تبصرة الفقهاء المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-001-3

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الثاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج2)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

البحث الثالث: في شرائط الوضوء

تبصرة: [ في اعتبار البدء من الأعلى في الغسلات الثلاث ]

يعتبر البدأة من الأعلى في الغسلات الثّلاث على المعروف من المذهب ، فلا يجزي النكس ولا الغسل دفعة ولا عرضا.

والمعروف جواز الوجهين في المسحات.

وعن السيّد (1) والحلّي (2) الخلاف في الموضعين ، فجوّز الوجهين في الغسل وأوجبا الإقبال في المسح.

وفصّل ابن سعيد بين غسل الوجه واليدين ( فجوّز الأمرين في الوجه دون اليدين.

وعن جماعة من المتأخّرين القول به في الوجه والميل إليه في اليدين ) (3).

وظاهر الصدوق (4) عدم الجواز في شي ء من الغسلات والمسحات. وكذا يعطي عدم جواز النكس مطلقا.

وفصّل الحلي (5) بين مسح الرأس والرجلين ، فجوّز الوجهين في الأوّل دون الأخير.

ص: 5


1- الانتصار : 105.
2- السرائر 1 / 99.
3- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
4- الهداية : 79.
5- السرائر 1 / 100.

ويلوح ذلك من الشيخ في التهذيب (1).

وقوّاه في المختلف (2) في مسح الرجلين ، ثمّ استوجه البناء على الندب.

وظاهر إطلاق الشيخ في الاستبصار التفصيل بعكس المذكور حيث خصّ الرواية الدالّة على جواز الوجهين بمسح الرجلين. والأقوى هو المشهور في الموضعين.

ويدلّ على اعتبار البدأة بالأعلى في الوجه قويّة أبي جرير الرقاشي : « اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك » (3).

وجهالة أبي جرير و (4) اشتراكه لا يمنع العمل به بعد كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الّذي هو من أصحاب الإجماع ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة.

وعدم وجوب الخصوصيّة المذكورة فيه بالخصوص لا يقتضي عدم تعين البدأة بالأعلى أيضا لقيام الدليل عليه دون ذلك ، وكأنّه بيان لأقل الواجب.

واتّحاد الصيغة الدالّة عليهما لا يمنع منه بناء على ما تقرّر من ظهور الطلب في الوجوب مع قطع النظر عن خصوصيّة الصيغة كما يشهد به ملاحظة الخطابات العرفيّة.

واشتمالها على مساواة اليدين والرجلين في الاكتفاء فيها بمجرد المسح محمول على المبالغة في تقليل صرف الماء كما ورد من الاكتفاء به في الغسل بنحو الدّهن ؛ فإنّه محمول على إرادة أقلّ مسمّى الغسل.

وحينئذ فلا منافاة فيها بمجرّد نصّ الكتاب ، وما أجمعت عليه الأصحاب.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا عدّة من المعتبرة المستفيضة الحاكية للوضوء البياني كصحيحة زرارة : « ثمّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمّ قال : بسم اللّه وسدله على أطراف

ص: 6


1- انظر تهذيب الأحكام 1 / 58 و 61.
2- مختلف الشيعة 1 / 293.
3- بحار الأنوار 77 / 258 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 28 ، باب كيفية الوضوء وجملة من أحكامه ح 22.
4- في ( د ) : « أو ».

لحيته » (1).

وفي صحيحته الأخرى : « فأخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه » (2) .. الخبر.

ولا يبعد اتحاد المحكي في الخبرين.

وفي روايته الأخرى فيما رواها العياشي مرسلا : « فغرف منها غرفة فصبّها على جبهته فغسل وجهه بها » (3).

مضافا إلى انّه المنساق من عدّة أخرى من الأخبار الواردة في بيان الوضوء كالمشتمل على لفظ الصبّ على الوجه ونحوه.

والقول بأنّ من الجائز أن يكون ابتداءه عليه السلام بالأعلى من جهة كونه إحدى جزئيات الغسل مدفوع بأنّ الظاهر من أدلّة وجوب التأسّي معين ما فعله سيّما في مقام البيان ، والقول بانتفاء الإجمال في الآية وسائر الإطلاقات ليحتاج إلى البيان يضعّفه أنّ قضيّة وجوب التأسّي تعيين الوجه المذكور ، فيقيّد به الإطلاقات ، ويكون ذلك شاهدا على انّه المقصود منها.

ويدلّ على اعتباره في اليدين القويّة ومرسلة علي بن ابراهيم في حديث ذكر فيه ابتداء النبوّة وفيها : « فعلّمه جبرئيل عليه السلام الوضوء على الوجه واليدين من المرافق ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين » (4).

ورواية الهيثم ، عن الصادق عليه السلام بعد ما سأله عن قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا .. ) (5) ، انتهى : وتوهّم دلالتها على كون الغسل من قبل الأصابع إلى المرافق ، فقال عليه السلام : « ليس هكذا تنزيلها

ص: 7


1- الكافي 3 / 25 ، باب صفة الوضوء ، ح 4.
2- الإستبصار 1 / 58 ، باب النهى عن استعمال الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين ، ح (171) 1 وفيه : فأسدلها.
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- وسائل الشيعة 1 / 399 ، باب كيفية الوضوء وجملة من أحكامه ، ح 24 ؛ مستدرك الوسائل 1 / 287 ، باب أبواب الوضوء ، ح 1.
5- المائدة : 6.

إنّما هي ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) من ( الْمَرافِقِ ) » (1) ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه.

ومرسلة العياشي ، وفيها بعد الحكم بالاكتفاء بآية المائدة ، وقول السائل بعد ذكر الآية فكيف الغسل؟ قال : « هكذا يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ، ثمّ يصبّه إلى المرفق ثمّ يمسح إلى الكف » (2).

مضافا إلى جملة من الأخبار البيانيّة :

منها : الصحيح : « ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها ملاءها ثمّ وضعه على مرفقه وأمّر بكفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه » (3).

وذكر نحوه في اليسرى أيضا.

وفي صحيحة الآخرين (4) : فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها (5) ، ثمّ قال : « واصنع باليسرى مثل ما تصنع باليمنى ».

ونحوه ما في موثقة الآخرين (6) إلى غير ذلك.

وقد عرفت بما ذكرنا ضعف ما يستند إليه المجوز من إطلاق الآية وجملة من الأخبار من المناقشة في دلالة جملة من الروايات المذكورة على وجوب البدأة بالأعلى ، وضعف إسناد بعضها.

ومنه أيضا يتّضح الوجه في التفصيل ؛ إذ دلالة الأخبار على لزوم البدأة بالمرافق أوضح منها في الوجه.

ويدلّ على كلّ من الوجهين في مسح الرأس والرجلين بعد الإطلاقات خصوص

ص: 8


1- الكافي 3 / 28 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ح 5.
2- بحار الأنوار 77 / 283 ، ح 32 وفيه : ثم يفيضه على المرفق.
3- الكافي 3 / 25 ، باب صفة الوضوء ، ح 4.
4- في ( د ) : « الأخوين ».
5- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
6- في ( د ) : « الأخوين ».

صحيحة حمّاد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (1).

وفي خصوص الرجلين صحيحته الأخرى : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » (2).

والصحيح : عن يونس ، أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : « الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مدبرا ، فإنّه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه » (3).

والاحتجاج للمنع مطلقا بأنّه مع الإقبال مجز إجماعا بخلاف الإدبار ، فلا بدّ من العمل بالمتيقّن.

وللمنع في الرأس خاصّة برواية يونس المتقدّمة حيث خصّ التوسّع بمسح الرجلين.

وفي الرجلين خاصّة بظاهر الآية وجملة من الأخبار البيانيّة بيّن الضعف ، مضافا إلى عدم مقاومتها للنصّ الصحيح المعتضد بالشهرة بين الأصحاب.

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : كما يجوز النكس في تمام العضو في المسح يجوز النكس في البعض دون البعض كما هو قضية الإطلاقات.

ثانيها : الظاهر على ما اخترناه من لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل عدم جواز الغسل (4) عرضا ، وإلّا كان ذلك أقرب إلى مراعاة غسل الأعلى فالأعلى في بعض الفروض ؛ إذ هو خلاف ظواهر الأخبار الواردة في الوضوءات البيانيّة خلافه ، وقد يتأمّل فيه من جهة قضاء الإطلاقات بالجواز و (5) حصول الترتيب في العضو مع عدم صراحة الأخبار في المنع منه (6).

ص: 9


1- تهذيب الأحكام 1 / 58 ، باب صفة الوضوء ، ح 10.
2- تهذيب الأحكام 1 / 83 ، باب صفة الوضوء ، ح 66.
3- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 7.
4- لم ترد في ( ب ) : « الغسل عرضا ... على الخفّين والنصوص ». في الصفحات الآتية.
5- في ( ألف ) : « الجواز » ولم توجد فيها واو العطف.
6- في ( د ) : « عنه ».

والظاهر في المسح جوازه ؛ أخذا بالإطلاقات ، والحكم بالتوسعة فيه في القويّ.

ولا ينافيه ورود جواز الوجهين خاصّة ؛ إذ لا دلالة فيه على المنع من غيرهما إلّا أنّ الوقوف عليه هو الأحوط.

ثالثها : إنّ الغسل من الأعلى يتصور على وجوه :

منها : أن يكون غسل كلّ جزء من الأعلى قبل الأسفل ممّا يجاوز أو غيره حقيقة أو عرفا.

منها : أن يكون غسل كلّ جزء من الأعلى قبل ما يحاذيه من الأسفل.

منها : أن يكون البدأة بالأعلى من دون ملاحظة ذلك في سائر الأجزاء.

منها : أن يكون البدأة بالأعلى مع صدق الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا من دون اعتبار تقدّم غسل كلّ جزء على لا حقه.

وهذا هو الظاهر من الأخبار ، وفيما دلّ على المنع عن ردّ الماء دلالة صريحة على عدم جواز النكس في البعض ، فالواجب إنّما هو الغسل من الأعلى إلى الأسفل وإن اتّفق غسل شي ء من الأسفل قبل أعلاه.

ويدلّ عليه رواية سهل بن اليسع ، وقد سأل الرضا عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه الماء : « إنّه يجزيه أن يبلّه من بعض جسده » (1).

ونحوه مرسلة الصدوق عن الكاظم عليه السلام.

وعن الشهيد الثاني (2) : إنّ المعتبر في الغسل الأعلى فالأعلى ، لكن لا حقيقة لتعسّره أو تعذّره ، بل عرفا فلا يضرّ المخالفة اليسيرة.

وقال أيضا : وفي الاكتفاء بكون كلّ جزء من العضو لا يغسل قبل ما فوقه على خطه وإن غسل قبل ما فوقه على غير جهته وجه وجيه.

ص: 10


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 59 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ح 133.
2- نقل هذا الكلام في الحدائق الناضرة 2 / 237 عن السيد السند في شرح الرسالة ، ولم أجده منقولا عن الشهيد الثاني ، فافحص.

ولا يذهب عليك أنّ شيئا من أخبار الباب لا يساعد على (1) شي ء من الوجهين المذكورين ، وكأنّ الوجه فيه مراعاة الاحتياط بتحصيل اليقين بالفراغ بعد تيقّن الغسل (2).

ولا يخفى ضعفه.

وفي المدارك (3) : إنّ اقصى ما يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب وجوب البدأة بالأعلى بمعنى صبّ الماء على الوجه واتباعه بغسل الباقي.

ولا يخلو ذلك عن إجمال ، فإن عني به الاكتفاء بمجرّد البداءة بالأعلى وإن غسل الباقي أو بعضه على العكس فهو بيّن الضعف.

وفيه أيضا ما تخيّله بعض القاصرين من عدم جواز غسل الوجه من الأسفل قبل غسل الأعلى وإن لم يكن في سمته (4) ، فهو من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة.

قلت : وهو كما ذكره إلّا أنّ من الغريب ذهاب جدّه إليه كما مرّ.

ويظهر من العلّامة القول به أيضا حيث فصّل في المختلف (5) فيما إذا نسي غسل موضع من الأعضاء فأوجب غسل ذلك الموضع وما بعده من ذلك العضو على القول بعدم جواز النكس ، والاكتفاء بغسله خاصّة من ذلك العضو على القول بجوازه ؛ إذ لو لا بيانه على وجوب مراعاة الأعلى فالأعلى مطلق لما صحّ إطلاقه المذكور ، بل ظاهر فهمه ذلك من كلام جميع القائلين بعدم جواز النكس.

وظاهر بعض متأخري المتأخرين البناء عليه ؛ استظهارا لها من الأخبار المشتملة على الوضوءات البيانية ، فادّعى بعد ذكر عدّة منها صراحتها في الترتيب في نفس العضو على الوجه المذكور في كلام الشهيد الثاني ، قال : ولزوم الحرج في ذلك كما أورده الشهيد على

ص: 11


1- زيادة : « على » من ( د ).
2- في ( د ) : « الشغل ».
3- مدارك الأحكام 1 / 201 وفيه : « صب الماء على أعلى الوجه ثم اتباعه ».
4- في ( ألف ) : « سمه ».
5- مختلف الشيعة 1 / 308.

العلّامة غير واضح ، وليس في الأخبار ما يفيد جواز غسل بعض الأجزاء السافلة قبل العالية سواء كانت في سمتها أو لا ، غاية بعضها الإطلاق ، فيقيّد بما يفيد الترتيب كما هو مقتضى القاعدة.

ولا يذهب عليك - بعد ما عرفت - وهن ذلك كلّه ، بل دعوى دلالة الأخبار عليه وانتفاء الحرج فيه من الغرائب كما لا يخفى.

ص: 12

تبصرة: [ في اعتبار المباشرة في الأفعال ]

اتفقت كلمة الأصحاب على اعتبار المباشرة في أفعال الوضوء. ويعزى إلى الإسكافي في عبارة يوهم عدم اعتباره ذلك حيث عدّ من المندوب أن لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره بأن (1) يوضّيه أو يعينه.

فإن ثبت خلافه في ذلك فهو شاذّ ضعيف.

ويدلّ على اعتبار المباشرة بعد الإجماع - محصلا ومنقولا في الانتصار وغيره - أنّه ظاهر الأوامر الواردة المتوجّه إلى المكلّف ، وقيام فعل الغير مقام فعله خلاف الأصل ، بل مخالف لقضيّة كونه عبادة ؛ إذ حصول العبوديّة بشي ء إنّما يكون بمباشرة العبد إيّاه ، مضافا إلى ظواهر جملة من الأخبار كقول الرضا عليه السلام وقد دخل على المأمون وهو يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء : « لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربّك أحدا » ، فصرف المأمون الغلام وتولّى تمام الوضوء بنفسه.

وقد ورد في عدّة أخبار مرجوحيّة أن يشرك أحدا في وضوئه.

وفي بعضها الاستدلال بالآية الشريفة إلّا أنّ الاحتجاج بها كذلك (2) لذلك لا يخلو من خفاء كما سيأتي القول فيه في المكروهات.

ثمّ إنّ الواجب هو مباشرة نفس الأفعال ، وأمّا مقدّماتها كإحضار الماء والصبّ على العضو إذا اعتبر الغسل بإمرار اليد عليه فلا مانع منه.

نعم ، يكره ذلك في المقدمات القريبة كما يأتي القول فيه إن شاء اللّه.

ص: 13


1- في ( ألف ) : « أن ».
2- لم ترد في ( د ) : « كذلك ».

هذا كلّه مع الاختيار ، أمّا مع عدم التمكّن من المباشرة فلا بدّ من تولية الغير كما سيأتي القول فيه عند بيان الوضوء الاضطراري.

هذا ، ولا يعتبر المباشرة باليد في شي ء من الغسلات ، بل المقصود حصول مسمّى الغسل كيف ما اتّفق. وربما خالف فيه شذوذ من الأصحاب ، وقد مرّت الاشارة إليه.

وأمّا في المسحات فيعتبر مباشرة الماسح للممسوح ، فلا يجزي المسح بالحائل ، ولا عليه بلا خلاف فيه.

ومنه المسح على الخفّين ، والنصوص (1) بالمنع عنه بالخصوص مستفيضة ، بل الظاهر أنّه من ضروريات المذهب.

نعم ، لو لم يتمكّن من نزعه جاز المسح عليه ، وربّما تأمّل فيه بعض الأصحاب. وهو ضعيف كما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ المذكور في كلام جماعة من الأصحاب لزوم المسح على بشرة الرجلين ، وقد يفيد ذلك عدم الاكتفاء بالمسح على الشعر المختصّ بها لو نبت عليها شعر حاجب وإن جاز ذلك بالنسبة إلى مسح الرأس.

وقد نصّ الشهيد الثاني بذلك مبدأ للفرق بينهما ، وذكر أنّ قضية المسح بالرأس والرجلين هو المسح على بشرتهما ؛ إذ لا يعد الشعر منهما.

وقد دلّ الرواية في الرأس على جواز المسح على الشعر ، مضافا إلى قيام الضرورة عليه بخلاف الرجلين.

قلت : والقول بعدم الاكتفاء أيضا لا يخلو من إشكال ، ولا (2) بعد في صدق المسح على اسم الرجل بالمسح على الشعر المختصّ بها ، كيف وقد أطبقوا على وجوب غسل الشعر في اليدين معلّلين باندراجه في المتعارف.

مضافا إلى استصحاب بقاء الشغل ، وقد يجعل ذلك وجها في تخصيصهم المسح فيهما

ص: 14


1- إلى هنا سقط في ( ب ).
2- في ( د ) : « إذ لا » بدل « ولا ».

بالبشرة ، فلا يستفاد من كلماتهم المنع من المسح على الشعر.

وكيف كان ، فمع البناء على عدم الاكتفاء بمسح ظاهر الشعر لا يكتفي أيضا بتخليله بحيث تصل الرطوبة إلى البشرة ؛ لعدم حصول المباشرة المعتبرة.

ص: 15

تبصرة: [ في مراعاة الترتيب ]

لا خلاف بين علمائنا في وجوب مراعاة الترتيب في أفعال الوضوء سوى بين القدمين واشتراطه في صحّته.

ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا عدّة من الأخبار المعتبرة القوليّة والفعليّة ، فلو خالف الترتيب عمدا أو سهوا أو جهلا وجب عليه الرجوع بما يحصل معه الترتيب إلّا أن يجي ء هناك مفسد كفوات الموالاة أو عزوب النيّة كما إذا قدّم اليمين على غسل الوجه ، فعزبت عنه النيّة حين غسله ، فإنّه لا يكتفي إذن بغسله بناء على اعتبار الإخطار ، فيكفي إذن تغسيله ما حقّه التأخير خاصّة كما نصّ عليه الفاضلان وجماعة.

وربّما يقال بلزوم اعادة الأمرين لوقوعه كذلك في غير محلّه ، ولظاهر غير واحد من الأخبار كالموثق : « إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك (1) ثمّ اغسل ذراعك » (2).

وهو ضعيف جدّا ؛ إذ لا مقتضي لإعادة ما حقّه التقديم.

وفي البحار (3) بعد ذكر هذا الاحتمال : ولا يخفى وهنه. والرواية المذكورة وما بمعناها ليست صريحة في ذلك ، مضافا إلى الموثق : « إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت رأسك ورجليك ثمّ استيقنت أنّك بدأت بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك ورجليك » (4).

وهي أصرح دلالة ممّا يخالفها.

ص: 16


1- زيادة في ( د ) : « فأعد غسل وجهك ».
2- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 6.
3- بحار الأنوار 77 / 263.
4- وسائل الشيعة 1 / 454 ، باب وجوب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب ، ح 14.

وعن ظاهر التحرير (1) لزوم إعادة الوضوء من رأس وإن لم يخف (2).

وهو إن حمل على ظاهره غريب.

وقد يعلّل بفوات الموالاة بمعنى المتابعة. ويردّ أنّها ليست شرطا في الصحة عندهم كما سيجي ء.

وربّما يحمل على صورة قصده الوضوء كذلك ؛ إذ لا يبعد البناء فيه على الفساد مطلقا ؛ لعدم مشروعيّة المقصود.

وقد يقال بلزوم إعادة كلّ من المقدم والمؤخر مع تعمّد المخالفة ؛ لعدم استدامة النيّة. وهو قوي.

ومن الغريب تفصيله في التذكرة (3) بين العمد والسهو ، فحكم بالصحّة في الأوّل مع عدم الجفاف ، فيعود إلى ما يحصل به الترتيب ، وحكم بالفساد في الأخير مع أنّ حكمه بعكس ذلك أولى ، وإن كان إطلاق الفساد فاسدا فيه أيضا كما عرفت.

ولو غسل الأعضاء فقد صحّ غسل وجهه إن لم يجعل في نواه خصوص تلك الأفعال المتقاربة ، وإلّا فسد مع العمد.

وكذا مع السهو وجه قويّ.

وأطلق في التذكرة صحّة غسل الوجه. ولا يبعد حمله على ما قلناها.

هذا ، وأمّا القدمان ففي اعتبار الترتيب بينهما خلاف بين الأصحاب ، فالأكثر على عدم اعتباره مطلقا. وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، و (4) لا يخلو من وجه قوّة.

وذهب بعضهم إلى اعتبار الترتيب بينهما ، وعزي إلى الصدوقين والإسكافي والديلمي وجماعة من المتأخرين. وفصّل بعضهم : فمنع من تقدّم اليسار على اليمين خاصّة وجوّز

ص: 17


1- كما في ( د ) ، وفي ( ألف ) و ( ب ) : « المبسوط » ، بدلا من « ظاهر التحرير ».
2- تحرير الأحكام 1 / 74.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 188.
4- زيادة الواو من ( د ).

الوجهين الآخرين.

حجّة الأوّل : إطلاق الكتاب ومعظم الأخبار المبيّنة للوضوء سيّما الحاكية للبناء الفعليّة مع التصريح فيها بمراعاة الترتيب بين سائر الأعضاء سوى القدمين ، فإن ذلك كالصريح في عدم اعتبار الترتيب بينهما. كيف لو وجب ذلك لاعتبره الإمام في البيان ، ولزم حكاية الراوي لها كذلك ، فإطباق الروايات الحاكية إليها كذلك على عدمه صريح في عدمه.

مضافا إلى اعتضاده بالأصل والشهرة.

ويدلّ على الثاني خصوص الصحيح : « امسح على القدمين وابدء بالشقّ الأيمن » (1).

وإطلاق الخبر : « إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال جسده ». (2)

وفي رواية أخرى أنّه عليه السلام كان إذا توضّأ بدأ بميامنه (3) ، أيضا.

مضافا إلى اعتضادها بالاحتياط في تحصيل اليقين بالفراغ سيّما مع القول بكون العبادات اسامي للصحيحة.

وفيه : أنّ شيئا من الأخبار المذكورة ليس صريحا في الوجوب ، فليحمل على الندب (4) ، مضافا إلى ما في الأخيرين من الإطلاق والضعف في الإسناد ، ولا معوّل على الاحتياط بعد قضاء الأدلّة بالجواز.

وقد يقال : إنّ ما استدلّ به على عدم الترتيب مطلقة والصحيحة المذكورة مقيّدة ، فلا بدّ من حملها عليها.

قلت : مساق تلك الأخبار يأبى عن الحمل المذكور ، بل هي بمنزلة النصوص على عدم اعتبار الترتيب سيّما مع اعتضادها بفهم الأكثر ، وإعراضهم عن العمل بظاهر الصحيحة ، فالبناء على وجوب الترتيب بينهما بمجرّد ذلك مشكل جدا إلّا أنّ الاحتياط في أمثال هذه

ص: 18


1- الكافي 3 / 29 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 2.
2- وسائل الشيعة 1 / 450 ، باب وجوب الترتيب في الوضوء وجواز مسح الرجلين معا ح 4.
3- الأمالي للطوسي : 387.
4- زيادة في ( د ) : « لظاهر تلك الأخبار ».

المقامات ممّا لا ينبغي تركه.

حجّة الثالث : مكاتبة الحميري المرويّة في الاحتجاج عن القائم عليه السلام ، وقد سأله عن البدأة باليمنى في المسح على الرجلين أو أنّه يمسحهما جميعا؟ : « فإن بدأ بأحدهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين » (1).

وفيه ضعف الإسناد مع انتفاء الجائز ، فلا ينهض حجّة على أنّه يمكن حملها على الاستحباب جمعا.

وأنت خبير بأنّ ما دلّ عليه من جواز المعيّة في المسح مجبور بفتوى الأصحاب ، فينهض دليلا عليه.

وحينئذ يتعارض الصحيحة المتقدّمة الآمرة بتقديم الأيمن ، فيتعيّن حملها على الندب ، وما دلّ عليه من عدم جواز تقديم اليسار غير منجبر ، فلا يقوم حجّة على المنع فيه. وحينئذ فلا دليل على عدم جوازه بعد حمل الصحيحة على الندب (2).

ص: 19


1- بحار الأنوار 77 / 263 ، باب وجوب الوضوء وكيفيته وأحكام ، ح 11.
2- زيادة في ( د ) : « فتأمّل ».

تبصرة: [ في اشتراط الموالاة ]

اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط الوضوء بالموالاة ، واختلفوا في تفسيرها مع إطباقهم على اعتبار عدم تأخير الفعل اللاحق بحيث يجفّ ما أتى به من السابق ، فقيل : إنّ ذلك هو الموالاة المعتبرة بمعنى أن يكون تلبّسه باللاحق مع بقاء الرطوبة في السابق عليه ، وحكي الشهرة في كلام جماعة.

وذهب الشيخ (1) وجماعة منهم العلّامة في جملة من كتبه أنّها المتابعة بين الأفعال بحيث يشتغل بكلّ فعل منها عقيب فراغه من الآخر مع اعتبار عدم جفاف العضو السابق أيضا.

والمعتبر في الصحّة إنّما هو الثاني دون الأوّل فلا يترتّب على مخالفته سوى العصيان على ما حكى بعض الأجلاء الشهرة عليه بين هؤلاء.

وممّن نصّ عليه العلّامة في النهاية (2) وغيرها.

وعن ظاهر المبسوط (3) فساد العمل بفوته مع الاختيار كما هو قضية الاعتبار.

وفي البيان (4) مع (5) تفسيره الموالاة لمراعاة الجفاف : نعم ، لو أفرط في التأخير عن المعتاد فالأقرب التحريم ، أمّا البطلان فلا إلّا مع الجفاف ، قال : ومع العذر لا تحريم.

وذكر نحوه أيضا في الدروس (6).

ص: 20


1- الخلاف 1 / 96.
2- نهاية الإحكام 1 / 46.
3- المبسوط 1 / 22.
4- البيان : 10.
5- في ( د ) : « بعد ».
6- الدروس 1 / 93.

وظاهر ذلك موافقة أولئك في اعتبار الموالاة بالمعنى الثاني أيضا لكن لا على نحو ما ذكروه. وظاهر الصدوقين الاكتفاء بأحد الأمرين من مراعاة الجفاف والمتابعة العرفية. واختاره بعض محقّقي المتأخرين ، وعزي إلى جملة من متأخري المتأخرين الميل إليه.

وعن بعض الأفاضل اعتبار الموالاة بالمعنيين. وهو كما نصّ عليه بعض المحقّقين راجع إلى القول الثاني.

والأظهر هو الأول للصحيح : ربّما توضّأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ فيجف وضوئي ، فقال : « اعد » (1).

والموثق : « إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى ينشف وضوؤك فأعد وضوءك فإنّ الوضوء لا يبعّض » (2) ؛ إذ ظاهر إطلاقهما إناطة الإعادة على الجفاف لعدم ظهور الفرض المذكور فيهما في حصول التفريق عرفا ؛ إذ مجرّد الإبطاء وطروّ الحاجة أعمّ منه ، وفرض الجفاف لا يقتضيه ؛ لاختلافه باختلاف الأحوال وكثرة استعمال الماء وقلّته ، وسرعة إيصال الماء إلى أجزاء العضو وبطوئه.

ويعضده فهم الجمهور ، مضافا إلى التعليل المذكور في الأخير ؛ إذ ظاهره عدم الاكتفاء بالأفعال الباقية بعد جفاف السابقة.

وكأنّ الوجه في عدّه تبعيضا تنزيل الجفاف منزلة انعدام الغسل.

وحمله عن النهي عن التفريق بإرادته من لفظ التبعيض مع بعده في المقام موهون بأنّ ما يدلّ عليه الرواية إذن استناد الفساد إلى انتفاء التتابع دون طروّ الجفاف ، وهم لا يقولون به كما عرفت.

ويؤيّد ما قلناه أنّه قضية الأصل ، فإنّ ظواهر الإطلاقات جواز الإتيان بالغسلات كيفما اتفقت خرج عنه صورة الجفاف بالنصّ والإجماع ، فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

وهذا كما ترى إنّما يقوم حجّة على من يقول باعتبار التتابع بالخصوص دون من تخيّر بينه

ص: 21


1- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 8.
2- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 7.

وبين الجفاف ، بل قضيّة الأصل فيه بالعكس إلّا أنّ ظاهر النص مع اعتضاده بفهم الأكثر كما عرفت يعطي خلافه.

وما قد يقال من أن حصول التتابع والوضوءات البيانيّة قاض بوجوبه من جهة التأسي مدفوع بأنّ قضية ذلك فساد العمل بدونه ؛ لكونه إذن من الكيفيّات المعتبرة فيه ، وهو خلاف المعروف بين القائلين به كما مرّ إلّا أن يقال بثبوت الوجوب بذلك خاصّة ؛ نظرا إلى قيام الدليل على صحّة الوضوء مع بقاء الرطوبة كما في الصحيحة المذكورة.

وفيه أيضا تأمّل.

وثانيا بأنّ التفريق بين الغسلات من الأمور الحاصلة بسبب طروّ العوارض ، فليست المتابعة في مثله عند البيان إلّا من مقتضيات العادات كأخذ الماء بالكفّ وايصاله إلى تمام العضو بإمرار اليد ، فإن اختياره غالبا من جهة السهولة أو (1) قلّة صرف الماء.

وبذلك يظهر ضعف الاستناد إلى تلك الأخبار في وجوب شي ء من تلك الخصوصيّات كما توهّمه البعض.

وبما ذكرنا عرف ضعف ما قد يستند إليه القائل (2) بالاكتفاء بأحد الأمرين لاستناده إلى الإطلاقات بعد ادعائه أنّ غاية ما يدلّ عليه الخبران هو الفساد مع انتفاء الأمرين.

وقد عرفت ما يكشف عن فساده.

واستدلّ أيضا لاعتبار التتابع بالمستفيضة الدالّة على وجوب المتابعة بين أفعال الوضوء كالصحيح : « تابع بين الوضوء كما قال اللّه .. » (3) الخبر.

وصحيحة أخرى : « اتبع وضوئك بعضه بعضا » (4).

ويدفعه أنّ المتابعة فيها مجملة ، ويحتمل أن يراد بها الترتيب دون المعاقبة العرفيّة في

ص: 22


1- في ( د ) : « و ».
2- زيادة في ( ب ) : « باعتبار التتابع من الاحتياط والرجوع إلى الأخبار البائنة وكذا ما استند إليه القائل ».
3- الكافي 3 / 34 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 5.
4- الكافي 3 / 34 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 4.

الصحيحين المذكورين ما يشير إلى إرادته ، فمع الغضّ عن ظهورها فيه في المقام لا أقلّ من حصول الاحتمال الّذي يبطل به الاستدلال.

[ تنبيهات ]

ولا بدّ من التنبيه على أمور :

أحدها : هل المدار على بقاء الرطوبة في جميع أعضاء السابقة أو تمام عضو منها أو يكتفى ببقائها في شي ء منها؟ وجوه بل أقوال ؛ أقواها الأخير.

وهو ظاهر المشهور لظاهر الأخبار ، والأوّل يحكى عن الإسكافي ، والثاني عن السيّد والحلي.

ومستندهما غير واضح. وكأنّه لاستظهارهما من الأخبار أو مراعاة الاحتياط مع الشكّ في مدلولها.

وفيه ما لا يخفى.

ثانيها : المدار في الموالاة على عدم جفاف جميع الوضوء قبل كماله كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين ، فلو جفّ تمام العضو السابق قبل إكمال اللّاحق لم يضرّ مع بقاء الرطوبة في شي ء من القدر المغسول من ذلك العضو.

ثالثها (1) : المحكي عن كثير من الأصحاب تقييد الجفاف بكونه في الهواء المعتدل ، وظاهر ذلك يوهم انتفاء الفساد بالجفاف أنّ المستند إلى الجزء الخارج عن المعتاد وإن أمكنه بقاء الرطوبة وحصوله مع بقاء الرطوبة في الهواء البارد الرطب.

وهو خروج عن مقتضى الأدلّة في الصورتين ؛ إذ الظاهر منها إناطة الفساد بطروّ الجفاف فيدور (2) مداره وجودا وعدما ، فلا وجه للصحّة مع حصوله ولا للفساد مع عدمه.

وتقدير بقاء الرطوبة وزوالها في الصورتين لا دليل على اعتباره ، مضافا على اختلاف

ص: 23


1- زيادة « ثالثها » من ( د ).
2- في ( ألف ) : « يدور ».

الأحوال والفصول والأمصار في ذلك.

وليس هناك غالب لينصرف إليه الإطلاق ، والرجوع إلى المعتدل لا دليل عليه.

وظاهر الشهيد في الذكرى (1) التفصيل بين الصورتين ، فحكم بفساد التقدير مع بقاء الرطوبة دون ما إذا حصل الجفاف في الحرّ الشديد ، فحكم فيه بالصحّة أيضا.

وكأنّ الوجه فيه انصراف ما دلّ على الفساد مع الجفاف إلى الغالب المعتاد ، ولا يقضي ذلك الفساد مع حصوله بالعارض ، ولا مع انتفائه كذلك. وقضية الأصل فيهما الصحّة.

وفيه ما عرفت.

ثمّ إنّه يستثنى من الأول صورة الاضطرار كما سيجي ء القول فيه ، ومن الثاني ما إذا حصل الفصل الطويل بين أبعاضه بحيث لا يصدق معه اسم الوضوء في عرف المتشرّعة ؛ إذ لا أقلّ من الشكّ في شمول الأدلّة لمثله. ولا يبعد حمل كلام الأصحاب عليه ، فيكون مقصودهم من البعد (2) اخراج مثل ذلك لو جفّ الرطوبة في العضو السابق ؛ لفرط الحرارة أو قلّة الماء مع عدم المندوحة به ، فالأظهر الصحّة ؛ أخذا بالإطلاقات مع عدم قيام دليل على عموم الاشتراط بحيث يشمل ذلك.

ولا فرق بين كون الجفاف لفرط الحرّ في الهواء أو (3) في العضو غير ذلك ، ولو كان من جهة اضطرار إلى التأخير كبطء نبع الماء فيه وجهان ؛ كان أوجههما المنع ، والأحوط الجمع بينه وبين التيمّم.

ولو كان المانع من خارج كظالم يمنعه من التتابع ، فالأظهر الفساد ، [ و ] هل يجب التأخير إلى آخر الوقت لو أمكن مراعاة الشرط؟ فيه وجهان.

ولو تمكّن من إبقاء الرطوبة بصبّ الماء الجديد على العضو السابق احتمل قويّا وجوبه.

ص: 24


1- الذكرى : 91.
2- في ( د ) : « العبد ».
3- زيادة « أو » من ( د ).

تبصرة: [ في اشتراط طهورية ماء الوضوء ]

يشترط أن يكون ماء الوضوء طهورا ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس إجماعا.

ويدلّ عليه بعد ذلك النصوص المستفيضة الناهية عن الوضوء بجملة من المياه النجسة ، وفي بعضها تعقيب الحكم بالمنع من الوضوء للحكم بالنجاسة.

وفي الخبر : « فإن اللّه تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر وكذلك الغسل من الجنابة » (1).

وهل الطهارة والنجاسة صفتان واقعيتان للأشياء أو أنّهما منوطان بعلم المكلّف بالنجاسة وجهله؟ - فيكون الطاهر الواقعي ما حكم الشرع بطهارته والنجس كذلك ما حكم بنجاسته - وجهان ، ظاهر جمهور الأصحاب وصريح جماعة منهم هو الأوّل.

والثاني مختار جماعة من المتأخرين.

ويتفرع على الأوّل لزوم إعادة الصلاة وقضائها لو تبيّن نجاسة الماء كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعلى الثاني فلا قضاء ولا إعادة على القاعدة.

ولذا ذهب غير واحد من المتأخرين إلى سقوطهما.

وعن ظاهر الإسكافي والشيخ وصريح القاضي سقوط القضاء دون الاعادة. وكأنّه من جهة بعض الروايات.

والأقوى هو الأوّل ؛ إذ الظاهر بعد الرجوع إلى عرف المتشرعة المأخوذ من بيان الشرع

ص: 25


1- وسائل الشيعة 1 / 483 ، باب اشتراط طهارة الماء في الوضوء والغسل .. ح 1.

أنّ الطهارة والنجاسة صفتان واقعيتان للأشياء لا يناط حصولهما بالعلم والجهل بحيث يكون مجهول النجاسة (1) طاهرا واقعيا ، ولذا يصحّ تعلّق كلّ من العلم والجهل بكلّ منهما ، وقد ورد ذلك أيضا في الأخبار.

ويدلّ على ما قلناه من الأخبار كالمستفيضة القريبة من التواتر الواردة في الكر وصحيحة ابن بزيع (2) في البئر وصحيحة معاوية بن عمّار (3) فيها ، وفيها : « فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة » (4) ، وعدة من الأخبار الواردة الدالّة على نجاسة القليل كالمستفيضة الدالّة على نجاسة الماء بإدخال الجنب يده القذرة في الماء (5).

وصحيحة علي بن جعفر الدالّة على عدم صلاحية الوضوء من إناء قطر فيه قطرة من دم الرعاف.

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

كيف ، ولو كان قبل العلم بنجاسته طاهرا واقعيا لزم عدم الحكم بنجاسة ملاقيه حينئذ ، وإن تيقّن نجاسته بعد ذلك لملاقاته الطاهر حال الجهل فلا تنجس به ، وبعد لا ملاقاة يوجب التنجيس.

وقد يستدلّ له أيضا بجملة من الأخبار الناهية عن الوضوء بجملة من المياه النجسة كقوله عليه السلام : « إذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ ولا تشرب » (6).

وقوله عليه السلام في الكلب أنّه « رجس نجس لا يتوضأ بفضله » (7).

وأورد عليه أنّ ذلك لا يتمّ في الجاهل ؛ لامتناع توجّه الخطاب إليه ، فلا يفيد ما هو

ص: 26


1- في ( د ) : « المجهول نجاسته » بدل « مجهول النجاسة ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ح 7.
3- الإستبصار 1 / 31 ، باب البئر يقع فيها ما يغير أحد أوصاف الماء .. ح 2.
4- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، ح 1.
5- انظر وسائل الشيعة 2 / 266 باب جواز ادخال الجنب يده في الماء قبل الغسل المستحبة.
6- الكافي 3 / 4 ، باب ماء الذي تكون فيه قلة والماء الذي في الجيف ، ح 3.
7- الإستبصار 1 / 19 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح (40) 2.

المقصود من ثبوت الفساد بالنسبة إليه.

ويدفعه أولاً : أنّه ليس المقصود من تلك النواهي مجرّد الحرمة ، بل المقصود منها بمقتضى المقام فساد الوضوء فلا تختلف فيه الحال بالنسبة إلى العالم والجاهل.

وثانياً : أنّه إذا كان الحكم الواقعي فيه المنع من الوضوء فلا يقع فيه البراءة الواقعيّة ، فيكون فاسدا ، فيجب قضاؤه بعد كشف الحال.

ودعوى معذورية الجاهل - كما حقّق في محلّه - ممّا لا دخل له في ذلك ؛ إذ قضية ذلك رفع الإثم والعقاب ، لا صحّة الفعل وسقوط القضاء.

نعم ، إذا كان الفساد من جهة منع الشارع وتحريمه كما في المغصوب صحّ الفعل مع الجهل ؛ لارتفاع جهة المنع. وهو الفارق بين المقامين.

كيف ولو كان الجهل مصحّحا للفعل لزم بقوله (1) بصحة الوضوء إذا كان جاهلا بحكم النجاسة.

والظاهر أنّه لا تأمّل لأحد في فساده ولزوم الإعادة.

وتوهّم العموم في معذورية الجاهل فاسد كما حقّق في محلّه.

وما قد يقال من أنّ ظاهر ما ورد من أنّ « كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر فإذا علمت فقد قذر » (2) ، « فإنّ الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (3) قاض بحصول الطهارة الواقعيّة وإن حصل هناك ملاقاة للنجاسة بحسب الواقع واضح الفساد ؛ إذ من البيّن أنّ الروايتين مسوقتان لإثبات الأحكام الظاهريّة ، وبيان الطريق الشرعي إلى الواقع.

فالمقصود منهما بيان أصالة الطهارة حتّى يتبيّن المخرج ، لا بيان ما هو ظاهر في الواقع ، ومساق الروايتين صريحة في ذلك ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

ويومي إليه تعلّق العلم بالقذارة ، ولو كان العلم مأخوذا في معناها لما صحّ تعلّق العلم بها

ص: 27


1- في ( د ) : « القول ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 285 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ح 119.
3- الكافي 3 / 1 ، باب طهور الماء ح 2 و 3.

إلّا على نحو من المجاز ، فحينئذ لا يزيد ذلك على جعل اليقين طريقا في معرفة سائر الأشياء ، فكما أنّه بعد كشف الخلاف في اليقينيّات لا يكون المأتيّ به عين الواقع فكذا في المقام ، وهو ظاهر.

ص: 28

تبصرة: [ في اشتراط جواز التصرف في الماء ]

من الشرائط جواز تصرّفه في الماء بكونه مملوكا له أو مأذونا فيه من مالكه أو مباحا بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، فلا يصحّ الوضوء بالمغصوب ؛ لعدم إمكان التقرّب بالمحرّم ويأتي على قول من يجوّز اجتماع الأمر والنهي من جهتين صحّة الوضوء به ، لاختلاف الجهة إلّا أنّ ظاهرهم الإطباق على المنع في المقام.

وكأنّه لقيام الإجماع عليه.

ولو انحصر في المغصوب فعلى قولهم أيضا يجب الحكم بالفساد ؛ لسقوط التكليف معه بالوضوء ، فيتعيّن عليه التيمّم.

ثمّ إنّ فساد الوضوء بالمغصوب مع العلم بالغصب والحكم ظاهر ، وكذا مع الجهل بالفساد مطلقا أو بالحرمة مع استشعاره للمسألة وتردّده في الحكم.

وأمّا مع الجهل والغفلة المطلقة من الحكم فالظاهر عدم التأمّل في الصحة لجواز التصرّف إذن ؛ نظرا إلى قبح تكليف الغافل. ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.

ولو كان جاهلا بموضوع الغصب فلا تأمّل في الصحّة لانتفاء الحرمة معه ، فلا مانع.

كما أنّه لا تأمّل في الفساد مع عدم كونه مغصوبا في الواقع إذا اعتقد مغصوبيّته ، وكذا مع جهله بجواز تصرفه فيه ، وإن كان ممّا يجوز له.

وقد يستشكل في الصحّة مع الجهل بالغصب ؛ إذ قضيّة حرمة الغصب (1) واقعا إيجاب الوضوء بغيره في الواقع ، فإذا تبيّن كونه مغصوبا ظهر كون المأتي به غير (2) المأمور به ، فيكشف

ص: 29


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ قضيّة حرمة الغصب ».
2- في ( ألف ) : « بغير ».

عن عدم حصول البراءة كما هو الشأن في انكشاف النجاسة.

ويدفعه أنّ انكشاف المغصوبيّة وإن دلّ على منع التصرّف فيه واقعا وعدم موافقة الظاهر فيه للواقع ، أمّا بالنسبة إلى الوضوء فالظاهر الصحّة الواقعيّة ؛ إذ قضية الإطلاقات صحّة الوضوء بأيّ ماء كان خروج عنه ما كلّفنا بعدم التصرّف فيه في الظاهر ، سواء كان هناك منع واقعي أو لا ؛ لما عرفت من كون المانع منه التكليف بعدم التصرف المانع من إمكان التقرّب.

والفرق بينه وبين النجس ظاهر ؛ إذ ليس الفساد فيه من جهة الحرمة ، بل بسبب اشتراط الطهارة في الصحّة ، فالكشف عن انتفاء الشرط كاشف عن عدم المشروط.

وقد مرّ الإشارة إليه.

ولو كان جهله لموضوع (1) الغصب ناشئا عن الجهل بحكمه كما إذا توهّم سلطان الوالد على مال الولد جرى فيه حكم الجهل بالحكم.

ولو نسي كونه مغصوبا فالأقوى الصحة ؛ لارتفاع المنع وفاقا لجماعة من المحققين منهم الشهيدان والمحقّق الكركي. واختار الفاضل فساد الوضوء معه. وكأنّه لتسبّب النسيان عن التسامح في أمر الشرع.

وهو كما ترى.

نعم ، لو بنى على استعمال المغصوب من غير تحرّز فاتّفق النسيان حال الفعل احتمل القول بالفساد إجراء عليه حكم العمد ؛ نظرا إلى إجراء حكم العمد عليه في العرف كما في إجراء حكم العبادة مع الاستدامة الحكميّة وإن غفل العامل من عمله.

وقد يحمل عليه كلام الفاضل ، ولو نسي الحكم فهو بمنزلة الجاهل به ، فيجري التفصيل المذكور.

وظاهرهم فيه البناء على الفساد.

ويمكن حمله على ما قلناه بمنزلة إذن المالك شهادة الحال برضاه.

ص: 30


1- في ( ألف ) : « الموضوع » بدل : « جهله لموضوع ».

ويعتبر حصول العلم العادي برضاء المالك ، فلا عبرة بمجرّد الظن إلّا أن يكون من أحد الظنون المعتبرة ، والظاهر جواز الوضوء بالمياه الجارية والقنوات الطاهرة والعيون الواقفة والأراضي المتّسعة لا لما توهّم من شهادة الحال من المالك بالإذن ؛ لعدم حصول القطع به أولا ؛ وباحتمال كونه للصغير أو المجنون أو كونه وقفا على الجهة المخصوصة والمنافية لذلك ثانيا ؛ بل من جهة إذن الشارع الذي هو مالك الأصل لقيام السيرة القاطعة بين المسلمين من قديم الدهر إلى الآن عليه.

وحيث إنّ الأصل فيه المنع فيجب فيه إذن الشرع يبنى على المنع كما إذا صرّح المالك بالمنع أو كان التصرّف فيه بحيث يوجب إضرار المالك أو كان المتصرّف غاصبا لذلك الماء.

وأمّا إذا كان عدوّا فالأظهر عدم المنع إلّا مع العلم بالكراهة ، وفي إلحاق الشي ء بالعين إشكال ، وقضية الأصل فيه المنع.

ص: 31

تبصرة: [ في اشتراط إباحة المكان ]

من شرائطه اباحة المكان بمعنى الفضاء الّذي يقع فيه الغسلات والمسحات ؛ إذ مع عدم جواز التصرّف فيه لا يصحّ التقرّب بشي ء من الأعمال الواقعة فيه على نحو ما مرّ.

وهو أيضا مبنيّ على ما هو التحقيق من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي كما أطبق عليه الأصحاب.

ويأتي على القول الآخر صحّة الوضوء لكن مع عدم انحصار المكان الذي يتمكّن فيه من الوضوء في المغصوب ، وإلّا لم يصحّ أيضا لانتقال الحكم معه إلى التيمّم.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما ذهب إليه المحقّق من قطعه بعدم اشتراط اباحته (1) مع قطعه بعدم جواز اجتماعهما ، ويجري في صورة الجهل بالحكم والموضوع أو نسيانهما ما مرّ.

وحكم الأراضي المتّسعة ما ذكرناه.

وأمّا إباحة الموقف وغيره ممّا لا يقع فيه أفعال الوضوء فالظاهر عدم اعتبارها إن لم يستلزم أفعال الوضوء تصرّفا فيه ، وإلّا فيقوى فيه الفساد كما إذا كان في يده خاتم مغصوب ونحو ذلك.

وكذا الكلام في مصبّ الماء ، فإنّ سبب الوضوء سقوط الغسالة عنه كان بحكم غصب المكان إلّا أن يكون بانيا حال الفعل على منعه عن الإعذار إليه ، فعدل عنه بعد حصول الغسل ؛ لانتفاء العصيان حين الفعل.

وأمّا الآنية ففي أقسام إباحتها وجوه ثالثها التفصيل بين الانحصار فيه وعدمه ؛ إذ في

ص: 32


1- لم ترد في ( ب ) : « اشتراطه مع قطعه بعدم إباحة » ، في ( ألف ) : « اشتراطه إباحة ».

الأوّل يتعيّن عليه التيمّم ؛ لعدم جواز التصرف معه (1) بالوضوء بخلاف الثاني ، فليس الحرام إلّا في مقدمته ، وهو لا يمنع من التقرّب بأصل الفعل (2) إذا جمع مع ركوب الدابّة المغصوبة في الذهاب إلى المشاعر من غير مدخليّة للعقب في نفس الأفعال.

وهذا متّجه مع عدم البناء من أوّل الأمر على أخذ الماء من المغصوب في أفعاله ، ومعه فقد يتأمّل في الصحّة من جهة عدم صحّة التقرب بما يتوقّف على المحرم حيث إنّ ما نواه خصوص ما بنى على إتيانه.

ثمّ إنّ مناط الحكم بالفساد في المسائل المذكورة هو لزوم اجتماع الأمر والنهي ، فلا فرق بين النهي المسبّب عن الغصب أو غيره من جهات المنع كالنذر ونحوه ، ومنه الوضوء من آنية الذهب والفضّة ، والوجه فيه ما ذكرناه.

ص: 33


1- زيادة في ( د ) : « فلا يكلّف معه ».
2- زيادة في ( د ) : « كما ».

تبصرة: [ في طهارة أعضاء الوضوء ]

ومن الشرائط طهارة أعضاء الوضوء قبل إجراء الماء ، فلا يكتفي بغسل واحد للأمرين على المشهور بين الأصحاب كما حكاه بعض المتأخرين.

وذهب الشيخ في المبسوط (1) إلى عدم اشتراط طهارة المحلّ في الغسل ، بل ولا زواله به ، فاكتفى بغسل واحد لهما لو زالت النجاسة به.

وحكم بصحّة الغسل ونجاسة المحلّ مع عدم الإزالة.

وقضيّة ذلك حكمه بجواز الوضوء بالأول ؛ لورود ما قد يستفاد منه الاشتراط هناك بخلاف المقام.

وقد يعلّل الاشتراط بأنّه يجب الغسل لكلّ من الحدث والخبث ، فلا يتداخلان ، وأنّه يشترط في ارتفاع الحدث طهارة الماء مع نجاسة المحلّ ينجس الماء ، فلا يصلح للرفع.

وضعف الأوّل واضح ، وليس إزالة النجاسة ممّا يقصد تعبد فيها بل يسقط التكليف بها بأيّ وجه (2) حصلت. على أنّ ذلك لا يدلّ على اشتراط الترتيب بوجه كما هو المطلوب.

ويضعف الثاني بأنّ غاية ما يسلّم من اشتراط طهارة (3) الماء هو طهارته قبل الاستعمال كما هو الحال في رفع الأخباث ، فلا مانع من النجاسة الحاصلة بالاستعمال.

نعم ، قضية ذلك عدم الاكتفاء بإجراء ذلك الماء فيما بعد ذلك المحلّ ؛ لتنجّسه قبل الوصول إليه.

ص: 34


1- المبسوط 1 / 22.
2- في ( ألف ) : « بأوجه » بدلا من « بأي وجه ».
3- في ( ب ) : « الطهارة » بدل « طهارة الماء هو طهارته ».

وأمّا بالنسبة إلى محلّ النجاسة فلا دليل على عدم الاكتفاء به ، ولو لم يزل به تلك النجاسة إذا لم تكن مانعة من وصول الماء إلى ما تحتها ، فلو رمس العضو في غير المنفعل لم يدلّ ذلك على فساد غسله بوجه ، وإن بقي في المحلّ شي ء من عين النجاسة بل الحكم بالصحّة هنا أولى ؛ نظرا إلى عدم انفعال الماء.

قلت : أمّا مع بقاء عين النجاسة فلا ينبغي التأمل في الفساد ؛ لخروجه عن ظواهر الإطلاقات ، ولا أقلّ من الشكّ في شمولها لمثله. ومن الظاهر توقّف الشغل اليقيني على اليقين بالفراغ. وأمّا مع زواله به ففيه إشكال ؛ لما عرفت من الإطلاقات.

ومن التأمل في اندراج ذلك فيها (1) عن قضية الوضوءات البيانيّة ؛ إذ المفروض فيها طهارة المحلّ هذا ، فتأمّل.

والظاهر أنّ محلّ الكلام هو اعتبار طهارة المحل قبل إجراء الماء عليه لا قبل الشروع في الوضوء أو في غسل العضو ، فلا يمنع نجاسة المحلّ المتأخّر عن صحّة غسل المقدم عليه ، فالواجب إذن تطهير المحلّ النجس قبل الشروع في غسله. وكذا لا مانع من نجاسة العضو بعد غسله وإن كان قبل إتمام الوضوء أو إكمال ذلك العضو.

ص: 35


1- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « مضافا إلى خروج ذلك ».

تبصرة: [ في اشتراط الإسلام والإيمان ]

ومن شرائط الوضوء كغيره من العبادات الإسلام والايمان.

والوجه في الأوّل واضح ؛ ويدلّ على الثاني - بعد الإجماع وظواهر بعض الآيات - النصوص المستفيضة بل المتواترة.

ولو استبصر فهل يجب عليه إعادة وضوئه لو كان متطهّرا حال ضلالته؟ وجهان مبنيّان على انّه هل يحكم بصحّة عباداته الواقعة حال الضلالة عدا ما استثني بناء على كشف الإستبصار عنها أو أنّه حكم من الشرع بسقوط قضائها ، ونفصّل فيه في ترتّب الثواب عليها مع فسادها أقواهما الأخير ؛ إذ ليس المستفاد من الأخبار سوى ترتّب الثواب على أعماله المتقدّمة وهو أعمّ من الصحّة.

كيف وأكثر أعمالهم فاسدة من جهات أخر مع قطع النظر عن فوات شرط الموالاة.

وحينئذ يتعيّن وجوب الإعادة في المقام ، مضافا إلى أنّ غاية الأمر مع القول بالكشف هو (1) الاجتزاء بالنسبة إلى الأفعال الماضية ، وأمّا بالنسبة إلى غيرها فلا إلّا أن يقال بارتفاع حدثه بذلك ، فلا موجب لعوده.

واستفادة ذلك من الأخبار مشكل جدا.

ويجري الوجهان فيما لو استبصر في أثناء الوضوء بالنسبة إلى ما أتى به من الأفعال ، والبناء على الفساد هنا أظهر بما مرّ.

وقد يؤيّد البناء على الصحّة عدم ذكر إعادة غسل الجنابة في شي ء من الأخبار ، مع أنّه

ص: 36


1- في ( ألف ) : « من » بدل « هو ».

قلّ ما يخلو أحد منها ، فلو لا الاكتفاء (1) في فعله لوجب الإشارة إلى لزوم إعادته.

ويوهنه عدم ورود ذلك في الكافر أيضا ، فكأنّ ترك ذكره مبني على ما هو المعلوم من القواعد الشرعيّة.

ومن الشرائط في الوضوء على حذو غيره المعرفة بأفعاله وشروطه على وجه يمكن له أداء المشروع ؛ إذ لا يمكن قصده بدونه.

وهل يجب عليه تعيين أفعاله بالخصوص؟ وجهان.

امّا وجوب معرفة الواجب منها من المندوب فلا ، ولو كان هناك من يعلّمه الأفعال شيئا بعد شي ء فالأظهر الاكتفاء به إذا قصد الوضوء الشرعي إجمالا من الأوّل.

وأمّا معرفة فروعاته والأحكام الطارئة من مسائل الشكوك وغيره فالظاهر عدم توقّف الصحّة عليها وإنّما يجب استعلامها بعد (2) وقوعها. وهل يشترط إذن في صحّة الفعل؟ وجهان أقواهما العدم.

وقد يعدّ أيضا من شرائطه كغيره عدم مزاحمته لواجب مضيّق مقدم عليه ، وهو مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه.

ويفرع الغسل على ذلك النهي ، والوجه خلافه كما حرّر مستقصى في مقامه.

نعم ، لو كان هناك واجب لوجب المنع عن استعمال الماء كوجوب دفعه إلى المضطر أو حفظه من جهة الخوف من التلف فسد الوضوء لتعيّن التيمّم حينئذ ، وكذا لو منع شرعا من استعمال الماء لسائر الجهات كالمرض والخوف ونحوهما.

ص: 37


1- في ( ب ) : « الاستثناء ».
2- في ( ألف ) : « قبل ».

البحث الرابع: في مندوبات الوضوء ومكروهاته

تبصرة: [ في بعض مندوباته ]

يستحب في الوضوء أمور :

منها : وضع الإناء عن اليمين على ما نصّ عليه كثير من الأصحاب.

وأسنده في الحدائق (1) إلى الأصحاب ، وعزي إلى جماعة منهم تقييده بما إذا كانت الآنية واسعة الرأس ، ولو كانت ضيقة ووضعه على اليمين ليكون أمكن في صبّه في اليمين ، ولم نقف في شي ء من الأخبار على ما يدلّ عليه.

واحتجّ على الأوّل في نهاية الإحكام (2) بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب التيامن في تنقّله وترجّله وطهوره وشأنه كله.

ودلالته على ذلك كلّه لا يخلو عن خفاء ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه رجحان البدأة باليمين لا الوضع في جانبه ، وربّما يحتجّ عليه بالأمكنيّة (3) من الاستعمال كما احتجّوا به في الصورة الأخرى.

وهو كما ترى لا يصلح شاهد لإثبات الحكم.

وكيف كان ، فمع البناء على التسامح في أدلّة السنن يكتفى فيه بذكر الأصحاب.

ص: 38


1- الحدائق الناضرة 2 / 147.
2- نهاية الإحكام 1 / 53.
3- في ( ألف ) : « بالأمكنة ».

نعم ، في بعض الصحاح (1) وضع الإناء بين يدي الامام عليه السلام ، فقد يتوهّم منه المنافاة لذلك إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ لصدقه مع وضعه ممّا يحاذي يمينه عليه السلام.

والظاهر أنّ مقصودهم من وضعها على اليمين ما يعمّ ذلك ، ولو كان الماء في غير الآنية كالحوض ففي استحباب الجلوس بحيث يقع شي ء من الماء في جهة يمينه (2) وجهان ، وقضيّة التعليل المذكور ذلك.

ومنها : التسمية عند البدأة في الوضوء ؛ لما دلّ بعمومه على استحبابه عند الشروع في كلّ فعل ، وللمستفيضة الواردة في الوضوء ، ففي القوي : « إذا توضّأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان فيه شرك » (3).

ثمّ إنّ الوارد في غير واحد من الأخبار استحبابه عند وضع اليد في الماء ، وفي بعضها قبل مس الماء ، وفي بعضها بعد غسل اليد قبل الاستنجاء ، وفي بعضها : « من توضّأ وذكر اسم اللّه طهر جميع جسده ، ومن لم يسمّ لم يطهر إلّا ما أصابه الماء » (4).

وفي القويّ : « إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه » (5).

والظاهر استحبابه قبل الشروع (6) في أفعاله الواجبة ، فيجوز إيقاعه عند كلّ من المذكورات ، وإطلاق الخبرين الأخيرين ربّما يعطي استحبابه في الأثناء أيضا إلّا أنّ قضية غيره اختصاصه بغيره ، فليحمل على المقيّد أو يقال بحصول جهتين للاستحباب ، فإن بدأ بها كفى منها ، وإلّا بقي استحبابه في الأثناء.

ومنه يتقوّى القول باستحبابها في الأثناء مع تعمّد تركها في الأوّل.

ص: 39


1- انظر : تهذيب الأحكام 1 / 365 ، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح 37.
2- في ( د ) : « وجهه بيمينه » بدل « جهة يمينه ».
3- المحاسن 2 / 430.
4- علل الشرائع 1 / 289 ، باب العلّة التي من أجلها يجب أن يسمّى اللّه تعالى عند الوضوء ، ح 1.
5- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الوضوء ، ح 2.
6- في ( ألف ) : « الشروع و » بزيادة واو العطف.

وجعله في النهاية احتمالا مع قطعه بالاستحباب مع النسيان كما في الأكل ، فإن كان المستند فيه الإطلاق المذكور عمّ الحكم وإلّا ففي ثبوته مع النسيان أيضا إشكال.

ولو قدّمها على الاستنجاء فالظاهر الاكتفاء بها للوضوء كما هو ظاهر رواية عبد الرحمن إلّا أنّ الظاهر من الإطلاقات في الوضوء جواز الإتيان بها ثانيا أيضا.

هذا مع عدم الفصل بين الفعلين كما هو قضيّة الرواية المذكورة وإلّا فلا شبهة في استحبابه ثانيا أيضا.

ص: 40

البحث الخامس: في الوضوء الاضطراري

تبصرة: [ في وضوء مقطوع اليد ]

من قطعت يده ممّا دون المرفق وجب عليه غسل الباقي بلا خلاف ؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولعدم سقوط (1) الوضوء قطعا ولا يعلم البراءة إلّا مع غسل الباقي ، وللإجماع عليه كما هو معلوم من فتاواهم ، ومنقول في شرح التهذيب وغيره.

وقد يستدلّ عليه أيضا باستصحاب وجوب غسله قبل القطع.

وقد يناقش فيه بأنّ وجوب غسله أوّلا في ضمن الكلّ ، فمع سقوطه لا وجه لاستصحاب حكم البعض.

وفيه تأمّل لا يخفى.

وفي الحدائق (2) : الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب غسل الباقي ، ولعله الحجّة. ثمّ تأمّل في استفادة الحكم من غير الإجماع ، فعلى أصله ينبغي تأمّله في ثبوت الحكم.

وهو كما ترى.

ولو قطعت من فوق المرفق سقط غسله إجماعا كما في النهاية (3) وغيرها ؛ لفوات متعلّقه.

ص: 41


1- لم ترد في ( ب ) : « ولعدم » وهنا سقطت لفظة « سقوط » من ( ألف ).
2- الحدائق الناضرة 2 / 244.
3- نهاية الإحكام 1 / 38.

وعن جماعة منهم الفاضل في المنتهى (1) (2) والشهيد في الذكرى (3) استحباب غسل الباقي من عضوه ؛ للصحيح الآتي (4).

ويضعّف بإجمال الرواية كما ستعرف.

وربّما يؤيّد ذلك بعض (5) الإطلاقات ، وهو أيضا ضعيف.

وعن الشيخ (6) استحباب مسحه.

وفي التذكرة (7) أنّه يستحب مسح موضع القطع بالماء. ولم نعرف مستندهما.

ولو قطعت من المرفق فلا ينتقل الحكم إلى العضد بلا خلاف فيه سوى ما حكي من الإسكافي من وجوب غسل العضد. والمحكي من عبارته ليس صريحا في ذلك.

واستظهر في المختلف (8) حمله على الندب ، واستصوبه.

وقد يحتجّ للوجوب ببعض الإطلاقات ، وهي مستفيضة جدّا. وحملها على الندب مستند الأصحاب.

ولا يخلو أيضا من تأمّل ؛ لعدم تعيّن حملها عليه كما ستعرف.

وقد يكتفى فيه بمجرّد الفتوى ، والخروج عن ظاهر الخلاف.

وهل يجب غسل محلّ القطع من المرفق؟ وجهان ، بل قولان.

وربّما يبنى ذلك على أنّ وجوب غسل المرفق أصليّ أو تبعيّ من باب المقدّمة ، فعلى الأوّل يتعيّن الوجوب لبقاء محلّه بخلاف الثاني ؛ لسقوط وجوب المقدمة بعد فوات ذيها.

ص: 42


1- منتهى المطلب 1 / 59.
2- زيادة في ( د ) : « والنهاية ».
3- الذكرى : 85.
4- زيادة « ويضعف » من ( د ).
5- في ( د ) : « ببعض ».
6- المبسوط 1 / 21.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 17.
8- مختلف الشيعة 1 / 287.

والأقوى وجوب غسل ذيها (1) لظاهر الصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق قال :

« يغسل ما بقي من عضده » (2).

بحمله على غسل ما بقي من محلّ الفرض بين عضده ؛ ليكون الموصول عهديّا ، وقوله « من عضده » بيانا له.

وكأنّ حمله عليه أوفق بالقواعد مضافا إلى توقّف اليقين بالفراغ عليه.

ص: 43


1- في ( د ) : « غسله » بدل « غسل ذيها ».
2- الكافي 3 / 29 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ، ح 9.

تبصرة: [ في وضوء التقيّة ]

اشارة

من الوضوء الاضطراري وضوء التقيّة ، وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه. والكلام فيه من (1) مقامين :

[ المقام ] الأوّل: في جواز إتيان الفعل على غير النحو المشروع من جهة التقيّة

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، بل وفي وجوبه إذا كان هناك خوف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمنة أو عرضها وكذا لو خيف من إيذائهم له أو لهم كقلع العين أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو الحبس ونحوها.

وفي وجوبه للضرب الخفيف أو الحبس اليسير وجهان بالنسبة إليه.

وربّما يستفاد من بعض الأخبار المنع بالنسبة إلى ذلك وما أشبهه كقوله عليه السلام : « التقية في كلّ شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه » (2). ولا صراحة فيها على خلاف ما قلناه.

ولو خاف على ماله أو مال مؤمن غيره فالظاهر وجوب التقيّة. وفي الحقير منه أيضا وجهان أقواهما ذلك بالنسبة إلى الغير.

وقد يتخيّل جواز الترك إذا خاف على ماله ففيه مطلقا ؛ لجواز صرفه مجانا إلّا أنّ الأظهر من أدلّة التقيّة ذلك.

نعم ، ربّما يتقوّى الاحتمال المذكور فيما إذا لم يكن ذلك مضرّا بحاله.

ص: 44


1- في ( د ) : « في ».
2- الكافي 2 / 219 ، باب التقية ، ح 18.

وفي البناء عليه إشكال ، وإن جاز له صرف ذلك في رفع التقيّة عنه قطعا.

ويثبت الحكم مع اليقين بالضرر وظنّه ، بل بمجرّد (1) الخوف من حصوله من غير فرق بين حصوله حالا أو غيره ولو بعد زمان طويل ، ولا بين كون المتّقى منه من الخاصة أو العامّة أو من سائر الفرق ، وإن كان هناك فرق في مسألة الصحّة كما سيجي ء.

ولا بين الخوف (2) بنفسه أو بالإبلاغ إلى غيره ، ولا بين القطع باطلاعه عليه أو الظن به أو مجرّد الخوف من اطلاعه.

ولا يجوز التقيّة لجلب المنفعة مع الأمن من المضرّة ، ولو قيل بجوازه من جهة تحصيل الوجاهة عندهم بذلك يستعين بها على استخلاص المؤمنين وقضاء حوائجهم كان حسنا ، بل لا يبعد القول بوجوبه في بعض فروضه.

وقد يستفاد ذلك من بعض الإطلاقات.

ولو كان في تركه الحضور في جماعة غير العدول منّا مطلقا لوجاهته بين الناس وتعريض نفسه لهم احتمل إجراء التقيّة ، ويجري نحوه في المواظبة.

ثالثها : الفصل بين ما نصّ على جواز التقيّة فيه بالخصوص وما جاز فيه من جهة العموم على الطاعات والاشتغال بنوافل العبادات إلّا أنّه أشير الإشارة إليه.

وهل يشترط فيه عدم المندوحة أو لا؟ قولان ، اختار الأوّل منهما في المدارك (3) لانتفاء الضرورة الباعثة عليها ، فيرتفع الحكم. مضافا إلى مخالفته للأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ؛ أخذا بالبراءة اليقينيّة.

وذهب جماعة من المحقّقين منهم الشهيدان (4) والمحقّق الكركي (5) إلى الأوّل ؛ أخذا بظواهر

ص: 45


1- في ( د ) : « ومجرّد » بدل « بمجرّد ».
2- زيادة في ( د ) : « فيه ».
3- مدارك الأحكام 1 / 223.
4- البيان : 10 ، روض الجنان : 37.
5- جامع المقاصد 1 / 222.

الأخبار بل صريحها المشتملة على الحثّ الأكيد في الحضور معهم في جماعاتهم والاجتماع إليهم في صلواتهم مع استلزام ذلك لترك بعض الواجبات قطعا.

كيف ولو وجب مراعاة التخليص لأشير إليه في الروايات ، وورد الأمر بها بحسب الأوقات ، مع أنّ الأخبار على عكس ذلك ، فالظاهر جواز التقيّة مع وجود المندوحة أيضا وإن لم يستدع التراخي في الوقت.

نعم ، لو أمكنه الستر وهو في مكانه بحيث يأتي بالواجب من دون شعورهم كأن يمسح رجله حين غسله بحيث لا يشعر به قوي القول بوجوبه. ويحتمل ضعيفا إجراء عمل التقيّة فيه مجرى الصحيح. وهو بعيد جدا.

هذا بالنسبة إلى التقيّة من العامّة ، وأمّا غيره من الفرق فيشترط عدم المندوحة في جواز الفعل قطعا إلّا مع إمكان الإتيان بالصورة المختصّة إن جوزناها مع اختيار أمكن التخلّص بوجهين لزم مراعاة الأخفّ ، فلو دار [ .. ] (1).

المقام الثاني: في أجزاء الفعل المعمول على جهة التقيّة وعدمه

وقضية الأصل فيه فساد العمل ، لوقوعه على غير النحو المشروع.

ومجرّد الأمر به من جهة الخوف لا يقضي بصحّة الفعل ؛ إذ الأمر إنّما يقتضي الإجزاء بالنسبة إلى ذلك الأمر ، وقيام أمر التقيّة مقام الأمر الأوّل غير معلوم ، فيقتصر في الصحّة على مورد الدليل.

وهو بالنسبة إلى التقيّة من أهل الخلاف ممّا لا شبهة فيه من غير فرق بين فرقهم.

والظاهر عدم الفرق بين الناصب منهم وغيره وإن حكم بكفر الأوّل.

وأمّا سائر الملل المخالفة للإسلام فالظاهر عدم صحّة التقيّة منهم وإن وجبت ، وكذا في

ص: 46


1- الكلام مبتور هنا في النسخ المخطوطة.

التقيّة من سائر (1) فرق الشيعة كالإسماعيليّة والفطحيّة وأضرابهم.

وفي التقيّة عن الزيديّة مع متابعتهم في الفقه للعامّة وجهان أقواهما ذلك ، بل هو المعيّن.

ولو اتّقى من غير العامّة من جهة خوف الوصول إليهم فالظاهر الصحّة ، ولو كان من (2) الاثني عشريّة.

ثمّ إنّ الظاهر صحّة الفعل في جميع الأفعال (3) البدنيّة من الوضوء والصلاة والحج وغيرها ، فلا يجب قضاؤها بعد ارتفاع التقيّة. وفي المتعلّقة بالمال وجهان أظهرهما العدم.

نعم ، مع عدم حصول التفريط فيه ينبغي الضمان من جهة أخرى مع وجوب التقيّة.

ولو كانت للتقيّة (4) لا في التقيّة من جهة نفس الفعل ، بل في ملاحظة بعض الشرائط كطهارة الماء ففي الصحّة إشكال كما إذا توضّأ بسؤر اليهودي.

وقضية الأصل كما عرفت الفساد.

ولو تعلّقت التقيّة بإزالة الأخباث ففي الحاجة بإزالة الأحداث وجه كان أوجههما العدم جريا على الأصل.

ولو ارتفعت التقيّة بعد الفعل قبل خروج الوقت ففي وجوب الإعادة وجوه ثالثها التفصيل المذكور في المسألة السابقة ؛ إجراء لما نصّ عليه بالخصوص حكم الواقع.

وإليه ذهب المحقّق الكركي ، قال : ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في عدم وجوب الإعادة في الصورة الأولى.

والأقوى عدم وجوب الإعادة مطلقا ؛ أخذا بظاهر الروايات.

وحكم المحقّق الكركي بثبوت القضاء أيضا في الصورة الثانية بناء على ثبوت دليل على القضاء لكونه بأمر جديد. وقضية ذلك فساد العمل ، بل ذلك صريح كلامه.

ص: 47


1- لم ترد في ( ب ) : « من سائر ... في التقيّة ».
2- لفظة : « من » وردت في ( د ) فقط.
3- في ( ب ) و ( د ) : « الأعمال » بدل : « الأفعال ».
4- في ( ب ) و ( د ) : « التقيّة ».

وهو كما ترى.

ولو زالت في أثناء الفعل ففي لزوم العفو إلى ما أدّاه على وجه التقيّة وعدمه وجهان أظهرهما الأخير.

ص: 48

تبصرة: [ في عدم التمكن من إيصال الماء إلى تمام العضو ]

اشارة

إذا لم يتمكّن من إيصال الماء ( إلى تمام العضو فإمّا أن يكون ذلك لقصور في الماء أو لوجود مانع من إيصال الماء إلى الجميع لا يمكن دفعه سواء كان خارجيّا أو في العضو كخاتم لا يمكن إخراجه ولا تحريكه أو جرح أو قرح أو كسر في العضو يتضرّر بإيصال الماء إليه مجبّرة بالجبائر ونحوها ، فهاهنا مسائل :

أحدها : أن يكون ذلك لقصور الماء ) (1). ولا شبهة إذن في الانتقال إلى التيمّم أو الوضوء اسم لمجموع الأفعال ، وعدم التمكّن من بعضه بمنزلة عدم التمكّن من الجميع ؛ لارتباط بعضها بالبعض.

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وجريان قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور في مثله مع عدم ثبوته كليّا غير ظاهر ؛ لعدم التمكّن من شي ء منه ، لعدم اعتبار الهيئة الاجتماعيّة في الصحّة.

ثانيها : أن يكون لمنع المانع الخارجي ، والظاهر انتقال الحكم حينئذ إلى التيمّم لما عرفت.

ولو منعه عن التيمّم أيضا كلّا أو بعضا فالظاهر أنّه كفاقد الطهورين.

ثالثها : أن يكون لوجود حاجب في العضو لا يمكن إزالته من غير أن يكون هناك قرح أو جرح ونحوهما.

والظاهر (2) سقوط غسل ما تحته.

وهل يكفي إذن بغسل ما عداه أو لا بدّ من المسح عليه إلحاقا له بالجبيرة أو يجب غسل

ص: 49


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- زيادة في ( د ) : « فيه ».

ظاهره تنزيلا له منزلة العضو؟ وجوه.

ولو كان عدم التمكّن من رفعه لمنع الظالم احتمل جريان الحكم المذكور وإلحاقه بالصورة الثانية أيضا.

ولو كان ذلك في معظم العضو أو جميعه ففي جريان الحكم المذكور إشكال.

والأحوط المسح على ظاهره وغسله أيضا ، والإتيان بالتيمّم.

ولو كان ذلك في موضع المسح كما إذا لم يتمكّن من نزع الخفّين ( مسح عليه ، وعزا ذلك إلى ظاهر الأصحاب.

ويدلّ عليه قويّة أبي الورد ، وقد ذكر المسح على الخفّين ) (1). فقلت : فهل فيهما رخصة؟ فقال : « لا إلّا من عدوّ تتّقيه أو ثلج تخاف على رجليك » (2).

مضافا إلى إطلاق غير واحد من أخبار الجبائر الشاملة لموضع المسح كما سنشير إليها ، فالتأمّل في ذلك من جماعة من المتأخرين - استضعافا للرواية السابقة ، فينتقل الحكم إلى التيمّم لتعذر الوضوء بتعذر بعضه كما مرّ - ليس على ما ينبغي.

رابعها : أن يكون على العضو المغسول جبيرة يمنع من جرى الماء تحته ، فإن أمكن نزعه وجرى الماء على العضو مع إمكان تضرّره بالتطهير إن كان ( نجسا وجب نزعه وإلّا مسح عليه إن كان طاهرا أو لا يكتفي بغسل ما حوله على المعروف بين الأصحاب ) (3). بل كاد أن يكون إجماعا ، بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه كما حكاه غير واحد منهم إلّا ما يوهمه عبارة الفقيه من جواز الأمرين.

ولا حاجة فيه ؛ لحكمه صريحا بالأوّل وإسناده الثاني إلى الرواية.

ص: 50


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- الإستبصار 1 / 76 ، باب جواز التقية في المسح على الخفّين ح 1.
3- ما بين الهلالين ممّا لم نجده إلّا في ( د ) ، ويا ليتها كانت هذه النسخة في أيدينا بدو الأمر ، لا بعد ما أكملنا العمل فوجدناها ، وهي أصح النسخ وأتقنها.

نعم ، مال إليه جماعة من المتأخرين منهم صاحب المدارك (1) قال : لو لا الإجماع على وجوب مسح الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب ، والاكتفاء بغسل ما حولها.

والوجه فيه إطلاق الصحيح حيث قال عليه السلام بعد حكمه بغسل ما ليس عليه الجبائر : « وتدع ما سوى ذلك ممّا لا تستطيع غسله ولا نزع الجبائر ولا يعيب بجراحته » (2).

وروى في الفقيه مرسلا.

وكذا في الفقيه عن الصادق عليه السلام : « في الجبائر إنّه يغسل ما حولها » (3).

ويحتمل ذلك أن يكون اشارة إلى هذه الصحيحة.

وأنت خبير بأنّ ذلك لا يقاوم النصوص المستفيضة الحاكية بمسح الجبائر ونحوها ؛ إذ غاية ما نقضه الصحيحة سقوط غسلها ، ولا دلالة فيها على انتفاء المسح إلّا من جهة عدم الذكر ، فلا يقاوم ما دلّ بصريحه عليه.

مضافا إلى اعتضاده بعمل الأصحاب ، بل وإجماعهم ، فاحتمال الاكتفاء بغسل ما حولها مع قطع النظر عن الإجماع ضعيف أيضا كاحتمال حمل مسح الجبائر على الغسل الخفيف كما ذكره في النهاية ؛ إذ لا داعي إليه سوى (4) إعطاء الجبيرة حكم محلها ، وهو ممّا لا يقوم حجّة ليصحّ الخروج به عن ظواهر النصوص مع مخالفته لفهم الأصحاب.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين الجبيرة وغيرها كالخرقة الّتي يتعصّب بها الجرح أو الخيوط ، وكذا الدواء الموضوع عليه ، وقد ورد غير واحد منها في النصوص.

وهل يجب تحفيفها متى أمكن ليقلّ الفصل بين اليد والممسوح؟ وجهان أحوطهما ذلك.

وظاهر الإطلاقات حيث لم يصرّح فيها به عدمه.

ويجب استيعابها لقيامها مقام غسل محلّها الّذي يجب استيعابه ، وتوقّف اليقين بالفراغ

ص: 51


1- مدارك الأحكام 1 / 238.
2- الكافي 3 / 32 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 1 وفيه : « ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 47 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 94.
4- زيادة : « سوى » من ( ب ).

عليه.

وظاهر الرواية « فليمسح على جبائره » ونحوه ظاهر الصحيح وغيره ، وبذلك يظهر ضعف ما استشكله الشهيد في وجوب الاستيعاب من صدق المسح عليها بالمسح على جزء منها.

ولا يخفى أنّه خروج عن ظاهر الخبر ، مضافا إلى مخالفته لظاهر فهم المعظم على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

ولا فرق في الجبيرة بين الوضوء والغسل على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

وقد دلّ على ثبوتها فيه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج. وعزاه في المنهى (1) إلى عامّة العلماء موميا إلى الإجماع عليه.

نعم ، ورد في روايات (2) عدّة أمر المجدور أو صاحب القروح بالتيمّم بدل غسل الجنابة.

وعن المبسوط (3) : من كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه الباقي عليه جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه جاز له التيمّم ، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة ، وإن غسلها وتيمّم كان أحوط سواء كان أكثرها صحيحا أو عليلا. وإذا حصل على بعض أعضاء طهارته نجاسة ولم يقدر على غسلها لألم فيه (4) صلّى ، ولا إعادة عليه.

مع حكمه في باب الوضوء بوجوب المسح على الجبائر مع عدم إمكان نزعها ، وكذا حكم هناك بغسل ما عليه الغسل من أعضائه والمسح على حائل فيما يتعذّر عليه ، وظاهر كلماته لا يخلو عن التدافع.

ويمكن الجمع بينهما بذهابه إلى التخيير بين الأمرين (5) كما يومى إليه قوله : « جاز له

ص: 52


1- منتهى المطلب 1 / 153.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 107 ، باب التيمم ح 217 ، الكافي 3 / 68 ، باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة ح 2.
3- المبسوط 1 / 35.
4- زيادة في ( د ) : « و ».
5- في ( ألف ) : « الأمر ».

التيمّم » ، وكأنّه أخذه من الجمع بين ما دلّ على لزوم التيمّم عليه وما دلّ على مسح الجبيرة للصحيح : في الرجل يكون به القراح والجراح يجنب؟ قال : « لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمّم » (1).

بجعله شاهدا على الجمع ؛ لظهوره في عدم التعيين.

وقد يخصّ كلامه الأوّل بصورة ظهور العضو و (2) حصول المانع من إيصال الماء ، فيكون حكمه بالتخيير في تلك الصورة خاصّة.

وكيف كان ، فهو مخالف لظاهر الأصحاب ، مع عدم ظهور تامّ في الصحيح المذكور فيه ، فالأظهر حمل أخبار التيمّم على ما إذا تضرّر باستعمال الماء.

ويؤيّده ورودها أجمع في الغسل أو على صورة تكاثر القروح والجروح بحيث يشمل كثيرا من العضو إن قلنا بتعيّن التيمّم فيه أو التخيير.

وقد يؤيّده ذكر القروح والجروح في بعضها بلفظ الجمع المعروف (3). ويحتمل حمل عبارة الشيخ عليه.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

منها : أنّه لو كانت الخرق ونحوها على غير الجرح والقرح والكسر لسائر أوجاع العضو ففي ثبوت الحكم فيه إشكال ، أظهرها ذلك مع عدم التمكّن من رفعها. والأقوى الانتقال إلى التيمّم وثبوت حكم الجبيرة على خلاف ، فيقتصر فيه على مورد الدليل. والأحوط الجمع.

ومنها : أنّه لو استوعبت الجبيرة أحد الأعضاء المغسولة أو جميعها أو معظم العضو ففي ثبوت حكم الجبيرة أو الانتقال إلى التيمّم أو التخيير وجوه ، والأحوط فيه الجمع.

ص: 53


1- تهذيب الأحكام 1 / 185 ، باب التيمم وأحكامه ، ح 5.
2- زيادة « و » من ( د ).
3- في ( د ) : « المعرف ».

ولو استغرقت الأعضاء الممسوحة فالظاهر أنّه لا إشكال في انتقال الحكم على ما فوق الجبيرة كما يؤذن به ما دلّ على الاجتزاء بالمسح على الخفّين من جهة برد ونحوه.

ومنها : أنّه لو استوعبت الجبيرة محلّ الحاجة وغيرها ممّا لا يمكن بقاؤها على العضو بدونه فإن أمكن إجراء الماء إلى ما تحته من دون إضرار لزم ، وإلّا كفى المسح عليها. كذا أطلق العلّامة ، وهو كذلك ؛ نظرا إلى الإطلاقات إلّا أنّه مع خروجه معا حسا عن محلّ الحاجة لا يخلو عن إشكال.

ومنها : أنّه لو تضرّر بإيصال الماء إلى ما تجاوز الجرح أو الكسر ونحوها قوي جريان حكمها إليه ، فيمسح عليه مع شمول الجبيرة وما قام مقامه إيّاه وإلّا جرى فيه حكم المكشوفة في وجه قويّ إلّا أنّه مع بعد السراية يحتمل الانتقال إلى التيمّم ، فالأحوط فيه الجمع.

ومنها : أنّه لو أمكن تخفيف الخرق الموضوعة عليه فهل يجب ذلك أو لا؟ وجهان ، ظاهر الإطلاقات هو الأوّل ، والأحوط الثاني بل هو المتعيّن إذا كان زائدا على القدر المحتاج بحيث يعدّ لغوا.

ومنها : أنّه لو كان ظاهر الجبيرة نجسا وجب وضع خرقة طاهرة عليها ثمّ المسح عليها. كذا قالوه.

واستشكل فيه بعضهم نظرا إلى خروجه عن مدلول الأخبار ومخالفته لظاهر الاعتبار ؛ إذ الجبيرة لشدة انهباطها بالعضو نزلت منزلة الجزء منه كالشعر والظفر ، بخلاف الخرقة الجديدة الموضوعة عليه.

ويدفعه أنّه لا يمكن المسح على النجس قطعا ، فبعد البناء على عدم الاكتفاء بغسل ما حولها لابديّة من باب المقدّمة.

إلّا أن يقال بخروجه عمّا دلّ على لزوم المسح على الحائل ؛ لعدم إمكانه في المقام ، فيكتفى بغسل ما حوله ؛ نظرا إلى إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج.

إلّا أنّ قضية اليقين بالفراغ الحكم بما قالوه.

ولو أمكن تطهير ظاهرها قدّم ذلك عليه ، وكذا لو أمكن رفع الخرقة الطاهرة مع طهارة

ص: 54

ما تحته ، ولو أمكن الإبدال ففي لزومه كذلك وجهان.

ومنها : أنّه لو أمكن إجراء الماء إلى ما تحت الجبيرة من دون عسر أو أمكن نزعه كذلك لزمه أحد الأمرين.

وربّما يوهم بعض العبائر القول بوجوب النزع ، ولو أمكن أحدهما خاصّة تعيّن. وفي الموثق فيمن انكسر ساعده أو موضع من مواضع وضوئه فلا يقدر أن يحله لحال الجبيرة إذا جبر فكيف يصنع؟ قال : « إذ أراد أن يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبيرة في الماء حتّى يصل الماء إلى جلده وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه » (1).

وحمله الشيخ على الندب ، فيوهم ذلك ذهابه إلى عدم إجراء الماء تحت الجبيرة مع الإمكان ، وقد يحمل على مجرّد وصول الماء إلى البشرة من دون حصول الجريان بحمل الرواية عليه إلّا أنّه خلاف المنساق منها ، فإنّ ظاهرها حصول الغسل المطلوب بذلك.

خامسها : أن يكون العضو المئوف طاهرا غير مستعصب بخرقة ونحوها ، فذهب جماعة فيه أيضا إلى لزوم المسح مع الإمكان ، وإلّا وضع عليه خرقة طاهرة ومسح عليها.

وعزاه في الحدائق (2) إلى الأصحاب ، وعلّل باشتمال الغسل على المسح وزيادة فيقتصر في السقوط على مؤدي الضرورة ، وحيث يتعذر المباشرة في المسح يقام الحائل مقام البشرة.

وضعف التعليل واضح ، ولذا ذهب جماعة من المتأخرين إلى الاكتفاء بغسل ما حولها.

وهو الأقوى للصحيح : من الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : « يغسل ما حوله » (3).

وفي صحيحة أخرى : عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال : « اغسل ما حوله » (4).

وفيها قبل ذلك التصريح بالمسح على الخرقة في القرح المعصّب ، ففيها إذن دلالة واضحة على فرض الجرح غير معصّب ، ولا شمول لما دلّ على اعتبار المسح لذلك لفرضه فيها وفي

ص: 55


1- الإستبصار 1 / 78 ، باب المسح على الجبائر ، ح 5.
2- الحدائق الناضرة 2 / 377.
3- الكافي 3 / 32 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 2.
4- الكافي 3 / 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 3.

غيرها المعصّب ونحوها.

وقيامه عليه ممّا لا وجه له سيّما بعد ورود النصّ.

نعم ، قضية الاحتياط مراعاة ذلك.

ثمّ إنّ مورد الصحيحين وإن كان خصوص الجرح إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق بينه وبين القرح والكسير وما شابههما.

وفي ثبوته لكلّ علّة مانعة من إيصال الماء وجهان أقواهما العدم عملا بالأصل. والأحوط الجمع بين الوضوء والتيمّم. وأمّا في الرمد ونحوه فالظاهر عدم التأمل في الانتقال إلى التيمّم ، ولو حصلت قرحة في العين بحيث سرت إلى خارجها ففي إلحاقها بالقروح وعدمه إشكال. والأحوط الجمع.

ولو كان في بعض أعضائه نجاسة لا يتمكّن من غسلها إمّا لإعواز الماء أو لمانع من الخارج انتقل الحكم إلى التيمّم.

سادسها : لو كانت الجبيرة في محلّ المسح جرى على ظاهره حكم المسح مع عدم إمكان رفعها وتطهير محلّها.

وفي البحار (1) الإجماع عليه ، فإن أمكن رفعها وتطهير محلّها لو كان نجسا وجب المسح عليه ، وإن تمكن من رفعها من دون تطهير محلّها فالظاهر إجراء المسح على الجبيرة. وكذا لو لم يتمكّن من المسح ولو لم يتمكّن من تطهيره إذن من جهة إعواز الماء قوي الانتقال إلى التيمّم إلى (2) أن لا يتمكن من نزعه.

ويدلّ على الحكم إطلاق حسنة كليب الأسدي عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : « إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » (3).

ص: 56


1- انظر بحار الأنوار 77 / 368.
2- في ( د ) : « إلّا ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 30.

ونحوه إطلاق رواية عبد الأعلى (1).

وهل يجب إيصال الماء إلى البشرة لو أمكن؟ وجهان.

وعن بعض الأصحاب وجوبه ، وقد مرّ الكلام في نظيره.

سابعها : لا كلام ظاهرا في عدم وجوب إعادة الصلاة بعد ارتفاع العذر.

وفي البحار (2) الإجماع عليه.

وفي إعادة الوضوء قول بالوجوب. ذهب إليه الشيخ (3) والفاضلان (4) ؛ اقتصارا في الاضطراري على حال الضرورة. والأقوى خلافه ؛ نظرا إلى ظاهر الإطلاقات ، وأنّ قضية ظاهر الأمر في المقام الإجزاء المطلق. ولا يجب عليه تأخير الصلاة إلى آخر الوقت مع اليأس عن زوال الاضطرار قطعا كما هو قضيّة الأخبار ، ومع رجائه ففيه وجهان أوجههما العدم.

ص: 57


1- تهذيب الأحكام 1 / 363 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ح 27.
2- بحار الأنوار 77 / 375.
3- النهاية : 17.
4- شرائع الإسلام 1 / 18 ، تحرير الأحكام 1 / 82.

تبصرة: [ في وضوء المسلوس والمبطون ]

لا خلاف في استباحة المسلوس للصلاة بوضوئه ، وهل يكتفى به لما شاء من الصلاة أقوال ثالثها التفصيل ، فيجوز الجمع في الظهرين والعصرين خاصّة ذهب إليه في المنتهى (1).

واختاره جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك (2) والحدائق (3).

والأشهر بين الأصحاب عدم الاكتفاء به إلّا لصلاة واحدة ، وهو أحد قولي الشيخ (4) والعلّامة (5).

وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر إطلاق الآية وإطلاق ما دلّ على ناقضيّة البول خرج عنه ما أجمع على عدم جريان حكم الحدث بالنسبة إليه ، وهو المتيقّن من الأخبار الواردة فيه ولذا يحكم بوجوب المبادرة إلى الصلاة عقيب الوضوء ، مضافا إلى الاحتياط في البراءة لقضاء الشغل اليقيني (6) بالفراغ مع عدم قيام حجّة ظاهرة من الأخبار على الاكتفاء به لما يزيد على الصلاة الواحدة.

ويؤيّده ما مرّ في الاستحاضة القليلة المشاركة في دم الحدث من لزوم الوضوء لكلّ صلاة.

ص: 58


1- منتهى المطلب 2 / 138.
2- مدارك الأحكام 1 / 242.
3- الحدائق الناضرة 2 / 387.
4- المبسوط 1 / 68.
5- تذكرة الفقهاء 1 / 206.
6- زيادة في ( د ) : « اليقين ».

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما احتجّ به للاكتفاء من أنّه لا دليل في (1) لزوم التجديد.

وحمله على المستحاضة قياس حيث عرفت أنّ قضية الأصل بالعكس ، فلا بدّ من نهوض دليل على الاكتفاء به.

وربّما يستدلّ له أيضا بموثقة سماعة : عن رجل أخذ يقطر من فرجه إمّا دم أو غيره؟ قال : « فتضع خريطه فليتوضأ وليصلّ » (2).

فإنّما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيد إلّا من (3) الحدث الّذي يتوضّأ عنه ؛ نظرا إلى ظهوره في كون الحدث نوعين ، فلا يكون البول حدثا بالنسبة إليه في صورة التقطير أو مطلقا كما احتمل ذلك في كلام القائل به.

إلّا أنّ الظاهر منه هو الأوّل ؛ لبعد الثاني عن الأدلّة جدّا.

وفيه : أنّ الرواية لا ظهور فيها فيما ذكر ، بل يحتمل أن يكون إشارة إلى عدم مانعية الدم لصحة الصلاة ، بل ربّما يستدلّ بظاهر إطلاقها على المختار.

حجّة التفصيل صحيحة حريز : عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « إذا كان الرجل يقطر منه البول أو الدم إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيها ثمّ صلّى ويجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويؤجّل العشاء بأذان وإقامتين » (4).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة ظاهرة في هذه الرواية على ذلك ؛ إذ ظاهر سياقها ورودها لبيان علاج سريان النجاسة والحكم بالعفو عنها في الصلاة ، وليس فيها ذكر الوضوء.

والعفو منها من جهة النجاسة لا يقضي بالعفو من جهة أخرى.

ص: 59


1- في ( د ) : « على ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 349 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 19 مع اختلاف.
3- في ( ألف ) : « يعيدان الأمر من ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 64 ، باب ما ينقض الوضوء ، ح 146.

ثمّ إنّهم نصّوا في المبطون بوجوب الوضوء لكلّ صلاة ، قال العلّامة قدس سره (1) - مع بنائه في المسلوس على التفصيل - : والوجه في الحكم ظاهر فيما بيّنّا ويأتي على القول بعدم وجوب التجديد هناك عدمه هنا أيضا. وضعفه ظاهر ممّا مرّ.

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : الظاهر جريان الحكم المذكور فيمن يتواتر منه خروج الريح مع عدم التمكّن من حفظه ؛ إذ هو بمنزلة البول والغائط فلا يزيد حكمه عليها ، ولا وجه لسقوط الصلاة ولا تكليفه بالإعادة.

وأمّا من يتواتر منه النوم ففي جريان الحكم فيه إشكال. ويحتمل فيه سقوط الصلاة مع استيعاب الوقت.

ثانيها : الظاهر وجوب أخذ الحفظة في المبطون لاشتراكه للمسلوس في العلّة ، وإن لم يرد فيه نصّ مخصوص.

وهل يجب فيها إبدال الحفظة أو تطهيرها لكلّ صلاة؟ الظاهر العدم ؛ لظاهر إطلاق الروايات.

وربّما يشكل فيما تتم الصلاة فإن شمول الإطلاقات لها محلّ إشكال إلّا أن يقال بخروجها عن اسم اللباس.

ثالثها : لو كان لهؤلاء فترة تسع الطهارة والصلاة ، فالظاهر إذن مراعاتها للتمكن معها من الفعل الاختياري ، فلا يعدل إلى الاضطراري. ويحتمل القول بعدمه إذا كانت في وسط الوقت أو آخره ؛ لعدم التمكن منه في الأول ، فينتقل إلى بدله لاستظهار عدمه (2) عموم البدليّة من الإطلاقات.

وهو ضعيف مع رجاء زوال العذر مخالف لما يقتضيه اليقين بالشغل.

نعم ، لو اتّفق حصول فترة في الأثناء ، فالظاهر عدم وجوب الإعادة.

ص: 60


1- نهاية الإحكام 1 / 67.
2- لم ترد في ( د ) : « عدمه ».

وفي وجوب مراعاة الأخفّ من أحواله مع اختلافها وجه.

والأولى بل الأحوط مراعاته.

رابعها : لو فاجأ المبطون الحدث في أثناء الصلاة فعن الأكثر أنّه يتطهّر. ويبنى على صلاته ، وفصّل في المختلف (1) بين ما إذا كان له فترة تسع الطهارة والصلاة وعدمه ، فعلى الأوّل يفسد صلاته ؛ إذ لا ضرورة معها فيشملها إطلاق ما دلّ على فسادها بالحدث ، وعلى الثاني تصح من غير حاجة إلى التطهير للعفو.

وعن جماعة من المتأخرين التفصيل بين ما إذا استمرّ حدثه بحيث لا يمكنه الدخول في الصلاة من دونه ، وما إذا أمكنه الدخول بغير الإتمام ، وما إذا كان له فترة يتمكّن معها من الإتمام أيضا.

فعلى الأوّل يتمّ الصلاة من دون إعادة الطهارة.

وعلى الثاني فالمشهور وجوب التطهير متى (2) فاجأه في الأثناء ويبني على صلاته.

وعلى الثالث يجب عليه الانتظار. وهذا هو الأقرب ؛ إذ ذاك هو المستفاد من الأخبار الواردة فيه كالصحيح : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته » (3).

وفي الموثق (4) : عن المبطون؟ فقال : « يبني على صلاته » (5).

وفي أخرى : « صاحب البطن يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي » (6).

وظاهر (7) هذه أصرح ما في الباب ؛ لعدم اشتمال الأوّلين صريحا على كون الطهارة المأمور بها في الأثناء ، فالظاهر من هذه الأخبار فرض الحكم فيمن دخل متطهّرا أو عرض له الحدث

ص: 61


1- مختلف الشيعة 1 / 311.
2- في ( ألف ) : « حتّى ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 363 ، باب صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون ، ح 1043.
4- لم ترد في ( ب ) : « وفي الموثّق ... صلاته ».
5- تهذيب الأحكام 3 / 306 ، باب صلاة المضطر ، ح 19.
6- تهذيب الأحكام 1 / 351 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 28.
7- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهر ».

في الأثناء. وكأنّه الفرد الشائع فيه (1) منه بخلاف المسلوس ، ولذا لم يرد الحكم بالبناء فيه مع اشتراكه له في العلّة.

وأمّا مع مشروعيّة الدخول في الصلاة مع الحدث فالظاهر مشروعيّة الاستمرار ؛ إذ لا ثمرة ظاهرا للتطهير ثانيا مع خروجه عن ظاهر الأخبار ، بل ودلالة بعض تعليلات المسلوس على مضيّه عليه.

نعم ، لو تكرّر منه الحدث في الأثناء فالظاهر وجوب تكرار الطهارة إلّا أن يوجب العسر أو الخروج عن وضع الصلاة.

وحينئذ فهل يستمرّ على الفعل أو يتطهّر أو لا يبنى عليه من غير التفات إلى الأحداث إلّا دفعة؟ وجهان أحوطهما الأخير.

هذا ، وفي جريان الحكم على التفصيل المذكور بالنسبة إلى المسلوس وجه قويّ ، وإن لم يذكر في الأخبار وخلا عنه كلام كثير من الأصحاب.

ص: 62


1- لم ترد في ( د ) : « فيه ».

البحث السادس: في اللواحق

تبصرة: [ في الشك في أفعال الوضوء ]

اشارة

لو شكّ في شي ء من أفعال الوضوء فإن كان في حال الوضوء وجب العود إليه سواء انتقل من ذلك الفعل إلى غير من أفعاله أو لا ، وإن لم يكن في حال الوضوء فلا يلتفت على المعروف بين الأصحاب في المقامين.

بل الظاهر إطباقهم على الحكمين في الجملة.

ويدلّ على الأوّل بعد اتفاقهم عليه ظاهرا وقضاء الأصل به حيث إنّ الشك في العمل يوجب الشك في الامتثال الموجب لبقاء الشغل ، خصوص الصحيح : « إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليها ، وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء » (1).

يخصّص بذلك ما دلّ من العمومات على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ كالصحيح : « اذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء » (2) كما هو الشأن في العموم والخصوص المطلق.

نعم ، في الموثّق : « إذا شككت في شي ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 1 / 100 ، باب صفة الوضوء ، ح 110 ، خلاصه حديث.
2- تهذيب الأحكام 2 / 352 ، باب أحكام السهو ، ح 47.

بشي ء إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه » (1).

فيدل على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ في خصوص الوضوء ؛ لظهور رجوع الضمير في « غيره » إلى « الشي ء » كما يفصح عنه قوله « إنّما الشك في شي ء لم تجزه » فيتدافع الخبران.

ولا شك في ترجيح الأوّل ؛ لصحته مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط وعمل الأصحاب وإن كان ذاك أيضا مؤيّدا بالعمومات إلّا أنّه لا يقاوم ما ذكروه ، مضافا إلى عدم صراحته في المطلق ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء.

وقوله « إنّما الشك .. » إلى آخره ، ليس صريحا في خلافه ولا دالّا بنفسه كذلك على الحكم ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء كلّه ؛ نظرا إلى قلّة أفعاله شيئا واحدا.

وقد يقال بأنّ الخبر الأخير أخصّ من الأوّل لدلالته على وجوب العود مع بقائه على حال الوضوء ، وقد قيّده الأخير بصورة عدم الفوت من محلّ الفعل ، فقضيّة القواعد إذن تخصيصه به.

ويدفعه أوّلا : أنّه كالصريح في عدم الفرق بين القسمين ، مضافا إلى فهم الأصحاب وإطباقهم عليه ، فهو مقدّم على الآخر قطعا ؛ إذ لا عبرة بالصحاح في مقابلة الإجماع فكيف بالموثقة المذكورة.

ثمّ إنّ المدار في وجوب الرجوع إلى المشكوك هل هو حال الاشتغال بالأفعال أو يثبت مع بقائه في المحلّ وإن فرغ من الوضوء إذا لم يشتغل بغيره من الأفعال؟ قولان.

ويعتبر على الثاني عدم حصول الفصل الطويل. والظاهر إلحاق الجفاف به بناء على ذلك القول في وجه قوي.

والأظهر الأوّل ، وهو المشهور كما في الحدائق (2) ؛ أخذا بعموم ما دلّ على عدم العبرة

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 / 101 ، باب صفة الوضوء ، ح 112.
2- الحدائق الناضرة 2 / 391.

بالشك بعد الفراغ كقوله عليه السلام في الموثق : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (1) ، وخصوص ما دلّ على عدم العبرة بالشك في الوضوء بعد الإتمام ، ففي موثقة بكير : قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟ قال : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك » (2).

بل ذلك هو الظاهر من الصحيحة المذكورة ، ولا ينافيه ما بعده من قوله عليه السلام : « إذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوء لا شي ء عليك » (3) ؛ إذ الظاهر أنّ ذكر خصوص المقام مبنيّ على الغالب كما يومي إليه تعيينه بالفراغ وصيرورته في حال أخرى.

نعم ، لو تلبّس بفعل من الأفعال أوّلا والتمثيل بالصلاة لا يخصّه بذلك ، ولو فرض ظهوره في اعتبار ذلك لمفهوم معارض بمفهوم التعسّر السابقة ، وبملاحظته يحصل الاحتمال المانع من الاستدلال ؛ مضافا إلى أنّ ظاهره اعتبار القيام ، فلو انتقل عن المحلّ من دونه لزم بقاء حكم الشكّ.

ولو قام من دون انتقال جرى حكمه. وظاهر القائل به خلافه.

وأيضا ظاهره اعتبار الأمرين من الانتقال والدخول في فعل آخر ، وظاهر المنقول عنهم الاكتفاء بأحد الأمرين.

وممّا ذكرنا ظهر الوجه في الاشتراط وضعفه.

وهاهنا إشكال فيما إذا عرض الشك بالنسبة إلى آخر الأجزاء ؛ لعدم تحقّق الفراغ المقتضي للإجزاء ، والوجه فيه الرجوع فيه إلى نفسه فإن وجد ماء على حال الفراغ وإكمال الأفعال فالظاهر صدق كون الشك بعد الفراغ.

ولو حصل الفصل الطويل أو الجفاف فالحكم أظهر وأولى منهما لو اشتغل بعبادة مشروطة بها.

ص: 65


1- تهذيب الأحكام 2 / 344 ، باب أحكام السهو ، ح 14.
2- تهذيب الأحكام 1 / 101 ، باب صفة الوضوء ، ح 114.
3- تهذيب الأحكام 1 / 100 ، باب صفة الوضوء ، ح 110.

وفي الصحيح - على الأصحّ - : فيمن شكّ في مسح رأسه ورجليه حال تلبّسه بالصلاة أنّه « يتناول من لحيته لو كانت مبتلّة ويمسح به رأسه وكان أمامه ماء تناول ماء جديدا ومسح به » (1). وهو صريح في صحّة الوضوء ، وإلّا لوجب عليه استيناف الصلاة ، فالرجوع إلى المسح كأنّه محمول على الندب إن عمل به.

[ تنبيهات ]

وينبغي هنا بيان أمور :

أحدها : لو جفّ جميع ما تقدّم على العضو المشكوك لزمه فساد الوضوء ؛ للحكم طاهر [ ا ] بعدم غسل المشكوك ، ومعه بفوت الموالاة المعتبرة.

وهو ظاهر كلام الأصحاب ، بل عزاه في الحدائق (2) إليهم مشعرا باتفاقهم عليه.

وتأمّل فيه صاحب الحدائق ، بل ظاهره عدم الفساد ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ في المقام على الرجوع إلى العضو المشكوك من غير تفصيل بين الوجهين ، مع عدم شمول ما دلّ على اشتراط عدم الجفاف لمثله ؛ لاختصاصه بصورة الجفاف الحاصل من جهة نفاد الماء وطروّ الحاجة.

ويضعّفه أنّ ما دلّ على (3) اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور وإن ورد في خصوص المقام المفروض لا يقضي بتخصيص الحكم ، بل الظاهر عدم الفرق كما مرّ.

فإنّ الظاهر منه بمعونة فهم الأصحاب دوران الحكم مدار الجفاف ، والأحكام الوضعيّة لا يفرق فيها بين المتعمّد وغيره ، والاقتصار على خصوص مورد الخبرين الواردين في الموالاة من دون تقديمه عنه أصلا لا يعرف قائل به من الأصحاب ، بل الظاهر انّه خلاف ما أفتى به هناك ، وإن صرّح في المقام بالاقتصار على مدلولهما ؛ لنصّه هناك على حصول الفساد بالجفاف من التفريق. وهو حاصل في المقام بناء على الظاهر من الحكم ؛ لعدم الإتيان بالمشكوك إذا أتى

ص: 66


1- تهذيب الأحكام 2 / 201 ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ح 88.
2- الحدائق الناضرة 2 / 391.
3- زيادة في ( ب ) : « اشتراط عدم الجفاف ».

بما بعده ، والإطلاق الوارد في المقام بالرجوع إلى المشكوك منزّل على الغالب من بقاء الرطوبة ، فيظهر بذلك قوة القول المشهور. مضافا إلى تأيّده بالشهرة والاحتياط.

ثانيها : حكم كثير الشكّ في الوضوء كالصلاة في عدم الالتفات وإن ورد الأخبار (1) في خصوص الصلاة ؛ لدلالة فحواها على عموم الحكم لكلّ العبادات ، ففي الصحيح : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك » ثمّ قال عليه السلام : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (2).

فهو كالصريح في التعميم وشمول الحكم لسائر المقامات ، مضافا إلى لزوم العسر والحرج مع البناء على وجوب الرجوع.

ويومي إليه في خصوص الوضوء ظاهر قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان حيث ذكر له ابتلاء رجل بالوضوء والصلاة ووصف عقله : وأي عقل له وهو مطيع الشيطان؟! فقال له : « وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الّذي يأتيه من أي شي ء هو؟ فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان » (3).

فإنّه وإن كان الظاهر وروده في الوسواس إلّا أنّ ظاهر إطلاقه يعمّ ذلك ، بل لا يبعد اندراج كثير منها في الوسواس.

ثمّ إنّ قضية عدم الالتفات إلى الشكّ هو البناء على الإتيان بالفعل المشكوك هل هو رخصة من الشرع أو عزيمة فيحرم الرجوع؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لظاهر الأخبار.

وعموم أدلّة الاحتياط معارض بما يستفاد من النهي في المقام سيّما إذا وصل إلى حدّ الوسواس.

وحكم بعض المتأخرين بكونه من قبيل الرخصة ، ولا مانع من الفعل أخذا بعمومات

ص: 67


1- في ( د ) : « الأخيار » ، وفي ( ألف ) : « الاضمار ».
2- الإستبصار 1 / 375 ، باب من شك فلم يدر صلى ركعة أو ثنتين ، ح 5.
3- الكافي 1 / 12 ، كتاب العقل والجهل ، ح 10.

الاحتياط الموجب للمشي على الصراط.

ولا يخفى ضعفه.

ثالثها : المدار في كثرة الشكّ وقلّته على العرف. وربّما يجده في الصلاة بتوالي الشك في ثلاث ، وربّما يدلّ عليه بعض المعتبرة إلّا أنّ الأظهر حمله على بيان مصداق من مصاديقه كما هو الظاهر من الرواية ، ثمّ بعد ثبوت الكثرة يستصحب حكمها إلى أن يعلم الزوال ، ويرجع فيه أيضا إلى العرف.

وهل يسقط اعتبار الشك في خصوص ما تكثر فيه وقوعه فيه أو يعمّ غيره من سائر الأفراد الّتي يقع فيها الشكّ وإن لم يكثر فيها بالخصوص أو يعمّ الشكوك الواقعة في سائر الأفعال؟ وجوه أظهرها الثاني إلّا أن تحصل (1) الكثرة لحصول الشك بالنسبة إلى كثير من الأفعال ، فالظاهر إذن تعميمه بالنسبة إلى الجميع.

ويحتمل البناء على الثالث لما يستفاد من النهي عن تقوية الخبيث ويمكّنه من نفسه. وهو يحصل بالاعتناء بالشك مع الكثرة وإن كان بالنسبة إلى الأفعال المتعدّدة.

رابعها : الظاهر أنّ حكم الظن في المقام كالشكّ ؛ لعدم قيام دليل على حجّية الظن فيه ، وبعض العمومات الدالّة على حجيّته لم ينقل بطريق صحيح.

وفي مرسلة أبي يحيى الواسطي : « فيمن شكّ في غسل ذراعيه ويده انّه إذا وجد برد الماء على ذراعه فلا يعيد » (2).

وفيه إشارة إلى اعتبار الظن فيه إلّا أنّها لضعفها وعدم وضوح دلالتها لا ينهض حجّة.

وهل يجري فيه حكم الشكّ بعد فوات المحلّ؟ وجهان ؛ من أنّه بمنزلته بعد عدم حجيّته ، وأنّ الرجوع بعد فوات المحلّ خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، وهو صورة الشكّ.

والأظهر الأوّل لما عرفت من أنّ الأصل الأصيل وجوب الرجوع ؛ نظرا إلى أنّ عدم

ص: 68


1- في ( د ) : « تحصيل ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 33 مع اختلاف.

العلم بإتيان الجزء كعدم العلم بإتيان الكلّ ، فلا يحصل اليقين بالبراءة ، غاية الأمر إخراج حكم الشكّ مع فوات المحلّ في غير الوضوء ، فيتبعه الظنّ الأولى. وأمّا في الوضوء فلمّا وجب الرجوع في صورة الشكّ بقي الظنّ فيه على مقتضى الأصل.

والقول بأنّ قضيّة تلك الإطلاقات عدم الرجوع بعد فوات المحلّ مطلقا ، فبعد خروج صورة الشكّ المتعلّق بأبعاض الوضوء يبقى غيره على مقتضاها موهون بأنّ دلالتها على الظنّ إنّما هي من باب الأولويّة ، فبعد ثبوت التخصيص في المنطوق لا يبقى فيها دلالة على المفهوم بالنسبة إلى ما خصّص به المنطوق كما لا يخفى.

مضافاً إلى احتمال شمول الشكّ في المقام للظنّ أيضا.

ثمّ إنّه يجري فيه حكم كثير الشكّ مع تحقّق الكثرة فيه ، ولو كثر منه الشكّ خاصّة ففي عدم اعتنائه بالاحتمال الحاصل في الظن أيضا وجه قويّ.

وفي عكسه وجهان ، وكذا إذا كثر منه الشكّ فطرء له الظن بالترك ، والأحوط فيهما الرجوع.

خامسها : لو تعلّق الشك بشرط الوضوء جرى فيه حكم الشك في الأفعال مع بقاء المحلّ ، ومع فواته ففيه وجهان ؛ من رجوع الشكّ في الشرط إلى الشك في نفس الفعل ، ومن أنّ ظاهر الرواية الشك في إيقاع أصل الفعل ، فيبقى غيره تحت الإطلاقات.

والأحوط الرجوع.

ولو شكّ في فوات الموالاة فإن شكّ في حصول الجفاف قوي البناء على البقاء ، ولو تيقّن بالجفاف وشكّ في تأخره عن الشروع في اللاحق وتقدّمه عليه فإن علم وقت الشروع أو الجفاف قوي البناء على أصالة تأخّر الآخر ، وإلّا ففيه الوجهان السابقان.

سادسها : (1) لو شكّ في الحدث بعد تيقّن الطهارة فلا عبرة به كما أنّه لا عبرة بالطهارة المشكوكة بعد اليقين بالحدث بلا خلاف في المقامين.

ص: 69


1- في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة » بدل « سادسها ».

نعم ، يستثنى منه خروج بالشكّ في بوليته بعد البول قبل الاستبراء ، فإنّه يحكم بنقضه الوضوء على المعروف بين الأصحاب ، على ما مرّ تفصيل القول فيه.

ويمكن أن يقال : إنّه محكوم شرعا ببوليته ، وكذا (1) يحكم بنجاسة عينه كما مرّ ، فلا استثناء.

ثمّ إنّ الروايات بما ذكرنا مستفيضة منها : الصحيح بعد حكمه بعدم انتقاض الوضوء إلّا باليقين بالعدم « وإلّا فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ولكن ينقضه بيقين آخر » (2).

وفي الموثق « إيّاك أن تحدث وضوء أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت » (3).

والأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ قريبة من التواتر بل متواترة.

وربّما يستشكل فيه بأنّ الشك ضدّ اليقين ، فلا بقاء له مع الشك ، فكيف يصحّ القول بعدم نقض اليقين بالشك مع أنّها منتفضة بطروّه قطعا.

واندفاعه ظاهر ؛ فإنّ المراد باليقين حكمه ، والمقصود أنّه يجب البقاء على حكمه حتّى يتيقّن بانتقاضه.

وبتقرير آخر لا اتّحاد بين زماني العلم والشك ، بل المقصود عدم نقض اليقين الحاصل في السابق إلّا باليقين الحاصل برفعه ، فالمقصود الحكم ببقاء حكمه إلى أن يعلم المزيل.

وفي الذكرى (4) بعد دفعه الإشكال بما ذكرنا ، وتعليله الحكم بأصالة بقاء ما كان قال : فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح (5) الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات ويتراءى أي من ظاهر كلامه بخبرين اجتماع الظنّ والشك في الزمان الواحد مع أنّه

ص: 70


1- في ( د ) : « لذا ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 8 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 11.
3- الكافي 3 / 33 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 1.
4- الذكرى 2 / 207.
5- لم ترد في ( ب ) : « فيرجح ... في الزمان الواحد ».

بديهيّ الفساد كالأوّل ، لكن الظاهر أنّه وجود الظن والشك الفعليين كما يتوهّم ، وإنّما عني حصول الشكّ مع عدم النظر عن الاستصحاب ليس على ما ينبغي ؛ إذ الظاهر عدم دوران الحكم فيه مدار الظن كما فصّل في محلّه مستقصى.

وقد يجاب أيضا بأنّ المقصود من الحدث نفس السبب لا الأمر الحاصل منه ، واليقين بحصوله بهذا المعنى لا ينافي الشكّ في وقوع الطهارة بعده وإن اتّحد وقتهما.

وهذا الجواب يرجع إلى بيان اختلاف متعلّقي اليقين والشكّ ، فلا مانع من ثبوتهما في زمان واحد.

ثمّ إنّ حمل العبارة على المعنى الأخير لم يصحّ الاستناد إليها في الحكم بالطهارة عند طروّ الشكّ في مطابقة اليقين للواقع ؛ لعدم بقاء اليقين ، فلا يقين إذن بالطهارة لئلا يرتفع إلّا باليقين كما قد يتوهّم بناء على أنّ (1) حملها على المعنى الأوّل ؛ نظرا إلى أنّ قضية إطلاقه عدم انتفاض حكم اليقين السابق إلّا بيقين آخر سواء عرض الشك في عروض الناقض أو نقض العارض أو مطابقة اليقين للواقع.

وقضيّة عدم تعيّن (2) حمل العبارة على المعنى المذكور لإمكان حملها على المعنى الآخر ، ومع حملها عليه فالمنساق منها بمقتضى المقام عدم نقضه بالشكّ في الانتقاض كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما لا عبرة بالشكّ بعد اليقين لا عبرة بالظنّ أيضا ؛ لعدم قيام دليل على حجيّته ؛ ولأن الظاهر من مقابلة الشك باليقين أنّ المقصود به المعنى الأعم ، بل الظاهر أنّه معنى الشك في اللغة كما نصّوا عليه ، وقد اختصّ في الاصطلاح ببعض أقسامه ، والأخبار ناطقة بإرادته في المقام كما دلّ عليه المعتبرين المذكورين وغيرهما.

وربّما يظهر من بعض المتأخرين التأمّل في الحكم ، بل الحكم بخلافه ، وكلامه مبنيّ على ظنّ دوران حجيّة الاستصحاب مدار الظن ؛ نظرا إلى عدّة من الأدلّة الظنيّة ، فمع انتفاء الظنّ لا يبقى له حجية ، فعلى ما ذكرناه يرجع الحكم على قضية الأصل ، فيبقى بناؤه في المقامين على

ص: 71


1- لم ترد في ( د ) : « انّ ».
2- لم ترد في ( ب ) : « تعيّن ... المقام عدم ».

لزوم الطهارة عملا بما يقتضيه اليقين بالشغل.

وضعفه بناء على عموم حجيّة الاستصحاب كما هو المحقّق في محلّه واضح.

كيف وقد صرّح في الأخبار بعدم الحكم بانتقاض الوضوء إلّا مع اليقين بطروّ الحدث ، بل وفي بعضها المنع من إحداث الوضوء بدون اليقين كما عرفت.

وفصّل بعضهم فحكم في صورة اليقين بالطهارة والظنّ بالحدث بعدم الانتقاض ، واستشكل في عكسه لصراحة (1) الأخبار في الأوّل لعموم الحكم كما مرّ ، وأمّا الثاني فلا يظهر دليل عليه.

وقوله في صحيحة زرارة « ولكن تنقضه بيقين آخر » كما يمكن أن يستدلّ بمفهومه على عدم اعتبار الظنّ كذلك يمكن أن يستدلّ بها على اعتباره بمفهوم « لا تنقض اليقين بالشكّ » مع أنّ الأصل براءة الذمّة.

قلت : ضعف ما ذكره أوضح من أن يخفى.

ومن الغريب ميله إلى عدم وجوب الوضوء كما يومي إليه استناده إلى أصالة البراءة مع أنّه (2) من الواضح أنّه (3) بعد تسليم عدم قيام الدليل على حجيّة الاستصحاب في المقام ، فلا دليل أيضا على حجيّة الظن المذكور وجواز العمل به ، مع أنّ قضية اليقين بالشغل اليقين بالفراغ ، فالمعيّن (4) على ما ذكره لزوم الطهارة ، فلا ثمرة إذن للتفصيل المذكور.

ص: 72


1- في ( ب ) : « إخراجه » بدل « لصراحة ».
2- في ( د ) : « انّ ».
3- زيادة : « أنّه » من ( د ).
4- في ( د ) : « فالمتعيّن ».

تبصرة: [ في الشك في تأخّر الطهارة أو الحدث ]

لو تيقّن الحدث والطهارة معا وشكّ في المتأخر منهما فلهم فيه أقوال :

أحدها : وجوب الطهارة ، وهو المعروف من مذهب القدماء. وبه نصّ جماعة من المتأخرين. وعزاه في المختلف (1) إلى الأصحاب مؤميا إلى اتّفاقهم عليه.

ثانيها : الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الشك إن علمها (2) وإلّا يطهر. وعزي القول به إلى المحقّقين الحلّي (3) والكركي (4).

ثالثها : الأخذ بمثل السابقة. اختاره الفاضل في جملة من كتبه.

رابعها : التفصيل بين ما علم فيه وقت الحدث وغيره ، فيحكم بطهارته على الأول ؛ أخذا بأصالة تأخر الطهارة ، ويجب عليه الطهارة في الثاني. ويندرج فيه صورة جهالة تاريخهما أو تاريخ الحدث. ذهب إليه بعض المحققين من متأخري المتأخرين.

والأظهر الأوّل ؛ تحصيلا للبراءة اليقينيّة بعد اليقين بالشغل ، وأيضا المفروض تكافؤ احتمالي الطهارة والحدث فيتساقطان ، ويكون الطهارة مجهولة ، ويبقى عموم ما دلّ على وجوب الوضوء عند فعل الصلاة خاليا عن المعارض.

وما يتخيّل للأخذ بضدّ الحالة السابقة من انتقاض تلك الحالة قطعا وعدم العلم برفع الناقض لاحتمال تعاقب الحدثين أو الطهارتين مدفوع بحصول اليقين لوجود المماثل له أيضا مع

ص: 73


1- مختلف الشيعة 1 / 308.
2- في ( د ) : « علمهما ».
3- في المعتبر 1 / 170.
4- في جامع المقاصد 1 / 235.

عدم اليقين بارتفاعه ، فيتعارض الاستصحابان فيتساقطان ، ويبقى أصالة الاشتغال بحاله.

فإن قلت : لو كان الحدث أو الطهارة واقعا عقيب مثله لم يفد حكما جديدا بخلاف الصورة الأخرى ؛ لاستلزامه رفع الحالة السابقة ثمّ ارتفاعه بطروّ الآخر ، ومن الظاهر أنّ كلّا من الأمرين خلاف الأصل ، فقضية الأصل البناء على الأوّل ، فيتعيّن الأخذ بضدّ الحالة السابقة.

قلت : لا وجه لكون أصل العدم مثبتا (1) لشي ء ، وما يتراءى من تفريع الأحكام المثبتة عليه مدفوع بعدم استنادها إليه في تلك المقامات ، بل إنّما يستند الحكم هناك إلى الأدلّة الشرعيّة كما إذا حكمنا بوجوب الوضوء بماء شكّ في ملاقاته للنجاسة ، فإنّه بعد رفع الملاقاة بالأصل يكون الماء غير ملاق للنجاسة ، فيثبت وجوب الوضوء بمقتضى الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء لمثله.

وليس المقام من ذلك القبيل ؛ إذ المفروض تساوي احتمالي وقوع الطهارة والحدث عقيب الطهارة والحدث ، غاية الأمر أن يتفرع على أحدهما ممّا يخالف الأصل أكثر من الآخر ، فلا وجه إذن لترجيح أحدهما بالنظر إلى قلّة فروعه.

ألا ترى أنّه لا يمكن الحكم بترجيح نجاسة إحدى الإنائين المشتبهين لكون الملاقي له أكثر من الآخر نظرا إلى أصالة الطهارة فيها.

وإن (2) قلت : قضية أصالة تأخّر الحادث يعطي تأخير ما يوجب رفع السابقة لأصالة بقائها وتأخّر ارتفاعها ، فيجب الأخذ بضدّه (3).

قلت : قد ظهر الجواب عنه بما مرّ للزوم كون الأصل مثبتا ، وليس شأنه إلّا الحكم ببقاء الحالة السابقة لو علم طروّ ضدّه مثلا.

نعم ، إن تفرّع عليه حكم من الخارج اتّبع ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ الحكم ببقاء الحالة

ص: 74


1- في ( ألف ) : « شيئا ».
2- في ( د ) : « فإن ».
3- في ( ب ) : « يفيده » وفي ( ألف ) : « بعيده ».

السابقة لا يقضي بتأخّر ما يرفعه ، وإنّما يتوقف عليه البقاء.

والحاصل أنّه لا يمكن إثبات تأخير الطهارة بمجرّد ذلك مع مساواتها لوقوع الحدث ، وما ذكر ليس إلّا من قبيل ما قدّمنا من ترجيح وقوع أحد الحادثين لقلّة مخالفة فروعه للأصل.

نعم ، يصحّ إجراء الأصل بالنسبة إلى نفس الحالة السابقة لإثبات ما يتفرع عليها كما لو علم أنّ أوّل الزوال كان متطهّرا ثمّ تيقّن (1) وقت العصر بوقوع حدث وطهارة مع الجهل بتاريخهما حكم على نفسه بالطهارة إلى وقت لا يحتمل تأخّر الحدث عنه ، فيثبت له حكم الطهارة إلى الوقت المذكور ، وذلك لا يقضي بالحكم بتأخّر الحدث ليثبت على نفسه حكم الحدث بعد ذلك ، بل ذاك باق على الاجمال.

وهذا هو الشأن في الأحكام الظاهريّة كما في سائر المقامات.

ويبقى الكلام في المقام فيما إذا تعيّن عنده وقت الحدث ، فإنّ قضية الأصل فيه تأخر الطهارة ، ويتبعه الحكم بطهارته عند الشك.

لكن يضعّفه أن (2) البناء على الأصل المذكور هنا مطروح بين الأصحاب ؛ لاطباقهم ظاهرا على خلافه ؛ إذ لا يظهر قائل من متقدّميهم ومتأخّريهم (3) سوى ما ذهب إليه بعض المتأخرين.

بل الظاهر عدم ابتنائهم به في نظائره كما إذا لاقى يده القذرة آنية من الأواني المرتبة من المرور عليها وشكّ في خصوص الملاقي لها ، فإنّه لا يحكم قطعا بتعين الأخيرة لذلك ، مع أنّه قضية الأصل المذكور واشتبه شي ء في غسله ما إذا تيقّن بنجاسة يده مثلا في زمان معيّن كالزوال وتيقّن بإدخالها في الكرّ في ذلك النهار مطلقا ، فإنّ قضية الأصل المذكور فيه الطهارة ، والحكم بها مشكل جدّا.

ولا يظنّ فتوى الأصحاب به مع أنّه بعينه كالمسألة المفروضة ، بل الأمر فيه أسهل من

ص: 75


1- في ( ب ) : « يتقين ».
2- في ( ألف ) : « عند ».
3- زيادة في ( د ) : « بذلك ».

المقام.

والحاصل فإعراضهم عن الأصل المذكور ممّا (1) يوهن الاعتماد عليه سيّما فيما تيقّن فيه بالشغل اليقيني المقتضي للفراغ.

وقد يقال بأنّ عدم اعتبار الأصل في هذه المقامات من جهة كونه متعلّقا بالأمور العادية (2) أعني إيقاع الطهارة بعد الحدث المفروض أو إيصال المطهّر إلى النجس ونحوهما ، فإنّ مجرّد الأصل قد (3) لا يكفي في إثبات ذلك.

ويؤيّده ملاحظة ما يشبه ذلك من موارد الشكّ ، بل هذا وما يذكر وجها للأخذ بمثل الحالة السابقة من أنّ الطهارة رافعة لحكم الحدث ، والحدث رافع لحكمها ، فإذا تيقّن الأمرين فلا بدّ من وقوع الطهارة بعد الحدث المقطوع لو كان متطهّرا في الحالة السابقة.

ووقوعه بعدها لو كان محدثا موهون بأنّه خروج للعلم بالترتيب في الصورة المفروضة بأدنى التفات للنفس.

والمفروض في المقام بيان الحكم هنا مع فرض استمرار الجهل ، والمراد بالطهارة والحدث نفس الوضوء والأحداث الواقعة سواء كان كلّ منهما (4) رافعا لحكم الآخر أو واردا على مثله. وهو ظاهر.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين اتّحاد كلّ من الطهارة والحدث أو تعدّدهما أو اختلافهما ولا بين العلم بكون كلّ من الطهارة والحدث أو أحدهما رافعا لحكم الآخر بالفعل أو لا إلّا أن يؤول ذلك إلى ارتفاع الشكّ ؛ لخروجه عن المتنازع كما عرفت.

ولو علم في الصورة المفروضة بخروج الحدث الناقض مع الشكّ في تعدده جرى عليه حكم الطهارة أيضا ؛ لرجوعه إلى الشك في الحدث بعد اليقين بالطهارة كما يحكم في عكسه

ص: 76


1- في ( ألف ) « ما ».
2- في ( ب ) : « النادبة ».
3- زيادة : « قد » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « منها ».

بحدثه لرجوعه إلى الشكّ في الطهارة بعد اليقين بالحدث.

ص: 77

تبصرة: [ في الشك في كون الناقض أصغر أو اكبر ]

لو تيقّن بانتقاض طهارته وشكّ في كون الناقض أصغر أو أكبر ففيه وجهان.

أحدهما : الاكتفاء بالطهارة الصغرى ؛ إذ هي القدر المتيقّن بالانتقاض ، والطهارة الكبرى مستصحبة ، ومع الحكم ببقائها شرعا يتعيّن عليه ما قلناه.

ثانيهما : لزوم الإتيان بالطهارتين معا ؛ إذ هو من موارد الاحتياط الواجب ؛ للعلم بورود تكليف من الشرع ودورانه بين معنيين ، فيجب الاتيان بهما لتحصيل اليقين بالفراغ.

أو يقال : قد حصل العلم بطروّ حالة مانعة من الدخول في الصلاة فيستصحب إلى أن يعلم الرافع ولا يحصل إلّا بالجمع.

وفيه : أنّه إنّما يتمّ إذا لم يقم دليل من الشرع على انتفاء أحد الأمرين ، وليس كذلك لدلالة الاستصحاب على بقاء الطهارة الكبرى وعدم انتقاضها ، فيتعيّن بعض الصغرى ، وهو إنّما يرتفع بالصغرى بعد الحكم شرعا بخلوّه من الأكثر.

