بدّ من ضم الصلاة الاختيارية لها بعد ارتفاع العذر.

قلت : ان التخيير بهذا الشكل غير معقول لأنه تخيير بين الاقل والاكثر اي تخيير بين صلاة واحدة وصلاتين ، والتخيير بين الاقل والاكثر غير معقول فلا معنى لان يقول الوالد لولده مثلا اما ان تدرس درسا واحدا او تدرس درسين ، اذ بدراسته للدرس الواحد يكون الواجب متحققا ومع تحققه لا يمكن ان يبقى الوجوب ليكون الدرس الثاني واجبا. هذا كله في الحالة الثانية.

واما الحالة الاولى - وهي ان يكون جواز البدار للصلاة العذرية مشروطا باستمرار العذر الى آخر الوقت - فتوضيح الحال فيها : ان المكلف اذا اتى بالصلاة

ص: 407

العذرية حالة العذر فان ارتفع عذره قبل انتهاء الوقت وصار متمكنا من الصلاة الاختيارية فلازم ذلك بطلان الصلاة العذرية التي اتى بها ، اذ ان صحتها مشروطة باستمرار العذر والمفروض عدم استمراره ، ومع بطلانها فلا تقع مجزية عن الصلاة الاختيارية كما هو واضح. هذا اذا فرض زوال العذر قبل انتهاء الوقت ، واما اذا بقي مستمرا فالبحث عن وجوب الاعادة لا معنى له لفرض عدم ارتفاع العذر داخل الوقت ليمكن اعادة الصلاة فينحصر البحث في وجوب القضاء فيقال هل يجب القضاء والاتيان بالصلاة الاختيارية بعد انقضاء الوقت وارتفاع العذر او لا؟ قد يقال بعدم وجوب القضاء ، اذ المكلف باتيانه بالصلاة العذرية حالة العذر قد حصل على تمام مصلحة الصلاة الاختيارية فان الصلاة العذرية اذا لم تكن وافية بتمام مصلحة الصلاة الاختيارية لم يأمر بها فأمره بها دليل على وفائها بتمام مصلحة الصلاة الاختيارية ، ومع حصول المكلف على تمام مصلحة الصلاة الاختيارية فلا يصدق انه فاته شيء ليجب عليه القضاء ، اذ وجوب القضاء منصب على الفوت - اقض ما فات كما فات (1) - ومع عدم صدق الفوت فلا يجب القضاء ، هكذا قد يقال.

وفيه ان الامر بالصلاة العذرية لا يدل على وفائها بتمام مصلحة الصلاة الاختيارية ، اذ مصلحة الصلاة الاختيارية اذا كانت بمقدار عشر درجات فمن الممكن ان تفي الصلاة العذرية داخل الوقت بمقدار خمس والصلاة الاختيارية القضائية تفي بمقدار خمس اخرى ، ان هذا افتراض معقول ، وبناء عليه يلزم على المولى الامر بالصلاة العذرية داخل الوقت ليحصل المكلف على مقدار خمس كما

ص: 408


1- لم يرد التعبير المذكور في رواياتنا وانما الوارد في معتبرة زرارة « فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » الوسائل باب 6 من قضاء الصلوات حديث 1. وقريب من ذلك معتبرته الاخرى الواردة في الباب 2 حديث 3.

ويلزم الامر بالقضاء للحصول على الخمس الاخرى.

وبكلمة مختصرة : مجرد الامر بالصلاة العذرية داخل الوقت لا يمكن ان نفهم منه اشتمالها على تمام المصلحة ليثبت الاجزاء بل اثباته يحتاج الى دليل خاص - والا فالقاعدة لا تقتضي الاجزاء - كما قد يدعى ذلك في التيمم فقد يستفيد الفقيه من حديث « التيمم احد الطهورين » وحديث « يكفيك عشر سنين » (1) اشتماله على تمام مصلحة الوضوء ، كما وربما يستفيد الفقيه من الادلة الخاصة عدم وجوب القضاء كما هو الحال في قوله تعالى ( « وتيمموا صعيدا طيبا » ) (2) فان هذه الآية اذا كانت بصدد بيان الوظيفة حالة عدم الماء وحالة ما بعد التمكن منه ومع ذلك لم تأمر الا بالصلاة مع التيمم كان ذلك دليلا على عدم وجوب القضاء والا لأمرت به ولقالت : واذا تمكنتم من الماء وجبت عليكم الصلاة مع الوضوء.

والنتيجة التي نخرج بها هي : ان القاعدة لا تقتضي الاجزاء ، بل لا بدّ لاثباته من احد امرين : اما دلالة الدليل على وفاء الوظيفة الاضطرارية بتمام مصلحة الوظيفة الاختيارية او عدم اشارة الدليل لوجوب القضاء فيما اذا كان بصدد بيان الوظيفة حالة ثبوت العذر وارتفاعه.

قوله ص 390 س 2 تشرع : بضم التاء وسكون الشين وفتح الراء من دون تشديد. والمراد من التشريع هو الجعل بمعنى الوجوب.

ص: 409


1- ففي معتبره محمد بن مسلم « سألت ابا عبد اللّه عن رجل اجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء قال : لا يعيد ، ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل احد الطهورين ». وسائل الشيعة ج 2 باب 14 من ابواب التيمم ح 15. وفي معتبرة السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عن ابي ذر رضي اللّه عنه « انه اتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه هلكت جامعت على غير ماء ، قال : فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله بمحمل فاستترت به وبماء فاغتسلت انا وهي ثم قال : يا ابا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » المصدر السابق ح 12.
2- النساء : 43

قوله ص 392 س 4 في هذه الحالة : اي حالة استيعاب العذر.

قوله ص 392 س 5 مع بقاء جزء آخر مهم : واما اذا كان الجزء المتبقى ضئيلا فلا يأمر المولى بالقضاء بل باداء الوظيفة الاضطرارية داخل الوقت فقط.

قوله ص 392 س 11 من لسان دليل ... الخ : كما في لسان « التيمم احد الطهورين » او « يكفيك عشر سنين » فان لسانهما ظاهر في وفاء التيمم بتمام مصلحة الوضوء.

قوله ص 392 س 12 واطلاقه : كما في قوله « فيتمموا صعيدا طيبا » ، فان مقتضى اطلاقه وعدم تقييده بوجوب القضاء عدم وجوبه.

قوله ص 392 س 14 ابتداء وانتهاء : المراد من الابتداء حالة العذر ومن الانتهاء حالة ما بعد ارتفاعه.

دلالة الاوامر الظاهرية على الاجزاء :

قوله ص 393 س 1 قد تؤدي الحجة الى تطبيق ... الخ : تمام الحديث السابق كان عن الاوامر الاضطرارية ، واما الاوامر الظاهرية فنذكر لها مثالين :

أ - اذا دلت الامارة على وجوب الظهر مثلا ثم اتضح الخلاف وان الواجب واقعا هو الجمعة. وفي هذا المثال يوجد حكم ظاهري وهو حجية الامارة قد سار المكلف على طبقه ثم اتضح مخالفته للواقع.

ب - اذا شهد الثقة بطهارة الثوب فصلى فيه المكلف ثم اتضحت نجاسته واقعا.

وفي هذين المثالين نسأل : هل الوظيفة الظاهرية التي اتى بها المكلف تجزي عن الوظيفة الواقعية او لا؟ قد يقال نعم تقتضي الاجزاء لان الشارع المقدس

ص: 410

حينما جعل الامارة حجة لا بدّ وان يفرض صيرورتها سببا لحدوث المصلحة في مؤداها ، فاذا ادت الى وجوب الظهر فمؤداها - وهو وجوب الظهر - لا بدّ من حدوث المصلحة فيه والا كان جعل الحجية لها من قبل الشارع قبيحا لانه يوجب تفويت مصلحة الواقع ، ومعه يلزم اجزاؤها لعدم الفرق بينها وبين الجمعة في الوفاء بالمصلحة.

وهذا المسلك القائل بكون الامارة سببا لحدوث المصلحة في مؤداها هو المعروف بمسلك السببية. هكذا قد يقرب برهان القول باجزاء امتثال الاحكام الظاهرية. وفيه :

1 - ان القول بالسببية باطل في نفسه - لما سيأتي - وحل المشكلة لا يتوقف عليه حتى نكون ملزمين بالاخذ به ، بل يمكن حلها بوجه آخر تقدمت الاشارة اليه في اوائل الكتاب. ولتوضيحه نقول باختصار : واجه الاصوليون مشكلة تقول كيف جعل الشارع خبر الثقة مثلا حجة والحال ان ذلك قد يوجب تفويت مصلحة الواقع باعتبار انه ربما يكون الثابت واقعا وجوب الجمعة ، فاذا جعل الشارع خبر الثقة حجة وكان دالا على وجوب الظهر فسوف يأتي المكلف بالظهر ويترك الجمعة ، وبذلك تفوت عليه مصلحة الجمعة ، ومن الواضح ان تفويت المصلحة الواقعية امر قبيح. وهذه المشكلة تتولد من اثبات الحجية لخبر الثقة ، اذ لو لا ذلك لما اخذ المكلف به بل كان يحتاط ويحاول تحصيل العلم بالواقع. ان هذه المشكلة اثارت اهتمام الاصوليين وصارت سببا لتولد مسلك السببية ، فمسلك السببية لم ينشأ الا من اجل الفرار من هذه المشكلة ، فان الامارة اذا كانت تحدث مصلحة بمقدار مصلحة الواقع فلا محذور بعد ذلك في جعلها حجة ، ولكن هذا المسلك باطل جزما ، لانه يؤدي الى محذور التصويب كما سنوضح ، ومن هنا

ص: 411

حاول الشيخ الانصاري قدّس سره سلوك مسلك آخر في حل المشكلة وهو القول بالمصلحة السلوكية (1) الذي هو من نتائج هذه المشكلة ايضا. وسلك السيد الشهيد قدّس سره مسلكا ثالثا تقدمت الاشارة له في اوائل الحلقة ، وحاصله : ان الحكم الظاهري ينشأ من مصلحة وملاك معين ولكن تلك المصلحة هي عين مصلحة الواقع وليست مغايرة لها ، فمثلا شرّع اللّه سبحانه الاباحة للماء كما وشرع الحرمة للخمر ، واحيانا قد يحصل الاشتباه ويتردد امر سائل معين بين الخمر والماء وفي مثل ذلك لا بدّ من تشريع لهذا السائل المشتبه ، ولكن ما هو ذلك الحكم المشرع؟ ان الحكم المشرع لا بدّ وان يكون موافقا للملاك الاهم ، فالمولى يقارن بين مصلحة اباحة الماء ومفسدة حرمة الخمر ، فاذا شخّص ان المصلحة اهم شرع حكما ظاهريا يقول كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ، ان هذا الحكم الظاهري نشأ عن مصلحة وليست هي الا المصلحة الواقعية الاهم ، وان شخص ان الاهم هو مفسدة الخمر شرع حكما ظاهريا يقول اخوك دينك فاحتط لدينك ، وهو ايضا حكم ظاهري ناشىء عن الملاك الاهم. اذن الحكم الظاهري حكم ناشىء من الملاك الواقعي الاهم.

واذا عرفنا حقيقة الحكم الظاهري اندفعت المشكلة السابقة ، اذ الحكم الظاهري وان كان قد يخالف الواقع احيانا الا انه لما نشأ للتحفظ على الملاك الاهم كان فوات مصلحة الواقع من باب التضحية بالملاك غير الاهم حفاظا على الملاك الاهم ، وتلك تضحية مقبولة لدى العقلاء.

اذن حلّ المشكلة السابقة يمكن في تفسير حقيقة الحكم الظاهري بالحكم الناشىء وفق الملاك الاهم ، وهو الحل الصحيح.

ص: 412


1- يأتي توضيح المقصود من المصلحة السلوكية في الجواب الثاني.

واما ما افيد في البرهان السابق من التمسك بمسلك السببية فهو باطل ، فان مسلك السببية يستلزم التصويب ، اذ لو فرض ان الحكم الثابت في الواقع هو وجوب الجمعة وادت الامارة الى وجوب الظهر واحدثت في الظهر مصلحة بمقدار عشر درجات التي هي بمقدار مصلحة الواقع فيلزم تبدل الواقع من التعيين الى التخيير ، فالثابت في الواقع قبل قيام الامارة هو وجوب الجمعة بنحو التعيين وعند قيام الامارة وحدوث مصلحة في الظهر بمقدار مصلحة الواقع يلزم تبدل تعين وجوب الجمعة الى التخيير بينها وبين الظهر ، فانه بعد اشتمال كل من الجمعة والظهر على مصلحة متعادلة فلا وجه لتخصيص الوجوب بالجمعة بل يلزم انقلابه الى التخيير وهذا نحو من انحاء التصويب ، فان للتصويب انحاء منها ان لا يكون في الواقع حكم ابدا وانما يحدث بعد قيام الامارة ومنها ان يكون في الواقع حكم ولكنه يتبدل كما هو الحال في المقام. ومن هنا جرت عادة الاصوليين على الفرار من مسلك السببية وما ذاك الا للمحذور المذكور.

2 - انه حتى لو قبلنا مسلك السببية فلا يثبت بذلك الاجزاء ، فلو سلمنا ان الامارة تحدث مصلحة فلا يلزم ان تكون تلك المصلحة ثابتة في المؤدى ليلزم صيرورة الظهر مثلا واجبة كوجوب الجمعة بل من الممكن افتراض ثبوتها في السلوك بمعنى ان سلوك الامارة والجري العملي على طبقها تحدث فيه مصلحة ، وهذه المصلحة في السلوك ليست بمقدار مصلحة الواقع بل بمقدار المصلحة الفائتة على المكلف ، فاذا فرض ان المكلف سلك الامارة الدالة على وجوب الظهر وكان الثابت في الواقع هو وجوب الجمعة ولم ينكشف مخالفة الامارة للواقع الا بعد انقضاء الوقت ففي مثل هذه الحالة تكون جميع مصلحة الواقع قد فاتت على المكلف بسبب سلوك الامارة فيلزم لاجل تدارك المصلحة الفائتة ثبوت مصلحة

ص: 413

في السلوك بمقدار المصلحة الفائتة فاذا كانت الفائتة بمقدار عشر درجات فيلزم ان يثبت في السلوك المقدار المذكور ، اما اذا فرض ان انكشاف مخالفة الامارة للواقع اتضح وسط الوقت فلا يحدث في السلوك مصلحة بمقدار عشر درجات اذ السلوك لم يفوّت على المكلف تمام مصلحة الواقع لفرض عدم انتهاء الوقت حتى لا يمكن التدارك ، اجل سلوكها فوّت مصلحة فضيلة اول الوقت ، فاذا كانت المصلحة المذكورة بمقدار درجة واحدة لزم حدوث درجة واحدة من المصلحة في السلوك وتبقى التسع بلا تدارك فيلزم المكلف تداركها بفعل الجمعة في الوقت.

وباختصار : ان المصلحة اذا كانت في السلوك لا في المتعلق فاللازم عدم الاجزاء في صورة انكشاف الخلاف اثناء الوقت لان السلوك تحدث فيه مصلحة بمقدار ما يفوت من مصلحة الواقع بسبب السلوك ، وحيث ان الفائت جزء يسير من المصلحة فيلزم الاتيان بالواجب الواقعي لتدرك بذلك المصلحة المتبقاة وهذا هو عدم الاجزاء. اذن القول بالسببية بهذا النحو - وهو ثبوت المصلحة في السلوك المعبر عنه بالمصلحة السلوكية (1) - لا يلازم القول بالاجزاء بل قد ينفك عنه كما اذا انكشف الخلاف داخل الوقت.

الامر الظاهري يجزي في بعض الصور عند علمين

قوله ص 395 س 11 نعم يبقى امكان دعوى ... الخ : ذكرنا ان السيد الشهيد يختار في الامر الظاهري عدم اجزائه عن الامر الواقعي لكون الاجزاء مبنيا على مسلك السببية الذي هو باطل لاستلزامه التصويب على ما تقدم مضافا الى ان السببية لا تقتضي الاجزاء دائما. هذا ولكن الآخوند وتلميذه الاصفهاني

ص: 414


1- وبهذا اتضح المقصود من المصلحة السلوكية.

قدّس سرهما اختارا اجزاء الامر الظاهري في صورة وعدم اجزائه في صورة اخرى. وقد تقدم توضيح هذا التفصيل ص 39 من الحلقة. ومختصره : ان المكلف اذا اراد الصلاة لزمه احراز طهارة ثوبه وبدنه - ان لم يكن له قطع - اما بواسطة خبر الثقة بان يشهد الثقة بطهارة الثوب مثلا او بواسطة قاعدة الطهارة فيما اذا لم يشهد الثقة بذلك. واذا استند المصلي في اثبات الطهارة الى احد هذين الطريقين : خبر الثقة او قاعدة الطهارة ثم اتضح بعد ذلك نجاسة الثوب او البدن واقعا فهل تجب اعادة الصلاة (1)؟ هنا فصّل الآخوند والاصفهاني بين ما اذا كان المستند خبر الثقة وما اذا كان قاعدة الطهارة ، فان كان المستند قاعدة الطهارة فلا تجب الاعادة لان قاعدة الطهارة تثبت طهارة جديدة مغايرة للطهارة الواقعية وتسمى بالطهارة الظاهرية ، وما دامت قاعدة الطهارة تثبت طهارة جديدة باسم الطهارة الظاهرية فلازم ذلك حصول توسعة في الدليل الدال على شرطية الطهارة في الصلاة الذي يقول « صل في الطاهر » ، ان الشرطية سوف تتسع ويصير المقصود : صل في الطاهر سواء كان طاهرا بطهارة واقعية ام بطهارة ظاهرية ، فبينما كان موضوع الشرطية سابقا - اي قبل ملاحظة قاعدة الطهارة - منحصرا بفرد واحد وهو الطهارة الواقعية اصبح بعد ذلك متسعا وشاملا لكلتا الطهارتين : الواقعية والظاهرية ، وبعد اتساع دائرة موضوع الشرطية وصيرورة الشرط هو الطهارة الاعم من الواقعية والظاهرية فلا يلزم اعادة الصلاة بعد انكشاف النجاسة واقعا ، فان الثوب وان كان نجسا واقعا الا انه حين الصلاة لفرض عدم العلم بنجاسته هو طاهر بالطهارة الظاهرية ، ومع طهارته الظاهرية تقع الصلاة صحيحة لان شرط الصحة هو الطهارة الشاملة للطهارة الظاهرية ، والمفروض وجود الطهارة

ص: 415


1- طبيعي البحث ناظر الى ما تقتضيه القاعدة الاولية بقطع النظر عن الروايات الخاصة.

الظاهرية حين الصلاة وانما هي ترتفع من حين انكشاف النجاسة وحصول العلم بها الذي هو ما بعد الصلاة.

هذا كله لو كان المستند لاحراز الطهارة هو قاعدة الطهارة ، واما لو كان المستند هو خبر الثقة فتجب الاعادة لان خبر الثقة لا يجعل طهارة ظاهرية جديدة مغايرة للطهارة الواقعية حتى يلزم اتساع دائرة الشرطية الى الطهارة الظاهرية وبالتالي حتى يلزم صحة الصلاة بل ان خبر الثقة يخبر عن الطهارة الواقعية ويحاول ايصالنا لها من دون ان يجعل طهارة جديدة. هذا حاصل توجيه تفصيل العلمين. وينبغي لفت نظر القارىء الى :

1 - ان الاجزاء الذي قال به هذان العلمان لا يستند الى ملازمة عقلية بين الحكم الظاهري والاجزاء بل الى الاستظهار من دليل قاعدة الطهارة مثلا ، فان لسان « كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر » يفهم منه جعل طهارة جديدة بعنوان الطهارة الظاهرية الذي يلزم منه اتساع دائرة الشرطية وبالتالي الاجزاء.

2 - قد تقول : لماذا يلزم - بعد استفادة جعل الطهارة الظاهرية من دليل قاعدة الطهارة - اتساع دائرة الشرطية الى الطهارة الظاهرية؟ وما هي نكتة التوسعة المذكورة؟ والجواب : اذا لم تتسع دائرة الشرطية يلزم ان يكون جعل الطهارة الظاهرية لغوا وبلا فائدة ، فلو لم تترتب عليها آثار الطهارة الواقعية التي منها صحة الصلاة فما فائدة جعلها وتشريعها.

3 - تقدم من السيد الشهيد ص 40 من الحلقة الوعد بالتحدث عن هذا التفصيل وكيفية رده ، واشرنا هناك الى ان مقصوده قدّس سره الاشارة الى هذا الموضع ، وفي هذا الموضع يحوّل مناقشة هذا التفصيل الى مبحث الحكومة الظاهرية والواقعية. واذا فتشنا الحلقات الثلاث من اولها الى آخرها لم نجد بحثاً

ص: 416

بالعنوان المذكور ، فقد تكلم قدّس سره في اواخر الجزء الثاني من الحلقة الثالثة عن معنى الحكومة ولكنه لم يقسمها الى الظاهرية والواقعية. ونحن نشير باختصار الى هذا المصطلح وكيفية مناقشة هذا التفصيل على ضوئه.

الحكومة الواقعية والظاهرية :

ان الدليل الحاكم هو الدليل الموسع او المضيق لموضوع الدليل الآخر ، فمثلا دليل « الطواف بالبيت صلاة » (1) يوسع من دائرة شرائط الصلاة ، فكما ان الوضوء وطهارة الثوب والبدن وغير ذلك هي شرائط للصلاة كذلك هي شرائط للطواف للدليل المذكور. وهذه التوسعة التي يقوم بها دليل « الطواف بالبيت صلاة » في حق دليل شرائط الصلاة هي عبارة اخرى عن الحكومة ، والدليل الاول يسمى بالحاكم والثاني بالمحكوم.

ثم ان التوسعة التي يقوم بها الدليل الحاكم تارة تكون توسعة حقيقية بمعنى عدم تقيدها بعدم انكشاف الخلاف واخرى ظاهرية بمعنى تقيدها بذلك ، فالحكومة في المثال الذي ذكرناه آنفا واقعية فان دليل « الطواف بالبيت صلاة » يوسع شرائط الصلاة ويعممها للطواف حقيقة وواقعا وبلا تعليق على شرط ، وهذا بخلافه في قاعدة الطهارة فانها وان كانت تجعل طهارة ظاهرية وتوسع من دائرة الشرطية الا ان هذه الحكومة والتوسعة ظاهرية ، بمعنى ان دليل قاعدة الطهارة لا يثبت الطهارة واقعا وحقيقة وانما يأمر بترتيب آثار الطهارة ما دام لم ينكشف الخلاف ، فاذا انكشف الخلاف واتضحت نجاسة الثوب واقعا فلا تكون تلك الآثار مترتبة بل منتفية منذ البداية.

ص: 417


1- سنن البيهقي ج 5 ص 87 ، كنز العمال ج 3 ص 10.

اذن الحكومة الواقعية تعني التوسعة غير المشروطة بعدم انكشاف الخلاف والحكومة الظاهرية تعني التوسعة المشروطة بذلك.

وباتضاح هذا تتضح مناقشة تفصيل العلمين ، فان قاعدة الطهارة وان شرعت طهارة ظاهرية الا ان هذه الطهارة تعني لزوم ترتيب آثار الطهارة ما دام لم تنكشف النجاسة واقعا فاذا انكشفت فلا تكون تلك الآثار - التي منها صحة الصلاة - مترتبة بل تزول منذ البداية فان ترتبها مشروط بعدم انكشاف الخلاف فاذا انكشف فلا تكون مترتبة.

قوله ص 393 س 9 وبينه : اي وبين الاجزاء.

قوله ص 394 س 6 على ما تقدم : اي ص 28.

قوله ص 395 س 4 لامكان استيفائه : اي استيفاء ملاك الواقع ، ولكن من المناسب حذف كلمة « معا ». وفي الطبعة الجديدة صححت العبارة هكذا : « لامكان استيفائهما معا » ، وبناء على هذا يشكل الامر في مرجع ضمير التثنية فان ارجاعه الى فضيلة أول الوقت وملاك الواقع - باعتبار ان فضيلة اول الوقت تدرك بواسطة سببية الامارة ، وملاك الواقع يدرك بواسطة الاعادة - لو تم ولم يكن ركيكا من حيث المعنى مدفوع بانه غير مقصود للسيد الشهيد فان مقصوده ان ملاك الواقع لم يفت حيث يمكن تداركه وليس مقصوده ان فضيلة اول الوقت وملاك الواقع لم يفت شيء منها. وعليه فالمناسب حذف كلمة « معا » وابقاء الضمير مفردا كما في الطبعة القديمة ليرجع الى ملاك الواقع.

قوله ص 395 س 6 والتعبد العملي بها : عطف تفسير على « سلوك الامارة ».

قوله ص 395 س 7 وليست قائمة بالمتعلق : اي كما يقوله اصحاب مسلك

ص: 418

السببية وهم الاشاعرة ، وانما هي قائمة بالسلوك كما يقوله الشيخ الاعظم قدّس سره.

قوله ص 395 س 8 وبالوظيفة الظاهرية : عطف تفسير على « المتعلق ».

قوله ص 395 س 10 وعليه فلا موجب للاجزاء : اي على هذه الصورة - وهي صورة انكشاف الخلاف اثناء الوقت - لا موجب للاجزاء.

قوله ص 395 س 11 بعض ادلة الحجية : اي دليل الاصل العملي كقاعدة الطهارة مثلا.

قوله ص 395 س 12 على ادلة الاحكام الواقعية : المقصود من الاحكام الواقعية مثل شرطية الطهارة للصلاة.

قوله ص 395 س 12 وتوسعتها لموضوعها : عطف تفسير على قوله « حكومة بعض ... الخ ».

قوله ص 395 س 13 وقد اوضحنا ذلك سابقا : اي ص 39 - 40.

قوله ص 395 س 16 ان شاء اللّه تعالى : ولكن لم يشأ اللّه تعالى ذلك.

