تبصرة الفقهاء المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-000-6

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الأول

تحقيق: السيد صادق الحسيني الأشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج1)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

تقديم

اشارة

بقلم العلّامة الفقيه الشيخ هادي النجفي

من آل العلّامة التقي مؤلّف الكتاب

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي فضّل مداد العلماء على دماء الشهداء ، والصلاة والسلام على مبلّغ رسالات اللّه محمّد المصطفى ، وعلى آله الأمجاد الأطهار.

أما بعد ، فإنّ سماحة العلّامة الثاني ، والمحقّق الكبير ، والأصولي المدقّق ، والفقيه النبيه ، آية اللّه العظمى الشيخ محمّد تقي الرازي النجفي الأصفهاني قدس سره المتوفى عام 1248 صاحب كتاب « هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين » معروف في أندية العلم وعند أهله وهو غنيّ عن التعريف والتبجيل (1).

أذكر لك بعنوان النموذج كلام العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره المتوفى عام 1377 في كتابه « بغية الراغبين » في شأنه قال : الشيخ محمّد تقي ، فقد كان آية من آيات اللّه المحكمة ، وحجّة من حججه البالغة ، يمثل أئمة أهل البيت عليهم السلام في هديهم ، ويصدع بأمرهم ونهيهم ، بحر علم من بحار علومهم المحيطة ، وعلما راسخا جعله اللّه من أوتاد البسيطة ، وله في خدمة الدين والمؤمنين سيرة شكرها اللّه له ورسوله ... وحين رجع إلى اصفهان شمر

ص: 5


1- كتبت ترجمته في كتابي « قبيله عالمان دين » ( 39 - 11 ) وفي المقدمة التي كتبتها على كتابه « رساله صلاتيه » ( 43 - 24 ) وكلاهما باللغة الفارسية فراجعهما إن شئت.

لنشر العلم عن ساقه وحسر لتربية طالبي العلم عن ساعده ، فكانت حوزته منهم تقارب ثلاث مائة من الفضلاء والأجلّاء وله في تخريج المجتهدين غاية تتراجع عنها سوابق الهمم ، وله في التأليف عزيمة قلّ نظيرها ... وحسبك من آثاره الخالدة « هداية المسترشدين في شرح معالم الدين » وغيرها من الكتب الممتعة في الفقه والأصول ... » (1).

وله كتاب في الفقه الاستدلالي المسمى ب- « تبصرة الفقهاء » لم يطبع حتّى الآن وهو هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم ويرى النور لأول مرّة.

ونسرد هنا بعض ما قاله الأعلام حول الكتاب :

الأقوال حول الكتاب

1 - قال في الروضات : « وله أيضا كتاب في الفقه الاستدلالي كبير جدّا كان يشتغل به ايام تشرّفنا بخدمته المقدسة الّا انّه بقى في المسودات ولم يدوّن منه مجلد بعد » (2).

2 - قال صاحب الروضات في كتابه الآخر الموسوم ب- « علماء الأسرة » في ذكر أساتيده وترجمة شيخنا المؤلّف : « له أيضا في الفقه كثير لم يدوّن ... » (3).

3 - وقد نقل تلميذه آية اللّه المجدّد الشيرازي في تقريرات بحثه الشريف عن فقه أستاذه شيخنا المؤلّف وقال : « وقد ذهب بعض من المحققين من متأخري المتأخّرين في فقهه - على ما حكي عنه - إلى كون الاجازة كاشفة ، والتزم باللازم الأوّل ، وهو جواز تصرّف الأصيل ، وظهر ما فيه ممّا بيّنّا » (4).

ثم جاء في هامش الأصل : « وهو الشيخ محمّد تقي - قدس سره - على ما حكي عنه » (5).

ص: 6


1- بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين 1 / 155.
2- روضات الجنات 2 / 124.
3- علماء الأسرة : 180.
4- تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 2 / 282.
5- تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 2 / 282.

4 - ونقل حفيد المؤلّف ، العلّامة آية اللّه الشيخ محمّد تقي آقا النجفي الأصفهاني المتوفى عام 1332 في كتاب الطهارة من فقه الإمامية أربع مرّات عن جده قال : « قال جدي العلّامة رحمه اللّه وكأنّه مبنيّ على نجاسة البئر أو على استكراه منه ، فيوجب الضرر على الناس أو كان في وقوعه إفسادا للماء بوجه آخر كإفساده بالتغيير مع كون الماء ملكا للغير أو كونه في تصرّفهم أو وقفا يوجب ذلك الإضرار بالموقوف عليهم فلو خلي عن جميع ما ذكر فالظاهر وجوب النزول أخذا بإطلاق الوجدان » (1).

ثم اختاره وقال : « هذا هو الأقوى » (2).

5 - وقال حفيده أيضا في كتاب الطهارة : « قد وقع الخلاف بين الأصحاب في أنّ الانتقال إلى التيمّم في هذا الباب هل يختصّ بمن لم يتعمّد في الجنابة على الحال المذكور أو يعمّ من تعمّده على أقوال : أحدها : عدم الفرق بينهما ، والظاهر أنّه المعروف بين الأصحاب كما نصّ عليه بعضهم ، وإليه ذهب جدّي العلّامة رحمه اللّه ... » (3).

6 - وهكذا نقل : « نفي الخلاف من أصحابنا » عن جدّه العلّامة في مسألة أنّ خوف العطش من أسباب العجز عن استعمال الماء في الطهارة فينتقل إلى التيمم (4).

7 - وقال : « إنّه ذكر جدّي العلّامة طاب ثراه بأنّ الجاهل بالحكم كالعامد إلّا مع الجهل الذي يكون عذرا كالجاهل المطلق الغافل عن المسألة أو المعتقد للإباحة بحيث لا يحتمل الخلاف ليجب عليه السؤال » (5).

8 - واستدرك ابن حفيده الآخر العلّامة آية اللّه أبي المجد الشيخ محمّد الرضا النجفي الأصفهاني طاب ثراه على كلام صاحب الروضات بأن « له كتاب في الفقه الاستدلالي » قال : « خرج منه كتاب الطهارة ، وهو في الفقه كالهداية في الأصول ، وله شرح كتاب الوافي

ص: 7


1- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة ، المطبوع عام 1299 ه. ق على الحجر : 416.
2- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة ، المطبوع عام 1299 ه. ق على الحجر : 416.
3- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 426.
4- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 429.
5- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 448.

على ما نقل لي والدي طاب ثراه ... » (1).

9 - وقال ابن حفيده العلّامة الشيخ محمّد باقر ألفت ابن آية اللّه آقا النجفي الأصفهاني المذكور ما ترجمته بالعربية : « وأيضا صنف كتابا في علم الفقه ولكن ما رأيته » (2).

10 - وذكر هذا الكتاب صاحب الذريعة (3). وقال في الكرام البررة في ترجمة المؤلّف : « كتاب الطهارة ، قال في التكملة : رأيته وهو في غاية التحقيق يبلغ قدر طهارة المعالم ، وله شرح طهارة الوافي للفيض من تقرير أستاذه السيّد مهدي [ بحر العلوم ] ... » (4).

11 - وقال العلّامة الشيخ محمّد على المعلّم ما ترجمته بالعربية : « ... وله كتاب كبير في الفقه الاستدلالي لم يخرج من المسودّة » (5).

12 - وذكر الكتاب العلّامة المؤرّخ السيّد مصلح الدّين المهدوي رحمه اللّه في كتابه في ترجمة المؤلف وآله الأمجاد المسمى ب- « بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية » (6).

13 - وقال والدنا العلّامة آية اللّه الشيخ مهدي مجد الإسلام النّجفي قدس سره في مقدمته على هداية المسترشدين : « وجدنا نسخة كتاب فقه صاحب الهداية في قريب من خمسمائة صفحة (7) سمّي ب- « تبصرة الفقهاء » وفيه جلّ مسائل الطهارة وبحث مواقيت الصلاة وبعض الزكاة وقسم من البيع. وهذا الكتاب « تبصرة الفقهاء » في الفقه ، كالهداية في الأصول ... » (8).

14 - وقال العلّامة المحقّق السيّد أحمد الحسيني الإشكوري مدّ ظلّه في ترجمة المؤلّف المطبوعة في أوّل الهداية : « اشتغل الشيخ في أيام الدراسة والطلب بالفقه والأصول

ص: 8


1- أغلاط الروضات : 10 ، طبع عام 1368 ق في طهران.
2- خاندان من : 8 من المخطوطة.
3- الذريعة 16 / 283 الرقم 1228.
4- الكرام البررة 1 / 217.
5- مكارم الآثار 4 / 1331.
6- بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية أو تاريخ علمي واجتماعي اصفهان در دو قرن اخير 1 / 168.
7- أي من المخطوطة.
8- مقدمة هداية المسترشدين 1 / 30.

معا ، ثم درّس فيهما طيلة حياته ممارسا لهما معا وفاحصا عن أدلّتهما سوية ، ولذا نراه في كتابه تبصرة الفقهاء مستوعبا لجوانب المسائل الفقهية كما هو الحال في كتابه الهداية المسترشدين. لم يوفّق الشيخ إلى إكمال الشوط لكلّ أبواب الفقه في كتابه تبصرة الفقهاء ، بل كتب منه نبذا من كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والبيع ، وبهذه النبذ دلّنا على قوّة عارضته في الاجتهاد الفقهي ، وتسلّطه على الأقوال والآراء ، وقدرته الفائقة على نقدها وتمحيصها ، ثم لباقته الممتازة في عرض الأدلة من الكتاب الكريم والسنّة المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام واستخراج الحكم الأوفق بها.

نرى شيخنا الفقيه عند ما يتعرّض لموضوع ما ، يبدأ بما ذكره اللغويون مع الجرح والتعديل لما ذكروه وتطبيقه بالذوق العرفي ، ثم يستعرض أهم الآراء لكبار الفقهاء ويتناولها بالفحص والنقد العلمي ، ثم يأتي بالأدلة الفقهيّة من الآيات والأحاديث ، ويسندها بما يؤدّي إليه نظره ، ويستخرج بالتالي فتواه غير مشوبة بالضعف على الأغلب ، وبهذه الطريقة المتأنية يدلّنا على تمكّنه من الاجتهاد ويعرّفنا الطريقة الصحيحة للاستنباط » (1).

15 - وقد ذكرت الكتاب في ترجمة المؤلف في كتابي المطبوع « قبيله عالمان دين » (2) فراجعه إن شئت.

والآن أقول : قد كتب مؤلفنا الفقيه الكبير كتاب الطهارة من الكتب الفقهية ثلاث مرات :

أحدها : في ضمن كتابه هذا تبصرة الفقهاء ، وسيأتي منّا ذكر نسخه.

ثانيها : كتاب الطهارة ، ألّفها مستقلا ، وقد طبعت الصفحة الأولى منها بخطّه الشريف في كتابي « قبيله عالمان دين » (3).

ثالثها : شرح كتاب الطهارة من الوافي الشريف من تقرير بحث أستاذه آية اللّه السيّد مهدي بحر العلوم النجفي قدس سره وقد عرّفه العلّامة الطهراني قدس سره في ثلاثة مواضع من الذريعة في

ص: 9


1- ترجمة المؤلف في هداية المسترشدين 1 / 44.
2- قبيله عالمان دين : 22.
3- قبيله عالمان دين : 28.

4 / 374 بعنوان التقريرات و 13 / 366 بعنوان شرح طهارة الوافي و 14 / 165 بعنوان شرح الوافي.

تنبيه

وقد كتب العلّامة الفقيه المتتبّع السيّد جواد العاملي المتوفى عام 1226 صاحب مفتاح الكرامة نفس هذه التقريرات من السيّد بحر العلوم قدس سرهما ، وقد عرّفها العلّامة السيّد حسن الصدر في التكملة وقال : « له كتاب شرح طهارة الوافي تقرير درس السيّد بحر العلوم لم يتم » (1).

وقد عرّفها صاحب الذريعة في ثلاثة مواضع من الذريعة 4 / 374 و 13 / 366 و 14 / 165.

وأما تبصرة الفقهاء

هذا المؤلّف الجليل يشمل على أكثر أبحاث كتاب الطهارة وبحث أوقات الصلاة وقسم من الزكاة وبعض أبحاث كتاب البيع. وبحث طهارته يستوعب قريبا من نصف الكتاب يمكن أن يستظهر من صاحب الروضات انّ المؤلّف دوّنه حين تدريسه حيث يقول : « كان يشتغل به أيام تشرّفنا بخدمته المقدسة » (2).

ولكنه مع الأسف لم يدوّن ولمّا يطبع إلى الحين.

وأحسن مقال في حق الكتاب كلام جدنا العلّامة أبي المجد الشيخ محمّد الرضا النجفي الأصفهاني حيث قال : « وهو في الفقه كالهداية في الأصول » (3).

ص: 10


1- تكملة أمل الآمل : 127.
2- روضات الجنات 2 / 124.
3- أغلاط الروضات : 10.

وبعبارة اخرى : يدلّ الكتاب بأحسن وجه على قوة استنباط مؤلّفه وقدرة اجتهاده وكيفية وروده وخروجه في المسائل الفقهية وآرائه المتكاملة وتسلّطه على الأقوال وقدرته على نقدها وتمكّنه من الجمع بين الروايات المتعارضة بالذوق الفقهي السليم ، وبالجملة استخراج الأحكام الالهية من مداركها.

نسخ الكتاب

بالرغم من عدم تدوين الكتاب على يد مؤلّفه الفقيه ، بعد الفحص التام وجدنا عدة نسخ من هذا الكتاب الشريف ، وأكثرها بأيدينا في عمليّة التحقيق والطبع.

منها : نسخة مكتبة ابن عمّتنا العلّامة المحقّق ، سادن تراث الإماميّة ، آية اللّه السيّد محمّد على الروضاتي مدّ ظلّه العالي - وهو من أعلام بيت المؤلّف - باصفهان أرسل إلينا نسخة كتاب تبصرة الفقهاء ، وكانت بأيدينا أكثر من عامين ، أشكره وأدعوا له بالصحة والعافية وطول العمر ، فإنّه من ذخائر العصر.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه السيّد عبد الحسين سيّد العراقين ( 1350 - 1294 ) باصفهان في أكثر من مأئة صفحة وهي قطعة من الكتاب في ضمن مجموعة ، دلّنا على وجودها العلّامة الروضاتي ، وتمكنت من أخذ صورتها بإجازة حجة الإسلام والمسلمين السيّد ابراهيم مير عمادي سيد العراقين دامت بركاته نجل مؤسس المكتبة ، أشكره وأدعوا للابن بطول العمر والعافية وللأب بالمغفرة والرحمة.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه المرعشي بقم المقدسة بالرقم 4883 والمفهرس في فهرسها 13 / 64 باسم العناوين. ولكن الصحيح أنّه نفس هذا الكتاب ولذا جاء في عطفه عنوان « التبصرة » وهي بخط ملا مصطفى التفرشي وعليها تملّك السيّد ريحان اللّه الموسوي. أشكر نجل آية اللّه المرعشي سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيّد محمود المرعشي - دامت بركاته - حيث أرسل إلينا صورة من هذه النسخة الشريفة لوجه اللّه تعالى ، سلام اللّه على الوالد وما ولد.

ص: 11

ومنها : نسخة مكتبة كلية الالهيات ( الشهيد المطهري ) في جامعة الفردوسى بمدينة المشهد الرضوي المقدس على ساكنها آلاف التحية والثناء ، وقد عرّفت في فهرس مخطوطها 2 / 222 في ضمن مجموعة بالرقم 1062 [22355] ويجب عليّ أن أشكر إدارة هذه المكتبة العامرة سيّما من مديرها الأستاذ الدكتور محمّد على الرضائي - دامت بركاته - حيث أرسل إليّ صورة هذه النسخة الشريفة خالصا مخلصا لله تعالى وأكرمني بوجه الطلق وخلقه الحسن (1).

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه الشيخ زين العابدين الگلپايگاني ( 1289 - 1218 ) بمدينة گلپايگان بخطه ، وهو من تلاميذ المؤلّف في مجموعة أوّلها : قطعة من تبصرة الفقهاء ، وثانيها : المجلد الثاني من كتاب هداية المسترشدين إلى آخر الكتاب وقد عرّفت في فهرس مخطوطات مكتبته (2).

ومع الأسف بالرغم من كثرة تتبّعي لهذه النسخة وإرسال بعض الأفاضل على إثرها لم أجدها ، واللّه هو العالم بمحلّها وعاقبتها.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه الشيخ رضا الأستادي - دامت بركاته - وقد عرفت في فهرسها (3) بعنوان كتاب الطهارة ، ولكنه في الحقيقة قطعة من تبصرة الفقهاء وأبحاث طهارتها بحسب ما نقل من اوّلها ، لا كتاب الطهارة التي صنفها المؤلف مستقلا. وقد انتقل هذه النسخة إلى مكتبة آية اللّه المرعشي العامة. ولكنها لم تفهرس إلى الآن ولذا لم نتمكن من تصويرها والاستفادة منها.

ص: 12


1- من الجدير بالذكر أنّه دلّنا على نسختي مكتبة آية اللّه المرعشي ومكتبة كلية الالهيات بجامعة فردوسي المشهد ، المحقّق الخبير الأستاذ رحيم قاسمي حيّاه اللّه وبيّاه.
2- فهرست نسخه هاى خطي كتابخانه هاي گلپايگان : 94 الرقم 116 بقلم السيّد جعفر الحسيني الاشكوري.
3- يكصد وشصت نسخه از يك كتابخانه شخصى : 27 بقلم الشيخ رضا الأستادي.

شكر وتقدير

وفي الختام لا بدّ لي أن أشكر المحقّق الجليل الأستاذ السيّد صادق الحسيني الإشكوري - دامت بركاته - حيث حقّق هذا السفر الذي يرى النور لأوّل مرّة بتحقيقه وتصحيحه ، وأدعو له بالتوفيق والتسديد.

