الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الناشر: المحبين للطباعة والنشر

المطبعة: قلم

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 2007 م

ISBN (ردمك): 964-91029-3-0

 المكتبة الإسلامية

الحلقة الثالثة في اسلوبها الثاني

الجزء الأول

بقلم: باقر الايرواني

ص: 1

اشارة

سرشناسه : ایروانی، باقر، 1328 -

عنوان قراردادی : دروس فی علم الاصول . برگزیده . شرح

عنوان و نام پديدآور : الحلقه الثالثه فی اسلوبهاالثانی/ بقلم باقر الایروانی.

مشخصات نشر : قم: محبین، 14ق. = 20م .= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابك : دوره 964-8991-29-4 : ؛ ج.4 964-91029-6-5 :

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : كتاب حاضر شرح، برگزیده " دروس فی علم الاصول "، محمدباقر صدر می باشد.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد چهارم، 2007م = 1386).

يادداشت : عربی.

یادداشت : كتابنامه.

موضوع : صدر،محمدباقر،1931-1979م . دروس فی علم الاصول -- نقد و تفسیر

موضوع : تعارض ادله

اصول فقه شیعه

ادله و شواهد (فقه)

شناسه افزوده : صدر،محمدباقر،1931-1979م .دروس فی علم الاصول برگزیده

رده بندی كنگره : BP159/8/ص 4د40214 1300ی

رده بندی دیویی : 297/312

شماره كتابشناسی ملی : 1298423

اطلاعات ركورد كتابشناسی : ركورد كامل

ص: 2

المقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

اذا كان قسم من الكتب بحاجة الى تعريف فحلقات السيد الشهيد قدس سره غنية عن ذاك ، والقاء نظرة سريعة خصوصا على القسم الثالث منها شاهد صدق على المدعى ، فالى جانب المنهجة الفنيّة التي يتذوق حلاوتها اصحاب الفن والخبرة تعيش عذوبة الالفاظ فلا هي بالفاظ الصحف والمجلات التي تضجر قارئها لا طنابها الممل والفاظها الفارغة من المعاني ولا هي بعبائر الكفاية والغازها بل جاءت امرا بين أمرين تحمل الالفاظ العذبة بقدر ما تشبع به حاجة المعنى.

والى جانب المنهجة وعذوبة الالفاظ لا تعدم وجودها الافكار الجديدة التي هي احدث ما وصل اليه علم الاصول على يد الاعلام الثلاثة « النائيني والعراقي والاصفهاني ».

او ليس من الخسارة والتبذير في الوقت الاستمرار على قراءة افكار القوانين والبدايع والفصول التي اكل الدهر عليها وشرب ولا نفكر في الاطلاع على الاتجاهات الحديثة في علم الاصول التي يشعر الطالب بالطفرة حينما يواجهها في مرحلة الخارج ، فبينما كان يعيش مع افكار الفصول والبدايع والكفاية اذا به فجأة يقفز الى افكار جديدة - افكار الاعلام الثلاثة ومن بعدهم فانها الافكار المطروحة على بساط البحث الخارج عادة - لم يمر بها سابقا اطلاقا ، بينما حالة التدرج الطبيعي واضحة لمن يقرأ الحلقات فانها مليئة بالافكار الجديدة التي

ص: 3

ستواجهه في المستقبل القريب.

واذا قيل : بان تلك الكتب مباركة تخرج عليها الفطاحل من علمائنا ولا تسمح نفوسنا بهجرها والتعويض عنها بالجديد فلما ذا لا نعود اذن الى دراسة كتاب العدة في الاصول للشيخ الطوسي وامثاله حيث تخرج عليها الفطاحل من علمائنا ، واذا قيل : بان الطالب بحاجة الى ألغاز الآخوند ليرتاض ذهنه بذلك ويتّسع افقه فلماذا اذن تناسي المعاني الاصولية؟ فهل هي في دقتها فقيرة لتحتاج الى الاستعانة بالالفاظ المعقّدة؟!!!

ونحن بهذا لا نريد التهجّم على الكفاية والرسائل فحاشا ذلك ثم حاشا ، فهي يوسف عصرها وانما نتهجّم على المقالة الداعية لبقائها على مرّ العصور.

ويبقى الفائز بعد هذا من منح قدرة السيطرة على دقة المعاني بسلاسة الاسلوب والالفاظ ، اما ان تبقى الالفاظ بحاجة الى تدقيق اوسع من المعاني فهذا ما يجعل الطالب يفكّر في حل تعقيد الالفاظ وينسى هضم المعاني.

ومن راجع الحلقات يجد مائزا بين القسمين الاولين منها والقسم الثالث ، فبينما الاولان يتميّزان بسلاسة الالفاظ الى حدّ قد يشعر المدّرس احيانا بعدم احتفاظ السيّد الشهيد له بشيء يمكنه تقديمه للطالب نجد القسم الاخير يحمل الدقة الفائقة في المعاني والالفاظ الامر الذي يحوج التلاميذ بل الاساتذة الى معين ييسّر لهم بعض ما تعسّر.

وكان غرض هذا الكتاب التصدي لجزء من هذه المهمّة ، ولئن تعذّر عليه حمل اعبائها كاملة فذلك لا يسقط الميسور.

ولعل الطريقة المتبعة في هذا الشرح جاءت الاولى في بابها ، فهو لا يتبع طريقة الشرح المزجي ولا الشرح المقطعي بل يأخذ الموضوع كاملا ويشرحه

ص: 4

بشكل متسلسل متكامل ، واذا بقي في بعض الجمل غموض قام بحلّها آخر البحث.

ولئن لمس القارىء تكرارا في بعض العبائر او ركاكة في الالفاظ فذاك مقصود للشارح لتطلّب لغة العرض العلمي اياه.

واذا وفّق هذا الشرح فيما رامه فهو غاية المقصود ، والاّ فكل صاحبه رجاء في تصدي بعض الاخوان للقيام بالمهمّة بشكلها الكامل فانه العامل المساعد على شق هذا الكتاب الجليل طريقه في الدراسات الحوزوية بشكل سريع واللّه الموفّق.

باقر الايرواني

16 / رمضان المبارك / 1412 هجرى

ص: 5

ص: 6

تعريف علم الأصول

اشارة

ص: 7

ص: 8

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تعريف علم الاصول والاعتراضات الواردة عليه :

اشارة

قوله ص 9 : عرف علم الاصول بانّه ... الخ :

قوله ص 9 : عرف علم الاصول بانّه ... الخ : (1)

اعتاد الاصوليون قبل دخولهم في صميم البحث عن المسائل الاصوليّة ذكر بعض المقدّمات التي يحتاج الطالب اليها وان كان اكثرها بل جميعها ليس من الاصول في شيء ، وقد جرى السيّد الشهيد قدس سره على هذا المنوال مع تغييره لبعض تلك المقدّمات ، فبعضها الذي يذكره علماء الاصول ذكره هو قدس سره ايضا نظير تعريف علم الاصول وموضوعه ، وبعضها الآخر اشار له قدس سره ولم يشر له غيره كالبحث عن حقيقة الحكم الشرعي وتقسيماته والفارق بين الامارات والاصول وغير ذلك.

ولقد اجاد قدس سره بذكره لهذا القسم الاخير الذي لم يعقد له الاصوليّون بحثا مستقلا مع شدة حاجة الطالب اليه.

ويمكننا ان نعدّ ذلك احد حسنات هذا الكتاب الجليل.

والتعريف الذي ذكره قدس سره هو التعريف المتداول بين الاصوليّين وقد اوضحه في الحلقة الثانية ص 7 ، وعلى سبيل الاختصار نقول : اذا اراد الفقيه ان

ص: 9


1- لوحظ في ارقام الصفحات والاسطر الطبعة الاولى للحلقات

يعرف ان رّدّ السلام هل هو واجب أو لا؟ امكنه مراجعة الآية الكريمة : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) وبعد المراجعة يقول : كلمة « فحيّوا باحسن منها » امر ، وظاهر الامر الوجوب : وحيث ان كل ظاهر حجة ، اذن يجب؟؟؟ التحيّة.

من خلال هذا نفهم ان الفقيه استعان بقاعدتين :

أ - الامر ظاهر في الوجوب.

ب - كل ظهور حجة.

مثل هاتين القاعدتين تعدّان من علم الاصول لانهما من القواعد الواقعة في طريق الاستنباط ، وكل قاعدة وقعت في طريق الاستنباط فهي اصوليّة.

الاعتراضات على التعريف :

وبعد هذا العرض الموجز للتعريف المشهور نذكر الاعتراضات التي وجهت اليه وهي ثلاثة - اشار في الحلقة الثالثة الى الثالث منها فقط - واذا ضممنا اليها اشكالا آخر اشار اليه في الحلقة الثانية صار المجموع اربعة وهي :

1 - ان هذا التعريف لا يختصّ بالمسائل الاصوليّة بل يشمل القواعد الفقهيّة ، وعلى سبيل المثال نذكر القاعدة المعروفة « كل معاملة اذا كان في صحيحها ضمان ففي فاسدها ضمان ايضا » (1) ، ان مثل هذه القاعدة تقع في طريق الاستنباط

ص: 10


1- المقصود من هذه القاعدة انك لو اشتريت كتابا لتدرس فيه مثلا وفي الطريق تلف لسبب وآخر فعلى من تكون خسارته؟ فهل خسارته على البائع أو على المشتري؟ الصحيح انها على المشتري. اذن في البيع الصحيح خسارة الكتاب لو تلف وضمانه _ لا بدّ من الالتفات الى ان المقصود من الضمان في القاعدة هو الخسارة والتلف من كيسه _ على المشترى. ونطرح سؤالا جديدا : لو فرض ان البيع كان فاسدا _ كما اذا كان قد اجري بالفارسيّه بناء على اشتراط العربيّة في العقد _ وكان المتبايعان يتخيّلان انه صحيح واتضح لديهما بعد ذلك انه فاسد ، ولكن قبل اتضاح فساده لهما نفرض ان الكتاب تلف فعلى من تكون خسارته؟ انها على المشترى ايضا فهو الذي ينقص من كيسه مقدار قيمة الكتاب ولا يحق له الرجوع على البائع ومطالبته بالثمن لان البيع ما دامت خسارة الكتاب فيه على المشتري لو كان صحيحا فكذلك خسارته عليه لو كان فاسدا ، ومن هنا قيل : كل معاملة اذا كان في صحيحها ضمان ففي فاسدها ضمان ايضا. واذا فرض الامر بالعكس بان لم يكن في المعاملة الصحيحة ضمان ففي الفاسدة ايضا لا ضمان فمثلا لو استأجرت بيتا وبعد مدة تهدّمت بعض جدرانه من دون تفريط منك فهل تخسر هذا النقصان الطارىء او لا؟ الصحيح لا تخسره. هذا لو كانت الاجارة صحيحة اما لو كانت فاسدة وفرض تهدّم بعض الجدران قبل اطلاعك على فساد الاجارة فهل تضمن هذا النقصان؟ كلا لا تضمن ، لأن الاجارة لو كان صحيحة فليس فيها ضمان فكذلك لو كانت فاسدة ، ومن هنا قيل : كل ما يضمن بصحيحه _ الباء بمعنى « في » _ يضمن بفاسده وكل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وقد بحث الشيخ الانصاري قدس سره هذه القاعدة مفصّلا في كتاب المكاسب

حيث نستنبط منها ان البيع الفاسد فيه ضمان باعتبار ان البيع الصحيح فيه ضمان ، ونستنبط منها ايضا ان الاجارة الفاسدة ليس فيها ضمان باعتبار ان الاجارة الصحيحة ليس فيها ضمان وهكذا ، اذن يلزم عدّ مثل هذه القاعدة من علم الاصول والحال انها فقهيّة.

2 - ان هذا التعريف لا يشمل الاصول العمليّة مع انها من امّهات المسائل الاصوليّة ، والوجه في عدم شموله لها ان الادلّة التي يستعين بها الفقيه في مقام

ص: 11

الاستنباط قسمان : امارات واصول عمليّة.

فاذا شكّ الفقيه ان التدخين حرام او لا فان كانت لديه امارة - كخبر الثقة - تدل على الحرمة مثلا ثبت عنده حينذاك الحكم الشرعي وهو ان التدخين حرام ، اما اذا لم تتوفّر لديه امارة يثبت من خلالها الحرمة او غيرها من الاحكام وقع في الحيرة حيث لا يمكنه تحديد الحكم الشرعي ، وهذه الحيرة حيرة على مستوى العمل اي هو في مقام العمل لا يدري هل بالتالي يدخّن أو لا ، ولاجل دفع هذه الحيرة نصب الشارع المقدّس الاصول العمليّة لتقول له : يحق لك التدخين او لا.

اذن الاصول العمليّة يأتي دورها بعد العجز عن تحديد الحكم الشرعي فهي لا تحدده بل بلسان حالها كانها تقول اذا كنت عاجزا عن تحديد الحكم الشرعي ولم تعرفه فوظيفتك العمليّة اباحة التدخين مثلا او الاحتياط ، وما دامت لا تحدّد الحكم الشرعي ولا تقع في طريق استنباطه - بل الذي يقع في طريق استنباطه هي الامارات فقط - فهي ليست من المسائل الاصوليّة في شيء بمقتضى هذا التعريف.

3 - ان التعريف المذكور يشمل بعض المسائل اللغويّة فمثلا حينما نريد استنباط حكم التيمم من قوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) نكون بحاجة الى الاستعانة باللغة لمعرفة معنى الصعيد ، فاذا عرفنا انه عبارة عن مطلق وجه الارض وان لم يكن ترابا كان الحكم هو وجوب التيمم بكل ما يصدق عليه عنوان الأرض وان لم يكن ترابا. اذن ظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض الذي نحصل عليه من خلال مراجعة اللغة استعنّا به في مقام الاستنباط فيلزم ان يكون من علم الاصول (1).

ص: 12


1- قد يشكل بان ظهور كلمة الصعيد ليس مشمولا للتعريف حتى نحتاج الى اخراجه باعتبار انه ليس قاعدة وانما هو مختصّ بمادة الصعيد وليس له شموليّة. والجواب : انه قاعدة اذ تقول هكذا : كلمة الصعيد ظاهرة في مطلق وجه الأرض ، نظير قولك : صيغة افعل ظاهرة في الوجوب ، فاذا سلمت ان الثانية قاعدة فلا بدّ وأن تسلّم ان الاولى قاعدة ايضا. وحلّ الاشكال ان يقال : ان القاعدة لا تكون قاعدة الا اذا كان لها شموليّة واستيعاب ، ومن الواضح ان قولنا كلمة الصعيد ظاهرة في مطلق وجه الأرض له شموليّة ايضا لأنه يشمل كلمة الصعيد في اي حكم وردت فيه ، فهي تشمل كلمة الصعيد الواردة في دليل التيمم وتشمل كلمة الصعيد الواردة في دليل جواز السجود على الصعيد لو كان عندنا مثل هذا الدليل وتشمل كلمة الصعيد الواردة في الاحكام الاخرى لو فرضت

4 - ما اشار له قدس سره في الحلقة الثانية ص 7 من ان التعريف المذكور يفهم منه ان القاعدة تكون اصوليّة فيما اذا مهّدت اي دوّنت وكتبت لغرض الاستنباط ، فلو لم تدون لم تكن اصوليّة ، مع ان هذا باطل ، اذ الأمر بالعكس تماما فالمسألة لا بدّ وان تكون اصوليّة منذ البداية ثم تدون بعد ذلك في كتاب الاصول لا انها تصير اصولية بعد تدوينها فيه.

وهذا الاشكال الرابع مبني على قرائة الممهدة بفتح الهاء ، لكن لماذا لا نقرأها بكسر الهاء والمعنى حينذاك يصير : ان القواعد الاصوليّة هي التي تهيأ وتساعد على استنباط الحكم الشرعي ، فالمهم اذن هي الاشكالات الثلاثة السابقة.

الجواب عن الاشكال الأوّل :

اما الاشكال الأول فقد اجاب عنه غير واحد من الاصوليّين بان القاعدة لا تكون اصوليّة الا اذا توفّر فيها ركنان :

ص: 13

أ - ان يستنبط منها حكم شرعي.

ب - ان يكون ذلك الحكم حكما كليا.

وكلا هذين الركنين مفقود في القواعد الفقهيّة ، اما الرّكن الأول فلأن مثل قاعدة « كل معاملة يضمن في صحيحها يضمن في فاسدها » هي بنفسها حكم شرعي لا انه يستنبط منها حكم شرعي ، نعم هذه القاعدة قاعدة كلية قد تطبق على هذه المعاملة او تلك ويثبت من خلال التطبيق الضمان في بعض المعاملات وعدمه في بعض آخر ، بيد ان هذا تطبيق وليس استنباطا ، وفرق واضح بين التطبيق والاستنباط ، ففي الاستنباط يكون لدينا شيئان متغايران احدهما يثبت الآخر وينجزه من دون ان يكون مصداقا وفردا له نظير حجيّة خبر الثقة ، فانه اذا كان حجة فقد يستفاد منه حرمة العصير العنبي او وجوب قراءة السورة ومعلوم ان حجية خبر الثقة ليست هي نفس حرمة العصير بل هما حكمان متغايران غاية الامر احدهما يثبت الآخر وينجزه ، هذا في الاستنباط. اما في التطبيق فأحد المطلبين يكون مصداقا وفردا للاخر دون ان يغايره - وهذا كما في قاعدة « كل ما يضمن في صحيحه يضمن في فاسده » حيث نقول : ان البيع ما دام في صحيحه ضمان ففي فاسده ضمان ايضا ، فان البيع مصداق من مصاديق تلك القاعدة لا انه شيء مباين لها - وبواسطة تطبيقه على افراده نستفيد احكاما جزئية احدها مختص بالبيع والآخر بالاجارة وثالث بمعاملة اخرى.

ومن خلال هذا يتضح اختلال الركن الثاني ايضا حيث ان المستحصل عليه من خلال تطبيق القاعدة الفقهية احكام جزئية في موارد خاصة لا احكام كلية والحال ان المقصود من الحكم الشرعي في التعريف هو الحكم الشرعي الكلي - وبكلمة اخرى الجعل الكلي - لا الحكم الجزئي.

ص: 14

الجواب عن الاشكال الثاني :

واما الاشكال الثاني فقد ذكر له قدس سره اجابتين :

أ - ما اثبته صاحب الكفاية في الجواب عن هذا الاشكال حيث اضاف الى هذا التعريف جملة جديدة وهي : « او التي ينتهى اليها في مقام العمل » وبذلك يصبح التعريف هكذا : علم الاصول هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي او التي ينتهى اليها في مقام العمل ، فعلم الاصول ليس خصوص القواعد التي يستنبط منها الحكم الشرعي بل هو اما القواعد المذكورة الواقعة في طريق الاستنباط او القواعد التي ينتهى اليها في مقام العمل التي هي عبارة اخرى عن الاصول العملية حيث ان الفقيه بعد فقدان الامارات ينتهي اليها في مقام العمل لتحديد وظيفته العملية عند جهله بالحكم الشرعي.

ب - ما هو مذكور في كلمات السيّد الخوئي دام ظله واستصوبه السيد الشهيد قدس سره في تقريرات درسه ، وهو تفسير الاستنباط بتفسير جديد فسابقا كان يفسّر بتحصيل الحكم واستخراجه من الادلة الشرعية ، وبناء على هذا يكون الاشكال تاما حيث ان الادلة التي يستحصل منها الحكم هي خصوص الامارات دون الاصول ، والآن يفسر الاستنباط بالتنجيز والتعذير ، فكل قاعدة تنجز الحكم الشرعي او تكون عذرا عند مخالفته فهي اصولية ، وواضح كما ان الامارات تنجّز وتعذر كذلك الاصول العملية ، فالتدخين اذا كنا لا نعرف انه حرام واقعا او لا فمتى ما دلت امارة - كخبر الثقة مثلا - على انه حرام واقعا كانت منجزة للحرمة ، واذا دلت على اباحته كانت عذرا في مخالفة الحرمة على تقدير

ص: 15

ثبوتها واقعا (1).

هذا في الامارة ، وهكذا في الاصل فانه منجّز ومعذر ايضا ، فالاصل الذي نتمسّك به اذا كان اصل البراءة افادنا العذر من مخالفة الحرمة لو كانت ثابتة واقعا ، واذا كان اصل الاحتياط فهو منجز للحرمة لو كانت ثابتة واقعا.

الجواب على الاشكال الثالث :

واما الاشكال الثالث فقد ذكر له قدس سره اجابتين :

1 - ما ذكره الشيخ النائيني قدس سره من ان القاعدة لا تكون اصوليّة الا اذا توفر فيها ركنان :

أ - ان تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي.

ب - ان تقع كبرى في الدليل ، فمثلا نقول : كلمة « الصعيد » ظاهرة في مطلق وجه الارض وكل ظهور حجة ، اذن يجب التيمم بمطلق وجه الأرض.

مثل هذا الدليل يسمى بقياس الاستنباط حيث بواسطته يستنبط الحكم الشرعي للتيمم. وفي هذا الدليل نرى ان الصغرى هي « كلمة الصعيد ظاهرة في مطلق وجه الأرض » وهي ليست اصوليّة لانها وقعت صغرى في الدليل بخلاف قاعدة « كل ظهور حجّة » فانها حيث وقعت كبرى في الدليل كانت قاعدة اصوليّة.

ص: 16


1- مصطلح التنجيز يستعمل عند ما تدل الامارة او الاصل على حكم الزامي وهو الوجوب او الحرمة فيتنجّز كل واحد منهما على تقدير ثبوته واقعا ، بينما مصطلح التعذير يستعمل عند ما يدلان على الاباحة حيث يكونان عذرا من مخالفة الحرمة او الوجوب لو كانا ثابتين واقعاً.

هذا ما ذكره قدس سره في مقام الجواب على الاشكال المذكور.

ويمكن مناقشة ذلك بانا نجد في موارد متعددة وقوع بعض القواعد الاصوليّة صغرى للدليل لا كبرى ، ومعه فلا معنى لمقالة الميرزا ان كل قاعدة وقعت صغرى في الدليل فهي ليست اصوليّة ، وللتدليل على صدق ما نقول نذكر ثلاثة امثلة :

أ - في باب التيمم نقول مثلا هكذا : صيغة « تيمّموا » التي هي مصداق لصيغة « افعل » ظاهرة في الوجوب ، وكل ظهور حجّة. في هذا المثال نلاحظ ان الصغرى هي « صيغة افعل ظاهرة في الوجوب » وهي مسألة اصوليّة.

ب - في كلمة العقود نقول مثلا هكذا : كلمة « العقود » الواردة في قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) التي هي جمع محلى بالالف واللام ظاهرة في العموم وكل ظهور حجّة. في هذا المثال نرى ان الصغرى هي قاعدة اصوليّة ايضا حيث ان من جملة القواعد الاصوليّة ان الجمع المحلى بالالف واللام ظاهر في العموم.

ج - من جملة المسائل الاصولية مسألة ان الأمر والنهي هل يمكن اجتماعهما في مورد واحد أو لا؟ فاذا دخل انسان دارا مغصوبة وحان وقت الصلاة كان امر ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) يأمره بالصلاة ، بينما نهي لا تغصب ينهاه عن الغصب ، فاذا قلنا باستحالة هذا الاجتماع في نظر العقل كانت بين « صلّ » و « لا تغصب » معارضة وتكاذب لامتناع اجتماعهما ، ومعه فاللازم تطبيق قواعد الدليلين المتعارضين التي هي تقديم الاقوى سندا او الموافق للكتاب او المخالف للعامّة وهكذا ، فاذا قدمنا دليل « صلّ » كان الشخص المصلي في الدار المغصوبة ممتثلا بلا عصيان ، ولو قدّمنا « لا تغصب » كان عاصيا بلا امتثال. اما اذا قلنا بجواز الاجتماع بتقريب ان الأمر متعلق بعنوان الصلاة والنهي بعنوان الغصب وعند تعدد

ص: 17

العنوان لا استحالة في توجيه التكليفين الى المكلّف ، اذا قلنا بهذا لم يتحقق تعارض بينهما بل صح ان نقول ان مقتضى اطلاق « صلّ » ان الصلاة مطلوبة ولو في الدار المغصوبة ، ومقتضى اطلاق « لا تغصب » حرمة الغصب ولو كان متمثلا بالصلاة فيكون المكلّف عاصيا وممتثلا في آن واحد.

وبهذا نعرف ان مسألة اجتماع الأمر والنهي مع انها من امهات المسائل الاصوليّة لم تقع كبرى في الدليل بل صغرى ، حيث نقول هكذا : يمتنع اجتماع « صلّ » و « لا تغصب » وكلما امتنع اجتماعهما تحقق بينهما تعارض ، ف- « صلّ » و « لا تغصب » بينهما تعارض ولا بد من تقديم احدهما ، او نقول يجوز اجتماع « صلّ » و « لا تغصب » ، واذا جاز اجتماعهما لم يكن بينهما تعارض بل امكن صدقهما والتمسّك باطلاق كل منهما. ومن خلال هذا يتجلى ان القول بامتناع الاجتماع يحقق التعارض بين الدليلين بينما القول بالجواز يرفع التعارض ويجعلنا قادرين على التمسّك باطلاق كل من الدليلين.

2 - ما ذكره السيّد الخوئي دام ظله من ان القاعدة لا تكون اصوليّة الا اذا توفر فيها ركنان :

أ - ان تقع في طريق الاستنباط.

ب - ان لا تحتاج حين استنباط الحكم منها الى ضم قاعدة اخرى او تحتاج ولكن لا تكون تلك القاعدة التي نضمها اصولية ، في مثل هاتين الحالتين تكون القاعدة اصوليّة ، اما اذا احتاجت عند استنباط الحكم منها الى ضم قاعدة اخرى وكانت تلك القاعدة الاخرى اصوليّة فلا تكون اصوليّه ، ثم قال : وبناء على هذا لا يكون ظهور كلمة « الصعيد » في مطلق وجه الارض من المسائل الاصولية لأنّا حين استنباط حكم التيمم لا يكفينا ظهور كلمة « الصعيد » وحده في تحصيل

ص: 18

الحكم بوجوب التيمم بمطلق وجه الأرض بل نحتاج الى قاعدة اخرى وهي ان صيغة « افعل » - التي تنطبق على صيغة « تيمموا » - ظاهرة في الوجوب ، وهذه القاعدة الاخرى اصولية.

وقد تقول بناء على هذا الضابط الذي ذكره دام ظله يلزم خروج كثير من المسائل الاصوليّة من علم الاصول ، مثل ان صيغة « افعل » ظاهرة في الوجوب ، وصيغة « لا تفعل » ظاهرة في الحرمة ، والجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم ، والجمع المحلى بالالف واللام ظاهر في العموم وهكذا ، لان جميع هذه المسائل تحتاج عند استنباط الحكم منها الى ضم قاعدة اصوليّة اخرى اليها ، وهي قاعدة حجيّة الظهور.

واجاب دام ظله عن ذلك بأنا وان كنا نحتاج في هذه المسائل الى ضم قاعدة حجيّة الظهور الا ان هذه القاعدة ليست اصوليّة فانها من الامور البديهيّة الواضحة التي لا خلاف فيها ويعرفها الصغير والكبير والعالم والجاهل والرجل والمرأة ، فالكل يعرف ان كل كلام يؤخذ بظاهره اذا كان ظاهرا في معنى معين ، والتفاهم بيننا مبني على الاخذ بالظواهر ، فالطفل الصغير اذا سمع من امه كلاما ظاهرا في معنى معين اخذ به بلا توقف وتردد.

مناقشة السيد الخوئي دام ظله

والاجابة المذكورة للسيّد الخوئي دام ظله اشكل عليها السيد الشهيد قدس سره باشكالين :

1 - انه دام ظله ادعى ان شرط القاعدة الاصولية عدم احتياجها الى ضم قاعدة اصوليّة اخرى ، ونحن نسأل عن المقصود من عدم الاحتياج فهل يراد به

ص: 19

عدم الاحتياج دائما وفي جميع الموارد او عدم الاحتياج ولو في مورد واحد؟ فان كان المقصود هو الأوّل لزم منه خروج كثير من المسائل الاصوليّة عن علم الاصول مثل مسألة ان صيغة « افعل » ظاهرة في الوجوب وصيغة « لا تفعل » ظاهرة في الحرمة والجملة الشرطيّة ظاهرة في المفهوم وهكذا فيما لو فرض ان صيغة « افعل » او « لا تفعل » او الجملة الشرطيّة وردت في روايات ظنيّة الصدور يرويها الثقات ، فان تحصيل الحكم من مثل الروايات المذكورة بحاجة الى ضم قاعدة أخرى اصولية وهي ان خبر الثقة حجّة ، اذ من دون ضم هذه القاعدة لا يمكن الاخذ بالرواية واستنباط الحكم منها.

وان كان المقصود هو الثاني - اي ان المراد من عدم الاحتياج هو عدم الاحتياج ولو في مورد واحد - فاللازم من ذلك دخول مسألة ظهور الصعيد في علم الاصول فيما اذا وردت كلمة « الصعيد » في رواية قطعيّة من حيث السند والدلالة وبقيّة الجهات بحيث لا يكون تحصيل الحكم منها بحاجة لشيء سوى معرفة معنى كلمة « الصعيد » بنحو لو عرفنا ان معناها مطلق وجه الأرض مثلا كان الحكم بوجوب التيمم بذلك - اي بمطلق وجه الأرض - ثابتا بلا حاجة الى شيء آخر.

2 - انه دام ظله ذكر ان مسألة حجيّة الظهور ليست اصوليّة لانها واضحة لدى الجميع ولا خلاف فيها.

ويرد عليه : ان وضوح المسألة وعدم الخلاف فيها لا يصير سببا لعدم كونها اصولية ، فان صيرورة المسألة اصوليّة ليس مسببا عن وقوع الخلاف والغموض فيها حتى اذا زالا - الخلاف والغموض - زالت اصوليتها بل الأمر بالعكس تماما فان الخلاف والغموض وعدمهما ينصّبان على المسألة الاصولية لا ان الاصولية

ص: 20

تنصب على المسألة التي فيها خلاف وغموض.

ومن خلال هذا اتضح ان كلتا الاجابتين عن الاشكال الثالث ليست تامة ، ومعه يكون تاما وواردا على التعريف ، ومن هنا تنشأ الحاجة الى التفكير في تعريف جديد ليسلم من ورود الاشكال الثالث عليه وهو ما يقترحه السيد الشهيد قدس سره من ان علم الاصول عبارة عن العلم بالعناصر المشتركة في استنباط الحكم الشرعي ، وهذا التعريف بحاجة الى الايضاح اولا ثم بيان كيفيّة سلامته عن ورود الاشكال الثالث عليه.

اما ايضاحه فهو مذكور بصورة كافية في الحلقة الاولى ص 38.

واما سلامته عن ورود الاشكال الثالث عليه فبأعتبار ان ظهور كلمة « الصعيد » وان كان له تأثير فعال في استنباط الحكم بوجوب التيمم بمطلق وجه الأرض الا انها فعالية تختص بمادة الصعيد فقط ، اي ان ظهور كلمة « الصعيد » نستفيد منه فقط في مجال الحكم بوجوب التيمم بمطلق وجه الأرض وغير ذلك من الاحكام التي ترتبط بكلمة « الصعيد » ولا نستفيد منه في مجالات اخرى فهو على هذا ليس عنصرا مشتركا بل عنصر مختصّ بمجال واحد ، ومعه فلا يكون التعريف شاملا له (1).

وهناك شيء جانبي لا بأس بالالتفات اليه وان لم يتعرّض اليه قدس سره وهو ان التعريف المذكور وان كان جميلا للغاية بيد انه قد يورد عليه بانه شامل لبعض المسائل الرجالية مثل وثاقة زرارة ، فانه نحتاج اليها في جميع الاحكام التي يكون لزرارة فيها رواية فيلزم ان تكون اصوليّة.

ص: 21


1- لا يخفى ان المائز المهم بين تعريف السيّد الشهيد وتعريف المشهور هو اشتمال تعريفه قدس سره على كلمة مشتركة والاّ فكلمة عناصر نفس كلمة القواعد.

وهذا الاشكال وان لم يتعرّض قدس سره له في هذا الكتاب ولكن تعرّض له في كتاب مباحث الدليل اللفظي ج 1 / ص 34 (1).

قوله ص 9 س 6 : وليست ادلة محرزة : اي وليست ادلة محرزة للحكم الشرعي كما هو الحال في الامارات كخبر الثقة.

قوله ص 12 س 8 : في غيرها : اي في غير صيغة الأمر.

قوله ص 13 س 4 : بهذه المادة : اي بمادة الصعيد. والحكم المرتبط بهذه المادة هو وجوب التيمم مثلا حيث يجب التيمم بالصعيد.

ص: 22


1- وحاصل ما افاده في الجواب : انه ليس كل ما يكون عنصرا مشتركا هو من علم الاصول بل يلزم توفر خصوصية ثانية ، وهي ان يكون العنصر المشترك مما يستعمله الفقيه كدليل على الحكم الشرعي ، فمسألة حجيّة الظهور مثلا مسألة اصولية حيث انها مضافا الى كونها من العناصر المشتركة تشتمل على الخصوصيّة الثانية فان الفقيه يستعمل الظهور كدليل على الحكم الشرعي ، وهذا بخلافه في وثاقة زرارة فانه يجعل الخبر الذي في سنده زرارة دليلا على الحكم الشرعي ولا يجعل نفس الوثاقة دليلا عليه وانما هي تثبت كون الرواية حجة وصالحة لان تكون دليلا على الحكم الشرعي. ومن هنا اضاف قدس سره في مباحث الدليل اللفظي الى التعريف الخصوصية الثانية فقال : ان علم الاصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي.

موضوع علم الأصول

اشارة

ص: 23

ص: 24

موضوع علم الأصول :

قوله ص 14 : موضوع علم الأصول كما تقدّم في الحلقة السابقة ... الخ.

في بداية البحث نطرح السؤال التالي ما هو الميزان الذي على ضوئه يمكن تحديد الموضوع لأي علم من العلوم؟ فموضوع علم الفقه كيف نحدده؟ وموضوع علم الطب كيف نحدده؟ وهكذا. وبعد اطلاعنا على الميزان الكلي لتحديد الموضوع لكل علم من العلوم نأخذ بتطبيقه على علم الاصول لتحديد موضوعه.

اما تحديد الموضوع بشكل عام فقد ذكر له بيانان؟

1 - ان نفتش عن مسائل العلم لنرى انها تبحث عن احوال وشؤون اي شيء ، فاذا تشخص عندنا ذلك الشيء وحددناه كان ذلك هو الموضوع للعلم ، ففي علم النحو مثلا اذا فتشنا مسائله نرى انها تبحث عن الكلمة فيقال : الكلمة ترفع اذا كانت فاعلا وتنصب اذا كان مفعولا وتجر اذا كانت مضافا اليه وهكذا.

اذن مسائل علم النحو تبحث عن احوال الكلمة ، فتكون الكلمة هي الموضوع لعلم النحو.

2 - ان الموضوع لكل علم هو الجامع بين موضوعات المسائل ففي علم النحو مثلا نجد المسائل هي مثلا : الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب والمضاف اليه مجرور وهكذا. وفي هذه المسائل نرى ان الموضوع هو الفاعل والمفعول به والمضاف به ، واذا فتشنا عن الجامع بين هذه الموضوعات رأيناه الكلمة ، فالكلمة هي الموضوع.

ص: 25

وباختصار الموضوع لأي علم من العلوم اما عبارة عن ذلك الشيء الذي يبحث عن عوارضه واما الجامع بين موضوعات المسائل.

على ضوء هذا نعرّج على علم الاصول لنفتش عن موضوعه ، وموضوع علم الاصول كما مر في الحلقة الثانية ص 10 عبارة عن العناصر المشتركة لان الاصولي يبحث عن الحجيّة وعدمها الثابتين لها - العناصر المشتركة - فالظهور وخبر الثقة والشهرة والاجماع والسيرة واشباه ذلك عناصر مشتركة ، والاصولي يبحث عن حجيّتها وعدمها فهي واشباهها الموضوع لعلم الاصول.

هذا ما قرأناه في الحلقة السابقة وقرأنا ايضا رأيا قديما في تحديد موضوع علم الاصول يقول انه - موضوع علم الاصول - الادلة الاربعة اي الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل حيث يبحث فيه عن شؤونها ، الاّ ان الرأي المذكور تقدمت مناقشته في الحلقة الثانية ص 9 فراجع.

ولبطلان التحديد القديم المذكور اضطر بعض علماء الاصول الى ان يدعي عدم الضرورة لوجود الموضوع للعلم اذ لا دليل على ان وجود الموضوع لكل علم ضروري ، بل ادعى بعض آخر من الاصوليّين كما سيأتي اكثر من ذلك فادعى استحالة وجود الموضوع في بعض العلوم ، وفي قبال هذا وجد اتجاه يدعى ضرورة وجود الموضوع لكل علم. اذن يوجد في المقام اتجاهان احدهما يقول بعدم ضرورة وجود الموضوع لكل علم ، وثانيهما يقول بضرورة ذلك.

واستدل اصحاب الاتجاه الاخير بدليلين :

الدليل الاول : ان هناك كلاما مشهورا يقول : ان العلوم يمتاز بعضها عن لبعض الآخر بواسطة الموضوعات ، فعلم النحو يمتاز عن علم الطب بان ذلك

ص: 26

يبحث عن الكلمة والكلام وهذا يبحث عن بدن الانسان ، واختصاص كل منهما بموضوعه الخاص سبّب استقلالية وامتياز ذاك عن هذا ، ولو لا هذا الامتياز في الموضوع لما كان علم النحو والطب علمين بل كانا علما واحدا واذا صح هذا الكلام كان اللازم منه ثبوت الموضوع لكل علم ليتم من خلاله امتياز علم عن علم.

ويرد هذا الدليل : ان جعل الامتياز في الموضوع سببا لامتياز العلوم بعضها عن بعض موقوف على التسليم باشتمال كل علم على موضوع خاص به ، اما اذا انكرنا ذلك فلا بد وان يكون الامتياز بواسطه طريق آخر غير الموضوع كأن يقال مثلا : ان الامتياز بواسطة الغرض ، فالغرض من علم النحو بما انه صون اللسان عن الخطأ صار ذلك سببا لامتيازه عن علم المنطق الذي له غرض آخر وهو صون التفكير عن الخطأ ، اذن هذا الدليل يشتمل على المصادرة اي انه استدل بشيء يحتاج الى التسليم بالمدعى المتنازع فيه.

الدليل الثاني : انا نسأل ونقول بم يمتاز بعض العلوم عن البعض الآخر؟ فان اجيب بانه يحصل عن طريق التمايز بين الموضوعات - كما ذكر ذلك في الدليل الاوّل - فهذا معناه التسليم بوجود موضوع لكل علم حتى يحصل عن طريق التمايز فيه التمايز بين العلوم ، وان انكر ذلك وقيل ان التمايز بين العلوم يحصل عن طريق التمايز بين الاغراض - كما ذكر ذلك في الاجابة عن الدليل الاوّل - فهذا ايضا يستلزم الاعتراف بوجود الموضوع لكل علم لأن كل علم وان كان له غرض غير الغرض الثابت في العلم الآخر الاّ انه - الغرض - في كل علم شيء واحد ، فالغرض من علم النحو مثلا شيء واحد ، وهو صون اللسان عن الخطأ وحين ذاك نسأل عن هذا الغرض الواحد بم يحصل؟ لا بدّ وان يكون الجواب

ص: 27

بحصوله بواسطة المسائل ، فإن لعلم النحو مسائل متعددة مثل « الفاعل مرفوع » و « المفعول به منصوب » و « المضاف اليه مجرور » وهكذا ، وهذه المسائل هي التي تحصّل الغرض وتوجب صون اللسان لمن اطلع عليها ، ولكن هذه المسائل هي اشياء متعددة ، والاشياء المتعددة كيف تحصّل غرضا واحدا؟ ان هذا غير ممكن اذ لازمه صدور الواحد من الكثير ، وهو مستحيل ، فان الواحد لا يصدر الاّ من شيء واحد (1).

اذن لا بدّ وان نفترض ان مجموع تلك المسائل المتعددة يرجع الى قضية واحدة كيما تكون تلك القضيّة الواحدة هي المحصّلة لذلك الغرض الواحد ، وتلك القضيّة الواحدة لكي تكون جامعة بين تلك المسائل المتعددة لا بد وان تكون ذات موضوع واحد كلي يسع جميع موضوعات تلك المسائل وذات محمول واحد كلي يسع جميع محمولات تلك المسائل. وتلك القضيّة الواحدة يمكن فرضها هكذا : الكلمة لها حكم اعرابي ، ان الموضوع في هذه القضية هو الكلمة التي هي شاملة

ص: 28


1- المستند لقاعدة « ان الواحد لا يصدر الاّ من واحد » هو اعتبار السنخيّة والمشابهة بين العلة والمعلول ، فان العلة لا بدّ وان تسانخ المعلول وتشابهه والاّ يلزم صدور كل شيء من كل شيء كصدور البرودة من النار ، ومعه فالواحد لا يمكن صدوره من الاثنين فان الواحد بما هو واحد لا يسانخ الاثنين بما هي اثنان. ان قلت : بناء على هذه القاعدة كيف نفسّر صدور الخلق الكثير من اللّه سبحانه الذي هو واحد؟ قلت : ان اصحاب هذه القاعدة يلتزمون بان الصادر منه سبحانه شيء واحد وهو العقل الاول ، والاول خلق العقل الثاني ، والثاني خلق الثالث ، وهكذا حتى العقل العاشر. ومن هنا يتّضح ان فكرة العقول العشرة هي في الحقيقة وليدة قاعدة « الواحد لا يصدر الا من واحد ».

للفاعل والمفعول به والمضاف اليه ، والمحمول هو الحكم الاعرابي الذي هو جامع بين مرفوع ومنصوب ومجرور. واذا سلّمت هذه القضيّة الواحدة فلازم ذلك التسليم بضرورة وجود الموضوع لعلم النحو وهو الأمر الجامع بين موضوعات المسائل. هذه حصيلة الدليل الثاني.

واجاب علماء الاصول عنه بأن قولكم ان لكل علم غرضا واحدا وقولكم ان الغرض الواحد يحصل بسبب المسائل المتعددة امر مقبول ، وانما نناقش في قولكم ( ان المسائل المتعددة لا يمكن ان تكون هي الموجدة لذلك الغرض الواحد ) حيث نقول : ان عدم صدور الواحد من الاشياء المتعددة يتم في بعض أقسام الواحد دون بعض فهو يتم في الواحد الشخصي دون الواحد بالنوع او بالعنوان.

وتوضيح ذلك : ان الواحد على ثلاثة اقسام :

أ - ان يكون الشيء شخصا واحدا حقيقة كزيد وعمرو : فان زيدا مثلا يقال له واحد بالشخص.

ب - ان يكون الشيء واحدا بالنوع كما ذا لا حظنا مجموع زيد وعمرو فانهما شيء واحد حيث انه بالرغم من تعددهما وتغايرهما يجمعهما الانسان فهما واحد من حيث الانسانيّة التي هي نوع.

وبهذا تجلّى ان الواحد بالنوع هو شيئان حقيقة كمجموع زيد وعمرو ويجمعهما نوع واحد ، وهذا بخلافه في الواحد بالشخص فانه واحد حقيقة.

ج - ان يكون الشيء واحدا بالعنوان مثل الثلج والقطن فانهما شيئان حقيقة ولكنهما باعتبار آخر شيء واحد حيث يجمعهما عنوان واحد وهو عنوان الابيض مثلا الذي هو عنوان منتزع منهما.

وبهذا اتضح الفارق بين القسم الاول والقسمين الآخرين ، فالواحد في

ص: 29

القسم الاول واحد حقيقة بينما هو متعدد في القسمين الاخيرين ، وهكذا اتضح الفارق بين القسم الثاني والثالث ، فالجامع بين المتغايرين في القسم الثالث عنوان واحد وليس حقيقة نوعية واحدة بخلافه في القسم الثاني فان الجامع حقيقة نوعية واحدة لا عنوان واحد.

واذا اتضحت الأقسام الثلاثة للواحد نقول : ان قاعدة الواحد لا يصدر الاّ من واحد تتم في الواحد بالشخص دون الواحد بالنوع او بالعنوان ، اذ الواحد بالنوع او بالعنوان ليس شيئا واحدا حقيقة حتى لا يمكن صدوره من الاشياء المتعددة بل هو في نفسه متعدد.

واذا اردنا تطبيق هذا المطلب على مقامنا نقول : ان الغرض من علم النحو وان كان واحدا وهو صون اللسان الاّ انه ليس واحدا بالشخص - فانه ليس امرا جزئيا وشخصا واحدا بل هو كلي - حتى يستحيل صدوره من الكثير بل هو واحد بالنوع او بالعنوان ، ومعه فيمكن صدوره من الكثير فان صون اللسان له حصص متعددة يجمعها عنوان صون اللسان ، وحصة من الصون تحصل من مسألة « الفاعل مرفوع » وحصة ثانية من الصون تحصل من مسألة « المفعول منصوب » وثالثة تحصل من مسألة « المضاف اليه مجرور » وهكذا فلا يلزم صدور الواحد من الكثير.

استحالة ثبوت الموضوع لبعض العلوم :

ومن خلال هذا تجلى انه لم يثبت بدليل صحيح ضرورة ثبوت الموضوع لكل علم ، بل ترقى بعض المحقّقين (1) الى اكثر من ذلك فقال : ان بعض العلوم

ص: 30


1- كالشيخ العراقي في نهاية الافكار ج 1 / ص 9 ، ومقالات الاصول ص 4 والسيّد الخوئي في المحاضرات ج ١ / ص ٢٠ ، والسيّد البجنوردي في منتهى الاصول ص ٩.

يستحيل ثبوت موضوع له ، وذلك لوجهين :

أ - ان كل علم له مسائل مختلفة ، وتلك المسائل قد يكون موضوع بعضها امرا وجوديا وموضوع بعضها الآخر امرا عدميا ، وهذا كما في علم الفقه ، فان موضوع بعض مسائله وجودي مثل الوضوء واجب والسرقة حرام وو ...

وموضوع بعضها عدمي مثل عدم الأكل والشرب في الصوم واجب ، وترك الاصطياد في الحج واجب وو ... ومعه فلا يمكن ان يكون لعلم الفقه موضوع واحد يجمع بين موضوعات مسائله فان الوجود والعدم نقيضان ، والنقيضان لا يجمعهما شيء واحد كي يكون هو الموضوع.

ب - ان موضوع مسائل علم الفقه قد يكون من مقولة الجوهر مثل « الدم نجس » فان الدم جوهر من الجواهر ، وقد يكون من مقولة الوضع (1) مثل « الركوع واجب » ، وقد يكون من مقولة الكيف (2) مثل « قراءة الحمد واجبة في الصلاة » فان القراءة كيف مسموع ، ولربما يكون الموضوع داخلا تحت مقولة اخرى من المقولات العشر (3) ، وقد قالوا ان المقولات اجناس عالية بمعنى انه لا

ص: 31


1- الوضع عبارة عن النسبة الحاصلة بين اجزاء الجسم الواحد ، فأنت اذا جلست حصلت نسبة خاصة بين اجزاء جسمك ، واذا وقفت حصلت نسبة اخرى ، واذا ركعت حصلت نسبة ثالثة وهكذا ، فالركوع اذن نسبة تدخل تحت مقوله الوضع.
2- للكيف اقسام متعددة ، فقد يكون نفسانيا كالحب والبغض ، وقد يكون مسموعا كالقراءة ، وقد يكون مذوقا كالحلاوة والمرارة ، وقد يكون ملموسا كالخشونة والليونة وهكذا.
3- المقصود من المقولات العشر : ان كل موجود في العالم ما سوى اللّه تعالى لا بد وان يدخل اما تحت الجوهر او تحت العرض ولا يمكن ان يكون الموجود لا جوهرا ولا عرضا ، وذكروا ان للعرض اقساما تسعة : الكم ، الكيف ، الأين ، متى ، ان يفعل ، ان ينفعل ، الاضافة ، الوضع ، الملك. واذا ضممنا هذه الاقسام التسعة للعرض الى الجوهر صار كل موجود في العالم لا يخلو من احد هذه الاقسام العشرة المسماة بالمقولات العشر

يوجود شيء اعلى منها يكون جنسا شاملا لها ، وقالوا هي ماهيات متباينة تباينا تاما (1) ، فالجوهر يباين الكيف او الوضع مباينة تامة ، وما دام تباينها تاما فلا يمكن وجود شيء واحد جامع لها والاّ يلزم عدم تباينها تباينا تاما.

هذا ما ذكره اصحاب هذا الاتجاه ، وقد عرفت فيما سبق ان رأي السيد الشهيد قدس سره وجود موضوع واحد لعلم الاصول وهو العناصر المشتركة.

قوله ص 15 س 17 وهو الجامع الذاتي لافراده : لعل المناسب ان يقال : وهو الاشياء المتعددة التي يجمعها جامع ذاتي واحد. ثم انه ليس المقصود من لفظ النوع هنا المصطلح المنطقي بل يراد به كل امر ذاتي سواء كان نوعا او جنسا او فصلا.

قوله ص 16 س 1 وهو الجامع الانتزاعي : لعل المناسب ان يقال : وهو الاشياء المتعددة التي يجمعها عنوان واحد.

قوله ص 16 ص 10 : مقولات ماهوية : فان لكل مقولة ماهية غير ماهية المقولة الاخرى.

ص: 32


1- اذا لو لم تكن متباينة تباينا تاما لكانت مشتركة في شيء واحد ، وهذا المشترك يلزم ان يكون جنسا لها ، والمفروض انها اجناس عالية لا يوجد جنس اعلى منها.

الحكم الشرعي وتقسيماته

اشارة

ص: 33

ص: 34

الحكم الشرعي وتقسيماته :

قوله ص 17 ص 1 قد تقدم في الحلقة السابقة :

البحث في الحكم بالشكل المذكور هنا هو من خصائص هذا الكتاب الجليل ولا يوجد في الكتب الاصولية المتداولة.

وهنا سؤال يقول : ما هو معنى الحكم وكيف نفسره؟ والاجابة عن هذا السؤال مرت في الحلقة الاولى ص 65 حيث ذكر قدس سره تفسيرين للحكم :

احدهما : التفسير المشهور القائل ان الحكم هو الخطاب المتعلق بفعل المكلّف. واشكل عليه باشكالين.

ثانيهما : تفسير طرحه هو قدس سره يقول : ان الحكم هو الخطاب الصادر من اللّه سبحانه لتنظيم حياة الانسان ، ولاستيضاح كل ذلك لا بدّ من مراجعة الحلقة الاولى.

وسؤال آخر يقول : الى كم قسم ينقسم الحكم الشرعي؟ والجواب مرّ في الحلقتين الاولى والثانية حيث عرفنا ان الحكم الشرعي ينقسم الى قسمين : حكم تكليفي ، وحكم وضعي.

والفرق بينهما : ان الحكم اذا كان مرتبطا بعمل المكلّف مباشرة فهو تكليفي ، كما هو الحال في الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة حيث نقول تجب الصلاة وتحرم السرقة ، فان الوجوب والحرمة متعلّقان بالصلاة والسرقة

ص: 35

اللتين هما فعل للمكلّف.

اما اذا لم يرتبط الحكم بفعل المكلّف مباشرة فهو وضعي كالنجاسة والزوجية وغيرهما فحينما نقول الثوب نجس نجد النجاسة مرتبطة مباشرة بالثوب ، وارتباطها بفعل المكلّف ارتباط غير مباشر ، فان الثوب اذا كان نجسا فبالتالي يجب على المكلّف اجتنابه في الصلاة.

وباختصار يمكننا ان نقول : الحكم التكليفي عبارة عن الاحكام الخمسة اي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة (1) والحكم الوضعي هو كل حكم مما عدا الاحكام الخمسة كالزوجية والحرية والنجاسة وو ...

ثم ان الحديث عن الحكم التكليفي مرّ بصورة موجزة في الحلقة الثانية ص 13 فما بقي هنا الا التحدث عن الحكم الوضعي فنقول :

ان الحكم الوضعي له شكلان ، ففي شكله الاول يكون موضوعا لحكم تكليفي كالزوجية فانها حكم وضعي وتقع موضوعا لحكم تكليفي كوجوب الانفاق فيقال مثلا : يجب الانفاق على الزوجة ، وكالملكية فانها موضوع لحرمة التصرف فيقال : يحرم التصرف في ملك المالك بدون اذنه.

وفي الشكل الثاني يكون الحكم الوضعي منتزعا من الحكم التكليفي كما في الجزئية والشرطية ، فان المولى اذا قال : يجب في الصلاة الركوع والسجود وو ... عند الزوال انتزعنا الجزئية للركوع والسجود والشرطية للزوال.

وبعد ان عرفنا هذين الشكلين للحكم الوضعي نتناول بالحديث اولا

ص: 36


1- هناك كلام بين الاصوليّين في ان الاباحة هل هي واحد من الاحكام التكليفية او لا؟ ووجه التشكيك ان الاباحة ترجع الى انتفاء الاحكام الاربعة الاخرى ولا تحتاج الى جعل خاص بها بل يكفي في تحققها عدم جعل الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة.

الشكل الثاني.

الشكل الثاني :

وفي هذا الشكل نطرح السؤال التالي : هل جزئية السورة يمكن ان تحصل من طريق الجعل الاستقلالي - بان يقول المولى : جعلت السورة جزءا للصلاة - بعد وضوح امكان حصولها عن طريق الانتزاع؟ ولأول وهلة قد يقال وما المانع من حصول الجزئية بالجعل الاستقلالي؟ فانا نرى بالوجدان امكان ان يقول المولى جعلت السورة جزءا للصلاة ، هذا ولكن الصحيح عدم امكان ذلك لوجهين :

أ - ان المولى اذا اراد ان يجعل الجزئية للسورة فنحن نسأل هل قبل جعله للجزئية يغير الحكم التكليفي المتعلّق بالصلاة؟ فان كان يغيره - بمعنى ان الامر اذا كان قبلا يقول يجب الركوع والسجود والتشهد فالآن يغير المولى هذا الامر ويقول يجب الركوع والسجود والتشهد والسورة فيضيف السورة ويجعلها متعلقة للامر الجديد - فيكفي ذلك لحصول الجزئية للسورة بلا حاجة الى جعل استقلالي بل يكون لغوا الاّ اذا فرض ان المقصود منه الاخبار دون الانشاء ، بمعنى ان المولى بقوله جعلت السورة جزءا يخبر عن حصولها قبلا بسبب تغيير الامر ، الاّ ان هذا خارج عن محل البحث اذ هو في الجعل والانشاء دون الاخبار ، هذا كله اذا فرض ان المولى يغير الامر السابق.

وان فرض انه لا يغيره قبلا لزم من ذلك التهافت ، اذ كيف تجعل السورة جزءا وفي نفس الوقت يبقى الامر السابق على حاله دون ان يشمل السورة.

ب - ان الجزئية من الامور الواقعية الحقيقية كالحب والبغض فكما انهما

ص: 37

امران حقيقيان قائمان بالنفس ولا يمكن ايجادهما بالانشاء - فان الانشاء ولو حصل مرارا لا يمكن ان يحصّل الحب فلو قلت مرارا اني احبك اني احبك ... فلا يحصل بذلك الحب وانما يحصل باسبابه الخاصة كتقديم هدية مثلا - فكذلك الجزئية لا يمكن ان تحصل بالانشاء.

ولماذا نذهب بعيدا فانه يكفينا الالتفات الى الجزئية في الاجزاء الخارجية ، فاذا كانت لدينا ورقة واردنا جعلها جزءا من الكتاب فلا يمكن ان تحصل جزئيتها بقولك جعلت الورقة جزءا من الكتاب وانما تحصل بلصقها داخل الكتاب بمادة لاصقة ، وهكذا الحال في جزئية السورة للصلاة فانها امر حقيقي واقعي - من الطبيعي ان واقعها الذي تنزع منه هو عالم الجعل والتشريع فان واقع كل شيء بحسبه - لا يمكن ان يحصل بالانشاء بل بسببه الخاص وهو الانتزاع من الوجوب الموجّه الى جميع الاجزاء التي منها السورة (1).

الشكل الاول :

وفي هذا الشكل الذي هو كالزوجية الواقعة موضوعا لوجوب الانفاق نطرح نفس السؤال السابق : هل الزوجية يمكن ايجادها بالجعل الاستقلالي او لا توجد الاّ بانتزاعها من الحكم بوجوب الانفاق على هذه المرأة او تلك؟ الصحيح انها تحصل بالجعل الاستقلالي ولا يمكن ان تكون منتزعة ، اذ وجوب الانفاق منصبّ على عنوان الزوجة ، فلا بد وان تكون الزوجية مجعولة في المرحلة الاولى حتى ينصب عليها وجوب الانفاق بعد ذلك ، فلو كانت منتزعة من وجوب

ص: 38


1- لا يخفى ان عبارة الكتاب لم تسق الوجهين اللذين ذكرناهما كوجهين متمايزين بل ساقتهما كوجه واحد وصاغت الوجه الثاني كعبارة اخرى للوجه الأول ، والمناسب ما فعلناه.

الانفاق كان ذلك دورا واضحا لتوقف الزوجية على وجوب الانفاق ووجوب الانفاق على الزوجية.

وقد يوجّه انتزاع الزوجية من وجوب الانفاق وعدم جعلها بالجعل الاستقلالي بلزوم محذور اللغوية بتقريب ان المولى اذا لم يشرع وجوب الانفاق فلا معنى لجعل الزوجية بالجعل الاستقلالي ، اذ ما الفائدة من جعلها بعد ما لم يشرع لها وجوب الانفاق ولا غيره من الاحكام؟ وان فرض ان المولى شرّع وجوب الانفاق فايضا لا معنى لجعل الزوجية بالجعل الاستقلالي لإمكان توجيه وجوب الانفاق الى كل امرأة امرأة اجري معها العقد بلا حاجة الى جعل الزوجية مسبقا فيقال مثلا : هذه المرأة يجب الانفاق عليها وتلك المرأة يجب الانفاق عليها وهكذا.

ويمكن ردّ هذا التوجيه ببيانين :

أ - ان الزوجية وامثالها لها جذور عقلائية ، بمعنى انها متداولة بين العقلاء بقطع النظر عن التشريع الاسلامي ، والاسلام ليس هو المشرّع لها كي يقال بلزوم اللغوية من تشريعه لها ، ولئن كان هناك اشكال فهو موجّه الى العقلاء دون الشارع.

ب - ان وجوب الانفاق وان امكن توجيهه الى كل امرأة وامرأة بعد عقد الزواج معها الاّ ان ذاك عمل شاق فلا معنى لأن ينتظر المولى كلّ امرأة يجري معها العقد ليوجّه لها وجوب الانفاق ، ان هذا عمل يفقد الانتظام ، بخلاف ما لو جعلت الزوجية في مرحلة اسبق حيث يكون حينئذ تشريع قانون وجوب الانفاق امرا سهلا ومنتظما فيقول المولى مرة واحدة : يجب الانفاق على الزوجة.

قوله ص 17 س 9 بالمركب منها : اي المركب من السورة وغيرها ، وانما

ص: 39

خصصت السورة بالذكر لدوران الحديث عنها.

قوله ص 18 س 4 للواجب من السورة : اي للواجب من السورة وغيرها ، ويحتمل ان المقصود : يكفي هذا الامر التكليفي في انتزاع عنوان جزئية السورة للواجب.

قوله ص 18 س 6 وبكلمة اخرى : الانسب جعل هذا وجها مستقلا كما فعلنا.

قوله ص 18 س 10 ومنشأ الانتزاع : عطف تفسير على سابقة لأن وعاء الواقع هو الوعاء الذي تنتزع منه الجزئية.

قوله ص 18 ص 14 عقلائيا وشرعا : قيدان للاحكام التكليفية ، فان الاحكام الثابتة للزوجية بعضها شرعي كوجوب الانفاق وبعضها عقلائي كوجوب العمل في المنزل ، ويحتمل كونهما قيدين لقوله « وقوعه ».

قوله ص 19 س 6 والجواب : سياق العبارة يستفاد منه ذكر جواب واحد الاّ ان الاولى التفكيك وجعله جوابين لا واحدا.

ص: 40

شموليّة الحكم للعالم والجاهل

اشارة

ص: 41

ص: 42

شمول الحكم للعالم والجاهل :

قوله ص 19 س 10 واحكام الشريعة تكليفية ... الخ :

وقع تساؤل يقول : هل الاحكام التي شرعها سبحانه كوجوب الصلاة والصوم تختص بخصوص العالم بها او تعمّ جميع الناس بما فيهم الجاهل؟ وقد تبدو الغرابة على هذا التساؤل حيث تقول من المحتم اختصاص الاحكام بالعالم ، اذ كيف يعاقب الانسان على شيء لم يعلم به.

ولدفع الغرابة نقول : ان التساؤل عن اختصاص الاحكام وشمولها تارة يطرح بالنسبة الى العقاب فيقال : هل الجاهل بالحكم يستحق العقاب او لا؟ وجوابه واضح ، فالعقاب مختص بالعالم ولا يتنجز (1) الحكم الاّ في حق من اطّلع عليه. واخرى يطرح بلحاظ عالم التشريع ، فالحكم عند تشريعه هل خصص بالعالم او لا ، بعد الفراغ عن اختصاصه في مرحلة العقاب بالعالم؟ وقد تقول : ان البحث بهذه الصيغة لغو ، اذ ما لفائدة في ثبوت الحكم في عالم الواقع بحق الجاهل ما دام لا يعاقب عليه؟ وهذا الكلام وجيه يأتي التعرّض له بعد قليل.

ولنعد الى صلب الموضوع ، اتفقت كلمة الامامية حتى صار ذلك من القضايا الواضحة لديهم على شمول الاحكام للجميع للوجوه التالية :

أ - الاخبار المستفيضة (2) الدالة على اشتراك الاحكام ، وقد ورد في بعض

ص: 43


1- التنجّز عبارة اخرى عن استحقاق العقاب.
2- الاستفاضة مرتبة دون التواتر بقليل.

الاحاديث ما مضمونه : يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له هلاّ عملت فيقول لم اعلم ، فيقال هلاّ تعلّمت (1). ان هذا الحديث يدل بصراحة على ثبوت الاحكام في حق الجاهل ايضا والاّ لم يكن للتوبيخ والعقاب معنى.

ب - ان نفس الادلة الاولية - كدليل وجوب الصوم والصلاة وو ... - تكفي لاثبات التعميم فانها مطلقة ولم تقيد بالعالم.

ومقتضى هذين الوجهين ثبوت الاشتراك الاّ اذا قام دليل خاص على الاختصاص كما في الجهر بدل الاخفات وبالعكس او الاتمام بدل القصر.

ج - تقدم في الحلقة الثانية ص 261 ان من المستحيل اختصاص الحكم بالعالم للزوم محذور الدور ، فان الحكم اذا كان ثابتا لخصوص العالم كان معنى ذلك توقف الحكم على العلم بالحكم مع ان من الواضح توقف العلم بالحكم على ثبوت نفس الحكم - فان العلم بالشيء موقوف على ثبوت ذلك الشيء - ونتيجة هذا توقف ثبوت الحكم على ثبوت الحكم. وقد مرّ في الحلقة السابقة اشكال وجواب على هذا الدور.

كيف نخالف الوجدان؟

قد يقال : ان محذور الدور وان كان وجيها الاّ انا نشعر بالوجدان ان تقييد الحكم بالعلم امر ممكن فمن الوجيه ان يقول المولى لعبده ان اطّلعت على تشريع الوجوب للحج وجب عليك حينذاك الحج. وكيف التوفيق بين هذا الوجدان وبين الدور؟

والجواب : لا بد من التمييز بين صورتين في احداهما يقيّد الحكم الفعلي بالعلم بنفس الحكم الفعلي ، وهذا ما كنا نبحث عنه وقلنا انه غير ممكن لمحذور

ص: 44


1- راجع نص الحديث في البحار : 1 / 177 ح 58.

الدور. وفي الصورة الثانية يقيد الحكم الفعلي بالعلم بالتشريع ، فيقول المولى : اذا علمت بتشريع الحكم كان ثابتا عليك بالفعل ، وهذه الصورة ممكنة ولا يلزم فيها محذور الدور ، وهي ما يعبّر عنها بتقييد المجعول (1) بالعلم بالجعل (2) ، بخلافه في الصورة السابقة حيث يقيد المجعول بالعلم بنفس المجعول. وما نشعر بامكانه بالوجدان هو الصورة الثانية ، وما قلنا بلزوم محذور الدور فيه هو الصورة الاولى.

ثمرة البحث :

وبعد ان عرفنا استحالة اختصاص الحكم بالعالم نعرج على ثمرة البحث المذكور.

ان الاحكام اذا كانت عامة لجميع الناس فلازم ذلك ان الامارة والاصل اللذين يتمسك بهما المكلف حالة جهله بالحكم الواقعي قد تصيبان وقد تخطئان ، فان الاحكام الواقعية ما دامت ثابتة حالة الجهل فالامارة وهكذا الاصل قد تصيبها وقد لا تصيبها ، غاية الامر في حالة عدم الاصابة يكون المكلف معذورا وغير مستحق للعقاب لانه اتبع ما جعله الشارع حجة عليه. وتسمى هذه الحالة - أي حالة كون الامارة مصيبة تارة ومخطئة اخرى - بمسلك التخطئة ، وهو كما اتضح لا يعني كون الامارة مخطئة دائما ، بل يعني انها قد لا تصيب الواقع احيانا.

وهناك مسلك آخر معاكس تماما لمسلك التخطئة يسمى بمسلك التصويب ، وهذا المسلك له شكلان :

ص: 45


1- المجعول : عبارة اخرى عن الحكم الفعلي.
2- الجعل : عبارة اخرى عن التشريع أو الحكم الانشائي.

أ - ان يفرض ان اللّه سبحانه لم يسجل في حق الجاهل شيئا من الاحكام وانما ينتظر اخذ المكلف بالامارة ، فان اخذ بها وقالت ان صلاة الجمعة واجبة مثلا سجل في حق الانسان المذكور وجوب صلاة الجمعة ، وان قالت بحرمتها سجلت الحرمة. وبناء على هذا لا يتصور خطأ الامارة للواقع ، اذ ليس للواقع وجود بقطع النظر عنها حتى تصيبه مرة وتخطئه اخرى ، بل هي المولّدة له (1).

وهذا الشكل واضح البطلان ، فان الواقع ما دام لا يشتمل على حكم فالامارة تكون امارة ومرشدة الى ماذا؟

ب - ان يفرض اشتمال الواقع على احكام مشتركة بين الجميع ، بيد ان الامارة بعد الاخذ بها اذا كانت مطابقة للواقع بقي الواقع على ما هو على ، وان لم تطابقه زال وتسجّل بدله الحكم الذي ادت اليه الامارة ، وبناء على هذا الشكل لا يمكن خطأ الامارة ايضا لان المفروض تبدل الواقع وتسجيل مضمون الامارة عند عدم اصابتها.

والتصويب بهذا الشكل وان كان في نفسه معقولا ولا يسجّل عليه ما سجّل على الشكل السابق لكنه غير مقبول ، اذ بناء عليه لا يوجد حكم واحد مشترك بين الجميع ، فمن كانت امارته مخطئة يكون الحكم في حقه مغايرا لمن لم تكن امارته مخطئة. وعدم الاشتراك في حكم واحد باطل لوجهين سبق وان اشرنا لهما :

1 - ان عدم الاشتراك مخالف لظاهر ادلة الاحكام حيث انها تقتضي بمقتضى اطلاقها اشتراك الاحكام بين جميع الناس.

ص: 46


1- ولوضوح بطلانه ينقل صاحب المعالم في كتابه ان كل واحدة من فرقتي الاشاعرة والمعتزلة تبرأت منه ونسبته الى الفرقة الاخرى.

2 - ان عدم الاشتراك مخالف للادلة المستفيضة (1) الدالة على الاشتراك.

قوله ص 19 س 11 واحكام الشريعة تكليفيّة ووضعيّة : فحرمة الخمر التي هى حكم تكليفي تعم الجميع كما وان نجاسته التي هي حكم وضعي تعم الجميع ايضا.

قوله ص 19 س 11 في الغالب : التعبير بالغالب اشارة الى ان بعض الاحكام لا تعم الجاهل كوجوب القصر والاتمام والجهر والاخفات ، ومن هنا وقع بحث بين الاصوليين في توجيه اختصاص الحكمين المذكورين بالعالم بعد ما تقدم من استحالة الاختصاص لمحذور الدور.

قوله ص 20 س 4 وفقا لطبيعة العلاقة بين الحكم وموضوعه : العلاقة بين الحكم وموضوعه هي علاقة العلية والمعلولية ، فالحكم معلول والموضوع علة ، ولازم ذلك تقدم الموضوع على الحكم وتوقف الحكم على الموضوع ، لان العلة متقدمة على المعلول والمعلول متوقف على العلة. وقد تقدم في الحلقة الاولى ص 127 س 13 الاشارة الى طبيعة العلاقة هذه.

قوله ص 20 س 7 المجعول فيه : الانسب حذف كلمة فيه.

قوله ص 20 س 9 في الشبهة الحكمية او الموضوعية : اذا كان الحكم المشكوك كليا فالشبهة حكمية ، كالشك في حكم التدخين ، فان الشك فيه شك في الحكم الكلي للتدخين الكلي ، واذا كان المشكوك حكما جزئيا فالشبهة موضوعية كالشك في ان هذا الحيوان المعين ذكّي اولا.

قوله ص 20 س 11 والادلة : اي الامارات.

ص: 47


1- دعوى استفاضة الاخبار باشتراك الاحكام ذكرها الشيخ الاعظم في رسائله وعهدة ذلك عليه.

قوله 20 س 14 وفي مقابلة : الصواب وفي مقابله. اي في مقابل مسلك التخطئة مسلك آخر يسمى مسلك التصويب.

قوله ص 20 س 16 له : اي لله سبحانه.

قوله ص 20 س 16 من حيث الاساس : اي ابتداءا وبقطع النظر عن الامارة.

قوله ص 20 س 17 عنها : اي عن الادلة والاصول.

قوله ص 21 س 1 مخفّفة : اي اقل محذورا.

قوله ص 21 س 2 من حيث الاساس : اي بقطع النظر عن الامارة.

ص: 48

الحكم الواقعي والظاهري

ص: 49

ص: 50

الحكم الواقعي والظاهري :

قوله ص 21 س 12 ينقسم الحكم الشرعي ... الخ : تقدم في الحلقة الثانية ص 18 ان الحكم الشرعي ينقسم الى قسمين واقعي وظاهري ، فان الحكم اذا كان ثابتا للشيء من دون تقييد بالشك او بالاحرى بعدم العلم فهو واقعي ، وان كان مقيدا بذلك فهو ظاهري.

مثال الأول : وجوب الصلاة ، فانه ثابت للصلاة من دون اي قيد ، وهكذا مثل وجوب الحج وحرمة السرقة وو ...

ومثال الثاني : الاصول العملية والامارات ، فان اصالة الاباحة مثلا تثبت الاباحة عند عدم العلم بالحكم الواقعي ، وهكذا الامارة فانها حجة عند عدم العلم بالواقع.

والابحاث عن الحكم التي تقدمت منا سابقا كنا نقصد منها التحدث عن خصوص الحكم الواقعي ، وبقي علينا التحدث عن الحكم الظاهري ، ولكن قبل ختم الحديث عن الحكم الواقعي نشير الى قضية ترتبط به وهي : ان للحكم الواقعي - على ما تقدم في الحلقة الثانية - مرحلتين :

أ - مرحلة الواقع المعبر عنها بمرحلة الثبوت.

ب - مرحلة الابراز والاظهار المعبر عنها بمرحلة الاثبات.

وفي مرحلة الثبوت يمر الحكم بادوار ثلاثة فانه لا بد من فرض المصلحة

ص: 51

اولا ثم الارادة ثانيا (1) وفي الدور الثالث يحكم المولى ويعتبر الحكم في ذمة المكلّف.

واذا اردنا استيضاح هذه الادوار اكثر امكننا مراجعة القوانين المدينة ، فان الدولة اذا ارادت اصدار قانون فاولا تلحظ المصلحة في تشريع القانون ، وبعد احرازها لذلك يحصل لديها ارادة نحوه ثم في الدور الثالث تأخذ بالحكم وجعل القانون ، وبتمامية هذه الادوار تعلن عن القانون في الصحف والجرائد ، ان الادوار الثلاثة الاولى هي التي تمثل ادوار مرحلة الثبوت ، والدور الرابع (2) هو الذي يمثّل مرحلة الاثبات.

والذي نريد التحدث عنه الآن هو الدور الثالث ، وهو دور جعل الحكم المعبر عنه بالاعتبار ، ان جعل الحكم واعتبار الفعل في ذمة المكلف تعبيران مترادفان. وللاعتبار ثلاث خصائص هي :

أ - ان الحكم في عالم الثبوت وان كان بحاجة الى الادوار الثلاثة السابقة الاّ ان المهم منها هو الاولان ، فبدون المصلحة والارادة لا يكون للحكم حقيقة وروح ، فان روح الحكم وحقيقته تكمن في المصلحة والارادة ، واما الاعتبار فهو اجنبي عن ذلك ، ودوره دور العامل المنظّم والصياغي للحكم ، فالاعتبار صياغة للحكم ومنظم له وليس وجوده ضروريا في حقيقته.

ومن نتائج هذا الفرق بين الدورين الاولين والثالث ان العبد لو اطّلع على

ص: 52


1- حذفنا كلمتي المفسدة والكراهية خوف التشويش ، ويعبر عن المصلحة والمفسدة بملاك الحكم ، كما ويعبر عن مجموع الدورين الاولين بمبادىء الحكم ، فاذا قيل مبادىء الحكم فالمراد المصلحة والمفسدة والارادة والكراهة.
2- اي الاعلان عن ذلك في الصحف والجرائد.

ارادة المولى لشيء يشتمل على مصلحة من دون ان يجعل الحكم ويعتبره في ذمته كما لو صرّح وقال : « اني اريد منك الاتيان بالماء » كفى ذلك في وجوب الامتثال ، فان العبارة المذكورة وان كانت لا تبرز الاعتبار بل الارادة فقط بيد انها كافية في وجوب الامتثال.

ب - ان الاعتبار قد لا يستعمله المولى - وان كانت الاستعانة به هي الطابع العام - كما هو الحال في الاحكام الموجهة الى افراد معيّنة مثل قول المولى لعبده اريد منك الماء ، فان الحكم المذكور موجه لفرد معين ، وهذا بخلاف الاحكام التي لها طابع العمومية والشمول فانه يستعان عادة فيها بالاعتبار كقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... ) فان الآية الكريمة واضحة في جعل الحكم واعتباره في ذمة كل مستطيع ، ومثل : كل من بلغ السن القانوني فعليه خدمة العلم او كل من بلغ السن الشرعي وجب عليه الصوم والصلاة وو ...

ج - ان المصلحة اذا اقتضت شيئا معينا واراده المولى ففي مقام جعل الحكم قد يحكم بوجوب نفس ذلك الشيء الذي تمركزت فيه المصلحة والارادة - وهذه الصورة هي الغالبة - وقد لا يحكم بوجوب ذلك الشيء وانما يحكم بوجوب مقدمته التي تؤدي اليه. اذن ليس من اللازم تعلق الوجوب والاعتبار بنفس ما فيه المصلحة والارادة بل قد يتعلقان بمقدمته ، كما هو الحال في الزواج ، فان العلقة الزوجية هي التي يريدها الشارع وفيها المصلحة ولكنه في مقام جعل الحكم قد يقول المولى يجب العقد الذي هو كما نعلم سبب مؤد الى العلقة الزوجية وليس نفسها.

ومثال آخر يأتي من السيد الشهيد نفسه الاشارة اليه ص 372 ، فان المشهور حينما عرّفوا الواجب الغيري بانه عبارة عن الواجب الذي وجب لاجل

ص: 53

واجب آخر اشكل عليهم بان لازم التعريف المذكور صيرورة جميع الواجبات واجبات غيرية ، فان الصلاة مثلا وجبت لاجل فائدة معينة ، وهي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر ، وهذه الفائدة واجبة التحصيل - والاّ فكيف وجبت الصلاة - ولازم ذلك ان تكون الصلاة قد وجبت لاجل واجب آخر وهو الفائدة.

ان هذا الاشكال اجيب عنه بان الانتهاء عن الفحشاء وان كان محبوبا ومرادا للشارع المقدس الاّ ان الوجوب لم يتعلق به وانما تعلق بالصلاة ، فالشارع لم يقل يجب الانتهاء عن الفحشاء بل قال : اقيموا الصلاة ، وما دام الوجوب والاعتبار لم يتعلق بالفائدة فلا يصدق على الصلاة انها وجبت لاجل واجب آخر.

وباختصار : ان الوجوب والاعتبار قد يتعلق بشيء آخر غير ما تمركزت فيه الارادة والمصلحة ، اذ المولى بعد ان كان له حق الطاعة علينا فله الحق في تحديد المركز الذي تجب اطاعته فيه ، فلربما يجعل المركز نفس ما فيه المصلحة والارادة ولربما يجعله المقدمة الى ذلك التي هي ليست مراده بالاصالة ، والى هنا ينتهي الحديث عن الاحكام الواقعية ويقع بعد ذلك عن الاحكام الظاهرية.

قوله ص 21 س 13 حكم شرعي مسبق : المراد من الحكم المسبق هو الحكم الواقعي فان الحكم الظاهري مجعول عند الشك في الحكم الواقعي.

قوله ص 21 س 14 الاحكام الواقعيّة : مفعول به لكلمة نقصد.

قوله ص 22 س 2 ليس عنصرا ضروريا : يوجد كلام في عدد مراحل الحكم فالشيخ العراقي في بدائع الافكار ص 325 ذهب الى ان حقيقة الحكم هي الارادة المسبوقة بالمصلحة فوجوب الصلاة مثلا عبارة عن ارادة الصلاة ، والاعتبار ليس واحدا من مراحل الحكم ، وعبارة الكتاب لا تنفي كون الاعتبار

ص: 54

واحداً من مراحله وانما تنفي ضرورته ، فالحكم اعتبار شرعي بيد ان روحه المقومة له هي المصلحة والارادة دون الاعتبار ، وانما يستعين الحاكم به لتعيين مصب حق الطاعة.

قوله ص 22 س 3 بل يستخدم غالبا : كلمة غالبا المستعملة هنا وبعد سطر يشير بها قدس سره الى الخصوصية الثانية من الخصوصيات الثلاث للاعتبار.

قوله ص 22 س 4 الذي يقوم الاعتبار : في العبارة شيء من التأمل ، والمناسب ان يقال : ونريد ان نشير الآن الى حقيقة العنصر الثالث الذي هو الاعتبار ، والتعبير بكلمة غالبا في غير محله ، فان كون العنصر الثالث هو الاعتبار دائمي وليس غالبيا وانما الغالب الاستعانة بالاعتبار.

ص: 55

ص: 56

الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية

اشارة

ص: 57

ص: 58

الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية :

قوله ص 23 س 1 واما الاحكام الظاهرية ... الخ : وقع كلام بين الاصوليين في ان الشارع هل يمكنه جعل الامارة والاصل العملي حجة (1) او لا؟ نسب الى ابن قبة - الذي هو احد علمائنا المتقدمين - استحالة ذلك ، فخبر الثقة مثلا لا يمكن جعله حجة لما يأتي من محاذير.

والمحاذير وان سجلها ابن قبة بلغته القديمة ، بيد انها بمرور الزمن هذّبت ومنهجت بما نراه اليوم.

كما وان المحاذير التي سننقلها لم يذكرها ابن قبة جميعا ، وانما ذكر بعضها واضيف اليه بعد ذلك بعض آخر.

وترجع حصيلة المحاذير الى ان الحكم الظاهري يتنافى والحكم الواقعي ولا يجتمع معه ، ومن هنا فاللازم لدفع هذه المحاذير التوفيق الكامل بين الحكم الظاهري والواقعي بحيث يمكن اجتماع هذا مع ذاك ، ولهذا يطلق الاصوليون على هذا المبحث اسم مبحث الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (2).

وقد تفنن الاصوليون في كيفية الاجابة عن المحاذير المذكورة ، وقد تركت

ص: 59


1- والمراد بالحكم الظاهري هنا هو هذه الحجيّة الثابتة للامارة والاصل ، وقد يطلق الحكم الظاهري على الحكم المستفاد من الامارة والاصل.
2- كان من الراجح للسيد الشهيد قبل ذكره لشبهات ابن قبة تسجيل عنوان باسم الجمع بين الاحكام الظاهري والواقعية.

بعض الاجوبة تأثيرها على بعض المسائل الاصولية الاخرى الامر الذي يعطي لهذا المبحث اهميته حتى عبّر السيد الشهيد قدس سره عن هذه المحاذير في مجلس درسه الشريف بأنها حرّكت عجلة علم الاصول.

وتلك المحاذير او الشبهات ثلاث :

1 - تقدم في البحث السابق ان الاحكام الواقعية مشتركة بين الجميع ، ولازم ذلك اجتماع المثلين او الضدّين ، فان الحكم الواقعي لصلاة الجمعة اذا كان هو الوجوب مثلا وادّت الامارة التي اخذ بها المكلّف الى الوجوب ايضا لزم اجتماع المثلين على صلاة الجمعة : الوجوب الواقعي والوجوب الظاهري. وان ادّت الامارة الى الحرمة لزم اجتماع الضدين : الوجوب الواقعي والحرمة الظاهرية.

وهذه الشبهة تسمى بشبهة التضاد وهي مبنية على القول باشتراك الاحكام الواقعية ، اما على القول بالتصويب - بمعنى خلو الواقع عن الحكم في الجاهل - فلا تتم كما هو واضح.

وقد تقول ما المحذور في اجتماع الحكمين المتضادين او المتماثلين ما دام احدهما واقعيا والآخر ظاهريا وانما المحذور - كما تقدم في الحلقة الثانية ص 20 - يختص بما اذا كان الحكمان واقعيين او ظاهريين؟

والجواب : ان ما تقدم في الحلقة الثانية كان جوابا مؤقتا والاّ فمجرد كون احد الحكمين ظاهريا والآخر واقعيا لا يزعزع من المشكلة شيئا ، فان كل واحد من الحكمين ما دام ناشئا عن مبادىء خاصة به فيلزم من اجتماع الحكمين اجتماع المصلحتين او المفسدتين او المصلحة والمفسدة ، وهذا المحذور يعمّ حالة ما اذا كان

ص: 60

احد الحكمين ظاهريا او واقعيا كما هو واضح.

اجل اذا كان يقصد من دعوى نفي المحذور في اجتماع الحكمين ما دام احدهما واقعيا والآخر ظاهريا معنى ادق - بأن يكون المقصود ان الحكم الواقعي ناشىء عن مصلحة ثابتة في صلاة الجمعة والحكم الظاهري لم ينشأ من مصلحة اخرى مغايرة للاولى كما يأتي توضيحه في الجواب الثالث - كان ما ذكر وجيها.

2 - ان صلاة الجمعة اذا كانت محرمة واقعا وادّت الامارة الى اباحتها لزم ترخيص المكلف في اداء الجمعة وبالتالي في ارتكاب المفسدة وهو قبيح ، وان كانت الجمعة واجبة واقعا وادّت الامارة الى عدم وجوبها لزم الترخيص في ترك المصلحة وهو قبيح ايضا ، وتسمى هذه الشبهة بشبة نقض الغرض.

3 - ان صلاة الجمعة اذا كانت واجبة واقعا وفرض ان المكلّف لم يكن عالما بذلك ولم تقم امارة عليه فلا اشكال في عدم صحة عقابه على تركها لقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » بناء على المسلك المشهور. وهذا واضح ، ولكن لو فرض ان المكلّف لم يحصل له العلم بالوجوب وانما قامت لديه الامارة التي جعلها الشارع حجة فهل في مثل هذه الحالة يستحق العقاب لو ترك الجمعة؟

المشهور بين الاعلام هو الاستحقاق ، ولكن المناسب عدم ذلك اذ اقصى ما تفيده الامارة هو الظن بوجوب الجمعة دون العلم كما يستحق العقاب على مخالفته (1). ومع عدم استحقاقه يكون جعل الحجيّة للامارة لغوا ، اذ قبل جعلها حجة لا استحقاق للعقوبة عند المخالفة ، وبعد جعلها حجة كذلك.

وقد تقول : لماذا لا نلتزم بالتخصيص وان المكلّف يقبح عقابه بلا بيان الاّ اذا قامت الامارة؟

ص: 61


1- من الواضح ان المقصود من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو خصوص العلم.

والجواب : ان قاعدة قبح العقاب قاعدة عقلية ، والقاعدة العقلية لا تقبل التخصيص لأنّ العقل لا يحكم بحكم عام الا بعد عموم العلّة ، ومع عموم العلّة كيف يمكن التخصيص.

وتسمى هذه الشبهة الثالثة بشبهة تنجّز الواقع المشكوك.

شبهة التضاد :

اشارة

وقد سجّل قدس سره ثلاثة اجوبة عن الشبهة الاولى وهي :

الجواب الأوّل :

ما ذكره الشيخ النائيني قدس سره وقبل بيانه لا بدّ من تقديم مقدمة حاصلها انه وقع تساؤل في المقصود من الحجيّة فماذا يقصد من كلمة حجة في قولنا جعل الشارع خبر الثقة حجة؟ ان في ذلك مسالك ثلاثة :

أ - ان خبر الثقة لا يفيد الاّ الظنّ ، والشارع بجعله الحجيّة له يرفعه الى درجة العلم والطريق التامّ بعد ان كان طريقا ناقصا.

وبكلمة اخرى : اذا كان احتمال عدم اصابة الخبر للواقع بدرجة 30% فالشارع بجعله الحجيّة له يلغي هذا الاحتمال ويرفعه الى درجة 100% ، ويسمى هذا المسلك بمسلك جعل العلمية او الطريقية او تتميم الكشف ، وهو يلوح من كلمات الشيخ الاعظم في رسائله واختاره صريحا الشيخ النائيني والسيّد الخوئي.

ب - ان الوجوب الواقعي لصلاة الجمعة مثلا بما انه مجهول لا يكون منجزا ولكن اذا دلّ خبر الثقة عليه وجعله الشارع حجة صار منجّزا ، فحجيّة الامارة اذن عبارة عن جعلها منجّزة للواقع بمعنى استحقاق العقوبة على المخالفة ، واختار

ص: 62

هذا المسلك الآخوند في بعض عبائر الكفاية (1).

ج - ان الامارة اذا قالت : صلاة الجمعة واجبة مثلا جعل الشارع وجوبا ظاهريا لصلاة الجمعة فكل ما تقوله الامارة يجعل الشارع مماثله ، ويسمى هذا المسلك بمسلك جعل الحكم المماثل.

وهناك فارق مهم بين المسلكين الاولين والمسلك الثالث ، فالاخير يتضمن جعل حكم بينما المسلكان الاولان لا يتضمّنان ذلك وانما يتضمّنان جعل العلمية او المنجّزيّة لا اكثر.

وبعد الفراغ من المقدمة المذكورة نعرج على جواب الميرزا.

انه يقول : انّ اشكال اجتماع المثلين او الضدّين ينشأ من تفسير الحجيّة بالاحتمال الثالث ، اذ بناء عليه اذا قامت الامارة على وجوب الجمعة او حرمتها نشأ حكم مماثل لما تقوله ويلزم اجتماعه مع الحكم الواقعي.

هذا ولكن الصحيح تفسيرها بالاحتمال الاول : اي جعلها علما وطريقا من دون ان يثبت على طبقها حكم جديد ليلزم عند اجتماعه مع الحكم الواقعي محذور اجتماع المثلين او الضدّين (2) - هذا جواب النائيني -.

وقريب منه جواب الآخوند في الكفاية حيث قال : ان معنى جعل الحجيّة هو جعل المنجزيّة من دون جعل حكم على طبقها حتى يلزم محذور اجتماع المثلين ، اذن جواب النائيني لا يختلف عن جواب الآخوند من حيث الروح سوى ان الأول فسّر الحجيّة بالمسلك الاوّل ، بينما الثاني فسّرها بالمسلك الثاني.

ص: 63


1- لكن يظهر من بعضها الآخر المسلك الثالث.
2- وقد استفاد الميرزا من مسلك جعل العملية فوائد كثيرة في مسائل اصولية اخرى كما سيتّضح انشاء اللّه.

وقد تسأل : لماذا فسّر النائيني الحجيّة بجعل العلمية دون المنجزيّة كما اختاره الآخوند مع ان تفسيرها بذلك لعله اقرب الى الصواب ، فان المولى حينما يجعل شيئا معيّنا حجّة فلا يقصد من ذلك الا جعله موجبا لاستحقاق العقوبة على تقدير المخالفة؟

والجواب : ان النكتة تكمن في ان الامارة لا تفيد الاّ الظن فكيف يجعلها المولى منجّزة وموجبة لاستحقاق العقوبة والحال ان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ترفض ذلك ، ان الامارة ما دامت لا تفيد العلم فلا يمكن ان يجعلها المولى موجبة لاستحقاق العقوبة ، فلا بد اوّلا من جعل الامارة علما لتصير مخالفتها بعد ذلك موجبة لاستحقاق العقوبة ، فانه مع العلم تصح العقوبة سواء كان العلم علما حقيقيا ام كان ظنا رفع الى درجة العلم.

واورد السيد الشهيد قدس سره على هذا الجواب الاول بأن الميرزا يتصوّر ان المشكلة تنشأ من اجتماع حكمين ولذا حاول تفسير الحجيّة بالعلمية لكي لا يلزم ذلك ، بيد ان الصحيح انها لم تنشأ من ذلك ، اذ مجرد اجتماع حكمين لا محذور فيه فان الحكم مجرد اعتبار ، واجتماع الاعتبارين امر معقول حتى في صورة تنافي متعلقهما ، فيمكن ان يعتبر وقت واحد ليلا ونهارا ، وهكذا في مقامنا يمكن اعتبار صلاة الجمعة واجبة ومحرمة في وقت واحد ، وانما المشكلة تنشأ من اجتماع المصلحتين والمفسدتين او المصلحة والمفسدة ، فان الحكم الواقعي بوجوب الجمعة ناشىء عن مصلحة فيها وحجيّة الامارة ناشئة عن مصلحة اخرى فيها ايضا فيلزم اجتماع المصلحتين ، ان المشكلة تكمن هنا لا في اجتماع الحكمين بما هما اعتباران حتى يحاول تغيير الحجيّة من جعل الحكم المماثل الى جعل الطريقية ، ونحن نقول للميرزا ان حجيّة الامارة اذا كانت ناشئة من مصلحة اخرى في صلاة

ص: 64

الجمعة فيلزم اجتماع المصلحتين سواء فسرنا الحجيّة بجعل الحكم الظاهري المماثل ام بجعل الطريقية ، وان لم تكن ناشئة من ذلك - بان فرض مثلا نشوؤها عن مصلحة في نفس الجعل اي في نفس جعل الحجيّة للامارة لا من مصلحة في صلاة الجمعة - فلا مشكلة حتى وان فسرنا الحجية بجعل الحكم المماثل اذ لا يلزم اجتماع مصلحتين في صلاة الجمعة بل تكون احداهما ثابتة فيها والاخرى في جعل الحجيّة للامارة.

قوله ص 23 س 2 وجّهت فيه عدة اعتراضات للحكم الظاهري : المقصود من الحكم الظاهري هو حجيّة الامارة والاصل ، فان نفس الحجيّة هي الحكم الظاهري.

قوله ص 23 ص 6 فان الحكم الظاهري المجعول على الشاك : المقصود من الحكم الظاهري هنا الحكم الذي تؤدي اليه الامارة.

قوله ص 23 س 11 اذا لم يعط مضمونا محددا : المقصود من المضمون المحدد هو تفسير الحكم الظاهري بشكل لا تكون له مصلحة مستقلة مغايرة لمصلحة الحكم الواقعي كما يأتي ايضاح ذلك في الجواب الثالث.

قوله ص 24 س 5 ومصحّحا للعقاب ... الخ : عطف تفسير.

قوله ص 24 س 11 اشكال التضاد : اي والتماثل ، وحذف اختصارا.

قوله ص 25 ص 6 بالاعتبار : متعلّق بجعله : اي جعله بسبب الاعتبار علما وكاشفا تاما.

قوله ص 25 س 8 وذلك لأن المقصود : تعليل لقوله لان الصحيح ان معنى جعل ... الخ ، اي انما فسرنا حجيّة الامارة بجعل العلمية دون المنجزيّة لان ... الخ.

قوله ص 26 س 4 مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري : اي

ص: 65

ولو كانت هي جعل الحكم المماثل لمضمون الامارة.

قوله ص 26 س 5 ولو بافتراض ... الخ : اي اما يفرض انّه لم ينشأ من مصلحة مستقلة خاصة به او يفرض نشوؤه من مصلحة خاصة به ولكنها غير قائمة بالمتعلق بل بنفس الجعل كما يختار ذلك - قيام المصلحة باصل الجعل - السيد الخوئي دام ظله.

قوله ص 26 س 7 سواء جعل هذا : اي الحكم الظاهري وهو حجيّة الامارة.

الجواب الثاني :

ما ذكره السيّد الخوئي دام ظله من ان صلاة الجمعة إن كانت حراما واقعا مثلا ودلت الامارة على وجوبها فسوف يجتمع حكمان : الحرمة الواقعيّة والوجوب الظاهري ، وهذان الحكمان ليس بينهما تناف بل كمال الألفة ، اذ سبب التنافي لا يخلو من احد امور ثلاثة كلها لا تصلح لذلك :

أ - ان ينشأ التنافي من نفس كون احد الحكمين وجوبا والآخر حرمة ، حيث ان الوجوب والحرمة بما هما وجوب وحرمة متنافيان.

ويرده : ان الوجوب ليس الاّ اعتبار الفعل في ذمة المكلّف والحرمة ليست الاّ اعتبار عدم الفعل ، وواضح ان اعتبار الامرين المتنافيين معقول فان الاعتبار سهل المؤونة ، فيمكن ان نعتبر انسانا معينا رجلا وامرأة في وقت واحد ، او نعتبر وقتا واحدا ليلا ونهارا وهكذا.

ب - ان يكون التنافي من حيث المبادىء فالوجوب بما انه ناشىء عن مصلحة والحرمة عن مفسدة يحصل التنافي بينهما حيث يلزم اجتماع المصلحة

ص: 66

والمفسدة في شيء واحد.

ويرده : ان الحرمة الواقعية وان كانت ناشئة عن مفسدة في صلاة الجمعة الا ان الوجوب الظاهري ليس ناشئا عن مصلحة فيها بل عن مصلحة في نفس الجعل فلا يلزم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد. والنكتة المهمّة في هذا الجواب تتمركز هنا اي في افتراض ان مصلحة الحكم الظاهري قائمة في جعله وانشائه دون متعلقه.

ج - ان يكون التنافي ناشئا من اقتضاء كل منهما امتثالا يتنافى وما يقتضيه الآخر ، فالوجوب يقتضي الاندفاع الى فعل الجمعة بينما الحرمة تستدعي الانسحاب عنه ، فيلزم ان يكون المكلّف في آن واحد مدفوعا الى الفعل ومسحوبا عنه وهو غير ممكن.

ويرده : ان لازم الاخذ بالحكم الظاهري كون الحكم الواقعي مجهولا - اذ مع معلوميّته لا تصل النوبة الى الحكم الظاهري - ومع جهالته فلا يستدعي امتثالا (1) وينحصر الامتثال بالحكم الظاهري.

وببطلان الاسباب الثلاثة للتنافي يصبح اجتماع الحكمين الواقعي والظاهري وجيها.

