تبصرة الفقهاء المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-020-0

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الثالث

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج3)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 5

ص: 6

تبصرة: [ في شرائط وجوب الزكاة ]

اشارة

يشترط وجوب الزكاة بكمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا يجب في مال الطفل والمجنون مطلقا على المعروف بين الأصحاب.

واحتجّ عليه في المدارك (1) تبعا لما في المعتبر (2) وغيره من كتب الأصحاب بما دل على رفع القلم عنهما ، وبأنّ أوامر الزكاة لا يتناولهما ، وتكليف (3) الولي بذلك منع (4) بالأصل.

ويضعف الأوّل أنّ قضية رفع القلم عنهما عدم تعلّق التكليف بالإخراج بهما ، وهو ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في تعلّقها بأموالهما يستحق الفقراء بعضا منها ، وليس في رفع القلم عنهما دلالة على عدمه (5) لظهوره في رفع التكليف دون غيره.

وقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى شمول الاستحباب والكراهة للأطفال المميّزين ، ومن ثمّ ذهبوا إلى مشروعيّة العبادات الصادرة منهم (6).

ومع الغضّ عن ذلك فليس ثبوت الزكاة في ماله واستحقاق الفقراء شيئا منه حكما واردا على الصبيّ كما أنّه ليس استحقاق المشترى لماله إذا باعه الولي من ثبوت العلم على الطفل.

ويشهد بما قلناه أنّهم ذهبوا إلى استحباب الزكاة في مال الطفل من دون منافاة فيه لرفع القلم المعلوم.

ص: 7


1- مدارك الأحكام 5 / 15.
2- المعتبر 2 / 486.
3- في ( د ) : « لتكليف ».
4- في ( د ) : « منفي ».
5- في ( ب ) : « عدم الظهور » بدل « عدمه لظهور ».
6- في ( د ) : « عنهم ».

والثاني : بأنّه ليس جميع ما دلّ على ثبوت الزكاة من قبيل الأوامر ، وما بمعناها لئلا يتناول الصبيّ والمجنون بل جملة منه شاملة لأموالهما كقوله عليه السلام (1) : « فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وفيما سقت السماء العشر ، وفي خمس من الإبل شاة ».

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة المسوقة سوق تلك الأخبار.

مضافا إلى روايات كثيرة أخرى مشتملة على وضع الرسول صلى اللّه عليه وآله الزكاة على الأجناس (2) التسعة (3) ؛ فانّها تعم ما إذا كانت مملوكة للبالغ العاقل أو غيره.

والمناقشة في إطلاق تلك الروايات لورودها لبيان (4) حكم آخر لكونها في مقام بيان النصاب في الأخبار الأوّلة وبيان ما يجب فيه الزكاة في الأخيرة ليس على ما ينبغي إذا قضى ما يلزم من ذلك أن لا تكون الإطلاقات المذكورة بتلك المكانة من الظهور ، لأنّها تكون خارجة عن الإطلاق إلى حد الإجمال.

وما قد يقال من ورودها بيانا لأوامر الزكاة ، فتكون الحال فيها حال تلك الأوامر ، فلا تعمّ أموال غير مكلفين ؛ غير واضح.

على أنّ عدم شمول الأوامر لأموال (5) غير المكلفين غير ظاهر أيضا ؛ إذ لا بعد في إرادة وجوب إيتاء الزكاة من المال الذي يكون متسلّطا عليه ، ويكون أمره في الأخذ والإعطاء إليه سواء كان ذلك على سبيل الملكيّة أو الولاية ، وانصراف الإطلاق إلى خصوص الأوّل غير معلوم ، فالرجوع إلى الأصل المذكور ممّا لا وجه له في المقام ، وإنّما المرجع فيه هو الأدلّة خاصة.

ويدلّ على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل : المعتبرة المستفيضة المشتملة على

ص: 8


1- وسائل الشيعة 9 / 140 ، باب تقدير النصب في الذهب وما يجب في كل واحد منها ، ح 9.
2- في ( ألف ) : « الأخبار ».
3- انظر : الكافي 3 / 509 ، باب ما وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى اهل بيته الزكاة عليه ح 1 و 2.
4- في ( ألف ) : « لسان ».
5- في ( ب ) : « لأوامر ».

الصحاح ، منها : الصحيح : « ليس في مال اليتيم زكاة » (1).

وفي صحيحة أخرى ، عن أحدهما عليهما السلام (2) : سألته عن مال اليتيم؟ فقال : « ليس فيه زكاة » (3).

وفي الصحيح ، عن يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ لي إخوة صغارا فمتى يجب عليهم الزكاة؟ قال : « إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة » (4).

وفي الخبر : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة » (5).

وفي مكاتبة (6) محمد بن القاسم (7) : يربح (8) زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (9).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وعلى عدم وجوبه في مال المجنون بالصحيح : امرأة في أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ قال : « إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن لم يعمل به فلا ».

وفي الخبر (10) : عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليها زكاة في مال المجنون واستحبابها إذا اتّجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح 2.؟ قال : « إن كان

ص: 9


1- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 6.
2- تهذيب الأحكام 4 / 26 ؛ وسائل الشيعة 9 / 85 باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 7.
3- تهذيب الأحكام 4 / 26 ، وسائل الشيعة 9 / 85 ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 7.
4- الكافي 3 / 541 ح 7 ؛ الإستبصار 2 / 29 ، ح 84 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 27 ، ح 66 ؛ وسائل الشيعة 9 / 85 ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 5.
5- تهذيب الأحكام 4 / 27 ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح 4.
6- تهذيب الأحكام 4 / 30 ؛ تذكرة الفقهاء 5 / 367.
7- في ( د ) زيادة : « عن الوصي يزكي ».
8- في ( ب ) : « عن الوصيّ » بدل : « يربح ».
9- الكافي 3 / 542 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 9 / 90 ، باب عدم وجوب الزكاة في مال المجنون ، واستحبابها إذا اتجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح 1.
10- الكافي 3 / 542 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 31 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 9 / 90 ، باب عدم وجوب الزكاة

أخوها يتّجر به فعليه زكاة ».

وقضية إطلاق منطوق الأولى ومفهوم الثانية عدم ثبوت الزكاة في أموال المجانين مطلقا إلّا في صورة الاتّجار به ، إلّا أنّه يمكن المناقشة بدعوى ظهورهما في النقدين. وفيه تأمّل.

ثمّ إنّ الحكم المذكور بالنسبة إلى النقدين ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (1) والفاضلان في المعتبر (2) والمنتهى (3) والشهيد الثاني في الروضة (4) وسبطه في المدارك (5).

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ، وقد أشرنا إلى جملة منها.

وقد يعزى إلى ظاهر الطوسي وجوب الزكاة فيهما في مال الطفل حيث أطلق إيجاب الزكاة في ماله ، وليس كذلك لنصّه بعد الإطلاق المذكور بعدم وجوب الزكاة في مال الطفل والمجنون من الذهب والفضّة.

واختلفوا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال ومواشيهم ، فعن الشيخين والقاضي (6) والحلبي (7) والطوسي (8) القول بالوجوب.

وعزاه السيد في الناصريات (9) إلى أكثر أصحابنا.

وحكاه العامّة عن أمير المؤمنين ومولانا الحسن عليهما السلام.

وعن القديمين والسيد والديلمي والحلّي القول بالعدم.

ص: 10


1- الخلاف 2 / 41.
2- المعتبر 2 / 487.
3- منتهى المطلب 1 / 532.
4- في ( ب ) : « الروض ».
5- المدارك 5 / 15.
6- المهذب 1 / 168.
7- غنية النزوع : 119.
8- الاقتصاد : 278.
9- الناصريات : 281 المسألة 122.

واختاره الفاضلان والشهيدان وعامّة المتأخرين بلا خلاف يظهر بينهم.

وفي غيرة أنه المشهور بين المتأخرين.

وفي المنتقى : ويعزى إلى أكثر القدماء المصير إلى نفي وجوب الزكاة في غلات الطفل.

والأظهر لما عرفت من إطلاق الروايات سيّما ما دلّ على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة الدالّ على اتحاد المناط فيهما ، وخصوص موثقة أبي بصير : « ليس في مال اليتيم زكاة » و « ليس عليه صلاة » و « ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، فإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » و « ليس عليه لما يستقبل حتى يدرك ، وإذا (1) أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس ».

مضافا إلى تأيده بالأصل ، والاستصحاب ، والشهرة المتأخرة.

حجة الجماعة : صحيحة الفاضلين ، عن الصادقين عليه السلام (2) أنّهما قالا : « اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي ء وأمّا الغلات فانّ عليها الصدقة واجبة ».

مضافا إلى موافقته للاحتياط كما ذكره في النافع ، بل ربّما يحتج بالاحتياط كما قد يستفاد من المعتبر (3) ؛ نظرا إلى دوران الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب ؛ لضعف البناء على عدم الثبوت مطلقا.

ولا يخفى ضعفه ؛ إذ بعد تسليم موافقته للاحتياط لا دليل على وجوب البناء عليه.

والرواية كما ترى غير صريحة في الوجوب المصطلح ، فلتحمل على مطلق الثبوت المراد بها الندب في المقام ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على عدم الوجوب ممّا تقدّمت الإشارة إليه.

مضافا إلى موافقتها للعامة حيث إنّ القول به مذهب فقهاء الجمهور كما حكاه في المنتهى (4) ، وعزاه في المعتبر (5) إلى أئمتهم الثلاثة.

ص: 11


1- في ( د ) : « إذ ».
2- الاستبصار 2 / 31 ، باب وجوب الزكاة في غلات اليتيم ، ح 2 (90) ؛ تهذيب الأحكام 4 / 29 ، ح 72.
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- المعتبر 2 / 487.

على أنّ الرواية إنّما تفيد ثبوتها في الغلات دون المواشي ، فلا توافق تمام المدّعى ، بل تفيد عدم الوجوب في المواشي إن لم نجعل قوله « والصامت » عطف تفسير لقوله « في العين » كما هو ظاهر العطف ، والظاهر من رجحان التأسيس على التأكيد.

نعم ، روي ذلك في بعض الطرق « ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شي ء » (1).

وحينئذ ربّما يفيد ثبوته في المواشي لمفهوم الوصف. ورواه في المعتبر هكذا : « ليس في مال اليتيم العين شي ء » (2).

وقد اعترف جماعة منهم الفاضلان في المعتبر (3) والمنتهى (4) والسيد في المدارك (5) بعدم الوقوف على مستند لهم في ذلك.

وقد يحتج لهم بالإطلاقات الدالّة على ثبوت الزكاة في المواشي ممّا أشرنا إليها ؛ لعدم اختصاصها بمال البالغ ، ومفهوم الوصف المتقدم.

ويضعفه ما عرفت ممّا دلّ على عدم ثبوت الزكاة في مال الطفل مطلقا سيّما الموثقة المتقدمة ، وكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه لا ينافي الاحتجاج بها ؛ لوضوح قوّة تلك العمومات وأظهر منها في الإطلاق ، وموافقتها للمشهور.

وعلى فرض تكافئهما فالمرجع حينئذ إلى الأصل ، وهو كاف في المقام.

وما ذكر من مفهوم الوصف فمع ضعفه في الدلالة بل عدم حجيته كما هو الأظهر موهون باضطراب متن الرواية في المقام.

على أن قوله « وأمّا الغلات فإن عليها الخ » قد يفيد بمفهوم المخالفة عدم وجوبها في

ص: 12


1- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 5.
2- المعتبر 2 / 487.
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- مدارك الأحكام 5 / 20.

غيرها.

واختلفوا أيضا في غلات المجنون ومواشيه ، فعن الشيخين (1) والقاضي (2) والحلبي (3) إلحاقه بالطفل. واعترف جماعة بعدم العثور على مستنده سوى حمله على الطفل ؛ لاشتراكهما في عدم التكليف. وهو كما ترى قياس لا نقول به.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل بيّن على ثبوت الزكاة في مواشي الطفل أيضا.

وأنت خبير بأنّه يمكن الاحتجاج لهم بالإطلاقات المتقدّمة مع استظهار اختصاص ما دلّ على سقوط الزكاة عن المجنون بالنقدين حسبما مرّت الإشارة إليه ، فيبقى الباقي تحت الإطلاقات من غير ظهور ما يقيّدها.

ويدفعه أنّ ظاهر إطلاق الروايتين المذكورتين يعمّ الجميع. ودعوى انصرافهما على النقدين غير مسموعة.

نعم ، لا يخلو ظاهره عن إشعار بذلك ، وكونه صارفا للعبارة عن ظاهر إطلاقها غير ظاهر ، سيّما مع اعتضاده بالأصل ، والشهرة بين الأصحاب ، وموافقته لما ورد في الطفل ؛ لاشتراكهما في انتفاء التكليف.

مضافا إلى ما دلّ على كون التكليف بالزكاة ملازما للتكليف بالصلاة.

كما هو ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة.

ويومي إليه الموثقة المذكورة وصحيحة الفضلاء عن الصادقين (4) عليهم السلام قال (5) : « فرض اللّه عزوجل الزكاة مع الصلاة في الأموال ».

فيفيد ذلك كون المناط في ارتفاعه عن الصبي هو انتفاء التكليف الحاصل في المجنون

ص: 13


1- المقنعة : 39 ؛ النهاية : 174 ؛ الخلاف 1 / 316 ؛ المبسوط 1 / 190.
2- رياض المسائل 1 / 262 ، نقله بعنوان « قيل ».
3- غنية النزوع : 118.
4- الكافي 3 / 509 ؛ باب ما وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلى أهل بيته الزكاة عليه ، ح 1 ؛ الإستبصار 2 / 3 ، باب ما تجب فيه الزكاة ، ح 5.
5- في ( د ) : « قالوا ».

أيضا.

[ تتميم ]

هذا ، ولنتمّم (1) الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه نصّ جماعة باستحباب الزكاة في غلات الطفل والمجنون ومواشيهما ، وربّما يعزى ذلك إلى جميع القائلين بعدم وجوب الزكاة في أموالهما عدا من نشير إلى مخالفته.

وفصّل في الشرائع (2) بين الطفل والمجنون ، فحكم باستحباب الزكاة في غلات الأوّل ومواشيه دون الثاني. وهو المختار عند جماعة من المتأخرين إلّا في استحبابه في مواشي الطفل ، فاستشكل فيه في المدارك (3).

وظاهره نفي ذلك ، وهو الظاهر من المحقق الأردبيلي (4) قدس سره.

واستظهره في الذخيرة (5) ، وهو الأظهر.

أمّا استحبابها في غلات الطفل فللصحيحة المتقدّمة المحمولة على الندب بملاحظة ما مرّ.

وقد يناقش بأنّ ظاهر الرواية الوجوب ، وعدم مكافئتها لما دلّ على عدم الوجوب إنّما يقضي بترجيح الرواية الأخرى عليها.

وحملها على الندب من باب الحمل التبرّعي لا يصحّح الاستناد في ذلك إليه من دون ورود دليل آخر يكون شاهدا على حملها عليه.

ويمكن دفعها بما مرّ من عدم صراحة لفظ الوجوب في الوجوب (6) المصطلح بخصوصه بل عدم دلالته عليه.

ص: 14


1- في ( ألف ) : « لنتم ».
2- شرايع الإسلام 1 / 105.
3- مدارك الأحكام 5 / 22.
4- مجمع الفائدة 4 / 12.
5- ذخيرة المعاد 3 / 421.
6- لم ترد في ( ب ) : « في الوجوب ».

نعم ، في لفظة « على » ظهور في ذلك ، وهو لا يكافئ ما دلّ على عدم الوجوب ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب منه سيّما بعد اعتضاده بالشهرة المعلومة بل الاتفاق عليه فيما يظهر ؛ إذ لم نعثر على مخالف في مطلق رجحان الإخراج ويلوح حكاية الإجماع عليه من مجمع البرهان (1) فلا مجال للمناقشة في الاستحباب بعد دفع الوجوب بما ذكرنا.

وربّما يلوح من السرائر (2) منع الاستحباب. وقد عزا في البيان (3) إلى ظاهره منعه لاستحباب الزكاة في مال الطفل مطلقا.

وضعفه ظاهر ممّا قررناه.

وأمّا عدم استحباب في مواشي الطفل وغلات المجنون ومواشيه فلعدم العثور فيه على مستند كما اعترف به جماعة من المتأخّرين.

ولا مناط في المقام ليمكن تسرية الحكم من غلات الطفل إلى مواشيه ومنه إلى المجنون ، كيف ولو كان كذلك لجرى في تعديه أيضا.

ومجرّد اتّحاد حكم الطفل والمجنون غالبا لا ينهض حجّة شرعيّة حتّى يمكن لذلك انسحاب الحكم من الطفل إليه.

ودعوى عدم الخلاف في اتحاد حكمهما في المقام وجوبا واستحبابا غير ظاهر أيضا.

نعم ، حكى في الإيضاح (4) عن الطوسي دعوى الإجماع على عدم الفصل بين القول بوجوبه في غلات الطفل ووجوبه في مواشيه. ولا دلالة فيه على عدم الفصل في الاستحباب فلا يصحّ هدم القواعد الثابتة المقرّرة بمجرد الوجوه المذكورة.

والتسامح في أدلّة السنن غير جار في المقام ؛ لدوران الأمر بين المندوب والحرام ؛ لكونه إتلافا لمال المولى عليه من غير مصلحة مالية.

ص: 15


1- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 40.
2- السرائر 1 / 441.
3- البيان : 165.
4- إيضاح الفوائد 1 / 167.

نعم ، لو قيل باستحباب إخراجهما للزكاة بعد كمالهما وبقاء العين لم يكن بعيدا.

ثانيها : أنه نصّ جماعة من الأصحاب بأنّه لو اتّجر الولي بمال الطفل لأجله استحب له إخراج الزكاة عنه وإن اتّجر به لنفسه وكان مليا كان له الربح واستحبّ له إخراج الزكاة من نفسه ، وإلّا كان الربح لليتيم ولا زكاة.

وتوضيح المقام : ان المتّجر بمال الطفل إمّا أن يكون وليا ومن بمنزلته أو لا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون مليا أو لا ، وعلى التقادير إمّا أن يكون (1) الاتّجار للطفل أو لا ، وعلى صور عدم الولاية إمّا أن يتعقّبه الإجازة من الولي للمتّجر أو للطفل أو لا.

ثمّ إنّه إمّا أن يكون في ضمان مال الطفل أو وقوع المعاملة (2) مصلحة له أو دفع مفسدة عنه أو لا. ولنفصّل الكلام في ذلك برسم مسائل :

الأولى : أن يكون الاتّجار من الولي للطفل ، ويكون الربح حينئذ للطفل. ويستحب للولي إخراج الزكاة عنه مع حصول الشرائط الآتية في زكاة التجارة ، على المعروف من المذهب.

وعزاه في المعتبر (3) إلى علمائنا أجمع.

وفي المنتهى (4) : أنّ عليه فتوى علمائنا.

وعن الغنية (5) ونهاية (6) الإحكام حكاية الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة :

منها : الصحيح (7) : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : « لا إلّا أن يتّجر به أو تعمل به ».

ص: 16


1- لم ترد في ( ب ) : « الاتّجار ... أن يكون ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- غنية النزوع : 128.
6- نهاية الإحكام 2 / 299.
7- الكافي 3 / 541 باب زكاة مال اليتيم ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة 9 / 87 ، باب أنّ من اتجر بما الطفل ح 11587.

وفي صحيحة الآخرين (1) : « ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال ».

وقضية ذيل الرواية كون المفروض فيها وقوع الاتّجار عن غير الولي أو عنه لا على الوجه المشروع ، وإلّا فلا وجه للضمان.

وكيف كان ، فهي حينئذ تدل (2) على المدّعى بالأولى.

وفي الخبر : « ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به ».

وهذه الرواية كالرواية السابقة دلالتها (3) على المدّعى بالأولوية المذكورة.

وفي صحيحة يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : وقد مرّت الاشارة إليه ، إلى أن قال : قلت : فما لم يجب عليهم الصلاة؟ قال : « إذا اتّجر به فزكاة ».

وفي الصحيح (4) إلى عمر بن أبي شعبة ، عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن مال اليتيم؟ فقال : « لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به ».

وبهذه الروايات المستفيضة المؤيّدة بعمل الطائفة تقيّد الإطلاقات الكثيرة الدالّة على نفي الزكاة عن مال اليتيم كما هو قضية الأصل في حمل المطلق على المقيّد.

وقد يستشكل في المقام بأنّ ثبوت الزكاة هنا فرع ثبوتها في مال التجارة ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على غيره ، والأخبار هناك مختلفة. وحيث إنّ ثبوت الزكاة فيه مذهب العامّة وظاهر الأخبار الواردة هناك هو الوجوب أيضا على طبق ما ذهبوا إليه فيحتمل حينئذ قويّا

ص: 17


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 16 ، ح 1599.
2- في ( د ) : « تدل حينئذ ».
3- في ( د ) : « فدلالتها ».
4- تهذيب الأحكام 4 / 27 باب زكاة اموال الاطفال والمجانين ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 9 / 86 ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح 10.

حمل تلك الأخبار على التقية ، وكذا في (1) المقام حيث إنّه العمدة في وجه اختلاف الأخبار. ومع حملها على التقيّة لا يبقى فيها حجة على ما ذكروه ، فلا يتجه القول باستحباب زكاة التجارة ، ومعه فلا يتم الكلام المذكور في المقام.

على أنّه قد يجري الكلام المذكور في المقام أيضا ؛ لما عرفت من الإطلاقات النافية للزكاة في مال الأيتام الظاهرة في نفيها على سبيل الوجوب والاستحباب.

وأنت خبير بأنّ الإشكال المذكور وإن كان متّجها إلّا أن شهرة القول باستحباب زكاة التجارة بين علمائنا قديما وحديثا شاهد على حمل تلك الروايات على الاستحباب.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فيمكن جعل الأخبار النافية للوجوب قرينة على إرادة الندب منها كما سيجي ء الإشارة إليها إن شاء اللّه.

والأخبار الواردة في المقام مؤيّدة لذلك ، ولا معارض لها سوى الإطلاقات.

ويؤيّده اشتهار الحكم به في المقام ، وما عرفت من الإجماعات المحكية.

وليست الروايات في المقام صريحة في الوجوب ليبعد حملها على الندب ، بل غاية الأمر ظهورها في الوجوب.

وحملها على الندب بعد ملاحظة ما دلّ على عدم الوجوب في غاية القرب ، بل ذلك هو الشاهد على الحمل المذكور ؛ لكون بعض أخبارهم عليهم السلام كاشفا عن بعض.

مضافا إلى ظهور بعضها في الاستحباب كصحيحة يونس بن يعقوب النافية لوجوب الزكاة في مال اليتيم المشتملة على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة ؛ فإنّ قوله عليه السلام بعد نفيه الوجوب بأبلغ وجه « إذا اتّجر به فزكاة » في كمال الظهور في إرادة الندب كما لا يخفى.

وظاهر عبارة المقنع (2) والمقنعة (3) القول بوجوب الزكاة حينئذ إلّا أنّ الشيخ في التهذيب (4)

ص: 18


1- لم ترد في ( ب ) : « وكذا في ... التقيّة ».
2- المقنع : 162 ، باب زكاة مال اليتيم.
3- المقنعة : 238.
4- تهذيب الأحكام 4 / 26 ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح 5.

حمل عبارة شيخه على إرادة الاستحباب ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على أموال البالغين ، وزكاة التجارة غير واجبة عليهم فكيف يجب في أموال الأطفال.

على أنّ « لفظ الوجوب » في كلام الأوائل غير صريح في الوجوب المصطلح ، فكثيرا ما يراد به الندب.

ولا يبعد الحمل المذكور في عبارة المقنع أيضا ، وإن لم يعتبر هناك بلفظ الوجوب ؛ نظرا إلى نصّه أوّلا بأنّه لا يجب الزكاة فيما عدا الأمور التسعة ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب في المقام.

ومنه يظهر بعد ما يعزى إلى الصدوق من القول بوجوب زكاة التجارة كما سيجي ء الإشارة إليه إن شاء اللّه.

هذا ، ويلوح من الحلي في كتاب الزكاة من السرائر (1) إنكاره لاستحباب الزكاة في المقام.

وبه صرّح في باب التصرّف في أموال اليتامى (2) معلّلا بأنّه لا دلالة عليه من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ولا إجماع ، وأنّه لا يجوز التصرّف إلّا فيما فيه مصلحة لهم ، ولا مصلحة لهم في ذلك.

وقد نفى البعد في المدارك (3) من المصير إليه ؛ نظرا إلى أنّ ما استدلّ به على الاستحباب غير نقيّ الإسناد ، بل ولا واضح الدلالة.

مضافا إلى الاحتياط حيث إنّه لا مجال لاحتمال الوجوب ، فيدور الأمر فيه بين الحرمة والاستحباب.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ ما ذكره من الطعن في أسانيد الأخبار الدالّة عليه غير ظاهرة ؛ لاعتبار أسانيد جملة من تلك الأخبار سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، وما ذكر من الإجماعات ، وما ذكره من المناقشة في الدلالة بعد ما عرفت فيه. والاحتياط ليس دليلا

ص: 19


1- السرائر 1 / 441.
2- السرائر 2 / 211.
3- مدارك الأحكام 5 / 18.

شرعيّا بعد قيام الحجة على الاستحباب وإن كانت مراعاتها أولى ؛ لما عرفت ، وللخروج عن الخلاف.

وممّا قرّرنا ظهر ضعف ما ذكره الحلي في المقام.

نعم ، هو جيّد على أصله من إنكار العمل بأخبار الآحاد.

ثمّ لا يخفى أن ظاهر إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يعمّ ما إذا كان الاتّجار للطفل مجّانا أو بعوض خارجي أو من الربح وإن اتّفق استيعابه له.

نعم ، لو بنى الاتّجار على استيعاب الأجرة للربح أو زيادتها عليه كما لو جعل تمام الربح للعامل فيما إذا كان هناك مصلحة قاضية بذلك أو كان في عدم تحريك مال الطفل مفسدة عليه ، فربّما أشكل الحكم المذكور ؛ لاحتمال خروج ذلك من موضوع الاتّجار للطفل حيث إنّه لم يقصد به حصول ربح (1).

وقد يقال بصدق الاتّجار بماله حينئذ ، وقد جعل ذلك مناطا للحكم في عدّة من الأخبار ، إلّا انّه لا يبعد انصرافه إلى غير الفرض المذكور.

وكيف كان ، فشمول الاستحباب للصورة المفروضة محلّ خفا ، والأصول الشرعيّة قاضية بعدمه.

الثانية : أن يكون الاتّجار للطفل من غير الولي - مليا كان أو غيره - وحينئذ فإن لحقه إجازة الولي صحّت (2) المعاملة وكان الربح للطفل. ولا يبعد إلحاقه حينئذ بالمسألة المتقدّمة ، فيتّجه اندراجه تحت روايات المسألة ، بل ظاهر صحيحة الآخرين والتي بعدها ورودها في ذلك كما أشرنا إليه.

وإطلاق ما ذكر فيهما وفي غيرهما من كون الربح لليتيم مبنيّ على وقوعه على وفق المصلحة ، فيلحقه إجازة الولي.

ويحتمل أن يكون الاتّجار من الولي لأجل الطفل حسبما أشرنا إليه ، وحينئذ فلا حاجة

ص: 20


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في النسخ : « صحة » بالتاء المدوّرة ».

إلى الإجازة إن اكتفينا بمجرّد وقوع المعاملة من الولي في نفاذها للصبيّ إذا وقعت بعين ماله وإن لم يقصده ، وإلّا افتقر أيضا إلى الاجازة.

وفيه أيضا دلالة على ما بيّناه.

وذهب الفاضلان (1) في ظاهر كلامهما ، والمحقّق الأردبيلي في ظاهر كلامه ، والسيوري إلى أنّه لا زكاة في المقام. واختاره بعض أفاضل المتأخرين ؛ للأصل ، مع انصراف الأخبار بحكم التبادر (2) إلى ما إذا كانت المعاملة من الولي للطفل ، فلا يندرج فيها ذلك.

وإن التعويل في إثبات الاستحباب على الإجماع ؛ لقوة احتمال جعل الروايات في مقام الجمع على التقيّة ، ولا إجماع في المقام ، فلا يصحّ التصرّف فيه بإخراج الزكاة.

وفيه : أن انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر محلّ خفاء.

مضافا إلى ما عرفت من كون الصحيحة المتقدّمة وغيرها منصرفة إلى غير الصورة المذكورة قطعا.

والأظهر ورودها في خصوص المفروض في المقام.

وكون التعويل في المسألة على الإجماع دون الأخبار موهون بأنّه لا داعي إلى الإعراض عن الأخبار المذكورة مع وضوح إسناد غير واحد منها.

واندفاع المناقشة في دلالتها كما مرّ سوى حكاية موافقتها للعامة القاضية بقوّة حملها على التقية في مقام الجمع.

وحيث اعتضد احتمال حملها على الندب بالإجماع المذكور والشهرة العظيمة من الفرقة ترجّح الوجه المذكور. ومعه لا وجه للاقتصار على مورد الإجماع ، والإعراض (3) عن الاحتجاج بتلك الأخبار.

وحينئذ فالقول بثبوت الاستحباب في المقام هو الأظهر كما حكي القول به عن

ص: 21


1- لاحظ : كشف الرموز 1 / 232.
2- لم ترد في ( ب ) : « بحكم التبادر ... على الإجماع ».
3- في ( ألف ) : « الاعراض ».

الشهيدين (1) والمحقق الكركي (2) أن يكون الاتّجار من الولي الملي لنفسه بعد ضمانه مال الطفل.

وحينئذ فالمعروف أنّ الربح له والزكاة عليه ، أو هو حينئذ كسائر أموال التجارة ممّا يستحب فيه الزكاة.

وقد خالف الحلّي (3) في المقام ، فلم يصحّح الضمان في المقام وجعل الربح لليتيم كالمسألة الآتية ، قال : ولا يجوز لمن اتّجر في أموالهم أن يأخذ الربح سواء كان في الحال متمكّنا من مقدار ما يضمن به مال الطفل أو لم يكن ، والربح في الحالين معا لليتيم.

وقد علّل ذلك أنّ الواجب على الولي (4) مراعاة غبطة الصبيّ والأصلح بحاله ، فلا وجه لمراعاة غبطة (5) نفسه.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ قد يعتبر في تصرف الولي مراعاة الغبطة كما إذا كان أبا أو جدّا ؛ بناء على الاكتفاء في تصرفاته بعدم الاشتمال على المفسدة حسبما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ومع الغضّ عنه ، فقد يكون غبطة الصبيّ في ضمان المال كما إذا كان الخطر في بقاء المال عظيما ، وفائدة الاتّجار قليلة.

وأيضا فمن البيّن أنه لا يجب على الولي الاتّجار بمال الطفل. وحينئذ فلا ريب أن ضمانه للمال مع الملاءة احفظ لمال الصبيّ غالبا من بقائه حاله.

مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتية المصرّحة بجواز الضمان مع الملاءة ، فلا ريب إذن في صحّة ضمانه.

ويتفرع عليه كون الربح له ، وثبوت زكاة التجارة عليه ، فما ذكره الحلي في غاية الضعف.

رابعها (6) : أن يكون الاتّجار من الولي الغير الملّي نفسه بعد ضمانه لماله. وحينئذ فقد نصّ

ص: 22


1- الشهيد الأول في الدروس 1 / 229 والشهيد الثاني في مسالك الإفهام 1 / 356.
2- جامع المقاصد 3 / 5.
3- السرائر 1 / 441.
4- في ( ألف ) : « الولي في ».
5- في ( ألف ) : « لحيطة ».
6- في ( د ) : « الرابعة ».

جماعة بعدم صحّة ضمانه ، وضمانه للمال بمعنى تغريمه إيّاه مع تلفه كلّا أو بعضا وكون الربح للطفل ، ولا زكاة فيه.

أمّا عدم صحّة ضمانه للمال فلأنّه يعتبر الملاءة في ضمانه مال الطفل كما دلّت عليه النّصوص المستفيضة :

منها : الصحيح (1) : في رجل عنده مال اليتيم؟ فقال : « إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن ».

ومنها (2) : القوي : عن مال اليتيم يعمل به؟ قال : فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال (3) لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال ».

ومنها (4) : الخبر : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، قلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتّجر به؟ قال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي ء غرمه ، وإلّا فلا يتعرض لمال اليتيم ».

وهذه الروايات كما ترى غير شاملة للأب ؛ لفرض الحكم فيها في اليتيم ، وظاهر إطلاقها وإن عمّ الجد إلّا أنّها أظهر في غيره فاشتراط الملاءة في الأب بل الجد أيضا خال (5) عن الدليل ، ولذا ذهب كثير من المتأخرين إلى عدم اشتراط الملاءة فيهما.

وعزاه في حواشي التهذيب إلى المتأخرين مؤذنا بإطباقهم عليه. وقد نصّ العلّامة في القواعد (6) وتحرير الأحكام (7) وغيرهما أن للأب اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر.

ص: 23


1- الكافي 5 / 131 ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح 3.
2- وسائل الشيعة 9 / 89 باب ان من اتجر بمال الطفل ، ح 7.
3- في ( ألف ) : « كان مال ».
4- الكافي 5 / 131 ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح 4.
5- في ( ألف ) : « قال ».
6- قواعد الأحكام 2 / 12.
7- تحرير الأحكام 1 / 347.

وقد عزا عدم اعتبار الملاءة فيهما في الحدائق (1) إلى الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم.

وعزاه في الرياض (2) إلى كافّة المتأخرين.

واستشكل فيه في المدارك (3) بعد أن عزاه إلى المتأخرين.

وظاهر المحقق الكركى (4) عدم اعتبار الملاءة في خصوص الأب دون الجد.

والذي يقتضيه التأمل في المقام أن يقال : إنّه إن كان في بقاء مال الطفل في الخارج مفسدة عليه وكان ضمانه ولو من غير ملّي أقل فسادا من بقائه جاز ضمانه مع إعسار الولي إذا لم يتمكّن من تضمينه من موسر يوثق به أو يدفع وثيقة بازائه. والظاهر خروج ذلك عن مورد الرواية ؛ إذ لا شك في كونه حينئذ إحسانا للطفل وحفظا لماله عن التلف.

وإن كان في ضمانه ضرر على الطفل وتعريض ماله للتلف لم يجز ، ولو مع يسار الولي وإن كان أبا ؛ نظرا إلى قضاء الولاية بحفظ مال اليتيم عن التلف.

أمّا تعريضه لذلك وإن كان في تضمينه منفعة للطفل من غير أن يترتب مفسدة على عدمه فإن كان الولي مليّا فلا كلام ، وإن لم يكن مليّا فإن كان أبا جاز ذلك ؛ لكون التصرف المذكور على وفق المصلحة مع عدم اندراجه تحت ما دلّ على المنع.

وكذا الحال في الجدّ في وجه قويّ.

وإن لم يكن أبا ولا جدّا فظاهر الأخبار المذكورة المنع منه نظرا إلى انتفاء الملاءة وهو الظاهر من فتوى الأصحاب. ولا بأس به ، وإن كان قضيّة الأصل جواز تصرف الولي حينئذ ؛ لوجود المصلحة.

وإن لم يكن في ذلك مصلحة ولا يفسدة فإن كان الولي مليّا فظاهر إطلاق الأخبار

ص: 24


1- الحدائق الناضرة 12 / 25.
2- رياض المسائل 5 / 36.
3- مدارك الأحكام 5 / 19.
4- جامع المقاصد 3 / 5.

المذكورة وكلام الأصحاب جواز الضمان من غير فرق بين أن يكون أبا أو جدّا أو غيرهما ، وإن كان قضية الأصل عدم الجواز لإناطة تصرّف الولي بالمصلحة ، والمفروض انتفاؤها (1).

وربّما ينزل الأخبار وكلام الأصحاب على ما هو الغالب من كون ضمان المال من المليّ أحفظ لمال الطفل من إبقائه على حاله ، فلو فرض تساويهما في الخارج لبعض الوجوه لم يجز ؛ جمعا بين القاعدة والأخبار المذكورة إلّا أن ذلك خروج عن ظاهر الإطلاق.

وإن لم يكن مليّا فإن لم يكن أبا أو جدّا فلا إشكال في المنع أخذا (2) بظاهر القاعدة والأخبار المذكورة المعتضدة بفتوى الأصحاب ، وإن كان أبا أو جدا فظاهر إطلاق جماعة في المقام أيضا ذلك إلّا أنّ قضيّة إطلاق آخرين هو الجواز.

وقد عرفت إسناده إلى الأصحاب ، وكأنّه لعدم إناطة تصرّف الأب والجدّ بالمصلحة ، وإنّما المعتبر فيه انتفاء المفسدة بخلاف غيرهما من الأولياء.

ولا يخلو عن وجه ؛ أخذا بإطلاق الولاية ، وظاهر قوله صلى اللّه عليه وآله (3) : « أنت ومالك لأبيك » القاضي بجواز تصرّفه في مال الولد كيف ما كان ، خرج عنه ما ثبت خروجه ، فبقي الباقي ، فتدبّر.

ثمّ إنّ الولي في صورة اعتبار ملاءته في ضمانه لو كان معسرا ودفع رهنا بإزاء مال الطفل قوي القول بقيام ذلك مقام الملاءة ولو كان الرهن من مال غيره إذا بذله (4) وكذا الحال لو ضمن عنه ملي يوثق به.

ويحتمل المنع ؛ أخذا بظاهر إطلاق الروايات ، وهو بعيد جدّا مع اقتضاء المصلحة ذلك.

وكما أنّه يعتبر الملاءة في الولي الضامن كذا يعتبر في غيره إذا أراد الولي تضمينه منه.

وحينئذ إذا اجتمعت الملاءة والمصلحة فلا إشكال ، ومع حصول الملاءة والخلوّ عن

ص: 25


1- في ( ب ) : « بقاؤها » بدل : « انتفاؤها ».
2- في ( ألف ) : « أخذ ».
3- الكافي 5 / 395 ، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا آخر ، ح 3.
4- في ( د ) زيادة : « له ».

المصلحة والمفسدة فوجهان ؛ من قضاء ظاهر ما دلّ على جواز ضمان الولي مع الملاءة جوازه هنا أيضا ، ومن خروجه بإطلاق النصّ ، وقضيّة الأصل اعتبار المصلحة.

نعم ، لو كان الولي أبا أو جدا واكتفينا في تصرفاتهما بانتفاء المفسدة فلا إشكال.

ومع حصول المصلحة والخلو عن الملاءة وجهان أيضا ؛ من أنّه لا يزيد على ضمان الولي بنفسه ، ومن قضاء الأصل بالجواز ، فيقتصر فيما قضي بالمنع على مورده ، ولا يخلو عن بعد.

وأمّا ضمانه بعد ضمانه فظاهر بعد البناء على عدم جوازه ؛ لكونه تعدّيا في مال الطفل وخروجا عن مقتضى الأمانة من غير فرق بين ما إذا اعتقد عدم جواز التصرف المذكور أو جوازه ؛ لأنّ الضمان من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يفترق الحال فيها بين الوجهين ، وإن انتفى عنه المعصية مع عدم تقصيره في استعلام المصلحة.

والظاهر حينئذ ضمانه بمجرّد ضمانه ونقله إلى ذمّته ، وإن لم يتصرف فيه خارجا بتجارة غيرها.

وقد يتأمّل فيما إذا كان ذلك مع اعتقاد الجواز ؛ نظرا إلى عدم تصرفه في المال بحسب الخارج ، ومجرّد بنائه على ضمانه لا يعدّ تصرّفا في المال عرفا ، ولا يعدّ متعدّيا حينئذ مع اعتقاد الجواز ، سيما إذا كان لمصلحة الطفل.

وأمّا كون الربح لليتيم فللنصّ عليه في الروايات المذكورة وغيرها ، ولأنّ المعاملة إنّما وقعت من وليّه بماله ، فيحكم بصحّتها ، ويكون العوض تابعا لمعوّضه.

وأنت خبير بأنّ المقصود بالعقد الواقع إنّما هو الانتقال إلى الولي بنفسه دون الطفل بانصرافه إلى الطفل بمجرّد كون العوض من ماله مع عدم قصد الانتقال إليه غير متّجه.

ولذا اعتبر في المدارك (1) في انتقاله إلى الطفل التحاقه بالإجازة مع احتماله بطلان العقد من أصله ، ولو قلنا بصحّة الفضولي مع الإجازة ؛ لأنّه لم يقع للطفل من غير من له (2) النظر ابتداء ،

ص: 26


1- مدارك الأحكام 5 / 20.
2- في ( د ) : « إليه ».

وإنّما وقع ابتداء بقصد التصرف على وجه منتفى (1) عنه.

ولا فرق في ورود الإشكال المذكور بين ما إذا كان المتصرّف كذلك وليا أو غيره. ولذا أورد ذلك في المقامين.

قلت : أمّا الاحتمال المذكور فهو اجتهاد في مقابلة النص ؛ فإنّ النصوص المذكورة صريحة في صحّة العقد ، وذلك دليل في الحقيقة على صحّة فضولي الغاصب بعد تعقّب الإجازة ، فلا اختصاص للحكم بالمورد المذكور.

وعدم قصد الانتقال إلى المالك حين العقد غير مانع من صحّته ؛ إذ ليس تعيين شخص البائع أو المشترى من أركان العقد ، بل ولا من شرائطه ، ولذا لا يلزم البائع إعلام المشتري بكونه وكيلا لا أصليّا ، ولا إعلام المشترى إيّاه كونه وكيلا في الشراء.

ولتفصيل الكلام في ذلك محلّ آخر.

وممّا قرّرنا ينقدح الوجه في عدم اعتبار لحوق الإجازة في المقام أيضا كما هو قضية إطلاق الأخبار ؛ لوقوع العقد من أهله في محلّه ، واختصاص الوجه في صحته بانصرافه إلى مالك العوض ، فتأمل.

هذا كلّه إذا وقع الشراء بعين مال الطفل كما هو المفروض في المقام ؛ إذ لا يكون اتّجارا بمال الطفل حقيقة من دونه ، وأمّا إذا وقع الشراء في الذمة ودفع (2) العوض من مال الطفل سواء كان مع نقله إلى ذمته أو لا فله الربح.

وربّما يتوهم من إطلاق النصوص كون الربح حينئذ لليتيم أيضا ، إلّا أنه يندفع ذلك بما عرفت من عدم كونه اتّجارا بمال الطفل حقيقة ، وعلى فرض تسليم عدّه عرفا من ذلك فتنزيل الروايات على ما قلناه ؛ جمعا بينها وبين القواعد المعلومة ممّا لا إشكال فيه.

فالاستشكال في المقام من جهة إطلاق النصوص - كما يستظهر من كلام جماعة من المتأخرين - ليس على ما ينبغي. وأمّا عدم استحباب الزكاة في المقام فبالنسبة إلى المتّجر نفسه

ص: 27


1- في ( د ) : « منهىّ ».
2- في ( ألف ) : « وقع ».

فظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الطفل فقد علّله في المسالك (1) بعدم قصده عند الشراء ، فيكون قصد الاكتساب للطفل طارئا عليه.

وسيأتي أنّ مقارنة القصد (2) المذكور شرط في زكاة التجارة.

وضعّفه في المدارك (3) بأنّ الشرط هو قصد الاكتساب عند التملّك ، وهو هنا حاصل بناء على أن الإجازة ناقلة لا كاشفة.

وفيه : أنّ البناء على كون الإجارة ناقلة موهون بما قرّر في محلّه ، فلا يتم ما ذكره. فالأولى أن يقال : إنّ غاية ما دلّ عليه الدليل اعتبار قصد الاكتساب عند التملك في الجملة ، وهو حاصل في المقام.

ويدفعه أن ثبوت الزكاة ولو على سبيل الندب على خلاف الأصل ، سيّما بالنسبة إلى مال الغير ، والقدر المفهوم من الأخبار المذكورة هو ثبوته فيما إذا كان الاتّجار للطفل لا ما إذا وقع له ، فهو من جهة قصد التجارة له بالإجازة اللاحقة والإجماعات المحكيّة على المسألة غير جارية في المقام ؛ لوضوح الخلاف فيه.

ونصّ الجماعة بعدم ثبوت الزكاة فيه كما عرفت ، ومع عدم قيام الدليل عليه يتعيّن النبإ على مقتضى الأصل ، وبالقواعد من المنع من التصرف في مال الطفل بما يترتب عليه ضرر.

وبذلك يضعف ما ذهب إليه الشهيدان (4) والمحقّق الكركي (5) من ثبوت الزكاة في مال الطفل هنا أيضا.

الخامسة : أن يكون الاتّجار من غير الولي لنفسه سواء كان مليّا أو غيره. وحينئذ

ص: 28


1- مسالك الإفهام 1 / 357.
2- في ( ب ) : « الأصل ».
3- مدارك الأحكام 5 / 20.
4- البيان : 165 ، مسالك الإفهام 1 / 358.
5- جامع المقاصد 3 / 5.

فالمنصوص به في كلام جماعة هو ما تقدّم في الصورة المتقدّمة من عدم صحّة الضمان ، وضمانه لمال الطفل ، وكون الربح لليتيم ، وعدم استحباب الزكاة.

والوجه في الأوّلين ظاهر بعد فرض انتفاء الولاية.

وأمّا كون الربح لليتيم فيتوقف على الإجازة ؛ لوضوح عدم مضي معاملة غير الولي من دونها ، وإطلاق ما ورد في الأخبار المتقدّمة من كون الربح لليتيم منزل على حصول الإجازة من الولي ؛ نظرا إلى موافقة الواقع لمصلحة الصبيّ.

والاستشكال في توقفه حينئذ على الإجازة لإطلاق النصوص - كما يظهر من جماعة - ليس في محلّه.

وكذا ما استشكله صاحب المدارك (1) في صحته بعد الإجازة ؛ لما عرفت.

وأمّا أنّه لا زكاة فلما عرفت من عدم وقوع المعاملة بقصد الاتّجار للطفل.

وقد حكم الشيخ في النهاية (2) بثبوت (3) الزكاة في المقام أيضا. وتبعه الجماعة المذكورون حيث حكموا باستحباب إخراج الزكاة من مال الطفل في كلّ موضع يقع الشراء له.

وقد عرفت ما فيه.

هذا ، ولو أجاز الولي ذلك للمتّجر إذا كان بحيث يصحّ له إجازته كان الربح واستحب له إخراج زكاته كسائر أموال التجارة.

[تنبيهات]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها (4) : أنّ المراد بالملاءة كونه بحيث يقدر على أداء المال المضمون من ماله لو تلف

ص: 29


1- مدارك الاحكام 5 / 22.
2- النهاية : 174.
3- في ( ألف ) : « ثبوت ».
4- في ( ألف ) : « السادسة » ، وعليه فهي من التتميمات السابقة ، إلّا أنه لا يبقى معنى لعبارة المصنف : «وينبغي التنبيه على أمور ».

بحسب حاله كما في المدارك (1) والرياض (2).

وفسّره في المسالك (3) ومجمع البرهان بأن يكون له مال بقدر مال الطفل فاضلا من المستثنيات في الدين الّتي منها مقدار قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.

وفي الذخيرة (4) أنه أنسب إلى الرواية وكلام بعض الأصحاب.

والأوّل هو الأظهر ؛ إذ من المعلوم أنّ اعتبار الملاءة إنّما هو من جهة اغترامه مال الطفل إن تلف. وهو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، فمجرّد ملكه مقدار مال الطفل فاضلا عن مستثنيات الدين لا يكتفي في بعض الصور كما إذا لم يكن له حرفة يتعيّش بها ، وكان المصروف في معيشته من ذلك المال ، فإنّ ملاحظة يوم وليلة حال الضمان لا يثمر في أداء المال عند تلفه بعد ذلك ، ولا يعدّ معه (5) مالكا لما يقدر على الأداء عرفا.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق الحدّين المذكورين الاكتفاء بمجرّد ملك المال المفروض ، وإن كان له ديون أخر بإزائه يساويه أو يزيد عليه ، وصدق الملاءة حينئذ مشكل.

وقد ينزل إطلاقهما على المال الخالص الذي لا يكون عليه دين بإزائه.

والظاهر عدم الفرق بين غياب المال وحضوره ، وكونه من جنس (6) ما يضمن به مال الطفل أو من غير جنسه ، ولو كانت منفعة وكونه مشخصا في الخارج أو كليا في الذمّة ، وإنّما يعتبر كونه مقدورا عليه بحسب العادة إذا أراده.

ولو كان رهنا بإزاء دين عليه ففي الاكتفاء به مع زيادة مقداره على المال المرهون بإزائه إشكال إلّا أن يكون ذلك الرهن متيسّرا له بحسب العادة.

ص: 30


1- مدارك الأحكام 5 / 18.
2- رياض المسائل 5 / 35.
3- مسالك الإفهام 1 / 356.
4- ذخيرة المعاد 3 / 422.
5- في ( ألف ) : « بعدّمه » بدل « يعدّ معه ».
6- في ( د ) : « حيث ».

وبالجملة ، المدار على ملك ما يقدر معه على أداء مال الطفل على فرض تلفه كيفما كان حسبما اعتبر في التفسير المذكور ، ولا عبرة بإمكان الاستدامة مهما أراد.

وأمّا بالوجاهة الباعثة على بذل الغير له ذلك مهما أسقطاه ولو لم يملكه حال الضمان لكن كان بحيث يحكم بحصوله مجارى العادات كثمر البستان ونتاج الغنم ونحوها قوي إلحاقه بالموجود.

واعتبر في النهاية (1) تملكه في الحال ما يفي به ، ولو كان ماله في عرضة الزوال كالمبعوث في سفر البحر أو سائر مواضع الخطر ، فإن [ كان ] بحيث يبنى على بقائه في مجارى العادات بني عليه ، وإلّا فإشكال.

ولو تلف هناك مال ودار أن يكون منه أو من غيره ففي إجراء حكم الملاءة مع توقّفه على بقائه وجهان.

ومنها : أن العبرة باعتبار الملاءة إنّما هي حال الضمان ، فلو انتفت بعد ذلك لم يجب عليه إقرار المال ؛ أخذا بالأصل مع احتماله نظرا إلى أن المانع في الابتداء حاصل في الاستدامة أيضا.

ومنها : لا فرق فيما ذكر بين مال اليتيم وغيره اتفاقا ، وإن كان مورد الأخبار المتقدّمة خصوص اليتيم ، وكان ورود السؤال عن خصوص اليتيم في الأخبار المذكورة من جهة كون السبب غالبا في انتقال المال إلى الطفل موت أبيه.

والظاهر اختصاص الحكم بالمولود دون الحمل ، فلا زكاة في مال الحمل لا استحبابا ولا وجوبا ؛ بناء على القول به في غلاته ومواشيه ، فلا يعذر من الجهل من الحول.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الشهيد في غاية المراد لكنّه استقرب في البيان (2) إلحاقه المنفصل لو انفصل حيّا دون ما لو سقط ميّتا ، (3) وهو بعيد ؛ لعدم اندراجه في الأخبار ، وخروجه عن ظاهر كلام الأصحاب.

ص: 31


1- النهاية : 174.
2- البيان : 166.
3- في ( د ) : « ميتا ».

فلا محيص عن الرجوع فيه إلى حكم الأصل القاضي فيه إلى حكم الأصل بالمنع.

وفي الإيضاح (1) حكاية إجماع أصحابنا عليه. وهو شاهد آخر عليه.

ومنها : أنّ الظاهر أنّ المجنون حاله فيما ذكر كحال الطفل لمساواته (2) في المعنى.

وقد نصّ على اتحادهما في الحكم في المقام جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه.

قال العلامة المجلسي (3) : والأصحاب لم يفرّقوا بين الطفل والمجنون في الأحكام المذكورة.

وقد دلّ على استحباب الزكاة في ماله مع الاتّجار به خصوص الصحيح والخبر المتقدمين المعتضدين بعمل الأصحاب.

ولو جنّ أوّل بلوغه وكان في أثناء الحول ، ففي استحباب الزكاة عند حلوله وجهان ؛ أوجههما ذلك.

وكذا الحال فيمن يكون جنونه دوريّا.

ويقوي القول باجراء الحكم المذكور في المغمى عليه والسكران أيضا وإن تلحقهما (4) بالنائم والغافل.

ومنها : أنّه لو اتّجر للطفل أو المجنون فرضا عليه من غير أن يكون له مال أو يصرف ماله فيه ، ففي استحباب إخراج الزكاة منه وجهان ؛ أوجههما العدم ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ ؛ إذ لا يعدّ ذلك اتّجار [ ا ] بمال الطفل أو المجنون.

ولو اشترى لأحدهما ذمّة ودفع ماله بازائه فلا يبعد (5) إجراء الحكم بعده عرفا من الاتجار له بماله ، فتأمل.

ص: 32


1- إيضاح الفوائد 1 / 167.
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- لم نجد ما ذكره العلامة المجلسي قدس سره ، فراجع لعلّك تجده إن شاء اللّه.
4- في ( د ) : « إن لم نلحقهما ».
5- لم ترد في ( ب ) : « فلا يبعد ... وذي الأدوار ».

ثانيها (1) : انّه لا فرق في المجنون بين المطبق وذي الأدوار إذا كان دور جنونه حال تعلق الوجوب به ؛ لوضوح صدق المجنون عليه حينئذ ، فيندرج فيما دلّ على سقوطه عنه ، ولخروجه بذلك عن التكليف.

فيدل على سقوطه ما دلّ على ملازمة وجوبه لوجوب الصلاة.

وربّما يستظهر من إطلاق ما في المدارك (2) والذخيرة (3) خلاف ذلك حيث استقرب في الأوّل تعلّق (4) الوجوب حال الإفاقة ؛ إذ لا مانع من توجّه الخطاب به في تلك الحال.

ونفى عنه البعد في حواشي التهذيب.

واستحسنه الثاني لعموم الأدلّة ، قال : إلّا أن يصدق عليه الجنون حال الإفاقة كما إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

وضعفه ظاهر بعدم (5) تعلّق الحق بمالهما في زمان الوجوب ؛ إذ لا دليل إذن على ثبوته بعد ذلك.

مضافا إلى أنّه قد ينثلم إذن بعض شرائط الوجوب ، فلا وجه لتعلّق الأمر به بعد ذلك.

وقد ينزل ما ذكراه على اعتبار الإفاقة حال تعلّق الوجوب ، فالمقصود أنّه إن كان مفيقا حال الوجوب تعلّق به الزكاة (6) ، وإن طراه الجنون أثناء الحول حسبما سنشير إليه إن شاء اللّه ، لكن ظاهر إطلاقهما يعمّ ما ذكرناه.

ويومي إليه ما ذكراه في المغمى عليه كما سيجي ء إن شاء اللّه.

ولو كان مفيقا حال الوجوب وجنّ عند وقت الأداء احتمل السقوط ؛ لارتفاع التكليف منه ، واندراجه في إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون ، إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ استصحابا

ص: 33


1- في ( د ) : « ثالثها » ، ولا ثاني له ؛ وعلى الذي في المتن فلا ثالث ، فتدبّر. وفي ( ألف ) : « ثانيهما »!
2- مدارك الأحكام 5 / 16.
3- ذخيرة المعاد 3 / 421.
4- في ( ب ) : « تعليق ».
5- في ( د ) : « بعد عدم ».
6- في ( ألف ) : « بالزكاة ».

للحكم الثابت في المال ، فيكلّف الولي حينئذ بإخراجه.

واندراج ذلك في الإطلاق المذكور غير ظاهر.

كيف ، والمفروض كونه عاقلا حال الوجوب ، غاية الأمر صدق المجنون عليه بعد ذلك ، وهو غير مفيد بعد تعلق الوجوب بالمال بحكم الإطلاقات.

ودعوى كشف ذلك إذن عن عدمه غير ظاهرة مع إطلاق الأدلّة.

رابعها : قال في التذكرة (1) والقواعد (2) : لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول ، فلو فرض في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده.

واستقرب في المدارك (3) عدم انثلام الحول بذلك ، فيتعلق بالوجوب حال الإفاقة.

واستحسنه في الذخيرة (4) إلّا إذا صدق عليه الجنون لقلّة زمان الإفاقة كما مرّت الإشارة إليه.

والوجه فيما ذكراه إطلاق الأدلّة وعدم قيام دليل على اعتبار الاستمرار والعقل (5) طول الحول.

وفيه : أن الظاهر من سقوط الزكاة عن المجنون الحكم بعدم تعلّق التكليف به عند حلول الحول كما أنّه المراد من الحكم بوجوبه على العاقل ؛ لوضوح سقوطها عن العامل بتنجيز قبل الحول ، والحكم بسقوطه عنه عند الحلول قاض بما ذكروه من اعتبار العقل طول الحول ؛ إذ لو جنّ في أثناء الحول كان محكوما بسقوط الزكاة عنه حال حلول ، الحول فلا بدّ من ملاحظة الحول من حال زوال الجنون.

فإن قلت : إنّ المراد بسقوطه من المجنون إنّما هو مع بقاء الجنون دون ما إذا زال كما هو

ص: 34


1- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
2- قواعد الأحكام 1 / 330.
3- مدارك الأحكام 5 / 16.
4- ذخيرة المعاد 3 / 421.
5- في ( د ) : « الاستمرار العقل ».

المفروض في المقام.

قلت : قضيّة إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون هو عدم وجوبه عليه عند حلول الحول سواء كان عاقلا حينئذ أو مجنونا.

وتقييد السقوط عنه بما إذا بقي الجنون خروج عن ظاهر الإطلاق من غير دليل.

مضافا إلى أنّ المناط ممّا دلّ على اعتبار الحول فيما يعتبر فيه ذلك مراعاته في تنجيز الخطاب بعد كونه متعلّقا لخطاب الزكاة في الجملة ، والمجنون ليس من أهله.

ويومي إليه ما رواه الكليني (1) والصدوق (2) في الصحيح من أنّه نزلت آية الزكاة في شهر رمضان ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مناديه فنادى في الناس : إنّ اللّه فرض عليكم الزكاة .. إلى أن قال : ثمّ لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول .. الخبر.

فانّه لو لا ذلك لطالبهم بأداء الزكاة عند إيجابها ؛ نظرا إلى مضيّ الحول السابق قبل تعلّق الأمر بها ، فالمستفاد منه أنّ حولان الحول إنّما يعتبر بعد تعلّق الأمر بالزكاة ، ولا يتعلّق في المقام إلّا بعد حصول الفعل.

ويرشد إليه أيضا أن المجنون محجور عليه في التصرف ، فيدلّ على سقوط الزكاة عنه في المقام ما دلّ على اعتبار التمكّن في التصرف طول الحول في وجوب الزكاة. وتنزيل تمكّن الولي من التصرف فيه منزلة تمكّنه يحتاج إلى الدليل.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصبي أيضا ، فمناقشة صاحب الذخيرة (3) في احتساب أوّل الحول بعد تحقّق البلوغ لعدم قيام دليل على اعتبار ذلك ، وإطلاق ما دلّ على اعتبار الحول ليس على ما ينبغي.

مضافا إلى ظاهر موثقة أبي بصير المتقدمة ، وقد روى في الصحيح (4) أنّه « ليس على مال

ص: 35


1- الكافي 3 / 497 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، ح 2.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 14 ، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ، ح 1598.
3- ذخيرة المعاد 3 / 421.
4- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 9 / 84 ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح3.

اليتيم زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه فيما بقي حتى يدرك ، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة ، ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس » ولا يبعد اتّحاد الخبرين ، وإن اختلفا في الجملة واشتمل الأوّل على زيادة.

ودلالته على المدّعى ظاهرة ؛ فإنّ قوله عليه السلام : « وليس عليه لما مضى زكاة » ظاهر في عدم اعتبار الماضي أصلا ، ولو بعضا من الحول.

ومع الغضّ عنه فدلالته على عدم اعتبار (1) الحول في مال الصغير (2) فيما إذا فرض بلوغه في أول حولان الحول في غاية الوضوح.

وهو أيضا كاف (3) في المقام ؛ إذ لو لا اعتبار البلوغ في الحول لاكتفى بحصول البلوغ في حال الحولان.

والفرق في ذلك بين البعض (4) والكلّ كما قد يستفاد من كلام الفاضل المذكور تعسّف (5) غريب.

على أنّه لو فرض نقض ذلك عن الحول بمقدار آنات أو ساعات بل أيّام لاندرج في العبارة المذكورة قطعا ، والفرق في ذلك بين القليل والكثير ممّا لا يتوهمه أحد في المقام.

وأيضا قوله (6) عليه السلام : « ولا عليه فيما بقي أو لما يستقبل ... » إلى آخره ، على اختلاف الروايتين في كمال الظهور فيما ذكرناه ؛ فإنّ الظاهر كون المراد من قوله (7) عليه السلام « حتّى يدرك » إدراك وقت الوجوب أو الحول دون البلوغ ؛ لفرض ذلك فيما بعد البلوغ كما هو الظاهر من

ص: 36


1- في ( ب ) زيادة : « قيام » وفي ( د ) زيادة : « تمام ».
2- في ( د ) : « في حال الصغر ».
3- في ( د ) : « كان ».
4- لم ترد في ( ب ) : « بين البعض ... نقض ذلك ».
5- قد تقرأ في النسخ : « تصف ».
6- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ، ح 4.
7- الحديث المتقدم.

عطف ذلك على قوله : « فليس عليه لما مضى زكاة » ، فالظاهر منه حينئذ اعتبار الحول بعد البلوغ كما لو قيل : « إذا وصل إليك المال الغائب منك لم يكن فيه زكاة إلى أن يحول عليه الحول » فإنّ المستفاد منه عرفا اعتبار حلول الحول بعد الوصول إليه ، فكذا الظاهر في المقام.

على أنّ عدم ثبوت الزكاة في بقية الحول أمر ظاهر بعد اعتبار الحول. ولم يرد ذلك في مقام بيان أصل اعتبار الحول حتى يصرف الكلام المذكور إليه ، فحمله عليه في كمال البعد.

وقوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » توضيح للحكم المذكور وبيان لحكمه في سائر السنين والأعوام.

وقد يجعل قوله : « وليس عليه ... لما يستقبل » أو ما في مقامه جملة مستأنفة ، ويحمل الإدراك على البلوغ ، فالمعنى أنّ اليتيم ليس عليه لما يأتي زكاة إلى أن يبلغ ، فاذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة ، فإذن لا دلالة فيها على ما ذكرنا ، بل ربّما يدل على خلافه.

وحينئذ يكون قوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » بيانا لحكمه بالنسبة إلى ما بعد ذلك.

وهذا الوجه أنسب بما في الرواية الثانية من قوله : « ثمّ كان عليه مثل .. » إلى آخره ، إلّا أنّ حملها على ذلك يقضي بالمعارضة بين ذيل الرواية وصدرها.

ومع ذلك فحمل (1) تلك الجملة على الاستيناف في كمال البعد ، والحكم المشتمل عليه ممّا لم نقف على قائل به ، فلا وجه لحمل الرواية عليه.

ولا يذهب عليك أنّه بعد دلالة الرواية المذكورة على اعتبار الحول بعد البلوغ يظهر منه الحال في المجنون أيضا ؛ إذ لا فرق بينهما في ذلك ، فبملاحظة ما ذكرنا يتّضح الحال في المقام سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه في ظاهر كلماتهم.

وقد صرّح به جماعة من غير خلاف يظهر فيه عدا ما أشرنا إليه ، فتأمل.

خامسها : ألحق في التذكرة (2) والنهاية (3) الإغماء بالجنون ، فلو طرأ عليه حال تعلّق

ص: 37


1- في ( د ) : « فيحمل ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
3- نهاية الإحكام 2 / 300.

الوجوب سقط (1) أو في أثناء الحول قضى باستينافه فيما يعتبر الحول فيه.

واستشكله جملة من المتأخرين منهم صاحبا المدارك (2) والذخيرة (3) ومالا بل قالا بوجوب الزكاة عليه عند الإفاقة ؛ نظرا إلى عدم اندراجه في المجنون وعدم قيام دليل آخر على سقوطها عنه ، فغاية الأمر عدم كونه أهلا للتكليف حال الإغماء ، لكنّ النائم كذلك أيضا فهو كالنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زواله وعدم انقطاع الحول بعروضه ؛ أخذا بالإطلاقات.

وقوّاه العلّامة المجلسي في حواشي التهذيب.

وفيه : مع أنّه البناء على كون ثبوت الزكاة في الأصل من الأحكام التكليفيّة وجعل حكمه الوضعي - أعني استحقاق الفقير سهما من المال - تابعا لحكمه التكليفي كما هو الظاهر من جماعة من الفقهاء - ومنهم الفاضلان المذكوران حسبما مرّت الإشارة إليه - لا يتّجه الكلام المذكور ؛ إذ لا يعقل تكليفه بالزكاة حال الإغماء فلا يتعلّق الحقّ بماله حينئذ أيضا.

ومع براءة المال حال وجوب الزكاة عن تعلّقها به لا وجه لوجوب الزكاة وتعلّقها به بعد ذلك ؛ فإنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في ذلك الوقت ، ولا دليل على وجوبها بعد ذلك.

كيف وقد ينهدم النصاب حينئذ أو يتبدل المال بعد حلول وقت الوجوب قبل الإفاقة ، فقضية الأصل إذن عدم وجوبها على من نام حال تعلّق الوجوب أو طراه الغفلة عنها إلّا أنّهما خرجا بالإجماع بخلاف المغمى عليه.

وبملاحظة ما قرّرنا في انهدام الحول بطروّ الجنون في الأثناء وإن عقل حال الوجوب يظهر قوة القول بانهدامه أيضا لطروّ الإغماء بناء على الفرض المذكور.

نعم ، لو قلنا بعدم الملازمة بين الحكم الوضعي المتعلّق بالمال والتكليفي المتعلّق بالمال

ص: 38


1- في ( ألف ) : « سقطا ».
2- مدارك الأحكام 5 / 23.
3- ذخيرة المعاد 3 / 21.

أخذا بظاهر كثير من الاطلاقات (1) - حسبما مرّت الإشارة إليه - صحّ التعلّق بالإطلاق ، فيتعلّق به التكليف بالأداء مع بقاء الحق فيه مهما أفاق إلّا أن يقال : إنّ قضيّة ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة عدم وجوبها مطلقا مع انتفاء التكليف ، فلا يثبت الحق في المال.

وقد يناقش فيه بالمنع من عدم وجوب الصلاة عليه بحسب الواقع ، غاية الأمر سقوط ذلك عنه من جهة قيام العذر كما في النائم والناسي ونحوهما.

وكذا الحال في المجتهد إذا لم يصل إلى وجوب شي ء أو حرمته وأداء الدليل إلى خلافه ، فلا شكّ إذن في كون الحكم في شأنه هو ما ساقه الدليل إليه إلّا أنّ ذلك لا يقضي بكون حكمه الواقعي الأوّلي هو ذلك ، وإلّا لزم التصويب ، فليس تكليفه إذن بمقتضى فهمه إلّا ظاهريّا ثانويا ، ويسقط معه التكليف الأوّلي من جهة قيام العذر.

وبمثله نقول في سقوط التكليف عن المغمى عليه والنائم والناسي ونحوهما ، وهو إنّما يستمر حينئذ باستمرار العذر ، فإذا انكشف الخلاف بني على ما يقتضيه الواقع ، ولزم البناء على جميع لوازمه من الأحكام الوضعيّة أو التكليفيّة المترتّبة عليه إلّا أن يقوم دليل على خلافه ، كما ثبت بالنسبة إلى أحكام المجتهد.

فحينئذ نقول : إنّ ثبوت الزكاة عليه بالنظر إلى حكمه الواقعي الأوّلي كاف في تعلّق الحق بماله وسقوط الحكم التكليفي عنه في الظاهر.

فما طراه من العذر لا يقضي بسقوط ذلك من ماله ، بل إنّما يقضي بارتفاع التكليف عنه ظاهرا (2) ما دام العذر باقيا ، فإذا ارتفع العذر لزم البناء على مقتضى ذلك الحكم (3).

ويظهر ممّا ذكرنا قاعدة كلية تجري في كثير من أبواب الفقه ، فليتأمل في المقام ؛ فإنّه حريّ (4) بالتأمل التام.

ص: 39


1- في ( ألف ) : « الإطلاق ».
2- في ( ألف ) : « ظاهر ».
3- في ( ألف ) : « للحكم ».
4- في ( ألف ) : « جرى ».

ويجري ما ذكروه وذكرناه في السكران.

وذهب بعضهم في إلحاقه بالمغمى عليه في سقوط الزكاة عنه. وقد يفصّل بين السكر الحاصل بالمحرّم وغيره ، فينزل الأول منزلة الشاعر ؛ بناء (1) على أن سقوط الزكاة عنه نوع من الرخصة ، وهي لا تناط بالمعصية.

وأيضا فيه تأمل.

سادسها : المأمور بإخراج الزكاة من مال الطفل والمجنون استحبابا أو وجوبا هو الولي وإن قلنا بشرعية عبادات المميّز وجواز تعلّق الاستحباب به ؛ لوضوح أنّ دفع الزكاة من التصرفات الماليّة ، وهو محجور عليه.

ولو بلغ الطفل وأفاق المجنون عند حلول الحول ففي ثبوت الاستحباب لهما وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ نظرا إلى أن الولي إنّما يتولّى ذلك عن قبل الطفل والمجنون من جهة الحجر عليهما ، فإذا زال الحجر تعلّق الحكم المذكور بهما ؛ وإنّ ظاهر الأخبار ثبوت الزكاة في مالهما فيستحبّ الإخراج لهما بعد كمالهما.

وعلى القول بالوجوب فالأمر أظهر.

ولو بلغ أو عقل في أثناء الحول ففي ثبوت الاستحباب عند الحولان الوجهان.

ومع البناء على الثبوت وأدائه لها عند حلول الحول لا يجب عليه الأداء ثانيا عند حلوله بملاحظة حال كماله ؛ إذ لا يزكي المال في عام مرتين.

والظاهر كون زمان اختيار الطفل هو كحال صغره ، فلو حال عليه الحول في أثنائه أو صادف ذلك وقت الوجوب في غير ما يعتبر فيه الحول لم يبعد ثبوت الاستحباب فيتولّاه الولي.

سابعها : لو ثبت الزكاة في مال الطفل أو المجنون ولم يدفعها الولي قوي استحباب الإخراج لهما بعد كمالهما وبقاء المال ، ولو قلنا بوجوب الإخراج وجب عليهما لما عرفت.

ص: 40


1- الشاعر : أي الذي له شعور ، وليس بسكران.

أمّا مع تلف المال فعلى القول بالوجوب يضمنه الولي إذا كان المال في يده وتهاون في الأداء ، وإن يكن في يده وتهاون في أدائه ففي ضمانه وجهان.

ولا حرج عليهما بعد كمالهما.

وعلى القول بالاستحباب ففي ضمان الولي له استحبابا نظر.

وفي الدروس (1) : إنّ الولي يضمن لو أهمل مع القدرة في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال الطفل ، فتأمل فيه.

ص: 41


1- الدروس 1 / 229.

تبصرة: [ في اشتراط الحرية ]

اشارة

من شرائط وجوب الزكاة الحريّة ، فلا يجب زكاة على المملوك. وهو المعروف من مذهب الأصحاب.

وفي التذكرة (1) : الحريّة شرط في الزكاة ، فلا يجب على العبد بإجماع العلماء ، ولا نعلم فيه خلافا إلّا عن عطا وأبي ثور. ثم خطّاهما في ذلك.

لكن نصّ في المعتبر (2) والمنتهى (3) بوجوب الزكاة عليه على تقدير ملكه ، فلا يتجه عدّ الحرّية شرطا كما ذكر فيهما.

وقد نصّ في المختلف (4) على اختلاف علمائنا في وجوب الزكاة عليه ؛ بناء على القول بملكه وأنّ فيه قولين للأصحاب.

وكيف كان ، فالمتّجه عدم وجوب الزكاة عليه. أمّا على القول بعدم ملكه فظاهر ، وأمّا على القول بملكه فللمعتبرة المستفيضة : منها الصحيح (5) : « ليس في مال المملوك شي ء ، ولو كان له ألف ألف ».

وفي صحيحة أخرى : (6) عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال : « لا ولو كان ألف ألف درهم ».

ص: 42


1- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
2- المعتبر 2 / 489.
3- منتهى المطلب 1 / 472 و 473.
4- مختلف الشيعة 3 / 156.
5- الكافي 3 / 542 باب زكاة مال المملوك ، ح 1.
6- وسائل الشيعة 9 / 91 ، باب وجوب الزكاة على الحر وعدم وجوبها على المملوك ، ح 3.

وفي الموثّق (1) : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر : إلى أن قال : قلت : فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال الحول؟ قال : « لا إلّا أن يعمل له فيها ».

وفي الصحيح (2) : قلت له - يعني الصادق عليه السلام : - مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا ». قلت : على سيّده؟ قال : « لا إلّا (3) أنّه لم يصل إلى السيّد وليس هو المملوك (4) ».

فقد اتضح بملاحظة الروايات المذكورة المعتضدة بفتوى الفرقة والإجماع المنقول القول بوجوب الزكاة عليه بناء على القول بملكه لصراحة ما (5) عدا الصحيحة الأخيرة في خلافه.

مضافا إلى أنّه على القول بملكه محجور عن التصرف فيه من جهة الرقيّة كما نصّ (6) عليه ، فلا يكون ملكه تامّا.

وقد منعه المحقّق في المعتبر (7) وقال : إنّه على تقدير تملّكه يكون ملكه تامّا ؛ إذ (8) له التصرف فيه كيف شاء.

وتبعه المحقّق الأردبيلي (9) وقال : إنّ ذلك غير واضح لي مطلقا. مضافا إلى أن (10) أصل جواز التصرف للملاك فيما يملكونه.

نعم ، لا يجوز لهم التصرف في أنفسهم بغير الإذن.

ثمّ إنّه بعد ما ذكر الصحيحين المتقدمين ، واستدلّ بهما على حصول الملك للعبد ؛ نظرا إلى

ص: 43


1- وسائل الشيعة 9 / 92 ، باب وجوب الزكاة على الحر وعدم وجوبها على المملوك ، ح 6.
2- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك ، ح 5.
3- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « إلّا » ، وفي المصدر : « لا لأنه ».
4- في النسخ : « المملوك ».
5- في ( ألف ) : « لصراحتهما ».
6- في ( د ) : « نصّوا ».
7- المعتبر 2 / 489.
8- في ( ب ) : « إن ».
9- مجمع الفائدة 4 / 18.
10- في ( ب ) : « إلى » بدون نقطة « أن ».

إضافة المال فيهما إلى العبد الظاهرة (1) في الملكيّة قال : إنّ عدم الزكاة يحتمل كونه للحجر ، فلو صرفه المولى فأزال حجره يمكن وجوب الزكاة كما قيل به.

وقيل : لا لعدم اللزوم له ، وهذا الاحتمال كما ترى مناف لما ذكره أوّلا من منع الحجر عليه بناء على تملكه.

وقد حكى القول المذكور في الحدائق (2) ونفى البعد عنه ؛ لما رواه في قرب الإسناد (3) عن عبد اللّه بن الحسن ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : « ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه ». وأيّده بالعمومات الدالّة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب ، فتخصص العمومات المتقدمة بهذه الرواية.

قال : وكيف كان ، فلا ريب أنّه الأحوط.

قلت : لو كان مبنى المسألة عدم ملكيته للعبد أو عدم تماميّة ملكه لم يتّجه جعله عنوانا آخر (4) ، وتوقّف صحّة الحكم المذكور على إثبات أحد الأمرين المذكورين.

وكأنّ المناقشة فيهما مناقشة في إثبات الحكم المذكور ، لكن ظاهر جعله عنوانا آخر - كما في كلام الأكثر - يومي إلى كون المناط فيه غير ما ذكر ، وأنّ الحريّة بنفسها من الشرائط.

وكيف كان ، فالظاهر ثبوت الحكم المذكور مع قطع النظر عن ثبوت الحكمين المذكورين ، وإن كان إثبات كلّ منهما كافيا في إثباته على تأمّل في الأخير ، سيّما مع إذن المولى له في التصرف كيف شاء ، وذلك لأنّ الأخبار المذكورة المعتضدة بعمل الطائفة مطلقة ودلالتها على المطلق واضحة مع وضوح أسانيدها ، فهي كافية في إثبات المطلق وإن لم يثبت شي ء ممّا ذكر.

نعم ، يحتمل أن يكون السرّ في الحكم المذكور بحسب الواقع هو أحد الأمرين المذكورين ، فلا يكون اشتراط الحرّية في الحقيقة شرطا آخر ، لكن لا يقضي ذلك بتأمّل في ثبوت الحكم

ص: 44


1- في ( ألف ) : « الظاهر ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 28.
3- قرب الإسناد : 228.
4- في ( ألف ) : « عنوان الآخر ».

المذكور على فرض التأمّل في ثبوت الأمرين المذكورين أو التأمل في مانعية الثاني منهما ؛ لوجوب الزكاة مطلقا أو في وجه ؛ لوضوح كون الشرط المذكور بناء على ذلك أمرا مستقلا غير منوط بشي ء من ذلك.

والروايات المذكورة هي الحجة على إثباته.

فظهر أنّ المناقشة في ثبوت الحكم المذكور لأجل (1) المناقشة في أحد الأمرين المذكورين ليس على ما ينبغي ، وكذا احتمال كون الحكم بالنفي من جهة الحجر عليه ، فيناقش في ثبوته مع رفع الحجر بإذن الولي في التصرف فيه ؛ اذ مجرد الاحتمال المذكور غير مفيد مع إطلاق النصّ ، فغاية الأمر أن يكون هناك علّتان لسقوط الزكاة مع بقاء الحجر ، وينفرد انتفاء الحريّة مع ارتفاعه.

والاستناد فيه إلى ظاهر الرواية المذكورة بعد حمل المطلقات عليه مدفوع :

أوّلا : بضعف إسنادها وإعراض الأصحاب عنها بشذوذ القول المذكور على فرض ثبوت القائل به.

وثانيا : بعدم دلالتها على ذلك ؛ إذ الظاهر منها الاكتفاء بالإذن في أداء الزكاة في وجوبها على المملوك ، لا للإذن في تصرّفه في المال كيف شاء طول الحول كما هو المدّعى ، فلا وجه للاستناد في ذلك إليها.

وما دلّت عليه ممّا لا قائل به ، مضافا إلى مخالفته للقواعد المقررة ؛ إذ لو كان ملكه للنصاب على الوجه المذكور باعثا على وجوب الزكاة لم يحتج إلى الاذن ؛ إذ لا حاجة إلى إذن المولى في أداء (2) الواجبات ؛ فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإن لم يكن ذلك باعثا على الوجوب لم يجب بالإذن أيضا.

ص: 45


1- في ( ألف ) : « ولأجل ».
2- في ( ألف ) : « في أنّ ».
[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنّه (1) لا فرق في المملوك بين القنّ والمتشبّث بالحريّة باستيلاد أو تدبير أو كتابة مشروطة أو مطلقة إذا لم يؤد شيئا لثبوت الرقّيّة في الجميع الباعثة على ذلك بمقتضى إطلاق الأدلّة.

ويدل أيضا على ثبوت الحكم في المكاتب خصوص رواية أبي البختري (2) : « ليس في مال المكاتب زكاة ».

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب ، وإطلاق سائر الروايات.

وربّما يظهر من المدارك (3) تأمّل في ثبوت الحكم في المكاتب ؛ إذ بعد ذكره أن ذلك هو المعروف من مذهب الأصحاب حكى عن المعتبر (4) الاحتجاج عليه بالرواية المذكورة ، وبنقصان ملكه لحجره عن التصرف فيه إلّا بالاكتساب.

وردّه بضعف الخبر والتأمل في صحّة الدليل الآخر قال : مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر (5) والمنتهى (6) من وجوب الزكاة على المملوك - إن قلنا بملكه - الوجوب على المكاتب ، بل هو أولى.

ولا يخلو ذلك منه رحمه اللّه عن غرابة ؛ إذ بعد حكمه باعتبار الحرية - نظرا إلى ما دلّ عليه من الرواية الصحيحة وغيرها - لا وجه للمناقشة في خصوص المكاتب مع بقائه على الرقّ.

وأغرب منه استناده إلى الأولويّة المذكورة ، وهو لا يقول بثبوت الحكم في الأصل.

وقد يوجّه ما ذكره بدعوى عدم انصراف الإطلاق إلى المكاتب ، فيبقى مندرجا تحت

ص: 46


1- في ( ب ) : « بأنّه ».
2- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك ح 4.
3- مدارك الأحكام 5 / 25.
4- المعتبر 2 / 489.
5- نفس المصدر.
6- منتهى المطلب 1 / 472.

الإطلاقات القاضية بوجوب الزكاة ، فينحصر الوجه في إخراجه عن تلك الإطلاقات في الدليلين المذكورين المدخول فيهما.

واستناده إلى الأولويّة المذكورة ليس لإثبات الحكم من جهتها بل لإبداء القائل بالوجوب. وهو أيضا كما ترى.

والأولى تنزيل كلامه على بيان المناقشة في الأصلين المذكورين لا في أصل الحكم للاكتفاء منه بما دلّ على سقوط الزكاة عن المملوك.

وكأنّه أراد به الإيراد على المحقق (1) حيث نصّ بوجوب الزكاة على المملوك على فرض ملكه ، ثمّ نفاه عن المكاتب للوجهين المذكورين.

ثانيها : انّه نصّ جماعة من الأصحاب - من غير خلاف يعرف - بوجوب الزكاة على المبعّض إذا بلغ ما يملكه من جهة نصيب الحرّيّة مقدار أحد النصب المعتبرة.

ولا ريب فيه ؛ لاندراجه تحت الإطلاقات الدالّة على وجوب الزكاة مطلقا وفي كلّ من النصب المقدرة ، من غير دليل على خروجه ؛ إذ غاية ما استفيد من الأخبار المذكورة خروج من كان كلّه مملوكا دون المبعّض المفروض ، فيبقى تحت الإطلاق.

وفي الحدائق (2) : إنّه لو لا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة ؛ فإنّ تلك العمومات إنّما ينصرف باطلاقها إلى الأفراد الشائعة ومن كان بعضه حرّا وبعضه رقّا من الفروض النادرة.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ ندور وجود المبعّض في الخارج لا يقضي بخروجه عن الإطلاقات مع وضوح شمولها (3) لذلك ، فلو ناقش في سقوط الزكاة من المبعّض إذا لم يبلغ نصيب الحريّة منه

ص: 47


1- المعتبر 2 / 489.
2- الحدائق الناضرة 12 / 29.
3- في ( د ) زيادة : « له بل للرّق كيف وليس في تلك الإطلاقات تعليق وجوب الزكاة على الحرية حتى يتأمل في شمولها ».

بقدر النصاب للتأمّل (1) في شمول المملوك المذكور في النصّ له كان أولى.

ثالثها : أنّه إذا قلنا بملك العبد وقلنا بعدم وجوب الزكاة عليه من جهة عجزه عن التصرف ، أو لدلالة الأخبار عليه ، فلا زكاة في ذلك على سيده أيضا ؛ لانتفاء الملك بالنسبة إليه.

وأمّا إذا قلنا بعدم ملكه كان ماله مال سيده فيجب زكاته عليه مع تحقّق شرائط الوجوب بالنسبة إليه.

وقد قطع به جماعة من الأصحاب من غير خلاف يعرف منه.

ويمكن المناقشة فيه بأنّ الصحيحة الاولى صريحة في نفي الزكاة عن مال المملوك ، وهو قاض بسقوط وجوبها عن السيد والمملوك ، وكذا الصحيحة الثانية بناء على رجوع ضمير « عليه » إلى « الحال » كما هو ظاهر العبارة بل صريحها.

وهو الظاهر من الموثقة المذكورة أيضا ، وإن وقع السؤال فيها عن وجوبها على العبد إلّا أن استثناءه عليه السلام ما إذا عمل له فيها المحمول على الندب قاض بعدم ثبوتها في المال مع عدمه.

وحينئذ فكما يؤخذ بظواهر تلك الإطلاقات في الحكم بعدم وجوب الزكاة على المملوك مطلقا فينبغي الأخذ بها كذلك بالنسبة إلى السيد أيضا ، فالتفصيل فيه بين القول بملك العبد وعدمه خروج عن ظاهر تلك الأدلة من غير دليل إلّا أن يقوم إجماع في المقام ، وهو غير معلوم.

وقد ينزّل هذه الأخبار - بناء على القول بعدم ملك العبد على المكاتب الذي لم (2) يتحرز منه شي ء - بورودها في مال المملوك الذي يصح تملكه بناء على ذلك منحصر فيه.

يدفعه بعد ذلك عن ظاهر تلك الأخبار جدّا.

وحمل المال فيها على المال العرفي قريب كمال القرب ، فلا داعي لحملها على المكاتب من جهة إضافة المال إليه.

ص: 48


1- في ( ألف ) : « المتأمّل ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لم ».

مضافا إلى اشتمال تلك المعتبرة على عدم إعطائه من الزكاة.

وقد صرّح في الصحيحين بعدم جواز ذلك مع حاجته مع أنّ المكاتب يجوز دفع الزكاة إليه في الجملة.

وربّما يستدلّ له أيضا بخصوص الصحيحة الثالثة حيث حكم فيها بعدم وجوب الزكاة على المملوك في المال الّذي بيده لعدم ملكه له ، وعلى السيد لعدم وصوله إليه. وكأنّه أراد بذلك إخراج السيد له عن تصرفه وجعله للعبد وإن لم يكن ملكا له بحسب الشرع.

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ المفروض في السؤال كونه في يد المملوك ، ولا (1) يفيد كونه مالا له بحسب العرف ليكون السؤال فيه عن مال العبد ، فيحتمل أن يكون السؤال عن مال السيد ممّا يكون في العبد ، فيكون الحكم بعدم وجوب الزكاة على السيد من جهة انتفاء تمكّنه من التصرف فيه لغياب ونحوه كما يقتضيه سائر الأدلّة ، ومن التعليل المذكور.

وعلى فرض كون السؤال عن مال العبد ، فقضية التعليل المذكور اختصاص الحكم بما إذا لم يتمكّن منه سيده.

وقد يدفع ذلك بأن عدم وصول المال إلى سيّده لا يفيد عدم تمكنه عنه ، فحمل السؤال على خصوص مال العبد ليكون المراد بالتعليل المذكور عدم تصرّف المولى (2) فيه وتركه للعبد أولى.

وكأنّ الوجه في التعبير عنه بذلك علم السائل بعدم تملك العبد على الحقيقة ، فعبر عن مال العبد بالمال الّذي في يده وإن لم يكن ملكه.

مضافا إلى وقوع السؤال من وجوب الزكاة على العبد.

ولو فرض كونه من مال المولى لم يتجه السؤال عن ذلك ، ولا إطلاقه (3) عدم وجوبها على السيد.

ص: 49


1- في ( د ) : « وهو لا ».
2- في ( ألف ) : « الولي ».
3- في ( د ) زيادة : « عليه السلام ».

وقد ينزل استصباح أخذ السيد لما ملكه العبد منزلة عدم تمكّنه من التصرف فيه.

وكيف كان ، فلا يخلو الصحيحة المذكورة عن الدلالة على ما قلناه ، ولذا استظهر مولانا التقي المجلسي عدم وجوب الزكاة على السيد أيضا ؛ أخذا بهذه الصحيحة.

واستشكل (1) أيضا بعض المتأخرين ؛ نظرا إلى ذلك.

فظهر بملاحظة جميع ما ذكرناه قوّة احتمال سقوط الزكاة من السيد أيضا إذا جعل شيئا من ماله للعبد ورفع يده عنه وإن كان في الحقيقة ملكا له إلّا أنّ ظاهر الفتوى المعتضد بالعمومات على خلافه ، فالمسألة محلّ تأمّل وإشكال ، وطريق الاحتياط فيها ظاهر.

رابعها : ظاهر الموثقة المذكورة ثبوت زكاة التجارة على العبد. ولم نجد من تنبّه عليه من الأصحاب إلّا أنّ ظاهر من قال بوجوب الزكاة عليه - بناء على القول بملكه - القول باستحباب زكاة التجارة بالنسبة إليه أيضا.

ولا بأس بالبناء عليه في المقام ، لكن لا بدّ أن يكون الدفع بإذن السيد عموما أو خصوصا إمّا لكونه مال سيّده أو لحجره عن التصرف فيه.

وكأن إطلاق الموثقة محمول على الغالب من حصول الإذن العام كما يعطيه ظاهر جعل المال للعبد.

ص: 50


1- في ( د ) : « واستشكله ».

تبصرة: [ في اشتراط التملك ]

التملك شرط في وجوب الزكاة إجماعا من الخاصّة والعامّة فلا زكاة عليه قبل حصول الملك.

ويتفرّع على ذلك امور :

منها : أنه لا زكاة على المتّهب قبل القبض ، ولا يجري في الحول قبله بناء على اعتباره في التملك بها ، فيجب زكاته على الواهب (1) مع استجماع سائر الشرائط.

ومنها : عدم وجوب الزكاة في العين الموصى به قبل القبول إذا تأخر من الموت إن قلنا بكون القبول ناقلا من حينه. وإن قلنا بكونه كاشفا فلانتفاء التمكن من التصرف قبله وإن كان ملكا له بحسب الواقع.

وقد يقال بحصول التمكن من التصرف في المقام ؛ لتمكّنه من القبول في كل حال.

وفيه بعد كاحتمال صدق التمكن من التصرف حينئذ إذا صرفه الوارث وأجاز له جميع انحاء التصرفات.

ومنها : عدم وجوبها في المبيع على المشتري وعلى البائع في الثمن في الصرف إذا كان قبل حصول القبض ، وكذا في المجلس في السلم بالنسبة إلى الثمن ؛ لتوقف الانتقال عليه.

فيجب زكاته على المالك إذا تم الحول بين العقد والقبض إن قلنا بعدم وجوب الإقباض عليه.

وحينئذ فيبطل البيع بالنسبة إليه ؛ نظرا إلى تعلّقها بالعين.

ص: 51


1- في ( ب ) : « الوجوب » ، وفي ( ألف ) : « الواجب ».

ويحتمل الصحة إذا دفعها المالك من الخارج ، وإن قلنا بوجوب الإقباض عليه قوي سقوطها عنه أيضا ؛ لمنعه إذن من التصرف.

ومنها : أنّه لا زكاة في الزكاة ، ولا في الخمس ، وسائر الحقوق العامة قبل إقباض المستحق ، وإن مضى عليها أحوال وعينها المالك لعين (1) ؛ لعدم دخولها في ملكه إلّا بالقبض نعم ، يحتمل الوجوب في حقّ الإمام عليه السلام في حال الحضور إذا كان متمكنا من التصرف فيه ، فحكمه كسائر الأموال الغير المقبوضة إذا تمكن منه (2) المالك. وفي جريان الحكم فيه في حال الغيبة بعد إقباض المجتهد أو تمكّنه من القبض وجه.

ومنها : أنه لا زكاة في الوقف العام وفوائده الحاصلة منه قبل دفعها إلى الموقوف عليهم ؛ لعدم اندراجها إذن في الملك. ولو عيّن شيئا منها للمولى أو غيره فالظاهر عدم توقف وجوب الزكاة فيه على القبض سواء كان ممّا يعتبر فيه الحول أو غيره.

وأمّا الوقف الخاص فلا زكاة في عينه وإن كانت مملوكة ؛ نظرا إلى عدم التمكن من التصرف فيها.

وأما فوائده الحاصلة منه فيجب فيها الزكاة مع بلوغ نصيب كلّ من الموقوف عليهم حدّ النصاب إن تعيّن نصيبه ، وإن كان التعيين منوطا بنظر الولي (3) فلا زكاة فيها قبل تعيين الحقّ إلّا أن يتعيّن له مقدار النصاب ، وتكون الزيادة موكولة إلى النظر ، فيتوقف الحال في القدر الزائد على التعيين.

ولو توقف اندراجه في الموقوف عليهم على شرط اعتبر الحال فيه بعد الاندراج.

وهل يثبت الزكاة في النماء الحاصل قبله المحكوم ظاهرا بكونه للباقين إذا كانت الوقفيّة بحيث يثبت استحقاقه فيه الّذي يقتضيه الأصل في ذلك أنّه إن جعل الواقف ذلك كاشفا عن استحقاقه من أوّل الأمر لم يثبت الزكاة بالنسبة إلى حصة ، أما عليه فلعدم قدرته على التصرف

ص: 52


1- في ( ألف ) : « العين ».
2- في ( ألف ) : « فيه ».
3- في ( د ) : « المولى ».

فيه قبل انكشاف الحال ، وأمّا بالنسبة إلى الباقين فلانتفاء الملكية.

وإن جعله نافذا له من حينه تعلّق به الحق ؛ لانتقال المال إلى غيره ، فيجب عليه إخراج الزكاة منه.

وخروجه عن ملكه بعد ذلك لا ينافيه إلّا أن يشترط توقفهم عن التصرف قبل انكشاف الحال ، فلا زكاة لعدم التمكن من التصرف.

وقضيّة ذلك سقوط الزكاة مع انكشاف عدم استحقاقه أيضا.

ولو توقف استحقاقه الموقوف عليهم على إخراج أمور كمصارف تعمير الوقف ونحوها على حسب نظر الناظر (1) ففي ثبوت الزكاة في تلك الحصة قبل انكشاف الحال فيه إشكال.

ولو عيّنه الناظر أوّلا لتلك المصلحة ثمّ رجع عنها ، فالظاهر اعتباره من حين الرجوع.

ولا زكاة فيما عيّنه الواقف لمصارف تعمير الوقف وإن عاد ذلك إلى الموقوف عليهم ، بل كان ملكا لهم ؛ لانتفاء تمكّنهم من التصرف فيه ، وكذا لو عيّن صرف الموقوف عليه ما يعود إليه من الفوائد في مصروف (2) معيّن.

ثمّ إنّه يعتبر ما ذكرناه في الجريان في الحول فيما يعتبر فيه ذلك.

وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول ، فيلحظ فيه ذلك بالنظر إلى حال الوجوب.

ومنها : أنّه لا زكاة على البائع في الثمن ولا على المشتري في المثمن قبل انقضاء زمن الخيار الثابت بأصل العقد أو بالاشتراط عند الشيخ (3) ؛ لذهابه إلى توقّف الامتثال على انقضاء الخيار.

وحينئذ فلا زكاة على غير صاحب الخيار فيما بذله من العوض ؛ لعدم تمكّنه من التصرف فيه.

وأمّا العوض المبذول من صاحب الخيار فيجب زكاته عليه ؛ لحصول الملك ، والتمكّن من

ص: 53


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « مصرف ».
3- الخلاف 2 / 38.

التصرف بالنسبة إليه كما سيجي ء (1) الكلام إن شاء اللّه.

ومنها : أنّه لا زكاة في اللقيط (2) قبل تملّك الملتقط له ، ولا سلطان له على أخذ العين في مقدار الزكاة. ولو جاز للملتقط دفع العوض وإلّا يجب عليه ذلك ، والزكاة إنّما تتعلّق بالعين.

نعم ، لو ضمنها احتمل تسلّطه على العين ولو ظهر المالك قبل وجوب الزكاة انتقض الحول وإن قلنا بالتسلّط له على العين ، وإلّا فلا.

ومنها : أنّه لو دفع المالك إليه نصابا وأباح له جميع تصرّفاته فيه لنفسه حتّى الناقلة للعين والمنفعة ، لم تجب عليه زكاته ؛ لعدم دخوله بذلك في ملكه ، وسلطانه على التملك غير كاف في ذلك ، فيجب زكاته حينئذ على المالك مع حصول (3) الشرائط.

ولو كان عليه في الرجوع عن الاباحة المذكورة غضاضة (4) لا يتحملها عادة ففي إلحاقها بعدم التمكّن من التصرّف وجه قوي.

ومنها : أنه لا زكاة على الديّان في العين المعاملة لدينه الموجود عند المديون ، ولو كان باذلاله مهما أراد. وكأن التأخير من قبله لعدم تملكه له قبل القبض ، وكذا الحال في العين المقروضة بالنسبة إلى المقرض مع حلول الحول عليه عند المقترض ؛ لخروجه بالقبض عن ملكه.

وسيجي ء الكلام فيهما إن شاء اللّه.

هذا ، وهل العبرة في المقام بالملكيّة الواقعيّة أو يعتبر العلم بها أيضا؟ وجهان ؛ أظهرهما الأوّل إلّا أنّه يعتبر العلم بها غالبا لتوقّف التمكّن من التصرّف عليه كذلك.

فيظهر الثمرة فيما إذا لم يتوقف تمكّنه من التصرف عليه كما إذا حاز نصابا من دون نية التملك وعدمه ، واعتقد عدم دخوله في الملك بدونها ، ثمّ علم بعد ذلك دخوله في الملك بمجرّد الحيازة ،

ص: 54


1- في ( د ) : « وسيجي ء ».
2- في ( د ) : « الملقط ».
3- في ( د ) زيادة : « سائر ».
4- في ( د ) : « قضاضة » ، وفي ( ألف ) : « عضانته ».

فعلى ما اخترناه يجري في الحول بمجرّد دخوله في الملك.

نعم ، لو كان اعتقاده ذلك عن حجّة شرعيّة كما إذا أداه اجتهاده إلى ذلك دخوله في الملك بمجرّد الحيازة أو كان ذلك عن تقليد مجتهد لم يجر في الحول إلى أن يرجع (1) من قلّده (2) عن ذلك ، فيختلف الحكم بالنسبة إليه من حين البناء على الثاني.

وقد يقال بجريان ذلك فيما إذا وهب (3) غيره نصابا من دون إقباضه واعتقد الانتقال إليه بمجرّد العقد ، ثمّ علم بعد ذلك بعدم انتقاله عنه.

وذلك لحصول الملك الواقعيّة وتمكّنه من التصرف بحسب الظاهر ؛ نظرا إلى جواز العقد.

وفيه إشكال.

نعم ، لو تفطن بالمسألة وقصر في السؤال ، فالظاهر عدم الإشكال في وجوبها عليه.

ومن ذلك أيضا ما لو كان النصاب ملكا له بحسب الواقع واعتقد أنّه لغيره ، وقد أجاز له ذلك الغير جميع أنحاء التصرفات.

وفيه أيضا إشكال.

ولو تردّد في تملّك العين الزكويّة فإن كان ذلك من جهة الشك في الموضوع فمقتضى الأصل عدم وجوب الاستعلام والبناء على جري الحكم الثابت قبل التردّد ؛ استصحابا له إلى أن يعلم المزيل.

وقد يستشكل فيه فيما إذا قضى الاستصحاب بوجوب الزكاة عليه لمعارضته بأصالة عدم تعلق الوجوب به إلّا أن الظاهر ورود الاستصحاب (4) عليها فيتعيّن الأخذ به.

ص: 55


1- في ( د ) زيادة : « أو يرجع ».
2- في ( ألف ) : « من بلده ».
3- في ( ألف ) : « وجب ».
4- لفظة « الاستصحاب » جاء في ( د ) فقط.

والأحوط استعلام الحال والجري على مقتضاه (1) من وجوب الزكاة وعدمه ومقدار الواجب.

وقد يقال بوجوب الاستعلام بعد العلم بالوجوب والشك في مقدار الواجب أو دفع أعلى المحتملات ؛ تحصيلا لليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال.

نعم ، لو انسد عليه طريق الاستعلام صحّ الرجوع إلى الأصل ، فيأخذ بالأقلّ في وجه قويّ.

وقد يفصّل (2) بين الشك في مقدار ما ملكه من النصاب والعلم به ، والشك في تجدّد الزائد ، فتصح الرجوع إلى الأصل في الثاني دون الأوّل.

وإن كان شكه من جهة الجهل بالحكم وجب الاستعلام ، ولا يجوز له التصرف فيه من دون ظهور الحال ، فلا زكاة فيه قبل علمه بالحكم ؛ لانتفاء تمكّنه من التصرف وإن لم يكن مقصّرا في التأخير.

وإن أجاز له من يحتمل تملّكه في جميع التصرفات جرى فيه ما سبق ، وإن استند إلى تقصيره تعلّق الوجوب به على فرض تملكه له ؛ لحصول الملك وتمكنه من التصرف بالتمكن من الاستعلام.

ثمّ إنّه لو علم بتملكه مقدار النصاب ولم يتعيّن له العين لم يمنع ذلك من تعلّق الوجوب ، كما لا يمنع إشاعة الحق من وجوبها فيه.

ولو اعتقد تملك النصاب من جهة ولو كان الواقع جهة أخرى لا يعلمها لم يمنع ذلك من وجوب الزكاة عليه ، سواء انكشف له الحال بعد ذلك أو لا.

نعم ، لو انكشف له فساد ما اعتقده في أثناء الحول وتراخى منه العلم بالجهة الواقعيّة انقطع الحول ؛ لانتفاء تمكّنه إذن من التصرف.

ولو استند ذلك إلى تقصيره في معرفة الحكم لم يسقط به الوجوب.

ص: 56


1- في ( ألف ) : « مقتضى ».
2- في ( ألف ) : « نفصل ».

هذا مع اتّحاد عين النصاب ، وأمّا مع اختلافها كأن اعتقد تملك أربعين من الشياه ثمّ انكشف له أنّ ما يملكه أربعون اخرى ، فلا زكاة إلّا بعد حلول الحول على الثاني بعد علمه بتملّكه ؛ لانتفاء الملكيّة بالنسبة إلى الأوّل وانتفاء التمكّن من التصرّف بالنظر إلى الثاني.

ص: 57

تبصرة: [ في اشتراط التمكّن ]

اشارة

التمكّن من التصرّف شرط في وجوب الزكاة على المعروف من المذهب بلا خلاف فيه يظهر.

وفي المنتهى (1) : إنّ عليه فتوى علمائنا.

وفي التذكرة (2) : يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك ، وأسباب النقص ثلاثة : منع التصرف ، وتسلط الغير ، وعدم قرار الملك. فلا يجب الزكاة في المغصوب ولا الضالّ ولا المحجور بغير بيّنة ولا المسروق ولا المدفون (3) مع جهل موضوعه عند علمائنا أجمع.

وظاهر عود الإجماع إلى أصل الحكم المتفرّع عليه ما ذكره من نفي الزكاة في الصور المفروضة. ولو قيل بعوده إلى الحكم المذكور في التفريع ففيه أيضا دلالة على المطلق.

وفي المدارك (4) والذخيرة (5) : إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الحدائق (6) : إنّه ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم.

وفي الخلاف (7) نفي الخلاف عن عدم وجوب الزكاة في مال الغائب إذا لم يكن صاحبه (8)

ص: 58


1- منتهى المطلب 1 / 475.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
3- في ( ألف ) : « المديون » ، وما في المتن صحيح بقرينة ما سيجي ء.
4- مدارك الأحكام 5 / 32.
5- ذخيرة المعاد 3 / 422.
6- الحدائق الناضرة 12 / 31.
7- الخلاف 2 / 111.
8- لم ترد في ( ب ) : « متمكّنا ... إذا كان صاحبه ».

متمكّنا منه.

وفي ظاهر كلامه في موضع آخر حكاية إجماع الفرقة على عدم وجوب الزكاة في مال الغائب إذا كان صاحبه ممنوعا منه أو كان مغصوبا (1) لا يرجو إطلاقه.

وفيه أيضا : إن من كان له مال دراهم أو دنانير فغصبت أو سرقت أو جحدت أو غرقت أو دفنها في موضع ثمّ نسيها وحال عليها الحول انّه لا تجب الزكاة فيه (2).

وذكر (3) خلاف العامّة ، ثمّ استدلّ بإجماع الفرقة وأخبارهم.

ولا يبعد أن يكون الوجه في الجميع ونحوه هو انتقاء التمكن من التصرف كما هو المنساق من كلامه ، فيكون (4) هو المناط في نفيه الخلاف ، وما حكاه من الإجماع.

ويومي إليه ببعض كلماته ( في طي مسائل أخر.