صحّح متن الكتاب على أربعة من النسخ التي ذكرتها ، وأنت ترى بداية هذه النسخ ونهايتها قبل شروع الكتاب. وجاء بمتن مصحّح وتحقيق دقيق مع تخريج الآيات والروايات وكثير من الأقوال الواردة فيه.

وأثبت حفظه اللّه تعالى مع هذا التحقيق المنيف أنّ له باعا طويلا في إحياء التراث الفقهي في مكتبة أهل البيت عليهم السلام (1).

* * *

إلى هنا تمت هذه المقدمة بقلم العبد هادي ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ مجد الدين ابن الشيخ محمّد الرضا ابن الشيخ محمّد حسين ابن الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمّد تقي الرازي النجفي الاصفهاني مؤلّف الكتاب - قدّس اللّه أسرارهم - في مساء يوم الثلاثاء غرّة ذي القعدة الحرام عام 1425 يوم ولادة سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة عليها السلام بنت الإمام

ص: 13


1- ساعدني في تصحيح ومقابلة هذا السفر المبارك سماحة الأفاضل : السيد علي المعلم والسيد محمود نريماني والشيخ عباس ملايي ، دامت نشاطاتهم العالية. على أن للسيد نريماني جهدا متواصلا في تخريج أقوال الفقهاء ، فجزاه اللّه خير جزاء المحسنين. وبما أن بدء عملنا كانت مع نسخة ( ألف ) ، وهي نسخة كثيرة الأغلاط وفيها سقط كثير ، وآخر ما وصل إلى أيدينا كانت نسخة ( د ) ، وهي أحسن النسخ وأمتنها ، فتعبنا كثيرا لتطبيق النصوص والهوامش ، وإضافة ما ميّز بها نسخة ( د ) ، إلا أن الوقت قليل ، والوعد لازم الوفاء .. فصار كما بين يدي القارئ الكريم ، ولله الحمد على كل حال. ( المحقق ).

موسى بن جعفر عليهما السلام بمدينة أصبهان ، صانها اللّه تعالى عن الحدثان.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلّى اللّه على سيدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

ص: 14

ترجمة المؤلف

اشارة

مستل من موسوعة

« المفصل في تراجم الأعلام »

للعلامة المحقق

السيد أحمد الحسيني

الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم بيك ( استاجلو ) ابن محمد قاسم الرازي الأيوان كيفي النجفي الأصبهاني (1)

كان والده يعرف ب- « محمد رحيم بيك استاجلو » ، وقد سماه بعض أرباب التراجم « عبد الرحيم » ، ولكن الموجود بخط صاحب الترجمة « محمد رحيم » ، وهو الأشهر الأصح.

عشيرته وأسرته :

ينتهي نسب الأسرة إلى عشيرة تعرف ب- « استاجلو » التي كان لها صلة وثيقة بالسلاطين الصفوية منذ بداية حكومتها في ايران ، وتصدى بعض رجالها وظائف حكومية هامة في أيام الصفويين والقاجاريين كما جاء في تواريخ تلك العصور.

ص: 15


1- الأيوان كيفي نسبة إلى قرية « إيوان كي » أو « إيوان كيف » من قرى ورامين في شرقي طهران ، تبعد عن طهران 71 كم ، اشتهرت بذلك لبناية فيها أثرية قديمة يقال إنها من أبنية سلاطين ايران الكيانية. و « استاجلو » عشيرة كبيرة اتصلت بالأعمال الحكومية منذ سلطنة الشاه اسماعيل الصفوي. ونسبة النجفي لاعتزاز الأسرة بمنشإ صاحب الترجمة العلمي النجف الأشرف ، ولم تزل تعرف بهذه النسبة. وهي تعرف ب- « المسجد شاهي » أيضا نسبة إلى مسجد شاه بأصبهان ، حيث كان علماؤها يقيمون صلاة الجماعة فيه.

أشغل والد الشيخ صاحب الترجمة الحاج محمد رحيم بيك بعض الوظائف الحكومية في « إيوان كيف » ، إلا أنه في سنواته الأخيرة ترك الوظيفة وهاجر إلى العتبات المقدسة بالعراق وأقام بالنجف الأشرف منصرفا إلى العبادة حتى وافاه الأجل في سنة 1217.

جده الأمي الأعلى ميرزا مهدي قلي خان بيكدلي ، كان من سكنة كرمانشاه وأرسله السلطان نادر شاه أفشار إلى النجف لتولي شئون تعمير الصحن العلوي الشريف وتذهيب القبة والأيوان والمنارتين ، فتصدى ذلك وسجل اسمه على القاشي لبعض الكتائب قرب باب الطوسي ، وكان إنجاز هذه المهمة على يده في سنوات 1156 - 1160.

بزغ نجم هذه الأسرة العلمي في أصبهان منذ نحو سنة 1225 ، حيث هاجر الشيخ فيما يقرب من هذا التاريخ من يزد إليها ، واشتهر بالمقام العلمي الرفيع والزهد والتقوى والتف حوله الخاصة والعامة وانتهت إليه الزعامة العلمية والإمامة.

اشتهر من الأسرة علماء مشاهير وفضلاء ذوو الأقدار والمكانة ، كانوا ولم يزالوا موضع احترام العلماء وحفاوة سائر الطبقات المؤمنة في أصبهان وغيرها ، نذكر أسماء بعضهم كنماذج بارزة لا للحصر :

- أخو صاحب الترجمة ، الشيخ محمد حسين الأصبهاني ( ت 1261 ) ، العالم الكبير مؤلف الكتاب السائر في الأوساط العلمية « الفصول الغروية ».

- ابنه الشيخ محمد باقر المسجد شاهي الأصبهاني ( ت 1301 ) ، من أعاظم علماء أصبهان الفقهاء صاحب شرح هداية المسترشدين.

- الشيخ محمد حسين النجفي الأصبهاني ( ت 1308 ) ، من وجوه تلامذة الامام المجدد ميرزا محمد حسن الشيرازي ومؤلف التفسير القيم « مجد البيان ».

- الشيخ أبو المجد الحاج آقا رضا المسجد شاهي الأصبهاني ( ت 1362 ) ، العالم الكبير والأديب الشاعر المشهور ، مفخرة القرن الرابع عشر في العلم والفضل والأدب. -

ص: 16

الشيخ محمد تقي آقا نجفي الأصبهاني ( ت 1332 ) ، حفيد الشيخ وصاحب المؤلفات الكثيرة المطبوعة الذائعة والمتقدم على علماء عصره بأصبهان.

- الحاج آقا نور اللّه النجفي الأصبهاني ( ت 1346 ) ، من تلامذة المجدد الشيرازي والمشارك في النهضة المعروفة بايران.

- الأستاذ محمد باقر النجفي الأصبهاني المعروف بألفت ( ت 1384 ) ، العلامة الأديب الفاضل المشهور.

- الشيخ محمد علي النجفي الأصبهاني ( ت 1318 ).

- الشيخ مهدي بن محمد علي النجفي الأصبهاني ( ت 1393 ) ، صاحب المؤلفات الكثيرة المتجاوزة على العشرين.

- الشيخ جمال الدين النجفي الأصبهاني ( ت 1354 ) ، من أعلام علماء أصبهان وذي المكانة المحترمة في مختلف الأوساط.

- الشيخ محمد اسماعيل النجفي الأصبهاني ( ت 1370 ) ، صاحب المؤلفات الكثيرة التي لا زالت مخطوطة.

- الشيخ مجد الدين الملقب بمجد العلماء النجفي الأصبهاني ( ت 1403 ) ، العالم الجليل الوجيه عند العامة.

يتصل بيت النجفي مصاهرة ببيوتات علمية كبيرة معروفة في الأوساط العراقية والايرانية ، بواسطة : بنت الشيخ جعفر الكبير النجفي صاحب كشف الغطاء المسماة « نسمة خاتون » أو « حبابة » ، وهي زوجة الشيخ صاحب الترجمة ، لعله تزوجها عند سفر الشيخ جعفر إلى أصبهان ، وتوفيت سنة 1295 ودفنت بجوار قبر زوجها في مقبرة « تخت فولاد » (1).

ص: 17


1- ينقل بعض أفاضل الأسرة : أن الشيخ جعفر كاشف الغطاء سأل الشيخ صاحب الترجمة في مجلس الدرس : هل له زوجة؟ فأجاب خجلا بالنفي. فأمر التلامذة بالانتظار وذهب مع تلميذه إلى البيت وقال له : عندي بنتان إحداهما بارعة في الكمال والأخرى في الجمال فاختر أيتهما شئت. فاختار المتسمة بالكمال ، وعاد الأستاذ إلى مجلس الدرس وانتهى المجلس بعقد الزواج بين التلميذ وبنت الأستاذ. يبدو من هذه القصة أن الزواج كان في النجف الأشرف وليس في أصبهان.

والعلوية بنت السيد صدر الدين العاملي ، زوجة الشيخ محمد باقر النجفي.

والعلوية « ربابة سلطان بيكم » بنت السيد محمد علي المعروف بآقا مجتهد حفيد السيد محمد باقر حجة الإسلام الشفتي ، زوجة الشيخ محمد حسين الأصبهاني وأم أبي المجد.

قال الشيخ آقا بزرك الطهراني :

( آل صاحب الحاشية ) بيت علم جليل في أصفهان ، يعدّ من أشرفها وأعرقها في الفضل ، فقد نبغ فيه جمع من فطاحل العلماء ورجال الدين الأفاضل ، كما قضوا دورا مهما في خدمة الشريعة ، ونالوا الرئاسة العامة لا في أصبهان فحسب بل في ايران مطلقا .. ففيهم علماء وفضلاء وأجلاء .. ».

مولده وشي ء عن نشأته :

لم يتعرض أصحاب التراجم لتأريخ ولادة الشيخ ومحلها على التحديد ، إلا أن السيد المهدوي يحتمل أن تكون الولادة نحو سنة 1185 - 1187 في قرية « إيوان كيف » ، حيث كانت مسكن والده قبل هجرته إلى العتبات المقدسة. والسيد الخوانساري صاحب الروضات يصرح أنه انتقل في عنفوان الشباب إلى عتبات الأئمة الأطياب ، وهذا يؤيد كونه ولد في القرية المذكورة.

كان الشيخ أول من انصرف من أسرته عن الوظائف الحكومية على دأبهم واتجه إلى طلب العلم متمحضا فيه تاركا العناوين الدنيوية.

كانت دراسته في الحوزات العلمية بالنجف الأشرف وكربلاء والكاظمية ، فبقي أكثر من اثنتي عشرة سنة في كربلاء قبل وفاة المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني ( ت 1205 ) ، ويذكر المترجمون له من أساتذته الذين درس لديهم في المراحل العالية

ص: 18

واستفاد من علمهم جماعة لم نعرف تفصيل ما تتلمذ لديهم (1) ، وهم :

1 - السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي ، استفاد منه علما وعملا.

2 - الشيخ جعفر صاحب « كشف الغطاء » النجفي ، وله منه إجازة الحديث والاجتهاد ، وصاهره على بنته كما سبق ذكره.

3 - المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني ، وهو أول أساتذته.

4 - السيد علي الطباطبائي الحائري ، صاحب « رياض المسائل ».

5 - السيد محسن الأعرجي الكاظمي ، صاحب « المحصول في علم الأصول ».

6 - الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (2).

يبدو من بعض القرائن في أحوال الشيخ أنه كان ذا جدّ وسعي كبير في تحصيل العلم واكتساب الفضائل أيام الدراسة والتحصيل ، فانه - كما يظهر من قائمة أسماء أساتذته وشيوخه - كان يختار أحسن رجال العلم وأشهر المدرسين المتقدمين في التدريس ، ولو أدى ذلك إلى التنقل في الحوزات العلمية وعدم الاخلاد إلى الاستقرار والطمأنينة في حوزة ما. بهذا وبما نرى من مؤلفاته العلمية المتناهية في الدقة والاحاطة والموقع الدراسي والعلمي الذي حصله زمن الإفادة ، نستشف مدى جهده أيام الطلب وذكائه في تلقي العلوم وتقدمه على كثير من أترابه ومعاصريه.

اضطر إلى الهجرة من العتبات المقدسة إلى إيران على أثر صدمة الوهابيين وابتلائه بمرض القلب ، ولو كان باقيا بها لكان له شأن عظيم أكثر مما حصل له في أصبهان ، ولكن اللّه تعالى يقدر الأمور وليس مما قدر من مفر.

ص: 19


1- نقل المرحوم الحبيب آبادي في مكارم الآثار عن شخص مجهول أن الشيخ صاحب الترجمة أخذ في العرفان وتهذيب النفس من درويش حسن المعروف ب- « درويش كافي » النجف آبادي الأصبهاني.
2- علق السيد المهدوي هنا ما ملخصه : يظهر أن حضور الشيخ لدى الأحسائي لم يكن للاستفادة العلمية بل للوقوف على آرائه وأقواله التي كانت سببا لإقبال جمع عليه وتكفير آخرين له.

الهجرة الى ايران :

هاجر الشيخ من العراق إلى إيران بعد سنة 1216 التي كان فيها واقعة حملة الوهابيين على كربلاء والمجزرة الدامية التي أجروا فيها وهتكوا الحرم الحسيني وظهرت منهم فضائع وجرائم لا يسع المقام شرحها ، ويقال في سبب هجرته كثرة ديونه وابتلائه بمرض القلب واضطراب الوضع في كربلاء والنجف بسبب الحملة الوهابية عليهما.

ربما كانت الهجرة بعيد وفاة والد الشيخ في سنة 1217 ، حيث التقى في هذا التأريخ بالميرزا أبى القاسم الجيلاني القمي صاحب « قوانين الأصول » في قم.

قصد أول دخوله إيران زيارة الامام الرضا عليه السلام ، بعد أن بقي في قم أياما ، فنزل بالمشهد في بيت الحاج ميرزا داود الخراساني الأصبهاني الذي كان من أجلاء فضلاء المدينة ( ت 1220 ) ، وأقام في ضيافته لمدة أربعة عشر شهرا بكل تجلة واحترام ، وكان الميرزا يدرس لديه في هذه المدة علم الفقه والأصول ، ويذكرون أنه أدى كل ديون شيخه البالغة في ذلك الوقت ألف تومان.

ثم انتقل من المشهد الرضوي إلى يزد ، واشتغل فيها بتدريس الفقه والأصول العاليين ، واجتمع عليه طلاب العلوم الدينية للاستفادة من علمه وفضله.

بعد بقاء مدة في يزد - لا نعلم مقدارها بالتحديد ويقال إنها كانت نحو سنة واحدة - انتقل الشيخ إلى أصبهان مهد العلم يومذاك ومجمع كبار العلماء والفحول ، وكان ذلك نحو سنة 1225 احتمالا ، فاحتفى به العلماء والطلاب وبقية الطبقات المؤمنة ، وبقي بها إلى حين وفاته معززا مكرما.

كان الشيخ - كما علمنا مما سبق - موضع حفاوة العلماء والطلاب أينما حلّ وحيثما ارتحل ، يهتم بالتدريس وإفادة الطلاب مما رزقه اللّه تعالى من العلم والدراية ، حريصا على وقته أن يضيع فيما لا طائل تحته ، وعلى علمه أن لا يؤدي زكاته بتعليم الآخرين ، وبهذا كان منبعا فياضا أينما أقام ومأسوفا عليه حيث انتقل.

ص: 20

الاقامة بأصبهان :

أول ما ورد الشيخ المترجم له مدينة « أصبهان » ، سكن في محلة « أحمدآباد » ، وهي من المحلات القديمة بهذه المدينة.

كوّن بعد استقراره حوزة تدريسية في مسجد المحلة « مسجد ايلچي » ، وشاع ذكره وعرف مقامه العلمي في أوساط الأفاضل والطلاب ، فاجتمعوا عليه للاستفادة من درسه وتحقيقاته العلمية المعمقة ، وخاصة في أصول الفقه الذي اشتهر بأنه صاحب آراء خاصة فيه.

كان يقيم صلاة الجماعة أيضا بهذا المسجد ، وأمّ بصلاته كثير من المؤمنين عند ما عرفوا مكانته الرفيعة في الزهد والتقوى والإعراض عن زخارف الدنيا والتوجه التام إلى اللّه تعالى ، فكانت الصفوف مزدحمة بالمؤمنين المؤتمين بصلاته جماعة.

كثرة الطلاب في مجالس التدريس وازدياد عدد المصلين في الجماعة بعد مرور مدة على ورود الشيخ ، سببا الشعور بالضيق وضرورة الانتقال إلى مكان أوسع ، فانتقل إلى محلة مسجد شاه والصلاة والتدريس في « مسجد شاه » ، وهو من أبنية الشاه عباس الصفوي الكبير.

المؤهلات العلمية في الشيخ وشدة ممارسته لعلمي الفقه والأصول وحسن الالقاء في محاضراته ، كانت أسبابا لنجاحه في التدريس لأعلى المراحل العلمية المسمى ب- « الخارج » ، حتى نقلوا أن مجلس درسه كان يحضره ثلاثمائة إلى أربعمائة طالب ، ولازدحامهم طلب الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي وبعض رفاقه من متقدمي شباب الطلبة الذين كانوا يحضرون في مجالس الدرس آنذاك ، طلبوا وقتا خاصا بهم يستفيدون به أكثر لحل مشاكلهم العلمية ، فأجابهم الأستاذ على ذلك وعيّن لهم ساعة يحضرون لديه ويطرحون ما أشكل عليهم ثم يجدون الحل على أحسن ما يكون ، وكان السيد المجدد يتباهى بذلك ويأسف على قصر مدته ومفاجأتهم بوفاة الأستاذ.