ويرد الجواب الثاني : اولا : ان الحكم الذي لا مصلحة في متعلقه ليس حكما بحسب الحقيقة ، وكيف يكون حكما والمولى لا يهتم بامتثاله ، اذ غرضه يحصل بمجرد صدور الالفاظ وتحريك لسانه باصدار الحكم ، فان هذا هو معنى ثبوت المصلحة في اصل الجعل ، ان حكما من هذا القبيل لا نعرف له مثيلا في الحياة العقلائية ولا يمكن صدوره من العاقل ، ومن نقض بالاوامر الامتحانية كان جوابه

ص: 67


1- اذ امتثال الحكم فرع العلم به.

ان الغرض في الاوامر الامتحانية لا يحصل بمجرد انشاء الحكم ، بل امتثال الحكم وعدمه ذو دور فعال اذ بذلك يتم التعرف على حال الشخص.

وثانيا : لو فرض ان عاقلا امكن صدور الحكم المذكور منه - كما لو فرض ان شخصا قال له آخر : متى ما اصدرت الحكم المذكور وحرّكت لسانك به فلك جائزة - فمثله لا يجب امتثاله اذ بعد عدم المصلحة في صدوره وعدم اهتمام المولى بذلك فلا يلزم العقل بامتثاله.

وباختصار : ان لازم قيام المصلحة في جعل الحكم الظاهري محذوران : سلخ حقيقة الحكم عن الحكم الظاهري وعدم وجوب امتثاله ، وذلك مما لا يمكن الالتزام به ، فان الحكم الظاهري حكم حقيقة ولذا احتجنا الى التوفيق بينه وبين الحكم الواقعي كما ويلزم امتثاله عقلا.

ومع كل هذا فالجواب المذكور جيد من ناحية وان كان قابلا للتأمل من اخرى ، فهو جيد حيث لم يفرض نشوء الحكم الظاهري من مصلحة في صلاة الجمعة ، وقابل للتأمل حيث فرض تمركز المصلحة في اصل الجعل ، اذن نحن بحاجة الى تصوير الحكم الظاهري بشكل لا تكون مصلحته متمركزة في صلاة الجمعة كما ولا تكون قائمة بأصل الجعل ، وهذا ما سوف نقوم به في الجواب الثالث.

قوله ص 27 س 2 ولا متطلبات عملية : عطف تفسير على سابقه.

قوله ص 27 س 13 يعني تفريغها ... الخ : هذا اشارة الى الايراد الاول ، وقوله ومن اثره عقلا : اشارة الى الايراد الثاني.

قوله ص 27 س 13 ومن اثره عقلا : وهو وجوب الامتثال واستحقاق العقوبة على مخالفته.

ص: 68

الجواب الثالث :

اشارة

وهو الجواب المطروح من قبل السيد الشهيد (1).

وحاصله : انا نعلم ان الشارع المقدّس شرّع شكلين من الاحكام الواقعيّة : المحرمات والمباحات : فحكم على الخمر بالحرمة وعلى الخل بالحليّة. والمكلّف تارة يحصل له العلم بان هذا المسائل خمر فيحكم بحرمته واخرى يحصل له العلم بخليته فيحكم بأباحته ، ولكن ما هو الموقف حالة الشك؟ فاذا واجه المكلّف سائلا يشك في انه خل او خمر فالشارع لا بدّ وان يحدد موقفه اتجاه حالة الشك هذه ، ولاجل ان يتجلى المطلب اكثر افرض نفسك المشرع وافرض انك حكمت بحرمة الخمر وحلية الخل وسألك عبدك عن حكم السائل المشكوك فجوابك لا يخلو من احد شقّين :

أ - ان تقول له : ضع السائل المشكوك امامي لا شخّص انه خمر او خل ، او يفرض ان اللّه سبحانه يلهم العبد بالواقع ، وهذا الطريق ليس عمليا وميسرا فلا بدّ من التفتيش عن طريق آخر.

ب - ان تجرى عملية موازنة بين مصلحة الخل ومفسدة الخمر فان رأيت المفسدة اقوى اصدرت قرارا عاما بلزوم الاجتناب عن كل مشكوك تخفّظا منك على التجنّب عن المفسدة التي هي اهم وان لزم من ذلك التضحية بمصلحة الخل فيما لو كان المشكوك خلا واقعا ، وان فرض العكس بان فرض اهميّة مصلحة الخل اصدرت قرارا عاما باباحة كل مشكوك تحفّظا على مصلحة الخل وان لزم من

ص: 69


1- والجواب المذكور شكّل خطا له تأثيره في المسائل الاخرى وسوف نرى فيما بعد يذكر قدس سره انه بناء على مختارنا في الجواب عن شبهة التضاد يلزم ان تكون النتيجة كذا وبناء على مسلك غيرنا تكون النتيجة شيئا آخر ، ومن هنا كان لهذا الجواب اهميّته الكبرى.

ذلك الوقوع في المفسدة فيما لو كان المشكوك خمرا واقعا.

وذاك القانون بحرمة كل مشكوك الذي هو عبارة اخرى عن جعل اصالة الاحتياط او ذاك القانون باباحة كل مشكوك الذي هو عبارة اخرى عن جعل اصل البراءة هو ما يصطلح عليه بالحكم الظاهري ، فاذا سئلنا عن حقيقة الحكم الظاهري كان الجواب انه الحكم الثابت حالة الشك الناشىء بسبب تقديم الملاك الاهم.

ولو فتّشنا عن ملاك الحكم الظاهري باباحة المشكوك او حرمته وجدنا ان ملاكه نفس ملاك الحكم الواقعي بمعنى ان مفسدة الخمر التي هي الملاك لتشريع الحرمة الواقعية هي بنفسها الموجب لتشريع الحكم الظاهري بحرمة كل مشكوك ، فهي على هذا سبب لنشوء حكمين ، فانها سبب للحكم الواقعي بحرمة الخمر وسبب للحكم الظاهري بحرمة كل مشكوك.

ومن هنا اتضح توجيه المقالة السابقة وهي ان ملاك الحكم الظاهري لا يغاير ملاك الحكم الواقعي بل هو هو.

وبهذا البيان يندفع الاشكال الاول لابن قبة حيث كان يقول : ان تشريع حجيّة الامارة والاصل يلزم منه اجتماع حكمين : الواقعي والظاهري ، ووجه الاندفاع : ان الاجتماع المذكور لا محذور فيه ، فان الحكمين بما هما اعتباران لا تنافي بينهما لسهولة مؤونة الاعتبار ، وان لا حظنا مبادىء الحكمين فلا اجتماع لها ، حيث ان الحكم الظاهري ليس له مبادىء مستقلّة ليلزم اجتماع المبدأين المتماثلين او المتضادين ، كما ولا يلزم صيرورة الشيء الواحد محبوبا ومبغوضا ، فان الخل الواقعي محبوب واقعا ولا يلزم بجعل الحرمة على السائل المشكوك صيرورته - الخل الواقعي - مبغوضا ، فان الحكم المذكور لم ينشأ عن مبغوضية الخل بل هو

ص: 70

وليد الملاك الاهم وهو مفسدة الخمر.

وينبغي الالتفات الى ان الحكم الواقعي باباحة الخل تارة ينشأ من وجود مصلحة في شرب الخل - كمصلحة التسهيل - تقتضي تشريع الاباحة ، وتسمى مثل هذه الاباحة بالاباحة الاقتضائية ، واخرى ينشأ من عدم وجود مفسدة في تناول الخل وعدمه ، ومثل هذه الاباحة تسمى بالاباحة غير الاقتضائية.

وحديثنا السابق كنا نفترض فيه الاباحة اباحة اقتضائية ، ففي حالة تردد الشيء بين كونه مباحا اباحة اقتضائية وبين كونه محرما (1) يقدّم الملاك الاهم ويشرّع الحكم الظاهري على طبقه ، اما اذا كانت الاباحة غير اقتضائية (2) فالقانون الذي يشرّعه المولى لا بد وان يكون هو الحكم بحرمة كل مشكوك ، اذ الاباحة غير الاقتضائية ليس لها ملاك حتى ينشأ المولى الحكم الظاهري على طبقها بل لا بدّ من تشريع حرمة المشكوك لانحصار الملاك بذلك.

وباختصار ان الاباحة اذا لم تكن اقتضائية تعيّن كون الحكم الظاهري هو حرمة المشكوك ، واذا كانت اقتضائية ففيه احتمالان : حرمة كل مشكوك فيما لو كانت المفسدة هي الاهم ، واباحة كل مشكوك فيما لو كانت الاباحة هي الاهم.

هذا حصيلة ما افاده قدس سره ، وهو يصور لنا فيه حقيقة الحكم الظاهري وانه حكم وليد الملاك الاهم ويصور لنا ان مبادىء الحكم الظاهري هي عين مبادىء الحكم الواقعي الامر الذي يضفي على الحكم الواقعي والظاهري كمال الالفة ، والى كل هذا نلمس في الجواب المذكور تطابقه والذوق العقلائي ، فكثيرا

ص: 71


1- من الطبيعي الحرمة لا تكون الاّ اقتضائية ناشئة عن المفسدة ، وهكذا الوجوب لا يكون الاّ اقتضائيّا ناشئا عن المصلحة.
2- هذه الصورة هي التي تعرض لها قدس سره في كلامه اولا.

ما نتداوله في حياتنا الاعتيادية ، وعلى سبيل المثال قد ترغب احيانا في دخول بعض الاصدقاء عليك وتكره دخول بعضهم الآخر ، فاذا دقّ الباب وشككت في الطارق ولم تعلم انه الصديق الاول حتى تفتح له الباب ، او الثاني حتى تبقيها مغلقة ، في مثل هذه الحالة تأخذ بالموازنة بين المصلحة في دخول الاول والمفسدة في دخول الثاني ، فاذا رأيت ان الاولى اهم فتحت الباب او اصدرت امرا بفتحه حالة الشك لكل طارق ، واذا كانت الثانية اعظم اصدرت امرا على العكس. ان الامر الصادر المذكور حكم ظاهري مجعول حالة الشك ولم يتولّد من مصلحة مغايرة للمصلحة الواقعية ، وكم وكم امثلة من هذا القبيل نعاصرها في حياتنا العادية تقوم على اساس الفكرة المذكورة.

قوله ص 28 س 12 فاذا اختلطت المباحات بالمحرمات : ذكر هذا من باب المثال والاّ فالفكرة نفسها تجري حالة اختلاط المباحات بالواجبات او اختلاط الواجبات بالمحرمات.

قوله ص 28 س 14 فلا المباح بعدم تمييز المكلّف ... الخ : يؤكد قدس سره على هذا المطلب اكثر من مرة للاشارة الى ان المباح الواقعي لا يلزم فيه اجتماع المحبوبية والمبغوضية ، وهكذا الحرام الواقعي لا يلزم فيه ذلك ، وباختصار لا يلزم اجتماع المبادىء المتضادة.

قوله ص 29 س 10 وفي مقابل ذلك ان كانت الاباحة ... الخ : هذا يرتبط بقوله : « وواضح ان اهتمامه بالاجتناب عن المحرمات الواقعية يدعوه ... » اي ان الاهتمام بملاك الحرمة يقتضي الحكم بلزوم ترك كل مشكوك ولكن هل يوجد احتمال بديل باباحة كل مشكوك؟ ان الاباحة اذا كانت غير اقتضائية فلا بديل وان كانت اقتضائية كان الاحتمال البديل ثابتا وذلك ما يتعرض له في صدر

ص: 72

صفحة 30 س 1.

الجواب عن الشبهة الثانية لابن قبة :

قوله ص 31 س 3 وبهذا اتضح الجواب ... الخ : ومن خلال ما سبق بتجلى الجواب عن الشبهة الثانية لابن قبة - وهي شبهة نقض الغرض القائلة بان تشريع الحكم الظاهري يستلزم فوات مصلحة الواقع في بعض الحالات - فان فوات مصلحة الواقع لا محذور فيه ما دام ذلك للحفاظ على الملاك الاهم.

الجواب عن الشبهة الثالثة :

والشبهة الثالثة المصطلح عليها بشبهة تنجّز الواقع المشكوك - وهي ان تشريع حجيّة الامارة والاصل لغو وبلا فائدة فان وجوب الجمعة مثلا اذا كان مجهولا قبل دلالة الامارة عليه فبعد دلالتها عليه لا يصح العقاب على ترك امتثاله لانه عقاب بلا بيان اذ بالامارة لا يصبح الواقع معلوما بل مظنونا - تتم على مسلك المشهور القائل بقاعدة قبح العقاب بلان بيان كما هو واضح ولا تتم على مسلك السيد الشهيد الذي يرى ان التكليف المحتمل منجّز ايضا وان لم يكن معلوما.

هذا وقد استفاد الميرزا من مسلكه السابق - وهو تفسير جعل الحجيّة بجعل العلمية - في الرد على هذه الشبهة فانه بقيام الامارة على الواقع المجهول يصبح معلوما ويكون العقاب على مخالفته عقابا مع البيان.

ويرده :

أ - ان الجواب المذكور لو تم - وسيأتي عدم تماميته - فهو انما يتم في

ص: 73

موردين : الامارات والاصول المحرزة ، ولا يتم في الاصول غير المحرزة (1).

اما انه يتم في الامارات فلان المجعول فيها هو العلمية ، وبعد حصول العلم يكون ثبوت العقاب والتنجّز وجيها.

واما انه يتم في الاصول المحرزة كالاستصحاب فلانه فيها ينزل الاحتمال منزلة اليقين فاحتمال بقاء الحالة السابقة ينزل منزلة اليقين ببقائها ويصير المستصحب عالما بالبقاء ، وبعد علمه يكون استحقاقه للعقاب على المخالفة مناسبا.

واما انه لا يتم في الاصول غير المحرزة كاصالة الاحتياط فلانه لم ينزل الاحتمال فيها منزلة اليقين حتى يكون المكلّف عالما ومستحقا للعقاب على المخالفة (2).

ب - ان المحاولة المذكورة في نفسها غير تامة كما سيأتي ذلك من السيد الشهيد ص 81 - 82 من الحلقة.

ص: 74


1- سيأتي في البحث التالي تقسيم الاصل الى المحرز وغير المحرز.
2- ظاهر عبارة الكتاب ان جواب الميرزا يتم في الاصل المحرز كالاستصحاب مثلا مع انه يمكن ان يقال انه لا يتم في مطلق الاصول العملية ، حيث ان الاصول لم تجعل فيها العلمية الا كانت من الامارات ، ومع عدم جعل العلمية لا يصير الواقع معلوما حتى تصح العقوبة على مخالفته. لا يقال : ان الاصل المحرز ينزل فيه الاحتمال منزلة اليقين ، وبذك يصبح مفيدا للعلم. فانه يقال : ان الاحتمال في الاصل المحرز ينزل منزلة اليقين في جانبه العملي دون الاحرازي والا لم يحصل الفرق بين الامارة والاصل المحرز.

الفارق بين الامارات والاصول

اشارة

ص: 75

ص: 76

الامارات والاصول :

اشارة

هناك تساؤل لم يطرح في الكتب الاصوليّة بعنوان مستقل وهو : ما الفارق الاساسي بين الامارات والاصول؟ فانا نعلم ان الامارات والاصول نوعان من الحكم الظاهري - اذ الحكم الظاهري تارة في الامارات واخرى في الاصول ، والثابت في الامارات له خاصية النظر الى الواقع ويحاول احرازه فخبر الثقة اذا قال : صلاة الجمعة واجبة ينظر الى الواقع لاحرازه بينما الحكم الظاهرى في الاصول ليس له نظر الى الواقع لاحرازه ، ومن هنا كان اللازم في الامارة وجود شيء له حيثية النظر الى الواقع والكشف عنه ولو بدرجة ضعيفه حتى يتمم الشارع كشفه ويجعله تاما ، فخبر الثقة اذا كانت له كاشفية في نفسه بدرجة 70% مثلا فالشارع يجعله كاشفا بدرجة 100% بينما في الاصول حيث لا يراد احراز الواقع فلا يلزم وجود ما له نظر وكشف عنه - ولكن بماذا تختلف حقيقة الحكم الظاهري في احدهما عنها في الآخر؟ وقد سجل قدس سره جوابين عن ذلك (1).

ص: 77


1- وقد ذكر قدس سره البحث المذكور مرة ثانية في بداية الجزء الثاني ص 11 وذكر له جوابين آخرين فمجموع الاجوبة على هذا اربعة. وقد تعرض الشيخ الاعظم في الرسائل لهذا المبحث ص ٤٠٨ س ١٦ من الطبعة الحجريّة ، وحاصل ما ذكره ان الشيء اذا كان له كاشفية والشارع جعله حجة لاجل كاشفيته فهو امارة ، وان لم تكن له كاشفية او كانت ولم يجعله حجة لاجلها فهو اصل.

تفرقة الميرزا :

والجواب الاول للميرزا يقول : ان المولى اذا جعل الشيء علما فهو امارة وان لم يجعله علما بل مقررا للوظيفة العملية فهو اصل عملي ، فالفارق يكمن في المجعول فانه في الامارة هو العلمية بينما في الاصول هو الوظيفة العملية.

وقام الميرزا بعد ذلك بتقسيم الاصل الى ثلاثة اقسام :

أ - الاصل التنزيلي.

ب - الاصل المحرز.

ج - الاصل العملي البحت.

والفارق الذي ذكره بين الثلاثة : ان الاصل اذا جعل الوظيفة العملية بلسان تنزيل المشكوك منزلة الواقع فهو اصل تنزيلي كاصالة الطهارة والحلية فان الاولى تقول : « كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر » ويستفيد منها الميرزا ان ما يشك في طهارته فهو بمثابة الطاهر الواقعي ، وهكذا الحال في اصالة الحلية.

واذا جعل الاصل الوظيفة العملية بلسان تنزيل الاحتمال منزلة اليقين فهو اصل محرز كما في الاستصحاب ، حيث قد يستفاد من حديث « لا تنقض اليقين بالشك » ان كل من احتمل بقاء الشيء حالة الشك فهو كالمتيقن ببقائه ، فاحتمال البقاء اذن منزّل منزلة اليقين بالبقاء او انّ نفس الاستصحاب منزّل منزلة اليقين.

واذا فرض ان الاصل جعل الوظيفة العملية من دون تنزيل للمشكوك منزلة الواقع ولا تنزيل الاحتمال منزلة اليقين فهو اصل عملي بحت اي لا تنزيلي ولا محرز (1).

ص: 78


1- قد يقال ما الفائدة في هذا التقسيم الثلاثي الميرزائي؟ فهل تترتب ثمرة خاصة بالاصل المحرز لا تترتب على الآخرين؟ ان الفائدة تتجلى في استنباط بعض الاحكام كما يأتي الاشارة الى ذلك في الجزء الثاني من الحلقة ص16- 17.

سؤال وجواب :

ان الاصل المحرز فرض فيه تنزيل احتمال البقاء منزلة اليقين وقد تقول بناء على هذا اي فرق اذن بين الامارة والاصل المحرز ، ففي الامارة جعلت العلمية وفي الاصل المحرز جعلت العلمية ايضا؟

وقد اجاب الميرزا عن ذلك بان كل قطع له خصوصيتان :

أ - كونه كاشفا عن الواقع ومحرزا له.

ب - اقتضاؤه السير في مقام العمل على طبقه ، فمن قطع بوجود سبع في مكان معين فكأنه يرى بعينه وجود السبع في ذلك المكان ، وهذه هي الخصوصية الاولى ، وبسبب ذاك يأخذ بالفرار من ذلك المكان ، وهذه هي الخصوصية الثانية ، فللقطع اذن خصوصيتان (1) : الكاشفية والجري العملي.

وباتضاح هذا يقال : ان الامارة والاصل المحرز وان اشتركا في جعل العلمية الاّ ان الامارة جعلت علما من حيث الخصوصية الاولى فهي تكشف عن الواقع وتحرزه تعبدا بيما الاصل المحرز جعل علما من حيث الخصوصية الثانية فيلزم الجري العملي على وفقه ، ولم يجعل علما من حيث الاحراز.

وعبارة الكتاب لمّحت الى ذلك حينما قالت : « في جانبه العملي لا الاحرازي ».

ص: 79


1- الخصوصيات التي ذكرها الميرزا للقطع اربع ، وانما اقتصرنا على اثنتين منها لعدم الحاجة في المقام لسواهما.

مناقشة الميرزا.

ان تفرقة الميرزا بين الامارات والاصول تبتني على ملاحظة الفاظ الدليل وكيفية الصياغة فان كان التعبير بلسان جعل العملية كان المورد امارة وان كان بلسان جعل الوظيفة العملية فهو الاصل ، وواضح ان الفارق اعمق من ذاك ، انه اعمق من العبائر والالفاظ ، انه فارق جوهري ، فجوهر الامارة غير جوهر الاصل ، ولأن كان هناك فارق بينهما على مستوى الانشاء والصياغة فهو نابع من الفارق الجوهري بينهما بالشكل الذي سنوضحه.

الفارق بنظر السيد الشهيد.

والفارق الجوهري الذي يبرزه قدس سره يبتني على فهم حقيقة الحكم الظاهري ، فقد مرّ انه حكم شرّع على طبق الملاك الاهم حين الاشتباه ، واهمية الملاك التي ينشأ على طبقها الحكم الظاهري لها اشكال ثلاثة :

أ - ان تكون ناشئة بسبب قوة الاحتمال والكشف بقطع النظر عن المحتمل ، والحكم الظاهري في هذا الشكل هو الامارة ، ومثاله : خبر الثقة ، فان الثقة اذا اخبرنا بشيء فالنكتة في الاخذ به هي الكاشفية الثابتة فيه فهو يكشف بدرجة 70% مثلا عما يخبر عنه ، ولاجل ذلك ناخذ به مهما كانت القضية المخبر عنها.

ب - ان تكون ناشئة بسبب قوة المحتمل بقطع النظر عن درجة الاحتمال ، والحكم الظاهري في هذا الشكل هو الاصل العملي البحت ، ومثاله : اصل الحل فمن شك في شيء انه حلال او حرام فالشارع حكم عليه بالحلية سواء كانت

ص: 80

درجة احتمال الحلية اقوى من احتمال الحرمة او اضعف او مساويه ، فالمدار ليس على قوة الاحتمال بل على المحتمل ، فالحلية بما هي حلية ترجّح وان كان احتمالها ضعيفا.

ج - ان تكون ناشئة بسبب قوة الاحتمال والمحتمل معا ، والحكم الظاهري في هذا الشكل هو الاصل العملي التنزيلي وان شئت فعبر عنه بالمحرز (1) ، ومثاله قاعدة الفراغ من الوضوء فمن توضأ وشك بعد فراغه في غسل اليد اليمنى فلا يعتني لشكه ويبني على صحة وضوئه لقوة احتمال غسل اليمنى بشكل صحيح ، فان الانسان عادة لا يفرغ من عمل الاّ بعد اتيانه بجميع اجزائه وشرائطه ، فالفراغ له كاشفية عن غسل اليد اليمنى ، ولكن هل تمام النكتة في الحكم بصحة الوضوء هي الكاشفية المذكورة؟ كلا ، اذ لو كانت هي تمام النكتة فاللازم الحكم بصحة الوضوء حتى لو حصل الشك قبل الفراغ منه فيلزم الشاك في غسل اليمنى عند حصول شكه قبل الفراغ عدم الاعتناء بشكه والبناء على غسل اليمنى فيما اذا كان احتمال غسلها قويا مع انه لم يقل احد بذلك بل يقول الفقهاء بلزوم العود الى اليمنى وغسلها ما دام الشك مفروضا اثناء الوضوء ، ومن هذا نفهم ان قوة الاحتمال وحدها لا تكفي الاّ اذا انضم اليها الفراغ (2).

ومن خلال هذا اتضح ان حقيقة الامارة تتقوم بقوة الاحتمال لا بجعلها علما وطريقا وان كان المناسب للمولى في مقام الانشاء التعبير بقوله : « جعلت الامارة علما » الاّ ان ذلك مجرد مناسبة في مقام التعبير - اذ المناسب لقوة كاشفية الشيء التعبير بجملة جعلته كاشفا وعلما - لا انها هي الاساس الذي تتقوّم به

ص: 81


1- فانه لا فرق في نظر السيد الشهيد بين الاصل التنزيلي والاصل المحرز.
2- اي الاّ اذا انضم اليها قوة المحتمل.

حقيقة الامارة.

كما واتضح ان حقيقة الاصل العملي تكمن في قوة المحتمل لا بجعل الوظيفة العملية وان كان المناسب في مقام التعبير ان يقال « جعلت الحلية وظيفتك العملية » اذ المناسب لملاحظة الحلية بخصوصها التعبير بجملة « جعلت الحلية وظيفتك العملية » الاّ ان هذا ليس هو الاساس المقوم للاصل.

هذه هي التفرقة الاساسية بين الاصل الامارة لا ما ذكره الميرزا (1).

قوله ص 36 س 11 المبني :

الصواب المبنى.

قوله ص 36 س 12 والتوفيق بينه ... الخ :

عطف تفسير على قوله تصوير الحكم الظاهري.

ص: 82


1- ويأتي في اوائل الجزء الثاني من الحلقة انشاء اللّه اعتراض آخر على الميرزا حاصله : ان من اراد التفرقة لا بد وان يفرق بشكل يتناسب والخصوصيات الثابتة لكل من الامارة والاصل لا كيفما شاء. والخصوصية الثابتة للامارة هي حجيتها في اللوازم غير الشرعية بخلاف الاصل فهو ليس حجة في ذلك ، فلو اخبر الثقة بحياة زيد وكان لازم حياته الى حين الاخبار نبات لحيته عادة فانه يثبت بذلك ، بخلاف ما اذا كان اثبات بقاء حياته بالاستصحاب فانه لا يثبت نبات اللحية وبالتالي لا تثبت اللوازم الشرعية المترتبة على ذلك كوجوب التصدق ، فالفارق لا بد من تقديمه بشكل يتناسب وتفسير الخصوصية المذكورة ، وما ذكره الميرزا لا يفي بذلك كما يأتي ايضاحه.

التنافي بين الأحكام الظاهرية

ص: 83

ص: 84

التنافي بين الأحكام الظاهرية :

قوله ص 36 س 5 : عرفنا سابقا ان الاحكام الواقعية ... الخ :

يقصد بهذا البحث طرح التساؤل التالي : هل يمكن للمولى ان يشرّع للشيء المشكوك حكمين ظاهريين اولا؟ فالتدخين الذي يشك في حكمه الواقعي هل يمكن الحكم عليه ظاهرا بالاباحة والحرمة معا؟ والمقصود من التساؤل المذكور البحث عن اصل امكان تشريع الحكمين الظاهريين بقطع النظر عن وصولهما (1) لوضوح ان تشريعهما مع افتراض وصولهما الى المكلّف امر غير ممكن لعدم امكان امتثالهما ، ولذا لا بد من فرض وصول احد الحكمين او عدم وصول شيء منهما.

والجواب عن هذا التساؤل يختلف باختلاف تفسير حقيقة الحكم الظاهري ، اذ تقدم ان السيد الخوئي دام ظله يفسّره بالحكم الناشىء من مصلحة في اصل الجعل بينما السيد الشهيد يفسّره بالحكم الناشىء من نفس مصلحة الحكم الواقعي ، وعلى التفسير الاول يمكن تشريع الحكمين الظاهريين المتنافيين ، اذ المانع من تشريعهما اما :

أ - نفس كونهما حكمين متنافيين ، وجوابه ما تقدم من ان الحكم مجرّد اعتبار ولا محذور في اعتبار امرين متنافيين.

ب - واما اجتماع المبادىء في شيء واحد ، وجوابه ان مبادىء كل حكم ظاهري تقوم بجعله فهذا الحكم الظاهري تقوم مصلحته بجعله وذاك تقوم مصلحته

ص: 85


1- المراد من الوصول العلم.

بجعله ايضا فلا يلزم اجتماع المصلحتين في شيء واحد.

ج - واما عدم امكان امتثالهما ، وجوابه ان المفروض عدم وصول كليهما فلا يحتاجان الى الامتثال معا.

واما على التفسير الثاني فذاك غير ممكن ، لأن الحكم الظاهري هو الحكم الناشىء على طبق الملاك الاهم ، فاذا اريد تشريع كلا الحكمين فلازم ذلك كون الملاك الاهم هو المصلحة والمفسدة معا وهو غير ممكن ، هذا كله بالنسبة للحكم الظاهري.

واما الحكم الواقعي فلا اشكال في عدم امكان تشريع حكمين منه ، فلا يمكن ان يقال : التدخين مباح وحرام واقعا ، لأن ثبوت الاباحة الواقعية يعني وجود المصلحة في التدخين بينما ثبوت الحرمة الواقعية يعني وجود المفسدة فيه فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد ، ولا يمكن ان يقال هنا بان المصلحة قائمة في هذا الجعل والمفسدة في ذاك الجعل ، فان هذا الكلام يتم في الحكم (1) الظاهري فقط.

ص: 86


1- لهذا المبحث ثمرات تأتي الاشارة لواحدة منها ص 69 من الحلقة.

وظيفة الأحكام الظاهرية

ص: 87

ص: 88

وظيفة الأحكام الظاهرية :

قوله ص 37 س 16 وبعد ان اتضح ان الاحكام الظاهرية ... الخ :

لتوضيح هذا المبحث نطرح التساؤل التالي : اذا فرض ان الحكم الواقعي للتدخين هو الحرمة ودلت الامارة على الحرمة ايضا فلو خالف المكلّف ودخّن فهل يستحق عقابين احدهما على الحرمة الواقعية والآخر على الحرمة الظاهرية او لا يستحق الاّ عقابا واحدا على مخالفة الحرمة الواقعية؟

الصحيح انه لا يستحق الاّ العقاب على الحرمة الواقعية ، لان الحكم الظاهري لم ينشأ عن مصلحة خاصة به مغايرة لمصلحة الواقع حتى توجب مخالفته استحقاق العقاب وانما هو ناشىء عن اهمية مفسدة الحرمة الواقعية وقد شرّع لتنجيزها - الحرمة الواقعية - او للتعذير عنها (1).

وباختصار : وظيفة الاحكام الظاهرية ليست الاّ تنجيز الاحكام الواقعية او التعذير عنها من دون ان تكون موضوعا مستقلا لحكم العقل باستحقاق العقاب ، ومن هنا جاءت العبارة المشهورة : الاحكام الظاهرية احكام طريقية وليست حقيقية بمعنى انها لم تنشأ عن مصلحة خاصة بها كي توجب مخالفتها استحقاق العقاب ، وانما هي مجرد طرق لتنجيز الواقع او للتعذير عنه بخلاف الاحكام الواقعية فانها حقيقية اي هي ناشئة عن مصلحة مستقلة ثابتة فيها.

ص: 89


1- التنجيز مصطلح يطلق عند دلالة الامارة على ثبوت التكليف بينما التعذير يطلق عند دلالتها على الاباحة ونفي التكليف.

وهناك منبّه وجداني يرشد الى ان الاحكام الظاهرية هي احكام طريقية لا توجب مخالفتها استحقاق العقاب ، وهو انها لو كانت موجبة لذلك - اي لاستحقاق العقاب - يلزم في حالة قطع المكلّف بحرمة التدخين مثلا ان تكون حاله فيما اذا خالف ودخن احسن من غير العالم بحرمة التدخين ، اذ العالم لا يوجد في حقه حكم ظاهري بخلاف الجاهل فانه يوجد في حقه فلا بد من عقاب العالم بعقاب واحد وعقاب الجاهل بعقابين وهذا ما يرفضه الوجدان.

قوله ص 38 س 6 وراء مبادىء الاحكام الواقعية :

اي غير مبادىء الاحكام الواقعية. وكلما استعملت كلمة وراء فهي بمعنى غير.

قوله ص 38 س 8 يستقل العقل بلزوم التحفظ ... الخ :

فاذا كنا نعلم بوجوب احدى الصلاتين اما الظهر او الجمعة وحكم الشارع بوجوب الاحتياط ولزوم الاتيان بهما معا فالعقل لا يحكم بلزوم التحفظ على حكم الشارع بوجوب الاحتياط بما هو حكم ظاهري وانما يحكم بلزوم التحفظ على الواجب الواقعي المردد بين الظهر والجمعة ، والمكلّف اذا خالف الاحتياط وترك احدى الصلاتين حكم العقل باستحقاقه العقاب على ترك الواجب الواقعي لا على ترك الاحتياط بما هو حكم ظاهري.

قوله ص 39 س 2 واما الاحكام الواقعية فهي احكام حقيقية ... الخ :

هذا عدل لقوله في الصفحة السابقة « ان الاحكام الظاهرية طريقية لا حقيقية فهي مجرد وسائل ... الخ ».

ص: 90

التصويب بالنسبة الى بعض الأحكام الظاهرية

ص: 91

ص: 92

التصويب بالنسبة الى بعض الاحكام الظاهرية :

قوله ص 39 س 8 تقدم ان الاحكام الواقعية محفوظة ... الخ :

في هذا المبحث يراد التعرض لرأي خاص بالشيخ الآخوند وتلميذه الاصفهاني.

وقبل التعرض له نشير الى مطلب ، وهو انه بناء على الطريقة التي اختارها السيد الشهيد لرد شبهة ابن قبة (1) لا توجد اي منافاة بين الحكمين الواقعي والظاهري بل بينهما كمال الالفة ، وبعد الالفة المذكورة لا يلزم من تشريع الحكم الظاهري في مورد معين التبدل في الحكم الواقعي ، وهذا معناه بتعبير آخر نفي التصويب ، اي لا يلزم من تشريع الحكم الظاهري تبدل الحكم الواقعي.

وبعد معرفة هذا تعرف الجواب عما لو سألك سائل عن وجوب الاعادة لو امتثل المكلّف الحكم الظاهري وانكشف بعد ذاك مخالفته للواقع ، ان الصحيح هو عدم الاجزاء ، فان الحكم الواقعي ما دام باقيا ولم يتغير فمن اللازم امتثاله الاّ اذا قلنا بتبدل الحكم الواقعي الى ما يوافق الظاهري فلا تلزم حينذاك الاعادة لعدم ثبوت الحكم الواقعي حتى يلزم امتثاله.

وبهذا نعرف وجود ملازمة بين القول بالتصويب والقول بالاجزاء ، فكلما

ص: 93


1- وحاصلها ان الاحكام الظاهرية لم تنشأ عن مبادىء خاصة بها بل عن مبادىء الحكم الواقعي ، فالمصلحة الواقعية لحلية الماء مثلا سبب لحكمين : الحكم الواقعي بالحلية والحكم الظاهري بحلية كل سائل مردد بين الماء والخمر.

قيل بالتصويب لا بد من القول بالاجزاء ، وكلما قيل بعدمه فلا بد من القول بعدمه.

وبعد هذه المقدمة نعود الى رأي العلمين الخراساني والاصفهاني ، انهما فصّلا بين الاصل والامارة فالاصل يقتضي امتثاله الاجزاء بخلاف الامارة ، فاذا كنت شاكا في طهارة ثوبك وتمسكت بقاعدة الطهارة وصلّيت فيه وبعد ذلك انكشفت نجاسته واقعا فلا تلزم الاعادة ، اما اذا دلت الامارة على طهارته وانكشف بعد ذاك نجاسته فلا بد من الاعادة.

والوجه في ذاك ان قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهرية في مقابل الطهارة الواقعية ، فهي تقول ان الشيء عند عدم العلم بنجاسته واقعا فهو طاهر ظاهرا ، ومع ثبوت هذه الطهارة الظاهرية يلزم توسع دائرة الشرطية في دليل « صل في الطاهر » ، فان هذا الدليل قبل تشريع قاعدة الطهارة يدل على ان شرط صحة الصلاة هو خصوص الطهارة الواقعية فقط ، ولكن بعد تشريع القاعدة يتوسع مفاده الى : « صلّ في الطاهر الواقعي والظاهري » وهذه التوسعة يعبر عنها بالحكومة ، فقاعدة الطهارة حاكمة على دليل « صلّ في الطاهر » بمعنى انها ناظرة له وموسعة لدائرته (1) ، وبعد التوسعة لا بد من الحكم بصحة الصلاة لاشتمالها على الشرط ، اجل بعد الفراغ من الصلاة واتضاح نجاسة الثوب ترتفع الطهارة الظاهرية بسبب زوال موضوعها - وهو الشك - ويلزم تحصيل الطهارة من جديد للصلوات الآتية ، هذا في صورة الاستناد لقاعدة الطهارة.

واما لو اخبر الثقة - الذي هو امارة - بالطهارة وانكشفت بعد ذلك نجاسته

ص: 94


1- وقد تسأل عن الملزم لحكومة قاعدة الطهارة وتوسعتها لدليل « صلّ في الطاهر ». والجواب : ان قاعدة الطاهرة اذا لم توسع دليل « صلّ في الطاهر » كان تشريعها لغوا وبلا فائدة ، اذ ما فائدة تشريع الطهارة الظاهرية ما دام لا يستفاد منها في الصلاة وبقية الموارد.

فحيث ان الامارة لا تثبت طهارة مقابل الطهارة الواقعية وانما هي ترشد اليها غاية الامر قد تصيبها وقد تخطأها - فلا تتوسع دائرة الشرطية حتى تقع الصلاة صحيحة ، بل يكون الشرط منحصرا بالطهارة الواقعية فيلزم البطلان (1).

قوله ص 39 س 12 الجارية في الشبهات الموضوعية :

اختار العلمان الاجزاء في خصوص الاصول العملية المثبتة للموضوع او بتعبير آخر المثبتة للشرط (2) ، اما اذا كان الاصل جاريا في الحكم او بتعبير آخر في الشبهة الحكمية فلا يحكم بالاجزاء ، فلو شكّ في بقاء وجوب الجمعة في زماننا هذا فاستصحب الوجوب وادّيت الجمعة ثم انكشف وجوب الظهر واقعا فلا اجزاء بل يلزم الاتيان بالظهر.

قوله ص 40 س 7 ليس جعل الحكم المماثل :

اي المماثل لما تقوله الامارة فاذا كانت تخبر عن طهارة الثوب فلا تثبت طهارة ظاهرية مماثلة للطهارة التي تخبر عنها.

قوله ص 40 س 10 هذا محرز :

اي بل يقول هذا طاهر واقعا وان طهارته الواقعية ثابتة.

قوله ص 40 س 15 وسيأتي بعض الحديث عنه :

وذلك ص 395 ، ولكن سيتضح هناك انه قدس سره يحيل الجواب على مبحث التعارض ، واذا رجعنا الى مبحث التعارض لم نجد من اوله الى آخره

ص: 95


1- يأتي توضيح هذا التفصيل ثانية عند شرح ص 395 تحت عنوان الامر الظاهري يجزي في بعض الصور عند علمين.
2- ويعبر عن الاصول المذكورة بالاصول الموضوعية او الجارية في الشبهة الموضوعية لانها تجري عند الشك في الموضوع وهو الشرط كالطهارة.

تعرضا للجواب عن التفصيل المذكور ، وعليه فالسيد الشهيد لم يذكر في كتابه الجليل هذا جوابا عن ذلك ولكن اشرنا نحن الى ذلك عند شرح ص 395.

ص: 96

القضيّة الحقيقة والخارجية

اشارة

ص: 97

ص: 98

القضية الحقيقية والخارجية للاحكام :

قوله ص 41 س 1 مرّ بنا في الحلقة السابقة ... الخ :

حصيلة هذا المبحث ان المولى الحاكم تارة يصب حكمه على افراد معينة ومحصورة في الخارج كأن يقول مثلا « اكرم الشيخ الطوسي والانصاري والمفيد » ، وتسمى مثل القضية المذكورة بالخارجية لأن الحكم فيها منصب على الافراد الخارجية ، واخرى يصب حكمه على عنوان كلي فرضي كأن يقول « اكرم كل عالم » فان الحكم فيها منصب على كل من صدق عليه عنوان العالم ولو بعد سنين من دون اختصاص بالافراد الموجودة في الخارج بالفعل ، وتسمى مثل القضية المذكورة بالحقيقية.

ويمكن القول بان القضية الحقيقية ترجع دائما في روحها الى قضية شرطية وان كانت من حيث الشكل قضية حملية ، فالقضية السابقة - اكرم كل عالم - وان كانت من حيث الشكل حملية ولكنها روحا شرطية ، اذ المقصود منها إن فرض شخص ما عالما فاكرمه بينما القضية الخارجية لا ترجع روحها الى قضية شرطية.

ويمكن تسجيل ثلاثة فوارق بين القضية الحقيقية والخارجية - الاولان منهما نظريّان والثالث عملي - هي :

1 - في القضية الحقيقية مثل اكرم كل عالم يمكن الاشارة الى الشخص الجاهل والحكم عليه بانه لو فرض عالما وجب اكرامه ، بينما في القضية الخارجية مثل « اكرم الشيخ الطوسي والانصاري والمفيد » لا يمكن الاشارة الى الجاهل

ص: 99

والحكم عليه بانه لو كان عالما وجب اكرامه ، اذ المفروض ان الحكم لم يوجّه لعنوان العالم بل لافراد معينة.

2 - ان الحكم في القضية الحقيقية ينصب دائما على عنوان كليّ كعنوان العالم بينما في القضية الخارجية لا ينصب على العنوان الكلي بل على الذوات الخارجية كذات الشيخ الطوسي وو ... ، ومن هنا لا يمكن الافتراض والتقدير في القضية الخارجية فان الذوات لا يمكن فيها ذلك وانما يمكن في العناوين الكلية ، فعنوان العالم الكلي يمكن فيه ذلك فيقال : كل من فرض عالما فاكرمه بخلاف ذات الشيخ الطوسي فلا يمكن فيها القول كل من فرض ذات الشيخ الطوسي فاكرمه.

وقد تقول : اذا فرض اعتبار بعض القيود في القضية الخارجية فماذا يفعل المولى؟ فمثلا لو وجّه الحكم بوجوب الاكرام الى ثلاثة من اولاد العم وكان لتقواهم وتديّنهم مدخلية في وجوب اكرامهم فماذا يفعل؟ والجواب : انه اما ان يتصدى المولى بنفسه لاحراز تدينهم فاذا فحص واحرز تدينهم جميعا يقول حينذاك اكرم اولاد عمك بلا حاجة الى التقييد بالتديّن ، واما ان لا يتصدى بنفسه لذلك ويوكل الامر الى المكلّف فيقول اكرم اولاد العم ان كانوا متديّنين ، وعلى النحو الثاني تصير القضية مركبة من الحقيقية والخارجية ، فهي خارجية بلحاظ الموضوع وحقيقية بلحاظ الشرط.

3 - ان التدين الذي له مدخلية في وجوب الاكرام اذا فرض انتفاؤه بعد فترة عن اولاد العم فهل يزول الحكم بوجوب الاكرام أو لا؟ والجواب : ان القضية اذا كانت حقيقية زال الحكم بالوجوب لانه مشروط بالتدين وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط ، واذا كانت القضية خارجية فلا يزول لان التديّن لم يؤخذ شرطا حتى يزول الحكم بزواله وانما المولى تصدى بنفسه لاحراز التدين ،

ص: 100

وبعد احرازه لذلك يكون العبد ملزما باكرامهم وان زال - التدين - بنظره بل وان لم يكونوا متديّنين بنظره من الاول لان مسؤولية احراز التدين لم يلق على عاتق العبد حتى اذا زال زال الحكم ، ومن هنا قيل ان مسؤولية تطبيق الشروط في القضية الحقيقية على عاتق المكلّف وفي الخارجية على عاتق المولى (1).

ص: 101


1- هذا الفارق الثالث والذي قبله اشار لهما الميرزا في فوائد الاصول ج 1 ص 276 - 277.

ص: 102

تعلق الأحكام بالصور الذهنية

اشارة

ص: 103

ص: 104

تعلق الأحكام بالصور الذهنية :

هناك حديث دار بين علماء الاصول يقول : ان الاحكام هل تتعلّق بالموضوع الخارجي او بالصورة الذهنية ، فوجوب الصلاة مثلا هل يتعلق بالصلاة الخارجية التي يأتي المكلّف بها في الخارج او هو منصب على الصورة الذهنية للصلاة؟ وهكذا الحكم بالحرارة في قولنا « النار حارّة » هل هو منصب على النار الخارجية او على النار الذهنية؟ ولاول وهلة قد تقول بتوجه الحكم الى الصلاة والنار الخارجية لانها محط الآثار فهي الناهية عن الفحشاء والحارة دون الصورة الذهنية ، وقد اختار هذا الجواب جماعة منهم صاحب الكفاية في مبحث اجتماع الامر والنهي حيث ذكر ان الامر بالصلاة متعلق بالصلاة الخارجية - لانها محط الآثار - دون الصورة الذهنية والنهي عن الغصب يتعلق بالغصب الخارجي دون الذهني ، وبما ان الصلاة في الدار المغصوبة خارجا شيء واحد هو صلاة وهو غصب فيلزم تعلق الامر والنهي بشيء واحد خارجي وهو مستحيل ، ومن هنا اختار - الآخوند - القول باستحالة اجتماع الامر والنهي في مقابل من قال بالامكان بدعوى ان الامر يتعلق بالصورة الذهنية للصلاة والنهي بالصورة الذهنية للغصب ، وحيث ان الصورتين متعددتان فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.

وبهذا اتضح ان القول باستحالة اجتماع الأمر والنهي وامكانه يبتنيان على مسألتنا هذه ، فمن قال بتعلق الاحكام بالصور الذهنية لا يلزم عنده اجتماع الأمر

ص: 105

والنهي في شيء واحد ، فلذا يقول بامكان الاجتماع ، ومن قال بتعلقها بالاشياء الخارجية يلزم عنده اجتماعهما في شيء واحد ولذا يقول باستحالة الاجتماع.

هذا والصحيح تعلق الاحكام بالصور الذهنية ، والوجه في ذلك ان الحكم عملية ذهنية فلا بد من تعلقه بامر ذهني ولا يمكن تعلقه بامر خارجى والا يلزم وجود الامر الذهني في الخارج (1).

وقد تقول : كيف تتعلق الاحكام بالصور الذهنية مع انها ليست مركزا للآثار والخواص المطلوبة؟ والجواب : ان الصورة الذهنية للنار مثلا لها حالتان ، فبنظرة اولية غير فاحصة - وسماها قدس سره بالحمل الاولي - هي نفس النار الخارجية ، وبنظرة تدقيقية ثانية هي غير النار الخارجية (2). وهذا شيء وجداني وليس مجرد دعوى ، والمنبّه على ذلك انّا احيانا نتصور بعض الاحداث والقضايا السابقة ويسيطر علينا الحزن ويستولي الاسى الشديد فنتصوّر مصاب الامام الحسين علیه السلام واهل بيته ونأخذ بالبكاء فلو لم نر بتصورنا وتذكرنا لمصابه علیه السلام واقعة الطف الخارجية والقتل الخارجي له علیه السلام فلماذا البكاء والألم؟

وما دامت الصورة الذهنية بنظر هي عين الخارج فيمكن صب الحكم

ص: 106


1- ويمكن الاستدلال على ذلك ايضا بان الوجوب لو كان يتعلق بالصلاة الخارجية فهل يتعلق بها قبل وجودها او بعد وجودها؟ وكلاهما باطل اذ قبل وجودها لا شيء حتى يتعلق به الحكم وبعد وجودها تكون حاصلة فلا معنى لتعلقه بها والاّ يلزم طلب الحاصل ، هذا مضافا الى انه يلزم عدم وجوب الصلاة على المكلّف قبل ادائها لعدم وجود الحكم بسبب عدم متعلّقه.
2- وسماها قدس سره بالحمل الشايع ، واستعمال الحمل الاولي والشايع هنا ليس بالمعنى المصطلح ، فان المعنى المصطلح هو ما يأتي عند التعليق على ص 96 س 10.

عليها (1).

قوله ص 43 س 4 ابناء عمك :

جعل مصب الحكم عنوان ابناء العم قابل للتأمل لأن لازمه صيرورة مصب الحكم عنوانا كليا وذلك يستدعي صيرورة القضية حقيقية.

قوله ص 44 س 8 لا على الموضوع الحقيقي للحكم :

في التعبير مسامحة واضحة ، فان الصورة الذهنية هي الموضوع الحقيقي للحكم. والمناسب التعبير هكذا ، لا على الموضوع الخارجي للحكم.

تنسيق البحوث المقبلة.

ان الاصولي يبحث عن العناصر المشتركة ، وحيث انها هي : القطع ، الامارات ، الاصول العملية ، تعارض الادلة كان من المناسب البحث عن هذه العناصر الاربعة على التوالي ، فاولا يبحث عن القطع ثم الامارات ثم الاصول العملية وفي الخاتمة عن تعارض الادلة.

يبقي سؤال : لماذا يبحث على الترتيب المذكور ولا يبحث عن الاصول العملية اولا او عن الامارات؟ والجواب : ان الفقيه اذا واجه مسألة وأراد استنباط حكمها لاحظ اولا هل له قطع بحكمها اولا؟ فان كان سار على هداه والاّ فحص عن وجود امارة تدل على حكمها فان لم تكن اخذ بالاصل العملي ، اذن التسلسل الطبيعي الذي يسير عليه الفقيه في مقام الاستنباط هو الاخذ بالقطع

ص: 107


1- مسألة تعلق الاحكام بالصورة الذهنية تبناها جماعة منهم الشيخ الاصفهاني والشيخ عبد الكريم الحائري في درره ج 1 ص 123 وادعى ان ذلك من الامور الواضحة التي لا تحتاج الى برهان ، وهكذا تبناها الشيخ العراقي في نهاية الافكار ج 3 ص 60.

اولا ثم الامارات ثم الاصول ، ومن هنا كان على الاصولي منهجة بحثه في علم الاصول بالكلام عن القطع اولا ثم الامارات ثم الاصول.

ص: 108

حجّية القطع

اشارة

ص: 109

ص: 110

حجيّة القطع :

قوله ص 49 س 1 تقدم في الحلقة السابقة ... الخ :

المراجع للكتب الاصولية القديمة في مبحث القطع يجد فرقا بين طريقة العرض لهذا المبحث هنا عنها هناك ، وينطلق السيد الشهيد في بحثه قائلا : من الواضح للجميع ان اللّه سبحانه مولانا وخالقنا والمنعم علينا ، وبسبب ذلك صار له علينا حق اطاعته في التكاليف التي شرعها وبتعبير اكثر دقة ان له سبحانه حق المولوية ، ولا معنى للمولوية الاّ وجوب الاطاعة ، فكل من وجبت اطاعته فهو مولى ، والمولى هو من وجبت اطاعته ، وبعد اتضاح هذا نطرح ثلاثة اسئلة :

1 - اذا قطعنا بان التدخين حرام مثلا فهل له سبحانه حق الطاعة علينا بتركه؟ نعم له ذلك ، بل هذا المورد هو المورد الواضح والمتيقن لحق الطاعة ، ويصطلح في علم الاصول على ذلك بالمنجزية ، فيقال ان القطع منجز للحرمة المقطوعة.

2 - اذا قطعنا بعدم كون التدخين حراما فهل له سبحانه حق الاطاعة بالترك؟ كلا ليس له ذلك ، واذا دخّن المكلّف وكان في الواقع حراما فهو معذور ، ويصطلح على ذلك بالمعذرية ، فيقال القطع معذّر ، اي من دخّن وكان التدخين حراما واقعا فهو معذور ما دام قد قطع بعدم حرمته ، اذن مصطلح المنجّزية يستعمل حينما يقطع بالتكليف بينما مصطلح المعذرية يستعمل حينما يقطع بعدم التكليف ، وليس مورد استعمالهما واحدا.

ص: 111

ويصطلح على مجموع المنجزية والمعذرية بالحجيّة ، فالقطع حجة بمعنى انه منجّز ومعذّر.

3 - اذا لم يقطع بحرمة التدخين بل كانت محتملة او مظنونة ، فهل له سبحانه حق الاطاعة بالترك ويكون الاحتمال والظن منجّزا كالقطع؟ اجاب المشهور عن ذلك بان الاحتمال والظن ليس منجّزا ، ومن هنا جاءت عبارتهم المشهورة : يقبح العقاب بلا بيان اي بلا علم ، واجاب السيد الشهيد عن ذلك بالايجاب اي ان الاحتمال والظن منجّز ، فان عقلنا يحكم بان له سبحانه حق الاطاعة علينا في كل تكليف مقطوع او مظنون او محتمل ولا يخصه بالتكليف المقطوع (1) ، بيد ان احتمال التكليف او الظن او القطع به انما يكون منجّزا فيما اذا لم يرخص المولى نفسه بمخالفة ذلك التكليف ، فانه مع الترخيص لا يحكم العقل بلزوم الاطاعة كما هو واضح.

وقد تسأل : متى يمكن للمولى الترخيص بالمخالفة؟ يمكنه ذلك في صورة

ص: 112


1- ويمكن تقريب ذلك بان الانسان وكلّ ما في الكون ملك له تعالى بالملكية الحقيقية ، فاليد ملك له تعالى والعين ملك له سبحانه والشفّة ملك له والتتن وو ... والعقل يحكم بعدم جواز التصرف في ملك الغير الاّ مع احراز رضاه ، والشفة والتتن حيث انهما ملك لله تعالى فلا يجوز استخدامهما بوضع السيگارة على الشفة الاّ مع اليقين برضاه. هذا مضافا الى ان شخصا لو قدّم لغيره مساعدات كبيرة بأن اهدى له دارا او سيارة وزوّجه وقرر له راتبا شهريا وو ... فاذا احتمل المهدى له ان المهدي يريد حاجة معينة كدواء او طعام او ... فهلاّ يحركه العقل والعقلاء لتنجيز تلك الحاجة المعيّنة التي لا تتجاوز حدّ الاحتمال؟ نعم ان الاحتمال يكفي في مثل الحالة المذكورة ، واذا قبلنا تنجيز الاحتمال في الحالة المذكورة فكيف به تعالى الذي انعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى ، كيف لا يكون احتمال تحريمه او ايجابه لشيء منجّزا. إن هذين البيانين يمكن الاستعانة بهما لتوضيح سعة حق الطاعة لموارد احتمال التكليف.

احتمال الحرمة او الظن ، ولا يمكنه في صورة القطع بها ، اذن لنا دعويان :

1 - ان الترخيص في المخالفة ممكن في صورة احتمال التكليف او الظن.

2 - ان الترخيص في المخالفة لا يمكن في صورة القطع بالتكليف.

ولتوضيح الدعوى الاولى نقول : لو كان لدينا سائل نحتمل خمريته فلا محذور في ترخيص الشارع في تناوله والحكم عليه بالحلية لقاعدة « كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام » ولئن كان هناك محذور فهو محذور ابن قبة المشار له سابقا حيث ذكر ان السائل لو كان في علمه سبحانه خمرا واقعا ورخص الشارع في تناوله لقاعدة « كل شيء لك حلال » لزم اجتماع الحرمة والاباحة وهو مستحيل.

وجوابه : ان الاباحة حيث انها ظاهرية فلا محذور في اجتماعها مع الحرمة الواقعية لما تقدم من عدم نشوء الحكم الظاهري من مبادىء خاصة به غير مبادىء الحكم الواقعي.

ولتوضيح الدعوى الثانية نقول : انا اذا قطعنا بان السائل خمر فلا يمكن للشارع الترخيص في تناوله لا ترخيصا واقعيا ولا ترخيصا ظاهريا.

اما انه لا يمكن الترخيص الواقعي فلأنه يلزم منه اجتماع المتناقضين اي الحرمة الواقعية والاباحة الواقعية وهو مستحيل ، فان الممكن اجتماع الحكم الواقعي والظاهري دون الواقعيين.

وقد تقول : ان المحذور المذكور يتم في صورة مطابقة القطع للواقع ، اي لو كانت الحرمة ثابتة في الواقع ، اما اذا كان مخطئا بان لم تكن الحرمة ثابتة في الواقع فلا يلزم ما ذكر.

والجواب : انه في صورة خطأ القطع وان لم يلزم اجتماع المتناقضين واقعا

ص: 113

ولكنه يلزم اجتماعهما في نظر القاطع ، فان القطع في نظر القاطع مصيب دائما والاّ لم يكن قاطعا ، وعليه فاجتماع المتناقضين في نظر القاطع امر لازم سواء كان القطع مصيبا واقعا او لا ، وان كان اجتماعهما في عالم الواقع مختصا بصورة الاصابة.

واما انه لا يمكن الترخيص الظاهري فذلك لان الحكم الظاهري حكم مجعول حالة الشك في الحكم الواقعي ، فعند الشك في ان هذا السائل محرم أو لا يكون الحكم المجعول بالاباحة حكما ظاهريا ، اما مع القطع بحرمة السائل كما هو المفروض في حديثنا فلا يكون الحكم المجعول حكما ظاهريا.

وقد تقول : لو فرض ان اللّه سبحانه اطلع بعلمه الغيبي على ان اكثر الناس الذين يقطعون بالحرمة مخطئون ، وعلى سبيل المثال اطّلع على ان 99% من القاطعين بالحرمة مخطئون وان الثابت في تلك الموارد هو الاباحة دون الحرمة ، فاذا تمت هاتان الفرضيتان ، فلماذا لا يمكن صدور خطاب من الشارع يقول فيه : يا ايها القاطعون بالحرمة انتم مرخصون في مخالفة قطعكم. ان مثل هذا الخطاب وان لم يمكن تسميته بالحكم الظاهري حسب المصطلحات الاصولية - لأن الحكم الظاهري يختص بحالة الشك - الاّ انه حكم يحمل روح الحكم الظاهري ، فان الحكم الظاهري يرجع في روحه الى الحكم المجعول لغرض التحفظ على الملاك الواقعي الاهم ، والحكم المفروض في المقام كذلك ، وعدم تسميته بالحكم الظاهري غير مهم ، فان علينا الاخذ باللب دون القشور.

والجواب : ان تشريع مثل هذا الحكم لغو لأن اي قاطع بالحرمة حينما يسمع الحكم المذكور يقول : انه ليس موجها اليّ ، بل موجّه الى القاطع المخطىء وانا لست مخطئا في قطعي ، اذ القاطع لا يحتمل لحظة من اللحظات ان قطعه مخطىء والاّ لم يكن قاطعا ، فيبقى التشريع المذكور مرفوضا لدى الجميع فيكون لغواً.

ص: 114

والنتيجة باختصار ان المكلّف اذا قطع بان السائل خمر فلا يمكن الترخيص في مخالفة لا ترخيصا واقعيا ولا ظاهريا ، وهذا معناه بتعبير آخر ان القطع منجّز ولا يمكن سلب المنجّزية عنه ، لان سلب المنجّزية يكون بتشريع الحكم بجواز المخالفة تجويزا واقعيا او ظاهريا والمفروض عدم امكانه.

تلخيص لما سبق.

اتضح مما تقدم ما يلي :

1 - ان انكشاف التكليف ولو على مستوى الاحتمال منجّز.

2 - ان انكشاف التكليف منجّز اذا لم يرخص المولى في مخالفته.

3 - ان الترخيص بالمخالفة معقول في صورة الاحتمال والظن دون صورة القطع.

الفرق بين استدلال السيد الشهيد والمشهور :

قوله ص 52 س 16 هذا هو التصوّر الصحيح ... الخ :

من خلال ما تقدم اتضحت نقطتان :

1 - ان القطع بالتكليف منجّز.

2 - ان سلب المنجّزية عن القطع مستحيل.

وقد تقدم ايضا الاستدلال على النقطتين المذكورتين ، ففيما يخص الاولى ذكر قدس سره ان له سبحانه علينا حق الطاعة ، والحق المذكور ثابت في حالة حصول القطع بثبوت التكليف فان ذلك هو القدر المتيقّن من حق الطاعة.

وفيما يخص النقطة الثانية ذكر بان سلب المنجّزية عن القطع يحصل بتشريع

ص: 115

الترخيص بالمخالفة وهو غير ممكن لا ترخيصا ظاهريا ولا واقعيا.

هذا مختصر استدلاله قدس سره على ذلك.

واما المشهور فاستدلوا على النقطة الاولى بان المنجّزية من لوازم ماهية القطع ، فكلما حصل القطع كان من لوازمه ذلك نظير الزوجية بالنسبة الى الاربعة ، فكما ان الزوجية من لوازم ذات الاربعة كذلك المنجّزية من لوازم ذات القطع ، حيث ان القطع طريق وكاشف عن الواقع بذاته : فكلما حصل كشف عن الواقع ونجّزه ، ومن هنا قالوا : ان التكليف لا يتنجّز الا بالعلم وغيره لا يكون منجّزا ، وعبّروا عن ذلك بالقاعدة المعروفة « يقبح العقاب بلا بيان » اي بلا علم.

واستدلوا على النقطة الثانية بان المكلّف بعد قطعه بحرمة التدخين مثلا لا يمكن الحكم عليه باباحته لان ذلك ترخيص في ارتكاب المعصية وهو قبيح عقلا (1).

وعلّق السيد الشهيد على الاستدلال الاول (2) بانه استدلال مطوّل وغير صحيح ، فان هناك طريقة اخصر واضبط ، فيقال للمشهور : انكم حينما تقولون بان القطع بالتكليف حجّة فماذا تريدون من ذلك؟ فهل تريدون ان تكليف اي انسان لو قطع به - التكليف - فهو حجّة او تريدون تكليف خصوص الانسان الذي له مقام المولوية؟ لا اشكال في ان المقصود هو الثاني اي المقصود ان تكليف المولى حجّة لا تكليف اي انسان وان لم يكن مولى كالابن او الاخ الصغير ، وعليه فلا بد في المرحلة السابقة من افتراض مولى. وبعد هذا نسأل ما معنى المولى؟ ان المراد به ذلك الانسان الذي له حق الاطاعة فمن له حق الطاعة هو المولى ، والمولى

ص: 116


1- هذا الاستدلال مذكور في كلمات الشيخ الاعظم والميرزا.
2- سبق التعليق المذكور في الحلقة الثانية.

هو من له حق الطاعة ، فاللازم اذن في المرحلة الاولى افتراض وجود حق الطاعة لانه معنى المولى ، وبعد افتراض وجود الحق المذكور ننقل حديثنا اليه لنرى انه يختص بخصوص صورة القطع بالتكليف او يعم حالتي الظن والاحتمال؟ ولا اشكال في حكم العقل بدون تأمل (1) بسعة الحق وشموله لحالتي الظن والاحتمال ، فاحتمال التكليف منجّز ايضا كالقطع خلافا للمشهور حيث حصروا المنجّز في القطع.

وطريقة الاستدلال هذه طريقة مختصرة لا تحتاج الى ادخال فرضية ان الحجية من لوازم ماهية القطع ، واضافة لاختصارها هي طريقة صحيحة مطابقة للذوق العقلائي ، وعلى اساسها يلزم هدم قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » التي شيد بناؤها منذ سنين بل قرون متعددة ، ونظن ان المشهور لو قاموا بتشريح المسألة بالشكل الذي قمنا به لآمنوا بسعة حق الطاعة وبالتالي انكروا قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » وحكموا بمنجّزية الاحتمال (2).

واما الاستدلال الثاني للمشهور فعلق عليه قدس سره بان الحكم باباحة التدخين الذي قطع بحرمته انما يكون قبيحا لو كان حق اطاعة المولى ثابتا حتى مع ترخيصه في المخالفة ، اما اذا لم يكن له الحق مع الترخيص - كما هو الصحيح اذ بعد ترخيصه في المخالفة لا يبقى له حق الاطاعة جزما - فلا يلزم محذور الترخيص في المعصية.

ص: 117


1- تقدم فيما سبق بيانان لاثبات سعة حكم العقل.
2- القول بحكم العقل بمنجّزية الاحتمال يظهر تبنّيه من بعض علمائنا المتقدّمين كالشيخ والمفيد وابن زهرة واستدلّ له الشيخ في العدّة بان الاقدام على ما يحتمل فيه المفسدة كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة. راجع الطبعة القديمة من الرسائل ص 214 س2. 5.

اجل يمكن المناقشة بعد حصول القطع بحرمة التدخين في صحة الترخيص في المخالفة ، واذا كان هناك بحث فلا بد من صبّه على ذلك ، فيبحث هل يمكن الترخيص في المخالفة بعد حصول القطع او لا؟ وقد ذكرنا سابقا انه غير ممكن لا بنحو الترخيص الواقعي ولا الظاهري.

استحالة سلب المعذّرية عن القطع.

قوله ص 54 س 8 وكما ان منجّزية القطع ... الخ :

بعد ان اوضحنا سابقا ثبوت المنجّزية للقطع نريد الآن توضيح ثبوت المعذّرية له وعدم امكان سلبها عنه ، فلو قطع باباحة التدخين (1) وارتكبه المكلّف فهو معذور وان كان في الواقع محرما ، وهذه المعذّرية لا يمكن سلبها ولا يصح للمولى ان يقول : ان التدخين الذي قطعت باباحته محرم ولا يحق لك ارتكابه.

والنكتة في ذلك تشابه تماما النكتة السابقة في توجيه استحالة سلب المنجّزية ونكرر ذكرها بالبيان التالي : ان الحكم بالحرمة على التدخين المقطوع بحليته لا يمكن ان يكون تحريما واقعيا والاّ يلزم اجتماع الحكمين المتناقضين واقعا ولا اقل في نظر القاطع ، كما ولا يمكن ان يكون تحريما ظاهريا ، اذ الحكم الظاهري بالحرمة يختص بحالة احتمال الحرمة واقعا ليكون منجّزا لها ووسيلة لاثباتها فاذا فرضنا القطع بالاباحة وعدم احتمال الحرمة فالحكم الظاهري يكون منجّزا لاي شيء؟ انه لا توجد حرمة محتمله حتى ينجزها (2).

ص: 118


1- تقدم اختصاص مصطلح المعذرية بحالة القطع بالاباحة بخلاف مصطلح المنجّزية فانه يختص بحالة القطع بالتكليف الوجوبي او التحريمي.
2- بهذا اتضح ان روح ما افاده قدس سره في توجيه استحالة سلب المعذّرية يتطابق وما افاده في توجيه سلب المنجّزية.

قوله ص 50 س 8 كاصالة البراءة والاباحة :

مصطلح اصالة الاباحة يستعمل عند احتمال الحرمة ولا يستعمل عند احتمال الوجوب ، بخلاف مصطلح اصالة البراءة فانه يستعمل في كلتا الحالتين.

قوله ص 50 س 15 واقعي حقيقي :

تقدم ان الحكم اذا كان ناشئا من ملاكات قائمة به فهو حقيقي ، وان كان ناشئا للتحفظ على ملاكات الحكم الواقعي فهو طريقي ، وكل حكم واقعي هو حقيقي وكل حكم ظاهري فهو طريقي.

قوله ص 51 س 15 والاباحة الاقتضائية :

تقدم ان الاباحة اذا نشأت عن مصلحة في الترخيص فهي اقتضائية ، وان نشأت من عدم المصلحة في الالزام بالفعل والترك فهي غير اقتضائية.

ص: 119

ص: 120

حجّية العلم الاجمالي

اشارة

ص: 121

ص: 122

حجّية العلم الاجمالي :

قوله ص 54 س 17 كما يكون القطع التفصيلي حجّة ... الخ :

تارة يكون العلم تفصيليا واخرى اجماليا ، فلو قطع بثبوت الوجوب لصلاة الجمعة فهو علم تفصيلي ، اما لو قطع بثبوته اما للظهر او للجمعة فهو اجمالي.

والحديث السابق كان يدور عن العلم التفصيلي ، واتضح فيه ثبوت المنجّزية له والمعذّرية واستحالة سلبهما عنه ، والآن نريد التحدث وباختصار عن العلم الاجمالي.

وفي البداية نطرح التساؤل التالي : هل العلم الاجمالي حجّة او لا؟

والجواب : ان هذا التساؤل يمكن تشقيقه الى شقّين :

1 - اذا قطع بتعلّق الوجوب اما بالظهر او الجمعة فهل يحرم ترك كلتا الصلاتين او لا؟ وبتعبير آخر هل تحرم المخالفة القطعية او لا؟

2 - اذا قلنا بعدم جواز ترك كلتا الصلاتين فهل يحرم ترك الواحدة منهما ايضا او لا؟ وبتعبير آخر هل تجوز المخالفة الاحتمالية بترك احدى الصلاتين او تجب الموافقة القطعية بالاتيان بكلتيهما؟

اذن البحث في العلم الاجمالي يقع مرة في حرمة المخالفة القطعية واخرى في وجوب الموافقة القطعية.

والحديث عن حرمة المخالفة القطعية يقع في امرين (1) :

ص: 123


1- واما الحديث عن وجوب الموافقة القطعية فقد ارجأه قدس سره كعادة باقي الاصوليّين الى مباحث الاشتغال من الاصول العملية ، وبهذا يتّضح ان الاصوليّين يبحثون عن العلم الاجمالي مرتين ، مرة هنا اي في مباحث القطع واخرى في مباحث الاشتغال ، وفي مباحث القطع يبحثون عن اقتضائه لحرمة المخالفة القطعية وفي مباحث الاشتغال يبحثون عن اقتضائه لوجوب الموافقة القطعية وللتفكيك المذكور اسبابه المبررة التي لا يناسب المقام التعرض لها.

أ - هل العلم بوجوب اما الظهر او الجمعة يقتضي لزوم الاتيان بواحدة على الأقل او لا؟ وبتعبير آخر هل يقتضي تنجّز الجامع (1) او لا؟ وبتعبير ثالث هل يقتضي حرمة المخالفة القطعيّة او لا؟

ب - اذا قلنا باقتضاء العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية فهل يمكن للشارع الترخيص بخلاف ذلك والحكم بجواز ترك كلتا الصلاتين؟

اما بالنسبة الى الامر الاول فالصحيح ان العلم الاجمالي يقتضي لزوم الاتيان باحدى الصلاتين لانا اذا اخذنا بمسلك السيد الشهيد القائل بمنجّزية الاحتمال فالامر واضح ، حيث نحتمل ان الظهر واجبة ونحتمل ان الجمعة واجبة ، فاللازم الاتيان بكلتا الصلاتين فضلا عن احداهما ، واما لو اخذنا بمسلك المشهور القائل بان المنجّز هو القطع فقط ويقبح العقاب عند فقدانه فايضا يلزم الاتيان بالواحدة ، فان وجوب احدى الصلاتين نعلم به تفصيلا ولا تردد فيه حيث ان العلم الاجمالي يقتضي دائما العلم التفصيلي بالجامع ، والمسالك في حقيقة العلم الاجمالي وان كانت متعددة (2) الا انها تشترك جميعا في اقتضائها العلم

ص: 124


1- وهو وجوب احدى الصلاتين.
2- يأتي في الجزء الثاني من الحلقة الثالثة ان في حقيقة العلم الاجمالى ثلاثة اتجاهات : ١ _ اتجاه الميرزا والاصفهاني القائل بانا حينما نعلم بوجوب اما الظهر او الجمعة مثلا فهذا _ في الحقيقة يرجع الى امرين : علم تفصيلي بالجامع ، وشكوك بعدد الاطراف. ٢ _ اتجا الآخوند في بعض كلمات الكفاية القائل بان العلم بوجوب اما الظهر او الجمعة يرجع الى امر واحد وهو العلم بالفرد المردد بين الوجوبين. ٣ _ اتجاه الشيخ العراقي القائل بتعلّق العلم الاجمالي بالواقع ، فاذا كان الوجوب في علمه تعالى متعلّقا بالظهر فالعلم الاجمالي يكون متعلّقا بالظهر ايضا لا بالجامع ولا بالفرد المردد. والسيّد الشهيد يقول : انا مهما تصورنا العلم الاجمالي فهو لا ينفك عن العلم بالجامع ، فالمكلّف على جميع الاتجاهات المذكورة يعلم حتما بوجوب احدى الصلاتين ، اما على الاتجاه الاول فواضح حيث ان المفروض بناء عليه العلم التفصيلي بالجامع ، واما بناء على الاتجاه الثاني فلأن من علم بالفرد المردد من وجوب الظهر او الجمعة فهو عالم بالتالي بوجوب احدى الصلاتين ، واما على الاتجاه الثالث ، فلأن من علم بوجوب الظهر التي هي الواجب واقعا فهو عالم ايضا بوجوب احدى الصلاتين.

التفصيلي بالجامع ، فمن علم بوجوب اما الظهر او الجمعة فهو عالم تفصيلا بوجوب احداهما ، وما دام الجامع معلوما بالعلم التفصيلي فهو منجّز ولا تشمله قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

واما بالنسبة الى الامر الثاني فقد ذكر المشهور ان الشارع لا يمكنه الترخيص في ترك كلتا الصلاتين لانه ترخيص في المعصية وهو قبيح (1).

ويرده كما تقدم عن قريب ان الترخيص في ترك الصلاتين انما يكون قبيحا ومعصية باعتبار ان فيه انتها كالحق المولى ، فاذا فرض تنازله بنفسه عن حقه وترخيصه في تركهما معا فلا يبقى له حق كي يلزم انتهاكه وبالتالي كي تلزم المعصية القبيحة.

اجل ان كان هناك محذور فهو محذور اجتماع الحكمين المتنافيين فان

ص: 125


1- بيان المشهور هذا لعدم جواز الترخيص في المخالفة القطعيّة للعلم الاجمالي هو نفس بيانهم المتقدّم لعدم جواز الترخيص في المخالفة للعلم التفصيلي ، والجواب عنه نفس الجواب.

الترخيص في ترك الصلاتين يلزم منه الحكم باباحة الترك على الواجب الواقعي ، فان الواجب واقعا من الصلاتين اذا كان الظهر مثلا فالحكم بالترخيص في تركهما حكم باباحة ترك الظهر التي هي واجبة.

وجوابه : ان الترخيص في المخالفة القطعيّة للعلم التفصيلي وان لم تكن معقولة لما تقدم الاّ انه معقول في موارد العلم الاجمالي ، فانه فيها - موارد العلم الاجمالي - يوجد طرفان احدهما مباح واقعا والآخر واجب ، ومن الممكن ان تكون مصلحة المباح اهم في نظر المولى من مصلحة الواجب ، ومن الوجيه لاجل الحفاظ عليها - مصلحة المباح - الترخيص في تركهما معا ، اذ لو رخّص في ترك احدهما دون الآخر فلعل الذي سوف يتركه المكلّف هو المباح الذي فرض ان مصلحته اهم وبذلك تفوت المصلحة الاهم ، فلاجل ان يطمئن المولى من حصول المباح الواقعي الذي فرض ان مصلحته اهم لا بأس ان يرخص في ترك كلتا الصلاتين ويكون هذا الترخيص حكما ظاهريا بروحه وجوهره - لانه شرّع بقصد الحفاظ على الملاك الواقعي الاهم - وان لم يسمّ حسب الاصطلاح الاصولي بذلك حيث انه يختص بحالة الشك ولا يشمل حالة العلم ، ويرتفع بذلك التنافي بين الترخيص والوجوب الواقعي ، فان الترخيص ما دام ظاهريا طريقيا فهو غير ناشىء من مبادىء مستقلة قائمة به حتى يلزم اجتماع المبادىء المتضادة ، وانما نشأ للتحفظ على المبادىء الواقعية.

وقد يقول قائل : انكم اذا قبلتم امكان الترخيص في المخالفة القطعية حالة العلم الاجمالي فيلزمكم الحكم بامكانه حالة العلم التفصيلي ايضا لان العلم الاجمالي يستبطن علما تفصيلا بالجامع مع انكم لم تقبلوا فيما سبق امكان الترخيص في المخالفة القطعية في العلم التفصيلي.

ص: 126

والجواب عن ذلك : انه في حالة العلم الاجمالي بوجوب احدى الصلاتين يوجد طرفان احدهما مباح والآخر واجب وحيث ان ملاك المباح يحتمل كونه اهم من ملاك الواجب فمن الوجيه الترخيص في تركهما معا حفاظا على ملاك المباح ، وهذا بخلافه في حالة العلم التفصيلي بوجوب صلاة الظهر مثلا فان الطرف واحد وهو الظهر ويجزم بوجوبه ولا يحتمل القاطع انه مباح حتى يتقبل من المولى الترخيص فيه حفاظا على ملاك الاباحة. واحتمال ان تكون الظهر مباحة واقعا - وذلك في حالة خطأ القطع - وان كان موجودا الا ان القاطع بما انه لا يحتمل خطأ قطعه وبالتالي لا يحتمل ثبوت الاباحة واقعا فلا يتقبل الترخيص ويرى ان الترخيص في الترك متوجه الى غيره من القاطعين المخطئين في قطعهم اما هو فليس بمخطىء في قطعه - حسب نظره - حتى يكون الترخيص موجها اليه.

وهل وقع الترخيص بالفعل.

قوله ص 58 س 6 ويبقى بعد ذلك سؤال اثباتي ... الخ :

وبعد ان اتضح ان العقل يحكم في حالات العلم الاجمالي بامكان الترخيص في ترك كلتا الصلاتين نطرح التساؤل التالي : هل الترخيص يمكن استفادته من الادلة او لا؟ ان مجرد امكان الشيء كما نعرف لا يلازم وقوعه خارجا ، فامكان الترخيص في ترك كلتا الصلاتين لا يلازم وقوعه بالفعل ، ومن هنا يقع البحث عن امكان استفادة وقوعه بالفعل من رواية « رفع عن امتي ما لا يعلمون » وامثالها.

وهذا البحث يصطلح عليه بالبحث الاثباتي لانه بحث عما يستفاد من الادلة في مقابل البحث عن امكان الترخيص واقعا بقطع النظر عن الادلة حيث

ص: 127

يسمى بالبحث الثبوتي.

وفي مقام الجواب قد يقال : نعم ان الرواية المذكورة تدل على الترخيص الشرعي في ترك الصلاتين لأن كل واحدة منهما ما دمنا لا نعلم بوجوبها فتركها جائز.

وهذا الكلام وان كان جيدا في نفسه الا انه توجد قرينة تدل على ان مقصود الرواية المذكورة اثبات الترخيص في خصوص الشبهات البدوية دون حالات العلم الاجمالي ، فالشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال شك في شبهة بدويّة فيشمله الحديث ولا يشمل مثل الصلاتين اللتين يعلم اجمالا بوجوب احداهما ، وتلك القرينة هي الارتكاز العقلائي ، فان الاغراض العقلائية اذا كان بعضها غرضا لحكم الزامي وبعضها الآخر غرضا للاباحة ، فغرض الاباحة يكون اضعف من غرض الالزامي عند اجتماعهما والعلم بتحققهما معا ، ولم نجد مثالا ولو واحدا في الحياة العقلائية يكون فيه غرض الاباحة اهم او مساويا للغرض الالزامي ، فمن كان عنده صديقان احدهما عزيز عليه جدا دعاه الى مجلس ينحصر بليلة واحدة ودعاه الآخر الى مجلس في نفس تلك الليلة بدون ان تقتضي الضرورة الحضور فيه فانه لا اشكال في تقديم الحضور في الاول على الثاني لان الغرض في الاول الزامي بخلافه في الثاني.

وفي حالات العلم يكون الامر من هذا القبيل ، فاحدى الصلاتين واجبة قطعا وغرضها الزامي ، بينما الثانية غير واجبة وغرضها غير الزامي ، ولا بد في مثل ذلك من تقديم الغرض الالزامي ولا يمكن التمسك بالرواية لاثبات الترخيص في ترك كل منهما فان الارتكاز العقلائي بتقديم الغرض الالزامي قرينة على ان

ص: 128

المقصود من الرواية السابقة النظر الى حالات الشك البدوي (1) دون العلم الاجمالي اذ لو كانت عامة لحالات العلم الاجمالي فلازمه تقدم الغرض الترخيصي على الالزامي وهو على خلاف الارتكاز العقلائي.

ومن خلال هذا كله اتضح ان الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي وان كانت ممكنة عقلا - حيث ان من الممكن كون مصلحة المباح اهم من مصلحة الواجب فيرخص المولى في ترك كلا الطرفين تحفظا على مصلحة المباح - الا انه ليس مقبولا عقلائيا.

توضيح مصطلح.

ان العلم الاجمالي اذا اقتضى حرمة المخالفة بحيث لم يمكن الترخيص فيها اما عقلا - كما يعتقده المشهور - واما عقلائيا - كما يعتقده السيد الشهيد - عبّر عن ذلك بان العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة القطعية ، واما اذا امكن الترخيص فيها من كلتا الناحيتين فجاز الترخيص عقلا كما وجاز عقلائيا عبّر عن ذلك بان العلم الاجمالي مقتض لحرمة المخالفة القطعية.

قوله ص 55 س 7 اما المرحلة الاولى :

سيشير قدس سره ص 59 ان الحديث عن المرحلة الثانية يأتي في مبحث

ص: 129


1- في حالات الشك البدوي لا يكون الغرضان الالزامي والترخيصي مجتمعين معا ، وانما يحتمل ثبوت احدهما فقط فعند الشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال يحتمل ثبوت الغرض الالزامي دون الترخيصي ويحتمل العكس ، ولا يحتمل ثبوتهما معا ، وفي مثل ذلك لا ارتكاز عقلائي على ترجيح الغرض الالزامي فانه مختص بحالة تحققهما معا التي هي حالة العلم الاجمالي.

الاشتغال من الاصول العملية في الجزء الثاني.

قوله ص 57 س 2 : ويكون ترخيصها ظاهريا بروحه : اي وان لم يسمّ في المصطلح الاصولي بالحكم الظاهري لاختصاصه بحالة الشك.

قوله ص 58 س 2 قد يعني الزامه :

التعبير ب- « قد » من جهة ان ترك المخالفة القطعية يتحقق بالاتيان باحدى الصلاتين وترك الاخرى ، ومن المحتمل ان الصلاة المأتي بها هي الصلاة المباح تركها.

قوله ص 58 س 15 وبذلك نثبت حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي عقلا :

اي لما ثبت ان الترخيص في المخالفة القطعية غير ممكن عقلائيا فالعلم الاجمالي يكون منجزا لحرمة المخالفة القطعية عقلا لانه تقدم في الامر الاول ان العلم الاجمالي ينجز حرمة المخالفة القطعية لو لم يثبت الترخيص فيها من الشارع ،.

ص: 130

المتجرّي والقطّاع

اشارة

ص: 131

ص: 132

حجيّة القطع غير المصيب وحكم التجرّي :

قوله ص 59 س 9 هناك معنيان للاصابة :

في هذا البحث يراد طرح سؤالين والاجابة عنهما :

1 - اذا شاهد الانسان سائلا وقطع بخمريّته فلا اشكال في لزوم تركه ، ولكن لو فرض انه تناوله وكان في الواقع ماء ولم يكن خمرا فهل يستحق مثل هذا الانسان العقاب اولا ، وبتعبير آخر هل يستحق المتجرّي العقاب أو لا؟ (1)

وقد اختلف جواب الشيخ الاعظم عن جواب الآخوند ، فالاول اختار عدم استحقاقه للعقاب بخلاف الثاني فانه اختار - وفاقا للمشهور - استحقاقه له (2).

2 - اذا كان الانسان يحصل له القطع كثيرا من اسباب غير عقلائية -

ص: 133


1- اذا قطع المكلّف بخمريّة السائل وكان قطعه مخطئا فان تناوله سمي بالمتجرّي وان لم يتناوله سمي بالمنقاد ، اما اذا كان قطعه بالخمرية مصيبا للواقع فان تناوله سمي بالعاصي والاّ سمي بالمطيع ، بهذا يتّضح ان المتجري والمنقاد يشتركان في نقطة ويفترقان في اخرى ، فهما يشتركان في كون القطع الحاصل لكل منهما مخطئا ويفترقان في مخالفة المتجرّي لقطعه في مقام العمل وموافقة المنقاد له ، وهكذا الحال في مصطلحي المطيع والعاصي فهما يشتركان في كون قطع كل منهما مصيبا للواقع ويفترقان في عدم موافقة العاصي لقطعه بخلاف المطيع.
2- ان الشيخ الاعظم وان اختار عدم استحقاق المتجرّي للعقاب على شربه الماء الذي قطع خطئا بكونه خمرا ولكنه اختار استحقاقه للذم على نفسه الشريرة ، ومن هنا يمكن القول بان الشيخ الاعظم فصّل فاختار قبح الفاعل ونفى القبح الفعلي.

ويسمى الانسان المذكور بالقطاع اي يحصل له القطع كثيرا وبلا مبرر عقلائي - فهل قطعه حجّة او لا؟ وبتعبير آخر هل قطع القطاع حجّة او لا؟ نسب الى الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره عدم حجّيته قياسا على الشكّاك ، فكما انه لا عبرة بشك كثير

الشك لا عبرة ايضا بقطع كثير القطع ، واختار المشهور عكس ذلك وقالوا ان قطعه حجّة.

وطرح التساؤلين المذكورين بهذا الشكل طرحة قديمة ، والسيد الشهيد طرحهما بشكل اكثر فنية ، حيث ذكر اولا انا حينما نقول : ان القطع مصيب فماذا نريد من الاصابة؟ ان في ذلك احتمالين :

أ - ما هو المرتكز في الاذهان حيث يقصد ان الامر المقطوع به ثابت في الواقع.

ب - حصول القطع من اسباب ومبررات عقلائية.

ثم اضاف ثانيا انه قد يكون القطع مصيبا بالمعنى الاول وليس بمصيب بالمعنى الثاني ، فلو فرض ان شخصا اخبر بموت زيد وكان الشخص المذكور صادقا في مجموع اخباره بدرجه 70% (1) فاذا حصل القطع بموته وكان في الواقع ميتا ايضا فهو مصيب بالمعنى الاول وليس مصيبا بالمعنى الثاني.

اما انه مصيب بالمعنى الاول فلفرض تحقق الموت واقعا ، واما انه غير مصيب بالمعنى الثاني فلأن درجة تصديق المخبر لا بد وان تتناسب مع درجة صدقه في مجموع اخباره ، فاذا كانت درجة صدقه 70% حسب الفرض فلا بد وان يكون تصديقه بدرجة 70% ايضا اي لا بد وان يكون تصديقه بنحو الظن دون القطع.

ص: 134


1- اي انه في كل مائة خبر يكون صادقا في سبعين منها وكاذبا في ثلاثين.

ثم ذكر قدس سره ثالثا ان الاصابة بهذين المعنيين لا تختص بالقطع بل تعم الظن ايضا فالظن قد يكون مصيبا بمعنى ثبوت الشيء المظنون في الواقع وقد يكون مصيبا ايضا بمعنى نشوئه من مبررات عقلائية ، فلو اخبر شخص بموت زيد وكان المخبر صادقا في مجموع اخباره بدرجة 70% فاذا حصل الظن بموته ولكنه لم يكن ميتا في الواقع فالظن المذكور مصيب بالمعنى الثاني حيث انه ناشىء من مبررات عقلائية وغير مصيب بالمعنى الاول حيث انه ليس مطابقا للواقع.

وذكر رابعا ان القطع اذا كان ناشئا من مبررات عقلائية نطلق عليه القطع الموضوعي او التصديق الموضوعي ، واذا كان ناشئا لا من مبررات عقلائية بل من عوامل نفسانية او عاطفية نطلق عليه القطع الذاتي او التصديق الذاتي.

وذكر خامسا انه في اليقين الذاتي يكون القطع ناشئا من اسباب غير عقلائية ، بيد ان عدم عقلائية السبب تارة تكون بدرجة ضعيفة يحصل لكثير من الناس القطع منها ، واخرى بدرجة قوية لا يحصل القطع منها الاّ لشاذ من الناس ، ويسمى الانسان الذي يحصل له القطع كثيرا ومن اسباب قوية في انحرافها وعدم عقلائيتها بالقطاع.

وبعد ذلك يعود قدس سره الى صلب الموضوع ليوضح :

أ - هل يشترط في حجيّة القطع ان يكون مصيبا بالمعنى الاول - الذي لازمه عدم استحقاق المتجري للعقاب - او لا؟ وبتعبير آخر هل المتجري يستحق العقاب او لا؟

ب - وهل يشترط في حجّية القطع ان يكون مصيبا بالمعنى الثاني او لا؟ وبتعبير آخر هل قطع القطاع حجّة او لا؟

وفي الاجابة عن الاول ذكر قدس سره ان المتجري كالعاصي يستحق

ص: 135

العقاب لانتهاكه حرمة المولى وحق اطاعته ، وهذا معناه بعبارة اخرى ان الموضوع لحق الطاعة ليس هو القطع بقيد ان يكون مصيبا للواقع بل هو ذات القطع سواء كان مصيبا ام لا ، فقطع المتجري حجّة ويستحق على مخالفته العقاب ، بل ولا يمكن سلب الحجيّة عنه فانه مع القطع بأن السائل خمر محرم لو سلب المولى الحجّية عنه وحكم باباحة شربه لزم في نظر القاطع اجتماع المتنافيين الحرمة والاباحة.

وعلى العكس من ذلك المنقاد فانه كالمطيع يستحق الثواب حيث قدّس المولى واحترمه ولم ينتهك حرمته.

وفي مقام الاجابة عن الثاني ذكر قدس سره ان قطع القطاع حجّة فلو قطع - اي القطاع - بان سائلا معينا خمر فلم يتركه كان منتهكا لحق المولى ومستحقا للعقاب.

التفصيل بين المنجّزية والمعذّرية.

وقد يقترح التفصيل في قطع القطاع فيقال بمنجّزيته دون معذّريته (1) ، فلو قطع بخمرية السائل كان القطع منجزا للنكتة السابقة وهي انتهاك حرمة المولى عند عدم ترك السائل ، اما اذا تعلق القطع باباحة السائل وعدم حرمته وشربه وكان في الواقع خمرا فلا يكون معذورا خلافا لغير القطاع حيث يعذر ، والوجه في عدم عذريته امران :

الأوّل : ان القطاع انسان يعيش الوسوسة ، وقد نهى الشارع المقدّس عن

ص: 136


1- مصطلح التنجيز يستعمل كما تقدم عند تعلّق القطع بثبوت التكليف كالقطع بكون السائل خمرا بينما مصطلح التعذير يستعمل عند تعلّق القطع بنفي التكليف كالقطع بان السائل ماء

الوساوس ولكن لا بمعنى ان الوسواسي بعد حصول القطع له يسلب الشارع الحجّية عن قطعه فان ذلك ليس ممكنا - للزوم اجتماع المتناقضين في نظره كما هو الحال تماما في سلب الحجّية عن قطع غير القطاع ، فلو قطع القطاع بان السائل المعين ماء مباح ونهاه الشارع عن اتباع قطعه وقال انه خمر محرم لزم اجتماع الحرمة والاباحة في نظره - بل بمعنى نهيه عن الولوج في الاسباب غير العقلائية التي يسلكها القطاع فكأنه قال له : لا تسلك الاسباب غير العقلائية وان سلكتها وحصل لك القطع باباحة سائل معين وكان في الواقع خمرا وشربته لم تكن معذورا ، وليس المقصود من هذا النهي ايضا تحريم سلوك الاسباب غير العقلائية تحريما تكليفيا وانما يقصد من ورائه تنجيز الحرمة على تقدير ثبوتها واقعا نظير ما اذا نهى الوالد ولده عن اجتياز شارع معين خوفا عليه من السرّاق الموجودين فيه ، فاذا عصى وسلك ذلك الشارع وسرقت امواله لم يكن معذورا.

وهذا الوجه وان كان جيدا الاّ ان اقصى ما يثبت به ان الشارع لو نهى القطاع عن سلوك الاسباب غير العقلائية فلا يكون معذورا ، اما انه هل صدر هذا النهي بالفعل فهذا لم يثبته بل لا دليل عليه.

الثاني : ان القطاع قبل ان تحصل له القطوع بالاباحة (1) لو فكر بينه وبين نفسه والتفت الى كونه انسانا شاذا وذا وساوس فقد يحصل له العلم بأن بعض القطوع بالاباحة التي سوف تحصل له في المستقبل باطله وغير مطابقه للواقع فلو كان عدد القضايا التي يبتلي بها في المستقبل مائة فسوف يعلم بان واحدا من القطوع على الاقل باطل ، ومعنى بطلانه ثبوت الحرمة في ذلك المورد - اذ ليس

ص: 137


1- انما قيدنا القطوع بكونها قطوعا بالاباحة باعتبار ان المعذرية تختص بموارد القطع بالاباحة ونفي التكليف.

خطأ القطع بالاباحة في مورد الاّ عبارة عن ثبوت الحرمة مثلا فيه - ويكون حال الشخص المذكور حال من عنده مائة اناء يعلم بنجاسة واحد منها فكما يلزمه التجنب عن الجميع كذا القطاع في المقام يلزمه التجنب عن القضايا المائة جميعا ، ولا يكون معذورا لو ارتكب بعضها.

وقد تقول : ان العلم الاجمالي بخطأ بعض القطوع وإن كان قد يحصل للقطاع احيانا قبل ابتلائه بالقطوع الاّ انه بعد ابتلائه بها يزول علمه الاجمالي ، فحينما يقطع في القضية الاولى بعدم ثبوت الحرمة فسوف يزول احتمال كون تلك القضية هي القضية التي علم اجمالا بثبوت الحرمة فيها اذ احتمال ثبوت الحرمة فيها لا يجتمع مع القطع بالاباحة ، وهكذا حينما يصل الى القضية الثانية تزول طرفيتها للعلم الاجمالي ، وهكذا الحال في جميع القضايا المائة.

وهذا الكلام جيد بيد ان صاحب هذا الوجه الثاني يدعي ان حال العلم الاجمالي حال القدرة فكما ان الانسان اذا كان قادرا في اول الوقت على اداء الواجب وازال القدرة عنه بعد ذلك بسوء اختياره لم يكن معذورا عند تركه للواجب كذلك القطاع في المقام فانه ما دام قد حصل له العلم في اول امره بثبوت الحرمة في مورد واحد من الموارد المائة فلا يكون معذورا لو خالفها في المستقبل وان زال علمه بها ما دام زوال ذلك بسبب وسوسته وسلوكه الاسباب غير العقلائية فانه زوال بسوء الاختيار فلا يكون معذورا.

قوله ص 59 س 8 حجّية القطع غير المصيب وحكم التجري :

لعل المناسب حذف القوسين من قوله وحكم التجري.

قوله ص 59 س 12 ولم يكن متأثرا بحالة نفسية :

هذا عطف تفسير على سابقه ومثاله حسن الظن السريع او سوء الظن

ص: 138

السريع بالآخرين فانهما حالتان نفسيتان كثيرا ما تسببان حصول القطع.

قوله ص 61 س 3 وبما هي معبّرة ... الخ :

عطف تفسير على سابقه فان الحجّية بالنظر الاصولي عبارة اخرى عن المنجّزية والمعذّرية.

قوله ص 61 س 6 تمام الموضوع ... الخ :

اي وان لم يكن مطابقا للواقع.

قوله ص 61 س 12 او الردع عن العمل ... الخ :

المناسب والردع بالواو ليكون عطف تفسير على سابقه.

قوله ص 61 س 14 لانه يرى نفسه مصيبا :

اي وما دام يرى نفسه مصيبا ويعتقد ان الحرمة التي قطع بها ثابتة فاذا نهاه الشارع عن قطعه وقال ان هذا الشيء مباح فسوف يحصل بنظره اجتماع المتناقضين.

قوله ص 62 س 3 فكذلك ايضا :

اي واضح ايضا.

قوله ص 63 س 3 في بداية امره :

اي قبل حصول القطوع له.

قوله ص 63 س 5 من قطوع نافية :

تقييد القطوع بالنافية للتكليف باعتبار ان محل البحث عن المعذّرية وهي تختص بحالة القطع بعدم التكليف.

قوله ص 63 س 6 غير مطابقة للواقع :

ولازم عدم مطابقتها ان الحرمة ثابتة في بعض تلك القضايا المائة.

ص: 139

قوله ص 63 س 11 كان الجواب ان هذا ... الخ :

اي ان هذا الوجه الثاني ، والمقصود من الوصول هو العلم الاجمالي ، فان وصول التكليف عبارة اخرى عن العلم به.