ألا ترى أنّه لو شكّ في خروج الأكبر وتيقّن بوقوع الأصغر اكتفى بما يرفع لحكمه شرعا من جهة الاستصحاب لخلوّه عن الأكثر. ومنه يظهر ضعف الوجه الأوّل أيضا ؛ لتعيّن التكليف بمقتضى الأدلّة الشرعيّة ، ولا اشتباه.

واعلم أنّ ما ذكرناه من الوجهين إنّما هو فيما إذا تيقّن أوّلا بخصوص الخارج ثمّ نسي بعد ذلك وشكّ في التعيين ، وأمّا إذا شكّ في الخارج أنّه بول أو مني فإن كان قبل البول حكم عليه بوجوب الغسل كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه ، وإن كان بعده اكتفى بالوضوء من غير حاجة إلى الغسل بلا خلاف فيه ، والروايات ناصّة به.

ومنه يظهر قوّة ما قلناه وضعف الوجه الآخر كما لا يخفى.

ص: 78

تبصرة: [ في الخلل ]

لو توضّأ وضوءين ثمّ ذكر حدوث خلل في أحدهما فلا تأمّل عندنا في كونه متطهّرا (1) ؛ لصحة إحدى طهارتيه قطعا. ولو صلّى بينهما فالأظهر صحّتهما لحصول الشكّ فيها بعد الفراغ ، فلا يعتدّ به.

وعن الشيخ في المبسوط (2) القول بفساده ؛ لعدم اليقين بوقوعها بطهارة صحيحة لاحتمال أن يكون الأولى هي الفاسدة.

وهو قضيّة فتوى الحلي والفاضل.

وأمّا على القول باعتبار قصد الرفع أو الاستباحة في الوضوء الرافع فيجي ء احتمال وجوب إعادة الطهارة إذا لم ينو أحد الأمرين في باقي الوضوءين كما إذا قصد التجديد ؛ لاحتمال كون الخلل في السابقة فيفسد الأخيرة أيضا.

وبه أفتى الحلي والفاضل ، وحكما بوجوب إعادة الصلاتين لو صلّى بعد الثانية أيضا.

والأظهر على القول المذكور أيضا عدم وجوب إعادة شي ء من الصلاتين إذا كان الشك بعدهما ؛ لعدم العبرة إذن بالشك.

وفي الحكم بوجوب إعادة الطهارة أيضا وجهان ممّا دلّ على عدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ من الوضوء ، ومن أنّ المتيقّن منه ما إذا حصل الشك المجرد لا (3) مع اليقين بحصول الخلل والشكّ في تعيين المحلّ.

ص: 79


1- في ( ألف ) : « مظهرا ».
2- المبسوط 1 / 25.
3- في ( ألف ) : « ولا ».

والمحكيّ عن السيد جمال الدين والفاضل والشهيد البناء على الأوّل ، وظاهر بعض المتأخرين البناء على الأخير مع الحكم بعدم وجوب إعادة شي ء من الصلاتين أيضا ؛ لما عرفت.

ولو تيقّن بإخلاله بأمرين وشكّ في اجتماعهما في أحد الوضوءين أو تفريقهما في الفعلين وجهان (1) أجودهما البناء على الأوّل ؛ لرجوعه إلى الشكّ بعد العمل ؛ إذ ليس المقطوع بفساده سوى أحد الفعلين.

ولو ذكر حدوث حدث بين الطهارتين فعلى المختار لا إشكال في طهارته ، وعلى القول الآخر لا تأمّل في كونه محدثا مع عدم قصده أحد الأمرين ، فلو صلّى بين الطهارتين وشكّ في كونه بعد الحدث وقبله بنى على الصحّة قطعا.

ولو تيقّن إذن بحصول خلل في إحدى الطهارتين فالّذي قطع به (2) الأفاضل وجوب التطهير لرجوع الحال إلى اليقين بالحدث والشكّ في الطهارة ؛ نظرا إلى شكّه في صحّة الطهارة الأخيرة.

ويحتمل - بناء على ما قدّمناه من احتمال شمول الشكّ بعد الفراغ لمثل ذلك كما اختاره أولئك الأفاضل - عدم وجوبها أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه.

ولو صلّى بعد الأخيرة قبل اليقين بحصول الخلل فلا تأمّل في صحّتها.

ولو صلّى بين الطهارتين فإن علم كونه بعد الحدث فظاهر ، وإلّا بنى على الصحّة.

ولو صلّى بعد كلّ من الطهارتين فرضا مع القطع بحصول الخلل في أحدهما وجب عليه إعادة أحد الفرضين ، وكذا لو تيقّن بحصول الحدث بعد أحدهما مع العلم بوقوع الصلاة بعده ، وإلّا بنى على أصالة الصحّة.

ص: 80


1- في ( ألف ) : « وجهين ».
2- زيادة في ( د ) : « بعض ».

الباب الثالث: في الغسل

اشارة

وهو غسل متعلّق بجميع البشرة أو ما نزل منزلته مشروط بالقربة ، وهو واجب ومندوب ، ويندرج في المندوب أقسام كثيرة يأتي الكلام فيها.

والواجب منه ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومسّ الأموات ، وغسلهم.

ووجوب ما عدا الخامس ممّا قام عليه إجماع الفرقة بل الضرورة ، والظاهر أنّه ممّا اتّفقت عليه الأمّة.

وأمّا الخامس فالقول بوجوبه هو المعروف من المذهب.

وعن السيد القول باستحبابه ، وهو مذهب العامة ، بل ذهب إليه جماعة من المتأخرين.

والأول هو الصحيح للأخبار المستفيضة القريبة من التواتر الآمرة بالغسل لأجله ، ولا معارض لها في الأخبار سوى بعض الإشعارات ، وهي بعد الكلام عن (1) سندها ساقطة الدلالة ، فكيف يعامل بتلك الأخبار المصرّحة المعتضدة بعمل الطائفة ومخالفة العامّة.

ومن الغريب تشكيك بعض المتأخرين في الحكم المذكور مع غاية وضوحه بما لا ينبغي الإصغاء إليه ، والكلام في تفاصيل الأغسال المذكورة يورد في فصول :

ص: 81


1- في ( د ) : « على ».

الفصل الأوّل: في غسل الجنابة

اشارة

والكلام في سببه وغايته وكيفيّته وشرائطه ولواحقه ، فهاهنا مباحث :

البحث الأوّل: في بيان ما يتحقّق به الجنابة

اشارة

وهو أمران : الإنزال ، وإدخال الحشفة.

تبصرة: [ في تحقق الجنابة بالإنزال ]
اشارة

يتحقّق الجنابة في الرجل بخروج المني على جميع الأحوال من النوم واليقظة مع العمد (1) في إخراجه بالملاعبة ونحوها أو غيره بلا خلاف فيه بين الطائفة.

ويدلّ عليه الروايات المستفيضة.

وكذا الحال في المرأة على المعروف من المذهب.

و (2) في الحدائق (3) أنّه لم ينقل فيه خلاف سوى ما يظهر من كلام الصدوق في المقنع (4) حيث

ص: 82


1- في ( د ) : « التعمد ».
2- زيادة الواو من ( د ).
3- الحدائق الناضرة 3 / 14.
4- المقنع : 42 ، وفي ( ب ) : « العلل » بدلا منه.

يظهر منه (1) القول بعدم وجوب الغسل عليها بالاحتلام.

وقد حكى الإجماع على المسألة جماعة من الأجلّة.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك الصحاح المستفيضة وغيرها كصحيح الحلبي عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال : « إذا نزل فعليها الغسل » (2).

وفي الخبر : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان أو يقظة فإنّ عليها الغسل » (3).

وهناك عدّة روايات مشتملة على الصحاح صراح في عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال قد اشتمل بعضها على عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال في اليقظة وبعضها على عدمه بالاحتلام إلّا أنّها مطرحة بين الأصحاب ، وتلك معتضدة بالعمل والاحتياط والإجماعات المحكيّة ، مضافا إلى ظهور اشتراكها للرجل في الأحكام.

وفي بعض الأخبار الحكم بوجوب الغسل عليهنّ بذلك مع النهي عن إعلامهنّ بالحكم ، فقد يستفاد منه وجه جمع بين الأخبار المذكورة بأن يكون المقصود من هذه عدم الوجوب عليهن ؛ نظرا إلى جهلهنّ بالمسألة وعدم وجوب إعلامهنّ به ولو متعلّق عنه بناء على سقوط التكليف به من جهة المفسدة المترتبة عليه كما قد يسقط وجوب الإعلام في غيرها من جهة ترتّب الفساد.

والمراد بتلك الأخبار بيان ما هو الواقع من وجوب ذلك عليهنّ بأصل الشرع ، فيجب عليهنّ القيام به لو علمن به بالحال.

[ تنبيهات ]

هذا ، وفي المقام أمور ينبغي الإشارة إليها :

ص: 83


1- في ( ألف ) : « من ».
2- الكافي 3 / 48 ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح 5 وفيه : إذا أنزلت.
3- الإستبصار 1 / 106 ، باب أن المرأة إذا أنزلت وجب عليها الغسل ، ح (347) 5.

أحدها : المدار في الجنابة على خروج المني فلا جنابة قبل خروجها عن المحل وإن نزل من الصلب كما إذا أمسك على حشفته بعد الإنزال وقبل الخروج ؛ إذ المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب إناطة الحكم به ، فعلى هذا يجب عليه الإمساك مع أمنه من الضرر إذا حرم الحدث عليه كما إذا كان في الصلاة أو في القيام أو في المسجدين فلا حرمة إذن في تحريك الشهوة وإنزال الماء من الصلب لعدم حصول الجنابة المحرّمة بمجرده إذا قصد الإمساك.

وفيه تأمّل.

وهل يعتبر الخروج من الموضع المعتاد أو يعمّ غيره أيضا؟ قولان ذهب إلى الأوّل منهما الشهيد في الذكرى.

وفي البيان (1) أنّه كالحدث الأصغر في اعتبار العادة وعدمها ، وهو بمعناه.

وإلى الثاني العلّامة في جملة من كتبه. والوجه فيها إطلاق الروايات وانصراف الإطلاق إلى المتعارف. وقد مرّ نظيره في خروج الحدث الأصغر. والمسألتان من باب واحد ، فالأظهر هنا ما مرّ هناك ، فتأمّل.

ثانيها : لو تيقّن كون الخارج منيّا حكم بالجنابة سواء اعتبر أوصافه أو لا ، وحدث (2) فيه الأوصاف أو لا. وما ورد في عدّة أخبار من اعتبار الشهوة أو غيرها فإنّما هي وارد مورد الغالب أو روعي فيها التقيّة حيث إنّ الاعتبار ببعض الأوصاف من مذهب العامّة.

ثالثها : إنّما يحكم بالجنابة مع العلم بكون الخارج منيّا ، فلو ظنّه أو شكّ فيه لم يحكم به.

وعن ظاهر جماعة من الأصحاب الرجوع فيه مع الاشتباه إلى الصفات ، وهي الشهوة والدفع وفتور الجسد في الصحيح ، والأول والأخير خاصّة في المريض.

ويدلّ على الأوّل الصحيح : « إذا جاءت الشهوة والدفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ».

وعلى الثاني في جملة من الأخبار الدالّة على عدم اعتبار الدفع (3) فيقيّد بها إطلاق الأوّل.

ص: 84


1- البيان : 14.
2- في ( د ) : « لا وجدت ».
3- زياده في ( د ) : « في المريض ».

وقد يستشكل فيه مع بقاء الشكّ معها بما دلّ عليه المستفيضة بعدم (1) انتقاض اليقين بالشكّ ، واحتمال ورود الصحيحة المذكورة مورد الغالب من حصول العلم أو التقيّة من جهة محض خروج المني في السؤال أو وقوع التفصيل المذكور في الجواب مع أن إطلاق حصول الانتقاض إذن من المعلوم بالإجماع ، فهو إنّما ملائم ما ذهب إليه بعض المخالفين من اعتبار الوصف منه.

وقد يقال بإفادتها اعتبار العلم وعدم الاعتناء بالشكّ والظن ، لوضوح حصول القطع الخالي عن شوائب الشك مع وجود الأوصاف الثلاثة ، فالقول بإناطة الحكم بالعلم في الصحيح هو الأصحّ.

وأمّا في المريض فالأظهر الاكتفاء فيه بالخروج عن الشهوة كما صرّح به جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والشهيد.

ويدلّ عليه غير واحد من الصحاح ففي صحيحة زرارة : « إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربّما كان هو الدافق لكنّه يجي ء مجيئا ضعيفا ليس له قوّة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل به » (2).

فيقيّد به ما دلّ على عدم نقض اليقين بغيره ، مضافا إلى اعتضاد هذه بالعمل حتّى ذكر بعض المحققين أنّ الظاهر من الأصحاب الاتفاق على العمل بما دلّت عليه هذه الأخبار وعدم الرادّ فيها.

وفي الدروس (3) : إنّه يعتبر المني مع الاشتباه برائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافّا ، ويقارنه الشهوة وفتور الجسد والدفق غالبا إلّا في المريض ، فيكفي الشهوة.

وذكر في البيان (4) في أوصافه بعد الثلاثة الغلظ في مني الرجل أكثريا والرقة في مني الرجل

ص: 85


1- في ( د ) : « من عدم » بدل « بعدم ».
2- الكافي 3 / 48 ، باب احتلام الرجل والمرأة ح 3.
3- الدروس 1 / 95.
4- البيان : 13.

ورائحة الطلع ، وما ذكر من الاعتبار لم نجده في شي ء من النصوص وكأنّه أراد بذلك بيان استكشاف الحال ليحصل اليقين بالحال.

هذا في الرجل ، وأمّا المرأة فيعتبر فيها بمجرّد الشهوة كما يدلّ عليه عدّة من الأخبار. وهل تحكم بها بمجرّدها وإن خلت عن اليقين؟ وجهان أحوطهما ذلك.

رابعها : اعتبار اليقين بالجنابة أو الرجوع إلى الصفات عند الشك إنّما هو في الإنزال المبتدأ ، وأمّا إذا أنزل واغتسل وخرج منه البلل حكم عليه بالجنابة وإن شكّ في كونه منيّا.

وهو خروج عن قاعدة البقاء على اليقين بالدليل أو حكم من الشرع بمنويّة الخارج ، فلا تخصيص في القاعدة المذكورة كما مرّ نظيره.

وتفصيل القول في ذلك أنّه إمّا أن يكون قد بال بعد الإنزال و (1) استبرأ بالاجتهاد أو لم يفعل شيئا منهما أو اقتصر على أحدهما ، وعلى الأخير فإمّا أن يكون قادرا على البول أو لا ، فهاهنا مسائل :

الأولى : أن يكون قد بال بعد إنزاله واستبرأ بالاجتهاد.

ولا خلاف إذن في عدم انتقاض طهره ، فليس عليه غسل ولا وضوء. ويدلّ عليه بعد الأصل والإجماع الأخبار المستفيضة الواردة في المسألة ، وفيما مرّ في الوضوء.

ثانيها : أن ينتفي الأمران. والمعروف من المذهب فيه وجوب الغسل. وعن المبسوط (2) والصدوق الاكتفاء فيه بالوضوء.

وعن جماعة من المتأخرين عدم انتقاض الغسل به ، وإنّما يستحب له الإعادة. ويظهر من الشيخ التفصيل بين نسيان البول وتعمّد تركه ، فأوجب الغسل في الأخير خاصّة.

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المحكي عليه في السرائر (3) وغيره المعتبرة المستفيضة المشتملة

ص: 86


1- في ( ألف ) : « أو ».
2- المبسوط 1 / 29.
3- السرائر 1 / 118.

على الصحاح الصراح كصحيحة الأقطع عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء؟ قال : « يعيد الغسل » (1).

وصحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (2).

وموثقة سماعة عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل ، قال : « يعيد الغسل » (3).

إلى غير ذلك ، وهناك أخبار مستفيضة تدلّ على عدم انتقاض الغسل بذلك إلّا أنّها لا يقاوم الأخبار المذكورة لعدم سلامة إسنادها ، فالاستناد إليها مع قطع النظر عن المعارض لا يخلو عن الإشكال ، فكيف مع معارضتها بتلك الصحاح المعتضدة بالاحتياط وعمل الاصحاب.

وفي حسنة جميل : عن الرجل يصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال : « لا قد تعصرت ونزل من الحبائل » (4).

ورواية أحمد بن هلال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد » (5).

وهاتان الروايتان حجة التفصيل ، مضافا إلى كونه وجه جمع بين الأخبار.

وفيه بعد ضعف الإسناد للتأمل على أنّ السندي الواقع في إسناد الأوّل ، وإن كان الأظهر الاعتماد عليه ، وضعف أحمد بن هلال الواقع في إسناد الأخير مع عدم خلوه عن الاضطراب ؛ لوقوع السؤال فيه بالقول ظاهرا والجواب بالكتابة وإعراض جمهور الأصحاب عن العمل

ص: 87


1- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 1.
2- وسائل الشيعة 1 / 283 ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح 5 مع اختلاف.
3- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 4.
4- وسائل الشيعة 2 / 252 ، باب حكم البلل المشتبه بعد الغسل ، ح 11.
5- تهذيب الأحكام 1 / 145 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 101.

بهما ، مع كون الحكم المذكور من الأحكام الوضعيّة الّتي قد تختلف الحال فيها بالنسبة إلى الناسي وغيره.

الثالثة : أن يكون ذلك بعد البول قبل الاستبراء. ولا يجب عليه إذن إعادة الغسل أيضا بلا خلاف يظهر كما مرّ. ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة لكن يجب عليه الوضوء لما مرّ في بابه.

الرابعة : أن يكون بعد الاستبراء بالاجتهاد من دون البول مع إمكانه. والمعروف فيه أيضا وجوب الغسل ؛ لإطلاق الأخبار المذكورة.

وربّما يظهر من إطلاق المحقق عدم الوجوب.

وهو ضعيف ؛ إذ لا شاهد على تقييد الأخبار ، ومجرد الاعتبار لا يصلح حجّة في الشرع.

الخامسة : أن يكون ذلك مع عدم إمكان البول. وفيه قولان ، فذهب الشيخ (1) وجماعة إلى عدم وجوب الغسل ، وعزي إلى الأكثر وظاهر جماعة من المتأخرين القول بوجوب الاعادة.

وكأنّه الأظهر ؛ لخلوّ أخبار الاستبراء عن ذلك ، بل لم نجد في شي ء من الأخبار ذكر الاجتهاد في الاستبراء عن المني ، وإنّما ورد ذلك في البول ، وقياس المني عليه ممّا لا وجه له.

فربّما يتأمّل في مشروعيّة فعله بقصد الوظيفة فضلا عن ترتّب حكم الاستبراء عليه.

ولو سلّم ذلك فانّما يسلّم في المقام الأوّل للتسامح في أدلّة السنن ، وأمّا الثاني فلا وجه للقول به مع دلالة الإطلاقات السابقة على لزوم الغسل.

نعم ، لو قيل بأنّ المناط في الاستبراء على حصول الظن بعدم تخلف شي ء من المني في مجراه ، وهو كما يحصل (2) بالبول يحصل بالاجتهاد اتّجه ما قالوه إلّا أنّه لا وجه إذن للترتيب المذكور ، فلا بدّ من القول بترتّب الحكم عليه مع إمكان البول أيضا. ولا يتوقّف حصوله على الاجتهاد المعروف ، بل يحصل بكثرة المني وطول المدة.

ص: 88


1- في ( ب ) : « الشيخان ».
2- في ( ب ) : « ترى ».

والقول به كذلك مع أنّه مخالف لظاهر المذهب لا يوافق ظاهر أخبار الباب ، وإن وافق قاعدة عدم انتقاض اليقين بالشكّ.

واحتجّوا على عدم وجوب الغسل بخروج البلل مع عدم البول ؛ حملا لها على تلك الصورة جمعا بين الأخبار.

ويضعّفه أنّ حمل تلك الإطلاقات على الفرد النادر لو كان هناك خبر مقيّد في غاية البعد ، فكيف مع عدمه. ومجرد كونه وجه جمع بين الأخبار لا يوجب الحمل عليه سيّما بعد ما عرفت.

وهل يثبت الحكم المذكور بالنسبة إلى المرأة أيضا ، قولان : فظاهر ما ذكره جماعة من الأصحاب من عدم استحباب الاستبراء في شأنها انتفاء الحكم بالنسبة اليها ، ونصّ بعض المتأخرين على استحباب الاستبراء لها ، وعلى جريان الحكم المذكور بالنسبة إليها (1) هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث سوّى بين الرجل والمرأة في الاستبراء.

والأظهر الأوّل لاختصاص ما دلّ على استحباب الاستبراء ، والحكم بانتقاض الغسل بالخارج قبله بالرجل وقد فرض الحكم بالانتقاض فيه فيما رأيناه من الأخبار المتعلّقة به.

وعدم ذكر الرجل بخصوصه في الجواب لا يقضي بالإطلاق بعد فرضه في الرجل في السؤال ورجوع الضمير عليه في الجواب.

قيل (2) : وفي بعض الأخبار وقع السؤال والجواب عامّا.

قلت : لم أجد ذلك في شي ء من الأخبار ، بل الموجود فيها مشتمل على خصوص السؤال عن خصوص الرجل مع رجوع الضمير في إليه ، فلا يمكن أن يعم الجواب.

نعم ، في صحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (3) الخبر.

ص: 89


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- زيادة : « قيل » من ( د ).
3- وسائل الشيعة 1 / 283 ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح 5.

ولا يبعد استظهار حملها على الرجل سيّما بمعونة سائر الأخبار بل خيرة (1) الآخر المرويّ قبله.

ويؤيّده التعليل الوارد في آخر الرواية حيث علّل عدم نقض الغسل بعد البول بأن البول لم يدع شيئا ؛ إذ من الظاهر أنّه لا دخل للبول بالنسبة إليها في إخراج المتخلّف من منيّها لاختلاف مخرجها.

وذلك أيضا إشارة تامّة إلى اختصاص الحكم بالرجل ، فلو سرينا الاستبراء إليها تعيّن الاجتهاد. واحتمال أن يكون لخروج البول من مخرجه تأثيرا في تنظف الآخر كما قيل بعيد جدّا. وحينئذ فقاعدة عدم انتقاض اليقين بالشك محكمة في شأنها ، فلا يحكم عليها بالنقض إلّا مع العلم بكون الخارج منيّا ، وأنّه من منيّها. فلو تيقنت بخروج المني وكان في فرجها من مني الرجل بنت على أصالة الطهارة.

ويدلّ عليه موثقة الأقطع : عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء؟ قال : « يعيد الغسل » ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل؟ قال : « لا تعيد » ، قلت : فما الفرق (2) بينهما؟! قال : « لأنّ ما يخرج (3) من المرأة من مني الرجل » (4).

ونحوها صحيحة منصور ، وفيهما أيضا إشارة إلى ما قلناه.

هذا ، واعلم أنّ الحكم بنقض البلل المشتبه مع اشتباه ذاته ظاهر ، وأمّا مع العلم بعدم صدق المني عليه واحتمل استهلاك جزء من منيّه فيه كما إذا بال واحتمل حصول جزء من المني مستهلك فيه ، ففيه وجهان من حصول الاشتباه ، ومن خروجه عن ظاهر الأخبار ؛ لعدم صدق البلل المشتبه عليه في العرف وإن كان الثاني أظهر ؛ أخذا بأصالة بقاء الطهارة ، والأحوط الاعادة.

ص: 90


1- في ( ألف ) : « حتّى ».
2- زيادة في ( د ) : « ما ».
3- في ( ب ) زيادة : « إنّما هو ماء ».
4- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 1.

خامسها : لو احتلم فلمّا انتبه لم يجد في ثوبه وبدنه شيئا أو وجد وشك في كونه منيّا لم يحكم بالجنابة ، للأصل والأخبار.

ولو وجد في بدنه وثوبه المختصّ به منيّا رطبا أو يابسا حكم بجنابته مع العلم بخروجه منه بلا خلاف فيه.

وفي موثقة سماعة : عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم ، فيجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : « نعم » (1).

ونحوها موثقته الأخرى.

ولو لم يعلم بخروجه منه لم يحكم بجنابته ؛ للأصل وظاهر حسنة أبي بصير : عن الرجل يصيب بثوبه منيّا ولم يعلم أنّه احتلم؟ قال : « يغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ » (2).

وفي أمره بالوضوء إشارة إلى الاكتفاء فيه برفع الأصغر ، ولا فرق في الحكم بين ما إذا قضى أصالة التاخّر بوقوعه منه كما إذا لم يحتمل مع تأخّر وقوعه من غيره أو لا ، وكذا لا فرق في صورة العلم بين ما إذا تيقّن بخروجه بعد غسله أو احتمل وقوعه قبله لرجوعه في الأخير إلى اليقين بالطهارة والحدث والشك في التاريخ.

ثمّ إنّه مع الحكم بجنابته إنّما يجب عليه اعادة ما أتى به من الصلاة بعد النوم الأخير ؛ لعدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ ، مضافا إلى أصالة التأخر.

وعن الشيخ في المبسوط (3) القول بوجوب قضاء كلّ ما أتى به من الصلوات بعد الغسل الأخير الواقع (4). وكأنّه نظر إلى مراعاة الاحتياط.

وهو كما ترى ؛ لعدم دليل على وجوب الاحتياط في مثله سيّما بعد قيام الدليل على عدم العبرة بالشك بعد الفعل أو خروج الوقت ، ولانتفاء الاحتياط في الصلاة المتوسط بين الغسل

ص: 91


1- الكافي 3 / 49 ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح 7.
2- الإستبصار 1 / 111 ، باب الرجل يرى في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام ، ح 3369.
3- المبسوط 1 / 28.
4- في ( د ) : « الرافع ».

الأخير والنوم الأوّل.

وكأنّه لا يقول به أيضا ، وإن قضى به إطلاق عبارته ، ولعدم حصول الاحتياط به إذا احتمل تقدّمه على الغسل الأخير ؛ لعدم الاتيان إذن بجميع المحتملات ، وإنّما يتأتى ذلك باعادة كلّ صلاة يحتمل تعقيبه للجنابة المذكورة.

سادسها : لو وجد المني في ثوبه المشترك بينه وبين غيره لم يحكم كل منهما بانتقاض طهارته سواء كانا مجتمعين فيه كالفراش أو اللحاف أو كلّ (1) منهما على سبيل التناوب.

والحكم في الصورة الأولى ممّا لا خلاف فيه ظاهرا ؛ أخذا في كل منهما بأصالة الطهارة.

ومجرد انتقاض إحدى الطهارتين لا يوجب الاحتياط عليهما ؛ لعدم اليقين بحصول التكليف بالنسبة إلى شي ء منهما ليجب الخروج عنه كما في مسألة الإنائين.

والقول بأنّ كلا من الاستصحابين حجّة شرعيّة فبعد القطع بحصول النقض لأحدهما يكون بمنزلة التخصيص بالمجمل (2) مدفوع بقيام كل منهما حجة بالنسبة إلى موضوعه ، فلا تعارض.

ويدلّ عليه أيضا إطلاق حسنة أبي بصير المتقدمة ، وفي الصورة الثانية هو المعروف ، وقد حكم فيه بعضهم بوجوب الغسل على صاحب النوبة.

واختاره المحقق الكركي والشهيد الثاني ؛ أخذا بأصالة تأخر الحادث.

ويدفعه ما عرفت من كون المسألة (3) في مثله مثبتا (4) لما لا يتفرع عليه ، فلا يكون حجّة فيه ؛ إذ ليس من مقتضيات تأخّر وقوعه في نفسه وقوعه من الآخر ، وإن استلزمه بملاحظة الخارج. كيف ولو صحّ التمسّك بالأصل في مثله لزمه الحكم بنجاسة بدنه إذا رأى في ثوبه دما ، واحتمل خروجه منه ومن غيره إلّا أنّه لا يحتمل وقوعه من غيره إلّا مع سبقه لقطعه بعدم

ص: 92


1- في ( د ) : « كان ».
2- في ( ألف ) : « بالجهل ».
3- في ( د ) : « الأصل ».
4- في ( ألف ) : « مبتنيا ».

ملاقاته لغيره في ذلك الوقت وما يقاربه مثلا.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول به ، فكذا فيما نحن فيه ؛ إذ هما من قبيل واحد.

مضافا إلى شمول الحسنة المتقدمة له أيضا.

ثمّ إنّه إنّما يحكم بسقوط أحكام الجنب عن كلّ منهما بانفراده بالنسبة إلى نفسه ، وأما بالنسبة إلى غيره وما إذا تعلّق الحكم بالمجموع فهناك تأمّل في جريان الحكم المذكور.

فمن الأوّل ما لو أراد أحد استيجار أحدهما للصلاة عن الميّت أو أراد القدوة به فإنّ فيه وجهين من الحكم شرعا بطهارته ، ويتبعه الحكم بصحّة صلاته ، ومن القطع بفساد صلاة المحدث منهما وعدم جواز استيجاره ، ولا القدوة به.

فمع دورانه بين المحصور يجب التجنب عنهما ؛ لوجوب التحرّز عن المشتبه المحصور كما مرّ (1).

هذا هو الأظهر ، ويحتمل القول بجواز الجمع بينهما أيضا بناء على دعوى إسقاط الشرع لحكم الجنابة المذكورة ، وهو في حيّز المنع.

ومن الثاني جواز قوة (2) أحدهما بالآخر أو استيجار أحدهما للآخر (3) لتعيّن ما عليه من الصلاة المستأجر عليها اذا أتى ببعضه الآخر. والأظهر فيه المنع لفساد صلاته على كلّ من التقديرين في الأوّل وعدم فراغ ذمّته من تمام الحق قطعا في (4) الأخير.

وقيل فيه أيضا بالصحّة للحكم شرعا بطهارة كلّ منهما وسقوط حكم الجنابة المفروضة.

ولا يخفى وهنه بعد عدم نهوض دليل عليه كذلك ، غاية ما يقتضيه الدليل سقوطه بالنسبة إلى كلّ منهما (5).

ص: 93


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- في ( د ) : « قدوة ».
3- في ( د ) : « الآخر ».
4- لم ترد في ( ب ) : « في الأخير وقيل فيه أيضا ».
5- زيادة في ( د ) : « فتأمّل ».
تبصرة [ في تحقق الجنابة بإدخال الحشفة ]

الثاني من موجبي الجنابة الإدخال ، وحصولها بالإدخال في فرج المرأة ممّا أجمعت عليه الفرقة بل هو ممّا أطبقت عليه الأمّة سوى شذوذ منهم.

وقد رجع جماعة من المنكرين إلى القول به كما حكي عنهم.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المعلوم والمنقول ظاهر الكتاب والنصوص المستفيضة ، ويعتبر فيه إدخال الحشفة على ما هو المصرّح به في كلام الأصحاب ، وعبّر عنه في كثير من الأخبار بالتقاء الختانين.

وفي القاموس (1) : إنّ الحشفة ما فوق الختان.

وفي الصحيح : متى يجب الغسل؟ فقال : « إن التقى الختانان فقد وجب الغسل ». فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (2).

ولا ينافي ذلك ما في القاموس من تفسير الحشفة بما فوق الختان ، بل ينطبق عليه ؛ إذ حصول الالتقاء بغيبوبة الحشفة إنّما يكون بكون (3) الحشفة ما فوق الختان.

ثمّ إنّ المعروف من المذهب وجوب الغسل بإدخال دبر المرأة ، وقال السيد (4) : لا أعلم خلافا بين المسلمين في أنّ الوطي في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى الوطي في القبل ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإماميّة إلّا ذلك ، ولا سمعت ممّن عاصرني

ص: 94


1- القاموس المحيط 3 / 128 ( حشف ).
2- الكافي 3 / 46 باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح 2.
3- زيادة : « بكون » من ( د ).
4- نقل عنه مختلف الشيعة 1 / 328.

منهم من شيوخهم نحوا من ستّين سنة إلا يفتي بذلك. فهذا إجماع من الكلّ.

وفي موضع من المبسوط (1) : انّه الظاهر من المذهب.

وذهب الشيخ (2) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصول الجنابة به. وحكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب.

وقد يستظهر ذلك من الكليني رحمه اللّه حيث روى في الكافي (3) مرفوعة البرقي والصدوق حيث روى في الفقيه صحيحة الحلبي الآتية.

وفيه : أنّه لا دلالة في الصحيحة (4) على الحكم كما ستعرف ، فإسناد القول إليه ممّا لا وجه له. والأقوى هو الأوّل. ويدلّ عليه بعد الإجماع والشهرة العظيمة الاحتياط لوجوه :

منها : إطلاق ما دلّ من المستفيضة على وجوب الغسل بالإدخال كالصحيح : متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخل (5) فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (6).

ونحوه صحيحة أخرى ، وفي أخرى : « ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن » (7).

ويؤيّده ذكر المهر والرجم معه ؛ إذ الظاهر عدم تأمّل منهم في ثبوتها بالإدخال في الدبر.

ومنها : ما دلّ على عدم انفكاك وجوب الغسل عن وجوب المهر والرجم كقول عليّ عليه السلام في الصحيح حين وقع النزاع بين المهاجرين والأنصار في كون الإدخال سببا للغسل : « أتوجبون عليه الرجم والحدّ ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! » (8).

ص: 95


1- المبسوط 1 / 27.
2- الخلاف 1 / 116.
3- الكافي 3 / 47 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ح 8.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 85 ، باب صفة غسل الجنابة ح 186.
5- في ( د ) : « أدخله ».
6- الكافي 3 / 46 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح 1.
7- الإستبصار 1 / 112 ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (372) 3.
8- وسائل الشيعة 2 / 184 ، باب وجوب الغسل على الرجل والمرأة بالجماع في الفرج حتى تغيب الحشفة ، ح 5.

وفي صحيحة أخرى : « كيف لا توجب (1) الغسل والحد يجب عليه؟! » (2).

فإن ظاهرها أنّ وجوب الغسل والحدّ والرجم من قبيل واحد ، و (3) إنّ ثبوت الأوّل أولى من الأخيرين ، فإذا ثبتا لزم القول (4) بثبوته بالأولى ، و (5) الإدخال من الدبر يوجب الجلد أو الرجم عندهم ، فيلزمه وجوب الغسل.

والقول بأنّ ذلك قياس لا يجوز الاحتجاج به في ثبوت الأحكام مدفوع بأنّ كلام الإمام عليه السلام هو الحجّة في ذلك ، وإن كان ذلك تقريبا إلى إفهامهم ، ولم يجز الاحتجاج به بمجرّده ، فإنّ المستند عندنا هو حكم الإمام عليه السلام به ، مضافا إلى أنّه لا مانع من الاحتجاج به بعد قيام الأولويّة أو العلم بالمناط. وكأنّه كان المناط في ذلك منقّحا عندهم ، وعدم تنقّحه عندنا لا يستلزم عدمه عندهم.

ومنها : الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة عمّن أخبره قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال : « هو أحد المائين فيه الغسل » (6).

وضعف الرواية منجبر بالعمل مع صحّتها إلى ابن أبي عمير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ولا مجال للمناقشة في دلالتها ؛ لصراحتها في المطلوب.

ويؤيّد ذلك أيضا ظاهر الآية الشريفة الدالّة على وجوب الغسل بالملامسة الصادقة به ، وخروج الملامسة بغير الإدخال من أجل الإجماع.

وظاهر الفتوى لا يقضي بخروجه ؛ لصدقه عليه أيضا ، وتفسيرها في الصحيحة بالمواقعة

ص: 96


1- في ( د ) : « نوجب ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 84 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 185.
3- في ( د ) : « أو ».
4- في ( ألف ) : « ثبت النوم فالقول » ، بدلا من « ثبتا لزم القول ».
5- زيادة الواو من ( د ).
6- الإستبصار 1 / 112 ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (373) 4.

في الفرج لا يوجب التخصيص ؛ لصدق الفرج على القبل والدبر كما نصّ عليه أهل اللغة ، وقضى به جملة من الاستعمالات.

وعلى هذا فيما (1) دلّ على وجوب الغسل بالإدخال في الفرج دلالة عليه إلّا أنّ الظاهر منه عرفا هو خصوص القبل ، ففي الاحتجاج بها إشكال.

حجة القول بالثاني بعد الأصل وما دلّ على عدم نقض اليقين إلّا باليقين إلى نوعه في « الرجل يأتي المرأة إلى دبرها وهي صائمة؟ قال : « لا ينقض صومها وليس عليها غسل » (2).

والمرسلة : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » (3).

وإطلاق الصحيح : عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج ، أعليها غسل هو إن أنزل أو لم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » (4) ؛ لشمول إطلاقها محلّ الكلام.

ويضعف بأنّ الأصل ما دلّ على عدم نقض اليقين لا حجة فيهما بعد قيام الدليل ، والروايتان الأوليان ضعيفتان ، فلا معوّل عليها سيّما في مقابلة الأدلّة المذكورة.

مضافا إلى اطراحها بين الأصحاب وإعراضهم عن العمل بها من الصدر الأول كما حكاه السيّد.

مضافا إلى اختصاصهما بالمرأة ، والصحيحة لا دلالة فيها بناء على شمول الفرج للدبر ، ولو سلّم الاختصاص فانصراف إطلاقها إلى صورة الدخول محلّ تأمّل ، فلا معوّل عليها.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بالجنابة بذلك بين الرجل والمرأة كما هو الظاهر من الملازمة بين

ص: 97


1- في ( د ) : « ففيما ».
2- تهذيب الأحكام 4 / 319 ، باب الزيادات ، ح 43.
3- تهذيب الأحكام 7 / 460 ، باب من الزيادات في فقه النكاح ، ح 51.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 84 باب صفة غسل الجنابة ، ح 186.

الأمرين في ذلك ؛ لقضاء جملة من الأدلّة المذكورة (1) ، وتردّد فيه العلّامة.

وليس في محلّه. قال بعض المتأخرين : لم نجد على وجوبه عليها حديثا إلّا قول أمير المؤمنين عليه السلام : « أتوجبون .. » إلى آخره.

قلت : هو كاف في ذلك ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار المذكورة هناك كإطلاقات (2) الدالّة على وجوب الغسل بالإدخال سيّما الصحيحة الأخيرة لورودها في خصوص المرأة.

ثمّ إنّ الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، وحكى السيّد الإجماع فيها على نحو سواء كما عرفت (3) أو على القول بالفصل بينه وبين دبر المرأة كما في المختلف (4). مضافا إلى الشهرة العظيمة والاحتياط والاعتبار.

وفي حسنة الحضرمي ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من جامع غلاما صار جنبا يوم القيامة لا ينقّيه ماء الدنيا » (5).

وفي إطلاقها تأييد تامّ لما ذكرنا ، بل الأدلّة عليه.

وقد يستشكل في جنابة الطفل بذلك لارتفاع الحد منه ، ولا يشمل الرواية المذكورة.

ويضعّفه أنّ ذلك من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يختلف فيه المكلّف وغيره ، مع أنّ الظاهر عدم فرق أحد بين كونه مكلّفا وغيره. مضافا إلى تنقيح المناط فيه.

ولو أولج في فرج الخنثى لم يجب الغسل عليها لاحتمال الزيادة ، وقد يحتمل الوجوب لصدق الفرج عليه.

وهو ضعيف.

وكذا لو أولج الخنثى في الرجل والمرأة أو في مثلها.

ص: 98


1- زيادة في ( د ) : « به ».
2- كذا ، والظاهر : « كالإطلاقات ».
3- زيادة في ( ب ) : « إلّا أنّه خارج عن مدلول النصوص سوى قول أمير المؤمنين عليه السلام وكفى به حجّة بعد الإجماع عليه مطلقا كما عرفت ».
4- مختلف الشيعة 1 / 329.
5- الكافي 5 / 544 ، باب اللواط ، ح 2 وفيه وفي روايات اخر : جاء جنبا.

ولو أولج كلّ في فرج الآخر وجب عليهما بخلاف ما لو أولج كلّ في دبر الآخر فلا يجب على شي ء منهما. وأمّا الايلاج في فرج البهيمة ففيه قولان : فذهب الشيخ (1) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصولها به ، واستحسنه المحقق (2) وجماعة.

وفي الحدائق (3) : الظاهر أنّه المشهور.

وذهب العلّامة في المختلف (4) إلى حصول الجنابة به. وربّما يعزى إلى السيد (5) حكاية الإجماع عليه أيضا.

والظاهر عدم شمول ما دلّ على حصول الجنابة بالإدخال لذلك.

والقول بتنقيح المناط فيه بحيث يشمل ذلك غير ظاهر ، فالبناء فيه على حصول الجنابة مشكل جدّا ، وطريق الاحتياط فيه ممّا لا يخفى.

ويجري الوجهان في دبر البهيمة أيضا ، وملازمة الاحتياط فيه أولى.

ص: 99


1- الخلاف 1 / 117.
2- المعتبر 1 / 181.
3- الحدائق الناضرة 3 / 12.
4- مختلف الشيعة 1 / 330.
5- نقل عنه مختلف الشيعة 1 / 330.

البحث الثاني: في غايات غسل الجنابة

اشارة

وهي أمور يرجع كلّها إلى رفع المنع الحاصل بالجنابة ، ولذا يذكر المعالم منها أحكام الجنابة ، ونحن نجري على ذلك في المقام جريا على طريقة أولئك الأعلام.

تبصرة: [ فيما حرّم على الجنب ]

يحرم على الجنب فعل الصلاة والطواف الواجبين والمندوبين وإن لم نقل باشتراط الطهارة في الطواف المندوب ، فإنّه يجي ء المنع هنا من جهة الدخول في المسجد الحرام ، واشتراط الصلاة مطلقا والطواف الواجب به ظاهر ممّا مرّ في الوضوء بالأوّل.

ويشمله بعض الإطلاقات المذكورة هناك كقوله عليه السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (1) ، والحكم ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب وكذا يحرم الصوم الواجب.

ص: 100


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.
تبصرة: [ في تحريم قراءة العزائم ]

لا يجوز للجنب قراءة العزائم الأربع على المعروف من المذهب ، وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في التذكرة (1) حيث ذكر أنّه إجماع أهل البيت عليهم السلام ، وقد حكى (2) عن السيد (3) اختصاص التحريم بآية السجدة.

واختاره جملة من متأخري المتأخرين منهم صاحب الحدائق (4).

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع ما رواه في المعتبر (5) عن جامع البزنطي ، عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل ، عن الصادق عليه السلام من أنّه يجوز للجنب والحائض أن يقرء ما شاء من القرآن إلّا سور العزائم الأربع » (6).

وفي صحيحة الفاضلين ، وفي الصحيح : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (7).

وروى الشيخ في الموثّق نحوه.

ص: 101


1- تذكرة الفقهاء 1 / 235.
2- كشف اللثام 2 / 33.
3- الانتصار : 121.
4- الحدائق الناضرة 3 / 55.
5- المعتبر 1 / 186.
6- وسائل الشيعة 2 / 217 ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح 7 ، وفيه : « ويقرأن من القرآن ما شاء إلا السجدة ».
7- الإستبصار 1 / 115 ، باب الجنب والحائض يقرآن القرآن ، ح 6384.

وفي صحيحة أخرى : « وقرأ من القرآن ما شاء إلّا السجدة » (1).

وهاتان الروايتان مشتملتان على ذكر خصوص السجدة ، وهي بمعونة فهم الأصحاب وما تقدّم من رواية البزنطي محمولة على تمام السورة لا لوجوبها بسبب تلاوة جزء منها ، وإن كان حملها على خصوص آية السجدة أقرب بالنظر إلى نفس العبارة لكن ما ذكرناه كاف في حملها على ما قلناه مع عدم بعده عن العبارة أيضا.

وقد ظهر من ذلك أيضا مستند القول بالتخصيص وضعفه.

وفي الحدائق (2) حكى رواية البزنطي على نحو المعتبرة المذكورة ، ولذا زعم انحصار دليل التعميم بالإجماع المنقول ، وليس الحال كذلك ، وإنّما الموجود عندنا في المعتبر ما ذكرناه. وهو الموافق لما حكاه في البحار من عبارته.

وبه يضعّف ما اختاره على طريقته أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءة تمام السورة وأبعاضها حتّى البسملة إذا نوى بها إحدى السور المذكورة ، وكذا غيرها من المشتركات إنّما يحكم بالمنع منها مع قصدها ، وإلّا بنى أصل الجواز.

ولو نوى بالبسملة ونحوها من المشتركات واحدا من السور الأربع من غير تعيين قوي لحوق المنع ؛ لاحتسابها عرفا من إحداها.

ويحتمل العدم ؛ لعدم تعيّنه في الواقع ، فلا يقع عن شي ء منها وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح.

ثمّ إنّ الحكم يدور مدار اسم القراءة فلا منع من النظر في الآية ولا من إمرار الكلمات على الخاطر على نحو حديث النفس.

وهل يعتبر في صدقها بحيث يمكنه السماع أو يكتفى فيه بمجرّد خروج الحرف من مخرجه وإن كان ممّا لا يسمع في الغالب؟ وجهان أوجههما الأوّل.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 2 / 218 ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح 11 ، وفيه : « يقرءا ما شاءا ».
2- الحدائق الناضرة 3 / 144.

وحينئذ ففي الاكتفاء بمجرّد القابليّة العادية أو اعتبار أحد الأمرين من القابلية للسماع أو فعليّته بالنسبة إليه وإن كان على خلاف العادة وجهان أحوطهما - بل أظهرهما - الأخير.

ويعتبر القراءة في الأخرس بمثل ما اعتبر في الصلاة في وجه قوي.

ولو شكّ في آية انّها من العزائم أو غيرها فهل يبني على أصالة الجواز أو يغلب جانب الاحتياط ؛ نظرا إلى دوران الاشتباه بين المحصور؟ وجهان أحوطهما المنع.

ولا منع في قراءة تفسيرها ولا ترجمتها من سائر اللغات كما لا يحرم مسّها على المحدث والعزائم الأربع معروفة لا خلاف ظاهرا في تبيّنها.

نعم ، وقع في عبائر جماعة من الأصحاب كالصدوق والعلّامة في ذكر « سجدة لقمان » مكان « الم السجدة » مع أنّ سورة لقمان لا سجدة فيها.

وحملها بعض الأصحاب على السهو ، وليس كذلك ، بل الظاهر أنّهم عنوا به سورة السجدة المتّصلة بلقمان ، فإنّ الإضافة يكتفي فيها بأدنى الملابسة.

ص: 103

تبصرة: [ في حرمة اللبث في المساجد على الجنب ]

يحرم على الجنب اللبث في المساجد كلّها بلا خلاف فيه يعرف سوى ما حكي عن الديلمي من حكمه بالكراهة.

وما يظهر من الصدوق (1) من القول بجواز نومه في المسجد.

وهما إن ثبت القول بهما شاذّان ضعيفان ، بل إجماع الفرقة منعقد على خلافهما.

ويدلّ عليه بعد الإجماع الآية الشريفة بمعونة تفسيرهم (2) عليه السلام كما يظهر من صحيحة الفاضلين وغيرهما.

وبذلك يسقط المناقشات الّتي أوردت على دلالتها كاحتمال إرادة المنع من الدخول في الصلاة مع الجنابة واستثناء عابري السبيل إشارة إلى جوازه مع الجنابة في الأسفار ؛ نظرا إلى قلّة الماء وعدم حصول الكفاف.

ولا يذهب عليك ضعفه مع قطع النظر عمّا ذكرناه ؛ لبعده عن ظاهر الآية سيّما بملاحظة ذكر السفر بعد ذلك ، مضافا إلى المستفيضة المشتملة على الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح عن الجنب : يجلس في المساجد؟ قال : « لا » (3).

وفي صحيحة أخرى : « لا يجلس في شي ء من المساجد » (4).

وفي أخرى : « لا يدخلان أي الجنب والحائض المسجد إلّا مجتازين ، إنّ اللّه تبارك وتعالى

ص: 104


1- المقنع : 45.
2- في ( ألف ) : « تغيرهم ».
3- الكافي 3 / 50 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 1 / 407 ، باب التيمم واحكامه ، ح 18.

يقول : ( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (1) » (2).

نعم ، في صحيحة محمّد بن القاسم (3) : عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : « يتوضّأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (4).

وكأنّها حجة الصدوق ، بل والقول بمطلق الكراهة يجعلها شاهدة على حمل غيرها على الكراهة.

وأنت خبير بأنّ اطراحها بين الأصحاب مانع من العمل بها في نفسها ، فكيف مع معارضة تلك الصحاح.

والظاهر تعيّن حملها على التقيّة ؛ إذ ذلك مذهب ابن حنبل من العامّة ، ولا بأس باجتياز الجنب في المساجد كلّها ؛ لما دلّ عليه عدّة من الصحاح المذكورة ، ولظاهر الآية.

وفيها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على المنع من دخوله في المساجد سوى المسجدين الأعظمين مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على جواز اجتيازه في المساجد.

وعن الصدوقين (5) والمفيد أنّهم أطلقوا القول بجواز اجتيازه في المساجد من غير استثناء. وكأنّه للإطلاق المذكور.

ولا يخفى ضعفه ، لوجوب حمل (6) المقيد في مثله قطعا.

ص: 105


1- النساء : 43.
2- علل الشرائع 1 / 288.
3- في مخطوطات الأصل : محمد بن مسلم. إلّا أنها مروية عن محمد بن القاسم.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 87 ؛ وسائل الشيعة 2 / 210 ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح 18.
5- الهداية : 97 ، فقه الرضا : 85.
6- في ( د ) : « الحمل على ».
[ تنبيهات ]

وينبغي في المقام بيان أمور :

أحدها : الموجود في أكثر أخبار المسألة المنع عن خصوص جلوسه في المسجد ، وهو لا يدلّ على غيره من أنواع الاستقرار إلّا أنّ في الأخبار ما يدلّ على العموم كالصحيح المذكور : « لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ».

وهو كاف في عموم الحكم ، مضافا إلى عدم ظهور عامل بالفرق ، فلا شبهة في التعميم.

نعم ، هنا إشكال في اختصاص الجواز بصورة الدخول من باب والخروج من آخر ( والظاهر أنّ جلوسه في محمل ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز ، وإن كان مستقرّا في محلّه ) (1) فيحرم غيرها مطلقا أو يعم الجواز صورة الدخول والخروج من باب واحد من دون اللبث والتردد أو يعم صورة التردد أيضا.

والأحوط الاقتصار على الأوّل ، والثاني كأنّه أظهر بملاحظة الصحيحة المذكورة.

وأمّا الثالث فهو بعيد عن لفظ الاجتياز (2) وعبور السبيل.

وفي القويّ : « للجنب أن يمشي في المساجد كلّها ولا يجلس فيها إلّا مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله » (3).

وظاهر إطلاقه يعطي البناء على الأخير إلّا أنّ الأظهر حمله على ما يستفاد من غيره ؛ لعدم وضوح إطلاقه ، ومخالفته للاحتياط مع ما فيه من الكلام في الإسناد.

والظاهر أن جلوسه في محلّ (4) ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز وإن كان مستقرا في محلّه.

ثانيها : قد دلّ جملة من النصوص على (5) تخصيص النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من حرمة

ص: 106


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في ( د ) : « الأخبار ».
3- الكافي 3 / 50 باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد .. ح 3.
4- في ( د ) : « محمل ».
5- في ( ب ) : « في ».

الجواز واللبث في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله.

ففي تفسير العسكري عليه السلام في حديث سدّ الأبواب عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا ينبغي لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر يبيت في هذا المسجد جنبا إلّا محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام والمنتجبون من آلهم الطيّبون من أولادهم » (1).

وفي خبر آخر عنه عليه السلام : « لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ومن كان من أهلي فانّه منّي » (2).

وفي آخر عنه عليه السلام أيضا : « إلّا أنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد وآله » (3).

إلى غير ذلك ، وادّعى في البحار (4) تواتر الأخبار باستثناء المعصومين عليهم السلام عن حكم دخول المسجدين جنبا إلّا أنّ الموجود في الأخبار الكثيرة هو خصوص مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، وأفتى في الحدائق (5) فيه بالخصوص إلّا أنّه يمكن تسرية الحكم فيه إلى سائر المساجد ( بالأولى. وأمّا إلى المسجد الحرام فلا يخلو عن خفاء ؛ لانتفاء الأولويّة.

نعم ، في لفظ بعض الأخبار : « لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين : .. » (6) الخبر ، فإنّ إطلاق المسجد قد يعمّ سائر المساجد ) (7) ، فيدخل فيه مسجد الحرام إلّا أنّه قد يحمل على سائر الأخبار الّتي ذكر فيها خصوص مسجده به.

وكيف كان ، فدعوى التواتر بالنسبة إلى المسجدين ليس في محلّه.

وهناك غير واحد من الأخبار يدلّ على مرجوحية الدخول لهم كقوله عليه السلام : « إنّ اللّه كرّه لي ستّ خصال وكرّهتهنّ للأوصياء من بعدي ... » وعدّ منها إتيان المساجد جنبا.

ص: 107


1- وسائل الشيعة 2 / 210 ، باب جواز مرور الجنب ولحائض في المساجد ، ح 21.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 557 ، ح 4915.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 210.
4- بحار الأنوار 78 / 49.
5- الحدائق الناضرة 3 / 49.
6- الأمالي للشيخ الصدوق : 413.
7- ما بين الهلالين من زيادات نسخة ( د ) أيضا.

وفي خبر سليمان الديلمي ، عن الصادق عليه السلام عنه : « ستة كرّهها اللّه لي فكرّهتها للأئمّة من ذرّيتي ولتكرهها الأئمّة لأتباعهم .. » (1) وعدّ منها إتيان المساجد جنبا. وفيه إشارة إلى كون الكراهة بمعنى الحرمة.

ثالثها : ألحق جماعة بالمساجد المشاهد المشرفة ، وأنكره آخرون ؛ لانتفاء سند ما يصلح للمنع.

وكأنّ الأظهر الأوّل بل يحتمل القول بالمنع من الدخول مطلقا ؛ للمستفيضة الواردة في إنظاره به على أبي بصير حين دخل عليه جنبا الظاهر في كونه محرّما.

وفي بعضها : « أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء » (2) وعن جابر ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : « إنّ اعرابيا دخل على الحسين عليه السلام فقال : أما تستحيي يا اعرابي تدخل على إمامك وأنت جنب؟! » (3).

وهذه الأخبار وإن دلّ (4) على حرمة الدخول عليهم وهم أحياء إلّا أنّ ما دلّ على أنّ حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء أو أنّهم أحياء يشهدون زوّارهم ويردّون السلام عليهم ونحو ذلك يدلّ على عموم الحكم لما بعد وفاتهم.

ولا مانع من ضعف الروايات المذكورة لاعتضاد بعضها ببعض مضافا إلى تأيّد الحكم بما دلّ على لزوم تعظيم الشعائر إلّا أن الحكم بظواهر تلك الأخبار لا يخلو من إشكال.

ثمّ إنّه يستفاد منها المنع من دخول مشاهد سائر الأنبياء ، وقد يعم الحكم لسائر الأوصياء أيضا. وأمّا مشاهد أولاد الأئمّة من الأتقياء الأجلاء كحضرة العباس عليه السلام وغيرهم من أفاضل العلماء والصلحاء فلا يلحق بها.

ويحتمل الكراهة لفهمه من الفحوى.

ص: 108


1- وسائل الشيعة 2 / 209 ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح 16.
2- بحار الأنوار 27 / 255 ، باب آخر في آداب العشرة مع الامام ، ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 / 212 ، باب كراهة دخول الجنب بيوت النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، ح 4.
4- كذا ، والظاهر : « دلّت ».

نعم ، في بعض الأخبار المذكورة ذكر أولاد الأنبياء إلّا أنّه من جهة اختلاف لفظ الرواية لا ينهض حجّة في خصوصه سيّما مع ضعفه. واحتمل حمله على خصوصهم عليهم السلام كما هو قضيّة المقام.

رابعها : الظاهر (1) شمول الحكم في المساجد لسطحها وسردابها وسائر المواضع المحفورة فيها كالآبار ونحوها إلّا أن يكون ذلك خارجا عن وقف (2) المسجد بأن يكون ملكا للغير قبل وقف المسجد ونحو ذلك.

وأمّا المشاهد فالظاهر اختصاص الحكم فيها ببيت الدفن ، فلا منع من الكون على سطحها ، وكذا الرواق المتصل به ونحوه. وأمّا جدار المسجد فإن بنى فيه جرى حكمه ، وإلّا ففي ثبوت حكمه فيه إشكال ، والأحوط الاجتناب.

خامسها : الظاهر دوران الحكم مدار صدق الدخول والمكث ، فلو أدخل يده ونحوها فالظاهر عدم المنع بخلاف ما لو أدخل معظم البدن ، فإنّ الظاهر صدقه.

وكما يحرم عليه الدخول يحرم عليه إدخال الغير في وجه قويّ ، فلو أدخله إليه وهو نائم أو مغمى عليه فعل محرّما. وكذا الحال في الصبيّ والمجنون. ولو دعاه إلى الدخول وهو غافل قوي المنع. وفي إدخال الميّت الجنب إليه وجهان.

ص: 109


1- زيادة : « الظاهر » من ( د ).
2- في ( د ) « وقفيّة ».
تبصرة: [ في تحريم وضع شي ء في المساجد ]

يحرم عليه وضع شي ء في المساجد بلا خلاف فيه يعرف ، سوى ما يحكى عن الديلمي من القول بالكراهة.

وهو ضعيف محجوج بالروايات المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح الحاكم بجواز الأخذ التابع عن وضع شي ء فيها فيه.

وفي صحيحة الفاضلين : « يأخذان من المساجد (1) ألّا يضعان فيه شيئا » قال زرارة : قلت له : فما بالها يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : « لأنّهما لا يقدران (2) على أخذ ما فيه إلّا منه ، ويقدران على وضع ما بأيديهما في غيره » (3).

ومن الغريب تخصيص بعض المتأخرين - فيما حكي عنه - حرمة الوضع بما كان مستلزما للبث في سائر المساجد والدخول في المسجدين نظرا إلى تعارض إطلاقي تحريم الوضع وتجويز المشي والمرور ، فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل ، سيّما مع أغلبيّة اقتران الوضع باللبث ؛ إذ مع عدم جريان ذلك في المسجدين بل في الوضع الغير المستلزم للدخول مطلقا.

فيه : أنّه لا معنى لدعوى المعارضة بين ما دلّ على جواز المشي وتحريم الوضع ؛ إذ كلّ منهما عنوان مستقل لا مندرج شي ء من أفراد أحدهما في الآخر ، غاية الأمر جواز مقارنته له ، وهو لا يقضي بالمنافاة بين الحكمين.

مضافا إلى [ أنّ ] النصّ [ من ] التعليل المذكور في خلاف ما ذكره.

ص: 110


1- في ( د ) : « المسجد ».
2- في مخطوطات الأصل : « يقدران » إثباتا.
3- وسائل الشيعة 2 / 213 ، باب عدم جواز وضع الجنب ، ح 2.

وفي بعض الأخبار تجويز الوضع والمنع من الأخذ ؛ معلّلا بالقدرة على الوضع من غير دخول بخلاف الأخذ ؛ إذ لا تقدير عليه من دونه.

وفي الوسائل (1) : إنّ بعض الأصحاب قد عمل بمضمونه ، وهو ضعيف لضعف الرواية في نفسها مع عدم مقاومتها لغيرها. مضافا إلى اعتضاد تلك بالعمل واطراح هذه بين الأصحاب.

والظاهر دوران الحكم مدار صدق اسم الوضع ، فلو كان مشدودا على السقف فحلّه ووقع في المسجد لم يكن محرّما. وكذا لو حرّكه من محلّ إلى آخر من غير أن يتناوله من مكانه ، وإلّا حرم (2).

وهل يجوز طرحه في المسجد؟ وجهان ؛ من عدم صدق اسم الوضع وأنّه بمعناه.

ولو اشترك مع غيره في الوضع احتمل عدم المنع فيه ؛ لعدم استناد الوضع إليه ، ويحتمل المنع سيّما إذا كان الآخر أيضا جنبا.

ولو علّقه على جداره أو سقفه فالظاهر الجواز. والظاهر جريان الحكم في الوضع في غير ما يصلّي فيه من زاوية (3) والدرج الموضوعة فيه ، وكذا الوضع على الأمور الموضوعة فيه في وجه قويّ.

ولو وضعه على إنسان جالس فيه فالظاهر الجواز.

ص: 111


1- وسائل الشيعة 2 / 214.
2- زيادة في ( ب ) : « المنع » وفي ( د ) : « الوضع ».
3- في ( د ) : « روزانه ».
تبصرة: [ في مسّ كتابة القرآن واسم اللّه تعالى ]

ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه بين علماء الإسلام (1) كما حكى الفاضلان اتّفاقهم عليه.

وربّما يعزى إلى الإسكافي القول بالكراهة إلّا أنّه لا يبعد حملها على الحرمة ؛ لشيوع استعمالها فيها في كلام القدماء.

وقد نصّ الشهيد أنّه كثيرا ما يطلق الكراهة ويريد الحرمة.

وعزاه في المدارك (2) إلى المبسوط ، ونصّ جماعة على سهوه في النقل ، وإنّما قال بها في الحدث (3) الأصغر ، ونصّ بالحرمة في الأكبر.

ومن الغريب ميله في المدارك (4) إلى الكراهة ؛ استضعافا لأدلّة المنع (5).

وقد عرفت ضعفه ممّا مرّ في الأصغر ؛ لدلالته على المنع هنا بالأولى ، ولاحتمال غير واحد من الأخبار ( على المنع عنه بالخصوص كخبر إبراهيم بن عبد الحميد : « لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا .. » (6) الخبر » (7).

ويزيد عليه هنا انعقاد الإجماع عليه في المقام كما هو المعلوم من ملاحظة الفتاوى ،

ص: 112


1- في ( ألف ) : « الأعلام ».
2- مدارك الأحكام 1 / 242.
3- في مخطوطات الأصل : « حديث ».
4- مدارك الأحكام 1 / 241.
5- زيادة في ( ب ) : « لا دلالة المنع ».
6- الإستبصار 1 / 113 ، باب أن الجنب لا يمس المصحف ح 3.
7- ما بين الهلالين من زيادات ( د ).

والمنقول على لسان جماعة من الفحول. قال في النهاية (1) : إنّه لا (2) خلاف هنا في تحريم المس ، وإن وقع الخلاف فيه في الحدث الأصغر.

وقد مرّ تمام الكلام في فروع المسألة في مباحث الوضوء.

وكذا يحرم عليه مسّ اسم اللّه تعالى على المعروف بين الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (3) والفاضلان (4) وغيرهم.

ويدلّ عليه الموثق : « لا يمسّ (5) الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم اللّه تعالى » (6) إلّا أنّه يعارضها المستفيضة الدالّة على الجواز ، منها الموثق عن الجنب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض؟ قال : « لا بأس » (7).

وحمله الشيخ (8) على ما لم يكن عليه اسم اللّه تعالى. وقد يؤيّده التقييد في الموثقة الأولى.

ومنها : رواية محمّد بن مسلم : هل يمسّ الرجل الدراهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : « اي واللّه إنّي لأرى الدرهم فآخذه وأنا جنب » (9). ويجرى فيه تأويل الشيخ أيضا.

ومنها : رواية أبي الربيع في الجنب : يمسّ الدراهم وفيها اسم اللّه واسم رسوله صلى اللّه عليه وآله؟ قال : « لا بأس وربّما فعلت [ ذلك ] » (10) (11).

ويمكن حمل الجميع على بيان جواز مس الدرهم في الجملة ، فيكون المراد مس غير اسمه

ص: 113


1- نقل عنها محقق البحراني في الحدائق الناضرة 3 / 46.
2- زيادة : « لا » من ( د ).
3- المبسوط 1 / 29 ، المقنعة : 51.
4- المعتبر 1 / 187 ، تحرير الأحكام 1 / 92 ، تذكرة الفقهاء 1 / 238.
5- لم ترد في ( ب ) : « لا يمسّ ... منها الموثّق ».
6- الإستبصار 1 / 113 ، باب الجنب لا يمس الدراهم عليها اسم اللّه تعالى ، ح (374) 1.
7- تهذيب الأحكام 1 / 126 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 32.
8- تهذيب الأحكام 1 / 126 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 32.
9- بحار الأنوار 78 / 63.
10- وسائل الشيعة 2 / 215 ، باب حكم لمس الجنب شيئا عليه اسم اللّه ، ح 4.
11- الزيادة من المصدر.

تعالى جمعا بين الأدلّة ، وهو وإن لم يخل من بعد إلّا أنّه لا بأس به في مقام الجمع ، وثبوت المرجوحية قطعا ينافي فعله عليه السلام ، فبملاحظة ذلك لا يخلو الأخبار المذكورة عن الوهن.

ولو بني على المعارضة فيرجّح الأوّل بموافقة الاحتياط والشهرة القطعيّة بين الأصحاب وقضية التعظيم.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى الكراهة ؛ جمعا بين الأخبار وأخذا بالأصل. وقد عرفت ما فيه.

وهل المراد باسم اللّه تعالى خصوص لفظ الجلالة أو يعمّ الأسماء المختصّة أو سائر أسمائه تعالى؟ وجوه.

ولا يبعد القول بانصراف الإطلاق إلى الثاني إلّا أنّ القول بالثالث قويّ بعد العلم بقصده تعالى بالكتابة لاندراجه إذن في الإطلاق مع المشاركة في الاحترام أو مع البناء عليه ، فالظاهر خروج الموصول عنه وإن اتّصل بصلة خاصّة به تعالى.

وفي الضمائر الراجعة إليه وجهان ، و (1) البناء على قضية الأصل فيها أظهر إلّا في « هو » ؛ إذ لا يبعد القول بكونه من أسمائه تعالى كما يظهر من غير واحد من الأدعية. ولو قيل بخروج كلّ اسم يطلق عليه تعالى من جهة كونه مصداقا لمعناه من غير وضعه له تعالى ولا اختصاصه به كالموجود ونحوه لم يكن بعيدا.

ص: 114


1- زيادة : « و » من ( د ).
تبصرة: [ في تغسيل الجنب ليلا لأجل الصوم ]

قد عرفت أنّ حرمة الأمور المذكورة على الجنب - من الصلاة والصيام والمسّ والمكث في المساجد وغيرها - تكون قاضية بكون استباحة كلّ منها غاية للغسل ، فيجب لكلّ من الأفعال المذكورة عند وجوبه ويندب له عند استحبابه.

وهناك اشكال معروف في وجوبه في الليل لأجل الصوم مع عدم تحقق وجوب الصوم فيه.

ودفعه بعضهم بأنّ التغسيل (1) ممّا يتوقف عليه الواجب وقضيّة ما دلّ على وجوب المقدمة لا يختصّ بما إذا وجب فيها ، بل يعمّ ما إذا علم أو ظنّ وجوبه في وقته ، سيّما مع تضيقه ، فإنّه لا مانع إذن من وجوب المقدمة وإن لم يجب المغيّى بعد.

قلت : وفيه نظر ظاهر ؛ إذ القول بوجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها ممّا يقطع بفساده لتبعيّة وجوب المقدمة لوجوب ذيها ومطلوبيّتها لمطلوبيّته ، فكيف يتصوّر وجوبها مع عدم وجوبه ، مع انتفاء النصّ عليه بالخصوص.

فإن قلت : إنّ وجوب الشي ء في محلّه قاض بوجوب توطين النفس على امتثاله ، وهو إنّما يكون بالاتيان بمقدماته.

وأيضا طلب الشي ء في وقت معيّن مع عدم إمكان حصوله فيه إلّا بتقديم مقدمته دليل عرفا بل عقلا على إيجاب مقدمته قبله ؛ لتحصيل مطلوب الأمر. ويجري نحوه في الموسع أيضا ؛ لتعلّق التكليف به في أوّل الوقت وإن لم يتعيّن عليه.

ص: 115


1- في ( د ) : « الغسل » ، وفي ( ألف ) : « التفصيل ».

قلت : لو سلّم ما ذكر فإنّما يفيد وجوب توطين النفس على أداء الواجب بعد حصول وجوبه ، ولا يستلزم ذلك وجوب التلبّس بشي ء من مقدماته قبل فعليّة الوجوب ، بل إنّما يراعى فيه حال تعلق الوجوب ، فإن كان باقيا فيه على صفات التكليف تعلّق الوجوب ، وإلّا فلا تكليف.

وما ذكر من قضاء العرف والعقل بوجوب المقدمة في مثله قبل وجوب الفعل مدفوع ، بأن وجوب الفعل في وقته مشروط قطعا بالتمكّن منه ، فإن كان وقت الوجوب متمكّنا من الفعل يشمله الخطاب ، وإلّا لم يتعلّق به.

وحينئذ فلا دليل على وجوب جعل الانسان نفسه من المشمولين للخطاب ، فعلى هذا من علم أنّه لا يتمكّن في الوقت من الطهارة المائية أو غيرها أيضا لا يجب عليه تقديم الوضوء ، بل ويجوز له إهراق الماء المملوك له أيضا.

ومن الغريب ما ذكره صاحب الحدائق (1) من وجوب الوضوء قبل الوقت ؛ نظرا إلى توقف الفعل عليه في أوّله. وقد اشتمل النصّ الصحيح على تعليق وجوبه بدخول الوقت. وفيه أيضا دلالة على ما قلناه.

والتحقيق في المقام أن يقال بالفرق بين ما توجّه الخطاب إلى المكلّف فعلا وإن كان المطلوب إيقاعه في زمان معيّن ، وما لم يتوجّه به خطاب أصلا قبل مجي ء زمان الفعل ، فالأوّل يجب تقديم مقدمته لوجوب الفعل عليه وإن لم يحضر زمان فعله كالحج ، والثاني إنّما يجب مقدمته بعد مجي ء زمان الفعل وتوجّه الخطاب.

فالصوم من القبيل الأوّل بخلاف الصلاة ؛ لظاهر النصّ المذكور وغيره ، فليس وجوب المقدمة فيما ذكرنا مسقطا عن وجوب ذي المقدمة ، غاية الأمر أن يكون وجوبها في زمان لا يصحّ فيها إيقاع ذيها ، ولا مانع منه بوجه ؛ إذ ما دلّ على وجوب المقدمة يدلّ عليه في الصورتين.

ص: 116


1- الحدائق الناضرة 2 / 128.

هذا ، والمعروف بين الأصحاب عدم وجوب الغسل لغير ما ذكر ولا لنفسه ، وذهب جماعة (1) من الأصحاب منهم الفاضل ووالده إلى كونه واجبا لنفسه أيضا. وحكي القول به عن القطب الراوندي ، ومال إليه جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك (2) والذخيرة (3) وغيرهما.

والأقوى هو الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الأصل والشهرة : الآية الشريفة بناء على عطف قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) (4) على الجزاء لا على الشرط كما هو ظاهر السياق وقضية تأخر التيمّم عنه ، فيكون وجوبه حينئذ معلّقا على القيام إلى الصلاة ، وحينئذ يفيد الوجوب للغير في المنطوق.

ويدلّ على عدم وجوبه لنفسه لمفهوم الشرط ، ومع الغضّ عنه فذكر وجوبه للغير في المقام يدلّ بالفحوى على عدم وجوبه لنفسه وإلّا لكان أولى بالذكر في بيان أصل المشروعيّة ، فيفيد ذلك أن مطلوبيته في الشرع لأجل الغير ، وهو المقصود.

وبما ذكرنا يندفع ما أورد من أنّ الآية إنّما تدلّ على ثبوت الوجوب للغير ، وهو لا ينافي وجوبه لنفسه أيضا.

ويستفاد ذلك أيضا من عدّة من الروايات كقوله عليه السلام في الصحيح : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (5).

وفي الخبر : « إنّ اللّه فرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم اللّه .. » إلى أن قال : « والطهور للصلاة » (6).

وفي الحسن : عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل ليغتسل أم لا؟ قال :

ص: 117


1- لم ترد في ( ب ) : « جماعة ... مال إليه ».
2- مدارك الأحكام 1 / 16.
3- ذخيرة المعاد 1 / 54.
4- المائدة : 6.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.
6- الكافي 2 / 36 ، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها ، ح 1.

« قد جاءها ما يفسد الصلاة ، فلا يغتسل » (1).

والتقريب أنّه لو لا وجوب الغسل لأجل الصلاة وسقوطه من جهة سقوطها لما صحّ التعليل المذكور أو سقوط الوجوب الغيري ، ولا يوجب تأخير الواجب النفسي.

وحمله على كون الحدث الطاري مانعا من رفع الحدث السابق لا يوافق ظاهر العبارة ؛ لوقوع التعليل فيه بفساد الصلاة دون الغسل.

على أنّ الحكم بفساده غير ظاهر ؛ لقضاء الإطلاقات بالصحّة ، وبقاء حدث الحيض لا يوجب عدم ارتفاع الجنابة بعد كونهما حدثين مختلفين كما هو الظاهر وإن اشتركا في كثير من الأحكام.

ولذا يمكن رفع أحدهما بدون الآخر كما إذا اغتسل عن الحيض بعد انقضاء العادة ؛ لعدم الاكتفاء به عن الجنابة.

وكذا العكس على القول به.

وفي المعتبر الآتي تصريح بما قلناه ، فدعوى تكافؤ (2) الاحتمالين كما وقع من العلّامة المجلسي (3) ليس على ما ينبغي.

وقريب من الحيثيّة المذكورة عدّة من المعتبرة (4) الدالّة على تأخير غسل الجنابة بعد مجي ء الحيض إلى زمان طهرها فتغسل غسلا واحدا للحيض والجنابة.

وفي موثقة منها تخييرها حينئذ بين الغسل والتأخير إلى وقت الطهر ، فيغسل غسلا واحدا منهما ؛ لإشعار الحكم بتأخير غسلها بكون مطلوبيّة الغسل لأجل الصلاة ، فيسقط وجوبه بسقوط وجوبه وإن بقي مشروعيّته كما دلّت عليه الموثقة الأخيرة وقضى به الأصل المذكور.

ص: 118


1- الكافي 3 / 83 ، باب المرأة تر الدم وهي جنب ، ح 1 ومع اختلاف يسير.
2- في ( ألف ) : « تكاثر ».
3- بحار الأنوار 78 / 60.
4- الإستبصار 1 / 147 ، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد. أم غسلان ح 4. 5.

ومن الغريب ما ذكره بعض المتأخرين وحقّقه صاحب الحدائق (1) في الجواب عن الاحتجاج بالأخبار المذكورة أنّها غير دالّة على شي ء من المذهبين ، وإنّما وردت لبيان سقوط الغسل من جهة عدم حصول غايته (2) الّتي هي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، فلا يصحّ الغسل الواقع على تلك الحال سواء قلنا بوجوبه لنفسه أو غيره ، فهي منافية لقضيّة كلّ من القولين ليتفرّع صحّة الغسل على كلّ منهما.

قلت : ولا دلالة ظاهرة في هذه الأخبار على ما ذكره ؛ لعدم وجوب تداخل الغسلين ، فالظاهر ورودها لبيان جواز التأخير نظرا إلى عدم وجوب غايته في تلك الحال.

وما ادّعاه من عدم إمكان ارتفاع الحدث أو استباحة الصلاة معه قد عرفت ما فيه.

حجة القول بالوجوب النفسي (3) الآية بناء على عطف قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) على الجملة الشرطية ، والأخبار الكثيرة الحاكمة بوجوب الغسل بعد عروض الجنابة كالمستفيضة الدالّة على كونه فريضة ، وأخرى دالّة على كونه واجبا ، وما دلّ على أنّ « من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار » (4) مضافا إلى الأوامر الواردة به الظاهرة في الوجوب النفسي.

ويدفعها (5) ما عرفت من ظهور الآية في خلاف ذلك ، ومطلق الوجوب ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في وجوب النفسي ، والمطلق لا يدلّ على الخاص.

نعم ، إطلاق الوجوب ينصرف إليه إلّا أنّ الدليل قائم في المقام على إرادة الغيري مع وهن الظهور بفهم جمهور الأصحاب خلافه في المقام.

مضافا إلى ورود الأوامر في إزالة الأخباث مع الاتفاق هناك على كون المقصود خصوص الغيري ، فيؤيّد ذلك إرادته في المقام.

ص: 119


1- الحدائق الناضرة 3 / 62.
2- في ( د ) : « غاية ».
3- زيادة في ( د ) : « ظاهر ».
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 572.
5- لم ترد في ( ب ) : « ويدفعها ... إنّما الكلام في ».

ولو سلّم التفاوت بين رفع الحدث والخبث فغاية الأمر أن يكون ارتفاع الحدث مطلوبا لذاته دون الآخر ، فيكون الغسل مطلوبا لأجله ، فلا يكون أيضا واجبا لنفسه ، بل لما يتفرّع عليه من ارتفاع الحدث والخبث فالقول بوجوب الغسلات المذكورة لنفسها بعيد جدّا بل لا يبعد القول بعدم استحبابها ، إنّما المندوب رفع الحدث كما مرّ القول فيه.

ص: 120

تبصرة: [ في المكروهات على الجنب ]

وحيث ذكرنا المحرّمات على الجنب فلنعقّبه بذكر مكروهاته ، وهي أمور :

منها : الأكل والشرب بلا خلاف فيه ظاهر. وعدّ في التذكرة (1) من مكروهاته الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه. وربّما يستظهر من الصدوق (2) القول بالمنع لحكمه بعدم جوازهما إلّا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق.

والظاهر حمله على الكراهة ؛ لتعليله المنع بخوف البرص ، ثمّ ذكر رواية إيراثه الفقر.

ويدلّ عليه بعد الاتفاق عدّة من النصوص كالصحيح : « إن كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضأ » (3).

وفي خبر السكوني : « لا يذوق الجنب شيئا حتّى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنّه يخاف منه الوضح » (4).

وفي حديث المناهي : نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن الأكل على الجنابة وقال : « إنّه يورث الفقر » (5).

وسياق هذه الأخبار صريح في إرادة الكراهة مضافا إلى الموثق المصرّح بجواز أكله وشربه ، فيكون شاهدا على ذلك.

ص: 121


1- تذكرة الفقهاء 1 / 242.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 83.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 83.
4- وسائل الشيعة 2 / 219 ، باب كراهة الأكل والشرب للجنب الا بعد الوضوء ، ح 2.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 178.

ثمّ إنّ المشهور كما حكاه بعض الأفاضل تقييد الكراهة بعدم المضمضة والاستنشاق ، والأخبار مختلفة في ذلك ففي الصحيح المذكور التقييد بالوضوء ، وفي آخر : « غسل يديه ويتمضمض » (1) ، و « غسل وجهه وأكل وشرب » (2).

وفي خبر السكوني المتقدّم ذكر غسل اليدين والمضمضة.

وفي صحيحة أخرى أنّه « يغسل يده والوضوء أفضل » (3).

ثمّ إنّ الأظهر الاكتفاء بأحد الأمور المذكورة وإن كان بعضها أولى من البعض ، والجمع بين الأمور الغير المصادقة منها أكمل. وذكر خصوص المضمضة والاستنشاق لم يوجد في شي ء من الأخبار سوى رواية الفقيه (4) إلّا أنّ فيها زيادة غسل اليدين كما في كلام الصدوق.

وهل يرتفع الكراهة بذلك أو تخف به؟ وجهان ، ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو الأوّل وإن كان ظاهر خبر المناهي إطلاق الكراهة إلّا أنّ قضية الجمع حملها على المقيّدات.

وهل يعتبر في ارتفاع الكراهة اتصافها بالأكل والشرب أو يكتفى بمجرد وقوعها في ارتفاعها؟ وجهان ، وقضية الإطلاقات هو الثاني.

ولا فرق من إيقاعها لأحد الأمرين أو لا لهما ؛ أخذا بالإطلاق (5).

ولو تخلّل بينهما حدث غير الجنابة ففي الاكتفاء بذلك الوضوء إشكال.

ولا يبعد القول بانتقاض حكمه ؛ لما دلّ بإطلاقه على انتقاضه بطروّ النواقض.

وهل يعمّ الحكم المأكول والمشروب العاديين وغيرهما أو يخصّ بالأوّل؟ وجهان ، وقضية الأصل والإطلاق الحمل على الثاني إلّا أنّ ظاهر رواية السكوني تعميم الحكم لكلّ ما يذاق (6) ، فالبناء عليه هو الأظهر.

ص: 122


1- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح 12.
2- الكافي 3 / 50 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح 1.
3- تهذيب الأحكام 1 / 372 ، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح 30.
4- في ( ب ) : « الفقه ».
5- في ( ب ) : « الإطلاقات ».
6- في ( د ) : « يدان ».

ولو تعذر عليه استعمال الماء ففي ارتفاع الكراهة بالتيمّم بدل الغسل أو الوضوء وجه قويّ بناء على عموم بدليّة التراب عن الماء.

هذا إذا قلنا بعدم كون التيمّم رافعا مطلقا وإلّا فلا إشكال.

ويتفرع على ما قلنا عدم مشروعية الوضوء لو تمكّن منه خاصّة إذا تيمّم بدلا من الغسل.

ومنها : النوم بلا خلاف فيه يعرف ؛ للصحيح : عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال : « يكره ذلك حتّى يتوضأ » (1).

والخبر : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلّا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمّم » (2).

ولو أراد النوم استحبّ له الوضوء كما دلّت عليه الصحيحة المذكورة ، ونصّ عليه الأصحاب.

وهل يرتفع به الكراهة؟ ظاهر الصحيحة ذلك ، وعدّ في التذكرة (3) من المكروهات النوم إلّا أن يتوضأ. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وقضية إطلاق الخبر الأخير بقاءها لبقاء الجنابة.

وقد يقال : إنّ قوله « ولا ينام إلّا على طهور » يدلّ على ارتفاع الكراهة بارتفاع (4) إحدى الطهارات الثلاث.

وفيه : أنّه لا يبعد حمله على بيان حكم آخر ، وهو استحباب النوم متطهّرا كما دلّت عليه المستفيضة ، ومرّت الإشارة إليه ، فيكون الضمير في « ينام » راجعا إلى المسلم مطلقا بل ربّما يقال بدلالته على كراهة النوم من غير طهارة ؛ أخذا بظاهر النهي.

وكأن الظهور فيه إذن بمعنى الطهارة.

ص: 123


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 179.
2- وسائل الشيعة 2 / 227 باب كراهة النوم للجنب الا بعد الوضوء ، ح 3.
3- تذكرة الفقهاء ، 1 / 242.
4- لم ترد في ( ب ) : « الكراهة بارتفاع ».

ويحتمل أيضا إرجاع الضمير إلى المسلم الجنب ، ويكون المقصود بيان كراهة نومه إلا بعد الاغتسال ؛ إذ هو طهور الجنب ، فالتيمّم المذكور بدله هو التيمّم عوض الغسل.

وعلى التقديرين فلا يقيّد ارتفاع الكراهة بمجرّد الوضوء كما توهّم.

ويؤيّده بعد إطلاق الطهور على وضوء الجنب لانتفاء الرفع فيه.

وكيف كان ، فلا شبهة في رجحان الغسل قبل النوم للموثّق : « إن (1) أحبّ أن يتوضّأ فليفعل والغسل أفضل من ذلك » (2).

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أينام على ذلك؟ قال : « إنّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس (3) في منامها ، فلا يدري ما يطرقه من البليّة إذا فرغ فليغتسل » (4).

وربّما يستفاد منه تعليل التعجيل باحتمال طروّ الموت على الجنابة ، فلا يكره لولاه كما بالنسبة إلى المعصومين حيث كانوا عالمين بوقت وفاتهم ، فلا يعارض الكراهة ، بل مرسلة الصدوق « أنا أنام على ذلك حتّى أصبح وذلك أني أريد أن أعود » (5).

بحمله على العود في الانتباه. كذا ذكره في الحدائق (6).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة في الصحيحة على ارتفاع الكراهة مع انتفاء احتمال الموت ، وقد دلّ غيره (7) على ثبوت الكراهة مطلقا ، وحمل العود على العود في الانتباه بعيد جدا سيّما مع تعلّق الإرادة به.

ثمّ إنّ ظاهر المرسل استثناء النوم على الجنابة مع إرادة العود إلى الجماع ، ولدلالة

ص: 124


1- زيادة : « إن » من ( د ).
2- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ، ح 10.
3- في ( ألف ) : « بهم في الأنس » بدلا من « يتوفى الأنفس ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 372.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 180.
6- الحدائق الناضرة 3 / 140.
7- لم ترد في ( ب ) : « غيره ».

فعله عليه السلام على انتفاء الكراهة ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

نعم ، قد يقال : إنّه لا دلالة فيها على عدم تقديمه الوضوء إلّا أن يستفاد ذلك من عدم ذكره مع تعليل الحكم بإرادة العود.

وكيف كان ، ففيها دلالة على مدخليّة إرادة العود في النوم على الجنابة إلّا أنّ الرواية يشكل في تقييدها بسائر الإطلاقات ، وما دلّ على التسامح في أدلّة السّنن لا يشمل مثل ذلك كما لا يخفى.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ في الصحيحة المذكورة إشارة إلى وجوب الغسل لنفسه إلّا أنّها ليست بتلك المكانة من الظهور ليمكن الاستناد إليها في مقابلة ما قدّمنا ، فتأمل.

ثمّ في اعتبار اتصال الوضوء بالنوم وعدم تخلّل الحدث بينهما ما مرّ.

ومنها : قراءة القرآن سوى العزائم الأربع ما زاد على سبع آيات على المشهور بين الأصحاب كما حكاه غير واحد منهم. وعن القاضي (1) المنع منها كذلك. وعن الديلمي المنع منه مطلقا.

وحكى في السرائر (2) (3) عن بعض علمائنا القول بتحريم ما زاد على السبعين ، واستضعفه.

والحق جواز القراءة (4) مطلقا ؛ للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه كصحيحة الفاضلين : الجنب والحائض هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (5).

وفي آخر : أتقرأ النفساء والجنب والحائض والرجل يتغوّط القرآن؟ قال : « يقرءون ما شاءوا » (6).

ص: 125


1- المهذب 1 / 34.
2- في ( ب ) و ( د ) : « التحرير ».
3- السرائر 1 / 117.
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- الإستبصار 1 / 115.
6- الإستبصار 1 / 114.

وأمّا ما في خبر السكوني (1) : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » وعدّ منها الجنب ، وخبر أبي سعيد الخدري - وكأنّه من روايات العامّة - في وصيّة النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام أنّه قال : « يا علي! من كان جنبا في الفراش مع امرءته فلا يقرء القرآن ، فإني [ أخشى ] (2) أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (3).

وكأنّهما مستند الديلمي ، فمع عدم حجيّتهما في نفسهما لا تقاومان تلك المعتبرة المعتضدة بالأصل والعمل ومخالفة العامة.

ويمكن حملها على الكراهة ، وكذا الحال في الموثق : عن الجنب هل يقرء القرآن؟ قال : « ما بينه وبين سبع آيات » (4).

قال الشيخ : وفي رواية زرعة ، عن سماعة : سبعين آية (5).

وكأنّ الأول مستند القاضي ، ولا يخفى ضعفه.

والظاهر أنّه مستند الأكثر في الحكم بكراهة ما زاد على السبع ، ولا بأس به لعدم صراحة الخبر في الحرمة.

فبقرينة الأخبار الأخر يتعيّن حملها على الكراهة إلّا أنّه يحتمل حملها على الثلاثة ؛ إذ القول بالمنع مطلقا أو على تفصيل معروف بين العامة.

وعن جماعة منهم الحكم بالكراهة مضافا إلى عدم إشعار المعتبرة المذكورة بالكراهة ، بل قد يستظهر من سياق جملة منها ، فبملاحظة ذلك يمكن المناقشة في ثبوت الكراهة إلّا أن البناء عليها أظهر بعد ظهور الموثقة المذكورة فيها المعتضدة بعمل الأصحاب وعدم صراحة غيرها بخلافها.

ص: 126


1- بحار الأنوار 89 / 212 ، باب آداب القراءة وأوقاتها ، ح 8.
2- الزيادة من المصدر.
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 552.
4- الإستبصار 1 / 115.
5- تهذيب الأحكام 1 / 129.

نعم ، المستفاد من ظاهر الموثقة الحكم بكراهة السبع أيضا ، وهناك تأمّل آخر من جهة اختلاف لفظ الرواية ؛ إذ في رواية عثمان بن عيسى عن سماعة حكاية السبعة ، وفي رواية زرعة عنه ذكر السبعين ، وكونهما روايتين خلاف الظاهر ؛ إذ الأظهر اتحادهما ، فالاختلاف إنّما يكون من جهة الرواة وكأنّه لذلك ورد الترديد في الحكم بالكراهة بين السبعة والسبعين في كلام بعض الأصحاب إشارة إلى اختلاف لفظ الحديث.

وحكم الفاضلان بكراهة ما زاد على السبعة وتأكدها فيما بعد السبعين. وكأنّه مبنيّ على تعدد الرواية.

ويمكن الاحتجاج للكراهة بما ورد من النهي عن قراءته حتّى يتطهّر كقول على عليه السلام : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر » (1).

وحينئذ لا يبعد القول بإطلاق الكراهة ، وحمل ما دلّ على جواز ما دون السبع على الرخصة وتخفيف الكراهة.

ويؤيّده أنّ ظاهر الرواية المذكورة وغيرها جريان الحكم في المحدث بالأصغر ولم يظهر هناك قول بالتفصيل يعدّ مذهبا أولى إلّا أن يستشكل هناك في ثبوت الكراهة ويدفع ممّا ذكرناه ، ولا بعد فيه بعد ورود الدليل ومناسبته للتعظيم.

وفي بعض الأخبار : « إنّ لقاري القرآن متطهّرا في غير صلاة خمس وعشرون حسنة وغير متطهّر عشر حسنات » (2).

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءته عن المصحف أو عن الحفظ ولا بين الآيات القصار والطوال.

وفي جريان الحكم في الآية المتكررة سبعا فما زاد إشكال ، وكذا الحال لو زاد على السبع بتكرار بعضها ، ولو لم يتمّ الآيات ففي ثبوت الكراهة أيضا إشكال.

ويحتمل فيه مراعاة التلفيق. والأظهر مراعاة العدد في مجموع زمان الجنابة ، فلا يشترط توالي السبع.

ص: 127


1- الخصال : 627.
2- وسائل الشيعة 6 / 197 ، باب استحباب الطهارة لقراءة القرآن ، ح 3.

وهل يعتبر كون القراءة صحيحة ، فلو ظنّ في إعرابها لم يثبت الكراهة احتمال. وكأنّ الأظهر خلافه بعد صدق اسم القرآن.

ومنها : مسّ المصحف فيما عدا الكتابة من الأوراق والجلد ، على ما نصّ عليه الشيخان (1) وجماعة. وعن السيد القول بالمنع.

وربّما يستفاد من عبارة الفقيه (2) عدم كراهة مس الورق. والأصل في الحكم عبد الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه ، إنّ اللّه يقول : ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (3) » (4).

وهي وإن كانت ظاهرة في المنع إلّا أنّها لضعفها وإطباق الأصحاب سوى الشاذ على خلافه لا ينهض حجّة على المنع ، فيثبت بها الكراهة.

نعم ، هناك تأمّل في دلالتها ؛ نظرا إلى احتمال حمل مسّ المصحف على مسّ الكتابة إلّا أنّ الأظهر صدقه على الأوراق المتضامّة بالدفتين كما لا يخفى.

ويؤيّده إرجاع الضمير في « ولا تعلقه » إليه ، فيعمّ الكراهة مسّ الجميع إلّا أنّ الكراهة منوطة بالاتصال بالكتابة ، فلو انفصل عند الجلد لم يكره في وجه قوي.

مضافا إلى أنّ النهي عن مسّ خطّه وتعليقه يدلّ عليه بالأولى.

وبناء على كون خطّه مصحفا عن خطّه كما في بعض النسخ ، ففيه شهادة بكون خطّ المصحف أعمّ منه وإلّا لكان تكرارا.

نعم ، في هذه الرواية دلالة على كراهة مسّ المحدث بالأصغر وتعليقه ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

وممّا يدلّ على الكراهة في المقام ما في الصحيح من أنّ الجنب والحائض يفتحان المصحف

ص: 128


1- المبسوط 1 / 29 ، المقنعة : 51.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 87.
3- الواقعة : 79.
4- تهذيب الأحكام 1 / 127 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 35.

من وراء الثوب. مضافا إلى اعتضاده بما دلّ على تعظيم الشعائر وتأيّده بفتوى الجماعة.

ومنها : مسّ الكتب السماويّة المنسوخة. وذكره الشهيد ولم نجد مستنده.

وكأنّه لقضية التعظيم.

وحينئذ يمكن التسرية إلى الأدعية المأثورة كالصحيفة السجاديّة بل كتب الأحاديث.

ومنها : كتابة القرآن ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة في الوضوء بعد حملها على الكراهة لعدم قائل بمضمونها ، وعدم صراحتها إلى (1) الحرمة. ويمكن إلحاق كتابة الأدعية المأثورة به ، وكذا الاخبار المأثورة.

ومنها : الخضاب عنده ، كما في التذكرة (2). وحكي عليه الشهرة في كلام بعض الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (3) والسيد والفاضلان (4) وغيرهم (5).

وكذا يكره الجنابة وهو مختضب للنصوص المستفيضة الدالّة عليها. وفي الخبر بعد النهي عن الأمرين إجراء الحكم في الطامث ، التعليل بأنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك.

وفي خبر آخر : « من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء » (6).

وفي غير واحد من الأخبار نفي البأس عنه محمول على انتفاء الحرمة ، فلا يدلّ على انتفاء الكراهة.

نعم ، قد يستثنى من الأخير ما إذا تمّ لون الخضاب وأخذ مأخذه ؛ لرواية أبي سعيد النهي عن الأمرين : « أفلا أدلك على شي ء تفعله؟ » قلت : بلى ، قال : « إذا اختضبت بالحناء وأخذ

ص: 129


1- في ( د ) : « في ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 243.
3- المبسوط 1 / 29 ، مصباح المتهجد : 10 ، المقنعة : 58.
4- المعتبر 1 / 192 ، شرائع الإسلام 1 / 22 ، تحرير الأحكام 1 / 92.
5- الذكرى 1 / 274.
6- وسائل الشيعة 2 / 223 ، باب جواز خضاب الجنب والحائض والنفساء وجنابة المختضب ح 10.

الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع » (1) مع تسرية الحكم إلى غير الحنّاء ؛ أخذا بالفحوى.

وعن المفيد تعليل الحكم بمنع الخضاب من وصول الماء إلى ظاهر الجوارح. وكأنّ مقصوده منعه من استيلاء الماء تامّا على العضو لبقاء أجزاء منه في المحلّ كما هو معلوم بالتجربة وإن قلنا بجواز حصول اللون من دون الانتقال (2) أو قلنا بجواز الانتقال (3) في الإعراض إلّا أنّه يرد عليه لزوم القول ببقاء الكراهة بعد غسل الخضاب أيضا ؛ لبقاء تلك الأجزاء ، ولا يقول به أحد.

ثمّ إنّ ظاهر الإطلاقات عدم الفرق بين كون الخضاب على الشعر أو الجسد وكونه بحناء أو غيره.

ومنها : الادهان ، للنهي عنه في خبر السكوني ، وفي خبر حريز : « الجنب يدهن ثمّ يغتسل؟ قال : « لا » (4).

ومنها : جماع الحامل ؛ لما دلّ على كراهة وطيها من غير وضوء الشامل لحال الجنابة وإن حمل الوضوء فيها على ما يعمّ غير الرافع ارتفعت الكراهة بالوضوء ، وإلّا استمرّ الحكم.

ومنها : جماع المحتلم دون غيره. ذكره الشهيد (5) ، ولم نجد مستنده.

ومنها : دخول المساجد غير المسجدين من غير لبث. ذكره الشهيد وغيره لمّا وصّاه النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « إنّ اللّه كرّه لأمّتي العبث في الصلاة .. » إلى أن قال : « وإتيان (6) المساجد جنبا » (7).

ص: 130


1- وسائل الشيعة 2 / 221 ، باب جواز خضاب الجنب ، ح 4.
2- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
3- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
4- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ويختضب ويدهن ، ح 6.
5- الذكرى 1 / 193.
6- قد تقرأ في مخطوطات الأصل : « إتيان » بتقديم الياء ، وما أدرجناه من المصدر.
7- من لا يحضره الفقيه 4 / 356.

وفي خبر آخر (1) عدّه من الخصال الّتي كرهها اللّه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وكرهها النبيّ للأوصياء من ولده وأتباعهم من بعده ، وقد يحمل الكراهة على الحرمة لحرمة اللبث وكون الإتيان مستلزما له في الغالب ، فيقيّد بما دلّ على اختصاصه باللبث بالنسبة إلى سائر المساجد.

ومنها : دخول المشاهد المشرّفة لغير الأنبياء والأئمّة عليهم السلام كحضرة العباس [ عليه السلام ] واللبث على ما مرّت الإشارة.

ص: 131


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 71.

البحث الثالث: في بيان كيفية غسل الجنابة من واجباتها ومندوبها وما يتعلّق بها

تبصرة: [ في كيفية الغسل ]

للغسل في الشرع كيفيّتان :

أحدهما : الترتيب ، وغسل كلّ من الرأس والجانبين مستوعبا للجميع بلا خلاف فيه ، مراعيا للترتيب من تقديم الرأس على اليمين وتقديمها على اليسار.

أمّا الأوّل فموضع وفاق بين الطائفة ، وقد حكي الإجماع عليه في كلام جماعة من الأجلّة ، واستفاض به الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة كصحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صبّ على منكبه الأيمن » (1) الخبر.

وصحيحة محمّد بن مسلم : « ثمّ تصبّ على رأسك ثلاث أكف ثمّ تصب على سائر جسدك » (2).

وصحيحة حريز الموقوفة : « أبدأ بالرأس ثمّ افض على سائر جسدك ».

وقد أسنده الصدوق إلى الصادق عليه السلام في كتاب مدينة العلم كما ذكره في الذكرى (3).

وربّما يعزى هنا إلى الصدوقين والإسكافي القول بعدم وجوب الترتيب ، وليس ثبت بل

ص: 132


1- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 4.
2- الإستبصار 1 / 123 ، باب وجوب الترتيب في غسل الجنابة ح 2.
3- الذكرى 2 / 165.

صريح ما نقله الصدوق في الهداية (1) عن والده وجوب (2) الترتيب بينهما حيث قال : فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك.

وظاهر ذلك عدم مخالفة ولده له كما هو دأبه عند نقل كلامه ، وهناك روايات مستفيضة يستفاد من إطلاقها عدم وجوب الترتيب المذكور. وهي محمولة على الأخبار المقيّدة كما هو قضية القاعدة ، مضافا إلى ما عرفت من الإجماع.

ويدخل الرقبة هنا في الرأس بلا خلاف فيه يعرف. وقد حكى إجماعهم عليه غير واحد. وهو المعلوم من ملاحظة فتاواهم.

وفي الأخبار إشارة إليه كصحيحة زرارة المتقدّمة ؛ فإنّ ذكر غسل المنكبين بعد ذكر الرأس دليل على دخول الرقبة فيه ؛ لعدم اندراجه في المنكبين الحدم (3) قطعا ، وعدم سقوط غسله أو احتسابه عضوا واحدا إجماعا.

وفي موثقة سماعة : « ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرات ملأ كفّيه ، ثمّ ليضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه » (4).

واستشكل فيه جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (5) بل مال بعضهم إلى خروجها عنه ؛ لفقد النصّ الدالّ على الدخول وخروجها عن اسم الرأس لغة وعرفا.

وربّما يستدلّ عليه بالصحيح : « ثمّ يصبّ الماء على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه » ؛ لقضاء العطف بخروج الوجه عن الرأس ، فخروج الرقبة أولى.

وضعفه ظاهر ؛ إذ دخول الوجه (6) ممّا لا كلام فيه ، فكيف يستدلّ بمفهومه مع عدم البناء على المنطوق لو سلّمت دلالته عليه.

ص: 133


1- وانظر : من لا يحضره الفقيه 1 / 88.
2- في ( ألف ) : « وجب ».
3- كذا ، ولم ترد في ( د ) : « الحدم ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 132 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 55.
5- ذخيرة المعاد 1 / 56.
6- زيادة في ( د ) : « فيه ».

وفي كلام غير واحد من الأفاضل أنّه لا ثمرة لهذا الخلاف بعد تصريح الأصحاب بل اتفاقهم على غسلها مع الرأس.

وأمّا وجوب الترتيب بين اليمين والشمال فهو المعروف بين الطائفة ، بل اتّفقت عليه الكلمة سوى ما حكي عن الصدوقين والإسكافي من خلوّ كلماتهم عن اعتبار الشرط المذكور (1).

وقد حكي عليه اجماع الطائفة.

واستشكل فيه (2) جماعة من المتأخرين ؛ لخلوّ الأخبار عن اعتبار الشرط المذكور.

وأوّل من استشكل فيه المحقق في المعتبر (3) حيث ذكر أنّ تقديم الرأس على الجسد ممّا دلّت عليه الأخبار بخلاف تقديم اليمين على الشمال ؛ فإنّها غير صريحة فيه (4) قال : لكن فقهاءنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على الشمال ويجعلونه شرطا في صحّة الغسل. وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم. انتهى.

ويدلّ عليه بعد الإجماع والاحتياط من جهة ضعف الإطلاقات - بإعراض الأصحاب عن العمل بها قضيّة اليقين بالشغل اليقين بالفراغ - ظاهر صحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين » (5) الخبر ، لو قيل بدلالة الواو على الترتيب كما نصّ عليه بعض أعاظم أهل العربيّة أو استفادته من الترتيب في الذكر أو يقال بأن قضية الأمر وجوب الغسل كذلك.

ولا يعتبر ذلك إجماعا إلّا مع اعتبار الترتيب ، والأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الترتيب بين اليمين والشمال في غسل الميّت ، مع ما دلّ على أن غسل الميّت هو غسل الجنابة لخروج النطفة منه كما يدلّ عليه المستفيضة أو أنّه كغسل الجنابة كما في رواية محمّد بن مسلم :

ص: 134


1- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « وعن العماني أيضا عطف الأيمن على الأيسر بالواو ، وعلى نحو الإخبار ، وليس شي ء من ذلك صريحا في عدم اعتبار الترتيب ».
2- لم ترد في ( ب ) : « فيه ... استشكل ».
3- المعتبر 1 / 183.
4- زيادة في ( د ) : « ثمّ ».
5- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 4.

« غسل الميّت كغسل الجنابة » (1).

وكأنّ الوجه في خلو الأخبار عن التصريح وضوح الحال فيه من جريان السيرة وبناء العمل عليه كما هو المعلوم في هذا الزمان ، بل وسائر الأزمنة.

بل الظاهر الاكتفاء في إثبات ذلك بالسيرة المعلومة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمّة عليهم السلام أو تقريرهم عليه.

مضافا إلى أنّه من أشدّ ما أعلم (2) به البليّة ، ولا يمكن أن يخفى الحكم في مثله على آحاد الطائفة ، فكيف بالعلماء الأجلّة من لدن أعصار الأئمّة عليهم السلام إلى هذه الأزمنة.

ثمّ إنّ العورة لمّا كانت عضوا مستقلا واقعا على الحدّ المشترك بين العضوين وقع التأمل في الاكتفاء بغسله مرّة واحدة مع أحد الجانبين أو لزوم (3) تكرير غسله مع الجنبين ، فعن جماعة استظهار الأوّل ، وعن بعضهم البناء على الأخير.

ويقوى في النظر الاكتفاء بغسله مرّة في اليمين مبتدأ من جانب اليمين منتهيا إلى اليسار.

ويحتمل قويا في البيضتين إلحاق ما في طرف اليمين [ باليمين ] وما في جانب اليسار باليسار. والأحوط فيهما ما ذكرنا.

والظاهر ذلك أولى من غسلها مع الجنبين ، بل تكرار غسلها لا يخلو عن الإشكال ؛ إذ من الظاهر عدم وجوبه في أصل الشرع والإتيان به من باب المقدمة مع انتفاء طريق آخر لا إشكال [ فيه ] ، وأمّا معه فلا يخلو عن تأمّل.

هذا ، ويجب إدخال حدود كلّ من الثلاثة في الآخر من باب المقدّمة على نحو ما مرّ في الوضوء ، فلا بدّ من تكرار الفصول الثلاثة.

وقد يكتفى في الفصل بين الرأس واليمين وبينها وبين اليسار بإيصال آخر الأول بأوّل

ص: 135


1- وسائل الشيعة 2 / 486 ، وفيه ، نص الرواية « غسل الميت مثل غسل الجنب » ، ح 1.
2- في ( د ) : « يعلم ».
3- في ( ب ) : « لو لزم » بدل « أو لزوم ».

الآخر (1) إن أمكن حصول العلم به كذلك ، ويكتفى في حصول الغسل بأقلّ مسمّاه.

وقد ورد الاكتفاء بالمسح في غسل الجانبين عند قلّة الماء ، وهو متروك أو محمول على الغسل الخفيف.

ولا فرق بين كون الغسل بالصبّ أو به أو (2) بإمرار اليد أو غيرها أو بالدخول في الماء أو بالخروج عنه أو بالكون تحت الماء .. إلى غير ذلك من وجوه الغسل كما مرّ القول فيه في الوضوء.

ص: 136


1- في ( د ) : « الأوّل ».
2- في ( د ) : « و ».
تبصرة: [ في الغسل الارتماسي ]

النحو الثاني من كيفيّتي الغسل الارتماسيّ ، والاجتزاء به في الغسل ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه مع ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح كالصحيح : « لو أنّ رجلا أن ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (1).

ونحوه صحيحة أخرى (2).

وظاهر الأخبار اعتبار الوحدة فيه ، وهو حجّة الأصحاب في اعتبار الدفعة العرفيّة حملا للوحدة على الدفعة المتعارفة ، فلا ينافيها الاحتياج إلى التخليل في الشعر الكثيف ونحوه أو إزالة المانع من وصول الماء مع عدم طول المدّة.

وقضية ذلك عدم صحّة الغسل مع عدم صدق الوحدة المذكورة كأن دخل شيئا فشيئا في الماء بحيث لم يصدق معه الدفعة العرفيّة.

وقد يستشكل فيه بإمكان حمل الواحد في المقام على ما يقابل المتعدّد ، فالمقصود أنّ الغسل الواحد الحاصل الارتماس كان فيه.

ويؤيّده أنّه في مقابلة الترتيب المعتبر فيه تعدّد الغسلات ، فلا دلالة فيها على اعتبار حصوله بالدفعة العرفيّة.

والأظهر أن يقال : إنّه بعد الغسل في الارتماس حاصلا باستيلاء الماء على البدن تحت الماء ( لم يتّجه اعتبار الواحدة في الارتماس ؛ إذ ليس الارتماس فيه إذا إلّا مقدّمة للغسل ، ووحدة

ص: 137


1- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرجل يغتسل في مكان غير طيب ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 148 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 112 و 113.

ومع (1) تسليم خروجه عن الجسد فهو داخل في الرأس لعين ما ذكروه في اليد ، واندراجه في الجانب الأيمن والأيسر المعبّر به في غير واحد من الأخبار.

مضافا إلى أنّه قضية الأمر بالإرواء الوارد في حسنة الكاهلي عن الصادق عليه السلام : في المرأة الّتي في رأسها [ مشطة ] حيث قال : « مرها تروي رأسها في الماء وتعصره حتّى يروي ، فإذا روى فلا بأس عليها » (2).

وخصوص قوله عليه السلام في الخبر : « من ترك شعرة من الجنابة [ متعمدا ] (3) فهو في النار » (4).

وقوله عليه السلام في المرسل : « تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة » (5).

ويشير إليه ما ورد من الأمر بمبالغة النساء في الغسل من جهة شعر رءوسهنّ.

قلت : الإشكال بالنسبة إلى الشعر المختصّ في محلّه ، وإن كان بعض الوجوه المذكورة موهوما ؛ لما مرّ الكلام فيه في مباحث الوضوء.

ومع ذلك فالأظهر فيه أيضا عدم الوجوب ؛ نظرا إلى ظاهر الإجماعين المحكيّين المعتضدين بقطع جماعة من الأصحاب ، بل لا يعرف فيه مخالف منهم.

والقول به في الوضوء إنّما كان بمعونة فهم الأصحاب ، وهو هنا بالعكس.

وأمّا بالنسبة إلى المسترسل ، فلا إشكال أصلا ؛ لعدم دخوله في اسم الجسد ولا الرأس ولا اليمين واليسار مطلقا على نحو ما مرّ في الوضوء.

والروايات المذكورة لا يشهد بذلك ؛ لاحتمال أن يكون الأمر بالإرواء من جهة استظهار وصول الماء إلى نفس البشرة.

وكأنّه السرّ في الأمر بما لغتهنّ في الغسل.

ص: 138


1- في ( ألف ) : « من ».
2- الكافي 3 / 81 ، باب غسل الحائض ويجزئها من الماء ، ح 1.
3- الزيادة من المصدر.
4- تهذيب الأحكام 1 / 135 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 64.
5- كنز العمال للمتقى الهندي 5 / 135 ، على ما حكى عنه.

وقوله عليه السلام : « من ترك شعرة » كان المقصود به مقدار الشعرة كما هو الشائع في العرف ، وهو وإن كان مجازا إلّا أن شيوعه في الاستعمالات وقرينة قوله « من الجنابة » شاهد عليه ؛ لعدم تحقّق الجنابة في الشعر كما أشعر به المرسلة المذكورة.

ص: 139

تبصرة: [ في غسل البشرة والتخليل ]

الواجب في الغسل هو غسل البشرة خاصّة على المعروف بين الأصحاب ، فلا يجب غسل الشعر سواء كان مسترسلا أو محتقنا (1) بالمحلّ.

ويجب تخليل الشعر المانع وغيره من سائر الموانع كالخاتم والسوار والدواء المطلّي على العضو ونحوها ، فيجري الماء تحتها.

والوجه في الأخير واضح.

أمّا الأوّل فيحتج عليه بدلالة الأخبار على وجوب غسل الجسد ، وهو خارج عنه.

وفي ظاهر المعتبر (2) والذكرى (3) حكاية الإجماع عليه. وعن ظاهر المفيد (4) وجوب غسل الشعر حيث قال عند بيان غسل المرأة : وإذا كان الشعر مشدودا حلّته.

واستشكل (5) غير واحد من متأخر المتأخرين ، بل حكى صاحب الحدائق (6) عن بعض محقّقي مشايخه تقوية القول بالوجوب ، وجعله موافقا للفتوى (7) والاحتياط.

والوجه في الإشكال احتمال دخوله الجسد ولو تبعا كما حكموا به في الوضوء ، لدخوله في محلّ الفرض أو لكونه من توابع اليد.

ص: 140


1- في ( ب ) و ( د ) : « مختصا ».
2- المعتبر 1 / 194.
3- الذكرى 2 / 236.
4- المقنعة : 54.
5- زيادة في ( د ) : « فيه ».
6- الحدائق الناضرة 3 / 90.
7- هذا كما في ( د ) ، وفي ( ألف ) : « للتقوى » كما قد يقرأ كذلك في ( ب ) ، وفي المصدر المطبوع : « للتقوى ».

الغسل حينئذ حاصلة بحسب الماء ) (1).

وربّما يعتبر فيه حينئذ الوحدة الحقيقيّة لإمكانها فيه لا شاهد عليه.

وإن جعل مجرّد الارتماس غسلا لم يبعد اعتبار الدفعة العرفية ؛ إذ هي المفروض [ من ] ظاهر العبارة عرفا ( مضافا إلى فهم الجماعة وتأيّده بالاحتياط.

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار المذكورة سقوط الترتيب مع الارتماس كما هو ) (2) ظاهر الأصحاب من الشيخ اعتبار الترتيب حكما.

وحكاه في المبسوط (3) عن بعض الأصحاب أيضا.

وفسّر بوجهين :

أحدهما : وجوب قصد الفاعل في الترتيب بأن ينوي أوّلا غسل رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر.

ويظهر من الفاضلين حمل كلامه ظاهرا عليه.

ثانيهما : أن يكون المقصود وقوفه مرتبا في الواقع وإن لم ينوه. وهو الّذي صرّح به في الاستبصار (4) حيث قال : لأنّ المرتمس يترتّب حكما وإن لم يترتّب فعلا ؛ لأنّه إذا خرج من الماء حكم له أوّلا بطهارة رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر احتمل سقوط اعتبار الترتيب فيه.

ولا يذهب عليك أنّه لا يحكم في المرتب إلّا بتطهير الأعضاء دفعة ، فقوله « بطهارة الأعضاء مرتبا » لا يلائم ذلك إلّا أن يقال : إنّه أراد بالطهارة سببها ، فكأنّه قال : حكم عليه بغسل رأسه أوّلا أو يقال : إنّه أراد تنزيل ذلك منزلة الترتيب في الفعل المعتبر في المرتب ، فيشتركان في الترتّب في الحمام.

ص: 141


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
3- المبسوط 1 / 29.
4- الإستبصار 1 / 125.

وكيف كان ، فالوجه في اعتبار الترتيب المذكور هو الجمع بين ما دلّ على اعتبار الترتيب في الغسل وما أفاد الاكتفاء بمجرّد الارتماس ، فأراد الجمع بينهما بالنحو المذكور.

وأنت خبير بأنّه لا معارضة بين الأخبار المذكورة بوجه ليحتاج إلى الجمع ، بل الظاهر أنّ كلّا من الطريقين كيفية مستقلّة للغسل ، فلا داعي إلى إرجاع أحدهما إلى الآخر.

ثمّ إنّه فرع على القول باعتبار الترتيب المذكور أمران :

أحدهما : عدم الحاجة إلى إعادة الغسل لو وجد لمعة منفصلة من أعضائه ، فإنّه يكفي بغسله وغسل العضو الّذي بعده على القول به ، ولا بدّ من إعادة الغسل بعدمه ؛ لانتفاء الوحدة المعتبرة بفعله.

ثانيهما : برّ النذر بفعله إذا نذر الغسل ترتيبا بخلاف ما إذا لم يعتبر فيه الترتيب.

هذا ، ولا يخفى عليك أنّ كلا من التفريعين المذكورين محلّ كلام ، بل الأظهر عدم تفريعهما على القول المذكور كما يظهر بأدنى تأمّل.

ص: 142

تبصرة: [ تنبيهات حول الارتماس ]

وهاهنا أمور ينبغي الاشارة إليها :

أحدها : هل يعتبر في صحة الارتماس الخروج من الماء ليلقي نفسه فيه دفعة أو صحّ (1) وإن كان في الماء؟ ظاهر الأصحاب الثاني حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه ، وهو ظاهر الأخبار.

والأوّل مختار جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (2) (3) ، كأنّه لتوهّم عدم صدق الارتماس من دونه.

وهو بمكان من الضعف ؛ إذ من البيّن صدقه حال الكون فيه.

نعم ، الظاهر عدم صدقه مع كون جميع البدن تحت الماء كما هو ظاهر من ملاحظة العرف وإن أسفل الماء إلى مكان أسفل. ودعوى صدقه إذن كما احتمله (4) بعضهم بعيد جدا بل الظاهر اعتبار خروج الرأس كلّه أو أكثره من الماء ، فالقول باعتبار الخروج فيه خاصّة غير بعيد إلّا أن الأظهر عدم اعتباره أيضا لحصول المعنى المقصود مع دخوله في الماء أيضا ؛ إذ الغرض استيلاء الماء على جميع البدن ، وهو حاصل به سيّما إذا قلنا بحصول الغسل و (5) الارتماس عند استيلاء الماء على الأعضاء ، فإنّ كون الاستيلاء عن رمس ممّا لا دخل له في تحقّقه. ولذا يكتفى بحصوله من دونه كما في الوقوف تحت المطر الغزير كما سيجي ء.

ص: 143


1- في ( د ) : « يصحّ ».
2- زيادة في ( د ) : « و ».
3- ذخيرة المعاد 1 / 56.
4- في ( ب ) : « احتمل ».
5- في ( د ) : « في ».

هذا ، وقد نصّ على الاكتفاء بما قلناه جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر جماعة آخرين أيضا منهم العلامة والشهيد (1) حيث ذكروا في مسألة غسالة الجنب حتّى الغسل اذا نواه بعد الارتماس في الماء ، بل ذكر في الحدائق (2) : أنّه لو نواه بعد تمام الارتماس في الماء ، فإنّه يصح غسله إجماعا. ففي ذلك تأييد لما رجّحناه.

ثانيها : هل يحصل الغسل في الارتماس بدخول الأعضاء في الماء أو يتوقف حصوله على استيلائه على جميع البدن؟ وجهان.

ويتفرّع عليهما مسألة النيّة ، وأنّه لو عرض مانع من طين ونحوه بعد الدخول في الماء يبقى القول بصحّة الغسل على الأول بخلاف الأخير.

لا دلالة في الأخبار على تعيين شي ء من الوجهين ، وكلام كثير من الأصحاب مطلق في ذلك. والّذي يتعقّل في النظر - نظرا إلى إطلاق الأخبار - (3) جواز الأمرين ، وهو (4) الظاهر من جماعة من الأصحاب عند ذكر غسالة الجنب كما قدّمنا الإشارة إليه ، والأحوط نيّة الغسل عند كلّ من الأمرين ، ولو نوى الغسل بمجرّد الرمس من دون تعيين قوي الاكتفاء به ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

ولا يخلو عن تأمّل.

ثالثها : في إجراء حكم الارتماس بالوقوف تحت المطر الغزير بحيث يستوعب جميع البدن وجهان ؛ من خروجه عن اسم الارتماس ، ومن كونه بمنزلته.

وإطلاق عدّة من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟

ص: 144


1- في الذكرى 1 / 104.
2- الحدائق الناضرة 1 / 454.
3- في ( ألف ) : « الأخبار على ».
4- في ( ألف ) : « هو ».

فقال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (1).

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة لا يقدر على الماء فيصيبه المطر أيجزيه ذلك أو عليه التيمّم؟ فقال : « إن غسله أجزأه ، وإلّا تيمّم » (2).

وفي المرسل ، عن الصادق عليه السلام : في رجل أصابته (3) جنابة فقام (4) في المطر حتّى سال على جسده أيجزيه ذلك عن الغسل؟ قال : « نعم » (5).

وقد يستشكل فيه من جهة كون الإلحاق قياسا والإطلاقات المذكورة منزّلة على غسل الترتيب ؛ لما دلّ على اعتبار الترتيب من الأخبار والإجماع إلّا أنّ الأخذ بظاهرها مع التأيّد بالاعتبار المذكور أظهر ؛ إذ ما ذكر كيفيّة أخرى للغسل ، فلا معارضة توجب الحمل.

وفيه تأمّل.

رابعها : نصّ غير واحد من الأصحاب بأفضلية الترتيب على الارتماس. ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه صريحا.

وقد تستدل له بأنّه المعروف من فعل المعصومين عليهم السلام وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ (6) الترتيب هو الأصل في وضع الغسل حيث فسّر الغسل في عدّة أخبار بالمرتّب ، والمذكور في أخبار الارتماس أنّه يجزيه عن غسله ، وهو ظاهر في كون ذلك على خلاف أصل وضعه (7).

وظاهر المفيد (8) كراهة الارتماس في الماء الراكد ، قال : إنّه (9) إن كان قليلا أفسده وإن كان

ص: 145


1- الإستبصار 1 / 125 ، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة ح 7.
2- وسائل الشيعة 2 / 232 ، باب كيفية غسل الجنابة وارتماسا ، ح 11.
3- في مخطوطات الأصل : أصابه. وما أدرجناه من المصدر.
4- في مخطوطات الأصل : فقال. وما أدرجناه من المصدر.
5- الكافي 3 / 44 باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 7.
6- زيادة : « أنّ » من ( د ).
7- في ( ألف ) : « الأصل ومنعه » بدلا من « أصل وضعه ».
8- المقنعة : 54.
9- لم ترد في ( ب ) : « قال إنّه ... المذكورة ».

كثيرا خالف السنّة. وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (1) عند شرح العبارة المذكورة.

واحتجّ له على الأوّل بأنّ الجنب حكمه حكم النجس ، فإذا لاقى القليل فسد. وكأنّه أراد بذلك خروجه عن الطهوريّة بالاغتسال فيه ؛ إذ لا قائل في الطائفة بظاهر ما ذكره.

وعلى الثاني بصحيحة ابن بزيع : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الّذي لا يجوز؟ فكتب (2) : « لا توضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه » (3) قال : قوله « لا توضّأ .. » إلى آخره ، يدلّ على كراهة النزول (4) بينه ، وإلّا لما قيّد الوضوء والغسل منه بحال الضرورة.

ولا يذهب عليك ما يرد على كلّ من الوجهين ؛ إذ لا يصلح شي ء منهما لإفادة كراهة الاغتسال فيه ( أوّلا. نعم ، يمكن الاستدلال بالأخير على كراهة الاغتسال فيه بعد الاغتسال فيه ) (5) سواء كان الغسلان مرتبين أو ارتماسيين ، وهو غير المدّعي. وكذا البدأة من الأعلى فيجوز الوجهان بلا خلاف فيه يظهر ؛ أخذا بالإطلاقات ، وظاهر خصوص بعض الروايات.

وربّما يظهر من بعض الأخبار اعتبار البدأة بالأعلى ، وهي محمولة على بيان المغسول أو على الندب.

ص: 146


1- تهذيب الأحكام 1 / 149.
2- لم ترد في ( ب ) : « فكتب ... غير المدّعي ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 150.
4- هذا هو الصحيح ، وفي الأصل : « الرول ».
5- ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).
تبصرة: [ في سائر شرائط الغسل ]

يشترط في الماء والمكان والآتية ما مرّ في الوضوء ، وكذا الحال في سائر الشرائط الماضية هناك إلّا ما نشير إليه.

ولا يشترط فيه الموالاة بشي ء من المعنيين بالإجماع وعدّة من الأخبار.

وهل يشترط تقديم إزالة النجاسة على الغسل أو على غسل العضو أو لا يشترط مطلقا؟ وجوه بل أقوال :

فالأوّل : محكي عن العلّامة في ظاهر القواعد وجماعة من الأصحاب.

والثاني مذهب جماعة منهم الشهيد (1) والمحقق الكركي (2).

والثالث محكي عن الشيخ في المبسوط (3) حتّى أنّه صرّح بصحّة الغسل مع بقاء نجاسة المحلّ.

واختاره بعض المتأخرين.

ويمكن أن يحتجّ للأوّل بظواهر الأخبار الآمرة بإزالة النجاسة أوّلا ، ثمّ الشروع في غسل الأعضاء العاطفة معهما ب- « ثمّ » الدالّة على الترتيب. وقد يورد عليه باندراج ذلك في سلك جملة من المستحبّات كغسل اليدين أو المضمضة والاستنشاق ونحوهما ، فلا يفيد الوجوب.

ويضعّفه أنّ قيام الدليل على حمل غيره على الندب لا يدلّ على حمله عليه مع مخالفته للأصل.

ص: 147


1- البيان : 15.
2- جامع المقاصد 1 / 279.
3- المبسوط 1 / 29.

مضافا إلى أنّه ليس المنضمّ إليه من المندوبات في غير واحد منها سوى غسل اليدين.

ويحتجّ للثاني بأنّ كلّا من الخبث والحدث سبب في وجوب الغسل ، فلا يتداخلان وأنّ الماء القليل إذا ورد على المحلّ النجس ينجس به ، فلا يقوي على رفع الحدث ؛ لما دلّ على اعتبار طهارته.

ويضعّف الأوّل أنّ دعوى أصالة عدم التداخل مطلقا غير مسلّم ، وإنّما يسلّم ذلك في خصوص العبادات ، وليس إزالة النجاسة من جملتها ، ولذا يحصل من دون قصدها ، وهو واضح.

والثاني أنّه إنّما يجري في الماء المنفعل بالملاقاة دون المعتصم ، وأن غاية ما يسلم من اعتبار الطهارة فيه إنما هو كونه طاهرا قبل الاستعمال لا بعده كما هو الشأن في إزالة الخبث ، فلا ينافيه التنجس به كما هو المفروض.

نعم ، يمكن القول بعدم الاكتفاء بإجرائه (1) إلى ما بعده مع تأمّل فيه بالنسبة إلى ما يعدّ معه استعمالا واحدا في العرف.

والحجّة للثالث : الإطلاقات مع عدم قيام دليل على اعتبار شي ء من الأمرين ، بناء على تضعيف الحجّتين.

قلت : الروايات الواردة في المقام قد ورد في جملة منها الأمر بتطهير الفرج قبل الغسل ، وفي بعضها الأمر بغسل ما أصابه منه ، فيعمّ الفرج وغيره.

وفي الصحيح : « ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك » (2).

وهذا يعمّ نجاسة المني وغيره ، فالقول باختصاص الأخبار بنجاسة المني وبعد غيرها عن سياقها ليس على ما ينبغي ، بل الظاهر شمول جميعها لنجاسة البول الحاصل في المحلّ ، غاية الأمر أن يكون أكثرها شاملا لغيرهما من النجاسات.

ويتمّ الكلام فيها معا الفارق بين النجاسات ، والقول بأنّ المني لثخانته سيّما بعد ... يحتاج

ص: 148


1- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « بعد تنجّسه ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 139.

إلى مزيد كلفة ، بخلاف غيرها لا يصلح علّة للفرق ؛ لعدم وجوب الموالاة في الغسل.

وكيف كان ، فبعد حمل هذه الأخبار على ظواهرها من لزوم (1) تقديم الغسل على الغسل فينبغي الاقتصار على مواردها من كون الماء غير معتصم ، وحينئذ فيبقى غيرها على حكم الأصل ، والغسل في الارتماس وإن كان خارجا عن مورد تلك الأخبار إلّا أنّ ورود (2) النجس عليه يوجب نجاسة الماء ، فلا يصلح لإزالة النجاسة.

وهاهنا تأمّل بالنسبة إلى مورد الأخبار المذكورة أيضا ؛ لعدم استبعاد حملها على الاستحباب.

نعم ، القول بعدم الاجتزاء بغسل واحد للأمرين مع عدم اعتصام الماء غير بعيد ؛ لما دلّ على اعتبار الطهارة في ماء الغسل ، ولا ضرورة تدعو إلى استعمال النجس بالاستعمال كما مرّ في مسألة إزالة الأخباث.

ص: 149


1- لم ترد في ( ب ) : « من لزوم ... فيبقى غيرها ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إلّا أنّ ورود ... الأخبار ».
تبصرة: [ في الاستبراء قبل الغسل ]

يستحب له الاستبراء قبل الغسل على الأظهر الأشهر بين الأصحاب. وعن جماعة من المتقدمين منهم الشيخ (1) والقاضي (2) والحلبي (3) (4) والطوسي (5) وابن زهرة (6) والكيدري القول بالوجوب.

وقد يستظهر ذلك أيضا عن جماعة أخرى كالصدوقين والمفيد (7) والجعفي حيث ذكروا الاستبراء بصيغة الأمر الظاهر في الوجوب. وعزاه في الذكرى (8) إلى معظم الأصحاب. ونفى عنه البأس.

لنا : الأصل وخلوّ أكثر الأخبار الواردة في بيان غسل الجنابة عنه ، ولو كان واجبا لما أهمل ذكره في تلك الأخبار. مضافا إلى خلوّ الآية الشريفة عنه ، وأنّه ممّا يعم به البليّة ، فلو كان واجبا لاستفاضت الأوامر الواردة به.

واشتهر الدليل عليه ، وأنّه المنساق من الأخبار الواردة في حكم البلل المشتبه الخارج

ص: 150


1- الظاهر أن المراد من الشيخ ، هو الشيخ الطوسي ، وقد كرّره المصنّف قدس سره فيما يلي ، ونقل ذلك عنه في المبسوط كما بيّنا في الهامش.
2- المهذب 1 / 45.
3- في ( ب ) : « الحلّي » ، وما أدرجناه هو الصحيح.
4- الكافي للحلبي : 133.
5- المبسوط 1 / 29.
6- غنية النزوع : 61.
7- المقنعة : 52.
8- الذكرى 2 / 230.

بعد الغسل حيث بين الحكم فيها في كلّ من صورتي البول وعدمه ، الظاهر في جواز الأمرين.

حجة القول بالوجوب الصحيح : « تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول » (1) ؛ نظرا إلى ظهور الطلب في الوجوب ، ومضمرة أحمد بن هلال : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا » (2).

وفي رواية الفقيه (3) : « فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتّى يخرج فضلة المني الّتي في إحليلك وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شي ء عليك » (4).

وأنت خبير بأنّه لا ظهور تامّ لما ذكر في الوجوب ، فحملها على الندب بقرينة ما مرّ هو الوجه.

وربّما يحتجّ عليه بالروايات الدالّة على وجوب الغسل مع خروج البلل المشتبه بعد الغسل.

ووهنه ظاهر ، إذ ذاك إنّما يدلّ على حصول الجنابة المستأنفة لخروج ذلك ، لا على عدم صحّة الغسل ، بل في تلك الروايات إشارة إلى عدم الوجوب كما أشير إليه.

واحتجّ عليه في الذكرى (5) بالمحافظة على الغسل من طريان المزيل والمطر إلى قوله :

المعظم ، والأخذ بالاحتياط.

وهو كما ترى.

ثمّ (6) إنّ المراد بوجوب الاستبراء إمّا الوجوب الشرعي ، فيكون الشارع قد أوجب ذلك عند إرادة الغسل وإن صحّ الغسل لو أخلّ به ، أو الشرطي ليناط به صحّة الغسل.

لم أر التصريح في كلامهم بشي ء من الأمرين وإن كان إرادة الثاني أشبه بالمقام.

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 / 132 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 54.
2- تهذيب الأحكام 1 / 145 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 101.
3- في ( د ) : « الفقه ».
4- فقه الرضا عليه السلام : 81.
5- الذكرى 2 / 234.
6- زيادة « ثم » من ( د ).