ص: 419

ص: 420

اجتماع الامر والنهي

اشارة

ص: 421

ص: 422

امتناع اجتماع الامر والنهي :

اشارة

قوله ص 396 س 1 لا شك في التضاد ... الخ :

حاصل المبحث المذكور (1) انه هل يمكن تعلق الوجوب والحرمة بشيء واحد في وقت واحد او لا؟ فالصلاة في الدار المغصوبة مثلا هل يمكن تعلق الوجوب والحرمة بها في وقت واحد او لا؟ ولعل السامع لهذا المبحث يستغرب منه لأول وهلة لوضوح عدم امكان ذلك ، فان الوجوب والحرمة متنافيان غاية التنافي فكيف يجتمعان في شيء واحد؟

وفي رد الاستغراب المذكور نقول : ان الاصوليين يسلمون بهذه القضية البديهية وهي ان الشيء الواحد لا يجوز اجتماع حكمين فيه بيد انهم يدخلون في الحساب بعض الخصوصيات التي توجب وجاهة البحث ومعقوليته ، فمثلا يقولون هكذا : لو فرض ان الشيء الواحد كان له عنوانان كالصلاة في المغصوب - حيث لها عنوانان وهما الغصبية والصلاتية - فهل تعدد العنوان يرفع المشكلة بتقريب ان النهي متعلق بعنوان الغصبية والامر متعلق بعنوان الصلاتية ، ومعه فلا مشكلة ، اذ الامر يكون متعلقا بشيء والنهي متعلقا بآخر ولا يكون عندنا شيء واحد تعلق الامر والنهي به ليلزم المحذور. اذن الاصوليون يسلمون بان الشيء الواحد لا يجوز تعلق الامر والنهي به وهم لا يبحثون المسألة من هذه الزاوية بل من زاوية ان تعدد العنوان - كالصلاتية والغصبية مثلا - هل يوجب صيرورة الامر والنهي

ص: 423


1- الذي هو من المباحث الاصولية الدقيقة.

متعلقين بشيئين او انه لا يوجب ذلك ويبقى الامر والنهي متعلقين بشيء ، واحد وان كان العنوان متعددا.

ومن خلال هذا يتضح ان عنوان المسألة يعطي شيئا بينما المقصود الحقيقي شيء آخر ، فالعنوان يعطي ان البحث منصب على جواز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد بينما المقصود الحقيقي هو ان تعدد العنوان هل يوجب صيرورة الامر متعلقا بشيء والنهي متعلقا بشيء آخر بحيث لا يكونان مجتمعين في شيء واحد او لا يوجب ذلك؟

كما واتضح ان من المناسب تبديل عنوان البحث الى عنوان جديد ، فبدلا من تعبير « هل يجوز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد » كان من المناسب ان يقال هل تعدد العنوان يوجب تعدد متعلق الامر والنهي او لا.

وبعد اتضاح المقصود الواقعي من البحث المذكور نعود للكتاب لنوضح ابحاثه ضمن النقاط التالية :

1 - لا اشكال في وجود تضاد وتناف بين مثل الوجوب والحرمة فلا يمكن اجتماعهما في الصلاة مثلا.

وقد يقال : ان التنافي بين الوجوب والحرمة وان كان واضحا ولكن ما هو سببه؟ ان التنافي ينشأ من سببين هما :

أ - ان وجوب الصلاة يدل على وجود مصلحة في الصلاة بينما حرمتها تدل على وجود مفسدة فيها ، ومن الواضح عدم امكان اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد.

ب - ان وجوب الصلاة يقتضي في مقام الامتثال التحرك نحو الصلاة بينما الحرمة تقتضي الانسحاب عنها ، ومن الواضح ان الانسان الواحد لا يمكنه في آن

ص: 424

واحد التحرك نحو شيء والانسحاب عنه.

اذن التنافي بين الوجوب والحرمة ينشأ اما من حيث الملاك - اي المصلحة والمفسدة - او من حيث الامتثال. وبكلمة ثانية : التنافي ينشأ اما من حيث المبدأ او من حيث المنتهى والنتيجة (1).

2 - يتفرع على امتناع اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد صيرورة الامر والنهي المتعلقين بشيء واحد متعارضين لا متزاحمين ، فمثل تجب الصلاة وتحرم الصلاة يكون من قبيل المتعارضين حيث لا يمكن صدورهما من المولى معا وبالتالي يلزم تطبيق احكام باب التعارض التي هي تقديم الاقوى سندا او دلالة ولا يدخلان تحت باب التزاحم الذي لازمه تقديم الاقوى ملاكا ، فان التزاحم لا يتحقق الا اذا فرض امكان صدور الحكمين معا من المولى مع ضيق قدرة المكلّف عن امتثالهما مثل صل وأزل - فان متعلق احد الحكمين هو الصلاة ومتعلق الآخر هو الازالة وليس متعلقهما واحدا ليمتنع صدورهما من الشارع ، اجل حيث تضيق قدرة المكلف عن امتثالهما (2) يتحقق التزاحم بينهما - اما اذا كان اصل صدورهما ممتنعا كما هو الحال في المقام حيث لا يمكن مع الامر بالصلاة النهي عنها فلا محالة من تحقق التعارض.

وقد يقال : لماذا لا نقول بان الوجوب والحرمة متعلقان بالصلاة ولكن بنحو

ص: 425


1- وقد يقال : لماذا لا نقول ان التنافي بين الوجوب والحرمة ينشأ من كون نفس الوجوب والحرمة متنافيين بما هما وجوب وحرمة بقطع النظر عن الملاك والامتثال فان معنى الوجوب الالزام بالفعل ومعنى الحرمة الالزام بالترك ، وعدم امكان اجتماع الالزام بالفعل والالزام بالترك في وقت واحد واضح. والجواب : ان الوجوب مجرد اعتبار والحرمة مجرد اعتبار ، ومن الواضح ان الاعتبار سهل المؤنة ، فمن الممكن في وقت واحد اعتبار زيد موجودا وغير موجود مثلا.
2- طبيعي عند ضيق وقت الصلاة.

الترتب فكما ان صل وازل لا تنافي بينهما اذا كانا بنحو الترتب - بان يقول المولى هكذا : ازل فان لم تشتغل بالازالة وجبت عليك الصلاة - فكذلك نقول لا تنافي بين تجب الصلاة وتحرم الصلاة اذا كانا بنحو الترتب بان يقول المولى هكذا : تجب الصلاة فان لم تشتغل بها حرمت عليك ، ان هذا الترتب اذا كان معقولا هنا كما كان معقولا في صل وازل لزم ارتفاع التعارض بين تجب الصلاة وتحرم الصلاة.

والجواب : ان الترتب فكرة معقولة في مثل صل وازل لان متعلق التكليفين مختلف فمتعلق الوجوب هو الصلاة ومتعلق الحرمة هو الغصب ، وفي مثل ذلك تعقل فكرة الترتب ، واما في مقامنا فالمفروض ان المتعلق للحرمة والوجوب واحد ، ومع وحدة المتعلق لا يمكن توجيه التكليفين ولو بنحو الترتب ، فلا يمكن ان يقال تجب الصلاة فان لم تشتغل بها حرمت عليك ، اذ عند عدم الاشتغال بالصلاة يكون المكلف تاركا لها ومع تركه لها لا معنى لان يقال تحرم عليك الصلاة ، فان ذلك اشبه بتحصيل الحاصل.

3 - ذكرنا سابقا ان المقصود الحقيقي من هذا البحث ادخال بعض الخصوصيات في الحساب ليرى - على ضوئها - هل يبقى الامر والنهي متعلقين بشيء واحد او يصيران متعلقين بشيئين ، وتلك الخصوصيات ثلاث هي :

الخصوصية الاولى :

ان يفرض تعلق الامر بالطبيعي والنهي بالحصة كما اذا قال الشارع « تجب الصلاة » و « تحرم الصلاة في الحمام » فالوجوب متعلق بطبيعي الصلاة والحرمة بالحصة الخاصة فهل يكفي ذلك لرفع المشكلة اولا؟ والجواب : ان السبب الثاني للتنافي - وهو ان الوجوب يحرك نحو الصلاة والحرمة تسحب عن الصلاة - منتفٍ

ص: 426

في هذه الحالة ، اذ المكلف يمكنه امتثال كلا الحكمين وذلك بالخروج من الحمام والصلاة في بيته.

واما السبب الاول للتنافي - وهو لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد - فقد يقال بانتفائه ايضا اذ مركز المصلحة هو طبيعي الصلاة ومركز المفسدة هو الحصة الخاصة من الصلاة وليس مركزهما واحدا. وللتعرف على مدى صحة هذا الكلام لا بدّ من الرجوع الى مبحث الوجوب التخييري لاستذكار الاتجاه الثالث من الاتجاهات الثلاثة المذكورة في بيان حقيقته ، ان الاتجاه المذكور يقول بتوجه الوجوب الى الجامع ولكنه يسري الى الافراد سريانا مشروطا ، فحينما يقال يجب عليك الاتيان بالماء فمعناه يجب عليك الاتيان بهذا الماء ان لم تات بذاك الماء ويجب عليك الاتيان بذاك ان لم تات بهذا وهكذا. وذكرنا هناك ايضا انه قد يقال اذا صب المولى الوجوب على الجامع فكيف يسري الى افراده ، انه غير ممكن اذ بصب الوجوب على شيء يبقى ثابتا عليه ولا يتحرك عنه. وفي الجواب قلنا ليس المقصود من السراية سراية نفس الوجوب بل سراية ملاكه ، فان من احب شيئا فقد احب جميع افراده حبا مشروطا. هذا ما قرأناه سابقا. وفي مبحثنا هذا نقول : اذا اردنا ان نعرف ان ادخال الخصوصية الاولى في الحساب - وهي خصوصية الطبيعي والحصة - هل يرفع السبب الاول للتنافي او لا فعلينا بالرجوع الى هذا الاتجاه الثالث ، فان سلمناه وقلنا بان المولى متى ما صبّ الوجوب على الجامع سرى - بمعنى سراية مبادىء الوجوب وهي الحب والارادة - الى افراده وصار كل فرد محبوبا بحب مشروط فالسبب الاول للتنافي يكون باقيا ، اذ حينما يقول المولى تجب الصلاة فلازمه محبوبية جميع افرادها التي احدها الصلاة في الحمام ، فالصلاة في الحمام تكون محبوبة ، وحيث انه قد توجه اليها النهي وقيل « لا

ص: 427

تصل في الحمام » فلا بدّ وان تكون مبغوضة ، فيلزم اجتماع الحب والبغض في شيء واحد (1). اذن مع تسليم الاتجاه المذكور لا يرتفع السبب الاول للتنافي ويتوقف ارتفاعه على رفضه. كلام النائيني في المقام :

ومن خلال هذا يتضح ان ثبوت السبب الاول للتنافي وعدمه يرتبط بالاتجاه المذكور ، هذا ولكن الميرزا ذكر انه حتى لو انكرنا الاتجاه المذكور وقلنا ان من احب شيئا لا يتحتم حبه للافراد بنحو مشروط فمع ذلك يمكن ان يقال بعدم جواز الامر بالصلاة والنهي عن الحصة الخاصة ، والوجه في ذلك ان الامر بالصلاة مطلق ، ومع اطلاقه يجوز تطبيقه على اي فرد من افراد الصلاة ، ومن جملة تلك الافراد هو الصلاة في الحمام ، وعليه فيكون المكلف مرخصا في تطبيق الصلاة على الصلاة في الحمام ، ومن الواضح ان هذا الترخيص يتنافى والنهي عن الصلاة في الحمام.

ومن خلال هذا يتضح ان التنافي ليس ثابتا بين نفس وجوب الصلاة وحرمتها في الحمام بل بين الترخيص في التطبيق والنهي عن الصلاة في الحمام (2).

ص: 428


1- وبناء على اجتماع الحب والبغض في الصلاة في الحمام يلزم البناء على التخصيص وان النهي عن الصلاة في الحمام مخصص لامر صل بغير الصلاة في الحمام فيكون المامور به بناء على هذا هو الصلاة في غير الحمام واما الصلاة في الحمام فهي ليست متعلقة للامر ، ومعه فلا يلزم محذور اجتماع الملاكين المتنافيين في شيء واحد. واما بناء على انكار مسلك الاستبطان فتوجيه التخصيص يحتاج الى بيان آخر.
2- وبناء على بيان الميرزا هذا يلزم التخصيص ايضا اذ دفعا للتنافي بين الترخيص في التطبيق وبين حرمته لا بدّ من الالتزام بتخصيص الامر بالصلاة بغير الصلاة في الحمام. وبهذا يتضح انه على كل من المسلكين - مسلك الميرزا ومسلك السيد الشهيد - لا بدّ من الالتزام بالتخصيص.

الفارق بين مسلكين

ذكرنا ان السيد الشهيد يرى ان النكتة في عدم امكان الامر بطبيعي الصلاة والنهي عن الحصة الخاصة هي ان الامر بالطبيعي يدل على حب الطبيعي ، وحب الطبيعي يستلزم حب الافراد فيلزم في مثل الصلاة في الحمام اجتماع الحب والبغض. وهذا ما سوف نصطلح عليه بمسلك السيد الشهيد (1). واما الميرزا فقد ذكر ان النكتة في ذلك شيء آخر وهي ان الامر بالطبيعي يستلزم الترخيص في التطبيق على جميع الافراد التي احدها الصلاة في الحمام ، وهذا الترخيص في التطبيق يتنافى والنهي عن الصلاة في الحمام.

وبعد التعرف على هذين المسلكين نسأل عن الفارق بينهما فهل هو ثابت او لا؟ نعم يظهر الفارق فيما اذا كان النهي عن الصلاة في الحمام نهيا كراهتيا لا تحريميا ، فعلى مسلك الميرزا تنحل مشكلة العبادات المكروهة ، فان احدى المشاكل التي واجهها الاصوليون هي ان العبادة كيف يمكن ان تكون احيانا مكروهة كالصلاة في الحمام مثلا فان العمل اذا كان عبادة فهو محبوب للمولى فاذا فرض مكروها فلازمه كونه مبغوضا له ، والشيء الواحد لا يمكن ان يكون محبوبا ومبغوضا.

هذه المشكلة التي يعبر عنها بمشكلة العبادات المكروهة تخلّص منها الميرزا من خلال مسلكه المتقدم فقال ان الامر بالصلاة يعني الترخيص بالاتيان بها في اي مورد بما في ذلك الحمام ، ومن الواضح ان النهي عن الصلاة في الحمام لا يتنافى وثبوت الترخيص المذكور بل يدل على ان هذا التطبيق وان كان جائزا لكنه مكروه ولا مانع من كون التطبيق مرخصا فيه وفي نفس الوقت يكون مكروها فكراهة العبادة لا تعني ان نفس العبادة مكروهة كي يشكل بان الفعل بعد فرض

ص: 429


1- وفي عبارة الكتاب عبّر عنه بمسلك الاستبطان ، اي استبطان حب الجامع لحب افراده.

كونه عبادة ومقربا نحو المولى كيف يكون مكروها ومبغوضا له وانما المراد كراهة التطبيق ، ولا محذور في كون التطبيق على فرد معين جائزا وفي نفس الوقت يكون مكروها. هذا على مسلك الميرزا.

واما على مسلك السيد الشهيد فالمشكلة باقية اذ امر « اقيموا الصلاة » يدل على ان طبيعي الصلاة شيء يحبه المولى ، وبما ان حب الجامع يستلزم حب الافراد فيلزم ان تكون الصلاة في الحمام التي هي احد الافراد محبوبة ، ومع كونها محبوبة فلا يمكن تعلق الكراهة بها اذ الكراهة تدل على مبغوضية الشيء مبغوضية ضعيفة ، ومن الواضح ان المحبوبية لا يمكن ان تجتمع مع المبغوضية ولو كانت ضعيفة.

مناقشة مسلك النائيني :

ويمكن مناقشة مسلك الميرزا بانه ما المقصود من قولكم ان الامر بالمطلق يدل على الترخيص في تطبيقه على جميع الافراد؟ فهل المقصود ان اطلاق المطلق معناه هو نفس الترخيص في التطبيق على جميع الافراد او المقصود ان الاطلاق لازمه الترخيص في التطبيق وليس نفسه؟ وكلاهما باطل.

اما الاول فلأن معنى الاطلاق عدم لحاظ القيد عند ملاحظة الطبيعة وليس معناه نفس الترخيص في التطبيق ، فحينما يقال ان كلمة الصلاة - في قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) - مطلقة فالمراد انه لم يلحظ معها قيد كونها في المسجد او في البيت مثلا وليس المراد ان المكلف مرخص في تطبيقها على افرادها.

واما الثاني فلأن كلمة الصلاة في قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) اذا كانت مطلقة فنسلم ان لازم ذلك هو الترخيص في التطبيق على اي فرد من افرادها ولكن هذا الترخيص هو ترخيص من جانب امر « اقيموا الصلاة » وليس

ص: 430

ترخيصا من جانب المولى. وبكلمة اخرى : ان اطلاق كلمة الصلاة يدل على ان امر « اقيموا » لا مانع من ناحيته في تطبيق الصلاة على اي فرد من افرادها ولا يدل على ان المولى قد رخص بالفعل في تطبيق الصلاة على اي فرد فان استفادة الترخيص الفعلي من المولى يتوقف على ان لا يرد من المولى نهي يمنع من تطبيق الصلاة على بعض افرادها فاذا ورد النهي من قبله فلا يمكن حينئذ استفادة الترخيص من قبله وقد فرض في مقامنا ورود نهي من المولى عن الصلاة في الحمام ، ومع وروده فلا يمكن ان يستفاد من اطلاق « اقيموا الصلاة » ان المولى رخص في الاتيان بالصلاة في جميع الموارد بما في ذلك الحمام حتى يكون النهي عن الصلاة في الحمام منافيا لهذا الترخيص بل اقصى ما يستفاد منه هو الترخيص وعدم المانع من قبل نفس امر « اقيموا » في التطبيق على جميع الافراد ، والترخيص من قبل هذا الامر لا يتنافى مع نهي المولى عن الاتيان بالصلاة في الحمام فان الذي يتنافى مع النهي هو الترخيص من قبل المولى لا الترخيص من قبل الامر الخاص.

الخصوصية الثانية :

وبعد ان عرفنا عدم اجداء خصوصية الطبيعي والحصة - وبكلمة اخرى خصوصية الاطلاق والتقييد - في رفع محذور اجتماع الحب والبغض في مركز واحد ندخل في الحساب خصوصية ثانية وهي خصوصية تعدد العنوان كما هو الحال في الصلاة في الدار المغصوبة ، فانها في الخارج شيء واحد غير ان لها عنوانين : عنوان الصلاة وعنوان الغصب ، وهذان العنوانان ليس بينهما نسبة الاطلاق والتقييد كما كنا نفرض ذلك في الخصوصية الاولى ، اذن في الخصوصية الاولى نفترض وجود

ص: 431

عنوان واحد تعلق الامر بمطلقه والنهي بحصة منه بينما في الخصوصية الثانية نفرض وجود عنوانين متغايرين.

والسؤال المطروح هو : ان تعدد العنوان هل يوجب تعدد متعلق الامر والنهي بشكل لا يلزم اجتماعهما في شيء واحد او لا يوجب ذلك؟ وقد يجاب بان تعدد العنوان لا يجدي بعد ان كان المعنون الذي يحكي عنه العنوانان واحدا خارجا ، فالصلاة في المغصوب شيء واحد خارجا وان كان لها عنوانان : الصلاتية والغصبية. هذا ولكن يمكن تصوير اجداء تعدد العنوان باحد بيانين :

أ - يفترض ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون خارجا ، غاية الامر ان العين الباصرة - لعدم قدرتها على رؤية كل ما هو موجود في الخارج - لا تبصر تعدد المعنون خارجا ، فالصلاة في الغصب بعد ان كان لها عنوانان متعددة في الخارج ، فيوجد شيئان : صلاة وغصب.

ب - يفترض ان تعدد العنوان لا يعدد المعنون خارجا غير ان ذلك يكفي وحده لحل المشكلة بلا حاجة الى افتراض تعدد المعنون خارجا فان الاحكام تتعلق بالعناوين دون المعنونات ، وحيث ان العنوان متعدد في المقام فلا مشكلة حيث يكون الامر متعلقا بعنوان الصلاة والنهي بعنوان الغصب.

وبعد التعرف على هذين البيانين نأخذ بتحقيق الحال فيهما.

اما البيان الاول فلو تمّ لارتفعت المشكلة على كلا المسلكين : مسلك الميرزا ومسلك السيد الشهيد.

اما انها مرتفعة على مسلك الميرزا - القائل بان اطلاق المطلق يستلزم الترخيص في جميع الافراد ، وحيث ان احد الافراد هو الصلاة في المغصوب فيلزم ان تكون الصلاة في المغصوب محرمة ومرخصا فيها - فباعتبار ان الترخيص

ص: 432

متعلق بالصلاة والنهي بوجود آخر غير وجود الصلاة وهو الغصب ، ومعه فلا يلزم اجتماع الترخيص والتحريم في شيء واحد.

واما انها مرتفعة على مسلك السيد الشهيد - القائل بان حب الطبيعي يستلزم حب الافراد - فباعتبار ان الخارج بعد اشتماله على شيئين متغايرين : صلاة وغصب فلا يلزم اجتماع الحب والبغض في شيء واحد بل يكون الحب الساري من طبيعي الصلاة متعلقا بالصلاة الخارجية والبغض متعلقا بالغصب الخارجي.

والخلاصة : ان على هذا البيان ترتفع المشكلة على كلا المسلكين بيد انه يمكن المناقشة فيه فلا نسلم ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون خارجا ، فان ذلك شيء مخالف للوجدان ، اذ هو قاض بان تعدد العنوان لا يعدد المعنون ، فلربّ شيء يكون خارجا واحدا ومع ذلك تصدق عليه عناوين متعددة كزيد مثلا فانه شيء واحد خارجا ومع ذلك له عناوين متعددة ، فهو ابن والده وابن امه وابو ولده وفقيه وشاعر و ... اجل نستثني من ذلك ما اذا كان العنوان المتعدد من العناوين الذاتية التي تمثل الحقيقة النوعية للشيء كعنوان الانسان والفرس فان الانسان نوع والفرس نوع ، فاذا صدق على الشيء عنوان الانسانية والفرسية كان ذلك كاشفا عن تعدد الشيء خارجا اذ لو كان واحدا لزم كون الشيء الواحد انسانا وفرسا وهو مستحيل اذ الشيء الواحد ليس له الا حقيقة واحدة.

والخلاصة : ان العنوان اذا كان من قبيل الانسان والفرس فتعدده يدل على تعدد المعنون خارجا ، واذا كان من العناوين العرضية المنتزعة فلا يدل على ذلك ، وحيث ان الصلاتية والغصبية من العناوين العرضية فتعددهما لا يدل على تعدد المعنون خارجا. هذا كله في تحقيق البيان الاول.

ص: 433

واما البيان الثاني - وهو ان تعدد العنوان يكفي في رفع المشكلة باعتبار تعلق الاحكام بالعناوين - فهو تام ووجيه فان الوجوب يتعلق بعنوان الصلاة والحرمة بعنوان الغصب ، وحيث انهما عنوانان متغايران في الذهن فلا يلزم حينئذ اجتماع الامر والنهي في شيء واحد. اشكال وجواب :

وقد تقول : ان تعدد العنوان لا ينفع في حل المشكلة ، اذ الاحكام المتعلقة بالعناوين لا تتعلق بها بما هي عناوين بل بما هي مرآة للمعنون الخارجي فالوجوب مثلا لا يتعلق بمفهوم الصلاة بما هو مفهوم الصلاة بل به بما هو مرآة حاكية عن الخارج ، وهكذا الحرمة لا تتعلق بمفهوم الغصب بما هو مفهوم وصورة في الذهن بل به بما هو مرآة للخارج ، ومعه فيكون الوجوب والحرمة منصبين حقيقة على الخارج ، وحيث ان الخارج واحد - لفرض ان المعنون لا يتعدد بتعدد العنوان - فيلزم بالتالي تعلق الحرمة والوجوب بشيء خارجي واحد ، وبذلك تعود المشكلة من جديد ولا ترتفع بمجرد افتراض تعدد العنوان.

والجواب ان يقال : ليس المقصود من تعلق الحكم بالعنوان بما هو مرآة للخارج تعلقه بالموجود الخارجي فانه باطل ، فالحكم لا يسري الى الخارج ولا يتعلق بالصلاة الخارجية كما سنوضح وانما المقصود من تعلق الحكم بمفهوم الصلاة بما هو مرآة للخارج هو ان الوجوب لا ينصب على مفهوم الصلاة بما هو مفهوم من المفاهيم وصورة ذهنية - اذ لو لاحظنا مفهوم الصلاة بما هو مفهوم وصورة ذهنية فلا فرق بينه وبين بقية الصور الذهنية ، فصورة الصلاة وصورة الغصب لو لاحظناهما بما هما صورة فلا فرق بينهما اذ كلاهما صورة ، وبالتالي لا معنى لتعلق الوجوب بصورة الصلاة والحرمة بصورة الغصب فانه بلا مرجح وليس ذلك اولى

ص: 434

من تعلق الوجوب بصورة الغصب والحرمة بصورة الصلاة - بل ينصب الوجوب على صورة الصلاة بما انها عين الصلاة الخارجية ، وهكذا الحرمة تنصب على صورة الغصب بما انها عين الغصب الخارجي.

وبالجملة : صب الوجوب على المفهوم بما هو مرآة للخارج لا يقصد منه تعلقه بالخارج حتى يلزم عود الاشكال بل يعني تعلقه بالمفهوم لا بما هو مفهوم بل بما هو عين الخارج ، ومعه فلا يلزم عود الاشكال لبقاء الحكم مستقرا على المفهوم. زيادة توضيح :

وبهذا انتهى بيان السيد الشهيد في دفع الاشكال المذكور. ولزيادة التوضيح نقول : ان الطالب حينما يسمع تعلق الاحكام بالمفاهيم دون الخارج قد يستغرب من ذلك فان صورة الصلاة ومفهومها ليست معراجا للمؤمن ولا تنهى عن الفحشاء لكي يتعلق بها الوجوب بل تلك آثار للصلاة الخارجية ، ومعه فاللازم تعلق الحكم بالصلاة الخارجية دون المفهوم.