واحتجّ ) (5) عليه في الحدائق (6) بما دلّت عليه الروايات من انتفاء الزكاة عن المال الغائب عن مالكه حتّى يقع في يديه وعن الوديعة والدين مما لا يصل (7) إليهما ، فلا زكاة عليه حتّى يأخذهما ويحول عليه الحول بعد ذلك ، وعن المال المدفون إذا ضاع عليه محلّ الدفن ، وعن ميراث الغائب فلا زكاة عليه حتّى يقدم ويحول عليه الحول وهو عنده.

والروايات الدالّة على أنّ ما (8) لم يحل عليه الحول عند برئه (9) فلا شي ء عليه كما سنشير إلى كلّ واحد من المذكورات.

ص: 59


1- في ( د ) : « معقوذا ».
2- في ( د ) زيادة : « عندنا ».
3- أي الشيخ في الخلاف 2 / 31.
4- في ( ألف ) : « فلا يكون ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- الحدائق الناضرة 12 / 21.
7- في ( ألف ) : « ومن الرد لا سبيل » بدل : « وعن الوديعة والذين مما لا يصل ». ولم نجد لها معنى.
8- « أنّ ما » متّصلة في النسخ أي « أنّما ».
9- في ( د ) : « ربه ».

فإنّ المتلخّص من تتبّع تلك الروايات كون التمكن من التصرف شرطا في وجوب الزكاة ، قال : ولا يخفى أنّه وإن كان كلّ واحد من هذه الأخبار أخصّ من المدّعى إلّا أنّه بضمّ بعضها إلى البعض - ممّا ذكرناه وما لم نذكره - يتحصل الحكم المذكور ؛ فإنّ أكثر القواعد الشرعيّة إنّما تحصل من ضمّ الجزئيات بعض إلى بعض مثل القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيّات.

وقد أراد بذلك دفع ما أورده صاحب المدارك (1) في المقام بعد إيراده عدّة من الأخبار من أنها انّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه لا على اعتبار التمكن من التصرف بإطلاقه.

وأنت خبير بأنّ مرجع ما ذكره في دفعه هو التمسّك بالاستقراء الظني ، وهو لا ينهض حجّة في الأحكام عند محقّقي الاصوليين ، فضلا عن الأخباريين.

وتمثيله ذلك بالقواعد النحويّة الثابتة من استقراء الجزئيّات غريب ؛ لابتناء معظم قواعد العربية على الامور الظنيّة.

وأين ذلك من إثبات الأحكام الشرعيّة.

وقد يقال بأنّ مقصوده من ذلك انفهام القاعدة المذكورة من ضمّ بعض الأخبار إلى بعض ، وذلك هو المستفاد عرفا من مجموع تلك الروايات.

وكما أنّ مدلول كلّ واحد واحد من الأخبار حجّة شرعيّة يجب الأخذ بها ، وكذا ما يستفاد من مجموعها وهو متّجه سيّما بعد تأيّده بالإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى الطائفة من غير خلاف يعرف فيه.

وفي المدارك : (2) إنّه يمكن الاستدلال عليه بأنّه لو وجبت النصاب في الزكاة (3) مع عدم التمكّن من التصرف عقلا وشرعا (4) لوجب الإخراج عن (5) غير العين ، وهو باطل (6) ؛ إذ الزكاة

ص: 60


1- مدارك الأحكام 5 / 31.
2- مدارك الأحكام 5 / 33.
3- في ( د ) : « لو وجبت الزكاة في النصاب ».
4- في ( د ) : « أو شرعا ».
5- في ( د ) : « من ».
6- في ( ألف ) : « بطل » بدلا من : « وهو باطل ».

إنّما يجب في العين ، ثمّ أورد عليه بأنّه إنّما يقتضي اعتبار التمكّن من التصرف وقت الوجوب لا توقّف جريانه في الحول عليه. قال : والمسألة محلّ إشكال.

وللنظر فيها مجال.

ويمكن المناقشة فيما ذكره بما قد يقال من أن المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب أن ما هو مانع من وجوب الزكاة حال حلول الحول مانع من جريانه في الحول أيضا.

ويمكن الإيراد عليه بوجه آخر : نظرا إلى الفرق بين تعلّق الزكاة بالمال ووجوب الإخراج عنه ، والمتوقف على التمكّن من التصرف إنما هو الثاني دون الأوّل ، فأيّ مانع من تعلّق الزكاة ووجوب الإخراج عنه (1) بالعين حال عدم التمكّن منه؟ فيجب عليه الإخراج مع المكنة ولو بعد مدّة أو جاز (2) استقلال الحاكم أو العامل بالأخذ عند التسلط عليه.

نعم ، لو ثبت المنع الشرعي من التصرف فيه مطلقا صحّ ذلك ، وهو إنّما يحصل في بعض الفروض. كيف وقد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال النائم والغافل حين تعلّق الوجوب مع أنّه غير مأمور حينئذ بالإخراج.

فالأولى الاحتجاج بما قدّمناه.

ثمّ إنّ المراد بالتمكّن من التصرف في المقام يعمّ التمكّن الشرعي والعادي ، والتمكّن من التصرّف في العين والمنافع بالجملة ، كما هو ظاهر من ملاحظة ما فرّعوا عليه ، لكن لا يعتبر فيه التمكّن من جميع التصرّفات.

وكأنّ المدار فيه على صدق العرف بعد قيام الدليل على اعتباره ؛ إذ لا تحديد له الشرع.

ولا يبعد البناء في محلّ الشك على الأخذ بالإطلاقات حتى يتبيّن وجود المانع.

وقد يبنى فيه على أصالة البراءة من جهة الشك في وجود الشرط القاضي بالشك في

ص: 61


1- ليس في ( د ) : « ووجوب الإخراج عنه ».
2- في ( ألف ) : « جار ».

حصول المشروط.

وهو ضعيف

[ مسائل ]

ثمّ إنّ المسائل المتفرعة على اعتبار الشرط المذكور كثيرة لا بأس بالإشارة إلى جملة منها :

ومنها (1) : أنّه لا زكاة في المغصوب.

وعليه الإجماع في التذكرة (2) كما مرّ.

وفي المنتهى (3) : إنّ عليه فتوى علمائنا. وقد مرّ ما في الخلاف من الإجماع على عدم ثبوت الزكاة في المال الغائب أو ما كان ممنوعا منه.

وفي الذخيرة (4) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ثمّ إنّ قضيّة القاعدة المتقدّمة وظاهر كلام الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول أو ما لا يعتبر فيه. والعبرة في الثاني بحال تعلّق الوجوب ، فسبق الغصبيّة وتأخرها لا يمنع من الوجوب قطعا.

وقد نبّه على التعميم المذكور في المسالك (5) ، واستشكل فيه في المدارك (6) ، وتبعه صاحب الذخيرة ؛ لعدم وضوح مأخذه نظرا إلى اختصاص الأدلّة بما يعتبر فيه الحول.

وأراد بذلك ما دلّ عليه من الأخبار كصحيحة عبد اللّه بن سنان : « ولا على المال الغائب

ص: 62


1- كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها ».
2- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
3- منتهى المطلب 1 / 475.
4- الذخيرة 3 / 424.
5- مسالك الإفهام 1 / 362.
6- مدارك الأحكام 5 / 34.

عنك حتى يقع في يديك » (1).

ومرسلة ابن بكير : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعام واحد » (2).

ويدفعه بعد ما عرفت من القاعدة والإجماعات المحكيّة أنّهما لا يقولان بوجوب الزكاة فيه في وقت الوجوب ، وإنّما يحكمان بوجوبها عند ارتفاع الغصب ، وهو غير متّجه.

أو مع عدم ثبوت حق الفقراء فيه حال تعلّق الوجوب لا دليل على ثبوتها فيه بعد ذلك ؛ إذ ظاهر الإطلاقات الواردة هو تعلّق الوجوب من أوّل الأمر ، فإذا التزم بتقييد تلك الأدلّة باعتبار انتفاء التمكّن من التصرّف في النصاب في تلك الحال قضى الاستصحاب بعدم تعلّق الوجوب بعد ذلك.

وشمول الإطلاقات لما بعد ذلك غير معلوم.

مضافا إلى أنّه قد يخرج النصاب عن ملكه ببيعه على الغاصب أو على من يقدر على استنقاذه ، فلا يبقى النصاب ليتعلق به الزكاة.

وكذا الحال لو تلفه الغاصب.

والتفصيل بين ما إذا بقي عين النصاب وعدمه بعيد جدا.

ولو وقع الغصب في أثناء الحول استأنف الحول من حين ارتفاعه ، ولا فرق بين طول زمان الغصب وقصره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي كونه متمكّنا من التصرّف فيه عرفا.

ولو أمكنه استنقاذ المغصوب ببذل بعضه للغاصب أو لغيره فهل تثبت الزكاة في الباقي نظرا إلى تمكّنه من التصرف فيه لقدرته على استخلاصه الذي هو مقدمة لذلك ، وكذا لو أمكنه ذلك البذل من غيره مع عدم استيفائه لقيمته؟ وجهان.

وفي المدارك (3) تبعا لما في الروضة : وإنّما يسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا تمكن تخليصه

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 2.
2- تهذيب الأحكام 4 / 31 / باب زكاة مال الغائب ح 1.
3- مدارك الأحكام 5 / 34.

ولو ببعضه ، فيجب فيما زاد على الفداء.

وتبعه في الذخيرة (1).

ويستشكل بصدق الغصب وعدم التمكّن من التصرّف قبل البذل.

وبمجرّد كونه قادرا على تحصيل التمكّن لا يعدّ متمكّنا منه في العرف.

كيف ، ولو وجبت الزكاة في المقام لوجب عليه بذل الفداء أو ضمان الزكاة ولو من مال آخر ، وكلّ منها تكليف زائد منفيّ بالأصل.

وظاهر الشرع يأبى عن إلزام المالك بمثله ، والبناء على استحقاق الفقير فيه حينئذ من غير وجوب الدفع على المالك مخالف لما مرّت الإشارة إليه من بنائه على كونها حكما تكليفيا وجعل الحكم الوضعي تابعا لذلك ؛ إذ قضيّة ذلك عدم استحقاق الفقير مع سقوط التكليف عن المالك.

وتنظّر الشهيد في البيان (2) في إجرائه مجرى التمكّن.

وعلى ما ذكروه فالظاهر اعتبار بلوغ الثاني حدّ النصاب.

ولو كان الاستنقاذ من غيره فهل يلاحظ النصاب بعد إخراج ما يقابله أو يخرج الزكاة من تمام المال؟ وجهان ؛ أجودهما الأوّل.

وإن توقف استنقاذه على بذل الوجه عند الغاصب أو غيره ، فإن اشتمل على غضاضة لا يتحمل مثله مثلها في العادة لم يبعد السقوط ، وإلّا فإن أمكن ذلك بسهولة من غير طول مدّة احتمل بقاء التمكّن.

ولو أمكنه الاسترداد (3) في الحال بمدافعة الغاصب كان تمكّنا من المال إن لم يتوقف على حرج أو بذل مال. ولو توقف المدافعة على زمان طويل فالظاهر انقطاع الحول وأمكنه التوصّل إلى الحاكم في الاسترداد ففي كونه تمكنا من المال وجهان.

ص: 64


1- ذخيرة المعاد 1 / 424.
2- البيان : 167.
3- في ( د ) : « استراد ».

وقد يفصّل بين ما إذا تمكّن منه من دون عسر ومشقّة ومضى مدّة طويلة إذا (1) توقف على أحد الأمرين.

وفصّل في البيان (2) بين ما إذا كان الحاكم جائرا أو عادلا فانتظر (3) في صدق التمكّن في الأوّل وقطع به في الثاني.

ويشكل فيما إذا توقّف على المرافعة وإقامة البيّنة عنده وتزكية الشهود وبذل المال في تحصيل تلك المقدمات والحلف ؛ إذ (4) صدق التمكّن عرفا مع الحاجة إلى جميع ذلك بعيد جدا.

ومنها : المال المحجور (5). وقد مرّ حكاية الإجماع عليه عن التذكرة (6) والخلاف في الدرهم والدنانير.

وأسنده في المنتهى (7) أيضا إلى علمائنا إلّا أنّه قيّده في التذكرة (8) بصورة انتفاء البيّنة.

وربّما يومي ذلك بثبوت الزكاة فيه مع وجودها (9). وهو على إطلاقه مشكل سيّما إذا توقف الإثبات إلى مضيّ زمان يعتدّ به.

ولو توقّف على الحلف كما إذا كانت الدعوى على الميّت أو كان هناك شاهد واحد أو لم يكن هناك بيّنة لكن ردّ المدعى عليه (10) الحلف ففي جري الحكم إشكال.

وكأنّ الأظهر في جميع ذلك عدم حصول التمكّن منه بالفعل كما يشهد به التأمّل في العرف إذا قضى ما يلزم من ذلك القدرة على تحصيل التمكن من التصرف.

ص: 65


1- في ( د ) : « وما إذا ».
2- البيان : 167.
3- في ( ألف ) : « لانتظر ».
4- في ( ألف ) : « إذا ».
5- كذا ، والظاهر : « المجحود ».
6- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
7- منتهى المطلب 1 / 476.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
9- في ( ألف ) : « وجوبها ».
10- في ( د ) : « المدعى عليه عليه ».

والفرق بينه وبين نفس التمكّن من التصرّف المعتبر في المقام ظاهر ، والمعتبر هو صدق التمكّن من التصرّف فيه في الحال الحاضر بحسب العرف ، فإن عدّ غير متمكّن منه في الحال انتفى الحكم ، وإن حصل له التمكّن منه بعد ذلك فإنّه يستأنف الحول عند حصوله.

ولا فرق في الجحد بين أن يكون على جهة العصيان وعدمه بأن يكون مستندا إلى جهة شرعيّة موجبة لجوازه ومع علمه بالحال ، أو حجّة قائمة باعثة على اشتباهه.

ولو تمكّن المالك على انتزاعه منه قهرا ولو مع تمسّك الجاحد بحجّة شرعيّة كان تمكّنا من المال ، وإن لم يكن هناك بيّنة إلّا أن يكون هناك غضاضة عرفية أو تعريض للتهمة أو خوف على ماله ، ولو أمكن تخليصه ببذل المال جرى فيه ما تقدّم في المغصوب.

ومنها : الضالّ ، وفي معناها المدفون مع ضياعه محل الدفن.

وقد دلّ عليه خصوص إجماع التذكرة (1). ونفى عنه الخلاف في الخلاف في الدراهم والدنانير.

واسنده في المنتهى (2) إلى علمائنا.

ويدلّ على خصوص الأخير حسنة سدير ، عن الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أن المال فيه مدفون ، فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثمّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه ، فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال : « يزكّيه لسنة واحدة لأنّه كان غائبا عنه ، وإن كان احتسبه » (3).

والتعليل يعمّ الضالّ والمسروق وغيرهما من وجوه الغياب عن المالك.

ولا فرق بين ما يرجى عوده والعثور عليه وغيره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي صدق التمكّن منه بحسب العادة ، ولا بين أن يصل تمام النصاب أو بعضه ، ولا بين عوده إليه بعد ذلك

ص: 66


1- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
2- منتهى المطلب 1 / 475.
3- الكافي 3 / 519 ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح 1.

وعدمه فيستأنف الحول بعد العود.

وفي المبسوط (1) : من كانت عنده أربعون شاة فضلّت واحدة ثمّ عادت قبل حول الحول أو بعده وجبت عليه شاة لأنّ النصاب والملك وحول الحول قد حصل فيه ، فان لم تعد إليه أصلا فقد انقطع الحول.

والتعليل كما ترى سيّما إذا كان عوده بعد حلول الحول ولذا (2) رجع منه أخيرا حيث قال بعد ذلك : ولو قلنا إنّها حين ضلّت (3) انقطع الحول ؛ لأنّه لم يتمكّن من التصرّف فيه مثل مال الغائب كان قويّا.

هذا هو المتّجه ، وقد نصّ عليه في المنتهى (4) تفريعا على اعتبار التمكّن من التصرّف أنّه لا زكاة في الموروث عن غائب حتّى يصل إلى الوارث أو وكيله.

وأسنده إلى علمائنا.

وقد دلّ عليه بعد ذلك عدّة من النصوص :

منها : الصحيح : « لا صدقة على الدين ، وعلى المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك » (5).

ومنها : الموثق : عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو؟ ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال : « يعزل حتى يجي ء ». قلت : فعلى ماله زكاة؟ فقال : « لا حتى يجي ء » قلت : فإذا هو جاء أيزكّيه؟ فقال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (6).

ومنها : الخبر عن رجل ورث مالا والرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال : « لا حتّى

ص: 67


1- المبسوط 1 / 203.
2- في ( ألف ) : « وإذا ».
3- في ( ألف ) : « شكّ ».
4- منتهى المطلب 1 / 475.
5- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 3.
6- الكافي 3 / 524 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 1.

يقدم ». قلت : أيزكّيه حين يقدم؟ قال : « لا حتّى يحول عليه الحول وهو عنده » (1).

وإطلاق هذه الأخبار وإن أفاد انتفاء الزكاة عن المال الغائب إلى أن يصل إلى المالك سواء قدر على أخذه والتصرف فيه أو لا ، فيكون المناط عدم كونه مقبوضا له وواصلا إليه دون عدم قدرته عليه.

إلّا أنّ في بعض أخبار الباب تقييد (2) ذلك بعدم قدرته عليه : ففي الموثق ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن زرارة ، عن الصادق عليه السلام : أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « لا زكاة عليه حتّى يخرج عليه ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (3).

فلا بد إذن من حمل غيره من المطلقات كالأخبار المتقدمة وما دلّ على أنّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء فيه على ذلك.

مضافا إلى اعتضاده بسائر عمومات الزكاة ، وظاهر فتوى الأصحاب بلا خلاف ظاهر بينهم سوى ما يوجد في كلام بعض المتأخرين من نفي البعد عن عدم وجوب الزكاة في مال الغائب مطلقا ؛ لتقييدهم الحكم بعدم وجوب الزكاة في المال الغائب بما إذا لم يقدر عليه ، أو تفريعهم ذلك على اشتراط إمكان التصرّف كما هو ظاهر من تتّبع كلماتهم ، وما يوجد في كلام بعضهم من إطلاق سقوط الزكاة عن المال الغائب إذا لم يكن في الوكيل أو الولي محمول على الغاصب من عدم حصول إمكان التصرّف حينئذ.

كيف ، وتفريع ذلك على اعتبار التمكّن من التصرّف كما في الشرائع (4) وغيره من أقوى الشواهد عليه.

وفي الخلاف : إن المال الغائب إذا كان متمكّنا منه يلزمه الزكاة بلا خلاف بينهم.

ص: 68


1- الكافي 3 / 527 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 5.
2- في ( ألف ) : « تقييده ».
3- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 1.
4- شرائع الإسلام 1 / 107.

وفي الرياض (1) : إنّه لا خلاف فيه.

في المدارك (2) : إنّ عبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان صاحبه متمكّنا منه.

فما ذكره العلامة المجلسي من أنّ عبارات الأصحاب لا تخلو عن تشويش في ذلك.

وظاهر كلام أكثرهم عدم وجوب الزكاة إلّا (3) إذا كان في يده أو يد وكيله كما ترى.

ولو لا مخافة الإطناب لذكرنا جملة وافية من عبائرهم في المقام ليتّضح به حقيقة المرام إلّا أنّ فيما أشرنا إليه كفاية.

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا عبرة بمجرّد الغياب وعدم الوصول إلى المالك مع قطع النظر عن عدم إمكان التصرف ، ولا لعدم علم المالك به أو ببقائه وإلّا لجرى في كلّ موضع لم يعلم ببقاء المال.

كيف والاستصحاب حجة شرعية لا مدافع له في المقام.

نعم ، لو كان الجهل بانتقال المال إليه مانعا من التمكّن من التصرف فيه قضي بانتفاء الزكاة من تلك الجهة ولو كان المال في يده ، كما لو سرق مال أبيه فانتقل إليه بالميراث من غير علمه بالحال.

ولو كان وكيلا (4) عن أبيه احتمل ثبوت الزكاة فيه ؛ لدورانه بين كونه وكيلا أو مالكا.

وعلى الوجهين يثبت الزكاة فيه.

والأظهر عدم الوجوب لعدم تمكّنه من التصرّف فيه على سبيل الاستقلال.

ص: 69


1- رياض المسائل 5 / 45.
2- مدارك الأحكام 5 / 35.
3- لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».
4- في ( ألف ) : « وكيل ».
[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : أنّه لا فرق في قدرته على التصرّف في الغياب بين قدرته عليه بنفسه أو بوكيله. وهل قدرة الوكيل على التصرّف كاف في تحقّق قدرته ولو تسامح الوكيل في قبضه أو التصرّف فيه؟ وجهان ؛ من أنّ الوكيل بمنزلة الموكّل ، وأنّ المفروض عدم قدرة الموكّل بنفسه وعدم إتيان الوكيل بما وكّل فيه ، فهو غير متمكّن منه بالذات ولو بالواسطة لإباء عن ذلك.

ثانيها : أنّه لو (1) لم يتمكّن من التصرّف في المال الغائب إلّا بعد مدّة نظرا إلى طول المسافة فلا زكاة ؛ لانتفاء قدرته على التصرّف في الحال ، فلا يندرج في الحول ( فإن تسامح في الوصول اليه أو بعث وكيلا بقبضه فتأخر لذلك قدرته على التصرف ضه لم يندرج في الحول ) (2) نظرا إلى القدرة المتقدّمة لارتفاعها بالتأخير ، فغاية الأمر استناد انتفاء القدرة إلى اختياره ، وهو لا يقضي بتنزيله منزلة التمكّن والاختيار.

كيف ، وكثير من صور انتفاء القدرة إنّما يكون المالك هو الباعث عليه على سبيل الاختيار كالارتهان والنذر وغيرهما.

ومنه يظهر الوجه في إطلاق الخبرين الواردين في ميراث الغائب مع أن للغائب (3) إمكان التعجيل في المجي ء أو بعث وكيل للقبض.

ثالثها : لو كان المال الغائب عند وكيله كان بمنزلة كونه عنده ، فتمكّن الوكيل حينئذ من التصرف فيه كتمكّنه منه سواء تصرّف فيه أو لا ، وهذا بخلاف ما لو قدر الوكيل على قبضه أو التصرّف فيه من غير أن يكون في يده كما مرّ.

وأمّا لو كان عند المستعير (4) والودعي مع عدم تمكّنه من الاسترداد منهما فالظاهر عدم

ص: 70


1- لفظة « لو » لم توجد في ( ألف ).
2- ما بين الهلالين أورجت في المتن من نسخة ( د ).
3- في ( د ) : « الغائب ».
4- في ( د ) : « أو ».

جريان الحكم ، وكذا الحال في المستأجر والأجير ونحوهما (1).

أو كون الودعي في الحقيقة وكيلا عنه في الحفظ وكون المال أمانة من قبله عند المذكورين لا يقضي بوجوب الزكاة ؛ إذ لا يعدّ بمجرد ذلك متمكّنا من التصرف فيه. والفرق بين هؤلاء وبين الوكيل ظاهر ؛ لاستنابته له في التصرفات بخلاف غيره.

وفي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متى يجب الزكاة؟ قال : « إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي » (2).

رابعها : لو مضى على المال الغائب سنون لا يتمكّن من التصرّف فيه ثمّ عاد إليه استحبت زكاته لسنة واحدة على المعروف من المذهب.

وفي المنتهى (3) : لو عاد المغصوب أو الضالّ إلى ربّه استحبّ أن يزكّيه لسنة واحدة (4).

وذهب إليه علماؤنا. وفي التذكره (5) : في المغصوب إذا عاد إليه انّه يزكيه لحول واحد. وهو على الاستحباب عندنا ، وذكر الخلاف فيه عن العامّة.

وظاهر هاتين العبارتين يومي إلى الإجماع عليه.

وفي المدارك (6) بعد ما ذكر ما أفتى به المحقّق من استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا مضى على المفقود (7) أو الضالّ سنون ثمّ عاد إلى مالكه : إنّ ذلك مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

وفي النهاية (8) : وإن لم يكن متمكنا وغاب سنين ثمّ حصل عنده زكّاه لسنة واحدة. وظاهره يعطي الوجوب.

ص: 71


1- كذا ، والظهر : « و ».
2- تهذيب الأحكام 4 / 34 باب 9 ح 12.
3- منتهى المطلب 1 / 475.
4- ليس في ( د ) : « واو ».
5- تذكرة الفقهاء 5 / 19.
6- مدارك الاحكام 5 / 38.
7- كذا ، والظاهر : « المغصوب ».
8- النهاية : 176.

وعن ظاهر بعض فضلاء متأخّري المتأخرين القول به ؛ لظاهر الأمر الوارد في الأخبار.

وفي الحدائق (1) : إنه أحوط.

وأنت خبير بأنّ القول بوجوب ذلك موهون جدّا ؛ لما عرفت من الدليل القائم على اعتبار التمكّن من التصرف في النصاب سيّما بالنسبة إلى المال الغائب.

وتنزيل (2) عبارة الشيخ على إرادة الاستحباب قريب جدا. ويومي إليه إطلاقه عقيب ما ذكر الحكم بسقوط الزكاة من المال الغائب الموروث إذا لم يصل إلى الوارث إلّا بعد مضيّ حول أو أحوال. وهل يعتبر في ثبوت الاستحباب في المقام مضي سنين على المال؟ فظاهر الوسيلة والسرائر (3) والشرائع (4) والنافع والإرشاد ونهاية الإحكام ذلك.

وأطلق في المعتبر (5) والتحرير (6) استحباب زكاته لسنة واحدة إذا عاد إليه من غير تقييد بمضي الأعوام.

هو قضية إطلاق العبارة المتقدمة عن المنتهى (7) ، وكذا عن التذكره (8). إلّا أنّه ذكر فيه أيضا أنّه لو مضى على المفقود سنون ثمّ عاد زكّاه لسنة استحبابا.

وفي المدارك (9) : وأطلق العلّامة في المنتهى استحباب تزكية المغصوب والضالّ مع العود لسنة واحدة ، ولا بأس به.

وظاهر كلامه كغيره ممّن أطلق إطلاق الاستحباب ولو مضى عليه سنة واحدة.

ص: 72


1- الحدائق الناضرة 12 / 21.
2- لم ترد في ( ب ) : « وتنزيل .. المال الغائب ».
3- السرائر 1 / 443.
4- شرائع الإسلام 1 / 107.
5- المعتبر 2 / 491.
6- تحرير الأحكام 1 / 350.
7- منتهى المطلب 1 / 475.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 20.
9- مدارك الأحكام 5 / 37.

ونصّ في البيان باستحباب تزكية المال الغائب إذا مضى عليه سنتان فصاعدا ، وقد يحمل عليه عبائر المطلقين.

والأظهر الاقتصار على ما إذا مضت عليه أعوام ؛ إذ هو المفروض في حسنة سدير.

والمستفاد من موثقة زرارة ومرسلة ابن بكير كما يومي إليه قوله عليه السلام في (1) ذيل الرواية (2) : « فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (3) » ؛ لكشفه عن فرض الحكم الأوّل في تلك الصورة أيضا.

والوجه في الإطلاق ظاهر ما يتراءى من إطلاق هاتين الروايتين.

وقد عرفت ما فيه ، مضافا إلى أنّ المستفاد من سياقهما زيادة القدر الماضي على العام الواحد ، وكأنّه الوجه في اعتبار عدم قصور الماضي عن السنتين.

وفيه أيضا ما عرفت.

ثمّ إن الحكم المذكور ثابت في المال الغائب عن صاحبه ممّا لا يتمكّن منه مطلقا ، فيندرج فيه الضالّ أيضا والمفقود والمجحود والمدفون والمغصوب.

وأمّا المغصوب الّذي لم يغب عنه المحجور عليه من التصرّف فيه من قبل الظالم بغير أخذه منه ، ففي إجراء الحكم فيه إشكال.

وقضية الأصل عدمه.

خامسها : أنّك قد عرفت وجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان بيد وكيله لكونها بمنزلة يده. ولا فرق حينئذ بين ما إذا كان وكيلا مطلقا يفعل به ما شاء أو وكيلا في صرفه في مصرف مخصوص.

وقد يتوهم أنّ تعيين المصرف قاض بنقص سلطان الوكيل ، والمفروض عدم وصول الموكّل إليه ، فلا يكون المالك متمكّنا من التصرف فيه لا بنفسه ولا بوكيله :

ص: 73


1- لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».
2- لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».
3- الإستبصار 2 / 28 ، باب المال الغائب والدين إذا رجع إلى صاحبه هل يجب عليه الزكاة أم لا ، ح 3.

أما الأوّل فلأنّه المفروض ، وأما الثاني فلانحصار تصرّفه في أمر مخصوص.

وبمجرّد ذلك لا يعدّ متمكّنا من التصرّف حسبما ذكروه في مال المفلس والمنذور به للصدقة.

ويدفعه : أنّ المرجع في صدق التمكّن من التصرّف إلى العرف ، وهو حاصل في المقام.

ومنه يعرف أنّه لو حجر الظالم على المالك من التصرف إلّا على وجه خاص ليس فيه تضييع لماله ولا إضرار به لم يكن ذلك باعثا على ارتفاع تمكّنه من المال.

وكذا لو عيّن الشارع صرفه في مصرف خاص كأداء الدين وصرفه في نفقة من يجب الإنفاق عليه ونحو ذلك.

والفرق بين ذلك ومال المفلس والمنذور به للصدقة ظاهر ، ويأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّه يجري الحكم ما دام الوكيل باقيا على وكالته ، فلو عزله جرى الحكم قبل بلوغ الخبر إليه.

وأما لو عزل نفسه من دون بلوغه إلى الموكّل احتمل سقوط الزكاة لانفساخ الوكالة بذلك وعدمه ؛ بناء على القول بجواز تصرفه من جهة الإذن.

ويجري الاحتمال المذكور في كلّ موضع قلنا فيه ببطلان الوكالة وبقاء الإذن.

ويجري حكم الوكيل في ولي السفيه من حاكم وأمينه وعدول المسلمين ؛ بناء على وجوب الزكاة في ماله كما هو الظاهر.

ولا يجري في وليّ الغاصب وإن كان حاكما ؛ إذ ليس ذلك ولاية على الحقيقة.

وإطلاقات الروايات المتقدمة قاضية بسقوط الزكاة عن مال الغائب ولو كان في يد الحاكم أو أمينه.

ثمّ إن المأمور بإخراج الزكاة هو المالك دون الوكيل إلّا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا عموما أو خصوصا.

وبعد حلول وقت الوجوب بمقتضى الأصل بطلان الوكالة بالنسبة إلى حقّ الزكاة ؛

ص: 74

لتعلّقها بالعين.

ولو دفعها المالك أو الوكيل من عنده ففي بقاء الوكالة بالنسبة إلى حصّة الزكاة أو لزوم تجدّدها (1) بالنسبة إليها وجهان.

ص: 75


1- في ( د ) : « تجديدها ».

تبصرة: [ فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر ]

اشارة

إذا ملك نصابا وكانت ملكيته في عرضة الزوال - لاحتمال الطواري المزيلة لها كتملّك العين الموهوبة لجواز رجوع الواهب فيها ، وتملّك الأجرة لإمكان زوال العين المستأجر كلّا أو بعضا ، وتملّك الصداق المعرض للسقوط كلّا أو بعضا بطروّ الفسخ قبل الدخول أو الطلاق - لم يمنع ذلك من وجوب الزكاة (1) مع انكشاف بقائها عند تعلّق الوجوب.

نعم ، استشكل في المنتهى (2) في وجوب الزكاة على المرأة في الصداق إذا أقبضه وحال عليه الحول ثمّ انفسخ النكاح لعيب ، لكنّه استقرب الوجوب.

وفي التحرير (3) : إن الأقرب الوجوب بعد الحول. وفيه اشارة إلى ذلك.

وقضية ما ذكره جريان الإشكال في نظائره أيضا لكنّه إشكال ضعيف.

كيف ، ولو كان احتمال الزوال كافيا في ذلك لجرى في احتمال التلف سيّما مع حصول المظنّة كما إذا كان النصاب في موضع الحظر.

وحينئذ فإن لم ينفسخ الملكيّة فلا كلام ، وكذا مع انفساخها قبل تعلّق الوجوب ، وإن كان بعده قبل الدفع لم يزاحم ذلك وجوب الزكاة.

وليس للآخر إلزامه بإخراج الزكاة من غيره ليسلم له العين لما تقرّر من تعلّق الزكاة بالعين وضمانه لها مع بقاء عينها إنّما يكون باختياره.

ص: 76


1- في ( د ) زيادة : « بل لا خلاف فيه ظاهرا ؛ لحصول الملكية لحصول سببها ، واحتمال زوالها لا يمنع من وجوب الزكاة ».
2- منتهى المطلب 1 / 476.
3- تحرير الأحكام 1 / 351.

نعم ، لو كان بحيث يجب عليه تخليص العين للآخر بعد الانفساخ مع الإمكان.

كأن شرطه (1) عليه ذلك في ضمن عقد لازم وجب عليه ذلك ، وحينئذ فلو دفع العين في الزكاة احتمل فساد الدفع من جهة النهي.

وذلك ظاهر فيما لا يكون الدفع إليه مبنيّا على الضمان كما في الهبة ، ولا يلتزم بعد رجوع الواهب بالدفع من غيره ليخلص له العين قطعا ؛ وأمّا في العقود المبنيّة على الضمان كالبيع والإجارة والنكاح مع طروّ الفسخ (2) والانفساخ فالظاهر أيضا ذلك ؛ نظرا إلى قضاء الفسخ أو الانفساخ بالرجوع إلى العين مع الامكان. وحيث إنّ المفروض انتقالها عن الآخر لتعلق الزكاة بالعين على نحو الشركة حسبما سيجي ء الكلام فيه لا يمكنه الرجوع إليها.

وتمكّن الآخر من تخليصها بدفع الزكاة من غيرها غير مفيد في المقام ؛ إذ هو إنّما يثمر لو قام دليل على وجوب التخليص عليه ، ولا مستند له سوى ما قد يقال من بناء الدفع إليه على الضمان ، ومقتضاه وجوب دفع العين بعد الانفساخ مع الإمكان ، ثمّ دفع عوضه من المثل أو القيمة ، فإذا فرض تمكّنه من تخليص العين قضى ذلك بوجوبه عليه من باب المقدّمة.

ويدفعه أنّ قضيّة انفساخ المعاملة رجوع كلّ من العوضين إلى مالكه مع إمكانه أو بدله مع امتناعه ، فينتقل الحق إلى ذمة الآخر ، والمفروض (3) امتناع الرجوع إلى نفس العين قبل الضمان لحصول المانع ، فلا بدّ من انتقال عوضه إليه في ذمة الآخر. وحينئذ فبعد تملكه لبدله في الذمة لا مقتضى لوجوب دفع العين.

نعم ، لو انفسخ بعد ضمانه للزكاة أو انتقاله إليه ثانيا بعد دفعه في الزكاة احتمل قويا تعين دفع العين لارتفاع المانع مع احتمال عدمه لقضاء الفسخ بإزالة الانتقال الحاصل بالعقد المفسوخ دون غيره ، والمفروض كون الانتقال المذكور حاصلا بسبب آخر.

وكأنّ هذا هو الأظهر.

ص: 77


1- في ( د ) : « شرط عليه ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- لم ترد في ( ب ) : « والمفروض .. ذمّة الآخر ».

ولو انتقل إليه العين بالضمان أو غيره بعد الانفساخ وقبل دفع العوض ففي وجوب دفعه أيضا وجهان ؛ من قضاء الاستصحاب بوجوب دفع البدل ، ومن أنّه إنّما وجب دفع البدل لحصول المانع في المبدل ، فإذا ارتفع المانع لزم دفعه.

وفيه : أنّ القدر الثابت هو وجوب دفع العين لو كانت منتقلة إليه بالانتقال الأوّل ، وأمّا (1) انتقاله إليه بوجه آخر فلا دليل على وجوب دفعه.

فعلى هذا لو أراد دفع العين إليه فهل له الإباء عنه والمطالبة بالعوض ؛ نظرا (2) إلى أنّه حقّه ، أو يلزمه القبول (3) ؛ إذ هو عين ماله وإنّما يستحقّ المثل أو القيمة عوضا عنه فإذا بذله له لم يكن له الامتناع منه؟ وكأنه الأوجه.

ثمّ بناء على لزوم دفع العين في المقام يقوم احتمال مطالبته لها لو انتقلت إليه بعد دفع العوض من المثل أو القيمة بناء على أنّه إنّما كان ذلك من جهة قيام المانع من الرجوع في العين ، فإذا خلص له ذلك رجع إلى عينه.

وهو (4) نظير ما لو ضاعت العين المغصوبة فيرجع المالك إلى عوضها ثمّ وجدها الغاصب ، فإنّه لا يستحقّها بدفع العوض ، بل يرجعها إلى مالكها ويسترجع ما بذله من العوض.

ولا يخفى ما فيه.

والفرق بينه وبين العين المغصوبة ظاهر.

وأمّا (5) إذا كان الفسخ أو الانفساخ بعد الدفع ، فإن لم يكن الانتقال إليه من الضمان كما في الهبة فلا ضمان للمدفوع قطعا ، وإنّما له الرجوع في الباقي كما هو الحال في إتلاف بعض العين الموهوبة.

ص: 78


1- في ( د ) زيادة : « مع ».
2- في ( د ) : « القول ».
3- في ( د ) : « نظر أنّه ».
4- في ( د ) : « فهو ».
5- في ( ألف ). « ولها ».

وفي التحرير : الأقرب أن الموهوب لا يضمنه.

وفيه دلالة على قيام احتمال الضمان ، ولم يعلم الوجه فيه وإن كان مبنيّا على الضمان كما في البيع والإجارة والنكاح ونحوها ، فاللّازم الرجوع إلى المثل أو القيمة لتعذر العين.

وربّما يتخيّل في المقام أيضا وجوب التخليص أيضا مع إمكانه ؛ نظرا إلى ما مرّ.

ولا يخفى بعده. وليس للمالك تتبع العين ؛ إذ المفروض صحّة الدفع.

هذا ، ولو اختص الانفساخ ببعض النصاب فإن كان بعد الدفع جرى ما ذكرناه فيما يخصه من الحصة لإشاعة الحصّة المنفسخة من الموجود ؛ حملا له على الوجه الصحيح ، فلو رجع الواهب في نصف ما وهبه مع (1) تلف النصف انصرف إلى النصف الباقي.

وفيه إشكال.

نعم ، لو علم الواهب بالتلف قوي القول به ، وكذا لو طلب منه ردّ نصف ما أعطاه. أما لو رجع في النصف المشاع ممّا وهبه مع عدم علمه بتلف شي ء منه أو غفلته عنه ، فالأظهر فيه ما قدّمناه ، وإن كان قبل الدفع احتمل فيه أيضا ما ذكرناه ؛ أخذا بظاهر الإشاعة.

ويمكن القول بانصرافه إلى غير حصة الزكاة فيأخذ الحصة المنفسخة كمّلا من عين الباقي ؛ إذ لا تدافع بين الحقين مع إشاعتهما ووفاء الكلّ بهما ، فلا داعى إلى التقسيط ، فلو تلف نصف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن عند البائع استحق المشتري نصف عين الثمن ، وكان عليه إخراج الزكاة من النصف الباقي ؛ لما عرفت من كونهما حقّين وردا على المال مع وفائه بهما. مضافا إلى أنّ قضية الانفساخ هو الرجوع إلى العين.

وإنّما يرجع إلى المثل أو القيمة مع تعذر الرجوع إلى العين ، وهو غير حاصل في المقام.

وأيضا انتقال الحق إلى الذمة غير معلوم ، وقضية الأصل عدمه.

فظهر بما قرّرناه قوة الوجه الأخير.

وقد أشار الأصحاب إلى بعض جزئيات المسألة :

ص: 79


1- لم ترد في ( ب ) : « وهبه مع ... ردّ نصف ».

منها : ما إذا طلّق زوجته قبل الدخول وكان المهر عينا خارجية من أحد النصب الزكويّة وقد اختلفوا فيه ، فذهب الشيخ في المبسوط (1) والمحقق في المعتبر وظاهر الجامع (2) والعلّامة في المنتهى (3) والتحرير (4) والقواعد (5) إلى رجوعه إليها حين النصف كمّلا من غير أن يخرج منه شي ء بإزاء الزكاة ليرجع على الزوجة بعوضه من مثله وقيمته.

وحكم بذلك في التذكرة أيضا إلّا أنّه قال بعد ذلك : إنّ الوجه عندي الرجوع في نصف الموجود والمطالبة بعوض الزكاة من المثل أو القيمة.

وظاهر كلامه فرض الحكم في صورة إخراج الزكاة قبل وقوع الطلاق. وقد وافقه في ذلك الشهيد في البيان (6) حيث إنّه نصّ على أن الأقوى حينئذ أخذ الزوج بنصف الباقي ونصف قيمة المخرج. قال : وإن طلّق قبل الإخراج احتمل أن لها الإخراج من العين ، وتضمن للزوج. وما قواه من عدم انحصار حق الزوج حينئذ في الباقي بل له نصف الباقي عوض نصف المخرج هو الأقوى أخذا بقضية إشاعة حقه في نصف ما وقع العقد عليه ، فيكون الباقي لهما والذاهب (7) منهما ، وإن رجع بعوضه عليها ؛ لكون الانتقال إليها مبنيّا على ضمانها. ولا دليل على احتساب حق الزوج من عين الباقي سوى ما يتخيّل من إمكان رجوعه إلى العين ، فلا داعي إلى رجوعه بالعوض.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا لو كان ذلك قبل الإخراج فالقول باستحقاقه لعين النصف هو المتّجه.

ومجرّد تعلّق الزكاة بالعين أيضا لا يقضي بانتقال حقه في نصف الزكاة إلى الذمّة ؛ إذ

ص: 80


1- المبسوط 1 / 207.
2- جامع المقاصد 3 / 9.
3- منتهى المطلب 1 / 476.
4- تحرير الأحكام 1 / 352.
5- قواعد الأحكام 1 / 332.
6- البيان : 170.
7- لم ترد في ( ب ) : « لهما والذاهب .. عين الباقي ».

المفروض إشاعة العين ووفاء (1) المال بهما ، فلا تدافع بينهما حسبما ما أشرنا إليه.

وأمّا ما يظهر من البيان من احتمال تسلّطها حينئذ على الإخراج من العين ولو من دون إذن الزوج ففيه تأمّل يأتي الإشارة إليه.

والحكم بضمانها حينئذ لحصّة الزوج غير جار (2) على القواعد ؛ إذ غاية ما يعلم حينئذ تسلطها على إقرار حق الزكاة من دون إذن الزوج ، وهو لا يقضي بانتقال ما يستحقّه الزوج بمقتضى الإشاعة في العين المخرجة إلى الذمة ، بل قضية الإقرار تعيينه في الباقي ، فتأمل.

ومما قرّرنا ظهر أن ما أطلقه الجماعة المتقدمة غير جار على القواعد المقررة.

[ فروع ]

وينبغي التنبيه على فروع :

أحدها : أنه لا أشكال في جواز دفعها الزكاة من العين قبل الطلاق ( وإن كان هناك مظنة لقبوله (3) ؛ إذ لا قصور إذن في ملكها ). (4) وأما بعد الطلاق فلا إشكال أيضا في جواز دفعها بالقيمة. وأما إخراجها من العني من دون اذن الزوج فمشكل ؛ نظرا إلى المنع من التصرف في المال المشترك من دون إذن الشريك كما هو الحال في سائر الأموال المشتركة ؛ إذ أوجب الزكاة فيها ، فلا يجوز إخراجها إلّا بإذنه او بعد قطع شركته ، وإلا كان الدفع باطلا من جهة النهي القاضي بفساد العبادة.

وقد نبّه على ذلك في المنتهى (5) والتحرير (6) حيث ذكر فيهما أنه لو طلّقها قبل الدخول وبعد الحول وقبل الإخراج لم يخرج من العين إلّا بعد القسمة لأنه مشترك بينهما.

ص: 81


1- في ( د ) : « وقاء ».
2- من قوله « غير جار » إلى قوله « على سبيل الإشاعة كالزكاة » غير موجود في ( ألف ).
3- الكلمة هناك مطموسة عليها قرأناها كذلك.
4- ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).
5- منتهى المطلب 1 / 477.
6- تحرير الأحكام 4 / 468.

وقد تقدم عن البيان (1) احتمال تسلط الزوجة على الإخراج من العين وضمانها للزوج.

وظاهره عدم الحاجة في ذلك إلى إذن الزوج.

وكأنّ الوجه فيه سبق تعلق الزكاة ، فيقدّم في الأول ، ولثبوت التخيير لها في الأداء قبل تعلّق حق الزوج فيستصحب.

ولا يخفى ما فيهما.

ثانيها : لو تلف نصف الصداق فهل يتعيّن النصف الباقي للزوج وينتقل الزكاة إلى ذمة الزوجة؟ أو إنها تتعلق بعين الباقي إلا أن يرجع الزوج عليها إذا قبضها الساعي من العين؟ قولان ؛ ففي المعتبر : إنه لو تلف نصف الصداق فالنصف الباقي للزوج وعليها الزكاة.

وفي ح (2) : إنه لو هلك النصف أخذ الساعي الزكاة من نصيب الزوج ؛ لأنها تجب في العين ويرجع الزوج عليها.

وفي التذكرة (3) والقواعد (4) والنهاية (5) : لو تلف النصف بتفريطها تعلق حق الساعي بالعين ، وضمنت للزوج.

وإنما فرض المسألة في صورة التفريط لسقوط الزكاة بالنسبة مع عدم التفريط في الحفظ والأداء ، وإن جرى الكلام المذكور إذن في النصف الباقي.

وكأن الوجه في الأول ما مرّت الإشارة إليه من آن حق الزوج إنما يتعلق بالعين مع بقائها على سبيل التعيين بخلاف حق الزكاة لتعلقه بها على سبيل التخيير بين الإخراج منها أو من غيرها ، فيقدم الأول عند التعارض.

وفيه : أن قضية الزكاة بالعين على سبيل الإشاعة كون الثابت في ذمة المرأة هو نصف

ص: 82


1- البيان : 170.
2- قال المحقق في الشرائع 1 / 112 : لو هلك النصف بتفريط كان للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به ؛ لأنه مضمون عليها. وانظر المسالك 1 / 379.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 39.
4- قواعد الأحكام 1 / 332.
5- نهاية الإحكام 2 / 307.

الزكاة على المتلف من النصاب ، فيكون النصف الأخير باقيا في العين الباقية ، فلا وجه لانتقالها إلى الزوج مع استحقاق الفقراء لها.

على أن الظاهر استحقاق الفقراء تمام الزكاة في العين الباقية إذا كانت وافية بها حسبما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

وحينئذ يكون تمام الزكاة في النصف الباقي.

هذا إذا كان التلف عن تفريط منها في الحفظ أو الدفع ، وأما مع عدمه فيسقط النصف ويبقى النصف الآخر متعلقا بالعين.

فظهر مما ذكرنا قوّة القول الثاني.

ثالثها : أنه هل يتوقف قسمة الصداق بينهما على تخليص المال من الزكاة بإخراجها من العين أو بدفع القيمة من الخارج أو يصح من دونه؟ وجهان ؛ والمنصوص به في المنتهى والمبسوط هو الثانى.

وقوّاه الشهيد في البيان وتنظّر فيه في الدروس ، لكن استقرب الجواز.

وقد نص هؤلاء بتعيين الزكاة في نصيب الزوجة.

والوجه في صحة القسمة أن الخيرة في دفع الزكاة إلى المالك ، فإذا عيّن حصة الزوج في أعيان مخصوصة فقد جعل الزكاة في غيرها مما بقي له ؛ لوجوبها عليه دون الزوج ، فاشتراك المال بينهما وبين الفقراء لا يمنع من صحة القسمة كما توهمه بعض العامة.

والظاهر هر انه لا فرق بين أن ينوي تعيين حصة الفقراء في حصته أو لا ؛ لحصوله با لالتزام مع الإطلاق.

ولو نوت خلافه فإن زيد في نصيب الزوج ما يفي بالزكاة قل مانع ، وإلا فالظاهر بطلان القسمة ؛ لعدم تعادل السهام.

ثم إن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وإن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وان تعذر الأخذ منها أخذها الساعي من نصيب الزوج ويرجع الزوج إليها. وقد نص

ص: 83

على ذلك في الدروس (1).

وفي البيان (2) : لو أفلست فله الرجوع على الزوج ثم هو يرجع إليها.

وكأنه أراد بذلك ما إذا قضى إفلاسها بتعذر الأخذ منها.

ويدل على جواز الأخذ من نصيب الزوج حينئذ ما سيأتي إن شاء اللّه من أن للساعي تتبع العين إذا ضمن المالك وامتنع من الأداء.

وفي المبسوط (3) : فإن هلك نصيبها وبقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج.

ونحوه ما في المنتهى (4).

وظاهر الإطلاق المذكور يقضي بجواز الرجوع إلى الزوج مع إمكان الرجوع إلى الزوجة بالعوض ، بل ولو مع بذلها.

وهو غير متّجه ؛ إذ قضية الحكم بتعلق الحق بحصة الزوج هو الرجوع إليها في أخذ العين أو العوض مع الإمكان وقد يكتفى فيه بمجرد امتناع الزوجة عن الاداء.

وسيأتي توضيح القول فيه في محله إن شاء اللّه. ولو تلف نصيب الزوج أو أتلفه فهل للساعي تعزيمه؟ وجهان.

وقضية الرجوع عليه بالعين مع وجودها هو الرجوع عليه بعوضها مع تلفها.

ثم إن الرجوع بها على الزوج هل يقضي بفساد القسمة؟ وجهان.

واستقرب في التحرير صحتها. وهو الأظهر ؛ استصحابا للصحة الثابتة.

رابعها : أنه لو أطلقها حينئذ قبل تمكنها من الإخراج فهل يقسط عنها الزكاة بالنسبة إلى نصف الصداق الراجع إلى زوجها أو لا؟ قولان ؛ اختار اولهما العلامة في التحرير.

ص: 84


1- الدروس 3 / 391.
2- البيان : 170 ، وانظر : قواعد الأحكام 2 / 112 ، جامع المقاصد 5 / 71.
3- المبسوط 1 / 208.
4- منتهى المطلب 1 / 477 ، وانظر : تذكرة الفقهاء 5 / 38.

والوجه فيه أنه من قبيل ما لو تلف بعض النصاب قبل تمكن المالك من الإخراج ، فيسقط نصيبه من الزكاة ؛ لتعلقها بالعين.

واختار ثانيهما في التذكرة والدروس والبيان.

وقد أطلق في المنتهى والقواعد ونهاية الإحكام وجوب الزكاة عليها بتمامها بعد سقوط النصف بالطلاق ، فيعمّ ما إذا تمكّنت قبله من الإخراج أولا.

وكذا أطلق الشيخ والمحقق وغيرهما.

والوجه فيه رجوع عوض الساقط على البضع إليها ، فليس ذلك من قبيل تلف بعض النصاب ، بل هو من قبيل انتقال بعضه عنه في مقابلة العوض كما لو أخذه الديّان تقاصّا في موضع يجوز له ذلك : إذ لا يسقط بسببه شي ء من الزكاة قطعا.

وكذا لو وقع فسخ البيع من صاحب الخيار بعد حلول الحول قبل تمكنه من الإخراج ؛ فإن ذلك لا يقضي بسقوط شي ء من الزكاة كما سنشير إليه إن شاء اللّه.

وربّما يستشكل فيه بأن العوض الواصل إليها ليس مالا على الحقيقة ليصدق عود مال إليها عوض الذاهب ، وليس المراد بتمليك البضع هو التمليك المتعارف في سائر المعاوضات ، ولذا لا يعدّ المهر ركنا في النكاح ليفسد العقد بفساده كما في غير من المعاوضات المعروضة.

وفيه : أنه وإن لم يكن البضع مالا على الحقيقة إلا أنه يقابل بالمال ، وهو كاف في المقام.

نعم ، قد يشكل الحلال في ذلك بأن السر في السقوط من الزكاة بنسبة التالف تعلق الزكاة بالعين ، فإذا تلف منها شي ء بغير تفريط المالك سقط من الزكاة تبلك النسبة ؛ أخذا بمقتضى الإشاعة. وذلك بعينه جار في صورة عود العوض إليه أيضا ؛ إذ المفروض وجوب الزكاة في الذاهب دون عوضه الراجع إليه ، فإذا ذهب ذلك عنه بغير تفريطه واختياره لزمه سقوط الزكاة تبلك النسبة ؛ إذ لا مقتضى لتعلّق ما يخصه من الزكاة بالذمة أو بالتتمة.

ويدفعه أن حق الزوج في المقام إنما تعلّق بالمال على سبيل الإشاعة كالزكاة. ولا معارضة بينهما في المقام ليقضي بسقوط شي ء من الزكاة حسبما عرفت ، ومع عدم وفاء المال بهما كما إذا تلف ما زاد على النصف لا نقول بانتقال ما يخصّه من الزكاة إلى الزوج ، وإنّما يضمنه

ص: 85

الزوجة له كما مرّ.

والحاصل أنّ حق الغير إنّما يتعلق بالعين إذا كان المحل قابلا ، وأمّا مع انتفاء قابليّته - كما هو المفروض في المقام لسبق تعلّق الزكاة - فلا يمكن تعلّقه بالمجموع ، وإنّما (1) يتعلّق بغير القدر المذكور على سبيل الإشاعة ، وذلك لا يقضي بسقوط شي ء من الزكاة ؛ إذ لا معارضة بينهما كما قرّرنا.

فتنزيل ذلك منزلة التلف ممّا لا وجه له أصلا. نعم ، على القول بتعيّن النصف الباقي من الصداق للزوج - كما مرّت الإشارة إليه - يمكن القول بسقوط ما يخصّ ذلك من الزكاة ، إلّا أنّك قد عرفت ضعفه.

فظهر بذلك أن المتّجه عدم سقوط شي ء من الزكاة في المقام إلّا أنّه لا يتّجه تعليل الحكم المذكور ويعود العوض إليها كما في التذكرة والدروس (2) والبيان.

ثمّ على القول الأوّل ينبغي تقييد الحكم بما إذا لم يكن إطلاقها مستندا إلى اختيارها ؛ إذ مع استناد التلف إليها لا وجه لسقوط الزكاة فيها.

خامسها : قال في التذكرة (3) : لو كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثمّ سقط نصفه وقبضت (4) النصف فعليها زكاة المقبوض ؛ لأنّ الزكاة وجبت فيه ثمّ سقطت عن نصفه لمعنى أخصّ به ، فاختصّ السقوط به.

ولو مضى عليه حول ثمّ قبضه كلّه زكّته لما مضى كلّه. انتهى.

ويشكل ذلك بأنّ حكمه بوجوب الزكاة في النصف الواصل إليها مع فرض حولان الحول عليها قبل قبضها مبني (5) على كون المهر عينا والزوج باذلا كما هو المفروض في كلامه قبل

ص: 86


1- في ( ب ) : « بالمجموع ولذا » بدل : « وإنّما ».
2- الدروس 1 / 231.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 36.
4- لم ترد في ( ب ) : « وقبضت .. عن نصفه ».
5- في ( ب ) : « جنى ».

الفرع المذكور ؛ إذ هو المتعيّن على مذهبه من عدم وجوب الزكاة في الدين ، وإن كان في عبارته بعد ذلك ما ربّما ينافي ذلك إلّا أنّه لا بدّ من تنزيله عليه لما عرفت.

وحينئذ فحكمه بسقوط زكاة النصف الساقط بالطلاق غير متّجه ؛ إذ لا قاضي به بعد وجوبها عليه سوى تنزيل رجوع النصف إلى الزوج منزلة التلف ، وهو مع عدم قضائه بالسقوط على القول به إلّا مع عدم تفريطها في الأداء أنه رحمة اللّه لا يقول بذلك ؛ لقطعه بعد ذلك بعدم سقوط شي ء من الزكاة إذا طلّقها قبل الدخول بها وتمكّنها من الأداء.

ومجرّد عدم قبضها مع كون الزوج باذلا لا يقضي بشي ء ، بل لا بدّ من القول باخراجها تمام الزكاة من نصفها أو من جميع (1) المال ورجوع الزوج إليها بنصف الزكاة كما (2) هو الحال فيما إذا قبضتها أجمع ، ثمّ طلقها قبل الدخول.

ولو حملت العبارة على ما هو الظاهر من إطلاقها عمّت ما لو كان الصداق عينا أو دينا ، فيرد عليه الإشكالان معا.

وقد ينزل عبارته على ما إذا كان الصداق دينا كما يدلّ عليه بعض تعليلاته ، فيكون حكمه ثبوت الزكاة في النصف تفريعا على القول بوجوب الزكاة في الدين أو اختيارا له ؛ إذ ليس في كلامه في التذكرة تصريح بعدم وجوب الزكاة في الدين وإن لم يحكم بثبوتها فيه أيضا.

وهو بعيد عن ظاهر الأدلّة سيّما بملاحظة ما تقدّمه.

مضافا إلى نصّه على الفرع المذكور قبل ذلك بأسطر بناء على القول بوجوب الزكاة في الدين.

سادسها : لو انفسخ نكاحها قبل الدخول بعد حولان الحول ، فإن كان ذلك بعد إخراج الزكاة فلا إشكال في صحّة الإخراج وضمانها ذلك للزوج ، وإن كان قبله جرى فيه الوجهان الماضيان من تعيين حقّ الزوج في العين فتضمن الزكاة في ذمّتها ، ومن وجوبها في العين فتضمن للزوج مقدار ما إذا دفعتها من العين.

ص: 87


1- في ( ب ) : « جمع ».
2- لفظة « كما » من ( د ).

والأظهر فيه الأخير حسبما مرّ.

وعلى الأوّل لو أفلست أو امتنعت من الأداء تتبع الساعي العين فيرجع الزوج عليها ، ولو كان ذلك قبل تمكّنها من الإخراج جرى فيه احتمال سقوط الزكاة بالمرة حسبما ذهب إليه في التحرير (1) في مسألة الطلاق إلّا إذا كان الفسخ من قبل الزوجة بارتدادها أو فسخها العقد لأحد الأسباب الموجبة لخيارها ؛ لاستناد التلف حينئذ إليها كما مرّ.

والأظهر هنا أيضا عدم السقوط مطلقا ؛ لعين ما قرّرناه في مسألة الطلاق.

وفي المنتهى : إنّه لو انفسخ النكاح لعيب قبل الدخول وكان الصداق مقبوضا ففي وجوب الزكاة إشكال أقربه الوجوب وتضمن هى المأخوذة في الزكاة.

ونحوه ما في التحرير إلّا أنّه لم يصرح فيه بالإشكال.

وأنت خبير بأنّه لا إشكال مع تفريطه في الأداء إذا قضاه إن ينزل ذلك منزلة التلف ، ولا وجه لاحتمال سقوط الزكاة به مطلقا.

ثمّ ظاهر إطلاقه الحكم بالوجوب يعم ما إذا لم يتمكّن من أدائها قبل الانفساخ ، وهو ينافي ما ذهب إليه في التحرير من السقوط حينئذ في مسألة الطلاق.

ومنها : أنّه لو آجر شيئا أحوالا وقبض الأجرة أو كانت عينا موجودة عند المستأجر الباذل وجبت عليه زكاتها عند حولان الحول عليها.

ولبعض العامة هنا خلاف ؛ نظرا إلى كون الأجرة في معرض السقوط بتلف العين المستأجرة. وهو ضعيف موهون بما قدّمناه.

وعلى ما قلناه لو انفسخت بعد ذلك لأحد الدواعي الباعثة عليه يرجع إلى المستأجر من الأجرة بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، فيجري فيه الفروع المذكورة في الصداق إلّا أنّه لو انفسخ قبل تمكّنه من إخراج الزكاة ولم يكن الانفساخ حاصلا من اختياره احتمل سقوط الزكاة بالنسبة إذا كان الانفساخ بتلف العين المستأجرة.

ص: 88


1- تحرير الأحكام 1 / 352.

ونحوه بناء على تعليل الحكم بعدم السقوط هناك بوصول عوض التالف إلى الزوجة.

على ما بيّنّاه فلا وجه لسقوط الزكاة مطلقا.

ويجري الكلام فيما إذا كان الانفساخ قبل مضي شي ء من المدّة.

ومنها : أنه لو انفسخ عقد البيع لتلف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن مع قبض البائع إيّاه أو كونه عينا مقدورا على قبضها لم يقض ذلك بسقوط الزكاة عنه.

ويجري حينئذ في جواز إخراجها من عينه مطلقا ، وتعين (1) الإخراج من غيره مع إمكانه ما مرّ.

والأقوى فيه أيضا هو الأوّل ؛ لتعلّق الزكاة بالعين ، ولكن يتوقّف إخراجها من العين على إذن المشتري لإشاعة الحق أو يستقلّ به البائع استصحابا للحالة السابقة ، الأقرب الثاني. وليس ذلك تصرفا في المال المشترك بدون إذن الشريك ، بل هو تعيين للحقّ المبهم في المال المفوّض إليه تعيينه ، وبعد تعيينه يتعيّن الحق فيه ، فيجب بذله على مستحقه.

وعلى الأوّل لو اختلفا في التعيين فهل يقدّم اختيار البائع ؛ إذ هو المكلف بالإخراج أو المشتري ؛ لانتقال المال إليه؟ وجهان.

والذي يقتضيه الأصل حينئذ تقديم الثاني ، فيجب على البائع اختياريّا مختاره إذا كان نصفه الواجب. ويجري ذلك في كلّ صورة ينتقل النصاب إلى غير من وجبت عليه الزكاة كما إذا باعه قبل إخراج الزكاة أو جعله ثمنا أو عوضا في الإجارة أو انتقل عنه بالميراث وأوصى إلى غيره بالإخراج ، ونحو ذلك.

وإذا كان المبيع زكويا وكان المشتري متمكّنا من قبضه ثبت فيه الزكاة أيضا. ولا تسقط عنه بذلك فيضمنها المشتري ، وإن كانت بيد البائع ؛ لأنّه المكلّف بإخراجها مع تقصيره فيه.

نعم ، لو كان التلف قبل تمكّنه من الأداء سقط إن لم يكن مفرطا في وضعها عند البائع بعد تعلّق الوجوب.

ص: 89


1- في ( د ) : « يعيّن ».

ويجري ما ذكرناه في الفسخ الحاصل من البائع أو المشتري لحصول الخيار ، ولو كان بعد القبض.

وهل يسقط الخيار بتعلّق حق الزكاة بالمال فيما يسقط التصرّف من الخيارات أو مع دفعه في الزكاة دون ما إذا كان قبل الدفع أو مع عدم ضمانه للزكاة دون ما إذا ضمنه وانتقل الحق إلى ذمته أو لا يسقط بذلك مطلقا؟ وجوه.

وهل يرجع على الآخر بتمام عوضه المقابل له ويضمن له حصة الزكاة بالمثل أو القيمة أو يسقط منه ما قابل حصّة الزكاة؟ وجهان ؛ أقربهما الأوّل ، والثاني مختار العلّامة في التذكرة حيث قال في الفرض المذكور : إنّ الزكاة على المشتري ، ويسقط من الثمن ما قابل الفريضة.

وفيه : أن ذلك لا يزيد على الإتلاف ، ومع حصوله وبقاء الخيار لا ريب في الرجوع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة لا سقوط ما يقابله من العوض.

هذا إذا دفع الزكاة من العين ، وأمّا إذا ضمنه ففي تعيّن دفعه العين لخلوها عن المانع تأمّل مرّت الإشارة إلى وجهه.

ومنها : أنّه لو وهبه نصابا فحال عليه الحول عند المتّهب فإنّه يجب عليه الزكاة كما مرّ. وحينئذ فلو رجع الواهب بعد أداء الزكاة لم يكن له تغريم المتهب ؛ لعدم بناء الهبة على الضمان ، وإن كان قبله لم يصحّ رجوعه بالنسبة إلى مقدار الزكاة ؛ لتعلّق الحق بالعين.

وفصّل في التذكرة (1) بين ما إذا تمكن المتّهب من إخراج الزكاة ففرط فيه ، وما إذا لم يتمكّن منه ؛ فحكم في الثاني بسقوط الزكاة عن المتّهب وعدم وجوبه على الواهب أيضا ، بخلاف الأوّل فيحكم منه (2) بوجوب الزكاة في العين تقديما لحقّ الفقراء ، فلا يصحّ الرجوع بالنسبة إليه ولا يضمنه (3) المتّهب كما لو تلف قبل الرجوع.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لو كان تعلّق الحق بالعين مانعا من صحّة الرجوع بالنسبة إلى

ص: 90


1- تذكرة الفقهاء 5 / 32.
2- في ( د ) : « فيه ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إليه ولا يضمنه .. الرجوع بالنسبة ».

مقدار الزكاة جرى في الصورتين ، فلا وجه للحكم بسقوط الزكاة في الأوّل ، وإن لم يكن مانعا من الرجوع لم يمنع منه في الأخير أيضا ، غاية الأمر أن يكون المتّهب ضامنا للزكاة ؛ نظرا إلى تفريطه في الأداء كما يضمنها حينئذ في صورة هلاك المال.

مضافا إلى أنّ تعلّق حق الغير بالمال ليس من قبيل التلف ليصح الحكم بسقوط الزكاة من جهته إذا كان قبل التمكّن من الأداء ، حسبما مرّت الإشارة إليه.

فلو دفعها المتّهب من الخارج لم يؤثر ذلك في صحّة رجوعه بالنسبة إلى حصّة الزكاة.

نعم ، لو كان الرجوع بعد ضمانه للزكاة أمكن القول بصحّة الرجوع في الجميع إن قلنا بجواز الرجوع في العين الموهوبة بعد انتقال المال عن المتّهب ، ثمّ رجوعه إليه بالملك الجديد أو قلنا بعدم انتقال المال إلى الفقراء لينتقل إليه ثانيا بسبب الضمان.

ثمّ بناء على صحّة رجوعها في العين لو رجع فيها وامتنع المتّهب من الأداء (1) كان للساعي تتبّع العين.

وهل يرجع الواهب في ذلك على المتّهب وجهان.

ص: 91


1- في ( ألف ) : « الأدلّة ».

تبصرة: [ في تعلّق الحق بعين النصاب ]

اشارة

إذا تعلّق حقّ بعين النصاب يوجب صرفها في جهته سقط عنه الزكاة ؛ لعدم تمكّن المالك معه من التصرف فيه ، ولا يجري في الحول إلّا بعد خلوصه عنه سواء كان ذلك من حقّ الناس أو حقوقه تعالى.

أمّا القسم الأوّل فيندرج فيه أمور (1) :

ومنها (2) : تعلّق الرهن به. وقد اختلف فيه كلمات الأصحاب ، فالمنصوص به في موضع من المبسوط (3) وجوب الزكاة فيه مطلقا حيث قال : ومتى رهن قبل أن يجب فيه الزكاة ثم حال الحول وهو رهن ، وجبت الزكاة ؛ لأنّ ملكه حاصل. ثمّ فصل في إخراج الزكاة بين ما إذا كان للراهن مال سواه أو كان معسرا ، فعلى الأوّل حكم بوجوب إخراجها من غيره وحكم في الثاني بتعلّقها بعين الرهن ، قال : لأنّ حق المرتهن في الذمّة بدلالة أنّه لو هلك المال رجع على الراهن.

ونصّ - بعد ذلك بأوراق - على سقوط الزكاة عن الألف المرهونة بإزاء الألف المفروضة ؛ معلّلا بانتفاء التمكّن منه.

وظاهره عدم ثبوت الزكاة فيه مطلقا سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا ، بل ظاهر « المفروض » في كلامه هو صورة التمكّن من الفك ؛ لفرضه بقاء الألف المستقرضة.

والتعليل المذكور أيضا يعمّ الوجهين عند التأمّل ، واختاره المحقق في الشرائع والعلّامة في

ص: 92


1- لفظة « أمور » من ( د ).
2- كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها » بدون الواو.
3- في ( د ) : « فجرى ».

القواعد والمنتهى والتذكرة (1) والتحرير ؛ معلّلا له في الثلاثة الأخيرة بما ذكره الشيخ.

وإليه ذهب المحقق الكركي مصرّحا بسقوطها مع التمكّن من الفك أيضا.

وحكم الشيخ في الخلاف (2) أوّلا بعدم ثبوت الزكاة في الألف المرهونة بإزاء الألف المستقرضة ، ثمّ قال : ولو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة الألفين لكان قويّا.

وعلّل وجوب الزكاة في المرهونة بأنّه قادر على التصرّف فيها بأن يفكّ رهنها.

وظاهره التردد في المسألة كما عزاه إليه في المعتبر ، والظاهر أن تردّده في صورة قدرة الراهن على الفك.

ورجّح في المعتبر والمختلف ما قوّاه أخيرا. وعلّله في المعتبر (3) بأنّه مال مملوك قادر على التصرّف فيه يجري (4) مجرى المال الغائب في يد الوكيل.

وظاهر التعليل كظاهر الفرض يومي إلى اختصاص حكمه بوجوب الزكاة فيه بما إذا قدر على فكه ، وهو صريح المختلف حيث نصّ قبل ذلك بسقوط الزكاة في الرهن مع إعسار الراهن ؛ معلّلا بعدم تمكّنه من التصرّف فيه.

وقد صرّح بالتفصيل بين قدرته على الفك وعدمه كما إذا كان معسرا وكان الدين مؤجلا في نهاية الإحكام.

واختاره الشهيدان في الدروس والبيان والمسالك والروضة وابن فهد والصيمري وغيرهم.

ونصّ في المسالك والروضة بشمول الحكم لما إذا تمكّن من فكّه ببيعه. واستحسنه في المدارك إن ثبت أنّ عدم تمكّن الراهن من التصرّف في الرهن مسقط (5) للوجوب ، وإلّا فإطلاق

ص: 93


1- تذكرة الفقهاء 5 / 24.
2- الخلاف 2 / 111.
3- المعتبر 2 / 543.
4- في ( د ) : « فجرى ».
5- في ( ألف ) : « سقط ».

وجوب الزكاة فيه أولى.

واستشكل فيه في الذخيرة.

والأظهر هو القول بسقوط الزكاة عنه مطلقا لانتفاء التمكن من التصرف فيه حالكونه مرهونا ، والقدرة على إمكان فكّه ليس قدرة بالفعل عرفا على التصرّف فيه ، بل هو قدرة على تحصيل القدرة عليه.

والفرق بين الأمرين ظاهر في ملاحظة العرف ، وإن كان الثاني بمنزلة الأوّل عند تدقيق العقل كما هو الوجه في القول بالتفصيل.

وأمّا الوجه في إطلاق وجوب الزكاة منه (1) فمبني على (2) كون المنع من التصرّف مطلقا مانعا من تعلّق الزكاة حسبما أشرنا إليه من كلام السيّد في المدارك.

ومن الغريب ذهاب الشيخ إليه فيما حكيناه من عبارته في المبسوط ؛ معلّلا بأنّه ملك للراهن مع قطعه باعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة.

فروع

الأوّل : لا فرق بين أن يكون الرهن بإزاء حقّ ثابت في الشرع أو بإزاء محتمل كما في الرهن بإزاء درك المبيع ؛ لمنع المالك شرعا من التصرف فيه وإن لم يكن هناك حق بازائه بحسب الواقع.

الثاني : لا فرق بين أن يكون العين المرهونة من مال الراهن أو يكون مستعارا للرهن إلّا أنّ المعتبر حينئذ - بناء على التفصيل المذكور - قدرة المعير على فكّه دون المستعير. وقد نصّ عليه في المسالك وغيره.

الثالث : لو أذن المرتهن في تصرّف الراهن فيه كيف شاء احتمل وجوب الزكاة فيه ؛ لارتفاع المنع بذلك. والظاهر تعيّن ذلك فيما إذا شرط عليه في ضمن عقد لازم ؛ بناء على عدم

ص: 94


1- في ( د ) : « فيه ».
2- في ( د ) زيادة « منع ».

جواز رجوعه عنه.

ومنها : أن يكون الحاكم قد حجر عليه التصرّف في المال لحق الغرماء ؛ لعدم تمكّنه حينئذ من التصرّف في المال بغير إذنهم ؛ نظرا إلى تعلّق حقّهم بالعين.

وقد قطع بانتفاء الزكاة حينئذ في أمواله جماعة منهم الشيخ في المبسوط (1) والعلامة في عدة من كتبه كالقواعد (2) والتذكرة (3) والنهاية (4) ، والشهيد في البيان (5).

وربّما يستظهر من المنتهى (6) ثبوت الزكاة في مال المحجور عليه حيث استدلّ على سقوط الزكاة من المكاتب بمنعه من التصرّف في ماله ، فملكيّته غير تامّة ، ثمّ قال : لا يقال : ينتقض بالمحجور عليه والمال المرهون ؛ لأنّا نقول : الفرق بينهما أن الملكيّة هناك تامّة والنقض (7) إنّما حصل في التصرّف : أمّا في المحجور فلنقص تصرفه ، وأمّا في المرهون فالمنع بعقد ، فلا يسقط حقّ اللّه. انتهى.

وهو كما ترى ظاهر الدلالة على تعلّق الزكاة بعد حصول الحجر. وقد ينزل على خصوص حجر السفيه.

وظاهر الدروس التأمل فيه حيث أسند فيه مع حجر المفلّس (8) إلى الشيخ.

وكأنّ الوجه فيه حصول الملكيّة ، ومنعه من التصرّف فيه إنّما هو لحق الغرماء فقد لا يمنع ذلك من وجوب الزكاة ؛ إذ ليس مجرّد انحصار وجه التصرّف باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا.

ص: 95


1- المبسوط 1 / 224.
2- قواعد الاحكام 1 / 331.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 29.
4- نهاية الإحكام 2 / 305.
5- البيان : 170.
6- منتهى المطلب 1 / 473.
7- في ( د ) : « النقص ».
8- في ( د ) : « الفلس ».

وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان التصرّف في وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام (1) انحصار وجه التصرف (2) ( التصرف في ذلك بل تعلّق حقّ الغرماء بالعين ، فالفرق بينه وبين الفرض المذكور واضح.

ومنها : حجر الورثة عن التصرّف ) (3) في التركة قبل أداء الدين وتفصيل القول في ذلك انّ الدين امّا أن يكون مستوعبا للتركة أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن نقول بحجر الورثة عن التصرف في المال مطلقا قبل أداء الدين أو أنّه لا حجر عليهم فيما يزيد على مقداره.

ثمّ إنّ الزكاة إمّا أن يتعلّق بالمال في حياة المورث أو بعد وفاته ، وعلى الثاني فإمّا أن تكون العين الزكويّة موجودة في حياته أو تحصل بعد موته كما إذا أنتجت اغنامه بعد وفاته وحال الحول على النتاج قبل أداء الدين ، أو وجدت الثمرة بعد الموت.

فإن تعلّقت الزكاة بالعين في حياة المورّث ثمّ (4) لم تسقط بموته فتخرج من أصل المال إجماعا معلوما ومنقولا في المدارك وغيره.

وإنّما خالف فيه بعض العامة ؛ لتوهّم كونها كسائر التكاليف الساقطة بالموت ، فلا يخرج من المال.

وفساده واضح. نعم ، هنا كلام في تقديم الزكاة على سائر الديون إذا لم تف التركة بالجميع وتوزيعها عليها ، فالمعروف تقديم الزكاة وإليه ذهب الفاضلان في الشرائع والتحرير والقواعد والإرشاد ، والشهيدان في الدروس والمسالك ، والسيد في المدارك ، وغيرهم.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى توزيعها على الزكاة والدين. وكأنّه مبنيّ على عدم تعلّق الزكاة بالعين تعلّق التركة ، أو على ظاهر ما في الصحيح من إطلاق الحكم بتنزيل ما عليه من

ص: 96


1- لم ترد في ( ب ) : « وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام ».
2- زيادة في ( ب ) : « باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدّين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا. وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان ».
3- ما بين الهلالين من ( ب ) و ( د ).
4- لم ترد في و ( د ) : « ثمّ ».

الزكاة منزلة الدين.

ولا يخفى ما فيه ؛ لما سيجي ء إن شاء اللّه من تعلّق الزكاة بالعين على سبيل الشركة ، ولو قلنا بتعلّقها على سبيل حق الرهن بالعين أو الجناية بالعبد فكذلك أيضا ، وإن تعلّق حق الديان أيضا بالعين بسبق الأوّل على الموت وتأخّر الثاني فلا يصادف محلا قابلا بالنسبة إلى ما يقابل الزكاة.

فما في البيان من تفريع الحكم هنا على الحكم في كيفية تعلّق الزكاة فاستحسن الأوّل بناء على الأوّل وجعل الثاني أحسن بناء على أحد الوجهين الآخرين ليس على ما ينبغي.

وأمّا ما دلّ على تنزيله منزلة الدين فلا يبعد تنزيله على الزكاة المنتقلة إلى الذمّة ، بل الظاهر وروده في خصوص ذلك كما يومي إليه السؤال المفروض فيه.

وحينئذ فلا إشكال في التوزيع لصيرورتها بعد التعلّق بالذمّة كسائر الديون.

واستقرب الشهيد في شرح القواعد توزيعه عليها ، وحكى عن بعض الأصحاب قولا بتقديم الزكاة لقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « فدين اللّه أحقّ أن يقضى » (1) ، وبتقديم الدين لأنّ حقّ العباد مبني على التضييق ، وحق اللّه على المسامحة.

وهذان ضعيفان.

نعم ، لو كانت العين موجودة فللساعي منع العين في وجه قوي.

وإن تأخر زمان تعلّقها عن حياة المورث فإن كان الدين مستوعبا للتركة وكانت العين الزكوية موجودة حين الوفاة فلا زكاة أيضا ، أمّا على القول بعدم انتقال التركة إلى الورثة وبقائها على حكم مال الميت - كما ذهب إليه المحقق وغيره وحكى القول به عن الأكثر - فظاهر ؛ لعدم دخولها حينئذ في ملك الورثة ، ولا في ملك الديّان قطعا ، والميّت لا تكليف عليه. وإطلاقات الزكاة - بناء على القول بشمولها لأموال غير المكلفين - غير شاملة لتلك ، ولا أقل من الشكّ ، وهو كاف في المقام.

ص: 97


1- عوالي اللئالي 1 / 216.

وأمّا على القول بانتقالها إلى الورثة فللحجر عليهم حينئذ في التصرف قبل أداء الدين ، فلا تمكّن لهم من التصرف في العين.

وفي المدارك (1) : إن (2) وجوب الزكاة أوجه.

ثالثها : أنّه تمكّن من التصرف في النصاب ولو بأداء الدين من غير تركة وجبت الزكاة عليه ، وإلّا فلا.

وزاد في التذكرة (3) وجها رابعا ، وهو أنّه إن كان للورثة مال يدفعونه في الزكاة ( وجب عليهم الإخراج منه ؛ لأن الواجب حصل في ملكهم ، وتعلق حق الغرماء به لا يمنع من وجوب الزكاة ) (4) كالمرهون.

وإن لم يكن لهم ما يؤدّونه في الزكاة احتمل سقوطها لتعلّق الدين بالعين ، فيمنع من تعلّق الزكاة ووجوبها لتعلّق الزكاة أيضا بالعين ، فتقدّم على حقوق الغرماء.

والمختار عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (5) والفاضلان في الشرائع والمعتبر والمنتهى والقواعد عدم تعلّق الزكاة (6).

وهو الأظهر ، أمّا على القول بعدم انتقال المال إلى الوارث فظاهر حسبما عرفت ؛ وأمّا على القول بانتقاله إليه فللحجر عليهم من التصرف فيه.

ولو فرض قدرته على الافتكاك بدفع الدين من الخارج فهو لا يقضي بارتفاع الحجر قبل الدفع أو ما بمنزلته. ومع حصوله لا زكاة لمنعه من التصرف فيه المانع من تعلّق الزكاة.

وقد عرفت أنّه لا منافاة عرفا بين انتفاء القدرة على التصرّف وحصول القدرة على تحصيل القدرة عليه.

ص: 98


1- مدارك الأحكام 5 / 154.
2- في ( د ) زيادة « في ».
3- تذكرة الفقهاء 5 / 160.
4- ما بين الهلالين ورد في ( د ).
5- المبسوط 1 / 224.
6- في ( د ) زيادة « به ».

وفي كلام المحقق الأردبيلى حكاية الإجماع على سقوط الزكاة. وهو غريب منه مع شيوع الخلاف فيه.

فظهر بما ذكرنا اندفاع احتمال التفصيل كما ذهب إليه في نهاية الإحكام وظاهر وجوب اخراج الزكاة من غيره لحجره عن التصرف فيه قبل أداء الدين. وهو خروج عن القاعدة كما سيجي ء الاشارة إليه.

وأضعف منه القول بوجوب الزكاة في المقام مطلقا كما هو ظاهر الذخيرة ؛ نظرا إلى منع كون المنع من التصرف مانعا مطلقا.

وذكر المحقق الكركي أنّه يحتمل قويا وجوبها مع الشرائط ؛ لأنّ تعلّق الدين بها أضعف من تعلّق الرهن ؛ لأنّ للوارث التصرّف بغير إذن من المدين.

وفي البيان : ويحتمل عندي الوجوب في متعلّق الدين على القول بملك الوارث ، لحصول السبب والشرط أعني إمكان التصرّف. وتعلّق الدين هنا أضعف من تعلّق الرهن.

فيه : أنّ كون تعلّق الدين أضعف من تعلّق الرهن على فرض تسليمه لا يقضي بقدرة الوارث على التصرف من دون أداء الدين سيّما مع عدم قدرة الوارث على الافتكاك ، فالاحتمال المذكور ضعيف.

وأضعف منه ما فصّله في التذكرة لتعلّق الزكاة على فرض وجوبها بالعين ، فلو لم تكن تعلّق حق الديّان مانعا من تعلّقها لوجب في العين وقضى ذلك بصحّة إخراجها منها ، وإلّا لم تجب.

وتملّك الوارث لما يؤديه في الزكاة وعدمه ممّا لا دخل له في تعلّق الزكاة بالمال المفروض ، سيّما مع إعساره وعدم إمكان فكّه بدفع الدين من غيره.

ثمّ إنّه على القول بوجوب الزكاة فيه وجواز الإخراج منه فهل على الوارث ضمان حصّة الزكاة للديّان؟ قولان.

ص: 99

والمحكي عن البيان (1) استقراب غرمه له ؛ نظرا إلى سبق حقّ الديان.

وضعّفه في المدارك (2) ، واستقرب عدم الغرم ، وعلّله بأنّ الوجوب قهريّ (3) كنقص القيمة السوقيّة والنفقة على التركة.

ويضعّفه أنّه إنّما يتمّ إذا كان التأخير من جهة الديّان كما إذا لم يكن حاضرا أو وصّى بالتأخير ، وأمّا إذا كان لامتناع الورثة عن الدفع فلا ؛ لكونهم سببا (4) للنقص على الديان (5) ، وجعله من قبيل نقص القيمة السوقيّة ممّا لا وجه له.

وأمّا النفقة فلم يثبت كونها على التركة مطلقا ، ولو كان التأخير عن امتناع الورثة عن غير حق.

فالأظهر إذن إلحاق ذلك في الصورة المفروضة بإتلافهم لبعض التركة قبل الدفع إلى الديان.

ولا تأمّل هناك في الضمان.

ويمكن أن يفصّل في المقام بنحو آخر ، وذلك بالفرق بين ما إذا كانت الزكاة لازمة في المقام على تقدير الدفع إلى الديّان أيضا ، وما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان النصاب ممّا يعتبر فيه الحول ؛ لهدمه بالدفع إليهم أو تعدد الديانة ولم يكن حصّة كلّ منهم بمقدار النصاب ، فلا غرم على الأوّل لكونها من لوازم المال دون الثاني.

وفيه : أن وجوب الزكاة على الديّان ودفعهم لها ، من أنفسهم غير وجوبها على الورثة ودفعهم لها فلا يسقط الضمان عنهم بمجرّد لزوم الزكاة على الوجهين.

مضافا إلى إمكان عدم وجوب الزكاة على الديّان ببيعه قبل تعلّق الوجوب.

ص: 100


1- البيان : 169.
2- مدارك الأحكام 5 / 154.
3- في ( د ) زيادة « فهو ».
4- زيادة « سببا » من ( د ).
5- زيادة الواو من ( د ).

ثمّ بعد البناء على التغريم هل يتعين على الوارث إخراج الزكاة من غير العين إذا تمكّن منه؟ وجهان ؛ أظهرهما عدمه لتعلّق (1) الزكاة بالعين ، ومعه يسقط حقّ الديان في حصّة الزكاة ، فيغرمه الوارث.

وحكى في المدارك قولا باليقين ؛ إذ لا فائدة في الإخراج من العين ثمّ الغرم.

وضعفه ظاهر ؛ إذ انتفاء الفائدة لا يقضي بوجوب ذلك عليه على أنّه قد يترتب عليه فائدة للورثة.

نعم ، قد يوجّه ذلك بثبوت حقّ الديّان في العين ، فلا يسقط بمجرّد تعلّق الزكاة لإمكان دفعها من الخارج فيستصحب منعهم من التصرّف في العين من دون إذن الديّان.

ويدفعه إذن ما مرّ من الكلام.

وأمّا إذا لم تكن العين الزكويّة موجودة حين الوفاة كما إذا ظهرت الثمرة بعد موته فإن قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميّت إلى أن يستوفي المديون فقد يقال : انّه لا زكاة فيه بالنسبة إلى الميّت ولا الورثة حسبما مرّ.

ولذا أطلق في الشرائع سقوط الزكاة في المقام. ونصّ في المنتهى بسقوط الزكاة ولو حصل تعدد النصاب ؛ معلّلا بأنّها في حكم مال (2) الميت.

ونصّ عليه أيضا في التحرير إلّا أنّه لم يعلّله بذلك.

ويشكل بأنّه إن بني على كون التركة في حكم مال الميّت ولو كانت زائدة على مقدار الدين فالأمر كذلك ، وأمّا (3) إن خصّ ذلك بما يقابل الدين ويساويه فلا يتم التفريع.

وإن قلنا بانتقالها إلى الوارث فقد قطع في المدارك (4) حينئذ بوجوب الزكاة على الوارث لحدوثها في ملكه ، قال : ولا يتعلّق بها الدين فيما قطع به الأصحاب ؛ لأنّها ليست جزء من

ص: 101


1- في ( ب ) : « عدم تعلّق » بدل : « عدمه لتعلّق ».
2- في ( ألف ) : « حال ».
3- في ( د ) : « فامّا ».
4- مدارك الأحكام 5 / 154.

التركة.

وما ذكره رحمه اللّه محلّ منع.

وما جعله من مقطوع الأصحاب لم نعثر عليه ، بل لم نجد من (1) أفتى بعدم تعلّق الدين بها سوى ما في المنتهى (2) حيث حكم بوجوب الزكاة في ثمر النخل لو مات المالك قبل اطلاعها لو قلنا بانتقال الملك إلى الورثة ، لكنّه رحمه اللّه لا يختار ذلك.

ولذا قطع قبل ذلك بقليل لعدم وجوبها في الثمرة وإن زادت على الدين أفضل منها مقدار النصاب.

وفي التذكرة (3) : إن الوجه أن الثمرة للورثة ، لأنّ الدين على ما اخترناه لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلق الدين بها.

وهو كما ترى ليس قطعا بالحكم.

واحتمال كون الثمرة بمنزلة الأصل إذا كان في الدين ما يقابلها وجه وجيه.

وقد قطع في المسالك (4) بعدم الفرق في عدم الوجوب حينئذ بين القول بانتقال التركة إلى الوارث أو أنّها على حكم مال الميّت ؛ لأنّه وإن حكم بانتقالها إليه لكن يمنع من التصرّف فيها قبل الوفاة. وهو يشير إلى ما قلناه ؛ إذ لو خلص له الثمرة على القول المذكور لم يعقل منعه من التصرف فيها وفي نهاية الإحكام (5) : ولو مات قبل بدوّ الصلاح فلا زكاة سواء قلنا بانتقال التركة إلى الوارث أو قلنا إنها على حكم مال الميت ؛ لمنع الوارث من التصرف فيها ، فانتفى شرط الوجوب.

وظاهر إطلاقه يوافق ما حكيناه عن المسالك ، فعلى هذا الوجه ينزل النماء الحاصل بعد

ص: 102


1- ليس في ( د ) : « من ».
2- منتهى المطلب 1 / 498.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 160.
4- مسالك الإفهام 1 / 397.
5- نهاية الإحكام 2 / 318.

الوفاة منزلة التركة ، فإن كان الدين مستوعبا للتركة معها أيضا جرى فيه الكلام المتقدّم ، وإن لم يكن مستوعبا أتى فيه ما سنذكره في غير المستوعب إلّا إذا كانت التركة مساوية للدين أو يحتمل حينئذ اختصاص حق الديّان فيه ، فيكون النماء الحاصل مختصا بالوارث ؛ إذ لا يعقل انتقاله إلى الديان ، وتعلّق حقه به أيضا مخالف للأصل.

نعم ، على القول بكونها في حكم مال الميت يجري ذلك أيضا في النماء. ولا يبعد القول بتعلّق حق الديّان بالنماء أيضا ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات.

ويشير إليه استحقاقه في النماء قطعا على فرض تلف الأصل.

وفي المسالك (1) : إنّ الأولى (2) بناء على الانتقال وجوب الزكاة على الوارث مع بلوغ نفسه (3) ممّا يزيد على الدين نصابا وإن أمكن عروض الضمان عليه بتلف ما قابل الدين فصارت الأقوال في المقام ثلاثة أظهرها الأخير.

واستقرب في الذخيرة القول بوجوب الزكاة في الثمرة بناء على القول بالانتقال إليه ، ولو قلنا بمنعه من التصرف فيه ؛ نظرا إلى منعه منع ذلك من تعلّق الوجوب كما مرّ.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا إذا لم يكن الدين مستوعبا فإن لم يفضل لكلّ من الورثة أو لبعضهم مقدار النصاب فالحال فيه كصورة الاستيعاب.

وإن فضل فإن قلنا ببقاء التركة قبل أداء الدين على حكم مال الميّت ولو مع زيادتها عليه ، فلا زكاة مطلقا. وكذا إن قلنا بالانتقال إلى الوارث ومنعه من التصرف مطلقا قبل الأداء ؛ لاحتمال التلف قبل الوفاء.

وقد نصّ في المنتهى (4) والتحرير (5) على سقوط الزكاة حينئذ عن الوارث معلّلا له في

ص: 103


1- مسالك الإفهام 1 / 397 ، وفي ( ألف ) : المدارك ، والصحيح ما أدرجناه.
2- في ( ألف ) : « الأوّل ».
3- في ( ألف ) : « نصيبه ».
4- منتهى المطلب 1 / 498.
5- تحرير الأحكام 1 / 375.

الأول بأن التركة على حكم مال الميّت وإن قلنا بعدم حجره فيما زاد على مقدار الدين كما هو الاظهر ؛ بل المتعيّن فيما إذا لم يتمكن من الدفع إلى الديّان فلا إشكال في وجوب الزكاة في القدر الزائد.

وقد نصّ في نهاية الإحكام (1) على وجوب الزكاة فيه ويمكن القول به بناء على كون التركة في حكم مال الميّت.

والقول بانتقالها إلى الورثة لإمكان القول بذلك فيما يساوى الدين خاصة دون ما يزيد عليه كما أنّه يصح الحكم ، ينبغي الزكاة فيه على القولين كما أشرنا إليه.

فما في البيان (2) من تفريع ثبوت الزكاة فيه على القول الثاني وعدمه على القول الأول غير واضح.

وأما ما يقابل الدين من التركة فيجري فيه الكلام المتقدم بعينه.

ولو حصل له نماء زكوي جرى فيه أيضا ما قدّمناه.

إلّا أن يمكن القول هنا بوجوب الزكاة في التركة مطلقا إلا أن يبقى منها مقدار الدين ؛ إذ لا يتعين شي ء منها للدين ، فللوارث التصرف في كل جزء منها إلى أن يبقى منها مقدار ما يحصل به الوفاء.

هذا على القول بانتقال التركة إلى الوارث لحصول الملكية حينئذ مع القدرة على التصرف بالنسبة إلى كل جزء منها ، وإن لم يكن قادرا على التصرف في الكل.

ومن هنا يقوم احتمال وجوب الزكاة فيما إذا لم يكن الفاضل على الدين مقدار النصاب أيضا ؛ نظرا إلى حصول التمكن من التصرف في النصاب بالنسبة إلى كل جزء منه ، إلّا أنّه موهون بعدم صدق التمكن من التصرف في النصاب عرفا.

وأما على القول بعدم انتقالها إلى الوارث فلا يتم ذلك ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى ما

ص: 104


1- نهاية الإحكام 2 / 318.
2- البيان : 169.

يقابل الدين.

ثم إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين ما إذا كانت العين الزكوية من الغلات أو غيرها ؛ لاتحاد المناط في الكل وإن كان المفروض في كلام كثير منهم فرض المسألة في خصوص الغلات.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّه لو كان هناك من يدعي دينا على الميت فلا حجز على الورثة من التصرف قبل إثباته ، فإن عجز عن الإثبات فلا كلام ، وإن صالحه الورثة بشي ء من التركة كان ذلك بمنزلة انتقال جديد عنهم ، وإن أثبته بعد تعلق الوجوب فإن نقص به حق كل من الورثة عن النصاب كشف ذلك عن سقوط الزكاة ، وإلّا ففي كشف ذلك عن منعهم من التصرف والاكتفاء به في سقوط الزكاة وجه قويّ ؛ نظرا إلى استحقاق الغير فيه ، فهو نظير ما لو رهنه المورث ولم يعلم به الورثة إلّا بعد إثبات المرتهن.

ويحتمل القول بالوجوب لانتقاله إلى الورثة وتمكّنهم من التصرف فيه في ظاهر الشريعة ، فيتعلق به الزكاة.

نعم ، لو قلنا بعدم انتقال المال إلى المورث في مقدار الدين فلا إشكال في سقوط الزكاة لكشفه عن انتفاء الملكية.

ثانيها : أنّه لا يجري ما ذكرناه من سقوط الزكاة بسبب الحجر في حجر المريض عن التصرف فيما يزيد على الثلث أو لا يتعلق الحجر المذكور على القول به إلّا بنحو خاص من التصرف ؛ لأنّه يصدق به كونه ممنوعا من التصرف في المال مطلقا فلا يندرج تحت ما عرفت من الأدلة القاضية بسقوط الزكاة فيما لا يتمكّن من التصرف فيه.

وأما حجز السفيه فالظاهر عدم منعه من تعلق الزكاة بلا خلاف يظهر فيه.

ص: 105

نعم ، في التذكرة (1) : وهل يجب على السفيه؟ الوجه ذلك ، وهو بما يشعر باحتماله سقوط الزكاة فيه إلّا أنّه احتمال ضعيف ؛ لوضوح اندراجه في العمومات وقيام الولي مقامه في التصرفات ، فيكون المال عنده بمنزلة المال في يد الوكيل وليس الحجر عليه لحق الغير ، بل للمحافظة على ماله ، فلا يندرج فيما دل على انتفاء الزكاة مع انتفاء التمكن من التصرف ؛ إذ الظاهر عدم شموله لمثل ذلك.

نعم ، لو لم يتمكن الولي من التصرف فيه قوي انتفاء الزكاة سواء تمكن السفيه من التصرف فيه أو لا ؛ إذ لا عبرة شرعا بتصرفه.

ولو تغلب السفيه على الولي فقبض المال منه ففي تعلق الزكاة بماله وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ إذ الظاهر تعلق الوجوب به وإن تولى الولي إخراجها ؛ إذ لا منافاة بين الأمرين ، والحال فيها كسائر الواجبات المالية المتعلقة بأمواله.

والقول بسقوط جميع تلك الواجبات عنه وتعلّقها بالولي خاصة بعيد جدا.

وحينئذ فاستناد السقوط إلى فعله بارتفاع تمكّن الولي من جهته بعيد.

وقد يقال حينئذ بكونه متمكّنا من التصرف في المال بتمكين الولي منه ، فتأمّل.

ويتفرع على ما قلناه أنّه لو علم السفيه بوجود المال دون الولي وجب عليه الزكاة ، ولزمه إعلام الولي ليدفعها عنه بخلاف ما لو قلنا بكون المناط فيه ملاحظة حال الولي.

ومنها : لو امتنع من عليه التصرف في العين من جهة اشتراط ما ينافيه في العقد اللازم سواء كان في ضمن العقد الناقل لعينه أو في ضمن عقد آخر ، كما إذا باعه العين الزكوية وشرط عليه أن يبقي العين عنده مدة معلومة ، فلا زكاة عليه في تلك المدة.

ولا يجري في الحول قبل مضيّها ؛ لعدم تمكنه شرعا من التصرفات الناقلة للعين ؛ لتعلق حق الغير حينئذ من جهة الاشتراط ، بناء على وجوب الوفاء بالشروط المذكورة ، ومن ذلك وجوب إبقائه المشتري لعين المبيع وعدم جواز تصرفه فيها بما ينقلها عنه أو يوجب إتلافها في

ص: 106


1- تذكرة الفقهاء 5 / 16.

زمن الخيار المشترط للبائع ؛ فإنه إنّما يثبت ذلك من جهة اشتمال اشتراط الخيار على الاشتراط المذكور بحسب فهم العرف ؛ نظرا إلى جريان الطريقة على ذلك بحيث يفهم ذلك عرفا من اشتراط الخيار ، لا أنّ مجرد وجود الخيار قاض بالمنع منه ؛ نظرا إلى كونه حقا للغير ثابتا فيه ، فلا يجوز التصرف بما ينافيه ؛ لوضوح أن تصرفه في العين لا يقضي بسقوط خيار الآخر وإن أسقط خياره في العين. ولا اختصاص للخيار الثابت له في العقد بذلك.

فغاية الأمر رجوعه عليه بعد الفسخ بعوضه من مثله أو قيمته. كيف ولو كان مجرد ثبوت الخيار قاضيا بذلك لجرى في غير خيار الشرط من سائر الخيارات كخيار الغبن والعيب وتفريق الصفقة وغيرها.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول فيها بذلك.

ثم إنّ المنصوص في كلام جماعة من الأصحاب جريان النصاب في الحول أو وجوب الزكاة فيه في زمن الخيار الحاصل للبائع ، أو له وللمشتري.

وقد أفتى به الفاضلان في الشرائع (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5) والقواعد (6) ونهاية الإحكام (7) والشهيد في الدروس (8) والبيان (9) وغيرهم.

والظاهر ابتناء ذلك على جواز تصرفات المالك فيه مع حصول الخيار كما هو أحد القولين في المسألة.

ص: 107


1- شرائع الإسلام 1 / 106.
2- المعتبر 2 / 562.
3- منتهى المطلب 1 / 478.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 24.
5- تحرير الأحكام 1 / 350.
6- قواعد الأحكام 1 / 330.
7- نهاية الإحكام 2 / 314.
8- الدروس 1 / 230.
9- البيان : 167.

وقد نص عليه في الإيضاح (1) حيث علّل جريانه في الحول من حين العقد بتمكنه من سائر التصرفات بالعقد ، لكن قطع العلامة في القواعد (2) بعدم جواز تصرفاته من البيع والهبة والوقف.

وفي الدروس (3) أنّ فيه وجهين.

وحينئذ فالقطع بثبوت الزكاة في المقام لا يوافق ما تقرّر عندهم من اشتراط الوجوب بإمكان التصرف.

ولذا اتّجه في المسالك (4) قول الشيخ ، وإن لم يقل بصحة مبناه ؛ لابتنائه عنده على عدم حصول إمكان التصرف في المقام على حسبما قرّرناه.

ويتفرع على ذلك عدم وجوب الزكاة هنا لا على البائع ولا على المشتري ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى أحدهما وانتفاء التمكن من التصرف بالنسبة إلى الآخر.

وقد نبّه عليه في المدارك (5) أيضا ، قال : فإن ثبت أنّ ذلك - يعني عدم التمكن من التصرف - مانع من وجوب الزكاة اتّجه [ اعتبار ] انتفاء خيار [ البائع لذلك ] (6).

وهذا هو المتّجه حسبما قرّرناه.

فما في الذخيرة (7) من أنّ منع المشتري من التصرفات المنافية لخيار البائع كالبيع والهبة والإجارة يقتضي عدم صرف الزكاة في الفقراء إلّا بعد انقضاء الخيار ، لا عدم جريانه في الحول قبله ليس على ما ينبغي.

وما ذكره مبني على عدم منع المنع من التصرف من وجوب الزكاة.

ص: 108


1- إيضاح الفوائد 1 / 169.
2- قواعد الأحكام 1 / 330.
3- الدروس 1 / 230.
4- مسالك الإفهام 1 / 360.
5- مدارك الأحكام 5 / 29.
6- الزيادات من المصدر.
7- ذخيرة المعاد 3 / 423.

وقد عرفت ضعفه من ذلك ما لو باعه جنسا زكويّا في الذمّة وشرط عليه أداءه من عين معلومة مع عدم زيادة ذلك العين عن المبيع بمقدار النصاب ؛ نظرا إلى تعيّن صرفها في ذلك (1) وعدم جواز إتلافه لها لو (2) تصرّفه فيها بسائر الوجوه المنافية لدفعها إليه ، سيّما إذا لم يف الحاصل بوفاء الدين وأداء الزكاة فلا يتعلّق به الزكاة مع سبق الحق الآخر.

ولا فرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول وغيره.

وقد يشكل ذلك بأنّ مجرّد الاشتراط المذكور لا يقضي بارتفاع سلطان البائع على ما شرط الدفع منه حسبما ذكر. غاية الأمر أن يجب عليه مراعاة ذلك ، وهو لا يقضي بفساد تصرّفاته في العين وإن كانت محرّمة.

ومجرّد ذلك لا يقضي بارتفاع الزكاة. كيف ، ولو كان صرف المال في مصرف معيّن مانعا من الزكاة لزم أن لا يتعلّق الزكاة بمال المديون إذا لم يتمكّن من أداء الدين إلّا بدفع ما عنده من النصاب ، وكان الديّان متقاضيا لحقّه ؛ لعدم تمكّنه من التصرّف فيه إلّا في الوجه المذكور مع إطباق الأصحاب على خلافه.

نعم ، هناك خلاف للعامّة قد أشاروا إليه وحكموا بفساده.

ويدفعه أنّ هناك فرقا بيّنا بين المقامين ؛ لتعلّق حق المشتري هنا بالعين ، نظرا إلى الاشتراط المذكور دون ما إذا انحصر أداء الحق في دفع النصاب ؛ إذ لا يتعلّق الحق حينئذ بالعين ، وإن تعيّن رفعها (3) في ذلك ، فلا مانع فيه من تعلّق الزكاة بالعين بخلاف ما نحن فيه.

ولو زادت العين المفروضة عن القدر المشترط بمقدار النصاب وجبت الزكاة في الزائد ؛ لانتفاء المانع وسقطت القدر المشترط لما عرفت.

وقد يستشكل فيه من جهة حصول التمكّن من التصرّف بالنسبة إلى كلّ جزء ؛ نظرا إلى تخييره في التعيين.

ص: 109


1- الواو زيدت من ( د ).
2- في ( د ) « أو ».
3- في ( د ) : « دفعها ».

وفيه : أنّ ذلك لا ينافي صدق كونه ممنوعا من التصرّف في ذلك المقدار.

كيف ، وهو ممنوع من التصرف في المجموع ، وليس ذلك إلّا لامتناع تصرّفه في ذلك البعض ، ولا يقضي ذلك بامتناع تصرّفه في الجميع ؛ ليكون قاضيا بسقوط الزكاة عليها (1) بالمرّة كما لا يخفى.