ص: 21

الأصولي الفقيه :

لقد ذكرنا أن شيخنا صاحب الترجمة كان بأصبهان من المدرسين البارعين في الفقه وأصوله ، توافد على مجلس درسه الأفاضل من الطلاب والمشتغلين بالعلوم والمعارف الدينية. امتدت شهرته في هذين الفنين في الحوزات العلمية بعد وفاته إلى هذا اليوم بما خلّف من الكتب والرسائل ، وأهمها كتاب « هداية المسترشدين » في الأصول وكتاب « تبصرة الفقهاء » في الفقه.

الأصول - كما يعرفه المشتغلون في الحوزات العلمية - من المقدمات التي لا بدّ للفقهاء من النظر فيها توطئة للاجتهاد وقدرة استنباط الأحكام الشرعية والتصدي للفتوى ، وليس هذا الفن مقصودا بالذات كما يعلمه المشتغلون بالدراسات العالية ، إلا أن توفر آلات الاجتهاد يمهّد للشخص طريق الاستنباط ، فكلما كانت هذه الآلات أوفر يكون سبيل الوصول إلى الهدف الغائي أيسر وأسهل. ومن هنا نجد كثيرا من أعلامنا المجتهدين يتوغلون في البحث حول القواعد الأصولية ، وبه يكون استنباطهم للمسائل الفقهية أوفق وأركز دعامة.

اشتغل الشيخ في أيام الدراسة والطلب بالفقه والأصول معا ، ثم درّس فيهما طيلة حياته ممارسا لهما معا وفاحصا عن أدلتهما سوية :

أما كتابه الهداية فهو شرح موسّع على كتاب « معالم الأصول » للشيخ حسن بن زين الدين العاملي ( ت 1011 ) ، يشتمل على تحقيقات أصولية ممتازة مع التعرض لمختلف الآراء والأدلة مع المناقشات الطويلة لما ينقل عن أعلام العلماء والأصوليين ، وخاصة في مباحث الألفاظ التي لقيت منه عناية أكثر من المباحث العقلية ، ويهتم فيه بشكل ملحوظ بآراء العالم الأصولي الشهير ميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي المدرجة في كتابه القيم « قوانين الأصول » ويتصدى لها بمناقشات فيها الشي ء الكثير من الدقة والتحقيق.

نظرة خاطفة على كل تعليقة من هذه الحاشية ، تبين مدى إحاطة المؤلف على جمع

ص: 22

مختلف الآراء وتمحيصها تمحيصا دقيقا ودراستها من مختلف جوانبها ، فهو لا يقنع بنقل قول ما كيفما كان ، ولكنه يقلبه ظهرا لبطن ويحسب له حساب الخبير المتمرس المحقق. ويكفي لمعرفة مدى فحص الشيخ في الآراء اللغوية والأصولية والاستنتاج الصحيح من مجموعها ، النظر بدقة في التعليقة الأولى على قول صاحب المعالم « الفقه في اللغة الفهم ».

وأما كتابه الفقهي التبصرة فنرى شيخنا الفقيه عند ما يتعرض لموضوع ما فيه ، يبدأ بما ذكره اللغويون مع الجرح والتعديل لما ذكروه وتطبيقه بالذوق العرفي المهم جدا في استخراج الحق الواقع من الأدلة اللفظية ، ثم يستعرض أهم الآراء لكبار الفقهاء ويتناولها بالفحص والنقد العلمي ، ثم يأتي بالأدلة الفقهية من الآيات والأحاديث ويسندها بما يؤدي إليه نظره ، ويستخرج بالتالي فتواه غير مشوبة بالضعف على الأغلب. وبهذه الطريقة المتأنية المستوعبة يدلنا على تمكنه من الاجتهاد ويعرّفنا الطريقة الصحيحة اللاحبة للاستنباط.

بعض تلامذته البارزين :

لقد ذكرنا سابقا شيئا عن رفيع مقام الشيخ التدريسي وازدحام الطلاب على محاضراته العلمية ، حتى ذكر بعض مترجميه أن محضر درسه كان يحتوي على ثلاثمائة أو أربعمائة طالب ، وكان في عصره المدرس الأول في حوزة أصبهان للدروس العالية ، والعدد المذكور لا يعني الحصر به بل كان التلامذة يتجددون حيثما تنتهي دورتهم الدراسية ، فيكون العدد عاليا جدا والعطاء العلمي وفيرا لا يمكن حصره في هذه الفئة خاصة.

وفيما يلي نسرد أسماء جملة من المشاهير من تلامذة الشيخ من دون تعرض لتراجمهم ، وذلك تبعا لطريقتنا في الأخذ بجانب الاختصار وعدم التطويل في الكلام :

- ملا أحمد بن عبد اللّه الخوانساري ، صاحب « مصابيح الأصول ».

- ميرزا محمد باقر الخوانساري الأصبهاني ، صاحب « روضات الجنات ».

ص: 23

- الشيخ محمد تقي الكلبايكاني ، له إجازة الحديث من أستاذه.

- الشيخ محمد تقي الهروي الأصبهاني ، المعروف ب- « مستجاب الدعوة ».

- السيد محمد حسن الخواجوئي الأصبهاني.

- مير سيد حسن المدرس الأصبهاني.

- ميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي.

- السيد ميرزا حسن الرضوي المشهدي.

- الشيخ محمد حسين الأصبهاني ، أخوه صاحب « الفصول الغروية ».

- الحاج ملا حسين علي التويسركاني الأصبهاني.

- ميرزا داود الشهيد الأصبهاني الخراساني.

- المولى زين العابدين مخفي الكلبايكاني ، صاحب « مصباح الطالبين ». له إجازة من أستاذه.

- السيد محمد صادق الموسوي الخوانساري.

- ملا عبد الجواد التوني الأصبهاني.

- ملا علي قاربوزآبادي الزنجاني ، صاحب « جوامع الأصول ».

- الشيخ فتح اللّه الشاردي القزويني ، صاحب « مناهج الطريقة » وغيره.

- مير محمد بن محمد حسين الشهرستاني الحائري ، وله منه إجازة.

- الحاج آقا مهدي المهدوي الكرمانشاهي ، صاحب « شرح الشرائع ».

- الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي ، صاحب المؤلفات العديدة.

- المولى هادي الأسرار السبزواري مؤلف شرح المنظومة المعروف في الفلسفة.

- السيد محمد الشهشهاني الأصبهاني ، صاحب « أنوار الرياض » وغيره.

- ميرزا هداية اللّه ابر سجي الشاهرودي.

- الشيخ محمد الطهراني النجفي (1).

ص: 24


1- الشيخ محمد بن محمد علي الخراساني الطهراني ، ابن أخت صاحب الترجمة ومن المدرسين المجيدين ، رتب الجزء الثالث من كتاب « هداية المسترشدين » وأخرجه من المسودة إلى المبيضة ، صاهر خاله على ابنته الصغرى ولكن لم تدم حياتهما الزوجية طويلا فافترقا.

قالوا فيه :

لقد طفحت كتب التراجم بعبارات تنم عن عظيم مكانة الشيخ بين معاصريه وجليل منزلته عند من ترجمه بعد عصره ، فقد بجلوا بمقامه العلمي ومجدوا زهده وتقواه بشتى التعابير ومختلف الألفاظ ، وفيما يلي نورد بعض ما قالوه اكتفاء باليسير عن الكثير :

قال السيد الخوانساري في « روضات الجنات » :

« فأصبح أفضل أهل عصره في الفقه والأصول ، بل أبصر أهل وقته في المعقول والمنقول ، وصار كأنه المجسّم في الأفكار الدقيقة ، والمنظم من الأنظار العميقة ، أستادا للكل في الكل ، وفي أصول الفقه على الخصوص ، وجنّات الفضل الدائمة الأكل في مراتب المعقول والمنصوص ، فجعل أفئدة طلاب العصر تصرف إليه ، وأخبية أصحاب الفضل تضرب لديه ، بحيث لم ير في الدنيا مدرس أغص بأهله من مدرسه الشريف ، ولا مجلس أفيد لنهله من مجلسه المنيف .. ».

وقال الشيخ القمي في « الفوائد الرضوية » ما تعريبه مختصراً :

« الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق ، قدوة المحققين وترجمان الأصوليين ، صاحب تعليقة كبيرة على المعالم .. اختص بالشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء حتى زوجه بابنته .. ».

وقال المدرس الخياباني في « ريحانة الأدب » ما تعريبه :

« من أكابر فحول علماء الامامية أواسط القرن الثالث عشر الهجري ، فقيه أصولي محقق مدقق عابد زاهد ، عميق الفكر دقيق النظر .. جلالته العلمية والعملية مشهورة ، بل تقدم على معاصريه في المعقول والمنقول بشهادة بعض المترجمين له ، خصوصا في أصول الفقه الذي كان فيه بغاية التبحر .. انتهت إليه المرجعية بأصبهان ، وكان يحضر في حلقة درسه قريبا من ثلاثمائة طالب .. ».

ص: 25

وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني في « الكرام البررة » ص 215 :

« أحد رؤساء الطائفة ومحققي الامامية المؤسسين في هذا القرن ( القرن الثالث عشر ) .. فاز بدرجة عالية من العلم والعمل ، معقولا ومنقولا فقها وأصولا .. وقد حظي هذا الكتاب ( حاشية المعالم ) بالقبول ، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من المحققين والأعلام .. والحق أنه يكفي للاستدلال على مدى إحاطة المترجم وتبحره وتحقيقه في علم الأصول ، ففيه تحقيقات عالية خلت منها جملة من الأسفار الجليلة ، ولم تزل آراؤه ونظرياته محط أنظار الأفاضل ومحور أبحاثهم إلى الآن .. ».

آثاره العلمية :

بالرغم من اشتغال الشيخ بالتدريس وتربية الطلاب والقيام بالشئون الاجتماعية وقضاء حوائج الناس ، دبّجت يراعته آثارا علمية اشتهر بعضها في الحوزات وعند العلماء وبقي بعضها الآخر غير معروف لدى الجهابذة ، وفيما يلي نذكر هاتيك الآثار مع الإجمال في وصفها :

- أجوبة المسائل. جوابات على استفتاءات بعضها مختصر وفي بعضها تفصيل.

- تبصرة الفقهاء. استدلالي نجز منه كتاب الطهارة وأوقات الصلاة وكتاب الزكاة وبعض البيع.

- تقرير أبحاث بحر العلوم. كتاب الطهارة شرحا على كتاب « الوافي » ، كتبه حين دراسته على السيد محمد مهدي بحر العلوم النجفي.

- حجية المظنة. طبع مع حاشية معالم الأصول.

- دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، رسالة في ردّ أستاذه السيد محسن الأعرجي.

- عدم مفطرية التتن. فارسي رد على بعض معاصري الشيخ.

- الرسالة العملية ، فارسية في أحكام الصلاة. طبعت في أصبهان سنة 1383 ش بعنوان « رساله صلاتيه » بتحقيق الشيخ مهدي الباقري السياني.

- فساد الشرط ضمن العقد. في شرط الضمان ، لو ظهر المبيع مستحقا للغير.

ص: 26

- شرح الأسماء الحسنى.

- كتاب الطهارة. وهو غير شرحه على الوافي المذكور سابقا ، توجد نسخته في مكتبة السيد المرعشي العامة بقم.

- الفقه الاستدلالي. الظاهر أنه نفس كتابه الاستدلالي في الطهارة وليس كتابا غيره ، وقد صرح بعض أنه لم يخرج من المسودة وذكر أنه كتاب كبير جدا.

- فوائد الأمة في رد شياطين الكفرة. هو للشيخ محمد تقي المعروف بآقا نجفي الأصبهاني ، ونسبوه إلى صاحب الترجمة اشتباها.

- مسألة الظنون. ذكرها كذلك تلميذه السيد الخوانساري وقال إنه مستخرج من كتاب الهداية ، ولعلها هي رسالته « حجية المظنة ».

- هداية المسترشدين في شرح معالم الدين. وهو شرح أو حاشية موسعة على قسم أصول الفقه من كتاب « معالم الدين » للشيخ حسن بن زين الدين العاملي ، وقد اشتهر في الحوزات العلمية الشيعية وتلقاه العلماء بعين الإكبار. طبع مكررا ، وأحسن طبعاته الطبعة الأخيرة في ثلاثة أجزاء في قم سنة 1420 - 1421 بتحقيق مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين.

وفاته :

توفي شيخنا صاحب الترجمة وقت الزوال من يوم الجمعة منتصف شهر شوال سنة 1248 بأصبهان ، وصلى عليه الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي أو السيد محمد باقر حجة الإسلام الشفتي ، واقتدى في الصلاة عليه جماعة كبيرة من العلماء وبقية الناس.

دفن في المقبرة المعروفة ب- « تخت فولاد » وأقبر في « بقعة مادر شاهزاده » التي عرفت بعد ذلك عند بعض المؤرخين « بقعة الشيخ محمد تقي ».

أبّنه جماعة من الأدباء ورثاه جملة من الشعراء وأرخوا وفاته بالعربية والفارسية ، منها قصيدة تلميذه ميرزا محمد باقر الخوانساري التي يقول فيها :

يا للذي أضحى تقيا نهتدي *** بهداه كالبدر المنير الأوقد

ص: 27

أسفا لفقد إمامنا الحبر الذي *** حتى الزمان لمثله لم نفقد

لهفي عليه وليس يعقوب الأسى *** في مثل يوسف هجره بمفنّد

لهفي على من لا يفي لثنائه *** رقش الآجام على مجال الفدفد

العلم أمسى بعده مترحلا *** والشرع لم ير بعده بمؤيّد

مهما أخال زحام حلقة درسه *** ينشق قلبي من شديد تجلدي

وا حسرتا أهل المدارس إذ جنت *** أيدي الحوادث في إمام المسجد

وا كربتاه لمسلمي هذي الحمى *** من ثلمة الإسلام في المتجدد

من ثلمة لا يسددن وبددت *** شمل الفضائل والعلى والسؤدد

نقصت طلاع الأرض من أطرافها *** في موت مولانا التقي محمد

لا يوم للشيطان كاليوم الذي *** ينعى بمثلك من فقيه أوحدي

لما مضيت مضت صبابة من هوى *** مجدا وأنت من السليل الأمجد

علامة العلماء من في جنبه *** أركانهم بمكان طفل الأبجد

مولاي أي قطب الأنام وطودهم *** ومشيّد الشرع المنير الأحمدي

لا سقي ربع ملت عنه وحبذا *** رمس أحلك طاهرا من مشهد

جسد لك العفر المعطّر ضمه *** أو لحّدوا جدثا لكنز العسجد

من ذا يحلّ المعضلات بفكرة *** تفري ومن لأولي الحوائج من غد

ومن الذي يحيى الليالي بعدكا *** بتفقه وتضرع وتهجد

أين الذي ما زال سلسل خلقه *** لذوي عطاش الخلق أروى مورد

طابت ثراه كما أتى تاريخه *** طارت كراك إلى النعيم السرمدي

ص: 28

مصادر الترجمة :

روضات الجنات 2 / 123 ، مستدرك وسائل الشيعة 3 / 400 ، أعيان الشيعة 9 / 198 ، الفوائد الرضوية ص 434 ، قصص العلماء ص 117 ، مرآة الأحوال 1 / 138 ، مكارم الآثار ص 1327 ، ريحانة الأدب 3 / 403 ، الكرام البررة 1 / 215 ، نجوم السماء 1 / 477 ، تذكرة القبور ص 72 ، الروضة البهية ص 262 ، لباب الألقاب ص 50 ، هدية الرازي ص 38 ، الذريعة في مختلف الأجزاء ، الأعلام للزركلي 6 / 62 ، معجم المؤلفين 9 / 131 ، هدية العارفين 2 / 362 ، تاريخ علمي واجتماعي اصفهان 1 / 125 ، قبيله عالمان دين ص 11 ( ومنهما أكثر هذه الترجمة ).

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

الصورة

ص: 33

الصورة

ص: 34

الصورة

ص: 35

الصورة

ص: 36

الصورة

ص: 37

ص: 38

تبصرة الفقهاء

ص: 39

ص: 40

كتاب الطّهارة

اشارة

ص: 41

ص: 42

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

كتاب الطهارة

[ تبصرة ]: [ في معنى الطهارة اللغوي والمصطلح ]

وهي في اللغة : النزاهة والنظافة (1) ، وعند المتشرّعة يطلق على معان عديدة (2) :

منها : الصفة المقابلة لصفة النجاسة ، ومنه قولهم : الأصل في الأشياء الطهارة.

ومنها : الحالة الحادثة المقابلة لحالة الحدث أو المبيحة (3) للدخول في الصلاة ، وإن اجتمع

ص: 43


1- انظر : العين 4 / 18 - 19 ( طهر ) ، لسان العرب 4 / 504 ، القاموس المحيط 2 / 79 ، مجمع البحرين 3 / 381 ، ومن الكتب الفقهية : المعتبر : 7 والسرائر 1 / 56 وغيرهما ، وكثير من المصادر العامية صرّح بالمعنى اللغوي هذا ، مثل الروض المربع للبهوتي 1 / 7 ، والمغني المحتاج للشربيني 1 / 16. وقد أعرب عن هذا المعنى اللغوي حتى المحدثين من الفقهاء مثل صاحب وسائل الشيعة فيه 3 / 291 باب 1 ذيل ح 3678 في معنى « وإن تطهّرت أجزأك » فقال : يحتمل أن يراد الطهارة اللغوية بمعنى النظافة والنزاهة. وأشار في البحار 77 / 5 باب 1 ( طهورية الماء ) من كتاب الطهارة إلى أن المعنى اللغوي العرفي للطهارة هو النزاهة والنظافة.
2- قال في مفتاح الكرامة 1 / 3 : صرح جماهير الأصحاب بأنها - أي الطهارة - حقيقة شرعية ، وفي غاية المراد والمدارك : أن الأصحاب اختلفوا في المعنى المنقول فيه هل أخذ إليه إزالة الخبث أم لا .. ثم ذكر المعاني المختلفة التي ذكرها الفقهاء وناقش في أكثرها ، فراجع.
3- في ( ج ) : « المنجيّة ».

معه ، ومنه قولهم : يندب الكون على الطهارة ، ويشترط الصلاة بالطهارة.