ص: 140

الاصل الاولي عند الشك في الحجّية

اشارة

ص: 141

ص: 142

تأسيس الاصل عند الشك في الحجّية :

قوله ص 67 س 1 الدليل اذا كان قطعيا ... الخ :

بعد ان انهى قدس سره البحث عن القطع شرع في الحديث عن الامارات (1) ليوضح ان اي امارة حجّة وأيّها ليس حجّة ، فهل خبر الثقة حجّة او لا؟ وهل الظواهر حجّة او لا؟ ...

وقبل البحث عن ذلك لا بد من معرفة انه لو استطعنا اقامة الدليل القطعي على حجّية الخبر مثلا او على عدم حجّيته فالامر واضح ، وان لم يتيسر لنا هذا وذاك فهل الاصل يقتضي الحجّية او عدمها؟ اننا نعرف جيدا ان كل شيء مشكوك الطهارة كالثوب ونحوه اذا اخبر الثقة بطهارته حكمنا بذلك ولو اخبر بنجاسته حكمنا بذلك ايضا وعند فقدان الامرين نرجع الى الاصل وهو يقتضي الطهارة ، وفي مقامنا نريد التعرف عما يقتضيه الاصل عند الشك في الحجّية لنرجع اليه عند تعذر اقامة الدليل على احد الامرين فان الاصل عند الشك في الطهارة والنجاسة يقتضى الطهارة ولكن عند الشك في الحجّية ماذا يقتضي؟

وفي هذا المجال ذكر قدس سره ان الدليل اذا كان مفيدا للقطع - كالخبر المتواتر - فهو حجّة جزما لما تقدم من حجّية القطع ، وان لم يكن مفيدا لذلك - كخبر الثقة - فان قام دليل قطعي على حجّيته حكمنا بها والاّ رجعنا الى الاصل وهو يقتضي عدم الحجّية.

ص: 143


1- وتسمى الامارة بالدليل المحرز ، فان خبر الثقة مثلا ناظر الى الواقع ويريد احرازه.

ولتوضيح ذلك نذكر نقطتين :

أ - ماذا يقصد من قولنا : الاصل يقتضي عدم الحجّية؟

ب - ما الدليل على ان الاصل يقتضي عدم الحجّية؟

وفي بيان النقطة الاولى ذكر قدس سره ان المقصود من قولنا الاصل يقتضي عدم الحجّية هو ان الموقف الذي نتخذه لو كنا نقطع بعدم حجّية الخبر مثلا يلزم اتخاذه عند الشك في حجّيته ايضا ، فاحتمال الحجّية يساوي في مقام العمل القطع بعدمها من حيث وحدة الموقف.

وفي مقام توضيح النقطة الثانية - وهو بنفسه توضيح اكثر للنقطة الاولى - ذكر المثال التالي : لو كان بايدينا خبر يدل على ان الدعاء عند رؤية الهلال واجب ، وكنا نشك في اصل حجّية الخبر فالمواقف التي نأخذ بها عند فرض عدم وجود الخبر المذكور لا تخلو من احد امور اربعة :

1 - التمسك بالبراءة العقلية - وهي ما تسمى بقاعدة قبح العقاب بلا بيان - بناء على رأي المشهور او التمسك بالاحتياط العقلي على مختارنا من منجّزية الاحتمال.

2 - التمسك بالبراءة الشرعية اي بمثل حديث « رفع عن امتي ما لا يعلمون » (1).

3 - التمسك بالاستصحاب بتقريب ان الدعاء لم يكن واجبا قبل بزوغ الهلال فاذا بزغ وشك في وجوبه استصحب عدم الوجوب الثابت سابقا.

4 - التمسك باطلاق الدليل الاجتهادي لو كان ، فمثلا لو فرض دلالة آية

ص: 144


1- والتمسك بالبراءة الشرعية لا اختلاف فيه بين المشهور والسيد الشهيد وانما اختلافهما فقط في حكم العقل بالبراءة او الاحتياط عند احتمال التكليف.

على ان الدعاء - بنحو مطلق ومن دون تقييد بحالة دون اخرى - ليس بواجب فمقتضى اطلاقها نفي وجوبه حتى في حالة رؤية الهلال.

هذه مواقف اربعة نأخذ بها لو لم يكن لدينا خبر دال على الوجوب او كنا نقطع بعدم حجّيته ، ونفس هذه المواقف يجب الاخذ بها عند الشك في الحجّية.

اما الموقف الاول - وهو التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان - فلأن المقصود من البيان هو العلم اي يقبح العقاب عند عدم العلم بالوجوب الواقعي ، ومن الواضح عند الشك في حجّية الخبر لا علم بوجوب الدعاء واقعا فيلزم التمسك بقاعدة قبح العقاب ، ولو كان مجرد احتمال حجّية الخبر كافيا في تبرير ترك القاعدة المذكورة لكفى مجرد احتمال ثبوت وجوب الدعاء واقعا لترك القاعدة سواء كان هناك خبر يشك في حجّيته ام لا ، وبتعبير آخر يلزم القول بمنجّزية احتمال التكليف وبطلان قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » كما هو المختار خلافا للمشهور.

واما الموقف الثاني - وهو التمسك بالبراءة الشرعية - فلأن موضوعها هو « ما لا يعلمون » اي عدم العلم بوجوب الدعاء واقعا ، ومن الواضح ان عدم العلم ثابت حتى مع وجود الخبر الذي يشك في حجّيته فيلزم الرجوع الى البراءة ، بل نقول اكثر من هذا ، ان عدم العلم ثابت حتى مع القطع بحجّية الخبر ، فان وجود خبر مقطوع الحجّية لا يصيّرنا عالمين بالوجوب الواقعي.

وقد تقول : اذا كان عدم العلم ثابتا حتى مع وجود خبر مقطوع الحجّية فلماذا يقدم الخبر وتهجر البراءة الشرعية مع ثبوت موضوعها؟

والجواب : ان الخبر يقدم من باب انه حاكم على البراءة الشرعية اي رافع لموضوعها - وهو عدم العلم - رفعا تعبديا وان لم يرفعه حقيقة.

ص: 145

واما الموقف الثالث : وهو الاستصحاب - فلأن موضوعه هو الشك في بقاء الحالة السابقة ، ومن الواضح ان وجود الخبر الذي نشك في حجّيته لا يصيرنا عالمين بارتفاع الحالة السابقة - وهي عدم وجوب الدعاء قبل بزوغ الهلال - حتى يمتنع جريان الاستصحاب.

واما الموقف الرابع - وهو اطلاق الدليل الاجتهادي - فلأن الاطلاق حجّة فيلزم التمسك به الاّ مع قيام حجّة اخرى مقيدة له ، والمفروض ان الخبر الذي بايدينا نشك في حجّيته ولا نجزم بها.

وبهذا اتضح انه عند الشك في حجّية الخبر مثلا لا يتغير الموقف العملي.

اقامة الدليل على نفي الحجّية :

انّا فيما سبق لم نقم دليلا على سلب الحجّية عن الخبر عند الشك في حجّيته بل اقصى ما ذكرنا انه لا موجب لتغيّر الموقف العملي لمجرّد الشك في الحجّية ، والآن نحاول اقامة الدليل على سلب الحجّية.

وتقريبه : ان لدينا حكمين ظاهريين :

أ - حجّية الخبر الدال على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال.

ب - البراءة من وجوب الدعاء عند رؤية الهلال.

وكل واحد من هذين الحكمين ينافي الآخر ، فان البراءة تدل على اهمية المصلحة في نفي الوجوب بينما حجّية الخبر تدل على اهميّة مصلحة الوجوب ، وحيث لا يمكن ان تكون كلتا المصلحتين اهم فاللازم من ذلك ان يكون الدليل الدال على ثبوت احد هذين الحكمين دالا بالالتزام على نفي الحكم الآخر ، وبما ان البراءة قد دل الدليل عليها جزما وهو مثل حديث « رفع عن امتي ما لا يعلمون »

ص: 146

- بينما الخبر لم يقم دليل على حجّيته حسب الفرض - فهذا الدليل يكون دليلا بالالتزام على نفي حجّية الخبر المشكوكة التي هي الحكم الآخر.

وباختصار ان ادلة الاصول العملية تدل بالمطابقة على ثبوت مضمونها في مورد الحجّية المشكوكة وبالالتزام على نفي نفس الحجّية المشكوكة.

وهذا التقريب يتم بناء على رأي السيد الشهيد في الاحكام الظاهرية ، اذ تقدم ص 36 من الحلقة انه يرى تنافي الاحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية ، فكل حكم ظاهري يتنافى والحكم الظاهري الآخر حتى وان لم يعلم بهما فان ثبوت الحكم الظاهري الاول يدل على اهمية هذا الملاك بينما الحكم الظاهري الثاني يدل على اهمية الملاك الآخر ، وحيث لا يمكن اهمية كلا الملاكين كان الحكمان متنافيين بوجودهما الواقعي ، انه بناء على هذا الرأي يكون الدليل على البراءة دالا بالالتزام على نفي حجّية الخبر ، اذ التنافي بينهما ما دام ثابتا وان لم نعلم بحجّية الخبر فالدليل على البراءة دليل على نفي ثبوت الحجّية للخبر واقعا (1).

وهذا بخلافه على رأي السيد الخوئي دام ظله القائل بان تنافي الاحكام الظاهرية يختص بحالة وصولها والعلم بها فانه بناء عليه لا يمكن نفي الحجية المشكوكة ، اذ ما دامت الحجّية غير معلومة فلا يثبت التنافي بينها وبين البراءة ليتمسك بدليل البراءة لنفيها.

ص: 147


1- قد يقال : ان التمسك بالبراءة لنفي الحجية المشكوكة هو من قبيل الاصل المثبت فلا يكون حجة ، اذ البراءة اصل عملي وهو لا يكون حجة في لوازمه غير الشرعية. والجواب : انا لا نتمسك بلازم نفس البراءة الشرعية ، وانما نريد التمسك بلازم الدليل الدال على تشريع البراءة فنقول هكذا : ان حديث « رفع عن امتي ما لا يعلمون » يدل على تشريع البراءة ولازم الاخبار عن تشريع البراءة الاخبار عن نفي الحجّية المشكوكة.

توجيه ثالث لاصالة عدم الحجّية :

فيما سبق ذكرنا بيانين لتوجيه اصالة عدم الحجّية :

أ - عدم المقتضي لتغير الموقف العملي.

ب - دلالة دليل البراءة بالالتزام على نفي الحجّية المشكوكة.

والآن نستعرض بيانا ثالثا لذلك وهو التمسك بالآيات الناهية عن اتباع الظن فانها شاملة لكل ظن من الظنون بما في ذلك خبر الثقة مشكوك الحجّية فكل ظن يشك في حجّيته فهو بمقتضى الآيات المذكورة ليس بحجّة.

وقد اعترض الميرزا على هذا البيان بان الآيات حيث انها تنهى عن الظن فلا بد وان يثبت في المرحلة الاولى ان الخبر ظن حتى نتمسك بالآيات للنهي عنه ، اذ التمسك بعموم الحكم فرع ثبوت موضوعه ، وبعد هذا اضاف قدس سره انه بناء على مختارنا في باب الحجّية - وهو ان معنى جعلت الخبر حجّة : جعلته علما وطريقا - يكون شكنا في حجّية الخبر شكا بالتالي في كون الخبر علما وليس بظن ، ومع احتمال كونه علما فلا يصح التمسك بالآيات لاثبات النهي عنه ويكون التمسك بها تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية نظير اكرم العلماء فانه عند الشك في رجل معيّن انه عالم او لا لا يصح التمسك بعموم اكرم العلماء لاثبات عالميته ووجوب اكرامه ، اذ عموم اكرم يقول : ان من كان عالما يجب اكرامه ولا يشخص ان هذا عالم او لا.

واجاب السيد الشهيد عن ذلك بان النهي في الآيات المذكورة لو كان نهيا مولويا تكليفيا لصح ما ذكره الميرزا قدس سره ، ولكن الصحيح انه نهي ارشادي اي يرشد الى ان الظن ليس بحجّة ، واذا قبلنا هذا نضيف اليه ان معنى الحجّية اذا

ص: 148

كان هو العلمية فعدم الحجّية يكون معناه نفي العلمية ، وعلى هذا يصير معنى الآيات التي تقول ان كل ظن ليس بحجّة : ان كل ظن ليس بعلم ، ومثل هذا العموم يجب التمسك به ولا يجوز رفع اليد عنه الاّ بحجّة اقوى مخصصة له ، ومن الواضح ان مجرد احتمال حجّية الخبر ليس حجّة اقوى.

وان شئت قلت : كما ان دليل اكرم كل عالم يجب التمسك به لاثبات وجوب اكرام زيد العالم عند الشك في وجوب اكرامه كذا في المقام فان الآيات التي تقول كل ظن ليس بحجّة عام يجب التمسك به عند الشك في كون الظن الخبري علما فان الايات تقول بعمومها : الظن الخبري ليس بعلم والشك في حجّية الخبر يقول : يحتمل ان الظن الخبري علم ، ومن الواضح ان عموم العام حجّة في الفرد المشكوك ما دام لم يعلم بخروجه منه ، نعم لو فرض قيام الدليل على ان الظن الخبري حجّة وجزم بذلك كان الدليل المذكور مخصصا لعموم الآيات لكن المفروض عدم الدليل على خروج الظن الخبري من الآيات وكونه علما فيجب التمسك بعموم الآيات.

لا يقال : انا ما دمنا نحتمل ان الظن الخبري حجة فلازمه احتمال كونه علما فلا يجوز التمسك بعموم الآيات لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

فانه يقال : ان كون الخبر ظنا من الظنون مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في انه هل اعتبره الشارع علما او لا فالآيات تقول : ان كل ظن ومنه الخبر لم يعتبره الشارع علما بينما الشك في حجّية الخبر يقول : ان الخبر الذي هو ظن جزما يحتمل اعتباره علما ، وفي مثل ذلك يجب التمسك بالعموم ولا يكفي احتمال خروج فرد منه بالتخصيص. هذا كله بناء على ان النهي في الآيات ارشادي ، واما بناء على كونه مولويا تكليفيا فما افاده الميرزا من كون التمسك بالآيات تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية تام لان الآيات بناء على ذلك تقول : ان كل ظن يحرم العمل به ،

ص: 149

وما دمنا نحتمل ان الخبر حجّة فلازمه عدم الجزم بكونه ظنا.

وقد تسأل عن الدليل على كون النهي ارشاديا لا مولويا تكليفيا ، وجواب ذلك واضح فانه لو كان مولويا كان العمل بالظن محرما كحرمة شرب الخمر فكما يعاقب شارب الخمر في الدنيا بالتعزير وفي الآخرة بالنار يلزم عقاب العامل بالظن ايضا والحال ان ذلك غير محتمل بل اقصى ما يترتب على العمل بالظن عدم إجزائه عن الواقع ومن اخذ به لا تكون اعماله مجزية ، ولئن كانت هناك عقوبة فهي على عدم الاتيان بالواقع لا على نفس العمل بالظن.

قوله ص 67 س 9 مقابلة :

الصواب : مقابله.

قوله ص 68 ص 14 المخصص :

اي المقيد ، وانما عبّر عنه بذلك لان كل واحد من التخصيص والتقييد قد يطلق ويراد به الآخر.

قوله ص 68 س 17 عمليا :

الانسب عملا.

قوله ص 69 س 3 انه :

اي تصورنا المتقدم.

قوله ص 69 س 3 بينها :

اي بين الاحكام الظاهرية.

قوله ص 69 س 3 بوجوداتها الواقعية :

اي وان لم تكن واصلة ومعلومة خلافا لمسلك السيد الخوئي.

قوله ص 69 س 7 بذلك :

ص: 150

اي بدليل البراءة.

قوله ص 69 س 13 بني :

الصواب : بنى.

قوله ص 69 س 16 غير محرز :

اي ومعه يكون التمسك بالعام تمسكا به في الشبهة المصداقية.

قوله ص 70 س 7 فيكون مفادها في رتبة مفاد حجّية الامارة :

اي لا أنّ احتمال حجّية الخبر يرفع موضوع الآيات - كما هو الحال بناء على النهي التكليفي - بل ان كليهما ينظر الى موضوع واحد وهو الظن الخبري واحدهما يقول انه علم والآخر يقول انه ليس علما ، فهما اذن في رتبة واحدة ، والآيات يصح التمسك بها لنفي العلمية عن الظن الخبري فان الدليل العام لا ترفع اليد عنه الا بمخصص واحتمال حجّية الظن الخبري لا يصلح مخصصاً.

ص: 151

ص: 152

الأصول والامارات المثبتة

اشارة

ص: 153

ص: 154

مقدار ما يثبت بدليل الحجّية :

قوله ص 70 س 9 وكلما كان الطريق ... الخ :

في هذا المبحث يراد التعرّض للأصل المثبت الذي قال المشهور بعدم حجّيته خلافا للامارة المثبتة حيث قيل بحجّيتها.

وقبل توضيح ما افاده السيد الشهيد قدس سره نوضح عن طريق المثال المقصود من المصطلحين المذكورين.

لو فرض ان لانسان ولدا صغيرا سافر عنه وانقطعت عنه اخباره وكان قد نذر التصدق على الفقير متى ما نبتت لحيته ، فاذا مضت فترة عشرين سنة مثلا وشك في بقاء حياته وبالتالي في نبات لحيته فهل يوجد طريق لاثبات نبات لحيته وبالتالي اثبات وجود التصدق؟

قد يجاب بالايجاب وان الطريق لذلك هو استصحاب حياته فانه بذلك تثبت الحياة ، وببقائها يثبت نبات اللحية لعدم انفكاك بقاء الحياة الى عشرين سنة عن نبات اللحية ، ان مثل هذا الاستصحاب يعبّر عنه بالاستصحاب او الاصل المثبت اي اريد به اثبات اللوازم غير الشرعية للحياة ، فان نبات اللحية ليس اثرا شرعيا للحياة وانما الاثر الشرعي لها هو استحقاقه الارث لو مات بعض اقاربه.

والمعروف بين الاصوليين عدم حجّيته (1). اي لا يمكن باستصحاب الحياة اثبات

ص: 155


1- قد يبدو للطالب التنافي بين عدم حجّية الاصل المثبت وبين كونه مثبتا ، فان المناسب التعبير عنه - ما دام ليس حجّة - بغير المثبت الاّ انه عبّر بذلك بمعنى انه يراد به اثبات اللوازم غير الشرعية.

لوازمها غير الشرعية وانما يثبت به خصوص اللوازم الشرعية.

اما لو اخبر الثقة ببقاء الحياة ثبتت بذلك الحياة ولوازمها غير الشرعية فضلا عن الشرعية ، فان خبر الثقة امارة وهي حجّة في لوازمها غير الشرعية.

وبعد هذا نأتي الى ما افاده السيد الشهيد قدس سره ، ذكر اولا ان كل دليل هو حجّة بلا اشكال في مدلوله المطابقي ، فالامارة او الاصل المخبران عن حياة الولد هما حجّتان فيه ، واما بالنسبة الى المدلول الالتزامي فهناك صورتان لا اشكال في حجّية الدليل فيهما :

1 - اذا ثبتت حياة الولد بدليل قطعي - كالخبر المتواتر - فان لوازمها تثبت ايضا بما في ذلك اللوازم غير الشرعية ، اذ القطع بالحياة يستلزم القطع بجميع لوازمها ، والقطع كما تقدم حجّة.

2 - اذا دل الدليل على ثبوت الحجّية لعنوان وفرض صدق ذلك العنوان على المدلول المطابقي والالتزامي معا كما اذا دلّ الدليل على حجّية خبر الثقة وفرض ان عنوان خبر الثقة كما يصدق بالنسبة الى الحياة يصدق على لوازمها كما اختار ذلك الآخوند حيث ذكر ان من اخبر عن قضية معيّنة لها عشرة لوازم فهو مخبر باحد عشر خبرا (1) ويكون جميعها حجّة لصدق عنوان خبر الثقة على كل واحد منها.

ص: 156


1- خلافا للميرزا والسيد الخوئي حيث اختارا عدم صدق عنوان الخبر على المداليل الالتزامية فمن اخبر عن حياة الولد لا يصدق انه اخبر عن اكله ونومه ومشيه في الاسواق ونمو لحيته وو ... لأن شرط صدق الخبر قصد المخبر الاخبار عن مضمون الخبر ، ومن يخبر عن شيء قد لا يكون قاصدا بل غافلا عن المداليل الالتزامية.

وباختصار : لا اشكال في ثبوت اللوازم بما في ذلك غير الشرعية بدون اختلاف بين الفقهاء في الصورتين المذكورتين ، وانما الاشكال في صورة ثالثة وهي ما لو فرض عدم افادة الدليل للقطع وعدم صدق العنوان الذي ثبتت له الحجّية على المدلول الالتزامي كما لو دل الدليل على حجيّة الظهور وحدثنا الثقة بحديث له ظهور في معنى معيّن وكان لذلك الظهور لازم خاص فان الظهور لا يفيد القطع كما ولا يصدق على المدلول الالتزامي انه ظهور ، وفي مثل ذلك وقع الخلاف في ان تلك اللوازم بعد عدم صدق عنوان الظهور عليها هل تثبت او لا؟ والمشهور بين الاصوليين هو التفصيل بين الاصول العملية فلا تكون حجّة في لوازمها غير الشرعية وبين الامارات حيث تكون حجّة في ذلك.

واذا طالبنا المشهور بدليلهم على هذه التفرقة اجابنا الميرزا بان المجعول في الامارة حيث انه العلمية فاللازم من ذلك حصول العلم باللوازم ، فان العلم بالشيء يستلزم العلم بلوازمه ، فاذا اخبر الثقة بحياة الولد وفرض ان معنى الحجّية هو العلمية صار الشخص المخبر عالما بالحياة وبالتالي عالما بلوازمها كنبات اللحية وهذا بخلاف ما اذا ثبتت الحياة بالاستصحاب فان المجعول فيه ليس هو العلمية حتى تطبق قاعدة من علم بشيء علم بلوازمه وانما المجعول فيه هو التعبّد بالوظيفة العملية اي انه في مقام العمل لا بدّ من التعامل مع الولد معاملة الحي ، وواضح انّه في باب التعبد يقتصر على مقدار التعبد ولا يتعدى الى الزائد عنه ، فمثلا لو قلنا للشخص الشجاع انا نعتبرك اسدا فلا يحق له الهجوم علينا وافتراسنا بحجّة انا اعتبرناه اسدا والاسد من لوازمه الافتراس ، لا يحق له ذلك لانا وان اعتبرناه اسدا الاّ ان هذا الاعتبار هو من زاوية خاصة وهي الشجاعة ولا يلزم من اعتبار الشخص اسدا من زاوية اعتباره اسدا بلحاظ باقي الزوايا ، فان

ص: 157

التكليف بين الآثار في باب الاعتبار امر وجيه ، وهكذا في المقام فانه لا بد من الاقتصار فيه على مقدار التعبد فاذا كان المستفاد من حديث « لا تنقض اليقين بالشك » التعبد ببقاء الحياة بلحاظ الآثار الشرعية (1) فلا يلزم من ذلك التعبّد ببقائها بلحاظ الآثار غير الشرعية.

ايراد السيّد الخوئي :

واورد السيّد الخوئي دام ظله على الميرزا بانا نسلم كون المجعول في الامارات هو العلمية الاّ انا لا نسلّم بقاعدة ان من علم بشيء فقد علم بلوازمه فانها تتم في العلم الحقيقي الوجداني دون العلم التعبدي الاعتباري ، فمن علم بحياة الولد علما وجدانيا فقد علم بانه يأكل ويشرب وينام ، اما من علم علما اعتباريا بالحياة فلا يلزم علمه اعتبارا باللوازم ، فالثقة اذا اخبر بحياة الولد اعتبر المولى الشخص المخبر عالما بالحياة من دون ان يحصل له العلم حقيقة ، ومن الواضح ان اعتبار الشخص عالما بالحياة لا يستلزم اعتباره عالما بلوازمها نظير اعتبار الشخص الشجاع اسدا من حيث الشجاعة فانه لا يستلزم اعتباره اسدا من حيث الافتراس ، ومن هنا اختار دام ظله ان دليل حجّية الامارة لا يقتضي حجّيتها في لوازمها غير الشرعية كما هو الحال في الاصل.

ص: 158


1- الوجه في ثبوت الاثار الشرعية لزوم محذور اللغوية على تقدير عدم ثبوتها فلا يمكن ان يعبدنا الشارع باستصحاب حياة الولد والحكم بها بدون ان يعبدنا باستحقاقه الارث وبقاء زوجته على زوجيتها وو ... اذ ما الفائدة في الحكم بالحياة بدون الحكم بآثارها الشرعية؟

رأي السيّد الشهيد :

والسيد الشهيد وافق المشهور في تفصيلهم بين الامارة والاصل ، فالامارة حجّة في لوازمها غير الشرعيّة دون الاصل ، ولكن الوجه في ذلك ليس هو ما افاده الميرزا فانه مبني على رأيه في كون المجعول في الامارة هو العلمية والرأي المذكور مرفوض فان الفارق المذكور فارق على مستوى الصياغة والالفاظ فتعبير الدليل اذا كان بمثل قوله الخبر علم وكاشف كان امارة وان عبّر بالوظيفة العملية كان اصلا ، والصحيح ان الفارق جوهري واعمق من الالفاظ ، ولئن كان هناك فارق لفظي فهو نابع من الفارق الجوهري.

وحاصل الفارق : ان الحكم الظاهري يرجع في روحه الى الحكم الناشىء عن الملاك الاهم ، فالمولى شرّع الاباحة للماء والحرمة للخمر فاذا عرف المكلّف ان السائل ماء كان حكمه واضحا وهو الاباحة واذا عرف انه خمر كان حكمه واضحا ايضا وهو الحرمة ، اما اذا تردد ولم يعلم انه ماء او خمر فعلى المولى تشريع حكم له. ولكن ماذا يشرّع له؟ لا بد له من الموازنة بين مصلحة الاباحة ومفسدة الحرمة فان كانت الاولى اهم في نظره شرّع الاباحة لكل سائل مشكوك وقال : « كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام » وان كانت الثانية هي الاهم شرّع الاحتياط. اذن الاباحة والاحتياط حكمان ظاهريان ناشئان من الملاك الاهم.

وبعد معرفة حقيقة الحكم الظاهري لا بد من معرفة الفارق بين الامارة والاصل. ان الامارة والاصل يشتركان في كونهما حكمين ظاهريين ناشئين من الملاك الاهم بيد ان اهمية الملاك في الامارة ناشئة من قوة الكشف وفي الاصل ناشئة من قوة المحتمل في نفسه.

مثال الامارة : خبر الثقة فان المولى اعتبره حجّة بما انه يكشف عن

ص: 159

المضمون بدرجة 70% (1) بقطع النظر عن نوعية المنكشف.

ومثال الاصل : الحكم بالاباحة عند الشك في حرمة شيء فانه لم ينشأ من قوة في الكشف لعدم وجود كاشف عن الاباحة بل حتى لو فرضنا ان احتمال الاباحة كان ضعيفا بدرجة 30% مثلا فمع ذلك يلزم الحكم بالاباحة ، وما ذلك الا لأن الاباحة في نفسها اقوى من الحرمة عند احتمالهما معا.

وبعد ان كانت حجّية الامارة ناشئة من قوة الكشف فمن المناسب حجّيتها في لوازمها غير الشرعية ، فان الثقة اذا اخبر عن حياة الولد فكاشفيّته عن الحياة لو كانت بدرجة 70% فلا بد ان يكون كاشفا عن اكله ونومه وبقية اللوازم بنفس الدرجة فان كاشفية الخبر عن المدلول الالتزامي تتساوى وجدانا مع كاشفيته عن مدلوله المطابقي ، واذا كانت الكاشفية بدرجة 70% موجبة لحجّية الخبر في مدلوله المطابقي فمن المناسب ان تكون موجبة لحجّيته في مدلوله الالتزامي ايضا.

قوله ص 71 س 12 مثبتاته :

مصطلح المثبتات يراد به خصوص اللوازم غير الشرعيّة.

ص: 160


1- من الواضح ان هذه الكاشفية كاشفية تكوينيّة حقيقية وليست اعتبارية ناشئة من جعل المولى اياها.

تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة

اشارة

ص: 161

ص: 162

تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة :

قوله ص 74 س 10 اذا كان اللازم المدلول عليه ... الخ :

تقدم في الحلقة السابقة ان لازم الشيء تارة يكون مساويا له واخرى اعم منه.

مثال اللازم المساوي : وجود النهار فانه لازم مساو لطلوع الشمس.

ومثال اللازم الاعم : دخول الشخص في النار فان لازمه الموت وهو لازم اعم من دخول النار ، اذ قد يتحقق الموت بغير دخول النار.

اما اللازم المساوي فلا اشكال في بطلانه عند بطلان المدلول المطابقي ، فاذا اخبر الثقة بطلوع الشمس واتضح بعد ذلك بطلان اخباره وان الشمس ليست طالعة فلا اشكال في بطلان المدلول الالتزامي وعدم الحكم بوجود النهار لاقتضاء المساواة ذلك فان لازم مساواة وجود النهار لطلوع الشمس بطلان هذا عند بطلان ذاك والاّ لم يكن وجود النهار لازما مساويا بل اعم وهذا واضح وقد تقدم في الحلقة السابقة ص 62.

اما اذا كان اللازم اعم فقد وقع الكلام بين الاصوليّين في انه اذا ثبت بطلان المدلول المطابقي فهل يلزم من ذلك بطلان المدلول الالتزامي او لا؟ فالثقة اذا اخبرنا بدخول زيد في النار فلازم ذلك موته ولكن اذا فرض انه ثبت لدينا بطلان المدلول المطابقي وان دخول زيد في النار ليس ثابتا - اما لاعتراف المخبر بخطئه او لاخبار ثقة ثان بعدم دخوله النار - فهل يثبت بذلك بطلان المدلول الالتزامي

ص: 163

ويحكم بعدم تحقق الموت او لا؟ فان قيل بالاول فمعنى ذلك تبعية الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في مقام الحجّية فان سقطت الثانية عن الحجّية سقطت الاولى ايضا ، وان قيل بالثانية فمعناه عدم التبعيّة في مقام الحجّية.

وقد يقال : ان الصحيح هو التبعيّة فبسقوط المطابقيّة عن الحجّية تسقط الالتزامية ايضا لأنا قرأنا في المنطق ان الالتزامية فرع المطابقيّة (1) ، ومقتضى الفرعية بطلان هذه ببطلان تلك.

ويرده : ان تفرع الالتزامية على المطابقية انما هو في مقام الوجود دون مقام الحجّية ، فالالتزامية لا توجد الا بعد وجود المطابقيّة ، وهذا اجنبي عن المقام فان الدلالة المطابقيّة موجودة لكنها ليست حجّة فالثقة اذا اخبر عن دخول زيد في النار ثبتت الدلالة المطابقيّة وكان كلامه دالا على الدخول في النار الاّ انها ليست حجّة ، وما دامت المطابقيّة ثابتة فالالتزاميّة ثابتة ايضا ، اذن كلتا الدلالتين ثابتة وانما الكلام في ان تلك عند سقوطها عن الحجّية هل يلزم سقوط هذه عن الحجّية ايضا او لا؟

وقد يقال في مقام الجواب بنفي الملازمة في مقام الحجّية ، فسقوط المطابقيّة عن الحجّية لا يلزم منه سقوط الالتزامية عنها فان التبعية في اصل الوجود لا تستلزم التبعيّة في الحجّية فيمكن بعد ثبوت كلتا الدلالتين سقوط المطابقيّة عن الحجّية وبقاء الالتزامية عليها.

وفي مقابل ذلك قد يقال بالتبعيّة في مقام الحجّية ، ويمكن تقريب ذلك بوجهين :

ص: 164


1- فان دلالة اللفظ على لازم المعنى فرع دلالته على اصل المعنى ، فدلالة اسم الحجاج على الجرائم فرع دلالته على ذات الحجاج.

1 - ما ذكره السيد الخوئي دام ظله من ان المدلول الالتزامي مساو دائما للمطابقي وليس اعم منه فيلزم سقوطه عن الحجّية لما تقدم من ان سقوط الخبر في مدلوله المطابقي يستلزم سقوطه في مدلوله الالتزامي المساوي لكون ذلك لازم فرض المساواة.

اما لماذا يكون المدلول الالتزامي مساويا وليس بأعم فالوجه فيه ان الثقة اذا اخبر بدخول زيد النار فهو لا يخبر عن موته الحاصل باي سبب كان وانما يخبر عن موته المقيّد بدخول النار ، فالموت وان كان في نفسه اعم من دخول النار الا ان المخبر لا يخبر عن اصل الموت بل عن الموت الخاص الحاصل بسبب النار.

والجواب عن هذا التقريب ان اللازم لا يكون مساويا دائما بل قد يكون مساويا وقد يكون اعم.

مثال اللازم المساوي الاخبار عن دخول النار فان لازم دخول النار ليس هو مطلق الموت بل الموت المقيد بالنار.

ومثال اللازم الاعم الصفرة الثابتة على الورقة فان لازمها عدم السواد ، ولكن اي عدم السواد فهل عدم السواد الكلي هو اللازم او عدم السواد المقيد بالصفرة؟ الصحيح ان اللازم هو عدم السواد الكلي ، اذ مع وجود الصفرة على الورقة يمتنع وجود جميع افراد السواد لا فرد دون فرد ، وهذا معناه ان مطلق عدم السواد هو اللازم للصفرة لا عدم السواد المقيّد بالصفرة (1).

وعليه فالملازمة منصبة على طرفين : الصفرة وعدم السواد الكلي ، والطرف الذي انصبت عليه الملازمة هو عدم السواد الكلي ، اجل بعد ان تنصب الملازمة

ص: 165


1- هذا مضافا الى ان عدم السواد امر عدمي والامر العدمي لا يقبل التحصيص ، فانه لا شيء واللاشيء كيف يتحصص وانما الذي يتحصص هو الشيء فتأمل.

على الطرفين يكون عدم السواد مقارنا للصفرة ومقيدا بها الاّ ان هذا التقييد نشأ بعد الملازمة وفي مرحلة متأخرة عنها والاّ ففي مرحلة صب الملازمة تنصب على الصفرة وذات عدم السواد الكلي.

واذا ثبت ان الطرف الذي تنصب عليه الملازمة هو عدم السواد الكلي فالمدلول الالتزامي لوجود الصفرة يكون عاما لان المقصود من المدلول الالتزامي هو طرف الملازمة الذي تنصب عليه لا طرفها ملحوظا بعد انصاب الملازمة عليه.

2 - ان الثقة اذا اخبر عن دخول زيد النار فالنكتة التي لاجلها يصدّق العقلاء بمضمون الخبر هي استبعاد ان المخبر قد اخطأ في رؤيته فمن البعيد ان يشتبه الشخص ويرى دخول النار بدلا عن دخول الدار فيخبر اشتباها بدخول النار ، واذا ثبت اشتباه المخبر في المدلول المطابقي واتضح عدم دخول زيد النار فلا يلزم من عدم الحكم بالمدلول الالتزامي وانه لم يمت اشتباه ثان ، وما دام لا يحصل اشتباه ثان فلا يحكم بصدق المخبر في المدلول الالتزامي لان النكتة في التصديق هي استبعاد الاشتباه والمفروض تحققه - الاشتباه -.

اجل لو فرض ان شخصين اخبر كل منهما عن دخول زيد النار وفرض تراجع الاول واشتباهه في اخباره فلا ترفع بذلك اليد عن الخبر الثاني لان لازم رفع اليد عنه حصول اشتباه آخر للمخبر الثاني غير الاشتباه الذي حصل للمخبر الاول (1).

وباختصار انه في الخبرين العرضيّين حيث يلزم من رفع اليد عن الخبر الثاني حصول اشتباه آخر فلا يجوز ذلك بخلافه في الخبرين الطوليين اللذين

ص: 166


1- ويسمى مثل هذين الخبرين بالخبرين العرضيّين.

احدهما مطابقي والآخر التزامي فانه حيث لا يلزم اشتباه آخر فمن الوجيه رفع اليد عن كلا الخبرين.

ولاجل هذه النكتة بنى السيد الشهيد على سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجيّة عند سقوط المطابقيّة.

هل تسقط الدلالة التضمّنيّة عند سقوط المطابقيّة؟

كان الكلام السابق في سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجّية عند سقوط المطابقية والآن نريد التعرّف على الدلالة التضمّنيّة وانها تسقط عن الحجّية عند سقوط المطابقيّة او لا؟

مثال ذلك : لو قال المولى : اكرم العلماء ، وكان عددهم مائة فالمدلول المطابقي هو وجوب اكرام المائة والمدلول التضمّني هو وجوب اكرام العالم الاول ووجوب اكرام العالم الثاني ووجوب اكرام الثالث وهكذا الى تمام المائة ، فكل عالم من افراد المائة توجد في حقّه دلالة تضمّنيّة بوجوب اكرامه. واذا فرض ورود مخصص يقول : لا تكرم الفساق من العلماء ، فهذا معناه سقوط المدلول المطابقي عن الحجّية فاكرام مجموع المائة غير واجب ولكن هل تسقط بذلك الدلالات التضمّنيّة بالنسبة الى العلماء العدول؟ فلو كان عدد العدول تسعين فهل تسقط الدلالات التضمّنيّة التسعون عن الحجّية بعد عدم وجوب اكرام المائة؟

وهذا هو البحث المعروف بين الاصوليّين : هل العام بعد التخصيص حجّة في الباقي او لا؟ والمعروف بينهم حجيّته في الباقي ، ويأتي تحقيق ذلك في الحلقة ص 292.

ص: 167

قوله ص 76 س 6 ومثال الثاني الملازم ... الخ :

عبّر قدس سره في المثال الأوّل باللازم والملزوم ، وفي المثال الثاني بالملازم ، ووجه ذلك ان اللازم هو المعلول والملزوم هو العلّة ، وبما ان دخول النار علّة والموت معلول ان يعبّر باللازم بالملزوم ، هذا في المثال الاوّل ، واما في المثال الثاني فالصفرة ضد للسواد وحيث انه بيّن الضدّين لا توجد عليّة ومعلوليّة - لما سيأتي في مبحث الضد من ان وجود الصفرة مثلا ليس موقوفا على عدم السواد وانما هما متلازمان ومعلولان لعلّة ثالثة - لم يصح التعبير باللازم والملزوم والمناسب التعبير بالمتلازمين.

ص: 168

القطع الطريقي والموضوعي

اشارة

ص: 169

ص: 170

وفاء الدليل بدور القطع الطريقي والموضوعي :

قوله ص 77 س 13 اذا كان الدليل قطعيّا ... الخ :

تقدّم في الحلقة السابقة ص 38 ان القطع على قسمين طريقي وموضوعي.

ولتوضيح ذلك نذكر المثال التالي : لو قال المولى : الخمر حرام كانت الحرمة في المثال ثابتة لذات الخمر الواقعي ، فاذا كان السائل خمرا واقعا فهو حرام وان لم يقطع المكلّف بكونه خمرا ، غاية الأمر لا تكون الحرمة منجّزة عليه - اي لا يستحق العقاب - ما دام لا يقطع بها ، ويسمى مثل هذا القطع - الذي لم يؤخذ في الموضوع وليس له دور سوى التنجيز - بالقطع الطريقي.

اما اذا قال المولى : الخمر المقطوع بخمريّته حرام فالقطع موضوعي لانه اخذ جزء في الموضوع وبدونه لا تكون الحرمة ثابتة واقعا فضلا عن تنجزها.

وبعد هذا نطرح تساؤلين :

1 - اذا كانت الحرمة ثابتة لذات الخمر وكان دور القطع دور المنجّز والمعذّر فقط فان قطع المكلّف بكون السائل خمرا فلا اشكال في تنجّزها عليه بمعنى استحقاقه العقوبة على مخالفتها غير انه لو فرض عدم حصول القطع له وانما شهد الثقة بكون السائل خمرا فهل تتنجّز الحرمة بذلك او لا؟ وبعبارة اخرى هل الامارة تقوم مقام القطع الطريقي في وظيفته وهي التنجيز والتعذير او لا؟

2 - اذا كان الحكم ثابتا للشيء المقطوع - كما اذا قال المولى ان قطعت بالشيء جازت لك الشهادة به - فالقطع موضوعي فان حصل القطع بكون الدار

ص: 171

لزيد مثلا جازت الشهادة عند الحاكم اما اذا لم يحصل القطع وانما شهد الثقة بكونها لزيد فهل يجوز الاستناد لاخبار الثقة في اداء الشهادة؟ وبعبارة اخرى هل الامارة تقوم مقام القطع الموضوعي او لا؟

ولا اشكال في قيام الامارة مقام كلا القطعين لو دل دليل خاص على ذلك وانما الكلام فيما لو خلينا نحن ودليل حجّية الامارة - كمفهوم آية البناء الذي يقول وان لم يجىء الفاسق فلا تتبيّنوا - فهل نستفيد منه قيامها مقام القطعين؟

ذكر قدس سره : ان الامارة (1) لو افادت القطع كما في الخبر المتواتر فلا اشكال في تنجّز الحكم بها وجواز الاستناد اليها في الشهادة بل ان السؤال عن قيامها مقام القطعين فيه مسامحة واضحة لانها بنفسها قطع وليست ظنا حتى يسأل عن قيامها مقام القطع.

واما اذا كانت مفيدة للظن فهناك بحثان :

أ - بحث في قيام الامارة مقام القطع الطريقي في وظيفته وهي التنجيز والتعذير.

ب - بحث في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي.

البحث الأوّل :

اما فيما يخص البحث الاول فقد يقال ان قيام الامارة مقام القطع الطريقي في التنجيز والتعذير من الامور المسلمة - اذ لو لم تكن منجّزة ومعذّرة كالقطع الطريقي فلا معنى لحجّيتها - ومعه ما الغرض من البحث المذكور؟

والجواب : انه لا اشكال بين الاصوليّين في كون الامارات منجّزة ومعذّرة

ص: 172


1- لعل تعبيرنا بالامارة فيه شيء من المسامحة لاختصاصها بحالة افادة الظن.

والتزامهم في مقام الفتوى والعمل بذلك وانما وقعوا في اشكال فني ونظري من ناحيتين :

الاولى : ان استحقاق العقوبة الذي هو معنى التنجيز هو من خصائص القطع طبقا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فغير القطع لا يصح معه العقاب ، وعليه فكيف تكون الامارة منجّزة وموجبة لاستحقاق العقاب مع انها لا توجب القطع.

ولا يمكن ردّ ذلك بان دليل حجّية الامارة يكون مخصّصا لقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » اذ يجاب عن ذلك بان الاحكام العقلية التي منها القاعدة المذكورة لا تقبل التخصيص.

الثانية : ان المولى كيف ينزل الامارة منزلة القطع مع ان شرط التنزيل وجود اثر شرعي للمنزل عليه ، فمثلا حينما يقول المولى : الطواف بالبيت صلاة يوجد اثر شرعي للصلاة وهو اشتراط الطهارة فيها مثلا وبالتنزيل يراد تعميم هذا الاثر للطواف ، وفي المقام اذا قال المولى الامارة كالقطع لا يوجد اثر شرعي للقطع حتى يسرّى للامارة فان اثر القطع الطريقي - وهو المنجّزية والمعذّرية - اثر عقلي وليس شرعيا اذ العقل هو الذي يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفة القطع ، ومع كون الاثر عقليا فلا يمكن التنزيل فان المولى انما يمكنه تسرية احكامه الشرعيّة الى المنزّل والاحكام العقلية ليست راجعة له ولا تحت يده حتى يمكنه سحبها للامارة.

اما بالنسبة الى الاشكال من الناحية الاولى فقد أجاب قدس سره عنه بجوابين :

1 - اننا ننكر قاعدة « قبح العقاب عند عدم العلم » كما تقدم مرارا وانما يرد الاشكال على المشهور القائلين بها.

ص: 173

2 - ان عقلنا لو حكم بقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » فهو لا يحكم بها الاّ في خصوص الاحكام التي لا يعلم باهتمام المولى بها على تقدير ثبوتها واقعا ، اما اذا كان الحكم الذي يشك في ثبوته واقعا مما يهتم به المولى على تقدير ثبوته فلا يحكم عقلنا منذ البداية بقبح العقاب عليه وان كان مشكوكا ، فمثلا لو شك المكلّف في امرأة معيّنة انها اخته او لا فلا يمكنه التزوج بها تطبيقا لقاعدة « قبح العقاب » ، فانها لو كانت اختا في الواقع فالشارع يحرّم العقد عليها ، والحرمة المذكورة على تقدير ثبوتها واقعا مما يهتم بها الشارع اهتماما بالغا.

وبعد هذا نقول : ان المولى اذا حكم بحجّية خبر الثقة فهذا معناه اهتمامه بالاحكام التي يدل عليها - فان الحجّية حكم ظاهري والحكم الظاهري يدل على الملاك الاهم - ومع اهتمامه بها تكون منجّزة ويستحق العقاب على مخالفتها وان لم يحصل العلم بها عن طريق الامارة ، ولا يلزم من ذلك تخصيص قاعدة « قبح العقاب » فان القاعدة المذكورة كما قلنا تختص منذ البداية بالاحكام المشكوكة التي لا يعلم باهتمام المولى بها على تقدير ثبوتها.

واما الاشكال من الناحية الثانية فهناك محاولتان للتخلّص منه :

الاولى : ان يلتزم بمسلك جعل الحكم المماثل فيقال : ان جعل خبر الثقة حجّة ليس معناه تنزيله منزلة القطع حتى يرد الاشكال السابق بل معناه جعل حكم ظاهري مماثل لما يقوله ، فاذا كان الثقة يقول : صلاة الجمعة واجبة فالشارع يجعل وجوبا ظاهريا لصلاة الجمعة ، واذا كان يقول العصير العنبي المغلي حرام فالشارع يجعل حرمة ظاهرية له وهلم جرّا.

وبناء على المسلك المذكور لا يحتاج الى وجود اثر شرعي فان ذلك مختص بباب التنزيل.

ص: 174

الثانية : ما ذكره الميرزا بناء على مسلك جعل العلمية حيث ذكر ان معنى جعل خبر الثقة حجّة هو اعتباره علما وفردا من افراده كما يعتبر السكاكي الرجل الشجاع فردا من معنى الاسد (1) ومع الاعتبار المذكور يصير الخبر منجّزا كالعلم - فان المنجّزية

ثابتة لمطلق العلم الاعم من الحقيقي والاعتباري - ولا حاجة الى وجود اثر شرعي فان ذلك يختص بباب التنزيل.

وبعد ان استعرض قدس سره المحاولتين المذكورتين تصدى لردهما وحل الاشكال من اساسه ، وحاصل ما ذكره : ان تنجّز التكليف وخروجه من قاعدة « قبح العقاب » يحصل بابراز المولى اهتمامه به فانه بالابراز المذكور يصير الحكم منجّزا ولا تشمله قاعدة « قبح العقاب » اذ تقدم قبل قليل ان القاعدة المذكور لو سلّمت فهي تسلّم في خصوص الاحكام التي لا يعلم باهتمام المولى بها على تقدير ثبوتها واقعا ، ومن الواضح انه بعد دلالة الدليل على حجّية الامارة يكون المولى قد ابرز اهتمامه بالاحكام التي تؤدي اليها ولا تعود قاعدة القبح شاملة لمورد الامارة فيصبح منجّزا وان كان مشكوكا في نفسه ، وبعد ابراز المولى اهتمامه بالحكم لا تعود الصياغة اللفظية مهمة فان الصياغة اللفظية مجرّد تعبير والتعبير لا يؤثر نوعه بعد ان كان مبرزا لاهتمام المولى بالحكم.

وبعبارة اخرى ان اصحاب مسلك التنزيل والحكم المماثل والطريقية صبّوا

ص: 175


1- ان للسكاكي رأيا يقول : لا يوجد عندنا في باب الاستعمال مجاز ابدا ، فحينما يقال في حق الشجاع جاء الاسد يوسّع من دائرة الاسد للشجاع ويعتبر فردا من افراده ، وبعد التوسعة المذكورة يكون استعمال الاسد في الشجاع استعمالا حقيقيا فلا يكون في اللفظ اية مجازية ، اجل ان كانت هناك مجازية فهي في امر عقلي حيث يوسّع العقل من دائرة معنى الاسد ويعممها للشجاع ، ومن هنا يعبّر عن النحو المذكور بالمجاز العقلي لان التصرف في امر عقلي في قبال المجاز اللفظي الذي تكون فيه المجازية في اللفظ.

جهودهم في البحث عن كيفية صياغة الحجّية مع ان ذلك ليس بمهم فان المهم ان يتنجّز الحكم من خلال الامارة ويخرج عن قاعدة « قبح العقاب » وذلك انما يحصل بابراز المولى اهتمامه بالحكم المدلول للامارة ، اما طريقة الابراز وانها بالتنزيل او بالحكم المماثل او بالطريقيّة فهي غير مهمّة ولا مقتضى لصرف الوقت في تحقيقها.

البحث الثاني :

واما بالنسبة الى البحث الثاني - وهو في امكان قيام خبر الثقة مقام القطع الموضوعي - فتحقيق الحال فيه ان القطع المأخوذ في موضوع الحكم له شكلان :

أ - ان يؤخذ في الموضوع بما هو طريق ومنجّز للواقع لا بما هو صفة نفسانية يعبر عنها بحالة 100%. ومثال ذلك قولك : ان قطعت بكون زيد مريضا فزره ، فان القطع في المثال المذكور وان اخذ في الموضوع الا انه اخذ بما هو طريق لاحراز المرض ، ويعبر عنه في الحالة المذكورة بالقطع الموضوعي الطريقي.

ب - ان يؤخذ في الموضوع بما هو صفة نفسانية يعبر عنها بحالة 100%.

ومثال ذلك قول الشارع مثلا : ان قطعت بكون الحق لزيد فاشهد له فان القطع المأخوذ في موضوع جواز الشهادة اخذ بما هو صفة نفسانية اي ان كنت قاطعا في نفسك 100% بكون الحق لزيد فاشهد له ، ويسمى القطع في الحالة المذكورة بالقطع الموضوعي الصفتي.

اما في الشكل الاول فلا اشكال في قيام خبر الثقة مقام القطع فان المفروض ان القطع بالمرض اخذ بما هو طريق لاحراز المرض ومنجّز للواقع ، ومن الواضح ان دليل حجّية الامارة بجعله الحجّية لها يصيرها منجّزة للواقع وتصير بذلك فرداً

ص: 176

حقيقا للموضوع ، فان الموضوع حسب الفرض هو كل منجّز للواقع والامارة فرد منه ، ويمكننا ان نعبر عن دليل حجّية الامارة بانه وارد على دليل الحكم الذي اخذ فيه القطع بما هو منجّز ، والمراد من كونه واردا انه يحقق فردا حقيقيا من المنجّز - اي من الموضوع - في مقابل الدليل الحاكم الذي يحقق فردا منه تعبدا.

واما في الشكل الثاني فلا يقوم خبر الثقة مقام القطع ولا يجوز الاستناد اليه في مقام الشهادة اذ بدليل الحجّية وان صار طريقا ومنجّزا للواقع الا ان المفروض عدم اخذ القطع في الموضوع بما هو طريق للواقع حتى يقوم خبر الثقة مقامه وانما اخذ بما هو صفة نفسية يعبر عنها بحالة 100% ومن الواضح ان خبر الثقة بعد حجّيته لا يصير مفيدا للقطع 100%.

محاولة الميرزا :

هذا ولكن حاول الميرزا ان يستفيد من دليل حجّية خبر الثقة قيام خبر الثقة مقام هذا الشكل من القطع ايضا مستفيدا من مسلكه - جعل العلمية - فان الخبر اذا كان حجة فمعنى ذلك ان الشارع جعله كأنه قطع 100% ومعه يلزم ترتيب جميع آثار القطع الموضوعي الصفتي عليه كجواز الاستناد اليه في اداء الشهادة (1).

ويمكن الايراد على الميرزا بما يتضح بعد الالتفات الى ثلاث نقاط :

أ - ان حكومة احد الدليلين على الآخر تعني نظر الدليل الحاكم الى الدليل

ص: 177


1- ويصطلح على دليل حجّية خبر الثقة بناء على مسلك جعل العلمية بالدليل الحاكم اي انه يحقق فردا تعبّديا لموضوع الحكم المرتب على القطع الصفتي في مقابل الدليل الوارد الذي يحقق فردا حقيقيا من الموضوع.

المحكوم لتوسعة او تضييق موضوعه من قبيل دليل اكرم عالم ودليل الفاسق ليس بعالم فان الدليل الثاني ناظر الى العالم الذي هو موضوع الدليل الاول لتضييقه واخراج العالم الفاسق من عنوان العالم ، واذا قيل في الدليل الثاني المتقي عالم كان ناظرا الى الاول للتوسعة من موضوعه.

ب - ان الدليل المهم على حجّية خبر الثقة هو السيرة العقلائية دون الآيات والروايات حيث انها قابلة للمناقشة.

ج - انه لا يوجد في الحياة العقلائية احكام مترتبة على القطع بما هو صفة نفسية تتمثل في حالة 100% واذا كان موجودا فهو في غاية الندرة ، وانما المتداول بينهم ترتيب الاحكام على القطع بما هو طريق نظير ان قطعت بمرض اخيك المؤمن فزره ، وان قطعت بعداوة شخص فقاطعه ونظائر ذلك ، فان القطع فيها وان اخذ جزءا من الموضوع الا انه لوحظ بما هو طريق لاحراز المرض والعداوة ولا خصوصية لحالة 100%.

وباتضاح هذه النقاط يتّضح عدم امكان حكومة دليل حجّية خبر الثقة على دليل احكام القطع الموضوعي الصفتي ، فان الدليل المهم على حجّية الخبر هو السيرة العقلائية ، وهي لا يمكن ان تكون حاكمة لان الحكومة تتوقف على النظر وحيث ان الحياة العقلائية لا يتداول فيها احكام مترتبة على القطع الموضوعي الصفتي فلا معنى لان يقال : ان السيرة العقلائية الجازية على حجّية خبر الثقة ناظرة الى تنزيل خبر الثقة منزلة القطع الموضوعي الصفتي بعد افتراض عدم تداول القطع الموضوعي الصفتي بينهم.

ان قلت : ان القطع الموضوعي الصفتي وان لم يكن متداولا عند العقلاء ولكنّه متداول في الاحكام الشرعية فلماذا لا تكون السيرة العقلائية ناظرة الى

ص: 178

تنزيل خبر الثقة منزلة القطع الموضوعي الصفتي المتداول عند الشارع.

قلت : لا معنى لان ينظر العقلاء الى احكام الشارع ويضيقوا من موضوعها او يوسعوا ، فان كل حاكم ليس له الحق الا في النظر لاحكام نفسه وتوسيع موضوعها وتضييقه دون احكام غيره فانها خارجة عن حوزته.

قوله ص 77 س 14 بدور القطع الطريقي والموضوعي :

تقدم ايضاح المصطلحين المذكورين في ص 38 من الحلقة الثانية.

قوله ص 78 س 2 مع الاتفاق عمليا ... الخ :

اي لا اشكال بينهم في القول بقيام الامارة مقام القطع الطريقي في المنجّزية والمعذّرية والالتزام بذلك في مقام العمل الاّ ان هناك اشكالا نظريا يقول كيف تقوم الامارة مقام القطع الطريقي في وظيفته وهي التنجيز والتعذير والحال ان ذلك مخالف عند المشهور لقاعدة « قبح العقاب ».

قوله ص 78 س 12 من اول الامر :

التقييد بقوله من اول الامر للاشارة الى ان هذه الدعوى لا يلزم منها تخصيص قاعدة « قبح العقاب ».

قوله ص 80 س 3 بل في اعتبار الظن علما :

لعل الفارق بين الاعتبار والتنزيل انه في التنزيل يكون الملحوظ ابتداء تسرية الاثر للمنزل فاذا لم يكن شرعيا فلا يمكن تسريته واما في الاعتبار فليس الملحوظ ابتداء هو الاثر بل توسعة العلم الى الظن.

قوله ص 80 س 4 على طريقة المجاز العقلي :

اي على طريقة الحقيقة الادعائية التي يقول بها السكاكي ، وقد تقّدمت الاشارة اليها في الحلقة الثانية ص 88 تحت عنوان تحويل المجاز الى حقيقة.

ص: 179

قوله ص 80 س 5 الجامع :

اي الاعم من القطع الوجداني والاعتباري.

قوله ص 80 س 11 كما تقدم :

اي ص 78 في الجواب الثاني على الاشكال الأول.

قوله ص 81 س 7 ويعتبر دليل الحجّية في هذه الحالة واردا :

الفرق بين الورود والحكومة ان التوسعة والتضييق في الدليل الوارد حقيقية وفي الدليل الحاكم تعبّدية.

قوله ص 82 س 8 اذا كان دليل الحجّية للامارة هو السيرة العقلائية :

واما اذا كان دليل الحجّية هو الآيات او الروايات فما افاده الميرزا تام.

ص: 180

جواز الاسناد

اشارة

ص: 181

ص: 182

اثبات الامارة لجواز الاسناد :

قوله ص 82 س 12 يحرم اسناد ما لم يصدر ... الخ :

اذا دل خبر الثقة على ان العصير العنبي يحرم ان غلا فهل يجوز اسناد الحكم المذكور الى اللّه سبحانه فنقول : حكم عزّ وجلّ بحرمة العصير المغلي بعد وضوح ان الخبر لا يفيد القطع بمضمونه بل الظن ، وهكذا هل يجوز اسناد حجّية الخبر اليه تعالى فنقول : حكم عزّ وجلّ بان الخبر حجّة.

وللجواب عن ذلك نقول : انه يوجد لدينا حرمتان :

أ - حرمة الكذب اي حرمة اسناد حكم لم يصدر من الشارع المقدس واقعا اليه.

ب - حرمة الافتراء والتشريع اي حرمة اسناد حكم لا يعلم بصدوره من الشارع اليه.

واذا دققنا النظر في الحرمتين المذكورتين وجدنا الحرمة الاولى منصبة على الحكم الذي لم يصدر واقعا ، فكل حكم لم يصدر واقعا من الشارع تكون نسبته اليه كذبا من دون مدخلية للقطع في ذلك وانما دور القطع دور الطريق والمنجّز لا اكثر بينما الحرمة الثانية منصبة على الحكم الذي لا يعلم بصدوره فكل حكم لا يعلم بصدوره تكون نسبته للشارع تشريعا وافتراء حتى وان كان صادرا منه واقعا ، وعلى هذا فالقطع موضوعي بالنسبة الى هذه الحرمة بينما هو طريقي بالنسبة الى الاولى.

ص: 183

وباتضاح هذا نقول : ان الدليل الدال على حرمة العصير تارة يفرض كونه مفيدا للقطع بالحكم كما هو الحال في الخبر المتواتر واخرى يفرض افادته للظن كما هو الحال في خبر الثقة.

فان فرض افادته للقطع جاز نسبة الحكم الى اللّه سبحانه من دون لزوم محذور حرمة الكذب ولا محذور حرمة التشريع لان المفروض حصول القطع بالحكم.

اما اذا فرض افادته الظن فلا اشكال في جواز نسبة الحجّية الى الشارع فنقول : حكم الشارع بحجّية خبر الثقة لان الحجّية - التي هي حكم ظاهري - لا تثبت الا بالقطع فما لم نقطع بحجّية الخبر فلا يكون حجّة لما تقدم من ان الظن لا يكون حجّة الا مع القطع بحجّيته ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في جواز نسبة حرمة العصير الى الشارع بعد فرض عدم القطع بها.

والصحيح هو التفصيل بين الحرمتين فحرمة الكذب منتفية بينما حرمة التشريع ثابتة.

اما ان حرمة الكذب منتفية فلأن القطع بالنسبة اليها طريقي اي لوحظ بما هو منجّز ومعذّر ، ومن الواضح ان الامارة منجّزة ومعذّرة كالقطع الطريقي فكما انه لو قطع المكلّف بثبوت حرمة العصير جازت نسبتها الى الشارع وكان معذورا على تقدير عدم ثبوتها واقعا كذلك لو قامت الامارة على الحرمة جازت نسبتها الى الشارع وكانت الامارة عذرا على تقدير عدم ثبوتها واقعا.

ولرب قائل يقول : ان الحرمة الاولى ثابتة لعنوان الكذب فلا بد من احراز انتفاء الكذب لتنتفي بذلك الحرمة ، ومجرّد كون الامارة منجّزة ومعذّرة لا يجدي لنفي عنوان الكذب.

ص: 184

والجواب : ان خبر الثقة اذا دل على حرمة العصير المغلي فهو دال بالمطابقة على حرمة العصير وبالالتزام على ان من اخبر عن الحرمة فهو ليس بكاذب ، ودليل حجّية خبر الثقة كما يدل على حجّيته في مدلوله المطابقي يدل على حجّيته في مدلوله الالتزامي وبذلك يحرز انتفاء عنوان الكذب (1). هذا كله بالنسبة الى الحرمة الاولى.

واما بالنسبة الى الحرمة الثانية فقد قلنا هي ثابتة لانها منصبة على الحكم الذي لا يعلم بصدوره ، ومن الواضح ان حرمة العصير لا تصير معلومة بمجرد دلالة خبر الثقة عليها ، اجل يمكن التخلص من ذلك باحد طريقين :

1 - ان نأخذ بمسلك الميرزا القائل بقيام الامارة مقام القطع الموضوعي الصفتي ، فاذا اخبر الثقة بحرمة العصير صار المكلّف كانه عالم 100% بذلك ومعه يجوز نسبة الحرمة الى الشارع.

2 - ان يقال ان حرمة الافتراء لا تعم صورة دلالة الامارة على حرمة العصير من جهة قيام اجماع الفقهاء وسيرة المسلمين على اسناد مضمون الخبر الى الشارع بدون توقف من ناحية حرمة التشريع ، فالخطباء على المنابر والفقهاء كثيرا ما يقولون : قال اللّه ... ولا مستند لهم سوى اخبار الثقات.

قوله ص 82 س 12 اسناد ما لا يعلم ... الخ :

وبالأولى يتحقق الافتراء في صورة العلم بعدم الصدور فتخصيص صوره

ص: 185


1- ان قلت : ان اللازم المذكور لازم غير شرعي اذ لا توجد اية او رواية تقول ان الامارة اذا دلت على الحرمة فالاخبار عنها لا يكون كذبا وانما العقل هو الحاكم بذلك. قلت : ان اللازم المذكور وان لم يكن شرعيا الا انه تقدم خلافا للسيد الخوئي حجّية الامارة في لوازمها غير الشرعية.

عدم العلم بالصدور بالذكر من باب التنبيه على الفرد الخفي.

قوله ص 83 س 2 وهو طريق الى احد النفيين :

اي ان القطع طريق لنفي الحرمة الاولى وموضوع لنفي الحرمة الثانية.

قوله ص 83 س 4 نفس الحكم الظاهري :

وهو الحجّية كما تقدمت الاشارة الى ذلك ص 32 س 12 من الحلقة.

قوله ص 83 س 8 غير ان انتفاء الحرمة الاولى كذلك :

اي بدليل حجّية الامارة.

ص: 186

ابطال طريقية الدليل

اشارة

ص: 187

ص: 188

ابطال طريقية الدليل :

قوله ص 84 س 1 كل نوع من انواع الدليل ... الخ :

نسب الى الاخباريين القول بان القطع الحاصل من مقدمات عقلية ليس حجّة وانما الحجّة هو القطع الحاصل من الكتاب والسنة ، فالقطع بوجوب المقدمة مثلا اذا حصل من حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فهو ليس حجّة ، اما اذا حصل من دلالة آية او رواية فهو حجّة ، واستندوا في ذلك الى روايات كثيرة تنهى عن الاخذ بالعقل.

واورد عليهم اعلام الاصوليّين بان القطع حجّة ومنجّز ولا يمكن سلب ذلك عنه مهما كان السبب لحصوله والاّ يلزم اجتماع المتناقضين في نظر القاطع كما تقدم ص 51 من الحلقة ، فاذا حكم العقل بالملازمة وحصل القطع بوجوب المقدمة فلا يمكن للشارع سلب الحجّية عنه والحكم بعدم وجوب المقدمة للزوم اجتماع الوجوب وعدمه في نظر القاطع.

اجل هناك طريقة يمكن بواسطتها سلب المنجّزية عن القطع الحاصل من العقل وهي تحويل القطع من كونه طريقا الى كونه موضوعا بان يقول المولى هكذا : اذا قطعت بتشريع وجوب المقدمة من طريق الكتاب والسنة - او من غير طريق العقل - فحينئذ يصير وجوب المقدمة عليك فعليا (1) ، فيؤخذ حصول القطع بالتشريع من غير طريق العقل في موضوع الوجوب الفعلي فمتى ما تحقق القطع

ص: 189


1- تشريع الحكم هو ما يصطلح عليه بالجعل ، والحكم الفعلي هو ما يصطلح عليه بالمجعول.

بالتشريع من طريق العقل لم يصر الوجوب فعليا ومتى ما تحقق من طريق الشرع صار فعليا ، انه بناء على هذه الطريقة لم تسلب المنجّزية عن القطع بعد حصوله وانما حيل دون حصوله فالقطع بالحكم الفعلي لا يحصل متى ما كان القطع بالتشريع حاصلا من العقل.

لا يقال : ان القطع بالحكم الفعلي وان لم يحصل الاّ ان القطع بالتشريع والجعل حاصل.

فانه يقال : ان القطع المنجّز هو القطع بالحكم الفعلي دون القطع بالجعل ، فما اكثر حصول القطع بالجعل ومع ذلك لا يتنجّز كالقطع بتشريع وجوب الحج على المستطيع فانه لا يكون منجّزا ما دامت الاستطاعة لم تحصل بالفعل ولم يصر وجوب الحج فعليا.

ان هذه الطريقة لسلب المنجّزية عن القطع بتحويله من طريقي الى موضوعي رغم انها طريقة معقولة بيد انها لا تنفع الاخباري شيئا اذ نقول له انك حينما تقول بعدم حجّية القطع العقلي فهل تقصد انه ليس حجّة بدون تحويله من الطريقية الى الموضوعية او تقصد ذلك بعد التحويل المذكور؟ فان كنت تقصد الاول فهو غير ممكن لان سلب المنجّزية عن القطع بعد حصوله يلزم منه اجتماع المتناقضين في نظر القاطع كما تقدم ، وان كنت تقصد الثاني فهو ممكن الا ان وقوعه غير ثابت اذ لم يثبت من الشارع تحويل القطع العقلي من الطريقية الى الموضوعية لعدم دلالة آية او رواية على ذلك ، ومن الواضح ان مجرد امكان الشيء لا يثبت به وقوعه بل يحتاج وقوعه الى الدليل وهو مفقود في المقام.

قوله ص 84 س 4 بان يؤخذ عدم قيام الدليل الخاص :

اي عدم قيام الدليل العقلي على الجعل والتشريع في موضوع الحكم الفعلي.

ص: 190

قوله ص 84 س 5 في ذلك الجعل :

متعلق بالمجعول.

قوله ص 85 س 1 علم مخصوص بالجعل :

اي العلم بالجعل من طريق الشرع.

قوله ص 85 س 1 او أخذ عدمه :

اي اخذ عدم علم مخصوص قيدا في الحكم الفعلي بان يؤخذ عدم القطع العقلي بالجعل في موضوع الوجوب المجعول.

قوله ص 85 س 2 ولا يلزم من كل ذلك دور :

فانه انما يلزم لو اخذ عدم القطع العقلي بالحكم الفعلي في موضوع نفس الحكم الفعلي ، اما اذا اخذ عدم القطع العقلي بالجعل في موضوع الحكم المجعول - اي الحكم الفعلي - فهو معقول كما مرّ في الحلقة الثانية ص 262 اذ ثبوت الحكم الفعلي وان كان موقوفا على القطع بالجعل من الشرع الاّ ان القطع بالجعل من الشرع لا يتوقف على ثبوت الحكم الفعلي.

قوله ص 85 س 4 فقط :

واما المستند الى الشرع والعقل معا فهو حجّة.

قوله ص 85 س 7 فهو ممكن ثبوتا :

اي واقعا.

تقسيم البحوث في الادلة المحرزة :

قوله ص 85 س 14 وسنقسّم البحث في الادلة المحرزة :

تقدم ص 45 تقسيم الابحاث الاصولية بشكل عام الى اربعة اقسام :

ص: 191

الاول : البحث عن القطع.

الثاني : البحث عن الامارات.

الثالث : البحث عن الاصول العملية.

الرابع : البحث عن التعارض.

وكان الكلام فيما سبق يدور عن البحث الاول ، ومن الآن يقع عن الامارات التي قد يعبر عنها بالادلة المحرزة او الادلة الاجتهادية ، وفي البداية لا بد من معرفة منهجة الحديث عن الامارات كي نكون على اطلاع مسبق وبصورة اجمالية على ما يتعرض له فيما بعد.

ان الدليل ينقسم الى دليل شرعي ودليل عقلي ، اما الدليل العقلي فيأتي البحث عنه ص 268 ، والدليل الشرعي تارة يكون لفظيا كالآيات والروايات واخرى غير لفظي كسيرة المتشرعة وتقرير المعصوم علیه السلام او فعله.

والابحاث التي تطرح في الدليل الشرعي بكلا قسميه - اللفظى وغير اللفظي - ثلاثة :

أ - البحث عن دلالات كلية يشخص بها معنى الدليل والمقصود منه ، فيقال مثلا : هل الامر ظاهر في الوجوب او لا؟ وهل الجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم او لا؟ وفعل المعصوم علیه السلام هل يدل على الوجوب او لا؟ وهكذا.

ب - البحث عن كيفية اثبات صدور الدليل كقول المعصوم علیه السلام او فعله او تقريره ، وهذا هو البحث المعروف بمباحث الحجج فانه لو قلنا بحجّية خبر الثقة مثلا وجب الحكم بصدور الخبر من الامام علیه السلام وان لم نجزم بذلك.

ج - البحث عن حجّية الظواهر فانه اذا ثبت في البحث الاول ظهور الامر في الوجوب مثلا يبحث هنا عن حجّية ذلك الظهور وعدمها.

ص: 192

والمنهجة بهذا الشكل تقدمت في الحلقة السابقة ويراد الجري على منوالها هنا ايضا.

قوله ص 86 س 5 ضوابط عامة :

واما الضوابط الخاصة مثل ان كلمة الصعيد ظاهرة في مطلق وجه الارض فالبحث عنها ليس اصوليا كما سيأتي ص 87.

قوله ص 86 س 6 لدلالته وظهوره :

العطف هنا تفسيري.

قوله ص 86 س 6 في ثبوت صغراه :

اي صغرى الدليل ومصداقه.

ص: 193

ص: 194

الدلالات الخاصّة والمشتركة

اشارة

ص: 195

ص: 196

الدلالات الخاصّة والمشتركة :

ظواهر الالفاظ التي يعبر عنها بالدلالات على قسمين فبعضها يختص بمجال واحد مثل ظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الارض ، وبعضها لا يختص بمجال واحد مثل ان الامر ظاهر في الوجوب وان اسم الجنس - كلفظ رقبة - المجرّد عن التقييد بالمؤمنة ظاهر في ارادة مطلق الرقبة ، وهلم جرّا.

والقسم الاول لا يبحث عنه الاصولي لانه ليس عنصرا مشتركا في مقام الاستنباط فظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض مثلا ينتفع به في خصوص الحكم المترتب على كلمة الصعيد لا اكثر ، وهذا بخلافه في القسم الثاني فانه عنصر مشترك ، فقضية الامر ظاهر في الوجوب ينتفع منها الاصولي من اول الفقه الى آخره.

اذن الاصولي يبحث عن الدلالات المشتركة التي تشكّل عنصرا مشتركا في مقام الاستنباط دون الدلالات الخاصة فان البحث عنها وظيفة اللغوي.

ولرب قائل يقول : ان الاصولي لا يليق به البحث عن الدلالات بما في ذلك الدلالات المشتركة فان علم الاصول علم مبتن على الدقة والتفكير والعمق ، ومن الواضح ان اثبات دلالة اللفظ على معنى معين لا يحتاج الى دقة وعمق ، بل يثبت بطرق واساليب بسيطة مثل التبادر والرجوع الى قول اهل اللغة ، فصيغة الامر متى ما تبادر منها الوجوب او نصّ اهل اللغة على وضعها له ثبتت بذلك دلالتها عليه بلا حاجة الى بحث من الاصولي.

ص: 197

والجواب : ان بعض مباحث الدلالات تستحق الدقة والعمق ، والاصولي يبحث عنها من هذا الجانب ، ولتوضيح ذلك تقول : ان الابحاث اللفظية - الابحاث عن الدلالات - على قسمين :

1 - بحوث لغوية. وهي بحوث عن تحديد المعاني اللغوية للالفاظ مثل ان الامر ظاهر في الوجوب او لا؟ والجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم او لا؟ وهكذا ، ومثل هذه الابحاث قد يشتمل على الدقة والعمق في بعض الحالات كما سنوضح ذلك بعد قليل.

2 - بحوث تحليليّة. مثل قولنا زيد في الدار ، فان معنى هذه الجملة واضح لكل انسان له ادنى المام باللغة العربية ولا جهل فيها من حيث المعنى اللغوي بيد انه لو دققنا فيها قليلا وجدنا ان المعنى المقابل لكلمة زيد واضح وهو ذات زيد وهكذا المعنى المقابل لكلمة الدار ولكن ما هو المعنى المقابل لكلمة في؟ ان هذا فيه شيء من الخفاء ، ولم ينشأ هذا الخفاء من عدم وضوح المعنى اللغوي لكلمة في ، فان معناها ضمن الجملة المذكورة واضح ويستغرب الانسان العربي لو سئل عن معناها ، وما ذاك الاّ لوضوحه ، غير انه لو اردنا معرفة المعنى المقابل لكلمة ( في ) في الجملة المذكورة بالدقة عسر علينا ذلك ، وجاءت ارآء اصولية متعددة في تحديده ، فقيل انها موضوعة لتحصيص المعاني الاسمية كما اختاره السيد الخوئي ، وقيل بان معناها نفس معنى الاسم كما اختاره الآخوند ، وقيل : ان معناها هو النسبة والربط كما اختاره المشهور.

وباختصار ان الابحاث اللفظية على قسمين فبعضها لغوى وبعضها الآخر تحليلي يحلل فيه معنى الجملة ليتجلى بالدقة المعنى المقابل للحرف.

ص: 198

الابحاث اللغوية :

والبحوث اللغوية تعني - كما تقدم - البحث عن المعاني اللغوية للالفاظ ، وهناك حالات تتضمن الدقة والعمق يقوم ببحثها الاصولي ، وعلى سبيل المثال دون الحصر نذكر ثلاث حالات :

1 - احيانا يوجد قانون عرفي مقبول لدى الجميع غير انه يحتاج تطبيقه على بعض المصاديق لاعمال الدقة.

وعلى سبيل المثال مقدمات الحكمة فانها قانون عرفي فالكل يعرف ان لفظ رقبة متى ما استعمل من دون تقييده بقيد معين دل على الاطلاق ، والاصولي لا يحتاج الى بحث القانون المذكور بعد عرفيته الواضحة بيد ان تطبيقه على صيغة الامر لاستفادة الوجوب النفسي في مقابل الغيري والتعييني في مقابل التخييري قد يحتاج الى تدقيق الاصولي ، فلو قال المولى اكنس الغرفة وشك في كون الكنس واجبا غيريا كمقدمة للدرس او واجبا نفسيا (1) فقد يتمسك باطلاق الصيغة لاستفادة الوجوب النفسي بتقريب انه لو كان غيريا فاللازم تقييد وجوب الكنس بما اذا كان هناك درس لان الوجوب الغيري وجوب مقيّد وحيث ان الطلب لم يقيد فاطلاقه كاشف عن كون الوجوب نفسيا.

وهكذا الحال لو شكّ في كون وجوب الكنس وجوبا مخيرا بينه وبين قراءة القرآن او وجوبا تعيينا لا يسقط حتى مع قراءة القرآن فانه قد يقال باستفادة الوجوب التعييني من الصيغة اذ لو كان الكنس واجبا تخييريا لقيّد وجوبه بما اذا لم يقرأ القرآن وحيث لم يقيّد كشف ذلك عن كونه تعيينيا.

ص: 199


1- والثمرة تظهر فيما لو كان الدرس معطّلا في يوم فان وجوب الكنس يسقط لو كان غيريا بخلافه لو كان نفسيا.

انا لو لا حظنا هذا المثال لوجدنا ان قانون مقدمات الحكمة وان كان عرفيا لا يحتاج الى دقة الاصولي الا ان تطبيقه في المثال يحتاج الى ذلك فانه موقوف على التعرّف على حقيقة الوجوب التخييري والغيري وانه وجوب مقيد بما اذا لم يؤت بالعدل وبما اذا كان وجوب ذي المقدمة ثابتا بخلاف الوجوب التعييني والنفسي فانه مطلق ، ان التعرف على حقيقة الوجوب الغيري والتخييري لا يمكن بدون الاستعانة بتدقيقات الاصولي.

2 - ان يفرض ان لفظا معينا ظاهر في معنى معيّن ولا يشك في ظهوره فيه وانما يشك في منشأ الظهور اهو الوضع او مقدمات الحكمة؟ فقد يحتاج احد الاحتمالين الى اعمال الاصولي دقته ، مثال ذلك اسم الجنس كلفظ رقبة فانه ظاهر في الاطلاق جزما ولكن وقع النزاع في منشأ الظهور الاطلاقي فهل هو الوضع بمعنى ان كلمة رقبة موضوعة لطبيعة الرقبة مع قيد الاطلاق بحيث يكون الاطلاق مدلولا وضعيا كما هو رأي الاعلام قبل سلطان العلماء (1) او هو ناشىء من مقدمات الحكمة بمعنى ان كلمة رقبة موضوعة لذات الرقبة من دون قيد الاطلاق وانما يثبت بواسطة مقدمات الحكمة كما هو الرأي السائد من زمان سلطان العلماء الى يومنا هذا ، وبناء عليه يكون الاطلاق مدلولا حكميا (2).

ويأتي دور الاصولي لاثبات احد الاحتمالين عن طريق تجميع بعض

ص: 200


1- وبناء على ذلك لا يحتاج اثبات الاطلاق الى اعمال مقدمات الحكمة اذ الاطلاق يثبت بنفس الوضع ويترتب على ذلك ايضا كون الاستعمال في مواضع التقييد مجازا ، فكلمة رقبة في قولنا اعتق رقبة مؤمنة يكون مجازا لانها لم تستعمل في تمام المعنى الموضوع له وهو الطبيعة بقيد الاطلاق.
2- وبناء عليه يكون الاستعمال في موارد التقييد حقيقة اذ تبقى كلمة الرقبة مستعملة في ذات الرقبة وقيد الايمان مستفاد من دال آخر وهو لفظ مؤمنة.

القرائن والدلائل فيقول مثلا : ان منشأ الظهور في الاطلاق لو كان هو الوضع فاللازم صيرورة الاستعمال مجازا في موارد التقييد مع انه لا نشعر بالمجازية في مثل قولنا اعتق رقبة مؤمنة ، ومثل هذا يحتاج الى اعمال الدقة كما هو واضح.

3 - ان يفرض ظهور جملة معينة في معنى معين ولكن يقف امامها امر وجداني يتنافى وذلك الظهور ويأتي الاصولي ليوفق بين الظهور والوجدان ، ومثال ذلك الجملة الشرطية كجملة « ان جاءك زيد فاكرمه » فانها ظاهرة في المفهوم وانه إن لم يجىء فلا تكرمه ، وهذا الظهور مسلم لدى الجميع بيد ان هناك مطلبا آخر واضحا لدى الجميع ايضا وهو ان ثبوت المفهوم للشرطية يتوقف على كون الشرط علة منحصرة للجزاء اذ لو لم يكن المجىء هو العلة الوحيدة لوجوب الاكرام وكانت هناك علة اخرى له كالمرض مثلا فلا يلزم من انتفاء المجىء انتفاء وجوب الاكرام لقيام المرض مقام المجىء في عليته لوجوب الاكرام ، ومعه فلا بد من اثبات كون المجىء هو العلة الوحيدة ، وهو مشكل لان الوجدان قاض بان استعمال الشرطية استعمال حقيقي سواء فرض وجود علة بديلة ثانية ام لا ، فانا نشعر بالوجدان ان الاستعمال في جملة « ان جاءك زيد فاكرمه » حقيقي سواء فرض ان المجىء علة منحصرة ام لا كما يأتي التعرض لذلك في مبحث الشرطية ان شاء اللّه.

وعليه يقع التعارض بين الوجدان القاضي بظهور الشرطية في المفهوم وبين الوجدان الثاني القاضي بعدم المجازية في موارد عدم الانحصار.

ولربما يؤدي هذا التعارض الى التنازل عن الوجدان الاول والتشكيك في ثبوت المفهوم للشرطية كما حصل ذلك للآخوند حيث انكر دلالة الشرطية على المفهوم باعتبار ان ثبوت المفهوم موقوف على كون الشرط علة منحصرة وهو مما

ص: 201

لا يمكن اثباته ، ولكن سيأتي ان شاء اللّه في مبحث الجملة الشرطية ص 173 كيفية التوفيق بين الوجدانين بدون حاجة الى التنازل عن الوجدان الاول.

والخلاصة من كل هذا ان تدّخل الاصولي في مثل هذه الحالة ضروري فان ثبوت المفهوم للشرطية وان كان وجدانيا ولا يحتاج الى تدخل الاصولي الا ان التوفيق بين الوجدانين يفرض الحاجة لتدخّله.

قوله ص 87 س 13 وقد يقال ان غرض الاصولي انما هو تعيين ما يدل عليه اللفظ من معنى او ما هو المعنى الظاهري ... الخ :

اي مرة يفرض ان معنى اللفظ واحد ويراد بالتبادر او قول اللغوي تعيينه واخرى يفرض ان معنى اللفظ متعدد ومشترك بينها ويراد تعيين واحد من تلك المعاني.

قوله ص 88 س 3 الذي هو عملية عفوية :

اي تحصل بلا حاجة الى تفكير واعمال دقة.

قوله ص 88 س 4 ومزيد عناية :

عطف تفسيري فان التعمّل هو بمعنى اعمال العناية الزائدة.

قوله ص 88 س 11 اما البحوث اللغوية :

وسيأتي في بداية ص 90 س 1 من الحلقة ايضاح كيف انها تشتمل على اعمال الدقة والتأمل.

قوله ص 88 س 16 على طريقة تعدد الدال والمدلول :

اي ان الجملة تشتمل على عدة دوال وعدة مدلولات وكل واحد من الدوال يدل على واحد من المدلولات كقولنا « زيد في الدار » فان الدّوال فيه ثلاثة : زيد ، في ، الدار. والمدلولات ايضا ثلاثة : ذات زيد ، ما يقابل في ، ذات

ص: 202

الدار. والدال الاول يدل على المدلول الاول ، والثاني على الثاني ، والثالث على الثالث. اذن مجموع المعنى الواحد استفدناه من دوال متعددة حيث ان كل واحد من الدوال يدل على جزء من المعنى الواحد.

قوله ص 89 س 12 بالمعنى الذي ذكرناه :

اي تحديد المعنى المقابل لكلمة « في » بشكل دقيق.

قوله ص 89 س 16 في حدود ما يترتب عليه اثر في عملية الاستنباط :

اي ان الاصولي يبحث عن تحديد معنى الحرف بالمقدار الذي ينتفع به في عملية الاستنباط واما الزائد فلا ، وسيأتي ص 107 من الحلقة ايضاح ثمرة تحقيق المعنى الحرفي في عملية الاستنباط.

قوله ص 90 س 4 ظهور الكلام في معنى :

كاثبات ظهور صيغة افعل في الوجوب النفسي التعييني.

قوله ص 91 س 5 بل لا بد من جمع ظواهر عديدة :

مثل عدم الشعور بالمجازية عند الاستعمال في المقيد وكعدم انعقاد الظهور في الاطلاق عند عدم كون المتكلّم في مقام البيان.

قوله ص 91 س 16 الى تفسير يوفق :

يأتي التفسير المذكور منه قدس سره ص 173.

قوله ص 92 س 3 وبما ذكرنا من المنهجة والاسلوب :

اي اسلوب البحث بدقة وعمق بالشكل الذي اشرنا الى بعضه في الحالات السابقة الثلاث وعند بيان المقصود من الابحاث التحليلية.

ص: 203

ص: 204

ابحاث مستلّة من التقرير

اشارة

ص: 205

ص: 206

الحقيقة الشرعيّة

اشارة

ص: 207

ص: 208

الحقيقة الشرعيّة (1) :

قوله 447 ويعنى بذلك صيرورة بعض الاسماء ... الخ :

ان لفظ الصلاة والزكاة والحج وو ... لها في لغة العرب معان معينة ، فالصلاة تعني الدعاء ، والحج يعني القصد ، والزكاة تعني النمو وهكذا ، وبعد ان جاء الاسلام اعطى لهذه الالفاظ معاني شرعية جديدة لم تكن ثابتة لها سابقا.

وقد وقع الكلام بين الاصوليّين في ان وضع هذه الالفاظ للمعاني الشرعية الجديدة هل تم في زمن النبي صلی اللّه علیه و آله او حصل في زمن الائمة علیهم السلام ؟ فان فرض حصول الوضع في زمنه صلی اللّه علیه و آله فمعنى هذا ثبوت الحقيقة الشرعية ، وان تم في عهد الائمة علیهم السلام فمعنى ذلك عدم ثبوتها بل ثبوت الحقيقة المتشرعية (2) ، فالحقيقة الشرعية اذن تعني وضع الالفاظ للمعاني الجديدة في خصوص عهد النبي صلی اللّه علیه و آله ، فاذا قيل لفظ الصلاة حقيقة شرعية في العبادة الخاصة فالمقصود وضعه في عهده صلی اللّه علیه و آله للمعنى الشرعي.

والفرق بين الحقيقة الشرعية والحقيقة المتشرعية ان الوضع في الاولى يكون

ص: 209


1- هذه الابحاث الثلاثة - الحقيقة الشرعية ، الصحيح والاعم ، المشتق - مستلّة من تقريرات السيد الشهيد وقد نسى قلمه قدس سره تسجيلها.
2- نسبة الى المتشرعة وهم جميع المسلمين ما عدا النبي صلی اللّه علیه و آله بينما الحقيقة الشرعية نسبة الى الشارع وهو النبي صلی اللّه علیه و آله .

حاصلا في عهده صلی اللّه علیه و آله بخلافه في الثانية فانه يكون حاصلا بعد عهده صلی اللّه علیه و آله .

وتظهر فائدة هذا البحث فيما اذا ورد مثل لفظ الصلاة في آية او رواية وشك في المقصود منه اهو المعنى الشرعي او المعنى اللغوي فبناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من الحمل على المعنى الشرعي وبناء على عدم ثبوتها لا بد من الحمل على المعنى اللغوي.

ثم ان وضع لفظ الصلاة للمعنى الشرعي يمكن ان يحصل في عهد النبي صلی اللّه علیه و آله باحد طرق ثلاثة :

أ - ان يقول صلی اللّه علیه و آله لاصحابه : وضعت كلمة الصلاة للمعنى الشرعي ، وهذا ما يسمى بالوضع التعييني المباشر.

ب - ان يحصل الوضع بسبب كثرة استعمال لفظ الصلاة في المعنى الشرعي وهذا ما يسمى بالوضع التعيني.

ج - ان يحصل الوضع بالاستعمال الواحد بحيث يتقارن الاستعمال والوضع من دون ان يتقدم احدهما على الآخر - كما اذا خاطب الاب مولوده الجديد : لم تبكي يا علي قاصدا بالاستعمال المذكور وضع لفظ علي له - بان يقول صلی اللّه علیه و آله مثلا تجب الصلاة عند الزوال قاصدا بهذا الاستعمال الوضع للعبادة الخاصة.

ثم ان الحديث عن الحقيقة الشرعية يقع في نقطتين :

1 - هل هي ثابتة باحد الطرق الثلاث السابقة او لا؟

2 - ثمرة البحث المذكور.

ص: 210

1 - ثبوت الحقيقة الشرعيّة :

اشارة

ان التعرف على ثبوت الحقيقة الشرعية مرهون بثبوت احد الطرق الثلاث السابقة فاذا كان واحد منها ثابتا فلازم ذلك ثبوتها ، ومن هنا يقع الكلام عن ثبوت الطرق المذكورة.

اما الطريق الاول - وهو تصريح النبي صلی اللّه علیه و آله - فهو باطل لأمرين :

الأوّل : انا لا نسلم اصل تفسير الوضع بتخصيص اللفظ للمعنى بل هو القرن التكويني (1) بينهما ، وعليه فاحتمال حصول الوضع بقول النبي صلی اللّه علیه و آله خصصت لفظ الصلاة بالعبادة الخاصة باطل.

الثاني : ان تخصيص النبي صلی اللّه علیه و آله كلمة الصلاة بالعبادة الخاصة لو كان صادرا حقا لنقله التاريخ الينا ، فانه يسجل بعض القضايا الجزئية الواهية

ص: 211


1- مرّ في الحلقة الاولى والثانية ان في تفسير حقيقة الوضع عدة اتجاهات منها : ١ _ ان الوضع عملية انشائية يقوم بها الواضع ، فهو يقول : وضعت هذا اللفظ وخصصته لهذا المعنى ، ويرده : ان عملية الوضع بعد حصولها يصير اللفظ سببا حقيقيا للانتقال الى المعنى فكما ان سببية النار للاحتراق سببية حقيقية وليست اعتبارية كذلك سببية سماع اللفظ للانتقال الى المعنى سببية حقيقية ، وما دامت السببية حقيقية فلا يمكن حصولها بالانشاء والاعتبار فان الذي يمكن حصوله بالانشاء هو الامور الاعتبارية دون الحقيقية ، ومن هنا لا يمكن حصول البرودة من النار وان اعتبر شخص او اشخاص ذلك الف مرة. ٢ _ ان الوضع عبارة عن الاقتران بين اللفظ والمعنى ، فانه متى ما اقترن شيء بآخر مرارا صار ذلك سببا تكوينيا للانتقال من احدهما الى الآخر ، ولكن بم يحصل الاقتران الذي هو حقيقة الوضع؟ انه يحصل تارة بكثرة الاستعمال واخرى بسبب قضية مهمة مثل قول الأب للناس الحضور سمّيت ولدي عليا ، فالاقتران _ الذي هو الوضع _ قضية تكوينيّة تحصل بقضية سابقة وهي قول الاب سميت ولدي عليا.

فكيف بمثل هذه القضية المهمة.

واما الطريق الثاني - وهو الوضع التعيني بكثرة الاستعمال - فهو بحاجة الى اقتران امرين :

أ - ان لا يكون المعنى الشرعي لكلمة الصلاة ثابتا قبل الاسلام والاّ كان حقيقة لغوية لا شرعية ، وتحقق ذلك - عدم ثبوت المعنى الشرعي قبل الاسلام - قابل للمناقشة فان من القريب جدا ثبوت المعاني الشرعية قبل الاسلام ، اذ الجزيرة العربية كانت تضم مختلف اصحاب الديانات كاليهود والنصارى وغيرهم وكانت الصلاة والصوم والحج وو ... بمعانيها الشرعية ثابتة عندهم ، ومما يؤيد ذلك جملة من الآيات كقوله تعالى ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) و ( أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ ... ) و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فان الآيات المذكورة تدل على ان المعاني الشرعية المذكورة كانت ثابتة قبل الاسلام ، وسيأتي فيما بعد التعليق على هذه المناقشة (1).

ب - ان يفرض تكرر استعمال كلمة الصلاة ونظائرها في المعنى الشرعي في عهده صلی اللّه علیه و آله وعلى لسانه بالخصوص حتى يحصل بذلك الوضع التعيني في عهده صلی اللّه علیه و آله مع ان ثبوت ذلك قابل للتأمل من ناحيتين :

الاولى : انا لا نجزم بتكرر استعمال كلمة الصلاة مثلا في المعنى الشرعي في لسانه صلی اللّه علیه و آله بالخصوص وانما كثر استعمالها في مجموع لسانه صلی اللّه علیه و آله ولسان اصحابه.

الثانية : وعلى تقدير التسليم بتكرر الاستعمال في لسانه صلی اللّه علیه و آله فيمكن القول بان استعمالها كان مجازا ومع القرينة ، وواضح ان كثرة الاستعمال انما

ص: 212


1- ص 450 س 7 - 8 من الحلقة

تجدي في حصول الوضع التعيني فيما لو كان استعمال اللفظ من دون قرينة اما اذا كان مع القرينة فالانس والقرن يحصل بين اللفظ المقيد بالقرينة وبين المعنى الشرعي لا بين اللفظ المجرد عن القرينة والمعنى الشرعي ، والمهم هو الثاني.

بل يمكن ان يدعى ان لفظ الصلاة لم يستعمل في المعنى الشرعي حتى على نحو المجاز وانما هو مستعمل في المعنى اللغوي وهو الدعاء واستفادة الاجزاء والشرائط تتم من خلال دوال اخرى عليها ، كما لو قيل هكذا « الصلاة واجبة مع الركوع والسجود وو ... » فكلمة الصلاة مستعملة في الدعاء الذي هو احد اجزاء الصلاة لا في المعنى الشرعي ، ومن الواضح ان هذا لا ينفع اذ القرن حينئذ يتحقق بين لفظ الصلاة والدعاء لا بين لفظ الصلاة والمعنى الشرعي ، والمهم هو الثاني.

والمناقشة من كلتا الناحيتين قابلة للدفع.

اما الاولى فلأن اللازم حصول الاستعمال المتكثر في عهده صلی اللّه علیه و آله سواء كان في لسانه بالخصوص ام في مجموع لسانه ولسان اصحابه ، فان الحقيقة الشرعية يقصد بها ثبوت الوضع في عهده صلی اللّه علیه و آله لا بلسانه بالخصوص.

واما الثانية فلأن لفظ الصلاة متى ما قرن كثيرا بالمعنى الشرعي - ولو كان مع القرينة او الدوال الأخر - حصل الوضع وكانت كلمة الصلاة المجردة عن القرينة والدوال الأخر مختصة بالمعنى الشرعي ، فان الاستعمال المتكثر في البداية وان كان مع القرينة الاّ انه بعد ذلك يصير اللفظ المجرد موضوعا للمعنى.

ان قلت : ان الاستعمال المتكثر اذا كان مع القرينة او الدوال الأخر فالانس يحصل بين اللفظ المقيد بالقرينة او الدوال وبين المعنى لا بين اللفظ المجرد والمعنى.

قلت : ان القرينة والدوال بما انها ليست واحدة في جميع الاستعمالات بل

ص: 213

هي تختلف في استعمال عنه في استعمال آخر فلا يحصل الانس بين المعنى وبين القرينة والدوال ، وهذا بخلاف لفظ الصلاة فانه لما كان في جميع الاستعمالات واحدا فالانس يحصل بينه وبين المعنى (1).

واما الطريق الثالث - وهو ثبوت الوضع بالاستعمال الواحد - فقد يقرّب بان كل عاقل اذا اخترع معنى معينا فانه يضع لفظا له ، فمن اخترع قرص الاسپرين وضع له لفظ الاسپرين ، والنبي صلی اللّه علیه و آله حيث انه احد العقلاء بل سيدهم فلا بد وان يضع لفظا للمعنى الشرعي المخترع ، والوضع منه صلی اللّه علیه و آله يحصل باحد شكلين فاما ان يقول وضعت لفظ الصلاة للمعنى الشرعي واما ان يستعمل بقصد الوضع ، ولما كان الاول بعيدا - حيث لم ينعكس في كتب التاريخ - تعيّن الثاني وهو المطلوب.