ولو تلف حينئذ شي ء من ملك العين فإن كان قبل حلول الحول ولم يكن الزائد حينئذ بمقدار النصاب فلا زكاة فلا زكاة بالمرة بالمرّة ، وإن كان بعد حلوله قضى ذلك بسقوط الزكاة عن العين بالنسبة ، وإن كان الباقي بمقدار وفاء الحق أو دونه قسط عليه وعلى الزكاة.

وفي وجوب دفع الزكاة حينئذ من غير العين وجه قوي.

فإن لم يدفع أو لم يتمكّن منه تخيّر المشتري لانتفاء الشرط أو في الثاني بأداء الحق ، وإلا تخيّر مطلقا.

وأمّا القسم الثاني فيندرج فيه أيضا أمور :

منها : نذر الصدقة بعين النصاب ، سواء تعلّق به بخصوصه أو اندرج في جملة المنذور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب - من غير خلاف يعرف فيه - على سقوط الزكاة حينئذ عن النصاب : منهم الشيخ في المبسوط ، والمحقّق في الشرائع (2) والمعتبر ، والعلامة في المنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5) والقواعد (6) ونهاية الإحكام (7) ، وولده في الإيضاح (8) ، والشهيدان في

ص: 110


1- في ( د ) : « عنها ».
2- شرائع الإسلام 1 / 106.
3- منتهى المطلب 1 / 478.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 25.
5- تحرير الأحكام 1 / 349.
6- قواعد الاحكام 1 / 330.
7- نهاية الإحكام 2 / 305.
8- إيضاح الفوائد 1 / 169.

البيان (1) والمسالك (2) والروضة ، والمحقق الكركي (3) وصاحب المدارك (4) وغيرهم.

وذلك لتعيّن صرفه في النذر وعدم جواز صرفه في غير ذلك ، فلا يتمكّن من التصرّف فيه ، وإن تعيب الملكيّة كما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة في التذكرة والنهاية ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد في المدارك.

وربّما يظهر من المنتهى خروجه عن الملك بمجرّد ذلك. وكأنه أراد به الملك التام.

وقد يشكل في المقام أن القدر الثابت بالنذر إنّما هو وجوب صرفه في المصرف المنذور.

وهو لا يقضي بعدم صحّة سائر التصرفات المتعلّقة به ممّا يخالف ذلك إذا قضاه وقوع الحنث به.

وهذا المقدار وغيره كاف (5) في سقوط الزكاة. كيف ، ولو كان تعيّن المصرف شرعا موجبا لنقص الملكيّة والخروج عن التمكّن من التصرّف لجرى في مواضع لا يقولون به كما مرّت الإشارة إليه.

نعم ، لو قلنا بفساد بيع المنذور وسائر التصرفات المخالفة لجهة النذر تمّ ذلك ، لكن لم نجد إلى الآن دليلا صالحا يفي بذلك لاندراجه في الإطلاقات ، والنهي إنّما تعلّق به لأمر خارج عن حقيقة المعاملة ، فلا يقضي بالفساد.

وقد يعلّل ذلك بوجه آخر ، وهو أن يقال : إنّه بعد تعلّق النذر بالنصاب وانعقاده يتعيّن عليه شرعا صرفه في ذلك فلا يجوز (6) صرفه في غيره ، ومن جملته الصرف في الزكاة ، فلا مجال لتعلّق الزكاة به.

ص: 111


1- البيان : 166.
2- مسالك الإفهام 1 / 360.
3- جامع المقاصد 3 / 7.
4- مدارك الأحكام 5 / 31.
5- في ( ب ) : « المقام » بدل : « المقدار وغيره كاف ».
6- في ( د ) : زيادة « له ».

وكأنّ هذا مراد صاحب المدارك (1) حيث قطع في المقام بسقوط الزكاة معلّلا بتعيّنه للصدقة وامتناع التصرف فيه بغيرها ؛ نظرا إلى عدم قيام دليل عنده على اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرف فيه على سبيل الإطلاق ليجري عليه في موارده.

ولذا استشكل في مقامات عديدة بعد تسليمه عدم إمكان التصرف شرعا.

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ لو ثبت تعيّن صرفه في ذلك ولو بعد حولان الحول. ولا دليل عليه سوى الإطلاق.

وهو معارض بإطلاقات (2) الزكاة الموجبة لصرف حصّة منه في مصرف الزكاة.

ويمكن ترجيحها بأنّ وجوب الزكاة إنّما ثبت بأصل الشرع ، فلا يعارضه الوجوب العارضي ؛ فإن تلك الأسباب إن صارف (3) محلا قابلا أثرت فيه وإلّا فلا.

ألا ترى أنّه لو عارض الزكاة وجوب صرف المال في سائر الوجوه لم يمنع من وجوبها ، فالاحتجاج المذكور منقوض بذلك ، فالأحسن الاستناد في ذلك إلى تعلّق ذلك (4) الحق بالعين ( وإن قلنا بعدمه اقتضائه فساد التصرفات المتعلقة بها ، وذلك لأن تعل ذلك الحق بالعين ) (5) ينافي قبولها لتعلّق الزكاة بها ؛ للمنافاة الظاهرة بين الأمرين.

هذا ، وليس في كلام جماعة من الأصحاب كالديلمي والقاضي والحلبي وابن زهرة والحلّي تعرّضا لنفي الزكاة من جهة تعلّق النذر. وربّما يشعر ذلك بنفيهم منعه من تعلّق الزكاة إلّا أنّه ليس فيه دلالة ظاهرة على ذلك ليصحّ عدّ ذلك خلافا في المقام (6).

ص: 112


1- مدارك الأحكام 5 / 31.
2- في ( د ) : زيادة « له ».
3- في ( د ) : « صادف ».
4- ليس في ( د ) : « ذلك ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- في ( د ) زيادة « فتأمل ».
[ تتمّة ]

ولنتمّ الكلام في المرام بذكر أمور :

أحدها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين نذر الصدقة أو الصرف في غيرها من وجوه البرّ وغيرها كدفعه عن الزكاة الواجبة عليه أو الخمس أو صرفه في صلة الأرحام ومئونة الأضياف أو في قضاء ما عليه من الدين ونحو ذلك ؛ لاتحاد المناط في الجميع.

ولو نذر أن لا يخرجه عن ملكه أو نذر بيعه أو إجارته ونحو ذلك ففي تسرية الحكم إشكال.

ولم أجد في كلامهم تصريحا بالتعميم.

ثم إنّه لا فرق في ذلك بين النذر والعهد واليمين لاشتراك الكلّ في المعنى.

ثانيها : لو علّق النذر على شرط متوقع كقدوم مسافر أو شفاء مريض ففي جريان الحكم المذكور قبل حصول الشرط قولان ؛ فالمختار عند جماعة منهم العلّامة في النهاية (1) ، وولده في الايضاح (2) ، والمحقق الكركي (3) سقوط الزكاة.

وحكى في الايضاح قولا بعدم سقوطها.

واستشكل فيه في التذكرة (4).

وتنظر فيه في القواعد (5) والمسالك.

ومبنى المسألة على أن النذر المفروض هل يقضي بالمنع من التصرف في المنذور قبل حصول الشرط أو لا؟ فمنهم من حكم بذلك ، فيتفرع عليه سقوط الزكاة ؛ لما عرفت من اشتراط التمكّن من التصرف في وجوبه.

ص: 113


1- نهاية الإحكام 2 / 305.
2- إيضاح الفوائد 1 / 169.
3- جامع المقاصد 3 / 7.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 26.
5- قواعد الأحكام 1 / 331.

وتأمّل فيه في المدارك (1) مع حكمه بمنعه من التصرّفات المانعة لأداء المنذور ؛ نظرا إلى تأمّله في مانعيّة المنع من التصرّفات لوجوب الزكاة مطلقا ، فقال : إن ثبت كون ذلك مانعا لوجوب الزكاة كما ذكره الأصحاب انقطع الحول بمجرّد النذر ، وإلّا وجبت الزكاة مع تمامه ، وكأنّ القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط.

وأنت خبير بأنّ المنع الشرعيّ من التصرف في المال إن كان من جهة تعلّق الحق بالعين أمكن جعله مانعا من وجوب الزكاة كما مرّ.

وأمّا مجرّد وجوب تبعيّة المال لصرفه في (2) مصرف معين من غير تعلّق الحقّ بالعين فليس مانعا من تعلّق الزكاة ، فإن قلنا بكون تعلّق النذر في المقام موجبا لتعلّق حق بالعين مانع من التصرف فيها اتّجه القول بنفي الزكاة هنا.

وإن لم نقل بتعلّق حقّ بالعين لكن أوجبنا إبقاءها استظهارا لتمكّن الوفاء بالنذر (3) ، وبعد تحقّق ما علّق عليه فلا وجه لانتفاء الزكاة لما عرفت.

فالشأن على القول بمنع المالك من التصرف في العين في تعيين أحد الوجهين المذكورين.

وكأنّ الأظهر هو الأوّل ؛ انصرافا للنذر المفروض عرفا إلى نذر الإتيان بالفعل المذكور عند حصول ما علّق عليه ونذر إبقائه إلى الوقت الذي يمكن فيه حصول ذلك كما مرّ نظيره في اشتراط الخيار في وقت معيّن - مطلقا أو عند حصول فعل معين معلوم - فإذا انعقد النذر المفروض بتحقّق شرائط النذر تعلّق الحق بالعين ، وكانت مستحقّة للإبقاء ، فلا يمكن تعلّق الزكاة بها.

ثالثها : لو جعل المال المعيّن صدقة بالنذر أو جعل الأغنام المعيّنة ضحايا سقطت

ص: 114


1- مدارك الاحكام 5 / 32.
2- في ( ألف ) : « لضرورة » بدلا من « لصرفه في ».
3- في ( د ) « بالمنذور ».

الزكاة بالأولى ، كما (1) ذكره في القواعد (2) والتذكرة (3) ونهاية الإحكام (4) والمسالك (5).

وعلّله في الثلاثة الأخيرة بخروجه بذلك عن الملك قاطعا به.

وقد قطع به في البيان (6) أيضا ، وألحق به ما لو نذر مطلقا ثمّ عيّن.

وفي المدارك (7) : وأولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر ؛ لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب.

قلت : لو تمّ ما ذكروه من خروجه عن الملك بذلك فلا إشكال ، لكنّ الشأن في إثباته.

وما في المدارك من كونه مقطوعا به عند الأصحاب غير ظاهر ؛ إذ لم نجد من قطع به سوى العلّامة في عدة من كتبه ، والشهيدان في البيان والمسالك.

وقد تردّد في الدروس (8) في كتاب النذر في خروجه عن الملك بمجرّد ذلك.

والمسألة مشكلة ، ولتفصيل الكلام فيها مقام آخر.

ثمّ على القول به ففي تملّك التصدق عليه إذا كان معينا بمجرد ذلك إشكال أيضا. ويثمر ذلك في وجوب الزكاة عليه مع حصول سائر الشرائط بالنسبة إليه.

رابعها : لو تعلّق النذر بكلّيّ في الذمة لم يمنع من وجوب الزكاة فيما ملكه من جنس المنذور ، ولو فرض انحصار الوفاء بدفعه ؛ نظرا إلى عدم تعلّق الحق بالعين ، فهو نظير الدين إذا انحصر الوجه في أدائه بدفع ما ملكه من العين.

وقد نصّ على عدم وجوب الزكاة حينئذ جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في

ص: 115


1- زيادة « كما » من ( د ).
2- قواعد الأحكام 1 / 331.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 26.
4- نهاية الإحكام 2 / 305.
5- مسالك الإفهام 1 / 361.
6- البيان / 166.
7- مدارك الأحكام 5 / 31.
8- الدروس 2 / 155.

البيان (1) والمسالك (2).

ولو عيّن شيئا من جنس المنذور لأدائه ففي تعيّنه لذلك قبل دفعه ليتعلّق الحق بعينه وجهان ؛ أجودهما العدم ؛ للأصل مع عدم قيام دليل صالح على التعيين (3).

وقد مرّ عن البيان إلحاقه بما إذا تعلّق النذر بالعين.

وكأنّ الوجه أن الحق إذا تعلّق بكلي في الذمة كان تعيينه موكولا إلى اختيار المكلف كما في زكاة المال وزكاة الفطرة.

وفيه : أنه لا كلام في كون تعيينه باختيار الناذر ، وإنّما الشأن في حصول التعين بذلك ولا يلزم من اختياره في التعيين حصول التعين به بنفسه قبل دفعه ، وقضيّة الأصل عدمه. وثبوت الحكم في الزكاة لا يقضي بجريانه في غيرها مع عدم قيام دليل على التعميم.

خامسها : لو تعلّق النذر بجزء مشاع من الأغنام أو بأغنام معينة منها ، فإن لم يكن الباقي بمقدار النصاب جرى فيه الكلام المذكور ، وإن كان الباقي بمقدار النصاب ثبت فيه الزكاة (4).

ص: 116


1- البيان : 166.
2- مسالك الإفهام 1 / 361.
3- في ( د ) « التعيّن ».
4- في ( د ) « بياض الاصل ».

الباب الثاني: في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها وما يلحق بذلك من الأحكام

اشارة

الباب الثاني (1)

في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها

وما يلحق بذلك من الأحكام

تبصرة: [ في بيان ما يجب الزكاة فيه ]

إنّما تجب الزكاة في الأجناس التسعة أعني الأنعام الثلاث ، والغلّات الأربع ، والنقدين دون ما عداها من الأجناس.

أما وجوبها في الأجناس المذكورة فممّا انعقد عليه إجماع الأمة والروايات المستفيضة بل متواترة ، بل لا يبعد عدّه من الضروريات في الجملة.

وأما عدم وجوبها في غيرها هو المعروف من المذهب ، بل لا نعرف فيه مخالفا ممن تأخر عن الاسكافي.

وقد حكى الإجماع عليه في الغنية والذخيرة (2).

وفي المنتهى (3) : إنّه مذهب علمائنا أجمع.

ونحوه ما في التذكرة (4) في الثمار والغلات عدا الأجناس الأربعة والورس والعسل

ص: 117


1- لم يذكر المصنف قدس سره عنوان الباب الأول ، فتدبّر.
2- في ( د ) : « وغيره » ، بدلا من : « الذخيرة ».
3- منتهى المطلب 1 / 474.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 175.

والزيتون والأزهار كالزعفران والقطن.

وفي النهاية (1) : إنّما تجب الزكاة عند علماء آل محمد صلى اللّه عليه وآله في تسعة أجناس.

وفي المعتبر (2) : إنّه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد. وحكى الشيخان في الكافي (3) والإستبصار عن يونس بن عبد الرحمن أنّ ذلك أنما كان في أوّل النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ، ثمّ زاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيها سبع ركعات وكذلك الزكاة وضعها وسنّها في أوّل نبوته على تسعة أشياء ثمّ وضعها على جميع الحبوب.

وعن الإسكافي القول بوجوب الزكاة في أرض العشر في كلّ ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرّة وسلت وسائر الحبوب.

وظاهر كلامه اختصاص الوجوب بما يحصل من أرض الخراج.

وظاهر (4) المحكي عن يونس تعميم الحكم.

وكيف كان فهما ضعيفان ملحوقان بالاتفاق على خلافه ، لأن تخصيص الحكم بأرض الخراج ممّا لا شاهد عليه في الأخبار.

ثمّ إن الروايات الدالّة على خلافهما كثيرة جدا وفيها المعتبرة.

نعم ، هناك روايات أخر مستفيضة يدلّ على ثبوت الزكاة في غيرها أيضا كقول الصادق : عليه السلام « كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب » (5).

وفي مكاتبة علي بن مهزيار والصحيحة : « الزكاة في كلّ شي ء كيل » (6).

وفي صحيحة أخرى : « وأمّا الأرز فما سقت السماء العشر وما سقى بالدلو فنصف العشر

ص: 118


1- نهاية الإحكام 2 / 321.
2- المعتبر 2 / 493.
3- الكافي 3 / 509 ، باب ما وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته الزكاة عليه ح 2.
4- لم ترد في ( ب ) : « وظاهر ... بأرض الخراج ».
5- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 4.
6- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكّى من الحبوب ح 4 ، وسائل الشيعة 9 / 61 باب استحباب الزكاة فيما سوى الغلات الأربع من الحبوب التي تكال ح 1.

فكلّ (1) ما كيلت بالصاع أو قال كيل بالمكيال (2).

وفي خبر آخر بعد حكمه عليه السلام بثبوتها في عدّة من الحبوب : « وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (3). إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الروايات كما ترى غير صريحة في الوجوب ، ولذا حملها الأصحاب على الندب لدلالة تلك الأخبار على انتفاء الوجوب.

وقد يحتمل بعد حملها على التقيّة فإنّ القول بالوجوب في ذلك من مذاهب العامة ، وفي غير وأحد من الأخبار شهادة عليه :

ففي مرسلة القماط ، عن الصادق عليه السلام بعد حكمه باختصاص الزكاة بالأجناس التسعة والعفو عمّا سواها فقال السائل : والذرّة؟ فغضب عليه السلام قال : « كان واللّه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دائما السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإنّما وضع على تسعة أشياء لما لم يكن بحضرته غير ذلك! فغضب عليه السلام وقال : « كذبوا فهل تكون العفو إلّا عن شي ء قد كان؟! لا واللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (4).

وفي هذه الرواية وغيرها تصريح ببطلان ما ذهب إليه يونس ، وحمل عليه ما دلّ على نفي الزكاة في غير التسعة.

ثمّ إنّ المدار في كلّ من الأجناس التسعة على التسمية العرفية ، فالحنطة والشعير يعمّان جميع أنواعهما ممّا يندرج في إطلاق الاسم عرفا على سبيل الحقيقة.

وفي شمول الحنطة للعلس - بفتحتين - والشعير للسلت - بالضم فالإسكان - وعدمه خلاف بين الأصحاب ، فذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والخلاف ، والحلي في السرائر ،

ص: 119


1- في ( د ) : « في كل ».
2- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحيوب ح 5.
3- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحيوب ح 6.
4- الخصال : 421.

والشهيدان في البيان (1) والمسالك (2) والروضة (3) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد (4) إلى الأوّل.

وبه قطع في الإيضاح (5) في السلت. وظاهر كلامه يعطي قوله باندراج العلس أيضا.

وفي المبسوط (6) : إنّ العلس ضرب من الحنطة تكون منه حبتان في كمام فيترك كذلك ؛ لأنّه أبقى له حتّى يراد استعماله فيلقى في رحى خفيفة فيلقى منه كمامه ويصير حبا.

وفي السرائر (7) : إن العلس ضرب من الحنطة إذا دبس بقي كلّ حبتين في كمام.

ثمّ لا يذهب عليك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، وبقاؤها في كمامها ، ويظن أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف.

وقال في السلت : إنه شعير لونه لون الشعير وطعمه طعمه إلّا أن حبّه أصغر من حبّ الشعير.

وقد احتجّ على ذلك في البيان (8) وجامع المقاصد (9) والمسالك (10) بنص أهل اللغة عليه.

وقد قطع أكثر هؤلاء بالحكم من غير تأمّل فيه. وحكم في جامع المقاصد بضعف القول بعدم الاندراج. وذهب آخرون إلى عدم شمول الحكم لها منهم الفاضلان في الشرائع (11)

ص: 120


1- البيان : 171.
2- مسالك الإفهام 1 / 390.
3- الروضة البهية 2 / 14.
4- جامع المقاصد 3 / 22.
5- إيضاح الفوائد 1 / 183.
6- المبسوط 2 / 174.
7- السرائر 1 / 428.
8- البيان : 171.
9- جامع المقاصد 3 / 23.
10- مسالك الإفهام 1 / 390.
11- شرائع الإسلام 1 / 116.

والتذكرة (1) والتحرير (2) والمختلف (3).

ويلوح ذلك من صاحب المدارك (4). واختاره جماعة من متأخري المتأخرين.

وبه قال الشيخ في السلت في النهاية (5) حيث عدّه في جملة الحبوب التي يستحب فيها الزكاة.

وتوقّف في المعتبر (6) بعد ما حكى القول بالاندراج فيهما عن الشيخ وبعض أهل اللغة.

وربّما يلوح ذلك من الدروس حيث أسند الحكم باندراجهما فيهما إلى الشيخ.

وفي كلام أهل اللغة أيضا اختلاف في ذلك ؛ ففي الصحاح (7) : إن العلس ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء.

ونحوه ما في القاموس (8).

وفي المصباح المنير : إنه نوع من الحنطة تكون في القشر منه حبّتان ، وقد تكون واحدة أو ثلاث.

وعن ابن دريد (9) : إن العلس حبّة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ.

وعن بعضهم : هو مثل البرّ إلّا أنه عسر الانقاع.

وظاهر الأخيرين مغايرته للحنطة.

وفي الصحاح (10) : ان السلت ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنّه الحنطة تكون في الحجاز.

ص: 121


1- تذكرة الفقهاء 5 / 178.
2- تحرير الأحكام 1 / 355.
3- مختلف الشيعة 3 / 187.
4- مدارك الأحكام 5 / 130.
5- النهاية : 176.
6- المعتبر 2 / 497.
7- الصحاح 3 / 952 ( علس ).
8- القاموس المحيط 2 / 232 ( علس ).
9- أنظر مدارك الأحكام 5 / 131.
10- الصحاح 1 / 253 ( سلت ).

وفي القاموس (1) : السلت الشعير أو ضرب منه (2) أو الحامض منه.

وفي المغرب : (3) إنّه شعير لا قشر له يكون بالحجاز.

وعن ابن فارس : (4) إنّه ضرب من الشعير رقيق القشر صغار الحبّ.

وعن الأزهري : (5) إنّه حبّ بين الحنطة والشعير ، ولا قشر له كقشر الحنطة ، فهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته.

وعن ابن دريد : (6) السلت حبة يشبه الشعير أو هو بعينه.

وعن ابن الصلاح : إنه قال الصيدلاني : هو كالشعير في صورته كالقمح (7) في طبعه.

وهذا بظاهره مخالف لما ذكره الأزهري ، وهو الموافق لما يوجد في كلام الفقهاء بين (8) احتمال ضمّه إلى الشعير ؛ لموافقته له صورة ، واحتمال ضمّه إلى الحنطة لاتفاقهما تبعا.

وكيف كان ، فظاهر الجماعة الأخيرة عدم اندراجه في الشعير.

فقد ظهر ممّا قلناه (9) من كلمات الأصحاب ونقلة اللغة أنّ الحكم فيهما محلّ إشكال إلّا أنّ الأظهر عدم وجوب الزكاة فيهما ؛ للأصل بعد (10) عدم وضوح اندراجهما في الحنطة والشعير على سبيل الحقيقة ؛ لما عرفت من اختلاف كلمات أهل اللغة مع احتمال حمل كلام (11) الحاكمين بالاندراج على إرادة مطلق الإطلاق ، ولو على سبيل التوسعة ؛ نظرا إلى الموافقة في الصورة كما

ص: 122


1- القاموس المحيط 1 / 150 ( سلت ).
2- لفظتا « منه » من ( د ).
3- انظر جواهر الكلام 15 / 206.
4- نقل في هامش مسند أبي يعلى 2 / 68.
5- نقل في هامشى مسند أبي يعلى 2 / 68 والموطأ 1 / 272.
6- انظر مدارك الأحكام 5 / 131.
7- أنظر جواهر الكلام 15 / 206.
8- في ( د ) : « من ».
9- في ( د ) : « نقلناه ».
10- في ( ب ) : « بعدم ».
11- في ( ب ) : « اختلاف ».

قد يشهد له ملاحظة العرف أنّه لا ينصرف الإطلاق إلى ما يعمهما قطعا.

وبعد تسليم اندراجهما في الحنطة والشعير على سبيل الحقيقة فلا ينبغي التأمل في عدم اندراجهما في الإطلاقات الواردة في الزكاة ؛ لما هو معلوم بملاحظة العرف من انصراف الإطلاق إلى غيرهما كما أشرنا إليه.

وهو كاف في المقام ، وإن كان التبادر إطلاقيا ، ولذا لا يحكم بإرادة (1) ما يشملهما عند إطلاق الحنطة أو (2) الشعير في الوصايا والأقارير وغيرهما. مضافا إلى أنّهما مع عدم اندراجهما في إطلاق اللفظين يدخلان في عموم ما عدا الأشياء التسعة المذكورة المنصوص في تلك النصوص بعفو الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ويدلّ عليه أيضا ظاهر الموثق : « الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ماء الحنطة والشعير » (3).

ويشير إليه أيضا ما في الصحيح (4) وغيره من عطف السلت في عدّة من الحبوب على الشعير ؛ لظهوره في المغايرة ، وكونه من قبيل عطف الخاص على العام وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا يخلو عن بعد بالنظر إلى ظاهر السابق.

وحكى في الايضاح (5) عن بعض الأصحاب قولا بإلحاق السلت بالحنطة الموافقة لها في الطبيعة (6) المختصّة بها.

واحتمله في القواعد ، (7) وهو قول لبعض العامّة.

وهو موهون جدّا لخروجه عن مقتضى العرف وكلمات أهل اللغة.

ص: 123


1- الكافي 3 / 510 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 1.
2- في ( د ) : « واو ».
3- تهذيب الاحكام 4 / 65 ، باب حكم الحبوب بأسرها في الزكاة ح 3.
4- الكافي 3 / 510 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 1.
5- إيضاح الفوائد 1 / 182.
6- في ( د ) : « الطبعة ».
7- قواعد الأحكام 1 / 342.

وربّما يفسّر العلس بالعدس كما ذكره في القاموس (1) وغيره ، والسلت بالشعير الحامض كما قطع به في الوافي.

وذكره في القاموس أيضا.

وهما بهذين المعنيين لا إشكال فيهما ؛ لوضوح خروج الأوّل عن الحنطة ، واندراج الأخير في الشعير لكونه نوعا معروفا منه.

ثمّ إنّ الابل يشمل سائر أنواعها من العراب والبخاتي والذلول وغيرها ، والبقر يشمل الجاموس.

وقد دلّ عليه النص الصحيح.

وحكى في التذكرة (2) إجماع العلماء عليه.

وفي المعتبر (3) : إنّ عليه اتّفاق العلماء.

ولا يندرج فيها البقر الوحشيّة وإن تأنست.

وفي المعتبر : إنّ عليه الإجماع إلّا على قول شاذ لأحمد ، وعزاه في التذكرة إلى أكثر العلماء.

وحكى من (4) أحمد في رواية وأنه شمولها لبقر الوحش لاندراجها في الاسم.

وهو ضعيف جدا.

والغنم يشمل الضّأن والمعز بلا خلاف بين الخاصّة والعامّة.

وفي المعتبر (5) : إنّ عليه أهل العلم.

ولا فرق في الأنعام الثلاث بين الصغير والكبير ، ولا يندرج فيها الحمل. وإنّما يعتبر من عين الانفصال أو خروج المعظم في وجه.

ص: 124


1- القاموس المحيط 2 / 232.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 77.
3- المعتبر 2 / 501.
4- في « د » : « عن ».
5- المعتبر 2 / 501.

وقد يستشكل في الرضيع من جهة انتفاء النوم (1) ، وهو كلام آخر يجي ء البحث فيه.

وكذا لا فرق فيها بين الذكر والأنثى على المعروف من المذهب.

وتفرد الديلمي باشتراط الأنوثة فيها ، فلا زكاة عنده في ذكور الأنعام بالغا ما بلغت ، وهو بخلاف الإجماع كما في السرائر (2) (3) لكن المذكور في كلامه خصوص الغنم.

وباقي الأصحاب على عدمه كما في المختلف. ونحوه ما في التذكرة ؛ لإطلاق الأدلّة وعدم قيام دليل على اختصاص الحكم بالإناث.

واحتجّ العلامة (4) والديلمي بأنّ الشرط اتخاذها للدر والنسل ، ولا يتحقّق إلّا في الإناث ربّما ورد في الأخبار من قولهم : « في خمس من الإبل شاة » لاختصاصها بالإناث.

وضعف الاول ظاهر ، وكذا الثاني ؛ إذ مقتضاه (5) عدم دلالة تلك الأخبار على الوجوب ، وليس فيها دلالة على نفي الوجوب في غيرها ففي الإطلاقات المتظافرة كفاية في ذلك.

ويثبت مقدار المخرج حينئذ بالإجماع ؛ إذ لا قائل بالفرق بين الذكر والأنثى في قدر المخرج.

مضافا إلى شمول إطلاقات تلك الروايات للذكور أيضا.

وحذف التاء في العدد لا يدلّ على تأنيث المعدود ؛ إذ مدخوله في المقام من أسماء (6) الأجناس الجمعيّة ممّا لا مفرد لها. ويتعيّن فيها حذف التاء في المقام كما نصّ عليه الرضي.

وفي البيان (7) : إن التأنيث باعتبار التأويل لا بالنفس أو بالدابّة ، وفي الغنم باعتبار الشاة

ص: 125


1- كذا ، والظاهر : السوم.
2- السرائر 1 / 437 ، الدروس 1 / 438.
3- في ( ب ) : « الدروس ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 72.
5- في ( د ) : « أقصاه ».
6- لم ترد في ب : « من أسماء ... في المقام ».
7- البيان : 177 ، وفيه : « لأن التأنيث باعتبار التأويل في الإبل بالنفس ».

التي تطلق على الذكر وأراد بالآخر (1) دفع ما احتجّ له بقوله : « في سائمة الغنم زكاة ».

وقد عرفت أن لا حاجة إلى التأويل ، والظاهر أنه يعتبر في الأنعام حلية لحمها ، فلو حرمت مؤبدا كموطوء الإنسان ونسله والشاة المربّاة بلبن الخنزيرة لم يجب فيها الزكاة ، فلا يلفق النصاب عنه وعن المحلّل ، فلا زكاة.

وأما الجلّال إن كان بحيث لا يمنع صدقه من صدق اسم السوم (2) فقد يتأمّل فيه من جهة حرمة اللحم ، لكن لا يبعد القول بالوجوب لارتفاع تحريمه بالاستبراء ، فلا باعث فيه للخروج عن ظاهر الاطلاقات.

والعبرة في المتولّد بين الزكاتين (3) أو غيرهما أو المختلفين بالاندراج تحت اسم الزكاة (4) كما نصّ عليه جماعة ويعتبر فيه حلية اللحم ، فلو حكم بحرمة لحمه بناء على حرمة أصله لم يتعلق به زكاة.

والذهب والفضة يشملان العالي (5) والدون ، والخالص والمخلوط بغيره ما لم يستهلك فيه.

ولا عبرة بالغش الحاصل فيهما ، وإن كان مستهلكا وأطلق على المجموع اسم الذهب أو الفضة ، بل يعتبران صافيين.

وسيجي ء الإشارة إن شاء اللّه.

ولنفصّل القول في الأجناس المذكورة في فصول :

ص: 126


1- في ( د ) : « الأخير ».
2- في ( ألف ) : « النوم ».
3- في ( د ) : « الزكويين ».
4- في ( د ) : « الزكوي ».
5- في ( د ) : « العال ».

الفصل الأوّل: في زكاة الأنعام

اشارة

والكلام فيها في الشروط واللواحق ، فهاهنا بحثان :

البحث الأوّل: في بيان شروط وجوب الزكاة فيها
تبصرة: [ في اشتراط النصاب ]

النصاب شرط وجوب زكاة الأنعام بإجماع علماء الإسلام ، وهو مختلف باختلاف الأنعام ، فللإبل اثنا عشر نصابا :

أوّلها الخمس وفيها شاة ، ثمّ العشر وفيها شاتان ، ثمّ الخمس عشر وفيها ثلاث شياه ، ثمّ العشرون وفيه أربع ، ثمّ الخمس والعشرون وفيه خمس ، ثمّ الست والعشرون وفيها بنت مخاض ، - وهي ما دخلت في السنة الثانية.

ثمّ الست والثلاثون وفيها بنت لبون ، وهي ما دخلت في الثالثة.

ثمّ الست والأربعون [ و ] فيها حقّة ، وهي ما دخلت في الرابعة.

ثمّ الإحدى والستون وفيها جذعة ، وهي ما دخلت في الخامسة.

ثمّ الست والسبعون وفيها بنتا لبون.

ثمّ الإحدى والتسعون وفيها حقّتان.

ثمّ مائة وإحدى وعشرون فما زاد عليها زاد عليها وفيها في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ

ص: 127

أربعين بنت لبون.

فالزيادة في النصب الخمس إلى النصاب السادس وفيه بواحدة ، ثمّ بعشر في السابع والثامن ، ثمّ بخمس عشر في التاسع والعاشر والحادي عشر ، ثمّ بثلاثين في الثاني عشر.

وهذا التفصيل هو المعروف بين الأصحاب بل استقرّ المذهب عليه.

ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة المصرّحة بالتفصيل المذكور المعتضدة بالعمل بل الاتفاق ، غير أن الموجود في صحيحتين منها (1) تعيين الحقة في كلّ خمسين في النصاب الأخير.

وقد وقع التصريح في صحيحة زرارة بالنحو المشهور ، فيحمل تينك الصحيحتين على ذلك ؛ جمعا بين الأخبار.

مضافا إلى اعتضادها بالعمل.

وقد حكى الإجماع على التفصيل المذكور في شرح الجمل والغنية (2).

ثمّ إن النصب الأربعة (3) الأول عددا وحكما ممّا اتّفق عليه الإسلام كما نصّ عليه في المعتبر (4) والتذكرة (5).

وكذا النصاب السابع والثامن والتاسع والحادي عشر.

وقد وقع (6) في غير النصب المذكورة خلاف ضعيف في مواضع :

أحدها وثانيها النصاب الخامس والسادس ، فذهب الإسكافي إلى أن الواجب في النصاب الخامس بنت المخاض ، فإن لم تكن في الإبل فابن اللبون ، فإن لم تكن فخمس شياة. كذا حكاه في المختلف (7).

ص: 128


1- لم ترد في ( ب ) : « منها ... تينك الصحيحتين ».
2- غنية النزوع : 122.
3- في ( د ) « لأربعة ».
4- المعتبر 2 / 500.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
6- كلمة ( في ) زيدت من ( د ).
7- مختلف الشيعة 3 / 168.

والظاهر أن المحكيّ فيه عبارته بلفظه ، والمحكي عنه في المعتبر (1) والمنتهى (2) والتذكرة (3) وجوب بنت المخاض أو ابن اللبون أوّلا ثمّ الشياه الخمس.

وفي شرح الجمل إيجابه فيه بنت المخاض أو ابن اللبون من غير ذكر للشياه.

وعن العماني تعيين بنت المخاض بدل الشياه ، وقال بسقوط النصاب السادس ، فأوجب ذلك إلى الست والثلاثين.

وأسند هذا القول في المعتبر إلى جماعة من محققي الأصحاب ، وذكر ان الرواية الآتية التي هي الحجة في ذلك ممّا رواه البزنطي واختاره ، وهي صحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا في صدقة الإبل : « في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإن بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، وليس فيها شي ء حتى يبلغ خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون .. » (4) الخبر.

وأوّلها الشيخ (5) تارة بحصول إضمار في الرواية ، فيراد ثبوت ذلك مع زيادة الواحد ، وأخرى بالحمل على التقيّة ؛ إذ ذلك ممّا أطبقت عليه العامة ؛ لما رووه من كتاب أبي بكر لأنس لمّا وجّهه إلى البحرين.

وقد ضعّفهما في المعتبر (6) ببعد الإضمار ، وبعد الحمل على التقيّة لكونه مذهب جماعة من محققي الأصحاب قال : وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممّن اختار ذلك مذهب الاماميّة؟

وفيه : أنّ غاية ما يفيده ذلك عدم انعقاد الإجماع على خلافه هناك ، وهو لا ينافي الحمل على التقية بعد موافقة الرواية لما أطبقت عليه العامة ، ومخالفته لما في الروايات المعتبرة

ص: 129


1- المعتبر : 2 / 500.
2- منتهى المطلب 1 / 479.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 58.
4- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الابل ح 1 وفيه : « ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ».
5- تهذيب الأحكام 4 / 23.
6- المعتبر 2 / 499.

المنجبرة بعمل الفرقة.

ويشير إليه ما ذكره عبد الرحمن بن الحجاج على ما في الكافي (1) بعد ما روى في صحيحته ثبوت بنت المخاض في ست وعشرين إلى خمس وثلاثين : ان هذا فرق بيننا وبين الناس.

ويؤيد الإضمار سقوط الواحدة في تلك ( الرواية في المراتب المتأخرة أيضا وقد وقع الاتفاق على اعتبارها هناك كما في المنتهى ، وإذا التزم في تلك ) (2) المراتب التزم به في المقام أيضا.

وكأنّ الغاية في المراتب المذكورة داخلة في المغيّى ، فيكون المراد بما بعده بيان حكم الزائد على تلك المرتبة بالتزام إضمار فيه.

وبذلك يظهر ضعف حملها على التقية لا بما ذكره.

وكأنّ الأولى التزام نقص في الرواية.

ويدلّ عليه أنه قد رواها الصدوق في معاني الأخبار (3) في الصحيح مع التصريح باعتبار الزيادة في تلك المراتب على ما حكي عن بعض النسخ الصحيحة.

وبذلك يظهر ضعف القول المذكور وما في المعتبر (4) بعد تضعيفه الحملين المذكورين من أن الأولى أن يقال : فيه روايتان أشهرها (5) ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم.

وكيف كان ، فالعمل بالأخبار المتقدمة متعيّن ، وهذه الصحيحة لا بدّ من حملها على أحد الوجوه المذكورة.

وفي المنتهى (6) : إنه خبر شاذّ لا يعارض ما تقدم من الأحاديث الصحاح المعتضدة بعمل

ص: 130


1- الكافي 3 / 532.
2- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
3- معانى الأخبار : 327.
4- المعتبر 2 / 500.
5- كذا ، والظاهر : أشهرهما.
6- منتهى المطلب 1 / 479.

الأصحاب. وحكاية الإجماع على المشهور مستفيضة حكاه في المختلف (1) والغنية وشرح الجمل.

وفيه : أنّ الإجماع سابق له ومتأخر عنه. وأما ما ذهب إليه الإسكافي فلم نقف على مستنده.

نعم ، ذكر السيد في [ ... ] (2) والقاضي في شرح الجمل أنّه عوّل في ذلك على بعض الأخبار الواردة من طرقنا.

قال القاضي : والذي يتضمن ذلك من أخبار الآحاد. ويمكن أن يحمل ذكر بنت المخاض أو ابن اللبون في خمس وعشرين على سبيل القيمة.

ثالثها : النصاب العاشر ، فأسقطه الصدوقان في الرسالة والهداية (3) والمقنع (4).

وذكر إمكانه الواحد والثمانين ، وأوجبا فيه ثلثا. وهو ما أكمل الخامسة ودخل في السادسة. قيل : إنّ مستندهما في ذلك كتاب الفقه الرضوي ؛ فإنّ ذلك بعينه موجود فيه ، وهو شاهد على وجود الكتاب عندهما [ و ] كونه أصحّ عندهما من ساير الأخبار حيث قدّماه عليها.

قلت : وهذا الحكم موجود في حديث مسند في الخصال (5) عن الصادق عليه السلام. وكأنّ ذلك هو مستندهما في الحكم المذكور.

وأما استنادهما إلى الكتاب المذكور فلم يظهر منهما في شي ء من الموارد ، بل ولا أسندا الحكم المذكور فيه إلى الرواية أصلا.

وكيف كان ، فضعف كل من المستندين ظاهر ؛ إذ لا يقاومان ما عرفت من الروايات

ص: 131


1- مختلف الشيعة 3 / 170.
2- هنا فراغ في ( د ).
3- الهداية :
4- المقنع : 171.
5- الخصال : 605.

الواضحة المعتضدة بعمل الطائفة والإجماعات المحكية.

وظاهره في الفقيه موافقة المشهور في نصب الإبل. ونصّ فيه بأن الأسنان التي أخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع.

رابعها : أنّه زاد الصدوق في الهداية (1) بعد النصاب المذكور نصابا آخر ، وهو التسعين. وأوجب فيه بنتي لبون ، ثم جعل النصاب بعده واحدا وتسعين وأوجب فيه حقتين على ما هو المعروف ، فيكون عنده نصابان لا عفو بينهما.

وهو أيضا ضعيف مخالف للأخبار المستفيضة.

والظاهر أنّ مستنده في ذلك أيضا الرواية المتقدمة عن الخصال (2) لوجود ذلك فيها. وفيه دلالة على استناده إليها في الحكم المتقدّم.

خامسها : النصاب الأخير. وقد خالف فيه السيد في الانتصار حيث ذهب إلى عدم اختلاف الغرض بذلك ، فلا شي ء من جهة زيادة الواحد على مائة وعشرين إلى مائة وثلاثين ، فأوجب فيها حقّة وبنتي لبون ، فيكون ذلك هو لنصاب الثاني عشر عنده.

وباقي الأصحاب على خلافه حيث نصّوا بما ذكرناه ، وحكاية الإجماع عليه مستفيضة في كلامهم حكاه في الناصريات (3) وشرح الجمل والغنية (4) والسرائر (5).

وفي المبسوط (6) نفى عنه الخلاف بين أصحابنا. وحكى في الخلاف (7) الإجماع على الراوية الدالّة على ثبوت الحقّة في كل خمسين وبنت اللبون في كل أربعين بعد زيادة الإبل على مائة

ص: 132


1- الهداية : 172.
2- الخصال : 605.
3- الناصريات : 278.
4- غنية النزوع : 122.
5- السرائر 1 / 449.
6- المبسوط 1 / 191.
7- الخلاف 2 / 9.

وعشرين. وظاهر إجماع العامة والخاصة ، وعزي الحكم المذكور في المعتبر (1) والتذكرة (2) إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وكذا في المنتهى (3) إلّا أنّه ذكر خلاف السيد ، قال : ورجع إلى ما اخترناه (4) في المسائل الناصرية (5).

احتجّ السيد لما ذهب إليه بإجماع الإمامية عليه. وذكر في آخر كلامه أنّ هناك أخبارا لا تحصى من طرق الخاصة يوافق ذلك.

ويضعّف ما حكاه من الإجماع تفرّده بالقول المذكور ؛ إذ لم نقف على من وافقه فيه ، وهو رحمه اللّه قد خالف نفسه فاختار المشهور في الجمل والناصريات (6).

ومن الغريب أنّه رحمه اللّه ادعى الإجماع في الناصريات على ذلك أيضا كما مرّ.

وأمّا ما ذكره من الأخبار فلم نقف عليها.

نعم ، في صحيحتي أبي بصير (7) وعبد الرحمن بن الحجاج (8) ثبوت الحقة في كل خمسين مع الزيادة على المائة والعشرين.

ولا منافاة فيهما للمشهور ، وظاهر إطلاقهما أن نافي المشهور ، فينافي ما اختاره أيضا.

سادسها : المعروف أنّ الحقة المأخوذة في النصاب الثامن والحقّتان المأخوذتان في النصاب الحادي عشر لا يعتبر فيهما أن تكونا حوائل.

وعن العماني والإسكافي تقييدهما بكونهما طروقي الفحل. وعن الثاني تقييد الحقة

ص: 133


1- المعتبر 2 / 500.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
3- منتهى المطلب 1 / 480.
4- في المصدر المطبوع : « ما أحضرناه ».
5- الناصريات : 278.
6- الناصريات : 278.
7- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
8- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.

المأخوذة عن كل خمسين بكونها طروقة الفحل أيضا ، وقد ورد التقييد المذكور في صحيحة الفضلاء في النصابين المذكورين.

وكأنّهما مستندهما في ذلك.

ولا يبعد حمل الرواية على بيان الشأن فيها حيث إنّها بلغت إلى حيث استحقّت أن يطرقها الفحل حسبما ذكره الأصحاب في سبب تسميتها حقّة ؛ نظرا إلى إطلاق ساير الروايات ، وإن كان قضية حمل المطلق على المقيّد حمل إطلاقها على ما في الصحيحة المذكورة إلّا أنّها لمّا أمكن حملها على الوجه المذكور واعتضد ذلك بفتوى الأصحاب - بل قام الدليل على عدم تسلط الساعي على أخذ الحامل كما سيجي ء الإشارة إليه - تعيّن الأخذ بتلك الإطلاقات ، وحمل تلك الصحيحة على الوجه المذكور ، فإن حمل كلامهما على ذلك أيضا فلا خلاف في البين.

سابعها : ظاهر ما ذكره جماعة من القدماء كالشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) وجمل العقود ، والسيد في الجمل ، والديلمي والقاضي (3) والحلي (4) وغيرهم كون النصاب الثاني والثالث والرابع والخامس هو العشر والخمس عشر والعشرون والخمس وعشرون ، فيكون السابق على كل مرتبة جزء منه.

والمنصوص به في كلام جماعة منهم الطوسي (5) والمحقق في كتبه الثلاثة (6) والعلامة في عدة من كتبه (7) والشهيدان (8) وغيرهم أنّ كلا من النصب الخمسة خمسة.

ص: 134


1- النهاية : 179.
2- المبسوط 1 / 191.
3- المهذب 1 / 161.
4- تحرير الأحكام 1 / 356.
5- المبسوط 1 / 191.
6- لاحظ : المعتبر 2 / 19 وشرائع الإسلام 1 / 107.
7- منها تحرير الأحكام 1 / 356 ، تذكرة الفقهاء 5 / 46 ، نهاية الإحكام 2 / 322 ، منتهى المطلب 1 / 479.
8- البيان : 173 ، مسالك الإفهام 1 / 364.

فلا يكون النصاب الأول جزء من الثاني ولا الثاني جزء من الثالث إلى الخامس ، فإذا بلغ السادس كان نصابا واحدا يندرج فيه ما تقدمه.

ويتفرع على الوجهين ما إذا اختلف أول ملكه لكل خمس إلى أن بلغت خمسا وعشرين ، فيؤخذ لكل واحد حولا منفردا على الثاني وعلى الأول يشكل الحال فيه ، بل لا يصح اعتباره كذلك كما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

وقد ورد التعبير عن تلك النصب في الروايات بكل من الوجهين ، والظاهر البناء على الوجه الثاني.

وقد ورد التعبير به في صحيحة الفضلاء وزرارة ، وأكثر أخبار الباب التعبير بالأول لكن لا بعد في حملها على ذلك ، بل هو المتعيّن بعد دلالة غيرها عليه.

وعليه فيمكن تنزيل كلام من عبّر به من الأصحاب عليه فلا خلاف.

وكأنّه لذا قطع به جماعة من المتأخرين من غير إشارة إلى خلاف فيه.

ثامنها : المعروف بينهم أنّ نصب الإبل اثنا عشر.

ويوجد في كلام جماعة منهم الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) والجمل ، والطوسي في الوسيلة (3) ، والعلامة في التذكرة (4) أنّها ثلاثة عشر ؛ نظرا إلى عدّ المائة واحد وعشرين نصابا ، والأربعين والخمسين الملحوظين عند تكثر الإبل نصابا آخر.

وقد يتفرع عليه ما سيجي ء إن شاء اللّه من احتمال كون الواحدة الزائدة جزء من النصاب لو جعلنا المائة والأحد وعشرين نصابا مستقلا ، وإن جعلنا النصاب هو الأربعين والخمسين فلا إشكال إذن في الخروج.

وهو كما ترى.

ص: 135


1- النهاية : 179.
2- المبسوط 1 / 191.
3- الوسيلة : 124.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 45.

فالظاهر أنّ الاختلاف المذكور إنّما هو في مجرد الاعتبار ، ولا خلاف في المعنى.

نعم ، على ما حكيناه من الصدوق في الهداية يكون النصب ثلاثة عشر على الحقيقة.

وقد عرفت ضعفه.

وهاهنا أمران ينبغي الإشارة إليهما :

أحدهما : أنّ الواحدة الزائدة على المائة والعشرين هل هي جزء من النصاب فيتعلق بها حصة من الزكاة أو أنّها شرط في تحقق النصاب وليس بجزء؟

وفرّع عليه فيما لو تلفت بعد حلول الحول قبل إخراج الزكاة بغير تفريط من المالك ، فعلى الأول يسقط من الزكاة بالنسبة بخلاف الأخير ؛ قولان :

فالأول مختار العلامة في النهاية (1). وربما يظهر من الشيخ في المبسوط (2) وجمل العقود حيث جعل الوقص المتقدم على مائة وثلاثين ثمانية أو لو لا بناؤه على ذلك لجعله تسعة كما جعل في المراتب المتأخرة عن المائة والثلاثين.

والثاني محكي عن جماعة من المتأخرين.

وبه قطع المحقق الكركي (3).

واختاره الشهيد الثاني في المسالك (4) وصاحب المدارك (5).

وهو الظاهر من الغنية حيث حكم بعدم ثبوت شي ء بين العشرين والثلاثين بعد المائة.

وظاهر الشهيد في البيان (6) التوقف في ذلك إلّا أنّه نفى البعد عن كونها شرطا. والأظهر خروجها عما يخرج عنه الزكاة ؛ أخذا بظاهر الروايات.

وكون ذلك نصابا لا ينافي عدم وجوبها في بعض منه ، فإنّ النصاب هو القدر الذي يناط

ص: 136


1- نهاية الإحكام 2 / 322.
2- المبسوط 1 / 191.
3- في جامع المقاصد 3 / 10.
4- مسالك الإفهام 1 / 373.
5- مدارك الأحكام 5 / 79.
6- البيان : 173.

وجوب الزكاة أو قدر معيّن منها بالبلوغ إليه وإن لم يجب في بعض منه كما في المقام حسبما قضت به الروايات.

هذا إذا جعلنا النصاب هو بلوغها إلى المائة وإحدى وعشرين ، وأمّا إن قلنا بأنّ النصاب عند البلوغ إلى القدر المذكور هو الأربعون والخمسون ، ولأنّه القدر المذكور (1) يجب فيه الزكاة فلا إشكال.

وهو الذي يظهر من كثير من المتقدمين منهم المفيد في المقنعة (2) ، والسيد في الجمل ، والشيخ في النهاية (3) وجمل العقود ، والحلبي في الكافي (4) ، والقاضي في شرح الجمل ، وابن زهرة في الغنية (5) ، والطوسي في الوسيلة ، والحلي في السرائر (6) وغيرهم ؛ لنصّهم بأنها إذا بلغت هذا المقدار ترك هذا الاعتبار وأخذ من كل خمسين حقة ، ومن كلّ أربعين بنت لبون.

وفي الوسيلة (7) : صار النصاب حينئذ الأربعين والخمسين.

فظهر بما ذكرنا أن قضية كلام هؤلاء أيضا ما اخترناه ، فينطبق النصوص والفتاوى على ذلك ، فالاحتمال الآخر موهون جدا.

ثانيهما : أن الظاهر من الروايات بعد الجمع بينهما وبين ظاهر إطلاق جماعة من الأصحاب التخيير في النصاب الأخير بين الإخراج عن كل خمسين حقة وعن كل أربعين بنت لبون ، سواء حصل الاستيعاب بهما أو بأحدهما دون الآخر أو كان أحدهما أقرب إلى الاستيعاب أو لا.

وهذا هو الذي حكم به الشهيد الثانى رحمة اللّه في فوائد القواعد ، وعزاه إلى ظاهر الأصحاب.

ص: 137


1- في ( د ) : « الذى ».
2- المقنعة : 237.
3- النهاية : 180.
4- الكافي للحلبي : 167.
5- غنية النزوع : 122.
6- السرائر 1 / 435.
7- الوسيلة : 124.

وإليه ذهب جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك (1) والذخيرة (2) والحدائق (3) والرياض (4).

ويظهر ذلك من المحقّق الأردبيلي (5) والمجلسي رحمة اللّه (6).

ويدلّ عليه صحيحتا أبي بصير (7) وعبد الرحمن بن الحجاج (8) المشتملين على وجوب حقّة في كلّ خمسين بعد زيادة العدد على المائة والعشرين ؛ لتصريحه عليه السلام إذن ما بعد الوجهين.

وصحيحة الفضلاء وزرارة الحاكمتان بالتخيير بين الوجهين إذا زادت على المائة والعشرين واحدة لتعين ثلاث بنات لبون فيه على الوجه الآخر وإطلاق غيرها ممّا ظاهره التخيير بين الوجهين فيما إذا زادت الإبل على المائة والعشرين أو ما إذا كثرت الإبل بعد البلوغ إليها.

مضافا إلى الأصل ، وموافقته للإرفاق بالمالك العشر في نظر الشارع في المقام.

قطع المحقّق الكركي (9) والشهيد الثاني في المسالك (10) إلى أنّ التعدية بهما ليس على وجه التخيير مطلقا ، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب إن أمكن ، سواء حصل من ملاحظته بأحد الوجهين أو بالتلفيق منهما وإلّا لزم مراعاة أقربهما إلى الاستيعاب ؛ رعاية لحق الفقراء ، وإن تساويا في الاستيعاب أو في مقدار القرب تخيّر بين الوجهين.

أقول : وهذا هو الذي قطع به معظم الأصحاب ممّن وصل إلينا كلامهم إلى الشهيد الثاني من غير خلاف تعرف فيه.

ص: 138


1- مدارك الأحكام 5 / 57.
2- ذخيرة المعاد 1 / 437.
3- الحدائق الناضرة 12 / 49.
4- رياض المسائل 5 / 60.
5- بحار الأنوار 93 / 54.
6- مجمع الفائدة 4 / 63.
7- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
8- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.
9- جامع المقاصد 3 / 15.
10- مسالك الإفهام 1 / 374.

وممّن نصّ عليه الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2).

وفي الأوّل : إنّ الذي يقتضيه المذهب هو ذلك.

وفيه أيضا حكاية الإجماع على أنّ في مائة وخمسين ثلاث أحقاق.

وفي الأخير : أنّ الأصحاب لم يفصّلوا ، والأخبار مطلقة ، والذي يقتضيه عمومها هو ذلك.

وفي الوسيلة : إنّ الفريضة في المائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ، وفي المائة وثلاثين بنتا لبون وحقّة .. وعلى ذلك.

وفي الغنية : إن الواجب عندنا وعند أكثر من المخالفين في مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون.

وظاهره إجماعنا على تعيين ذلك في القدر المذكور.

وفي الإجماع المتقدم عن السيد في الانتصار (3) إشارة إليه أيضا.

وفي السرائر (4) : إنّ الذي يقتضيه أدلّتنا ويشهد به أصول مذهبنا والتواتر والإجماع منعقد عليه ما ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، ثمّ ذكر عبارة الشيخ في الخلاف (5) المشتملة على أنّ ما يقتضيه المذهب هو ذلك.

وقد فصّل فيه بيان الواجب في خصوص كلّ من الأعداد إلى المائتين ، وحكم فيها بالتخيير بين أربع حقاق وخمس بنات لبون ، وجعل الحكم فيه على هذا الحساب بالغا ما بلغ ، قال : وهذا هو تصحيح (6) المتّفق عليه المجمع.

وهذا كما ترى صريح في حكاية الإجماع إلّا أنّ ما ذكره في مقام الرد على السيد حيث

ص: 139


1- الخلاف 2 / 14.
2- المبسوط 1 / 192.
3- في هامش السرائر 1 / 449 : الانتصار : كتاب الزكاة ، المسألة الخامسة.
4- السرائر 1 / 449.
5- الخلاف 2 / 7.
6- في ( د ) : « صحيح ».

حكم بعدم (1) ثبوت شي ء في الزائد على المائة والعشرين إلى المائة والثلاثين.

وفي المعتبر بعد ما ذكر نصب الإبل كما مرّ ، وأسنده إلى (2) علمائنا : فيكون في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثمّ ذكر أقوال العامة. وظاهر كلامه بل صريحه تعيين (3) ذلك في العدد المذكور سيّما بعد ملاحظة ما حكاه من أقوال العامّة.

وقد صرّح بعد ذلك بأنّه إذا اجتمع في مال الأمران كالمائتين ، فالخيار إلى المالك في إخراج أربع حقاق أو خمس بنات لبون.

وهو يدلّ أيضا على عدم قوله بالتخيير مطلقا.

وفي التذكرة (4) : إذا زادت على مائة وعشرين واحدة وجب في كلّ خمسين حقة ، وفي كلّ أربعين ، بنت لبون فيجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ، ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ، ففيها حقتان وبنتا لبون إلى مائة وخمسين ، ففيها ثلاث حقاق .. وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا.

ثم ذكر أقوال العامة.

وذكر نحو ذلك في المنتهى (5) إلّا أنه أسند الحكم أوّلا إلى علمائنا ، وفرع عليه ذلك.

ولا يبعد أن يكون الجميع مسندا إليهم كما يكشف عنه عبارته في (6) التذكرة.

وكيف كان ، ففيه أيضا إشارة إلى الإجماع.

وقد قطع به الشهيد في الدروس (7) ، وهو ظاهر كلامه في البيان (8).

ص: 140


1- في ( ب ) : « بعد ».
2- ليس في ( د ) « إلى ».
3- في ( ألف ) : « بتعيّن ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
5- منتهى المطلب 1 / 479.
6- ليس في ( د ) : « في ».
7- الدروس 1 / 234.
8- البيان : 173.

وذكر القاضي في شرح الجمل ان الأولى أن يخرج من هذا العدة يعني المائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ؛ لأنّا لو أخرجنا من كلّ خمسين حقة ومن كلّ أربعين بنت لبون أجحف ذلك بالفقراء ؛ لأنّه يبقى من العدة إحدى وعشرين لا يدفع منها شي ء ، فالأولى إخراج ما ذكرناه من ثلاث بنات لبون. وهو مذهب الشافعي.

على أنه ليس معنى الخبر الوارد بذلك ما تضمنه ظاهره. وإنّما معناه أنّه إن أخرج حقة كانت من خمسين ، وإن أخرج بنت لبون كانت عن أربعين. انتهى.

وأوّل كلامه وإن أوهم عدم إيجابه لإخراج بنات اللبون في الصورة المفروضة إلّا أن آخر كلامه ظاهر الدلالة على الإيجاب ، فكان المقصود بالأولويّة هو الأولوية في الفتوى دون العمل. فكلام هؤلاء الجماعة واضحة الدلالة على ذلك.

وظاهر جماعة منهم كما عرفت حكاية الإجماع ، فما أسنده الشهيد الثاني إلى ظاهر الأصحاب من الحكم بالتخيير مطلقا كما ترى.

وإنّما أشرنا إلى عبائرهم في المقام حتى يتبيّن حقيقة الحال ، فبملاحظة ذلك يشكل الحال في هذا المرام ؛ لما عرفت من ظهور الأخبار في الوجه الأول.

وبناء هؤلاء الأجلّاء على الثاني سيما بعد حكاية الإجماع عليه وكون المراد بما دلّ على إخراج الحقة عن كلّ خمسين وبنت اللبون عن كلّ أربعين فيما إذا كثرت الإبل هو ما فهمه الجماعة في كمال القرب.

بل هو الأظهر في معناه حسبما فسّره الشيخ رحمة اللّه في المبسوط (1) والخلاف (2) وغيره ، كما هو المراد بمثل تلك العبارة الواردة في نصاب البقر ؛ للاتفاق هناك على مراعاة ذلك ، فيؤيد ذلك إرادته في المقام أيضا ، فيكون ذكر الوجهين المذكورين مبنيّا على التوزيع دون التخيير.

وحمل ما دلّ على ثبوت ذلك في المائة وإحدى وعشرين غير بعيد أيضا ؛ إذ ليس

ص: 141


1- المبسوط 1 / 192.
2- الخلاف 2 / 9.

المقصود في تلك (1) الصحيحين ثبوت الحكم في خصوص العدد المذكور ، بل فيما لو (2) حصل العدد المفروض وإن كان زائدا عليه.

وحينئذ يصحّ حملهما على إرادة التوزيع ، وإن تعيّن بنات اللبون في خصوص العدد المذكور. فتبقى الصحيحتان الأوليان المشتملان على إخراج الحقة عن كلّ خمسين دليلا على الوجه الأول.

وظاهرهما وإن لم يوافق المشهور أيضا لكن حملهما على بيان أحد فردي التخيير أقرب من الحمل على بيان الحكم في بعض الفروض.

وفي الاكتفاء بهما في الخروج عن مقتضى كلام الأصحاب بعد فهمهم ذلك من روايات الباب لا يخلو من إشكال.

مضافا إلى أن الشيخ في الخلاف (3) والمحقق في المعتبر (4) ذكرا ورود التقديرين في روايتي أبي بصير (5) وعبد الرحمن بن الحجاج (6) ، فتأمل.

على أن البناء على التخيير بين الوجهين مطلقا يقتضي بالتخيير بين إخراج ثلاث حقاق وثلاث بنات لبون في المائة والخمسين.

وهو بعيد جدّا.

وكذا جواز اخراج حقّة وبنت لبون في المائة وإحدى وعشرين ، فيلزم نقصان الزكاة بزيادة النصاب.

وهو أيضا كما ترى إلا أن يقال بخروج صورة التلفيق عن ظاهر الأخبار ، وهو مع بعده عن ظواهر تلك الإطلاقات قاض بعدم جواز الاعتبار به في صورة حصول الاستيعاب به

ص: 142


1- في ( د ) : « تينك ».
2- في ( د ) : « إذا ».
3- الخلاف 2 / 10.
4- المعتبر 2 / 500.
5- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
6- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.

أيضا.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول به ، فالأحوط للمالك - بل الأظهر - مراعاة ما يحصل به الاستيعاب أو ما هو أقرب إليه مع عدم إمكانه.

ص: 143

تبصرة: [ في نصاب البقر ]

لا خلاف بين الأصحاب في أن للبقر نصابين :

أحدهما : ثلاثون ، وفيها تبيع أو تبيعة على المعروف من المذهب ، وهو ما دخل في الثانية.

والآخر : أربعون ، وفيها مسنّة بلا خلاف ، فيه وهي ما دخلت في الثالثة.

وعلى هذين النصابين يدور أمر البقر ، فليسا مخصوصين بالمرتبة الأولى بل كلما زاد البقر دار الأمر على النصابين المذكورين.

ويوجد في كلام بعض الأصحاب زيادة في نصب البقر ، ففي المبسوط (1) : إنّ نصبه أربعة : ثلاثون وأربعون وستون ، ثمّ الأخذ بالثلاثين والأربعين.

ومنعه في المنتهى (2). وكأنّ الوجه فيه اختلاف الأوقاص (3) فيها ، واختلافها في السبعين فما زاد.

وظاهر الفقيه (4) والمقنع (5) نحو ما في رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام : « إنّ نصبه ثمانية » حيث جعل إخراج التبيع من كلّ ثلاثين والمسنة من كلّ أربعين بعد التجاوز عن التسعين.

وفي التذكرة (6) جعل بعضها خمسة باعتبار النصاب الكلي بعد السبعين.

والظاهر أنه لا خلاف في المعنى ، وإن تفرع عليه بعض الثمرات مع الجمود على ظاهر تلك

ص: 144


1- المبسوط 1 / 197.
2- منتهى المطلب 1 / 488.
3- في ( ألف ) : « الاقاص ».
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
5- المقنع : 159.
6- تذكرة الفقهاء 5 / 75.

التعبيرات كما مرّت الإشارة إلى نظيره.

قال المحقق الكركي (1) : إنّ المتّجه عدّها ثلاثة شخصيا لأوامر كلي ، وهو كلّ ثلاثين أو كل أربعين.

قلت : فالمتجه على هذا عدّها أربعة : إذ الكلي أيضا نصابان كالمبتدأ.

نعم ، لو تخيّر المالك في الأخذ بكلّ منهما مطلقا صح ما ذكره ؛ لكون النصاب حينئذ أحد الأمرين المذكورين ، وليس كذلك كما سيجي ء بيانه ، فيكون النصاب في بعضها كلّ ثلاثين وفي بعضها كلّ أربعين.

وتخير المالك بين الوجهين مع مساواة التقديرين لا يقضي بعدهما نصابا واحدا ، فالأولى هو التعبير بما ذكرناه كما في كلام جماعة من الأصحاب ، فالأولى هو التعبير بما ذكرناه.

وفي المسالك (2) : إنه المشهور.

وهاهنا يراعى من الأمرين المذكورين ما يحصل به استيعاب أو يكون أقرب إليه ، ومع المساواة يتخيّر في الملاحظة بلا خلاف فيه.

ويدلّ على ذلك سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة صحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي ء ، وفي كلّ أربعين بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين والثلاثين شي ء ، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيه تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنة ( إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليّات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة ) (3) (4).

ص: 145


1- نقله عنه في مفتاح الكرامة ح 11 / 213.
2- مسالك الإفهام 1 / 366.
3- الكافي 3 / 534 ، باب صدقة البقر ح 1.
4- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).

وبمعناها رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام المروية في الخصال (1).

ويدل عليه أيضا رواية الفقه الرضوى عليه السلام (2).

وذكر خصوص المسنّة في المرتبة الأخيرة في الروايتين المذكورتين من جهة كونها أحد قسمي المخيّر ؛ لجواز إخراج التبايع أيضا ، أو لكونها الأفضل في الإخراج.

ثمّ إنّه لا خلاف في شي ء من الأحكام المذكورة سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة فإنّ المحكي عن ظاهر علي بن بابويه والعماني تعيين التبيع الحولي ، وهو الموجود في عبارة الصدوق في الفقيه (3) والمقنع (4) كما هو الموجود في الأخبار المذكورة.

وتبعهم صاحب الحدائق (5). وظاهر المحقق الأردبيلي (6) الميل إليه حيث قال : إنّ مذهب ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه هو مقتضى الدليل والاحتياط.

والمشهور هو التخيير.

وقد حكى الإجماع عليه في الخلاف (7) وشرح الجمل والتذكرة (8).

وفي المنتهى : أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلاثين ووجوب المسنّة في الأربعين ، وأجمعوا على أنّ هذين الستين هي المفروضة في زكاة البقر.

وفيه أيضا : لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين ؛ للأحاديث ، ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة اشتمال ما رواه الفضلاء - على ما في المعتبر - بالتخيير بين التبيع والتبيعة ، وعدم وجود تلك الزيادة في الموجود عندنا من كتب الحديث لا ينافيه ؛ لتقديم الزيادة على

ص: 146


1- الخصال : 605.
2- فقه الرضا عليه السلام : 196.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 159.
5- الحدائق الناضرة 12 / 55.
6- مجمع الفائدة 4 / 65.
7- الخلاف 2 / 19.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 74.

النقيصة. وكأنّ المحقق أخذ الرواية من الأصول القديمة.

وروى في نهاية الإحكام (1) مرسلا عن الباقر والصادق عليهما السلام : « إنّ في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة .. » إلى قولهما عليهما السلام : ثمّ ليس فيها شي ء حتّى يبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة .. » الخبر.

وقد عرفت إسناده في المنتهى (2) إلى الأخبار مع اعتضاد ذلك بعمل الأصحاب من غير مخالف صريح.

مضافا إلى اشتمال صحيحة الفضلاء ورواية الأعمش وغيرهما على ذكر التبايع الثلاث في التسعين.

ومن الظاهر أن المراد بها الإناث ، فإذا ثبت ذلك فيها ثبت في الثلاثين لكون النصاب أمرا واحدا كليا ، والفريضة واحدة في الجميع وإن اختلفت في الأعداد.

وذلك أيضا موجود في عبارة الصدوق في الكتابين المذكورين ، فلا يبعد سقوط خلافه في المقام كغيره فيكون ذكرهم لخصوصه على سبيل المثال أو للتنبيه على جواز دفع الذكر أو للاقتصار على ذكر مورد النصّ.

ويؤيّده أيضا أنّه لو جاز دفع التبيع كان دفع التبيعة أولى ؛ إذ هي أعلى وأغلى منه ، ولذا لا يجوز دفع المسنّ في النصاب الثانى اتفاقا ، فتأمل.

فبما قرّرناه ظهر ضعف القول المذكور وسقط مؤاخذة صاحب الحدائق (3) عن صاحب البداية حيث أفتى بالتخيير.

ص: 147


1- نهاية الإحكام 2 / 327.
2- منتهى المطلب 1 / 478.
3- الحدائق الناضرة 12 / 55.
تبصرة: [ في نصاب الغنم ]

وللغنم نصب خمسة على المشهور بين الأصحاب :

الأول : الأربعون ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياة.

( الرابع : ثلاث مأئة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربع مأئة فما زاد ، وفيها في كل مأئة شاة ) (1). ولا خلاف في المقام إلا في أمور :

الأول (2) : ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه (3) والمقنع (4) من اعتبار زيادة شاة على الأربعين ، في النصاب الأوّل.

وحكى ذلك عن والده أيضا.

والمعروف من مذهب الأصحاب هو ما ذكرناه ، بل الظاهر الاتفاق عليه بعد الصدوق.

وظاهر القاضي في شرح الجمل وابن زهرة (5) حكاية الإجماع عليه.

وفي المعتبر (6) : إنّه لا خلاف فيه بين الخاصّة والعامة.

ص: 148


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( د ) : « أحدها ».
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 160.
5- غنية النزوع : 123.
6- المعتبر 2 / 503.

وفي المنتهى (1) : قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم أنّ أوّل نصب الغنم أربعون.

وفي التذكرة (2) : إنّ عليه الإجماع. وأراد به إجماع الخاصّة والعامة ، لكن ذكر في المختلف (3) أنه المشهور عند علمائنا أجمع ، ثمّ حكى الخلاف فيه عن الصدوقين.

وفي المدارك (4) حكاية إجماع الأصحاب عليه إلّا أنّه ذكر خلاف الصدوق (5) وقال : وهو ضعيف.

وما ذهب إليه الصدوقان مع كونه مخالفا لما أفتى به الأصحاب مخالف لمعظم روايات الباب ، منها : صحيحة الفضلاء وصحيحة محمد بن قيس (6).

نعم ، وجد ذلك في كتاب الفقه الرضوى عليه السلام.

وفي رواية الخصال (7) بإسناده عن الأعمش ، عن الصادق عليه السلام حيث قال عليه السلام : « ويجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة ، وتزيد واحدة فيكون فيها شاة ».

وأنت خبير بأن ذلك لا تقاوم تلك الأخبار سيّما بعد الانجبار.

وفي المنتهى (8) إسناد عبارة الصدوق في نصب الغنم إلى صحيحة زرارة. وهو سهو صدر منه لتوهّمه العبارة المذكورة من تتمّة ما تقدّمها من رواية حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام كما لا يخفى على من لاحظه.

ثانيها : القول بوجوب الثلاثة في ثلاثمائة وواحدة.

ثالثها : إسقاط النصاب الخامس وجعل الرابع آخر نصب الغنم.

ص: 149


1- منتهى المطلب 1 / 489.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 81.
3- مختلف الشيعة 3 / 180.
4- مدارك الاحكام 5 / 59.
5- ليس في ( د ) : « و ».
6- الإستبصار 2 / 23 ، باب زكاة الغنم ح 2.
7- الخصال : 605.
8- منتهى المطلب 1 / 489.

فيجب في ثلاثمائة وواحدة فصاعدا في كلّ مائة واحدة ، فقد ذهب إلى ذلك كله جماعة من الأصحاب :

منهم الصدوقان (1) والعمانى والسيد (2) والديلمي والطوسي (3) والجعفي والحلي (4) ، والعلّامة في المنتهى (5) والتحرير (6) والنهاية (7) ، وولده في الإيضاح (8).

وإليه ميل السيد في المدارك (9) والمحقق الشيخ حسن في المنتقى.

وما ذكرناه هو الذي ذهب إليه الأكثر.

ونصّ عليه الإسكافي والشيخ (10) في كتبه ، والقاضي (11) والحلبي (12) ، والفاضلان في الشرائع (13) والمختلف (14) والقواعد (15) والارشاد (16) ، والشهيد في اللمعة (17) والدروس (18)

ص: 150


1- فقه الرضا عليه السلام : 196 ، المقنع : 160 ، الهداية : 174.
2- رسائل المرتضى 3 / 77.
3- الوسيلة : 126.
4- المعتبر 2 / 503.
5- منتهى المطلب 1 / 489.
6- تحرير الأحكام 1 / 368.
7- نهاية الإحكام 2 / 328.
8- إيضاح الفوائد 1 / 177.
9- مدارك الاحكام 5 / 61.
10- الاقتصاد : 280 ، مصباح المتهجد : 857 ، الخلاف 2 / 21 ، النهاية : 181.
11- المذهب 1 / 163.
12- غنية النزوع : 123.
13- شرايع الإسلام 1 / 108.
14- مختلف الشيعة 3 / 179.
15- قواعد الأحكام 1 / 337.
16- إرشاد الأذهان 1 / 281.
17- اللمعة الدمشقية : 41.
18- الدروس 1 / 234.

والبيان (1) ، والسيوري والصيمري والمحقّق الكركي (2) وجماعة من متأخري المتأخرين.

وحكاه جماعة عن المفيد ، وهو الموجود في المقنعة (3) لكن حكى عنه الحلّي وغيره القول الأوّل.

وتعجّب في المختلف (4) من إسناده ذلك إليه مع تصريحه بخلافه.

وقد حكى الشهرة على القول المذكور جماعة من الأصحاب منهم المحقق الأردبيلي (5) ومولانا التقي المجلسي رحمة اللّه (6).

وفي الشرائع (7) : إنّه الأشهر.

وفي الروضة (8) : إنّ الرواية الدالّة عليه أشهر بين الأصحاب ، وهو الأظهر ؛ لصحيحة الفضلاء المرويّة عن الصادقين عليهما السلام المخالفة لما ذهب إليه معظم فقهاء العامة وما أطبق عليه أئمتهم الأربعة سوى رواية أحمد كما في المنتهى وغيره.

وموافقتهما (9) لما هو الأشهر بين الفرقة مع ما فيه من مراعاة الاحتياط بالنسبة إلى المالك.

مضافا إلى حكاية الشيخ عليه في الخلاف إجماع الفرقة.

حجة الجماعة : صحيحة محمد بن قيس ، وفيها بعد ذكر النصابين الأولين : « فإن زادت واحدة » يعني على المائتين « ففيها ثلاث شياة من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل

ص: 151


1- البيان : 177.
2- المقنعة : 238.
3- المقنعة : 238.
4- مختلف الشيعة 3 / 180.
5- مجمع الفائدة 4 / 66.
6- بحار الأنوار 93 / 55.
7- شرايع الإسلام 1 / 108.
8- الروضة البهية 2 / 21.
9- في ( د ) : « موافقتها ».

مائة شاة » (1).

وهي مدفوعة بموافقة العامة ، ففي مقام التعارض تحمل على التقية ؛ إذ هي عمدة السبب في اختلاف الأخبار الخاصة.

مضافا إلى أنّها غير صريحة في إسقاط النصاب الخامس كدلالة الأخرى على إثباته ، فقد يكون قد أجمل القول فيه ، وأراد بالكثرة بلوغ أربعمائة فصاعدا.

وسكت عن حكم الثلاثمائة وواحدة من أجل التقية.

ولذا عبّر بالكثرة الظاهرة في إرادة ما يزيد على الواحد.

على أنّ ظاهر مفهوم الغاية يدلّ على مخالفة الحكم فيما بعد الثلاثمائة بالنسبة إلى ما قبلها ، فيومي إلى عدم ثبوت الثلاثة فيه ، وليس إلّا الأربعة اتفاقا.

ومع الغضّ عن ذلك كلّه ، فترجح الرواية الأولى أن الرواة لها الفضلاء النجباء الذين ورد في شأنهم من المدائح ما ورد ، وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصح كل واحد منهم ، وكون المروي عنه الإمامين عليه السلام فهي في الحقيقة بمنزلة خبرين صحيحين ، بخلاف هذه الرواية.

وضمّ إليها في المنتهى (2) صحيحة أخرى رواه عن الصدوق ، والظاهر أنه سهو منه رحمة اللّه بجعله عبارة الصدوق المذكورة عقيب صحيحة زرارة الواردة في الجوابين من كلام الإمام عليه السلام كما مرّت الاشارة إليه.

ولذا لم يذكره أحد من الأصحاب في مقام الاحتجاج للقول المذكور.

نعم ، ورد ذلك في (3) الفقه الرضوي (4). والحال في ضعفه معروف.

وربّما يرجّح هذه الرواية بكونها أصحّ إسنادا من صحيحة الفضلاء ؛ لاشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم المعدود روايته من الحسان.

ص: 152


1- الإستبصار 2 / 22 ، باب زكاة الغنم ح 2.
2- منتهى المطلب 1 / 489.
3- في ( د ) زيادة : « كتاب ».
4- فقه الرضا عليه السلام : 196.

وفيه : أن رواية ابراهيم بن هاشم لا يقصر عن سائر الصحاح سيّما مع اشتمال إسناد هذه الرواية على محمد بن قيس المشترك بين جماعة ، وفيهم من لا يوثق به. ولذا طعن فيها بالاشتراك في المختلف (1) وغيره.

وهو وإن كان مدفوعا برجحان كونه البجلي الثقة من جهة رواية عاصم بن حميد عنه إلّا أنّ ذلك لا يقضي بكثير اطمئنان في التعيين ، فالرواية الأخرى السالمة من ذلك بالترجيح أولى.

فظهر بما ذكرناه أن الأخذ بالرواية الأولى أرجح من هذه من جهات شتى.

وظاهر المحقق (2) في كتبه وجماعة من المتأخرين الاستشكال في المسألة ؛ لتعارض الخبرين المذكورين ، وليس في محله.

ثمّ إنّ هاهنا سؤالا مشهورا حكي عن المحقق (رحمه الله) أنّه أورده في الدرس (3) وقد أشار إلى الجواب عنه في الشرائع (4) إجمالا ، وبيّنه في الدرس (5) تفصيلا ، والمحكي عنه في تقرير السؤال وجهان :

أحدهما : السؤال عن فائدة الخلاف مع أنّ الواجب في أربعمائة أربع شياة على القولين.

وثانيهما : أنّه إذا كان الواجب في ثلاثمائة وواحدة ما يجب في أربعمائة ، فأيّ فائدة في الزائد؟

وأنت خبير بأنّ السؤال الأوّل ساقط بالمرّة ؛ إذ لا اختلاف بين القولين في أربعمائة حتّى يسأل عن الفارق بينهما كما أنّه لا فرق بينهما فيما فوق تلك المرتبة للإجماع على وجوب الشاة في كلّ مائة بعد البلوغ إلى أربعمائة ، وإنّما الخلاف في مبدأ هذا التقدير ، وإن كان المقصود السؤال

ص: 153


1- مختلف الشيعة 3 / 180.
2- المعتبر 2 / 503.
3- في ( ألف ) : « الدروس » ، وظاهره انه كتاب الشهيد الأول إلا أنه لم يصح إذ الشهيد الأول متأخر عن المحقق بكثير ، فلا يصح إسناد كلام المحقق إلى الدروس ، فتدبّر.
4- شرايع الإسلام 1 / 108.
5- في ( ألف ) : « الدروس ».

عن ثمرة الخلاف (1) في مورد اختلاف القولين فهو أمر واضح لا يليق بالسؤال ؛ ضرورة وجوب أربع شياة على القول ( الأول وثلاث على الثاني ومع ذلك تظهر الثمرة في أمور أخر منها كون الواحدة على القول ) (2) الثاني شرطا للوجوب ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول من غير تفريط المالك شي ء من الفريضة بخلاف القول الآخر.

ومنها : أنّه لو تلف شاتان كذلك كان الساقط من الفريضة على الأوّل جزءان من خمسة وسبعين جزءا وربع جزء ، وعلى الثاني جزء من مائة جزء.

ولو تلف ثلاثة كان الساقط ثلاثة أجزاء من الأجزاء المذكورة ، وعلى الثاني جزءان من مائة .. وعلى هذا الحساب.

ومنها : أنه لو تلف هناك شاتان لزم تقسيط التالف على جميع النصاب ؛ لكون المخرج عنه هو الجميع ، فيسقط جزء ان من ثلاثمائة جزء ، وجزء من كلّ من الشياة الأربعة.

وعلى الثاني إنّما يسقط التالف على مائة منها ؛ لكون المخرج عنه في الحقيقة هو كلّ مائة ، فيسقط من شاة واحدة جزء من مائة.

وبالجملة إنّ الفرق بين القولين [ ... ] (3).

ص: 154


1- في ( د ) : « الاختلاف ».
2- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).
3- هنا بياض في نسخ الأصل.

تبصرة: [ في نصاب البقر ]

تبصرة (1)

[ في نصاب البقر ]

لا خلاف بين الأصحاب في أنّ للبقر نصابين : أحدهما ثلاثون وأربعون وستون ، ثمّ الأخذ بالثلاثين والأربعين.

ومنعه في المنتهى (2).

وكأن الوجه فيه اختلاف الأوقاص فيها واتفاقها في السبعين (3) وما زاد.

وقال المحقق الكركي (4) : إنّ المتّجه عدّها ثلاثة : شخصيّتان ، وأمر كلّي ، وهو كلّ ثلاثين أو كلّ أربعين.

قلت : فالمتجه على هذا عدّها أربعة ؛ إذ الكلي أيضا نصابان كالمبتدء.

نعم ، لو تخيّر المالك في كل منهما مطلقا صحّ ما ذكره لكون النصاب حينئذ أحد الأمرين المذكورين ، وليس كذلك ؛ لوجوب الاعتبار بالمطابق ؛ إذ الأمر إليه كما سيجي ء الاشارة إليه ، فيكون النصاب في بعضها كلّ ثلاثين وفي بعضها كلّ أربعين.

نعم ، لو فرض تساويهما في ذلك تخيّر المالك ، وهو لا يقضي بعدهما نصابا واحدا.

والأولى عدّها نصابين كما ذكرها جماعة من الأصحاب كما في رواية الأعمش (5) عن الصادق عليه السلام.

ص: 155


1- هذه التبصرة تكرار لما مرّ قبل صفحات بعبارات قريبة جدّا إلّا أنّنا حفظا للأمانة وحذرا من الحذف أدرجناها كما هي ، فلاحظ الفروق الطفيفة وزيادات ليست فيما سبق.
2- منتهى المطلب 1 / 487.
3- في ( د ) « فما ».
4- نقله عنه في مفتاح الكرامة 11 / 213.
5- لاحظ : من لا يحضره الفقيه 2 / 26.

وفيها تبيع وتبيعة على المعروف من المذهب ، وهو ما دخل في الثانية. والآخر أربعون ، وفيها مسنة بلا خلاف فيه ، وهي ما دخلت في الثالثة.

وعلى هذين النصابين يدور أمر البقر ، فليسا مخصوصين بالمرتبة الأولى خاصّة بل كلّما زاد البقر دار الأمر على النصابين المذكورين.

ويوجد في كلام بعض الأصحاب زيادة في نصاب البقر عن نصابين ، ففي المبسوط (1) : إن نصبه أربعة.

وظاهر الشيخ (2) أنّ نصبه ثمانية حيث جعل إخراج التبيع من كلّ ثلاثين ، والمشهور عن أربعين بعد التجاوز عن التسعين.

وفي التذكرة (3) جعل نصبها خمسة باعتبار الكلي بعد السبعين.

ولا خلاف في المعنى.

والأولى هو التعبير بما ذكرناه.

وفي المسالك (4) : انه المشهور. وذكر خصوص المسنة في المرتبة الأخيرة في الروايتين الأوليين من جهة كونه أحد قسمي المخير أو لكونه أحد الأفراد ؛ لجواز إخراج أربع تبايع أيضا ، ففي ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنة.

وهاهنا يراعى بين الأمرين المذكورين ما يحصل به الاستيعاب أو يكون أقرب إليه ، ومع المساواة يتخيّر في الملاحظة.

ويدلّ على جميع ذلك سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة صحيحة الفضلاء ؛ عن الصادقين عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي ء ، وكلّ أربعين بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين والثلاثين شي ء ، فاذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى

ص: 156


1- المبسوط 1 / 197.
2- المقنع : 159.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 73.
4- مسالك الإفهام 1 / 366.

السبعين ، وإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات (1) فإذا بلغت عشرين ومائة ، ففي كلّ أربعين مسنة » (2).

وبمعناها رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام المرويّة في الخصال (3).

ويدلّ عليه أيضا رواية الفقه الرضوي (4).

ثمّ إنّه لا خلاف في شي ء من المذكورات سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة ؛ فإنّ المحكي عن (5) عليّ بن بابويه والعماني تعيين التبيع الحولي ، وهو الموجود في عبارة الصدوق في الفقيه (6) والمقنع (7) كما هو مضمون الصحيحة المذكورة وغيرها.

وتبعهم صاحب الحدائق (8).

والمشهور هو التخيير كما أشرنا إليه ، وقد حكى الإجماع عليه في الخلاف (9) والتذكرة (10).

وفي المنتهى (11) : أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلاثين ، ووجوب المسنة في الأربعين ، وأجمعوا على أنّ (12) هذين السنين هي المفروضة في زكاة البقر.

وهو الأظهر.

ص: 157


1- في ( ألف ) : « حوليان ».
2- الكافي 3 / 534 ، باب صدقة البقر ح 1.
3- الخصال : 605.
4- فقه الرضا عليه السلام : 196.
5- لم توجه « عن » في ( ألف ).
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
7- المقنع : 159.
8- الحدائق الناضرة 12 / 55.
9- الخلاف 2 / 19.
10- تذكرة الفقهاء 5 / 74.
11- منتهى المطلب 1 / 487.
12- « أن » غير موجودة في ( ألف ).

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة اشتمال رواية الفضلاء على ما في المعتبر (1) على التصريح بالتخيير بين التبيع والتبيعة.

وعدم وجود تلك الزيادة في كتب الحديث لا ينافيه لتقديم الزيادة على النقيصة.

وكأن المحقق أخذ الرواية من الأصول القديمة.

وروته في نهاية الإحكام (2) مرسلا عن الباقر والصادق عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة .. » إلى قوله عليه السلام « ليس فيها شي ء حتّى يبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة .. » الخبر.

مضافا إلى اعتضاد ذلك بعمل الأصحاب من غير مخالف صريح.

مضافا إلى اشتمال صحيحة الفضلاء ورواية الأنس ، عن الصادق عليه السلام وغيرهما على ذكر التبايع الثلاث في التسعين.

ومن الظاهر أن المراد بها الإناث ، فإذا جاز هناك جاز في الأوّل ؛ لكون النصاب أمرا واحدا كليا ، والفريضة واحدة في الجميع.

وذلك أيضا موجود في عبارة الصدوق في الغنية (3) والمقنع (4) ، فلا يبعد سقوط خلافه في المقام كغيره ، فيكون ذكرهم بخصوصه على سبيل المثال أو للاقتصار على ذكر مورد النصّ.

ويؤيّده أنّه لو جاز دفع التبيع كان دفع التبيعة أولى ؛ إذ هي أعلى وأغلى منه ، ولذا لا يجوز دفع المسنّ في النصاب الثاني اتفاقا ، ففيه مراعاة جانب الفقراء.

وبذلك يظهر ضعف القول المذكور ، ويسقط مؤاخذة صاحب الحدائق (5) من صاحب البداية حيث أفتى بالتخيير.

ص: 158


1- المعتبر 2 / 502.
2- نهاية الإحكام 2 / 327.
3- كذا ، والصحيح « الفقيه » ، انظر : من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 159.
5- الحدائق الناضرة 12 / 56.
تبصرة: [ في نصاب الغنم ]

وللغنم نصب خمسة على المشهور بين الأصحاب :

الأوّل : الأربعين ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرين ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربعمائة فما زاد فيها في كل مائة واحدة.

ولا خلاف هنا إلّا في أمور :

أحدها : ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه (1) والمقنع (2) من اعتبار زيادة شاة في النصاب الأوّل على الأربعين ، وحكى ذلك عن والده أيضا.

والمعروف من مذهب الأصحاب هو ما ذكرناه ، بل الظاهر الاتفاق عليه بعد الصدوق ، وهو مع كونه خلاف فتوى الأصحاب مخالف لمعظم الروايات منها : صحيحة الفضلاء ، وصحيحة محمد بن قيس.

نعم ، وجد ذلك في رواية الفقه الرضوي (3) (4) ورواية الخصال (5) بإسناده عن الأعمش ،

ص: 159


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
2- المقنع : 160.
3- فقه الرضا عليه السلام : 196.
4- في ( د ) زيادة « في ».
5- الخصال : 605.

عن الصادق عليه السلام حيث قال : « ويجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة ، ويزيد (1) واحدة فتكون فيها شاة ».

وأنت خبير بأن ذلك لا تقاوم تلك الأخبار سيّما بعد الانجبار.

وفي المنتهى (2) إسناد عبارة الصدوق في نصب الغنم إلى صحيحة زرارة. وهو سهو صدر منه لجعله العبارة المذكورة من تتمة ما تعلقه من رواية حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام كما لا يخفى على من لاحظه.

ثانيها : القول بوجوب الثلاثة في الثلاثمائة وواحدة.

ثالثها : إسقاط النصاب الخامس وجعل الرابع آخر نصب الغنم ، فيجب في ثلاثمائة فما زاد في كلّ مائة واحدة ، فقد ذهب في (3) ذلك كلّه جماعة من الأصحاب منهم الصدوقان والعماني والمفيد والسيد والديلمي والطوسي والجعفي والحلي ، والعلّامة في المنتهى والتحرير والنهاية ، وولده في الايضاح ، وإليه ميل السيد في المدارك ، والمحقق الشيخ حسن في المنتقى ، والذي ذهب الإسكافي والشيخ في كتبه ، والقاضي والحلبي ، والفاضلان في الشرائع والخلاف والقواعد والارشاد ، والشهيد في اللمعة والدروس والبيان ، والسيوري والصيمري والمحقّق الكركي (4) وجماعة من متأخري المتأخرين.

وحكاه جماعة عن المفيد ، وهو الموجود في المقنعة لكن حكى عنه الحلي وغيره القول الأوّل.

وقد حكى الشهرة على القول المذكور جماعة من الأصحاب منهم المحقق الأردبيلي ومولانا التقي المجلسي رحمه اللّه.

وفي الشرائع : إنّه الأظهر.

ص: 160


1- في ( د ) : « تزيد ».
2- منتهى المطلب 1 / 489.
3- في ( د ) « الى ».
4- لم ترد في ( ب ) : « المحقق الكركي ».

وفي الروضة : إن الرواية الدالّة عليه أشهر بين الأصحاب.

وهو الأظهر ؛ لصحيحة الفضلاء الصريحة فيه مع ما فيه من مراعاة الاحتياط بالنسبة إلى المالك.

مضافا إلى مخالفتها لما ذهب إليه معظم أئمة اللغة ، وموافقتها لما هو الأشهر من (1) الفرقة.

حجة الجماعة : صحيحة محمد بن قيس ، وفيها بعد ذكر النصابين الأولين : « فإن زادت واحدة - يعني على المائتين - ففيها ثلاث شياة من الغنم وثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة ».

وهي مدفوعة بموافقة العامة ، ففي مقام التعارض يحمل على التقية ؛ إذ ذلك مذهب أئمتهم الأربعة كما مرّ.

مضافا إلى أنّها غير صريحة في إسقاط الخامس ، فقد يكون عليه السلام قد أجمل القول فيها وأراد بالكثرة بلوغ أربعمائة فصاعدا وسكت أيضا عن حكم الثلاثمائة وواحدة من أجل التقية ، ولذا عبّر بالكثرة الظاهرة في إرادة ما يزيد على الواحد.

مضافا إلى أنّ مفهوم الغاية يدلّ على مخالفة الحكم فيما بعد الثلاثمائة بالنسبة إلى ما قبلها فيومي إلى عدم ثبوت الثلاثة فيه ، وليس إلّا الأربعة اتفاقا.

وممّا يؤيّد الأول كون الرواة لها الفضلاء النجباء الذين ورد في شأنهم ما ورد من المدائح ، وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن كلّ واحد منهم ، وكون المروي عنه الإمامان عليهما السلام ، فهي في الحقيقة بمنزلة خبرين بخلاف الرواية الدالّة على القول الآخر.

وربّما ضمّ إليها في المنتهى صحيحة أخرى رواه عن الصدوق ، والظاهر أنه سهو منه رحمه اللّه بجعله عبارة الصدوق رحمه اللّه المذكورة عقيب (2) صحيحة زرارة الواردة من كلام الامام عليه السلام ، ولذا لم يذكره أحد من الأصحاب في مقام الاحتجاج للقول المذكور.

نعم ، ورد ذلك في عبارة الفقه الرضوي ، والأمر في جواز الاعتماد عليه وعدمه معروف.

ص: 161


1- في ( د ) « بين ».
2- في ( ألف ) : « تجب ».

وربّما ترجح هذه الرواية بأصحيّة إسنادها عن صحيحة الفضلاء لا سيّما علي بن ابراهيم بن هاشم المعدود روايته في الحسان (1) ، ورواية ابراهيم بن هاشم لا يقصر عن سائر الصحاح سيّما اشتمال إسنادها (2) في الرواية على محمد بن قيس المشترك بين جماعة (3) ، والأصحّ كونه البجلي الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه عليه السلام ، إلّا أن ذلك لا يقضي بكثير اطمئنان (4) بالتعيين ، فالرواية الأخرى السالمة (5) عن ذلك بالترجيح أولى.

وظهر بما ذكرنا أن الأخذ بالرواية الأولى أرجح من هذه من جهات شتّى.

وظاهر المحقق في كتبه وجماعة من المتأخرين الإشكال في المسألة لتعارض الخبرين المذكورين ، وليس في محله.

ثمّ إنّ هاهنا إشكالا مشهورا ، وهو أن الأربعة إذا وجبت في ثلاثمائة وواحدة وفي الأربعمائة ، فأيّ فائدة في النصاب الأخير ، وعدّهما نصابين؟

والجواب عنه أن هذا النصاب لا اختصاص (6) له بهذه المرتبة ، وإنّما تكون هذه المرتبة من جملة مصاديقها.

فانتفاء الثمرة في هذه المرتبة بخصوصها لا مانع منه مع حصولها في غيرها إلّا أن يقرّر الإيراد في فائدة تعميم ذلك بحيث يشمل هذه المرتبة.

وهو حينئذ مدفوع بأن ما تعلق به الزكاة حينئذ هو مجموع الأربعمائة فيكون حق الزكاة مشاعا في الجميع ، وفي الأوّل إنّما يتعلّق الحق بالثلاثمائة وواحدة ، ويكون الزائد عليه عفوا فلا يكون إشاعة الحق إلّا فيما تعلق به الزكاة.

ص: 162


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « اسناد هذه الرواية » « إسنادها في الرواية ».
3- ليس في ( د ) « و ».
4- في ( د ) « في التعيين ».
5- في ألف : « الشاملة ».
6- في ( د ) : « لا اختصاص ».

ويتفرّع (1) على ذلك السقوط من الزكاة بحساب ما تلف من الأربعمائة بعد تعلّق الزكاة من غير تفريط ، بخلاف ما إذا روعي الوجه الآخر ؛ فإنه مع بقاء ثلاثمائة وواحدة لا يسقط شي ء من الزكاة.

وفيه : أن الزكاة إنّما تتعلق بالعين ، فيكون حينئذ ثابتا في جميع المال على سبيل الإشاعة ، فيكون التلف على التقديرين من المجموع ، فلا وجه لعدم سقوط شي ء من الزكاة مع بقاء النصاب.

كذا أورد صاحب المدارك ، وتبعه صاحب الذخيرة.

قلت : وعلى ما ذكراه يكون النقص الحاصل منقسما على النصاب والعفو ، ويسقط من الزكاة بنسبة ما يقع من السقط بإزاء النصاب.

وحينئذ فلا يبقى فرق بين الوجهين لا فيما ذكر ولا في كون الحق الثابت في كلّ غنم جزء من مائة جزء على أحد الوجهين وجزء من خمس وسبعين جزء حقيقة أو تعريفا على الوجه الآخر ؛ ليكون التلف على تلك النسبة ؛ لما عرفت من التقسيط على العفو ، فلا يفرق الحال بين الوجهين بالنسبة إلى ملاحظة القدر التالف من الزكاة كما لا يخفى.

إلّا أنّ الظاهر من الشرع خلافه ، بل الظاهر أن النقيصة كلما وردت ترد على العفو إلى أن يستوفيها ، ولذا لو تلف منه شي ء قبل حلول الحول كان التلف من العفو قطعا ؛ ضرورة صدق حلول الحول على قدر النصاب ، فيجري مثله فيما بعد حلوله.

والحاصل أنّ قدر النصاب في المقام أمر كلي يحكم ببقائه مع بقاء ما يفي به ، وإن تلف من المال ما تلف فيحكم إذن ببقاء حصة الزكاة لإشاعته في خصوص مقدار النصاب.

و (2) ممّا يدلّ على ذلك - مضافا إلى ما ذكرنا - أنه لو كان كما ذكراه لما جاز للمالك التصرف في المقدار الزائد على النصاب إلّا بعد ضمانه للحصّة التي فيه من الزكاة كما هو الشأن في تصرّف المالك في المال الذي تعلّق به الزكاة ، مع أنّ الأمر ليس كذلك بل له

ص: 163


1- في ( ألف ) : « ويتفرغ ».
2- زيادة الواو من ( د ).

التصرف في المقدار الزائد من غير حاجة إلى الضمان ، وإنّما يمنع من التصرف في قدر النصاب خاصة.

ومنه يظهر كونه كليا يبقى ببقاء ما بقي من المال حسب ما قرّرنا.

ص: 164

تبصرة: [ في اشتراط السوم ]

الثاني من شروط زكاة الأنعام : السوم بالإجماع المعلوم والمنقول حدّ الاستفاضة والأخبار المستفيضة (1) هو الرعي.

وظاهره (2) يعم الرعي في المملوك والمباح والمزروع وغير المزروع.

ويقابله المعلوفة ، وهي ما يعلف باليد سواء كان من مال المالك أو مال غيره ، من العلف المملوك بالأصل أو بالاحتشاش ، من المباح أو غير المملوك كما لو أعلفه من العلف المباح لو قلنا بعدم تملكه بمجرد الأخذ مع عدم قصد المالك لتملك أو مع قصد عدمه.

ولو أكل من العلف المطروح على الأرض أو التبن الساقط عليها مع إعراض المالك عنها ففي إدراجها في المعلوفة وجهان ، وفي إلحاقها بالسائمة وجه قوي.

وما استشكله الشهيد الثاني (3) فيما لو علفها غير المالك من مال نفسه من أنّها في معنى السائمة ؛ نظرا إلى الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة عن المعلوفة من جهة سقوط المئونة عن المالك قد قضى ذلك بتنصيف الزكاة في الغلات عند سعتها بالدوالى ونحوها بيّن الاندفاع ؛ إذ لا عبرة بالاعتبارات المذكورة في إثبات الأحكام الشرعيّة.

كيف ، وقد يكون المصرف في السائمة معادلا للمعلوفة أو زائدا عليه ، وظاهر الأصحاب ثبوت الزكاة بل لا يظهر فيه تأمل من أحد.

ولو دار الأمر مدار المؤن لزم القول بالسقوط مع مساواة مؤنته لمؤنة المعلوفة أو زيادتها

ص: 165


1- في ( د ) زيادة : « واو ».
2- لم ترد في ( ب ) : « وظاهره يعمّ الرعي ».
3- مسالك الإفهام 1 / 370.

عليها.

وهل يعتبر أن تكون سائمة تمام الحول بطريق الحقيقة بحيث لو علّفت في بعض الحول - كائنا ما كان - سقط الحكم أو يعتبر الأغلب أو الاسم؟ وجوه ، بل أقوال.

فالأوّل ظاهر الحلي (1) والمحقّق (2) ، والثاني عن الشيخ (3) في بعض كتبه ، والثالث مختار معظم المتأخرين (4).

وهو الأظهر ، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية (5) حيث حكم بسقوطه بعلف اليوم ، وصرّح بعدم اعتبار اللحظة.

والوجه فيه ظاهر ؛ لإناطة الحكم بالاسم ، ولا تحديد له في الشرع ، فيرجع فيه إلى صدق العرف.

وكأنّ ذلك هو الوجه في الثاني.

وضعفه ظاهر.

والوجه الأوّل أن المعتبر في المقام هو السوم لحلول الحول ، وهو اسم لتمام المدّة ، ولا يناط الأحكام الشرعيّة بالتسامحات العرفيّة كما هو المعروف في مسألة الكر والسفر ومقادير النصب وغيرها ممّا تنيط (6) فيه الأحكام بالأسماء.

ويدفعه أن التسامح العرفي ممّا لا يعتبر في المقام أيضا ؛ فإن الظاهر أن المعلوف في اللحظة ونحوها ممّا لا يقدح في صدق اسم السوم على سبيل الحقيقة كما لا يخفى على من لاحظ العرف ، فالوضع فيه على نحو يعمّ مثل ذلك.

ص: 166


1- تذكرة الفقهاء 5 / 48 ، مختلف الشيعة 4 / 442.
2- المعتبر 2 / 507 ، شرائع الإسلام 1 / 109.
3- المبسوط 1 / 198.
4- كفاية الأحكام 1 / 173.
5- النهاية : 177.
6- في ( د ) : « نيط ».

وأمّا ما كان الإطلاق من قبيل التسامح فالظاهر أنّه (1) ممّا لا عبرة به ، والظاهر أنّه خارج عن مقصود القوم.

وهل يعتبر السوم أيضا في السخال ، والمراد بها أولاد الأنعام الثلاث ، فيجعل ابتداء الحول فيها من حين الاستغناء بالرعي أو لا يلاحظ فيها ذلك بحسب الحول فيها من حين النتاج؟ والأوّل محكيّ عن صريح جماعة من الأصحاب (2) ، والثاني يعزى إلى الشيخ (3) وجماعة ، وفي المسالك (4) حكى الشهرة عليه ، وفي الحدائق (5) : الظاهر أنه المشهور.

وكأنه الأظهر ؛ أخذا بظواهر عدّة من الأخبار :

منها : الصحيح : « ليس في صغار الغنم شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج » (6).

والخبر : « وما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليه من يوم ينتج » (7).

ونحوها رواية أخرى (8).

والأصل في هذه الروايات إن كان واحدا إلّا أنّه لجلالة شأنه وبعده عن الخطأ في النقل لا يوجب وهنا في الخبر المذكور ، سيّما مع اعتضاده بعمل المشهور وأوفقيّته بالاحتياط ، فيقيّد بها إطلاق ما دلّ على اعتبار السوم.

والوجه في الآخر إطلاق ما دلّ على اعتبار السوم في الغنم ، فيجري الحكم في السخال

ص: 167


1- « أنه » اضيفت من ( د ).
2- شرائع الإسلام 1 / 109 ، تحرير الأحكام 1 / 364.
3- الدروس 1 / 232.
4- مسالك الإفهام 1 / 368.
5- الحدائق الناضرة 12 / 80.
6- لم نجده وما وجدناه في مستند الشيعة 3 / 93 هكذا : « ليس في صغار الإبل شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج ».
7- الإستبصار 2 / 20 ، باب زكاة الإبل ح 3.
8- الإستبصار 2 / 2 ، باب ما تجب فيه الزكاة ح 2.

وغيرها.

ويدفعه أنّ هذه الروايات أخبار خاصّة فيقيّد بتلك الإطلاقات.

مضافا إلى ما عرفت من تأيّدها بالشهرة والاحتياط.

وقد يؤيّد ذلك أيضا بأنّ سوم الأمّهات كاف (1) في صدقه على الأولاد من جهة التبعيّة.

ومن هنا ينقدح احتمال اختصاص الحكم بما إذا كانت أمّهاتها ساعة ، فلو كانت معلوفة لم يكن في أولادها شي ء ؛ إذ الظاهر كونها بمنزلة المعلوفة ، بل هي من المعلوفة في الحقيقة ، و (2) الروايات المذكورة غير واضح الشمول لذلك.

وهذا الوجه وجيه لو أمكن تطبيق كلماتهم عليه.

ص: 168


1- في ( ألف ) زيادة « كان ».
2- أدرجنا الواو من ( د ).
تبصرة: [ في اشتراط الحول ]

الثالث : الحول ، بالنصوص المستفيضة والإجماع المعلوم والمنقول حدّ الاستفاضة ، بل هو قول أهل العلم كافّة من العامة والخاصّة إلا ما حكي عن ابن عباس وابن مسعود من قولهما بوجوب الزكاة في المال إذا استفاد المال ، ثمّ يتكرّر بتكرّر الحول. ذكره في المنتهى (1).