هذا ، واعلم أن استحباب الاستبراء إنّما هو في حق المنزل ، أمّا المولج خاصّة فلا استبراء في حقّه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الفاضل والشهيدان (1) والمحقّق الكركي. وإطلاق الأخبار منزّل عليه ؛ لما هو المعلوم من كون العلّة فيه تنقية المخرج. ولا يفعل ذلك في مجرّد الإيلاج.

ومن التعليل المذكور في بعضها من (2) أنّ البول لم يدع شيئا ، مضافا إلى أنّه الغالب في الجنابات ، فينصرف إليه الإطلاقات.

فتوهّم شمول الحكم للمولج أيضا كما يظهر من بعض المتأخرين حيث أورد على الجماعة بعموم الروايات والمنع من انتفاء الفائدة أو عسى أن ينزل ولا يطلع عليه فتحتبس في المجاري لكون الجماع مظنّة لنزول الماء موهون جدّا بأنّ الاحتمال المذكور ممّا يقطع بخلافه في الغالب.

على أنّه لا وجه لدوران أحكام الشرع مدار الاحتمالات البعيدة الخارجة من مجاري العادات.

واحتمل في الذكرى (3) استحباب الاستبراء مع احتمال نزول الماء ؛ أخذا بالاحتياط ، قال : أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا ؛ لعدم ارتفاع اليقين بالشك. وهو وجيه.

ولو شك في كون الجنابة من إنزال أو إدخال ففي جريان حكم الاستبراء وجهان ، والمتّجه عدم جريان حكم البلل الخارج قبل الاستبراء ؛ أخذا بالأصل إلّا أن يقال بأنّ قضية الإطلاقات وجوب الغسل بخروجه مطلقا ، غاية الأمر خروج ما تحقّق كون جنابته عن غير الإنزال ، فيبقى غيره مندرجا في الإطلاق.

وهو كما ترى.

وفي انسحاب استحباب الاستبراء بالنسبة إلى المرأة قولان ، اختار أوّلهما الشيخان في

ص: 152


1- الذكرى : 103.
2- زيادة : « من » وردت في ( د ) فقط.
3- الذكرى 2 / 234.

المقنعة (1) والنهاية (2).

وعن الشيخ في الجمل اختيار (3) الثاني. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين. وهو الأقوى ؛ لورود الأخبار في الرجل إلّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أوّل الباب ، وظاهر سياقها ورودها أيضا في الرجل ؛ للتعليل الوارد فيها بأنّ البول لم يدع شيئا.

[ و ] من البعيد ما احتمله بعض المتأخرين من كون خروج البول بالنسبة إليها أيضا مفتيا للمني مع البول بين المخرجين.

ومن الغريب ما ذكره من اختلاف المخرج في الرجل أيضا ؛ نظرا إلى اشتراك المخرجين في سافل (4) الممرّ الّذي هو مظنّة بقاء الاجزاء بخلاف المرأة ؛ إذ لا اشتراك فيها بوجه.

ص: 153


1- المقنعة : 52.
2- النهاية : 21.
3- في ( ألف ) : « اختار ».
4- في ( د ) : « أسافل ».
تبصرة: [ في التسمية على الغسل ]

يستحب التسمية على الغسل ؛ للمستفيضة الدالّة عليه كرواية جابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام : « إذا توضّأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس ثوبا أو كلّ شي ء يصنع ينبغي أن يسمّي عليه ، فإن هو لم يفعل كان الشيطان فيه شريكا » (1).

وبمعناها قويّة الفضيل (2) ، عن الصادق عليه السلام.

ونحوها قوية العلّامة عن (3) الفضيل عنه (4) عليه السلام.

وروى نحوها مرسلا في مكارم الأخلاق عنه عليه السلام.

وقد نصّ على استحباب التسمية في المقام شيخنا المفيد والقاضي ، وحكي عن الجعفي.

وفي رواية الفقه : « وتسمّي بذكر اللّه قبل إدخال يدك إلى الإناء » (5).

وظاهر [ ها ] استحباب تقديم التسمية على إدخال اليد في الماء. ولا يبعد حصول الوظيفة بتأخيره أيضا إذا قارن بها أوّل أفعاله الواجبة.

وعدم ذكر كثير من الأصحاب لاستحبابه (6) في المقام لا يفيد تأمّلهم فيه. وكأنّهم لم ينبّهوا عليه ؛ لخلو الأخبار المعروفة منه بالخصوص أو لاتّكالهم على ذكره في الوضوء ؛ تنبيها بالأدنى

ص: 154


1- بحار الأنوار 77 / 328 ، باب التسمية والادعية المستحبة ، ح 16.
2- المحاسن 2 / 430.
3- في المصدر : عن العلاء بن الفضيل أو عن العلاء ، عن الفضيل ، بدلا من « العلّامة عن الفضيل ».
4- وسائل الشيعة 1 / 426 ، باب تأكد استحباب التسمية والدعاء ، ح 12.
5- فقه الرضا عليه السلام : 81.
6- زيادة : « لاستحبابه » من ( د ).

وربّما يقال بحمل (1) ما دلّ على الاكتفاء بأقل من ذلك عليه ترجيحا لجانب المنطوق. وهو بعيد جدّا من سياق تلك الأخبار ، سيّما ما دلّ على الاكتفاء بنصف الذراع.

وفي صحيحة قرب الإسناد : « تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك » (2).

وهي تعطي الاكتفاء بغسل اليمنى خاصّة من المرفق ، فيجوز في غسلها أيضا وجهان.

ثمّ إنّ قضيّة كثير من الإطلاقات الاكتفاء بالمرّة في حصول الوظيفة إلّا أنّ الوارد في المستفيضة تعيّن الثلاث ، ففي الصحيح : كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها الاناء؟ قال : « واحدة من حدث البول وثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة » (3).

فربّما يقال إذن بحمل (4) الإطلاق (5) على المقيّد لكنّ البناء على جواز الوجهين وأرجحيّة الأخير هو الأظهر.

وهل يختص استحباب الغسل بالأواني المتّسعة الرؤوس كالطشوت ونحوها ممّا يدخل اليد فيها أو يعمّ غيرها من الأواني الّتي يصبّ (6) الماء منها؟ وجهان.

وكذا الحال في جريانه بالنسبة إلى سائر المياه المعتصمة كالكر والجاري ونحوهما من ورود بعض الأخبار في الأوّل ، فيحمل إطلاق غيرها عليه حملا للمطلق على المقيّد ، ومن أن إطلاق تلك الأخبار يعطي إطلاق الحكم ، وأنّه من وظائف الغسل ، وليس في غيرها دلالة على انتفاء الحكم من غير مواردها ، غاية الأمر أن لا يدلّ على استحباب غيرها ، فليس هناك تقييد في الحكم ليحمل الإطلاقات عليه.

فالأوجه إبقاء الإطلاقات على ظواهرها ، والحكم بإطلاق التوظيف في الصور المفروضة. واختاره الفاضل واستحسنه في الذخيرة.

ص: 155


1- في ( د ) : « يحمل » ، وفي ( ألف ) : « مجمل ».
2- قرب الاسناد : 368.
3- الكافي 3 / 12 ، باب الرجل يدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها ، ح 5.
4- في ( ألف ) : « يحمل ».
5- في ( د ) : « المطلق ».
6- في ( ألف ) : « يصيب ».
تبصرة: [ في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء ]

يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مع طهارتهما بلا خلاف فيه. والروايات به مستفيضة إلّا أنّ في بعضها ذكر اليد مفردة ، وفي بعضها ثنتاه. وهو شاهد على حمل الأوّل على الجنس.

نعم ، في بعضها ذكر غسل اليمنى بالخصوص ، وهو لا يمنع من استحباب غسل الأخرى إلّا أنّ المستفاد منها جواز الاقتصار عليه أيضا.

وليس ببعيد ، فيكون غسلهما معا أفضل.

ثمّ إن المغسول منهما هو مقدار الكفّ إلى الزند للحكم بغسل الكفّ أو الكفين في كثير من تلك الأخبار ، وهو لا يشمل ما زاد عليه.

وفي قويّة يونس - بل صحيحته - عنهم عليهم السلام الواردة في كيفيّة غسل الميّت أنّه « يغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع » (1) بناء على تعلّق المجرور إلى الغسل من الجنابة. وإن قلنا بتعلّقه بالأوّل ففي دلالته على ذلك إشكال ؛ لاحتمال كون التثنية إذن في مطلق التثليث إلّا أن يقال بدلالة عموم التثنية عليه ، فالظاهر إذن حمل ذلك على الأفضليّة.

وفي الصحيح : « يبدأ بغسل يديه إلى المرفقين » (2).

وهو أيضا محمول على زيادة الفضل ، فهناك مراتب ثلاث في تعيين المقدار المغسول.

ص: 156


1- الكافي 3 / 142 ، باب غسل الميت ، ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 142 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 93 ، وفيه : « الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه الى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء .. ».

الأعلى كما أشار إليه في الذكرى (1).

ويستحب أيضا ذكره سبحانه في حال الغسل.

وفي رواية الفقه : « من ذكر اللّه على غسله وعند وضوئه طهر جسده كلّه ، ومن لم يذكر اللّه طهر من جسده ما أصاب الماء » (2).

ولا يبعد شموله للدعاء ، وقد روي دعوات عديدة للغسل ، فعن الصادق عليه السلام : « يقول في غسل الجنابة : اللّهمّ (3) طهّر قلبى واشرح لي صدري وأجر لساني مدحتك والثناء عليك ، اللّهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنّك على كلّ شي ء قدير » (4).

ويستحب الدعاء بعد الفراغ من الغسل بما ذكره الشهيد في النفلية : « اللّهم طهّر قلبي وزكّ عملي وتقبّل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » (5).

وقد ذكره المفيد رحمه اللّه في المقنعة (6) أيضا لكن بإسقاط قوله « وتقبّل سعيي ».

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه السلام : « إذا اغتسلت من جنابة فقل .. » (7) وذكر الدعاء بإسقاط قوله « وزكّ عملي » ، وهي واردة في خصوص غسل الجنابة لكنّها غير صريحة في كون الدعاء بعد الغسل وإن كان ظاهر لفظها ذلك.

ويستحب المضمضة والاستنشاق وتجزيه المرّة في كلّ منهما ، والأفضل تثليثهما.

ص: 157


1- الذكرى : 104.
2- فقه الرضا عليه السلام : 81.
3- زيادة في ( د ) : « طهّر قلبي وزكّ عملي واجعل ما عندك خيرا لي ». وذكر الشيخ قدس سره أنّه يستحبّ أن يقول عند الغسل : « اللّهمّ طهّرني و .. ».
4- قريب منه في باب غسل الزيارة ، أما غسل الجنابة فورد في تهذيب الأحكام 1 / 146 هذا الدعاء : « اللّهم تطهر قلبى وذكّ عملي وتقبل سعيى واجعل ما عندك خيرا لي ».
5- الألفية والنفليّة : 96.
6- المقنعة : 54.
7- وسائل الشيعة 2 / 254 ، باب استحباب الدعاء بالمأثور عند الغسل ، ح 3.

وفي الفقه الرضوي (1) : وقد روي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا ، ويروى مرّة مرّة تجزيه ، وقال : « الأفضل الثلاثة ».

وما في عدّة أخبار من نفي المضمضة والاستنشاق في الغسل محمول على نفي وجوبهما ؛ لما توهّمه بعض العامّة أو المراد أنّهما ليسا من أفعال الغسل وإن استحبّا لأجله.

ويشير إليه ما في الفقه (2) : « وإن لم يفعل فغسله تام » ، ولا فرق في استحبابهما بين الغسل الترتيبي والارتماسي.

ويستحب الاستظهار والمبالغة في غسل الأعضاء لحصول مزيد الاطمئنان بأداء الواجب ، وقد دلّ عبارة الفقه على رجحان الاستظهار فيه إذا أمكن. وقد ورد في النساء الأمر بمبالغتهنّ في الغسل. وكأن تخصيصهن بالذكر من جهة شعور رءوسهنّ أو لوقوع المسامحة منهنّ أكثر من الرجال.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب باستحباب تخليل ما لا يمنع من وصول الماء ، وربّما يستفاد ذلك من ظاهر بعض الأخبار.

وفي الذكرى (3) : ولو كان الشعر خفيفا و (4) لا يمنع استحب تخليله استظهارا.

ويستحب أيضا إمرار اليد على الجسد لما فيه من زيادة الاطمئنان لوصول الماء إلى الأعضاء ، وللإجماع المحكيّ عليه في الخلاف والتذكرة (5).

وفي المعتبر (6) : إنّه اختيار علماء (7) أهل البيت عليهم السلام.

ص: 158


1- فقه الرضا عليه السلام : 81.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- الذكرى : 100.
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- التذكرة الفقهاء 1 / 233.
6- المعتبر 1 / 185.
7- في المصدر فقهاء ، بدلا من علما.

وفي المنتهى (1) : إنّه مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ويدلّ عليه أيضا الزيادة المذكورة في كتاب المسائل في رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام المرويّة صحيحا في التهذيب (2) وغيره الواردة في اغتسال الجنب بالوقوف تحت المطر من قوله : « إنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ، ويمرّ يده على ماء ثالث من جسده » (3).

ويومي إليه فحوى قوله عليه السلام : « ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأ [ ه ] (4) ذلك وإن لم يدلك جسده » (5).

وفي ظاهر الفقه الرضوي دلالة عليه أيضا.

ويستحبّ أن يكون الغسل بصاع للمستفيضة الدالّة عليه والإجماع المنقول ، ولا يجب ذلك بإجماع علمائنا ، وحكي عن أبي حنيفة القول بوجوبه ، والروايات من طرقنا ناصّة على خلافه.

ويستفاد من عدّة (6) أخبار الاكتفاء بصاع ومدّ لغسل الرجل وزوجته إذا اغتسلا معا من إناء واحد. وفصّل ذلك في صحيحة الفضلاء ، عن الصادقين عليهما السلام قالا : « توضّأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بمدّ واغتسل بصاع ، ثمّ قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد. قال زرارة : فقلت : كيف [ صنع ] (7) هو؟ قال : بدأ هو فضرب يده في الماء (8) قبلها وأنقى فرجه ، ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها ، ثمّ أفاض هو وأفاضت هي (9) على نفسها حتّى فرغا فكان الّذي اغتسل به

ص: 159


1- منتهى المطلب 2 / 207.
2- تهذيب الأحكام 1 / 149 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 115.
3- وسائل الشيعة 2 / 232 ، باب كيفية غسل الجنابة ، ح 11.
4- في المخطوطات الأصل : أجزأ. وما أدرجناه من المصدر.
5- تهذيب الأحكام 1 / 148.
6- في ( ألف ) : « هذه » ، وعليه فيجب أن يكون بعده « الأخبار » بالألف واللام ، مع أنه لا يلائم المقام.
7- في مخطوطات الأصل : « منع » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- في المصدر : « بيده بالماء » بدلا من « يده في الماء ».
9- ليس في المصدر « هي ».

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثلاثة أمداد والّذي اغتسلت به مدّين ، وإنّما أجزأ فيهما (1) لأنّهما اشتركا جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من صاع » (2).

والخبر الأخير محمول على تأكّد الاستحباب.

وهل المستحب هو البلوغ إلى هذا المقدار لستة الأسباع وإن زاد على المقدار المفروض أو أنّ المعتبر هو ذلك المقدار من دون زيادة عليه ولا نقيصة؟ وجهان ، فظاهر جماعة من الأصحاب هو الثاني كما يستظهر ذلك من التحديد المذكور.

ونصّ الفاضلان على الأوّل ، وظاهر كلامهما دعوى الإجماع عليه ، قال في المعتبر (3) : والغسل بصاع فما زاد. ولا خلاف بين فقهائنا في استحبابه.

في المنتهى (4) : الغسل بصاع فما زاد مستحب عند علمائنا أجمع.

وأسند ذلك في الذكرى (5) إلى الشيخ وجماعة ، قال : والظاهر أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

وأنت خبير بأنّ الظاهر من الاغتسال بصاع وقوع الغسل بالمقدار المفروض ، فلا يندرج فيه بحسب ظاهر اللفظ ما يزيد عليه ، وإطلاق لفظ الصاع على الصاع فما زاد مجاز لا داعي إلى الحمل عليه.

نعم ، قد يستفاد ذلك من الفحوى حيث إنّ المقصود به الصاع وهو كما يحصل بذلك يحصل بما فوقه بالأولى.

وفيه تأمّل.

وروى في الفقيه مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « إن الوضوء مدّ والغسل صاع ، وسيأتي أقوام

ص: 160


1- في المصدر : « عنهما ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 370.
3- المعتبر 1 / 186.
4- منتهى المطلب 2 / 210.
5- الذكرى : 105.

بعدي يستقلّون ذلك فأولئك على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتى معي في حظيرة القدس » (1).

ويستفاد منه كراهة الزيادة إلّا أنّ مفادها ما إذا استعمل ذلك لا ما إذا حصلت على سبيل الاتفاق. وكيف كان ، فحصول الحسنة مع الزيادة لا يخلو عن إشكال.

وهل يندرج فيه ماء الاستنجاء وغيره من الأداة؟ ظاهر صحيحة المعتضدة المتقدمة وغيرها ذلك ، ويحتمل التفصيل بين ما يقارن الفعل ويدرج في أفعال الغسل وما يفارقها كما إذا استنجى (2) أولا ثمّ اغتسل بعد مدّة طويلة.

وأمّا إزالة سائر النجاسات من البدن فالظاهر خروجها من ذلك. ولا يبعد بناء الأمر في ذلك على التخمين دون التحقيق ، سيّما مع البناء على نفي الاستحباب مع الزيادة ؛ إذ لا يصحّ العلم به إذن إلّا بالوزن أو الكيل. والالتزام باعتبارهما في أداء السنّة بعيد جدا.

ولا فرق في ذلك بين غسل الجنابة وغيرها من الأغسال.

ويظهر من بعض الأخبار اعتبار الزيادة عليه في غسل الحيض ، ففي ( صا ) (3) عن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال : « فرق » (4).

والفرق مكيال معروف بالمدينة تسع ستة عشر رجلا يكون ثلاثة أصواع ، وعلى هذا فالبون بعيد بين هذا الغسل وغيرها من الأغسال.

و (5) يكره الاستعانة في الغسل على نحو ما مرّ في الوضوء.

وكذا يكره الوضوء بالماء المسخن في الشمس بالتفصيل الّذي مرّ بيانه ، وكذا يكره عمله.

ص: 161


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 34.
2- في ( ألف ) : « سيجي ء » ، بدلا من « إذا استنجى ».
3- أي الإستبصار.
4- الاستبصار 1 / 148.
5- في ( ألف ) : « أو ».

البحث: في بيان الأغسال المسنونة

اشارة

وهي إمّا زمانيّة أو غيرها.

والأخير إمّا غائيّة أو سببيّة.

والأقوال إمّا أن يكون غايتها دخول المكان - وتسمّى مكانيّة - أو غيرها - وقد تسمّى فعليّة - ، فهذه أقسام أربعة.

ص: 162

تبصرة: [ في غسل الجمعة ]

من الأغسال الزمانيّة غسل الجمعة ، ورجحانه في الجملة ممّا قام عليه إجماع الأمّة.

ولا فرق فيه بين آتي الجمعة وغيره عند أصحابنا ، ولبعض العامّة قول باختصاصه بالأوّل. وهو باطل بإجماعنا.

والمعروف بين الأصحاب هو استحبابها ، بل لا يظهر فيه مخالف ( منهم من زمن المفيد إلى ما بعد زمن الشهيد الثاني ، بل ولا يعلم فيه مخالف ) (1). ممّن تقدّم على المفيد أيضا.

نعم ، قد يعزى إلى الكليني (2) والصدوقين (3) القول بالوجوب لعقده الباب في الكافي بعنوان الوجوب.

وذكر الصدوق (4) في [ ... ] (5) أنّه من السنّة الواجبة.

وأنت خبير بأنّ ذلك بمجرده لا يفيد ذهابهم إلى الوجوب ؛ لعدم ثبوت اصطلاحهم فيه على المعنى الجديد ، فلا يبعد حمله على إرادة مطلق الثبوت كما هو الوجه في جملة من الأخبار الواردة في المقام.

وكأنّهم عبّروا به محافظة على لفظ الأخبار الواردة فيه ، وفي كلمات الصدوق إشارات على ما قلناه.

ص: 163


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- الكافي 3 / 41.
3- علل الشرائع 1 / 285.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 111 ، الهداية : 102.
5- هنا فراغ في النسخ المخطوطة الثلاثة.

وبالجملة فخلاف الجماعة فيه غير معلوم. وقد ذهب بعض متأخري المتأخرين إلى القول بالوجوب زعما دلالة الأخبار عليه مع ذهاب الجماعة المذكورين إليه. ومال إليه جماعة من المتأخرين كشيخنا البهائي (1) ومولانا التقي المجلسي وصاحب الذخيرة (2) وغيرهم.

والحق هو الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع عليه محصلا ومنقولا في كلام جماعة كالخلاف (3) في غير موضع منه والغنية (4) وظاهر التهذيب وشرح الجمل (5) ، ونفي الخلاف عنه في ظاهر الوسيلة (6) والسرائر (7) ، الأصل مع عدم نهوض دليل على الوجوب كما ستعرف.

والقول بعدم صحة الإسناد إلى الأصل لإثبات الاستحباب كما يظهر من بعض ، الأفاضل - نظرا إلى أنّ الثابت بالإجماع هو القدر المشترك بين الحكمين ، ومع نفي الوجوب بالأصل ينتفي الرجحان الحاصل في ضمنه على فرضه ؛ إذ لا بقاء للجنس مع انتفاء الفصل وأصل البراءة لا يقضي بكون الرجحان الثابت هو الحاصل في ضمن الاستحباب ؛ إذ ليس شأنه إلّا نفي الحكم خاصّة - مدفوع بأنّ أصالة البراءة ليس من شأنها إفادة الواقع ، وإنّما قضيّتها إثبات الحكم في الظاهر.

ومن الظاهر ثبوت الاستحباب الظاهري بهما في المقام ؛ إذ من (8) الحكم ببراءة الذمّة من الوجوب والقطع بحصول الرجحان فعلا كما هو معلوم بالإجماع - بل الضرورة - يثبت الاستحباب الظاهري ، وإن احتمل كونه ظاهر [ ا ] واجبا في الواقع.

ص: 164


1- مشرق الشمسين : 335.
2- ذخيرة المعاد 1 / 6.
3- الخلاف 1 / 220.
4- غنية النزوع : 62.
5- الرسائل العشر : 167.
6- الوسيلة : 54.
7- السرائر 1 / 124.
8- في ( د ) : « مع ».

ونظير ذلك كثير منها ما إذا قطع بإتلافه أحد شيئين لغيره مع اختلافهما في القيمة ، فإنّه يحكم بضمانه لأقلّ القيمتين من جهة الأصل ، مع أن الكلام المذكور بعينه جار فيه.

ويدلّ عليه أيضا عدّة من الروايات منها صحيحة علي بن يقطين : عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : « سنّة وليس بفريضة » (1).

والقول بأنّ السنّة أعم من الندب مدفوع بأنّ ظاهر السؤال وقوعه عن نفس الحكم لا عن خصوصيّة كونه ثابتا بالكتاب أو السنّة ؛ إذ لا يتعلّق به غرض يعتدّ به.

مضافا إلى أن ذلك لم يكن يخفى على مثل علي بن يقطين مع جلالته ليحتاج إلى السؤال ؛ لوضوح عدم وروده في الكتاب ، وعدم توهّم أحد كونه فرضا بالمعنى المذكور.

مضافا إلى استحباب الغسلين الآخرين المنضمّين إليه إجماعا ، فيشهد ذلك بكون الثالث أيضا كذلك ، وأنه المراد بالسنّة ؛ لاتّحاد الجواب عنها.

بل قد يدّعى أظهريّة السنّة في المندوب ، فتحمل عليه إلا أن تقوم قرينة على خلافه.

وقريب من هذه الصحيحة صحيحة زرارة : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجمعة؟ فقال : « سنّة في السفر والحضر إلّا أن يخاف [ المسافر ] (2) على نفسه القر » (3) (4).

ويقاربهما مرسلة المفيد عن الصادق عليه السلام : « غسل الجمعة والفطر سنّة في السفر والحضر » (5).

ومنها : رواية علي بن حمزة ، عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال : « هو سنّة ». قلت : فالجمعة؟ قال : « هو سنّة » (6).

ودلالتها على المطلوب أوضح من الأخبار السابقة ، كما لا يخفى.

ص: 165


1- تهذيب الأحكام 1 / 112.
2- ما أدرجناه من المصدر.
3- في مخطوطات الأصل : « القود » ، ولا معنى له. وما أدرجناه من المصدر.
4- تهذيب الأحكام 3 / 9.
5- المقنعة : 158.
6- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب غسل يوم الجمعة ، ح 1.

ومنها : قوية الفضل ، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرائع الدين غسل يوم الجمعة سنّة وعدّ عدّة من الأغسال وقال : « هذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الحيض مثله » (1).

ويدلّ على كون السنّة فيها بمعنى النّدب مضافا إلى بعض الوجوه السابقة الحكم بكون غسل الحيض فريضة مع عدم ثبوته بالكتاب ، فيدلّ على كون الفرض فيه بمعنى الواجب ، فيكون السنّة فيه بمعنى النّدب.

ونحوها صحيحة يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها : الفرض ثلاثة ». فقلت : جعلت فداك ما الفرض منها؟ قال : « غسل الجنابة وغسل من مسّ ميتا وغسل الإحرام » (2).

والظاهر اندراج غسل الجمعة في الباقي ؛ إذ هو من الأغسال المعروفة المتداولة أقسامه على الرجال والنساء بعد تركه في المقام.

وعدّ منها غسل الجمعة ، ثم قال : « والفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميّت والإحرام والباقي سنّة » (3).

وهو صريح في الاستحباب ، وفيه شهادة على كون السنّة في سائر الأخبار بمعنى الندب لكشف الأخبار بعضها عن بعض وفيها أيضا.

وقد روي : « أن الغسل أربعة عشر وجها : ثلاث منها غسل واجب مفروض .. » إلى أن قال : « وأحد عشر غسلا سنّة » وعدّ منها غسل الجمعة (4).

ومنها : ما دلّ على أن غسل الجمعة جعل تتميما للوضوء كما جعلت النوافل تتميما

ص: 166


1- وسائل الشيعة 3 / 305 ، باب حصر انواع الغسل واقسامه ، ح 6.
2- الإستبصار 1 / 98.
3- بحار الأنوار 78 / 13 ، باب علل الأغسال وثوابها ، ح 16.
4- فقه الرضا عليه السلام : 83.

للفرائض وصيام النافلة متمما (1) لصيام الفريضة كالقوي المتكرّر في عدّة من الأصول المعتبرة : كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال : « إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة وأتمّ وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة » (2).

وسياق الرواية كالصريح في الاستحباب.

ومنها : رواية جابر عن الباقر عليه السلام : « ليس [ عليها ] (3) غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه في الحضر » (4) لدلالتها على عدم وجوب الغسل عليهنّ ، مطلقا. فيفيد عدم وجوبه على الرجال أيضا لعدم القائل بالفصل.

ومنها : خبر أبي البختري ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام : « يا علي! على الناس في كلّ سبعة أيام الغسل ، فاغتسل في كلّ جمعة ولو أنّك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه ، فإنّه ليس شي ء من التطوع أعظم منه » (5).

وفي غير ما ذكرناه من الأخبار أيضا أخبار عدة تشهد للاستحباب كما لا يخفى على المتتبّع.

وما في بعض هذه (6) من الضعف في الإسناد مجبور بالأصل ، وحمل الأصحاب بل الإجماع واعتضاد بعضها بالبعض ، مضافا إلى أنه لو كان الغسل المذكور واجبا لما كان يخفى على آحاد الورى ؛ لعموم البلوى به وتكرّره في كلّ أسبوع ، بل كان حاله في الوجوب أوضح من غسل الجنابة مع أنّ الأمر فيه بالعكس ؛ إذ لو تنزّلنا عن دعوى الاتفاق على الندب فلا أقلّ من الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

وقد استفاض نقل الشهرة عليه في كلامهم ، وقد نصّ عليها في المختلف وكشف الالتباس

ص: 167


1- في ( ألف ) : « متمماة ».
2- الكافي 3 / 42 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 4.
3- في مخطوطات الأصل : « على النساء ». وما أدرجناه من المصدر.
4- الخصال : 586.
5- بحار الأنوار 78 / 129 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 18.
6- زيادة في ( د ) : « الأخبار ».

وكشف اللثام والذخيرة والبحار وغيرها.

فبملاحظة ذلك كلّه لا ينبغي مجال لاحتمال الوجوب كما لا يخفى.

حجة القول بالوجوب : الروايات المستفيضة المشتملة على المعتبرة :

منها : الروايات الحاكمة بوجوبه كالصحيح : « الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر ».

والموثّق عن غسل الجمعة؟ فقال : « واجب في السفر والحضر إلّا أنه [ رخص ] (1) للنساء في السفر لقلّة الماء » (2).

والخبر أو الصحيح : عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال : « واجب على كلّ ذكر وأنثى عبد أو حرّ » (3).

ومنها : الصحيح : عن النساء أعليهنّ غسل يوم الجمعة؟ فقال : « نعم » (4).

وفي آخر : « اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك » (5).

وفي المرسل : « لا يترك غسل الجمعة إلا فاسق » (6).

إلى غير ذلك من الأخبار ، وهي كما ترى غير واضحة الدلالة على الوجوب ؛ لعدم صراحة لفظ الوجوب في الوجوب المصطلح ، بل ولا ظهوره فيه ، فهي بأجمعها محمولة على الندب بقرينة تلك الأخبار ، وفهم الأصحاب منها ذلك وهو كاف في المقام.

مضافا إلى اعتضادها بما عرفت من الأصل والإجماع وعمل الطائفة وغيرها ممّا مرّ.

ص: 168


1- في مخطوطات الأصل : « أرخص ». وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 3 / 40 ، باب انواع الغسل ، ح 2.
3- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 1 / 112.
5- تهذيب الأحكام 3 / 238.
6- بحار الأنوار 78 / 129 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 17.
تبصرة: [ في وقت غسل الجمعة ]

الأظهر أنّ وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال.

أما الأول (1) فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه الإجماع محصّلا ومنقولا في الخلاف (2) وغيره ، والإطلاقات وخصوص المستفيضة ، منها : الصحيح : « إذا اغتسل بعد الفجر للجمعة؟ قال : « نعم » (3).

وأما الثاني (4) فهو المعروف بين الأصحاب. وبه أفتى الشيخ (5) والقاضى والحلّى (6) والفاضلان وابن سعيد والشهيدان (7) وابن فهد (8) والصيمرى والمحقّق الكركى وغيرهم.

ويتراءى من ملاحظة عبائرهم في المقام أقوال أخر في المسألة.

منها : تحديد آخره بما قبل الزوال. وربّما يستفاد ذلك من عبارة الشيخ في طهارة الخلاف (9) حيث قال : يجوز غسل الجمعة من عند طلوع الفجر يوم الجمعة إلى قرب الزوال و ( د ) ( واحتجّ عليه بإجماع الفرقة. ونحوه عبارة الصدوق في الفقيه حيث ذكر فيه من وقت

ص: 169


1- أي أن بداية وقت غسل الجمعة طلوع الفجر الثاني ( الفجر الصادق ).
2- الخلاف 1 / 220.
3- الكافي 3 / 418 ، باب تزين يوم الجمعة ، ح 8.
4- أي أن نهاية وقت غسل الجمعة هي الزوال.
5- النهاية : 104.
6- السرائر 1 / 124.
7- مسالك الإفهام 1 / 105.
8- المهذب البارع 1 / 189.
9- الخلاف 1 / 220.

طلوع الفجر يوم الجمعة إلى قرب الزوال ) (1).

ولا يبعد حملها على ما هو الغالب من إيقاع ذلك قبل الزوال بشى ء يسير ؛ إذ اتصاله بالزوال بعيد جدّا ؛ إذ ربّما يكون في تأخره كذلك وقوع بعض أجزائه بعد الزوال.

ومنها : تحديده بصلاة الجمعة. وهو الظاهر من الشيخ في صلاة الخلاف (2) حيث قال : وقت غسل [ يوم ] (3) الجمعة ما بين طلوع الفجر الثاني إلى أن يصلّى الجمعة.

ثمّ احتج على ذلك أيضا بإجماع الفرقة. والأظهر ارجاعه إلى المشهور بحمله على أوّل وقتها المحدود بالزوال. ويشهد له في عبارته الاولى مع حكايته الإجماع في المقامين والبناء فيه على العدول لا يخلو عن بعد ، بل في حكايته المذكورة إشارة إلى كون المقصود من كلامه ما هو المشهور.

ومنها : امتداد الوقت بامتداد النهار. وربّما يستفاد ذلك من إطلاق جماعة من القدماء كما في المقنعة وجمل الشيخ والاقتصاد والمراسم والكافي والوسيلة والغنية وبعض كتب العلامة والشهيد.

وفي المدارك : لو لا الإجماع المنقول أو عدم وجود القائل لكان القول به متعيّنا.

وفي الذخيرة والبحار وغيرهما الميل إليه.

وعن العلامة في التحرير (4) أن الأقرب بعد ظهر الجمعة نية القضاء.

وفيه إشارة إلى حصول احتمال بل قول آخر.

ولا يبعد حمل الإطلاقات المذكورة على ما هو المشهور ، فكأنهم اتّكلوا في ترك التقييد على ما هو المتعارف الشائع.

بقي الكلام في ميل الجماعة المذكورة ، وهو لا يقدح في الإجماع ؛ إذ من عادة هؤلاء

ص: 170


1- لم ترد ما بين الهلالين في ( ألف ).
2- الخلاف 1 / 612.
3- ما أدرجناه زيادة من المصدر.
4- تحرير الأحكام 1 / 87.

الجماعة التأمل فيما ذكره الأصحاب مع عدم وضوح المستند في (1) أنظارهم كما زعموه في المقام ، مع أنّ في جملة من الأخبار إشارة إليه :

منها : موثّقة سماعة : في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أوّل النهار؟ قال : « يقضيه في آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضيه يوم السبت » (2).

بناء على ظهور القضاء فيما قابل الأداء سيّما مع مقارنته بالقضاء يوم السبت مع القطع بخروجه عن الوقت الموظف.

ومنها : موثقة عبد اللّه بن بكير : عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال : « يغتسل ما بينه وبين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت » (3) بناء على حمل السؤال على فواته في الوقت المعهود لإتمام النهار كما دلّ عليه الجواب.

وحمله على الأخير يوجبه الجواب بإرادة ما بينه وبين آخر الليل بعيد من العبارة ، والمعنى الأول أقرب إليها جدّا.

ومع حملها على ما ذكرنا - كما هو الظاهر منها - دلّ على خروج الوقت بانقضاء الزمان المعهود آخذا بظاهر لفظ « الفوات » مع تقرير الإمام عليه ، بل هو أظهر من مطلق التقرير لمكان عود الضمير إلى الجواب إلى الرجل الذي فاته الغسل يوم الجمعة ، فيكون بمنزلة كونه من كلام الإمام.

وقريب من هذه الرواية مرسلة الصدوق ، عن الصادق عليه السلام : « إن نسيت الغسل أو فاتك لعلّة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت » (4) ، بل هي أظهر من جهة أخرى.

ومنها : ما دلّ على بيان الحكمة في (5) غسل الجمعة ، فإنها يشبه في كون وضعه قبل الصلاة

ص: 171


1- في ( ألف ) : « و » بدل « في ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 113.
3- تهذيب الأحكام 1 / 113.
4- الهداية : 103.
5- زيادة في ( د ) : « وضع ».

أو الزوال.

ومنها : رواية أبي بصير ، عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو متعمّدا؟ فقال عليه السلام : « إذا كان ناسيا فقد تمّت صلاته وإن كان متعمّدا فليستغفر اللّه ولا يعد » (1).

فإنها ظاهرة بل صريحة في تقديمه على الصلاة.

وخبر مرسل عن أبي الحسن عليه السلام ، وقد مرّت الإشارة إليها.

فبملاحظة هذه الروايات مع اعتضادها بعمل الأصحاب والإجماع المحكي - بل المعلوم كما يظهر من فتاواهم حتى أنه حكي عليه في المعنى إجماع الناس مؤذنا باتفاق العامة والخاصة عليه - يظهر قوة ما ذكرناه ، مضافا إلى تأيّده بالاحتياط ، فيقيّد بها سائر الإطلاقات ، و (2) لا تعارضها ما في الصحيح : « كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح ».

بناء على كون الرواح عديل الصباح ؛ إذ الظاهر - بل المتعيّن - كونه بمعنى الرواح إلى الجمعة ؛ إذ هو المنساق من العبارة ، وأنّ ظاهرها مداومة على ذلك ، ولا سيّما في التأخير فيداوم عليه.

فيظهر من جميع ذلك ضعف القول بامتداده طول النهار. ويضعّف الوجهان الأخيران (3) مع عدم ظهور قائل بهما ، عدم انضباط الأول ، فلا يليق بالتحديدات الشرعية ، ومخالفته للأصل والإطلاقات مع عدم ظهور دليل عليه سوى ما قد نصّ دلالته عليه من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة : « وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال » (4).

وفيه : أنها محمولة على إرادة التقديم اليسير من جهة الاطمئنان بوقوع جميعه قبل الزوال.

ويؤيده ما دلّ في الصلاة واختلاف الناس في اجتماع الشرائط وعدمه مع عدم اشتراط

ص: 172


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 116.
2- زيادة « و » من ( د ).
3- كذا ، والصحيح : « الوجهين الأخيرين ».
4- الكافي 3 / 417 ، باب التزين يوم الجمعة ، ح 4.

الغسل بشي ء منها.

وما يستفاد من عدة من الأخبار من ارتباط الصلاة بالغسل المذكور لا يفيد بقاء وقته بعد الزوال أيضا ، مع أن الأغلب إيقاع الصلاة في أول الزوال.

هذا ، واعلم أنه قد نصّ جماعة من الأصحاب منهم الشيخان (1) والقاضي (2) والحلي (3) والفاضلان (4) والشهيدان أنه كلّما قرب الغسل من الزوال كان أفضل. وعن ظاهر الخلاف وتذكرة الفقهاء (5) الإجماع عليه.

وليس في الأخبار ما يفيد ذلك بصريحه (6) سوى ما في الفقه الرضوي (7) ؛ لوقوع العبارة المذكورة فيه بعينه ، وهو كاف في إثباته مع فتوى الجماعة به ، والتسامح في أدلة السنن.

وقد أفتى والد الصدوق بذلك في الرسالة فيما حكاه عنه ولده في الفقيه.

وقد ذكر الشهيد رجوع الأصحاب على فتاويه عند إعواز النصوص به (8) ، مضافا إلى إشارة التعليل المذكور إليه.

ويومى إليه قوله في الصحيحة المتقدمة « وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال » لظهور القبليّة فيما يقاربه ، وللصحيحة الأخرى : « كان أبي يغتسل .. » (9) إلى آخره ، بناء على أن الغالب فيه الرواح قريب الزوال.

نعم ، لو أراد البكور إلى المسجد لم يبعد القول باستحباب تقديمه عليه ليكون في المسجد

ص: 173


1- النهاية : 104.
2- المهذب البارع 1 / 101.
3- السرائر 1 / 124.
4- كشف اللثام 1 / 137.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 141.
6- زياده : « بصريحه » من ( د ).
7- فقه الرضا عليه السلام : 129.
8- لم ترد في ( ب ) : « به ».
9- وسائل الشيعة 3 / 317 ، باب استحباب غسل الجمعة في السفر والحضر ، ح 22.

على أتم الطهور ، ولئلا يحتاج إلى الخروج لأجل الغسل مع ما فيه من الزحمة في الجوامع العظام.

وفي غير واحد من الأخبار دلالة عليه كقوله صلى اللّه عليه وآله : « من اغتسل يوم الجمعة ثم بكّر [ وابتكر ، ومشى ولم يركب ] (1) ودنى من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكلّ خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها » (2).

ولو كان له حاجة إلى الخروج قبل الزوال لم يبعد إذن استحباب التأخير ؛ للإطلاق المتقدم. ولو اتّفق له ذلك مع تقديم الغسل على البكور ، لم يستحب له الإعادة.

ص: 174


1- ما أدرجناه زيادة من المصدر.
2- بحار الأنوار 78 / 127 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 13.
تبصرة: [ في قضاء الغسل ]

لو فاته الغسل في الوقت المقدر استحب قضاؤه في [ ... ] (1) بلا خلاف فيه بين الطائفة. وقد دلّ عليه النصوص المستفيضة.

نعم ، يوقع الكلام فيه في أمور :

أحدها : في وقته ، فقيل : إنه من الزوال إلى ليلة السبت ، ثم من أوّل يوم السبت إلى آخر النهار. ذهب إليه جماعة منهم الشيخ والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيد.

وقيل بانضمام ليلة السبت إلى ذلك أيضا. واختاره الفاضل في القواعد والشهيد في غير واحد من كتبه ، وابن فهد والمحقّق الكركي والشهيد الثاني وغيرهم.

وقيل باختصاصه يوم السبت. حكي القول به عن القاضي. و (2) هو ظاهر الفاضلين والشهيد في الشرائع والتلخيص والنفلية. ووجّه الشهيد الثاني في شرح النفلية ذلك بأنه الموجود في النصوص ، ولذا اقتصر عليه.

وهو غريب.

وقيل بانضمام بعد العصر من يوم الجمعة إلى يوم السبت. وحكي القول به (3) عن ظاهر الصدوقين.

والأقوى هو الأول ؛ للموثقتين المتقدمتين. وظاهرهما سيّما الثانية ثبوت القضاء بعد النهار مطلقا ، فالقول باختصاص القضاء بيوم السبت ساقط جدا ، والأمر بقضائه يوم السبت

ص: 175


1- هنا نقص أو سقط في النسخ المخطوطة.
2- زيادة الواو من ( د ).
3- في ( ألف ) : « القولين » بدل « القول به ».

لا يقضي بعدم ثبوته يوم الجمعة.

والبناء باختصاصه القضاء بما بعد العصرية أيضا مدفوع بالإطلاق. والمرسلة المنقولة في الهداية (1) من الأمر بالاغتسال بعد العصر أو يوم السبت لا يفيد عدم المشروعية قبله.

ويمكن حملها كعبارة الصدوقين على ما هو الغالب من وجود الموانع من الاغتسال بعد الزوال من الاشتغال بالصلاة والتعقيب ونحوهما.

وثبوته ليلة السبت لم يقم عليه دليل ؛ لاختصاص الروايات بالسبت والجمعة. والأولوية المدعاة في محل المنع سيّما مع المخالفة للوقت المضروب.

ودعوى استصحاب جواز الفعل فاسد لثبوت الحكم فيما قبله مقيّدا ، فلا يصح استصحابه.

وشمول يوم السبت له بناء على إرادة مجموع اليوم والليلة منه لا وجه له مع عدم قيام قرينة عليه. وقد عرفت بما ذكرنا الوجه في الأقوال الأخر وضعفها.

ثانيها : مناط تشريع القضاء هل هو مطلق الفوات سواء كان عمدا أو سهوا أو نسيانا أو نحوها أو يختص بالتارك لعذر؟ وجهان ، بل قولان :

فظاهر الأكثر كالشيخ والقاضي والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيدان هو الأول. وفي غير واحد من كتبهم نسبته إلى المشهور.

واعتبر ابن فهد فيه قيام ضرورة على الترك. وعن ظاهر الصدوقين اعتبار العذر. والأظهر الأوّل ؛ لظاهر عدة من الأخبار :

منها : موثقة سماعة المتقدمة.

ومنها : الموثقة الأخرى حيث لم يؤخذ فيه العذر في ترك أصله ، واعتباره في ترك الغسل في قضائه في النهار محمول على بيان أفضلية قضائه في الجمعة على السبت أو أن السائل لمّا كان بصدد تدارك الغسل الفائت ، أمره فقضاؤه آخر النهار ثمّ استدرك على صورة عدم تمكنه منه

ص: 176


1- الهداية : 103.

فأمره إذن بالقضاء يوم السبت.

وربما حمل الرواية على ظاهرها ، وبجعل القضاء يوم السبت منوطا بعدم التمكن منه بعد الزوال من الجمعة بخلاف قضائه في الجمعة ، فكأنه لقربه من وقت الأداء صار بمنزلته.

وربما يظهر القول به من الشيخ في النهاية (1) حيث أطلق القول به في قضائه بعد الزوال.

وقيّد (2) قضاؤه في السبت بعد التمكن منه بعد الزوال.

واستشكل العلامة في التحرير (3) في قضائه في السبت مع تركه تهاونا.

وأنت خبير بأن إطلاق موثقة ابن بكير الّتي هي أوضح إسنادا من سائر أخبار الباب دالّ على ثبوت القضاء مطلقا ، وليس في غيره ممّا يعادله في السند والدلالة ما يفيد التقييد ، فلا وجه للتأمّل في الحكم. مضافا إلى انجبار الإطلاق بالشهرة ، والظاهر الاعتبار ؛ إذ مع ثبوت القضاء لا يظهر وجه للفرق بين المتعمد وغيره.

ولا يبعد حمل عبارة النهاية على نحو الرواية ولذا عزا إليه المحقق وغيره القول المشهور.

وتعليق الحكم بالناسي في بعض الأخبار كأنه مبنيّ على الحثّ على الفعل حتى أنه لا ينبغي تركه من الناسي ، فذكر حكمه.

ويؤيده ما في تلك الرواية من الحثّ وأنه لا بد من الإتيان في السفر والحضر.

هذا ، ولو أدرك بعضا من وقت الأداء فهل يكون قضاء مطلقا أو أداء وقضاء؟ وجهان : أوجهها الأول ؛ لسقوط الأمر بالأداء ظاهر [ ا ] ، ويحتمل سقوط القضاء أيضا بناء على خروجه عن ظواهر الأخبار الدالة على ثبوت القضاء إلا أن الأظهر إذن دلالتها عليه بالفحوى ، فتأمّل.

وأما لو أدرك بعضا من وقت القضاء فالظاهر سقوط الفعل كما إذا تمكّن منه قريب غروب الشمس يوم الجمعة أو السبت مما لا يسع الغسل.

ص: 177


1- النهاية : 104.
2- في ( ألف ) : « قبل ».
3- تحرير الأحكام 1 / 87.

نعم ، يتقوّى الأول جواز إكماله في الوقت الآخر على احتمال يأتي بيانه في المسائل الآتية إن شاء اللّه.

ولو أخّر بعضا من أفعال الغسل عن وقت الأداء عمدا أو سهوا فالأشبه جواز الإكمال في وقت القضاء ، وهل يختص القضائية بذلك الجزء أو يعمّ الجميع؟ وجهان.

ولو أخّره عن وقت القضاء فالظاهر فساد الغسل إلا أن يؤخره عن وقته الأول ، فيحتمل جواز الإكمال في وقته الآخر كما مرّ.

ثم الظاهر عدم ثبوت القضاء بعد يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة ، ولا عامل بظاهره من الأصحاب.

وعن بعضهم احتمال البناء عليه للتسامح في أدلة السنن.

وضعّفه بعض الأفاضل بدلالة ظاهر الأدلة على نفيه.

وإنما يتسامح في أدلتها مع عدم قيام دليل على النفي.

قلت : ولم نجد في الأخبار ما يدلّ على نفي المشروعية منطوقا ولا مفهوما لا بمفهوم اللقب ، ولا حجة فيه.

نعم ، إطباق الأصحاب ظاهر على خلافه ممّا يوهن البناء عليه ، فتأمّل.

ثالثها : أفضل وقت (1) القضاء أوّلها (2). وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والفاضلان والشهيد ؛ للموثقتين المذكورتين ، ولما فيه من المبادرة إلى الامتثال المطلوب في الشرع. مضافا إلى احتمال كونه من وقت الأداء واندراجه في جملة من الإطلاقات ، ولا يعارضه ما يظهر من جماعة من البناء فيه على المنع ؛ لضعف الاحتمال المذكور جدّا ؛ نظرا إلى أقسام الأدلّة الواضحة على فساده ، بخلاف الاحتمال المذكور.

وهل الأفضل من أوقاته ما قرب إلى الزوال أو ما بعد العصر؟ وجهان ؛ لما في الأول من المبادرة إلى الامتثال ، وفي الثاني من الاحتياط ؛ لما يظهر من الصدوقين من المنع من التقديم

ص: 178


1- في ( د ) : « وقتي ».
2- في ( د ) : « أولهما ».

كما مرّ.

وقد يومي إليه المرسلة المتقدمة ، والأولى ترجيح التأخير.

وأما يوم السبت فظاهر الإطلاقات عدم الفرق بين أجزائه.

نعم ، لا يبعد القول بدلالة أخبار التقديم مهما أمكن من المبادرة إلى الخبر.

وعن جماعة منهم الشهيدان أن كلما قرب إلى الزوال من وقت القضاء فهو أفضل.

ولم نجد مستنده ، وكأنّه مبنيّ على استنباطه من الأداء.

ولا يخفى وهنه.

ص: 179

تبصرة: [ في تقديم غسل الجمعة ]

يستحب تقديم الغسل يوم الخميس لخائف إعواز الماء يوم الجمعة ، بلا خلاف فيه يعرف.

وقد نصّ عليه الصدوقان والشيخ والقاضي والحلبي (1) والفاضلان والشهيدان وغيرهم.

والأصل فيه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح ، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن أمه ، وأم أحمد بنت موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : كنّا مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في البادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : « اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء فيها غدا قليل » ، قالتا : فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة (2).

ومرسلة محمد بن الحسين ، عن الصادق عليه السلام أنه قال لأصحابه : « إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد. فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة » (3).

وفي رواية الفقه : « وإن كنت مسافرا وتخوّفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس » (4).

وضعف الأخبار المذكورة مجبور بالعمل بل الإجماع كما يظهر من كشف اللثام حيث عزاه إلى فتوى الأصحاب مؤذنا باتفاقهم عليه.

ص: 180


1- في ( ب ) : « الحلّي ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 111.
3- تهذيب الأحكام 1 / 365 ، باب الاغتسال وكيفية الغسل من الجنابة ، ح 2.
4- فقه الرضا عليه السلام : 129.

وفي الحدائق (1) : إنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ، مضافا إلى التسامح في أدلة السنن ، فالحكم المذكور مما لا تأمل فيه. وإنما يقع التأمّل في أمور :

منها : أن ظاهر الأخبار المذكورة ثبوت الحكم للمسافر ، فهل يعمّ الحكم من خاف عوز الماء في الحضر؟ وجهان ؛ ظاهر الأكثر ذلك ، بل ظاهر الحدائق عدم الخلاف فيه.

وعن الصدوق والشيخ في النهاية اعتبار السفر وقوفا مع الأخبار ، لكن الظاهر القطع لتنقيح المناط بملاحظة الخبرين الأولين سيّما الأول منهما خصوصا مع ملاحظة فهم الأصحاب.

وإنما وردت الأخبار في خصوص السفر لكون الغالب حصول العذر فيه دون الحضر.

ومنها : أنه هل يعتبر في جواز التقديم خصوص الإعواز كما هو مورد الأخبار أو يكتفى بمجرّد (2) الفوات ولو من جهات أخرى؟ قولان :

والأوّل محكّي عن الصدوق والقاضي وابن سعيد والفاضلين والشهيد وابن فهد (3) ؛ وقوفا فيما خالف الأصل على مورد النصّ.

والثاني محكي عن الشيخ في غير واحد من كتبه والحلي (4) والفاضل (5) في (6) التذكرة (7) والشهيد الثاني (8) وولده.

وهو الأظهر لتنقيح مناط الحكم.

وربما يحمل عليه الأخبار وسائر فتاوى الأصحاب.

نعم ، ظاهر جماعة من المتأخرين الميل إلى الأوّل ؛ وقوفا مع ظواهر الأخبار. وربّما

ص: 181


1- الحدائق الناضرة 7 / 392.
2- في ( ألف ) : « مجرّد ».
3- المهذب البارع 1 / 190.
4- السرائر 1 / 124.
5- كشف اللثام 1 / 137.
6- كذا ، والظاهر : « و » ، بدلا من « في ».
7- تذكرة الفقهاء 2 / 141.
8- مسالك الإفهام 1 / 105.

يستفاد من الرواية الأولى أن قلة الماء يوم الجمعة ، ويعتبر الفصل فيه من تلك الجهة كافية في التقديم ، ولم يكن هناك خوف من تعذر الماء لكنّه خلاف ظاهر الفتوى ، فالقول به لا يخلو عن إشكال.

ومنها : أن الحكم هل يناط بخوف الإعواز أو التعذر أو أنه يعتبر فيه اليأس والتعذر أو المدار فيه على الظن؟ وجوه. فالأول هو المشهور بل كاد أن يكون إجماعا كما ذكره بعض الأجلة.

والثاني محكي من الشيخ والفاضل. وعن الفاضل أيضا في بعض كتبه اعتبار الظن تارة والخوف أخرى ، و (1) كان الأظهر الأول ؛ إذ هو الأظهر من سياق الأخبار ، بل عليه المدار في ما شأنه ذلك من سائر الموارد.

ومنها : أنه هل يعتبر في جواز التقديم حصول العذر في خصوص وقت الأداء أو لا بدّ من شموله لوقت القضاء إما مطلقا أو لخصوص ما بعد الزوال من الجمعة؟ وجوه : نصّ الشهيدان على الأول.

وقد يستفاد ذلك أيضا من إطلاق جماعة منهم حيث علّقوا الحكم بخوف الفوات أو الإعواز.

وقد يستفاد من إطلاق جماعة اختيار الأخير حيث اشترطوا وجود العذر في يوم الجمعة الظاهر في تمام النهار. ويعلّل الوجهان بأن قضية الأدلة اعتبار العذر في يوم الجمعة ، فيعمّ جميعه مع احتمال انصرافه إلى المتعارف الشائع أعني وقت الأداء أو الوجهان متقاربان ، وقضية الأصل المنع من التقديم إلا في مورد اليقين بشمول الدليل ، وهو ما لو عمّم العذر تمام النهار.

ومنها : أنه لا يجري الحكم المذكور في ليلة الخميس لخروجه عن النصوص.

وهل يجري في ليلة الجمعة؟ قولان. وعن الشيخ والفاضل وظاهر المحقق والشهيد أنه

ص: 182


1- في ( ألف ) : « أو ».

كذلك ، وعن ظاهر المعظم خلافه.

وهو الأظهر لخروجه عن مدلول النص مع الأولوية. وقد مرّ نظيره في قضائه ليلة السبت.

والتفصيل بين المقامين باختيار القول بالعدم هناك والقول بالإلحاق هنا ؛ نظرا إلى ظاهر الأولوية.

والإجماع المنقول عن الخلاف والتذكرة والاستصحاب هنا ليس على ما ينبغي ؛ لعدم وضوح ما ذكره من الاجماع والاستصحاب لو تمّ في المقام جرى في المقامين ، وكذا الأولوية وعدم ظهور المخالف الناص في المقام لا يفيد شيئا مع ظهور خلافه من المعظم كما ذكر.

ومنها : أنه لو قدم الغسل في الخميس ثم تمكّن منه قبل زوال الجمعة ففي استحباب إعادته وجهان. وقد أفتى الصدوق والعلامة (1) في جملة من كتبه والشهيد وابن القطان وابن فهد وجماعة من المتأخرين بالأول. ولا يظهر منهم قائل بالوجه الأخير.

والوجه فيه الرجوع إلى الإطلاقات.

ص: 183


1- نهاية الإحكام 1 / 175.
تبصرة: [ في غسل عيد الفطر وعيد الأضحى ]

من الأغسال الزمانية غسل يومي العيدين الفطر والأضحى بلا خلاف فيه. [ و ] قد حكى الاجماع عليه جماعة منهم ابن زهرة (1) والفاضلان والشهيد وسبطه.

ويدل عليه مضافا إلى ذلك ، المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح الكثيرة. وفي الموثق : « غسل يوم الفطر ويوم الأضحى سنّة لا أحب تركها » (2).

وفي الصحيح : عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : « سنّة وليس بفريضة » (3).

وفي آخر : « الغسل في سبعة عشر موطنا وعدّ منها العيدين » (4).

إلى غير ذلك ، وربّما يشعر كلام الصدوق في الهداية (5) اختيار الوجوب في غسل الأضحى إلا في منى حيث ذكر رواية القاسم بن الوليد المشتملة على ذلك. قال : « وروى أن غسل العيدين سنّة » (6) إلا أنه كما ترى ليس فيها دلالة ظاهرة على ذلك ، مع إمكان حمله الرواية على الاستحباب المذكور كما هو المتعيّن بقرينة الأخبار المذكورة وغيرها.

مضافا إلى الإجماع المعلوم والمنقول.

ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب على أن وقته تمام النهار من طلوع الفجر إلى الغروب.

ص: 184


1- غنية النزوع : 62.
2- الاستبصار 1 / 451.
3- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 1.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 77.
5- كذا ، ولعلّه : « الفقيه ».
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 507.

واستظهره في المدارك (1) ، وهو الظاهر ؛ لظاهر الإطلاقات المذكورة وغيرها المعتضدة بإطلاق الإجماعات المحكيّة.

ويومي إلى الأول أيضا إطلاق رواية قرب الإسناد ، بإسناده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام : « إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزه وأن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه » (2).

وفي موثقة عمار ، عن الصادق عليه السلام : « فإن (3) مضى الوقت فقد جازت صلاته » (4).

وربما يستشعر منه انقضاء وقت الغسل بانقضاء وقت الصلاة حيث لم يأمره عليه السلام بالغسل بعد انقضاء وقت الصلاة. و (5) يوهنه احتمال كون السؤال مسبوقا لاستعلام حال الصلاة. وحينئذ فترك ذكر الغسل في الجواب لا يفيد انقضاء وقته.

نعم ، في رواية الفقه دلالة عليه حيث قال : « إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل » (6) ، وهو أول أوقات الغسل.

ثم إلى وقت الزوال إلا أنها لضعفها لا تنهض مقيدة لتلك الإطلاقات المعتبرة.

وعن الحلي والفاضل في المنتهى (7) أن وقته إلى الصلاة. وعزاه في ذكرى الشيعة إلى ظاهر الأصحاب مع استظهار امتداده بامتداد النهار ؛ أخذا بإطلاق اليوم كلام الأكثر كما ترى خال عن التقييد ، فنسبة المذكورة لا يخلو عن تأمّل.

قال : ويتخرج من تعليل الجمعة أنها إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة

ص: 185


1- مدارك الأحكام 2 / 165.
2- قرب الاسناد : 181.
3- زيادة في ( د ) : « عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى يصلّي قال : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ».
4- الإستبصار 1 / 103.
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- فقه الرضا عليه السلام : 131.
7- منتهى المطلب 1 / 241.

العيد.

وكأنّه أشار به إلى رواية العلل التي رواها محمد بن سنان. ودلالتها على المطلوب غير ظاهر ؛ إذ لا إشارة فيها إلى حصر العلة واطرادها مع ذكر علة أخرى فيها أيضا.

فظهر بذلك أيضا ضعف القول بالتعبّد ، مضافا إلى أن الصلاة ممّا يترك في كثير من الأحوال ، فلا معنى لإناطة التوقيت به ، واعتبار العذر (1) فيه خلاف الظاهر ، والبناء على اعتبار الزوال لا يظهر قائل به وإن احتمله الشهيد كما عرفت.

ثم إنّه لا شكّ في أفضل إيقاعه عند الصلاة كما يستفاد من رواية العلل ، ونصّ عليه جماعة ، مضافا إلى ما فيه من الخروج عن الخلاف.

ولا يبعد القول بأفضلية ما قبل الزوال مطلقا ؛ أخذا برواية الفقه المذكورة.

هذا ، وفي الموثقة المذكورة أوّلا دلالة على مطلوبية الغسل لأجل الصلاة.

وربّما زعم بعضهم دلالتها على كون الغسل المذكور من الأغسال الغائية دون الزمانية ، وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها على نفي كونه زمانيا ، غاية الأمر أن يجمع بين الأمرين ويقال فيه لحصول الجهتين كما هو الأظهر إلا أنهم لم يذكروا في غير الأغسال الفعلية ، لكن هذه الرواية ظاهرة الدلالة عليه ، فلا بأس في القول به.

ومنها : غسل يوم عرفة كما نصّ عليه كثير من الأصحاب كالصدوقين والمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة والحلي والفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعن الغنية والمدارك الإجماع على استحبابه. وعدّه جماعة من الأغسال المشهورة.

ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها كصحيحة عبد اللّه بن سنان : « الغسل في أربعة عشر موطنا ... » وعدّ منها يوم عرفة (2).

وصحيحة محمد بن مسلم : « الغسل في سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها يوم عرفة (3).

ص: 186


1- في ( ألف ) : « العدو ».
2- الخصال : 498.
3- الخصال : 508.

ولا فرق فيه بين من كان في الموقف وغيره للإطلاقات وخصوص رواية عبد الرحمن بن سيّابة عن الصادق عليه السلام : عن غسل يوم عرفة في الأمصار؟ فقال : « اغتسل أينما كنت » (1).

ثم إن ظاهر الإطلاقات كون تمام اليوم وقتا للفعل.

وفي رواية الفقه (2) توقيته بما قبل الزوال.

ومنها : غسل يوم التروية ، للصحيحين العادّين له من مواطن الغسل. وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب كالصدوق والفاضل والشهيدين وغيرهم.

ومنها : غسل يوم الغدير ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة على المعروف المحكي عليه الإجماع ، وهو يوم الذي عقد فيه البيعة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

قيل : وكان (3) حساب المنجمين يوم التاسع عشر من الشهر المذكور إلا أنه لم ير الهلال ليلة الثقلين بمكة.

واستحباب الغسل فيه مذكور في كلام جماعة من الأصحاب ، بل الإجماع محكي عليه في التهذيب والغنية والروض.

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الضعيف عن الصادق عليه السلام : « من صلّى قدر (4) ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن يزول مقدار نصف ساعة » (5) إلى أن قال : « ما سأل اللّه حاجة من حوائج الدنيا والآخرة (6) إلا قضيت له (7) كائنة ما كانت ».

والرواية طويلة معروفة بين الأصحاب.

وردّه الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد لكنّه من طريق محمد بن موسى

ص: 187


1- وسائل الشيعة 3 / 309 ، باب استحباب غسل يوم عرفة ح 1.
2- فقه الرضا عليه السلام : 175.
3- في ( د ) زيادة : « على ».
4- في المصدر : « فيه ».
5- تهذيب الأحكام 3 / 143 ، باب صلاة الغدير ، ح 1.
6- في المصدر : « حوائج الآخرة ».
7- ليس في المصدر : « له ».

الهمداني.

وقد أثبتناه من كتاب نوادر الحكمة إلّا أن ضعفها منجبر بالشهرة عندنا ، بل قال بعض الأجلاء : إنه لا رادّ لها سوى الشيخين المذكورين ، مضافا إلى أنه من السنن التي تتسامح في أدلتها.

وهذه الرواية كما ترى تقيّد بوقت استحبابه بخصوص الوقت المعلوم.

وروى ابن طاوس في الإقبال عن أبي الحسن الليثي ، عن الصادق عليه السلام في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير ، قال : « فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره » (1).

وهذه يعطي التوقيت بأول النهار ، وظاهر الإجماعات المحكية وإطلاق كثير من الطائفة يعطي إطلاق توقيته بالنهار.

ويمكن الاحتجاج له برواية الفقه حيث ذكر فيه « أن الغسل ثلاثة وعشرون وعدّ منها غسل يوم غدير خم » (2) فإن ظاهر نسبة الغسل إلى اليوم يعطي جواز إيقاعه في أيّ جزء منه. وهو الأظهر ؛ للتسامح في أدلة السنن سيّما مع اعتضاده بما ذكر إلا أن الأفضل منه الوقتان المذكوران.

وعن الإسكافي توقيته (3) بطلوع الفجر إلى قبل صلاة العيد.

ونفى عنه البعد بعض الأجلّة.

وربّما يستفاد من الرواية المشهورة مطلوبيّته لأجل الصلاة فيكون من الأغسال الفائتة أيضا.

ومنها : غسل يوم المباهلة على ما ذكره كثير من الأصحاب ، منهم الشيخ (4) في جملة من

ص: 188


1- إقبال الأعمال 2 / 280.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- في ( ب ) : « توفيقة ».
4- المقنعة : 51.

كتبه ، والديلمي والطوسي (1) والحلي (2) وابن سعيد والفاضلان والشهيدان (3) (4) وابن فهد (5) وغيرهم.

وفي المعتبر (6) أن العمل به مشهور.

وفي الغنية (7) الإجماع على استحباب غسل المباهلة. وهو يحتمل فعل المباهلة ويومها.

وكأنّ الأظهر الأخير بقرينة حكاية الإجماع عليه ؛ لعدم معروفيّة الأوّل بين الأصحاب.

وقد ورد وجوب غسل المباهلة في موثقة سماعة ، وهو يحتمل الوجهان المذكوران.

والأظهر بحسب العبارة هو الأول إلا أن يجعل شهرة الأخير بين الأصحاب قرينة على إرادته.

وكيف كان ، ففي رواية الإقبال المعروفة في خبر المباهلة : « إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا لله واغتسل والبس أنظف ثيابك » (8) الخبر.

وفي (9) رواية الشيخ في المصباح عن الكاظم عليه السلام : « يوم المباهلة اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة تصلى في ذلك اليوم ما أردت » .. إلى أن قال : « وتقول وأنت على غسل الحمد لله ربّ العالمين » الدعاء دلالة على ذلك.

مضافا إلى انجبارهما بعمل الجماعة.

ثم ما تضمّنه الرواية المذكورة من كونه اليوم الرابع والعشرين هو المشهور بين

ص: 189


1- المبسوط 1 / 40.
2- السرائر 1 / 125.
3- مسالك الإفهام 1 / 106.
4- البيان : 4.
5- المهذب البارع 1 / 190.
6- المعتبر 1 / 357.
7- غنية النزوع : 62.
8- إقبال الأعمال 2 / 354.
9- لم ترد في ( د ) : « في ».

الأصحاب على ما ذكره الشهيدان في الذكرى (1) والروض (2) وصاحبا الذخيرة (3) وكشف اللثام (4) وغيرهم.

وفي جامع المقاصد (5) أنه الأشهر.

وحكى في الإقبال قولا بأنه الواحد والعشرون وآخر بأنه السابع والعشرون ، وذكر أن أصح الروايات أنّه يوم الرابع والعشرين ، وبملاحظة ما ذكرنا يتبيّن قوة القول المذكور.

ولا مستند ظاهر للقولين الآخرين.

ومنها : يوم المولود ، وهو السابع عشر من ربيع الأول على المعروف بين الأصحاب ، وعن الكليني (6) أنه الثاني عشر منه ، وبه (7) رواية وهو المعروف بين العامة ، فالأظهر البناء على الأول.

واستحباب الغسل فيه مذكور في كلام جماعة (8) من أجلاء الأصحاب.

وقد نصّ عليه الطوسي وابن طاوس والشهيد وابن فهد وجماعة.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وأسنده في كشف الالتباس إلى الرواية ، وذلك كاف في ثبوت حكم الاستحباب.

مضافا إلى أنه من جملة الأعياد ، وقد حكى الشيخ الإجماع على استحباب الغسل في الأعياد.

ومنها : غسل يوم المبعث كما نصّ عليه جمع كثير من الأصحاب كالشيخ في عدّة من كتبه

ص: 190


1- الذكرى : 24.
2- روض الجنان : 18.
3- ذخيرة المعاد 1 / 7.
4- كشف اللثام 1 / 142.
5- جامع المقاصد 1 / 75.
6- الكافي 1 / 439 ، باب مولد النبي صلى اللّه عليه وآله ووفاته.
7- زيادة : « به » من ( د ).
8- في ( د ) : « جملة » بدل « جماعة ».

والحلبي (1) والطوسي والحلي وابن طاوس والفاضلان والشهيدان (2) (3) وابن فهد (4) والصيمري وغيرهم.

وفي الغنية الإجماع (5) عليه.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وعن العلامة والصيمري إسناده إلى الرواية.

وفي الشرائع (6) والنافع عدّة من الأغسال المشهورة.

فبملاحظة ذلك كله يتعيّن القول بثبوته وإن ترك ذكره في كتب الصدوق والمفيد والقاضي وغيرهم.

ومنها : غسل يوم دحو الأرض ، أعني الخامس والعشرين من ذي القعدة (7). ذكره الشهيد في جملة من كتبه ، وفي الذكرى : ذكره الأصحاب. وذكره أيضا بعض من تأخر عنه ، وليس له ذكر في سائر كتب الأصحاب ، ولا له أثر في الروايات.

نعم ، أثبت الإسكافي الغسل لكل زمان شريف كما سيجي ء ، ولا ريب أنه من الأزمنة الشريفة إلا أنه أيضا لا مستند له في الظاهر.

ومنها : الغسل للتاسع من ربيع المولود ، وقد حكي ذلك من فعل أحمد بن إسحاق القمي معلّلا بأنه يوم عيد ، بل هو من الأيام الشريفة العظيمة لما وقع فيه من الواقعة التي فيها قطع أصل الضلالة إلا أن ذلك خلاف المعروف بين علماء التاريخ ، بل خلاف ما ذكره أكثر الأصحاب ، مضافا إلى أن مجرد ذلك لا يثبت استحباب الغسل كما لا يخفى.

ص: 191


1- الكافي للحلبي : 135.
2- البيان : 4.
3- شرح اللمعة 1 / 685.
4- المهذب البارع 1 / 189.
5- غنية النزوع : 62.
6- شرائع الإسلام 1 / 37.
7- في ( ب ) : « ذي الحجّة ».

ومنها : غسل ليلة النصف من رجب كما نصّ عليه جمع كثير من الأصحاب كالشيخ والطوسي والحلي والفاضلين وابن سعيد والشهيد وابن فهد وغيرهم.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وفي الذكرى وغير واحد من كتب الشهيد الثاني أنه مشهور.

وذكر المحقق وابن فهد والصيمري أنه من الأغسال المشهورة :

ولم نجد عليه نصّا في الأخبار إلا الرواية الآتية ، وهي غير دالة عليه بالخصوص.

نعم ، أسنده وغيره في نهاية الإحكام وغيرها إلى الروايات.

ومنها : غسل أول رجب ووسطه وآخره ؛ لما ذكره في الإقبال أنه وجد في كتب العبادات عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال : « من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله ووسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولادته » (1). وإرساله لا يمنع عن العمل به في المندوبات ولا يبعد حصول الغسل في الوسط بالفعل السابق فلا حاجة إلى النسبة.

ومنها : غسل الليلة النصف من شعبان كما ذكره جماعة من الأصحاب.

وعن الوسيلة والغنية الإجماع عليه.

ويدل عليه رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال : « صوموا شهر شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ، ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة » (2). وهو مذكور في رواية الفقيه أيضا.

ومنها : غسل الليلة الأولى من شهر رمضان لعدة من الأخبار ، فعن الصادق عليه السلام : « من أحبّ أن لا يكون به الحكمة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان » (3).

وعنه عليه السلام : « من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصبّ على رأسه ثلاثين كفّا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل » (4).

ص: 192


1- إقبال الأعمال 3 / 173.
2- وسائل الشيعة 3 / 335 ، باب استحباب غسل ليلة النصف من شعبان ، ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 / 325 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 5.
4- وسائل الشيعة 3 / 325 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 4.

ومنها : غسل الليلة الخامسة عشر منه ، فعن الصادق عليه السلام : « يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف » (1).

وعليه الإجماع وللمستفيضة المتكثرة ، منها الصحيح : « الغسل في ستة عشر موطنا .. » ، وعدّ منها الليلة المذكورة.

ومنها : غسل الليلة السابعة عشر ، وعن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرائع الدين : « وأول ليلة من شهر رمضان وليلة سبعة عشرة » (2). وعليه الإجماع في الوسيلة والغنية.

ومنها : غسل ليالي القدر الثالث المعروفة بالإجماع ، حكاه بعض الأجلة. ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها.

ويستحب هناك غسل ثان في الليلة الثالثة بأن يغتسل مرّة في أول الليل وأخرى في آخره ؛ لما رواه في الإقبال بأسانيده إلى التلعكبري بإسناده إلى يزيد بن معاوية ، عن الصادق عليه السلام قال : « رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان مرّة في أول الليل ومرّة في آخره » (3).

ورواه الشيخ مضمرا باختلاف يسير في لفظه ، والظاهر أنّ كلّا منهما مستحب برأسه ، فيجوز الاقتصار على أحدهما ، ويؤدي وظيفة الغسل المطلق بأحدهما ، ويجوز الاقتصار على الغسل الواحد في الأثناء ، فيؤدي به وظيفة المطلق خاصة. أما لو أتى بالغسل الأول فالظاهر عدم جواز الإتيان بالمطلق ثانيا لأوانه.

ومنها : غسل الليلة الرابعة والعشرين منه لغير واحد من الأخبار ، منها ما رواه في الإقبال ، عن كتاب الحسين بن سعيد ، بإسناده عن الصادق عليه السلام أنه قال : « اغتسل في ليلة أربع وعشرين » (4).

ص: 193


1- إقبال الاعمال 1 / 55.
2- وسائل الشيعة 3 / 305 ، باب حصر أنواعها ( الأغسال المسنونة ) وأقسامها ، ح 6.
3- إقبال الأعمال 1 / 375.
4- إقبال الأعمال 1 / 388.

ومنها : الغسل في ليلة الخامس والعشرين وليلة السابع والعشرين وليلة التاسع والعشرين ، لما حكاه في فلاح السائل عن الشيخ ابن أبي قرّة (1) أنه قال « بعد ذكر غسل ليلة أربع وعشرين منه وليلة خمس وعشرين منه وليلة سبع وعشرين منه وليلة تسع وعشرين منه » ، وروي في ذلك روايات.

ومنها : الغسل في كلّ ليلة من العشر الأخير ؛ لما حكاه في الإقبال عن كتاب علي بن واحد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام قال : « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الاواخر في كل ليلة » (2).

وعن كتاب الأعمال لأحمد بن عياش عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « لمّا كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فحمد اللّه وأثنى عليه حتّى إذا كان أول ليلة من العشر قام وشمّر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله وكان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين » (3).

وفي مرجع الضمير وجهان ؛ من ظهور التذكير في رجوعه إلى « الشهر » سيّما برواية الوسائل حيث ذكر أن النبي صلى اللّه عليه وآله « كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر .. » الخبر (4) ؛ نظرا إلى قرينة المرجع.

ويؤيده أيضا تغيير الأسلوب من الماضي إلى المضارع وإقحام « كان » في البين. وكأنه لذا استظهره في حاشية الوسائل إرجاع الضمير على « الشهر » ، ومن ظهور السياق في رجوعه إلى « العشر » حيث إنه في بيان أحوالها.

ويؤيده حكاية تأنيث الضمير عن بعض النسخ ، وعلى فرض تذكيره فالأمر فيه سهل مضافا إلى موافقته للرواية السابقة.

ص: 194


1- بحار الأنوار 78 / 22.
2- إقبال الأعمال 1 / 358.
3- بحار الأنوار 78 / 18.
4- وسائل الشيعة 3 / 326 ، باب ما يستحب من الأغسال في شهر رمضان ، ح 6.

وكيف كان ، يدل على استحباب الغسل في العشر ، والظاهر اندراج الأغسال الخاصة بالليالي المخصوصة فيه ، فلا يستحب هناك غسل آخر من الجهة المذكورة.

نعم ، يتأكّد الاستحباب فيما اجتمعت فيه الوجهان.

ومنها : الغسل في كل ليلة من ليالي الإفراد منه كما نصّ عليه جملة من أجلة الأصحاب كالشيخ وابن طاوس والشهيدين وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي وغيرهم.

قال الشيخ في المصباح (1) : وإن اغتسل في (2) ليالي الإفراد كلها وخاصة ليلة النصف كان له فيه فضل كثير.

ويدل عليه ما ذكره في الإقبال من وجود الرواية المتضمنة لاستحباب الغسل في كل ليلة مفردة من الشهر.

وفي نقله رحمه اللّه مع اعتضاده بفتوى الجماعة. وذكر الشيخ كثرة فضله كفاية في ثبوت الاستحباب.

ومنها : الغسل في كل ليلة منه ولم نجد به مفت من الأصحاب.

نعم ، يدل عليه الرواية المتقدمة على الوجه الأول إلا أنه لعدم تعيّنه لا يثبت به الحكم المذكور.

ومنها : غسل ليلة الفطر ؛ للرواية المتكررة في عدّة من الكتب المعتمدة.

قلت : لا (3) ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال : « إذا غربت الشمس فاغتسل » (4) الخبر.

وقد يومي هذه الرواية الغسل عقيب المغرب ، ولا أقل من عدم إفادتها الاستحباب في مطلق الليل إلا أن المذكور في كلام جملة من الأجلة إطلاق الاستحباب. ولا بأس به.

وذكر ابن طاوس ورود رواية بكونه قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد. ولا ريب أنّ

ص: 195


1- مصباح المتهجّد : 636.
2- ليس في المصدر : « في ».
3- في المصدر : « جعلت فداك فما ».
4- الكافي 4 / 167 ، باب التكبير ليلة الفطر ويوميه ، ح 3.

العمل على الأولى أولى.

ومنها : غسل ليلة الجمعة.ذكر [ ه ] بعض الحليين ، ولم نجد مستنده.

ومنها : غسل ليلة الأضحى على ما ذكره في الوسائل حيث عنون الباب باستحباب الغسل ليلة العيدين ويومهما إلا أنه لم يذكر في الباب ما يدل عليه. ولم نجد في الأخبار ما يومي إليه.

نعم ، ذكر هناك مرسلة ابن طاوس الماضية لا ريب أنها في خصوص الفطر.

ومنها : الغسل لكل زمان شريف من يوم وليلة على ما حكي عن الإسكافي القول به.

وربما يظهر من الفاضلين حيث علّلا استحباب غير واحد من الأغسال بشرف الزمان.

وهل المراد به مطلق الشرافة كمجموع شهر رمضان أو الأشهر الثلاثة ونحوها ، أو المراد به الشرافة الثابتة لخصوص ذلك الزمان كليلة الجمعة ويوم القدر ونحوهما؟ وجهان. وكيف كان ، فالأظهر عدم ثبوته لانتفاء الدليل عليه.

ومنها : غسل يوم النيروز. وقد نصّ عليه كثير من الأصحاب منهم الشيخ وابن سعيد والفاضل في عدة من كتبه والشهيد وابن فهد (1) والصيمري والمحقق الكركي وشيخنا البهائي وغيرهم.

ويدل عليه رواية المعلّى عن الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك .. » (2) الخبر.

وفي تعيين يوم النيروز اختلاف بين الأصحاب ، ولهم فيه أقوال ليس هذا محل إيرادها.

ومنها (3) : أول يوم من السنة ؛ لرواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصبّ على رأسه ثلاثين

ص: 196


1- المهذب البارع 1 / 191.
2- وسائل الشيعة 3 / 335 ، باب استحباب غسل يوم النيروز ، ح 1.
3- زيادة في ( د ) : « غسل ».

غرفة كان دواء السنة » (1). رواها السيد في الإقبال ، وقد روى فيه أخبارا عدّة أن رأس السنة شهر رمضان ، وفيه بعد ذكر الرواية ( المتقدّمة وأنّ اوّل كلّ سنة أوّل يوم من شهر رمضان ، وهو يحتمل أن يكون من تتمّة الرواية ) (2) وأن يكون من كلام السيد.

وذكر أيضا في الإقبال (3) اختلاف الروايات في بيان أول السنة أنه محرّم أو شهر رمضان. قال : لكنّي رأيت [ من ] (4) عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم الماضين أن أول السنة شهر رمضان على التعيين ، واحتمال الجمع بينهما باختيار (5) الثاني في (6) أول العام في عبادات الإسلام والثاني في التواريخ والمهام.

وعن الصدوق (7) : أن أول الشهور عند أهل الحق شهر رمضان.

وبجميع ما ذكرنا يتقوى القول بكون المراد من أول السنة في الرواية المذكورة هو اليوم المذكور ، مضافا إلى ما عرفت من رواية نظيره في غسل أول ليلة منه.

ص: 197


1- وسائل الشيعة 3 / 326 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 7.
2- ما بين الهلالين مما لم ترد إلا في ( د ).
3- إقبال الأعمال 1 / 32.
4- ما أدرجناه من المصدر.
5- في ( د ) : « باجتناب ».
6- لم ترد في ( د ) : « في ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 522.
تبصرة: [ في الأغسال المكانية ]

وأما الأغسال المكانية :

فمنها : غسل دخول حرم مكّة ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها : الموثق العادّ للأغسال : « وغسل دخول الحرم يستحب أن لا تدخله إلا بغسل » (1).

ومنها : الصحيح : « الغسل في أربعة عشر موطنا .. » وعدّ منها دخول الحرم (2) إلى غير ذلك.

والظاهر من الحرم فيها حرم مكة لانصراف الإطلاق إليه ، وبه نصّ كثير من الأصحاب ، وعليه الإجماع في الغنية. وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : غسل دخول حرم المدينة. نصّ عليه جماعة من الأصحاب منهم الصدوق في غير واحد من كتبه والشهيد وشيخنا البهائي ، ولم يذكره الأكثر.

والأظهر ثبوته للصحيحة المروية في عدة من الكتب المعتبرة : « الغسل في سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها : « وإذا دخلت الحرمين » ؛ وحمله على البلدين كما احتمله بعضهم بيّن الوهن.

ومنها : غسل دخول مكّة ؛ للمعتبرة المستفيضة والإجماع عليه محصّلا كما هو الظاهر ومحكيّا كما في الخلاف ، وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : غسل دخول المدينة ؛ للمعتبرة المستفيضة أيضا ، والإجماع الظاهر والمحكي في الغنية.

ص: 198


1- وسائل الشيعة 3 / 304 ، باب حصر انواعها ( الاغسال ) واقسامها ، ح 3.
2- الخصال : 498.

وفي الوسيلة أيضا أنه من المندوب بلا خلاف.

وقيّد المفيد استحباب الغسل لدخول البلدين من دخلهما لأداء فرض أو نفل. ولا نعرف مستنده.

ويدفعه إطلاق النصّ والفتوى ، والظاهر الرجوع في البلدين إلى العرف ، ويحتمل الرجوع إلى الموجود حال صدور الأخبار.

ومنها : الغسل لدخول مسجد الرسول ( صلى اللّه عليه وآله كما نصّ عليه الأصحاب للصحيحة المرويّة في عدّة من الكتب المعتمدة وفيها : « وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ... ». وفي الغنية الإجماع عليه ، وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : الغسل لدخول المسجد ) (1) الحرام. ولم نجد به نصّا إلا أنه منصوص في كلام الأصحاب. وقد حكي عليه الإجماع في الخلاف والغنية.

وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

وقد يستدلّ له بفحوى الصحيحة المتقدمة المبيّنة للغسل لدخول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله حيث إنه أفضل منه.

وفيه تأمل.

وفي تلك الصحيحة : « الغسل لدخول البيت الحرام متصلا به حول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله » ، فقد تكون في تقارنهما إشارة إلى إرادة المسجد منه.

وفيه أيضا تأمل ، ومع ذلك فالأظهر ثبوته تسامحا في أدلة السنن ، بل عن الجعفي القول بوجوبه.

وهو ضعيف جدا.

ومنها : الغسل لدخول الكعبة. ويدل عليه - بعد الإجماعين المحكيين وعده في الوسيلة من المندوب بلا خلاف - المعتبرة المستفيضة.

ص: 199


1- الزيادة ما بين الهلالين من ( د ).
تبصرة: [ في الأغسال الفعلية ]
اشارة

وأما الأغسال الفعلية :

فمنها : الغسل للإحرام. ومشروعيته في الجملة مما لا خلاف فيه بين الطائفة بل الامة. وأما استحبابه فهو المعروف من مذهب الأصحاب.

[ و ] قد حكى الإجماع عليه جماعة منهم الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في التذكرة.

وفي التحرير : أنه ليس بواجب إجماعا.

وفي المقنعة : أنه سنّة بلا اختلاف. قال : وكذلك غسل الإحرام للعمرة. وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وعن ظاهر المجالس : أنّ القول باستحبابه من دين الإمامية.

وفي التهذيب : أنه ليس بفرض عندنا.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاها في المختلف والذخيرة وكشف اللثام وغيرها.

ونسب القول بالوجوب في المعتبر إلى شاذّ منّا.

وعن العماني القول بوجوبه. وهو الظاهر مما حكي عن الإسكافي في كيفية الإحرام.

وحكى الشهيد عن الصدوق أنه أطلق وجوب عدّة من الأغسال ، وعدّ منها غسل الإحرام.

وهو كما ترى غير صريح في الوجوب بالمعنى المصطلح ، بل ولا (1) ظاهر فيه بملاحظة

ص: 200


1- زيادة : « لا » من ( د ).

المقام حيث عدّ منها لا وجه للقول فيه بالوجوب. ومال إليه صاحب الحدائق حيث ذكر أن القول بالوجوب لا يخلو عن قوة.

ومال السيد في الناصريات بعد حكمه باستحباب الغسل المذكور وتأكّد استحبابه غاية التأكيد ، فلهذا اشتبه الأمر على أكثر أصحابنا واعتقدوا أن غسل الإحرام واجب ؛ لقوة ما ورد في تأكيده. وهذا يعطي شيوع القول به في الأوائل إلا أن تفرّده في كفاية (1) ذلك مع حكم غيره بخلافه بشذوذ القائل به ظاهر في توهّمه ذلك من إطلاق كلماتهم الظاهر في البناء على الوجوب ، مع أن المراد به الندب كما فهمه غيره أو دلّ عليه فتاواهم في موضع آخر.

وكيف كان ، فالوجه فيه القول بالندب.

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكية والشهرة المستفيضة القريبة من الإجماع الأصل. وعدم وضوح مستند ظاهر للوجوب ولو كان واجبا لقام عليه الشواهد الظاهرة والأدلة القاطعة ؛ لما فيه من عموم البلية ، ولما خفي أمره على آحاد الطائفة ، مع أن الأمر فيه بالعكس ، مضافا إلى ظواهر عدّة من الأخبار ، منها قويّة الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام : فيما كتب للمأمون من شرائع الدين حيث حكم فيها بكون عدّة من الأغسال منها غسل الإحرام سنّة قال : « وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله » (2).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار في بيان كيفية الإحرام ، وفيها : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق إلى الوقت من هذه المواقيت ، وأنت تريد الإحرام إن شاء اللّه فانتف إبطيك وقلّم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، ولا يضرّك بأي ذلك بدأت ثم استك واغتسل والبس ثوبيك وليكن فراغك من ذلك إن شاء اللّه عند زوال الشمس » (3) الخبر.

فإنّ ذكره في سياق المندوبات يعطي استحبابه.

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب ، فيها أيضا الأمر بها في سياق عدّة من المندوبات.

ص: 201


1- في ( د ) : « حكاية » بدل « كفاية ».
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 130.
3- الكافي 4 / 326 ، باب ما يجب لعقد الاحرام ، ح 1.

وفي ظاهر رواية الفقه أيضا ما يدلّ على استحبابه.

حجة القول بالوجوب ظواهر عدّة من الأخبار ، وفيها ما يشتمل على الأمر بالغسل أو ما عادته إذا لبس بعد الغسل ما لا ينبغي له لبسه أو أكل ما لا ينبغي له أكله أو أن عليه إعادة الغسل إذا نام بعده ، ونحو ذلك من الأخبار.

وأصرح ما يدلّ منها على الوجوب مرسلة يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاث ، فقلت : جعلت فداك! ما الفرض منها؟

قال : غسل الجنابة وغسل من مسّ ميّتا وغسل للإحرام » (1).

أو في رواية الفقه : « الفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميّت وغسل الإحرام ، والباقي سنّة » (2).

وأنت خبير بأنّه [ لا ] يصلح شي ء من ذلك أن يكون سندا للوجوب ؛ لضعف دلالة الإطلاقات المذكورة ، بل هي محمولة على الندب بقرينة ما ذكرنا (3) من فهم الأصحاب وظاهر غيرها من الأخبار بل وصريح بعضها الدالة على عدم لزوم الإعادة بسبب النوم أو لبس القميص ونحوهما.

والأخيران لا ينهضان بانفرادهما حجة ، فهما أيضا محمولان على تأكّد الاستحباب.

ومنها : الغسل للطواف كما نصّ عليه كثير من الأصحاب ، وحكى في الخلاف الإجماع عليه.

وذكر جماعة منهم استحبابه لزيارة البيت ، [ و ] في الغنية الإجماع عليه.

وكأنه المفتى بها. والمراد مطلق الزيارة أو خصوص طواف الزيارة. والموجود في عدّة من الأخبار المشتملة على المعتبرة هو غسل الزيارة أو الغسل لزيارة البيت أو يوم الزيارة ، وأما خصوص الطواف فلم نجد له ذكرا في الأخبار إلا ما في رواية أبي حمزة ، عن الكاظم عليه السلام

ص: 202


1- الإستبصار 1 / 98.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- في ( د ) : « ذكرناه ».

قال : « إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك » (1).

فربّما يومي إلى مطلوبية الغسل لأجل الطواف ، ولا بأس به بعد فتوى جماعة من الأصحاب وتأيّده بالروايات.

وهل يعمّ الحكم جميع أنواع الطواف من الواجب والمندوب وطواف الحج والعمرة وطواف الزيارة وطواف النساء وطواف الوداع والطواف المتبرع بها؟ وجهان.

وربّما يستفاد من إطلاق جماعة منهم شمول الحكم للجميع ، ونصّ الشهيد الثاني بتعميمه للواجب والمندوب ، واستفادة الحكم كذلك من الأخبار لا يخلو من إشكال ، والبناء على استحباب غسل زيارة البيت مطلقا - عملا بظاهر الأخبار - لا يخلو من قرب.

ومنها : الغسل للوقوف بعرفات ، على ما حكي ذكره عن كثير من الأصحاب كالصدوقين (2) والشيخين والديلمي والقاضي وابن أبي المجد الحلبي والطوسي وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضل والشهيد.

وعن الخلاف والغنية الإجماع على استحبابه.

وربّما يحتجّ له بالصحيح : « فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك (3) بغيره (4) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل » (5). والخبر « إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل » (6) باستظهار حملهما على إرادة غسل الوقوف. وهو محلّ تأمل لاحتمال إرادة غسل اليوم ، فتأمل.

ومنها : الغسل لوقوف المشعر ، وعزي إلى الصدوق والشيخ والشهيد.

وفي الخلاف حكاية الإجماع عليه.

ص: 203


1- الكافي 4 / 400 ، باب دخول مكة ، ح 7.
2- في ( ب ) : « كالصدوق ».
3- في المصدر : « خباك ».
4- في المصدر : « بنمرة ؛ ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ».
5- الكافي 4 / 462 ، باب الغدو إلى عرفات وحدودها ، ح 3.
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 540 ، باب الغدو الى عرفات.

والأخبار وكلام أكثر الأصحاب خالية عنه. نعم ، في صحيحة معاوية بن عمار : « أصبح على طهر بعد ما تصلى الفجر فتقف (1) إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت » (2) (3).

وهو صريح في إرادة الغسل ، بل وفي ظهوره فيه أيضا تأمل.

وربما يحتج (4) بأولوية ثبوته عرفة من ثبوته للوقوف بعرفة حيث إنه الركن الأعظم ، فيكون أولى.

وفيه أيضا تأمل لا يخفى ، فإن اكتفى في ثبوت الغسلين المذكورين ( بمجرّد الإجماع المنقول وفتوى الجماعة وإلّا ففي ثبوتهما إشكال.

ثمّ بناء على ثبوت الغسلين المذكورين ) (5) فهما مغايران لغسل اليومين.

ومنها : غسل للنحر والحلق والذبح ؛ لصحيحة زرارة : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة وجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة » (6) الخبر.

ومنها : الغسل لزيارة النبي صلى اللّه عليه وآله وكلّ من الأئمة عليهم السلام كما نصّ عليه كثير من الأصحاب منهم الشيخان والقاضي وابن أبي المجد الحلبي والطوسي وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضلان والشهيدان وابن فهد.

وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وفي الوسيلة : أنه من المندوب بلا خلاف. وأسنده في نهاية الإحكام والروض إلى الرواية.

ويدل عليه وروده في الزيارة الجامعة المشهورة التي يراد بها كلّ واحد من الأئمة عليهم السلام.

وعن الصادق عليه السلام : « من أراد أن يزور قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقبر أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 204


1- في المصدر : « فقف ».
2- في المصدر : « شئت ».
3- الكافي 4 / 469 ، باب ليلة المزدلفة والوقوف بالمشعر ، ح 4.
4- زيادة في ( د ) : « له ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- الكافي 3 / 41 ، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع ، ح 1.

وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السلام فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين » (1) ، الخبر.

وعن سليمان بن عيسى ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي : « يا عيسى! إذا لم تقدر على المجي ء فإذا كان في يوم جمعة فاغتسل أو توضأ واصعد إلى سطحك وصلّ ركعتين وتوجّه نحوي ، فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي » (2).

واستحباب الغسل لزيارتهم من البعيد كما هو مفاد هذين الخبرين يفيد استحبابه من القريب بطريق أولى.

وعن العلاء بن سيّابة ، عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (3) قال : « الغسل عند لقاء كل إمام » (4).

ولا يبعد تعميمه لزيارتهم أحياء وأمواتا ، ولو خصّ بالأول كما يومى إليه لفظ « اللقاء » لا يبعد تعميم الحكم من جهة ما دلّ أن حرمتهم أحياء كحرمتهم أمواتا.

وفي رواية الفقه عدّ غسل الزيارات في عداد الأغسال ، وهو بإطلاقه يعمّ الجميع.

وقد تواردت الأخبار به في خصوص زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومولانا الحسين عليه السلام والرضا عليه السلام. وقد روي أيضا في خصوص زيارة الجوادين عليهما السلام والعسكريين عليهما السلام. وفيها أيضا دلالة بالفحوى على تعميم الحكم ، ولا يبعد تعميم الحكم لزيارتهم من القريب والبعيد كما يومي إليه ظاهر إطلاقاتهم ، ويستفاد من الخبرين المتقدمين.

ومنها : الغسل عند السفر إلى زيارة الحسين عليه السلام ، بل يستحب فيه غسلان كما سيجي ء.

ص: 205


1- وسائل الشيعة 14 / 579 ، باب استحباب زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة وفاطمة عليهم السلام ، ح 1.
2- وسائل الشيعة 14 / 578 ، باب استحباب زيارة قبور النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، ح 5.
3- الأعراف : 31.
4- تهذيب الأحكام 6 / 110 ، باب من الزيارات ، ح 13.

ذكر ابن طاوس أنه روى « الانسان يستحب له إذا أراد السفر أن يغسل ويقول عند الغسل : بسم اللّه وباللّه ، لا حول ولا قوة إلا باللّه .. » (1) الخبر.

وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : « إذا أردت الخروج إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء ويوم الخميس والجمعة. فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثمّ قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب ثمّ تنام على طهر ، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدّهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر » (2).

ومنها : الغسل إذا كان له حاجة وأراد لرؤية أحد الأئمة عليهم السلام في المنام ، فعن أبي جعفر عليه السلام : « من كانت له إلى اللّه حاجة وأراد أن يراها وأن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا ، فإنه يرانا ويغفر له بنا » (3).

ومنها : الغسل لأخذ التربة الحسينية. عن جابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام : « إذا أردت أن تأخذ من التربة فتعمّد لها آخر النهار (4) واغتسل (5) بماء القراح (6) وتطيب بسعد وادخل فقف عند الرأس وصلّ أربع ركعات » (7). وروى ابن طاوس أيضا قريبا من ذلك مرسلا.

ومنها : الغسل للتنشيط بصلاة الليل ، فعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : أنه كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط في صلاة الليل (8).

ويحتمل تخصيصه بالليالي الباردة كما هو مورد الرواية ، وقد يعمّم الحكم ؛ أخذا بإطلاق

ص: 206


1- الأمان من أخطار الأسفار : 33.
2- وسائل الشيعة 14 / 539 ، باب انه يستحب لمن أراد زيارت الحسين عليه السلام أن يصوم .. ح 1.
3- بحار الأنوار 26 / 256.
4- في المصدر : « الليل ».
5- في المصدر زيادة : « لها ».
6- في المصدر زيادة : « وأ ليس اطهر أطمارك ».
7- المزار لمحمد بن المشهدي : 365.
8- بحار الأنوار 78 / 23.

اليد (1).

ومنها : الغسل لعمل الاستفتاح ؛ لما روى عن الصادق عليه السلام بطرق عدّة أنه قال في حديث طويل : « صم في رجب يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر ، فإذا كان يوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال » (2) ، وفي اخرى « قريبا من الزوال ».

ومنها : الغسل لصلاة الحاجة ، فقد ذكر استحباب الغسل له جمع كثير من الأصحاب منهم الشيخان والديلمي والقاضي والحلبي وابن زهرة والطوسي والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيدان وابن فهد. وحكى عليه الإجماع في الغنية. وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وفي المعتبر : أنه مذهب الأصحاب. وعزاه في تذكرة الفقهاء إلى علمائنا. وفي الروض : أن عليه عمل الأصحاب.

ويدلّ عليه عدّة من الأخبار الواردة في صلاة الحاجة ، وهي مشتملة على الغسل قبل الصلاة.

وفي الاحتجاج باستحباب الغسل للصلاة للحاجة إشكال ؛ لاشتمال الوارد هناك على كيفيات مخصوصة إلا أن يقال بأن المفهوم من مجموع تلك الأخبار كون الغسل والصلاة والصوم والدعاء من الأعمال المطلوبة حال طلب الحوائج ، فتتفاوت قلّة وكثرة بتفاوت الحوائج والمحتاجين ، فلا خصوصية للكيفية المفروضة في كلّ رواية منها لاستحباب الغسل. وقد نصّ بعض المتأخرين على فهم ذلك من تلك الأخبار.

وحينئذ فيكون الغسل مندوبا لمطلق طلب الحاجة سواء أراد الصلاة أو لا ، وفهم ذلك من الأخبار لا يخلو عن إشكال.

نعم ، عدّ في رواية الفقه (3) من جملة الأغسال غسل طلب الحوائج من اللّه تبارك وتعالى ،

ص: 207


1- في ( د ) : « العلّة » بدل « اليد ».
2- جواهر الكلام 5 / 59.
3- فقه الرضا عليه السلام : 82.

وهو يفيد استحبابه مطلقا سواء صلّى معه أولا (1) ، فالبناء على استحبابه كذلك لا يخلو من قرب وإن كان الأولى الاقتصار على وجه الوجوه المأثورة.

ومنها : الغسل لصلاة الاستخارة ، على ما نصّ عليه الجماعة المذكورون. والإجماعات المذكورة معوّلة عليه أيضا نصّا وظاهرا كما مرّ.

ويحتجّ عليه بصحيحة زرارة ، عن الصادق عليه السلام في الأمر يطلبه الطالب من ربّه ، قال : « يتصدّق [ في ] (2) يومه على ستّين مسكينا ، على كلّ مسكين صاع بصاع النبي صلى اللّه عليه وآله ، فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي » إلى أن قال : « فإذا رفع رأسه في السجدة الثانية استخار اللّه مائة مرّة ويقول .. » (3) وذكر الدعاء.

وأنت خبير بأن الرواية مسوقة لطلب الحاجة ، وقد ذكر فيه صلاة الحاجة. وذكر الاستخارة لا يدلّ على كونه للاستخارة ؛ لإمكان طلب الخير من اللّه فيما طلبه من الحاجة وأن يسهّله اللّه تعالى له على النحو المرغوب ، فالاحتجاج بها على مطلق الاستخارة ليس على ما ينبغي.

ومع تسليمه فالاستدلال بها على استحباب الغسل لمطلق صلاة الاستخارة مشكل ؛ لاختصاصها بالصورة المفروضة.

فالأولى الاحتجاج عليه بموثقة سماعة : « وغسل الاستخارة مستحب ».

وفي رواية الفقه بعد غسل الاستخارة « من الأغسال المسنونة ».

وحينئذ لا يختصّ الاستحباب بمريد الصلاة ، ولا هو من وظائفها بل ظاهرها كونه من مقدمات الاستخارة سواء صلّى لها أم لا وذكر الدعاء ، والظاهر أنه من أقسام صلاة الحاجة.

ومنها : الغسل لصلاة الخوف من الظالم ؛ لما ذكره في المكارم في بيان الصلاة المذكورة أنه

ص: 208


1- زيادة : « أو لا » من ( د ).
2- في مخطوطات الأصل : « على ». وما أدرجناه من المصدر.
3- وسائل الشيعة 3 / 334 ، باب استحباب غسل الاستخارة ، ح 1.

قال : « اغتسل وصلّ ركعتين واكشف عن ركبتيك .. » (1) إلى آخره ، والظاهر أيضا أنه من أقسام صلاة الحاجة ، ويشهد له (2) الدعاء المذكور (3) بعده.

ومنها : الغسل لصلاة الاستسقاء كما عن الصدوقين والمفيد (4) والسيد والديلمي والقاضي (5) والحلبي (6) وابن أبي المجد وابن زهرة والفاضلان والشهيد (7) وابن فهد وغيرهم.

وفي الغنية (8) حكاية الإجماع عليه.

واستدل له بما في موثقة سماعة : « وغسل الاستسقاء واجب » (9) بحمله على زيادة التأكيد للإجماع على عدم وجوبه.

وقد حكى اتفاق الأصحاب على عدم وجوبه في المعتبر (10).

وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها أيضا على كون الغسل لأجل الصلاة ، وقضية إطلاقه تعميم الحكم لمطلقه ، ولو بالدعاء. ويشير إليه ما مرّ من استحبابه لمطلق طلب الحاجة وهو من جملتها.

ومنها : الغسل للمباهلة على ما نصّ عليه المفيد والقاضي وابن سعيد بل قيل : إن ذلك كان مشهورا بين القدماء ، ونصّ عليه جماعة من المتأخرين.

ويدلّ عليه رواية أبي مسروق المذكورة في باب المباهلة من الكافي ، وفيها : فقال لي :

ص: 209


1- مكارم الأخلاق : 339.
2- في ( ألف ) : « و » بدلا من « له ».
3- في ( ألف ) : « مذكور ».
4- المقنعة : 51.
5- المهذب 1 / 33.
6- الكافي للحلبي : 135.
7- الألفية والنفلية : 96.
8- غنية النزوع : 62.
9- الكافي 3 / 40 ، باب انواع الغسل ، ح 2.
10- المعتبر 1 / 360.

« إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة ». قلت : وكيف (1) أصنع؟ قال : « أصلح نفسك - ثلاثا ». وأظنه قال : « وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان .. » (2) الخبر. ولو سلّم عطف قوله « واغتسل » بقوله « وصم » ليدخل عليه فعل الظن فلا يمنع من الاحتجاج به في المقام.

ومنها : الغسل لصلاة الشكر. ذكره جماعة من الأصحاب منهم القاضي والحلبي وابن زهرة وابن أبي المجد ، وحكى عليه الإجماع في الغنية. ولم نجد ما يدلّ عليه في شي ء من الأخبار.

ومنها : الغسل لكلّ فعل يتقرّب به إلى اللّه تعالى ويلجأ إليه. حكي القول به عن الإسكافي ، وقضية إطلاقه استحباب الغسل لفعل كلّ القربات من الصلاة والصيام وأداء الزكاة والصدقة وغيرها. وهو كذلك بعيد جدا ، ولا دليل عليه أصلا.

وقد يحمل على القربات التي يؤتى بها عند الالتجاء إلى اللّه تعالى. وطلب الحوائج منه تعالى. وهو غير بعيد عن العبارة المنقولة عنه.

ومنها : الغسل لقضاء صلاة الكسوفين مع احتراق القرص وتعمد الترك. ومشروعية الغسل المذكور مما لا يعرف فيه مخالف من الأصحاب.

نعم ، ربّما يظهر تأمل من جماعة من المتأخرين في الدليل عليه بالنسبة إلى كسوف الشمس ؛ لاختصاص ظواهر الأخبار بالخوف.

وفيه - مع عدم القول بالفصل كما ادعاه بعضهم - أنه لا يبعد شمول غير واحد من الأخبار للأمرين بحمل الكسوف فيها على الأعم ، وإن كان ذكر الإسقاط في بعضها شاهدا على إرادة كسف القمر إلا أنه ليس صريحا فيه ليفضي بالتخصيص ، مضافا إلى خصوص رواية الفقه : « وإذا (3) انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصلّيهما (4) إذا علمت ،

ص: 210


1- في مخطوطات الأصل : « فكيف ». وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 2 / 514 ، باب المباهلة ، ح 1.
3- في المصدر : « إن ».
4- في المصدر : « تصليها ».

فإن تركتها متعمّدا حتى تصبح فاغتسل وصلّ ، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل » (1).

وعدم ذكر الكليني رواية تدلّ عليه لا يفيد نفيه له ؛ لعدم الحكاية في كتب الاستدلاليّة عن الإسكافي والعماني فيه شيئا ، بل ذكر في المختلف أن العماني لم يتعرض لهذا الغسل بوجوب ولا ندب ، فإنّ ذلك لا يفيد عدم قولهم بالمشروعيّة ، مع وروده في الأخبار وعدم معارض ظاهر ينفيه.

وهل الغسل المذكور على الوجوب أو الاستحباب؟ قولان. والمعروف بين الأصحاب هو الثاني بل حكى عليه في الغنية الإجماع.

وفي كشف الالتباس وغيره أنه المشهور.

وعزاه في غاية المرام إلى الحلي والمتأخرين.

وفي منتهى المطلب أنه مذهب أكثر الأصحاب.

وبه نصّ الشيخ في غير واحد من كتبه ، وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضلان والآبي والشهيدان وابن فهد والمحقق الكركي وغيرهم.

وعن الصدوقين والمفيد والسيد والشيخ في غير واحد من كتبه والديلمي والقاضي والحلبي والطوسي القول بالوجوب.

وعن العلامة في منتهى المطلب بعد اختياره القول بالندب. ولو قيل بالوجوب لصحة الرواية كان حسنا.

وظاهر القاضي في شرح الجمل حكاية الإجماع عليه.

ويظهر من عبارة الصدوق في المجالس أنه من دين الإمامية ، وعبارته هناك ليست صريحة في الوجوب.

ثمّ إن جماعة من هؤلاء قد نصّ في محلّ آخر بالندب.

ويظهر من السيد في المصباح والجمل التردد فيه حيث أسند الوجوب فيهما إلى الرواية ،

ص: 211


1- فقه الرضا عليه السلام : 135.

وكأنه لذلك يعزى إليه القول بالندب.

وعدّه في طهارة الوسيلة من الأغسال المختلف فيها لو (1) لم يحكم شي ء.

وعبارة الصدوقين ليست صريحة في الوجوب ، والمصرّح بالوجوب من القدماء من غير ظهور عدول الحلبي وحده.

فبذلك كلّه (2) يظهر ضعف الإجماع المدّعى في المقام ، فالأظهر هو القول بالندب.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المحكي والشهرة المعلومة الأصل وعدم وضوح مستند الوجوب ، مضافا إلى ما ظاهره انحصار الواجب في غيره كمرسلة يونس : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاث » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « غسل الجنابة نسخ محل غسل » ، وأنه « لا يجب ذلك في الأداء فلا يجب في القضاء ».

حجة القول بالوجوب بعد الإجماعين المحكيين وطريقة الاحتياط : النصوص المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم المروية في الخصال ، عن الباقر عليه السلام : « الغسل (4) سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها غسل الكسوف إذا انكسف القرص واستيقظت (5) ولم تصلّ فاغتسل واقض ، وفيها : « فعليك أن تغتسل وتقضى الصلاة » (6).

وروى نحوا منه في الفقيه مرسلا عنه عليه السلام.

ورواه الشيخ أيضا عن محمد بن مسلم ، عنه عليه السلام في الصحيح أيضا إلا أنه اقتصر على قوله « وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل ».

ومرسلة حريز المروية عن الصادق عليه السلام : « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ

ص: 212


1- في ( د ) : « و » بدل « لو ».
2- لم ترد في ( ب ) : « كلّه ».
3- الإستبصار 1 / 98.
4- زيادة في ( د ) : « في ».
5- في ( ألف ) : « فاستيقنت ».
6- الخصال : 508.

فليغتسل من غد (1) ليقض الصلاة ، وإن لم (2) يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل » (3).

وأنت خبير بأن هذه الأخبار كلّها ظواهر يمكن حملها على الاستحباب بمعونة فهم الأصحاب ، مضافا إلى ما عرفت من العمومات وما حكي من الإجماع ، فهو موهون بذهاب الأكثر إلى خلافه ومخالفة ناقله فيه. ومجرّد الاحتياط لا يقوم حجة في مقابلة الأصل.

ثمّ إنه على القول بالوجوب لا بدّ من تقديم الغسل على الصلاة كما هو قضية الفائتة ، واستفادة ذلك من الأخبار لا يخلو عن تأمل ؛ لانتفاء ما يدلّ منها على الترتيب إلا أن يقال بدلالة الواو عليه أو يكتفى بالترتيب في الذكر.

وهل يتوقّف عليه صحة الصلاة أو أنه واجب مستقل؟ وجهان. وكأنّ ظاهرهم البناء على التوقف. والحديث (4) يضعف بأن الظاهر عدم توقف الطهارة على ذلك ، وحينئذ فتوقف (5) الصلاة على غير الطهور بعيد جدا مخالف لغير واحد من الإطلاقات.

وعلى القول بالاستحباب فالظاهر أيضا تقدّمه على الصلاة ؛ أخذا بما عرفت. مضافا إلى اعتضاده بالفتوى وسهولة الخطب في أمر المندوبات.

ثم إنّ وجوب الغسل المذكور أو استحبابه منوط باحتراق القرص وتعمّد الترك ، فلا غسل مع انتفائهما أو أحدهما في ظاهر كلام المعظم.

وعن الحلي نفي الخلاف عن سقوط الغسل مع انتفاء أحد الامرين.

وعن ظاهر السيد ومنتهى المطلب وتذكرة الفقهاء والمختلف وكشف الرموز وكشف الالتباس وغاية المرام نفي الخلاف في اشتراط الغسل بهما.

ص: 213


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لم يستيقظ ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 117.
4- لم ترد في ( ب ) : « الحديث ... وحينئذ » ، وفي ( د ) : « وحينئذ » بدل « الحديث ».
5- في ( ألف ) : « فيتوقف ».

ويدلّ على اعتبار الاستيعاب أنّه المصرّح به في أخبار الباب سوى مرسلة حريز المتقدمة.

وفي مصباح السيد : وروي أن من تعمد ترك هذه الصلاة فوجب عليه من (1) القضاء الغسل.

وكأنه إشارة إلى الرواية المذكورة ، وقد روى في الجمل أيضا مرسلا تقييده بصورة عموم الكسوف.

وكيف كان ، فالأخبار المقيّدة حاكمة على الإطلاق لو فرضنا تكافؤهما. كيف وهي أصحّ وأكثر ، مضافا إلى اعتضاده بالعمل والأصل.

وما دلّ على الإطلاق (2) مع ضعفه لا جابر له وليس في كلام المفيد في المقنعة والسيد في لمسائل الموصلية ذكر لبيان الشرط المذكور ، بل أطلقا ثبوت الغسل ، فظاهرها عدم اعتباره.

ومال إليه صاحب الذخيرة. وهو بمكان من الضعف.

ولا يبعد حمل إطلاقهما على ما هو المعروف ؛ حملا للكسوف على المستوعب ، وعلى اعتبار تعمد الترك أنه المصرح به في رواية الفقه ، وفي مرسلتي الجمل والمصباح. وهو الظاهر من سائر أخبار الباب ، بل صريحها حيث فرض فيها الاستيقاظ والترك.

واحتمال كون الاستيقاظ المفروض فيها بعد الانجلاء كما ذكره بعض الاجلّاء في غاية الوهن ، بل مقطوع الفساد كما لا يخفى على من راجع إليها.

نعم ، في صحيحة محمد بن مسلم برواية التهذيب كما مرّ إسقاط ذلك.

والأظهر كما استظهره غير واحد من الأفاضل سقوط ذلك من قلم الشيخ لوجوده في رواية الفقيه والخصال.

ومع الغضّ عنه فلا شبهة في تقديم المقيّد على المطلق سيّما مع الاعتضاد بالأصل والكثرة وعمل الطائفة.

ص: 214


1- في ( د ) : « مع » بدل « من ».
2- ليس في ( ب ) : « لو فرضنا تكافؤهما ... على الاطلاق ».

وهذا الشرط غير مذكور في ذكرى الشيعة ، فظاهره عدم اعتباره.

وحكي عدم ذكره في المقنع إلا أن الموجود في بعض نسخه اعتباره ، وهو الذي حكاه عنه في ذكرى الشيعة.

وكيف كان ، فلا شبهة في ضعف القول بالإطلاق.

وعن ظاهر المفيد والمحقق عدم اعتبار الشرطين حيث أطلقا استحباب غسل القاضي للكسوف. وكأنّ الأظهر حملهما على ما هو المعروف ، وإلا فلا يخفى ما فيهما.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : المعروف عدم ثبوت هذا الغسل بالنسبة إلى الأداء عملا بالأصل وظواهر الأخبار ؛ إذ لو ثبت على الإطلاق لما خصّص فيها بالقضاء.

وأثبته العلامة في المختلف ونفى عنه الريب في المدارك. واختاره غير واحد من المتأخّرين. ومال إليه جماعة منهم ، وهو الظاهر من الشهيد في غير واحد من كتبه حيث لم يقيّده باقتضاء.

والوجه فيه إطلاق رواية الشيخ ؛ للصحيحة المتقدمة ، بل وظهورها في الأداء. وقد عرفت ما فيه ، فإثبات الحكم بمجرّده بعيد جدّا ، مضافا إلى مخالفته لسائر الروايات.

وقضية حمل المطلق على المقيّد تقييده بأن الغالب الشروع في الصلاة بعد الشروع في الانكساف ، ولا يعلم حينئذ حصول الاحتراق ؛ ليتحقق التكليف بالغسل.

والقول باستحباب الاغتسال بعد حصوله وإن تقدم عليه الصلاة مخالف لظاهر فتوى الأصحاب.

ومنه ينقدح وجه نظر لضعف ظاهر رواية الشيخ ؛ إذ (1) ظاهرها استقلال الاحتراق في

ص: 215


1- في ( د ) : « أو ».

سببية الغسل المذكور من غير مدخليّة للصلاة.

وهو كما عرفت خلاف ظاهر الأصحاب ، بل بعضهم حكى الإجماع على خلافه ، ففيه شهادة على حصول التيقّظ فيه ، فتأمل.

وربما يحتج عليه بما في صدر رواية الفقه من ذكر نحو الإطلاق المذكور إلا أنه ذكر بعده نحو ما في سائر الأخبار ، فالظاهر حمل الصدر على ما يستفاد من العجز ، ومع الغضّ عنه فلا حجة فيه مع انتفاء الجابر ، فالقول بثبوت الحكم في الأداء ضعيف جدّا.

ثانيها : لو علم بالاحتراق وجهل وجوب الصلاة فهل هو بحكم العامد؟ فظاهر كلماتهم شمول الاستحباب ؛ إذ هو عائد للترك. وبه نصّ الشهيد الثاني في الروضة البهية (1).

واستقربه العلامة في نهاية الإحكام (2).

ويحتمل التفصيل بين الجاهل المحض والمتردّد ، فلا يثبت في الأول حيث إنه غافل محض.

وظاهر إطلاق الأخبار هو الأول ، فهو الوجه.

ولو علم الكسوف وجهل الاستيعاب ، فالظاهر ثبوت الغسل ؛ أخذا بإطلاق الأخبار ؛ إذ المأخوذ فيها حصول الاستيعاب لا العلم به.

ثالثها : لو صلّى وظهر فساد صلاته بعد الانجلاء ففي ثبوت الغسل وجهان ، أظهرهما العدم إلا أن يكون ذلك ناشيا عن جهله بالحكم مع تقصيره في الاستعلام. ومع عدمه ففيه وجهان.

ص: 216


1- شرح اللمعة 1 / 684.
2- نهاية الإحكام 1 / 178.
تبصرة: [ في الأغسال السببيّة ]

وأما الأغسال السببيّة :

فمنها : غسل التوبة. واستحبابه في التوبة عن الكفر والكبائر ممّا لا خلاف فيه بين الطائفة.

وفي منتهى المطلب (1) الإجماع على الأول.

وفي الغنية (2) على الثاني. وهو يعمّ الأول ؛ إذ هو من أكبر الكبائر.

ويدلّ على الأول (3) مضافا إلى الإجماع (4) ما سيأتي في الحديث القدسي : « يا محمد! ومن كان كافرا وأراد التوبة والايمان فليتطهر لي ثوبه وبدنه » (5) (6) بحمل تطهر البدن على الغسل (7).

وعلى الثاني بعد الإجماع صحيحة مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل : بأبي أنت وأمي! إني أدخل كنيفا لي ولى جيران ، وعندهم جواري يتغنّين ويضربن بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهنّ. فقال : « لا تفعل ». فقال الرجل : واللّه! ما آتيهن برجلي وإنما هو سماع أسمعه بأذني ، فقال : « لله أنت أما سمعت اللّه عزوجل يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ

ص: 217


1- منتهى المطلب 1 / 131.
2- غنية النزوع : 62.
3- في ( د ) : « الأولى ».
4- زيادة في ( د ) : « و ».
5- في المصدر : « فليطهر لي بدنه وثيابه ».
6- بحار الأنوار 92 / 308.
7- في ( د ) : كما في المصدر.

وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (1). فقال : بلى واللّه! وكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربي ولا عجميّ لا جرم إني لا أعود إن شاء اللّه وإني لأستغفر اللّه. فقال له : « قم فاغتسل ، وصلّ ما بدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك. احمد اللّه واسأله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنه لا يكره إلا كل قبيح ، والقبيح دعه لأهله فإن لكلّ أهلا » (2).

وقد يحتجّ عليه بالحديث الوارد في أدعية السر ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « قال سبحانه وتعالى : يا محمد! قل لمن عمل كبيرة من امتك فأراد محوها والتطهر منها فليطهر لي بدنه وثيابه وليخرج إلى برية أرضي فيستقبل وجهي ثم ليرفع يديه » (3).

وهو مبنيّ على حمل تطهير البدن على الغسل ، وكون الغسل عقيب التوبة. وليس بعيدا عن سياق الرواية وإن كانت خالية عن ذكرها.

وأما الصغائر ففي ثبوت الغسل للتوبة عنها قولان ، أشهرهما الثبوت ؛ إذ هو إطلاق الشيخ في عدّة من كتبه والديلمي والقاضي والطوسي والحلي وابن سعيد والفاضلين والشهيد وغيرهم حيث ذكروا استحباب الغسل للتوبة من غير تفصيل بين الصغيرة والكبيرة.

وصريح الفاضل في المنتهى والنهاية والشهيد في ذكرى الشيعة وغيره وابن فهد والمحقق الكركي والشهيد الثاني.

وعن المفيد في غير واحد من كتبه والحلبي وابن زهرة وابن أبي المجد التقييد بالكبائر ، وظاهره نفي الاستحباب عن غيرها.

وفي الشرائع والجامع وعدّة من كتب الفاضل والبيان والموجز وغيرها الحكم باستحبابه للتوبة مطلقا من كفر أو فسق.

وظاهره يومي إلى عدم استحبابه للتوبة عن مطلق الصغائر ما لم يصل إلى حدّ الفسق.

ص: 218


1- الاسراء : 36.
2- الكافي 6 / 432 ، باب الغناء ، بحار الأنوار 6 / 34 ، باختلاف في كلا المصدرين.
3- بحار الأنوار 92 / 307.

وربما يحمل الفسق على مطلق العصيان ، فيعمّ الجميع بقرينة مقابلته بالكفر ، ولبناء جماعة منهم على تعميم الأمرين ، ففي منتهى المطلب (1) : والغسل من توبة الفسق مستحبّ سواء كان الفسق مشتملا على كبيرة أو صغيرة. ونحوه ما في نهاية الإحكام (2).

وقال المحقق الكركي (3) : لا فرق في الفسق بين كونه صغيرة أو كبيرة.

وأنت خبير بأن مطلق المقابلة لا يقضي بالتعميم ، و (4) العبارات المذكورة أيضا لا يفيده ؛ إذ المستفاد منها تعميم الفسق للحاصل من النوعين إنّما يحصل من الصغيرة على فرض الاحتراز عليها ، فلا يدلّ على ثبوته لمطلقها ، فتأمل.

وكيف كان ، فإن اكتفى في ثبوت الحكم المذكور بفتوى الجماعة المذكورين ، وإلّا فلم نجد في الأخبار ما يفيد العموم.

وما يتخيّل من دلالة الصحيحة المذكورة عليه غير واضح ؛ إذ الظاهر منها حصول الإصرار ، وكون الذنب المفروض فيها من الكبائر ، وجهل القائل به لا يوجب سقوط العصيان مع تقصيره في السؤال.

وفي ذيل الرواية شهادة عليه ، وليس فيها دلالة على ثبوت الحكم المذكور في التوبة عن سائر الذنوب.

نعم ، يمكن تسرية الحكم إلى الكبائر وما بحكمها من فحواها ، ولا يجري ذلك بالنسبة إلى الصغائر مع عدم الإصرار عليها كما لا يخفى. وقد يؤيد ثبوت الغسل فيها بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (5) وأنه قضية الأمر بالغسل (6) للكسوف ، فإنه عقوبة على ترك الفريضة ، وكذا الغسل لرؤية المصلوب وقتل الوزغ مع ما ذكر في تعليله من أنه يخرج من

ص: 219


1- منتهى المطلب 1 / 131.
2- نهاية الإحكام 1 / 178.
3- جامع المقاصد 1 / 76.
4- في ( ألف ) : « في » بدل « و ».
5- البقرة : 222.
6- زيادة في ( د ) : « لقاضي ».

ذنوبه فيغتسل منها.

ولا يخفى ضعف الجميع.

وقد يستدلّ بعدم ثبوت الحكم في الصغائر بحديث أدعية السر حيث ذكر فيها بعد ما ذكرنا : « يا محمد! ومن كثرت ذنوبه من امتك فيما دون الكبائر حتى يشهر كثرتها ويمقت على اتّباعها فليعمد لي عند طلوع الفجر أو قبل افول الشفق ولينصب وجهه إليّ وليقل .. » (1) وساق الدعاء من غير ذكر للتطهير (2).

فذكره هناك وتركه هنا ربّما يشهد بالفرق بين المقامين.

وأنت خبير بأنه لا يدلّ على انتفاء الاستحباب فيها سيّما مع فرض الإصرار فيها ، وثبوته معه ممّا لا كلام فيه ظاهرا ، على أنه يدلّ في المقام على حصول التوبة من العامل ، فهي خارجة عن محلّ البحث.

ص: 220


1- الجواهر السنية : 174 مع اختلاف.
2- في ( د ) : « للتطهّر ».
تبصرة: [ في الاغتسال لقتل الوزع ]

ومنها قتل الوزغ على ما ذكره جماعة من الأصحاب منهم المفيد والصدوق في ظاهر كلامه والفاضل وابن سعيد والشهيد في عدّة من كتبه وابن فهد (1) والصيمري.

ولم يذكره كثير من الأصحاب كالشيخ والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة وابن ادريس.

وظاهر الجماعة (2) والجامع ونهاية الإحكام وذكرى الشيعة التوقّف في الحكم.

وظاهر المعتبر إنكاره.

والأظهر ثبوته لما رواه الصفار والكليني والراوندي بإسنادهم عن عبد اللّه بن طلحة ، عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن الوزغ؟ فقال : « رجس ، وهو مسخ كلّه فإذا قتلته فاغتسل » (3).

وفي رواية الصفار : « هو رجس ، هو مسخ » (4) باسقاط « كلّه ».

وفي الهداية : روي « أن من قتل وزغا فعليه الغسل ، والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها » (5). والظاهر أن التعليل ليس من الرواية كما يظهر من الفقيه حيث ذكر المرسلة وحكى التعليل عن بعض مشايخه.

نعم ، يحتمل أن يكون ذلك مأخوذا من كلام الأئمة.

ص: 221


1- المهذب البارع 1 / 191.
2- لم ترد في ( د ) : « الجماعة و ».
3- الكافي 8 / 232.
4- بصائر الدرجات : 373.
5- الهداية : 91.

وظاهر الذكرى جعله التعليل المذكور من تتمة الرواية ، وهو بعيد.

وضعف الرواية مجبور بتكرّرها في عدّة من الكتب المعتمدة وعمل جماعة من الطائفة.

وفي البحار (1) أنها مؤيدة بعمل الأصحاب.

وكأنّه أراد به الجنس.

وكيف كان ، فذلك كاف في ثبوت الاستحباب. ويؤيده ما ورد في الأخبار العامة من رجحان قتله ، وعن الباقر عليه السلام : « أليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا » (2).

ثمّ إن الظاهر أن الوزغ جنس واحده الوزغة.

ص: 222


1- بحار الأنوار 78 / 10 ، باب علل الاغسال وثوابها وأقسامها ، ح 11.
2- الكافي 8 / 232.
[ تبصرة ]: [ في الاغتسال لرؤية المصلوب ]
اشارة

ومنها : غسل من سعى إلى رؤية مصلوب من المسلمين (1) إن كان الصلب بغير حقّ وإلا اختصّ بما بعد الثلاثة.

والمعروف بين الأصحاب من غير خلاف (2) يعرف هو ثبوت الغسل المذكور.

نعم ، لم يذكره الشيخان والديلمي والحلي والفاضلان في بعض كتبهما.

وفي المعتبر (3) بعد ذكر رواية الوجوب عن الصدوق : ولم يثبت عندي ما ذكره. وليس بشى ء من ذلك. والأولى (4) نفي الاستحباب.

ثم إن ظاهر الصدوق (5) وصريح الحلبي (6) وجوب الغسل المذكور.

وعلّله في الكافي بكونه شرطا في تكفير الذنب وصحّة التوبة ، فيلزم العزم عليها لهذا الفرض.

وظاهر (7) بل صريح (8) العلامة (9) (10) الفعل (11) المذكور إلا أنه قيّده بما بعد الثلاثة من غير

ص: 223


1- زيادة في ( د ) : « مطلقا ».
2- زيادة في ( د ) : « به ».
3- المعتبر 1 / 360.
4- في ( د ) : « بالأعلى » بدل « والأولى ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 78.
6- الكافي للحلبي : 135.
7- في ( ب ) : « فظاهر » ، وفي ( د ) : « ظاهره ».
8- في ( ب ) و ( د ) : « صريحة ».
9- قواعد الأحكام 1 / 178.
10- في ( د ) : « حرمة » بدل : « العلامة ».
11- في د : « الفصل ».

تفصيل.

وظاهر الصدوق الإطلاق من غير تفصيل بين المصلوب بحق وغيره.

وكيف كان ، فالظاهر هو الاستحباب لما مرّ.

وأما الصدوق في الفقيه قال : روي أن « من قصد إلى رؤية مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة » (1).

وروى نحوه أيضا في الهداية. وهو محمول على الندب بقرينة فهم الأصحاب مضافا إلى ضعف الرواية ، فلا يقوم حجة على الوجوب مع انتفاء الجابر وإضراب الأصحاب عن ظاهرها.

فالقول بالوجوب ساقط جدّا ، مضافا إلى الإجماع المنقول على الاستحباب المعتضد بفتوى الأصحاب إلا من شذّ.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : اشترط جماعة من الأصحاب منهم الحلبيون أن يكون المصلوب مسلما ، فلا غسل في السعي إلى رؤية المصلوب الكافر ، وعلّل بأنه لا احترام للكافر ، فيحمل إطلاق النص على المسلم.

وربما يفرّق بين الحربي وغيره. وظاهر إطلاق جماعة إطلاق الاستحباب ، وهو الأوفق بظاهر النصّ.

ثانيها : يعتبر في ثبوت الغسل تحقق النظر. وبه نصّ جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني (2) في عدّة من كتبه.

ص: 224


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 78.
2- مسالك الإفهام 1 / 107.

وهو الظاهر للنصّ عليه في الرواية ، وهو الظاهر من فتوى الصدوق.

ويتراءى من إطلاق جماعة عدم اعتباره ولا يبعد حمله على ذلك.

والمعتبر فيه مطلق الرؤية وإن تعلّق ببعض منه.

ولو رآه في لباسه فوجهان.

ثالثها : يعتبر كون النظر عن سعي إلى رؤيته ، فلا غسل للجاني (1) عنه كما هو ظاهر كلام الأكثر. وربما يستفاد من بعض الإطلاقات عدم اعتباره.

وهو مدفوع بظاهر الرواية.

ولو سعى إلى رؤيته فعدل عنها بعد الوصول إليه فاتّفق له النظر إليه من غير قصد ، قوي عدم ثبوت الحكم ؛ إذ الظاهر من الفعل خصوص الواقع عن العمد.

ولو وقع النظر لغرض صحيح ففي ثبوت الغسل وجهان. وظاهر بعض الأفاضل عدمه ؛ لاعتباره انتفاء الغرض الصحيح للرؤية (2).

وهو كذلك بناء على كون الغسل عقوبة.

ولا فرق بين رؤيته حيّا وميّتا كما هو قضية إطلاق الرواية ، وكلمات الأصحاب.

رابعها : المعروف بينهم اشتراط مضيّ الثلاثة على المصلوب. وظاهر إطلاقهم يعمّ المصلوب بحكم الشرع وغيره.