هذا ويمكن المناقشة في التقريب المذكور بان اتباع النبي صلی اللّه علیه و آله لطريقة العقلاء المذكورة وان كان امرا وجيها الاّ انه لما لا يلزم من عدم اتباعه لها محذور باطل فلا يمكن حصول القطع بذلك بل اقصى ما يحصل الظن وهو لا يغني من الحق شيئا.

وقد يقال انه يمكن اجراء تعديل على التقريب المذكور فيقال : ان ظاهر كل عاقل عند اختراعه معنى معينا وضع لفظ له وعدم تركه بلا وضع ، والنبي صلی اللّه علیه و آله حيث اخترع معنى الصلاة فظاهر حاله وضع لفظ له ، وعليه فنحن لا ندعي فقط حصول الظن بوضع اللفظ للمعنى الشرعي حتى يقال انه لا يغني من الحق شيئا وانما ندعي ظهور الحال في ذلك ، ومن الواضح ان الظهور كما سيأتي

ص: 214


1- من خلال هذا اتضح ان ثبوت الحقيقة الشرعيّة بواسطة الطريق الثاني وهو الوضع التعيني امر وجيه.

حجة بكلا قسميه اللفظي والحالي.

ويرد على التعديل المذكور : ان دعوى ظهور الحال في وضع اللفظ للمعنى الشرعي المخترع انما تتم لو فرض ان النبي صلی اللّه علیه و آله قد اخترع المعاني الشرعية حتى يكون ظاهر حاله وضع الالفاظ لها ، بيد انه يمكن القول بعدم اختراعه لها وكونها موجودة سابقا بالتقريب المتقدم.

الاستغناء بالحقيقة اللغوية عن الحقيقة الشرعية :

وقد يقال : ان هذه المعاني الشرعية اذا كانت ثابتة سابقا فلازم ذلك كون لفظ الصلاة مثلا موضوعا للمعنى الشرعي غاية الامر في لغة العرب لا بعد الاسلام ، وهذا المقدار يكفينا ، فان الغرض من البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية حمل لفظ الصلاة على المعنى الشرعي اذا استعمل بلا قرينة ، وهذه الفائدة تحصل بالوضع الثابت قبل الاسلام ايضا.

ويرده :

أ - ان اقصى ما نعترف به هو وجود المعاني الشرعية قبل الاسلام بدون الالتزام بوضع الالفاظ الخاصة لها ، فلعل الصلاة العيسوية كانت مغايرة للصلاة الاسلامية ولم تكونا صنفين من مركب واحد وكان استعمال كلمة الصلاة الموضوعة للمعنى الشرعي القديم - وهو الصلاة العيسوية مثلا - في الصلاة الاسلامية مجازا.

ب - وعلى تقدير التسليم بوضع لفظ الصلاة قبل الاسلام للصلاة الاسلامية فلا نسلم بان المعنى الاول - وهو الدعاء - قد هجر بل من المحتمل وضع اللفظ على سبيل الاشتراك اللفظي للدعاء والصلاة الاسلامية ، وهذا المقدار لا ينفعنا

ص: 215

لانا نريد حمل لفظ الصلاة على المعنى الشرعي عند عدم القرينة ، ومع تعدد المعنى لا يمكن حمل اللفظ على احد المعاني بلا قرينة ، وهذا بخلاف ما لو كان معنى الصلاة قد اخترعه النبي صلی اللّه علیه و آله ووضع اللفظ له فان طريقة العقلاء بعد اختراع المعنى الجديد تقتضي هجر المعنى السابق ووضع اللفظ للمعنى المخترع بخصوصه.

وبعد كل هذا هل الحقيقة الشرعية ثابتة.

وبعد هذا الحديث الطويل هل الصحيح ثبوت الحقيقة الشرعية او لا؟ الصحيح ثبوتها فان الاحتمالات الموجودة ثلاثة ، وعلى تقدير جميعها يلزم ثبوتها.

1 - ان لا تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام وانما النبي صلی اللّه علیه و آله اخترعها ، ولازم هذا الاحتمال وضعه صلی اللّه علیه و آله الالفاظ لها ، اذ تقدم ان ظاهر كل عاقل عند اختراعه لمعنى وضع اللفظ له ، وبذلك تكون الحقيقة الشرعية ثابتة.

2 - ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام بهذه الالفاظ المتداولة اليوم ، فلفظ الصلاة مثلا كان موضوعا للمعنى الشرعي قبل الاسلام ، وهذا المقدار يكفي لتحقق الحقيقة غاية الامر اللغوية دون الشرعية ، ومما يقوّي هذا الاحتمال القرينتان المتقدمتان وهما :

أ - ان اصحاب الديانات كانوا موجودين في شبه الجزيرة قبل الاسلام وكانت العبادات المذكور متداولة بينهم ولو بشكل آخر غير ما هو المعهود اليوم.

ب - ان الآيات القرآنية السابقة تشهد بوجود المعاني الشرعية قبل الاسلام بالفاظها المتداولة اليوم ، بل انه بالنسبة للحج يمكن القطع بتداوله بلفظ

ص: 216

الحج ، ومن هنا سمّيت السّنة بالحجّة باعتبار ان كل سنة واحدة تشتمل على حج واحد.

3 - ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام بالفاظ آخر غير ما هو المتداول اليوم ، وبناء عليه تكون الحقيقة الشرعية ثابتة ايضا ، اذ من المحتم كثرة استعمال الالفاظ في المعاني الشرعية بعد الاسلام بدرجة يحصل الوضع التعيني زمن النبي صلی اللّه علیه و آله (1).

2 - ثمرة القول بالحقيقة الشرعية :

والنقطة الثانية التي يراد بحثها هي ثمرة ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه ، وحاصلها على ما تقدم : انه لو ورد نص فيه كلمة الصلاة بدون قرينة تشخّص ارادة المعنى اللغوي او الشرعي فانه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من حملها على المعنى الشرعي والا فعلى المعنى اللغوي.

والميرزا قدس سره انكر هذه الثمرة وقال : ان الاحاديث التي تشتمل على كلمة الصلاة مثلا ان وردت من الائمة علیهم السلام فلا اشكال في حملها على المعنى الشرعي لتمامية الوضع لذلك - المعنى الشرعي - في عهدهم علیهم السلام ، وان وردت من النبي صلی اللّه علیه و آله فبما ان احاديثه الشريفة ترد عادة من

ص: 217


1- قد يقال بوجود احتمال رابع ، وهو ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام مع افتراض ان لفظ الصلاة ونحوها كان موضوعا لها وللمعنى اللغوي على سبيل الاشتراك اللفظي. وهذا الاحتمال صحيح ولكن على تقديره تكون الحقيقة الشرعية ثابتة ايضا ، اذ كثرة استعمال كلمة الصلاة في المعنى الشرعي بعد الاسلام تستدعي هجر المعنى اللغوي والاختصاص بالشرعي.

طريق الائمة علیهم السلام لا مباشرة منه صلی اللّه علیه و آله دون توسطهم علیهم السلام فاللازم الحمل على المعنى الشرعي ايضا لما تقدم من حصول الوضع في عهدهم علیهم السلام جزما ، اذن على كلا التقديرين لا بد من الحمل على المعنى الشرعي ولا احتمال لارادة المعنى اللغوي حتى يحتاج الى البحث عن الحقيقة الشرعية.

ويرده :

أ - ان احاديثه صلی اللّه علیه و آله قد ينقلها الامام علیه السلام بنصها والفاظها بدون اي تصرف تيمنا وتبركا ومعه تتم ثمرة البحث عن الحقيقة الشرعية ، وانما تنعدم لو كان علیه السلام ينقل مضمون حديثه صلی اللّه علیه و آله ومعناه.

ب - قد ترد كلمة الصلاة مثلا في نص قرآني ، وفي مثله تظهر الثمرة فانه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من الحمل على المعنى الشرعي والاّ فعلى اللغوي (1).

قوله ص 447 س 1 حقائق :

اي موضوعة.

قوله ص 447 س 2 من قبل الشارع :

متعلق بالحقائق ، وكان المناسب وصله بها ، اي : حقائق من قبل الشارع في المعاني الخاصة المخترعة.

قوله ص 447 س 3 يحمل عليه :

ص: 218


1- هذا ويمكن انكار الثمرة بتقريب انه لم ترد كلمة الصلاة في حديث وهي مرددة بين المعنى الشرعي واللغوي ، بل سياق الحديث يشهد دائما بتعيين المراد.

المناسب : تحمل عليها.

قوله ص 448 س 9 في الجملة :

اي وان لم تكن بهذه التفاصيل والخصوصيات التي عليها صلاتنا اليوم.

قوله ص 448 س 10 ومما يعزز :

اي يدل عليه.

قوله ص 448 س 13 وسوف يأتي التعليق :

وذلك ص 450 بقوله : الاّ انه غير تام فانه بناء على سبق تلك المعاني الشرعية ... الخ.

قوله ص 448 س 15 والمتشرعة :

اي اصحاب النبي صلی اللّه علیه و آله الموجودين في عصره.

قوله ص 448 س 19 الجامعة :

فان المعنى اللغوي للصلاة مثلا هو الدعاء ، وهو معنى كلي جامع يصدق على الصلاة وغيرها ، كما ويصدق على جميع اجزاء الصلاة فالقراءة دعاء والقنوت دعاء وو ....

قوله ص 448 س 22 في عصر التشريع :

الذي هو عصر النبي صلی اللّه علیه و آله .

قوله ص 449 س 1 وهذا محرز بحسب الفرض :

اذ سلّم فيما سبق ان الاستعمالات في مجموع لسان النبي صلی اللّه علیه و آله واصحابه تبلغ درجة الوضع التعيني.

قوله ص 449 س 5 لكونه العنصر غير المتغير :

اي لكون لفظ الصلاة ... الخ ، وكان المناسب ان يقال : وهو حاصل لكونه

ص: 219

العنصر ... الخ.

قوله ص 449 س 12 واما من خلال الاستعمال :

اي قصد حصول الوضع بالاستعمال الواحد.

قوله ص 450 س 4 حقائق لغوية او عرفية :

فان المعاني الشرعية ان كانت ثابتة قبل الاسلام في لغة العرب فالحقيقة لغوية ، وان كانت ثابتة بين الناس ولو من غير العرب كاليهود والنصارى فالحقيقة عرفية.

قوله ص 450 س 9 مشتركة بينهما :

اي بين الدعاء والصلاة الاسلامية.

قوله ص 450 س 11 ولو في عرف المخترع :

اي ان المخترع بعد اختراعه المعنى لا بد له من هجر المعنى السابق ووضع اللفظ للمعنى المخترع الجديد ولا يلزم في الهجر ان يكون بين جميع الناس بل يكفي حصوله ولو عند النبي صلی اللّه علیه و آله فقط فان الاثر يترتب على هجره صلی اللّه علیه و آله للمعنى السابق والوضع للمعنى الجديد.

قوله ص 450 س 16 بشكل وآخر :

اي ان ثبوت الصلاة قبل الاسلام اما ان يكون بهذا الشكل المتداول بيننا اليوم او بشكل آخر.

قوله ص 450 س 22 المتعينة :

اي يتعيّن كون اللفظ حقيقة لغوية في المعنى الشرعي ولا يحتمل غير ذلك.

قوله ص 451 س 1 في الجملة :

اي ولو بغير التفاصيل التي عليها صلاتنا اليوم.

ص: 220

الصحيح والأعم

اشارة

ص: 221

ص: 222

الصحيح والأعم :

بناء على وضع لفظ الصلاة للعبادة الشرعية فهل هو موضوع لخصوص العبادة الصحيحة او للاعم منها والفاسدة؟ ويترتب على ذلك ان شخصا لو نذر التصدق على من يصلي مثلا وكان هناك انسان يصلي صلاة فاسدة فبالتصدق عليه يحصل الوفاء بالنذر بناء على الوضع للاعم ولا يحصل الوفاء بناء على الوضع لخصوص الصحيح ، وقد وقع الاختلاف بين الاصوليّين في ذلك فمن قائل بالوضع لخصوص الصحيح ومن قائل بالوضع للاعم.

والبحث تارة يقع في العبادات واخرى في المعاملات.

(1) اسماء العبادات.

اشارة

والبحث في العبادات يقع في جهات :

الجهة الاولى : انه في البحث السابق ان قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية فلا اشكال في امكان البحث عن الصحيح والاعم ، فيقال : انه صلی اللّه علیه و آله حينما وضع لفظ الصلاة للعبادة الشرعية هل وضعها لخصوص العبادة الصحيحة او للعبادة الاعم ، وان انكرنا ثبوت الحقيقة الشرعية فالامر مشكل اذ لم يضع صلی اللّه علیه و آله لفظ الصلاة للعبادة الشرعية حتى يقال هل وضعه لخصوص العبادة الصحيحة او للاعم؟

ومن هنا برزت عدة محاولات لتصوير النزاع بناء على انكار الحقيقة

ص: 223

الشرعية نذكر منها محاولتين :

1 - ما ذكره الآخوند قدس سره ، حيث قال : بناء على انكار الحقيقة الشرعية يكون استعمال لفظ الصلاة في المعنى الشرعي مجازا وبحاجة الى ملاحظة العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي ، والقائل بالصحيح يدعي ان النبي صلی اللّه علیه و آله جرت عادته على لحاظ العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي الصحيح ، واذا اراد يوما من الايام الاستعمال في الاعم فسوف يلاحظ علاقة جديدة بين المعنى الشرعي الصحيح والمعنى الشرعي الاعم اي بين المعنى المجازي الاول والمعنى المجازي الثاني ، بينما القائل بالاعم يدعي انه صلی اللّه علیه و آله يلاحظ بحسب عادته العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي الاعم ، واذا اراد يوما الاستعمال في الصحيح فسوف يلاحظ علاقة جديدة بين المعنى الشرعي الاعم والمعنى الشرعي الصحيح ويكون المعنى المجازي الثاني ملحوظا في طول المعنى المجازي الاول وهذا ما يسمى بسبك المجاز في المجاز.

وان شئت قلت : ان النزاع على تصوير الآخوند يقع في تحديد المجاز الاقرب ، فالقائل بالصحيح يقول : ان المجاز الاقرب الى الدعاء هو المعنى الشرعي الصحيح بينما القائل بالاعم يقول ان المجاز الاقرب هو المعنى الشرعي الاعم.

ويرده : ان ملاحظة العلاقة بين مجاز ومجاز وان كانت امرا وجيها كأن تلحظ العلاقة بين الحيوان المفترس والرجل الشجاع وتستعمل كلمة الاسد في الرجل الشجاع ثم تلحظ علاقة جديدة بين الرجل الشجاع ومعنى مجازي آخر وتستعمل كلمة الاسد في المجاز الآخر ويكون المجاز الثاني في طول المجاز الاول ، ان هذا وان كان وجيها الاّ انه يتم فيما لو كان المجاز الاول اقوى ارتباطا

ص: 224

ومشابهة بالمعنى الحقيقي من المجاز الثاني ، اما اذا كانت مشابهة كلا المجازين للمعنى الحقيقي بدرجة واحدة كما هو الحال في المقام - فان ارتباط العبادة الصحيحة بالدعاء ليس باقوى من ارتباط العبادة الاعم به بل كلاهما من حيثية الدعاء واحد - فلا وجه لملاحظة الارتباط اولا بين احد المجازين والمعنى الحقيقي ثم ملاحظة العلاقة بين المجاز الاول والمجاز الثاني ، ان هذه الطولية لا وجه لها بعد ما كان ارتباط المجازين بالمعنى الحقيقي بدرجة واحدة.

2 - ان تلحظ القرينة التي كان يعتمدها النبي صلی اللّه علیه و آله لتفهيم المعنى الشرعي - الذي هو معنى مجازي بناء على انكار الحقيقة الشرعية - فالقائل بالصحيح يدعي ان عادته صلی اللّه علیه و آله جرت على ان تكون القرينة قرينة على تفهيم المعنى الشرعي الصحيح ، واذا اراد يوما الاستعمال في الاعم نصب قرينة جديدة على تغيير عادته وارادة الاعم ، بينما القائل بالاعم يقول ان عادته صلی اللّه علیه و آله جرت على ان تكون القرينة قرينة على ارادة الاعم ، واذا اراد يوما تغيير عادته واستعمال اللفظ في المعنى الصحيح نصب قرينة اخرى على ذلك.

المقصود من الصحة والفساد :

الجهة الثانية : ذكر الآخوند والسيد الخوئي دام ظله ان المقصود من الصحة هو تمامية الاجزاء والشرائط ، فالعمل متى ما تمت اجزاؤه وشرائطه فهو صحيح والاّ فهو فاسد.

ويرده : انه بناء على التفسير المذكور يلزم اختصاص الصحة والفساد بالعمل المركب وعدم صدقهما على العمل البسيط ، اذ البسيط ليس له اجزاء حتى تتم او لا تتم ، والحال ان البسائط تتصف بذلك ايضا ، حيث يقال : فكرة صحيحة

ص: 225

وفكرة فاسدة.

والتحقيق : ان معنى الصحة هو حصول الاثر المطلوب من العمل ، فان كل عمل لا بد وان يكون له اثر خاص يترقب منه ، فان كان ذاك الاثر مترتبا عليه فهو صحيح والاّ فهو فاسد ، اجل حيث ان الاثر المترقب من العبادات هو ان تكون مجزية وتامة فقد يتسامح ويقال : ان معنى الصحة هو الاجزاء والتمامية.

هذا هو المناسب في تفسير الصحة ، بيد ان المنسوب الى المتكلمين تفسيرها بموافقة العمل للامر الشرعي المتعلق به ، والمنسوب الى الفقهاء تفسيرها بكون العمل مسقطا للاداء والقضاء ، فمتى ما كان مسقطا لهما فهو صحيح والاّ فهو فاسد ، والمنسوب الى ثالث تفسيرها بكون العمل محصّلا للغرض المطلوب منه (1). وقد تقدم تفسيرها عن الآخوند والسيد الخوئي بتمامية الاجزاء والشرائط.

وظاهر هذه التفاسير الاربعة ان الصحة هي نفس موافقة الامر او سقوط الاعادة والقضاء او حصول الغرض او التمامية ، وهو باطل ، ولتصحيح كلامهم لا بد وان يكون مقصودهم ان الصحة هي حصول الاثر المطلوب لكن بما ان الاثر المهم في نظر المتكلمين هو موافقة الامر فسروها بموافقة الامر ، وهكذا بالنسبة الى الفقهاء لا بد وان يكون مقصودهم ان الصحة هي حصول الاثر ولكن بما ان الاثر المهم في نظرهم هو سقوط الاعادة والقضاء فسروها بسقوط الاعادة والقضاء ، وهكذا بالنسبة الى باقي التفاسير.

ص: 226


1- لا يبعد ان تفسيرها بتحصيل الغرض هو نفس ما اختاره السيد الشهيد قدس سره من كونها بمعنى ترتب الحيثية المطلوبة.
الوضع لمفهوم الصحيح او واقعه.

ثم ان ههنا شيئا وهو انه لو قلنا بوضع لفظ الصلاة للصحيح فهل المقصود وضعها لمفهوم الصحيح ومفهوم التام ومفهوم الموافق للامر (1) او ان المقصود وضعها لواقع الصحيح ومصداقه؟ الصحيح هو الثاني لوجهين :

أ - ان كلمة الصلاة لو كانت موضعة لمفهوم الصحيح او التام او الموافق للامر لزم ان نفهم من كلمة الصلاة حين سماعها مفهوم الصحيح او التام او الموافق للامر بحيث يكون هناك ترادف بين كلمة الصلاة وكلمة الصحيح او التام او الموافق للامر ، والحال انه لا ترادف بينهما جزما.

ب - ان الوضع لمفهوم موافقة الامر مستحيل عقلا ، فان المولى اذا قال : آمركم بالصلاة وكان معنى الصلاة موافقة الامر صار المعنى آمركم بموافقه الامر ، وهذا مستحيل لاستلزامه تعلق الامر بنفس الامر ، وبالتالي يلزم خلف غرض الصحيحي ، فانه يريد تصوير معنى الصلاة بشكل يقبل تعلق الامر به فلو كان المعنى للصلاة هو موافقة الامر الذي يستحيل تعلق الامر به يلزم خلف غرضه.

تفصيل الشيخ الاعظم بين الاجزاء والشرائط.

نسب للشيخ الانصارى (2) قدس سره تفصيل في المسألة يتوقف استيضاحه على بيان مقدمة هي : ان العلة التامة مركبة من ثلاثة اشياء : مقتضي وشرط وعدم المانع ، والمقصود من المقتضي هو ما يحصل منه الاثر كالنار بالنسبة الى الاحراق حيث انها تؤثر في ايجاده ، واما الشرط فهو العامل المساعد على

ص: 227


1- مفهوم الصحيح هو كلمة صحيح ، ومفهوم التام هو كلمة تام ، وهكذا.
2- كما في مطارح الانظار الذي هو تقرير درس الشيخ الأعظم.

التأثير فقرب الورقة من النار الذي هو شرط حصول الاحراق لا يوجد الاحراق ولذا لا نقول القرب محرق وانما دوره دور المساعد للنار على تأثيرها في الاحراق ، وكعدم رطوبة الورقة فانه شرط ايضا ودوره دور العامل المساعد على تقبّل الورقة للاحتراق ، فالشرط اذن هو ما يساعد الفاعل - وهو النار - في تأثيره او ما يساعد القابل - وهو الورقة - في تأثّره (1).

ثم ان رتبة الشرط متأخّرة عن رتبة المقتضي لان الشرط كما عرفنا هو ما يساعد المقتضي في تأثيره فلا بد من فرض وجود المقتضي في الرتبة السابقة ليأتي دور الشرط في المرتبة الثانية كمساعد له في تأثيره ، ومن هنا قيل ان الشرط في طول المقتضي اي متأخر عنه.

وبعد المقدمة المذكورة نعود لتفصيل الشيخ الاعظم وحاصله : انه بناء على وضع الصلاة للعبادة الصحيحة فليس المقصود الوضع للعبادة التامة من حيث الاجزاء والشرائط بل من حيث الاجزاء فقط ولا يمكن الوضع للاجزاء والشرائط معا فان رتبة الشرط متأخرة عن رتبة المقتضي (2) ، فلو وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء والشرائط فلازمه وحدة رتبة الشرائط والاجزاء ، ومن هنا صح ان يقال : ان لفظ الصلاة بناء على وضعه للصحيح موضوع للصحيح من حيث الاجزاء فقط دون الشرائط.

وقد ذكر في الكتاب لردّ التفصيل المذكور جوابان :

1 - ما ذكره السيد الخوئي دام ظله من ان تأخر الشرط عن المقتضي انما هو

ص: 228


1- وبهذا يتضح معنى العبارة المشهور : ان دور الشرط تصحيح فاعلية الفاعل او قابلية القابل.
2- والمقتضي في المقام هو مجموع الاجزاء ، فانه عين الكل.

في عالم الوجود لا في عالم التسمية والالفاظ ، فالشرط في الخارج متأخر عن المقتضي دون عالم التسمية ، فيمكن وضع لفظ واحد لكليهما ، فآدم علیه السلام مع تقدمه علينا يمكن ان يوضع لفظ واحد له ولنا معا.

2 - ان تأخر الشرط عن المقتضي يمكن انكاره حتى في عالم الخارج وانما المسلّم هو التأخر في مقام التأثير ، فالنار بما هي مؤثرة في الاحراق متقدمة على الشرط وهو قرب الورقة ، اما اذا نظرنا الى ذات النار بقطع النظر عن تأثيرها فلا تقدم لها على ذات قرب الورقة.

وكلمة الصلاة ليست موضوعة للمقتضي - بما هو مؤثر - والشرط حتى يقال ان الشرط متأخر عن المقتضي في مقام التأثير فلا يمكن وضع لفظ واحد لهما بل ان لفظ الصلاة موضوع لذات المقتضي وذات الشرط ، وليس بينهما طولية.

اجل لو فرض ان حيثية التاثير ملحوظة في مقام الوضع كما لو قلنا بان لفظ الصلاة موضوع للصحيح بمعنى المؤثر في حصول الغرض فلا يمكن وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء والشرائط ، ولكن ذكرنا فيما سبق ان لفظ الصلاة ليس موضوعا لمفهوم المحصّل للغرض والا يلزم الترادف بينهما.

وبهذا تجلى امكان وضع لفظ الصلاة للصحيح من حيث الاجزاء والشرائط معا.

بقي شيء : وهو انه بناء على امكان وضع لفظ الصلاة لتام الاجزاء والشرائط هل يراد من الشرائط جميع الشرائط بما في ذلك قصد الامتثال او المراد ما عداه من الشرائط؟ والجواب عن هذا السؤال يرتبط بقضية اخرى وهي انه هل يمكن تعلق الامر بقصد الامتثال بأن يقول المولى هكذا : تجب الصلاة مع قصد الامتثال؟ اختار صاحب الكفاية عدم امكان ذلك كما يأتي في مبحث التعبدي

ص: 229

والتوصلي (1) ، وبناء عليه لا يمكن وضع لفظ الصلاة لتام الاجزاء والشرائط بما فيها قصد الامتثال ، اذ لو كان قصد الامتثال مأخوذا في المعنى الموضوع له يلزم ان يكون امر « اقيموا الصلاة » متعلّقا بقصد الامتثال وقد فرضنا استحالته على رأي الآخوند.

قوله ص 454 س 16 بالقياس الى هذه الحيثيات :

اي كانت الصحة بمعنى حصول تمام الاجزاء وكون العمل مجزيا ، لان الاثر المطلوب في العبادات هو ذلك اي التمامية والاجزاء.

قوله ص 454 س 18 وان يحمل على هذا المنظور :

اي لا بد وان يكون المقصود من هذه التفاسير تفسير الصحة بما هو الاثر المطلوب الذي هو موافقة الامر عند المتكلمين وسقوط الاعادة والقضاء في نظر الفقهاء وهلمّ جرّا ، وليس المقصود تفسير الصحة لغة بنفس الموافقة للامر او سقوط الاعادة والقضاء او حصول الغرض او التمامية فانه باطل اذ معنى الصحة ليس ذلك بل هو حصول الاثر كما اوضحناه.

قوله ص 454 س 23 كما ان بعضها :

وهو مفهوم موافقة الامر.

قوله ص 455 س 1 وهو خلف غرض الصحيحي :

ص: 230


1- بتقريب ان قصد امتثال الامر متوقف على الامر ومتأخر عنه ، فلو اخذ في متعلق الامر يلزم ان يكون متقدما على الامر فان متعلق الامر متقدم عليه - اذ الامر عارض على متعلقه فيلزم فرض المتعلق اولا حتى يعرض عليه الامر - وبالتالي يلزم ان يكون الامر متقدما ومتأخرا في وقت واحد فهو متأخر بما انه متوقف على الامر ومتقدم بما انه مأخوذ في متعلق الامر.

فان غرضه تصوير معنى الصلاة بشكل يقبل تعلق الامر به كما يأتي الاشارة لذلك في السطر الثالث ما قبل اخر هذه الصفحة.

قوله ص 455 س 4 في طول المشروط :

والمشروط هو مجموع الصلاة الذي هو عبارة عن الاجزاء فان الكل المركب عين اجزائه ، ومن هنا قال : فيكون في طول اجزاء المشروط.

قوله ص 455 س 6 لو سلّم :

اي ان اصل الطولية غير مسلّمة كما سيأتي في الجواب الثاني.

قوله ص 455 س 11 مصحّح :

اي مساعد ، والفاعل هو مثل النار والقابل هو مثل الورقة ، والقرب يساعد النار في تأثيرها ، وعدم الرطوبة يساعد الورقة في قبولها التأثر.

قوله ص 455 س 18 قصد القربة :

المقصود من قصد القربة قصد الامتثال ، والمراد من قصد الوجه قصد الوجوب والاستحباب ، فان الوجوب والاستحباب فرع الامر ، فالشيء بعد تعلق الامر به يمكن قصد وجوبه او استحبابه ، اما قبل ذاك فلا.

قوله ص 455 س 18 من القيود الثانوية :

ان مثل قصد الامتثال يسمى قيدا ثانويا ، لانه يأتي في مرتبة ثانية متأخرة عن الامر فلا بد من فرض وجود الامر كي يمكن قصد امتثاله ، بخلاف مثل الركوع والسجود والقيام وو ... فانها قيود اولية حيث يمكن الاتيان بمثل الركوع والسجود قبل الامر ايضا.

قوله ص 455 س 20 شرعا او عقلا :

اي ان مثل قصد الامتثال وان كان لا تصح الصلاة بدونه ولكن لا يمكن ان

ص: 231

يكون مأخوذا في المسمى وجزء منه ، اذ القائل بالصحيح يريد تصوير مسمى الصلاة بشكل يمكن تعلق الامر به ، وواضح ان قصد الامتثال لو كان مأخوذا في المسمى فلا يمكن تعلق الامر به.

ثم ان المناسب حذف كلمة « شرعا » والاقتصار على قوله « عقلا ».

قوله ص 455 س 21 به :

الاولى حذفه.

قوله ص 455 س 21 كما تقدم :

اي في السطر الاول من هذه الصفحة.

لا بد من وجود جامع.

قوله ص 455 س 22 الجهة الثالثة : لا اشكال في لزوم تصوير جامع بين الافراد ... الخ.

ههنا تساؤل : هل كلمة الصلاة موضوعة لكل فرد من افراد الصلاة بحيث ان الواضع تصور مفهوم الصلاة الكلي ووضع اللفظ لأفراده وهي هذه الصلاة وتلك وو ... الذي لازمه صيرورة معاني الصلاة كثيرة جدا وغير متناهية اذ افراد الصلاة الموجودة خارجا لا تعد ولا تحصى او انه - لفظ الصلاة - موضوع لمفهوم الصلاة الكلي بمعنى ان الواضع تصور المعنى الكلي للصلاة ووضع اللفظ له لا لأفراده؟

وعلى الاحتمال الاول يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا. اما ان الوضع عام فباعتبار ان المعنى المتصور عام وهو المفهوم الكلي للصلاة (1). واما ان

ص: 232


1- وكلما كان المعنى المتصور عاما كان الوضع عاما ايضا بخلاف ما لو كان خاصا فانه يكون خاصا ايضا.

الموضوع له خاص فباعتبار ان اللفظ لم يوضع لنفس المعنى الكلي المتصور بل لافراده (1).

بينما على الاحتمال الثاني يكون الوضع عاما والموضوع له عاما ايضا ، فالوضع عام لكون المعنى المتصور عاما والموضوع له عام باعتبار وضع اللفظ لنفس المعنى الكلي المتصور (2).

والصحيح في الجواب : ان لفظ الصلاة لم يوضع لكل فرد فرد والاّ لزم ان تكون معاني لفظ الصلاة غير متناهية وهو باطل جزما ، فان معناه واحد نظير لفظ كتاب ودفتر وقلم وغير ذلك من اسماء الاجناس ، فكما ان لفظ الكتاب ذو معنى واحد وهو طبيعي الكتاب كذلك الحال في لفظ الصلاة فانا نحس بالوجدان انه ذو معنى واحد.

وبعد اتضاح ان معنى لفظ الصلاة واحد وهو الجامع بين الافراد قد يسأل عن ذلك الجامع وكيف يصوّر بين الافراد الصحيحة - بناء على الوضع الصحيح -؟ وكيف يصوّر بين الافراد الاعم من الصحيحة والفاسدة بناء على الوضع للاعم؟

وباختصار نحن بحاجة الى تصوير الجامع مرتين مرة بين الافراد الصحيحة وثانية بين الافراد الاعم من الصحيحة والفاسدة.

ص: 233


1- كما وان لازم الاحتمال الاول صيرورة لفظ الصلاة مشتركا لفظيا بين المعاني التي وضع لكل واحد منها.
2- وبناء على هذا الاحتمال يكون لفظ الصلاة مشتركا معنويا لانه موضوع للمعنى الكلي الجامع بين افراد الصلاة الذي هو مشترك معنوي.
الجامع على الصحيح.

ان تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة ليس بسيطا كما يبدو لأول وهلة ، بل هو مشكل حيث ان الصلاة تكون مرة ذات اربع ركعات واخرى ذات ثلاث ركعات وثالثة ذات ركعتين ورابعة ذات ركعة ، كما وانها تكون مرة من قيام واخرى من جلوس وثالثة حالة اضطجاع ، وهي ايضا تارة تكون صلاة آيات واخرى صلاة على الميت وثالثة صلاة جمعة وو ... ومع هذا التعدد كيف يمكن تصوير جامع واحد يجمع هذه الصور المختلفة ، فانه لو اعتبر فيه اربع ركعات فلازم ذلك ان تكون ذات الركعتين او الثلاث ليست بصلاة ، ولو اعتبر فيه ركعتان يلزم ان يكون ما عدا ذلك ليس بصلاة وهلمّ جرّا بالنسبة الى بقية القيود ايضا.

هذا ويمكن صياغة الاشكال في الجامع بنحو آخر تفصيلي بان يقال : ان الجامع لا يخلو من احد شقوق اربعة كلها باطلة (1) :

1 - ان يكون مركبا من مجموعة اجزاء وشرائط ، فاذا كانت اجزاء الصلاة

ص: 234


1- وقبل استعراض الشقوق لا بد من استعراض مقدمة قرأناها في المنطق ، وهي : ان مصطلح الذاتي له معنيان : ١ _ الذاتي في مبحث الكليات الخمسة : فان ثلاثة من الكليات _ النوع ، الجنس ، الفصل _ ذاتية ، واثنين منها عرضية ، وحينما يطلق الذاتي في هذا الباب يراد به احد الثلاثة ، ويسمى بذاتي باب الكليات الخمسة او بذاتي باب ايساغوجي ، فان ايساغوجي مصطلح يوناني بمعنى الكليات الخمسة. ٢ _ ما هو المذكور في باب تقسيم العرض ، حيث قسّم الى ذاتي وغريب ، وليس المراد بالذاتي هنا النوع وأخويه ، بل لازم الماهية كالزوجية لماهية الاربعة والامكان لماهية الانسان ، ويصطلح على هذا القسم بذاتي باب البرهان.

وشرائطها عشرة كان لفظ الصلاة موضوعا للعشرة. وهذا الاحتمال باطل فان لازمه عدم صدق لفظ الصلاة على صلاة المضطر التي تقل عن العشرة ، واذا كان - لفظ الصلاة - موضوعا للاقل من العشرة فلازم ذلك ان لا يصدق على الصلاة التامة الاختيارية ذات الاجزاء العشرة ، اذن المحذور لازم على كلا التقديرين.

2 - ان يكون بسيطا ، ولهذا الشق انحاء ثلاثة :

أ - ان يكون الجامع البسيط ذاتيا بمعنى الذاتي في باب الكليات الخمسة ، فكما ان الانسان نوع جامع بين افراده فكذا لفظ الصلاة موضوع للنوع الجامع بين افراد الصلاة. وهذا النحو باطل ، فان الصلاة مركبة من مقولات مختلفة ، فالركوع والسجود هما من مقولة الوضع بينما القرائة من مقولة الكيف ، ومن الواضح ان لا جامع بين المقولات العشر ولذا قيل انها اجناس عالية اي لا يوجد جنس اعلى يجمعها (1). وهكذا الصلاة مركبة من الوجود والعدم ، فالركوع والسجود مثلا هما من الموجودات بينما عدم القهقهة من العدميات ، وواضح ان الوجود والعدم لا يمكن وجود جامع يجمعهما.

ب - ان يكون الجامع البسيط ذاتيا بمعنى الذاتي في باب البرهان ، فان لماهية الصلاة لازما واحدا ، وهو وان كنا لا نعرفه الا ان ذلك لا يمنع من وضع كلمة الصلاة له. وهذا الاحتمال باطل ، فان لازم الشيء معلول له ، فالحرارة لازمة للنار بمعنى انها معلولة لها ، وماهية الصلاة بما انها مركبة من مقولات متعددة فلا يمكن ان يكون لها لازم واحد وضع له لفظ الصلاة اذ الاشياء المختلفة لا يمكن ان يكون لها معلول واحد والاّ يلزم ان يكون المتعدد علة للواحد.

ج - ان يكون الجامع البسيط عرضيا انتزاعيا بمعنى ان كلمة الصلاة

ص: 235


1- تقدم ايضاح هذه المصطلحات عند توضيح موضوع علم الاصول.

موضوعة لكل فعل ينهى عن الفحشاء مثلا ، فان النهي عن الفحشاء عنوان عرضي منتزع من افراد الصلاة وليس امرا ذاتيا. وهذا الاحتمال وان كان ممكنا ثبوتا - اي واقعا - الاّ انه غير واقع اثباتا ، اذ لازمه عدم امكان تصور معنى الصلاة الاّ بعد تصور عنوان النهي عن الفحشاء وعدم امكان تطبيق عنوان الصلاة على افرادها الاّ بعد تصور النهي عن الفحشاء ، وهو واضح البطلان فانا نقول : هذه صلاة وتلك صلاة بلا تصور النهي عن الفحشاء.

وعليه فالجامع بين الافراد الصحيحة مشكل للبيان المذكور.

قوله ص 456 س 1 بخصوصه :

اي ان خصوص الصحيح لو نظرنا اليه لوجدنا ان افراده مختلفة اختلافا شديدا فضلا عما اذا نظرنا الى الافراد الفاسدة ايضا.

قوله ص 456 س 1 الموضوع له :

الواو ساقطة ، والصواب : والموضوع له.

قوله ص 456 س 4 فيما بينهما :

الصواب : فيما بينها ، اي فيما بين الافراد.

قوله ص 456 س 8 باعتبار شدة :

هذا بيان للمشكلة بشكل مجمل ، واما المفصل فقد اشار له بقوله : وملخص الاشكال ... الخ.

قوله ص 456 س 14 سنخا ومقولة :

العطف تفسيري.

ص: 236

الجواب عن الاشكال.

قوله ص 456 س 23 وقد اجيب عن هذا الاشكال ... الخ :

وهناك عدة محاولات لتصوير الجامع على القول بالوضع للصحيح نقل منها في الكتاب ثلاث محاولات ، الاولى للآخوند والثانية للشيخ الاصفهاني ، والثالثة للسيد الشهيد ، وهي كما يلي :

محاولة الآخوند.

1 - وحاصل ما ذكره قدس سره : انا نقطع بوجود جامع بين افراد الصلاة الصحيحة وقد وضعت له كلمة الصلاة ، وذلك الجامع الذي نقطع به لو سئلنا عن حقيقته وماهيته اجبنا بانّا لا نعرف حقيقته ولكنا نعرفه ببعض آثاره ، ولا غرابة في ان يكون الشيء مجهولا من حيث حقيقته معلوما من ناحية اثاره ، وفي المقام الامر كذلك ، فالجامع بين الافراد الصحيحة مجهول من حيث الحقيقة ولكنه معلوم ببعض آثاره مثل النهي عن الفحشاء ، فكلمة الصلاة موضوعة لكل فعل ينهى عن الفحشاء.

وقد تقول : كيف جزم الآخوند بوجود جامع بين الافراد الصحيحة ومن اين علم بذلك؟

والجواب : انه استكشف ذلك من مجموع مقدمتين :

أ - ان جميع افراد الصلاة الصحيحة تشترك في اثر واحد وهو مثل النهي عن الفحشاء مثلا.

ب - ان الافراد المتعددة اذا اشتركت في اثر واحد فلا بد من وجود جامع ذاتي (1) واحد بينها يكون هو الموجد للاثر الواحد ، اذ يستحيل ان تكون الافراد

ص: 237


1- المراد بالجامع الذاتي ما يكون نوعا للافراد.

المتكثرة علة لشيء واحد فان الواحد لا يصدر من الكثير.

هذه حصية محاولة الآخوند قدس سره .

وقد ردّت بعدة ردود منها ما ذكره غير واحد من الاعلام ، وحاصله : ان الاثر الواحد تارة يكون ذاتيا اي ما يسمى باللازم الذاتي كالحرارة فانها لازمة لذات النار ، واخرى يكون عرضيا انتزاعيا كالبياض بالنسبة للقطن.

فان كان لازما ذاتيا فوحدته تدل حتما على وجود مؤثر واحد له ، فان لازم الذات عبارة اخرى عن معلول الذات ، فالحرارة اللازمة لذات النار معلولة لها ، وواضح ان المعلول اذا كان واحدا فيلزم ان يكون المؤثر فيه واحدا.

وان كان الاثر امرا عرضيا فوحدته لا تدل على وحدة المؤثر ، فالابيض مثلا اثر عرضي يمكن انتزاعه من الاشياء المختلفة كالانسان والحيوان والجدار ، بلا حاجة الى تصوير جامع بينها يكون هو المؤثر ، اذ الاثر العرضي ليس معلولا حتى تكون وحدته دليلا على وحدة الموجد له ، بل هو امر منتزع ، ولا محذور في انتزاع الشيء الواحد من الاشياء المختلفة كمثال الابيض.

وباتضاح هذا نقول : ان مثل النهي عن الفحشاء اثر عرضي انتزاعي فوحدته لا تدل على وجود جامع واحد ، بل نقول اكثر من هذا ، انه يستحيل وجود جامع ذاتي بين افراد الصلاة فان الجامع الذاتي عبارة عن النوع ، وواضح ان اجزاء الصلاة بما انها من مقولات مختلفة وبعضها وجودي وآخر عدمي فيستحيل وجود جامع ذاتي بينها ، فان المتضادات كيف يجمعها جامع واحد. اجل الجامع الذي يمكن افتراضه هو الجامع العرضي الانتزاعي مثل عنوان « الناهي عن الفحشاء » ، فانه يمكن وجوده ويمكن ان يكون لفظ الصلاة موضوعا له ، الاّ انه كما تقدم غير واقع اي لم توضع كلمة الصلاة له ، والاّ يلزم عند سماعنا لكلمة

ص: 238

الصلاة انتقال ذهننا الى مفهوم « الناهي عن الفحشاء » وان لا ينطبق مفهوم الصلاة على افراده الاّ بعد التوجه لعنوان « الناهي عن الفحشاء » ، وهو باطل جزما.

محاولة الشيخ الاصفهاني.

2 - وحاصل ما ذكره الشيخ الاصفهاني ان الصلاة تختلف اجزاؤها من حيث المقدار فتارة تكون اجزاؤها عشرة واخرى تسعة وثالثة ثمانية وهلمّ جرّا ، كما وتختلف الاجزاء من حيث الكيفية ، فالركوع مرة يكون من قيام واخرى من جلوس وثالثة بشكل آخر ، وباختصار اجزاء الصلاة تختلف من حيث الكيف والكم معا ، والواضع لا بد وان يتصور جميع هذه الاختلافات ويضع لفظ الصلاة لها ، ولكن كيف يمكن له تصور جميع هذه الاختلافات ووضع اللفظ لها بعد ذلك؟ ان الطريق هو ان يستعين بمفهوم - ولو كان عرضيا مثل مفهوم « الناهي عن الفحشاء » - ويلحظ بواسطته جميع تلك الاختلافات على سبيل الاجمال والابهام ثم يضع اللفظ لجميع تلك الاختلافات على اجمالها وابهامها ، وذلك نظير كلمة الخمر ، فان للخمر اختلافات واسعة ، فقد تكون متخذة من العنب وقد تكون متخذة من غيرها ، كما وان درجة اسكارها مختلفة فقد يكون اسكارها شديدا ولربما يكون ضعيفا ، كما وان لونها وطعمها مختلف ، وكلمة الخمر موضوعة لجميع هذه الاختلافات والواضع يتصورها بشكل مجمل مبهم ثم يضع لفظ الخمر لها.

والجواب عن هذه المحاولة : ان في مقصود الشيخ الاصفهاني احتمالين :

أ - ان يكون نفس المعنى الذي وضعت له كلمة الصلاة مجملا ومبهما ، وهذا الاحتمال باطل فان كل كلمة لا بد وان تكون موضوعة لمعنى محدد بدون ترديد ولا

ص: 239

ابهام.

وقد تقول : ان الوضع للمعنى المبهم ممكن نظير اسماء الاشارة ، فان معناها مبهم ولذا تعد من المبهمات.

والجواب : ان معنى اسماء الاشارة ليس مرددا ، فكلمة هذا مثلا موضوعة للمشار اليه المفرد المذكر ، اجل المقصود من المشار اليه قد يكون مرددا فحينما يقال جاء هذا فمن المحتمل ان يكون المقصود من « هذا » فلانا او فلانا او فلانا ، وبهذا الاعتبار يقال : ان اسماء الاشارة مبهمة ، فهي مبهمة في مقام الانطباق والتطبيق لا في اصل المعنى الموضوع له.

كما ويحتمل ان يكون ابهامها باعتبار احتياجها الى الصلة والمفسر ، فحينما نقول جاء هذا نحتاج الى مفسر فنقول جاء هذا العالم ، فكلمة « العالم » تفسر المقصود من اسم الاشارة.

ب - ان تكون كلمة الصلاة موضوعة لنفس الجامع الانتزاعي مثل ما ينهى عن الفحشاء ، وهذا قد بينا مرارا بطلانه.

يبقى شيء وهو ان الشيخ الاصفهاني ذكر ان كلمة الخمر موضوعة لمعنى مبهم وهذا ما لا نوافقه عليه ، فان كلمة الخمر موضوعة لمعنى محدد وهو السائل المسكر ، اجل لم يقيد الاسكار بدرجة معينة بل اخذ لا بشرط من هذه الناحية ، كما ولم يقيد بلون معين بل اخذ لا بشرط من هذه الناحية ايضا ، وواضح ان اخذ المعنى - لا بشرط - شيء وكون المعنى مبهما شيء آخر وليس احدهما عين الآخر.

محاولة السيد الشهيد.

3 - وقد اجاب السيد الشهيد بما حاصله : انا نختار كون الجامع تركيبا

ص: 240

وليس بسيطا ، ولكن لا نقصد من كون الجامع تركيبيا انه مركب من عشرة اجزاء مثلا ليرد عليه ما تقدم بل ندعي انه مركب بشكل خاص.

وتوضيحه : ان اجزاء الصلاة وشرائطها لها اشكال متعددة نكتفي باستعراض اربعة منها :

1 - ان قصد القربة جزء من الصلاة ، وهذا الجزء معتبر مهما كان شكلها فصلاة المختار وصلاة المضطر والغريق واي صلاة اخرى يلزم فيها قصد القربة.

2 - ان التسبيحات الثلاث جزء من الصلاة في الركعة الثالثة والرابعة ، ولكن يتخير المصلى بينها وبين قراءة الفاتحة ولو في حالة الاختيار فهي جزء معتبر بنحو التخيير.

3 - ان الوضوء او الغسل شرط في صحة الصلاة الاّ انه في حالة الاضطرار يجب التيمم فالمكلف اذن مخير بين ان يتوضأ او يغتسل حالة الاختيار وبين ان يتيمم حالة الاضطرار فاحدهما لازم في صحة الصلاة ولكن واحدا منهما معتبر في حالة الاختيار والآخر معتبر حالة الاضطرار.

4 - ان البسملة معتبرة قبل قراءة الحمد والسورة ولكن بشرط عدم التقية اما حالة التقية فلا يلزم الاتيان بها.

وباتضاح هذه الاشكال الاربعة نقول : ان الصلاة موضوعة للجامع وقد اعتبر في ذلك الجامع قصد القربة في جميع الحالات كما واعتبر فيه الحمد او التسبيحات على سبيل التخيير واعتبر فيه ايضا احد الامرين من الوضوء والغسل حالة الاختيار او التيمم حالة الاضطرار كما واعتبر فيه البسملة عند عدم التقية.

فالصلاة اذن موضوعة لكل فعل فيه. أ - قصد القربة. ب - واحد الامرين

ص: 241

من الفاتحة او التسبيحات. ج - واحد الامرين من الوضوء والغسل او التيمم. د - والبسملة ان لم تكن تقية.

وبهذا تجلى ان الجامع تركيبي ولكن لا بمعنى انه مركب من عشرة اجزاء بل بالشكل الذي ذكرناه.

ولربما يقال انه بناء على هذا تكون الصلاة موضوعة لمعنى معقد والحال ان المعنى المفهوم من الصلاة لدى العرف اوضح من هذا بكثير.

والجواب : نحن لا نسلم ان معنى الصلاة - لو كان مخترعا من قبل النبي صلی اللّه علیه و آله - واضح بل هو غير واضح الاجزاء والشرائط ويحتاج الى دراسة وتعلّم ، اجل معنى الصلاة على سبيل الاجمال واضح لدى العرف ولكنه من حيث التفاصيل والخصوصيات معقد ، وهذا نظير اسماء كثير من المركبات ، فمعنى كلمة السكنجبين مثلا على سبيل الاجمال واضح لدى كثير من الناس فهم يعرفون انه شراب خاص لذيذ ولكنهم لا يعرفون على سبيل التفصيل مقوماته واجزائه ، فاللفظ اذن قد يكون معناه على سبيل الاجمال واضحا ومن حيث التفاصيل والخصوصيات غامضا.

ولعل الشيخ الاصفهاني يقصد هذا المعنى حينما قال : ان الصلاة موضوعة لمعنى مبهم مردد ، فهو لا يقصد ان اصل المعنى الموضوع له مبهم ومجمل فان ذلك غير معقول كما تقدم وانما يقصد الابهام والاجمال في تفاصيله وخصوصياته ، فالعرف يفهم ان لكلمة الصلاة معنى معينا ولكنه لا يعرف خصوصياته على سبيل التفصيل ، لعل هذا مقصوده قدس سره وان كانت عبارته لا تساعد عليه.

قوله ص 457 س 2 خاصة :

اي ان النهي عن الفحشاء ما دام اثرا لخصوص الافراد الصحيحة فيدل

ص: 242

ذلك على وجود جامع واحد.

قوله ص 457 س 5 لوازم الوجود او الماهية الذاتية :

كلمة الذاتية صفة للوازم ، اي اللوازم الذاتية للوجود او الماهية ، ومثال لازم الماهية : الزوجية بالنسبة للاربعة فان ماهية الاربعة تقتضي الزوجية سواء وجدت في الذهن او في الخارج ولا يختص اقتضاؤها لذلك بما اذا كانت موجودة في الخارج ، ومثال لازم الوجود : الاحراق بالنسبة للنار ، فان النار لا تكون محرقة الا اذا كانت موجودة في الخارج.

قوله ص 458 س 8 جمعا :

لعل المناسب : جميعا.

قوله ص 458 س 9 بعض القيود تعيينا ومطلقا :

هذا اشارة الى الشكل الاول ، فقصد القربة متعين ويلزم الاتيان به ، واعتباره ثابت مطلقا وفي جميع حالات الصلاة بلا استثناء.

قوله ص 458 س 9 وبعض القيود تخييرا :

هذا اشارة الى الشكل الثاني والثالث ، فانه في الشكل الثالث اعتبر التخيير ايضا ولكنه تخيير بين الوضوء والغسل حالة الاختيار وبين التيمم حالة الاضطرار.

قوله ص 458 س 9 او مقيدا بحال خاص :

اشارة الى الشكل الرابع فان البسملة معتبرة حالة عدم التقية.

قوله ص 458 س 13 او ببدلها العرضي التخييري :

فان الفاتحة بدل تخييري عن التسبيحات ، والمقصود من كلمة « العرضي » انه في عرض التسبيحات فان كل بدل هو في عرض مبدله.

ص: 243

قوله ص 458 س 15 المقيد بحالته :

اي المقيد بحالته الخاصة مثل حالة الاضطرار ، فان التيمم مقيد بحالته الخاصة وهي الاضطرار.

قوله ص 458 س 17 بحالتي الاختيار والاضطرار :

فالوضوء والغسل مقيد بحالة الاختيار بينما التيمم مقيد بحالة الاضطرار.

قوله ص 458 س 18 يمكن اخذ الجامع بينها :

اي ان مثل البسملة يمكن اخذها في الجامع باحد نحوين :

أ - ان يؤخذ في الجامع التخيير بين البسملة وبين ان يعيش المصلي حالة التقية.

ب - ان يؤخذ في الجامع الاتيان بالبسملة عند عدم التقية.

قوله ص 459 س 5 المعاجين والمركبات :

العطف تفسيري.

قوله ص 459 س 8 فيكون مراده الابهام في تشخيص المعنى :

المناسب بدل تشخيص المعنى : مشخصات المعنى. والمراد تفاصيله واجزاؤه.

الجامع على القول بالاعم.

ذكرنا فيما سبق ان الآخوند قدس سره صوّر الجامع بناء على الصحيح حيث قال : ان الافراد الصحيحة تشترك في اثر واحد وهو النهي عن الفحشاء ، والاشتراك في اثر واحد يستلزم وجود جامع واحد يكون هو المؤثر ، ولكنه حينما وصل الى تصوير الجامع بناء على الاعم قال : انه لا يمكن وجوده لان ذلك الجامع

ص: 244

اما ان يكون بسيطا او مركبا ، وكلاهما باطل.

اما الجامع البسيط - وهو مثل الناهي عن الفحشاء - فلأن النهي عن الفحشاء ليس اثرا لكل صلاة حتى الفاسدة كيما يقال ان الصلاة موضوعة لكل ما ينهى ان الفحشاء فان هذا الاثر مختص بالافراد الصحيحة ولا يعم الافراد الفاسدة.

واما الجامع المركب فلأن كلمة الصلاة اذا فرضنا انها موضوعة للاركان الخمسة مثلا فنسأل هل هي موضوعة للاركان الخمسة بشرط انضمام بقية الاجزاء اليها كالتشهد والقراءة وغيرهما او هي موضوعة لها لا بشرط انضمام الباقي؟ فان كانت موضوعة لها بشرط انضمام الباقي لزم عدم صدق اسم الصلاة عند ترك المصلي لواحد من الاجزاء عمدا - لان الصلاة موضوعة لجميع الاجزاء والمفروض عدم تحقق الجميع - وهذا خلف المفروض لان المفروض ان كلمة الصلاة موضوعة للفاسد ايضا.

وان كانت موضوعة للاركان لا بشرط انضمام الباقي لزم عند فعل المصلي لصلاة تامة الاجزاء والشرائط عدم صدق اسم الصلاة على مجموع صلاته بل على قسم منها وهو خصوص الاركان ويكون اطلاقه على المجموع باعتبار ان ربع المجموع مثلا - وهو الاركان - صلاة ، وبالتالي يكون اطلاق الصلاة على المجموع مجازا والعلاقة المصححة لذلك كون البعض صلاة ، وذلك باطل جزما ، فان من اتى بجميع اجزاء الصلاة فلا شك في صدق كلمة الصلاة حقيقة على المجموع بما هو مجموع لا على البعض. هذا حصيلة ما افاده الآخوند قدس سره .

ويمكن مناقشته بأن بالامكان تصوير الجامع بسيطا تارة ومركبا اخرى.

اما الجامع البسيط فيمكن تصويره بالشكل الذي صوّره هو قدس سره

ص: 245

على الصحيح ، حيث ذكر ان الجامع هو الفعل الناهي عن الفحشاء ، وهنا ايضا يمكن تصوير الجامع بهذا الشكل بان يقال : ان الجامع الذي وضعت له كلمة الصلاة بناء على الاعم هو الفعل الناهي عن الفحشاء.

وقد تقول : ان النهي عن الفحشاء يختص بالصلاة الصحيحة واما الفاسدة فهي لا تنهى.

والجواب : انا لا نأخذ الجامع الذي وضعت كلمة الصلاة له هو ما ينهى عن الفحشاء بالفعل فانه لو اخذناه كذلك فهو يختص بالصلاة الصحيحة وانما نأخذ الجامع ما يصلح ان يكون ناهيا عن الفحشاء وله شأنية ذلك وان لم يكن ناهيا بالفعل ، والجامع بهذا الشكل يعم الصلاة الفاسدة ايضا فان اجزاء الصلاة الكاملة لو فرض انها عشرة وحذف المصلي منها جزئين عمدا فصلاته ذات الاجزاء الثمانية فاسدة ولا تنهى عن الفحشاء بالفعل ولكن لو فرض انه مرض وتعذر عليه جزآن فالاجزاء الثمانية حينئذاك تكون صحيحة وناهية عن الفحشاء ، اذن الاجزاء الثمانية التي هي فاسده حالة عدم العذر لها شأنية النهي عن الفحشاء في يوم من الايام وذلك عند وجود العذر المسوغ لترك الجزئين ، وهكذا كل صلاة فاسدة بما انه يمكن في يوم من الايام ان تقع صحيحة وناهية عن الفحشاء فلها شأنية النهي عن الفحشاء ، هذا تصوير الجامع البسيط.

ويمكننا تصوير الجامع مركبا بأن نقول : ان كلمة الصلاة موضوعة للاركان الخمسة من دون اشتراط وجود الاجزاء الباقية ، وبتعبير آخر موضوعة للاركان الخمسة فما زاد ، وبناء عليه لو اتى المصلي بالاركان الخمسة فقط بلا ضم الاجزاء الاخرى اليها كانت الصلاة صادقة على الاركان الخمسة فقط ولا يكون الباقي اجزاء ، واذا اتى ببقية الاجزاء وضمها الى الاركان الخمسة كانت الصلاة صادقة

ص: 246

على المجموع : الاركان وغيرها.

ومن هنا يتضح ان الاجزاء الباقية ان لم يؤت بها لم تكن اجزاء وان اتي بها كانت اجزاء ، ولا محذور في ان يكون الشيء على تقدير وجوده جزء وعلى تقدير عدمه ليس بجزء كما هو الحال في الكلمة فانها موضوعة للحرفين فصاعدا ، فاذا فرض ان المتكلم تلفظ بحرفين كانت الكلمة مركبة من حرفين ولا يكون الحرف الثالث جزء ، واذا تلفظ بالحرف الثالث كانت مركبة من ثلاثة حروف والحرف الثالث جزء منها ، فالحرف الثالث جزء على تقدير وجوده وليس جزء على تقدير عدمه.

قوله ص 459 س 10 بخصوصه :

اي يكون اطلاق الصلاة على خصوص الواجد لتمام الاجزاء مجازا ، واما اطلاقه على البعض - اي الاركان - فليس مجازا.

قوله ص 459 س 20 وفي بعض الحالات :

العطف تفسيري.

ثمرة البحث.

قوله ص 460 س 4 الجهة الرابعة : يذكر عادة لهذا البحث ثمرتان :

قد يسأل سائل : انا لفترة كنا نبحث عن وضع اسم الصلاة مثلا للصحيح او للاعم ولكن ما هي ثمرة هذا البحث؟

والجواب : ان الاعلام ذكروا ثمرتين :

الثمرة الاولى :

ولاجل ان تتضح هذه الثمرة نذكر مقدمة حاصلها ان التمسك باطلاق اللفظ

ص: 247

لا يصح الاّ اذا احرز صدق اللفظ المطلق على المشكوك ، فلو فرض ان المولى قال : اعتق رقبة وشك هل يلزم كون الرقبة المعتقة مؤمنة او لا كان التمسك بالاطلاق وجيها ، اذ يمكن الاشارة الى العبد الكافر والقول انه رقبة والمولى قال اعتق رقبة ولم يقل اعتق رقبة مؤمنة فعتقها مجزء ، اما اذا شك ان الجنين في بطن امه هل يجزء عتقه او لا فلا يصح التمسك بالاطلاق اذ لا يمكن الاشارة الى الجنين والقول انه رقبة - لاحتمال عدم صدق الرقبة على العبد الاّ بعد ولادته - ومع عدم احراز صدقه عليه فلا يصح التمسك بالاطلاق.

وبعد الفراغ من المقدمة نذكر الثمرة وحاصلها : انا لو شككنا في جلسة الاستراحة مثلا هل هي جزء من الصلاة او لا؟ فبناء على الوضع للصحيح لا يصح التمسك باطلاق ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) لنفي جزئيتها ، اذ لا يمكن الاشارة الى الصلاة الفاقدة لجلسة الاستراحة والقول انها صلاة والمولى قال : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ولم يقل : اقيموها مع جلسة الاستراحة ، كلا لا يمكننا ذلك ، اذ بناء على الوضع للصحيح تكون كلمة الصلاة موضوعة للصلاة الواجدة لجميع الاجزاء والشرائط وحيث نحتمل ان جلسة الاستراحة جزء فنحتمل اذن ان الصلاة لا تصدق بدونها ، ومع عدم احراز صدق اسم الصلاة على الفاقد فلا يصح التمسك بالاطلاق لانه فرع احراز صدق اللفظ على المشكوك.

وهذا كله بخلافه على الوضع للاعم فانه يصح التمسك بالاطلاق اذ الصلاة من دون جلسة الاستراحة يجزم بانها صلاة ، ومع هذا الجزم يصح الاشارة لها والقول ان هذه صلاة والمولى قال : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ولم يقل : اقيموها مع جلسه الاستراحة.

اذن على القول بالوضع للصحيح لا يمكن التمسك بالاطلاق لنفي جزئية

ص: 248

الجزء المشكوك بخلافه على الاعم.

ولرب قائل يقول : انه يوجد شكل جديد للاطلاق يصح التمسك به حتى على القول بالوضع لخصوص الصحيح ، انه الاطلاق المقامي ، ولتوضيحه نقول : ان الاطلاق على قسمين :

أ - اطلاق لفظي وهو ان يكون عندنا لفظ نتمسك باطلاقه مثل لفظ الرقبة فان اطلاقه الذي نتمسك به يسمى بالاطلاق اللفظي.

ب - اطلاق مقامي ومثاله حكاية زرارة عن الامام الصادق علیه السلام انه قال لاصحابه مرة الا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالوا : نعم ، فدعا علیه السلام بماء وصب قسما منه على وجهه وغسله كاملا ثم اراق قسما منه على يده اليمنى وغسلها كاملا وهكذا في اليسرى ، ثم مسح رأسه وقدميه (1) ، ان هذه الرواية نستفيد منها عدم جزئية المضمضة للوضوء والاّ لفعلها علیه السلام ، وهذا تمسك بالاطلاق ولكنه ليس تمسكا باطلاق اللفظ ، اذ لا يوجد لفظ معين نتمسك باطلاقه وانما هو تمسك باطلاق المقام حيث انه علیه السلام في مقام بيان افعال الوضوء ومع ذلك لم يأت بالمضمضة فيدل ذلك على عدم كونها جزء.

وهذا الاطلاق المقامي يصح التمسك به حتى بناء على الوضع للصحيح ، اذ سواء قيل بالوضع للصحيح او للاعم يمكن القول ان الامام علیه السلام حيث لم يفعل المضمضة دل ذلك على عدم كونها جزء.

وما دام الاطلاق المقامي يصح التمسك به حتى بناء على الوضع للصحيح فالثمرة الاولى اذن باطلة ، لان الثمرة كانت تقول انه بناء على الصحيح لا يصح التمسك بالاطلاق وعلى الاعم يصح ، والآن عرفنا صحة التمسك بالاطلاق

ص: 249


1- الوسائل 1 : 272.

المقامي على كلا التقديرين.

والجواب : ان الاطلاق المقامي وان صح التمسك به حتى بناء على الوضع للصحيح الا ان توفّره نادر جدا ، اذ هو موقوف على كون المولى في مقام بيان تمام الاجزاء والشرائط ، ومن الواضح ان احراز ذلك مشكل بل لا يكاد يتفق الا في مثل الحكاية التي نقلناها ونظائرها النادرة ، اما في الحالات الاعتيادية - كما في قوله تعالى ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) و ( آتُوا الزَّكاةَ ) ، ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) وو ... فلا يمكن احراز ذلك.

وباختصار : ان الاطلاق المقامي لو كان متوفرا لصح التمسك به حتى بناء على الوضع للصحيح الاّ انه نادر.

الثمرة الثانية :

وهذه الثمرة تظهر لو قلنا بوضع كلمة الصلاة لجامع بسيط على القول بالصحيح - كما كان الآخوند يقول بذلك حيث كان يرى ان كلمة الصلاة على الصحيح موضوعة لجامع بسيط وهو الفعل الناهي عن الفحشاء - وبوضعها للجامع المركب بناء على القول بالاعم ، ان الثمرة تظهر في هذه الحالة فقط ، اما اذا قلنا بناء على الصحيح بالوضع للجامع التركيبي - كما هو مختار السيد الشهيد - او قلنا بناء على الاعم بالوضع للجامع البسيط فلا تظهر.

وبعد هذا نقول في ايضاح هذه الثمرة : انه بناء على الوضع للصحيح لو شككنا في وجوب جلسة الاستراحة مثلا لم يصح التمسك بالاصل العملي لنفي وجوبها اذ الوجوب متعلق بالصلاة ، والصلاة لا تصدق على المركب الخارجي الذي نأتي به - والاّ لكانت الصلاة موضوعة للمركب وهو خلف الفرض لأنا فرضنا وضعها للجامع البسيط بناء على القول بالصحيح - بل هي تصدق على

ص: 250

الجامع البسيط الذي يحصل بسبب المركب الخارجي ليس هو الواجب بل سبب لحصول الواجب (1) فان الواجب هو ذلك الجامع البسيط ولكنا نشك هل يحصل بعشرة اجزاء التي احدها جلسة الاستراحة او بتسعة من دون الجلسة فيكون المقام من الشك في المحصل اي نشك ان المحصّل للواجب هو الاجزاء العشرة او التسعة ، ومع كون الشك في المحصل يحكم العقل بوجوب الاحتياط وذلك بالاتيان بالعشرة. هذا لو قلنا بالوضع للصحيح.

اما لو قلنا بالوضع للاعم فيصح التمسك باصل البراءة لنفي وجوب جلسة الاستراحة ، اذ الوجوب متعلق بالصلاة ، وبما ان الصلاة - بناء على القول بالوضع للاعم الذي نتكلم على تقديره - اسم للمركب الخارجي فبالتالي نشك ان الوجوب هل هو متعلق بالاجزاء العشرة التي احدها جلسة الاستراحة او بالاجزاء التسعة ، وحيث ان تعلق الوجوب بالتسعة معلوم ونشك في تعلقه بالجزء العاشر وهو جلسة الاستراحة فنجري البراءة عن تعلقه به لانا نشك في اصل تعلق التكليف به ، والشك في اصل التكليف مجرى للبراءة.

والخلاصة : ان الوجوب متعلق بالصلاة ولكن بناء على القول بالصحيح تكون الصلاة عبارة عن الجامع المسبب عن المركب الخارجي ، فالشك يكون شكا في ان الواجب هل يحصل بالاجزاء العشرة او بالتسعة فيجب الاحتياط ، واما بناء على الاعم فحيث ان الوجوب منصب على الصلاة والصلاة اسم للمركب الخارجي فيحصل الشك في ان الوجوب هل متعلق بالمركب الخارجي ذي الاجزاء العشرة او ذي الاجزاء التسعة ويكون الشك شكا في وجوب الجزء

ص: 251


1- ومن امثلة ذلك القتل فانه اسم لزهاق الروح وليس هو نفس قبض السكين باليد وامرارها على رقبة الحيوان وانما هو سبب لزهاق الروح.

العاشر فتجري البراءة عنه.

وقد سجل في الكتاب على هذه الثمرة ثلاثة ردود :

1 - ان هذه الثمرة مبنية على ان كلمة الصلاة - بناء على الوضع للصحيح - موضوعة لجامع بسيط ونحن ننكر ذلك ونقول انها موضوعة للجامع المركب كما اوضحنا ذلك سابقا.

2 - ان هذه الثمرة انما تتم لو فرض ان الجامع - الذي وضعت كلمة الصلاة له - له وجود مغاير لوجود المركب الخارجي فانه في هذه الفرضية تتم الثمرة حيث يكون عندنا وجودان متغايران : وجود للجامع ووجود للمركب ، ويكون وجود المركب سببا محصّلا للجامع ، اما اذا فرضنا ان وجود الجامع متحد مع وجود المركب واحدهما عين الآخر خارجا - كما هو ليس ببعيد حيث انه لا يوجد عندنا في الخارج المركب والجامع بل الاجزاء الخارجية التي نأتي بها هي الفعل الناهي عن الفحشاء لا ان الناهي الذي هو الجامع شيء مغاير للمركب الخارجي - فلا يكون المقام من قبيل السبب والمسبب لان السببية تستدعي وجود شيئين متغايرين احدهما يكون سببا والآخر مسببا ، والمفروض انه لا يوجد شيئان خارجا ، بل يكون المقام من قبيل الشك في اصل التكليف لان المفروض ان التكليف متعلق بالجامع وبما ان الجامع عين الاجزاء خارجا فالتكليف اذن منصب على الاجزاء وحيث انا لا نعلم بتعلقه بالجزء العاشر - وهو جلسة الاستراحة - وان كنا نجزم بتعلقه بالاجزاء التسعة فيكون الشك في تعلقه بالجزء العاشر من قبيل الشك في اصل التكليف فتجري البراءة عنه.

3 - انه لو تنزلنا وفرضنا ان الجامع ليس متحدا مع المركب الخارجي بل احدهما مغاير للآخر فمع ذلك يمكن ان تجري البراءة عن جلسة الاستراحة اذ من

ص: 252

الممكن ان يكون للجامع مرتبتان : مرتبة شديدة ومرتبة ضعيفة ، بان يكون النهي عن الفحشاء مرة قويا لا يحصل الاّ بعشرة اجزاء واخرى ضعيفا يحصل بتسعة (1) ، ففي مثل ذل يكون الشك من قبيل الشك في اصل التكليف ، اذ يجزم بتعلق التكليف بالجامع بمرتبته الضعيفة التي تحصل بتسعة اجزاء ويشك في تعلقه بالمرتبة الشديدة التي تحتاج الى ضم الجزء العاشر فتجري البراءة عن تعلقه بالمرتبة الشديدة ويثبت بذلك عدم وجوب الجزء العاشر وهو المطلوب.

قوله ص 460 س 6 عبارة :

الصواب عبادة.

قوله ص 460 س 15 لا يلزم عدم جريان :

المناسب لا يلزم منه عدم جريان ....

قوله ص 460 س 16 خارجا ووجودا :

العطف تفسيري.

قوله ص 460 س 17 سواء كان جامعا حقيقيا ام انتزاعيا ام اعتباريا :

اما اذا كان الجامع حقيقيا فلأن الجامع الحقيقي ليس هو الا النوع الجامع بين افراده ، ومن الواضح ان النوع متحد مع افراده خارجا.

واما اذا كان الجامع انتزاعيا فهو ينتزع من الافراد وليس له وجود مستقل مقابل افراده ، فعنوان الطويل مثلا المنتزع من الافراد المتعددة ليس له وجود

ص: 253


1- كانارة الدار ، فان المولى لو اوجب تنوير الدار وكان التنوير الذي هو امر بسيط يحصل بعشر شمعات وبتسع فيمكن للعبد ان يقول : ان الانارة بالمرتبة الضعيفة التي تحصل بتسع شمعات معلومة الوجوب وبالمرتبة الشديدة التي تحصل بعشر غير معلومة الوجوب فتجري البراءة عنها.

مقابل افراده.

واما اذا كان الجامع اعتباريا فلأن الامر الاعتباري - كالقيمة التي هي جامع بين جميع الاشياء ذوات القيمة - وان لم يكن متحدا مع الافراد لانه امر اعتباري ولا معنى لاتحاد الاعتبار مع الموجودات الحقيقية الخارجية الا ان الامر الاعتباري حينما يؤخذ في متعلق الحكم يؤخذ باعتبار انه مرآة لافراده من دون ان يتعلق به الحكم حقيقة ، ومعه يكون الحكم متعلقا بالافراد.

اذن الجامع الذي يجمع افراد الصلاة سواء كان حقيقيا ام انتزاعيا ام اعتباريا هو عين الاجزاء ويكون الحكم منصبا على الاجزاء.

قوله ص 460 س 22 ايضا جرت ... الخ :

المناسب : جرت البراءة ايضا ... الخ.

ادلة الوضع للصحيح.
اشارة

قوله ص 461 س 1 الجهة الخامسة : استدلّ على ... الخ :

وفي هذه الجهة يراد التعرض الى ادلة القولين : الوضع للصحيح والوضع للاعم.

اما القول بالوضع للصحيح فقد استدل له بعدة ادلة ذكر منها في الكتاب ثلاثة :

الدليل الأوّل :

1 - وقبل التعرض الى هذا الدليل نذكر مقدمة حاصلها : ان اصالة الحقيقة تستعمل في مجالين :

ص: 254

أ - ان يعلم بان المعنى الحقيقي للاسد مثلا هو الحيوان المفترس والمجازي هو الرجل الشجاع ولكن يشك ان المتكلم حينما قال : جئني باسد اراد المعنى الحقيقي او المجازي ، وفي مثل هذه الحالة تجري اصالة الحقيقة لاثبات ان المعنى المراد هو المعنى الحقيقي.

ب - ان يجزم بالمعنى المراد - خلافا للحالة السابقة حيث كان يشك في اصل المعنى المراد - ولكن يشك في كيفية استعماله فلا يعلم انه استعمال حقيقي او مجازي.

وفي مثل ذلك لا يصح اجراء اصالة الحقيقة لاثبات ان المعنى المراد معنى حقيقي قد وضع له اللفظ.

ومثال ذلك ما لو قال المولى : اغتسل يوم الجمعة ، فانه يعلم ان المقصود من الامر هنا هو الاستحباب ولكن يشك ان الاستعمال فيه هل هو حقيقي او مجازي ، والعقلاء في مثل ذلك لا يجرون اصالة الحقيقة ، فانهم يجرونها فيما اذا فرض الشك في اصل المعنى المراد ، اما مع العلم به والشك في كيفية استعماله فلم يثبت منهم بناء على اجرائها خلافا للسيد المرتضى قدس سره حيث يرى جريان اصالة الحقيقة في كلتا الحالتين.

وبعد هذه المقدمة نرجع الى الدليل الأول وحاصله : ان كثيرا من النصوص اثبتت للصلاة بعض الآثار - مثل الصلاة قربان كل تقي ، الصلاة معراج المؤمن ، الصلاة تنهى عن الفحشاء ... - وبما ان الآثار مختصة بالصلاة الصحيحة فيثبت ان كلمة الصلاة موضوعة لخصوص الصلاة الصحيحة.

ويمكن الجواب :

أ - ان كلمة الصلاة في هذه النصوص وان استعملت في خصوص الصلاة الصحيحة ولكن بهذا الاستعمال لا يثبت كونها موضوعة لذلك ، اذ من الممكن انها

ص: 255

موضوعة للاعم ومع ذلك استعملت في خصوص الصحيحة مجازا.

لا يقال : انا نشك ان استعمال كلمة الصلاة في هذه النصوص هل هو حقيقي او مجازي وباصالة الحقيقة في الاستعمال يثبت ان الاستعمال حقيقي وبالتالي يثبت ان كلمة الصلاة موضوعة لخصوص الصحيح.

فانه يقال : ان اصالة الحقيقة لا يجريها العقلاء اذا علم بالمراد وشك في كيفية الاستعمال ، وفي المقام يعلم بان المراد خصوص الصلاة الصحيحة ويشك في كيفية الاستعمال وانه حقيقي او مجازي.

ب - انه من الممكن ان نقول : ان استعمال كلمة الصلاة في هذه النصوص استعمال حقيقي حتى على تقدير الوضع للاعم ومعه فلا تجري اصالة الحقيقة لانها انما تجري فيما لو احتمل ان الاستعمال مجازي ، اما مع كونه حقيقيا على كلا التقديرين فلا معنى لاجرائها.

اما كيف يكون استعمال كلمة الصلاة في هذه النصوص حقيقيا حتى على تقدير الوضع للاعم؟ ان الوجه فيه احتمال استعمال كلمة الصلاة في طبيعي الصلاة الجامع بين الصحيح والفاسد وتكون كلمة قربان مستعملة في القربان ، وبعد ضم احدى الكلمتين للاخرى يستنتج السامع ان مراد المتكلم واقعا هو الصلاة الصحيحة من دون ان تكون كلمة الصلاة مستعملة في ذلك بل هي مستعملة في طبيعي الصلاة ، وهذا نظير كلمة « ماء الرمان » فان كلمة ماء يراد بها طبيعي الماء وكلمة رمان يراد بها طبيعي الرمان ، وبعد الضم يفهم ان مراد المتكلم واقعا هو السائل المعروف من دون ان تستعمل كلمة الماء بخصوصها او الرمان بخصوصها في ذلك. وهذا ما يسمى بطريقة تعدد الدال والمدلول ، اي ان كلمة الصلاة هي الدال الاول ومدلولها الطبيعي وكلمة قربان هي الدال الثاني ومدلولها الطبيعي

ص: 256

ايضا وبعد الاجتماع يفهم ان المراد الواقعي هي الصلاة الصحيحة.

الدليل الثاني :

التمسك بالروايات التي تنفي الصلاة عند عدم الاتيان ببعض الاجزاء مثل « لا صلاة الاّ بفاتحة الكتاب ، لا صلاة الا بطهور ، لا صلاة الا بركوع ، وو ... » فان الصلاة لو كانت موضوعة للاعم فلا وجه لنفيها عند انتفاء بعض الاجزاء.

ويمكن رد ذلك بان الروايات المذكورة ليست ناظرة الى عالم التسمية والوضع اي ليس مقصودها انه من دون الفاتحة مثلا لا يسمى الفعل صلاة ولم توضع له كلمة الصلاة بل هي ناظرة الى عالم التشريع والجعل فكانها تريد ان تقول : من دون الفاتحة لا يكون الفعل صلاة في عالم التشريع ، والمقصود من نفي الصلاة في عالم التشريع نفي الوجوب فالوجوب لم يتعلق بالصلاة الفاقدة للفاتحة ولكن لم يبين هذا بشكل صريح بل بشكل غير مباشر ، فنفيت الصلاة بقصد نفي الوجوب ، وهذا ما يصطلح عليه بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع (1).

اذن مقصود الحديث بحسب الحقيقة نفي تعلق الوجوب بالصلاة عند عدم الفاتحة ، وبما انه لا وجه لنفي الوجوب عند انتفاء الفاتحة الا كون الفاتحة جزء فيثبت ان الفاتحة جزء ، ومعه تكون الرواية اجنبية عن الموضوع ، فانها لم تنظر الى عالم التسمية حتى يثبت ان الفعل من دون الفاتحة لا يسمى صلاة بل ناظرة الى اثبات الجزئية للفاتحة. ولنا قرينتان على عدم نظر الاحاديث المذكورة الى عالم التسمية :

أ - ان الاحاديث المذكورة تفقد بلاغتها لو كانت ناظرة الى عالم التسمية اذ

ص: 257


1- كقوله علیه السلام : لا ربا بين الوالد وولده ، فانه نفي للربا بقصد نفي الحرمة.

يصير المعنى انه بدون الفاتحة لا يسمى الفعل صلاة ، وهذا ليس فيه اي بلاغة بخلاف ما لو كان النظر الى عالم التشريع حيث يكون المقصود نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى.

ب - ان هذه الاحاديث لا تكون دالة على كون الفاتحة جزء لو كانت ناظرة الى عالم التسمية اذ يصير المعنى انه بدون الفاتحة لا يكون الفعل صلاة ، وهذا المقدار اقصى ما يثبت ان الفاتحة جزء من الاسم ، ومن الواضح ان الجزئية التي يراد اثباتها ليست هي الجزئية للاسم بل الجزئية للمأمور به اي كون الفاتحة جزء من الفعل الذي تعلق به الامر وهذا لا يثبت الا اذا كانت الاحاديث ناظرة الى عالم التشريع والجعل.

الدليل الثالث :

ان المتبادر من كلمة الصلاة حينما يقال : فلان صلى او يصلي هو الصلاة الصحيحة لا الاعم منها ومن الفاسدة ، وهذا يدل على ان كلمة الصلاة موضوعة لخصوص الصحيح.

والجواب : ان هذا التبادر ليس من نفس لفظ الصلاة حتى يكون دليلا على وضعه لخصوص الصحيح بل هو لالتزام كل مكلّف باداء خصوص الصلاة الصحيحة.

قوله ص 460 س 9 بتوفر ذلك المقام الخاص :

اي كون المتكلّم في مقام بيان الاجزاء.

قوله ص 461 س 7 والشك في الاستناد :

اي في كيفية الاستعمال وانه مستند للقرينة حتى يكون مجازا او الى حاق اللفظ حتى يكون حقيقة.

ص: 258

ادلة الوضع للاعم.

قوله ص 461 س 20 واما القول بالوضع للاعم ... :

استدل للقول بالاعم بعدة ادلة نذكر منها :

الاول : ان المتبادر من كلمة الصلاة هو الاعم من الصحيح والفاسد لا خصوص الصحيح كما يدّعيه القائل بالصحيح.

ويرد عليه :

أ - انا لا نسلم تبادر الاعم بل المتبادر خصوص الصحيح.

ب - من المحتمل قويا ان كلمة الصلاة كانت موضوعة زمن النبي صلی اللّه علیه و آله لخصوص الصحيح ولكن بعد ذلك وبسبب حاجة الناس في الازمنة المتأخرة الى التعبير عن الصلاة الفاسدة اخذوا يستعملون كلمة الصلاة كثيرا في الصلاة الفاسدة الى حد نقلت من ذلك المعنى السابق - وهو وضعها للصحيح - ووضعت للاعم ، فتبادر الاعم لو سلّم فهو ناشىء من هذا الوضع المتأخر لا من جهة كونها موضوعة للاعم زمنه صلی اللّه علیه و آله .

ان قلت : اذا سلمنا ان المتبادر في زماننا المعاصر هو الاعم فنقول : انا نشك هل هذا المعنى كان ثابتا من الاول او ان الثابت منذ البداية هو الصحيح ثم حصل النقل الى الاعم ، وعند الشك في النقل نتمسك باصالة عدم النقل فيثبت ان هذا المعنى - وهو الاعم - كان ثابتا من الاول ، اذ لو كان الثابت سابقا هو الصحيح يلزم حصول النقل وهو خلف اصالة عدم النقل.

قلت : ان احتمال حصول النقل قوي بسبب شدة الدواعي اليه لكثرة حاجة الناس الى التعبير عن الصلاة الفاسدة ، ومع شدة الداعي الى النقل وقوة احتماله لا

ص: 259

يجري العقلاء اصالة عدم النقل ، فان القدر المتيقن من اجزائهم لها موارد عدم توفر دواعي النقل.

الثاني : يسأل الامام علیه السلام في بعض الروايات عمن ترك بعض اجزاء صلاته فيجيب : يعيد صلاته. ان هذا التعبير يدل على ان اسم الصلاة لا يختص بالصحيحة والاّ كيف يطلق علیه السلام كلمة الصلاة على الفاسدة بقوله يعيد صلاته ، بل ان التعبير بكلمة « يعيد » وبقطع النظر عن كلمة « صلاته » يدل على ان الماتي به اولا هو صلاة والا فلا يصح التعبير بكلمة « يعيد » اذ لا وجود للصلاة حتى يصدق على تكرارها عنوان الاعادة.

ويرد عليه :

أ - انه وردت رواية تقول « لا تعاد الصلاة الاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » (1). وهي تدل على وجوب اعادة الصلاة عند فقدان واحد من هذه الخمسة. ولازم ذلك صحة اطلاق كلمة الصلاة على الفاقد للاركان والحال ان الفاقد للاركان لا يصح اطلاق الصلاة عليه حتى عند الاعمى. اذن مثل هذا الاشكال يرد حتى بناء على الاعم ، ويسمى مثل هذا الجواب بالجواب النقضي.

ب - ان غاية ما يستفاد من هذا الدليل صحة اطلاق الصلاة على الفاسدة ، وواضح ان الاستعمال اعم من الحقيقة ، ولا يمكن التمسك باصالة الحقيقة لاثبات كون الاستعمال حقيقيا عند العلم بالمراد - وهو الصلاة الفاسدة - والشك في كيفية الاستعمال خلافا للسيد المرتضى كما تقدم ، ويسمى مثل هذا الجواب بالجواب الحلي.

ص: 260


1- الوسائل 4 : 683.

الثالث : ما ذكره الشيخ الاصفهاني من ان عادة العقلاء جرت على انهم متى ما اخترعوا معنى جديدا وضعوا اللفظ لمجموع اجزائه دون شرائطه ، فاذا اجتمعت الاجزاء كان اللفظ موضوعا لها وان لم تكن الشرائط متوفرة معها ، فالطبيب اذا اخترع دواء الاسپرين مركبا من خمسة اجزاء وكان هذا الدواء لا يؤثر اثره الاّ اذا حصل تناوله قبل الطعام فهو يضع اللفظ لمجموع الاجزاء الخمسة وان حصل التناول بعد الطعام ، هذه سيرة العقلاء ، والنبي صلی اللّه علیه و آله بما انه واحد منهم بل رئيسهم فلا بد وان تكون طريقته ذلك ايضا فهو صلی اللّه علیه و آله قد وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء دون الشرائط ، وهذا معناه ان لفظ الصلاة موضوع للصحيح من حيث الاجزاء وللاعم من حيث الشرائط.

ويرد عليه :

أ - انا لا نجزم بمثل هذه السيرة.

ب - وعلى تقدير تسليمها لا نجزم بمتابعته صلی اللّه علیه و آله لها ، اذ لا يلزم من عدم متابعته لها محذور قبيح.

ج - ان الاصفهاني ذكر ان العقلاء لا يضعون اللفظ للشرائط التي يكون معها الدواء مؤثرا ونافعا ، وهذا وان كان تاما لكنه خارج عن محل الكلام ، اذ الكلام في شرائط نفس المعنى لا في شرائط تأثيره ، فمن قال ان الدواء لو كان له شرائط راجعة الى نفسه - ككونه ذا لون او طعم خاص - لا الى تأثيره فلا يضع الواضع اللفظ لها ، وهكذا في الصلاة فان القبلة والطهارة والستر وو ... شرائط لنفسها لا لتأثيرها فيلزم ان يكون اللفظ موضوعا لها ايضا. وباختصار حصل خلط بين شرائط التأثير وشرائط المعنى والكلام في الثاني دون الاول.

الرابع : واستدل على الوضع للاعم بالحديث الوارد « دعي الصلاة ايام

ص: 261

اقرائك » (1) فان الصلاة ايام القرء - اي الحيض - فاسدة ومع ذلك اطلق الحديث عليها كلمة الصلاة وقال : دعي الصلاة.

والجواب : ان النهي الوارد في هذا الحديث ليس مولويا حتى يقال : ان النهي عن الصلاة ايام الحيض دليل على صحة اطلاق كلمة الصلاة على الفاسدة ، بل هو ارشاد الى ان الصلاة ايام الحيض لم يؤمر بها وان الامر متعلق بالصلاة ايام الطهر فقط.

وقد تقول : ان الصلاة ايام الحيض وان كانت فاقدة للامر ولكنها بالتالي فاسدة ، فاطلاق الحديث كلمة الصلاة عليها مع انها فاسدة - لفقدان الامر - دليل على الوضع للاعم.

والجواب : من الممكن ان تكون كلمة الصلاة موضوعة لخصوص الصحيح ومع ذلك تطلق على الفاقدة للامر باعتبار انها - بناء على الوضع للصحيح - لم توضع للصلاة المقيدة بواجدية الامر ، فان واجدية الصلاة للامر هو من القيود الثانوية (2) ، وهي لا يمكن اخذها في المسمى حتى عند الصحيحي فضلا عن الاعمي (3).

الخامس : وقد يستدل على الوضع للاعم بان الصلاة يمكن تقسيمها الى

ص: 262


1- الوسائل 2 : باب 7 من ابواب الحيض حديث 2.
2- القيد الثانوي ، هو القيد الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد تعلق الامر مثل قصد امتثال الامر وواجدية الصلاة للامر ، وفي مقابل ذلك القيد الاوّلي وهو القيد الذي لا يتوقف حصوله على تعلق الامر مثل الركوع والسجود والقيام وو ... فان المصلي يمكنه الركوع وان لم يكن هناك امر بالصلاة بخلاف قصد امتثال الامر فانه لا يمكن حقيقة عند عدم الامر.
3- وكان من المناسب الجواب اضافة الى ذلك بان غاية ما يستفاد من هذا الحديث صحة استعمال كلمة الصلاة في الفاسدة ، وواضح ان الاستعمال اعم من الحقيقة.

الصحيحة والفاسدة فيقال : الصلاة اما صحيحة او فاسدة ، وصحة التقسيم دليل على وضع المقسم للاعم والاّ يلزم تقسيم الشيء الى نفسه وغيره.

والجواب : ان اقصى ما تقتضيه صحة التقسيم استعمال كلمة الصلاة حالة التقسيم في الاعم ، والاستعمال اعم من الحقيقة ، فمن المحتمل ان كلمة الصلاة لم توضع للاعم ومع ذلك استعملت في الاعم حين التقسيم مجازا.

السادس : وذهب السيد الخوئي دام ظله الى ان كلمة الصلاة (1) وضعت في التشريع الاسلامي لاربعة اجزاء - التكبير والركوع والسجود والطهارة من الحدث - دون بقية الاجزاء والشرائط ، فمتى ما اجتمعت هذه الاربعة كان استعمال كلمة الصلاة حقيقيا وفي المعنى الموضوع له سواء كانت بقية الاجزاء والشرائط ثابتة ام لا. فله دام ظله اذن دعويان :

أ - ان كلمة الصلاة موضوعة للاجزاء الاربعة : ولنسمّ هذه الدعوى بالجانب الايجابي.

ب - ان كلمة الصلاة لم توضع لبقية الاجزاء ، ولنسمّ هذه الدعوى بالجانب السلبي.

واستدل دام ظله على الدعوى الاولى بانه ورد في حديث الحلبي « ان الصلاة ثلاثة اثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود » (2). وورد ايضا في حديث آخر ان افتتاح الصلاة يحصل بالتكبير (3). واذا ضمنا الحديث الثاني الى

ص: 263


1- هذه الدعوى تختص بكلمة الصلاة دون غيرها.
2- الوسائل 4 : 931.
3- ففي حديث ناصح المؤذن عن ابي عبد اللّه علیه السلام « ... مفتاح الصلاة التكبير » ، الوسائل 4 : 714.

الاول كانت النتيجة ان الصلاة موضوعة لاربعة : التكبير والركوع والسجود والطهور.

واضاف دام ظله قائلا : ومن اجل ان كلمة الصلاة موضوعة لهذه الاربعة كان فقدان اي واحد منها ولو نسيانا موجبا لبطلان الصلاة ، بينما لمّا لم تكن بقية الاجزاء مأخوذة في المسمى لم يكن فقدانها نسيانا موجبا للبطلان.

يبقي شيء وهو ان الصلاة اذا كانت ثلاثة اثلاث ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور فكيف يكون التكبير جزء والحال ان لازم ذلك صيرورة الصلاة اربعة اثلاث.

ويمكن توجيه ذلك بان المقصود من كون الصلاة ثلاثة اثلاث انها ثلاثة اثلاث بعد حصول افتتاحها بالتكبير ، فالتكبير بما انه يحصل الافتتاح به لم يعد واحدا من الاثلاث اذ المقصود من الاثلاث الاثلاث بعد افتتاح الصلاة. هذا حصيلة ما افاده دام ظله. ويرده : ان كلتا الدعويين قابلة للمناقشة :

اما الدعوى الاولى : فلانه استدلّ عليها بالحديثين السابقين - اي بحديث الصلاة ثلاثة اثلاث وبحديث افتتاح الصلاة بالتكبير - ومن الواضح ان هذين الحديثين ناظران الى عالم الامتثال ، اي ان هذه الاجزاء الاربعة اجزاء مهمة في مقام الامتثال فمن دونها لا يحصل الامتثال وليسا ناظرين الى عالم التسمية وانه هل يصدق اسم الصلاة بدونها اولا. ولئن سلّمنا نظرها الى عالم التسمية فيلزم ان تكون الفاتحة والقيام مأخوذين في المسمى ايضا اذ ورد في احاديث اخرى - لها لسان يشابه لسان الحديثين السابقين - انه « لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » (1) و « لا

ص: 264


1- ففي حديث محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته قال : لا صلاة له الا ان يقرأ بها. الوسائل4- 732.

صلاة لمن لم يقم صلبه » (1) ، فلو كان لسان الحديثين السابقين يستفاد منه مدخلية الاجزاء الاربعة في المسمى فيلزم ان يستفاد من هذه الاحاديث مدخلية الفاتحة والقيام في المسمى ايضا.

وباختصار ان الحديثين السابقين ان كانا ناظرين الى عالم الامتثال فهما اجنبيان عن بيان مدخلية الاجزاء الاربعة في المسمى ، وان كانا ناظرين الى عالم التسمية فيلزم مدخلية مثل الفاتحة والقيام في المسمى ايضا.

واما الدعوى الثانية : فالدليل عليها اما ما اشار اليه قدس سره في آخر كلامه - حيث ذكر ان عدم بطلان الصلاة بترك بقية الاجزاء نسيانا يدل على عدم مدخليتها في المسمى - واما باعتبار ان المستفاد من الحديثين السابقين ان الاجزاء الاربعة هي التي لها المدخلية في المسمى دون غيرها.

فان كان الدليل هو الاول فيرده : ان عدم بطلان الصلاة بترك بقية الاجزاء نسيانا لا يدل على عدم مدخليتها في المسمى اذ الاجزاء حينما تؤخذ في المسمى تؤخذ بشكلها الخاص في مقام التأثير فان كان فقدانها العمدي والنسياني يستوجب بطلان الصلاة فيلزم اخذها في المسمى اجزاء حالة التذكر والنسيان معا ، وان كان فقدانها العمدي فقط يوجب البطلان فيلزم اخذها في المسمى حالة التذكر فقط وتكون النتيجة وضع كلمة الصلاة للاجزاء الاربعة مطلقا ولبقية الاجزاء في خصوص حالة التذكر.

وان كان الدليل هو الثاني فيرده ما تقدم من ان الحديثين ليسا ناظرين الى عالم التسمية حتى يدلاّ على عدم مدخلية بقية الاجزاء في المسمى بل هما ناظران لبيان ركنية الاجزاء الاربعة بلحاظ عالم الامتثال وتفريغ الذمة.

ص: 265


1- ورد ذلك في حديث ابي بصير. الوسائل 4 : 939.

قوله ص 463 س 10 والاجزاء :

بكسر الهمزة عطف تفسير على الامتثال.

قوله ص 463 س 15 والذي هو المهم ... الخ :

اذ الاعمي يدعي ان اسم الصلاة يصدق حتى عند فقدان بعض الاجزاء ، وواضح ان المناسب لهذه الدعوى هو الجانب السلبي الذي يقول ان اسم الصلاة يصدق وان لم يتوفر باقي الاجزاء غير الاربعة ، ولا تناسب له مع الجانب الايجابي.

قوله ص 463 س 20 حالة الاختيار او الذكر :

الاختيار يقابل الاضطرار ، والذكر يقابل النسيان.

قوله ص 463 س 32 بلحاظ الوجوب :

المناسب : بلحاظ الامتثال كما عبّر بذلك قبل أسطر.

مختار السيد الشهيد.

قوله ص 464 س 2 والتحقيق ان يقال ... الخ :

وبعد الاطلاع على ادلة القولين نشير الى الرأي المختار وهو ان الفاظ العبادات موضوعة للاعم.

والدليل عليه : ان الاحتمالات في المسألة ثلاثة ، وعلى تقدير جميعها يلزم الوضع للاعم ، والاحتمالات هي :

1 - ان يكون معنى كلمة الصلاة مثلا ثابتا قبل الاسلام وتكون - كلمة الصلاة - موضوعة له.

2 - ان يكون معنى كلمة الصلاة حادثا بعد الاسلام ويفرض انها - كلمة

ص: 266

الصلاة - وضعت له وضعا تعينيا ناشئا بسبب كثرة الاستعمال.

3 - ان يكون المعنى حادثا بعد الاسلام ويفرض ان كلمة الصلاة وضعها صلی اللّه علیه و آله بالوضع التعييني له.