وفساد قولهما ظاهر بعد إجماع الأمّة والروايات المستفيضة.

والظاهر اطباق الأصحاب على تعلّق الوجوب بمجرّد دخول الثاني عشر وإن لم يكمل أيّامه.

وفي المعتبر : إنّه يتمّ الحول عند استهلال الثاني عشر ، وهو مذهب علمائنا.

وفي المنتهى (2) : إذا أهلّ الثاني عشر فقد حال الحول على المال. ذهب إليه علماؤنا.

وفي التذكرة (3) : حولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال ، فإذا أهلّ الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم يكمل أيّامه بل يجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه بعد ذلك صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام : قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبه (4) لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا [ بها ] (5) من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال : « إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه الزكاة » (6).

ص: 169


1- منتهى المطلب 1 / 486.
2- منتهى المطلب 1 / 687.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 51.
4- في المصدر : « فوهبها ».
5- الزيادة من المصدر.
6- الكافي 3 / 526 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 4.

ولا فارق بين النقدين والأنعام ، على أن الظاهر من قوله « فقد حال عليها الحول » حصول الحولان شرعا بذلك في الزكاة ، فيحمل عليه الإطلاق بالنسبة إلى غيرها (1) أيضا ؛ إذ لم يعتبر فيه إلّا حولان الحول.

فالمسألة ظاهرة لا خفاء فيها ، وظاهر جماعة من المتأخرين منهم صاحب الوافي والعلامة المجلسي وصاحب الحدائق (2) المناقشة في الحكم المذكور ، بل ظاهر عبارة الوافي (3) الاقتصار على مورد النصّ المذكور بحمله على الوجوب وحلول الحول بالنسبة إلى خصوص ما فرض فيه من مزيد الفرار ، قال : كيف والحول معناه معروف ، والأخبار بإطلاقه مستفيضة؟! ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه.

وأشار بذلك إلى ما في تلك الرواية من وجوه الإشكال.

قلت : ما ذكره من الوجهين جاريان في حمل المذكور أيضا مع ما فيه من الضعف ؛ إذ لا يعرف قائل به من الأصحاب.

وكيف كان ، فضعف القول المذكور غني عن البيان.

نعم ، في صحيحة عبد اللّه بن سنان أنّه (4) لما نزلت آية الزكاة ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) في شهر رمضان ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مناديه ، فنادى في الناس : « إنّ اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة .. » إلى أن قال عليه السلام : « ثمّ لم يتعرض بشي ء (5) من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا ، فأمر مناديه ، فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون! زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم ، ثمّ وجّه عمّال الصدقة » (6).

ص: 170


1- في ( ألف ) : « إليه » بدل « إلى غيرها ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 73.
3- نقله عنه في التحفة السنية ( المخطوط ) : 151.
4- ليس في ( ألف ) و ( ب ) : « أنه ».
5- في المصدر : « لشي ء ».
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 13 ، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ح 1.

واستظهر منها في الحدائق (1) كون حلول الحول بمضيّ اثني عشر شهرا.

قلت : ويمكن المناقشة فيه ، بل وادّعاء ظهورها في خلافه ؛ لقوله عليه السلام « حتى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا » فإنّها ظاهرة في كون الحلول قبل الصوم ، فيكون قبل إكمال الاثني عشر.

وربّما يجعل قوله « فصاموا وأفطروا » تفصيلا لما أجملوا بقوله « حتّى حال عليه الحول » وتفسيرا له ، فلا يدلّ على كون الحول قبل الصيام إلّا أنّ حمل العبارة (2) لا يخلو عن خروج من الظاهر ، فلا داعي إليه.

ومع الغضّ عنه فلا أقلّ من قيام الاحتمال الهادم للاستدلال.

بقي الكلام في سرّ تأخير النداء ، وهو يجري على الوجهين لإكمال الاثني عشر في شهر رمضان ، وكأنّه لحكمة قضت به في المقام ، ومنها هذا.

وقد وقع الكلام في المقام في امور.

أحدها (3) : أنّه هل يحتسب الشهر المذكور بعد تعلّق الوجوب في الحول الأوّل أو الثاني؟ قولان ، والأوّل مختار فخر المحققين في الإيضاح ، والثاني مختار الشهيد في الدروس (4) والبيان (5) وغيره (6).

وهو الأظهر ؛ إذ الحول لغة وعرفا اسم للشهور الاثني عشر ، وغاية ما دلّت عليه الصحيحة المتقدمة واستفيد من كلام الأصحاب الحكم بحلول الحول بدخول الثاني عشر تنزيلا لدخول الشهر الأخير منزلة كماله ، فكأنه بإهلال الثاني عشر قد مضى عليه اثنا عشر هلالا ، فيلاحظ الباقي من كمال الحول.

ص: 171


1- الحدائق الناضرة 12 / 76.
2- في ( د ) زيادة « عليه ».
3- « أحدها » زيدت من ( د ).
4- الدروس 1 / 231.
5- البيان : 171.
6- في ( د ) زيادة : « كالمحقق الكركى في حاشيته على الشرائع والقواعد ».

فالحول إنّما أطلق على مجموع الاثني عشر ، واكتفى (1) حلوله بحلول إهلال الثاني عشر منه.

واستشكل ذلك في التذكرة (2) والقواعد (3).

حجّة الأوّل : ظاهر الصحيحة المتقدّمة ؛ إذ حلول الحول ظاهر في كماله ، وقد أتى به بلفظ الماضي مع الفاء الدالّ على التعقيب أو من جهة ظهوره في ترتّبه على الشرط.

وفيه : أن الذي يظهر منها حصول الحول بذلك ، وقد يكون الوجه فيه ما ذكرناه فلا يلزم منه الخروج عن الظاهر في لفظ الحول.

وكأنّها أظهر في إرادة صدق الحولان خاصّة ، وغاية الأمر تكافؤ (4) الوجهين ، وقضية الأصل احتسابه من الأوّل.

الثاني : أنّه هل يستقر الوجوب بمجرّد إهلال الثاني عشر ، فلا يراعي بقاء الشرائط في بقية الشهر أو أنّه يجب متزلزلا فيراعى بقاؤها إلى آخر الحول؟ وجهان ، ظاهر الأكثر الأوّل ، [ و ] هو ظاهر الصحيحة المتقدمة ، بل ظاهر ما حكي من الإجماع ، والثاني مختار الشهيد الثاني ؛ استضعافا للرواية من جهة اشتمال إسنادها على إبراهيم بن هاشم ، ولم ينصّ عليه بالتوثيق.

ومقتضى الأدلّة بقاء اعتبار الشرائط إلى آخر الحول أو الشهر حقيقة في اللغة والعرف في مجموع الشهر والاثني عشر ، والأصل عدم النقل.

ودلالة الرواية والإجماع على وجوبها في الثاني عشر أعمّ من المستقرّ وغيره ، فلا يثبت به زيادة على غير المستقرّ.

ص: 172


1- في ( د ) زيادة كلمة قد تقرأ : « نفى ».
2- تذكرة الفقهاء 5 / 51.
3- قواعد الأحكام 1 / 332.
4- في ( ألف ) : « تكافؤه ».

ويضعّفه (1) صحّة الرواية المذكورة بل وكونها في أعلى درجات الصحّة ؛ إذ لا تأمّل في جلالة إبراهيم ، وقد اعترف به غير مرّة سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، فالظاهر الأخذ بظاهر الصحيحة المعتضد أيضا بظاهر فتوى الفرقة.

الثالث : لا تدخل الأولاد في حول الأمهات تبعا ، بل لا بدّ من مراعاة الحول فيها بالاستقلال أو مع الغنم إلى غيرها ، وفي ما دلّ على أنّ ما يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي ء فيه كفاية في ذلك.

وقد مرّ في بعض الصحاح وغيره تصريح بذلك ، والمسألة بيّنة ولا خلاف فيه بين الفرقة ، وإنّما وقع الكلام فيها بين العامة حيث ذهب بعضهم إلى تبعيّة الأولاد للأمهات في الحول.

وهو ضعيف موهون خارج عن مقتضى القواعد الشرعيّة.

ثمّ إن اتفق للأولاد نصاب مستقلّ مجامع للأولى كأن ولدت خمس من الإبل خمسا فلا كلام إن جعلنا الخمس الثاني نصابا مستقلا منضمّا إلى الأوّل ، وإن جعلنا العشر حينئذ نصابا واحدا جرى فيه الاحتمال الآتي ، ولو بلغت الأولاد إلى المرتبة الأولى من النصاب إذا لوحظت بالاستقلال ، ولم تصل المرتبة الثانية ولو مع الضم إلى الأمهّات كأربعين من الغنم ولدت أربعين ، ففي ثبوت الزكاة في الأولاد احتمال ذكره المحقّق في المعتبر (2) ؛ أخذا بظاهر قوله عليه السلام : في « كلّ أربعين شاة ».

ويضعّفه أنّ المنساق من ذلك ثبوته فيه عند حصوله في أوّل الأمر دون المنضمّ إلى أربعين آخر. الا ترى أنّه لو ملك ثمانين شاة لم يكن عليه في كلّ أربعين شاة اتفاقا؟ فكذا لو ملكها على سبيل التعاقب كما في المقام ، فالزائد على قدر الأربعين عفو.

ولو بلغت نصاب الأولاد وحدها إلى المرتبة الثانية من النصاب كأن ولدت سبعين (3) من

ص: 173


1- في ( ألف ) : « وغيره ، فلا يثبت على ضعفه » ، بدلا من « ويضعّفه ».
2- المعتبر 2 / 510.
3- كذا ، والظاهر : « سبعون ».

الغنم مثلا مائة وأحد وعشرون (1) كان لكلّ من الأمّهات والأولاد نصاب مستقل على ما قطع به في ظاهر المدارك (2).

وهو ضعيف ، بل الظاهر ملاحظة الجميع ، والبناء على العفو فيما زاد على النصاب كما في الفرض المذكور.

ومن الغريب أنه رحمه اللّه نصّ على أنّه لو كان الأولاد بالغة إلى النصاب الأول على نحو ما مرّ حكم بالعفو ، ولا فرق بين ذلك وما فرض في المقام ؛ اذ لو بنى على ملاحظة الأمهّات والسخال منفردا عن الآخر وجبت الزكاة في المقامين ، وإلّا سقط اعتبارها في الصورة المذكورة في السبعين ؛ إذ مع ملاحظة الجميع جملة يكون السبعين عفوا.

ألا ترى أنه لا يعقل فرق بين إذا كان (3) الغنم مائة إحدى وعشرين فولدت سبعين أو كانت سبعين فولدت مائة وإحدى وعشرين ، فلا معنى للبناء على الفرق والحكم بالعفو عن السبعين في الأوّل ، وجعل كلّ منهما نصابا مستقلا في الأخير.

وهو ظاهر.

هذا ، ولو بلغت الأمّهات بملاحظة الأولاد إلى المرتبة الثانية من النصاب كأن ولدت ثمانون من الغنم واحدا وأربعين فهل يلغى اعتبار النصاب الأول مع عدم مرور الحول عليه حال انفراده؟ بل تعتبر الجميع نصابا واحدا فيراعى طول الحول عليه كذلك ، أو يجب في كل منهما ما يجب فيه استقلالا؟ ففي المثال المفروض يراعى الحول في كلّ من الأمّهات والأولاد بالاستقلال ، ويثبت في كل منهما شاة عند حلول الحول عليه ، أو يحتسب حول الأمّهات بالاستقلال ، ثمّ يضمّ (4) الأولاد إليها بالنسبة إلى الحول الآتي ، فيلغى اعتبار الأولاد إلى حين

ص: 174


1- كذا ، والظاهر : « وإحدى وعشرين ».
2- مدارك الأحكام 5 / 77.
3- كذا ، والأظهر : « كانت ». والغنم اسم مؤنث موضوع لجنس الشاء يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعا ، ولا واحد لها من لفظها ، وتصغيره : غنيمة ؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم. أنظر : البستان ص 797 ( غنم ).
4- في ( ألف ) : « الحول » بدلا من « يضم ».

حلول حول الأمهات؟ وجوه ، المعزى إلى جماعة من المتأخرين اختيار الأخير.

وعلّل ذلك بأنّ القول بسقوط الزكاة من الأمّهات عند حلول حولها مع بلوغها حدّ النصاب مخالف لظاهر الأدلّة ، وبعد وجوب إخراج الزكاة عنها لا يمكن منها إلى السخال ليلزم القول بوجوب إخراجها عن الجميع أيضا عند حلول حول السخال ؛ اذ لا وجه للتبعيّة سيّما في المقام ، مع ما ورد في الأخبار من نفي التثنية في الصدقة وانّه لا يزكّى في عام مرّتين ، واعتبار النصاب الأوّل في الأولاد استقلالا (1).

وقد عرفت ضعفه ، فتعيّن الوجه المذكور.

قلت : قد يقال : إنّ ما ذكر في تضعيف سقوط الزكاة عن الأمهات عند حلول الحول عليها جار (2) في سقوطها عن السخال عند حلول حولها ، ولو جعل انضياف الغير إليها قاضيا بالسقوط جرى ذلك على الوجهين. كيف ويصدق هناك بعد انضياف تتمة النصاب الأخير تملكه لذلك النصاب ، فبعد حولان الحول عليها كذلك ينبغي القول بوجوب ما يجب فيه من الزكاة ، وهو قاض بسقوط اعتبار النصاب الأوّل ؛ لما مرّ من نفي التثنية في الصدقة.

وإنّ المتيقّن ممّا ورد في النصاب الأوّل اعتباره فيما لا يبلغ إلى النصاب الذي بعده ، فبعد فرض بلوغه إليه ( ولو في اشناء الحول لا يظهر اندراجه في ما دل عليه ، بل اندراجه وظاهر في ما فرض بلوغه إليه ) (3) فينبغي البناء عليه.

ويضعفه أنّ البناء على ذلك قد يفضي إلى سقوط الزكاة عن المالك لو فرض حصول الزيادة كذلك قبل حلول الحول بالنسبة إلى كلّ عام.

وهو بيّن الفساد ؛ مضافا إلى أنّه مع تقضّي بعض الحول على النصاب الأوّل تعلّق به الحكم بوجوب الزكاة على فرض الحلول ، فيستصحب ذلك مع بقاء المال كما هو المفروض ، والانتقال منه إلى مراعاة النصاب الثاني في أثناء الحول غير معلوم ، فيبنى على استصحاب

ص: 175


1- في ( ألف ) : « استقلال ».
2- في ( ألف ) : جاز.
3- ما بين الهلالين مما أضيفت من ( د ).

الأوّل.

ويشكل بأنّه لا حكم شرعا قبل حلول الحول ، وعدّ ما فرض حكما محلّ تأمّل.

والحاصل أنّ المسألة لخلوّها عن النصّ محل إشكال ، ويدور الأمر فيه بين وجوه ثلاثة : البناء على النصاب الأوّل ، والحكم بعدم اعتبار الحول بما ألحق به حتى يتمّ الحول على النصاب المذكور ، أو البناء على إسقاط ما مرّ من الحول على النصاب ، واحتساب الجميع نصابا واحدا ، والبناء على ملاحظة كلّ منهما نصابا مستقلا ، فيراعي فيه ما يتبعه من الحكم.

فمراعاة الاحتياط في مثله هو الأولى إن لم نقل بتعيّنه.

ويجري الكلام في كلّ ملك جديد كذلك يكون بعد مضي الحول على النصاب السابق ، بل وفي مراتب الزيادة في النصاب الآخر.

الرابع : أنّه لو اتفق معاوضة الأنعام بغير جنسها في أثناء الحول سواء كان زكويا أو غيره فلا كلام في سقوط الحول إلّا أنّ هناك قولا للشيخ (1) بعدم انثلام الحول لو كان ذلك بقصد الفرار.

وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

وإن (2) عاوضها بجنسها كأربعين من الغنم بأربعين فالظاهر أيضا انثلام الحول لاختلاف المالين وعدم حلول الحول بالنسبة إلى شي ء منهما.

وعن الشيخ (3) : أنه لا يقطع الحول لصدق الاسم.

وفيه ما لا يخفى.

كيف ولو كان استمرار صدق ملك الأربعين كافيا في تحقق الوجوب ولو اختلف مصاديقها لجرى في غير صورة المعاوضة ، ولا يظهر فيه قائل بالثبوت.

ص: 176


1- المبسوط 1 / 206.
2- في ( ألف ) : « ان » بلا واو.
3- نقله عنه في الحدائق الناضرة 12 / 76.
تبصرة: [ في اشتراط أن لا تكون الإبل والبقر عوامل ]

الرابع : أن لا تكون عوامل بالإجماع المعلوم والمنقول.

وقد خالف فيه مالك من ائمّة الخلاف.

ويدلّ عليه بعد الإجماع خصوص صحيحة الفضلاء : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شي ء ، إنّما الصدقات على السائمة الراعية ».

وقد ورد في عدة من (1) الروايات في جملتها الموثق ثبوت الزكاة على العوامل.

وقد تحمل على الاستحباب أو التقيّة ؛ لما عرفت من أنّه مذهب مالك من العامة.

وهل يعتبر ذلك في أغلب الأحوال أو جميعها أو يناط بصدق الاسم؟ وجوه ؛ أقواها الأخير إلّا ما كان من قبيل التسامح العرفي.

وعن الشيخ (2) النصّ على اعتبار الأغلبيّة.

وهو ضعيف ، فيرجع في العمل ومدّته إلى العرف بحيث يصدق معه اسم العامل عليه.

ومجرد صدقه في العرف قاض بانثلام الحول.

ولو عمل بها غير المالك من غير اذنه مع عدم خروجها عن سلطان المالك فالظاهر جريان الحكم. والأظهر استقلال أولادها في الحكم ، فلا يحكم فيها بتبعيّة الأمّهات في سقوط الزكاة ، وإن كانت (3) زمن الرضاع بناء على الاعتبار بحال النتاج ، وإن قلنا بتبعيّتها في مسألة السوم.

ص: 177


1- لفظة « من » ليست في ( ألف ).
2- الخلاف 2 / 53.
3- في ( د ) زيادة : « في ».

وأن (1) كان عشر من الإبل من شخصين تعمل أحدهما في السنة بمقدار حصّته سقط الزكاة من (2) الآخر.

ص: 178


1- في ( د ) : « ولو ».
2- في ( د ) : « عن ».
البحث الثاني: في اللواحق
تبصرة: [ في مصاديق الغنم ]

ذهب جماعة من الأصحاب إلى أنّ أقل ما يؤخذ من الغنم في الزكاة أن يكون جذعا من الضأن وثنيا من المعز.

وفي الحدائق (1) حكاية الشهرة عليه.

وعن الخلاف (2) حكاية الإجماع عليه.

وعن جماعة من أفاضل المتأخرين منهم السيد في المدارك (3) : إن الواجب ما يسمّى شاة. واختاره في الحدائق (4).

ولا يخلو عن قوّة ؛ لظواهر الإطلاقات في تلك المقامات من غير إشارة فيها إلى اعتبار خصوص شي ء من الأسنان ، فيدور الحكم مدار الاسم.

والوجه في الأوّل بعد الإجماع المحكي والاحتياط رواية سويد بن غفله : أتانا مصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « نهانا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية.

ص: 179


1- الحدائق الناضرة 12 / 66.
2- الخلاف 2 / 24.
3- نقله عنه في الحدائق الناضرة 12 / 76.
4- الحدائق الناضرة 12 / 66.

كذا احتجّ بها في المعتبر (1) والتذكرة (2) وغيرهما.

وظاهر المنتهى (3) كما ترى غير واف بالمقصود ، إذ لا اشارة فيها إلى التفصيل المذكور ، فالأولى الاحتجاج له بما رواه في التذكرة (4) عن سويد بن عقبة أيضا ، قال : أتانا مصدق رسول اللّه فقال : أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز.

والظاهر اتحاد المحكي في المقامين ، فالثاني بيان لما أجمل في الأوّل.

مضافا إلى أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالعين ، وليس فيما تعلق به الحق ما دون الست أو السبع أو الثمان ، فجواز إخراجها يحتاج إلى الدليل ، وقضية الأصل المنع.

وفيها أنّ حكاية الإجماع موهونة في المقام ؛ لشيوع الخلاف. والرواية غير موجودة في اصول الأصحاب ، فالظاهر أنّها من روايات العامة ، فيشكل الاعتماد عليها في تقييد تلك الإطلاقات.

والأصل المذكور لا يتمّ في الشي ء بناء على حلول (5) الحول بدخول الثاني عشر كما هو المشهور.

على أنّ الإطلاقات كافية في دفعه.

وكيف كان ، فالمسألة مشكلة ، والوقوف على ما ذكروه أحوط.

بقي الكلام في تفسير الجذع والثني :

فحكى الشيخ (6) والعلامة (7) عن ابن الأعرابى أن الجذع من الضأن ما بلغ ستة (8) أشهر إن

ص: 180


1- المعتبر 2 / 512.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
3- منتهى المطلب 1 / 491.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 108.
5- في ( ألف ) : « حول ».
6- المبسوط 1 / 199.
7- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
8- في المبسوط والتذكرة : « سبعة ».

كان بين شاتين (1) ، وإن كان من هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر. وهو جذع أبدا حتّى يستكمل سنة.

وذكر أنه إنّما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية ؛ لأنّه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية.

وعن الجوهري (2) : إن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وقد قيل في ولد النتيجة (3) أنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة. وذلك جائز في الأضحيّة.

وعن الفيروزآبادي (4) : إنّه يقال لولد الشاة في السنة الثانية.

وعن ابن الأثير (5) إنّه من البقر والمعز ما دخل في. الثانية وقيل : البقر في الثالثة ، ومن الضأن ما تمت له سنة :

وعن الأزهري (6) : الجذع من المعز لسنة ، ومن الضّأن لثمانية أشهر. ونحوه عن المطرزي (7).

وعن الفيومي (8) : والجذع ولد الشاة في السنة الثانية.

ونقل عن ابن الأعرابي أنّ الأجذع من الضّأن إذا كان من شابين يجذع لستّة أشهر إلى سبعة أشهر ، وإذا كان من هرمين (9) وأجذع من ثمانية إلى عشرة.

ولا يخفى ما في كلماتهم من الاختلاف.

ص: 181


1- في ( د ) : « شابّين ».
2- الصحاح 3 / 1194 ( جذع ).
3- في ( د ) : « النعجة ».
4- القاموس المحيط 3 / 12 ( جذع ).
5- النهاية في غريب الحديث 1 / 250 ( جذع ).
6- نقل عنه في تاج العروس 11 / 58 ( جذع ).
7- نقل عنه في مجمع البحرين 1 / 355 ( جذع ).
8- المصباح المنير 1 / 94 ( جذع ).
9- ليس في ( د ) : « و ».

وفي تفسير الجذع من الضّأن وإن اتفقت في تفسير الجذع من المعز بأنّها ما كملت سنة ودخلت في الثانية ، وكلام أكثر (1) أهل اللغة يقيّد أن الجذع من الضّأن ما كملت له سنة إلّا أنّه غير موافق لظاهر كلمات الأصحاب وما ذكره غير واحد من أهل اللغة كما حكي عن ابن الأعرابي والأزهري والمطرزي وغيرهم.

والأظهر صدقه مع إكمال الثمانية. وفي السبع أيضا وجه قوي تقديما لقول المثبت سيّما مع موافقته لكلام جماعة من الأصحاب.

وأمّا الثني من المعز فعن الشيخ (2) والعلّامة (3) أنّه ما دخل في [ الثانية ] ، وفي الشاة ما دخل في الثانية (4).

وعن الجوهري (5) والفيومي (6) والمطرزي والفيروزآبادي : أنّه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة.

وعن النهاية : الثنيه من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ، ومن ذوات الخفّ في السنة السادسة ، ثمّ قال (7) : وعلى ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. وقيل : الثني من الخيل ما دخل في الرابعة ، ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية.

فظهر ممّا نقلناه أنّ كلام الأكثر متّفق على أنّ الثني من المعز ما دخل في الثالثة.

والاكتفاء فيه بالدخول في الثانية ممّا حكاه في المجمل عن البعض ، ولم يعيّن قائله ، فلا عبرة به في مقابلة الجماعة.

ص: 182


1- في ( ألف ) : « أكثر هؤلاء ».
2- المبسوط 1 / 199.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
4- المبسوط 1 / 199.
5- الصحاح 6 / 2295 ( ثنى ).
6- المصباح المنير 1 / 85 ( ثنى ).
7- ذكر العبارة كلها في مجمع البحرين 1 / 330 ( ثنى ) ، ولم نجده في النهاية المطبوع.

وقد حكي عن جماعة من الفقهاء (1) تفسير الثني بما دخل في الثانية ، وقد حكي الشهرة عليه.

وفي الفقه الرضوي (2) فيما يجزى من الأضاحي ويجزى من المعز والبقر الثني ، وهو الّذي تمّ له سنة دخل في الثانية.

ونحوه ذكر الصدوق رحمه اللّه في الفقيه (3).

وبذلك يتقوّى القول المذكور ؛ إذ العمدة في أصل المسألة اعتضادها بفتوى الأكثر ، والقدر الّذي يثبت به حينئذ هو الثني المذكور.

مضافا إلى اعتضاده أيضا بما عرفت إلّا أنّه لمعارضته لكلام أهل اللغة لا يخلو من إشكال ، فمراعاة الاحتياط فيه مهما أمكن أولى.

ص: 183


1- فقه الرضا عليه السلام : 224 ، المقنع : 273 ، المقنعة : 418.
2- فقه الرضا عليه السلام : 224.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 492.
تبصرة: [ في المريضة والهرمة وذات العوار ]
اشارة

لا يؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار مما (1) مرّ على خلاف ذلك ، بلا خلاف يعرف فيه.

وفي المنتهى (2) : إنّه لا يعرف فيه خلافا.

وعزاه في المدارك (3) إلى مذهب الأصحاب.

وفي الحدائق (4) : إن الحكم مجمع عليه.

واحتجّوا عليه بظاهر قوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) .

وصحيحة محمد بن قيس الواردة في الغنم : « ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدق (5).

وقد ورد نحو منه في بعض الروايات العاميّة (6) بزيادة التيس.

فالمريضة إما أن تندرج في ذات العوار ؛ إذ المراد به العيب والمرض من أعظم العيوب أو لجريان الحكم فيها بالأولى.

مضافا إلى أن الزكاة متعلّق (7) بالعين كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه ، فيثبت الحق على

ص: 184


1- في ( د ) : « هو ».
2- منتهى المطلب 1 / 485.
3- مدارك الأحكام 5 / 94.
4- الحدائق الناضرة 12 / 65.
5- الإستبصار 2 / 23 ، باب زكاة الغنم ح 2.
6- صحيح البخارى 2 / 124 ، سنن أبي داود / 351.
7- في ( د ) : « تتعلق ».

نحو ما تكون العين ، وجواز إخراج الأدون من العين في الصفات إنّما يثبت بالدليل ، ولا دليل عليه في المقام ، فقضية الأصل المنع ، فتأمل.

وكيف كان ، فالحكم ممّا لا ينبغي التأمّل فيه من غير فرق فيه بين الأنعام الثلاث.

والصحيحة المذكورة وإن وردت في خصوص الغنم إلّا أنّ فيها دلالة على حكم غيرها بالفحوى.

مضافا إلى عدم القول بالفصل.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : ظاهر الصحيحة المتقدمة جواز الدفع إذا رضي المصدق بها ، وكأن المراد به ما إذا كانت هناك مصلحة قاضية به ، والّا فمجرد رضاء المصدّق ممّا لا مدخل له في حقّ الفقير. وحينئذ فقد يقال بجواز الدفع مع عدمه أيضا ، وهو مخالف لظاهر المذهب.

ثانيها : لو كان النعم كلّها مراضا لم يكلّف شراء الصحيحة ، وصحّ إخراج المريضة إجماعا كما في الحدائق (1).

وعزاه في المنتهى (2) إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وفي المدارك (3) : إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

وهو أيضا (4) ظاهر بملاحظة القواعد ؛ لما عرفت من تعلّق الزكاة بالعين ، فلا يكلّف بإخراج ما عدا الموجود.

وكذا الحال في سائر العيوب والهرم.

ص: 185


1- الحدائق الناضرة 12 / 66.
2- منتهى المطلب 1 / 485.
3- مدارك الأحكام 5 / 104.
4- لم ترد في « أيضا ».

ويعزى إلى بعض العامة (1) تكليفه بدفع الصحيحة ؛ أخذا بظاهر الرواية.

وهو ضعيف ، وإن احتمل في المدارك (2) المصير إليه.

ولو كانت ممتزجة من الصحيح والمريض فإن كان مقدار النصاب منها صحاحا فكذلك أيضا ، ويختص المراض بالعفو في وجه قويّ.

ولو كان النصاب ملفقا من الأمرين فظاهر جماعة من الأصحاب القطع بوجوب دفع الصحيحة الخالية عن العيب.

وهو قوي ؛ أخذا بإطلاق الدليل المتقدم.

ويحتمل البناء على التقسيط كما هو قضية الأصل ؛ إذ الفقير شريك بالنسبة.

ويتقوى ذلك مع كون الأكثر على خلاف الوصف سيّما إذا انحصر الصحيح السليم بالقدر المخرج.

وفي الحدائق (3) : إنّ الممتزج يخرج منه بالنسبة.

وهو كما ترى خروج عن إطلاق النصّ إلّا انّه ليس ببعيد.

ولو تجدّد بعد تعلّق الوجوب قوي احتمال التقسيط مع انتفاء التفريط كما إذا تلف بعض النصاب ؛ فإنّ ذهاب الصفة كذهاب العين.

ويحتمل أيضا لزوم مراعاة الوصف وقوفا على ظاهر الإطلاق.

ولو كان النصاب ملفقا من المريضة والهرمة وذات العوار فهل يتخير في الإخراج أو يتعين إخراج الأعلى منها أو يعتبر التقسيط؟ وجوه.

ثالثها : لو كان النصاب من أصناف متعددة كالعراب والبخاتي (4) والبقر والجاموس والشاة والمعز ، فهل يتخير المالك في إخراج ما شاء وإن تفاوت القيمة أو أنّه يجب التقسيط

ص: 186


1- منتهى المطلب 1 / 485 ، مدارك الأحكام 5 / 104.
2- مدارك الأحكام 5 / 104.
3- الحدائق الناضرة 12 / 66.
4- العراب البخاتي نوعان من الإبل كما في بدائع الصنائع 2 / 30.

والأخذ من كلّ بقسطه أو أنّه يناط الحكم بتفاوت القيم ، فمع الاختلاف يقسط وإلّا فالتخيير؟ أقوال.

فالأول مختار صاحب الحدائق (1) ، وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر الإطلاق ، وإنّ الاختلاف في القيمة لو كان مرعيّا في الزكاة لزم مراعاته مع اتحاد الصنف.

وهو خلاف ما يعطيه الأخبار وكلام الأصحاب ، بل الظاهر أنّه خلاف الإجماع.

ومع البناء على عدم اعتباره هناك فلا وجه لمراعاته في المقام مع خلو الأخبار عن اعتباره.

والثاني مختار جماعة من الأصحاب. وفي الحدائق (2) : إنّه أشهر بل حكى فيه الشهرة عليه.

والوجه فيه تعلّق الزكاة بالعين ، ومقتضى الاشتراك التقسيط.

والثالث مختار البعض. وفي الحدائق (3) : إنّه أحوط.

والوجه فيه ظاهر ممّا ذكر.

ويدفعهما أنّ تعلّق الزكاة بالعين لا يقضي بذلك ؛ فإن الكلام حينئذ في كيفية أصل الاستحقاق.

ص: 187


1- الحدائق الناضرة 12 / 71.
2- الحدائق الناضرة 12 / 71.
3- الحدائق الناضرة 12 / 72.
تبصرة: [ في الأكولة وفحل الضراب والرّبى ]

لا يؤخذ (1) الأكولة ولا فحل الضراب ولا الربّى على المعروف من المذهب ، بل لا يظهر فيه خلاف. مضافا إلى أنّ الاكولة وفحل الضراب مندرجان في كرايم الأموال ، وقد ورد النهي من التعرض لها للموثق (2) : « لا تؤخذ الأكولة والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم و (3) ولا والد ولا الكبش الفحل ».

وفي الصحيح (4) : « ليس في الأكيلة ولا في الربّى التي تربّي اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة ».

وكأن المقصود في الرواية عدم أخذ المذكورات في الصدقة لا عدم تعلّق الزكاة بها رأسا للاتفاق ظاهرا على عدّ شاة اللبن وقرب حملها على المعنى المذكور.

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمل في الحكم بعد وروده في المعتبر واعتضاده بفتوى الأصحاب ، مضافا إلى أنّ الأكولة وفحل الضراب مندرجان في كرايم الأموال.

وقد ورد النهي عن التعرض لها وإنّما الكلام هنا في امور : أحدها : اختلف كلام أهل اللغة في تفسير الأكولة ، ففي النهاية (5) وغيرها (6) : إنّها التي تسمن للأكل.

ص: 188


1- في ( د ) : « لؤخذ ».
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 28 ، باب صدقة الانعام ح 1609.
3- الواو زيدت من ( د ).
4- الكافي 3 / 535 ، باب صدقة الغنم ح 2.
5- النهاية في غريب الحديث 1 / 58.
6- لسان العرب 11 / 29 ( أكل ) عن أبي عبيد.

واختاره في الشرائع (1) حيث فسّرها بالسمينة المعدة للأكل.

وقد يرجع إليه ما في الروضة (2) من تفسيرها بالمعدة للأكل. وقريب من ذلك ما في القاموس (3) من أنه العاقر من الشياه تعزل للأكل كالأكيل.

وقيل : إنها الهرمة.

وقيل : إنها الخصيّ.

وقيل : إنها العاقر.

وحكى هذه الأقوال الثلاثة في النهاية الأثيرية. وقد فسرت في الموثقة المتقدمة بالكبيرة من الشاة. ولا يخلو عن إجمال ، فإن اريد منها الكبيرة في السن انطبق على ما ذكر من تفسيرها بالهرمة ، فيرجع إلى ما تقدم من عدم أخذ الهرمة ، إلّا أنّه خلاف ظاهر الأكثر في تفسيرها.

وإن اريد بها الكبيرة في المقدار لم ينطبق على تفسيرهم.

وربّما يرجع إلى تفسيرها بالسمينة المعدّة للأكل.

ثم إنّ ظاهر الرواية وغيرها اختصاصها بالشاة وقد يعطي إطلاق بعضهم إطلاقها على سائر الأنعام.

ويمكن تنزيلها على خصوص الشاة ، والمراد بفحل الضراب : الفحل المعدّ لذلك أو المتأهل له وإن لم يعد لذلك كما هو ظاهر الإطلاق.

ويحتمل انصرافه عنها إلى الأول.

وهل يعمّ سائر الأنعام أو يختص بالشاة؟ وجهان.

والمعروف في تفسير الربّى أنها الولد واختلفوا في القدر الذي يصدق عليه الاسم بعد

ص: 189


1- شرائع الإسلام 1 / 113.
2- الروضة البهية 2 / 27.
3- القاموس المحيط 3 / 329.

الولادة ، فقيل : إلى خمسة عشر يوما ، وقيل : إلى خمسين. حكاه في الشرائع (1) ، وقطع في الروضة (2) بالأوّل.

وفي المدارك (3) : لم أقف على مستند لشي ء من التحديدين.

وفي المصباح (4) : هي ربّى ما بينها وبين شهر.

وفسرها الجوهري (5) بالتي وضعت جديدا ولم يحدّوه بالأيّام.

وفي النهاية (6) : قيل : هي الشاة القريبة العهد بالولادة. واختار هو تفسيرها بالتي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن.

قلت : وكأنّه تفسير آخر لا يراد في المقام لكونها إذن معلوفة.

ثم انّ هناك اختلافا آخر بين أهل اللغة [ في ] موضوعها ، فقيل : إنّها من المعز ، وقيل : من المعز والضّأن ، وربّما جاء في الإبل أيضا.

وكيف كان ، فالظاهر في المقام الرجوع في التسمية إلى العرف ، [ و ] في محلّ الشك يبنى على الأخذ بالإطلاقات.

وبعض تعليلاتهم في بعضها يعمّ سائر الأنعام ، فلو تمّ الاستناد إليه في استنباط الحكم صحّ الأخذ بما يقتضيه ، وإلّا فالبناء على ما ذكرناه.

هذا ، وقد فسّر الرّبى في الصحيحة (7) المتقدمة بالتي تربّي اثنين. ويمكن أن يحمل الرواية على تقييد الحكم المذكور فيها دون التسمية.

وظاهر الأصحاب تعميم الحكم ، وهو قضية إطلاق الموثقة ، فكأنّه الأظهر.

ص: 190


1- شرايع الإسلام 1 / 113.
2- الروضة البهية 2 / 27.
3- مدارك الأحكام 5 / 105.
4- نقله عن الازهري في مدارك الأحكام 5 / 105 ، ولم نجده في المصباح المنير.
5- الصحاح 1 / 131 ( ربى ) وفيه : وضعت حديثا.
6- النهاية في غريب الحديث 2 / 180 ( ربى ).
7- الكافي 3 / 535 ، باب صدقة الغنم ح 2.

وليست الصحيحة صريحة (1) في المخالفة. واختار في الحدائق (2) حمل إطلاق الأوّل على المقيّد. وهو بعيد.

ثمّ اختلفوا في تعليل الحكم فقيل : إن في أخذها (3) إضرار بولدها. ذكره الفاضلان. وقيل : لأنّها مريضة (4). واستوجه الشهيد الثاني (5) معلّلا بأنّها نفساء ، والنفساء مريضة ، ومن ثمّ لا يقام الحدّ عليها.

ويثمر الوجهان فيما إذا رضي المالك بدفعها فيما إذا مات ولدها أو استغنى عن أبيه (6) بغيرها.

ثمّ إنها (7) يضعف الأخير بأنّ المرجع في صدق المرض إلى العرف ، واندراج ذلك فيه محلّ تأمل بل الظاهر من العرف خلافه ، وعدم إقامة الحد على النفساء يقضي بكونها مريضة.

ثانيها : لو تعدّدت فحول الضراب جرى الحكم في الكل (8) وكذا الحال في الأكولة والربّى. نعم ، لو استوعب النصاب فالظاهر الإخراج منها سيّما بعد الحكم بتعلّق الزكاة بالعين.

ويحتمل القول بعدم إخراج شي ء منها والدفع من غيرها أو دفع القيمة منها.

ويجري ذلك أيضا فيما لو تلفّق النصاب منها.

ثالثها : لو دفع المالك شيئا من المذكورات جاز الدفع ومن الواجب ؛ إذ المقصود من عدم أخذها مراعاة المالك والارتفاق به ، فلو تبرّع بدفعها لم يكن هناك مانع من أخذها.

وقد يقال بأنّ عدم تعلّق الوجوب بها قاض بعدم احتسابها من الفريضة ، وإن كان ذلك

ص: 191


1- في ( ألف ) : « الصريحة ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 69.
3- في ( ألف ) : « أحدها ».
4- في ( ألف ) : « فريضة ».
5- مسالك الإفهام 1 / 382.
6- في ( د ) : « أمه ».
7- في ( د ) : « أنه ».
8- لم ترد في ( ب ) : « في الكلّ .. بعد الحكم ».

لمصلحة المالك.

نعم ، إنما يصحّ دفعها من باب القيمة. وهو بعيد ؛ إذ ظاهر الدليل عدم سلطان العامل على أخذها وهو لا يقضي بعدم سلطان المالك على ذلك مع قضاء الإطلاق (1) به.

هذا إذا فسّرت المذكورات بما لا يشتمل على صفة نقص ، وأما لو فسّر بعضها بما فيه نقص - كما مرّ - فلا فائدة في رضا المالك بدفعه.

ثم إنّه قد تستشكل (2) في المقام بأنّه مع جواز دفعها في الصدقة وأداء الفريضة بها لا ثمرة للحكم المذكور ؛ إذ ليس للفقير والعامل إجبار المالك على دفع عين مخصوصة ؛ لتخيره في دفع ما شاء مع الخلو عن صفات النقص المتقدمة ، فكما لا يصح إجبار المالك على دفع المذكورات لا يصحّ إجباره بالنسبة إلى ما عداها أيضا ، وكما يتحقّق دفع الواجب مع إقدام المالك عليه في غيرها يتحقّق ذلك بالنسبة إليها أيضا.

ويمكن أن يقال : إنّ ذلك إنّما يثمر فيها لو امتنع المالك عن أداء الحق ، فإنّه لا يقهر على دفع شي ء من المذكورات بخلاف غيرها.

وربّما يقال أيضا بإثماره في صحّة تصرف المالك فيما قبل الضمان لعدم تعلّق حق الفقير بها بخلاف غيرها ، وكذا في تلفها بعد حلول الحول فلا ينقص شي ء من الزكاة بتلف شي ء منها لتعين الحق في غيرها.

ويشكل الحال فيهما بأنّ عدّها في النصاب قاض بتعلّق الزكاة بها أيضا غاية الأمر الارتفاق بالمالك في عدم أخذها ، وذلك لا يقضي بعدم تعلّق حق الفقير بها أصلا حتى يصحّ التصرف فيها بدون الضمان ، ولا يسقط شي ء من حقّ الفقير بتلفها بعد الحول ، ويجري ذلك بعينه في التصرّف فيما هو بخلاف الصفات المعتبرة في الفريضة.

وكأن الأظهر هنا وهناك المنع من التصرف بدون الضمان ، وكذا السقوط من الزكاة

ص: 192


1- في ( د ) : « الاطلاقات ».
2- في ( د ) : « يستشكل ».

بالنسبة مع تلف (1) ما هو بخلاف الصفة.

رابعها : ظاهر المشهور عدّ الأكولة وفحل الضراب في النصاب.

وفي المدارك (2) : إنه ظاهر الأكثر.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

وأمّا الربّى فظاهرهم الاتفاق على عدّها. وقد حكى في المدارك (4) اتفاقهم عليه ظاهرا.

وعن جماعة من الأصحاب - منهم الفاضلان رحمه اللّه في النافع (5) والقواعد ، والشهيد في اللمعة (6) - عدم عدّ الأوليين في النصاب.

واختاره في الحدائق (7) ، ثمّ قال : إن القول بعدم عدّ شاة اللّبن والربّي غير بعيد.

وظاهر عبارة المحقق الأردبيلي (8) ذلك أيضا.

وعن صاحب المفاتيح التردد في المقام.

والأظهر هو الأوّل ؛ لظاهر الإطلاقات الكثيرة المؤيّدة بالعمل والاحتياط للمالك مع عدم إشعار شي ء من الأخبار بخروج المذكورات مع عموم البلوى بذلك ، وظاهر الموثقة المتقدّمة الناهية عن أخذها فإنّها تومى إلى عدّها.

والصحيحة المتقدمة وإن دلّت بظاهرها على عدم العدّ إلّا أنها لاشتمالها على شاة اللبن والربّى لا بدّ من حملها على عدم الأخذ ؛ إذ لا يظهر قائل من الأصحاب بعدم عدّهما في النصاب سوى شذوذ من المتأخرين حيث مالوا إلى العمل بمضمونها سيّما إذا فسّرت شاة اللبن

ص: 193


1- في ( ألف ) : « ألف ».
2- مدارك الأحكام 5 / 106.
3- الحدائق الناضرة 12 / 70.
4- مدارك الأحكام 5 / 107.
5- المختصر النافع : 56.
6- اللمعة الدمشقية : 42.
7- الحدائق الناضرة 12 / 69.
8- مجمع الفائدة 4 / 78.

بذات اللبن كما هو الظاهر من إطلاقها ؛ فإنّ القول بعدم عدّها حينئذ ممّا ينبغي القطع بفساده.

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدّ الأخيرتين ، وبذلك يسهل الخطب في الأوليين.

وما في الحدائق (1) من أنّه بعد تسليم الإجماع على عدّ الأخيرتين وترجيحه على الخبر فأيّ مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي؟ ممّا لا (2) يتمّ فيه إجماع ، ولا دليل على ما ينافيه.

وهل هو إلّا من قبيل العام المخصوص ، مدفوع بأنّ المراد أنّ قيام الإجماع على عدّ الأخيرين قرينة صرف الخبر عن ظاهره وحمله على المعنى المذكور ، وليس الغرض جعل ذلك باعثا على طرح الخبر.

ومع الغضّ عن ذلك فلا ريب في كون ذلك موهنا للرواية المذكورة ، فيرجّح الاخذ بما يقابلها في مقام الترجيح ، سيّما مع اعتضاد ذلك ببعض المؤيّدات كما عرفت.

وجعله من قبيل العام المخصوص غير متّجه ؛ إذ ليس التخصيص طرحا للعام ، وإنّما هو بيان للمقصود بخلاف المقام.

وقد عرفت بما قرّرناه الوجه في سائر الأقوال وضعفها.

خامسها : لو كان النصاب ملفّقا ممّا لا يؤخذ لكماله وممّا لا يؤخذ لنقصه ، فهل يتعيّن عليه الدفع من غيره أو يرجع فيه إلى القيمة أو يتعيّن عليه دفع الكامل إيفاء (3) لحق الفقراء وأخذا بالاحتياط لو يجتزي منه حينئذ بدفع الناقص لمناسبة الارتفاق بالمالك؟ وجوه ؛ ومراعاة الاحتياط في ذلك ممّا لا ينبغي تركها.

ص: 194


1- الحدائق الناضرة 12 / 70.
2- في ( د ) : « لم ».
3- في ( ب ) : « إبقاء ».
تبصرة: [ في تعدّد ما هو بصفة الواجب ]

يتخيّر المالك في دفع ما شاء مع تعدّد ما هو بصفة الواجب كما يقتضيه ظاهر (1) الأخبار. وهو المستفاد من ظاهر معظم الأصحاب.

وعن الشيخ (2) وجماعة : أنه إذا وقعت المشاحة في تعيين الواجب في الإبل مع تعدّد ما هو بالصفة (3) يقسم ما جمع الوصف قسمين ثمّ يقرع بينهما ، وهكذا حتى يبقى قدر الواجب.

ولا يعرف المستند فيه ، وكأنّه من جهة إبهام الحق فيستخرج بالقرعة.

ويدفعه [ ... ] (4).

ص: 195


1- لم ترد في ب : « كما يقتضيه ظاهر .. تعيين الواجب ».
2- المبسوط 1 / 195.
3- في ( د ) : « الصفة ».
4- العبارة غير تامة ، وفي الأصل بياض.
تبصرة: [ في زكاة العين المستقرضة ]

زكاة العين المستقرضة اذا حال عليها الحول على المقترض دون المقرض بلا خلاف فيه ظاهرا ، ومصرحا به في الخلاف (1) والسرائر (2).

وفي التنقيح : إنّ ذلك مذهب الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه.

وربّما يستفاد من الوسيلة (3) وجوب الزكاة على المقرض مع ردّ المستقرض وإبائه عن الأخذ حيث قال : إنّه إذا لم يأخذ المال من المستقرض وهو يرد عليه وجب فيه الزكاة.

ويمكن حمله على الدين ، فيرجع إلى المسألة المتقدمة.

وقد يوجّه بنحو آخر يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

وربّما يستفاد من إطلاق جماعة في المسألة المتقدمة من ثبوت زكاة الدين على الديّان إذا كان ( المديون باذلا ، وثبوتها على المديون مع عدمه وجب زكاة القرض على المقرض إذا كان ) (4) باذلا لعين القرض ؛ بناء على وجوب قبول المقرض (5) إذا بذله سيّما بما مرّ عن شرح الجمل من قوله : وإذا كان المستدين قد رام دفع مال المقرض إلى من ملكه فلم يقبضه المالك وأخّره ، وهو بحيث يتمكن من الصرف (6) فيه لم يكن على المقترض شي ء ، وكانت الزكاة على المالك دون المقترض.

ص: 196


1- الخلاف 2 / 110.
2- السرائر 1 / 444.
3- الوسيلة : 127.
4- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
5- في ( د ) زيادة « له ».
6- في ( د ) : « التصرف ».

وقد ينزّل كلامهم على غير عين القرض لما نصّوا عليه من عدم وجوب زكاته على المستقرض من غير تفصيل ، لكن غير واحد من الكتب المذكورة خال من اختصاص مال القرض بالحكم المذكور.

وكيف كان ، فلا تأمّل فيما ذكرناه من الحكم.

ويدلّ عليه بعد ما عرفت ممّا ذكرناه في مال الدين ؛ مضافا إلى ظهور دعوى الإجماع عليه من جماعة كما مرّ المعتبرة المستفيضة المشتملة على (1) غير واحد من الصحاح وغيرها المعتضدة بالعمل.

ولو شرط زكاتها على المقرض فهل يجب حينئذ على المقرض ويسقط من المقترض؟ أقوال :

أحدها : فساد الشرط ، فلا يجب بذلك على المقرض شي ء. ذهب إليه جماعة منهم الحلي في السرائر (2) ، والعلّامة في التذكرة (3) وزكاة المختلف (4) ، وولده في الايضاح (5) ، والشهيد في الدروس (6) والبيان (7) ، والسيوري في التنقيح ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد.

وفي المسالك (8) : إنه المشهور.

وعزاه في المدارك (9) إلى الأكثر.

وقضية الحكم بقضاء الشرط الفاسد العقد المشتمل عليه فساد القرض أيضا.

ص: 197


1- ليس في ( د ) « على ».
2- الخلاف 2 / 110.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 30.
4- مختلف الشيعة 3 / 163.
5- إيضاح الفوائد 1 / 171.
6- الدروس 1 / 231.
7- البيان : 166.
8- مسالك الإفهام 1 / 387.
9- مدارك الأحكام 5 / 124.

وقد نصّ عليه الشهيد في الدروس (1) حيث قال : إنّ الأقرب إبطال الملك أيضا ، لكنّ المستفاد من صريح بعض الكتب المذكورة وفحوى الثاني (2) صحة القرض.

وقد عزا القول المذكور في المختلف (3) إلى عليّ بن بابويه في الرسالة ، والعماني والمفيد في المقنعة (4) ، والشيخ في زكاة النهاية (5).

وكأنّه لاطلاقهم وجوب زكاة القرض على المستقرض كما هو الحال في عبارة المقنعة (6) وزكاة النهاية (7).

وهو كما ترى.

وثانيها : صحّة الشرط ، ووجوب الزكاة (8) على المقرض وسقوطها عن المستقرض. ذهب إليه الشيخ في النهاية (9) والقاضي في شرح الحمل ، والعلّامة في قرض المختلف (10).

وحكاه عن الطوسي أيضا ، ولم نجد ذلك في الوسيلة (11).

نعم ، حكم فيها بصحّة الشرط المذكور ، وهي أعمّ ممّا ذكر.

وربّما يظهر القول به عن الصدوقين حيث حكما في الرسالة والفقيه (12) والمقنع (13) بأنه لو

ص: 198


1- الدروس 1 / 231.
2- في ( د ) : « الباقى ».
3- مختلف الشيعة 3 / 163.
4- المقنعة : 239.
5- النهاية : 312.
6- المقنعة : 239.
7- النهاية : 312.
8- في ( د ) زيادة « حينئذ ».
9- النهاية : 312.
10- مختلف الشيعة 5 / 393.
11- راجع : الوسيلة : 127.
12- من لا يحضره الفقيه 2 / 21.
13- المقنع : 169.

باع شيئا وشرط زكاة الثمن سنة أو سنتين أو أكثر على المشتري لزمه ذلك دونه.

واختاره صاحب الحدائق (1).

ثالثها : القول بصحّة الشرط المذكور ووجوب الزكاة على المقرض ، لكن لا يسقط عن المقترض إلّا بأدائها دون مجرد الاشتراط عليه. ذهب إليه في المسالك (2) والمدارك (3) والذخيرة (4) والرياض (5).

ويحتمله عبارة الوسيلة. وهو الأظهر ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط والعقود والقرض من العقود اللازمة في نقل الملك إلى المقترض وعدم جواز ارتجاع المقرض في عينه كما هو الأظهر ، والمعزى إلى الأكثر.

فلا وجه لتخصيص الإطلاقين ؛ لما اشتهر من كونه من العقود الجائزة ، فلا يكون الشرط الحاصل في ضمنه لازما ؛ إذ جوازه (6) معنى آخر غير ما هو المراد في سائر العقود الجائزة كما قرّر في محله.

نعم ، ذهب الشيخ (7) رحمه اللّه إلى جوازه بالمعنى المشهور حيث جوّز ارتجاع العين المقترضة مع بقائها.

وفيه منافاة لما ذهب إليه هنا من لزوم الشرط وما يدّعى من فساد الشرط المذكور ؛ لمنافاته للمشروع حيث إنه اشتراط للعبادة على غير من يجب (8) عليه كاشتراط أداء الصلاة والصيام على غير من تجبان عليه ؛ بيّن الاندفاع.

ص: 199


1- الحدائق الناضرة 12 / 41.
2- مسالك الإفهام 1 / 388.
3- مدارك الأحكام 5 / 124.
4- ذخيرة المعاد 1 / 426.
5- رياض المسائل 5 / 48.
6- في ( د ) : « لجوازه ».
7- المبسوط 1 / 213.
8- في ( د ) : « تجب ».

فإنّ ذلك إنّما يتم في العبادات الصرفة المطلوبة فيها المباشرة بخلاف الزكاة ، فإنّها وإن كانت عبادة إلّا أن الملحوظ فيها جهة المالية ، ولذا يصحّ التوكيل فيها ، بل وأداؤها من المتبرع في وجه كما سيجي ء إن شاء اللّه.

وقد دل النصّ الصحيح الآتي على جواز أداء المقرض لها ، وسقوطها حينئذ عن المستقرض.

فإذا صحّ إتيان المتبرع بها جاز اشتراطها في ضمن العقد بأن يؤيّدها عن المقترض.

نعم ، لو اشترط في ضمن العقد عدم وجوب الزكاة على المستقرض بحولان الحول على المال المقروض ووجوبها على المقرض - استقلالا أو بدلا عن المستقرض - من غير أن يجب عليه كان الشرط باطلا ؛ لمخالفتة للمشروع ؛ إذ لا وجه لسقوط الزكاة عن المالك مع استجماعه لشرائط الوجوب ، ووجوبه على غيره على سبيل الاستقلال.

مضافا إلى ما سيأتي بيانه من تعلّق الزكاة بالعين.

وقد يحمل كلام المانعين على ذلك في مقابلة القائلين بسقوط الزكاة عن المستقرض.

ويؤيّده ظاهر ما استنده إليه من عدم مشروعية الشرط ؛ فإنّه إنّما ينصرف إلى ذلك ؛ إذ جواز أداء غير المالك لها مع إذن المالك ممّا لا يدخله ريب عندهم ، فأيّ مانع إذن من اشتراطه ، لكن سياق كلامهم في المقام كالصريح في خلاف ذلك ، وإن لم يساعده الدليل المذكور.

وقد ظهر بما قرّرنا حجّة القائل بفساد الشرط المذكور والجواب عنها.

واحتجّ عليه أيضا في المختلف بإطلاق الأخبار الدالّة على أن زكاة القرض على المستقرض دون المقرض.

وفيه كون (1) المستفاد من تلك الأخبار عدم وجوب زكاة القرض على المقرض بالأصالة لا عدم وجوبها عليه بعارض الاشتراط.

ص: 200


1- في ( د ) « أن ».

ولو سلّم فأقصى ما يدلّ عليه وجوبها أصالة على المقترض مطلقا ، ولا ينافي ذلك وجوب أدائها على المقرض عوضا عن المقترض من دون سقوطها عنه إلّا بأدائها كما هو أحد الأقوال في المسألة.

كيف ، ولو شرطها على غير المالك في سائر الأموال الزكويّة لزم الأداء عنه من غير ان ينافي إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة على المالك.

حجّة القائل بصحّة الاشتراط المذكور وانتقال الوجوب إلى ذمّة المقرض صحيحة منصور بن حازم في رجل استقرض مالا وحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدي أدّى المستقرض » (1).

واحتجّ عليه في المختلف (2) بقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم ».

وفي الحدائق (3) بما دلّ على صحّة اشتراط زكاة ثمن المبيع على المشتري ، فمما يدلّ عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة المال عشر سنين ، وإنّما فعل ذلك لأن هشام كان هو الوالي » (4).

وفي الصحيح أيضا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين » (5).

وفي كتاب الفقه الرضوي عليه السلام : « وإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه ذلك دونك ».

وحكى عن الصدوقين أنهما عبّرا بمثل ذلك العبارة ، قال (6) : فمتى ثبت بهذه الأخبار صحّة

ص: 201


1- الكافي 3 / 520 ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح 5.
2- مختلف الشيعة 5 / 393 القرض.
3- الحدائق الناضرة 12 / 31.
4- الكافي 3 / 524 ، باب ح 2.
5- الكافي 3 / 524 ، باب ح 1.
6- الحدائق الناضرة 12 / 42.

الشرط المذكور وأنّه سائغ وأن الزكاة تنتقل إلى ذمّة المشروط عليه ، فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع أو قرض أو غير هذا ؛ عملا بما دلّ على أنّ المؤمنين عند شروطهم.

والجواب أمّا عن الصحيحة فظاهر ؛ إذ لا دلالة فيها على لزوم الشرط ولا اشتغال ذمّة المشترط عليه بذلك ، ولا سقوطه بمجرد الاشتراط عن ذمة المشترط. غاية الأمر دلالتها على سقوطها عن المقترض بأداء المقرض ، وهو غير المدّعى ، بل فيها دلالة على وجوبها على المقترض مع عدم أداء المقرض لها ، ولو مع الاشتراط إن قيل بشمولها لصورة الاشتراط ، فهي بالاحتجاج بها على خلاف المدّعى أولى.

ولذا استند إليها بعضهم كغيرها من الإطلاقات في عدم سقوطها على المقترض ، ولو مع الاشتراط.

ولا يخلو من وجه.

نعم ، فيها دلالة على جواز التبرّع بأداء الزكاة عمن يجب عليه ، فيفيد كون الشرط المذكور سائغا فلا يصلح بها الاحتجاج بما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط ، إلّا أن أقصى ما يقتضيه ذلك وجوب أداء المشروط عليه لذلك ، ولا يستلزم براءة ذمّة المشترط بمجرّد ذلك كما لو شرط عليه في ضمن عقد لازم أداء ديونه ؛ فإنّه لا يبرء بذلك ذمّة المديون ، وإنّما يجب عليه ، الوفاء بالشرط ، ويبرء المديون عنه بأدائه لا بمجرّد اشتراطه.

وأمّا الصحيحتان الحاكيتان لفعل الباقر عليه السلام ، فلا دلالة فيهما على سقوط الزكاة بسبب الاشتراط سيّما بالنسبة إلى من وقع الاشتراط معه (1).

ص: 202


1- هنا بياض في الأصل.
تبصرة: [ في تعيين أصناف المستحقين ]
اشارة

لا خلاف في كون أصناف المستحقين هي المذكورة في الكتاب كما دلت عليه الآية الشريفة (1) إلّا أنّ هناك خلافا في ترادف الفقير والمسكين وعدمه ، فعلى الأوّل يكون المصارف في الحقيقة سبعة كما اختاره في الشرائع (2) بعد أن حكى فيه القولين وعزا القول به عن (3) بعض الناس ، وحكاه في المدارك (4) عن جماعة.

وعلى الثاني تكون ثمانية ( كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة (5) إجماع العلماء عليه حيث قال : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية ) (6) بإجماع العلماء ، ثم ذكر الخلاف في كون المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس.

وظاهر ذلك الاتفاق على عدم المساواة كما هو الأظهر.

وهو المعروف من مذهب العامة والخاصّة.

ويدل عليه بعض النصوص الصحيحة من طرقنا.

نعم ، نصّ جماعة بإدراج كلّ منهما الآخر مع الانفراد.

قال في المنتهى (7) : لا تمييز بينهما (8) مع الانفراد ، بل العرب قد استعملت كلّ واحد من

ص: 203


1- التوبة : 60.
2- شرايع الإسلام 1 / 120.
3- في ( د ) : « الى ».
4- مدارك الاحكام 5 / 187.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 237.
6- ما بين الهلالين من ( د ).
7- منتهى المطلب 1 / 517.
8- في ( ألف ) : « بينها ».

اللفظين في معنى الآخر.

وقد نصّ على إدراج كلّ في الآخر مع الانفراد الشيخ (1) وظاهر (2) الراوندي والحلي (3) والفاضلان (4).

وعن نهاية الإحكام (5) والمسالك (6) وإيضاح النافع (7) نفي الخلاف عنه.

وفي الحدائق (8) : إن ظاهر الأصحاب أنّه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف.

وعن الميسيّة والروضة (9) حكاية الإجماع عليه.

واستشكل فيه جماعة ؛ ففي البيان (10) إن أرادوا به حقيقة قضية منع.

وفي المدارك (11) : إنّ المتّجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلّا بقرينة.

واستشكل في ذلك في الحدائق (12) قال : لأنّه متى ثبت التغاير كما ذكرناه ، وهو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة. اللّهم إلّا أن يجعل الإجماع

ص: 204


1- المبسوط 1 / 246.
2- في ( د ) « الشيخ في المبسوط و ».
3- السرائر 1 / 456.
4- المعتبر 2 / 564.
5- نهاية الإحكام 2 / 379.
6- مسالك الإفهام 1 / 409.
7- كذا ، والظاهر : « الفوائد » ، لاحظ : إيضاح الفوائد 1 / 193.
8- الحدائق الناضرة 12 / 155.
9- الروضة البهية 2 / 42.
10- البيان : 193.
11- مدارك الأحكام 5 / 192.
12- الحدائق الناضرة 12 / 155.

قرينة.

وفيه ما فيه.

ثمّ احتمل قريبا أنّ التغاير في الزكاة خاصّة.

وقطع في القواعد (1) بإدراج المساكين في الفقراء إذا وصّى للفقراء.

واستشكل في عكسه.

واختاره (2) ولده في وصايا الإيضاح (3) ، والمحقّق الكركي (4) عدم الدخول.

والمسألة لا تخلو من إشكال إلّا أنّ ما عرفت من الإجماعات شاهد على اتحاد المعنيين مع انفراد كلّ منهما عن الآخر.

وفيه الكفاية في مثله إلّا أنّ الظاهر عمّا حكي عن ماعة من اللغويين إطلاق الفرق بين المعنيين.

ثمّ مع اختلاف المعنيين - إمّا مطلقا أو مع الاجتماع - فهل المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس؟ قولان.

فالأول محكيّ عن يونس ، وهو قضيّة ما حكي (5) عن ابن السكيت (6) من أن الفقير من له بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شي ء له.

وما حكي عن ابن عرفة من أن الفقير عند العرب المحتاج ، فأمّا المسكين فالذي قد أذلّه الفقر.

وغيره قال : فإذا كانت مسكنته من جهة الفقر حلّت له الصدقة ، وإذا كان مسكينا قد أذلّه شي ء سوى الفقر فلا تحلّ له.

ص: 205


1- قواعد الأحكام 2 / 452.
2- في ( د ) : « واختار ».
3- إيضاح الفوائد 2 / 496.
4- جامع المقاصد 3 / 30.
5- إيضاح الفوائد 1 / 193.
6- لم ترد في ( ب ) : « ابن السكيت .. ما حكي عن ».

وقد حكي القول بذلك عن الفراء وثعلب وابن قتيبة (1) وابن دريد وأبي يزيد (2) وأبي عبيدة وأبي اسحاق والأصمعي ويعقوب.

واختاره جماعة من الأصحاب.

وكأنّه الأشهر. وعزاه في التنقيح والمسالك (3) إلى الأكثر.

وفي الغنية (4) : الإجماع على أنّ الفقراء لهم شي ء ، والمساكين لا شي ء لهم ، قال : وقد نصّ على ذلك الأكثر من أهل اللغة.

وقد عزي ذلك إلى الإسكافي والشيخين (5) والديلمي والعلّامة في عدّة من كتبه حيث فسّر الفقير والمسكين بما حكيناه عن ابن عرفة (6).

والثاني محكي الصدوق حيث نصّ في الفقيه (7) أن الفقراء هم أهل الزمانة والحاجة ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة.

وعن الشيخ في المبسوط (8) والجمل (9) والقاضي (10) والطبرسي (11) والطوسي (12) والحلي (13) : أن الفقير الّذي لا شي ء له ، والمسكين الّذي له بلغة من العيش.

ص: 206


1- غريب الحديث 1 / 28.
2- في ( د ) : « زيد ».
3- مسالك الإفهام 1 / 409.
4- غنية النزوع : 123.
5- المبسوط 1 / 246.
6- الذي ذكروه هؤلاء الأعلام يطابق ما حكي عن ابن السكيت لا ابن عرفة ، فراجع.
7- من لا يحضره الفقيه 2 / 6.
8- المبسوط 1 / 246.
9- الرسائل العشر : 206.
10- المهذب 1 / 169.
11- جوامع الجامع 2 / 73.
12- الوسيلة : 128.
13- المعتبر 2 / 564.

ولا يظهر من القاموس (1) والصحاح (2) ترجيح لأحد الوجهين.

وكأنّ الأظهر الأوّل لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام عن الفقير والمساكين ، فقال : « الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل » (3).

وصحيحة أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : قول اللّه تعالى؟ فقال : « الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم » (4).

وروى الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم أنّه ذكر في تفسيره هذه الثمانية الأصناف ، فقال : فسّر العالم عليه السلام فقال : « الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم من عيالهم » ، ثمّ قال : « والمساكين هم أهل الزمانات » (5).

وكأنّ المستفاد منها كون المسكين أسوأ حالا منه فيكون ذكر السؤال في الصحيحة المذكورة مثالا ، وكذا الزمانة (6) في رواية تفسير هذا.

ولا يذهب عليك أنّه لا ثمرة يعتدّ بها هنا للخلاف المذكور كما نصّ عليه جماعة في المقام ؛ بناء على ما هو الصواب من عدم وجوب البسط ؛ للإجماع على جواز إعطاء كل بهما ، فإنّ العبرة في المقام بتحقّق الحاجة وانتفاء الغناء الشامل لهما.

وقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال :

أحدها أنّه من يقصر ماله عن مؤنة سنة له ولعياله.

وفي التنقيح وغيره : إنّه المشهور.

وفي المهذب البارع (7) : إن عليه محقّقي المذهب.

ص: 207


1- القاموس المحيط 2 / 111 ( فقر ).
2- الصحاح 2 / 782 ( فقر ).
3- الكافي 3 / 502 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق من ح 18.
4- الكافي 3 / 501 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ح 16.
5- وسائل الشيعة 9 / 212 ، باب أصناف المستحقين ح 7.
6- في ( الف ) : « الرحانة » وهو غلط.
7- المهذب البارع 1 / 529.

وفي المدارك (1) والحدائق (2) وغيرهما : إنّ عليه عامّة المتأخرين.

وحكى القول به عن الحلي (3) والمحقق (4) في كتابيه وتلميذه الآبي والعلّامة (5) في عدّة من كتبه ، والشهيدين (6) والسيوري وابن فهد (7) والفاضل الأردبيلي (8) وغيرهم من المتأخرين.

وحكاه في التذكرة (9) وغيرها عن الشيخ.

وقد نصّ جماعة من هؤلاء منهم الفاضلان بجواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيّش به أو ضيعة يستغلها (10) إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية ، وإن كان ذلك المال أو قيمة الضيعة وافيا لمؤنة سنة وزيادة ، فيكون ذلك مستثنى ممّا اعتبر في الحدائق (11) من قصور ماله عن مؤنة سنته كما استثني الدار والخادم والفرش اللائقة بحاله كما سيجي ء إن شاء اللّه (12) لا يبعد أن يكون ذلك مقصود الجميع حيث لا مصرّح بخلافه.

وفي الروضة (13) حكى الشهرة عليه إلّا أنّه حكى عن القيل اعتبار قيمة أصل الضيعة.

ولا يعرف القول به صريحا لأحد من الأصحاب.

وربّما يحكى عن فخر الدين ، وليس يثبت.

ص: 208


1- مدارك الأحكام 5 / 194.
2- الحدائق الناضرة 12 / 157.
3- السرائر 1 / 456.
4- شرائع الإسلام 1 / 121.
5- إرشاد الأذهان 1 / 286 ، منتهى المطلب 1 / 517.
6- البيان : 193 ، الروضة البهية 2 / 43.
7- المهذب البارع 1 / 524.
8- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 151.
9- تذكرة الفقهاء / 239 ، 5.
10- في الأصل : « يستقلها » ، وما أدرجناه من المصدر.
11- الحدائق الناضرة 12 / 157.
12- في ( د ) زيادة : « و ».
13- الروضة البهية 2 / 45.

وقد عزا التقييد المذكور في مجمع البرهان (1) إلى صريح الأصحاب إلّا أنّه تأمّل فيه بعد ذكر خبر الفيومي (2) الدالّ عليه حيث قال : وفيه تأمّل ؛ لعدم الصراحة والصحّة مع مخالفته للأخبار الأخر.

وظاهره الميل عنه.

وفي المدارك (3) والحدائق (4) : إنّ إطلاق المشهور مناف لما صرّح به الشيخ والمحقّق والعلّامة من التقييد المذكور إلّا أنّهما اختارا (5) التقييد بذلك ونصّا على انّ المعتمد أنّ من كان له مال يتّجر به أو ضيعة يشغلها ولم يكفه الربح جاز له الأخذ من الزكاة.

ولا يكلّف الإنفاق من رأس المال ، ولا من ثمن الضيعة ، ومن لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة السنة ، فانحلّ (6) القول المذكور في بادي الرأي إلى قولين إلّا أنّ الظاهر إرجاع كلام المطلقين إلى التقييد حيث لم يعرف بين الأصحاب عدّهما قولين مع تصريح جماعة منهم بالتقييد. ويبقى ما حكاه في الروضة (7) عن القيل ما عرفت من ميل الفاضل الأردبيلي إليه.

وكيف كان ، فالأقوى هو التقييد بل لا يبقى التأمّل فيه كما ستعرف.

ثانيها : إنّ الضابط تمليك (8) النصاب من الأثمان أو قيمتها فاضلا من سكيه (9) وخادمه. حكاه في التذكرة (10) عن الشيخ.

ص: 209


1- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 151.
2- في ( د ) « الفنوى ».
3- مدارك الأحكام 5 / 194.
4- الحدائق الناضرة 12 / 157.
5- في ( ألف ) : « اختار ».
6- في ( ألف ) : « فافصل ».
7- الروضة البهية 2 / 45.
8- في ( د ) : « تملك ».
9- في ( د ) : « مسكنه أو ».
10- تذكرة الفقهاء 5 / 240.

وقد حكاه في المنتهى (1) والمهذب البارع (2) عنه في الخلاف. والمحكي في السرائر (3) عن الخلاف هو القول الأوّل.

ولم نجد منه هناك (4) تصريحا وإنّما المحكي عنه التصريح بالوجه الأخير كما يأتي ، وكأنّه الوجه في إسناد القول الأوّل إليه.

نعم ، ذكر في زكاة الفطرة أنها تجب على من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب.

وفيه إشارة إلى النقل الأول.

وربّما يعزى القول المذكور إلى المفيد والسيد ، وليس يثبت.

وقد ادّعى السيد في الناصريات (5) الإجماع على خلافه.

وفي المقنعة (6) أيضا ما هو ظاهر في خلافه.

واقتصر في التحرير (7) والدروس (8) على ذكر القولين المذكورين ، فظاهرهما التأمل في الترجيح.

ثمّ (9) إنّ ظاهر القول المذكور هو اعتبار ذلك من جهة تملك المال ، فلا ينافي المنع من جهة وفاء الاكتساب في أرباب المكاسب ، وإن لم يتملّكن (10) مقدار النصاب.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاقه عدم حصول الغناء المانع من قبول الزكاة لو كان ملك ما دون النصاب ، وكان كافيا لمؤنة سنة ، فبين القولين المذكورين عموم من وجه.

ص: 210


1- منتهى المطلب 1 / 507.
2- المهذب البارع 1 / 529.
3- في ( ب ) : « الدروس » بدل : « السرائر » انظر : السرائر 1 / 462.
4- في ( ألف ) : « حكاه ».
5- الناصريات : 288.
6- المقنعة : 241.
7- تحرير الاحكام 1 / 402.
8- الدروس 1 / 240.
9- زيادة « ثم » من ( د ).
10- في ( د ) : « يتملكوا ».

وحكى في الكفاية قولا بأنّه من ملك عشرين ذهبا.

ولم نجد من حكم به ، وعلى فرضه فحمله على ظاهره مقطوع الفساد.

ثالثها : إنّ المناط في عدم استحقاق الزكاة القدرة على كفايته ، وكفاية من يلزمه كفايته على الدوام ، وعزي ذلك إلى الشيخ في المبسوط (1) ، وقد عبّر فيه بالنحو المذكور وقال بعده : فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه ، وإن كانت لا ترد عليه حلّ له ذلك.

وحكي عن الخلاف نحوه أيضا.

وظاهر العبارة المذكورة أن يكون قادرا على كفاية مصارفه مدّة عمره سواء كان مالكا لها بالفعل أو كان قادرا على تحصيلها بالاكتساب ، فلا عبرة بما يملكه من كفاية سنة مع انتفاء القدرة بالنسبة إلى ما بعده.

وما يورد عليه من أنّ ذلك خلاف الضرورة إذ يلزم على ذلك عدم تحقق غنى أصلا ؛ لعدم العلم ببقاء المال أو حصول المنافع ؛ بيّن الاندفاع لابتناء الامور المذكورة على ظاهر الحال ، فالغرض من القدرة على ذلك هو القدرة عليه بحسب مجاري العادات.

نعم ، لو كانت حرفته أو بضاعته ترد عليه مؤنته سنة مع الشكّ عادة في الاجتزاء به لغيرها من السنين يتّجه القول بتحقق الاستحقاق على القول المذكور.

ولا ضرورة قاضية فيه بالمنع ، وإن كان الحق ذلك.

وكيف كان ، فهذا القول متروك بين الأصحاب إلّا أنّه اختاره من المتأخرين صاحب المفاتيح ، وهو بمكان من الضعف بل في إسناده إلى الشيخ بمجرد العبارة المزبورة تأمّل.

والفاضلان (2) وغيرهما من الأصحاب لم ينسبوا إليه القول المذكور ، بل صرّح العلّامة في جملة من كتبه بإسناد القول الأول إليه ، ولم ينسب القول المذكور إلى أحد من الأصحاب في معظم الكتب المعتمدة المعدّة لذكر المسائل الخلافية.

ص: 211


1- المبسوط 1 / 256.
2- المعتبر 2 / 567 ، تذكرة الفقهاء 5 / 239.

نعم ، إنّما أشار إليه في المدارك (1) وما تأخر عنها.

ويضعّفه مضافا إلى ذلك أنّه حكى في البيان الاتفاق على أنّه يشترط في الفقير والمسكين أن يقصر مالهما عن مؤنة السنة (2) كما أشار إليه في المختلف (3) أو يجعل قوله « على الدوام » من متعلقات قوله « من يلزمه كفايته » فيكون التقييد به لإخراج من لا يجب مؤنته إلّا في وقت كان أجير (4) المشترط نفقته في وقت مخصوص أو النفقة المشترط ذلك.

وأنت خبير بأنّ ذلك غير مقيّد في المقام لجريان الحكم فيه ، وأيّ فرق بين ذلك و (5) ما إذا اشترط عليه مدّة عمره؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

لنا على الاكتفاء في المنع بمجرد تملّك مؤنة السنة عدّة من الأخبار :

منها : ما رواه المفيد في المقنعة (6) مرسلا عن يونس بن عمّار ، أنّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة » (7) مؤكدة. وضعفها منجبر بالعمل ؛ مضافا إلى أنّ رواية المفيد لها في المقنعة ظاهرة في كونها من الروايات المعتبرة.

ومنها : صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : « يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره ».

قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟

فقال : « زكاته صدقة على عياله ولا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة

ص: 212


1- مدارك الأحكام 5 / 198.
2- في ( د ) زيادة : « لهما ولعيالهما أو عن نصاب أو قيمته على اختلاف القولين وبما يؤل كلام الشيخ بحمل الدوام فيه على خصوص السنة ».
3- مختلف الشيعة 3 / 214.
4- في ( ألف ) : « أجر ».
5- الواو زيدت من ( د ).
6- المقنعة : 248.
7- في ( د ) زيادة : « ويجب الفطرة على من عنده قوت السنة ».

أخذها في أقلّ من سنة ، فهذا يأخذها » (1).

وفيها دلالة ظاهرة على المنع من أخذ الزكاة مع وفاء السبعمائة بمئونة سنة ، وهي محمولة على ما إذا لم تكن محترفا بها كما هو الظاهر من إطلاقها ؛ إذ لم يعرض فيها الاحتراف بها ، وحملا لإطلاقها على ما سيجي ء من المقيّدات.

ومنها : صحيحة موثقة (2) سماعة ، عن الصادق عليه السلام قال : « قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ».

قلت له : وكيف يكون هذا؟

قال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه » (3) : الخبر.

فإنّ قوله : « فلو قسّمها بينهم لم يكفه » ظاهر في عدم الاكتفاء به لمؤنة سنة ، وظاهره أنّه مع الاكتفاء به لا يحلّ الأخذ.

ومنها : صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سويّ ولا لمحترف ولا لقوي ».

قلنا : ما معنى هذا؟ قال : « لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على ما يكف نفسه عنها » (4).

فإن ظاهرها دوران الأمر مدار القدرة على ما يكفّ به نفسه.

ولا يبعد ظهور الاطلاق في (5) مؤنة السنة ، ولا أقل من شمول إطلاقه لذلك.

ومنها : ما في الصحيح إلى صفوان بن يحيى بن علي بن اسماعيل الدغشي ، قال : سألت عن أبي الحسن عليه السلام عن السائل وعنده قوت يوم ، أتحلّ له أن يسأل وإن اعطي شيئا من قبل أن يسأل يحل له أن يقبله؟ قال : « يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة لأنّها إنّما هي

ص: 213


1- الكافي 3 / 560 ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح 1.
2- كذا ، والرواية إما صحيحة أو موثقة! فتأمّل.
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح 1.
4- معاني الأخبار : 262.
5- في ( ألف ) : « وفي ».

من سنة إلى سنة » (1).

وفي هذه الرواية إشعار بأنّ المرعي في الكفاف حال السنة ، ففيها تأييد لما قلناه وإن كان الاحتجاج بها لا يخلو من نظر.

فظهر بما ذكرنا أنّ القدرة الدائمة على المئونة غير معتبرة ، مضافا إلى ضعف ذلك القول في نفسه كما عرفت.

وقد يحتج له باندراجه مع انتفاء القدرة كذلك في عنوان الفقير عرفا ؛ لاحتياجه في الجملة ، فيندرج في إطلاق الكتاب والأخبار.

ويضعّفه - بعد المنع الظاهر - ما عرفت من الروايات المعتضدة بالاحتياط وعمل الأصحاب.

وأمّا الاكتفاء بمجرد ملك النصاب فهو أيضا كسابقه في غاية الضعف ، وإنّما هو من مذاهب العامة مستندا إلى بعض الروايات العامية الغير الدالّة عليه ، وبعض الاعتبارات الواهية.

وذهاب الشيخ إليه غير معلوم ، وعلى فرضه فإطباق الأصحاب من بعده على خلافه كاف في دفعه ، بل الرجوع إلى الإطلاق (2) كاف في نفيه ؛ إذ ليس معنى الفقير أو المسكين في العرف ما ذكره قطعا.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، بل دلالة الأخبار على خلافه.

وربّما يحتجّ له بصحيحة الفاضلين : « لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها وإن أخذها أخذها حراما ».

وأنت خبير بأنّه لا ربط للرواية بما ذهب إليه ؛ إذ ليس الأربعون بنفسه نصابا للنفقة ، فلا بدّ من ترك الرواية أو تأويلها بما تصحّ إرادته.

ص: 214


1- علل الشرائع 2 / 371.
2- في ( د ) : « الإطلاقات ».

وكأنّها محمولة على صورة انتفاء الحاجة كما يشهد له خبر (1) الأربعين : « إلى أن حال عليه الحول ».

وقد يحتج له أيضا بصحيحة البزنطي : « لا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما يجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة ».

وهي أيضا غير دالّة على ما ذكره لاعتبار الاحتراف معه.

ولنا على جواز أخذ الزكاة مع قصور النماء و (2) الغلة الحاصلة من مؤنة السنة وإن كانت البضاعة في نفسها أو قيمة الضيعة وافية بمئونة السنة أو السنين .. الروايات المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الطائفة حيث لا يعرف فيه مخالف صريح كما عرفت.

وما حكي فيه من الخلاف الثابت فهو مجهول القائل.

ومنها : الصحيح ، عن الرجل يكون له ثلاث مائة درهم أو أربعمائة درهم وعيال وهو محترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكسب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال : « لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه من عياله ، ويأخذ النفقة من الزكاة وينصرف بهذه لا ينفقها » (3).

ومنها : موثقة سماعة (4) الدالّة على أنّ من له دار غلّة فيه لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم يحلّ له الأخذ من الزكاة.

ومنها : رواية أبي بصير المذكورة في الفقيه.

وقد يؤيّد ذلك بصدق الفقير عليه ؛ إذ ليس ذلك المال معدّا للإنفاق ، وإنّما يقصد منه الغلة والمنافع الحاصلة ، وهو نظير ملك الدابّة والدار ونحوهما ممّا لا ينافي صدق الفقر ، وإن كانت قيمته وافية بمئونة السنة.

ص: 215


1- في ( د ) : « حسن ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- الكافي 3 / 361 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
4- الكافي 3 / 360 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4 نقلا بالمعنى.

ومنه يظهر ضعف ما قد يحتج للوجه الآخر من صدق الغني عليه ؛ لتملّكه مؤنة السنة.

[ تنبيهات ]

وقد يستند له إلى بعض الإطلاقات ، وهو محمول على صورة الاكتساب به كما مر.

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها (1) : أن صاحب الصنعة والكسب إذا وفي كسبه بمئونة سنته حرمت عليه الزكاة. ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها.

وعن الناصريات (2) والخلاف (3) وظاهر الغنية (4) حكاية الإجماع عليه.

وعن تخليص التلخيص أن حرمة الصدقة عليه ممّا لا خلاف فيه إلّا ما حكاه في الخلاف.

وفي المدارك (5) وغيره حكاية الشهرة عليه.

وعن الخلاف (6) : أنّه حكي عن بعض أصحابنا جواز دفعها إليه من غير اشتراط لقصور كسبه.

وهو على فرض ثبوته بحمل (7) عبارته على ظاهرها ضعيف جدا ، والقائل به مجهول ملحوق بالإجماع.

وربّما يحتج له بأنّه غير مالك للنصاب ولا مالك لمؤنة سنته فيندرج في الفقير على التفسيرين ، أو يقال أنّه بمنزلة الفقير من جهة الاشتراك في العلة.

ص: 216


1- في ( د ) زيادة : « الظاهر ».
2- الناصريات : 287.
3- الخلاف 2 / 135.
4- المقنعة : 241.
5- مدارك الاحكام 5 / 197.
6- الخلاف 135.
7- في ( ألف ) : « يحمل ».

وضعفه أظهر من أن يخفى.

ثمّ إن الأظهر إدراجه في الغني لقدرته على مؤنة سنة ، فهو مالك لمؤنة السنة قوة ، فالتعميم في حدّ الغناء بحيث يشمل مثل ذلك هو الأولى ، لكن الظاهر من غير واحد من الأخبار حيث عطفه على الغني عدم اندراجه فيه ، فيكون واسطة بين الأمرين ؛ لعدم اندراجه في الفقير قطعا.

وقد يقال بتعدّد الإطلاق للغني ، فيكون المراد (1) في الحديث هو المعنى الأخص.

ثانيها : لو كان قادرا على الصنعة وكانت ملكيّتها حاصلة له أو لم يحتج ذلك المكسب على (2) ملكه لكن لم يكن محترفا بها بحيث يعدّ من أرباب ملك الصناعة ففي جواز الدفع إليه وجهان.

وظاهر كثير من الأصحاب حيث اعتبروا فيه عدم القدرة على الاكتساب عدم الجواز.

ويدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة ، وفي صحيحته الأخرى عن الباقر عليه السلام : « إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرة سويّ قوي » (3).

وروى في قرب الإسناد بإسناد عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أنّه كان يقول : « لا تحلّ الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى » (4).

بل ظاهر عطفه على المحترف يعطي المغايرة بينهما فيكون صريحا في المقصود.

والوجه في الجواز صدق الفقير عليه لغة وعرفا فيندرج تحت الإطلاقات.

ومجرد قابليته للاكتساب ( لا يقضى بسلب اسم الفقير عنه على أن كثيرا من الفقراء لهم قدرة على الاكتساب ) (5) ولم تجر الطريقة على منعهم بمجرّد القدرة.

وقد يؤيّد ذلك بظاهر الصحيح ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يروون عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ

ص: 217


1- في ( د ) زيادة : « به ».
2- في ( د ) : « الى ».
3- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 2.
4- قرب الاسناد : 155.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا تصلح لغني » (1).

فإنّ الاقتصار عليه في الحكم مع ضمّ الآخر إليه فيما رواه شاهد على عدم ثبوت الحكم بالنسبة إلى الآخر.

ومرسلة الصدوق قيل للصادق عليه السلام : إنّ الناس يروون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أن الصدقة لا يحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » فقال عليه السلام : « قد قال لغني ولم يقل لذي مرة سويّ » (2).

وتكذيبهم في الفقرة الأخيرة وإن لم يدلّ على انتفاء الحكم بالنسبة إليه إلّا أنّ فيه إيماء إليه.

ثالثها : يعتبر في التكسّب أن يكون لائقا بحاله ، فلا يكلّف على تكلّف المكاسب الغير اللائقة بحاله على ما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة (3) وولده في الإيضاح (4) وابن فهد (5) والشهيد الثاني (6) وغيرهم.

وهو كذلك لمراعاة الشرع في ذلك الجري على مجرى العادات ، ولذا لا يمنع صاحب الدار والخادم وغيرهما كما سيجي ء الاشارة إليها ، وإن وفي بقيمتها بمئونة سنة ، وكذا الحال لو لم يكن أصل الاحتراف لا يقاس ( له ) (7) لعلوّ (8) شأنه.

وقد نبّه عليه ( العلامة في النهاية ) (9) ولو منعه اشتغاله بالاكتساب عن تحصيل العلم الواجب عليه عينا بكونه أحكام الدين أو كفاية كتحصيل ملكة الاجتهاد أو فعليّة الاستفراغ ،

ص: 218


1- الكافي 3 / 562 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 12.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 177 ، باب المعايش والمكاسب والفوائد.
3- نهاية الإحكام 2 / 384.
4- إيضاح الفوائد 1 / 194.
5- المهذب البارع 1 / 530.
6- الروضة البهية 2 / 45.
7- الزيادة من ( د ).
8- في ( ألف ) : « العلو ».
9- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فالذي نصّ عليه غير واحد منهم جواز الأخذ من الزكاة ، فعن المنتهى (1) والتحرير (2) والدروس (3) والبيان (4) الرجوع بجواز الأخذ مع كون التكسّب مانعا له عن التفقّه في الدين.

ونحوه ما في القواعد ونهاية الإحكام.

وعلّله في المنتهى (5) بأنّه مأمور بالتفقه في الدين إذا كان من أهله.

واستحسنه في المدارك (6).

قلت : والتعليل قاض بجريان الحكم في سائر الواجبات المعارضة للاكتساب كأداء القضاء أو الإتيان بالمنذور ونحوهما ، وكأنّه لذا أطلق الحكم الشهيد الثاني لسائر الواجبات في حواشي القواعد حيث قيل الكسب بالذي لا يشغله عن واجب مضيّق ، ومثّل له بطلب العلم الواجب ولو كفاية.

ويشكل الحال في الجميع بأنّه كما أنّ التفقه وغيره ممّا مرّ من الواجبات كذلك تحصيل مؤنته ومؤنة من يجب عليه نفقته من الواجبات عليه ، فلا بدّ إذن من ملاحظة الترجيح.

ومن البيّن أن تحصيل ما فيه قوام البدن مقدّم على غيرها ، وكذا نفقة الزوجة بالنسبة إلى حقوقه معه (7).

وفي نفقة الأقارب وجهان ، على فرض ملاحظة (8) ترجيح النفقة وغيره عليها ينبغي القول بسقوط الوجوب ، فلا وجه أيضا للأخذ من الزكاة من جهة المعارضة.

نعم ، لو فرض تقديم غيره من الواجب على تحصيل النفقة لنفسه وعياله فلا كلام في

ص: 219


1- منتهى المطلب 1 / 519.
2- تحرير الأحكام 1 / 403.
3- الدروس 1 / 240.
4- البيان : 193.
5- منتهى المطلب 1 / 519.
6- مدارك الأحكام 5 / 197.
7- كذا.
8- ليس في ( د ) : « ملاحظة ».

الجواز ؛ لعدم تمكّنه شرعا من الاكتساب.

ثم إنه لا يجرى الحكم في المعارضة مع المندوب كالاشتغال بشواغل الطاعات والتنوع للعبادات.

وقد أشار إليه العلّامة في النهاية (1) وابن فهد في المهذب (2) إلّا أنّه أطلق أوّلا في استثناء المشتغل بتحصيل العلوم الشرعيّة ونحوه ما في الروضة (3) والمسالك (4) وغيرهما حيث أطلق اشتغاله من الكسب بطلب علم ديني.

وقد يحمل الجميع على إرادة القدر الواجب منها ، ولو على سبيل الكفاية ؛ إذ لا خصوصيّة في ذلك بطلب.

وأطلق في البيان (5) استثناء من يطلب العلم ، فظاهر [ ه ] التعميم لسائر العلوم إلّا أن حمله على العلم الواجب غير بعيد.

ويجري ما ذكروه في التعلم بالنسبة إلى التعليم إذا احتاج إليه الناس ؛ إذ هو أيضا من الواجبات ، بل هو أهم من التعلّم.

أقول : والأولى تجويز الدفع في جميع الصور المفروضة من نصّهم في سبيل اللّه خصوصا بالنسبة إلى التفقه في الدين : إذ ذلك من أعظم السبب.

وكذا الحال في جميع العلوم الراجح تحصيلها بحسب الشرع سواء كانت واجبة عينا أو كفاية أو مستحبة من غير فرق بين متعلّمها أو تعليمها أو تصنيفها.

ويسهل الاشتغال بتحصيلها للطّلاب ، وكذا الحال بالنسبة إلى الاشتغال بسائر الواجبات والمندوبات ، فالمنع الوارد في كلمات بعض الأصحاب من الدفع إلى من يمنعه

ص: 220


1- نهاية الإحكام 384.
2- المهذب البارع 1 / 530.
3- الروضة البهية 2 / 45.
4- مسالك الإفهام 1 / 410.
5- البيان : 193.

الاشتغال بالنوافل من الاكتساب محمول على غير الجهة المذكورة.

وسيجي ء الإشارة إلى ذلك إن شاء اللّه.

رابعها : لا عبرة بالقدرة على الاكتساب بغير ما يعدّ اكتسابا في العرف كالاستيهاب ولو خلّي عن المنّة بالمرّة ، وكذا لو كان بالحرامة عليه من سلطان وغيره أو أباح له الأخذ بقدر المئونة أو ما يزيد (1) عليها.

ولو وهبه من المال ما يكفيه لمؤنة سنة لم يجب عليه القبول ، بل له تركه والأخذ عن الزكاة.

وكذا الحال فيما إذا أوصى له فمات الموصي ولم يقبلها بعد.

وحينئذ ففي جواز أخذه قبل ردّ الوصيّة وقبوله وجهان.

ولو استحقّ ما تفي بمئونة السنة على سبيل النذر ففي ارتفاع الفقر به مع عدم امتناع الناذر وجهان.

وأولى بالمنع ما لو نذر الإنفاق عليه وعلى عياله قدر السنة أو ما يزيد عليها ، فيشبه ما لو وجب نفقته عليه بالقرابة.

والأظهر فيه بقاء الفقر إلّا أن يتملكه بالقبض أو النذر على بعض الوجوه ، ولو كان المنذور للجنس مع عدم الانحصار فلا كلام ، وإن انتقل المال بمجرّد تعيين النذر ، وكذا مع الانحصار في وجه قويّ إلّا إذا أراد التشريك وانتقل المال إليهم بالنذر.

ولو شرط عليه تحمّل مؤنته في عقد لازم ملكها ، فمع تمكّنه من القبض لا يجوز الأخذ من الزكاة ، واستحقاق الزوجة على الزوج مانع من الاستحقاق مع تمكّنها من القبض ، فلا إشكال ، ولم تستحق عليه مؤنة السنة دفعه ولم تملك عليه إلّا مؤنة اليوم ؛ إذ ذلك في قوة تملك الجميع حسبما عرفت في المكتسب.

ولو كان الزوج غير قادر على الإنفاق جاز لها الأخذ قطعا ، وإن تمكن عن القبض من

ص: 221


1- في ( د ) : « يريد ».

الزكاة ودفعها إليه.

وكذا الحال لو كان غير قادر على الإنفاق تمام الحول ، وإن قدر عليه بالفعل في وجه قويّ.

ولو كانت ناشزة ففي جواز إعطائها وجهان ؛ من عدم استحقاقها النفقة مع النشوز ، ومن (1) إمكان عودها إلى الطاعة فيستحق ، فهي قادرة على تحصيل النفقة.

وحكم في نهاية الإحكام (2) بالأوّل ، ثمّ ذكر الأخير على سبيل الاحتمال.

وفي الكفاية (3) استقرب الأخير.

وينبغي القطع به مع بعثه على إقامتها على النشوز أو توقف النهي عن الذكر عليه.

ولو تمكنت المرأة من التزويج ووجد الكفو الذي لا مفتضه فيها عرفا في التزويج مع بذله مهر مثلها وتمكنه من الإنفاق عليها ففي إلحاقها بالقادر على الاكتساب وجه ، والأوجه خلافه وإن قلنا هناك بالمنع ؛ إذ لا يعدّ ذلك اكتسابا في العرف.

خامسها : أنّه هل يعتبر في عياله أن يكونوا ممّن تجب نفقتهم عليه في الشرع من أو ولو بالعارض كالمتعة المشترط عليه الإنفاق أو الأجير المشروط عليه ذلك أو يكتفى فيه بمجرّد العيلولة كيف كانت أو يعتبر فيه العيلولة ( بحسب العرف وإن لم يجب في الشرع بأن يعاب عليه في ترك العيلولة ) (4) في العادة كأرحامه المنقطعين دون من ليس عليه في العرف والشرع عيلولتهم؟ وجوه ؛ من أن المتيقّن من الأخبار هو ذلك المقدار ، وقضية الأصل عدم العبرة بغيره ، ومن إطلاق العيال في الأخبار فيعمّ جميع من دخل تحت عيلولته ، ومن أن مراعاة الخادم ودابّة (5) الركوب ونحوهما إنّما هو للمحافظة على اعتباره بين الناس وعدم الخروج من

ص: 222


1- في ( ألف ) : « مع ».
2- نهاية الإحكام 2 / 384.
3- كفاية الأحكام 1 / 192.
4- ما بين الهلالين زيدت من ( ب ).
5- في ( ألف ) : « رواية » بدلا من : « ودابّة ».

مجاري العادات الباعث على إعابته بين الناس ، وهو جار في المقام بالأولى.

كيف ونفقة الخادم والدابّة ومن يخدم الدابّة مع الحاجة إليه مندرجة هناك في المصارف قطعا ، وذلك قاض بالفحوى بجريان الحكم في المقام.

مضافا إلى إطلاق الروايات.

وانصرافها إلى خصوص الواجب غير متّجه ، كيف واندراج غير الواجب في العيال هو الغالب بين الناس ، فلو لم يعتبر ذلك لزم الامتنان إليه في الأخبار ، وخلوّها عن ذلك بالمرّة أقوى شاهد على ذلك.

ومن ذلك يظهر ضعف اعتبار وجوب الإنفاق في المقام كما ذكره في الروضة (1) وغيرها على أنّ في الاكتفاء بمجرد وجوب الإنفاق في المقام ولو كان من الأقارب مع صدق اسم العيلولة إشكالا (2) كما إذا فرض خروج من يجب الإنفاق عليه من أقاربه عن عيلولته ولو كان قادرا على نفقته ونفقة زوجته من دون زيادة ، فإنّ الظاهر سقوط نفقة الأقارب عنه.

وجواز أخذه من الزكاة للدفع إليهم مع عدم وجوب إنفاقه عليهم ، وعدم اندراجه في اسم العيال كما ترى إشكال ، بل المستحق للزكاة حينئذ هو أقاربه خاصّة ، فالمدار إذن على العيلولة كما ذكرنا حتّى أنه لو خرجت زوجته عن عيلولته وأسقطت عنه الإنفاق فهل يعدّ مقدار نفقتها من مصارف سنته؟ وجهان ؛ من وجوب ذلك عليه ، وثبوته في ذمّته يوما فيوما في أيام السنة.

وإسقاط الزوجة غير نافع بالنسبة إلى ما عدا نفقة اليوم وما تقدّم عليه ، ومن أنّ المفروض عدم الصرف عليها وخروجها عن عيلولته ، فلا وجه لمراعاة ذلك في مصارفه.

سادسها : لو قصرت فوائده عن مصارف نفسه وعياله واكتفى بها لمصارف نفسه صحّ له الأخذ من الزكاة سواء صرفها على نفسه أو عياله كما هو قضية الإطلاقات ، وفي ظاهر صحيحة أبي بصير وغيرها دلالة عليه ، لكن ورد في عدّة الأخبار أنّه يعف عنها نفسه

ص: 223


1- الروضة البهية 2 / 45.
2- في الأصل : « إشكال ».

ويصرفها على عياله ، ففي الصحيح الوارد في المحترف الّذي يفي كسبه بمئونته أنّه : « ينظر إلى فضلها فيقوت بها عن (1) نفسه من وسعه ذلك عن (2) عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة » (3).

وفي موثقة سماعة المتقدمة الواردة في صاحب السبعمائة : « فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله » (4).

وفي خبر آخر : « فلينظر ما يستفضل منها فليأكل هو ومن يسعه ذلك ليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (5).

والظاهر حملها على الاستحباب.

سابعها : قد ورد في عدة روايات جواز إعطاء زكاته لعياله مع عدم محصوله لمصارفهم ، ففي الصحيح بعد حكمه بجواز أخذ الزكاة لصاحب السبعمائة ، قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟ فقال : « زكاته صدقة على عياله » (6).

وفي الموثق : « تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة ، ويخرج زكاته منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله ويعطي البقية أصحابه » (7).

وفي رواية أبي بصير : قلت : فعليه في ماله زكاة يلزمه؟ قال : « بلى » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يوسع بها على عياله في طعامهم وشرابهم وكسوتهم ويبقى منها شيئا يناوله غيرهم ، وما أخذ من الزكاة فضّه (8) على عياله حتى (9) تلحقهم بالناس » (10).

ص: 224


1- ليس في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « من ».
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
4- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
5- تهذيب الأحكام 4 / 51 ، باب مستحق الزكاة للفقر والمسكنة ح 1 مع اختلاف.
6- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 1.
7- علل الشرائع 2 / 370.
8- أي : وزّعه وقسّمه عليهم.
9- زيادة ( حتى ) من ( د ) والمصدر.
10- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 3.

في الموثق : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيرا؟ قال : « ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيد بها في نفقتهم وكسوتهم ، وفي طعام لم يكونوا يطعمونه » .. إلى أن قال : « الزكاة تحلّ لصاحب الدار والخادم ، ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ويجعل زكاة الخمسمائة درهم زيادة في نفقة عياله ويوسع عليهم » (1).

وفي موثقة أخرى : عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها ، وقد وجبت عليه فيها الزكاة ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ، ولا يسعه لإدامهم (2) وإنّما يقوتهم في الطعام والكسوة ، قال : « فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة وليعد بما بقي من الزكاة على عياله ، فليشتر بذلك إدامهم وما يصلحهم لا طعامهم في غير إسراف ولا يأكل هو منه » (3).

وظاهر هذه الأخبار يفيد جواز الدفع إلى من وجبت عليه نفقته من عياله وغيره ، ولا مانع من حملها على ظاهرها ؛ إذ مع عدم اتساع فوائده لمصارفهم تحلّ لهم الصدقة ، ولا فرق إذن بين دفعه صدقة إليهم أو إلى غيرهم.

نعم ، قد دلّ عدة من الأخبار المذكورة على تخصيصها بهم ، وهو محمول على الاستحباب.

واحتمل في الوسائل (4) حملها على غير واجبي النفقة.

وقد تحمل على الزكاة المندوبة. ولا داعي عليهما مع بعدهما عن ظاهر الإطلاق.

ثامنها : لا خلاف في جواز دفع الزكاة إلى ذي الكسب القاصر.

وعن التذكرة (5) حكاية (6) الإجماع عليه. وكذا إلى من ملك ما لا يفي لمؤنة سنته إلّا إذا كان

ص: 225


1- الإستبصار 2 / 34 ، باب اعطاء الزكاة للولد والقرابة ح 4.
2- في ( د ) : « لأدمهم ».
3- الكافي 3 / 562 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 11.
4- وسائل الشيعة 9 / 245.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 244.
6- في حاشية ( د ) : « حكاه الفاضل في شرح الروضة عنه ».

بمقدار النصاب ، فيجي ء فيه خلاف الشيخ.

واحتمل في التذكرة (1) منعه من الزكاة حتّى ينفق ما معه ، ثمّ نصّ بأنّ الحق خلافة.

ثم إنّه لا يظهر خلاف في جواز دفع الزكاة إلى من ملك مؤنة بعض السنة وإن كان زائدا على مقدار القيمة إلّا أنه (2) حكى في المنتهى (3) قولا بأنه لا تأخذ زائدا على تتمة مؤنة الحول.

وهو ضعيف جدّا لا يعرف القائل به ، ولعلّه من العامة.

وامّا ذو الكسب القاصر فالمعروف بين الأصحاب جواز الدفع إليه كذلك ، وحكى قول بالمنع من أخذه ما يزيد على تمام مؤنة سنته.

ونصّ بعض أفاضل المتأخرين أنّه لم يظفر بقائله ، قال : وكذا لم يظفر به السيد العميد كما نصّ عليه في الكثرة. اختاره (4) ذلك في اللمعة (5) واستحسنه في البيان (6).

قال : وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.

واقتصر في الدروس (7) (8) من غير إشارة إلى الترجيح ، ولذا عزا إليه في الروضة (9) التردّد فيه.

والأظهر المشهور. ويدلّ عليه اندراجه في الفقير قطعا كما مرّ ، فيكون بمقتضى الآية والروايات كسائر الفقراء ؛ إذ لا تفصيل فيها ، بل ظاهر إطلاقها عدم تقدير الاستحقاق بشي ء ، مضافا إلى الإطلاقات الدالّة على جواز إعطاء الفقير ما تفيه ففي الصحيح « تعطيه من

ص: 226


1- تذكرة الفقهاء 5 / 244.
2- في ( ألف ) : « أن ».
3- منتهى المطلب 1 / 518.
4- في ( د ) : « أختار ».
5- اللمعة الدمشقية : 43.
6- البيان : 193.
7- في ( د ) زيادة : « على ذكر القولين ».
8- الدروس 1 / 240.
9- الروضة البهية 2 / 45.

الزكاة حتّى تغنيه » (1).

وفي الموثق « وأعطه لما قدرت أن تغنيه » (2).

وفي الخبر : « أعطه ألف درهم » (3).

وقد يحتج للقول الآخر بالصحيح (4) الوارد في المحترف الذي « له ثلاثمائة وأربعمائة درهم ، فلا يصيب نفقته فيها ».

وفيه : « بل ينظر إلى فضلها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة ».

والصحاح الدالّة على أنّ اللّه تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ ما فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ؛ فانّه ظاهر في أن المجعول لهم هو قدر الكفاية دون الزائد عليها.