هذا ولكن الصحيح عدم امكان تعلق الاحكام بالافراد الخارجية اذ لازم ذلك عدم ثبوت الوجوب على المكلف قبل اتيانه بالصلاة ، فانه لو كان ثابتا يلزم ثبوته بلا موضوع وهو مستحيل ، واذا فرض ان المكلف اوجد الصلاة خارجا فايضا لا يمكن تعلق الوجوب بها اذ تعلقه بها بعد فرض تحققها في الخارج يكون طلبا لتحصيل ما هو حاصل. اذن الوجوب لا يمكن تعلقه بالصلاة الخارجية لا قبل وجودها لفقدان الموضوع ولا بعد وجودها لمحذور طلب تحصيل الحاصل.

وقد تقول : ان هذا مطلب لطيف (1) ولكن مع ذلك قبوله صعب ، فان مثل

ص: 435


1- وقد ذكر في كلمات غير واحد من الاعلام كالشيخ الحائري في درره ج 1 ص 123 ، والعراقي في نهاية الافكار ج 3 ص 60 ، والاصفهاني في نهايته. وتقدمت الاشارة الى هذا المطلب عند شرح ص 44 من الحلقة.

الوجوب وان لم يمكن تعلقه بالخارج لما تقدم ولكن في نفس الوقت لا يمكن تعلقه بالمفهوم الذهني لعدم ترتب الآثار عليه.

وفيه : ان مفهوم الصلاة مثلا يمكن لحاظه بشكلين ، فتارة يلحظ بما هو مفهوم وصورة ذهنية ، وبهذا اللحاظ لا يمكن تعلق الوجوب به لانه امر ذهني لا تترتب عليه الآثار ، واخرى يلحظ بما هو عين الخارج ، وبهذا اللحاظ يمكن تعلق الوجوب به لانه عين الصلاة الخارجية.

وقد تقول : ان مفهوم الصلاة امر ذهني فكيف يلحظ عين الصلاة الخارجية؟

والجواب : ان المفهوم يلحظ احيانا عين الخارج وكأن الانسان حينما يلحظه يلحظ نفس الخارج. ولذلك عدة منبهات وجدانية ، فالخطيب الحسيني حينما يستعرض واقعة الطف نبكي ونتألم بالرغم من انه لم يطرح سوى مفاهيم وصور ذهنية. وايضا قد نفكر احيانا في وقائع تأريخية سابقة فنتألم او نفرح بالرغم من ان التكفير لا تحضر بواسطته الا صور ذهنية ، ان هذا وذاك ليس له تفسير سوى ان تلك الصور يرى بها الخارج وكأنه امام العين. والامثلة الاخرى على ذلك كثيرة.

عود لصلب الموضوع

ونعود لصلب الموضوع وهو ان تعدد العنوان يكفي في رفع المشكلة باعتبار ان الاحكام تتعلق بالعناوين لا بالمعنونات ، وحيث ان العناوين متعددة في الذهن فلا يلزم اجتماع حكمين في شيء واحد.

وهذا البيان لو تم فهو يدفع المشكلة على مسلك السيد الشهيد الذي يعبر عنه بمسلك الاستبطان ولا يدفعها على مسلك الميرزا ، فانه على المسلك الاول

ص: 436

يمكن ان يقال ان الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت في الخارج شيئا واحدا ، والشوق المتعلق بجامع الصلاة - المستفاد من قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) حيث يدل على تعلق الوجوب والشوق بطبيعي الصلاة - وان كان يسري الى الصلاة الخارجية الواقعة في الغصب باعتبار ان حب الجامع يسري الى افراده بيد ان الشوق يسري اليها بعنوان انها صلاة. وبتعبير أوضح : الشوق يتعلق بعنوان الصلاة لا بالوجود الخارجي لها لفرض انا نتكلم على تقدير تعلق الاحكام بالعناوين ، وهكذا الحال بالنسبة لمفسدة الغصب فانها تتعلق بعنوان الغصب لا بالوجود الخارجي له ، ومعه فتكون المشكلة مندفعة اذ الحب متعلق بعنوان الصلاة والبغض بعنوان الغصب وليس مركزهما هو الوجود الخارجي ليلزم اجتماعهما في شيء واحد.

واما بناء على المسلك الثاني - مسلك الميرزا - فوجه بقاء المشكلة هو ان المسلك المذكور يقول : ان امر « اقيموا الصلاة » يامر بمطلق الصلاة ، والامر بالمطلق يستلزم الترخيص في تطبيق الصلاة على جميع افرادها ، وحيث ان احد الافراد هو الصلاة في الغصب فيلزم الترخيص في تطبيق المطلق على الصلاة في المغصوب ، وبتعبير أصرح : كأن امر « اقيموا الصلاة » يقول : اني ارخصك في تطبيق الصلاة على الصلاة في المغصوب ، ومن الواضح ان هذا الترخيص يتنافى والنهي عن الغصب اذ لا معنى لان يقول المولى : اني ارخصك بالاتيان بالصلاة في المغصوب وفي نفس الوقت انهاك عن الغصب ، ان التهافت بين ذاك وهذا واضح.

ولا يحق لقائل ان يقول : ان الترخيص اذا كان متعلقا بمفهوم الصلاة فهو لا يتنافى مع النهي المتعلق بمفهوم الغصب. وبكلمة اخرى : كما ان المشكلة كانت مندفعة على المسلك الاول كذا هي مندفعة على هذا المسلك.

ص: 437

والجواب : ان الميرزا لا يقول ان امر « اقيموا الصلاة » يستفاد منه الترخيص في نفس الصلاة حتى يقال بان الترخيص متعلق بمفهوم الصلاة بل يقول ان الترخيص متعلق بالتطبيق اي بتطبيق مفهوم الصلاة على مصاديقه ، ومن الواضح ان المولى لا يمكنه ان يقول انت مرخص في تطبيق مفهوم الصلاة على الصلاة في المغصوب وفي نفس الوقت يقول انت منهي عن الغصب.

الخصوصية الثالثة :

اتضح مما سبق ان الخصوصية الاولى - وهي فرض وجود عنوان واحد تعلق الامر بمطلقه والنهي بمقيده - لا تخفف من المشكلة شيئا اذ حب الجامع يسري الى الحصة الخاصة فيجتمع فيها الحب والبغض ، كما واتضح ان الخصوصية الثانية وهي فرض تعدد العنوان نافعة في رفع المشكلة ، اذ الاحكام تتعلق بالعناوين بما هي عين الخارج فاذا كان العنوان متعددا فلازمه تعدد مصب الوجوب والحرمة.

ولكن لو فرض عدم تمامية الخصوصية الثانية ايضا فننتقل الى الخصوصية الثالثة وهي : فرض ان النهي يسقط في فترة حدوث الامر بحيث لا يلزم تعاصرهما في زمان واحد. ولتوضيح الفكرة نذكر المثال التالي : لو فرض ان انسانا دخل ارضا مغصوبة وفي اثناء الخروج التفت لضيق وقت الصلاة فاذا اداها اثناءه فهل تكون واجبة بلا حرمة او محرمة بلا وجوب او هي محرمة وواجبة معا؟ وفي الجواب نقول : ان الدخول الى الغصب له حالتان :

أ - الدخول على سبيل الاختيار.

ب - الدخول لا بالاختيار ، كما اذا القى الظالم شخصا في المكان المغصوب.

وفي كلتا الحالتين يكون الداخل ملزما بالخروج - اذ البقاء في الغصب غير

ص: 438

سائغ - بيد ان خروجه في الحالة الثانية يكون مضطرا اليه لا بسوء اختياره بمعنى ان اضطراره الى الخروج لم ينشأ من سوء اختياره ، وفي مثله لا يكون الخروج محرما لان دليل (1) حرمة الغصب ناظر الى الغصب الذي لا يكون المكلف مضطرا اليه ، بينما في الحالة الاولى يكون الشخص الخارج مستحقا للعقاب جزما ، اذ اضطراره ما دام بسوء اختياره فهو لا ينافي الاختيار من حيث العقوبة. اجل هناك كلام (2) في ان الخطاب بالحرمة هل هو ثابت ايضا او ساقط.

وبعد التعرف على هذا نقول : ان المكلف اذا اراد الصلاة اثناء الخروج مع فرض ضيق الوقت (3) وعدم استلزامها لتصرف زائد (4) وقعت صحيحة في الحالة الثانية - حالة كون الاضطرار لا بسوء الاختيار - لعدم حرمة الخروج في الحالة المذكورة. واما في الحالة الاولى - حالة نشوئه بسوء الاختيار - فيلزم توجه الامر والنهي الى الصلاة ، فهي واجبة لانها صلاة ومحرمة لتحققها ضمن الخروج الذي فرضنا حرمته ، بيد ان الامر والنهي لم يجتمعا في وقت واحد ، فالنهي عن التصرف الغصبي ثابت قبل الدخول واما بعده فهو ساقط باعتبار تحقق الاضطرار الى الخروج ومع الاضطرار - ولو بسوء الاختيار - يسقط النهي.

وبهذا تم ايضاح الخصوصية الثالثة وحاصلها : انه في صورة الاضطرار بسوء الاختيار تكون الصلاة الواقعة حال الخروج واجبة بوجوب فعلي ومنهيا عنها بنهي ساقط.

وبعد هذا فهل تنفع هذه الخصوصية في رفع المشكلة او لا؟ ربما يقال هي

ص: 439


1- وهو مثل قوله 9 : « لا يحل مال امرىء مسلم الا بطيب نفس منه ».
2- تقدم ذلك ص 308 من الحلقة.
3- اذ في حالة سعة الوقت يجب الانتظار واداؤها خارج الغصب.
4- كما اذا ادّي الركوع والسجود عن طريق الايماء. ثم انه في حالة استلزام الصلاة لتصرف زائد يلزم تركها داخل الوقت واداؤها قضاء خارجه.

نافعة ، اذ بعد سقوط النهي لا يلزم اجتماع الامر والنهي في وقت واحد.

وفيه : ان النهي وان كان ساقطا ولكن سقوطه لم ينشأ من الامتثال بل من سوء اختيار المكلف وعصيانه بدخوله المغصوب الامر الذي استلزم عدم تمكن المولى من توجيه النهي اليه ، ومعه فيكون الخروج باقيا على المبغوضية والمفسدة وبالتالي يلزم اجتماع المبغوضية والمحبوبية في الخروج في وقت واحد فتكون المشكلة باقية على حالها اذ مبدأ النهي وهو المفسدة باق وانما الذي زال هو الخطاب بالحرمة فقط. هذا لو اخترنا القول بسقوط النهي حالة الاضطرار بسوء الاختيار ، واما لو اخترنا بقاءه فالمشكلة أوضح لبقاء النهي والمفسدة ثابتين معا.

مشكلة جديدة

واجه الاصوليون في المقام مشكلتين احداهما في الصلاة الواقعة اثناء الخروج ، وقد عرفنا بقاء هذه المشكلة لان النهي وان كان ساقطا ولم يجتمع مع الامر الا ان مفسدته باقية فيلزم اجتماع المبدأين المتنافيين. والثانية في الخروج بقطع النظر عن اداء الصلاة حالته ، فان الخروج بقطع النظر عن الصلاة يكون محرما باعتبار كونه تصرفا في الغصب وواجبا باعتبار كونه مقدمة للتخلص من الغصب الزائد فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة فيه. وفي مقام التخلص من هذه المشكلة توجد ثلاثة اجوبة هي :

أ - ان الخروج ليس مقدمة للتخلص من الغصب فلا يكون واجبا من باب المقدمة.

ب - ان التصرف في الغصب حرام الا ما حصل بسبب الخروج.

ج - ان مقدمة الواجب ليست واجبة في المقام وان كانت واجبة في غيره.

ص: 440

توضيح الجواب الاول :

اما الجواب الاول فهو ما تقدم به الشيخ الاصفهاني (1) قدّس سره. وحاصله : ان الخروج ليس مقدمة للواجب حتى يكون واجبا. ووجه ذلك : ان الخروج اذا كان مقدمة فهو مقدمة لأي شيء؟ انه مقدمة لترك البقاء في الغصب ، فترك البقاء هو الواجب ومقدمته هي الخروج ، هذا ولكن الخروج لا يمكن ان يكون مقدمة لترك البقاء ، اذ البقاء والخروج متضادان - فان الداخل في الغصب اما ان يبقى فيه او يخرج منه ولا يمكن ان يبقى ويخرج في وقت واحد - وما دام بينهما تضاد فلا يمكن ان يكون وجود احدهما مقدمة وعلة لعدم الآخر لما قرأنا في مبحث الضد من الحلقة الثانية من عدم مقدمية احد الضدين لعدم الآخر ، فالصلاة وازالة النجاسة عن المسجد متضادان ، ووجود الصلاة ليس مقدمة وعلة لعدم الازالة وانما العلة هي ارادة المكلف واختياره لعدم الازالة فانه لما يختار عدم الازالة يتحقق منه عدم الازالة سواء صلى ام لا ، اجل عند اختيار عدم الازالة وتحققه منه لا بدّ من الاشتغال بفعل من الافعال اما المطالعة او النوم او الصلاة او ... فالصلاة اذن ليست هي العلة لعدم الازالة بل هي امر يقترن من باب الصدفة مع اختيار عدم الازالة الذي هو العلة الاصيلة ، فكما ان المطالعة والنوم ليسا علة لعدم الازالة بل امور مقارنة لعلة عدم الازالة صدفة كذا الصلاة.

وباختصار : ان الخروج بعد ما كان ضدا للبقاء فلا يمكن ان يكون مقدمة وعلة لعدم البقاء ، اذ وجود احد الضدين ليس علة لعدم الآخر.

مناقشة الجواب الاول :

ويمكن مناقشة الجواب المذكور بما يلي :

ص: 441


1- نهاية الدراية ج 1 ص 287 س 11.

أ - نسلم بعدم امكان كون الخروج مقدمة لعدم البقاء باعتبار انهما متضادان وأحد الضدين ليس علة لعدم الآخر ، ولكن نقول : ان الخروج اذا لاحظناه في الدقيقة الاولى فهو ضد للبقاء في الدقيقة الاولى فلا يمكن ان يكون الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقيقة الاولى ولكن نحن لا ندعي ان الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقيقة الاولى بل ندعي ان الخروج في الدقيقة الاولى علة لعدم البقاء في الدقائق البعدية ، ومعه فلا يتم ما ذكره الاصفهاني ، اذ الخروج في الدقيقة الاولى ليس ضدا للبقاء في الدقائق البعدية - بدليل ان الخروج في الدقيقة الاولى يجتمع ويلتئم مع البقاء في الدقائق البعدية كما لو فرض خروج الانسان من المغصوب في الدقيقة الاولى ثم دخوله له في الدقائق البعدية - ومعه فيمكن ان يكون الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقائق البعدية (1).

ب - سلمنا ان الخروج لا يمكن ان يكون مقدمة لعدم البقاء للضدية بينهما ولكن نقول : ان هذه المناقشة من الاصفهاني تتم في خصوص مثال الخروج من الغصب ولا تتم في امثلة اخرى كما لو فرض ان الانسان جرح نفسه بجرح عظيم بسوء اختياره واوشك على الموت وتوقف علاجه على شرب الخمر ، ان هذه المثال يتطابق مع مثال الخروج - اذ في كل منهما ارتكب المكلف حراما بسوء اختياره واضطر بسببه لارتكاب فرد ثان من المحرم للتخلص من المحرم الاول - ومناقشة الاصفهاني لا تتم فيه ، اذ الوجدان يحكم بشكل قطعي ان شرب الخمر مقدمة لحفظ النفس من الموت وليس بين شرب الخمر وحفظ النفس تضاد ليطبق ما سبق بل بينهما ملازمة فالشرب ملازم لحفظ النفس وليس ضده.

ص: 442


1- وقد اشارت عبارة الكتاب لهذا الجواب بجملة « وهذا الجواب حتى اذا تم ».

توضيح الجواب الثاني :

وتوضيح الجواب الثاني ان الخروج وان كان تصرفا في المغصوب - باعتبار ان الخروج يحصل بالمشي على المغصوب وهو تصرف فيه - الا انه ليس كل تصرف غصبي محرما بل يلتزم بحرمة كل تصرف غصبي الا الخروج فلا يكون محرما ، اذ لو كان محرما يلزم محذور اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد وفرارا من ذلك لا بدّ من الالتزام بعدم حرمته.

وفيه : ان تمامية الجواب المذكور تتوقف على ان لا نملك جوابا آخر نتمكن بواسطته من التخلص من المشكلة ، وسيتضح ان الجواب الثالث يمكن التخلص بواسطته منها.

توضيح الجواب الثالث :

وتوضيح هذا الجواب : انا لا نسلم بوجوب مقدمة الواجب في جميع الحالات ، بل قد لا تكون واجبة احيانا فان المقدمة يمكن تقسيمها الى الاقسام الثلاثة التالية :

1 - ان يكون للمقدمة فردان احدهما مباح والآخر محرم ، كما لو وجب الحج على المكلف وكانت هناك وسيلتان للوصول الى مكة المكرمة احداهما مغصوبة والاخرى مباحة. وفي هذه الحالة هل يحكم العقل بوجوب خصوص الفرد المباح او بوجوب كليهما؟ لا اشكال في حكمه بوجوب خصوص الفرد المباح ولا وجه لوجوب الفرد المحرم بعد ما كان المباح متيسرا.

2 - ان تكون المقدمة منحصرة بالفرد المحرم كما لو فرض انحصار وسيلة الحج بخصوص المغصوب. وفي هذه الحالة لا بدّ من اجراء موازنة بين المقدمة وذيها فيلاحظ ان الحج هو الاهم او حرمة الغصب ، فان فرض ان وجوب الحج

ص: 443

هو الاهم سقطت الحرمة عن المقدمة واتصفت بالوجوب الغيري ، وان كانت حرمة الغصب هي الاهم سقط وجوب الحج.

3 - ان يكون للمقدمة فردان مباح ومحرم غير ان المكلف بسوء اختياره عجّز نفسه عن الفرد المباح واضطر الى ارتكاب الفرد المحرم. ومقامنا من هذا القبيل فان التخلص من الغصب يمكن ان يحصل بفردين احدهما مباح وهو ان لا يدخل الانسان المغصوب اصلا فانه بعدم دخوله يكون متخلصا من الغصب ، وثانيهما محرم وهو ان يدخل الغصب ثم يخرج منه فانه بدخوله يكون قد عجّز نفسه عن الفرد المباح وحصر امره بالفرد المحرم وهو الخروج. وفي هذه الحالة نطرح الاسئلة التالية :

أ - هل الخروج الذي هو الفرد المحرم يتصف بالوجوب الغيري او لا؟ كلا لا يتصف بذلك اذ المفروض وجود فرد مباح للمقدمة والمكلف عجّز نفسه بسوء اختياره عنه ، والعقل الذي هو الحاكم بوجوب المقدمة لا يحكم بوجوب هذه المقدمة.

ب - هل الخروج يتصف بالحرمة او لا؟ نعم ، لا مانع من اتصافه بها بعد ما كان الاضطرار اليه ناشئا من سوء الاختيار.

ج - هل التخلص من المغصوب يبقى واجبا او لا؟ كلا لا يبقى على الوجوب لان الخروج بعد ما كان محرما يصير الشخص مضطرا الى تركه ، ومع تحقق تركه لا يتمكن على التخلص من الغصب بيد ان هذا الاضطرار الى ترك التخلص لمّا نشأ من سوء الاختيار فيكون الساقط هو الخطاب بوجوب ذي المقدمة - اي الخطاب بوجوب التخلص - واما العقاب على تركه فهو باق لما تقدم سابقا من ان الاضطرار اذا نشأ من سوء الاختيار فلا يسقط العقاب بل الخطاب

ص: 444

فقط.

اجل نستدرك لنقول : ان الخطاب بوجوب التخلص وان سقط ولكن مع ذلك يحكم العقل بلزوم التخلص بواسطة الخروج فانه بالخروج وان ارتكب المكلف المحرم - لفرض حرمة الخروج - الا انه لو لم يخرج يلزم ارتكاب غصب أزيد فمن باب ارتكاب اخف المحذورين يحكم العقل بلزوم الخروج ومع حكمه بذلك يصير المكلف مضطرا الى الخروج ولكن حيث ان هذا الاضطرار للخروج نشأ من سوء الاختيار فيكون الساقط هو الخطاب بحرمته دون العقاب عليه.

ومن جميع هذا يتضح ان الخطابات باسرها ساقطة ، فالخطاب بوجوب التخلص ساقط والخطاب بحرمة الخروج ساقط والخطاب بوجوب المقدمة ساقط الا ان الساقط هو الخطاب فقط واما العقاب فهو باق لان سقوط الخطاب ناشىء من الاضطرار بسوء الاختيار ، وقد تقدم ان الاضطرار اذا كان بسوء الاختيار فالساقط هو الخطاب فقط دون العقاب.

والخلاصة في حل المشكلة - مشكلة اجتماع الوجوب والحرمة في الخروج - هو الالتزام بعدم وجوب الخروج لان انحصار المقدمية فيه نشأ من سوء الاختيار ، وفي مثله لا يحكم العقل بالوجوب ، ومع عدم وجوبه لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة فيه. هذا هو الحل ، واما المطالب الاخرى التي اشرنا لها فليست دخيلة فيه ولا يمكن حل المشكلة فيها. وانما اشير لها لتوضيح حقيقة الحال في مثال الخروج. سؤال وجواب :

قد يقال : ان الخطاب بحرمة الخروج اذا كان ساقطا فما هو الموجب بعد هذا لسقوط وجوب التخلص فان الموجب لسقوطه ليس الا حرمة الخروج فاذا

ص: 445

فرض عدمها فلا موجب لسقوطه.

والجواب : ان المقصود من سقوط الحرمة عن الخروج هو سقوط الخطاب فقط واما العقاب فهو باق ، ومع بقائه يكون المكلف مضطرا الى ترك التخلص فيسقط خطابه.

عمومية النزاع لاقسام الوجوب والحرمة

قوله ص 408 س 6 وفي كل حالة يثبت ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان الشيء الواحد يستحيل اجتماع الوجوب والحرمه فيه لسببين احدهما لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة فيه ، وثانيهما لزوم التحريك والسحب في آن واحد.

وهنا نقول : ان استحاله الاجتماع تعم حالة ما اذا كان كل واحد منهما نفسيا او غيريا او كان احدهما نفسيا والآخر غيريا.

مثال الاول : الصلاة في المغصوب ، فان وجوب الصلاة نفسي وحرمة الغصب نفسية.

ومثال الثاني : الوضوء فيما اذا استلزم الوقوع في ضرر محرم ، فان الوضوء بما هو وضوء واجب بالوجوب الغيري وبما انه مقدمة للضرر المحرم محرم بالحرمة الغيرية.

ومثال الثالث : الخروج من المغصوب ، فان حرمته نفسية - اذ هي ليست الا من جهة حرمة الغصب التي هي حرمة نفسية - بينما وجوبه غيري ومن باب المقدمة للواجب وهو التخلص من الغصب.

والوجه في عمومية الاستحالة لجميع هذه الاقسام الثلاثة هو ان الوجوب النفسي كما يكشف عن الحب والمصلحة كذلك الوجوب الغيري يكشف عنهما غاية الامر ان الوجوب النفسي يكشف عن الحب النفسي بينما الوجوب الغيري

ص: 446

يكشف عن الحب الغيري. وهكذا الحرمة النفسية والغيرية فكلاهما تكشفان عن البغض غاية الامر الحرمة النفسية تكشف عن البغض النفسي بينما الحرمة الغيرية تكشف عن البغض الغيري ، ومن الواضح انه كما لا يجوز اجتماع الحب والبغض النفسيين في شيء واحد كذلك لا يجوز اجتماع الحب والبغض الغيريين او الحب النفسي مع البغض الغيري او العكس.

وقد يقال : تقدم سابقا اختيار عدم اتصاف مقدمة الواجب بالوجوب الشرعي وهكذا عدم اتصاف مقدمة الحرام بالحرمة الشرعية ، ومعه فكيف نفترض الآن وجود وجوب غيري وحرمة غيرية والحكم بان استحالة الاجتماع تعم حالة الوجوب والحرمة الغيريين؟

والجواب : ان الذي تقدم هو انكار الوجوب والحرمة الغيريين على مستوى الجعل والحكم لا على مستوى المبادىء ، فمقدمة الواجب لم يجعل الشارع لها وجوبا غيريا ولكنها من حيث المبادىء محبوبة ، وهكذا مقدمة الحرام ، وهذا المقدار يكفي لاستحالة الاجتماع فانها لا تتوقف على وجود جعلين - فان اجتماع الجعلين بما هما جعلان امر ممكن كما تقدم لكون الجعل اعتبارا وهو سهل المؤنة - وانما على وجود مبدأين متنافيين.

ثمرة البحث :

وقد تسأل عن ثمرة البحث عن جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه. وفي الجواب يمكن ذكر ثمرتين الثانية منهما مترتبة على الاولى وهما :

1 - لو قلنا بالامتناع يدخل الدليلان في باب التعارض فحرمة الغصب ووجوب الصلاة لو قلنا بعدم امكان اجتماعهما في الصلاة الواقعة في المغصوب

ص: 447

متعارضان (1) اي يحصل بينهما تكاذب في مقام الجعل ، فان ثبوتهما معا ما دام ممتنعا فلا يمكن صدورهما من المولى بل لا بدّ وان يكون الصادر احدهما.

واذا دخلا في باب التعارض فاللازم تقديم اقوى الحكمين. ولكن ما هو الاقوى؟ ذكر الاصوليون انه النهي لان اطلاق لا تغصب شمولي ، اي هو يقول لا يجوز اي فرد من افراد الغصب بينما اطلاق صل بدلي ، اي هو يقول يجب فرد واحد من افراد الصلاة دون جميعها ، وما دام الاول شموليا والثاني بدليا فالمقدم هو الاول لاقوائية الشمولية من البدلية. هذا كله لو قلنا بامتناع الاجتماع.