اما بناء على الاحتمال الاول فيلزم ان تكون كلمة الصلاة موضوعة للاعم لان الصلاة الصحيحة هي الفعل الواجد لجميع الاجزاء والشرائط ، ومن الواضح ان جميع اجزاء الصلاة وشرائطها لم يكن ثابتا قبل الاسلام ليكون لفظ الصلاة موضوعا للمجموع ، بل كثير منها جاء به الاسلام بعد ما لم يكن ثابتا قبلا.

واما على الاحتمال الثاني - وهو كون كلمة الصلاة موضوعة للمعنى الشرعي بالوضع التعيّني - فيلزم الوضع للاعم ايضا لان الوضع التعيّني يحصل بواسطة كثرة الاستعمال ، ومن الواضح ان الذي يمكن الجزم به هو كثرة استعمال كلمة الصلاة في الاعم واما استعمالها في خصوص الصحيح فلا يجزم بكثرته ، بل يمكن ان يدّعى ان كلمة الصلاة لا يجزم باستعمالها حتى مرة واحدة في خصوص الصلاة الصحيحة ، فانا وان جزمنا في كثير من الاستعمالات بارادة خصوص الصلاة الصحيحة ولكن لا يلزم استعمال كلمة الصلاة في ذلك بل من المحتمل ارادة خصوص الصحيح منها من دون ان تستعمل فيه كما هو الحال في كلمة « ماء رمان » فان المقصود من هذه الكلمة هو السائل المعروف بدون ان تستعمل كلمة ماء ولا كلمة رمان في ذلك بل كلمة ماء مستعملة في طبيعي الماء وكلمة رمان مستعملة في طبيعي الرمان ، وبعد اجتماعهما يفهم ان مقصود المتكلّم هو السائل المعروف. وكلمة الصلاة لعلها من هذا القبيل ، فحينما يقال مثلا : تجب الصلاة مع الركوع والسجود فالمراد واقعا وان كان هو الصلاة الصحيحة ولكن لا يلزم ان تكون كلمة الصلاة مستعملة في ذلك ، فلعلها مستعملة في طبيعي الصلاة الاعم ،

ص: 267

وكلمة الركوع والسجود مستعملة في طبيعي الركوع والسجود ايضا ، وبعد اجتماعهما يفهم ان المقصود واقعا هو خصوص الصلاة الصحيحة.

واما على الاحتمال الثالث - اي وضع كلمة الصلاة للمعنى الشرعي بالوضع التعييني - فقد يقال : لا يمكن الجزم باحد الاحتمالين ، فكما يحتمل وضع النبي صلی اللّه علیه و آله الصلاة للاعم يحتمل وضعها لخصوص الصحيحة. هذا ولكن المناسب هو الوضع للاعم لوجهين :

أ - ان اصل احتمال الوضع التعييني ضعيف للغاية ، اذ لو كان صلی اللّه علیه و آله قد قال : وضعت كلمة الصلاة للمعنى الشرعي الصحيح او الاعم لنقل التأريخ ذلك كما مرّ سابقا.

ب - لو سلمنا وضعه صلی اللّه علیه و آله كلمة الصلاة للمعنى الشرعي تعيينا فيمكن الجزم بعدم وضعها للمعنى الشرعي الصحيح ، اذ الصلاة الصحيحة هي الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط ، ومن الواضح ان كلمة الصلاة قد استعملها النبي صلی اللّه علیه و آله منذ اليوم الاول من بعثته المباركة ، ومجموع الاجزاء والشرائط بيّن بعد ذلك خلال خمس وعشرين سنة ، ومعه فكيف تكون كلمة الصلاة قد وضعها صلی اللّه علیه و آله منذ بداية بعثته لمجموع الاجزاء والشرائط ، ان هذا احتمال بعيد جدا.

هذا مضافا الى ان الوضع لجميع الاجزاء والشرائط وضع لمعنى مجهول وغير محدد وهو بعيد ايضا ، اذ المقصود من الوضع تفهيم المعنى للناس ، فلو كان المعنى الموضوع له مجهولا يلزم نقض الغرض من الوضع.

ان قلت : لماذا لا نقول ان كلمة الصلاة قد وضعها النبي صلی اللّه علیه و آله في بداية بعثته للصحيح لكن لا بمعنى واقع الصحيح الذي هو عبارة عن مجموع

ص: 268

الاجزاء والشرائط حتى يقال انه مجهول بل بمعنى مفهوم الصحيح ، وواضح ان مفهوم الصحيح ليس فيه اي اجمال.

قلت : ان الوضع لمفهوم الصحيح بعيد جدا كما مر سابقا اذ لازمه الترادف بين كلمة الصلاة ومفهوم الصحيح بحيث اذا قيل : الصلاة واجبة كان المعنى : الصحيح واجب.

وباختصار : وضع الصلاة للصحيح بعيد جدا اذ الوضع لمفهوم الصحيح غير محتمل كما ان الوضع لواقعه - بمعنى جميع الاجزاء والشرائط - غير محتمل ايضا لما تقدم.

قوله ص 464 س 2 كحقائق عرفية :

اي لفظ الصلاة موضوع للمعنى العبادي لدى العرف - وهم الناس - قبل الاسلام.

قوله ص 464 س 9 بخلاف الصحيح بالخصوص :

اي ان كلمة الصلاة وان استعملت في الصحيح حين استعمالها في الاعم باعتبار ان الصحيح فرد من الاعم الاّ ان استعمالها في الصحيح بخصوصه غير معلوم.

قوله ص 464 س 16 فان بيان تلك الاجزاء ... الخ :

هذا ليس تعليلا لقوله : « مستبعد جدا » بل لقوله : « غير معروفة للمخاطبين ومجهولة لديهم » ، اي ان الوضع للاجزاء بعيد لكونها مجهولة ، والوجه في جهالتها ان بيانها كان متأخرا وبنحو التدريج خلال خمس وعشرين سنة عن طريق استعمال كلمة الصلاة مقرونة بتلك الاجزاء والحال ان استعمال كلمة الصلاة كان ثابتا قبل تشريع تمام هذه الاجزاء وبيانها.

ص: 269

ومن خلال هذا اتضح ان المقصود من كلمة الشارع في عبارة الكتاب ليس معناها المصطلح بل بمعنى التشريع ، اي تشريع الاجزاء وبيانها.

ومع كل هذا لا تخلو العبارة من غموض وابهام على عكس عبارة التقرير حيث جاءت واضحة ، ونصها : « وعلى الثالث يشكل احراز اي من الوضعين التعيينين من قبل الشارع الاّ ان هذا المبنى كان بلا مأخذ في المسألة السابقة سيّما اذا لاحظنا ان تداول الاسامي في استعمالات الشارع كان سابقا على تبيان الاجزاء والشرائط والتي اقتضت المصلحة ان يتدرج في بيانها ، فلو كان هناك وضع تعييني من قبل الشارع فالارجح انه كان في الاعم لان الوضع للصحيح بما هو صحيح غير محتمل ولواقع الاجزاء والشرائط التي هي مبهمة لم تعرف بعد لا يناسب غرض الوضع » (1).

(2) اسماء المعاملات.

اشارة

قوله ص 464 س 21 والبحث عن وضعها ... الخ :

والحديث السابق كان ناظرا لاسماء العبادات ومن الآن يقع في اسماء المعاملات مثل كلمة البيع والاجارة وو ....

والبحث عن ذلك يقع في جهات :

الجهة الاولى :

ذهب السيد الخوئي دام ظله الى ان كلمة البيع لو قيل بانها موضوعة للبيع الصحيح فلا يمكن ان يكون المقصود من الصحيح البيع الصحيح شرعا بل لا بد

ص: 270


1- مباحث الدليل اللفظي 1 : 209.

وان يكون المقصود الصحيح عند العقلاء ، اذ لو كان المقصود الصحيح شرعا تلزم اللغوية في دليل الامضاء اي مثل قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ، ) لصيرورة المعنى هكذا : البيع الصحيح شرعا محكوم بالصحة شرعا (1) ، ومثل هذه القضية واضحة لا يحتاج بيانها الى نزول آية قرآنية في شأنها بل ذاك لغو نظير ان يقال : زيد الكاتب كاتب وزيد الشاعر شاعر وغير ذلك من القضايا التي يصطلح عليها بالضرورية بشرط المحمول ، ومن هنا اختار دام ظله ان المقصود من الصحيح الصحيح العقلائي ، ومعنى الآية حينئذ : البيع الصحيح بنظر العقلاء صحيح شرعا.

ويرده :

أ - ان غاية ما يثبته هذا البيان ان كلمة البيع في خصوص الآية الكريمة مستعملة في الصحيح العقلائي ولا يثبت انها مستعملة في جميع الموارد في ذلك.

ب - ان البيان المذكور يتم لو فرض ان كلمة البيع موضوعة لمفهوم الصحيح الشرعي اذ يصير المعنى : البيع الصحيح الشرعي صحيح شرعا ، اما لو كان المقصود من الصحيح مصداق الصحيح وواقعة ، فلا يلزم محذور اللغوية اذ يصير المعنى هكذا : التمليك بعوض معلوم مع بلوغ المتعاقدين والقدرة على التسليم صحيح شرعا ، وهذا كما هو الحال في العبادات ، فكما ان كلمة الصلاة يعقل ان تكون موضوعة للصحيح الشرعي ويكون تعلق الوجوب بها - اي بالصلاة الصحيحة شرعا - معقولا ولم يستشكل دام ظله هناك كذلك يعقل في باب المعاملات وضع كلمة البيع للصحيح الشرعي.

قوله ص 465 س 1 والذي قد يكون اوسع :

ص: 271


1- فان معنى « احلّ » : حكم الشارع بالصحة ، والبيع حسب الفرض موضوع للصحيح شرعا ، وبضم هذا لذاك تكون النتيجة ما ذكرناه.

اذ الشارع يعتبر في البيع الصحيح اجزاء وشرائط اكثر مما يعتبره العقلاء ، فمثلا العقلاء لا يعتبرون القدرة على التسليم او البلوغ مع ان الشارع يعتبرهما ، وبذلك تصير دائرة الصحيح الشرعي اضيق ، فانه بكثرة قيود الشيء تضيق دائرته.

قوله ص 465 س 6 وهي قضية ضرورية بشرط المحمول :

المحمول هو قولنا صحيح شرعا ، وهذا المحمول اخذ قيدا في الموضوع فصارت القضية ضرورية بسبب اخذ المحمول شرطا في الموضوع.

قوله ص 465 س 8 اريد به الاعم :

اي الاعم من النظر الشرعي.

قوله ص 465 س 8 ولو باعتبار وروده :

اي ان ورود هذا الاستعمال في مقام الامضاء يصير قرينة على ان المقصود من الصحيح الصحيح العقلائي والاّ يلزم ان تصير القضية ضرورية بشرط المحمول.

قوله ص 465 س 9 مدّعي الصحيحي :

الصحيح : مدّعي الصحيحي.

قوله ص 465 س 10 ومنشأ انتزاعه :

عطف تفسير لواقعه.

قوله ص 465 س 12 ان الاول :

اي الوضع لمفهوم الصحيح غير محتمل لانه يلزم تبادر مفهوم الصحيح من كلمتي الصلاة والبيع.

ص: 272

الجهة الثانية :

قوله ص 465 س 16 المعروف ان النزاع ... الخ :

من الواضح ان كل معاملة تتركب من امرين : سبب ومسبّب ، والسبب عبارة عن المجموع من الايجاب والقبول والعربية والماضوية وو ... ، وبتحقيق هذا المجموع تتحقق الملكية ، وتسمى بالمسبب.

والسؤال المطروح في هذه الجهة هو : هل كلمة البيع موضوعة للسبب او للمسبّب؟ فحينما نقول « احل اللّه البيع » هل المراد احل اللّه الايجاب والقبول اللذين هما سبب للملكية او المراد احل اللّه الملكية التي هي مسببة عن الايجاب والقبول؟ وكلا الاحتمالين وجيه.

وقد ذكر المشهور انها لو كانت موضوعة للسبب فالنزاع في وضعها للصحيح او للاعم وجيه ، اذ قد يكون السبب واجدا لجميع الشرائط فيكون صحيحا وقد يكون فاقدا لبعضها فيكون فاسدا ، اما اذا قلنا انها موضوعة للمسبب - اي للملكية - فالنزاع في الوضع للصحيح او للاعم غير وجيه ، اذ الملكية يدور امرها بين الوجود والعدم فهي اما موجودة او معدومة ولا يمكن ان توجد بشكل فاسد لعدم المعنى للملكية الفاسدة (1).

هذا ما ذكره المشهور ، ولكن السيد الخوئي دام ظله ذكر ان النزاع في الوضع للصحيح او للاعم يجري ولو كان لفظ البيع موضوعا للمسبب. ولتوضيح ذلك ذكر ان في المسبب في باب البيع ثلاثة احتمالات :

ص: 273


1- والنكتة في ذلك ان الملكية امر بسيط فإما ان تتحقق او لا تتحقق ، وهذا بخلاف السبب فانه مركب من عدة اشياء فلعلها تجتمع فيكون صحيحا ولعلها لا تجتمع فيكون فاسداً.

أ - ان يكون المسبب عبارة عن الملكية التي يحكم بها الشارع ويعتبرها ، ولنسمها بالملكية الشرعية.

ب - ان يكون المسبب عبارة عن الملكية التي يحكم بها العقلاء ويعتبرونها ، ولنسمها بالملكية العقلائية.

ج - ان يكون المسبب عبارة عن اعتبار البائع والمشتري للملكية والتزامهما بها في نفسهما.

والمسبب في الاحتمالين الاولين لا يتصف بالصحة والفساد بل بالوجود والعدم فان الملكية الشرعية والعقلائية اما ان توجد او لا توجد ، ووجودها بشكل فاسد لا معنى له ، واما المسبب في الاحتمال الثالث فهو قابل للاتصاف بالصحة والفساد ، اذ المتعاملان اذا اعتبرا الملكية والتزما بها فمع فرض ان الشارع والعقلاء يرتبون الاثر على ذلك الاعتبار - بمعنى انهم يحكمون بالملكية ايضا - فالمسبب صحيح وان لم يرتبوا الاثر على ذلك فالمسبب فاسد (1).

وبعد هذا اضاف دام ظله : ان كلمة البيع لو قلنا بوضعها للمسبب فهي ليست موضوعة للمسبب الشرعي او العقلائي اذ الملكية الشرعية او العقلائية فعل الشارع او العقلاء وليست فعلا للمتعاقدين والحال ان عملية البيع ننسبها الى المتعاقدين حيث نقول : باع زيد او اشترى ولا نقول باع الشارع واشترى او باع العقلاء واشتروا ، ومن هنا يتعين ان تكون كلمة البيع موضوعة للمسبب باحتماله الثالث الذي هو فعل للمتعاملين ، ومعه يكون النزاع في الوضع للصحيح او الاعم

ص: 274


1- ولا يتوهمنّ متوهم ان هذا البيان يأتي في الملكية الشرعية ايضا فلماذا اذن لا تتصف بالصحة والفساد؟ والجواب : ان الشارع حينما يحكم بالملكية فمن الذي يكون اعلى منه حتى يحكم بترتب الاثر وعدمه وبالتالي حتى يتصور الصحة والفساد.

وجيها ، اذ المسبب بالاحتمال الثالث يمكن اتصافه بالصحة والفساد كما تقدم. هذا حصيلة ما افاده دام ظله.

ويرده : ان المسبب ليس فيه ثلاثة احتمالات بل فيه احتمالان فقط وهما الاول والثاني - اذ المسبب بالمعنى الثالث ليس مسببا بحسب الحقيقة بل هو جزء من السبب فانه سيأتي ص 467 من الحلقة ان السبب يتركب من ثلاثة عناصر والثاني منها هو التزام المتعاملين بالملكية - والمفروض انهما لا يتصفان بالصحة والفساد بل بالوجود والعدم فقط فلا يتم ما ذكره دام ظله.

يبقى ان نوضح ان المسبب في الاحتمالين الاولين هو فعل للشارع او العقلاء فكيف يكون الايجاب والقبول سببا له؟ والجواب : ان فعل الشارع هو الجعل الكلي اي الحكم الكلي بتحقق الملكية الكلية على تقدير تحقق السبب التام - كما هو الحال في وجوب الحج ، فان الجعل هو الحكم بالوجوب على تقدير حصول الاستطاعة - والايجاب والقبول ليسا سببا لايجاد هذا الجعل الكلي بل هما سبب لايجاد صغرى هذا الجعل الكلي اي لايجاد الملكية الشرعية الخاصة بين هذا العوض الخاص والعوض الخاص الآخر او بين هذا البايع الخاص وذاك المشتري الخاص ، فالمتعاملان يريدان بالايجاب والقبول ايجاد الملكية الشرعية الجزئية وهو امر معقول نظير الاستطاعة الفعلية التي هي سبب للوجوب الشرعي الفعلي الخاص ، وبما ان الملكية الشرعية يدور امرها بين الوجود والعدم فلا يتصور اذن النزاع في الصحيح والاعم بناء على وضع كلمة البيع للمسبب كما ذكر المشهور.

قوله ص 466 س 1 المعنى الثاني :

اي المسبب بالاحتمال الثالث ، فان المسبب بالاحتمال الاول والثاني قد جعلا في العبارة السابقة احتمالا واحدا.

ص: 275

قوله ص 466 س 2 على كلا التقديرين :

اي سواء قلنا بوضع كلمة البيع للسبب او للمسبب.

الجهة الثالثة :

قوله ص 466 س 10 ثمرة هذا البحث نفس ما تقدم ... الخ :

تعرضنا فيما سبق لثمرة البحث في الصحيح والاعم في باب العبادات ، والآن نتعرض لبيانها في باب المعاملات.

وتشبه الثمرة هنا الثمرة المتقدمة في باب العبادات.

وتوضيحها : لو شككنا في اشتراط العربية او الماضوية او غير ذلك في البيع فهل يمكن التمسك باطلاق « احل اللّه البيع » لنفي الشرطية باعتبار ان الآية الكريمة قالت احل اللّه البيع ولم تقل احل اللّه البيع بشرط العربية او الماضوية او لا يصح ذلك؟ ان الثمرة تظهر في هذا المجال.

ولنتكلم مرة بناء على ان كلمة البيع اسم للسبب اي للايجاب والقبول واخرى بناء على انها اسم للمسبب اي الملكية.

اما اذا قلنا بانها اسم للسبب - ويصير معنى الآية : احل اللّه الايجاب والقبول - فتظهر الثمرة بين الصحيح والاعم فانه بناء على وضع كلمة البيع للبيع الصحيح شرعا لا يصح التمسك بالاطلاق ، اذ الايجاب والقبول من دون العربية او الماضوية لا يمكن الاشارة لهما والقول انهما سبب صحيح شرعا فيصدق عليهما البيع وبالتالي يشملهما اطلاق الآية الكريمة ، كلا انه غير تام ، اذ كلمة البيع ما دامت موضوعة للسبب الصحيح فمن دون العربية او الماضوية لا يجزم بصدق كلمة البيع وبالتالي فلا يصح التمسك باطلاق الآية الكريمة ، فان التمسك بالاطلاق

ص: 276

فرع احراز صدق اللفظ المطلق على المشكوك.

واما اذا قلنا بان كلمة البيع موضوعة للسبب ولكن لا للسبب الصحيح شرعا بل للسبب الصحيح عند العقلاء او قلنا هي موضوعة للسبب الاعم من الصحيح والفاسد فيصح التمسك بالاطلاق لان الايجاب والقبول الفاقدين للعربية او الماضوية غاية ما فيهما انهما سبب فاسد والمفروض صدق كلمة البيع على الفاسد ايضا.

اجل هنا شيء وهو ان القيد المشكوك اذا فرض احتمال لزوم تواجده في البيع في نظر العقلاء فلا يصح التمسك بالاطلاق حتى بناء على الاعم او الوضع للصحيح العقلائي ، فمثلا لو شككنا هل يعتبر في صحة البيع شرعا وجود الثمن او لا فلا يصح التمسك بالاطلاق ، اذ المعاملة الفاقدة للثمن لا يجزم بصدق البيع عليها عند العقلاء ، وشرط التمسك بالاطلاق احراز صدق اللفظ المطلق على المشكوك كما تقدم.

هذا كله بناء على ان كلمة البيع اسم للسبب.

واما بناء على انها اسم للمسبب - اي للملكية - فلا يصح التمسك بالاطلاق لنفي العربية او الماضوية بلا فرق بين ان يبنى على ان كلمة البيع اسم للصحيح الشرعي او للصحيح العقلائي.

والوجه في ذلك على ما ذكره الميرزا النائيني قدس سره ان معنى الآية بناء على كون كلمة البيع اسما للمسبب هكذا : احل اللّه الملكية ، ومن الواضح ان تحليل الملكية لا يستلزم تحليل جميع اسبابها فلعل بعض اسبابها ممضى وبعضها الآخر غير ممضى ، وهذا نظير ما لو قيل السفر الى مكة المكرمة والتواجد فيها مباح بل مستحب فانه لا يستفاد منه ان جميع اسباب الوصول الى مكة بما فيها ركوب

ص: 277

الطائرة المغصوبة حلال ، اذ يكفي في اباحة التواجد في مكة اباحة بعض اسبابه ولا يلزم اباحة جميعها ، وهكذا لو قيل اشباع الانسان بطنه مباح فانه لا يستفاد منه اباحة جميع اسباب اشباع البطن بما في ذلك تناول المسروق.

قوله ص 466 س 12 الاّ انه ... الخ :

هذا بناء على وضع كلمة البيع للسبب كما سيأتي بعد ثلاثة أسطر التصريح بذلك.

قوله ص 466 س 13 مطلقا :

اي حتى اذا كان القيد المشكوك مما نجزم بعدم اعتباره في الصحة العقلائية.

قوله ص 466 س 13 وعلى القول بالوضع للصحيح العقلائي :

وهكذا بناء على الوضع للاعم من الصحيح والفاسد ، فان احتمال الوضع للاعم احتمال وجيه بل هو الرأي المختار كما سيأتي ص 468 س 6.

قوله ص 466 س 15 مع احراز عدم دخله فيها عقلائيا :

واما مع احتمال دخل القيد بنظرهم - كما مثلنا بالبيع بلا ثمن - فلا يجزم حينئذ بصدق كلمة البيع حتى يتمسك بالاطلاق.

قوله ص 466 س 18 على كل حال :

اي لا يصح التمسك بالاطلاق ولا تظهر الثمرة سواء قلنا ان كلمة البيع اسم للمسبب الصحيح الشرعي او للمسبب الصحيح العقلائي.

قوله ص 466 س 23 وحلّيته :

اي حلّية المسبب ، والمناسب : وحلّيتها ، اي حلّية المعاملة.

قوله ص 467 س 1 المحققة له وشرائطها :

اي المحققة للمسبب وشرائط الاسباب.

ص: 278

الجهة الرابعة :

قوله ص 467 س 2 لا اشكال في ان المعاملة ... الخ :

ذكرنا فيما سبق ان المعاملة تتركب من سبب ومسبب كما وذكرنا تفسير السيد الخوئي دام ظله للمسبب وانه اعتبار المتعاملين الملكية الخاصة في نفسهما واشرنا الى بطلانه وان الصحيح تفسيره بالملكية الشرعية او العقلائية ولكن لا الملكية الكلية المسماة بالجعل الكلي بل الملكية الشرعية او العقلائية الخاصة.

وبعد معرفة المراد من المسبب يبقى علينا في هذه الجهة تبيان المراد من السبب.

ان السبب عبارة من مجموع ثلاثة عناصر هي :

1 - الايجاب والقبول ، سواء كانا باللفظ كما في المعاملة اللفظية ام بالفعل والتعاطي كما في المعاطاة.

2 - التزام البائع والمشتري بالملكية في نفسهما عن جد وقصد حقيقي لا عن هزل ، ويعبّر عن ذلك بالمدلول التصديقي للانشاء.

3 - ان يقصد المتعاملان باعتبار الملكية في نفسهما الوصول الى الملكية الشرعية ، فالبايع مثلا يعتبر الملكية في نفسه ليحكم الشارع بالملكية ، وهذا ما يسمى بقصد التسبب اي يقصد البايع او المشتري من التزامه بالملكية الوصول الى حكم الشارع او العقلاء بالملكية.

هذه هي العناصر الثلاثة التي يتركب منها السبب ، ومتى ما اجتمعت كان السبب صحيحا واذا فقد واحد منها كان فاسدا ، وعليه فبناء على وضع كلمة البيع للسبب يصح النزاع في وضعها للسبب الصحيح او الاعم لانا قلنا ان السبب

ص: 279

يتصور ان يكون صحيحا مرة وفاسدا اخرى ، واما بناء على وضعها للمسبب فقد تقدم ان النزاع في الصحيح والاعم لا يتصور.

وبهذا نكون قد عرفنا في هذه الجهة الرابعة لحد الآن شيئين : تركب السبب من عناصر ثلاثة وان كلمة البيع لو كانت موضوعة للسبب فالنزاع في وضعها للصحيح او الاعم وجيه بخلاف ما لو كانت موضوعة للمسبب.

ثم ان عبارة الكتاب تعرضت في ثنايا هذا البحث الى مطلب جابني حاصله : انه بعد تركب السبب من ثلاثة عناصر فمن اللازم عند تحققها تحقق المسبب وهو الملكية الشرعية او العقلائية لو فرض ان الشارع او العقلاء يحكمان بالملكية عند تحقق السبب.

وبكلمة اخرى عند اعتبار المتعاملين الملكية في قلبهما يلزم حكم الشارع او العقلاء بالملكية ، فما في قلب المتعاملين - وهو الملكية التي اعتبراها - يلزم ان يصير خارجيا ويتحقق في الخارج بسبب حكم الشارع او العقلاء.

ثم انه اتضح ان الملكية على قسمين : ملكية يعتبرها المتعاملان في قلبهما وملكية يحكم بها الشارع او العقلاء ، والملكية الاولى طريق لتحقيق الملكية الثانية ، فالمتعاملان يعتبران الملكية في قلبهما لكي يحكم الشارع او العقلاء بالملكية.

ثم انا وان قسمنا الملكية الى القسمين المذكورين لكنا نعترف ان هذا التقسيم ليس عرفيا ، فالعرف لا يرى ان الملكية على قسمين بل يرى انه بعد الايجاب والقبول تتحقق ملكية واحدة وهي الملكية القلبية التي يعتبرها العقلاء ، ولكن هذه الملكية الواحدة يمكن ان تنحل بالتحليل العقلي الى ملكيّتين بالشكل الذي ذكرنا.

ص: 280

المختار في المسألة

قوله ص 467 س 19 والظاهر انه لا ينبغي الشك ... الخ :

وهل الصواب ان لفظ البيع مثلا موضوع للبيع الصحيح شرعا او للبيع الصحيح عند العقلاء او للاعم من الصحيح والفاسد؟ والاحتمالات ثلاثة :

أ - الوضع لخصوص ما هو صحيح في نظر الشارع.

ب - الوضع لخصوص ما هو صحيح في نظر العقلاء.

ج - الوضع للاعم من الصحيح والفاسد.

وحيث ان الاحتمالين الاولين باطلان فالمتعين هو الاحتمال الثالث.

اما ان الاحتمال الاول باطل فبأعتبار ان كلمة البيع ونظائرها كانت ثابتة عند العرب قبل الاسلام وكانت موضوعة في الجاهلية لمعانيها المتداولة اليوم ، ومعه فكيف تكون موضوعة للمعاملة الصحيحة في نظر الاسلام بعد ما كانت المعاملة الصحيحة في نظر الاسلام جاءت بعد الاسلام ولم تكن قبله.

واما ان الاحتمال الثاني باطل فباعتبار ان كلمة البيع اذا كانت موضوعة للصحيح العقلائي فهي اما موضوعة لمفهوم الصحيح العقلائي - الذي هو عبارة اخرى عن كلمة الصحيح العقلائي - وهو باطل والا يلزم الترادف بين كلمة البيع وكلمة الصحيح العقلائي كالترادف بين اسد وغضنفر ، واما موضوعة لا لمفهوم الصحيح العقلائي بل لواقعه الذي هو عبارة عن مجموع الاجزاء والشرائط المعتبرة في المعاملة الصحيحة عند العقلاء وهو باطل ايضا ، اذ واقع البيع الصحيح عند العقلاء قد يكون عشرة اجزاء في زمان من الازمنة وقد يكون تسعة اجزاء

ص: 281

في زمان آخر وفي نظر عقلاء آخرين ، كما ان الامكنة قد تؤثر ، فلرب الاجزاء في نظر العقلاء في مكان تكون بمقدار معين بينما بنظر عقلاء آخرين في مكان آخر تكون بمقدار آخر ، ومعه يلزم تغير معنى كلمة البيع باختلاف الازمنة والامكنة وهو باطل جزما فان معناها واحد في جميع الازمنة والامكنة.

وعلى هذا فالصواب ان كلمة البيع ونظائرها موضوعة لصورة المعاملة - وصورة المعاملة تتقوم بامرين : الانشاء بالقول او الفعل ، والملكية التي هي المنشأ - الشاملة للصحيحة والفاسدة.

قوله ص 467 س 6 المسبب القانوني :

وهو الملكية الشرعية او العقلائية ، وكلمة القانوني مشوّشة ، والاولى حذفها ، وانما اطلق على الملكية الشرعية والعقلائية كلمة القانون باعتبار ان الشارع يحكم بالملكية عند تحقق السبب بنحو القانون الكلي العام من دون ان يحكم بالملكيات الخاصة التي هي ليست قانونا عاما ، وهكذا الحال في الملكية العقلائية.

قوله ص 467 س 9 وهو تحقق :

اي تحقق المسبب القانوني معناه تحقق الملكية القلبية وصيرورتها ملكية خارجية بسبب حكم الشارع او العقلاء.

قوله ص 467 س 10 اما من قبل ... الخ :

هذا متصل بقوله « وهو تحقق » ، اي تحقق الملكية القلبية في الخارج اما بسبب حكم الشارع والعقلاء بالملكية او بسبب حكم العقلاء فقط.

قوله ص 467 س 12 الشخصي :

صفة للتمليك لا للعوض. والمراد من الشخصي التمليك القلبي الخاص الذي

ص: 282

يعتبره المتعاملان في قلبهما.

قوله ص 467 س 12 والتمليك اليه :

اي التمليك للطرف الآخر ، وكلمة « القانوني » صفة للتمليك لا للعوض اي التمليك الشرعي الذي يتسبب له المتعاقدان ويريدان الوصول اليه بواسطة الملكية التي اعتبراها في قلبهما.

قوله ص 467 س 14 ويكون تحليله الى انشاء معاملي ونتيجة قانونية :

المقصود من الانشاء المعاملي الملكية القلبية التي ينشأها المتعاملان ، ومن النتيجة القانونية الملكية الشرعية او العقلائية ، وقوله « تحليلا » مفعول مطلق لقوله « تحليله ».

قوله ص 467 س 15 وعلى كل حال :

اي سواء كان التمليك متعددا حقيقة ام كان متعددا بحسب التحليل العقلي فقط.

قوله ص 467 س 16 وهو المنشأ المعاملي :

اي الملكية القلبية التي يعتبرها المتعاقدان ، وقوله « حقيقة » يرتبط بقوله « صحة اطلاق » اي ان الاطلاق المذكور حقيقي ، وقوله « وعلى هذا الاساس » اي ما دامت المعاملة اسما للملكية التي يعتبرها المتعاقدان صح النزاع في وضعها للصحيح والاعم اذ قد تطابق ما يعتبره الشارع في الملكية الشرعية فتكون صحيحة وقد لا تطابقه فتكون فاسدة.

قوله ص 467 س 21 وبعدها :

الصواب : وبعده.

قوله ص 467 س 21 جدية :

ص: 283

الصواب : جديدة.

قوله ص 468 س 2 ووقع :

الصواب : وواقع ، وقوله « ومنشأ انتزاعها » عطف تفسير على « واقع الصحة » ، وقوله « ثبوتا » اي واقعا ، وقوله « اثباتا » اي بحسب ما تقتضيه الادلة.

قوله ص 468 س 4 وتأرجحها :

عطف تفسير على « تغيّر معانيها ».

قوله ص 468 س 4 او ابهامها :

الابهام هو التغير والتأرجح. ويحتمل ان يراد به الاشارة الى شيء آخر اذ قد يقال ان كلمة البيع موضوعة لواقع الصحيح من دون تحديده بعشرة اجزاء او تسعة او اقل او اكثر حتى يلزم محذور التغير بل هي موضوعة للاجزاء من دون تحديد لها بحد معين ، قد يقال هكذا ، وجوابه : ان لازم هذا ان يكون المعنى الموضوع له مبهما وغير معين وهو باطل ايضا.

قوله ص 468 س 6 وقوامها :

عطف تفسير لصورة المعاملة.

قوله ص 468 س 7 وهو اصل الانشاء والمعنى المنشأ به :

اصل الانشاء هو الايجاب والقبول ، والمعنى المنشأ بالانشاء هو الملكية.

ص: 284

المشتق

اشارة

ص: 285

ص: 286

المشتق :

قوله ص 469 س 1 ويقصد به في هذا البحث الاصولي ... الخ :

لتوضيح المقصود من هذا المبحث نذكر المثال التالي : ورد في جملة الآداب الاسلامية كراهة قضاء الحاجة - التغوط - تحت الاشجار المثمرة ، فاذا فرض ان شجرة قد انقضى عنها الاثمار ولم تكن متلبسة به بالفعل بعد ما كانت متلبسة به قبل فترة فهل يكره قضاء الحاجة تحتها ايضا او يختص الحكم بالكراهة بالشجرة المثمرة بالفعل؟ ان بحث المشتق تظهر ثمرته في هذا المثال ونظائره ، فان كلمة « المثمرة » مشتق ، فاذا قيل بوضعه لخصوص المتلبس بالفعل فلا كراهة ، اما اذا قيل بوضعه للاعم من المتلبس والمنقضي عنه التلبس فالكراهة مستمرة.

ان هذه الثمرة وامثالها هي السبب في تولد فكرة بحث المشتق في اذهان الاصوليين.

وفي البداية لا بد من التعرف على المقصود من المشتق الاصولي فهل هو يساوى المشتق النحوي او لا؟ الصحيح انه غيره ، فان المشتق النحوي عبارة عن الكلمة القابلة للتصرف مثل كلمة « ضرب » حيث نقول : ضرب - يضرب - اضرب - مضروب - ضارب ، بخلاف مثل كلمة « ليس » فانها جامدة حيث لا تقبل التصرف والتغيّر المذكور.

اما المشتق الاصولي فهو يعني كل كلمة توفر فيها عنصران :

1 - ان تكون قابلة للحمل على الذات ، مثل كلمة ضارب حيث يصح

ص: 287

حملها على الذات فتقول زيد ضارب ، اي زيد هو الضارب والضارب هو زيد ، ويعبر عن هذا الحمل بحمل هو هو.

2 - ان تبقى الذات عند انتفاء المبدأ ولا تزول بانتفائه ، فالمبدأ في كلمة ضارب هو الضرب (1) ، ومن الواضح عند انتفاء الضرب يبقى زيد ولا يزول ، وهذا بخلافه في كلمة الناطق فانه بانتفاء الناطقية التي هي امر ذاتي - اي جزء من الذات - لا تبقى الذات بل تزول وتتبدل الى ذات اخرى ، اذن يلزم في المبدأ ان لا يكون ذاتيا اي لا يكون جنسا ولا فصلا ولا نوعا والا لزم بانتفائه انتفاء الذات.

وبالعنصر الاول تخرج بعض المشتقات النحوية عن المشتق الاصولي ، فيضرب واضرب وضرب وكل فعل او مصدر ليس من المشتق الاصولي - وان كان مشتقا نحويا - اذ لا يصح حملها على الذات فلا تقول بنحو حمل هو هو زيد ضرب او اضرب او يضرب او ضرب ، اذ ليس زيد هو نفس ضرب ولا ضرب نفس زيد ، اجل ضرب مسند لزيد وزيد مسند اليه ولكن ذلك شيء وحمل هو هو شيء آخر.

كما انه بالعنصر الاول يدخل في المشتق الاصولي بعض الجوامد النحوية مثل كلمة « زوج » فانها جامد في علم النحو حيث لا تقبل التصرف ولكنها مشتق في الاصول حيث تحمل بحمل هو هو على الذات فتقول : زيد زوج اي هو زوج والزوج هو زيد.

وعليه فبالعنصر الاول تخرج بعض المشتقات النحوية من المشتق الاصولي وتدخل بعض الجوامد النحوية فيه.

واما العنصر الثاني فتخرج به بعض المشتقات النحوية مثل كلمة « ناطق »

ص: 288


1- المبدأ لكل مشتق عبارة عن المصدر.

فانها مشتق نحوي وليس مشتقا اصوليا ، اذ بزوال الناطقية - اي الفصل وهو النفس الناطقة - تزول الذات وتتبدل الى ذات اخرى.

النسبة بين المشتق النحوي والاصولي.

ومن خلال هذا كله نعرف ان النسبة بين المشتق النحوي والاصولي هي العموم والخصوص من وجه ، فليس كل مشتق اصولي مشتقا نحويا كما انه ليس كل مشتق نحوي مشتقا اصوليا بل بعض المشتق الاصولي مشتق نحوي وبعض المشتق النحوي مشتق اصولي.

الابحاث في المشتق.

وبعد التعرّف على المقصود من المشتق الاصولي نسأل : ما هي ابحاث الاصوليّين في مسألة المشتق؟ والجواب : ان لهم بحثين :

1 - وهو البحث المشهور بينهم ، وحاصله ان المشتق هل هو موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ او للاعم منه ومن المنقضي عنه التلبس ، ففي مثال قضاء الحاجة تحت الشجرة المثمرة هل كلمة « مثمرة » موضوعة لخصوص الشجرة المتلبسة بالاثمار بالفعل او للاعم. وهذا البحث بحث لغوي لانه بحث في المعنى اللغوي للمشتق.

2 - بحث جانبي في تحليل معنى المشتق ، فكلمة ضارب مثلا هل تنحل الى ثلاثة اشياء : مبدأ - وهو الضرب - وذات ونسبة بينهما - وبناء عليه يكون معنى المشتق مركبا - او لا تنحل الى ذلك بل الذات ليست جزء من المعنى فيكون بسيطا.

ص: 289

وقد قدّم في الكتاب البحث الثاني على الاول.

الاحتمالات في البساطة والتركب.

وقبل ان ندخل في البحث التحليلي لا بد من الاشارة الى المقصود من البساطة والتركب ، وفي ذلك احتمالان :

1 - البساطة والتركب في مقام التصور ، فكلمة « ضارب » عند سماعنا لها هل نتصور منها مفهومين - كما هو الحال في قولنا زيد قائم حيث نتصور مفهومين مفهوم زيد ومفهوم قائم - او مفهوما واحدا؟ والقائل بالتركب يقول نتصور مفهومين بينما القائل بالبساطة يقول نتصور مفهوما واحدا.

2 - البساطة والتركب في مقام التحليل ، اي ان كلمة « ضارب » نتصور عند سماعنا لها مفهوما واحدا ولكن هذا المفهوم الواحد يدعي القائل بالتركب انه ينحل الى ذات ومبدأ ونسبة ، بينما القائل بالبساطة يدعي عدم انحلاله الى ذلك.

وصاحب الكفاية قدس سره اختار ان المقصود هو الاحتمال الاول ، ولكن الاعلام المتأخرين عنه قالوا ان الاحتمال الاول باطل جزما ، اذ من الواضح انا لا نتصور عند سماعنا لكلمة « ضارب » الاّ مفهوما واحدا لا مفهومين ، وهذا من القضايا الواضحة ولا يحتمل ان القائل بالتركب يدعي تصور مفهومين فانه مخالف للوجدان ، بل لا بد وان يكون المقصود هو البساطة والتركب في مقام التحليل ، بمعنى ان الذي نتصوره من كلمة « ضارب » مثلا مفهوم واحد جزما ولكن هذا المفهوم الواحد يدعي القائل بالتركب انحلاله الى اجزاء ثلاثة بينما القائل بالبساطة يدعي عدم انحلاله الى ذلك.

وبعد ان عرفنا ان المراد من البساطة والتركب هو البساطة والتركب

ص: 290

التحليليان لا التصوريان قد يسأل سائل عن المنشأ لطرح احتمال بساطة المشتق والحال ان المتبادر لذهن كل انسان عرفي التركب فنفهم من كلمة « ضارب » مثلا ذاتا لها الضرب ، ان المنشأ لذلك شبهات ترد على القول بالتركب من اجلها وجد اتجاه البساطة ، وقبل التعرض لتلك الشبهات نلفت النظر الى الاقوال في مسألة البساطة والتركب.

الاقوال في البساطة والتركب.

وهي اربعة واحد منها يقول بالتركب والثلاثة الاخرى تقول بالبساطة على اختلاف في كيفية تصوير البساطة :

1 - ما ذكره الشيخ الاصفهاني (1) قدس سره من دخول الذات في معنى المشتق فهو عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ ، ومعناه مركب من ثلاثة اشياء : ذات ومبدأ ونسبة بينهما ، وهذا القول قول بالتركب ، بخلاف الثلاثة الآتية فهي تشترك في القول بالبساطة.

2 - ما اختاره الميرزا قدس سره وفاقا للمحقق الدواني (2) من ان المشتق مركب من مادة وهيئة ، فكلمة « ضارب » مثلا مركبة من مادة وهي الضرب وهيئة وهي هيئة فاعل ، اما المادة فهي تدل على حدث الضرب فقط من دون

ص: 291


1- واختاره السيد الخوئي دام ظله.
2- الدواني بالتخفيف نسبة الى دوان - على وزن هوان - التي هي قرية من قرى كازرون ، وهو لقب لجلال الدين ، وقيل انه من ذرية الخليفة الاول وتشيع في اواخر عمره والّف رسالة في ذلك باسم « نور الهداية » ، راجع تفصيل ترجمته في روضات الجنات في احوال العلماء والسادات 2 : 239.

دلالة على الذات ، واما الهيئة فهي لا تدل على الذات بل على ان حدث الضرب لوحظ بنحو قابل للحمل ، فان حدث الضرب تارة يلحظ بنحو لا يقبل الحمل كما هو الحال في المصدر ، فان كلمة « ضرب » مثلا لوحظ حدث الضرب فيها غير قابل للحمل - ويعبر عن اباء الحمل بكلمة « بشرط لا » اي بشرط عدم الحمل وإبائه - ولذا لا تقول زيد ضرب ، وهذا بخلاف المشتق مثل ضارب ، فان حدث الضرب فيه لوحظ بنحو يقبل الحمل ولذا تقول زيد ضارب ، ويعبر عن قبول الحمل بكلمة « لا بشرط » اي لا بشرط الاباء عن الحمل.

3 - ما اختاره الآخوند قدس سره من ان كلمة « ضارب » مثلا تدل على عنوان بسيط وجودي ، وهذا العنوان البسيط الوجودي منتزع من الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ من دون ان تؤخذ الذات جزء في ذلك العنوان - وانما نسبة ذلك العنوان الى تلك الذات نسبة العنوان الانتزاعي الى منشأ الانتزاع ، فالذات منشأ لانتزاع ذلك العنوان من دون اخذها فيه - كما وانه لم يؤخذ المبدأ جزء فيه بل دور المبدأ دور المصحح لانتزاع ذلك العنوان من دون اخذه جزء (1).

4 - ما اختاره الشيخ العراقي قدس سره من ان المشتق مركب من مادة وهيئة ، والمادة تدل على الحدث فقط كما ذكر الميرزا في القول الثاني ، واما الهيئة فهي تدل على النسبة - اي نسبة ذلك المبدأ الى الذات - من دون اخذ طرفها وهو الذات جزء في مدلولها.

قوله ص 469 س 1 يصح جريه :

ص: 292


1- اتضح من خلال ما سبق ان الآخوند قدس سره من القائلين بالتركب دون البساطة ، حيث قلنا ان الصحيح في المراد من التركب هو التركب بحسب التحليل والمفروض انه يقول بذلك.

الجري والحمل مترادفان فالعطف تفسيري.

قوله ص 469 س 2 ذاتيا له :

المناسب : ذاتيا لها ، اي بشرط ان لا يكون ذلك الاسم ذاتيا للذات.

قوله ص 469 س 2 فتخرج اسماء الاجناس والانواع :

كان من المناسب اضافة الفصول ايضا ، فان الذاتي اما جنس او نوع او فصل. مثال الجنس : الحيوان ، فان الركن الاول وان كان متوفرا فيه ولذا تقول زيد حيوان بيد ان الركن الثاني مفقود فيه. ومثال النوع : الانسان. ومثال الفصل : الناطق.

قوله ص 469 س 3 الذاتية :

قيد توضيحي.

قوله ص 469 س 4 في مصطلح آخر :

اي في المصطلح النحوي.

قوله ص 469 س 10 بمادته وهيئته :

بان يقال : ان كلمة « ضارب » مثلا تدل من حيث المادة على المبدأ ومن حيث الهيئة على الذات مع النسبة.

قوله ص 469 س 11 او بساطته :

عطف على تركّب.

قوله ص 469 س 13 ادراكا :

اي تصورا.

قوله ص 469 س 14 على نحو تركب مفاد الجملة الناقصة :

اي كما ان الجملة الناقصة - كقولنا باب الدار - تدل على معنى واحد ينحل

ص: 293

الى ثلاثة اشياء : باب ، دار ، النسبة كذلك الحال في المشتق مثل كلمة « ضارب » فانه يدل على معنى واحد ينحل الى ثلاثة اشياء : ذات ، ضرب ، النسبة.

قوله ص 469 س 15 وليس المقصود وجود مفهومين ذهنيين مستقلين :

اي كما هو الحال في الجملة التامة مثل زيد اب ، فانه يدل على مفهومين مستقلين فيحصل في الذهن عند سماعنا الجملة المذكورة مفهومان : مفهوم زيد ومفهوم اب ، وهذا بخلاف قولنا « ابو زيد » فانه جملة ناقصة لا يحصل في الذهن عند سماعها مفهومان بل مفهوم واحد ينحل الى اشياء ثلاثة.

قوله ص 470 س 4 فوجدت :

اي بعد ضم القول بالتركب اليها.

قوله ص 470 س 6 ما تقدمت الاشارة اليه :

اي ص 369 س 13 بقوله « ولكنه بالتحليل مركب من حدث وذات ونسبة بينهما ».

قوله ص 470 س 6 على نحو النسبة الناقصة التحليلية :

اي لا على نحو النسبة التامة فانه في النسبة التامة مثل « زيد اب » يحصل في الذهن مفهومان مستقلان : مفهوم زيد ومفهوم اب ، بخلافه في النسبة الناقصة مثل « ابو زيد » فانه يحصل مفهوم واحد ينحل الى ثلاثة اشياء : اب وزيد ونسبة.

الادلة على بساطة المشتق.

اشارة

قوله ص 470 س 19 ومهم الشبهات التي دعت هؤلاء ... الخ :

استدل القائلون ببساطة المشتق بعدة ادلة نذكر منها ثلاثة هي :

ص: 294

الدليل الاول :
اشارة

ما تمسك به المحقق الشريف (1) في حاشيته على كتاب شرح المطالع (2) ، وحاصله : ان المشتق لو كان مركبا فهل هو مركب من مفهوم الشيء - مفهوم الشيء عبارة عن كلمة « شيء » - والمبدأ أو هو مركب من مصداق الشيء والمبدأ؟ وكلاهما باطل.

اما الاول فباعتبار ان من جملة المشتقات كلمة ناطق ، فلو كان مفهوم الشيء مأخوذا في المشتق يلزم كون الناطق مركبا من مفهوم الشيء والنطق ، وهو مستحيل ، اذ مفهوم الشيء عرض عام - فانه صادق على جميع الموجودات في العالم فما من موجود الاّ وهو شيء - فلو كان مأخوذا في مفهوم الناطق الذي هو امر ذاتي يلزم تقوّم الامر الذاتي بالعرض والحال ان الذاتي امر داخل في الذات بينما العرض خارج عنها فيلزم ان يكون الخارج عن الذات داخلا فيها (3) ، هذا لو

ص: 295


1- هو مير علي بن محمد الجرجاني المشتهر بالمحقق الشريف او السيد الشريف ، وهو معروف بالتحقيق والتدقيق ، وله مؤلفات معروفة وحواش مشهورة منها كتاب « صرف مير » المتداول دراسته بين المبتدئين غير العرب ورسالتان في المنطق تعرفان بالصغرى والكبرى وحاشية على كتاب شرح المطالع ، قيل انه تشيع اواخر عمره واظهر الحيرة من امره ، وكان يقول بالفارسية « معلوم شد آن كه هيچ معلوم نشد » توجد ترجمة له في روضات الجنات 5 : 300 ، والكنى والالقاب 2 : 329.
2- « مطالع الانوار » كتاب كبير في المنطق مؤلفه القاضي سراج الدين محمود بن ابي بكر الارموي ، وقد شرحه شرحا مزجيا قطب الدين الرازي الاّ انه مفصل وعليه هوامش متعددة بعضها للسيد الشريف.
3- قد يقال : ان ما ذكره الشريف في هذا الشق باطل من اساسه لان كلمة « ناطق » وغيرها من الفصول خارجة عن المشتق الاصولي كما تقدم ، والجواب : ان هذا البحث لا يخص المشتق الاصولي بل يعم النحوي ايضاً.

كان مفهوم الشيء مأخوذا في معنى المشتق.

واما الثاني - وهو اخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق ، والمصداق في قولنا « الانسان كاتب » هو الانسان وفي قولنا « زيد كاتب » هو زيد - فباعتبار لزوم انقلاب القضية الممكنة الى ضرورية بحيث لا تبقى قضية ممكنة في العالم ، فقولنا « الانسان كاتب » قضية ممكنة ، فلو كانت كلمة « كاتب » مركبة من مصداق الشيء والكتابة يلزم ان يكون تقدير القضية المذكورة هكذا : الانسان انسان له الكتابة ، ومن الواضح ان هذه القضية ضرورية ، اذ ثبوت الانسان للانسان ضروري باعتبار ضرورة ثبوت كل شيء لنفسه.

هذا ما افاده المحقق الشريف لاثبات بساطة معنى المشتق ، وملخصه : ان المشتق لو كان مركبا من مفهوم الشيء والمبدأ يلزم دخول العرض العام في الفصل ، ولو كان مركبا من مصداق الشيء والمبدأ يلزم انقلاب كل قضية ممكنة الى ضرورية.

مناقشة الدليل الاول.

ويرده : ان بالامكان اختيار كلا الشقين المذكورين في الدليل بدون ان يرد المحذور المذكور فيهما.

فبالامكان اختيار الشق الاول - وهو تركب المشتق من مفهوم الشيء والمبدأ - بدون لزوم محذور دخول العرض العام في الفصل ، فانه انما يلزم ذلك لو فرض ان الناطق مثلا اخذه المناطقة من لغة العرب بما له من معنى وبدون اي تصرف وجعلوه فصلا للانسان ، انه بناء على هذا يلزم دخول العرض العام في

ص: 296

الفصل ، اما اذا فرضنا ان كلمة « الناطق » حينما وضعت في لغة العرب وضعت للشيء الذي له النطق ولكن بعد ذلك حينما اخذها المناطقة وجعلوها فصلا جردوها من مفهوم الشيء اولا ثم جعلوها فصلا ، انه بناء على هذا لا يلزم دخول العرض العام في الفصل ، وما دام هذا الاحتمال وجيها فلا يمكن ان يستكشف من جعل الناطق فصلا للانسان ان كلمة « الناطق » حينما وضعها العرب وضعوها مجردة من مفهوم الشيء.

بل يمكننا ان نقول ان المناطقة قد اعملوا التغيير جزما في كلمة « الناطق » حينما جعلوها فصلا وليس ذلك مجرد احتمال.

وتوضيح ذلك : ان كلمة الناطق مأخوذة من النطق الذي هو اما بمعنى التكلم او بمعنى الادراك والتعقل ، والمناطقة حينما اخذوا كلمة الناطق وجعلوها فصلا لا بد انهم غيّروا النطق الى معنى آخر غير التكلم والادراك ، اذ التكلم والادراك من مقولة الكيف - فان التكلم كيف مسموع والادراك كيف نفساني - والكيف من اقسام العرض اذ العرض تسع مقولات احداها الكيف (1) ، فلو كان المقصود من النطق هو التكلم او الادراك يلزم ان يكون الفصل من الاعراض وهو باطل ، فان الفصل امر ذاتي وليس عرضا. هذا مضافا الى انه لو كان المقصود من النطق هو التكلم يلزم ان يكون الاخرس ليس بانسان ، ولو كان المقصود منه الادراك يلزم ان يكون المجنون ليس بانسان.

ومن هذا كله نستنتج ان المناطقة حينما جعلوا الناطق فصلا غيّروا معنى النطق من التكلم او الادراك الى معنى آخر يكون امرا ذاتيا ويتناسب وكونه

ص: 297


1- تقدمت الاشارة باختصار للمقولات العشر عند البحث عن موضوع علم الاصول في اوائل الحلقة.

فصلا للانسان ، وذلك المعنى الآخر هو النفس الناطقة ، فالمناطقة غيّروا من معنى النطق وجعلوه بمعنى النفس الناطقة ، واذا صح للمناطقة هذا التغيير لمعنى النطق فيحتمل قويا انهم اعملوا تغييرا آخر وذلك بان حذفوا مفهوم الشيء من كلمة الناطق ، فهم كما غيروا المادة الى النفس الناطقة يحتمل انهم غيروا هيئة الناطق الموضوعة للنسبة ومفهوم الشيء الى النسبة فقط بحذف مفهوم الشيء. هذا كله في اختيار الشق الاول.

وبالامكان اختيار الشق الثاني - وهو تركب المشتق من مصداق الشيء والمبدأ - دون ان يرد المحذور المذكور عليه وهو انقلاب الممكنة الى ضرورية.

والوجه في ذلك : ان في المقصود من الشق الثاني احتمالين :

1 - ان يكون المقصود انقلاب الممكنة الى ضرورية ، فقضية « الانسان كاتب » التي هي ممكنة يصير معناها الانسان انسان له الكتابة وهي ضرورية ، اذ ثبوت الانسان الثاني للانسان الاول ضروري باعتبار ضرورة ثبوت الشيء لنفسه.

2 - ان يكون المقصود صيرورة القضية الواحدة قضيتين ، فان قولنا « الانسان كاتب » قضية واحدة فلو كانت كلمة « كاتب » بمعنى انسان له الكتابة يلزم صيرورة تلك القضية الواحدة قضيتين هما : الانسان انسان وهي ضرورية والانسان له الكتابة وهي ممكنة ، فكما ان قضية « زيد عالم شاعر » تنحل الى قضيتين : زيد عالم وزيد شاعر كذلك قولنا « الانسان كاتب » - بعد رجوعه الى قضية الانسان انسان له الكتابة - يلزم انحلاله الى قضيتين هما الانسان انسان ، الانسان له الكتابة ، مع انا نشعر بالوجدان ان قضية « الانسان كاتب » قضية واحدة وليست ثنتين.

ص: 298

لا تقل : ان الانحلال الى قضيتين وان كان مقبولا في مثل « زيد عالم شاعر » لان « عالم شاعر » خبران حملا على زيد فكأنه قيل زيد عالم ، زيد شاعر ، وهذا بخلافه في قضية الانسان انسان له الكتابة فان جملة « له الكتابة » وصف وليست خبرا حتى يحصل بتوسطها قضية ثانية.

فانه يقال : انّ جملة « له الكتابة » وان كانت وصفا الاّ ان كل وصف قبل ان يحصل العلم به هو في حكم الخبر ، ومن هنا قيل : الاوصاف قبل العلم بها اخبار (1) ، واذا كان خبرا فيلزم حصول قضية ثانية بواسطته.

والخلاصة : ان في المقصود من الشق الثاني احتمالين كما تقدم.

فان كان المقصود هو الاحتمال الاول - وهو انقلاب الممكنة الى ضرورية - فجوابه : انه لا يلزم ذلك ، لان قولنا « الانسان انسان له الكتابة » ليس قضية ضرورية ، اذ ثبوت الانسان الثاني للانسان الاول انما يكون ضروريا فيما اذا لم يقيد الانسان الثاني بقيد ممكن كالكتابة والاّ فلا يكون ثبوته للانسان الاول ضروريا كما هو واضح.

وان كان المقصود هو الاحتمال الثاني - وهو صيرورة القضية الواحدة ثنتين - فجوابه : ان اقصى ما يلزم هو انحلال قضية « الانسان انسان له الكتابة » الى قضيتين احداهما مستفادة بالدلالة المطابقية والثانية بالالتزامية ، فان قضية « الانسان انسان له الكتابة » تدل بالمطابقة على ثبوت الانسان المقيد بالكتابة للانسان الاول ولازم ذلك ثبوت الانسان المطلق للانسان الاول ، فان الوصف

ص: 299


1- فجملة « زيد العالم » و « زيد عالم » ذات مضمون واحد ، بيد ان السامع اذا كان مطلعا على اتصاف زيد بالعالمية قيل له مثلا زيد العالم جاء ، واذا لم يكن مطلعا قيل له زيد عالم ، فكل خبر بعد العلم به يكون وصفا كما ان كل وصف قبل العلم به يكون خبرا.

المقيد اذا ثبت لشيء فلازمه ثبوت الوصف المطلق لذلك الشيء ايضا ، فحينما نقول زيد انسان عالم نستفيد بالدلالة المطابقية ثبوت الانسان العالم لزيد وبالالتزامية ثبوت الانسان المطلق لزيد ايضا ، فان الوصف المقيد مركب من المطلق والقيد ، فاذا ثبت الوصف المقيد لشيء ثبت المطلق الذي في ضمنه لذلك الشيء ايضا.

وباختصار : انحلال قضية « الانسان كاتب » الى قضيتين مسلّم الاّ انه انحلال الى قضيتين احداهما مطابقية والاخرى التزامية ، وهو امر مقبول فان المرفوض هو انحلال القضية الواحدة الى قضيتين عرضيتين دونما اذا كانتا طوليتين بالشكل الذي ذكرناه.

قوله ص 470 س 7 من الكيف المسموع ... الخ :

هذا راجع للتكلم وقوله « او النفساني » راجع الى الادراك.

قوله ص 470 س 21 او الذات :

عطف تفسير على « الشيء » ، والمناسب الواو بدل « او ».

قوله ص 471 س 8 مادة هذه الامثلة :

المقصود من المادة النطق مثلا ، فان كلمة الناطق مركبة من مادة وهي النطق وهيئة وهي هيئة فاعل.

قوله ص 471 س 8 بحملها على ما يوازي ... الخ :

الجهة الموازية لعرض النطق - بمعنى التكلم او الادراك - هو النفس الناطقة ، فانها امر ذاتي لكونها فصلا ، فلا بد من حمل النطق الظاهر في التكلم او الادراك اللذين هما من الاعراض على النفس الناطقة التي هي امر ذاتي.

قوله ص 471 س 10 بان لا يراد جعل تمام مدلولها فصلا :

اي لا يراد جعل تمام مدلول الهيئة - الذي هو النسبة ومفهوم الشيء - فصلا

ص: 300

بل خصوص النسبة.

قوله ص 471 س 11 جهة نفس القضية :

الجهة هي اللفظ الموضح لكيفية نسبة القضية كلفظ الامكان في قضية « الانسان كاتب بالامكان ».

قوله ص 471 س 16 وبقانون ان الاوصاف :

المناسب ذكر هذه العبارة بعد قوله « الى قضيتين » ، اى هكذا : وان اريد رجوعها الى قضيتين - بقانون ان الاوصاف والقيود قبل العلم بها اخبار - احداهما الانسان انسان وهي ضرورية والاخرى الانسان له الكتابة وهي امكانية ، ويؤيد ما ذكرنا عبارة التقرير 1 : 333.

قوله ص 471 س 18 ولا ضير ... الخ :

اي لا يقال ان لكل قضية واحدة جهة واحدة وفي المقام يلزم وجود جهتين احداهما امكانية والاخرى ضرورية فانه يقال لا محذور في وجود جهتين للقضية ما دامت احداهما جهة مطابقية والاخرى جهة التزامية.

عدم اخذ مصداق الشيء في معنى المشتق.

قوله ص 471 س 20 نعم الصحيح عدم اخذ واقع الشيء ... الخ :

وفيما سبق وان قلنا ان بالامكان اختيار الشق الثاني اي اخذ مصداق الشيء في معنى المشتق غير انه ليس المقصود ان الشق المذكور صحيح ، كلا انه ليس بصحيح ولكن لا لما ذكره المحقق الشريف - فانه باطل على ما اوضحنا - بل لوجه آخر حاصله : انه ما المقصود من مصداق الشيء؟ ان فيه احتمالين :

1 - ان يكون المقصود منه ما يقع موضوعا للمشتق كالانسان في قولنا

ص: 301

« الانسان كاتب » او زيد في قولنا « زيد كاتب » او القطة في قولنا « القطة نائمة » وهكذا ، وهذا الاحتمال باطل ، اذ احيانا لا يكون للمشتق موضوع بل يكون هو الموضوع كما في قولنا « اكرم الكاتب » فان الكاتب هو الموضوع لوجوب الاكرام لا ان وجوب الاكرام هو الموضوع للكاتب.

2 - ان يكون المقصود منه كل ذات تصلح للاتصاف بالمبدأ ، ففي المثال السابق - اي اكرم الكاتب - مصداق الشيء هو الذات الصالحة للاتصاف بالكتابة وهي الانسان فانه الصالح للاتصاف بذلك ، فيكون هو مصداق الشيء المأخوذ في المشتق وان لم يقع - الانسان - موضوعا للكاتب.

وهذا الاحتمال باطل ايضا ، اذ احيانا نستعمل كلمة « الكاتب » في مجالات لا يوجد فيها ذات صالحة للاتصاف بالكتابة كقولنا « الفرس كاتب » فان هذا الاستعمال وان كان كاذبا ولكنه صحيح جزما مع انه لا توجد ذات صالحة للاتصاف بالكتابة ، اذ الذات الصالحة لذلك هي الانسان وهو مما لا يمكن اخذه في الكاتب والا صار المعنى : الفرس انسان له الكتابة.

الدليل الثاني على البساطة.

وهو ما ذكره الدواني ، وحاصله : ان المشتق لو كان موضوعا للذات المتلبسة بالمبدأ - كما يذهب اليه القائل بالتركب - فلازم ذلك عدم صحة اطلاق المشتق في الموارد التي ليس فيها ذات متلبسة بالمبدأ ، والحال انا نجد الامر على العكس تماما فالمشتق يصح اطلاقه على الاشياء التي ليس فيها ذات متلبسة بالمبدأ كما نقول البياض ابيض او اللّه عالم مع ان البياض ليس ذاتا متلبسة بالبياض بل هو نفس البياض وليس فيه تركب من ذات وبياض ، وهكذا بالنسبة

ص: 302

الى اللّه سبحانه ، فانه ليس ذاتا متلبسة بالعلم بل هو نفس العلم ، اذ ذاته عزّ وجل عين صفاته.

ويرده : انه ليس مقصودنا من تلبس الذات بالمبدأ خصوص تلبسها به تلبسا خارجيا حتى يلزم وجود شيئين خارجا : ذات ومبدأ ، بل المقصود التلبس الاعم من الخارجي والذاتي ، وبناء على هذا لا يتم ما ذكره الدواني ، لكون البياض فيه تلبس ذاتي فانه في ذاته شيء له البياض اذ كونه شيئا مما لا يمكن انكاره ، وكونه في ذاته بياضا مما لا يمكن انكاره ايضا فان البياض في ذاته بياض والا يلزم سلب الشيء عنه نفسه ، وهكذا بالنسبة الى اللّه سبحانه فانه في ذاته متصف بالعالمية وان لم يكن هناك تعدد خارجي وتلبس خارجي.

الدليل الثالث.

ما ذكره الميرزا من ان المشتق لو كان دالا على ذات ونسبة ومبدأ فلازمه ان يكون مبينا ، فان الاسم متى ما شابه معنى الحرف - ومعنى الحرف هو النسبة - صار مبنيا ، فالمشتق اذا كان يدل على النسبة التي هي معنى الحرف فلازم ذلك بناؤه مع انه لم يقل احد بان كون الاسم مشتقا احد موجبات بنائه.

ويرده :

1 - ان الاسم يكون مبنيا فيما لو كان مادته تدل على النسبة ، فالضرب في كلمة ضارب مثلا اذا كان دالا على النسبة لزم بناء كلمة « ضارب » ، اما اذا لم تدل مادته على النسبة بل كانت هيئته دالة على ذلك - كما هو الحال في المقام فان هيئة ضارب هي الدالة على النسبة دون المادة - فلا يلزم بناؤه.

2 - ان الاسم يكون مبنيا فيما لو كان تمام معناه هو النسبة ، اما اذا دلّ على

ص: 303

معنى كامل - لا يتوقف تصوره على تصور غيره - يتضمن في ثناياه النسبة فلا يلزم بناؤه ومقامنا من هذا القبيل ، فان كلمة « ضارب » مثلا تدل على معنى تام - وهو الذات المتلبسة بالمبدأ - ولا يتوقف تصوره على تصور غيره ، غايته ان هذا المعنى التام يتضمن النسبة.

الصحيح هو التركب.

ومن خلال كل ما تقدم تجلى ان الصحيح هو تركب المشتق من مفهوم الشيء والمبدأ حيث ان الادلة على البساطة كلها باطلة مضافا الى :

1 - ان القول بالبساطة بجميع انحائه الثلاثة المتقدمة مخالف للوجدان ، فانه قاض بان المتبادر من كلمة « ضارب » مثلا هو الذات المتلبسة بالضرب دون الضرب فقط كما يدعيه القائل بالبساطة.

2 - ان لازم القول بالبساطة صحة قولنا « الضرب هو الضارب » لان المشتق عين المبدأ على القول بالبساطة مع انه باطل جزما.

3 - يصح قولنا « زيد ضارب » ولا يصح « زيد ضرب » ، وهذا دليل واضح على ان معنى « ضارب » غير معنى كلمة « ضرب » والاّ فلماذا صح حمل كلمة « ضارب » دون كلمة « ضرب » ، وبالتالي هذا يكشف عن ان معنى « ضارب » مركب من ذات متلبسة بالمبدأ ولذا صح حمله على الذات بخلاف الضرب فانه نفس المبدأ ولذا لم يصح حمله على الذات.

قوله ص 472 س 2 مما يعني عدم اخذه فيه :

اي وذلك مما يدلل على عدم اخذ مصداق الشيء في المشتق. والتعبير بكلمة « يعني » ركيك ، والمناسب : مما يكشف عن عدم اخذه فيه.

ص: 304

قوله ص 472 س 17 واما اذا دل على معنى نسبي ضمن اطرافه :

المراد من المعنى النسبي هو النسبة ، اي واما اذا دل على النسبة ضمن دلالته على طرفها - كما هو الحال في المقام فان المشتق يدل على طرف النسبة وهو الذات والمبدأ ، وضمن دلالته على الذات والمبدأ يدل على النسبة بينهما - فلا يكون مبنيا.

قوله ص 472 س 17 محتاج :

الظاهر ان الصواب : محتاجا.

قوله ص 472 س 18 بحيث كان المجموع :

اي مجموع اطرافه.

قوله ص 472 س 21 بالنسبة التحليلية :

اي هو يدل على النسبة بالتحليل لا ابتداء ومباشرة.

قوله ص 473 س 2 بالمعنى المتقدم شرحه :

وهو التركب في مقام التحليل لا في مقام التصور والادراك.

وقوله ص 473 س 4 محاذير ثبوتية :

مثل ما ذكرنا في رقم (2).

قوله ص 473 س 4 او اثباتية :

اشارة الى ما ذكرنا في رقم (1).

قوله ص 473 س 5 والتغاير بينهما مفهوما :

اي بين مفهوم المشتق ومفهوم المبدأ.

قوله ص 473 س 6 اذ المفهوم الواحد :

اي لو كان مفهوم المشتق ومفهوم المبدأ واحدا لصح حمل كل منهما على الذات ، اذ المعنى الواحد لا يعقل ان يكون محمولا على الذات وغير محمول عليها

ص: 305

في آن واحد.

قوله ص 473 س 6 ولا يعقل التغاير بينهما :

اي بين المشتق والمبدأ.

قوله ص 473 س 7 مفهوم الذات المبهمة :

اي الاّ على اساس اخذ مفهوم الشيء - الذات - الذي هو مفهوم مبهم في المشتق.

قوله ص 473 س 7 بنحو المقيد :

اي بان يكون المشتق موضوعا للذات المقيدة بالمبدأ.

قوله ص 473 س 7 لا القيد :

اي المشتق ليس موضوعا للمبدأ المقيد بالذات بحيث تكون الذات قيدا للمبدأ ، انه باطل اذ لازمه عدم صحة الحمل في قولنا « زيد ضارب » لان زيدا ليس هو الضرب المقيد بالذات ، بل هو ذات مقيدة بالضرب.

قوله ص 473 س 8 من دون ذلك :

اي من دون اخذ الذات مقيدة لا قيدا.

البحث الجانبي في المشتق.

قوله ص 473 س 9 واما البحث الثاني اللغوي :

ذكرنا فيما سبق ان الاصوليين لهم بحثان في المشتق :

احدهما : البحث في بساطته وتركبه ، وهذا البحث - الذي فرغنا منه الآن - اجنبي عن علم الاصول وانما تسرب اليه نتيجة لاحتكاك علم الاصول بغيره من العلوم.

ص: 306

ثانيهما : وهو البحث عن معنى المشتق لغة وانه هل وضع لغة لخصوص المتلبس او للاعم ، وهذا البحث هو الذي يرتبط بعلم الاصول وله الاثر في مقام الاستنباط ، فبقاء الحكم بكراهة قضاء الحاجة تحت الشجرة مثلا - فيما اذا انقطع اثمارها - وعدمه يرتبط بهذا البحث ، فانه لو قلنا بوضع المشتق لخصوص المتلبس فلا يبقى الحكم بالكراهة ، وان قلنا بوضعه للاعم استمر.

والبحث الاول كان بحثا تحليليا اي بحث في انه هل ينحل معنى المشتق الى مبدأ وذات ونسبة او لا يدل الاّ على المبدأ ، وقد اتضح انه مركب ، واما هذا البحث فهو لغوي يتكلم فيه عن وضع المشتق لغة لخصوص المتلبس او الاعم.

وقبل الاشارة الى الاتجاه الصحيح نذكر مطلبين :

1 - قد يتصور ان هذا البحث يرتبط باخذ الزمان الماضي والحال في معنى المشتق ، فكلمة « ضارب » مثلا ان كانت موضوعة للمتلبس بالضرب الآن - اي في زمان الحال - فالصحيح اختيار الوضع لخصوص المتلبس ، ولو كانت موضوعة للمتلبس ولو في الزمان الماضي فالصحيح اختيار الوضع للاعم ، اذن وضع المشتق لخصوص المتلبس موقوف على اخذ زمان الحال فيه بينما وضعه للاعم موقوف على اخذ الزمان الاعم من الحال والماضي فيه.

والصحيح عدم ارتباط هذا البحث باخذ الزمان في مدلول المشتق ، فانا نجزم بعدم اخذه في المشتق ، وحال الاسماء المشتقة من هذه الناحية حال الاسماء الجامدة فكما ان الجامدة مثل زيد ودفتر وقلم لم يؤخذ الزمان في مدلولها كذلك الحال في الاسماء المشتقة ، فهذا البحث لا يرتبط باخذ الزمان في مدلول المشتق وانما يرتبط بنقطة اخرى هي ان المشتق هل هو موضوع لحالة التلبس فقط - وعلى هذا الاحتمال يكون المصداق الحقيقي للمشتق خصوص المتلبس - او هو موضوع

ص: 307

للاعم ، وعلى هذا الاحتمال يكون معنى المشتق سنخ معنى صادق على كل ذات متلبسة بالمبدأ ولو فيما سبق ، وعلى كلا هذين التقديرين لا يكون زمان الحال او الماضي مأخوذا في معنى المشتق.

اجل ان الزمان وان لم يؤخذ في مدلول المشتق الاّ ان الحمل لا بد من وقوعه في الزمان فحينما يقال زيد ضارب يكون الضرب محمولا على زيد الآن اي في زمان الحال بيد انه ظرف للحمل وليس جزء من معنى المشتق ، كما هو الحال في نوم زيد واكله بل ونفس وجوده فانها واقعة في زمان من دون ان يكون جزء منها فليس الزمان جزء من النوم او الاكل او من وجود زيد وانما هو ظرف لها.

2 - ان اللفظ متى ما كان لمعناه افراد متعددة فلا بد وان يكون موضوعا للجامع بين تلك الافراد ، فكلمة « انسان » لما كان لمعناها افراد متعددة كزيد وعمرو وبكر كانت موضوعة للجامع بينها وهو الحيوان الناطق ، اما اذا كان لمعنى اللفظ فرد واحد فلا يلزم وجود الجامع ، فكلمة « زيد » لما كان لمعناها فرد واحد لم يلزم وجود الجامع.

وباتضاح هذا يتجلى ان الاسم المشتق بما ان لمعناه افرادا متعددة فلا بد وان يكون موضوعا للجامع بينها فلمعنى « ضارب » افراد متعددة كهذا الضارب وذاك فيلزم ان يكون موضوعا للجامع بينها وهكذا الحال في كل كلمة مشتقة من دون فرق بين وضع المشتق لخصوص المتلبس او الاعم فانه على كلا التقديرين لا بد من وجود الجامع ، غاية الامر بناء على الوضع لخصوص المتلبس لا بد من وجود الجامع بين الافراد المتلبسة فقط ، وعلى الاعم لا بد من وجوده بين الافراد المتلبسة والمنقضي عنها التلبس ، ومن هنا يكون البحث عن تصوير الجامع ضروريا.

ص: 308

والكلام في تصوير الجامع يقع تارة بناء على الوضع لخصوص المتلبس واخرى بناء على الاعم.

ومن الطبيعي اذا لم نتمكن من تصوير الجامع بناء على الوضع للاعم مثلا كان هذا بنفسه دليلا على بطلان الوضع للاعم وبالتالي دليلا على الوضع لخصوص المتلبس.

تصوير الجامع بناء على الوضع لخصوص المتلبس.

ثم ان الجامع بناء على الوضع لخصوص المتلبس واضح ، فكلمة « ضارب » مثلا موضوعة لكل متلبس بالضرب وكلمة « نائم » موضوعة لكل متلبس بالنوم ، وهذا من دون فرق بين القول ببساطة معنى المشتق والقول بتركبه ، غاية الامر بناء على البساطة تكون كلمة « ضارب » مثلا موضوعة للمتلبس بالضرب مع خروج الذات عن المعنى الموضوع له بينما على التركب تكون جزء من المعنى.

ولرب قائل يقول : انه بناء على تركب معنى المشتق يكون تصوير الجامع مواجها لبعض الصعوبات ، اذ بناء على التركب تكون النسبة جزء من معنى المشتق ، وبما ان النسبة جزئية دائما لتقومها بالطرفين فيلزم ان يكون معنى المشتق جزئيا وبالتالي لا يكون موضوعا للجامع ، اذ لازم الوضع للجامع كون المعنى كليا.

والجواب : ليس المقصود من جزئية النسبة الجزئية بالمعنى المنطقي اي عدم الصدق على كثيرين فانه باطل ، فقولنا « سرت من الكوفة » يصدق على السير من اي نقطة من نقاط الكوفة ولا يختص بالسير من نقطة معينة ، بل المقصود من جزئية النسبة تقومها بطرفين ، فالنسبة في قولنا « سرت من الكوفة » جزئية بمعنى

ص: 309

تقومها بالسير والكوفة ، والنسبة في قولنا « سرت من البصرة » جزئية ايضا بمعنى تقومها بالسير والبصرة وتلك تغاير هذه باعتبار اختصاص كل واحدة بطرفيها ، وهكذا كل نسبة هي جزئية بهذا المعنى.

هذا كله في الجامع بناء على الوضع لخصوص المتلبس ، واما بناء على الاعم فسيأتي الحديث عنه.

قوله ص 474 س 1 معنى نسبيا حرفيا :

لو كان يعبّر بدل هذه الكلمات الثلاث بكلمة « النسبة » لكان اوضح واخصر.

قوله ص 474 س 3 من ان نسبية المعنى ... الخ :

المناسب : من ان جزئية المعنى الحرفي لا تعني ... الخ ، وكان من المناسب ايضا اضافة هذه الجملة : بل تعني جزئيته بلحاظ تقومه بالطرفين.

قوله ص 474 س 4 ما لم تتغير اطرافها :

اي اطراف النسبة ، اي ليس المقصود من جزئية النسبة ان الطرفين ما دام لم يتغيرا فلا تصدق الاّ على مصداق واحد فاذا تغيرا صدقت على مصداق ثاني ولكنه واحد ايضا ، وهكذا بتغير الاطراف تصدق على مصاديق جديدة ولكنها واحدة ، كلا ان هذا باطل فان قولنا « سرت من الكوفة » يصدق على مصاديق كثيرة كما تقدم واذا تغيرت الاطراف وقيل سرت من البصرة صدقت النسبة على مصاديق اخرى كثيرة ايضا.

تصوير الجامع على الاعم.

اشارة

تحدثنا فيما سبق عن تصوير الجامع بناء على الوضع لخصوص المتلبس ،

ص: 310

واما بناء على وضعه للاعم فتارة يقع الكلام في تصويره بناء على بساطة معنى المشتق واخرى بناء على تركبه.

اما بناء على البساطة - كما هو رأي الميرزا القائل بان المشتق موضوع للمبدأ ملحوظا بنحو لا يأبى عن الحمل - فالوضع للاعم غير ممكن ، اذ على البساطة يكون « ضارب » مثلا بمعنى الضرب ، ومن الواضح ان الضرب لا يمكن صدقه في صورة انقضائه - الضرب - بل يختص بحالة التلبس حتى ولو لوحظ - الضرب - غير آب عن الحمل فان لحاظه كذلك لا يجعله قابلا للصدق حالة الانقضاء.

واما بناء على التركب فقد يتخيل ان تصوير الجامع في غاية السهولة بان يقال ان كلمة ضارب مثلا موضوعة للذات الاعم من المتلبسة بالضرب والمنقضي عنها ذلك ، ولكنه باطل اذ الوضع للذات الاعم اما ان يراد به الوضع لكلتا الحالتين معا - اي لحالة التلبس والانقضاء - او الوضع لاحداهما.

فان كانت موضوعة لكلتيهما فيلزم ان نفهم من مثل جملة « جاء الضارب » : جاء من هو متلبس بالضرب وغير متلبس به فنفهم المتناقضين وهو باطل جزما.

وان كان موضوعة لاحداهما فنسأل : هل هي موضوعة لاحدى الحالتين المعينة - ولازمه عدم الوضع للاعم وهو خلف الفرض - او هي موضوعة لاحدى الحالتين غير المعينة ولازمه ان نفهم من جملة « جاء الضارب » : جاء من هو اما متلبس بالضرب بالفعل او قد انقضى عنه وهو باطل ايضا.

ومن هنا كان تصوير الجامع بناء على الاعم وتركب المشتق محلا لحيرة الاصوليّين ، وقد اشير في الكتاب الى ثلاثة تصويرات :

ص: 311

الأوّل :

ان « ضارب » مثلا موضوع للذات التي حصل منها الضرب في الزمن الماضي مع قطع النظر عن انتهائه عنها بالفعل وعدمه ، اذ لو قيد بالانتهاء يلزم الاختصاص بالمنقضي ، ولو قيد بعدم الانتهاء يلزم الاختصاص بالمتلبس ، فلاجل ان يعم المشتق المنقضي والمتلبس يقطع النظر عن الانتهاء وعدمه بعد اخذ مفاد الفعل الماضي - وهو الوقوع والحصول فيما مضى - في معناه.

ويرده :

أ - ان لازم هذا التصوير عدم صحة اطلاق الضارب على من صدر منه الضرب في اول وهلة من ضربه ، اذ في اول وهلة لا يكون الشخص ممن صدر منه الضرب وحصل في الزمن الماضي وانما يكون كذلك فيما لو مضت لحظة او لحظتان على صدور ضربه مع انا نجد بالوجدان ان عنوان الضارب يصدق في الوهلة الاولى.

ونضيف : ان لازم ذلك ان لا يصدق على الشخص - فيما اذا كان يضرب غيره لمدة ساعة - في اخريات الساعة عنوان « ضارب » باعتبار الضرب الصادر منه في اخريات الساعة وانما يصدق عليه باعتبار الضرب الصادر منه اول الساعة ، وهو خلاف الوجدان ايضا ، فانا نطلق الضارب على الممارس للضرب باعتبار حالة الممارسة الفعلية لا باعتبار الضرب الصادر منه قبل لحظات.

ب - ان الفعل الماضي له خصوصيتان : الدلالة على الزمن الماضي ، الدلالة على الصدور والحركة - فضرب زيد بمعنى صدر منه الضرب وتحرك - فلو فرض ان قولنا « ضارب » موضوع لمن ضرب في الزمن الماضي يلزم دلالة المشتق على

ص: 312

كلتا الخصوصيتين : الزمن الماضي والصدور ، وهو باطل بالوجدان ، فان قولنا « جاء الضارب » يفهم منه : جاء المتصف بالضرب ولا يفهم منه الزمن الماضي ولا الصدور والحصول ، اي لا يفهم منه جاء الذي صدر وحصل منه الضرب بل يفهم منه جاء المتصف او المنتسب اليه الضرب ، ومن الواضح ان الاتصاف والانتساب الى الضرب لا يصدق الاّ مع التلبس الفعلي بالضرب ، فالمهم هو التلبس الفعلي دون الصدور والحصول فيما مضى.

الثاني :

ما ذكره السيد الخوئي دام ظله من ان كلمة « ضارب » مثلا موضوعة للذات التي تبدل عدم الضرب فيها الى الضرب ، اي انتقض عدم المبدأ - اي عدم الضرب - فيها الى الوجود ، ومن الواضح ان الذات بهذا الشكل تصدق على المتلبس والمنقضي فكلاهما قد تبدل عدم الضرب فيهما الى وجود الضرب.

ويرده :

أ - انا نفهم من « جاء الضارب » : جاء الثابت له الضرب ، لا جاء من تبدل عدم ضربه الى الضرب ، اي انا نفهم معنى الضارب من خلال وجود المبدأ للذات لا من خلال تبدل عدم المبدأ الى الوجود.

ب - ان الضارب لو كان موضوعا للذات التي انتقض عدم الضرب فيها الى الضرب فنسأل :

1 - هل المأخوذ في كلمة الضارب مفهوم المنتقض الذي هو إسم من الاسماء فيكون معنى الضارب : الذات المنتقض فيها عدم الضرب الى الضرب.

2 - او ان المأخوذ فيها كلمة « إنتقض » التي هي فعل ماض فيصير معنى

ص: 313

« ضارب » : الذات التي إنتقض فيها عدم الضرب الى الضرب.

3 - او ان المأخوذ فيها كلمة « النقض » مع النسبة فيصير معنى الضارب : الذات المنتسب لها النقض.

اما الاحتمال الاول فيرده : ان كلمة « منتقض » هي من الاسماء المشتقة ايضا فيلزم ان تكون موضوعة للاعم ولا بد من تصوير جامع ، اذ لو لم تكن موضوعة للجامع وكانت موضوعة لخصوص المتلبس يلزم الاختصاص بالمتلبس بالانتقاض بالفعل وهو خلف الوضع للاعم ، ومن الواضح ان الجامع الذي يوضع له كلمة « المنتقض » هو عين المتنازع في كيفية تصويره.

واما الاحتمال الثاني فيرده : ان اخذ مفاد الفعل الماضي في معنى المشتق قد تقدم الاشكال عليه في التصوير السابق.

واما الاحتمال الثالث فيرده : ان لا بد وان يكون المقصود من الذات المنتسب لها النقض هو الانتساب الاعم من الانتساب الفعلي والانتساب المنقضي ، وهذا معناه الوضع للجامع الذي هو محل كلامنا.

الثالث :

ما ذكره السيد الخوئي دام ظله ايضا ، وحاصله : انه لان عجزنا عن تصوير جامع حقيقي بين المتلبس والمنقضي - ومراده من الجامع الحقيقي الجامع الذي نقلناه عنه في التصوير الثاني - فيمكننا تصوير جامع انتزاعي بين المتلبس والمنقضي بان نقول : ان كلمة « ضارب » مثلا موضوعة لاحدهما اي اما للمتلبس او للمنقضي.

ص: 314

ويرده :

1 - انا نسأل : هل المراد وضع المشتق لمفهوم « احدهما » - مفهوم احدهما عبارة عن كلمة « احدهما » - فهذا باطل بالوجدان ، اذ لا يتبادر الى ذهننا مفهوم « احدهما » حينما نسمع كلمة « ضارب » ، او ان المراد وضعه لواقع احدهما ومصداقه ، وهذا باطل ايضا ، فان واقع احدهما المعين لا يمكن ان يكون هو المقصود والا يلزم الاختصاص بالمتلبس او المنقضي ، بل لا بد وان يكون المقصود وضعه للجامع بين واقع المتلبس وواقع المنقضي ومعه يعود المحذور لان كلامنا الآن في تصوير الجامع.

2 - انا نسأل : هل المراد وضعه لاحد الزمانين - الزمان الماضي والحاضر - او وضعه لاحدى الحالتين : حالة التلبس وحالة الانقضاء ، والاول باطل لانه يلزم منه اخذ الزمان في مدلول المشتق وقد تقدم بطلانه ، والثاني باطل ايضا لانه يلزم ان يكون مفهوم الضارب مثلا مترددا ، فحينما يقال « جاء الضارب » يكون المقصود جاء الذي هو اما متلبس بالضرب او غير متلبس به ، فيكون مفهوم الضارب مرددا وبدليا كما هو الحال في مفهوم احدهما ، وهو باطل بالوجدان فان المفهوم من كلمة « ضارب » معنى غير مردد وشامل لكل من صدر منه الضرب.

والنتيجة من كل هذا عدم امكان تصوير الجامع بناء على الوضع للاعم ، هذا كله في المطلبين اللذين اردنا بيانهما قبل الاشارة الى الرأي المختار.

الرأي المختار في البحث الثاني.

قوله ص 475 س 22 وهكذا يتضح ... الخ :

والرأي المختار في البحث الثاني هو وضع المشتق لخصوص المتلبس لوجوه

ص: 315

ثلاثة :

1 - ان الوضع للاعم يستدعي وجود جامع يكون المشتق موضوعا له ، وقد اتضح عدم امكان وجود الجامع.

2 - ان المفهوم عرفا من كلمة « ضارب » مثلا الذات المتلبسة بالضرب بالفعل ولا يفهم الاعم ، وبكلمة اخرى : ان كلمة « ضارب » مركبة من مادة وهيئة ، والمادة - وهي الضرب - لا تدل الاّ على الحدث ، والهيئة تدل على التلبس والاتصاف بالضرب ، وواضح ان التلبس والاتصاف لا يصدقان حالة الانقضاء بل يختصان بحالة التلبس الفعلي.

3 - انه لا اشكال في وجود التضاد بين وصف « نائم » ووصف « مستيقظ » مثلا ، فلو فرض ان المشتق موضوع للاعم يلزم صحة صدقهما على شخص واحد في وقت واحد - وبالتالي يلزم عدم التضاد بينهما - فانه لا اشكال في كونك مستيقظا حينما تقرأ هذا الكتاب ، وبما انك كنت نائما ليلا فيلزم ان يصدق عليك الآن عنوان النائم ايضا.

التفصيل بين المشتقات.

قوله ص 476 س 9 وقد يقال بالتفصيل ... الخ :

ولرب قائل يقول : ان المناسب التفصيل بين الاسماء المشتقة بان نقول ان كلمة نجار وشاعر وطبيب ومجتهد وغير ذلك من اسماء الحرف والصناعات موضوعة للاعم ، اذ لا اشكال في ان النّجار يصدق على النّجار وان لم يمارس النجارة بالفعل بل كان نائما في بيته ، وهكذا الحال في الطبيب والشاعر والمجتهد ، ان مثل هذه موضوعة للاعم ، فمادة نجّار - وهي النجارة - وان كانت موضوعة

ص: 316

لحدث النجارة بلا توسعة لمعناها الاّ ان الهيئة موضوعة للاعم ، وهذا بخلافه في غير اسماء الحرف والصناعات مثل كلمة نائم وآكل وو ... فانها موضوعة لخصوص المتلبس.

ويرده :

1 - ان الوضع للاعم يستدعي وجود جامع يوضع له لفظ المشتق ، وقد اتضح مما سبق عدم وجوده.

2 - انا ندعي ان كلمة « نجّار » مثلا موضوعة لخصوص المتلبس بالنجارة لكن نقول : ليس المقصود من النجارة - التي هي المبدأ - النجارة الفعلية بل حرفة النجارة ، فالمبدأ اخذ بنحو الحرفة ، ومن الواضح ان حرفة النجارة صادقة على النجّار وان كان نائما ولا يكون ممن انقضى عنه التلبس الا اذا فرضنا هجره وانصرافه عن حرفة النجارة.

وبهذا يتضح انه لا توسعة في الهيئة بل هي موضوعة لخصوص المتلبس وانما التوسعة في المادة حيث لوحظت بنحو الحرفة.

قوله ص 474 س 6 وانه موضوع بازاء المبدأ :

عطف تفسير للقول ببساطة المشتق.

قوله ص 474 س 6 ملحوظا لا بشرط :

اي ملحوظا غير آب عن الحمل.

قوله ص 474 س 7 ولوحظ :

الصواب : ولو لوحظ.

قوله ص 474 س 7 بداهة :

تعليل لقوله : « لعدم صدق المبدأ على الفاقد له » ، اي ان المبدأ لا يصدق

ص: 317

على الفاقد له - المبدأ - اذ وجود المبدأ ركن حينئذ - اي حين وضع المشتق للمبدأ كما هو رأي الميرزا - في صدق المشتق.

قوله ص 474 س 11 بان يكون مفاد الفعل الماضي بنحو النسبة الناقصة :

مفاد الفعل الماضي هو الوقوع في الماضي او بتعبير آخر نسبة المضي ، والمراد من النسبة الناقصة النسبة الناقصة التحليلية ، اي انه بتحليل معنى المشتق نحصل على نسبة المضي لا انه يدل عليها المشتق استقلالا ومباشرة.

قوله ص 474 س 15 قبل زمان الجري :

زمان الجري هو زمان الحمل ، اي ان الفعل الماضي لا يصدق الاّ حينما يكون الضرب حادثا قبل حمل « الضارب » على الذات.

قوله ص 474 س 18 وصدوره من ذات :

عطف تفسير على « حركة المبدأ ».

قوله ص 475 س 8 بنحو النسبة الناقصة :

اي التحليلية الحاصلة بالتحليل لا انها مأخوذة فيه استقلالا ومباشرة.

قوله ص 475 س 15 فيها :

اي في المشتقات.

قوله ص 475 س 20 شموليا :

فالمستفاد من ضارب كل ذات متلبسة بالضرب كما يستفاد من كلمة « باب » - التي هي جامدة - كل ذات متصفة بانها باب.

قوله ص 475 س 22 وهو يكفي دليلا :

هذا شروع في اختيار القول بالوضع لخصوص المتلبس والاستدلال عليه بثلاثة وجوه.

ص: 318

قوله ص 475 س 23 والواقع ان قليلا :

هذا تمسك بالوجدان العرفي.

قوله ص 476 س 3 على اختلاف انحاء التلبس :

فقد يكون المبدأ ملحوظا بنحو الفعلية - كما في نائم - وقد يكون ملحوظا بنحو الحرفة - كما في « نجّار » - وقد يكون بنحو الملكة كما في شاعر.

قوله ص 476 س 6 المتقابلة :

فان كلمة « عالم وجاهل » من المشتقات وهي من الاوصاف المتقابلة ، فان العالم يقابل الجاهل وهو ضد له.

قوله ص 476 س 9 اسماء الحرف والصناعات :

مثال الحرفة والصناعة : نجّار ، ومثال الملكة : شاعر ، ومثال اسم الآلة : مفتاح ، فان كلمة « مفتاح » تصدق على المفتاح ولو كان موضوعا في الجيب ولم يكن متلبسا بالفتح فعلا.

قوله ص 476 س 12 فيقال : « زيد كاتب » :

كان من المناسب ان يقول : زيد نجّار ، اذ قد يتوهّم ان المقصود من الكتابة الكتابة الفعلية.

قوله ص 476 س 12 وان يرجع الى توسعة ... الخ :

اي ان صدق الكاتب او النجّار على النائم ليس باعتبار كون المادة وهي الكتابة والنجارة قد اريد بها معنى واسعا يشمل حالة النوم وانما هو باعتبار وضع الهيئة للاعم فيثبت المطلوب.

اقول : ولكن قد اتضح من خلال الرد الثاني على هذا التفصيل ان التوسعة حاصلة في المادة دون الهيئة ، حيث ان المادة اخذت بمعنى الحرفة والصناعة

ص: 319

الصادقة على النائم.

قوله ص 476 س 13 لكونها موضوعة :

اي ان المادة - كالكتابة - موضوعة لحدث الكتابة بالوضع النوعي ، والمقصود من الوضع النوعي ان الكتابة وضعت لحدث الكتابة ضمن اي مشتق من المشتقات مثل كاتب ، مكتوب ، اكتب وو ....

ثم انه لا حاجة لقوله « بوضع نوعي عام في تمام المشتقات » لعدم مدخليته في المطلب.

قوله ص 476 س 15 من هذا النوع ايضا :

اي موضوعة لخصوص المتلبس.

قوله ص 476 س 16 بالنحو الملحوظ فيها :

هذا اشارة الى ان المادة لو حظت بشكل آخر حيث لو حظت بنحو الحرفة او الملكة.

قوله ص 476 س 17 في الزمن السابق :

اي مع تركه وهجره لحرفة الكتابة الآن.

قوله ص 476 س 20 منها :

اي من المادة.

الاصل عند الشك.

قوله ص 476 س 21 ثم لو فرض الشك فيما هو المعنى الموضوع له ... الخ :

ذكرنا فيما سبق ان الصحيح وضع المشتق لخصوص المتلبس للادلة الثلاثة السابقة ، والآن عندنا بحث فرضي يقول : لو فرض انه لم يقم دليل على وضع

ص: 320

المشتق لخصوص المتلبس ولا على وضعه للاعم فالاصل ماذا يقتضي؟ فهل يقتضي الوضع لخصوص المتلبس او للاعم؟ قد يقال انه يقتضي الوضع للاعم لوجهين :

1 - انا نشك ان الواضع للمشتقات هل لاحظ خصوصية التلبس او لا؟ والاصل يقتضي عدم ملاحظته لها فيثبت بذلك الوضع للاعم.

ويرده :

أ - ان استصحاب عدم لحاظ خصوصية التلبس (1) اقصى ما يثبت عدم ملاحظة خصوصية التلبس ولا يثبت ان المشتق موضوع للاعم الاّ بالاصل المثبت ، فان لازم عدم ملاحظة خصوصية التلبس ان المشتق موضوع للاعم ، وهذا اللازم ليس لازما شرعيا - اذ لا توجد آية ولا رواية تقول اذا لم تلحظ خصوصية التلبس فالمشتق موضوع للاعم - وانما هو لازم عقلي ، وقد مر عند شرح س 9 من ص 70 ان الاصل متى لم يرد به اثبات نفس مجراه او لازمه الشرعي فهو ليس بحجة ويسمى بالاصل المثبت نظير استصحاب حياة الولد لاثبات نبات لحيته.