ومنها : المعنى الجامع بين المعنيين كما في قولهم : يشترط الصلاة بالطهارة ، إذا أريد به الأعم من الطهارتين ، وربما يعبّر عنه بالحالة التي يصح معها الدخول في الصلاة من غير عفو.

ومنها : إزالة الخبث ، ومنه قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) في وجه (2) ، ويدور على ألسنتهم أنها إحدى مستعملات الطهارة (3) ، بل حكوا عن البعض كونها حقيقة فيه.

وفيه : أن لفظة الطهارة من الألفاظ اللازمة سواء كان (4) مصدرا للمجرد أو المزيد ، ومن البيّن [ أنّ ] (5) إزالة الخبث من المعاني المصدرية المتعدّية فكيف يمكن جعلها أحد معانيها ولم نجدهم يوما استعملوها متعدّيا. واستعمال التطهير فيها لا يدل على استعمال الطهارة إلّا أن يراد استعمال تلك المادّة (6) فيها في الجملة.

نعم ، يمكن أن يقال بكونها مستعملة في الفعل المزيل للخبث على نحو ما يقولونه في المزيل للحدث ، ولعله مراد القائل به.

ومنها : استعمال طهور مشروط بالنيّة مطلقا أو على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

ومنها : المعنى الأعم من ذلك ومن إزالة الخبث ، ولعل المراد به الفعل (7) المزيل للحدث والخبث. ذكره بعض الأجلّة ، ويمكن إرادته من قولهم : كتاب الطهارة.

ص: 44


1- سورة المدثر (74) : 4.
2- والوجه المشهور أنه كانت ثيابه طاهرة وإنّما أمره بالتشمير كما في الكافي 6 / 456 باب تشمير الثياب ح 4 وغيره.
3- صرّح بهذا الوجه - أي إزالة الثياب من الخبث والنجاسات - المجلسي في البحار 16 / 212 باب 9 في مكارم أخلاقه ، ونقل في 64 / 277 باب 14 ذلك عن الطبرسي والزجاج. وانظر الوجهين في مجمع البحرين 3 / 378.
4- في ( د ) : « كانت ».
5- الزيادة منّا.
6- في ( د ) : « الحالة » ، بدلا من : « المادّة ».
7- لم ترد في ( د ) : « الفعل ».

والدائر (1) على ألسنتهم أنّها حقيقة في المعنى الخامس في الجملة لكن اختلفوا فيه فمنهم من جعله مشتركا لفظيا كما هو ظاهر الشرائع (2) ، والأكثر على كونه مشتركا معنويّا ، لكن منهم : من عمّمها لجميع أقسام الوضوء وأخويه حتى المجامعة للحدث كوضوء الحائض والجنب ، وهو ظاهر اللمعة (3).

ومنهم : من خصّصها (4) بما يكون له مدخل في استباحة الصلاة. ولا يخلو عن قرب وإن كان القول بدخول الأغسال الغير الرافعة والوضوء التجديدي لا يخلو عن وجه ، بل هو أقرب (5).

وكيف كان ، فالتأمّل في الاستعمالات والنظر في موارد الإطلاقات يعطي كونها حقيقة في الأول والثاني والخامس من المذكورات ، وإن كان خلاف ما هو المذكور في أكثر المصنّفات (6).

والظاهر أن الخلاف المذكور (7) في لفظ الطهارة ، وأما مشتقّاته كالطاهر والمطهّر فالظاهر عدم الخلاف في كونها حقيقة في المعنى الأول بل الثاني أيضا.

فيستدل بذلك على كون المبدأ حقيقة فيه أيضا ؛ إذ الظاهر أن المعنى الثابت للمشتقات ثابت لمبدإ الاشتقاق ؛ لكونه الغالب ولأنه الطريق في معرفة معاني المصادر غالبا عند نقلة (8)

ص: 45


1- في ( د ) : « المدار ».
2- الشرائع 1 / 4 قال : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.
3- انظر : شرح اللمعة الدمشقية ( الروضة البهية ) 1 / 10 - 11 كتاب الطهارة ، وعبارة اللمعة هكذا : والطهور هو الماء والتراب .. فالماء مطهّر من الحدث والخبث.
4- في ( د ) : « خصّها ».
5- انظر تفصيل ذلك وبعض المناقشات في مفتاح الكرامة 1 / 4.
6- وقال في البحار 77 / 4 كتاب الطهارة باب 1 ( طهورية الماء ) : والمراد بقوله ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) الطهارة من النجاسات الحكمية أعني الجنابة والحدث الأصغر أو منها ومن العينية أيضا كالمني .. إلى أن قال في ص 5 : فإن الطهارة إن كان لها شرعا حقيقة فهي رافع الحدث أو المبيح للصلاة.
7- لم ترد في ( ب ) : « المذكور ... عدم الخلاف ».
8- في ( الف ) : « نقله » بالهاء ، وهو غلط.

اللغة (1) على الظاهر كما يعطيه (2) النظر في كلامهم ، ولأنّ أوضاع المشتقّات باعتبار هيآتها نوعيّة ، وهي تابعة لوضع المادّة المعروضة (3) لتلك الهيأة الموضعة (4) بالوضع الشخصي فإذا ثبت معنى للمادّة في ضمنها يثبت (5) وضعها شخصا لذلك ، فيكون حقيقة فيه مطلقا. إلّا أن يعلم اختصاص المادّة المعروضة (6) لتلك الهيأة بذلك كما في المشتقّات الّتي لم يستعمل مبادئ اشتقاقها ، فتأمل.

وتفصيل الكلام في ذلك يستدعي بسطا في المقام مع أنه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في الأحكام ، فتركه والتعرّض لما هو أهم أنسب بالمرام.

هذا ، وينتظم مباحث الكتاب في أبواب :

ص: 46


1- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « عند نقلة اللغة ».
2- في ( د ) : « يقتضيه ».
3- في ( د ) : « المفروضة ».
4- في ( د ) : « الموضوعة ».
5- في ( د ) : « ثبت ».
6- في ( د ) : « اختصاص المعروضة ».

الباب الأول: في المياه

اشارة

والكلام فيها ، وفي أقسامها ، وما يعرضها من الطواري التي يخرجها عن الطهارة أو الطهوريّة أو غيرهما (1) ، وما يعود بها إلى حالتها الأولى.

ولنفصّل ذلك في مباحث :

البحث الأول

اشارة

في بيان أنّه بجميع أقسامه على الطهارة (2) والطهوريّة

وبيان ما يخرجه عن الطهارة على كل حال

مقدّمة: [ في الماء المطلق والمضاف ]

الماء إما مطلق أو مضاف ، والأوّل حقيقة (3) معروفة بين الحقائق غنيّة عن التعريف ، غير أنّ الظاهر أنّ مدار التسمية ليس على حصول تلك الحقيقة لا وجودا ولا عدما ؛ إذ قد لا يصدق مع حصول تلك الحقيقة كما في الجمد والثلج (4) على ما هو المعروف من المذهب ، وإن

ص: 47


1- في ( د ) : « غيرها ».
2- في ( د ) : « أو » ، بدلا من : « و ».
3- في ( د ) : « حقيقته ».
4- في ( الف ) : « كما في المجمل والتاج ». أي كتاب المجمل وكتاب التاج. وما أدرجناه من بقية النسخ الثلاثة ، وهو الظاهر بقرينة العبارات التالية ، وإن كان لذكر كتب اللغة أيضا وجه. لاحظ : تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) من الطبعة المحققة.

ذهب العلّامة في المنتهى (1) إلى صدق الماء عليه حقيقة ؛ نظرا إلى أن الجمود لا يخرجه عن حقيقته ، بل تأكّدها (2) لما فيه من غلبة البرودة التي هي من آثار طبيعة المائيّة ، فقوّة آثار الطبيعة إن لم يوجب تقويتها فلا (3) يصير سببا لضعفها أو رفعها ، ولذا قال بعدم انفعاله بمجرّد الملاقاة إذا كان كثيرا ، لكنه لم يقل بنجاسة جميعه مع القلّة ؛ إذ سراية النجاسة فرع الميعان دون القلّة.

والظاهر أنه لا يقول بجواز التطهير به عن الحدث أو الخبث لكونه فرع الجريان ، ولا يحصل به.

وكيف كان ، فالنظر في الإطلاقات العرفية يدفع ما ذكره ، وغاية (4) ما ذكره (5) في التقريب بقاء الحقيقة العقلية (6) ، وهو لا يقتضي بقاء الحقيقة الاسمية التي هي المناط في الأحكام المذكورة للماء ؛ مضافا إلى إخراجه عن الميعان الذي هو أحد آثار الطبيعة أيضا.

وقد يصدق مع ضمّ غير تلك الحقيقة إليها فيصدق على المركّب منها ومن غيرها كما في المخلوط بغير السالب للاسم ، مع أن قضية الأصل حينئذ عدم صحة الإطلاق إلّا على نحو المجاز والتسامح العرفي الذي ليس مناطا للحكم (7).

وحينئذ إما أن يقال بكون الاستعمالات المذكورة من قبيل التسامحات العرفية إلّا أنه قام الإجماع على اعتبارها على خلاف الأصل في خصوص المقام أو يقال بكون وضعه على النحو الأعم وضعا أوّليا أو ثانويا من جهة الغلبة.

والنظر في الاستعمالات يدفع الأول ؛ إذ الظاهر عدم التأمل في كون إطلاقه على المختلط

ص: 48


1- منتهى المطلب 1 / 4 من الطبعة الحجرية.
2- في ( د ) : « يأكّدها ».
3- في ( د ) : « لا » ، بدلا من : « فلا ».
4- في ( د ) : « بيانه » ، بدلا من : « غاية ».
5- في ( د ) : « ذكر ».
6- في ( د ) : « الفعليّة » ، بدلا من : « العقليّة ».
7- في ( د ) : « للحكم الشرعي ».

بغيره من الحقيقة لعدم خلوّه غالبا عن الخليط. والقول بكون الاستعمال الغالب من المجاز ظاهر الفساد.

والفرق بين الخليط الغالب وغيره كما يظهر من جماعة من العامّة حيث ذهبوا إليه على تفصيل مذكور في كلامهم بيّن الوهم ؛ إذ صريح حكم العرف قاض بعدم الفرق ؛ وتسمية الجميع باسم الماء إلى أن يصل إلى حدّ الإضافة ، وحينئذ فالمدار فيه على التسمية العرفيّة.

ولذا عرّف على (1) المشهور (2) بأنه : ما يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد وإن استحق إطلاق المقيّد عليه أيضا كماء النهر أو البحر أو ماء السدر أو الكافور ونحوها.

وقولنا « من غير قيد » لإخراج المضاف ، وهو بناء على كون المضاف حقيقة فيه كما يأتي ظاهره (3). وبناء على التجوّز فقد يتخيّل الاستغناء عن القيد ؛ لعدم استحقاقه إذن (4) للمقيد أيضا إلّا أن يقال بصدق استحقاق المعنى المجازي للمجاز مع القرينة.

وفيه : أن إطلاق لفظ الماء في الحد يغني عن ذلك ، فالتزام التوضيح في القيد إذن أوضح.

واعتبر العلامة رحمه اللّه في جملة من كتبه (5) مع ذلك عدم صحة سلب الماء عنه. والظاهر أنه للتوضيح.

وجعله في كشف اللثام (6) لإخراج إطلاق الماء على المضاف حملا فيقال لماء الورد أو اللحم مثلا (7) : إنه ماء.

وفيه : أن الاستحقاق منتف فيه أيضا ، ولذا يصح السلب عنه وإلّا لاستحق الحمل

ص: 49


1- في ( ج ) : « في ».
2- في ( د ) : « عرّف المشهور ».
3- في ( د ) : « حقيقة فيه ظاهر ».
4- في ( د ) : « أولا » ، بدلا من : « إذن ».
5- كالنهاية والقواعد والتحرير كما في مفتاح الكرامة. وقال عند توضيح عبارته ( ويمتنع سلبه عنه ) : لإخراج الدمع والعرق. انظر : مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة 1 / 59 المقصد الثاني في المياه.
6- كشف اللثام 1 / 30 من الطبعة الحجرية.
7- لم ترد في ( د ) : « مثلا : ».

وسلبه معا ، وهما متناقضان. ومجرد استحقاق المعنى المجازي للفظ المجاز مع القرينة - لو قيل به - لا يقتضي استحقاق الحمل بها (1) هنا مع إطلاق المحمول. مضافا إلى أن حمل الشي ء على الشي ء ليس إطلاق للفظه عليه.

وعن بعض الأفاضل : إن ذلك لخروج المضاف لعدم خروجه مما مر ؛ إذا استحقاقه لاسم الماء مقيدا قاض باستحقاقه له مطلقا ؛ إذ صدق المقيّد عليه قاض بصدق المطلق ، لكن لا يمتنع سلبه عنه عرفا فخرج به.

ولا يخفى ما فيه ؛ إذ لو صح ما ذكره لقضي بعدم صحة سلب المطلق عنه أيضا ، والحال أن صدق اللفظ على المعنى ليس كصدق الكلّي على الفرد لوضوح المباينة ، وإنما المراد صحة إطلاقه عليه مطلقا ، وهو تبع (2) الوضع ، فقد يوضع المقيّد لشي ء لم يوضع له المطلق ، فلا يستحق إطلاق المطلق عليه ، وهو واضح.

وقد يورد على الحد باشتماله على الدور من جهة أخذ الماء فيه.

ويدفعه : أن المأخوذ في الحد اسم الماء ، وهو غير المحدود ؛ على أن المعرّف خصوص الماء المطلق ، والمأخوذ في التعريف مطلق الماء.

ثم إنه بعد البناء في صدق الماء على الرجوع إلى العرف وإجراء أحكامه على مسمّاه يجري (3) في الخليط الممازج (4) معه مع عدم سلبه (5) الإطلاق أحكام الماء من الطهارة والطهوريّة وإن كان من الأعيان النجسة كالبول والدم والخمر إذا لم يغيّر (6) أحد أوصافه الثلاثة.

وحينئذ فيثبت لها أيضا حكم الحليّة ، وهذا من خصائص الماء لاختصاص حكم

ص: 50


1- لم ترد في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « بها ».
2- في ( د ) : « يتبع ».
3- في ( د ) : « ويجري ».
4- في ( د ) : « المخارج ».
5- في ( د ) : « سلب ».
6- في ( د ) : « لم تغيّر ».

الاستهلاك به ، بل الظاهر جريان أحكام المتنجّس عليه مع تغييره (1) النجاسة وبقاء اسمه ، فلا يجري على المخالطة معه مع (2) الخمر (3) إذا (4) حكم الخمر في وجه قوي (5).

وقد عرف بما (6) ذكر حدّ المضاف فهو ماء لا يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد ، أو ما يستحق إطلاق الماء عليه (7) مقيّدا لا مطلقا كماء الورد وماء الرمّان ونحوهما.

وإطلاق الماء عليه مع القيد (8) إما مجاز والقيد قرينة عليه ، فاستحقاقه لإطلاق الماء عليه حينئذ مبني على ما مرّ ، أو أنه حقيقة فيه حال التقييد والقيد خارج عن (9) الموضوع ، فيكون للفظ الماء وضعان : وضع في حال الإفراد وآخر مع التقييد ، أو أن المجموع المركب موضوع لذلك.

ويضعّف الأول بأن (10) النظر في استعمالاته العرفية يأبى عن التجوز ؛ إذ (11) لا يلاحظ في شي ء منها المناسبة مع المطلق ، بل يطلق عليه ابتداء من دون تبعيّة (12) ، وهو من شواهد الوضع.

مضافا إلى شيوع استعماله فيه بحيث يستبعد معه البقاء على التجوز.

واشتهار الاستعمال مع ضمّ القرينة اللفظيّة وإن لم يستلزم الوضع إلّا أنه مع هذه الشهرة

ص: 51


1- في ( ج ) : « مع تغيّره بالنجاسة ».
2- في ( ب ) : « من ».
3- في ( ج ) : « في المخالط معه من الخمر » ، وفي ( د ) : « في المخالط منه من الخمر ».
4- في ( د ) : « إذن ».
5- في ( د ) : « وجودي ».
6- في ( د ) : « عرفت ».
7- لم ترد في ( د ) : « من غير قيد أو ما يستحق اطلاق الماء عليه ».
8- في ( د ) : « والتقييد ».
9- في ( د ) : « من ».
10- في ( د ) : « أن ».
11- في ( د ) : « أو ».
12- في ( د ) : « قيد » ، بدلا من : « تبعيّة ».

مما يتبعّد (1) خلوّه عنه.

والوجه الثالث أيضا في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ؛ لوضوح استعمال المضاف إليه فيما وضع له.

بقي الوجه الثاني ، ولا يخلو عن قرب وإن عزّ (2) مثله في الأوضاع ، وقد ذكر نحوه في لفظ (3) الإيمان ، ويحتمله لفظ الصلاة بالنسبة إلى صلاة الميّت.

وبناء عليه فالتزام الوضع الخاص فيه بالنسبة إلى كلّ إضافة بعيد أيضا.

فالظاهر إذا كون الوضع فيه عاما والموضوع له (4) والموضوع أيضا خاصا بملاحظة كلّ قيد (5) على نحو الأوضاع الكليّة.

وهل الوضع فيه إذا لغوي أو عرفي؟ وجهان.

ص: 52


1- في ( ج ) و ( د ) : « يستبعد ».
2- في ( د ) : « عبّر ».
3- في ( الف ) : « اللفظ ».
4- في ( د ) : « الموضوع » ، بدلا من : « الموضوع له ».
5- في ( د ) : « كلّ قيد قيد » ، بتكرار لفظة « قيد ».
تبصرة: [ في أن الماء طاهر مطهّر ]
اشارة

الماء كلّه مع عدم طروّ النجاسة عليه طاهر في نفسه مطهّر لغيره من الأحداث والأخباث ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، جاريا أو واقفا ، نابعا من الأرض أو نازلا من السماء أو ذائبا من الثلج أو منقلبا من الهواء أو غير ذلك ، بالإجماع من المسلمين بل هو في الجملة من ضروريات (1) الدين.