مضافا إلى تعليله عدم استحقاق الأزيد بالاكتفاء بالأنقص.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لا دلالة في الصحيحة على المنع من الأزيد إلّا بمفهوم اللقب ، والمقصود ممّا (5) ورد في الصحاح بيان العلّة في وضع الزكاة على المقادير المعلومة ، والمراد أنّها قد وضعت على قدر كفاية الفقراء واتّساعه لمصارفهم ، وإنّما يرد الضيق عليهم من جهة منع المانعين.

وليس الغرض منها عدم استحقاق آحاد الفقراء لما يزيد على مؤنتهم ، كيف وقد قام الإجماع ودلّت الأخبار على جواز الإعطاء إلى حدّ الإغناء ، فما قد يقال من أنّ مقتضى ذلك عدم الجواز مطلقا خرج ما خرج بالدليل من إجماع أو غيره ، فبقي محلّ الخلاف كما ترى.

تاسعها : لا يمنع دار السكنى ولا فرس الركوب ولا عبد الخدمة ولا ثياب التجمّل من استحقاق الزكاة.

ص: 227


1- الكافي 3 / 548 ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح 4.
2- الكافي 3 / 548 ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح 2 وفيه : « نعم وأغنه إن قدرت أن تغنيه ».
3- تهذيب الأحكام 4 / 63 ، باب ما يجب أن يخرج من الصدقة وأقل ما يعطى ح 5.
4- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
5- في ( ألف ) : « ومما ».

وفي التذكرة (1) : لا نعلم فيه خلافا. والوجه فيه واضح لمسيس الحاجة إليها ، وصدق الفقر مع وجودها ؛ لاختلاف أحوال الناس في الشرفة والضعة والحاجة إلى الخادم وعدمه.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، الأخبار المستفيضة : ففي الموثق ، عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم » (2).

وفي القوي بعد الحكم بالجواز لصاحب الدار والخادم والعبد : « إنّ الدار والخادم ليستا بمال » (3) يعني به المال الذي يصرفه في مصارفه.

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن الزكاة أيعطاها من له الدابة؟ قال : « نعم » ، ومن له الدار والعبد؟ في المصدر قال (4) : « الدار ليس نعدّها (5) مالا (6).

إلى غير ذلك ممّا ورد.

ويعتبر أن يكون المذكورات لائقا بحاله ، فلو كان زائدا عليه وكانت الزيادة تفي بمئونة سنته لم تحلّ له الصدقة في وجه قوي.

وبه (7) جزم الشهيد الثاني في المسالك (8).

وهو ظاهر في الروضة (9) ، وحكى التصريح به عن الشيخ.

وفي التذكرة (10) : إنّ في منعه من الزكاة حينئذ إشكالا (11). واستشكل فيه في الكفاية مع

ص: 228


1- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
2- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4.
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4.
4- في ( ألف ) : « فإن ».
5- في ( ألف ) و ( د ) : « يعدها » ، وما أدرجناها من المصدر.
6- وسائل الشيعة 9 / 237 ، باب جواز أخذ الفقير للزكاة وإن كان له خادم ودابة ودار مما يحتاج إليه ح 5.
7- زيادة : « وبه » من ( د ).
8- مسالك الإفهام 1 / 410.
9- الروضة البهية 2 / 45.
10- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
11- في الأصل : « إشكال ».

إمكان بيع الزيادة منفردة مع وفاء تتمته بمئونة نفقته. وليس في محلّه.

قال في التذكرة (1) أيضا : لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة لم يكلّف بيعها وشراء الأدون. وكذا في العبد والفرس.

وظاهره جواز أخذ الزكاة معها مطلقا. واستحسنه في الكفاية عملا بإطلاق النصّ. وهو كما ترى.

نعم ، لو كان مع بيعها لا يتمكّن من تحصل به لها احتمل سقوط الوجوب ، وكذا لو لم يوجد طالب لشرائها أو وجد بأدنى من ثمن المثل ممّا يوجب الضرر عليه. وقضية الدخول فيه المنع ، فإنّ القدر الزائد في المقام بمنزلة ما يملكه من سائر الأموال إذا لم يكن لها طالب أو طلب بدون ثمن المثل. ولا فرق فيما ذكرنا بين إمكان الاكتفاء بالاستيجار للدار والخادم ونحوهما أو لا ؛ أخذا بإطلاق النص ، ولما في ذلك من النقيصة الغير اللائقة بحاله في بعض الصور.

ولا فرق بين أن يكون مالكا لمنافع دار أخرى أو لا ، و (2) خادم آخر بالاستيجار ونحوه أو لا ؛ أخذا بالإطلاق.

كيف ولو اكتفى به في المقام لزم الإقدام عليه من أول الأمر.

وقد يفرّق بين المدّة القصيرة أو الطويلة الوافية بعمره بحسب العادة ، ولو كانت له دور متعدّدة في البلد الواحد أو بلاد عديدة فإن كان يحتاج إلى الجميع بحسب المعتاد جرى الحكم في الجميع ، وكذا بالنسبة إلى الخادم والفرس وغيرهما.

ولو ملك ثمن الدار والخادم ونحوهما لا أعيانها بعد ملاحظة أثمانها ، ولا ريب فيه مع عدم قضاء حاجته على النحو المعتاد من دون تلك الأعيان.

وأمّا لو أمكن ذلك وكان في التفاوت مقدار مؤنة سنته ، ففيه إشكال.

وقضية التحديد المتقدم للغني عدم الجواز سيّما إذا كان مكتفيا بالإجارة قبل تملك الثمن.

ص: 229


1- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
2- ليس في ( د ) : « و ».

نعم ، لو اشترى به المذكورات جرى عليه (1) الحكم المتقدم ، ولو لم تكن مريدا لشرائها وكان مكتفيا بالاجارة ونحوها ، فلا ينبغي التأمّل في سقوط مراعاتها ، وإن كان اللائق بحاله تملّك أعيانها.

ولا يبعد جريانه بالنسبة إلى (2) أعيانها لو ملكها ، وكان مكتفيا بغيرها ولو مع تحمل النضاضة (3) فيه.

ولو احتاج إلى خدّام متعددين ودوابّ متعددة لأجل السفر مع وجوبه عليه أو جوازه ففي صحّة استثناء الجميع وجهان.

ولا تأمل في البناء عليه مع لزوم السفر بحسب المعتاد بحيث يعاب عليه في تركه أو يكون من لوازمه ؛ لاندراجه إذن في اللوازم المعتادة. ويجري الكلام في زيادة المئونة الحاصلة بسبب السفر ، فتأمل.

ص: 230


1- في ( د ) : « عليها ».
2- ليس في ( د ) « إلى ».
3- النضاضة : الشي ء واليسير ، والنضّ : المتيسّر ، وقد يقال للمكروه أيضا. انظر : البستان : 1107 ( نضض ).
تبصرة: [ في مدّعي الفقر ]

المعروف من المذهب تصديق مدّعي الفقر في دعواه من غير حاجة إلى إقامة البيّنة أو اليمين سواء كان قويا أو ضعيفا.

وعن ظاهر الفاضلين (1) : إنّه موضع وفاق.

وفي المدارك (2) : إنه المعروف من مذهب الأصحاب. وحكى أيضا اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدّعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير مطلوبية ولا اليمين.

وفي شرح التهذيب : إن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الحدائق (3) : إنّه المشهور ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

ويمكن الاحتجاج عليه بوجوه :

منها : أصالة الصحّة في فعل المسلم. وقوله : فإنّه قد ادّعى أمرا (4) ممكنا من غير معارض ولم يظهر من الخارج خلافه ، فيقبل قوله فيه.

ومنها : أصالة الفقر ، فإن الغنى أمر وجودي ، والأصل عدمه.

ومنها : أنه لو افتقر إلى البينة أو اليمين لزم الحرج والضيق سيّما إذا كان الفقير ممّن يستحيي من ذلك. على أن الاكتفاء فيه بمجرد اليمين بناء على المداقّة فيه ممّا لا وجه له ، فلا بدّ من الاقتصار على البيّنة ، وفيه من الحرج ما لا يخفى.

ص: 231


1- شرائع الإسلام 1 / 120 ، قواعد الأحكام 1 / 348.
2- مدارك الأحكام 5 / 201.
3- الحدائق الناضرة 12 / 163.
4- لم ترد في ( ب ) : « أمرا ».

ومنها : خلو الأخبار عن اعتباره بالمرّة ، ولو كان ذلك معتبرا في الدفع لأشير إليه في الروايات ؛ لعموم البلوى بها وشدة احتياج الناس إليها.

ومنها : ما رواه الكلينى قدس سرّه بإسناده عن العروضي ، عن الصادق عليه السلام قال : « جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما السلام وهما جالسان على الصفا ، فسألهما فقالا : إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع؟ أو غرم مقطع أو فقر مدقع ، ففيك شي ء من هذا ، قال : نعم ، فأعطياه ، وقد كان الرجل سأل عبد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن (1) شي ء ، فقال لهما : ما بالهما لم يسألاني عمّا سألني الحسن والحسين عليهما السلام وغيرهما (2) بما قالا؟ فقالا : « أنّهما غذيا بالعلم غذاء » (3).

وقد يناقش في الأوّل بأنّ الأصل المذكور إنّما ثبت في أفعاله من عقوده وايقاعاته ونحوها وفي أقواله بالنسبة إلى أقاريره فيما ثبت شاهد عليه لا له.

وفي الثاني بأنّ الفقر إنّما يكون عدميّا في بعض المقامات ، وفي كثير من المقامات يتوقف على أمر وجودي ؛ لكثرة مصارفه ووفور عياله حتى لا يفي به ما يقدر على تحصيله.

وفي الثالث بأنّ دعوى الضيق والحرج فيه غير مسموعة ، كيف وهو أمر يظهر للمخالطين له والمعاشرين إيّاه بأدنى شي ء.

نعم ، قد يقال ذلك بالنسبة إلى الغريب الذي لا معرفة لأحد بحاله ، ولا حرج في الامتناع عن الدفع إليه بمجرّد دعواه إن اريد حصول الحرج بالنسبة إلى الدافع في تكليفها باستعلام الحال بالبيّنة ، لإمكان دفعه إلى الغير.

وإن اريد لزوم الحرج على القائل ففيه أنّ ذلك من الامور الاتفاقيّة ، وليس الحرج المنفي في الشريعة إلّا بالنسبة إلى الامور العامّة دون الوقائع الاتفاقيّة ؛ لوضوح حصول الحرج بالنسبة إلى الخصوصيات في كثير من المقامات.

ص: 232


1- في ( د ) : « ثمن ».
2- في ( د ) : « وأخبرها ».
3- الكافي 4 / 47 ، باب النوادر ح 7 مع اختلاف.

ويجري ذلك أيضا بالنسبة إلى الدافع لو اتفق انحصار الأمر في القائل المذكور.

على أنّ غاية الأمر حينئذ تأخيره للزكاة ، ولا حرج عليه فيه.

وفي الرابع بأنّ المذكور في الأخبار دفع الزكاة إلى الفقير ونظرائه ، ومن البيّن أنّ الألفاظ إنّما وضعت للأمور الواقعيّة ، فقضيّة تعلّق الحكم عليها توقّف الدفع على العلم بالموضوع من غير حاجة إلى التنصيص عليه كما مرّ في سائر الموضوعات الشرعيّة. وهو كاف في الدلالة على الحكم المذكور.

مضافا إلى ما ورد في الأخبار من التأكيد بوضعها في محلّها وإعطائها أهلها.

نعم ، لو خلّي الحكم عن الدليل مع عموم البلوى به دلّ ذلك على انتفاء الدليل (1) بحسب الواقع ، وهو دالّ على انتفاء الحكم ، وإلّا لبيّنه صاحب الشريعة.

وفي الخامس بضعفها بالإرسال مع الغضّ عن سائر رجالها (2) ، ولا يخلو بعضها عن المناقشة.

قلت : وفي الرواية المذكورة كفاية في ذلك بعد انجباره بفتوى الأصحاب ، بل وإجماعهم على ما يظهر حيث لا يعرف فيه مخالف من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم ، بل ذكره من ذكره منهم على سبيل القطع من غير إشارة إلى خلاف فيه أو تأمّل في ثبوته سوى أنّه ناقش فيه بعض المتأخرين كصاحبي المدارك والكفاية (3).

ومع ذلك فظاهر المدارك (4) القطع بالاكتفاء بدعوى العدل ، وكذا مع الظن الغالب في غيره.

وفي الكفاية (5) : لا أعرف خلافا في الجواز إذا كان المدّعي عدلا.

ص: 233


1- في ( د ) زيادة : « عليه ».
2- في ( د ) : « إذ لا » بدل « ولا ».
3- كفاية الأحكام : 40.
4- مدارك الأحكام 5 / 203.
5- كفاية الأحكام : 40.

وأنت خبير بأنّه لا مدخل للعدالة في ذلك ؛ لرجوعه إلى ادّعائه لنفسه فإن (1) قبلت الدعوى مثله قبلت في المقامين ، وإلّا فلا ، والرجوع إلى آية التثبّت كما في الكفاية (2) أضعف شي ء في المقام ؛ إذ ليس القبول هنا من جهة الاختيار (3) واندراج مثله في إطلاق البناء بحسب العرف محلّ إشكال.

ولو سلّم فالظاهر انتفاء القول (4) بالفصل بعد الحكم باستحقاق الفاسق للزكاة.

مضافا إلى الوجوه المتقدّمة ، فإنّه وإن لم يخل كلّ منهما من مناقشة إلّا أنّها بعد انضمام بعضها إلى بعض وضمّ الجميع إلى ما ذكرناه لم يبق تأمّل في الحكم سيّما بعد ملاحظة اكتفاء الشرع بدعوى المؤمن إذا لم يكن هناك ما يعارضه في موارد كثيرة يقف عليها المتتبّع.

مضافا إلى ما في ذلك من إهانة المؤمن وإذلاله وأنّه قد يخفى على غيره ، ويتعذّر عليه إقامة البينة ، ويوجب ذلك ذهاب حقّه وعدم ارتفاع حاجته الذي وضع الزكاة لأجله ، فقد ينافي المداقّة في ذلك الحكمة المذكورة المنصوص عليها في عدة من الأخبار.

والزائد حينئذ بالحلف ممّا لا دليل عليه ، بل لا دليل على ثبوته لو (5) اريد الإثبات.

وبذلك يظهر ضعف ما استشكله صاحبا المدارك (6) والكفاية (7) في المقام من جهة القطع باعتبار الشرط المذكور وعدم قيام دليل على الاكتفاء فيه بمجرّد الادعاء من نصّ أو إجماع ثابت ، فلا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بالعلم أو البيّنة العادلة المنزلة في الشرع منزلة اليقين إلّا أنّه اكتفى في المدارك (8) بعدالة المخبر أو الظن الغالب بصدقه كما ذكرنا.

ص: 234


1- في ( ألف ) « بأن ».
2- كفاية الأحكام : 40.
3- في ( د ) : « الأخبار ».
4- في ( ألف ) : « القبول ».
5- كلمة « لو » أضيفت من ( د ).
6- مدارك الأحكام 5 / 203.
7- كفاية الاحكام : 40.
8- مدارك الأحكام 5 / 203.

واستشكل في الكفاية (1) فيهما أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين حالة السابق أو علم غناه لكن ادّعى ذهاب ماله أو ادّعى زيادة عياله أو عجزه عن الاكتساب ونحو ذلك.

وذهب الشيخ إلى أنّه لو عرف له مال فادّعى ذهابه أنّه يكلف البيّنة لأن الأصل بقاؤه ، والرواية المتقدّمة لا يفيد الحكم في هذه الصورة إلّا أنّ ظاهر المذهب على خلافه.

مضافا إلى ما عرفت من الوجوه المتقدمة ، فالأظهر ذلك وإن كان مراعاة الاحتياط فيه أولى.

هذا كلّه مع عدم الاتهام ، وأما مع اتهامه في المقام فالظاهر جواز الدفع إليه ؛ لعدم وضوح جريان الوجوه المذكورة فيه.

وقضية الأصل المنع ؛ صونا لأموال الفقراء عن الإتلاف سواء عرف غناه السابق أو لا.

نعم ، إن عرف أوّلا بالفقر احتمل الاكتفاء فيه بالاستصحاب.

ص: 235


1- كفاية الأحكام 401.
تبصرة: [ في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ ]
اشارة

لو دفع الزكاة إلى من ثبت فقره مع اعلامه بكونه زكاة ثمّ تبين غناه ضمنه القابض يستعاد منه مع بقائه ، ومثله أو قيمته مع تلفه بلا خلاف فيه يعرف.

وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف فيه.

والوجه فيه واضح ؛ لظهور فساد بعض القبض فيضمنه القابض لعدم استحقاقه له وعصيانه بأخذه.

هذا مع علمه بالحال والحكم ، وأمّا لو جهل الحكم فالظاهر أيضا عدم معذوريته في ذلك ؛ إذ أقصاه سقوط العصيان مع الغفلة ونحوها ، وأمّا الضمان فهو من الأحكام الوضعيّة التابعة لحكم الشرع.

وأمّا إذا جهل بحاله (1) كأن انتقل إليه مال من دون علمه أو كان له مال لا يعلم به ففي ترتّب الضمان على قبضه وجهان ، من أنه الأصل في قبض حق الغير ، ومن كون القبض بإذن الشرع فلا يترتب عليه ضمان ، فغاية الأمر ردّه مع بقائه ، وإن تصرّف فيه.

ويمكن دفعه بأنّ إذن الشرع هنا ظاهري مبنيّ على ظاهر الحال ، ولا يسقط به الضمان.

غاية الأمر سقوط العصيان إلّا أنّه لو قامت البينة على أن له المال الموضوع عند زيد مثلا فقبضه بإذن الشرع ثمّ انكشف الخلاف كان ضامنا له ، فكذا في المقام.

وكذا لو استصحب ملكه بشي ء فأتلفه ، ثمّ تبيّن انتقاله إلى غيره من وليّه أو وكيله.

وهذا هو الأظهر. نعم ، لو كان الدافع عالما بالحال استقرّ عليه الضمان لو تلف هذا القابض

ص: 236


1- ليس في ( د ) : « وأما إذا جهل بحاله » - الى « في رجل أعطى زكاة ماله ».

قبل علمه بالحال أو تقصيره في الردّ.

ولو دفعها إليه من غير إعلام بكونها زكاة ففي المنتهى (1) إنّه ليس له الرجوع ؛ نظرا إلى أن دفعه يحتمل الوجوب والتطوّع.

واستقرب في التذكرة (2) جواز الارتجاع لفساد الدفع ؛ لأنّه أبصر بنيّته.

واستجوده في المدارك (3) مع بقاء العين وانتفاء القرائن الدالّة على كونه صدقة.

وذهب في الحدائق إلى وجوب إرجاعه مع بقاء العين سواء علم بالحال أو أعلمه المالك ؛ لعدم الاستحقاق شرعا. ومتى تلفت قبل العلم فلا ضمان ؛ إذ لا دليل على وجوب دفع العوض من المثل أو القيمة.

قلت : والمسألة ذات أقسام : فإنّه إمّا أن يتبيّن الحال للمدفوع إليه أو لا يتبيّن إلّا بحسب ادّعاء الدافع بعد دفعه إليه ، وعلى كلّ من الصورتين إما أن تكون العين باقية أو تالفة.

فإن كان مع بقاء العين وعلم المدفوع إليه بالحال فلا كلام في وجوب الردّ ، وأمّا إن كان محض ادّعاء الدافع من دون قيام حجة عليه ففيه إشكال.

وقضية الأصل فيه عدم السماع ؛ لحصول التملّك ظاهرا بالقبض.

فدعوى الفساد يحتاج إلى دليل.

وقول الدافع بعد خروج المال عن يده إقرار في حق الغير.

وهذا هو الأوجه.

ومجرد كونه أعرف بقصده لا يوجب (4) الخروج عن القاعدة ، ولذا لا يسمع ذلك في سائر العقود الصادرة.

ومنه يعلم الحال ما لو توقّف عنده حينئذ بالطريق الأولى. مضافا إلى تسليطه إلى إتلافه

ص: 237


1- منتهى المطلب 1 / 527.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
3- مدارك الأحكام 5 / 204.
4- في ( د ) : « توجب ».

مجانا ، فلا رجوع له عليه كما إذا أعطاه مالا ثمّ ادّعى بعد تلفه أنّه إنّما دفعه لزعم كونه دينا عليه ، فتبين له الخلاف ، فإنّه لا رجوع له عليه.

وقضية الوجه الأخير عدم وجوب الردّ عليه ، ولو مع علمه بالحال بعد الإتلاف.

ويشكل بأنّ المال المدفوع إن كان للدافع فلا كلام ظاهر في عدم جواز الرجوع عليه لإتلافه بتسليطه عليه مجانا.

وأما لو كان من مال الغير كما هو المفروض في المقام فلا ، ألا ترى أنّه لو دفع إليه مالا مغصوبا من دون إعلامه بالغصب ، ثم تبيّن الحال للمدفوع إليه بعد إتلافه ضمنه لمالكه وإن كان الرجوع إلى الدافع نظرا إلى غروره ، وهو لا ينافي وجوب ردّه عليه ؛ لظهور كون المتلف من حق الفقراء مثلا ، فلا بدّ من دفعه إلى أمينهم.

غاية الأمر أن له رجوعا على ذلك الأمين ، وقد يمتنع عن أداء حقه أو يكون هناك مانع من الدفع كالاعتبار ونحوه.

فالقول بوجوب الدفع قوي إلّا أنّه قد يشكل الحال في المقام في رجوعه إلى الدافع ؛ نظرا إلى كون الدافع على وجه مشروع هو مشارك للمدفوع إليه في الجهل سيّما إذا كان دفعه من جهة دعواه الفقر.

وقد يفصل بين ما إذا كان دفعه لطلبه الزكاة وما إذا دفعه ابتداء فلا رجوع له إلى الدافع في الأوّل ؛ لاستناده إليه بخلاف الآخر.

وهو متّجه.

ولا فرق بين أن يكون الدافع إليه هو المالك أو الحاكم أو الوكيل من أحدهما ؛ لاتحاد المناط في الكلّ.

وقطع في التذكرة (1) أنّه لو كان الدافع الإمام جاز له الاسترداد مع عدم الإعلام مع بقاء العين وتلفه ؛ معلّلا بأنّ الظاهر فيما يعرفه الإمام ويقسمه أن زكّاه.

ص: 238


1- تذكرة الفقهاء 5 / 349.

والتعليل كما ترى أخصّ من الدعوى ؛ إذ قد لا يظهر ذلك في بعض المقامات.

ثمّ في الاتّكال على مجرّد الصدور من دون العلم بالحال أو إعلامه حال الدفع إشكال.

ثمّ قضيّة كلامه جريان الحكم في الفقيه ووكيل الحاكم إذا علم المدفوع إليه حين القبض كونه وكيلا عن الحاكم.

وحينئذ يجري الإشكال في كلّ من صورتي بقاء العين وتلفه ، وأمّا إمام الأصل (1) فلا إشكال في وجوب الرد مع بقاء العين من جهة العلم الحاصل من قوله.

هذا كلّه بالنسبة إلى تكليف المدفوع إليه ، وأمّا الدافع فإن كان الإمام أو نائبه العام أو الخاص بعد دفع المالك إليه أجزأ عن المالك أو دفع المالك إليه دفع إلى الفقير ونحوه ، ولا يوجب ضمانا على الإمام عليه السلام أو نائبه كما هو الحال في سائر تصرفاته من جهة الولاية.

وعن المنتهى (2) : إنّه لا خلاف فيه بين العلماء ؛ لأن المالك قد خرج عن العهدة بالدفع إلى الامام أو نائب ، والدافع خرج عن العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر ، وإيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل.

وفي الحدائق (3) : إنه لا يخلو من قرب إلّا أنّ الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.

قلت : ولا ينبغي التأمّل في شي ء من المقامين المذكورين ؛ لوضوح ما قرّر من الوجهين.

هذا إذا كان الدفع إلى الإمام أو نائبه بقصد أداء الزكاة لولايته على الفقراء ، وأمّا إذا كان بعنوان توكيله في الأداء جرى عليه حكم سائر الوكلاء.

وإن كان الدافع المالك فقد اختلف فيه على أقوال :

أحدها : الإجزاء مطلقا. وحكي عن الشيخ وجماعة لأداء الواجب على النحو المشروع ، موافقا لما أمر به الشرع. وقضية الأمر الإجزاء ، ولزوم الإعادة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه.

ص: 239


1- كذا.
2- منتهى المطلب 1 / 542.
3- الحدائق الناضرة 12 / 169.

ثانيها : الإعادة كذلك. وحكي عن المفيد (1) والحلي (2) ، وبه قطع صاحب الحدائق (3).

ويدلّ عليه أنّ دفع المال إلى غير مستحقه يوجب الضمان ، ولو كان من جهل. والأمر المتعلق من الشرع ظاهري يحكم بحصول الامتثال معه ما دام الجهل.

مضافا إلى أن الضمان - كما عرفت - من الأحكام الوضعيّة ، فلا يتفاوت الحال فيه مع العلم والجهل ، ولذا يحكم بالضمان في سائر المواضع ، ولو مع الجهل.

وخصوص الصحيح عن الحسين بن عثمان ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه السلام : في رجل أعطى زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر ، فوجده موسرا؟ قال : « لا يجزي عنه » (4).

وفيه : أن الرواية مرسلة خالية عن الجابر ، فلا حجة فيها ، وأصالة الضمان غير ناهضة على ثبوت الضمان في المقام ، فثبوت ولاية المالك على المال وتسلّطه في الدفع إلى من شاء من الفقراء ، والمفروض عدم وقوع تفريط ، ولا تعدّ منه إذا فعل الولي على المال ما عليه في حفظه وايصاله لم يتعقبه ضمان.

وقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (5) غير ظاهر الشمول لمثله ، سيّما بعد ظهور كون المالك أمينا بل وليا على المال حسبما أشرنا إليه.

نعم ، لو وقع منه تعدّ في المال أو تفريط فيه قضى ذلك بالضمان ، والمفروض عدمه.

وبذلك يظهر قوّة القول الأوّل.

ثالثها : التفصيل بين الاجتهاد وعدمه ، فلا ضمان عليه على الأول دون الأخير.

وحكي عن الفاضلين (6) ؛ لأن المالك أمين فيجب عليه الاستظهار ، ومعه لا ضمان ، وأما مع التسامح فيه ضمن المال مع انتفاء المصادفة ؛ ولصحيحة عبيد بن زرارة ، ورواية زرارة

ص: 240


1- المقنعة : 260.
2- في ( ب ) : « الحلبي ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 169.
4- الكافي 3 / 545 ، باب الرجل يعطي من الزكاة من يظن أنه معسر ثم يجده موسرا ح 1.
5- عوالي اللئالي 1 / 224.
6- المعتبر 2 / 569 ، منتهى المطلب 1 / 527.

المروية فيه مرسلا في التهذيب.

وضعف الوجهين المذكورين ظاهر :

أمّا الأوّل فلما عرفت من جواز الأداء بمحض الادّعاء ، وعدم تقصيره في التكليف دلالة الخبرين على ذلك غير ظاهرة ، بل الظاهر ورودهما في الدفع إلى غير المؤمن مع الاجتهاد فيهما إما متروكان أو موّلان.

وإن كان الدافع إليه وكيل المالك فلا ضمان على الوكيل ؛ لانتفاء ما يوجب ضمانه من التعدي أو التفريط سيّما إذا نصّ المالك بدفعه إلى من ادّعى الفقر.

نعم ، لو شرط عليه الدفع بعد الاختبار فدفعه من دونه ضمنه.

وكذا لو دلّ شاهد الحال عليه.

وبالجملة دفعه على غير النحو الذي وكله ، فظهر عدم استحقاق المدفوع إليه ضمنه الوكيل ، بل وكذا لو كان مستحقا.

نعم ، لو قلنا بجريان الفضولي في دفع الزكاة ونحوها جاز إمضاء المالك حينئذ فيسقط معه الضمان عنه.

ثمّ مع ضمان الوكيل هل يثبت الضمان على الموكّل أيضا؟ وجهان ؛ من عدم وصول الحق إلى مستحقه فلا يبرء ذمة المالك من الدفع ، ومن عدم تفريط المالك في الدفع ؛ إذ يجوز له الدفع إلى الأمين. وهو الأشبه بالقواعد.

ومنه يتقوّى الوجه في عدم ضمان الموكل في صورة عدم ضمان الوكيل أيضا مع ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه.

هذا كله مع إعانة الوكيل بحيث يجوز دفع مال الفقير إليه ، وأما مع انتفاء الأمانة فيه فيضمن المالك حين دفعه إليه.

ويشكل الحال إذن في قبول قوله في الإيصال ، بل ومع العلم بالحال ؛ إذ لا اعتماد عليه في النيّة إلّا إذا تولّاها المالك حسبما مرّ.

وهل له الرجوع عليه في الأول ، بل في الأخير أيضا ؛ نظرا إلى فساد التوكيل ، أو لا نظرا

ص: 241

إلى تسليطه عليه كذلك؟ وجهان.

ويتعيّن الأخير مع جهل الوكيل بفساد التوكيل.

فروع

[ أوّلها : ] (1) لو كان الدافع هو الحاكم صحّ له الاسترداد من المدفوع إليه بعد ظهور انتفاء استحقاقه مع بقاء العين وتلفها مع ضمانه ، وكذا الحال في المالك لولايته على المال قبل الوصول إلى مستحقه.

ولو كان الدافع هو الحاكم بعد قبضه من المالك ولاية على المستحق ، فليس للمالك الاسترجاع بعد عثوره على عدم استحقاقه ؛ إذ لا سلطان له عليه بعد إقباض الحاكم ، فهو بمنزلة الأجنبي.

وقطع في التذكرة (2) بجواز الرجوع عليه. وليس بمتّجه.

نعم ، مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحاكم كان حاله كحال غيره من الناس في تولّي الامور الحسبيّة.

وهل للفقراء الرجوع عليه إذا ظهروا عليه من غير إذن الحاكم أو المالك إذا كان هو الدافع؟ وجهان أظهرهما العدم ؛ لعدم تعيّنهم للاستحقاق ، بل هم بمنزلة غيرهم.

واستوجه في التذكرة (3) الجواز.

ثانيها : لا فرق بين ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه من جهة غناه أو لجهة أخرى كالكفر أو عدم الايمان أو الهاشميّة ونحوها. ويجري الأبحاث المتقدّمة في الجميع.

وقد نبّه عليه الشيخ وغيره.

وربما يحتمل في المقام الفرق لعدم الطريق إلى معرفة الفرق وتعذر الوقوف على حقيقته

ص: 242


1- الزيادة منّا.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 349.

إلّا على سبيل الظن ، فكان الخطأ عذرا فيه.

وأما في غيره فيظهر فيه الحال بعد الفحص. ووهنه ظاهر.

ثالثها : لو ظهر كون المدفوع إليه عبدا للمالك ، فإن كان هو الدافع أو وكيله لم يجزه قطعا. ولو كان الدافع إليه الحاكم ، فالظاهر براءة ذمة المالك لبراءتها بالدفع إلى الحاكم ، فإن صحّ استرداد الحاكم منه وإلّا فلا ضمان عليه أيضا كما عرفت.

وقطع في التذكرة (1) بعدم إجزائه عنه ؛ معلّلا بعدم خروج المال عن ملكه ، فجرى مجرى قولها (2) من غير تسليم ، وهو إنّما يتمّ في غير دفع المالك.

وكذا الحال لو دفعه الحاكم أو وكيله إلى المالك استشارة غير أنّه يشتغل ذمته بالردّ ثانيا على إشكال في بعض صوره يظهر الوجه فيه ممّا مرّ.

ص: 243


1- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
2- في ( د ) : « غولها ».
تبصرة: [ في العاملين على الزكاة ]

الثالث من الأصناف : العاملين على الزكاة ، ولا خلاف عندنا كما نصّ عليه جماعة من علمائنا في استحقاقهم للزكاة.

وقد عزاه في التذكرة (1) إلى علمائنا أجمع.

وقد خالف فيه بعض العامة ، فقال : إنّه يعطي أجرة لا زكاة ، والآية (2) الشريفة ظاهرة الدلالة على خلافه ؛ مضافا إلى إجماع الفرقة - على ما حكاه جماعة من الأجلّة - وما دلّ عليه من الروايات الخاصّة.

ثمّ إنّ قضية جعل القول المنقول عن بعض العامة مقابلا لما ذهب إليه الأصحاب كون المدفوع إليه عندنا على جهة الزكاة دون الأجرة. وقد نصّ عليه بعض المتأخرين.

والذي يستفاد من ظاهر الآية الشريفة أنّ اللّه سبحانه جعل للعاملين بإزاء عملهم حقّا في الزكاة سواء تصدّوا للعمل شرعا أو أرادوا بذلك إحراز ما جعله اللّه للعامل ، فيكون أخذه للحصّة حينئذ على غير وجه الأجرة أو الجعالة المجعولة من الحاكم ، فلا يستحق على الحاكم شيئا إذا أتى بالعمل على أحد الوجهين المذكورين ، وإنّما يستحقّ الحصّة المجعولة (3) من الشرع خاصّة ، فهو نظير ما إذا نظر شيئا فردّ أحد عبده تبرعا أو لأن يستحق ذلك المال المنذور ، فجهة الاستحقاق في المقام مغايرة لجهة الاستحقاق الحاصل من الإجارة ونحوها ، وإن كانت الحكمة في وضعه ملاحظة العمل ، ولذا لا يسقط ذلك بالإسقاط بخلاف الأجرة ونحوها.

ص: 244


1- تذكرة الفقهاء 5 / 245.
2- التوبة : 60.
3- في ( د ) زيادة « له ».

وكأنّ ذلك مقصود بعض أفاضل المتأخرين حيث ذكر أنّهم يستحقونها أجرة على عملهم ؛ لما عرفت من عدم ذهاب أحد من الأصحاب إليه ، وإنّما هو مذهب لبعض العامة.

هذا ، وليتم الكلام في ذلك برسم امور :

أحدها : أن المراد بالمعاملين السعاة في جباية الصدقات. وعمّه في نهاية الإحكام (1) للساعي والكاتب والقاسم والحاسب والعريف - وهو كالنقيب للقبيلة - والحاشر - وهو الّذي يجمع أرباب الأموال وحافظ المال ، وكلّ من يحتاج إليه فيها - ثم ، احتمل في الكيّال والوزّان والعدّاد الأسهام من سهم العاملين ؛ لأنهم سهم ، والمنع لأنّ على المالك توفية الواجب ، فكأنّ العوض عليه في الرد ضميمة أنهم السعاة في تحصيلها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة وغيرها.

وقد (2) يستفاد منها التعميم لجميع ما (3) تلبس بشي ء من الأعمال المذكورة وإن استبد كلّ واحد منها.

وفسّره في المدارك (4) بالساعين في جبايتها وتحصيلها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلك ، قال : وقد أجمع علماؤنا وأكثر العامة على استحقاق هؤلاء نصيبا من الزكاة ، وإن كانوا أغنياء.

والوجه في التعميم للجميع صدق العمالة عرفا بفعل أحد الأشياء المذكورة ونحوها.

ويشكل بأنّه قد يدلّ ظهورها فيمن يكون بيده أمر الصدقات في الأخذ من المالك ، والجباية إلى الحاكم دون سائر الخدّام كما للراعي (5) ، والحارس ونحوهما.

وفي رواية عليّ بن إبراهيم ، عن العالم عليه السلام أنّهم : « السعاة والجباة في أخذها وجمعها

ص: 245


1- نهاية الإحكام 2 / 385.
2- لفظة : « قد » زيدت من ( د ).
3- في ( د ) : « من ».
4- مدارك الأحكام 5 / 208.
5- في ( ألف ) : « لو راعى ».

وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها » (1).

وكأنّها ظاهرة في المعنى المذكور.

وفيها دلالة ظاهرة على خروج القاسم ، على أنّ البناء على إطلاق الآية بحملها على مقتضى ظاهر اللفظ على كلّ من له عمل على الصدقات ليس ببعيد.

مضافا إلى تأيّده بفهم الجماعة ، إلّا أن الحكم بالنسبة إلى بعضها محلّ خفاء.

وهل يعتبر أن يكون منصوبا من جهة الإمام عليه السلام ، فلا يجري ذلك في منصوب الفقيه؟ ظاهر الشيخ ذلك حيث ذهب إلى سقوط حق العمالة في زمن الغيبة.

وظاهر إطلاق الآية الشمول بعد ما دلّ من الإطلاقات على جواز نصب الحاكم من يسعى في ذلك ، وتوكيله في القبض ، بل قضية إطلاق الآية استحقاق كلّ من له عمل على الصدقات ولو كان من جهة المالك كما إذا عيّن شخصا لقبض زكاته وإخراجها من أمواله وبسطه على الفقراء إلّا أنّ ظاهرهم خروجه عن العامل حملا له على المنصوب ؛ إذ هو المعروف المتداول في عصر النبي صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام.

ولو تصدى العامل لذلك من باب الحسب ففي ثبوت الحكم له وجهان.

ويجريان في تصدّي الفقيه بنفسه لذلك.

والقول بالاستحقاق بالنسبة إليه غير بعيد ؛ إذ لا ينقص عن منصوب نفسه.

ونصّ في نهاية الإحكام (2) بأنّه ليس للإمام عليه السلام وللوالي من قبله ولا للقاضي إذا تولّوا أخذها وقسمتها شي ء فيها ؛ لعموم ولايتهم ، فهم يأخذون رزقهم من بيت المال.

وما ذكره ظاهر في الإمام عليه السلام لا من جهة تعليله بل لهاشميّته وعدم اندراجه في إطلاق العامل.

وأما في غيره فلا يخلو عن خفاء ؛ إذ ارتزاقهم من بيت المال لا يقضي بسقوط حقّهم من ذلك مع إطلاق الآية سيما إذا كان الارتزاق بإزاء غيره من الأعمال.

ص: 246


1- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.
2- نهاية الإحكام 2 / 386.

ثانيها : لو عيّن الحاكم أجرة أو جعالة للعامل من بيت المال (1) استحقّ ذلك بعمله سواء كان ذلك من غير الزكاة أو منها ، وسواء كان من غير ما جعله عاملا عليه أو من جملته.

وحينئذ فيستحق ما عيّن له وإن قلّ ما حصله من الزكاة.

ولو كان أقل من القدر الذي عيّن له ولا يستحق ما يزيد على ذلك القدر ، فلا سهم له في الزكاة إذا كانت الأجرة معينة من غيرها.

وكذا (2) نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ويشكل الحال بإطلاق الآية مع اندراجه في اسم العامل قطعا إلّا أن يقال : الإطلاق ينصرف إلى غيره ، فإنّ المتبادر منه كون استحقاق الحصة بإزاء عمله حتى لا يكون سعيه خاليا عن المنفعة الدنيوية ، فإذا فرض استحقاق ذلك عليه بالعوض لم يستحق شيئا ، ولا أقل من الشك ، فيرجع فيه إلى الأصل.

وكذا الحال لو استأجره متبرّع على الفعل المذكور بإذن الحاكم.

وحينئذ فلو أسقط الأجرة لم يستحق السهم في وجه قوي.

نعم ، لو أقدم حينئذ على الفعل مجانا لم يستحق الأجرة فيثبت (3) سهم العامل على وجه لا يخلو عن قوّة.

ويحتمل أن يقال بأنّ ذلك من مقوّمات النصب ، فلا يكون فعله عن إذن الحاكم. وهو بعيد.

وفي التذكرة : (4) وإن رأى الإمام أن يجعل له أجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة.

وظاهر إطلاقه يعمّ ما لو كان فعله بإزاء الأجرة المقرّرة أو لا ، ففيه إذن ما عرفت.

والظاهر أنه لو جعل له جعالة ممّا يحصله من الزكاة كان استحقاقه ذلك بجعل الحاكم ولم

ص: 247


1- لم ترد في ( ب ) : « من بيت المال ».
2- كذا ، والظاهر : « هكذا » ، بدلا من : « وكذا ».
3- في ( د ) : « له ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 284.

يكن من سهم العامل في وجه قويّ.

ويتفرّع عليه بعض الفروع كما سيجي ء.

ولو أمره الحاكم بالعمل فإن تبيّن أنّ مقصوده من الأجر الفعل بالأجرة أو تبين خلافه فلا إشكال ، وإن لم يتبين الحال فهل يستحق الأجرة على الحاكم يدفعها إليه ممّا شاء من أموال بيت المال ، فلا يثبت له سهم العمالة أو أنّه لا يستحق أجرة على ذلك ، وإنّما يثبت له سهم العمالة بمقتضى جعل الشرع أو أنّه إن دفع إليه الحاكم سهم العامل فلا أجرة له ، وإلّا يثبت الأجرة لاحترام العمل .. وجوه.

ونصّ في نهاية الإحكام (1) بعد حكمه بأنّه إن شاء الحاكم بعثه من غير تسميته على أنّه لو تلفت الصدقة في يده من غير تفريط فلا ضمان عليه ، و (2) يستحق أجرة من بيت المال. وظاهره يعطي اختيار الوجه الأخير من استحقاقه أحد الأمرين من السهم والأجرة ، فإذا تعذر الأول تعين الأخير. وهو غير بعيد عن ظاهر القواعد صونا لخلوّ عمل المسلم عن العوض بالمرّة.

ثالثها : أنه على القول بعدم (3) وجوب بسط الزكاة على الأصناف كما هو الأظهر - حسبما يأتي إن شاء اللّه - هل للحاكم الخيار في دفع حصّة العامل على نحو خياره في الصرف على سائر المصارف؟ وجهان ؛ من أنّ ظاهر الآية هو الاستحقاق ، غاية الأمر دلالة الأدلّة على عدم وجوب الصرف إلى كلّ من المذكورات بالنسبة إلى غير العامل ، وأما العامل فيبقى على الأصل من أنها إنّما وردت في الجميع على نحو واحد ، فبعد حملها على بيان المصرف لا يبقى فيها دلالة على ذلك.

والأول أوفق بظاهر الآية.

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو من جهة استحقاقه سهم العمالة ، أما من جهة الاستيجار أو قضاء الأمر باستحقاق العوض فقد مرّ القول فيه.

ص: 248


1- نهاية الإحكام 2 / 386.
2- لم ترد في ( ب ) : « و ».
3- في ( ألف ) : « بعد ».

رابعها : أنّه قد ذكر للعامل شروط :

منها : أن يكون أمينا بأن يكون بالغا عاقلا مسلما مؤمنا عدلا ، فلا يصحّ عمالة من لا يجتمع فيه الصفات المذكورة. كذا ذكروه ، وهو إنّما يتم إذا فسّر العامل بالساعي في أخذ الصدقات وجبايتها إلى الامام كما هو المعروف في استعماله - حسبما مرّت الإشارة إليه - ، وأمّا مع التعميم لسائر الأعمال المتعلقة (1) بالصدقات كما هو ظاهر الجماعة فلا يتمّ الإطلاق المذكور ؛ لظهور أن بعض الأعمال ممّا لا يتوقف على الاعتماد على العامل كالكتابة وجميع أرباب الأموال إذا كانوا معلومين ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة ، فينبغي إذن تخصيصه بما إذا كان عاملا على ما يؤتمن عليه.

ومنها : الفقه ، نصّ عليه في الشرائع (2) والمراد به التفقه فيما يتوليه من العمل كمعرفة قدر الواجب وصفته ونحوهما من الأحكام.

وهذا أيضا لو تمّ فإنّما يتمّ مع تخصيص العامل بما مرّ وأما مع تعميمه لسائر الأعمال فلا بدّ من تقييده بما يتوقف العلم بأدائها على العلم بالحكم.

ثمّ إنّ المراد به مطلق المعرفة بالحكم ولو على سبيل التقليد.

وحكى في المدارك (3) عن ظاهر المعتبر (4) الميل إلى عدم اعتباره ، والاكتفاء فيه بسؤال العلماء ، قال : واستحسنه في البيان (5).

وقد يقال بعدم اشتراط العمالة بها وإن كان من مكمّلاتها ؛ إذ ذاك (6) وظيفة المالك وإنّما عليه أن يأخذ ما يدفعه المالك إليه.

نعم ، لو توقف العمل عليه كما إذا امتنع المالك وأراد إجباره عليه تمّ ذلك.

ص: 249


1- لم ترد في ( ب ) : « المتعلّقة بالصدقات .. مما لا يتوقّف ».
2- شرائع الإسلام 1 / 121.
3- مدارك الأحكام 5 / 211.
4- المعتبر 2 / 571.
5- البيان : 194.
6- في ( ب ) : « إدراك » بدل : « إذ ذاك ».

ومنها : الحرية. ذكره الشيخ (1) ، وعلّل بأنّ العامل يستحق نصيبا من الزكاة ، والعبد لا يملك شيئا حتى يدفع إليه ، ومولاه لم يعمل شيئا حتّى يستحق حقّ العمالة.

وردّ بأنّ عمل العبد كعمل السيد.

وقوّى في المعتبر (2) عدم اعتبارها معلّلا بحصول الغرض بفعله وإن العمالة نوع إجارة والعبد صالح له مع إذن السيد.

وفي المدارك (3) : إنّه لا بأس به.

وعن المحقّق في المعتبر (4) الميل إليه.

وتردد فيه في الشرائع (5).

والتحقيق أن يقال : إنّه لا وجه لاشتراط الحريّة في أصل العمالة ؛ إذ لا مانع من تولّي العبد لها مع استجماعه لسائر الشرائط وإذن المولى له في ذلك ، أما استحقاقه للمال فإن كان استعماله على سبيل الاستيجار ونحوه فلا ينبغي التأمل فيه أيضا لكون العبد قابلا له بعد إذن السيد ، فتكون الأجرة ملكا لسيده كما لو استأجر على سائر الأعمال وإن كان نحو العمالة الصرفة من دون حصول الاستيجار وما بمنزلته فيشكل الحال في استحقاقه سهم العمالة ؛ لأن العبد في نفسه غير قابل للتملك واستحقاق المولى له ممّا لا دليل عليه ، فإن ذلك حقّ جعل للعامل دون غيره.

وليس ذلك من قبيل الأجرة المستحقة المالك (6) ، فالقول باستحقاق المولى له مشكل جدا.

هذا بالنسبة إلى العبد القنّ ، وأما المبعّض فالظاهر استحقاقه على حسب حريته.

ص: 250


1- في المبسوط 1 / 248 ، والتعليل تجده في المعتبر 2 / 571.
2- المعتبر 2 / 571.
3- مدارك الأحكام 5 / 213.
4- المعتبر 2 / 571.
5- شرائع الإسلام 1 / 121.
6- في ( د ) : « حتى يستحقه المالك » بدل « المستحقة المالك ».

وأما المكاتب فلا مانع من استحقاقه ولصحّة تملكه سواء كان مشروطا أو مطلقا أدّى من مال الكتابة شيئا أم لا.

ومنها : أن لا يكون هاشميا. ذكره في الشرائع (1) وغيره.

وهو أيضا ضعيف لو أريد اشتراطه في أصل العمالة ، وإن اريد اشتراطه في استحقاق المال فإن دفع إليه من بيت المال على سبيل الاستيجار فلا يظهر ما يقضي فيه بالمنع ، وإن كان المدفوع إليه من مال الزكاة ؛ إذ لا يحرم عليهم الأخذ من الزكاة إذا دفع إليهم على سبيل المعاوضة ، ولذا يجوز شراء أموالهم بمال الزكاة ، وكذا استيجارهم على سائر الأعمال.

وكذا الحال لو عيّن لهم على سبيل الجعالة سهم ممّا يحبونه من الزكاة في وجه قوي ؛ لما عرفت من تملكهم له حينئذ بالعمل.

وليس استحقاقهم حينئذ على نحو استحقاق الزكاة ، والصحيحة الآتية لا دلالة فيها على المنع من الجهة المذكورة وإن اريد دفعه إليه من سهم العمال على نحو استحقاق الزكاة فلا تأمّل في المنع لما دلّ باطلاقه على الحرمة (2) الصدقات عليهم.

ويدلّ عليه خصوص الصحيح : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي (3) قالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه عزوجل للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم .. » (4) الخبر.

فما حكاه الشيخ في المبسوط (5) عن قوم من جواز كون العامل هاشميا لأنّه يأخذ على وجه الأجرة فكان كسائر الإجارات ضعيف جدّا.

ص: 251


1- شرائع الإسلام 1 / 121.
2- في ( د ) : « حرمة ».
3- في ( د ) زيادة : « و ».
4- الكافي 4 / 58 ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ح 1.
5- نقله عنه في مدارك الاحكام 5 / 212.

قال العلّامة (1) : والظاهر أن المحكيّ عنهم من العامة ؛ إذ لا أعرف قولا لعلمائنا في ذلك.

قلت : ويشير إليه التعليل المذكور ؛ إذ ذلك من مذاهبهم خاصة.

هذا إذا كان عاملا على صدقات غير قبيله وأمّا لو جعل عاملا على صدقات قبيله فلا وجه للمنع ، وكذا الحال مع حلية الصدقة عليهم لقصور الخمس.

وقد نبّه عليهما في المدارك (2).

ص: 252


1- مختلف الشيعة 3 / 217.
2- مدارك الأحكام 5 / 212.
تبصرة [ في المؤلّفة قلوبهم ]

الرابع من الأصناف : المؤلّفة قلوبهم ، والكلام فيه في الموضوع والحكم :

أمّا الأوّل فقد اختلف فيه كلمة الأصحاب ، ولهم في تفسير المؤلفة أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه جماعة من تفسيره بالكفار الذين يستمالون للجهاد. قال في الشرائع (1) بعد تفسيرها بذلك : ولا نعرف مؤلفة غيرهم.

وقال المحقق الكركي (2) : اختصاصهم بذلك هو الأشهر.

وفي الحدائق (3) : الظاهر أنه المشهور.

وفي المبسوط (4) : المؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألفون يستعان بهم على قتال أهل الشرك. ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.

وذكر نحو ذلك في الخلاف ، وحكى إجماع الفرقة عليه إلّا أنّه لم يذكر الاستمالة إلى الإسلام.

وبمعناه ما حكى الاقتصار والمصباح من أنهم قوم من الكفّار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب.

ص: 253


1- شرائع الإسلام 1 / 121.
2- جامع المقاصد 3 / 31.
3- الحدائق الناضرة 12 / 175.
4- المبسوط 1 / 149.

وتبعه الطوسي (1) والعلّامة (2) في بعض كتبه.

ثانيها : ما ذهب إليه العلّامة في النهاية (3) حيث قال : وهم عند علمائنا الكفّار خاصة الذين يستمالون إلى الإسلام بشي ء من الصدقات أو يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام ، فعمّمه لكلّ من الصورتين المذكورتين.

ثالثها : ما حكى (4) الإسكافي من أن المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده وكان معهم إلا قلبه. وظاهره أنّهم صنف من المنافقين.

رابعها : ما حكي عن المفيد (5) من أنهم ضربان : مسلمون ومشركون ، فيكون مفسّرا عندهم بالأعم.

وعزاه في التذكرة (6) إلى الشافعي ، قال : وهو الأقوى عندي.

وقال الفاضل الجزائري بعد نقله عن المفيد : وفيه وجه جمع بين الأخبار فلا بأس به.

وحكى المحقق في المعتبر (7) عن الشافعي تقسيم المؤلفة أوّلا إلى قسمين : مسلمين ومشركين ، ثمّ (8) قسّم الثاني إلى قسمين : قسم منهم له شوكة يخاف منهم فإن أعطوا كفّوا شرّهم وكف غيرهم معهم ، والآخر جماعة منهم لهم ميل إلى الإسلام ، فيعطون من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإسلام ويميلون إليه.

وقسّم الأول إلى أربعة أقسام :

الأول : قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام.

ص: 254


1- مصباح المتهجد : 857.
2- تحرير الأحكام 1 / 404.
3- نهاية الإحكام 2 / 386.
4- في ( د ) زيادة « عن ».
5- نقله عنه في المعتبر 2 / 573.
6- تذكرة الفقهاء 5 / 250.
7- المعتبر 2 / 573.
8- لفظة « ثم » زيدت من ( د ).

الثاني : قوم في نياتهم ضعف ، فيعطون لتقوى نياتهم.

الثالث : قوم من الأعراب في أطراف بلاد الإسلام وبإزائهم قوم من أهل الشرك إذا اعطوا رغب الآخرون.

الرابع : قوم بإزائهم آخرون من أهل الصدقات ، فإذا اعطوا جبوها يراجع المصدر (1) منهم راغبوا عن العامل.

وقال (2) بعد حكاية ذلك عنه : ولست أرى بهذا التفصيل بأسا ؛ فإن ذلك مصلحة ، ونظر المصلحة موكول إلى الامام عليه السلام.

وعن الشيخ (3) إن التفصيل المذكور لم يذكره أصحابنا غير أنه لا يمتنع أن يقول : إن للإمام أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح ؛ لأن هذا من فرائض الإمام عليه السلام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلّق علينا في ذلك حكم اليوم وفرضنا تجويز ذلك ، والشك فيه عدم القطع بأحد الأمرين.

وعن الشهيد في حواشي القواعد : لا ريب أن التألف متحقق في الجميع إلّا أنّ المؤلفة قلوبهم زمن النبي صلى اللّه عليه وآله الذين كانوا يعطيهم من الزكاة وغيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفّارا ظاهرا بل ، مسلمين ضعيفي العقائد إشرافا في قومهم كأبي سفيان والأقرع بن حابس وعيينة (4) بن حصين ونظرائهم ، وهم معلومون مضبطون بالعدد بين علماء هذا الشأن.

وقد أحسن ابن الجنيد (5) حيث عرفهم بأنّهم من أظهر الدين .. إلى آخره.

وعلى كلّ حال فجميع من ذكر من الأقسام يجوز إعطاؤهم من الزكاة ؛ لأنّ مرجعهم إلى سبيل اللّه وإلى العمالة ، وإنّما الكلام في استحقاقهم من خصوص سهم المؤلفة. انتهى.

ص: 255


1- في ( ب ) : « حبواها » ، وفي ( د ) : « جوها ».
2- المعتبر 2 / 573.
3- المبسوط 1 / 250.
4- في ( ب ) : « عنبسة » ، وفي ( ألف ) : « عينية ».
5- نقله عنه في مدارك الأحكام 5 / 214.

والذي يتقوّى في النظر أن المؤلفة أقسام ثلاثة :

أحدها : الكفار الذين يتألفون ليستعان بهم في جهاد الكفار.

ثانيها : الكفار الذين يستمالون إلى الإسلام بدفع المال ممن يرجى في شأنهم ذلك. وقد عزا في نهاية الإحكام (1) تفسير المؤلفة بالصنفين المذكورين إلى أصحابنا مؤذنا بالاتفاق عليه كما مرّت الإشارة إليه.

ثالثها : من يظهر كلمة الإسلام وليس على كمال الاطمئنان والتثبّت في الدين ويكون ضعيفا في الدين ، فيعطي من الزكاة ليستوفر رغبته في الإسلام ويتقوّى نيته فيه.

ويدلّ على جريان حكم المؤلّفة في الجميع ظاهر إطلاق الآية الشريفة المؤيّدة بالنسبة إلى الأوّل بما عرفت من إجماع الخلاف ، وظهور عبارة المبسوط (2) في الإجماع أيضا عليه ، وكذا في نهاية الإحكام (3).

مضافا إلى الشهرة المحكيّة عليه المعتضدة بفتوى الجماعة (4) بالنسبة إلى الثاني ما في نهاية الإحكام (5) من ظاهر الإجماع ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار :

ففي رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام : « المؤلفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّه وخلعوا عبادة من دون اللّه ولم تدخل المعرفة قلوبهم ، إنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم » ونحوه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام في تفسير الآية. ورواه عنه في التهذيب ، وفيه : « فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (6).

ص: 256


1- نهاية الإحكام 2 / 387.
2- المبسوط 1 / 250.
3- نهاية الإحكام 2 / 387.
4- في ( د ) زيادة « و ».
5- نهاية الإحكام 2 / 387.
6- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.

وفي (1) مرسلة موسى بن بكير عن الباقر عليه السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم وهم قوم وحّدوا اللّه تعالى وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد صلى اللّه عليه وآله قلوبهم (2).

« وظاهر هذه الأخبار عدم إقرارهم بالنبوة ، فهم حينئذ كفّار يراد بإعطاء الزكاة عليهم ميلهم إلى الإسلام ورغبتهم فيه ، كأنّ اعتبار اقرارهم بالتوحيد من جهة استكشاف قربهم إلى دين الحق فيسهل اشتمالهم إلى الإقرار بالركن الآخر أيضا.

ويحتمل الاقتصار على ظواهر هذه الأخبار ، فيعتبر في المؤلفة المذكورين الإقرار بالتوحيد.

ويدلّ على الثالث بعد الإطلاق المذكور خصوص صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) قال : « هم قوم وحّدوا اللّه عزوجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه شهدوا (3) أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء محمد صلى اللّه عليه وآله ، فأمر اللّه عزوجل نبيه صلى اللّه عليه وآله أن يتألّفهم بالمال وإعطائه (4) لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه (5).

وهي كما ترى واضحة الدلالة على ذلك ، وليست صريحة في الحصر في تلك الطائفة.

وقد عرفت دلالة غيرها على ثبوت الصنفين الآخرين ، فما في الحدائق من الاقتصار على مدلول هذه الرواية ودعواه دلالة الخبرين المتقدمين وغيرهما على ذلك أيضا ممّا لا وجه له.

كيف وقد عرفت ظهور دلالة الخبرين المذكورين على خلافه.

ثمّ ليس في هذه الأخبار صراحة على خروج الصنف الأول عن المؤلّفة.

نعم ، فيها ظهور في ذلك ، وهو لا يقاوم ما عرفت. فما في الحدائق تفريعا على ما استفاده

ص: 257


1- في ( ألف ) : « في » بدون الواو.
2- الكافي 2 / 412 ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح 5.
3- في د : « أشهدوا ».
4- في د : « وإعطاء ».
5- الكافي 2 / 411 ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح 2 ، وانظر : بحار الأنوار 21 / 177.

من الأخبار ، فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه لا كما زعموا رضي اللّه عنهم من الجهاد - كفارا كانوا أو مسلمين - وأنّهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد ، ليس (1) على ما ينبغي.

وأما الثاني فلا خلاف بين الأمة في ثبوت سهم للمؤلفة كما هو نصّ الآية الشريفة إلّا أنّ هناك كلاما في سقوطه بعد النبي صلى اللّه عليه وآله في ثبوته (2) ، فعن الصدوق في الفقيه (3) القطع بالسقوط كما هو مختار بعض العامة.

وعلّل بأن اللّه سبحانه أعزّ الدين ، فلا حاجة إلى التأليف.

والمعروف بين الأصحاب عدم سقوطه وبه نصّ الفاضلان وغيرهما. وفي التذكرة : (4) وحكمهم باق عند علمائنا ، وهو مؤذن بالإجماع عليه مع عدم ظهور النسخ ، بل ظهور خلافه.

وظاهر التعليل المتقدم هو دعوى المسقط [ و ] عدم حصول موضوع للتأليف لا حصول النسخ للحكم ؛ إذ لم يرد ذلك لا من طريق العامّة ولا الخاصّة ، فلا نزاع إذن في الحكم والموضوع ، إنّما يرجع فيه إلى العادة وحصول الحاجة ، فيدور الأمر مدار ذلك.

وعن الشيخ (5) أنه يسقط في زمن غيبة الإمام عليه السلام خاصّة إذا دهم المسلمين - العياذ باللّه - عدوّ يخاف منه عليهم ، فيجب الجهاد فيحتاج (6) إلى التأليف ، فيجوز الصرف إليهم.

وبمعناه ما في نهاية الإحكام (7) حيث ذكر أن قول الشيخ جيّد ، لكن لو فرضت الحاجة إلى المؤلفة بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأولى عندي جواز صرف السهم إليهم.

ص: 258


1- لم ترد في ( ب ) : « ليس على ما ينبغي ، وأما الثاني فلا خلاف ».
2- في ( ألف ) : « نبوته » بدل : « ثبوته ».
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 6.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 249.
5- النهاية : 185.
6- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
7- نهاية الإحكام 2 / 388.

وفي المدارك (1) بعد حكاية عبارة المنتهى : ولا ريب في قوة هذا القول تمسّكا بظاهر التنزيل السالم عن المعارض.

والذي يتقوى في النظر أنّ التألف إن كان لأجل الجهاد فهو ممّا يتوقّف على ثبوت الجهاد في عصر الغيبة حسبما ذكره العلّامة ، فإذا حصل الباعث على مشروعيته كالفرض المذكور في كلامه أو غيره جرى الحكم.

نعم ، لو خصّ فيه بالجهاد المطلوب من جهة الدعاء إلى الإسلام لزم القول بسقوطه حينئذ على الإطلاق إلّا أنّ ظاهر إطلاق الأصحاب خلافه ، وإن كان لأجل التثبّت على الإسلام وكمال الإيمان أو لترغيبه في ذلك وميله إليه.

فقضيّة الإطلاق جريانه في الغيبة أيضا ؛ لإمكان حصوله حينئذ وقيام الحكمة المشرعة له. وليس في الأدلّة ما يقضي بالمنع إلّا أن يقال : إن ذلك من وظائف الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص حال حضوره (2) ، فقيام غيره مقامه يحتاج إلى دليل.

ويدفعه أنّ الفقيه ينوب منابه في ساير الأحكام ، فكذا في ذلك على أنّ إطلاق الآية قاض فيه بالجواز ، غاية الأمر أن يكون من وظائف الإمام في حال الحضور.

نعم ، روى الطبرسي مرسلا عن أبي جعفر عليه السلام ثبوت سهم المؤلّفة بعد النّبيّ صلى اللّه عليه وآله إلّا أنّه قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم به على ذلك (3).

وهي لإرسالها تقصر عن إفادة المراد.

وكيف كان ، فالمسألة مشكلة جدا ؛ إذ ليس في الأخبار المعتبرة دلالة على شي ء من الوجهين.

وظاهر الحال أنّ مثل هذه الأفعال إنّما يصدر عن الحكّام ، واحتمال اختصاصه بالإمام عليه السلام ليس ببعيد.

ص: 259


1- مدارك الاحكام 5 / 215.
2- في د : « الحضور ».
3- لاحظ : تفسير مجمع البيان 5 / 75 وفيه : « على ذلك بر ».

ولذا ورد في عدّة من الروايات المتقدمة أنّ اللّه أمر نبيه بذلك ، مضافا إلى المرسلة المتقدمة. فإن تمّ إطلاق الآية الشريفة في المقام أو ثبت إطلاق نيابة الفقيه عن الإمام عليه السلام بحيث يشمل مثل هذه الأفعال صحّ القول بعدم السقوط وإلّا اتّجه الحكم بالسقوط ؛ لعدم وضوح دليل على كونه إذن من المصارف ، فلا يحصل اليقين بالفراغ بالصرف إليه ، مضافا إلى ما عرفت.

فما في الحدائق (1) من القطع بسقوطه في زمن الغيبة مستندا إلى الأخبار المتقدمة مؤيّدة بالمرسلة المذكورة ممّا لا وجه له.

وهي (2) كما ترى لا دلالة فيها على السقوط في زمن الغيبة بوجه.

وحكم أيضا بسقوطه في زمن ظهورهم عليهم السلام وعدم بسط أيديهم معلّلا بأنّ التأليف مختص بهم وأيديهم حينئذ قاصرة من إقامة الحدود الشرعيّة (3) وتنفيذ الأحكام لغلبة التقية.

وهو أيضا كما ترى.

وقد تقدم في مرسلة موسى بن بكر (4) أكثرية المؤلفة قلوبهم في عصره عليه السلام. وفي رواية زرارة عنه عليه السلام أيضا : « المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم » (5) ، فتأمل.

ص: 260


1- الحدائق الناضرة 12 / 179.
2- في ( د ) : « إذ هي ».
3- في ( ألف ) : « والشرعية ».
4- الكافي 2 / 412 ، باب المؤلفة قلوبهم ح 5.
5- الكافي 2 / 411 ، باب المؤلفة قلوبهم ح 3.
تبصرة: [ في الرقاب ]
اشارة

الخامس من الأصناف : الرقاب ، والمراد بهم على ما ذكروه في المقام أمور :

أحدها : المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة.

وعن المبسوط (1) والغنية (2) والسرائر (3) أنه لا خلاف لأحد منّا ولا من العامة في استحقاق هؤلاء سهم الرقاب.

ويدلّ عليه بعد اطلاق الاية ما رواه الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها؟ قال : « يؤدي عنه من مال الصدقة ، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه : ( وَفِي الرِّقابِ ) (4) ». (5)

وقصور إسنادها منجبر بالعمل ، وفرض أدائه لبعض مال الكتابة لا خصوصية (6) له في المقام كما هو ظاهر الحال.

ويدلّ عليه ظاهر التعليل في الآية الشريفة. مضافا إلى إطلاق الأصحاب وبنائهم على العموم مع إطلاق ما عرفت من الإجماعات المحكيّة.

ص: 261


1- المبسوط 1 / 250.
2- في ( ألف ) : « الفقيه » ، ولا يصح. انظر : غنية النزوع : 124.
3- في ( ألف ) : « التحرير » ، ولا يصح. انظر : السرائر 1 / 457.
4- البقرة : 177.
5- من لا يحضره الفقيه 3 / 125 باب المكاتبة ح 3471.
6- في ( ألف ) : « لا خصوصيّته ».

ثانيها : العبيد تحت الشدّة ، على المعروف من المذهب. وحكى السيد (1) والشيخ (2) وابن زهرة (3) الإجماع عليه.

وفي التذكرة (4) : إنّ المشهور عند علمائنا أنّ المراد بالرقاب صنفان : المكاتبون والعبيد تحت الشدة ، ثم قال : وشرطنا في الثاني الضر والشدة.

وهو قد يومي إلى الإجماع على الشرط الظاهر في الإجماع على الحكم.

وقد يشعر باجماعنا مع (5) الحكم أيضا ما في المبسوط (6) والتحرير (7) والسرائر (8) والمنتهى (9).

وفي المدارك (10) أن جواز الدفع من هذا السهم إلى المكاتبين والعبيد إذا كانوا في جبر وشدّة قول علمائنا وأكثر العامة.

ويدلّ عليه بعد ذلك وإطلاق الكتاب رواية عمرو ، عن أبي بصير - أو عمرو بن أبي بصير على احتمال - عن الصادق عليه السلام ، عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستّ مائة يشتري بها نسمة ويعتقها؟ قال : « إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم » ثمّ مكث مليّا ثم قال : « الّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (11).

ص: 262


1- رياض المسائل 5 / 154.
2- المبسوط 1 / 250.
3- غنية النزوع : 124.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
5- في ( د ) : « على ».
6- المبسوط 1 / 250.
7- مدارك الأحكام 5 / 216.
8- السرائر 1 / 457.
9- منتهى المطلب 1 / 520.
10- مدارك الأحكام 5 / 216.
11- الكافي 3 / 557 باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ، ح 2.

ثالثها : المماليك إذا لم يكون في شدة مع عدم المستحق. وفي المعتبر (1) : إن عليه فقهاء الأصحاب.

وفي التذكرة (2) : إنّ عليه فقهاؤنا. وظاهرهما حكاية الاتفاق عليه.

ويدل عليه في الجملة عدّة من الأخبار :

منها : الموثق ، عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع (3) فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من ، زكاته فأعتقه ، هل يجوز له ذلك؟ قال : « نعم لا بأس بذلك ». قلت : فإنه لما أعتق وصار حرّا اتّجر واحترف فأصاب مالا ثمّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن وارث؟ قال : « يرثه الفقراء والمؤمنون الذين يرثون الزكاة لا أنّه إنّما اشترى بمالهم » (4).

ومنها : الصحيح : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال : فقال : « اشتره فأعتقه » ، قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ قال : فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ؛ لأنّه اشترى بسهمهم ».

قال الصدوق : وفي حديث آخر : « بمالهم » (5).

وعن الفقيه والحلي (6) عدم اشتراط الضرورة وعدم المستحق في الشراء من الزكاة وعتقه.

واختاره العلّامة في القواعد (7).

ص: 263


1- المعتبر 2 / 574.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
3- في ( د ) : « تباع ».
4- وسائل الشيعة : 6 باب 43 من ابواب المستحقين للزكاة ح 2.
5- بحار الأنوار 93 / 65 باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ، ح 30 ، علل الشرائع 2 / 372
6- المختصر النافع 1 / 195.
7- قواعد الأحكام 1 / 349.

وقوّاه ولده في الإيضاح (1). واستجوده في المدارك (2).

وعزاه بعضهم إلى جماعة من متأخري المتأخرين ؛ أخذا بإطلاق الآية ، وظاهر الصحيحة المذكورة ، وخصوص القوي من (3) الصادق عليه السلام : أنه سأله بعض أصحابنا ، عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ فقال : « اشترى خير رقبة ، ولا بأس بذلك » (4).

وأورد عليها بأن هذه الروايات مخالفة للمشهور ، بل ظاهر ما حكي من الإجماع والرواية المتقدمة الدالّة على عدم جواز صرفها في العتق إلّا في العبيد تحت الشدة المعتضدة بعمل الجماعة ، وظاهر الإجماع مضافا إلى أنّ اليقين بالشغل قاض بتحصيل اليقين بالفراغ ، وهو غير حاصل حينئذ ، فلذا اقتصر الأكثر على الأمور الثلاثة المتقدمة.

وقد أورد أيضا في المقام بأنّه لا دلالة في الأخبار المذكورة إلّا على جواز صرف الزكاة في ذلك وأما كون ذلك من سهم الرقاب ( فلا ، بل لا دلالة في الخبرين المتقدمين الواردين في العبيد تحت الشدة وفي العتق مع إعواز المستحق على كون الصرف من سهم الرقاب ) (5).

ولذا استشكل في الحدائق (6) (7) تلك الصورتين أيضا. وأورد بذلك على الأكثر حيث احتجّوا بهما. وقد نازع صاحب المدارك (8) حيث استند على تلك الروايتين وغيرهما في جواز الصرف من سهم الرقاب في المقامين وغيرهما بأنّه لا خصوصيّة في الصورتين (9) المذكورتين بل الأخبار الواردة فيهما وفي غيرهما على نهج سواء ، فإن بنى على أن المستفاد منهما الصرف

ص: 264


1- إيضاح النافع 1 / 195.
2- مدارك الأحكام 5 / 217.
3- في ( د ) : « عن ».
4- الكافي 3 / 552 ، باب تفضيل القرابة في الزكاة ومن لا يجوز منهم أن يعطوا من الزكاة ( باب نادر ) ح 1 ؛ من لا يحضره الفقيه 2 / 19.
5- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
6- الحدائق الناضرة 12 / 183.
7- في ( د ) زيادة : « في ».
8- مدارك الأحكام 5 / 218.
9- في ( د ) : « للصورتين » بدل : « في الصورتين ».

من سهم الرقاب فلا بدّ من القول بالجواز في الجميع ، وإلّا فلا بدّ من المنع منه في الكلّ ، فلا وجه للتفصيل.

ولذا لم يجعل ذلك من سهم (1) الرقاب بالنسبة إلى الجميع ، واختار في المقام حمل الأخبار الأربعة المتقدمة على كون الشراء من مطلق الزكاة من غير أن يكون من سهم مخصوص ، وذكر أن هذا وإن كان خارجا من (2) الأصناف المذكورة في الآية إلّا أنّها قد وقعت رخصة به في الجملة ، وقال (3) : إنّ هذه الأخبار ظاهر الدلالة عليه ، وليست من أخبار ما نحن فيه في شي ء ؛ لما عرفت.

وحينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة ؛ لعدم دخول ذلك تحت شي ء من الأصناف الثمانية المندرجة في الآية.

وقد أيّد ما ذكره بما في رواية أبي بصير من قوله عليه السلام : « إذا يظلم قوما آخرين » (4) انتهى ؛ إذ لو كان العتق من سهم الرقاب لم يتعقل هناك ظلم على غيرهم من الأصناف ؛ لعدم وجوب البسط عندنا اتفاقا نصّا وفتوى ، وبما ورد في عدّة من تلك الأخبار في ميراث العبد المذكور من أنه يرثه الفقراء المؤمنون الذين يرثون الزكاة معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

والحاصل أنّ الظلم والميراث إنّما يترتب على ما إذا وقع الشراء من أصل الزكاة الّتي مصرفها الفقراء وغيرهم من الأصناف ، وحينئذ فيجب حمل تلك الأخبار الأربعة على كون الشراء من أصل الزكاة.

وحيث إن ظواهر تلك الأخبار مختلفة في الجملة قال (5) : إنّ الجمع بينها ممكن إمّا بإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها وحمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد إطلاق تلك الأخبار

ص: 265


1- في ( ألف ) : « منهم ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 183.
4- الكافى 3 / 557 ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح 2.
5- الحدائق الناضرة 12 / 184.

بها أو تخصيص المنع بما إذا اشترى بمطلق الزكاة كما هو ظاهر خبر أبي بصير ، وحمل غيره على ما إذا لم يكن كذلك.

وأنت خبير بأنّ الوجه الأخير مخالف لما نصّ عليه من كون الأخبار المذكورة واردة على نحو واحد ، وقد أورد ذلك على من أراد التفريق بينها.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ ما اختاره في المقام مع مخالفته لظاهر الآية الشريفة والروايات المستفيضة الدالّة على حصر مصارف الزكاة في الثمانية ، وظاهر فتاوى علمائنا الأجلّة أنّه غير ظاهر من الأخبار المذكورة ، غاية الأمر إجمالها في ذلك إن لم نقل بظهورها في خلافه.

وقوله (1) عليه السلام « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم » (2) يفيد خلاف ما ذكره ؛ فإنّه يومي إلى أنّ الصرف في ذلك من أحد مصارف الزكاة وأن له حقا فيها إلّا أنّ صرف جميعه أو معظمه فيه يوجب الظلم على آخرين ممّن له استحقاق في ذلك أيضا.

ثمّ مع الغضّ عن ذلك لو حملت الرواية على الكراهة فالأمر ظاهر ، ولا تأييد فيها حينئذ لما ذكره وإن حملت على المنع ، فغاية الأمر دلالتها على عدم جواز صرف تمام (3) الزكاة في العتق ؛ لحصول الظلم على آخرين ، وأي منافاة لذلك مع القول بعدم وجوب البسط؟

ألا ترى أنّه لا يجوز صرف تمام الزكاة غالبا إلى العامل مع كونهم أحد مصارف الزكاة وعدم لزوم البسط؟ فلا إشارة في ذلك إلى ما ذكره.

وكذا الحال في التعليل المذكور ؛ إذ لا مانع من تعليل كون ميراثه للفقراء بكونهم مستحقين للمال الذي اشترى به في الجملة ، وإن لم تكن جهة صرفه مختصة بهم.

على أنهم هم الأصل في وضع (4) الزكاة كما يستفاد من الأخبار الواردة الكثيرة في ذلك ، وهو كاف في صحّة التعليل المذكور.

ص: 266


1- في ( ألف ) : « قول ».
2- الكافي 3 / 557 ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح 2.
3- في ( ألف ) : « مقام ».
4- في ( ألف ) : « ومنع » بدلا من : « في وضع ».

كيف ولو غضّ عن ذلك كلّه لم يتمّ التعليل على ما ذكره أيضا ؛ إذ ليس المال المصروف في ذلك مختصا بالفقراء ، فغاية الأمر أن يكون مشتركا بين المصارف ، ومعه لا يتم التعليل.

وكون الصرف من خصوص حصّة الفقراء غير ظاهر من الرواية المذكورة وغيرها من الأخبار ، ولا موافق للاعتبار.

وهو أيضا غير مفروض في كلامه حسبما حكيناه ، وكون الصرف من سهم الرقاب لا يمنع من صحّة التعليل المذكور حسبما بينّاه كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ غاية ما يقال في المقام : إنّ هذه الروايات ليست صريحة في كون العتق من سهم الرقاب فيحتمل اندراجه فيها وفي سهم (1) سبيل اللّه ، ولا ثمرة يعتدّ بها في ذلك إلّا أنّ الظاهر من المقام بعد العمل بإطلاق تلك الروايات اندراجه في سهم الرقاب ؛ إذ ظاهر الآية شمولها لذلك ، فبعد الحكم بجواز صرف الزكاة فيه ينبغي الحكم باندراجه فيها ، بل وفي قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة « اشترى خير رقبة » (2) إشارة إلى ذلك.

بقي الكلام في أصل المسألة ، فإنّ الأخبار فيها كما عرفت متعارضة ، وقضية رواية أبي بصير عدم جواز صرفها في الرقاب إلّا إذا كانت تحت شدة ، ومقتضى الموثقة المتقدمة جواز صرفها فيها مع إعواز المستحق وإن لم تكن تحت شدّة ، ومقتضى إطلاق المعتبرين الآخرين جواز صرفها في ذلك مع انتفاء الأمرين ، والشهرة بين الأصحاب بل ظاهر الإجماع المحكي يعاضد الأول ، وظاهر الآية الشريفة يؤيد (3) الثاني ، وبملاحظة ذلك يشكل الحكم (4) في المقام ، وقضية حمل المطلق على المقيد هو حمل الأخبار و (5) هو حمل إطلاق الروايتين الأخيرتين على الصورتين المتقدمتين.

ص: 267


1- في ( د ) : « سهل ».
2- الكافي 3 / 552 باب نادر ح 1.
3- في ( ألف ) : « ويؤيد ».
4- في ( د ) هنا : « يشكل الحال الحكم ».
5- ليس في ( د ) : « و ».

وما أورد في المقام من أنّ الموثقة لا دلالة فيها على المنع مع (1) عدم الإعواز فلا وجه لجعلها مقيدا للإطلاق بيّن الاندفاع ؛ إذ ليس المراد كونها بنفسها مقيّدا للإطلاق ، بل المقصود أنها بانضمام الرواية الأخرى كافية في ذلك ، فإنّ المستفاد منها بعد حمل المطلق منها على المقيّد الجواز في الصورتين المذكورتين ، والمنع فيما سواها ، فيقيّد بذلك الخبران الآخران.

نعم ، قد يقال : إنّ ارادة التقييد بعيد عن سياق الخبرين المذكورين.

وكيف كان فالمسألة مشكلة جدا ، وقضية اليقين بالفراغ هو المتّبع من غير الصورتين المذكورتين.

وبذلك يتقوّى القول المشهور ، فتأمّل.

هذا ، وقد روى علي بن ابراهيم في التفسير (2) ، مرسلا عن العالم عليه السلام في تفسير الرقاب أنّهم قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ (3) في الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون ، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم (4).

وفي المبسوط (5) : روى أصحابنا أنّ من وجب عليه عتق رقبة في كفّارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه.

وهذه الرواية كما ترى خاصّة بكفارة العتق إلّا أنّها عامة لسائر ما يلزم فيها للعتق (6).

وهي أنسب بظاهر الآية ، والرواية الأولى شاملة لغيرها من الكفارات أيضا إلّا أن ظاهرها الاختصاص بالكفارات الأربع المذكورة إلّا أن يحمل ذلك على المثال.

وكيف كان ، فهي بعيدة عن ظاهر الآية.

ص: 268


1- زيادة : « مع » من ( د ).
2- تفسير علي بن ابراهيم 1 / 299.
3- في ( د ) : زيادة « و ».
4- بحار الأنوار 93 / 63 ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح 21.
5- المبسوط 1 / 250.
6- في ( د ) : « العتق ».

وجوّز في المعتبر (1) إعطاءهم من سهم الغارمين ؛ لأنّ القصد بذلك إبراء ذمة المكفر عما في عهدته.

واستجوده في المدارك قال : لأنّه في معنى الغرم.

وفي المبسوط (2) بعد ذكر المرسلة المذكورة : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه.

وقطع في الحدائق (3) بالأخذ بظاهر مرسلة علي بن إبراهيم ، قال : وليت شعري أي مانع من العمل بالخبر المذكور مع صراحتها في تفسير الآية بذلك؟! ثمّ قال : إنّه لا مانع من أن يراد بالرقاب في الآية فكّ الرقاب وتخليصها من رقّ العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه المذكورات في هذا الخبر.

قلت : لا يخفى أنّ الرواية المذكورة مع ضعفها متروكة عند معظم الأصحاب ، ومع ذلك فما اشتملت عليه بعيد عن ظاهر الآية الشريفة كمال البعد سيّما إذا كانت الكفّارة ما عدا العتق ، وامّا بالنسبة إليه فهو وإن كان مشمولا لإطلاق الآية من حيث كونه عتقا إمّا من جهة وقوعه عن المنكر وبراءة ذمّته (4) به فلا ، وأمّا ما ذكره الشيخ من إعطائه ثمن الرقبة لكونه فقيرا فإن كان ذلك لفرض الفقر فيه فلا كلام ، وإن أثبت له الفقر من جهة عجزه عن أداء الكفارة وإن كان قادرا على مؤنة نفسه وعياله كما هو قضيّة إطلاق كلامه في المقام ، ففيه ما لا يخفى ؛ إذ ليس أداء الكفّارة من جهة المئونة ليكون العجز عنه باعثا على حصول الفقر ، فإعطاؤه حينئذ من سهم الفقراء ممّا لا وجه له.

وكذا إعطاؤه من سهم الغارمين ؛ لعدم صدق اسمه عليه بحسب الحقيقة.

وكونه بمنزلته في الحكم يحتاج إلى قيام الدليل عليه.

ص: 269


1- المعتبر 2 / 574.
2- المبسوط 1 / 250.
3- الحدائق الناضرة 12 / 185.
4- في ( ألف ) : « ذمة ».

كيف ولو كان كذلك لزم أن يندرج فيه كلّ من كلّف بتكليف يتوقّف على صرف المال إذا لم يكن قادرا عليه ، وهم لا يقولون به.

[ تنبيهات ]

نعم ، يمكن إدراجه في سهم سبيل اللّه بناء على شموله لسائر القربات كما يأتي وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنّه هل يعتبر في المكاتب أن يكون عاجزا عن أداء مال الكتابة أو يدفع إليه مع القدرة على الاكتساب إذا لم يكن عنده ما يفي به في الحال؟ قولان.

وعن ظاهر الأصحاب القول بالثاني ، ونصّ في نهاية الإحكام (1) بالجواز. وهو ظاهر الشرائع (2) وصريح المدارك (3).

وعن الشهيدين في الروضة (4) والبيان (5) (6) اعتبار قصور كسبه عن أداء مال الكتابة.

واختاره صاحب الحدائق (7) أخذا بظاهر الرواية المتقدمة ؛ لورودها في خصوص العاجز عن الأداء.

وهو ظاهر الصدوق (8) حيث اعتبر فيه العجز عن الأداء.

للأول إطلاق الآية ، وورود الخبر في خصوص العاجز لا يقتضي تخصيص الحكم به.

ص: 270


1- نهاية الإحكام 2 / 389.
2- شرائع الإسلام 1 / 121.
3- مدارك الأحكام 5 / 216.
4- الروضة البهية 2 / 47.
5- البيان : 195.
6- في د : « البيان والروضة ».
7- الحدائق الناضرة 12 / 181.
8- المقنع : 466.

وكون الزكاة إنّما شرعت لسدّ ودفع (1) الحاجة لا نسلّم انّه بالنسبة إلى جميع المصارف حتى فيما نحن فيه ، بل نقول : إنّ الغرض صرفه في فكّ الرقبة ، ولا يفرق فيه بين الحاجة وعدمها.

ومن هنا يجب احتمال جواز الدفع مع قدرة العبد على مال الكتابة كما هو ظاهر الروضة (2) في بحث الكتابة.

وقد أوجب على المولى الدفع من الزكاة إن وجبت عليه استنادا إلى ظاهر الآية الشريفة ، قال : وليكن من سهم الرقاب إن أوجبنا البسط ولم يفرق فيه بين قدرة العبد وعدمها ، وتملكه للوفاء وعدمه إلّا أنّ البناء على الإطلاق المذكور مشكل جدا.

واعتبر في السرائر (3) في وجوب دفعها إليه مع إطلاق الكتابة العجز عن الأداء.

وكيف كان ، فالمسألة لا يخلو عن شوب الإشكال ، وإن كان القول بجواز الدفع إليه مع عدم تملكه للوفاء بالأداء قويا.

ثمّ إنّه كما يجوز الدفع من الأجنبي يجوز الدفع من المولى ، وقد عرفت القول بوجوبه عليه مع وجوب الزكاة عليه.

وهو بعيد ، والآية الشريفة محمولة على الحطّ من مال الكتابة كما دلّت عليه عدّة من الروايات الواردة في تفسيرها ، ومنها الصحيح ، وحملها حينئذ على الندب غير بعيد.

وكما يجوز الدفع إلى العبد يجوز الدفع إلى مولاه في فكّه ، وظاهر الرواية المتقدمة هو الأخير.

وحينئذ فلو كان الدافع هو الولي (4) تولّى النية في الدفع ، وقبضه لنفسه.

وهل يجب على الحاكم فكّه مع عجزه؟ ظاهر الرواية المذكورة ذلك.

ص: 271


1- في ( ألف ) : « لسدّ دفع ».
2- الروضة البهية 6 / 357.
3- السرائر 3 / 29.
4- في ( د ) : « المولى ».

وعن الحلي (1) : إن المطلق العاجز عن الأداء يجب على المولى إعطاؤه من الزكاة إن كان عليه زكاة ، وإلّا كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرقاب.

واستحسنه في التذكرة (2). وظاهر ذلك الوجوب في المقامين.

وقد مرّ الكلام في الأوّل ، ولا دليل على الثاني سوى الرواية المتقدمة. والاستناد إليها مع ضعفها في الإسناد إليها وعدم جابر لها في المقام وعدم صراحتها في المدّعى مشكل.

ومنها : أنّه لو دفعه إلى المكاتب وصرفه في أداء مال الكتابة وتحرّر فلا إشكال.

وفي المدارك إنه وقع موقعه إجماعا ، وأما لو دفعه إليه فأبراه سيّده أو دفع عنه متبرّع فهل يجب ارتجاع المال عنه أو لا؟ قولان.

والأوّل مختار المحقق (3) حيث قال : إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه على مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأنّ للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.

واستجوده في المدارك (4).

والثاني مختار الشيخ (5) معلّلا بأنّه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف شاء.

قلت : ومبنى المسألة على أن الكاتب (6) هل يملك ما يدفع إليه من الزكاة مطلقا أو لا؟ فعلى الأوّل لا يرتجع مع عدم صرفها في ذلك ، وعلى الثاني يرتجع فيه (7) وذلك سواء قلنا بعدم دخوله في ملكه أصلا أو قلنا بملكه لها على جهة مخصوصة.

ولا ريب أن الأوّل مخالف للأصل ، ولا يساعده ظاهر الآية الشريفة وغيرها ، فتعيّن البناء على الثاني.

ص: 272


1- السرائر 3 / 29.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
3- المعتبر 2 / 575.
4- مدارك الأحكام 5 / 220.
5- المبسوط 1 / 254.
6- كذا ، والظاهر : « المكاتب ».
7- في ( د ) : « به ».

ولو دفعها المكاتب المشروط إلى سيّده ثمّ عجز عن الباقي في ساير النجوم واسترق ، فعن الشيخ وغيره القطع بعدم جواز الارتجاع منه ؛ إذ المالك مأمور بالدفع إلى المكاتب ليصرفه في أداء مال الكتابة ، وقد حصل ذلك ، فهو قاض بالإجزاء.

وحكى في التذكرة (1) وجها للشافعيّة بجواز ارتجاعه ؛ نظرا إلى أنّ القصد تحصيل العتق ، فإذا لم يحصل وجب الاسترجاع.

قلت : لا يخلو ذلك عن قوّة ؛ إذ ظاهر الآية الشريفة والرواية المذكورة هو صرفها في الفكّ ، فمع عدم حصوله لا يكون مصروفا في مصرفه ، فيتعيّن ردّه.

ومنها : أنّه إذا اشترى به العبد اعتبر الإعتاق بعد الشراء ، فلا ينعتق بمحض الاشتراء ؛ ضرورة أن العتق يتوقف على صيغة خاصّة أو أسباب معروفة ليس ذلك من جملتها. ولا فرق بين أن يشتري أباه أو غيره ؛ إذ ليس الشراء بماله. وربّما يعزى إلى ظاهر البعض أنّه لو نوى العتق حين الشراء حصل العتق وإلا احتيج إلى الإعتاق ، وهو بعيد.

ومنها : انّ نيّة اخراج الزكاة يقارن بها حين الشراء أو دفع الثمن أو العتق أو يتخيّر بين الجميع أو اثنين منها؟ وجوه ، ومع مقارنتها للعتق فالظاهر أنّه يراعى فيه حصول العتق.

نعم ، لو تلف قبل حصول العتق من غير تفريط لم يكن عليه شي ء ؛ إذ لا يزيد (2) ذلك على تلفه قبل الشراء.

ومنها : أنّ العبد المعتق من الزكاة إذا مات ولا وارث له هل يكون ميراثه للإمام عليه السلام أو أنه يرثه أرباب الزكاة؟ المشهور هو الثاني.

وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

ص: 273


1- تذكرة الفقهاء 5 / 284.
2- في ( ألف ) : « لا يرتد ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 252.

وحكي عن بعض القدماء القول بالأول ، وفي الحدائق (1) : إنه مجهول القائل.

وحكي عن العلّامة (2) في غير واحد من كتبه اختيار ذلك ، وتوقّف العلّامة في المختلف (3) ، واختار في الحدائق (4) ميراثه لأرباب الزكاة ، لكن فرعه على ما مرّ من اختياره كون الشراء من أصل الزكاة وجعله مصرفا تاسعا وراء المصارف الثمانية المشهورة.

وأمّا على البناء على كونه من سهم الرقاب فقد قطع بكونه سائبة ، وميراثه للإمام عليه السلام.

هذا ، والأظهر هو القول الأول ؛ للموثقة المتقدمة المنجبرة بالعمل ، وظاهر الإجماع المحكي.

وفي المعتبر (5) : إنّها خالية عن المعارض ، وإطباق المحققين على العمل بها.

وما في الحدائق (6) من الاستشكال في المقام بأنّه إذا كان الشراء من سهم الرقاب لم يكن للفقراء استحقاق فيه لكونه من أحد الأصناف الثمانية التي اشتملت عليها الآية ، فكيف يصحّ القول بكون ميراثه للفقراء ؛ لأجل أنه اشترى بمالهم ، وأي مال للفقراء في سهم الرقاب حتّى يكون الشراء بمالهم؟ مدفوع بما تقدّمت الإشارة إليه من (7) أنّه لا شكّ في استحقاق الفقراء في المال المشترى منه ، وإن لم يكن استحقاقهم على سبيل التعيين. ولذا صحّ القول بكون الفقراء شركاء في أموال الأغنياء كما نطقت به الأخبار المأثورة عن أئمة الهدى عليهم السلام. وحينئذ فأيّ مانع من القول بكون ميراثه للفقراء من جهة شرائه بما يستحقونه؟ وكون سهم الرقاب سهما مستقلا لا يمنع منه ؛ اذ لا يقضي ذلك برفع استحقاق الفقراء في ذلك المال قبل الشراء حسبما ذكرنا.

ص: 274


1- الحدائق الناضرة 12 / 252.
2- تحرير الأحكام 1 / 417 ، تذكرة الفقهاء 5 / 350.
3- مختلف الشيعة 3 / 253.
4- الحدائق الناضرة 12 / 252.
5- المعتبر 2 / 578.
6- الحدائق الناضرة 12 / 253.
7- لفظة « من » ليست في ( ألف ).

فقصد صرفه في الرقاب لا يوجب اختصاصه بها قبل الصرف كما يظهر من الحدائق حيث جعله لذلك مختصا بها ، ونفى من أجله استحقاق الفقراء فيها ، وجعل صرفها من دون قصد جهة من الجهات جائزا أو أثبت فيها باستحقاق (1) الفقراء.

وهذا كما ترى استناد إلى مجرّد الاعتبار من دون قيام شاهد عليه من الأخبار.

ومن الغريب انه رحمه اللّه لأزال يناقش الفقهاء (2) في أحكام ظاهرة مستفادة من النصوص معتضدة بفهم الأصحاب ؛ نظرا إلى جموده على ظاهر الألفاظ ، وتراه ينفرد في بعض المقامات بأحكام لا دلالة عليها في النصوص من جملتها ما في المقام ، مع ما عرفت من مخالفته لظاهر الكتاب والأخبار الماثورة عن العترة الأطياب.

ثم إنه هل يختص ميراثه بالفقراء والمساكين أو يعم ساير أصناف الزكاة؟ ظاهر عبارة المقنعة هو الأوّل ، وهو الظاهر من الموثقة المتقدمة.

وظاهر جماعة من الأصحاب حيث عبّروا بكونه لأرباب الزكاة ربّما يعمّ ساير الأصناف ، وهو قضية ما مرّ حكاية الشهرة عليه.

وفي الحدائق (3) : إنّه ظاهر كلام الأكثرين. وبه قال في المختلف (4) ونزّل عليه عبارة المفيد ، قال : والظاهر أنّ مراده ليس تخصيص الفقراء والمساكين ، بل أرباب الزكاة أجمع ؛ لأنّ التعليل يعطيه.

ويدلّ عليه ظاهر صحيحة العلل المتقدمة الحاكمة بكون ميراثه لأهل الزكاة ، معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

واستظهر في الحدائق (5) التفصيل في المقام بناء على ما عرفت حكايته عنه من تعيين الجهة

ص: 275


1- في ( ألف ) : « فاستحقاق ».
2- في ( ألف ) : « لفقهاء ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 256.
4- مختلف الشيعة 3 / 253.
5- الحدائق الناضرة 12 / 256.

بالنيّة ، فجعل الأظهر في الجمع بين الخبرين المذكورين في أنّ الموثقة المذكورة إنّما دلّت على أنّ المال المشترى (1) إنّما هو من سهم الفقراء خاصّة ، فيمكن أن يقال : إنّ المراد من صدر الخبر أن صاحب الزكاة قد خصّ هذه الألف درهم التي أخرجها بالفقراء ؛ لأنّها أحد الأصناف ، ولمّا لم يجدهم اشترى بها المذكور وأعتقه. ثم سأل الإمام عليه السلام عن (2) ذلك.

وعلى هذا ينطبق عجز الخبر بلا تمحّل ولا إشكال (3) ، فيصح تعليل كون ميراثه للفقراء بأنّه اشترى من مالهم ، والصحيحة المذكورة تحمل على وقوع الشراء بالمال المشترك من غير قصد تخصيصه بصنف من الأصناف ، فيكون ميراثه لجميع أرباب الزكاة ؛ لأنّه اشترى بمالهم ، قال (4) : والفارق بين المقامين هو قصد المشتري ونيته ولا بعد في ذلك ؛ فإنّ العبادات بل الأفعال كملا تابعة للمقاصد والنيات صحّة وبطلانا وثوابا وعقابا وتعددا واتّحادا أو نحو ذلك. ألا ترى أنّه لو قصد صرف زكاته كملا في سبيل اللّه الذي هو عبارة عن جميع الطاعات والقربات ، ثمّ اشترى عبده وأعتقه فإنّه لا إشكال في كونه سائبة وأنّ ميراثه للإمام عليه السلام؟

ثمّ إنه نفى الريب عن قوة الوجه المذكور ، وجعله جامعا بين الأخبار بلا اشكال.

قلت : وما ذكره مبنيّ على أصل فاسد مخالف للأصل ، ولا شاهد عليه من الشرع كما مرّ. والجمع بين الخبرين بذلك مجرّد احتمال ، ولا شاهد في المقام على اختصاص الدافع زكاته في الخبر الأوّل بالفقراء ، وتعميمه في الثاني للكلّ.

وهو قد استفاد ذلك من التعليل المذكور ، وهو من أضعف الشواهد ؛ لما عرفت من صحّة انتساب المال إليهم من جهة أنّهم هم العمدة في وضع الزكاة كما دلّت عليه الأخبار.

وحينئذ فحمل أرباب الزكاة في الصحيحة وكلام الجماعة على خصوص الفقراء والمساكين غير بعيد على أنّ المعارضة بين الخبرين من قبيل العموم المطلق ، فينبغي حمل

ص: 276


1- في ( د ) زيادة : « به ».
2- في ( د ) : « من ».
3- في ( ألف ) : « والإشكال ».
4- في الحدائق الناضرة 12 / 257.

المطلق على المقيّد كما يقتضيه القواعد.

مضافا إلى أنّ الميراث إنّما ينتقل إلى الوارث لموت المورّث ، ولا يتّجه القول بتملك الميراث إلا بالنسبة إلى الفقراء والمساكين ؛ إذ السهام الأربعة الأخيرة في الآية إنّما وضعت مصرفا للزكاة ، ولا يستقرّ ملك أربابها عليها مطلقا ، وكذلك سهم المؤلّفة والعاملين لوكولها إلى نظر الامام عليه السلام.

ولو فرض استحقاق العامل ذلك من جهة الإجارة أو الجعالة فلا يصح صرفه إذن في العتق ؛ لتملكه له بذلك.

ولو فرض رضاه به فالظاهر خروجه عن محلّ الكلام ؛ لأنّ المعتق حينئذ هو العامل بالنسبة إلى حصّة دون المالك ، فتأمل.

وبالجملة ، فالمسألة مشكلة وإن كان القول باختصاصه بالفقراء أو (1) المساكين قويّا.

ثمّ إنّه إنّما يكون مملوكا للنصف فلا مانع من تخصيصه بالبعض على حسب ما مرّ في الزكاة ؛ لتعسّر البسط على الكل ، بل تعذّره ، وتخصيص فقراء البلد أو القرية لا شاهد عليه.

وعلى القول بتعميمه لسائر الأصناف فهل يجب البسط عليهم على حسب نسبة الميراث أو يكون على حسب قسمة الزكاة؟ استشكل فيه في الحدائق (2) من جهة كونه فرعا على الزكاة ، فيجري (3) حكمها ، ومن أن الأصل في الشركة وجوب التقسيط بين الشركاء خرج الزكاة لقيام الدليل وبقي ما عداه على حكم الأصل ، قال : والمسألة عندي محل تأمل وإشكال وإن كان للاحتمال الأخير نوع رجحان.

وأنت خبير بأنّ القول بتملك الأصناف الثمانية على حسب تملك المواريث غير ظاهر في المقام ؛ إذ لا يتعيّن هناك مالك في غير واحد منها كما في سهم الرقاب بالنسبة إلى بعض صوره وسهم سبيل اللّه.

ص: 277


1- في ( د ) : « و ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 257.
3- في ( د ) زيادة : « فيه ».

بل كثير منها إنّما وضعت مصرفا لذلك ، فعلى القول برجوع ميراثه إلى الكلّ ينبغي القول بكونه على نحو استحقاق الزكاة لبعد الانتقال إليهم على سبيل الملك. وحينئذ فلا يبعد جعلها بمنزلة الزكاة في عدم وجوب البسط ، فتأمل.

ص: 278

تبصرة: [ في الغارمين ]

السادس من الأصناف : الغارمين ، وهو في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فلا كلام في أصل الحكم ، وإنّما يقع البحث هنا في أمور :

أحدها : أنّه يعتبر أن يكون الدين في غير معصية ، فلو كان في المعصية منع من سهم الغارمين بإجماعنا. حكاه في الخلاف (1) والغنية (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) (5). وعزاه في الحدائق (6) إلى الأصحاب ، قال : والظاهر أنه لا خلاف فيه.

وظاهر المحقق (7) جواز الدفع إليه مع التوبة حيث قال : ولو أعطى من سهم الغارمين لم أمنع منه. واستحسنه في المدارك (8) ، واقتفاه في ذلك صاحب الذخيرة (9). والأظهر الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى المعظم الروايات المستفيضة : منها :

الخبر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام عليه السلام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزوجل ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء على

ص: 279


1- الخلاف 4 / 235.
2- غنية النزوع : 124.
3- منتهى المطلب 1 / 521.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 257.
5- في ( د ) زيادة : « وعزاه في المدارك الى الأصحاب ».
6- الحدائق الناضرة 12 / 188.
7- المعتبر 2 / 575.
8- مدارك الأحكام 5 / 224.
9- ذخيرة المعاد 3 / 455.

الإمام عليه السلام له » (1).

ومنها : رواية صباح بن سبابة ، عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد وإسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ (2) .. ) الاية » (3).

وفي رواية قرب الإسناد بإسناده إلى الصادق عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : « يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة ، ومنهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف » (4).

وفي رواية المستطرفات (5) في الصحيح : « لا يعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا ». قلت : وما نداء الجاهليّة؟ قال : « هو الرجل يقول : يا لبني فلان فيقع بينهما القتل والدماء ، فلا تؤدّوا ذلك من سهم الغارمين ، ولا الذين يغرمون من مهور النساء - ولا أعلمه إلّا قال : ولا الذين لا يبالون (6) ما صنعوا في أموال الناس ».

وفي رواية علي بن إبراهيم ، عن العالم عليه السلام : « إنّ الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف ، فيجب على الإمام عليه السلام أن يقتضي فيهم ويكفهم من مال الصدقات » (7).

ويؤيّده الاعتبار ؛ فإنّ الزكاة إنّما شرعيّة إرفاقا ، وهو لا يناسب المعصية ، وإنّ فيه إغراء بالقبيح ، وفي منعها ردعا عنه ، فبذلك كلّه يقيّد إطلاق الآية والروايات المستفيضة المطلقة الدالة على جواز أداء الدين من الزكاة من غير تقييد بذلك ، وهي حجة القول بالجواز

ص: 280


1- الكافي 5 / 94 ، باب الدين ح 5.
2- التوبة : 60.
3- الكافي 1 / 406 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ، ح 7.
4- قرب الإسناد : 109 ، وفيه : « الزكاة دينهم كله » ؛ وانظر : وسائل الشيعة 9 / 298 ، باب عدم جواز دفع الزكاة إلى الغارم في معصية ، ح 12063.
5- مستطرفات السرائر : 607 ؛ بحار الأنوار 93 / 60 ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح 14.
6- في ( ألف ) : « لا يبالون و ».
7- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.

استضعافا لتلك الروايات سندا ودلالة.

وهو ضعيف كما ترى.

وكأنّ من تأمّل فيه من المتأخرين غفل عن حكم أكثر الأخبار المذكورة ، وإلّا فهي حجّة كافية بنفسها فضلا عن تأيّدها بما عرفت.

ولو جهل الحال في المصرف فالذي يقتضيه اصالة صحة فعل المسلم ، وظاهر إطلاق الآية والأخبار الكثيرة الجواز حيث إنّ حملها على خصوص صورة العلم بالمصرف من البعيد ؛ لوضوح أن الاطلاع على خصوصيّات المصارف مستبعد في الغالب.

مضافا إلى اختلاف الأفعال باختلاف المقصود ، فقد يتراءى مباحا أو مندوبا. وهي معصية بحسب ما قصده ، ففيه شهادة واضحة على عدم تعليق الحكم به كما هو مختار جماعة كثيرين منهم الشيخ في ظاهر المبسوط (1) والحلي (2) والآبي (3).

وعزاه في التذكرة (4) إلى الأكثر.

وهو الأظهر لما عرفت.

وعن الشيخ في النهاية القول بالمنع. وربّما يظهر من الدروس (5) واللمعة (6) الميل إليه حيث اسنده إلى الرواية ساكتا عليه.

ويدلّ عليه أنّ الجهل بالشرط يقتضي بالجهل بالمشروط ، فلا يحصل معه العلم بالفراغ ، ولما في ذيل خبر صباح بن سيابة المتقدّم : قلت : فما لهذا الرجل الّذي هو (7) لا يعلم فيما أنفقه في

ص: 281


1- المبسوط 1 / 251.
2- السرائر 2 / 34.
3- كشف الرموز 1 / 254.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 258.
5- الدروس 1 / 241.
6- اللمعة الدمشقية : 43.
7- في ( د ) : « وهو ».