وظاهر إطلاق النصّ يعمّ الحكم في الثلاثة وغيرها.

والمذكور في وجه التقييد أن المصلوب إنما وضع لعبرة الناس بالنظر إليه وملاحظة أحواله ؛ ليوجب زجر الباقين عن المعصية الموجبة له ، فلا غسل في النظر إليه.

ويومي إليه ما ذكر في وجهه عن كونه عقوبة على الفعل المذكور ، ولا معنى للعوقبة على الفعل المباح.

وفيه : [ أنه ] إنما يتمّ بالنظر إلى المصلوب بأمر الشرع دون غيره ، فلا يتّجه التقييد

ص: 225


1- في ( د ) : « في الجاني » بدل « للجاني ».
2- في ( د ) : « في الرؤية » بدل « للرؤية ».

بالنسبة إليه ، ولذا أطلق فيه الحكم بعضهم ، وخصّوا التقييد بالأول كما ذكرناه.

وقد يستشكل في الوجه المذكور بأنه لو سلّم فإنه يفيد عدم كون مرجوحيّة النظر إليه في الجملة ، وهو يتمّ لعدم مرجوحيّة النظر مع انتفاء السعي ، فلا ينافي ثبوت الغسل مع النظر المسبّب عن السعي كما هو مورد المسألة إلّا أن يستظهر من إبقاء المصلوب شرعا عدم مرجوحية السعي إليه للنظر.

وكيف كان ، فلا بعد (1) في التقييد بالنسبة.

ويؤيّده أن الغالب بل المتعيّن (2) في مورد الإطلاق له وإن كان من الأفراد الغير الحاصلة زمن الخطاب ، وهو الظاهر المؤيّد بفتوى الأصحاب.

ثم بناء على اعتبار الثلاثة فالمعتبر منه من حين الصلب ، وهو ظاهر إطلاق الأصحاب ، والمصرّح به في كلام جماعة منهم ابن فهد والمحقّق الكركي والشهيدان.

وعن بعضهم اعتباره من حين الموت.

وفي الروض أنه لا شاهد له.

ثم إنه لو وقع السعي والرؤية في الثلاثة لم يثبت الغسل كما أنه يثبت لو وقع الأمران بعيدها ، ولو وقع السعي في الثلاثة ولا رؤية بعدها فإن كان مقصوده بالسعي ذلك ثبت الغسل في الأظهر ؛ لظاهر الإطلاق. ويحتمله عبارة الأصحاب ، وهو المصرّح به في كلام الفاضلين.

ولو سعى في الثلاثة فاتفق الرؤية من دون أن يكون بخصوصه مقصودا بالسعى فكذلك أيضا في وجه قويّ.

خامسها : يعتبر أن يكون النظر إليه حال كونه مصلوبا ، فلو نظر إليه بعد إنزاله عن الخشبة لم يثبت الغسل ؛ إذ هو المفهوم من العبارة في العرف ، ولا أقلّ من الشك بعده. ويجدى تعميم الحكم بناء على عدم اشتراط المبدأ في صدق المشتقّ.

ص: 226


1- في ( ألف ) : « يعد ».
2- في ( ألف ) : « التعيين ».
تبصرة: [ في غسل مسّ الميت ]

ومنها غسل من مسّ ميّتا بعد تغسيله كما نصّ عليه الشيخ وجماعة من المتأخرين للموثق : « وكل من مسّ ميتا فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسل » (1) ؛ بحمله على الندب بالنسبة إلى ما بعد الغسل ؛ لدلالة المستفيضة المتكثرة على عدم وجوب الغسل حينئذ.

واحتمل بعض الأفاضل أن يكون ( غسل ) بالتخفيف لدفع توهم الغسل سقوط الغسل بالغسل.

ولا يخلو من بعد.

وحمله آخر على صورة عدم تكامل الغسل. وهو بعيد جدا.

ويؤيده ما في صحيحة محمد بن مسلم من ثبوت الغسل بتكفين الميّت ؛ إذ الظاهر ابتناؤه على استلزامه المسّ ، وحمله على الوجوب ؛ حملا للتكفين على الواقع قبل الغسل كما إذا تعذّره محمل (2) بعيد لا داعي إليه.

وفي المستفيضة المشتملة على غيره الحكم بعدم ثبوت غسل على من أوصل الميّت القبر معلّلا بأنه (3) « لمس الثياب (4) » ، فيفيد بالفحوى ثبوت الغسل مع مسّ الجسد.

فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا ينبغي الشك (5) في ثبوت الغسل المذكور ، وأن خلافه (6) كلام

ص: 227


1- الإستبصار 1 / 101 ، باب وجوب غسل الميت وغسل من مس ميتا.
2- في ( ألف ) : « قعده بحمل » بدل « تعذّره محمل ».
3- زيادة في ( د ) : « إنّما ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 161.
5- في ( د ) : « التأمّل ».
6- زيادة : « خلافه » من ( د ).

أكثر الأصحاب.

ولو مسّ بعضا من الميّت ففيه وجهان ، وقضية الأصل عدمه.

وظاهر الصدوق القول بوجوب الغسل بالتكفين. قال المحقق (1) بعد نقل الوجوب عنه :

إن إيجاب الغسل بتكفينه نادر ، والقائل (2) به قليل.

ولا يبعد حمل كلامه كالرواية على الاستحباب وإن كان عبارته في الماسّ أظهر من الرواية ، فالقول باستحباب الغسل بالتكفين المحض بعيد جدّا ، فتأمل.

ومنها : غسل المولود على المعروف بين الأصحاب. ذكره الشيخان (3) (4) والحلبي (5) والقاضي (6) وابن زهرة (7) والحلي والفاضلان والشهيدان (8) (9) والمحقق الكركي (10) وغيرهم.

ويدلّ عليه موثقة سماعة (11) ، وقد حكم فيها بوجوبه مع عدّة مع الأغسال المندوبة بالإجماع ، ففيه شهادة على كون الوجوب بمعنى مطلق الثبوت ، وهو معنى شائع في الأخبار ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

وعن الطوسي النصّ على وجوبه. وهو ظاهر الصدوق (12).

وهو ضعيف جدا والرواية لا تدلّ عليه ؛ إذ لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من الوجوب

ص: 228


1- المعتبر 1 / 360.
2- في المصدر : « والعامل ».
3- المقنعة : 51.
4- المبسوط 1 / 40.
5- الكافي للحلبي : 135.
6- المهذب 1 / 33.
7- غنية النزوع : 62.
8- البيان : 4.
9- روض الجنان : 18.
10- جامع المقاصد 1 / 75.
11- وسائل الشيعة 3 / 303 ، باب حصر أنواعها ( اغسال ) وأقسامها ، ح 3.
12- من لا يحضره الفقيه 1 / 79.

المصطلح.

ولا يبعد حمل كلامه على نحو الرواية.

وربما يحتج له بقوله عليه السلام : « اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشمّ الغمر ، فيفزع الصبي في رقاده ويتأذّى به الكاتبان » (1).

وهو كما ترى.

وهل يعتبر فيه النية على نحو سائر الأغسال؟ الظاهر ذلك كما هو ظاهر الموثقة العادّة له في ضمن سائر الأغسال ، مضافا إلى ظهور لفظ الغسل فيه وأنّ اعتبار النية هو قضية الأصل في كلّ التكاليف إلا ما خرج بالدليل.

وعلى هذا فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر الأغسال من تقديم إزالة النجاسة على نحو ما مرّ والترتيب.

وفي كفاية الارتماس فيه وجهان أشبههما ذلك ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة من غير فصل ظاهر؟ ظاهر كثير من عبائرهم ذلك (2) ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة؟ ففي عدّة من كتب الأصحاب أنه عند الولادة ، وفي عدة أخرى أنه حين الولادة ، وفي اخرى : « إذا ولد استحب الغسل ». وكأنّ الأظهر بقاء الحكم ما سمّي مولودا ؛ أخذا بظاهر الموثقة.

وقال الشهيد الثاني في شرح النفلية : الظاهر أنه لا يسقط بالتراخي لإطلاق النصّ.

قال التقي العلامة المجلسي رحمه اللّه : الظاهر جواز تأخيره لغسل الولادة.

والأظهر تقييد العبارتين المذكورتين بما ذكرناه.

ومنها : الغسل بعد إفاقة المجنون. ذكره العلامة في نهاية الإحكام (3) معلّلا بما قيل من أن

ص: 229


1- الخصال : 632.
2- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « إذ هو ... الولادة ».
3- نهاية الإحكام 1 / 174.

زوال (1) عقله أنزل ، وبأنه مظنة للحدث كالنوم فيسرع له الطهارة كالنوم.

ولم نجد من وافقه من الأصحاب سوى شيخنا البهائي ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه.

والتعليلان المذكوران بمكان من الضعف ، ولذا أنكره في منتهى المطلب (2) بعد حكايته عن الحنابلة (3) معلّلا بأنه حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الشرعي.

وفي النفلية (4) أنه غير ثابت عندنا فالظاهر عدم ثبوته.

ص: 230


1- في ( د ) : « من زال » بدل « زوال ».
2- منتهى المطلب 1 / 132.
3- في ( د ) : « الحاملة ».
4- الألفية والنفلية : 96.
تبصرة: [ في تأخّر الأغسال السببية ]

الأغسال السببية كلها متأخرة عن أسبابها ؛ إذ رجحانها فرع حصول أسبابها ، فلا بدّ من تأخير الفعل عنها.

وهل هي متّسعة بعد حصول الأسباب ما دام العمر أو مطلوبة على سبيل الفوريّة العرفية؟ وجهان أقواهما الأول ؛ أخذا بظاهر الإطلاق ، وأن ظاهر السببية قاض ببقاء التكليف ما لم يحصل الفعل وإن كان الأرجح التعجيل ؛ لما دلّ على رجحان المسارعة إلى الخير والمبادرة إلى امتثال الأمر. وما قد يدعى من ظهور الإطلاقات في الفور مطلق أو في خصوص المقام محلّ تأمل.

ص: 231

تبصرة: [ في تجديد الغسل ]

لا يستحب الغسل للتجديد على ظاهر الندب. وقد نصّ عليه جماعة من الأجلّة منهم العلامة والشهيد ؛ للأصل وعدم ظهور دليل على شرعيّته ؛ إذ أدلّة تجديد الطهارة مختصة بالوضوء.

نعم ، في المرسل : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (1). وهو أيضا محمول على الوضوء بقرينة غيرها من الأخبار.

وإليه يشير ما في العلوي : « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات » (2).

مضافا إلى ظاهر فهم الأصحاب ، وعدم ظهور قائل بظاهر إطلاقها وإلّا لجاز تجديد كل من الوضوء والغسل بالآخر.

نعم ، يجوز الإتيان به مع الظن بحصول الحدث على وجه قوي ؛ نظرا إلى مراعاة الاحتياط على ما مرّ في الوضوء.

بل لا يبعد القول بجوازه مع الشك أيضا ، وما ورد من المنع من نقض اليقين بالشك لا يفيد المنع منه ؛ لعدم البناء معه على الانتقاض.

وكذا الحال لو احتمل حصول خلل منه في بعض الأحوال أو الشرائط ، وكذا لو أتى بطهارة المضطرّ فارتفع الاضطرار على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان.

وكأنه للخروج عن خلاف القائل بالوجوب ، وإلّا فالحكم لا يخلو عن إشكال.

ويحتمل أيضا عدم جواز الإتيان بالغسل مع احتمال حصول سبب الاستحباب كاحتمال

ص: 232


1- الكافي 3 / 72 ، باب النوادر ، ح 10.
2- المحاسن 1 / 47.

كونه يوم الجمعة أو العيد ونحو ذلك.

وكيف كان ، فليس شي ء من ذلك من باب التجديد كما لا يخفى.

ولذا نصّ الشهيد (1) في الغسل عند زوال الرخص والشك في الحدث أنه ينوي فيهما رفع الحدث.

والأولى ضمّ قصد الاحتياط ، فإن كان هناك حدث وارتفع به وإلّا وقع لغوا بالنظر إلى الواقع لكن لا يسقط به الاستحباب من جهة الاحتياط ، فالرجحان حاصل على أيّ حال.

وربما يقال بالتخيير بين قصد (2) رفع الحدث وقصد الغسل لأجل السبب المفروض أعني الشك في حصول الحدث أو احتمال الخلل.

ويظهر من منتهى المطلب (3) جواز التجديد حيث حكم بجواز اغتسال المستحاضة لكل صلاة مستندا إلى قوله عليه السلام : « الطهر على الطهر عشر حسنات ». فيدل على ذلك بناؤه على شمول الرواية للغسل.

وهو كما ترى.

ص: 233


1- الذكرى : 99.
2- زيادة : « قصد » من ( د ).
3- منتهى المطلب 1 / 73.
تبصرة: [ في مشروعية الغسل بأحد أسبابها ]

إنما يشرع الغسل مع حصول أحد الأسباب المذكورة من الزمان والمعابد ونحوهما ، فلا يستحب من غير حصول شي ء منهما ؛ لانتفاء ما يدل على مشروعيته كذلك. وقد يستظهر من الفاضلين كون الغسل في نفسه من العبادات الراجحة وإن لم يحصل شي ء من الأسباب الباعثة على مطلوبيته بالخصوص حيث علّلا استحبابه في بعض المواضع برجحانه في نفسه. وقد يستدل عليه بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1) وقوله عليه السلام : « وأىّ وضوء أطهر من الغسل » (2).

وما ورد من استحباب الاغتسال بماء الفرات كما روى حنان في القوي أن الباقر عليه السلام قال لرجل من أهل الكوفة : « أتغتسل من فراتكم في كل يوم مرّة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل جمعة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل شهر؟ » قال : لا. قال : « ففي كل سنة؟ » قال : لا. قال له أبو جعفر عليه السلام : « إنك لمحروم من الخير » (3).

وذكر نحوه في زيارة الحسين عليه السلام إلا أنه أسقط عنه الزيارة في كل يوم.

وربما يستأنس له بالأخبار الواردة بالاغتسال عند جملة من الأفعال كالروايات الدالّة على رجحان الاغتسال عند طلب الحوائج مع انضمامه إلى عدّة من المستحبات كالصلاة والصوم والصدقة ، فيومي ذلك إلى كون الاغتسال أيضا من قبيل تلك الأفعال.

وأنت خبير بعدم صلوح الاحتجاج بشي ء من المذكورات ، فالأظهر الاقتصار على

ص: 234


1- البقرة : 222.
2- الكافي 3 / 45 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده ، ح 13.
3- مستدرك الوسائل 2 / 523.

الموارد الخاصة. وكأن ما قد يعزى إلى البعض من جواز الاتيان بالغسل مكان الوضوء مبنيّ على (1) ذلك بناء على الاكتفاء بالغسل عن الوضوء.

ويوهن القول به ظواهر الأخبار الدالة على تعيين الإتيان بالوضوء عند حصول أسبابه دون التخيير بينه وبين الغسل ليكون موجبات الوضوء من موجبات الغسل أيضا.

ثم لا يذهب عليك أنه بناء على القول المذكور لا يلزم أن يكون الوضوء من العبادات العينية (2) بل الظاهر أن المقصود به هي الحالة الحادثة منه ، فتلك الحالة هي المطلوبة في الشرع دون نفس تلك الأفعال كما في إزالة الأخباث ، فتأمل.

ص: 235


1- لم ترد في ( ب ) : « على ذلك بناء ».
2- في ( د ) : « النفسيّة ».
تبصرة: [ في امتداد وقت الأغسال ]

قد مرّ أن الغسل الزماني وقته هو الزمان المضاف إليه ، وأما الأغسال المكانية والفعلية والسببية فلا توقيت فيها إلا أن الظاهر تقديم الغسل في الأولين وتأخيره في الأخير. والوجه فيه واضح للزوم تقديم السبب على المسبب ، وكذا الحال في الأولين.

والمقصود حصول الغاية مغتسلا ، وقد ورد التصريح به في عدّة من المقامات المذكورة.

نعم ، ورد في الحسن في دخول المدينة الأمر بالاغتسال قبل دخولها أو حين يدخلها. ومع حمل الترديد على كونه من الامام يمكن حمله على التفصيل المبيّن بما لا يتم الغسل متصلا بالدخول.

وقد ورد التعبير بالأخير في الصحيح في غسل الإحرام ودخول المدينة والكعبة وفي خصوص الإحرام في صحيحة اخرى ، وفي حول الحرم في الخبر.

ويمكن حمله على ما قلناه بل يتعيّن الحمل عليه بالنسبة إلى الإحرام.

وفيه شهادة على حمل غيره عليه أيضا.

وقد يقال باستحباب الغسل فيها بالنسبة إلى الكون المتأخر عن الغسل ، وإن حصل مسمّى الدخول.

وربما يعزى إلى الأكثر تنزيله على صورة الاضطرار. وهو أيضا لا ينافي الوجه الأخير ، بل إنما يتمّ بملاحظته ، فلا تغفل.

ثم إنه هل يمتدّ غسل السببي بامتداد العمر أو هو مبني على الفور؟ وجهان.

والأظهر جواز الإتيان به بحيث يصحّ ارتباط الغسل بالسبب المفروض تنزيلا للمطلق على متفاهم العرف.

ص: 236

وأما الأغسال الغائية فالظاهر اعتبار المقارنة العرفية بين الغسل والغاية من الفعل ، والكون في المكان كما هو الظاهر المنساق من الأخبار وكلام الأصحاب.

وكأنّ التعبير بالحين في الأخبار المتقدمة للإشارة إلى ذلك.

وقد ورد في عدة من الروايات إجزاء غسل اليوم لليوم وغسل الليل لليل ، ففي الصحيح : « غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك » (1). وفي [ خبر ] أبي بصير : سأله رجل وأنا عنده ، قال : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى. قال : « يعيد الغسل فيغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته » (2).

وفي آخر : « من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر » (3).

فلا مانع من الفصل بين الغسل ، وغايته إنما يقرب من مقدار النهار (4) لو اغتسل عنده الفجر.

وكذا بما يقرب من مقدار الليل لو اغتسل عقيب الغروب.

ولا يجوز الفصل زيادة عليه كما دلّ عليه تلك الأخبار.

ويومى إليه عدة من الروايات الواردة في بعض تلك الغايات المبيّنة للغسل في اليوم الذي يأتي فيه بالغاية كيوم الإحرام ويوم الزيارة ونحوهما.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب بمضمون الأخبار المذكورة منهم الشيخ (5) والقاضي والحلي (6) والفاضلان وابن سعيد والشهيد وغيرهم.

وظاهر الصدوق في المقنع وكذا في الفقيه إجزاء غسل النهار لليلته وبالعكس ؛ لما رواه في

ص: 237


1- الكافي 4 / 327 ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح 1.
2- الكافي 4 / 327 ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 5 / 64 ، باب صفة الاحرام ، ح 12.
4- في ( ب ) زيادة : « و ».
5- الخلاف 1 / 612.
6- السرائر 3 / 632.

الفقيه في الصحيح : « غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (1).

ورواه السيد في فلاح السائل عن كتاب مدينة العلم مرسلا. ويلوح من البحار القول بمضمونه. ويمكن حمل الإمام فيها كعبارة المقنع على التوقيت ؛ ليكون بيانا إلى آخر وقت الإجزاء أو على معنى « إلى » فينطبق مع الأخبار الماضية.

وكيف كان ، فلا صراحة فيها بإجزاء غسل النهار لليل وعكسه ، مضافا إلى معارضته للنصوص المستفيضة المؤيّدة بعمل الجماعة ، ومخالفته لما يظهر من الأخبار من اعتبار المقاربة بين الغسل والغاية لو أوقع الغسل في أثناء النهار أو الليل ، ففي كون الحدّ فيه أيضا كذلك أو يكتفى به إلى أن يمضي من الآخر مقدار الفائت منه نفسه أو بالنسبة إلى مجموع وجوه. ويقوّي في النظر الاجتزاء به.

ص: 238


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 310.

الباب: في التيمّم

اشارة

وهو عبارة عن مسحات معروفة مشروطة بنية القربة.

والكلام فيه أيضا في أسبابه وغاياته وشرائطه وأفعاله ولواحقه.

ص: 239

تبصرة: [ في أسباب التيمّم وغاياته ]

اشارة

أسباب التيمّم هي بعينه أسباب الوضوء والغسل من الأحداث الصغرى والكبرى.

وفي ثبوته ببعض الأسباب الموجبة لاستحبابهما كإكثار الشعر الباطل أو خروج المذي والتوبة وقتل الوزغ وجهان ، أظهرهما العدم ؛ لعدم ظهور ما يدلّ على مشروعيته كذلك.

نعم ، لو كان ذلك من جهة احتمال الحدث كما إذا شكّ في وقوع الحدث فقد تعيّن الطهارة أو احتمل حصول خلل في وضوئه أو غسله فالظاهر استحباب التيمّم بدلا عنهما تحصيلا ليقين الفراغ.

وغاياته هي الغايات المذكورة لهما إلا أن الظاهر اختصاصه بالغايات التي تطلب عنده ارتفاع الحدث لأجلها ، فلا يشرع لغيرها كالغسل للزيارة والوضوء للتجديد.

فهاهنا أمران :

أحدهما : مشروعيته لكل ما يطلب فيه ارتفاع الحدث ؛ ليكون التيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل الرافعين كالصلاة والصيام والطواف ودخول المسجدين واللبث في سائر المساجد ومسّ كتابة القرآن وتلاوته ونحوها.

ونفى عنه الإشكال في التحرير (1) واستشكل في المقام الثاني.

وبنى صاحب المدارك على النفي في المقامين إلا ما دلّ الدليل على ثبوت البدلية فيه.

وتبعه بعض من تأخر عنه في ظاهر كلامه.

ويدلّ على ما قلناه النصوص المستفيضة الحاكمة بعموم بدلية التراب عن الماء

ص: 240


1- في ( د ) : « الروض ».

كالصحيح : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (1) و « إن التيمّم أحد الطهورين » (2) ، وأنه بمنزلة الماء ، و « ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين » (3) ونحو ذلك.

ويومى إليه أيضا قوله لأبي ذر : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (4). فإن ظاهره يفيد قيام الصعيد مقام الماء في الاستباحة.

ثانيهما : عدم مشروعيته بدلا عن غير الرافع. ويدل عليه الأصل مع الشك في شمول الإطلاقات لمثله وبعده عن طريقة المتشرعة ، وظاهر السيرة الجارية.

نعم ، حكى الشهيد الثاني ورود النصّ به في خصوص التيمّم بدلا عن غسل الإحرام. ولم نظفر به.

هذا ، وقد ورد النصّ به لأمور :

منها : استحبابه للنوم ؛ لمرسلة الشيخ والصدوق ، عن الصادق عليه السلام : « من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فإن ذكر [ ه ] (5) أنه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان ، فإن فعل ذلك لم يزل في الصلاة ما ذكر اللّه تعالى » (6).

وفي رواية اخرى : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد » (7).

ثم إن التيمّم في هذه الرواية مطلق يعمّ البدل عن الغسل والوضوء ، فالظاهر شمول الحكم للأمرين ، ويمكن القول بشمول الرواية الاولى لهما أيضا بناء على أن يكون الوضوء فيه أعمّ من

ص: 241


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 109.
2- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 4.
3- تهذيب الأحكام 1 / 197.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 108.
5- ما أدرجناه من المصدر.
6- مكارم الأخلاق : 288.
7- الخصال : 613.

وضوء الجنب وغيره.

ولا يخلو عن بعد وظاهر سياقها.

وقد يستفاد منها بناء على ما ذكرنا جواز التيمّم عن الوضوء لنوم الجنب ، فيكون ذلك مستثنى مما ذكرنا من عدم مشروعية التيمّم من الوضوء والغسل الغير الرافعين.

ويمكن المناقشة في الاولى بظهوره في غير المحدث بالأكبر وفي الثانية بالتأمّل في صدق الطهور على وضوئه ، فلا يكون التيمّم المذكور فيه بدلا عنه.

هذا ، وظاهر الرواية الاولى جواز التيمّم للنوم مع التمكن من الماء أيضا ، وقد نفى الخلاف عنه في الحدائق (1) : ينجبر ضعف الرواية إلا أن الأظهر الاقتصار على ظاهر مدلولها من نسيان الوضوء لا مع التعمد من تركه وبه يقيد إطلاق مفهوم الرواية الثانية.

وحاصل الكلام أن الرواية الثانية قد دلّت على رجحان التيمّم بدلا من الوضوء ، ولو مع التمكن عن الماء ، ففيها مخالفة للأصل من تلك الجهة ، ومن الاكتفاء فيه بغبار الدثار ، ولو مع التمكن من التراب [ و ] في دلالتها على جوازه بدلا عن الغسل مع التمكن منه إشكال ، فثبوت مشروعيته كذلك لا يخلو عن تأمل كجوازه للجنب بدلا عن الوضوء مع التمكن من الماء أو عدمه ؛ لما عرفت من خفاء مدركه.

ولا يبعد القول فيها بالصحة نظرا إلى ما ذكرناه من الإطلاق ، فتأمّل.

ومنها : صلاة الجنازة ولو مع التمكن من الماء ، على المعروف بين الأصحاب المحكي عليه إجماع الفرقة في الخلاف لموثقة سماعة : سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير طهر؟ قال : « يضرب يديه (2) على حائط اللبن فليتيمم به » (3).

وعن الإسكافي تقييده بخوف فوات الصلاة. واستحسنه المحقق (4) وأنكر جوازه مع

ص: 242


1- زيادة في ( د ) : « فيه ».
2- في المصدر : « بيديه ».
3- تهذيب الأحكام 3 / 203.
4- المعتبر 1 / 405.

التمكن من الماء بمنع الإجماع ؛ لعدم العلم به من فتاوى الأصحاب بخوف فوات الصلاة وضعف الخبر لإضماره ووقف رجلين من رواية ، فلا ينهض حجة على الخروج من الأصل الثابت.

وضعفه ظاهر بعد حجّية الموثق ، وعدم مانع في الإضمار سيّما من سماعة مع اعتضاده بعمل الطائفة.

ويدلّ على جوازه مع خوف فوات الصلاة - مضافا إلى ذلك - الأصل الثابت بالعمومات كما عرفت خصوص الصحيح ، عن الرجل يدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة. قال : « يتيمّم ويصلّي » (1).

وربما يستدلّ به على مذهب الإسكافي. وأنت خبير بعدم دلالته على المنع مع عدم فوت الصلاة كما هو مذهبه لاختصاص السؤال بغيره.

ثم إن ظاهر الرواية الاولى والثانية يعمّ ما لو كان محدثا بالأصغر أو الأكبر ، فيجوز التيمّم كذلك بدلا عن كلّ من الأمرين مع التمكن منه في وجه قويّ.

ومنها : للخروج من أحد المسجدين للمحتلم فيهما ، بلا خلاف بين الأصحاب في المشروعيّة.

والمعروف بينهم - بل المتّفق عليه - أيضا هو الوجوب.

والأصل فيه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام المرويّ صحيحا في تهذيب الأحكام (2) ، ومرفوعا في الكافي (3) : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلا متيمما ».

وزاد في الذخيرة (4) : « وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ».

وقد نصّ فيهما بعدم البأس بالمرور في سائر المساجد.

ص: 243


1- الكافي 3 / 178 ، باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 1 / 407.
3- الكافي 3 / 73 ، باب النوادر ، ح 14.
4- ذخيرة المعاد 1 / 52.

وعن الطوسي القول بالاستحباب حملا للرواية عليه ، وهو ضعيف.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لو تمكّن من الاغتسال في المسجد بحيث لا يوجب تسرية النجاسة إليه وكانت مدّة الاغتسال مساوية لمدّة التيمّم أو أقلّ منها فهل يتعيّن عليه الغسل أو التيمّم؟ قولان.

واحتمل الشهيد تعيّن الغسل عليه ، ولو مع زيادة المدة إلا أنه ذكر عدم عثوره على قائل به. ومال إليه في المسالك.

والأقوى هو الأول ؛ أخذا بالأصل من عدم إجزاء التيمّم بدلا عن الغسل مع التمكن منه ، وحملا للرواية المذكورة على الغالب المعتاد من عدم التمكن من الغسل كذلك كما هو الشأن في الإطلاقات ، فلا يفيد جواز التيمّم في الصورة المفروضة.

وقد دلّ النصّ المذكور على عدم جواز المرور في المسجد جنبا ، وجواز المكث لأجل التيمّم من جهته.

فجواز المكث بمقداره لأجل الغسل أولى.

والحاصل جواز المكث لأجل الطهارة الاضطرارية يدلّ بالفحوى على جوازه لأجل الاختيارية بلا ريبة ، فتعيّن (1) عليه الغسل لما دلّ على عدم جواز التيمّم مع التمكن من الماء.

نعم ، لو كانت مدة الغسل ومقدماته أطول من التيمّم لم يدلّ الرواية على جواز المكث بقدره ، وحينئذ فلا بدّ من الرجوع إلى إطلاق الرواية.

وعن صاحب المدارك القول بالثاني ؛ وقوفا مع ظاهر النصّ ومنعا لاشتراط التيمّم مطلقا بفقدان الماء لعدم دليل عليه. قال : وكما جاز أن يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجد فيجوز أن يكون وجهه اقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة ، فإن

ص: 244


1- في ( د ) : « فيتعيّن ».

مورد الخبر المحتلم. وقد أطلق جماعة من الأصحاب تحريم إزالتها في المساجد ، وصرّح بعضهم بعموم المنع ولو كانت في الكثير انتهى.

وهو كما ترى.

ثانيها : لو كان زمان مروره بالمسجد أقلّ من مكثه للتيمم أو مساويا له ففي لزوم التيمّم أيضا ؛ أخذا بظاهر الرواية أو سقوطه ؛ نظرا إلى أن المرور أخفّ من المكث سيّما مع كونه أقلّ منه فيقدم عليه أو يتخيّر بين الأمرين لدلالة جواز المكث للتيمم على جواز المرور بالفحوى؟ وجوه.

ثالثها : في لحوق الحائض بالجنب إن فاجأها الحيض في أحد المسجدين وجهان ، بل قولان.

والبناء على الإلحاق مختار جماعة من الأصحاب منهم صاحب الحدائق الناضرة (1) المرفوعة (2) المتقدمة. ومنعه المحقق ؛ لضعف الرواية ومخالفة الحكم للأصل سيّما بالنسبة إلى الحائض ؛ إذ لا سبيل إليها إلى الاستباحة.

وهو قوىّ. نعم ، لو كان ذلك بعد طهرها عن الحيض - على ما سيأتي في الفروع الآتية - احتمل الإلحاق نظرا إلى موافقه الحائض للجنب في كثير من الأحكام إلا أن الأظهر أيضا خلافه.

رابعها : مورد النصّ هو الجنابة الحاصلة في المسجد بالاحتلام ، والظاهر إلحاق غير الاحتلام به ممّا حصل بغير اختياره.

ص: 245


1- في مخطوطات الأصل : « الناظرة ».
2- في ( د ) : « للمرفوعة ».

الفصل الثاني: فيما يسوغ التيمّم معه ويوجب انتقال الحكم من الوضوء والغسل إليه

اشارة

وهي أمور أنهاها في المنتهى إلى ثمانية. والضابط فيها العجز عن استعمال الماء.

تبصرة: [ في عدم وجود الماء ]

اشارة

من أسباب العجز عدم وجود الماء. ويدلّ على انتقال الحكم معه إلى التيمّم بعد الآية الشريفة (1) النصوص المستفيضة وإجماع الطائفة المعلوم والمنقول في لسان جماعة.

نعم ، ذهب بعض العامة إلى اختصاص الحكم بالسفر ، فيسقط التيمّم أيضا لو كان ذلك في الحضر ؛ أخذا بما يتراءى من الآية.

وهو ضعيف محجوج بما ذكرناه ، والآية واردة مورد الغالب.

ثم إنّ عدم وجدان الماء إنما يكون سببا لانتقال الحكم مع الطلب إن أمكن ، ففي منتهى المطلب (2) : « ويجب الطلب عند إعواز الماء ، فلو أخلّ به مع التمكن لم يعتد به ، وهو مذهب علمائنا أجمع ».

ويدلّ عليه بعد الإجماع عدم صدق عدم الوجدان إلا معه ، ولاحتمال قربه منه مضافا إلى غير واحد من النصوص ، وما يستفاد من بعض الأخبار من عدم وجوب الطلب محمول على صورة الخوف كما يدلّ عليه غيره من الأخبار. مضافا إلى ضعفه وإضراب الأصحاب عنه.

ص: 246


1- نساء : 43.
2- منتهى المطلب ( ط. ق ) 1 / 138.

ومن الغريب بناء بعض الفضلاء المتأخرين عليه. وهو بمكان من الوهن.

والمعتبر من الطلب هو غلوة سهم في الحزنة وغلوتين في السهلة من الجوانب الأربع على المعروف بين الأصحاب (1). وقد حكى إجماعنا عليه في الغنية (2). وعن الحلي (3) أن التحديد بالغلوة في السهلة والغلوتين في الحزنة مما وردت (4) الروايات وتواتر به النقل.

وعن (5) الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7) التخيير بين رمية سهم وسهمين من غير تفصيل بين القسمين.

وربما يحمل على الأول ، والصحيح في البيان.

وعن السيد : وعدم تقدير الطلب بشى ء.

وعن بعض المحققين اعتبار الطلب من كلّ جهة يرجون وجود الماء إلى أن يتحقق عرفا صدق عدم الوجدان.

ويمكن إرجاع كلام السيد والخلاف إليه. واستحسن المحقق (8) الطلب دائما ما دام الوقت حتى يخشى الفوات. قال : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني. وهو ضعيف غير أن الجماعة عملوا بها ، فالوجه أن يطلب من كلّ جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلّف التباعد. ورواية زرارة تدلّ على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات. وهو حسن ، والرواية واضحة السند والمعنى. انتهى.

وتبعه في ذلك بعض من تأخر عنه.

ص: 247


1- قواعد الأحكام 1 / 235.
2- غنية النزوع : 64.
3- قواعد الأحكام 1 / 235.
4- زيادة في ( د ) : « به ».
5- لفظتا : « وعن » من ( د ).
6- نهاية الإحكام 1 / 183.
7- المبسوط 1 / 31.
8- المعتبر 1 / 393.

والأقوى هو الأول ، ويدلّ عليه - مضافا إلى الإجماع المحكي والشهرة المعلومة والمنقولة - رواية السكوني « بطلب الماء في السفر وإن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك ».

وما في صحيحة زرارة من الأمر « بطلب المسافر الماء ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل » إما أن يحمل على صورة رجاء حصول الماء والظن به كما سيجي ء ، أو على الاستحباب ، أو يقال بأن الأمر بالطلب فيها مطلق ، وقوله « ما دام في الوقت » ظرف لوقوع الطلب ، فلا يفيد الاستحباب ، فالمقصود أن الطلب إنما يكون مع السعة دون ضيق الوقت. وحينئذ فيحمل على رواية السكوني حملا للمطلق على المقيّد.

وقد عرف بذلك ضعف الأقوال المذكورة.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : الظاهر اعتبار الطلب بالمقدار المذكور من سائر الجوانب ؛ لظاهر الإطلاق المؤيّد بفهم الجماعة والاحتياط أو بعد اشتراط صحة التيمّم بالطلب إنما يعلم فراغ الذمة بذلك.

ويحتمل أن يراد بالغلوة والغلوتين في ظاهر الرواية مجموع ما يطلب فيه الماء ، فيكون المطلوب من كل جانب نصف غلوة أو غلوة إلا أن أحدا من الأصحاب لم يفهم منها ذلك. وبه يسقط الاحتمال المذكور.

وربما يتراءى في المقام خلاف بين القائلين بالغلوة والغلوتين من اعتبار بعضهم للطلب من جميع الجوانب كما في المبسوط وغيره ، أو من أمامه واليمين والشمال كما في المقنعة ، أو عن اليمين والشمال كما في النهاية.

والظاهر اتحاد المقصود من الجميع. وكأنّ عدم ذكر الحلف في المقنعة من جهة الاطلاع عليه حال المجي ء ، والمراد باليمين والشمال في الأخيرين حتى الطريق على قدر الغلوة أو

ص: 248

الغلوتين ، فيغني عن ذكر الجهتين الأخيرتين.

ثانيها : لو علم عدم الماء هناك سقط وجوب الطلب قولا واحدا. وفي الحدائق : إنه لا خلاف فيه حتى من القائلين بوجوب التأخير.

وكذا لو علم بعدمه في بعض الجوانب ، فيسقط الطلب من جهته. وعند بعض العامة : يجب الطلب مع ذلك أيضا.

وفساده واضح ؛ لوقوعه لغوا محضا. ولو ظنّ بعدمه ففي قيامه مقام العلم قولان ، حكي الأول من الإسكافي وبعض المتأخرين ؛ لقيام الظنّ مقام العلم في الشرعيات وعدم تناول ما دلّ على وجوب الطلب عليه.

والثاني مختار الفاضل وغيره. وهو الأظهر ؛ لعدم قيام دليل على حجيته إلا مع اطمئنان النفس بعدمه ، فلا يبعد إلحاقه بالعلم ، بل الظاهر أنه يعدّ علما في العادة.

ثم في الاكتفاء بالعلم بخلوّ خصوص مقدار الغلوات وجهان مبنيّان على أن الواجب هو طلب الماء في خصوص الغلوات أو أن الغلوات هو ظرف الطلب دون المطلوب ، فيجب ملاحظة الخارج عن الغلوات عند الطلب أيضا.

الأحوط بل الأظهر الأخير ، وحينئذ فلا بدّ في سقوط الطلب من العلم في جميع المسافة التي تبيّن عدم الماء فيها بالطلب في الغلوات.

ثالثها : لو علم وجود الماء خارج الغلوات لزمه السفر إليه (1) مع بقاء الوقت وانتفاء الحرج ، قريبا كان أو بعيدا كما نصّ عليه كثير من الأصحاب.

وما دلّ على الطلب في الغلوات محمول على صورة الجهل.

وفي صحيحة زرارة المتقدمة دلالة عليه ، والظاهر أنه قضية الأصل ؛ لتقدم الطهارة المائية على الترابية ، والمفروض تمكنه من الاولى ، فلا يصحّ منه الأخير.

وقد يقال بأن الشرط في الانتقال هو عدم وجدان الماء كما هو مدلول الآية والروايات

ص: 249


1- في ( ألف ) : « وفيه » بدل « إليه ».

المستفيضة. وهو صادق بدون ذلك ؛ إذ مع بعد الماء عنه لا يصدق عليه عرفا أنه واجد للماء.

نعم ، لو كان الماء في الأماكن القريبة منه لم يبعد صدق الوجدان عليه في العرف وإن كان خارجا عن الغلوات ، لكن الأظهر بناء الحكم على التمكن ، وربما يفسر الوجدان [ به ] في الآية الشريفة.

وفي البحار (1) : أنه المستفاد من كلام محقّقي المفسرين من الخاصة والعامة كالطبرسي والزمخشري ، فتأمل إلا أنه يعتبر فيه عدم الحرج لما دلّ على نفيه ، فالحطاب والحشاش إذا حضرتهما الصلاة ولم يتمكنا من الماء إلا بالرجوع إلى البلد لم يجب في وجه قويّ مع بعدهما جدّا من البلد واستلزام فوات مقصودهما. وكذا لو كان الماء عكس طريق المسافر ، فتوقف على الرجوع من بعض المنازل .. إلى آخره.

وظاهر الآية الشريفة يدفعه.

رابعها : لو كان خاف على نفسه من الطلب من لصّ أو سبع في الطريق أو على ماله المتخلّف في رحله سقط عنه الطلب. ولو ارتفع الخوف باستصحاب معيّن وجب من باب المقدمة ولو بالاجرة ، وإن كانت زائدة على المعتاد ما لم يضرّ بحاله ، وإن حصل الإجحاف في وجه قويّ وكان زائدا على القدر الّذي يخاف فوته باللصّ.

وفي جواز الطلب وتفويته باللصّ وجهان ، وكذا الحال لو لم يتمكن من الطلب لموانع الاخر ، فتسقط المباشرة.

ولو اختصّ المانع في بعض الجهات أو ببعض المقدار سقط ذلك ووجب الميسور ؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور ولحصول بعض الفائدة فيه.

وقد يقال بالسقوط ؛ نظرا إلى عدم التمكن من تمام الواجب ووجوب البعض في ضمن الكلّ بالتبع ، فيسقط بسقوطه.

وفيه ما لا يخفى.

ص: 250


1- بحار الأنوار 78 / 134.

خامسها : لو عجز عن الطلب وتمكّن من الاستنابة وجب لحصول الغرض به وعدم مدخليّته فيه للمباشرة.

ومنه يعلم جواز الاستنابة مع الاختيار أيضا ؛ إذ هو كما عرفت مما اجتمع فيه شرائط متعلّق الوكالة ، فلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار.

واستشكل فيه في الحدائق (1) على الثاني بأن ظاهر الأخبار توجّه الخطاب على فاقد الماء نفسه ، فقيام غيره مقامه يتوقف على الدليل.

وفيه ما عرفت ، مضافا على جريان ذلك في صورة الاضطرار ، وقضية الأصل فيه سقوط الطلب ظاهرا.

وهل يشترط فيه عدالة النائب؟ وجهان. واعتبره في الروض (2) ليصحّ الوقوف به شرعا في سقوط الواجب.

وهل يعتبر تعددهما لقيام خبر العدلين مقام اليمين؟ احتمالان. ولا يبعد القول بالاكتفاء بقول الواحد مطلقا ؛ لسماع قول الوكيل في ادّعاء الإتيان بما وكّل فيه كإخباره عن تطهير الثوب ، ومع المال ونحو ذلك.

نعم ، لو أوقع الطلب من غير توكيل ويضر به فالظاهر اعتبار العدالة والعدد ؛ لعدم دليل بيّن على الاكتفاء بخبر العدل في مثله إلا أن يقال بعموم ما دلّ على حجيّة خبر العدل في الحكم والموضوع ، وفيه تأمل.

وفي الحدائق بعد استشكاله في جواز الإشاعة مع الاختيار وحكمه بالجواز بل الوجوب مع العجز اشترط مراعاة العدالة (3) مع الإمكان.

وفيه أيضا ما عرفت ؛ إذ لو كان الواجب استنابة العدل لزم القول بالسقوط مع تعذّره ، وإلّا فالواجب الحكم بالجواز مع إمكان الطلب بنفسه أو استنابة العدل كما لا يخفى.

ص: 251


1- الحدائق الناضرة 4 / 253.
2- كما صرّح به في الحدائق الناضرة 4 / 253.
3- لم ترد في ( ب ) : « مراعاة العدالة ».

سادسها : لو أخلّ بالطلب الواجب حتى ضاق الوقت فإن تمكن من الطلب في البعض سقط التعذر ووجب بمقدار التمكن على ما مرّ ، وإن لم يتمكن منه أصلا سقط وصحّ تيممه وصلاته من غير لزوم إعادة عليه على الأقوى ، وإن أثم بالتأخير.

والوجه فيه واضح ؛ لسقوط الاشتراط مع الضيق.

غاية الأمر أن يكون آثما بإخراج نفسه عن عنوان المتمكن إلى العاجز ، وأطلق الشيخ والشهيد في الدروس عدم الإعادة لو أخلّ بالطلب الواجب ، فإن اريد بذلك عدم صحة تيممه ؛ نظرا إلى الإخلال بالشرط الذي هو الطلب ففيه منع ظاهر ؛ إذ المسلّم من الشرط إنما هو حال السعة.

وأيضا لا وجه حينئذ بسقوط الأداء ، ولا لفعله من دون الطهورين وبعد تعيّن فعله مع التيمّم الذي هو أحد الطهورين لا وجه لوجوب القضاء أيضا من دون نصّ عليه.

وقد يحمل كلامهما على حال السعة ، فيرتفع الخلاف.

وكذا يسقط الطلب لو ارتفع التمكن لموانع اخر من خوف العدوّ وحصول المرض إلا أنه لا إثم هنا لو لم يكن متوقع الحصول ، ومعه يجري ظاهر الخلاف المذكور مع التسامح التأخير.

وكذا يجري الكلام بالنسبة إلى من كان واجدا للماء فأراقه مع الانحصار أو أخرجه عن ملكه اختيارا في الوقت.

وقد أطلق الشهيد في غير واحد من كتبه وجوب الإعادة أيضا. ولا يبعد حمله على ما مرّ وعن غير واحد من الأصحاب فسادا. وكأنه لوجوب استعماله عليه ، وهو لا يقضي بالفساد لعدم اقتضاء النهي فساد المعاملة إن لم يكن تعلّقه من جهتها ، ولو فعل ذلك بطل الاكتفاء بغيره فلا إثم.

وينبغي القطع بصحة الصلاة إذن مع التيمّم.

ولو أهرقه قبل دخول الوقت مع علمه بعدم تمكنه منه في الوقت فلا مانع ؛ لعدم وجوب الطهارة عليه بعد. والقول بوجوب إبقاء الماء مع عدم وجوب الطهارة لا معنى له.

ولو قيل بوجوب الطهارة إذن قبل الوقت فهو مع مخالفته لظاهر الأصحاب - حيث

ص: 252

يخصّون الوجوب بما بعد الوقت - أنّ الطهارة إنما تطلب لأجل الصلاة ، والمفروض عدم وجوب الصلاة بعد ، فكيف يعقل وجوب مقدمته مع عدم وجوبه؟!

نعم ، لو قيل بوجوب الصلاة مطلقا من غير أن يكون الوقت من شرائط وجوبه لتمّ ذلك إلا أنه مخالف للأخبار وكلام الأصحاب ، بل الإجماع.

مضافا إلى ما دلّ من جواز الجنابة عمدا مع عدم وجدان الماء كالحسن : عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال : « ما احبّ أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه » (1).

ورواه في مستطرفات السرائر (2) بزيادة قوله : قلت : يطلب بذلك اللذة؟ قال : « هو حلال .. » الخبر.

وفي رواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام عن أبي ذر رضى اللّه عنه أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه! هلكت جامعت على غير ماء. قال : فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت أنا وهي. ثم قال : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (3).

فإنّ فحوى الرواية ظاهرة الدلالة على جواز ذلك ، مضافا إلى ما ورد من أنه « أحد الطهورين » وأنه « جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » .. إلى غير ذلك.

وحينئذ يتيمّم بعد دخول الوقت ويصلي ، ولا إعادة عليه إجماعا كما عن منتهى المطلب (4).

وذهب بعضهم إلى حرمة إهراقه حينئذ أيضا بناء (5) لكون البقاء من مقدمة الواجب ، ولسببيّة ترك الواجب المحرم والمفضي إلى المحرّم محرّم ، ولما يظهر من عدة من الأخبار

ص: 253


1- تهذيب الأحكام 1 / 405.
2- السرائر 3 / 612.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 108.
4- منتهى المطلب 1 / 138.
5- لم ترد في ( د ) : « بناء ».

كالصحيح : عن الرجل يتيمم بالبلاد الأشهر ، ليس [ فيها ] (1) ماء من أجل المراعي وصلاح الإبل ، قال : لا » (2).

وفي صحيحة اخرى : فيمن أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (3).

وفي مرسلة المقنع : « إن أجنبت في أرض ولم تجد إلا ماء جامدا ولم يخلص إلى الصعيد فصلّ بالمسح ، ثم لا تعد إلى الأرض التي توبق فيها دينك » (4).

ومورد هاتين الروايتين وإن كان فيمن لم يتيسّر له الماء والصعيد إلّا أن فحواهما بل التعليل المذكور فيهما يعمّ المقام.

وأنت خبير بأن الأخيرة لضعفها مضافا إلى عدم وضوح دلالتها لا ينهض حجة ، والنهي فيها ليست صريحة في المطلوب ، بل ظاهرها يومي إلى الكراهة.

والصحيحة الاولى ليست صريحة في الحرمة ، فلتحمل على الكراهة ؛ جمعا بين الأدلة.

والاستناد إلى إفضائه إلى الحرام أو كونه من مقدمات الواجب أضعف شي ء كما لا يخفى.

ثم إنه يجري ما ذكر بالنسبة إلى نقض الوضوء قبل الوقت مع عدم وجدان الماء أو كان عنده ماء ولم يأخذ للاستعمال ، وكذا السفر قبل الوقت إلى موضع لا ماء فيه مع عدم تمكّنه من العود بعد دخول الوقت وما يشبه ذلك ، والكلام في الجميع واحد.

سابعها : لو تيمّم وصلّى ثم تبيّن وجود الماء في رحله أو أصحابه الباذلين أو قريبا منه ولو في الغلوات (5) أو خارجا عنها بحيث لو سعى إليه في الوقت تمكّن منه من دون حرج فإما أن يكون قد اجتهد وطلب الماء في الغلوات (6) أو لا ، وعلى التقادير فإما أن يكون عالما قبل ذلك

ص: 254


1- الزيادة من المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 / 405.
3- الكافي 3 / 76 ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد الا الثلج أو الماء الجامد ، ح 1.
4- المقنع : 43.
5- في ( ألف ) : « الفلوات ».
6- في ( ألف ) : « الفلوات ».

بوجود الماء فنسيه أو كان جاهلا من الأصل.

ثم إنه إما أن يأتي بالتيمم في سعة الوقت أو ضيقه ، وعلى الأول فإما أن يكون عليه (1) بالماء قبل خروج الوقت أو بعده ، فإن صلّى مع الطلب ثم تبين بعد خروج الوقت وجود الماء خارج الغلوات فلا تأمل في صحة صلاته سواء كان ناسيا له أو جاهلا قد صلى في سعة الوقت أو ضيقه.

وكذا لو علم في ضيق الوقت بحيث لم يتمكن أداء الطهارة المائية بنفسه أو مع أخذ الماء من الموضع الذي فيه لو علم به ، فلا تأمل في الصحة من غير فرق بين الناسي وغيره.

وكذا لو فعله في السعة. وهو ظاهر كلام الأصحاب ؛ لحصول الامتثال وظاهر الإطلاقات وصدق الوجدان في بعض فروضه كما إذا كان في رحله ممنوع ؛ إذ الظاهر منه اعتبار العلم بالماء والتمكن من الاستعلام بحسب المعتاد. والمفروض (2) عدم العلم بعده.

وبنى في الحدائق على لزوم الإعادة في صورة النسيان ؛ أخذا بموثقة أبي بصير الآتية مع دعوى انجبارها بالشهرة. والظاهر أنه أعنى به شهرة العمل بها في الجملة ، وأما في هذه المسألة فلا نعرف قائلا به.

وفيه : أنه لا يقاوم تلك الإطلاقات المنجبرة بظاهر كلام الأصحاب ، فقد يحمل على الاستحباب أو على صورة ترك الطلب رأسا أو المسامحة فيه.

ومع الغضّ عنه فالمعارضة بينها وبين تلك الإطلاقات من قبيل العموم من وجه.

والشهرة وصدق الامتثال مرجّحة لها ، فالاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

ولو ترك الطلب عمدا ، فإن تيمم في السعة فالظاهر فساده ؛ لعدم إتيانه به على النحو المشروع سواء كان الماء موجودا في الغلوات أو خارجا عنها.

ولو كان مما لا يمكنه الوصول إليه ؛ لظهور توقف التيمّم على الطلب.

ولو كان ساهيا في تركه أو ناسيا ففي صحة تيممه وجهان من سقوط التكليف بالطلب ،

ص: 255


1- في ( د ) : « علمه ».
2- في ( ألف ) : « والمفروض من ».

ومن أن ذلك عذر يسقط به العقاب والمؤاخذة فلا يترتب عليه الصحة.

والأوجه الثاني ؛ إذ الظاهر من الرواية وكلام الطائفة ثبوت الشرطية ، فبسقوطها بسبب العذر المذكور يحتاج إلى الدليل ، وإلحاقه بعدم المكنة من جهة الخوف من اللصّ وغيره قياس.

مضافا إلى موثقة أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : عن رجل كان في سفر وكان معه ماء ، فنسيه وتيمم وصلّى ، ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال : « عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة » (1).

وعن السيد والمحقق البناء على الصحة في صورة نسيان الماء ، واستدل له بعموم قوله عليه السلام : « رفع عن امتي الخطأ » (2).

وهو كما ترى.

وقد يفصّل في المقام بين كون الماء بحيث يمكنه تحصيله بالطلب ، ومن لا يكون كذلك ، فعلى الثاني يبنى على الصحة لتحقق عدم الوجدان قطعا.

ولا يخلو من (3) وجه.

ولو ضاق الوقت عن الطلب رأسا فالظاهر صحة الفعل وعدم لزوم الإعادة ؛ لسقوط الطلب حينئذ. وإن كان الماء بحيث لو علم به تمكن من استعماله لتحقق عدم الوجدان في تلك الحال من غير فرق بين تركه متعمدا أو ساهيا ، ولا كونه ناسيا للماء أو جاهلا.

وأطلق الشيخ الحكم بلزوم الإعادة فيمن ترك الطلب ، وقد كان ناسيا للماء في رحله ، فعلى ظاهر كلامه يجب الحكم بالإعادة في المقام. وهو المشهور بين الأصحاب.

والمستند فيه موثقة أبي بصير المتقدمة.

وهي كما ترى لا تدلّ عليه بوجه ، فالأظهر ما قلناه وفاقا لجماعة من المتأخرين منهم صاحب المدارك ؛ لما عرفت.

ص: 256


1- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 10.
2- الخصال : 417 ؛ التوحيد : 353.
3- في ( د ) : « عن ».

مضافا إلى أنه مجال للقول بسقوط التكليف بالأداء إلحاقا له بفاقد الطهورين المتعمد لفقدهما بعده عن مفاد الأدلة ، [ و ] القول بوجوب القضاء مع الأداء بعيد أيضا ، بل لا نظير له ظاهرا.

ثامنها : لو كان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية ففي الانتقال إلى التيمّم وإدراك الأداء أو التطهير بالماء والبناء على القضاء قولان ، أوّلهما مختار العلّامة وجماعة ، والثاني مختار المحقق.

والأقوى الأول. ولا فرق بين أن يكون ذلك من جهة عدم اتّساع الوقت للطهارة المائية نفسها أو من جهة مقدماتها كإزالة النجاسة.

ولو كان من جهة إزالة المانع عن وصول الماء ، فالظاهر حينئذ سقوط غسل محلّ المانع كما مرّ إلا أن يستوعب العضو ، ففيه الإشكال المتقدم.

ويدلّ على ما قلناه الإطلاقات الدالّة على تعيين التيمّم عند عدم التمكن من الماء ، والمفروض عدم حصول التمكن لفوت الصلاة بفعل المائية.

كيف ولو لا ذلك لوجب القول بسقوط الصلاة إذن أو تكليفه بها من دون طهارة أو معها.

والأخيران واضح الفساد ، والأول مخالف للأخبار ، ولما هو معلوم من أن مشروعية التيمّم إنما هو لأجل عدم فوت الأداء ، وإلا لجاز ترك الصلاة ، وانتظار حصول الماء للتمكن منه غالبا بعد خروج الوقت.

وكون نفسه سببا لفوت المائيّة اختيارا لا يوجب الفرق ؛ إذ غاية الأمر حصول الإثم. وقد مرّ نظيره.

والقول بعدم جواز التيمّم في مثله ولو كان من غير اختياره - كما لو استيقظ في آخر الوقت بحيث لم يمكنه إدراك الصلاة إلا متيمما - ضعيف جدّا سيّما إذا كان من جهة بعض مقدمات تحصيل الماء كاستقائه من البئر ونحوه.

ولا يبعد انتفاء الخلاف في هذه الصورة ؛ إذ لو أوجب السعي إلى الماء خروج الوقت تعيّن التيمّم بالاتفاق.

ص: 257

والفرق بين القريب والبعيد في ذلك مما لا يعقل فارقا في المقام.

وقد عرفت بما ذكر ضعف ما حكي عن المحقق الكركي (1) من التفصيل بين ما إذا كان الماء حاضرا عنده ولم يتمكن من المائية من جهة ضيق الوقت وما إذا لم يكن الماء عنده بحيث لو سعى إليه فات الوقت.

وأنت خبير بأنه إذا كان المناط في الوجدان هو التمكن من الاستعمال وإدراك الوقت فهو غير حاصل في المقامين ، وإن كان عدم صدق القدرة على الماء وجدانه فلا فرق أيضا إلّا أن يكون بعيدا عنه جدّا بحيث لا يعدّ في العرف واجدا. وهو لا يلتزم به.

ثم انه يجري الكلام المذكور في سائر شرائط الصلاة المذكور الساقطة حال الاضطرار كطهارة الثوب أو البدن والساتر وتعلّم القراءة والعلة ، والظاهر في الجميع ما ذكرناه. ويأتى على القول الآخر فسادها على تلك الحال.

تاسعها : لو وجد من الماء ما لا يكفيه إلا لبعض أعضائه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف فيه ظاهرا ، ومحكيا في ظاهر منتهى المطلب (2) وذكرى الشيعة حيث نسباه إلى علمائنا بل ظاهرهما حكاية الإجماع على سقوط غسل البعض أيضا حيث جعلاه بحكم العدم. وهو كذلك.

وقد يحكى عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض. وحكي القول به من العامة.

وهو ضعيف جدّا سواء أريد به البعض في الغسل خاصة وإن أتى بالتيمم تامّا أو الاكتفاء به عن الكلّ أو التبعيض بين المائية والترابية.

وقد دلّت المعتبرة المستفيضة على سقوط الغسل مع انتفاء ما يكفيه من الماء لغسله وإن كفى للوضوء.

نعم ، لو أخلّ (3) في خصوص الغسل ؛ نظرا إلى عدم اشتراطها بالموالاة حصول الماء

ص: 258


1- جامع المقاصد 1 / 467.
2- منتهى المطلب 1 / 133.
3- في ( د ) : « ظنّ ».

بالتدريج بحيث يدرك آخر الوقت متطهرا تعيّن غسل البعض والانتظار ، وإن كان بحيث يلحقه الباقي بعد خروج الوقت لم يجب عليه ذلك ، وإن أدرك به الصلاة اللاحقة إذ لا يجب (1) الطهارة لها قبل دخول وقتها كما مرّ.

ولو شكّ في اللحوق في الوقت ففي وجوب استعماله مع عدم إمكان حفظه وانتظار آخر الوقت وجهان ؛ احتمله العلّامة وغيره.

ويجري الوجهان في وجوب حفظ ذلك الماء لو أمكن مع احتمال حصول ما يكمله خاصة للوضوء والغسل.

ولو وجب عليه كلّ من الوضوء والغسل وكفى الماء لإحدى الطهارتين فلا تأمل في وجوب الإتيان به والتيمّم للأخرى ، ولو اكتفى به لكلّ من الغسل والوضوء منفردا فالظاهر تقديم الغسل والتيمّم عن الوضوء.

والأحوط إذن تقديم الغسل على التيمّم ، واحتمل بعضهم التخيير بين الأمرين لكون كل منهما فرضا مستقلا ، وهو بعيد.

عاشرها : لو توقّف الاكتفاء بما يجده من الماء على فرجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الإطلاق ففي وجوب ذلك قولان. والعدم مختار الشيخ ؛ لصدق عدم وجدان الماء المعتبر في مشروعية التيمّم ، والتمكن من إيجاد الماء ليس وجدانا له.

وإليه يميل كلام فخر المحققين واختاره بعض المتأخرين ، وقطع العلّامة في المختلف بالوجوب.

ويدلّ عليه صدق التمكن من الماء وأنّ الطهارة بالماء واجبة ، فيجب مقدمته.

وأورد عليه بأن شرط التيمّم في الآية ليس مطلق عدم التمكن ، بل عدم الوجدان المتحقق في المقام وأن وجدان الماء من شرائط وجوب المائية ، فلا يجب إيجاده لأجلها ؛ لعدم وجوب مقدار الواجب المشروط.

ص: 259


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ لا يجب ... إمكان حفظه ».

وفيه أن الظاهر من الوجدان في المقام هو التمكن من الماء كيف كان كما يومي (1) إطلاق الأمر بالوضوء والغسل مقدّما عليه القاضي بوجوب تحصيل مقدمته حسب الإمكان.

كما هو أيضا معلوم في المقام من فتاوى الأصحاب ، وكأنّ ذلك هو الوجه في حمل الآية على ذلك كما حكي من أساطين المفسّرين كالطبرسي والزمخشري. وحينئذ فيدفع الإيرادان المذكوران.

كيف ، ولو لا ذلك لما وجب إذابة الثلج ونحوه ؛ لعدم وجود الماء عنده قبلها ، ولما وجب الوصول إليه من الأماكن البعيدة أو حفر البئر لإخراجه مع عدم صدق الوجدان قبله.

وما يرد (2) على ذلك من بيان الفارق من الوصول إلى الماء الموجود بحفر ونحوه ، وبين إيجاده بعد عدمه بيّن الوهم ؛ لعدم تعليق التيمّم في الآية لوجود الماء ليتمّ الفرق المذكور ، وإنما المعلّق عليه الوجدان (3) ، وهو غير متحقق قبل الوصول إليه بالأسباب المذكورة.

نعم ، لو كان الماء قريبا منه أمكن القول بصدقه ، وهو غير مورد النقض. على أنه لا يتمّ فيما ذكرناه من إذابة الثلج لعدم وجود مسمّى الماء قطعا.

حادي عشرها : لو طلب الماء قبل الوقت فإن علم بعد الوقت عدم تجدّد شي ء اكتفى به ، ولو احتمل تجدّده لزمه تجديد الطلب في وجه قويّ ؛ إذ الأمر بالطلب إنما هو بعد دخول الوقت والاكتفاء بما قبله (4) غير معلوم ، فينبغي على عدمه لو طلب لصلاة واحدة ، فالظاهر الاكتفاء به لما يأتي من الصلاة حضر وقتها أولا.

وحكم الفاضل في عدة من كتبه بلزوم إعادة الطلب لما دخل وقتها ما لم يعلم عدم تجدّد شي ء. وكأنّ الوجه فيه لزوم الطلب له أيضا ، فلا يسقط بالطلب لغيره إلا مع العلم بعدم التجدد.

ص: 260


1- زيادة في ( د ) : « إليه ».
2- في ( د ) : « يورد ».
3- في ( ألف ) : « والوجدان ».
4- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

ويدفعه أن لزوم الطلب إنما هو لأجل التيمّم من غير مدخليّة فيه للصلاة ، فإذا صحّ تيمّمه أتى به ما شاء من الصلوات ما لم يجد ماء كما هو قضية الإطلاقات. ويحتمل الاكتفاء به أيضا لو تيمّم قبل الوقت لغير الصلاة فدخل وقتها.

ثاني عشرها : لو كان في بدنه نجاسة وكان محدثا ولم يكن له من الماء ما يكفيه للأمرين ، فإن كانت النجاسة في محلّ الطهارة فلا تأمّل في تقديم الإزالة ، وإن كانت في غيره فالمعروف بين الأصحاب تقديم إزالة الخبث.

وفي التذكرة (1) كالمحكيّ عن المعتبر والمنتهى (2) الإجماع عليه ؛ نظرا إلى وجود بدله بخلاف الإزالة إلا أن المفروض فيها خصوص التيمّم عن الوضوء. وقضية التعليل عدم الفرق. وليس له غيره.

وظاهر التذكرة إجماع الطائفة عليه حيث حكى الخلاف فيه عن بعض العامة.

ويمكن المناقشة في الوجه المذكور بأن الانتقال إلى تبدّل الماهية مشروط بعدم وجدان الماء ، والمفروض حصوله في المقام.

ووجوب صرفه في الإزالة إنما يكون مانعا بعد ثبوته ، وليس ذلك أولى من القول بسقوط وجوب الإزالة المشروطة بالوجدان من جهة وجوب رفع الحدث به.

والحاصل أن كلّا من رفع الحدث وإزالة الجنب مشروط بالتمكن من الماء ، والمفروض حصوله لأحدهما ، فالترجيح متوقف على الدليل ، [ و ] وجود مجرّد البدل المترتب على عدم وجدان الماء لا يكفي مرجّحا ، فقضية الأصل التخيير بين الأمرين.

ومن هنا تأمّل بعض المتأخرين في الحكم المذكور.

نعم ، قد يقال بأن وجود البدل من المائية قد يعطي مزيد عناية الشرع إذن بالإزالة (3) الخالية عنه ، فيقدّم عليه ، مضافا إلى الإجماعات المحكية عليه وموافقة للاحتياط ، والأحوط

ص: 261


1- تذكرة الفقهاء 1 / 5.
2- منتهى المطلب 1 / 23.
3- في ( ألف ) : « العناية » بدل « الإزالة ».

إذن الإتيان بالإزالة أوّلا ثم التيمّم.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ذلك إنما هو مع التمكن من التيمّم ، ولو من آخر مراتبه في وجه قوي ، وأما مع العجز عنه مطلق (1) فلا شبهة في تقديم الرفع.

ص: 262


1- كذا ، والظاهر : « مطلقا ».
تبصرة: [ في عدم الوصول إلى الماء ]

من أسباب العجز عن الماء عدم الوصلة إليه وإن وجد ، ككونه في بئر لا آلة له في الوصول إليه أو عند شخص لا يبذله له لا ببيع ولا غيره أو لا يكون واجدا لثمنه أو يكون بينه وبين الماء مسافة يكون عليه حرج في قطعه وإن كان قريبا كما إذا كان مريضا لا يمكنه المشي ، ونحو ذلك مع عدم التمكن من إرسال الغير إلى غير ذلك.

وتنقيح المبحث يتمّ برسم أمور :

أحدها : لو كان الماء في بئر ولا آلة يتمكن من الاغتراف ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلّا (1) بمشقة وهو (2) بنفسه تيمم بلا خلاف فيه من الأصحاب.

وفي منتهى المطلب أنه قول علمائنا أجمع.

والوجه فيه - بعد الإجماع ظاهرا ومحكيا ، وما دلّ على نفي الحرج - المعتبرة المستفيضة كالصحيح : عن الرجل يمرّ بالركية وليس معه دلو؟ قال : « ليس عليه أن يدخل الركية لأنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (3).

ونحو منه ما في الصحيحة الأخرى ، وحسنة الحسين بن أبي العلاء (4).

وإطلاق هذه الأخبار محمول على ما هو الغالب من تفسير النزول إلى البئر أو منّة (5)

ص: 263


1- في ( ألف ) : « لا ».
2- في ( د ) : كلمة غير واضحة لم نفهمها.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 105.
4- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 7.
5- كذا تقرأ الكلمة في ( د ).

بالنفس ، فلو صلّى عن ذلك فالظاهر وجوبه لتوقف الواجب عليه.

نعم ، لو كان جنبا ولم يكن عنده آنية يكتفي بما يغرف بها ، فظاهر الصحيحة الثانية المنع عن النزول في الماء ؛ لقوله عليه السلام : « ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (1).

وكأنّه مبني على نجاسة البئر ، وعلى استكراه منه ، فيوجب الضرر على الناس أو كان في وقوعه إفساد للماء بوجه آخر كانخباطه بالطين وإفساده بالتغيّر مع كون الماء ملكا للغير أو كونه في تصرفهم أو وقفا يوجب ذلك ، ولا ضرار بالموقوف عليهم.

فلو خلي من جميع ما ذكر فالظاهر وجوب النزول ؛ أخذا باطلاق الوجدان.

ولو كان البئر ملكا له وأوجب النزول فيه نقصا فيه من جهة المالية دار مدار الإضرار بحاله وعدمه.

ولو أمكنه تكليف الغير بالنزول من دون تحمل منّة (2) منه وجب. وكذا لو طلب منه الأجرة إن لم يكن مضرة بحاله وإن أجحف فيه.

وكذا الحال في الآلة الموصلة إلى الماء استعارة أو استيجارا أو شراء ، نفيا وإثباتا.

ولو تمكن من أمر مملوكه فالظاهر أنه يدور مدار المشقة والحرج بالنسبة إليه ، فإن ثبت سقط عنه التكليف ؛ إذ لا يجب تكليفه بما يوجب الحرج عليه.

ولو تمكن من حفر طريق إلى الماء بنفسه أو معاونة غيره بما لا ضرر عليه وجب إن كان الأرض ملكه أو مباحا أو تمكن من استيذان المالك ، ولو توقف ذلك على اجتماع الجماعة الفاقدين على الحفر من دون تمكن كل منهم بذلك ، فإن أقدم بذلك من يكتفي بمعونتهم وجب عليه قطعا.

وهل يجب عليهم الاجتماع من أوّل الأمر؟ وجهان من عدم حصول المكنة بالنسبة إلى كلّ واحد ، وحصولها مع الاجتماع ، فيجب من باب المقدمة.

وهو الأظهر ، فعلى هذا يجب عليه إجبار الباقين مع التخلف إن تمكن منه.

ص: 264


1- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 9.
2- زيادة لفظة : « منّة » من ( د ).

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى سائر أسباب الوصلة كشراء الماء أو الآلة ونحو ذلك.

ومنه ما لو كان عند كلّ منهم قطعة حبل ونحوه يتمكن بوصل الجميع من الوصول إلى الماء.

ولو تمكن من الوصول إلى الماء بشدّ الثياب بعضها إلى بعض وجب.

ولو توقف على شقّ بعضها وجب مع انتفاء النقص المتفاحش وإلّا فإن أضرّ بحاله وسقط أو مع عدمه ففيه وجهان ؛ من توقف الواجب عليه ، ومن كونه تضييعا للمال.

ويجري ما ذكر فيما إذا توقف سعيه إلى الماء على إتلاف بعض أمواله.

ثانيها : لو كان الماء موجودا وعدم الثمن الذي يرضي صاحبه بنقله به فهو كفاقد الماء ، وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

نعم ، لو تمكّن من اكتساب الثمن وجب عليه من باب المقدمة إن وفي الوقت به ، وإلا فلا وجوب كما مرّ.

ولو تمكن من الاقتراض أو الشراء نسيئة فإن كان له بعد ذلك ما يفي به من دون إضراره بحاله وجب ، والقول بكون نفس القرض ضررا فاسدا وإن لم يكن له ذلك ، وكان له مظنة بحصوله ولو من الزكاة ونحوها فالظاهر أنه كذلك ، وإلا فالظاهر عدم لزومه. وقيل بدوران الأمر مدار الإعسار (1) وعدمه. ولو تمكن من الثمن وكان دفعه مضرا بحاله فالمعروف بينهم سقوط المائية.

وعزاه في المعتبر إلى الأصحاب مؤذنا (2) باتفاقهم عليه ، فإن كان الضرر المفروض بدنيّا أو عرضيا في الحال أو في المال فلا تأمل في السقوط.

وكذا لو كان خوفا من تلف ماله الآخر بما لا يعدّ ضررا في العرف في (3) وجه قوي.

وإن كان المضرّ بحاله مجرّد الثمن المدفوع ، فالظاهر أنه كذلك ، وهو المعروف من مذهبهم

ص: 265


1- في ( ب ) : « الاعتبار ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « موذونا ».
3- زيادة : « في » من ( د ).

كما عرفت ؛ لما دلّ على نفي الضرر والحرج حيث إن ذلك من أعظم المضار.

كيف ، ويظهر من ملاحظة الأخبار الانتقال إلى التيمّم بأدنى ضرر ، بل والخوف منه.

وعن السيد وابن سعيد دورانه مدار التمكن. وظاهره عدم ملاحظة الإضرار إلا أنه لا (1) يأبى الحمل على ما ذكرناه ، وقد أفتى بظاهره بعض المتأخرين مصرّحا بوجوب الشراء وإن كان مضرا بحاله ؛ لتمكنه من الشراء ، فيجب من باب المقدمة.

واحتجّ عليه بظاهر الإطلاقات الآتية (2) وإطلاقات (3) الآية الشريفة وغيرها ، وهي منزلة على صورة عدم الإضرار بالحال ؛ لما عرفت.

نعم ، لو انحصر طهوره بذلك بأن كان فاقدا للتراب فقد يقال بتعيّن الشراء عليه ؛ لفقدان البدل وشدّة اهتمام الشرع بأمر الصلاة إلا أنه لا يبعد إلحاقه بفاقد الطهورين ، فلو دار أمره إذن بين شراء الماء أو التراب وكان دفع قيمة الماء مضرّا بحاله تعيّن شراء التراب وإن لم يكن الضرر منوطا بالتفاوت بين القيمتين.

ولو كان الماء ملكه فباعه بأضعاف قيمته ، فهل يجب عليه الفسخ لو رضي الآخر به أو كان له خيار في الفسخ إذا كان الفسخ مضرّا بحاله وجهان.

ثم إن قضية ما ذكرناه عدم الفرق بين كونه زائدا على قيمة مثله في ذلك المكان أو لا.

وحينئذ يفرق بين كونه مالكا لنفس الماء وقيمته ، فيجب على الأول صرفه في الطهارة ، ولا يجب شراؤه بالقيمة فتأمل فيه.

ولو لم يكن مضرا بحاله وبلغ حدّ الاجحاف فذهب جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد إلى سقوطه أيضا. وهو أيضا (4) من الضرر المنفي. و (5) في المعتبر (6) بعد ما

ص: 266


1- لم ترد في ( ب ) : « لا ».
2- لم ترد في ( ب ) : « الآتية وإطلاقات ».
3- في ( د ) : « وإطلاق » بدل « وإطلاقات ».
4- لم ترد في ( ب ) : « وهو أيضا ».
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- لم ترد في ( ب ) : « في المعتبر ».

جعل السقوط دائرا مدار الإجحاف وعدمه.

[ و ] احتج عليه بأن من خشي من لصّ أخذ ما يجحف به لم يجب السعي وتعريض المال للتلف ، وإذا تيمم هناك دفعا للضرر جاز هنا.

ثم ذكر رواية يعقوب بن سالم الدالة على عدم وجوب السعي إلى الماء وعلى غلوتين من يمين الطريق ويساره أو نحوهما لئلا يغرر بنفسه ، فيعرض له لص أو سبع (1).

وأنت خبير بأن حمل الشراء على ذلك قياس ؛ مضافا إلى وجود الفارق بينهما ؛ إذ لا يناط خوف اللص بالاجحاف أخذا بظاهر النصّ ، ومع عدمه فهو غير قائل به أيضا.

وذهب غير واحد من الأصحاب إلى عدم العبرة بالاجحاف ولزوم الشراء. وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وعدم حصول الإضرار بالنسبة إلى حاله.

ودعوى مجرد كون الإجحاف ضررا غير معلوم ، مضافا إلى الصحيح : سألت أبا الحسن عليه السلام : « عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو ألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال : « لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت وما يسرّني بذلك مال كثير » (2).

وهو صريح في الشراء في صورة الإجحاف.

ومن الغريب احتجاج الفاضل (3) بها لوجوب الشراء مع عدم الإجحاف.

ولو لم يصل إلى حدّ الاجحاف فإن كان بقدر ثمن المثل فلا خلاف في وجوب الشراء ، وإن زاد عليه فالمعروف منهم الوجوب أيضا.

وفي التذكرة (4) أنه المشهور.

وعن الإسكافي القول بسقوط الوجوب لأنه يجوز له التيمّم لحفظ المال ، فلا يناسب

ص: 267


1- تهذيب الأحكام 1 / 184 ، نقله المصنف بالمعنى.
2- الكافي 3 / 74 ، باب النوادر ، ح 17.
3- كشف اللثام 2 / 444.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 61.

وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل.

وهو كما ترى ، مضافا إلى ما عرفت من النصّ.

ثالثها : نصّ جماعة من الأصحاب بأنه لو بذل له الماء هبة وجب عليه القبول بخلاف ما لو بذل (1) ثمنه أو الآلة الموصلة إليه.

نعم ، إن أعاره الآلة وجب القبول. قالوا : والفارق في الجميع حصول المنّة وعدمه. قلت : فالأظهر إذن دوران الحكم مدارها وجودا وعدما ، فربما يحصل المنّة في بذل الماء وربما لا تحصل في بذل الثمن ، وكذا الحال في غيرهما ، بل لا يبعد أن يقال بأن تحمّل مطلق المنّة لا يعدّ ضررا فيدور الحكم مداره ، وهو مما يختلف فيه الأشخاص من الطرفين ، فربّ شخص لا يعدّ تحمل المنّة العظيمة حرجا بالنسبة إليه ، وآخر لا يتحمل أدنى منّة من الغير.

ويجري ذلك في الاستيهاب والاستعارة ونحوهما. وحكم في التذكرة (2) بوجوب استيهاب الماء.

وفي إطلاقه ما عرفت ، مضافا إلى ما فيه من التزام المهانة في بعض الأحيان.

رابعها : لو عارض بذل (3) الثمن عن الماء واجب مضيق كأداء الدين مع انحصار المال فيه قدّم الأهم عند الشرع ، ففي نحو المعارضة بينه وبين حقّ الناس يقدّم حق الناس ، وفي غيره أيضا يلاحظ خصوصية الواجب.

وعند انحصار الطهور في الماء المفروض ودوران الأمر بين الشراء وترك الصلاة يتقوّى الاهتمام به ، فيقدّم على كثير من الواجبات.

ولو تعيّن صرفه في غير الماء فخالف صرفه فيه أثم وصحّت المعاملة.

وقد يأتي على القول بفساد البيع في المسألة المتقدّمة فساد الشراء هنا ، وهو ضعيف.

ولو التزم بالضرر في المسائل المتقدمة وحصل الماء وجب عليه الوضوء وإن لم يجب عليه

ص: 268


1- زيادة في ( د ) : « له ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 61.
3- في ( ألف ) : « بذلك ».

التحصيل ، فثبت التخيير بين الوضوء والتيمّم في كثير من الفروض المتقدمة.

وربما يقال بوجوب التيمّم عينا قبل تحصيل الماء في وجوب الوضوء كذلك بعده ، فلا تخيير.

خامسها : من منعه الزحام يوم الجمعة وعرفة من الخروج من المسجد تيمّم وصلّى بلا خلاف فيه فيما أعلم كما في الحدائق (1).

والأصل في الحكم المزبور موثّقة سماعة : عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف ».

وقوية السكوني : عنه عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام ، عن علي عليه السلام ، أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة (2) لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » (3).

وروى الراوندي بإسناده ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « سئل علي عليه السلام عن رجل يكون في زحام في صلاة جمعة أحدث ولا يقدر على الخروج؟ قال : يتيمم ويصلي معهم ويعيد » (4).

والكلام هنا في أمرين :

أحدهما : أن الزحام إذا كان في يوم الجمعة وخاف فوت الصلاة بالتأخير نظرا إلى ضيق وقتها فالتيمّم جار على القاعدة (5) بعد حمل الصلاة على صلاة الجمعة كما هو الظاهر.

وأما يوم عرفة فلا يجرى الكلام المذكور ؛ إذ غاية الأمر عدم التمكن من الماء في تلك

ص: 269


1- الحدائق الناضرة 4 / 247.
2- في المصدر زيادة : « فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء و ».
3- تهذيب الأحكام 3 / 248.
4- مستدرك الوسائل 2 / 525.
5- لم ترد في ( ب ) : « القاعدة ».

الحال ، وهو لا يقضي بانتقال الحكم إلى التيمّم.

واحتمل العلامة المجلسي (1) جواز التيمّم فيه لإدراك فضل الجماعة لا سيّما الجماعة المشتملة على تلك الكثرة العظيمة الواقعة في مثل هذا اليوم الشريف. قال : لكن لم أجد قائلا به.

والمشهور الحكم بالصحة في صلاء الجمعة الواقعة كذلك ، وحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب.

وثانيهما : أن الحكم باعادة الصلاة بعد ذلك مما اشتمل عليه بالنصوص المذكورة ، وقد أفتى به الشيخ وجماعة إلّا أنه غير جار على القواعد ؛ إذ لو حكم بصحة الفعل المتقدم فقد أجزأ. ولا وجه إذن لوجوب الاعادة ، وإلّا فلا يتّجه الأمر بالتيمم والتلبس بالعبادة.

واحتمل العلامة المجلسي (2) حمل الأخبار المذكورة على ما إذا كانت الصلاة مع المخالفين كما هو المتداول عن إقامتهم للجمعة والجماعات ، فإذا لم يمكنه الخروج ولا ترك الصلاة خوفا منهم يتيمم ويصلّي ، ثم يعيد.

واختاره بعض المتأخرين في حمل الخبرين مصرّحا بأن المأتيّ به إنما هو صورة الصلاة ، وردّ ما ذكر في انطباق الحكم في التيمّم على القاعدة ( في صلاة الجمعة بأنّ الجمعة إنّما يصلّي معهم ظهرا. وحينئذ فيجري فيه حكم الظهر ، ووجّه الأمر بالتيمّم مع ذلك بأنّ رواية مسعدة بن صدقة ) (3) تدلّ على المنع من الإتيان بصورة الصلاة محدثا ، فقد يكون الوجه فيهما أيضا ذلك. فعلى هذا تنطبق الروايتان على القواعد.

قلت : ويشكل ذلك بأن الصلاة الواقعة على جهة التقية الصحيحة مجزية كما هو قضية الأخبار وفتاوى الأصحاب ، فلا يتّجه الأمر بالاعادة أيضا.

ويمكن أن يقال : إن عمل التقية إنما يحكم بصحته مع وقوعه موافقا لمذهب من يتّقى منه ،

ص: 270


1- بحار الأنوار 78 / 164.
2- بحار الأنوار 78 / 163.
3- لم ترد ما بين الهلالين في ( ألف ) واضفناها من ( د ) و ( ب ).

فلا يتّجه الحكم بالصحة في المقام. ولو تمّ فإنما يتمّم بالنسبة إلى زحام الجمعة.

وفيه أيضا ما عرفت من أنه إنما يؤتى بها ظهرا ، فالبناء على الصحة فيه أيضا مشكل ؛ إذ جواز التيمّم عندهم - لو قالوا به - فإنما هو في الجمعة ، والمفروض عدم الإتيان بها ، فإذن يشكل الحكم في المقامين إلا أن يقال : إنه مع تعيين الفعل للتقية يتعيّن الواجب ، ومعه يجب الطهارة (1) لأجلها ، فإذا تعذر المائية تعيّن بدلها.

وكيف كان ، فالمتّبع في المقام هو البناء على القواعد ، فحينئذ إن بني على صحة الصلاة الأولى كان الأمر بالإعادة على جهة الندب ، وإلا كان على ظاهره من الوجوب.

ص: 271


1- في ( ب ) : « الصلاة » بدل « الطهارة ».
تبصرة: [ في خوف الضرر من استعمال الماء ]

من أسباب العجز عن الماء أن يكون في استعماله أو في السعي إليه خوف الضرر من مرض أو زيادته أو بطوء برئه أو عطش شديد لا يتحمّل في العادة أو خوف الهلكة ونحو ذلك.

وكون ذلك في الجملة سببا للانتقال إلى التيمّم مما لا خلاف فيه إلا أن توضيح خصوصياته وبيان ما لعلّه وقع الاشكال فيه من جزئياته يستدعي رسم أمور :

الأول : لو كان في سعيه خوف الهلاك من سبع أو عدوّ ويخاف منه على نفسه ، فلا شكّ في سقوطه والرجوع إلى التيمّم ، وكذا لو خاف على عرضه أو من أذاه بما لا يتحمّل في العادة كالأسر والضرب ونحوهما.

وإن أمن القتل أو خاف على ماله كلصّ يصادفه أو عدوّ معرضه لا يخاف منه على غير المال ( سواء كان في ذهاب ماله ضرر عليه من جهات اخر أولا في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريحهم.

وفي التذكرة : لو كان بقربه ماء و ) (1) خاف أن سعى إليه على نفسه من سبع أو عدوّ أو على ماله من غاصب أو سارق جاز له التيمّم إجماعا.

وفي منتهى المطلب (2) بعد ذكر الخوف على النفس أو المال من اللصّ والسبع والعدوّ ونحوهما أنه كالعادم لا نعرف فيه خلافا.

واستشكل في الحدائق في خصوص الخوف على المال مع اعترافه بكونه مما اتفق عليه الأصحاب ؛ نظرا إلى عدم وروده بالخصوص في شي ء من الأخبار ، وأن قضية الإطلاقات فيه

ص: 272


1- الزيادة بين الهلالين من ( د ).
2- منتهى المطلب 1 / 134.

وجوب السعي لتوقف الواجب المطلق عليه.

وذكر أن الاستناد على ما دلّ على وجوب حفظ المال وصيانته معارض بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل من الآية والرواية مع صراحتها ووضوحها ، فيجب تقديم العمل بها وإرجاع ما خالفها على غير (1) تلك الصورة ثمّ (2) منع من وجوب حفظ المال في تلك الحال.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ إذ الظاهر الاكتفاء فيه بما دلّ على نفي الضرر والحرج ؛ إذ التعرض لذلك من أعظم الحرج سيّما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله ، وما دلّ على وجوب حفظ المال المعتضد بفتوى الطائفة والاجماعات المنقولة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف فيه بعد القضاء به.

والقول بمعارضتها بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل مدفوع بأن أقصى مراتب المعارضة الرجوع إلى المرجّحات ، ولا شكّ في ترجيحها لجانب المشهور ؛ لاعتضادها بالشهرة من الإجماع.

والقول بصراحة تلك العمومات غير واضح ؛ إذ لا وضوح في إطلاقها بالنسبة إلى الصورة المذكورة ، مضافا إلى ما رواه في الدعائم عنهم صلوات اللّه عليهم : في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف فيه على نفسه إن مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو ما يخاف منه التلف والهلاك « يتيمم ويصلي ».

فإنّ ذكر الخوف من اللصوص يشهد بأن المراد من الخوف فيه أعمّ من الخوف على المال ، وإطلاق الخوف على النفس على ما يعمّه شائع في العرف ؛ لرجوع الضرر على نفسه.

وفي رواية يعقوب بن سالم : عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال : « لا أمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع » (3).

ص: 273


1- لم ترد في ( ب ) : « غير ».
2- زيادة : « ثمّ » من ( د ).
3- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 8.

وقد احتجّ بها الأصحاب على نحو (1) ذلك.

وفي دلالتها على ذلك إشكال ؛ إذ التغرير بالنفس تعريضها للهلاك إلا أن يقال بأن المفهوم منها عرفا في المقام ما يعم ذلك ، سيّما بملاحظة (2) فهمهم منها.

قلت : ما ذكر من الوجوه ظاهرة (3) الدلالة على المقصود فيما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله أو كان عليه في التعرض لذلك إهانة أو حرج لا يتحمل في المعتاد كما هو الغالب في التعرض للسرّاق وقطّاع الطريق ، بل (4) الظاهر أنه المتيقّن من الإجماع المنقول في المقام.

فلو خلّي من ذلك كلّه فقضية الأصل فيه وجوب تحصيل الماء كما إذا منع الجائر الخروج إلى الماء إلا لمن بذل مبلغا من المال ، وكان غير مضر بحاله. ونحوه ما إذا غصب ماءه المملوك وتوقف استنقاذه على شرائه منه أو منعه من أخذ الماء المباح ، ولم يمكن الاستيذان منه إلّا ببذل المال ، فلا يبعد في ذلك كله القول بالوجوب.

ولو توقف سعيه إلى الماء على تضييع بعض أمواله فالظاهر جريان التفصيل المذكور على تأمل.

الثاني : لو خاف الوقوع في الهلكة من استعمال الماء أو خاف من ازدياد المرض أو خوف (5) بطء برئه جاز له التيمّم بالإجماع.

وقد استفاضت الأخبار في انتقال (6) حكم المجدور (7) والذي به القروح والجروح وغيرهما إلى التيمّم ، مضافا إلى ما دلّ على انتفاء الحرج والضرر والمنع من إلقاء النفس على التهلكة.

ص: 274


1- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « نحو ».
2- في ( ألف ) : « ملاحظة ».
3- في ( ب ) : « ظاهراه ».
4- في ( ب ) : « و » بدل : « بل ».
5- لم ترد في ( د ) : « خوف ».
6- في ( ألف ) : « انتقاء ».
7- في ( ب ) : « المحدود ».

ولا فرق بين تعمّده الجنابة على الحال المذكور وغيره على المعروف بين الأصحاب.

وعن الشيخين في المقنعة (1) والخلاف (2) أن من أجنب مختارا وجب عليه الغسل وإن خاف به على نفسه.

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط : إن خاف التلف على نفسه يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة إذا وجد الماء واغتسل.

وفصّل صاحب الوسائل ، فأوجب الغسل ولو مع حمل (3) الضرر الشديد إلا إذا خاف التلف ، فيتيمّم.

والأقوى الأول ؛ لما دلّ على انتقال الحكم إلى التيمّم عند الخوف من الضرر ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الآمرة بالتيمم لمن أصابه جنابة وهو مجدور أو به القروح أو الجروح أو يخاف البرد على اختلاف مورد تلك الأخبار.

نعم ، ورد في بعضها الأمر بإعادة الصلاة عند الأمن من البرد ، وهي حجة الشيخ على لزوم الإعادة ، وهي محمولة على الاستحباب ؛ لخلوّ غيرها منه ، وإن قضية الأمر الإجزاء.

مضافا إلى ما دلّ على المنع من إلقاء النفس إلى التهلكة ، وعدم تعلق التكليف بما يوجب الحرج والضرر ، مع تأيّدها بالشهرة العظيمة بين الطائفة ، وموافقة الكتاب والسنّة والعقل من الأمر بحفظ النفس ، بل ينبغي القطع بالمنع في صورة الخوف من تلف النفس كما هو مذهب (4) الشيخين ، فلا وجه لترك الأحكام المعلومة من العقل وضرورة الشرع بمجرد ظواهر الإطلاقات مطرحة عند (5) الأصحاب.

مضافا إلى أن تعمد الجنابة في الصورة المذكورة ليست مجزية إلا بعد دخول الوقت كما

ص: 275


1- المقنعة : 60.
2- الخلاف 1 / 165.
3- في ( د ) : « تحمّل ».
4- في ( د ) : « فتوى ».
5- في ( ب ) : « بين » بدل : « عند ».

عرفت ، فلا فرق إذن بينه وبين حصوله من دون تعمد في عدم تحقق العصيان ، فلا وجه إذن لتكليفه بهذا الحرج الشديد مع إذن الشارع في فعله كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار.

وربّما ينبغي القول به على المنع من دون تعمد الجنابة كما قد يومي إليه عبارة الإسكافي.

وقد عرفت ضعفه.

حجة الشيخين (1) أربع (2) روايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن رجل يصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا؟ فقال : « يغتسل على ما كان حدثه أجل إنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد ، فقال : اغتسل على ما كان ، فإنه لا بدّ من الغسل.

وذكر الصادق عليه السلام أنه اضطر إليه هو فأتوه به مسخنا ، وقال : « لا بدّ من الغسل » (3).

ونحو منه صحيحة الأقطع ، ومرفوعة علي بن أحمد ، عن الصادق عليه السلام عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن أجنب نفسه فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتمم » (4).

[ و ] مرفوعة علي بن ابراهيم المضمر قال : « إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم فليتيمم » (5).

وأنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار لما ذكرناه لو كانت صريحة في المقصود.

كيف ، والصحيحتان لا دلالة فيهما على حكم المتعمد (6) ، فهما متعارضان بما أشرنا إليه من الإطلاقات مع تكثّرها واعتضادها بالعقل والنقل والعمل ، فلا مناصّ من طرحهما وإرجاعهما إلى قائلهما مع احتمال حملهما على التقية ؛ إذ لا صراحة فيهما على جواز التيمّم مع خوف التلف.

ومذهب جماعة من العامّة كالشافعي وابن حنبل والحسن البصري وغيرهم اقتصار

ص: 276


1- انظر : الخلاف 1 / 157.
2- في ( ب ) : « مع » بدل : « أربع ».
3- الإستبصار 1 / 163 ، باب الجنب إذا تيمم وصلى هل تجب عليه الإعادة أم لاح (564) 9.
4- الكافي 3 / 68 ، باب الكسير والمجدور.
5- تهذيب الأحكام 1 / 198.
6- في ( ب ) : « التعمد ».

الحكم بمشروعية التيمّم من جهة الخوف بالخوف على النفس دون غيرها من المرض بطئه أو شدته ، والمرفوعتان لا حجة فيهما سيّما مع معارضتهما بما عرفت. وعدم التصريح فيهما بالجواز مع خوف التلف.

وقد يحملان على كون تعمد الجنابة شاهدا على قوة بدنه بحيث لا يضرّه الماء ، فلذا أمره بالغسل بخلاف ما إذا احتلم ، فيبنى فيه على (1) ظاهر الحال.

هذا ، والمنساق من المحكي عن الشيخين هو وجوب الغسل مع الخوف على التلف في استعمال الماء ، فهل يسري الحكم عندهما فيما لو كان الخوف من التلف في تحصيله لو (2) كان الخوف منه من جهة شدة العطش بالنسبة إليه أو على نفس محترمة؟ وجهان.

ولذا كانت المسألة جارية على القاعدة ، فلا يبعد قصرهما من (3) الحكم على ظاهر النصّ.

وفيه أيضا شهادة على ضعف القول به.

وفي تسرية الحكم عندهما إلى سائر الوجوه المرجوحة للتيمم الخالية عن خوف التلف وجهان ؛ من ملاحظة ما عرفت ، وأولوية الحكم بالنسبة إلى النصوص ، فتأمل.

الثالث : اختلف الأخبار في حكم من به القروح والجروح ، فالمستفاد من جملة منها وجوب الطهارة المائية غير أنه يبنى على عمل الجبيرة ، وفي عدّة (4) الحكم بالانتقال إلى التيمّم.

وربما يرى التدافع في ذلك بين كلام الأصحاب حيث أوجبوا عمل الجبيرة في تحت الجبائر ، وجعلوا القروح والجروح من الأسباب الباعثة للتيمم.

وهو بيّن الاندفاع ؛ إذ من الظاهر أنّ عدّهم ذلك من الأمور الباعثة للانتقال إلى التيمّم إنما هو بعد تعذر المائية ، لا مع التمكن من الطهارة المائية ، فاحتمال إرادة التخيير بين الأمرين في

ص: 277


1- لفظة ( على ) من ( د ).
2- في ( د ) : « أو ».
3- في ( ألف ) : « عده من » ، وفي ( ب ) : « عدة من ».
4- في ( د ) : « منها ».

الجميع من كلامه - كما زعمه بعض الأفاضل - ليس في محله.

وهذا هو الوجه في الجمع بين الأخبار ، فالمفروض في أخبار الجبيرة عدم التضرر بمجرد استعمال الماء ، ولو في غير محل الجبيرة ، وفي أخبار العدول إلى التيمّم ما لو كان مجرد استعمال الماء مضرا له ، وفي بعض الأخبار شهادة عليه كرواية العياشي.

ص: 278

[ تتمة في القروح والجروح ]:

اشارة

يبقى الكلام في ذلك في أمور :

منها : ما لو تضرر باستعمال الماء في غير محل القروح من الأعضاء المتّصلة بها مع التمكن من استعماله في الأعضاء المتباعدة.

ومنها : ما لو عمّت الجبيرة كل العضو أو غالب الأعضاء.

ومنها : ما لو لم يكن التضرر بالماء من القروح والجروح والكسر كالرمد ووجع المفاصل ونحوها ، فهل يجري في ذلك كله حكم الجبيرة أو ينتقل الحكم إلى التيمّم؟ إشكال ، والظاهر الرجوع إلى الأصل في كل ما يقع الشكّ في اندراجه في الأخبار ، فنقول :

الذي يقتضيه الأصل في ذلك هو الرجوع إلى التيمّم عند تعذّر استعمال الماء في تمام الأعضاء ، فالعجز عن استعماله في البعض كالعجز عن استعماله في الكلّ بلا تفاوت ؛ إذ الأجزاء إنما تكون مطلوبة تبعا للكل ، ومع سقوط الطلب المتعلق بالكل لا يبقى طلب بالأبعاض.

ألا ترى أنه لو قصر (1) الماء عن شي ء لم يجب عليه الإتيان بالباقي وإن كان ذلك يسيرا جدا قولا واحدا ، فكذا الحال إذا كان في بعض الأعضاء مرض يمنعه عن الاستعمال فيه إلا أنه قد دلّ أخبار الجبائر في المواضع الثلاثة لقيام عمل الجبيرة مقام غسل الكل ظاهرا (2) ، فحينئذ لا تأمّل في تقديم ذلك على التيمّم لكونه طهارة مائية محرّمة بالإجماع.

ومن البيّن تقديمها على الترابية ، فيبقى غيرها مندرجة تحت الأصل إلا أن يدّعى ظهور تسرية الحكم إلى الجميع من تلك الأخبار ، وهو محل منع ، ففي نحو الرمد لا تأمّل في الانتقال إلى التيمّم.

ص: 279


1- في ( ب ) : « قطر ».
2- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهرا ».

وهو ظاهر الأصحاب ، واحتمل الشيخ فيه الجمع ، واستقرب في الحدائق (1) فيه التفصيل بين تضرّره باستعمال الماء بغسل الوجه وما إذا لم يتضرر بغسل ما عدا العين ، فيحكم في الأول بالانتقال إلى التيمّم وفي الثاني بالإتيان بعمل الجبيرة من الاكتفاء بغسل ما حوله مع الانكشاف ، وبالمسح على الدواء الموضوع إن كان عليه دواء.

قال : وذكر القروح والجروح في بعض الأخبار إنما وقع في كلام بعض السائلين والعبرة (2) بعموم الجواب ، وفي بعض يجري على التمثيل.

ثم أكّد ذلك أن الواجب شرعا هو الوضوء ، ولا يجوز الانتقال عنه إلا بدليل واضح ، ومجرد تضرر العين خاصة لا يثبت كونه ناقلا شرعا سيّما مع وجود النصوص في نظائره من القروح والجروح.

وأنت خبير بضعف ما ذكره ؛ إذ دعوى شمول الروايات لمثله غريب ، والقول بشمول الجواب لغير محل السؤال مع تعلقه بخصوص مورد السؤال وعدم اشتماله على ما يعمّ غيره أصلا عجيب.

وأعجب منه ادّعاؤه جريان الدليل فيما ادّعاه. وحمله على نظائره من القروح والجروح قياس محض.

هذا ، ومثله الحال فيما لو تضرّر باستعمال الماء في غير محل الجبيرة مما يخرج عن حدودها في العرف ؛ لعدم ظهور اندراجه في تلك الأخبار ، بل ظهور خلافه.

وفيما لو عمّ الجبيرة كلّ العضو أو غالب الأعضاء وجهان من إطلاق بعض أخبار الجبائر وعدم وضوح اندراج الفرض المذكور فيها.

وقد حكم الفاضل في غير واحد من كتبه بشمول حكم الجبيرة حتى فيما لو عمّ جميع الأعضاء المغسولة في الوضوء ، فاكتفى فيها بالمسح عليها ، ثم على الرأس والرجلين ببقية البلل. وقد يؤيده إطلاق حسنة كليب الأسدي ، عن الرجل : إذا كان كسيرا كيف يصنع في

ص: 280


1- الحدائق الناضرة 4 / 285.
2- في ( ب ) : « بالعبرة » بدل : « والعبرة ».

الصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ » (1).

ولا شكّ أن انصرافها إلى من عمّ الجبيرة أعضاءه غير معلوم ، وقضية الأصل المذكور في مثله الجمع بين الأمرين.

ص: 281


1- وسائل الشيعة 1 / 465 ، باب إجزاء المسح على الجبائر في الوضوء ، ح 8.
تبصرة: [ في المرض المسوغ للتيمّم ]

المرض المسوغ للتيمم أعمّ من الموجود حال التيمّم أو المتوقع باستعمال الماء بحيث يخاف من استعماله حدوثه ، إما بالنظر إلى ما يعهد من حاله أو أحوال أمثاله أو بأخبار من يعتمد عليه في ذلك كالطبيب وإن كان كافرا أو فاسقا (1).

وعن ظاهر المنتهى (2) قصر الحكم على أخبار المسلم العارف والعارف الفاسق أو المراهق لحصول الظن بالضرر.

وهو ضعيف للقطع بحصول الظن من أخبار العارف الكافر ، بل قد يحصل منه ظن أقوى من الحاصل بقول المسلم إذا كان أكثر تجربة منه ، ولذا يقدّم عند التعارض.

والحاصل أن الأمر دائر مدار الخوف المتعارف ، ولو حصل الخوف من دون اعتبار احتمالات بعيدة غير قابلة للخوف المعتاد فالظاهر عدم جواز البناء عليه كما إذا لم يحصل له الخوف مع حصول أسبابه ، فلا عبرة فيه أيضا بالأمن المفروض.

ويختلف الحال أيضا في حصول الخوف باختلاف المخوف منه ، فإن كان أمرا عظيما يحصل الخوف منه بأدنى أمارة بخلاف ما إذا كان سهلا. وما ذكرناه ضابطة كلية في سائر موارد الخوف.

ثم المرض الموجود إما أن يكون مانعا من تمكن استعمال أو يكون استعماله باعثا لزيادة المرض أو بطء برئه على النحو المذكور إلا أنه على الأول يجب عليه التولية إن أمكنه ، ويقدم على التيمّم ولو أمكنه المباشرة فيه لصحة التولية في المائية أو لنا بالإجماع فيقدم على الترابية.

ص: 282


1- في ( ب ) : « فاسقا أو كافرا ».
2- منتهى المطلب 1 / 136.

ولو شقّ عليه استعمال الماء بحيث لا يتحمل عادة كان بمنزلة عدم التمكن لارتفاع الحرج ، ولو تحملها وباشره بنفسه فإن كان مضرا بحاله بحيث يمنع شرعا من إضراره نفسه كذلك فإن لم يتمكن من التولية فسد قطعا ، وإن تمكن منه ففي الصحة وجهان من بقاء التكليف بالمائية.

وحصول العمل بالمباشرة المحرّمة لا يقضي بالفساد لكونها من مقدمته ، ومن اتحادها بالعمل كما هو الظاهر في صورة إيصاله الماء إلى الأعضاء بآلة محرمة.

وهذا هو الأقوى.

وإن لم يكن مضرّا بحاله كذلك ففي الصحة وجهان. والظاهر الصحة في صورة إمكان التولية لعدم حرمة المباشرة.

ثمّ إنّ المرض الذي يخاف من حصوله أو زيادته أو بطء برئه إمّا أن يخاف معه من التلف أو المضرة العظيمة التي تمنع من تحمله في الشريعة أو المشقة التي لا تتحمّل في العادة مع خلوّه عن حرمة التحمل. وعلى التقادير الثلاثة لا خلاف في الانتقال إلى التيمّم ، ولو استعمل الماء حينئذ فسدت الطهارة لسقوط الأمر بالمائية.

وقد يتخيل في الأخير الصحة بناء على أن ( الانتقال إلى التيمّم رخصة من الشرع وتوسعة منه عليه. ويدفعه أنّ قضيّة الأدلّة سقوط المائيّة و ) (1) انتقال الحكم إلى (2) الترابية ، فالحكم بالجواز يحتاج إلى الدليل لسقوطه الوجوب كما هو الأقوى.

نعم ، لو كانت المائية مستحبة ففي جوازها وجهان ؛ من كون المندوب أقلّ اهتماما من الواجب فهو أولى بالسقوط ، ومن انتفاء الخروج في إثبات التكاليف المندوبة وإن كانت شاقّة.

فغاية ما يدلّ عليه الدليل إذن صحة التيمّم ، وأما عدم صحة المائية فغير معلوم ، وقضية الإطلاقات صحته.

ولا يخلو عن وجه سيّما ما لا نقول فيه ببدلية التيمّم كغسل الجمعة.

ولو كان بحيث يمكن تحمله في المعتاد ففي إباحة التيمّم وجهان بل قولان ، وظاهر الأكثر

ص: 283


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ) لا غيرها من النسخ.
2- في ( ألف ) : « في » بدل « إلى ».

عدم إباحته بالمرض اليسير ، ومثّلوه بالصداع ووجع الضرس.

واستظهر جماعة من المتأخرين إباحته منهم شيخنا البهائي والعلامة المجلسي ، وحكي ذلك عن ظاهر العلّامة في النهاية والإرشاد والشهيد في الذكرى.

وعن المحقق الكركي تقوية ذلك. واحتجّ لهم بظاهر الآية الشريفة.

وهو إنما يدلّ على صورة وجود المرض ، وأنه أعظم من الشين مع إطباقهم على إباحته.

مضافا إلى أنه لا وثوق في المرض بوقوفه على حدّ اليسر.

قلت : إطلاق الآية يقتضي حصول الإباحة بمجرد حصول المرض وإن لم يكن هناك مانع من الاستعمال ، وهو خلاف الإجماع ، فالأظهر تنزيله على صورة أخرى بالضرر (1) كما هو الحال في غيره ، فالأظهر دوران الحكم مدار صدق الضرر كما هو الشأن في إفطار المريض وغيره. وأما إباحة الشين له فهو مبني على كونه ضررا ، وهو كذلك في الغالب قد يحمل على إطلاقاتهم. وعليه يحمل ما في منتهى المطلب من حكاية الإجماع عليه.

فما في نهاية الإحكام والروض من التصريح بعدم الفرق بين شديده وضعفه (2) ليس على ما ينبغي سيّما مع ما في الأخير من التعليل بالإطلاق مع خلوّ الأخبار فيه (3) رأسا ، وعدم ظهور مستند للحكم سوى الضرر.

اللّهم إلا أن يستند إلى إطلاق الإجماع المنقول وإطلاقات الأصحاب.

وفيه : أن تحقق الإجماع كذلك غير معلوم ، بل المحقق منه ما يدور مدار الضرر لا غير ، ولو خاف من انجرار اليسير إلى الكثير فلا تأمل في إباحته. وهو خارج عن محلّ الخلاف.

ثم على كلامهم لو تحمل ذلك ففي الصحة وجهان ، ولو أمكنه دفع المرض بالدواء بحيث يحصل الاطمئنان منه فالأظهر وجوبه مع التمكن منه ، وحينئذ ففي وجوب استعلام الأمر وجه قويّ إن احتمل وجود دواء يمنع منه.

ص: 284


1- في ( د ) : « الضرر » بدل « اخرى بالضرر ».
2- كذا ، والظاهر : « صغيفه ».
3- في ( د ) : « عنه ».
تبصرة: [ في خوف العطش لو استعمل الماء الطهارة ]
اشارة

لو خاف العطش باستعمال الماء في الطهارة بأن لم يكن عنده ما يضطر إليه لشربه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف بين الأصحاب.

[ و ] في المعتبر أنه مذهب أهل العلم كافّة. ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح :

منها : الصحيح : قلت للصادق عليه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم؟ قال : « بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء » (1).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ، قال : « يتيمم بالصعيد ويستقي الماء فإن اللّه عزوجل جعلهما طهورا الماء والصعيد » (2).

ولا بدّ أن يكون العطش المخوف منه شديدا بحيث لا يتحمّل عادة لا مجرد عطش في الجملة.

والظاهر تنزيل إطلاق الأخبار عليه ؛ إذ هو المتيقن من وقوعه في المقام المذكور. ولا فرق بين كون العطش معلوما أو مظنونا. والظاهر دورانه مدار الخوف كما هو المنصوص في عدة من النصوص ، ويحصل كما مرّ بشهادة الحال وأخبار العارف الواحد ، ولو كان طبيبا (3) فاسقا أو كافرا ، بل الظاهر الاكتفاء فيه بعد العلم بوجود ماء غيره في الطريق.

ص: 285


1- تهذيب الأحكام 1 / 406 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 1 / 405 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 12 وفيه : « ويستبقي الماء ».
3- في ( د ) : « صبيّا ».

غاية الأمر لزوم التحبيس (1) حينئذ حسب المقدور ، فيستبيح به التيمّم إذا قضت العادة بحصول العطش مع عدم الماء في الجهل (2) بوجوده فيه ، ولو أمكنه دفع العطش بشي ء تعيّن للطهارة ، وإن كان ذلك بقلّة الأكل الغير الواصل إلى حدّ المشقة المجوّزة أو بالسير إلى الماء أو بعدم السير إلى الشمس إن لم يتضرر بالتخلف عن الرفقة على وجه.

وظاهر إطلاق النصّ خلافه إلا أن ينزّل على صورة التضرّر كما هو الشأن في الأعذار ؛ أخذا باليقين.

ولو كان عنده ماء نجس وتمكّن من دفع العطش به واستعمال الطاهر في الطهارة لحرمة شرب النجس وإن كانت الضرورة مسوّغة له بعد حصولها إلا أن إلجاء النفس إلى المحرّم محرّم وإن صرّح عنوان المحرّم بعد حصوله.

مضافا إلى أن جواز شرب النجس إنما هو في صورة الخوف على النفس ونحوها أو المشقة التي لا يمكن تحملها في العادة ، فيقتصر إذن على قدر الضرورة.

وفي إباحة التيمّم إنما يرى (3) المشقة الّتي لا تتحمل في المعتاد وإن أمكن الصبر على أشدّ منه. وقد يومي عبارة المدارك إلى نحو تأمل فيه حيث استجود الحكم المذكور إن ثبت تحريم شرب النجس مطلقا.

وأنت خبير بوضوح حرمة شرب النجس ، وجواز الشرب حال الضرورة لا يقضي بجواز إلجاء النفس إليه.

ولا يذهب عليك. أن ما ذكرناه من استبقاء الماء إنما هو في صورة التمكن من التيمّم ، ومع عدمه إنما يعتبر خوف العطش الشديد الباعث على الموت ونحوه أو ما لا يمكن تحمّله في المعتاد لخروجه عن مورد النصوص ، فيرجع فيه إلى الأصل مع ما علم من اهتمام الشرع في خصوص الصلاة.

ص: 286


1- في ( د ) : « التنجيس ».
2- زيادة في ( د ) : « بعدم ».
3- في ( د ) : « يراعى » بدل « يرى ».

فهناك فرق في المسائل ( المفروضة في هذا الباب بين إمكان التيمّم مع ترك المائيّة وعدمه ، فلا تغفل. ولو احتاج إلى ) (1) الماء بعد الشرب ونحوه كالطبخ ونحوه دار صحة التيمّم مدار الضرر.

وفي الموثقة المذكورة دلالة عليه.

ولو احتاج إليه لإزالة النجاسة فإن كان مع حصولها ودخول الوقت قدّمها على ما مرّ ، ولو كان قبل الوقت جاز الإتيان بكل منهما ، وإن كان بعده قبل حصول النجاسة صحت الطهارة ، وإن علم بطرو النجاسة قبل فعل الصلاة على إشكال.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لا فرق في الحكم المذكور بين عطش نفسه أو عياله أو نفس مؤمنة ؛ لما دلّ على وجوب حفظها وإن حرمة أخيه المؤمن أعظم من حرمة الصلاة. وهو واضح إن بلغ حدّ الخوف على النفس وما هو بمنزلتها ، وأما مع عدمها فغاية ما دلّ عليه رفع الحرج وعدم التزامه بالمشقة الشديدة. وأما دفع الحرج عن غيره فلا شاهد عليه ، ولذا لا يجب عليه الدفع مع عدم اقتضائه إلى ما ذكر.

نعم ، لو كان الغير من جملة عياله جرى فيه الحكم المذكور بل الظاهر ثبوت ذلك مع انتفاء المشقة الشديدة أيضا ؛ لوجوب الإنفاق عليه على النحو المعروف إلا أن يسقطه عنه.

ومن الظاهر تقديم حقوق الناس على حقه تعالى ، بل لا يبعد جريان ذلك بالنسبة إلى من يجب عليه الإنفاق من غير تعلّق بذمته كالأبوين ؛ إذ لو قلنا باندراجه في حقوق الناس فظاهر ، وإلّا فهناك واجبان تعارضا ، ويقدّم الثاني لانتفاء ما يقوم مقامه كما مرّ نظيره في الدوران بينه وبين إزالة النجاسة.

ص: 287


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

نعم ، يشكل الحال فيما إذا كان فاقدا للطهورين مع بذل الماء المفروض. وقد يقال في صورة عدم وجوب الإنفاق بأن في تكليفه بإبقاء أخيه المؤمن في الشدة من الحرج ، مضافا إلى ما دلّ على شدة احترام المؤمن وأن حرمته أعظم من الكعبة إلى غير ذلك ، مع تأيده بظاهر إطلاق الأصحاب وأنه يستحب له مود (1) على نفسه التي يقدم مراعاتها على الطهارة المائية فتقديمه على المسوغ دليل على تسويغه ، فبملاحظة ذلك كله ربما يتقوى القول بذلك.

وفي جريان الحكم المذكور بالنسبة إلى الذمي والمعاهد والمخالف للحق وجهان.

وقد أفتى به العلامة في التذكرة. والأقوى خلافه ؛ إذ لا دليل على وجوب محافظتهم وإنقاذهم من الهلكة ونحوها. غاية الأمر عدم جواز إتلافهم لاعتصامهم ببعض الأسباب الباعثة عليه.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد بجريان الحكم في صورة الخوف على دابّته وكلّ حيوان محترم. وظاهر ذلك عدم الفرق بين كونه مملوكا له أو لغيره ، وكونه في يده أو يد غيره. وهو على إطلاقه لم يقم عليه دليل ظاهر.

وكأنه مبني على الملازمة بين وجوب الحفظ وحرمة الاتلاف بناء على تقييد خوف العطش بالمهلك ، مضافا إلى ما ورد من أن « لكل كبد حرّاء أجر ».

وقد يفيد الأخير جريان الحكم في العطش الشديد البالغ حدّ الإفراط.

وفيه : مع ما يرد عليه من المنع أنه قد يجوز إتلافه بالذبح فيما يكون محلّل اللحم أو قصد تذكيته من جهة الانتفاع بجلده ونحوه أو نقله بالبيع ونحوه مع تمكّن المشتري من سقيه.

نعم ، يمكن له القول به في مملوكه إذا خاف تلفه من جهة لزوم حفظ المال وعدم وجوب تحمل الضرر. وهذا إنما يتمّ فيما إذا كان تلفه مضرّا بحاله كما مرّ.

وأما مع عدمه ففي عدم وجوبه إشكال مرّت الإشارة إليه.

وبنى في الحدائق على وجوب المائية في الصورتين بناء على زعمه من وجوب صرف

ص: 288


1- كذا في ( ب ) ، وفي ( ألف ) : « مور » ، وفي ( د ) تقرأ إحداهما إلّا أن عليها إشارة تحكي وجود كلمة محذوفة في النسخة.

المال في مثله وإن بلغ حدّ الاضرار.

وقد عرفت ما فيه.

وهناك وجه آخر لثبوت الحكم المذكور في خصوص المملوك ، وهو وجوب الإنفاق عليه على نحو ما مرّ فيمن يجب عليه الانفاق من الإنسان ، فحينئذ يتعارض فيه الوجهان مع حصول البدل لأحدهما دون الآخر.

وقد يستشكل فيه مع إمكان ذبحه أو بيعه من القادر على سقيه ونحو ذلك ؛ لعدم تعيّن الإنفاق عليه حينئذ (1).

وفيه : أنه حينئذ مع إبقائه كذلك يجب عليه الانفاق ، وإن كان عاصيا فيه لو قلنا به.

هذا كله إن لم يكن عطش الدابة موجبا للخوف على نفس الراكب أو نفس أخرى محترمة أو ما هو بمنزلتها وإلّا تعين التيمّم بلا خلاف فيه ، وكذا إذا كان موجبا لمضرّة شديدة لا يتحمّل في العادة أو باعثا على تعريض أمواله (2) وأحماله للتلف مع كونه مضرا بحاله على الأقوى.

ومع عدمه أيضا إذا كان مقيدا به في وجه قوي.

ولو سبّب ذلك تخلفه عن الرفقة مع عدم إضرار به فوجهان.

ومن الغريب ما وقع في الحدائق (3) من استدراكه ذلك مع حكمه بوجوب التيمّم مع تلف الدابّة وعدم العبرة بتلف المال ، قال : نعم ، ينبغي أن يستثنى منه ما لو كان محتاجا إلى الدابة بحيث يضره فوتها كما إذا كان في سفر لا يمكن قطعه إلا بها أو يحتاج إليها لنقل أثقاله وأحماله ، فإنه يجوز أن تصرف الماء إليها.

ثالثها : إنما يسوغ التيمّم بما ذكرنا إذا لم يكن ترك الشرب مطلوبا بالنسبة إليه كما إذا كان شرب الماء مضرّا به لحصول حرج في بدنه ونحوه ، وكذا لو منعه عنه صوم الواجب إذا لم يخف

ص: 289


1- لم ترد في ( د ) : « حينئذ ».
2- لم ترد في ( ب ) : « أمواله ... تخلّفه عن ».
3- الحدائق الناضرة 40 / 290.

من وصوله إلى حدّ يجب عليه الإفطار ؛ (1) إذ الظاهر الفرق بين الضرورتين كما مرّت الإشارة إليه. ونحوه ما لو كان بانيا على الصوم ومع استحبابه في وجه قوي.

وكذا الحال بالنسبة إلى غيره.

ويعتبر أيضا احتماله قبول الآخر وتمكنه من بذله ، ولو علم بانتفاء ذلك تعيّن الطهارة ومع الشك وجهان.

ولا فرق بين كون سفره محرّما أو مباحا في وجه قوي ، ولو أمكن رفع العطش بالرجوع تعيّن في المحرّم دون المحلّل إن وجب أو كان تركه مضرا بحاله ، ومع عدمه فوجهان.

ص: 290


1- في ( ألف ) و ( ب ) زيادة « انه » هنا ، ولا وجه لها.

الفصل الثالث: في بيان الأمور التي يصحّ معها التيمّم مع الاختيار أو الاضطرار

تبصرة: [ في التيمّم على الأرض ]

اشارة

ذهب أكثر الأصحاب إلى جواز التيمّم اختيارا لكلّ ما صدق عليه اسم الأرض من تراب وحجر ورمل وما أشبهها.

وإليه ذهب الاسكافي فيما حكي عنه ، والشيخ في عدة من كتبه والسيد في أحد قوليه ، والفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي وكثير من المتأخرين.

وعن الخلاف حكاية الإجماع عليه.

[ و ] في مجمع البيان أن التيمّم بالحجر مذهب أصحابنا.

وفي التذكرة (1) أن الحجر الصلب كالرخام إذا لم يكن عليه غبار يجوز التيمّم به عندنا. وفيه أيضا إسناد جواز التيمّم بكلّ ما يقع عليه اسم الأرض إلى أكثر (2) علمائنا.

وفي الحدائق : أنه المشهور بين المتأخرين.

وذهب المفيد في ظاهر كلامه ، والسيد في قوله الآخر ، والحلبي والحلي إلى التخصيص بالتراب.

ص: 291


1- تذكرة الفقهاء 1 / 62 وفيه : الحجر الصلد.
2- لم ترد في ( ب ) : « أكثر ».

ومنشأ الخلاف الواقع بينهم اختلاف أهل اللغة في معنى الصعيد ؛ (1) لتعلق التيمّم به في نصّ الكتاب ، فعن تغلب والزجاج (2) أنه وجه الأرض ترابا كان أو غيره.

وحكاه الخليل عن ابن الأعرابي. وبه فسّره الزمخشري في الأساس والمطرزي في المغرب والأزهري في المصباح المنير والراغب (3) في المفردات.

وفي الأخير بعد التفسير المذكور : ويقال : الصعيد في كلّ كلام العرب يطلق على وجوه على التراب الذي على وجه الأرض ، وعلى الطريق.

وفيه شهادة على أن أصل المعنى هو الأول ، والثاني مما يطلق عليه اللفظ ، ولا دلالة فيه على كونه خصوص المستعمل فيه ، فقد يكون إطلاقه عليه من جهة أنه من مصاديق وجه الأرض (4).

قال : وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمّم يجوز بالحجر سواء كان تراب أو لم يكن.

وحكي عن الزجاج أيضا في علة تسمية ذلك صعيدا أنه نهاية ما يصعد من باطن الأرض. فيكون فعيلا بمعنى الفاعل كما نصّ عليه غير واحد من المفسرين.

وعن الجوهري (5) وابن الفارسي (6) في المجمل أنه التراب (7) الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل.

وأنت خبير بأن هذه الأقوال لا يعادل الأقوال السابقة مع اعتضادها بما عرفت ، مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب وموافقته في الجملة عن المنقول عن الأكثر ، فيما رواه في معاني

ص: 292


1- في ( ألف ) : « الصعيد و ».
2- نقل عنهما في مجمع البيان 3 / 94.
3- مفردات غريب القرآن : 280 ( صعد ).
4- زيادة في ( د ) : « وحكى الطبرسيّ عن الزجّاج أنّه قال : لا أعلم خلافا بين أهل اللّغة في أنّ الصعيد وجه الأرض ».
5- الصحاح 2 / 497 ( صعد ).
6- في ( د ) : « فارس » بدل « الفارسي ».
7- زيادة في ( د ) : « وعن ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة أنّه التراب ».

الأخبار عن الصادق عليه السلام من أنه « الموضع المرتفع » (1).

وفي رواية الفقه أنه « الموضع المرتفع من الأرض » (2). وكأنه لذلك فسّره الصدوق في الهداية.

وكيف كان ، فيمكن الاستدلال على المقصود بوجهين :

أحدهما : ظاهر إطلاق الآية بعد تفسيرها بما ذكرنا لقول هؤلاء الأجلاء المعتضد بما عرفت ، وانتفاء ما يقاومه فيما يقابله.

ثانيهما : إطلاق عدّة من النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيره المعتضد دلالتها بفتوى معظم الطائفة والإجماعات المحكيّة كما مرّ الإشارة إليها :

منها : الحديث النبوي المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ». وهو مروي في عدة من الكتب المعتبرة كالمحاسن (3) وبصائر الدرجات والكافي (4) والفقيه (5) والخصال (6).

ومنها : ما في عدة من الأخبار الواردة في بيان كيفية التيمّم الآمرة بضرب اليدين على الأرض كالصحيح على الأصح : « تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، وتضرب بكفّيك على الأرض ثم تنفضهما » (7) الخبر.

ومنها : صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل » (8).

ونحوه صحيحة عبد اللّه بن سنان.

ص: 293


1- معاني الأخبار : 283.
2- فقه الرضا عليه السلام : 90.
3- المحاسن 1 / 287.
4- الكافي 2 / 17 ، باب الشرائع ، ح 1.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 241 ، باب الموضع التي تجوز الصلاة فيها ، ح 724.
6- الخصال : 201.
7- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح (595) - 3 و (596) - 4 ، باختلاف.
8- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 3.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (1).

ونحوه صحيحة زرارة.

وفي الموثق : « فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (2).

مضافا إلى ما يومي إليه الصحيح : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (3).

وما في عدة من الوضوءات البيانية المشتملة على الضرب على الأرض ، وهي وإن لم تكن دالّة على المقصود - لكونها من حكايات الأفعال - إلّا أنّ في التعبير فيها بلفظ الأرض إشارة إلى ذلك سيّما ما اشتمل من ذلك على حكاية الإمام عليه السلام فعل النبي.

ومما يدلّ على ذلك رواية النوادر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام ، وفيها : « فقيل له : أتيمم بالصفا الثابتة على وجه الأرض؟ قال : نعم » (4).

وما في الدعائم عنهم عليهم السلام : « أنه يجزي بالصفا الثابت على الأرض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولا » (5).

وضعفهما مجبور بما ذكرنا.

مضافا إلى أنه لو رخّص التيمّم حال الاختيار بالتراب لذكر ذلك في الأخبار ، وذكر انتقال التكاليف مع العجز عنه إلى التيمّم بالحجر ونحوه ، ولوقع ذلك في أسئلة الأصحاب.

مع أنه كثيرا يقع إلحاقه إليه لكثرة الأراضي الرملية ونحوها.

وقد تكرّر في الأخبار ذكر التيمّم بالطين والغبار بعد العجز عن الصعيد مع عدم إشارة إلى ذلك.

حجة القول بالاقتصار على التراب بعد الإجماع المحكي عليه عن الغنية الآية الشريفة

ص: 294


1- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 1.
2- قرب الاسناد : 170.
3- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 7.
4- كتاب النوادر 218 وفيه : « أيتيمم بالصفا البالية ».
5- دعائم الإسلام 1 / 121 وفيه : « بالصفا النابت في الأرض ».

بدعوى كون الصعيد هو التراب كما نصّ عليه جماعة من أهل اللغة. ومع الغضّ عنه والقول بتعارض كلماتهم فلا أقل من الشك.

وحينئذ قضية الأصل لزوم الاقتصار على التراب لحصول اليقين بالفراغ ، مضافا إلى ظواهر عدة من الأخبار كصحيحة رفاعة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده ، فتيمم فيه فإن ذلك توسيع من اللّه عزوجل ». قال : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه ، فليتيمم من غباره أو شي ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (1).

وفي هذه الرواية إشارة إلى المطلوب من وجوه عديدة لمقابلة (2) التراب بالماء ، والأمر بالتيمم على أجفّ المواضع الشامل بإطلاقه الحجر بعد انتفاء التراب ، ثم بيان أن ذلك توسيع من أنه لإنباته بأن ذلك من التوسّع الخارج عن حدّ التكليف الأول الأمر بالتيمم على الصعيد.

وقريب من ذلك صحيحة عبد اللّه بن المغيرة الموقوفة : « إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به ».

ومما يدلّ على ذلك أيضا قوله عليه السلام : « جعلت لي الأرض مسجد وترابها طهورا » (3) ، فإن إقحام لفظ « التراب » مع كون المقام مقام الامتنان يقضي بذكر الأعم دليل على اختصاصه به ، وإلا لكان ذلك لغوا بل مخلّا بالمقصود في المقام.

وما في الصحيح من قوله عليه السلام : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (4) ، وقوله عليه السلام في رواية ابن ميسرة : « فإن ربّ الماء ربّ التراب » (5) ، ومرسلة علي بن مطر ، عن

ص: 295


1- تهذيب الأحكام 1 / 189 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 20.
2- في ( د ) : « كمقابلة ».
3- المعتبر 1 / 452.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 109 ، باب التيمّم ، ح 224.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 107 ، باب التيمّم ، ح 221.

الرضا عليه السلام : عن الرجل لا يصيب الماء والتراب أيتيمّم بالطين؟ قال : « نعم » (1).

مضافا إلى ظاهر آية المائدة من زيادة قول « منه » الدالّ على كون ذلك الصعيد مما له قابلية للتعلق بالكفّ فلا يراد منه الحجر ونحوه ، سيّما بملاحظة صحيحة زرارة الواردة في بيان الآية الشريفة.

والجواب أن الإجماع موهون بمخالفة الأكثر ، والآية قد عرفت الحال فيها ، وأصالة الشغل مدفوع بقيام الدليل على الجواز. والروايات لا دلالة ظاهرة فيها على المقصود.

أما صحيحة رفاعة ، ففيه : أوّلا : كلام في الإسناد - وإن وصفها العلامة بالصحة - من جهة الاشتمال على محمد بن عيسى الأشعري ، ولم يصرّح بتوثيقه أصحاب الرجال. وإن أمكن الذبّ عنه بما يظهر من اعتماد ابنه وغيره من المشايخ عليه وجلالته بين الأصحاب ، مضافا إلى قرائن أخر يفيد الاعتماد عليه.

وثانيا : أن المنساق من الرواية أنه مع عدم وجدان المحل الجافّ للتيمم يراعى أجفّ تلك المواضع ، ولا دلالة فيها على تعيّن التراب أوّلا ، ثم الانتقال إلى غيره من الأحجار ، بل الظاهر منها مراعاة الجافّ أوّلا ، ثم المبتلّ مراعيا للأجفّ ، فالحيثية المسوق لها الكلام هو (2) فقدان الماء (3) الجاف دون غيره.

وكأنه السبب في ذكر التوسعة في المقام ؛ نظرا إلى تركّب ما يتيمم به من التراب والماء ، فلا دلالة فيها على خروج الحجر من الصعيد كذكر خصوص التراب فيها وفي الأخبار المتأخرة.

نعم ، ربما يقيّده النبوي المذكور إلا أنه لضعف إسناده بل كونه من طرق العامة كما هو الظاهر وخلوّ المحكي من طرق الخاصة عنه لا ينهض حجة ، بل الظاهر من المحكي عن طرق الخاصة خلافه كما بيّنّا.

ص: 296


1- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 23.
2- في ( ألف ) : « وهو ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « فقدان الجفاف ».

ومع الغضّ عن ذلك فلا تقاوم (1) ما ذكرناه من الأدلة على الاكتفاء بوجه الأرض.

قال العلامة المجلسي (2) بعد الحكم بمتانة الاحتجاج بهذا الخبر : لكن لا بدّ من التأويل مع وجود المعارض القوي.

فقد عرفت بذلك الحال في دلالة الأخبار المذكورة ، فتأمل.

[ تتميم ]

لنتمّم (3) الكلام في المرام بذكر أمور :

منها : أن قضية ما عرفت جواز التيمّم بوجه الأرض كون الحجر في مرتبة التراب ، وكذا غيره من سائر ما يصدق عليه اسم الأرض. وعلى القول باختصاصه بالتراب فينبغي القول بعدم جواز التيمّم به مطلقا سواء كان في حال الاختيار أو الاضطرار ؛ لعدم ذكر التيمّم بالأحجار في شي ء من الأخبار. وهو ظاهر المحكي عن الإسكافي (4) من قوله : لا يجوز من السبخ ولا ممن (5) أحلّ عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة (6). وظاهره القول بخروجه عن اسم الأرض.

قيل : وهو (7) لازم كلام السيد ومن قال بمقالته لما عرفت.

وظاهر المفيد في المقنعة التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فيقدم على الغبار بعد فقد التراب.

وهو المحكي عن النهاية والسرائر. وبه أفتى في المراسم إلا أنه جعله بعد الغبار في مرتبة

ص: 297


1- في ( د ) : « يقاوم ».
2- بحار الأنوار 78 / 148.
3- في ( ألف ) : « لنتمّ ».
4- نقل هذا الكلام في مختلف الشيعة 1 / 420 عن ابن جنيد.
5- في ( د ) : « ممّا ».
6- هنا في ( ألف ) زيادة : « وبه ».
7- لم ترد في ( د ) : « هو ».

الوحل والثلج.

وحكي في الحدائق (1) الشهرة على الأول.