وعن سعيد (2) بن المسيّب في ماء البحر أنه قال : إذا لجئت (3) إليه فتوضأ (4).

وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص (5) وابن عمر (6) أنهما قالا : التيمّم أحبّ إلينا منه (7).

والخلاف المذكور مع عدم (8) كونه في أصل الطهوريّة قد انعقد الإجماع من العامة والخاصة على خلافه.

ويدل على الحكم المذكور بعد الإجماع - محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة - الكتاب والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

ص: 53


1- في ( الف ) : الضروريات.
2- في ( الف ) : سعد ، وما أدرجناه من مفتاح الكرامة 1 / 59 ، والتذكرة 1 / 11 وغيرهما.
3- في ( د ) : « ألجئت ».
4- المصنف لابن أبي شيبة 1 / 131.
5- في ( الف ) و ( د ) : « عبد اللّه بن عمرو بن عمر بن العاص » ، وما في المتن من المفتاح والتذكرة وغيرهما.
6- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « وابن عمر ».
7- لاحظ : المصنف لابن أبي شيبة 1 / 131 ، سنن الترمذي 1 / 102 ، المجموع 1 / 91 ، تفسير القرطبي 13 / 53 ، مفتاح الكرامة 1 / 59.
8- لم ترد في ( ب ) : « مع عدم ... الحكم المذكور ».

أما الأول : فيدل منه على الحكم المذكور في الجملة عدة آيات :

منها : قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (1) وقد وقع البحث في دلالة الآية (2) الشريفة على مطهريّة الماء لما وقع من الكلام في معنى الطهور ، وجمهور الأمّة على دلالتها عليها ، وقد خالف فيه شرذمة من الجمهور يعني (3) أبا حنيفة وبعض أتباعه. ومحصّل القول في ذلك أن جملة ما ذكر في معاني الطهور أمور خمسة :

أحدها : أن يكون مصدرا. حكاه جماعة من الأجلاء (4) من أهل اللغة وغيرهم ، كالمطرزي في المغرب (5) والراغب في المفردات والزمخشري في كشّافه وأساسه (6) (7) والفيروزآبادي (8) والطبرسي والطريحي (9) وصاحب الطراز ، وحكاه الطبرسي ونجم الأئمة والزمخشري وغيرهم عن سيبويه (10).

وحكى الأولين عنه أنه جاءت خمس مصادر على « فعول » بالفتح : قبول ووضوء وطهور وولوع ووقود ، وحكي مجيئه مصدرا عن الخليل والأصمعي والأزهري وغيرهم. وهو حينئذ مصدر ل- « تطهّر » فيكون بمعنى « التطهير » (11) كما نصّ عليه في المغرب والنهاية (12) ، وهو ظاهر المفردات والكشاف ومجمع البيان والطراز.

ص: 54


1- سورة الفرقان (35) : 48.
2- في ( الف ) : « آية ».
3- في ( د ) : « أعني ».
4- في ( د ) : « أجلاء ».
5- نقله عنه في مختار الصحاح مادة ( طهر ).
6- في ( د ) : « أسبابه ».
7- أساس البلاغة 2 / 86.
8- القاموس المحيط 2 / 79.
9- في مجمع البحرين 378 / 3.
10- وحكاه أيضا في تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) عن سيبويه.
11- في ( د ) : « التطهّر ».
12- النهاية 3 / 147.

[ و ] في الأساس (1) : وقد طهرت طهورا وطهوراً.

فظاهره (2) جعله مصدرا للمجرد ، ويستفاد ذلك من موضع من الكشاف والطراز حيث فسّراه بالطهارة في قوله عليه السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (3).

وقال السيوري (4) : لا ريب في وروده بمعنى الطهارة.

وقد يرجع (5) ذلك إلى الأول بأن الطهارة يجي ء أيضا مصدرا للمزيد كما يظهر من الطراز حيث قال : وتطهّر هو طهورا بالضم والفتح ، وطهارة. انتهى.

فلم يبق هناك إلّا عبارة الأساس ، وهي أيضا غير صريحة في ذلك ، فإتيانه بمجرّدها مع كونها خلاف المعروف بينهم لا يخلو عن إشكال ، ولم يذكر وروده مصدرا (6) في المحيط والمجمل والغريبين وشمس العلوم ومختصره ضياء الحلوم (7) والصحاح والمصباح المنير ، فظاهرهم عدم إثباتهم له.

وعن أبي عمرو أنه : لا نظير لقبول (8) بالفتح في المصادر ، والباب كلّه مضموم الفاء. وحكى الجوهري عن غير الأخفش « القبول » و « الولوع » مصدران شاذّان ، وما سواهما من المصادر فمبني على الضم ، فظاهر ذلك إنكار مجيئه مصدرا.

وحكي في الطراز عن الأخفش وابن البراج (9) أنهما زعما أن فعولا في المصادر صفة

ص: 55


1- أساس البلاغة 2 / 86.
2- في ( ألف ) : « فظاهر ».
3- الرواية مروية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في دعائم الإسلام 1 / 100 ، عوالي اللئالي 2 / 209 باب الطهارة ح 131 ، و 3 / 8 ح 1 ، وقد روي ذلك عن الإمام الباقر عليه السلام في أكثر من طريق. لاحظ : الفقيه 1 / 33 باب وقت وجوب الطهور ح 3. التهذيب 1 / 49 باب 3 ح 83 ، و 1 / 209 باب 9 ح 8 ، المحاسن 1 / 78 باب 1 ح 1.
4- في كنز العرفان 1 / 37 كتاب الطهارة ، المعنى الثالث من معاني الطهور.
5- في ( د ) : « رجع ».
6- في ( الف ) : « مصدر ».
7- في النسخ غير ( د ) : « العلوم » ، وهو غلط. انظر : هدية العارفين 2 / 109.
8- في ( ألف ) : « لقبوله ».
9- في ( د ) : « ابن السراج ».

للمصدر المقيس حذفت وأقيمت الصّفة مقامه ، وهو إنكار لمجي ء فعول مطلقا مصدرا.

وكيف كان ، فالأظهر ثبوت هذا المعنى ، لنقل أولئك الأجلاء مع ما علم من تقديم قول المثبت وإن المنكر له صريحا ليس إلّا قليل منهم.

ثانيها : أن يكون اسما (1) بمعنى ما يتطهّر به (2). ومجي ء فعول بهذا المعنى مما لا شبهة فيه ؛ لوضوح ثبوته في جملة من الألفاظ كالسحور والفطور والوضوء والوقود وغيرها.

وقد نص عليه في خصوص المقام أكثر أئمة اللغة والتفسير كالجوهري (3) والهروي وابن الأثير (4) والزمخشري في كشّافه (5) وأساسه (6) والمطرزي والراغب والطبرسي والنيسابوري (7) والفخري (8) والبيضاوي وصاحب الطراز وغيرهم (9).

وقد حكي (10) أيضا عن الخليل والأصمعي وسيبويه وابن دريد والسجستاني والأزهري.

وعزا بعضهم مجيئه كذلك (11) إلى جمهور أهل اللغة.

ثالثها : أن يكون صفة بمعنى المطهّر أو الطاهر المطهّر. وقد ذكر وروده بهذا المعنى أكثر أئمة اللغة وجماعة من علماء التفسير ، ونص عليه الفقهاء ؛ فعن ثعلب (12) - فيما حكاه عنه

ص: 56


1- أي اسم آلة. صرّح بذلك في البحار 77 / 7 وغيره.
2- في ( الف ) : ما يطهر به.
3- في الصحاح 2 / 727 مادة ( طهر ).
4- في النهاية 3 / 147 باب الطاء مع الهاء.
5- نقله عنه في البحار 77 / 7 حيث قال : قال في الكشاف : طهورا بليغا في طهارته.
6- أساس البلاغة 2 / 86.
7- في ( د ) : « النيشابوري ».
8- في ( ألف ) : « الفحري ».
9- كصاحب لسان العرب 4 / 504 ( طهر ) ، وانظر : البحار 77 / 7 فإنه نقل قولا عن أحمد بن يحيى أيضا.
10- في ( ج ) و ( د ) زيادة : « ذلك ».
11- في ( الف ) : « لذلك ».
12- في ( د ) : « تغلب ».

جماعة (1) - : أنه الطاهر (2) في نفسه المطهّر بغيره (3) (4).

وعن الأزهري (5) : أنه في اللغة هو الطاهر المطهّر (6).

وفي ضياء الحلوم : أنه الماء الخالص الطاهر في نفسه المطهّر لغيره (7).

وعن الترمذي : أنه من الأسماء المتعدّية ، وهو المطهّر غيره. حكاه في المعتبر (8). ونحوه (9) عن اليزيدي (10) فيما حكاه السيوري. وقد فسّر جماعة من المفسرين (11) قوله : ( ماء طهورا ) (12) في الآية بالطاهر في نفسه والمطهّر لغيره المزيل للأحداث والنجاسات. وعن ابن هبر (13) أنه قال أهل اللغة : الطهور هو الفاعل للطهارة في غيره.

ثم قال : وهذا مما لم يخالف فيه إلّا بعض أصحاب أبي حنيفة فقالوا : الطهور هو الطاهر (14) على سبيل (15) المبالغة. وفي الخلاف عندنا أنّ الطهور هو الطاهر المطهّر المزيل للحدث والنجاسة.

ص: 57


1- منهم الطريحي في مجمع البحرين 3 / 380.
2- في ( د ) زيادة : « المطهّر ، وفي ضياء الحلوم أنه الماء الخاص الطاهر ».
3- في ( د ) : « لغيره ».
4- في ( ب ) : « لغير ».
5- حكاه عنه في مجمع البحرين 3 / 380.
6- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « وعن الأزهري ... المطهّر ».
7- لم ترد في ( د ) : « وفي ضياء الحلوم ... لغيره ».
8- المعتبر في شرح المختصر : 7 من الطبعة الحجرية.
9- في ( د ) : « وغيره ».
10- في ( د ) : « اليرندي ».
11- انظر : جمهرة اللغة 2 / 376 ، القاموس المحيط 2 / 82 ، تاج العروس 12 / 446 ونسب ذلك إلى التهذيب للنووي ، مجمع البحرين 3 / 380.
12- في ( الف ) : طاهرا.
13- في ( د ) : « ابن هبيرة ».
14- في ( د ) : « للطاهر ».
15- في ( الف ) : « سبل ».

وفيه أيضا : الطهور هو المطهّر ، وعليه إجماع الفرقة.

وفي السرائر (1) : معنى طهور أنه مع طهارته يزيل الأحداث ويرفع حكمها بغير خلاف.

وفي كنز العرفان (2) : قالت الشافعيّة وأصحابنا : إنه بمعنى المطهّر.

وفي مشرق الشمسين (3) والحبل المتين - بعد حكاية إنكار أبي حنيفة استعماله بمعنى الطاهر المطهّر - : ويردّه نصّ المحقّقين من اللغويين على خلافه.

وعن المعالم (4) والذخيرة : إنّ كثيرا من العلماء فسّروه بالطاهر في نفسه المطهّر لغيره.

وعزاه في الذخيرة أيضا إلى أهل اللغة.

ونسبه في البحار (5) إلى كثير من أهل اللغة.

وقال الفاضل الجزائري : اتفق جميع علماء الإسلام على أنّ المراد من الطهور في الآية المطهّر ، وعلى وقوعه في الكتاب والسنة ، ولم يخالف في الموضعين سوى أبي حنيفة.

ص: 58


1- السرائر 1 / 59.
2- كنز العرفان في فقه القرآن للسيوري 1 / 37 كتاب الطهارة.
3- مشرق الشمسين : 347 المسلك الثالث في المياه.
4- معالم الدين وملاذ المجتهدين ( قسم الفقه ) 1 / 122 قال : فكثير من العلماء فسروه - أي الطهور - بالطاهر في نفسه المطهر لغيره ، حتى أن الشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب.
5- بحار الأنوار 77 / 6 باب 1 من كتاب الطهارة. قال العلامة المجلسي ذيل الآية الشريفة ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) في البحار 77 /5- 6 الباب الأول من كتاب الطهارة : إنه استدل بها على طهارة مطلق الماء ومطهريته ، وأورد عليه بأنه ليس في الكلام ما يدل على العموم ، وإنما يدل على أن الماء من السماء مطهر وبأن الطهور مبالغة في الطاهر ولا يدل على كونه مطهرا بوجه. وأجيب عن الأول بأن ذكره تعالى ماء مبهما غير معين ووصفه بالطهورية والامتنان على العباد به لا يناسب حكمته تعالى ولا فائدة في هذا الاخبار ولا امتنان فيه ، فالمراد كل ماء يكون من السماء .. وعن الثاني بأن كثيرا من أهل اللغة فسّر الطهور بالطاهر في نفسه المطهر لغيره. والشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب ويؤيده شيوع استعماله في هذا المعنى في كثير من الأخبار الخاصية والعامية كقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ». ولو أراد الطاهر لم يثبت المزية. وقوله صلى اللّه عليه وآله - وقد سئل عن الوضوء بماء البحر - : « هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته ». ولو لم يرد كونه مطهرا لم يستتم الجواب. وقوله صلى اللّه عليه وآله : « طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ».

وقال أيضا : إنّ أعاظم أهل اللغة نصّوا عليه.

وبملاحظة جميع ما ذكر لا يبقى ريب في ثبوت المعنى المذكور (1) ، وهل هو من معانيه الأصلية أو أنّه مأخوذ من غيره؟ وجهان.

وقد يرجّح الأول بملاحظة الإطلاقات المذكورة إلّا أنّ ظاهر جماعة منهم أخذه من غيره.

قال في التذكرة (2) : الطهور هو المطهّر لغيره ، وهو فعول بمعنى ما يفعل به أي يتطهّر به.

انتهى.

وقد يستظهر (3) منه أن تفسيره بالمطهّر (4) في كلامه ليس من جهة استعماله فيه ، بل لاستفادته (5) من جهة الآليّة ، فلا يكون ذلك معنى آخر سواه ، وهو خلاف ظاهر الجماعة.

ويمكن حمله على إرادة إثباته (6) المطهّرية مع قطع النظر عن ثبوت ذلك المعنى له أو أنه أراد بذلك بيان أخذه من معنى الآلة كما هو ظاهر كنز العرفان (7) حيث قال - بعد ما حكينا عنه أوّلا من كونه بمعنى المطهّر - : فيكون مأخوذا من وضعه لما يتطهّر به.

وقد يستفاد من ظواهر كلمات جماعة منهم أخذه من معنى المبالغة ، فانتقل منها إلى إرادة المطهريّة بناء على عدم إمكان المبالغة الحقيقيّة بالنسبة إلى الطهارة الشرعيّة ، فنزّل المطهّرية منزلة المبالغة في الطهارة (8).

ص: 59


1- قال في البحار 77 / 7 بعد نقل عدة أقوال : والحق أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر وإن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكن تتبع الروايات واستعمالات البلغاء يورث ظنا قويا بأن الطهور في إطلاقاتهم المراد المطهر إما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به وعلى التقديرين يثبت المرام.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 7.
3- في ( د ) : « يظهر ».
4- زيادة في ( ج ) : « زائد بمعنى ما يفعل به يتطهّر به انتهى وقد ».
5- لم ترد في ( ج ) : « استعماله فيه بل لاستفادته ».
6- في ( د ) : « إتيانه ».
7- كنز العرفان 1 / 37.
8- يفهم ذلك من الشيخ فيما حكاه عنه المجلسي رحمه اللّه في البحار 77 / 6 - 7 ، وسننقل كلامه في الهامش.

قال ابن الأثير (1) : الماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل الخبث (2) ؛ لأنّ فعولا من أبنية المبالغة ، فكأنّه تناهى في الطهارة.

وعلّل في الخلاف والمعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5) وكنز العرفان (6) (7) وغيرها كونها بمعنى المطهّر بأن فعولا من أبنية المبالغة ، ولا يتحقّق في المقام إلّا مع إفادة التطهير.

وفي الروضة (8) : أنه مبالغة في الطاهر. والمراد منه الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال متعديا وإن كان بحسب الوضع لازما كأكول (9). انتهى.

وقد يتوهّم من هذه العبارات أن إفادته المطهّرية إنما هي من جهة دلالته على المبالغة ، فلا يكون إذن من مستعملات اللفظ ، وإنما يستفاد منه من جهة (10) الملازمة.

ويندفع ذلك بأنه يخالف (11) تصريح (12) المذكورين حيث نصّوا على استعماله في معنى المطهّر.

قال في المعتبر (13) وكنز العرفان (14) :

ص: 60


1- النهاية 3 / 147.
2- في ( ج ) و ( د ) : « النجس ».
3- المعتبر : 7.
4- منتهى المطلب 1 / 4 من الطبعة الحجرية.
5- تذكرة الفقهاء 1 / 7.
6- كنز العرفان 1 / 37.
7- زيادة في ( ج ) : « ومشرق الشمسين ».
8- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1 / 10 - 11.
9- في ( د ) : « كالأكول ».
10- لم ترد في ( ب ) : « دلالته ... من جهة ».
11- في ( د ) : « مخالف ».
12- في ( د ) : « لتصريح ».
13- المعتبر : 7.
14- كنز العرفان 1 / 38.

منع (1) الحنفي كون اللغة (2) والشرع (3) استعمله في التعدية (4) وإن لم يكن قياسا فهو غير صحيح ، ونص فيهما أيضا على عدم استعماله في الطاهر غير المطهّر.

وقد سمعت عبارة الخلاف ؛ مضافا إلى ما عرفت من نص أولئك الأجلاء.