واما لو قلنا بجوازه - بدعوى ان الاحكام تتعلق بالعناوين او تتعلق بالمعنون مع افتراض تعدده بتعدد العنوان - فالدليلان كصل ولا تغصب لا يكونان متعارضين لانه بعد فرض جواز الاجتماع يكون صدورهما معا من المولى امرا ممكنا. وهل يصيران متزاحمين؟ ان فرضنا ان بالامكان الخروج من المغصوب واداء الصلاة في مكان آخر فلا يتحقق التزاحم لانه انما يتحقق فيما اذا لم يقدر المكلف على امتثال كلا الحكمين ، اما اذا امكنه (2) فلا يتحقق. اجل اذا لم يمكن الخروج تحقق التزاحم لعدم امكان امتثال الحكمين معا فيقدم الاهم منهما.

وباختصار : بناء على الامتناع يتحقق التعارض ، وبناء على الجواز يتحقق التزاحم ان لم تكن مندوحة ، ومع المندوحة فلا تعارض ولا تزاحم. الثمرة الثانية

والثمرة الثانية تظهر في صحة العمل وفساده كما سنوضح. وهذه الثمرة - كما

ص: 448


1- طبيعي ليس المقصود من ثبوت التعارض ثبوته بين ذات صل وذات لا تغصب اذ لا معارضة بين الذاتين بل يقصد ثبوته بين الاطلاقين اي ان اطلاق صل وشموله لكل صلاة بما في ذلك الصلاة في المغصوب يتعارض مع اطلاق لا تغصب وشموله لكل غصب بما في ذلك الغصب المتمثل بالصلاة.
2- ويعبر عن امكان الخروج بالمندوحة فانها تعني المجال والسعة.

قلنا سابقا - مترتبة على الاولى ، فان صحة العمل وفساده يرتبطان بمسألة التعارض والتزاحم ، فلو اتى المكلف بالصلاة في المغصوب كانت صحة صلاته وفسادها مرتبطين بالتعرف على ان الثابت بين صل ولا تغصب هو التعارض او التزاحم. وهكذا لو امر المولى عبده بطبخ اكلة معينة ونهاه نهيا عاما عن استعمال الوسائل الكهربائية فاذا طبخ العبد تلك الاكلة بالوسيلة الكهربائية وقعت طبخته موردا لاجتماع الامر والنهي (1) وكان تحقق الامتثال بها وعدمه مرتبطا بمسألة التعارض والتزاحم فانه :

1 - ان قلنا في الثمرة الاولى بعدم جواز الاجتماع وبالتالي بالتعارض فاللازم فساد العمل وعدم تحقق الامتثال به ، اذ بعد البناء على الامتناع والتعارض يكون الثابت اما صل او لا تغصب ، فاذا قدم النهي لاجل ان اطلاقه شمولي فمعناه عدم ثبوت الامر وسقوطه عن الصلاة في الغصب وهكذا بالنسبة لمثال الطبخ فانه بعد سقوط الامر لا يكون الطبخ مصداقا للمأمور به فتجب الاعادة من جديد اذ إجزاء غير الواجب عن الواجب يحتاج الى دليل.

وباختصار : بعد البناء على الامتناع والتعارض لا يكون المأتي به مصداقا للواجب ولا مجزيا بلا فرق بين كون الواجب عباديا او توصليا.

2 - وان بني على الجواز وعدم التعارض فينبغي التفصيل بين كون الواجب توصليا او تعبديا :

أ - فان كان توصليا - كما في مثال الطبخ - فالامتثال متحقق ولا تلزم الاعادة لفرض ان الامر ثابت ومتعلق بالطبخ ، ومع تعلقه به يكون مجزيا ولا تجب اعادته. اجل في حالة عدم وجود المندوحة - اي حالة عدم وجود وسيلة

ص: 449


1- فرق هذا المثال عن سابقه ان الواجب في المثال السابق عبادي وفي هذا توصلي.

غير كهربائية يمكن الطبخ بها - يتحقق التزاحم بين الامر بالطبخ والنهي عن استعمال الوسيلة الكهربائية حيث انه بعد عدم وجود المندوحة لا يمكن امتثال كلا الحكمين فيتحقق التزاحم بينهما ، وفي باب التزاحم - كما عرفنا ذلك في مبحث الضد - لا يكون التكليف متعلقا بالمتزاحمين في عرض واحد وانما يؤمر بالاهم ابتداء وعلى تقدير عدم الاشتغال بامتثاله يؤمر بالمهم ، فالامر بالصلاة معلق على عدم الاشتغال بالازالة مثلا ولا يمكن الامر بهما في عرض واحد بلا ترتب لانه يلزم منه الامر بالجمع بين الضدين. وفي مقامنا يقال نفس الشيء فبعد فرض تحقق التزاحم بين الامر بالطبخ والنهي عن الوسيلة الكهربائية يكون الامر متعلقا بالطبخ معلقا على عدم امتثال النهي. هذا في فرض عدم المندوحة ، واما عند فرض وجودها فلا تزاحم كما ولا تعارض بل يكون الامر والنهي ثابتين معا على وجه العرضية بلا حاجة الى فرض الترتب.

وباختصار : بناء على الجواز يكون الامر متعلقا بالطبخ على وجه الترتب وعدم الاشتغال بامتثال النهي فيما اذا لم تكن مندوحة ، ومع وجودها يكون الامر ثابتا على وجه العرضية. وعلى كلا التقديرين يقع الطبخ مصداقا للمأمور به ومجزيا.

ب - وان كان الواجب عباديا - كما في مثال الصلاة في المغصوب - فاللازم التفصيل بين ما اذا كان مستند البناء على الجواز هو البناء على تعدد المعنون خارجا عند تعدد العنوان وبين ما اذا كان هو البناء على كفاية تعدد العنوان حتى مع وحدة المعنون خارجا ، فان كان المستند هو تعدد المعنون خارجا ووجود صلاة وغصب بوجودين متغايرين في الخارج فلا بدّ من تحقق الامتثال بالصلاة المأتي بها في الغصب لان الامر متعلق بها وقد قصد المكلف امتثاله فتقع صحيحة.

ص: 450

واما اذا كان المستند كفاية تعدد العنوان حتى مع وحدة المعنون خارجا فلا تقع الصلاة صحيحة ، لان الامر وان كان ثابتا ومتعلقا بعنوان الصلاة الا ان الصلاة بعد ما كانت في الخارج متحدة مع الغصب ومرتدية ثوب الغصب فلا يمكن قصد التقرب بها.

تلخيص ما سبق :

ويمكن تلخيص الثمرة الثانية بما يلي :

1 - بناء على الامتناع والتعارض لا تقع الصلاة ولا الطبخ مصداقا للمأمور به فتجب الاعادة.

2 - بناء على الجواز وعدم التعارض يقع المأتي به مصداقا للمأمور به ومجزيا فيما لو كان توصليا لتعلق الامر به بنحو الترتب في صورة عدم المندوحة او بنحو العرضية في صورة وجودها.

3 - ولو كان عباديا وقع صحيحا بناء على تعدد المعنون خارجا عند تعدد العنوان.

4 - وبناء على وحدة المعنون خارجا وكفاية تعدد العنوان فلا يقع صحيحا لعدم امكان قصد التقرب.

بطلان العمل في حالتين

عرفنا من خلال ما تقدم بطلان العمل في حالتين :

1 - اذا بني على التعارض وتقديم النهي فان العمل يقع باطلا سواء كان العمل عباديا ام توصليا.

2 - اذا بني على الجواز وكان العمل عبادة وبني على وحدة المعنون خارجا.

ص: 451

هل يفرق بين حالة الالتفات والغفلة

قوله ص 410 س 14 وفي كل حالة حكمنا فيها ... الخ : وبعد ان عرفنا بطلان العمل في حالتين نسأل : هل الحكم بالبطلان يختص بحالة الالتفات الى حرمة الغصب او يعم حالة عدم الالتفات ايضا؟ والجواب : اما بالنسبة الى الحالة الاولى - وهي حالة البناء على وجود تعارض بين الامر والنهي - فيحكم بالبطلان مطلقا ، اذ مع التعارض وتقديم النهي يكون الامر مفقودا واقعا ، ومع فقدانه يقع العمل باطلا ولا اثر لجهل المكلف.

واما بالنسبة للحالة الثانية - وهي حالة بطلان الصلاة من جهة وحدة المعنون خارجا - فيختص البطلان بحالة الالتفات الى الغصب وحرمته ، اذ فيها لا يمكن للمكلف قصد التقرب ، واما مع جهله فتقع صحيحة لفرض ثبوت الامر وامكان قصد التقرب.

قوله ص 396 س 3 وعالم الملاك : عطف تفسير على « المبادىء ». وهكذا قوله « عالم الامتثال » عطف على « النتائج ».

قوله ص 396 س 4 اما الاول : اي التنافي بلحاظ عالم المبادىء.

قوله ص 396 س 5 واما الثاني : اي التنافي بلحاظ عالم الامتثال.

قوله ص 396 س 7 وقد سبق في مباحث القدرة : اي ص 324 س 4.

قوله ص 396 س 10 وعلى هذا الاساس : اي على اساس امتناع الاجتماع للسببين السابقين يترتب على ذلك انه اذا دل دليل ... الخ.

قوله ص 397 س 3 حقا : اي واقعا.

قوله ص 397 س 7 على نحو التخيير العقلي بين حصصها : بمعنى ان الامر متعلق بطبيعي الصلاة كما في قوله تعالى : « اقيموا الصلاة » فان الامر اذا تعلق

ص: 452

بالطبيعي حكم العقل بالتخيير بين افراده فيكون التخيير بين افراد الصلاة تخييرا عقليا.

قوله ص 398 س 15 للنهي : الصواب : المنهي عنها.

قوله ص 398 س 16 معروفة : الصواب : معروضة.

قوله ص 399 س 7 ومن هنا فسر ... الخ : في العبارة تقدير ، اي ان الميرزا فسر كراهة الصلاة في الحمام بانه لا تنافي بين وجوب المطلق وكراهة الحصة.

قوله ص 399 س 10 او كراهتيا : اذ المبغوضية ولو كانت بمرتبة الكراهة لا يمكن ان تجتمع مع المحبوبية.

قوله ص 399 س 14 كما تقدم : اي ص 131 حيث قال في آخرها : والصحيح هو القول الثالث ، وهو ان الاطلاق عبارة عن عدم لحاظ القيد.

قوله ص 400 س 5 وعلى اي حال : اي سواء قلنا بان المنافي للنهي هو الترخيص من قبل الامر او هو الترخيص من قبل المولى. وقوله « تجاوزنا هذه الخصوصية » بمعنى قطعنا النظر عن هذه الخصوصية.

قوله ص 400 س 5 : وافترضنا الامتناع : واما اذا لم نفترض الامتناع فلا بدّ ان يكون ذلك من جهة تعلق المحبوبية بالجامع والمبغوضية بالحصة وكفاية هذا المقدار لحلّ المشكلة ، وبناء عليه لا حاجة الى فرض تعدد العنوان اذ ذاك الحل كاف سواء فرضنا تعدد العنوان ام لا ويكون ضمّ فرض تعدد العنوان من قبيل ضمّ الحجر الى جنب الانسان.

قوله ص 401 س 6 نعم اذا ثبت : الانسب : نعم اذا كان العنوان ماهية ... الخ.

قوله ص 401 س 13 والصور الذهنية : عطف تفسير على « العناوين ».

ص: 453

قوله ص 403 س 1 لحالة غصبية الصلاة : اي ان اطلاق « اقيموا الصلاة » اذا كان شاملا للصلاة في الدار المغصوبة.

قوله ص 403 س 2 على المقيد بهذه الحالة : اي الصلاة المقيدة بحالة الغصبية.

قوله ص 403 س 4 : ان نسلم بان الخصوصيتين : واما اذا سلمنا بان الخصوصية الثانية نافعة وانه يكفي تعدد عنواني الغصبية والصلاة في حلّ المشكلة فلا حاجة لفرض الخصوصية الثالثة اذ الصلاة حالة الخروج ينطبق عليها عنوانا الصلاة والغصبية فاذا كان تعددهما كافيا فلا حاجة الى فرض كون النهي ساقطا بالفعل وان الثابت هو الامر فقط. وهكذا لو كانت الخصوصية الاولى تامة فلا تصل النوبة الى فرض الخصوصية الثالثة اذ مركز الشوق هو جامع الصلاة دون فردها الخاص - وهو الصلاة في المغصوب - ومركز البغض هو جامع الغصب دون فرده وهو الغصب المتمثل في الصلاة.

قوله ص 403 س 14 ومضطر : الصواب : ومضطرا اليه.

قوله ص 404 س 2 والادانة : عطف تفسر على « المسؤولية ». والادانة هي العقوبة.

قوله ص 404 س 3 على القول المتقدم : ص 308.

قوله ص 404 س 9 غير منهي عنه منذ البدء : اي ان الخروج ما دام مضطرا اليه لا بسوء الاختيار فهو قبل الدخول غير مشمول لخطاب « لا تغصب » ، فخطاب « لا تغصب » حتى قبل الدخول لا يقول لا تتصرف بالخروج.

قوله ص 404 س 13 وادانة : عطف تفسير على قوله « عقابا ».

قوله ص 404 س 15 لا يدفع بين ... الخ : الصواب : لا يدفع التنافي بين ...

ص: 454

الخ.

قوله ص 405 س 12 وملاكه : عطف تفسير على « روحه ».

قوله ص 405 س 14 ينفي : الصواب : ينفى.

قوله ص 406 س 3 كما تقدم في الحلقة السابقة : ص 289.

قوله ص 406 س 5 بل في حالات اخرى : يجمعها جامع واحد وهو ارتكاب المكلف بسوء اختياره لفعل يصير بسببه مضطرا الى ارتكاب الحرام.

قوله ص 406 س 10 بتعذر ... الخ : اي بسبب تعذر ... الخ.

قوله ص 406 س 13 من هذا القبيل : اي احدهما مباح والآخر محرم.

قوله ص 406 س 14 فعلا : اي كلا الفردين موجود في وقت واحد.

قوله ص 407 س 1 وبدون دخل للمكلف : عطف تفسير على « اساسا ».

قوله ص 407 س 5 ان تكون منقسمة اساسا : اي بدون دخل للمكلف. ثم ان الفرق بين هذا القسم والقسم الاول انه في القسم الاول يكون كلا الفردين - الحرام والمباح - موجودا بالفعل ، واما في هذا القسم فالفردان ليسا موجودين في زمان واحد ، اذ الشخص قبل دخوله في المغصوب يكون الثابت في حقه هو الفرد المباح فقط واذا دخل ينعدم ويتحقق حينئذ مجال الفرد المحرم.

قوله ص 407 س 9 لسوء الاختيار : الى هنا ينتهي الجواب الثالث. وما سيذكره بعد ذلك هو توضيح اضافي زائد عليه.

قوله ص 407 س 9 يظل على ما هو عليه من الحرمة : ليس المقصود بقاء نفس الخطاب بالحرمة بل بقاء العقوبة كما سبق.

قوله ص 407 س 11 بذي المقدمة : وهو وجوب التخلص من الغصب.

قوله ص 408 س 7 في ذلك : اي في امتناع الاجتماع.

ص: 455

قوله ص 408 س 10 لنفسه : متعلق بقوله « محبوبا ومبغوضا ».

قوله ص 408 س 11 بسائر : اي بجميع.

قوله ص 409 س 10 واما صحة امتثال ... الخ : هذا اشارة الى الثمرة الثانية.

قوله ص 410 س 1 كما تقدم : ص 389 حيث ذكر هناك ان لازم اجزاء غير الواجب عن الواجب تقييد دليل الواجب بعدم الاتيان بغير الواجب ، واطلاق دليل الواجب ينفيه.

قوله ص 410 س 3 او لا : اي او لم يقع التزاحم.

قوله ص 410 س 6 كذلك : اي كما في التوصلي ويجري ايضا نفس التفصيل المتقدم فيه فيقع صحيحا بالامر الترتبي في صورة التزاحم وعدم المندوحة وبالامر العرضي في صورة عدم التزاحم ووجود المندوحة.

قوله ص 410 س 16 والعالم بها : اي العالم بالحرمة.

ص: 456

مبحث الضد

اشارة

ص: 457

ص: 458

اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضده :

اشارة

قوله ص 412 س 1 وقع البحث في ان وجوب شيء ... الخ :

قبل توضيح المقصود من هذا المبحث نشير الى ان الصلاة مثلا يوجد لها مناف لا يجتمع معها. والمنافي له شكلان ، فتارة يكون امرا وجوديا كالاكل والنوم و ... ، فالاكل مثلا يتنافى مع الصلاة ولا يجتمع معها وهو امر وجودي. ويسمى المنافى الوجودي بالضد الخاص. واخرى يكون امرا عدميا وهو الترك ويعبر عنه بالضد العام ، فالضد العام للصلاة هو ترك الصلاة (1).

وبعد التعرف على هذين المصطلحين نطرح سؤالين ليتضح مبحثنا.

1 - هل الامر بالصلاة مثلا يقتضي النهي عن الضد العام الذي هو ترك الصلاة؟ فمثل « اقم الصلاة » هل يدل على حرمة ترك الصلاة؟

2 - هل الامر بالصلاة مثلا يقتضي النهي عن الضد الخاص؟ فمثل « اقم الصلاة » هل يدل على حرمة الاكل والمطالعة و ...؟

والثمرة تظهر - كما سيأتي انشاء اللّه تعالى - فيما لو ورد حكم بلسان ازل النجاسة عن المسجد ، فلو اشتغل المكلف بالصلاة التي هي ضد خاص للازالة فبناء على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص تقع الصلاة محرمة وبالتالي فاسدة ويجب اعادتها من جديد.

وقبل الاجابة عن هذين التساؤلين نشير الى ان الدلالة حسب ما قرأنا في

ص: 459


1- بهذا يتضح ان ليس المقصود من الضد في المقام الضد المنطقي بل ما يعم النقيض.

المنطق على ثلاثة اقسام ، فتارة تكون مطابقية واخرى تضمنية وثالثة التزامية. وعلى هذا فهل المقصود من الدلالة والاقتضاء حينما نقول : « الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن الضد » هو الاقتضاء بنحو المطابقة او بنحو التضمن او بنحو الالتزام؟ والصحيح ان المقصود ما يعم الانحاء الثلاثة.

وبعد هذا يقع الحديث اولا عن الضد العام وبعد ذلك عن الضد الخاص.

الضد العام :

اشارة

وقع البحث في ان مثل « اقم الصلاة » هل يقتضي النهي عن ترك الصلاة؟ والمعروف اقتضاؤه لذلك ولكن اختلف في كيفية الاقتضاء على ثلاثة اقوال : الاقتضاء بنحو المطابقة ، والاقتضاء بنحو التضمن ، والاقتضاء بنحو الالتزام.

القول الاول

والقول الاول يرى ان مثل « اقم الصلاة » يدل بالمطابقة على النهي عن تركها ، فاقم الصلاة هو عين لا تترك الصلاة. وبطلان هذا القول واضح ، اذ لازمه صيرورة الامر عين النهي والحال انه يغايره. ومن هنا حاول اصحاب هذا القول توجيهه باحد وجهين :

أ - ليس المقصود من العينية ان وجوب الصلاة عين حرمة تركها ليقال ان الوجوب غير الحرمة بل العينية في مقام التأثير بمعنى ان تأثير وجوب الصلاة لو لاحظناه مع تأثير حرمة ترك الصلاة لوجدنا ان التأثيرين واحد وليس بمتعدد ، فان النهي عن ترك الصلاة يسحب المكلف عن ترك الصلاة ومن الواضح ان الامر بالصلاة يؤثر نفس هذا التأثير فانه وان كان بالمباشرة يدفع بالمكلف نحو الصلاة ويقربه اليها الا انه بنفس تقريبه نحوها يبعده ويسحبه عن ترك الصلاة.

ص: 460

اذن الامر بالصلاة والنهي عن ترك الصلاة يشتركان في تاثير واحد وهو سحب المكلف عن ترك الصلاة غاية الامر النهي عن ترك الصلاة يدل بالمباشرة على ذلك بينما الامر بالصلاة يدل بالمباشرة على الدفع نحو الصلاة وبالالتزام على السحب عن تركها.

ويمكن مناقشة هذا التوجيه بان وحدة التأثير بالشكل السابق وان كانت امرا مسلما الا انها لا تنفع ، اذ المطلوب اثباته هو حرمة ترك الصلاة والنهي عنه بحيث حينما يقال صل يثبت حكمان : وجوب للصلاة وحرمة لتركها ، وهذا التوجيه لا يثبت ذلك.

ب - ان وجوب الصلاة هو عين حرمة تركها باعتبار ان حرمة الشيء تعني طلب النقيض - فحينما يقال يحرم شرب الخمر فمعناه اني اطلب نقيض شرب الخمر ، وحيث ان النقيض هو الترك يصير المعنى : اني اطلب ترك شرب الخمر - وما دامت حرمة الشيء ترجع الى طلب نقيض الشيء فلو فرض ان الشارع نهى عن ترك الصلاة وقال يحرم ترك الصلاة فمعنى ذلك انه طلب منا نقيض ترك الصلاة وبالتالي طلب منا ترك ترك الصلاة ، وبما ان ترك ترك الصلاة عبارة اخرى عن فعل الصلاة فالمعنى يصير هكذا : اني اطلب منك فعل الصلاة ، وبهذا يثبت ان النهي عن ترك الصلاة هو عين الامر بالصلاة.

ويمكن مناقشة هذا التوجيه :

1 - بانه يرجع الى ان طلب الصلاة له لفظان وتعبيران هما : صل ولا تترك الصلاة ، فالمولى اذا اراد ان يطلب الصلاة فبأمكانه الاستعانة باحد تعبيرين احدهما صل والآخر لا تترك الصلاة نظير ان يقال ان لك اسمين احدهما علي (1)

ص: 461


1- لو فرض ان خالتك ليس لها الا اخت واحدة وهي امك وفرض انك الولد الوحيد لامك.

والآخر ابن اخت خالتك ، فان ابن اخت خالتك ليس هو الا انت الذي اسمك علي لان اخت خالتك هي امك ، وابنها هو انت.

وباختصار : ان هذا التوجيه كأنه يريد ان يقول ان طلب الصلاة له لفظان كما ان ذات علي لها لفظان ، وهذا وان كان امرا مسلما ولكنه لا يليق ان يكون محل النزاع والبحث العلمي وكيف يليق بالاصولي البحث عن وجود تعبير ثان لطلب الصلاة وعدمه.

2 - ان هذا التوجيه مبني على ان النهي عن شرب الخمر مثلا معناه اني اطلب منك ترك شرب الخمر وهذا ما لا نسلمه ، فان النهي عن شيء لا يرجع الى طلب تركه بل الى الزجر عنه ، فمعنى يحرم عليك شرب الخمر اني ازجرك عن شرب الخمر ، ولعل الوجدان العرفي قاض بذلك.

القول الثاني

ان الامر بالصلاة مثلا يقتضي بنحو الدلالة التضمنية النهي عن ترك الصلاة. وقد اختار هذا القول جماعة منهم صاحب المعالم حيث انه يعتقد تركب حقيقة الوجوب من جزئين هما طلب الفعل والنهي عن الترك ، فالنهي عن الترك - على هذا - يكون جزء مدلول الوجوب وبالتالي يكون الوجوب دالا عليه بالدلالة التضمنية.

وفيه ما تقدم ص 115 من عدم تركب الوجوب من طلب الفعل والنهي عن الترك.

القول الثالث

ان الامر بالصلاة مثلا يقتضي بنحو الالتزام النهي عن ترك الصلاة بتقريب ان الشارع اذا امر بالصلاة فلا يمكن ان يرخص في تركها ، اذ الترخيص في ذلك

ص: 462

مع فرض وجوب الصلاة جمع بين المتنافيين ، ومع عدم امكان الترخيص في ترك الصلاة فلازم ذلك تحريمه - ترك الصلاة - وهو المطلوب.

وفيه : انا نسلم باستلزام وجوب الصلاة لعدم الترخيص في تركها ولكن لا نسلم ان لازم عدم الترخيص في الترك تحريم الترك بل لعل المولى لم يصدر منه ترخيص بترك الصلاة ومع ذلك لم يحرّم ترك الصلاة. وبكلمة اخرى : ان عدم الترخيص في ترك الصلاة يستلزم اما تحريم ترك الصلاة او وجوب الصلاة ولا يستلزم تحريم ترك الصلاة بالخصوص ، وهذا لعله مما يقضي به الوجدان ، فانه لو قيل انت لست مرخصا في ترك الاجتهاد فهذا فيه احتمالان ، فيحتمل كون المقصود ان الاجتهاد واجب ويحتمل ارادة تحريم ترك الاجتهاد ولا يتعين ارادة الثاني بخصوصه.

وقد تقول : ان عدم صدور الترخيص بترك الصلاة اذا لم يكن مستلزما لتحريم الترك يلزم لغوية عدم الترخيص في الترك فلا بدّ من افتراض استلزامه لتحريم الترك.

والجواب : انا لم نفترض صدور عدم الترخيص حتى تلزم لغوية هذا الصادر بل افترضنا عدم صدور ترخيص من المولى اي عدم صدور شيء يرتبط بالترك ومعه فاي لغوية تلزم ، ان اللغوية تلزم لو فرض صدور عدم الترخيص دونما اذا فرض عدم صدور شيء.

الضد الخاص :

اشارة

قوله ص 414 س 1 واما الضد الخاص ... الخ : كان حديثنا سابقا عن الضد العام واتضح ان الامر بشيء لا يقتضي النهي عن تركه لا بنحو المطابقة ولا

ص: 463

التضمن ولا الالتزام.

واما الضد الخاص فهل يقتضي الامر بالواجب النهي عنه؟ فالامر بأزالة النجاسة عن المسجد هل يقتضي النهي عن ضدها الخاص وهو الصلاة مثلا؟

فائدة قبل البحث

تعرضت عبارة الكتاب لفائدة وهي انه مرّ عند البحث عن فكرة الترتب ان المكلف لو دخل المسجد ورأى نجاسة فلا بدّ من ازالتها وعدم الاشتغال بالصلاة اذ ما دامت هي الاهم فالامر يتعلق بها. ولكن لو فرض الاشتغال بالصلاة وهجر الازالة فهل تقع صحيحة؟ ذكرنا هناك ان الازالة وان كانت اهم والامر يتوجه اليها الا انه يمكن تعلق الامر بالصلاة ايضا ولكن بنحو الترتب بان يقال تجب الازالة فان لم تشتغل بها فتجب الصلاة ، ان هذا الامر الترتبي بالصلاة معقول وثابت وببركته يمكن تصحيح الصلاة.