ب - ان اصالة عدم ملاحظة الخصوصية اقصى ما تثبت عدم ملاحظة الخصوصية ، ومن الواضح ان هذا ليس بمهم ولا بحجة ، فان الحجة في نظر العقلاء هو الظهور ، فالعقلاء يقولون ان ظهور المشتق في الاعم هو الحجة ، ومن الجلي ان استصحاب عدم ملاحظة الخصوصية لا يثبت ان المشتق ظاهر في الاعم ، اذ الظهور لا ينشأ من عدم ملاحظة الخصوصية وانما ينشأ من وضع المشتق للاعم ، ونحن عرفنا من خلال ما تقدم ان اصالة عدم ملاحظة الواضع للخصوصية لا

ص: 321


1- الاستصحاب والاصل شيء واحد ، ولذا قد يعبر بهذا تارة وبذاك اخرى.

يثبت وضع المشتق للاعم حتى يثبت له ظهور في الاعم بل اقصى ما يثبت عدم ملاحظة الخصوصية.

2 - ان يقال : ان الشجرة اذا جفّت وشككنا في صدق عنوان المثمرة عليها بعد ذلك فنستصحب صدق عنوان المثمرة عليها ونقول : ان هذه الشجرة قبل ان تجف كان يصدق عليها عنوان المثمرة ، فاذا شككنا الآن في صدقه عليها استصحب بقاؤه فيثبت بذلك بقاء الكراهة.

وقد يشكل على الاستصحاب المذكور بكونه اصلا مثبتا ، اذ باستصحاب بقاء عنوان المثمرة يراد اثبات اللازم العقلي لذلك وهو ان كلمة « المثمرة » موضوعة للاعم.

ويرده : ان الاستصحاب المذكور ليس مثبتا ، اذ نحن لا نريد باستصحاب بقاء صدق عنوان المثمرة اثبات ان كلمة « مثمرة » موضوعة للاعم حتى يقال بانه مثبت ، بل نريد اثبات بقاء كراهة قضاء الحاجة تحتها ، ومن الواضح ان بقاء الكراهة يكفي فيه بقاء صدق عنوان المثمرة من دون حاجة الى اثبات الوضع للاعم.

اذن من هذه الناحية لا اشكال ، وانما الاشكال يرد من ناحية اخرى وهي ان الاستصحاب المذكور استصحاب في الشبهة المفهومية وهو لا يجري كما يأتي انشاء اللّه تعالى في مبحث الاستصحاب.

وتوضيحه باختصار : ان الشبهة المفهومية هي الشبهة الناشئة من الشك في سعة المفهوم وضيقه كالشك في ان الصعيد يراد به مطلق وجه الارض او خصوص التراب. وكالشك في مقامنا في مفهوم كلمة « مثمرة » هل هو وسيع يشمل حالة ما بعد الجفاف او ضيق لا يشمل ذلك ، واستصحاب بقاء صدق عنوان المثمرة في

ص: 322

الحالة المذكورة استصحاب في الشبهة المفهومية وهو لا يجري (1).

ومن خلال كل هذا اتضح ان الاستصحاب بكلا شكليه السابقين لا يجري.

اجل يمكن اجراء الاستصحاب في نفس الحكم - اي الكراهة - فنقول : انه كان يكره قضاء الحاجة سابقا تحت هذه الشجرة فاذا شككنا الآن في بقاء الكراهة استصحبنا بقاءها ، ومثل هذا الاستصحاب يسمى بالاستصحاب الحكمي لانه استصحاب في نفس الحكم ، وهذا بخلافه في الشكلين السابقين فانه استصحاب موضوعي ، اذ يراد باجرائه احراز الموضوع وهو الوضع للاعم او صدق عنوان المثمرة بعد الجفاف.

والخلاصة : ان الاستصحاب الموضوعي بكلا شكليه لا يمكن جريانه بخلاف الاستصحاب الحكمي فانه يجري بلا محذور.

قوله ص 477 س 2 وهو مسبب تكويني :

اي حقيقي وخارجي.

قوله ص 477 س 3 باجراء الاستصحاب فيما هو المعنى المتصور :

اي وان الواضع حين الوضع لم يلحظ خصوصية التلبس الفعلي قيدا في

ص: 323


1- والوجه في ذلك انه يشترط في جريان الاستصحاب وجود يقين سابق وشك لاحق ، وفي الشبهات المفهومية لا يوجد يقين سابق وشك لاحق ليجري الاستصحاب اذ انت حينما تقول عندي يقين بصدق عنوان المثمرة قبل ان تجف الشجرة هل تريد ان عنوان المثمرة بمعنى المتلبسة بالاثمار فعلا كنت على يقين منه او تريد ان عنوان المثمرة بالمعنى الاعم من المتلبس والمنقضي كنت على يقين منه؟ فان كنت تريد الاول فاليقين بصدق عنوان المثمرة وان كان ثابتا الا ان الشك في البقاء غير ثابت ، اذ المثمرة بمعنى الاثمار الفعلي منتف جزما بعد الجفاف ، وان كنت تريد الثاني فاليقين بصدق عنوان المثمرة غير ثابت منذ البداية حتى يجري استصحابه.

المعنى الذي تصوره ووضع اللفظ له.

قوله ص 477 س 5 نتيجة الوضع للاعم :

اي الكراهة ، فان المقصود من ثبوت الوضع للاعم اثبات الكراهة ، وما دام المقصود اثبات نتيجة الوضع للاعم لا نفس الوضع للاعم فلا يلزم كون الاصل مثبتا.

قوله ص 477 س 6 لترتيب اثره الشرعي :

وهو بقاء الكراهة في المثال السابق.

قوله ص 477 س 8 والاثر الشرعي :

عطف تفسير على « الحكم ».

قوله 477 س 9 ابتداء :

اي من دون اجراء الاستصحاب الموضوعي ، بل يجري الاستصحاب في الكراهة مباشرة.

ص: 324

المعاني الحرفيّة

اشارة

ص: 325

ص: 326

المعاني الحرفيّة :

قوله ص 93 س 1 المعنى الحرفي مصطلح اصولي ... الخ :

ليس المقصود من المعنى الحرفي خصوص النسبة المدلول عليها بالحروف بل يراد به في المصطلح الاصولي كل نسبة سواء كانت مدلولة للحرف ام للهيئة كهيئة المشتق الدالة على نسبة المبدأ الى الذات.

ثم ان الوجدان العرفي قاض بوجود فرق بين معنى كلمة « من » ومعنى كلمة « ابتداء » فمعنى كلمة « من » لا يمكن لحاظه مستقلا بخلاف معنى كلمة « ابتداء ».

ومن هنا اتجه الاصوليّون الى بيان الفارق الاساسي بين معاني الحروف ومعاني الاسماء ، وقد وجد في هذا الصدد اتجاهان :

1 - ما ذهب اليه الآخوند قدس سره من عدم الفرق بين ذات المعنى الحرفي وذات المعنى الإسمي بل ذاتهما واحدة والاختلاف ليس الاّ من ناحية اللحاظ كما سيتّضح.

2 - ما ذهب اليه من تأخر عن الآخوند وهو ان معنى الحرف يباين من حيث ذاته معنى الاسم ، فالاختلاف بينهما ليس من حيث اللحاظ فقط بل من حيث الذات واللحاظ معا كما سيتجلى.

ص: 327

توضيح الاتجاه الأوّل.

وفي البداية نأخذ بتوضيح اتجاه الآخوند ، وحاصله ان كلمة « من » وكلمة « ابتداء » كلتيهما تدلان على معنى واحد وهو مفهوم الابتداء ، وهذا المعنى الواحد وضع له لفظان : من وابتداء. اجل كلمة « من » وضعت لمفهوم الابتداء فيما اذا لوحظ باللحاظ الآلي بخلاف كلمة « ابتداء » فانها موضوعة لمفهوم الابتداء فيما اذا لوحظ باللحاظ الاستقلالي.

بيان ذلك : ان الابتداء الثابت في الخارج وان كان متقوما دائما بطرفين ولا يمكن ان يوجد مستقلا فالابتداء من البصرة يوجد خارجا متقوما بالسير والبصرة ولا يمكن وجوده مستقلا عن السير والبصرة الاّ انه في الذهن يمكن ان يوجد بشكلين ، فيوجد مرة متقوما بطرفين - كما لو تصورنا السير من البصرة ، فانه ضمن تصورنا لهذا المجموع نتصور الابتداء المتقوم بالسير والبصرة - ويوجد اخرى مستقلا وغير متقوم بطرفين ، وذلك كما لو تصورنا مفهوم كلمة « ابتداء » بقطع النظر عن كلمة السير والبصرة ، ويسمى الابتداء المتقوم بالطرفين بالابتداء الملحوظ باللحاظ الآلي (1) بينما الابتداء الملحوظ مستقلا يسمى بالابتداء الملحوظ باللحاظ الاستقلالي.

والآخوند يدعي ان كلمة « من » موضوعة لمفهوم الابتداء الملحوظ بالشكل الاول ، اي الملحوظ متقوما بطرفين ، بينما كلمة « ابتداء » موضوعة لمفهوم الابتداء الملحوظ بالشكل الثاني اي الملحوظ مستقلا.

ثم اضاف قدس سره قائلا : ولا يتوهمن متوهم ان مقصودنا وضع كلمة « من » لمفهوم الابتداء المقيد باللحاظ الآلي او وضع كلمة « ابتداء » لمفهوم الابتداء

ص: 328


1- اللحاظ الآلي لحاظ المعنى متقوما بغيره.

المقيد باللحاظ الاستقلالي ، ان هذا باطل ، اذ لو كان اللحاظ الآلي او الاستقلالي جزء من المعنى يلزم صيرورة معنى كلمة « من » و « ابتداء » امرا ذهنيا فان اللحاظ (1) امر ذهني ، والمقيد بالامر الذهني ذهني ، وبالتالي يلزم عدم امكان الامتثال لو قيل : سر من البصرة ، لان الابتداء الذي يحصل من الشخص المأمور ابتداء خارجي وليس ذهنيا والحال انه لا اشكال في حصول الامتثال بالابتداء الخارجي ، وهذا يكشف عن عدم كون معنى كلمة « من » ذهنيا.

يبقى شيء وهو انه اذا لم يكن اللحاظ الآلي او الاستقلالي قيدا في المعنى الموضوع له فلأي شيء يكون قيدا اذن؟ اجاب الآخوند عن هذا السؤال بان اللحاظ قيد في نفس الوضع او بالاحرى في العلاقة الوضعية الحاصلة بسبب الوضع وليس قيدا في المعنى الموضوع له ، بل المعنى الموضوع له هو مفهوم الابتداء لا غير ، واللحاظ الآلي والاستقلالي قيد في الوضع ، وهذا نظير ان يكون للانسان ولد عزيز ، ولحبه الشديد وضع له اسمين فقال : اني وضعت لولدي في الليل كلمة « زيد » وفي النهار كلمة « عمرو » ، فانه في هذا المثال يكون المعنى الموضوع له في كلمة « زيد » و « عمرو » واحدا وهو ذات الولد من دون اخذ الليل والنهار قيدين في المعنى ، وانما هما قيدان في الوضع ، اي ان وضع كلمة زيد مقيد بالليل لا انها وضعت لزيد المقيد بالليل ، وهكذا بالنسبة الى وضع كلمة « عمرو ».

وفي نهاية كلامه ذكر قدس سره : يتجلى ان المتكلم لو استعمل كلمة « من » بدل كلمة « ابتداء » بان قال هكذا : سرت ابتداء البصرة ولم يقل : سرت من البصرة كان استعماله هذا استعمالا حقيقيا وفي المعنى الموضوع له ، اذ المعنى الموضوع له في كلمتي « من » و « ابتداء » واحد وهو مفهوم الابتداء وانما

ص: 329


1- يقال : لاحظ هذا الشيء اي تصوره في ذهنك واوجده فيه.

الاختلاف في كيفية اللحاظ الذي هو قيد في الوضع ، وما دام الاستعمال استعمالا في المعنى الموضوع له فيكون حقيقيا وان كان ذلك بلا وضع نظير استعمال كلمة « زيد » بدل كلمة « عمرو » في المثال السابق فانه استعمال حقيقي وفي المعنى الموضوع له - وهو ذات الولد - غايته بلا وضع.

هذا حصيلة ما ذكره الآخوند ، ويمكننا تلخيصه في النقاط التالية :

أ - ان معنى كلمة « من » و « ابتداء » واحد وهو مفهوم الابتداء ، وليس الاختلاف الاّ في اللحاظ الآلي والاستقلالي.

ب - ان اللحاظ ليس جزء من المعنى بل هو قيد في الوضع.

ج - ان استعمال كلمة « من » بدل كلمة « ابتداء » او بالعكس استعمال حقيقي وفي المعنى الموضوع له غايته بلا وضع.

الاتجاه الثاني.

والاتجاه الثاني يقول : ان المعنى الحرفي يختلف عن المعنى الاسمي من حيث الذات وليس من حيث اللحاظ فقط ، فالاختلاف باللحاظ وان كان موجودا ولكنه ليس هو الفارق الجوهري ، وانما الفارق الجوهري هو الاختلاف من حيث الذات ، فذات المعنى الحرفي تباين ذات المعنى الاسمى ، واختلافهما من حيث اللحاظ ناشىء من الاختلاف الذاتي بينهما. هذا مجمل الاتجاه الثاني ، ويأتي توضيح معالمه بعد قليل.

مناقشة الاتجاه الاول.

ويمكن ان يقال في رد الاتجاه الاول : ان بالامكان اقامة البرهان على

ص: 330

التباين بين ذاتي المعنى الحرفي والمعنى الاسمي ، وليست الذات واحدة والاختلاف في مجرد اللحاظ. وتوضيحه يتم ضمن اربع نقاط :

1 - انا حينما نسمع جملة « سار زيد من البصرة الى الكوفة » مثلا نجد ان المعنى المستفاد منها معنى مترابط يرتبط بعضه ببعض وليس فيه تفكيك كالتفكيك الذي نشعر به حينما نسمع هذه الكلمات - سير ، بصرة كوفة - بدون ضم كلمتي « من والى ».

2 - ما دمنا نشعر بالترابط بين اجزاء الجملة المذكورة فلا بد من اشتمالها على معاني وظيفتها الربط والنسبة بين السير والبصرة والكوفة.

3 - ان المعاني الرابطة بين السير والبصرة والكوفة لا بد وان يكون الربط لها ذاتيا لا عارضيا ، اي لا بد وان تكون تلك المعاني عين الربط ونفسه لا شيئا لها الربط ، اذ لو كانت اشياء اخرى غير الربط وكان الربط عارضا عليها - كما في الغرفة المنيرة فانها ليست عين النور وانما هي شيء له النور - لكان من اللازم الانتهاء في النهاية الى معان يكون الربط لها ذاتيا اي تكون عين الربط ، اذ لو لم ننته الى ذلك يلزم التسلسل كما في الغرفة المنيرة فان نورها لما كان عارضا عليها احتيج الى شيء آخر تكتسب منه النور ، وذلك الشيء ان لم يكن نوره ذاتيا احتيج الى شيء ثالث وهكذا حتى ينتهى الى شىء يكون النور له ذاتيا - اي يكون عين النور - كى لا يلزم التسلسل ، ومن هنا قيل : كل ما بالعرض لا بد من انتهائه الى ما بالذات.

والخلاصة : ان جملة « سرت من البصرة الى الكوفة » لا بد وان تحتوى على معان تكون عين الربط دفعا للتسلسل وحفاظا على قاعدة « كل ما بالعرض لا بد من انتهائه الى ما بالذات ».

ص: 331

4 - ان تلك المعاني التي يكون تمام حقيقتها الربط ليست هي الا معاني الحروف ، فان جملة « سرت من البصرة الى الكوفة » تحتوي على اسماء وحروف ، وحيث ان الاسماء لا يمكن ان تكون هي الدالة على تلك المعاني التي تكون عين الربط - والاّ يلزم عدم امكان تصور معاني الاسماء مستقلا ومن دون الطرفين لان ما يكون الربط له ذاتيا لا يمكن تصوره في حال من الحالات بدون تصور الطرفين - فبعد عزلها واستثنائها لا تبقى لدينا الا الحروف فتكون هي الدالة على الربط بين الاطراف المتفككة.

وبهذا يثبت بطلان ما اختاره الآخوند ، فانا اثبتنا من خلال هذا البيان ان معاني الحروف تختلف في ذاتها عن معاني الاسماء ، فمعاني الحروف ليست هي الا الربط بينما معاني الاسماء ليست هي الربط بل معاني اخرى مستقلّة تحتاج الى الربط الذي هو معنى الحرف.

وليس مقصودنا حينما نقول ان معاني الحروف هو الربط والنسبة ان الحروف تدل على مفهوم النسبة والربط وانما هو واقع الربط والنسبة ، فان مفهوم النسبة والربط ليس نسبة ولا ربطا في الحقيقة بل هو معنى اسمي يحتاج الى الربط.

ولئن كان مفهوم النسبة والربط يصدق على النسبة والربط فهو يصدق عليه بالحمل الاولي وليس بالحمل الشائع ، كما هو الحال في مفهوم الجزئي حيث يصدق عليه انه جزئي بالحمل الاولي ولا يصدق عليه ذلك بالحمل الشائع ، فان مفهوم الجزئي بنظرة اولى غير فاحصة وان كان جزئيا ولكنه بنظرة ثانية فاحصة كلي جيث انه يصدق على كل جزئي ، وهكذا الحال في مفهوم النسبة فانه بالنظرة الاولى وان كان نسبة الا انه بالنظرة الثانية الفاحصة ليس نسبة بل مفهوما اسميا.

ثم انه قدس سره اشار الى النقطة الاولى بقوله فى س 5 : انه لا اشكال في ان

ص: 332

الصورة الذهنية ... الخ.

واشار الى النقطة الثانية في س 7 بقوله : فلا بد من افتراض معان رابطة ...

الخ.

واشار الى الثالثة في س 9 بقوله : وهذه المعاني الرابطة ... الخ.

واشار الى الرابعة في س 13 بقوله : وليس شيء من المعاني الاسمية ... الخ.

قوله ص 93 س 13 بما هو :

اي بما هو مستقل وغير متقوم بالطرفين.

قوله ص 94 س 5 المعنى الملحوظ فيها :

الصواب : فيهما ، اي في اللحاظين.

قوله ص 94 س 7 للمعنى الموضوع له او المستعمل فيه :

المعنى الذي يضع الواضع له كلمتي « من او ابتداء » يسمى بالمعنى الموضوع له ، والمعنى الذي يستعمل فيه اللفظ بعد تمامية الوضع يسمى بالمعنى المستعمل فيه ، والآخوند يرى ان اللحاظ كما انه ليس قيدا في المعنى الموضوع له كذلك ليس هو قيدا في المعنى المستعمل فيه.

قوله ص 94 س 7 وقيد فيه :

عطف تفسير على قوله « مقوم ».

قوله ص 95 س 4 والذاتي :

عطف تفسير لكلمة « السنخي ».

قوله ص 95 س 10 وطارئة :

عطف تفسير لكلمة « عرضية ».

قوله ص 95 س 14 ومقوما له :

ص: 333

عطف تفسير لكلمة « ذاتيا ».

قوله ص 96 س 8 وهذا يعني أنهما :

المناسب عدم وضع هذا رأس السطر بل متّصلا بسابقه.

قوله ص 96 س 10 وقد مر عليك في المنطق ... الخ :

قرأنا في المنطق ان الحمل على شكلين : اولي ذاتي وشايع صناعي. والفرق بينهما انه :

أ - تارة يكون المقصود اثبات الاتحاد بين الموضوع والمحمول في عالم المفهوم فكأنه يراد ان يقال : ان الموضوع والمحمول هما مفهوم واحد ، وهذا متداول في باب التعريفات ، فانه حينما يعرّف الانسان ويقال : هو حيوان ناطق يراد اثبات الاتحاد بينهما في عالم المفهوم ، اي يراد ان يقال : ان مفهوم الانسان ومفهوم الحيوان الناطق واحد ، ومثل هذا الحمل يسمى بالحمل الاولي الذاتي.

ب - واخرى يكون المقصود اثبات الاتحاد في عالم الخارج دون المفهوم ، ويسمى الحمل في هذه الحالة بالحمل الشايع الصناعي.

وعلى هذا الاساس يتضح انه بلحاظ الحمل بشكله الاول يمكننا ان نقول الجزئي جزئي اذ لا اشكال في ان مفهوم الجزئي في عالم المفهوم هو عين مفهوم الجزئي فانّ كل مفهوم في عالم المفاهيم يصدق على نفسه والا يلزم سلب الشيء عن نفسه ، ففي عالم المفاهيم الجزئي جزئي والكلي كلي والانسان انسان والنسبة نسبة والكتاب كتاب وهكذا كل شيء هو هو في عالم المفهوم.

واما بلحاظ الحمل بشكله الثاني فلا يصح ان نقول الجزئي جزئي فانه في عالم الخارج ليس مفهوم الجزئي جزئيا بل هو كلي يصدق على كثيرين ، فان كل مفهوم في عالم الخارج ليس هو ذلك المفهوم ، فمفهوم الانسان في عالم الخارج ليس

ص: 334

انسانا ومفهوم الفرس في عالم الخارج ليس فرسا ، ومفهوم الكتاب في عالم الخارج ليس كتابا ، وهكذا.

ومن هنا يتّضح انه يمكننا ان نعبر عن الحمل الاولي بالحمل المفهومي وعن الحمل الشايع بالحمل الخارجي.

وتجلى ايضا ان الجزئي جزئي في عالم المفهوم اي بالحمل الاولي ، وليس جزئيا بل كليا في عالم الخارج اي بالحمل الشايع.

كما واتضح ان مفهوم النسبة والربط نسبة بالحمل الاولي وليس نسبة بالحمل الشايع.

ثم ان الحمل الاولي والحمل الشايع وصفان للحمل ، فالحمل تارة يكون اوليا واخرى شايعا صناعيا.

وهناك مصطلح آخر في الحمل الاولي والشايع قرأناه في المنطق ايضا ، وهو غير ناظر الى الحمل بل الى الموضوع ، فالموضوع مرة يلحظ بالحمل الاولي واخرى بالحمل الشايع ، فمثلا حينما يقال : الفعل لا يخبر عنه قد يشكل ويقال : كيف لا يخبر عنه مع انا اخبرنا عنه الآن بانه لا يخبر عنه؟ والجواب : ان المقصود من الفعل في هذه الجملة هو واقع الفعل ومصداقه - اي الفعل بالحمل الشايع - لا مفهوم الفعل الذي هو مفهوم اسمي ويعبر عنه الفعل بالحمل الاولي.

والحمل الاولي والشايع في هذا المصطلح وصف للموضوع لا للحمل بخلافه في المصطلح الاول فانه وصف للحمل لا للموضوع.

وهناك مصطلح ثالث في الحمل الاولي والشايع يظهر من كلمات السيد الشهيد ص 44 وايضا ص 97 من الحلقة - وقد يرجع الى المصطلح الاول - حيث ذكر ان الصور الذهنية للاشياء هي عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة وهي غير

ص: 335

الخارج بنظرة ثانية فاحصة ، فصورة النار في الذهن هي عين النار الخارجية بنظرة اولى وهي غيرها بنظرة ثانية ، واصطلح على النظرة الاولى بالحمل الاولي ، وعلى النظرة الثانية بالحمل الشايع.

وعبارة الكتاب ناظرة الى المصطلح الاول بقرينة قوله قدس سره « وقد مر عليك في المنطق » حيث انه هو المصطلح الشايع في المنطق ، ولعلها ناظرة الى المصطلح الثالث ايضا بناء على اتحاده مع الاول.

وتكميلا للفائدة نذكر ان المراجع لمنطق المظفر قد يتوهم وجود تناقض في عبارته ، فهو في مبحث العنوان والمعنون يقول : « مفهوم الجزئي اي الجزئي بالحمل الاولي كلي لا جزئي » بينما في مبحث التناقض يقول : « الجزئي جزئي بالحمل الاولي » ، فمرة يقول الجزئي جزئي بالحمل الاولي واخرى يقول الجزئي ليس جزئيا بالحمل الاولي.

وعلى ضوء ما ذكرنا تجلى عدم التناقض ، فالعبارة الاولى ناظرة الى المصطلح الثاني للحمل الاولي : اي الحمل الاولي بلحاظ الموضوع ، ولذا نلاحظ اضافة الحمل الاولي الى الموضوع والاتيان بكلمة « الحمل الاولى » بعد الموضوع مباشرة لا بعد تمام القضية بينما العبارة الثانية ناظرة الى المصطلح الاول ولذا نلاحظ ذكر كلمة « الحمل الاولى » بعد تمام القضية.

البرهنة تفصيلا.

اشارة

قوله ص 96 س 14 وهذا البيان كما يبطل ... الخ :

اتضح من خلال البرهان السابق المركب من النقاط الاربع بطلان اتجاه الآخوند ، واتضح ايضا - وعلى سبيل الاجمال - ان الاتجاه الصحيح هو الاتجاه

ص: 336

الثاني ، ومن اجل ان يتجلى - الاتجاه الثاني - اكثر وتكون خطوطه وتفاصيله اشد وضوحا قام السيد الشهيد بايضاح هذا الاتجاه في مراحل ثلاث :

المرحلة الاولى :
اشارة

وفي هذه المرحلة قام قدس سره باثبات ان الحروف موضوعة لواقع النسبة والربط لا لمفهوم النسبة والربط ، وحاصل ما افاده انا لو وجدنا نارا في الموقد وقلنا : النار في الموقد حصلنا من خلال الجملة المذكورة على مفاهيم ثلاثة هي :

أ - مفهوم النار.

ب - مفهوم الموقد.

ج - مفهوم ثالث يقوم بالربط بين مفهومي النار والموقد.

واذا تأملنا قليلا وجدنا فارقا بين المفهومين الاولين من جهة والمفهوم الثالث من جهة اخرى ، فالمفهومان الاولان نذكرها في الجملة السابقة لكي يحضرا في ذهننا النار والموقد ، ولكن كيف هذا؟ كيف يمكن للمفهوم ان يحضر الشيء الخارجي؟ ان مفهوم النار امر ذهني وصورة ذهنية فكيف يمكنها احضار النار الخارجية؟ ان الجواب عن ذلك تقدم عند شرح ص 44 حيث قلنا : ان الصورة الذهنية للنار هي عين النار الخارجية بنظرة اولى غير فاحصة واستشهدنا على ذلك بمنبه وجداني وهو انا عند تذكر صور مصاب الامام الحسين علیه السلام نأخذ بالحزن والبكاء ، وما ذاك الا من اجل ان تلك الصور نرى بها المصائب التي وقعت في الخارج على الامام علیه السلام .

وما دامت الصورة الذهنية عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة امكن ان نستعملها كوسيلة لاحضار النار الخارجية لنحكم عليها بانها في الموقد.

ص: 337

ومن هذا يتجلى ان لكلمتي « النار والموقد » سنخ مفهوم يحصل الغرض منه - والغرض منه جعله وسيلة لاحضار النار الخارجية والموقد الخارجي ليحكم على النار بانها في الموقد - بكونه عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة اصطلح عليها قدس سره بالحمل الاولي ، هذا كله بالنسبة الى المفهومين الاولين.

واما المفهوم الثالث - اي الذي يقوم بالربط بين النار والموقد - فليس هو مفهوم النسبة والربط ، فان الغرض من احضار هذا المفهوم الثالث هو الربط بين مفهوم النار ومفهوم الموقد ، ومن الواضح ان الربط لا يحصل بواسطة مفهوم الربط والنسبة اذ هذا المفهوم كسائر المفاهيم الاسمية يحتاج هو الى رابط يربط بغيره ، اذن المفهوم الثالث لا بد وان تكون حقيقته عين الربط الخارجي بنظرة حقيقية فاحصة ليمكن بواسطته حصول الربط.

ومن خلال كل ما تقدم تجلى الفرق الاول والجذري بين معنى الاسم ومعنى الحرف ، فالاسم يدل على معنى هو عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة وان كان غير الخارج بنظرة فاحصة ، بينما الحرف يدل على معنى هو عين الربط الخارجي بنظرة فاحصة.

ايجادية الميرزا.

ولعل الميرزا حينما قال بان معاني الحروف ايجادية كان يقصد هذا المعنى فانه نسب له القول بان معاني الاسماء اخطارية وان معاني الحروف ايجادية ، وفسّر هذا في التقرير المطبوع لدرس الميرزا (1) بان معنى النار مثلا ثابت في الذهن قبل التلفظ بلفظ النار ، واللفظ يقوم باخطار ذلك المعنى الثابت في الذهن ، وهذا

ص: 338


1- وهو فوائد الاصول للشيخ محمد علي الكاظمي واجود التقريرات للسيد الخوئي.

بخلافه في الحرف فان معناه ليس ثابتا في الذهن قبل التلفظ به وانما يقوم الحرف بايجاد الربط بين لفظي النار والموقد حين التلفظ به.

وعلى ضوء هذا التفسير للايجادية اشكل على الميرزا بان معنى النار كما انه ثابت في الذهن قبل التلفظ بلفظ النار كذلك النسبة ثابتة قبل التلفظ بكلمة « في » ، وتقوم كلمة « في » باخطارها ، فكلاهما من هذه الناحية اخطاري لا ان معاني الاسماء اخطارية ومعاني الحروف ايجادية.

والسيد الشهيد قدس سره يقول : لعل المقصود من كون معاني الحروف ايجادية ليس هذا المعنى السطحي المذكور في تقرير الميرزا بل لعل المقصود المعنى الذي ذكرناه ، اي ان الحرف يدل على معنى هو عين الحقيقة الخارجية حقيقة وبالنظرة الفاحصة لا انه عين الخارج بالنظرة التصورية الاولى فقط.

المرحلة الثانية :

وفي هذه المرحلة يثبت قدس سره ان كل فرد من النسبة لو قسناه الى فرد ثان من النسبة كانت ذات كل منهما مباينة لذات الآخر ولا يوجد بين الذاتين ماهية واحدة مشتركة لتكون جامعا ذاتيا لهما ، فزيد وعمرو لا يوجد تباين ذاتي بينهما لوجود ماهية مشتركة بينهما تشكل الجامع الذاتي لهما وهي ماهية الانسان بخلاف ذلك في الحجر والانسان فان بينهما مباينة حيث لا يوجد جامع مشترك بينهما ، والمدعى في باب النسبة هو ذلك ، فبين الفردين من النسبة تباين تام ، وعلى سبيل المثال : النسبة في قولنا « النار في الموقد » مع النسبة في قولنا « الكتاب في المحفظة » يتباينان نباينا تاما وليسا فردين من حقيقة واحدة.

اذن المقصود في هذه المرحلة اثبات التباين التام بين الفردين من النسبة

ص: 339

الواحدة ، وبتعبير آخر : اثبات عدم وجود جامع ذاتي بين الفردين من النسبة ، اذ لو لم يكن تباين تام بين النسبتين لكانت بينهما ماهية واحدة مشتركة تشكل الجامع الذاتي المشترك بينهما.

وقبل ان نقيم الدليل على هذه الدعوى نطرح السؤال التالي : متى تتعدد النسبتان بحيث نحصل على فردين من النسبة؟ والجواب : ان النسبة تتكثر باختلاف اطرافها ، فالنار والموقد طرفان للنسبة ، والكتاب والمحفظة طرفان للنسبة ايضا ، وحيث ان ذينك الطرفين غير هذين الطرفين تتعدد النسبة فنحصل على فردين منها ، فتكثر النسبة اذن بتكثر اطرافها ، ولكن بم تتكثر الاطراف؟ ان تكثر الاطراف يحصل مرة باختلافها اختلافا حقيقيا كما في مثل « الموقد والنار » و « الكتاب والمحفظة » ، ويحصل اخرى باختلافها موطنا وان لم تختلف حقيقة كما في قولنا « النار في الموقد » ، فان هذه النسبة في الخارج تختلف عن النسبة في ذهن المتكلم ، والنسبة في ذهن المتكلم تختلف عن النسبة في ذهن السامع ، وهذا الاختلاف لم ينشأ من الاختلاف في الاطراف حقيقة بل عن اختلاف موطن الاطراف.

وبعد تجلي هذا نرجع الى صلب الموضوع : وهو اقامة الدليل على التباين الذاتي بين افراد النسبة وعدم وجود جامع ذاتي بينها ، ان الدليل على ذلك يتركب من خطوات ثلاث هي :

1 - ان الجامع بين الافراد على قسمين ، فتارة يكون جامعا ذاتيا واخرى يكون جامعا عرضيا ، والجامع الذاتي عبارة عن المقومات الذاتية ، فالجامع الذاتي بين زيد وعمرو هو الحيوان الناطق حيث انه المقوم الذاتي لهما ، اما الجامع العرضي فهو الامر الخارج الذي يجمع بين الفردين كالابيض الذي هو شيء

ص: 340

خارج عن حقيقة زيد وعمرو ولكنه جامع يجمعهما ، وحديثنا في هذا المقام يرتبط.

بالجامع الذاتي الذي هو عبارة عن المقومات الذاتية.

2 - لو اردنا الحصول على الجامع الذاتي بين الشيئين فاللازم الغاء الفوارق وما به يمتاز احدهما عن الآخر ، وما يتبقى بعد طرح ما به الامتياز يكون هو الجامع الذاتي بين الشيئين ، فاذا اردنا الحصول على الجامع الذاتي بين زيد وعمرو طرحنا المشخصات الفردية التي بها يمتاز احدهما عن الآخر ، وما يتبقى - وهو المقومات الذاتية التي هي الحيوان والناطق - هو الجامع الذاتي.

3 - واذا اردنا في المقام الحصول على الجامع الذاتي بين النسبتين فلا بد من طرح ما به تمتاز احداهما عن الاخرى ، ومن الواضح ان ما به امتياز النسبتين ليس الاّ الطرفين اللذين هما بنفسهما المقوم الذاتي لكل نسبة ، فاذا اردنا طرحهما فمعنى ذلك انا طرحنا المقومات الذاتية وبالتالي لا يبقى عندنا شيء ليكون الجامع الذاتي.

وبهذا يثبت ان الجامع الذاتي بين النسب - او قل الاشتراك في ماهية واحدة - غير موجود (1). ويثبت ايضا ان كل نسبة تباين النسبة الاخرى من حيث ذاتها ، وهو المطلوب ، اجل الجامع الذاتي بين النسب وان كان متعذرا الا ان الجامع العرضي ممكن وثابت وهو مفهوم النسبة ، فان مفهوم النسبة جامع عرضي بين افراد النسبة.

ص: 341


1- وممن اختار ذلك الشيخ الاصفهاني في كتابه « الاصول على النهج الحديث » ص 25 خلافا للشيخ العراقي في بدايع الافكار س 57 حيث ذهب الى وجود الجامع الذاتي.
المرحلة الثالثة :
اشارة

وفي هذه المرحلة يثبت قدس سره ان الوضع في باب الحروف هو من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص وليس من قبيل الوضع العام والموضوع له العام كما اختاره الآخوند.

والوجه في ذلك ان الوضع العام والموضوع له العام لا يمكن الا اذا كان هناك جامع ذاتي بين الافراد ليوضع اللفظ لذلك الجامع الذاتي ، كما هو الحال في افراد الانسان ، فانه يوجد جامع ذاتي بينها وهو الحيوان الناطق ، فاذا تصورنا هذا الجامع الذاتي ووضعنا اللفظ له كان الوضع عاما حيث تصورنا معنى عاما وكان الموضوع له عاما ايضا حيث وضعنا اللفظ لذلك المعنى العام الذي تصورناه ، وفي مقامنا حيث لا يوجد جامع ذاتي بين افراد النسبة فالحروف لا تكون موضوعة له بل هي موضوعة للافراد الخاصة من النسبة ، ولكن حيث لا يمكننا تصور جميع افراد النسبة الابتدائية مثلا لنضع لها كلمة « من » فلا بد وان نتصور مفهوما عاما - يحكي عن تلك الافراد ليمكننا بواسطته تصور تلك الافراد اجمالا وبنحو ما - كمفهوم النسبة الابتدائية ونضع كلمة « من » بازاء افرادها فيكون الوضع عاما حيث تصورنا معنى عاما وهو مفهوم النسبة الابتدائية والموضوع له خاصا حيث وضعنا كلمة « من » بازاء الافراد الخاصه.

خصوصية الموضوع له.

اذن الوضع في الحروف عام والموضوع له خاص ، ولكنا نستدرك ونقول : قد يتوهم ان المقصود من كون معاني الحروف خاصة وجزئية انها جزئية بالمعنى المنطقي ، اي هي لا تقبل الصدق على كثيرين ، بيد انه توهم فاسد ، حيث نرى

ص: 342

بالوجدان ان معاني الحروف تنطبق على كثيرين ، فلو قلت « سر من البصرة » حصل الامتثال بالسير من اي نقطة من نقاط البصرة ، وهذا دليل واضح على ان معنى كلمة « من » ليس جزئيا والاّ فكيف يصدق الامتثال بالسير من اي نقطة من نقاط البصرة.

اذن ليس المراد من كون معاني الحروف جزئية انها جزئية بمعنى عدم الصدق على كثيرين بل هو بمعنى تقوّم كل نسبة بطرفيها ، فالنسبة في قولنا « النار في الموقد » جزئية بمعنى انها غير النسبة في قولنا « الكتاب في المحفظة » باعتبار تقوّم تلك بطرفين يغايران طرفي هذه.

خصائص ثلاث للمعنى الحرفي.

والخلاصة من كل ما تقدم ان للمعنى الحرفي خصائص ثلاث ، فهو اولا سنخ معنى يكون عين الربط الخارجي بالنظر التدقيقي على خلاف المعاني الاسمية فانها عين الخارج بالنظر غير التدقيقي ، وقد تكلفت المرحلة الاولى الاشارة الى هذه الخصوصية.

وهو ثانيا تتباين افراده من حيث الذات والحقيقة ولا يوجد بينها جامع ذاتي ، وقد تكلفت المرحلة الثانية الاشارة الى هذه الخصوصية.

وهو ثالثا موضوع بالوضع العام والموضوع له الخاص ، وقد تكلفت المرحلة الثالثة الاشارة الى هذه الخصوصية.

هذه هي المعالم الاساسية للاتجاه الثاني في المعنى الحرفي ، ولاجل ايضاحها تعرض السيد الشهيد قدس سره الى المراحل الثلاث.

ص: 343

قوله ص 97 س 12 لما تقدم :

اي ص 44.

قوله ص 98 س 12 يري الحقيقة :

اي الربط الخارجي.

قوله ص 98 س 12 تصوّرها :

الصواب : تصورا.

قوله ص 99 س 13 على بعض :

الصواب : عن بعض.

قوله ص 100 س 3 فما يحفظ من حيثية بعد الغاء ... الخ :

في العبارة شيء من الابهام حيث توهم انه بعد الغاء الطرفين يبقى شيء ولكنه لا يصلح لان يكون جامعا ذاتيا ، وهذا غير مقصود جزما بل المقصود انه بعد الغاء الطرفين لا يبقى شيء ليكون جامعا ذاتيا.

قوله ص 100 س 5 النسب :

الصواب : النسبة.

قوله س 100 س 8 اثبت المحققون :

كالشيخ الاصفهاني في نهاية الدراية ج 1 ص 18 والاصول على النهج الحديث ص 25.

هيئات الجمل.

قوله ص 101 س 3 كما ان الحروف موضوعة للنسبة ... الخ :

استيضاح هذا البحث يتوقف على استذكار مقدمات ثلاث هي :

ص: 344

1 - ان لكل كلام صادر من اي متكلم ثلاث دلالات ، فلو سمعنا شخصا يقول « الاسلام حق » خطر لذهننا معنى الاسلام ومعنى الحق ، وهذا الخطور يحصل حتى لو كان المتكلم نائما بل ولو حصلت الجملة المذكورة من اصطكاك حجرين ، ويسمى الخطور المذكور بالدلالة التصورية ، فالدلالة التصورية اذن هي خطور المعنى وتصوره عند سماع اللفظ.

ولو فرض ان الجملة السابقة صدرت من متكلم غير نائم كانت دالة على ان المتكلم قد قصد اخطار معناها للذهن ، ودلالة الكلام على قصد الاخطار يسمى بالدلالة التصديقية الاولى ، وهذه الدلالة لا تحصل فيما اذا صدرت الجملة المذكورة من نائم او من اصطكاك حجرين - بخلافه في الدلالة التصورية - اذ النائم لا يدل الكلام الصادر منه على قصده اخطار المعنى.

وبعد ان ثبت كون الجملة الصادرة من غير النائم تدل على قصده اخطار معناها لذهن السامع يبقى ان نعرف ما هو الغرض من قصد المتكلم لاخطار المعنى فهل هو يقصد اخطار المعنى لا لغرض سوى اخطار المعنى او له غرض آخر؟ والجواب : ان المتكلم يقصد اخطار المعنى لاجل الاخبار والحكاية عن ذلك المعنى ، ودلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد من اخطاره المعنى الاخبار والحكاية ولم يكن هازلا تسمى بالدلالة التصديقية الثانية ، وهذه الدلالة لا تحصل الا اذا كان المتكلم جادا غير هازل بخلافه في الدلالة التصديقية الاولى فانها تثبت في حق الهازل ايضا ، اذ الهازل قاصد لاخطار معنى الجملة ولكن لا لغرض الحكاية والاخبار عن جد.

واذا اتضحت هذه الدلالات الثلاث يبقى ان نعرف المنشأ لحصول هذه الدلالات.

ص: 345

اما بالنسبة للدلالة التصورية فسببها الوضع ، فان اللفظ لما كان موضوعا للمعنى صار سماعه موجبا لخطور المعنى وان صدر من اصطكاك حجرين ، ومن هنا قيل ان الدلالة الناشئة من الوضع هي الدلالة التصورية.

واما بالنسبة الى الدلالتين الاخيرتين فقد ذكر السيد الخوئي دام ظله ان سببهما هو الوضع - ببيان يأتي - بينما المشهور والسيد الشهيد قالوا ان السبب ليس هو الوضع بل الظهور الحالي السياقي ، فان كل متكلم اذا تكلم بكلام فظاهر حاله انه يقصد اخطار معناه ، كما وان ظاهر حاله ايضا كونه قاصدا اخطار المعنى لغرض الاخبار عن جد ، ولاجل هذا الظهور تنشأ الدلالتان التصديقيتان.

2 - اختلف في تفسير حقيقة الوضع ، فالمشهور قالوا بانه عبارة عن تخصيص اللفظ بالمعنى وعلى تعبير السيد الشهيد عبارة عن القرن بين اللفظ والمعنى ، وفي مقابل ذلك اختار السيد الخوئي دام ظله ان الوضع عبارة عن التعهد فلو سميت ولدي عليا فانا متعهد باني لا اتلفظ بكلمة « علي » الا اذا كنت قاصدا ولدي.

ولازم الوضع بتفسيره الاول ان يكون سماع اللفظ موجبا لخطور المعنى وان صدر من نائم ، اذ ذاك مقتضى تخصيص اللفظ بالمعنى وقرنه به ، بينما لازم الوضع بتفسير السيد الخوئي ان يكون اللفظ دالا على قصد المتكلم اما للاخطار او للاخبار ، وبتعبير آخر تكون الدلالة الناشئة من الوضع هي الدلالة التصديقية الاولى او الثانية.

3 - ان الجملة على قسمين ، فمرة تكون تامة واخرى ناقصة ، والتامة هي المشتملة على نسبة تامة يصح السكوت عليها كجملة « زيد قائم » ، بينما الناقصة هي الجملة المشتملة على نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليها كجملة « قيام

ص: 346

زيد » (1).

وقد يطرح هذا السؤال ويقال كيف صارت النسبة في قولنا « زيد قائم » تامة بينما اصبحت في قولنا « قيام زيد » ناقصة مع انه في عالم الخارج لا يختلف حال نسبة القيام لزيد بين ان نقول « زيد قائم » او « قيام زيد » ، اذ اتصاف زيد بالقيام في الخارج هو بشكل واحد لا يختلف في الحالتين؟ والجواب : انه في جملة « زيد قائم » تأتي نفس النسبة الى الذهن ، اي يأتي الطرفان - وهما زيد والقيام - وبتبع مجيئهما الى الذهن تاتي النسبة اليه ايضا ، وهذا بخلافه في جملة « قيام زيد » فان نفس النسبة لا تأتي الى الذهن ، اذ القيام وزيد لم يلحظا طرفين حتى تحصل نسبة بينهما بل لو حظا شيئا واحدا ، وواضح ان الشيء الواحد ليس فيه نسبة لانها فرع وجود شيئين ، اجل ان قيام زيد وان لوحظ شيئا واحدا اندمج فيه القيام بزيد ولكنه بالتحليل ينحل الى القيام وزيد والنسبة ، فالنسبة اذن ثابتة في جملة « قيام زيد » ولكنه ثبوت تحليلي ومستتر بخلافه في جملة « زيد قائم » فان النسبة ثابتة فيها ثبوتا صريحا.

وعلى هذا تكون تمامية النسبة ناشئة من لحاظ زيد وقائم طرفين غير مندمجين ، ولازمه مجيء النسبة الى الذهن مجيئا صريحا ، واما نقصان النسبة فهو ناشىء من ملاحظة الطرفين مندمجين وكانهما شيء واحد ، ولازمه كون النسبة غير ثابتة ثبوتا صريحا.

وبعد هذه المقدمات الثلاث - التي مرت في الحلقة الاولى والثانية - نعود لا يضاح البحث ، وحاصله : مرّ ان الحروف تدل على النسبة ، والآن نقول كما ان

ص: 347


1- سيأتي في المبحث التالي اي ص 102 من الحلقة التعرض للفرق بين الجملة التامة والناقصة.

الحروف تدل على النسبة كذلك هيئات الجمل تدل على النسبة ، فهيئة جملة « زيد قائم » تدل على نسبة القيام لزيد ، بيد انه اذا كانت الجملة تامة مثل « زيد قائم » فهيئتها تدل على نسبة تامة بينما اذا كانت ناقصة مثل « قيام زيد » فهي تدل على نسبة ناقصة.

هذا ولكن السيد الخوئي دام ظله اختار ان هيئة الجملة التامة تدل على قصد الاخبار الذي هو المدلول التصديقي الثاني ، وهيئة الجملة الناقصة تدل على قصد الاخطار الذي هو المدلول التصديقي الاول ، والسبب فيما ذكره ناشىء من تفسيره للوضع ، حيث يرى انه عبارة عند التعهد ، ولازم التعهد كما مر ان يكون اللفظ دالا على القصد.

والصحيح ان الوضع لا يدل على القصد - اي لا يدل على المدلول التصديقي الاول او الثاني - بل هو يدل على المدلول التصوري ، اي يوجب الاخطار فقط ، واما الدلالتان التصديقيتان فهما لا ينشئان من الوضع بل من الظهور الحالي السياقي كما تقدم.

قوله ص 101 س 10 او الطلب :

عطف على « الحكاية » ، اي وهو قصد الحكاية فيما اذا كانت الجملة خبرية ، او قصد الطلب - وجعل الحكم - فيما اذا كانت الجملة انشائية ، وقوله « وجعل الحكم » عطف تفسير على « الطلب ».

قوله ص 101 س 11 وهكذا :

اي مثل قصد التمني او الترجي او الاستفهام او غير ذلك من اقسام الانشاء ، فان للانشاء اقساما متعددة احدها الطلب.

قوله ص 101 س 13 الذي يقتضي ان تكون الدلالة الوضعية تصديقية :

ص: 348

لان التعهد معناه قصد المعنى عند الاتيان باللفظ ، فقصد المعنى مأخوذ ضمن الوضع والوضع يفيدنا قصد المعنى.

قوله ص 101 س 13 والمدلول الوضعي تصديقيا :

عطف تفسير على « الدلالة الوضعية تصديقية ».

الجملة التامة والجملة الناقصة.

قوله ص 102 س 4 ولا شك في الفرق بين الجملة التامة ... الخ :

كلنا يشعر بالوجدان بوجود فرق بين الجملة التامة مثل « زيد قائم » والجملة الناقصة مثل « قيام زيد » ، ولكن ما هو هذا الفرق الذي نشعر به بالوجدان؟ والسيد الخوئي قدس سره الذي يرى ان الوضع عبارة عن التعهد - اي التعهد بارادة تفهيم المعنى عند الاتيان باللفظ - تكون الدلالة الناشئة من الوضع على رأيه هي قصد اخطار المعنى او قصد الحكاية (1) ، وعلى ضوء ذلك فرّق دام ظله بين الجملة التامة والناقصة ، فالجملة التامة موضوعة عنده لقصد الاخبار بينما الجملة الناقصة موضوعة لقصد الاخطار ، فزيد قائم موضوع لقصد الاخبار عن ثبوت القيام لزيد بينما قيام زيد موضوع لقصد اخطار قيام زيد.

واما بناء على رأي المشهور القائل بان الوضع عبارة عن تخصيص اللفظ بالمعنى او القرن بينهما فهو لا يفيد الاّ خطور المعنى عند سماع اللفظ - ويعبر عن الخطور بالدلالة التصورية - ولا يفيد القصد فكيف اذن نفسر الفرق بين الجملة

ص: 349


1- ويسمى اصل القصد بالمدلول التصديقي ، ويسمى قصد الاخطار بالمدلول التصديقي الاول بينما قصد الحكاية يسمى بالمدلول التصديقي الثاني ، اذن المدلول التصديقي يساوي القصد ، ويمكنك بدل كلمة « المدلول التصديقي » ان تعبر بالقصد.

التامة والناقصة؟ ان في الفرق احتمالين :

1 - ان تكون كلتا الجملتين - كجملة « زيد قائم » وجملة « قيام زيد » موضوعة لنسبة القيام لزيد ، ولا فرق بينهما من هذه الناحية ، اي من ناحية المعنى الموضوع له ، وانما الفرق بينهما من ناحية القصد ، اي المدلول التصديقي ، فنحن نقصد بجملة « زيد قائم » الاخبار عن ثبوت القيام لزيد بينما في جملة « قيام زيد » نقصد اخطار قيام زيد.

وباختصار : لا فرق بينهما من ناحية المدلول التصوري - اي المعنى الموضوع له وهو النسبة - بل من ناحية المدلول التصديقي وهو القصد.

وهذا الاحتمال باطل ، اذ لو كانت كلتا الجملتين موضوعة لنسبة واحدة وهي نسبة القيام لزيد فلماذا لا يصح ان نقصد الاخبار بجملة « قيام زيد » بينما يصح قصده بجملة « زيد قائم »؟ ان صحة قصد الاخبار بهذه الجملة وعدم صحته بتلك دليل على ان المعنى الموضوع له في كلتا الجملتين ليس واحدا.

2 - ان تكون كلتا الجملتين موضوعة للنسبة ولكن جملة « زيد قائم » موضوعة للنسبة التامة وجملة « قيام زيد » موضوعة للجملة الناقصة فالاختلاف على هذا الاساس يكون في المعنى الموضوع له ، اي في المدلول التصوري ، لكن يبقى السؤال عن الفرق بين النسبة التامة والنسبة الناقصة؟

ان الفرق بينهما قد تجلى خلال البحث السابق ، فتمامية النسبة - في قولنا « زيد قائم » - تنشأ من مجيئها الى الذهن وهي ظاهرة وبارزة ، وما ذاك الاّ من اجل ان طرفيها يأتيان الى الذهن وهما طرفان ، ومع توجه الطرفين الى الذهن وهما طرفان فمن اللازم ثبوت النسبة في الذهن وهي بارزة ، وهذا بخلافه في النسبة الناقصة - كقولنا « قيام زيد » - فان نقصانها ينشأ من مجيئها الى الذهن

ص: 350

وهي مستترة غير بارزة لان طرفيها لا يأتيان الى الذهن وهما طرفان بل بما هما طرف واحد ، فقيام زيد مثلا مفهوم واحد في الذهن ، ومع كونه مفهوما واحدا كيف تظهر النسبة بين القيام وزيد ، اجل بعد تحليل هذا المفهوم الواحد الى القيام وزيد تحصل النسبة بينهما والاّ فهي قبل ذلك مستترة وتحليلية.

وان شئت قلت : ان تمامية النسبة ونقصانها من شؤون عالم الذهن لا الخارج ، اذ النسبة تصير تامة حينما تصاغ الجملة من مبتدأ وخبر مثل « زيد قائم » ، وتصير ناقصة حينما تصاغ من صفة وموصوف او من مضاف ومضاف اليه مثل « زيد القائم » او « قيام زيد » ، ومن الواضح ان كون الشيء مبتدأ وخبرا او مضافا ومضاف اليه ليس امرا خارجيا فان ثبوت القيام لزيد في الخارج لا يكون مرة مبتدأ وخبرا واخرى مضافا ومضافا اليه بل هو بشكل واحد لا يختلف وانما الاختلاف هو في عالم الذهن ، ففي الذهن تارة يكون الشيء مبتدأ وخبرا واخرى مضافا ومضافا اليه ، وطبيعي مع كون الجملة مبتدأ وخبرا في الذهن تصير النسبة في الذهن ظاهر وبارزة فتكون تامة بينما لو كانت الجملة في الذهن مضافا ومضافا اليه لا تكون النسبة ظاهرة وبارزة فتصير ناقصة.

قوله ص 102 س 5 في المعنى الموضوع له :

الأنسب حذف هذه العبارة لانه سيأتي منه قدس سره ابراز احتمال عدم الفرق في المعنى الموضوع له ، ومعه فيكون قوله هنا « لا شك في الفرق بين الجملة التامة والناقصة في المعنى الموضوع له » فيه شيء من التهافت.

قوله ص 102 س 7 ميز بينها :

المناسب ميز بينهما.

ص: 351

قوله ص 102 س 7 كما تقدم في الحلقة السابقة :

بل وفي البحث السابق ايضا.

قوله ص 102 س 11 والمدلول التصوري :

المدلول التصوري والمعنى الموضوع له شيء واحد وهكذا المدلول التصديقي والقصد.

قوله ص 102 س 15 هي بنفسها :

اي من دون تقسيمها الى ناقصة وتامة كما هو الحال على الاحتمال الثاني.

قوله ص 103 س 3 في المدلول التصوري :

اي في المعنى الموضوع له.

وله ص 103 س 11 وتكون النسبة في الذهن تامة :

اي اذن النسبة تكون تامة في عالم الذهن لا في الخارج ، ولكن متى تكون في الذهن تامة؟ انها تكون في الذهن تامة فيما اذا جاءت الى الذهن ووجدت فيه بما هي نسبة.

قوله ص 103 س 12 واما اذا جاءت :

الصواب : حذف كلمة « واما » ، والمناسب ان لا توضع هذه الجملة رأس السطر بل توضع متصلة بالسطر السابق ، اي الصواب في العبارة هكذا : وتكون النسبة في الذهن تامة اذا جاءت الى الذهن ... الخ.

قوله ص 103 س 14 وتكون النسبة ناقصة :

هذا عدل لقوله « وتكون النسبة في الذهن تامة ».

قوله ص 103 س 15 تدمج :

اي النسبة تدمج المضاف بالمضاف اليه وتجعلهما شيئا واحدا.

ص: 352

قوله ص 103 س 15 وتكون :

بضم التاء وتشديد وكسر الواو.

قوله ص 104 س 1 صقع :

اي مكان.

قوله ص 104 س 1 الظاهر :

التعبير بالظاهر اشارة الى انه في الظاهر ليس لها وجود في الذهن ، ولكن بعد التحليل لها وجود.

قوله ص 104 س 1 وانما هي مستمرة وتحليلية :

الصواب : وانما هي مستترة وتحليلية.

قوله ص 104 س 2 ومن هنا قلنا سابقا :

اي في الحلقة الاولى ص 102.

الجملة الخبرية والانشائية.

قوله ص 104 س 5 وتنقسم الجملة التامة ... الخ :

تحدثنا فيما سبق عن الفرق بين الجملة التامة والناقصة ، والآن نتحدث عن الفرق بين الجملة الانشائية والخبرية فمثلا جملة « بعت داري » قد تستعمل في مقام الانشاء وقد تستعمل في مقام الاخبار.

والسؤال المطروح : ما الفرق بين « بعت » الانشائية و « بعت » الخبرية؟ ان اصل وجود الفرق بينهما مسلّم ولكن ما هو؟ وفي الجواب ذكر قدس سره ثلاثة فروق :

1 - ما ذهب اليه الآخوند قدس سره من ان « بعت » الخبرية والانشائية

ص: 353

موضوعتان لمعنى واحد وهو البيع - او فقل نسبة البيع الى البايع - ولكن في مقام الاستعمال تارة يقصد ايجاد البيع واخرى يقصد الاخبار عنه ، وعليه فالفرق هو من ناحية القصد - الذي يعبر عنه بالمدلول التصديقي - والاّ فمن ناحية المعنى الموضوع له - الذي يسمى بالمدلول التصوري وهو البيع او نسبة البيع الى البايع - لا فرق.

ويرد عليه ما تقدم في الحلقة الاولى ص 109 من ان هذه التفرقة لو تمت فهي تتم فيما لو كان لفظ الجملة الانشائية والخبرية واحدا مثل كلمة « بعت » ، اما اذا كان مختلفا مثل « أعد » و « اعاد » فلا يمكن ان يكون الفرق من ناحية القصد فقط ، اذ نشعر بالوجدان بوجود الفارق بينهما حتى لو قطعنا النظر عن القصد.

2 - ان يقال بان « بعت » الانشائية موضوعة لايجاد التمليك بينما « بعت » الخبرية موضوعة للاخبار عن التمليك ، فكلتاهما موضوعة للتمليك ولكن تلك وضعت للدلالة على ايجاده وهذه وضعت للدلالة على الاخبار عنه ، فالاختلاف بينهما ليس في اصل الوضع للتمليك - فان كليتهما موضوعة للتمليك - بل في كيفية الدلالة عليه.

وبكلمة اخرى : انهما يختلفان في المدلول التصوري - اي المدلول الوضعي - ولكن لا في اصله بل في الدلالة عليه ، فذات المدلول التصوري واحدة وهي التمليك الاّ ان احدهما موضوع للدلالة على ايجاده والآخر للدلالة على الاخبار عنه.

وبكلمة ثالثة : ان المعنى الموضوع له على الرأي الاول هو التمليك فقط بينما على هذا الرأي هو الاخبار عن التمليك او ايجاد التمليك ، فالتمليك على الراي الاول هو تمام المعنى الموضوع له بينما على الثاني هو جزءه والجزء الثاني هو الايجاد

ص: 354

او الاخبار.

وبهذا يتضح : كما ان الحروف لها معاني ايجادية اي توجد الربط بين « سرت » و « البصرة » مثلا كذلك كلمة « بعت » الانشائية لها معنى ايجادي ، فهي توجد التمليك ، اجل الحروف توجد الربط في مرحلة الكلام بينما « بعت » الانشائية توجد اعتبار التمليك الذي هو امر قائم في نفس المتعاقدين.

ويرده : ان حصيلة هذا الوجه للفرق يرجع الى ان كلمة « بعت » الانشائية موضوعة لايجاد التمليك بخلاف « بعت » الخبرية فانها موضوعة للاخبار عنه ، ونحن في مقام الجواب نسأل عن المراد من التمليك الذي وضعت كلمة « بعت » الانشائية لايجاده ، فان فيه ثلاثة احتمالات :

أ - ان يراد به اعتبار البايع والمشتري للملكية في قلبهما ، فان البايع حينما يقول « بعت » يعتبر الملكية في قلبه وهكذا المشتري حينما يقول « اشتريت » يعتبر الملكية في قلبه ، والمراد من التمليك في هذا الاحتمال الاعتبار النفساني القائم في قلب المتعاقدين.

ب - ان يراد به اعتبار الشارع للملكية ، فانه حينما يقول البايع « بعت » والمشتري « اشتريت » يعتبر الشارع ملكية البايع للثمن وملكية المشتري للمثمن ، وعليه فالمراد من التمليك في هذا الاحتمال اعتبار الشارع للملكية بعد صدور كلمتي « بعت » و « اشتريت ».

ج - ان يراد به اعتبار العقلاء للملكية ، فبعد « بعت » و « اشتريت » يعتبر العقلاء الملكية ، وعليه فالمراد من التمليك الاعتبار العقلائي للملكية.

وعلى تقدير جميع هذه الاحتمالات الثلاثة في المراد من التمليك - الاعتبار النفساني في نفس المتعاقدين ، الاعتبار الشرعي ، الاعتبار العقلائي - لا يصح ما

ص: 355

ذكر من وضع كلمة « بعت » الانشائية لايجاد التمليك.

اما اذا كان المقصود وضع كلمة « بعت » لايجاد التمليك النفساني القائم في نفس المتعاقدين فلأن من الواضح لدى كل انسان حينما يقول البايع « بعت » لا تكون كلمة « بعت » هي الموجدة لاعتبار الملكية في قلبه بل هو اعتبر الملكية اولا ثم يقول « بعت » فكلمة « بعت » مبرزة لاعتبار التمليك القائم في قلبه وليست هي الموجدة له.

واما اذا كان المقصود احد الاحتمالين الاخيرين - اي وضع كلمة « بعت » لايجاد اعتبار التمليك الشرعي او العقلائي - فلأن الشارع او العقلاء وان كانوا يعتبرون الملكية بعد صدور « بعت » و « اشتريت » ولكن من الواضح انهم يعتبرونها فيما اذا استعملت كلمة « بعت » في معناها الموضوع له وكان البايع والمشتري قاصدين لمعناها ، فالشارع او العقلاء لا يعتبرون الملكية الاّ بشرطين : استعمال كلمة « بعت » في معناها وقصد ذلك المعنى على نحو الجد لا الهزل ، وعليه فلا بد وان يكون لكلمة « بعت » معنى متى ما استعملت فيه اعتبر الشارع او العقلاء الملكية لا ان نفس اعتبار العقلاء والشارع للملكية هو معنى كلمة « بعت » فان الاعتبار المذكور اثر لاستعمال كلمة « بعت » في معناها وليس هو نفس معناها ، ومن هنا فنحن نسأل عن ذلك المعنى لكلمة « بعت ».

3 - وهذا الفرق هو الصحيح وهو ما اشير له في الحلقة الاولى ص 108 - 109 ، وحاصله ان كلمة « بعت » الانشائية موضوعة للبيع - وان شئت فقل لنسبة البيع الى البايع - وهكذا كلمة « بعت » الخبرية موضوعة للبيع ايضا الاّ ان « بعت » الانشائية موضوعة للبيع منظورا له بما انه شيء يراد ايجاده وتحقيقه بينما « بعت » الخبرية موضوعة للبيع منظورا له بما انه شيء متحقق ومفروغ عنه.

ص: 356

والفرق بين هذا الوجه وسابقه انه في السابق كان ذات المدلول الوضعي واحدا والاختلاف ليس الاّ في كيفية الدلالة عليه بخلافه في هذا الوجه ، فان الاختلاف في ذات المدلول الوضعي - وليس في كيفية الدلالة عليه - فهو في احدى الجملتين البيع بما هو متحقق وفي الاخرى البيع بما هو يراد تحقيقه.

توجيه كلام مشهور.

وهناك كلام مشهور يقول ان الجمل الانشائية ايجادية بخلاف الجمل الخبرية فانها خبرية ، وقد يتخيل ان ايجادية الجمل الانشائية تعني وضع كلمة « بعت » مثلا لايجاد التمليك فهي توجد التمليك ، وهذا التخيل باطل على ما ذكرنا سابقا (1) ، بل المناسب ان يراد من كونها ايجادية انها تدل على البيع منظورا له بما انه شيء يراد ايجاده.

قوله ص 104 س 13 فقد يكون المدلول التصوري واحدا :

وهو البيع او قل نسبة البيع الى البايع ، والمراد من المدلول التصوري هو المدلول الوضعي.

قوله ص 105 س 5 مع فارق الايجاديتين :

المناسب : مع فارق بين الايجاديتين.

قوله ص 105 س 7 بالكلام :

اي بسبب الكلام.

ص: 357


1- من ان التمليك اما اعتبار نفساني او شرعي او عقلائي ، وعلى تقدير الجميع لا يمكن وضع كلمة « بعت » لايجاده.

قوله ص 105 س 11 اعتبار تشريعي :

ليس المراد من تشريعي : شرعي ، الذي هو الاحتمال الثاني في المقصود من التمليك ، بل المراد : قانوني.

قوله ص 105 س 13 الاول :

بالرفع : نائب فاعل لقوله « اريد ».

قوله ص 106 س 1 وكشفه عن مدلوله التصديقي :

المدلول التصديقي هو القصد ، اي بعد استعمال كلمة « بعت » في معناها وبعد كشف الاستعمال المذكور عن قصد المتعاقدين لمعنى « بعت » و « اشتريت ».

الثمرة :

قوله ص 107 س 1 قد يقال ان من ثمرات ... الخ :

كثيرا ما يقع التساؤل : ما هي ثمرة هذا المبحث - المعنى الحرفي - الجاف المعقد؟ قيل ان الثمرة تظهر فيما لو قلنا بان معاني الحروف جزئية خلافا لاتجاه صاحب الكفاية القائل بان معاني الحروف كلية ، فالحروف اذا كانت معانيها جزئية وخاصة بحيث كانت موضوعة بالوضع العام والموضوع له الخاص فلا تكون قابلة للتقييد ولا الاطلاق ، فان القابل للاطلاق والتقييد هو الكلي واما الجزئي فهو ضيّق في نفسه فلا يقبل التضييق من جديد ، واذا لم يكن الجزئي قابلا للتقييد فلو قال المولى مثلا : صل ان زالت الشمس لم يكن قيد الزوال - اي ان زالت الشمس - راجعا الى الوجوب الذي هو مفاد الهيئة ، اذ مفاد هيئة « صل » وهو الوجوب جزئي حسب الفرض (1) ، والجزئي لا يقبل التقييد فيلزم رجوع قيد

ص: 358


1- لا تقل : ان الهيئة ليست حرفا ، والمفروض ان كلامنا في معاني الحروف ، فانه يقال : ان مقصودنا من المعنى الحرفي في المصطلح الاصولي كل نسبة سواء كانت مفادا للحرف او الهيئة كما تقدم.

الزوال الى مفاد المادة وهو الصلاة فيصير المعنى هكذا : الصلاة المقيدة بالزوال واجبة ، فالوجوب يكون مطلقا وفعليا قبل الزوال ايضا ، ويكون الواجب وهو الصلاة معلقا على الزوال ، فانت الآن تجب عليك صلاة الظهر ليوم غد وما بعد غد لان الزوال ليوم غد وان لم يأت بعد الا انه ليس شرطا للوجوب حتى لا يثبت الوجوب قبل حلوله ، اذ الفرض ان الوجوب مفاد للهيئة ومفاد الهيئة جزئي والجزئي لا يقبل التقييد ، وهكذا يقال في جميع الواجبات الاخرى ، فالشرط فيها لا يرجع الى الوجوب بل الى الواجب ، ويعبر عن مثل هذا الواجب - الذي يكون الوجوب فيه فعليا والواجب معلقا - بالواجب المعلق.

والشيخ الاعظم ذهب الى هذا الرأي وقال : ان القيود لا ترجع الى مفاد الهيئة لانه جزئي والجزئي لا يقبل التقييد ، ومن هنا انكر الوجوب المشروط وقال : انه لا يوجد وجوب مشروط ابدا بل الوجوب في جميع الواجبات مطلق والواجب هو المعلق على الشرط.

وباختصار : بناء على كون المعنى الحرفي جزئيا يلزم انكار الوجوب المشروط وصيرورة الوجوب في جميع الواجبات مطلقا والواجب معلقا.

هذه هي ثمرة البحث عن المعنى الحرفي.

ويرد عليها : ليس المقصود من كون المعاني الحرفية جزئية انها جزئية بالمعنى المنطقي اي بمعنى « ما لا يصدق على كثيرين » بل هي جزئية بمعنى ان النسبة في قولنا « سرت من البصرة » هي نسبة متقومة بالسير والبصرة ، وهي مغايرة للنسبة في قولنا « سرت من الكوفة » ، فهذه النسبة المتقومة بهذين الطرفين مغايرة

ص: 359

للنسبة المتقومة بذينك الطرفين ، فجزئية المعنى الحرفي اذن هي جزئيه بهذا المعنى ، وهذا لا ينافي كونها كلية تقبل التقييد بمثل الزوال وغيره من القيود.

قوله ص 107 س 2 الشامل للهيئات :

بما ان الثمرة المطروحة ناظرة الى مفاد الهيئة احتيج الى بيان ان مفاد الهيئة معنى حرفي ، اذ المقصود من المعنى الحرفي في المصطلح الاصولي ما يشمل كل نسبة وان كانت مفادا للهيئة لا للحرف.

قوله ص 107 س 6 القابل للتخصيص :

اي للتقييد وجعله ذا حصص.

قوله ص 107 س 8 كما في الجملة الشرطية :

كقولنا « صل ان زالت الشمس » ، فانها جملة شرطية ظاهرها رجوع القيد - الزوال - الى مفاد الهيئة وهو الوجوب ، ولكن الشيخ الاعظم يقول : بما ان مفاد الهيئة جزئي فيستحيل رجوع القيد اليه.

ثم ان ما ذكرناه كمثال للجملة الشرطية اولى من المثال الذي ذكره قدس سره « اذا جاءك زيد فاكرمه » ، فان ما ذكرناه مثال شرعي بخلاف ما ذكره.

قوله ص 107 س 9 لمدلول هيئة الجزاء :

الجزاء في المثال الذي ذكره قدس سره « فاكرمه » ، والهيئة فيه هي هيئة « افعل ».

قوله ص 107 س 14 والوجوب الملحوظ بنحو المعنى الحرفي :

هذا عطف تفسير على سابقه ، فان مفاد الهيئة هو الوجوب ولكن لا مفهوم الوجوب فانه مفهوم اسمي فلا يصلح ان يكون مفادا للهيئة بل هو النسبة الوجوبية.

ص: 360

قوله ص 107 س 16 الى متعلق الوجوب :

وهو الواجب اي الصلاة في مثالنا ، والاكرام في مثال الكتاب.

قوله ص 108 س 6 تبعا لقابلية طرفيه :

فاذا كان الطرفان قابلين للصدق على كثيرين كالسير والبصرة كان معنى كلمة « من » قابلا للصدق على كثيرين ايضا.

ص: 361

ص: 362

أدوات الطّلب

اشارة

ص: 363

ص: 364

الأمر أو أدوات الطّلب :

اشارة

قوله ص 109 س 1 ينقسم ما يدل على الطلب ... الخ :

هناك وسيلتان لحصول الطلب هما :

1 - الامر : مثل صم ، صلّ ، حجّ ، وهلم جرّا. وللامر مادة وهيئة ، والمقصود من المادة كلمة الامر ومشتقاتها مثل آمرك بالصلاة او انت مأمور بها وهكذا ، والمقصود من الهيئة مثل صلّ وصم وهكذا ، وكما ان هيئة الامر تدل على الطلب كذلك مادة الامر تدل عليه.

2 - الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب مثل قول الامام علیه السلام : « يعيد » حينما يسأله السائل عمّن شك في صلاته بين الركعة الاولى والثانية ، فان جملة « يعيد » جملة خبرية استعملت بداعي الطلب فتكون دالة عليه.

وهناك فارق بين الوسيلتين في كيفية الدلالة على الطلب ، فالثانية تدلّ عليه مع العناية ، فان الجملة الخبرية تدل مباشرة على الاخبار ولا تدل على الطلب وانما الطلب يستفاد منها بعد اعمال عناية يأتي ايضاحها عند شرح ص 119 ، وهذا بخلافه في الوسيلة الاولى ، فانها تدل على الطلب مباشرة ومن دون حاجة الى اعمال عناية.

القسم الاول.
اشارة

ويمكن ان نمنهج الحديث في هذا القسم ضمن النقاط التالية :

ص: 365

1 - ما هي حقيقة الطلب لغة؟ لو رجعنا الى القواميس اللغوية لرأيناها تعرفه بالسعي وراء المقصود ، فمن فقد شيئا معينا واخذ بالتفتيش عنه والسعي للعثور عليه سمّي سعيه بالطلب.

والسعي وراء المقصود له شكلان ، فتارة يسعى الانسان بنفسه للبحث عنه واخرى يأمر غير بالبحث عنه ، فان الآمر باصداره للامر يكون ساعيا بشكل ما وراء المقصود ، والشكل الاول يسمى بالطلب التكويني بينما الثاني يسمى بالطلب التشريعي.

2 - لا شك في دلالة كلمة « الامر » - المعبر عنها بمادة الامر - ومشتقاتها على الطلب ، وهذا لعله من الواضحات ، فان كل انسان عرفي يفهم من قولك « آمرك بالجد والاجتهاد » : اطلب منك الجد والاجتهاد ، ونستدرك لنقول : ان كلمة « الامر » وان كانت دالة على الطلب ولكن لا كل طلب بل خصوص الطلب من العالي الى الداني ، اما من المساوي الى المساوي او من الداني الى العالي فلا يسمى بالامر بل يسمى بالطلب من دون التعبير عنه بكلمة « الامر ».

3 - في النقطة السابقة ذكرنا ان مادة الامر تدل على الطلب ، والآن نأتي الى صيغة الامر مثل صل وصم ونحوهما لنرى هل تدل على الطلب ايضا او لا؟ والصحيح انها تدل على الطلب كما كانت كلمة « الامر » تدل عليه ولكن مع فارقين :

أ - ان كلمة « الامر » تدل على الطلب مباشرة ومن دون توسيط واسطة فان قولك : « آمرك بالاجتهاد » معناه اطلب منك الاجتهاد ، وهذا بخلافه في صيغة الامر مثل صلّ وصم فانها ابتداء لا تدل على الطلب بل على النسبة الارسالية ، اي ارسال المكلف الى الصلاة ، وبما ان ارسال المرسل نحو سعى منه الى

ص: 366

مقصوده (1) فيصدق على ارساله وينتزع منه عنوان الطلب ، فصيغة صلّ اذن لا تدل ابتداء على الطلب بل على الارسال وبتبع دلالتها على الارسال تدل على الطلب ، فان الدال على منشأ الانتزاع دال على العنوان الانتزاعي.

ب - ان كلمة « الامر » تدل على الطلب بمفهومه الاسمي ، فان المفهوم الاسمي للطلب هو كلمة « الطلب » ، وواضح ان كلمة « الامر » تدل على الطلب بحيث يمكننا ابدالها بكلمة « الطلب » وهذا بخلافه في صيغة الامر ، فان مثل كلمة « صل » وان كانت دالة على الطلب الاّ ان الدال على ذلك هو هيئتها ، وواضح ان الهيئة تدل على النسبة ولا تدل على مفهوم الطلب الذي هو مفهوم اسمي بل تدل على الارسال والطلب بنحو النسبة.

4 - ان صيغة صلّ يصدق على مجموعها - مادة وهيئة - عنوان الطلب ، فنحن عرفا نقول ان قوله تعالى « أَقِمِ الصَّلاةَ » طلب فنطلق على نفس كلمة « اقم » عنوان الطلب ، وما ذاك الاّ من جهة ان صدور الصيغة من قبل المولى فيما اذا كان بداعي تحصيل المقصود هو نحو سعي منه الى المقصود ، وكل سعي الى المقصود يصدق عليه عنوان الطلب كما تقدم.

5 - ذكرنا فيما سبق ان مادة الامر وصيغته تدلان على الطلب ، والآن نريد التعرف على انه هل تدلان على خصوص الطلب الوجوبي او على مطلق الطلب؟ والصحيح انهما تدلان على خصوص الطلب الوجوبي ، فان المتبادر من كلمة « صل » وكلمة « الامر » خصوص الطلب الوجوبي لا مطلق الطلب ، وهذا لعله شيء واضح ولا اختلاف فيه ، وانما الاختلاف في منشأ هذا التبادر وسببه ،

ص: 367


1- نظير من يرسل كلبه لاصطياد الفريسة ، فانه يصدق على ارساله الكلب انه طلب الفرسية ، اذ هو نحو من السعي وراء المقصود.

والاتجاهات في تفسيره ثلاثة :

الاول : ان يقال ان سبب الدلالة هو الوضع ، فكلمة « صل » وكلمة « الامر » تدلان على الطلب الوجوبي من جهة انهما وضعتا لذلك ، فالوضع للطلب الوجوبي هو السبب لتبادر الوجوب. ولكن من الواضح عدم امكان الجزم بكون الوضع هو السبب لتبادر الوجوب الاّ بعد ابطال الاتجاهين الاخيرين ، اذن التبادر بعد ابطال الاتجاهين الاخيرين دليل على ان منشأ التبادر هو الوضع.

الثاني : ما ذهب اليه الميرزا (1) من ان سبب الدلالة ليس هو الوضع بل حكم العقل ، فكلمة « الامر » وصيغته تدلان على الطلب فقط من دون دلالة على الوجوب ولكن الطلب بعد صدوره من المولى وعدم اقترانه بالترخيص يحكم العقل عليه بالوجوب ، فالوجوب اذن على هذا الاساس حكم عقلي وليس مدلولا وضعيا.

ويرده :

1 - انه بمجرد صدور الطلب بدون اقترانه بالترخيص في الترك لا يحكم العقل بالوجوب ، فقد يصدر الطلب غير مقترن بالترخيص ومع ذلك لا يحكم العقل بالوجوب كما لو اطّلع على ان ملاك الطلب - الذي فرض عدم اقترانه بالترخيص في الترك - ضعيف ، فالوجوب اذن مسبب عن قوة الملاك ، وما هو الكاشف عن قوة الملاك؟ انه الامر ، فان امر صل وصم وغيرهما يفهم منه العرف حينما يسمعه ان الملاك في الصلاة والصوم قوي فيحكم العقل حينذاك بالوجوب.

والخلاصة : ان صدور الطلب من دون ترخيص ليس هو السبب لحكم العقل بالوجوب كما يدعيه الميرزا بل السبب لذلك قوة الملاك التي يكشف عنها

ص: 368


1- واختاره السيد الخوئي ايضاً.

الامر ، فلفظ الامر اذن له المدخلية الكاملة لاستفادة الوجوب وليس الطلب بضميمة عدم صدور الترخيص كافيا في حكم العقل بالوجوب.

2 - لو صدر دليلان احدهما يقول « اكرم العالم » والاخر يقول « لا يجب اكرام احد » فما هو الموقف اتجاه هذين الدليلين؟ ان الموقف حسب ما يقوله الاصوليون وحسب ما هو المرتكز في الاذهان العرفية ايضا تخصيص الدليل الثاني بالاول فتكون النتيجة : لا يجب اكرام احد الا العالم فانه يجب اكرامه ، هذه هي النتيجة التي يبني عليها الاصوليون والحال ان لازم هذا الاتجاه الثاني عدم وجوب اكرام احد حتى العالم لان الدليل الاول انما يصير مخصصا للثاني فيما لو كان الاول دالا على الوجوب ، اذ بدلالته على وجوب اكرام العالم ترفع اليد عن عموم لا يجب اكرام احد ، وواضح انه بناء على الاتجاه الثاني لا يكون الدليل الاول دالا على الوجوب لاقترانه بما يدل على الترخيص في الترك فانه مقترن بالدليل الثاني الدال بواسطة عمومه على جواز ترك اكرام كل شخص حتى العالم ، ومع عدم دلالة الدليل الاول على الوجوب لا يكون مخصصا للدليل الثاني بل يحكم بجواز ترك اكرام كل شخص حتى العالم ، وهذا مما لا يلتزم به احد حتى الميرزا قدس سره .

3 - ما المراد من عدم الترخيص في الترك الذي لا بد من افتراض اقترانه بالطلب حتى يحكم العقل بالوجوب؟ ان فيه ثلاثة احتمالات :

أ - ان يراد : لو صدر الطلب ولم يتصل به الترخيص فالعقل يحكم بالوجوب. وهذا الاحتمال باطل لان لازمه ان الطلب بمجرد صدوره يحكم العقل بالوجوب ما دام لم يتصل به الترخيص بحيث لو صدر الترخيص بعد يوم او يومين رفض من جهة منافاته لحكم العقل بالوجوب ، مع انه من الامور الواضحة

ص: 369

ان الترخيص يقبل ولا يرفض حتى لو صدر بعد يوم او يومين ويحكم بعدم الوجوب.

ب - ان يراد : لو صدر الطلب ولم يصدر الترخيص المتصل ولا المنفصل فالعقل يحكم بالوجوب. وهذا الاحتمال باطل ايضا اذ لازمه ان لا يحكم العقل بالوجوب ابدا فانه في كل آن يحتمل العقل صدور الترخيص الآن او فيما بعد.

ج - ان يراد : لو صدر الطلب ولم يعلم المكلف بالترخيص فالعقل يحكم بالوجوب ، وعلى اساس هذا الاحتمال يحكم العقل بالوجوب وان احتمل صدور الترخيص بعد مدة لانه بالتالي لا يعلم بالترخيص ومع عدم العلم بالترخيص يحكم بالوجوب. وهذا الاحتمال باطل ايضا اذ كلامنا في الوجوب الواقعي وانه ما هي النكتة لفهم الوجوب الواقعي هل هي الوضع او العقل او شيء آخر ، وواضح ان الوجوب الواقعي لا يناط بالعلم ولا بعدم العلم وانما الذي يناط بذلك تنجز الوجوب ، فالوجوب يتنجز عند عدم العلم بالترخيص ولا يتنجز عند العلم بالترخيص ، والمفروض ان كلامنا ليس في تنجز الوجوب بل في الوجوب الواقعي.

والخلاصة : ان في المراد من عدم الترخيص ثلاثة احتمالات كلها باطلة فيثبت ان اصل هذا الاتجاه باطل.

الثالث : ان السبب لدلالة الامر على الوجوب هو الاطلاق ومقدمات الحكمة ، ويمكن توضيح ذلك باحد بيانات ثلاثه :

البيان الاول (1) : ويمكن منهجة هذا البيان ضمن النقاط التالية :

ان الوجوب عبارة عن ارادة الشيء ارادة شديدة بينما الاستحباب عبارة

ص: 370


1- وهو للشيخ العراقي في بدايع الافكار ص 214.

عن ارادة الشيء ارادة ضعيفة.

ب - ان شدة الارادة ليست الاّ نفس الارادة نظير شدة السواد فانها بمعنى وجود سواد اكثر ، واما ضعف الارادة فهو عبارة عن عدم الارادة نظير ضعف السواد ، فانه بمعنى عدم السواد الزائد ، وبكلمة اخرى : الارادة الشديدة مركبة من جزئين : ارادة وشدة ، وحيث ان الشدة عبارة اخرى عن نفس الارادة فالارادة الشديدة اذن كلها ارادة وما به الامتياز عين ما به الاشتراك ، وهذا بخلاف الارادة الضعيفة فانها مركبة من جزئين : ارادة وضعف ، وحيث ان الضعف عبارة عن عدم الارادة فالارادة الضعيفة اذن مركبة من ارادة وعدم ارادة وليست كلها ارادة ، اذ ما به الامتياز مغاير لما به الاشتراك ، فما به الاشتراك هو الارادة بينما ما به الامتياز هو عدم الارادة.

ج - ان الذي يحتاج الى بيان اكثر هو الارادة الضعيفة حيث تحتاج الى دالين : دال على الارادة ودال آخر على عدم الارادة بينما الارادة الشديدة لا تحتاج الى دالين بل تكتفي بدال واحد يدل على اصل الارادة ، لان المفروض انها ارادة لا غير.

والنتيجة من خلال هذه النقاط الثلاث ان الامر يدل على الوجوب اذ الامر يدل على الارادة فقط وحيث ان الوجوب هو ارادة خالصة فيكون هو المدلول للامر. هذه حصيلة البيان الاول.

ويرده : ما ذكره جماعة من ان مقدمات الحكمة مقدمات عرفية ، والعرف لا يطبقها في المجالات التي تستدعي افتراضات دقيقة غير عرفية كما هو الحال في هذا البيان فانه يشتمل على افتراضات غير عرفية مثل ما ذكر في النقطة الثانية من ان شدة الارادة ارادة بخلاف ضعف الارادة فانه عدم ارادة فيكون ما به

ص: 371

الامتياز عين ما به الاشتراك في الارادة الشديدة دون الارادة الضعيفة.

البيان الثاني :

البيان الثاني (1) : وهو مركب من مقدمتين :

1 - ان حقيقة الوجوب عبارة عن طلب الفعل ولكن ليس هو فقط اذ طلب الفعل ثابت في المستحبات ايضا فلا بد من فرض ضميمة ، وفي الضميمة احتمالان :

أ - ان تكون عبارة عن النهي بمعنى ان الوجوب عبارة عن طلب الفعل مع اضافة قيد آخر وهو النهي ، فهو - الوجوب - طلب الفعل مع النهي عن الترك.

وهذا الاحتمال باطل فان النهي كما هو ثابت في الوجوب ثابت في الكراهة ايضا فان الكراهة تشتمل على النهي ايضا ، ومع ثبوته في الكراهة يكون النهي جنسا شاملا للوجوب والكراهة ، واذا كان جنسا فلا يمكن ان يكون هو الضميمة المنضمة الى طلب الفعل والاّ يلزم تركب حقيقة الوجوب من جنسين هما طلب الفعل والنهي ، وواضح ان حقيقة الشيء لا تتركب من جنسين بل من جنس وفصل (2).

ص: 372


1- لم نعرف قائله بعد المراجعة الطويلة
2- لعل قائلا يقول : ان الضميمة لو جعلناها عبارة عن اصل النهي فالبيان المذكور تام لان النهي جنس صادق على الوجوب والكراهة معا ، وحقيقة الشيء لا تتركب من جنسين ، ولكن لم لا نفرض الضميمة هي النهي عن الترك فان النهي المضاف الى الترك يختص بالوجوب ولا يشمل الكراهة. والجواب : ان اصل النهي لو كان جنسا فباضافته الى الترك لا يصير فصلا بل يصير جنسا مقيدا ، ومن الواضح ان حقيقة الشيء لا تتركب من جنس وجنس مقيد بل من جنس وفصل. هذا ويبقى لنا الحق في ان نقول ان هذا التطويل لا داعي له فبالامكان ان يقال : ان النهي عن الترك ليس هو الضميمة لانه ثابت في المستحبات ايضا ، وهذا اوضح واخصر وامتن.

ب - ان تكون الضميمة عبارة عن عدم الترخيص في الترك ، فالوجوب عبارة عن طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك بخلاف الاستحباب فانه طلب الفعل مع الترخيص في الترك. وهذا الاحتمال هو الصحيح.

اذن الوجوب مركب من جزئين احدهما وجودي وهو طلب الفعل وثانيهما عدمي وهو عدم الترخيص في الترك بينما الاستحباب مركب من جزئين كلاهما وجودي.

2 - وبعد هذا نسأل ايهما يحتاج الى بيان اكثر فهل الوجوب يحتاج الى بيان اكثر او الاستحباب؟ الصحيح ان الاستحباب يحتاج الى بيان اكثر اذ هو مركب من جزئين كلاهما وجودي ، وكل امر وجودي يحتاج الى بيان يدل عليه ، فالاستحباب اذن يحتاج الى بيانين : بيان للجزء المشترك وهو طلب الفعل وبيان للجزء الثاني وهو الترخيص في الترك ، وهذا بخلاف الوجوب فانه يحتاج الى بيان واحد يبين الجزء المشترك ولا يحتاج الى بيان آخر للجزء الثاني فان الجزء الثاني وهو عدم الترخيص في الترك امر عدمي والامر العدمي ليس شيئا حتى يحتاج الى بيان بل هو عدم شيء. وبكلمة اخرى : الامر العدمي ليس شيئا زائدا على الجزء الاول المشترك - اذ لو كان زيادة لما كان عدما بل وجودا - فلا يحتاج الى بيان زائد.

ويمكن صياغة المقدمة الثانية بعبارة اخرى بان نقول : اذا كان عندنا كلام - مثل امر اغتسل - يدل على حيثية مشتركة هي طلب الفعل ودار امرها بين ان يكون المقصود منها الطلب الاستحبابي الذي هو حقيقة مائزها امر وجودي تعين الحمل على الطلب الوجوبي ، لان الحيثية الاولى للطلب الوجوبي وهي اصل

ص: 373

طلب الفعل يفي بها امر اغتسل مثلا ، والحيثية الثانية لا تحتاج الى بيان زائد لكونها امرا عدميا. هذه حصيلة البيان الثاني.

ويرده : ان عدم الترخيص في الترك الذي هو الحيثية الثانية في الوجوب وان كان امرا عدميا الاّ انه ليس كل امر عدمي لا يراه العرف زيادة بل بعض الاعدام يراها العرف زيادة تحتاج الى بيان كما هو الحال في عدم الترخيص في المقام فان العرف يراه شيئا آخر زائدا على طلب الفعل وبحاجة الى بيان زائد بشهادة ان العرف حينما نساله عن حقيقة الوجوب يجيبنا انه عبارة عن جزئين : طلب الفعل وعدم الترخيص في الترك ، فلو كان عدم الترخيص ليس شيئا زائدا على طلب الفعل فمن المناسب تفسير الوجوب بطلب الفعل فقط.

هذا مضافا الى ان عدم الترخيص لو لم يكن شيئا زائدا ومغايرا لطلب الفعل يلزم كون النسبة بين الوجوب والاستحباب كنسبة المركب من جزء واحد الى المركب من جزئين اي كنسبة الاقل الى الاكثر - كالحيوان الى الانسان فانه يعد عرفا اقل والانسان اكثر لتركبه من حيوانية وناطقية - والحال ان ذلك مخالف للوجدان العرفي فانه يرى النسبة بين الوجوب والاستحباب نسبة المباين الى المباين لا الاقل الى الاكثر.

البيان الثالث : ان صيغة الامر تدل على الارسال ، فصيغة ادرس مثلا تدل على الارسال للدرس والدفع اليه نظير ارسال الكرة للهدف ، فكلاهما ارسال الاّ ان هذا ارسال الى الدرس وذاك ارسال الى الهدف.

ثم ان الارسال يلازم سدّ باب العودة والمخالفة ، فكما ان مرسل الكرة بارساله لها يكون قد سد عليها باب الرجوع والعودة والاّ لما كان ارساله ارسالا فكذلك الارسال الى الدرس يلازم سدّ باب المخالفة وعدم التحرك الى الدرس.

ص: 374

وبعد هذا نقول : ان الارسال الملازم لسد باب المخالفة يتناسب مع اي حكم فهل يتناسب مع الوجوب او يتناسب مع الاستحباب؟ لا اشكال في تناسبه مع الوجوب ، اذ في الوجوب يكون باب المخالفة مسدودا بخلافه في الاستحباب فانه ليس مسدودا.

ويبقى علينا بعد هذا ان نتعرف على الطريق لاثبات ان الحكم المقصود للمولى هو الوجوب دون الاستحباب ، فهل ان مناسبة الارسال للوجوب تكفي وحدها لتعيّن الوجوب او لا؟ والجواب : ان الاطلاق هو الذي يعين كون المقصود للمولى هو الوجوب دون الاستحباب ، اذ لو كان مراد المولى الحكم الذي لا يتناسب مع الارسال لزمه بيان ذلك فسكوته عن بيانه دليل على ان مقصوده هو الحكم المناسب للارسال. هذه هي حصيلة البيان الثالث.

وهو وجيه فان تم فبها والاّ فالمتعين في وجه الدلالة على الوجوب هو الوضع.

قوله ص 109 س 9 بل الطلب التشريعي :

اما الطلب التكويني فواضح انه ليس مدلولا لكلمة « الامر ».

قوله ص 110 س 3 دلالة :

الصواب : دالة.

قوله ص 110 س 3 بالدلالة التصورية :

اي بالدلالة الوضعية ، فان الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية على غير مسلك التعهد.

قوله ص 112 س 7 ولو بنحو غير مستقر :

التعارض غير المستقر هو كتعارض العام والخاص حيث ان التعارض

ص: 375

بينهما يزول بسبب الجمع العرفي بينهما بالتخصيص.

قوله ص 112 س 7 بين الامر العام :

الصواب : بين الامر والعام.

قوله ص 112 س 13 والالتزام بالوجود :

الصواب : بالوجوب.

قوله ص 113 س 2 ويقين المكلف به :

عطف على « احراز ».

قوله ص 113 س 9 بحسب الغرض :

الصواب : بحسب الفرض.

قوله ص 114 س 5 لانها بحدها :

حد الارادة الشديدة : الشدة. وحد الارادة الضعيفة : الضعف. والمراد من المحدود نفس الارادة.

قوله ص 114 س 8 فلو كانت هي :

اي لو كانت الارادة الضعيفة هي المقصودة من الامر.

قوله ص 115 س 2 والمنع :

عطف تفسير للنهي.

قوله ص 115 س 3 لان النهي عن شيء :

انما قال عن شيء ولم يقل عن الترك لان الثابت في المكروه ليس هو النهي عن الترك بل النهي عن الفعل.

يبقى شيء وهو ان اصل النهي وان كان ثابتا في المكروه ايضا بيد ان النهي عن الترك يختص بالوجوب فلم لا تجعل الضميمة هي النهي عن الترك لا اصل

ص: 376

النهي؟ والجواب عن هذا ذكرناه سابقا وهو ان اصل النهي اذا كان جنسا شاملا للمكروه ايضا فبتقييده بالترك لا يصير فصلا بل يصير جنسا مقيدا ، والشيء كما لا يتركب من جنسين مطلقين كذا لا يتركب من جنس مطلق وجنس مقيد وانما يتركب من جنس وفصل.

قوله ص 116 س 10 بنحو المعنى الحرفي :

اذ ان هيئة « ادرس » ككل هيئة تدل على النسبة ولا تدل على الارسال بمفهومه الاسمي ، فان الارسال بمفهومه الاسمي عبارة عن كلمة « الارسال » ولا اشكال في ان هيئة « ادرس » لا ترادف كلمة « الارسال ».

قوله ص 116 س 11 لسد تمام ابواب العدم للتحرك والاندفاع :

لعل العبارة الواضحة ان يقال : لسد باب عدم التحرك والاندفاع.

قوله ص 116 س 12 فمقتضى اصالة التطابق ... الخ :

المدلول التصوري هو المعنى المستعمل فيه وهو الارسال ، والمدلول التصديقي عبارة عن القصد والارادة ، والمعنى : ان الاصل ان يكون المقصود الواقعي مطابقا ومشابها للارسال الذي استعملت فيه صيغة « ادرس » ، ومعه يثبت كون المقصود الواقعي هو الوجوب اذ ارادته لا تحتاج الى بيان زائد بخلاف ما لو كان الاستحباب هو المقصود ، فان ارادته تحتاج الى بيان زائد.

ثم لا يخفى ان اصالة التطابق المذكورة هنا تختلف قليلا عن اصالة التطابق في سائر الموارد ، ففي سائر الموارد تطبق اصالة التطابق لاثبات ان المدلول التصوري هو المراد واقعا ، فحينما يقال « اعتق رقبة » فالمدلول التصوري هو مطلق الرقبة ، وباصالة التطابق يثبت ان هذا الاطلاق مراد واقعا ، واما هنا فالمدلول التصوري هو الارسال وباصالة التطابق لا يراد اثبات ان الارسال مراد

ص: 377

واقعا بل اثبات ان المراد واقعا معنى يناسب الارسال وهو الوجوب.

الثمرة بين الاتجاهات.

قوله ص 117 س 1 وتترتب فوارق عملية ... الخ :

بعد اتضاح الاتجاهات الثلاثة في تفسير نكتة استفادة الوجوب وهي : الوضع ، حكم العقل ، مقدمات الحكمة قد تسأل عن الفارق العملي بينها رغم انها جميعا تثبت الوجوب ، ان الفارق يظهر في موردين :

1 - اذا استعملت صيغة الامر في الاستحباب فقيل مثلا « اغتسل للجمعة » ، فهذا الاستعمال في الاستحباب بناء على الاتجاه الاول القائل بالوضع يكون مجازا لان الصيغة موضوعة للوجوب فاستعمالها في الاستحباب مجاز ، بينما على الاتجاه الثاني يكون استعمالها حقيقيا ، اذ صاحب الاتجاه الثاني يقول ان الصيغة موضوعة لاصل الطلب واستفادة الوجوب منها يكون بحكم العقل ، ومن الواضح انه في حالة ارادة الاستحباب تكون الصيغة مستعملة في اصل الطلب ايضا غاية الامر لا يحكم العقل بالوجوب لاجل الترخيص في ترك الغسل.