طاعة اللّه عزوجل أم في معصيته؟ قال : « يسعى له في ماله ويؤدها ما عليه وهو صاغر » (1).

وضعف الأوّل ظاهر مما عرفت ، والرواية ضعيفة ، وهي مع عدم نهوضها حجّة في نفسها غير مقاومة لما عرفت.

مضافا إلى ما فيها من الضعف في الدلالة ؛ لاحتمال بيانه الحكم بالنسبة إلى المستدين إذا صرفه في المعصية ولم يعلم به دافع الزكاة ، فحكم عليه السلام بعد استحقاقه في الزكاة.

وحمل الرواية عليه غير بعيد عن ظاهرها كما لا يخفى على المتأمل فيها.

وحملها بعض المتأخرين على من يعلم منه الأقدام على المعاصي وعدم التحرّز عن الفسوق ففي حقّه لا يحمل تصرفاته على الصحّة دائما.

وهو كما ترى. ولو كان الحمل المذكور مذهبا للحامل كما هو الظاهر كان ما ذكره تفصيلا في المقام.

ثانيها : أن كون الدين مصروفا في المعصية قد يكون من جهة صرف عين المال المستدان في المعصية سواء كان ذلك هو المقصود حال الاستدانة أو وقع صرفه في ذلك على سبيل الاتفاق ، وقد يكون من جهة حصول الدين بالمعصية كما إذا لزمه الدية ابتداء في جناية العمد أو أنّه زنى بالمرأة قهرا أو مع حصول الشبهة في جانب المرأة أو أتلف مالا لغيره على سبيل الغصب ونحو ذلك.

وقد يجتمع فيه الجهتان كما إذا صرف المال المغصوب في الجهة المحرّمة لذاتها ؛ لصرفه إذن في المعصية وحصول (2) اشتغال الذمّة فيه بالإتلاف المحرّم عليه.

وهل يعتبر أن يكون الدين المذكور في الوجه الأخير مصروفا في المعصية بلا واسطة أو يعمّ ما إذا كان صرفه فيه مع الواسطة؟ كما إذا صرف الدين في المعصية ثمّ استدان لقضاء ذلك الدين وهكذا فإنّ الدين الثاني وما بعده إنّما صرف في اداء الواجب إلّا أنّ ثبوت أصل الدين عليه إنّما كان لأجل المعصية ؛ وجهان ، البناء على الثاني لا يخلو عن قوّة.

ص: 282


1- تهذيب الأحكام 6 / 186 ، باب الديون وأحكامها ح 10.
2- لم ترد في ( ب ) : « وحصول .. في المعصية ».

ثمّ إنّه هل يراد به خصوص الوجهين المذكورين أو يعمّ ما إذا كان أصل الصرف معصية وإن كان المصروف فيه طاعة في نفسه؟ كما إذا صرف المال في وجه مباح مع مطالبة الديان وعدم قدرته على الوفاء من غيره ، فإنّه مع تعيّن الصرف في قضاء الدين يحرم عليه الصرف المذكور ، فالصرف حرام وإن كان المصروف فيه مباحا في نفسه ؛ وجهان أظهرهما الأوّل ؛ لانصراف الإطلاق إليه وعدم ظهور الثاني منه في المقام.

ثالثها : إنّ الغارمين صنفان :

أحدهما : الذين استدانوا لمصالح أنفسهم من طاعة كحج وزيارة ، أو مباح كأكل ولبس ونحوهما.

ثانيهما : من استدانوا لمصلحة غيرهم كأن تحمل حالة لإطفاء نائرة الحرب ودفع الفساد بين الناس ، أو يدفع الدية كذلك ، أو يتحمل غرامة متلف كذلك ، ونحو ذلك.

فالكلام هنا في مقامين :

أمّا الأوّل فيقتصر في مستحقه الفقر بإجماعنا كما في الخلاف (1) والغنية وظاهر التذكرة (2) ، وباجماع أهل العلم كافة كما في المبسوط (3).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك أنّ الزكاة إنّما شرعت لسدّ الخلّة ودفع الحاجة ، وما ورد في الأخبار من عدم حلّ الصدقة للغني.

ويمكن المناقشة في الأوّل بالمنع من كون وضع الزكاة لسد الخلّة بالنسبة إلى جميع مصارفها ، كيف ويجوز دفعها إلى الغارمين والمؤلفة مع الغناء. ولو سلّم فغاية الأمر اعتبار عدم المكنة من الأداء ، وهو لا يستلزم الفقر ؛ إذ قد يكون صناعة وافية بنفقته من غير زيادة عليها. وحينئذ يكون غنيّا مع عدم قدرته على وفاء الدين.

وفي الثاني : بأنّ المراد منها كأنّه خصوص سهم الفقراء والمساكين ؛ إذ لا يعتبر الفقر في

ص: 283


1- الخلاف 4 / 235.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 258.
3- المبسوط 1 / 251.

كثير من السهام الأخر ، والإجماعات المنقولة موهونة بتصريح جمع من الأصحاب بالاكتفاء بعدم القدرة على الأداء.

وكأنّ ذلك هو المقصود فيما نقل الإجماع عليه.

وكيف كان ، فظاهر المقابلة في الآية الشريفة - مضافا إلى إطلاقها وإطلاق ساير الأخبار - عدم اعتبار الفقر في المقام بل يكفي (1) فيه عدم القدرة على الوفاء سواء كان فقيرا أو لا ، بل لو قيل بالاكتفاء فيه بالفقر أيضا - ليكون أحد الأمرين كافيا في الاستحقاق حيث إنّ بينهما عموما من وجه في الصدق - كان وجها ؛ أخذا بإطلاق الأدلة كتابا وسنة.

والأخبار المتقدمة لا دلالة فيها على عدم جواز دفعها إلى الفقير من سهم الغارمين إذا كان قادرا على أداء الدين ، بل قضية إطلاقها الجواز. غاية الأمر استظهار خروج الغني القادر على ذلك كما هو معلوم من الإجماع المعلوم (2) والمنقول ، وأمّا غيره فلا إشارة في تلك الأخبار إلى المنع منه.

ومن العجيب مبالغة صاحب الحدائق (3) في اعتبار خصوص عدم القدرة على الوفا [ ء ] مدّعيا ظهوره من أخبار الباب ، بل ادّعى صراحة رواية أبي نجار (4) فيه.

وقد مضى شطر منها.

وأنت خبير بأنّ شيئا منها (5) من الأخبار المذكورة ولا إشارة فيها إلى ذلك فضلا عن الدلالة.

وكذا الحال في رواية أبي نجار ؛ فإنّها إنّما وردت في خصوص العسر ، ومن المقرّر أنّ خصوصية المورد لا يدلّ على اختصاص الحكم.

ص: 284


1- في ( د ) : « يكتفى ».
2- لم يرد في ( ب ) : « من الإجماع المعلوم ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 188.
4- في المصدر : أبي نجاد.
5- لم يرد : « منها » في : ( ب ) و ( د ).

ومن هنا يظهر قوة ما استقربه العلامة في النهاية (1) ونفى عنه البعد في المدارك (2) من جواز دفعها إلى المديون إذا كان عنده ما يفي بدينه لكن لو دفعه يصير فقيرا.

ولما عرفت من قضاء الإطلاقات به مع عدم ظهور خلافه من ساير الأدلّة ، و (3) دعوى دلالة الأخبار على خلافه قد (4) عرفت ما فيه.

نعم ، ما علّله به في المدارك (5) من عدم صدق التمكن من الأداء عرفا ضعيف.

كيف ، ولا يستثنى في الدين إلّا نفقة اليوم والليلة ، وكذا ما علّله في نهاية من انتفاء الفائدة في منعه من سهم الغارم وتكليفه بالدفع في الدين ، ثمّ أخذه من جهة الفقير. وكأنّ ذلك تقريب في اندراجه تحت الإطلاقات.

هذا ، ولو كان قادرا على أداء الدين بالاكتساب على التدريج فاحتمل فيه في نهاية الإحكام (6) جواز الدفع والمنع ؛ نظرا إلى أنّ حاجة الغارم حاصلة بالفعل لثبوت الدين في ذمته والمفروض عدم قدرته على الوفاء بالفعل ، وإلى أنّ القدرة على الكسب بمنزلة القدرة على المال على نحو ما اعتبر في الفقير.

والأظهر المنع لقوّة الوجه الأخير وعدم ظهور اندراجه تحت الإطلاقات ، وقضاء اليقين بالشغل اليقين بالفراغ.

كيف ، ولو جاز ذلك لجرى بالنسبة إلى ما إذا استحق ما لا يفي بذلك على قبيل (7) التأجيل إذا استحق عليه في الحال ، ولم يكن له بالفعل ما بقي بذلك.

ولو صحّ ذلك لزم جواز إعطاء الزكاة لكثير من التجار إذا حلّ ما عليهم قبل أن يحلّ

ص: 285


1- نهاية الإحكام 2 / 391.
2- مدارك الأحكام 5 / 223.
3- في ( ألف ) : « أو ».
4- في ( ألف ) : « وقد ».
5- مدارك الأحكام 5 / 223.
6- نهاية الإحكام 2 / 391.
7- في ( د ) : « سبيل ».

الأجل (1) فيما لهم من الأموال ، و [ هو ] بيّن البطلان.

نعم ، ربّما يقال بالجواز إذا كان ما يفضل من مؤنته في غاية القلّة بحيث لا يصدق معه اسم المكنة من الأداء ؛ نظرا إلى طول المدّة ، وكذا لو كان الأجل بعيدا جدا من (2) المؤجل على وجه ، فتأمّل.

ولو كان قادرا على الصنعة ولم يكن من أهل الصنائع (3) ففي (4) جواز الدفع إليه الوجهان الماضيان (5) في الفقير. وظاهر اعتبار عدم القدرة على الأداء يعطي المنع. وأمّا لو كان قادرا على الاستيهاب أو كان (6) يتوقع الانتقال إليه بالميراث فلا ينبغي التأمل في الجواز فيما إذا [ ... ] (7).

ص: 286


1- في ( ب ) : « للأجل ».
2- في ( د ) : « في ».
3- في ( ب ) : « الصناعة ».
4- في ( ألف ) : « في ».
5- في ( ب ) : « ماضيان ».
6- ليس في ( ب ) : « كان ».
7- هنا بياض في الأصول المخطوطة.

الباب الثالث: في زكاة الفطرة

اشارة

الباب (1) الثالث

في زكاة الفطرة

وهي إمّا من الفطرة بمعنى الخلقة ، ويراد بها البدن فيكون في (2) مقابلة زكاة المال حيث إنّها يعطي عن الأشخاص أو أنّها تعطى محافظة البدن وسلامتها عن التلف كما عن زكاة المال يوجب حفظ المال.

وقد دلّ عليه النص في المقامين.

أو بمعنى الإسلام كما في الآية الشريفة ، فيراد بها زكاة الإسلام [ و ] إسنادها إليه لأجل الاهتمام بها وشمول التكليف بها لمعظم الناس.

أو بمعنى الفطر من الصوم حيث إنّها تعطى في يوم الفطر.

وكيف كان ، فوجوبها في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، بل هي من الضروريات في الجملة.

والكلام في شرائطها وتعيين الأجناس التي يخرج منها ومقدارها وبيان وقت وجوبها وإخراجها ، وما يتعلّق بها.

فلنفصّل القول فيها في فصول :

ص: 287


1- في ( د ) : « المقام ».
2- زيادة « في » من ( د ).

الفصل الأول: في بيان شرائط وجوبها

تبصرة: [ في اشتراط التكليف ]

يشترط وجوبها بالتكليف ، فلا يجب على الصبيّ والمجنون إجماعا. حكاه الفاضلان في المعتبر والمنتهى (1) وتحرير الأحكام (2).

ويدلّ عليه بعد ذلك في غير المكلّف لا يتعلّق به خطاب الشرع ، وتكليف الولي بذلك ممّا لا دليل عليه ، فهو منفي بالأصل.

وخصوص الصحيح الوارد في الصبي : « عن الوصيّ يزكّى زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ، فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (3).

مضافا إلى بعض الإطلاقات الدالّة على أنّ الزكاة إنّما تجب إذا وجبت الصلاة.

وفيه دلالة أيضا على عدم وجوبها على المجنون.

وكما لا تجب عليهما بالنسبة إلى أنفسهما فكذا بالنسبة إلى من يدخل في عيلولتهما (4) فلا زكاة عليهما من جهة الملوك.

نعم ، في المكاتبة الصحيحة عن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده

ص: 288


1- منتهى المطلب 1 / 531.
2- تحرير الأحكام 1 / 419.
3- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 8.
4- في ( ألف ) : « حيلولتهما ».

مال لمولاه وينحصر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ فقال : « نعم » (1).

[ و ] في المدارك (2) : يستفاد من هذه الرواية أنّ الساقط عن اليتيم فطرته خاصّة لا فطرة غلامه ، وإنّ للملوك التصرف في مال اليتيم على هذا الوجه ، [ و ] كلا الحكمين مشكل.

قلت : من البيّن أنّ الخروج عن مقتضى القواعد المعلومة بمجرّد ورود رواية متروكة ممّا لا وجه له.

وربّما تحمل على ما إذا كان موت مولاه بعد هلال العيد ، فيثبت الزكاة في ماله.

وحينئذ فتولي العبد لإخراجه من قبل نفسه غير موافق للقواعد إلّا أن يحمل ذلك على صورة الضرورة لعدم إمكان الرجوع إلى من يتولّى الإخراج.

ثم إنّهم ألحقوا الإغماء بالجنون لاشتراكه معه في ارتفاع التكليف.

وفي المدارك (3) : إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

قلت : إن تمّ في المقام إجماع فلا كلام ، وإلّا فالحكم المذكور لا يخلو من إشكال ؛ إذ لو كان مجرد ذلك كافيا في السقوط لزم القول بسقوطه عن السكران والنائم والناسي والغافل والممنوع ؛ لارتفاع التكليف عن الكلّ.

هذا إذا قلنا بأنّ العبرة في ذلك بحال الوجوب لا حال الأداء ، وأمّا إن اعتبرنا ذلك في المقام فلا إشكال في الجميع ؛ لسقوطها من الكل ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ص: 289


1- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 13.
2- مدارك الأحكام 5 / 307.
3- مدارك الأحكام 5 / 308.
تبصرة: [ في اشتراط الحرية ]

ويشترط فيه الحرية ؛ فلا زكاة فطرة على المملوك إجماعا. حكاه جماعة منهم الشيخ في الخلاف (1) والحلي في السرائر (2) والعلّامة في منتهى المطلب (3).

وفي المدارك (4) : إنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الحدائق (5) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب.

وهو على القول بنفي الملك عنه مطلقا ظاهر ، وعلى القول بملكه فيدلّ عليه بعد ما عرفت من الإجماع ما دلّ على أن زكاة المملوك على سيّده من غير تفصيل ، فإنّه ظاهر جدا في عدم وجوب الزكاة عليه مطلقا. مضافا إلى عموم الصحيح : « ليس في مال المملوك شي ء » (6).

وفي آخر : قلت له : مملوك بيده مال عليه (7) زكاة؟ قال (8) : « لا » قلت : فعلى سيّده؟ فقال : « لا لأنّه لم يصل إلى سيّده ، وليس هو المملوك (9) » (10).

ص: 290


1- الخلاف 2 / 130.
2- السرائر 1 / 465.
3- منتهى المطلب 1 / 532.
4- مدارك الأحكام 5 / 308.
5- الحدائق الناضرة 12 / 259.
6- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح 1.
7- في ( د ) : « أعليه ».
8- في ( د ) : « قلت ».
9- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح 5.
10- في ( د ) : « للمملوك ».

وقد استند إليهما بعض الأصحاب.

ويمكن المناقشة في الأوّل بظهوره في صورة العيلولة ، مضافا إلى ما سيجي ء بيانه من سقوط الوجوب عن المولى مع انتفاء العيلولة كما هو الأقوى.

وفي الثاني بظهورهما في زكاة المال جدّا بل صراحة الأخير فيه ، ولذا علّله بعدم وصول المال إلى سيّده ، ونفى الزكاة فيه عن السيد والعبد.

نعم ، يمكن الاحتجاج عليه بما رواه في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه السلام قال : « تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة » (1) فإن ظاهره يشير إلى أن من ليس أهلا لأنّ تجب عليه الزكاة لا تجب الفطرة عليه.

وقد مرّ عدم وجوب زكاة المال على العبد ، وضعف الإسناد ينجبر بالعمل.

وكيف كان فالحكم المذكور في الجملة ممّا لا كلام فيه ،

وإنّما الكلام هنا في أمور :

أحدها : أنه لا فرق في الحكم المذكور بين القن ، والمدبر ، وأم الولد ، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شي ء ، وإن كان الأخيران قابلان (2) للتملك.

وفي الحدائق (3) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك ولا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب. والمشهور في المكاتب بقسميه المذكورين سقوط الزكاة عنه.

وفي المدارك (4) : إنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في الفقيه (5). واستجوده في المدارك. وبه (6) أفتى في الحدائق (7) ، وحجّتهم على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه السلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز

ص: 291


1- وسائل الشيعة 9 / 325 ، باب عدم وجوب الفطرة على غير البالغ العاقل ح 1.
2- كذا ، والصحيح : « قابلين ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 259.
4- مدارك الأحكام 5 / 309.
5- من لا يحضره الفقيه 2 / 117.
6- في ( ألف ) و ( ب ) : « والعلامة » ، بدلا من : « وبه ».
7- الحدائق الناضرة 12 / 260.

شهادته؟ قال : « الفطرة عليه ولا تجوز شهادته » (1) قال الصدوق : وهذا على الإنكار (2) لا على الاختيار ، يريد بذلك : كيف يجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟ » (3). أي إن شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة.

قلت : ظاهر الرواية إرادة الإخبار ، وحملها على الإنكار بعيد جدا ؛ إذ المفروض وقوع السؤال عن الأمرين ، وليس في السؤال حكاية القول بعدم جواز شهادته وثبوت الفطرة عليه حتى يقابل ذلك بالإنكار ، وحينئذ فما تضمّنه متروك في المقامين سيّما الأخير ؛ للاتفاق على قبول شهادة العبد في الجملة.

فبملاحظة ما قرّر ظهر ضعف الاسناد (4) إلى الرواية ، مضافا إلى معارضتها بالمرفوعة : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبة ورقيق وامرأته (5) وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » (6) فإنّ قضية ثبوتها على مولاه سقوطها عنه إلّا أن في دلالتها ضعفا ؛ لاستظهار ورودها فيما إذا اندرج في العيال ، ولا كلام إذن في ذلك.

والتحقيق أن يقال : إن المكاتب إن اندرج في عيال مولاه كانت فطرته عليه من غير إشكال ، فيسقط عن نفسه. وإن اندرج في عيال الغير كانت الفطرة على ذلك الغير ، وإن صرف على نفسه من ماله بإذن المولى أو بغير إذنه لم يثبت فطرته على مولاه ؛ لخروجه عن عيلولته ؛ إذ أن له (7) الصرف على بعض الوجوه.

وسيأتي قوّة القول بسقوط نفقة العبد القنّ مع خروجه عن عيلولة المولى.

ص: 292


1- تهذيب الأحكام 8 / 276 باب المكاتب ح 40 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 179 باب الفطرة ح 2072.
2- في ( د ) : « الأخبار ».
3- من قوله « قال الصدوق » إلى هنا ليس في ( ألف ).
4- في ( د ) : « الاستناد ».
5- ليس في ( د ) : « واو ».
6- بحار الأنوار 93 / 110 ، باب قدر الفطرة ومن تجب عليه أن يؤدى عنه ومستحق الفطرة ح 16 مع اختلاف يسير.
7- في ( د ) : « وإن لم يجز » بدل : « إذ أن له ».

والاحتجاج (1) بالخبر المذكور على ذلك - كما اتفق لغير واحد من المتأخرين - غير متّجه ، بقي (2) الصحيحة المذكورة خالية عن المعارض إلّا أنّها موهونة بإعراض الأكثر عنها ، لكنّها مؤيّدة بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة الفطرة لشمول غير واحد منها آحاد المكلّفين خرج عنها المملوك الغير المكاتب ؛ لما عرفت ، فتبقى غيره تحت الإطلاق.

وفيه ما عرفت من ظهور رواية المقنعة في عدم وجوب الفطرة على من لا يجب عليه الزكاة الشامل للمقام ؛ لما مرّ من عدم وجوب الزكاة المال عليه. وهي مقيّدة لتلك الإطلاقات.

وضعف الإسناد منجبر بالعمل والأصل ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور ، غير أنّ المسألة غير خالية عن شوب (3) الإشكال.

ثانيها : لو تحرر من المكاتب المطلق شي ء وإن (4) كان في عيلولة غيره - سواء كان مولاه أو غيره - فالفطرة عليه ، وإلّا كانت فطرته عليه وعلى مولاه بالنسبة ، على المعروف بين الأصحاب.

وأسنده في الحدائق (5) إلى ظاهر الأصحاب مؤذنا بإطباقهم عليه.

وعلّل ذلك بأنّ النصيب المملوك يجب نفقته على المالك ، فتكون فطرته لازمة عليه ، ونصيبه الحر لا يتعلّق بالسيّد بل يكون واجبة عليه ، أخذا بالإطلاق كما إذا ملك بجزئه الحر ما تجب فيه الزكاة.

ويشكل بابتناء ما علّل به وجوب فطرته بحسب حصته المملوكة على مولاه على تبعية وجوب الفطرة على وجوب النفقة ، وليس كذلك كما سيأتي ، وبحسب جزئه الحر على نفسه على شمول الإطلاق له ، وهو محلّ تأمّل ؛ لانصراف الإطلاقات إلى الأفراد الشائعة دون

ص: 293


1- في ( د ) : « فالاحتجاج ».
2- في ( ألف ) : « ففي ».
3- في ( ألف ) : « ثبوت ».
4- في ( د ) : « فإن ».
5- الحدائق الناضرة 12 / 260.

الفروض النادرة.

ويمكن دفعه بأن ندرة وجود الفرد المفروض لا يقضي بعدم شمول الإطلاق له مع صدق المطلق عليه بعد وجوده ؛ إذ ليس كلّ ندرة باعثا على عدم شمول الإطلاق.

وعلى القول باعتبار العيلولة ( في وجوب الفطرة ينبغي تقييد الحكم في المقام بما إذا أنفق عليه المولى بالنسبة وإن كان في صدق العيلولة ) (1) حينئذ عليه إشكال إلّا أن الأظهر الاكتفاء به كما يظهر من ملاحظة الحال في العبد المشترك.

ويؤيده ما يظهر من التتبع عن إجراء حكم الحرّ والمملوك بالنسبة إلى المبعّض في كثير من المقامات كما يظهر من ملاحظة المواريث والحدود والديات وغيرها.

وممّا قررنا يظهر ضعف ما حكى عن الشيخ من سقوط فطرته عن نفسه وعن المولى مطلقا.

وكأنّه لما عرفت من عدم صدق الحرّ عليه ولا المملوك لخروج المجموع عنهما فلا يندرج في شي ء منهما ليثبت له أحد الحكمين. ومقتضى الأصل براءة الذمّة.

هذا ، ولا فرق فيما ذكرناه بين المكاتب وساير صور المبعّض (2) لاشتراك العلّة. نعم ، على قول الصدوق من وجوب الزكاة على المكاتب يثبت الفرق ، وليس لأجل التبعّض.

ثالثها : كما لا تجب على العبد فطرة نفسه كذا لا تجب عليه الفطرة عن زوجته أو مملوكته وإن قلنا بملكه ؛ لما عرفت.

وصرّح في منتهى المطلب (3) : أن الذي يقتضيه المذهب وجوب فطرة مملوك المملوك على مولاه لأنّه المالك في الحقيقة والعبد مالك بمعنى اساغة (4) التصرف ، ولأن ملكه ناقص.

ص: 294


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( د ) : « التبعض ».
3- منتهى المطلب 1 / 534 وفيه : « اشاعة التصرف ».
4- في ( ألف ) : « اسائة ».

ونصّ في التذكرة (1) على أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة عن زوجته.

وعن الشهيد في البيان (2) احتمال عدم وجوب زكاة مملوكه عليه ، ولا على مولاه ؛ لمانع المملوكية في الأول وانتفاء الملكيّة في الثاني.

والأظهر - بناء على ما يأتي - توقف وجوب فطرتهما على المولى على العيلولة ، ومع عدمها فعلى القول بعدم ملك العبد لا كلام ، وأمّا على القول بملك العبد وثبوت العيلولة بالنسبة إليه ففيه الإشكال المتقدم.

والأقوى فيه أيضا حسبما عرفت عدم الوجوب ، فلا يجب على المولى لانتفاء العيلولة ، ولا على العبد لانتفاء شرط التكليف.

ص: 295


1- تذكرة الفقهاء 5 / 369.
2- البيان : 206.
تبصرة: [ في اشتراط الغنى ]

ومن شرائط وجوبها أن يكون الدافع غنيّا وهو من يملك مؤنة نفسه وعياله فعلا أو قوة حسبما مرّ تفصيل القول فيه.

وقد وقع الكلام في المرام في مقامات :

أحدها : في اشتراط الوجوب بالغناء ، فالمعروف من مذهب الأصحاب اعتباره فيه وعليه عامة المتأخرين.

وعن الفاضلين في المعتبر (1) والمنتهى (2) : انّه مذهب علمائنا أجمع عدا الإسكافي ، فانّه قال بوجوبها على من فضل من مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع.

وعزاه في الخلاف (3) إلى كثير من أصحابنا.

والظاهر أنّه أريد بذلك وجوب فطرة نفسه عليه حينئذ أو وجوب الفطرة عليه في الجملة لا وجوبها عليه بمجرّد ذلك مطلقا ، والأظهر الأوّل للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه المعتضدة بالأصل وعمل الأصحاب ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه (4) صدقة والفطرة؟ قال (5) : « لا ».

وفي معناه الموثق كالصحيح وخبران آخران.

ص: 296


1- المعتبر 2 / 593.
2- منتهى المطلب 1 / 532.
3- الخلاف 2 / 146.
4- في ( د ) : « أعليه ».
5- الإستبصار 2 / 40 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 3.

وفي الموثق : على (1) الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « ليس عليه فطرة » (2).

ونحوه ما في الصحيح على الأصحّ. وقويّة صفوان.

وفي الخبر : لمن تحل الفطرة؟ فقال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحل عليه ، ومن حلّت عليه لم تحل له » (3).

وروى المفيد في المقنعة (4) عن يونس بن عمار ، عن الصادق عليه السلام : « يحرم (5) الزكاة على من عنده قوت السنة ويجب (6) الفطرة على من عنده قوت السنة » (7).

كأنّ المراد من قوت السنة مطلقا مؤنتها كما يشير إليه غيرها من الأخبار.

وفي مقابلة هذه الأخبار أخبار أخر مشتملة على المعتبرة ظاهرة في وجوبها على الفقير أيضا ، منها الصحيح : الفقير الذي يتصدّق عليه هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم يعطي مما يتصدق عليه » (8).

وربّما يحمل على ما إذا حصل له الغنى بذلك.

وقد يشهد له خبر الفضيل : على (9) من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : « امّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة وليس على من يقبل الفطرة فطرة » (10).

ورواه المفيد في المقنعة (11) عن زرارة والفضيل مع إسقاط قوله « وليس عليه لما قبله

ص: 297


1- في ( ألف ) : « عن ».
2- الاستبصار 2 / 40 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 1.
3- تهذيب الأحكام 4 / 73 ، باب زكاة الفطرة ح 11.
4- المقنعة : 248.
5- في ( د ) : أنه تحرم.
6- لم يرد في ( ب ) : « ويجب .. السنة ».
7- وسائل الشيعة 9 / 234 ، باب أن الفقر الذي يجوز معه أخذ الزكاة أن لا يملك مئونة السنة ح 10.
8- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 11.
9- في ( د ) : « أعلى ».
10- الاستبصار 2 / 41 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 6.
11- المقنعة : 248.

زكاة » فإنّ ما تضمّنه من التفصيل ممّا لم يقل به أحد ، فليحمل على ما ذكرناه من حصول الغنى بقبول زكاة المال ، وإنّما فصّل بين الأمرين لبعد حصول الغنى بالفطرة.

ومنها الصحيح : « زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقطّ من كلّ انسان حر أو عبد كبير أو صغير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » (1).

وهي كما ترى (2) غير واضحة الدلالة على ذلك ، وإنّما فيه إطلاق وفي آخره إيماء إليه.

ومنها : الخبر المروي في الإقبال ، وفيه : « هي واجبة على كل مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة » (3).

وفيه : أن الوجوب فيه أعمّ من الوجوب المصطلح ، فيدلّ على ثبوت الزكاة عليه في الجملة كما سيأتي إن شاء اللّه الكلام فيه (4).

وأقصى ما فيه ظهور إطلاقه في الوجوب ، وبعد التصريح في الأخبار المتقدمة بالعدم يتعيّن حمله على الندب.

مضافا إلى اعتضاد ذلك (5) بعمل الأصحاب ، بل الاتفاق عليه فيقيّد بها إطلاق الكتاب والسنة.

ثانيها : المراد بالغنى في المقام كما مرّ في زكاة المال من ملك قوت (6) سنة لنفسه وعياله. وعليه عامة المتأخرين من غير خلاف يعرف بينهم.

وعن الشيخ في الخلاف (7) : أنّه من ملك عين النصاب أو قيمته.

ص: 298


1- الاستبصار 2 / 42 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 13.
2- في ( ب ) : « نرى ».
3- اقبال الاعمال 1 / 465. ح 16.
4- في ( د ) : « فيه إن شاء اللّه ».
5- في ( د ) : « تلك ».
6- في ( ألف ) : « قوة ».
7- الخلاف 2 / 146.

واعتبر الحلي تملكه لعين النصاب خاصة دون قيمته.

وحكى عليه الإجماع واتفاق الإماميّة. وعن جماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم تفسيره بمن ملك أحد النصب الزكوية.

وظاهر ذلك موافقة الحلي (1) في اعتبار تملّك عين النصاب ، لكن ذكر المحقق في المعتبر (2) بعد حكاية قول الشيخ أنه لا يعرف به حجّة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، ثمّ حكى قول الحلي ودعواه الإجماع على ذلك ، قال : ولا ريب أنه توهم.

والمستفاد من كلامه أنّ القول المذكور من الأقوال النادرة عند الاوائل.

وكيف كان فقضية كلام الحلي والمحكي عن الجماعة دوران الحكم مدار ذلك في الوجوب وعدمه ، ولو كان عنده مؤنة سنة أو أضعافها.

وهو حينئذ بعيد جدّا بل بيّن الفساد قطعا وإلّا لم يجب الفطرة على أكثر الأغنياء ، وكذا يرد على الشيخ حيث اكتفى بملك عين النصاب أو قيمته عدم وجوبها على المكتسب الذي يفي كسبه بمئونة سنته أو يزيد عليها إذا لم يملك مقدار النصاب.

وهو من الوهن بمكان.

ولا يبعد حمل (3) كلام هؤلاء على الاكتفاء بملك النصاب مع عدم تملّكه لمؤنة السنة ، فلا كلام إذن فيما إذا حصل الغناء بغير تملك النصاب كما هو الغالب في التجار وغيرهم ، وإنّما الكلام في حصوله بملك النصاب إذا لم يكن له ما يفي بمئونة سنته ، فيرجع كلام الجماعة إلى الاكتفاء بأحد الأمرين.

وعلى المشهور بين المتأخرين لا يعتبر إلّا ملكه لمؤنة السنة حسبما مرّ ثم إنّا لم نقف على حجّة للقول المذكور سوى ما قدّمناه في زكاة المال ، وهو كما عرفت في كمال الوهن.

نعم ، احتجّ الحلّي على ما ذهب إليه بالإجماع وهو كما ترى موهون بشهرة الخلاف فيه بل

ص: 299


1- تذكرة الفقهاء 5 / 371.
2- المعتبر 2 / 595.
3- في ( ألف ) : « محل ».

بإطباق المتأخرين على بطلانه.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ما يوجد في بعض العبارات من اعتبار تملّك (1) قوت السنة إنّما يراد به مؤنة السنة ؛ إذ لا اختصاص لخصوص القوت في ذلك بل لا بدّ من اعتبار ساير المؤن أيضا كما هو المستفاد من عدة من الأخبار كما مرّ (2).

ثالثها (3) : اعتبر الفاضلان في المعتبر (4) والمنتهى (5) مع تملكه لمؤنة السنة أن يملك مقدار زكاة الفطرة زائدا على المئونة.

وفي المدارك (6) : انّه لا بأس به.

وقطع في الروضة (7) هو بخلافه ، فلم يعتبر تلك الزيادة. واختاره بعض المتأخرين.

وكأنّه ظاهر إطلاق الآخرين ، وهو الذي يقتضيه اطلاق الأخبار المتقدمة.

ولا نعرف مستندا للتقييد سوى لزوم صيرورته فقيرا بدفع الفطرة مع عدمه ، فيحل له حينئذ أخذ الزكاة.

وهو كما ترى غير صالح لتقييد الأدلة ، وقضية الأخبار اعتبار عدم حلّ الزكاة له قبل الدفع ولا بعده.

ص: 300


1- في ( ب ) : « تلك ».
2- في ( د ) : « حسبما ».
3- في ( ب ) : « تبصرة ».
4- المعتبر 2 / 594.
5- منتهى المطلب 1 / 533.
6- مدارك الأحكام 5 / 313.
7- الروضة البهية 2 / 58.
تبصرة: [ في وجوب إخراجها عند تكامل شرائطها ]

إذا تكاملت شرائط وجوب الفطرة وجب إخراجها عن نفسه ، وعن جميع من يندرج في عياله ، ويدخل تحت عيلولته سواء كان على سبيل الوجوب أو الندب مسلما كان أو كافرا ، حرّا كان أو مملوكا ، كبيرا كان أو صغيرا ، مميّزا كان أو لا ، ممّن يجب نفقته على غيره أو لا ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب.

وحكاية الإجماع على أصل الحكم مستفيضة حكاه في المنتهى (1) والمدارك (2) وغيرهما.

ويدلّ عليه بعد ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها كالصحيح : سألته عمّا يجب على الرجل من صدقة الفطرة؟ قال : « تصدق عن جميع من يعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير » (3) ، أو ما عداه.

وفي صحيحة أخرى : « الفطرة واجبة على كلّ من يعول من الذكر أو الأنثى صغيرا أو كبيرا أو (4) حرّا أو مملوكا » (5).

وفي أخرى : « في صدقة الفطرة تصدق عن جميع من يعول من صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (6).

وفي رابعة : « صدقة الفطرة عن كلّ رأس من أهلك الصغير والكبير والحر والمملوك

ص: 301


1- منتهى المطلب 1 / 532.
2- مدارك الأحكام 5 / 315.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 182 ح 2081.
4- ليس في ( د ) : « أو ».
5- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 16.
6- الاستبصار 2 / 47 ، باب كمية زكاة الفطرة ح 7.

والغني والفقير » (1).

وفي مرفوعة محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الصادق عليه السلام قال : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيقه وامرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على ذلك ممّا لا ريب فيها.

ولنتمم الكلام في المقام برسم أمور :

الأول : لو كان من تجب عليه الإنفاق عليه مندرجا في عياله فلا كلام كما عرفت ، وأما مع عدمه فقد وقع الخلاف في أمور :

منها : الأبوان والأجداد والأولاد إذا كانوا معسرين ، فعن الشيخ في المبسوط (3) أنّ نفقتهم وفطرتهم عليه سواء اندرجوا في عياله أو لا.

والمعروف التفصيل بين العيلولية وعدمها.

وهو الأظهر ؛ لإناطة الحكم بها في الأخبار.

وعلّل الشيخ وجوب الفطرة عليه بوجوب الإنفاق.

وفيه : أنه يدور مدار العيلولة والإنفاق لا مجرد وجوب النفقة كما عرفت.

ويمكن الاحتجاج له بموثقة إسحاق بن عمار أو صحيحته عن الصادق عليه السلام : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمّك وولدك وامرأتك وخادمك » (4).

فإنّها تعمّ صورة الإنفاق عليهم وعدمه. وبمعناها صحيحة أخرى مشتملة على خصوص الولد ، وفيها : « إنّما تكون فطرته مع عياله بصدقة دونه قال العيال الولد والمملوك والزوجة وأمّ الولد » (5).

ص: 302


1- تهذيب الأحكام 4 / 75 ، باب زكاة الفطرة ح 18.
2- الكافي 4 / 174 باب الفطرة ح 20.
3- المبسوط 1 / 239.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ح 2080.
5- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ح 2079 ، وفيه : « على عياله صدقة ».

وهما محمولان على صورة العيلولة كما هو الغالب.

وفي الصحيحة الثانية إشارة إليه حيث فسّر العيال بذلك.

ومنها : الولد الصغير مع يساره ، فذهب الشيخ في المبسوط (1) إلى أنّ نفقته في ماله وفطرته على أبيه ؛ معلّلا بأنّه من عياله. وهو كما ترى.

وفي المدارك (2) أنّه ضعيف جدا.

ومنها : الزوجة إذا استحقّت النفقة على الزوج ، ولكن لم يعلها ، فإنها إن اندرجت في عيال غيره كانت فطرتها عليه كما هو مقتضى النصوص وظاهر كلام الأصحاب من غير خلاف يظهر فيه.

وفي الحدائق (3) نفى عنه الخلاف والإشكال وإلّا ففي وجوب فطرتها على الزوج خلاف ، فذهب كثير من الأصحاب إلى وجوبها عليه وجعلوها تابعة لوجوب الإنفاق.

وفي الحدائق (4) : إنّه المشهور.

وفي المدارك (5) : إنه مذهب الأكثر ، واعتبر جماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك (6) والحدائق (7) حصول العيلولة في وجوب الفطرة ، فلا فطرة عليه من جهتها مع عدمها ؛ أخذا بظواهر الأخبار المتقدمة التي أنيط الحكم فيها بالعيلولة. وهو الأظهر لتلك الظواهر المعتضدة بالأصل وعدم قيام دليل على خلافها سوى إطلاق المعتبرين المتقدمين.

وهو إطلاق ضعيف محمول على حصول العيلولة كما يومي إليه الثاني منهما.

ص: 303


1- المبسوط 1 / 239.
2- مدارك الأحكام 5 / 324.
3- الحدائق الناضرة 12 / 268.
4- الحدائق الناضرة 12 / 268.
5- مدارك الأحكام 5 / 322.
6- مدارك الأحكام 5 / 322.
7- الحدائق الناضرة 12 / 268.

ويؤيّده ضمّ غيرها إليها ممّا لا يقول (1) الأكثر به إلّا مع الإنفاق كما مرّ.

ومنها : الزوجة إذا لم تكن ممّن يجب الانفاق عليه كالناشزة والصغيرة على القول بعدم وجوب نفقتها ، وغير المدخول بها مع عدم التمكين والمتمتّع بها ، ففي وجوب فطرتها على الزوج مع انتفاء العيلولة قولان.

والمشهور فيه عدم الوجوب.

وعن الحلي (2) وجوب فطرتها عليه مطلقا مستدلّا بالعموم والإجماع ؛ إذ لم يفصّل في الزوجة أحد من الأصحاب.

وهو بيّن الوهن ؛ لعدم ظهور الإطلاق في مثل ذلك سيّما بالنسبة إلى المتمتع بها ، مضافا إلى ما عرفت من إناطة الحكم في الأخبار بالعيلولة.

ودعواه الاجماع موهونة بشهرة خلافه ، بل لا يظهر قائل بذلك سوى ما قال المحقّق في المعتبر (3) : ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الاماميّة بوجوب الفطرة عن الزوجة من حيث هي ، قال : فدعواه إذن عرية عن الفتوى والأخبار.

ونحوها ما عن المفيد.

ومنها : المملوك ، فالمعروف وجوب فطرته على سيّده مطلقا حاضرا كان أو غائبا ، صغيرا كان أو كبيرا ، مطيعا كان أو عاصيا ، آبقا كان أو لا ، مغصوبا كان أو لا.

وعن منتهى المطلب (4) أجمع أهل العلم كافة على وجوب إخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين والمكاتبين (5) المغصوبين والآبقين وعبيد التجارة ، صغارا كانوا أو كبارا (6).

ص: 304


1- في ( ألف ) : « يقول » بصيغة الإيجاب.
2- السرائر 1 / 466.
3- المعتبر 2 / 601.
4- منتهى المطلب 1 / 534.
5- في ( د ) زيادة : « واو ».
6- ليس في ( د ) : « واو ».

وحكاه في المعتبر (1) من (2) أكثر أهل العلم ، ثمّ نقل الخلاف فيه عن أبي حنيفة.

وعلّلوا ذلك بأنّ نفقته واجبة فيجب فطرته عليه.

وقد عرفت ما فيه ؛ إذ قضية الأخبار دورانه مدار العيلولة لا مجرّد وجوب النفقة ، ولذا ذهب المعظم في المسألة الأولى إلى (3) عدم وجوب الفطرة مع وجوب النفقة هناك أيضا. وقد نصّها هناك بعض هؤلاء بما قلنا.

وربّما يحتجّ عليه بإطلاق الأخبار.

وفيه : أنّ الإطلاق إنّما ينصرف إلى الغالب ، فلا يندرج فيه مثل ذلك ، ولا أقلّ من الشك.

مضافا إلى تقييده بما دلّ على اعتبار العيلولة ، وحكى في الشرائع (4) قولا بعدم الوجوب إلّا مع العيلولة. واختاره جماعة من المتأخرين منهم صاحب (5) المدارك (6) والحدائق (7).

وتردد فيه في الشرائع (8) وكأنّه الأظهر ؛ لما عرفت.

ثم لو كان العبد ممّن يعوله غير مولاه فلا إشكال في وجوب فطرته كما مرّ في الزوجة.

وقد نفى عنه الخلاف والاشكال في الحدائق (9).

وإن كان ينفق على نفسه من كسبه فإن كان ذلك بإذن السيد وما (10) في حكمه كان ذلك عيلولة اذ كسبه لسيده بناء على القول بعدم ملكه فتجب فطرته على سيده ، وإن كان لا عن إذنه فإن كان على سبيل الغصب ( فالظاهر خروجه عن العيلولة ، كيف ولو لا ذلك لكان كل

ص: 305


1- المعتبر 2 / 593.
2- في ( د ) : « عن ».
3- زيادة « إلى » من ( د ).
4- شرائع الإسلام 1 / 130.
5- في ( د ) : « صاحبا ».
6- مدارك الأحكام 5 / 322.
7- الحدائق الناضرة 12 / 269.
8- شرائع الإسلام 1 / 130.
9- الحدائق الناضرة 12 / 269.
10- في ( د ) : « أو ».

من يصرف على نفسه من مال الغير ولو على سبيل الغصب ) (1) مندرجا في عياله ، وهو بيّن الفساد.

وإن كان بإذن الشرع ففيه وجهان ؛ من حصول العيلولة في الجملة ، ومن عدم استناد إليه في ظاهر العرف ، فإن ظاهر قوله عليه السلام « من يعول » ونحوه لا يظهر انصرافه إلى ذلك.

ومن هنا يظهر جريان الإشكال في ساير من يجب الإنفاق عليهم إذا امتنع من يجب الإنفاق عليه وانفق الحاكم عليهم من ماله أو أخذوا مقدار النفقة بغير إذنه.

الثاني : المدار في صدق العيلولة على العرف ، والظاهر صدقها ببذل (2) النفقة وإن كانت كسوته على نفسه أو غيره.

وهل يعتبر أن يكون الدفع على وجه إباحة والترخيص أو يعمّ ذلك وما إذا كان على سبيل التملك؟ وجهان أوجههما الثاني ؛ إذ المدار في العيلولة على تكفّل النفقة سواء كان بتمليكه ذلك أو إباحته له ، وسواء كان المدفوع عين ما ينفقه أو قيمته.

نعم ، يعتبر فيه (3) أن يكون الدفع لأجل الإنفاق لأن يصرفه المدفوع إليه في نفقته ، ويعتبر مع ذلك صدق الاسم بحسب العرف ، فقد يجتمع الأمران ولا يعدّ عيلولة في العرف.

فظهر بما ذكرنا أنه لو شرط عليه الإنفاق في ضمن عقد لازم لم يمنع من (4) صدق العيلولة ، خلافا للمحقق في المعتبر حيث عدّه مانعا من ذلك ؛ ناظرا (5) إلى استحقاقه (6) ذلك ، وتملكه له من جهة الشرط ، فيكون كصرفه من مال نفسه ، بل هو من ذلك ؛ لكونه بمنزلة الأجرة.

وبه قطع في المدارك.

ويدفعه صدق الاسم بحسب العرف قطعا ، كيف وقد يجعل الشرط نفس العيلولة ويشير

ص: 306


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( ب ) : « ببذله ».
3- في ( ب ) زيادة : « فيه » الذي أثبتناه في المتن.
4- في ( ب ) : « في ».
5- في ( ب ) : « نظرا ».
6- في ( ب ) : « استحقاق ».

إليه ملاحظة حال الزوجة ؛ فإنّها تملك نفقة يومها مع أنّها من أظهر أفراد العيال.

ولو كان في عيلولة شخصين بأن كانا ينفقان عليه على سبيل الشركة فلا يبعد القول بوجوب فطرته عليهما على نحو ما يجي ء في العبد المشترك ، مع احتمال عدم وجوبها ؛ لخروجه عن عيلولة كلّ منهما.

ويجري مثله بالنسبة إلى الجماعة أيضا إلّا أن يكون بحيث يخرج عن اسم العيلولة.

ولو كان بعض نفقته من نفسه وبعضها من الغير ففي اندراجه في عياله أو وجوب الفطرة بالنسبة أو وجوبها على نفسه أو عدم وجوبها أصلا وجوه.

الثالث : هل يعتبر أن يكون العيلولة على وجه (1) المشروع (2) لدعوى انصراف ظاهر إطلاقها في كلام المشهور (3) إليه ، ولا أقل من الشكّ مع عدمها ، والأصل براءة الذمّة أو أنّه يدور مدار صدقها في العرف ولو لم يكن على الوجه المشروع كما إذا انفق عليهم من المال المغصوب كما هو الحال في كثير من الظلمة أو أمسك مملوك الغير أو زوجته وأدرجه في عياله على غير الوجه المشروع وإن أنفق عليه من ماله الحلال؟ وجهان لم أجد منهم تصريحا بأحدهما ، بل عبائرهم كظاهر الأخبار مطلقة في المقام.

وربّما يفصّل بين الصورتين المذكورتين بدعوى ظهور العيلولة في صرف مال نفسه عليه ، فلا يندرج فيه المال المغصوب ، وإن عدّ من أمواله في العرف ؛ لتغليبه عليه بخلاف ما لو كان الصرف على غير الوجه المشروع.

والأظهر الرجوع في ذلك إلى العرف.

الرابع : في وجوب الفطرة عن العبد الغائب الذي لا يعلم حياته ولا موته قولان ، فالوجوب مختار الحلي في السرائر (4).

ص: 307


1- في ( د ) : « الوجه ».
2- في ( ب ) زيادة : « أو ».
3- في ( د ) : « الشارع ».
4- السرائر 2 / 718.

وعن الشهيد الثاني في المسالك (1) الميل إليه.

والعدم مختار جماعة منهم الشيخ (2) والفاضلان (3).

احتج الحلي بأصالة البقاء ، وبأنّه يجوز عتقه في الكفّارة كما ورد في الصحيح في خصوص كفارة الظهار ، وليس ذلك إلّا من جهة الحكم ببقائه ، فيجب عليه فطرته.

حجة الجماعة أصالة براءة الذمّة ، واشتغالها موقوف على بقاء الحياة ، وهو غير معلوم ؛ وأنّ الأصل عصمه مال الغير من (4) السلطنة عليه ، فيجب انتزاعه على العلم بوجود السبب ، وهو غير حاصل في المقام.

ويجاب عمّا ذكره الحلي بأنّ ما استند إليه من الأصل معارض بالأصل المذكور ، فلا ينهض حجّة ، وحملها على العتق قياس لا نقول به سيّما مع وجود الفارق ؛ فإنّ العتق إسقاط لما في الذمّة من حقوقه تعالى ، وهو مبني على التخفيف بخلاف وجوب دعوى (5) الفطرة فانّه إلزام مال على المكلّف ، فلا يثبت مع عدم ثبوت سببه.

هذا ملخّص كلامهم في المقام.

أقول : ومبنى المسألة في المقام على حجيّة الأصل المذكور أعني أصالة البقاء وعدمها ، فإنّه قد يتخيّل كونها من الأصول المثبته حيث إنّها تثبت اشتغال الذمّة بالفطرة المنفي أيضا بالأصل.

ويدفعه أنّ وجوب الفطرة كوجوب النفقة للزوجة مع غياب الزوج والشك في حياته ، ولا شك هناك في حجية الأصل بل (6) ولا ينبغي التأمل فيه لكونه من استصحاب الموضوع ، والاجماع منعقد على حجيته فيترتب الحكم المتفرّغ عليه.

ص: 308


1- مسالك الإفهام 1 / 447.
2- المبسوط 1 / 239.
3- المعتبر 2 / 598 ، منتهى المطلب 1 / 534.
4- في ( د ) : « عن ».
5- ليس في ( د ) : « دعوى ».
6- ليس في ( د ) : « واو ».

وقد يفصّل في ذلك بين الحكم الثابت بثبوت أو لا المستمر باستمراره ، والحكم الجديد اللاحق المتوقّف على ثبوت ذلك الموضوع كما في المقام ؛ نظرا إلى قيام استصحاب الحكم التابع لاستصحاب الموضوع في الأوّل ، وانتفاء استصحاب الحكم في الثاني ، بل قيام أصالة عدم المعارض لاستصحاب الموضوع.

والأظهر حجيّة استصحاب الموضوع في المقامين ، كما هو مفاد الأخبار الدالة عليه.

وقد تقرّر ذلك في محلّه.

وبذلك يظهر أنّ ما ذكره الحلي هو الموافق للأصل بناء على القول بتبعيّة وجوب الفطرة للملكيّة ، وأمّا على ما اخترناه فلا زكاة لانتفاء العيلولة.

نعم ، لو فرض حصولها في المقام على فرض بقاء الحياة اتّجه القول بالوجوب ، ومع الشك فيه يشكل الحكم.

ودعوى أصالة بقاء العيلولة محلّ إشكال ، بل ربّما يستظهر خلافها ؛ لابتنائها على كون الانفاق من ماله على الوجه المتقدم ، وهو من الأمور المتجدّدة ، فلا يجرى فيه أصالة البقاء ، فتأمل.

ثمّ إنّ ظاهر المحكي عنهم في المقام جريان الخلاف حينئذ مع (1) الشكّ في البقاء كيف كان إلّا أنّه صرّح في الحدائق (2) بانّ محلّ الخلاف فيما إذا كان مفقود الخبر ، وأمّا في غيره فلا كلام.

وهو متّجه إذ الاكتفاء فيه بمجرّد الغياب بعيد جدّا ، بل مخالف لظاهر كلامهم.

وفي صحيحة جميل أنّه : « لا بأس أن يعطي الرجل عن عياله وهم غيّب عنه » (3) نعم ، ما ذكر من الاحتجاج بأصالة عدم الوجوب جار في الجميع. وبذلك أيضا يظهر وهن الاستناد إليه.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ ما ذكروه في العبد جار في الزوجة ، بل ساير من يجب فطرته

ص: 309


1- زيادة « مع » من ( د ).
2- الحدائق الناضرة 12 / 269.
3- الكافي 4 / 171 ، باب الفطرة ح 7.

عليه إلّا أنّ المفروض في كلامهم خصوص العبد ، والمتّجه في الجميع هو ما ذكرناه من غير فرق أصلا.

الخامس : لو كان العبد بين شريكين فإن عاله أحدهما أو أجنبي فالزكاة على العائل بلا إشكال ، وإلّا وجب فطرته على مواليه بالنسبة. عزاه في المدارك (1) إلى أكثر الأصحاب.

وعن الصدوق (2) أنّه لا فطرة عليهم إلّا أن يكون لكلّ واحد من الشركاء رأس تمام بعد ملاحظة حصصهم في العبد (3) أو العبيد.

ونفى عنه البعد في المدارك (4). كذا أطلقوه.

والظاهر على القول باعتبار العيلولة مراعاتها في المقام ، وحينئذ فمع اندراجه في عيلولة الجميع بالنسبة تكون فطرته عليهم على حسب الحصة ؛ لما عرفت ، ولإطلاق ما دلّ على لزوم اخراجها عن المملوك والمفروض كونه مملوكا للكلّ ، فتكون فطرته عليهم كما أنّه يجب الإنفاق عليهم.

ويؤيّده أنّه لو كانت الشركة مانعة من وجوب الفطرة لجرى فيما إذا خلص له رأس تمام ، ولا يظهر فيه خلاف في الوجوب.

حجّة الصدوق رواية زرارة المرويّة في الفقيه (5) بإسناد ضعيف من الصادق عليه السلام : قلت : عبد بين قوم فيه زكاة الفطرة؟ قال : « إذا كان لكلّ انسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، وإذا كان عدّة العبيد عدّة الموالي وكانوا جميعا (6) سواء أدّوا زكاتهم لكلّ واحد منهم على قدر حصّته ، وإن كان لكلّ انسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليه » (7).

ص: 310


1- مدارك الأحكام 5 / 329.
2- نقله عنه في مدارك الأحكام 5 / 329.
3- في ( د ) : « عبدين ».
4- مدارك الأحكام 5 / 329.
5- من لا يحضره الفقيه 3 / 183 ، ح 2082.
6- في ( د ) : زيادة : « فيهم ».
7- وانظر : وسائل الشيعة 6 / 254 ، باب وجوب زكاة الفطرة على السيد إذ اكمل له رأس ح 1 ، وفيه : « بين قوم عليهم فيه ».

وهي مع ضعفها (1) في الإسناد و (2) مخالفتها لفتوى الأكثر غير صالحة الحجيّة ، فلا يمكن التعويل عليها في مقابلة ما ذكرناه ؛ لما في المدارك (3) من الميل إلى العمل بها لمطابقة مضمونها للأصل وسلامتها عن المعارض كما ترى.

على أنّه ليس فيها ملاحظة العيلولة أصلا ، فهي مخالفة لما دلّ عليه غيرها من إناطة الحكم بها حسبما مرّ.

ثمّ على ما اخترناه من اعتبار العيلولة لو اشترك بين جماعة ولم ينفق عليه بعضهم فلا شي ء عليه ويجري الكلام المذكور حينئذ في خصوص المنفقين.

ص: 311


1- في ( ألف ) : « أضفعفها » ، وعبارة « وهي » زيدت من ( د ).
2- زيادة : « واو » من ( د ).
3- مدارك الأحكام 5 / 329.
تبصرة: [ في فطرة الضيف ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في وجوب فطرة الضيف على المضيف (1) وما في ظاهر المدارك وحكاية الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك خصوص الصحيح : « عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فينحصر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : « نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير أو مملوك » (2).

واختلفوا في حدّ الضيافة الموجبة للفطرة على المضيف على أقوال شتّى :

أحدها : اعتباره طول الشهر ، وحكي (3) القول به (4) عن السيد والشيخ ، وحكيا عليه في الانتصار والخلاف إجماع الاماميّة.

ثانيها : اعتبارها في النصف (5) الآخر من الشهر وحكي (6) عن المفيد.

ثالثها : الاجتزاء بالعشر الأواخر ، وحكي عن (7) البعض.

رابعها : الاجتزاء بليلتين في آخره ، وحكي (8) عن الحلي.

ص: 312


1- لم ترد في ( ب ) : « وما في ظاهر .. الضيف من ».
2- الكافي 4 / 173 ، باب الفطرة ح 16 ، وفيه : « أيؤدّي حر أو مملوك ».
3- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
4- في ( د ) زيادة : « به ».
5- في ( ألف ) : « الضيف ».
6- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
7- زيادة : « عن » من ( د ).
8- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.

خامسها : الاكتفاء بالليلة الواحدة ، وحكي (1) عن العلامة.

سادسها : الاكتفاء بمسمّى الضيافة في الجزء الأخير من الشهر بحيث يهلّ عليه الهلال وهو في ضيافته. عزاه في المعتبر (2) إلى جماعة من الأصحاب ، وجعله أولى.

وفي الدروس (3) : سمعناه مذاكرة ، قال : والأقرب أنه لا بدّ من الإفطار عنده في شهر رمضان أو ليلته.

واختاره المحقق الأردبيلي (4). وصرّح بوجوب الأكل عنده كما لو ساغ له الإفطار لسفر أو مرض ؛ معلّلا لصدق (5) العيلولة بذلك.

وعن الشهيد الثاني (6) وغيره ممّن اختار ذلك عدم اعتبار الأكل ، فهذا القول ينحلّ (7) إلى القولين.

سابعها : مراعاة صدق العيلولة وعدمه ، واختاره غير واحد من المتأخرين. وهو الأظهر ؛ لإناطة الحكم في الأخبار الكثيرة بالعيلولة كما عرفت من غير إشارة إلى خصوص الضيف ، بل لم نجد ذكر الضيف بالخصوص إلّا في الصحيحة المتقدّمة.

وقد ضمّ إليه في الجواب ذكر العيلولة ، وظاهرها اندراج الضيف أيضا في تلك القاعدة ، فيدور الحكم فيه مدار صدقه.

فإن قلت : من البيّن عرفا عدم اندراج الضيف في العيال ، ولو فرض اندراجها فيه فإنّما هو على سبيل الندرة. وقد صرّح في الصحيحة المذكورة المعتضدة بالعمل بوجوبها عن الضيف ، غاية الأمر أن يكون المستفاد من آخرها حصول العيلولة بالضيافة. وكأنّه مبنيّ على

ص: 313


1- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
2- المعتبر 2 / 603.
3- الدروس 1 / 250.
4- مجمع الفائدة 4 / 244.
5- في ( د ) : « بصدق ».
6- مسالك الإفهام 1 / 446.
7- في ( الف ) : « يفل ».

نحو من التوسع ، فلا يستدعي دوران الحكم فيه مدار اندراجه في العيال. كيف ويخرج معه عن الضيافة المأخوذة في عنوانه.

قلت : يمكن الفرق بين صدق العيال عليه بحسب العرف وكونه ممّن يعوله في الجملة ؛ فإنّ الظاهر صدق الثاني بتكفّل حاله في الجملة ، وهو إن اعتبر في صدقة ملاحظة الإنفاق عليه مدّة يعتدّ بها إلّا أنّه ليس كصدق (1) اسم العيال ؛ فإنّ المعتبر فيه ما يزيد على ذلك كما يظهر من ملاحظة العرف.

ألا ترى أنّه لو كان عنده ضيفا في تمام الشهر أو في معظمه كان ممّن يعوله في ذلك الشهر وإن لم يكن من عياله؟ فظهر بما ذكرنا اعتبار تكفّل الإنفاق في المقام ، وهو لا يصدق بمجرّد ضيافة ليلة واحدة أو ليلتين إلّا أن يكون مع البناء عليه بعد ذلك مدّة تعتد بها.

وكأنّ ما ذكرنا هو الوجه في عدّة من الأقوال المذكورة كاعتبار الضيافة في تمام الشهر أو نصفه أو العشر الأخير منه ؛ إذ لا يظهر وجه لشي ء من تلك التحديدات سوى ما ذكرناه ، فعلى هذا يكون كلّ من تلك الأقوال بيانا للمقدار الّذي يصدق معه اسم العيلولة ، فلا اختلاف بينها ؛ اذن في الحكم ، إنّما الكلام في تحقق الموضوع.

نعم ، القول الخامس والسادس مبنيّان على الاكتفاء بصدق اسم الضيافة من دون اعتبار العيلولة ، والقول الخامس يمكن اعتباره لكلّ من الوجهين المذكورين.

وكيف كان فصار المرجع في المسألة إلّا أنّ المدار في المقام على حصول مسمّى الضيافة ، وصدق اسم الضيف أو المعتبر حصول العيلولة في الجملة وإن اختلف فيما يتحصّل به كلّ من القولين (2) المذكورين ، فإن ذلك كما عرفت ليس اختلافا في الحكم ، وإنّما هو كلام في الموضوع.

فالوجه في الأوّل ما عرفت من إطلاقه (3) ثبوت الفطرة لأجل الضيف في الصحيحة المتقدمة ، فيدور الحكم مدار حصول الضيافة.

ص: 314


1- في ( ألف ) : « لصدق ».
2- في ( د ) : « العنوانين ».
3- في ( د ) زيادة : « عليه السلام ».

وفي الثاني ما عرفت من ظواهر معظم أخبار (1) الباب المعلّقة للحكم على العيلولة.

وقد عرفت أنّ في ذيل الصحيحة المذكورة أيضا إشارة إليه ، وهو الظاهر من سياقها.

مضافا إلى اعتضاده بالأصل ، فلا خصوصيّة إذن لعنوان الضيافة ، وإنّما المدار على حصول العيلولة.

فروع

الأول : على ما اخترناه من اعتبار صدق العيلولة فلا مانع من ضيافته عند غير المضيف في أثناء الشهر ، بل ولا في الليلة الأخيرة ، أو أنفق على نفسه كذلك ، ولا يقضي ذلك بسقوط الفطرة عن المضيف.

الثاني : لو شكّ في صدق العيلولة على الغير فهل يجب عليه بذلك الفطرة عن نفسه - إذ هو قضية الأصل إلى أن يثبت اشتغال ذمة الغير به - أو يسقط عنهما ؛ أخذا بأصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما أو يؤخذ بمقتضى الحال الثابت قبل الشك ؛ أخذا باستصحابها؟ وجوه كأنّ أظهرهما الأخير.

الثالث : على القول باعتبار مسمّى الضيافة فهل يعتبر أكله من مال المضيف أو لا؟ وجهان ، والذي نصّ عليه بعضهم هو الثاني.

ويعضده ملاحظة العرف إلّا أنه ضعيف جدّا ؛ لبعده عن ظاهر الصحيحة المتقدمة التي هي المستند للحكم ، فإن ذكر العيلولة فيها كالصريح في اعتبار الأكل.

ثمّ إنّه هل يكتفى بالإفطار عنده (2) ليلة العيد؟ وجهان مبنيّان على أنّ الوجوب هل يتعلّق بمن اندرج في العنوان في أوّل وقت الوجوب أو يعم ذلك تمام وقت الأداء ، وسيجي ء الإشارة إليه إن شاء اللّه.

الرابع : لا زكاة على الضيف الموسر مع وجوبها على المضيف وأدائه ، بلا خلاف يعرف

ص: 315


1- في ( ألف ) : « اختبار ».
2- في ( ألف ) : « هذه ».

فيه سوى ما حكي عن ظاهر الحلي (1) من القول بوجوبها على الضيف والمضيف.

وفي الذخيرة (2) : أنّه أحوط. وكأن الوجه فيه أخذ [ ه ] بظاهر الإطلاقات في المقامين. وهو ضعيف جدّا ؛ إذ قضيّة إيجابها على المضيف سقوطه عن الضيف كما هو الحال في غير الضيف ممّن يتحمل الغير فطرته.

ص: 316


1- السرائر 1 / 27 ، الفتاوى النادرة المنسوب بابن ادريس.
2- ذخيرة المعاد 3 / 472.
تبصرة: [ في أداء مال الفطرة عن نفسه ]

قد عرفت أنّ من كان في عيلولة الغير كانت فطرته عليه مع يساره ، فإن أدّاه عنه فلا كلام ، وإلّا ففي وجوبها على نفسه مع يساره احتمال ؛ نظرا إلى أن ظاهر الإطلاقات وجوب فطرته عليه ، والقدر الثابت سقوطه مع تحمل الغير عنه ، وأمّا مع عدمه سيّما إذا اعتبر في وقت الأداء بحيث لم يمكنه الدفع فلا.

ويضعفه أنّ مقتضى الأدلّة تعلّق الوجوب حينئذ بمن يعوله ، فلا تكليف عليه حتّى يلزمه الخروج عنه ، غاية الأمر حينئذ عصيان الآخر بترك ما يجب عليه ، ولا يوجب ذلك انتقال التكليف عنه.

ودعوى وجوبها عليه وسقوطه بتحمّل الغير عنه ممنوعة ، كيف وقضيّة الأدلّة وجوبها على المعيل ابتداء.

وأما إذا كان المعال معسرا لا يجب الفطرة عليه ، فهل تجب الفطرة على المعال؟ وجهان ؛ من أن فطرته إنّما يتعلّق بالمعيل ، فلا تكليف عليه ، فإن كان المعال قابلا لتعلّقه به وإلّا سقط لانتفاء الشرط ، فالفطرة حينئذ ساقطة من المعال ؛ لمكان العيلولة ، وعن المعيل لانتفاء (1) القابليّة.

ومن قضاء إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنة بوجوب الفطرة على كلّ بالغ غنيّ خرج عنه المعال (2) مع يسار المعيل ؛ لقضاء الأخبار بوجوب الفطرة حينئذ على المعيل الدالّ على سقوطه عن المعال.

ص: 317


1- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
2- في ( د ) : « المعيال ».

وأمّا مع عدم (1) التكليف به فلا دليل على سقوطه عن المعال مع بلوغه ويساره ؛ لعدم اندراجه في تلك الأخبار.

وهذا هو الأظهر.

وقد أشار الأصحاب في الموضعين إلى الخلاف في المقام أحدهما (2) في الزوجة الموسرة إذا كان زوجها معسرا ، فعن الشيخ في المبسوط (3) وفخر الإسلام (4) اختيار الأوّل.

وعن الحليّ (5) والشهيد في الدروس (6) والسيّد في المدارك (7) اختيار الثاني.

وفصّل العلّامة (8) بين ما إذا بلغ إعسار الزوج حدّا يسقط معه نفقة الزوجة فالفطرة عليها ، وإن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا.

وعلّل الأوّل بما ذكرناه من العمومات.

والثاني بأنّ العيلولة مسقطة للفطرة عن نفسها ، والمفروض عدم وجوبها على زوجها أيضا.

ويضعّفه ما عرفت من عدم قيام دليل على سقوط الفطرة عنها بمجرّد عيلولة الغير لها ، وإنّما هو أوّل الكلام ، ومقتضى العمومات وجوبها عليها كما عرفت.

ثمّ إنّه قال بعد ما حكيناه عنه : أنّ التحقيق انّ الفطرة إن كانت واجبة بالأصالة على ( الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها وإن كانت بالاصالة على ) (9) الزوجة وإنّما يتحمّلها الزوج

ص: 318


1- في ( د ) زيادة : « تعلّق ».
2- في ( ألف ) : « أحدها ».
3- المبسوط 1 / 239.
4- إيضاح الفوائد 1 / 211.
5- السرائر 1 / 468.
6- الدروس 1 / 249.
7- مدارك الأحكام 5 / 325.
8- قواعد الأحكام 1 / 358.
9- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

سقطت عنه ؛ لفقره ووجبت عليها ؛ للأصل.

وكأنّه رجوع عما ذكره أوّلا.

وما ذكره [ و ] جعله مبنى الوجه الأوّل ضعيف ؛ إذ كون الفطرة على الزوج مع يساره بالأصالة لا يقضي بسقوطها من الزوجة الموسرة بإعساره مع قضاء الإطلاقات بالوجوب.

ثانيهما : الضيف الموسر مع إعسار المضيف ، فالذي بنى عليه جماعة وجوب الفطرة على الضيف ، واحتمل في المدارك (1) السقوط عنهما ، أما عن وأمّا عن الضيف فلمكان العيلولة ، قال : ولعلّ الأوّل أرجح.

وهو الأظهر حسبما مرّ.

ثمّ إنّ ما ذكروه في الموضعين جار في ساير من ينفق عليه ، ويندرج في عيلولته إذا كان موسرا مع إعسار المعيل.

هذا ، ولو تبرّع المضيف مع إعساره عن ضيفه الموسر ففي سقوط (2) الفطرة عنه بذلك وجوه ، بل أقوال :

فعن الشهيد في البيان القطع بعدم الاجزاء.

وعن العلّامة (3) احتمال الإجزاء ؛ نظرا إلى ندب الشارع إليه. ويحتمل التفصيل بين إذن الضيف في ذلك وعدمه ، فيجري في الأوّل دون الأخير ، واختاره في المسالك (4) قال : والظاهر أنّ موضع الإشكال ما لو كان الإخراج بغير إذنه إلّا أن صاحبي المدارك (5) والحدائق (6) استشكلا في صورة الإذن أيضا ، بل ظاهرهما سيّما الأخيرة المنع مع الإذن أيضا.

والتحقيق في المقام أنّ إذنه في دفع الفطرة إن كان على أن يكون الدفع من جانبه بأن

ص: 319


1- مدارك الأحكام 5 / 319.
2- في ( د ) : « المبسوط ».
3- قواعد الأحكام 1 / 358.
4- مسالك الإفهام 1 / 446.
5- مدارك الأحكام 5 / 319.
6- الحدائق الناضرة 12 / 276.

ينحل (1) إلى تمليك ذلك له ضمنا ودفعه عنه ، فالظاهر الجواز ؛ لجواز التوكيل في المقام قطعا.

ويجري ذلك بالنسبة إلى غير المضيف أيضا إذا أمره بدفع الفطرة عنه كذلك.

وإن كان في مجرّد أدائها عنه من غير أن أريد (2) به الدفع من جهته ، فلا ثمرة إذن في إذنه فهو كعدمه.

فإن قلنا حينئذ باستصحاب الفطرة على المضيف ؛ نظرا إلى ما في غير واحد من الأخبار من ثبوت الفطرة على الفقير بعد حمله على الندب ، فلا يبعد الاجتزاء به ؛ لبعد التكليف بأداء الفطرة من واحد مرّتين ، وإلّا كان المضيف كسائر الأجانب.

وحينئذ ففي الاجتزاء بدفعه إشكال ؛ لكون الفطرة من العبادات وقيام فعل الغير مقام فعله ابتداء مشكل مع احتمال الاجتزاء به مطلقا تغليبا لجانب الماليّة سيّما مع تعقيب (3) الإجازة.

ولو دفع الضيف فطرة نفسه مع يسار المضيف كان كدفع الأجانب سواء كان الضيف موسرا أو معسرا.

ص: 320


1- في ( ألف ) : « يتحمل ».
2- ليس في ( ب ) : « غير أن أريد .. » إلى « ما في ».
3- في ( د ) : « تعقب ».
تبصرة: [ في اشتراط نيّة أداء الفطرة ]

يشترط صحّة أداء الفطرة بالنيّة لكونها عبادة كسائر العبادات بلا خلاف يظهر فيه.

ويدلّ عليه بعد ذلك العمومات الدالّة على اعتبار النيّة في امتثال الأوامر الشرعيّة.

ويعتبر فيها أمران : القربة ، وتعيين كونه فطرة لا زكاة مالية أو صدقة مندوبة أو غيرهما.

ولا يعتبر تعيين كونها عن شخص معيّن ، فلو وجبت عليه الفطرة عن جماعة ودفعها صاعا صاعا لم يلزمه التعيين في كلّ دفع في وجه قويّ.

ولو كان وكيلا عن غيره فدفع عن نفسه وعن موكّله من غير تعيين ففيه وجهان. وعلى (1) الجواز ، و (2) يثمر ذلك فيما إذا لم يتمكّن من أداء جميع ما عليه ، فهل يكون المدفوع على الإشاعة بين الجميع أو يستخرج بالقرعة؟ وهل يعتبر تعيين كونه فطرة واجبة أو مندوبة مع اشتغال ذمّته بالواجب والمندوب؟ وجهان.

ويعتبر النيّة عند الدفع إلى المستحق أو من هو بمنزلته ؛ إذ هو حال إيقاع العبادة كما هو الحال في زكاة المالية ، وأمّا حال العزل فلا يعتبر فيه قصد القربة ؛ إذ ليس ذلك إلّا تمييز حق ، وليس أداء للعبادة حتّى يتوقف على القربة ، وإن وجبت ذلك في بعض الوجوه.

نعم ، يعتبر في العزل تعيين الحق بكونه فطرة لا زكاة ماليّة أو غيرها حسبما مرّ ؛ لعدم صدق العزل بدونه.

وحينئذ يتقوى سقوط اعتبار ذلك حال الدفع بعد حصوله بالعزل ، فيكتفى إذن بمجرّد اعتبار القربة.

ص: 321


1- لفظة الواو زيدت من ( د ).
2- ليس في ( د ) : « واو ».

هذا مع البناء على تعيين الحق بمجرّد العزل كما يظهر من الأخبار ، وأمّا بناء على عدم تعيينه بذلك كما هو قضية الأصل والمتعيّن بالنسبة إلى حقوق الناس فلا بدّ من اعتبار الأمرين حال الدفع إلّا أنّ الأظهر في المقام هو الأوّل كما سيجي ء إن شاء اللّه.

والمتولي للنيّة المالك أو وكيله عند دفعه إلى المستحق أو من يقوم مقامه من الإمام عليه السلام أو الفقيه أو غيرهما ، ولا يكتفى بنية المالك عند دفعه إلى وكيله.

وهل يعتبر وقوع النية عن الدافع مالكا كان أو وكيلا أو يجزي وقوع النيّة مقارنا للدفع وإن كان الدافع غيره كما إذا دفعه الوكيل مجردا عن القربة وكان المتولي للنية المالك؟ وجهان ؛ أظهرهما ذلك ؛ إذ المقصود حصول الإيصال إلى المستحق مقارنا للقربة.

ويتقوّى (1) الاكتفاء في التعيين أيضا بنيّة المالك وإن لم يعيّنه الوكيل ، وكذا الحال في الوكيل بالنسبة إلى وكيله في المقامين إذا تولى الثاني دفعها والأول نيتها.

وأمّا لو تولّى المالك الدفع والوكيل النيّة فإشكال.

والظاهر فيه عدم الاجتزاء ؛ [ ف ] إنّه هو المأمور بذلك ، ولا يستفاد من الأدلّة جواز تولّي الوكيل لذلك خاصّة مع منافاته للإخلاص المطلوب.

نعم ، لو دفعه المالك بأمر الوكيل من غير علمه بكونه من ماله قوي الاجتزاء بنيّة الوكيل.

ولو قلنا بجواز التوكيل في الاحتساب مع كون المال في ذمّة الفقير أو تحت يده صح نية الوكيل حينئذ مطلقا بعد وصوله إلى الفقير.

ولو دفعها إلى الإمام أو نائبه العام من دون نيّة فنواه القابض عند الدفع أجزأ ، وإن لم يوكّله في ذلك بل دفعها إليه من جهة الولاية على الفقراء. كذا ذكره في الروضة (2) ، ولا يخلو ذلك عن تأمّل.

ولو دفعها الفضول ناديا به القربة فأمضاه المالك ففي الاجتزاء به وجهان. وقد نصّ بعض

ص: 322


1- في ( ب ) : « يتأدّى ».
2- الروضة البهية 2 / 60.

الأفاضل بإمضائه.

وهو مشكل ، ومع البناء على جوازه فلا حاجة إلى اعتبار النيّة في الإجازة في وجه قوي.

ولو لم يجزه المالك فإن كان القابض عالما بالحال صحّ احتسابه عليه بعد ذلك مطلقا ، وكذلك إذا كان جاهلا مع بقائه العين ، ومع إتلافه وجهان أوجههما ذلك.

وإن استقرّ الضمان حينئذ على الدفع ، وحينئذ لا يرجع عليه بعد الاحتساب في وجه قوىّ.

ولو كان المكلّف ممتنعا عن أداء الحق وأجبره الحاكم عليه فهل يسقط النيّة حينئذ وأنّه يتولاه الحاكم أو يجبره الحاكم عليها أو يعتبر إجباره عليها في ظاهر الحال فيجتزئ به في ظاهر الشرع وإن بقيت ذمته مشغولة لو لم ينوها في الواقع؟ وجوه ؛ أشبهها بالقواعد الأخير كما هو ظاهر الحال في إجباره على ساير العبادات الصرفة كالصلاة والصوم والحج ونحوها ؛ إذ لا معنى هناك لتولّي الحاكم لها أو القول بعدم اعتبار النيّة في صحّتها.

نعم ، لو قلنا بالاكتفاء بنيّة الحاكم مطلقا كما سيظهر من الروضة (1) حسبما مرّ اكتفى بدفعه إذا تولّاه بنفسه أو بوكيله.

وهل يتعيّن حينئذ ذلك أو يجوز إخبار المالك على الدافع وجهان.

ص: 323


1- الروضة البهية 2 / 60.
تبصرة: [ في الخروج عن المكيّة بالتعيين ]

المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه أنّه (1) لو عيّن الزكاة المالية أو الفطرة في مال مخصوص على قدرها تعيّن لذلك.

وقضيّة ذلك خروجه عن ملكه وتعينه للمصرف (2) المعدّ له ، فتخلص ماله من الزكاة وبرء (3) بذلك ذمّته إن كان الحق في ذمته وإن بقي اشتغالها بالدفع.

ويدلّ على ذلك عدّة من الروايات كالصحيح : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه » (4).

وفي صحيحة أخرى : « إذا أخرجهما من ماله قدمت (5) ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (6).

وفي الموثق كالصحيح في الفطرة : « إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة » (7).

وفي المرسل كالصحيح في الفطرة : « إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس » (8).

ص: 324


1- في ( ألف ) : « إذ ».
2- في ( ألف ) : « للصرف ».
3- في ( د ) : « فيتخلص ماله عن حق الزكاة ويبرء ».
4- الكافي 3 / 553 ، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ، ح 2.
5- في ( د ) : « عن ماله فذهبت ».
6- الكافي 3 / 553 ، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ، ح 3.
7- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ، ح 2080.
8- الاستبصار 2 / 45 ، باب وقت الفطرة ح 5.

وفي الخبر : « إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فأعزلها تلك الساعة قبل الصلاة » (1).

والمنساق من هذه الروايات الاجتزاء (2) بما ذكرنا وإن لم تكن صريحة فيها.

وفي الصحيح : في الرجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال ، « إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلّا فهو ضامن لها حتّى يؤديها إلى أربابها » (3).

وظاهرها حصول براءة ذمته منها بالإخراج ؛ فإنّ المنساق منها بقرينة السؤال أن المراد بالاخراج العزل ، والمراد ببراءته بذلك هو فراغ ذمته عنها وإن اشتغل بعد بالدفع ، وهو لا يقضي بضمانه مع التلف إن كان بدون التفريط.

وحمل بعضهم ذلك على أنّ دفعها إلى (4) مستحقّها فقد برئ منها وإن لم يدفعها فهو في ضمانه حتى يدفعها.

وظاهرها حينئذ ينافي ما قدّمناه ، ولذا جعل الفقرة الأخيرة بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى مستحقّها لا أنّه يضمن الأصل أو القيمة مع تلفها دون تفريط فيها.

وأنت خبير بأن ما ذكرناه في معنى الرواية هو الأوفق بظاهرها والمطابق لما دلّ عليه غيرها ، فلا حاجة إلى الحمل المذكور ليتوقّف تصحيحها على التوجيه.

مع ما فيه من البعد.

وكيف كان ، فالحكم المذكور ممّا لا ينبغي الشكّ (5) فيه ؛ لما عرفت من قيام الدليل عليه وإن كان مقتضى القواعد عدم تعيّنه إلّا بالدفع إلى مستحقه كما هو الحال بالنسبة إلى الديون ؛ فإنها لا يتعيّن بمحض تعيّن المديون ما لم يدفع إلى الديّان.

نعم ، ينطبق ذلك على الأصل فيما يتعلّق منها بالتعيين ؛ فإنّ إفراز حقّ الزكاة (6) بمنزلة تمييز

ص: 325


1- الاستبصار 2 / 50 ، باب إخراج القيمة ح 4.
2- في ( د ) : « الأخيرة ما ».
3- وسائل الشيعة 6 / 248 ، باب وجوب عزل الفطرة عند الوجوب ح 2.
4- في ( ألف ) : « على ».
5- في ( د ) : « التأمل ».
6- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

المال (1) المشترك مع ولاية القاسم على التقسيم كما هو المفروض في المقام.

فتحصل بما ذكرنا أنّه لو أفرز ما يتعلّق منها بالعين أو عيّن ما يثبت منها في الذمّة في مال مخصوص تعيّن ذلك للزكاة ، وخلّص الباقي عن حقّ الفقير في الأوّل وفرغت ذمّته عن الشغل في الأخير ، وإن اشتغلت بوجوب الدفع في الصورتين.

وحيث عرفت أنّ الحكم في الأخير مخالفا للأصل فينبغي الاقتصار فيه على مورد الدليل ، وهو ما إذا كان اشتغال الذمّة بها بأصل الشرع كما في الفطرة أو من جهة إذن الشرع كما في ضمان الماليّة من أوّل الأمر.

وأمّا إذا كان الانتقال إلى الذمّة بعد حصول الفراغ أوّلا أو كان الضمان فيما يتعلّق بالعين من جهة إتلافها على غير الوجه المشروع ، ففي تعيين (2) الحق حينئذ بتعيينه إشكال ؛ لعدم اندراجه تحت الأدلّة المذكورة.

ولا يبعد أن يكون حينئذ بمنزلة ساير الديون لا يتعيّن إلّا بالدفع إلى المستحق أو من هو بمنزلته ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن.

ص: 326


1- في ( ألف ) : « مالك ».
2- في ( د ) : « تعين ».
تبصرة: [ في إسلام الكافر ]

لو أسلم الكافر قبل أن يهلّ الهلال ولو بلحظة وجبت عليه إجماعا ، أمّا لو أسلم بعده فالمعروف من المذهب بل المتّفق عليه بينهم [ ... ] (1)

ص: 327


1- في ( د ) : « بياض الأصل » ، وهكذا في بقية النسخ ، وبهذا يتم كتاب الزكاة ناقصا في تأليفه.

ص: 328

كتاب البيع

اشارة

ص: 329

ص: 330

كتاب البيع

[ تبصرة ]: [ في بيع الفضولي ]

اشارة

المعروف بين الأصحاب أنّه لو باع مال غيره من غير ولاية ولا وكالة وقف على الإجازة ، فإن أجازه المالك أو من يقوم مقامه صحّ وإلّا بطل ، ولا يقع باطلا من أصله.

وقد حكي القول به عن القديمين (1) والمفيد (2) والسيّد والشيخ في النهاية (3) والديلمي والقاضي والطوسي (4) والحلي (5) والمحقق الكركي (6) والسيوري وجماعة من المتأخرين.

وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم السيوري في كنز العرفان والشهيد الثاني في المسالك (7) والروضة (8) والمحقّق الأردبيلي (9) وصاحب الكفاية (10) والمفاتيح.

وذكره بلفظ « عندنا » في مواضع من التذكرة (11).

ص: 331


1- المراد من القديمين : ابن جنيد وابن أبى عقيل. أنظر : معجم الرموز والإشارات : 438.
2- المقنعة : 606.
3- النهاية : 385.
4- الوسيلة : 249.
5- في ( د ) : « الحلبي ».
6- جامع المقاصد 4 / 69.
7- مسالك الإفهام 3 / 158.
8- الروضة البهية 3 / 229.
9- مجمع الفائدة 8 / 157.
10- كفاية الأحكام 1 / 449.
11- تذكرة الفقهاء 10 / 215.

وهو يشير إلى الإجماع.

وأسنده أخرى إلى علمائنا ، وهو أيضا ظاهر في دعوى الاتفاق عليه.

وذهب الشيخ في الخلاف (1) والسيد ابن زهرة في الغنية (2) إلى بطلانه من أصله مدّعيين عليه الإجماع.

وبه قال الحلي في السرائر (3) ، وحكى القول به عن المبسوط (4) والديلمي في ظاهر المراسم (5) ، وفخر الإسلام في الايضاح (6) ، والشهيد في نكت الإرشاد والسيد الداماد.

وحكاه المقداد عن شيخه.

وهو الظاهر من المحقق الأردبيلي (7) والمحدّث الحر العاملي.

في التذكرة (8) أنه قول لنا « من » فيه إشارة إلى قائله.

والأظهر الأوّل ، ويدلّ عليه أمور.

منها : قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (9) ؛ لاندراجه في العقد.

ودعوى عدم الكافي لها لانصرافه إلى العقود المتعارفة ضعيف جدّا ؛ لشيوع العقد الفضولي من الناس لتخلّف الوكلاء كثيرا مما جرت عليه الوكالات بحسب المقامات حسبما مرّ (10) ، وإن المصلحة في إيقاع المعاملات ثم يجيزون الموكّلين بالمال ليجيزوا تلك التصرفات على حسب مصالحهم.

ص: 332


1- الخلاف 3 / 168.
2- المبسوط 3 / 352.
3- السرائر 2 / 275.
4- المبسوط 3 / 352.
5- المراسم : 173.
6- إيضاح الفوائد 1 / 416.
7- مجمع الفائدة 8 / 158.
8- تذكرة الفقهاء 10 / 14.
9- المائدة (5) : 1.
10- في ( د ) : « يرون ».

وكذا يتصدى الأصدقاء كثيرا لمثل ذلك موقعين للإجازة.

إلى غير ذلك من الموارد كما لا يخفى على المتأمل في الطرائق الجارية بين الناس ، بل لا يبعد دعوى قيام السيرة عليه بين المسلمين عن قديم الزمان إلى الآن ، بل فيما بين ساير أهل الملل والأديان ، ولا زال الآباء يتصرفون في أموال الأبناء والأبناء في أموال الآباء ، والأزواج في أموال الزوجات على مقتضى المصالح ، ويجرون عليه على حسب إجازتهم.

بل ولا يبعد أن يكون قوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (1) قاضيا بذلك ؛ فإنّ مفاده حصول التجارة عن رضا المالك سواء كان رضاه به مقارنا أو لا حقا.

وليس مفاد التجارة مجرد الصيغة ليكون تأخير الرضا عنها منافيا لظاهر الآية ، بل المقصود منها العقد المعتدّ به بين الناس ، وليس إلّا ما جامع رضا المالك.

ولذا يبعد أن يكون ذكر التراضي في المقام من قبيل التوصيف بصيغة الجنس ، فصدق التجارة عليه إنّما يكون بالمراضاة وهو أعم من مقارنتها للعقد أو تقدّمها عليه إلّا (2) في العقد الصاد من الوكيل أو تأخرها عنه كما في (3) المقام ، فيندرج بعد حصول الرضا والإجازة في اسم التجارة الحاصلة عن التراضي.

وفيها ما دلّ على صحّة الفضولي في النكاح من الروايات الواردة هناك ، وهي روايات معتبرة متلقّاة بالقبول بين الفرقة معتضدة بالشهرة العظيمة من (4) الطائفة.

ويدلّ عليه هناك الإجماع المنقول عليه في الجملة من جماعة ، ومن ذلك الأخبار الدالّة على صحّة عقد العبيد مع إجازة الولي ؛ فإنّه عقد فضولي قطعا.

ومن البيّن أنّ الأمر في الفروج وشدّة الاحتياط فيها آكد كما ورد في الرواية ، ونصّ عليه جماعة من الأجلّة ، فيدلّ بالفحوى على الصحّة في غيرها.

ص: 333


1- السناء : 29.
2- في ( د ) : « كما ».
3- في ( ألف ) : « كان » بدلا من : « كما في ».
4- في ( د ) : « بين ».

ومنها : ما ورد فيمن يتّجر بمال اليتيم إذا لم يكن ملّيا من أن « الربح لليتيم ، وهو ضامن للمال » (1).

ففي الموثق كالصحيح : عن منصور الصيقل ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مال اليتيم بعمل به؟ قال : فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته (2) فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال » (3).

ولو لا صحّة العقد حينئذ مع الإجازة لما أمكن تصحيح ذلك ؛ فإنّ مقتضي الفساد تغريم المتصرّف لمال الصبيّ ؛ لضمانه بالتصرف المذكور والعوض إلى مالكه ، فتملك الصبيّ الربح مبني في صحّة العقد من (4) جهة الإجازة وإن لم يصرّح به في الرواية أو بعد حصول الربح يكون (5) مصلحة لليتيم ، فيجيزه الوليّ.

والإيراد عليه بأنّ مفاد ظاهر الرواية انعقاد العقد من دون حاجة إلى الإجازة ، فلا ربط له بالمقام ؛ مدفوع أوّلا بأنّه لا مصرّح ظاهر (6) لصحّة العقد قهرا من دون لحوق الإجازة ، فلا بد من تقييده به ، ولو قيل بعدم الحاجة في مثله إلى الإجازة إذا وافقت المصلحة الواقعية قام ذلك مقام الإجازة ، وكأنّها بمنزلتها ، فتأمل.

ومنها : رواية عروة البارقي المشهورة في كتب الأصحاب ، وقد رواها الفريقان واعتضدت بالشهرة العظيمة بين الفرقة ، وقد أمره النّبيّ صلى اللّه عليه وآله بشراء شاة بدينار فاشترى شاتين ، ثمّ باع أحدهما بدينار فأتى بالشاة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فأخبره بالحال ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « بارك اللّه لك في صفقة يمينك » (7).

ص: 334


1- الاستبصار 2 / 30 باب الزكاة في مال اليتيم الصامت إذا اتجر به ح 6.
2- في ( ألف ) : « وضمنه ».
3- الاستبصار 2 / 30 ، باب الزكاة في مال اليتيم الصامت إذا اتجر به ح 7.
4- في ( ألف ) : « في ».
5- في ( ألف ) : « بكون ».
6- في ( د ) : « ظاهرا ».
7- عوالى اللئالي 3 / 205.

ولا مانع من ضعف إسنادها بعد (1) انجبارها بما عرفت.

وفيها دلالة على صحّة الفضولي من جهة شرائه للشاتين حيث أمره صلى اللّه عليه وآله بشراء واحدة فقد تخلى (2) عن مقتضي الوكالة ومن جهة بيعه للواحدة بعد ذلك ؛ إذ لا توكيل له في البيع.

وقد يورد على الأوّل بدلالة أمره بشراء شاة بدينار على شراء شاتين بالأولى حسبما قرّر في الوكالة من دلالة الفحوى عليه.

وفيه : أنّ ما يقتضيه الأولويّة هو كون التوكيل في الشراء بالثمن الأكثر قاضيا بإذنه بالأقلّ ، وأمّا الزيادة في المثمن على ما هو المفروض فلا يدل عليه الفحوى ، بل ما يقتضيه الفحوى في المقام هو شراء الشاة نصف (3) الدينار.

والفرق بين الأمرين واضح كما لا يخفى بعد التأمل في مجاري العادة.

وعلى الثاني بأنّ البارقي قد يكون وكيلا له في معاملاته مأذونا من قبله صلى اللّه عليه وآله أو أنّه كان في المقام ما يدلّ على إذنه صلى اللّه عليه وآله ، فليس في الرواية ما يفيد زيادة على حكاية الحال ، وقد تقرّر أن حكايات الأحوال لا عموم فيها.

ويدفعه أنّ ذلك خلاف الظاهر من الرواية مخالف لظاهر فهم الأصحاب. والاحتجاج إنّما هو الظاهر المتجبّر بفهمهم.

نعم ، قد يقال بعلمه من الفحوى برضاه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، ولذا تصدّى لدفع العوض ، وهو غير سائغ قطعا بدون العلم ، فقد يقال حينئذ بالاكتفاء به في صحّة التصرف وقيامه مقام التوكيل ، فيخرج به حينئذ عن حدّ الفضولي.

وفيه تأمّل ؛ إذ مجرد الفحوى والعلم بالرضا إنّما يفيد إباحة التصرف في مال الغير ، وأمّا قيامه مقام التوكيل في صحّة التصرفات حتّى لا يفتقر معه إلى لحوق الإجازة فممّا لا دليل عليه ، بل الظاهر خلافه كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

ص: 335


1- في ( ألف ) : « فقد ».
2- في ( د ) : « تخطى ».
3- في ( د ) : « بنصف ».

وجواز الدفع من جهة علمه بالفحوى أنّه سيجيزه لا يستلزم صحّة العقد من دون الإجازة ليقوم ذلك مقام التوكيل ، فلا مانع من توقف العقد على الإجازة وجواز تصرفه في المال بالدفع إلى البائع أو المشتري من جهة علمه بلحوق الاجازة.

وقد يقال : إنّه قد يكون الواقع منه مجرّد الإباحة دون البيع الناقل للعين ، فيكتفى فيه بمجرّد العلم الحاصل من الفحوى ، فلا دلالة فيه على المدّعى.

ويدفعه أنّ الظاهر من قوله صلى اللّه عليه وآله : « بارك اللّه في صفقة يمينك » (1) خلاف ذلك هو المعتضد بفهم المعظم ، فقيام ذلك الاحتمال لا ينافي الاحتجاج بالظاهر.

ومنها : صحيحة محمد بن قيس ، وقد رواها المشايخ الثلاثة : قضى علي عليه السلام في (2) وليدة باعها ابن سيدها وأبوها غائب ، فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثمّ قدم سيّدها الأوّل ، فخاصم سيّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري فقال : خذ ابنه يعني الذي باعك الوليدة حتّى ينفذ لك ما باعك ، فلمّا أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني ، قال : لا واللّه لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني ، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز مع ابنه (3).

ودلالتها على المدّعى ظاهرة.

وقد يورد عليها تارة بدلالتها على صحّة العقد بالإجازة بعد حصول الرّد ، وهو خلاف الإجماع ، فما دلّت عليه لا قائل به ، ولا دلالة فيها على الصحّة ؛ لحصول الاجازة قبل الردّ كما هو المدّعى.

ودلالتها حينئذ على الصحّة قبل الردّ بالأولى لا معوّل عليها بعد بطلان الأصل وعدم إمكان الأخذ به ؛ فإنّ ثبوت اللازم إنّما يكون بعد ثبوت الملزوم ، فمع القطع بعدمه لا معنى لثبوت لازمه ، فلا بدّ من طرح الخبر من أصله.

ص: 336


1- عوالى اللئالي 3 / 205.
2- زيادة « في » من ( د ).
3- الاستبصار 3 / 205 ، باب أن الولد لاحق بالحر من الأبوين أيهما كان ح 9.

وأخرى باشتمالها على ما لا يقولون به من الحكم بأخذه لولد المشتري مع حريته ؛ لمكان الشبهة وأخذ المشتري لولد المالك ، مع أنّه إنّما يطالبه بالثمن ، وبما يغترمه للمالك على فرضه.

ويندفع الأوّل بأنّه لا دلالة في الرواية على ردّ المالك للبيع ، فقد يكون متردّدا فيه من جهة ما يترتب عليه من مطالبة من ابنه وتعاسره إيّاه ، فإن رأى سهولة الخطب ردّه ، وإلّا أجازه ليخلّص ابنه حسبما صدر منه جبرا (1) بعد تعاسر المشتري إياه حسبما أشار إليه عليه السلام به ، وقبضه للوليدة إنّما هو لثبوت ملكيته لها ، وعدم ثبوت الناقل عنه ، فله (2) قبضها حتّى تتحقق منه الاجازة.

والثاني بأنّ قبضه لولده ليس من جهة رقيته بل تقويمه وقبض ثمنه ، وقبض المشتري للبائع من جهة مطالبته للمال الذي عليه ، فلا مخالفة في الرواية للقواعد المقرّرة.

على أنّها لو اشتملت على ما لا يقولون فلا يمنع ذلك من العمل بها في غير ذلك حسبما قرّر في محله.

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمّ ردّه على صاحبه الأوّل ( فأبى أن يقبله إلا بوضيعة ، قال : « لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّه على صاحبه ) (3) ما زاد » (4).

وقد رواه المشايخ الثلاثة.

وفي الصحيح وفي رواية الصدوق نقص (5) لا يختلف من جهته (6) مفاد الرواية.

ووجوب دفع الزائد على صاحبه مبنيّ على صحّة العقد ؛ للعلم بإجازته له إذا أخبره

ص: 337


1- في ( ب ) : « أجيرا » وفي ( د ) : « أخيرا ».
2- في ( ألف ) : « فلو ».
3- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
4- الكافي 5 / 195 ، باب بيع المتاع وشرائه ح 1.
5- في ( ألف ) : « نقض ».
6- في ( ألف ) : « جهة ».

بالمال كما هو قضية المقام.

وحينئذ فدلالتها على المدّعى ظاهرة.

ومع الغضّ عنه فلا بدّ من تقييد إطلاقها بذلك للإجماع على عدم صحّة العقد مع عدم إجازة المالك.

ومنها : ما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما « عن مسمع أبي سيّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه وحلف لي عليه ثمّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الّذي كنت استودعته ايّاه فقال : هذا مالك ، فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك ، فهي لك مع ذلك واجعلني في حلّ ، فأخذت المال وأبيت أن آخذ الربح إذا وقفت بالمال الذي كنت استودعته وأتيت حتّى أستطلع رأيك ، فما ترى؟ فقال : « خذ الربح وأعطه النصف وأحله إنّ هذا رجل تائب ، واللّه يحبّ التوابين » (1).

والظاهر (2) أنّ تملكه للربح مبني على إجازته للعقد الصادر منه المشتمل على الربح وأمره عليه السلام بردّ نصف الربح عليه على وجه الندب كما يشير إليه التعليل المذكور ، ودلالتها على المدّعى ظاهرة أيضا.

ومنها : ما روي من أنّ عقيلا باع دورا للنبي صلى اللّه عليه وآله بمكّة من دون إذن ، فلمّا أخبره بذلك اجازه.

وممّا يستأنس به للقول المذكور ما دلّ على صحّة الوصيّة الزائدة على الثلث إذا أجازته الورثة ، وما ورد في التصدّق بمجهول المالك (3) إن جاء صاحبها وأمضى الصدقة ومضت وإلّا غرمه المتصدق وإلّا أجزأه.

وكذا فيمن يشتري من مال الخمس من الجواري من أجازه الإمام عليه السلام ذلك لأهل الولاية ، وما ورد من تحليل المناكح والمساكن لأهل الحق.

ص: 338


1- من لا يحضره الفقيه 3 / 305 ح 4091. وفيه : أبيت أخذه حتى استطلع.
2- في ( د ) : « وظاهر ».
3- في ( د ) : « أنه ».

حجّة القول الثاني الأصل ، وما مرّ من الإجماع المنقول في الخلاف والغنية.

وأنّه حال من قصد النقل والانتقال الذي هو حقيقة العقد ؛ لتعذّره ، مع العلم بعدم سلطانه.

وأنّه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ، فيكون قبيحا عقلا وشرعا ، فيكون فاسدا.

وأنّه غير قادر على تسليمه فأشبه بيع الطير في الهواء.

وأنّ الرضا شرط في صحّة العقد إجماعا ، والمفروض انتفاؤه حال العقد ، وقضيّة انتفاء الشرط انتفاء المشروط به ، وحصوله عقيب العقد غير نافع ؛ إذ قضية الشرطية اعتبار مقارنة الشرط ؛ إذ لا فائدة في حصول الشرط بعد انتفاء السبب المشروط به أعني العقد كالصلاة المتعقّبة للطهارة ، وظواهر عدّة من الأخبار :

منها : ما رواه العلامة في المختلف (1) والشهيد في النكت عن النبي صلى اللّه عليه وآله (2) أنّه قال : « لا طلاق إلّا فيما يملك ، ولا عتق إلّا فيما يملك ولا بيع إلّا في ما يملك ».

ومنها : مكاتبة الصفار إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام : في رجل باع قطاع أرضين وعرف حدود القرية الأربعة وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقع عليه السلام : « لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك » (3).

ومنها : رواية محمّد بن القسم قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام : عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال ولم تقبضه فيعطها المال أم يمنعها؟ قال : قال (4) : « يمنعها أشدّ المنع فإنها باعت ما لا تملك » (5).

ص: 339


1- مختلف الشيعة 5 / 54.
2- في الدروس 2 / 184 ، عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله « لا عتق إلّا فيها يملك ».
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 243 باب بيع الكلاء والزرع والأشجار والأرضيين ح 3887. تهذيب الأحكام 7 / 3. باب أحكام الأرضين ح 16.
4- في ( د ) : « قل ».
5- تهذيب الأحكام 6 / 339 ، باب المكاسب ح 66 ، باختلاف.

ومنها : ما في الحديث المناهي : « نهى عن بيع ما ليس عندك » (1).

وفي حديث سليمان بن صالح ، عن الصادق عليه السلام قال : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .. » إلى أن قال : « وثمن مبيع ما ليس عندك » (2).

وأنت خبير بوهن الوجوه المذكورة : أمّا الأصل فيما (3) عرفت من قيام الدليل على الصحّة ، بل ما عرفت من الأصل الثانوي القاضي بصحّة العقود كاف في دفعه.

وأمّا الإجماع فموهون باشتهار خلافه (4) وذهاب جماعة من أساطين المتقدمين إلى صحته ، بل ذهاب ناقله إلى خلافه حسبما عرفت.

ودعوى خلوه عن قصد النقل والانتقال إن أريد به ودعوى كونه تصرفا في ملك الغير محرما (5) أوهن شي ء ؛ للمنع من عدّ مجرّد إيقاع الصيغة تصرفا عرفا ، ومنع حرمة مثله لو عدّ تصرفا ، ولو سلّم كونه محرّما فبعثه على الفساد ممنوع أيضا ؛ لكون النهي عنه لأمر خارج.

وكذا الحال في دعوى عدم القدرة على التسليم ؛ إذ مع تعقّب الإجازة لا مانع من التسليم.

ولو فرض مانع خارجي عنه فهو خارج عن محلّ الكلام.

ودعوى لزوم مقارنة الشرط للمشروط مسلّمة إن أريد توقف التأثير عليها بأن يكون ترتّب الأثر على المشروط مقارنا لحصول الشرط ، ولا يلزم منه تقارنهما في الوجود. ألا ترى أنّ القبض في المجلس شرط في (6) بيع الصرف والسلم مع أنّ القبض قد يتأخّر عن العقد ، وكذا الحال في قبض الوقف وقبض الهبة.

على أنّه قد يكون الشرط وجوده في الجملة ولو متأخرا عن المشروط ، فلا يتوقف تأثير المشروط على وجوده حين تأثيره ، فيكشف وجوده المتأخر عن اقتران الشرط بالمشروط

ص: 340


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 8 ح 4968.
2- وسائل الشيعة 3818 ، باب حكم من باع سلعة بثمن حالّا وبأزيد منه مؤجّلا ح 4.
3- في ( ألف ) : « فيما ».
4- في ( ألف ) : « فلانه ».
5- في ( ألف ) : « عن ما » بدلا من « محرما ».
6- في ( د ) زيادة : « صحة ».

حين التأثير كما هو الحال في المقام بناء على القول بكون الإجازة كاشفة.

وأمّا الأخبار المذكورة فمع ما في أكثرها من ضعف الإسناد غير ظاهرة الدلالة على ذلك ؛ إذ المفهوم منها عدم صحّة البيع الواقع من غير المالك على الاستقلال من دون لحوق إجازة المالك كما هو الظاهر من سياقها ، ولا كلام فيه.

ومع تسليم شمولها لذلك على وجه ضعيف فما قدّمناه من الأدلة كاف (1) تقييدها بذلك.

وأضعف من ذلك الاحتجاج على ذلك بما ورد في الأخبار من المنع عن شراء السرقة والخيانة والمنع عن وطي الجارية المسروقة إذا اشتراها عن السارق ونحو ذلك ؛ فإنّ تلك الروايات ظاهرة جدّا بل صريحة في غير صورة رضا المالك وتنفيذه للبيع الواقع ، فلا وجه للاحتجاج بها في المقام.

وهو ظاهر ؛ على أنّه لو سلّم إطلاقها فلا ريب في تنزيلها على غير صورة الإجازة إذا قلنا بصحّة فضولي الغاصب مع تعقيب (2) الإجازة بناء على شمول الأدلّة له ، فهي المقيّدة لإطلاقها وإن لم نقل بصحّته فلا كلام (3).

[ تتميم ]

هذا ، وينبغي تتميم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه كما يجري الفضولي بالنسبة إلى البيع كذا يجري في الشراء ، فيحكم بصحته مع الإجازة من غير فرق ؛ لاتّحاد المناط وشمول الإطلاق للأمرين ، و (4) في عدّة من الروايات المتقدّمة دلالة عليه أيضا.