والذي نريد الاشارة له هنا هو ان فكرة الترتب هذه انما تنفع في تصحيح الصلاة فيما اذا لم نقل ان الامر بشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، فان الامر بالازالة مثلا اذا كان مقتضيا للنهي عن الصلاة صارت الصلاة منهيا عنها ومع النهي عنها كيف يمكن تعلق الامر بها ، ما ذلك الا اجتماع للامر والنهي في شيء واحد وهو مستحيل حتى بناء على القول بجواز اجتماع الامر والنهي ، فان الامر والنهي انما يجوز اجتماعهما فيما اذا كان هناك عنوانان كالصلاة والغصبية دونما اذا كان العنوان واحدا كما هو المفروض في المقام حيث لا نملك غير عنوان الصلاة فالامر يقول صل والنهي يقول لا تصل ، واجتماع الامر والنهي على شيء واحد بعنوان واحد مما لا اشكال في استحالته.

والخلاصة : ان فكرة الترتب لا تعقل الا على تقدير القول بعدم الاقتضاء.

ص: 464

عودة الى الكتاب :

اشارة

وتعرضت عبارة الكتاب بعد ذلك الى دليل القائلين بالاقتضاء ، فانه قد استدل على ان الامر بالازالة يقتضي النهي عن الصلاة بدليلين هما :

الدليل الاول

التمسك بمسلك التلازم. وحاصله يتركب من ثلاث مقدمات هي :

أ - ان الامر بالازالة يقتضي النهي عن ترك الازالة ، فان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام وهو تركه.

ب - ان المكلف اذا ترك الازالة فلازم ذلك ان يشتغل بفعل من الافعال فاما ان يطالع او يأكل او يصلي او ... ، فالصلاة اذن هي احد الافعال الملازمة لترك الازالة.

ج - ان ترك الازالة اذا كان محرما بمقتضى المقدمة الاولى فما يلازمه وهو فعل الصلاة يكون محرما ايضا لان الملازم للمحرم محرم ايضا. وبهذا يثبت ان فعل الصلاة محرم وهو المطلوب.

ويمكن مناقشة هذا الدليل بعدم تمامية المقدمة الاولى حسب ما تقدم في البحث السابق ، اذ مر ان الامر بالازالة لا يقتضي النهي عن تركها اي عن الضد العام. وهكذا يمكن المناقشة في المقدمة الثالثة (1) فانه لم يثبت ان الملازم للمحرم

ص: 465


1- بل وهكذا يمكن المناقشة في المقدمة الثانية ، فان الصلاة ليست امرا ملازما لترك الازالة بحيث لا تنفك عنه بل هي امر مقارن له من باب الاتفاق والصدفة فان المكلف اذا ترك الازالة فلا يتحتم ان يشتغل بالصلاة بل من الممكن ان يطالع او يأكل او يفعل فعلا آخر ، فالصلاة اذن امر مقارن اتفاقي ، ومن الواضح ان الامر الاتفاقي لا تلزم حرمته عند حرمة ترك الازالة مثلا ، ومن هنا نوقشت شبهة الكعبي فان ابا القاسم الكعبي له رأي ينكر فيه وجود المباح في الشريعة فشرب الماء او المطالعة وغير ذلك ليست من المباحات اذ ترك شرب الخمر مثلا واجب ، واذا كان واجبا فيلزم وجوب شرب الماء او المطالعة او النوم ، لان ترك شرب الخمر لا يتحقق الا ضمن واحد من هذه الامور ، وبهذا يلزم انتفاء المباح بشكل كامل. وجواب هذه المشبهة : ان شرب الماء مثلا ليس ملازما لترك شرب الخمر بل مقارن اتفاقي ، ومن الواضح لا يلزم من وجوب الشيء وجوب مقارنه الاتفاقي. وهكذا لا يلزم من حرمة الشيء حرمة مقارنه الاتفاقي.

محرم. ويمكن ذكر عدة منبهات تشهد بذلك ، فاستقبال القبلة حالة التخلي له ملازمات متعددة كجعل المشرق على اليسار والمغرب على اليمين ووضع القدمين على الارض ، فلو كان الملازم للمحرم محرما يلزم حرمة هذه الامور ايضا وبالتالي يلزم ان يكون الانسان عند استقباله للقبلة حالة التخلي مستحقا لعدة عقوبات : عقوبة على الاستقبال وعقوبة على جعل المشرق يساره وثالثة على جعل المغرب يمينه ورابعه ... وهذا مخالف لارتكاز المتشرعة جزما.

ومنبه ثان على ذلك : ايجاد النار فانه يلازم وجود الدخان والاحراق والحرارة و ... ، فلو فرض ان المولى حرّم على عبده ايجاد النار في وقت او مكان معين فيلزم حرمة هذه الملازمات ايضا وبالتالي يلزم استحقاق عقوبات متعددة وهو مخالف للوجدان ايضا.

يبقى شيء وهو ان الملازم للمحرم اذا لم يكن محرما فبأي حكم يكون محكوما اذن؟ فهل يمكن ان يكون محكوما بالوجوب او بالاستحباب او بغير ذلك من الاحكام؟ كلا لا يمكن ان يكون محكوما بذلك ، اذ مع حرمة ايجاد النار كيف يمكن ان يكون ايجاد الحرارة واجبا او مكروها او مباحا او مستحبا وانما الممكن ان لا يكون متصفا بحكم اصلا فاستقبال القبلة حالة التخلي محكوم بالحرمة واما ملازماته فهي خلوة من اي حكم فلا هي متصفة بالحرمة ولا بغيرها من

ص: 466

الاحكام. ومن هنا يتضح ان الملازم للمحرم لا يمكن ان يتصف بحكم معاكس للحرمة وفي نفس الوقت لا يلزم ان يكون محرما بل يمكن ان يكون خلوا من اي حكم.

وبهذا نعرف معنى العبارة التي تقول : ان المتلازمين وان كان لا يجوز تخالفهما في الحكم ولكن لا يلزم توافقهما فيه ايضا.

الدليل الثاني

وهو المعروف بمسلك المقدمية. ويتركب من مقدمات ثلاث ايضا هي :

أ - ان عدم الصلاة مقدمة لحصول الازالة ، فان الصلاة ضد الازالة ، وترك احد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر.

ب - ان ترك الصلاة اذا كان مقدمة لحصول الازالة صار - اي ترك الصلاة - واجبا لان مقدمة الواجب واجبة.

ج - ان ترك الصلاة اذا صار واجبا صار نقيضه - وهو ترك ترك الصلاة اي فعل الصلاة - محرما لان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام ، وحيث ان النقيض لترك الصلاة هو فعل الصلاة فيلزم ان يصير فعل الصلاة محرما وهو المطلوب.

وقبل مناقشة هذا الدليل نتعرض الى مطلبين : 1 - ان تمامية هذا الدليل لا تتوقف على تمامية المقدمة الثالثة بل على الاولى والثانية فقط اذ تقدم سابقا انه بناء على كون الامر بالازالة مقتضيا للنهي عن الصلاة فلا يمكن تعلق الامر بالصلاة بنحو الترتب لانه يلزم من فرض الاقتضاء وفرض الامر الترتبي التكليف بالنقيضين اي التكليف بفعل الصلاة وتركها وهو مستحيل. اذن من لوازم القول بالاقتضاء وثمراته استحالة تصحيح الصلاة بالامر

ص: 467

الترتبي ، ومن الواضح ان هذه الثمرة لا تتوقف على القول بالاقتضاء اي على تعلق النهي بالصلاة بل ان ترك الصلاة ما دام واجبا بمقتضى المقدمة الثانية فالامر الترتبي بالصلاة يصير مستحيلا حتى لو لم نقل باستدعاء وجوب ترك الصلاة لحرمة الصلاة ، فان ترك الصلاة اذا كان واجبا فلا يمكن الامر بالصلاة بنحو الترتب لعدم امكان الامر بفعل الشيء وتركه معا. وبكلمة اخرى : كما لا يمكن مع حرمة الصلاة الامر بها كذلك لا يمكن مع وجوب تركها الامر بها.

وباختصار : انا وان كنا نرفض المقدمة الثالثة الا انه لا يمكن ان يكون ذلك مبررا لرفض مسلك المقدمية من اساسه.

2 - ناقش البعض كصاحب المعالم قدّس سره في المقدمة الثانية - وهي ان مقدمة الواجب واجبة - حيث قال : لا اسلم بوجوب مقدمة الواجب ، ومع عدم وجوبها لا يصير ترك الصلاة واجبا من باب المقدمة حتى يحرم فعل الصلاة ويقع فاسدا.

هذا ولكن يمكن ان يقال ان مقدمة الواجب وان لم تكن واجبة على مستوى الجعل والحكم ولكنها محبوبة ومرادة لما تقدم في مبحث مقدمة الواجب من قضاء الوجدان بان الشيء اذا كان واجبا فمقدمته محبوبة ومرادة ، واذا سلمنا بمحبوبية ترك الصلاة باعتبار مقدميته للازالة فلا يمكن تعلق الامر الترتبي بالصلاة لان الامر الترتبي اذا تعلق بفعل الصلاة كشف عن محبوبية فعل الصلاة ، ومع محبوبيته - والمفروض ان ترك الصلاة محبوب ايضا - يلزم تعلق الحب بالنقيضين : فعل الصلاة وتركها وهو مستحيل.

مناقشة الدليل الثاني :

اجل يمكن مناقشة مسلك المقدمية من خلال مقدمته الاولى فلا انسلم ان

ص: 468

ترك الصلاة مقدمة لوجود الازالة. وبتعبير أشمل لا نسلم بمقدمية ترك احد الضدين لوجود الضد الآخر. ووجه ذلك : ان الدليل على المقدمية هو ان وجود الصلاة مانع من وجود الازالة ، وما دام مانعا فيكون عدم الصلاة مقدمة لوجود الازالة لاننا نعرف ان عدم المانع هو احد اجزاء العلة - فان العلة التامة تتركب من ثلاثة اشياء : مقتضي وشرط وعدم مانع - وما دام عدم المانع من جملة اجزاء العلة التامة والمفروض ان عدم الصلاة هو من قبيل عدم المانع بالنسبة للازالة فيكون عدم الصلاة مقدمة لوجود الازالة وهو المطلوب ، هذا هو الدليل على مقدمية عدم احد الضدين لوجود الآخر. ويمكن مناقشته بوجهين :

1 - ويتوقف توضيح هذا الوجه (1) على بيان مقدمتين :

أ - ان العلة التامة تتركب من ثلاثة اجزاء هي المقتضي والشرط وعدم المانع. وفي هذه المقدمة نريد التعرف على معاني المصطلحات المذكورة.

اما المقتضي فهو عبارة عن ذلك الشيء الذي يفيض الاثر ويوجده كالنار بالنسبة للاحراق ، فان احتراق الورقة يوجد ويحصل بسبب النار فالنار اذن هي المقتضي للاحراق.

واما الشرط فهو العامل المساعد للمقتضي في تأثيره ، فقرب الورقة من النار شرط لانه يساعد النار على تأثيرها في الاحراق.

واما المانع فهو ما يمنع المقتضي من التاثير كالرطوبة مثلا فانها تمنع النار من تأثيرها في الاحراق.

ب - اتضح ان وجود الاحراق يتوقف على وجود الاجزاء الثلاثة للعلة

ص: 469


1- وقد ذكره الميرزا في اجود التقريرات ج 1 ص 255. ثم ان الجواب المذكور بمثابة الحل لما استدل به اصحاب مسلك المقدمية بخلاف الوجه الثاني للردّ فانه بمثابة النقض عليه.

وهي المقتضي والشرط وعدم المانع. واما بالنسبة الى عدم وجود الاحتراق فهو لا يتوقف على انعدام جميع الاجزاء الثلاثة المذكورة بل يكفي فيه عدم واحد منها فاذا فقد المقتضي انعدم الاثر وان كان الشرط وعدم المانع متحققين. وهكذا بالنسبة الى الشرط فانه اذا فقد انعدم الاثر حتى مع تحقق المقتضي وعدم المانع ، ونفس الكلام يأتي بالنسبة الى المانع. وهذا واضح. والذي نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة هو ان عدم احتراق الورقة لا ينسب الى الرطوبة ولا يقال ان الرطوبة منعت من احتراق الورقة الا اذا كان المقتضي للاحتراق موجودا ، فعند وجود النار يمكن ان يقال ان الرطوبة منعت النار من تأثيرها في الاحراق اما مع عدم وجودها فلا ينسب عدم الاحتراق الى الرطوبة ولا يقال ان الرطوبة منعت من الاحتراق لما ذكرنا في المقدمة الاولى من ان المانع هو ما يمنع المقتضي من التأثير فلا بدّ من فرض وجود المقتضي اولا حتى تمنع الرطوبة من تأثيره فاذا فرض ان النار غير موجودة فلا مقتضي حتى تمنع الرطوبة من تأثيره. اذن المانع لا يكون مانعا الا اذا فرض وجود المقتضي ، اما اذا استحال وجود المقتضي ولم يمكن ان يعاصر المانع ويقارنه فلا وجود للمانع.

وبعد اتضاح هاتين المقدمتين نقول في توضيح الوجه الاول من الجواب على برهان المقدمية : ان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة من الصلاة (1) ليكون عدم الازالة من قبيل عدم المانع ، فان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة الا اذا فرضنا وجود المقتضي للصلاة ، ونحن ندعي ان المقتضي للصلاة لا يمكن وجوده عند افتراض وجود الازالة اذ المقتضي للصلاة ليس هو الا الارادة فان ارادة المكلف

ص: 470


1- لا يخفى ان عبارة الكتاب في هذا الموضع فرضت الازالة هي المانع بينما نحن فيما سبق كنا نفترض ان الصلاة هي المانع. وهذا شيء غير مهم اذ الجواب يتم سواء فرض ان الصلاة هي المانع ام الازالة ، ولكن العادة جرت على فرض الواجب هو الازالة والصلاة هي المانع.

للصلاة هي السبب في وجود الصلاة (1) ، ومن الواضح ان المكلف اذا دخل المسجد ورأى النجاسة فيه واخذ يشتغل بالازالة فلازم ذلك عدم كونه مريدا للصلاة اذ لو كان يريدها لأوجدها ولما اشتغل بالازالة ، فاذا اشتغل بالازالة ولم يأت بالصلاة كان ذلك كاشفا عن عدم ارادته للصلاة.

وان شئت قلت : ان المقتضي للصلاة اما ان يكون موجودا او لا ، فان كان موجودا فمن اللازم تحقق الصلاة وترك الازالة ، وان لم يكن موجودا فلا يمكن عدّ الازالة مانعة من تأثير المقتضي اذ لا مقتضي للصلاة على الفرض حتى يمكن ان تمنع الازالة من تأثيره.

اشكال وجواب :

قد يقال : ان هذا الكلام - وهو ان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة باعتبار انه مع تحققها لا يمكن تحقق المقتضي للصلاة لتكون الازالة مانعة من تأثيره - وان كان وجيها الا انه يوجد ما يمنع من التصديق به حيث نشعر بالوجدان ان الازالة لا تجتمع مع الصلاة ، وما دامت لا تجتمع معها فيصح ان يقال ان الازالة مانعة من الصلاة.

والجواب : ان كلمة « المانع » لها معنيان ، فتارة تستعمل ويراد منها ما يمنع المقتضي من التأثير كما في الرطوبة حيث انها تمنع النار من تأثيرها ، واخرى تطلق ويراد منها المنافر الوجودي كما في السواد والبياض ، فان كل واحد منهما يمنع من وجود الآخر وينافره ولا يمكن ان يجتمع معه. واذا اتضح هذا نقول : ان كان

ص: 471


1- قد يقال : ان المقتضي للصلاة ليس هو ارادة المكلف بل الوجوب الشرعي للصلاة ولكنه باطل ، فان المقتضي هو ما يوجد الاثر ، ومن الواضح ان الموجد للصلاة ليس هو وجوبها بل ارادة المكلف لها ، اجل الوجوب الشرعي داع لتحقق ارادة المكلف لا انه الموجد لها.

المقصود من قولكم نشعر بالوجدان بكون الازالة مانعة من الصلاة ان الازالة مانعة بالمعنى الاول فهذا باطل كما اوضحنا ذلك سابقا حيث تقدم ان المانع بالمعنى الاول لا يصدق الا اذا كان المقتضي للصلاة موجودا ، وقد اثبتنا ان الازالة لا يمكن ان تجتمع مع المقتضي للصلاة.

وان كان المقصود ان الازالة مانعة بالمعنى الثاني - اي هي تتنافر والصلاة ولا تجتمع معها - فهو صحيح ولكن عدم المانع بهذا المعنى ليس من اجزاء العلة ، فان جزء العلة الذي يعد مقدمة هو عدم المانع بالمعنى الاول لا عدمه بالمعنى الثاني.

ان قلت : لماذا لا نعد عدم المانع بالمعنى الثاني من جملة اجزاء العلة بان نقول هكذا : ان العلة التامة تتركب من اجزاء اربعة - لا ثلاثة - المقتضي والشرط وعدم المانع بالمعنى الاول وعدم المانع بالمعنى الثاني؟

قلت : ان عدم الازالة لو كان مقدمة للصلاة ومن جملة اجزاء العلة لزم ان يكون عدم الازالة متقدما من حيث الرتبة على الصلاة ، لان رتبة المقدمة متقدمة على رتبة ذي المقدمة فان المقدمة لا بدّ وان يفرض وجودها اولا ثم يفرض بعد ذلك وجود ذيها ، ومن الواضح ان عدم الازالة ليس متقدما على الصلاة من حيث الرتبة اذ المكلف لو دخل المسجد ورأى النجاسة فقد تحدث له ارادة نحو الصلاة ، وهذه الارادة متى ما حصلت كان حدوثها سببا في وقت واحد ورتبة واحدة لشيئين هما وجود الصلاة وعدم الازالة ، فعدم الازالة ووجود الصلاة اذن هما في رتبة واحدة وليست ارادة الصلاة تحدث عدم الازالة اولا ثم تحدث الارادة بمعونة عدم الازالة وجود الصلاة. وما داما في رتبة واحدة فلا يكون عدم الازالة مقدمة للصلاة والا كانت رتبته متقدمة على الصلاة.

ص: 472

2 - ان لازم افتراض المقدمية الدور. ويمكن توضيح الدور ببيانات متعددة نقتصر على ما اشار له قدس سره في الحلقة الثانية ص 289. وحاصله يتضح بعد بيان مقدمة هي : ان ( أ ) لو كان علة ل- ( ب ) فنقيض ( أ ) يكون علة لنقيض ( ب ) فالنار اذا كانت علة للاحتراق فعدم النار يكون علة وسببا لعدم الاحتراق (1).

وباتضاح هذه المقدمة نقول : ان عدم الصلاة لو كان علة ومقدمة للازالة - وهكذا عدم الازالة لو كان علة ومقدمة للصلاة - لزم ان يكون نقيض عدم الصلاة وهو الصلاة علة لعدم الازالة طبقا للمقدمة السابقة ، واذا صارت الصلاة علة لعدم الازالة لزم الدور اذ فرضنا فيما سبق ان عدم الازالة هو العلة للصلاة (2) بينما اصبحت الآن الصلاة هي العلة لعدم الازالة ، وهذا معناه ان ما فرض معلولا اصبح علة وما فرض علة اصبح معلولا.

نتيجة ما تقدم :

اتضح مما سبق انه استدل على اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الضد الخاص وهو الصلاة بوجهين : احدهما مسلك التلازم وثانيهما مسلك المقدمية. وقد اتضح بطلان كلا المسلكين. والنتيجة على هذا ان الامر بالشيء كما لا يقتضي النهي عن ضده العام كذلك لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.

ثمرة المسألة :

قد تسأل عن ثمرة بحث اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة مثلا. وقد

ص: 473


1- وهذا هو معنى العبارة القائلة : نقيض العلة علة لنقيض المعلول.
2- حيث قلنا : وهكذا عدم الازالة لو كان علة ومقدمة للصلاة.

تقدمت الاشارة لها سابقا ، وحاصلها : انه بناء على اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة يلزم وقوع الصلاة فاسدة اذ الامر الترتبي لا يمكن تعلقه بها لتصح بواسطته فانه مع النهي عن الصلاة لا يمكن تعلق الامر بها (1) ، وهذا بخلافه بناء على عدم الاقتضاء ، فان الصلاة يمكن وقوعها صحيحة بواسطة الامر الترتبي لعدم تعلق نهي بها كي يمنع من تعلق الامر.

ويمكن ان نصوغ الثمرة بشكل آخر اعم بحيث يكون البيان السابق مظهرا له. وحاصله : ان الامر بالازالة لو كان مقتضيا للنهي عن الصلاة يحصل التعارض بينه وبين الامر بالصلاة ، اذ الامر بالازالة يقول - بناء على الاقتضاء - أوجد الازالة ولا توجد الصلاة ، وهكذا الامر بالصلاة يقول بناء على الاقتضاء اوجد الصلاة ولا توجد الازالة ، والمعارضة بناء على هذا واضحة ، ومع تحقق المعارضة وتقديم الامر بالازالة لقوة سنده او دلالته يكون اطلاق « اقيموا الصلاة » ساقطا وغير شامل للصلاة المقارنة للنجاسة في المسجد ، ومعه تقع باطلة. هذا كله بناء على القول باقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة ، واما بناء على عدم الاقتضاء فلا تحصل المعارضة بين « صل » و « ازل » بل مزاحمة ، اذ « ازل » لا يكون مفاده لا توجد الصلاة بل مفاده فقط اوجد الازالة ، وطبيعي هو يقول اوجد الازالة ضمن الشرائط العامة التي احدها القدرة وعدم الاشتغال بواجب آخر اهم فهو يقول اوجد الازالة ان كنت قادرا ولم تشتغل بواجب اهم ، وهكذا الامر بالصلاة بناء على عدم الاقتضاء يقول اوجد الصلاة ان كنت قادرا ولم تشتغل بالاهم ولا يقول لا تشتغل بالازالة ، ومن الواضح عدم المنافاة بين تكليفين من هذا القبيل.

ص: 474


1- حتى بناء على جواز اجتماع الامر والنهي ، اذ جواز الاجتماع يشترط فيه تعدد العنوان كعنواني الغصبية والصلاة ، والمفروض في المقام وحدته حيث لا نملك غير عنوان الصلاة.

اجل ان بين هذين التكليفين تزاحما حيث لا يمكن امتثالهما معا ، ومع التزاحم يقدم الاهم منهما ويكون الامر بالمهم - وهو الصلاة في المثال - ثابتا بنحو الترتب وعدم الاشتغال بالاهم ، ومع وقوع المهم متعلقا للامر الترتبي فلو اتى به المكلف وقع صحيحا.

والخلاصة : انه بناء على هذه الصياغة الجديدة تصير الثمرة هكذا : بناء على الاقتضاء يقع التعارض بين « صل » و « ازل » ، وبناء على عدمه يقع التزاحم. واما الصياغة الاولى التي كانت تقول ان الصلاة تقع فاسدة بناء على الاقتضاء وصحيحة بناء على عدمه فهي من مظاهر ونتائج التعارض والتزاحم فان من نتائج التعارض وتقديم « ازل » بطلان الصلاة ومن نتائج التزاحم صحتها من خلال الامر الترتبي.

قوله ص 412 س 3 ويراد بالاقتضاء استحالة ثبوت ... الخ : اي المراد من الاقتضاء انه مع الامر بالازالة مثلا يلزم النهي عن الصلاة سواء كان ذلك بنحو الدلالة المطابقية ام التضمنية ام الالتزامية.

قوله ص 412 س 12 تبعد عنه : اي عند الضد العام ، فان حرمة ترك الصلاة تقتضي التبعيد عن ترك الصلاة.

قوله ص 413 س 5 بان يرجع : الصواب : بانه يرجع.

قوله ص 413 س 9 وقد تقدم في ... الخ : اي ص 115 س 2 حيث تقدم ان الوجوب ليس مركبا من طلب الفعل والنهي ، فان طلب الفعل حنس شامل للواجب والمستحب وهكذا النهي هو جنس شالم للمحرمات والمكروهات ، اذ المكروه مشتمل على النهي ايضا ، ومن الواضح ان الشيء لا يتركب من جنسين بل من جنس وفصل.

ص: 475

قوله ص 414 س 7 كما تقدم : اي في مبحث الضد العام حيث ذكرنا فيه ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده العام.

قوله ص 415 س 3 ومن الواضح : لعل الاوجه التعبير هكذا : اذ من الواضح ... الخ. وتوضيح العبارة : انه كما لا يمكن الامر بالضد الخاص وهو الصلاة مع النهي عن الصلاة كذلك لا يمكن الامر بالصلاة مع الامر بترك الصلاة لاستحالة الامر بالنقيضين.

قوله ص 415 س 14 وبيانه ان العلة ... الخ : هذا اشارة الى المقدمة الاولى.

قوله ص 416 س 1 ومن هنا ... الخ : هذا اشارة الى المقدمة الثانية.

قوله ص 416 س 9 وعلى هذا الاساس : هذا شروع في الجواب بعد الفراغ من المقدمتين.

قوله ص 416 س 10 اذا لاحظنا الصلاة ... الخ : المفروض هنا ان الازالة هي المانع ، وهو غير مهم.

قوله ص 416 س 15 لا حالة منتظرة : اي لا بدّ وان تكون الصلاة حاصلة ولا تكون الازالة متحققة.

قوله ص 417 س 7 وعدم امكان ... الخ : عطف تفسير على « التمانع ».

قوله ص 417 س 8 كما في الضدين : اي كما في السواد والبياض مثلا.

قوله ص 417 س 9 بهذا المعنى : هذا متعلق بالمتمانعين. اي ان المتمانعين - بمعنى المتنافرين في الوجود فقط - متى ما تم المقتضي لاحدهما ... الخ.

قوله ص 417 س 11 في وجود احد ... الخ : اي يؤثر في وجود احدهما ونفي الآخر في رتبة واحدة من دون ان يكون عدم احدهما متقدما وعلة لوجود

ص: 476

الآخر.

قوله ص 418 س 3 كما اشرنا في الحلقة السابقة : ص 291.