فلا بدّ من حمل ذلك على قصد إبداء المناسبة بين المعنيين ، وتقريب المعنى (5) المذكور من معنى المبالغة التي هي أصل في وضع « فعول » أو أنهم أرادوا بذلك الرد على أبي حنيفة على فرض تسليمهم ما ادعاه من كون الصيغة للمبالغة ، فبيّنوا إفادتها المطهريّة مع ذلك أيضا ، فتأمل.

رابعها : أن يكون صفة بمعنى الطاهر وهو ظاهر الراغب في مفرداته ، قال : ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات. وعلى هذا ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (6) تنبيها على أنه بخلاف ما ذكر في قوله : ( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) (7). انتهى.

وذكر نحوه الطبرسي في المجمع (8) قال : وأمّا كونه صفة فهو في قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (9) فهذا كالرسول والعجوز ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على « فعول » ، ولا دلالة فيه على التكرار لما لم يكن متعديا نحو ضروب. انتهى.

وقد يستظهر ذلك من المحيط حيث قال : وكل ماء نظيف طهور.

ص: 61


1- في ( د ) : « أن منع ».
2- في ( د ) : « في اللغة ».
3- في ( د ) : « في الشيوع » ، بدلا من : « والشرع ».
4- في ( د ) : « في العتذر ».
5- في ( د ) : « النوع ».
6- سورة الإنسان (76) : 21.
7- سورة إبراهيم (14) : 16.
8- قال في مجمع البيان 6 / 151 ذيل الآية 21 من سورة الإنسان : شرابا طهورا أي طاهرا من الأقذار ، إلّا أنه قال في موضع آخر من المجمع 5 / 113 ذيل الآية 48 سورة الفرقان : ماء طهورا أي طاهرا في نفسه مطهرا لغيره مزيلا للأحداث والنجاسات.
9- سورة الفرقان (25) : 48.

وكأنّ الأولى حمله على المعنى السابق.

وفي مجمع البحرين أنه محكيّ عن سيبويه. ولم نجد أحدا حكاه عنه. وقد يوهمه عبارة الراغب في المقام فكأنه أخذه منه (1).

وهو وهم فاسد كما لا يخفى على من راجعه.

وعزاه جماعة إلى أبي حنيفة (2).

وزاد في شمس العلوم أصحابه ، ونسبه البغوي (3) إلى (4) أصحاب الرأي.

وحكي في كنز العرفان (5) (6) عن بعض الحنفية و (7) العامة (8) إنكار دلالته على غير الطهارة محتجّا بأنّ فعولا للمبالغة ، ولم ينسبا إلى أبي حنيفة أو غيره شيئا آخر ، وكأنّه الأصحّ في نقل مذهبهم.

وكيف كان ، فثبوت هذا المعنى للطهور غير بيّن الظهور عند الجمهور من نقلة اللغة ، ولا يساعد (9) شي ء من الإطلاقات العرفيّة بل الظاهر من العرف خلافه ، وثبوته بمجرّد ما ذكر غير ظاهر ؛ إذ لا حجّة في قول أبي حنيفة وأصحابه بعد ثبوته (10) ، والعبارتان المنقولتان ليستا بتلك المكانة من الظهور ليعارض بهما كلام غيرهما من الأجلاء ، فالأظهر حملهما على إرادة

ص: 62


1- وفي تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) : قال سيبويه : والطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا.
2- كما في مجمع البحرين 3 / 380.
3- تقرأ في ( الف ) : البضوي ، وفي ( د ) : « المغري ».
4- كذا ، والظاهر : إلى.
5- كنز العرفان 1 / 37.
6- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « والمعالم ».
7- في ( ج ) : « أو ».
8- ونسب في تذكرة الفقهاء 1 / 807 هذا القول إلى أبي بكر بن داود وبعض الحنفية مستدلين بأن العرب لم تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم كقاعد وقعود وضارب وضروب. ونقل ذلك عن : أحكام القرآن للجصاص 3 / 8. تفسير القرطبي 13 / 39 ، نيل الأوطار 1 / 19 وغيرها.
9- كذا ، والظاهر : لا يساعده.
10- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « عنهم ».

التشبيه بالرسول (1) في مطلق الوصفيّة دون الخصوصيّة.

خامسها : أن يكون صفة بمعنى المبالغة في الطهارة. ذكره الزمخشري (2) والمطرزي في المغرب ، وقد تقدم عبارة النهاية والمجمع والمفردات وجملة من الكتب الاستدلاليّة الّتي يظهر منها ذلك (3).

وهذا المعنى أيضا غير مذكور في كلام أكثر أساطين أهل اللغة كالصاحب وابن نشوان وولده والجوهري والفيروزآبادي وابن فارس وغيرهم ، فالظاهر منهم عدم إثباته لهم (4) ، بل لا يعرف مصرّح به سوى الزمخشري والمطرزي وعبارة النهاية وغيرها مما أشرنا (5) إليه غير صريحة في ذلك ، بل الأولى حملها على ما مرّت الاشارة إليه.

وكيف كان فالظاهر أنّهما أيضا تبعا إمامهما الحنفي ، وأرادا بذلك انتصار مذهبه ، ومع ذلك فلم يستندا في ذلك إلى شاهد ظاهر من السماع (6) ، وإنّما استندا فيه إلى القياس.

وبعد ما تبيّن من لزوم الاقتصار في صيغ المبالغة على المسموع يسقط (7) هذا الكلام وما يحتجّ به بعد ذلك من قوله تعالى : ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (8) وقول الشاعر :

ص: 63


1- لم ترد في ( د ) : « بالرسول ».
2- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « في الكشاف والأساس ».
3- ويفهم هذا المعنى من الشيخ رحمه اللّه على ما حكاه عنه في البحار 77 / 6 - 7 باب 1 بأنه لا خلاف بين أهل النحو في أن اسم « فعول » موضوع للمبالغة وتكرر الصّفة. ألا ترى أنهم يقولون : فلان ضارب ، ثم يقولون ضروب إذا تكرر ذلك منه وكثر. قال : وإذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ويتزايد ، فينبغي في إطلاق الطهور عليه غير ذلك. وليس بعد ذلك إلّا أنه مطهّر. قال صاحب البحار بعد ذلك : وفيه ما لا يخفى.
4- في ( د ) : « له ».
5- في ( ج ) : « بلا إشارة » ، بدلا من : « مما أشرنا ».
6- زيادة في ( ج ) : « يدلّ عليه ».
7- في ( د ) : « لسقط ».
8- الإنسان (76) : 21.
وريقهنّ طهوراً

وريقهنّ (1) طهوراً (2)

إذا المراد بهما (3) مطلق الطاهر أو المبالغة فيه ؛ إذ لا نجاسة في الآخرة حتى يزيلها ولا معنى لدعوى المطهريّة في ريقها.

وقول بعضهم في ما حكاه في الأساس : اطلب لي ماء طهورا بليغا في الطهارة ؛ لا شبهة فيه.

مدفوع بأنّ إرادة المطهريّة ممكن في الآية ؛ لاحتمال أن يراد به التطهير عن (4) حسب ما سوى اللّه كما حكي عن جماعة من المفسرين وروي عن الصادق عليه السلام.

أو (5) المراد : تطهيرهم عن بقايا الأخلاق الخسيسة من البخل (6) والحسد وغيرهما.

.. إلى غير ذلك ممّا قيل في تفسيرها.

ولا ريب أنّ ما ذكر هو المناسب للمقام ؛ إذ ليست الطهارة أو المبالغة فيها وصفا تميّز سببها (7) في المقام ؛ لوضوح أن طعام الجنّة وشرابها في أعلى مراتب الطهارة والنظافة ، ولا خصوصية في ذلك للشراب.

ولو سلّم ذلك فلا ريب أن الامتنان (8) بما ذكر أولى وإن لم يرجّح عليه فلا أقل من الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال.

ويمكن أن يكون المقصود من البيت بيان كون (9) ريقهنّ مزيلا للهموم والغموم.

ص: 64


1- قد ثبت في المتن هنا وفي بعض ما يأتي : ربقهنّ بالباء الموحدة.
2- في ( د ) : « ريقهن طهور » ، بدلا من : « وريقهنّ طهورا » ، وفي المعتبر 1 / 36 نقل الشطر هكذا : « عذاب الثنايا ريقهنّ طهور ». وانظر : جواهر الكلام 1 / 63.
3- في ( د ) : « بها ».
4- لم ترد في ( ب » : « عن حسب ... تطهير ».
5- في ( د ) : « إذ ».
6- في ( د ) : « الغل ».
7- في ( د ) : « يمتنّ بها » ، بدلا من : « تميّز سببها ».
8- في ( د ) : « الإتيان » ، بدلا من : « الامتنان ».
9- لم ترد في ( د ) : « بيان كون ».

وقد يحمل (1) أيضا على ادعاء (2) كون ريقهنّ مطهرا (3) على سبيل المبالغة ، والشاهد المذكور بعد تسليم (4) كونه ممن يعتدّ بقوله لا إشارة (5) فيه على استعمال الطهور في المبالغة ؛ إذ كون قوله بليغا في الطهارة تفسيرا للطهور غير معلوم لجواز كونه صفة أخرى (6) للماء.

ولو سلّم إطلاق الطهور في الشواهد المذكورة على (7) المبالغة في الطهارة ، فعدم اطّراده (8) من أعظم الشواهد على التجوّز ؛ إذ من الظاهر عدم إطلاق الطهور عرفا على غير المطهّر.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور (9) على الثوب والخشب (10) ونحوهما في لسان العرب ، ولو صحّ وضعه (11) للمبالغة لما كان فرق بينها وبين الماء في ذلك.

وممّا يؤيّد ما قلناه أن صيغ المبالغة إنّما وضعت لإفادة تكرّر الصفة على ما نصّ عليه جماعة منهم (12).

وعن الشيخ (13) و (14) الراوندي (15) : أنّه لا خلاف بين أهل النحو في أن « فعولا » للمبالغة

ص: 65


1- في ( د ) : « يحتمل » ، بدلا من : « يحمل ».
2- لم ترد في ( د ) : « على ادعاء ».
3- في ( د ) : « متطهرا ».
4- لم ترد في ( د ) : « تسليم ».
5- في ( د ) : « شهادة ».
6- في ( ألف ) : للأخرى.
7- في ( ج ) : « و » ، بدلا من : « على ».
8- كذا.
9- زيادة في ( ج ) : « عرفا على غير المطهّر ، وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور ».
10- في ( ج ) : « الخبث ».
11- في ( د ) : « وصفه ».
12- زيادة في ( د ) : « كالشيخ الجواد في المسالك والأسفرايني وغيره على ما حكاه في الكتاب المذكور ».
13- تهذيب الأحكام 1 / 214.
14- لم ترد في ( د ) : « و » ، والصحيح ثبوتها.
15- فقه القرآن 1 / 59.

وتكرّر الصفة ؛ لأنّه (1) لا يطلق « ضروب » إلّا على من تكرّر منه الضرب وكثر.

ويؤيّده ظهور ذلك من الاستعمالات العرفيّة فإن ضروبا وأكولا وضحوكا ونحوها إنّما يصدق (2) على من تكرّرت منه تلك المبادي لا على من حصلت منه مرّة ولو كانت في أعلى مراتب الشدّة.

وحينئذ نقول : لا يتصور حصول المبالغة بهذا المعنى في الطهارة لا بمعناها اللغوي ولا الشرعي.

أما الأوّل : فلعدم تعقّل (3) التكرار في النظافة الحاصلة ، نعم يتصور حصوله بتكرّر ورود النجاسة وزوالها ، وهو لا يجدي هنا ؛ لظهور عدم إرادة ذلك من الطهور (4) في المقام مع أنّه ممّا (5) يجري في جميع الأشياء فلا وجه لاختصاص الماء وشبهه به.

وكذا الحال بالنسبة إلى معناه (6) الشرعي إن أريد به المبالغة في حصول الصفة كما هو الظاهر.

وإن أريد به المبالغة في إعطائها أمكن فيه ذلك ويعقل فيه التكرار أيضا (7) ؛ إذ لا مانع فيه (8) إلّا أن يكون المبالغة (9) حينئذ في التطهير.

وهو خلاف المفهوم (10) منه عرفا ، ومخالف لما ذكره (11) في قاعدة المبالغة.

ص: 66


1- في ( د ) : « وأنه ».
2- في ( د ) : « تصدق ».
3- في ( ج ) : « تفعل ».
4- في ( ألف ) : « الظهور ».
5- لم ترد في ( د ) : « ممّا ».
6- في ( د ) : « معناها ».
7- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « ويعقل فيه التكرار أيضا ».
8- زيادة في ( د ) : « من التكرر ».
9- لم ترد في ( د ) : « المبالغة ».
10- في ( د ) : « المعهود ».
11- في ( د ) : « ذكروه » ، بدلا من : « ذكره ».

ومع ذلك يرجع إلى ما ذكرناه من إفادة المطهريّة (1).

وكأنّ ما ذكر هو السرّ في عدم وضع المبالغة لخصوص (2) تلك المادّة.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض المتأخّرين من جعله مبالغة في الطاهر ؛ استنادا إلى قبول الطهارة لغة وعرفا للزيادة والنقيصة ، فتأمّل.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرناه معان ثلاثة للطهور ، ولوقوعه صفة في ظاهر الآية الشريفة يتعيّن الثالث منها ؛ إذ لا يقع المصدر صفة إلّا (3) بالتّأويل ، وكذا اسم الآلة ، ولا مقتضى له فما ذكره جماعة من حمله على المعنى الثاني (4) ليتمّ (5) به الاستدلال على المطهريّة تكلّف.

وقد يصحّح بجعله بدلا عن الماء ، وهو أيضا خروج عن ظاهر الآية.

ثمّ بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة كما هو الأقوى يرجّح (6) حمل الطهور على معناه الشرعي الذي هو أعمّ من إزالة الخبث ورفع الحدث على الأظهر ، فتدلّ (7) بإطلاقه على حصول الأمرين.

ويعضده وقوعه موقع الامتنان.

وبناء على عدم ثبوتها يتقوّى أيضا حمله على المعنى الشرعي أو ما يعمّه بمقتضى المقام بل لا يبعد القول بكون رفع الحدث والخبث تطهيرا لغويا أيضا. غاية الأمر أن يكون خباثة المرتفع ثابتا بالشرع ؛ إذ بعد فرض دناسته يكون ارتفاعه تطهيرا في اللغة.

ص: 67


1- في ( د ) : « التطهير به » ، بدلا من : « المطهريّة ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لخصوص ... جعله مبالغة ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».
4- لم يرد في ( د ) : « الثاني ».
5- في ( د ) : « فيتمّ ».
6- في ( د ) : « يترجح ».
7- في ( د ) : « فيدل ».

ولأجل ما عرفت نصّ جماعة من المحقّقين باستفادة (1) تعميم المتطهّريّة من الآية الشريفة وفسّره في السرائر بتطهير الحدث ولم يذكر غيره ، فظاهره الاقتصار عليه.

وكأنّه مبنيّ على خروج ما يرفع الخبث (2) عن الطهارة في الشرع على ما ذكره جماعة واشتهر القول به.

وهذا (3) خلاف التحقيق كما عرفت.

ثمّ إنّ قضيّة ظاهر الآية طهوريّة المياه النازلة من السماء ، وأما غيرها من مياه الآبار والبحار والنابعة من الأرض فالظاهر خروجها عن مدلول الآية فيتمّ الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

نعم ، قد يدّعى كون جميع المياه نازلة من السماء لظواهر بعض الأخبار ، لكنّ الأظهر حملها على ما لا يخالف الظاهر بل المعلوم من الخارج على أنّها لا تجري في مياه البحار الّا أن يقال بنزولها أيضا من السماء.

فإن ثبت ذلك أيضا بدلالة الأخبار - إذ دلّ (4) ما دلّ على الأوّل بذلك - كان تعميم الآية لهما (5) خروجا عن الظاهر ؛ إذ المتبادر عرفا هو النزول على النحو المعروف (6) ، ولا تشمل (7) نحو نزول البحر في أوّل الدهر.

وقد يستنبط العموم من توصيف الماء بالطهور بناء على ظهور الآية في تعلّق الأخبار بالإنزال بالماء الموصوف بالطّهوريّة ، فتكون الطهوريّة صفة للجنس تثبت حيث ما ثبت.

وهو أيضا محلّ منع.

ص: 68


1- في ( د ) : « باستبعاده ».
2- في ( ج ) و ( د ) : « الحدث ».
3- في ( د ) : « وهو ».
4- في ( د ) : « أو أوّل » ، بدلا من : « إذا دلّ ».
5- في ( د ) : « لها » ، بدلا من : « لهما ».
6- في ( د ) : « المتعارف » ، بدلا من : « المعروف ».
7- في ( د ) : « لا يشمل » ، بدلا من : « لا تشمل ».

مع أن إفادة التوصيف قبل الإنزال كونه من صفات أصل الطبيعة غير معلومة. غاية الأمر أن يكون صفة للصنف (1) حاصلة له مع قطع النظر عن النزول ، فتدبّر.

ومنها : قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (2)

والمشهور على ما حكي أنّها نزلت في بدر لمّا استبق الكفّار إلى الماء ، فاضطرّ (3) المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل وباتوا (4) ليلتهم تلك من غير ماء ، فاحتلم أكثرهم فتمثّل لهم إبليس وقال : تزعمون أنكم على الحق وتصلّون بالجنابة ومن غير وضوء! وقد اشتدّ عطشكم ، وإذا أضعفكم (5) العطش قتلوكم كيف شاءوا. فأنزل اللّه عليهم المطر وزالت تلك العلل وقويت قلوبهم ونزّل اللّه الآية (6).

فيظهر بملاحظة ذلك دلالتها على الطهارة والطهوريّة من الحدث والخبث. ويجي ء تعميم الحكم أيضا بعدم القول بالفصل على ما ذكرنا (7).

ومنها : قوله تعالى في سورتي النساء والمائدة بعد ذكر الوضوء واغتسال الجنب فإن ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (8) ، فقد دلّ صدر الآيتين على طهوريّة الماء من الحدث الأصغر والأكبر ، ودلّ عجزها على شمول الحكم لجميع المياه حيث علّق جواز العدول إلى التيمّم على فقدان الماء مطلقا.