ويحكى عن البعض عدم صحّته بالإجازة.

ص: 341


1- في ( ألف ) : « كان ».
2- في ( د ) : « تعقب ».
3- ليس في ( د ) : « واو ».
4- زيادة الواو من ( د ).

وهو ضعيف ، فلو كان العقد فضوليا من الجانبين توقّفت صحته على إجازة كلّ من المالكين.

ثانيها : أنّه كما يحكم بصحّة الفضولي الواقع عن المالك مع إجازته فهل يحكم بصحّة ما يوقعه عن نفسه إمّا لاعتقاد تملّكه أو لكونه غاصبا إذا لحقته إجازة المالك وأنّه فاسدة رأسا لا يصححه الإجازة.

والظاهر من كلام جماعة من الأصحاب صحّته بالإجازة كما في الصورة الأولى.

وقد نصّوا على أنّ للمالك تتبع العقود المتواترة (1) على ماله ، بل وعلى إعراضه (2) وإجازة أيّ منها شاء كما سيجي ء الإشارة إليه ، بل لم تر (3) هناك فارقا بين القسمين حاكما بفساد القسم الثاني دون الأوّل ، بل لم نجد في كلامهم تصريحا بالفساد في هذه الصورة دون الأولى أصلا.

نعم ، ذكر في التذكرة (4) انّه لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها وعصى (5) ليشتريها ويسلّمها (6).

وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ؛ لنهي النبي صلى اللّه عليه وآله عن بيع ما ليس عندك ، ولاشتماله على الغرر ؛ فإن صاحبها (7) لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها.

وقد يعزى مثل ذلك إلى جماعة ، وقد حكم في الرياض بفساد المعاملة في هذه الصورة وعدم صحّتها بتعقّب الإجازة حاكيا (8) عن الجماعة.

وقد حكي عن التذكرة دعوى (9) عدم الخلاف فيه بين الطائفة ، قال : منزلين الأخبار

ص: 342


1- في ( د ) : « المتواردة ».
2- في ( د ) : « اعواضه ».
3- في ( د ) : « لم نر ».
4- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
5- في المصدر : « يمضي ».
6- في ( ألف ) : « وتسليمها ».
7- في المصدر زيادة : « قد ».
8- في ( د ) زيادة : « له ».
9- في ( د ) : « ودعوى ».

المانعة عن بيع ما لا يملك والناهية عن شراء المغصوب والسرقة كما في المعتبرة المستفيضة [ على ] ذلك ، فلا ينبغي الاستشكال فيه وإن شمله بعض أدلّة صحّة الفضولي وفتاويه.

وأنت خبير بأنّ الصورة المفروضة في التذكرة ممّا لا ربط له بهذه المسألة ؛ إذ ليس المقصود هناك تصحيح تلك المعاملة من جهة لحوق إجازة المالك ، بل المقصود تصحيحها من جهة الشراء من المالك بعد ذلك.

ولا ريب في عدم صحّتها حينئذ بذلك ، والظاهر عدم الخلاف بين الأمّة فضلا عن الفرقة.

والظاهر أنّ ذلك هو مقصود الجماعة.

ونحوه الحال في اخبار السرقة والخيانة حسبما مرّت الإشارة إليه.

كيف ، وقد نصّ في التذكرة (1) على ذلك بأسطر بأنّ الغاصب وإن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل في الحال ما يتبع العقود ويعتمد (2) مصلحته في فسخ أيّها شاء فينفسخ فرعه.

وهو كما ترى صريح في حكمه بالصحّة في الصورة المفروضة ، فكيف يتصوّر القول بعدوله عنه بعد قطعه أوّلا بالفساد ، وذكره عدم وجدان خلاف فيه يعني بين الأمّة ، فما ذكره رحمه اللّه من إسناد القول بالفساد حينئذ إلى الجماعة وأنّه ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه مستندا إلى الأخبار المذكورة وحكاية عدم الخلاف منه بين الطائفة مع أنّها غير ما وجدناه في التذكرة غير متّجه جدّا.

ولا دلالة في تلك العبارة ولا في الأخبار المذكورة عليه أصلا ، فالمتّجه القول فيه بالصحّة مع تعقيب (3) الإجازة.

وفي إطلاق بعض الأدلّة المتقدّمة بل خصوص عدّة منها دلالة عليه ، فإنّ موردها ظاهر

ص: 343


1- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
2- في ( ألف ) : « يعتمل ».
3- في ( د ) : « تعقب ».

خصوص ما إذا وقع المعاملة عن نفسه كما قد مرّ القول فيها ، والاعتضاد بظاهر فتوى الأصحاب حاصل في المقام أيضا كما عرفت ، بل لم نر مصرّحا بخصوصه بفساده سوى ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين.

فإن قلت : إنّه إذا وقع (1) العقد لنفسه كان ما قصده هو انتقال البيع فيه وانتقال الثمن إليه ، فإن أجاد المالك ذلك كان خارجا عن قاعدة الفضولي ؛ إذ ليس الملك له حتّى يجيزه له وينتقل الثمن إليه وإن أجازه لنفسه فهو غير مقصود من البائع ولا أوقع البيع عنه ، فهو تصرّف جديد لا إجازة لما وقع من الفضولي.

قلت : لا مانع من وقوع الإجازة على كلّ من الوجهين المذكورين.

وتوضيح المقام أن غير (2) المالك إذا أوقع فإمّا أن يقصد وقوعه من المالك أو عن نفسه أو عن ثالث ، وعلى الأخيرين فإمّا أن يكون عالما بكون قصد البيع غير مالك أو يعتقد ملكيّته ، وعلى كلّ حال فإجازة المالك إمّا أن تكون لنفسه أو للعاقد أو للثالث.

وعلى كلّ حال فغير المملوك إمّا أن يكون مثمنا أو ثمنا أو هما معا.

فإن كان مثمنا وقصد وقوعه من (3) المالك واختاره المالك لنفسه فهي المسألة المعروفة في الفضولي على ما مرّ بيانه.

وإن كان ثمنا كذلك فهو من الشراء الفضولي حسبما أشرنا إليه.

وإن قصد وقوعه عن العاقد نفسه (4) وأجازه المالك صحّ عنه.

والقول بعدم قصد العاقد ذلك وعدم وقوع العقد كذلك فكيف يصحّ بالاجازة ، مدفوع بأنّ تعيين المنتقل منه ليس من مفاد العقد ولا أمرا معتبرا فيه ، وحقيقة العقد هو انتقال العين إلى المشتري بإزاء انتقال الثمن عنه.

ص: 344


1- في ( د ) : « أوقع ».
2- ( ألف ) : « يتخيّر » بدلا من : « غير ».
3- في ( د ) : « عن ».
4- في ( ألف ) : « لنفسه ».

وظاهر أنّ انتقال المبيع إنّما يكون عن مالكه سواء قصد البائع خصوص المالك أو لم يقصده فالإنشاء (1) الصادر عن العاقد هو إنشاء نقل العين عن (2) المشتري ، وهو الأمر المقصود بالإيجاب والقبول سوى نوى انتقاله عنه أو عن غيره فتلك النيّة أمر زائد على حقيقة العقد ، فإذا أجاز المالك نقل العين إلى المشتري انتقل إليه.

ولا حجّة بكون (3) الانتقال إليه من المجيز المالك سواء نواه العاقد أو لا.

ومن هنا يظهر أنّه لو كان الفضولي حينئذ من جانب الثمن دون المبيع كما لو باع المالك ماله لزيد بثمن لغيره ، فأجازه مالك الثمن لنفسه لم يصحّ ؛ لعدم قصد الانتقال (4) حتى يصح بالإجازة ، فيفصل حينئذ بين البيع الفضولي كذلك وشرائه ، وقد يقال بصحّته أيضا بالإجازة بدعوى أنّ حقيقة البيع هو نقل الملك بالعوض أعني المعاوضة الخاصّة.

وأمّا خصوص المنتقل منه والمنتقل إليه فغير مأخوذ في حقيقة العقد الواقع ، وإنّما هو من ضروريات النقل والانتقال ، فلا مانع من أن يختلف المنتقل منه والمنتقل إليه فيما تعلّق به العقد وما تعلّقت به الاجازة.

وفيه : أنّ الفرق بين المقامين ظاهر ؛ لأنّ انتقال العين واقعا لا يكون إلّا عن مالكه وإن قصد العاقد غيره ، وأمّا المنتقل إليه فلا يتعيّن الّا بتعيين العاقد ، ولذا لا يصحّ العقد من دون ذكره في الجملة ، بخلاف المنتقل منه ؛ إذ لا حاجة إلى ذكره أصلا لصحّة العقد مع ترك ذكره بالمرّة وإبهامه بخلاف المشتري ؛ إذ لا يصحّ العقد من دون ذكره ، فإذا اعتبر تعيينه في العقد وقد عيّنه العاقد لم يعقل حصول الانتقال إلى غيره بإجازة ذلك العقد بل افتقر ذلك إلى عقد جديد.

ويمكن أن يقال بالفرق بين المتعاقدين والمالكين الّذين يحصل الانتقال من أحدهما إلى الآخر والّذي يعتبر في تحقق العقد تعيين القابل في الإيجاب ليحصل منه القبول على طبقه ، بل

ص: 345


1- في ( د ) : « فالإنشاء ».
2- في ( د ) : « إلى ».
3- في ( د ) : « يكون ».
4- في ( د ) زيادة : « إليه ».

لا بدّ فيه من تعيين الموجب أيضا إلّا أنّه حاصل الوقوع الإيجاب منه من غير حاجة إلى ذكره.

وأمّا المالكان اللذان يحصل انتقال المال من أحدهما إلى الآخر بحسب الواقع فلا حاجة إلى ذكرهما أصلا ، فلا يلزم ذكر من ينتقل إليه المبيع كما أنّه لا يلزم ذكر من ينتقل المال منه ، فإذا لم يتعيّن المنتقل منه في الإيجاب وكان المبيع ملكا لغيره انصرف البيع إلى انتقاله عن مالكه ، فإن كان وكيلا عنه صحّ البيع منه (1) وإلّا توقّف على إجازته.

وإن كان كليّا في الذمّة قضى الإطلاق باشتغال ذمته به ، وحصول الانتقال في ذمته.

وإن نوى بيعه في ذمة غيره فلا بدّ من ذكره أو قيام القرينة عليه ، فلا ينصرف الإطلاق إليه.

ولو نوى ذلك وصدقه المشتري بعد ذلك من غير أن يذكر ولو إجمالا أو يقوم قرينة عليه حين العقد ، ففي صحّة العقد وجهان.

وقضية ما قرّرناه صحته.

ويجري التفصيل المذكور بالنسبة إلى القابل (2) أيضا. وحينئذ فمفاد قوله « بعتك » هو إيقاع البيع إيّاه ، وهو أعمّ من إيقاعه له أو لغيره ، ولذا يمكن أن يتحقق القبول منه لنفسه أو غيره من غير أن ينافي الإيجاب الواقع من الموجب إلّا أنّ الإطلاق في المقامين ينصرف إلى العاقدين.

ويدلّ على ما ذكرناه أنّه لو لا ذلك لم يصحّ أكثر العقود الدائرة بين الناس ، فإنهم لا يزالوا (3) يتعاطون البيع من فعل الغير والشراء (4) من غير أن يبيّنوا (5) ذلك حين العقد ، بل أكثر المعاملات الواقعة من التجّار على سبيل الوكالة أو الولاية في جميع المبيع أو الثمن أو بعضه أو فيهما معا من

ص: 346


1- في ( د ) : « عنه ».
2- في ( ألف ) : « القائل ».
3- كذا ، والصحيح : « لا يزالون ».
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- في ( ألف ) : « أن يبنوا ».

غير أن يعيّن الوكيل أو الولي ذلك حين العقد في كثير من الأحوال.

ثمّ بعد ذلك يتبيّن الحال أو لا يتبيّن ذلك للبائع أو المشتري أصلا ، فلولا ما ذكرناه من البيان لم يصحّ شي ء من تلك العقود إلّا مع تعيين الطرفين أو تعيين من ينتقل إليه للموجب حتّى يتحقّق الإيجاب منه بالنسبة إليه ، وهو خلاف الطريقة الجارية المتداولة بين الناس من قديم الزمان إلى الآن من غير نكير.

فإن قلت : إنّ المفروض في المقام إيقاع العقد عن نفسه ونقل المبيع منها (1) بإزاء انتقال الثمن إليها في الصورة الأولى وفي الصورة الأخيرة نقل المبيع إلى المشتري بإزاء الثمن الّذي هو ملك الغير ووقوع القبول في الصورتين على طبق الإيجاب ، فكيف يصحّ منه الإجازة بخلافه وإن لم يكن ما ذكر من الخصوصيّة في نفسها ركنا في العقد إلّا أنّ الواقع من الموجب والقابل هو الامر الخاصّ فإن صحّ ذلك بالإجازة اللاحقة فلا بدّ أن يصحّ حسبما قضى به ذلك العقد الخاص ، وإلّا فلا تصحّحه الإجازة ؛ إذ ليست عقدا جديدا.

قلت : إذا لم يكن ما ذكر ركنا في العقد صح ذلك العقد الخاص (2) من دونه ؛ إذ المفروض كون ذلك أمرا زائدا على ما يقتضيه أصل العقد (3) ، فقضيّة العقد في الصورة الأولى هو نقل الملك إلى المشتري بالعوض المعلوم ، وكون ذلك النقل في (4) نفسه أو من (5) غيره غير معتبر في نفس العقد ، فقصده النقل الخاص لا ينافي تنفيذ أصل النقل الّذي هو حقيقة العقد ، وعدم نفوذ الخصوصيّة الزائدة لا ينافي تنفيذه (6) أصل (7) نقل المبيع بإزاء الثمن المفروض الذي هو حقيقة

ص: 347


1- في ( د ) : « عنها ».
2- لم ترد في ( ب ) : « ذلك العقد الخاص .. على ما يقتضيه ».
3- في ( ب ) : « الخاصّ من دونه إذا المفروض » بدل : « أصل العقد ... بالعوض المعلوم و ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « عن ».
6- في ( د ) : « نفوذ ».
7- في ( د ) زيادة : « وكذا الحال في الصورة الثانية ، فإن عدم تنفيذه خصوصية نقله إلى المشتري لا ينافي تنفيذه اصل ».

البيع وإن كان الواقع منه النقل الخاص.

فإن قلت : (1) إنّ هناك فرقا بين الصورتين ؛ فإنّ وقوع انتقال ذلك المبيع (2) من العاقد أو غيره اعتبار زائد على نقل المبيع إلى المشتري وقيد زائد في العقد ، وأمّا نقل المبيع إلى المشتري فهو عين الأمر الحاصل من الإيجاب المفروض ، وليس قيدا منضما إليه في الخارج ليقال بصحّة المنضمّ إليه دون المنضمّ ، بل هو أمر واحد إن صحّ بالإجازة حصل بالنقل (3) إلى المشتري وإلّا لم يصحّ ؛ إذ لم يوقع بالإيجاب المذكور إلّا النقل إلى المشتري ، وهو أمر مغاير للنقل إلى غيره ، فلا يصحّ بالإجازة ما يغاير الحاصل بالإيجاب المفروض ، وإلّا كان عقدا (4) جديدا لا إجازة للواقع.

قلت : إنّ الأمر الواقع منه وإن كان شيئا واحدا في الخارج إلّا أنّه ينحل إلى معارضته بين الثمن والمثمن (5) وانتقال المثمن عن مالكه بإزاء انتقال المثمن إليه ، وكون انتقال المثمن (6) إلى من عيّنه العاقد ، ولمّا لم يكن الثاني واقعا في محلّه لم يؤثّر العقد في حصوله.

وأمّا الأوّل فلمّا (7) لحقته الإجازة من المالك صحّ تأثير العقد فيه ، وصحّة المعاوضة قاضية بانتقال المبيع إلى صاحب الثمن ، فقضية العقد المفروض بعد ملاحظة إجازة المالك هو انتقال المبيع إلى مالك الثمن ، وإن كان الانشاء الواقع من العاقد متعلّقا بتملّك المشتري فهو إجازة لذلك المقدار من مقتضى العقد الواقع وصرف له بالإجازة إلى تملك المجيز على حسبما يلزم من صحة المعاوضة المفروضة ؛ إذ قضيتها رجوع المثمن إلى صاحب الثمن وبالعكس.

ويدلّ أيضا على الصحّة بالنسبة إلى الثمن عدّة من الأخبار المذكورة :

ص: 348


1- في ( ألف ) : « فإن قلنا ».
2- لم ترد في ( ب ) : « المبيع من ... وأما نقل المبيع ».
3- في ( د ) : « به النقل ».
4- في ( ألف ) : « عقلا ».
5- في ( د ) : « بين المثمن والثمن ».
6- في ( د ) : « الثمن ».
7- في ( ألف ) : « فلا ».

منها : ما ورد في الاتّجار بمال الطفل ، وما دلّ على انتقال الربح إلى صاحب الوديعة الّتي أنكرها الودعي.

وقد يدلّ ذلك بإطلاقه على الصحة بالنسبة إلى المثمن أيضا.

وممّا قرّرنا يظهر أنه لو وكله المالك في بيع ماله أو في شراء شي ء له بثمن معيّن فباعه لنفسه لطروّ شبهة عليه فحسب أنّه له أو متعمّدا إذا (1) اشترى به ذلك الشي ء لنفسه كذلك كان ذلك البيع أو الشراء صحيحا واقعا للموكّل وإن لم يقصد إيقاعه له من غير حاجة إلى لحوق الإجازة منه ضرورة ؛ لحصول التوكيل المغني عنها ، فإنّ أقصى الأمر في الإجازة أن تكون منزلة منزّلة التوكيل وقائمة مقامه ، فلا فائدة فيها بعد حصول التوكيل.

فلو لم يصحّ ذلك من جهة التوكيل لم يصحّ بالإجازة أيضا بالأولى.

ولو أجازه المالك حينئذ عن العاقد سواء كان العاقد معتقدا (2) تملّكه فباعه في نفسه أو لم يكن ففي صحته وجهان.

ويقوى القول بالصحّة أخذا بمقتضى الإطلاق من غير فرق بين البيع والشراء.

فإن قلت : إنّ قضيّة المعاوضة المفروضة كون المبيع راجعا إلى صاحب الثمن وبالعكس ، فكيف يملك الثمن من لا يملك المبيع أو بالعكس وذلك خارج عمّا يقتضيه العقد ؛ لتملكه له حينئذ من غير عوض.

قلت : قضيّة بيع مال الغير عن نفسه والشراء بماله لنفسه جعل ذلك المال له (3) ضمنا حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع والشراء يملكه قبل آن (4) انتقاله إلى غيره ؛ ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال « أعتق عبدك عنّي فإنّه يملكه إن عتقه عنه (5) ؛ نظرا إلى توقّف العتق

ص: 349


1- في ( د ) : « أو ».
2- في ( ألف ) : « منعقدا ».
3- زيادة : « له » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « أن ».
5- في ( د ) زيادة : « ليتحقق العتق ».

على الملك.

وكذا الحال لو قال « بع مالي عنك لو أشتر لك بمالي كذا » فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء به ، فنقول في المقام : إنّه إذا أجاز البيع أو الشراء ، له صحّ ذلك البيع أو الشراء.

وصحته يتضمّن انتقاله إليه حين تحقق ذلك البيع أو الشراء. فكما أنّ الإجازة المذكورة يصحّح البيع كذا يقضي بحصول الانتقال المذكور الّذي يتضمّنه البيع الصحيح ، وكذا الحال في الشراء ، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق قاض التزاما بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه ولا مانع منه.

وأمّا الإجازة اللاحقة فهي إنّما تصحّح البيع فيما إذا كان المبيع باقيا في ملك المجيز ، وأمّا إذا انتقل عنه إلى غيره فلا عبرة بالإجازة ، والمفروض في المقام أنّه على تقدير الإجازة يكون المال داخلا في ملك البائع ، فلا تكون الإجازة مصححة للبيع ، بل إنّما تكون قاضية بملك البائع ، فيصحّ بيعه حينئذ لوقوعه في ملكه ، وهو إنّما يتمّ إذا تعلّقت الإجازة بذلك التمليك.

وليس هناك عقد ناقل إليه ليصحّ تعلّق الإجازة به.

وأيضا فالمفروض تعلّقها بنفس البيع دون غيره.

قلت : إنّ الاجازة في المقام متعلّقة بالبيع مصحّحة (1) له إلّا أن تصحيحها للبيع إنّما يكون بتمليك البائع للمبيع في حال البيع ، فهو أمر تابع لتصحيح البيع المذكور حاصل بالالتزام من جهته وإن تقدّمه في الرتبة ، وليس المراد كون الإجازة أوّلا قاضية بتملّك البائع للمبيع ، فيكون العقد صحيحا لوقوعه في ملك العاقد من غير أن يكون صحّة البيع من جهة إجازة المجيز ، وكذا الحال في الإذن السابق ، فإنّ صحّة البيع إنّما هي بالإذن المفروض لا لكونه واقعا في ملك العاقد إلّا أن قضاءه بصحّته كذلك إنّما يكون بتملك العاقد له في أنّ البيع وانتقال المبيع عنه إلى الآخر من جهة ذلك الإذن أو الإمضاء ، فهما إنّما يحصلان بشي ء واحد وإن تقدّم أحدهما على الآخر في الرتبة.

ص: 350


1- في ( ألف ) : « يصحّحه ».

فظهر بما قرّرنا أنّ الحال في المقامين على نحو واحد ، وصحّة المبيع بالاذن السابق أو اللّاحق إنّما هو بتملك العاقد له في أنّ البيع والانتقال عنه.

هذا ، ويمكن أن يقال في المقامين : إنّه لا دليل على اشتراط كون المبيع أو الثمن ملكا للبائع أو المشتري إذا أوقع العقد لنفسه ، غاية الأمر أنّه لا بدّ أن يكون مأذونا في بيعه أو الشراء به سواء كان إذنا إلهيّا كما إذا كان مالكا للمبيع أو الثمن أو إذنا حاصلا من المالك كما في الصورة المفروضة.

نعم ، ظاهر الإطلاق قاض بوقوع البيع أو الشراء للمالك ، وأمّا إذا صرّح المالك بكون البيع عن العاقد نفسه أو الشراء به لنفسه فأي مانع عن صحته كذلك؟ فلو قال « بع هذا لك » أو « اشتر لك بهذا » ملك الثمن في الصورة الأولى مع كون المبيع ملكا لغيره ، فيكون في الأوّل قد انتقلت الثمن إليه بانتقال المبيع من المالك إلى المشتري ، وفي الثاني قد تملك المبيع بانتقال الثمن إلى البائع من غيره ، ويجري ذلك فيما إذا عقد كذلك فضولا ثمّ تعقّبته (1) الإجازة ، ولا مخالفة في ذلك لما يقتضيه عقد المعاوضة ؛ فإنّه إنّما يتوقف على العوضين.

وأمّا أنّه لا بدّ من كون كلّ منهما ملكا للمتعاوضين فلا بدّ من قيام دليل عليه ، بل لا مانع من الاكتفاء بكونه ملكا له أو مأذونا بالتصرف فيه كذلك ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو اتفق بعد ذلك فسخ تلك المبايعة بإقالة أو حصول سبب للخيار رجع المبيع أو الثمن إلى ملك مالكه دون العاقد ، بخلاف الوجه الأوّل لانتقاله إذن من ملك الأول ودخوله في ملك العاقد أوّلا ، فلا وجه لرجوعه بالفسخ إلى المالك الأوّل.

ويجري ما ذكرناه من الاحتمال في العتق أيضا لكن ظاهر كلامهم يأبى عن ذلك ، والمسألة محل كلام فلا بدّ من التأمّل في المقام.

ثالثها : أنه لو عقد فضولا من جانب مع جهل الآخر بالحال ، فهل يصحّ البيع على تقدير الإجازة كما لو كان عالما بالحال؟ الظاهر ذلك.

ص: 351


1- في ( د ) : « تعقبه ».

واستشكل (1) في التذكرة (2) لأنّ الآخر حينئذ إنّما قصد تمليك العاقد دون المالك.

ويضعّفه أنّه يجري الإشكال المذكور مع كونه وكيلا من الآخر في الواقع ، ولا خلاف ظاهرا في صحّته.

وقد عرفت الوجه فيه ممّا فصّلناه ، على أنّه قد يصرح (3) الفضولي بكونه لغيره بدعوى الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن (4) عدمه وكونه فضولا.

نعم ، يقع التأمل في المقام في ثبوت الخيار له بعد علمه بالحال ؛ نظرا إلى تزلزل العقد ، وقد أقدم على العقد النافذ في الحال.

وقد يفصل حينئذ بين ما إذا لحقته الإجازة في الحال أو تأخّرت مدّة لتردّد المالك فيها أو لعدم الوصول إليه لغياب ونحوه أو بين ما لحقه ضرر التأخير وعدمه. والأظهر الأخير.

رابعها : أنّه لو عقد فضولا فهل للآخر التصرف في متعلّق العقد قبل إجازة المالك أو ردّه أو لا بدّ من توقّفه عن التصرف إلّا بعد ظهور الردّ؟ يحتمل الثاني ؛ نظرا إلى لزوم العقد من طرف المالك على تقدير إجازة الأخير (5) ، فيدور العقد حينئذ بين الصحيح والفاسد ، فلا يجوز له التصرف فيه إلّا بعد انكشاف الحال ليجري على مقتضاه.

والأظهر جواز تصرفاته فيه ؛ أخذا بمقتضى الأصل لعدم العلم بصحّة العقد المانع من التصرّف فيه ؛ لدورانه بين الصحيح والفاسد.

ومجرد الاحتمال لا يقضي بارتفاع الحكم الثابت ، بل لا مانع لسائر العقود الناقلة لعينه أو منافعه على وجه (6) اللزوم أو غيره غير أنّه بعد حصول الإجازة يؤخذ بمقتضاه من الرجوع إلى العين مع بقائها ، وإلى عوضه مع تلفها.

ص: 352


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
3- في ( د ) زيادة « له ».
4- في ( د ) : « يتبين ».
5- في ( د ) : « الآخر ».
6- ليس في ( ب ) : « على وجه .. تلفها نعم ».

نعم ، لو علم بالفحوى إجازته له بعد ذلك لم يجز له التصرّف فيه كما سنشير إليه إن شاء اللّه.

خامسها : أنه لا يجوز له التصرف في شي ء من العوضين بالعقد الفضولي لعدم صحّة العقد ، بل (1) حصول الإجازة ، فلا يجوز للفضول دفع المبيع إلى المشتري لا قبض عوضه منه ، فإنّه إنّما يدفعه عوضا من (2) المبيع الّذي لا يعلم انتقاله إليه.

وعلى فرض الانتقال لا يعلم رضاه لقبض الفضول له ، ولا للمشتري قبض المبيع من الفضول ، ولا تصرفه فيه بسائر أنواع التصرف.

نعم ، لو علم المشتري بالحال ودفع الثمن إلى الفضول راضيا بقبضه (3) له فالظاهر جواز قبض الفضول له بناء على جواز تصرف المالك في ماله قبل العلم بإجازة الآخر حسبما مرّ.

ولو حصل القطع من الأمارات بإجازته له جاز له التصرف في المبيع بناء على الكشف.

ولا يجوز حينئذ للفضول قبض عوضه ؛ إذ لا يستلزم العلم (4) بإجازة العقد العلم بتجويزه القبض.

نعم ، لو علم رضاه به أيضا جاز له ذلك على حسب العلم الحاصل بملاحظة المقام.

سادسها : أنّه لو أجاز العقد على ما هو عليه لا كلام ، ولو أجاز العقد في البعض بقسط من الثمن فهل يصحّ ذلك؟ وجهان ، أجودهما الصحّة إلّا أنّه يتخير المالك بين الفسخ والإجازة لتبعيض (5) الصفقة.

ولا فرق بين أن يجيز جزءا مشاعا أو معيّنا ، ولا بين أن يكون المبيع أمورا عديدة قد جمعها في صفقة أو شيئا واحدا.

ص: 353


1- في ( د ) : « قبل ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- في ( د ) : « لقبضه ».
4- في ( ألف ) « لا يستلزم العقد لعلم ».
5- في ( د ) : « لتبعض ».

وأولى بالصحة ما لو كان لشخصين فأجاز أحدهما دون الآخر.

ويحتمل هنا سقوط الخيار مع علمه بكونه لمالكين ؛ لإقدامه عليه سيّما مع ظنّه (1) عدم (2) إجازة أحدهما.

ولو اشترط عليه شرطا في ضمن العقد فأجازه بدون الشرط لم يبعد الحكم بالصحة الّا أنّه لا بدّ حينئذ من قبول الآخر.

وهل يصحّ العقد قبل قبوله وله الخيار على الفسخ و (3) يكون مراعى بقبوله فيصحّ معه ويفسد مع عدمه؟ وجهان.

( وهل يجوز أن يشترط عليه في ضمن الإجازة شيئا لم يشترط العقائد في ضمن العقد ، فينعقد الشرط مع قبول الآخر ويلتزم به حينئذ وجهان ) (4) من عدم وقوع العقد ( عليه فلا يطابقه الاجازة ومن حصول الإجازة للعقد ، والشرط المذكور أمر خارج عن أصل العقد ) (5) قد ألزمه به في ضمن الإجازة المصحّحة للعقد ، وقد أنيطت به الإجازة ، فيلتزم به مع قبوله بمقتضى قوله « المؤمنون عند شروطهم » ، فهو بمنزلة وقوعه في ضمن العقد لكون الإجازة من متمّماته.

ولا يقصر ذلك عن الشرط الواقع في ضمن القبول دون الإيجاب اذا رضى ( به الموجب كما إذا باعه شيئا فقبل ذلك على أن يكون له الخيار في مدة معلومة فرضي ) (6) البائع به ؛ فإنّه لا يبعد إجراء حكم الشرط الواقع في ضمن العقد عليه أخذا بمقتضى الإطلاق المذكور.

ص: 354


1- في ( د ) : « ظن ».
2- لفظة « عدم » ليست في ( د ).
3- في ( د ) : « أو ».
4- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

سابعها : أنّه لو مات من وقع (1) العقد على ماله فضولا (2) فهل ينتقل (3) الإجازة إلى وارثيه فله الرد والإجازة أو أنّه يبطل به العقد فلا أثر لإجازته؟ ربّما يحتمل الأوّل في بادي النظر لأنّها حقّ من الحقوق كحق الخيار ينتقل إلى الوارث.

ويضعّفه أنّه مع عدم حصول الإجازة من المالك الأوّل يبقى المال على ملكه ، فينتقل إلى وارثه ، والانتقال إليه قاض ببطلان العقد ؛ إذ لا يعقل انتقاله إليهما ، وظاهر بناء على الكشف والقول بكشف إجازة الوارث على (4) حصول الانتقال بالعقد الواقع من المورث ممّا لا وجه ؛ له إذ مع عدم انتقال المال إليه لا عبرة لإجازته ومع انتقاله إليه يبطل العقد حسبما قرّرناه.

وأمّا بناء على النقل فقد يحتمل الاكتفاء ببقائه على ملك المورث مع ثبوت حق الإجازة له ، فينتقل كذلك إلى الوارث.

ويشكل بأنّ أقصى الأمر ثبوت الصحة بإجازة المالك حين العقد ، وأمّا غيره ممّن انتقل إليه المال بعد ذلك فغير معلوم.

وشمول أدلّة الفضولي له غير ظاهر ، وقضيّة الأصل الأصيل هو الفساد.

وقد تبين بما قرّرنا أنّه لو باع مال غيره فضولا ثمّ ملكه (5) بأحد الوجوه الناقلة إليه وأجاز ذلك البيع لم يصحّ ؛ لفساد العقد حينئذ بتملّكه فلا بد من عقد جديد.

ثامنها : أنه لو باع شيئا على وجه الفضولي (6) ثمّ تبيّن أنّه ملكه كما لو باع مال مورّثه بظنّ أنه حيّ وأنّه فضول ، ثمّ تبيّن موته وانتقال المال إليه حين العقد ، فهل يحكم بصحته ولزومه ؛ لوقوعه من أهله في محلّه.

ص: 355


1- في ( د ) : « أوقع ».
2- في ( د ) : « فضولا على ماله ».
3- في ( د ) زيادة : « حق ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( ألف ) : « هلكه ».
6- في ( د ) : « الفضول ».

أو يحكم بثبوت الخيار له (1) ؛ لعدم إقدامه على التمليك النافذ بل المتزلزل الموقوف على إجازة المالك ، فالحكم بالتزامه به ضرر عليه.

أو أنّه بمنزلة الفضولي الواقع من غير المالك ، فيتوقّف على إجازته ، فإن ردّه كشف عن فساده من أصله ، وإن أجاز صحّ لإقدامه عليه كذلك.

أو أنّه باطل من أصله لعدم قصده وقوع البيع عن نفسه ، فلا يقع البيع عنه قهرا ؛ وجوه كأنّ أظهرها الثاني ، وأضعفها الوجهان الأخيران.

ولو باعه على أنّه ملكه فتبيّن بعد ذلك أنّه لمورّثه ، ثمّ تبيّن موته حين العقد ، فلا إشكال في الصحة واللزوم.

ولو اعتقد أنّه لغيره ، فباعه عن نفسه غصبا ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه احتمل قويّا لزومه.

ولو باعه عن المالك باعتقاد الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه ففي الحكم بلزومه وجه قويّ ولا يخلو من (2) إشكال.

تاسعها : أنّه ذكر العلّامة في القواعد (3) انّ الأقرب اشتراط كون العقد له فيجزي (4) في الحال يعني حال وقوع العقد ، فلو باع الفضول مال الطفل ولا مجيز هناك من أب أو جدّ أو حاكم يمكن الوصول إليه أو محتسب كذلك له الولاية على مال الطفل على ذلك الوجه لم يصحّ العقد ( فلا يثمر اجازة الطفل حينئذ بعد البلوغ.

وهو كما ترى لا يخلو عن ضعف ؛ إذ لا قائل حينئذ بفساد العقد ) (5) ، فأقصى الأمر أن يبقى موقوفا فيفسد بسبب انتفاء الإجازة إذا لم يحصل به (6) مجيز بعد زمان العقد إن لم نكتف بإجازة الصبيّ بعد البلوغ بناء على الوجه الآتي.

ص: 356


1- في ( ألف ) واو العطف بدلا من « له ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- قواعد الأحكام 2 / 19.
4- في ( د ) : « فيجيز ».
5- ما بين الهلاليين لم ترد في ( ألف ).
6- في ( ب ) و ( د ) : « له ».

واشتراط كون العقد ممّا له مجيز في الحال مذكور في كلام بعض العامّة ، وقد أسنده في التذكرة إلى ابن جنيد (1) ، ولم يقم عليه دليل عندنا.

نعم ، لو وقع العقد على وجه لا يجوز إجازته من الولي كما إذا اشتمل على ضرر الطفل فقد يقال حينئذ بفساده ؛ لعدم مجيز يمكن تصحيح العقد بإجازته ، فهو بمنزلة انتفاء الإجازة رأسا ، فيقع العقد فاسدا.

وهذا إنّما يتمّ مع عدم الاكتفاء بإجازة الصبيّ بعد بلوغه بناء على الوجه الآتي.

ويمكن أن يقال في الصورة الأولى أيضا بأن عدم (2) وجود مجيز من أب أو جدّ أو غيرهما حال وقوع العقد كاف في فساده بناء على الوجه الآتي ؛ إذ حصول الولي بعد ذلك لا يكفي في صحّة العقد الواقع قبل ولايته بناء على الوجه المذكور إلّا أن يقال بعدم جريانه على مذهبنا مع وجود الإمام عليه السلام في كلّ عصر ، وإن فرضنا الخلو من المجتهد.

وفيه : أنّ وجود الامام عليه السلام مع عدم إمكان الوصول إليه ( في تحصيل الإجازة منه لا يكفي في تصحيح العقد وكذا الحال في المجتهد الذي يقطع عادة بعدم إمكان الوصول إليه ) (3) رأسا لانتفاء الإجازة منه قطعا فلا يمكن تصحيح العقد من قبله مع العلم بعدم حصول الإجازة منه ، وعدم قابلية غيره من الأولياء المتجددين للإجازة بناء على ذلك الوجه ، فلا بدّ من الحكم بفساد العقد للعلم بانتفاء شرطه - أعني الإجازة المعتبرة - في صحته. وكأنّ هذا هو الوجه فيما ذكره رحمه اللّه إلّا أنّه مبنيّ على الوجه الآتي.

عاشرها : أنه هل يشترط في المجيز أن يكون قابلا للإجازة حين العقد ماضيا تصرّفه في تلك الحال نظرا إلى أن إجازته يصحّح العقد الواقع في ذلك الزمان ، فلا بدّ أن يكون جامعا لشرائط الإجازة حينئذ ، فلو حدث جواز تصرفه بعد وقوع العقد لم تؤثّر إجازته في حال

ص: 357


1- في ( د ) : « أبي جنيد ».
2- زيادة في ( ب ) : « الاكتفاء ».
3- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

السابقة كما إذا تجدّدت له الولاية كما إذا كان (1) مجنونا حين العقد ، فأفاق بعد ذلك لعدم ثبوت الولاية له في تلك الحال ، وكذا لو بلغ الطفل فأجاز لعدم جواز تصرفه في حال الصغر.

وهذا لا (2) يخلو من وجه.

ويتفرع عليه ما ذكره العلّامة كما أشرنا إليه إلّا أنّ الظاهر خلافه ؛ لما عرفت ممّا دلّ على صحة فضولي النكاح إذا أجاز الطفل بعد بلوغه ، فيدل ذلك على الصحة في المقام بالفحوى.

مضافا إلى أنّه لا مجال للإشكال فيه على القول بالنقل ؛ فإنّ التصرف بالمال إنّما يكون بالإجازة الباعثة على الانتقال الواقعة في زمان سلطانه عليه ، وإنّما يأتي الإشكال على القول بالكشف.

ويمكن دفعه بأنّ الولاية المفروضة وإن تجدّدت بعد العقد إلّا أنّها قاضية بمضي تصرفه في مال الطفل ، ولو تعلّقت بالزمان السابق وعدم مضى تصرفه على فرض وقوعه في ذلك الزمان لا يقضي بعدم مضيه متعلّقا بذلك الزمان إذا وقعت في وقت السلطان عليه كما إذا تعلّق تصرف الولي بالزمان المتأخر عن ولايته حين ولايته ؛ فإنّه ينعقد حينئذ وإن لم ينفذ على فرض وقوعه في ذلك الزمان.

فالإجازة المتأخرة الواقعة في وقت السلطنة على المال كاشفة عن صحّة العقد الواقع قبلها ؛ لمجامعته للإجازة الصادرة ممّن يجوز تصرفه في المال ، فكما أنّ تأخر الإجازة لا ينافي الحكم بصحة العقد المتقدّم عليها مع اشتراطه في صحّة العقد فكذا لا ينافيه تأخر ولاية المجيز.

هذا إذا كانت ولايته على المال مطلقه كما هو الغالب ، وأمّا لو كانت مقيّدة بغير ما تقدّم كما إذا وكله في التصرفات المتعلّقة بما تأخّر من الزمان دون ما سبقه لم يكن له ذلك.

حادي عشرها : أنه هل يشترط في الإجازة الشروط المعتبرة في البيع كمعلومية العوضين للمالك المجيز أو يكتفى بحصول تلك الشروط حال وقوع العقد؟ فلو تحقّق العلم بالعوضين للعاقدين كفى في صحة العقد ، وإن جهل المجيز فيصحّ إجازته مع جهالته بها أو بأحدهما ؛

ص: 358


1- في ( ألف ) : « كانوا ».
2- ليس في ( د ) : « لا ».

فيرجع في التعيين إليهما أو إلى ما تقوم به النيّة مع الاختلاف.

وجهان من أن البائع والمشتري على الحقيقة هو المجيز ، فلا بدّ من اعتبار شروط البيع بالنسبة إليه ، وإنّ البيع إنّما صدر عن العاقدين دون المجيز ، فلا دليل على اعتبار تلك الشروط بالنسبة إليه ، فالإجازة المتأخرة بمنزلة التوكيل المتقدم ، فكما لا يعتبر تحقّق شروط البيع بالنسبة إلى الموكّل فكذلك المجيز.

وهذا هو الأظهر.

ويجري الكلام في الشروط المنضمّة إليه.

ونحوها إذا حملها (1) وأجاز البيع على ما وقع عليه.

ثاني عشرها : هل يشترط استجماع العقد لشروط الصحة حين وقوعه سوى رضا المالك وإذنه أو أنّه يكتفى بتحقّق الشروط حين الإجازة؟ فلو تعلّق العقد بشي ء مجهول للعاقد الفضول وأجازه المالك مع علمه أو باع الآبق وقد استرد في وقت الإجازة أو باع الكافر مصحفا أو مسلما فأجازه بعد إسلامه ، أو يكتفى بحصولها في أحد الحالين أو بحصولها من حين العقد إلى زمان الإجازة في الجملة أو يعتبر تحقّقها في الحالين؟ وجوه.

وظاهر بعض كلماتهم في الاحتجاج يعطي اعتبار الاستجماع حين (2) العقد ، وهو الّذي يقتضيه الأصل الأصيل في فساد المعاملة بدونها ؛ للشك في صحتها حينئذ ، بل قد يقضي الأصل باعتبار حصولها في الحالين.

وقد يقال بالاكتفاء بحصولها حين الإجازة على القول بالنقل فإنه في الحقيقة حال انعقاد العقد.

ويمكن أن يقال بالتفصيل بين الشروط ، فيعتبر في المملوكيّة أن تكون حاصلة حين العقد ، فلو باع ما لم يدخل في الملك كالمباحات قبل الحيازة والطير في الهواء ثم أجازها أو صاد الطير لم تؤثر الإجازة ، سيّما على القول بالكشف لو كانت حاصلة حين العقد فزالت بعد ذلك كما

ص: 359


1- في ( د ) : « جهلها ».
2- ليس في ( ب ) : « الاستجماع حين .. الأصل باعتبار ».

لو تلفت بعد العقد والقبض قبل الإجازة صح العقد بالإجازة ، فيكون التلف من المشتري.

ويحتمل حينئذ اشتراط حصولها حين الإجازة أيضا ؛ إذ لولاها لعدّت الإجازة سفها خارجا عن مقصود العقلاء.

وأمّا القدرة على التسليم وإسلام المشتري في (1) بيع المصحف والمسلم فيكتفى بحصول الشرط عند الاجازة ؛ لعدم وضوح دليل على الفساد بمجرّد انتفائه حين العقد.

ولا عبرة بالتسليم الأصيل قبل الإجازة ، والمفروض حصول القدرة عليه عند اعتبار التسليم ، وأنه لا سبيل للمشتري على المبيع إلّا بعد الإجازة ، فلا يفيد ما دلّ على دفع السبيل وقضى به مراعاة الاحترام فساد العقد في تلك الصورة ، فيندرج تحت الأصل.

وأمّا معلوميّة العوضين ففيها وجهان.

ولا يبعد أن يقال في اشتراط استجماع الشروط حين العقد بما دلّ الدليل على اشتراط العقد به مطلقا.

وأمّا ما كان اعتباره لجهة خارجة (2) كنفي السبيل على المسلم وملاحظة الاحترام أخذ فيها (3) بمقتضى ذلك الدليل ، فلا يبعد على الصحيح في المثالين المفروضين.

ثالث عشرها : أنّه هل يعتبر فيها تعيين العقد من كونه بيعا أو صلحا أو إجازة أو نكاحا أو يجوز إمضاء العقد الواقع منه كائنا ما كان ، سواء علم كميّة العقد أو جهل التعيين أو علم نوع العقد وشكّ في الكميّة أو جهلهما معا كما إذا أجاز كلّ عقد يتعلّق به (4) قد صدر منه في هذا اليوم مع جهله بنوع العقد ، وتعدّد تلك العقود فيه إشكال.

وظاهر ما ذكرناه من كونه بمنزلة الإذن السابق على العقد هو الوجه الثاني.

وهل يعتبر فيها علمه بوقوع العقد من الفضول أو يجوز إمضاءه لما يحتمل وقوعه أو على

ص: 360


1- زيادة « في » من ( د ).
2- في ( د ) : « خارجية ».
3- في ( د ) : « فيه ».
4- في ( ألف ) : « يتعلّق » بدلا من « يتعلق به ».

تقدير وقوعه كما اذا أخبره مجيز لوقوع البيع فأجازه من دون أن يتحقق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان.

ويقوى الاكتفاء به في المقام.

رابع عشرها : أنّه لا يعتبر الفور في الإجازة بعد علم المالك بالحال ، بل يصحّ مع التراخي أيضا.

وربّما يحتمل أن يكون فورية لما في التراخي من إرجاء الأمر وإيصال الضرر إلى الآخر في كثير من الصور.

وفيه : أنه مع علمه بالحال قد أقدم عليه ، فيكون الضرر آتيا إليه من قبله.

ومع جهله ولحوق الضرر عليه يندفع ذلك بثبوت الخيار له كما مرّت الإشارة إليه.

خامس عشرها : أنه لو توقّف صحّة البيع على القبض كبيع الصرف والسلم وقد حصل القبض من الفضول فأجاز البيع ، فإن كان بعد تصرف (1) المجلس وعلمه به كان إجازة للقبض في وجه قويّ ؛ إذ لولاه لكان إجازته للبيع لغوا ، ولحمل فعل المسلم على الصحة مع الإمكان.

ولو كان جاهلا بالتوقف ففيه إشكال ، وإن كان المجلس باقيا بحسب اعتقاده.

ص: 361


1- في ( د ) : « تفرق ».

تبصرة: [ في بيع ما يملكه غيره ]

اشارة

لو باع ما يملكه وما يملكه غيره من غير وكالة ولا ولاية صحّ البيع فيما يملكه بلا خلاف يظهر فيه.

وفي الغنية حكاية الاجماع عليه.

ونصّ في الرياض بنفي الخلاف فيه ، واستظهر منهم الاجماع عليه.

ويدلّ عليه الصحيح وغيره.

ووقف فيما لا يملكه على إجازة المالك أو من يقوم مقامه بناء على صحّة الفضولي بتعقّب الإجازة.

وقد أسنده بعضهم هنا إلى علمائنا موذنا بالإجماع عليه ، فكلّ من الحكمين ممّا لا إشكال فيه بعد ما عرفت من صحّة الفضولي بعد الإجازة.

وقد يستشكل في الأوّل :

تارة : من جهة جهالة الثمن ؛ إذ قد لا يعلم ما يقع بإزاء المملوك من الثمن بعد التقسيط ، فكأنه قال : « بعتك هذا بما يخصّه من الثمن » بعد تقسيطه عليه وعلى الآخر.

وأخرى : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل المجموع دون الأبعاض ، فإذا لم يصحّ العقد على ما دفع (1) عليه لزمه الحكم بالفساد مطلقا ؛ إذ العقود تابعة للقصود.

وثالثا : إنّه مع عدم صحّة العقد في البعض يغلب جانب الفساد كتزويج الأختين والأم والبنت بعقد واحد.

ص: 362


1- في ( د ) : « وقع ».

ورابعا : بأنّه لم يقم برهان على صحّة العقد المفروض ، وقضية الأصل الأصيل في المعاملات الفساد ، وعدم ترتب الآثار حتّى يقوم دليل عليه.

وخامسا : بأنّ الصيغة الصادرة منها شي ء واحد ، فلا يتبعض.

ويندفع الأول : بأنّ أقصى ما دلّ الدليل من اعتبار العلم بالعوضين إنّما هو بالنسبة إلى ( مجموع المبيع والثمن ، فإذا علم مجموع الأمرين اللّذين وقع العقد عليهما صح البيع وإن علم فساد البيع بالنسبة إلى ) (1) البعض وكان ما يصحّ البيع فيه مجهولا أو كان ما يقع من الثمن بإزائه مجهولا ، ولا دليل على اعتبار العلم في الأجزاء إذا لم يؤدّ إلى جهالة المجموع كما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

والثاني : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل جميع الأجزاء ، فينتقل به ما يكون قابلا للنقل ويبقى الباقي.

كيف وقضية العقد إنّما هو انتقال الجميع ، وقضيّة الأمر بالوفاء (2) به هو الجري على مقتضاه في الجميع ، فإذا حصل مانع منه في البعض لزم الأخذ بمقتضاه (3) في الباقي ، عملا بالأمر المذكور على حسب الإمكان ، ولعدم سقوط الميسور بالمعسور.

ومع الغضّ (4) عن جميع ذلك فالصحيحة (5) المتقدّمة المؤيّدة بعمل الأصحاب بل الإجماع المذكور كاف فيه لو سلّمنا قضاء الأصل بخلافه.

والثالث : بأنّه لا دليل على تغليب جانب الفساد مطلقا بل ينبغي الحكم بالفساد فيما يقبل الصحة (6) في غيره ، والحكم بالفساد في تزويج الأختين والبنت والأم بعقد واحد من جهة قيام الدليل عليه ولا يحكم في نظائره إلّا بالفساد ولا قاضي به في المقام.

ص: 363


1- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
2- لم ترد في ( ب ) : « بالوفاء به ... عملا بالأمر ».
3- في ( ألف ) : « بمقتضا ».
4- في ( د ) : « الفض » ظاهرا.
5- في ( ألف ) : « فالصحة ».
6- في ( د ) : « وبالصحة ».

والرابع : بأنّه إن اريد بذلك عدم قيام دليل خاص عليه فمسلّم ولا يلزمه انتفاء الدليل مطلقا ، وإن أريد عدم قيام دليل عليه مطلقا فهو واضح الفساد.

كيف والعمومات حجّة قائمة في المقام كافية في إثبات المرام.

والخامس : بأنّ العقد الواقع وإن كان شيئا واحدا إلّا انّه يتعدّد متعلقاته ، فلا مانع من صحّته بالنسبة إلى بعض وفساده بالنسبة إلى آخر.

ثمّ إن أجازه الآخر فلا خيار للمشتري وإن كان جاهلا بالحال حين العقد. نعم ، إن تراخى زمان إجازته احتمل ثبوت الخيار (1) على ما مرّ الكلام فيه في مسألة الفضولي ، وإن ردّه الآخر ثبت الخيار للمشتري مع جهله بالحال لتبعّض الصفقة عليه.

وأمّا البائع فالظاهر ثبوت الخيار له في الصورتين مع جهله عن الغير (2) واعتقاده تملك الجميع من جهة تبعض الصفقة ، ومع العلم بالحال وفلا (3) خيار للعالم مطلقا.

[ تتميم ]

ولنتمم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : انّه إذا لم يجز المالك الآخر بطل البيع في ملكه ، وصحّ في المملوك بقسطه من الثمن ، فان كان المبيع ممّا لا يختلف الحال فيه من جهة الانضمام إلى الآخر وعدمه فلا إشكال في التقسيط ، فإنّهما يقومان معا.

وينسب قيمة المملوك إليهما (4) ، ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وثانيا : إن كان للانضمام مدخليّة في زيارة القيمة كمصراعي باب وزوجي نعل فقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فظاهر إطلاق جماعة عدم الفرق بينه وبين الأوّل ، فيقومان معا

ص: 364


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في ( د ) : « حق الغير » بدل « عن الغير ».
3- في ( د ) : « لا ».
4- في ( د ) : « إلى قيمتها ».

وينسب قيمة المملوك إليهما ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وأورد عليه في الروضة (1) بأنّه لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلّا منفردا ، فكيف يقومان معا؟ أراد بذلك أنّه ينبغي أن يقع التقويم على نحو الملكيّة ، فإذا لم يملك كلّ منهما ماله إلّا منفردا فلا وجه لتقويمها منضمّين واعتبار قيمة الانضمام ، بل ينبغي أن يقوم كلّ منهما منفردا ، وينسب قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة.

وهذا هو القول الثاني ، وقد قوّاه في الرياض (2).

نعم ، احتمل الوجه الأوّل في الروضة فيما إذا كان العينان لمالك واحد ، وقد باعهما الفضول عنه ، فأجاز البيع في أحدهما دون الآخر.

وأنت خبير بأنّ عدم استحقاق كلّ منهما لماله إلا منفردا لا يقضي وقوع التقويم (3) مع الانفراد ؛ إذ ليس المقصود من تقويم الأمرين معرفة قيمة المالين على ما يستحق (4) المالكان إذ لا ربط له بالمقام بل الملحوظ صحّة ما وقع العقد عليه وقيمت ما خلّص للمشتري.

ولا ريب أنّ ما وقع العقد عليه هو المجموع ، وما خلّص للمشتري هو البعض يتعرف (5) بنسبتها إلى الأوّل مقدار ما وقع من الثمن المذكور في العقد بإزائه.

وأيضا قضية (6) عدم استحقاق البائع لماله إلّا متفرّدا أن لا يستحق من الثمن ما يقع بإزاء الانضمام ، وهذا قضية الوجه المتقدم في التقسيط لسقوطه (7) كسقوط ما يقابل الجزء الأخير دون ما ذكر من الوجه ، فالتعليل المذكور قاض بفساده على عكس ما رامه المستدلّ.

ومن هنا أورد عليه بأنّه إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع من

ص: 365


1- الروضة 3 / 240.
2- رياض المسائل 1 / 514.
3- هنا زيادة في ( ألف ) : « الّا منفردا ».
4- في ( د ) : « يستحقه ».
5- في د : « فيعرف ».
6- في ( ألف ) : « توقف ».
7- في ( ألف ) : « ولسقوطه ».

حيث المجموع ، فالأخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما منفردين (1) ظلم على المشتري وحيف عليه.

قيل : وهو حسن إلّا أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين مع عدم تقصيره وإتلافه شيئا على المشتري ، وإنّما أراد (2) شيئا لم يسلم له ، فإلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصيغة (3) ليس في محلّه مع براءة ذمته عنه.

قلت : أما ما ذكره من لزوم الظلم على المشتري على الوجه الأول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع ففيه (4) أنّه لا فرق في ذلك على فرض صحته من (5) علمه بالحال وجهله ؛ إذ مع العلم لم يبذل (6) الثمن على الأجزاء إلّا بمقتضى التقسيط ، فغاية الأمر أن يكون عالما بعدم خلوص الاجتماع له.

وذلك لا يقضي ببذل العوض بإزائه مع عدم حصوله ، فلا فارق بين الصورتين.

وأمّا ما ذكر من نقضه بالظلم على البائع لو أخذ قيمتها مجتمعين .. إلى آخره ، غير متّجه ؛ إذ ليس المقصود من ذلك تضمينه للصفة الفائتة ؛ إذ لا داعي لتوهم ذلك في المقام ، بل المقصود أنّه لما باع ما يملكه مع صفة (7) الانضمام إلى الآخر ولم يسلم إلى المشتري إلى ما يملكه منفردا لزم إسقاط ما يقع بإزاء العين الأخرى ، وما يقع بإزاء الانضمام الفائت على المشتري ، وعدم كونه هو السبب في فوته لا يقضي بأخذ شي ء ممّا يقابله ومع عدم ثبوت ذلك له أولا ، ولا حصوله للمشتري بعد ضمّه إلى الآخر.

والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ العقد إنّما تعلّق بالأمرين ، فالمبيع إنّما هو المجموع ، فإذا

ص: 366


1- ليس في ( ب ) : « منفردين .. قيمتها ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- في ( ألف ) : « الضيغة ».
4- في ( ألف ) : « قمية ».
5- في ( د ) : « بين ».
6- في ( ألف ) : « ببذل » ، بدل « لم يبذل ».
7- في ( ألف ) : « منعه ».

أريد معرفة ما يقع من الثمن بإزاء أجزائه فلا بدّ من أن يعلم قيمة الكلّ وقيمة ذلك الجزء الّذي يراد استعلام ماله على الوجه الّذي وقع العقد عليه - أعني قيمته منفردا - مع الانضمام - أعني قيمة ذلك الجزء المنضمّ إلى غيره - حسبما وقع العقد عليه لا قيمته منفردا عن الآخر حسبما تخلص للمشتري ، فإنّ ذلك غير ما وقع العقد عليه ، وخلوصه كذلك للمشتري لا يقضي بوقوع العقد عليه كذلك ، فلا وجه في ملاحظته في المقام ، فلا بدّ من ملاحظته على الوجه الّذي ذكرناه ، فينسب ذلك إلى قيمة المجموع ، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، فيتعين بذلك ما وقع بإزائه من الثمن في ذلك العقد.

وعدم خلوص الصفة للمشتري لا يقضي بسقوط شي ء من الثمن بإزائها ؛ لما تقرّر عندهم من عدم تقسيط الثمن على الأوصاف.

ولذا اتّفقوا على عدم إسقاط شي ء من الثمن بإزاء الأوصاف في خيار الوصف والتدليس ، وإنّما يتخيّر بين الردّ والأخذ بمجموع الثمن ، فلا ظلم على البائع ولا المشتري مع ملاحظة الانضمام في التقويم.

وحصول الزيادة في القيمة بحسب الصفة الغير الحاصلة للمشتري لا يقضي بظلم عليه كما لا يقضي به في الخيار.

وانجبار الظلم هناك بالخيار جار في المقام ؛ لحصول الخيار له مع جهله بالحال كما عرفت.

وأمّا مع العلم فإنّما جاء الضرر عليه من جهة إقدامه ، فلا ظلم عليه من قبل الشارع.

وممّا قرّرنا يظهر ضعف ما قد يتخيّل من أنّ المالك لا يستحقّ إلّا قيمة ماله منفردا ، فلا وجه لاستحقاق (1) ما بازاء الانضمام ؛ إذ قد عرفت أنّه لا يقع شي ء من الثمن بازاء الوصف المذكور وإن كان باعثا على مزيد القيمة كسائر الأوصاف.

فإن قلت : إنّ ما ذكر من الوجه هو قضيّة ما ذكره في الروضة ؛ فإنّ مقتضى ملاحظتهما منفردين هو تقسيط الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام الحاصل في العقد على ما يقع من الثمن

ص: 367


1- في ( د ) : « استحقاقها ».

بإزاء كلّ من العينين ، فيؤخذ بمجموع الأمرين على حسب ما ذكره (1) وإن اختلف الحال في ظاهر التقرير بين الوجهين ، فالمرجع فيهما واحد وإن كان ما ذكر من التقرير أوضح ؛ لاتّضاح الوجه في المسألة من بيانه.

قلت : إذا كانت الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام متساوية النسبة إلى قيمة الأمرين فالحال على ما ذكر ، وأما إذا اختلفت الحال فيها فلا.

وتوضيح المقام أنّ تفاوت القيمة مع الانضمام وعدمه إمّا أن يكون بالزيادة أو النقيصة أو بهما معا بأن يقضي بالزيادة في أحدهما والنقصية في آخر.

وعلى الأوّلين فإمّا أن تكون تلك الزيادة أو النقيصة مختصّة بأحد القسمين أو مشتركة بينهما على واحد بالنسبة إلى العينين أو القيمتين أو مختلفة.

وعلى الثالث يمكن جريان الوجوه المذكورة فيما إذا كان المبيع أمورا ثلاثة أو أزيد.

وما ذكر من عدم الفرق بين الوجهين إنّما يتم فيما إذا كانت الزيادة أو النقيصة مشتركة بينهما متساوية النسبة إلى القسمين (2) دون ساير الأقسام ، فلا يتم الأخذ بما ذكره في التقسيط شي ء منهما (3) بخلاف ما قرّرناه.

وقد اتّضح بما ذكرناه ضعف الوجه الأوّل أيضا وأنّه أضعف من الثاني جدّا.

ثمّ إنّ ما ذكر في كيفيّة التقسيط إنّما يرجع إليه فيما إذا كان المبيع قيميّا ولم تكن تلك المالكين له على نحو الإشاعة ، وأمّا إذا كان مثليّا متساوي الأجزاء فلا حاجة إلى ما ذكر ، بل يؤخذ بنسبة (4) مقدار أحدهما إلى الجميع ، ولو كان مشاعا بينهما أخذ من الثمن بنسبة الإشاعة.

ومن التأمل في ذلك يعلم قوة ما ذكرناه من الوجه في التقسيط ؛ إذ قد يختلف القيمة بالنسبة إلى البعض والكلّ في هاتين الصورتين أيضا ، وما ذكر من الوجه مطابق لما قرّرناه

ص: 368


1- في ( د ) : « ذكر ».
2- في ( د ) : « القيمتين ».
3- في ( د ) : « منها ».
4- في ( ألف ) : « بنسبته ».

هناك ، فلا تغفل.

ثانيها : أنّه كما يفتقر إلى التقسيط مع عدم إجازة الآخر كذا لا بدّ منه مع إجازته أيضا ليتبيّن به مقدار ما يستحقّه كلّ منهما من الثمن.

ثمّ إنّه على المختار لا فرق في كيفية التقسيط بين الوجهين.

وأمّا على غيره فلا يبعد الفرق لعدم فوات وصف الانضمام على تقدير الإجازة بخلاف غيره ، وقد حكي ذلك عن البعض.

ويحتمل القول بعدم الفرق ؛ نظرا إلى أنّ صفة الاجتماع ليست مملوكة لأحدهما وإنّما جاءت بالعارض ، فلا فرق بين حصوله وعدمه.

وقد حكي ذلك أيضا عن البعض ، ولا يخلو عن ضعف ؛ إذ المدار في المقام على اختلاف القيمة في (1) أن جاءت الصفة الباعثة على الاختلاف بالعارض ، كيف ولو كان الحال على ما ذكر يجري فيما إذا كان العقد من الوكيلين أو الوليين أو الأصل والوكيل أو الولي ، والتزام ذلك منها (2) ممّا لا وجه له. وكأنّه مقطوع الفساد.

ثالثها : أنّه لو عيّنا بالثمن لكلّ منهما قبل العقد ، ثمّ أوقعا العقد على الكلّ صفقة ، فهل يبني على ما عيّناه أوّلا من غير رجوع إلى التقسيط أو أنّه لا بدّ من التقسيط على النحو المذكور؟ الظاهر الثاني ؛ أخذا بظاهر ما يقتضيه العقد. نعم ، لو عيّنا الثمن لكلّ منهما في متن العقد لزم الجري عليه.

رابعها : لو باع ملكي شخصين فضولا فأجاز أحدهما دون الآخر كان بمنزلة أن (3) باع ملكه وملك غيره.

وكذا الحال لو باع ملك موكّله أو مولى عليه (4) مع ملك غيره ، فيجري في ذلك كلّه جميع ما

ص: 369


1- في ( د ) : زيادة واو.
2- في ( د ) : « فيها ».
3- في ( د ) : « ما اذا ».
4- في ( ب ) و ( د ) : « مولاه » بدل : « مولى عليه ».

ذكرناه.

ولو باع ملك غيره فضولا فأجاز بعضه جرى فيه أيضا ذلك إن قلنا بجواز الإجازة كذلك ، وإلّا فلا كلام.

خامسها : لو باع ملكه وملك موكّله أو مولاه أو باع ملكي موكّله أو مولييه أو ملك موكّله ومولاه صفقة صح ذلك مع شمول الوكالة لذلك وجرى فيه التقسيط.

نعم ، يثبت له الخيار لو اعتقد أوّلا أنّ الجميع ملكه ثمّ ظهر خلافه أو اعتقد الموكّل كون الكل له ؛ نظرا إلى تبعّض الصفقة الباعثة على الخيار.

وعلى تقدير فسخه بتسلّط المشتري أيضا على الفسخ مع جهله بالحال.

سادسها : أنّه يجري في الثمن ما ذكر في المبيع ، فلو كان بعضه مستحقا للغير صحّ البيع في ملكه ووقف في غيره على إجازة المالك ، فإن أجاز (1) صحّ في الجميع وإلّا قسط (2) المبيع عليهما ، فيصحّ بالنسبة إلى المملوك دون غيره.

ويجري في التقسيط ما ذكرناه في تقسيط الثمن إلّا أنّه لمّا كان الغالب في الأثمان النقدين ولم يختلف الحال فيهما غالبا من جهة الانضمام وعدمه لم يحتج هنا إلى التفصيل المتقدّم في التقسيط إلّا من جهة الثمن لما عرفت ، ولا من جهة المبيع لحصول الإشاعة فيه.

ولو كان الثمن من غير النقدين وكان ممّا تختلف القيمة فيه مع الانضمام وعدمه جوّز في تقسيطه على المبيع ما قدّمناه.

ثمّ إنّه يأتي الكلام في الخيار هنا نظير ما قدّمناه.

سابعها : أنّه لو تلف أحد المبيعين أو كلاهما قبل التقويم فتعذّر تقويم التالف ، فإن كان ذلك مع ردّ المالك (3) وعدم إجازته فإن كان ماله باقيا أخذه ، وحينئذ فيقع الإشكال في مقدار استحقاق الآخر من الثمن.

ص: 370


1- في ( د ) : « أجازه ».
2- في ( ب ) : « سقط ».
3- في ( ألف ) : « المال ».

وحينئذ فيقوم احتمال البناء على الصلح القهرى لثبوت الاستحقاق في الجملة وعدم إمكان التخلّص إلّا بالصلح.

ويحتمل البناء على القرعة فإنّها لكلّ أمر مشكل.

وكأنّ الأظهر فيه البناء على الأقل ، فيؤخذ من الاحتمالات بالنسبة إليه ما يكون قسطه من الثمن أقلّ ؛ أخذا بمقتضى الأصول الشرعيّة حتّى يتحقق المخرج ، والقدر الّذي ثبت انتفاعه إلى البائع واجب على المشتري دفعه إليه هو الأقل ، فيدفع عليه (1) ما زاد عليه (2) بالأصل.

ولو كان غير المجاز تالفا سواء تلف الآخر أو لا فإن كان قيميّا لا يمكن استعلام قيمته أشكل الحال فيه أيضا ، ويقوى الأخذ في قيمته بالأقل ؛ أخذا بمقتضى الأصل فيه أيضا.

فإن لم يعلم استحقاق أحدهما في الجملة لما زاد على (3) دفعه من الأقل في المقامين بني على عدمه وبراءة ذمته من وجوب الدفع وإن علم به دار (4) بينهما كان كسائر الأموال الدائرة بين شخصين إن كان الثمن عينا معيّنة وكغيره ممّا علم اشتغال الذمّة لأحد الشخصين إن كان كليّا في الذمة ، فيحتمل البناء فيه على الصلح القهري أو القرعة حسبما يأتي في الصورة الأخيرة.

وإن كان ذلك مع اجازة الآخر وإمضائه فلا اشكال في انتقال الثمن إليهما وخروجه عن ملك المشتري.

وحينئذ فيحتمل البناء على الصلح ، فإن كانا حاضرين كاملين قاما بالصلح ، وإلّا ناب الحاكم عنهما أو عن أحدهما.

ويحتمل البناء فيه على القرعة.

وحينئذ فإن انحصر الاحتمالات أقرع بينهما ، وإن لم ينحصر ودار الأمر بين المساواة

ص: 371


1- ليس في ( د ) : « عليه ».
2- ليس في ( ب ) : « عليه ».
3- في ( د ) زيادة : « ما ».
4- في ( د ) : « ودار ».

والفاضل (1) أقرع بينهما ، فإن خرجت المساواة فلا كلام (2) وإلّا أخذ مقدار معين من الاحتمالات وأقرع بينه وبين ما (3) ينقص عنه وما يزيد عليه وهكذا إلى أن يتعيّن.

ثامنها : أنّه لو باعه نصف الدار وهي مشتركة بينه وبين غيره على النصف انصرف المبيع إلى النصف المملوك له ، ويحتمل أن ينزل على الإشاعة ، فيكون من قبيل بيع المملوك وغيره فيصحّ في الربع الآخر موقوفا على إجازة الآخر.

ولا يخلو من (4) بعد.

وكذا الحال لو كان له الجميع في الظاهر فباع النصف ، ثمّ ظهر نصفها مستحقا للغير ، فالظاهر انصراف المبيع أيضا إلى ما هو حقّه في الواقع ، فلا ينقص بإثبات ذلك شي ء من حقّ المشتري ، وإنّما يأخذ ذلك من البائع.

وأمّا لو أقر الآخر (5) بنصف الدار وهي مشتركة بينه وبين آخر كذلك ، فهو منزل على الإشاعة ، فتصحّ إقراره في نصف النصف الّذي له دون النصف الّذي لشريكه ، وكذا الحال لو أقرّ (6) بنصف الدار ثمّ ظهر النصف مستحقا للغير بإفاضه البيّنة ، فيبطل (7) بذلك نصف إقراره.

وإن شئت قلت : إنّ ما يثبته الآخر بني على الإشاعة فيأخذ نصفا من المقر ونصفا من المقر له ، فإذا قبض نصفه وأقرع (8) بقي النصف الآخر بين المقر والمقر له نصفين لكلّ منهما الربع في الباقي.

وعلى الأوّل يثبت للمقر له ثلثا ما في يد المقرّ وله الثلث ؛ لاعترافه بأنّ له جزءين وله جزء

ص: 372


1- في ( د ) : « والتفاضل ».
2- في ( ألف ) : « فلا كلا ».
3- ليس في ( د ) : « ما ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « لآخر ».
6- في ( د ) زيادة : « لآخر ».
7- زيادة : « فيبطل » من ( د ).
8- في ( ألف ) : « وأقرره ».

واحد ، فيكون الربع الّذي ظلم الشريك بإنكاره حق الآخر تالفا منهما بالنسبة ، ويكون الباقي بينهما كذلك.

ولو قال : إنّ لي النصف والنصف الآخر للمقرّ له كان إقراره في شأن غيره ، فلا يثبت للمقرّ له بذلك شي ء قبل الإقرار ، وبعده يثبت له نصف ما في يد المقرّ ؛ لاعترافه بأنّ له النصف في كلّ جزء ، فيكون ذلك النصف بينهما نصفين.

وممّا قرّرنا يعرف الحال في إقراره لسائر الكسور في الصور المفروضة.

تاسعها : لو باعه ما فيه حقّ الزكاة من دون ضمانه صحّ في ماله ووقف في سهم الزكاة موقوفا على إجازة الإمام عليه السلام أو نائبه في وجه قوىّ.

ويحتمل فساده بالنسبة إليه من أصله بناء على عدم جواز بيع الزكاة قبل قبضها.

والأظهر الأوّل ؛ أخذا بظاهر الولاية. وحينئذ لو كان البائع ممن له الولاية على الزكاة فالظاهر صحّة البيع في الجميع ، ولو ضمن مال الزكاة صح البيع أيضا لتملكه (1) لسهم الزكاة وانتقال الحق إلى ذمته ، فلو لم يؤدّ الحق احتمل الفساد بناء على أنّ العامل حينئذ بيع العين.

ولو باعه غافلا من الضمان وعدمه ففيه وجهان.

وقضية الأصل أنّه حينئذ كقصد عدم الضمان.

ولو (2) كان المالك ممّن لا يرى دفع الزكاة كالكافر أو يدفعه إلى غير أهله كالمخالف لم يبعد صحّة البيع في الجميع يسوغ للمشتري التصرف فيه حسبما جرت عليه السيرة العامّة من لدن زمان الأئمّة عليهم السلام إلى يومنا هذا من شراء الأموال الزكوية من الكفار وأهل الخلاف والتصرف فيها من دون إخراج سهم الزكاة.

وفي جريان ذلك في أهل الحق إذا علمنا دفعها إلى غير المستحق وجهان.

وقضيّة الأصل عدم الجريان نعم ، مع الجهل بالحال لا إشكال ؛ حملا لفعل المسلم على الصحة كما لو جهل الضمان أو الأداء أو ظنّ عدمه.

ص: 373


1- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
2- في ( ألف ) : « لو » بدون الواو.

ولو باعه أحد نصب (1) الأنعام وفيها الزكاة احتمل فساد البيع من أصله ؛ لعدم تعيّن المخرج في الزكاة ، فلا يتعيّن ما يصحّ البيع فيه ، بل وما يستحقه بعد التقسيط بحسب الواقع إذا اختلف (2) في القيمة.

ويحتمل الصحة والبناء على الإشاعة إلّا أنّه يتخيّر المالك في دفع الأفراد بصرفها عليه ، فحينئذ فيقسط (3) من الثمن بنسبة ما فيه من الزكاة إلى المبيع.

وعليه فهل يبقى المالك حينئذ على خياره أو أنه يتخير المشتري مكانه أو أنّه يقسم المال حينئذ ويقبض الحق على حسب الشركة كما هو الأصل في المشتركات؟ وجوه كأنّ أظهرها الأوّل إلّا أنّه لا يبعد خيار المشتري أيضا في الدفع لو طالبه الحاكم بعد صيرورته في يده.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو كان المدفوع زائدا على الحق المشاع أو ناقصا عنه ، فهل يكون الزائد غرما أو غنما للمشتري أو أنّه يكشف عن فساد البيع بتلك النسبة فينقص أو يزاد على قيمة المملوك على حسبه.

ص: 374


1- في ( د ) : « نصف ».
2- في ( د ) : « اختلفت ».
3- في ( ألف ) : « فيسقط ».

تبصرة: [ في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه ]

اشارة

لو باع ما يملكه المسلم وما لا يملكه سواء كان ممّا لا يملك مطلقا أو لم يكن قابلا لملك المسلم كالحرّ والخمر والخنزير صحّ البيع فيما يملكه وبطل فيما لا يملك ، على المعروف بين الأصحاب.

ويجري فيه الاحتمال والإشكال المذكور في المسألة المتقدمة.

ويندفع بما مرّ.

وربّما يزاد الاشكال في المقام تارة بأنّ البيع المذكور منهيّ (1) عنه للنهي عن الأمور المتضمنة إلى ما يملكه من الحر والخمر والخنزير مثلا ، والمفروض اتحاد البيع المتعلّق بها ، وهو قاض بالفساد لتعلّقه (2) بذات المعاملة حسبما فرض.

وأخرى بأنّه مع علم البائع أو المشتري بالحال يكون قد باع أو اشترى المجهول مع جهله بما يوجبه التقسيط ؛ إذ هو في قوة أن يبيعه بما يخصّه من الثمن على تقدير توزيعه عليه وعلى شي ء آخر لا يعلم مقداره.

ولذا مال في التذكرة إلى الفساد حينئذ مع علم المشتري بالحال ، وقال : إنّ البطلان حينئذ ليس ببعيد من الصواب.

ويدفع الأوّل أنّ النهي المذكور إنّما يقضي بالفساد من الجهة الّتي تعلّق به لذات المعاملة ولا ربط له بالشي ء الّذي يجوز بيعه ؛ إذ تعلّق النهي به حينئذ إنّما يكون تبعا للآخر ، فلا قاضي بفساد العقد من تلك الجهة ، لا مانع من تبعّض مقتضى العقد حسبما مرّ.

ص: 375


1- لم ترد في ( ب ) : « المذكور منهيّ .. اتّحاد البيع ».
2- في ( ألف ) : « التعلقة ».

والثاني أنّ المعتبر من العلم بالعوضين ما كان بالنسبة إلى جميع ما تعلّق به (1) عليه العقد دون ما يصحّ العقد بالنسبة إليه وإن علم فساده حين العقد بالنسبة إلى البعض حسبما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.

ثمّ إنّه يقسط الثمن عليهما ويصحّ البيع فيما يصحّ تقسيطه (2) من الثمن على حسب ما مرّ ، ولو كان للانضمام مدخليّة في تفاوت القيمة جرى فيه أيضا ما مرّ.

ثمّ إنّهم ذكروا هنا في تقويم غير المملوك أنّه يقوم الحر على الوصف الّذي هو عليه لو كان رقّا ، ويرجع في الخمر والخنزير إلى قيمتهما عند مستحلّيهما ، فيستعلم قيمتهما عندهم بما يثبت به القيمة في غير هذا المقام من شهادة عدلين مطّلعين على قيمته عندهم أو أخبار جماعة يعلم عادة عدم تواطئهم على الكذب أو بأخبار بعضهم إذا انضمّ إليه من القرائن ما يفيد العلم بصدقه.

وفي المسالك (3) : إنّه لو قيل بقول (4) إخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب يحصل بقولهم الظن الغالب المقارب (5) للعلم أمكن.

وفيه : أنّه لو قيل بمثله في ساير التقويمات أيضا فلا كلام إلّا أنّه يشكل الحال في الاتّكال على مطلق الظن الغالب في مثله مع أنّه من الموضوعات الصرفة ولو لم يكتف به في غيره.

فلا وجه للاكتفاء به في المقام ، فيكون الحال فيه مع عدم إمكان الاستعلام كغيره من القيم إذا تعذّر استعلامه لبعض العوارض.

وحينئذ فهل يحكم فيه بالصلح لجهالة قدر الاستحقاق أو أنّه يؤخذ فيه بالأقلّ فيرجع فيما زاد عليه إلى الأصل حيث إنّ الأصل بقاء الثمن على ملك صاحبه إلّا ما ثبت انتقاله عنه؟

ص: 376


1- ليس في ( ب ) : « به ».
2- في ( د ) : « تقسطه ».
3- مسالك الإفهام 3 / 163.
4- في المصدر : « بقبول ».
5- في المصدر : « المتقارب ».

ولا يبعد البناء على الأخير مع التعاصر.

ثمّ انّه لا يذهب عليك أنّ ما أطلقوه في المقام لا يخلو عن إشكال : أمّا أو لا فبأنّ ما ذكروه من تقويم الحرّ عبدا متّجه إذا بيع على أنّه رقّ فتبيّن حرّا ، وأمّا لو بيع على أنّه حرّ لم يتّجه فرض كونه رقّا ، فإنّ الرقّية قاضية بازدياد الرقبة فيه ، فلا وجه لأن يفرض في تقويمه ما ليس فيه.

إلّا أن يقال : إنّ التقويم مبنيّ على ذلك ، إذ لا قيمة للحرّ فلولا فرضه رقّا لم يقوم في العادة (1) ، وأيضا قضيّة بيعه وشرائه هو اعتبار ملكيّة عين المبيع وإن علم عدمه ، فيقوم على حسب ما اعتبراه.

وأنت خبير بما فيه ، إذ قد يباع الأحرار في عادة الفسّاق أو عند الضرورات ، فيتحصّل له قيمة في العرف ، وقد تتفاوت قيمته حينئذ قيمة الرقّ ، وعدم كونه مقوّما شرعا لا يقتضي عدم ثبوت قيمة له في العرف.

وحينئذ فلا بدّ من الأخذ بذلك دون أن يفرض رقّا ، وعلى تقدير عدم ثبوت قيمة للحرّ في العادة فينبغي إلحاق ذلك حينئذ بغير المقوّم من الضميمة كما سيأتي الإشارة إليه ، لا أن يفرض ذلك شيئا آخر حتّى يصحّ بذلك تقويمه ، وكون إقدام المتعاملين على البيع والشراء قاضيا بتنزيله منزلة المملوك فيقوم على حسبما أقدما عليه أو صح التعويل عليه في التقويم غير مطّرد في المقام ، فإنّه إنّما يتم فيما إذا لم يلاحظا حريّته في الإقدام على بيعه بل أجرياه مجرى الرقّ.

وأمّا إذا كان الإقدام عليه على وجه الحريّة ، ولذا اعتبر (2) العوض المقابل له شيئا يسيرا كما إذا لوحظ معظم القيمة بإزاء الرق وبذل شي ء يسير بإزائه مع تساويهما في الصفات وإن تعلّق البيع بهما صفقة فلا يتمّ ذلك ، ففي (3) تقويمه حينئذ على الرقية (4) ضرر على البائع إلّا أن

ص: 377


1- في ( ألف ) : « امارة ».
2- في ( د ) : « اعتبرا ».
3- في ( د ) : « وفي ».
4- في ( د ) : « الرقبة ».

يقال بخروج هذه الصورة عن المفروض في كلامهم ، فكان ذلك بمنزلة تعيين سهم من الثمن في العقد بإزاء كل من العينين (1) حسبما ذكر نظيره في المسألة السابقة.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو بني العقد على ملاحظة الاختلاف بينهما فيما يقابله من العوض من دون تعيين لقدر الاختلاف ؛ إذ لا معيّن له حينئذ في الظن (2) ، أمّا ثانيا فبأنّ الرجوع في قيمة الخمر والخنزير إلى مستحليه إنّما يتم إذا لم يكن مقوّما عند فساق المسلمين ، أمّا إذا كان مقوّما عندهم جاريا في معاملاتهم كما هو الحال في الخمر في بعض البلدان فلا حاجة إلى الرجوع إليهم ، بل لا وجه إذا اختلفت قيمته عندهم لما يقوم به عند الكفّار.

وكون ذلك ممّا لا قيمة له في الشريعة لا يقضي بانتفاء القيمة العرفية ، فإنّ المعاملات إنّما تجري على مجرى العادات. وكأنّ كلامهم في المقام محمول على الغالب ، وإلّا فالمتّجه حينئذ الرجوع إلى قيمته عندهم ؛ لابتناء العقد حينئذ على ذلك ، فلا حاجة إلى الرجوع إلى غيرهم ، بل لا وجه له مع اختلاف قيمته عندهم لما عندنا.

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنّ ما ذكر من تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيه إنّما يتمّ إذا بيع على أنّه خمر أو خنزير ، وأمّا لو بيع الخمر على أنه خلّ مثلا أو الخنزير على أنّه شاة أو بقر فالظاهر تقويم الخمر خلّا والخنزير شاة أو بقرا ؛ إذ الثمن إنّما بذل على ذلك ، فلا وجه لتقويمه خمرا أو خنزيرا.

والظاهر أنّ المفروض في كلام الأصحاب هو الأول ، ولذا اعتبروا القيمة على ما ذكروه.

ثانيها : أنّه لو كان ما لا يملك ممّا لا قيمة له في العادة أصلا كما لو باعه بعض الكثافات مع ما يملكه أو باعه الشمس أو القمر مع شي ء مملوك أو باعه شخصا من الجن أو الملائكة مع عبد له ونحو ذلك ، فالظاهر فساد البيع ؛ إذ لا يتعين شي ء من الثمن بإزاء المملوك ، ولا يمكن جعل الجميع بإزائه ؛ إذ هو غير ما يقتضيه العقد ولم يقع العقد عليه.

ثالثها : أنّه يجري الحكم المذكور فيما لو كان فساد البيع في البعض من جهة أخرى غير

ص: 378


1- في ( ألف ) : « المعنيين ».
2- في ( د ) : « الظاهر ».

انتفاء الملكيّة كما إذا كان الفساد من جهة انتفاء القدرة على التسليم كما لو باع المغصوب مع غيره أو باع الدابّة الضالّة مع غيرها إن لم تلحقها (1) بالآبق ، فيصح البيع فيما يصحّ فيه ويبطل في غيره ويقسط الثمن عليهما.

والظاهر تقويم ذلك على حسبما هو عليه من الصفة ، فيلاحظ المغصوبية والضلال فيما فرض من المثال إذا علمنا بالحال.

وأمّا مع عدم العلم بهما فيقومان من دونه ؛ لحصول الإقدام عليه كذلك في الصورتين حسبما مرّ نظيره.

ولو علم (2) به أحدهما دون الآخر فالظاهر أنّه كصورة الجهل منهما ، ولو كان ممّا لا قيمة له في العادة مع ملاحظة الوصف المفروض ، فلا يبعد القول بفساد البيع من أصله حسبما عرفت.

ومن (3) ذلك ما لو باع القرآن مع غيره من الكافر بناء على فساد بيع القرآن منه أو باع السلاح لأعداء الدين مع ما يصحّ بيعه منهم ، والتقسيط هنا ظاهر.

ومن ذلك بيع ثمرة البستان قبل ظهورها إذا باعها مع غيرها (4) من الأعيان الموجودة ، فيقسط الثمن عليهما ، ويصحّ تقسيط ذلك العين من الثمن.

ومن ذلك ما إذا باع بعض آلات اللّهو أو نحوها مع ما يصحّ معه إن قلنا بعدم خروجها عن الملكيّة من جهة المادة ، فإنّه لا يصحّ بيعها من جهة الصورة ، وإن قلنا بخروجها عن ملك المسلم من جهة طريان تلك الصورة وإن كان لمادّتها قيمة اندرج في عنوان المسألة.

وكيف كان ، فالظاهر تقويمها على صورتها عند الفسّاق أو الكفّار على ما مرّ ، فيؤخذ من الثمن بنسبة قيمة ما يصحّ البيع فيه إلى المجموع حسبما عرفت.

ولو ضمّ ما لا يتموّل إلى المتموّل وكان غير المتموّل مقصودا بالبيع على ما هو المفروض

ص: 379


1- في ( د ) : « نلحقها ».
2- في ( ألف ) : « سلّم ».
3- في ( ألف ) : « من » بدون الواو.
4- في ( د ) : « غيره الثمرة ».

في المقام كما لو ضمّ حبّة من الحنطة إلى كتاب وباع تلك الحبّة مع الكتاب بثمن معلوم قوي فساد البيع في غير المتموّل ؛ إذ كما لا يصحّ بيعه منفردا لا يصحّ بيعه منضما إذا كان مقصودا بالبيع.

وفساد البيع غير قاض بفساده في المتموّل إذ لا تعيّن لما بإزائه من الثمن ، فإنّ مقصوديّة غير المتموّل بالبيع قاضية بكون بعض الثمن بإزائه على حسب تعلّق العقد به.

ولا يمكن تقسيط الثمن عليهما ؛ إذ لا قيمة له على حسب غيره ممّا لا يكون الضميمة إليه مقومة كما عرفت.

ولو ضمّ تلك الحبّة إلى جنسها من المتموّل كما لو باعها ومّنا (1) من الحنطة كذلك احتمل الصحّة لكون المجموع متموّلا.

ويضعفه بأنّ حبات الحنطة (2) غير مقصود بالبيع ، فلا ينقسط (3) ما بازائها شي ء من الثمن ، وهنا لمّا كان غير المتموّل مقصودا بالبيع حسبما هو المفروض لزم أن يقع ما بازائه بعض من الثمن فيتطرّق إليه الفساد من تلك الجهة.

وحيث لا يتعيّن ما بإزائه وما بإزاء الباقي يتطرّق الفساد إلى الجميع.

نعم ، لو عيّن في العقد ما بإزاء غير المتمول من الثمن فسد العقد بالنسبة إليه وصحّ في غيره كما هو الحال في غيره ممّا لا قيمة له ؛ إذ عيّن في العقد عوضه.

ولو ضمّ المنفعة إلى العين فباع الأمرين جرى فيه ما قلناه ؛ لفساد بيع المنافع ، ويصحّ بالنسبة إلى العين بقسطها من الثمن بعد تقسيطه عليها وعلى المنفعة المنضمّة (4) إليها.

ولو ضم إلى العين بعض الحقوق كحقّ الخيار أو حقّ الرجوع وغيرهما ممّا يصحّ الصلح (5)

ص: 380


1- قد تقرأ في ( ب ) : « زمنا ».
2- في ( د ) زيادة : « في بيع المتمول من الحنطة ».
3- في ( د ) : « يتقسط ».
4- في ( ألف ) : « للمنفعة ».
5- في ( د ) : « لصلح ».

عليها وما لا يصحّ ، فإن أمكن تقويمه ليمكن تقسيط الثمن عليه وعلى العين صحّ البيع بالنسبة إلى العين ، وأخذ لها قسطها من الثمن وإلّا فالظاهر فساد البيع من أصله حسبما قلنا به فيما لا يقوم من الضمائم إلّا أن يعيّن ما بإزائه من الثمن في نفس العقد فيبطل فيه ويصحّ في غيره كما أشرنا إليه.

رابعها : لو كانت الضميمة الّتي لا يصحّ بيعها غير مقصودة بالبيع ، بل جعلت تابعة للمبيع فإن لم يكن مانع من أتباعها كضمّ غير المقدور على تسليمه إلى المقدور أو غير الموجود إلى الموجود كثمرة البستان قبل ظهورها وغير (1) المعلوم إلى المعلوم ، فالظاهر صحّة البيع بتمام الثمن وصحّة الاتباع ، فيكون ذلك للمشتري على فرض حصوله وإن كان ممّا لا يصحّ اتباعه لتحريمه كاتباع الخمر والخنزير وآلات اللّهو ونحوها من المحرّمات ففيه وجهان : صحّة البيع بجميع الثمن وسقوط التابع لفساده ، وفساد البيع من أصله فإنّه بمنزلة الشرط الفاسد [ .. ] (2).

فيمكن الاستناد إليها للحكم بالجواز مطلقا ؛ نظرا إلى عدم ظهور قول بالفصل بين متقدمي الأصحاب.

وهي صريحة في الدلالة على فساد القول بالمنع مطلقا ولو بالنسبة إلى الطعام.

وبعد فساده يتعين القول بالجواز حسبما دلّت عليه الروايات المتقدّمة لضعف القول بالتفصيل المذكور ، وعدم مساعدة لفتوى له نظرا إلى ندور قائله وحدوث القول به بين المتأخرين بملاحظة الأخبار المذكورة.

فمن تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم : « إذ اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى يقبضه إلّا أن توليه » (3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : « إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض وإن كان يوليه فلا بأس » (4).

ص: 381


1- في ( د ) : « أو غير ».
2- في ( د ) : بياض في الأصل.
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 206 ، باب البيوع ح 3772.
4- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 41.

وبمعناه سؤال آخر له عنه عليه السلام.

ومنها : صحيحة أخرى عن الرجل : يبيع المبيع قبل أن يقبضه ، فقال : « إن يكن (1) كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن توليه » (2).

ومنها : الموثق عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام فيتساومون بها ثمّ يشتريه رجل منهم فيسألونه فيعطيهم (3) ما يريدون من الطعام فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم ويقبض الثمن؟ قال : « لا بأس ما أراهم إلّا قد شركوه » (4).

ويعضد ذلك أيضا ما دلّ على جواز بيع أحد الشركاء حصّة من الطعام من شريكه قبل قبضه بربح ، ففي موثقة سماعة عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها إلّا أن يكون معه قوم يشاركهم ، فيخرجه بعضهم من نصيبه عن شركته بربح » (5) .. الخبر.

إذ لم نجد قائلا ذهب إلى التفصيل المذكور ، فيتعيّن حمل منعه الأوّل على الكراهة كسائر الأخبار المانعة ، مضافا إلى عدم صراحة شي ء منها في التحريم.

ويؤيد ذلك رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : « لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلّا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع » (6) فإن قوله « لا يعجبني » ظاهر في الكراهة كمال الظهور ، وهي في الحقيقة بعد اعتضادها بما ذكر دليل على المطلوب.

ويومي إلى ذلك أيضا جواز إحالة الديّان إليه قبل قبضه كما ورد في الصحيح ؛ إذ هو في

ص: 382


1- في ( د ) : « ما لم يكن ».
2- تهذيب الاحكام 7 / 35 ، باب بيع المضمون ح 34.
3- في ( ألف ) : « فيعطهم ».
4- الكافي 5 / 180 ، باب شراء الطعام وبيعه ح 9.
5- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 40.
6- في ( ألف ) : « يصنع ». تهذيب الأحكام 7 / 6. باب بيع المضمون ح 42.

معنى منعه (1) منه.

حجة القول بالمنع مطلقا عدّة من الأخبار :

منها : الصحيح ، وفيه بعد الحكم بجواز بيع قبل قبضه : « إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام ، إنّ الطعام يكال » (2).

ومنها : الصحيح ، قال أمير المؤمنين [ عليه السلام ] : « من احتكر طعاما أو علفا أو ابتاعه بغير حكرة وأراد أن يبيعه فلا يبعه حتّى يقبضه ويكتاله » (3).

ومنها : ما رواه الحميري بإسناده إلى علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن الرجل اشترى مبيعا كيلا أو وزنا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : « لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو وزنا فلا يصلح بيعه حتى يكيله أو يزنه » (4).

وقد ورد المنع من بيع الطعام قبل قبضه في عدّة أخبار كالصحيح في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكال؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (5).

وفي الصحيح أيضا في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكتاله؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (6) ولا يبعد اتّحاد الخبرين ؛ لاتحاد الراوي والمروي عنه.

نعم ، روى الآخر غيره في الموثق ، عن الصادق عليه السلام أيضا قال : « لا يبعه (7) حتى يكله » (8) (9).

ص: 383


1- زيادة : « منعه » من ( د ).
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 217 ، باب البيوع ح 3805.
3- تهذيب الاحكام 7 / 37 ، باب بيع المضمون ح 43.
4- وسائل الشيعة 18 / 70 ، باب جواز بيع المبيع قبل قبضه على الكراهة ح 22.
5- الكافي 5 / 178 ، باب شراء الطعام وبيعه ح 2.
6- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 37.
7- في ( د ) : « لا تبعه ».
8- من لا يحضره الفقيه 3 / 210 ، تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 38.
9- في ( د ) : « تكيله ».

وفي الموثق عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها » (1).

وورود (2) بعض الروايات المذكورة في خصوص الطعام لا يفيد اختصاص الحكم به ، فإطلاق ما دلّ على المنع في غيره كاف في إثباته غاية الأمر أن تكون الأخبار المذكورة دليلا على المنع في غير الطعام.

وأنت خبير بأنّه ليس شي ء من الروايات المذكورة صريحة في التحريم سيّما ما اشتمل على نفي الصلاح.

والأولى حمل الجميع على الكراهة ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز ممّا عرفت.

وممّا ذكرنا تعرف حجّة القول باختصاص الحكم بالطعام ، فإنّ عدة من الأخبار المذكورة قد اشتملت على المنع في خصوص الطعام ، فيبقى غيره على أصالة الجواز ، وما دلّ إطلاقه على المنع في غيره أيضا محمول على الكراهة جمعا أو على خصوص الطعام حملا للمطلق على المقيّد.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من الإجماعين المنقولين عليه.

ويدفعه أنه لو بنى على حمل النهي في المقام على الكراهة جرى في الجميع فيبعد حمل بعضها على الكراهة والبعض على التحريم من غير قيام شاهد على الفرق.

وليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد حتّى تنزل الإطلاقات على ذلك.

مضافا إلى ذكر خصوص العلف في بعض الصحاح المتقدّمة ، وليس مندرجا في الطعام قطعا.

والاجماع المنقول موهون بمصير كثير من الأصحاب من القدماء والمتأخرين إلى خلافه.

مضافا إلى معارضته بالصحاح المستفيضة وغيرها ممّا يفيد الجواز في الجملة ، كما مرّت الإشارة إليها.

حجة التفصيل : الصحاح المستفيضة وغيرها ممّا دلّ على التفصيل المذكور ، وقد مرّت

ص: 384


1- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 40.
2- في ( ألف ) : « وورد ».

الإشارة ) (1) إلى جملة منها.

وما عرفت من الإطلاقات المانعة عن بيع الطعام قبل القبض مطلقا ينزل عليه ، حملا للمطلق على المقيد.

ويدفعه متروكيّة القول بذلك بين الأصحاب حتّى أنّه لا يعرف من يفتي به من قدماء الأصحاب ، وإنّما ذهب إليه بعض المتأخرين ؛ نظرا إلى صحّة الأخبار الدالّة عليه.

وقد عرفت أنّ الأظهر حملها على الكراهة جمعا بين الأدلّة ، مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

منها : أنّه هل يجري الحكم المذكور بالنسبة إلى الثمن أيضا ، فيحرم أو يكره بيعه قبل القبض إذا كان مكيلا أو موزونا أو كان طعاما؟ وجهان من أنّ العوضين بمنزلة واحدة بل قد يدّعى صدق المبيع عليه كما مرّ ، ولظاهر إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، ومن اختصاص معظم أخبار الباب بالمبيع قبل القبض.

وصدقه على الثمن بعيد عن الاستعمالات العرفيّة ، فلا يندرج في الإطلاق.

والرواية المذكورة لا تصريح فيها بذلك ، غايته إطلاق ضعيف ، وإثبات الحكم المذكور به مع خلو الفتاوى عنه مشكل ، سيّما على القول بالتحريم.

وهل يجري الحكم المذكور فيما ينتقل إلى البائع بغير البيع من ساير الوجوه الناقلة كالصلح والإجارة والإرث؟ وجهان ؛ من شمول إطلاق بعض الأخبار الماضية وخلوّ غيره من الأخبار الكثيرة وظاهر فتاوى الأصناف (2) عنه.

وهل يجري ذلك في نقله إلى الغير حينئذ بغير البيع من الهبة والصلح ونحوهما أو يختص

ص: 385


1- ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).
2- كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، ومشوش في ( د ) ، ولعله : « الأصحاب ».

ذلك بالبيع قبل القبض؟ الظاهر الثاني لاختصاص الأدلّة به ، فيؤخذ حينئذ الأصل السالم عن المعارض في غيره.

ومنها : أنّ المذكور في عدّة من الأخبار إناطة الحكم المذكور تحريما أو كراهة بوقوع البيع قبل القبض ، وفي جملة منها إناطته بالوقوع قبل الكيل أو الوزن.

فإن قيل بكون (1) القبض في المكيل والموزون هو الكيل والوزن فلا كلام ، وإلّا فقد يشكل الحال فيما هو المناط في المقام من الأمرين المذكورين.

والظاهر إناطة الحكم بالقبض كما هو المذكور في كلام الأصحاب ، وفي كثير من الأخبار المذكورة.

وكأنّ ذكر الكيل أو الوزن في جملة منها مبنيّ على ما هو الغالب من اقتران القبض بالكيل أو الوزن.

وفي صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة « فلا يبيعه حتّى يقبضه ويكتاله » فيستفاد منها اعتبار الأمرين.

وربّما يجعل ذلك وجها في الجمع بين الأخبار ، ولا يبعد أيضا حمله على الغالب من المتعارف بين الأمرين.

والأحوط مراعاتهما معا.

وفي الموثق كالصحيح : اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله؟

فقال : « لا بأس ». فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : « لا أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله » (2).

( وربّما يستفاد منه عدم الاكتفاء بمجرّد القبض ؛ إذ قد فرض في السؤال أخذه بما ذكر البائع من الكيل ) (3).

ص: 386


1- في ( د ) : « يكون ».
2- تهذيب الأحكام 7 / 37.
3- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

وذكر بعضهم هذه الرواية في أدلة القول بالمنع ، والصواب أنّها لا ترتبط بالمقام ؛ إذ المراد بها عدم جواز البيع بالكيل الذي أخبره البائع من غير بيان الحال لما فيه من التدليس ، فلا بدّ من أن يكيله للمشتري الثاني ، ولا يراد به المنع من بيعه حتّى يكيله لنفسه كما هو الملحوظ في المقام.

ومنها : أنّ المراد بالمكيل والموزون هنا ما ذكر سابقا في مسألة اعتبار الكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ، فإمّا أن يرجع فيه إلى عادة المحلّ أو إلى زمان الشارع إلى غير ذلك ممّا فصّل القول فيه هناك.

ومع البناء على الرجوع أو إلى المعتاد فلو بيع تارة جزافا وأخرى بالكيل والوزن في محلّ واحد ، فهل يرجّح جانب الجواز أو المنع؟ وجهان؟ كأنّ أظهرهما الأوّل ؛ أخذا بالأصل بعد التأمل في انصراف المكيل والموزون إليه.

ومنها : أنّ الطعام قد يراد به مطلق المطعوم ، فيشمل ساير المأكولات. وقد يراد به الحنطة والشعير ، ولا يبعد أيضا إطلاقه على خصوص الحنطة.

وكأنّ الأظهر في المقام حمله على أحد الأمرين (1).

ولو أريد به الأوّل فلا بدّ من تقييده بخصوص المكيل والموزون كما يستفاد من غيرها.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين كون المبيع في قبض البائع الأوّل أو غيره مع بيعه ممّن (2) هو في يده أو غيره.

ولو كان القابض وكيلا عن المشتري في القبض ونوى القبض عنه كفى في قبضه من غير إشكال.

ويحتمل الاكتفاء باستمرار القبض من غير حاجة إلى نيّة القبض عنه إذا لم ينو خلافه.

ومن ذلك يعرف الحال فيما لو كان المشتري وليّا على المالك أو وكيلا عنه ، فكان المال في يده فباع من نفسه ، فإنّ مقبوضيّة المال له كافية في حصول القبض من غير حاجة إلى تجديد

ص: 387


1- في ( د ) : « الاخيرين ».
2- في ( د ) : « عمّن ».

القبض.

وفي توقفه على نيّة القبض من نفسه احتمال.

ومنها : أنّه مع البناء على كون النهي المذكور للكراهة لا إشكال في صحّة البيع.

وأمّا على القول الآخر فهل يقتضي النهي بفساده أو أنّه إنّما يحرم البيع من دون فساد؟ وجهان ، أظهرهما الأوّل بناء على ما تقرّر من كون النهي في المعاملة قاضيا بفسادها إن كان تعلّقه بها لأجل المعاملة كما هو الحال في المقام.

وحينئذ فهل يفيد التحريم ليكون ذلك حراما أصليّا أو أنّ المقصود به بيان الفساد من دون حصول التحريم إلّا من جهة التشريع لو أريد إيقاع البيع الشرعي؟ وجهان ، أظهرهما الأخير.

ومنها : أنّه لو باعه الفضول (1) وهو غير مقبوض للمشتري الأول ، فأجازه بعد القبض فهل العبرة حينئذ بحال الإجازة أو حال وقوع العقد؟ وجهان.

وقد يفرع ذلك على كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ، فعلى الأوّل ينبغي البناء على الثاني ، وعلى الثاني يتقوّى الحكم بالأوّل.

ويجري ذلك فيما لو اشتراه الفضول ، وقد صار مقبوضا للبائع عند إجازة المشتري.

ومنها : أنّ ظاهر الصحاح المستفيضة - بناء على حملها على ما اخترناه - عدم كراهة التولية حينئذ لكن لو قيل بها من جهة الخروج عن شبهة الخلاف لم يكن بعيدا.

وكيف كان ، فالأمر في التولية سهل.

وقد يلحق به ما إذا باع حصّته (2) من أحد الشركاء ولو بربح حسبما دلّت عليه الموثقة المتقدّمة.

ولم أقف على من نبّه عليه.

وفي جريان ذلك في الوضعية أيضا وجه ؛ نظرا إلى مفهوم الصحيحة المذكورة من

ص: 388


1- في ( ألف ) : « الفضولي ».
2- في ( د ) : « حصة ».

قوله عليه السلام : « إذا ربح فلا تبع حتّى يقبضه ».

وفيه : أنّه معارض بمفهوم ما ذكر بعده (1) من قوله « وإن كان يوليه » (2) .. إلى آخره.

مضافا إلى قضاء الإطلاقات بالمنع خصوصا ما ذكر فيه استثناء التولية خاصّة ؛ إذ لو جرى ذلك في الوضعية لذكرت معها ، وندور الوضيعة بحيث تنصرف (3) الإطلاقات عنها غير ظاهر ، فالبناء على شمول المنع تحريما وكراهة للوضيعة أولى سيّما مع ذكر الوضيعة مع المرابحة في الموثقة المتقدمة.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا كان المبيع عينا خارجيّة أو كليّا في الذمّة كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب ومعظم روايات الباب.

وربّما يتوهّم انصراف الإطلاقات إلى بيع الأعيان الخارجيّة ، فلا يجري الحكم في بيع الأعيان المضمونة في الذمّة.

وهو ضعيف ، وعلى فرض انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر فلا يبعد جريان الحكم في الأعيان الذميّة بطريق أولى.

خامسها : أنّه اختلف كلمات الأصحاب في بيان معنى القبض وما يحصل به ذلك بالنسبة إلى المنقول وغير المنقول على أقوال عديدة.

وحيث إنّه أنيط به عدة من الأحكام الشرعيّة في مباحث البيوع وغيرها كان الأولى تفصيل القول فيه والكشف عن مبانيه ، فنقول :

لا خلاف ظاهر (4) في كون القبض بالنسبة إلى غير المنقول هو التخلية.

وفي الغنية (5) حكاية الإجماع عليه.

ص: 389


1- في ( ألف ) : « بعد ».
2- تهذيب الأحكام 7 / 37 ، باب بيع المضمون ح 41.
3- لم ترد في ( ب ) : « بحيث تنصرف .. وكراهة للوضعية ».
4- في ( د ) : « ظاهرا ».
5- غنية النزوع : 229.