قوله ص 418 س 5 وكذلك اي واجب ... الخ : اي وكذا غير الصلاة من الواجبات العبادية فيما اذا زوحم بواجب اهم.

قوله ص 418 س 15 كما تقدم : ص 317 س 13.

ص: 477

ص: 478

اقتضاء التحريم للفساد

اشارة

ص: 479

ص: 480

اقتضاء الحرمة للبطلان :

اشارة

قوله ص 419 س 1 لا شك في ان النهي المتعلق بالعبادة ... الخ :

حاصل المبحث المذكور ان الحرمة اذا تعلقت بالصلاة مثلا كأن قيل لا تصل في المغصوب فهل هذه الحرمة تقتضي فساد الصلاة بحيث يلزم اعادتها من جديد؟ وفرق هذا المبحث عن المبحث السابق الذي كان يقول ان وجوب الشيء هل يقتضي حرمة ضده او لا هو انه في البحث السابق كان يبحث عن الامر بالازالة هل يقتضي حرمة الصلاة او لا فاذا اختير القول بالاقتضاء وان الصلاة منهي عنها يأتي الدور لمبحثنا هذا فيقال بعد ما ثبت تعلق الحرمة بالصلاة فهل توجب حرمتها فسادها او لا. وعليه فمبحثنا هذا مترتب على المبحث السابق.

وبعد هذا نعود الى الكتاب ، وقبل الدخول في صلب الموضوع لا بدّ وان نعرف ان محل كلامنا هو النهي التكليفي دون الارشادي ، فان النهي قد يكون ارشاديا مثل « لا تصل فيما لا يؤكل لحمه » او « لا تبع بغير كيل » ، فان النهي في الاول ارشاد الى ان لبس جلد او شعر الحيوان الذي يحرم اكله مانع من صحة الصلاة وموجب لبطلانها ، وهكذا النهي في الثاني هو ارشاد الى شرطية الكيل والعلم بالعوضين في صحة البيع.

ووجه خروج النهي المذكور عن محل البحث هو ان الفساد والبطلان مضمون النهي الارشادي فهو يرشد الى الفساد ، ولا معنى للبحث عن اقتضائه للفساد بعد ان كان الارشاد الى الفساد مضمونه ، ومن هنا يكون البحث مختصا

ص: 481

بالنهي التكليفي من قبيل النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة او النهي عن الصلاة في المغصوب (1) ، فان النهي في هذين المثالين تكليفي حيث ان مخالفته توجب استحقاق العقوبة.

وبعد اتضاح اختصاص محل البحث بالنهي التكليفي نقول : ان الكلام يقع تارة في النهي عن العبادة واخرى في النهي عن المعاملة. وبعبارة اخرى تارة يبحث هل النهي عن مثل الصلاة يقتضي فسادها بمعنى لزوم اعادتها من جديد او لا؟ واخرى يبحث هل النهي عن مثل البيع يقتضي فساده بمعنى عدم ترتب الملكية على البيع؟

اقتضاء الحرمة لبطلان العبادة :

قوله ص 419 س 7 والمعروف بينهم ان الحرمة ... الخ : المعروف بين الاصوليين في النهي عن العبادة اقتضاؤه لفسادها. ولكن ما هي نكتة ذلك؟ يمكن ذكر ثلاثة تقريبات لذلك :

1 - لو قلنا بان الامر بالازالة مثلا يقتضي النهي عن الصلاة فهذا النهي يكشف عن ان اطلاق « اقيموا الصلاة » لا يشمل الصلاة المقارنة للنجاسة في المسجد ، اذ لو كان شاملا لها يلزم تعلق الامر والنهي بعنوان واحد وهو عنوان الصلاة وذلك باطل. اذن من وجود النهي عن الصلاة حين تواجد النجاسة نستكشف عدم تعلق الامر بها ، ومع عدم تعلقه بها تقع فاسدة.

وقد يقال : لماذا لا تقع الصلاة صحيحة بواسطة المصلحه والمحبوبية باعتبار

ص: 482


1- ينبغي الالتفات الى عدم وجود نص ينهى عن الصلاة في المغصوب بلسان لا تصل في المغصوب وانما الثابت هو النهي عن التصرف في مال الغير بدون رضاه ، والصلاة الواقعة في المغصوب تكون منهيا عنها باعتبار انها مصداق للتصرف غير المرضي.

ان صحة الصلاة لا تتوقف على وجود الامر بل يكفي فيها وجود المصلحة والمحبوبية؟

والجواب : ان الامر اذا لم يكن متعلقا بالصلاة المقارنة للنجاسة فمن اين يستكشف وجود المصلحة فيها؟ ان الكاشف ليس الا الامر ، واذ لا امر فلا كاشف.

ثم ان هذا التقريب لو كان تاما نطرح الاسئلة الثلاثة التالية :

أ - هل التقريب المذكور يثبت بطلان الصلاة في خصوص صورة علم لمكلف بالنهي او يعم صورة جهله به؟ انه يعم صورة الجهل ايضا ، اذ مع تعلق النهي بالصلاة واقعا فلا امر بها واقعا سواء كان المكلف عالما بتعلق النهي ام لا.

ب - وهل التقريب المذكور يثبت البطلان في خصوص الامور العبادية او يعم التوصلية ايضا؟ كما لو امر المولى بالكنس ونهى عن استعمال الوسيلة الكهربائية ، فلو تحقق الكنس بالوسيلة الكهربائية وقع منهيا عنه ، والنهي المذكور نهي عن امر توصلي. الصحيح عمومية البطلان لذلك ، اذ مع تعلق النهي بالامر التوصلي لا يكون اطلاق الامر شاملا له ، ومع عدم شموله له لا يقع مصداقا للمأمور به.

ج - وهل التقريب المذكور يثبت البطلان في خصوص ما اذا كان النهي نفسيا او يعم الغيري ايضا؟ انه يعم الغيري - كالنهي عن الصلاة حين وجود النجاسة في المسجد ، فان النهي عن الصلاة غيري اي هو ناشىء من كون ترك الصلاة مقدمة للازالة الواجبة - اذ مع تعلق النهي بالصلاة ولو كان غيريا فلا يمكن شمول اطلاق امر « اقيموا الصلاة » لها.

ومن خلال هذا اتضح ان هذا التقريب لو تم فهو عام من جميع الجهات

ص: 483

الثلاث ، اي هو عام للجاهل والامور التوصلية والنهي الغيري.

2 - والتقريب الثاني لاقتضاء النهي للفساد ان النهي عن العبادة يكشف عن مبغوضيتها للشارع ، ومع مبغوضيتها فلا يمكن الاتيان بها على وجه التقرب فتقع باطلة اذ شرط صحة العبادة وقوعها على وجه قربي.

وهذا التقريب لو تم نطرح نفس الاسئلة الثلاثة السابقة وهي :

أ - هل التقريب المذكور يعم صورة الجهل ايضا؟ كلا بل يختص بالعالم اذ الجاهل لا يعلم بمبغوضية العمل للشارع كي لا يمكنه قصد التقرب.

ب - وهل يعم الامور التوصلية؟ كلا بل يختص بالعباديات لانها التي تحتاج الى قصد القربة.

ج - وهل يعم النهي الغيري (1)؟ نعم يعمه ايضا ، اذ كما ان النهي النفسي يكشف عن المبغوضية كذلك الغيري يكشف عنها ، غاية الامر ان الغيري يكشف عن المبغوضية الغيرية دون النفسية ، ومن الواضح انه كما لا يمكن قصد التقرب في حالة المبغوضية النفسية كذلك لا يمكن قصده في حاله المبغوضية الغيرية.

وبهذا اتضح ان هذا التقريب خاص من الجهة الاولى والثانية وعام من الجهة الثالثة.

3 - ان الحرمة اذا تعلقت بالعبادة حكم العقل بقبح الاتيان بها ، ومعه فلا يمكن قصد التقرب بها لعدم امكان التقرب بالقبيح. وفرق هذا التقريب عن سابقه انه في السابق كان العقل يستكشف كون الفعل مبغوضا من دون ان يحكم هو بالمبغوضية واما في هذا التقريب فالعقل هو الذي يحكم بقبح الفعل لا انه

ص: 484


1- هذا السؤال لم يتعرض له في عبارة الكتاب وكان من المناسب التعرض له كما تعرض له في مباحث الدليل اللفظي ج 3 ص 116.

يستكشف ذلك.

وعلى تقدير تمامية هذا التقريب نطرح الاسئلة السابقة ايضا وهي :

أ - هل يعم التقريب المذكور الجاهل بالنهي؟ كلا لا يعم ، اذ مع الجهل بالنهي لا يقبح صدور الفعل حتى يمتنع قصد التقرب به.

ب - وهل يعم الامور التوصلية؟ كلا بل يختص بالعباديات ، اذ الامور التوصلية لا يشترط فيها قصد القربة.

ج - وهل يعم النهي الغيري؟ كلا لان العقل لا يحكم بقبح مخالفة النهي الغيري قبحا مستقلا مغايرا لقبح مخالفة النهي النفسي بل القبيح هو مخالفة النهي النفسي فقط ، واما مخالفة النهي الغيري فتقبح بما انها مقدمة وشروع في مخالفة النهي النفسي والا فهي في نفسها لا تكون قبيحة حتى يمتنع قصد التقرب.

وبهذا اتضح ان هذا التقريب خاص من جميع الجهات الثلاث بخلاف التقريب الاول فانه عام من جميع الجهات الثلاث وبخلاف التقريب الثاني فانه خاص من الجهة الاولى والثانية وعام من الجهة الثالثة.

اقسام النهي عن العبادة :

قوله ص 420 س 16 ثم اذا افترضنا ... الخ : للنهي عن العبادة اشكال ثلاثة :

1 - ان يكون متعلقا بالعبادة بكاملها كالنهي عن الصلاة حين وجود النجاسة في المسجد.

2 - ان يكون متعلقا بجزء العبادة لا بجميعها ، كالنهي عن قراءة سور العزائم في الصلاة ، فان القراءة جزء من الصلاة والنهي عنها نهي عن جزء الصلاة.

ص: 485

3 - ان يكون متعلقا بشرط العبادة كالنهي عن الوضوء بالماء المغصوب ، فان الوضوء شرط للصلاة والنهي عنه نهي عن شرط الصلاة.

وبعد اتضاح هذه الاشكال الثلاثة نطرح هذا السؤال وهو انه بناء على اقتضاء النهي عن العبادة فسادها فهل الاقتضاء المذكور يعم جميع هذه الاشكال الثلاثة او يختص ببعضها؟ والجواب : اما بالنسبة الى النهي عن العبادة بكاملها فهو القدر المتيقن فلو قلنا بان النهي عن العبادة يقتضي الفساد فالقدر المتيقن من ذلك هو النهي عن العبادة بكاملها.

واما بالنسبة للنهي عن جزء العبادة فهو ايضا يقتضي الفساد اذ جزء العبادة - كالقراءة مثلا - عبادة ايضا ، ومعه فيكون النهي عنه نهيا عن العبادة وهو يقتضي الفساد. ولكن بفساد القراءة مثلا هل تفسد الصلاة؟ والجواب : لو فرض اقتصار المكلف على قراءة العزيمة المنهي عنها وعدم قراءة سورة اخرى بعدها فصلاته باطلة جزما لان القراءة جزء من الصلاة وبطلان الجزء يستدعي بطلان الكل. واما اذا قرأ بعدها سورة اخرى وقعت صحيحة - لتحقق الجزء الصحيح - لو لم نقل بان القراءة الثانية تعد زيادة في الصلاة وكل زيادة مبطلة.

واما بالنسبة للنهي عن الشرط فالمناسب هو التفصيل بين كون الشرط عبادة وبين غيره ، فان كان عباده كالوضوء مثلا فالنهي عنه موجب لفساده ومع فساد الشرط يفسد المشروط ، وان لم يكن عبادة - كستر العورة بالقماش المغصوب فان الستر شرط وليس عبادة - فالنهي عنه لا يقتضي البطلان لا من ناحية نفس الشرط ولا من ناحية المشروط.

اما انه لا موجب للفساد من ناحية نفس الشرط فلأن المفروض عدم كون الستر عبادة ، ومعه فلا وجه لبطلانه بالنهي.

ص: 486

واما انه لا موجب للبطلان من ناحية المشروط فلأن المفروض ان الشرط صحيح وليس فاسدا ، ومع صحة الشرط يكون المشروط واجدا لشرطه ولا موجب لبطلانه (1).

ان قلت : كيف يمكن ان يكون شرط الصلاة ليس عبادة والحال ان الامر بالصلاة امر عبادي ، وحيث ان الامر بالصلاة يرجع الى تعلق الامر باجزاء الصلاة وشرائطها فاللازم ان تكون جميع اجزائها وشرائطها عبادة.

قلت : تقدم ص 381 من الحلقة ان الامر النفسي المتعلق بالمركب لا يكون متعلقا بالشرائط حتى يلزم صيرورة جميع الشرائط عبادية بل هو متعلق بالتقيد بالشرط لا بنفس الشرط اذ لو كان متعلقا بنفس الشرط يلزم عدم الفرق بين الجزء والشرط ، فالركوع مثلا جزء من الصلاة لان الامر المتعلق بالصلاة متعلق به ، واما ستر العورة فالامر بالصلاة لا يكون متعلقا به بل هو متعلق بالتقييد بالستر اذ لو كان متعلقا بنفس الستر لزم صيرورته جزء كالركوع لا شرطا.

والى هنا ننهي الكلام عن اقتضاء النهي لفساد العبادة ونتكلم عن اقتضائه لفساد المعاملة.

اقتضاء الحرمة لبطلان المعاملة :

قوله ص 421 س 15 وتحلل المعاملة ... الخ : كل معاملة تتركب من جزئين : سبب ومسبب ، فالبيع مثلا يتركب من سبب - وهو العقد اي الايجاب والقبول - ومن مسبب وهو انتقال الملكية. والنهي عن المعاملة تارة يكون راجعا الى السبب واخرى الى المسبب.

ص: 487


1- اوضحنا المطلب في هذا الموضع بشكل آخر غير ما هو الموجود في الكتاب لانه الانسب.

مثال النهي عن السبب : النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فان المنهي عنه ليس هو المسبب - اي حصول الملكية - اذ الشارع لا يبغض حصول الملكية بسبب الارث او بسبب آخر غير البيع وانما يكره نفس الايجاب والقبول الذي هو السبب لانه الذي يشغل عن صلاة الجمعة دون حصول الملكية فانه لا يشغل عنها.

ومثال النهي عن المسبب : النهي عن بيع المصحف للكافر ، فان المنهي عنه هو ملكية الكافر للمصحف ولذا لو حصلت - الملكية - من سبب آخر غير البيع كانت مبغوضة ايضا ، فالشارع يبغض ملكية الكافر للمصحف ولو عن طريق الهبة مثلا ولا خصوصية لحصولها من الايجاب والقبول البيعي.

وباتضاح هذا نبحث :

أ - هل النهي عن السبب يقتضي الفساد؟

ب - هل النهي عن المسبب يقتضي الفساد؟

اما بالنسبة الى السؤال الاول فالمعروف بين الاصوليين ان النهي عن السبب لا يقتضي الفساد ، فلربما يكون السبب منهيا عنه ومبغوضا للشارع ومع ذلك يترتب عليه الاثر لو حصل كما هو الحال في الظهار ، فان قول الزوج لزوجته « انت عليّ كظهر امي » محرم ولكن مع ذلك يترتب الاثر على القول المذكور بمعنى ان الزوجة تصير محرمة عليه. وايجاد النار مثلا في مكان معين قد يكون مبغوضا ومنهيا عنه من قبل المولى ولكن مع ذلك لو حصل اثّر اثره وهو الاحراق.

واما بالنسبة للسؤال الثاني - وهو ان النهي عن المسبب هل يقتضي الفساد او لا - فقبل الاجابة عنه نذكر شبهة تقول ان تعلق النهي بالمسبب اي بالملكية ليس معقولا في نفسه حتى يبحث عن اقتضائه الفساد فانه يشترط في تعلق النهي

ص: 488

بشيء القدرة على متعلقه ، ومن الواضح ان السبب - اي الايجاب والقبول - هو فعل للمكلف ومقدور له فيمكن تعلق النهي به ، واما الملكية التي هي المسبب فليست فعلا للمكلف ليمكن تعلق النهي بها.

والجواب : ان الملكية وان لم تكن فعلا للمكلف بالمباشرة ولكنها مقدورة له بواسطة سببها فان المكلف ما دام قادرا على ايجاد السبب فهو قادر على ايجاد المسبب ، وهذا المقدار من القدرة يكفي في صحة تعلق النهي فان شرط تعلق النهي هو القدرة على متعلقه سواء كانت بالمباشرة ام بواسطة السبب (1).

وبعد هذا نرجع الى صلب الموضوع وهو ان النهي عن المسبب هل يقتضي الفساد او لا؟ قد يقال باقتضائه الفساد لوجهين :

1 - ان النهي عن الملكية - التي هي المسبب - يدل على مبغوضيتها للشارع ، ومع مبغوضيتها له كيف يحكم بها عند حصول السبب ، ان حكم الشارع بثبوتها يتنافى وكونها مبغوضة عنده ، وعدم حكمه معناه بطلان المعاملة (2).

وفيه : ان حصول الملكية بالبيع مثلا يتوقف على توفر امرين :

أ - صدور الايجاب والقبول (3) اذ بدون ذلك لا يمكن حصول الملكية.

ب - حكم الشارع بالملكية بعد صدور الايجاب والقبول فانه من دون حكمه بها بعد صدورهما لا يمكن تحققها. اذن حصول الملكية - التي هي المسبب - يتوقف على صدور الايجاب والقبول وعلى حكم الشارع.

وباتضاح هذا نقول : ان الشارع اذا نهى عن الملكية فنهيه هذا وان دل على

ص: 489


1- ويصطلح على الفعل بالمباشرة - كالايجاب والقبول - بالفعل المباشري وعلى المقدور بواسطة السبب بالفعل التسبيبي او التوليدي.
2- نسب في تهذيب الاصول ج 1 ص 332 هذا الوجه الى الشيخ الأعظم في تقريراته.
3- المقصود من الايجاب والقبول ليس خصوص اللفظيين بل ما يعم الفعليين الحاصلين.

مبغوضيتها له ولكن لعلها مبغوضة له من ناحية الامر الاول دون الامر الثاني ، اي لعلها مبغوضة له من ناحية الايجاب والقبول فقط فهو يبغض الملكية بمعنى بغضه ايجادها بالايجاب والقبول من دون بغضه لها بعد تحقق الايجاب والقبول. ويمكن استيضاح ذلك بمثال القتل فانه - القتل - يتوقف على امرين : امرار السكين على رقبة المقتول وكونها قابلة للقتل وليست كالخشبة ، والمولى اذا نهى عن القتل دل ذلك على مبغوضيته القتل ولكن اقصى ما يدل النهي عليه هو مبغوضية القتل من ناحية امرار السكين فهو يكره امرار السكين ولا يلزم ان يكون مبغضا لكون السكين ذات قابلية للقتل بل ذلك لعله محبوب له.

2 - ما ذكره الميرزا قدّس سره من ان النهي عن تمليك المصحف للكافر مثلا يدل على ان المسلم لا سلطنة له على تمليك المصحف للكافر فهو مسلوب السلطنة من هذه الناحية ومحجور عليه وحاله اشبه بالطفل ، فكما انه لا سلطنة له على التصرف في امواله كذلك البالغ في المثال المذكور ، ومع الحجر وسلب السلطنة يقع البيع باطلا لان شرط صحته وجود السلطنة.

وفيه : ما المقصود من كون النهي يدل على الحجر وسلب السلطنة؟ فهل المقصود الحجر التكليفي بمعنى ان بيع المصحف محرم على المسلم ويعاقب عليه او المقصود هو الحجر الوضعي بمعنى انه لا يتحقق الانتقال منه ويكون بيعه باطلا؟ فان كان المقصود هو الاول فهو مسلم ولكن ذلك لا يستلزم فساد المعاملة وعدم تحقق الانتقال ، وان كان المقصود هو الثاني فذاك اول الكلام فنحن لا نسلم ان النهي عن بيع المصحف يدل على الحجر بهذا المعنى.

وبهذا اتضح كما ان النهي عن السبب لا يقتضي الفساد كذلك النهي عن المسبب لا يقتضيه ، بل يمكن ان نقول اكثر من هذا انه ليس فقط لا يقتضي الفساد

ص: 490

بل يقتضي الصحة وتحقق المسبب (1) باعتبار ان الشارع لا ينهى عن شيء الا اذا كان ذلك الشيء مقدورا للمكلف ، فهو حينما ينهى عن تمليك المصحف للكافر لا بدّ وان يكون حصول التمليك امرا مقدورا للمسلم والا فلا معنى للنهي عنه ، ومن الواضح ان التمليك لا يكون مقدورا الا اذا كانت المعاملة صحيحة اذ لو كانت باطلة لزم عدم امكان تحقق الملكية وعدم كونها مقدورة.

قوله ص 419 س 9 ودليلا : عطف تفسير على قوله « خطابا ». اي ان النهي عن الصلاة حالة وجود النجاسة في المسجد يدل على ان الخطاب بالوجوب لا يشمل متعلق الحرمة اي لا يشمل الصلاة حالة وجود النجاسة في المسجد.

قوله ص 420 س 11 يمكنه التقرب : كان من المناسب ان يضاف الى ذلك قوله وتعم الحرمة الغيرية كما اشرنا لذلك سابقا.

قوله ص 420 س 12 وبفرض تنجز الحرمة : اي فرض العلم بالحرمة ، فان فرض العلم بالحرمة هو فرض تنجز الحرمة.

قوله ص 421 س 3 المفرد : الصواب : الفرد.

قوله ص 421 س 6 لبغض العبادات : الصواب : لبعض العبادات. ثم ان هذا البعض هو مثل الصلاة فان الزيادة والتكرار فيها قد يكون مضرا ، وهذا بخلاف مثل الحج ، فان تكرار صلاة الطواف فيه او الهدي ليس مبطلا.

قوله ص 421 س 10 فلأن عبادية : كان من المناسب ان يقال : فلأنه بعد صحة الشرط وعدم فساده يكون المشروط تاما ثم بعد ذلك يبين هذا المطلب بلسان ان قلت قلت.

ص: 491


1- نسب القول باقتضاء النهي عن المعاملة للصحة الى ابي حنيفة واختاره الآخوند وجماعة ممن تأخر عنه.

قوله ص 422 س 2 والعقد : عطف تفسير على « الانشاء ».

قوله ص 422 س 5 باعتباره فعلا : هذا اشارة الى الاشكال والجواب الذي اشرنا له سابقا.

قوله ص 422 س 14 للمضمون : وهو الملكية مثلا.

قوله ص 423 س 14 كما اشرنا اليه في حلقة سابقة : ص 294.

ص: 492

الملازمة بين حكم العقل والشرع

اشارة

ص: 493

ص: 494

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع :

اشارة

قوله ص 424 س 1 ينقسم الحكم العقلي الى قسمين ... الخ :

هذا المبحث هو آخر قضية عقلية تبحث في هذا الكتاب ، فانه تقدم سابقا ان الدليل على الحكم الشرعي تارة يكون شرعيا واخرى عقليا. والمراد من الدليل العقلي هو كل قضية يحكم بها العقل كحكمه بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته وحكمه بالملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده و ... وكان بداية البحث عن هذه القضايا ص 298 واولها هي قضية استحالة التكليف بغير المقدور وخاتمتها هي هذه القضية اي قضية الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

وبالرغم من تكرر سماع وقراءة القضية المذكورة في ثنايا كلمات الاصوليين الا انهم لم يفردوا لها بحثا مستقلا ، ولئن تحدثوا عنها قليلا فذلك ضمن ابحاث اخرى (1) وبحثها في هذا الكتاب تحت عنوان مستقل يسترعي انتباه القارىء يعد من احدى حسناته.

ص: 495


1- فقد ذكرها الميرزا في مبحث التجري عند البحث عن ان قبح الفعل المتجرى به هل يستلزم حرمته شرعا فراجع اجود التقريرات ج 2 ص 36 وفوائد الاصول ج 3 ص 60 ومصباح الاصول ج 2 ص 26.

منهجة البحث :

ويمكن منهجة مطالب هذا البحث ضمن النقاط التالية :

1 - قام الاعلام بتقسيم الحكم العقلي الى قسمين فتارة :

أ - يتعلق الحكم العقلي بامر واقعي ثابت في عالم الواقع ولا ارتباط له بحيثية العمل كحكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين او استحالة الدور والتسلسل او امكان اجتماع المتخالفين ، فان استحالة اجتماع النقيضين امر ثابت في عالم الواقع ولا ارتباط له بحيثية العمل ، والعقل بحكمه هذا يريد الكشف عن حقيقة ثابتة في الواقع لا ارتباط لها بحيثية العمل. ويسمى مثل هذا الحكم بالحكم العقلي النظري. وسبب التسمية واضح حيث ان متعلق الحكم ليس امرا عمليا بل امرا واقعيا نظريا.

واخرى يتعلق بامر عملي ويسمى بالحكم العقلي العملي كحكم العقل بان الصدق ينبغي فعله والكذب لا ينبغي فعله (1) ، ان هذا الحكم يرتبط بحيثية العمل كما هو واضح ومن هنا يسمى بالحكم العقلي العملي.

2 - وقع الكلام بين الاعلام في ان صفة الحسن والقبح - المعبر عنهما بجملة ينبغي فعله او لا ينبغي - هل هي من الامور الواقعية الثابتة في عالم الواقع او من الاحكام العقلائية؟ ان هذا بحث يأتي بشكل واضح ص 426 من الحلقة ، وهنا وقع التلميح له في عبارة الكتاب. ولتوضيحه نقول : هناك رأي يقول ان الحسن والقبح هما من الاحكام العقلائية بمعنى ان اللّه سبحانه بعد ان خلق العقلاء واتفقوا على ان الصدق ينبغي فعله ثبتت بعد ذلك صفة الحسن للصدق وعندما اتفقوا على

ص: 496


1- يمكن ابدال جملة ينبغي فعله بكلمة حسن كما ويمكن ابدال جملة لا ينبغي فعله بكلمة قبيح ، اذن قولنا ينبغي فعله - حسن ، وقولنا لا ينبغي فعله = قبيح.