ص: 69


1- في ( ألف ) : « المصنّف ».
2- الأنفال (8) : 11.
3- في ( د ) : « المصطبر ».
4- في ( د ) : « فيأتوا ».
5- في ( د ) : « أضعتكم ».
6- في ( د ) : « ونزلت الآية ».
7- في ( د ) : « ما ذكر ».
8- النساء (4) : 43 والمائدة (5) : 6.

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1) ، فقد ورد في المستفيضة المشتملة على الصحيح أنّها نزلت في الاستنجاء بالماء.

ولعلّ في الدعاء الوارد لمحلّ (2) الاستنجاء من قوله : « اللّهمّ اجعلني من التّوّابين ، واجعلنى من المتطهّرين » (3) إشارة إليه.

وقد ورد مثل ذلك في الوضوء والغسل فكأنّ فيه إيماء إلى عموم الآية لحكم الحدث أيضا.

وبهذه الآية والآيتين السابقتين يثبت طهورية الماء من الحدث والخبث.

وأمّا السنّة (4) والروايات الواردة في ذلك فهي مستفيضة بل متواترة ، وقد وردت فيه أخبار لا تحصى في مقامات شتّى ؛ إذ جميع الأوامر الواردة في الوضوء والغسل والغسل من النجاسة أدلّة على الطهورية.

وفي الصحيح : « كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من (5) بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون » (6).

وفي الحديث القدسي المرويّ في إرشاد الديلمي : « كانت الأمم السالفة إذا أصابهم نجس قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء طهورا لأمّتك من جميع أنجاس والصعيد » (7).

ويستفاد من آخره تعميم الأنجاس للأخباث والأحداث.

ص: 70


1- البقرة (2) : 222.
2- في ( د ) : « في حال ».
3- مصباح المتهجد : 130.
4- في ( ج ) : « الحسنة ».
5- لم ترد في ( د ) : « من ».
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 9 ح 13 ، وعنه في وسائل الشيعة 1 / 134 ح 325.
7- إرشاد القلوب 2 / 222 وعنه في بحار الأنوار 77 / 150 ح 12.

وفي مصباح الشريعة (1) عن الصادق عليه السلام : « فكما أن رحمته تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة تطهّر بالماء لا غير » (2).

ص: 71


1- مصباح الشريعة : 128.
2- في المصدر : « وكما أن رحمة اللّه تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير ».
تبصرة: [ في كيفيّة تنجّس الماء ]
اشارة

ينجس الماء بجميع أقسامه بتغييره (1) بالنجاسة في اللون أو الطعم أو الرائحة باجماع الاماميّة بل وإجماع الأمّة وحكاية الإجماع عليه مطلق أو إجماعنا خاصّة مستفيضة في كلامهم مطلق (2) ، وفي خصوص بعض أفراده كالجاري والبئر والغسالة وغيرها.

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ؛ منها النبوي المشهور : « خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (3).

ورواه في الذكرى (4) بدون ذكر اللون ، قال : وفي بعضها : « أو لونه » (5).

وادّعى الحلي الاتّفاق على رواية الأوّل.

وعدّه العلّامة في المدنيّات من الصحاح ، وخصّه بالكثير وما في حكمه.

وادّعى بعض أفاضل المتأخرين استفاضته وأنّه مرويّ من الطرفين بطرق عدة ، ولم يرمها بالضعف في المعتبر والمنتهى والذكرى عند الاستدلال (6) لابن أبي عقيل وإنّما راموا (7) الجمع بينها وبين غيرها مع رمي غيرها من الأخبار الّتي استدلّ له بالضّعف في الأوّلين ، لكن الدائر على ألسنة جماعة من المتأخّرين ضعفها وأنها من الأخبار العاميّة.

ص: 72


1- في ( ألف ) : « بتغيير ».
2- لم ترد في ( د ) : « مطلق ».
3- وسائل الشيعة 1 / 135 ح 330 ، والمعتبر : 9 ، وعنه في بحار الأنوار 77 / 9 ح 4.
4- الذكرى : 8.
5- في ( د ) : « أولوية » ، بدلا من « أو لونه ».
6- زيادة في ( د ) : « بها ».
7- في ( د ) : « رموا » ، بدلا من « راموا ».

قال المحقّق في المسائل المصريّة (1) في الردّ على العماني حيث أصحّ (2) له بالرواية : إنّ الرواية ممنوعة وإنّها مرويّة من طرق العامّة وأكثرهم طعن في سندها ، وهو ادّعى تواترها عن الأئمّة. ونحن ما رأينا لها سندا في كتب الأصحاب آحادا فكيف تواترا.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الفاضل المذكور.

وكيف كان ، فانجبارها بعمل الأصحاب كاف في حجّيتها في المقام ، مضافا إلى اشتهارها ومطابقة مضمونها للأخبار الخاصّة ، فما يظهر من بعض المتأخّرين من التأمل في تنجّسه بالتغيير (3) اللوني بضعف (4) الرواية المذكورة وخلوّ الأخبار الخاصّة عنه ليس في محلّه ؛ لما عرف (5) من الإجماع المعلوم والمنقول عن جماعة واعتضادها (6) بالخبر المذكور بعمل الجمهور.

مضافا إلى الأخبار المستفيضة الخاصّة الدالّة عليه بالإطلاق من الروايات الدالّة على تنجّسه بغلبة النجاسة عليه أو تغيّره بها ونحو ذلك ، أو بالخصوص كصحيحة شهاب بن عبد ربّه ، ورواية فضيل (7) ، والمحكيّة عن قرب الإسناد وفقه الرضا.

هذا ولنتم (8) الكلام في هذا المرام برسم أمور :

[ المدار في صفات النجاسة ]

الأول : المدار في صفات النجاسة على الصفات الحاصلة لها بنفسها فالصفة الحاصلة فيها

ص: 73


1- لاحظ : الرسائل التسع : 219.
2- في ( د ) : « احتج ».
3- في ( د ) : « بالتغيّر ».
4- في ( ج ) و ( د ) : « لضعف ».
5- كذا ، والظاهر و ( د ) : « عرفت ».
6- في ( ج ) و ( د ) : « اعتضاد الخبر ».
7- لم ترد في ( د ) : « و ».
8- في ( د ) : « لنتمم ».

بممازجة ذي (1) صفة أو مجاورتها سواء كانت منعه (2) لطاهر أو نجس لا عبرة بها لعدم إثبات (3) الصفة عرفا إلى تلك النجاسة والظاهر من الأدلّة اعتبار التغيير بصفاتها لا صفات غيرها.

نعم ، لو وقعت النجاسة في بعض النجاسات المائعة وغيّرتها فغيّرت الماء بتلك الصفة المكتسبة احتمل التنجيس ، ويجي ء (4) الإشارة إليها.

ولو (5) كان العارض سببا لحصول صفة في (6) النجاسة في نفسها كالنتن العارض للميتة بسبب الحرّ أو في البول بسبب الشمس أو طول المكث ألحقت بالصّفات الأصليّة ، وهو ظاهر.

[ الكلام في الصفات الطبيعية ]

الثاني : هل المدار في صفات الماء على الصفات الطبيعيّة سواء قلنا بأنّها وجودية أو عدمية أو الخلقيّة أو الموجودية (7) فيه ، ولو كانت عارضيّة ، وجوه : أقواها الأوّل ، وهو المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين ؛ إذ هي المتبادر من صفات الماء عند الإطلاق ؛ إذ ليست العارضة (8) معدودة عرفا من صفات الماء ولو كانت خلقيّة أو لم يجئها بممازجة الغير أو (9) مجاورته كما إذا تغيّر لطول المكث كما لا يخفى على من تأمّل في العرف.

وممّا يشهد بذلك أنّه لو أزيلت الصفة العارضة - خلقية كانت أو غيرها - بنجاسة مسلوبة الصفة موافقة للماء في صفاته الأصليّة حتّى عاد بها إلى صفتها الطبيعيّة لزم على (10)

ص: 74


1- في ( د ) : « أيّ ».
2- لم ترد في ( د ) : « منعه ».
3- في ( د ) : « انتساب ».
4- في ( د ) : « سيجي ء ».
5- في ( د ) : « نعم لو » ، بدلا من : « ولو ».
6- لم ترد في ( د ) : « في ».
7- في ( د ) : « الموجودة ».
8- في ( د ) : « العارضية ».
9- في ( د ) : « و » ، بدلا من « أو ».
10- في ( د ) : « من ».

ذلك القول بتنجّسها.

وحينئذ لا بدّ من التزام عدم قبوله الطهارة المتوقّفة على زوال التغيّر إلّا بالاستهلاك (1) في الماء الطاهر إن سلّم استهلاك الشي ء في مثله أو بملاقاته للماء المتغيّر.

ومن الواضح فساد الالتزام به.

[ القول في الملوحة ]

ثمّ إنّه لا يبعد القول بكون الملوحة (2) الحاصلة في بعض المياه (3) كماء البحر من الصفات الطبيعيّة لظاهر العرف ، والقول بأنّ الأصل فيه العذوبة ، والملوحة إنّما طرأت عليه بالعارض (4) غير معلوم ، والنظر إلى العرف يعطي أنّهما نوعان مستقلّان ، قال اللّه تعالى : ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ) (5) وظاهر إطلاق صفات الماء يشملهما ، فلو فرض انقلاب المالح عذبا بالنجاسة توقف على الاستهلاك أو زوال تلك الصفة كما في عكسه على وجه قوي.

وفي الملوحة الحاصلة في الماء الخارجة من الأرض السبخة (6) وجهان ، ولا يبعد إلحاقها بالأصليّة عملا بظاهر (7) الأصل.

نعم ، لو علم كونها عارضيّة امتنع (8) حكمها.

ص: 75


1- في ( ب ) : « الاستهلاك ».
2- في ( د ) : « الملاحة ».
3- في ( د ) : « نفس الماء » ، بدلا من : « بعض المياه ».
4- في ( د ) : « لعارض ».
5- فاطر (35) : 12.
6- في ( د ) : « الأراضي النجسة ».
7- في ( د ) : « فظاهر » ، بدلا من : « عملا بظاهر ».
8- في ( د ) : « اقبع » ، بدلا من : « امتنع ».

وقد ظهر بما قلنا أنّه لو زالت الصفات الأصليّة عنه بطاهر أو بطول (1) المكث قدر بقائها على الصفة واعتبر تغييرها بتلك النجاسة ، وذلك وإن كان في الحقيقة نحوا من التقدير لعدم تغيير النجاسة لصفاته (2) الأصليّة بالفعل إلّا أنّه لا يعدّ تقديرا في العرف بحكمهم (3) إذن بحصول التغيير واقعا ، وجعلهم ذلك ساترا له على الحس مع عدم ظهوره ، ولذا تراهم لا يحكمون بزوال التغيير قطعا إذا تغيّر بالنجاسة ، ثمّ ورد عليه طاهر فصبغه بلونه وإن كان ذلك في ملاحظة العقل زوالا للصفة السابقة.

والمناط في المسائل المذكورة على متفاهم العرف دون الحقائق العقليّة. كيف ، ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل (4) للعقل (5) لزم عدم تنجّس الماء في الظلمة الشديدة بما يغيّر لونه من النجاسة بناء (6) على القول بتبعيّة الألوان للأضواء كما عليه جماعة من المحقّقين ، وهو ضروريّ الفساد.

فليس الحكم بالنجاسة إذن إلّا لحكم (7) العرف بالتّغيير.

وبذلك يظهر قوّة القول بالنجاسة في الفرع المشهور ، وهو ما إذا وافق الماء صفة النجاسة فامتزجت به بحيث لو لا الموافقة لظهر التغيير كما قطع به جماعة من المتأخّرين.

وكأنّ ذلك مراد من استدلّ له بحصول التغيير في الواقع وإن كان مستورا على الحس ؛ إذ حمله على ظاهره ظاهر الفساد ؛ لعدم انفعال الشي ء عن مماثله قطعا وإن كان أضعاف ضعفه (8).

ص: 76


1- في ( د ) : « طول » ، بدلا من : « بطول ».
2- في ( د ) : « بصفاته ».
3- في ( د ) : « لحكمهم ».
4- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « الأصل ».
5- في ( ج ) و ( د ) : « ولو بنى الحكم على مقتضى حكم العقل » ، بدل : « ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل للعقل ».
6- لم ترد في ( ب ) : « بناء ... بالنجاسة ».
7- في ( د ) : « بحكم ».
8- في ( د ) : « أضعفه ».

ولذلك اعترف في البيان بكونه من التقديري ، وجعله بعض المتأخّرين بحكم التقديري الآتي.

ويضعّف بأنّ هذا التقدير جار مجرى التحقيق بحكم العرف بخلاف ما هناك.

ويتفرّع على ما قلناه الحكم بطهارة الماء إذا كان متغيّرا بطاهر ومازجه بول مسلوب الصفة حتى أعاده إلى حالته الأصليّة لعدّه زوالا للتغيير.

[ التغيير في غير الأوصاف الثلاثة ]

الثالث : لا عبرة بالتغيير في غير الأوصاف الثلاثة كالثقل والخفّة والحرارة والبرودة بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الغنية (1) والدلائل وغيرهما الإجماع عليه.

وفي كشف اللثام (2) : كأنّه لا خلاف فيه للأصل والعمومات.

فظاهر النبوي المذكور وغيره من الأخبار الكثيرة وما ورد في بعض الروايات من إطلاق التغيير أو الغلبة ونحوهما محمول على الغالب من حصول الغلبة في أحدها.

ومع الغضّ عنه ، فالأخبار المذكورة من جهة اختصاصها واعتضادها بالعمل حاكمة عليها.

وعن الجعفي وابن بابويه (3) اعتبار غلبة (4) النجاسة ، فقد يوهم إطلاقهم الغلبة على غير الأوصاف الثلاثة إلّا أنّه كالروايات المذكورة محمول على الغالب. قال في الذكرى (5) بعد حكاية ذلك : وهو موافقة في المعنى.

ص: 77


1- الغنية : 479.
2- كشف اللثام 1 / 255.
3- كشف اللثام 1 / 255 ؛ الذكرى : 8.
4- في ( د ) : « أغلبية ».
5- الذكرى : 8.
[ مجاورة النجاسة ]

الرابع : لا ينجس الماء بالتغيير الحاصل بمجاورة النجاسة بلا خلاف فيه ، ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا على لسان جماعة ، الأصل مع اختصاص معظم ما دلّ على نجاسة المتغيّر بالملاقي للنجاسة ، وعدم انصراف إطلاق البعض في العرف إلى ذلك (1) ، وأنّه مع عدم الملاقاة لا موجب للتنجيس.

ومجرد الصفة أو الريح الحاصل (2) لها ليس نجسا حتّى ينجّس الماء.

وفي إطلاق ما دلّ على جواز استعمال الأجن تأييد لذلك أيضا ، ولا بدّ من العلم باستناده إلى الملاقاة فلو وجد الماء متغيّرا بالجيفة ، و (3) احتمل وقوعها فيه بعد تغييره بالمجاورة من دون أن يستند التغيير إلى الملاقاة لم يحكم بالنجاسة ، فلا عبرة بالظّهور (4) ، وإن استفيد من إطلاق بعض الأخبار الاكتفاء به إلّا أنّ الظاهر حمله على الغالب من حصول العلم ، ولا بدّ من استقلال الملاقاة في حصول التغيير ، فلو حصل من مجموع المجاورة والملاقية لم يؤثّر.

وكذا لو كان التغيير حاصلا عن بعضها الملاقية وبعضها الخارجة كما إذا وقعت جيفة في الماء المنبسط على الأرض وكان أكثر أجزائها خارجا فاستند التغيير إلى مجموع الأجزاء الداخلة والخارجة.

ومع الشك يبنى على الأصل في وجه قويّ إلّا أنّ قضيّة جملة من الإطلاقات هنا البناء على النجاسة ويتقوّى حملها على الغالب.

ولو وقعت جيفة في المضاف المتّصل بالماء فسرى التغيير منه إليه من دون امتزاج المضاف به ، ففي نجاسة الماء وجهان مبنيّان على أصالة الطهارة وكونه من قبيل التغيير

ص: 78


1- في ( د ) : « إلى غير ذلك ».
2- في ( د ) : « الحامل ».
3- لم ترد في ( د ) : « و ».
4- في ( ب ) : « بالطهور ».

بالمجاورة ، وعلى صدق التغيير (1) بالنجاسة في العرف فيشمله الإطلاقات.

وكونه من قبيل التغيير بالمجاورة الذي قطعوا بعدم اعتبارها (2) غير معلوم ، فيلزم البناء على حكم الإطلاق.

ويجري الوجهان في غير المضاف من سائر المائعات إلّا أنّ البناء على الطهارة هنا أقوى.

[ اعتبار التغيير حال الملاقاة ]

الخامس : يعتبر في نجاسة الماء حصول التغيير حال ملاقاة النجاسات (3) ، فلو لم يتغيّر بها حال الملاقاة لحصول مانع في الماء من قبوله ثمّ ارتفع المانع بعد ارتفاع الملاقاة فيحصل التغيير ، لم (4) يحكم بالنجاسة إن كانت النجاسة غير ممازجة.

وأمّا إن كانت ممازجة واستهلكت فيه من دون حصول التغيير ثمّ حصل بعده بعد ارتفاع المانع ففيه وجهان.

ويتقوّى فيه الحكم بالطّهارة أيضا لتطهّر (5) الممازج حينئذ ، ولا منجّس (6) بعده.

هذا إذا كان المانع موجبا لعدم التأثير من النجاسة ، وأمّا إذا منع الظهور على الحسّ كالحرارة والبرودة الشديدتين المانعتين من إدراك الطعم الخفيّ فلا شبهة في حصول النجاسة من أوّل الأمر مع اليقين بحصوله.