وعنون البحث بالحجر الخالي عن الغبار ، فربّما يومي ذلك إلى انتفاء الخلاف في غير الخالي عنه (2). وقد وقع ذلك في التذكرة أيضا. وفيها أيضا إسناد الجواز إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع. وهو محل تأمل ؛ إذ مجرد وجود الغبار عليه لا يوجب صدق اسم التراب عليه.

فالظاهر عدم الفرق بين الصورتين إلا بناء على اعتبار العلوق. وهو مقام آخر.

نعم ، يمكن القول بدخول المغبّر منه في التيمّم بالغبار ، وهو أيضا لا يثمر في المقام إلا على قول الإسكافي إن قال بشمول الحكم لمثله.

وكيف كان ، فالأظهر الأول لصدق اسم الأرض عليه قطعا. وقد عرفت جواز التيمّم به.

وقد ظهر مما ذكر (3) الوجه في المنع المطلق.

وأما القائلين بالتفصيل فليس لهم مستند ظاهر ، وقد يحتجّ لهم تارة بالإجماع على صحّة التيمّم به مع العجز من التراب ، ويكفي (4) به حجة في المقام.

وأخرى بأنه لما وقع الخلاف في لفظ الصعيد كان قضية أصالة شغل الذمة الاقتصار على خصوص التراب مع الاختيار ، وأما مع الاضطرار فلما دار الأمر بين كونه فاقدا للطهورين فيسقط عنه وجوب الصلاة أو واجدا له فيجب قضاء (5) الشغل اليقيني بالصلاة وجوب الإتيان بها مع التيمّم بالحجر ؛ لعدم الحكم بسقوطه بمجرد الاحتمال.

وثالثا : أنه قضية الجمع بين الآية وإطلاق الأخبار المشتملة على لفظ « الأرض » بحمل الآية على صورة الاختيار وجوازه بمطلق وجه الأرض من (6) غيره كما يستفاد منها على صورة

ص: 298


1- الحدائق الناضرة 4 / 297.
2- في ( د ) : « منه ».
3- في ( د ) : « ذكرنا ».
4- في ( د ) : « كفى ».
5- في مخطوطات الأصل : « قضى ».
6- لفظة : « من » وردت في ( د ).

الاضطرار.

قال في الحدائق (1) : وهو وجه وجيه.

فإن قلت : إن الجمع المذكور مما لا شاهد عليه ، وقضية حمل المطلق على المقيّد تقييد الروايات بالآية الشريفة مطلقا إذا لم يفصل فيها بين الحالتين فيعود المحذور.

قلت : قضية الأمر باستعمال التراب في الآية شاهد على حصول التمكن منه. وحينئذ فلا يعوّل بتقييد تلك الإطلاقات إلا بمقدار ما قضت الآية بالتقييد فيه.

ويدفع الأول بمنع الإجماع.

كيف ، ولا تحقق فيه الخلاف من الاسكافي.

وظاهر الكافي مضافا إلى أن قول الأكثر منه (2) بالجواز إنما هو لجعل التيمّم من مطلق وجه الأرض على أنه إن ثبت الإجماع ففي ترتّبه أيضا كلام ، فتقديمه على الغبار لا وجه له ، بل قضية إطلاق ما دلّ على التيمّم بالغبار تأخيره عنه ، فلا يتمّ الاحتجاج بالإجماع.

والثاني : بأن قضية اشتراط الصلاة بالطهور سقوطها عند عدم تحقق شرطها ، وهو غير متحقق الحصول في الصورة المفروضة ، فلا يجب.

غاية الأمر استحباب الاحتياط المذكور إن لم نقل بحرمة الصلاة بالذات من دون الطهارة كما هو قضية بعض الأخبار.

والثالث : ( بأن قضية الأخبار جوازه بمطلق الأرض في حال الاختيار حيث ذكر ذلك في بيان أصل الكيفية. وقد يحتج على ذلك بإطلاق صحيحة رفاعة الماضية ، وهو إطلاق ضعيف.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب بجواز التيمّم بأرض الجص والنورة.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

ص: 299


1- حدائق الناضرة 4 / 299.
2- في ( د ) : « فيه ».
3- الحدائق الناضرة 4 / 299.

وفي شرح الإستبصار : إنه لا خلاف في جوازه بأرض الجص والنورة قبل الإحراق.

وخلاف ابن إدريس (1) فيه لا يلتفت إليه ؛ لأنه مخالف للنص والإجماع.

وكأنه عني به الإجماع على جوازه في الجملة ؛ إذ لا أقل من منع القائل باختصاص التيمّم بالتراب حال الاختيار.

ولذا فصّل فيه الشيخ (2) في الحالين إلا أن يقال بصدق التراب عليه ، أو يقال بخروجه بالدليل. وهو أيضا بيّن الضعف.

وظاهر المحكي عن الحلي هو المنع منه مطلقا ؛ استنادا إلى كونه معدنا.

وظاهره دعوى الخروج عن اسم الأرض. وهو في محل المنع ، بل من الظاهر شموله لهما.

نعم ، هما خارجان عن اسم التراب ، فمنع الشيخ عنه مع الاختيار في محله إلا أن تجويزه مع الاضطرار محلّ مناقشة كما مرّ نظيره في الحجر.

وأما بعد طبخهما فقد نص جماعة منهم الشيخان (3) والفاضلان فيه بالمنع لخروجهما عن اسم الأرض.

وعن السيد في المصباح (4) والديلمي القول بالجواز.

ومال إليه الشهيد في الذكرى (5). واستظهره غير واحد من المتأخرين.

وبنى المنع والجواز في المدارك (6) على خروجه عن اسم الأرض وعدمه.

وظاهره التردد في ذلك. وهو في محله ، والاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

احتجوا بصدق اسم الأرض عليه ولا يخرج بسبب اللون والخاصية عن اسمها كما في بعض أقسام التراب. ولو سلّم حصول الشك في التسمية فمقتضى الاستصحاب بقاء الموضوع.

ص: 300


1- السرائر 1 / 137.
2- المبسوط 1 / 32.
3- انظر المقنعة : 59 الخلاف 1 / 136 ، المبسوط 1 / 32.
4- حكاه المحقق في المعتبر 1 / 372.
5- الذكرى 1 / 178.
6- مدارك الأحكام 2 / 202.

مضافا إلى رواية السكوني عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام : أنه سئل عن التيمّم بالجص؟ فقال : « نعم » ، فقيل بالنورة؟ فقال : « نعم ». فقيل بالرماد؟ فقال : « لا إنه لا يخرج من الأرض ، إنما يخرج من الشجر » (1).

ورواية الراوندي عن الكاظم عليه السلام ، عن آبائه ، عن [ ... ] (2) عليه السلام.

وأورد عليه بالمنع من اندراجه في اسم الأرض بل الظاهر من العرف خلافه.

وبه يظهر ضعف الاستناد إلى الاستصحاب ، والروايتان ضعيفتان مطرحتان عند أكثر الأصحاب ، فلا يمكن التعويل عليها ، مع ما فيها من الإشارة إلى خروجهما عن اسم الأرض.

وتعليل الجواز بخروجهما منها ، وهو كما ترى لا يناسب مذهب الأصحاب.

مضافا إلى لزوم مراعاة الاحتياط والحكم بعدم حصول إباحة الصلاة إلا بما دل الدليل على حصول الإباحة به.

وانتصر بعضهم للجواز بصحيحة الحسن بن محبوب الواردة في جواز السجود على الجصّ المحروق.

وهي أنه سئل أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (3).

وفيه : أن دلالتها على جواز سجود الصلاة بالجبهة غير واضحة ، على أنه عليه السلام سكت عن جواز السجود وإنما حكم بالطهارة.

مضافا إلى عدم موافقته لظاهر الأصحاب ، مع أنه لا ملازمة بين جواز السجود عليه وصحة التيمّم لجواز السجود على ما يصح التيمّم به بالإجماع.

ثالثها : ذهب جماعة من الأصحاب منهم الإسكافي (4) والمحقق (5) إلى عدم جواز التيمّم

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 1 / 187 ، باب التيمّم وأحكامه ح 13.
2- هنا فراغ في ( د ) ، وهي النسخة الوحيدة التي نقلنا عنه هذه المواضع.
3- الكافي 3 / 330 ، باب ما يسجد عليه وما يكره ح 3.
4- حكاه العلامة في التذكرة 2 / 177.
5- المعتبر 1 / 375.

بالخزف لخروجه عن اسم الأرض بالطبخ.

وذهب آخرون إلى جوازه إما للحكم ببقاء الأرضية وإن اختلفت الجهة أو من جهة الشك في بقاء اسم الأرض فيستصحب الموضوع.

وعن جماعة من الأصحاب القطع بجواز السجود عليه. قيل : وهو مؤذن بالاتفاق عليه وكونه من المسلّمات.

ومن المعلوم اتفاق الجهة بين الأمرين ، فيكون الحكم بجواز التيمّم به أيضا مشهورا بينهم.

قلت : القول بجواز التيمّم به مما يتأمل في شهرته أيضا ، ومجرد قطع الجماعة لا يفيدها. والمسألة محل إشكال ؛ إذ الحكم بصدق اسم الأرض عليه مشكل. ومع الشك في البقاء ففي إجراء الاستصحاب أيضا تأمل من جهة أن الحكم بالأرضية فيه إنما كان من جهة كونه ترابا ، وسلب اسمه عنه مما لا ينبغي الريب فيه.

وحينئذ فالقول باستصحاب اسم الأرض فيه يشبه استصحاب الجنس مع القطع بزوال النوع ، وقضية أصالة الشغل في مثله البناء على المنع. والاحتياط في المقام مما لا بد منه.

رابعها : لا خلاف ظاهرا في المنع من التيمّم بالرماد. وقد حكى الإجماع عليه جماعة من الأصحاب.

والوجه فيه ظاهر ؛ لخروجه عن اسم الأرض مضافا إلى ورود المنع فيه في الخبرين المذكورين.

وقد علّل في أحدهما بأنه لم يخرج من الأرض بل من الشجر. نعم ، وقع الكلام في رماد التراب فاستقرب في نهاية الإحكام (1) جواز التيمّم به.

وقوّاه العلامة المجلسي في البحار (2) قال : والأكثر فيه على عدم الجواز مع الخروج عن

ص: 302


1- نهاية الإحكام 1 / 199.
2- بحار الأنوار 78 / 164.

اسم الأرض.

وعلّق المنع في التذكرة (1) على الخروج عن اسم الأرض. ويلوح منه التأمل فيه.

وهو الظاهر من المدارك (2).

قلت : أما مع القول بخروجه عن اسم الأرض فلا ينبغي الريب في المنع لانحصار وجه الجواز في اندراجه فيها ، فما يلوح من البحار من البناء على الجواز مع فرضه غريب ، والاستناد فيه إلى التعليل المذكور عليل.

ثم الظاهر أنه مع حصول الحقيقة الرمادية لا ينبغي الريب في الخروج عن اسم الأرض ؛ إذ لا عبرة في ذلك أيضا بالأصل ، والاستناد إلى الاستصحاب فيه لا وجه له. فالاحتمال المذكور ضعيف إلا أن يكون الشك في حصول الرماد باحتراق الأرض ، وهو كلام آخر.

ويجري الاحتمال المذكور في رماد الحجر ونحوه من ساير أقسام الأرض بناء على جواز التيمّم بمطلقها.

خامسها : لا فرق بين أقسام التراب في جواز التيمّم به ، فيستوي ساير أنواعه من الأسود والأصفر والأحمر كالأرمني والذي ينبت والذي لا ينبت كالسبخ. حكى ذلك في التذكرة (3) إجماع العلماء.

والوجه فيه واضح.

وحكى فيه عن الإسكافي (4) القول بالمنع من السبخ لوصف الصعيد في الآية بالطيب.

وهو ضعيف ؛ إذ المراد به الطاهر.

وكذا الحال في سائر أنواع الأرض من الرمل والحجر وأرض الجصّ والنورة على القول بكون الصعيد وجه الأرض.

ص: 303


1- تذكرة الفقهاء 1 / 177.
2- مدارك الأحكام 2 / 200.
3- تذكرة الفقهاء 2 / 175.
4- تذكرة الفقهاء 2 / 175.

وفي التذكرة (1) : إنه يجوز التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه. نعم ، ذكروا كراهة التيمّم بالسبخ والرمل والمهابط والطرق واستحباب كونه من العوالي.

وعزا في التذكرة (2) استحباب الأخير وكراهة الثالث إلى علمائنا أجمع.

وفيه أيضا : يكره التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه.

قلت : أما استحباب التيمّم بالعوالي فقد يستفاد من تفسير الصعيد بالموضع المرتفع كما مرّ في روايتي العلل والفقه ؛ إذ ليس اعتبار الارتفاع واجبا فيه ، فيكون مندوبا.

ودلالتها على الندب وإن لم يخل عن خفاء إلا أنها بضميمة نص الأصحاب والإجماع المنقول كافية في إثبات الندب.

وأما كراهته من المهابط فقد نصّ عليه في كلام جماعة ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه. واستصحاب كونه من العوالي لا يقضي بالكراهة فيها إلا أن يكتفى فيها بمجرد حكم الجماعة.

والإجماع المنقول عليه في التذكرة لا بأس به.

وأما كراهة كفه من تراب الطريق فيدلّ عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام قال : « نهى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق (3) ».

وفي روايته الأخرى عنه عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « لا وضوء من موطئ » (4). قال النوفلي : يعني ما تطأ عليه برجلك.

وظاهر إطلاق الأخير أعم من الأول فالقول به لا يخلو عن بعد ؛ تسامحا في أدلة السنن.

ولا يبعد حمل قوله « من موطئ » على ما كان معدّا لذلك ، لا ما وطئه برجله ولو مرّة كما

ص: 304


1- تذكرة الفقهاء 2 / 176.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 179.
3- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 6.
4- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 5.

هو ظاهر تفسير النوفلي.

وقد يستفاد من ذلك كراهة التيمّم مما يكون معرضا للنجاسة أو يظن بنجاسته.

وأما كراهة السبخة والرمل فلم نجد عليها مستندا سوى حكم الجماعة. وعزاه في الحدائق (1) إلى صريح الأصحاب. وهو يؤذن بالاتفاق.

وقد يعلّل كراهة الأول تارة بالخروج عن الخلاف ، وهو ضعيف وإلّا لجرى في الحجر ونحوه بخلاف من اعتبر الاختصاص بالتراب ، بل ويجري ذلك أيضا في الرمل لو قيل بخلافهم فيه ، أيضا ، وأخرى باختلاط ترابها بالأجزاء الملحيّة ، وهو ) (2) أيضا موهون بأن المدار أيضا عن الخروج عن اسم الأرض ، فإن كانت بحيث يوجب الخروج عن الاسم فلا شكّ في المنع ، وإلا لم يقتض (3) بالكراهة إلا أن يجعل ذلك مؤيّدا لكلام الجماعة ، فيكتفى به تسامحا في السنن.

وكراهة الأخير بما في بعض الأخبار بعد النهي عن الصلاة على الزجاج : « وإن حدّثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض و (4) لكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان » (5).

قال : بعض المحدثين : أراد بالممسوخيّة تحوّل صورتهما وعدم بقائهما على حقيقة الأرضية ، فقد يكون ذلك مستندا للكراهة.

وفيه : أنه لو تمّ لدلّ على المنع إلا أن يقال ببقاء الحقيقة العرفية قطعا ، والحكم إنما يتبع الاسم والكراهة من جهة الخروج عن الحقيقة الفعلية ، أو يقال : إن الرواية لا تنهض حجة على المنع فلينهض على الكراهة.

ولا يخفى عليك ما فيه إلا أن يكون المقصود التأييد لحكم الجماعة.

ص: 305


1- الحدائق الناضرة 4 / 315.
2- ما بين الهلالين من قوله « بأن قضية الأخبار » إلى هنا مما أضفناها من نسخة ( د ) ، ولم توجد إلّا فيها ، فاغتنمها.
3- في ( د ) : « يقض ».
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- الكافي 3 / 332 ، باب ما يسجد عليه وما يكره ، ح 13.

تبصرة: [ التيمّم بغبار الثوب ونحوه ]

إذا لم يجد شيئا من أقسام الأرض يتيمم (1) من غبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته ونحو ذلك مما يشتمل على الغبار.

وأسنده في المعتبر وتذكرة الفقهاء إلى علمائنا.

وهو في الجملة ممّا أطبقت عليه النصوص والفتاوى.

وربما يتوهم من عبارة المراسم (2) عدم جواز التيمّم بالمغبّر (3) وإنما يصحّ بالغبار المستخرج منه حيث قال : إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه ورحله ، فإن خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضّي من الثلج ، فإذا لم يكن من ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.

وربما يومي إليه صحيحة أبي بصير : « إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به ، فإن اللّه أولى بالعذر إذا لم يكن معك جاف (4) أو لبد تقدر أن تنفضه وتيمم به » (5).

وهذه الرواية كعبارة الديلمي محمولة على ما إذا كان الثوب مغبرّا فيعلم بالنفض وجود الغبار فيه ، أو (6) إن المقصود بالنفض صعود الغبار على ظاهر ذلك الشي ء فيتيمم به ؛ إذ اجتماع التراب من الغبار المستخرج من الثياب ونحوها بحيث يمكن التيمّم به فرض بعيد لا ينصرف

ص: 306


1- في ( د ) : « تيمّم ».
2- المراسم : 53.
3- في ( ألف ) : « بالمعتبر ».
4- زيادة في ( د ) : « ثوب ».
5- الكافي 3 / 67 ، باب التيمّم بالطين ، ح 1.
6- في ( ألف ) : « و ».

إليه الإطلاق.

ومع فرضه فلا ريب في لزومه ؛ لكونه واجدا للتراب.

ثم إن فقد ذلك أو وجد الوحل تيمم به ، وهو أيضا مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب وأخبار الباب. وحكى في المعتبر إطباق فقهائنا عليه.

وعزاه في تذكرة الفقهاء إلى علمائنا ، فجواز التيمّم بكل من الأمرين المذكورين في الجملة مما لا تأمل فيه.

إنما الكلام في المقام في أمور :

أحدها : المعروف جواز التيمّم إذن لكل مغبرّ من الثياب واللبد وعرف الدابّة ونحوها. وعن الشيخ في ظاهر النهاية (1) تقديم غبار عرف الدابة ولبد السرج على غبار الثوب. ومع عدم التمكن منهما تيمّم بغبار الثوب.

وعن السرائر الحكم بعكسه. والأول هو الأقوى لظواهر عدة من [ الأخبار ، منها ] المعتبرة كالصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبرّ » (2).

والموثق : « إن أصابك الثلج فلينظر لبد سرجه ، فتيمم من غباره أو من شي ء معه » (3).

وموقوفة عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي ء مغبر » (4).

ولم نقف على مستند للقولين الآخرين. والأولى إرجاعه إلى المشهور بحملهما على بيان مواضع الغبار.

وكأنّ ذكر الترتيب من جهة اختلافها في الاشتمال على الغبار ، فقدّم المقدم ليكون المظنة باشتماله على الغبار أكثر.

ص: 307


1- النهاية ونكتها 1 / 262.
2- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 20.
3- وسائل الشيعة 3 / 353 ، باب جواز التيمّم عند الضرورة بغبار الثوب ، ح 2.
4- الكافي 3 / 66 ، باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ، ح 4.

ثم قضية إطلاق النصوص المذكورة عدم الفرق بين كون المغبّر من الثياب أو الفراش (1) وغيرها كالجلود المغبّرة ، ولا بين كونها مما يدخل الغبار في أعماقه كالأشياء الرخوة ، وما يبقى على ظاهره كالأخشاب ونحوها ، و (2) ربما كان ذلك أولى.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المفيد والديلمي في عبارته المتقدمة اعتبار نفض الثوب ليظهر الغبار على وجهه. وهو ظاهر صحيحة أبي بصير المتقدمة. وسائر الروايات مطلقة كفتاوى كثير من الأصحاب.

وقد يقال بأن إطلاق الشي ء على المغبّر في الصحيحتين المتقدمتين ظاهر فيما إذا كان الغبار ظاهر [ ا ] عليه لا ما اشتمل على الغبار كيف كان.

وفيه تأمل.

والأحوط مراعاة ذلك وإن كان القول بوجوبه لا يخلو من تأمّل ؛ لمكان الإطلاق وعدم وضوح ما يدلّ على التقييد.

ثالثها : ظاهر النصوص والفتاوى عدم صحة التيمّم بالغبار مع التمكن من الصعيد. وربما يظهر من عبارة السيد في الجمل جوازه مع وجود التراب. وهو ضعيف ، وإليه كثير من أئمة الجماعة.

رابعها : على القول بتفسير الصعيد بالتراب ، فهل يقدّم التيمّم بالحجر على الغبار؟ وجهان.

وقد نصّ الشيخ وغيره بتقدّم الحجر عليه ، وصريح الديلمي في العبارة المذكورة تأخيره عنه وقد جعله (3) بمنزلة الوحل والثلج. واستفادة الحكم المذكور من الأخبار محل خفاء إلا أن يتمسك بحمل مطلقات الأخبار على المقيّد في صورة إمكان التراب ، فيبقى مطلقه مع تعذّره كما أشرنا إليه.

ص: 308


1- في ( د ) : « فرش ».
2- لفظة الواو وزيدت من ( د ).
3- في ( ألف ) : « حصل ».

وفيه ما عرفت.

ويستدلّ له بإطلاق صحيحة رفاعة. وهو أيضا مشكل.

وكيف كان ، فإن قام دليل على جواز التيمّم به فإنما يفيد تقديمه على الغبار.

وأما جوازه في خصوص صورة العجز عنه فلا يظهر مستنده إلا أن يتمسك بالإجماع على جواز التيمّم به في الجملة ، فيقال : إن المتيقن من الإجماع هو كونه طهورا بعد الغبار لخروجه عن مورد النصوص ، فيجعل بمنزلة الوحل.

خامسها : المعروف بين الأصحاب تقديم الغبار على الوحل ، بل لا نعرف مخالفا فيه.

وفي المدارك : إن الأصحاب قاطعون به ، وظاهرهم الاتفاق عليه.

وفي الحدائق : إن ظاهر عباراتهم الاتفاق عليه.

ويدلّ عليه المعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبر وإن كان في حال لا يجد إلا الطين ، فلا بأس أن يتيمم به » (1).

وربما يقال بعدم دلالة ذلك على المطلوب ؛ إذ المفروض فيه كونه من الثلج فلا يقدر معه على الطين ليدلّ على تقديمه عليه.

وأنت خبير بأن مفهوم قوله « وإن كان » في حال الخبر كاف في الدلالة على المقصود إلا على أن إفادة مجرد كونه في الثلج عدم تمكنه من الطين محل تأمل.

ومما يدلّ عليه موثقة زرارة : « إن كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به » (2) ؛ فلما أضيف ذلك إلى ما دلّ على صحة التيمّم بالغبار اتّضحت دلالته على المطلوب.

وموقوفة عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة ، وهي واضحة الدلالة عليه ، فمناقشة غير واحد من المتأخرين كصاحب المدارك في تقديمه على الطين للتأمّل في دلالة (3) الأخبار وإسناد بعض لا يخفى وهنها.

ص: 309


1- تقدم ذكره ، فراجع.
2- الإستبصار 1 / 156 ، باب التيمّم في الارض الوحلة والطين والماء ، ح (538) 2.
3- زيادة في ( د ) : « بعض ».

نعم ، في (1) رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال : قلت له : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ، ما يصنع؟ قال : « يتيمم فإنه الصعيد ». قلت : فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء. قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره أو خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد والبرد (2) ويتيمم ويصلّي » (3).

وفي مرسلة علي بن مطر ، عن الرجل : لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم ، صعيد طيّب وماء طهور » (4).

وهما ضعيفان ، فلا ينهضان حجة ، مضافا إلى معارضتهما لتلك المعتبرة المؤيّدة بالعمل ، والظاهر جعل الأخيرة على صورة فقدان الغبار.

وقد يحمل الأول على كون الطين بحيث يصدق عليه اسم الأرض بأن لا يكون يلتصق باليدين.

وقد يومي إليه إطلاقه الأمر بالتيمم منه ، وحكمه بأنّه الصعيد إشارة إلى ظاهر الآية ، فيقيّد جوازه مع الاختيار أيضا ؛ إذ لا يتم ذلك إلا مع عدم خروجه عن اسم الأرض.

سادسها : إنما يصحّ التيمّم بالثوب ونحوها مع حصول الغبار فيها كما هو قضية أخبار الباب وفتاوى الأصحاب ، فلا يصحّ التيمّم بها مع خلوّها عن ذلك.

وظاهر الشيخ في الاستبصار جواز التيمّم بها إلّا أنه جعله بعد تعذّر الطين ، فحكم بتقديم ذي الغبار عليه وتأخير ذلك عنه ، وجعل وجه الجمع بين الأخبار المذكورة الدالّة بعضها على تقديم الغبار على الطين وبعضها على تأخيره.

وفيه : أنه لا شاهد على الجمع المذكور مع مخالفة الظواهر النصوص.

سابعها : إذا تمكّن من تجفيف الطين وجب عليه لتمكنه من الصعيد. وقد منعه بعض

ص: 310


1- في ( ألف ) : « و » بدل « في ».
2- في ( د ) : « البردعة ».
3- الإستبصار 1 / 156 ، باب التيمّم في الأرض الوحلة والطين والماء ، ح (540) - 4.
4- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 23.

المتأخرين ؛ نظرا إلى إطلاق الروايات وخلوّها عن ذكره. قال : التقييد بالتجفيف كما ذكره لا أثر له في شي ء منها ، ولو كان الحكم فيه ذلك لوقع (1) عليه ولو في بعضها ؛ لأن المقام مقام بيان.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ إطلاق الأخبار منزّل على صورة الضرورة كما هو المنساق منها ، فوضوح الحال في صورة التمكن من الصعيد قد أغنى عن الإشارة إليه. وكذلك الحال بالنسبة إلى التيمّم بالغبار ، فلو أمكن نفض الغبار بحيث يجتمع منها ما يصدق عليه اسم التراب وكان المجتمع وافيا بالواجب تعيّن ذلك.

وبالجملة ، الظاهر مراعاة المكنة في الانتقال عن كل مرتبة إلى ما دونها ، فمع التمكن من الأعلى بالأسفل إلى ما دونه ولو في آخر الوقت على نحو ما ذكر في الماء ، ويجب التجسس عنه مع فقده والجهل به إلى أن يصدق معه عدم الوجدان ، ولا يجب عليه الطلب في الفلوات على نحو ما مرّ في الماء ؛ لاختصاص النصّ به.

ثامنها : يعتبر في الغبار الذي يتيمم به أن يكون من جنس ما يتيمم به كما نصّ عليه جماعة.

وهو كذلك ؛ إذ هو الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ، فلا عبرة بغبار الأشنان والدقيق ونحوهما ، وكذا غبار الجص والنورة على القول بالمنع من التيمّم بهما.

تاسعها : في ظاهر كلماتهم اختلاف في كيفية التيمّم بالوحل ، فعن المفيد (2) أنه يضع يديه على الوحل ثم ( يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتّى لا يبقى فيهما نداوة ، ويمسح بهما وجهه وظاهر كفّيه. وعن الشيخ أنّه يضع يديه على الوحل ثمّ ) (3) يفركهما ويتيمم.

واستوجهه المحقق في المعتبر (4) وحكى فيه قولا آخر ، وهو أنه يضع يده على الوحل ويتربّص ، فإذا يبس يتيمم به.

ص: 311


1- زيادة في ( د ) : « التطينيّة ».
2- المقنعة : 59.
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
4- المعتبر 1 / 377.

وفي التذكرة (1) : إنه مرويّ عن ابن عباس ، قال : وهو جيد عندي إن لم يخف فوت الوقت ، فإن خاف عمل بقول الشيخ.

وفي السرائر (2) : إن التيمّم به كالتيمم بالتراب. وحكاه في الوسيلة عن شيوخ أصحابنا.

ويمكن الجمع بين الأقوال المذكورة ليرتفع الخلاف.

والوجه في المقام أن يضرب يديه على الوحل ، ثم يرفعهما فإن لم يكن فيهما ما يمنع من وصول الماسح إلى الممسوح مسح بهما وجهه وكفيه ، وإلا أزال المانع ومسح به.

واستوجهه في التذكرة ، ولا بأس به ؛ لحصول المسمى للتراب ، وإن لم يقع الضرب عليه لكن لا بدّ من عدم مانعيته للمسح وعدم حصول الفصل الطويل بين أفعال التيمّم.

عاشرها : لو كان في التراب رطوبة لا يوجب لصوقه باليدين لم يمنع من التيمّم به حال الاختيار ؛ لصدق الأرض عليه وعدم اشتراطه باليبوسة في الأخبار.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه. واحتج عليه من أخبار الخاصة بصحيحة رفاعة المتقدمة ، وحكى المنع عن الشافعي.

نعم ، إذا وصل إلى حدّ يوجب تلويث اليد به ، فلا يظهر اندراجه في الإطلاقات ؛ إذ لا يعد الطين من الأرض وإنما هو مركب منه ومن الماء ، فيجري فيه (3). إذن ما ذكرناه. وكأنه المراد بالوحل في كلام الأصحاب ، وإن فسّر بالطين الرقيق ؛ لإطلاقه في الأخبار.

ص: 312


1- تذكرة الفقهاء 1 / 62.
2- السرائر 1 / 138.
3- زيادة : « فيه » من ( د ).

تبصرة: [ في واجد الثلج دون غيره ]

من لم يجد شيئا إلا الثلج فإن أمكنه اذابته ولو على الأعضاء بحيث يحصل به مسمى الغسل بأن يجري الماء ولو بمعونة اليد من محل إلى آخر وجب عليه طهارة المختار ؛ لأنه في الحقيقة واجد للماء.

والظاهر أنه لا تأمل لأحد فيه.

ولو لم يمكن حصول مسمّى الغسل به فللأصحاب فيه أقوال :

أحدها - وهو مذهب أكثر الأصحاب كما في المدارك - سقوط الغرض ، وإلحاقه بفاقد الطهورين.

وعن الإسكافي والسيد والديلمي والعلامة في القواعد : وجوب التيمّم به.

وعن الشيخين والعلامة في غير واحد من كتبه : وجوب الغسل والوضوء به.

والأقوى الأول ؛ ويدلّ عليه الأصل وعدم وضوح دليل على جواز إيقاع أحد الأمرين ؛ لخروجه عن اسم الماء وعدم حصول مسمى الغسل به ؛ ليصدق معه الوضوء والغسل.

وكونه من حقيقة الماء لا يفيد شيئا بعد الخروج عن اسمه ، وليس أيضا من الصعيد ليصحّ التيمّم به فمقتضى (1) ظاهر الكتاب والأخبار لا يصح به شي ء من الأمرين. مضافا إلى أنه المستفاد من ظواهر أخبار الباب كصحيحة رفاعة وموثقة زرارة المتروك فيهما ذكر الاغتسال أو التيمّم به في مقام البيان.

وما ورد في عدّة من الأخبار من الاغتسال به فإنها تشير إلى حصول مسمى الغسل ،

ص: 313


1- في ( د ) : « فبمقتضى ».

والجريان بإمراره على العضو إنه هو مما يمكن حصوله في كثير من الأحوال :

منها : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ، عن الرجل الجنب أو على غير وضوء : لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا ، أيهما أفضل؟ أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : « الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » (1).

وروى في قرب الإسناد (2) عنه عليه السلام ما يفيد ذلك باختلاف في لفظه.

ورواه في مستطرفات السرائر (3) عن كتاب محمد بن علي بن محبوب.

وهذه الصحيحة عند التأمل مما يدل على ما ذكرناه ؛ إذ اعتبار بلّ الرأس والجسد ليس إلا لحصول مسمى الغسل ولو كالدهن كما ورد في الأخبار من أن « المؤمن لا ينجسه شي ء وإنما يكفيه مثل الدهن » (4) حتى أنه ورد ذكر المسح في موضع الغسل في غير واحد من الأخبار كما تقدم ذكره في محله ؛ إشارة إلى المبالغة في عدم لزوم إكثار الماء.

ومما يشير إليه تقديمه على التيمّم وترتبه عليه.

ومنها : قويّة محمد بن مسلم : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال : « يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (5).

وهذه الرواية كما ترى ظاهرة فيما قلناه سيّما بملاحظة التخيير بينه وبين ماء النهر.

ومنها : قوية معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ لا نجد إلا جامدا ، فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال : « نعم » (6).

وبعض المتأخرين كالفاضل الجزائري بنى على العمل بإطلاق هذه الأخبار بعد تقييد

ص: 314


1- الإستبصار 1 / 159 ، باب الرجل يحصل في أرض غطاها الثلج ، ح (547) 6.
2- قرب الإسناد : 181.
3- مستطرفات السرائر : 613.
4- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ح 2.
5- الإستبصار 1 / 157 ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (542) 1.
6- الإستبصار 1 / 157 ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (543) 2.

مطلقها بمقيّدها ، وحكم بوجوب الوضوء والغسل بالثلج إن أثر نداوة على العضو وإن لم يحصل به مسمى الجريان ، فيقدّم على التراب وإلّا سقط اعتباره مطلقا. واختاره في الحدائق وأيّده بالأخبار الدالّة على الاكتفاء بالدهن ومجرد إمساس الماء ونحو ذلك.

وقد عرفت فيما مضى أن ذلك كله محمول على حصول أدنى مسمى الغسل كي لا يخالف صريح الكتاب وسائر الروايات المعتضدة بالأصل وفتاوى الأصحاب على أن المستفاد منها جواز ذلك في حال الاختيار ، بل كالصريحة فيه.

وهو ممن لا يقول به.

والحاصل أن أخبار الباب كالأخبار المذكورة محمولة على حصول مسمى الغسل بإمراره على الجسد. وحينئذ فلا شك في وجوبه بل وجوازه مع وجود الماء أيضا. ومع عدم إمكانه وإمكان الصعيد وما يقوم مقامه يندرج في فاقد الطهورين.

حجة القول بلزوم الوضوء والاغتسال به الروايات المتقدمة.

وهي كما عرفت مما لا يفيد ذلك.

وأجاب في المختلف كما ذكرناه من ظهور الاغتسال في حصول مسمى الجريان بمنع أخذ الجريان ومسمى الاغتسال. ومع تسليمه فإنما يقضى جريان ما علّق به الاغتسال لا حصول (1) الماء. وهو حاصل بإجرائه (2) في المقام ، فإن الثلج يجب إجراؤه على الأعضاء. انتهى.

وهو كما ترى.

واحتج عليه بأنّه يجب في الغسل والوضوء مماسّته أعضاء الطهارة بالماء ، وإجراؤه عليها ، فإذا تعذر الثاني وجب الأول.

وهو أيضا من الضعف بمكان.

حجة القول بالتيمم بالثلج صحيحة محمد بن مسلم ، عن الصادق عليه السلام عن رجل أجنب

ص: 315


1- في ( ب ) و ( د ) : « خصوص ».
2- لم ترد في ( د ) : « بإجرائه ».

في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ قال : « وهو بمنزلة الضرورة يتيمم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (1).

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون تيممه بالثلج.

وقوله « لا يجد إلا الثلج » لا يدلّ على عدم وجدانه ما يصحّ التيمّم به ، بل يمكن أن يكون المقصود به عدم وجدانه الماء. وكأنّ سياق المقام شاهد عليه ، وإلا لصرّح بالحال ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال.

واعلم أنه على القول بالتيمم بالثلج لا تأمل في تأخيره عن الغبار كما هو صريح صحيحة رفاعة وغيرها.

وفي الحدائق (2) : ظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم جواز استعمال الثلج مع وجود الغبار ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

وهو يعطي تأخير الوضوء والغسل على القول بهما عن ذلك.

وأما بالنسبة إلى الوحل فقد يقال : إن ظاهر المختلف أنه كذلك حيث فرض المسألة في صورة عدم وجدان ما عدا الثلج. وظاهر الديلمي التخيير بينه وبين الحجر والوحل.

ويمكن أن يقال : إنه قضية الجمع بين الصحيحة المتقدمة ، وما دلّ على التيمّم بالوحل ؛ لورود كل منهما فيمن لا يجد سواه ، فإذا دار الأمر بينهما تخيّر.

وفيه تأمل.

ص: 316


1- الكافي 3 / 67 ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد ، ح 1.
2- الحدائق الناضرة 4 / 303.

تبصرة: [ في اشتراط طهارة التراب ]

يشترط في التراب الذي يتيمم به أن يكون طاهرا بلا خلاف فيه يعرف. وفي التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع.

وفي منتهى المطلب (1) : لا نعرف فيه خلافا.

واحتج عليه بعد ذلك بظاهر قوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (2) فإن الطيب هو الطاهر.

وعزا تفسيره بذلك في مشرق الشمسين (3). وفي البحار (4) إلى مفسري أصحابنا مؤذنا باتفاقهم عليه.

وعن بعض العامة تفسيره بالأول ، وعن آخر تفسيره بالذي ينبت دون ما لا ينبت كالسبخة.

أما الوجه الأخير فقد عرفت (5) ضعفه.

ويضعّف الثاني بأنّه إن لم يكن المقصود بالطيب هو الأول ، فلا أقل من تعميمه للوجهين ؛ لعدم صدق الطيب على النجس ، فإن ثبت تفسير الأول - كما هو الظاهر - دلّ (6) على المطلوب بالخصوص وإلا اندرج فيه ، فالاحتجاج بالآية لا غبار عليه.

فمناقشة صاحب المدارك في ثبوت كون الطيب بمعنى الطاهر الشرعي ليس في محله ؛ إذ

ص: 317


1- منتهى المطلب 1 / 144.
2- النساء : 43 ، المائدة : 6.
3- مشرق الشمسين : 339.
4- بحار الأنوار 78 / 141.
5- في ( ب ) و ( د ) : « علمت » بدل « عرفت ».
6- زيادة : « دلّ » من ( د ).

من الظاهر أنه بعد ثبوت القذارة في الشرع يخرج عن كونه طيبا عند المشهور (1) ، فالصفة وإن كانت شرعية إلا أن الاتصاف عرفيّ ، فأهل العرف إنما يصفونه مع ذلك بالطيبة من جهة عدم إثباتهم للصفة.

على أن الإجماع على عدم اشتراط الطيبة العرفية قرينة على إرادة الشرعية.

وقد يقرّر الاستدلال عليه بالأصل من جهة الشك من جهة البناء على شرطيّة ما شكّ في شرطيته ، فبعد (2) الشك في مدلول الآية لا بدّ من القول بالاشتراط.

واحتج عليه في الحدائق (3) بالنبوى المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ».

وذكر في القريب : بأن الطهور لغة هو الطاهر المطهر كما حقّق في باب المياه.

قال (4) : ومن ذلك يعلم أن كل موضع دلّ النص على التطهير بالأرض من حدث أو خبث يجب أن تكون طاهرة حسبما يقال في الماء.

قلت : فيه : أوّلا : أنه قد ذكر للطهور في باب المياه معنى آخر أيضا. وهو أن يكون بمعنى ما يتطهر به ، والمقام محتمل (5) لإرادته ، فلا يفيد اعتباره الطهارة.

وثانيا : أن غاية ما تقتضيه الرواية أن تكون الأرض في أصلها طاهرة مطهرة ، وهو لا يقضي باشتراط الثاني من الصفتين بالأول حتى يزول الثاني بزوال الأول إلا أن يقال : إن الحكم بطهوريته (6) حكم واحد ، فإذا زال بعضه - أعني الطهارة - زال الجميع ؛ للخروج عن مدلول الآية وعدم حجية الاستصحاب عنده.

وهو كما ترى.

نعم ، قد يمكن الاعتضاد به في المقام بملاحظة أن الظاهر المنساق من المطهّر هو ما كان

ص: 318


1- في ( د ) : « الشارع ».
2- في ( ألف ) : « بعد ».
3- الحدائق الناضرة 4 / 311.
4- الحدائق الناضرة 4 / 312.
5- في ( ألف ) : « تحمل ».
6- في ( ألف ) : « بطهورية ».

طاهرا في نفسه بعد حصول التطهير بالنجس.

وكيف كان ، فالمسألة بملاحظة ما ذكرناه - مع اعتضاده بعدم ظهور الخلاف فيه بين الأصحاب بل ظهور اتفاقهم عليه - مما لا ينبغي الريب فيه.

ويجري الحكم في غير التراب من سائر ما يتيمم به.

وربما يتأمل في المقام في الطهارة المعتبرة في الشي ء المغبّر بأنها هل تعتبر في خصوص الغبار أو محله أو فيهما معا؟ وجوه ؛ أضعفها الثاني وأحوطها الأخير.

وظاهر غير واحد من الأخبار هو الأول حيث دلّ على أن المتيمّم (1) به هو الغبار. ولا يخلو عن قوة.

ولو امتزج الطاهر النجس كان بحكم النجس. وربما يقال في الغبار الممتزج بالنجس بالجواز إذا حصل مسمّاه من الطاهر ، والمشتبه بالنجس حكمه حكم النجس مع الانحصار كما عرفت.

ولو دار الاشتباه بين الماء والتراب ، و (2) كان عنده تراب آخر معلوم الطهارة فهناك وجوه ؛ من تعيّن الطهارة بالماء على احتمال تقدم في باب المياه ، وتعين التيمّم لكون المشتبه حكمه حكم النجس ، وتعيّن الأمرين لاحتمال مصادفة الطهارة الاختيارية.

ص: 319


1- في ( ألف ) : « التيمّم ».
2- أضفنا الواو من ( د ).

تبصرة: [ في التيمّم بالمغصوب ]

لا يجوز التيمّم بالمغصوب بلا خلاف فيه يظهر.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا أجمع.

ووجهه ما تقدم في الوضوء من عدم إمكان التقرب بالمحرّم ، ولعدم انصراف الأوامر إلى الفرد المنهيّ عنه ، فلا مقتضى فيه للصحة.

وكذا الحال لو كان مكان التراب مغصوبا.

هذا كله بناء على كون الضرب على الأرض جزء من التيمّم واضح ، وإلّا كان بمنزلة الاغتراف من الآنية المغصوبة مع إباحة التراب أو حرمته إن لم نشترط العلوق ، ولم يعلّق منه شي ء باليد إلا أن يستند في منعه إلى الإجماع أو بعض الوجوه المذكورة.

ولو كان الفضاء الذي يقع فيه المسحات مغصوبا فالظاهر عدم الصحة ؛ لسريان المنع إلى فعل العبادة القاضي بفسادها.

وقد يقال بأن الحركات الواقعة في المكان المغصوب مقدمات لحصوله ، فلا يضر اجتماعها مع الحرام كما قيل بمثله في الوضوء.

ولا يخفى وهنه كما تقدمت الإشارة إليه.

وأما إذا كان مكانه سوى ما يقع فيه أفعال التيمّم مغصوبا لم يمنع من الصحة إلا إذا كانت حركات التيمّم مستلزمة للصرف فيه.

والمراد بالمكان المغصوب ما لم يكن مملوكا له عينا ولا منفعة ولا مباحا ولا مأذونا فيه من المالك ومن بحكمه أو من الشرع ، ومن الآخر التيمّم في الأراضي المتسعة ؛ لجريان الطريقة من لدن صاحب الشريعة على إيقاع تلك الأنحاء من التصرفات من غير ورود منع كما مرّت

ص: 320

الإشارة إليه في الوضوء ، فلا حاجة فيه إلى استيذان المالك ولو أمكن.

نعم ، لو صرّح المالك بالمنع لم يجز.

ومجرّد العداوة بينهما لا يقضي بالمنع ؛ لعدم استناد الجواز إلى إذن المالك ليرتفع بالشك فيه.

نعم (1) ، علم منها عدم رضاه لم يجوّز. [ و ] مع الظن به فوجهان ، أحوطهما الاجتناب.

ولا فرق بين أن يكون ذلك المكان باقيا في يد صاحبه أو مغصوبا إلا أن يكون هو الغاصب (2) لجريان العادة فيه بالمنع ، وللشك في جريان السيرة فيه.

ولو حبس في المكان المغصوب فإن لم يستلزمه (3) التيمّم فيه تصرفا زائدا على نفس الكون قوي البناء على الصحة ؛ لارتفاع المنع من الكون بالإجبار.

ويحتمل أن يقال : إن إيقاع الأفعال المخصوصة نوع خاص من التصرف لا يقضي مجرد الحبس بجوازه.

وفيه : أنه بعد جبره على الحبس لا يجب عليه السكون فيه بحيث لا يقع منه حركة ولا فعل أصلا حتى يقتصر من التنفس والأكل والشرب على أقل الضرورة ؛ لحرمة كل من الحركة والسكون فيه ، فيتخير بينهما بعد الإجبار.

نعم ، لو كان في الحركة تصرف زائدا عرفا على مطلق الكون لم يجز. ومنه ما إذا تضرّر المالك بإيقاع الوضوء فيه ، فينتقل إلى التيمّم مع عدم إمكان الاستيذان أو في التيمّم ، فيصير فاقدا للطهورين.

ولو نهاه المالك عن نحو مخصوص من الكون ففي حرمته وجهان ؛ من أصالة حرمة التصرف في ملك الغير ، ومن سقوط الرجوع إلى المالك بعد الجبر ، فلا عبرة بنهيه كما لا يجب تحصيل رضاه مع المكنة ، ولا يتعلق بذمته أجرة المكان.

ص: 321


1- الظاهر سقوط كلمة « إن ».
2- في ( ألف ) : « الغالب ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « يستلزم تيمّمه ».

وعليهما يبتني صحة التيمّم وعدمه مع تعلق المنع به ، وكذا الحال في الصلاة.

ولو أذن له المالك إذن في الكون ونهى عن نحو خاصّ كان احتمال الحرمة فيه أقوى من الأول.

ولو كان الحابس هو المالك ونهاه عن كون خاصّ جرى الوجهان إلا أن احتمال الحرمة هنا بعيد ، سيّما مع حصول مشقة عليه إلا أن يستلزم تصرفا زائدا على نفس الكون.

ولا يبعد هنا القول بجواز ما هو من ضرورياته ، من أداء التكاليف والأمور المتعلقة بنفسه عن الأكل فيه والشرب والتخلي والاستنجاء والطهارة من الوضوء والغسل والتيمّم ونحوها ، وإن أوجب اضرار المالك.

نعم ، لو تمكن منه على غير الوجه المضرّ تعيّن مع انتفاء المشقة في اختياره ، ولا يجوز له صرف شي ء من أمواله في ذلك كاستعمال مائه ولبس ثيابه للصلاة وغيره ، وهو واضح.

ولو كان جاهلا بالغصبيّة أو ناسيا لها ، فالظاهر الصحة.

ويحتمل القول بالفساد في الناسي كما مرّ في الوضوء.

والأقوى خلافه.

وكذا الحال في الغافل إلا أن يكون ناسيا على الكون فيه ، فاتفق غفلته عنه حال الفعل في وجه قوي ، بل الظاهر استمراره على الغصب إذن ولو مع الغفلة ، أو يكون غصبه حينئذ نظير سائر الأفعال الاختيارية الصادرة عنه ، ولو غفل عن الفعل في أثنائه وقد اكتفى به في العبادات بناء على الاستدامة الحكمية للنية كما مرّ.

ولو كان بانيا على الخروج (1) حال الطهارة عن الغصبية حال إيقاعها فوجهان ، أحوطهما الإعادة.

ولو غفل في إيقاع الفعل بطلت قطعا. والجاهل بالحكم كالعامد إلا مع الجهل الذي يكون عذرا كالجاهل المطلق كالغافل عن المسألة أو المعتقد للإباحة بحيث لا يحتمل الخلاف ليجب

ص: 322


1- في ( ب ) : « للخروج » بدل « على الخروج ».

عليه السؤال.

ثم إن المشتبه بالمغصوب مع الانحصار ، ولا فرق بين مدور الاشتباه بين أرضين أو بينه ، وبين الماء أو غيره من سائر الأنواع.

ص: 323

تبصرة: [ في التيمّم بالممتزج ]

من شرائط ما يتيمم به أن لا يكون ممتزجا بغير ما يصح التيمّم به بحيث يسلبه إطلاق الاسم أو يكون الخلط متميزا في الحسّ.

وقد أطلق بعضهم عدم صحة التيمّم بالممتزج.

ويمكن حمله على ذلك ؛ إذ مع بقاء الاسم وعدم امتياز الخلط فكأنّه لم يختلط بغيره.

والوجه في الجواز مع بقاء الاسم ظاهر.

وكذا المنع مع عدمه.

وأما مع الامتياز في الحسّ فلعدم صدق اسمه على المجموع إلا بطريق التسامح. ولا عبرة به في الشرع ، فنحو ألبسة الواقعة على التراب اجزاء والحشيش الممتزج به أو الشعيرة يمنع من صحة التيمّم به.

ولو كان ذلك على ظاهره فاندفن في التراب بحيث يصل اليد إليه أو وصل يده إليه بالتحريك لم يقض بالصحة ؛ إذ لم يقع الضرب على الأرض والتسامح في التسمية لا عبرة به كما مرّ.

نعم ، يصحّ التيمّم به بعد عدم إمكان الأرض الخالص إذا بقيت الأجزاء الأرضية على اسمها ؛ إذ ليس ذلك بأقلّ من الغبار.

ويحتمل تقديمه عليه ؛ لصدق اسم التراب عليه في الجملة وإن لم يصدق ضرب اليد بتمامها على التراب.

ص: 324

ويتقوى الاحتمال المذكور مع قلة الخليط فيه جدّا. ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون (1) الممسوح من المائعات أو الجواهر إلا أنه يخرج مع الامتزاج بالماء إلا أن تصل إلى حدّ الطين.

وكذا غيره من المياه المضافة.

ص: 325


1- في ( د ) : « كون » بدل « أن يكون ».

تبصرة: [ في فاقد الطهورين ]

من فقد الطهورين معا فالمعروف بين الأصحاب سقوط الأداء عنه.

وحكي في شرح الاستبصار إطباق علمائنا عليه. وهو كذلك ؛ إذ لا يعرف فيه مخالف من الأصحاب.

نعم ، ذهب إلى وجوبه عليه جماعة من العامة كالشافعي في أحد قوليه ، وابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، وأبو يوسف وغيرهم.

نعم ، حكى المحقق قولا مرسلا بالوجوب حكي في ظاهر التذكرة (1) حيث أسند إليه أنه يصلّي ويعيد.

وظاهره وجوب الأمرين عليه ، وعبارته في المبسوط غير دالّة عليه ، بل ظاهره التخيير بين التأخير والصلاة ، ثم الإعادة.

وظاهر ذلك جواز فعله محدثا لا وجوبه. ولا يعرف ذهاب أحد من الأصحاب إليه سواه.

وهو ضعيف إذ لا شاهد عليه. ويدلّ على سقوط الأداء مضافا إلى ما عرفت إطلاق قوله عليه السلام في الحديث المروي في الصحيح وغيره : « لا صلاة إلا بطهور » (2) الدالّ على عدم صحة الصلاة بدونه ، سواء حمل العبارة على النهي أو النفي.

وهو كما ترى شامل لحال الاختيار والاضطرار ؛ مضافا إلى ما دلّ من حرمة الصلاة شرعا من دون طهور ، كقوله في رواية مسعدة بن صدقة : « سبحان اللّه! فما يخاف من يصلي من

ص: 326


1- تذكرة الفقهاء 1 / 63.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 58 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 129.

غير وضوء أن يأخذه الأرض خسفا » (1).

وفي الصحيح الوارد في جلد الملائكة رجلا من الأنصار (2) في حيرة المعلل سبب جلده بأنه صلّى يوما من غير وضوء ، ومرّ على ضعيف فلم ينصره » (3).

مضافا إلى غير ذلك مما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهور كالصحيح : عن الفرض في الصلاة؟ فقال : « الوقت والطهور » (4) ، الحديث (5).

وفي النبوي : « افتتاح الصلاة الوضوء » (6).

ونحوه في العلوي.

وعن الصادق عليه السلام : « الصلاة ثلاثة اثلاث ثلث طهور » (7) الخبر.

مع تأيدها بما دلّ من إطلاقات الأصحاب باشتراط الصلاة بالطهور ، وظاهر إجماعاتهم المحكية القاضية بإطلاق الشرطية سيّما على القول بكون أسامي العبادات بإزاء الصحيحة كما هو الأظهر.

ومن الغريب ما اتفق لبعض أفاضل المتأخرين من القطع بثبوت الأداء عليه ؛ استنادا إلى أن الصلاة من الواجبات النفسية المطلقة حيث تعلّق الأوامر المطلقة في الكتاب والسنة بها ، والطهارة إنما كانت واجبة للغير (8) ، فعند عدمها لو سقط الواجب لزم كونها مقيدة كالحج

ص: 327


1- وسائل الشيعة 1 / 368 ، باب تحريم دخول في الصلاة بغير طهارة ، ح 1.
2- في ( د ) : « الأحبار في قبره » بدل « الأنصار في حيرة » ، وفي المصدر : « الأخيار ».
3- ثواب الأعمال : 224 ، وفيه : صفوان بن مهران الجمال ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « اقعد رجل من الأخيار في قبره. قيل له : يا أبا خالد! إنا جادلوك مائة جلدة من عذاب اللّه. فقال : لا أطيقها. فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة ، فقالوا : ليس منها بدّ. فقال : فيما تجلدوني فيها؟ قالوا : إنك صلّيت يوما بغير وضوء ومررت على ضعيف فلم تنصره ».
4- الكافي 3 / 272 ، باب فرض الصلاة ، ح 5.
5- في ( د ) : « .. إلى آخره » بدل « الحديث ».
6- الكافي 3 / 69 ، باب النوادر ، ح 2.
7- الكافي 3 / 373 ، باب فرض الصلاة ، ح 8.
8- في ( ألف ) : « المعتبر ».

بالنسبة إلى الاستطاعة ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، وأن القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام : « إذا أمرتكم بشى ء فأتوا منه ما استطعتم » (1) قاض بعدم سقوط الصلاة مع تعذر الطهارة إذا أمرنا بالطهارة والصلاة معا ، فإذا تعذر الأول لم يسقط الثاني.

وضعف الوجهين المذكورين مما لا يحتاج إلى البيان ؛ إذ بعد دلالة الأخبار المذكورة المؤيّدة بسائر الأخبار وإطباق الأصحاب على التقييد لا تبقى تلك الإطلاقات حجة ، بل لا بدّ من حملها على المقيّد كما هو القاعدة المجمعة عليها بين الأصحاب.

والرواية المذكورة عامّية لا ذكر لها روايات الأصحاب حتى يصح الاستناد إليها.

ويؤيده عدم بنائهم عليها في جلّ الأمور ، وليس ذلك قاعدة مطردة بينهم بل إنما يلاحظون الأدلة في خصوص كل مقام ، مضافا إلى عدم وضوح دلالتها في المقام ؛ إذ لو اريد بقوله « ما استطعتم » الفرد الذي يستطاع منه دلّ على الاكتفاء بأيّ فرد يستطاع من أفراد المأمور به ، وإن اريد به التبعيض في العمل فمع عدم بناء الأصحاب عليه - كما عرفت - إنما يدلّ على جواز الاكتفاء تعلق به القدرة بعض الاجزاء لا بمجرد الفعل من دون الشرط ؛ إذ الفاقد للشرط ليس بعضا من المأمور به كما هو قضية الاشتراط.

ومن الغريب أيضا إيراده على دلالة الصحيحة المتقدمة بما لا ينبغي صدوره من مثله حيث ذكر أولاً : أن هذا النفي ليس إلا مثل النفي الوارد على سائر شروطها وأجزائها مثل « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (2) وإلا فسائر إلى غير ذلك. وقد جعلتموه على حالة الاختيار وحكمتم بوجوب الصلاة مع تعذر تلك الشرائط والأجزاء مع أن التلازم بين الجزء والكل أقوى.

وثانياً : أن الطهور في هذه الرواية وردت في مقام ذكر الاستنجاء (3) فيكون ذلك شاهداً

ص: 328


1- عوالي اللئالي 4 / 58 في هامشه.
2- عوالي اللئالي 1 / 196.
3- في ( ب ) : « الاستحباب ».

على (1) إرادة الطهارة على الخبث وإن كان في نفسه مقولا بالاشتراك على الأمرين ، وأنتم لا تقولون فيها ذلك ؛ لظهور فساد الأول.

واندفاعه بأن الخروج عن قضية الأصل في تلك المقام لقيام الدليل عليه لا يقضي بالتزامه في المقام ، وإلا لانسدّ طريق العمل بظواهر الأخبار لخروج كثير منها عن الظاهر ، وإن أراد مقابلته (2) الشرط المذكور بتلك الشرائط والأجزاء ففساده أظهر من أن يخفى. وكذا إن ادّعي الأولوية.

ومن الغريب أيضا تعجّبه من المحقق حيث أبدى (3) الفرق بين هذا الشرط وسائر الشرائط ببيان مزيد خصوصية فيه ، وذكر بعد حكاية ذلك منه أن الكلام فيه لا يحتاج إلى بيان مع أن الأمر بالعكس ، وليس مقصود المحقق إلا ذكر بعض الوجوه الفارقة لئلا يسري الحكم منها إليه ، ويكفي في ذلك مجرد احتمال الفارق ، فكيف مع تحقّقه في الجملة.

وقرّر الكلام المذكور في بعض رسائله مستدلّا به على مطلوبه بأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لا في (4) وجوبها ، فهي كغيرها من الساتر والقبلة وباقي شروط الصحة إنما يجب مع إمكانها ، وإلا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد كالحج والأصوليون على خلافه.

وضعفه ظاهر ، فإن الأصل في كل شرط من شرائط الصحة أن يكون التمكن منه من شرائط الوجوب إلا أن يدلّ دليل على خلافه أو على سقوط الشرط مع انتفاء القدرة عليه ، ووجود الدليل في سائر الشرائط لا يقضي بثبوت الحكم في محل النزاع مع عدم قيام شي ء من الأدلة عليه ، فليس حمله عليها إلا قياسا محضا.

ويندفع الثاني بأن العبرة بعموم اللفظ ، مضافا إلى أن الاستنجاء من مقدمات الوضوء

ص: 329


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « مقايسة ».
3- في ( ألف ) : « أيّد ».
4- في ( ألف ) : « لأنّ » بدل « لا في ».

والغسل كما يظهر من الأخبار ، فلا يوجب وروده عند ذكر الاستنجاء تخصيصه (1) ، على أن ما يدلّ على اشتراط الصلاة بالطهور غير منحصر في تلك الرواية كما عرفت.

فالحال في سقوط الأداء بيّن لا خفاء فيه.

وعن المفيد (2) في رسالة إلى ابنه أنه « يذكر اللّه في أوقات الصلاة » ، ولم نقف على مستنده.

وكأنّ الوجه فيه إلحاقه بالحائض حيث إن الموجب لسقوط الصلاة فيها وجود الحدث ، وهو كما ترى.

وأما سقوط القضاء عنه فاختلف فيه الأصحاب ، فعن المفيد في أحد قوليه والفاضلين وغيرهم سقوطه عنه.

وعن المفيد في المقنعة والسيد والحلي وجماعة من المتأخرين القول بوجوبه.

وفي الحدائق : أنه المشهور بين المتأخرين.

وبالغ الفاضل المتقدم في نفي القضاء عنه على القول بسقوط الأداء. ولعلّه الأظهر ؛ إذ ثبوت القضاء إنما هو بأمر جديد ليس على وجوبه دليل ظاهر ، والاستناد فيه إلى بعض إطلاقات (3) القضاء الشاملة في بادي الرأي لا يخلو عن إشكال ؛ لانصرافها إلى تلك الصورة مضافا إلى ندرة وقوعها.

ومما يدلّ على ما ذكرنا ما استفاض نقله في المعتبرة الحاكمة بعدم وجوب قضاء ما فات بالإغماء من أن « كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر » (4).

وفي القوي : « ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كلّما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده » (5). قال الراوي : وزاد فيه غيره أن أبا عبد اللّه عليه السلام قال : « هذا من الأبواب الذي يفتح

ص: 330


1- زيادة في ( د ) : « به ».
2- الذي بين يدي الآن من المصادر : مصباح الفقيه 2 / 504 ، فراجعه.
3- في ( ب ) : « الإطلاقات ».
4- الكافي 3 / 451 ، باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها ح 4 ، وفيه : « بالعذر فيه ».
5- وسائل الشيعة 8 / 260 ، باب وجوب قضاء ما فات بسبب الاغماء المستوعب للوقت ، ح 8.

كلّ باب منها ألف باب » (1).

حجة القول بوجوب القضاء إطلاق ما دلّ على وجوب قضاء الفائتة كالصحيح : « أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة صلاة فاتتك ، فمتى ذكرتها أدّيتها » (2).

وفي الصحيح : « يقضي ما فاته كما فاته » (3).

وفيه ما عرفت من الضعف في الإطلاق ، مضافا إلى معارضته بالقاعدة المتقدمة.

ص: 331


1- وسائل الشيعة 8 / 260 ، باب وجوب قضاء ما فات بسبب الاغماء المستوعب للوقت ، ح 9.
2- الكافي 3 / 288 ، باب الصلاة التي تصلي في كل وقت ، ح 3.
3- الكافي 3 / 435 ، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه التقصير أو التمام ، ح 7.

الفصل الرابع: في بيان كيفية التيمّم

تبصرة: [ في النيّة ]

اشارة

من الأمور المعتبرة في التيمّم النيّة ، وقد تقدم الكلام فيها ، وأنّها ليست من أجزاء العمل ، وإنما هي من شرائط صحتها.

والكلام هنا في أمرين :

أحدهما : المعروف بين الأصحاب أن التيمّم غير رافع للحدث وإنما يبيح العبادة المشروطة به ، فلا يجوز أن ينوي به الرفع.

وفي المعتبر (1) : إن عدم رفعه الحدث مذهب العلماء كافّة.

والمعزى إلى الشهيد في قواعده والشهيد الثاني في شرح الألفية كونه رافعا للحدث كالمائية غير أن الرفع فيها مطلق ، وفيه مقيد بعدم وجدان الماء.

واختاره جماعة من المتأخرين منهم الفاضل الجزائري محتجّين بأن الحدث يطلق على معنيين :

أحدهما : الأمر الخارج أو (2) الحاصل الناقض للطهارة.

وثانيهما : الحالة الحاصلة به المانعة من الدخول في الصلاة وغيرها.

والثاني هو المقصود هنا ؛ إذ لا يعقل ارتفاع الأول بعد وقوعه ، والمعقول من رفع الحدث

ص: 332


1- المعتبر 1 / 294.
2- في ( ألف ) : « و ».

بالمعنى الأول واستباحة الصلاة واحد ؛ إذ ليس استباحة الصلاة سوى رفع تلك الحالة المانعة التي هي معنى الحدث.

غاية الأمر أن يكون الفرق بينهما كون الرفع في الطهارة المائيّة مطلقا (1) وفيه مقيدا بوجدان الماء ، وهو لا يصلح فارقا بحيث يخرج النافي عن كونه رفعا.

وربما يجمع بين كلمات الأصحاب بذلك الحمل كلام المانعين على إرادة رفع الحدث على نحو المائية ، والتأمل في كلماتهم يأباه.

فإن قلت : إن هناك أمرين : أحدهما الحالة الحادثة والصفة القائمة بالشخص ، والآخر ما يتبعه من الأحكام كالمنع من الصلاة ، وارتفاع التابع لا يدلّ على ارتفاع المتبوع ؛ لجواز الانفكاك بينهما ، فلا اتحاد بين المعنيين ولا ملازمة بينهما ؛ إذ غاية ما يقتضيه الدليل ارتفاع الأخير بسبب التيمّم دون الصفة الحاصلة ، وقضية الاستصحاب بقاؤها.

قلت : من الظاهر تسبيب التيمّم لحالة يصح بها الدخول في الصلاة ، فيرتفع الحالة المانعة قطعا. غاية الأمر أن يقع الشك في أن حالة الحدث هل تلك الحالة المانعة المرتفعة بالتيمم أو أنها صفة وجودية اخرى من شأنها المنع؟ فيمكن أن يجامعها حالة وجودية اخرى بها يستباح الصلاة ، ولا يكون المنع إذن من لوازمها ، بل من توابعها المتفرعة عليها لو لا عروض العارض.

وفيه : أن المتيقّن حصوله بأحد الأسباب الباعثة على الحدث هو الأول ، فيدفع الزائد عليه بالأصل ، فلا ثبوت له ليحتاج إلى الرفع ، فليس الحدث إلا تلك الحالة المانعة بالفعل. وكذا الطهارة هي الحالة المبيحة الرافعة لذلك المنع.

وأيضا لا شك في كون المتيمم متطهرا ؛ إذ التيمّم أحد الطهارات الثلاث ، والطهارة ضدّ للحدث ، فلا بدّ من ارتفاعه به.

مضافا إلى عموم التشبيه في قوله : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (2).

ص: 333


1- في ( ألف ) : « مطلق ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 109 ، باب التيمّم ، ح 224.

وما أفاد مفاده كعموم المنزلة في قوله : « إنما هو بمنزلة الماء » (1) فيكون إذن طهورية التراب على حسب طهورية الماء.

أقول : ويمكن دفع (2) الأول بأن من الظاهر دلالة انتقاض التيمّم بمجرد التمكن من الماء على بقاء الحالة الحدثية المقتضية للمنع من الصلاة. كيف ، ولا يتوهم أحد كون حصول الماء بنفسه حدثا للمكلف وباعثا على حصول تلك النقيصة فيه ، فلا يعقل فيه إذن إلا أن يكون رافعا للإباحة الحاصلة بالتيمم ، فيعمل تلك الحالة ( الحدثيّة الباقية عمله من المنع وإلّا فلا مقتضى لعود تلك الحالة ) (3).

فدلّ ذلك على وجود ذلك الحدث بالمعنى المذكور ، فلا معنى لنفيه بالأصل.

وعدّ المتيمم متطهرا ليس بالنسبة إلى المحدث بالمعنى المذكور ، بل بملاحظة من حصل له المنع حيث إن التيمّم رافع لذلك المنع.

فظهر أن هناك إطلاقين للمتطهر ، وكذا للمحدث على وجه [ و ] الكلام إنما هو في كونه رافعا للحدث مطلقا كما هو المتبادر من رفع الحدث لا في رفعه بالمعنى المعبّر عنه بالحالة المانعة عن الصلاة فعلا ؛ لوقوع الاتفاق عليه.

وإطلاق الحدث عليه بعيد أيضا وإن كان إطلاق المتطهّر على رفعه مطابقا للمصطلح ؛ لعدم الملازمة بينهما.

ومما ذكر يعرف أن ما دلّ على كون التراب بمنزلة الماء منزّل على إرادة رفع تلك الأثر ، أي المنع من الصلاة ونحوها.

فبملاحظة جميع ذلك يظهر قوة القول المشهور ، وضعف ما اختاره الجماعة.

ويشير إليه إطلاق الجنب في بعض الأخبار على المتيمم ، فيتفرّع إذن على ذلك عدم جواز قصد الرفع بالتيمم إن عنى به المعنى المذكور دون المعنى الآخر.

ص: 334


1- تهذيب الأحكام 1 / 200 باب التيمّم وأحكامه ح 55.
2- في ( ألف ) : « رفع ».
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فإنه عبارة اخرى عن الاستباحة.

ثم لو قصد به ففي (1) صحة تيمّمه وجهان من أنه لا يشترط فيه شي ء من الأمرين كما هو الأظهر كما عرفت في باب الوضوء ، فلا مانع من تركه قصد الاستباحة ، مضافا إلى أن الاستباحة من لوازم قصد الرفع فكأنه قد قصدها.

ومن أنه بقصده الرافع يصير منتزعا ، فيكون ذلك سببا لحرمة فعله الباعثة على الفساد ، مضافا إلى أن الاستباحة الحاصلة بالتيمم غير منويّة.

فعلى القول بوجوب قصدها لا يتمّ البناء على الصحة.

ويدفعه أن التشريع في النية لا يوجب حرمة الفعل مع تعلق الأمر به في الشرع ، فلا يسري التحريم إلى الفعل ليقضي بالفساد ، وأن الاستباحة من اللوازم البيّنة للرفع ، فيمكن أن يقوم قصده مقامه.

واحتمل كلّا من الوجهين في التذكرة ولم يحكم بشي ء.

ومما يتفرع على القول بعدم كونه رافعا لزوم التيمّم بدلا عن الغسل لو تيمم بدلا عنه ، ثم وقع حدث أصغر. وفي تفرعه على ذلك تأمل يأتي الإشارة إليه.

[ في قصد البدلية ]

ثانيهما : أنه هل يعتبر في نية التيمّم قصد البدلية عن الوضوء والغسل أو يكفي بقصد الاستباحة بل مطلق القربة؟ أقوال ، ثالثها وجوب ذلك مع القول باختلاف الكيفيتين خاصة.

والأول يحكى (2) عن الصدوق (3).

والثاني عن جماعة من المتأخرين.

ص: 335


1- في ( د ) : « نفي ».
2- في ( د ) : « محكيّ ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « الخلاف » بدل « الصدوق ».

والثالث عن الشهيد في الذكرى.

وكشف الحال أن الكلام هنا يقع في امور :

أحدها : في اعتبار قصد البدلية عن المائية مطلقا من غير ملاحظة خصوصية الوضوء والغسل.

ثانيها : في اعتبار تعيين كل من الخصوصيتين.

ثالثها : في اعتبار ذلك مع وجوب كلا الأمرين.

أما الأول ، فالظاهر أنه لا دليل عليه أصلا ، ومجرد كون التيمّم بدلا عن التيمّم ورافعا بعد فرض عدم المكنة منها لا يقضي باعتبار قصد ذلك في تحققه وصحته ، ولا لحصول ماهيّته كما في سائر التكاليف المترتبة.

وأما الثاني ، فقد يستدل عليه بأن الواقع بدلا عن الوضوء مخالف في الحقيقة للواقع بدلا عن الغسل كالبدلين ، فلا بدّ من التعيين بالنية ليتميّز الفعل الواقع ؛ إذ لا يمكن ذلك دون قصده ولو بعنوان الإجمال كأن ينوي وقوعه بدلا عمّا في ذمّته مع نفيه في الواقع بناء على الاكتفاء به في التعيين كما هو الأقوى.

مضافا إلى أنه قضية اليقين بالشغل لتوقف اليقين بالفراغ عليه.

وفيه منع ؛ إذ اختلاف الفعلين في الحقيقة مما لا دليل عليه ، بل قضية إطلاق الآية [ و ] عدة من الأخبار كونه حقيقة واحدة وإن تعذرت أسبابه.

وبالجملة ، التيمّم فعل وضع لإباحة الصلاة وغيرها من الغايات سواء كان الحدث المانع أكبر أو أصغر ، من دون أن يكون هناك اختلاف في حقيقته ليفتقر إلى التميّز بالنية ، فإذا قصد ذلك الفعل صحّ وإن لم يعيّن الفعل المبدل منه.

نعم ، قد يستشكل فيما إذا نوى إباحة الأصغر وهو غافل عن كونه محدثا بالأكبر أو بالعكس من حيث تعيين الإباحة ، نظير ما إذا نوى رفع حدث الواقع غيره.

والأظهر هنا الصحة أيضا ؛ لعدم اشتراط قصد الإباحة في صحة التيمّم أخذا بظاهر

ص: 336

الأدلة كما مرّ القول فيه في الوضوء ، فيكون فعله (1) جامعا لشرائط الصحة ، فيتفرع عليه إباحة العبادة.

هذا على ما اخترناه من اتحاد نوع الفعل في الصورتين. وأما إذا قلنا باختلافهما في النوع لزم منه فساد العمل ؛ إذ المفروض كون المأتيّ به غير الواجب ، فلا يجزي عنه ، فيكون احتمال الصحة من فروع المسألة.

ثم لو (2) قلنا باختلاف الحقيقتين فالظاهر الاكتفاء بما يعين الفعل المبدل منه واقعا من دون لزوم خصوص نية البدليّة عن الوضوء أو الغسل كما إذا عيّنه بالاستباحة عن الحدث الأصغر أو الأكبر أو نوى ما في ذمته.

هذا إذا قلنا باتحاد الصورة في الصورتين ، وأمّا لو قلنا باختلافهما فالأظهر لزوم تعيين الفعل ؛ إذ اختلاف الكيفية ناظر إلى اختلاف الحقيقة.

ومع الغضّ عنه فلا أقل من الشك ، وهو يقضي بلزوم التعيين من جهة تحصيل اليقين بالفراغ.

فظهر قوة القول بالتفصيل إلا أن الاحتياط في مراعاة تعيين البدلية ، بل تعيين خصوص الغسل في الواقع بدلا عنه عن كونه غسل جنابة أو مسّ ميّت أو غيرهما.

وقد يقال : إن إطلاق الجماعة من المتأخرين عدم اعتبار قصد التعيين مبنيّ (3) على عدم اختلاف الكيفيتين ، فلا ينافي إطلاقهم القول بما اخترناه. وقد ظهر مما قرّرنا الوجه في القولين الأخيرين.

وأما الثالث ، فلا تأمّل في لزوم تعيين كل من الجهتين ليتميّز الواقع بدلا عن أحد الأمرين عن الآخر ؛ إذ لو لا التعيين لم ينصرف الإطلاق إلى شي ء من القسمين ؛ لبطلان الترجيح بلا مرجّح ، وعدم اقتضاء الشي ء من النصوص انصرافه إلى أحدهما ، فيبقى

ص: 337


1- في ( ألف ) : « فعل ».
2- زيادة : « لو » من ( د ).
3- زيادة : « مبنيّ » من ( د ).

التكليفين المعلومين بهما على حالهما ، وذلك قاض بفساد الواقع.

ثم إنّ (1) تعيين الفعل هنا على حسبما ذكرنا من غير حاجة إلى قصد خصوص البدلية.

ص: 338


1- زيادة : « إنّ » من ( د ).

تبصرة: [ في ضرب اليدين على التراب ]

لا خلاف في وجوب ضرب اليدين في التيمّم ، فلو وضع التراب على يديه لم يكتف به إجماعا ، وكذا لو استقبل الواجب (1) حتى لصق صعيدها بيديه ، وهل هو من أجزائه أو مشروطه؟ ظاهر المشهور بين الأصحاب هو الأول ، وبه نصّ جماعة منهم.

وعن العلامة في النهاية اختيار الثاني ، فيكون بمنزلة الاغتراف في الوضوء إلا أن الاغتراف ليس بواجب بخصوصه ، وهو واجب خارج عن الفعل تتوقف عليه الصحة ؛ إذ الواجب هو خصوص المسحات الواقعة عقيب الضرب ، فلا يرد عليه ما قد يقال : إنه يلزم عليه القول بصحة التيمّم لو حصل الغبار على يديه من دون الضرب مع الإطباق (2).

والأقوى الأول ، ويدلّ عليه ظواهر الأخبار الواردة في بيان كيفية التيمّم ؛ لاشتمالها على ضرب اليدين وما بمعناه ، وظاهر ذلك أنه من جملة الأفعال ، ففي الموثق الحاكي لفعل عمّار بعد نقل قوله عليه السلام : « هكذا يصنع الحمار ، إنما قال اللّه عزوجل : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (3) ، فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينه » (4) ، الخبر.

وفي الصحيح بعد حكاية فعل عمار : فقلت له : كيف التيمّم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه (5) الخبر.

ص: 339


1- ظاهرا « التراب ».
2- زيادة في ( د ) : « على فساده ».
3- المائدة : 6.
4- وسائل الشيعة 3 / 361 ، باب كيفية التيمّم وجملة من أحكامه ، ح 9.
5- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 4.

وفي رواية اخرى ، عن الصادق عليه السلام أنه وصف التيمّم ، فضرب بيديه على الأرض ثم ( رفعهما فنفضهما ثمّ مسح .. » (1) الخبر.

وفي خبر زرارة ، عن الباقر عليه السلام في التيمّم قال : « تضرب بكفّيك الأرض ثمّ ) (2) تنفضهما وتمسح » (3). انتهى.

فإنّ سياق هذه الأخبار وما بمعناها ظاهر في كونه من جملة الأفعال حيث إنها وردت في مقام بيان الكيفية.

ومن الأخبار الدالّة على ذلك ما ورد في بيان عدد الضربات كالصحيح : قلت له : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرتين ، ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين » (4).

وفي [ آخر : ] « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (5).

فإن ظاهر الحمل كونه من الأفعال ، بل الظاهر أن اسم التيمّم مأخوذ منه ، فإن المراد بقصد الأرض هو الضرب عليها كما هو ظاهر هذين الخبرين ، مضافا إلى أنه مع الغضّ عن ظواهر هذه الأخبار لا دليل على كونه خارجا عن حقيقة التيمّم ، فيدور الأمر بين كونه جزء أو (6) شرطا ، ولا يميّز ذلك إلا في لزوم تقديم النية وعدم جواز تخلل الحدث ، وقضية الأصل اعتبار الأمرين.

وأيضا لا شكّ في وجوب الضرب على الأرض ، والأصل اعتبار النية في كل الواجبات ، ويشير إليه هنا بالخصوص إجماعهم على عدم جواز التيمّم بالمغصوب كما عرفت. واعتبار النية فيه منفردا ممّا لا قائل به ، فلا بدّ من تقديم نية التيمّم عليه.

ص: 340


1- الإستبصار 1 / 170 ، باب كيفية التيمّم ، ح (590) - 3.
2- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).
3- تهذيب الأحكام 1 / 210 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ح 11.
4- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 599 - 7.
5- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 597 - 5.
6- في ( د ) : « و ».

واحتجّ العلامة بظاهر الآية الشريفة ؛ لدلالتها على أن أول أفعال التيمّم هو مسح الوجه ؛ لعطفها بالفاء التعقيبيّة على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض ، فيكون خارجا عن ماهيّته.

وفيه : أنّ قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) (1) دالّ عليه ، فلا حاجة إلى ذكره ثانيا ؛ إذ ليس المراد بالتيمم - واللّه أعلم - مطلق الصعيد ، بل القصد بالنحو الخاص أعني الضرب عليه ؛ إذ قد يكون التوجيه (2) إليه حاصلا قبل قصد التيمّم.

ويشير إليه ظاهر الخبرين المتقدمين بل إنهما مبيّنان لمعنى التيمّم في الآية بأنه الضرب دون مطلق التوجيه (3). وهو الوجه في حمله على التيمّم ، وإلا فلا يتّجه حمل الجزء على الكلّ ، فيكون الآية أيضا من جملة الأدلة على ما ذكرناه.

ويورد (4) على العلامة جواز تخلل الحدث بين الضرب والمسحات كما يجوز ذلك في الوضوء بين الاغتراف وغسل الوجه ، مع أنّه مما لا يجوز في المقام.

وهو كما ترى ؛ إذ هو قائل بجواز ذلك ، وهو من فروع قوله بالخروج.

نعم ، يمكن دفعه بأصالة الاحتياط ؛ إذ لا دليل على جوازه (5) سوى الأصل. وقد يلزم (6) على القول بخروجه اشتراط عدم تخلل الحدث بينهما أيضا إلا أنه لا يظهر قائل به.

ص: 341


1- النساء : 43 والمائدة : 6.
2- في ( د ) : « التوجّه ».
3- في ( د ) : « التوجّه ».
4- في ( ألف ) : « يرد ».
5- في ( ألف ) : « جواز ».
6- في ( د ) : « يلتزم ».

تبصرة: [ في الضرب على الأرض ]

يعتبر في الضرب امور :

أحدها : أن يكون وضعه اليدين على الأرض باعتماد بحيث يصدق معه مسمّى الضرب ؛ لورود الأمر به في عدّة من الأخبار.

وقد ورد فعله (1) في جملة من الأخبار البيانية.

وهو ظاهر معظم الفرقة ؛ للتعبير بلفظ الضرب.

وعن الشهيد والمحقق الكركي القول بكفاية الوضع ؛ استنادا إلى أن الغرض قصد الصعيد ، وهو حاصل بالوضع.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم (2) ذكر الوضع في عدة من الأخبار الفعلية.

ويضعّف الأول أن إطلاق الآية يدلّ على ذلك ؛ لما عرفت من الدليل على التقييد.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم في الخبرين الناصّين بالضرب ، فكأنّه إشارة إلى بيان معنى الآية كما أشرنا إليه.

على أن البناء على إطلاق الآية مشكل للعلم بعدم إرادة قصد المطلق ، فهو أشبه بالمجمل من المطلق.

والثاني أن حكاية الأفعال لا عموم فيها والوضع (3) إن لم يكن أعمّ مطلقا من الضرب فلا أقل من العموم من وجه ، وهو كاف في عدم الاستدلال.

ص: 342


1- في ( ألف ) : « فعل ».
2- لم ترد في ( د ) : « عرفت من تفسير التيمّم ».
3- زيادة في ( د ) « و ».

ثانيها : أن يكون الضرب بباطن الكفين ، والظاهر الإجماع عليه ؛ إذ هو المعهود من صاحب الشريعة ، والذي جرت عليه الطريقة المستمرة المأخوذة من (1) أرباب العصمة عليهم السلام. وإليه ينصرف إطلاقات الأخبار المذكورة المأثورة.

ثالثها : أن يكون ضربهما على الأرض دفعة عرفية ، فلا يجوز ضرب أحدهما مرة والأخرى أخرى (2) ؛ إذ هو الظاهر من عدة أخبار الباب كالصحيح « على الصحيح تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك » (3) ، الخبر.

وفي صحيحة اخرى : « تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما » (4).

وفي رواية زرارة : « تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما » (5).

إلى غير ذلك مما ورد على (6) حكاية الأفعال.

وهل يعتبر أن يكون (7) اليدان متقاربتين أو يكتفي بضربهما في آن واحد وإن كانتا متباعدتين؟ فقضية الإطلاقات جواز ذلك إلا أنه خلاف المعهود من الطريقة ، بل خلاف الظاهر من الأفعال البيانية. وقضية اليقين بالفراغ مراعاة ذلك. وقد عبّر جماعة منهم بوضع اليدين معا ، وهو ظاهر في وجوب ذلك.

رابعها : أن لا يكون هناك حائل بين باطن اليد والأرض ؛ إذ قضية الأخبار حصول الملاصقة بين اليد والأرض. وهو ظاهر الأصحاب. وفي شرح المفاتيح حكاية الإجماع عليه.

ويؤيده عموم المنزلة المستفادة من عدة من الأخبار ، ولا فرق بين أن يكون المانع في تمام العضو أو في بعضه ، ولا بين أن يكون المانع ( قبل الضرب أو يكتفى بالكشف عنه بعده أو

ص: 343


1- في ( د ) : « عن ».
2- زيادة : « اخرى » من ( د ).
3- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 596 - 4.
4- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ح 599 - 7.
5- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 595 - 3.
6- في ( د ) : « في ».
7- كذا ، والأظهر : « تكون ».

بتحليله تحت الأرض أو لا بدّ من رفع المانع ) (1) مما يصحّ التيمّم به كالتراب أو من غيره لعدم صدق الضرب عليه.

وهو في محلّه.

وهل يعتبر رفع المانع قبله؟ وجهان ، أظهرهما الأخير إلا أن يكون كشفه عن المحل غير متراخ عن الضرب بحيث يصدق معه ، الضرب بتمام (2) باطن الكف دفعة عرفية.

ولا يجب ايصال جميع أجزاء باطن الكف إلى الأرض بحيث يستوعب الأجزاء المنخفضة منها كالتخاطيف الحاصلة في الكف في وجه قويّ ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وإن استيعاب ذلك معتبر في غير التراب الناعم ، وتعيّن (3) استعماله في التيمّم مخالف لظاهر إطلاقات الروايات وكلمات الأصحاب ، بل ظاهر تجويزهم التيمّم بالحجر ونحوه قد يفيد عدم وجوب إيصال المنخفض من الراحة ؛ لعدم وصوله إليه في الغالب.

والأحوط مراعاة ذلك ، ولو كان في المواضع الغير الواصلة إلى الأرض فيها حاجب عن الوصول ، فإن كان التراب بحيث يصل إلى المحل لو لا ذلك لنعومة ونحوها قوي المنع ، وإلّا ففيه وجهان.

ص: 344


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ).
2- في ( ألف ) : « والضرب تمام ».
3- في ( ألف ) : « معيّن » بدل « وتعيّن ».

تبصرة: [ في علوق المسح ]

في اشتراط بقاء العلوق للمسح قولان : فظاهر المعظم عدمه حيث أطلقوا بيانه من دون ذكر لاشتراطه سيّما من ذهب منهم إلى كون الصعيد مطلقا وجه الأرض كما هو المشهور ، خصوصا مع التصريح بجوازه على الحجر الخالي عن الغبار ، بل هو صريح في عدم اشتراطه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم العلامة (1) والشهيد (2) والمحقق الكركي (3) من غير إشارة إلى خلاف فيه إلا عن الإسكافي (4) حيث ذهب إلى وجوب المسح بالغبار.

وظاهره اعتبار وجود الغبار في جميع الأجزاء الماسحة بالنسبة إلى جميع المسحات.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى اعتبار العلوق في الجملة ، ومال إليه (5) آخرون كشيخنا البهائي (6) والعلامة المجلسي (7) وغيرهم.

والوجه في عدم الاشتراط الأصل وإطلاق الأخبار المبيّنة لحقيقة التيمّم (8) القولية والفعلية ، واستحباب النفض المعلوم بالنصّ والإجماع ، وما دلّ على أن الصعيد وجه الأرض الشامل لنحو الحجر الصلب ، وما دلّ على الاكتفاء بالضربة الواحدة للوجه واليدين ؛ إذ لا

ص: 345


1- تذكرة الفقهاء 2 / 181.
2- الألفية والنفلية : 47 ، الدروس 1 / 132.
3- جامع المقاصد 1 / 493.
4- نقل عنه الشهيد في الدروس 1 / 132.
5- زيادة : « إليه » من ( د ).
6- مشرق الشمسين : 340.
7- بحار الأنوار 78 / 144.
8- زيادة : « التيمّم » من ( د ).

يبقى شي ء من العلوق لأجل اليدين.

ويمكن المناقشة في الأول بأن الأصل في العبادات على العكس ؛ لوجوب الأخذ بيقين البراءة بعد تيقّن الشغل ، والإطلاقات منزلة على الغالب من حصول العلوق بأنها (1) إنما تنهض حجة مع عدم (2) المقيد ، وهو موجود كما في صحيحة زرارة الآتية.

واستحباب النفض لا يستلزم عدم بقاء شي ء من العلوق ، بل ظاهره يعطي حصول العلوق.

ففيه إشارة إلى انصراف الإطلاقات إلى صورة حصوله لإطلاق الأمر بالنفض.

ومن المعلوم أن مجرد النفض لا يوجب زواله بالمرة كما هو المشاهد بالتجربة ، فهو في الحقيقة من الشواهد على الاشتراط كما أشار إليه غير واحد من الأجلة.

وكأنّ الأمر به من جهة إزالة العلوق الزائد مما لعلّه يوجب التسوية (3) ، والاكتفاء بمطلق وجه الأرض لا يأبى (4) عن اعتبار العلوق.

غاية الأمر تقييده بصورة حصوله كما هو المتعين على القول باختصاصه بالتراب أيضا ، وما دلّ على الاكتفاء به (5) بالضربة لا إشارة فيه إلى ما ذكر ، ومجرّد مسح الوجه لا يوجب زوال الغبار بالكلية كما هو معلوم بالامتحان ، ولو كان ذلك بعد النفض.

على أنه قد يقال بعدم اشتراط العلوق بمسح اليدين إذا زال بسبب مسح الوجه ، أو يقال بوجوب الضربة الثانية مع عدم الغبار (6).

حجة القائل بالاشتراط أصالة الاحتياط بعد اليقين بالشغل. وظاهر الآية الشريفة على

ص: 346


1- في ( د ) : « وأنّها ».
2- زيادة في ( د ) : « وجود ».
3- زيادة في ( د ) : « التشويه ».
4- في ( ب ) : « لا يأتي ».
5- لم ترد في ( د ) : « به ».
6- في ( د ) : « البقاء ».

ما في سورة [؟ ] (1) فإن الظاهر منها كون « من » تبعيضية ؛ إذ لا يفهم من قولك : « مسحت رأسي من الدهن » إلا ذلك.

وقد اعترف به الزمخشري (2) مع مخالفته (3) لمذهب إمامه ، قال بعد حكمه بذلك : والإذعان للحق أحقّ من المراء.

مضافا إلى الصحيحة الآتية الواردة في تفسيرها ، وصحيحة زرارة ، وفيها : « فلمّا وضع الوضوء ممن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنه قال « بوجوهكم » ثم وصل بها « وايديكم منه » ، أي ذلك التيمّم لأنه علم أن ذلك أجمع لم تجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (4).

مضافا إلى ظاهر صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ » (5).

ونحوه صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه السلام : وفيها « فليمسح من الأرض » (6).

وما ورد في عدة من الأخبار الوارد في التيمّم بالمغبّر أنه يتيمم من غبار لبد سرجه أو غير ذلك مما هو بمعناه.

ويرد عليها : أنه لا معوّل (7) على الأصل بعد قضاء الإطلاقات بالجواز ، وأن احتمال ارادة الابتدائية قائمة في لفظة « من » في الآية ، وربما يشير إليه تركه في الآية الأخرى. ولو اريد به البعضية لوجب إرادة استيعاب التراب لجميع محل المسح كما هو الظاهر من المثال المفروض ، ولا قائل به ظاهرا سوى ظاهر ما حكي عن الإسكافي.

ص: 347


1- كذا في المخطوطات.
2- نقل عنه بحار الأنوار 78 / 143.
3- في ( ب ) : « مخالفة » ، وفي ( ألف ) : « مخالف ».
4- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 3.
5- الكافي 3 / 63 ، باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ح 3.
6- الإستبصار 1 / 159 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ح 549 - 2.
7- في ( ألف ) : « حول ».

وظاهر الصحيحة المذكورة كون الضمير راجعا إلى التيمّم أعني الضرب على الأرض كما مرّ في تفسيره ، فيكون شاهدة على كون « من » ابتدائية ، وحمل التيمّم فيه على المتيمم به بعيد ؛ إذ ظاهره إرجاع الضمير إلى التيمّم المستفاد من قوله « تيمموا » ، ولو اريد ما ذكر لأرجع إلى « الصعيد » المتصل به ، مع كونه أقرب إليه ، فعدم إرجاعه إليه مع قربه وعدم احتياجه إلى التأويل شاهد على ضعف الحمل المذكور.

بقي الكلام في التعليل المذكور ولا دلالة واضحة فيه على وجوب (1) علوق الصعيد ببعض الكفّ ؛ فكأن الحكم فيها جار مجرى الغالب كما هو المتعيّن في الحكم بعدم علوقه بالبعض الآخر ، فيكون العلة فيما ذكر هو غلبة حصول ذلك لا وجوب اعتباره.

ومثله غير عزيز في التعليلات الواردة للأحكام كما لا يخفى.

على أن لفظ الرواية لا يخلو من (2) الإبهام. ويجرى احتمال الابتدائية في الصحيحتين الأخيرتين وغيرها.

والمراد بالتمسح من الأرض هو الضرب عليه كناية عن التيمّم كما في رواية الراوندي عن النبي صلى اللّه عليه وآله من قوله : « تمسحوا بالأرض فإنها أتكم » (3) وهي بكم برة » (4) (5) على أحد الوجوه فيها.

قلت : وكيف كان ، فالظاهر أن الوجوه المذكورة مع ما فيها لا تعادل إطلاق الروايات ، وما دلّ على استحباب النفض المفروض لزوال ما علّق منها باليد سيّما مع عدم نعومة التراب من دون إشارة إلى لزوم مراعاة بقاء شي ء منه في اليد ، المعتضد بظاهر فتوى الأصحاب ، بل عدم ظهور قائل به ممن عدا الجماعة من المتأخرين سوى الإسكافي ، وهو أيضا غير قائل (6)

ص: 348


1- في ( ب ) : « وجهه ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « أبكم ».
4- كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « مره ».
5- النوادر : 104 وبحار الأنوار 78 / 162 ، باب في عدد الضربات في التيمّم ح 24.
6- في ( ألف ) : « قابل ».

لمقالتهم ؛ إذ ظاهره اعتبار استيعاب الغبار للمسحات ، وهو ضعيف عندهم.

مضافا إلى أن القول بعدم لزوم استيعاب العلوق قاض بعدم وجوبه مطلقا ؛ إذ لو اعتبر ذلك فإنما هو من جهة استعمال الطهور الذي هو الأرض ، و (1) ذلك يقضي بالاستيعاب ، ومع عدم اعتباره فلا فائدة في اعتباره في البعض دون البعض.

وبذلك يظهر ضعف ما قد يقال من أن الطهور هو التراب دون اليد ، فلا بدّ من إيصاله ولو في الجملة إلى العضو.

فظهر بما قلنا قوة القول بعدم اعتبار العلوق إلا أن الاحتياط في مثله مما لا ينبغي تركه.

ثمّ على قول الجماعة لو لم يتمكّن من العلوق فهل يسقط اعتباره أو يكون بمنزلة فاقد الطهورين؟ قضيّة الأصل البناء على الأخير إلّا أن يقوم إجماع على عدمه ، وسيأتي تتمّة الكلام.

ص: 349


1- زيادة : الواو من ( د ).

تبصرة: [ في عدد الضربات ]

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم على أقوال :

أحدها : الاجتزاء بالمرة مطلقا ، وحكى القول به عن الإسكافي (1) والعماني والمفيد في المسائل العزيّة (2) والسيد في شرح الرسالة. وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك (3) والعلامة المجلسي (4) وصاحب الحدائق (5) وغيرهم.

ثانيها : اعتبار الضربتين مطلقا ، وحكي القول به عن المفيد في الأركان. وقد حكاه الفاضلان عن علي بن بابويه.

ولا ينافيه ما حكاه عنه في الذكرى من عبارته في الرسالة.

نعم ، فيها زيادة اعتبار التفريق في ضرب كل من اليدين بمسح الأخرى ، وبما بعد ذلك قولا باعتبار الضربات الثلاث.

وكيف كان ، فقد اختار القول المذكور من المتأخرين المحقق الشيخ حسن وغيره. وحكاه في المنتقى عن جماعة من القدماء.

ثالثها : التفصيل بين ما كان بدلا من (6) الوضوء والغسل ، يكتفى (7) بالأول ضرب واحد

ص: 350


1- نقله عنه في مدارك الأحكام 2 / 229.
2- في ( ألف ) : « الغرّيّة ».
3- مدارك الأحكام 2 / 229.
4- بحار الأنوار 78 / 150.
5- الحدائق الناضرة 4 / 337.
6- في ( د ) : « عن ».
7- في ( د ) : « فيكتفى ».

و (1) الثاني ضربتان. وقد ذهب إليه الصدوق والشيخان والديلمي والحلبي (2) وكثير من المتأخرين ، بل حكي الشهرة عليه.

وهناك قول رابع حكاه في المعتبر (3) عن قوم من الأصحاب ، وهو اعتبار الضربات الثلاث بعد حكايته القول بالضربتين عن علي بن بابويه.

وهو بظاهره ضعيف جدّا إلا أن يحمل على تفريق الضرب كما ذكره علي بن بابويه.

وحينئذ فيرجع في الحقيقة إلى اعتبار الضربتين.

وفي حكاية المحقق له مخالفا لقول ابن بابويه دلالة على خلافه إلا أن يكون المنسوب إليه هو اعتبار المرتين على النحو المعروف ، فلا ينطبق على (4) المنقول من عبارته.

ثم إن اختلاف الأصحاب في المسألة مبني على اختلاف أخبار الباب ، والأقوى هو الأول.

ويدلّ عليه بعد ظاهر الآية الشريفة الروايات المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها ، كصحيحة الخزاز ، وفيها بعد ذكر حكاية عمار : وقلت (5) له : كيف التيمّم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ، ثم مسح فوق الكف قليلا (6).

وفي صحيحة داود بن النعمان نحو من ذلك.

وفي صحيحة زرارة بعد ذكر حكاية عمار : أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعها على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالأخرى (7).

وقريب من ذلك ما حكاه في مستطرفات السرائر عن كتاب البزنطي ، في الموثق ، عن

ص: 351


1- زيادة في ( د ) : « في ».
2- زيادة في ( د ) : « والحلّي ».
3- المعتبر 1 / 388.
4- زيادة في ( ب ) : « المعروف ».
5- في ( د ) : « فقلت ».
6- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 4.
7- عوالي اللئالي 3 / 44.

زرارة ، عن الباقر عليه السلام.

وفي موثقة اخرى ، عنه : سألت الباقر عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه (1) الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح (2) جبهته وكفّيه مرة واحدة (3).

وفي حسنة الكاهلي : سألته عن التيمّم ، قال : فضرب بيديه على البساط فمسح بها وجهه ثم (4) كفيه إحداهما بالأخرى (5) ثم لم يعد ذلك.

وروى في الفقه (6) الحكم باتحاد الضرب في بيان التيمّم من غير تفصيل .. إلى غير ذلك مما ورد. وهناك أخبار اخر معارضة لهذه الأخبار :

منها : صحيحة اسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه السلام قال : « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (7).

وصحيحة محمد بن مسلم : سألته عن التيمّم ، فقال : « مرتين ضربتين للوجه واليدين » (8).

وصحيحة ليث المرادي ، عن الرضا عليه السلام (9) في التيمّم ، قال : « تضرب كفّيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (10).

وصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام قال : قلت : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد

ص: 352


1- لم ترد في ( ب ) : « الأرض .. قال ».
2- زيادة في ( د ) : « بهما ».
3- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرآت في التيمّم ، ح 594 - 2.
4- زيادة في ( د ) : « مسح ».
5- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 3.
6- في ( د ) : « الفقيه » ، لاحظ : فقه الرضا عليه السلام : 88.
7- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 597 - 5.
8- تهذيب الأحكام 1 / 210 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح 13 وفيه : مرتين مرتين للوجه واليدين.
9- في ( ب ) : « الصادق عليه السلام ».
10- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 596 - 4.

للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » (1) ، بناء على ظاهر الرواية. وقد تحمل على التفصيل كما سيجي ء.

وفي الفقيه (2) أيضا الحكم بتعدّد الضرب فيه.

وهذه الأخبار كما ترى دالّة على تعدد الضرب فيهما من غير إشارة إلى التفصيل. وهي حجة القول باعتبار الضربتين بعد احتمال حمل بعض الأخبار المتقدّمة على النسخ وبعضها أو كلّها على بيان كيفيّة مسحات التيمّم وتعيين الممسوح دون بيان الضربات ، فهي مجملة من تلك الجهة. ولذا (3) ذكر في بعضها الضرب على المسح وفي بعضها على البساط ، وذكر في بعضها الوضع مكان الضرب مع تعيين (4) الضرب على الأرض.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ احتمال النسخ في المقام من أوهن الاحتمالات ، والاحتمال الآخر ضعيف أيضا جدّا للخروج (5) عن صريح تلك الأخبار ؛ إذ هي مسوقة لبيان أصل كيفيّة التيمّم لا خصوص بعض أفعاله دون بعض ، فترك بعضها دليل على عدم اعتباره.

وهذا واضح سيّما على قول (6) المعظم من عدّ الضرب من جملة أفعال التيمّم ، والضرب على غير ما يصحّ التيمّم به غير شاهد على ما ذكر ؛ لوضوح الحال فيه ونصّ الكتاب باعتبار الضرب على الصعيد ، مضافا إلى خروج ذلك عن أصل الكيفية ، والأخبار المذكورة مسوقة لبيانها ، فإذا لم يكن للأخبار المذكورة محمل ظاهر تعيّن الرجوع إلى المرجّحات في العمل بأحد الجانبين.

ولا ريب في قيامها على ترجيح الأخبار المتقدمة من وجوه ؛ لأوفقيّتها بظاهر إطلاق الكتاب ومخالفتها لمعظم العامة ، وانطباق الثانية على قول معظمهم ، فيتقوى حملها على التقية

ص: 353


1- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 599 - 7.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 104.
3- في ( ألف ) : « وإذا ».
4- في ( د ) : « تعيّن ».
5- وردت في ( ألف ) هنا لفظة الواو.
6- في ( ب ) : « القول ».

التي هي عمدة السبب في اختلاف الأخبار. مضافا إلى شهرتها رواية وفتوى بالنسبة إلى الأخيرة.

ودعوى موافقة الأخيرة للاحتياط لو سلّم لا تكافئ ذلك مع فساده في نفسه ؛ إذ لا احتياط في شي ء من الطرفين ؛ لاحتمال فساد التيمّم الواقع بالضربتين على القول باعتبار الضربة الواحدة ، بل كأنه الأظهر لاحتمال اعتبار وقوع المسحات بتلك الضربة كما هو الموجود في أخبار المرة ، فالتعدي عنها يحتاج إلى الدليل ، ولذا لم يذكر أحد في وجوه الاحتياط حصوله بالعمل بالضربتين وإنما بنوا على تكرار التيمّم أو ما هو بمنزلته كما سيجي ء الإشارة إليه.

وقد يقال : إنّ الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة مطلقة ، بل مجملة بالنسبة إلى عدم وجوب المرة الثانية ؛ لعدم التصريح فيها بعدم وجوبها ، وإنما يستفاد ذلك من السكوت عنها ، فليحمل ذلك على ما دلّ على اعتبارها ، [ و ] لا أقل من كون دلالة هذه الأخبار على وجوب المرّتين أقوى من دلالة تلك على عدمه ؛ للتصريح فيها بالتعدد بخلافها.

ويدفعه أن تلك الأخبار في نفسها كالصريحة في عدم وجوب الزائد ، وبملاحظة ورودها في مقام البيان صريحة في ذلك ، سيّما مع اعتضادها بالكثرة والعمل في الجملة ، والقول باحتمال الترك من جهة التقيّة لو صحّ (1) لم يوجب الضعف في الدلالة ، مضافا إلى عدم وضوح دلالة كثير من تلك الأخبار ، بل لا ينطبق ظواهر تلك الأخبار على القول بالمرتين إلا الصحيحة (2) الأولى ؛ إذ غيرها إنما يفيد اعتبار التوالي في الضربتين ، وبعضها يومي إلى اعتبار الضربتين بالنسبة إلى كل من الوجه واليدين.

وقد يقيّد بعضها اعتبار الضربتين أولا (3) ثم ضربة ثالثة لليدين ؛ إذ تكرار النفض لهما من دون الضرب ولا قائل بشي ء منهما في الأصحاب.

ص: 354


1- في ( ألف ) : « أوضح لو » بدل « لو صحّ ».
2- في ( ب ) : « صحيحة ».
3- في ( د ) : « ولاء أولا » بدل : « أوّلا ».

فظهر من جميع ما ذكرنا ضعف القول الثاني ، فتعيّن البناء على الأخبار والأدلة.

وقد يقال : إنه بعد التعارض بين الأخبار (1) المذكورة لا بدّ من الجمع بينها مهما أمكن ، وأقرب محاملها حمل الأخبار الأوّلة على التيمّم الواقع بدلا من الوضوء ، والأخيرة على بدل الغسل. وهذه هي حجة القول بالتفصيل.

وقد يذكر شاهدا على القول المذكور امور :

منها : شهرة القول به بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل قد حكي الإجماع عليه حيث عدّه الصدوق في أماليه (2) من دين الإمامية.

وصرّح الشيخان الجليلان في التبيان (3) ومجمع البيان (4) بكونه مذهبنا.

وربما يظهر ذلك من الشيخ في التهذيب (5) على ما قيل ، والإجماعات المذكورة كافية في الجمع بين الأخبار. ومع الغض عنها فالشهرة قد رجّحت العمل بكلّ منهما في موردها ، فيتقوى على الآخر في خصوص ذلك ، فيقيّد (6) بملاحظة ذلك كل من الخبرين بالآخر.

وتوضيحه أن ما دلّ على المرة يعمل به في الوضوء ؛ لاعتضاده بالشهرة في خصوصه وكذا ما دلّ على المرتين بالنسبة إلى الغسل ، ودلالة الأول على الاكتفاء بها في الغسل أضعف من دلالة الأخيرة على عدمه ، وكذا العكس ، فيقيّد كل من الإطلاقين بالآخر ، وهو المدّعى.

ومنها : أن غاية ما يتخيل في أخبار المرتين أن تحمل على التقية بالنسبة إلى الوضوء ؛ لموافقته لمذهب العامّة ، وعدم شهرة القول به عندنا ، بل مخالفته (7) لأخبارنا في الجملة ، ولا يلزم من ذلك حملها على التقيّة بالنسبة إلى البدل عن الغسل ، فهي بالنسبة إلى ذلك حجة ،

ص: 355


1- في ( ألف ) هنا زيادة : « والأدلة وقد يقال إنّه بعد التعارض بين الأخبار ».
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 744.
3- التبيان 3 / 208.
4- مجمع البيان 3 / 94.
5- انظر تهذيب الأحكام 1 / 211.
6- في ( د ) : « فيتقيّد ».
7- في ( ب ) : « مخالفة ».

فبملاحظة ذلك يكون مفاد تلك الأخبار خاصّا بالنسبة إلى ما دلّ على اعتبار المرة ، ولا بدّ إذن من حمله عليها كما هو القاعدة المطّردة.

ومنها : وجود أخبار حاكمة بالتفصيل حيث ذكر الحلي بعد حكمه به أنه الموافق للروايات والعمل ، وذكر الصيمري أن للمفصّلين على قولهم به روايات ، وربما يستند في (1) ذلك إلى صحيحة زرارة المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم الآتية.

وما رواه في المنتهى (2) عن الشيخ بإسناده ، عن محمد بن مسلم ، عن أن التيمّم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مضافا إلى تأيّد المشهور بعد الشهرة بكونه مخالفا لقول العامة كافة ؛ إذ لا ذاهب منهم إلى التفصيل المذكور ، فيتطرق احتمال التقية في كل من الإطلاقين.

وقد ورد أن الرشد في خلافهم وبموافقته للاعتبار ؛ إذ المناسب لاستيعاب جميع البدل المأخوذ في مبدله كثرة الضرب في البدل ، وإن الحدث الأصغر والأكبر مختلفان فيناسبه اختلاف الفعل المبيح عنهما ، وكذا المبدلان مختلفان فيناسبه اختلاف البدلين ، وبأن البناء عليه يوجب العمل بجميع أخبار الباب بخلاف الأخذ بأحد الإطلاقين ؛ لوجوب طرح أحد الجانبين.

أقول : يمكن دفع ذلك بأن مجرد حصول الجمع بين الأخبار على النحو المذكور لا يجعلها دليلا على التفصيل إلا أن يكون هناك شاهد على الجمع المذكور ، فما ذكر من الشواهد عليه ساقطة : أما الأول فبأن الشهرة في هذه المسألة ليست بحيث يوجب سقوط ما دلّ على خلافها إذا كان في نفسه حجّة شرعية على نحو الصحيح المتروك ؛ لذهاب جماعة من فحول القدماء والمتأخرين إلى الاكتفاء بالمرة.

غاية الأمر أن يكون البناء على التفصيل أشهر ، ومجرد ذلك لا يرفع الاعتماد عن ظواهر الإطلاقات. وحينئذ فلا تصلح جامعة بين أخبار الباب ؛ لاقتضاء الجمع سقوط كل من الإطلاقين عن الحجية بالنسبة إلى بعض الأفراد ، وما ذكر من اعتضاد دلالة كل من الروايتين

ص: 356


1- في ( ألف ) : « يستدعي » بدل : « يستند في ».
2- منتهى المطلب 1 / 149.

بالنسبة إلى مورد الشهرة ، فيرجّح في ذلك على الأخرى مدفوع على بلوغ الشهرة على ذلك الحدّ.

ومع الغض عنه فالحكم بحصول الترجيح بها في بعض مدلول اللفظ محل نظر ، وهو خارج عن ظاهر ما دلّ من الأخبار على الترجيح بالشهرة إن قلنا بشموله لشهرة الفتوى أيضا.

بل الظاهر مخالفة الشهرة في المقامين لأخبار الجانبين ، فتأمل.

مضافا إلى أن عمدة الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة كالنصّ في التيمّم الواقع بدلا عن الغسل ؛ لورودها في حكاية عمار ، فهي صريحة بالنسبة إلى المورد وإن كان ظاهر اللفظ فيها مطلقا (1) فليس المعارضة بينها من قبيل العموم من وجه ؛ ليستند في الجمع إلى الوجوه المذكورة.

ومع الغض عنه والاستناد إلى الإجماع المنقول موهون بشيوع الخلاف من فحول القدماء والمتأخرين ، مضافا إلى ظهور المناقشة في دلالة ما ذكر على الإجماع.

وأما الثاني فبأنّ قضية الأخبار الدالّة على الأخذ بالمخالف للعامة عند تعارض الخبرين إنما دلّ على طرح الخبر الآخر ، و (2) لا يخصّصه ببعض مدلوله من دون ظهور مخصص بمجرد خروج التفصيل عن مذهب (3) العامة ، وهو الظاهر من بناء الأصحاب في سائر المقامات.

ولو سلّم اختصاص الحمل على التقية بالنسبة إلى البعض فغاية الأمر نهوضه حجة على الباقي ، ولا يجعله ذلك خاصا بالنسبة إلى إطلاق الآخر ؛ إذ من الظاهر أن دلالة اللفظ عليه لا يخرج عن العموم ، ولا يجعله حمل بعضه على التقية نصّا في الباقي ، ليكون تعارضه مع الإطلاق من قبيل معارضة المقيّد للمطلق ؛ ليجب حمله عليه كما هو قضية فهم العرف في سائر المقامات.

وأما الثالث فبأن ما ذكر إجمالا من ورود الروايات بالتفصيل موهون بعدم وجود أثر لها

ص: 357


1- في ( ألف ) و ( ب ) : « مطلق ».
2- زيادة : الواو من ( د ).
3- في ( د ) : « مذاهب ».

في الأخبار سوى ما يتوهّم دلالتها عليه من الأخبار المذكورة. وقد استند الشيخ في الكتابين إلى الصحيحتين ، وكأنها الملحوظة في النقل المذكور.

والاستناد إليها موهون بأن صحيحة زرارة ظاهرة (1) الدلالة على عكس ذلك ؛ لظهورها (2) في الحكم باتحاد الكيفيّتين. وقد ورد ذلك أيضا في موثقة عمار ، عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن التيمّم عن الوضوء وعن الجنابة وعن الحيض للنساء سواء. قال : « نعم » (3).

وحينئذ فهي كالموثقة المذكورة من الأدلة على فساد التفصيل المذكور.

ثم مع الغضّ عن ظهور تلك الصحيحة في ذلك فلا ظهور فيها في خلافه ، فيسقط الاحتجاج بها. وصحيحة محمد بن مسلم مع اطراح ظاهرها بين الأصحاب لا دلالة فيها على ذلك بوجه كما سيجي ء.

ورواية المنتهى لا أثر لها في كتب الأخبار والاستدلال ، والظاهر أنها لا أصل لها وإنما توهّمه الفاضل رواية من كلام الشيخ عند ذكره في كلام ورود التفصيل في الصحيحتين المذكورتين.

وقد أشار إليه غير واحد من الأفاضل ، وقد أوضح ذلك في المنتهى (4).

وسائر الوجوه المذكورة لتأييد القول المذكور بيّنة الوهن ، فلا حاجة إلى تفصيل الكلام فيها.

حجة القول بتثليث الضربات - إن فسّر بغير ما حكاه في الذكرى من عبارة الرسالة - غير معلومة ، وإن فسّر به - كما هو الظاهر - فيدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض ، فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم

ص: 358


1- في ( ألف ) : « ظاهر ».
2- في ( ألف ) : « لظهور ما » بدل « لظهورها ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 212 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح 20.
4- في ( د ) : « المنتقى ».

ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه. ثم قال : « هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل في الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤتم (1) بالصعيد » (2).

وفيه أن هذه الرواية وإن صحّ إسنادها إلا أنّها مطرحة بين الأصحاب معارضة بالمعتبرة المستفيضة موافقة لمذهب العامة ، فيعيّن حملها على التقية.

ص: 359


1- في ( ألف ) : « يؤثم » بدل « يؤتم ».
2- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في الوضوء ، ح 600 - 8 وفيه : « فلا يؤمم بالصعيد ».

تبصرة: [ في مسح الوجه ]

الثاني من أفعال التيمّم مسح الوجه ، وقد اختلف الأصحاب في تعيين القدر الممسوح منه على أقوال :

أحدها : الاقتصار على خصوص الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى.

وفي الحدائق (1) : إنه المشهور.

وعن كشف الرموز (2) : إنّ عليه عمل الأصحاب.

ثانيها : إضافة الجبينين إليها. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني في المسالك (3) ، بل في كشف اللثام (4) أنه يمكن إدخال ذلك في مقصود الأكثر.

ومنهم السيد (5) ، فإنهم أوجبوا مسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف.

ولا يخلو عن قرب.

ثالثها : زيادة الحاجبين أيضا. وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه (6) حيث اعتبر المسح على الجبينين والحاجبين. وكأنه أدرج الجبهة في الجبينين ؛ إذ لا قائل ظاهر بعدم وجوب مسحها.

وقد حكى غير واحد منهم الإجماع على وجوب مسحها. وقد حكى القول به عن المحقق

ص: 360


1- الحدائق الناضرة 4 / 336.
2- كشف الرموز 1 / 99.
3- مسالك الإفهام 1 / 114.
4- كشف اللثام 2 / 470.
5- الناصريات : 151.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 104.

الكركي في عدة من كتبه ، وتلميذه في المسائل (1) الجعفرية.

رابعها : القول بوجوب المسح على تمام الوجه. وحكي القول به عن والد الصدوق. وذكر الشهيد (2) أنّ (3) في كلام الجعفي إشعارا به.

وفي مجمع البرهان (4) : إنه أحوط.

خامسها : التخيير بين مسح الجميع والبعض إلا أنه لا يقتصر على أقل من الجبهة.

واختاره في المعتبر (5) ، وحكى (6) عن العماني الميل إليه.

وقرّبه في كشف الرموز (7) ، واستحسنه في المدارك (8).

وقد يرجع إلى القول المشهور في تعيين القدر الواجب ، فيكون الخلاف بينهما في استحباب الزائد.

وفيه تأمل.

ثم إن السبب في الخلاف اختلاف روايات الباب ، ففي معظم الأخبار ذكر مسح الوجه الظاهر في مسح جميعه ، وفي جملة منها ذكر المسح على الجبين (9) مفردا في بعضها ومثنى في البعض.

وفي موثقة زرارة المسح على الجبهة على (10) ما رواها الشيخ (11) في موضع.

ص: 361


1- في ( ب ) و ( د ) : « شرح » بدل « المسائل ».
2- الذكرى 2 / 264.
3- في ( ألف ) : « الشهيدان » بدل : « الشهيد أنّ ».
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 / 100.
5- المعتبر 1 / 384.
6- زيادة في ( د ) : « فيه ».
7- كشف الرموز 1 / 99.
8- مدارك الأحكام 2 / 234.
9- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ح 2.
10- زيادة : « على » من ( د ).
11- الإستبصار 1 / 170 ، باب كيفية التيمّم ح 3.

ورواه (1) الكليني في موضع آخر بإسناده عن الكليني (2) بلفظ الجبين (3) مكان الجبهة.

فالدليل على المشهور هو الرواية الأخيرة على إحدى روايتيها ، وهي كما ترى لا تنهض حجة عليه.

وقد يحتج عليه بالجمع بين الأخبار بحمل الجبينين والوجه على الجبهة ؛ إذ ليس المراد بالجبين خصوص معناه للإجماع على عدم الاكتفاء به ، وحمل الرواية على بيان بعض الممسوح في مقام البيان بعيد جدّا ، فلا بدّ من إخراجه عن ظاهره.

وحينئذ فليحمل على الجبهة بعلاقة المجاورة ؛ لانطباقه على الرواية المتقدمة ، وانجباره بفهم الأصحاب ، مضافا إلى ذكر الجبين مفردا في غير واحد منها.

ويؤيّده إطلاق (4) الجبين على الجبهة في غير واحد من الأخبار الواردة في السجود ، و (5) عليه يحمل (6) إطلاق الوجه في الأخبار ، سيّما ما دلّ على الاكتفاء فيه بالبعض ، بل قضية ذلك الاكتفاء بمطلق البعض ، فيحمل على خصوص الجبهة في غيره ؛ للإجماع على وجوب مسحها.

مضافا إلى إطلاق الوجه على خصوص الجبهة في بعض أخبار السجود ، وعليه (7) يحمل إطلاق الوجه في الأخبار سيّما مما دلّ على الاكتفاء فيه.

وأنت خبير بأن ذلك كله لا ينهض حجة على ذلك ؛ إذ حمل الجبين على مجموع الجبهة والجبين أقرب ، مضافا إلى إطلاق (8) وروده بلفظ التثنية في بعضها ، بل هو كالصريح في خلاف ذلك ، مضافا إلى ورود مسح الوجه باليدين في عدّة من الأخبار ، والجبهة وحدها لا تزيد على

ص: 362


1- في ( د ) : « رواها ».
2- كذا كرّر لفظ « الكليني » في المقام.
3- في ( د ) : « الجبينين ».
4- في ( ألف ) : « الخلاف ».
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- في ( ب ) : « بحمل ».
7- لم ترد في ( د ) : « وعليه .. الاكتفاء فيه ».
8- لم ترد في ( د ) : « إطلاق ».

ثلاث أصابع أو أربع ، فيكون مسح الزائد لغوا.

والبناء على استحباب الزائد خلاف ظاهر تلك الروايات. ويؤيّد ذلك مراعاة الاحتياط لقضاء اليقين (1) بالفراغ ، فعلم بذلك قوة القول بلزوم انضمام الجبين إلى الجبهة.

وأما انضمام الحاجبين فلا دليل عليه سوى ما رواه مرسلا في الفقه ، وهي لا تنهض حجة في مثله إلا أن الأحوط مراعاته.

وأما القول باستيعاب الوجه فالوجه فيه ما عرفت من الروايات. وضعفه ظاهر بعد إعراض الأصحاب عن البناء على ظاهر إطلاقها ، وتنصيص الصحيح على خلافه ، ودلالة المستفيضة على تقييده ، مضافا إلى الإجماع المحكي على عدم وجوب استيعابه.

ومما قلنا يظهر الوجه في القول بالتخيير ، والوجه في ضعفه.

ص: 363


1- زيادة في ( د ) : « بالشغل اليقين ».

تبصرة: [ في التيمّم قبل الوقت ]

اشارة

لا خلاف بيننا في عدم صحة التيمّم للصلاة قبل وقتها ، واختلفوا في صحته (1) لها بعد دخول (2) وقتها (3) قبل تضيّق (4) العمل بالأصل أو بالعارض على أقوال :

أحدها : المنع مطلقا. وهو المعروف بين الأصحاب ، وقد حكي الشهرة عليه في كلام جماعة.

وعن السيد (5) والشيخ (6) حكاية الإجماع عليه. وقد حكي القول به عن المفيد والسيد والشيخ في أكثر كتبه ، والديلمي والحلبي والحلي (7).

ثانيها : القول بالجواز كذلك. وحكي القول به عن الصدوق ، وظاهر الجعفي. وقوّاه العلامة (8) في غير واحد من كتبه. واستقر به في البيان (9). واختاره غير واحد من المتأخرين.

ثالثها : التفصيل بين العذر المرجوّ الزوال وغيره. وحكي القول به عن الإسكافي واستجوده المحقق (10) ، واختاره العلامة (11) في عدة من كتبه. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين.

ص: 364


1- في ( ب ) : « صحّتها ».
2- في ( ب ) : « دخوله ».
3- في ( ب ) : « الوقت ».
4- في ( ألف ) : « تفسير ».
5- الناصريات : 157.
6- الخلاف 1 / 146.
7- السرائر 1 / 135.
8- تحرير الأحكام 1 / 147.
9- انظر البيان : 34.
10- انظر المعتبر 1 / 382.
11- تذكرة الفقهاء 1 / 137.

حجة القول الأول بعد الإجماع والاحتياط : الروايات المشتملة على المعتبرة المستفيضة كالصحيح : « إذا لم تجد الماء وأردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (1). وبمعناه موثقة ابن بكير.

وفي موثقته (2) الأخرى المروية في قرب الإسناد : سألت الصادق عليه السلام عن رجل أجنب فلم يصيب الماء ، أيتيمم؟ قال : « لا حتى آخر الوقت ، فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (3).

وفي الصحيح : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإن خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ولا قضاء عليه ، وليتوضأ لما يستقبل » (4).

مضافا إلى اعتضادها بالشهرة بين الأصحاب ، ومخالفتها لما هو المعروف بين الجمهور.

وحجة القول الثاني بعد الأصل والإطلاقات الكثيرة الآمرة بالتيمم عند فقد الماء أو عدم الوصلة إليه أو خوف العطش أو حصول المرض وغير ذلك ، ظاهر الآية الشريفة والأخبار المستفيضة الدالّة على أن من تيمّم وصلّى ثم وجد الماء في الوقت لم يلزمه إعادة الصلاة.

وفيها ما يدلّ على التفصيل بين وجدانه في الوقت وخارجه ، ففي الصحيح : قلت للباقر عليه السلام : وإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمم وهو في وقت؟ قال : « تمت (5) صلاته ولا إعادة عليه » (6).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن رجل تيمم وصلّى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟ فقال : « ليس عليه إعادة الصلاة » (7).

ص: 365


1- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 1.
2- في ( ب ) : « موثقة ».
3- قرب الإسناد : 170.
4- الإستبصار 1 / 159 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح 548 - 1.
5- في ( ألف ) : « وقت » بدل : « تمّت ».
6- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح (552) 5.
7- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ح 555 - 8.

وفي [ آخر ] : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلّى ثم أتى الماء وعليه شي ء من الوقت ، يمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال : « يمضي على صلاته ، فإنّ رب الماء هو رب التراب » (1).

وبمعناه موثقة عليّ بن أسباط ، عن عمّه ، عن الصادق عليه السلام (2).

وفي صحيحة يعقوب بن يقطين : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم وصلّى فأصاب بعد صلاته ماء ليتوضأ (3) ويعيد الصلاة ، أم يجزيه صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه » (4).

فهذه الأخبار وما بمعناها صريحة الدلالة على صحة التيمّم في السعة ، وحملها على وقوع التيمّم في السعة على ظنّ الضيق أو وقوعه لغير الصلاة الواجبة مما تضيق وقته بعيد جدّا لا داعي إليه سوى ظواهر الأخبار المتقدمة.

وحملها على الندب أظهر جدّا من الحمل المذكور ؛ لسهولة الخطب في حمل الأمر والنهي على الندب أو الكراهة.

وفي تلك الأخبار ما يومي إلى الكراهة ، ففي قوية محمد بن حمران ، عن الصادق عليه السلام : قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال : « يمضى في الصلاة » (5).

واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت ، فإنه مع إيماء لفظة « لا ينبغي » إلى الكراهة لا يخلو عن ظهور فيها بمقتضى المقام ، حيث أطلق الحكم بصحة الصلاة الواقعة بالتيمم المفروض ، ولو لا البناء على الصحة لوجب الاستفصال سيّما مع استظهار وقوعه في

ص: 366


1- وسائل الشيعة 3 / 369 ، باب عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 1 / 195 ، باب التيمّم واحكامه ح 37.
3- في ( د ) : « أيتوضّأ » بدل : « ليتوضّأ ».
4- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح 551 - 4 باختلاف يسير.
5- الإستبصار 1 / 166 ، باب من دخل في الصلاة يتيمم ثم وجد الماء ، ح 575 - 1.

السعة.

ومما يؤيد القول المذكور عدّة من الإطلاقات المشتملة على الصحاح الدالّة على صحة الصلاة الواقعة بالتيمم من غير حاجة إلى الإعادة بعد وجدان الماء الشاملة لما إذا وقع التيمّم في السعة من غير استفصال في الجواب ، مع إطلاق السؤال ، بل ظهوره في غير الضيق :

منها : صحيحة العيص ، عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى؟ قال : « يغتسل ولا يعيد الصلاة » (1).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلّى ثم وجد الماء؟ فقال : « لا يعيد إن ربّ الماء ربّ الصعيد ، وقد فعل أحد الطهورين » (2).

وفي التعليل إيماء إلى اتحاد حكم الترابية والمائية ، ففيها تأييد للحكم المذكور من تلك الجهة أيضا كغيرها من الأخبار الدالّة عليها كعموم التشبيه في قوله : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (3) ، أو عموم المنزلة في قوله : « إنما هو بمنزلة الماء » (4).

ونحو ذلك ، مضافا إلى إطلاق ظاهر رواية السكوني الدالّة على الاكتفاء بالطلب في الغلوة أو الغلوتين عدّة من الروايات الحاكمة بصحة الصلاة الواقعة بالتيمم إذا وجد الماء في أثنائها ، وفي غير واحد منها التفصيل بين الدخول في الركوع وعدمه.

وحملها على صورة وقوع التيمّم في الضيق بعيد عن ظواهرها. فبملاحظة جميع ذلك يظهر ضعف القول الأول.

و (5) مجرد اعتضاد تلك الأخبار بمخالفة العامة والشهرة المدعاة لا يقضي بترجيحها ، والاستناد إلى الإجماع موهون بشهرة الخلاف فيه.

ص: 367


1- الإستبصار 1 / 161 ، باب الجنب إذا تيمم وصلى هل تجب عليه الإعادة أم لا ، ح 556 - 1.
2- تهذيب الأحكام 1 / 197 ، باب التيمّم وأحكامه ح 45.
3- الكافي 3 / 66 ، باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش ح 3.
4- تهذيب الأحكام 1 / 200 ، باب التيمّم وأحكامه ح 55.
5- في ( ب ) : « بمجرّد » بدل « ومجرّد ».

حجة القول الثالث الجمع بين الأخبار المذكورة مع إشعار معظم ما دلّ على المنع في السعة برجاء حصول الماء بعد ذلك ، فيقيّد سائر الإطلاقات بخصوص ذلك ، بل لا دلالة واضحة فيها على الجواز في غير تلك الصورة ؛ إذ ليست مسوقة لبيان ذلك.

وفيه أن مفاد تلك الروايات لزوم تأخير التيمّم مع احتمال تحصيل الماء بعد ذلك ، ولو كان بعيدا ، وهو غير رجاء الحصول ، فلا ينطبق على مقصودهم.

قلت : قوة الأخبار الدالّة على التوسعة في الجملة مع اعتضادها بما عرفت مما لا ينبغي الريب فيها ، مضافا إلى انتفاء الفائدة في التأخير مع القطع بعدم وجود الماء ، مع تفويت فضيلة أول الوقت ، وعدم وجود دليل واضح على اعتبار الضيق كذلك ، وبعد البناء على ضعف القول المذكور لا وجه لحمل الأخبار المذكورة إلا على صورة رجاء الحصول ؛ إذ القول بالتفصيل ظاهر سوى ذلك ، وإن استوجه الشهيد الثاني في الروض (1) التفصيل بين العلم وعدمه إلا أنه لم يفت به ، فيدور الأمر إذن بين القول بالتفصيل أو التوسعة المطلقة ؛ حملا لتلك الأخبار على الاستحباب.

وحينئذ فيبنى على ثبوته بمجرد الاحتمال كما هو ظاهر إطلاقها. والأول أحوط بل أقوى.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين كون العذر المسوغ للتيمم فقدان الماء أو سائر الأعضاء المسوغة من المرض ، ونحوه غيره ، فلا فرق بينهما على القولين.

وفي الروض (2) : الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر ، بل الجواز مطلقا أو وجوب التأخير مطلقا مع الرجاء أو بدونه ، فالقول بالتفصيل

ص: 368


1- انظر روض الجنان : 122.
2- روض الجنان : 122.

على هذا الوجه احداث قول مبطل لما حصل لنا الإجماع عليه. انتهى.

ويظهر من الحدائق (1) اختيار التفصيل المذكور ؛ استضعافا للإجماع المذكور ، وأخذا بظاهر الأخبار الدالّة على التضيق ؛ لاختصاص معظمها بفاقد الماء ، فيحمل مطلقها عليه ، ويبنى فيما عداه على التوسعة المطلقة ؛ أخذا بالإطلاقات وبما دلّ على فضيلة أول الوقت.

وهو كما ترى ؛ إذ مع الغضّ عن الإجماع المذكور لا داعي إلى حمل المطلق هنا على المقيّد لانتفاء المعارضة ، مضافا إلى ظهور تنقيح المناط ، فالوجه البناء على الإطلاق.

ومنه يظهر أيضا ضعف القول بإطلاق المضايقة.

ثانيهما : لو دخل وقت الصلاة وهو على تيممه ففي جواز .. (2).

ص: 369


1- الحدائق الناضرة 4 / 361.
2- العبارة مبتورة في النسخ المخطوطة.

الباب الخامس: في أحكام الأموات

اشارة

وفيه مقدمة ومباحث وخاتمة :

المقدمة: في بيان أحكام المرض والاحتضار

تبصرة: [ في الصبر على المرض ]

يستحب الصبر على المرض وترك الجزع ، فإن المرض من مواهب اللّه سبحانه ومحنة على المؤمن.

روى الجابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام أنه قال : « إذا أحبّ اللّه عبدا نظر إليه ، فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاثة بواحدة : إما صداع وإما حمى وإما رمد » (1).

وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « حمى ليلة كفارة سنة » (2).

ونحوه عن الصادق عليه السلام قال : « وذلك أن (3) ألمها يبقى في الجسد إلى سنة » (4).

ص: 370


1- الخصال : 13.
2- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المريض والصبر عليه ، ح 22.
3- في المصدر : « لأن ».
4- علل الشرائع 1 / 297.

وعنه عليه السلام : « صداع ليلة تحطّ كلّ الخطيئة (1) إلا الكبائر » (2).

وعنه عليه السلام : « حمى ليلة كفارة لما قبلها وما بعدها » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إن المرض ينقى (4) الجسد من الذنوب كما يذهب الكير خبث الحديد ، وإذا مرض الصبيّ كان مرضه كفّارة لوالديه » (5).