ان الكذب لا ينبغي فعله ثبتت بعد ذلك صفة القبح له ، فصفة الحسن والقبح لا وجود لها في عالم الواقع قبل خلق العقلاء بل ينسب الى ابن سينا انه كان يقول ان حسن العقل وقبح الظلم حكمان من العقلاء يتولدان نتيجة آداب وعادات اجتماعية معينة بحيث لو فرض ان الانسان خلق وحيدا ولم يعش تلك العادات والآداب لما ادرك بعقله حسن العدل وقبح الظلم.

وهناك رأي ثان يقول : ان صفة الحسن والقبح من الصفات الواقعية الثابتة في الواقع بقطع النظر عن العقلاء ، فكما ان استحالة اجتماع النقيضين هي من القضايا الواقعية الثابتة في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن الصدق وقبح الكذب مثلا (1).

والصحيح هو الرأي الثاني كما تأتي البرهنة عليه. وبناء عليه قد يقال : ما هو الفرق اذن بين الحكم النظري والحكم العملي بعد عدّ صفة الحسن والقبح من الصفات الثابتة في عالم الواقع كصفة استحالة اجتماع النقيضين.

والجواب : ان صفة الحسن والقبح وان كانت صفة واقعية الا انها ترتبط بجنبة العمل ، بل ان جنبة العمل مستبطنة فيها ، فحينما يقال هذا حسن يعني فعله وحينما يقال هذا قبيح يعني فعله ، وهذا بخلاف صفة استحالة اجتماع النقيضين فانها لا تستبطن ذلك ، وبناء على هذا فالفارق بين الحكم العملي والحكم النظري هو ان الحكم العملي حكم متعلق بصفة واقعية يستبطن مفهومها جنبة العمل بينما الحكم النظري حكم متعلق بصفة واقعية لا يستبطن مفهومها ذلك.

3 - قلنا ان الحكم النظري هو الحكم المتعلق بصفة واقعية لا يستبطن

ص: 497


1- وهذا البحث بحث مستقل يغاير البحث عن ان مثل عنوان الصدق والايثار وغيرهما هل هو علة للحسن او مقتض لذلك او ليس بعلة ولا مقتض.

مفهومها جنبة العمل. وللحكم المذكور امثلة كثيرة كحكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين او الدور او امكان اجتماع المتخالفين او ... ومن امثلته ايضا حكمه بوجود المصلحة في هذا الفعل ووجود المفسدة في ذاك ، حيث ان المصلحة والمفسدة صفتان واقعيتان لا ارتباط لهما بجنبة العمل ارتباطا مباشريا ، ونحن في بحثنا هذا - الذي هو بحث حول الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع - يهمنا هذا الفرد من الحكم النظري فانه الحكم الذي يتناسب التحدث عنه والبحث عن وجود ملازمة بينه وبين حكم الشرع ، فاذا حكم العقل بوجود مصلحة في شيء معين فيبحث هل يلزم حكم الشارع بوجوبه او لا. واما الاحكام النظرية الاخرى كحكم العقل باستحالة الدور مثلا فلا معنى للبحث عنها بعد عدم المعنى لملازمتها لحكم الشارع. هذا كله في الحكم النظري.

واما الحكم العملي فليس له مصاديق متعددة بل له مصداق واحد فقط وهو صفة الحسن والقبح ، اذ الصفة التي تستبطن بذاتها جنبة العمل ليست هي الا صفة الحسن والقبح.

4 - بعد ان عرفنا ان المصداق الذي يهمنا من الحكم النظري هو الحكم بوجود المصلحة او المفسدة نطرح السؤال التالي : هل توجد ملازمة بين الحكم النظري - اي الحكم بوجود المصلحة والمفسدة في شيء معين - وبين حكم الشرع او لا؟ وبعد ان عرفنا ان الحكم العملي له مصداق واحد وهو الحسن والقبح نسأل : هل توجد ملازمة بين الحكم العملي - اي حكم العقل بالحسن والقبح - وبين حكم الشرع او لا؟ اذن لنا على هذا الاساس بحثان :

1 - هل توجد ملازمة بين ادراك العقل لوجود المصلحة او المفسدة - اي الحكم النظري - وبين حكم الشرع بالوجوب او الحرمة؟

ص: 498

2 - هل توجد ملازمة بين ادراك العقل للحسن والقبح - اي الحكم العلمي - وبين حكم الشرع بالوجوب او الحرمة؟

الملازمة بين الحكم النظري وحكم الشرع :

قوله ص 425 س 7 لا شك في ان الاحكام ... الخ : اما بالنسبة الى تحقيق البحث الاول فنقول : نحن نسلم بتبعية الاحكام الشرعية للمصالح والمفاسد ، فالشيء اذا كانت فيه مصلحة عالية والشرائط المساعدة متوفرة والموانع مفقودة يلزم جعل الوجوب له لتوفر علته التامة بيد ان القطع بتحقق مجموع هذه الافتراضات امر بعيد فان عقل الانسان محدود وهو يعلم بانه قد تخفى عليه اشياء كثيرة ، فلرب مانع موجود وهو لا يعلم به او شرط مفقود وهو يجهله ، اجل لو حصل القطع بتحقق العلة التامة لزم حصول القطع بالحكم الشرعي ولكن حصول القطع الاول بعيد جدا (1).

الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشرع :

قوله ص 426 س 7 عرفنا ان مرجع الحكم العملي ... الخ : واما بالنسبة الى البحث الثاني - هل توجد ملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وبين حكم الشارع - فنتعرض قبل تحقيقه الى مقدمة صغيرة مرّ مضمونها سابقا ، وحاصلها : ان صفة الحسن والقبح هل هي من الصفات الثابتة في عالم الواقع بقطع النظر عن

ص: 499


1- ومن الغريب ما ذهب اليه الميرزا من تسليم الملازمة بدعوى « انه لا شبهة في استقلال بقبح الكذب الضار الموجب لهلاك النبي مع عدم رجوع نفع الى الكاذب ومع استقلال العقل بذلك يحكم حكما قطعيا بحرمته شرعا » فوائد الاصول ج 3 ص 61 ، اذ فيه ان من المحتمل وجود مانع من جعل الحكم لم يصل له عقلنا.

العقلاء كصفة استحالة الدور مثلا بحيث ان العقلاء بحكمهم بالحسن والقبح يكشفون عما هو ثابت في عالم الواقع دون ان يثبتوا شيئا لم يكن فيه او انها صفة تثبت بحكم العقلاء ، فحينما يحكم العقلاء بان الشيء ينبغي فعله يثبت الحسن وحينما يحكمون بانه ينبغي تركه يثبت القبح. وطبيعي حكمهم بالحسن والقبح ليس عبثا وبلا نكتة بل ناشىء من ادراكهم للمصلحة والمفسدة ، فلأجل ادراكهم وجود المصلحة في الصدق يحكمون بحسنه ولادراكهم وجود المفسدة في الكذب يحكمون بقبحه.

وباختصار : الحسن والقبح على هذا الاتجاه حكمان مجعولان من قبل العقلاء كسائر الاحكام المجعولة من قبلهم مثل حكمهم بوجوب اقامة العزاء على الميت غاية الامر حكمهم بحسن الصدق وقبح الكذب مثلا حكم متفق عليه بينهم ولم يخالف فيه احد ، وما ذاك الا لوضوح ثبوت المصلحة في الصدق والمفسدة في الكذب بخلاف مثل اقامة العزاء على الميت فانه قد لا يكونون متفقين عليه بسبب عدم وضوح المصلحة فيه (1).

والصحيح هو الاتجاه الاول لناحيتين :

أ - ان الاتجاه الثاني مخالف للوجدان فانه قاض بان الظلم قبيح والعدل حسن حتى قبل ان يخلق اللّه سبحانه العقلاء ، فكما ان استحالة الدور امر ثابت في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن العدل وقبح الظلم.

ب - ذكر الاتجاه الثاني ان الحسن والقبح حكمان مجعولان من قبل العقلاء

ص: 500


1- من الجدير ان نشير الى ان اصحاب الاتجاه الثاني - القائل بان الحسن والقبح حكمان عقلائيان لا واقعيان - اختلفوا فيما بينهم فقال بعض كالسيد الخوئى ان حكم العقلاء بحسن الشيء او قبحه وليد ادراك المصلحة والمفسدة ، وقال آخر - كما هو المنقول عن ابن سينا - ان حكمهم بذلك ليس وليد ادراك المصلحة والمفسدة بل قد يكون وليد آداب ورسوم اجتماعية عاشها العقلاء.

وانهم يجعلون الحسن والقبح لاجل وجود المصلحة والمفسدة في الشيء ، فالشيء لاجل مصلحته يحكمون بحسنه ولاجل مفسدته يحكمون بقبحه ، هكذا ذكروا ولكنه غير مسلم دائما اذ احيانا يحكم العقلاء بقبح الشيء وليس فيه مفسدة او يحكمون بحسن الشيء وليس فيه مصلحة. ومثال ذلك ما لو فرض وجود انسان مريض يتمنى الموت لحظة بعد اخرى وليس لوجوده اي نفع فاذا قتل واستخرج من قلبه دواء خاص امكن ان يستفيد منه شخصان عالمان تحفظ به حياتهما ، في مثل هذه الفرضية يكون قتل ذلك الشخص غير مشتمل على المفسدة اذ اي مفسدة في قتل مثل الشخص المذكور ولكن مع ذلك هو قبيح. اذن صفة الحسن والقبح لا تنشأ دائما من المفسدة والمصلحة بل قد تنشأ من غيرهما وان كانت في الغالب تنشأ منهما.

ان قلت : ان القتل في المثال المذكور اذا لم يكن مشتملا على المفسدة فكيف حكم العقلاء بالقبح ، ان حكمهم المذكور يكون بلا مبرر.

قلت : ان هذا نفسه دليل على حقانية الاتجاه الاول وان الحسن والقبح صفتان ثابتتان في الواقع ولا ربط لهما بالمصلحة والمفسدة - خلافا لما يدعيه اصحاب الاتجاه الثاني - وان كانتا في الغالب تلتقيان مع المصلحة والمفسدة وتكونان هما المنشأ لحكم العقل بالحسن والقبح.

عودة لصلب الموضوع

طرحنا فيما سبق تساؤلا وهو أنه اذا حكم العقل بحسن شيء او قبحه فهل يلزم حكم الشارع بالوجوب او الحرمة ، واستعرضنا قبل الاجابة عنه مقدمة ، وبعد الفراغ منها نعود الى تساؤلنا السابق. وقد طرحت له اجابتان :

ص: 501

1 - ان الملازمة ثابتة ، فاذا حكم العقل بحسن شيء او قبحه لزم حكم الشارع ايضا. وعلى هذا بنى الميرزا والشيخ الاصفهاني.

2 - ان الملازمة غير ثابتة. وعلى هذا بنى صاحب الفصول وجماعة من المتأخرين كالشيخ العراقي والسيد الخوئي والسيد الشهيد.

واستدل اصحاب الاجابة الاولى (1) بان العقل اذا حكم بحسن شيء فبما ان الشارع عاقل ايضا بل سيد العقلاء ورئيسهم فيلزم ان يحكم هو ايضا.

وفيه : انه تارة نبني على ان صفة الحسن والقبح من الصفات الواقعية الثابتة قبل خلق العقلاء واخرى نبني على كونها صفة مجعولة من قبل العقلاء.

فان بني على الاول فالملازمة المدعاة بين حكم العقل وحكم الشارع لا وجه لها فان العقل حينما يحكم بان الصدق مثلا حسن فالمقصود كشف العقل عن ثبوت حسن الصدق واقعا لا انه هو الذي يحكم ويثبت الحسن - اذ المفروض ان الحسن ثابت واقعا بقطع النظر عن حكم العقل والعقلاء - ومعه فموافقة الشارع للعقلاء لا معنى لها سوى ان الشارع يدرك ثبوت صفة الحسن للصدق واقعا كما ادرك العقلاء ذلك ، وواضح ان هذا اجنبي عن مسألة الملازمة ، فان المقصود من الملازمة هو اثبات حكم شرعي بالوجوب او الحرمة لا مجرد ادراك الشارع ثبوت صفة الحسن والقبح واقعا.

وان بني على الثاني وان صفة الحسن والقبح تثبت بحكم العقلاء فنسأل لماذا يلزم - عند حكم العقلاء بحسن شيء - حكم الشارع؟ ان ذلك يحتاج الى نكتة ، وقد يقال تلك النكتة هي ان العقلاء حينما يحكمون بحسن الصدق مثلا فلا بدّ من وجود مصلحة في الصدق هي التي دعتهم للحكم على طبقها بالوجوب ، ولكن

ص: 502


1- المستدل هو الشيخ الاصفهاني.

يردها ان احكام الشارع وان كانت تابعة للمصالح بيد ان استكشاف الوجوب من المصلحة هو عبارة اخرى عن استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي النظري وليس استكشافا له من الحكم العقلي العملي - والمفروض ان كلامنا الآن في استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي العملي دون النظري - ومرّ بنا سابقا ان استكشاف الحكم الشرعي من الحكم النظري صعب جدا اذ من البعيد قطع العقل بتحقق المصلحة والشرط وفقدان المانع فان العقل يدرك محدوديته وضعفه.

هذا كله لو فرض ان نكتة تحتم حكم الشارع عند حكم العقلاء هي ان حكم العقل بالحسن ناشىء من المصلحة وعند وجود المصلحة يلزم حكم الشارع بالوجوب ، اما اذا فرض ان نكتة تحتم حكم الشارع ليست هي المصلحة بل ان العقلاء اذا حكموا بحسن الصدق مثلا فحيث انهم لا يحكّمون اهواءهم بل عقلهم فقط فيلزم ان يحكم الشارع كما حكموا لانه عاقل مثلهم بل رئيسهم ، ان النكتة اذا كانت هذه فيردها عدم الدليل على الملازمة فان مجرد كون الشارع احد العقلاء بل رئيسهم لا يصلح نكتة على حتمية حكم الشارع بل قد يقتضي العكس ، اذ مقتضى كون الشارع رئيس العقلاء كون عقله اكبر فقد يطلع على ما خفي على غيره.

الاجابة الثانية :

ذكرنا فيما سبق ان في مسألة الملازمة اجابتين ، وكنا لحد الآن نتحدث عن الاجابة الاولى ، والاجابة الثانية تقول : ان العقلاء اذا حكموا بحسن الصدق مثلا فلا يمكن ان يحكم الشارع بوجوبه لان الغرض من حكم الشارع بالوجوب ليس

ص: 503

الا تحريك المكلف نحو الصدق ونحن ما دمنا قد فرضنا حكم العقل بحسن الصدق فيكفي ذلك لتحريك المكلف نحو فعل الصدق بلا حاجة الى حكم الشارع بوجوبه بل لا يمكن ذلك لانه اشبه بتحصيل الحاصل ، اذ ما دام المكلف متحركا نحو الصدق فحكم الشارع بوجوبه يكون من قبيل تحريك المتحرك (1).

وفيه : ان محذور اللغوية وتحصيل الحاصل غير لازم لان حكم العقل بالحسن وان كان قد يحرك المكلف نحو فعل الصدق ولكن محركية هذا الحسن العقلي لربما تكون بدرجة ضعيفة لا يهتم المكلف معها بالصدق بينما لو حكم الشارع بالوجوب قويت تلك المحركية وصارت سببا لاقدام المكلف على الصدق ، والشارع المقدس اذا كان مهتما بالصدق ويريد التحرك نحوه فمن اللازم ان يحكم بوجوبه.

تلخيص ما تقدم :

والخلاصة من كل هذا هي :

1 - اذا حكم العقل بتحقق المصلحة في شيء فيلزم حكم الشارع بالوجوب مع القطع بتحقق الشرائط وفقدان الموانع الا ان تحقق مثل هذا القطع بعيد جدا.

2 - اذا حكم العقل بحسن الصدق مثلا فلا يلزم حكم الشارع بالوجوب لان حكم العقل بالحسن ان كان بمعنى ادراكه لذلك واقعا فاقصى ما يلزم ادراك الشارع للحسن ايضا ولا يلزم حكمه بالوجوب ، وان كان بمعنى اثبات الحسن فنكتة الملازمة ان كانت هي ان حكم العقل بالحسن ينشأ من المصلحة فذاك

ص: 504


1- هكذا ذكر الشيخ العراقي في نهاية الافكار ج 3 ص 37 والسيد الخوئي في مصباح الاصول ج 2 ص 26.

اثبات للحكم الشرعي عن طريق الحكم النظري دون العملي وقد تقدم ما فيه ، وان كانت هي ان الشارع سيد العقلاء فيردها ان مقتضاها المخالفة احيانا دون الموافقة.

كما ان من يرى استحالة حكم الشارع عند حكم العقل لمحذور اللغوية يمكن رده بعدم لزوم ذلك.

وبذلك كله يتضح ان كلا من ثبوت الملازمة وعدمها ليس ضروريا.

قوله ص 424 س 2 ما يكون واقعا : اي ما يكون ثابتا في عالم الواقع كاستحالة اجتماع النقيضين او امكان اجتماع المتخالفين ونحو ذلك.

قوله ص 424 س 4 ان يقع : اي ان يفعل.

قوله ص 424 س 4 وبالتحليل : هذا اشارة الى ان صفة الانبغاء وعدم الانبغاء - اي صفة الحسن والقبح - هي من الصفات الواقعية كاستحالة اجتماع النقيضين. وهذا المطلب سيأتي مفصلا ص 426 من الحلقة وتقدم في الحلقة الثانية ص 302. والمراد من الثاني الحكم العملي ومن الاول الحكم النظري.

قوله ص 424 س 8 والامور الواقعية : عطف تفسير على « الصفات ». ومثال ذلك ادراك العقل لاستحالة اجتماع النقيضين.

قوله ص 424 س 13 ويدخل ادراك : هذا اشارة الى النقطة الثالثة التي ذكرناها سابقا.

قوله ص 425 س 3 وسنتكلم : هذا اشارة الى النقطة الرابعة التي ذكرناها سابقا.

قوله ص 425 س 12 العقل النظري : لا ينبغي ان يتوهم وجود عقلين للانسان احدهما نظري والآخر عملي بل العقل واحد غير انه اذا تعلق بامر واقعي

ص: 505

سمي بالعقل النظري واذا تعلق بحكم عملي سمي بالعقل العملي.

قوله ص 425 س 14 بالانتقال من العلة : وهي الملاك بكل خصوصياته. والمعلول هو الحكم الشرعي.

قوله ص 426 س 3 وبمدى اهميتها : عطف تفسير على قوله « بدرجتها ».

قوله ص 426 س 13 كذلك : اي للنوع البشري.

قوله ص 426 س 14 وتميزهما : الواو استينافية. وكلمة « تميز » مصدر.

قوله ص 427 س 2 خارجيا : لعل المناسب : خارجا.

قوله ص 427 س 9 بصورة بحتة : اي فقط.

قوله ص 427 س 12 والمشهور بين ... الخ : هذا شروع في تحقيق الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع.

قوله ص 428 س 12 لان مناطه : اي لان مناط الاستكشاف المذكور وهو استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي النظري.

قوله ص 428 س 13 فيه : اي في الاستكشاف المذكور.

قوله ص 429 س 8 واجبات العقل العملي : وهو فعل الامانة وترك الخيانة مثلا فانهما واجبان.

حجية الدليل العقلي :

قوله ص 430 س 1 الدليل العقلي ... الخ : تقدم ص 302 من الحلقة ان الكلام في الدليل العقلي يقع في مرحلتين ففي الاولى يبحث عن مصاديق الدليل العقلي - اي عن القضايا التي يحكم بها العقل كحكمه باشتراط القدرة في التكليف او الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته و ... - وقد تم الحديث عنها ، وفي

ص: 506

الثانية يبحث عن حجية الدليل العقلي بمعنى ان العقل بعد ان حكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته مثلا فهل حكمه هذا حجة او لا؟ نسب الى الاخبارين عدم حجيته فمن قطع بوجوب السفر شرعا الى الحج عن طريق الملازمة العقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فقطعه هذا ليس حجة لان دين اللّه لا يصاب بالعقول وانما الحجة خصوص القطع بالحكم الشرعي المتولد من الكتاب والسنة.

ولتحقيق الحال نقول : ان الحكم العقلي ان كان ظنيا ولم يبلغ مستوى القطع - كما لو حصل الظن بالملازمة دون القطع - فليس حجة لان الظن لا يغني من الحق شيئا الا اذا فرض دلالة الدليل القطعي على حجيته - كما في خبر الثقة فانه يفيد الظن وقد دلت الادلة القطعية على حجيته - وحيث ان الحكم العقلي الظني لم يدل دليل قطعي على حجيته فلا يكون حجة.

واما اذا كان قطعيا - بان فرض ان العقل قطع بالملازمة - فهو حجة لانه تقدم في اوائل الحلقة ان القطع حجة وحجيته ذاتية لا تقبل الجعل.

ثم انه نسب الى البعض - وهم الاخباريون - عدم حجية القطع بالحكم الشرعي اذا كان حاصلا من العقل. واشكل على هذا بان القطع حجة من اي سبب حصل ولا يمكن النهي عنه للزوم التناقض في نظر القاطع فلو قطع المكلف بالوجوب الشرعي للسفر بسبب الملازمة العقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فهو سوف يرى بسبب قطعه ان الوجوب متحقق واقعا فاذا نهى الشارع عن القطع المذكور وحكم بعدم الوجوب لزم اجتماع الوجوب وعدمه في نظر القاطع.

ولاجل لزوم محذور التناقض من مقالة الاخباريين هذه حاول البعض

ص: 507

توجيهها - وقد تقدمت الاشارة الى هذا التوجيه مع مناقشته عند شرح ص 84 من الحلقة - بان الشارع يمكنه النهي عن القطع الحاصل من العقل بعد تحويل القطع من طريقي الى موضوعي (1) بان يفرض ان الشارع يقول هكذا : ان الوجوب الشرعي ثابت للسفر فيما لو قطعت بتشريع الوجوب من الشرع لا من العقل فيؤخذ عدم حصول القطع العقلي في موضوع وجوب السفر فاذا حصل القطع من العقل فلا يكون الوجوب ثابتا. وهذه الطريقة معقولة اذ في القطع الموضوعي لا يكون الوجوب منصبا على ذات الشيء بل على الشيء المقيد بكونه مقطوعا ، ومن الواضح كما يمكن للشارع صب حكمه لا على ذات الشيء بل على الشيء المقطوع كذلك يمكنه صبه على الشيء المقطوع قطعا حاصلا من الشرع فان احكام الشارع واقعة تحت اختياره ويمكنه صبها على اي موضوع اختاره ، وهذا بخلافه في القطع الطريقي فان الحكم فيه يكون منصبا على ذات الشيء لا على الشيء المقطوع فحرمة الخمر مثلا منصبة على ذات الخمر لا على الخمر المقطوع ، وما دامت منصبة على ذات الخمر فالمكلف اذا قطع بالخمرية من اي سبب كان فسوف يرى الحرمة ثابتة ، فاذا نهى الشارع عن هذا القطع لزم عدم ثبوت الحرمة في نظر القاطع وبالتالي لزم اجتماع الحرمة وعدمها في نظره.

مناقشة الاخباريين :

هذا ويمكن مناقشة مقالة الاخباريين - القائلة بعدم حجية القطع العقلي -

ص: 508


1- الفرق بين القطع الموضوعي والطريقي هو ان الحكم اذا كان منصبا على ذات الشيء فالقطع طريقي واذا كان منصبا على الشيء المقيد بكونه مقطوعا فهو موضوعي ، فحرمة الخمر مثلا ان كانت منصبة على الخمر المقطوع فالقطع موضوعي وان كان منصبة على ذات الخمر فالقطع طريقي.

حتى بعد تحويل القطع من طريقي الى موضوعي بالوجهين التاليين :

1 - ما المراد من اخذ عدم القطع العقلي بالوجوب في الموضوع؟ فهل المراد اخذ عدم القطع بالوجوب الفعلي (1) او اخذ عدم القطع بالوجوب الانشائي؟ فان كان المراد اخذ عدم القطع بالوجوب الفعلي فالمعنى يصير هكذا : السفر للحج يجب بالوجوب الفعلي ان لم يقطع بالوجوب الفعلي من العقل ، ومفهوم ذلك يصير هكذا : وان قطعت بالوجوب الفعلي من العقل فالوجوب الفعلي لا يكون ثابتا ، ومن الواضح ان مثل هذه الحكم غير معقول للزوم التناقض في نظر القاطع اذ بعد ثبوت الوجوب الفعلي بنظره كيف يقول له الشارع ان الوجوب الفعلي غير ثابت.

وان كان المأخوذ في الموضوع عدم القطع بالوجوب الانشائي فالمعنى يصير هكذا : يجب السفر بالوجوب الفعلي ان لم يقطع بالوجوب الانشائي من العقل ، ومفهوم ذلك يصير هكذا : وان قطع بالوجوب الانشائي من العقل فالوجوب الفعلي غير ثابت ، وجعل الحكم بهذا الشكل امر معقول ولا يلزم منه التناقض في نظر القاطع اذ لم يقل الشارع : وان قطعت بالوجوب الانشائي من العقل فالوجوب الانشائي غير ثابت بل قال فالوجوب الفعلي غير ثابت ، وذلك معقول ، فان غير المعقول هو نفي الشيء الذي حصل القطع به واما نفي شيء آخر غير ما تعلق به القطع فلا محذور فيه ، ولكن مع كل ذلك لا يمكن قبول الاحتمال المذكور لكونه خلف المفروض ، اذ المفروض ان المكلف حينما قطع حصل له القطع بوجود الملاك بتمام خصوصياته وشؤونه بحيث لا يحتمل وجود شرط آخر - والشرط الآخر في مقامنا عبارة عن عدم حصول القطع من العقل - لم يلتفت له والا لم يكن قاطعا بتحقق الملاك بتمام خصوصياته حتى يكون قطعه معتبرا.

ص: 509


1- يعبر عن الحكم الفعلي بالمجعول وعن الانشائي بالجعل.