واما على الاتجاه الثالث فالاستعمال حقيقي ايضا ، اذ عليه تكون الصيغة موضوعة للطلب واستفادة الوجوب منها يكون بالاطلاق فاذا لم يرد الوجوب فاقصى ما يلزم تقييد الاطلاق لا استعمال الصيغة في غير معناها - وهو الطلب - وواضح ان تقييد الاطلاق - مثل اعتق رقبة مؤمنة - لا يلزم منه المجازية لان ارادة المقيد تكون بدال آخر - مثل قيد مؤمنة - من دون استعمال المطلق في غير معناه.

2 - وهذه الثمرة مترتبة على الاولى وحاصلها : ان يقال انه لو وردت اوامر

ص: 378

متعددة في سياق واحد - مثل اغتسل للجمعة وصل صلاة الليل وادع عند رؤية الهلال - فاذا فرض العلم من الخارج بان المقصود من الجملة الاولى والثانية هو الاستحباب وشككنا في الجملة الثالثة فلم ندر ان المقصود منها هو الاستحباب ايضا او الوجوب ففي مثل هذه الحالة هل يمكن ان نجعل الجملة الاولى والثانية قرينة على ان المراد من الثالثة هو الاستحباب ايضا - تمسكا بقرينة وحدة السياق - او لا؟ هنا تظهر الثمرة الثانية ، فعلى الاتجاه الاول اي القول بالوضع يصح التمسك بقرينة وحدة السياق حيث ان صيغة اغتسل وصلّ لم يرد منهما المعنى الموضوع له وهو الوجوب بل اريد منهما المعنى المجازي وهو الاستحباب واستعملتا في هذا المعنى المجازي ، وما دامتا قد استعملتا في الاستحباب فيلزم ان تكون الجملة الثالثة مستعملة في الاستحباب ايضا لئلا يلزم التفكيك في السياق الواحد ، واما بناء على الاتجاه الثاني - وهو استفادة الوجوب من حكم العقل - فلا يمكن التمسك بقرينة وحدة السياق ، اذ على هذا الاتجاه تكون الصيغة مستعملة في اصل الطلب واستفادة الوجوب والاستحباب تحصل بواسطة اقتران الترخيص في الترك وعدمه ، وما دامت مستعملة في اصل الطلب في جميع الجمل الثلاث فلا يلزم محذور التفكيك في السياق الواحد ، بل كلها مستعمل في اصل الطلب غاية الامر اقترن الطلب في الجملة الاولى والثانية بالترخيص في الترك المستفاد من دليل خارجي كالاجماع وغيره فحكم العقل بالاستحباب ، بينما لم يقترن بالجملة الثالثة فحكم بالوجوب ، فالتفكيك اللازم تفكيك في حكم العقل لا في المعنى المستعمل فيه.

واما على الاتجاه الثالث - وهو استفادة الوجوب من الاطلاق ومقدمات الحكمة - فايضا لا يلزم من ارادة الوجوب تفكيك السياق الواحد لاستعمال

ص: 379

الصيغة في جميع الجمل الثلاث في اصل الطلب ايضا ، والوجوب يستفاد من اطلاق الصيغة والاستحباب من تقييدها.

قوله ص 117 س 3 ومن جملتها :

لا حاجة الى الواو.

قوله ص 117 س 4 واستعمال اللفظ :

عطف تفسير على التجوز.

قوله ص 117 س 5 الى تقييد الاطلاق :

اي وحيث ان تقييد الاطلاق يحصل بدال آخر فلا تلزم المجازية نظير قولنا اعتق رقبة مؤمنة ، فان الرقبة وان قيدت بالايمان ولكن لا يلزم من ذلك مجازيتها لاستعمالها في طبيعي الرقبة والتقييد يستفاد من دال آخر وهو كلمة « مؤمنة ».

قوله ص 117 س 8 وعليه فاذا جاءت :

اي وعلى اساس الثمرة السابقة تترتب هذه الثمرة الثانية ، وهذا شروع في الثمرة الثانية.

قوله ص 118 س 1 بل كلها ذات معنى واحد :

وهو اصل الطلب.

قوله ص 118 س 2 ولكنه اريد في بعضها مطلقا :

المراد من هذا البعض هو الجملة الثالثة ، ومن البعض الثاني هو الجملة الاولى والثانية.

قوله ص 118 س 2 مقيدا :

اي ولكن هذا التقييد بدال آخر.

ص: 380

الاوامر الارشادية.

قوله ص 118 س 3 ومهما يكن فالاصل ... الخ :

تنقسم الاوامر الى قسمين : اوامر مولوية واوامر ارشادية. والفرق بينها هو انه تارة يترتب على مخالفة الامر استحقاق العقوبة واخرى لا يترتب ، فان ترتب سمي الامر بالامر المولوي او التكليفي مثل امر صلّ ، صم ... فانه يترتب على مخالفته استحقاق العقوبة ، وان لم يترتب سمي بالامر الارشادي.

وقد ذكر في الكتاب للامر الارشادي ثلاثة امثلة ، الاولان منها شرعيان والثالث عرفي.

المثال الاول : استقبل بذبيحتك القبلة ، وهذا الامر لا يترتب على مخالفته استحقاق العقوبة ، فلو فرض ان المكلف لم يستقبل القبلة عند الذبح فلا يعاقب على ذلك وان صارت الذبيحة محرمة الاكل ، فالامر المذكور يراد به الارشاد الى شرطية الاستقبال في حلية الذبيحة ، وقد يعبر عن الاستقبال بانه واجب شرطي باعتبار انه شرط لازم لحصول الحلية.

المثال الثاني : اغسل ثوبك من البول ، فلو فرض ان انسانا اصاب البول ثوبه ولم يغسله لم يكن آثما ، فالامر المذكور اذن يراد به الارشاد الى نجاسة البول وان الغسل بالماء هو المطهر من النجاسة.

المثال الثالث : قول الطبيب للمريض استعمل الدواء ، وهذا الامر - الذي هو امر عرفي - لا يترتب على مخالفته عقوبة بل يراد به الارشاد الى نفع الدواء وانه الوسيلة للشفاء.

ثم انه لا بد من الالتفات الى نكتة وهي ان الاوامر الارشادية كالمولوية

ص: 381

مستعملة في المعنى الموضوع له وهو النسبة الارسالية ، فكما ان امر صلّ مستعمل في الارسال او بتعبير ادق في النسبة الارسالية كذلك امر اغسل ثوبك من البول مستعمل في الارسال غير ان الغرض الواقعي هناك يختلف عنه هنا ، فالغرض الواقعي في الاوامر المولوية هو التحريك بينما في الاوامر الارشادية هو الارشاد.

وان شئت قلت : ان المدلول التصوري - وهو المعنى الموضوع له - واحد في كلتا الجملتين وانما الاختلاف في المدلول التصديقي - اي في المقصود الواقعي.

قوله ص 118 س 3 ومهما يكن :

اي سواء كان يلزم التفكيك في السياق الواحد من ارادة الوجوب في الجملة الثالثة او لا. والمراد من الاصل : مقتضى الظهور.

قوله ص 118 س 4 طلب المادة وايجابها :

عطف الايجاب على الطلب تفسيري. والمراد من المادة : مثل الصلاة في امر صلّ.

قوله ص 118 س 9 عن ذلك :

اي عن شرطية الاستقبال.

قوله ص 118 س 9 باعتبار ان الشرط واجب في المشروط :

الشرط هو مثل الاستقبال ، والمشروط هو مثل حلية الذبيحة.

القسم الثاني.

قوله ص 119 س 3 ونقصد به الجملة الخبرية ... الخ :

تقدم ان الوسيلة لحصول الطلب تارة تدل عليه بلا عناية واخرى مع العناية ، والحديث سابقا كان عن الوسيلة الاولى ، ومن الآن يقع عن الوسيلة

ص: 382

الثانية ، اي عما يدل على الطلب مع العناية ، وهو الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب مثل قول الامام علیه السلام « اعاد صلاته » حينما يسأله السائل عن المصلي الذي يشك في عدد ركعات صلاة الصبح.

والكلام عن الجملة الخبرية يقع في مرحلتين :

1 - ما هي العناية في الجملة الخبرية التي بتوسطها تدل على الطلب؟

2 - هل الطلب الذي تدل عليه الجملة الخبرية هو خصوص الطلب الوجوبي او الاعم من الوجوبي والاستحبابي؟

اما المرحلة الاولى فالسؤال المطروح فيها هو : كيف تدل الجملة الخبرية على الطلب مع ان المقصود منها الاخبار دون الطلب ، وبتعبير آخر : ان الجملة الخبرية ما دامت موضوعة للنسبة الصدورية - كنسبة صدور الاعادة من المصلي - لا للنسبة الارسالية ، والمفروض ان المقصود منها الاخبار دون الطلب فكيف تدل عليه؟ ومن هنا كانت دلالتها على الطلب بحاجة الى عناية ، والعناية يمكن تصويرها بثلاثة اشكال :

أ - ان يفرض ان جملة « اعاد » مستعملة في معناها الموضوع له وهو النسبة الصدورية ، ويفرض انه علیه السلام يقصد منها الاخبار دون الطلب ، فكانه علیه السلام قال : اخبركم بان الشاك في صلاة الصبح قد صدرت منه الاعادة غير انا نفترض ان المصلي الذي يخبر علیه السلام بحصول الاعادة منه انسان يسير على خط الشريعة ويطبق عمله على الموازين الشرعية ، وبعد هذا الافتراض تكون جملة « اعاد » دالة على الطلب ، فان الاعادة اذا لم تكن مطلوبة شرعا فلا يصدق على الفاعل لها انه ممن يطبق عمله على الموازين الشرعية ، وما دمنا قد افترضنا انه يطبق عمله على الموازين الشرعية فمن اللازم كون الاعادة مطلوبة ولو على

ص: 383

الاقل طلبا استحبابياً.

يبقى السؤال عن القرينة على تقييد الشخص المخبر عنه بالقيد المتقدم.

والجواب : ان القرينة هي انه اذا لم نفترض التقييد المذكور فلازمه ان الامام علیه السلام يريد الاخبار عما يفعله الناس وانهم يعيدون صلاتهم عند الشك ويصير ذلك نظير الاخبار عنهم بانهم يأكلون الطعام حين يجوعون ، وواضح ان ذلك لا يليق بمقامه علیه السلام فانه ليس قصّاصا.

ب - ان يفرض انه علیه السلام حينما قال « اعاد صلاته » استعمل الجملة في النسبة الصدورية اي في صدور الاعادة وحصولها من المصلي ، ويفرض ايضا ان غرضه علیه السلام هو الاخبار كما كنا نفترض ذلك في العناية الاولى ، بيد انا نفرض الآن ان الامام علیه السلام حينما اخبر عن حصول الاعادة كان غرضه الواقعي الاخبار عن علة الاعادة وسببها ، فالانسان قد يخبر عن شيء وغرضه الاخبار عن علته كما هو الحال في باب الكناية ، ففي قولنا « زيد كثير الرماد » ليس الغرض الاخبار عن كثرة الرماد حقيقة بل عن الكرم الذي هو العلة لكثرة الرماد فكانه يراد ان يقال زيد كريم ولكنه قد اخبر عن حصول المعلول مع ان الغرض الواقعي الاخبار عن العلة ، وهنا يقال كذلك اي ان الاعادة مسببة عن الطلب والطلب سبب لها والامام علیه السلام اخبر عن الاعادة بداعي الاخبار عن سببها وهو الطلب.

ج - ان يفرض انه علیه السلام حينما قال : « اعاد صلاته » لم يستعمل الجملة في معناها الموضوع له وهو النسبة الصدورية بل في الارسال والطلب فكأنه قال « اعد ». وبناء على هذه العناية يكون استعمال الجملة مجازا بينما على الاولين يكون حقيقة.

ص: 384

وبعد اتضاح هذه الاشكال الثلاثة للعناية قد تسأل عن الاقرب منها ، والاقرب هو الشكل الاول لانه لا يتضمن اي عناية ، اذ المفروض استعمال الجملة في معناها الموضوع له وهو الجملة الصدورية والمفروض ايضا ارادة الاخبار منها ، غاية الامر يقيد المخبر عنه بكونه ممن يطبق عمله على الموازين ، وهذا التقييد ليس فيه عناية بعد ما فرضنا ان الامام علیه السلام ليس قصّاصا ، فكونه علیه السلام ذا منصب بيان الاحكام قرينة بنفسه على التقييد المذكور ، وهذا بخلافه في الشكلين الاخيرين فان العناية واضحة ، ففي الشكل الثاني نحتاج الى افتراض الكناية وهي مخالفة للظاهر وفي الشكل الثالث يحتاج الى افتراض المجازية في الاستعمال.

دلالة الجملة الخبرية على الوجوب

قوله ص 120 س 2 الثانية : في دلالتها ... الخ : كان الحديث فيما سبق عن العناية المبذولة لاستفادة الطلب ، والآن وفي المرحلة الثانية يقع الكلام عن مدى امكان استفادة الطلب الوجوبي من الجملة الخبرية وعدمه.

وللتعرف على ذلك لا بد من مراجعة العنايات السابقة التى استفيد الطلب بتوسطها.

اما العناية بشكلها الاول فهي تقتضي الطلب الوجوبي لان اصل دلالة الجملة الخبرية على الطلب بحاجة الى افتراض تقييد المخبر عنه بكونه ممن يطبق عمله على الموازين الشرعية ، فاذا اردنا ان نستفيد منها مطلق الطلب الشامل للاستحباب فلا بد من افتراض تقييد ثاني في المخبر عنه ، فان من يطبق عمله على الموازين الشرعية لا يلزم صدور الاعادة منه فيما اذا كانت مستحبة الا اذا فرضنا

ص: 385

انه يطبق عمله على افضل الموازين الشرعية واكملها ، اما من يطبق عمله على الموازين الشرعية بدون التقيد بافضلها فهو يأتي بالواجبات واما المستحبات فقد لا يأتي بها. اذن استفاده الاستحباب بحاجة الى افتراض تقييدين : تقييد المخبر عنه بكونه ممن يطبق عمله على الموازين الشرعية ، وتقييده بكونه يطبق عمله على افضلها ، وهذا بخلاف استفادة الوجوب فانها بحاجة الى التقييد الاول فقط.

واما العناية بشكلها الثاني فهي تقتضي الوجوب ايضا ، لان الذي سوّغ للامام علیه السلام ان يخبر عن صدور الاعادة ويقصد بذلك الكناية عن الطلب هو الملازمة بين طلب الاعادة وصدورها ، ومن الواضح ان الملازمة ثابته بين خصوص الطلب الوجوبي والاعادة لا بين مطلق الطلب - ولو كان استحبابيا - والاعادة ، فان استحباب الاعادة لا يلازم صدورها او يلازمها ولكن بشكل ضعيف ، وهذا بخلاف وجوب الاعادة فانه يلازم صدورها.

واما العناية بشكلها الثالث فهي لا تقتضي كون الطلب وجوبيا ، فان استعمال صيغة « اعاد » في غير النسبة الصدورية مجاز سواء كان ذلك الغير هو الوجوب ام الاستحباب ، ولا مرجح لاحد المجازين على الآخر حتى يتعين فكلاهما اذن محتمل.

قوله ص 119 س 6 مدلولها التصوري : اي معناها الموضوع له ، فان صيغة « اعاد » موضوعة لافادة صدور الاعادة من المعيد.

قوله ص 119 س 7 ومدلولها التصديقي : اي المقصود الواقعي منها هو الحكاية والاخبار.

قوله ص 120 س 3 المدلولة تصورا : اي المدلولة وضعا.

قوله ص 120 س 3 بل امر ملزوم لها : الملزوم هو العلة. اي ان الذى

ص: 386

يقصد الاخبار عنه هو علة الصدور وهو الطلب فان الطلب هو العلة الموجبة للاعادة.

قوله ص 121 س 2 المصححة : صفة للملازمة.

قوله ص 121 س 3 للاخبار عن الملزوم ببيان اللازم : اي الاخبار عن الطلب بواسطة بيان اللازم وهو الصدور.

مادة النهي وصيغته

قوله ص 121 س 11 وكل ما قلناه في جانب ... الخ : ذكرنا سابقا ان للطلب وسيلتين :

ا - ما يدل عليه بالمباشرة وهو مادة الامر وصيغته.

ب - ما يدل عليه لا بالمباشرة وهو الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب.

وذكرنا ايضا ان الاوامر على قسمين : مولوية وارشادية. وهذا الحديث كله يأتي في النهي ايضا ، فللنهي وسيلتان :

ا - ما يدل عليه بالمباشرة وهو مادة النهي - اي كلمة النهي ومشتقاتها - وصيغته. مثال المادة : انت منهي او انهاك او اني نهيتك عن الكذب. ومثال الصيغة : لا تكذب او لا تشرب واشباه ذلك.

ب - ما يدل عليه لا بالمباشرة وهو الجملة الخبرية المستعملة بداعي النهي ، كما اذا سئل الامام علیه السلام عن الشك بين الركعة الثالثة والرابعة فقال : لا يعيد ، فانه جملة خبرية مستعملة بداعي النهي.

وايضا النهي تارة يكون مولويا واخرى ارشاديا ، فالمولوي هو النهي

ص: 387

الذي تترتب على مخالفته العقوبة مثل : لا تكذب ، لا تسرق ، و ... ، والارشادي هو النهي الذي لا تترتب على مخالفته العقوبة بل يكون ارشادا الى مطلب من المطالب. وذكر في الكتاب للنهي الارشادي ثلاثة امثلة :

1 - ان يكون ارشادا الى ثبوت حكم شرعي مثل : لا تصل في جلد الحيوان الذي لا يحل اكل لحمه كجلد النمر والاسد وغيرهما ، فان مثل هذا النهي لا يعاقب المكلف عليه لو خالفه وصلى في جلد الاسد مثلا بل اقصى ما يترتب عليه فساد الصلاة ، فالنهي المذكور اذن ارشاد الى المانعية اي مانعية مصاحبة اجزاء الحيوان المذكور من صحة الصلاة ، وواضح ان المانعية حكم شرعي وضعي.

2 - ان يكون ارشادا الى عدم ثبوت حكم شرعي كالنهي عن قبول خبر الفاسق ، فانه ارشاد الى عدم حكم الشارع بحجيته وليس مولويا اذ لا يترتب على مخالفته عقوبة.

3 - ان يكون ارشادا الى امر تكويني كنهي الطبيب المريض عن تناول الماء البارد فانه ارشاد الى اشتداد المرض عند تناول ذلك ولا يترتب على مخالفته عقوبه.

والخلاصة انه لا توجد ابحاث جديدة في النهي تختلف عن الابحاث المتقدمة في الامر. اجل هناك فرق واحد - ولكنه ليس مهما - وهو ان الامر يدل على طلب الفعل بخلاف النهي فانه يدل على الزجر عن الفعل.

الامر يدل على الفور او التراخي؟

قوله ص 122 س 7 ثم ان الامر لا يدل على الفور او التراخي ... الخ : هناك بحث تعرض له الاصوليون وهو ان المولى لو قال تصدق على الفقير فهل هذا

ص: 388

الامر يدل على طلب التصدق فورا بحيث لو تراخى المكلف فلا يحصل الامتثال او يدل على التراخي بحيث لو تصدق فورا فلا يحصل الامتثال او لا يدل لا على هذا ولا على ذاك؟ الصحيح هو الاحتمال الاخير ، فان الامر بالتصدق يدل على طلب طبيعة التصدق لا اكثر ، فمن اتى بالتصدق فورا صدق عليه الاتيان بطبيعة التصدق فيكون ممتثلا ، ومن اتى به متراخيا صدق عليه ذلك ايضا ويكون ممتثلا.

الامر يدل على المرة او التكرار

قوله ص 122 س 11 كما ان الامر لا يدل على المرة ولا على التكرار ... الخ :

وهناك بحث آخر وقع بين الاصوليين وهو انه لو قال المولى تصدق على الفقير مثلا فهل يلزم الاتيان بالتصدق مرة واحدة او يجب الاتيان به مرات متعددة او لا يدل لا على هذا ولا على ذاك؟ الصحيح هو الاحتمال الثالث ، فان الامر بالتصدق يدل على طلب طبيعة التصدق لا اكثر ، فمن أتى به مرة واحدة صدق عليه الاتيان بالطبيعة فيكون ممتثلا ومن اتى به مرات متعددة كان كذلك.

اجل نستثني حالة ما اذا تصدق المكلف مرات متعددة مع تخلل الفاصل ، بان تصدق في الساعة الاولى بدرهم وفي الساعة الثانية بدرهم آخر على فقير ثاني وهكذا ، فان الامتثال يحصل بالمرة الاولى فقط اذ بحصولها يصدق الاتيان بالطبيعة فيحصل الامتثال ويسقط الامر ، ومع سقوطه فلا يمكن حصول الامتثال بالتصدق الثاني. ومن هنا قيل : يستحيل الامتثال بعد الامتثال اذ بالامتثال الاول يسقط الامر فلا يمكن الامتثال ثانيا. اجل مع الاتيان بالتصدق مرات متعددة في آن واحد وبلا تخلل فاصل يحصل الامتثال بالمجموع اذ لا معنى لحصوله بواحد دون آخر.

ص: 389

قوله ص 122 س 11 هو مدلول المادة : اي مدلول مادة الامر بالتصدق ، وهو طبيعة التصدق.

قوله ص 122 س 15 يثبت اطلاقها البدلي : اي يقتضي لزوم الاتيان بالتصدق اما مرة واحدة او مرات متعددة لا انه يقتضي كليهما ولا احدهما بالخصوص.

ص: 390

الاحتراز في القيود ومقدمات الحكمة

اشارة

ص: 391

ص: 392

الاطلاق واسم الجنس

قوله ص 124 س 1 الاطلاق يقابل التقييد ... الخ : من الابحاث التي تعرض لها الاصوليون مبحث الاطلاق ومقدمات الحكمة. والمراد من الاطلاق واضح ، فانا اذا تصورنا مفهوم الانسان من دون ضم ضميمة اليه سمي المفهوم المذكور بالمطلق. واذا تصورناه مع الضميمة - كمفهوم الانسان العالم - سمي بالمقيد. وهذا مطلب واضح.

وقد وقع الحديث بين الاصوليين في السبب لاستفادة الاطلاق ، فكلمة انسان في قولنا « اكرم انسانا » نستفيد منها الاطلاق ولكن ما هي نكتة ذلك؟ وقد وجد في هذا المجال اتجاهان :

1 - الاتجاه السائد قبل سلطان العلماء - الذي هو احد اكابر علمائنا - القائل بان مثل كلمة انسان ، سكر ، ماء ، رقبة وغير ذلك من الاسماء التى تدل على اجناس وطبائع معينة هي موضوعة للماهية بقيد الاطلاق ، فكلمة انسان مثلا موضوعة لماهية الانسان المقيدة بالاطلاق. وبناء على هذا يكون الاطلاق مدلولا وضعيا اي مستفادا من الوضع حيث اخذ جزء فى المعنى الموضوع له.

2 - الاتجاه السائد من زمان سلطان العلماء والى يومنا هذا القائل بان مثل كلمة « انسان » لم توضع لماهية الانسان بقيد الاطلاق بل لذات الماهية من دون قيد الاطلاق ، وانما هو مستفاد من مقدمات الحكمة.

وقد اعتاد الاصوليون ذكر مقدمة لتوضيح الاتجاه الثاني وتبيان الفرق بينه

ص: 393

وبين الاتجاه الاول. وتبعا لهم نذكر تلك المقدمة وبعدها نأخذ بالاستدلال على الاتجاه الثاني.

ونمنهج تلك المقدمة ضمن نقاط اربع ليسهل استيعابها.

1 - انا لو نظرنا الى الانسان وقيد العلم امكننا ان نحصل في عالم الخارج على حصتين احداهما الانسان العالم والاخرى غير العالم ولا توجد حصة ثالثة ، فان ماهية الانسان بقطع النظر عن العلم وعدمه ليست حصة ثالثة ذات وجود خارجي مقابل الحصتين السابقتين. هذا في عالم الخارج.

واما اذا نظرنا الى عالم الذهن فيمكن الحصول على حصص ثلاث :

ا - لحاظ ماهية الانسان مع لحاظ العلم. وتسمى بالماهية بشرط شيء او بالمقيد.

ب - لحاظ ماهية الانسان مع لحاظ عدم العلم. وتسمى بالماهية بشرط لا.

ج - لحاظ ماهية الانسان من دون لحاظ العلم ولا لحاظ عدم العلم.

وتسمى بالماهية لا بشرط او بالمطلق (1).

2 - لو نظرنا الى الحصص الثلاث الذهنية لوجدنا انه يوجد في الحصة الاولى لحاظ العلم وفي الثانية لحاظ عدم العلم وفي الثالثة عدم لحاظ العلم وعدم العلم ، فالحصة الاولى والثانية تقترن بوجود اللحاظ - اي لحاظ العلم ولحاظ عدم العلم - واما الحصة الثالثة فتمتاز بعدم اللحاظ. اذن الحصص الثلاث الذهنية تمتاز بخصوصيات ذهنية وهي وجود اللحاظ كما في الحصة الاولى والثانية او عدم وجود اللحاظ كما في الحصة الثالثة. وواضح ان اللحاظ امر ذهني وخصوصية

ص: 394


1- وهذه النقطه تبتدا بقوله : « وحاصلها مع اخذ ماهية الانسان وصفه العلم كمثال ... » الى قوله ص 125 س 16 : في وعاء الذهن.

ذهنية. هذا في الحصص الذهنية ، واما الحصتان الخارجيتان فلو نظرنا اليهما لرأينا انهما تمتازان بوجود صفة خارجية - وهي وجود صفة العلم - او بعدم وجودها.

فالحصة الخارجية الاولى تمتاز بوجود صفة العلم بينما الثانية تمتاز بعدم وجود صفة العلم. وباختصار الحصص الخارجية تمتاز بخصوصية خارجية بخلاف الحصص الذهنية فانها تمتاز بخصوصية ذهنية.

ثم ان الخصوصيات الذهنية التي بها يحصل الامتياز بين الحصص الذهنية تسمى بالقيود الثانوية بينما الخصوصيات الخارجية التي بها يحصل امتياز الحصتين الخارجيتين تسمى بالقيود الاوليه.

وعلى هذا الاساس يمكننا ان نقول : ان عدد القيود الثانوية ثلاثة :

ا - القيد الثانوي رقم (1) وهو عبارة عن لحاظ وجود العلم الذي به تتقوم الحصة الذهنية الاولى.

ب - القيد الثانوي رقم (2) ، وهو عبارة عن لحاظ عدم العلم الذي به تتقوم الحصة الذهنية الثانية.

ج - القيد الثانوي رقم (3) وهو عبارة عن عدم اللحاظين السابقين الذي به تتقوم الحصة الذهنية الثالثة. هذا بالنسبة الى القيود الثانوية.

واما القيود الاولية فهي :

ا - القيد الاولي رقم (1) وهو عبارة عن وجود صفة العلم خارجا الذي به تتقوم الحصة الخارجية الاولى.

ب - القيد الاولي رقم (2) وهو عبارة عن عدم وجود صفة العلم خارجا الذي به تتقوم الحصة الخارجية الثانية (1).

ص: 395


1- وتبتدا هذه النقطة من قوله « واذا دققنا النظر ... » الى قوله ص 126 س 9 : بالقيود الاوليه.

3 - لو تأملنا في القيد الثانوي رقم (1) لرأينا انه يحكي في الخارج عن قيد اولي ، حيث يحكي عن القيد الاولى رقم (1) ، فان لحاظ صفة العلم في الذهن يطابقه في الخارج وجود صفة العلم ، ومن اجل هذا كانت الحصة الذهنية الاولى - المتقومة بالقيد الثانوى رقم (1) - عين الحصة الخارجية الاولى المتقومة بالقيد الاولي رقم (1).

ولو تأملنا في القيد الثانوي رقم (2) لرأينا انه يحكي في الخارج عن القيد الاولي رقم (2) ، فان لحاظ عدم صفة العلم في الذهن يطابقه في الخارج عدم وجود صفة العلم ، ومن اجل هذا كانت الحصة الذهنية الثانية المتقومة بالقيد الثانوي رقم (2) عين الحصة الخارجية الثانية المتقومة بالقيد الاولي رقم (2).

ولو تأملنا في القيد الثانوي رقم (3) فهل نراه يحكى عن شيء في عالم الخارج؟ كلا ، فان الموجود في الخارج اما الانسان العالم الذي يحكي عنه القيد الثانوي رقم (1) او الانسان غير العالم الذي يحكي عنه القيد الثانوي رقم (2) ولا توجد حصة ثالثة لكي يمكن ان يحكى عنها القيد الثانوي رقم (3).

وان شئت قلت : ان القيد الثانوي رقم (3) هو عدم اللحاظين ، وواضح ان عدم اللحاظ امر عدمي ، والامر العدمي لا يمكن ان يحكي عن شيء وجودي. اجل ان القيد الثانوي رقم (3) يمكن ان يكون حاكيا عن شيء ولكنه ليس شيئا خارجيا ذا وجود مستقل مغاير لوجود الحصتين الاوليتين ، انه يحكي عن طبيعة الانسان التي لم تقيد بالعلم ولا عدم العلم ، وهذه الطبيعة المهملة كما تعلم لا وجود لها في الخارج مغايرا لوجود الحصتين الاوليتين وانما هي جامع ومقسم لهما ، والمقسم لا وجود له مستقلا عن اقسامه. ومن اجل عدم الوجود المستقل للطبيعة

ص: 396

المهملة كانت ثابتة في جميع افراد الانسان ، فهي موجودة ضمن الانسان المطلق - اي غير المقيد بصفة العلم والجهل - وضمن الانسان المقيد بالعلم او بالجهل ، كما انه يمكننا ان نقول انها جامعة بين المحكيين بالقيد الثانوي رقم (1) ورقم (2) فان المحكي بهما هو الانسان العالم والانسان غير العالم ، ومن الواضح ان طبيعة الانسان ثابتة في كلا هذين الانسانين ، فهي جامعة وشاملة لهما.

ثم انه حينما قلنا ان المحكي بالقيد الثانوي رقم (3) امر جامع بين المحكي بالقيد الثانوي رقم (1) ورقم (2) فمقصودنا ان نفس المحكي امر جامع بقطع النظر عن نفس القيد الثانوي رقم (3) ، اذ القيد المذكور عبارة عن عدم اللحاظين ، وعدم اللحاظين ليس امرا جامعا للقيد الثانوي رقم (1) ورقم (2) اي للحاظ وجود العلم ولحاظ عدم وجود العلم ، فان عدم اللحاظين امر مباين للحاظ العلم ولحاظ عدمه. اذن نفس اللحاظات الذهنية هي امور متنافية وليس بعضها جامعا للبعض الآخر وانما الجامع هو المحكي (1).

4 - لو رجعنا الى الحصص الذهنية الثلاث لرأينا اشتراكها في شيء واحد وهو لحاظ الماهية فانه في جميعها يوجد لحاظ ماهية الانسان ، غاية الامر في الاولى يوجد شيء اضافي - غير لحاظ ماهية الانسان - هو الفصل للحصة الاولى وهو لحاظ وجود العلم ، وفي الثانية يوجد شيء اضافي ايضا هو الفصل للحصة الثانية وهو لحاظ عدم العلم. وفي الحصة الثالثة يوجد ذلك ايضا وهو عدم اللحاظين. اذن لحاظ الماهية هو الامر المشترك والجامع بين الحصص الذهنية الثلاث. وهذا الجامع يصطلح عليه باللابشرط المقسمي. وانما سمي باللابشرط

ص: 397


1- تبتدا هذه النقطة من قوله : « ونلاحظ ان القيد الثانوي ... » الى قوله في نهاية ص 127 : في القسم المقابل له.

المقسمي لانه مقسم وجامع للحصص الثلاث الذهنية خلافا للابشرط القسمي - لحاظ ماهية الانسان من دون لحاظ العلم وعدمه معها - الذي هو الحصة الذهنية الثالثة فانه قسم من لحاظ الماهية الذي هو اللابشرط المقسمي (1).

عودة لصلب الموضوع.

وباتضاح المقدمة السابقة بنقاطها الاربع نعود لاسماء الاجناس - انسان ، قلم ، دفتر ، كتاب ، سكر ، و ... - لنرى انها لأي شيء موضوعة (2)؟ والاحتمالات في ذلك ثلاثة :

ا - ان تكون كلمة « انسان » مثلا موضوعة للماهية على نحو اللابشرط المقسمي ، اي موضوعة للحاظ ماهية الانسان. وهذا الاحتمال باطل ، فان لحاظ الماهية امر جامع بين الحصص الذهنية الثلاث ، وواضح ان الالفاظ ليست موضوعة للامر الذهني وانما هي موضوعة لحصص الانسان الخارجية او للجامع بينها.

ب - ان تكون كلمة « انسان » مثلا موضوعة للماهية بشرط شيء او للماهية بشرط لا ، اي لماهية الانسان المقيدة بالعلم او بعدم العلم. وهذا باطل ايضا لمخالفته الوجدان فانا لا نفهم من كلمة انسان التقيد بالعلم او بعدمه ، بل طبيعة الانسان لا اكثر.

ج - ان تكون كلمة « انسان » مثلا موضوعة لماهية الانسان بنحو

ص: 398


1- تبتدا هذه النقطة من قوله : « ثم اذا تجاوزنا ... » وتنتهي بقوله : اذا اتضحت هذه ...
2- التقييد باسماء الاجناس باعتبار ان مثل اسماء الاعلام ليست موضوعه للطبيعه حتى يقال هي موضوعه للطبيعة مع قيد الاطلاق او لذات الطبيعة.

اللابشرط القسمي ، اي لماهية الانسان بقطع النظر عن العلم والجهل. وهذا هو الصحيح وقد اتفقت عليه كلمة الاعلام بدون مخالف. اجل بعد هذا الاتفاق اختلفوا في ان كلمة « انسان » مثلا الموضوعة للطبيعة هل هي موضوعة لطبيعة الانسان مع التقيد بلحاظ اللابشرط او للطبيعة بقطع النظر عن ذلك؟ فان قلنا بالاول فمعناه ان الالفاظ موضوعة للمعاني مع قيد الاطلاق - اذ اللابشرط عبارة اخرى عن الاطلاق - وبذلك يكون الاطلاق مدلولا وضعيا وجزء من المعنى الموضوع له ، وان قلنا بالثاني فمعناه ان الاطلاق ليس مدلولا وضعيا فنحتاج في اثباته الى اجراء مقدمات الحكمة وبذلك يكون مدلولا حكميا (1).

وتقدم ان الاعلام قبل سلطان العلماء كانوا يقولون بالاول بينما هو ومن بعده والى يومنا هذا يقولون بالثاني ، والصحيح هو الاتجاه الثاني لوجهين :

1 - ان الوجدان اللغوي والعرفي قاض بذلك ، فاذا رجعنا الى اللغة لم نجد لغويا يفسر الانسان بطبيعة الانسان المقيدة بالاطلاق بل بالطبيعة فقط. وهكذا لو رجعنا الى العرف.

هذا مضافا الى ان كلمة « انسان » مثلا لو كانت موضوعة للطبيعة مع قيد الاطلاق لزم كون استعمالها في حالات التقييد - مثل رأيت انسانا عالما - مجازا لانه استعمال في غير المعنى الموضوع له مع انا لا نشعر بالوجدان بذلك.

2 - ان قيد اللابشرط امر ذهني - لانه نحو من انحاء لحاظ الماهية في الذهن ، اذ تقدم ان انحاء لحاظ الماهية في الذهن ثلاثة احدها لحاظها على نحو اللابشرط - فلو كان قيدا في المعنى الموضوع له يلزم صيرورة معاني الالفاظ ذهنية ، اذ المقيد بالامر الذهني ذهني ، ويترتب على ذلك عدم امكان حصول الامتثال لو قال

ص: 399


1- بكسر الحاء وسكون الكاف نسبة الى الحكمة.

المولى جئني بانسان لان الانسان الذهني لا يمكن المجيء به في الخارج.

وبهذا نستنتج ان معنى كلمة « انسان » هو طبيعة الانسان المعرّاة من اي قيد حتى قيد اللابشرط. وتسمى مثل هذه الطبيعة بالماهية المهملة او بالماهية « ليسدة » فالماهية المهملة او لسدة هي التي وضعت لها الالفاظ ، ومعه نكون بحاجة في استفادة الاطلاق من كلمة « انسان » مثلا الى قرينة تدل عليه ، وتسمى تلك القرينة بمقدمات الحكمة. وهي قرينة عامة يتمسك بها لاثبات الاطلاق في كل مورد لم تقم فيه قرينة خاصة على التقييد. وسوف يأتي في صفحة (134) من الحلقة التعرض الى هذه القرينة العامة المسماة بقرينة الحكمة (1).

قوله ص 124 س 9 واعتبار الماهية في الذهن : عطف تفسير لقوله « انحاء لحاظ المعنى ».

قوله ص 124 س 9 لكي تحدد : الصواب لكي يحدّد. وقوله على اساس ذلك : اي على اساس تلك المقدمة.

قوله ص 124 س 11 كمثال : وضع الفارزة قبل قوله « كمثال » من خطأ

ص: 400


1- لرب قائل يقول : ان النتيجة التي انتهى اليها هذا البحث تتنافى مع ما تقدم سابقا ، فان ما انتهي اليه الآن ان اسماء الاجناس موضوعة للطبيعة المهملة بينما تقدم صفحة (15) س (4) من الحلقة عدم وجود حصة ثالثة في الخارج غير الانسان العالم والانسان غير العالم ، واذا لم يكن للحصة الثالثة وجود في الخارج فالوضع لها غير ممكن. والجواب : ان كلمة « انسان » موضوعة للطبيعة المهملة ، وهي وان لم تكن حصة ثالثة في الخارج في مقابل الحصتين الاوليتين لكنها موجودة في الخارج بوجود غير مستقل ، فانها الجامع والمقسم للانسان العالم وغير العالم ، والجامع موجود في الخارج لكن ضمن افراده لا مستقلا ، والسيد الشهيد قدس سره نفى فيما سبق الوجود المستقل لمفهوم الانسان الجامع لا اصل الوجود.

الطبع ، والصحيح وضعها بعد ذلك.

قوله ص 125 س 6 في معقولاته الاولية : اذا كان للشيء وجود في الخارج حقيقة وانتزع الذهن له مفهوما فهذا المفهوم في عالم الذهن يسمى بالمعقول الاولي ، كمفهوم الانسان فان له وجودا في الخارج حقيقة فمفهومه في الذهن يسمى بالمعقول الاولي ، فالمعقول الاولي هو المفهوم الذي ينتزع من الخارج وله ما بازاء في عالم الخارج ، وهذا بخلاف المعقول الثاني فانه ليس له ما بازاء في عالم الخارج كمفهوم الممكن ، فانه ليس له وجود خارجا.

ومن خصائص المعقول الثانوي كونه منتزعا من المعقول الاولي ووصفا له ، فمفهوم الممكن وصف منتزع من مفهوم الانسان الذي هو معقول اولي.

قوله ص 126 س 1 بخصوصيات ذهنية وجودا وعدما : اي خصوصيات ذهنية وجودية - وهي لحاظ وجود العلم ولحاظ عدم وجود العلم - او عدمية ، وهي عدم كلا اللحاظين.

قوله ص 126 س 4 وجودا وعدما : اي بخصوصية خارجية وجودية - وهي وجود العلم خارجا - او عدمية وهي عدم وجود العلم خارجا.

قوله ص 126 س 5 كذلك : اي خارجا.

قوله ص 126 س 14 الاولى : وضع الفارزة قبل كلمة « الاولى » من خطأ الطبع.

قوله ص 127 س 6 ومن هنا : اي لما لم يكن القيد الثانوي رقم (3) مرآة لشيء خارجي تعين ان يكون مرآة وحاكيا عن طبيعة الانسان المهملة التي هي امر ذهني.

قوله ص 128 س 1 ثم اذا تجاوزنا وعاء المعقولات الاولية ... الخ : اي لو

ص: 401

تركنا مفهوم الانسان الذي هو معقول اولي ونظرنا الى لحاظ الانسان الذي هو معقول ثانوي ، فان نفس اللحاظ معقول ثانوي لعدم الوجود له خارجا. وقد تقدم ان المعقولات الثانوية اوصاف منتزعة من المعقولات الاولية.

قوله ص 128 س 8 اللابشرط المقسمي : الصواب : اللابشرط القسمي.

التقابل بين الاطلاق والتقييد.

قوله ص 130 س 5 عرفنا ان الماهية عند ملاحظتها ... الخ : واضح ان الاطلاق يقابل التقييد وينافيه غير انه وقع الحديث بين الاصوليين في ان التقابل الواقع بينهما هل هو تقابل الضدين او العدم والملكة او النقيضين؟ والاقوال في ذلك ثلاثة :

1 - ان التقابل بينهما تقابل الضدين. وحيث ان الضدين عبارة عن الامرين الوجوديين اللذين بينهما غاية التنافي فصاحب هذا القول لا يفسر الاطلاق بعدم التقييد والا صار امرا عدميا بل بلحاظ رفض القيود - كلحاظ رفض قيد الايمان عن الرقبة - وواضح ان اللحاظ امر وجودي وليس عدميا لانه عبارة عن الوجود الذهني (1). وهذا القول اختاره السيد الخوئى « دام ظله ».

2 - ان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة باعتبار ان الاطلاق ليس امرا وجوديا بل عدمي ، اي عدم التقييد ولكن لا مطلق عدم التقييد وانما عدم التقييد في المورد القابل له ، اما عدم التقييد في المورد غير القابل فليس اطلاقا ، فمثلا تقييد الحكم بالعلم امر مستحيل (2) ، فاذا لم يقيد فلا يكون عدم التقييد اطلاقا ، فالحكم

ص: 402


1- فمعنى لاحظت هذا الشيء تصورته في ذهني.
2- فلا يمكن ان يقال تجب الصلاة ان كنت عالما بوجوب الصلاة ، اذ العلم بالوجوب موقوف على ثبوت الوجوب ، فلو كان ثبوت الوجوب موقوفا على العلم بالوجوب ايضا لزم الدور.

بوجوب الصلاة مثلا بالنسبة الى قيد العلم ليس مقيدا ولا مطلقا بل مهمل. اما انه ليس مقيدا فلاستحاله التقييد ، واما انه ليس مطلقا فلان الاطلاق هو عدم التقييد في المورد القابل له ، والمفروض عدم قبول المورد التقييد. وهذا الرأي اختاره الميرزا قدس سره .

3 - ان التقابل بينهما تقابل النقيضين باعتبار ان الاطلاق هو عدم لحاظ التقييد سواء كان المورد قابلا للتقييد ام لا. وهذا الرأي اختاره السيد الشهيد قدس سره .

اذن الاقوال في المسألة ثلاثة. والسبب في تعددها هو الاختلاف في تفسير معنى الاطلاق ، فمن فسره بلحاظ رفض القيود اختار الرأي الاول ، ومن فسره بعدم التقييد في المورد القابل للتقييد اختار الرأي الثاني ، ومن فسره بمطلق عدم التقييد اختار الرأي الثالث.

الفارق بين الاقوال.

وقد تسأل عن الفارق بين هذه الاقوال. والجواب : انه يظهر في موردين :

1 - على القول الثالث لا يمكن تصور شق ثالث للحكم لا يكون مطلقا ولا مقيدا بل لا بد وان يكون اما مطلقا او مقيدا ، اذ النقيضان لا يوجد لهما شق ثالث لا يصدقان عليه ، وهذا بخلافه على القول الاول والثاني فانه يمكن ان يكون الحكم لا مطلقا ولا مقيدا كما لو لم يمكن للمولى تقييد الحكم فانه لا يكون مطلقا ولا مقيدا بناء على القول الثاني ، واذا كان المولى في مقام الاهمال او الاجمال لم يكن الحكم مطلقا ولا مقيدا بناء على القول الاول ايضا. وتسمى هذه الحالة التي لا يكون

ص: 403

الحكم فيها مطلقا ولا مقيدا بحالة الاهمال.

2 - في حالات استحالة التقييد - كتقييد الحكم بالعلم - هل يكون الاطلاق مستحيلا ايضا او واجبا او ممكنا؟ بناء على القول الثالث يكون الاطلاق واجبا لانه اذا استحال احد النقيضين كان ثبوت النقيض الآخر واجبا ، وبناء على القول الثاني يكون الاطلاق مستحيلا لانه في باب العدم والملكة اذا استحالت الملكة استحال مقابلها ايضا ، وبناء على القول الاول يكون الاطلاق ممكنا لانه في باب الضدين اذا استحال احدهما لم يكن وجود الآخر واجبا ولا مستحيلا بل ممكنا فيما اذا كان لهما ثالث كما في البياض فانه اذا استحال وجوده لم يكن وجود السواد واجبا لامكان ثبوت لون ثالث. وفي المقام كذلك ، فان الاطلاق والتقييد بما انهما ضدان لهما ثالث - وهي حالة الاهمال - فاستحالة التقييد لا تجعل ثبوت الاطلاق واجبا ولا مستحيلا.

اختيار القول الثالث.

والصحيح من بين الاقوال الثلاثة السابقة هو القول الثالث اي كون التقابل تقابل التناقض ، لان المقصود من الاطلاق قابلية المفهوم لشمول جميع الافراد التي يصلح ان يشملها ، فمفهوم الانسان مثلا مطلق بمعنى ان له قابلية شمول جميع افراده ، ومن الواضح مادمنا لم نلحظ التقييد فمقتضى هذه القابلية شمول الحكم لجميع افراد الانسان - في مثل قولنا اكرم كل انسان - فان القابلية المذكورة لازم لا ينفك عن مفهوم الانسان وبالتالي يكون الاطلاق لازما غير منفك عن مفهوم الانسان ما دام لم يلحظ التقييد. وعليه فلا حاجة الى لحاظ عدم التقييد كما يعتقده السيد الخوئي حيث انه يرى ان الاطلاق يحتاج الى لحاظ عدم التقييد - ومن هنا

ص: 404

كان الاطلاق عنده امرا وجوديا - كلا لا نحتاج لذلك بل يكفي عدم لحاظ التقييد لما ذكرنا من ان قابلية الشمول ذاتية وبمجرد عدم لحاظ التقييد تكون تلك القابلية مقتضية لسريان الحكم وشمول المفهوم لجميع الافراد.

لا يقال : ان القابلية اذا كانت ذاتية للمفهوم ولا يمكن انفكاكها عنه فكيف انفكت عنه في موارد التقييد كقولنا « اكرم انسانا عالما » فان مفهوم الانسان لا يصلح في هذا المورد لشمول جميع الافراد بما في ذلك غير العالم بل يختص بالعالم.

فانه يقال : ان التقييد لا يسلب القابلية ، فمفهوم الانسان بعد تقييده صالح ايضا لشمول جميع الافراد ، غاية الامر بعد التقييد ينعدم مفهوم الانسان ويحدث بدله مفهوم جديد وهو مفهوم الانسان العالم الذي هو اضيق من مفهوم الانسان ، فلاجل انعدام المفهوم الاول وتبدله الى مفهوم جديد نحس بعدم قابلية انطباق مفهوم الانسان على غير العالم.

لا يقال : ان مفهوم الانسان بعد التقييد لم ينعدم وانما ضيّق بالتقييد.

فانه يقال : ان المفهوم بعد تقييده يصبح مغايرا له قبل تقييده ، اذ المفاهيم في عالم الذهن متغايره وليس بعضها اخص او اعم او مساويا للبعض الآخر ، فان الاخصية والاعمية والمساواة من خصائص عالم الخارج واما في عالم الذهن فجميع المفاهيم متباينة بما في ذلك المفاهيم المتساوية ، فمفهوم الانسان والناطق وان كان بينهما في عالم الخارج مساواة الا انه في عالم الذهن توجد بينهما مباينة ، فان صورة الناطق غير صورة الانسان وليست احداهما عين الاخرى. وهكذا في المقام نقول : ان مفهوم الانسان ومفهوم الانسان العالم وان كان بينهما في عالم الخارج نسبة العموم والخصوص المطلق الا انهما في عالم الذهن متباينان اذ صورة

ص: 405

هذا غير صورة ذاك (1).

الاطلاق والتقييد الثبوتيان والاثباتيان.

قوله ص 132 س 15 وبهذا الصدد يجب ان نميز ... الخ : الاطلاق والتقييد تارة يكونان ثبوتيين واخرى اثباتيين. والفرق بينهما انه تارة ينظر الى الحكم المشرّع بقطع النظر عن الدليل الدال عليه ، واخرى يلتفت الى الدليل ويجعل اطلاقه كاشفا عن اطلاق الحكم واقعا وتقييده كاشفا عن تقييد الحكم واقعا.

ويسمى الاطلاق والتقييد في الحالة الاولى بالاطلاق والتقييد الثبوتيين وفي الحالة الثانية بالاطلاق والتقييد الاثباتيين.

والاقوال الثلاثة السابقة كانت ناظرة الى الاطلاق والتقييد الثبوتيين كاطلاق وتقييد الحكم الثابت في قلب المشرع بقطع النظر عن الدليل الدال عليه فانهما يتقابلان تقابل التضاد على رأي او العدم والملكة على رأي ثاني او التناقض على رأي ثالث ، واما الاطلاق والتقييد الاثباتيان فقد اتفقت الكلمة ومن دون خلاف في كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فاطلاق الدليل لا يمكن ان يكشف عن كون الحكم مطلقا واقعا الا اذا كان بامكان المولى تقييد الدليل ولم يقيده ، اما اذا لم يمكن تقييده لبعض الاسباب - كما اذا كان يخاف من عدو - فعدم تقييده لا يكون دالا على اطلاق الحكم واقعا. وقد مرت الاشارة الى هذا في الحلقة الثانية ص 122.

ص: 406


1- ويمكن استيضاح ذلك اكثر بما لو اخذنا بآلة التصوير صورتين احداهما للانسان والاخرى للانسان العالم فكما ان بين الصورتين تغايرا خارجيا كذلك الصورتان اللتان يأخذهما الذهن لمفهوم الانسان ومفهوم الانسان العالم متغايرتان.

قوله ص 132 س 5 تجعله صالحا لاسراء الحكم : اي ان تلك القابلية تجعل المفهوم صالحا لان يسرّي - بتشديد الراء - الحكم الى جميع افراده ، فحينما يقال اكرم كل انسان يسري الحكم الى جميع افراد الانسان سريانا شموليا بسبب تلك القابلية ، وحينما يقال اكرم انسانا ما يسري الحكم الى فرد واحد من افراد الانسان سريانا بدليا. والسريان الشمولي يعني ثبوت الحكم لجميع الافراد.

والسريان البدلي يعني ثبوت الحكم لفرد واحد من الافراد.

قوله ص 132 س 7 لازمة له : خبر لقوله « وهذه القابلية ».

قوله ص 132 س 9 اللازم وملزومه : المراد من اللازم القابلية ، ومن الملزوم ذات المفهوم.

قوله ص 132 س 17 عن التقابل ... الخ : متعلق بقوله « متميز ».

قوله ص 132 س 17 اي عدم ذكر ... الخ : هذه الجمله من قوله « اي عدم » الى قوله « بقرينة الحكمة » جملة معترضة يقصد بها تفسير الاطلاق الاثباتي.

قوله ص 133 س 1 والتقييد المقابل له : عطف على « الاطلاق الاثباتي ».

احترازية القيود وقرينة الحكمة.

قوله ص 134 س 1 قد يقول المولى اكرم الفقير العادل ... الخ : في هذا البحث يراد توضيح قاعدتين هما :

1 - قاعدة احترازية القيود.

2 - قاعدة مقدمات الحكمة.

وقد ذكر في الكتاب مثالين احدهما - وهو اكرم الفقير العادل - مثال

ص: 407

للقاعدة الاولى ، والثاني - وهو اكرم الفقير - مثال للقاعدة الثانية.

وقبل توضيح مطالب الكتاب نذكر ثلاث مقدمات تساعد على فهمها وهي :

1 - قرأنا في الحلقة الثانية ان المفهوم في الجملة الشرطية مثلا هو انتفاء طبيعي الحكم عند انتفاء الشرط لا انتفاء شخص الحكم ، فمثلا حينما نقول « اذا جاءك زيد فاكرمه » فشخص الحكم هو وجوب الاكرام المسبب عن مجىء زيد والمقيد به ، وطبيعى الحكم هو اصل وجوب الاكرام من اي سبب كان. ولا اشكال عند انتفاء مجيء زيد ينتفي وجوب الاكرام المقيد بالمجىء ولم يخالف في ذلك احد فانه ما دام الوجوب مقيدا بالمجىء فيلزم انتفاؤه عند انتفائه. وانتفاء مثل هذا الحكم ليس هو المفهوم بل المفهوم هو انتفاء اصل وجوب الاكرام وطبيعيّه عند انتفاء المجيء ، فاذا دلت الجملة السابقة على ان زيدا اذا لم يجيء فلا يجب اكرامه حتى اذا رجع من سفر الحج او مرض او صار فقيرا او ... كان ذلك هو المفهوم.

2 - المقصود من قاعدة احترازية القيود ان المتكلم اذا اخذ في كلامه قيد العدالة مثلا وقال « اكرم الفقير العادل » كان ذلك دخيلا في مراده واقعا بحيث اذا لم يكن الفقير عادلا فلا وجوب ، فالوجوب مقيد بالعدالة ويزول بزوالها ، وبقيد العدالة احترز عن اكرام الفقير الفاسق. ومضمون القاعدة بالشكل الذي ذكرنا واضح ومرتكز في ذهن كل انسان عرفي ولا يحتاج الى اقامة دليل عليه. والسيد الشهيد قدس سره في كلامه لم يقصد الاستدلال على القاعدة المذكورة بل قصد توضيح نكاتها وتحليلها تحليلا عرفيا وان استعمل بعض المصطلحات التي قد يظن السامع لها انه يريد بيان مطلب غير عرفي.

3 - ذكرنا سابقا ان لكل كلام ثلاث دلالات هي :

ص: 408

أ - الدلالة التصورية. وهي عبارة عن خطور المعنى الى الذهن ، فاذا قيل زيد قائم خطر للذهن قيام زيد وان صدرت الجملة من اصطكاك حجرين.

ب - الدلالة التصديقية الاولى. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد اخطار المعنى واراد ذلك. ولا تحصل الدلالة المذكورة اذا صدر الكلام من اصطكاك حجرين بل تختص بحالة كون المتكلم ممن يمكنه القصد.

ج - الدلالة التصديقية الثانية. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد اخطار المعنى عن جد لا عن هزل.

وبعد هذه المقدمات الثلاث نعود لتوضيح مطالب الكتاب ونمنهجها في عدة نقاط ترتبط الخمس الاولى منها بقاعدة احترازية القيود والبقية بمقدمات الحكمة.

1 - ان المولى اذا قال « اكرم الفقير العادل » فالذى يخطر للذهن - وخطور المعنى عبارة اخرى عن الدلالة التصورية - اكرام خصوص الفقير العادل لا كل فقير. وبتعبير آخر ان قيد العدالة يخطر الى الذهن. ونفهم من الجملة المذكورة ايضا ان المتكلم قصد اخطار قيد العدالة. وهذا ما يسمى بالدلالة التصديقية الاولى. كما ونفهم ان قصد اخطار قيد العدالة وليد الجد دون الهزل اي هو دخيل في المراد واقعا. وهذا ما يسمى بالدلالة التصديقية الثانية.

وهذه النقطة تعرض لها قدس سره من قوله « ففي الحالة الاولى » الى قوله س 8 « وليس هازلا ».

2 - قلنا ان الجملة المذكورة تدل بالدلالة التصديقية الثانية على ان قيد العدالة دخيل في مراد المتكلم واقعا. وهنا نسأل عن السبب في حصول هذه الدلالة. والسبب هو : ان ظاهر حال كل متكلم تطابق المدلول التصديقي الثاني لكلامه مع المدلول التصديقى الاول ، اي ان ظاهر كلامه ان كل ما قصد اخطاره

ص: 409

فهو مراد له واقعا. وبسبب هذا الظهور يثبت ان قيد العدالة دخيل في مراد المتكلم واقعا. وهذا هو ما يسمى بقاعدة احترازية القيود.

وهذه النقطة تعرض لها قدس سره من قوله س 9 « وبحكم ظهور الحال » الى قوله ص 135 س 3 و « مرجع ظهور التطابق ».

3 - وقد تسأل عن المنشأ لظهور التطابق بين المدلول التصديقي الاول والمدلول التصديقي الثاني. والمنشأ هو الظهور في ان كل ما يقوله المتكلم هو مراد له واقعا. وقيد العدالة بما انه قد قاله المتكلم فهو مراد له واقعا.

وهذه النقطة اشار لها قدس سره من قوله ص 135 س 3 « ومرجع ظهور التطابق » الى قوله س 5 « يريده جدا ».

4 - ان هذا الظهور الجديد - وهو ان كل ما قاله يريده واقعا - له موضوع وهو « ما قاله ». وفي هذه النقطة نريد توضيح كيف يمكن اثبات ان قيد العدالة مثلا قد قاله المولى؟ ان الطريق لذلك هو الدلالة التصورية والدلالة التصديقية الاولى ، اذ بهما يثبت ان المولى قد قال وقصد اخطار قيد العدالة.

وهذا النقطة تعرض لها قدس سره من قوله س 6 : والدلالة التصورية الى قوله س 9 : المذكور.

5 - بقاعدة احترازية القيود يثبت ان قيد العدالة دخيل في وجوب الاكرام بحيث اذا لم تكن العدالة ثابتة فلا يكون وجوب الاكرام ثابتا.

ولرب قائل يقول : ان قاعدة احترازية القيود اذا كانت تثبت دخالة قيد العدالة في وجوب الاكرام بحيث ينتفي الوجوب عند عدم العدالة فلازم ذلك ثبوت المفهوم للجملة الوصفية ويكون مثل قولنا اكرم الفقير العادل دالا على المفهوم وانه لا يجب اكرام الفقير غير العادل مع ان الاعلام قد اطبقت كلمتهم تقريبا على عدم ثبوت

ص: 410

المفهوم للوصف فكيف التوفيق؟ والجواب : ان قاعدة الاحتراز في القيود تثبت انعدام وجوب الاكرام المقيد بالعدالة عند انتفاء العدالة ، اي تثبت ان شخص الحكم منتف عند انتفاء العدالة ، وهذا ليس مفهوما ، فان المفهوم هو انتفاء طبيعى الحكم لا شخصه.

وان شئت قلت : ان قاعدة الاحتراز لو كانت تدل على انتفاء اصل وجوب الاكرام عند انتفاء العدالة حتى ولو فرض المرض او المجيء من السفر او غير ذلك كان المفهوم ثابتا ولكن المفروض انها لا تثبت ذلك وانما تثبت ان شخص الحكم المقيد بالعدالة منتف عند انتفاء العدالة.

وهذه النقطة تعرض لها قدس سره من قوله س 10 : « وقاعدة الاحترازيه » الى قوله س 15 : « في الحلقة السابقة ».

مقدمات الحكمة.

6 - والكلام فيما سبق كان راجعا الى قاعدة الاحتراز في القيود ومن الآن يقع عن مقدمات الحكمة.

توضيح ذلك : ان المولى لو قال : « اكرم الفقير » دل ذلك بالدلالة التصورية على وجوب اكرام ذات الفقير. ومدلول كلمة الفقير بما انه الطبيعة المهملة فالذي يخطر الى الذهن هو ذات الفقير ولا يخطر الاطلاق ، كما ويثبت بمقتضى الدلالة التصديقية الاولى ان المولى قد قصد اخطار اكرام ذات الفقير ولا يصح القول انه قصد اخطار الاطلاق ، اذ الاطلاق ليس مدلولا وضعيا لكلمة الفقير على ما تقدم سابقا.

وهذه النقطة اشار لها قدس سره من قوله س 16 : « واما في الحالة الثانية » الى

ص: 411

قوله ص 136 س 8 : « ولم يقله ».

7 - واذا ثبت ان المولى لم يذكر قيد العدالة ولم يقله وانما ذكر وجوب اكرام ذات الفقير نطبق ظهورا جديدا وهو ان ظاهر حال كل متكلم بيان تمام مراده الواقعى ، ولازم ذلك ان قيد العدالة ليس جزء من المراد الواقعي والاّ لبيّن. وعليه فكل قيد لم يبينه المولى فهو لا يريده واقعا. وهذا ما يسمى بالاطلاق او بمقدمات الحكمة.

وقد تعرض قدس سره لهذه النقطه من قوله س 8 : « وهذا يحقق » الى قوله س 15 « او مقدمات الحكمة ».

8 - انا لو قارنا بين الظهور الذي تعتمد عليه قاعدة الاحتراز في القيود والظهور الذى تعتمد عليه مقدمات الحكمة لوجدنا ان الظهور الاول هو ظهور حال المتكلم في ان كل ما قاله يريده بينما الظهور الثاني هو ظهور حال المتكلم في ان ما لا يقوله لا يريده. ويمكننا ان نسمي الظهور الاول بالظهور الايجابي في التطابق والظهور الثاني بالظهور السلبي في التطابق ، ونكتة التسمية واضحة ، فان الاول ظهور ايجابي في التطابق بين ما قاله وما اراده من دون اشتمال على حرف سلب بينما الظهور

الثاني ظهور سلبي يشتمل على اداة السلب.

وقد اشار قدس سره لهذه النقطة من قوله س 17 : « وبالمقارنة نجد » الى قوله ص 137 س 9 : « ويلاحظ ان ظهور ».

9 - لو قارنا بين الظهور الاول والظهور الثاني لوجدنا ان الاول اقوى من الثاني ، فظهور حال المتكلم في ان ما قاله يريده اقوى ، فالمتكلم اذا قال اعتق رقبة مؤمنة يكون ظهور حاله في ان قيد الايمان الذي قاله يريده اقوى لان احتمال الاشتباه في ذكره لقيد الايمان ضعيف جدا بخلاف ما لو قال اعتق رقبة من دون

ص: 412

ذكر قيد الايمان فان ظاهر حاله في ان القيد الذي لم يقله لم يرده اضعف اذ احتمال الاشتباه في عدم ذكر القيد اقوى بالنسبة الى احتمال الاشتباه في ذكره.

ومن هنا صح القول : متى ما اجتمع المطلق والمقيد - مثل اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة - اخذ بالمقيد وطرح اطلاق المطلق لان احتمال الاشتباه فى ذكر قيد الايمان في جملة اعتق رقبة مؤمنة ضعيف جدا بخلاف احتمال الاشتباه في عدم ذكر قيد الايمان في جملة اعتق رقبة فانه ليس ضعيفا جدا.

وهذه النقطة اشار لها قدس سره بقوله س 9 : « ويلاحط ان ظهور حال » الى قوله س 14 : « لقواعد الجمع العرفي ».

10 - من خلال ما تقدم اتضح ان قرينة الحكمة تتركب من مقدمتين هما :

ا - عدم ذكر المتكلم لقيد الايمان مثلا.

ب - ظهور حال المتكلم في ان كل قيد لم يذكره فهو لا يريده واقعا ، والمقدمة الاولى بمثابة الصغرى والمقدمة الثانية بمثابة الكبرى.

وهذه النقطة اشار لها قدس سره بقوله ص 137 س 15 : « ويتضح مما ذكرناه » الى قوله ص 138 س 9 : « لم يذكر في الكلام ».

11 - ان الدلالة على الاطلاق تزول عند ذكر المتكلم القيد حيث تختل بذلك المقدمة الاولى من المقدمتين اللتين تعتمد عليهما قرينة الحكمة. وهذا شيء واضح ولكن وقع البحث بين الاصوليين في حالتين :

الاولى : لا اشكال في زوال الظهور الاطلاقي عند ذكر القيد متصلا بالمطلق ولكن هل يزول ايضا عند ذكر القيد منفصلا او لا؟ فاذا قال المتكلم اعتق رقبة وبعد يوم او يومين ذكر قيدا منفصلا وقال اعتق رقبة مؤمنة فهل هذا القيد المنفصل يزيل الظهور الاطلاقي من اساسه كما يزيله القيد المتصل او انه يبقى ولا يزول

ص: 413

غاية الامر يقدم المقيد المنفصل عليه من باب تقديم اقوى الحجتين ، فالظهور الاطلاقي حجة والمقيد حجة والثاني حيث انه اقوى من الاول يقدم عليه؟ نسب الى الشيخ الانصاري قدس سره الاحتمال الاول اي ان المقيد المنفصل يزيل الظهور الاطلاقي من اساسه ، بينما المشهور ذهبوا الى الاحتمال الثاني. والاحتمالان يرتبطان بمعرفة الظهور الذي يستند اليه الاطلاق ، فانا عرفنا ان الاطلاق يستند الى ظهور حال المتكلم في ان كل ما لا يقوله لا يريده ، اذ ان كل ما يريده لا بد وان يبينه ، ونحن نسأل هل ان كل ما يريده المتكلم لا بد وان يبينه بشخص كلامه الواحد او ان ظاهر حاله تبيانه كل ما يريده بمجموع كلماته الصادرة منه خلال مجموع عمره؟ فعلى الاول يلزم المتكلم ان يبين القيد متصلا بكلامه ، فاذا ذكره متصلا لم ينعقد الظهور الاطلاقي وان لم يذكره متصلا انعقد بينما على الاحتمال الثاني لا يلزم المتكلم ذكر القيد متصلا ، ولو ذكره منفصلا بعد سنة او سنتين زال الظهور الاطلاقي منذ البداية.

والصحيح ان ظاهر حال المتكلم تبيان كل ما يريده بشخص كلامه الواحد. والدليل على ذلك امران :

أ - الوجدان العرفي ، فانه قاض بان المتكلم لا بد وان يبين كل ما هو دخيل في مرامه بشخص كلامه الواحد لا بمجموع كلماته الى يوم القيامة.

ب - ان انعقاد الظهور الاطلاقي لو كان موقوفا على عدم ذكر القيد المنفصل ايضا لزم ان لا ينعقد اطلاق في الدنيا ابدا - اذ كل مطلق يطرحه المتكلم نحتمل بعد مدة قصيرة او طويلة ذكر قيد منفصل له - وهو خلاف الوجدان.

الثانية : وقع بحث بين الاصوليين في ان انعقاد الاطلاق هل يتوقف على عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب. وتوضيح ذلك ان : للمطلق حالات

ص: 414

ثلاث :

أ - ان لا تكون ارادة المتكلم لبعض الافراد اولى من ارادته للبعض الآخر كما لو قال المتكلم اشتر لي دفترا ولم يكن لبعض الدفاتر اولوية على بعض آخر.

وفي هذه الحالة لا قدر متيقن في البين وينعقد الاطلاق جزما.

ب - ان تكون ارادة المتكلم لبعض افراد المطلق متيقنة ولكن سبب تيقنها ليس هو الخطاب بل شيء آخر ، كما لو قال المتكلم اعتق رقبة ، فان ارادة المؤمنة متيقنة ، وهذا التيقن ثابت بقطع النظر عن الخطاب باعتبار ان المؤمنة افضل افراد الرقبة والعاقل عادة يريد الافضل ولا يرغب عنه. ومثل هذا القدر المتيقن لا يمنع من التمسك باطلاق المطلق والا يلزم عدم امكان التمسك بغالب الاطلاقات ، اذ غالبا ما يوجد قدر متيقن من خارج الخطاب.

ج - ان تكون ارادة المتكلم لبعض الافراد متيقنة ويكون سبب التيقن هو الخطاب. ومثال ذلك ما ورد في حديث زرارة انه سأل الامام الصادق علیه السلام عن المصلي يشك في التكبير بعد ما دخل في قراءة الحمد ، فاجاب علیه السلام يمضي في صلاته ولا يعتني للشك ثم سأله عمن شك في القراءة بعد ما دخل في الركوع فاجابه علیه السلام بالمضيّ وعدم الاعتناء ، ثم سأله ثالثا عمن شك في الركوع بعد ما دخل في السجود فاجابه علیه السلام بالمضي ايضا ثم قدّم له الامام علیه السلام قاعدة عامة وقال له « اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » (1). ومثل هذه القاعدة تسمى بقاعدة التجاوز. وقد وقع الحديث بين الفقهاء في ان القاعدة المذكورة هل يمكن تطبيقها في باب الحج ايضا او لا ، فمن شك في صحة طوافه بعد ان دخل في السعي هل يمكن تطبيق القاعدة عليه او لا؟ ذهب بعض الفقهاء الى عدم

ص: 415


1- الوسائل ج 5 باب 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 1.

عموميتها ، اذ القدر المتيقن من تلك القاعدة هو الصلاة وهو قدر متيقن من نفس الخطاب والمحاورة ، فان الخطاب والمحاورة كانا يدوران حول الصلاة وليس هذا التيقن من الخارج ، اذ بقطع النظر عن الخطاب لا اولوية للصلاة على الحج.

والى هذا الرأي ذهب الآخوند قدس سره فانه ذكر ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من التمسك بالاطلاق واستدل على ذلك بان من المحتمل ان يكون مراد المتكلم خصوص الصلاة اي خصوص القدر المتيقن فان كلامه يفي ببيان هذا القدر المتيقن ، ومع وفائه به لا يصدق ان المتكلم قد اخل بمراده لو كان مراده واقعا خصوص القدر المتيقن اي خصوص الصلاة.

ومثال ثان لتوضيح القدر المتيقن في مقام التخاطب : ما لو سأل سائل الامام علیه السلام عن الفقير العادل هل يجب اكرامه او لا فاجاب بانه يجب اكرام الفقير من دون ان يذكر قيد العدالة ، فانه في هذا المثال وان كان الجواب مطلقا الا ان القدر المتيقن منه هو وجوب اكرام الفقير العادل لاكل فقير ، وهذا القدر المتيقن قدر متيقن في مقام التخاطب فان السؤال كان مرتبطا بالفقير العادل لا مطلق الفقير.

وهنا يقول صاحب الكفاية ايضا ان هذا القدر المتيقن يمنع من التمسك باطلاق الخطاب لاحتمال ان يكون المراد اكرام خصوص الفقير العادل وهو قد حصل بيانه.

هذا ولكن المناقشة في رأي الآخوند هذا بان كل ما هو دخيل في مراد المتكلم لا بد من بيانه ، فقيد الايمان مثلا لو كان دخيلا في المراد لا بد من بيانه في الكلام بان يقال اعتق رقبة مؤمنة ، فاذا لم يبين بالكلام استنتج عدم دخالته في المراد الواقعي. وهنا ايضا يقال : لو كان قيد العدالة دخيلا في وجوب اكرام الفقير لبيّن بالكلام وحيث لم يبين كان ذلك دليلا على عدم مدخليته في المراد.

ص: 416

لا يقال : ان نفس كون العدالة قدرا متيقنا من الخطاب بيان لمدخليتها في المراد الواقعي.

فانه يقال : لا نسلم ذلك ، فان كون العدالة هي القدر المتيقن ليس معناه ان المتكلم قد بين دخالة العدالة في مراده.

تنبيهات ترتبط بمقدمات الحكمة ...

اشارة

قوله ص 142 س 4 هذا هو البحث في اصل الاطلاق ... الخ : وبعد التعرف على حقيقة قرينة الحكمة يقع الكلام عن تنبيهات ترتبط بذلك :

التنبيه الاول :

ان الدلالة الاطلاقية هل هي ناظرة الى تحديد المدلول التصديقي اي المراد الجدي او الى المدلول التصوري اي المدلول الوضعي؟ والصحيح هو الاول ، فان الدلالة الاطلاقية ترتكز على ظهور حال المتكلم في ان ما لا يقوله لا يريده ، وبما ان هذا الظهور ناظر الى تحديد المراد الجدي - حيث يحدد ان القيد ما دام لم يقله المتكلم فهو لا يريده واقعا - فاللازم ان تكون الدلالة الاطلاقية التي ترتكز على هذا الظهور ناظرة الى تحديد المراد الجدي ايضا. اجل اذا بنينا على الرأي الثابت قبل سلطان العلماء القائل بان الاطلاق جزء من المعنى الموضوع له فاللازم ان تكون الدلالة الاطلاقية ناظرة الى تحديد المدلول التصوري.

التنبيه الثاني :

ان قرينة الحكمة تارة تقتضي الاطلاق الشمولي واخرى الاطلاق البدلي ، فمثلا اذا قال المتكلم اكرم العالم كانت قرينة الحكمة في كلمة العالم مقتضية للاطلاق الشمولي اي لوجوب اكرام جميع افراد العلماء ولكن بالنسبة الى الاكرام الذي هو

ص: 417

متعلق الوجوب لا تقتضي شموليته بل تقتضي بدليته ، اي انها تقتضي وجوب ايجاد فرد واحد من افراد الاكرام لا جميعها ، فان للاكرام افرادا متعددة كاهداء الهدية او الزيارة عند المرض او القيام عند الدخول في المجلس وغير ذلك ، وهذه الافراد لا يجب جميعها لان ايجاد جميعها في حق كل فرد امر صعب بل لعله غير مقدور.

اذن قرينة الحكمة تقتضي بالنسبة الى الموضوع - وهو العالم - الشمولية بينما بالنسبة الى المتعلق تقتضي البدلية.

واذا تجلى هذا فقد يشكل ويقال : ان قرينه الحكمة شيء واحد فكيف اقتضت مرة الشمولية واخرى البدلية والحال ان الشيء الواحد لا ينتج حالتين مختلفتين؟ وقد اجيب بالاجوبه الثلاثة التالية :

1 - ما ذكره السيد الخوئي : « دام ظله » من ان مقدمات الحكمة لا تقتضي الا شيئا واحدا وهو عدم التقييد ولا تقتضي بنفسها الشمولية ولا البدلية حتى يقال انها شيء واحد فكيف اقتضت شيئين مختلفين ، وانما الشمولية والبدلية تثبتان بقرينة اخرى غير قرينة الحكمة ، فمثلا الاكرام لو وقع متعلقا للامر وقيل اكرم العالم كانت القرينة الخارجية مقتضية للبدلية حيث ان الشمولية يلزم منها التكليف بغير المقدور كما ذكرنا سابقا ، واما اذا وقع الاكرام متعلقا للنهي بان قيل لا تكرم الفاسق كانت القرينة الخارجية مقتضية للشمولية في الاكرام ، اذ لو كان المقصود لا تكرم الفاسق باكرام واحد من افراد الاكرام لزم محذور اللغوية لانا قلنا ان الانسان لا يمكنه عادة ان يأتي بجميع افراد الاكرام بل لا بد وان يكون واحد منها على الاقل متروكا ومعه يكون النهي عن الفرد الواحد من افراد الاكرام لغوا لتحقق تركه بلا حاجة للنهي عنه ويكون النهي عنه طلبا لتحصيل الحاصل.

ويرده : النقض بالحالات التي يكون فيها كل من الشمولية والبدلية امرا

ص: 418

معقولا كما هو الحال بالنسبة الى كلمة « العالم » في قولنا « اكرم العالم » ، فان كلا من الشمولية والبدلية في كلمة « العالم » معقولة ولا تقتضي القرينة الخارجية خصوص احدهما ، ومعه لا بد وان يكون السبب في استفادة الشمولية قرينة الحكمة لا القرينة الخارجية.

2 - ما ذكره الشيخ العراقي قدس سره من ان قرينة الحكمة تقتضي شيئا واحدا وهو البدلية واما الشمولية فتستفاد من القرينة الخارجية. اما لما ذا كانت قرينة الحكمة مقتضية للبدلية فالجواب عنه ان قرينة الحكمة تقتضي تعلق الحكم بالطبيعة من دون مدخلية التقييد ، وواضح ان الطبيعة تصدق على الفرد الواحد فيكون الاتيان بالفرد الواحد كافيا ، واذا كان مراد المتكلم الشمولية فلا بد له من اقامة القرينة الخاصة على ان الطبيعة قد لا حظها سارية في جميع الافراد.

3 - نفس الجواب السابق مع تغيير يسير بان نقول : ان قرينة الحكمة تقتضي شيئا واحدا وهو الشمولية - خلافا للجواب السابق حيث كان يقول انها تقتضي البدلية - باعتبار ان قرينة الحكمة تدل على تعلق الحكم بالطبيعة من دون اي قيد معها وبما ان الطبيعة غير المقيدة عامة وسارية في جميع الافراد فيلزم ان يكون الحكم المتعلق بها ساريا الى جميع الافراد. اذن قرينة الحكمة تقتضي الشمولية ولا يحكم بالبدلية الا اذا دلت قرينة خاصة عليها كما اذا دلت على لحاظ متعلق الامر - كالصلاة مثلا في امر « صل » مقيدا بوجوده الاول اي بفرده الاول بان يكون المقصود إإت بفرد واحد من الصلاة (1).

ص: 419


1- يرد على هذا الوجه ما تقدم ص 122 س 14 من الحلقة من ان الطبيعة بعد اجراء قرينة الحكمة تقتضي البدلية - اي الاتيان بفرد واحد - دون الشمولية فهذا الوجه الثالث ان كان يتبناه السيد الشهيد قدس سره فهو يتنا فى مع ما تقدم.
التنبيه الثالث :

هناك اختلاف واضح بين الامر والنهي ، ففي النهي تتعدد الحرمة بعدد افراد المتعلق ، فاذا قيل لا تكذب وكان عدد الكذبات 100 انحل النهي الى 100 حرمة ، فاذا كذب المكلف كذبة واحدة كان عاصيا لحرمه واحدة وممتثلا ل- (99) حرمة ، هذا في النهي. واما الامر فلا يحصل فيه هذا الانحلال ، فالوجوب في خطاب « صل » وجوب واحد متعلق بصلاة واحدة واذا خالف المكلف ولم يصل فلا يستحق الا عقابا واحدا.

وسبب هذا التعدد هناك وعدمة هنا هو الشمولية هناك والبدلية هنا ، فان متعلق النهي في مثل لا تكذب حيث انه شمولي - فان قرينة الحكمة تقتضي كون المقصود من الكذب جميع افراده لا كذبة واحدة - فاللازم تعدد الحرمة بعدد افراد المتعلق ، وهذا بخلافه في متعلق الامر ، فان قرينة الحكمة حيث انها تقتضي البدلية فيه وان المقصود صلاة واحدة من بين افراد الصلاة فاللازم ان يكون الحكم المستفاد حكما واحدا متعلقا بصلاة واحدة لا اكثر.

وباختصار : ان الحكم في النهي يتعدد بعدد افراد المتعلق بخلافه في الامر فانه لا يتعدد.

اجل بعض النواهي لا يتعدد فيها الحكم وذلك فيما اذا كان المتعلق غير قابل للتكرار كما في مثل « لا تحدث » فان الحدث لا يقبل التكرار ، فمن بال صار محدثا واذا بال ثانية او نام لا يصير محدثا ثانيا او ثالثا. ولكن رغم ان الحكم لا يتعدد في مثل النهي المذكور يبقى الفارق بين الامر والنهي ثابتا ، فاذا قيل « لا تحدث » فالحرمة وان كانت واحدة الا ان امتثالها لا يحصل الا بترك الحدث بجميع افراده واسبابه بان يترك البول والنوم والجنابة وغير ذلك بينما اذا قيل « احدث » كفى

ص: 420

ايجاد الحدث مرة واحدة. وما هذا الفرق الا من جهة ان الامر يقتضي ايجاد الطبيعة ، ووجودها يحصل بوجود فرد واحد منها ، بينما النهي يقتضي عدم الطبيعة ، وعدمها لا يتحقق الا بعدم جميع افرادها ، والفارق المذكور تكوينى وليس شرعيا ، فانه تكوينا وعقلا تحصل الطبيعة بالفرد الواحد ولا تنعدم الا بعدم جميع الافراد.

التنبيه الرابع :

وقبل توضيح التنبيه المذكور لا بد من استذكار نقطتين تقدمتا في الحلقة الاولى هما :

1 - ان الحكم له مرتبتان : مرتبة الجعل ومرتبة المجعول ، ومرتبة الجعل تعني انشاء الحكم وتشريعه ، فان جعل الحكم عبارة اخرى عن انشائه وتشريعه كقوله تعالى « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ ... » فانه يستفاد منه تشريع وجوب الحج على المستطيع ، وهذا التشريع هو الجعل. واما اذا صار الحكم فعليا - وذلك عند تحقق الاستطاعة بالفعل للمكلف - سمي بالمجعول. فالحكم الانشائي هو الجعل والحكم الفعلي هو المجعول ، وقد تقدم ذلك في الحلقة الاولى صفحة (156).

2 - بعد ان عرفنا ان المجعول عبارة عن الحكم الفعلي قد يسأل : متى يصير الحكم فعليا؟ انه يصير فعليا عند صيرورة موضوعه فعليا ، فقبل تحقق الاستطاعة بالفعل لا يكون الحكم الثابت الا انشاء وجوب الحج على تقدير الاستطاعة ، وبعد تحقق الاستطاعه بالفعل وصيرورة الموضوع فعليا يتحول الحكم من كونه انشائيا الى الفعلية ، ففعلية الحكم اذن بفعلية موضوعه. وقد تقدم هذا في الحلقة الاولى صفحة (158).

ص: 421

وبعد هذا نعود الى التنبيه وحاصله يرجع الى مطلبين :

1 - تقدم ان قرينة الحكمة تنتج احيانا الشمولية كما في مثل اكرم العالم حيث تقتضي وجوب اكرام كل فرد من افراد العالم وبالتالي تقتضي انحلال الحكم بعدد افراد العالم ، فاذا كان عدد الافراد (100) انحل الحكم بوجوب الاكرام الى (100) حكم ولكل فرد حكم يخصه ، فهذا العالم يجب اكرامه وذلك العالم يجب اكرامه ايضا و ....

وقد يسأل : ان هذا الانحلال هل يحصل في مرتبة الجعل اي الانشاء او في مرتبة المجعول اي مرحلة الفعلية؟ والجواب : انه في مرتبة الجعل لا يوجد انحلال اذ لم يصدر من الحاكم الا حكم واحد بوجوب اكرام طبيعي العالم وانما الانحلال يحصل في مرتبة الفعلية والمجعول فان الحكم يصير فعليا بفعلية موضوعه ، فكلما تحقق فرد من افراد الموضوع بالفعل ثبت له وجوب فعلي بالاكرام ، فاذا درس (50) انسانا وصاروا علماء ثبت (50) حكما بوجوب الاكرام.

2 - ان مفاد كل خطاب حيث انه الجعل والانشاء وليس هو المجعول والفعلية - اذ مفاد اكرم العالم مثلا هو انشاء الوجوب وتشريعه - صح القول بان انحلال الحكم وتعدده ليس هو في مرحلة مفاد الخطاب التي هي الجعل وانما هو في مرحلة المجعول التي هي مرحلة مغايرة لمرحلة مفاد الخطاب.

قوله ص 134 س 1 اكرم الفقير العادل : هذا مثال لقاعدة الاحتراز في القيود. والمثال الثاني مثال لمقدمات الحكمة.

قوله ص 134 س 9 وبحكم ظهور الحال ... الخ : هذا بيان لسبب الدلالة التصديقية الثانية على مدخلية العدالة فى المراد الجدي.

ص: 422

قوله ص 134 س 12 وبهذا الطريق ... الخ : اي بسبب ظهور التطابق نستكشف مدخلية العدالة في المراد الجدي.

قوله ص 139 س 3 وقد يقدم عليه : اي ان المقيد يقدم على المطلق - مع ان ظهور المطلق ثابت ولم ينعدم بورود المقيد المنفصل - من جهة قواعد الجمع العرفي التي تقتضي تقدم المقيد على المطلق من باب تقديم احدى الحجتين على الاخرى.

قوله ص 142 س 8 وهذا الظهور دلالته تصديقية : اي ناظر الى المدلول التصديقي وهو المراد الجدي.

قوله ص 142 س 13 فانها تدخل : اي الدلالة الاطلاقية.

قوله ص 143 س 9 بمعنى تقييد القيد : الصواب : بمعنى عدم القيد.

قوله ص 144 س 13 بديلا : الصواب : بدليا.

قوله ص 145 س 15 ولا يستحق : الصواب : ويستحق.

قوله ص 147 س 7 شموليا : اي المطلقة اطلاقا شموليا ، وقوله « موضوعا » خبر ليكون.

ص: 423

ص: 424

مبحث العموم

اشارة

ص: 425

ص: 426

ادوات العموم

قوله ص 149 س 1 العموم هو الاستيعاب ... الخ : يمكن منهجة البحث المذكور ضمن النقاط التالية :

1 - ما هو معنى العموم؟ العموم هو الاستيعاب الذي يدل عليه اللفظ ، ولتوضيحه نذكر المثالين التاليين : اكرم كل عالم ، اكرم العالم. انا نشعر بالوجدان بوجود فرق بين المثالين. ففي المثال الاول تكون نفس كلمة « كل » دالة على العموم ، والعموم مدلولا للفظ « كل » بخلافه في المثال الثاني فان كلمة العالم لا تدل على الاستيعاب بل على طبيعي العالم لا اكثر والاستيعاب يستفاد من قرينة الحكمة. وباتضاح هذا نقول : ان العموم هو الاستيعاب الاول اي الاستيعاب الذي دل عليه اللفظ واما الاستيعاب الثاني الذي تدل عليه قرينة الحكمة فهو ليس عموما وانما هو اطلاق ، فالفرق اذن بين العموم والاطلاق الشمولي هو ان العموم يدل على الاستيعاب بنفس اللفظ بينما الاطلاق الشمولي لا يدل على الاستيعاب بنفس اللفظ بل الدال عليه شيء آخر وهو قرينة الحكمة ، فانها تدل على التكثر والاستيعاب في عالم الفعلية.

2 - ان الاستيعاب يحتاج الى وجود دالين :

ا - ما يدل على نفس العموم مثل كلمة « كل ». ويسمى ذلك باداة العموم.

ب - ما يدل على المفهوم الذي يستوعب الافراد مثل كلمة « عالم » في قولنا اكرم كل عالم فانها دالة على مفهوم العالم الذي قصد به استيعاب الافراد. ويسمى

ص: 427

ذلك بمدخول الاداة.

3 - ان اداة العموم قد تكون اسما مثل كلمة « كل ، جميع » ، وقد تكون حرفا مثل الالف واللام الداخلة على « علماء » في قولنا « اكرم العلماء ».

واذا كانت الاداة اسما فهي تدل على العموم بمفهومه الاسمي اي على كلمة « عموم واستيعاب » ، فان العموم بمفهومه الاسمي عبارة اخرى عن كلمة عموم واستيعاب. ونحن ندعي ان كلمة « كل » تدل على كلمة استيعاب وعموم ، فقولنا اكرم كل عالم يمكن ابداله بقولنا اكرم عموم العلماء ومستوعبا للعلماء.

اما اذا كانت الاداة حرفا فهي وان دلت على الاستيعاب ايضا الا انها لا تدل عليه بمفهومه الاسمي اذ اللام حرف والحرف يدل على معنى حرفي اي النسبة ، وعليه فالمدلول لللام هو الاستيعاب بنحو المعنى الحرفي اي النسبة الاستيعابية. ويأتي توضيح ذلك صفحة (156) من الحلقة.

4 - ان العموم على ثلاثة اقسام : استغراقي ، ومجموعي ، وبدلي ، فاذا قيل اكرم اي عالم كان المستفاد وجوب اكرام عالم واحد غير معين. ويسمى ذلك بالعموم البدلي.

واذا قيل يجب اكرام مجموع العلماء بحيث كان عدم اكرام واحد منهم بمثابة عدم الاكرام رأسا فالعموم مجموعي.

واذا قيل يجب اكرام كل عالم بحيث كان كل فرد من العلماء موضوعا لوجوب اكرام مستقل فالعموم استغراقي.

اذن في العموم البدلي يكون الحكم واحدا منصبا على فرد واحد ، بينما في العموم المجموعي يكون الحكم واحدا ايضا ولكنه منصب على مجموع الافراد الذين لو حظوا بما هم واحد. واما في العموم الاستغراقي فالحكم يكون متعددا

ص: 428

بتعدد الافراد بحيث لو اكرم المكلف بعض الافراد دون بعض كان مطيعا من جهة وعاصيا من جهة اخرى. وان شئت قلت : ان العموم يعني تطبيق المفهوم على افراده ولكن تارة يلحظ تطبيقه على كل فرد مستقلا عن تطبيقه على البعض الآخر بحيث تلحظ تطبيقات متعددة مستقلة ، واخرى تلحظ التطبيقات المتعددة بمثابة تطبيق واحد ، وثالثة يطبق المفهوم على فرد واحد غير معين. والاول هو العموم الاستغراقي والثاني هو العموم المجموعي والثالث هو العموم البدلي.

5 - وهناك سؤال يقول : هل الاختلاف بين الانحاء الثلاثة للعموم ناتج عن الاختلاف في كيفية تعلق الحكم بالافراد بحيث لو قطعنا النظر عن الحكم فلا تحصل الانحاء الثلاثة للعموم او هو ثابت بقطع النظر عن تعلق الحكم؟ اختار الآخوند الاحتمال الاول وقال انه لا اختلاف بين الانحاء الثلاثة بقطع النظر عن تعلق الحكم وانما هو ينشأ من كيفية تعلقه ، فالحكم ان كان متعددا بعدد افراد الموضوع فالعموم استغراقي ، وان كان واحدا والموضوع مجموع الافراد بما هي واحدة فالعموم مجموعي ، وان كان واحدا والموضوع فردا واحدا غير معين فالعموم بدلي.

هذا ولكن الصحيح هو الاحتمال الثاني اي ان الانحاء الثلاثة ثابتة بقطع النظر عن تعلق الحكم فانا نشعر بالوجدان بوجود فرق بين هذه المفاهيم الثلاثة - احد العلماء ، جميع العلماء ، مجموع العلماء - بقطع النظر عن تعلق الحكم ، فان المفهوم الاول يدل على فرد واحد بينما المفهوم الثانى يدل على مجموع العلماء بما هم افراد متعددة والمفهوم الثالث يدل على مجموع العلماء بما هم فرد واحد. اذن الاستغراقية والمجموعية والبدلية مفاهيم ثلاثة يخترعها الذهن قبل الحكم ليصب الحكم عليها بالشكل الذي يريده الحاكم ولا تحصل بعد صبّ الحكم كما يقوله

ص: 429

اصحاب الاحتمال الاول.

قوله ص 150 س 5 كما في لام الجمع : اي الالف واللام. والتعبير باللام من باب الاختصار.

قوله ص 150 س 8 وسيأتي تصوير ... الخ : اي ص 156.

قوله ص 150 س 12 تلحظ عرضية : اي يلحظ جميعها.

قوله ص 151 س 9 وبدون افتراض : العطف تفسيري.

قوله ص 151 س 11 توطئة لجعل الحكم : اي فهي ثابتة قبل الحكم تمهيدا وتوطئة له لا انها تثبت بعده.

نحو دلالة ادوات العموم.

قوله ص 151 س 12 لا شك في وجود ... الخ : حصيلة هذا البحث انا نعرف ان كلمة « كل » وما شابهها موضوعة للعموم واستيعاب المدخول. وهذا مطلب لا ينبغي التأمل فيه وانما ينبغي التأمل في ان استفادة العموم من كلمة « كل » مثلا هل يحتاج الى اجراء قرينة الحكمة في المدخول او لا؟ ربما يقال بلزوم اجراء قرينة الحكمة اولا في المدخول وبعد ذلك تدل كلمة « كل » على العموم. ووجه ذلك ان كلمة « كل » وان كانت موضوعة للعموم الا انها موضوعة لعموم ما يراد من المدخول فاذا كان المراد من المدخول - اي من كلمة عالم مثلا في قولنا اكرم كل عالم - مطلق العالم كانت كلمة « كل » دالة على استيعاب جميع افراد العالم ، اما اذا كان المراد خصوص - العالم العادل فلا تكون كلمة كل دالة على استيعاب جميع افراد العالم بل على استيعاب افراد خصوص العالم العادل ، ومن هنا فنحن بحاجة الى اجراء قرينة الحكمة اولا في كلمة « العالم » ليثبت ان المراد

ص: 430

منها مطلق العالم وبعد ذلك تثبت دلالة كلمة « كل » على العموم. اذن يمكننا بناء على هذا الاحتمال ان نعبر بهذه العبارة المتداولة بين الاصوليين : ان استفادة العموم من كلمة « كل » الذي هو مدلول وضعي لها هو في طول اجراء مقدمات الحكمة في المدخول.

هذا كله لو قلنا ان كلمة « كل » موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول ، اما اذا قلنا بانها موضوعة لاستيعاب ما يصلح ان ينطبق عليه المدخول فلا حاجة الى اجراء قرينة الحكمة فيه لانه - المدخول - صالح في ذاته وبقطع النظر عن اجراء قرينة الحكمة لشمول كل فرد من افراد العالم ، ومع صلاحيته المذكورة تثبت دلالة كلمة « كل » على العموم بلا حاجة الى اجراء قرينة الحكمة بل تكون نفس دلالة كلمة « كل » على الاستيعاب مثبتة لاطلاق المدخول بلا حاجة الى اجراء قرينة الحكمة فيه لاثبات اطلاقه.

والخلاصة : انه يوجد في هذه المسألة احتمالان هما :

ا - ان استفادة العموم من كلمة « كل » بحاجة الى اجراء قرينة الحكمة في المدخول.

ب - عدم الحاجة لذلك.

والآخوند قدس سره ذكر هذين الاحتمالين في الكفاية ثم استظهر الاحتمال الثاني وهو استظهار صحيح وحق.

ولربما يقال : ان الاحتمال الثاني مضافا الى مساعدة الظهور له يمكن اقامة برهانين عليه هما :

1 - ان كلمة « كل » لو كانت موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول بحيث يحتاج الى اجراء قرينة الحكمة اولا لزم منه لغوية وضع كلمة « كل » للعموم

ص: 431

من قبل الواضع كما وتلزم اللغوية من المستعمل لكلمة « كل » ، اذ قرينة الحكمة بعد اجرائها في المدخول يثبت ان المراد من كلمة « العالم » مطلق العالم بلا حاجة الى الاستعانة بكلمة « كل » ، فيكون وضع كلمة « كل » واستعمالها فى العموم لغوا (1).

وقد تقدم هذا البرهان في الحلقة السابقة.

ويمكن الجواب عنه بان قرينة الحكمة بعد اجرائها وان كانت تفيد العموم ولكن لا ترينا من خلال اللفظ وبواسطته الاستيعاب وجميع الافراد ، فان لفظ « عالم » لا يدل الاعلى طبيعة العالم ولا يدل على الاستيعاب وباجراء قرينة الحكمة يثبت ان المراد الجدي هو الطبيعة من دون قيد ، وهذا بخلاف كلمة « كل » فانها تدل على الاستيعاب بنفسها وتري جميع الافراد ، فالعموم مستفاد فيها من نفس اللفظ.

وبكلمة اخرى انه يوجد اسلوبان للدلالة على العموم احدهما تدل عليه كلمة « كل » والآخر تدل عليه قرينة الحكمة ، ومعه فلا يكون وضع كلمة « كل » للعموم من قبل الواضع لغوا اذ المقصود من الوضع افادة المعنى الواحد بالاساليب المختلفة وان لم يترتب على ذلك ثمرة عملية ، كما ولا يكون استعمالها من قبل المستعمل لغوا اذ لعل غرض المستعمل متعلق بافادة العموم بالدلالة اللفظية بان يري العموم والاستيعاب باللفظ لا بقرينة الحكمة حيث ان الدلالة باللفظ اقوى وآكد.