وعن الصادق عليه السلام : « من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى إلى اللّه كانت له كفّارة ستّين سنة ». قال : قلت : وما قبلها بقبولها؟ قال : « صبر على ما كان فيها » (6).

وعنه عليه السلام : « أيّما رجل اشتكى فصبر واحتسب كتب اللّه له من الأجر أجر ألف شهيد » (7).

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « للمريض أربع خصال يرفع (8) اللّه عنه القلم ويأمر اللّه الملك يكتب له كلّ فضل كان يعمله في صحته ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه ، فإن مات مات مغفورا له » (9).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إذا مرض المسلم كتب اللّه له كأحسن ما كان يعمله في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر » (10).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « أربعة يستأنفون العمل : المريض إذا برء والمشرك إذا أسلم » (11) الخبر.

ص: 371


1- في ( د ) : « خطيئة ».
2- ثواب الاعمال : 193.
3- الكافي 3 / 114 ، باب ثواب المرض ، ح 10.
4- في ( د ) : « ينغّي ».
5- بحار الأنوار 78 / 197.
6- ثواب الاعمال : 193.
7- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب المرض والصبر عليه ح 23.
8- في ( د ) : « يوقع ».
9- ثواب الأعمال : 193.
10- ثواب الأعمال : 194.
11- دعائم الإسلام 1 / 179.

وعن الباقر عليه السلام : « إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال لأصحابه يوما : ملعون كلّ مال لا يزكّى ، ملعون كل جسد لا يزكى ، ولو في كل أربعين يوما مرة. فقيل : يا رسول اللّه! أما زكاة المال فقد عرفناها ، فما زكاة الأجساد؟ قال : لهم أن يصاب بآفة. قال : فتغيّرت وجوه القوم الذين سمعوا ذلك منه ، فلمّا رآهم قد تغيّرت ألوانهم قال لهم : هل تدرون ما عنيت بقولي؟ قالوا : لا يا رسول اللّه! قال : الرجل يخدش الخدش وينكب النكبة ويعثر العثرة ويمرض المرضة ويشاك الشوكة وما أشبه ذلك » حتى ذكر في آخر حديثه « اختلاج العين » (1).

وعن الرضا صلى اللّه عليه وآله : « ما سلب أحد كريمته إلا عوضه اللّه منه الجنّة » (2).

وفي الأخبار المستفيضة (3) أنّ المرض يطهّر المؤمن من الذنوب وأنه لا أجر فيه.

فعن أمير المؤمنين (4) عليه السلام : « المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع على العبد ذنبا إلا حطّه وإنما الأجر في القول باللسان والعمل بالجوارح » (5).

والظاهر أنه عليه السلام أراد بذلك الأجر إن ما (6) يترتب على إظهاره الشكر والصبر ونحوهما من الأعمال القولية أو الفعلية دون نفس المرض.

وقد روي عنه عليه السلام أنه عاد سلمان فقال له : « يا سلمان! ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلا بذنب قد سبق منه ، وذلك الوجع (7) تطهير له ». قال سلمان : فليس لنا في شي ء من ذلك أجر خلا التطهير؟

قال علي عليه السلام : « يا سلمان! لكم الأجر بالصبر عليه والتضرّع إلى اللّه والدعاء (8) له بهما

ص: 372


1- قرب الإسناد : 68.
2- قرب الإسناد : 389.
3- ثواب الأعمال : 192 ، قال : « إن المؤمن إذا حم حمى واحدة تناثرت الذنوب منه كورق الشجر ... ».
4- في ( د ) : « مولانا أمير المؤمنين ».
5- الأمالي للشيخ طوسي : 602.
6- في ( ب ) : « إنما ».
7- في ( ألف ) : « الوجف ».
8- في ( د ) : « الدعاة ».

تكتب لكم الحسنات وترفع لكم الدرجات ، وأما (1) الوجع خاصّة فهو تطهير وكفّارة » (2).

وروى السيد في النهج أنه عليه السلام قال لبعض أصحابه في علة اعتلها : « جعل اللّه ما كان من شكواك حطا لسيّئاتك ، فإن المرض لا أجر فيه ولكنه يحطّ السيئات ويحتّها حتّ الأوراق ، إنما الأجر في القول باللسان والعمل بالأيدي والأقدام » (3).

وبنى السيد قدّس سره كلامه عليه السلام على الفرق بين الأجر والعوض ، فإن الأجر إنما يكون في مقابلة الأفعال الاختيارية الصادرة من العبد ، والعوض أعم منه ، فقد يكون بإزاء فعل اللّه بالعبد من الآلام والأسقام.

وهذا التوجيه بعيد عن ظاهر الأخبار المذكورة إلا أنه يناسب الجمع بين الأخبار ؛ لدلالة الأخبار المستفيضة أيضا على حصول الأجر به ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « يا على! أنين المريض تسبيح وصياحه تهليل ونومه على فراشه (4) عبادة وتقلّبه جنبا إلى جنب فكأنما جاهد (5) عدوّ اللّه ويمشي في الناس وما عليه ذنب » (6).

وعن عبد اللّه بن أبي يعفور ، قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ما التي من الأوجاع وكان سقاما (7). فقال لي : « يا عبد اللّه! لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أن يقرض بالمقاريض » (8).

وعنه عليه السلام أيضا : « سهر ليلة في العلة التي يصيب المؤمن عبادة سنة » (9).

ص: 373


1- في ( د ) : « فأما ».
2- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المرض والصبر عليه ، ح 20.
3- نهج البلاغة 4 / 12.
4- في ( د ) : « فراش ».
5- في ( د ) : « يجاهد ».
6- بحار الأنوار 78 / 189.
7- في ( د ) : « مسقاما ».
8- الكافي 2 / 255 ، باب شدة ابتلاء المؤمن ، ح 15.
9- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المرض والصبر عليه ، ح 21.

وعنه عليه السلام : « إن اللّه تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء إما بمرض في جسده أو بمصيبة في أهل ومال أو مصيبة من مصائب الدنيا ليأجر عليها » (1).

وقال عليه السلام : « ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء إما في ماله أو ولده أو في نفسه فيؤجر عليه ، وهو (2) لا يدرى أين هو » (3).

وعن أبي جعفر عليه السلام : « حمى ليلة تعدل عبادة سنة ، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين ، وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة » (4).

فعلى ما ذكرنا يكون المراد بالأجر في رواية ابن أبي يعفور مطلق العوض.

ويمكن الجمع بينها بإرادة ترتب الأجر في هذه الأخبار على الصبر وإظهار الشكر ونحوها دون نفس المرض حسب ما أشار إليه عليه السلام في الرواية المتقدمة ، وكأنّ هذا أوفق بظاهر الأخبار في مقام المنع.

ويستحب له أيضا ترك الشكوى ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عوّاده (5) بعثه اللّه يوم القيامة مع إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع » (6).

ويظهر من غير واحد من الأخبار أن المراد بالشكوى تعظيم ما ابتلي به من المرض وتشديد أمره دون مجرّد بيان ما فيه.

فعن الصادق عليه السلام : « إن الشكوى أن تقول قد ابتليت بما لم يبتل به أحد أو تقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا وليس الشكوى أن تقول : سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو

ص: 374


1- كتاب المؤمن : 22.
2- في ( د ) : « هم ».
3- بحار الأنوار 64 / 236.
4- الكافي 3 / 114 ، باب ثواب المرض ، ح 9.
5- في ( د ) : « اعواده ».
6- من لا يحضره الفقيه 4 / 16.

هذا » (1).

وعنه عليه السلام : « ليست الشكاية أن يقول الرجل : مرضت البارحة (2) ولكن الشكاية أن يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد » (3).

وقد ينزّل الخبران على أن مجرد الإخبار بالواقع ليس بشكاية ، وإنما الشكوى هو المشتكى (4) عن حال المرض ، ولو كان ذلك بيان الواقع سواء كان بيان الواقع مقصودا له أيضا أو لم يتعلق قصده إلا بالشكاية ، بخلاف ما إذا لم يقصد إلا بيان الواقع.

ويستفاد من بعض الأخبار رجحان عدم الإظهار مطلقا ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : « من كتم مرضا (5) أصابه ثلاثة أيام من الناس ، وشكى إلى اللّه عزوجل كان حقّا على اللّه أن يعافيه منه » (6).

وعن الباقر عليه السلام : « ألا اخبركم بخمس خصال هي (7) من البر ، والبر يدعو إلى الجنة؟ » ، قلت : بلى. قال : « إخفاء المصيبة وكتمانها .. » (8) الخبر.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « أربعة من كنوز الجنة (9) : كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان المرض وكتمان المصيبة » (10).

وفي لفظ آخر عنه صلى اللّه عليه وآله : « أربع من كنوز الجنة ... » وعدّ منها كتمان الوجع (11).

ص: 375


1- الكافي 3 / 116 ، باب حد الشكاية ، ح 1.
2- في المصدر زيادة : « أو وعكت البارحة ».
3- معاني الأخبار : 253.
4- في ( د ) : « التشكي ».
5- في المصدر : « وجعا ».
6- الخصال : 630.
7- ليس في ( ب ) : « هي ».
8- المحاسن 1 / 9.
9- في المصدر : « البر ».
10- الأمالي ، للمفيد : 8.
11- بحار الأنوار 78 / 208.

وربّما يظهر من بعض الأخبار رجحان الصبر على المرض والرضا به بحيث لا يريد من اللّه سبحانه رفع ذلك عنه ، فلا يدعو لنفسه برفع ذلك البلاء ، بل يكون راضيا بما رضي اللّه له. فعن الباقر عليه السلام قال : « قال علي بن الحسين عليه السلام : مرضت مرضا شديدا فقال أبي : ما تشتهي؟ فقلت : أشتهى أن أكون ممن لا أقترح على اللّه ربي ما يدبّره لي. فقال لي : أحسنت! ضاهيت إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال جبرئيل : هل من حاجة؟ فقال : لا أقترح على ربي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل » (1).

ولا ينافي ذلك استحباب الدعاء بالشفاء وكشف البلاء ، فإن ذلك مقام وذاك مقام آخر لكل منهما جهة أمرية.

ويستفاد من بعض الأخبار الرخصة في الشكاية إلى إخوانه المؤمنين ويخصّص المنع من الشكاية بغيرهم. فعن الصادق عليه السلام : « إذا نزلت بك نازلة فلا ... » (2).

وينبغي (3) أن يتذكر الموت ليعزم على الطاعات وترك الأسواء ، فتغير حاله مما هو عليه إذا عافاه اللّه تعالى من مرضه. قال الصادق عليه السلام : « إذا اشتكى العبد ثم عوفي فلم يحدث خيرا ولم يكف عن سوء لقيت الملائكة بعضها بعضا يعني حفظته. فقالت : إن فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء » (4).

وأن لا يراجع الأطباء في مرضه إلا عند الحاجة ، فقد روي عنه عليه السلام : « تجنب الدواء ما احتمل بدنك الدواء (5) فإذا لم يحتمل الدواء فالدواء » (6).

ص: 376


1- بحار الأنوار 46 / 67.
2- تحف العقول : 379 ، والرواية هي : « إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض اخوانك ».
3- في ( د ) : « وينبغي له ».
4- الأمالي للشيخ الطوسي : 517.
5- في ( د ) : « الداء ».
6- وسائل الشيعة 2 / 409 ، باب استحباب ترك المداواة مع إمكان الصبر ، ح 5.

وعن الكاظم عليه السلام : « اتقوا (1) معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ، فإنه بمنزلة البناء قليله يجرّ إلى كثيره » (2).

وأن لا يطرح نفسه على الأرض ويخلد إلى النوم على الفراش ما استطاع القيام ؛ لما في النهج عنه عليه السلام أنه قال : « امش بدائك ما أمشى (3) بك » (4) قال : « لا تضطجع ما استطعت القيام مع العلة » (5).

ويدعو بالدعوات المأثورة للمريض ولخصوص بعض الأمراض ، وأن يستشفي (6) بالتربة الحسينية - على مشرّفها السلام - على الوجه المقرّر في محله ، وأن يستعمل الدواء عند الحاجة إليه.

فعن الصادق عليه السلام : « إن نبيا من الأنبياء مرض ، فقال : لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو يشفيني. فأوحى اللّه عزوجل إليه : لا أشفيك حتّى تتداوى فإن الشفاء مني » (7).

وأن يدعو لنفسه بالشفاء ، فعن العالم عليه السلام أنه قال : « لكل داء دواء » فسئل عن ذلك ، فقال : « لكل داء دعاء » (8).

وأن يتصدق بما تيسّر له ، فإن الصدقة من أعظم ما تدفع به البليّة.

« وأن يعطي السائل بيده ، ويأمر السائل أن يدعو له » (9) كما روى الصادق عليه السلام.

ويستحب السعي في قضاء حاجة المريض سيّما إذا كان من أهل بيته. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله :

ص: 377


1- في المصدر : « ادفعوا ».
2- علل الشرائع 2 / 465.
3- في المصدر : « مشى ».
4- نهج البلاغة 4 / 7.
5- بحار الأنوار 78 / 204.
6- في ( د ) : « يستسقي ».
7- بحار الأنوار 78 / 212 ومكارم الاخلاق : 417.
8- فقه الرضا عليه السلام : 20 ، وفيه : « وسألته عن ذلك ».
9- الكافي 4 / 3 ، باب فضل الصدقة ح 9.

« من سعى لمريض في حاجة قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه » فقال رجل من الأنصار : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه! فإن كان المريض من أهل بيته أو ليس ذلك (1) أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟ قال : « نعم » (2).

وأن يطعمه ما يشتهيه إذا لم يكن مضرّا بحاله ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من أطعم مريضا شهواته أطعمه اللّه من ثمار الجنة » (3).

ويكره أن يتمرض من غير علة.

قيل للصادق عليه السلام : أيؤجر الخلق كلهم من الناس؟ قال : « ألق منهم التارك للسؤاك » .. إلى أن قال : « والمتمرّض من غير علة والمتشمّت (4) من غير مصيبة » .. إلى أن قال : « وهو كما قال اللّه عزوجل : ( إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) (6).

ص: 378


1- زيادة في ( د ) : « أعظم ».
2- وسائل الشيعة 2 / 428 ، باب استحباب السعي في قضاء حاجة الضرير والمريض ، ح 1.
3- بحار الأنوار 78 / 224 وفيه : « شهوته ».
4- في ( د ) : « متشعث ».
5- الفرقان : 44.
6- الخصال : 409 وفيه : « أترى هذا الخلق كله من الناس ».

تبصرة: [ في عيادة المريض ]

يستحب عيادة المريض ، فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه : يا فلان! طبت (1) وطاب ممشاك تبوّأت من الجنة منزلا » (2).

وعنه صلى اللّه عليه وآله (3) ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة » (4).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمشي ، وإذا عاده عشاء (5) صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خراف في الجنة » (6).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « من عاد مريضا فله لكل خطوة خطاها حتى رجع إلى منزله سبعون ألف ألف حسنة ومحى (7) عنه سبعون ألف ألف سيئة ، ويرفع له سبعون ألف ألف درجة ، [ و ] وكّل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره ويستغفرون له إلى يوم القيامة » (8).

ص: 379


1- في ( د ) : « طيب ».
2- فقه السنة 1 / 489 ؛ قرب الأسناد : 13.
3- زيادة : « وعنه صلى اللّه عليه وآله » من ( د ).
4- وسائل الشيعة 2 / 419 ، باب تأكد استحباب العيادة ، ح 3.
5- في ( د ) : « مشاعا ».
6- بحار الأنوار 78 / 221 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 8.
7- في ( د ) : « يمحى ».
8- ثواب الأعمال : 292.

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « يعير (1) اللّه عزوجل من عباده (2) يوم القيامة ، فيقول : عبدي! ما منعك إذ مرضت أن تعودني؟ فيقول : سبحانك! أنت ربّ العباد لا تألم ولا تمرض. فيقول : مرض أخوك المؤمن فلم تعده ، وعزّتي وجلالي! لو عدته لوجدتني عنده ، ثم لتكفّلت بحوائجك فقضيتها لك ، وذلك من كرامة عبدي المؤمن وأنا الرحمن الرحيم » (3).

وروي أن أبا موسى الأشعري عاد الحسن عليه السلام فقال له علي عليه السلام : « أما إنه لا يمنعنا ما في أنفسنا عليك أن نحدّثك بما سمعنا أنه من عاد مريضا شيّعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفرون له إن كان مصبحا حتى يمسي وإن كان مساء حتى يصبح وكان له خريف في الجنة » (4).

وعن مولانا الباقر عليه السلام : « أيما مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإذا انصرف وكّل اللّه سبعين ألف ملك كلهم (5) يستغفرون له ويترحمون عليه ويقولون : طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد ، وكان له - يا أبا حمزة - خريف في الجنة » قلت : ما الخريف جعلت فداك؟ قال : « زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما » (6).

وعن الصادق عليه السلام : « من عاد مريضا في اللّه لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب اللّه له » (7).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتجاوزة حدّ الإحصاء.

هذا ولنتمّم (8) الكلام في المقام برسم امور :

ص: 380


1- في ( ألف ) : « يصبر ».
2- في ( ب ) : « عياده ».
3- بحار الأنوار 7 / 304 ، باب خصال التي توجب التخلص من شدائد القيامة وأهوالها ، ح 75.
4- الأمالي ، الشيخ الطوسي : 635.
5- ليس في ( د ) : « كلهم ».
6- الكافي 3 / 120 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 3.
7- ثواب الأعمال : 194.
8- في ( ب ) : « ولنتم ».

أحدها : إنّ ما (1) ذكر من الفضل إنما هو في عيادة المؤمن ، وأما الكفّار من سائر الملل الفاسدة فلا رجحان لعيادتهم. وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : في أهل الذمة « لا تساووهم في المجلس ولا تعودوا مريضهم ولا تشيّعوا جنائزهم » (2) (3).

وحينئذ يحتمل القول بالتحريم من جهة ظاهر النهي إلا أن القول به لا يخلو من (4) بعد ، والرواية غير صالحة للاعتماد في مقام التحريم.

وكيف كان ، ففيها دلالة على جريان الحكم في غير أهل الذمة بالأولى.

وأما غير أهل الحقّ من سائر الفرق الضالّة من أهل الإسلام فقد يحتمل رجحان عيادتهم لاندراجهم في المسلمين.

وقد ورد التعبير بالمسلم في المقام في بعض الأخبار إلا أن الظاهر خلافه ؛ إذ لا حرمة لهم. وقد ورد النهي عن موادّتهم.

نعم ، إن (5) كان من أرحامه لم يبعد القول برجحان عيادته ، سيّما بالنسبة إلى الوالدين (6) ، ولو حصل هناك جهة خارجة كالترغيب باعثة على إظهار المودة كالترغيب في المذهب أو التقية ، فلا إشكال في رجحان العيادة ، بل قد تجب حينئذ.

ولذا اورد (7) التأكيد في عيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وحسن السيرة معهم. وحينئذ فقد يجري نحوه في عيادة الكفار أيضا.

وأما الفسّاق من أهل الإيمان فالظاهر استحباب عيادتهم ؛ لإطلاق الأدلة.

نعم ، جريان الحكم في بعض مقتر في الكبائر كتارك الصلاة وصاحب النرد والشطرنج

ص: 381


1- في النسخ المخطوطة : « إنما ».
2- في ( د ) : « اجنازهم ».
3- بحار الأنوار 72 / 392 ، باب النهى عن مراودة الكافر ومعاشرتهم ، ح 14.
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « لو ».
6- في ( د ) : « زيادة هذا ».
7- في ( د ) : « ورد ».

ونحوهم محلّ إشكال.

وقد ورد في بعض الأخبار النهي عن عيادة بعض هؤلاء ، وقد يحمل على الكراهة.

ثانيها : أنه قد دلّت عدة من الأخبار على سقوط العيادة عن المرأة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال : « يا علي! ليس على النساء جمعة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (1). وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « ليس على النساء عيادة » (2).

وعن الباقر عليه السلام : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (3).

وقضية هذه الأخبار سقوط العيادة عن المرأة ولو بالنسبة إلى مثلها أو أقاربها أو (4) أرحامها.

وهو بعيد جدّا مخالف لإطلاق الروايات وسائر العمومات الدالّة على رجحان صلة الأرحام والتودّد إلى أهل الإيمان ونحوها.

فحمل هذه الأخبار على إرادة الرخصة وبيان عدم الاهتمام في شأنهنّ على نحو الرجال ليس ببعيد.

ويشير إليه اقترانه بسقوط الجماعة والأذان والإقامة عنها مع مشروعيتها في شأنها ورجحان الإتيان بها في الجملة إلا أنها لا تأكّد لها بالنسبة إليها.

ثالثها : أنه يستحب في العيادة امور :

منها : تخفيف الجلوس عنده إلا أن تحبّ ذلك ويريده ويسأله ذلك (5) ، وعن الصادق عليه السلام : « تمام العيادة أن تضع يدك على ذراعه وتعجّل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكى أشدّ على

ص: 382


1- الخصال : 511.
2- دعائم الإسلام 1 / 218.
3- الخصال : 585 ، وفيه : « الجنائز ».
4- في ( د ) : « و ».
5- ليس في ( د ) : « ويريده ويسأله ذلك ».

المريض من وجعه » (1).

ومنها : أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى أو على جبهته (2). ويحتمل أن يكون الوجه فيه إظهار التحزن عليه كما هو الشائع في وضع اليد على الجبهة ، فقد يحمل ذلك إذن على المثال.

ومنها : أن يضع العائد يده على ذراع المريض أو عليه مطلقا. وقد تقدم ذكر ذلك في الرواية المتقدمة.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله : كيف هو؟ كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ وتمام تحيتكم المصافحة » (3).

ومنها : أن يدعو للمريض ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من دخل على مريض فقال : أسأل اللّه العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك - سبع مرات - شفي ما لم يحضر أجله » (4).

وعن سلمان قال : دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يعودني وأنا مريض. فقال : « كشف اللّه ضرّك وعظّم أجرك وعافاك في دينك وجسدك إلى مدة أجلك » (5).

وعن علي عليه السلام : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا دخل على مريض قال : « اذهب البأس ربّ الناس واشف أنت الشافي ولا شافي إلا أنت » (6).

وعن الصادق عليه السلام أنه عاد مريضا فقال له : « نسأل (7) اللّه العافية ولا أنساك الشكر

ص: 383


1- الكافي 3 / 118 ، باب في كم يعاد المريض وقدر ما يجلس عنده وتمام العيادة ، ح 4.
2- زيادة في ( د ) : « فعن علي عليه السلام ان من تمام العيادة أن يضع العائد احدى يديه على الأخرى أو على جبهته ».
3- مكارم الأخلاق : 360.
4- الدعوات : 223 ؛ بحار الأنوار 78 / 224 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 32.
5- الأمالي ، الشيخ الطوسي : 632.
6- بحار الأنوار 78 / 222 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 24.
7- في ( ألف ) : « فسأل ».

عليها » (1).

وعن أحدهما عليهما السلام : « إذا دخلت على مريض فقل : اعيذك باللّه العظيم ربّ العرش العظيم من كلّ عرق فعار ومن شرّ حرّ النار - سبع مرات - » (2).

ومنها : دعاء المريض للعائد. فعن الصادق عليه السلام : « من عاد مريضا في اللّه لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب اللّه له » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء ، فإنه يعدل دعاء الملائكة » (4).

وربما يفيد استجابة دعاء المريض للعائد ولغيره.

ومنها : تكرار العيادة مع بقاء المرض. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « العيادة ثلاثة والتعزية مرة » (5).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « اغبوا في العيادة واربعوا إلا أن يكون مغلوبا » (6).

وكأن المراد بالغب في العيادة أن يعوده يوما دون يوم وبالربع أن يعوده يوما دون أربع (7).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « العيادة بعد ثلاثة أيام » (8).

( وكأنّ المراد أنّه يعاد المريض بعد ثلاثة أيّام من مرضه أو يراد به وقوع العيادة كلّ مرّة بعد ثلاثة أيّام ) (9).

ص: 384


1- الأمالي ، للشيخ الطوسي : 632 وفيه : « أنساك اللّه العافية ».
2- بحار الأنوار 92 / 34 ، باب عوذة الحمى وأنواعها ، ح 17.
3- ثواب الاعمال : 194.
4- وسائل الشيعة 2 / 421 ، باب استحباب التماس العائد دعاء المريض ، ح 5.
5- مكارم الأخلاق : 361.
6- الأمالي ، للشيخ الطوسي : 639.
7- ليس في ( د ) : « أربع ».
8- دعائم الإسلام 1 / 218.
9- الزيادة بين الهلالين غير مذكورة في ( ألف ).

وعن الصادق عليه السلام : « لا يكون عيادة أقل من ثلاثة أيام فإذا وجبت فيوم ويوم لا ويومين لا ، وإذا طالت المرض ترك المريض وعياله » (1).

ويحتمل أن يراد من الفقرة الأولى أنه لا عيادة قبل مضي ثلاثة أيام من المرض ، فيوافق الرواية المتقدمة بالتفسير الأول ، وأن يراد به أن أقلّ العيادة أن يعوده ثلاثة أيام ، وبعد ذلك يعوده غبا يوما (2) دون يومين أو أن أقلّ العيادة أن يعوده في كل عشرة أيام ، فيوافق الرواية السابقة بالتفسير الأخير.

ومنها : ترك العيادة مع طول المرض ، فيترك المريض مع عياله كما في الفقرة الأخيرة من الرواية المتقدمة.

وكأنّ المراد به ترك العيادة حينئذ بعد الإتيان بها على الوجه المتقدم ، فلو لم يعده من أول الأمر إما لمانع كغيبة (3) ونحوها أو لا لمانع ، فلا يظهر من الرواية سقوط العيادة ( ويحتمل الإطلاق.

وكيف كان ، فكأن المراد به طول المرض خارجا عن المعتاد وسقوط العيادة ) (4) حينئذ إما على سبيل الرخصة فالساقط إذن تأكد الاستحباب ، أو مطلقا مع كون الساقط حينئذ مطلق العيادة بالمرة ، أو خصوص وقوعها على النحو المقدم دون عيادته أحيانا.

ومنها : أن يرجّيه في العافية ، فعنه عليه السلام : « إذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب النفس » (5).

ومنها : أن لا يأكل عنده ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يأكل العائد عند العليل ، فيحبط اللّه أجر عيادته » (6).

ص: 385


1- مكارم الأخلاق : 360 ، وفيه : « إذا طالت العلة ».
2- في ( د ) : « ويوما ».
3- في ( د ) : « كغيبته ».
4- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
5- بحار الأنوار 78 / 225 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 33.
6- دعائم الإسلام 1 / 218.

ومنها : أن يهدي العائد إليه شيئا من تفاحة أو سفرجلة أو قطعة من عود ونحو ذلك ، فعن مولى الصادق عليه السلام قال : « مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه فاستقبلنا عليه السلام في بعض الطريق فقال : « أين تريدون؟ » فقلنا : نريد فلانا نعوده. قال : « قفوا ». فوقفنا. قال : « مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود بخور؟ » فقلنا : ما معنا من هذا شي ء. قال : « أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه؟ » (1).

ص: 386


1- مكارم الأخلاق : 361.

تبصرة: [ في الوصية ]

نصّ جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه بوجوب الوصية بالحقوق الواجبة عليه سواء كانت لله أو للناس.

وقد ورد في المستفيضة أن « الوصية حقّ على كل مسلم » (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ما ينبغي (2) لامرئ مسلم أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه » (3).

وعنه عليه السلام : « من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية » (4).

والذي يقتضيه التأمل في الأدلة أن يقال : إن الحق الذي عليه إن كان مضيقا يمكن أداؤه حالّا وجب عليه ذلك ، فلا باعث في تأخيره وإن كان موسّعا تخيّر بين تنجيزه والإيصاء به.

ولا ريب في وجوب الإيصاء عند التأخير مع ظنّ الفوت بل مع خوفه.

وأما مع ظنّ السلامة فالظاهر عدم الوجوب ؛ للأصل والسيرة الجارية ، وكذا في الحقّ المضيّق مع عدم تمكنه من الأداء معجّلا إذا أمكن تفريق ذمّته بعد ذلك.

ثم إن مجرد الإيصاء غير كاف في ذلك ، بل لا بدّ من الإيصاء به على وجه يحكم به شرعا ، فلا بدّ من الإشهاد عليه ؛ إذ مجرد الوصية مع عدم الثبوت ... (5)

ص: 387


1- الكافي 7 / 3 ، باب الإشهاد على الوصية ح 4.
2- في ( ألف ) : « ما لا ينبغي ».
3- مكارم الأخلاق : 362.
4- روضة الواعظين : 482.
5- كذا ، والعبارة ناقصة.

نعم ، إذا علم تمكن الوصيّ من إنجازه مع عدمه اكتفى به ، والظاهر أن القدر الواجب من ذلك هو الإعلام بالحال على وجه يثبت شرعا حسب ما ذكرنا حيث يؤدّى عنه بعد وفاته.

ولا يبعد صدق الوصية في المقام على ذلك ، وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ، بل ولو لم يصرّح بدفع ذلك عنه (1).

وحينئذ فلا يدخل ذلك في (2) عنوان الوصية المعروفة ، ومع ظنّه عدم إمضاء وصيّته بعد موته ، فإن أمكنه أداء الحق في حياته تعيّن عليه ذلك ، وإلّا ففي وجوب الوصية حينئذ وجهان كان أوجههما الوجوب إلا مع القطع عادة بعدم ترتب ثمرة عليه.

وفي وجوب الوصية بالحقوق الغير المالية مما لا يجب ذلك في ماله بدون الوصية كقضاء العبادات إذا لم يكن هناك من يجب القضاء عنه ، أو كان وعلم عدم الإتيان به ففي وجوبه وجهان.

وظاهر القاعدة يقضي بالوجوب.

والذي يتلخّص مما ذكرناه هو وجوب الوصية بكل حقّ واجب عليه قصّر في أدائه أولا إذا لم يتمكن من أدائه في الحال ، أو لم يجب عليه حينئذ أداؤه ، وكان في ترك الوصية به خوف ضياع الحق ، فيجب عليه الإيصاء به ، فإن كان مما يكتفي مجرد الثبوت في الإتيان به كاستيجار الحج أو دفع الزكاة أو الخمس أو سائر الحقوق المالية كفى الإعلام بالحال على حسبما مرّ.

وإن توقّف الإتيان عليه أمره (3) بذلك كغير الحقوق المالية مما ثبت في ذمّته فلا يبعد القول بوجوب الوصية بتحصيل تفريغ ذمّته منه ، ولو ببذل المال.

ثم إنّ الوصية في نفسها من السنن الأكيدة سيّما في حال المرض ، قد أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام. وفي الإطلاقات المتقدمة أقوى دلالة عليه.

ص: 388


1- في ( ألف ) هنا زيادة : « وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ».
2- ليس في ( د ) : « في ».
3- في ( د ) : « الإتيان به على أمره ».

وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن « الوصية تمام ما نقص من الزكاة » (1).

وكأنّ المراد به نظير ما ورد من أن « النافلة الراتبة تمام ما نقص من صلاة الفريضة » (2) وأنّ « غسل الجمعة تمام ما نقص من الوضوء » (3).

ويظهر من بعض المحدّثين أن المراد بذلك وجوب الوصية بما بقي من الزكاة.

وهو كما ترى.

وفي مرفوعة محمد بن يحيى ، عنهم عليهم السلام قال : « من أوصى الثلث احتسب له من زكاته » (4).

وكأن المراد به ثبوت أجر الزكاة فيه إذا كانت وصية في المصارف الراجحة ووجوه البرّ سيّما إذا كان أوصى به للفقراء والمساكين.

وأما قيام ذلك مقام الزكاة حقيقة كما هو الظاهر منها فالظاهر أنه لا (5) قائل به.

وروي عن بعض الأئمة عليهم السلام أنه قال : « إن اللّه تبارك وتعالى يقول : يا بن آدم! تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا » (6).

وعن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال : « من أحب أن يوصي (7) عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ضمّ عمله بمعصية » (8).

ص: 389


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 182 ، باب في أن الوصية تمام ما نقص من الزكاة ح 5413.
2- لم نعثر عليه وإنما وجدناه في علل الشرائع 2 / 328 عثمان بن عبد الملك عن أبي بكر قال : لي أبو جعفر (عليه السلام) : « أتدري لأي شي ء وضع التطوع؟ ... إلى أن قال : لأنه إن كان في الفريضة نقصان قضيت النافلة على الفريضة حتى تتم ... ».
3- انظر علل الشرائع 1 / 285 ، باب علة وجوب غسل يوم الجمعة ح 1.
4- وسائل الشيعة 19 / 260 ، باب وجوب الوصية بما بقي في الذمة من الزكاة ، ح 3 وفيه : « بالثلث ».
5- في ( د ) : « مما لا ».
6- الخصال : 136.
7- في ( د ) : « من لم يوص ».
8- من لا يحضره الفقيه 4 / 183.

ويستحب أن يحسن وصيته عند الموت ، ففي وصية النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي! من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة » (1).

وعن الصادق عليه السلام : « من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته وعقله » (2).

وعنه ، عن أبيه عليهما السلام ، عن أبيه عليه السلام ، قال : قال عليه السلام : « من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدّق به في حياته » (3).

وعنه عليه السلام : « إن أجّلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك » قيل له : وما تلك الاستعانة؟ قال : « تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه » (4) (5).

وعنه عليه السلام أيضا قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله ». قيل : يا رسول اللّه! كيف يوصي الميّت إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه؟ قال : « اللّهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللّهم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن البعث حق والحساب حق ، والميزان حق ، وأن الدين كما وصفت ، وأن الإسلام كما شرعت ، وأن القول كما حدّثت ، وأن القرآن كما أنزلت ، وأنك أنت اللّه الحق المبين ، جزى اللّه محمدا صلى اللّه عليه وآله خير الجزاء خصّ (6) محمد [ ا ] وآل محمد بالسلام ، اللّهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا ولييّ عند (7) نعمتى ، إلهى وإله آبائى لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ، فإنك إن وكلتني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير ، وآنس في القبر وحشتي ، واجعل لي عهدا يوم القاك منشورا.

ص: 390


1- وسائل الشيعة 19 / 266 ، باب استحباب حسن الوصية عند الموت ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 9 / 174.
3- الكافي 7 / 62 ، باب النوادر ، ح 18.
4- في ( د ) : « وبحكمه ».
5- الكافي 8 / 150.
6- في ( د ) : « حيّى ».
7- ليس في ( د ) : « عند ».

ثم يوصى بحاجته ، وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عزوجل : ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) (1) ، فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : « علّمنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : علّمنيها جبرئيل عليه السلام ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : تعلّمها أنت وعلّمها أهل بيتك وشيعتك » (2).

ص: 391


1- مريم : 87.
2- الكافي 7 / 2 ، باب الوصية وما أمر بها ، ح 1 مع اختلاف يسير.

تبصرة: [ في التوبة والإنابة ]

ويجب عليه التوبة من جميع الذنوب والآثام ، فإن التوبة هادم لجميع الذنوب ، وهي من الواجبات الفورية سيّما في حال المرض. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « إن اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر توبوا إلى ربّكم قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الزكية قبل أن تشتغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه » (1).

وعنه عليه السلام : « من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن السنة لكثير ، من مات قبل موته بشهر قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن الشهر لكثير ، من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن يوما لكثير » من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته » (2).

ويستحب حسن الظن باللّه سيّما عند الموت. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه باللّه عزوجل ، فإن حسن الظن باللّه ثمن الجنة » (3).

وفي الصحيح ، عن مولانا الرضا عليه السلام : « أحسن الظنّ باللّه فإن أبا عبد اللّه عليه السلام كان يقول : من حسن ظنه باللّه كان اللّه عند ظنه به » (4).

وعن الباقر عليه السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه السلام إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال على منبره : والذي لا إله الّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن الظن باللّه ورجائه وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين .. » إلى أن قال عليه السلام : « والذي لا إله إلا هو لا يحسن

ص: 392


1- الدعوات : 237.
2- وسائل الشيعة 16 / 87 ، باب صحة التوبة في آخر العمر ، ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 / 448 ، باب استحباب حسن الظن باللّه عند الموت ، ح 2.
4- الكافي 8 / 347.

ظنّ عبد مؤمن إلا كان اللّه عند ظنّ عبده المؤمن لأنه (1) كريم بيده الخير و (2) يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثم يخلفه ظنّه ورجاه فأحسنوا باللّه الظنّ وارغبوا إليه » (3).

وروى الصدوق بإسناده ، عن مولانا العسكري عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : سئل الصادق عليه السلام عن بعض أهل مجلسه فقيل : عليل ، فقصده عائدا وجلس عند رأسه فوجده دنفا. قال : « أحسن ظنّك باللّه فقال : أما ظني باللّه فحسن .. » (4) الخبر.

وروى ابن فهد مرسلا عنهم عليهم السلام أنه : « ينبغي في حالة المرض خصوصا مرض الموت أن يزيد الرجاء على الخوف » (5).

وعدّ بعض الأصحاب حسن الظن باللّه من الواجبات ؛ نظرا إلى بعض الأخبار المذكورة وغيرها.

وهو محلّ تأمّل.

ودلالة الأخبار المذكورة على الوجوب غير ظاهرة.

نعم ، اليأس من رحمة اللّه من أعظم الكبائر ، وهو أمر آخر.

ويستحبّ إكثار ذكر الموت والاستعداد له بالأعمال الصالحة ، وقصر الأمل في الدنيا الفانية ، والرغبة في الآخرة الباقية وفي رضوان ربّ العالمين ومرافقة الأنبياء والمرسلين والأوصياء المرضيين والملائكة المقرّبين وعباد اللّه الصالحين.

فعن الباقر عليه السلام قال : « سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أىّ المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا » (6) (7). وقال صلى اللّه عليه وآله : « أكثروا من ذكر هادم اللذات ما ذكر في كثير

ص: 393


1- في ( د ) : « لأن اللّه ».
2- ليس في ( د ) : « و ».
3- الكافي 2 / 72 ، باب حسن الظن باللّه عزوجل ح 2 وفيه : « قال - وهو على منبره - : والذي .. ».
4- عيون أخبار الرضا 1 / 7.
5- عدة الداعي : 28 ، بحار الأنوار 78 / 242 ، باب آداب الاحتضار واحكامه ، ح 27.
6- في ( د ) : « استعدادا ».
7- الكافي 3 / 258 ، باب النوادر ، ح 27.

إلّا قلّله ولا في قليل إلّا كثّره » (1).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « استحيوا من اللّه حقّ الحياء » (2). فقيل يا رسول اللّه! كيف (3) نستحيي من اللّه حق الحياء؟ فقال : « من حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلاء فقد استحى من اللّه حق الحياء » (4).

وقال علي عليه السلام : « ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غدا من أجله » (5).

وعن الصادق عليه السلام : « من عدّ غدا من أجله فقد (6) أساء صحبة الموت » (7).

[ و ] عن أمير المؤمنين عليه السلام : « ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل » (8).

وعن الباقر عليه السلام : « أكثر ذكر الموت ، فإنه لم يكثر ذكر الموت أحدا (9) إلا زهد في الدنيا » (10).

ص: 394


1- كنز العمال 15 / 542 ، وفيه : « هادم اللذات فإنه لا يكون في كثير الا قلله ولا في قليل إلّا أجزأه ».
2- قرب الإسناد : 23.
3- في ( د ) : « وكيف ».
4- روضة الواعظين : 460 باختلاف.
5- الكافي 3 / 259 ، باب النوادر ، ح 30.
6- في ( ألف ) : « فقه ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 139.
8- الكافي 3 / 259 ، باب النوادر ، ح 30.
9- في ( د ) : « أحد ».
10- الكافي 2 / 131 ، باب ذم الدنيا والزهد فيها ، ح 13 وفيه : « لم يكثر إنسان ذكر الموت إلّا زهد في الدنيا ».

تبصرة: [ في توجيه المؤمن إلى القبلة حال الاحتضار ]

اشارة

يجب توجيهه إلى القبلة حال السوق يعني حال الاحتضار - أعاننا اللّه عليه وثبّتنا اللّه بالقول الثابت لديه - عند جماعة من الأصحاب منهم المفيد (1) والشيخ في النهاية (2) والديلمي والقاضي (3) والطوسي (4) والحلّي (5) والمحقق في الشرائع (6) والعلامة (7) في بعض كتبه. واختاره القطيفي وجماعة من المتأخرين.

وفي الهادي إلى الرشاد : أن الفتوى على الوجوب ؛ لأنه سنّة للمسلمين مستمرة بين الصحابة والتابعين. وظاهرها الوجوب.

وفي البحار (8) والحدائق (9) : إنه المشهور بين الأصحاب.

وفي الذكرى (10) : إنه الأشهر خبرا وفتوى. ونصّ على الشهرة بعد ذلك.

وعزاه الفاضل التستري إلى أكثر الأصحاب.

ص: 395


1- المقنعة : 95.
2- النهاية : 62.
3- المهذب 1 / 53.
4- الوسيلة : 62.
5- انظر السرائر 1 / 158.
6- شرائع الإسلام 1 / 29.
7- تحرير الأحكام 1 / 113.
8- بحار الأنوار 78 / 231.
9- الحدائق الناضرة 3 / 352.
10- الذكرى : 37.

وقوّى القول بالاستحباب كما هو واضح مختار الشيخ في الخلاف (1) ، وظاهر المبسوط (2) ، والمحقق في المعتبر (3) ، وجماعة من المتأخرين منهم السيد في المدارك (4) وصاحب الذخيرة (5) وكشف اللثام (6).

وأسنده في التذكرة (7) إلى الباقين (8) بعد إسناد الوجوب إلى المفيد والديلمي. وظاهر العلامة في التذكرة والقواعد (9) التوقف في المسألة حيث ذكر القولين من غير ترجيح.

ويدلّ على المختار ما رواه الصدوق في الفقيه (10) مرسلا ، وفي العلل (11) مسندا عن علي عليه السلام قال : « دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب ، فإذا هو في السوق وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل اللّه عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض ».

ورواه في الدعائم (12) عنه عليه السلام.

وهذه الرواية أوضح روايات الباب دلالة. وظاهر الصدوق اعتماده عليها حيث ذكره في عدّة من كتبه سيّما الفقيه مع ضمانه صحة جميع ما فيه.

وقد يناقش في دلالته بأن ظاهر التعليل يومي إلى إرادة الاستحباب مع ما هو ظاهر من

ص: 396


1- الخلاف 1 / 101.
2- المبسوط 1 / 174.
3- المعتبر 1 / 258.
4- مدارك الأحكام 2 / 54.
5- ذخيرة المعاد 1 / 80.
6- كشف اللثام 2 / 201.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 337.
8- في ( د ) : « الماضين ».
9- قواعد الأحكام 1 / 222.
10- من لا يحضره الفقيه 1 / 133.
11- علل الشرائع 1 / 297.
12- دعائم الإسلام 1 / 219.

كثرة استعمال الأمر في الاستحباب.

ووهنه ظاهر.

وربما قيل : إنه قضية في واقعة ، فلا يعمّ.

وهو أيضا كما ترى.

ورواية معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الميّت؟ قال : « استقبل بباطن قدميه القبلة » (1).

وظاهر الأمر الوجوب ، والظاهر حمل الميت على المشرف بالموت (2) ؛ إذ هو مجاز شائع ، بل قضية ما ذكره جماعة من أهل اللغة أن الميّت - بالتشديد - الذي لم يمت بعد ، وبالتخفيف من فارقه الروح.

وحينئذ فلا حاجة إلى التأويل في الخبر المذكور وغيره.

مضافا إلى [ أنّ ] حال الاحتضار هو الزمان المعهود لاستقبال الميت ، ومراعاة الاستقبال أهمّ (3) بالنسبة إليه ، فحمل الرواية عليه هو الأولى من البناء على تركه وذكر غيره.

وصحيحة سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إذا مات لأحدكم ميت فسجوه (4) تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحضر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة » (5).

وهذه الرواية أصحّ ما في الباب سندا إلا أن دلالتها على المدّعى محل مناقشة ؛ لظهورها في استقباله القبلة بعد الموت ، وهو غير المدّعى.

وقد يقال : إن المراد بالموت الإشراف عليه كما هو شائع في الاستعمالات حسب ما أشرنا

ص: 397


1- الكافي 3 / 127 ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح 2.
2- في ( د ) : « للموت ».
3- في ( ب ) : « أعم ».
4- في ( د ) : « فسبحوه ».
5- الكافي 3 / 127 ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح 3 وفيه : إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ... ».

إليه.

ويشكل بأنه مجاز لا يصار إليه إلا مع قيام القرينة عليه ، وهي منتفية في المقام ، بل ذكر السجية يومي إلى كونه بعد الموت لاستحبابها حينئذ كما يأتى إن شاء اللّه.

ويمكن أن يقال : إنه لو حمل على ذلك لكان الاستقبال حينئذ واجبا بعد موته ، ولا قائل بوجوبه ( كذلك. نعم ، بعض من يقول بوجوبه حين الاحتضار يقول بوجوبه بعده ، ففيها إذن دلالة على وجوبه ) (1) حين الاحتضار بالالتزام.

وقد يحمل الأمر (2) على الندب إلا أنه يبعده - مع خروجه عن ظاهر اللفظ - أنها تفيد إذن انتفاء استحبابه حال الموت ؛ لاشتراط استحباب الاستقبال بتحقق الموت. ويجري ذلك بناء على حمله على الوجوب أيضا ، فيترجّح بذلك حمل الرواية على الوجه المتقدم.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من كون بيان ذلك لحال الاحتضار أهمّ فبعيد ترك بيانه في المقام وذكر غيره ، ويؤيد اعتضاده بفهم الجماعة ومراعاة الحائطة.

ومنها : ما روي عن الصادق عليه السلام قال : « جرى في البرّاء ابن معرور الأنصاري ثلث من الستين منها أنه لما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فأمر أن يحول وجهه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأوصى بالثلث من ماله ، فنزل الكتاب بالقبلة وجرت السنّة بالثلث .. » (3) الخبر.

وربما يحتج على ذلك بصحيحة (4) ذريح المحاربي ، عن الصادق عليه السلام في حديث قال : « إذا (5) وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة ولا تجعله معترضا (6) كما يجعل الناس ، فإني رأيت أصحابنا يفعلون وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض » (7).

ص: 398


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- زيادة في ( د ) : « حينئذ ».
3- الكافي 3 / 255 ، باب النوادر ، ح 16 مع اختلاف.
4- في ( د ) : « بصحيحة ».
5- في ( ألف ) : « إذا قال ».
6- في ( د ) : « معرضا ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 465.

والاعتراض المتقدم جار في المقام ، مضافا إلى عدم دلالته على وجوب الاستقبال وإنما يفيد كيفيّته.

وقد يقال : إنّ المستفاد منها مطلوبية الاستقبال في الجملة ، وهو ظاهر في الوجوب حتى يثبت الإذن في الترك.

وهو كما ترى.

وفي قوله : « ولا تجعله معترضا كما تجعله (1) الناس » إشارة إلى أن ذلك في حال الاحتضار ، فإنهم يوجّهون الميت حال احتضاره على الوجه المذكور.

ورواية ابراهيم الشعيري ، عن الصادق عليه السلام أنه قال في توجيه الميت : « يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة » (2).

وهي أيضا واردة في بيان كيفية التوجيه لا حكمه ؛ لكنّها لا تخلو من (3) تأييد لما ذكرناه.

وفي الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر » (4).

حجة القول بالاستحباب الأصل ، وعدم وضوح دلالة الأخبار على وجوب الاستقبال حين الاحتضار ، بل إشعار بعضها بالاستحباب حسبما مرّ ذكره.

ويدفعها ما عرفت من دلالة الأخبار عليه سيّما بعد الاعتضاد بفهم الجماعة.

وربما يورد عليها أيضا بأنه لو بني على كون مورد تلك الأخبار ما بعد الموت حسبما مرّ الكلام فيه كان الحكم في الاستحباب قبل تحقيق الموت خاليا عن الدليل ، فلا وجه إذن لحكم هؤلاء بالاستحباب ؛ إذ هو أيضا حكم شرعي يتوقف على قيام دليل شرعي عليه.

وفيه : أنّ الرواية الأولى قد دلّت على ثبوت الرجحان في خصوص المحتضر ، وضعفها

ص: 399


1- في ( د ) : « يجعله ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 285.
3- في ( د ) : « عن ».
4- دعائم الإسلام 1 / 219.

لا يمنع من العمل بها في مقام الاستحباب ، بل ولا عند من لا يتسامح فيه لانجباره باتفاق الأصحاب ؛ إذ لم نجد قائلا بعدم رجحانه سوى ما يحكى عن بعض العامة.

ثم إن كيفية الاستقبال في المقام حسب ما ذكر في الأخبار المذكورة أن يستلقى الميت على ظهره نحو القبلة ويستقبل القبلة بباطن قدميه بحيث لو جلس كان مستقبلا. وما حكي عن أبي بصير من الأمر بالاعتراض محمول على (1) التقية منه أو ممن أمره به من الأئمة عليهم السلام فإنه منقول عن أبي حنيفة ، وقد جعل الاستقبال في المقام على نحو الاستقبال في الدفن.

ولو لم يمكن توجيهه على النحو المذكور لقصر المكان فالظاهر استقباله على وجه الجلوس مع مدّ رجليه نحو القبلة مع الإمكان ، ولو أمكن الاعتراض على نحو القبر دون غيره ؛ نظرا إلى المكان الذي فيه مع عدم إمكان التحويل عنه ففي وجوب مراعاته وجهان.

ولا يبعد وجوب الاستقبال بمقاديم بدن المصلوب ونحوه مع عدم إمكان التوجيه على النحو المذكور.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : إن المكلف بتوجيهه إلى القبلة حسبما (2) ذكروه من علم بحاله من المسلمين على سبيل الوجوب الكفائي كغيره من أحكام الميت من التغسيل والتكفين ونحوهما ، فالحال فيها كغيرها حسبما يفصّل القول فيها.

وربما يقال باختصاص الوجوب بالولي. وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه عند بيان المذكورات.

ويحتمل في المقام وجوبه على الميت مع إمكانه في شأنه ، فإن ذلك إنما يراد لمصلحته ، فهو أولى بتحصيل مصلحة نفسه.

ص: 400


1- ليس في ( د ) : « على ».
2- زيادة : « حسبما » من ( د ).

وهو قوي جدّا إذا لم يكن هناك من يحوّله.

وعلى هذا لو ظنّ الوفاة ولم يكن من (1) يوجّهه إلى القبلة حين الاحتضار احتمل القول بوجوب الاستقبال عليه قبله من باب المقدمة إذا (2) ظنّ عدم قدرته على التحويل في تلك الحال. ويشكل بأنه لا وجه لوجوب المقدمة عليه قبل ذيها إلا أن يقال بأن الاحتضار وقت للاستقبال لا لوجوبه.

وفيه تأمل.

ثانيها : إنه هل ينتهي الوجوب بحصول الموت أو إنه (3) يجب دوام الاستقبال مهما أمكن؟ قولان ، فظاهر كلامهم من الحكم بوجوب استقبال (4) المحتضر اختصاص الوجوب بتلك الحال.

وفي الذكرى (5) أن ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بالموت ، قال (6) : وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال ، وينبّه عليه ذكره حال الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن.

وأورد عليه في المدارك (7) بأنه لم يقف على ما ذكره من الأخبار ، قال شيخه (8) قدس سره : والظاهر البقاء على تلك الحال حتى ينتقل إلى المغتسل ويراعي هناك أيضا كذلك إلا أنه يكون حين خروج الروح فقط ؛ لأن ظاهر الأخبار بعد الموت.

وأنت خبير بأنه لو حمل الميت في الأخبار المذكورة على المشرف على الموت إما لكونه حقيقة فيه بخصوصه كما أشرنا إليه ، أو من باب مجاز المشارفة كان مفاد الروايات المذكورة

ص: 401


1- زيادة : « من » من ( د ).
2- في ( د ) : « وإذا ».
3- في ( ب ) : « وإنه ».
4- في ( ألف ) : « الاستقبال ».
5- الذكرى : 37.
6- زيادة : « قال » من ( د ).
7- مدارك الأحكام 2 / 54.
8- انظر : مجمع الفائدة 1 / 173.

اختصاص الوجوب بتلك الحال ، فلا دلالة فيها على وجوب الاستقبال في غيرها ، بل ربما يشعر ظواهرها على انتفاء الوجوب بانتفاء الموضوع حسبما ذكره الشهيد قدس سره.

بل قيل : إن ما في رواية الصدوق من قوله « فلم يزل كذلك ( حتى يقبض » صريح في السقوط.

وفيه : أن الظاهر أن المراد من قوله « فلم يزل كذلك » ) (1) لم يزل اللّه مقبلا عليه بوجهه والملائكة مقبلة عليه حتى يقبض ؛ ولا يراد به بقاؤه مستقبلا حتى يقبض ؛ ليقيّد بمفهوم الغاية ارتفاع حكم الاستقبال بالقبض.

نعم ، ربما يكون في التعليل المذكور إشعار بارتفاع الحكم ، وربّما يستدلّ على بقاء الحكم بالاستصحاب ، وهو أيضا مشكل ؛ لتوقيت الحكم بتلك الحال بناء على الحمل المذكور.

وكيف كان ، فالقول بوجوب البقاء على الاستقبال محلّ تأمل ، وكأنّ الأظهر عدمه ؛ أخذا بالأصل في غيره مورد الدليل.

مضافا إلى ظاهر التعليل المذكور وغيره ، ولا بأس بالبناء على الاستحباب.

ثم بناء على استمرار الحكم إما وجوبا أو ندبا فإنما يجري ذلك إلى حين الغسل ، أما بعده فيجعل على نحو حال الصلاة. وعن مولانا الرضا عليه السلام : « فإذا طهر يوضع كما يوضع في قبره » (2).

والظاهر أن المراد التشبيه في وضعه معترضا دون الإضجاع (3) على الأيمن.

ثالثها : إن الواجب هنا استقبال العين للقريب والجهة للبعيد على ما هو الحال في الصلاة ، فلو جهلت وجب تحصيله مع الإمكان ، فإن لم يتمكن من العلم فالظاهر قيام الظنّ مقامه ، فإن لم يتمكن منه أيضا سقط الوجوب.

ص: 402


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
2- تهذيب الأحكام 1 / 298 ، وفيه : « وضع كما يوضع ».
3- في ( ألف ) : « الاحتجاج ».

ولا يجب استقبال الجهات الأربع. واحتمله في الذكرى (1).

وكأنّه من جهة إلحاقه بالصلاة بناء على المشهور من وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربع. وهو ضعيف ، والفرق بين الأمرين واضح.

ولو علم حينئذ خروج القبلة عن بعض الجهات ودارت بين جهتين أو جهات فهل يسقط مراعاة الاستقبال مطلقا أو يتعيّن توجّهه نحو الجهات المشكوكة؟ وجهان ، أحوطهما الأخير.

رابعها : لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر والأنثى ، والصغير والكبير ؛ لإطلاق (2) معظم الأخبار وظاهر كلمات الأصحاب.

وفي شموله للسقط إذا كان فيه حياة وجهان ، وهو إنما يثبت لأهل الإيمان.

وفي جريان الحكم في المسلم المخالف وجهان.

وقد يبنى ذلك على وجوب غسله وكفنه ودفنه ، فإن قلنا بالوجوب جرى فيه ، وإلّا فلا.

ويمكن القول بعدم وجوبه. ولو قلنا بوجوبها نظرا إلى أنّ (3) مذهبهم عدم الوجوب فيعاملون بما عاملوا به أنفسهم كما ورد في الحديث.

وأما الكافر فظاهر (4) عدم جريان الحكم فيه سواء كان مشخصا (5) منتحلا للإسلام أو لا.

وأطفال الكفار ( والمخالفين ملحوقون بآبائهم إلّا أن يلحقوا المسلمين كالمسبي عن أولاد الكفار ) (6) وفي جريان الحكم في أولاد المخالفين إذا انقطعوا عن آبائهم بالسبي أو غيره وتبعوا المؤمنين وجهان.

خامسها : إنما يحكم بوجوب الاستقبال بعد تحقيق كونها حال الاحتضار ، وأما مع ظنّه

ص: 403


1- الذكرى 1 / 295.
2- في ( ألف ) : « إطلاق ».
3- زيادة : « أن » من ( د ).
4- كذا ، والظاهر : « فالظاهر ».
5- ليس في ( د ) : « مشخصا ».
6- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

ففي الحكم بالوجوب إشكال.

ولا يبعد القول به ؛ إذ الغالب في مثل ذلك حصول الظنّ.

وهل يجب الاستقبال بالسكون ونحوه إلى علم موته؟ لا يجب ؛ لعدم ثبوت كونه حال الاحتضار ، فقد يكون ميتا وقد لا يموت ، إشكال.

ولا يبعد القول مع دوران الأمر بين كونه ميتا أو في شرف الموت استصحابا لحياته.

وهل يجري الحكم في أبعاض الميت؟ الظاهر ذلك ، فلو قطعت رأسه لوحظ القبلة في كل من الرأس والجسد ولو كان حيا (1) وقطع رجله لم يجر فيه الحكم ؛ لدوران الحكم مدار موت الشخص دون موت العضو.

سادسها (2) : يستحب أن يقرأ سورة يس ، فعن الصادق عليه السلام : « من قرأ يس ومات في يومه أدخله اللّه الجنة وحضر غسله ثلاثون ألف ملك يستغفرون له ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له ، فإذا دخل (3) في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون اللّه ، وثواب عبادتهم له ، وفسح له في قبره مدّ بصره ، واومن من ضغطة القبر ».

وأن يقرأ عنده (4) السورة المباركة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « يا علي! اقرأ يس فإن في قراءة يس عشر بركات .. » إلى أن قال : « ولا قرأت عند ميت إلا خففت عنه تلك الساعة » (5).

فإن قرأ الميّت بالتشديد أمكن الاستدلال به حسبما مرّ على استحباب قراءته حين الاحتضار ، فيكون التخفيف بتهوّن الموت عليه.

ويحتمل ذلك لو قرأ بالتخفيف أيضا بناء على حمله على المشارف للموت أو الأعم.

ويحتمل أن يعمّ ذلك قراءته عند القبر.

ص: 404


1- في ( ب ) : « ميّنا » بدل « حيّا ».
2- في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة ».
3- في ( د ) : « أدخل ».
4- في ( د ) زيادة : « تلك ».
5- الدعوات : 215.

ولا يخلو (1) عن بعد.

وأن يقرأ عنده (2) الصافات ، فعن سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : « قم يا بنيّ! فاقرأ عند رأس أخيك ( وَالصَّافّاتِ صَفًّا ) (3) حتى تستتمّها ، فقرأ فلما بلغ ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ) (4) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (5) فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال : يا بنيّ! لم تقرأ عند مكروب من الموت إلا عجّل اللّه راحته » (6).

وأن يقرأ سورة الكافرون ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « نابذوا عند الموت ». فقيل : ننابذ؟! قال : قولوا ( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) (7) إلى آخر السورة (8).

وروي أنه « يقرأ عند المريض والميت آية الكرسي ويقول : اللّهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان. اللّهم اغفر له ذنبه جلّ ثناء وجهك. ثم يقرأ آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ .. ) (9) إلى آخره ، ثم يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (10) ثم يقرأ سورة الأحزاب » (11).

ذكر ذلك الراوندي رحمه اللّه.

وفي الدعائم ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « يستحب لمن حضر المنازع أن يقرأ عند رأسه

ص: 405


1- في ( ألف ) : « لا يخلو » بدون الواو.
2- في ( د ) زيادة : « سورة ».
3- الصافات : 1.
4- الصافات : 11.
5- يس : 1 و 2.
6- الكافي 3 / 126 ، باب إذا عسر على الميت الموت ، ح 5.
7- الكافرون : 1 و 2.
8- الدعوات : 249.
9- الاعراف : 54.
10- البقرة : 284.
11- الدعوات : 252.

آية الكرسي وآيتين بعدها ، ويقرأ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (1) إلى آخر الآية ، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة ، ثم تقول : اللّهم أخرجها منه إلى رضى منك ورضوان ، اللّهم لقّه البشرى ، اللّهم اغفر له ذنبه وارحمه » (2).

وأن يلقّن كلمات الفرج ، فعن الصادق عليه السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر من أهل بيته أحد الموت قال له : « قل لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين ، فإذا قالها المريض قال : اذهب فليس عليك بأس » (3).

وفي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا أدركت الرجل عند النزع فلقّنه كلمات الفرج » (4) ، وذكر التهليل والتسبيح والتحميد على النحو المذكور.

وفي الأخبار اختلاف في كلمات الفرج زيادة ونقصانا ، والموجود في الصحيح ما ذكرنا.

ونحوه صحيحة اخرى إلا أنه أسقط فيه لفظ الجلالة في « سبحان اللّه ربّ السماوات .. » إلى آخره.

وفي مرسلة الفقيه (5) وكتاب فقه الرضا (6) عليه السلام وغيرها (7) زيادة : « وسلام على المرسلين » قبل التحميد.

وفي بعض الروايات زيادة : « وما تحتهنّ » بعد « وما بينهنّ » (8).

والكل حسن.

ص: 406


1- الاعراف : 54.
2- دعائم الإسلام 1 / 219.
3- الدعوات : 245.
4- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 3.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 131.
6- فقه الرضا عليه السلام : 165.
7- في ( د ) : « غيرهما ».
8- فقه الصادق 2 / 312.

وأن يلقّن الشهادتين ، والإقرار بالأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام : « إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله » (1).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد يحضره الموت إلا وكّل إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتى نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتى يموتوا » (2).

وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : « فلقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللّه والولاية » (3).

وقد يستفاد من بعض هذه الأخبار استحباب تكرير التلقين المذكور إلى أن يموت كما نصّ عليه بعضهم.

وأن يكون آخر كلامه « لا إله إلا اللّه » ، فعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه ، فإنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنة » (4).

وأن يلقّنه هذا الدعاء : « يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير ، إنك أنت الغفور الرحيم » (5).

وروى المفيد في مجالسه وأبو علي ابن الشيخ في المجالس ، بإسناده أيضا عن سعيد بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حضر شابا عند وفاته فقال (6) : قل لا إله إلا اللّه. قال : فاعتقل لسانه مرارا ، فقال لامرأة (7) عند رأسه : هل لهذا أمّ؟ قالت : نعم

ص: 407


1- الكافي 3 / 121 ، باب تلقين الميت ح 2.
2- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 6 وفيه : « حتى يموت ».
3- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 5.
4- ثواب الاعمال : 195.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 132 ، باب غسل الميت ح 347 وفيه : « إنك أنت العفو الغفور ».
6- في ( د ) : « فقال له ».
7- في ( د ) : « لامرأته ».

أنا امه. قال : أساخطة (1) أنت عليه؟ قالت : نعم ما كلّمته منذ ستّ حجج. قال لها : أرضي عنه. قالت (2) : رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه! فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قل لا إله إلا اللّه. قال : فقالها. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : ما ترى؟ فقال : أرى رجلا أسود قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح ، قد وليني الساعة يأخذ بكظمي. فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : قل .. وذكر الدعاء. فقالها الشابّ ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : انظر ما ترى؟ قال : أرى رجلا أبيض اللون حسن الوجه طيّب الريح حسن الثياب قد وليني وأرى الأسود قد تولّى عني. قال : أعد ، فأعاد. قال : ما ترى؟ قال : لست أرى الأسود ، وأرى الأبيض قد وليني. ثم طفى على تلك الحال » (3) أي مات.

وفي رواية اخرى ، عن الصادق عليه السلام قال : « حضر رجلا الموت فقال (4) : يا رسول اللّه! إن فلانا قد حضره الموت. فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومعه اناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه. فقال : يا ملك الموت! كف عن الرجل حتى أسأله. فأفاق الرجل فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : ما رأيت؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال : فأيهما كان أقرب؟ فقال : السواد. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : قل : اللّهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منّي اليسير من طاعتك. فقاله ثم اغمي. فقال : يا ملك الموت! خفّف عنه أسأله فأفاق ». قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا حضرتم ميتا فقولوا له (5) هذا الكلام ليقوله » (6) (7).

ص: 408


1- في ( د ) : « أفساخطة ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « قال ».
3- الأمالي ، المفيد : 287.
4- في ( د ) : « قيل ».
5- زيادة : « له » من ( د ).
6- الكافي 3 / 124 ، باب تلقين الميت ، ح 10 ، وفيه : « لا حفف عنه حتى أسأله ، فافاق الرجل ».
7- في ( د ) زيادة صفحتين من العبارات الماضية حتى الباب الآتي ، إلّا أن الناسخ التفت إلى الزيادة فكتب هنا : « مكرّر في النسخة .. ».

الباب: في بيان النجاسات والمطهّرات ، وأحكام النجاسات

اشارة

ففيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل: في أعداد النجاسات

تبصرة: [ في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ]

الأول والثاني من النجاسات : البول والغائط مما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة ، بلا خلاف فيه إلا فيما سيأتي.

وقد حكي الإجماع عليه مطلقا في كلام جماعة من الأصحاب ، وقد حكي الإجماع عليه عن الشيخ (1) وابن زهرة (2) والفاضلان (3) وغيرهم (4).

ويدلّ عليه بالنسبة إلى بول الإنسان وغائطه أخبار كثيرة.

والظاهر قيام الضرورة عليه.

وبالنسبة إلى بول السنّور وخرئه وغيره كالفأر غير واحد من الأخبار ، وبالنسبة إلى

ص: 409


1- الرسائل العشر : 171.
2- غنية النزوع : 40.
3- المعتبر 1 / 410 ، تحرير الأحكام 1 / 155.
4- كشف الرموز 1 / 107.

مطلق بول ما لا يؤكل لحمه صحيحة عبد اللّه بن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (1).

ويؤيّده ما في غير واحد من الأخبار من أنّ ما يؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر لإشعاره بنجاستهما (2) مما لا يؤكل لحمه.

وقد يدلّ جملة من الأخبار على نجاسة العذرة. وفي دلالتها على حكم غير عذرة الإنسان إشكال ، وإن أطلقت في بعض الأخبار على عذرة غير الإنسان أو هي في أصل وضعها اسم لفناء الدار.

وقد أطلقت على الغائط تسمية له باسم محله حتى وصل إلى حدّ الحقيقة على نحو لفظ الغائط.

وحينئذ فشموله لغير ما للإنسان مبني على التسرية فيه من ذلك إلى مطلق الغائط ، فوصوله إذن إلى حد الحقيقة كذلك غير معلوم ، ومعه لا يتمّ الاستدلال.

وكيف كان ، فالإجماع المعلوم والمنقول في غير ما سنذكر الخلاف فيه كاف في الحجة عليه سيّما مع اعتضاده بما ذكرنا.

هذا ، وقد وقع الخلاف في المقام في امور :

أحدها : بول الطير وخرئه. والمعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه وبين غيره. وعن الغنية (3) الإجماع على نجاسة خرء وبول مطلق الجلّال.

وعن العلامة في التذكرة (4) وبعض المتأخرين نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كل حيوان ، والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة ، فذهب في المبسوط (5) إلى القول

ص: 410


1- الكافي 3 / 57 ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح 3.
2- في ( د ) : « بنجاستها ».
3- غنية النزوع : 40.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 51.
5- المبسوط 6 / 282.

بالنجاسة فيهما. وعزاه إلى جمهور الأصحاب.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة بين الأصحاب ، ويشمله عدة من الإجماعات المحكيّة.

وعن العماني والجعفي والشيخ في النهاية (1) القول بالطهارة فيه مطلقا.

واختاره في المبسوط (2) أيضا إلا أنه استثنى منه الخشاف.

حجة الأول إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة ، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة وظواهر الأخبار المتقدمة.

وفي رواية المختلف (3) المنقولة عن كتاب عمار ، عن الصادق عليه السلام : « خرء الخطاف لا بأس به هو ممّا يؤكل لحمه .. » (4) الخبر. وفيها إشعار بأن العلة في نفي البأس عنه هو أكل لحمه ، فيفيد ذلك حصول البأس لولاه مع كونه طائرا. مضافا إلى خصوص الرواية الدالّة على خصوص (5) نجاسة بول الخفاش مع كونه طائرا.

والفرق بينه وبين غيره ضعيف ؛ إذ لا قائل به سوى الشيخ كما ستعرف والقول بأن الصحيحة المذكورة واردة في الأبوال فلا يدلّ على حكم الأرواث ، وأن الطائر لا يتحقق له بول في الغالب مدفوع بقيام الإجماع ظاهرا (6) على عدم الفرق بينهما.

وعن السيد (7) والشهيد الثاني (8) وصاحبي المدارك (9) والذخيرة (10) الإجماع على عدم الفرق بين الأرواث والأبوال.

ص: 411


1- النهاية : 266.
2- المبسوط 1 / 39.
3- مختلف الشيعة 8 / 291.
4- عوالي اللئالي 3 / 469.
5- ليس في ( د ) : « خصوص ».
6- في ( ب ) : « ظاهر ».
7- الناصريات : 86.
8- الروضة البهية 7 / 324.
9- انظر مدارك الأحكام 2 / 261.
10- ذخيرة المعاد 1 / 145.

ومنه يظهر اندفاع الأخير ؛ إذ عدم تحقق البول له بعد تحقق الإجماع المذكور لا يوجب ردّ الاستدلال أو نقول : إن بول غير ما يؤكل لحمه نجس ، فروثه كذلك وإن لم يكن الروث من صاحب البول.

على أن الظاهر حصول البول للطائر في الجملة كما هو معروف في الخفاش.

وقد دلّ عليه النصّ حجة القول الثاني موثقة أبي بصير : « كلّ شي ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (1).

وقد رواه في البحار (2) ، وجاء بخطّ الجبعي نقلا عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير.

والقول بمعارضته للصحيحة المتقدمة مدفوع بأن عمومها أصرح من الصحيحة ، فهي أقوى بحسب الدلالة ، ولو سلّم تكافؤها بحسب الدلالة فقضية الأصل في ذلك الرجوع إلى أصالة الطهارة وهي كاف في المقام.

ويضعّفه اطراح الرواية بين الأصحاب ، وإعراض المعظم عن العمل بها.

وفي التذكرة (3) : إنّ أحدا لم يعمل بها.

وقد رماها الحلي في السرائر (4) إلى الشذوذ ، وقال : إنه لا يعوّل عليها. والمحقّق عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم خلاف هذه الرواية ؛ لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم التي أجمع عليها.

وقد يظهر منه وجود أخبار دالّة على النجاسة فيها إلا أن يقال بأن مقصوده بذلك الإطلاق المذكور المؤيّد بظواهر غيرها من الأخبار المذكورة.

نعم ، ذكر في الروض (5) أن روايات التنجيس في الطير (6) أكثر. وهو ظاهر في وجود

ص: 412


1- الكافي 3 / 58 ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح 9.
2- بحار الأنوار 77 / 110.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 49.
4- السرائر 1 / 80.
5- الروض : 162.
6- في ( ب ) و ( د ) : « الطيور ».

روايات خاصة دالّة. ولم نظفر (1) بها.

وكيف كان ، فبملاحظة ذلك مع موافقة الأول للاحتياط وكثرة الأخبار الدالّة عليه وشذوذ الخبر المذكور لتفرد أبي بصير بنقله (2) وعدم إشعار شي ء من الأخبار بما يوافق مضمونه [ ... ] (3).

ص: 413


1- في ( ألف ) : « يظفر ».
2- في ( ألف ) : « منقلبة ».
3- العبارة ناقصة ، فتدبّر.

تبصرة: [ في نجاسة الدم ]

اشارة

الرابع من النجاسات : الدم من كل حيوان ذي نفس سائلة سواء كان مسفوحا من العرق أو خارقا بالرشح ، قليلا كان أو كثيرا ، بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب سوى ما يحكى عن الإسكافي (1) من القول بطهارة ما يكون سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الأعلى. وعبارته المحكيّة عنه غير صريحة في حكمه بالطهارة.

وإنما تفيد عدم تخصيصه الثوب مع تعميمه الحكم لسائر النجاسات سوى المني ودم الحيض ، فإنّ قليلهما وكثيرهما سواء.

وقد يحكى عن الصدوق الحكم بطهارة ما دون الحمّصة مما عدا دم الحيض. وعبارته أيضا غير دالّة عليه ، وإنما تفيد عدم وجوب غسله.

وكأنه عبّر بذلك عن مسألة العفو عما دون الدرهم.

وكيف كان ، فهما شاذّان ضعيفان لو ثبت القول بهما.

ويدلّ على الحكم بعد الإجماعات المحكية ظواهر جملة من الإطلاقات ، ويستثنى منه الدم المتخلّف فيما يؤكل لحمه من الذبيحة بعد القذف المعتاد.

وقد نصّ على طهارته جماعة من الأصحاب.

وفي البحار (2) : الظاهر أنه حلال طاهر بغير خلاف يعرف.

وفي الحدائق (3) : إن عليهما اتفاق الاصحاب من غير خلاف ينقل.

ص: 414


1- نقله عنه في المعتبر 1 / 420.
2- بحار الأنوار 77 / 86 ، باب نجاسة الدم وأقسامه وأحكامه ، ذيل ح 2.
3- الحدائق الناضرة 5 / 45.

ويدلّ عليه بعد الإجماع ظاهرا ، ظاهر الآية الشريفة : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (1).

وقيام السيرة القاطعة على عدم التحرز عنه ، مضافا إلى ما فيه من الحرج والعسر ، فالحكم بالحلّ والطهارة في المتخلف في اللحم مما لا شبهة فيه.

وفي جريانه في المتخلف في البطن والكبد والعروق والقلب وجهان ، أقواهما ذلك كما هو ظاهر إطلاقاتهم ؛ لظاهر الآية الشريفة. والظاهر جريان السيرة في كثير منها.

وقد نصّ المحقق الكركي (2) والشهيد الثاني (3) على عدم الفرق بين المتخلف في خلال (4) اللحم والمتخلف في البطن والعروق. وقد يظهر من ذلك تأمّله في إلحاق المتخلف في القلب والكبد حيث قال : إن فيه وجهين.

وربما يتوهم من جماعة منهم الفاضل (5) والشهيدان (6) (7) في بعض كتبهما القول بعدم الإلحاق حيث استثنيا (8) المتخلف في تضاعيف اللحم خاصّة ، ولم يذكروا غيره. وكأنهم أرادوا بذلك المتخلف في مطلق الذبيحة كما عبّر به غيرهم.

[ تنبيهات ]

هاهنا (9) امور ينبغي الإشارة إليها :

ص: 415


1- الأنعام : 145.
2- جامع المقاصد 1 / 163.
3- الروضة البهية 329.
4- في ( ألف ) : « حلال ».
5- نهاية الإحكام 1 / 269.
6- الدروس 2 / 172.
7- مسالك الإفهام 12 / 78.
8- في ( ب ) : « استثناء ».
9- في ( د ) : « وهاهنا ».

أحدها : في المتخلف في الذبيحة التي لا يؤكل لحمه وجهان. وقد حكى عدة من الأصحاب منهم العلامة المجلسي (1) أن ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته.

وحكى في المعالم عن بعض مشايخه التردد فيه ، ثم الميل إلى النجاسة.

واحتملهما في كشف اللثام (2).

وظاهر إطلاق الجماعة من الأصحاب منهم ابن زهرة (3) والمحقق (4) والعلامة (5) في عدة من كتبه والشهيد (6) وابن فهد (7) ، وعدم الفرق بين مأكول اللحم وغيره.

وقد اختلفوا في جواز استعمال جلده قبل الدبغ على أقوال. وكأنه يبني الخلاف على ذلك ؛ لعدم خلوّ الجلد عن أجزاء من الدم.

وقد حكي أشهريّة القول بالجواز هناك. وقد يومي ذلك إلى طهارة الدم المتخلف فيه ، ( وقضية الأصل في المقام لما عرفت من إطلاق عدة من الأخبار المعتضد بظاهر الإجماعات المحكيّة هو القول بالنجاسة ، والقول بجواز استعمال الجلد قبل الدباغ لا يستلزم القول بطهارة الدم المتخلف فيه ) (8) لعدم العلم بحصول شي ء فيه ، ومعه فيمكن إزالته بغير الدفع ، فالقول بالمنع لا يخلو عن قوة إلّا أن المسألة محلّ إشكال.

ثانيها : في الحكم بطهارة المتخلف في الأجزاء المحرمة (9) عن المحلل إشكال ، والأظهر فيه الطهارة وإن لم يشمله ظاهر الآية المذكورة ؛ إذ الظاهر حرمته تبعا لما فيه ؛ أخذا بالأصل مع

ص: 416


1- بحار الأنوار 62 / 102.
2- كشف اللثام 1 / 407.
3- انظر غنية النزوع : 40.
4- المعتبر 1 / 419.
5- انظر تذكرة الفقهاء 1 / 63.
6- الدروس 1 / 123.
7- المهذب البارع 1 / 233.
8- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
9- في ( ألف ) : « الحرمة ».

عدم وضوح شمول أدلة النجاسة لمثله ، مضافا إلى السيرة في كثير من تلك الأجزاء بعدم التحرز ، ولم يعهد في الروايات ورود منع فيه مع عموم الابتلاء به.

ثالثها : لو حبس دم الذبيحة من (1) الخروج حتى مات كان الدم المتخلف فيه نجسا. وحينئذ فيتوقف جواز أكله على غسله وإخراج ذلك الدم عن سائر أعضائه ، ولا يكتفي بمجرد غسل عروقه أو اطراحها لانبساط (2) الدم (3) ، في جميع أجزاء اللحم وعدم العلم بخروجها.

وقد يحكم بأصالة (4) الطهارة في كل عضو لم يعلم اشتمالها على الدم إلا أنه يعارضه استصحاب النقاء.

ولو كانت تذكية عند موته فلم يخرج منه إلا يسير من الدم ففي طهارة المتخلف وجهان.

رابعها : المعروف نجاسة العلقة (5).

ص: 417


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « لانبثاث » ، وفي ( ب ) : « الانبساط ».
3- هنا زيادة الواو في ( ألف ).
4- في ( ألف ) : « أصالة ».
5- إلى هنا كلام المصنف قدس سره ، والظاهر - بل المتيقّن - أنه ناقص ؛ إذ لم يبحث عنه ولم يدخل في الفروع والأقوال كما هي عادته ، ولم يذكر أيضا أعداد النجاسات برمّتها.

تبصرة: *في نجاسة الكافر وأقسامه*

الثامن من النجاسات : الكافر بأقسامه.

ولا خلاف بين الأصحاب بل الأمّة في نجاسته في الجملة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع : الكتاب والأخبار المستفيضة والسيرة القاطعة.

نعم ، هناك خلاف ضعيف في خصوص أهل الكتاب حيث ذهب شذوذ من الأصحاب إلى طهارتهم. ويعزى ذلك إلى الإسكافي والعماني والمفيد في أحد قوليه.

وربّما ينسب إلى الشيخ في النهاية.

وفي دلالة كلامه عليه بحث ، والأظهر عدم دلالته عليه. ولو دلّ عبارته هناك على الطهارة لدلّ على طهارة سائر الكفار ؛ إذ ليس في كلامه ذكر لخصوص أهل الكتاب. وقد نصّ قبل تلك العبارة بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم ، بل في دلالة عبارة المفيد عليه تأمل. وكذا في عبارة العماني.

وربما يتأمل أيضا في عبارة الإسكافي ؛ إذ (1) مدلول كلامه حلّية ذبائح أهل الكتاب ، وما صنع في أواني مستحلّي الميتة ومواكلتهم ، فإن دلّ ذلك على الطهارة لدلّ على طهارة غير أهل الكتاب أيضا. ولا قائل به ظاهرا.

وكيف كان ، فالقول بطهرهم من الوهن بمكان ؛ لقيام الأدلّة الظاهرة على نجاستهم ، منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (2).

والمناقشة فيها بأن « النجس » مصدر لا يحمل على الذات إلا بتقدير كلمة « ذو » ، فلا

ص: 418


1- في ( د ) : « أو ».
2- التوبة : 28.

يقيّد النجاسة العينية ؛ لاحتمال إرادة العارضية كما هو الغالب من مزاولتهم للنجاسة ، وأن النجاسة لم يثبت لها حقيقة شرعية فليحمل على معناها اللغوي الذي هو مطلق القذارة ، وأنها لا تشمل أهل الكتاب ؛ لعدم اندراجهم في المشركين بيّن الاندفاع ؛ لعدم إمكان حمل المصدر على الذات بطريق الحقيقة.

وأما على سبيل المبالغة فلا مانع ، وهو مقدّم على المعنى المذكور إلا بمقتضى فهم العرف ، ومع الغضّ عنه فيحمل على النجس ليكون المصدر بمعنى الفاعل ، فيدلّ إذن على النجاسة العينيّة كما هو (1) مفاد العبارة.

بل مع حمله على المعنى المذكور لا يبعد دلالته على النجاسة العينيّة سيّما بملاحظة عموم المشركين ، وإن المناسب للمقام هو النجاسة الشرعية ، فيقدم على اللغوية ، ولو قلنا بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، ومع القول بها فلا بحث.

وإن ظاهر قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) (2) إلى قوله ( سُبْحانَهُ : عَمّا يُشْرِكُونَ ) (3) قاض بكون اليهود الّذين هم أقرب من سائر أهل الكتاب إلى التوحيد مشركين فكيف غيرهم.

ومع الغضّ عنه فلا شكّ في شرك غيرهم ؛ لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة والمجوس بالنور والظلمة.

ومنها : الإجماع المعلوم من ملاحظة فتاواهم وجريان السيرة المستمرة عليه حتى صار من شعار الشيعة يعرفون عند أهل الخلاف.

ومنها : الروايات المستفيضة ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عليه حدّ الاستفاضة قد حكاه جماعة منهم السيد (4) والشيخ (5) وابن زهرة (6) والعلامة (7) في جملة من كتبه وغيرهم.

ص: 419


1- في ( د ) زيادة : « ظاهر ».
2- التوبة : 30.
3- التوبة : 31.
4- الناصريات : 84.
5- انظر الخلاف 1 / 70.
6- غنية النزوع : 44.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 67.

ومنها : الروايات المستفيضة الكثيرة القريبة من التواتر. وهي مذكورة في كتب الأخبار.

وما يورد عليها من معارضتها بما دلّ على الطهارة من مستفيضة اخرى فليحمل على الكراهة واضح الفساد ؛ إذ مع بعد الحمل المذكور لا داعي إليه مع موافقة تلك الروايات لمذاهب العامة ، بل وما أطبق عليه أئمّتهم ، مضافا إلى مخالفتها لظاهر الكتاب واطراحها بين الأصحاب.

حجة الجواز بعد الأصل قوله تعالى : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (1) الشامل لما باشروه بالرطوبة كما هو الغالب في المطعومات القريبة من الفعل ، بل هو الذي ينبغي أن يراد من الآية ؛ إذ حلّية غير ما باشروه بالرطوبة مما لا كلام فيه ، ويتساوى فيه أهل الكتاب وسائر الكفار وظواهر كثير من الأخبار.

ويرد على الجميع أنه لا يعوّل على الأصل بعد (2) قيام الدليل ، والمراد بالطعام في الآية الشريفة هو الحبوب أو ما أشبهها [ على حدّ ] (3) تعبيره بذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام.

وعن جماعة من أهل اللغة تخصيصه بالحنطة ونحوها من الحبوب.

وحكى في المجمل (4) عن بعض أهل اللغة (5) أن الطعام البر خاصة ، وهو من الإطلاقات الشائعة له في العرف. ومع تسليم إطلاق الآية الشريفة فلا مزيد (6) على الإطلاق ، فيقيّد بما

ص: 420


1- المائدة : 5.
2- في ( ألف ) : « بعدم ».
3- الزيادة منّا لإصلاح العبارة.
4- نقل عنه العلامة في منتهى المطلب 1 / 168.
5- كتاب العين 2 / 25.
6- في ( د ) : « يزيد ».

دلّ على التقييد.

وما ذكر من أن الظاهر من المقام حلّية ما باشروه بالرطوبة - إذ لا إشكال في غيره - يدفعه عدم اختصاص توهم الحرمة من جهة النجاسة أو أنه بيان للحكم وإن كان معلوما بأدلة اخرى أيضا.

وأما الأخبار فقد عرفت الحال فيها أيضا.

ص: 421

تبصرة: [ في حكم سائر الكفّار ]

يثبت حكم النجاسة لسائر الكفار سواء كان كفرهم لكلّ (1) الأصول أو بعضها ، إما لعدم تصورها من رأس كما إذا كان في مواضع لم يتّفق له سماع شي ء من الأديان أو مع التردد فيها أو الظنّ بها على وجه أو الظنّ بخلافها أو اليقين من الدليل والتقليد أو غيرهما أو عدم الايمان وإن كان قاطعا [ .. ] (2) الدرهم أو زائدا عليه ؛ لثبوت حكم العفو بالنسبة إلى الدم.

ففرض المسألة في خصوص كون الملاقي ما دون الدرهم ليس على ما ينبغي ، والأولى أن يقال بحصول العفو ، والحديث (3) بالنسبة إلى الملاقى مطلق.

والظاهر أنهم لا يقولون به.

هذا ، ولا يذهب عليك أنه لو نجس الثوب أو البدن بالدم جرى في فعله حكم الدرهم قطعا ؛ لثبوت العفو مع وجوده ، فمع زواله (4) وجهان ، واستقرب في الدروس ؛ إذ تخفيف النجاسة لا يوجب الشديد في الحكم وهو ظاهر.

رابعها (5) : لو اشتبه الدم المعفوّ بغيره فهل يجري عليه حكم العفو أو لا؟ وجهان. واستقرب في الدروس (6) ذلك. وهو ظاهر المعالم.

ص: 422


1- في ( د ) : « لجهل ».
2- هنا في ( د ) مكتوب : « بياض في الأصل ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.
3- في ( د ) : « حينئذ ».
4- في ( د ) زيادة : « أولى ».
5- في ( د ) : « سابعها ».
6- الدروس 1 / 124.

وبه نصّ في الحدائق (1) في بحث النجاسات ؛ إذ الأصل فيما يدور بين ما يجوز لبسه وما لا يجوز هو الجواز كما إذا اشترى جلدا ودار الأمر بين كونه ميتة أو مذكّاة ، وقد نصّ الإمام عليه السلام : « إن كلّ شي ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه » (2).

وربما يقال بالعدم ؛ أخذا بالاحتياط وأصالة الشغل حتى يتبيّن الفراغ ، وأن الأصل عدم العفو للإطلاقات الدالة عليه ، فينبغي الاقتصار على القدر المعلوم.

وقد يفصّل بين ما إذا دار بين محصورين مثلا أحدهما الدم المعفو والآخر غيره ، فعلم بكونه أحد الدمين ودار الأمر بين الأمرين ، فلا يقدح تنزيلا للشبهة المحصورة منزلة العلم كما في نظائره ، وما إذا كان هناك دم ولم يعلم أنه من أيّ القسمين ، من غير أن يكون دائرا بين المحصور.

وإليه ذهب في الحدائق (3) عند بيان أحكام النجاسات. وقد يقرب الوجه الأول بأصالة عدم التغليظ (4) واستصحاب جواز الصلاة في البدن أو الثوب الحاصل فيه ، وما ذكر من أصالة عدم العفو إنما يجري فيما يشكّ فيه من جهة حكم الأصل.

وأما بالنسبة إلى الموضوع بعد وضوح الحكم فلا ؛ إذ لا يوجب ذلك زيادة في التخصيص (5).

نعم ، إن قرّر من الشارع أصل في مجهول الحال كما قرّره في الماء جرى في المقام ، وما ذكر من أصالة الشغل معارض بقيام الدليل الشرعي على الجواز.

ومن ذلك يظهر قوّة الوجه الأول إلا أن المسألة لا يخلو من (6) خفاء ، ومراعاة الاحتياط فيها سيّما بالنسبة إلى المحصور مما لا ينبغي تركها.

ص: 423


1- الحدائق الناضرة 5 / 323.
2- الكافي 6 / 339 ، باب الجبن ، ح 2.
3- الحدائق الناضرة 5 / 324.
4- في ( د ) : « تعليظ » ، وفي ( ب ) : « التعليط ».
5- في ( ألف ) : « التحقيق ».
6- في ( د ) : « لا تخلو عن ».

تبصرة: [ فيما يعفى عنه نجاسته ]

مما يعفى عنه نجاسته : كل ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا من اللباس. وهو في الجملة مما لا خلاف فيه بين الطائفة.

وحكاية الإجماع عليه مطلقا (1) مستفيضة قد حكاه في الانتصار والخلاف (2) والسرائر (3).

وعزاه في التذكرة (4) إلى علمائنا.

وفي المختلف (5) والمدارك (6) إلى الأصحاب ، وفي الذخيرة (7) وغيره : لا نعلم في أصل الحكم خلافا.

وعن الراوندي (8) حكاية الإجماع على امور خمسة بالخصوص ، وهي القلنسوة والتكة والجورب والخفّ والنعل.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة كصحيحة حماد بن عثمان ، عمّن رواه ، عن الصادق عليه السلام : في الرجل يصلي في الخفّ الذي قد أصابه قذر. قال عليه السلام : « إذا كان مما لا تتمّ

ص: 424


1- في ( ب ) : « مطلق ».
2- الخلاف 1 / 480.
3- السرائر 1 / 184.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 96.
5- المختلف 1 / 484.
6- مدارك الأحكام 2 / 320.
7- ذخيرة المعاد 1 / 160.
8- نقله عنه في مفتاح الكرامة 2 / 123.

الصلاة فيه فلا بأس » (1).

ومرسلة عبد اللّه بن سنان ، عن الصادق عليه السلام : « كلما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة (2) أن يصلّى فيه ، وإن كان قد قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك » (3).

وفي مرسلة اخرى : « لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا يجوز الصلاة فيه وحده فيصيبه القذر مثل القلنسوة والتكّة والجورب » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار ، وما كان فيها من ضعف في الإسناد فينجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وبعمل الأصحاب كما عرفت. فالحكم في المسألة مما لا ريب فيه.

إنما الكلام في المقام في امور :

أحدها : المعروف تعميم الحكم لكلّ الملابس كما هو قضية عموم الأخبار. وعن الراوندي تخصيصه بالخمسة المتقدمة.

وهو ضعيف بعد دلالة الأخبار وفتاوى الأصحاب والإجماعات المطلقة المحكية.

مضافا إلى أن الظاهر من الأخبار أن المناط فيه عدم إتمام الصلاة فيه ، وهو جار في الجميع ، مضافا إلى التصريح بالتعليل في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام قال : « إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة والجورب أو الخف شي ء أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه ، وذلك أن الصلاة لا تتم في شي ء من هذه وحده » (5).

حجّة الراوندي إجماع على الخمسة دون البواقي ، فيبنى فيها على الأصل.

وضعفه ظاهر مما عرفت.

ص: 425


1- تهذيب الأحكام 1 / 274.
2- ليس في ( د ) : « بالصلاة ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 275.
4- تهذيب الأحكام 2 / 358.
5- فقه الرضا عليه السلام : 95.

ثم إن المشهور عدم التفاوت في ذلك بين الأحوال. وخصّه العلامة في عدّة من كتبه كالمنتهى (1) والتذكرة (2) والتحرير (3) ، والشهيد في البيان (4) ، وابن فهد في الموجز بما إذا كانت في محالّها.

ولم نعرف مستندهم في ذلك ، وكأنه لحمل الإطلاقات على المتعارف ، وهو ما إذا كانت تلك الأمور في محالّها المعدّة لها ، فيبقى غيرها مندرجا تحت الأصل.

وضعفه ظاهر ، وإطلاق الروايات وجعل المناط فيه عدم تمامية الصلاة ، مضافا إلى أن حمل النجاسة لا مانع منه مطلقا كما سيجي ء الإشارة إليه.

قيل : ومن يسري الحكم إلى غير الملبوس لا يشرط (5) الكون في المحال.

قلت : لا ملازمة بين الأمرين فإن كان هناك اتفاق فاتفاق.

ثانيها : المراد بما لا يتم (6) الصلاة فيه ما لا تتم فيه مع بقائه على حاله ، فلو أمكن الصلاة فيه بعلاج كما إذا كان طويلا وأمكن وضع طوله على عرضه ليمكن الصلاة فيه لم يثبت فيه المنع قبل خيطه (7) كذلك ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

وكذا ما احتاج إلى شدّه بشي ء خارج عنه ، وأما إن كان معه فلا ، كالحبل المتصل به.

ولو كان هناك امور لا تتم الصلاة في كلّ منها وتتم في الجميع فهل يجري الحكم المذكور في الجميع ، لعدم تمامية الصلاة في كل منها بالخصوص أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأول وإن فرض حصول الستر (8) بها في الصلاة.

ص: 426


1- منتهى المطلب 3 / 260.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 482.
3- تحرير الأحكام 1 / 159.
4- البيان : 42.
5- في ( ب ) : « لا يشترط ».
6- في ( د ) : « لا تتم ».
7- في ( ألف ) : « خطّه ».
8- في ( ب ) : « النشر ».

ولو ضمّ بعضها إلى البعض بحيث صار الجميع شيئا واحدا جرى حكم المنع.

ثمّ (1) إن المقصود بما لا تتمّ الصلاة فيه ما كان كذلك لصغره ، وأما ما لا تتم الصلاة من جهة حياكته (2) دون صغره فلا يجري فيه الحكم. وقد نبّه عليه بعض الأفاضل.

ثالثها : قد عدّ الصدوق (3) رحمه اللّه من جملة ذلك العمامة ، ووجّه ذلك تارة بأنها على حالها مما لا تتم الصلاة فيه. وقد عرفت أنه المناط في ذلك.

واخرى بأنها غير داخل في اسم الثوب ، وقد قامت الأدلة على اعتبار الطهارة في خصوص البدن والثوب ، ولا دليل على اعتبارها في غيرهما.

وقد احتمل في المدارك (4) على عدم حصول المنع من جهتها نظرا إلى الوجه المذكور.

ولا يخفى ضعف كلّ من الوجهين المذكورين ؛ إذ مجرد طي الثوب لا يجعله مما لا تتم الصلاة فيه مع سعته في نفسه ، وإلا لجرى في غير العمامة أيضا.

وهو واضح الفساد ، وإن لفظ « الثوب » كما يشمل المنشور كذا يشمل المطويّ أيضا بلا فرق ، فالتأمل في اندراجه في الثوب بعد صدقه عليه في العرف مما لا وجه له.

على أن اندراجه في اللباس كاف فيه ، وهو مما لا شكّ فيه.

نعم ، قد دلّ على اندراج العمامة في ذلك رواية الفقه المذكورة. وكأنّها مستند الصدوق ، وهي لضعفها ومخالفتها لسائر الأخبار وكلام الأصحاب لا ينهض حجة على ذلك. وقد تحمل كعبارة الصدوق رحمه اللّه على خصوص العمامة التي لا تتم الصلاة فيها.

ص: 427


1- زيادة : « ثم » من ( د ).
2- في ( د ) : « حكايته ».
3- الهداية : 73.
4- مدارك الأحكام 2 / 320.

تبصرة: [ في نجاسة ثوب المرأة المربّية ]

اشارة

من جملة ما يعفى عنه في الصلاة نجاسة ثوب المرأة المربية للصبيّ ذات الثوب الواحد بالنسبة إلى بوله إذا غسلته في النهار مرة واحدة ، على المعروف من المذهب بلا خلاف (1) يعرف ؛ لخبر أبي حفص ، عن الصادق عليه السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها على قميص ولها (2) مولود فيبول عليها ، كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في يوم (3) مرة » (4).

مضافا إلى اعتضاد ذلك بما دلّ على أن هذه الشريعة سمحة سهلة لا حرج فيها ولا مشقّة.

وضعف الرواية منجبر بعمل الطائفة حيث لا يعرف رادّ لها في الفرقة ، فمناقشة صاحبي المدارك (5) والمعالم في الحكم - نظرا إلى ضعف الخبر وتقوية البناء على مقتضى الأصل من دوران الحكم مدار الحرج والمشقة الشديدة - ليس على ما ينبغي.

ثم لا يخفى أن قضية الأصل في المقام عدم البناء على العفو (6) إلا فيما قام الدليل عليه ، ومقتضى الرواية المذكورة المعتضدة بالعمل هو ثبوت العفو بالنسبة إلى صاحبة (7) الثوب الواحد المربية للصبي الواحد عن نجاسة خصوص الثوب لخصوص بول الصبي ، ففي تسرية

ص: 428


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « ليس لها إلا قميص لها ».
3- في ( د ) : « اليوم ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 70.
5- مدارك الأحكام 3 / 355.
6- في ( ألف ) : « العضو ».
7- في ( د ) : « صاحب ».

الحكم إلى المربي للصبي أو المربية للصبي أو الصبية إشكال. وقضية الأصل كما عرفت الاقتصار.

وعن العلامة في المنتهى (1) والنهاية (2) والشهيد (3) في عدّة من كتبه تسرية الحكم إلى المربي أيضا للاشتراك في العلة.

ونصّ في المدارك (4) على خلافه. وهو الموافق للأصل كما عرفت.

ونصّ جماعة من الأصحاب بجريان الحكم في المربية للصبية ، وحكاه في المعالم عن الشهيدين وأكثر المتأخرين. وبه قطع في المدارك.

وظاهر النهاية اختصاص الحكم بالصبي اقتصارا في الرخصة على المنصوص مع حصول الفرق ؛ إذ بول الصبي كالماء وبول الصبية أصفر ثخين ، وطبعها آخر.

وقد يستدل على الشمول بإطلاق الخبر المذكور للتعبير فيه بلفظ المولود الشامل للصنفين.

وفيه : أن من الظاهر أن لفظ المذكور ليس مما يستوي فيه التذكير والتأنيث ليشمل الأمرين ؛ لشموله لهما مبني على أخذ الموصوف ( خاليا عن التأنيث شاملا للقسمين ، وهو غير متعين ؛ إذ كما يمكن كذلك يجوز أن يكون الموصوف ) (5) فيه خصوص الصبي ، مضافا إلى أنه يدّعى ظهوره في ذلك ، فقد حكي في المعالم عن بعض الأصحاب أن المتبادر من المولود هو الصبي. ثم قال : ولا يخلو عن قرب.

وذهب الشهيدان (6) إلى جريان الحكم في مربية الصبي ؛ للاشتراك في العلة وزيادة المشقة.

ص: 429


1- انظر منتهى المطلب 3 / 271.
2- النهاية الإحكام 1 / 288.
3- البيان : 41 ، الدروس 1 / 127 ، الذكرى 1 / 139.
4- مدارك الأحكام 2 / 355.
5- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
6- الدروس 1 / 127 ، الروضة البهية 1 / 525 ، مسالك الأفهام 1 / 127.

وكلام الشهيد الثاني في الروض (1) يومي إلى التوقف.

والأوفق بالأصل ما ذكرناه من الاقتصار ؛ لزيادة النجاسة مع التعدد (2) المنافية للتخفيف ، وظاهر الشهيد (3) تسرية الحكم إلى الغائط أيضا. قال : ربما كنّي عن الغائط بالبول كما هو قاعدة العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن.

ويضعّفه أن جواز الكناية المذكورة لا يوجب الخروج عن الظاهر والحمل عليه ، ولا شاهد على التسرية من تنقيح مناط ولا غيره ؛ لوضوح الفرق بين الأمرين.

تعبير التحرير عن البول دون الغائط (4).

ولذا نصّ جماعة على عدم التعدية منهم الشهيد الثاني (5) وولده المحقق وسبطه السيد.

وعن بعض الأفاضل إجراء الحكم بالنسبة إلى البدن أيضا ؛ نظرا إلى عسر الاحتراز عن الثوب النجس ، ولزوم المشقة في غسل البدن كل وقت.

وهو ظاهر الوهن ؛ للفرق البيّن بين الثوب والبدن في سهولته (6) ويبسه وغيرهما ، فلا وجه للتسرية.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على اختصاص الحكم بالثوب.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنه لو كان له ما يزيد على الثوب الواحد ولم يحتج في اللبس إلى الجميع فلا تأمل في عدم جريان العفو ؛ لإمكان الإبدال.

ص: 430


1- روض الجنان : 167.
2- في ( ألف ) : « التعذر ».
3- روض الجنان : 167.
4- كذا وردت في عبارة المصنف قدس سره.
5- مسالك الإفهام 1 / 128.
6- في ( ألف ) : « سهولة ».

ولو احتاجت إلى الجميع لبرد ونحوه فهل يجري على الجميع حكم الواحد؟ وجهان ؛ من الخروج عن مدلول النصّ ، وأنها في معنى المتّحد ، وقد نصّ غير واحد منهم على الأخير كالشهيد الثاني في الروض. وهو غير بعيد.

ومنها : أنها لو تمكنت من تحصيل الثوب الآخر بشراء أو استيجار أو نحوهما فهل يثبت لهما الرخصة المذكورة أو يجب عليها مراعاة الطهارة إما بغسل ثوبها أو تحصيل غيرها؟ وجهان.

واستقرب الأول في المعالم ، وحكى الثاني عن جماعة من المتأخرين. وظاهر النصّ يعطي الرخصة إلا أن الأحوط مراعاة الطهارة مع تحصيل الغير من غير مشقة أصلا.

ومنها : أن الظاهر الاكتفاء بغسله مرة مجموع الليل والنهار إما لشمول اليوم الليل (1) أو لإلحاق الليل به كما يعطيه سياق الكلام ، ( وإلّا لم يكتف في مقام البيان بمجرد الغسل في اليوم مرّة. والاقتصار عليه في مقام البيان أقوى شاهد على الاكتفاء بالنسبة إلى الليل أيضا.

وتوقّف فيه في الحدائق (2).

وليس في محله.

وهل تحتسب الليلة السابقة مع النهار أو اللاحقة أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه.

ثمّ الظاهر إيقاع الغسل في النهار أخذا بظاهر الخبر. ويتساوى فيه أجزاؤه على ظاهر الرواية ، والأولى تأخير الصلاة وإيقاعه آخر النهار لتكون صلاته الأربع مع الطهارة ولا أقلّ من أخفّيّة النجاسة.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب [ على ] أفضلية ذلك في شأنها.

ولو قضت العادة بنجاسة ثوبها مع فضلها بين الغسل في المقام مع أنّ بول الصبي الذي لم يفطم يكتفى فيه بالصبّ ، ففيما ذكر من الحكمين تدافع إلّا أن يقال باستثناء هذه الصورة من تلك القاعدة.

ص: 431


1- في ( د ) : « لليل ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 345.

وربما يؤيّد ذلك بأن تكرار البول موجب لتشديد النجاسة ، ويكفي فيه الصب.

ويضعّفه أنّ مقتضى ما دلّ على الاكتفاء بالصبّ هناك عدم الفرق بين المتكرّر وغيره ، وكلمات الأصحاب أيضا قاضية بذلك ، فلا يمكن جعل ذلك فارقا في المقام ، فالأولى أن يجعل الحكم هنا مقيّدا بما دل على الاكتفاء بمجرد الصب في بول الرضيع ؛ إذ ليس المولود هنا مقيّدا بالرضيع.

إلّا أنّه قد يستشكل في دلالة الرواية على العفو بالنسبة إليه ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه حصول العفو بالنسبة إلى من يثبت في بوله الغسل إلّا أن يدّعى الأولوية بالنسبة إليه.

وقد يقال بأنّ اعتبار الغسل قد يكون من جهة حصول العفو لما في الغسل من المبالغة في الإزالة بخلاف الصب ، فإنّه فان افاد التطهير إلّا أنّه لا يقضى بالعفو (1).

ذهب الشهيد (2) وجماعة من الأصحاب إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسل في النهار (3) مرّة للزوم الحرج بتكلفه بالغسل ، ولرواية عبد الرحمن القصير قال : كنت إلى أبي الحسن الأول عليه السلام أسأله عن خصيّ ببول فيلقى من ذلك شدّه وبري البلل فقال : « يتوضأ وينضح (4) ثوبه في النهار مرّة واحدة » (5).

ورواه الصدوق في الفقيه (6). فظاهره العمل بمضمونه ، وظاهر العلامة في التذكرة (7) عدم العمل بها.

وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين ؛ لضعف الرواية وعدم انطباقها على المقصود لذكر النضح ، وهو غير مطهر لبوله بالإجماع.

ص: 432


1- هنا فراغ في ( ب ) بمقدار كلمة.
2- الذكرى 1 / 139.
3- وفي المتن هكذا : « النها ».
4- وفي المتن هكذا : « يتضح ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 424 ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح 22.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 75 ، باب ما ينجس الثوب والجسد من المياه المخرجة من الإنسان ، ح 168.
7- تذكرة الفقهاء 2 / 494.

وهذا هو الأظهر ، فيبنى فيه على ما تقتضيه القواعد الشرعية من مراعاة الطهارة على قدر الإمكان ما لم يكن فيه مشقّة شديدة وإلّا سقط.

وقد يحمل الرواية على عدم ثبوت كون البلل الحاصل بعد البلل يوما فينضح عليه من جهة الاحتمال أو يقال بكون النزح لرفع اليقين بخروج البلل ليحمل إذا وجد البلل أن يكون من النزح إلّا أنّه يبعّد ذلك اعتبار كونه في اليوم مرّة.

ص: 433

تبصرة: [ في نجاسة ملاقي الملاقي ]

كل واحد من النجاسات العينية تنجس ما يلاقيه مع الرطوبة فيها أو في ملاقيها كما هو معلوم ، ومستفاد من ملاحظة الروايات الواردة ، فإنّ معظم النجاسات إنّما يعلم بالأمر بالغسل ما يلاقيها فكأنّه جعل غسلا لملاقي من الأمور المساوية للنجاسة ، فالظاهر أنّ ذلك قاعدة مستفادة من الشرع معلومة من تتبع المقامات وإن لم ينص عليه بخصوصه في شي ء من الأخبار.

والظاهر أنّه مما لا خلاف فيه لأحد من الأصحاب.

وكذا الحال بالنسبة إلى المتنجسات ، فهي أيضا تنجّس كلما لاقته مع الرطوبه ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة وسنشير إلى جملة منها.

وقد وقع خلاف في المقام في أمرين :

أحدهما : فيما يلاقي جسد الميّت الآدمي بعد برده ، فإنّه ذهب الحلّي إلى وجوب غسل ما يلاقيه دون ما يلاقي ذلك الملاقي ؛ استنادا إلى أصالة الطهارة في ملاقي الملاقي أو ما دلّ الدليل عليه ، وهو وجوب غسل الملاقي لجسد الميّت دون الملاقي له ) (1).

وذهب العلامة (2) إلى مثل ذلك بالنسبة إلى ملاقي جسد الميت بيبوسة ، فأوجب غسله دون غسل ملاقيه ولو لاقاه برطوبة.

وفيه : أنه إن استند في نجاسة الملاقي لجسد الميت أو مطلق بما دلّ من الأخبار على لزوم

ص: 434


1- ما بين الهلالين من قوله « وإلا لم يكتف في مقام .. » إلى هنا لم ينقل إلا في ( ب ).
2- تذكرة الفقهاء 2 / 132.

غسله لزم القول بسرايته (1) منه إلى غيره على حدّ سائر الأمور المتنجسة ، فلا وجه لاستناده في طهارة ما يلاقي ذلك الملاقى إلى أصالة الطهارة.

نعم ، قد يقال بأنه غير قائل إذن بنجاسة الملاقي لبدن الميت إلا أنّه يحكم بلزوم غسله لظواهر الأخبار ، فهو مع بعده عن كلامهما واضح الفساد في نفسه ؛ إذ لا معنى لوجوب الغسل في نفسه ؛ إذ ليس بأشدّ من ملاقاته مع الرطوبة لسائر النجاسات.

وإن اريد فيه (2) الوجوب للغير تعيّن اشتراط صحة ذلك الغير به ، فيعود إلى القول بالنجاسة ؛ إذ لا يراد بها إلا تلك الحالة المانعة المتوقّف رفعها على الغسل. مضافا إلى أنه على قول الحلي يلزم القول بعدم نجاسة الميت أو عدم سراية النجاسة منه وكلّ منهما بيّن الفساد.

ثانيهما : ما تفرّد به صاحب التنقيح (3) من القول بعدم (4) تنجيس المتنجس مطلقا ، فلو ازيلت عين النجاسة بالتمسح بخرقة ونحوها لم تتعدّ إلى غير المحل ، فيجوز استعمال الأواني المتنجسة بعد ذلك في الطهارات والأكل والشرب وغيرها.

قال : إنما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة وأما ما لاقى الملاقي لها بعد ما ازيل عنه العين بالتمسح ونحوه بحيث لا يبقى فيه شي ء منها فلا يجب غسله.

وظاهر كلامه هذا هو ما ذكرناه من عدم تنجيس المتنجس مطلقا سواء ازيلت عنه عين النجاسة أو بقيت الملاقاة إذا لاقاه من غير محلّ الملاقاة.

وربما احتمل في عبارته التفصيل بين ما ارتفعت الملاقاة بإزالة العين عن المحل ، وأما إذا بقيت الملاقاة فعلى الأول نقول بالتنجس دون الثاني استنادا إلى ما يوجّه (5) إطلاق آخر كلامه المذكور.

ص: 435


1- في ( د ) : « بسراية ».
2- في ( د ) : « به ».
3- كذا في ( ألف ) ، وفي ( ب ) : « صاحب يخ » ، وقد وجدنا العبارة في الحدائق الناضرة 5 / 266 نقلا عن صاحب المفاتيح ، فراجع.
4- في ( د ) و ( ب ) : « بعد ».
5- في ( د ) : « يوهمه ».

وفيه : أن ظاهر عبارته الأخيرة هو اعتبار زوال العين عن محلّ الملاقاة ؛ إذ الظاهر منه فرض النجاسة في الأعيان الجامدة لفرضه زوال العين بالتمسّح ونحوه. وحينئذ فلا شكّ في اعتبار الزوال للزوم الملاقاة لعين النجاسة مع بقائه في المحل.

على أن (1) بقاء العين في محل آخر لا ربط له في تأثير المحل الخالي عنها ، وتخصيص ذلك بخصوص المائعات مما لا إشارة إليه في كلامه.

وكيف كان ، فضعف كلّ من الوجهين أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

ويدلّ على فساده بعد إطباق الأصحاب عليه قديما وحديثا ، وجريان السيرة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمة عليهم السلام أو تقريرهم قطعا ، الروايات المستفيضة المتكثرة بل البالغة حدّ التواتر بالنسبة إلى الأول بل الثاني أيضا كالدالّة على نجاسة الأواني بنجاسة الماء الذي فيها أو الدهن أو الدبس المائعين بموت الفأرة ونحوها أو نجاسة ما لاقى مياه الآبار بعد تنجسها .. إلى غير ذلك.

وفي الأمر بغسل الأواني والفرش والبسط ونحوها أقوى دلالة عليه ؛ إذ لو لا السراية مع ملاقاتها بالرطوبة لما تفرع فائدة على غسلها ؛ إذ ليست تلك الأمور مما يستعمل فيما يتوقف على طهارة أنفسها ، وإنما يطلب طهارتها لعدم سراية النجاسة منها إلى ملاقيها من مأكول أو ملبوس ونحوهما.

وحيث انتفت تلك الفائدة حسبما ذكره ، فينتفي الالتزام بغسلها وبطهرها (2) عن الفائدة.

واستدل الفاضل المذكور على ذلك بعد الأصل وخلوّ الأخبار عنه - مع أنه مما يعمّ به البلوى - بالمعتبرة المستفيضة :

منها : الموثق : سمعت رجلا يسأل الصادق عليه السلام فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليّ؟ فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا

ص: 436


1- زيادة : « أن » من ( د ).
2- في ( د ) : « تطهير غيرها ».

من ذاك » (1) بحملها على أن يكون شكاية السائل (2) عن انتقاض وضوئه بالبلل الذي يجده بعد التمسح لاحتمال كونه بولا ، وذكر العجز عن الماء على هذا التقدير لتعذر إزالة البلل من (3) ثوبه وبدنه مما تعدّى من المخرج إليهما ، فأمره عليه السلام (4) بمسح (5) ذكره ، ولو مخرج بوله بعد مسح البول عنه بريقه حتى لو خرج عنه شي ء بعد ذلك صار مشكوكا عنده من جهة ذلك الريق الموضوع ، فلا حاجة (6) إلى إعادة الوضوء وتطهير الثوب أو البدن ، فيفيد عدم تعدّي النجاسة عن المحل المتنجس إلى غيره.

قال (7) : وعلى هذا لا يحتاج إلى تكلّف تخصيص التمسّح بالريق بالمواضع الطاهرة ، ولا إلى تكلف تعدّي النجاسة من المتنجس ، بل يصير الحديث دليلا على عدم التعدي منه ، فإن التمسح بالريق مما يزيدها تعدّيا.

وهذا المعنى أوفق بالأخبار الأخر ، وهذان الأمران - أعني عدم الحكم بالنجاسة إلا بعد التيقّن ، وعدم تعدي النجاسة من المتنجس - بابان من رحمة اللّه الواسعة فتحهما لعباده رأفة بهم ونعمة لهم ، ولكن أكثرهم لا يشكرون ، فينتقم اللّه منهم بابتلائهم بالوسواس واتّباعهم للخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : « إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم لجهالتهم وإن الدين أوسع من ذلك » (8). انتهى (9).

ص: 437


1- الكافي 3 / 20 ، باب الاستبراء من البول وغسله ومن لم يجد الماء ، ح 4.
2- زيادة : « السائل » من ( د ).
3- في ( د ) : « عن ».
4- هنا أوراق النسخ المخطوطة مشوّشة خلط بعضها ببعض ، أصلحناها ، والحمد لله.
5- في ( ألف ) : « يمسح ».
6- في ( د ) زيادة : « له ».
7- الحدائق الناضرة 2 / 11.
8- من لا يحضره الفقيه 1 / 258.
9- في ( د ) : « بياض في الأصل ».

ومنها : رواية سماعة ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي ء من البلل ما يفسد سراويلي. قال : « لا بأس » (1).

فإن مقتضاه عدم تنجس سراويله بالبلل الخارج من مخرج البول مع ملاقاته للتنجس (2) قطعا.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإن ظاهر هذه الرواية مخالف لغيرها مع إطباق الأصحاب على العمل بها ، وترك هذه ؛ فلا بدّ من تركها أو حملها على التقية أو على نفي الباس عن فساد السراويل كما فرضه السائل.

وكأنّ في المقام تقية حيث لم يصرّح عليه السلام بالجواب ، أو بحملها على عدم البأس بالنسبة إلى الطهارة الحدثية لو كان متوضّأ أو متيمّما.

ومنها : رواية الحكم ، بن حكيم قلت للصادق عليه السلام : أبول فلا اصيب الماء وقد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال : « بأس به » (3) فتصلّي بعد زوال العين لا تنجس ما يلاقيه من جسده مع رطوبة العرق.

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون الملاقاة بالمحل النجس ولا شمول العرق كلّ اليد. وقد نصّ في الوافي أنه أحد الوجهين في الرواية.

قلت : بل هو المتعين بملاحظة غيرها من الأخبار.

ومنها : صحيحة العيص ، سألت الصادق عليه السلام عن (4) رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال : « يغسل ذكره وفخذيه ».

ص: 438


1- الإستبصار 1 / 56.
2- في ( د ) : « للمتنجس ».
3- الكافي 3 / 55 ، باب البول : يصيب الثوب أو الجسد ، ح 4.
4- في ( د ) : « من ».

وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثم عرقت (1) فأصاب ثوبه (2) يغسل ثوبه؟ قال : « لا » (3) ؛ إذ حكمه عليه السلام بعدم غسل الثوب دليل على عدم تنجسه بملاقاة المتنجس.

وأما الأمر بغسل فخذيه في السؤال فلوقوع الملاقاة هناك قبل إزالة النجاسة ، فتكون النجاسة قد تعدّى من المحل إلى ما يجاوره من بعد إجراء الذكر والفخذ من جهة حصول العرق بخلاف الثوب ، فإنّ ملاقاته إنما وقعت باليد المتنجسة. كذا ذكره بعض الأفاضل.

ويدفعه أنه لا دلالة في الفقرة الأخيرة على تنجس اليد ؛ إذ ليس فيها ما يدلّ على ملاقاة اليد لمحل النجاسة من الذكر ولا على كون الملاقاة مع الرطوبة ، ولا على كون العرق في محلّ النجاسة من الذكر (4) ولا على ما أن أصاب الثوب المحل للتنجس ، وحمل الفقرة الأولى على ما ذكر بعيد جدّا بل (5) فاسد قطعا ؛ إذ حصول العرق كذلك بحيث يسري النجاسة من رأس الذكر على الفخذين مما لا يتصوّر في المعتاد ، ولو فرض حصوله في فرض نادر جدّا فلا يعبّر عنه بالتعبير المذكور.

على أنه لا فائدة ظاهرة في تجفيف خصوص الذكر بعد شيوع النجاسة كذلك ، ورطوبة سائر الأعضاء. على أنه يدلّ أيضا على تنجيس المتنجس أيضا في الجملة إلا أن يقال بجريان نفس البول الباقي على المخرج ، وهو بعيد جدّا.

وكيف كان ، فظاهر الرواية هو عطف قوله « وقد عرق » على قوله « فمسح » ، فالمقصود حصول عرق الذكر والفخذين بعد مسح ذكره بالحجر وإزالة العين عنه ، فيدلّ إذن على تنجّس الفخذين (6) بملاقاته للذكر مع رطوبة العرق فيكون من جملة الأخبار الدالّة على تنجّس المتنجس.

ص: 439


1- في ( د ) زيادة : « يده ».
2- في ( ألف ) : « ثوبة ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 421.
4- ليس في ( د ) : « من الذكر ».
5- في ( د ) زيادة : « هو ».
6- هنا بين النسخ المخطوطة اختلاف في الأوراق ، أصلحناها بحسب ترتيب المطالب.

فقد ظهر بما عرفت عدم دلالة الأخبار المذكورة عليه ، وليس في الأخبار ما هو أدلّ منها على ذلك ، على أنه لو سلّم دلالة بعضها على ذلك فلا يقاوم غيرها من الأخبار الكثيرة المعتضدة بالإجماع بل الضرورة ، فسقط ما استند إليه من الأصل.

ومما يقضي العجب منه ما ذكره في الوافي بعد ذكر رواية سماعة وغيرها : لا يخفى على من فكّ رقبة عن قيد التقليد أن الأخبار وما يجري مجراها صريحة في عدم تعدي النجاسة من المتنجس إلى شي ء قبل تطهيره ، وإن كان رطبا إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح ونحوه ، وإنما التنجس (1) للشي ء عين النجاسة لا غير ؛ لوضوح فساد دعوى صراحتها في ذلك بل ظهورها أيضا. وقد عرفت دلالة بعضها على خلاف ما يدّعيه. غاية الأمر أن يكون إطلاق بعضها موهما لذلك.

وقد دلّ على خلافه روايات مستفيضة معتضدة بالعمل ، بل الإجماع ، بل ضرورة الدين على ما يظهر من ملاحظة طريقة المسلمين ، فكيف يجوز الركون إلى ما يتراءى منه في بادئ الرأي لو سلّم إشعاره بذلك.

ص: 440


1- في ( د ) : « المتنجس ».

تبصرة: [ في أصالة الطهارة ]

اشارة

الأصل في جميع الأشياء الطهارة إلى أن يعلم نجاسته. ويدلّ عليه بعد الإجماع معلوما ومنقولا أصالة البراءة وأصالة العدم ؛ إذ النجاسة صفة وجودية قطعا ، قوله عليه السلام في موثقة عمار : « كل شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك (1).

وينقل في كتب الاستدلال عنه عليه السلام : « كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر ».

فهو إمّا هذه الرواية مع نقل بعضه بالمعنى أو أنه خبر آخر وإن لم يذكر في كتب الأخبار.

وكيف كان ، ففي العبارة دلالة على طهارتها بالأصل ، وعلى استصحاب طهارتها إلا أن يعلم النجاسة ، فيجري القاعدة المذكورة فيما لو دار الأمر بين نجس العين وطاهرها ، وما إذا احتمل طروّ النجاسة على طاهر العين.

ويدلّ على الطهارة في الثاني الاستصحاب أيضا.

وعن الحلبي الاكتفاء في النجاسة بمطلق الظنّ. وهو ظاهر الشيخ في النهاية (2) حيث حكم بعدم جواز الصلاة في ثوب قد أصابته النجاسة مع العلم بذلك أو غلبة الظن. واستدلّ عليه الحلبي بأن الشرعيات كلّها ظنيّة.

ولا يخفى وهنه ؛ إذ ليست الشرعيات مبنيّة على مطلق الظن ، وإنما يعتبر فيها ظنون مخصوصة دلّت على حجيّتها الأدلة ، والمفروض عدم قيام دليل عليه في المقام ، بل قيامه على خلافه كما عرفت.

وفي المستفيضة الناهية عن نقض اليقين إلا باليقين دلالة واضحة عليه ، وفي خصوص

ص: 441


1- تهذيب الأحكام 1 / 285.
2- النهاية : 96.

نصوص مستفيضة دلالة على عدم اعتبار الظن فيه بالخصوص كالصحيح الوارد فيمن أعار ثوبه للذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، وفيه : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه ، وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجّسه (1) ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه (2) » (3).

إلى غير ذلك مما دلّ عليه.

وقد يحمل الظن الغالب في عبارة الشيخ على العلم العادي ، فينحصر الخلاف في الحلبي.

وهو على الظاهر مسبوق بالاتفاق ملحوق به.

وكيف كان ، فلا تأمّل في أصل الحكم ، وإنما الكلام في أمور :

أحدها : أنه هل يعتبر في تنجيس المتنجس العلم بنجاسته بالخصوص ؛ فلا يخرج عن مقتضى الأصل بدونه أو يبنى على النجاسة بمجرد العلم بها وإن دار بين أمور فيحكم بنجاسة واحد منها بخصوصه ، وإن لم يتعين عنده؟ مقتضى ظاهر الخبر المذكور وغيره ذلك ، وهو قضية الأدلة الدالّة على تنجس الشي ء بملاقاة النجاسة.

والظاهر أنه لا تأمل فيه بين الأصحاب. وقد يوهم في المقام بعض العبارات اعتبار العلم لخصوص النجس في تنجسه ، وإلا فهو على الطهارة من دونه ؛ إذ بعد دوران النجاسة بين أمور لا يعلم بنجاسة كل واحد منها (4) بالخصوص ، فيبنى على الطهارة في جميعها ، فيجوز استعماله إلا على وجه يوجب استعمال النجس المعلوم بالخصوص.

وهو ضعيف جدا ، والرواية المذكورة وغيرها دالّة على خلافه.

نعم ، قد يقال بالحكم بطهارة كل منها في الظاهر ، وإن حكم بنجاسة واحد منها على

ص: 442


1- في ( د ) : « نجسته ».
2- في ( د ) : « نجسته ».
3- تهذيب الأحكام 2 / 261 ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز ح 27.
4- هنا قد أدرج في ( ألف ) بعض الأوراق الماضية ظاهرها الربط وواقعها التضادّ ، أصلحناها على حسب الوسع ، والحمد لله.

سبيل الإجمال ، فلا يجوز استعمالها على وجه يوجب العلم باستعمال المحرم في الجملة ، وإن جاز الاستعمال بالنسبة إلى كل بالخصوص ؛ أخذا بظاهر الرواية المذكورة وقاعدة الاستصحاب.

ويضعّفه أن قضية الأصل بعد العلم بنجاسة واحد منها وجوب الاجتناب عن الجميع ، والرواية المذكورة وغيرها لا تدلّ على ما ادّعوه (1) ؛ إذ المفروض اندراج واحد من تلك الأمور فيما علم نجاسته ، فهو خارج من العموم قطعا ومندرج في مدخول « حتى » ، ولا دلالة في العبارة على أصالة الطهارة في مثل ذلك ؛ إذ مقتضاها الحكم بالطهارة إلا أن يعلم النجاسة ، والمفروض حصول العلم وارتفاع الحكم بالطهارة في الجملة.

وليس هناك أصل آخر بعد الاشتباه.

والقول بدلالتها على الحكم بالطهارة إلى أن يعلم نجاسة كل بالخصوص فقد عرفت ما فيه.

ويجرى الكلام المذكور بعينه بالنسبة إلى الاستصحاب ، فظهر بذلك قوة القول بوجوب الاجتناب في المشتبه المحصور ، وضعف ما رجّحه جماعة من المتأخرين من البناء على الطهارة بالنسبة إلى كلّ واحد منها ما لم يستوعب الجميع على وجه أو مع استيعابه على آخر إن لم يوجب (2) العلم بتنجس المستعمل بالخصوص.

ثانيها : إن المقصود بالعلم هو العلم اليقيني أعني معناه المعروف لاعتبار اليقين فيه ، وحكي القول به عن الإسكافي والشيخ والقاضي والحلي في موضع من السرائر.

والمنقول من عبائر الثلاثة المتقدمة عدم قبول شهادة العدلين.

أو المراد به العلم الشرعي أعني ما دلّ الدليل على حجيّته سواء كان علما أو ظنا أو منتهيا إلى العلم؟ وجهان ؛ من ظاهر اللفظ لانصرافه إلى المعنى المتبادر ، من أنه بعد قيام الدليل القطعي على حجيّة ذلك الظن يكون قطعيا ، فيندرج تحت العلم ، فلا معارضة بين ما دلّ على عدم الاعتماد على غير العلم في الحكم بالنجاسة وما دلّ على حجية الظنون المخصوصة ؛

ص: 443


1- في ( ألف ) : « تدعوه ».
2- في ( د ) : « نوجب ».

لرجوعها إلى العلم بعد قيام الدليل عليها.

ويشكل أن الظاهر من العلم بالقذارة هو العلم بها بحسب الواقع ، وغاية ما قضى به ما دلّ على حجية الظن من الحكم بمقتضاه في الظاهر ، فيعارض مع العموم المذكور لقضائه باعتبار العلم بنجاسته واقعا في الحكم بالتنجيس.

ومقتضى ذلك عدم حجية الظن المفروض في المقام ، وقضاء ما دلّ على حجيته على الاكتفاء به في المقام وغيره ، فيكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، وقضية أصالة البراءة عدم وجوب الاجتناب.

فما يقال من أنه بعد قيام الدليل على حجية الظن المخصوص يندرج ذلك في اسم العلم لحصول اليقين بوجوب البناء عليه مدفوع بما عرفت من أن اليقين الحاصل في المقام هو اليقين بالبناء دون ما هو الواقع ، وظاهر تعلق اليقين بالقذارة هو اليقين بحصوله في الواقع.

ويدفعه أن الظاهر من اليقين في المقام هو اليقين بحكم الشرع في الظاهر ، ولذا لا تأمل في حجية الظنون الحاصلة في الاستدلال على اثبات النجاسات ، والقول باستثنائه من القاعدة المذكورة بعيد مضافا إلى أن ما دلّ على اعتبار الظنون الخاصة يشمل مسألة النجاسات أيضا كما سنشير إليه.

فبعد دلالة الشرع على الحكم بمقتضى تلك الأمور يجب (1) الحكم بها وليس ذلك عملا بغير العلم كما لا يخفى.

ثالثها : بناء على تعميم العلم لما دلّ على حجية الشرع يقع الكلام في المقام في أمور :

الأول : إذا أخبر ذو اليد على الشى ء على نجاسته فالظاهر أنه لا تأمل في القبول.

وفي الحدائق (2) : إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

وعن الفاضل الخوانساري (3) المناقشة فيه حيث قال : وأما قبول قول المالك عدلا (4) كان

ص: 444


1- في ( ألف ) : « بحسب ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 252.
3- مشارق الشموس 1 / 285 ، وفيه : « فلم أظفر ».
4- في ( د ) : « عدولا ».

أو فاسقا فلم نظفر له على حجة.

ثم ذكر في اعتبار ذكر السبب في قبول الجرح والتعديل ؛ نظرا إلى اختلاف مراتب المذاهب فيه كأنّ الأظهر فيه البناء على ظاهر اللفظ من إرادة ما هو الواقع حتى يتبيّن الخلاف من دون لزوم استفصال.

كما أنه يقبل الشهادة على الملكيّة من دون سؤال عن السبب المملّك مع وقوع الخلاف في أسباب هذا إذا شهد عدلان على النجاسة وآخران على الطهارة وتعارضت البيّنتان مع عدم إمكان الجمع بينهما.

فهل يقدّم الطهارة لترجيح بيّنتها بالأصل أو للبناء على التساقط ( فيرجع إلى أصالة الطهارة كما حكاه في الايضاح عن الشيخ وقوّى في البيان البناء على التساقط ) (1) بعد أن استقرب جعله كالاشتباه.

أو يقدّم النجاسة ترجيحا للناقل على المقرر ؛ للأصل كما حكاه في الايضاح (2) عن الحلي.

أو يجعل كالمشتبه كما اختاره في التذكرة (3) والقواعد ، وحكي عن الشهيد الثاني؟ احتمالات ؛ أظهرها بحسب القواعد ترجيح الطهارة ؛ أخذا بالأصل السالم عن ثبوت المعارض سيّما بعد تقديم بيّنة الطهارة.

ولو كان تعارض البينتين في الإنائين مع عدم إمكان الجمع بينهما للقطع بطهارة أحدهما - لاتفاقهما على ذلك - فهل يحكم بتساقطهما ويرجع إلى أصل الطهارة في المائين كما اختاره في الخلاف (4) والمختلف (5).

ص: 445


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).
2- إيضاح الفوائد 1 / 24.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 24.
4- الخلاف 1 / 201.
5- مختلف الشيعة 1 / 251.