وان شئت قلت : ان المكلف حينما يقطع بتحقق الملاك فاما ان يكون قاطعا بتحقق الملاك بتمام خصوصياته او يكون قاطعا بتحققه في الجملة بحيث يحتمل وجود شرط لم يحرز تحققه ، فعلى الاول لا يكون المكلف محتملا لوجود شرط آخر - اي عدم حصول القطع من العقل - حتى يمكن ان يصدّق به فمثل هذا الشرط لا يمكن ان يصدّق به فيكون تشريعه لغوا. وعلى الثاني لا يكون القطع في نفسه حجة - لفرض احتمال وجود شرط لم يلتفت له - حتى يحتاج الى تحويله من الطريقية الى الموضوعية.

2 - ان فكرة تحويل القطع من طريقي الى موضوعي لو كانت نافعة فهي تنفع فيما لو كان القطع العقلي متعلقا بثبوت الحكم ولا تنفع في حالة تعلقه بنفي الحكم.

مثال القطع العقلي المتعلق بثبوت الحكم : ان قطعت من طريق العقل بوجوب السفر فالوجوب الفعلي غير ثابت ، ان القطع في هذا المثال تعلق بثبوت الوجوب للسفر ، وفي مثله قد تنجح فكرة تحويل القطع من الطريقية الى الموضوعية فعند حصول القطع بالوجوب من العقل فالشارع لا يحكم بالوجوب.

ومثال القطع العقلي المتعلق بنفي الحكم : ما لو قطع العقل باستحالة فكرة الامر الترتبي - بتقريب : ان الامر بالازالة اذا كان مطلقا وكان الامر بالصلاة مترتبا على عدم الاشتغال بالازالة فيلزم عند عدم الاشتغال بالازالة الامر بالضدين اي بالازالة والصلاة وهو مستحيل - كما ذهب الى ذلك الشيخ الاعظم والآخوند ، انه في مثل ذلك يكون المكلف قاطعا بعدم تحقق الامر بالصلاة حين وجود النجاسة في المسجد ، ومن الواضع ان المكلف اذا كان قاطعا بعدم تحقق الامر بالصلاة فكيف لا يكون قطعه هذا حجة ، ان لازم عدم حجيته امر الشارع

ص: 510

بالصلاة ، ومن البين ان المكلف اذا كان قاطعا بعدم امكان الامر بالصلاة فكيف يمكن ان يصدق بثبوته.

والخلاصة : ان فكرة التحويل لو تمت فهي تتم في حالة تعلق القطع العقلي بثبوت الحكم اذ فيها اذا لم يكن القطع حجة فلازمه نفي الشارع الحكم عن المكلف ، وامر نفي الحكم سهل ، وهذا بخلافه في حالة تعلق القطع بنفي الحكم فان لازم عدم حجيته اثبات الشارع الحكم على المكلف وهو متعذر لان القاطع بنفي الشيء لا يمكنه التصديق بثبوته.

اتضح مما سبق :

وبهذا اتضح ان مقالة الاخباريين باطلة سواء لم يحوّل القطع من طريقي الى موضوعي ام حوّل اذ لو لم يحول يلزم من عدم حجية القطع العقلي التناقض في نظر القاطع ، واذا حوّل يرد عليها الايرادان السابقان.

ادلة الاخباريين على عدم حجية القطع العقلي

استدل الاخباريون لعدم حجية القطع العقلي بمجموعة من الروايات نذكر على سبيل المثال دون الحصر ثلاثة مجاميع منها :

1 - ما دل على ان دين اللّه لا يصاب بالعقول (1).

2 - ما دل على ان شرط قبول الاعمال ولاية اهل البيت صلوات اللّه عليهم ، ففي الحديث عن الامام الباقر علیه السلام بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية (2).

ص: 511


1- الكافي ج 1 ص 57 ح 14.
2- الوسائل ج 1 باب 1 من ابواب مقدمة العبادات ح 10.

3 - ما ورد من ان السنة اذا قيست محق الدين ، ففي الحديث الذي ينقل قصة ابان بن تغلب مع الامام الصادق علیه السلام ورد ان ابان سأل الامام علیه السلام عن الدية الثابتة على الرجل فيما لو قطع اصبعا من اصابع المرأة فاجاب علیه السلام : تجب عشر من الابل ، ثم سأله عن قطع اصبعين فاجاب علیه السلام : تجب عشرون من الابل ، ثم سأله عن قطع ثلاث اصابع فاجاب علیه السلام : تجب ثلاثون ، ثم سأله عن قطع اربع فاجاب علیه السلام : تجب عشرون ، فاستغرب ابان من هذا الجواب الاخير ، اذ كيف يتساوى قطع الاصبعين مع قطع الاربع في وجوب عشرين من الابل ، ثم قال ابان للامام علیه السلام : ان هذا الحكم كنا قد سمعناه في العراق وكنا نقول ان الذي جاء به شيطان ، وفي رد ابان قال علیه السلام : مهلا يا ابان انك اخذتني بالقياس ، والسنة اذا قيست محق الدين (1).

مناقشة ادلة الاخباريين :

وهذه الروايات غير صالحة للاستدلال. اما المجموعة الاولى فباعتبار انها تنهى عن الحكم العقلي الظني الناشىء من مثل القياس الاستحسان واعمال الرأي وليست ناظرة الى الحكم العقلي القطعي ، - فان العامة كانوا يعتمدون على القياس والاستحسان في مقابل اهل البيت علیهم السلام فجاءت هذه المجموعة لترد عليهم وان دين اللّه لا يمكن الوصول اليه بالظنون الناشئة من القياس والاستحسان - وواضح ان محل كلامنا هو في الحكم العقلي القطعي دون الظني فان الحكم الظني لا اشكال في عدم حجيته.

ص: 512


1- الكافي ج 7 ص 299 ح 6.

واما المجموعة الثانية - وهي الاخبار الدالة على شرطية ولاية اهل البيت علیهم السلام في قبول الاعمال - فيردها انها اجنبية عن المقام بالكلية ، اذ هي لا تقول ان القطع الحاصل من العقل ليس حجة بل تقول ان العمل مهما كان راقيا وعاليا فما دام فاعله لا يوالي اهل البيت علیهم السلام فهو غير مقبول.

واما المجموعة الثالثة فيردها انها بصدد النهي عن ترك مراجعة رواياتهم علیهم السلام والاعتماد الكلي على القضايا العقلية باعتبار ان مراجعة رواياتهم قد تصير سببا لعدم حصول القطع من القضايا العقلية بصورة سريعة كما هو الحال في قصة ابان ، فانه لو كان قد راجع الروايات الدالة على ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغته رجعت الى النصف لما كان يقطع بكون المناسب ثبوت اربعين في قطع اربع اصابع (1).

ص: 513


1- جدير بهذه المناسبة الاشارة الى الاتجاهات المتعاكسة في تقييم العقل ، وهي : 1 - الاتجاه الذي يصعّد من قيمة العقل ويرتقي به الى القمة. وتجلت معالم هذا الاتجاه بوضوح اواسط القرن الثاني الهجري حينما ارتحل الرسول الاعظم صلى اللّه عليه وآله وهجرت وصاياه بالتمسك بالعترة الطاهرة عليهم السلام الى جانب القرآن الكريم. ان هجر تلك الوصايا وحصر مصادر التشريع بالقرآن الكريم وسنته صلى اللّه عليه وآله ادى بحسب النتيجة الى تضييق الينابيع المستقى منها الاحكام واضطرت الحاجة الى فتح المجال للعقل ليقف مصدرا ثالثا الى جانب المصدرين السابقين. وقد اطلق على هذه المدرسة اسم مدرسة الرأي والاجتهاد ، وكان ابو حنيفة من روادها الاوائل ، ويؤثر عنه انه كان يقول : « اني آخذ بكتاب اللّه اذا وجدته فما لم اجده اخذت بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاذا لم اجد في كتاب اللّه ولا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله اخذت بقول اصحابه من شئت وأدع من شئت ثم لا اخرج من قولهم الى غيرهم فاذا انتهى الامر الى ابراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين فلي ان اجتهد كما اجتهدوا ». ولا نكون بعيدين عن الصواب اذا ما نسبنا الى هذه المدرسة اتهام الشريعة الاسلامية بالنقص وعدم الشمول لجميع شؤون الحياة وان اللّه لم يشرع الا احكاما معدودة وهي ما جاء بيانها في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى اللّه عليه وآله وترك التشريع في سائر المجالات الاخرى الى اجتهاد الفقهاء واستحساناتهم. وقد جاءت احاديث اهل البيت عليهم السلام للرد على هذا الاتجاه نذكر منها حديث الجامعة الذي يقول « فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج اليه الناس حتى الارش في الخدش » [ الكافي ج 1 ص 239 ] 2 - وكرد فعل على الاتجاه السابق برز اتجاه جديد ينزل بالعقل الى الحضيض ولا يعير له اية اهمية ويقتصر في الاعتماد على ظواهر النصوص الشرعية فقط. ومن مصاديق هذا الاتجاه المذهب الظاهري الذي ولد على يد داود بن علي بن خلف الاصبهاني في اواسط القرن الثالث الهجري فكان يدعو الى العمل بظواهر النصوص الشرعية ويرفض الرجوع الى العقل. هذا على الصعيد الفقهي. واما على الصعيد العقائدي والكلامي فقد تمثل هذا الاتجاه في المذهب الاشعري الذي عطّل العقل بالمره وتطرّف الى حدّ اختار ان وجوب معرفة اللّه سبحانه ليس حكما عقليا بل هو حكم شرعي على حد وجوب الصوم والحج وغيره من الاحكام الشرعية ونسى ان ذلك يؤدي به الى الدور ، كيف لا ولازم ذلك توقف ثبوت الشارع والشريعة على نفس احكام الشارع والشريعة. وتجسد هذا الاتجاه في مجال ثالث وهو مجال علم الاخلاق حيث انكر الاشاعرة قدرة العقل على تمييز ما هو حسن عما هو قبيح فلو خلي العقل ونفسه لما امكنه الحكم بان العدل حسن والظلم قبيح بل يبقى منتظرا حكم الشارع فاذا ما حكم تابعه في حكمه. ولو قدّر ان الشارع حكم بقبح العدل تابعه العقل في ذلك وحكم بقبح العدل ايضا ، واذا ما حكم بحسن الظلم تابعه على ذلك ايضا وحكم بحسن الظلم. ونحن نحتمل - وان لم نملك دليلا على ذلك - تولد هذا الخط الفكري لاسباب وظروف سياسية معينة مهدت له السلطات الحاكمة آنذاك لتبرير افعالها وتعطيل العقل عن الحكم بقبح ما يصدر منها من انحراف وظلم. ولا نستغرب كما نستغرب من بعض اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام حيث اختار هذا الاتجاه ببعض مراتبه وعطّل العقل بشكل واخر ، فمدرسة المحدثين وعلى راسها الميرزا محمد امين الاستربادي المتوفى سنة 1023 ه عطت العقل وجعلت المدار على النصوص الشرعية لا غير. وقد تطرفت هذه المدرسة حينما انكرت حجية ظواهر الكتاب الكريم وقالت ان الاخذ بها لا يجوز الا بعد ورود تفسير لها من قبل روايات اهل البيت عليهم السلام. وللامين الاستربادي كتاب الّفه في المدينة المنورة باسم « الفوائد المدنية » يقسّم فيه العلوم البشرية الى قسمين قسم يستمد فيه العلم قضاياه من الحس - كالرياضيات مثلا حيث تنتهي في نهاية الشوط الى الحس نظير ان 2+ 2 4 - وقسم لا يقوم على اساس الحس كعلوم ما وراء الطبيعة من قبيل حدوث العالم او بقاء النفس بعد البدن وامثال ذلك. ثم قال : والجدير بالاعتماد والثقة هو الاول دون الثاني. وبذلك ينتهي الاستربادي الى جعل الحس هو الاداة الوحيدة في مجال المعرفة البشرية الصحيحة. واتجاه الاستربادي هذا يشبه تماما الاتجاه الحسي في الفلسفة الاوربية على يدجون لوك ودافيد هيوم. ومن الطريف ما ينقل عن السيد البروجردي قدس سره من ان الاستربادي واصحابه استفادوا اتجاههم الحسي من الاتجاه الحسي الاوربي وتسرب اليهم منه في حين ان القضية يمكن ان تكون على العكس تماما فقد كانت وفاة الاستربادي قبل وفاة جون لوك بمائة سنة تقريبا. وعلى اي حال اخذ الاتجاه الاخباري بالتصرف في انكاره لقيمة العقل حينما يحكم بعض رواده - وهو السيد نعمة اللّه الجزائري حسب نقل صاحب الحدائق في درره النجفية - بالطعن في الادلة العقلية التي يستدل بها المؤمنون على اثبات وجود اللّه سبحانه وانه لا قيمة لها باعتبار استنادها الى العقل. وقد واجه اصحاب هذا الاتجاه مشكلة الاخبار الكثيرة والمختلفة التي فيها الغث والسمين والكاذب والصادق عند ما لم يسعهم قبول التقسيم الاصولي للاخبار الى الصحيح والضعيف وان الاول يؤخذ به والثاني يهجر فاضطروا الى قبول جميع الاخبار. ولكن كيف ذاك وكثير من الاخبار متناف ومتهافت. ان هذه الظاهرة حدت بالبعض الى دعوى وجود حاسة سادسة له يتمكن من خلالها على تشخيص الخبر الصادق من الكاذب والجمع بين الاخبار وتقديم معاني لها توصل لها ذهنه بسبب الرياضات النفسية والانكشافات الخاصة الحاصلة له دون غيره فيقدم معاني جديدة لاحاديث اهل البيت عليهم السلام لا يعرفها سواه. ويدعي البعض على لسانه او لسان تابعيه ان له اتصالا من قرب او بعد بالانوار الطاهرة عليهم السلام تطلعه بين حين وآخر وعن طريق النفث في روعه او بشكل اخر على المقصود من احاديثهم. ان هذه الدعوى وامثالها قد تنطلي على بعض العقول الضعيفة وتؤثر فيها اثرها ولكنها بعيدة عن الصواب ، كيف وهل يحتمل ان اهل البيت عليهم السلام حدثوا باحاديثهم ليفهمها نفر قليل لا يتجاوز عددهم اصابع اليد وعن طريق الرياضات والانكشافات. ان امثال هذه الدعاوى لا نراها من حيث النتيجة بعيدة عن الاتجاه الاول المحكم للعقل بتمام معنى الكلمة ، بل هي من حيث الخطورة لا تقل عنه 3 - والاتجاه الثالث ياخذ بالتوسط فلا هو يهمل العقل بشكل كامل ولا يأخذ به بشكل كامل بل بين هذا وذاك ، فحكم العقل اذا كان ظنيا ولم يكن قطعيا ليست له اية قيمة وتنحصر القيمة بحكم العقل القطعي الذي لا يشوبه ادنى تشكيك فاذا ما حكم العقل بضرورة عصمة الانبياء ودلت بعض ظواهر النصوص الشرعية على خلاف ذلك اول النص بشكل واخر ، واذا ما حكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته حكم بوجوب المقدمة. وهذا الاتجاه هو الصحيح. وقد جاءت روايات كثيرة تدل عليه فقد روى عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام « حجة اللّه على العباد النبي والحجة فيما بين العباد وبين اللّه العقل » [ اصول الكافي ج 1 ص 25 ]. وفي حديث ثاني : « ان اول الامور ومبداها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء الا به العقل الذي جعله اللّه زينة لخلقه ونورا لهم فبالعقل عرف العباد خالقهم وانهم مخلوقون وانه المدبر لهم وانهم المدبرون وانه الباقي وهم الفانون واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه من سمائه وارضه وشمسه وقمره وليله ونهاره وبأن له ولهم خالقا ومدبرا لم يزل ولا يزول وعرفوا به الحسن من القبيح وان الظلمة في الجهل وان النور في العلم فهذا ما دلهم عليه العقل » [ اصول الكافي ج 1 ص 29 ]. وهناك احاديث اخرى في هذا المجال يمكن مراجعتها في كتاب العقل والجهل من اصول الكافي.

ص: 514

ص: 515

قوله ص 430 س 2 ولا دليل على حجية الظنون العقلية : فان الدليل دل على حجية بعض الظنون كالظن الحاصل من خبر الثقة ولم يدل على حجية جميعها.

قوله ص 430 س 4 بعدم حجية القطع : اي عدم حجية القطع بالحكم الشرعي الناشىء من القضايا العقلية.

قوله ص 430 س 5 وهو بظاهره غير معقول : اي هو من دون تحويل القطع من طريقي الى موضوعي غير معقول لانه يلزم منه التناقض في نظر القاطع.

قوله ص 430 س 7 توجيهه ثبوتا : اي بقطع النظر عن مساعدة كلماتهم والادلة على ذلك.

قوله ص 431 س 2 ان يصدّق : بتشديد الدال.

قوله ص 431 س 7 بقيد آخر : وهو عدم القطع بالجعل من العقل.

ص: 516

قوله ص 431 س 15 من قبيل ما يستدل به : وهو انه يلزم في حالة عدم الاشتغال بالازالة الامر بالجمع بين الضدين : الازالة والصلاة.

قوله ص 432 س 1 على الرغم من استحالته : متعلق بالحكم المستحيل ، اي وهل يفترض ان المولى يجعل الحكم المستحيل على الرغم من استحالته.

قوله ص 432 س 7 نددت : اي ذمت وردعت.

قوله ص 432 س 8 وأكدت على عدم قبول اي عمل غير ... الخ : هذا اشارة الى المجموعة الثانية من المجموعات الثلاث المتقدمة. وقوله قدّس سره « ونحو ذلك من الالسنة » اشارة الى المجموعتين الاولى والثالثة وغيرهما مما لم نشر له.

قوله ص 432 س 12 ونحو ذلك من الظنون العقلية : اي هي فقط ناظرة الى الحكم العقلي الظني دون القطعي.

تم الفراغ من توضيح الجزء الاول من الحلقة الثالثة

بحوله وقوته عزّ وجلّ يوم 23 / ربيع الثاني / 1411 ه

ص: 517

ص: 518

محتويات الكتاب

الموضوع / الصفحة

الدليل الشرعي غير اللفظي... 7

دلالات التقرير... 8

الجواب عن الشبهة... 13

اشتراط المعاصرة... 13

لا يلزم التعاصر في بعض السير... 14

فارق ثان بين السيرتين... 15

وسائل اثبات الدليل الشرعي... 19

اثبات صغرى الدليل الشرعي... 21

مبحث التواتر... 26

رأي السيد الشهيد... 28

الضابط للتواتر... 31

تعدد الوسائط في التواتر... 34

اقسام التواتر... 36

مطلب ظريف... 39

القسم الثاني من اقسام التواتر... 40

القسم الاول من اقسام التواتر... 42

مبحث الاجماع... 46

ص: 519

الشروط المساعدة على كشف الاجماع... 53

مقدار دلالة الاجماع... 56

الاجماع البسيط والمركب... 57

الشهرة... 59

وسائل الاثبات التعبدي أو حجية الخبر... 63

وسائل الاثبات التعبدي... 65

المرحلة الاولى... 66

الآية الاولى... 66

اعتراضان على آية النبأ... 69

التقريب الثاني للاستدلال بآية النبأ... 75

الاية الثانية... 79

مناقشة المقدمة الاولى... 81

مناقشة المقدمة الثانية... 84

مناقشة المقدمة الثالثة... 85

الاستدلال على حجية الخبر بالسنة... 89

الطريق الثاني... 98

اعتراض على السيرة العقلائية... 101

الدليل العقلي على حجية الخبر... 108

الجواب النقضي... 109

الجواب الحلّي... 110

الشكل الثاني... 115

المرحلة الثانية... 121

ص: 520

لا قيمة للاجماع المنقول... 124

حجية الخبر مع الواسطة... 126

دفع الاشكالين... 129

قاعدة التسامح في ادلة السنن... 132

هل هناك ثمرة عملية بين الاول والثاني... 135

المختار في المسألة... 138

حجية الظهور... 141

البحث الثالث في حجية الظهور... 143

دليل حجية الظهور... 146

اشكال على الدليلين الاولين... 149

تشخيص موضوع الحجية... 153

ترجيح الاحتمال الثالث... 156

كيف ننفي القرينة على الاحتمال الثالث... 157

هل اصالة الظهور ترجع الى اصالة عدم القرينة او بالعكس... 159

الظهور الذاتي والظهور الموضوعي... 163

الظهور الموضوعي في عصر النص... 166

مورد ان لا يعمل فيهما باصالة عدم النقل... 170

التفصيلات في الحجية... 172

التفصيل الثالث في حجية الظهور... 175

الخلط بين الحجية والظهور... 182

الظهور الحالي... 186

الظهور التضمني... 188

ص: 521

اشكال ودفع... 190

المخصص المتصل... 192

الدليل العقلي... 195

المقصود من الدليل العقلي... 197

استحالة التكليف بغير المقدور... 209

المقصود من استحالة التكليف... 211

مصطلح اصولي... 213

ما المقصود من القدرة... 214

ثمرة مدخلية القدرة في جعل الحكم... 215

حالات ارتفاع القدرة... 218

وهل يسقط التكليف عند الاضطرار بسوء الاختيار... 219

الجامع بين المقدور وغير المقدور... 223

شرطية القدرة بالمعنى الأعم او مبحث الترتب... 227

المقصود من شرطية القدرة بالمعني الاعم... 229

نقاط ثلاث... 234

التزاحم بين الواجب والحرام... 237

الامكان يستلزم الوقوع... 239

الثمرة العملية لفكرة الترتب... 240

ما هو الضد... 245

اطلاق الواجب لحالة المزاحمة... 246

التقييد بعدم المانع الشرعي... 249

مصطلح اصولي... 251

ص: 522

الوجوب المشروط... 253

قاعدة امكان الوجوب المشروط... 255

المسؤولية اتجاه المقدمات... 267

المسؤولية اتجاه القيود والمقدمات... 269

مبحث الشرط المتأخر... 277

تقسيم القيود... 279

الحلّ الأول لمشكلة الشرط المتاخر... 283

الحلّ الثاني لمشكلة الشرط المتاخر... 283

ثمرة البحث عن امكان الشرط المتاخر... 283

الواجب المعلّق... 295

زمان الوجوب والواجب... 297

المقدمات المفوتة... 305

المسؤولية عن المقدمات قبل الوقت... 307

اخذ العلم في موضوع الحكم... 313

صور اخذ القطع في موضوع الحكم... 315

اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه... 316

ثمرة البحث... 324

اخذ العلم بالحكم في موضوع ضده او مثله... 328

الواجب التعبدي والتوصلي... 333

تقسيم الواجب وملاكه... 335

البرهان الاول على الاستحالة... 336

جواب البرهان الاول... 337

ص: 523

البرهان الثاني... 341

البرهان الثالث... 343

مختار السيد الشهيد... 346

ثمرة البحث... 347

المجال الأول للثمرة... 347

المجال الثاني للثمرة... 348

حقيقة الوجوب التخييري... 353

التخيير في الواجب... 355

ثمرة الاختلاف في حقيقة التخيير... 360

الوجوب الغيري لمقدمات الواجب... 365

منهجة البحث في الوجوب الغيري... 367

خصائص الوجوب الغيري... 371

مقدمات غير الواجب... 374

الثمرة الفقهية للنزاع في الوجوب الغيري... 375

الثمرة الاولى... 376

وكان الواجب اهم ملاكا من الحرام... 379

الثمرة الثانية... 381

شمول الوجوب الغيري... 384

التقسيم الاول... 384

التقسيم الثاني... 386

التقسيم الثالث... 386

تحقيق حال الملازمة... 391

ص: 524

حدود الواجب الغيري... 394

مشاكل تطبيقية... 398

الاجزاء في الاوامر الظاهرية والاضطرارية... 403

دلالة الاوامر الظاهرية والاضطرارية على الاجزاء... 405

دلالة الاوامر الاضطرارية على الاجزاء عقلا... 406

دلالة الاوامر الظاهرية على الاجزاء... 410

الامر الظاهري يجزي في بعض الصور عند علمين... 414

الحكومة الواقعية والظاهرية... 417

اجتماع الامر والنهي... 421

امتناع اجتماع الامر والنهي... 423

الخصوصية الاولى... 426

كلام النائيني في المقام... 428

الفارق بين مسلكين... 429

مناقشة مسلك النائيني... 430

الخصوصية الثانية... 431

اشكال وجواب... 434

زيادة توضيح... 435

عود لصلب الموضوع... 436

الخصوصية الثالثة... 438

مشكلة جديدة... 440

توضيح الجواب الاول... 441

مناقشة الجواب الاول... 441

ص: 525

توضيح الجواب الثاني... 443

توضيح الجواب الثالث... 443

سؤال وجواب... 445

عمومية النزاع لاقسام الوجوب والحرمة... 446

ثمرة البحث... 447

الثمرة الاولى... 447

الثمرة الثانية... 448

تلخيص ما سبق... 451

بطلان العمل في حالتين... 451

هل يفرق بين حالة الالتفات والغفلة... 452

مبحث الضد... 457

اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضده... 459

الضد العام... 460

القول الاول... 460

القول الثاني... 462

القول الثالث... 462

الضد الخاص... 463

فائدة قبل البحث... 464

عودة الى الكتاب... 465

الدليل الاول... 465

الدليل الثاني... 467

مناقشة الدليل الثاني... 468

ص: 526

اشكال وجواب... 471

ثمرة المسألة... 473

اقتضاء التحريم للفساد... 479

اقتضاء الحرمة للبطلان... 481

اقتضاء الحرمة لبطلان العبادة... 482

اقسام النهي عن العبادة... 485

اقتضاء الحرمة لبطلان المعاملة... 487

الملازمة بين حكم العقل والشرع... 493

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع... 495

منهجة البحث... 496

الملازمة بين الحكم النظري وحكم الشرع... 499

الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشرع... 499

عودة لصلب الموضوع... 501

الاجابة الثانية... 503

تلخيص ما تقدم... 504

حجية الدليل العقلي... 506

مناقشة الاخباريين... 508

اتضح مما سبق... 511

ادلة الاخباريين على عدم حجية القطع العقلي... 511

مناقشة ادلة الاخباريين... 512

ص: 527

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.