2 - ان كلمة « كل » تدل على العموم دلالة وضعية - وتسمى بالدلالة التصورية ايضا - بينما قرينة الحكمة تنظر الى المدلول التصديقي - اي المراد الجدي -

ص: 432


1- البرهان المذكور للسيد الخوئي في هامش اجود التقريرات 1 / 441.

وتعيّنه كما مر ص 142 من الحلقة. وباتضاح هذا نقول : لو كانت دلالة كلمة « كل » على العموم موقوفة على اجراء قرينة الحكمة في المدخول فهذا معناه ان دلالة الكلام بالدلالة التصورية على معناه موقوفة على تحديد المراد الجدي بواسطة قرينة الحكمة ، وهو باطل وجدانا ، فان دلالة كل كلام على معناه بالدلالة التصورية ثابتة بقطع النظر عن مراده الجدي فالنائم مثلا اذا قال حالة نومه : اكرم كل عالم كان كلامه هذا دالا على المعنى الموضوع له - المعبر عنه بالمدلول التصوري - بالرغم من ان قرينة الحكمة لا يمكن اجراؤها فى حقه لتشخيص المراد الجدي لفرض انه نائم.

قوله ص 151 س 14 بالبحث فيها : اي في كلمة « كل ».

قوله ص 152 س 3 ينفيها : الصواب : يغنيها.

قوله ص 152 س 12 فيتم تطبيقه عليها : اي تطبيق المدخول على الافراد.

قوله ص 152 س 12 مباشرة : اي بلا حاجة الى اجراء قرينة الحكمة.

قوله ص 153 س 3 وتصورا : عطف تفسير.

قوله ص 153 س 4 شيء واحد : الصواب : شيئا واحدا.

قوله ص 153 س 13 بافادة التكثر : لما في ذلك من التأكيد.

قوله ص 153 س 15 كما تقدم : اي ص 142 في التنبيه الاول.

قوله ص 154 س 5 لان المدلول التصوري لكل جزء : فاذا كانت عندنا جملة مركبة من كلمات ثلاث فدلالة كل كلمة على معناها الموضوع له تتوقف على دلالة الكلمات الاخرى على معناها الموضوع له ولا تتوقف على تشخيص المراد الجدي.

ص: 433

العموم بلحاظ الاجزاء والافراد.

قوله ص 154 س 12 يلحظ ان كلمة ... الخ : حاصل البحث المذكور انه تارة يقال : اقرأ كل كتاب ، واخرى يقال : اقرأ كل الكتاب ، وكلنا يحس بالوجدان بوجود فرق بينهما ، فالجملة الاولى يستفاد منها العموم الافرادي اي اقرأ جميع افراد الكتاب ، بينما الجملة الثانية تدل على العموم الاجزائي اي اقرأ جميع اجزاء الكتاب وصفحاته ولا تترك بعضه بلا قراءة.

والسؤال المطروح هنا : كيف دلت كلمة « كل » على هذين المعنيين المختلفين؟ فهل وضعت بوضعين احدهما للعموم الافرادي والاخر للعموم الاجزائي او هناك نكتة اخرى للاختلاف المذكور؟ اجاب الشيخ العراقي قدس سره بان كلمة « كل » وضعت للعموم الافرادي فقط ، غاية الامر قد تقوم قرينة خاصة على ارادة العموم الاجزائي وهي دخول الالف واللام على المدخول ، فان اللام بما انها تدل على العهد - اذا الاصل في اللام ان تكون عهدية - والعهد يلازم التشخص والفردية فاللازم ان يكون مدخول اللام فردا واحدا وحيث ان الفرد الواحد ليس له افراد متعددة حتى يتصور العموم الافرادي بلحاظها كان من المحتم ان يكون العموم اجزائيا.

دلالة الجمع المعرف باللام على العموم.

قوله ص 155 س 14 قد عدّ الجمع المعرف ... الخ : ذكر الاصوليون ان من جملة ما يدل على العموم الجمع المشتمل على الالف واللام مثل كلمة « العلماء » في قولنا « اكرم العلماء ». ويوجد حول ذلك تساؤلان :

ص: 434

1 - كيف تدل كلمة « العلماء » على العموم؟ وقد تعددت الاجوبة عن هذا السؤال نذكر منها واحدا وهو : ان كلمة « العلماء » تتركب من ثلاثة دوال :

ا - مادة الجمع. وهي عبارة عن مفرد الجمع مثل كلمة « عالم » - التي هي مفرد العلماء - الدالة على طبيعي العالم.

ب - هيئة الجمع. وهي تدل على ثلاثة فما فوق ولا تدل على خصوص المرتبة العالية للجمع.

ج - اللام. وهي تدل على استغراق هيئة الجمع لجميع المراتب. اذن هيئة الجمع لا تدل على استغراق جميع مراتب الجمع بل على ثلاثة فما فوق ، وانما الدال على ذلك هو اللام.

وطبيعى حينما نقول ان اللام تدل على الاستغراق فلا نقصد انها تدل على الاستغراق بمفهومه الاسمي - الذي هو عبارة عن كلمة « استغراق » - اذ اللام حرف والحرف لا يدل على المعاني الاسمية بل على المعاني الحرفية التي هي عبارة عن النسب ، فاللام اذن تدل على النسبة الاستيعابية. هذا كله في السؤال الاول.

وقد اتضح ان الدال على العموم هو اللام.

2 - بعد ان عرفنا ان الدال على الاستغراق هو اللام نسأل : ما هو السبب في دلالة اللام على الاستغراق والعموم؟ وفي الجواب نذكر احتمالين :

ا - ان السبب هو الوضع ، فاللام وضعت لافادة الاستغراق. وطبيعي ليس المقصود ان كل لام وضعت للاستغراق - اذ قد تكون اللام داخلة على المفرد مثل « العالم » وهي لم توضع للعموم فانه لم يقل احد بان المفرد المحلى باللام موضوع للعموم بل ان دلالته على العموم ان ثبتت فهي بسبب قرينة الحكمة لا الوضع - وانّما المقصود ان اللام الداخلة على الجمع وضعت للدلالة على العموم.

ص: 435

ب - ان يقال : ان اللام لم توضع لافادة العموم بل لافادة التعيين ، ومن هنا كانت مفيدة للتعريف ، فان المعارف ست احدها المعرف باللام. والسبب في صيرورة المعرف باللام من اقسام المعرفة هو ان اللام تدل على التعيين الذى هو ملازم للتعريف والتشخص.

واذا كانت اللام دالة على التعيين فحينئذ نقول : اذا كانت اللام داخلة على اسم الجنس فالتعين الذي تتطلبه حاصل لأن كل طبيعة في عالم الذهن متعينة ومتميزة عن غيرها من الطبائع ، فانا نتصور في ذهننا النار والماء والهواء والتراب وغير ذلك وكل واحد منها ثابت متميزا عن غيره ، فالنار طبيعة ثابتة فى الذهن غير طبيعة الماء ، فتلك طبيعة لها خصائصها المعينة وهذه طبيعة اخرى لها خصائصها الخاصة بها.

واما اذا كانت اللام داخلة على الجمع فهي تدل على التعين ايضا ولكن ما هو التعين الذي تدل عليه؟ لعلك تقول نجيب كما اجبنا فيما سبق ونقول : ان طبيعة العالم بما انها متعينة في الذهن وتمتاز عن الطبائع الاخرى فتعينها الذهني هذا يكفي لحصول التعين الذي تتطلبه اللام. ولكن هذا الجواب غير صحيح هنا اذ المفروض ان اللام داخلة على الجمع لا على اسم الجنس ، ومادات داخلة على الجمع فلا بد من افتراض التعين في الجمع ولا يكفي التعين في الطبيعة المدلوله لاسم الجنس ، فعلينا اذن ان نصور التعين في الجمع.

وقد ذكر الآخوند ان كل مرتبة من مراتب الجمع هي متعينة في نفسها ، فالثلاثة متعينة لانها ثلاثة ، والاربعة متعينة لانها اربعة ، وهكذا في بقية المراتب.

ويرده : انا لا نقصد من التعين تعين مرتبة العدد حتى يقال بان جميع مراتب العدد متعينة بل المقصود تعين مرتبة الجمع بشكل تعرف الافراد الداخلة فيها

ص: 436

وتميز من الخارجة عنها ، وواضح انه لا توجد مرتبة من هذا القبيل الا مرتبة واحدة وهي المرتبة العالية الشاملة لجميع المراتب ، فانها المرتبة الحاوية لجميع الافراد ، واما بقية المراتب فالافراد الداخلة فيها غير متميزة عن الخارجة ، فمرتبة الثلاثة مثلا لا تحوي الا ثلاثة ولكن اي ثلاثة؟ فهل هذا العالم وذاك وذاك هي الداخلة في الثلاثة او ان ذاك وذاك وذاك هو الداخل؟

والخلاصة : ان اللام تدل على الاستغراق لا بسبب وضعها له - الاستغراق - مباشرة بل بسبب وضعها للتعين ، وحيث لا توجد مرتبة تتميز فيها الافراد الداخلة الا المرتبة العالية فيثبت بذلك دلالة اللام على الاستغراق.

ثم ان السيد الشهيد قدس سره اطلق على التساؤل الاول عنوان البحث الثبوتي وعلى التساؤل الثاني عنوان البحث الاثباتي.

قوله ص 156 س 2 ثلاث : الصواب : ثلاثة.

قوله ص 156 س 7 هذه المرتبة : اي مرتبة العدد او مرتبة الجمع.

قوله ص 156 س 14 ابتداء : اي بلا توسيط التعين.

قوله ص 157 س 1 في موارد دخولها على المفرد وعلى الجمع : بخلافه على الدعوى الاولى ، فان اللام الداخلة على المفرد لا تدل على الجمع ، وانما الدالة عليه هي الداخلة على الجمع دون المفرد.

قوله ص 157 س 9 انما يكون بتحدد الافراد الداخلة فيه : خلافا للآخوند فانه تخيل ان المراد من التعين هو تعين العدد وماهية المرتبة وعدد وحداتها ، ولاجل ذلك اشكل قدس سره بان التعين كما هو محفوظ في المرتبة الاخيرة محفوظ فى المراتب الاخرى ايضا. ولكن الصحيح ان المراد من التعين هو تعين الافراد الداخلة في دائرة الجمع وهذا لا يوجد الا في المرتبة العالية. وقد اشير الى ذلك في

ص: 437

الحلقة الثانية ص 134.

النكرة في سياق النهي او النفي

قوله ص 157 س 14 ذكر بعض ان وقوع ... الخ : قيل بان النكرة اذا وقعت في سياق النفي مثل : لا رجل في الدار ، او في سياق النهي مثل لا تكرم فاسقا تدل على العموم. وهنا سؤال قد يطرح وهو انه لما ذا لم يقولوا ان نفس النكرة تدل على العموم والتجاؤا الى القول بان النفي او النهي الداخل على النكرة هو الدال على العموم.

والجواب : لعل السبب في ذلك هو ان النكرة لا يمكن ان تدل على العموم لكونها موضوعة لاسم الجنس مقيدا بقيد الوحدة ، فكلمة « رجلا » في قولنا « اكرم رجلا » تدل على رجل واحد ، ومع اخذ قيد الوحدة في معنى النكرة كيف تدل على الاستغراق؟ اذن انما لم يقل بدلالة النكرة على العموم لاخذ قيد الوحدة فيها الذي يتنافى والعموم. ومن هنا اضطروا الى القول بان الدال على العموم ليس هو نفس النكرة وانما هو وقوعها في سياق النفي او النهي.

ولكن يرد عليهم : انا قرأنا فيما سبق ان الدلالة على العموم تحتاج الى دالين احدهما وجود مفهوم يستوعب الافراد ، ونحن نسأل عن ذلك المفهوم الذي يستوعب الافراد ، انه لا يمكن ان يكون هو نفس النكرة لفرض اخذ قيد الوحدة في معناها الذي يتنافى ودلالتها على العموم ، ومن هنا نكون بحاجة - لاجل ان نفسر الشمولية - الى نكتة اخرى غير الوقوع في سياق النفي او النهي. وتلك النكتة يمكن بيانها بوجهين :

1 - ان النكرة هي التي تدل على استيعاب الافراد بتقريب انها اذا كانت

ص: 438

مثبتة - اي لم يدخل عليها نفي او نهي مثل « اكرم رجلا » - فهي مستبطنة لقيد الوحدة ولكنها اذا وقعت في سياق النفي او النهي فقيل مثلا « لا تكرم رجلا » فهي تتجرد من قيد الوحدة وتخرج عن كونها نكرة وتكون دالة على الطبيعة فقط ، وبعد دلالتها على الطبيعة من دون قيد الوحدة تصير صالحة لشمول جميع الافراد.

ويبقى بعد ذلك ان تسأل وتقول انكم لحد الآن اثبتم صلاحية النكرة لاستيعاب جميع الافراد ولكن كيف تثبتون انها شاملة بالفعل لجميع الافراد ، اي انه قصد بها بالفعل جميع الافراد؟ والجواب : ان الدال على العموم هو قرينة الحكمة فانها تثبت الاطلاق الشمولي.

وباختصار : ان النفي او النهي ليساهما الدالين على العموم وانما هما يمنحان الصلاحية للنكرة للدلالة على العموم ويكون الدال الفعلي على العموم هو قرينة الحكمة.

2 - ما ذكره الآخوند قدس سره من ان الدال على العموم ليس هو النفي او النهي وانما هو العقل فانه يحكم بان النكرة حيث انها تدل على الطبيعة ، فاذا دخل النفي او النهي عليها كان اللازم في مقام امتثال الطبيعة ترك جميع الافراد لان العقل يحكم بان الطبيعة لا تنعدم الا بترك جميع الافراد.

ويرد هذا البيان : انا لا نريد اثبات الشمولية في مقام الامتثال وانما نريد اثبات الشمولية بمعنى تعدد الحكم بعدد الافراد ، وواضح ان ما ذكره الآخوند يثبت الشمولية في مقام الامتثال حيث يقول : ان الامتثال لا يحصل الا بالشمولية بمعنى ترك جميع الافراد ولا يثبت الشمولية بمعنى تعدد الحكم بعدد الافراد.

قوله ص 158 س 1 ان النكرة كما تقدم ... الخ : فانه ذكر قدس سره في الحلقة الثانية ص 122 ان النكرة هي اسم الجنس المنون بتنوين التنكير مثل « اكرم عالما » ،

ص: 439

وهي موضوعة للطبيعة المقيدة بقيد الوحدة ، ومع تقيدها المذكور لا يمكن انطباقها على اكثر من فرد واحد.

قوله ص 158 س 3 يأتي : الصواب : يأبى.

قوله ص 158 س 9 سواء كانت على نحو شمولية العام او على نحو شمولية المطلق : اي سواء كانت دلالة النكرة الواقعة بعد النفي او النهي على الشمولية من باب الوضع او من باب قرينة الحكمة فانه على كلا التقديرين يلزم وجود مفهوم يصلح لشمول جميع الافراد.

قوله ص 158 س 11 بصورة عرضية : اي قابل لان يشمل جميع الافراد في آن واحد على نحو البدلية.

قوله ص 158 س 13 والنكرة لا تقبل ... الخ : اي بل هي قابلة لشمول جميع الافراد على سبيل البدلية.

قوله ص 159 س 3 ان يدعى كون السياق : اي الوقوع عقيب النفي او النهي.

ص: 440

مبحث المفاهيم

اشارة

ص: 441

ص: 442

المفهوم

قوله ص 160 س 1 لا شك في ان المفهوم مدلول التزامي ... الخ : المفاهيم متعددة فمنها مفهوم الشرط ومنها مفهوم الوصف و .... وقبل التحدث عن كل واحد منها بخصوصه نتحدث عن المفهوم بشكل عام وبقطع النظر عن كونه مفهوم شرط او وصف او غير ذلك ، فالمفهوم بشكل عام ما هو معناه؟ والجواب : ان المفهوم هو كل حكم لازم للمنطوق ، فكل لازم للكلام الذي نطقنا به هو مفهوم. ولكن من الواضح ليس كل لازم للكلام يسمى مفهوما ، فلربما يكون عندنا احيانا حكم لازم للمنطوق ولا يكون مفهوما ، فوجوب المقدمة لازم لوجوب ذيها ولكنه ليس مفهوما ، وحرمة الضد مدلول التزامي للامر بالواجب ولكنه ليس مفهوما ، فالمفهوم اذن هو مدلول التزامي خاص ، ولكن كيف نحدده؟

ذكر الميرزا : ان الحكم اللازم للكلام تارة يكون لزومه واضحا بحيث لا يحتاج اثباته الى اقامة دليل ، واخرى لا يكون كذلك ، والمفهوم هو الاول اي هو الحكم اللازم للكلام بدرجة واضحة لا يحتاج معها الى اقامة دليل. ويسمى في علم المنطق مثل هذا اللازم الذي يكون لزومه واضحا باللازم البين او البين بالمعنى الاخص. اذن المفهوم في نظر الميرزا هو اللازم البين او اللازم البين بالمعنى الاخص وهو الذي لا يحتاج الى اقامة دليل (1).

ص: 443


1- قرأنا في المنطق ان تصور الشيء اذا كان مستلزما لتصور شيء سمّي اللزوم باللزوم البيّن بالمعنى الاخص مثل تصور العمى فانه يستلزم تصور البصر ، اذ العمى هو عدم البصر ، فكلما تصورنا العمى فلا بد وان نتصور البصر. اما اذا كان تصور الشيء لا يستلزم تصور شيء ثاني غير ان تصور الشيئن مع النسبة بينهما يوجب الجزم بالنسبة بلا حاجة الى دليل فاللزوم بيّن بالمعنى الاعم كتصور الكل والجزء والنسبة بينهما فانه يوجب الجزم بان الكل اكبر من الجزء بلا حاجة الى اقامة دليل على ذلك. واذا كان اللزوم بحاجة الى اقامة دليل كاثبات الحدوث للعالم فاللزوم غير بيّن.

ويرده : ان بعض الادلة التي يستدل بها على المفهوم تثبت ان جملة « اذا جاءك زيد فاكرمه » مثلا تدل على المفهوم وانه اذا لم يجيء فلا تكرمه ولكن لا تدعي ان هذه الدلالة واضحة وبشكل لا تحتاج الى دليل بل هي تثبت اللزوم والدلالة بادلة دقيقة تاتي الاشاره لها ، وهذا مما يكشف عن ان المفهوم لا يلزم فيه ان يكون لزومه للمنطوق واضحا بل المفهوم هو الحكم اللازم وان لم يكن لزومه واضحا.

والصحيح ان يقال : ان المفهوم هو الحكم اللازم للكلام شريطه استفادته من الربط الخاص بين المحمول والموضوع لا من نفس خصوصية الموضوع والمحمول. فمثلا اذا قال المتكلم « اذا جاءك ابن الكريم وجب عليك اكرامه » استفدنا من ذلك ثلاثة احكام التزامية هي :

ا - اذا جاءك نفس الكريم فيجب اكرامه. وهذا الحكم يستفاد من خصوصية الموضوع وهي عنوان ابن الكريم ، فلو فرض ان المذكور في الموضوع عنوان اليتيم دون ابن الكريم فهل نستفيد ان ام اليتيم لو جاءت وجب اكرامها؟ كلا لا نستفيد ذلك.

ب - يجب تهيئة مقدمات وجوب الاكرام من باب ان مقدمة الواجب واجبة. وهذا الحكم مستفاد من خصوصية المحمول التي هي الوجوب ، فلو

ص: 444

فرض ان الحكم كان هو استحباب الاكرام او اباحته لما استفدنا من ذلك وجوب المقدمات.

ج - انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، ومثل هذا الحكم ثابت مهما تغير الشرط والجزاء ، فانه في جميع الحالات نستفيد انه متى ما انتفى الشرط انتفى الجزاء ، اي ان روح هذا الحكم تبقى ثابتة غاية الامر يختلف مصداق الشرط والجزاء من قضية الى اخرى ، فمثل هذا الحكم ليس متفرعا على خصوصية الموضوع ولا على خصوصية المحمول حتى يختلف باختلافهما بل على الربط الخاص بينهما.

وباتضاح هذا نقول : ان المفهوم هو خصوص الحكم الالتزامي الثالث ، فان الاحكام الثلاثة وان كانت جميعا احكاما التزامية الا ان المفهوم منها هو خصوص الحكم الثالث المتفرع على الربط الخاص بين الموضوع والمحمول والذي قد يعبر عنه بالانتفاء عند الانتفاء.

ومن الطبيعي ان المفهوم وان كان هو الانتفاء عند الانتفاء لكن شريطة ان يكون الحكم المنتفي هو طبيعي الحكم لا شخصه : فمثلا لا اشكال في ان قولنا « اذا جاء زيد فاكرمه » يدل على ان وجوب الاكرام المقيد بالمجيء ينتفي بانتفاء المجيء ، ولكن ليس هذا مفهوما لانه انتفاء للحكم الشخصي المقيد بالمجىء والذي هو ثابت بمقتضى قاعدة الاحتراز في القيود لا بمقتضى المفهوم ، فان المفهوم هو انتفاء طبيعى الوجوب ، اي انه اذا لم يجىء فلا يجب اكرامه حتى اذا كان مريضا او فقيرا او ... ، ان انتفاء مثل هذا الحكم غير المقيد بسبب معين يسمى بانتفاء طبيعي الحكم وهو المفهوم. وعلى هذا فالمفهوم يشتمل على خصوصيتين : احداهما : كونه حكما التزاميا متفرعا على الربط الخاص بين الموضوع والمحمول.

ص: 445

ثانيتهما : كون المنتفي عند الانتفاء طبيعي الحكم وكليّه لا شخصه.

قوله ص 160 س 7 هو اللازم البين مطلقا : اي سواء كان بينا بالمعنى الاخص ام بينا بالمعنى الاعم.

قوله ص 160 س 11 دون ان يكون مبينا : اي دون ان يكون بينا لا بالمعنى الاخص ولا بالمعنى الاعم.

قوله ص 161 س 3 بهذا النحو : اي بنحو يزول باستبداله بمحمول آخر.

ضابط المفهوم.

قوله ص 162 س 7 ونريد الآن ان نعرف الربط ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان المفهوم يستحصل عليه من الربط الخاص ، والآن نريد ان نعرف ماذا يلزم ان بتوفر في ذلك الربط الخاص لكي يستلزم المفهوم؟ ولهذا السؤال اجابتان احداهما للمشهور والاخرى للسيد الشهيد قدس سره .

اما المشهور فذكروا ان الجملة الشرطية مثلا لا يثبت لها المفهوم الا اذا كان الشرط علة منحصرة للحكم ، فلو كان لوجوب الاكرام علة اخرى غير المجيء كالمرض والفقر ونحو ذلك فلا يثبت المفهوم اي لا يلزم من انتفاء المجيء انتفاء وجوب الاكرام لجواز قيام العلة الاخرى مقام المجيء. اذن ثبوت المفهوم في نظر المشهور يتوقف على ان يكون ذلك الربط الخاص الذي تدل عليه القضية هو الربط على مستوى العلة المنحصرة. ولكن كيف يمكن اثبات ان الشرط علة منحصرة؟ هناك عدة وسائل لاثبات ذلك اهمها قرينة الحكمة ، بان يقال : ان ظاهر قول المتكلم « اذا جاءك زيد فاكرمه » ان المجيء هو الذي يوجب الاكرام سواء سبقه شيء آخر ام لا ، فان مقتضى هذا الظهور ان مرض زيد مثلا ليس علة

ص: 446

لوجوب الاكرام والا يلزم في صورة سبق المرض على المجيء ان لا يحصل وجوب الاكرام بسبب المجيء بل بسبب المرض - فانه لو كان للمعلول علتان وسبقت احداهما الاخرى حصل وجود المعلول بالعلة السابقة دون اللاحقة - والحال انا قلنا ان ظاهر الشرطية باطلاقها الاحوالي ان المجيء هو الذي يوجب الاكرام حتى وان سبقه المرض ، ولازم ذلك عدم كون المرض علة.

وباختصار : ان المشهور قال ان ثبوت المفهوم يتوقف على ان يكون الربط ربطا بالعلة المنحصرة (1) ، وقال ايضا ان الوسيلة لاثبات كون الشرط علة منحصرة هو قرينة الحكمة.

واما السيد الشهيد فقد ذكر انه يوجد طريق آخر لتحصيل المفهوم غير طريق المشهور ، وذلك ان نثبت ان الشرطية موضوعة للتوقف دون الاستلزام ، فاذا ثبت ان واضع لغة العرب قد وضع جملة « اذا جاءك زيد فاكرمه » للتوقف - اي لأفادة انّ : وجوب الاكرام موقوف على المجيء - ثبت المفهوم وانه اذا لم يجيء فلا تكرمه بلا حاجة لاثبات ان المجيء علة منحصرة ، فحتى اذا لم يمكن لقرينة الحكمة اثبات ان المجيء علة منحصرة فبالامكان ثبوت المفهوم عن طريق نكتة التوقف. فمثلا سوف يأتي ان الاخوند ذكر ان قرينة الحكمة لا يمكنها اثبات ان الشرط علة منحصرة للجزاء (2) ولذلك ذهب الى ان الشرطية لا مفهوم لها ، ولكن مع ذلك نقول له ان قرينة الحكمة وان لم يمكنها اثبات كون الشرط علة منحصرة بيد ان هذا لا يستدعي انكار المفهوم للشرطية لامكان ثبوته من طريق آخر وهو

ص: 447


1- مع كون الوجوب المعلق على المجيء طبيعى الحكم لا شخصه ، وهذا واضح ولذا لم نركز عليه.
2- بل والسيد الشهيد يرى ذلك ايضا لكنه يثبت المفهوم عن طريق نكتة التوقف.

اثبات ان الواضع وضع الشرطية للتوقف (1).

اجل اذا فرض ان الواضع لم يضع الشرطية للتوقف بل للاستلزام - اي لافادة ان المجيء يستلزم وجوب الاكرام - لم يثبت لها المفهوم ، فان استلزام المجيء لوجوب الاكرام لا يقتضي نفي استلزام المرض لوجوبه ، بل من المحتمل ان كليهما يستلزم وجوب الاكرام نظير قولنا النار تستلزم الحرارة فانه لا يقتضي عدم استلزام الشمس للحرارة.

وباختصار : ان المشهور ذكر ان الطريق لاثبات المفهوم طريق واحد لا غير وهو اثبات كون الشرط علة منحصرة ، والسيد الشهيد يقول ان الطريق المذكور صحيح ولكن يوجد طريق ثاني لاثبات المفهوم وهو اثبات ان الشرطية موضوعة لافادة التوقف دون الاستلزام ، فاذا لم يمكن اثباته بالطريق الاول امكن التمسك بالطريق الثاني فيقال : ان المتبادر من الشرطية هو التوقف دون الاستلزام وبذلك يثبت المفهوم.

ثم ان الطريق الاول - وهو اثبات ان الشرط علة منحصرة - حيث يحتاج الى التمسك بقرينة الحكمة والمفروض ان قرينة الحكمة ناظرة الى تعيين المقصود الجدي المعبر عنه بالمدلول التصديقي اصطلح قدس سره على الطريق المذكور بالطريق لاستفادة المفهوم على مستوى المدلول التصديقي.

وحيث ان الطريق الثاني - وهو التمسك بنكتة التوقف - يحتاج الى اثبات

ص: 448


1- من الواضح عدم كون المقصود من التوقف هو التوقف بمفهومه الاسمي الذي هو كلمة « توقف » بل المقصود النسبة التوقفية ، فان كلمة « ان » الشرطية حرف ، والحرف يدل على النسبة.

وضع الشرطية للتوقف اصطلح عليه بالطريق لاستفادة المفهوم على مستوى المدلول التصوري فان المدلول التصوري هو المدلول الوضعي.

اذن على ضوء تعبيرات السيد الشهيد يمكننا ان نقول هكذا : ان الطريق لاثبات المفهوم تارة يكون على مستوى المدلول التصوري واخرى على مستوى المدلول التصديقي. اما على مستوى المدلول التصوري فبالامكان الحصول على المفهوم فيما اذا ثبت ان نكتة التوقف قد اخذت في المدلول التصوري المعبر عنه بالمدلول الوضعي. واما على مستوى المدلول التصديقي فبالامكان الحصول على المفهوم فيما اذا ثبت بقرينة الحكمة ان خصوصية العلية الانحصارية قد اخذت في المراد الواقعي المعبر

عنه بالمدلول التصديقي (1).

قوله ص 164 س 12 ولو لم يثبت كون الشرط علة ... الخ : اعتبر المشهور وجود ملازمة بين الشرط والجزاء كما واعتبر ان يكون اللزوم بنحو العلية الانحصارية. وقد تقدم في الحلقة السابقة عدم لزوم كون الشرط علة تامة بل يكفي كونه جزء علة منحصرة. وسواء اعتبر المشهور في الشرط كونه علة منحصرة او جزء علة منحصرة يشكل السيد الشهيد على المشهور بان الشرطية اذا كانت موضوعة للتوقف فذلك يكفي في الحصول على المفهوم وان لم يكن الشرط علة او جزء علة منحصرة.

قوله ص 164 س 13 لمجرد صدقه : الصواب لمجرد صدفة.

قوله ص 164 س 15 عن معنى : وذلك المعنى هو ان ظاهر الشرطية كون المجيء هو الذي يقتضي وجوب الاكرام حتى في حالة سبق المرض عليه.

قوله ص 165 س 1 المحاولة الهادفة : تأتي هذه المحاولة في الوجه الثالث

ص: 449


1- يعسر استفادة المقصود من عبائر الكتاب في هذا المبحث. وكلمات الحلقة الثانية اوضح.

المذكور ص 168 من الحلقة.

قوله ص 165 س 3 ثم الاستنتاج : عطف على قوله « لاثبات كونه ... الخ ». ولعل العبارة الواضحة هكذا : لاثبات كونه مؤثرا على اي حال سواء سبقه شيء آخر ام لا الذي لازمه استنتاج انحصار ... الخ.

قوله ص 165 س 7 وقد تقدم سابقا : اي ص 142 في التنبيه الاول.

مورد الخلاف في ضابط المفهوم

قوله ص 166 س 1 ثم ان المحقق العراقي ... الخ : تقدم ان المشهور اعتبر لحصول المفهوم ركنين هما :

1 - ان يكون الشرط في الشرطية مثلا علة منحصرة للحكم او يفرض على رأي السيد الشهيد وضع الجملة الشرطية للتوقف.

2 - ان يكون الحكم المعلق على المجيء هو مطلق وجوب الاكرام لا شخصه ، والا لكان اللازم من انتفاء الشرط انتفاء شخص الحكم دون الطبيعي ، ومن الواضح ان انتفاء شخص الحكم ليس مفهوما ، اذ المفهوم هو انتفاء الطبيعي دون الشخص.

وبعد هذا نسأل : هل هذان الركنان ثابتان وحصولهما مسلم او هو محل للتأمل؟ اجاب الشيخ العراقي بان النزاع لا بد وان ينصب على الركن الثاني فقط ، واما الاول فالكل متفق على ثبوته وتوفره ، فالكل يقول ان الشرط علة منحصرة للجزاء ، اذ لو لم يكن المجيء علة منحصرة لوجوب الاكرام فمن اللازم ان لا ينتفي شخص الحكم ايضا بانتفاء المجيء ، فانه اذا كانت هناك علة اخرى غير المجيء فكما يلزم عدم انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء المجيء كذلك يلزم عدم انتفاء شخص

ص: 450

الحكم لقيام العلة الثانية مقام العلة الاولى فيلزم بقاء شخص الحكم ، والحال ان الكل متفق على انتفائه بانتفاء الشرط ، وهذا لازمه الاتفاق على ان الشرط علة منحصرة ، فالنزاع لا بد وان ينصب على الركن الثاني فيقال : ان قرينة الحكمة هل يمكن ان تثبت الركن الثاني وان الجزاء هو طبيعي الوجوب او لا؟ هكذا ذكر الشيخ العراقي. وسوف نصطلح فيما بعد على هذا الرأي بمسلك المحقق العراقي.

قوله ص 166 س 3 على الربط الخاص : وهو التوقف على رأى السيد الشهيد او العلية الانحصارية على رأي المشهور.

قوله ص 166 س 5 او وضعا : الصواب : او وصفا.

ص: 451

مفهوم الشرط

اشارة

قوله ص 167 س 5 ذهب المشهور الى دلالة الجملة ... الخ : ذكرنا في بداية البحث عن المفاهيم ان السيد الشهيد يتحدث اولا عن المفهوم بشكل عام ثم يأخذ بعد ذلك بالتحدث عن كل واحد من المفاهيم بخصوصه. والآن وبعد الفراغ عن المفهوم بشكل عام يقع الحديث عن اول المفاهيم وهو مفهوم الشرط.

ذكر المشهور انه لا بد لاجل اثبات المفهوم للشرط من اثبات كون الشرط علة منحصرة لوجوب الاكرام مثلا. ولكن المشكلة كيف يمكن اثبات ان الشرط علة منحصرة؟ والجواب : ان هناك طرقا ثلاثة هي :

1 - التمسك بالوضع.

2 - التمسك بالانصراف.

3 - التمسك بقرينة الحكمة والاطلاق. وقد ذكر المشهور لهذا الطريق الثالث عدة بيانات.

الطريق الاول.

والطريق الاول هو التمسك بالوضع بان يقال : ان جملة « اذا جاءك زيد فاكرمه » موضوعة للانحصار ، والكاشف عن ذلك هو التبادر ، فان المتبادر كون المجيء علة منحصرة لوجوب الاكرام ، والتبادر علامة الوضع. والاحساس بهذا التبادر امر وجداني ، ولكن الذي يقف امامه هو ان الشرطية لو كانت

ص: 452

موضوعة للانحصار لزم ان يكون استعمالها في مورد عدم الانحصار مجازا ، والحال انا لا نشعر بذلك ابدا ، فانه لو قيل « اذا جاءك زيد فاكرمه » لا نشعر بالمجازية حتى ولو كانت هناك علة اخرى غير المجيء كالمرض والفقر ونحوها. وعلى هذا يقع التصادم بين هذين الوجدانين : وجدان تبادر الانحصار ووجدان عدم المجازية في حالات عدم الانحصار ، والآخوند قدس سره رحج الوجدان الثاني وطرح الاول ولذا انكر ثبوت المفهوم للشرطية. ونحن اذا اردنا اثبات المفهوم للشرطية فلا بد وان نوفق بين الوجدانين ونرفع التنافي بينهما. وستأتي طريقة التوفيق ص 173 من الحلقه.

الطريق الثاني.

والطريق الاخر لاثبات المفهوم هو التمسك بالانصراف بان يقال : ان ثبوت المفهوم للشرطية بحاجة الى اثبات امرين هما :

ا - اثبات ان الشرطية تدل على وجود ملازمة بين الشرط والجزاء

ب - اثبات ان الملازمة التي تدل عليها الشرطية هي ملازمة على نحو العلية الانحصارية وليست مطلق الملازمة.

اما الامر الاول - اي اصل الملازمة - فيمكن اثباته عن طريق الوضع بان نقول : ان الشرطية موضوعة لحالة الملازمة ، والكاشف عن ذلك هو التبادر ، فان المتبادر من كل شرطية هو وجود ملازمة بين الشرط والجزاء بحيث لا ينفك احدهما عن الآخر.

واما الامر الثاني - اي كون اللزوم بنحو العلية الانحصارية - فيمكن اثباته عن طريق الانصراف ، بان يقال : ان الملازمة بين العلة والمعلول حالة كون العلة

ص: 453

منحصرة اقوى واكمل من الملازمة بين العلة والمعلول حالة وجود علة ثانية بديلة. وهده الاكملية توجب الانصراف الى الفرد الاكمل وهو الملازمة على نحو العلية الانحصارية.

وقد نوقش البيان المذكور بمناقشتين :

ا - انكم قلتم : بان الانصراف يحصل بسبب الاكملية ، ونحن نقول : لا نسلم كون الاكملية من اسباب الانصراف ، فان الانصراف يحصل بسبب كثرة استعمال اللفظ في بعض الافراد ولا يحصل بسبب الاكملية ، والا يلزم فيما لو قال المتكلم « اعتق رقبة » اعتاق خصوص الرقبة العالمة الفاضلة المجاهدة التقية التي هي اكمل افراد الرقبة ، والحال عدم احتمال ذلك.

ب - لو سلّم ان الاكملية سبب للانصراف فلا نسلم ان الملازمة حالة انحصار العلة اكمل من الملازمة حالة عدم الانحصار ، فلو كانت بين ايدينا نار تسخن الماء فالنار مستلزمة لسخونة الماء ولكن هل هذه الملازمة بين النار والسخونة تضعف فيما لو فرض وجود نار ثانية تصلح للقيام مقام النار الاولى؟ كلا انها لا تضعف كما ولا تقوى ولا تصير اكمل فيما لو فرض عدم وجود نار اخرى بديلة ، بل الملازمة هي هي دون ان تقوى او تضعف بافتراض وجود او عدم وجود نار اخرى.

الطريق الثالث.
اشارة

وثالث الطرق لاثبات المفهوم هو التمسك بالاطلاق. وللطريق المذكور بيانات ثلاثة :

ص: 454

البيان الاول :

ان ثبوت المفهوم للشرطية بحاجة الى اثبات امور ثلاثة هي :

1 - دلالة الشرطية على اصل اللزوم بين الشرط والجزاء.

2 - دلالة الشرطية على ان الشرط علة تامة وليس جزء علة. وبكلمة ثانية لا بد وان يثبت ان اللزوم لزوم بين العلة التامة ومعلولها.

3 - دلالة الشرطية على ان العلة التامة - المتمثلة بالشرط - علة منحصرة وليس لها بديل ، اذ ربما يكون للعلة التامة بديل يقوم مقامها ، والمفهوم كما يتوقف على كون الشرط علة تامة - اي لا جزء علة - كذلك يتوقف على ان تكون تلك العلة التامة منحصرة ، وليست ذات بديل.

هذه امور ثلاثة لا بد من اثباتها حتى يثبت المفهوم. ولكن كيف نثبت الامور المذكورة؟ يمكن اثبات الامر الاول عن طريق الوضع ، فيقال : ان الشرطية موضوعة لحالة الملازمة بين الشرط والجزاء بقرينة التبادر كما اشرنا الى ذلك في الطريق الثاني.

واما الامر الثاني - وهو كون الشرط علة تامة لا جزء علة - فيمكن اثباته عن طريق التفريع بان يقال : ان الشرطية تدل على تفرع وجوب الاكرام على المجيء حيث اتي بالفاء في الجزاء وقيل « ان جاءك فاكرمه » والفاء الداخلة على الجزاء تدل على تفرع وجوب الاكرام على المجيء. وبعد دلالة الشرطية على التفرع نضم الى ذلك مقدمة اخرى هي انه اذا ثبت التفريع في عالم الكلام يثبت بذلك التفرع في عالم المراد والواقع اي يثبت ان وجوب الاكرام متفرع واقعا على المجيء وذلك من جهة ان الاصل مطابقة الكلام للمراد. واذا ثبت ببركة اصالة التطابق التفرع الواقعي نقول حينذاك : انه لا معنى لثبوت التفرع بين شيئين الاكون

ص: 455

احدهما علة تامة والاخر معلولا ، فوجوب الاكرام مادام متفرعا واقعا على المجيء يثبت ان المجيء علة تامة لوجوب الاكرام.

واما الامر الثالث - وهو كون الشرط علة منحصرة لا بديل لها - فيمكن اثباته بواسطة التمسك بالاطلاق الاحوالي فيقال : بعد ان اثبتنا كون المجيء علة تامة نقول ان مقتضى الاطلاق كون المجيء علة تامة في جميع الحالات التي منها حالة اجتماع المجيء مع شيء آخر كالمرض ، واذا كان المجيء علة تامة حتى في حالة المرض يثبت بذلك ان المرض ليس علة بديلة للمجيء والا لزم في حالة اجتماعه مع المجيء تحول المجيء الى علة ناقصة - اي صيرورته جزء علة - لان العلتين التامتين اذا اجتمعتا تحولت كل واحدة منهما الى جزء علة ، فالمرض لو كان علة بديلة للمجيء لزم تحول المجيء الى جزء علة حالة اجتماعه مع المرض والحال ان مقتضى الاطلاق الاحوالي كون المجيء علة تامة حالة اجتماعه مع المرض ايضا. وعليه يثبت ببركة الاطلاق الاحوالي كون المجيء علة منحصرة لا بديل لها. هذا كله في البيان الاول.

مناقشة البيان الاول.

ويرد عليه ثلاث مناقشات :

الاولى : انكم قلتم انه يمكن بواسطة الاطلاق الاحوالي اثبات كون الشرط علة منحصرة ، ونحن نقول انه توجد حالتان لا يمكن للاطلاق الاحوالي نفي احتمال العلة البديلة فيهما وهما :

ا - اذا كانت العلة الاخرى التي نحتمل قيامها مقام المجيء مما لا يمكن اجتماعها مع المجيء مثل انكسار الرجل ، فلو كنا نحتمل ان انكسار رجل زيد علة

ص: 456

ثانية لوجوب اكرامه غير مجيئه ففي مثل ذلك لا يمكن نفي مثل هذه العلة البديلة بالاطلاق الاحوالي اذ لا يمكن ان نقول : ان مقتضى الاطلاق الاحوالي كون المجيء علة تامة حتى في حالة اجتماعه مع انكسار الرجل ، انه باطل ، اذ انكسار الرجل لا يمكن اجتماعه مع المجيء حتى ينفى احتمال عليته بالاطلاق.

ب - اذا كانت العلة الاخرى مما يمكن اجتماعها مع المجيء ولكن كنا نحتمل انها لا تكون علة بديلة الا في حالة عدم حصول المجيء بحيث لو كان المجيء حاصلا فلا تكون علة وانما تكون علة عند عدمه - كما لو فرضنا ان المرض علة اخرى ولكنه لا يكون علة الا في حالة عدم المجيء - فمثل هذه العلة البديلة لا يمكن نفيها بالاطلاق الاحوالى ، فان قولنا مقتضى الاطلاق الاحوالى ان المجيء علة تامة في جميع الحالات بما فيها حالة الاجتماع مع المرض وان كان صحيحا الا انه ينفي علة المرض حالة اجتماعه مع المجيء ولا ينفي عليته حالة عدم اجتماعه مع المجيء فان الاطلاق الاحوالي ناظر الى حالة الاجتماع وينفي احتمال العلة الاخرى حالة الاجتماع ولا ينظر الى حالة انفراد المرض وحده لينفي احتمال عليته فيها.

الثانية : نسلم ان التفرع الاثباتى يدل على التفرع الثبوتى بيد انا ننكر اختصاص التفرع الثبوتي بخصوص العلة ومعلولها ، بل من الممكن ان يكون عندنا شيئان احداهما متفرع على الاخر واقعا ومع ذلك لا يكون احدهما علة والآخر معلولا كما هو الحال بين الكل والجزء ، فان الكل متفرع واقعا على الجزء ، اذ بدون حصول الجزء لا يمكن حصول الكل - ولذا يصح ان نأتي في مقام التعبير عن الكل والجزء بفاء التفريع ونقول : ان حصل الناطق فقد حصل الانسان او ان حصل الخل فيمكن حصول السكنجبين - ولكن مع ذلك ليس احدهما علة للآخر.

ص: 457

ومثال آخر على ذلك : المتقدم والمتأخر زمانا فان المتأخر زمانا متفرع واقعا على المتقدم زمانا ولذا يصح التعبير بفاء التفريع فيقال ان حصل السبت فقد حصل الاحد مع عدم كون احدهما بالنسبة للآخر من باب العلة والمعلول.

وباختصار : ان التفريع الاثباتي وان دل على التفريع الثبوتي ولكن التفريع الثبوتي لا ينحصر بباب العلية والمعلولية بل له مصاديق اخرى مثل الكل والجزء والمتقدم والمتأخر زمانا ، ومعه فلا يمكن ان يستنتج من مجرد تفرع الجزاء على الشرط ان الشرط علة واقعا للجزاء وان كنا في خصوص مثال « ان جاءك زيد فاكرمه » لا نحتمل غير العلية والمعلولية.

الثالثة : لو تنزلنا وسلمنا ان التفرع الواقعي ينحصر بباب العلية والمعلولية وليس له مصاديق اخرى مثل الكل والجزء والمتقدم والمتأخر زمانا ولكن نقول ان التفرع الواقعي لا ينحصر بحالة كون الشرط علة تامة بل من الممكن ان يكون الشرط جزء علة اذ كما ان المعلول متفرع واقعا على علته التامة كذلك هو متفرع واقعا على علته الناقصة.

اجل هناك طريق آخر يمكن بواسطته اثبات ان الشرط علة تامة « لا جزء علة » - غير طريق تفرع الجزاء على الشرط - وهو التمسك بالاطلاق الاحوالي بأن يقال : ان مقتضى تفرع الجزاء على الشرط انه كلما حصل المجيء حصل وجوب الاكرام حتى في حالة عدم انضمام شيء آخر - كالمرض مثلا - الى المجيء ، ان هذا الاطلاق الاحوالي يدل على ان المجيء علة تامة. هذا هو الطريق لاثبات ان الشرط علة تامه لا جزء علة. ولكن هذا الطريق قد يتأمل فيه من ناحية انه وان اثبت كون الشرط علة تامة وليس جزء علة الا انه ينفي الجزئية باحد معنيين لا بكلا المعنيين ، فان كون المجيء جزء العلة فيه احتمالان :

ص: 458

ا - ان يكون جزء العلة بمعنى انه وحده ومنفردا لا يمكن ان يؤثر في وجوب الاكرام بل لا بد وان ينضم اليه شيء آخر كالمرض. وبناء على هذا الاحتمال يكون المجيء قاصرا في ذاته عن التأثير وحده في وجوب الاكرام.

ب - ان يكون المجيء صالحا في ذاته للتأثير وحده في وجوب الاكرام وليس فى ذاته قصور ولكنه بسبب اجتماعه مع علة اخرى يتحول ويصير جزء العلة ، فصيرورة المجيء جزء علة ليس بسبب قصوره الذاتي وانما هو بسبب عارضي وهو الاجتماع مع علة اخرى ، فان كل علة تامة حينما تجتمع مع علة تامة اخرى تتحول كل واحدة منهما الى جزء علة.

وباتضاح هذين الاحتمالين نقول : ان الاطلاق الاحوالي السابق الذي اردنا به اثبات كون المجيء علة تامة « لا جزء علة » هو مما ينفي الجزئية باحتمالها الاول حيث يقول - اي الاطلاق الاحوالي - انه كلما حصل المجيء حصل وجوب الاكرام وان لم ينضم اليه المرض ، وهذا لازمه ان المجيء يمكنه لوحده ايجاد وجوب الاكرام بلا حاجة الى انضمام شيء آخر اليه وليس فيه اي قصور ذاتي ، ولكنه لا ينفي الجزئية باحتمالها الثاني اي لا يقول انه في حالة اجتماع المرض مع المجيء لا يتحول المجيء الى جزء علة بل لعله يتحول ويصير جزء العلة حالة اجتماعه مع المرض ، اذ الاطلاق الاحوالي يقول ان المجيء وحده وبلا حاجة الى انضمام المرض يمكنه ايجاد وجوب الاكرام وليس فيه قصور ذاتي ولا يقول انه لا توجد علة تامة اخرى بحيث عند اجتماعها مع المجيء يتحول المجيء الى جزء علة ، ان الجزئية بهذا المعنى مما لا ينفيها الاطلاق الاحوالي المذكور.

البيان الثاني.

والبيان الآخر للتمسك بالاطلاق ان يقال ان اثبات المفهوم بحاجة الى

ص: 459

اثبات امرين.

أ - اثبات ان الشرطية تدل على اللزوم العلي ، اي ان الجزاء لازم للشرط ومعلول له.

ب - اثبات ان الشرط علة منحصرة.

ولاثبات الامر الاول نكتفي بما سبق ، بان نفترض ان اللزوم العلي ثابت بسبب الوضع او تفرع الجزاء على الشرط ، فبأحد هذين الطريقين نثبت ان الشرط علة للجزاء. والمهم الذي نريد التركيز عليه هو اثبات الامر الثاني اي الانحصار. ولاثباته نقول : انه لو كان لوجوب الاكرام علة اخرى كالمرض مثلا فاما ان يكون كل من المجيء بعنوانه الخاص والمرض بعنوانه الخاص مؤثرا في وجوب الاكرام او يكون كل منهما مؤثرا لا بعنوانه الخاص بل بجامعه ، بان يكون الجامع بينهما - وهو عنوان احدهما - مؤثرا ، فالمجيء بما انه مصداق لعنوان احدهما وهكذا المرض بما انه مصداق لعنوان احدهما يؤثر في وجوب الاكرام بلا مدخلية لعنوانهما الخاص. وكلا الاحتمالين باطل. اما الاول : فلأنّ لازمه ايجاد الشيئين لشيء واحد ، وهو باطل لعدم صدور الواحد من المتعدد. واما الثاني : فلانه وان كان ممكنا الا انه خلاف الظاهر فان ظاهر قول المتكلم « اذا جاءك زيد فاكرمه » ان المجيء بعنوان كونه مجيئا مؤثر في وجوب الاكرام لا بما انه مصداق لعنوان احدهما ، اذ لم يقل المتكلم اذا حصل احدهما - اي المجيء والمرض - يجب الاكرام.

والنتيجة من كل هذا عدم وجود علة اخرى لوجوب الاكرام والا يلزم احد هذين المحذورين الباطلين.

ويرده : ان بالامكان اختيار كون كل من المجيء والمرض علة بعنوانه

ص: 460

الخاص دون ان يلزم تأثير المتعدد في الواحد بان نفترض وجود فردين من وجوب الاكرام والعلة لاحدهما المجيء وللآخر المرض فالمجيء علة لفرد خاص من وجوب الاكرام ، والمرض علة لفرد آخر من وجوب الاكرام ، ومثل هذا الافتراض معقول ولا يلزم منه محذور. وبناء عليه لا يلزم من انتفاء المجيء انتفاء اصل وجوب الاكرام وانما يلزم منه انتفاء الفرد الاول فقط مع امكان ثبوت الفرد الثاني فيما اذا تحققت علته.

البيان الثالث.

وهو للميرزا. وحاصله : ان ثبوت المفهوم للشرطية بحاجة الى اثبات امرين هما :

ا - دلالة الشرطية على اللزوم العليّ.

ب - كون الشرط علة منحصرة.

اما الامر الاول فنفترض ثبوته من طريق الوضع او غيره ، والمهم هو الامر الثاني ، ولاثباته يقال : من الواضح ان الجزاء متعلق ومتقيد بالشرط ، فوجوب الاكرام مقيد بالمجيء بيد انه تارة يكون متقيدا بعلة واحدة معينة واخرى بواحدة غير معينة من علتين. والتقيد بواحدة من علتين ذو مؤونة اكبر في عالم الثبوت ، فان وجوب الاكرام لو كانت له علة واحدة فهو لا يحتاج الى التقييد بكلمة « او » بينما لو كانت له علة ثانية بديلة احتاج الى التقييد ب- « او » بان يقال هكذا : ان جاءك زيد او مرض فاكرمه. وبعد هذا نقول : اذا كانت عندنا علّيتان واقعا احداهما تحتاج الى مؤونة اكبر والاخرى لا تحتاج الى تلك المؤونة فاطلاق الكلام - اي عدم تقييده بكلمة « او » - يدل على عدم ارادة العليّة ذات المؤونة الاكبر.

ص: 461

اذن اطلاق الشرط وعدم تقييده بكلمة « او » يدل على عدم وجود علة اخرى بديلة. وهذا اطلاق نقصد به عدم التقييد ب- « او ». وهناك اطلاق ثاني بمعنى عدم التقييد بالواو ، فان المجيء تارة يقيد ب- « او » واخرى بالواو ، فان قيد ب- « او » وقيل « اذا جاءك زيد او كان مريضا فاكرمه » فلازم ذلك وجود علة اخرى بديلة اي ان الشرط ليس علة منحصرة ، بينما اذا قيد بالواو فقيل « اذا جاءك زيد وكان مريضا فاكرمه » فلازمه كون المجيء جزء العلة وليس علة تامة بل العلة التامة هي مجموع المجيء والمرض. ومن هنا يتجلى ان اطلاق الشرط بمعنى عدم التقييد ب- « او » يدل على ان الشرط علة منحصرة بينما اطلاق الشرط بمعنى عدم التقييد بالواو يدل على ان الشرط علة تامة وليس جزء علة. والميرزا يقول اني اتمسك لاثبات ان الشرط علة منحصرة باطلاق الشرط بمعنى عدم تقييده ب- « او » وليس باطلاقه بمعنى عدم تقييده بالواو فان الاطلاق الثاني لا يثبت كون الشرط علة منحصرة وانما يثبت كونه علة تامة وانا اريد اثبات كونه علة منحصرة.

الحاجة الى اثبات الركن الثاني.

ثم انه بتمامية بيان الميرزا هذا تكون مجموع البيانات التي ذكرناها خمسة. ولا بد وأن نتوجه الى ان هذا البيانات تحاول فقط اثبات الركن الاول من ركني المفهوم دون الركن الثاني ، فانا ذكرنا فيما سبق ان تحقق المفهوم بحاجة في رأي المشهور الى اثبات ركنين هما : العلية الانحصارية وكون الحكم المعلق على الشرط طبيعي الحكم لا شخصه ، وهذه البيانات كلها تصب جهدها لاثبات الركن الاول واما الركن الثاني فلم تثبته بل لا بد من اثباته بقرينة الحكمة بان يقال : ان مفاد

ص: 462

هيئة « فاكرمه » هو اصل الوجوب وطبيعيّه لا فرد خاص من الوجوب ، فلو لم يكن مراد المتكلم طبيعي الوجوب كان عليه البيان ، فعدم بيانه يدل على ان مراده طبيعي الوجوب لا شخصه.

الرد على الميرزا.

ثم ان الرد على الميرزا ان يقال : انت حينما ذكرت البيان الخامس هل تعترف ان الشرطية موضوعة للتوقف او لا؟ فان كنت تعترف بذلك فهذا وحده كاف لاثبات المفهوم بلا حاجة الى اثبات ان الشرط علة منحصرة فان وجوب الاكرام اذا كان متوقفا على المجيء فلازمه انتفاؤه عند انتفاء المجيء بلا حاجة لاثبات كون الشرط علة منحصرة. وان كنت لا تعترف بوضعها للتوقف بل للاستلزام فما ذكرته من البيان ليس بتام لانه يفترض ان وجوب الاكرام لو كانت له علة اخرى غير المجيء يلزم منه حصول التضييق في عليّة المجيء ، وهذا ما لا نسلمه ، فانا وان كنا نسلم ان وجود علة ثانية بديلة يستلزم التقييد ب- « او » ولكننا ننكر كون هذا التقييد موجبا للتضييق ، فهو تقييد ولكنه لا يوجب التضييق في عليّة المجيء ، وهذا شيء وجداني ، فانه لو كان عندنا نار يمكنها ان تسخن الماء مدة ساعة فالنار المذكوره تستلزم السخونة واذا فرضنا وجود نار اخرى يمكن ان تقع بديلا عن هذه النار فهل ترى ان النار الاولى يتضيق استلزامها للسخونة وتصير عليتها مضيقه؟ كلا لا تتضيق عليّة النار الاولى. اجل بافتراض وجود نار اخرى بديلة يلزم وجود عليّة ثانية جديدة غير العلية الاولى من دون ان تتضيق العليه الاولى (1). واذا لم يكن وجود العلة الثانية موجبا لتضييق العليّة الاولى فلا

ص: 463


1- ونظير ذلك ايضا ما اذا قيل جاء زيد او عمرو فهل ان مجيء عمرو يقيد ويضيق مجيء زيد او انه مجيء ثان مضاف الى المجيء الاول؟ طبيعي انه مجيء ثاني ولا يقيد.

يمكن التمسك بالاطلاق لنفي العلة الثانية ، فان الاطلاق لا يصح التمسك به لنفي التقييد الا اذا فرض كون التقييد موجبا للتضييق ، اما اذا لم يكن موجبا لذلك - كما هو الحال في المقام - فلا يصح التمسك به.

ولعل قائلا يقول : صحيح ان وجود علة ثانية لا يستلزم تضييقا في عليّة العلة الاولى وانما يوجب ثبوت علة ثانية جديدة ، ولكنا نقول انه لو كانت هناك علة ثانية يلزم على المولى بيانها ، فسكوته يدل على عدمها.

والجواب : لا يلزم على المولى بيان كل شيء اضافي ولا يكون سكوته عنه دالا على عدمه ، فلو فرض ان المتكلم قال جاء زيد ولم يقل وعمرو فهل يفهم من السكوت عن ذكر اسم عمرو انه لم يجيء؟ كلا لا يفهم ذلك. اجل اذا فرض ان المولى كان في مقام بيان من جاء ومن لم يجىء فسكوته عن ذكر اسم عمرو يدل على عدم مجيئه. وهكذا في مقامنا لو فرض ان المولى كان بصدد بيان ان اى شيء علة لوجوب الاكرام واي شيء ليس علة فسكوته عن ذكر العلة الثانية الاضافية دليل على عدمها. ويسمى مثل هذا الاطلاق بالاطلاق المقامي. ومثل هذا الاطلاق لا يكون متوفرا غالبا ، فمن النادر ان يكون المولى في مقام بيان ان اي شيء علة واي شيء ليس علة ، بل عادة يكون بصدد بيان ان المجيء علة ولا يكون بصدد بيان انه لو سرقت اموال زيد ولم يبق عنده ما يشتري به طعاما مثلا فهل ذلك علة لوجوب اكرامه او لا؟

وباختصار : نحن نعترف ان المولى لو كان في مقام البيان بهذا الشكل صح التمسك بالاطلاق ، ولكنا ندعي انه قضية نادرة.

ص: 464

رأي السيد الشهيد في المسألة.

والاولى في نظر السيد الشهيد في كيفية اثبات المفهوم ان يدعى وضع الشرطية للتوقف ، فان المتبادر من جملة « اذا جاءك زيد فاكرمه » ان وجوب الاكرام موقوف على المجيء ، وطبيعي ان المولى لو كان يصرح هكذا : وجوب الاكرام موقوف على المجيء افلا كنّا نستفيد انتفاء الوجوب عند انتفاء المجيء؟ نعم لا شك في ذلك ، ومعه فلا بد من استفادة ذلك ايضا لو قال المتكلم اذا جاءك زيد فاكرمه.

وقد تقول : لو كانت الشرطية موضوعة للتوقف فلازم ذلك ان يكون استعمالها في موارد وجود العلة البديلة مجازا لعدم استعمالها في التوقف في الموارد المذكورة مع انا ذكرنا فيما سبق - اي في البيان الاول من البيانات الخمسة - ان استعمال الشرطية في موارد عدم الانحصار لا مجازية فيه بالوجدان.

والجواب عن ذلك : ان بالامكان القول باستعمال الشرطية في موارد وجود العلة البديلة في التوقف ايضا غاية الامر نفترض ان الركن الثاني للمفهوم غير متوفر فانا ذكرنا فيما سبق ان ثبوت المفهوم بحاجة الى اثبات امرين : التوقف - او العلية الانحصارية - وكون المعلق على الشرط طبيعي الحكم. وفي موارد العلة البديلة نفترض ان الجملة مستعملة في التوقف ايضا بيد انها لا تدل على المفهوم من جهة اختلال الركن الثاني وكون الجزاء هو شخص الحكم ، فالشرطية تكون مستعملة في التوقف ولكن المتوقف على الشرط شخص الحكم وتكون العلة الثانيه علة لشخص ثان من الحكم. وبناء على هذا تكون الشرطية مستعملة في معناها الحقيقي وهو التوقف غاية الامر هي مستعملة الافادة شخص الحكم وبذلك يكون استعمالها حقيقيا ولا موجب لصيرورته مجازيا سوى عدم استعمال هيئة اكرمه في

ص: 465

طبيعي الحكم ، ومن الواضح ان هذا لا يستوجب المجازية اذ اقصى ما يستوجبه استعمال الهيئة في شخص الحكم هو تقييد اطلاق مفاد الهيئة. وواضح ان تقييد الاطلاق لا يلزم منه المجازية.

اذن السيد الشهيد وفّق بين الوجدانين ، اي بين وجدان تبادر التوقف من الشرطية ووجدان عدم المجازية في موارد العلة البديلة خلافا للآخوند حيث انكر الوجدان الاول لاجل الوجدان الثاني ولم يمكنه التوفيق بينهما بالشكل الذي ذكرناه ، فانكر لاجل ذلك ثبوت المفهوم للشرطية.

قوله ص 167 س 10 اصطدمت الدعوى ... الخ : هذا متصل بالسطر السابق. ووضعه اول السطر خطأ مطبعي.

قوله ص 167 س 14 المدعي : الصواب : المدّعى.

قوله ص 168 س 3 افراد اللزوم : لعل الانسب التعبير ب- « فردي اللزوم ».

قوله ص 168 س 8 وكون الشرط علة تامة : اى لا جزء علة. ثم ان هذه الجملة عطف تفسير لقوله « تفرعه عنه ثبوتا ».

قوله ص 168 س 9 والكلام : عطف تفسير على « الاثبات ». وهكذا عطف « الواقع » على « الثبوت » تفسيري.

قوله ص 168 س 17 او دخالة : عطف على « كونه ».

قوله ص 169 س 2 اذ ليس من الاحوال ... الخ : هذا يصلح تعليلا لنفي الاحتمال الاول اي وجود علة مضادة بطبيعتها للشرط ، ولا يصلح تعليلا لنفي الاحتمال الثاني اي وجود علة ثانية يكون عدم الشرط دخيلا في عليتها ، بل المناسب تعليله بالشكل الذي ذكرناه سابقا.

ص: 466

قوله ص 169 س 5 الجزء : الصواب : الجزاء.

قوله ص 169 س 9 كذلك : اي زمانا. والفارزة قبل كلمة « كذلك » في غير محلها.

قوله ص 170 س 5 على معلوم : الصواب : على معلول.

قوله ص 170 س 17 والجواب بامكان : لعل المناسب : والجواب انه بالامكان .. الخ.

قوله ص 172 س 7 والتحقيق : اي في رد الميرزا.

قوله ص 173 س 3 المطلوب السكوت : المناسب : المطلب المسكوت عنه.

قوله ص 173 س 5 فالاولى من ذلك كله : اي من البيانات الخمسة السابقة. وهذا رأي السيد الشهيد في المسألة.

الشرط المسوق لتحقق الموضوع.

قوله ص 173 س 14 يلاحظ في كل جملة شرطية ... الخ : بعد ان ثبتت دلالة الشرطية على المفهوم نستدرك ونقول : ان الشرطية قد لا تدل على المفهوم وذلك فيما اذا كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع كقولك « اذا رزقت ولدا فاختنه » فانها تدل على انه متى ما تحقق هذا الموضوع - اي رزق الولد - وجب الختان ، ولا تدل على انه اذا لم ترزق الولد فلا تختنه.

ولا بد من ايضاح مطلبين :

1 - متى تكون الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع؟

2 - لماذا لا تدل الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع على المفهوم؟

ص: 467

اما بالنسبة الى المطلب الاول فنقول : ان كل شرطية تحتوي على اركان ثلاثة هي :

ا - الشرط مثل المجيء.

ب - الموضوع مثل زيد.

ح - الحكم مثل وجوب الاكرام.

وباتضاح هذا نقول : تارة يكون الشرط مغايرا للموضوع وغير محقق له - كقولك « اذا جاء زيد فاكرمه » ، فان مجىء زيد غير زيد - واخرى يكون هو الاسلوب والطريق لتحققه كقولك ، « ان رزقت ولدا فاختنه » فان الموضوع هو الولد والشرط هو رزقه ، وواضح ان رزق الولد ليس شيئا مباينا للولد ، بل رزقه سبحانه الولد هو الطريق لوجوده ، ولا يوجد في الخارج شيئان : الولد ورزق الولد.

وبعد هذا نقول : ان الشرط اذا كان مغايرا للموضوع فلا شك في ثبوت المفهوم ، واما اذا لم يكن مغايرا له فهناك صورتان :

ا - ان يكون الشرط هو الطريق الوحيد لتحقق الموضوع ، وهذا مثل قولك « ان رزقت ولدا فاختنه » فان رزقه سبحانه الولد هو الطريق الوحيد لوجود الولد ، ولا يوجد طريق غيره.

ب - ان يكون تحقق الموضوع ممكنا بطريقين ويكون الشرط احد الطريقين ، وهذا كقوله تعالى : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » ، فان الشرط هو مجىء الفاسق ، والموضوع هو النبأ ، وواضح ان مجيء الفاسق بالنبأ يحقق النبأ ولكن ليس هو الطريق الوحيد له ، بل يوجد طريق آخر لحصوله وهو مجىء العادل به.

ص: 468

والنتيجة باختصار : ان الشرطية تكون مسوقة لبيان تحقق الموضوع فيما اذا كان الشرط هو الطريق لتحقق الموضوع سواء كان هو الاسلوب الوحيد ام لا.

اما اذا كان الشرط مغايرا للموضوع فليست الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع. وقد تسمى بانها مسوقة لبيان تحقق المحمول. هذا كله بالنسبة الى المطلب الاول.

واما المطلب الثاني ففيه دعويان :

ا - ان الشرطية التي يكون الشرط فيها هو الاسلوب الوحيد لتحقق الموضوع ليس لها مفهوم

ب - ان الشرطية التي لا يكون الشرط فيها هو الاسلوب الوحيد لتحقق الموضوع لها مفهوم.

اما بالنسبة الى الدعوى الاولى فالدليل عليها ان النكتة في ثبوت المفهوم للشرطية هو ارتباط الحكم وتقيده بالشرط ، ففي قولك « اذا جاءك زيد فاكرمه » يثبت المفهوم لكون وجوب الاكرام قد قيد بالمجيء ، اما اذا لم يكن وجوب الاكرام متقيدا بالمجىء وانما كان متقيدا بزيد - الذي هو الموضوع - فقط فلا يثبت المفهوم. وبكلمة اخرى ان ثبوت المفهوم للشرطية هو من نتائج ارتباط الحكم بالشرط وليس من نتائج ارتباط الحكم بموضوعه والا كان لكل حكم مفهوم.

وباتضاح هذا نأتي الى جملة « ان رزقت ولدا فاختنه » لنلاحظ ان وجوب الختان هل هو متقيد بالشرط حتى يثبت له المفهوم او ليس له تقيد به بل بالموضوع فلا يثبت له مفهوم؟ والصحيح عدم كونه متقيدا بالشرط وانما هو متقيد بالموضوع فقط ، والسبب في ذلك ان الشرط ليس له وجود مغاير لوجود الموضوع - فان رزق الولد ليس شيئا مغايرا لوجود الولد بل هو نفسه - حتى يكون وجوب

ص: 469

الختان مقيدا به وبالتالي حتى يثبت بسبب ذلك المفهوم. اذن وجوب الختان متقيد بالموضوع فقط ، فكانه قيل : أختن الولد ، وواضح ان مثل ذلك ليس له مفهوم.

واما بالنسبة للدعوى الثانية فالدليل عليها ان الموضوع حيث يمكن ان يتحقق بدون الشرط فالحكم يكون مرتبطا بالشرط اضافة الى ارتباطه بالموضوع ، ومعه فيثبت المفهوم ، ففي قوله تعالى « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » يستفاد ارتباطان : ارتباط وجوب التبين بالنبأ الذي هو الموضوع وارتباط وجوب التبين بمجيء الفاسق الذي هو الشرط ، ومادام وجوب التبين مرتبطا بمجىء الفاسق يثبت المفهوم.

وقد تسأل كيف يمكن اثبات ان الاية الكريمة تدل على وجود ارتباطين وليست بصدد بيان ارتباط واحد وهو ارتباط الحكم بالموضوع؟

والجواب : ان الاية الكريمة لو كانت تدل على ارتباط الحكم بالموضوع فقط لكان مفادها هكذا : يجب التبين عن النبأ ، مع انه لا اشكال في عدم كون مفادها ذلك ، وانما مفادها وجوب التبين عن النبأ اذا كان المخبر فاسقا ، وواضح ان السبب لهذه الاستفادة لا بد وان يكون هو ارتباط الحكم بالشرط ، ولا بد وان يكون هذا الارتباط مغايرا لارتباط الحكم بالموضوع.

قوله ص 174 س 12 فهي قسمين : في العبارة سقط والصحيح : فهي على قسمين.

قوله ص 175 س 6 على وجه مخصوص : اي على وجه العلية الانحصارية ، وعلى رأي السيد الشهيد : على وجه التوقف.

ص: 470

مفهوم الوصف

قوله ص 176 س 1 اذا تعلق حكم بموضوع ... الخ : وقع الكلام في ان الوصف له مفهوم أو لا؟ قلو قيل « اكرم الفقير العادل » فهل يدل تقييد الفقير بوصف العادل على انتفاء وجوب الاكرام عن غير العادل او لا؟ وقبل التحدث عن ذلك لا بد من الالتفات الى المقصود من الوصف ، فقد يتخيل انه الوصف النحوي ولكنه باطل بل المقصود كل وصف معنوي اعم من كونه وصفا نحويا اولا ، فمثلا قيد العدالة في قولنا « اكرم الفقير عادلا » حال وليس بنعت ، ولكنه مع ذلك داخل في محل الكلام لكونه وصفا معنويا.

كما وينبغي الالتفات الى ان المقصود هو ان التقييد بالعدالة هل يدل على انتفاء طبيعي الحكم عند انتفاء العدالة - وان الوجوب منتف بجميع اسبابه وملاكاته كوجوب الاكرام من ناحية المرض او كونه هاشميا وغير ذلك - او لا؟ وليس المقصود دلالته على انتفاء شخص الحكم ، فان شخص الحكم - اي الوجوب الخاص الذي ملاكه العدالة - لا اشكال في انتفائه عند انتفاء العدالة لقاعدة الاحتراز في القيود وليس ذلك من المفهوم في شيء.

وبعد هذا نعود الى صلب الموضوع وهو ان التقييد بالوصف هل يدل على المفهوم او لا؟ والجواب : انه اذا اخترنا مسلك الشيخ العراقي - المتقدم ص 167 من الحلقة والقائل بان الركن الاول من ركني المفهوم وهو التوقف لا اشكال في ثبوته وانما الخلاف في الركن الثاني - فلا بد من توجيه النظر الى الركن الثاني وهو

ص: 471

كون المعلق طبيعي الحكم لا شخصه ليرى انه ثابت او لا. والصحيح عدم امكان اثباته لان هيئة « اكرم » تدل على الوجوب المرتبط بالاكرام المتقيد بالفقير العادل ، فالحكم المنشأ بهيئة « اكرم » اذن ليس هو اصل وجوب الاكرام وطبيعيه بل فرد من وجوب الاكرام وهو وجوب الاكرام المتقيد بالفقير العادل ، واذا كان المنشأ هو الوجوب الخاص فغاية ما يلزم من انتفاء العدالة انتفاء هذا الوجوب الخاص لا طبيعي الوجوب. هذا لو اخترنا مسلك الشيخ العراقي.

وان لم نختره فنحن بحاجة الى اثبات كلا الركنين لا خصوص الثاني ، وكلاهما لا يمكن اثباته.

اما عدم امكان اثبات الركن الثاني فلما تقدم قبل قليل.

واما عدم امكان اثبات الركن الاول - وهو التوقف - فلأن مثل جملة « اكرم الفقير العادل » لا يوجد فيها ما يمكن ان يدل على التوقف ، فانه لو تأملنا لوجدنا فيها ثلاثة امور :

ا - تقيد الوجوب بالاكرام. وهذا التقيد والارتباط ذاتي ، اي ان الوجوب بذاته مرتبط بغيره ولا يمكن ان يوجد وحده. ولا يوجد دال على هذا التقيد لكونه ذاتيا غنيا عن الدال عليه.

ب - تقيد الاكرام بالفقير ، اي نسبة الاكرام الى الفقير التي هي نسبة ناقصة تقييدية (1). والدال على هذه النسبة هي هيئة المفعولية ، فان كلمة « الفقير » مفعول به ل- « اكرم » فهيئة المفعولية هذه هي التي تدل على النسبة الناقصة التقييدية.

ج - نسبة العدالة الى الفقير نسبة ناقصة تقييدية. والدال على هذه النسبة

ص: 472


1- انما كانت النسبة المذكورة ناقصة لانه لا يصح السكوت عليها. وكانت تقييدية لان مفادها تقيد الاكرام بالفقير.

هي هيئة الوصف والموصوف.

اذن الدوال الموجودة في الجملة الوصفية ثلاثة ولا شيء منها يدل على التوقف. وعليه فالتقييد بالوصف لا مفهوم له لاختلال كلا الركنين.

وقد تقول اذا لم يكن للوصف مفهوم فالتقييد به يكون لغوا. والجواب : ان محذور اللغوية لا يتوقف دفعه على ثبوت المفهوم ، اي على انتفاء وجوب الاكرام عن جميع افراد الفقير غير العادل ، بل يندفع فيما اذا فرض ان قسما من افراد الفقير غير العادل لا يجب اكرامه - كالفقير الفاسق من اهل الكوفة - والقسم الآخر يجب اكرامه كالفقير الفاسق من اهل البصرة - فانه بناء على هذا الافتراض يندفع محذور اللغوية ، اذ التقييد بوصف العدالة يكون الداعي له دفع توهم شمول الحكم بوجوب الاكرام للقسم الذي لا يجب اكرامه وهو الفقير الكوفي ، فانه لو قيل اكرم الفقير من دون ذكر قيد العدالة لتوهم شمول الحكم بوجوب الاكرام لكل فقير حتى الفقير الكوفي. اذن اقصى ما يدل عليه التقييد بالوصف هو السلب الجزئي اي عدم ثبوت وجوب الاكرام لبعض افراد الفقير غير العادل ، ولا يدل على السلب الكلي - اي انتفاء الوجوب عن جميع افراد الفقير غير العادل - الذي هو المفهوم. وقد مر هذا في الحلقة الثانية ص 144.

قوله ص 176 س 11 والذي ينتفي بانتفائه : اي ينتفي المربوط - اي الحكم المربوط - بانتفاء الوصف.

قوله ص 176 س 13 لان مفاد هيئة « اكرم » : وهو الوجوب ، فانه مفاد الهيئة. ومدلول المادة - المقصود من المادة : المصدر - هو الاكرام. ثم ان المناسب : « مقيد » بدل « مقيدة ».

قوله ص 176 س 14 طرفا لها : لعل المناسب : طرفا له ، اي طرفا لمفاد

ص: 473

الهيئة ، فان الاكرام طرف للوجوب الذي هو مفاد الهيئة.

قوله ص 176 س 15 اكرم : الصواب : اكرام.

قوله ص 177 س 7 ان نضيف الى ذلك : اي الى منع دلالة الجزاء على الطبيعي الذي هو الركن الثاني.

قوله ص 177 س 13 لا بنحو المعنى الاسمي ولا بنحو المعنى الحرفي : اي لا توجد كلمة توقف حتى تدل على التوقف ، كما ولا توجد هيئة لتدل على النسبة التوقفية التي هي معنى حرفي.

ص: 474

مفهوم الغاية

قوله ص 178 س 1 ومن الجمل التي وقع الكلام ... الخ : وقع الحديث في ان التقييد بالغاية هل يدل على المفهوم او لا؟ فلو قيل « صم الى الليل » فهل يستفاد منه انتفاء الوجوب عما بعد الليل او لا؟ ومن الطبيعي المقصود هل يستفاد انتفاء طبيعي الحكم او لا؟ وبكلمة اخرى هل يستفاد ان الوجوب بجميع ملاكاته واسبابه منتف بعد الليل او لا؟ وليس المقصود هل يستفاد انتفاء شخص الحكم ، فان الوجوب الخاص المقيد بكونه الى الليل لا اشكال في انتفائه عند دخول الليل طبقا لقاعدة الاحتراز في القيود.

ولاجل ان يتضح ما هو الصحيح لا بد وان نرجع الى الركنين السابقين لنلاحظ هل هما متوفران او لا؟

والركن الاول - وهو التوقف - ثابت جزما ، فان افتراض الغاية يلازم افتراض التوقف ، فحينما يقال صم الى الليل فمرجع ذلك الى ان نهاية الصوم دخول الليل ، ومن الواضح ان النهاية عبارة اخرى عن الغاية ، فمعنى كون نهاية الصوم الليل هو ان وجوب الصوم موقوف على عدم دخول الليل.

واما بالنسبة الى الركن الثاني - وهو كون المعلق الطبيعي لا الشخص - فلأجل ان يتضح حاله يمكننا ان نحول الغاية من حالة الحرفية الى حالة الاسمية ، اي نحوّلها من كلمة « الى » مثلا الى كلمة غاية. وعند التحويل نجد ان جملة « صم الى الليل » يمكن تحويلها الى احد شكلين :

ص: 475

ا - وجوب الصوم مغيى بالليل.

ب - جعلت وجوبا للصوم مغيى بالليل.

فان كانت الجملة الغائية السابقة ترجع الى الشكل الاول امكن ان نستفيد ببركة قرينة الحكمة كون الحكم المغيى بدخول الليل هو الطبيعي دون الخاص ، فكما انه لو قال المتكلم « الربا حرام » امكن التمسك بقرينة الحكمة لاثبات ان مطلق الربا محرم لا بعض افراده ، فكذلك في الشكل الاول يمكن التمسك بقرينة الحكمة لاثبات ان المقصود من الوجوب هو مطلق الوجوب وطبيعيه لا بعض افراده الخاصة.

واما اذا كانت الجملة الغائية ترجع الى الشكل الثاني فلا يمكن التمسك بقرينة الحكمة لاثبات ان الحكم المغيى هو الطبيعي ، اذ لا يستفاد من جملة « جعلت وجوبا للصوم مغيى بالليل » انه جعل طبيعي الوجوب ، بل اقصى ما يستفاد انه جعل وجوبا مغيى بالليل ، وهذا لا ينافي انه جعل وجوبا ثانيا غير مغيى بالليل.

وحيث ان الجملة الغائية السابقة لا يستفاد منها اكثر من الشكل الثاني فلا يمكن ان تكون دالة على المفهوم حيث ان الركن الثاني لا يمكن اثباته.

ولرب قائل يقول : اذا كان التقييد بالغاية لا يدل على المفهوم فذكر الغاية يكون لغوا ، اذ يمكن للمولى ان يقول « صم » بدون حاجة للتقييد بكونه الى الليل مادام الوجوب ثابتا لما بعد الليل.

والجواب : انه يكفي لدفع اللغوية افتراض ان قسما مما بعد الليل - كمقدار ساعتين - يجب صومه وقسما آخر - كثلاث ساعات - لا يجب صومه ، فانه حينئذ يكون التقييد بالليل لدفع توهم ثبوت وجوب الصوم للساعات الثلاث التي لا

ص: 476

يجب صومها ، اذ لو قيل « صم » من دون التقييد بكونه الى الليل فهم السامع من ذلك ان الصوم واجب لما بعد الليل بما في ذلك الساعات الثلاث ، فلأجل دفع هذا التوهم يذكر التقييد بالليل. وعلى هذا يكون للتقييد بالغاية مفهوم ولكن على مستوى السالبة الجزئية دفعا لمحذور اللغوية ، اي يفهم ان قسما من ساعات ما بعد الليل لا يجب صومها ولا يفهم ثبوت المفهوم على مستوى السالبة الكلية وانه لا يجب صوم ما بعد الليل ابدا.

قوله ص 178 س 4 بالنحو اللذي يستدعي ... الخ : وهو التوقف.

قوله ص 178 س 6 فمسلك المحقق العراقي : القائل بان الركن الاول ثابت جزما. وقد تقدم هذا ص 167 من الحلقة.

قوله ص 178 س 8 والمدلول لذلك الخطاب : عطف تفسير على شخص الحكم المجعول. ثم ان المدلول للخطاب هو شخص الحكم واما الطبيعي فهو مدلول للاطلاق وقرينة الحكمة.

قوله ص 178 س 13 جعل الشارع وجوب الصوم المغيى : المناسب :

جعل الشارع وجوبا للصوم ... الخ كما سيأتي منه قدس سره ص 179 س 13 من الحلقة.

ص: 477

مفهوم الاستثناء

قوله ص 180 س 3 ونفس ما تقدم ... الخ : اذا قال المتكلم « اكرم الفقراء الا الفساق » فلا شك في استفادة ان وجوب الاكرام - الذي هو حكم المستثنى منه - غير ثابت للفساق الذي هو المستثنى ، اي لا اشكال في انه يدل على الركن الاول وهو التوقف ، فان عدم ثبوت الوجوب للفساق معناه ان وجوب الاكرام موقوف على عدم الفسق ، وانما الاشكال في الركن الثاني - وهو انتفاء طبيعي الحكم عن الفساق - فهل هو ثابت حتى يكون المفهوم ثابتا او لا؟ وبتعبير آخر هل يستفاد ان وجوب الاكرام بجميع الملاكات منتف عن الفساق - فلا يجب اكرامهم حتى لو كانوا مرضى او هاشميين او غير ذلك - او يستفاد فقط وفقط انتفاء شخص الحكم ، اي ان الفساق لا يجب اكرامهم بملاك الفقر واما بالملاكات الاخرى فذاك مسكوت عنه. فلو كانت الجملة المذكورة تدل على انتفاء وجوب الاكرام عن الفساق بجميع الملاكات فلازم ذلك ثبوت المفهوم ، اما اذا لم تدل على ذلك بل كانت تدل على عدم وجوب اكرام الفساق بملاك الفقر فقط - اي كانت تدل على انتفاء شخص الحكم دون طبيعيّه - فلا يكون المفهوم ثابتا.

ولاجل التعرف على ان جملة الاستثناء هل تدل على نفي طبيعي الوجوب عن الفساق او لا يمكننا تحويل اداة الاستثناء من حالة الحرفية الى حالة الاسمية كما ذكرنا ذلك في الجملة الغائية. وعند التحويل نجد ان بالامكان الحصول على شكلين :

ص: 478

ا - وجوب الاكرام يستثنى منه الفساق.

ب - جعل الشارع وجوبا لاكرام الفقراء مستثنى منه الفساق.

فعلى الشكل الاول يمكن ان يستفاد ان الوجوب المستثنى عن الفساق هو الطبيعي بخلافه في الشكل الثاني تماما كما ذكرنا في الجملة الغائية. وحيث ان غاية ما يستفاد من جملة الاستثناء هو الشكل الثاني فلا يثبت اذن المفهوم للاستثناء.

اجل دفعا لمحذور اللغوية لا بد من الالتزام بثبوت المفهوم على نحو السالبة الجزئية ، فمن استثناء الفساق لا يتحتم ان نفهم ان كل فرد من افراد الفقير الفاسق لا يجب اكرامه بل لدفع محذور اللغوية لا بد من فرض ان بعض افراد الفقير الفاسق لا يجب اكرامه كالفقير الفاسق الكوفي - ففى مثل هذه الفرضية لا يكون استثناء الفساق لغوا ، اذ لو لم يستثن وقيل اكرم الفقراء لتوهم شمول الحكم بوجوب الاكرام لجميع الافراد بما فيهم الفقير الفاسق الكوفي ، فقيد « الفساق » ذكر لا لأفادة انتفاء الوجوب عن جميع افراد الفساق بل لدفع توهم شمول الحكم لكل فقير حتى الفاسق الكوفي.

قوله ص 180 س 4 لا شك في دلالته على نفي حكم ... الخ : اي لا شك في دلالته على التوقف وان وجوب الاكرام منفي عن الفساق وموقوف على عدم كون الفقير فاسقا ، وهذا معناه ان الاستثناء يدل على الركن الاول جزما.

قوله ص 180 س 15 لم يكن لها مفهوم : اي على نحو السالبة الكلية والا فالمفهوم على نحو السالبة الجزئية - دفعا لمحذور اللغوية - ثابت كما اشار لذلك في الحلقة الثانية.

ص: 479

مفهوم الحصر

قوله ص 181 س 1 لا شك في ان كل جملة تدل على حصر ... الخ : اذا قال المتكلم « انما العالم زيد » فهم منه حصر العالمية في زيد. ولكن هل يفهم من ذلك ان غير زيد ليس بعالم؟ والجواب يرتبط بملاحظة الركنين السابقين ، فان كانا متوفرين ثبت المفهوم والا فلا. والصحيح توفر هما.

اما الركن الاول - وهو دلالة الجملة على التوقف - فلأن الحصر يستبطن التوقف ، فان مرجع حصر العالمية في زيد الى ان العالمية يتوقف تحققها على زيد.

واما الركن الثاني - وهو كون المحصور طبيعي الحكم لا شخصه - فلأنه بعد ان سلمنا دلالة الجملة المذكورة على الحصر فلا بد وان يكون المحصور هو الطبيعي ، اذ شخص الحكم محصور بموضوعه دائما وابدا بلا حاجة الى حصر ، فان شخص الحكم عبارة عن عالمية زيد ، ومن الواضح ان عالمية زيد منحصرة بزيد ولا يمكن ان تتعداه حتى ولو لم تستعمل اداة الحصر ، فاستعمال اداة الحصر اذن لا بدّ وان يكون الغرض منه حصر طبيعي العالمية في زيد ، ومادام مطلق العالمية وطبيعيّها منحصرا في زيد فلا بد وان لا يكون غير زيد متصفا بالعالمية وهو معنى المفهوم.

ولعله من هذه الناحية لم يقع نزاع بين الاصوليين. اجل هناك نزاع جانبي في تحديد بعض ادوات الحصر. ونذكر لادوات الحصر مثالين :

ا - كلمة « انما ». وقد وقع النزاع في انها تدل على الحصر او لا؟ فالشيخ

ص: 480

الانصاري قدس سره ذهب الى عدم دلالتها على ذلك لانه لم يكن عربيا حتى يتمسك بما يتبادر الى ذهنه منها ، فان التبادر من لفظ عربي يتوقف على كون الشخص عربيا. واذا اريد الرجوع الى الاستعمالات العربية وجدنا انها مختلفة ، ففي بعضها استعملت كلمة « انما » للحصر وفي بعضها الآخر لم تستعمل لذلك ، فالاستعمالات مختلفة ولا يمكن الركون اليها. واذا اردنا الرجوع الى مرادف كلمة « انما » في الفارسية ليلحظ هل يتبادر منه الحصر او لا لم نعثر على مرادف. وعليه فجميع الطرق لاثبات الوضع للحصر - التبادر والاستعمالات العربيه والمرادف في غير اللغة العربية - منسدة ، ومن هنا انكر قدس سره دلالة كلمة « انما » على الحصر.

ويرده : ما اشار اليه الآخوند من وجود طريق رابع وهو التبادر عند العرب ، فان المتبادر الى اذهانهم من كلمة « انما » الحصر ، وهو يكفي لاثبات الوضع.

ب - كون موضوع القضية عاما ومن المعارف كقولك « ابنك هو محمد » ، فان كلمة « ابن » اعم من محمد ، وهي معرفة لانها مضافة للكاف. وفي هذه الحالة نستفيد الحصر ، اي نستفيد ان البنوة منحصرة بمحمد.

ولعل نكتة استفادة الحصر ان المحمول لا بد وان يكون صادقا على جميع افراد الموضوع - والا فلا يصدق عليه انه محمول - وحيث ان الموضوع اعم فلا بد من فرض ان جميع افراد الابن منحصرة في محمد ، والا فلا يكون صادقا على جميع افراد الموضوع.

ص: 481

ص: 482

محتويات الكتاب

الموضوع / الصفحة

المقدمة... 3

تعريف علم الأصول... 7

تعريف علم الأصول والاعتراضات الواردة عليه... 9

الاعتراضات على التعريف... 10

الجواب عن الإشكال الأوّل... 13

الجواب عن الإشكال الثاني... 15

الجواب عن الإشكال الثالث... 16

مناقشة السيد الخوئى... 19

موضوع علم الأصول... 23

تحديد الموضوع لكل علم... 25

استدلال اصحاب الإتجاه الأخير... 26

استحالة ثبوت الموضوع لبعض العلوم... 30

الحكم الشرعي وتقسيماته... 33

تحديد المقصود من الحكم الشرعي... 35

ص: 483

شمولية الحكم للعالم والجاهل... 41

تحديد المقصود من الإشتراك... 43

كيف نخالف الوجدان... 44

ثمرة البحث... 45

الحكم الواقعي والظاهري... 49

تقسيم الحكم الشرعي وبيان مراحله... 51

الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية... 57

استحالة التعبد بالحكم الظاهري... 59

الشبهات الثلاث لابن قبه... 60

شبهة التضاد والجواب الأوّل عنها... 62

الجواب الثاني عن شبهة التضاد... 66

الجواب الثالث عن شبهة التضاد... 69

الجواب عن الشبهة الثانية والثالثة... 73

الفارق بين الامارات والأصول... 75

الامارات والأصول... 77

تفرقة الميرزا... 78

سؤال وجواب... 79

مناقشة الميرزا... 80

الفارق بنظر السيد الشهيد... 80

التنافي بين الاحكام الظاهرية... 83

ص: 484

تحديد المقصود من التنافي بين الأحكام الظاهرية... 85

وظيفة الأحكام الظاهرية... 87

تحديد المقصود من وظيفة الأحكام الظاهرية... 89

التصويب بالنسبة الى بعض الأحكام الظاهرية... 91

تحديد المقصود من التصويب في الأحكام الظاهرية... 93

القضية الحقيقية والخارجيّة للأحكام... 97

توضيح المقصود... 99

تعلق الأحكام بالصور الذهنية... 103

توضيح المقصود... 105

تنسيق البحوث المقبلة... 107

حجية القطع... 109

تحديد المقصود... 111

تلخيص لما سبق... 115

الفرق بين استدلال السيد الشهيد والمشهور... 115

استحالة سلب المعذرية عن القطع... 115

حجية العلم الإجمالي... 121

تحديد المقصود... 123

وهل وقع الترخيص بالفعل؟... 127

توضيح مصطلح... 129

المتجري والقطاع... 131

ص: 485

حجية القطع غير المصيب وحكم التجري... 133

التفصيل بين المنجزية والمعذرية... 136

الأصل العملي عند الشك... 141

تأسيس الأصل عند الشك في الحجية... 143

اقامة الدليل على نفي الحجية... 146

توجيه ثالث لإصالة عدم الحجية... 148

الأصول والامارات المثبتة... 153

مقدار ما يثبت بدليل الحجية... 155

إيراد السيد الخوئي... 158

رأي السيد الشهيد... 159

تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية... 161

تحديد المقصود... 163

هل تسقط الدلالة التضمينة عند سقوط المطابقية... 167

القطع الطريقي والموضوعي... 169

وفاء الدليل بدور القطع الطريقي والموضوعي... 171

محاولة الميرزا... 177

جواز الأسناد... 181

اثبات الإمارة لجواز الأسناد... 183

ابطال طريقية الدليل... 187

تحديد المقصود... 189

ص: 486

تقسيم البحوث في الأدلة المحرزة... 191

الدلالات الخاصة والمشتركة... 195

تقسيم الدلالة... 197

الإبحاث اللغوية... 199

إبحاث مستلة من التقرير... 205

الحقيقة الشرعية... 207

تحديد المقصود من الحقيقة الشرعية... 209

ثبوت الحقيقة الشرعية... 211

الإستغناء بالحقيقة اللغوية عن الحقيقة الشرعية... 215

هل الحقيقة الشرعية ثابته؟... 216

ثمرة القول بالحقيقة الشرعية... 217

الصحيح والأعم... 221

تحديد المقصود... 223

أسماء العبادات... 223

المقصود من الصحة والفساد... 225

الوضع لمفهوم الصحيح أو واقعه... 227

تفصيل الشيخ الأعظم بين الأجزاء والشرائط... 227

لا بدّ من وجود جامع... 232

الجامع على الصحيح... 234

الجواب عن الإشكال... 237

ص: 487

محاولة الآخوند... 237

محاولة الشيخ الإصفهاني... 239

محاولة السيد الشهيد... 240

الجامع على القول بالأعم... 244

ثمرة البحث... 247

ادلة الوضع للصحيح... 254

الدليل الأوّل... 254

الدليل الثاني... 257

الدليل الثالث... 258

ادلة الوضع للأعم... 259

مختار السيد الشهيد... 266

أسماء المعاملات... 270

الجهة الأولى... 270

الجهة الثانية... 273

الجهة الثالثة... 276

الجهة الرابعة... 279

المختار في المسألة... 281

المشتق... 285

النسبة بين المشتق النحوي والأصولي... 289

الإبحاث في المشتق... 289

ص: 488

الإحتمالات في البساطة والتركب... 290

الأقوال في البساطة والتركب... 291

الأدلة على بساطة المشتق... 294

الدليل الأوّل... 295

مناقشة الدليل الأوّل... 296

عدم أخذ مصداق الشيء في معنى المشتق... 301

الدليل الثاني على البساطة... 302

الدليل الثالث... 303

الصحيح هو التركب... 304

البحث الجانبي في المشتق... 306

تصوير الجامع بناء على الوضع لخصوص المتلبس... 309

تصوير الجامع على الأعم... 310

الرأي المختار في البحث الثاني... 315

التفصيل بين المشتقات... 316

الأصل عند الشك... 320

المعاني الحرفية... 325

المقصود من المعنى الحرفي... 327

توضيح الإتجاه الأوّل... 328

الإتجاه الثاني... 330

مناقشة الإتجاه الأوّل... 330

ص: 489

البرهنه تفصيلا... 336

إيجادية الميرزا... 338

خصوصية الموضوع له... 342

خصائص ثلاث للمعنى الحرفي... 343

هيئات الجمل... 344

الجملة التامة والجملة الناقصة... 349

الجملة الخبرية والإنشائية... 353

توجيه كلام مشهور... 357

الثمرة... 358

ادوات الطلب... 363

الأمر أو أدوات الطلب... 365

الثمرة بين الإتجاهات... 378

الأوامر الإرشادية... 381

القسم الثاني... 382

دلالة الجملة الخبرية على الوجوب... 385

مادة النهي وصيغته... 387

الأمر يدل على الفور أو التراخي... 388

الأمر يدل على المرة أو التكرار... 389

الإحتراز في القيود ومقدمات الحكمة... 391

الإطلاق وإسم الجنس... 393

ص: 490

عودة لصلب الموضوع... 398

التقابل بين الإطلاق والتقييد... 402

الفارق بين الأقوال... 403

إختيار القول الثالث... 404

الإطلاق والتقييد الثبوتيان والاثباتيان... 406

احترازية القيود وقرينة الحكمة... 407

مقدمات الحكمة... 114

تنبيهات ترتبط بمقدمات الحكمة... 417

التنبيه الأوّل... 417

التنبيه الثاني... 417

التنبيه الثالث... 420

التنبيه الرابع... 421

مبحث العموم... 425

ادوات العموم... 427

نحو دلالة العموم... 430

العموم بلحاظ الأجزاء والأفراد... 434

دلالة الجمع المعرف باللام على العموم... 434

النكرة في سياق النهي أو النفي... 438

مبحث المفاهيم... 441

المفهوم... 443

ص: 491

ضابط المفهوم... 446

مورد الخلاف في ضابط المفهوم... 450

مفهوم الشرط... 452

الطريق الأوّل... 452

الطريق الثاني... 453

الطريق الثالث... 454

البيان الأوّل... 455

مناقشة البيان الأوّل... 456

البيان الثاني... 459

البيان الثالث... 461

الحاجة الى اثبات الركن الثاني... 462

الرد على الميرزا... 463

رأي السيد الشهيد في المسألة... 456

الشرط المسوق لتحقق الموضوع... 467

مفهوم الوصف... 471

مفهوم الغاية... 475

مفهوم الاستثناء... 478

مفهوم الحصر... 480

ص: 492

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.