وحكى عن المبسوط ، وقوّاه بعض المتأخرين.

أو يجري عليها حكم المشتبهين لاتفاقهما على النجاسة وإنما التعارض في التعيين فيثبت النجاسة ويدور بين الأمرين ، [ كما ] حكي عن السرائر (1) والمعتبر (2) والتحرير (3) والايضاح (4) وجامع المقاصد (5) والشهيدين.

أو يبنى على نجاستهما لحصول الشهادة بالنسبة إلى كل منهما كما حكاه المحقق الكركي قولا واحدا ، قد حكم الحلي أيضا إلا أنه حكم فيه بعد ذلك بالاشتباه وحكم قبله بغيره ، وكلامه مضطرب في المقام إلا أنّه اخّر بناء الحكم بالاشتباه كما ذكرنا.

أو يبنى فيه على القرعة كما ذكره في السرائر (6) ثم استبعده؟ وجوه ؛ أضعفها الوجهان الأخيران.

والحكم بأحد الوجهين الأولين مبنيّ على أن القدر الجامع بين الشهادتين وإن كان أمرا كليّا هل يثبت بالشهادة المفروضة وإن وقع الاختلاف في الخصوصيات أو لا يثبت القدر الجامع ؛ لعدم توافق الشهادتين.

والأظهر بحسب القواعد هو الأول ، ولذا لو شهدوا أوّلا بالقدر الجامع قبلت قطعا ، فشهادتهما على التفصيل لا يمنع منها.

هذا إذا لم يعلم بنجاسة أحدهما على سبيل الإجمال أو لم يعلم ذلك من شهادتهما ، وأما مع حصول العلم بأحد الوجهين فلا تأمل في إلحاقه بالمشتبهين.

ثانيها : في قبول خبر العدل الواحد في ذلك قولان.

ص: 446


1- السرائر 1 / 86.
2- المعتبر 1 / 54.
3- تحرير الأحكام 1 / 56.
4- إيضاح الفوائد 1 / 24.
5- جامع المقاصد 1 / 155.
6- السرائر 1 / 87.

والمحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف (1) والفاضلين في المعتبر (2) والمنتهى (3) والتحرير (4) والقواعد (5) وموضع من التذكرة (6) ، وابن فهد وغيرهم عدم القبول.

وذهب في موضع من التذكرة (7) ، إلى قبوله.

وقوّاه غير واحد من أفاضل المتأخرين ؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من تنزيل خبر العدل منزلة العلم كما لوارد في انعزال الوكيل إذا أخبره ثقة بالعزل ، وجعله فيه قرين المشافهة بالعزل.

وما دلّ على قبول قول المانع العدل إذا أخبر بالاستبراء ، وما دلّ على ثبوت الوصية بقول الثقة إلى غير ذلك.

ولذا قوّى في الحدائق (8) قبول قوله مما دلّ على قبول خبر العدل.

ويضعّفه أن ما دلّ من الأخبار المذكورة على قبول قول العدل لا عموم فيه بحيث يشمل المقام.

والقول بفهم العموم من سياقها - إن سلّم - فكونه بحيث يشمل محلّ الكلام محلّ كلام ، مع أن ظاهر المعظم عدم القبول ، فالخروج بمجرد ذلك عن مقتضى الأصل المعلوم لا يخلو من خفاء.

مضافا إلى فحوى التردد بين المذكورتين ؛ إذ اعتبار شهادة الاثنين أو قيام البيّنة الظاهرة في التعدد أقوى شاهد على عدم العبرة بالواحد مع اتحاد المناط بين ثبوت الحلية والنجاسة كما

ص: 447


1- الخلاف 1 / 200.
2- المعتبر 1 / 54.
3- انظر منتهى المطلب 1 / 56.
4- تحرير الأحكام 1 / 53.
5- قواعد الأحكام 1 / 189.
6- تذكرة الفقهاء 1 / 24.
7- انظر تذكرة الفقهاء 1 / 93.
8- انظر الحدائق الناضرة 13 / 96.

عرفت.

ثم على القول بثبوت النجاسة بقول الواحد لا يثبت به العيب في المقام قطعا ؛ فيفترق الأمران.

وبه يضعف أيضا ما تقدم عن الحدائق (1) من الإباء عنه فيما يقال من ثبوت العيب بقول العدلين دون النجاسة ، وإذا انضمّ إلى شهادة الواحد الحلف فيما إذا ادّعى العيب فلا شكّ في ثبوته بالنسبة إلى الردّ [ وفيه ] رواية غير دالّة عليه.

وناقش في إسنادها ودلالتها ، ولا يخفى أنّ قبول قول المالك في مثل ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه.

ويدلّ عليه رواية ابن بكير أنه سئل الصادق عليه السلام عن رجل (2) أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلّى فيه. قال : « لا يعلمه ». قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد » (3).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ، ويقول : قد طبخ على الثلث وأنا أعلم به أنه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا ، وقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فأشرب منه؟ قال : « نعم » (4).

وفي موثقة أخرى عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : هذا مطبوخ على الثلث. فقال : « إن كان مسلما أو (5) ورعا مأمونا فلا بأس أن تشرب » (6).

مضافا إلى ما يستفاد من عدة من الأخبار الناهية عن السؤال في شراء بعض الجلود أو الجبن ، وفي غير واحد منها بعد الحكم المذكور أن « الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم وأن

ص: 448


1- انظر الحدائق الناضرة 5 / 244 و 252.
2- لم ترد في ( ب ) : « عن رجل ... عن الرجل ».
3- قرب الأسناد : 169.
4- الكافي 6 / 421 ، باب الطلاء ، ح 7.
5- لم ترد في ( ب ) : « أو ورعا مأمونا ».
6- تهذيب الأحكام 9 / 116.

الدين أوسع من ذلك » (1).

فإنها تومي إلى سماع قول المالك وإلا فأيّ حسن كان في ذلك إلا أن يراد به الضيق من جهة تحمل السؤال ، وهو مع بعده في نفسه بعيد بحسب المقام.

فروع

[ الأول : ... ] (2)

الثاني : المشهور بين المتأخرين كما في المعالم قبول شهادة العدلين في الحكم بالنجاسة ، وبه قال الشيخ في المبسوط (3) والفاضلان وغيرهم.

وعن الإسكافي والشيخ في قوله الآخر عدم القبول. وهو قضية القول بعدم اعتبار ما عدا اليقين.

واحتجّ للأول بأن الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في قبول شهادتها في ثبت العيب لو كان المبيع ماء وادّعى المشتري نجاسته حين العقد ، فيسلّط على الفسخ. وليس ذلك إلّا لثبوت النجاسة ، والحكم به في الشرع ، فإذا ثبت شرعا لحقها سائر أحكامها.

ويضعّفه أن الثابت بالبيّنة (4) هو النجاسة من حيث كونها عيبا المتفرع عليها ثبوت الردّ والأرش (5) ، وأما النجاسة من حيث هي المتفرع عليها وجوب الاجتناب فلا. ولا ملازمة بين الأمرين ؛ إذ التفكيك (6) بين الملازمين في الأحكام الظاهرية غير عزيز في الشرع.

كيف ، ولو أقرّ المالك بعد تسليمه إلى المشتري بنجاسته قبل البيع يثبت التخيير بين الرد والأرش مع عدم ثبوت النجاسة بذلك على مقتضى كلماتهم كما مرّ.

ص: 449


1- قرب الإسناد : 385.
2- هنا في ( د ) : « بياض الأصل في نسخة المصنف بخطه ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.
3- المبسوط 1 / 9.
4- في ( ألف ) : « بالنسبة ».
5- في ( د ) : « أو العرش ».
6- في ( ألف ) : « التشكيك ».

وبذلك يظهر ضعف ما ادّعاه في الحدائق (1) من القطع بالملازمة بين الأمرين ، وأنه بعد ثبوت العيب بسبب النجاسة يتبعه سائر أحكامها من غير فرق ، فالأولى الاستناد إلى أن الظاهر من تتبع موارد الشرع تنزيل شهادة العدلين منزلة العين ؛ لقيامه مقام العين في كلّ مورد يطلب فيه إلى ما خرج بالدليل.

مضافا إلى بعض روايات تدلّ في المقام عليه ، كقول الصادق عليه السلام فيما رواه الشيخان في الجبن قال : « كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة » (2).

وفيه دلالة على قبول قولهما في النجاسة واحتمال (3) أن اختلاف جهة الحرمة لجهة النجاسة مما لا يصغى إليه في المقام. على أنّ حكم الحرمة والنجاسة من باب واحد ، بل الأخبار الواردة هناك أكثر من المقام.

وروى الشيخان أيضا بإسنادهما عنه عليه السلام قال : « كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة » إلى أن قال : « والأشياء كلّها على هذا يستبين لك غير ذلك أو يقوم به البينة » (4).

فإن ظاهر إطلاقه يعم الحرمة الحاصلة بسبب كونه ملك الغير أو من جهة النجاسة أو غيرهما.

حجة القول الثاني ما عرفته في المسألة المتقدمة.

وقد عرفت ما فيه.

وهل يعتبر في القبول ذكر السبب؟ قولان ، فظاهر إطلاق جماعة كالشيخ في المبسوط (5)

ص: 450


1- الحدائق الناضرة 5 / 244.
2- الكافي 6 / 339 ، باب الجبن ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 62 / 156 ، ح 30.
3- في ( ألف ) : « احتمل ».
4- الكافي 5 / 313 ، ح 40 ، تهذيب الأحكام 7 / 226 ، باب من الزيادات ح 9.
5- المبسوط 1 / 8.

والفاضلان في المعتبر (1) والمختلف (2) عدمه. واعتبره في التذكرة ، وتبعه جماعة منهم ابن فهد والصيمري. واستحسنه صاحب المعالم.

وفي (3) الخلاف (4) هنا اخر الخلاف (5)؟ أو الأرش ، وأما بالنسبة إلى وجوب الاجتناب فوجهان مما تقدّم ذكره عن الحدائق ومن إمكان التفكيك ، وهو (6) الأظهر كما عرفت.

ويدل عليه ثبوت العيب باليمين المردودة قطعا مع عدم ثبوت النجاسة بمجردها يقينا.

وهو مضعّف آخر لما ذكره.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : الظاهر استحباب الاجتناب عمّا يظن نجاسته في خصوص المقام لرجحان الاحتياط ، ولفحوى ما دلّ على رجحان الاجتناب من سؤر الحائض المتّهمة.

وقد ألحقوا به من لا يتوقّى النجاسة كما مرت الإشارة إليه ، وما دلّ من الأخبار على النهي عن نقض اليقين بالشك المراد به في المقام ما يعمّ الظن كما دلّ عليه بعض تلك الأخبار من عدم نقضه إلا باليقين ، إنما يراد به النهي عن الحكم بالنجاسة كما هو الظاهر من سياقها دون الغسل على سبيل الاحتياط لتحصيل الواقع عند ظنّ الخلاف.

وكيف كان ، فهذا هو الأصل الثابت رجحانه بملاحظة العقل إلا أن يعارضه شي ء من النقل. وحيث لا يظهر دليل في المقام على خلافه فالظاهر البناء عليه ، مضافا إلى ما عرفت.

ثانيها : لو علم العدلان بنجاسة شي ء فهل يجب عليهما إخبار الجاهل المستعمل له فيما

ص: 451


1- المعتبر 1 / 54.
2- انظر مختلف الشيعة 1 / 251.
3- في ( ب ) و ( د ) هكذا : « وف » بدل : « وفي الخلاف ».
4- الخلاف 1 / 200.
5- في ( د ) زيادة : « في اعتبار ذكر السبب ... فلا شك في ثبوته بالنسبة إلى الرد ».
6- في ( ألف ) : « هو » بدون الواو.

يشترط بالطهارة أو لا؟ وجهان ، والمحكي عن العلامة في المدنيّات وبعض الأفاضل ذلك. وقد نصّ في المقام ، والحدائق (1) على عدم الوجوب ، بل ربّما يميل كلام الحدائق إلى الكراهة فيه.

واحتجّ العلامة عليه بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهو كما ترى ؛ إذ لا منكر مع الجهل.

وحكى في المعالم عن بعض الأصحاب احتمال الوجوب ؛ نظرا إلى وجوب التجنب عن النجس المتوقف على الأخبار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ وجوب الاجتناب فرع العلم ، والمفروض عدمه. على أنه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ، فكيف مقدمته على غير من وجب عليه.

على أن وجوبه عليه فرع العلم (2) ، فكيف يتفرع وجوب (3) الإعلام عليه. وحيث لم ينهض دليل على الوجوب فلا بدّ من البناء على مقتضى الأصل إلا أن يبيّن دليل الوجوب.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على عدمه ؛ ففي الصحيح : عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي. قال : « لا يؤذنه حتى ينصرف » (4).

وقد مر رواية عبد اللّه بن (5) بكير : فيمن أعار رجلا ثوبا لا يصلي فيه ، وإذا جاز الدفع من غير إعلام فعدم وجوب الشهادة بالأولى.

ولأنّ في دلالته على ما ذكر تأمّلا كما سيأتي.

وفي صحيحة عبد اللّه [ بن ] سنان ، عن الصادق عليه السلام : « وأن الباقر عليه السلام اغتسل وبقيت لمعة من جسده لم يصبه الماء » فقيل له ، فقال : « ما عليك لو سكتّ؟! » (6).

ص: 452


1- الحدائق الناضرة 5 / 260.
2- في ( ب ) زيادة : « والمفروض عدمه على أنّه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ».
3- في ( ب ) : « فكيف مقدّمه على غير من وجب عليه على أن وجوبه » بدل : « يتفرّع وجوب ».
4- الكافي 3 / 406 ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح 8.
5- بحار الأنوار 81 / 293 ، ح 15. وفيه : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلي فيه؟ قال : « فلا يعلمه؟ » قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد ».
6- الكافي 3 / 45 ، ح 15.

وليس في الخبر ما يدلّ على غفلة الإمام عليه السلام ليقضي بوهن الخبر ؛ لكونه بانيا على الحال به بعد ذلك فاستعجل السائل ، أو كان التأخير لبيان الحكم المذكور ، فإذا لم يجب الإعلام في الغسل ففي غيره أولى (1).

واحتمال كونه من الأغسال المسنونة مدفوع بأن ذكره على سبيل الإطلاق في مقام البيان يومي إلى إطلاق الحكم.

قلت : قد يكون الجهل بالموضوع باعثا على ارتفاع الحكم عن المكلّف بحسب الواقع كما في الجهل بنجاسة الثوب أو البدن بالنسبة إلى الصلاة ؛ لما عرفت من عدم ثبوت مانعيّتها عن الصلاة على سبيل الإطلاق ، فحينئذ فلا تأمل في عدم وجوب الإعلام ؛ إذ لا منع من الصلاة معها لا في الواقع ولا في الظاهر.

وقد لا يكون باعثا على اختلاف الحكم الأول (2) لكن لا يقضي وقوع محرّم في المقام إلا من جهة الإبداع كما في أداء الصلاة إذا كان مع الجهل بالحدث ، والظاهر أنه كالسابق ؛ لعدم تحقق مفهوم البدعة مع الجهل المحض ، فلا محرّم بالنسبة إلى الواقع أيضا.

وقد يثبت معه التحريم أيضا إلا أنه يكون الجهل به عذرا للمكلف ، وحينئذ ينبغي التفصيل بين المحرّمات التي لا يرضى الشارع بوقوعها في الخارج على حسب الإمكان ، وما لم يعرف من الشرع كونه بتلك المثابة فإنّ ما كان من الأول يجب الإعلام به كما إذا اعتقد الأجنبية زوجه إما لحصول جهة محرّمة لا يعلم بها أو لفساد في عقدها أو لالتباس (3) شخصها وعلم الشاهدان بالحال ، فإنّ وجوب الإعلام في مثله مما لا ينبغي أن يستراب فيه ، وكذا الحال في شرب الخمر إذا التبس (4) بغيرها.

وأما ما كان من الثاني فلا دليل فيه على وجوب الإعلام. وقد ظهر بما فصّلناه من الكلام

ص: 453


1- في ( د ) : « بالأولى ».
2- في ( د ) : « الأولى ».
3- في ( ألف ) : « الالتباس ».
4- في ( د ) : « التبست ».

ما يرد على إطلاق ما ذكروه في المقام.

ثالثها (1) : أنه هل يجوز دفع النجس إلى الجاهل من غير إعلامه بالحال لصرفه فيما يشترط الطهارة؟ فيه وجهان معلومان مما تقدّم إلا أن القول بجوازه في المقام ضعيف كما دلّت عليه السيرة المستمرّة المقطوعة من الامتناع عن صرف المتنجسات الغير القابلة للتطهير إلا فيما لا يشترط بالطهارة ( كالأدهان المتنجسة ونحوها. ولو جاز دفعها إلى الجاهل ليصرفها في المصارف المشترطة بالطهارة لما حصروا ) (2) لما مرّ (3) ، والأمر في تلك المصارف النادرة الخالية في الغالب عن المنافع المطلوبة مع جواز صرفه في مؤنة الاضياف والعيال أو إعطائه لسائر الناس ، بل جاز دفعه مطلقا إلى الأطفال لارتفاع التكليف عنهم.

مضافا إلى ما فيه من إضافة المال.

على أن المستفاد من عدّة من الأخبار ثبوت المنع في المقام مثل ما دلّ على لزوم الإعلام في بيع الزيت أو السمن والعسل إذا مات فيه الجرد ، وما دلّ على عدم جواز بيع النجس من غير مستحلّي الميتة .. إلى غير ذلك.

واستشكل صاحب الحدائق (4) في المقام من جهة الأخبار المذكورة ، وملاحظة ما يستفاد من غيرها من الجواز ، مثل ما دلّ على عدم وجوب الإعلام في دفع الثوب الذي لا يصلّى فيه بل اشتمل على النهي من الإعلام ، وأقل مراتبه الكراهة.

وفحوى صحيحة العيص ، عن الصادق عليه السلام ، عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره بأنه لا يصلّى فيه ، قال : « لا يعيد شيئا من صلاته » (5).

فإن سكوته عن منع (6) الإعادة من دون الإعلام تقرير منه عليه السلام عليه ، فيشير إلى جوازه.

ص: 454


1- زيادة : « ثالثها » من ( د ).
2- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ) ، ولم ترد إلّا فيها.
3- ليس في ( د ) : « لما مرّ ، و ».
4- انظر الحدائق الناضرة 5 / 260.
5- الكافي 3 / 404 ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح 1.
6- في ( ب ) : « المنع ».

ولا يذهب عليك ضعف ما ذكره ؛ إذ لا دلالة ظاهرة في شي ء من الخبرين على ما ذكره ، أما الأول (1) فلاحتمال إرادة الاستفهام سواء قرئ على صيغة المجرد أو المزيد ، بل هو المتعيّن على الأول. وحينئذ فلا دلالة فيها على عدم وجوب الإعلام ، ولا دلالة فيها ولا في الثانية من جهة التقرير ؛ إذ ليس السؤال مسوقا من تلك الجهة ، وإنما فرض السؤال عن شي ء آخر على فرض مخصوص ، فسكوت الإمام عن جواز وقوع ذلك الفرض بحسب الشرع وعدمه لا يومي إلى جوازه بوجه كما لا يخفى.

على أنّ غاية ما يدلّان عليه هو الجواز بالنسبة إلى الصلاة ، وليس فيها إغراء بالحرام الأصلي كما في أكل النجس أو شرب الخمر ونحوهما.

وقد عرفت الفرق بين المقامين ، فعلى فرض تسليم دلالتهما إنما يثبتان الأول دون الأخير ، فتأمل في المقام ؛ فإنه من مزالّ الإقدام.

ص: 455


1- في ( د ) : « الاولى ».

الفصل: في بيان المطهّرات

اشارة

الفصل (1)

في بيان المطهّرات

وهي أمور ، والعمدة منها الماء.

وقد تقدم الكلام في طهوريّته وكونه مزيلا للأحداث والأخباث ، وإنما الكلام في المقام في كيفية التطهير به وشرائطه.

تبصرة: [ في الاكتفاء بالمرة في غسل الأشياء ]

اشارة

الأكثر على الاكتفاء في غسل النجاسات على المرة المزيلة للعين إلا بالنسبة إلى البول وغسل الأواني على ما سيجي ء الكلام فيها.

وقد حكى الشهرة عليه في الحدائق (2).

وقد أفتى بذلك جماعة منهم الشيخ في المبسوط (3) ، ومنهم المحقق والشهيد الثاني في المسالك (4) والروضة (5) ، وابن فهد (6) وصاحب المدارك (7) والذخيرة (8) ، وغيرهم.

ص: 456


1- في ( د ) : « الفصل ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 494.
3- المبسوط 1 / 37.
4- انظر مسالك الإفهام 1 / 131.
5- الروضة البهية 1 / 306 ، وانظر : روض الجنان : 167.
6- المهذب البارع 1 / 271.
7- مدارك الأحكام 2 / 337.
8- ذخيرة المعاد 1 / 162.

وقد أطلق الغسل في الإرشاد (1).

وحكي نحوه عن جمل العلم والنهاية (2) والخلاف (3) والسرائر (4) ، وظاهر الانتصار (5) والكشف.

ويدلّ عليه إطلاق طهورية الماء وإطلاق الغسل الوارد في كثير منها الصادق بالمرّة.

وعن المحقّق في المعتبر (6) اعتبار المرّة بعد إزالة العين ؛ للإطلاق.

وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد زوال العين يكون المحلّ قابلا للطهارة فيعتبر جري الماء عليه مرّة حتى يعيد الطهارة. ولا حاجة إلى التكرير ؛ للإطلاق ولظاهر الخبر الآتي ، على ما ذكره في المعتبر (7) كما سيأتي الإشارة إليه.

ويضعّفه أن المطلوب إزالة العين بالماء ، فإذا حصل فبأيّ وجه حاجة إلى الغسل بعدها. والخبر ضعيف كما سنشير إليه.

وعن الشهيد في اللمعة (8) والألفية (9) والمحقق الكركي (10) أنّ حال باقي النجاسات حال البول.

وعن العلامة في التحرير (11) التفصيل بين ( ما له جرم وقوام كالمني ونحوه وما ليس كذلك ، فيعتبر التعدد في الأول دون الأخير.

ص: 457


1- ارشاد الاذهان 1 / 240.
2- انظر النهاية : 5.
3- انظر الخلاف 1 / 175.
4- السرائر 1 / 92. وانظر مسالك الإفهام 1 / 131.
5- الانتصار : 90.
6- المعتبر 1 / 462.
7- المعتبر 1 / 461.
8- اللمعة الدمشقية : 3.
9- الألفية : 49 - 50.
10- جامع المقاصد 1 / 173.
11- تحرير الأحكام 1 / 161.

وفي المنتهى (1) : إن ما له جرم وثخن كالمني ونحوه أولى بالمتعدد.

وعلّل الحكم في الذكرى (2) بأن نجاسة غير البول أشد.

وكأنه لما ورد في بعض الأخبار أنه بمنزلة الماء فيفيد تسهيل الأمر فيه بخلاف غيره.

مضافا إلى الأصل والاستصحاب.

ويضعّفه منع الأشدّية مطلقا لعدم الدليل عليه مع أن الدم يعفى عن قليله بخلاف البول.

وقد ورد في الاستنجاء أنه هل له حد؟ قال : « لا حتى ينقى ماثله » (3).

فدل على أن العبرة بمطلق الإزالة.

وقوله عليه السلام : « انما هو بمنزلة الماء » كأنه مسوق لبيان عدم الحاجة إلى الدلك نظرا إلى أنه لا قوام له ليحتاج معه إلى ذلك ، وكذا الحال في جعل المني أشد من البول لما فيه من غلظ القوام المفتقر في الإزالة إلى الدلك والفرك ، فلا إشارة في غيرهما إلى فروع التعدد بوجه.

ومنه يعرف الوجه في ضعف تفصيل العلامة.

وقد قوّاه بعض المتأخرين أولا ثم عدل عنه.

وأما بالنسبة إلى البول فالمعروف فيه اعتبار التعدد بالنسبة إلى الثوب والبدن. وعزاه في المعتبر (4) إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وفي الذخيرة (5) بأنّ عليه عمل الطائفة.

وفي المدارك (6) والكفاية (7) والبحار والحدائق : أنه المشهور.

ص: 458


1- منتهى المطلب 3 / 264.
2- الذكرى 1 / 124.
3- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح 9 ، وفيه : « لا حتى ينقى مأثمة ».
4- المعتبر 1 / 435.
5- ذخيرة المعاد 1 / 163.
6- مدارك الأحكام 2 / 336.
7- كفاية الأحكام 1 / 64.

وحكي القول به عن الفاضلين (1) والشهيدين (2) والمحقق الكركي (3) وابن فهد (4) وغيرهم.

وعن المبسوط (5) أنه لا يراعى العدد في شي ء من النجاسات إلا في الولوغ فيفيد الاكتفاء بالمرة في البول أيضا.

وهو المحكي عن الشهيد في البيان (6). وهو قضية ما أطلق فيه الغسل من الكتب المذكورة.

وعن المنتهى (7) أنه أوجب أولا غسل الثوب مرتين ، ثم استقرب الاكتفاء بالمرة.

ونصّ في التذكرة (8) على اعتبار التعدد في البول إذا جفّ على الثوب. وقوّى في المدارك (9) و ( لم ) التفصيل بين الثوب وغيره ، فاعتبر التعدد.

وعن البحار (10) أن الأكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن في لزوم التعدّد.

وفي الحدائق (11) : إن وجوب المرتين في الثوب والبدن مما لم يظهر فيه خلاف بين الأصحاب إلا من صاحب المدارك و ( لم ).

قلت : وكأنه أراد عدم الفرق بين الأمرين ، وإلا فالقول بالاكتفاء بالمرة فيهما موجود في الأصحاب كما عرفت.

وكيف كان ، فالأقوى هو الأول للمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالعمل والأصل

ص: 459


1- المعتبر 1 / 435 ، تحرير الأحكام 1 / 161.
2- اللمعة الدمشقية : 16 ، مسالك الإفهام 1 / 126.
3- جامع المقاصد 1 / 173.
4- المهذب البارع 1 / 238.
5- المبسوط 1 / 15.
6- البيان : 40.
7- منتهى المطلب 3 / 263.
8- تذكرة الفقهاء 1 / 80.
9- مدارك الأحكام 2 / 336.
10- بحار الأنوار 77 / 129.
11- الحدائق الناضرة 5 / 358.

والاستصحاب :

منها : الصحيحان عن البول مصيب الثوب قال : « اغسله مرتين » (1).

وفي حسنة ابن أبي العلاء سأل الصادق (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد قال : صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله مرتين » (2).

ونحوها ما رواه في مستطرفات السرائر (3) عن كتاب الجامع لابن أبي بصير قال : سألت .. إلى آخره.

والظاهر صحّة الخبر لأخذه عن نفس الكتاب.

وفي صحيحة محمد بن مسلم سألت الصادق عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (4).

وفي صحيحة أبي إسحاق النحوي عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن البول يصيب الجسد قال : « صبّ عليه الماء مرتين » (5).

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (6).

ومناقشة صاحبي المدارك و ( لم ) في إسناد ما دلّ على التعدد غير متجه في نفسه لاعتبار أسانيدها بل وفي صحتها في وجه قوي ، مضافا إلى اعتضادها بالعمل وبذلك.

يظهر الوجه فيما ذكراه من التفضيل وضعفه.

واحتج العلامة (7) للاكتفاء بالمرة مع الجفاف بأنّ معنى طهورية الماء هو إزالة النجاسة عن

ص: 460


1- تهذيب الأحكام 1 / 251 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 9.
2- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 1.
3- مستطرفات السرائر : 557.
4- تهذيب الأحكام 1 / 250 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 4.
5- تهذيب الأحكام 1 / 249 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 3.
6- فقه الرضا عليه السلام : 95.
7- انظر منتهى المطلب 3 / 268.

ملاقيه ، فإذا صادف محلا قابلا للطهارة لخلوّه عن عين النجاسة أفاد التطهير.

وهو استناد إلى الإطلاق.

وبأنّ المطلوب من الغسل إزالة العين والأثر ، فإذا كان الأول حاصلا قبل الغسل كفت المرّة (1) للآخر.

ويشير إليه ما رواه في المعتبر (2) زيادة في حصة الحسين بن أبي العلاء بعد قوله عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين الأول للإزالة والثاني للإنقاء. ورواه عن الصادق مرسلا.

وفيه أنّ الأول استناد إلى الإطلاق وهو لا يقاوم النصوص المذكورة والثاني استنباط محض لا دليل عليه ) (3). وما ذكر من الزيادة غير موجود في شي ء من كتب الحديث كما اعترف به غير واحد منهم.

وكأنه من كلام المحقق ، فظنّ من تأخر عنه أنه من الرواية ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط معه الاستدلال.

وما ورد في بعض الصحاح وغيرها من إطلاق الأمر بغسل البول محمول على ذلك ؛ حملا للمطلق على المقيّد.

وكأنه مستند من اكتفى بالمرّة ، مضافا إلى سائر الإطلاقات ، وأن المقصود إزالة العين. وقد حصل بالمرة. ولا يخفى ضعف الجميع.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

الأول : هل يعتبر في ما اعتبرناه من التعدد من حصول الفصل حسّا بين الغسلتين أو يكتفى فيه بالتقدير بأن يكون مقدار جريان الماء عليه على قدر حصول الغسلتين أو يعتبر

ص: 461


1- في ( ألف ) : « لمرة ».
2- المعتبر 1 / 435.
3- ما بين الهلالين من قوله « ما له جرم » إلى هنا ليس في ( ألف ) ، وأدرجناها من ( د ) لأصحّيّتها.

معه (1) أيضا مقدار الفصل بينهما أيضا؟ وجوه :

الأول : ظاهر كثير من الأصحاب ، وقد صرّح به جماعة منهم كالشهيد الثاني (2) وصاحب الحدائق (3) وغيرهما ، والثاني مختار الشهيد في الذكرى (4).

وإلى الثالث يميل ظاهر كلام السيد في المدارك (5).

وفي المعالم ، عن جماعة من الأصحاب إلى (6) الاكتفاء في المرتين بالتقدير ، فلو اتصل الصبّ على وجه لو انفصل لصدق العدد حسّا. ولعلّه يشير إلى إجزاء الوجه الثاني ، والأظهر الأول ؛ أخذا بظاهر الأدلة ، لعدم صدق التعدد عرفا من دونه ، وإن (7) طالت مدة الجريان.

ودعوى الأولوية فيه ممنوعة ، والقول بأنّ فوات الغسل في زمان الانقطاع إن لم يوجب نقصا فلا يوجب زيادة في تأثير الطهارة استبعاد محض. ومع صحة الاستناد إليه فالأظهر هو القول الثاني ، دون الثالث ؛ إذ لا دخل لمراعاة زمان القطع بعد العلم بالمناط.

وفي زيادة المعتبر (8) في حسنة أبي العلاء إشارة إليه إلا أنك قد عرفت أن كونه من كلام الإمام عليه السلام غير معلوم ، فالأقوى ما (9) استظهرناه ؛ عملا بالأصل السالم عن المعارض.

وقد ظهر مما قرّرناه الوجه الثالث وضعفه.

ثم لو وضع عليه حائل عن وصول الماء إليه فالظاهر الاكتفاء به في حصول التعدد وإن لم ينقطع جرى الماء عليه.

ص: 462


1- في ( ألف ) : « تبعه ».
2- الروضة البهية 1 / 305.
3- الحدائق الناضرة 5 / 361.
4- الذكرى 1 / 128.
5- مدارك الاحكام 2 / 339.
6- ليس في ( د ) : « إلى ».
7- زيادة : « وإن » من ( د ).
8- المعتبر 1 / 435.
9- في ( ب ) : « مما ».

وهل يعتبر فيه تساقط الماء المنصبّ أوّلا ليتبعه الثاني أو يكتفى بمجرد صدق الصبّين؟ وجهان ، أحوطهما الأول.

الثاني : في جريان حكم التعدد في البول بالنسبة إلى غير الثوب والبدن قولان ، أظهرهما ذلك.

وهو المحكي عن جماعة من الأصحاب ؛ أخذا بفحوى الأخبار المذكورة المؤيّدة بالأصل والاستصحاب.

فذكر خصوصهما في الأخبار من جهة اختصاص السؤال. وكأنّه لكونه الغالب ؛ إذ وقع السؤال عنها على سبيل التمثيل.

واختار صاحب الحدائق (1) الاكتفاء بالمرة المزيلة لخروجه عن مدلول الأخبار الدالّة على اعتبار التعدد ، فيبنى فيه على سائر الإطلاقات.

ويضعّفه ما عرفت من اتحاد المناط ، وعدم ظهور خصوصية لمورد السؤال ، فيستظهر منها أن ذلك هو طريقة تطهير البول كما فهمه الأكثر. مضافا إلى اعتضاده بما عرفت من الأصل والاستصحاب وطريقة الاحتياط.

الثالث : هل يعتبر أن يكون أحد الغسلتين بعد زوال العين سواء رفضا (2) معا بعده كما إذا زالت العين بغير الماء أو حصلت الإزالة بواحد منهما أو ببعضه ثم تعطيه (3) الآخر أو يكتفى بحصول الإزالة بالغسلتين سواء لم يكن هناك تمكّن أصلا أو كانت وأزيلت ببعض الغسلة الأولى أو بتمامه ، ولو مع بعض من الغسلة التامة أو بتمامها؟ وجهان ، أظهرهما الأول ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وظاهر الأخبار المذكورة ؛ إذ الظاهر منها زوال العين بالصبّة الأولى ، ولبقاء العين القاضية باعتبار التعدد.

الرابع : ما ذكرناه من اعتبار المرتين إنما هو في غير مخرج البول بالنسبة إلى البول الخارج

ص: 463


1- الحدائق الناضرة 5 / 363.
2- في ( د ) : « وقعتا ».
3- في ( د ) : « تعقبه ».

منه وأما بالنسبة إليه فالأظهر فيه الاكتفاء بالمرة ؛ وفاقا لجماعة من الأصحاب. وقد تقدم الكلام فيه.

الخامس : هل يجري حكم البول بالنسبة إلى المتنجس به أو يجري فيه حكم سائر النجاسات؟ وجهان ، أحوطهما ذلك جريا فيه حكم أصله كالمتنجس بغيره ، وعدم ظهور إطلاق واضح يقضي بالاكتفاء فيه بالمرة ، مضافا إلى استصحاب الحالة السابقة.

السادس : لو أصابه نجاسة وشكّ في كونه بولا أو غيره ، ففي لزوم التعدد أخذا باستصحاب النجاسة أو الاكتفاء بالمرة لأصالة عدم لزوم الزائد وجهان أوجههما الأول ؛ إذ لزوم الغسل من باب المقدمة ، والمطلوب هو الطهارة ، فمع الشكّ في حصولها يبنى على عدمها.

ص: 464

تبصرة: [ في اعتبار العصر ]

المعروف بين الأصحاب اعتبار العصر فيما ينفذ فيه الغسالة من الثياب ونحوها ، فلو لم يعصره حتى جفّ بالشمس أو الهواء بقي على نجاسته.

وفي المعتبر (1) : إنه مذهب علمائنا.

وفي الحدائق (2) : إنه لا خلاف فيه يعرف.

وقد حكي ذلك عن الصدوق والحلي والفاضلين (3) والشهيدين (4) وغيرهم.

وعن غير واحد من المتأخرين كصاحب الذخيرة (5) والبحار (6) حكاية الشهرة عليه.

وفي المدارك (7) قطع به المصنف وأكثر الأصحاب. وقد أطلق الغسل من غير تعرّض للعصر في عدة من كتب الشيخ.

وقد نصّ في الخلاف (8) على أن الصبّ على الشي ء إغماره بالماء ، والغسل صبّ الماء ينزل عنه.

ص: 465


1- المعتبر 1 / 435 ، وانظر : اللمعة الدمشقية : 16 ، روض الجنان : 167.
2- الحدائق الناضرة 5 / 365 ، وانظر : ذخيرة المعاد 1 / 161.
3- تحرير الأحكام 1 / 161.
4- اللمعة الدمشقية : 16 ، روض الجنان : 167.
5- ذخيرة المعاد 1 / 161.
6- بحار الأنوار 77 / 130.
7- مدارك الأحكام 2 / 326.
8- الخلاف 1 / 183.

وعن الحدائق (1) والسرائر (2) : أنّ حقيقة الغسل إجراء الماء على المحل المغسول ، ولا منافاة في شي ء من ذلك لاعتبار العصر إلا أن عدم ذكره بالخصوص شاهد على عدم اعتباره سيّما في الأخيرين ؛ لتفسير الغسل بما ذكر من غير أخذ العصر فيه إلا أن ينزّل ذلك بالنسبة إلى غير ما ينفذ فيه الغسالة من المتنجسات.

وعن المحقق الأردبيلي (3) القول بعدم وجوب العصر. وقوّاه تلميذه في المدارك (4) إلا إذا توقّف عليه إخراج النجاسة. والوجه اعتبار العصر فيما يغسل بالقليل.

ويستدلّ عليه بوجوه :

الأول : إن الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجس (5) ، وغاية ما دلّ الدليل على طهر المحل به وطهر ما يتخلف منه فيه إنما هو فيما إذا أخرج بالعصر ، وأما إذا بقي فيه فالأصل بقاؤه على النجاسة. والمناقشة في نجاسة الغسالة ضعيفة كما مرّ.

وما يقال من أن العصر لا يعتبر فيه إخراج (6) حينئذ (7) جميع الرطوبة التي في الثوب ، وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ فهو لا يومي إلى طهارة الغسالة أصلا ، ولا يقضي بسقوط اعتبار العصر رأسا ، فذكر ذلك في المقام - كما في كلام بعض الأعلام - مما لا يعقل فيه فائدة لبيان المرام.

والقول بقضاء الإطلاقات بطهارة المحل بعد الغسل ، وهي تستلزم طهارة المتخلف منها عنه وإن خلا عن العصر مدفوع بأن شمول الإطلاقات لذلك غير واضح ؛ نظرا إلى أن الطريقة المعتادة في غسل الثياب ونحوها - ولو عن القذارات الغير الشرعية - هو ما إذا كان مع العصر ،

ص: 466


1- الحدائق الناضرة 5 / 478.
2- السرائر 1 / 91 ، ولم يذكر في ( ألف ).
3- مجمع الفائدة 1 / 333.
4- مدارك الأحكام 2 / 326.
5- في ( د ) : « النجاسة ».
6- في ( ألف ) : « اجزاء ».
7- ليس في ( د ) : « حينئذ ».

فلا يبعد انصراف الإطلاقات (1) إليه ولا أقل من الشكّ ، فلا يبقى وثوق بالإطلاق ليحكم من جهته بطهارة المحل وطهارة الماء الملاقي للنجاسة ، مع قيام الدليل على تنجسه بملاقاة النجاسة.

والقول بعدم انحصار طريق الإخراج في العصر لحصوله أيضا بالجفاف فاسد ؛ إذ المتيقّن من الأدلة حصول الطهارة مع إخراجه بالعصر ، مضافا إلى ما في الجفاف من طول بقاء المتنجس فيه.

وقد يتأمّل في الحكم فيما إذا لم يعصر الثوب إلا بعد زمان طويل ، فإن طهره مع عصره حينئذ (2) مشكل ؛ لخروجه عن المعتاد وقضاء الأصل بالنجاسة ، ولو فرض جفافه في زمان أقل من العصر أو مساو له فلا ، فالظاهر أنه غير مجد فيه ؛ لما عرفت من خروجه عن المعتاد ، ولزوم الاقتصار على القدر المعلوم.

كيف ، ومع انعدام الماء بالجفاف لا يعدّ ذلك في العرف من التطهير بالماء ؛ إذ المفروض عدم حصول الطهارة بمجرّد صبّ الماء وبعده ليستند التطهير إلى الجفاف دون الماء ؛ لخروج الماء به عن المائية ، وانقلابه إلى الهواء.

وهذا بخلاف العصر كما لا يخفى بعد ملاحظة العرف.

الثاني : اعتباره في مسمّى الغسل في مثل ذلك أو بدونه إنما يعدّ صبّا لا غسلا كما نصّ عليه في المعتبر (3) ومنتهى المطلب (4).

ويشير إليه مقابلته إليه (5) في عدة من الأخبار كصحيحة الحسين بى أبي العلاء أو حسنته ، فإن التعبير عنه بالصبّ بالنسبة إلى الجسد والغسل بالنسبة إلى الثوب يومي إلى مغايرة الغسل في الثوب للصبّ المذكور في الجسد.

ص: 467


1- في ( ب ) و ( د ) : « الإطلاق ».
2- في ( د ) زيادة : « أيضا ».
3- المعتبر 1 / 435.
4- منتهى المطلب 1 / 159.
5- في ( د ) : « به ».

ويشكل بأن لفظ « الغسل » ليس من الألفاظ المتشرعة كسائر الألفاظ مما يرجع في معناه إلى العرف ، وقد انتقل معناه في كثير من كتب اللغة إلى العرف لوضوحه وعدم خروجه في العرف عن معناه الأصلي ، وبعد الرجوع إليه لا يعرف وجه لاعتبار العصر فيه ، بل الظاهر خلافه.

غاية الأمر اعتبار تجاوز الماء عنه في الجملة كما مرّ في تحديد الشيخ والحلي ، وهو أعمّ من العصر.

وبه يفرق بينه وبين مطلق الصبّ ، بل قد يتأمل أيضا في ذلك لعدم اعتباره شرعا وعرفا في الغسل بالكثير ، بل مجرد إدخاله فيه واستيلائه عليه يعدّ غسلا إلا أن يقال بحضور التجاوز مع الكثرة وإن لم يحسن به.

وفيه : أنه غير لازم ، بل يقطع (1) بخلافه كما إذا وضع الثوب المتنجس في الكثير ورفع من حينه أو وضع كرّ من ماء على ثياب كثيرة بحيث يجري الماء فيها من دون زيادة ، فإنّ الظاهر حصول الطهارة بذلك إذا خلّي المحل عن غير النجاسة ، والقول بعدم الملازمة بينه وبين حصول الغسل بعيد جدا ، بل ولا وجه له أصلا.

هذا ، وقد يقال بأن المتعارف في غسل الثياب ونحوها من القذارات أو النجاسات هو ما كان مع العصر ، فينصرف إليه الإطلاقات ، ولا أقل من الشكّ في ذلك الباعث على لزوم مراعاة الاحتياط فيه ؛ لأصالة بقاء النجاسة إلا فيما ثبت عدم اعتباره فيه.

الثالث : اعتباره في غير واحد من الأخبار كالحسنة المذكورة ، وفيها : عن (2) الصبي يبول على الثوب ، قال : « يصبّ عليه ثم يعصره » (3).

والقول بمتروكيّته لعدم وجوب العصر في بول الصبي يدفعه أنها محمولة على الصبي المتغذي بالطعام ، والاكتفاء بالصبّ إنما هو في المتغذي به ، فيحمل المطلق على المقيّد ، وهو لا

ص: 468


1- في ( د ) : « قد يقطع ».
2- في ( د ) : « وعن ».
3- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 1.

يقضي بمتروكية الرواية ، وإلا لم يصحّ الاستناد إلى شي ء من الإطلاقات.

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (1).

والقول بأن ظاهر وجوب العصر في الكرّ وليس العمل عليه مدفوع بإمكان حمله على القليل ؛ إذ هو الغالب في التطهير بالمياه الراكدة.

هذا ، ولا يذهب عليك أن الوجوه المذكورة وإن لم يخل كل (2) منها من مناقشة إلا أنه بعد انضمام بعضها إلى البعض - مع الاعتضاد بالأصل والاستصحاب [ و ] عمل الأصحاب وظاهر الإجماع المحكي - لا ينبغي التأمل في الحكم ، وبه يظهر ضعف القول الآخر المستند إلى مجرد الإطلاقات.

وقد يستدلّ عليه أيضا بتوقف إزالة عين النجاسة على العصر. وهو ضعيف جدّا ؛ إذ لا تأمل إذن في اعتباره ، ومحل البحث فيما إذا حصلت الإزالة من دونه أو كان المحل خاليا عن عين النجاسة ، وهو ظاهر.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنه هل يعتبر تعدّد العصر فيما يتعدد فيه الغسل أو يكتفى فيه بعصر واحد بين الغسلتين أو بعدهما؟ وجوه بل أقوال ، فالأول محكي عن الحلي والمحقق [ .... ] (3)

ص: 469


1- فقه الرضا عليه السلام : 95.
2- في ( ب ) زيادة : « واحد ».
3- هنا في ( د ) مكتوب : « بياض الأصل ، الى هنا وجد بخطه الشريف ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.

ص: 470

كتاب الصّلاة

اشارة

ص: 471

ص: 472

كتاب الصلاة

وهي العبادة المعروفة المشترط صحتها بالطهارة. وهي لوضوحها غنيّة عن التحديد.

ووضعها لهذا المعنى إما في اللغة حيث ذكرها بعضهم في عداد المعاني اللغوية أو في هذه الشريعة الطاهرة أو في الشرائع القديمة ، وإنما طرياها الاختلاف في الكيفية القاضي باختلاف المصداق دون نفس الحقيقة كاختلاف أنواعها في هذه الشريعة بحسب اختلاف الحالات الطارية حتى أنها تصدق على التكبيرات الأربعة في صلاة المطاردة.

وحيث لا يتعلق بذلك غرض (1) يعتد به فلا جدوى للتعرض له. والظاهر عدم شمولها لصلاة الأموات كما هو ظاهر من الرجوع إلى الاستعمالات.

ويشهد به ظواهر الروايات ، ويومي ذلك إلى كونه مجازا فيها إلا أن التزام المجازية فيها بعيد جدا ، كيف وهذا المعنى أيضا من المعاني الجديدة المخترعة من صاحب الشريعة التي بها البليّة.

ويستند إليها الحاجة كسائر العبادات المتداولة ، وقد استعملها الشارع فيه ، وشاع استعمالها فيه عند المتشرعة ، فإما أن يقال بحصول الوضع بالنسبة إليها حال التقييد كما يقال ذلك في لفظ « الماء » بالنسبة إلى المياه المضافة أو ثبوت الوضع لها حال الإطلاق أيضا لتكون مشتركا بين المعنيين.

إلا أنها أظهر في الأولى من جهة الغلبة وشيوع الاستعمال.

وقد يقال بوضعها للأعم من المعنيين كما يظهر عن جماعة من الأصحاب. وهو بعيد.

ص: 473


1- في ( ألف ) : « عمن ».

وحيث إن الإطلاق ينصرف إلى الأول ، ولا يراد به الثاني إلا بعد قيام الدليل عليه ، فلا يترتب على الكلام فيه ثمرة مهمة في المقام.

ثم إن الصلاة من أعظم أركان الشريعة ، وهي في نفسها أفضل الطاعات بعد المعارف الإيمانية ، وإن ترجّح عليها غيرها لبعض الجهات الخارجية ، والأخبار في فضلها (1) وعقاب (2) تاركها متواترة.

وهي واجبة ومندوبة ، والواجبة ستّ : اليومية والجمعة والعيديّة والآئيّة والطوافية والالتزامية بنذر وشبهه.

فهاهنا أبواب :

ص: 474


1- انظر الكافي 3 / 264 ، باب فضل الصلاة.
2- انظر المحاسن 1 / 79 باب عقاب من تهاون بالصلاة.

الباب الأول: في اليومية

اشارة

ويندرج فيها الأدائية والقضائية ، عن نفسه أو غيره كالأب فيما يتحمّله عنه ، أو ما يوقعه عن الميت على جهة الشرع.

ويتبعها صلاة الاحتياط.

ووجوبها وأعدادها وأعداد ركعاتها مما قام عليه ضرورة الدين ، فلا جدوى للتعرض لها.

والكلام فيها مورد في فصول :

الفصل الأول : في المقدمات

اشارة

وقد تقدّم شطر منها في كتاب الطهارة ، والتي نذكر منها هنا خمس : الوقت والمكان واللباس والقبلة والأذان والإقامة.

القول : في الوقت

واعتباره أداء في كل من اليومية موسعة مما قام عليه إجماع المسلمين ، بل هو في الجملة من ضروريات الدين.

ص: 475

تبصرة: [ في وقت الفرائض اليومية ]

أوقات الفرائض اليومية موسّعة على المعروف من المذهب ، بل لا خلاف فيه سوى ما يعزى إلى ظاهر المفيد من القول بلزوم التعجيل في أول الوقت ، فإن أخّرها وأدّاها عفي عنه وإلّا كان مضيّقا لها.

وذكر الشيخ (1) أن في أصحابنا من قال : يجب في أول الوقت وجوبا مضيّقا إلا أنّه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من اللّه تعالى. وهو مع كونه خلافا في أصل التوقيت لا دليل عليه ، بل مخالف للأخبار المتظافرة المطابقة لفتوى الأصحاب ، بل الإجماع لانعقاد اتفاق الفرقة عليه بعد ذلك.

وكأنّ المستند في ذلك - إن حمل على ظاهره - بعض ظواهر الروايات.

وهي بعد تسليم دلالتها على ذلك محمولة على المبالغة في تأكّد استحباب المبادرة.

وقد يجعل مستنده في ذلك الشبهة المعروفة في الواجب الموسع ، فخصّ الأول بالتوقيت.

وانطباق عبارته عليه محل تأمل.

على أن تلك الشبهة في غاية من الركاكة يجلّ ذلك الجليل عن الركون إلى مثلها. وقد يبعد حمل كلامه على إرادة اختصاص الوقت الثاني بالمعذور ، فلا يجوز لغير التأخير إليه كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ولكلّ صلاة منها وقتان بلا خلاف يظهر ، سوى ما حكاه بعضهم (2) قولا من أن للمغرب وقتا واحدا ، وهي محمولة على المبالغة ؛ للإجماع والأخبار المتكاثرة بل المتواترة الدالّة على

ص: 476


1- الخلاف 1 / 276.
2- انظر مدارك الأحكام 3 / 31.

خلافه ، وما في المستفيضة من أن « وقت المغرب حين غيبوبة الشمس » (1) لا دلالة فيها على الاختصاص.

ثم إن الأول منها للفضيلة والثاني للإجزاء. وعليه معظم الأصحاب ، بل الظاهر إطباق المتأخرين عليه عدا شذوذ من متأخريهم ؛ إذ هو الذي يظهر من ملاحظة مجموع الأخبار ، بل لا ينبغي التأمل فيه بعد إمعان النظر فيها وملاحظتها بعين الاعتبار.

فما دلّت عليه من الأخبار ما دلّ على أفضلية الوقت الأول كالصحيح : « لكلّ صلاة وقتين وأول الوقت أفضلهما ».

ونحوها صحيحة أخرى ، وفيها : « وأول الوقتين أفضلهما » (2) فإن الحكم بالأفضلية قاض بجواز اختيار الآخر من القول بأنه أعم من ذلك لصحة الحكم بأفضلية فعل المختار من فعل المضطرّ (3) مدفوع بأنه مخالف لظاهر الإطلاق كما ينادي به العرف.

ولا يأبى ذلك عن التصريح بخلافه كما هو الشأن في سائر الظواهر.

ومنها : ما ورد في بيان الوقت ، فيدلّ بظاهره على استمرار الوقت مطلقا إلى الوقت الأخير كرواية عبيد بن زرارة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » (4).

وفي روايته الأخرى في قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (5) : « إن اللّه افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من أول زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه » (6).

ص: 477


1- الهداية : 130.
2- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 14.
3- في ( ألف ) : « المفطر ».
4- الإستبصار 1 / 246.
5- الإسراء : 78.
6- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 13.

وذكر نحوه بالنسبة إلى المغرب والعشاء (1).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر » إلى أن قال : « فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّى أربع ركعات » (2).

وذكر نحوه في العشاءين بالنسبة إلى انتصاف الليل كما سيجي ء الإشارة إليه.

ولا يخفى أن قضية التوقيت كذلك جواز التأخير إلى آخر الوقت ، والقول بأنه أعم من ذلك كما ذكره البعض بين الوهن ؛ إذ هو مخالف للإطلاق المذكور ، وقابلية الإطلاق للتصريح بما ذكر لا ينافي ظهوره فيما قلنا دفع الإطلاق.

وأوضح منها في الدلالة القويّ (3) : « أحب الوقت إلى اللّه عزوجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ (4) الفريضة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس » (5).

فإنّ سياقه كالصريح في جواز التأخير إلى آخر (6) الوقت.

وفي الصحيح : « إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيّقة ، فالصلاة مما وسّع فيها تقدم مرة وتأخر أخرى والجمعة مما ضيق فيها » (7).

وفي رواية معاوية : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر؟ قال : « نعم وما أحب أن يفعل ذلك في كل يوم » (8).

وروى زرارة في الصحيح وغيره في قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً

ص: 478


1- الاستبصار 1 / 262 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 2.
2- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 11.
3- في ( ب ) : « القول ».
4- ليس في ( ألف ) : « فصلّ ».
5- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 10.
6- لم ترد في ( ب ) : « آخر ».
7- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 2.
8- تهذيب الأحكام 2 / 247 ، باب المواقيت ح 17.

مَوْقُوتاً ) (1) قال : « موجبا ، إنما يعني بذلك وجوبها على المؤمنين لو كان كما يقولون لهلك سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب لأنه لو صلّاها قبل أن تغيب لكان وقتا » (2).

وفي رواية ربعي : « إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها » (3).

وكأنّ قوله « وإنما الرخصة » إلى آخره ، من تتمة « من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ».

وفي هاتين الروايتين إشارة إلى التوسعة في أمر الصلاة وأن التضيق إنما هو من أقوال أهل الخلاف ، فيتمّه احتمال التقية في الأخبار المخالفة.

وعن اسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثم قام يصلّي بنا عند باب دار أبي محمود » (4).

وعن داود الصرمي قال : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما فجلس يحدّث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلّى » (5).

وكون التأخير لأجل الحاجة الضرورية خلاف ظاهر الرواية ، وكأنه لأجل بيان الحكم أو لجهة أخرى مرجّحة ، فلا يلزم صدور ترك الأولى منه عليه السلام.

إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الأخبار ، مضافا إلى ظاهر الكتاب سيّما بعد تفسيره في الأخبار.

ولا يعارضها ما دلّ بظاهره على عدم جواز التأخير لغير المعذور كصحيحة (6) عبد اللّه بن

ص: 479


1- النساء : 103.
2- علل الشرائع 2 / 605.
3- الإستبصار 1 / 262 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 14.
4- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 15.
5- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 16.
6- في ( ألف ) : « لصحيحة ».

سنان ، وفيها : « وليس لأحد أن يجعل (1) آخر الوقتين وقتا إلا من عذر من غير علة » (2).

ورواه الشيخ عنه باختلاف في اللفظ وزيادة.

وفيه أيضا : « وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة » (3).

وفي الخبر : فقلت : لو أن رجلا صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : « إن كان فعل ذلك ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه كما لو أن رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس مثلا من غير علة لم يقبل منه. إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت الصلوات المفروضات أوقاتا وحدّ لها حدودا في سنّة للناس ، فمن رغب عن سنّة الموجبات كان كمن رغب عن فرائض اللّه تعالى (4) ».

وفي المرسل المروي في تفسير القمي عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عزوجل ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (5) قال : « تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر » (6).

وفي المرسل : « أول الوقت رضوان اللّه وآخره عفو اللّه ، والعفو لا يمكن إلّا عن ذنب » (7).

وفي الفقه الرضوي يروي : « إنّ لكل صلاة ثلاثة أوقات : أول ووسط وآخر ، فأول الوقت رضوان اللّه تعالى ووسطه عفو اللّه وآخره غفران اللّه ، وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يتّخذ آخر الوقتين وقتا ، إنّما جعل آخر الوقت للمريض والمقبل والمسافر » (8).

إلى غير ذلك من الأخبار ؛ أو هي في مقام الجمع محمولة على شدة استحباب المواظبة على الوقت الأول.

ص: 480


1- في ( ألف ) : « يحتمل ».
2- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ح 3.
3- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقف صلاة الفجر ح 14.
4- الإستبصار 1 / 258 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 1 ، وفيه : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنة ».
5- الماعون : 4.
6- تفسير القمي 2 / 444.
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 217 ، باب مواقيت الصلاة ، ح 651.
8- فقه الرضا عليه السلام : 71 ، وفيه : « وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت وقتا ».

وقد ورد في الرواتب اليومية وغيرها من المندوبات نظير ذلك ، بل ما هو أعظم منه في مقام التأكيد في الحنث كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.

مضافا إلى قيام بعض الشواهد فيها على ذلك كتقييد التأخير بقصد مخالفة السنّة والوقت كما في بعض الأخبار المذكورة.

وروى عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن وقت المغرب؟ قال : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (1).

فإنّ سياق الرواية صريح في أن مبنى الأمر في ذلك على الندب حتى أنّه بمجرد ذلك يرتفع الوجوبان أو تأكده مع ما ورد من التأكيد في أمر المغرب ، فثبت ذلك في غيرها بالأولى.

وفي رواية أخرى له عنه عليه السلام : « أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فآمر بالمساجد فأقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت أصلي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة؟ فقال : « ائت منزلك وانزع ثيابك إن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصلّ فإنك في وقت إلى ربع الليل » (2).

ودلالتها على ما ذكر كما لسابقه ، بل هي أوضح منها في الدلالة.

وفي التأكيدات الواردة في المواظبة على الوقت الأول إشارة إلى ذلك كالصحيح : « الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجرة في طيبه وريحه وطراوته ، فعليكم بالوقت الأول » (3).

وفي صحيحة أخرى : « اعلم أن أول الوقت أبدا أفضل فعجّل الخير ما استطعت » (4).

وعن الصادق عليه السلام : « لفضل الوقت الأول على الآخر خير للرجل من ولده وماله » (5).

ص: 481


1- الإستبصار 1 / 267 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 25.
2- تهذيب الأحكام 2 / 31 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 42.
3- ثواب الأعمال : 36.
4- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 8 وفيه : « فعجل بالخير ».
5- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 7.

وفي خبر آخر : « إن أفضل الوقت على الآخر كفضل الدنيا على الآخرة » (1).

وعن أبي سلام العبدي قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت له : ما تقول في رجل يؤخر العصر متعمدا؟ قال : « يأتي يوم القيامة موتورا أهله وماله » ، قال : قلت : جعلت فداك! وإن كان من أهل الجنة؟ قال : « وإن كان من أهل الجنة ». قال : قلت : فما منزلته في الجنة؟ قال : « موتور أهله وماله يتضيف أهلها ليس له فيها منزل » (2).

وقد روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام : « إنّ من صلى صلاة العصر فأخّرها حتى تصعر الشمس وتغيب ليس له أهل ولا مال في الجنة » (3).

ورواه أيضا عن الباقر عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فإنّ سياق هذه الأخبار ظاهر في الاستحباب سيما الأخبار الأخيرة ، فإن ذكر كونه باعثا على نقص بعض النعم في الجنة في مقام الحث عليه كالصريح في عدم الحرمة.

ويؤيّد ما ذكرناه فهم الأصحاب وموافقتها لظاهر الكتاب كما مرّ ومخالفتها لمعظم العامة وموافقة المنع لمذاهبهم. مضافا إلى الأصل ؛ إذ ليس نزاع النازع إلّا في المنع لا في اشتراط العمل لما عرفت من الاتفاق على الأدائية إلّا من ظاهر البعض.

وهو مدفوع بصراحة النصوص في خلافه.

وفي الأعذار المجوّزة للتأخير من السفر والمطر والمرض وشغل يضرّ تركه بدينه أو دنياه ، كما ذكره في المبسوط (4) ، ويقتضيه إطلاق العذر الوارد في الأخبار ، بل مقتضاه أعمّ من ذلك إشارة إلى ما ذكرناه ؛ إذ لو كان الأمر مبنيّا على الوجوب لما اكتفى في تركه بأدنى شي ء من

ص: 482


1- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 7 وفيه : « كفضل الآخرة على الدنيا ».
2- ثواب الأعمال : 231 وفيه : « يؤخر صلاة العصر متعمدا؟ ».
3- المحاسن 1 / 83 والرواية فيه : عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ما خدعوك عن شي ء فلا يخدعوك في العصر صلها والشمس بيضاء نقية فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : الموتور أهله وماله المضيع لصلاة العصر ما قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له في الجنة أهل ولا مال. قلت : وما تضييعها؟ قال : يدعها واللّه حتى تصفر الشمس وتغيب.
4- المبسوط 1 / 72.

الأعذار مضافا إلى الشهرة العظيمة بين الأصحاب وفهمهم ذلك من روايات الباب ، بل حكى عليه في الغنية (1) والسرائر (2) الإجماع.

وقد عزي القول به إلى الإسكافي والسيد (3) والديلمي وابن زهرة (4) والحلي (5) والفاضلين (6) والآبي وقوم من أصحاب الحديث. واختاره عامة المتأخرين إلا من شذّ.

وقد تبيّن مما قرّرناه ضعف القول بكون أحد الوقتين للمختار والآخر للمعذور والمضطرّ ، كما عن جماعة من القدماء منهم الشيخان (7) والقاضي (8) والحلبي (9) والطوسي (10).

وقوّاه من المتأخرين صاحب المفاتيح ، واختاره صاحب الحدائق (11) ؛ أخذا بظواهر الأخبار الأخيرة وما بمعناها.

وقد عرفت ما فيه.

وقد يحمل كلام جماعة من هؤلاء على ما يوافق المشهور ، فقد نصّ الشيخ في المبسوط (12) بأن الوقت الأول أفضل من الأوسط والأخير ، غير أنه لا يستحق عقابا ولا ذما وإن كان تاركا فضلا إذا كان لغير عذر.

وعنه أيضا في محل اليوم والليلة : ولا ينبغي أن يصلي آخر الوقت إلا عند الضرورة لأن

ص: 483


1- غنية النزوع : 71.
2- السرائر 1 / 196.
3- الناصريات : 192.
4- غنية النزوع : 70.
5- السرائر 1 / 196.
6- المعتبر 2 / 29 ، تحرير الأحكام 1 / 180.
7- المقنعة : 94.
8- المهذب 1 / 71.
9- الكافي للحلبي : 137.
10- الوسيلة : 57.
11- الحدائق الناضرة 6 / 20.
12- المبسوط 1 / 77.

الوقت الأول أفضل مع الاختيار.

ومن هنا احتمل بعض المتأخرين ارتفاع الخلاف من البين ، وهو وإن أمكن بالنسبة إلى جملة من عبائرهم إلا أنه لا يتمّ بالنسبة إلى بعضها كعبارة الخلاف حيث نصّ بمخالفة السيد وغيره. وكذا ما حكي عن الاسكافي والحلبي كما سيجي ء.

ثم إنّه (1) لو أخّر المختار إلى آخر الوقت الأخير فالظاهر الاتفاق على بقاء الوقت.

وقد حكى الاتفاق عليه في كشف اللثام (2).

وقد دلّ نصوص كثيرة (3) على بقاء الوقت ، فغاية الأمر الجمع بحصول العصيان مع تعمّد التأخير [ كما ] عن العماني (4) أنه بعد ما بين وقت المختار والوقت الآخر ، قال : فإن أخّر المختار الصلاة من غير عذر إلى آخر الوقت فقد ضيّع صلاته وبطل عمله. وكان (5) عند آل محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين إذا صلّاها في آخر وقتها قاضيا لأمور في الفرض في وقته. وظاهره خروج الوقت بالنسبة إلى المختار.

ويظهر ذلك من الحلبي أيضا حيث حكي عنه القول بإجزائه عن أصحاب الأعذار خاصّة ، فإن حمل كلام هذين على ظاهره فهو بمكان من الوهن كما لا يخفى.

ص: 484


1- زيادة : « إنّه » من ( د ).
2- كشف اللثام 3 / 19.
3- في ( ب ) : « الكثيرة ».
4- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157.
5- في ( ألف ) : « كان » بدون الواو.
تبصرة: [ في وقت الظهر ]

أول وقت الظهر زوال الشمس بالإجماع المعلوم والمنقول من جماعة منهم السيد (1) والشيخ (2) والفاضلان (3) وغيرهم ، بل ربما يدّعى كونه من الضروريات.

ويدلّ عليه بعد ذلك الآية الشريفة ؛ إذ الدلوك هو الزوال.

وقد نصّ عليه في الخبر المفسّر له والأخبار المستفيضة بل المتواترة كالصحيح : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر » (4).

وحكي عن ابن عباس (5) وغير واحد من العامة : « في مسافر صلّى قبل الزوال أنه يجزيه ».

وهو مخالف لاتفاق الأصحاب ، بل نصّ الفاضلان على أن الخلاف بين العامة قد انقرض أيضا.

وقد ورد في كثير من أخبارنا تحديد أول وقت الظهر بما بعد الزوال ، ففي بعضها اعتبار مضيّ (6) القدم عنه. وفي بعضها مضيّ (7) القدمين. وفي بعضها الذراع وغيرها.

وهي محمولة على الفضل من جهة حال المتنفّل.

ص: 485


1- الناصريات : 189.
2- الخلاف 1 / 256.
3- المعتبر 2 / 27 ، تذكرة الفقهاء ، 2 / 300.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 216 ، باب مواقيت الصلاة وقت صلاة الظهرين ح 648.
5- رياض المسائل 1 / 113.
6- في ( ألف ) : « معنى ».
7- في ( ألف ) : « معنى ».

وفي الصحيح : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة » (1).

وفي عمر بن حنظلة : « ألا أنبئك بأبين من هذا؟ » قال : قلت : بلى جعلت فداك. قال : « إذا زالت الشمس فقد وقع وقت الظهر إلا أنّ بين يديها سبحة وذلك إليك ، فإن أنت خفت فحين تفرغ من سبحتك وإن طولت فحين تفرغ من سبحتك » (2).

وبمعناها أخبار أخر في إسماعيل الجعفي : « وإنما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوع في وقت فريضة » (3).

وبمعناه غيره. وقد يوهم ذلك عدم دخول وقت الفريضة قبله (4). وهو محمول على إرادة الفضيلة أي الأفضل في حقّ المتنفّل الاشتغال بها وتأخير (5) الفريضة إلى ذلك ، فجعل بعض من وقت الفريضة للنافلة لئلا تقع في الوقت المعدّ لخصوص الفريضة.

وعليه يحمل ما في الهداية (6) من أن وقت الظهر بعد الزوال قد مال على أحد وجهيه ، فليس ذلك خلافا في المسألة.

نعم ، في مكاتبة عبد اللّه بن محمد : روى بعض مواليك عنهما يعني الصادقين عليهما السلام : « إن وقت الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة أقدام » (7) إلى آخره (8) ، ففيها دلالة على وقوع الخلاف فيه بين الأصحاب في ذلك الزمان ، وذهاب البعض إلى دخول وقت الظهر

ص: 486


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 217 ، باب وقت الفضيلة والإجزاء ح 653.
2- الإستبصار 1 / 249 ، باب اول وقت الظهر والعصر ح 896 - 23.
3- الإستبصار 1 / 255 ، باب اول وقت الظهر والعصر ح 916 - 43.
4- في ( ب ) : « قبل ».
5- زيادة في ( ب ) : « الفضيلة ».
6- الهداية : 129.
7- في ( د ) زيادة : « من الزوال فإن صليت قبل ذلك لم يجزك وبعضهم يقول يجزي ، ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ».
8- الإستبصار 1 / 254 ؛ باب اول وقت الظهر والعصر ح 912 - 39.

بعد مضي القدمين إلا أنه لا يعرف كون القائل به من أرباب الأنظار.

وفي قوله بذلك شهادة على جموده على ظواهر الأخبار من غير ملاحظة للكتاب وسائر ما ورد عن العترة الأطهار.

وكيف كان ، فخلافه ساقط من بعض الأخبار (1).

هذا ، وأما آخر وقته الأول فقد اختلف فيه الأخبار وكلام علمائنا الأبرار ، ولهم في ذلك أقوال :

الأول : ما هو المشهور من تحديده بصيرورة ظلّ كل شي ء مثله ، وعزي القول به إلى جماعة من المتقدمين وسائر المتأخرين ، بل حكى في المسالك (2) الشهرة عليه.

الثاني : ما حكي عن السيد في المصباح والشيخ في النهاية (3) وغيره من أن آخر وقت الظهر لمن لا عذر (4) له أربعة أقدام ، وهي أربعة أسباع الشخص.

وفي خبر (5) الشيخ في المصباح (6) والاقتصاد (7) (8) بينه وبين صيرورة ظلّ كل شي ء مثله.

وهو إن حمل على التخيير رجع إلى الأول ، وإلّا كان وقفا بين القولين.

ويرجع إلى هذا القول ما حكي عن الحلبي (9) (10) من أن آخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظلّ سبعي القائم ، وآخر وقت الإجزاء أن يبلغ الظلّ أربعة أسباعه ، وآخر وقت المضطر أن يصير الظلّ مثله.

ص: 487


1- في ( د ) : « ساقط بعض عن الاعتبار » ، ولعله : « ساقط من عين الاعتبار ».
2- مسالك الإفهام 1 / 233.
3- النهاية : 59.
4- في ( ألف ) : « عذر ».
5- في ( د ) : « خير ».
6- مصباح المتهجد : 26.
7- في ( ب ) : « الانتصار » بدل : « الاقتصاد ».
8- الاقتصاد : 256.
9- في ( ب ) : « الحلّي ».
10- الكافي للحلبي : 137.

الثالث : ما حكي عن المفيد (1) من أن وقت الظهر بعد الزوال إلى أن يرجع الفي ء سبعي الشخص. وإليه يرجع ما حكي عن العماني (2) من أن آخر وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظلّ ذراعا واحدا قدمين.

والظاهر اتحاد المقدارين ، وإنما الاختلاف في الاعتبار. قال : فإن جاوز ذلك فإن دخل الوقت الآخر.

ويدلّ على الأول الروايات المستفيضة المعتضدة بالعمل :

منها : ما رواه الشيخان بإسنادهما ، عن يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا لا يكذب علينا ». قلت : ذكر أنك قلت : إن أول صلاة افترضها اللّه على نبيّه صلى اللّه عليه وآله الظهر ، وهو قول اللّه عزوجل : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ .. ) (3) ، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظلّ قامتين بذلك (4) المساء. فقال : صدق » (5).

ومنها : أحمد بن عمر ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن وقت الظهر أو العصر؟. فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين » (6).

ومنها : صحيحة البزنطي سألته عن وقت صلاة الظهر أو العصر؟ فكتب : « قامة للظهر وقامة للعصر » (7) ، بحملها على كون مجموع القامة وقتا له.

ص: 488


1- المقنعة : 92.
2- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157 ، وفيه : « أو قدمين ».
3- الإسراء : 78.
4- في ( د ) : « فذلك ».
5- الكافي 3 / 273 ، باب وقت الظهر والعصر ح 1 والإستبصار 1 / 260.
6- الإستبصار 1 / 247 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 883 - 10.
7- الإستبصار 1 / 248 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 890 - 17.

وفي محمد بن حكيم ، قال : سمعت العبد الصالح عليه السلام وهو يقول : « إن أوّل وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال ، وهو أول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان ». قلت : والشتاء (1) والصيف سواء؟ قال : « نعم » (2).

وفي معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه السلام في حكاية إتيان جبرئيل عليه السلام بالأوقات تصريح به حيث ذكر أنه « أتاه حين زالت الشمس فأمره (3) فصلّى ، ثم أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ». وذكر نحو ذلك بالنسبة إلى سائر المواقيت. ثم قال « ما بينهما وقت » (4).

وليس في معظم الأخبار التي ذكر فيه القدم والقدمان والذراع والذراعان ونحوها معارضة لذلك ؛ إذ ليس فيها تحديد لآخر الوقت ، وإنما ذكر ذلك تحديدا لوقت النوافل وبيانا لعدم تأخير الفرائض لأداء النوافل بما يزيد على ذلك ، وليس فيها دلالة على تحديد وقت الفريضة.

كيف ، وقد ذكر فيها أداء الفريضة بعد مضيّ ذلك المقدار ، ولا ينطبق على شي ء من الأقوال المذكورة ، فالأمر في جملة منها بفعل الفريضة بعد مضيّ ذلك ليس محمولا على التعيّن ، ويشهد له ملاحظة ما ذكرناه من الأخبار وغيرها.

نعم ، في رواية ابراهيم الكرخي ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه سأل (5) عن وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس ». فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما يمضي من أولها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضيّق ليس كغيره » إلى أن قال : فقلت له : لو أن رجلا صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان (6) عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : « إن كان تعمّد ذلك

ص: 489


1- في ( د ) : « في الشتاء ».
2- الإستبصار 1 / 256 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 917 - 44. وفيه : في الشتاء.
3- لم ترد في ( ب ) : « فأمره ».
4- الإستبصار 1 / 257 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 992 - 49.
5- في ( د ) : « سأله ».
6- في ( د ) : « أكان » ، وما في ( د ) موافق للمصدر.

ليخالف السنّة والوقت ، لم يقبل منه » (1).

وفي رواية الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن عليه السلام في المرأة ترى الطهر قبل الغروب كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام لا تصلّي إلا العصر ؛ لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم » (2).

وهاتان الروايتان مستندا القول الثاني.

وفيه : أن الأولى مع ضعف إسنادها لا يقاوم ما ذكر من الأخبار. ولا يبعد حملها على مزيد الفضيلة بالنسبة إلى الحدّ المذكور.

وفي موثقة ذريح المحاربي أنه قال بعض القوم لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام. فقال عليه السلام : « النصف من (3) ذلك أحب إليّ » (4) ، فدلّ على أفضليّة القدم للظهر. فكذا الحال في الأربعة أقدام بعد حملها على ذلك.

وأما الثانية فمع الطعن في إسنادها لاشتماله على الفضل بن يونس بأنها مع معارضتها للأخبار المذكورة وعدم مقاومتها لها ، معارضة للروايات الكثيرة الدالّة على بقاء الوقت في الجملة إلى الغروب أو مقدار أربع ركعات إليه.

وأما القول الثالث فلم نقف له على حجة ظاهرة.

نعم ، في مكاتبة محمد بن الفرج : « إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين » (5).

وهي مع عدم انطباقها على المدّعى لا تدلّ على انتهاء الوقت الأول به ، سيّما على القول بكون الوقت الأول للمختار كما هو المعزى إلى القائل المذكور.

ص: 490


1- الإستبصار 1 / 258 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ح 926 - 1.
2- قرب الإسناد : 313.
3- في ( ب ) : « الضعف عن » ، وما في المتن موافق للمصدر.
4- الإستبصار 1 / 249 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 897 - 24.
5- الإستبصار 1 / 255 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 914 - 41.

وربّما يستدلّ عليه بأخبار الذراع والقدمين. وقد عرفت أنها لا تدلّ على ذلك بوجه ؛ إذ لا دلالة فيها على بيان الغاية إلا أن يقال : إن ترك النافلة والبدأة بالفريضة شاهد على تضيّق وقت الفريضة (1) أو السعة حتى يسقط رجحان النافلة ، ويتعيّن الإتيان بالفريضة.

وفيه : أنه مع عدم انطباقه على المقصود ليس في تلك الرواية (2) إشارة إلى ذلك ، وإنما هو استنباط محض لا حجة فيه.

ثم إن المراد بالقامة هو قامة الشاخص وفاقا للأكثر ، وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم فخر الإسلام (3) والشهيد (4) وبعض المتأخرين.

وفي كلام الفاضلين (5) والمحقق الكركي (6) وغيرهم إسناده إلى الأكثر ؛ إذ هو الظاهر من لفظ القامة المذكورة في الروايات المتقدّمة ، وحمل القامة فيها على مقدار ما بقي من الظلّ بعيد عنها جدّا.

وما قيل من أن ذلك كأنه كان اصطلاحا معهودا مما لا شاهد له أصلا ، بل الظاهر من الأخبار خلافه ، مثل ما ورد في المستفيضة من أن اعتبار النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان من المسجد ، وكان ارتفاعه حينئذ بمقدار القامة.

فكان يعتبر بمضيّ (7) الذراع والذراعين ، مضافا إلى أنه قد ورد في زرارة : « إن كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر » (8).

غير أن محلّ السؤال خصوص الصيف.

ص: 491


1- في ( د ) : « الفضيلة ».
2- في ( ب ) و ( د ) : الروايات ».
3- إيضاح الفوائد 1 / 73.
4- الذكرى : 358.
5- المعتبر 2 / 48 ، مختلف الشيعة 2 / 38.
6- جامع المقاصد 2 / 12.
7- في ( ألف ) : « بمعنى ».
8- الإستبصار 1 / 248 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 891 - 18.

وفي رواية ابن بكير أنه عليه السلام قال لأبي بصير أن يقول (1) لزرارة : « صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك » (2).

ففيهما تأييدا للاعتبار بالشاخص.

وما ورد في غير واحد من الروايات من تفسير القامة بالذراع كما في رواية علي بن حنظلة : « القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب » (3) ، ورواية علي بن حمزة المروية (4) بطريقين : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « القامة هي الذراع » (5) ، فلا ينافي ما ذكرناه ؛ لإمكان فرض الشاخص ذراعا كما يشهد له رواية ابن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام أنه قال له أبو بصير : كم القامة؟ فقال : « ذراع ، إنّ قامة رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت ذراعا » (6).

كيف ، وحمل القامة على الذراع بنفسها مما لا يساعد عليه العرف ولا اللغة.

وعن الشيخ في التهذيب (7) والمهذّب (8) والشرائع (9) والإيضاح (10) أن العبرة بمماثلة الباقي من الظلّ. وعزاه في الأخير إلى كثير من الأصحاب.

ويدلّ عليه مرسلة يونس ، عن الصادق عليه السلام ، وهي مع ضعف إسنادها لا يخلو متنها عن إجمال بل ظاهرها لا يخلو من اختلال.

ويمكن توجيهها على بعض الوجوه ، ومع ذلك فلا يوافق القول المذكور ، ومع الغضّ عن ذلك كلّه فلا تقاوم ما ذكرناه من ظواهر الأخبار المؤيّدة بالشهرة والاعتبار لما هو واضح من

ص: 492


1- في ( ألف ) : « تقول ».
2- وسائل الشيعة 4 / 150 ، باب وقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتهما ، ح 33.
3- تهذيب الأحكام 2 / 23 ، باب اوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 15 وفيه : « كتاب علي عليه السلام ».
4- في ( د ) زيادة : « عنه ».
5- الإستبصار 1 / 251 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 28.
6- الإستبصار 1 / 151 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 29.
7- تهذيب الأحكام 2 / 23.
8- المهذب البارع 1 / 291.
9- شرائع الإسلام 1 / 47.
10- إيضاح الفوائد 1 / 73.

حصول الاختلاف الشديد على التقدير الآخر قد يبقى مسمّى الظلّ مما لا يكاد يسع الصلاة ، وقد يبقى أزيد من مقدار الشاخص ، وبطء زيادة الظلّ في الأول لا يعادل لزيادة مقدار الظلّ في الثاني بل لا نسبة له ، فتوهّم ارتفاع الفارق (1) البيّن بين الأمرين بذلك كما زعمه بعض الأفاضل ليس على ما ينبغي.

على أنه قد لا يبقى من الظلّ مقدار يسع الصلاة بل قد ينتفي بالمرّة ، فلا يبقى محلّ للتقدير.

ثم إن العبرة بوصول الظلّ الزائد إلى ما يماثل الشاخص لا بمجموع الظلّين كما قد يستظهر من الإطلاق.

ويدلّ عليه مع ذلك الروايتين الأخيرتين (2) من الأخبار المذكورة في اعتبار القامة مضافا إلى ما في الثاني من الاختلاف الفاحش ، وأنه قد يكون الباقي من القامة ما لا يسع مقدار الصلاة أو يكون الباقي بمقدارها (3) أو زائدا عليها فلا يقبل للتقدير المذكور.

هذا ، وأوّل وقته الثاني بعد انقضاء وقته الأول (4) إلى أن يبقى الغروب مقدار أداء العصر على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل لا يعرف فيه مخالف سوى ما مرّ حكايته عن الحلبي من تحديده آخر وقت المضطرّ بصيرورة الظلّ مثل الشاخص. وهو إن حمل على ظاهره فضعيف جدا مخالف للنصوص المستفيضة الكثيرة المتلقّاة بالقبول عند الفرقة.

وفي صحيحة زرارة : « ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » (5).

وقريب منهما رواية عبيد بن زرارة ، فلا بدّ من تقييدهما (6) على اختصاص العصر بمقدار أدائها كمرسلة داود بن فرقد في بيان آخر وقت الظهر : « حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي

ص: 493


1- في ( ب ) و ( د ) : « التفاوت ».
2- كذا ، والصحيح : « الروايتان الأخيرتان ».
3- في ( ألف ) : « بمقداره ».
4- في ( ب ) : « الأولى ».
5- الكافي 3 / 276 ، باب وقت الظهر والعصر ، ح 5.
6- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « بما دلّ ».

أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر » (1).

وقوية الحلبي بل صحيحته على الأصح : « وإن هو خاف أن يفوته يعني الظهر فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته ، فتكون قد فاتتاه جميعا ، ولكن يصلّى العصر فيما قد بقى من وقتها ثم ليصلّ الأولى بعد ذلك على أثرها » (2).

مضافا إلى الشهرة العظيمة بل لا يعرف قائل منهم هنا بالاشتراك ، وإن ظهر من الصدوق قوله به في الأول ، فقد صرح في المقام بخلافه فما نسب إليه القول بالاشتراك بالنسبة إلى الآخر مما لا وجه له.

ثم إنه قد يذكر في بعض العبارات التحديد ببقاء الأربع وفي بعضها ببقاء الثمان. ولا خلاف في الحقيقة لاعتبار الغاية في الأول وملاحظة البداية في الثاني.

وهو ظاهر.

ص: 494


1- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 11.
2- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته صلاة فريضة فدخل عليه وقت صلاة اخرى فريضة ، ح 3.
تبصرة: [ في وقت العصر ]

المعروف بين الأصحاب أن أول وقت العصر بعد مضي مقدار أداء أربع ركعات عن الزوال ، وآخر وقته الأول صيرورة ظلّ كل شي ء مثليه ، وآخر وقته (1) الآخر إلى الغروب ، فالكلام هنا في مقامات :

أما الأول : فظاهر الصدوق في الفقيه اشتراك وقت الصلاتين من أول الزوال. وحكى ذلك عن والده أيضا.

وعزا السيد في الناصريات (2) إلى أصحابنا أنهم يقولون : إنه إذا زالت الشمس ودخل وقت الظهر والعصر إلا أن الظهر قبل العصر.

ثم حقّق المقام باختصاص الظهر بالأربع ما بعد الزوال ، ثم يشترك الوقتان.

وظاهر ذلك حمل كلام الأصحاب على ذلك.

قال العلامة (3) بعد نقل كلامه : وعلى هذا يزول الخلاف.

وكيف كان فكلام الصدوق في الفقيه ليس صريحا فيما عزي إليه ؛ إذ لم يذكر فيه سوى الرواية الدالّة عليه. وهي بظاهره دالّة على الاشتراك في الأول والأخير. وقد نصّ في مقام آخر على اختصاص مقدار الأربع الأخيرة بالعصر فقد يقول بمثله في الأول مع أن تلك الصحيحة ليست صريحة في ذلك ، فيحتمل أن تكون محمولة عنده على نحو آخر الوقت.

وبالجملة ، فخلافه في المسألة غير معلوم وإن قضى به ظاهر كلامه.

ص: 495


1- في ( ألف ) : « وقت ».
2- الناصريات : 189.
3- مختلف الشيعة 2 / 7.

ثم إن الروايات [ التي ] يستظهر منها ذلك مستفيضة بل كادت أن تكون متواترة كصحيحة زرارة : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر » (1).

وصحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة.

ورواية مالك الجهني : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين » (2).

ونحوه (3) رواية منصور بن يونس (4) .. إلى غير ذلك إلا أنها كما عرفت غير صريحة في ذلك ، وحملها على المشهور غير بعيد ، سيّما مع فهم الأصحاب منها ذلك. مضافا إلى أنه قد صرّح في كثير منها بأن هذه قبل هذه ، فإن الحكم ( بتقدم أحدهما على الآخر قد يفيد اختصاص الأول بالأول حيث يتعيّن إيقاعه فيه بمقتضى الحكم ) (5) بالتقدّم (6).

ولا يرد ذلك بالنسبة إلى سائر الأوقات لإمكان وقوع الظهر قبله ، فيكون ذلك الوقت قابلا للعصر. وهو معنى التوقيت وإن لم يجز الاتيان بالظهر (7) من جهة الترتيب ؛ إذ ذلك المنع لا يقضي بانتفاء التوقيت كما أنه لا يجوز الإتيان بالصلاة بعد دخول الوقت قبل أن يتطهر ؛ فإن المنع من التلبّس بها في تلك الحال لا يقضي بخروجه عن الوقت كما لا يخفى.

فالقول بأن ذلك لا يقضي اختصاص الأولى بالأول ، وإنما يفيد الحكم بالترتيب المحض على ما ذكره بعض الأفاضل كما ترى.

على أنه يحتمل أن يكون المراد به تقدم الأول على الآخر في الوقت ، فالمقصود أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان (8) إلا أن الظهر يتقدم وقتها على العصر ، فيفيد اختصاص الأول

ص: 496


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 216 ، باب مواقيت الصلاة صلاة الظهرين ح 648.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 215 ، باب مواقيت الصلاة صلاة الظهرين ح 646.
3- في ( ب ) : « نحو ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 244 ، باب المواقيت ح 3.
5- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
6- في ( ألف ) : « بالتقيّد ».
7- في ( ب ) : « به الظهر ».
8- في ( ألف ) : « الوقت ».

بها.

وكيف كان ، ففي مرسلة داود بن فرقد المتلقّاة بالقبول عند الأصحاب تنصيص بذلك ، وهي كافية في إثبات المقصود.

وفيها : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ( فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من غروب الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات ) (1) فيقيّد بها إطلاق تلك الروايات كما هو قضية مقابلة المطلق بالمقيد والنصّ بالظاهر ، مع ما عرفت من عدم وضوح دلالتها على خلافه.

وهي بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب وحكاية الإجماع عليه من الغنية (2) والسرائر (3) والمعتبر (4) والمنتهى (5) وكشف اللثام (6) لا يقصر عن الصحاح.

فمؤاخذة الأصحاب بذلك كلّه [ التي ] وقع من البعض ليس على ما ينبغي.

وما ذكره بعض المتأخرين من حمله على بيان الوقت المختص بالظهر عند التذكر لا مطلقا ؛ نظرا إلى أن الاضافة لا يقتضي أكثر من ذلك بمكان من الوهن ؛ إذ لا اختصاص لذلك بأول الوقت لجريانه بعينه في بقية الوقت ، فلا وجه لجعل البقية (7) مشتركا بين الفرضين.

ومن الغريب أنه قال بجريان ذلك بالنسبة إلى العصر ، ومن الواضح أنه مع اشتراك الوقتين إلى الآخر يلزم الإتيان حينئذ بالظهر ؛ إذ هو المقدّم في التكليف ، وقد صرّح في الخبر بخلافه ، فكيف يمكن إجراء التوجيه المذكور فيه؟

ص: 497


1- ما بين الهلالين مما أضيفت من ( د ).
2- غنية النزوع : 69.
3- السرائر 1 / 195.
4- المعتبر 2 / 35.
5- منتهى المطلب 4 / 56.
6- كشف اللثام 3 / 20.
7- في ( ألف ) : « التقية ».

وأعجب (1) من ذلك ما ذكره في الحدائق (2) من أن الحمل المذكور أقرب إلى هذا الخبر مما أوّلوا به الأخبار الدالّة على القول الآخر ، مع أن ما عرفت من الحمل ليس خروجا مبنيّا على ظواهر تلك الأخبار ، بل قد يقال بظهور جملة منها فيه حسب ما أشرنا إليه.

هذا ، وعبارة الهداية دخول وقت العصر بعد مضيّ قدمين من الزوال. وكأنّه محمول على الاستحباب بناء على استحباب تأخير العصر عن وقت فضيلة الظهر ، وقد حكم فيه بأن وقت الظهر من الزوال إلى مقدار القدمين ، وإلا فلا يظهر قائل بمضمونه.

وأما المقام (3) الثاني فالمعروف بين الأصحاب هو ما قدّمناه ، وعن العماني (4) أنه يمتد إلى أن ينتهي الظلّ ذراعين ، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر.

وعن المفيد في المقنعة (5) أنه يمتد وقتها إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب للمختار ، وجعل وقت المضطر والناسي إلى المغيب.

وعن السيد (6) أنّه يمتدّ حتى يصير الظلّ بعد الزيادة ستّة أقدام للمختار.

ويدلّ على الأول بعد اشتهاره بين الأصحاب والإجماع المحكي عليه من الغنية عدة من الروايات المشتملة على اعتبار القامتين. وقد تقدمت الإشارة إلى جملة منها ، ومنها حديث إتيان جبرئيل بالأوقات.

وفيه أنه « أتاه في اليوم الأول حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلى العصر. ثم ذكر أنه أتاه [ من الغد ] (7) حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلى العصر. ثم إنه قال (8) بعد ذلك : « ما بين

ص: 498


1- في ( ألف ) : « عجيب ».
2- الحدائق الناضرة 6 / 106.
3- زيادة : « المقام » من ( د ).
4- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157.
5- المقنعة : 93.
6- نقل عنه في المعتبر 2 / 38.
7- الزيادة من المصدر.
8- في ( ألف ) و ( ب ) : « قال إنّ ».

الوقتين وقت » (1).

وما يستفاد منها من عدم دخول وقت فضيلة العصر إلا بعد خروج وقت فضيلة العصر لا ينافي الاحتجاج بها في المقام أنه لو لم يمكن (2) إرجاعها في ذلك إلى سائر الأخبار فحملها على التقية في ذلك لا يقضي بحملها عليها في غيره ، مع عدم حصول داع إليه ؛ لما عرفت من عدم دلالة سائر الأخبار على ما يخالفه ؛ لما أشرنا إليه من عدم دلالة أخبار الذراعين والقدمين والأقدام الأربعة على بيان آخر الوقت إلا أنّ في بعض منها دلالة على خلافه كما سنشير إليه.

ولا قائل بمضمونه إلا من شذوذ من الأصحاب ، وهي في نفسه لا تقاوم ما ذكرناه فضلا عن اعتضاده بالعمل كما عرفت.

ومع ذلك يمكن حملها على الأفضليّة ، وهي لا ينافي ما ذكرناه.

فظهر بذلك ضعف ما استشكله بعضهم في الاحتجاج بما ذكرناه من الأخبار من موافقتها لمذاهب العامة ، فينبغي حملها على التقية.

ويدلّ على مختار العماني مكاتبة محمد بن الفرج : « وأحبّ (3) أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام بعد كلّ قدمين ذراعا » (4).

وليس فيها دلالة ظاهرة على المقصود ؛ إذ غايته إفادة الفضيلة ، وهي لا يقتضي التوقيت. وقد ورد نحوه في القدمين كما مرّ في ذريح المحاربي (5).

وفي أخبار الذراعين دلالة على عدم فوت (6) الفضيلة بتأخيرها إلى مضيّ الذراعين. وقد يحتج له منصور بن حازم ، عن الصادق عليه السلام : « صلّ العصر على أربعة أقدام » (7).

ص: 499


1- تهذيب الأحكام 2 / 252 ، باب المواقيت ح 38.
2- في ( ألف ) : « لم يكن ».
3- كذا في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « وجب ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 250 ، باب المواقيت ح 28 ، ولم توجد فيه : « بعد كل قدمين ذراعا ».
5- الإستبصار 1 / 249 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 897 - 24.
6- في ( ألف ) : « فرق ».
7- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 4.

وفي رواية أخرى : « العصر على ذراعين فمن تركها حتى تصير إلى ستة أقدام فذلك التضييع » (1).

وهو كما ترى.

ولم نقف على حجّة المفيد ، وفي الأخبار دلالة بيّنة على خلافه. وكذا على مختار السيد.

وفي رواية سليمان بن جعفر : « آخر وقت العصر ستّة أقدام ونصف » (2) ، وفي أبي بصير : « صلّ العصر يوم الجمعة على ستة أقدام » (3) ، وشي ء منهما لا يطابق القول المذكور.

أما المقام الثالث فالذي ذكرناه هو الذي استقر عليه المذهب ، بل لا يعرف فيه مخالف صريح.

نعم ، ذكر الشيخ في الخلاف في الاستدلال على أن آخر وقته الأول المثلان : إن دليلنا على ما اعتبرناه أنّه مجمع عليه بين الفرقة أنّه من الوقت ، وما زاد عليه مختلف في كونه وقتا للأداء. وعنه في الجمل والخلاف (4) : أنه (5) آخر وقت العصر المثلان من غير نصّ إلى أن ذلك للمختار ، فقد يقيّد ذلك خروج الوقت بذلك.

وكأنّ الأولى حملها على بيان آخر وقت الفضيلة ، وإلا لم يثبت للعصر وقتان ، فالظاهر إذن عدم خلاف في امتداد وقته الثاني إلى الغروب. وقد دلّ عليه النصوص المستفيضة المعتضدة بالعمل.

ص: 500


1- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 3 وفيه : فذلك المضيع.
2- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 2 / 256 ، باب المواقيت ح 54.
4- الخلاف 1 / 261.
5- في ( د ) : « أنّ ».
تبصرة: [ في وقت المغرب ]

لا خلاف بين الأصحاب في أن (1) أول وقت المغرب غروب الشمس ، واختلفوا في آخره.

فالمشهور أنه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات يعني مقدار أداء العشاء.

وعن الغنية (2) والسرائر (3) حكاية الإجماع عليه.

وفي المختلف (4) : أن كلّ من قال باشتراك الوقت بعد الزوال بمقدار أداء الظهر بينها وبين العصر قبل الغيبوبة بمقدار أداء العصر ، قال باشتراك الوقت بين المغرب والعشاء بعد مضيّ وقت المغرب إلى ما قبل انتصاف الليل بمقدار أداء العشاء. والفرق خرق الإجماع.

وقد حكي القول به عن السيد (5) (6) وابن ادريس (7) والفاضلين (8) وسائر المتأخرين (9). وعن الكليني والشيخ في عدة من كتبه والطوسي (10) أن وقت المختار إلى غيبوبة الشفق ووقت

ص: 501


1- ليس في ( ب ) : « أن ».
2- غنية النزوع : 70.
3- السرائر 1 / 195.
4- مختلف الشيعة 2 / 7.
5- الناصريات : 193.
6- في ( د ) : « السيدين ».
7- السرائر 1 / 195.
8- المعتبر 2 / 40 ، تحرير الأحكام 1 / 178.
9- الدروس 1 / 139.
10- نقل عنهم في كشف اللثام 3 / 42.

المضطر إلى ربع الليل إلا أنه (1) ذكر الكليني أنه روي أيضا امتداد وقته إلى نصف الليل » (2). وظاهره الميل إلى الأول.

وعن الشيخين في المقنعة (3) والنهاية (4) أنه رخّص التأخير للمسافر إلى ربع الليل. وذكر الديلمي (5) أنه قد روي جواز تأخير المغرب للمسافر إذا جد به السير إلى ربع الليل.

وتفصيل القول في ذلك أن ذهاب الشفق هو آخر ( وقته الأول أعني وقت الفضيلة على ما اخترناه في أول الوقتين ، وعلى القول الآخر يكون ذلك آخر ) (6) وقت المختار ، فلا يجوز له التأخير.

وعليه يبتني القول المذكور ، وآخر وقته الثاني إذا بقي لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء. وقد خالف فيه الجماعة المذكورون ، فبنوا على تحديده بربع الليل.

فالكلام هنا في مقامين :

الأول : انتهاء وقت الفضيلة بذهاب الحمرة المغربية. ويدلّ عليه أن ثبوت الخصوصية لذلك ورجحان إيقاع الفعل فيه في الجملة مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في خروج وقت (7) المختار به ، فكونه وقتا لأحد الأمرين مما لا كلام فيه.

ويدلّ على كونه للفضيلة ما دلّ على جواز تأخيرها عن ذلك حسبما مرّ القول فيه ، مع ما عرفت من المؤيّدات.

حجة القول الآخر : ظواهر عدّة من الأخبار - زرارة والفضيل - « وقت فوتها سقوط

ص: 502


1- في ( ب ) : « أنّ ».
2- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 13.
3- المقنعة : 95.
4- النهاية : 59.
5- نقله عنه في مفتاح الكرامة 5 / 91.
6- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
7- زيادة : « وقت » من ( د ).

الشفق » (1).

وفي حديث آخر : « آخر (2) وقتها سقوط الشفق » (3).

وفي رواية اسماعيل بن مهران : « آخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » (4).

وفي رواية زيد الشحام : « من أخّر المغرب حتى تشبّك (5) النجوم من غير علّة فإنا إلى اللّه منه بري ء » (6).

وفي الصحيح : « وقت المغرب حين تغيّب الشمس إلى أن تشبّك (7) النجوم » (8).

وفي [ خبر آخر ] أن « جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى اللّه عليه وآله في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق » (9).

وفي الموثق : « إن أبا الخطاب أفسد (10) أهل الكوفة فصاروا لا يصلّون المغرب حتى يغيب الشفق ، ولم يكن ذلك إنما ذلك للمسافر وصاحب العلة » (11) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

وهي محمولة على الفضل والاستحباب لما عرفت.

وفي عبيد بن زرارة : « إذا غربت (12) الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن

ص: 503


1- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 8.
2- لفظة « آخر » لم ترد في ( ألف ).
3- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 8.
4- الكافي 3 / 282 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 16.
5- في ( د ) : « تشتبك ».
6- الأمالي للصدوق : 476.
7- في ( د ) : « تشتبك ».
8- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 9.
9- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 10.
10- في ( ب ) : « انسد ».
11- وسائل الشيعة 4 / 192 ، باب تأكد استحباب تقديم المغرب في أول وقتها ، ح 22.
12- في ( ب ) : « غرب ».

هذه قبل هذه » (1).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلى المصلي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب » (2).

وإن ثبت القول به كذلك ففي غاية الوهن.

الثاني : انتهاء وقت الثاني إلى مقدار أداء العشاء من نصف الليل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المنقول - بسيطا ومركبا - ظاهر الكتاب بملاحظة تفسيره في الصحيح في غير واحد من الروايات ، ففي صحيحة عبيد بن زرارة في تفسير الآية الشريفة :

« منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل » (3).

وقد تقدم (4) روايته الأخرى ومرسلة داود بن فرقد.

وفي مرسلة الكافي أنه « ورد أن وقت المغرب في السفر إلى نصف الليل » (5).

مضافا إلى تأيّده بالشهرة ، وإطلاق ما دلّ على جواز التأخير عن الشفق لعلة فإنه يعمّ ما بعد الربع.

حجة القائل بانتهائه إلى ربع الليل قوله عليه السلام في رواية عمر بن يزيد : « فإنك في وقت إلى ربع الليل » (6) ، بحملها على المعذور كما قد يستفاد من صدرها.

وفي صحيحة : « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » (7).

ص: 504


1- تهذيب الأحكام 2 / 27.
2- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 6.
3- تهذيب الأحكام 4 / 25.
4- لم ترد في ( ب ) : « وقد تقدّم ... نصف الليل ».
5- الكافي 3 / 431 ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح 5.
6- تهذيب الأحكام 2 / 30 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ح 42.
7- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.

وفي روايته الأخرى : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (1).

وهي لا يقاوم ما ذكرناه من الأخبار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، فهي محمولة على شدّة مرجوحية التأخير بعد ذلك ، ومع ذلك فهي معارضة بأخبار أخر ، ففي صحيحة أخرى لعمر بن يزيد : « وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل » (2).

وفي رواية أبي جعفر (3) : « أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس » (4).

وورد في رواية اخرى الرخصة في تأخيره إلى ستة أميال ، وذلك قد يزيد في بعض الأحيان على ربع الليل. فهي محمولة على تأكّد المرجوحية في التأخير عن ذلك. ولا يبعد القول باختلاف الحال في ذلك مع اختلاف الأعذار والأحوال ، فيندرج مراتب المرجوحيّة بملاحظتها.

ص: 505


1- الإستبصار 1 / 267 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 25.
2- الكافي 3 / 431 ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 4 / 193 باب جواز تأخير المغرب حتى يغيب الشفق ، ح 1.
3- في ( د ) : « بصير ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 447.
تبصرة: [ في وقت العشاء ]

أول وقت العشاء بعد مضي مقدار أداء المغرب بعد الغروب ، على المشهور بين الأصحاب كما هو المعلوم من ملاحظة فتاويهم ، والمحكي في كلام جماعة من محقّقيهم كالمحقق الكركي (1) والشهيد الثاني (2).

وحكى الإجماع عليه في الغنية (3) والسرائر (4).

وفي المختلف (5) : إنه لا فارق بين الظهرين والعشاءين ، فمن قال بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب.

وعزاه في غاية المرام إلى المتأخرين.

وفي المدارك (6) إلى سائر المتأخرين موذنا باتفاقهم عليه.

وقد عزي القول به إلى الإسكافي والسيدين (7) والقاضي (8) والحلبي (9) والطوسي (10)

ص: 506


1- جامع المقاصد 2 / 18.
2- روض الجنان : 179.
3- غنية النزوع : 69.
4- السرائر 1 / 196.
5- مختلف الشيعة 2 / 21.
6- مدارك الأحكام 3 / 57.
7- الناصريات : 197.
8- المهذب 1 / 69.
9- الكافي للحلبي : 137.
10- الوسيلة : 83.

والحلي (1) والفاضلين (2) والشيخين (3) والشهيدين (4) والمحقق الكركي (5) وغيرهم.

وعن الصدوق في الهداية (6) والمفيد في المقنعة (7) والشيخ (8) في عدة من كتبه والديلمي أن أوله سقوط الشفق المغربي. وجعله بعضهم أحد قولي السيد. وحكاه في المختلف (9) عن العماني إلا أنّه حكى عنه في المنتهى (10) القول بالأول.

وظاهر ذلك عدم دخول الوقت إلا بذلك ، فيكون تقديمه عليه كتقديم الظهر على الزوال.

ولذا استدلّ في المدارك (11) على بطلانه ببعض ما دلّ على جواز التقديم لبعض الأعذار إلا أن المصرّح به في المقنعة جواز التقديم للمعذور.

وقد نصّ في النهاية (12) بجواز تقديم العشاء قبل سقوط الشفق في السفر وعند الأعذار. قال : ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وجوّز في تهذيب الأحكام (13) تقديمها إذا علم أو ظنّ أنه إن لم يصلّ في ذلك الوقت لم يتمكن منه بعده.

وجعل في المراسم (14) جواز التقديم للمعذور رواية. فمقتضى ذلك حينئذ دخول وقت

ص: 507


1- السرائر 1 / 195.
2- المعتبر 2 / 42 ، تذكرة الفقهاء 2 / 311.
3- ليس في ( د ) : « والشيخين ».
4- الذكرى 2 / 343 ، روض الجنان : 179.
5- جامع المقاصد 2 / 18.
6- الهداية : 30.
7- المقنعة : 93.
8- المبسوط 1 / 75 والخلاف 1 / 262.
9- مختلف الشيعة 2 / 24.
10- منتهى المطلب 4 / 68.
11- مدارك الأحكام 3 / 59.
12- النهاية : 59.
13- تهذيب الأحكام 2 / 34.
14- المراسم العلوية : 62.

الاختيار بسقوط الشفق دون (1) وقت المعذور ، فيدخل وقته بعد أداء المغرب ، فيكون إذن للمعذور عندهم وقتان.

وحكى في الخلاف (2) عن بعض الأصحاب قولا ثالثا في المقام ، وهو الحكم باشتراك وقت الصلاتين بغروب الشمس ، نظير ما مرّ حكايته عن الصدوق في الظهرين ، وقد دلّ عليه في المقام عدة من الروايات.

وهي كما مرّ محمولة على بيان الاشتراك فيما بعد وقت الاختصاص.

وما في بعضها من أنّ « هذه قبل هذه » إشارة إليه.

مضافا إلى أنّه لا يعرف القائل به في المقام.

وربما يحمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور ، فيرتفع الخلاف على نحو ما مرّ نظيره.

بقي القولان الأولان ، والأظهر منهما الأول للنصوص المستفيضة المتكثرة الدالّة عليه بالإطلاق والتنصيص. وقد مرّت الإشارة إليه في جملة منها.

وفي الموثق : « صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله ليتّسع الوقت على امته » (3).

وفي خبر إسحاق بن عمار : تجمع بين المغرب والعشاء الآخرة قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال : « لا بأس » (4).

وفي زرارة ، عن الباقرين عليهما السلام ، عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟

فقال : « لا بأس به ».

وفي [ رواية : ] « كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق

ص: 508


1- في ( ب ) : « ومن » ، بدلا من : « دون ».
2- الخلاف 1 / 261.
3- الكافي 3 / 286 ، باب الجمع بين الصلاتين ، ح 1.
4- الإستبصار 1 / 271 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 43.

وكان منا من يضيق لذلك صدره (1) ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال : « لا بأس بذلك ». قلنا : وأي شي ء الشفق؟ فقال : « الحمرة » (2).

وفي مرسلة الفقيه ، قال الصادق عليه السلام : « إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (3).

حجة القول الآخر بعد الأصل - إذ المتفق من الوقت ما كان بعد ذهاب الشفق - صحيحة محمد بن بكر (4) بن محمد : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة » (5).

وصحيحة الحلبي متى (6) تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة » (7).

مضافا إلى ما اشتمل عليه عدة من الأخبار من الحكم بجواز التأخير مقيّدا لعلّة أو سفر كموثّقة جميل : فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ قال : « لعلّة لا بأس » (8) بأنه (9) يستفاد منها المنع مع انتفاء العذر.

وبذلك يقيّد الإطلاقات المتقدمات (10) ، بل يجعل ذلك جامعا بين أخبار الباب.

وأنت خبير بأنه لا صراحة لهذه الروايات في عدم دخول الوقت قبل سقوط الشفق ، فلا تقاوم النصوص المتقدمة ، والظواهر البيّنة المتقوّية مع كثرتها وشهرتها واعتضاد بعضها بالبعض بعمل الطائفة ، سيّما مع ملاحظة مخالفتها للعامة ، وموافقة هذه لمذهبهم ، بل وما اتفقوا

ص: 509


1- في ( ألف ) هنا زيادة واو العطف.
2- الإستبصار 1 / 271 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، مع اختلاف يسير ح 40.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 221.
4- في ( د ) : « صحيحة بكير بن محمد ».
5- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.
6- في ( ألف ) : « حتى ».
7- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 11.
8- تهذيب الأحكام 2 / 33 وفيه : « فيسقط الشفق؟ فقال : لعلة لا بأس ».
9- في ( د ) : « فانّه ».
10- في ( د ) : « إطلاقان المتقدمان ».

عليه.

فحمل الصحيحين المذكورين على التقيّة من أقرب المحامل ، ولا يبعد حملها على إرادة بيان الفضيلة كما يستفاد مما أشرنا إليه.

ثم إنه يمتدّ وقته إلى انتصاف الليل على المعروف بين الأصحاب ، و (1) عن الغنية (2) والسرائر (3) حكاية الإجماع عليه. وحكى الشهرة عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في الذكرى (4) والمسالك (5).

واختاره السيد والديلمي والفاضلان (6) والشهيدان (7) وابن فهد (8) والصيمري والمحقق الكركي (9) وغيرهم.

وعن الشيخ في كتاب (10) الحديث والمبسوط (11) والطوسي (12) أن الثلث للمختار والنصف للمضطر ، وعزي (13) إلى الكليني أيضا. وعن الحلبي : إن الربع للإجزاء والنصف للمضطر.

وعن النهاية (14) : إن آخر وقت المعذور ثلث الليل ، ثم جعل النصف رواية ، قال : والأحوط ما قدّمناه.

ص: 510


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- غنية النزوع : 70.
3- السرائر 1 / 195.
4- الذكرى : 120.
5- مسالك الإفهام 1 / 147.
6- المعتبر 2 / 41 ، تذكرة الفقهاء 2 / 311.
7- الذكرى 2 / 340 ، مسالك الإفهام 1 / 139.
8- المهذب البارع 1 / 296.
9- جامع المقاصد 2 / 19.
10- في ( د ) : « كتابي ».
11- المبسوط 1 / 75.
12- الوسيلة : 83.
13- في ( د ) زيادة : « ذلك ».
14- النهاية : 59.

وعن الصدوق في الهداية (1) والمفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف (2) والمصباح (3) والجمل والاقتصاد (4) وعمل اليوم والليلة والقاضي (5) إطلاق إن أخّره ثلث الليل إلّا أنّه (6) في الخلاف والمصباح والجمل والاقتصاد جعل (7) النصف رواية. وحكاه القاضي قولا.

وعن العماني (8) إطلاق (9) آخره ربع الليل.

وتوضيح المقام أن الكلام هنا في مقامين :

أحدهما : في بيان آخر وقته الأول ، فالمعروف أنه ثلث الليل ، وحكي الشهرة عليه في المسالك (10) وكشف اللثام (11).

وفي كشف الرموز (12) أنه مذهب الأكثر.

وعن الحلبي (13) والشهيد (14) والمحقق الكركي (15) أنّه إلى ربع الليل.

وكأنه مذهب القائل بكون آخره الثلث مطلقا ؛ إذ لا يتعيّن لذلك سواه ، وإن لم يصرّح به في المقام.

ص: 511


1- الهداية : 130.
2- الخلاف 1 / 265.
3- مصباح المتهجد : 26.
4- الاقتصاد : 256.
5- المهذب 1 / 69.
6- في ( د ) : « إلى أنّه » ، وفي ( ب ) : « ألّا أن ».
7- في ( ب ) : « وجعل ».
8- فقه ابن أبي عقيل العماني : 158.
9- في ( د ) زيادة : « أنّ ».
10- مسالك الإفهام 1 / 149.
11- كشف اللثام 3 / 46.
12- انظر كشف الرموز 1 / 126.
13- الكافي للحلبي : 137.
14- الذكرى : 120.
15- جامع المقاصد 2 / 18.

والأظهر الأول ؛ للروايات المستفيضة الدالّة على أن آخر وقته ثلث الليل ( وفي عدّة منها دلالة على عدم مرجوحيّة التأخير كالمستفيضة الدالّة على أنّ آخر وقته ، ثلث الليل ) (1) (2) ، منها ما رواه (3) في الصحيح (4) [ من ] بيان مجي ء جبرئيل بالأوقات ، وفيها إشارة إلى كونه آخر الفضيلة حيث اشتمل على (5) آخر وقت غيرها من الصلاة (6). وليس بآخر وقت الإجزاء بالنسبة إليها كالصحيح : « إنّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل » (7).

وفي الموثق : « العتمة إلى ثلث الليل [ أو ] (8) إلى نصف الليل وذلك التضييع » (9) بجعل ذلك إشارة إلى الأخير.

وفي الخبر : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (10).

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمراء البلاد المروي في نهج البلاغة : « وصلاة العشاء الآخرة حتى يتوارى الشفق إلى ثلث الليل » (11).

وفي الموثق ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لو لا أن أشقّ على امتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل ، وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل ، فلا رقدت عيناه » (12).

ص: 512


1- ما بين الهلالين لم تنقل في ( ألف ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 219.
3- في ( د ) : « ورد ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 253.
5- في ( ب ) : « أنّ » بدل « على ».
6- في ( د ) : « صلوات ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 219.
8- الزيادة من المصدر.
9- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 49.
10- الإستبصار 1 / 269 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 34.
11- نهج البلاغة 3 / 82 الخطبة 52 نقلا بالمعنى.
12- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 47.

وفي رواية اخرى عنه صلى اللّه عليه وآله : « لو لا نوم الصبي وعليه الضعف لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (1).

وجملة من هذه الأخبار كما ترى لا تفيد المنع من التأخير ، بل دلّ غير واحد منها على جوازه إلى نصف الليل كما دلّت عليه أخبار كثيرة يأتي الإشارة إليها.

فمقتضى الجمع أن يحمل هذه على الوقت الأول.

وفي بعضها دلالة على أنه للفضيلة كالموثقة الأخيرة ، ويشير إليه الموثقة الأولى ، ويقدّم ذلك وغيره شاهدا على الجمع ، مضافا إلى ما عرفت من كون الوقت الأول للفضيلة لا الاختيار.

حجة القول الآخر مرسلة الكافي حيث قال بعد ذكر الموثقة ( الأخيرة إلى قوله (2) « ثلث الليل » ، وروي « إلى ربع الليل ».

وفي الفقه الرضوي : « ووقت عشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل وقد رخّص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل » (3).

وأنت خبير بأن الأول لا دلالة فيها على انتهاء وقت الفضيلة بذلك ، والثاني مع عدم صراحته في ذلك لا تقاوم الأخبار المذكورة. وكأنها حجة القول بكونه وقت الاختيار إذ لم نجد ذلك فيما سواه من الأخبار ، إلا أن يستند فيه إلى بعض العمومات.

ثانيهما : في بيان آخر وقته الثاني. والمشهور أنه إلى انتصاف الليل. وقد عرفت الإجماع المحكي عليه في الكتابين.

وقد تقدم حكاية إجماع المختلف (4) على عدم الفصل. وظاهر جماعة كما عرفت أن آخره ثلث الليل من غير بيان لآخر وقته الأول. وكأنه لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

ص: 513


1- علل الشرائع 2 / 367.
2- من قوله « الأخيرة .. » إلى قوله « في المعتبر أيضا وقوّاه » لم ترد في ( ألف ) ، وأدرجناه من ( د ).
3- فقه الرضا عليه السلام : 103.
4- مختلف الشيعة 2 / 25.

ولا يخفى وهنه بعد صراحة المستفيضة المستكثرة على خلافه كصحيحة زرارة (1) ورواية ابنه عبيد (2) الواردتان في تفسير الآية وصحيحة بكر بن محمد (3) ومرسلة الصدوق (4) المتقدمتان ورواية المعلى : « آخر وقت العتمة إلى نصف الليل » (5) ورواية أبي بصير : « للا أن أشق على أمتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » (6) .. إلى غير ذلك مما ورد وقد مرت الإشارة إلى بعضها.

هذا ، واعلم أنه قد ورد في عدة من النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من المعتبرة بقاء وقت العشاءين إلى الصبح للمضطر كالحائض والنائم والساهي ونحوها إذا زالت أعذارهم قبل الصبح فيختص بالعشاء مقدار أدائها والثاني مشترك بين الصلاتين ، ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام : « إن نام رجل أو نسي أو سهى أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء » (7).

وفي موثقة زرارة : « إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك » (8) مع استفاضة الأخبار عنهم عليهم السلام بعدم وجوب الإعادة بعد خروج الوقت إذا صلّى إلى غير القبلة ثم علم به بعد خروج الوقت.

وأيضا ظاهرها عدم وجوب الإعادة لو علم به بعد الصبح ، فحملها على صورة الاستدبار في غاية البعد ، فهي ظاهرة الدلالة على ما ذكرناه.

وفي رواية أبي بصير : « إن نام الرجل ول يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن

ص: 514


1- الكافي 3 / 271 ، باب فرض الصلاة ح 1.
2- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ح 13.
3- الاستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 14.
4- معاني الأخبار : 332.
5- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت صلاة الفجر ح 48.
6- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 13.
7- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح 4.
8- الإستبصار 1 / 297 ، باب من صلى إلى غير القبلة ثم تبين بعد ذلك قبل انقضاء الوقت بعده ح 5.

استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خشي أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة » (1).

وفي رواية عبيد بن زرارة : « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (2) فإن الظاهر من صلاة الليل بقرينة المقام بلّه هي الصلاة الواجبة وحملها على النوافل كما ذكره الشيخ بعيد.

وفي رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر عليه السلام : « إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وإن طهرت في آخر الليل صلّت المغرب والعشاء » (3).

وفي رواية عمر بن حنظلة : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » (4).

ونحوها رواية أبي الصباح الكناني (5) عن الصادق عليه السلام.

وقد أفتى بمضمونها صاحب المدارك (6) واستحسنه صاحب المفاتيح ، وقوّاه في البحار (7) واختاره الشريف الأستاد - أسكنه اللّه فراديس الجنان - ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار حيث ذكر بعض الأخبار المتقدمة وحمله على الضرورة ، فعلى هذا يكون للعشاءين أوقات ثلاثة.

وقد نصّ عليه في الخلاف (8) بالنسبة إلى صلاة العشاء ، وحكى الإجماع عليه قال : إنه لا

ص: 515


1- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح 5.
2- تهذيب الأحكام 2 / 256 ، باب المواقيت ح 52.
3- الإستبصار 1 / 143 ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح 8 وفيه : والعشاء الآخرة.
4- تهذيب الأحكام 1 / 391 ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ح 29.
5- الإستبصار 1 / 143 ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح 6.
6- انظر مدارك الأحكام 3 / 40.
7- بحار الأنوار 80 / 53.
8- الخلاف 1 / 271.

خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة ولم يتعرض للمغرب.

وقد نصّ على الحكم بالنسبة إلى العشاء في المعتبر (1) أيضا.

وقوّاه ) (2) صاحب المعالم في الرسالة.

وعن الذكرى (3) أنه يظهر من الصدوق في الفقيه.

والظاهر جريان الحكم في المغرب ؛ إذ من البعيد توهّم الفرق (4) بينهما في ذلك مع ما عرفت من اندراجهما في الأخبار ، وقد اختاره أيضا جماعة من المتأخرين.

ولا يخلو القول به عن قوة ؛ لاستفاضة النصوص به ، وصراحتها فيه ، واعتبار أسانيد جملة منها. وليس هناك في النصوص ما فيه دلالة صريحة على خلافه ؛ إذ لا شكّ في أن الوقت الموظف الذي يجوز التأخير إليه ولو مع عذر يسير إنما هو نصف الليل ، وهو الوقت الذي قرّره الشارع لهما ، ودلّت عليه الآية ، وسائر الروايات الواردة.

وأما هذا الوقت وهو (5) مشارك لخارجه في وقوع العصيان بالتأخير إليه مع الإمكان.

غاية الأمر عدم خروجه عن الوقت المحدود بالمرة ، بمعنى أن الشارع أجراه مجرى ذلك الوقت في لزوم الفعل على إدراكه ، فهو خارج عن وقته المجعول للمختار الذي هو المنظور في (6) تلك الأخبار ، فحمل الروايات الدالّة على خروجه عن الوقت على إرادة الوقت المذكور أي الوقت المحدود الذي يجوز التأخير إليه مطلقا أو يأتي في عذر قريب جدّا. ولا يأباه ظاهر الآية ولا شي ء من تلك الروايات المأثورة كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

وإطلاق الأمر بقضاء العشاء بعد انتصاف الليل - كما ورد في بعض الأخبار - ليس

ص: 516


1- انظر المعتبر 2 / 42.
2- إلى هنا لم ترد في ( ألف ) كما أشرنا إليه.
3- الذكرى : 121 وفيه : « ونقله في المبسوط عن بعض الأصحاب ، ويظهر من الصدوق ... ».
4- في ( ألف ) : « العرف ».
5- في ( د ) : « فهو ».
6- في ( ألف ) : « وفي ».

بصريح في خلافه ؛ لوضوح إطلاق القضاء على ما يعمّ الأداء ، سيّما مع مشابهته لخارج الوقت في حصول العصيان بالتأخير إليه.

وما ورد من أن المنع من تأخير الصلاة عن نصف الليل وأنّ من نام عنه فلا رقدت عيناه ، فهو ممّا لا ظهور له في خلافه أصلا إذا قضى ما يدلّ عليه حصول العصيان بسببه ، وهو مما لا كلام (1) فيه.

وخلو سائر الأخبار عن بيان ذلك لا يدلّ على عدمه ؛ إذ هي مسوقة لبيان وقت الاختيار الذي يجوز التأخير إليه ، ولو مع أدنى الاقدار ، دون مثل ذلك.

فلا يمكن أن يحكم بالمعارضة بينها وبين صريح هذه الأخبار المروية عن العترة الأطهار.

نعم ، قد يشكل الحال فيها من جهة موافقتها لمذاهب العامة ، فقد حكي إطباق فقهائهم الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه وقت المختار أو المضطرّ مع مخالفة ظواهر تلك الأخبار لمذاهبهم. مضافا إلى موافقة تلك لظواهر الكتاب ومخالفة هذه لها وموافقة تلك لظاهر المشهور بين الأصحاب ومخالفتها.

وقطع بذلك صاحب الحدائق (2) حاملا للأخبار المذكورة على التقية.

وهو كما ترى ؛ إذ الحمل على التقية إنما يصح مع حصول المعارضة بحيث لا يكون وجه ظاهر للجميع (3) سواه ، والمفروض أن المعارضة الحاصلة في المقام إنما هي بين النصّ والظاهر ؛ إذ ليس في تلك الأخبار خصوصية على انتفاء ذلك ، بل ولا ظهور تامّ فيه.

فقضية فهم العرف من ملاحظة مجموع الأخبار تقييد تلك الإطلاقات بذلك ، والبناء على خروج وقت الاختيار ، وبناء (4) وقت الاضطرار ، فمع قضاء العرف بمثل ذلك لا داعي إلى الحمل على التقية ، ولا للتمسك في تركها إلى مخالفة الكتاب كما لا يخفى.

ص: 517


1- في ( د ) : « مما كلام ».
2- الحدائق الناضرة 6 / 122.
3- في ( ب ) : « لجميع ».
4- في ( د ) : « وبقاء ».

على أنه مخالف لما حكي عنهم في المقام ؛ إذ المعزى إليهم وجوب الصلاتين معا بإدراك مقدار ركعة قبل طلوع الفجر.

وقد ورد في أخبارهم ما يدلّ عليه ، بل اكتفى بإدراك بعضهم التكبيرة فقط. وقد (1) نصّ في الصحيحة المتقدمة وغيرها بخلافه.

وهل يختصّ ذلك بحال الاضطرار أو يجري أيضا في حق المختار بحيث لو عصى وتعمّد التأخير بقي الوقت بالنسبة إليه وكان مؤديا؟ وجهان ؛ من خروجه عن منطوق الأخبار ، ومن أن قضية اندراجه في الوقت حال الاضطرار عدم خروجه بالمرة عن الوقت المضروب ، فيجري في شأن المختار ، وإن ترتب عليه العصيان على تأخيره.

ولا يخلو ذلك عن قوة ، وقد أفتى به بعض الأجلة.

وقد تحصل ما قرّرناه للعشاء أوقات أربعة : اثنان منها للإجزاء ، وآخران للفضيلة ورابع للاضطرار ، وللمغرب أوقات ثلاثة.

ولا ينافي ذلك ما دلّ من أن لكلّ صلاة وقتين ، كما لا يخفى.

ص: 518


1- زيادة : « وقد » من ( د ).
تبصرة: [ في وقت الفجر ]

أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الصادق أي البياض المستطير في الافق ، بالإجماع المعلوم والمنقول في كلام جماعة كما في المعتبر (1) ومنتهى المطلب (2) والتذكرة (3) والذكرى (4) والمدارك (5) وغيرها. ونفى عنه الخلاف في (6) الخلاف (7) وكشف الالتباس وغاية المرام.

والروايات به مستفيضة. واختلفوا في آخر وقته ، فالمشهور بين الأصحاب أن آخر وقت الإجزاء طلوع الشمس. وحكي القول به عن الإسكافي والمفيد (8) والسيدين والشيخ في المصباح (9) والديلمي والقاضي (10) والحلبي (11) والحلي (12) والفاضلين (13) والشهيدين (14)

ص: 519


1- المعتبر 2 / 44.
2- منتهى المطلب 4 / 70.
3- تذكرة الفقهاء 2 / 316.
4- لم ترد في ( ب ) : « والذكرى ».
5- مدارك الأحكام 3 / 61.
6- في ( ب ) : « وفي ».
7- الخلاف 1 / 267.
8- المقنعة : 94.
9- مصباح المتهجد : 179.
10- المهذب 1 / 69.
11- الكافي للحلبي : 138.
12- السرائر 1 / 195.
13- شرائع الإسلام 1 / 47 ، ارشال الاذهان 1 / 243.
14- البيان : 49 ، روض الجنان : 180.

والسيوري وابن فهد (1) والصيمري والمحقق الكركي (2) وغيرهم.

وحكي الإجماع عليه في الغنية (3) والسرائر (4) والشهرة في المسالك (5) ومجمع البرهان (6) والحدائق (7) وغيرها.

وعن العماني (8) : أن آخر الوقت للمختار ظهور الحمرة المشرقية ، وللمضطر طلوع الشمس. وحكي ذلك عن الشيخ في المبسوط (9) والخلاف (10) وكتابي (11) الحديث والطوسي في الوسيلة (12) إلا أن الموجود في كلام الشيخ اعتبار الإسفار للمختار.

وقد فهم منه جماعة ظهور الحمرة المشرقية. ولا بعد فيه.

وربما يومي عبارة الخلاف (13) إلى حكاية الإجماع عليه حيث قال : إن الإسفار آخر وقت المختار عندنا إلا أنه لم يستند فيه إلا إجماع الفرقة.

وفيه دلالة على عدم تحققه للإجماع ، وإلّا صحّ امتداد وقت الإجزاء إلى طلوع الشمس للمختار ، ووقت الفضيلة إلى الإسفار المتحد عندهم مع الحمرة المشرقية.

ويدلّ على الأول عدّة من الأخبار ، ففي رواية زرارة : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع

ص: 520


1- المهذب البارع 1 / 297.
2- جامع المقاصد 2 / 22.
3- غنية النزوع : 70.
4- السرائر 1 / 195.
5- انظر مسالك الإفهام 1 / 139.
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 24.
7- الحدائق الناضرة 6 / 201.
8- فقه ابن أبي عقيل العماني : 159.
9- المبسوط 1 / 75.
10- الخلاف 1 / 266.
11- انظر الإستبصار 1 / 276.
12- الوسيلة : 83.
13- الخلاف 1 / 267.

الفجر إلى طلوع الشمس » (1).

وفي رواية عبيد بن زرارة كما مرّ : « ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (2).

وفي صحيحة علي بن يقطين : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعها (3) أو يؤخرهما؟ قال : « يؤخرهما » (4).

فإنّ ظاهر سياقها جواز التأخير إلى ما بعد ظهور الحمرة ، فبعد ظهوره جوازه إلى طلوع الشمس ؛ إذ لا قائل بالفصل.

مضافا إلى الأصل ، ولا قائل (5) ظاهرا بخروج وقته مع تعمد التأخير.

غاية الأمر أن يكون عاصيا ، فالأصل عدمه حتى يثبت خلافه.

وهو غير ظاهر بعد ملاحظة الأخبار.

فإيراد (6) بعض المتأخرين (7) عليه بما حاصله (8) أن تحديد الأوقات أمر توقيفي ، فلا معنى للرجوع فيه إلى الأصل ، وإنما يرجع فيه إلى الروايات ، والقدر الثابت منها للمختار الامتداد إلى انتشار الصبح والإسفار ، فلا وجه لهذه الأصالة. وهل هي إلا مصادرة؟ بيّن الاندفاع ؛ لما عرفت من عدم خروج الوقت بالنسبة إلى المختار أيضا ، وإن (9) عصى بالتأخير.

نعم ، ولو (10) قيل بخروج الوقت بالنسبة إليه وصيرورته قضاء فيتساوى إتيانه في بقية

ص: 521


1- الإستبصار 1 / 275 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 9.
2- الإستبصار 1 / 260 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 8.
3- في ( د ) : « أيركعهما ».
4- وسائل الشيعة 4 / 266 ، باب امتداد وقت ركعتي الفجر بعد طلوعه ، ح 1.
5- في ( د ) : « اذ لا قائل ».
6- في ( ألف ) : « ما يراد ».
7- في هامش ( د ) : « صاحب الحدائق ».
8- في ( ب ) : « حاصل ».
9- في ( ألف ) : « إن » بلا واو.
10- في ( د ) : « لو ».

الوقت أو تأخيره إلى غيره تمّ (1) ما ذكره إلا أنه مما لا قائل به قطعا.

ويؤيّده بعد ذلك الإجماعين المذكورين والشهرة المعلومة بين الأصحاب حتى أن جماعة من القائلين بالفرق بين وقت المختار ( والمعذور في غيرها من الصلوات قالوا هنا بعدم الفرق.

حجة الشيخ ومن وافقه على امتداد وقت المختار ) (2) إلى الإسفار ظواهر عدة من الأخبار كالصحيح : « لكلّ صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام » (3).

وفي صحيحة اخرى : « وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام » (4).

ومن ذلك الروايات الواردة في بيان إتيان جبرئيل بالأوقات ، ففي غير واحد منها أنه :

« أتاه في اليوم الثاني حين نور الصبح ، فأمره فصلّى الصبح. ثم قال : ما بينهما وقت » (5).

وفي آخر أنه : « أتاه من الغد ، فقال : اسفر الفجر فاسفر. ثم قال : ما بين هذين الوقتين وقت » (6).

وفي صحيحة ليث المرادي : أفلنا في (7) وقت إلى أن تطلع شعاع الشمس؟ قال : « هيهات! أين تذهب وتلك صلاة الصبيان » (8).

ورواه الشيخ عن أبي بصير المكفوف باختلاف ما ، وفيه : « ألست في وقت من تلك

ص: 522


1- في ( ألف ) : « ثمّ ».
2- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 14.
4- الكافي 3 / 283 ، باب وقت الفجر ، ح 5.
5- الإستبصار 1 / 257 ، باب اول وقت الظهر والعصر ، ح 49.
6- وسائل الشيعة 4 / 158 ، باب أوقات الصلوات الخمس ، ح 8.
7- زيادة : « في » من ( د ).
8- من لا يحضره الفقيه 2 / 130 وفيه : « أفلسنا في وقت ».

الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : لا ، إنما تعدها صلاة الصبيان. ثم قال : لم يكن يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه » (1).