وكذا في التنقيح نقلا عن المحقق في احتجاجه على ما ذهب إليه.

وفي مجمع الفائدة (1) : لا يبعد عدم النزاع في الاكتفاء بالتخلية فيما لا ينقل.

وفي الرياض (2) حكاية الاتفاق عليه ، وقد نصّ بالإجماع عليه أيضا.

والمراد بالتخلية على ما فسّرها في الروضة (3) هو رفع المانع للمشتري من القبض بالأذن فيه ورفع يده ويد غيره عنه ، وإن كان استشكل ذلك بأنّ المفروض كون التخلية قبضا فكيف يصحّ تفسيره برفع المانع عن القبض ؛ إذ مجرد رفع المانع عن الشي ء لا يكون عين ذلك الشي ء.

ويمكن دفعه بأنّ المراد بالقبض المأخوذ في الحدّ غير ما يراد في المقام ، فإنّ المراد (4) منع اليد عليه والتصرف فيه أو يقال ملازمه (5) رفع المانع عن القبض على الوجه المذكور لحصوله.

وكيف كان ، فيعتبر في التخلية أمور ثلاثة :

أحدها : رفع يده عنه.

والثاني : رفع يد الغير عنه إن كان.

الثالثة : الاذن له في التصرفات.

والمراد برفع يده عنه رفع سلطنته عليه بتركه (6) والاعراض عنه. وهو ممّا يحصل بفعل البائع وقصده وإظهاره للمشتري ، فلا يكتفي برفع يده في الواقع عن غير إظهاره للمشتري ولا بإظهاره من دون رفعه.

والظاهر أنّه يعتبر فيه رفع يده عن العين والمنافع معا ؛ إذ وضع يده على المنافع وضع يد على العين.

وقد يشكل فيما إذا كان المبيع مشغولا بملك البائع ؛ فانّه قد مرّت الإشارة إلى أنّه لا يمنع من

ص: 390


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 / 511.
2- رياض المسائل 8 / 237.
3- الروضة البهية 3 / 524.
4- في ( د ) زيادة : « به ».
5- في ( ألف ) : « ملازمة ».
6- في ( د ) : « سلطنة بتركه عليه ».

حصول القبض ، وقد نصّ عليه الجماعة مع أنّ اشتغال المكان به استيلاء من البائع على المنفعة الخاصّة واستيفاء لها ، فلا يجامع ذلك حصول القبض على الوجه المذكور.

وقد يقال حينئذ : إنّ اشتغاله بملكه إن كان على سبيل القهر والاستيلاء وعدم تسليط المشتري على التفريغ (1) فالأمر كذلك ، ولا نسلّم حصول التخلية منه بالنسبة إلى القدر المشغول كما يشهد به العرف إلّا إذا كان ممّا لا يعتدّ به عرفا.

ولا يمانع استيلاء المشتري على المال كما إذا وضع فيه كتابا أو ربط فيه شاة ونحو ذلك ، فلا يمنع ذلك من صدق التخلية سواء كان ذلك على وجه الاستحقاق أو لا.

وأمّا إن سلطه على التفريغ (2) ووكّل الأمر إلى اختياره بلا مدافعة له بالنسبة إلى العين ولا المنافع فلا مانع من تحقّق القبض ، فالمقصود بما مرّ عدم المنافاة بين القبض واشتغال المبيع بمال البائع أو غيره في الجملة ، لا حصول القبض ، مع الاشتغال بأيّ وجه كان ؛ لوضوح فساده.

ولو شرط على المشتري بقاء المبيع عنه مدّة معلومة أو استيفاء منافع العين لنفسه مدّة معينة فقد (3) مرّ أنّه لا يتسلّط المشتري على تسلّم العين ، أمّا في الأوّل فظاهر ، وأمّا في الثاني فلما أشرنا إليه من أنّ الظاهر استحقاق البائع إبقاء (4) العين في يده من جهة استيفاء منافعه المتعلّقة به على نحو استحقاق المستأجر للعين المستأجرة.

وحينئذ فليس للبائع منع المشتري من التصرفات المتعلّقة بالعين من البيع والصلح والوصية ونحوها ، ولا المتعلقة بالمنافع بالنسبة إلى الزمان المضروب.

وهل يعدّ ترخيصه في ذلك وإيكال الأمر إليه فيها تخلية من غير أن يسلّطه على نفس العين بالدخول والخروج والسكنى فيه (5) ونحوها من التصرفات؟ وجهان.

ص: 391


1- في ( ألف ) : « التفريع ».
2- في ( ألف ) : « التفريع ».
3- في ( ألف ) : « قد ».
4- في ( ب ) : « البقاء ».
5- في ( د ) : « منه ».

والأظهر عدم صدق التخلية حينئذ.

ويشهد له صريح حكم العرف. وهو الظاهر من التفسير المتقدم.

نعم ، لو سلّطه حينئذ على العين بالوجه المذكور كان قبضا قطعا وإن لم يستحقّه المشتري حينئذ ، فيتبعه أحكامه.

ومنعه البائع من التصرف في المنفعة المستحقّة له بنقله إلى الغير ونحوه لا ينافي تخلية العين.

هذا ، ويجري ما ذكرناه في رفع يد البائع عن المبيع بالنسبة إلى رفع يد الغير أيضا وإن كان له يد عليه سواء كانت يده عادية كالغاصب إذا كان مانعا (1) من التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنفعة أو كانت غير عادية كالمستأجر والموصي بمنافعه مدّة معيّنة ونحوهما ، فلا فائدة إذن في رفع يد البائع عنه في عدم تمكن الآخر من تصرفه في العين واستيلائه عليها.

ومجرّد تسلط (2) البائع على التصرف في العين بالبيع ونحوه ممّا لا ينافي حقّ المستأجر أو الموصى له مثلا أو لا يضايقه الغاصب أيضا بعد تخلية العين (3) عرفا مع حصول المنع المفروض.

ويلوح من التذكرة القطع بعدم حصول القبض بمجرّد ذلك ، ولذا لم يجوّز وقف العين الموجرة من دون إذن المستأجر في القبض.

[ و ] ربّما يتخيّل حصول القبض بتسليط المشتري على التصرفات المتعلّقة بالعين حسبما ذكر ؛ نظرا إلى استقلال (4) البائع بذلك ، وكون المبيع في يده بحسب الحقيقة دون المستأجر ؛ فإنّ يده تابعة ليد الموجر ، فإذا فوّض الأمر إلى المشتري وجعله مكان نفسه في التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنافع بالنسبة إلى ما بعد زمان الإجارة مثلا فقد اشتغل بذلك يد المشتري على العين ، وكان ذلك قبضا للمبيع ؛ إذ ليست حقيقة القبض إلّا استقلال اليد على العين.

ص: 392


1- في ( ألف ) : « نافعا ».
2- في ( د ) : « تسليطه ».
3- ليس في ( د ) : « العين ».
4- في ( د ) زيادة : « يد ».

والحاصل أنّه قد كان العين أوّلا في يد البائع فجعلها في يد (1) المشتري بتفويضه الأمر إليه ، فصارت مفوّضة له حاصلة تحت يده.

ويدلّ على كون العين [ في ] يد البائع حينئذ مع كونها عند المستأجر في الفرض المذكور أنّه (2) لو ادّعى المستأجر أو غيره تملك العين كان القول قول الموجر وكان منكرا عليه الحلف عند عجز الآخر عن إقامة البيّنة ، ولو تعارضت البينتان كان الموجر داخلا والآخر خارجا قطعا.

ولو أخّر (3) الموجر بالعين مضى إقراره فيها دون المنافع المتعلّقة بالمستأجر.

وذلك كلّه من الشواهد على كون العين في يد البائع ، فإذا سلّمها كذلك إلى المشتري كان إقباضا له حسبما ذكرنا.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ لابتنائه على عدم الفرق بين القبض واليد ، وبينهما بون بعيد ، فإن حصل حصول اليد الشرعي على المال غير مقبوضيّة المال (4) ويمكن الانفكاك بينهما من الجانبين فقد يحصل (5) المقبوضيّة من دون اليد كما في المغصوب (6) والمستأجر إذا قبضه المستأجر (7).

وقد يكون اليد حاصلا من دون حصول القبض كالفرض المذكور بالنسبة إلى المغصوب (8) به والموجر ، وقد يجتمعان ، وهو ظاهر.

وما ذكر من الأحكام إنّما يتبع حصول اليد دون صدق القبض ، ودعوى كون القبض هو

ص: 393


1- زيادة : « يد » من ( د ).
2- في ( ألف ) : « إذ ».
3- في ( د ) : « أقر ».
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- في ( د ) : « تحصل ».
6- في ( ب ) : « المنصوب » ، وفي ( ألف ) : « كان المنسوب » ، بدلا من : « كما في المغصوب ».
7- ليس في ( ب ) : « إذا قبضه المستأجر ».
8- في ( ألف ) : « المنسوب ».

استقلال اليد على العين ممّا لا شاهد عليه في كلماتهم إن أريد به ما يشمل المذكور ، وإن أريد به استقلال اليد على العين بانتفاء المانع عن تصرفه فيه بالدفع والمنع وغيرهما من أنحاء التصرف فهو حسن إلّا أنّه غير حاصل في العين المستأجرة إذا لم يمكنه المستأجر من ذلك.

والعرف أقوى شاهد في المقام ؛ إذ لا يعد المال حينئذ إلّا في قبض المستأجر ، وتصرفه بعد دفع البائع إليه وجعل في تصرفه.

ويشهد لذلك ملاحظة الحال في المغصوب ؛ إذ مع كون اليد والثابت عليه شرعا يد المالك ولذا يمضي (1) أقاريره بالنسبة إليها ، وهو المنكر عند قيام المدّعي للعين ، ويكون بيّنته بينة الداخل عند تعارض البيّنتين إلى غير ذلك ، مع عدم كون العين مقبوضة له بالضرورة.

ومجرد تسليطه المالك على التصرفات المتعلقة بالعين من قبيل البيع والصلح والإصداق والهبة والوقف والإجارة بالنسبة إلى المدة الآتية ونحوها لا يعدّ تخلية مع كون العين في تصرف الغير ومنعه من استيلائه على نفس العين.

وكذا لو تصرف المشتري فيه على أحد الوجوه المذكورة ، وكون التصرف في العين قبضا لها وزيادة ممّا لم يقم عليه دليل على إطلاقه ، بل التصرف المفروض حاصل قبل القبض.

وقد أشرنا إليه في الفروع المتقدّمة.

وبين التصرف والقبض عموم من وجه أيضا كما لا يخفى على المشهور في العرف.

ويومي إلى ما ذكرناه من عدم حصول القبض بتسلّطه على المبيع على الوجه المفروض أنّه لو كان ذلك قبضا لم يكن للمشتري مطالبة البائع برفع يد المتصرف (2) عنه بعد تسليطه البائع على التصرفات المفروضة ؛ لحصول القبض الواجب عليه.

ووجوب ذلك عليه ممّا لم يقم عليه دليل ظاهر سوى توقف القبض الواجب عليه حيث أخذ في التخلية رفع يده ورفع يد الغير عنه.

وأيضا لو اكتفى به في صدق القبض لكان التخلية على الوجه المذكور كافيا في صدق

ص: 394


1- في ( ألف ) : « بمعنى ».
2- في ( د ) : « التصرف ».

القبض ، وإن كان البائع هو المتسلّط على العين والمانع من تصرف المشتري فيه على النحو المفروض في المستأجر مع شهادة صريح العرف بعدم صدق التخلية كما مرّت الاشارة إليه.

وربّما يومي عبارة التذكرة بالاتفاق على عدم تحقّق القبض بذلك حيث نصّ على عدم لزوم وقف العين المستأجرة عندنا إلّا أن يقبضه بإذن المستأجر ، وحكم بصحّته عند بعض العامّة حيث لم يقل باعتبار القبض في الوقف.

هذا ، وهل يعتبر أن تكون التخلية على الوجه السائغ فلا عبرة بما وقع منها على الوجه المحرّم كما لو كان العين موجرة وحصل إقباض العين (1) من دون إذن المستأجر فلا بدّ من إذنه ليكون (2) التسلط على الوجه السائغ أو يكتفى بمجرّد حصول التخلية ، والتسلط عرفا لم يكن على الوجه السائغ شرعا.

وقد نصّ غير واحد منهم على اعتبار إذن المستأجر في إقباض العين الموجرة ، وظاهر ذلك عدم حصول القبض المعتبر من دون الإذن.

وقد نصّ عليه في التذكرة (3) في الوقف قال في وقف الأرض المستأجرة : أمّا عندنا فإن أقبضه بإذن المستأجر فلا بأس ، وإلّا لم يصح القبض ، ولا يثمر لزوم الوقف.

ويشكل ذلك بأنّ القبض ليس من العبادات لئلا يجتمع مع الحرام ، ولذا يصحّ إقباض العين في المكان المغصوب قطعا ، فبعد (4) حصول القبض ولو على الوجه المحرّم يحصل المطلوب ، فلا وجه لاعتبار إذن المستأجر في تحقّقه ، وإنّما يعتبر ذلك في جواز الفعل ورفع الإثم عن المقبض والقابض ، وهو أمر آخر.

وقد يقال باختصاص ما ذكره بالوقف حيث إنه من العبادات ويعتبر فيها قصد التقرب ، فلا يجتمع مع الحرام.

ص: 395


1- في ( ألف ) : « الغير ».
2- في ( ألف ) : « لكون ».
3- تذكرة الفقهاء 2 / 432.
4- في ( ألف ) : « بعد ».

وفيه : أنّ اعتبار التقرّب بالنسبة إلى القبض الذي يعدّ من جملة شروطه غير ظاهر. أقصى الأمر اعتباره في نفس الوقف.

ويمكن دفع الإشكال بأنّ القبض في المقام إنّما يكون بتخلية العين ، ومع سلطان الآخر (1) على دفع القابض لا يتحقّق التخلية ، فتمكّنه منه على الوجه المحرّم لا يسقط حق الآخر حتّى يعد ذلك تخلية ، فلا بد من إذنه حتّى يتحقّق التخلية المطلوبة ، فليس اعتبار الإذن في المقام من جهة توقف الأمر على حصول القبض المباح ، بل لعدم حصول القبض في المقام من دونه ؛ نظرا إلى عدم ارتفاع المانع من قبل المستأجر ويمكن أن يفرّق بذلك بين القبض بالتخلية والحاصل بالنقل ، والمناولة هناك حاصلة وإن وقع على الوجه المحرّم بخلاف التخلية حسبما قرّرناه.

وأنت خبير بأن ذلك إنّما يتمّ إذا اعتبرنا في التخلية إزالة الموانع العرفيّة والشرعيّة ، وأمّا إن أريد بها إزالة الموانع العرفيّة وتمكين المشتري من التصرف في المبيع بحسب العادة وتسليطه عليه كذلك - كما هو الظاهر من العرف - فلا ، والمفروض حصوله في المقام.

ومن البيّن أنّه لا حقيقة شرعيّة في لفظ القبض ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب فلا بدّ من الرجوع (2) إلى العرف ، ولا توقف في صدقه عرفا على إزالة الموانع الشرعيّة ، فلا دليل إذن على اعتبارها في تحقّق قبل القبض ، وحينئذ فلا فرق في ذلك بين القبض الحاصل في التخلية وغيرها.

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى المرهون أيضا إذا أجاز المرتهن منعه بعد ذلك.

ومع البناء على اعتبار الاذن في المقام لا فرق بين علم المشتري بكونها مستأجرة أو مرهونة أو جهله بالحال ، فإذا دفعه البائع إليه وتصرف (3) فيه مدّة ثمّ تلف قبل حصول الإذن كان من التلف قبل القبض ، وكان مضمونا على البائع.

ولا يخلو عن بعد.

ص: 396


1- لم ترد في ( ب ) : « على دفع .. لا يسقط حقّ الآخر ».
2- في ( د ) زيادة : « فيه ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إليه وتصرّف .. على البائع ».

ثمّ إنّه يتفرع أيضا على الوجهين أنّه لو باع الفضولي عينا غير منقولة وحصل منه التخلية فضولا وتصرّف فيه المشتري مع علمهما أو أحدهما بالحال أو الجهل به وتلف العين باقية سماويّة ثمّ أجاز المالك بيعه وقبضه صحّ البيع واندرج في ضمان المشتري على الوجه المختار.

وعلى الوجه الآخر ينبغي عدّه من التلف قبل القبض ، نظرا إلى وقوع القبض من دون إذن المالك.

نعم ، قد يشكل الحال في المثال لعدم قيام دليل على جريان حكم الفضولي في الأفعال فيما عدا العقود والإيقاعات.

والظاهر أنّه لا مانع منه أيضا.

ولتفصيل القول فيه أيضا مقام آخر.

ثمّ إنّ ظاهر الحدّ المذكور توقف التخلية على رفع يد المالك والأجنبي عنه رأسا ، فلو بقي للغير سلطان التصرف في العين وسلّط المشتري عليه أيضا من غير أن يمانعه عمّا يريده من التصرفات لم يكن ذلك قبضا ؛ لعدم ارتفاع اليد عنه بالمرّة كما هو ظاهر الحد ، لكن في توقف صدق القبض عليه تأمّل سيّما إذا كان العين في تصرف المشتري يفعل به ما شاء وإن تصرّف فيه الآخر أيضا ، وثبت له يد عليه أيضا.

وقد يدرج ذلك في الحدّ بأن يراد به رفع (1) يده عنه على وجه يمانع تصرف الآخر لا مطلقا.

وهل يكفي في حصول التخلية على الوجه المذكور رفع يده ويد الغير عنه فإمّا خاصّة أو لا بدّ من رفعه بالمرّة؟ وجهان.

وعلى الثاني فلو أخذه منه بعد ذلك ولو بعد آن ما لم يمنع من صدق القبض من غير إشكال.

والفرق بينه وبين الصورة الأولى ظاهر ؛ لحصول التخلية هنا يقينا ، وأمّا في تلك الصورة

ص: 397


1- في ( د ) : « دفع ».

فقد يتأمل في صدق التخلية مع عدم البناء على تفويض الأمر إلى المشتري.

وهل يعتبر في حصول القبض بالتخلية قبول الآخر ذلك عند تخليته ورضاه بالتسلّط على ما سلّطه عليه؟ وجهان ؛ من قضاء ظاهر كلماتهم بتحقّق القبض في غير المنقول بمجرّد التخلية وظاهر الإجماعات المحكيّة المتقدّمة المعتضدة بذلك ، ومن عدم صدق القبض (1) بحسب العرف من دونه ؛ إذ لا يزيد القبض في غير المنقول على المنقول ، فكما أنّ المشتري قد لا يقبض هناك بعد إقباض البائع ، فكذا هنا.

ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك أيضا ، فالمراد من تفسير القبض بالتخلية عدم الحاجة إلى غيرها من أحد الأمور الّتي يقال بأخذها في قبض المنقول ، لا عدم الحاجة إلى تلقّي الآخر وقبوله له ، فكأنّهم سكتوا عنه لوضوحه.

وقد يتوهم الفرق بين الإقباض والقبض ، فيحصل الإقباض في المقام من دون القبض ، فيكون مقصود الأصحاب حصول الإقباض الواجب على البائع لحصول ذلك وإن لم يحصل القبض من المشتري من دون قبول.

وضعفه ظاهر ؛ لوضوح عدم الانفكاك بين الأمرين ، فإنّ الإقباض فعل والقبض في معنى انفعاله ، ولا يعقل الانفكاك بينهما بل التغاير بينهما اعتباريّ على ما حقّق في محلّه.

والاقباض الخالي من (2) القبض ما (3) يتراءى من بعض الاستعمالات ليس إقباضا على وجه الحقيقة.

وربّما يتوهم كون القبض الواقع من البائع مغايرا في المعنى للقبض الحاصل من المشتري ، ولذا يصح إثبات أحدهما ونفي الآخر حيث يقال : أقبضه البائع فلم يقبضه المشتري ، فمفاده بالنسبة إلى البائع هو التخلية ، ولا يكتفى بها في حصول القبض من المشتري ، والأحكام تابعة للأوّل على ما قضت به الأدلّة.

ص: 398


1- في ( د ) زيادة : « قطعا ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- كذا ، والظاهر : « فيما ».

وربّما يتخيّل أيضا اعتبار تصرف المشتري فيه في الجملة حتّى يتحقّق قبضه في العرف.

والجميع بمعزل عن التحقيق كما لا يخفى على المشهور.

ويدلّ على فساد الأخير أنّه مخالف لما أطبق عليه الكلّ ؛ إذ لم نر اعتباره في كلام أحد منهم ولا نقله نافل في القمام وغيره ، والاجماعات المحكيّة وفتاويهم المتطابقة تنادي بفساده.

وما ادّعي من عدم صدق القبض عرفا من دون ذلك مثله في الفساد ؛ إذ لا توقّف لصدق القبض على التصرف قطعا ، أقصى الأمر اعتبار قبوله للتسليط الواقع من الآخر وملاحظة نفسه مسلّطا على المبيع ، وأين ذلك من اعتبار التصرف فيه؟.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام جماعة من الأصحاب أنّه مع تحقّق التخلية على الوجه المذكور يتحقّق القبض من غير فرق بين ما إذا كان المبيع حاضرا عندهما أو غائبا كائنا في بلد المبايعة أو في بلد آخر قريبا كان أو بعيدا.

واتّجه الشهيد الثاني (1) فيما لو كان المبيع بعيدا جدا بحيث يدلّ العرف على عدم صدق قبضه بالتخلية كما لو كان ببلاد أخرى اعتبار مضيّ زمان يمكن فيه وصول المشتري أو وكيله إليه.

وأنكر ذلك بعض المتأخرين كما يظهر من إطلاق آخرين حيث اكتفوا في صدق القبض في المقام بمجرّد التخلية.

وهو الظاهر من إطلاق الإجماعات المحكيّة.

وأنت خبير بأنّ بعد المبيع عن المتبايعين إن كان قاضيا بعدم صدق القبض فمضيّ الزمان المفروض ممّا لا يثمر صدقه أصلا ؛ إذ مع عدم مضيّ المشتري أو وكيله في تلك المدّة أيّ (2) تفاوت بين مضي المدّة المفروضة وعدمه.

نعم ، لو اعتبر فيه مضيّ المشتري أو وكيله أو توكيله أحدا هناك اتّجه الفرق إلّا أنّه لم يقل به ، ولا يظهر اعتباره من غيره أيضا ، فاتّجه بذلك عدم اعتبار الأمرين.

ص: 399


1- مسالك الإفهام 3 / 240.
2- زيادة : « أي » من ( د ).

أمّا ما ذكره فبما عرفت ، وأمّا الثاني فلعدم ظهور قائل به ، بل الظاهر من العرف عدم الفرق بينه وبين التخلية المتعلّقة بالملك الّذي في مادة المبايعة ، فإذا ثبت صدق القبض بالتخلية فيما إذا كان المبيع حاضرا ثبت بالنسبة إلى البعيد أيضا.

نعم ، قد يحصل فرق بين الصورتين فيما إذا كان المبيع في البلد النائي (1) في يد وكيل المالك ، فإنّه على ما مرّ يتوقف حصول التخلية على ارتفاع يد الوكيل عنه أيضا بمجرّد رفع (2) الموكّل يده من دون علمه بالحال لا يقضي بارتفاع يده ، فيتوقف حصول التخلية على إيصال الخبر إليه وقبوله ذلك ، وهو أمر آخر.

فلو لم يكن المبيع إلّا في يد البائع من غير أن تكون عليه يد آخر ولو تبعا ليده أو كان وكيله المتصرّف فيه حاضرا في المحلّ ورفع يده عنه ، فالظاهر صدق التخلية وحصول القبض في الحال من غير حاجة إلى أمر آخر.

وكأنّ الوجه فيما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه أنّ حقيقة القبض هو اندراج المبيع تحت يد القابض ، ومع بعد المسافة لا يندرج تحت يده بمجرّد تخلية المالك في ذلك المحلّ ، فلا بدّ إذن من مضي المدة المذكورة.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لو تمّ ذلك لما كان في مجرّد مضيّ المدّة ما يجعله تحت يده من دون ذهابه أو ذهاب وكيله مثلا حسبما أشرنا إليه.

وهل يصحّ قبض المال المشترك فيما يكون قبضه بالتخلية من دون إذن الشريك؟ وجهان ، بل حكى في الروضة (3) قولين.

وجه المنع أنّه تصرّف في ملك الشريك ، فلا يجوز إلّا بإذنه ، ووجه الجواز أنّ التخلية بالنسبة إلى حصّته لا يعدّ تصرّفا في حصة الآخر ، وإنّما هو رفع لسلطنة نفسه من (4) حصّته

ص: 400


1- في ( ألف ) : « الثاني ».
2- في ( ألف ) : « رفع يد » ، ولا معنى لزيادة « يد » بعد أن تكون العبارة الآتية « الموكّل يده .. ».
3- الروضة البهية 3 / 176.
4- في ( د ) : « عن ».

وتسلّط للمشتري على حقّه دون حقّ الآخر ، فليس القبض هنا حاصلا إلّا بالنسبة إلى ذلك دون مال الغير.

ولا يخفى قوّة الوجه المذكور ووهن الأوّل ، ولذا اختار الشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي وغيرهما ، وإنّما يتّجه الوجه الثاني في المنقولات ، وسيجي ء الكلام فيه.

نعم ، قد يقال في المقام بأنّ التخلية تتوقّف على إزالة الموانع من (1) تصرف المشتري ، والشريك هنا مانع عن تصرّفه ، فلا تتحقّق التخلية من دون إذنه على نحو ما مرّ في إقباض العين الموجرة.

ويمكن دفعه بظهور الفرق بين المقامين ؛ نظرا إلى تسلّط المستأجر هناك على حين البيع من جهة استيفاء المنافع المملوكة له بخلاف المقام ؛ إذ لا سلطان لأحد الشريكين على حصّة شريكه ، وإنّما له المنع من تصرفه فيها نظرا إلى استلزام ذلك التصرف في حقّه ، [ و ] ذلك أمر حاصل من الجانبين ، فلا يستحق الشريك قبض المبيع والتصرف فيه حتّى يكون دفعه (2) في المقام منافيا لما يستحقّه كما هو الحال في العين الموجرة ، بل المانع من التصرف هنا أمر تبعي لا ينافي تسليط المشتري على حقّه على نحو تسليط كلّ من الشريكين على حصته.

فإن قلت : إنّ استحقاق الغير لمنع المشتري عن التصرف في العين ينافي تخلية المبيع له سواء كان من جهة استحقاق البائع للتصرّف فيه أو بسبب آخر ، والمفروض في المقام حصول الاستحقاق المذكور للشريك وإن لم يكن سببا من (3) استحقاقه التصرف في المبيع.

قلت : كون الاستحقاق المذكور منافيا لحصول القبض ممنوع بل فاسد ؛ لصدق مقبوضيّة الأموال المشتركة لأربابها - منقولة كانت أو غير منقولة - مع حصول المنع المفروض ، والتخلية المعتبرة للقبض لم يؤخذ في تفسيرها ما ينافي ذلك ، بل ظاهر حدّها المذكور يعمّ المال

ص: 401


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « رفعه ».
3- في ( د ) : « مسببا عن » بدل : « سببا من ».

المشترك أيضا إذا رفع البائع يده (1) عن حصّة المبيعة ، وسلّط المشتري عليه على نحو تسليط الشركاء على حصصهم ، وليس للشريك الآخر يد على المبيع ليعتبر دفعه (2) في المقام كما في العين الموجرة ونحوها ، بل إنّما كانت في يد البائع وانتقل من يده إلى يد المشتري.

ويؤيّد ذلك أنّه ليس دفع (3) المنع المذكور من وظيفة (4) البائع ، وإنّما هو دعوى بين الشريكين إن ارتفع بتراضيهما (5) فلا كلام ، وإلّا رفعا أمرهما إلى الحاكم ، وذلك (6) بخلاف العين الموجرة ؛ إذ الظاهر أنه بعد انقضاء زمان الإجارة لو أبى المستأجر عن الدفع كان من وظيفة البائع رفع يده عن العين ، وتسليمه إلى المشتري.

ويشهد لما قلناه ملاحظة العرف لحكمه بحصول القبض بالنسبة إلى المال المشترك لحصول التخلية على الوجه المذكور ، بخلاف العين الموجرة.

ويومي إليه أيضا أنه لو باع دارا لاثنين على وجه الإشاعة ورفع يده ويد الغير عنه ، وسلّطهما على المبيع عدّ ذلك تخلية ، وكان قبضا بالنسبة إليهما مع أنه لا يجوز لكلّ منهما التصرف فيه إلّا بإذن الآخر.

ولو كان ما ذكر مانعا عن حصول القبض لمنع هناك أيضا.

ويدلّ عليه أيضا مضافا إلى جميع ما ذكر الأصل ؛ إذ وجوب ما يزيد على ذلك على البائع غير ظاهر من الأدلّة ، فقضيّة الأصل عدمه.

هذا ، وأمّا القبض بالنسبة إلى المنقولات فقد اختلفوا فيه على أقوال عديدة بعد اتفاقهم ظاهرا على عدم ثبوت حقيقة شرعيّة للقبض وأن المرجع فيه العرف واللغة كما هو الشأن في

ص: 402


1- زيادة « يده » من ( د ).
2- في ( د ) : « رفعه ».
3- في ( د ) : « رفع ».
4- لم ترد في ( ب ) : « من وظيفة .. إلى الحاكم ».
5- في ( ألف ) : « تراخيهما ».
6- لم ترد في ( ب ) : « وذلك ».

نظائرها من الألفاظ ، فذهب المحقّق في الشرائع (1) والنافع (2) أنه التخلية أيضا كما هو الحال في غير المنقول.

واختاره الشهيد في الدروس (3) بالنسبة إلى الحكم بارتفاع الضمان لا زوال التحريم أو الكراهة عن بيعه قبل القبض.

وقيل : إنه فيما يتناول من الأقمشة ونحوها هو الإمساك باليد ، وفي المكيل والموزون هو الكيل والوزن ولو تقديرا كما إذا أخبر البائع كذلك (4) ورضي المشتري به مع رفع يده عنه. ولا يبعد ادراج الدراهم والدنانير في الأوّل وإن كانت موزونة ؛ نظرا إلى انضباط وزنها في المعتاد ، ويؤخذ بظاهر الحال.

وفي الحيوان نقله من ذلك المكان إلى مكان آخر بأن يمش بالعبد إلى مكان آخر ، ويقيم الدابّة في غير ذلك المحلّ.

وحكي القول بذلك عن الشيخ في المبسوط (5) والقاضي (6) والطوسي (7).

وقيل : إنه في الحيوان نقله وفيما يعتبر باعتبار مخصوص لدفع الجهالة كيله أو وزنه أو عدّه أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد.

وحكي اختياره في الدروس.

وقيل إنّ القبض فيه هو النقل أو الأخذ في غير المكيل والموزون ، وأمّا فيهما فإمّا ذلك أو الكيل أو الوزن. ذهب إليه العلّامة في المختلف (8).

ص: 403


1- شرائع الإسلام 2 / 308.
2- مختصر النافع : 124.
3- الدروس 3 / 213.
4- في ( د ) : « لك ».
5- المبسوط 2 / 120.
6- المهذب 1 / 385.
7- الوسيلة : 252.
8- مختلف الشيعة 5 / 279.

وأنت تعلم بملاحظة الأقوال المذكورة كون اعتبار النقل هنا في الجملة مشهورا بين الأصحاب.

وممّا اتّفق عليه أكثر الأقوال المذكورة ، وحكاية الشهرة عليه كذلك مستفيضة على ما ذكره بعض الأجلّة.

وقد عرفت حكاية الإجماع عليه في الغنية (1).

وكأنّه لا شكّ في شهادة العرف بحصول القبض معه مطلقا ، وإن كان في المكيل والموزون ، فلا حاجة إلى حصول الكيل والوزن فيهما و (2) ملاحظة قبض الدراهم والدنانير أقوى شاهد عليه إلّا أن ينزّل ظاهر الحال في ذلك هناك منزلة الوزن لكن في (3) اعتبار خصوص النقل في صدق القبض في المقام تأمّل.

وتوضيح المقام أنّ الّذي يقتضيه القاعدة من ذلك أنه بعد انتقال كل من العوضين إلى الآخر بعقد (4) البيع لا بدّ من إيصال كلّ عوض إلى صاحبه ورفعه (5) إليه كسائر حقوق الناس من المضمونة للقابض كالمغصوب ، والمقبوض بالبيع الفاسد ونحوهما ، وغير المضمونة كالوديعة والعارية وغيرهما ، فإذا أخرجه القابض عن يده وسلطانه وجعله تحت يد المالك وسلطانه فقد أدّى القابض ما عليه وخرج من ضمانه إن كان قبضه على وجه الضمان.

والظاهر أنّ ذلك مفاد القبض إلّا أنّه يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأشياء ، ففي الأمور الغير المنقولة كالدور والمزارع والبساتين يحصل بتخلية القابض يده ويد غيره وتسلّط المالك عليها حسبما مرّ ، فيندرج بذلك تحت سلطانه في (6) الأمور المنقولة بكون (7) ذلك بنقله

ص: 404


1- غنية النزوع : 229.
2- في ( د ) : « وفي ».
3- زيادة : « في » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « يعقد ».
5- في ( د ) : « دفعه ».
6- في ( د ) : « وفي ».
7- في ( د ) : « يكون ».

وبإمساكه باليد على وجه الاستيلاء عليه حتى في الحيوان ، فإنه لو دفع إليه لجام الدابّة وأمسكها مستوليا عليها كان قبضا لها في العرف قطعا ، خصوصا إذا وهب البائع عنها من غير حاجة إلى إقامتها في محلّ آخر.

ولو ساق الدابّة إليه وأتى به إلى إصطبله ورفع يده عنها فغلّق (1) المشتري باب الإصطبل عليها مريدا بذلك قبضه ، فلا تأمّل ظاهر في صدق القبض به عرفا.

ولو باعه سريرا فرفع البائع يده عنه ومكّن المشتري عنه فجلس عليه كان قبضا له وإن لم ينقله عن محلّه.

ولو باعه كتابا فوضعه البائع بين يديه مريدا إقباضه بوضع يده عليه لأجل قبضه ، فالظاهر حصول القبض به.

وكذا الحال في نحوه من الأعيان المنقولة ، بل لو أتى بها إليه فقال المشتري : ضعه في صندوقي مثلا ، فوضعه فيه لم يبعد كونه قبضا سيّما إذا ذهب البائع عنه.

ولو غفل المشتري حينئذ باب الصندوق فالظاهر القطع بصدق القبض في العرف.

وقد يعدّ التخلية في المنقولات مع التصرف في بعضها قبضا كما إذا باعه مقدارا معيّنا من الحنطة وسلّمه مفتاح الحبّة (2) الموضوعة فيها ومكّنه منه ، فذهب إليه وتصرّف بالنقل أو الوضع إلى الغير ونحوهما فإنّه لا يبعد على الكلّ مقبوضا له في العرف.

ولو باعه عبدا فأتى به إليه ورفع يده عنه ومكّنه من التصرف فيه ورضي به المشتري وذهب البائع عنه كان ذلك قبضا له في العرف سيّما إذا بعثه في حوائجه وكان تحت أمره ونهيه.

والحاصل أنّ القبض أمر عرفي يحصل على وجوه شتّى ولو في المنقولات ، فاختصاص حصوله بصورة النقل أو الإمساك باليد ونحوهما ممّا لا يظهر الوجه فيه.

نعم ، يحصل القبض بهما حسبما عرفت ، والأصل في المسألة هو ما قرّرناه.

حجّة القول بالاكتفاء بالتخلية أنّه قد كان ذلك مفاد القبض في غير المنقول كما مرّ ،

ص: 405


1- في ( ألف ) : « تعلّق ».
2- في ( ألف ) : « الهبة ».

فيكون ذلك مفاده في غيرها ؛ حذرا من الاشتراك والمجاز المخالفين للأصل.

وردّ بأنّه لا مانع من الالتزام بأحدهما بعد شهادة العرف بإرادة غيرها في غيره ، وقيام الدليل عليه. ولا يعدّ مجرّد التخلية في المنقول قبضا ، والمتبادر منه في العرف واللغة خلافه (1) فيكون ذلك حجّة ظاهر [ ة ] على تغاير المعنيين.

والأولى أن يقال : إنّه لا يلزم من اختلاف حصول القبض في المقامين أن يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر ، أو مشتركا لفظيا بينهما ؛ لاحتمال الاشتراك المعنوي على الوجه الّذي بيّناه.

وكيف كان ، فالقول المذكور بعيد جدّا ، بل لا وجه له أصلا.

نعم ، قد ينزّل التخلية على بعض الوجوه منزلة القبض في المنقولات فيما إذا أبى المشتري عن القبض حسبما مرّ بيانه ، وذلك أمر آخر.

وقد يعد قبضا إذا ضمّ إليه بعض أمور أخر كما في بعض الأمثلة المتقدّمة ، ولا ربط له أيضا بالقول المذكور.

ثمّ إنّ ما ذهب إليه في الدروس من الاكتفاء بالتخلية في سقوط الضمان من البائع دون غيره إن أراد به أن إحضار المبيع عند المشتري وتمكينه من قبضه بوصوله بحيث يحصل منه ما عليه من تسليطه على حقّه فقصر المشتري في تركه يوجب (2) سقوط الضمان ( عن البائع فهو مما لا تأمل فيه حسبما مر بيانه في المسألة المتقدمة ، ولا ربط له بحصول القبض ، وإن أراد به أن التخلية كيف ما كان قبض بالنسبة إلى سقوط الضمان ) (3) ، فمع وضوح عدم اختلاف صدق القبض عرفا بحسب اختلاف الأحكام لا دليل على سقوط الضمان به.

حجة القول باعتبار النقل (4) دلالة العرف عليه والإجماع المحكي المتقدّم ، وظاهر الخبر

ص: 406


1- في ( ألف ) : « خلافا ».
2- في ( ب ) : « لوجب ».
3- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
4- « النقل » لم ترد في ( ألف ).

المذكور في مسألة تلف المبيع قبل القبض حيث اعتبر فيه في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري المتوقف على قبضه المبيع إخراجه من بيته ، قال : فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه ، فإنّ المراد به نقل المتاع من عنده ؛ إذ خصوص الإخراج من بيته ممّا لا يتوقّف عليه انتقال الضمان إجماعا.

وفيها : أنّه إن أريد دلالة العرف على حصول القبض به فمسلّم ، وإن أريد توقف القبض عليه فهو في محلّ المنع ؛ لصدق القبض مع عدمه أيضا كما مرّ.

وكذا الحال فيما حكي من الإجماع ، فإنه إن أريد به الأوّل فمسلّم ، وإن أريد به الثاني فممنوع سيّما بعد كون المسألة عرفيّة وشهادة العرف بخلافه. ودلالة الرواية على ما ادّعاه غير ظاهرة ؛ إذ ظاهرها غير مراد قطعا.

وبعد انفتاح سبيل التأويل فيها لا يتعيّن الوجه في اعتبار خصوص النقل ، بل قد يكون الملحوظ إخراجه عن يده وجعله تحت يد المشتري وتصرفه ، فلا تقيد المدّعى.

وكأنّ حجج الأقوال الأخر الاستناد إلى العرف أيضا ؛ إذ ليس في الروايات يستفاد منه التفصيل المذكور فيها.

نعم ، قد يستند في اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون إلى ظواهر الأخبار المتقدّمة المانعة عن بيع المكيل والموزون قبل الكيل أو الوزن نظرا إلى فهم الفقهاء من ذلك المنع من بيعه قبل قبضه.

ولذا استدلّوا بها عليه تحريما أو كراهة ، وقد وقع التعبير به أيضا في بعض الأخبار.

وفي الصحيح : عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه » (1) الخبر.

وقد عرفت الحال في فهم العرف ، وأما الاخبار المذكورة فبعد حملها على إرادة القبض بضميمة فهم الأصحاب يمكن أن يكون الوجه فيه حصول الكيل والوزن غالبا عند الإقباض ،

ص: 407


1- تهذيب الأحكام 7 / 35 ، باب بيع المضمون ح 34.

فعبّر عنه بذلك إلّا أنّ مجرّد الكيل أو الوزن إقباض له وإن لم يدفعه البائع إليه مع شهادة صريح العرف بخلافه. كيف ، ومن البيّن عدم ثبوت حقيقة شرعية للقبض كما يقتضيه الأصل والظاهر ، ونصّ عليه الجماعة.

وحينئذ فلا وجه في الرجوع في بيانه إلى الروايات مع ما فيها من القصور في الدلالة والمخالفة لما يقتضيه العرف واللغة.

ومن ذلك يعرف الحال في الصحيحة المذكورة. وذكر القبض في السؤال لا يفيد كون الكيل والوزن المذكورين في الجواب قبضا ، فالحال فيها كغيرها من الأخبار الواردة في ذلك.

وقد يستند إلى تلك الأخبار في اعتبار الكيل والوزن في قبض المكيل والموزون ، ولا دلالة في تلك الأخبار عليه أيضا إلّا أنّ الشهرة محكيّة على القول المذكور. ولا عبرة بها بعد شهادة العرف بخلافها ، فالقول به لا يخلو عن بعد.

وأبعد منه القول باعتبار العد في المعدود أيضا ؛ إذ لا وجه له إلّا قياسه على المكيل والموزون بعد استنباط كون العلّة لزوم اعتباره في بيعه.

هذا ، والمرجع في المنقول وغير المنقول إلى العرف ، فالأبواب المثبتة والأخشاب المبنيّة من غير المنقول وكذا الحال في الصخور والأحجار واللبن المبنيّة وإن كان الجميع من المنقول قبل البناء. ولا فرق بين ما إذا أريد قلعها (1) وعدمها ، وكونه على وجه ينتفع بها بدون القلع أولا ، والأشجار والثمار الكائنة عليها من غير المنقول ، وإن كان المقصود احتطاب الشجرة أو كان أوان اقتطاف الثمرة ، وكذا الحال في الزروع.

وأمّا الماء فإن كان في القرب ونحوها فهو من المنقول قطعا ، وأمّا نحو مياه الآبار والأنهار فلا يبعد إدراجها في غير المنقول ، وفي مياه الحياض ونحوها ممّا يقصد بقاؤها في المحل لأجل الاستعمال ففيها وجهان.

وهل تعدّ السفينة من المنقول أو غيرها؟ وجهان أظهرهما الأوّل.

ص: 408


1- في ( ألف ) : « تلفها ».

والرحى الغير المبني من المنقول ، والمبني من غير المنقول.

وقد يفصّل بين صخرها الفوقاني والتحتاني ، ولا يبعد عدّهما من غير المنقول إن كان أحدهما موضوعا على الآخر على النحو المعمول ، وإن كان الفوقاني موضوعا في محلّ آخر فهو معدود من المنقول.

والخوابي ونحوها المثبتة في الأرض معدودة من غير المنقول بخلاف غير المثبتة وإن كانت كبيرة جدّا الّا أن تكون خارجة عن المعتاد بحيث لا يمكن حملها في العرف.

ولو كان المبيع منقولا في حال البيع غير منقول بعده أو بالعكس فالعبرة بحال الإقباض.

المبحث الثالث : في بيان ما يدخل في المبيع ويندرج فيه ويحكم بانتقاله إلى المشتري عند تعلّق البيع بلفظه الموضوع له.

وقد جرت طريقة الفقهاء رضي اللّه عنهم بذكر ألفاظ مخصوصة في المقام وبيان ما يندرج فيها عند تعلّق البيع بها ، وليس (1) من الأحكام المأخوذة من الشرع في تلك الموارد ليرجع إليه في إثباتها ونفيها ، وإنّما الحكم الشرعي في المقام هو الضابط الملحوظ (2) في حمل تلك الألفاظ ، وهو الرجوع في ذلك إلى ما هو المفهوم من اللفظ في عرف المتعاقدين ، ولو بملاحظة القرائن المنضمّة إليه من عرف أو (3) عادة أو قرائن خاصّة ، فإن وجدت القرائن وفهم المقصود بانضمامها فذاك ، وإلّا رجع فيه إلى مفاد اللفظ في عرف المتعاقدين ، فيندرج في البيع ما يندرج في ظاهر اللفظ بحسب ذلك العرف ، فإن كان لهما عرف خاص حمل عليه ، وإلّا فإن كان هناك عرف عام حمل عليه ، وإلّا حمل على المعنى اللغوي.

وفي الروضة (4) : وكذا يراعى الشرع بطريق أولى ، بل هو مقدم عليهما بمعنى العرف واللغة ، قال : ولعلّه يبني المصنّف إدراجه في العرف ؛ لأنه عرف خاصّ ، ثم إن اتفقت وإلّا قدّم

ص: 409


1- في ( د ) : « وذلك ليس ».
2- في ( ألف ) زيادة لفظة « ما » هنا.
3- في ( د ) : واو العطف بدل « أو ».
4- الروضة البهية 3 / 530.

الشرعي ثمّ العرفي ثمّ اللغوي.

ويرد عليه أن تقديم الشرع في المقام ممّا لا وجه له ، فإنّ مخاطبات الناس إنّما تقع على مقتضى عرفهم دون عرف الشارع ، وما ذكروه من تقديم الحقيقة الشرعية ( على العرفية واللغوية إنما هو فيما إذا ورد اللفظ في كلام الشارع أو المتشرعة في بيان الأحكام الشرعيه ) (1) لتبعيّتهم (2) في المقام لعرف الشريعة ، وأمّا ما (3) يرد في كلام المتشرعة في غير ذلك المقام فلا يحمل إلّا على مقتضى عرفهم كما هو الحال في غير البيع من ساير العقود والإيقاعات الحاصلة منهم على نحو سائر المخاطبات الصادرة منهم في إخباراتهم وأمور معاشهم.

وأمّا (4) في الشريعة من تعيين بعض المبهمات العرفيّة في باب الوصايا ونحوها فمع خروجه عن محلّ البحث لا ينافي المدّعى ؛ لخروجه إذن عن الأصل من جهة النصّ والإجماع إن تمّا في (5) المقام.

ولا وجه إذن للتسرية عن مورد الدليل.

ويمكن الذبّ عنه بتنزيل كلام الشهيد رحمه اللّه على ما إذا كان المعاقدان (6) من أهل الشرع ، ووقعت معاقدتهما على عرف الشريعة ؛ ( دون ما إذا كانا من الكفّار أو من أهل الشرع مع عدم وقوع مخاطبتهم في المقام على عرف الشريعة ) (7) لوضوح عدم حمل الألفاظ الجارية في كلامهم على المعاني الشرعيّة ، ولا مجال لتوهّم الحمل عليه.

وكأنّ مقصوده بعرف الشريعة ما كان عرفا سابقا بين المتشرّعة قائما مقام سائر المعاني العرفيّة.

ص: 410


1- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
2- في ( ألف ) : « ليقينهم ».
3- ليس في ( د ) : « ما ».
4- في ( د ) : « وما ورد ».
5- في ( د ) زيادة : « ذلك ».
6- في ( د ) : « المتعاقدان ».
7- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

ويشهد له إدراجه في العرفية المذكورة في عبارة المصنف.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما يحمل عليه اللفظ عند الإطلاق أو يستعمل فيه ولو بمعونة القرينة فيحكم بالاندراج على حسب المفروض.

وأمّا ما يحكم بكونه تابعا للمبيع منتقلا منه على سبيل التبعيّة وإن لم يندرج فيما أريد من اللفظ ، فإن كان الحاكم بالتبعيّة هو الشرع قدّم على غيره قطعا كما إذا دلّ على تبعية ثمن (1) النخل لبيع الأصل مع عدم التأبير ، وإلّا رجع فيه إلى مقتضى العرف ، فيحكم بتابعية ما يحكم بتبعيّته لا لكونه مفهوما من اللفظ المستعمل ؛ إذ المفروض عدم الكافي ما استعمل اللفظ فيه ، بل لكونه إذن من مقتضيات العقد ، فيندرج تحت ما دلّ على لزوم الوفاء به.

والفرق بينه وبين الأوّل ظاهر ، أو ما يندرج في مدلول اللفظ هناك مندرج (2) في المبيع فيقسط الثمن على الجميع بخلاف المقام ؛ لكون الثمن حينئذ بإزاء نفس المبيع ، وانتقال ما ينتقل معه إنّما يكون على سبيل التبعيّة فيما (3) مرّ الكلام فيه.

ويتفرع عليه أيضا أنّ الجهالة بما يندرج في المبيع قاض بمجهولية المبيع ، فيقتضي ذلك فساد المعاملة بخلاف التابع ، وقد ينزّل على ذلك كلام الشهيد رحمه اللّه.

ولا يخلو عن بعد.

ثمّ إنّه مع اتّحاد العرفين وعرف البلد فلا إشكال ، وأمّا مع الاختلاف فإن قامت قرينة معيّنة على المقصود فلا كلام أيضا ، وإلّا قام (4) الإشكال في تقديم عرف المحل أو المتعاقدين ، وقد يفصّل من طول مكثهما في المحلّ وقصره.

ولا يبعد ترجيح عرف المتعاقدين إلّا أن يقوم شاهد في المقام على إرادة عرف المحلّ.

ص: 411


1- في ( د ) : « ثمرة ».
2- في ( ألف ) : « فيندرج ».
3- في ( د ) : « حسبما ».
4- في ( ألف ) : « تمام ».

ولو اختلف عرف المتعاقدين قدّم عرف البائع مع تقديم الايجاب على القبول (1) ولو قدّم القبول بناء على جوازه قدّم عرف القابل.

ولو وافق (2) عرف المحل عرف الموجب أو القابل مع تقديم عرفه حسبما ذكر فالأمر واضح.

وإن وافق الآخر احتمل تقديمه.

وكأنّ الأولى أيضا تقديم عرف السابق إلّا أن يقوم شاهد على حمله على العرف الآخر.

وحيث جرت طريقتهم على ذكر عدّة من الألفاظ في المقام ، وبيان ما يندرج فيها وما لا يندرج كان الأولى التعرض لذكرها وبيان ما هو المفهوم منها :

فمنها : الدار ، ويدخل فيها العرصة والبناء الكائن فيه من الحيطان والغرف (3) والجدران والصخور والأخشاب المبنيّة فيها والأبواب والشبائك (4) المضوءة ونحوها والبيوت الفوقانيّة والتحتانيّة والسراديب والمطبخ وبئر الماء والكنيف والحياض.

ولو كان لها بيوت خارجة عن حدّ حيطان الدار كالسّاباط الموضوع على الشارع أو الغرف المبنيّة على بيوت الجيران فإن كانت وجهها نحو تلك الدار وكانت متعلّقة بها ومعدودة من بيوتها اندرجت في بيعها ، وإن لم يعدّ من بيوتها عرفا لم يندرج في بيعها.

وكذا مع الشك فيه.

ولو كان كلّ من الفوقاني والتحتاني معدودا دارا مستقلا كما قد يتّفق في بعض البلدان لم يندرج فيه.

وفي اندراج السقف الحاصل بينهما في البيع - غاية الأمر استحقاق الفوقاني للانتفاع به

ص: 412


1- ليس في ( ب ) : « الايجاب على القبول .. مع تقديم ».
2- في ( ألف ) : « رافق ».
3- في ( د ) : « والسقوف ».
4- في ( د ) : « الشبابيك ».

والتصرف بالكون عليه ونحوه كما انّه يستحق وضع بيوته على بيته وكونها (1) عليه أو أنّه يكون مشاعا بينهما - وجهان ، وكأنّ أظهرهما الثاني لانتسابه إلى الطرفين ، وقوام الجانبين به ، بل ربّما كان تصرّف الفوقاني فيه أبين ؛ نظرا إلى كونه عليه ، وقيامه وقعوده وساير تصرفاته فوقه.

واستظهر في المجمع (2) اندراجه في التحتاني.

ووجهه غير واضح.

وهل يتوقف تصرّف كلّ من الفوقاني والتحتاني على إذن الآخر كما هو الحال في الأموال المشتركة او أن لكلّ منهما التصرف فيه على حسبما تسمعه على وجه لا يتضرر به الآخر ، ولا يقتضي بالتصرف في جهة استحقاقه ولو من دون إذن الآخر ورضاه؟ وجهان.

وقضية ظاهر الأصل هو الأول ، وملاحظة جهة الاستحقاق يقضي بالثاني ، فإنّه وإن كان (3) العين مشتركة بينهما إلّا أنّ جهة استحقاق كل منهما يغاير جهة استحقاق الآخر.

وكأنّ الثاني أرجح بالنظر وأقرب إلى الطريقة الجارية ، بل لا يبعد قضاء الأصل به أيضا.

والحائط الواقع بين الدارين لا يحتسب من أحد الجانبين بخصوصه إلّا أن يكون هناك ما يعيّنه عليه.

ومع عدمه فالظاهر الاشتراك ؛ لاستواء النسبة إليهما.

وفي جواز تصرف كلّ منهما في جانبه من دون إذن الآخر ما عرفت من الوجهين.

ويدخل فيه الأغلاق المثبتة والأبواب المنصوبة.

وهل يندرج فيه مفاتيحها المفصّلة عنها وجهان.

وقطع جماعة منهم الشهيدان (4) بالدخول لظاهر العرف.

ولا يخلو عن قرب إلّا أن تشهد الحال بخروجها.

ص: 413


1- في ( د ) : « كونه ».
2- أنظر مجمع الفائدة والبرهان 9 / 353.
3- كذا ، والظاهر : « كانت ».
4- اللمعة الدمشقية : 112 ، والروضة البهية 3 / 531.

ولا يندرج في الدار الأمور الموضوعة فيها وإن كانت من متعلّقات الدار كالخوايى الموضوعة فيها ، وإن كانت مثبتة.

ونحوها الرحى وإن كانت مبنية والإجّانة والمدق والأقفال المفصلة والأبواب والشبابيك الغير المنصوبة ، ولو كانت مغلوعة بعد النصب على إشكال. وكذا الأخشاب والصخور والأحجار الغير المبنيّة (1).

ولو كانت مبنية فخربت وبقيت فيها ففي اندراجها وجهان.

ولو قال بجميع حقوقها ونحوه فالظاهر الاندراج.

وكذا لا يندرج فيه البكرة والرشاد والدلو (2) والسلّم إلّا أن تكون مثبتة فيها.

ولا تدخل فيها الشجر الكائن فيها على ما قطع به جماعة ؛ لخروجه عن مسمّى الدار وإن قال بحقوقها ( إذ ليس مما يتعلق بالدار.

وفيه اشكال ، ولا يبعد قضاء العرف بدخول الأشجار فيها سيما مع قوله بحقوقها ) (3) إلّا أن تكون كثيرة بحيث يظهر ويشك في اندراجها في المبيع.

وقد نبّه عليه بعض أفاضل المتأخرين.

ولو قال : « بما أغلق عليه بابه » أو « ما دار عليه حائطه » فالظاهر عدم الإشكال في الاندراج.

وقد نبّه عليه جماعة.

ولو لم يكن له باب أو حائط فالظاهر أيضا ذلك لكونه حينئذ كناية عن شمول الجميع ، وينتقل به الطريق الخاص بها أو المشترك بينها وبين دار أخرى كالدارين الواقعتين في زقاق.

ص: 414


1- في ( ألف ) : « المثبتة ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « والرشاد الدلو » ، وفي ( د ) : « والرشا والدلو ». قال في البستان ص 409 مادة ( رشا ) : الرشاء : حبل الدلو ، ج : أرشية ، وفي المثل : أتبع الدلو رشاءها ، يضرب في اتباع أحد الصاحبين للآخر.
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

وكذا الحال في الحق الثابت له من الماء والحريم المتعلّق به.

وليس انتقال المذكورات من جهة اندراجها في مسمّى الدار ؛ لظهور خروجها عن مسمّاها بل من جهة التبعيّة حسبما يقتضيه العرف والعادة ، فبيع الدار قاض بانتقال المذكورات تبعا لانتقالها في حكم العرف.

وحيث كان ذلك من مقتضيات العقد المذكور عرفا لزم الوفاء به شرعا ؛ نظرا إلى ظاهر الآية الشريفة وغيرها.

وعلى هذا فلا يقع شي ء من الثمن بإزاء شي ء منها لخروجها عن المبيع كما هو الحال في سائر التوابع حسبما مرّ الكلام فيه من محلّه.

ومنها : البيت من الدار ، ويدخل فيه حيطانه وسقفه وأبوابه وشبابيكه.

ولا يندرج فيه البيت الذي فوقه إذا كان مستقلا للأصل وشهادة العرف.

وأمّا إذا كان من توابعه وملحقاته فلا يبعد دخوله فيه كالمخدع الذي في البيت.

وفي مكاتبة الصفار الصحيحة أنّه كتب إلى العسكرى عليه السلام في رجل اشترى بيتا في داره بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر ، هل يدخل (1) الأعلى حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع عليه السلام : ليس (2) إلّا ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء اللّه » (3).

وله مكاتبه أخرى صحيحة أيضا دالّة على عكس ذلك.

ويمكن الجمع بينهما بما أشرنا إليه من الفرق بين ما إذا كان البيت الفوقاني مستقلا ومن توابع التحتاني ولواحقه.

وكيف كان ، فالفرق بين الدار والبيت في ذلك ظاهر حيث إنّ الدار يشمل البيت الفوقاني والتحتاني قطعا إلّا أن بعد الفوقاني دار أخرى كما يتفق في بعض البلدان.

ص: 415


1- في ( د ) زيادة : « بيت ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 242 ، تهذيب الأحكام 7 / 150.

وأمّا البيت التحتاني فلا يشمل الفوقاني إلّا أن يكون هناك من (1) القرينة ما يفيد كونه من لواحقه وضمائمه فيهما متعاكسان فيما ذكرناه.

ثمّ إنّه يتبعه الطريق إلى البيت ، وهل له سهم في سائر ما يحتاج إليه الساكن فيه بين الأمور المتعلّقة به كالبئر والكنيف ونحوهما؟ وجهان ، أظهرهما عدم الدخول.

ومنها : الأرض ، ويندرج فيها ظاهرها وباطنها ، فلو كانت مشتملة على صخور مخلوقة فيها اندرجت في المبيع من غير فرق بين علمهما بالحال أو الجهل به إلّا أنّه مع الجهل لو حصل هناك غبن بالنسبة إلى البائع يثبت (2) له خيار الغبن.

ولو لم يكن هناك غبن ففي ثبوت الخيار وجهان ، والأظهر أنّه إن كان ذلك مخالفة للوصف الملحوظ في المبيع ثبت الخيار من تلك الجهة بالنسبة إلى من اعتبرت الصفة من جهته.

ومن ذلك ما لو بنيت المعاملة على ظاهر الحال فتبيّن خلافه.

ثمّ إنّه يتبعه ماؤه الكائن فيه فيما إذا استنبط بالحفر كالبئر وعيّن الماء ، وكذا لو كان البئر محفورا والعين مستنبطة ؛ لدخول المبيع (3) في اسم الأرض فيتبعه الماء.

وبه قطع في التحرير (4) وعلى ما مرّ من مذهب القاضي من عدم دخول ماء البئر في بيع الدار - لعدم جواز بيعه منفردا فلا يدخل في البيع أيضا - لا يندرج الماء الموجود في البئر في البيع هنا أيضا. وكذا الحال في عين الماء حسبما مرّت الإشارة إليه.

وقد بينّا ضعفه.

وهل يندرج فيه المياه الجارية النابعة من تلك الأرض الخارجة إلى مكان آخر والمصروفة فيها؟ الظاهر لا إلّا أن يقوم دخولها شاهدا في المقام أو يكون هناك عرف خاص يفيد اندراجها في المبيع.

ص: 416


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « ثبت ».
3- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
4- تحرير الأحكام 2 / 230.

ويقضي بانصراف الإطلاق إليه ، ولا تندرج فيها الحجارة والصخر الموضوعين فيها ، وكذا المدفونين المعرضتين للنقل.

وأمّا المثبتة فيها كأساس الحيطان والدكّة فالظاهر دخولها إلّا أن يكون في المقام قرينة على خلافه.

ولو كان هناك ( قرينة على الخروج أو كان مودعا للنقل والتحويل ، فإن علم المشتري بوجودها هناك ) (1) فلا كلام ، وله إلزام البائع بالتخلية ، ولا يستحق المشتري عليه أجرة عن زمان التخلية إذا أتى بها على النحو المتعارف ، وليس له مطالبته بطمّ الحفر وتسوية الأرض.

ولو أخّر البائع إخراجها لم يتسلّط المشتري على (2) الفسخ ، وكان له أجرة الأرض عن اشتغالها به ولو منعه (3) التأخير عن انتفاعه بالزراعة وفات بسببه وقت الذراع ففي إلزامه بعض (4) المنافع الفائتة من جهته وجهان.

وإن لم يعلم به وكان تبقيته هناك مانعا عن انتفاع المشتري به فإن أخرجه بحيث لم يتضرر (5) المشتري أصلا فالظاهر عدم الخيار.

نعم ، لو كان إخراج المالك عنه قاضيا بنقص في الأرض كهبوط زائد يعدّ نقصا في العرف أو يكون خارجا عما أقدم عليه المشتري ولوحظ في المبيع ثبت له الخيار.

وإن توقّف على مضيّ زمان يتضرر بسببه المشتري لفوات المنفعة عليه تخيّر بين الفسخ والإمضاء ، ومع إمضائه يجب على الآخر طمّ الحفر وتسوية الأرض على الوجه الّذي كان حال البيع وأقدم المشتري عليه.

وكذا الحال في الصورة.

ص: 417


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في ( ألف ) : « على اخر ».
3- في ( ألف ) : « ولوضعه ».
4- في ( د ) : « بعوض ».
5- في ( ألف ) : « يتصرّف ».

وهل له حينئذ مطالبة أجرة الأرض في زمان التحويل إذا لم يتأخر تحويله عن القدر اللازم؟ فيه وجهان ، أظهرهما ذلك.

وعن الشيخ اختيار العدم ، وكأنّه لرضاه به حيث أجاز البيع فكان بمنزلة ما لو علمه قبل العقد.

وفيه ظهور الفرق بين الوجهين ؛ لإقدامه هناك على العقد بالوجه المذكور ، وهنا قد أقدم عليه من دون ذلك ، فينتقل إليه المنفعة بوقوع العقد على العين المفروضة.

وبالجملة إنّ مقتضى إطلاق العقد انتقال المنفعة إلى المشتري بانتقال العين ، وحيث إنّه استوفاها المشتري بوضع ماله فيها كان عليه عوضها ، وعدم إمكان التفريغ في أقل من تلك المدّة لا يقضي بعدم استحقاق الأجرة عليه مع كون المنفعة المستوفاة ملكا لغيره بمقتضى البقية ، ولا يجري ذلك فيما إذا علم به قبل البيع لإقدامه على انتقال العين إليه على الوجه (1) المذكور ، وليس إمضاء المعاملة حينئذ منزلا في ذلك منزلة العقد ؛ لانتقال العين إليه بنفس العقد (2). ولو اندفع عنه الضرر حينئذ باستحقاق الأجرة ففي سقوط الخيار به مع دفعها إليه وجهان ، أظهرهما العدم.

[ فروع ]

ثمّ إنّ هنا فروعا لا بأس بالاشارة إلى جملة منها ، فنقول : إنّ بقاء ذلك الأمر المودع في الأرض إمّا أن يكون مضرّا بالأرض من الجهة المقصودة منها من زرع أو غرس أو بناء أو لا.

ثمّ إنّه إمّا أن تكون تلك الأرض مزروعة أو مغروسة أو مبنيّة حين البيع أو لا.

وعلى الثاني فإمّا أن تكون مزروعة أو مغروسة أو مبنيّة بعد ذلك أو لا.

وعلى الأوّل فإمّا أن يكون زرعها أو غرسها أو بناؤها بعد العلم بذلك أو قبله.

ص: 418


1- ليس في ( ب ) : « على الوجه .. العين إليه ».
2- زيادة في ( ب ) : « غاية الأمر ». وزيادة في ( د ) : « غاية الأمر تخييره من جهة الضرر فإذا أمضاه كان له المنفعة على مقتضى ظاهر العقد ».

وعلى التقادير فإمّا أن يكون إخراجه مضرّا بالأرض أو بأحد المذكورات أو لا.

ثمّ إنّ الزرع أو الغرس أو البناء الحاصل في الأرض إمّا مملوك للبائع أو المشتري أو غيرهما ، فإن لم يكن بقاؤه ولا إخراجه مضرا بالأرض ولا بما حصل فيه فلا إشكال في تسلّط المشتري على إخراجه وإلزام البائع به ، ولا في تسليط البائع على أخذه وإن رضي المشتري بابقائه.

وإن كان بقاؤه مضرا بالأرض دون إخراجه فسلطان المشتري على البائع أظهر ، ولا إشكال في سلطان البائع عليه أيضا.

فإن كان المشتري عالما بالحال فالظاهر عدم ثبوت الأرش عليه في بقائه هناك بمقدار لا يتحقق الإخراج عادة فيما دونه وإن تضرّر به ؛ نظرا إلى إقدامه عليه حسبما مرّت الإشارة إليه.

وأمّا لو كان جاهلا فإن أمكن إخراجه على وجه لا يتضرّر به المشتري فلا خيار له ، وإلّا ثبت له الخيار.

ومع عدم فسخه له الأرش على البائع على حسب النقص الحاصل.

ولو تهاون البائع في إخراجه كان للمشتري اخراجه عن ملكه ، ولا يبعد رجوعه على البائع بمئونة الإخراج.

ولو أمكن الرجوع إلى الحاكم في ذلك فالأحوط الرجوع إليه.

ولو كان إخراجه مضرّا بالأرض دون بقائه وأراد المشتري نقله كان له ذلك ، ولا أرش عليه مع علم المشتري بالحال.

وأمّا مع جهله فإن رضي البائع ببقائه فهل يتخير المشتري في الفسخ؟ وجهان.

وقضيّة ما في التحرير عدم الخيار ، ولا يخلو عن تأمّل.

والظاهر سلطان المشتري على إلزام البائع بالتفريع ، ولا يجب عليه القبول لو تركه البائع (1).

ص: 419


1- في ( د ) زيادة : « له ».

وهل له حينئذ مطالبة بالأرش؟ وجهان.

وهل للبائع سلطان على نقله مطلقا سيّما مع جهله بالحال أو ليس له ذلك مطلقا ؛ لتضرّر المشتري به أو تفصيل (1) بملاحظة الضرر الوارد عليهما ، فله ذلك مع كون الضرر الوارد عليه من جهة الترك أعظم ومع المساواة يقدّم جانب البائع مطلقا أو مع جهله؟ وجوه ، أظهرها سلطانه على النقل مع وجوب أرش الضرر عليه.

ولو كانت إخراجه مضرا بما في الأرض من الزرع أو الغرس أو البناء أو قاضيا بإتلافه من دون لحوق ضرر بالأرض فإن كان ذلك للبائع كان له السلطان على النقل ، وكذا لو كان لثالث ورضي به.

وأما لو كان ملكا للمشتري أو لثالث ولم يرض بورود الضرر عليه فهل للبائع السلطان على النقل؟ فيه تأمّل سيّما إذا أفضى بتخريب البناء أو إتلاف الزرع أو الغرس ( وكان الضرر الوارد في المقام زائدا على قيمة تلك الأعيان.

هذا إذا كان مالك البناء أو الغرس ) (2) مثلا مستحقا لتبقيته في الأرض ، وأمّا مع عدمه فلا إشكال في جواز النقل وإن أدّى إلى إتلاف ذلك.

ومن ذلك ما لو رفع (3) المالك بناء البيت مثلا عليه مع علمه باستحقاق الغير له ، وأمّا مع جهله بالحال فالإشكال.

ولو كان ذلك ملكا للمشتري كان له إخراج ما في ملكه من الأعيان المفروضة من غير إشكال.

وهل له الرجوع إلى مالكه بالمئونة مع امتناعه عن الإخراج؟ وجهان ، أظهرهما ذلك إن قلنا بوجوب الإخراج عليه حينئذ ، وإن لم نقل بوجوبه قبل مطالبة المشتري به.

وهل مطالبة البائع حينئذ بالأرش؟ الظاهر لا ، فإنّ الضرر اللاحق له إنّما أتى من

ص: 420


1- في ( د ) : « يفصل ».
2- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
3- في ( د ) : « وضع ».

جهته دون البائع سيّما إذا كان البائع جاهلا بالانتقال ، وتحمل القول بالرجوع نظرا إلى انتقال ملكه بمال البائع فعليه التفريغ ، ويتبعه استحقاق أرش النقصان اللاحق لماله من جهة تفريغه ، ولو كان البناء أو الغرس لثالث فالظاهر عدم سلطان المشتري على الإخراج مع تضرّر المالك به.

وأمّا لو كان للبائع أمكن القول بإلزامه به مع علمه بالحلال وأمّا مع جهله ففيه ما سبق من الإشكال.

وممّا قرّرنا يمكن استنباط الحال في سائر الفروض المذكورة فلا نطيل الكلام ببيانها.

ولو باع أرضا فظهر فيها معدن كان للمشتري ، فإنّه من لواحق الأرض كالصخور المخلوقة فيها ، وحينئذ فإن كان البائع قد ملكها بالإحياء تخيّر بين الفسخ والإمضاء على ما قطع به في التحرير (1).

ولو ملكها بالشراء ذكر فيه احتمالين : عدم الخيار لكون الحق للبائع الأوّل ، وثبوته نظرا إلى انتقاله إليه ، وكون الحق له بالفعل وإن كان للآخر مطالبته بعد علمه بالحال كما لو اشترى معيبا ثمّ باعه ولم يعلم بعيبه ، فإنّه يستحقّ الأرش وإن كان قد باعه بقيمة الصحيح.

وهذا هو الأظهر ؛ لخروجه على خلاف الوصف المشاهد أو الموصوف من جهة ظهور المعدن فيه سيّما إذا كان مغبونا بالنظر إلى حصول ذلك فيه.

غاية الأمر أن ثبت الخيار للبائع الأوّل أيضا.

ولو ظهر في الأرض كنز ونحوه لم يدخل في المبيع وكان باقيا على حاله كالحجار والصخور المدفونة فيه المعدّ للنقل ، ثم لو باعه فيه (2) بجميع ما فيه على أن يكون ما فيه تابعا للمبيع في الانتقال حتى لا يضرّ الجهالة به على ما مرّ الكلام فيه تبعه ذلك في الانتقال لو كان ملكا للبائع.

ولا يدخل البناء والغرس في بيع الأرض بلا خلاف يعرف فيه.

ص: 421


1- تحرير الأحكام 1 / 174.
2- في ( د ) : « منه ».

نعم ، لو غرس الأرض وباعها قبل أن يرسخ عروقه قال الشيخ (1) : انّه يدخل الغرس في البيع.

وفيه ضعف.

ولو باعها بحقوقها لم يندرج أيضا ؛ إذ ليس البناء والغرس من حقوق الأرض.

وعن الشيخ أيضا دخولهما حينئذ في المبيع.

ولا يخلو عن بعد.

نعم ، لو قامت هناك قرينة على إرادة ذلك فلا كلام ، وكذا لو ثبت فيه عرف خاص عند المتعاقدين.

ولو قال : وما أغلق عليه بابها ، ففي التحرير (2) : إنّه يدخل فيه ذلك قطعا.

وهو متّجه وإن لم يكن له باب لكونه كناية عن جميع ما فيها حسبما مرّ.

ولو كان فيها زرع لم يندرج في المبيع أيضا ولو كان بذرا قبل اخضراره.

وعن الشيخ رحمه اللّه اندراج البذر في المبيع ، وقال فيما يجذّ مرات كالقب والنعناع (3) انّه إن كان مجذوذا دخل الأصول في المبيع ، فتكون الجذّة الآتية للمشتري وإن لم يكن مجذوذا فالجذّة الأولى للبائع والباقي للمشتري.

والّذي يقتضيه ظاهر العرف في جميع ذلك الخروج عن المبيع إلّا أن يكون هناك شرط أو عرف خاصّ في المقام يقتضي ذلك حينئذ (4) ، فإن كان المشتري عالما باشتغاله لم يكن قلعه إلّا مع الشرط لما فيه من إضرار البائع ، وليس له مطالبة الأجرة على الإبقاء أيضا كما نصّ عليه في التحرير وغيره فإن ذلك قضيّة تملك الزرع مع الإطلاق كما هو الحال فيما لو باعه الزرع وأطلق ، فكذا لو بقي على ملك المالك الأوّل.

ص: 422


1- المبسوط 2 / 109.
2- تحرير الأحكام 2 / 326.
3- في ( ألف ) : « والنقاع ».
4- في ( د ) : « وحينئذ ».

ولا خيار له أيضا ؛ لإقدامه عليه عالما بالحال ، ولو كان جاهلا به بأنّ اشتراه بالوصف من دون أن تبيّن له ذلك (1) بالرؤية القديمة حال خلوها من (2) ذلك ثبت له الخيار في فسخ العقد ؛ إذ لا سلطان له على قلع العين أيضا ؛ لما مرّ في الصورة الأولى ، وإبقاؤه فيه من دون أجرة ضرر عليه ، فينجبر (3) ذلك بالخيار بحمل (4) القول بتسليطه حينئذ على القلع ؛ لإقدام البائع على تسليطه على العين مع علمه بالحال ، بل وكذا مع جهله بها ؛ نظرا إلى وجوب التفريع. عليه إلّا أنّه ينجبر ذلك بانجباره أيضا صورة جهله.

ولا يخلو ذلك عن وجه ؛ نظرا إلى ظاهر الأصل إلّا أنّي لم أجد من أفتى بمقتضاه ، ومع (5) البناء عليه له مطالبته بأجرة الأرض لو رضي ببقائه كذلك.

وكيف كان ، فلا سلطان له حينئذ على أخذ الأرش ؛ لعدم اندراج ذلك في العيب ودفع البائع إيّاه لا يسقط خياره كما هو الحال في نظائره من موارد الخيار ، فإن ذلك عطاء مستقلّ ، ولا يجب عليه القبول.

نعم ، لو رضي المشتري بإسقاط الخيار عند بذل العوض كان ذلك من قبيل الصلح على إسقاط الخيار ، وكان ذلك معاملة جديدة لا مانع منها بعد تراضيهما عليه.

ولو تركه البائع له احتمل في التذكرة (6) سقوط الخيار به حاكيا له عن الشافعي قال : وعندي فيه إشكال.

ورجّحه بعض محقّقي المتأخرين مع ارتفاع الضرر به ، قال : ولعل استشكل العلّامة في غيره.

ص: 423


1- في ( د ) زيادة : « أو ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- في ( ألف ) : « فيجيز ».
4- في ( د ) : « يحتمل ».
5- في ( ألف ) : « مع » بدون الواو.
6- تذكرة الفقهاء 12 / 48.

قلت : والأظهر أنّ مجرّد تركه (1) لا يقتضي بسقوط خياره وإن ارتفع الضرر به ؛ لعدم وجوب القبول عليه.

نعم ، لو قطع النظر عنه وبنى عليه تفريغه وقلعه من دون أن يلحق المشتري ضرر بتفريغه سقط به خياره في وجه قوي.

ويجري جميع ما ذكرناه في صورة اشتغالها بالغرس أو البناء إلّا أن القول باستحقاقه أجرة الأرض من جهة اشتغالها بذلك في غاية القوة ولو كان عالما بالحال. وفي ذلك تأييد للحال لما ذكر احتملناه هناك.

ومنها : الشجر ، ويندرج فيه أصلها وأغصانها الرطبة واليابسة وعروقها كذلك ، وكذا أوراقها وإن كان الورق هو المقصود منها كورق التوت.

وكونه حينئذ نظير الثمرة لا يقضي بإلحاقها بها في الخروج مع اندراجه في الاسم دونها.

وتأمّل بعض محقّقي المتأخرين فيه ليس في محلّ بعد ما عرفت.

وفي دخول الورد الحاصل في الشجر سيّما إذا كان المطلوب منه هو الورد إشكال.

وقد نصّ بعضهم بعدم الدخول.

وقد ينضج عنده (2) وعن الشيخ القول بالدخول حينئذ ولا يبعد القول بخروجه عن مسمّى الشجر لغة فإن لم يكن هناك شاهد عرفي على التبعيّة (3) فالأظهر الخروج.

وأمّا الثمرة ونحوها فهي غير داخلة في الشجر من غير إشكال. وربّما ينتفي الخلاف عنه إلّا أنّه حكي عن الشيخ (4) والقاضي (5) اندراج نحو القطن بعد خروج جوزته وقبل الشقق في بيع الأصل.

ص: 424


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في ( د ) : « وأن ينفتح خبذه » بدل : « وقد ينضج عنده ».
3- في ( ألف ) : « البقية ».
4- المبسوط 2 / 102.
5- المهذب 1 / 374.

وهو كذلك مع مساعدة العرف أو المقام ، وأمّا من دونهما فالظاهر عدم الاندراج.

وما ذكرناه ظاهر فيما إذا كانت الثمرة ظاهرة بعد تناثر الورد ، ولو كانت في الورد مع تفتحه وظهوره فالظاهر أيضا ذلك ، ولو كان قبل تفتح النور وظهور الثمرة في جريان الحكم المذكور وجهان.

واستشكل فيه في التحرير (1). والأظهر أن يقال : إنّه إن قيل بخروج الورد حينئذ فالظاهر عدم الإشكال في خروج الثمرة الحاصلة فيه ، وإلّا فالإشكال فيه متّجه.

هذا كلّه في غير ثمر النخل ، وأمّا في النخل فإن كانت مؤبرة لم يندرج في بيعها ، بل هو باق على ملك البائع على المعروف بين الأصحاب.

وعن التذكرة (2) حكاية الإجماع عليه ؛ لما عرفت من الأصل نظرا إلى خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة نخلا كانت أو غيرها.

والنصوص المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع المنقول منها قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من باع نخلا قد أبر فتمرته (3) للبائع إلّا أن يشترط المبتاع ». قال : « وصّى (4) به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (5).

وفي آخر : « من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع » (6) ( أقضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وفي آخر : « قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ ثمر النخل للذي أبرها إلا أن يشترط المبتاع » ) (7).

ص: 425


1- تحرير الأحكام 2 / 332.
2- تذكرة الفقهاء 12 / 74.
3- في المصدر : « أبره فثمرته ».
4- في المصدر : « قضى ».
5- الكافي 5 / 177 ، باب بيع الثمار وشرائها ح 14.
6- الكافي 5 / 177 ، باب بيع الثمار وشرائها ح 12.
7- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).

وقد خالف في ذلك الطوسي (1) ، ففصّل بين ما إذا كان البيع بعد بدوّ صلاح الثمرة وقبله ، فعلى الأوّل يكون للبائع ، وعلى الثاني للمشتري إلّا أن يشترط للآخر في الصورتين.

ولم نقف له على مستند. وقد يحتجّ له بكونها قبل بدوّ الصلاح بمنزلة جزء الشجرة ، ولا يعد شيئا آخر بخلاف ما إذا كان بعد البدو.

وهو كما ترى.

وإن لم تكن مؤبرة اندرجت في المبيع وكان للمشتري ، على المعروف بين الأصحاب.

والمخالف هنا أيضا هو القاضي (2) في ظاهر كلامه حيث جعل المناط بدوّ الصلاح وعدمه.

ويدل على الحكم المذكور مفهوم القيد المأخوذ في المستفيضة المتقدمة المعتضدة بفهم الأصحاب والإجماع على المسألة ، حكاه في التذكرة (3) والمختلف (4).

ويظهر دعواه من (5) جماعة. ونفى عنه الخلاف بعض الأجلّة ، فيخرج بذلك عن مقتضى الأصل المذكور ( من خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة ، فلا يحكم باندراجها في المبيع من غير قيام دليل عليه ، فظهر بذلك اختصاص الحكم المذكور ) (6) بالبيع ، فلا يجري في سائر وجوه الانتقالات من الصلح والهبة المعوضة وغيرها.

وجعله مهرا وعوضا من المنافع في الإجارة ونحوه مضافا إلى ما حكي عن البعض عن (7) دعوى الإجماع عليه.

وقد خالف فيه الشيخ والقاضي (8) فضماه إلى الأصل في الجميع ، قال الحلى : إنّه الدليل

ص: 426


1- المبسوط 2 / 102.
2- المهذب 1 / 380.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 573.
4- مختلف الشيعة 5 / 201.
5- في ( د ) : « عن ».
6- ما بين الهلالين مما زيدت من ( د ).
7- في ( د ) : « من ».
8- المهذب 1 / 374.

سوى القياس.

ولو أبرتها الرياح بعد تشققها من نفسها ففي جريان حكم المؤبّر عليه وجهان ؛ من خروجه عن ظاهر الأخبار المذكورة وقضاء ظاهر التقييد بكونها للمشتري ، ومن (1) انّها في معنى التأبير ، فيجري حكم المؤبر عليها.

مضافا إلى ما عرفت من الأصل ، فإنّ القدر المتيقّن من غير المؤبر هو ما لم يقع عليه التأبير أصلا ، فلا بدّ من الرجوع في ذلك إلى مقتضى الأصل من كونها للبائع.

ولو كان بعض النخيل مؤبرة دون البعض كان لكلّ حكمه سواء كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة.

ولو كان البعض من شجرة واحدة مؤبرا دون البعض فهل يجري لكلّ حكمه أو يجعل غير المؤبر تابعا للمؤبّر؟ وجهان.

وتنظّر في التحرير (2) في الحكم بالتبعية. وهو في محله.

ولو اشترى في نخلة مطلعة (3) وكانت مؤبرة ولم يعلم المشتري بتأبيرها ، ثمّ علم به فذهب الشيخ في المبسوط (4) إلى ثبوت الخيار له أو الثمرة حينئذ للبائع ويفوت على المشتري ثمر عامه ، فيتخيّر ذلك بخياره في الفسخ وعدمه.

والأظهر عدم ثبوت الخيار له كما استقر به في المختلف (5) ؛ إذ المبيع إنّما هو النخلة دون الثمرة ، والمفروض تعلّق البيع به بعد بروز الطلع ، وهو أعم من كونها مؤبرة أو غيرها ، فلا إقدام في المقام على شي ء ظهر خلافه لتخيّره بالخيار.

غاية الأمر إقدامه على أمر دائر بين الوجهين ، فإن كان هناك مانع فإنّما هو من جهة

ص: 427


1- في ( ألف ) : « من ».
2- تحرير الأحكام 2 / 331.
3- في ( ألف ) : « مطلقة ».
4- المبسوط 2 / 109.
5- مختلف الشيعة 5 / 278.

الجهالة ، وهي إن حصلت في المبيع قضت بفساد المعاملة دون الانجبار بالخيار لكن الظاهر عدم قضائها هنا بالفساد ؛ إذ ليست الثمرة حينئذ جزء من المبيع لتكون الجهالة باندراجها فيه وعدمه قاضية بالجهالة في المبيع ، وإنّما هي تابعة للمبيع في حكم الشرع ، والجهالة بالتابع لا تمنع من صحّة العقد حسبما مرّ في نظائره.

نعم ، لو اشتراه بشرط أن لا تكون مؤبّرة أو مع وصف عدم التأبير أو بشرط عدم ظهور الطلع كان له الخيار بعد انكشاف الخلاف.

ولا أرش في المقام ، فإنّه إنّما يثبت من جهة العيب ، ولا عيب في الصورة المفروضة.

ولو باعها على أنّها مؤبرة فظهر عدم التأبير فإن كان البائع عالما بالحال ثبت له الخيار ، وإن كان عالما وتعمّد الكذب في الوصف فلا خيار له.

ولو شرط الثمرة لنفسه فلا فرق بين ظهورها مؤبّرة ، أو غير مؤبّرة ولا بين علمه بالتأبير وعدمه.

وكذا لو شرطها للمشتري.

ولو اشترط التأبير في الثمرة فظهر عدمه ثبت الخيار في الصورتين.

ثمّ على ما ذكر من عدم اندراجها في المبيع مع التأبير لو احتاجت إلى السقي لم يكن لمالك الأصل المنع فيه (1) كما أنه لو احتاجت الأصول إلى السقي (2) لم يكن للآخر منعه.

ولو كان سقي الأصول مضرّا بالثمرة وسقي الثمرة مضرّا بالأصول وتعارضا (3) في ذلك فإن شرطا أحدهما على الآخر السقي عند حاجته دون الآخر كان متبعا ، ولم يكن للآخر مزاحمته.

ومع عدم الاشتراط ففي ثبوت الخيار لمن يرد الضرر عليه أو سلطان طالب السقي على الإسقاء فيجبر الممتنع عليه أو تقديم مصلحة المشتري حيث إنّ البائع هو الّذي أدخل على نفسه ذلك ، وجوه.

ص: 428


1- في ( د ) : « منه ».
2- ليس في ( ب ) : « إلى السقي .. كان السقى ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « تعاسرا » بدل : « تعارضا ».

واعتمد في المختلف (1) على الأخير. وهو متّجه إن كان البائع عالما بالحال حين الإقدام بالبيع.

وإن كان جاهلا به ففي ترجيح أحد الجانبين إشكال.

ويحتمل هناك وجه رابع ، وهو سلطان كل منهما على السقي (2) في الصورتين مع تحمله ضرر الآخر لكونه جمعا بين الحقّين.

ويمكن أن يقال بسقي (3) الأشجار من جهة أصولها وأثمارها قاعدة معروفة يجري عليها في العرف ، فإذا تعلّق العقد بالأصول أو الثمار رجع في سقيها إلى القاعدة المفروضة ؛ لانصراف الإطلاق في ذلك إلى التعارف الشائع ، فللمشتري سقيها كذلك من دون أن يزاحمه البائع ، فإن اتفق هناك حاجة الأصول أو الثمار خارجا عن القاعدة المفروضة كان للآخر الامتناع عنه مع (4) إضراره به ؛ لما عرفت من صرف العقد إلى المتعارف.

ثمّ إنّ الثمرة إذا كانت للبائع كان له إبقاؤها إلى زمان جذاذها أو اقتطافها (5) على النحو المتعارف ، وليس للمشتري إلزامه بالجذاذ والاقتطاف قبل ذلك على ما هو الحال في بيع الثمار.

ولو اتفق انقطاع الماء وكان إبقاء الثمر على الشجر مضرا به فهل يتسلّط المشتري على قطعها؟ فيه قولان :

أحدهما : عدم تسلّطه على البائع ، فإنه لما رضي ببيع الأصل منفردا عن الثمرة فقد رضي بما يتفرع عليه من الضرر.

ثانيهما : إن له اجبار البائع على القطع. وعلّل تارة بأنّ الثمرة لا تخلو (6) من (7) ورود النقص

ص: 429


1- مختلف الشيعة 5 / 277.
2- في ( ألف ) : « النص ».
3- في ( د ) : « لسقي ».
4- زيادة « مع » من ( د ).
5- في ( ألف ) : « اقتضائها ».
6- في ( ب ) : « يخلو ».
7- في ( د ) : « عن ».

عليها أخذت أو مسكت (1) ، فلا بدّ من ملاحظة حال الشجر. وأخرى بأنّ المشتري يتسلّط على إلزام البائع بالتفريغ وإنّما وجبت التبقية في المقام لمصلحة البائع ، وحيث انتفت المصلحة المقتضية لاستحقاق التبقية رجعنا إلى أصالة وجوب الإزالة. كذا ذكره العلّامة في المختلف (2) واستقرب البناء عليه.

وهو إنّما يتمّ إذا لم يختلف الحال في ورود الضرر على الثمرة بين قطعها وإبقائها على حالها مع تضرّر مالك الشجرة بالإبقاء ، بل يمكن القول بسلطانه حينئذ على القطع مع عدم تضرّر مالك الأصل أيضا ؛ نظرا إلى العلّة المذكورة.

وأمّا إذا اختلف الحال في الصورتين بأن لم يترتّب عليه ضرر مع التبقية أو كان الضرر في التبقية أقل ، فلا يتمّ الوجه المذكور.

هذا ، [ و ] لا يندرج المغرس في بيع الأشجار ، بل هي باقية على ملك البائع إن كانت له بلا خلاف يظهر فيه ، إذ لا قاضي باندراجه في المبيع لكن يستحق المشتري عليه تبقيتها في الأرض ، فليس له أن يطالبه بالقلع ولا بالأجرة ، وله مدى جرائدها وإن خالت بعد ذلك ، وكذا عروقها ، فليس لمالك الأرض قطع الأغصان المستطيلة ولا العروق المتباعدة ، وله الاستطراق إليها في الأرض المفروضة مهما شاء إن كان يجي ء إليها لإصلاحها أو إصلاح ثمرتها المملوكة له ، ولا سلطان لمالك الأرض على منعه منه ، ولا شغل الأرض بما يضرّ بالأشجار.

وسلطان صاحب الشجر على ذلك كلّه على وجه الاستحقاق دون الملكيّة حسبما عرفت.

ولو انقلعت الشجرة أو قطعها المشتري لم يكن له غرص آخر مكانها ، فإن استحقاقه في الأرض إنّما كان بتبعيّة (3) الشجر ، فإذا زال زال الاستحقاق إلّا أن يكون قد اشترط ذلك على مالك الأرض لو يبست (4) الشجرة كان له الأمر بقلعها ، وكذا لو يبست (5) بعض أغصانها

ص: 430


1- في ( د ) : « مكست » ، وفي ( ألف ) : « سكت ».
2- مختلف الشيعة 5 / 277.
3- في ( ألف ) : « تبقية ».
4- في ( ألف ) : « ينبت ».
5- في ( ألف ) : « ينبت ».

بالنسبة إلى القدر اليابس. ولو بلغت إلى حدّ يقطع في العادات كأشجار الأثمار إذا ذهب عنها قوة الإثمار ففي تسلّط المالك على الأمر بقلعها وجه قوي.

ولو اشتراه بشرط القلع للاحتطاب أو النجارة أو الوضع (1) قلعها مع أدائه أيضا.

وأما إن كان جاهلا بالحال فزعم كون الأرض ملكا للبائع في سلطانه على البائع بدفع الأجرة أو عدمه وثبوت الخيار (2) في الفسخ وجهان.

ويحتمل هناك وجه ثالث ، وهو ثبوت الخيار له مطلقا ، فإن فسخ فلا كلام ، وإلّا استحقّ على البائع دفع الأجرة عن التبقية.

وهل يتسلّط مالك الأرض على المشتري في مطالبة الأجرة؟ الظاهر ذلك ؛ لاستيفائه منفعة الأرض بتبقيه ملكه فيها ، ولكن له الرجوع على البائع بناء على الوجه المذكور.

ولا يخلو عن قرب.

هذا ، ولمّا كانت الأرض باقية على ملك البائع فله ذرعها بما لا يضرّ بالأشجار ، وكذا إجارتها لما لا يمانع حقّ المشتري ، ولكل منهما استيفاء ماله عند الحاجة إليه مع عدم إضراره بالآخر.

احتاجت الأشجار إلى السقي وكان مضرا بالزرع تسلّط المشتري على السقي بخلاف العكس.

ويجري ذلك فيما لو كانت الأرض ملكا لغير البائع إذا كانت التبقية مستحقة عليه.

ومنها : الحيوان من عبد وأمة وغيرهما من الحيوانات ، فإن (3) باع حاملا سواء كان إنسانا أو حيوانا لم يندرج الحمل في المبيع على المعروف بين الأصحاب.

ص: 431


1- من قوله : « في السيوف والأبنية » إلى قوله « أن يؤديها وليس لصاحب الأرض » لم ترد في ( ألف ).
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- في ( د ) : « فلو ».

وحكي القول به عن الشيخين في المقنعة (1) ونهاية (2) والديلمي والقاضي في الكامل والحلبي (3) والحلي (4).

ويجوز اشتراطه للمشتري على ما نصّ عليه جماعة منهم ، وكذا للبائع فيكون الشرط مؤكّدا.

وعن الإسكافي (5) أنه يجوز أن يستثنى الجنين في بطن أمّه من آدمي وحيوان.

وفيه إلى اندراجه في المبيع لو لا الاستثناء كما هو المصرّح به في كلام الطوسي.

وذهب الشيخ في المبسوط (6) والقاضي في المهذّب (7) والجواهر (8) إلى أنّه للمشتري ، ولا يجوز اشتراطه (9) للبائع.

وقد حكي القول المذكور عن الشافعي.

حجّة الأوّل أنّ البيع إنّما تعلّق بالأمّ ، والحمل خارج عن مفهومه ، فلا يتناوله اللفظ مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما في المقام عقلا ولا عرفا ، فلا قاضي باندراجه في المبيع مع الإطلاق.

نعم ، لو شرط كونه للمشتري كان الشرط متّبعا ؛ للزوم الوفاء به.

ووجه الثاني أنه بمنزلة الجزء من الأم ، فيتبعه في الانتقال إلّا أن يصرّح بخلافه ، فيتبع التصريح.

ص: 432


1- المقنعة : 600.
2- النهاية : 409.
3- الكافي للحلبي : 356.
4- السرائر 2 / 343.
5- نقله عنه في مختلف الشيعة 5 / 214.
6- المبسوط 2 / 156.
7- المهذب 2 / 386.
8- جواهر الفقه : 60.
9- في ( ألف ) : « اشتراط ».

وحجة الثالث أن الحمل يجري مجرى عضو من أعضاء الحامل (1) فكما لا يجوز استثناء عضو منه كذا لا يجوز استثناؤه ، وأيّد ذلك بما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام في رجل (2) [ ... ].

ص: 433


1- في ( ألف ) : « الحائل ».
2- لم ترد في ( ب ) : « في رجل .. يوم القيامة ».

هذا تمام ما وقع عليه أعين الناظرين ، وآخر ما وجد بخطه الشريف من كتاب التبصرة في الطهارة والصلاة والبيع والزكاة.

وهو مع اشتماله على قليل من المسائل الفقهية إمّا تامّا وإمّا ناقصا قد ذكر فيها فوائد جليلة وقواعد لطيفة يدلّ على مهارته وشدّة قوته في المطالب العلمية الفقهيّة والأصوليّة والرجاليّة ، وهو شيخنا ومولانا التقيّ الشيخ محمّد تقي أعلى اللّه مقامه ورفع درجته.

الحمد لله على الإتمام وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله سادات الأنام وأبنائه المعصومين ينابيع العلوم ومصابيح الظلام (1).

وقد فرغت من تسويده في يوم الجمعة عاشر شهر جمادى الآخرة من شهور سنة إحدى وثمانين ومأتين بعد الألف [ من ] الهجرة النبويّة على هاجرها ألف ألف ثناء وتحيّة ، وأنا أقل الخليفة بل لا شي ء في الحقيقة سميّ تاسع الأئمّة عليهم السلام ، حشرنا اللّه معهم يوم القيامة.

ص: 434


1- ليس في ( د ) : « وقد فرغت من تسويده ... » إلى « ... حشرنا اللّه معهم يوم القيامة ».

فهرس المواضيع الجزء الثالث

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة... 5

تبصرة - في شرائط وجوب الزكاة... 7

تتميم... 14

تنبيهات... 29

تبصرة - في اشتراط الحرية... 42

تنبيهات... 46

تبصرة - في اشتراط التملك... 51

تبصرة - في اشتراط التمكّن... 58

مسائل... 62

تنبيهات... 70

تبصرة - فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر... 76

فروع... 81

تبصرة - في تعلّق الحق بعين النصاب... 92

فروع... 94

تنبيهات... 105

تتمّة... 113

ص: 435

الباب الثاني في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب... 117

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها وما يلحق بذلك من الأحكام... 117

تبصرة - في بيان ما يجب الزكاة فيه... 117

الفصل الأوّل في زكاة الأنعام... 127

البحث الأوّل في بيان شروط وجوب الزكاة فيها... 127

تبصرة - في اشتراط النصاب... 127

تبصرة - في نصاب البقر... 144

تبصرة - في نصاب الغنم... 148

تبصرة - في نصاب البقر... 155

تبصرة - في نصاب الغنم... 159

تبصرة - في اشتراط السوم... 165

تبصرة - في اشتراط الحول... 169

تبصرة - في اشتراط أن لا تكون الإبل والبقر عوامل... 177

البحث الثاني في اللواحق... 179

تبصرة - في مصاديق الغنم... 179

تبصرة - في المريضة والهرمة وذات العوار... 184

تنبيهات... 185

تبصرة - في الأكولة وفحل الضراب والرّبى... 188

تبصرة - في تعدّد ما هو بصفة الواجب... 195

تبصرة - في زكاة العين المستقرضة... 196

تبصرة - في تعيين أصناف المستحقين... 203

تنبيهات... 216

ص: 436

تبصرة - في مدّعي الفقر... 231

تبصرة - في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ... 236

فروع... 242

تبصرة - في العاملين على الزكاة... 244

تبصرة - في المؤلّفة قلوبهم... 253

تبصرة - في الرقاب... 261

تنبيهات... 270

تبصرة - في الغارمين... 279

الباب الثاني في زكاة الفطرة... 287

الفصل الأول في بيان شرائط وجوبها... 288

تبصرة - في اشتراط التكليف... 288

تبصرة - في اشتراط الحرية... 290

تبصرة - في اشتراط الغنى... 296

تبصرة - في وجوب إخراجها عند تكامل شرائطها... 301

تبصرة - في فطرة الضيف... 312

فروع... 315

تبصرة - في أداء مال الفطرة عن نفسه... 317

تبصرة - في اشتراط نيّة أداء الفطرة... 321

تبصرة - في الخروج عن المكيّة بالتعيين... 324

تبصرة - في إسلام الكافر... 327

كتاب البيع

كتاب البيع... 331

ص: 437

تبصرة - في بيع الفضولي... 331

تتميم... 341

تبصرة - في بيع ما يملكه غيره... 362

تتميم... 364

تبصرة - في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه... 375

تنبيهات... 385

فروع... 418

فهرس المواضيع... 435

ص: 438

بعض إصدارات مجمع الذخائر الإسلامية - قم

1 - تراجم الرجال / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : علم التراجم

2 - بحوث في الفقه المعاصر ( في خمس مجلدات ) / الشيخ حسن الجواهري / موضوع : الفقه المعاصر 3 - البيان عما وقع في لسان الميزان / السيد مضر حلو /موضوع : علم الرجال

4 - تبصرة المتعلمين / العلامة الحلي / موضوع : علم الفقه

5 - التحرير الطاوسي / الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني /موضوع : علم الرجال

6 - ألقاب السادة / السيد صادق الحسيني الإشكوري / موضوع : علم النسب

7 - تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية ( في مجلدين ) / السيد محمد تقي الموسوي الدشتستاني /موضوع : علم الفقه

8 - ثبت الأسانيد العوالي / السيد محمد رضا الجلالي / موضوع : علم الإجازات والرجال

9 - جمال الأسبوع / السيد ابن طاوس /موضوع : أدعية

10 - الجموع والمصادر ( في استدراك القاموس المحيط ) / محمد يحيى القزويني /موضوع : علم الصرف واللغة

11 - الصحاح من الآثار / الشيخ عباس الطواري / موضوع : علم الحديث

12 - الصحيفة الصادقية / الشيخ باقر شريف القرشي /موضوع : أدعية

13 - العقائد الحقة / السيد علي الحسيني الصدر /موضوع : عقائد

14 - عين العبرة في غبن العترة / السيد ابن طاوس بتحقيق الشيخ الأركاني /موضوع : علم الحديث والفضائل

15 - الفخري في أنساب الطالبيين / اسماعيل المروزي / موضوع : نسب

16 - الفوائد الغروية / المحقق الرودسري /موضوع : علم الفقه والأصول

17 - كتاب القضاء / السيد عبد اللّه الشيرازي /موضوع : علم الفقه

18 - عمدة الوسائل في الحاشية على الرسائل ( في ثلاث مجلدات ) / السيد عبد اللّه الشيرازي /موضوع : أصول الفقه

19 - مجمع الآثار / الشيخ محمد الجابري الهمداني /موضوع : كشكول

20 - ملخص جامع المعارف والأحكام ( في مجلدين ) / السيد عبد اللّه شبر /موضوع : علم الفقه والحديث

21 - المعاد الجسماني / الغروي الكمپاني /موضوع : فلسفة

22 - المجلسية / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : حديث و آداب

23 - شرح الأرجوزة البطيخية / السيد. الميبدي /موضوع : شعر و أدب

24 - شرح حديث رأس مائة / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : شرح الحديث

25 - ست أراجيز / السيد علي الحسيني الميبدي /موضوع : شعر و أدب

26 - عصمة الحجج / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : عقائد

27 - أجوبة المسائل القرآنية / الشريف المرتضى أ الرضي / موضوع : أجوبة ، علوم القرآن

28 - إنقاذ البشر من الجبر و القدر / الشريف المرتضی أخو الشريف الرضي / موضوع: كلام و عقائد

29 - جوابات المسائل التبانيات / الشريف المرتضی أخو الشريف الرضي / موضوع : أجوبة

30 - جوابات المسائل الرازية / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أجوبة

31- جوابات المسائل الميافارقيات / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أجوبة

ص: 439

32- الرسائل الأدبية والحديثية / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي / موضوع : أدب وحديث

33 - شرح القصيدة المذهبة ( شرح قصيدة الحميري ) / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : عقائد

34 - الشهاب في الشيب والشباب / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أدب

35- حاشية المكاسب/آخوند الخراساني /موضوع : علم الفقه

36 - حاشية المكاسب / الشيخ محمد حسين الغروي /موضوع : علم الفقه

37 - مدارك الأحكام /الطباطبائي /موضوع : علم الفقه

38 - المعتبر في شرح المختصر / المحقق الحلي /موضوع : علم الفقه

39 - مانزل من القرآن في أهل البيت ( عليهم السلام ) / الحيري / موضوع : علوم القرآن والحديث

40 - منتخب الأنوار المضية / السيد على النيلي / حديث وإمام العصر ( عجل اللّه تعالی فرجه الشريف )

41 - منية المريد في آداب المفيد والمستفيد /الشهيد الثاني /موضوع : أخلاق

42 - نهج المسترشدين / العلامة الحلي /موضوع : كلام

43 - بياض تاج الدين أحمد الوزير ( في مجلدين ) / الدكتور زماني /موضوع : أدب وشعر وحديث ...

44 - خلاصة المناقب ( في شرح قصيدة البردة بالفارسية ) / الزواره اي /موضوع : أدب وشعر

45 - المعجم العسكري / السيد صادق الحسيني الإشكوري /موضوع : معاجم

46 - مخطوطات مكتبة النجومي كرمانشاه /السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

47 - مخطوطات مكتبات دزفول / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

48 - مخطوطات مكتبة عبد العظيم الهادي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

49 - مخطوطات مكتبة الأردبيلي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

50 - مخطوطات مكتبة الإسماعيلية شاهرود / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

51 - مخطوطات مكتبة الإمام الهادي (عليه السلام) المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني /موضوع : فهرسة المخطوطات

52 - مخطوطات مكتبة الجزائري النجفي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

53 - مخطوطات مكتبة السيد الرضوي باكستان / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

54 - مخطوطات مكتبة فحول القزويني / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

55 - مخطوطات مكتبة البروجردي كرمانشاه / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع :فهرسة المخطوطات

56 - مخطوطات مكتبة المرتضوي المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري/موضوع : فهرسة المخطوطات

57 - مخطوطات مكتبة الميبدي المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

58 - المخطوطات العربية في مكتبة الفاتيكان ( روما ) / السيد صادق الحسيني الإشكوري / فهرسة المخطوطات

59 - تلخیص كتاب او قلیدس / محمود بن محمد الجغميني الخوارزمي ( ق 7ه. ) /موضوع : هندسة

60 - الأربعينيات / السيد محمد تقي الموسوي /موضوع : حديث

61- زيارة فاطمة المعصومة سلام اللّه عليها -قم / موضوع : أدعية

62 - أحكام أهل الكتاب في الإسلام / الشيخ علي السعيدي /موضوع : علم الفقه

63 - عصمة العقائد من أخطائها في شرح كشف المراد و تجريد الاعتقاد / الشيخ غلام حسنین /موضوع : كلام

ص: 440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.