والظاهر اتحاد الخبرين وإن اشتمل الثاني على زيادة واختلاف في المتن.

وفي رواية الزهري المنقول في الاحتجاج عن صاحب الزمان عليه السلام : « ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن ينقضي النجوم » (2).

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمراء البلاد : « وصلاتهم الغداة والرجل يعرف وجه مصاحبه » (3) وكأنه عليه السلام أراد به أول ما يعرف فيه ذلك.

وهذه الروايات كما ترى ليس صريحة في المنع عن التأخير ، فليحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة المنجبرة بعمل الأصحاب.

وفيها أيضا شواهد على الاستحباب كلفظ « لا ينبغي » ، والاكتفاء بمطلق الشغل ولو كان غير ضروري ، فإن الظاهر عدم مزاحمة مثله (4) للواجب بخلاف المندوب ، وكذا عدّه من صلاة الصبيان شاهد على كونه من أفعال الناقصين دون العاصين ، على أن في كلام الشيخ في التهذيب (5) ما يدلّ على (6) ارتفاع الخلاف في ذلك حيث قسّم الواجب إلى ما يستحق بتركه العقاب وما يكون الأولى فعله ولا يستحق بالاخلال به العقاب وإن استحق ضربا من اللوم ، وذكر أن المراد بالوجوب هنا ليس المعنى الأول ، فهذا كالصريح في إرادة الاستحباب فإن حمل كلام غيره عليه ارتفع الخلاف ، وقد أشرنا إليه عند بيان حال الوقتين.

ثم إنّ هذه الأخبار هي الشاهدة على انتهاء وقت الفضيلة بذلك ، والظاهر إطلاق الأصحاب على تحديد وقته الأول فضليّا كان أو اختياريا بذلك.

ص: 523


1- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 13.
2- وسائل الشيعة 4 / 201 ، باب تأكد استحباب تأخير العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ، ح 7.
3- نهج البلاغة 3 / 82 الخطبة 52 وفيه : « وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه ».
4- في ( ألف ) : « مثل ».
5- تهذيب الأحكام 2 / 41.
6- ليس في ( د ) : « على ».

ثم هذه الروايات المذكورة مختلفة في التعبير عن الحدّ المذكور ، فإن في بعضها اعتبار أن يتجلل الصبح السماء ، وفي آخر تنوير الصبح ، وفي بعضها الإسفار ، وفي بعضها انقضاء النجوم.

والظاهر تقارب الجميع.

والمعبّر به في كلام جماعة من الأصحاب كالفاضلين (1) (2) والشهيدين (3) (4) وغيرهم التحديد بظهور الحمرة المشرقية.

والظاهر أنهم بنوا على المقاربة (5) بين الامور المذكورة ؛ فعبّروا بالعلامة المبيّنة ، ولا بأس به إلا أنه قد يختلف (6) الحال في الحمرة بحسب الأوقات ، فربما يتقدم على المذكورات لبعض العوارض السماوية ، فالقول حينئذ بانقضاء وقت الفضيلة مع عدم حصول الاسفار الذي هو المناط في الحمل - على ما دلّت عليه الأخبار - محلّ إشكال ، بل الأظهر خلافه ؛ وقوفا مع ظواهر تلك الروايات وحملا لكلام الأصحاب على الغالب.

ثم إنّ هنا إشكالا أورده الفاضل الشيخ محيي الدين ابن تاج الدين علي الشهيد الثاني كما حكاه بعض الأفاضل ، وهو أنّ الأخبار قد دلّت على أنّ بقاء الحمرة المشرقية دليل على عدم غيبوبة الشمس ، فينبغي أن يكون ظهورها دليلا على بروزها.

فأجاب عنه الشهيد بعد إرجاع الأمر إلى النصّ أن (7) دلالة الحمرة (8) المشرقية على بقاء الشمس في الجهة الغربية لا يقضي بدلالتها عليها في الجهة المشرقية ، فهي إذن كالشفق الغربي في عدم دلالته على بقاء الشمس في جهته.

ص: 524


1- كشف الرموز 1 / 127.
2- كشف اللثام 1 / 161.
3- البيان : 49.
4- مسالك الإفهام 1 / 144.
5- في ( د ) : « مقارنة ».
6- في ( ب ) : « يخلف ».
7- في ( ألف ) : « أن لا ».
8- في ( ب ) : « لحمرة ».

قلت : الأصوب في تقرير الإيراد أن يقال : إنه كما جعل الحمرة المشرقية دليلا على بقاء الشمس في الجهة الغربية فينبغي أن يكون ظهورها في جهة المغرب دليلا على طلوع الشمس في الجهة المشرقية ، فكيف لم يعتبروا هنا سوى ظهور القرص؟ وحينئذ فلا يتّجه في ردّه جواب الشهيد.

وقد روى في الدعائم مرسلا ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في افق المشرق ، وآخر وقتها أن يحمر افق المغرب » (1).

وذلك قبل أن يبدو قرص الشمس في افق المشرق إلا أن الرواية ضعيفة متروكة ، بل الاتفاق منعقد على خلافها ، فلا بدّ من الاقتصار على مورد النصّ ، والبناء هنا على ظهور القرص ، والنصّ هو الفارق بين الأمرين.

والظاهر أن العبرة بظهور أول جزء منه كما هو الظاهر من الإطلاق في المقام دون المركز كما يعتبر أهل النجوم ولا تمامه.

كما قد يقال بأن تعليق الحكم على طلوعها يقضي باعتبار طلوع الجميع ، والعبرة بصدق طلوعها في ذلك المكان ، ولو كان بظهورها في المواضع المرتفعة الحاصلة فيه ، وإن كان خارجا عن المعتاد كالجبال العالية والأبنية المرتفعة جدّا كمنارة الإسكندرية ؛ لصدق الطلوع هناك في ظاهر العرف مع ظهور الشعاع عليها ، ولا يقدر وجود المرتفع مع عدمه.

والفارق بين المقامين هو العرف.

وقد ذكر في المبسوط (2) تفريعا على القول باعتبار غيبوبة القرص في الغروب أنه لو رأى ضوءها في جبل عال ونحوه ، فإنه يصلّي المغرب ولا يلزمه حكم الطلوع.

وقضية ذلك عدم حكمه بالطلوع في المقام أيضا إلا أن ظاهره الميل إلى ما قلناه في كتاب الصوم منه حيث قال - بعد ما حكي عن بعض الأصحاب نحو ما حكيناه عنه - : إن الأحوط عندي مراعاة الغيبوبة عن الأبصار في كلّ ما يشاهده.

ص: 525


1- دعائم الإسلام 1 / 139.
2- المبسوط 1 / 74.
تبصرة: [ في معرفة الزوال ]

يعرف الزوال بأمور :

منها : زيادة الظلّ بعد نقصانه ، كما دلّ عليه عدة من الأخبار (1) وهو واضح بحسب الاعتبار أو بحصوله بعد انعدامه كما يتفق في بعض الأحوال في البلاد الجنوبية التي يكون عرضها بقدر الميل الكلي أو دونه.

ومنها : ميل الشمس إلى طرف الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق ، كما ذكره جملة منهم الفاضلان (2) والشهيد في البيان (3) والمحقق الكركي (4) وغيرهم.

وعزاه في جامع المقاصد إلى الأصحاب.

وعن المبسوط (5) إسناده إلى الرواية.

وعن الشرائع (6) والتحرير (7) والإرشاد (8) إطلاق استقبال القبلة من غير تقييد بقبلة العراق.

وكأنه هو المقصود.

ص: 526


1- انظر وسائل الشيعة 4 / 162 ، باب ما يعرف به زوال الشمس من زيادت الظلل بعد نقصانه ...
2- المعتبر 2 / 49 ، شرائع الإسلام 1 / 47 ، تحرير الأحكام 1 / 178.
3- البيان : 53.
4- جامع المقاصد 2 / 13.
5- المبسوط 1 / 73.
6- شرائع الإسلام 1 / 47.
7- تحرير الأحكام 1 / 178.
8- ارشاد الاذهان 1 / 243.

وخصّه بعضهم بأطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها.

وعن بعضهم أن هذه الأوساط العراق كالمشهدين الشريفين على مشرفها السلام وبغداد والكوفة والحلة.

قلت : والضابط في المقام هو استقبال نقطة الجنوب ، ولمّا كان قبلة الأطراف الغربية من العراق نقطة الجنوب أو ما يقاربها جدّا صحّت العلامة المذكورة بالنسبة إليها ، وأما ما عداها فإنما يعرف به بعدم الزوال. ولما لم يكن هذه العلامة كاشفة عن الزوال إلا بعد مضيّ زمان منه فلا ضير لو توسّع فيها وجعلت علامة لأهل العراق ؛ إذ قبلتهم إما نقطة الجنوب أو منحرفا عنه إلى المغرب بيسير.

غاية الأمر أن يكون في الثاني كاشفا عن سبق الزوال زيادة على الأول. ولما كان استخراج نقطة الجنوب متعسّرا عند العامة بل الخاصة أيضا في غالب الأحوال بني الأمر على ما هو معلوم عند الكلّ.

وقيّده العلامة في المنتهى (1) والنهاية (2) بمن كان بمكّة إذا استقبل الركن العراقي.

وكأنه نظر إلى اتّساع الأمر في الجهة بالنسبة إلى سائر البلدان ، فلا ينكشف به الحال بخلاف من كان بمكّة.

ولا يخفى أنه ليس الركن العراقي موضوعا على نقطة الشمال ، وإنما بني فيما بين المشرق والشمال ، فلا ينكشف به الزوال إلا بعد حين كما هو الحال في العراق.

وفي الخبر : « أتاني جبرئيل عليه السلام ، فإذا في وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن » (3).

وكأنّه الرواية التي أشار إليها في المبسوط (4) ، وكأنّه كان حينئذ مستقبل نقطة الجنوب.

ص: 527


1- منتهى المطلب 4 / 43.
2- نهاية الإحكام 1 / 335.
3- وسائل الشيعة 4 / 161 ، باب أوقات الصلوات الخمس وجملة من أحكامها ح 12.
4- المبسوط 1 / 73.

ومنها : ميل رأس الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، ويعرف ذلك بالدائرة الهنديّة.

هذا ، وقد روى الصدوق في الفقيه (1) والخصال (2) بإسناده عن عبد اللّه بن سنان تعيين مقدار الظلّ الباقي حال الزوال بحسب أوقات السنة ليعرف الزوال بحسبه ، وهي من المتشابهات.

ومن المعلوم أن الظلّ الباقي يختلف بحسب البلدان ، وليس في الرواية ما يدلّ على تعيين البلد المفروض فيه ، ومع ذلك فالرواية غير مطابقة لقواعد الهيئة ، فالأولى التوقف فيها وإرجاع الأمر إلى قائله عليه السلام إن صحّ النقل.

ص: 528


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 223.
2- الخصال : 460.
تبصرة: [ في معرفة المغرب ]

يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية ، على المعروف بين الأصحاب.

وبه قال العماني (1) كما هو المستفاد من عبارته المنقولة ، والشيخ (2) وعلاء الدين الحلبي (3) والطوسي (4) والحلي (5) والفاضلان (6) والشهيدان (7) والسيوري والمحقق الكركي (8) وغيرهم.

وحكى الإجماع عليه في السرائر. وفي المعتبر (9) : إن عليه عمل الأصحاب.

وفي التذكرة (10) : إنه المشهور وعليه العمل.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاه في المختلف (11) وكشف الالتباس وغاية المرام وإرشاد الجعفرية والروض (12) ومجمع البرهان (13) والحبل المتين (14) وغيرها.

ص: 529


1- فقه ابن أبي عقيل العماني : 162.
2- المبسوط 1 / 74.
3- اشارة السبق : 84.
4- الوسيلة : 83.
5- السرائر 1 / 195.
6- المعتبر 2 / 51 ، شرائع الإسلام 1 / 47 ، ارشاد الاذهان 1 / 243.
7- البيان : 49 ، روض الجنان : 179.
8- جامع المقاصد 2 / 17.
9- المعتبر 2 / 51.
10- تذكرة الفقهاء 2 / 310.
11- مختلف الشيعة 2 / 39.
12- روض الجنان : 179.
13- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 21.
14- حبل المتين : 142.

وفي كشف اللثام (1) : إنه مذهب المعظم.

وعن الصدوق في العلل (2) والإسكافي والشيخ في المبسوط (3) أن الاعتبار بغيبوبة القرص.

وتبعهم جماعة من المتأخرين منهم صاحب المعالم والكفاية (4) ومفاتيح الشرائع (5).

وقوّاه الفاضل الأردبيلي (6) وتلميذه في المدارك (7).

ونفى عنه البعد في الحبل المتين (8). واحتمله صاحب الوافي في كلام الصدوق في الهداية (9) ، والسيد في الميافارقيات ، والديلمي والقاضي (10) والمهذب (11) وشرح الجمل.

وعن الصدوقين في الرسالة والمقنع (12) اعتبار ظهور ثلاثة أنجم. وهو بظاهره لا يوافق شيئا من القولين ، ولا يبعد إرجاعه إلى الأول ؛ إذ الغالب عدم الانفكاك بين الأمرين.

لنا : الأخبار الكثيرة المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب ، منها صحيحة يونس بن يعقوب : متى نفضي (13) من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - إلى مطلع الشمس » (14).

ص: 530


1- كشف اللثام 1 / 157.
2- علل الشرائع 2 / 349.
3- المبسوط 1 / 74.
4- كفاية الأحكام 1 / 77.
5- في ( د ) : « والمفاتيح ».
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 21.
7- مدارك الأحكام 3 / 50.
8- حبل المتين : 142.
9- الهداية : 129.
10- في ( د ) : « في ».
11- المهذب البارع 1 / 288.
12- المقنع : 205.
13- في ( د ) : « نغض ».
14- تهذيب الأحكام 5 / 186 ، باب الإفاضة من عرفات ، ح 1.

مع ما دلّ عليه من الأخبار والإجمال ، على أن الغاية في المكث هو الغروب.

ومنها : صحيحة زرارة.

وفي رواية عمار الساباطي : « إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب ، وكان يصلي حين يغيب الشفق » (1).

وفي رواية محمد بن شريح ، عن الصادق عليه السلام : سألته عن وقت المغرب؟ فقال : « إذا تغيرت في الافق وقربت الصفرة وقبل أن تشبك النجوم » (2).

وفي رواية يزيد بن معاوية المروية بطرق عدة : « إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » (3).

وفي مرسلة ابن أبي عمير القوية : « وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقده (4) الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فإذا جازت فيه الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص » (5).

وفي مرسلة ابن هشيم : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك؟ » قلت : [ لا ، قال : ] (6) « لأن المشرق مطل (7) على المغرب هكذا - ورفع عينيه فوق يساره - فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » (8).

وفي مكاتبة عبد اللّه بن وضاح : سأله عن الصلاة والإفطار إذا توارى القرص وأقبل الليل ، ثم زاد الليل ارتفاعا وستر الشمس وارتفع فوق الليل حمرته وأذّن المؤذّنون أو أنه ينظر

ص: 531


1- الإستبصار 1 / 266 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 21.
2- تهذيب الأحكام 2 / 257 ، باب المواقيت ، ح 61.
3- تهذيب الأحكام 2 / 257 ، باب المواقيت ، ح 58.
4- في ( د ) : « وتتفقد ».
5- الكافي 3 / 279 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 4 وفيه : « جازت قمة الرأس ».
6- الزيادة من المصدر.
7- في المخطوطات : « يبطل » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- الكافي 3 / 278 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 1.

ذهاب الحمرة التي فوق الليل : « أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (1).

ويؤيد ذلك ما في رواية يعقوب بن شعيب : « مسوا بالمغرب قليلا ، فإن الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا » (2).

وصحيحة بكر بن محمد ، عن الصادق عليه السلام : أنه سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال :

« إن اللّه يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام : ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ) (3) ، فهذا أول الوقت » (4).

وأما حسنة شهاب : « إني احبّ إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكبا » (5) فإنه باعتبار رؤية الكوكب بخصوصه لا يظهر قائل به في تحقق الغروب ، فالظاهر حمله على ما يوافق ذهاب الحمرة ، فكأنّ التعبير عنه بذلك لأجل التقية ؛ نظرا إلى الاستيناس للحكم بظاهر الآية الشريفة.

وكذا الحال في اعتبار التمسّي بالمغرب ؛ إذ مجرد مسمّاه مما لم يعتبره أحد في المقام ، فيكون المناط هو ذهاب الحمرة على ما تضمّنه الأخبار المذكورة ، فهي كاشفة عن المراد من الروايات المذكورة ، فبملاحظة هذه الأخبار المتكثّرة المشتملة على المعتبرة المستفيضة المعتضدة بفتوى الطائفة وعملهم بها قديما وحديثا - حتى إذا صار من شعار الشيعة يعرفون به عند فرق العامة كحلية المتعة ومسح الرجلين ونحوهما ، مضافا إلى موافقته غالبا للحائطة ، لا يبقى تأمل في المسألة.

وعدم اعتبار مثله في الطلوع لانتفاء الدليل عليه هناك ، بل قيامه على خلافه من النصّ

ص: 532


1- نهاية الأفكار 2 / 246 والإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 13.
2- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 12.
3- الأنعام : 76.
4- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.
5- علل الشرائع 2 / 350.

والإجماع لا يقضي بجريانها (1) في المقام مع قيام الدليل عليه هنا.

وحمله عليه مقايسة في مقابلة النصّ.

احتجّوا بالإطلاقات المتكثرة الدالّة على دخول وقت المغرب بمجرد غروب الشمس ، وما دلّ على وجوبه عند وجوب القرص وغيبوبة الحاصلة عرفا ولغة بمجرد خفائه تحت الأرض واستتاره عن الابصار.

وفي الصحيح : متى يدخل (2) وقت المغرب؟ فقال : « إذا غاب كرسيّها ». قلت : وما كرسيّها؟ قال : « قرصها ». فقلت : متى تغيب قرصها؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » (3).

وروى أبان بن تغلب ، عن جماعة قالوا : أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ونقول : هو شابّ من شباب أهل المدينة ، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام ، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له : جعلنا اللّه فداك! هذه الساعة يصلّى؟! فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (4).

وروى عبد اللّه بن زرارة عن الصادق عليه السلام أنه سمعته يقول : « صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلّس بالفجر ، وكنت أنا اصلّي المغرب إذا غربت الشمس واصلّي الفجر إذا استبان الفجر.

فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا (5) وهي طالعة على قوم آخرين بعد. فقلت : إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا وعلى أولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم » (6).

ص: 533


1- في ( د ) : « بجريانه ».
2- في ( ب ) : « حتى تدخل ».
3- الأمالي ، للصدوق : 139.
4- الأمالي ، للصدوق : 141 وفيه : « بوادي الاجفر ».
5- في ( ألف ) : « عنها ».
6- الأمالي ، للصدوق : 140.

والظاهر أن هذه الرواية لا تزيد على الإطلاق لاحتمال أن يراد بالغروب فيه هو المنكشف بذهاب الحمرة المشرقية.

وكأن الرجل كان يؤخّره عن ذلك لتعليله المذكور. وقد نقل التأخير عنه كذلك عن أبي الخطاب كما ورد في بعض أخبار الباب.

ولعلّ الرجل كان من جملة أتباعه.

والجواب : أما عن الأخبار المطلقة فحملها على المقيدة كما هو مقتضى القاعدة ، وأما ما اشتمل منها على التصريح فبحمله على التقية ؛ إذ ذلك مذهب العامة ، وعليه عملهم.

وهو أوضح محمل في المقام ، وعليه شواهد في الأخبار كما في المكاتبة المتقدمة وحسنة شهاب.

وفي رواية جارود : « ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا الشي ء نادوا به أو حدّثوا بشي ء أذاعوه. قلت لهم مسّوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن (1) اصلّيها إذا سقط القرص » (2).

وفيها أقوى شاهد على حمل تلك الأخبار على التقية ، مضافا إلى ما عرفت من موافقتها للمشهور بين الأصحاب في الفتوى والعمل.

ويستفاد من رواية أبان بن تغلب المذكورة كون ذلك شائعا مشهورا بين أصحاب الأئمة عليهم السلام كما أنه الآن كذلك.

وما يقال في الجمع بين الأخبار من حمل هذه على دخول الوقت وتلك على فضيلة التأخير مع مخالفته لظاهر المذهب مدفوع بالأخبار الدالّة على فضيلة المبادرة إليها إذا دخل وقتها ، والتأكيدات الواردة في ذلك ، ففي [ حديث : ] « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يؤثر على صلاة المغرب شيئا إذا غربت الشمس حتى يصلّيها » (3).

ص: 534


1- في ( د ) : « إلّا أن ».
2- تهذيب الأحكام 2 / 259 ، باب المواقيت ، ح 69.
3- وسائل الشيعة 4 / 189 ، باب تأكد استحباب تقديم المغرب في أول وقتها ، ح 9.

وفي المرسل : « ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها » (1).

وقد ورد في المستفيضة : « أن لها وقتا واحدا بخلاف باقي الفرائض » (2). وفي غير واحد منها أن وقتها وجوبها تأكيدا في المبادرة إليها ، فتأمل جدّا (3).

ص: 535


1- تهذيب الأحكام 2 / 33 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 51.
2- انظر : الإستبصار 1 / 245 ، باب ان لكل صلاة وقتين ، ح 3.
3- في ( د ) : « جيدا ».
تبصرة: [ في الحمرة ]

المراد بالسبق المعتبر آخر زواله فضيلة المغرب وأول فضيلة العشاء هو الحمرة كما دلّ عليه النصوص المستفيضة ففي الصحيح الشفق الحمرة فسأله عبد اللّه : أصلحك اللّه أن يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إن الشفق إنما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق » (1).

وفي الموثّق كالصحيح : الشفق الحمرة أو البياض؟ فقال : « الحمرة لو كان البياض كان إلى ثلث الليل » (2).

فالبياض لا عبرة ببقائها ، وكذا الصفرة.

نعم ، إن كانت الصفرة شديدة بحيث يعدّ حمرة عرفا جرى عليه الحكم ، وإن شكّ في التسمية بنافيه على بقاء الحمرة ، ويعرف انتصاف الليل بانحدار الكواكب الطالعة أول الليل كما ذكره بعض الأصحاب.

وروى الصدوق ، عن محمد بن عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « لليل زوال كزوال الشمس ». قلت : فبأي شي ء نعرفه؟ قال : « بالنجوم إذا انحدرت » (3).

وهي محمولة على النجوم الطالعة أول الغروب ، وإلّا لم يمكن (4) استكشاف الانتصاف بمحض انحدارها عن وسط السماء.

ص: 536


1- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء ، الآخرة ، ح 11.
2- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 10.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 227 ، باب معرفة زوال الليل ، ح 1.
4- في ( د ) : « يكن ».

وربما يحمل الانحدار فيها على مقاربة الغروب ، فيراد بها النجوم العالية في جهة المشرق ، فهو إذن علامة تخمينية يحصل القطع منها بعد مضيّ مدة من الانتصاف.

والوجه الأول أقرب إلى التحقيق إلا أنه لا يستعلم به الحال كذلك إلا مع العلم بكون مدار ذلك الكوكب نظير مدار الشمس بحيث يكون قوس نهاره مساويا لقوس ليل الشمس ؛ إذ لو كان أقصر منه حصل الانتصاف بعد الانحدار ، وإلّا كان الانتصاف مقدّما عليه. وربما يطلع الفجر قبله فيحصل العلم بالانتصاف في أوائل حصوله من العلامة المذكورة يتوقّف على ما قلنا إلا أن العلم بها من الأمارات الظاهرة مشكل ، فيشكل إثبات الانتصاف به إلا بعد مضي مدة منه.

وقد يعرف ذلك بملاحظة طلوع الفجر أو غروبه أو قيامه على حسب اختلاف ليالي الشهرة كما قرّره.

وهو أيضا ممّا يختلف بحسب أحوال القمر ، فالعلم منه بالانتصاف إنما يكون بعد مضي مدة منه. وقد يستعلم ذلك بملاحظة مواضع الكواكب حال الغروب وحين طلوع الفجر ، فيجعل ما بينهما وقتا للانتصاف.

ومن الظاهر أنّ تعيين الوسط في الحس على سبيل التخمين. وهو أيضا مما يختلف باختلاف الليالي ، فلا يحصل منها أيضا إلّا بعد (1) مدة.

ومما ذكرنا ينقدح احتمال الاكتفاء في الانتصاف بالظن كما اكتفي به في معرفة سائر الأوقات عند وجود المانع في السماء.

وفيه ضعف ؛ إذ هو مخالف للأصل ، فيقتصر فيه على مورد الدليل.

وأقرب وجوه العلم بالانتصاف على سبيل التحقيق الرجوع إلى الاصطرلاب والساعات المضبوطة ، وهو مما لا يتمكن منه عامة الخلق ، وإنما يكون ذلك حجّة بعد حصول اليقين منها.

ص: 537


1- في ( ألف ) : « لأبعد ».

الثاني: في بيان الأحكام

تبصرة: [ في اليقين بدخول الوقت ]

يجب تحصيل العلم بدخول الوقت في التلبس بالعمل ، فلا يصحّ الفعل مع الجهل بالحال أو الظن به وإن وافق الواقع إذا تمكن من اليقين.

ولا يجوز التعويل حينئذ على الظن على المشهور بين الأصحاب.

وعن مجمع البرهان (1) وكشف اللثام (2) حكاية الإجماع عليه.

وفي المدارك (3) : إنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا إلا أنه حكى بعد ذلك خلاف المحقق في جواز التعويل على أذان الثقة.

ويدلّ عليه - بعد ما ذكر - أصالة عدم حجية الظن في غير ما قام الدليل عليه ، وعدم تحقق التكليف ، فكيف يصحّ قصد الامتثال والتقرّب.

مضافا إلى الأخبار ، ففي حسنة البزنطي المروي في المستطرفات عن نوادره : « إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين ، فإذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة » (4).

ص: 538


1- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 52.
2- كشف اللثام 3 / 76.
3- مدارك الأحكام 3 / 97.
4- وسائل الشيعة 4 / 279 ، باب وجوب العلم بدخول الوقت ، ح 1.

وفي رواية سماعة : « فإذا استيقنت الزيادة يعني زيادة الفي ء فصلّ الظهر » (1).

وفي مرسلة الفقيه : « لأن أصلّي بعد ما مضى الوقت أحب إليّ من أن اصلّي وأنا في شكّ من الوقت وقبل الوقت » (2).

وفي رواية علي بن جعفر المروية في كتابه وغيره ، عن أخيه موسى عليه السلام : في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري أطلع أم لا ، غير أنه يظنّ لمكان الأذان أنه طلع؟ قال : « لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (3).

وفي رواية علي بن مهزيار للمكاتبة (4) بعد بيان معنى الفجر : « ولا (5) تصلّ في سفر ولا حضر حتى تتبينه (6). فإنّ (7) اللّه تعالى لم يجعل خلقه في [ شبهة من ] (8) هذا [ فقال : ] ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (9) الخبر (10).

ويدلّ عليه أيضا أن الظن لا يؤمن معه من الخطأ ، وعدم إصابة الواقع فيقبح التعويل عليه عقلا. كذا ذكره العلامة.

وفي المدارك (11) : إنه ضعيف جدا ؛ إذ القبح لا يقضي بقبح التعويل على الظنّ بل لا يأباه لو قام عليه دليل.

ص: 539


1- تهذيب الأحكام 2 / 27 ، باب اوقات الصلاة ، ح 26 وفيه : « فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 223 ، باب مواقيت الصلاة ، ح 671.
3- مسائل علي بن جعفر : 161.
4- في ( ألف ) : « للمكانية ».
5- في ( د ) : « فلا ».
6- كما في المصدر وغيره ، وفي المخطوطات : « يثبته ».
7- في النسخ المخطوطة : « قال » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- الزيادة من المصدر.
9- البقرة : 185.
10- الكافي 3 / 282 ، باب وقت الفجر ، ح 1 ، وفيه : « فإن اللّه تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال .. ».
11- مدارك الأحكام 3 / 97.

قلت : الكلام في حكم العقل في المقام قبل قيام الدليل ، وهو مقصود العلامة ، وهو الذي يستقل العقل بقبحه ، ومنعه حينئذ مكابرة ، فتضعيفه لذلك ضعيف جدا.

وعن ظاهر الشيخين الاكتفاء بالظن مطلقا.

وعن المحقق في المعتبر (1) أنه إذا سمع الأذان من بعد يعرف منه الاستظهار قلّده (2) لقوله : « المؤذن مؤتمن » (3).

وقطع في الحدائق (4) بجواز الرجوع إلى المؤذن ، ولو كان من المخالفين.

واكتفى في التذكرة (5) بأذان الثقة للأعمى.

وحكي عن ظاهر الذكرى (6) وجماعة من المتأخرين وعن بعض الأصحاب القطع بجواز تقليد العدل العارف للأعمى والعامي الصرف الذي لا يعرف الوقت والممنوع عن عرفانه لحبس أو غيره.

قلت : وهذا كلّه خروج عن مقتضى الأصل وظاهر النصّ ، فلا بدّ من قيام دليل عليه.

وربّما يحتجّ للشيخين برواية ابن رباح الآتية ، ودلالتها عليه غير ظاهرة مع ما فيه (7) من المناقشة في الإسناد والمخالفة لما عرفت من الأخبار.

واحتجّ في الحدائق (8) على اعتبار الأذان ولو من غير أهل الايمان بعدّة من الأخبار. والاستناد إليها في غاية الضعف ؛ لضعف استناد المعظم منها وعدم دلالة كثير منها على المقصود.

ص: 540


1- المعتبر 2 / 63 وفيه : من ثقة يعلم منه الاستظهار قلده لقوله عليه السلام.
2- في ( ألف ) : « تلده ».
3- وسائل الشيعة 5 / 378 ، باب جواز التعديل في دخول الوقت ، ح 2.
4- الحدائق الناضرة 6 / 296.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 383.
6- الذكرى 2 / 393.
7- في ( د ) : « فيها ».
8- الحدائق الناضرة 6 / 296.

وما يدلّ منها عليه ضعيف الاسناد ، وحمله على التقية في غاية القرب.

ففي رواية محمد بن خالد القسري ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أخاف أن اصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس. قال : « إنما ذلك على المؤذّنين » (1) ؛ إذ من المعلوم أن إقامة الجمعة في تلك الأعصار لم يكن على طريقة أهل الخلاف وبعد أذان مؤذّنهم وتلبّسهم بالفعل كيف يمكن التأخير؟

والحجة في جواز الاكتفاء به للأعمى ونحوه عدم تمكنه عن العلم ، فيكتفي بالظن كما هو قالوه في مسألة القبلة ، وهذه الكلية ممنوعة (2) كيف ، وحصول العلم له من شهادة القرائن وتعدد المخبرين ممكن في الغالب.

نعم ، لو فرض عدم تمكنه منه في بعض الأحوال كان خارجا عن محلّ الكلام ؛ إذ المقصود عدم جواز الاكتفاء به مع التمكن من العلم.

وعن بعض المتأخرين جواز التعويل على أخبار الثقة تعويلا على ما روي من اعتماد الكاظم عليه السلام في الحبس على أخبار من وكّله ليرصد له الوقت.

وما روي في الموثق كالصحيح : عن الباقر عليه السلام في رجل صلّى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل ، قال : « يعيد صلاته » (3).

فالتعويل عليه في القضاء يدلّ بالفحوى على التعويل عليه في الأداء.

ويضعّفه أن الرواية الأولى ضعيفة مع أنّها حكاية فعل لا عموم فيها ، فلعلّه عليه السلام لم يكن متمكنا من العلم أو يفيد إخباره اليقين بالوقت.

والثانية لم يذكر فيها خصوص التقية ، وتقييدها به ليس بأولى من تقييدها بحصول العلم.

على أنّ المفروض منها وقوع الفعل قبل الوقت.

ص: 541


1- وسائل الشيعة 5 / 379 ، باب جواز التعويل في دخول الوقت ، ح 3.
2- زيادة : « ممنوعة » من ( د ).
3- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم الريح ح 4.

وهل يقبل فيه شهادة العدلين؟ وجهان مبنيّان على أن شهادتها هل تنزّل شرعا منزلة العلم إلا ما خرج بالدليل كما يدّعى استفادته من الأخبار لو يقتصر فيها على موارد الأدلّة ، وحيث لم يقم في المقام فيبنى فيها على العدم. وظاهر المحقق الكركي هو الأول ، فليتأمل.

ص: 542

تبصرة: [ في التعويل على الظن مع عدم تمكن العلم ]

المشهور جواز التعويل على الظنّ مع عدم التمكن من العلم ، فلا يجب التأخير إلى أن يحصل اليقين.

وبه نصّ الفاضلان (1) والشهيدان (2) وغيرهم.

وفي الكفاية (3) والحدائق وغيرهما أنه المشهور.

وفي المدارك (4) : إنه أشهر القولين ، بل قيل إنه اجماع.

وفيه في كتاب الصوم (5) : إذ لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى العلم ، وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظنّ.

وفيه في كتاب الصلاة : إنه لا قائل بالفرق بين جواز الصلاة والإفطار.

وفي تعليق المدارك : إنه قائل بالفصل بين الصوم والصلاة ، وابن الجنيد لم يفرّق قطعا.

وفي الكفاية (6) : إن ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإنّ أكثر عباراتهم خالية عن التصريح بذلك.

قال : وظاهر التذكرة وجود الخلاف.

ص: 543


1- شرائع الإسلام 1 / 50 ، منتهى المطلب 4 / 132.
2- مسالك الإفهام 1 / 147.
3- كفاية الأحكام 1 / 78.
4- مدارك الأحكام 3 / 98.
5- مدارك الأحكام 6 / 95.
6- كفاية الأحكام 1 / 234.

قلت : قد ذكر في التذكرة (1) أن الإمساك عن الإفطار حتى تتيقّن الغروب أحوط.

وقال أيضا : لو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل. ولا يدل ذلك على وجود الخلاف. غاية الأمر أنه يدل على تأمّل منه في الحكم.

نعم ، الظاهر أن الإسكافي إذا لم يقل بالاكتفاء به في الصلاة فالظاهر معه أيضا عن الإفطار ، فالاستناد إلى خلافه مع تصريح صاحب المدارك به ونصّه على عدم الفعل بالفرق بين الأمرين أولى.

وكيف كان ، فالمحكي عن الإسكافي (2) في المقام عدم جواز الاكتفاء بالظن حيث قال : ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلا عند تيقّنه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.

وهو كما ترى غير صريح في المنع.

وفي صلاة المدارك (3) : إن المسألة محلّ تردّد. وقول ابن الجنيد لا يخلو عن قوّة.

والأظهر الأول ؛ لظواهر عدّة من الأخبار المعتضد بفتوى معظم الفرقة :

منها : ما ورد في الصوم من جواز الإفطار حينئذ. ومن الظاهر اتّحاد وقت الإفطار والصلاة ، فإذا ثبت به الوقت ثبت بالنسبة إلى الأمرين. مضافا إلى ما عرفت من الإجماع ، ففي رواية أبي الصباح : عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء غيمة ، فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال : « قد تم صومه ولا يقضيه » (4).

وفي صحيحة زرارة : في رجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم تبصر الشمس بعد ذلك؟ فقال : « ليس عليه قضاء » (5).

ص: 544


1- تذكرة الفقهاء 6 / 74.
2- نقله عنه في مختلف الشيعة 2 / 47.
3- مدارك الأحكام 3 / 99.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 120 ، باب حكم الصائم يصبح جنبا أو يحتلم نهارا ح 1901 ، وفيه : « غيم فافطر ».
5- تهذيب الأحكام 4 / 318 ، باب الزيادات ح 36.

والظاهر أن المفروض كون ظنه في المقام مع حصول غيم في السماء مثلا ؛ إذ هو الغالب في الفرض المزبور ، فينطبق على محل البحث.

وفي صحيحته الأخرى : « وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت (1) أعدت (2) الصلاة ومضى صومك » (3).

وفي دلالة الأخيرة على المطلوب مناقشة ظاهرة ؛ إذ لم يفرض فيها حصول الظن بالوقت ، فقد يكون على سبيل اليقين ، ولا إطلاق فيها حتى يستند إلى قول الاستفصال ؛ إذ المقصود فيها بيان حال الصلاة إذا وقعت على مقتضى أمر الشرع في الظاهر ، فانكشف الخلاف بعد ذلك.

مضافا إلى عدم فرضه في صورة عدم التمكّن من العلم كما هو المقصود.

إلا أن يقال بظهور إطلاقه في فرض الأمرين.

ومن الغريب مناقشة صاحب المدارك في دلالته ؛ لاحتمال أن يراد بمضي الصوم فساده.

وهو كما ترى.

ومنها : ما دل على الاعتماد على صياح الديك ، ففي الخبر : « إني مؤذن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت؟ فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة » (4).

وفي الصحيح : عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لرجل من أصحابنا :

ربما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم؟ فقال : « تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم يقال لها الديكة؟ » فقلت : نعم. قال : « إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس - أو قال -

ص: 545


1- في ( ألف ) : « هليت ».
2- في المصدر : « أعد ».
3- الكافي 3 / 279 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 5.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 223 ، باب مواقيت الصلاة ح 670.

فصلّه » (1).

وفي ذلك إشارة إلى الاكتفاء بالظن ولو كان ضعيفا ؛ إذ الظن الحاصل من مجرّد ذلك في غاية الضعف.

ومنها : رواية سماعة : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم نر الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال : « اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك » (2).

فإنّ إطلاقه يعطي الاكتفاء بالاعتماد في الوقت والقبلة.

وما في المذكورات من ضعف في الإسناد منجبر بالشهرة بل إطباق الأصحاب ، على ما سمعته من عبارة المدارك (3).

حجة المنع الأخذ بالأصل ؛ لعدم قيام دليل صالح على اعتبار الظنّ فيه ، مضافا إلى الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على اعتبار اليقين بدخول الوقت ، وخصوص رواية اسماعيل بن جابر : « إن اللّه إذا حجب عن عباده عيّن الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة ، فموسّع عليهم تأخير الصلاة ليتبيّن لهم الوقت بظهورها ، ويستيقنوا أنها قد زالت ».

ويدفعه (4) أن الأصل والإطلاق لا يقاوم الدليل الخاص (5) ، والرواية المذكورة مع ما فيها من الضعف في الإسناد غير دالّة على وجوب التأخير. غاية الأمر دلالتها على رجحان التأخير إلى اليقين.

ثم إن الأخبار المذكورة فرض كون المانع من استعلام الوقت حصول المانع في السماء ، وأما إذا كان من جهة عدم تمكن المكلف من الاستعلام لمنع مانع ونحوه ، فظاهر جماعة من الأصحاب أنه كذلك ؛ إذ لم يفرّقوا بين الصورتين ، وفي استفادته من الأخبار إشكال إلا أن

ص: 546


1- تهذيب الأحكام 2 / 255 ، باب المواقيت ح 47 ، وفيه : « الطيور التي عندكم بالعراق ».
2- الكافي 3 / 284 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلّى لغير القبلة ح 1.
3- انظر : مدارك الأحكام 3 / 132.
4- في ( ألف ) : « يدفعه » بدون الواو.
5- في ( ألف ) : « الحاصل ».

يدّعى تنقيح المناط في المقام.

هذا كلّه إذا أمكن تحصيل اليقين بالتأخير ، أما مع عدمه فالظاهر أنه مجال للتأمّل في الاكتفاء بالظنّ. ولو لم يمكن تحصيل الظنّ أيضا ففي وجوب تكرار الصلاة بحيث يحصل معه اليقين بأداء كل فعل في وقته أو التخيير أو سقوط الأداء ؛ أخذا بأصالة براءة الذمة في الوقت الأخير الحاضر ولأن الوقت شرط في الصحة ، فمع الشك فيه لا يصحّ الفعل ، بل لا يشرع وجوه أشبهها الأخير.

وإن دار الأمر بين وقتي الصلاتين كالظهرين والعشاءين أو الصبح والظهرين مثلا وجب الإتيان بالأمرين لتحصل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال.

ص: 547

تبصرة: [ في الصلاة قبل دخول الوقت ]

لا تصحّ الصلاة قبل دخول الوقت عالما عامدا ، وإن دخل عليه الوقت في الصلاة ؛ إجماعا معلوما ومنقولا في التذكرة (1) والمهذب البارع (2) وغيرهما.

وربما يوهم عبارة النهاية (3) بالخلاف فيه حيث قال : من صلّى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثمّ علم بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة وإن كان في الصلاة لم يفرغ منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه.

وهي محمولة على بيان التفصيل في خصوص الناسي كما حملها في المختلف (4) أو أراد (5) بالعامد الظانّ القاصد للفعل كما حكي عن جماعة في حملها (6).

ويدلّ على حمله على أحد الوجهين أنه نصّ بعد ذلك متصلا به أنه لا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على ظنّه ذلك.

ويدلّ عليه - بعد ما عرفت من الإجماع - النصوص المستفيضة ، وحيث إنها الأصل في عدة من الأحكام الآتية لا بأس بالإشارة إلى عدة منها :

منها : صحيحة عمر بن يزيد : « ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلا لوقتها .. » إلى أن قال :

ص: 548


1- تذكرة الفقهاء 2 / 380.
2- المهذب البارع 1 / 301.
3- النهاية : 62.
4- مختلف الشيعة 2 / 46.
5- في ( ألف ) : « وأراد ».
6- في ( ب ) : « وحملها ».

« وكلّ فريضة إنما تؤدي إذا حلّت » (1).

ومنها : الصحيحة المتقدمة فيمن غره القمر في معرفة الفجر.

وفي صحيحة اخرى : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : « لا ، أيصلّي الاولى قبل الزوال؟ » (2).

وفي الصحيح أنه فيمن (3) صلّى لغير القبلة أو في (4) غيم لغير الوقت؟ قال : « يعيد » (5).

وفي الموثق : « من صلّى في غير وقت فلا صلاة » (6).

وفي موثقة اخرى : « إياك أن تصلّي قبل أن تزول الشمس ، فإنك إن تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل الزوال » (7).

وفي مرسلة الفقيه ، عن أبي جعفر عليه السلام ما تقدم ذكره .. إلى غير ذلك.

ويدلّ عليه أنه قبل دخول الوقت لا أمر بالفعل ، فلا يتحقق الامتثال ، ولا يسقط به التكليف المتعلّق به بعد دخول الوقت.

وقد ظهر من ذلك أن تقديم الفعل على الوقت قاض بفساد العمل ، وعدم حصول الامتثال ، من غير فرق بين صورة العمد والسهو والغفلة عن ملاحظة الوقت ، والجهل بالحكم أو الموضوع مع حصول الشكّ أو الظنّ المعتبر أو غير المعتبر إلا في صورة واحدة يأتي الإشارة إليها ؛ لاندراج (8) الجميع في الأخبار المذكورة ، وقضاء الأصل المذكور بالفساد في الكلّ.

ص: 549


1- الكافي 3 / 524 ، باب اوقات الزكاة ، ح 8.
2- الكافي 3 / 524 ، باب اوقات الزكاة ، ح 9.
3- في ( ب ) : « فمن ».
4- في ( د ) زيادة : « يوم ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 278 ، باب القبلة ، ح 855.
6- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ح 6 وفيه : « فلا صلاة له ».
7- تهذيب الأحكام 2 / 141 ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 7 ، وفيه : « قبل أن تزول ».
8- في ( ألف ) : « الاندراج ».

ولمّا وقع الكلام في كلمات الأصحاب في عدّة من الصور المذكورة فلنشر إلى جملة منها :

منها : ما لو كان جاهلا بالحكم. وعن التذكرة (1) حكاية الإجماع على الفساد.

وعن المختلف (2) أنه حكي عن السيد إسناده إلى محصّلي أصحابنا ومحقّقيهم.

وعن المهذب البارع (3) والروض (4) إسناده إلى الأكثر.

وعن الحلبي في (5) الكافي (6) النصّ على صحة صلاة الجاهل إذا دخل عليه الوقت وهو في الصلاة ؛ إذ لا خلاف ظاهر في فساد العمل مع وقوع الجميع خارجا عن الوقت المضروب كما ذكره في الحدائق.

وهو ضعيف لما عرفت.

ومن قضاء الأدلة المذكورة بالفساد مع اعتضادها بالشهرة وعدم وضوح دليل على الصحة ، وحملها على الظانّ على ما سيجي ء الكلام فيه قياس. والجهل لا يكون عذرا حتى في صورة العصيان إلا إذا كان جاهلا محضا بحيث يستحيل تعلّق التكليف به سقط عنه المعصية إلا أن ذلك لا يقتضي بالصحة.

نعم ، لو أوقعه الجاهل كذلك من دون مراعاة الوقت إلا أنه اتفق بمصادفة (7) له في الواقع فالظاهر الصحة ؛ لموافقته للأمر وحصول قصد القربة (8) سواء كان (9) من جهة جهله بأصل الوقت أو في صحة الدخول مع الشكّ.

ص: 550


1- تذكرة الفقهاء 2 / 280.
2- مختلف الشيعة 2 / 46.
3- المهذب البارع 1 / 302.
4- روض الجنان : 187.
5- في ( ألف ) : « و » ، بدل « في ».
6- الكافي للحلبي : 137.
7- في ( د ) : « بمصادفته ».
8- في ( د ) زيادة : « منه ».
9- في ( د ) زيادة : « ذلك ».

وقد نازع في ذلك صاحب الذخيرة (1) فحكم بالبطلان نظرا إلى أن المقارنة الاتفاقية لا عبرة بها في الصحة ؛ إذ لو فرض أن أحد الجاهلين أوقع الفعل خارجا عن الوقت والآخر فيه فإنّ استحقاق الثاني للثواب دون الأول مخالف للعدل مع مساواتهما في الحركات الاختيارية ؛ إذ المفروض أن إيقاعه الثاني في الوقت والأول في خارجه مستندان (2) إلى محض الاتفاق.

وهو كما ترى ، وله نظائر لا تحصى ، مع أن الفرق بين الصورتين ظاهر مما قلنا ؛ لموافقة فعل الثاني لما أمر به الشارع وقصد الامتثال والقربة ، فليس هناك شي ء يقضي بفساد فعله بخلاف ما إذا خالف شيئا من الأجزاء أو الشرائط المعتبرة أو كان متردّدا في الصحة وإيقاع قصد القربة ؛ إذ لا تأمل إذن في الحكم بالفساد.

وما يظهر من بعض المتأخرين البناء على الصحة في مثله أيضا فاسد ، وما يدّعى من دلالة بعض الإطلاقات عليه مما لا يمكن الركون إليه كما فصّل في محله.

ومنها : ما لو كان ناسيا ، فالمعروف فيه الفساد أيضا.

وحكي القول به عن العماني والسيد والشيخ (3) والفاضلين (4) والشهيدين (5) (6) والمحقق الكركي (7) وغيرهم.

وعن التذكرة (8) حكاية الإجماع عليه.

وعن السيد (9) أنه مذهب المحققين والمحصلين من الأصحاب.

ص: 551


1- ذخيرة المعاد 2 / 209.
2- في ( د ) : « مستند » ، وفي ( ب ) : « مستندا ».
3- المبسوط 1 / 74.
4- المعتبر 2 / 62 ، تحرير الأحكام 1 / 182.
5- في ( ب ) : « الشهيد ».
6- روض الجنان : 187.
7- جامع المقاصد 2 / 28.
8- تذكرة الفقهاء 2 / 380.
9- رسائل الشريف المرتضى : 35 ، المسألة الرابعة.

وعن الروضة أنه الأشهر.

وفي الحدائق (1) : أنه المشهور بين المتأخرين.

وظاهر العبارة المتقدمة عن النهاية (2) البناء على الصحة لو دخل عليه الوقت وهو في الصلاة.

وعن المختلف (3) : أنّه منصوص الحلبي (4) ، وظاهر كلام القاضي (5). وحكي ذلك أيضا عن الشهيد في البيان.

واستدلّ للصحة بأن الناسي معذور ومخاطب بالفعل على نحو الظانّ ، فيثبت له الحكم الثابت فيه.

وهو كما ترى ؛ إذ حمله عليه قياس ، والحكم كما عرفت مخالف للأصل ، فلا بدّ فيه من الاقتصار على مورد النصّ. والظاهر أن محل الخلاف ما إذا دخل عليه الوقت في الأثناء ، وأما إذا وقع الجميع خارجا عنه ، فالظاهر عدم الخلاف في الفساد.

وقد نفى عنه الخلاف في جامع المقاصد (6).

وفي الحدائق : إنه لا خلاف فيه ظاهر.

وفي جامع المقاصد (7) إن المراد به ناسي مراعاة الوقت. قال : وأطلقه الشهيد على من جرت منه الصلاة حال عدم حضور الوقت بالبال وعلى ما اخترناه ، فالظاهر عدم الفرق بين ناسي الحكم بالنسبة إلى أصل التوقيت أو وجوب مراعاة الوقت وناسي الموضوع والذاهل عن الحكم على أحد الوجهين أو عن الموضوع إلا أن حمل كلام من حكم بالصحة على جميع

ص: 552


1- الحدائق الناضرة 6 / 285.
2- انظر النهاية : 62.
3- مختلف الشيعة 2 / 48.
4- الكافي للحلبي : 138.
5- انظر المهذب 1 / 71.
6- جامع المقاصد 2 / 28.
7- جامع المقاصد 2 / 28.

ذلك غير معلوم.

ومنها : الظانّ بدخول الوقت مع جواز الاعتماد على الظنّ ، فإن انكشف وقوع الصلاة بتمامها خارجا عن الوقت فلا خلاف ظاهر عندنا في فساد الصلاة.

والأخبار المتقدمة وغيرها دالّة عليه.

ولو دخل عليه الوقت وهو في الصلاة ففي الحكم بالصحة قولان ، والأشهر الأظهر البناء عليها وفاقا [ ... ] (1).

وفي السرائر (2) : به نطقت الأخبار المتواترة.

وفي كشف الرموز (3) : إنه الأظهر بين الأصحاب.

وحكى الشهرة عليه جماعة منهم السيوري والمحقق الكركي (4) والشهيد الثاني (5).

وفي تعليق المدارك : إن عمل الأصحاب على خبر اسماعيل بن رباح.

وعن الاسكافي و (6) العلامة في المختلف (7) وابن فهد في الموجز والصيمري في كشفه الحكم بالفساد.

واختاره جماعة منهم ومن (8) تأخر عنهم منهم الفاضل الأردبيلي (9) وتلميذه وصاحب المفاتيح وغيرهم.

لنا قويّة اسماعيل بن أبي رباح ، عن الصادق عليه السلام قال : « إذا صلّيت وأنت ترى أنك في

ص: 553


1- هنا بياض في الأصل.
2- السرائر 1 / 201.
3- انظر كشف الرموز 1 / 130.
4- انظر جامع المقاصد 2 / 29.
5- روض الجنان 187.
6- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « والسيّد ».
7- مختلف الشيعة 2 / 46.
8- في ( د ) : « جماعة ممن ».
9- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 53.

وقت ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (1).

وهذه الرواية قد رمتها الجماعة بالضعف ؛ لجهالة اسماعيل المذكور.

وأنت خبير بأنها منجبرة بعمل الأصحاب ، مضافا إلى قوّة الرواية في نفسها ؛ لتقدم ابن أبي عمير الذي من أصحاب الإجماع على اسماعيل المذكور.

ومع ذلك فقد ذكر في شأنه أنه لا يروي إلا عن ثقة ، ففي روايته عنه إشارة إلى وثاقته ، مضافا إلى أن للصدوق في الفقيه (2) طريقا إليه ، وهو يومي إلى جلالته على أن الرواية مذكورة في عدّة من الكتب المعتبرة ككتاب أحمد بن محمد [ بن ] عيسى ومحمد بن علي بن محبوب والغنية (3) والكافي (4) والتهذيب (5) ، مع أنك قد (6) عرفت إسناد الحلي ذلك إلى منطوق الأخبار الواردة (7) المتواترة ، فدلّ ذلك على وجود أخبار اخر صريحة (8).

وكفى به ناقلا لمضمونها ، ولو فرض توهّمه في دعوى التواتر فلا أقلّ من استفاضتها ، وهي كافية في المقام.

ويؤيّده أيضا مخالفة الحكم لمذهب (9) أهل الخلاف ، مع أنه لا معارض لها سوى الإطلاقات ، وهي لا تقاوم النصوص.

وربما يستدلّ عليه أيضا بالأصل للحكم بصحة الفعل أولا يستصحب ، وبأن الأمر يقتضي الإجزاء.

ص: 554


1- الكافي 2 / 286 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم الريح ، ح 11.
2- انظر من لا يحضره الفقيه 4 / 442.
3- لم ترد في ( ب ) : « والغنية ».
4- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ح 11.
5- تهذيب الأحكام 2 / 35 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها 61.
6- في ( ألف ) « إنك » بدلا من : « مع أنك قد ».
7- ليس في ( د ) : « الواردة ».
8- في ( د ) زيادة : « فيه ».
9- في ( د ) : « مذاهب ».

وضعفهما ظاهر ؛ إذ كلّ من الصحة والأمر ظاهريّان في المقام ، فلا يحكم بمقتضاهما إلا مع بقاء الجهل بالواقع ، والقول باتحاد الواقع فيه مع الظاهر (1) كما يستفاد من البعض قول بالتصويب ، فلا يوافق مذهب الإمامية.

وإن اريد به الواقعي الثانوي كما هو التحقيق في الحكم الظاهري ، فهو غير الأولى ، ولا يتمّ له ما عناه ؛ إذ يجري فيه ما ذكرناه.

فالمعتمد في المقام هو النصّ المنجبر بما عرف (2).

حجة القول بعدم الإجزاء الأصل المتقدم ؛ إذ المفروض وقوع بعض الفعل خارجا عن الوقت المضروب ، فيكون الإتيان به قبل تعلّق الأمر به بحسب الواقع ، وهو يقضي بانتفاء الصحة في الواقع ، وعدم امتثاله ما امر به في الواقع ، وإن حكم بالصحة ظاهرا لتعلّق الأمر به في الظاهر ، فيتعيّن الحكم بفساده بعد الانكشاف.

والأخبار المستفيضة الدالّة على فساد الصلاة قبل الوقت الشامل بإطلاقها للمقام.

وضعفها ظاهر ؛ إذ الأصل لا يعارض الدليل ، وكذا الإطلاق ما دل على التقييد.

على أنه قد يناقش في دلالته بعض تلك الإطلاقات على الفساد في المقام.

ثمّ إن الظاهر عدم الفرق بين ما إذا كان دخوله في الفعل مع الظنّ أو العلم بدخول الوقت ، وإن كان المفروض في الجملة (3) من عبائرهم خصوص الظنّ ، وقد حمل الرأي المذكور في الرواية على الظنّ ، والظاهر خروج ذلك مخرج الغالب ؛ إذ انكشاف الخلاف في الغالب إنما يكون مع الظنّ ، وحمل الرأي في الرواية على خصوص الظنّ لا داعي إليه.

وكأنّ المراد به مطلق الاعتقاد الشامل للعلم أو الظنّ المعتبر ، بناء على اعتبار الظنّ في المقام كما تقدّم القول فيه. ومع الغضّ عن ذلك فلا يبعد دعوى ظهوره في العلم.

هذا كلّه إذا انكشف له الحال بعد الصلاة ، وأما إذا انكشف في أثنائها فإن تبيّن له قبل

ص: 555


1- في ( د ) زيادة « أنه لظاهر ».
2- في ( د ) : « عرفت ».
3- في ( د ) : « جملة ».

دخول الوقت فالظاهر فساد العمل ؛ لخروجه عن مدلول الرواية.

وقد عرفت مقتضى الأصل والعمومات فيه.

ولا فرق بين ما إذا أدركه الوقت إذا أتمّها على المعتاد أو توقّف ذلك على إطالة الصلاة.

وإن انكشف عليه بعد دخول الوقت ففيه وجهان ؛ من خروجه عن ظاهر النصّ المذكور ، ومن مشاركتها للأخرى في المعنى.

بل قد يقال بكونهما (1) أولى من بعض صورها ، بل قد يقال باندراجها في إطلاق الخبر أيضا.

ص: 556


1- في ( ب ) : « بكونه ».

تبصرة: [ في إدراك المكلّف من أول وقت الصلاة بمقدار الأداء ]

إذا أدرك المكلّف من أول الوقت بمقدار أداء الصلاة جامعا لشرائط الصحة استقرّ التكليف عليه ، فإن عرضه بعد ذلك مانع عن أداء الفعل مطلقا لزمه القضاء كما إذا طرأ الجنون أو إغماء أو جاءها حيض أو نفاس ونحوها وإن لم يدرك تمام الصلاة ، فلا قضاء عليه.

فالكلام هنا في المقامين :

الأول : في ثبوت القضاء في الصورة المذكورة ، ولا (1) يظهر فيه خلاف بين الأصحاب سوى ما يحكى عن المقنع (2) من أنّها إذا طمثت بعد الزوال ولم تصلّ الظهر لم يكن عليها قضاؤها.

وقد تحمل على ما إذا لم يتّسع الوقت للصلاة وما تتوقف عليه.

وفي كشف اللثام (3) : أنه إجماع في الظاهر.

وأسنده في المدارك (4) إلى الأصحاب موذنا باطباقهم عليه.

ويدلّ عليه - بعد ذلك - العمومات الدالّة على لزوم قضاء الفائت خصوصا من الموثّق في امرأة دخلت وقت الصلاة وهي طاهرة ، فأخّرت الصلاة حتى حاضت. قال : « تقضي إذا طهرت » (5).

ص: 557


1- في ( ألف ) : « لا » بدون الواو.
2- المقنع : 49.
3- كشف اللثام 1 / 98.
4- مدارك الأحكام 3 / 91.
5- الإستبصار 1 / 144 ، باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة ، ح (493) 1.

وفي رواية اخرى : عن المرأة طمثت (1) بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : « نعم » (2).

فإنّ ظاهر الأول فرض عروض المانع بعد التأخير فكانت تدرك الصلاة لو لا التأخير ، وظاهر الخبر أن في تركها الصلاة في أول الوقت وعروض الحيض لها بعد ذلك ، فينطبقان على المقصود.

مضافا إلى ما عرفت من اعتضادهما بالعمل.

وظاهر كثير من الأصحاب اعتبار معنى مقدار الطهارة والصلاة ، فلا عبرة بإدراك مجرّد أفعال الصلاة من دون الطهارة.

وبه نصّ الفاضلان (3) والشهيدان (4) والمحقق الكركي (5) وصاحب المدارك (6) والكفاية (7) وغيرهم.

وفي كشف اللثام (8) : أنّه ظاهر الأكثر. وتوقّف فيه في نهاية الإحكام (9) ؛ نظرا إلى توقف الصلاة عليها ، ومن إمكان تقديمها على الوقت. واستثنى فيه ما إذا لم يمكنه التقديم كالمستحاضة والمتيمم.

قلت : وعليه فينبغي استثناء غير القادر قبل الوقت على الماء وإن كان متمكنا منه في أول الوقت ، فلا يذهب عليك ضعف الوجه الأخير ؛ إذ إمكان التقديم لا يقضي بوجوبه عليه

ص: 558


1- في ( د ) : « تطمث ».
2- الإستبصار 1 / 144 ، باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة ، ح (494) 2.
3- المعتبر 2 / 46 ، تحرير الأحكام 1 / 180 ، تذكرة الفقهاء 2 / 321.
4- الذكرى 2 / 352 ، مسالك الإفهام 1 / 145.
5- انظر جامع المقاصد 2 / 45.
6- مدارك الأحكام 3 / 91.
7- كفاية الأحكام 1 / 28.
8- كشف اللثام 2 / 132.
9- نهاية الإحكام 1 / 123.

حينئذ ، فإذا لم يكن متطهرا لم يكن تعلق التكليف به مع فرض قصور الوقت يستقر في ذمّته فهو كتمكّنه من بعض الفعل من غير تفاوت.

نعم ، لو كان متطهّرا قبل الوقت لم يعتبر مضي (1) مقدارها قطعا ؛ لتمكنه إذن من العبادة.

وقد نبّه عليه العلامة في عدّة من كتبه والشهيدان وغيرهم.

ولا فرق بين علمه قبل الوقت بطروّ تلك الحال وعدمه لعدم وجوب الطهارة قبل الوقت مطلقا كما هو ظاهر الأخبار وفتاوى علمائنا الأخيار.

والظاهر أنه إجماع وإن لم يترك (2) من مناقشة على بعض الوجوه.

نعم ، لو اتّسع الوقت للطهارة الاضطرارية دون الاختيارية فإن علم أو ظنّ ذلك فالظاهر لزوم الإتيان بها بالاضطرارية ، ولزوم القضاء مع تركها ، وإلّا ففي ثبوت القضاء بانكشاف التمكن حينئذ منها وجهان ، أقواهما العدم كما سيظهر الوجه فيه.

وهو ظاهر الأصحاب حيث إن إطلاقهم إدراك الطهارة في الصلاة (3) في المقام فينصرف إلى (4) ذلك إلا أنه مبنيّة على من كان فرضه التيمّم بحسب الظاهر.

ثم إنه نصّ جماعة منهم الشهيدان والمحقق الكركي (5) على اعتبار التمكن من باقي شرائط الصلاة.

وناقشهم في كشف اللثام بعد قيام دليل عليه لتختصّ به العمومات.

والفرق بينها وبين الطهارة من وجهين :

أحدهما : من جهة توهّم (6) توقف الصلاة عليها مطلقا دونها.

وثانيهما : أن وجوب الطهارة موقتة كالصلاة بخلاف غيرها.

ص: 559


1- زيادة : « مضى » من ( د ).
2- في ( د ) : « لم يخل ».
3- في ( د ) : « والصلاة ».
4- زيادة : « إلى » من ( د ).
5- جامع المقاصد 2 / 45.
6- ليس في ( د ) : « توهم ».

قلت : إن فرض علمه أو ظنّه بذلك فلا تأمل في سقوطها وثبوت القضاء مع الترك. وأما مع عدم ظنّه به فلا تأمل في سقوطها (1) فأيّ الثمرة لعدم توقف الفعل عليه مع الاضطرار؟ والمفروض تكليفه بعمل المختار وعدم صحة العمل فيه مع ترك شي ء منها.

وحينئذ فلا يندرج ذلك في الخبرين الدالّين على ثبوت القضاء حسبما عرفت في بيانهما.

وما دلّ على سقوط القضاء عن الحائض والنفساء والمجنون ونحوهما قاض بسقوطه في المقام ؛ إذ المفروض كون الثواب في أول الوقت من جهة طروّ أحد (2) المذكورات ، وهو مقيّد لإطلاق ما دلّ على لزوم قضاء الفوائت.

والقول بأن تمكّنه من الإتيان به فاقد لتلك الشرائط مع حصول الاضطرار كما هو المفروض قاض بثبوت تكليفه به في الواقع ، وإن سقط عنه في الظاهر من جهة الجهل ، فيكون فواته إذن من تلك الجهة دون أحد تلك الأسباب ولا دليل إذن على سقوط القضاء ، مدفوع بأن الظاهر من ملاحظة العرف إسناد الفوات في الفرض المذكور إلى ما طراه من العارض ، فيندرج فيما دلّ على سقوط القضاء من جهته (3) ، ومع الغضّ عنه فاندراجه فيما دلّ على ثبوت القضاء غير معلوم أيضا ، و (4) قضية الأصل عدم الوجوب ، فتأمّل.

هذا (5) ، مضافا إلى أن ظاهر كلام الأصحاب هو اعتبار إدراكه مقدار الصلاة المشروعة بحسب حاله.

هذا إذا كان مع انتفاء المكنة من الفعل باعتبار عدم اتّساع الوقت لإتيان نفس (6) المقدمات من الطهارة وغيرها ، وأما إذا كان عدم المكنة من أداء المقدمة لعدم التمكن منه إلا بعد حين ؛ لعدم الماء في أوائل الوقت للطهارة أو التطهير ، فاتفق عروض المانع بعد مضيّ مدة

ص: 560


1- خطّ على « فلا تأمل في سقوطها » في ( د ).
2- في ( ألف ) : « بل واحد » ، بدلا من : « طرو أحد ».
3- في ( ألف ) : « جهة ».
4- زيادة الواو من ( ب ).
5- لم ترد في ( ب ) : « هذا مضافا ... بحسب حاله » ، وفي ( ألف ) : « هذا إذا كان مضافا ... ».
6- في ( د ) : « لنفس ».

يتمكّن منه من الطّهارة والصلاة على فرض وجود الماء ، فلا يبعد القول بوجوب القضاء ؛ إذ تركه في أول الوقت لم يكن لأجل المانع المذكور ، وإنما كان من جهة لزوم القضاء.

ويحتمل إلحاقه بالقسم المتقدم.

والأول أظهر ، فهو كما إذا كان قائما في بعض الوقت بمقدار الطهارة والصلاة مثلا ثم قام ، فعرض المانع ، فإنّ الظاهر عدم تأمل في ثبوت القضاء حينئذ مع انتفاء المكنة حال النوم ؛ نظرا إلى فوات صلاته في بعض الوقت بالنوم ، وفي البعض الآخر بسبب المانع المذكور ، وما ثبت بالدليل هو سقوط القضاء في قسمي الآخر مندرجا تحت العموم ، والظاهر اعتبار اتّساع الوقت الفائت للصلاة التي كانت لكلّ مكلف بها لو كان مسقطا ، فلا عبرة باتّساعه لصلاة المضطر من جهة المقدمات والأفعال في وجه قوي.

ثم الظاهر اختصاص ما ذكرناه لمقدمات الوجود ، وأما مقدمات العلم فلا يجري فيه ما قدّمناه ؛ إذ ليس اعتبارها من جهة توقف نفس الفعل عليها ، بل من جهة العلم بأدائه يصدق فوات الواجب عليه قبل مراعاته في المقام ، وإن كان معذورا بالشرع كما أدّى الصلاة في يوم الغيم ، ثم لتحصيل الظنّ بالوقت ثم اتفق (1) مضي مقدار أداء الفعل ومقدماته ، فلا يسقط عنه القضاء وكذا الحال لو (2) وجب (3) عليه تكرار الصلاة كما في صورة اشتباه القبلة أو من جهة دوران الثوب الطاهر بين الثياب العديدة ، فلا يلاحظ اتّساع الوقت للمكرّرات.

هذا ، والمناط في المقام على أقلّ (4) الواجب كما نصّ عليه جماعة منهم العلامة والشهيد (5) والمحقق الكركي (6).

ص: 561


1- في ( ب ) : « فاتفق ».
2- في ( ألف ) : « وكذا إلى أو ».
3- في ( ب ) : « وكذا إلى أوجب ».
4- في ( ألف ) « الظاهر » بدل « أقل ».
5- الذكرى 2 / 351.
6- جامع المقاصد 2 / 45.

وفي الحدائق (1) : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يستقرّ وجوب الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضيّ مقدار أدائها مخففة من (2) الشرائط ، فلو أطال الصلاة حتى طراه المانع لزمه القضاء في سقوط بعض الأجزاء الساقطة حال الاضطرار كالسورة ، يجري ما قدّمناه في الشرائط ويتقوى فيه ما قوّيناه ، ولو كان في مواضع التخيير اعتبر مضيّ وقت القصر لحصول الواجب به. وقد نصّ عليه في المقام بعض الأصحاب.

الثاني : إذا أدرك من الوقت دون ما ذكرناه فلم يسع مقدار أداء الصلاة لم يجب عليه القضاء على الأشهر الأظهر بين الأصحاب وفي الخلاف (3) حكاية الإجماع عليه. وعزاه في المدارك (4) إلى معظم الأصحاب.

وفي كشف اللثام أنه المشهور ؛ لما عرفت من كون فوات الصلاة عنه حينئذ بسبب القدر الحادث.

وقد ثبت في موضعه سقوط القضاء لفوتها لذلك ، فكونه في بعض الوقت خاليا عن الحيض لا يقضي بثبوت القضاء عليه.

ويشهد له أنه لو أدرك من الآخر ما لا يفي بالركعة لم يجب عليه الأداء ولا القضاء كما (5) دلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة ، مع أنه واجد للشرط في بعض الوقت ، بل الخصم يسلّم ذلك إذا لم يدرك أكثر الصلاة.

واحتج عليه في الحدائق بسقوط الأداء عنه حينئذ قطعا ، وإلا لزم التكليف بالمحال (6) ؛ إذ المفروض عدم اتّساع الوقت له فلا قضاء ؛ إذ وجوبه فرع وجوب الأداء وفيه إلى آخره من التابعية.

ص: 562


1- الحدائق الناضرة 6 / 274.
2- في ( د ) : « مع ».
3- الخلاف 1 / 272.
4- انظر مدارك الأحكام 3 / 92.
5- في ( ألف ) : « كما إن ».
6- في ( ألف ) : « بالحال ».

كيف ، ولو كان كذلك لم يجب القضاء على النائم والذاهل ونحوهما.

قال في المدارك حكاية (1) عنه : وهو ضعيف جدّا ؛ لأن القضاء فرض مستأنف لا تعلّق له بوجوب الأداء أصلا ، واحتجّ هو بمقتضى الأصل إلى أن يثبت المخرج عنه.

وفيه : أنه لا عبرة بالأصل بعد ورود العمومات بوجوب قضاء الفوائت ؛ لصدق الفوات لغة وعرفا في المقام ، وإن لم يكن عاصيا بل ولا مكلّفا في الواقع أصلا.

وعن الصدوق في الفقيه (2) والمقنعة والإسكافي والسيد في الجمل اعتبار الخلوّ عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة.

قال في المدارك (3) : ولم يقف لهم على مستند.

قلت : وقد يحتجّ لهم بالعمومات مع ما دلّ على سقوط القضاء مع عدم إدراك الأكثر كالموثّق عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمّ إنها طمثت ، وهي جالسة. فقال : « تقوم من مكانها ولا تقضي ركعتين » (4).

مضافا إلى رواية أبي الورد ، عن الباقر عليه السلام : وقد سأله عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم. قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ».

وقال : « فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين ثمّ رأت الدم قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة » (5) ؛ بحملها على الصلاة في أول الوقت وإلا وجب القضاء في المقامين كما مرّ.

وقد فصّل فيه بين الظهر والمغرب في وجوب قضاء الباقي وعدمه ، وليس إلا لمضيّ أكثر الصلاة في المغرب دون الظهر.

ص: 563


1- في ( د ) : « حكايته ».
2- انظر من لا يحضره الفقيه 1 / 93 ، باب احكام الحيض.
3- مدارك الأحكام 3 / 92.
4- تهذيب الأحكام 1 / 394 ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ، ح 43.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 93 ، باب غسل الحيض والنفاس ، ح 198.

وأنت خبير بأن العمومات لا تقاوم ما دلّ على السقوط كما مرّ ، ورواية أبي الورد ضعيفة لا معوّل عليها ، مع عدم وضوح دلالتها على المقصود.

مضافا إلى اشتمالها على خصوص قضاء الركعة ، وهو مع مغايرته للمدّعى مخالف لما استقر عليه المذهب وقضت به القواعد.

وفي النهاية (1) والوسيلة (2) : أنها إذا حاضت بعد دخول الوقت قضت. وظاهر إطلاقهما وجوب القضاء وإن لم يسع الوقت لأكثر الصلاة.

ولا يبعد حملهما على ما إذا أدركت عن (3) الوقت مقدار أداء الصلاة ، ومع حملها (4) على الظاهر فلا ريب في ضعفه كما عرفت.

ص: 564


1- النهاية : 27.
2- الوسيلة : 59.
3- في ( د ) : « من ».
4- في ( د ) : « حملهما ».

تبصرة: [ في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة ]

اشارة

تبصرة (1)

[ في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة ]

لو أدرك من آخر الوقت مقدار ركعة جامعة لشرائط الصحة وجب عليه الصلاة ، وكان بمنزلة إدراك جميع الوقت على المعروف بين الأصحاب ، بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الخلاف (2) : إذا أدرك مقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات لزمته الصلاتان بغير خلاف ، قال : وكذا الكلام (3) في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر.

ثم ذكر خلاف العامة. وفيه أيضا : لا خلاف بين أهل العلم في أن واحدا ولا الذين ذكرناهم أعني الصبي والمجنون والحائض والنفساء والكافر إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار (4) ركعة ، فإنه يلزمه العصر ، وكذلك إذا أدرك قبل طلوع الشمس مقدار ركعة.

وفي المبسوط (5) : الظاهر (6) أنه يجب على أصحاب الضرورات عند ذلك صلاة الصبح بلا خلاف.

وفي المنتهى (7) نفى الخلاف بين أهل العلم من الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك ركعة مع الشرائط.

ص: 565


1- في ( ألف ) : « الثالث » ، وما في المتن أظهر ؛ إذ المؤلف قدس سره صرّح في أول البحث أن الكلام يقع في مقامين ، فلاحظ.
2- الخلاف 1 / 273.
3- في ( د ) : « القول ».
4- في ( د ) زيادة : « ما يصلي ».
5- المبسوط 1 / 75.
6- لفظة « الظاهر » أضفناها من ( ب ).
7- منتهى المطلب 1 / 209.

وحكى الإجماع في التذكرة (1).

وفي المدارك (2) : أنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الذكرى (3) : أنه المشهور.

وعن الشيخ في طهارة المبسوط (4) والقاضي في المهذب (5) استحباب الظهرين والعشاءين إذا أدرك خمسا قبل الغروب والفجر.

وعن الشيخ (6) في كتاب الحديث أنها : إن طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه مقدار أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا ، وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير. ويستحب قضاء الظهر إلى أن تغيب الشمس ، وكذلك لا يجب العشاءان (7) إن طهرت بعد انتصاف الليل بل يستحبان.

ومال إليه صاحب الذخيرة (8) بل رجّحه حيث نصّ على أنه قوي متّجه ، وجعل ذلك وجه جمع بين أخبار الباب بل قال : إن ما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الأخبار ، ويحتمل إيثار ذلك على مسألة الأوقات ، فيكون ذلك ( قولا بخروج وقت الظهر بعد مضي الأقدام الأربعة بالنسبة إلى المختار والمضطر وإن كان من ذلك ) (9) في غاية من الضعف.

وحينئذ فلا ربط لها بالمقام ، وحينئذ فترجيح (10) صاحب الذخيرة غريب مع بنائه على بقاء الوقت.

ص: 566


1- التذكرة 1 / 78.
2- مدارك الأحكام 3 / 94.
3- الذكرى : 122.
4- المبسوط 1 / 73.
5- المهذب 1 / 36.
6- الإستبصار 1 / 144.
7- في ( ألف ) : « العشاء » وما في المتن هو الصحيح بقرينة قوله بعده : « يستحبان ».
8- ذخيرة المعاد 1 / 73.
9- ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).
10- في ( ألف ) : « فيترجّح ».

وكأنّ ذلك هو الوجه أيضا فيما ذكره في المبسوط والمهذب إلا أنه لا يعرف قول بانتهاء وقت المضطر للعصر قبل الغروب ، فلو لم يكتف بإدراك الركعة تعيّن للعصر إلا أن يقال بكون الاستحباب (1) تعبديّا يزاحم به ما يقتضيه الأصل من تعيّن القصر حينئذ لقيام الدليل.

وحينئذ فيكون ذلك إذن مرتبطا بالمقام ، غير أنه إذن خارج عن مقتضى القواعد الشرعية.

وكيف كان ، فظاهر عبارة السرائر والمحكي عن ظاهر الإسكافي هو اعتبار إدراك ( مقدار الطهارة وتمام الفعل من الوقت في وجوب الأداء والقضاء من دون اعتبار لإدراك ) (2) الركعة ، والمحكيّ (3) في المختلف عن ظاهر الصدوق وابن الجنيد اعتبار ذلك في أكثر الصلاة ، واختلاف النقل من الإسكافي إما من جهة اختلاف بين عباراته أو من جهة الاختلاف في فهمها.

وفصّل في الحدائق (4) بين إدراك الركعة من صلاة الصبح وغيرها ، فحكم بإدراك الصلاة بادراكها في الأول ، واستشكل في غيرها من الصلاة ، وألزم مراعاة الاحتياط فيها على كلّ حال.

لنا بعد ما عرفت من الإجماعات الأخبار (5) المستفيضة المعتضدة بالعمل :

منها : النبوي المروي في الذكرى : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (6).

وقد روى في المعتبر مرسلا عنه عليه السلام : « من أدرك ركعة من أول (7) الوقت فقد أدرك

ص: 567


1- في ( د ) زيادة : « المذكور ».
2- ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).
3- زيادة : « والمحكي » من ( د ).
4- الحدائق الناضرة 6 / 277.
5- في ( ب ) : « والأخبار ».
6- الذكرى 2 / 352.
7- ليس في ( د ) : « أول ».

الوقت » (1).

وروى أيضا في الذكرى عنه عليه السلام : « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك (2) العصر » (3).

وفي الموثق : « فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته » (4).

وفي رواية الأصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (5).

وضعف هذه الأخبار من حيث الإسناد منجبر بما عرفت من عمل الطائفة والإجماعات المنقولة في المسألة ، وكون الروايات الثلاثة الاول من طرق العامة غير معلوم ، فلا وجه لإطراحها بعد ذكرها في كتب الأصحاب ، وانجبارها بما عرفت.

مضافا إلى ظهور المناط من الخبرين الأخيرين وعدم ظهور قول بالفصل ، بل الظاهر إطباق الأصحاب على خلافه.

فظهر بذلك ضعف ما ذكره من الاقتصار في أخبار الخاصة على خصوص إدراك الركعة من الصبح ، وما دلّ على الإطلاق روايات عامّية لا يعدّ بها في إثبات الأحكام الشرعية.

وكذا ما يظهر من الحلي وغيره من عدم العبرة إلا بإدراك وقت يسع تمام الصلاة كما ذكرناه.

وكأن الوجه فيه ضعف الأخبار المذكورة وقضاء الأصل بخلافها.

على أنه قد يناقش في قضاء الأصل ؛ إذ (6) الميسور لا يسقط بالمعسور ، فغاية الأمر عدم

ص: 568


1- المعتبر 2 / 47.
2- في ( الف ) زيادة : « وقت ».
3- الذكرى 2 / 352.
4- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ح (1000) 11.
5- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح (999) 10.
6- زيادة : « إذ » من ( د ).

كونه أداء ، و (1) هو كلام في مقام آخر إلا أن الأظهر خلافه ؛ نظرا إلى اقتضاء الأصل تنزيل إدراك البعض منزلة العدم.

حجة الشيخ موثقة الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام : قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلا العصر ؛ لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج (2) عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح اللّه عنها من الصلاة » (3) (4).

وهذه الرواية قد جعلها الشيخ جامعة لأخبار الباب حيث دلّ بعضها على عدم وجوب الظهر على من طهرت عند العصر كما في صحيحة معمّر بن يحيى أو على وجوبها إذا طهرت قبل العصر ، وجوب العصر خاصة إذا طهرت في وقت العصر كما في رواية منصور بن حازم ، أو على عدم وجوب الظهر على من طهرت فاشتغلت بشأنها حتى دخل وقت العصر فيصلّي العصر وحدها كما اشتملت عليه موثقة محمد بن مسلم.

ودلّ بعضها على أن « من طهرت في وقت صلاة ففرطت فيها حتى دخل وقت اخرى أنه يجب عليه قضاءها » كما في صحيحتي عبيد بن زرارة (5) وأبي عبيدة الحذاء (6).

ودلّ عدة من الأخبار المشتملة على المعتبرة ممّا تقدمت الإشارة إليها على وجوب الظهرين إذا طهرت قبل الغروب ، والعشاءين إذا طهرت قبل الفجر بحمل هذه على (7) الاستحباب. وما دلّ على وجوب الظهر وقضائها على ما إذا طهرت قبل مضيّ الأقدام الأربعة ، وما دلّ على عدم وجوب القضاء بعد الدخول في وقت صلاة اخرى على ما يشتمل

ص: 569


1- في ( ألف ) : « والصلاة ».
2- في ( ألف ) : « خروج ».
3- قرب الأسناد : 313.
4- في ( د ) زيادة : « وهي في الدم اكثر ».
5- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح 4. نقلا بالمعنى.
6- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ح 3.
7- زيادة : « على » من ( د ).

مضيّ المقدار المذكور لدخوله إذن في وقت العصر.

ولا يذهب عليك أن الموثقة المذكورة صريحة في خروج وقت الظهر مطلقا بمضيّ الأقدام الأربعة ، ولو بالنسبة إلى المضطر.

وهو إذن بمكان من الوهن ؛ لدلالة النصوص الصريحة القريبة من التواتر بل المتواترة في الحقيقة أو المقطوع صدورها من الأئمة عليهم السلام المعتضدة بالكتاب الموافقة لعمل الأصحاب ببقاء الوقت إلى ما بعد ذلك ، فلا يعقل وجه للعروج على تلك الرواية الشاذّة المعارضة بما ذكرناه ، فلا مناص من تركها وإرجاعها إلى قائلها.

والمعتبرة الأخيرة واضحة الدلالة على لزوم الإتيان بالصلاتين إلا أنها مشتملة على جريان الحكم في العشاءين بالنسبة إلى طلوع الفجر ، وهو خلاف المعروف. وهو لا يوجب ترك الرواية في غيره.

على أنّك قد عرفت قوّة القول بذلك كما اختاره جماعة من الأفاضل.

والروايات الاخر يمكن حملها على ما إذا أدرك الوقت المختصّ بالعصر جمعا بين الأخبار.

ومن الغريب تقوية صاحب الذخيرة لما ذكره الشيخ مع أنه ممّن [ ... ] (1).

فكأنه قال بسقوط صلاة الظهر في وقتها المضروب بمجرّد ورود خبر لا يقول بما اشتمل عليه.

وهو كما ترى بمكان من الفساد.

[ تتمّة ]

هذا ولنتم (2) الكلام في المرام برسم امور :

أحدها : أنه يعتبر في المقام مع إدراك مقدار الركعة إدراك مقدار أداء الطهارة قطعا. وقد

ص: 570


1- بياض في الأصل.
2- في ( د ) : « لنتمّم ».

حكم به كثير من الأصحاب بلا خلاف يعرف فيه سوى أنه احتمل في نهاية الإحكام (1) عدم اعتبار وقت الطهارة بناء على عدم اختصاصها بوقت.

وهو ضعيف ، وتعليله أضعف منه ؛ إذ من البيّن توقّف صحة الصلاة مطلقا على الطهارة ، فيكون إدراكه كمقدار الركعة بدونها كعدمه.

وفي الصحيح : « أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء » (2).

ولو ضاق الوقت عن الطهارة الاختيارية انتقل حكمها إلى الاضطرارية ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ على البدليّة وما دلّ على أن إدراك الركعة بمنزلة إدراك تمام الصلاة ، وفي ذلك كلام تقدمت الإشارة إليه في بحث التيمّم.

وعن جماعة من الأصحاب منهم السيد والمحقق (3) وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي والشهيد الثاني (4) في عدة من كتبه وصاحب المستدرك اعتبار إدراك سائر الشروط المفقودة.

وفي الحدائق (5) بعد الإشارة إلى إطلاق الرواية أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ، وما ذكروه إن حمل على ظاهره فالظاهر خلافه ، وتلك الشرائط إنما يعتبر حال المكنة ، ومع الاضطرار تصحّ الصلاة من دونها ، وأيّ اضطرار أعظم من فوات الصلاة مع إدراك وقتها؟! بل هو المناط (6) في الاضطرار الحاصل في الصلاة في كثير من المقامات.

ص: 571


1- نهاية الإحكام 1 / 315.
2- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح 4.
3- المعتبر 2 / 47 ، وليس في ( د ) : « والمحقق ».
4- الروضة البهية 1 / 388.
5- الحدائق الناضرة 6 / 280.
6- لم ترد في ( ب ) : « بل هو المناط ... اتّساعه ».

وقد يستفاد من الصحيحة المذكورة اعتبار اتّساعه للاغتسال. وكأنها محمولة على الغالب.

ثم إنّ المعتبر في المقام خصوص الاتّساع لأداء الطهارة ، فلو توقف ذلك على تحصيل الماء ولم يتّسع الوقت لها ، فإن تمكن من الطهارة الاضطرارية أتى بها وإلّا سقط الأداء.

ووجوب القضاء إذن مبنيّ على وجوبه على فاقد الطهورين.

ولو ظنّ اتّساع الوقت للاختيارية فاشتغل بها فانكشف عدم اتّساعه إلا للاضطراريّة فقضى اشتغاله بذلك بفوات الركعة ففي لزوم القضاء عليه وجهان أوجههما ذلك.

وكذا الحال إذا ظنّ الاتّساع لسائر المقدّمات الاختيارية ، فمنعه الاشتغال بها عن إدراك الركعة.

وكما ينتقل الحكم من الاختيار إلى الاضطرار بالنسبة إلى الشرائط كذا ينتقل الحكم بالنسبة إلى الأجزاء فيسقط السورة مع ضيق الوقت في وجه قويّ.

ثانيها : أنه يكتفي في الحكم بإدراك الركعة حصول الظنّ به ؛ لعدم إمكان الرجوع فيه إلى العلم في الغالب إلا أن يدرك ما يزيد عليه كثيرا ، مضافا إلى أنّ الأصل بقاء الوقت.

وهل يكفي فيه الرجوع إلى الأصل ولو مع عدم الظنّ؟ وجهان أظهرهما ذلك.

ثالثها : إن المشهور اعتبار الركوع والسجود في مفهوم الركعة ، فلا يكتفي فيها بمجرد الركوع.

وعن الشهيد في الذكرى (1) احتمال الاجتزاء به للتسمية لغة وعرفا ؛ نظرا إلى أن « الركعة » واحدة « الركوع » كالسجدة والسجود ؛ لحصول معظم الأجزاء بحصوله.

وعن المحقق في المسائل البغدادية الحكم به.

وقد نصّ على أنّها تسمّى ركعة بإيقاع الركوع فيها ، وليست التسمية مشروطة بالإتيان بالسجود.

ص: 572


1- الذكرى 2 / 356.

وظاهر الحدائق (1) تقوية ذلك ؛ إذ ليس لقولهم بالصحة في صورة الشك بين الأربع والخمس بعد الركوع وقبل السجود دليل سوى ذلك ؛ ليندرج تحت نصّ المسألة ، وهو متوقّف على حصول تمام الركعة.

وأنت خبير بضعف جميع ما ذكر بمنع حصول التسمية قبل الإتيان بالسجود إلا على سبيل التسامح ، ومجرد مضيّ المعظم لا يدلّ على ثبوت التسمية.

غاية الأمر أن يجوز على نحو من التوسّع. وحكمهم بالصحة في الشك المذكور في الصورة المتقدمة بل الحكم فيه محلّ منع كما سيجي ء الكلام في محلّه إن شاء اللّه.

على أن انحصار المدرك في النصّ المذكور غير مسلّم. ومن الغريب تقوية صاحب الحدائق لذلك بمجرد ما ذكر مع ما هو معلوم من طريقته في محلّ الاتفاق ، فكيف في المقام!

هذا ، والأظهر هو الوجه الأول ؛ أخذا بظاهر عرف المتشرعة ، وللقطع بكونه من أجزاء الركعة ، فكيف يمكن القول بإتمامه قبل الإتيان به.

وهل يتحقّق إتمام السجود بإتمام الذكر الواجب في السجدة الأخيرة أو برفع الرأس عنها؟ وجهان من حصول الواجب بذلك ، ومن أن السجود لا يتمّ إلى برفع الرأس ، فمع بقائه في السجود يكون باقيا في الركعة ، فلا تتمّ إلا بإتمامه.

رابعها : لو نسي إحدى السجدتين لم يمنع ذلك من إدراك الركعة إذا لم يذكرها قبل الدخول في الركوع ، وكذا الحال في نسيان غيرها من الواجبات لإتمام الركعة إذن بذلك.

غاية الأمر أن يعتبر إدراك مقدار الركعة التامة ، والمفروض حصوله في المقام ، وإن نسي الإتيان بالفعل فيه.

ويحتمل القول بأن وجوب قضاء السجدة كاشف عن نقصان الركعة في شأنه ، فلا يكون مدركا للركعة ، وإنما يتمّ ذلك فيما لا يقضي من الأفعال ، ولو ذكرها قبل الركوع بعد مضيّ الوقت أو لم يسع للرجوع لم يحكم بإدراك الركعة ، وكان الفعل قضاء ، ولا يسقط به وجوب القضاء

ص: 573


1- الحدائق الناضرة 6 / 276.

فيجب عليه الإتمام.

ثم لو تذكر بعد مضيّ محل العود ثم انكشف عدم اتّساع الوقت للركعة لو لا طروّ النسيان ، ففي الحكم بإدراك الركعة وجهان ؛ من أن الركعة في شأن الناسي هو ذلك ، ومن عدم إدراكه لمقدار الركعة التامة كما ينصرف إليها الإطلاق.

ويجي ء في نسيان السجدة الإشكال المتقدم أيضا.

خامسها : إنهم اختلفوا في الصلاة الواقعة كذلك ، فعن كثير من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) والفاضلان (3) والشهيدان (4) والصيمري والمحقق الكركي (5) أنها أداء [ و ] عن الخلاف (6) حكاية الإجماع عليه تارة [ و ] نفي الخلاف عنه اخرى.

وفي جامع المقاصد (7) أنه المشهور.

وذهب السيد - على ما حكاه جماعة - إلى كونها قضاء.

وحكاه في المبسوط (8) عن بعض الأصحاب ، ( وقد حكى منه عن بعض الأصحاب ) (9) أيضا القول بالتعليق. ولا يعرف له قائل معروف.

ونصّ جماعة بأنه أضعف الوجوه. والظاهر أنه لا ثمرة للنزاع في ذلك ؛ لوجوب الإتيان بها في ذلك الوقت ، وإن تقدمتها فائتة اخرى باتفاق من الجميع.

نعم ، يثمر ذلك في النية ، وهو إنما قيّد بناء على وجوب تعيين الأداء والقضاء. وهو بمكان

ص: 574


1- المبسوط 1 / 73.
2- الخلاف 1 / 271.
3- قواعد الأحكام 1 / 250.
4- الذكرى 2 / 256 ، روض الجنان : 178.
5- جامع المقاصد 2 / 297.
6- الخلاف 1 / 272.
7- جامع المقاصد 2 / 30.
8- المبسوط 1 / 73.
9- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).

من الوهن.

وكيف كان ، فحجة القول الأول - بعد الإجماع المنقول - ظاهر قوله : « فقد أدرك الوقت » (1) وقوله : « فقد أدرك الغداة تامة » (2).

وأنت خبير بأن ذلك إنما يفيد كون ذلك بمنزلة إدراك الركعة في حصول الامتثال. وأما الأدائية المصطلحة فلا معنى لثبوتها إلا إذا قيل بكون جميع الفعل واقعا في الوقت بأن يقال باستمرار الوقت في شأن المدرك للركعة إلى ما بعد الوقت المضروب.

وهو بعيد جدّا مخالف لظاهر الآية وسائر الأخبار المروية ، بل وما روي في [ ال ] باب ؛ إذ المفروض فيها إدراك ركعة من الوقت ، والحكم بأن إدراكها إدراك لكلّ الوقت. وكأن السرّ فيه أن أصل الصلاة هي الركعة الواحدة على ما يستفاد من بعض الأخبار ، والزيادات الحاصلة فيها من جهة تدارك النقص الحاصل في تلك الركعة حتى أنه أضيف إليها النوافل لتدارك ما وقع من النقص.

وبالجملة إن قضية الروايات الواردة كونها بمنزلة الأداء في الأحكام ، وأما تسميته بالأداء فإنما يتبع الاصطلاح. وظاهره اختصاصه بما إذا وقع جميع الفعل في الوقت المضروب.

وبذلك يظهر ضعف القول بالقضائية ، والقول باختصاص آخر الوقت بآخر الصلاة ، فوقوع أولها فيه قاض بوقوعها خارجا عن وقتها ، فيكون الجميع خارجا عن الوقت ، بيّن الوهن ؛ إذ لا يعرف من الشرع اختصاص أبعاض الفعل بأبعاض الوقت.

ويشهد له ما ورد في المقام لدلالته على وقوع تلك الركعة في الوقت ، وإلّا لم يكن إدراكا لشي ء من الوقت ، وما دلّ على صحة الصلاة بوقوع آخرها في أول الوقت كما مرّ ؛ إذ لو لا ذلك لم يكن ما ذكر إدراكا لشي ء من الوقت بالنسبة إلى ما توقّفه فيه في شي ء من المقامين.

ومما ذكرنا يظهر ضعف القول بالتلفيق أيضا ؛ إذ لم يتعرف من اصطلاحهم إطلاق القضاء والأداء على بعض الفعل ؛ وإنما ظاهر الاصطلاح هو اتّصاف جميع الفعل بأحد الوصفين.

ص: 575


1- المعتبر 2 / 47.
2- الإستبصار 1 / 275 ، باب وقت صلاة الفجر ح 10.

ويجري احتمال التلفيق بناء على ما وجّه به القول المذكور فيما لو أدرك أقلّ من الركعة.

[ و ] الأظهر كما سيجي ء إن شاء اللّه كونه بمنزلة القضاء ، وإن جرى عليه في التسمية قضاء نحو ما ذكرناه ؛ نظرا إلى وقوع بعضها في الوقت.

والحاصل أنه يجري على الأول حكم الأداء ، وعلى الثاني حكم القضاء ، وإن كان هناك مناقشة في التسمية بالنسبة إلى الأمرين من جهة الاصطلاح.

سادسها : لو قصر الوقت عن إدراك الركعة سقط الوجوب. وعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة أنه لا خلاف فيه عندنا. وهو ظاهر الخلاف (1) ومنتهى المطلب حيث حكم بسقوط الوجوب عندنا.

وعن المحقق (2) الميل إلى الوجوب. قال : لو قيل بذلك لكان مطابقا لمدلول الأخبار.

وعن النهاية (3) : يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس.

وقد يحتجّ عليه بإطلاق عدة من الأخبار لدلالتها على وجوب الظهرين بطهرها قبل الغروب ، والعشاءين بطهرها قبل الفجر ؛ لصدق ذلك مع إدراك أقل الركعة أيضا. مضافا إلى الأصل ؛ إذ الميسور ما يؤديه في الوقت لا يسقط بالمعسور ، فيأتي به في الوقت ويكمله بالباقي.

وفيه : أن تلك الإطلاقات منزّلة على صورة إدراك الفعل في الوقت ولو بإدراك الركعة ، كما دلّ عليه غيرها ، كيف ولا قائل في الأصحاب بوجوب (4) الصلاتين بمحض طهارتها قبل الغروب أو الفجر ، مضافا إلى اعتضادها بالأصل وفتوى الأصحاب بل الإجماع المنقول.

ولزوم مراعاة بعض الوقت ممّا لا دليل عليه.

ودعوى عدم سقوط الميسور بالمعسور على إطلاقه ممّا لا دليل عليه ، والروايات الّتي يستند إليها ضعيفه.

ص: 576


1- ليس في ( د ) : « الخلاف ».
2- المعتبر 1 / 240.
3- النهاية 1 / 239.
4- لم ترد في ( ب ) : « بوجوب ... وفتوى الأصحاب ».

ثمّ في شمولها لمثل الصلاة مناقشة ظاهرة.

ثمّ لو قيل بالوجوب حينئذ ففي ثبوت قضاء الجميع خارجا عن الوقت مع تركها فيه ممّا لا دليل عليه ، فحكم الشيخ بلزوم قضاء الفجر ضعيف ، وشمول قوله عليه السلام : « من فاتته » لمثل ذلك إشكال.

سابعها : نصّ (1) جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة (2) في عدة من كتبهما استحباب القضاء إذا أدركت أقلّ من الركعة. وكأنه لإطلاق الأخبار التي أشرنا إليها.

وهو كما ترى إلّا أن يكتفى (3) في ثبوت الاستحباب بمجرد قولهم تسامحا في أدلّة السنن.

ثامنها : الظاهر أنه لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن يبقى ركعة من الوقت ، بل يتضيّق الفعل بتضييق الوقت ؛ أخذا بظاهر التوقيت الوارد في ظاهر الكتاب في الجملة والأخبار الكثيرة ، [ و ] غاية ما يثبت (4) من أخبار الباب إدراك الصلاة بإدراك الركعة ، وهو لا يعطي جواز التأخير إليه ، فلا مقيّد لظاهر تلك الأدلّة.

مضافا إلى ما في الإيضاح (5) : إذا بقي مقدار ثمان تضيّق الوقتان إجماعا.

وقد يحتمل في المقام جواز التأخير لدعوى ظهور الأخبار المتقدمة فيه ؛ إذ ظاهرها كون ذلك بمنزلة إدراك الوقت فيجوز التأخير إليه.

وهو كما ترى.

تاسعها : الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالمضطرّ ، فلو تعمّد المختار التأخير إليه فالظاهر ثبوت الحكم ، وكونه بمنزلة إيقاع جميعه في الوقت وإن عصى في التأخير ، على ما أشرنا إليه.

ص: 577


1- في ( ألف ) : « فعن ».
2- نهاية الإحكام 1 / 314.
3- في ( ألف ) : « يكتفى » بدون « أن ».
4- في ( د ) : « ثبت ».
5- إيضاح الفوائد 1 / 76.

عاشرها : لو بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الإتيان بالصلاة إن أدرك منه مقدار ركعة ( حسب ما مرّ. ولو صلّى في أوّل الوقت فهل يجب عليه الإعادة إذا بقي الوقت ولو مقدار ركعة؟ ) (1) وجهان.

وكذا لو كان البلوغ في أثناء الصلاة ، فهل يقيّد بتلك الصلاة ويتمّها أو يجب عليه قطعها مع ضيق الوقت عن الاتمام والإعادة؟ فعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (2) والمحقق في الشرائع (3) والعلامة (4) والشهيد (5) في جملة من كتبهما وابن فهد والمحقق الكركي (6) وصاحب المدارك (7) وجوب الاستيناف لو بلغ في الأثناء.

وفي المدارك (8) : أنه مذهب الأكثر.

وقد نصّ بعض هؤلاء على بقاء مقدار الطهارة ( وركعة من الصلاة. وقد يستظهر ذلك من إطلاق النهاية والتحرير حيث اعتبر سعة الوقت للطهارة ) (9) إذا بلغ بعد الفراغ من الصلاة.

والمصرّح به في التذكرة (10) فيمن بلغ في الوقت أن اعتبار اتّساع الوقت للطهارة مقصور على ما إذا لم تكن متطهّرا.

وفي كشف اللثام (11) : أنه لا وجه له.

والوجه فيه أنه لو قيل بصحة عباداته لزم القول بالصحة في الطهارة والصلاة ، فكيف

ص: 578


1- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).
2- الخلاف 1 / 271.
3- شرائع الإسلام 1 / 49.
4- مختلف الشيعة 2 / 56.
5- الذكرى 2 / 351.
6- جامع المقاصد 2 / 46.
7- مدارك الأحكام 3 / 96.
8- مدارك الأحكام 3 / 96.
9- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
10- تذكرة الفقهاء 2 / 333.
11- كشف اللثام 3 / 127.

نصّ على لزوم إعادة الصلاة ، ولا وجب القول بالفساد فيهما فكيف يكتفى بالطهارة (1) المتقدمة.

وفيه ما سيجي ء.

ونصّ في المبسوط (2) وموضع من التحرير (3) بأنه يتمّ ما بقي من الصلاة. واحتمله في نهاية الإحكام (4) وظاهره عدم وجوب الإعادة.

وربما يحتجّ له بحرمة قطع العمل ، فهو مأمور بالإتمام ، وهو يقضي بحصول الامتثال.

وضعفه ظاهر.

وعن التذكرة (5) : لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المفسد استحب له أن (6) يتمّ ويعيد بعد ذلك إن كان الوقت متّسعا.

وكأن المقصود فيه استحباب الإتمام بالخصوص إن وجب عنده الإعادة كما هو قضية حكمه بها.

وقد يحمل عليه عبارة المبسوط والتحرير ، فيرجع إلى القول الأول إلا أنّه لا داعي له.

حجة الأول أنه إنما تعلّق به التكليف ( بعد البلوغ فيجب عليه امتثال ما كلّف به وما أتى به أولا إنما كان قبل تعلق الكليف فلا ثمرة له في حصول الامتثال وهو قوي إلا أنا لأظهر ابتناء المسألة على كون عبادات الصبي شرعية مندوبة بحسب الشريعة لتتصف بالصحة الشرعية أو أنها تمرينية محضة فعلى الأول كما هو الأظهر إن كان ما أتى به جامعا لشرائط الصحة قوي الاكتفاء به إذ المطلوب منه إيقاع الصلاة اليومية وقد أتى به على النحو المشروع فصار مسقطا فلا يتعلق به أمر بعد الإتمام حتى يفتقر إلى تحصيل الامتثال لوقوع الفعل منه على الوجه الصحيح ولا يظهر من الشرع مطلوبية إيقاع الصلاة الصحيحة مرتين في المقام ، فالمطلوب منه

ص: 579


1- في ( ب ) : « بطهارة ».
2- المبسوط 1 / 73.
3- انظر تحرير الأحكام 1 / 182.
4- نهاية الإحكام 1 / 314.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 332.
6- في ألف : « لأن » بدلا من : « له أن ».

صلاة واحدة يتصف قبل البلوغ بالندب وبعده بالوجوب.

ولو حصل الوجوب في الأثناء اتصف الفعل بالوجوب بعد اتصافه بالندب ولا داعي إلى الإبطال والإعادة. غاية الأمر أن يعدل بالنية إن قلنا بوجوب نية الوجه ولو في مثل المقام.

وعلى الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب الإعادة عليه بل وتركها والاستيناف لو بلغ في الأثناء وليس ذلك من الإبطال.

ولو سلم فلا نسلم شمول ما دل على المنع منه لمثله كما لا يخفى.

وقد ناقش المحقق الكركي (1) في ابتناء المسألة على ذلك وتبعه صاحب المدارك (2) ، وعلّله في جامع المقاصد (3) بأنه يجب عليه الاستيناف على القولين أما على التمرين فظاهر وأما على المشروعية فلعدم وجوبه عليه قبل البلوغ فلا يجتزى به عن الواجب مضافا إلى عدم تعلق التكليف به بعد فلا يعقل حصول امتثاله.

ومنه يظهر الوجه في تفصيل التذكرة (4) بين الطهارة والصلاة لارتفاع الحدث بالطهارة المندوبة ومعه لا يجب إعادة الطهارة.

وقد عرفت ما فيه إذ تعلق الخطاب بالصلاة مع ذلك غير معلوم بل الظاهر خلافه.

وقضية الأصل عدمه مضافا إلى أن الظاهر من الشرع عدم تعلق الخطاب بصلاتين كذلك حسبما قرّرناه.

ص: 580


1- جامع المقاصد 2 / 46.
2- مدارك الأحكام 3 / 96.
3- جامع المقاصد 2 / 47.
4- تذكرة الفقهاء 2 / 332.

تبصرة: [ في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة ]

اختلف الأصحاب في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة ما عدا الرواتب اليومية في أوقاتها المقررة كالذراع والذراعين بالنسبة إلى نوافل الظهرين بناء على التحديد بهما ، فالمعروف من مذهب المتقدمين على ما يستفاد من كلام جماعة من الأصحاب المنع عنه.

وأسنده في المعتبر (1) إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه. وقد حكى الشهيدان (2) والمحقق الكركي (3) عليه الشهرة بين المتأخرين.

وفي تعليق المدارك (4) : إن الشهرة بالمنع عظيمة. وحكى القول به عن الشيخين (5) والطوسي (6) والحلي (7) والمحقق (8) والعلامة (9) في أكثر كتبه.

وعن الشهيدين (10) والمحقق الكركي (11) والفاضل الأردبيلي (12) وجماعة : الحكم بانعقاد

ص: 581


1- المعتبر 2 / 59.
2- الدروس 1 / 142 ، الذكرى 2 / 336 ، روض الجنان : 184.
3- جامع المقاصد 2 / 23.
4- انظر مفتاح الكرامة 5 / 125 ، حاشية المدارك : 91 ( مخطوط في المكتبة الرضويه ).
5- المقنعة : 141.
6- الوسيلة : 84.
7- انظر السرائر 1 / 199.
8- شرائع الإسلام 1 / 48.
9- قواعد الأحكام 1 / 247.
10- الذكرى 2 / 336 ، مسالك الإفهام 1 / 145.
11- جامع المقاصد 2 / 24.
12- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 42.

النافلة حينئذ. ونصّ بعضهم على الكراهة. وفي الدروس (1) : إن انعقاد النافلة حينئذ.

وفي التذكرة (2) عند بيان حكم التنفل بعد العصر والصبح : لا نعلم خلافا بين المانعين في أن النهي عن الصلاة بعد العصر متعلّق بفعل الصلاة حتى لم يصل لم يكره له التنفل وإن صلّى غيره. ثم قال : وأما النهي بعد الصبح فكذلك.

ويومي ذلك إلى عدم علمه بمخالف في جواز النافلة من غير كراهة قبل فعل العصر.

هذا ، والأظهر بملاحظة الأخبار هو القول بالجواز وانعقاد النافلة إلا إذا تضيق وقت الفريضة.

ويدل عليه المعتبرة المستفيضة المؤيّدة بالأصل بناء على إجراء الأصل في مثل ذلك :

منها : الصحيح عن الرواية التي يروون أنه لا تطوّع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟

قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة ». فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة؟ فقال : « المقيم الذي يصلي معه » (3). وفيه دلالة ظاهرة على جواز التطوع مطلقا قبل إقامة المقيم للجماعة التي يصلي معهم.

ومنها : الموثّق : أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال : « نعم ، في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به فإذا كنت وحدك بدأت بالمكتوبة » (4).

وفيها أيضا كالرواية المتقدمة ) (5) دلالة واضحة على أن مجرد وجود الفريضة في الذمة لا يقضي بالمنع من النافلة أو بمجرد تأخير الفريضة لأجل إدراك الجماعة حكم بتسويغ النافلة.

ومنها : موثقة سماعة : سأله عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت

ص: 582


1- الدروس 1 / 142.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 334.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 384 ، باب الجماعة وفضلها ح 1135.
4- الكافي 3 / 289 ، باب التطوع في وقت الفريضة والساعات التى لا يصلى فيها ح 4.
5- ما بين الهلالين من قوله « بعد البلوغ فيجب .. » إلى هنا غير مذكور إلا في ( د ) ، فاغتنم.

من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة ، وهو حقّ اللّه ، ثم ليتطوّع ما شاء. ألا هو موسّع أن يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت (1) الفريضة ، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها فيكون فضل أول الوقت للفريضة ، فليس (2) بمحظور عليه أن يصلي النوافل في أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت » (3).

وهذه الموثقة بيّنة الدلالة على المقصود ، وحمله على خصوص الرواتب لا شاهد عليه سيّما مع ظهور قوله « ثم ليتطوع ما شاء » في إرادة مطلق النوافل (4) ؛ إذ التزامه لها حدّ معلوم لا يتقدّر بمشيّة الفاعل ، على أنها لو حملت على الرواتب كانت معارضة بالأخبار الكثيرة المشتملة على تحديد الرواتب بالذراع والذراعين والقدم والقدمين ونحوهما.

ومنها : ما دلّ على تقديم النبيّ صلى اللّه عليه وآله نافلة الفجر على أدائها بعد فوتها (5) ووقود عنها ، ففي الصحيح : أن « رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد غلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ثم استيقظ وركع ركعتين ثم صلّى الصبح » (6).

وقد روى بمعناه الشهيد في الذكرى (7) : في الصحيح ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام.

وهو صريح في جواز قضاء النافلة قبل قضاء الفريضة.

ومنها : ما دلّ على تقديم قضاء النافلة على قضاء الفريضة كالموثق : عن رجل نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس؟ فقال : « يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة » (8).

وفي اخرى : « فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا

ص: 583


1- في ( ألف ) : « عن » ، بدل « فوت ».
2- في ( د ) : « وليس ».
3- الكافي 3 / 288 ، باب التطوع في وقت الفريضة ، ح 3.
4- في ( د ) : « نافلة ».
5- في ( د ) : « فوتهما ».
6- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتفل أم لا ، ح (1049) 4.
7- الذكرى 2 / 303 ، والرواية مرويّة عن عبد اللّه بن سنان.
8- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتفل أم لا ، ح (1048) 3.

حتى تبدأ وتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض ما شئت » (1).

وقد دلّت هذه [ على ] جواز الإتيان بالنافلة مع دخول وقت الفريضة وثبوت الغاية في الذمة.

ومنها : ما دلّ على ترجيح صلاة الليل على الاشتغال بالقضاء مع ضيق الوقت ، فروى السيد في رسالة المواسعة عن كتاب حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام : قلت له : رجل عليه دين من صلاة ، قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصلّ صلاة ليلته تلك؟ قال : « يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك » (2).

ومنها : « عليه دين من صلاة » (3) ظاهر في وجوبها عليه ، ولو سلّم الإطلاق ففي ترك الاستفصال كفاية.

ومنها : ما دلّ على جواز قضاء النوافل في (4) وقت الفريضة ، وفي الصحيح : « إن فاتك شي ء من تطوّع الليل والنهار فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر وعند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر » (5).

وفي الخبر : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : يكون عليّ صلاة الليل ، متى أقضيها؟ فكتب إليّ : « في أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار » (6).

وفي صحيحة اخرى ، عن الصادق عليه السلام : عن قضاء النوافل؟ قال : « ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (7).

ص: 584


1- تهذيب الأحكام 2 / 273 ، باب المواقيت ، ح 123.
2- وسائل الشيعة 4 / 286 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء ، ح 9 ونقل هذه الرواية عن كتاب غياث سلطان الورى.
3- وسائل الشيعة 4 / 286 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء لمن عليه فريضة ح 9.
4- زيادة : « في » من ( د ).
5- وسائل الشيعة 4 / 277 ، باب استحباب تعجيل قضاء ما فات نهارا ولو بالليل ، ح 10.
6- الكافي 3 / 454 ، باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها ، ح 17.
7- الإستبصار 1 / 29 ، باب وقت قضاء ما فات من النوافل ، ح (1064) 7.

وورد (1) في غير واحد من الأخبار (2) قضاء صلاة النهار في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار.

و (3) نحوها أيضا روايات اخرى. وفي الجمع دلالة على ما قلنا.

ومنها : الأخبار الدالّة على رجحان نوافل مخصوصة بعد دخول وقت الفريضة في مواضع معيّنة ، وهي كثيرة جدّا ، وربما يدّعى تواترها (4) :

فمنها : ما رواه ابن طاوس في كتاب الاستخارات ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، في بيان نوع من الاستخارة وهي طويلة ، وفيها : « وإن خرجت الرقعة التي لم تكتب على ظهرها شيئا فتوقف إلى أن تحضر صلاة مفروضة ، ثم قم فصلّ ركعتين كما وصفت لك ثمّ صلّ الصلاة المفروضة أو صلاهما بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر ، فإما الفجر فعليك بالايماء .. » إلى أن قال : « وأما العصر فصليها حينها ».

قال : « وكلّما خرجت الرقعة التي ليس فيها شي ء مكتوب على ظهرها فتوقف إلى صلاة مكتوبة كما أمرتك إلى أن يخرج ما تعمل عليه إن شاء اللّه » (5).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام ، ورواه الشيخ مرسلا أنه سئل بعد خلاصه من حبس الرشيد وجائزته له عن سبب ذلك؟ فقال عليه السلام : « رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله ليلة الأربعاء في النوم فقال (6) : يا موسى! أنت محبوس » ، إلى أن قال : « فقال : أصبح صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنا عشر ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة واثنا عشر مرة قل هو اللّه أحد ، فإذا صلّيت منها أربع ركعات

ص: 585


1- في ( ألف ) : « ورد » بدون الواو.
2- بحار الأنوار 80 / 152 ، باب تحقيق في اوقات التى تكره فيها الصلاة ذيل حديث 15 نقلا عن النهاية : 62.
3- في ( ب ) : « أو ».
4- في ( د ) زيادة : « معنى ».
5- نقله في وسائل الشيعة 8 / 71 ، باب استحباب الاستخارة .. بالرقاع وكيفيتها ، ح 3.
6- في ( د ) زيادة : « لي ».

فاسجد وقل .. » وذكر الدعاء (1) ، الخبر.

ومنها : ما ورد من استحباب صلاتي (2) العشاءين مطلقا ، فروى الشيخان في المرسل عن الرضا عليه السلام قال : « من صلّى المغرب وبعدها أربع ركعات ولم يتكلّم حتى يصلّي عشر ركعات يقرء في كلّ ركعة بالحمد وقل هو اللّه أحد كانت عدل عشر رقاب » (3).

وروي أيضا عن بعضهم عليهم السلام صلاة ركعتين بعد المغرب ، وذكر له كيفية مخصوصة مطولة ، قال : « ومن واظب عليه كتب له بكلّ صلاة ستمائة ألف حجة » (4).

وروى الشيخ في المصباح (5) بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرء في الاولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشر مرة ، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد خمس عشر مرة » (6) وذكر له فضيلة جليلة.

وقد ورد في صلاة الغفيلة ما ورد إن جعلناها مغايرة للرواية كما هو.

ومنها : ما روي من التنفّل بين العشاءين في شهر رجب. وروى السيد في مصباح (7) الزائرين (8) عن سلمان الفارسي ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله (9) لكلّ من الليالي من شهر رجب قال : « وفي الخامسة والعشرين عشرين بين العشاءين بالحمد وآمن الرسول السورة حفظه اللّه في نفسه » (10).

وفي كتاب الإقبال نقلا ، عن كتاب روضة العابدين ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من صلّى

ص: 586


1- عيون أخبار الرضا 2 / 74.
2- في ( ب ) : « صلاتين ».
3- الكافي 3 / 468 ، باب صلاة فاطمة سلام اللّه عليها ، ح 4.
4- الكافي 3 / 469 ، باب صلاة فاطمة سلام اللّه عليها ، ح 6.
5- مصباح المتهجد : 107.
6- وسائل الشيعة 8 / 118 ، باب استحباب صلاة ركعتي الوصية بين المغرب والعشاء ، ح 1.
7- في ( ألف ) : « المصباح ».
8- في ( د ) : « الزائر ». انظر المصباح للكفعمى : 525.
9- في ( د ) زيادة : « صلاة ».
10- وسائل الشيعة 8 / 94 ، باب استحباب صلاة كل ليلة من رجب ، ح 1.

المغرب أول ليلة من رجب ثم يصلي بعدها عشرين ركعة يقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد مرة ، ويسلّم بين كل ركعتين حفظه اللّه (1) في نفسه وماله وأهله وولده ، وأجير من عذاب القبر ، وجاز على الصراط كالبرق الخاطف من غير حساب » (2).

وروى العلامة في إجازته لبني زهرة بإسناد ذكره عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وكذا ابن طاوس (3) مرسلا عنه فضيلة صوم رجب وليلة الرغائب منه. قال : ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد يقوم يوم الخميس أول خمس (4) من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنى عشر ركعة .. » إلى أن قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : والذي نفسي بيده لا يصلّي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ويشفع يوم القيامة (5) سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار » (6).

ومنها : ما روي من التنفّل بين العشاءين في شهر شعبان ، فروى السيد في الأمالي (7) ، والكفعمي في المصباح (8) ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله صلاة لكلّ ليلة منه ، قال : « في الخامسة عشر أربعا بين العشاءين بالحمد والتوحيد عشرا .. » (9) وذكر دعاء بعدهما وذكر فضله.

ومنها : ما رواه الشيخ في صلاة الهدية للوالدين بعد العشاءين ، فروى الشيخ عن ابن مسعود ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من صلّى ليلة الخميس بين المغرب والعشاء الآخرة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس مرات وقل هو اللّه أحد وقل يا أيها

ص: 587


1- في ( د ) : « حفظ واللّه ».
2- إقبال الاعمال 3 / 178.
3- إقبال الأعمال 3 / 185.
4- في ( د ) : « خميس ».
5- في ( د ) زيادة : « في ».
6- وسائل الشيعة 8 / 98 ، باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب ، ح 1.
7- في ( د ) : « الإقبال ».
8- المصباح للكفعمى : 540.
9- وسائل الشيعة 8 / 101 ، باب استحباب صلاة كل ليلة من شعبان وكيفيتها ، ح 1.

الكافرون والمعوذتين كلّ واحد منها خمس مرات ، فإذا فرغ من صلاته استغفر اللّه خمس عشر مرة وجعل ثوابه لوالديه ، فقد أدّى حقّ والديه » (1).

ومنها : ما روي من الصلاة بين الظهرين ، فروى الشيخ عن ابن مسعود عنه صلى اللّه عليه وآله : « من صلى يوم الخميس ما بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة ، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد مائة مرة .. » إلى أن قال : « لا يقوم من مقامه (2) يغفر اللّه له البتة » (3).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا أيضا ممّا يقف عليه المتتبّع في الآثار ، وكلّها تشهد بجواز تلك الصلاة مع دخول وقت الفريضة.

وبها يضعّف ظاهر القول المشهور من المنع المطلق ، على أن فيها إشارة إلى جواز النافلة مطلقا مع دخول وقت الفريضة ؛ إذ لا يظهر من شي ء منها خصوصية الجواز (4) بالصلاة المذكورة ، ولو كان كذلك لقضى المقام بالإشارة إليه ، مع أنه لا إشارة إليه في شي ء منها.

مضافا إلى الروايات المطلقة الدالّة على استحباب صلاة معيّنة أو مطلقة كصلاة الاستخارات والزيارات وقضاء الحاجات ونحوها الشاملة بإطلاقها لأوقات الفرائض وغيرها.

حجة القول بالمنع عدّة من الروايات المستفيضة المشتملة على عدّة من الصحاح وغيرها ، وقد انتهت عدّة منها إلى زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، ففي الصحيح عنه عليه السلام قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر أنهما من صلاة الليل ثلاثة عشر ركعة صلاة الليل أتريد أن يقايس لو كان عليك من شهر رمضان؟! أكنت تتطوع إذا دخل

ص: 588


1- مصباح المتهجّد : 256.
2- في ( د ) زيادة : « حتى ».
3- وسائل الشيعة 88 / 178 ، باب استحباب صلاة كل يوم وليلة من الاسبوع وكيفيتها ، ح 16.
4- في ( د ) : « للجواز ».

عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (1).

وفي الصحيح الاخرى عنه عليه السلام : « .. (2) رجل صلّى صلاة بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ فقال : « يقضيها إذا ذكرها .. » إلى أن قال : « ولا تتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة » (3).

وفي صحيحة له ثالثة رواها الحلي في المستطرفات عن كتاب حريز : « لا تصلّ من النافلة شيئا في وقت فريضة ، فإنه لا يقضي نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (4).

وفي صحيحة له رابعة رواها الشهيد عنه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » (5).

وفي الصحيحة له خامسة عنه صلى اللّه عليه وآله : اصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : « لا إنه لا يصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان ذلك (6) أن تتطوع حتى تقضيه؟ » قال : قلت : لا. قال : « فكذلك الصلاة ». قال : فقايسني وما كان يقايسني (7).

ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن الصادق عليه السلام : عن الرجل ينام عن الغداة حتى تنزع الشمس ، أيصلي حتى يستيقظ أو يفطر حتى تبسط الشمس؟ فقال : « يصلي حتى يستيقظ ». قلت : الوتر أو يصلي الركعتين؟ قال : « بل يبتدأ بالفريضة » (8).

ص: 589


1- الإستبصار 1 / 283 ، باب وقت ركعتي الفجر ، ح 5.
2- في ( د ) زيادة : « في ».
3- الكافي 3 / 292 ، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها ، ح 3.
4- مستطرفات السرائر : 586.
5- وسائل الشيعة 4 / 285 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء ، ح 6.
6- في ( د ) : « لك ».
7- روض الجنان : 184.
8- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتقل أم لا ، ح (1047) 2 باختلاف.

ومنها : موثقة محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام قال : قال لي رجل من أهل المدينة بأبي جعفر : مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقال : « إنّا أردنا نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع » (1).

ومنها : حسنة نجية عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : تدركني الصلاة أو يدخل وقتها على فائدة بالنافلة؟ قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ولكن ابدأ بالمكتوبة اقض النافلة » (2).

ومنها : رواية الخصال ، بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال : « لا يصلي الرجل نافلة في وقت فريضة إلا من عذر ، ولكن يقضي بعدها ذلك إذا أمكنه القضاء ، قال اللّه تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (3) » (4) إلى أن قال : « لا يقضى النافلة في وقت فريضة ابدأ بالفريضة ثم صلّ ما بدا لك » (5).

ومنها : رواية أديم بن الحرّ ، عن الصادق عليه السلام : « لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت الفريضة » ، قال : قال : « إذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها » (6).

ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي ، عنه عليه السلام أيضا : « إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع » (7).

مضافا إلى اعتضاد هذه الأخبار المستفيضة بعمل كثير من المتقدمين وتلقّيهم لها بالقبول ، وشهرة العمل بمضمونها.

وقد يؤيّد أيضا بالأصل بناء على ما ذهب إليه جماعة من المحقّقين من كون العبادات

ص: 590


1- الإستبصار 1 / 252 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ( ح 906 ) 33.
2- تهذيب الكلام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 120.
3- المائدة : 4.
4- في ( د ) : « الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ » المعارج : 23.
5- الخصال : 628 وفيه عن صلاتهم دائمون.
6- تهذيب الأحكام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 121.
7- تهذيب الأحكام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 119 باختلاف.

أسامي للصحيحة ؛ إذ الأصل على هذا القول في كل ما يشكّ في شرطيّته أو مانعيّته أن يكون شرطا في الظاهر مانعا عن الصحة ، فحينئذ إذا شكّ في مانعية دخول وقت الفريضة لصحة النافلة ، فلا ينبغي البناء على الفساد إلى أن يعلم انتفاء المانع ... (1).

ص: 591


1- في ( د ) : « بياض الاصل في النسخة ». وليس في النسخ الأخرى.

ص: 592

فهرس المواضيع الجزء الثاني

البحث الثالث في شرائط الوضوء... 5

تبصرة - في اعتبار البدء من الأعلى في الغسلات الثلاث... 5

تبصرة - في اعتبار المباشرة في الأفعال... 13

تبصرة - في مراعاة الترتيب... 16

تبصرة - في اشتراط الموالاة... 20

تنبيهات... 23

تبصرة - في اشتراط طهورية ماء الوضوء... 25

تبصرة - في اشتراط جواز التصرف في الماء... 29

تبصرة - في اشتراط إباحة المكان... 32

تبصرة - في طهارة أعضاء الوضوء... 34

تبصرة - في اشتراط الإسلام والإيمان... 36

البحث الرابع في مندوبات الوضوء ومكروهاته... 38

تبصرة - في بعض مندوباته... 38

البحث الخامس في الوضوء الاضطراري... 41

تبصرة - في وضوء مقطوع اليد... 41

تبصرة - في وضوء التقيّة... 44

المقام الأوّل : في جواز إتيان الفعل على غير النحو المشروع من جهة

ص: 593

التقيّة... 44

المقام الثاني : في أجزاء الفعل المعمول على جهة التقيّة وعدمه... 46

تبصرة - في عدم التمكن من إيصال الماء إلى تمام العضو... 49

تنبيهات... 53

تبصرة - في وضوء المسلوس والمبطون... 58

البحث السادس : في اللواحق... 63

تبصرة - في الشك في أفعال الوضوء... 63

تنبيهات... 66

تبصرة - في الشك في تأخّر الطهارة أو الحدث... 73

تبصرة - في الشك في كون الناقض أصغر أو اكبر... 78

تبصرة - في الخلل... 79

الباب الثالث : في الغسل... 81

الفصل الأوّل : في غسل الجنابة... 82

البحث الأوّل : في بيان ما يتحقّق به الجنابة... 82

تبصرة - في تحقق الجنابة بالإنزال... 82

تنبيهات... 83

تبصرة - في تحقق الجنابة بإدخال الحشفة... 94

البحث الثاني : في غايات غسل الجنابة... 100

تبصرة - فيما حرّم على الجنب... 100

تبصرة - في تحريم قراءة العزائم... 101

تبصرة - في حرمة اللبث في المساجد على الجنب... 104

تنبيهات... 106

تبصرة - في تحريم وضع شي ء في المساجد... 110

ص: 594

تبصرة - في مسّ كتابة القرآن واسم اللّه تعالى... 112

تبصرة - في تغسيل الجنب ليلا لأجل الصوم... 115

تبصرة - في المكروهات على الجنب... 121

البحث الثالث : في بيان كيفية غسل الجنابة من واجباتها ومندوبها وما يتعلّق بها... 132

تبصرة - في كيفية الغسل... 132

تبصرة - في الغسل الارتماسي... 137

تبصرة - في غسل البشرة والتخليل... 140

تبصرة - تنبيهات حول الارتماس... 143

تبصرة - في سائر شرائط الغسل... 147

تبصرة - في الاستبراء قبل الغسل... 150

تبصرة - في التسمية على الغسل... 154

تبصرة - في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء... 156

البحث في بيان الأغسال المسنونة... 162

تبصرة - في غسل الجمعة... 163

تبصرة - في وقت غسل الجمعة... 169

تبصرة - في قضاء الغسل... 175

تبصرة - في تقديم غسل الجمعة... 180

تبصرة - في غسل عيد الفطر وعيد الأضحى... 184

تبصرة - في الأغسال المكانية... 198

تبصرة - في الأغسال الفعلية... 200

تنبيهات... 215

تبصرة - في الأغسال السببيّة... 217

ص: 595

تبصرة - في الاغتسال لقتل الوزع... 221

تبصرة - في الاغتسال لرؤية المصلوب... 223

تنبيهات... 224

تبصرة - في غسل مسّ الميت... 227

تبصرة - في تأخّر الأغسال السببية... 231

تبصرة - في تجديد الغسل... 232

تبصرة - في مشروعية الغسل بأحد أسبابها... 234

تبصرة - في امتداد وقت الأغسال... 236

الباب : في التيمّم... 239

تبصرة - في أسباب التيمّم وغاياته... 240

تنبيهات... 244

الفصل الثاني : فيما يسوغ التيمّم معه ويوجب انتقال الحكم من الوضوء والغسل إليه... 246

تبصرة - في عدم وجود الماء... 246

تنبيهات... 248

تبصرة - في عدم الوصول إلى الماء... 263

تبصرة - في خوف الضرر من استعمال الماء... 272

تتمة في القروح والجروح... 279

تبصرة - في المرض المسوغ للتيمّم... 282

تبصرة - في خوف العطش لو استعمل الماء الطهارة... 285

تنبيهات... 287

الفصل الثالث : في بيان الأمور التي يصحّ معها التيمّم مع الاختيار أو الاضطرار... 291

ص: 596

تبصرة - في التيمّم على الأرض... 291

تتميم... 297

تبصرة - التيمّم بغبار الثوب ونحوه... 306

تبصرة - في واجد الثلج دون غيره... 313

تبصرة - في اشتراط طهارة التراب... 317

تبصرة - في التيمّم بالمغصوب... 320

تبصرة - في التيمّم بالممتزج... 324

تبصرة - في فاقد الطهورين... 326

الفصل الرابع : في بيان كيفية التيمّم... 332

تبصرة - في النيّة... 332

في قصد البدلية... 335

تبصرة - في ضرب اليدين على التراب... 339

تبصرة - في الضرب على الأرض... 342

تبصرة - في علوق المسح... 345

تبصرة - في عدد الضربات... 350

تبصرة - في مسح الوجه... 360

تبصرة - في التيمّم قبل الوقت... 364

تنبيهات... 368

الباب الخامس : في أحكام الأموات... 370

المقدمة : في بيان أحكام المرض والاحتضار... 370

تبصرة - في الصبر على المرض... 370

تبصرة - في عيادة المريض... 379

تبصرة - في الوصية... 387

ص: 597

تبصرة - في التوبة والإنابة... 392

تبصرة - في توجيه المؤمن إلى القبلة حال الاحتضار... 395

تنبيهات... 400

تبصرة - في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه... 409

تبصرة - في نجاسة الدم... 414

تنبيهات... 415

تبصرة - في نجاسة الكافر وأقسامه... 418

تبصرة - في حكم سائر الكفّار... 422

تبصرة - فيما يعفى عنه نجاسته... 424

تبصرة - في نجاسة ثوب المرأة المربّية... 428

تنبيهات... 430

تبصرة - في نجاسة ملاقي الملاقي... 434

تبصرة - في أصالة الطهارة... 441

فروع... 449

تنبيهات... 451

فصل : في بيان المطهّرات... 456

تبصرة - في الاكتفاء بالمرة في غسل الأشياء... 456

تنبيهات... 461

تبصرة - في اعتبار العصر... 465

تنبيهات... 469

كتاب الصّلاة

كتاب الصلاة... 473

ص: 598

الباب الأول : في اليومية... 475

الفصل الأول : في المقدمات... 475

القول : في الوقت... 475

تبصرة - في وقت الفرائض اليومية... 476

تبصرة - في وقت الظهر... 485

تبصرة - في وقت العصر... 495

تبصرة - في وقت المغرب... 501

تبصرة - في وقت العشاء... 506

تبصرة - في وقت الفجر... 519

تبصرة - في معرفة الزوال... 526

تبصرة - في معرفة المغرب... 529

تبصرة - في الحمرة... 536

الثاني : في بيان الأحكام... 538

تبصرة - في اليقين بدخول الوقت... 538

تبصرة - في التعويل على الظن مع عدم تمكن العلم... 543

تبصرة - في الصلاة قبل دخول الوقت... 548

تبصرة - في إدراك المكلّف من أول وقت الصلاة بمقدار الأداء... 557

تبصرة - في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة... 565

تتمّة... 570

تبصرة - في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة... 581

فهرس المواضيع... 593

ص: 599

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.