ثمّ إنّ المدار في التغيير على تبدّل صفة الماء بالنجاسة سواء كان بتحويله إلى صفة النجاسة أو صفة ثالثة مغايرة لهما ، ولا فرق بين كون الصفة سارية من النجاسة إليه أو حاصلة بسببها وإن لم تكن من صفتها ، كما قد يجي ء اختلاف اللون أو الطعم في الماء بسبب الجيف

ص: 79


1- في ( د ) : « التغيّر » ، بدلا من : « التغيير ».
2- في ( د ) : « اعتباره ».
3- في ( د ) : « النجاسة ».
4- لم ترد في ( ب ) : « لم يحكم ... حصول التغيير ».
5- في ( ج ) و ( د ) : « لطهر ».
6- في ( د ) : « يتنجّس ».

الواقعة فيه من جهة فساد طبيعة الماء بها من دون أن يكون طعم الجيفة أو لونها حاصلا فيه ، ولا بد من كون الصفة الحاصلة مستندة إلى النجاسة ، فلا يكتفى بمجرّد ظهورها بسبب النجاسة إن كان الظاهر مجموع صفة النجاسة وغيرها ، فلو وضع طاهر أحمر في الماء بحيث لم يتغيّر به ثمّ أكمل بشي ء من الدم فغيّره لم ينجس به إذا لم يستقل بالتغيير ، ولو فرض إعداد الأمر الخارج بسرعة (1) الانفعال من النجاسة قوي تنجّس الماء بها وإن لم تغيّره مع عدمه.

ثمّ إنّ المعتبر من التغيير ما يحسّ (2) به غالب الناس ، فلا عبرة بما يحسّ به الأوحدي منهم ممّن له إحساس خارج عن العادة (3) ، فهو إذن طاهر (4) عند من أحسّ به أيضا إذا علم عدم إحساس الغالب به أو شكّ فيه في وجه قوي.

ويحتمل القول بنجاسته بالنسبة إلى من أحسّ به لصدق التغيير عنده على سبيل الحقيقة.

[ مدار التنجّس : التغيّر بالنجاسة ]

السادس : قد عرفت أنّ المدار في تنجيس (5) الماء على التغيير بالنجاسة ، فلا عبرة بتغييره (6) بالمتنجّس في ظاهر المذهب ؛ للأصل ، وظواهر جملة من الأخبار ، وإطلاق بعضها وإن عمّ ذلك أيضا إلّا أنّه بظاهره ينصرف (7) إلى غيره.

مضافا إلى فهم الأصحاب.

ص: 80


1- في ( د ) : « لسرعة ».
2- في ( ألف ) : « يحسن » ، وكذا فيما بعده.
3- في ( د ) : « المعتاد ».
4- في ( ألف ) : « ظاهر ».
5- في ( د ) : « تنجّس » ، وكلاهما صحيح.
6- في ( د ) : « بتغيره » ، وكلاهما متّجه.
7- في ( د ) : « منصرف ».

وذهب الشيخ رحمه اللّه في المبسوط (1) إلى تنجّس الماء به ؛ لحكمه بتنجيس (2) المطلق بالمضاف المتنجّس الممتزج (3) به إذا غيّر أحد أوصافه.

وهو شاذّ لم نقف له على مستند سوى بعض الإطلاقات ، وقد عرفت ضعفه.

وقد يرجع كلامه إلى المشهور ، وسيجي ء القول فيه عند بيان تطهير المضاف إن شاء اللّه.

هذا إن غيّر (4) بصفته ، وأمّا إن غيّره بصفة النجاسة فإن كان المتنجّس ماء.

فلا شبهة في تنجّس الماء به مع تنجّس الأوّل به ، سواء كان تغيّره بامتزاج النجاسة أو بغيره (5).

وإطلاق كلامهم هنا وإن أوهم القول بالطهارة إلّا أنّ ظاهر كلامهم في اعتبار زوال التغير في طهر المتغير القطع بتنجّس (6) ما يمازجه من الماء مع تغيّره به ، بل عباراتهم هنا (7) صريحة في ذلك.

وممّا ينادي به اعتبارهم إلقاء كرّ ثانية وثالثة مع تغيّر السابق.

ويدلّ عليه أنّه لا يتحقّق التغيير في الأجزاء البعيدة عن النجاسة إلا بذلك ، فيندرج في مدلول الأخبار والإجماعات.

والتفصيل بين وجود عين النجاسة وعدمه ممّا يقطع بفساده ، بل لإبقاء العين في النجاسة الممازجة لاستهلاكه فيما يلاقيه أولا ثمّ يسري التغيير من المتغير بها إلى بقية الماء.

مضافا إلى الإجماع على عدم طهره من دون زوال التغير ، فبدونه ينجس ما يمازجه من

ص: 81


1- المبسوط 1 / 5.
2- في ( د ) : « بتنجس ».
3- لم ترد في ( د ) : « به ».
4- في ( د ) : « غيّره ».
5- في ( د ) : « غيّره ».
6- في ( د ) : « بتغير » ، بدلا من : « بتنجس ».
7- زيادة في ( د ) : « لك ».

الماء الطاهر ؛ لاتحاد حكم الماء الواحد (1) في السطح الواحد (2) مع الامتزاج وعدم المائز.

وقد يستدلّ عليه فيما إذا كان متغيّرا بالامتزاج بصدق التغيّر بعين النجاسة ، فوجودها (3) فيه وإن لم يتميّز في الحس لكن الاستناد إلى ذلك في الماء مشكل ؛ لما عرفت من إجراء حكم الماء عليه بعد الاستهلاك.

نعم ، يتّجه (4) ذلك في غير الماء ، فلو مزج الدم بطاهر أحمر (5) فامتزج بالماء تنجّس به إذا كان الدم في نفسه صالحا لمسمّى التغيير ، وبذلك يتقوّى القول بالتنجيس في المضاف المتغير كذلك إذا غيّر الماء بصفة النجاسة.

وأمّا إذا تغيّر بوقوع النجاسة فيه من دون مزج ، ففي تنجّس الماء به إذن إشكال ، من لزوم انقلابه مطلقا في قبوله الطهارة فيجري فيه حكمه بعد الانقلاب ، ومن عدم تأثير التغيير في نجاسته ولا أقل من الشكّ فيه.

والقول بالأولويّة في تنجسه به منقوض بالجوامد ، فهو كالمضاف المتنجّس المتغيّر بمجاورة النجاسة ، ولا ريب في عدم اعتبار زوال التغيير في طهره.

وأيضا غاية ما يثبت (6) من الأدلّة اعتبار زوال التغيير في الماء المتغير والمفروض في المقام صيرورة المتغير ماء ، وفرق بين الأمرين.

غاية الأمر أن يقال إذن باستصحاب النجاسة ، فيعارضه (7) استصحاب طهارة الآخر والأصل الطهارة.

ويجري الاشكال فيما سوى المضاف من المائعات إلّا أنّ احتمال الطهارة فيها أقرب.

ص: 82


1- في ( د ) : « الوارد » ، بدلا من : « الواحد ».
2- في ( د ) : « الوارد » أيضا.
3- في ( د ) : « لوجودها ».
4- في ( ج ) : « ينجر ».
5- في ( د ) : « آخر » ، بدلا من : « أحمر ».
6- في ( د ) : « ثبت ».
7- في ( د ) : « فيعاضد » ، بدلا من : « فيعارضه ».

وأمّا الجوامد فلا شكّ في عدم انفعال الماء بها مع التغيير (1) ، بل هي تطهّر بمجرّد ملاقاة الماء.

[ مدار التنجّس فعليّته ]

السابع : ظاهر الأخبار وفتاوى قدماء الأصحاب دوران الحكم على حصول التغيّر وفعليّته ، فلو كانت النجاسة مسلوبة الصفة لم تقدّر فيها ذلك.

وهو في غير النجاسة المغيّرة بالامتزاج موضع وفاق ، وأمّا فيها فعند معظم المتأخّرين أنّها كذلك أيضا.

وفي الذكرى (2) أنّه ظاهر المذهب.

وذهب العلّامة رحمه اللّه (3) في جملة من كتبه وجماعة ممّن تأخّر عنه كولده قدس سرّه والمحقّق الكركي (4) والشهيد الثاني (5) إلى تقدير الأوصاف والحكم بالنجاسة مع حصول التغيير على تقدير المخالفة.

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وظاهر إطلاق الروايات والإجماعات المنقولة المعلّقة للحكم بالنجاسة على حصول التغيير والغلبة لصفة النجاسة الظاهرة في التحقيق دون التقدير ، وأن المدار في التنجيس إن كان على حصول التغيير فالمفروض عدمه ، وإن كان على غلبة ذات النجاسة والأوصاف كاشفة عنها لزم القول بالطهارة مع حصول التغيير فيما إذا كانت الصفة في النجاسة شديدة خارجة عن المعتاد ؛ لعدم كشفها إذن عن غلبة الذات.

والقول بأنّ المدار فيها على أحد الأمرين خروج عن مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب

ص: 83


1- في ( د ) : « التغيّر ».
2- الذكرى : 8.
3- قواعد الأحكام 1 / 184.
4- جامع المقاصد 1 / 113 - 114 ؛ رسائل الكركي 1 / 85 - 86.
5- روض الجنان : 134 ، إلا أنه قال في شرح اللمعة 1 / 251 ومسالك الإفهام 1 / 14 : المعتبر من التغيّر الحسي لا التقديري.

لإناطة الحكم فيها بأمر واحد.

على أنّ الأخبار واردة في النجاسة المغيّرة بالامتزاج وغيره على نهج واحد ، فالتفصيل بينهما خروج عن مقتضاها ؛ مضافا إلى أنّ قضيّة ما ذكر تقدير الصفة المتوسطة في حقيقة الأوصاف ، وهو خلاف ظاهر القائل بالتقدير.

وفيه أيضا مخالفة ظاهرة لظواهر الأخبار.

و (1) احتجّ العلّامة رحمه اللّه (2) بأنّ التغيير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف ، فإذا فقدت وجب تقديرها.

وفي المدارك (3) والمعالم وغيرهما : أنّه إعادة للمدّعى.

قلت : بل ظاهره (4) متدافع ؛ إذ مع تسليم دوران التغيير (5) الذي هو المناط في النجاسة مع الأوصاف يلزم انتفاؤه مع عدمها الموجب لانتفاء النجاسة ، فلا وجه لتقدير الأوصاف ، فمقتضى الدليل المذكور ردّ القول بالتقدير (6) لا ثبوته.

وقد يوجّه بأنّ مقصوده من التغيير هو مغلوبيّة (7) ذات الماء بالنجاسة (8) ، وتغيّره في ذاته بسبب امتزاجه بها ، فربّما يكون ذلك التغيير (9) مخرجا له عن الحقيقة الاسميّة ، وقد يكون سببا لزوال الأوصاف ، وقد لا يوجب شيئا منهما.

ص: 84


1- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « و ».
2- نقله عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 1 / 114 ، والعاملي في المدارك 1 / 29 ، ولم نجدها في أكثر كتبه المطبوعة التي راجعناها.
3- مدارك الأحكام 1 / 29.
4- في ( د ) : « طاهره ».
5- في ( د ) : « التغيّر ».
6- في ( ج ) : « في التقدير ».
7- في ( د ) : « مغلوبيّته ».
8- في ( د ) : « للنجاسة ».
9- في ( د ) : « التغيّر ».

والأخير (1) معتبر في الشرع والأوّل خارج عن محلّ البحث ، والثاني إنّما يتعيّن بملاحظة الأوصاف ، فإن وجدت وإلّا وجب تقديرها ، فيرجع محصّل الدليل إلى بيان مقدّمتين يتفرّع عليهما وجوب التقدير :

أحدهما : كون التغيير بالمعنى المذكور مناطا في الحكم.

ويدلّ عليه أنّ المتنجّس في الحقيقة هو عين النجاسة ، فالمؤثّر ذات النجاسة الغالبة لا صفتها.

وثانيهما : دوران ذلك مع الأوصاف ، وهو واضح ، وترتّب (2) وجوب التقدير عليهما ظاهر.

وجوابه : أنّا نقول : إنّ المنجّس هو ذات النجاسة لكن بشرط غلبة صفتها على صفة الماء لإناطة الحكم بالوصف في الأخبار.

والقول بعدم اعتبار غلبة الوصف في التنجيس ، وأن إناطة الحكم بها في الأخبار (3) لمجرّد الكشف أوّل الدعوى.

واحتجّ عليه في الإيضاح (4) بأنّ المقتضي للانفعال نهي النجاسة ، وهو حاصل في المقام إذ كلّما لم يصيّر (5) الماء مقهورا لم يتغيّر بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلّما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا. وهو يرجع إلى الوجه السابق.

ويضعّف بما مر.

وبتقرير آخر : إن اريد بقهر النجاسة غلبتها على الماء بإزالة وصفه (6) أعني الطهارة فكلّية

ص: 85


1- في ( ج ) و ( د ) : « غير ».
2- في ( د ) : « يترتب ».
3- في ( د ) : « وأنّ الحكم بها منوطة في الأخبار » ، بدلا من : « وأن إناطة الحكم بها في الأخبار ».
4- إيضاح الفوائد : 1 / 16.
5- قد تقرأ في ( د ) : « لم يصر ».
6- في ( ألف ) و ( ج ) : « وضعه ».

الأصل ممنوعة ؛ إذ (1) حصول القهر مع تقدير الصفة في النجاسة أوّل الدعوى.

وإن أراد به مجرد الغلبة فكليّة العكس غير نافعة ؛ إذ كون مجرّد المقهوريّة المعروضة موجبا للنجاسة ممنوع.

وربّما يحتجّ لذلك بجملة من الأخبار كالصحيح المشتمل على اشتراط قهر الماء للنجاسة في اعتصامه ، والصحيحة الاخرى الدالّة على اعتبار غلبة كثرة الماء على النجاسة والصحيحتين المعلّلتين لطهارة ماء الاستنجاء والمطر المخالط للنجاسة المفروضة بأكثريّته من القذر ، ونحو ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع ؛ فإنّ المستفاد (2) من إطلاقها دوران الأمر على مجرّد القهر والاستيلاء والتقدير المفروض كاشف عنه.

مضافا إلى استصحاب بقاء نجاسة الممازج ؛ إذ غاية ما يثبت (3) ارتفاع حكمها بالاستهلاك مع عدم التغيير ولو بالتقدير.

ودعوى تبدّل الموضوع ممنوع يكشف عنه عدم البناء عليه في غير الماء ، ولا أقلّ من الشكّ ، فالأصل بقاؤه أيضا.

ويدفعه أن حصول القهر والاستيلاء إما بحسب الوصف أو الذات ، والأوّل يتفرّع على اختلافهما في الصفات والثاني يعتبر لغلبة اسم الماء على النجاسة باستهلاكها فيه وعدّها ماء في العرف وعدمه ، فهو دائر مدار التسمية العرفية.

ونحن نقول باعتبار الوجهين كما يتبيّن (4).

فاعتبار التغيير (5) بعد التقدير لا يوجب القهر للذّات ولا للصّفات ، ولو سلّم فهو خارج عن ظاهر الإطلاقات بل مجرّد الشكّ كاف فيه ؛ لما تقرّر من أصالة الطهارة.

ص: 86


1- في ( ج ) : « أو ».
2- في ( د ) : « فالمستفاد » ، بدلا من « فإنّ المستفاد ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « ثبت ».
4- في ( د ) : « ستبيّن ».
5- في ( ألف ) : « التعبير ».

والرجوع إلى الاستصحاب في ذلك بيّن الوهن لمعارضته باستصحاب طهارة الماء ، والأصل الطهارة ؛ مضافا إلى تبدّل الموضوع ، لدورانه مدار الأسماء على ما قيل.

واحتجّ المحقّق الكركي (1) بعد تضعيف الوجهين المذكورين بأنّ المضاف المسلوب الأوصاف لو (2) امتزج بالماء وجب اعتباره إمّا بقلّة الأجزاء وكثرتها أو بتقديره مخالفا في الأوصاف على اختلاف الرأيين ، وإذا وجب الاعتبار في الجملة للمضاف فللنجاسة أولى ، وحيث لا قائل بالأوّل هنا يتعيّن الثاني.

وبأنّه لو لم يعتبر التقدير لزم الحكم بالطّهارة ، وإن كانت النجاسة أضعافه ، وهو بيّن الفساد.

ويضعف الأوّل بعدم ثبوت الحكم في الأصل ، وإنّما يدور الحكم هناك مدار التسمية ، ونقول بمثله هنا أيضا.

وبذلك يظهر ضعف الثاني لاعتباره إذن ببقاء (3) التسمية وعدمه ، ومن الظاهر انتفاء التسمية مع كون النجاسة مثله ، فكيف بضعفه وأضعافه.

[ الاستهلاك في النجاسة والممازجة ]

الثامن : لو استهلك الماء في النجاسة نجس قطعا وكذا لو خرج بممازجتها عن اسمه وإن لم يتغيّر أحد أوصافه على ظاهر المذهب بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وكذا الحال لو مازج المائعات المتنجّسة مع خروجها (4) عن الاسم.

وما قد يقال من تعارض الاستصحابين حينئذ ، وقضية الأصل الطهارة ؛ مدفوع بأنّ

ص: 87


1- جامع المقاصد 1 / 114 - 115.
2- في ( د ) : « إذا ».
3- في ( د ) : « بقاء ».
4- في ( د ) : « خروجهما » ، والظاهر : « خروجه » ، والضمير راجع إلى الماء.

النجاسة والمتنجّس المفروض (1) لم يعرض لهما بسبب الممازجة ما يزيل حكمهما لبقاء حقيقتهما من غير استحالة كما لو امتزجا بغير الماء من سائر الأعيان وإن زال الاسم عن المجموع مع قطعهم بانتفاء الاستحالة هناك.

وهذا بخلاف الماء لعدم دوران الحكم فيه على حقيقة المائية بل على التسمية العرفيّة كما عرفت فبعد خروجه عن اسمه ينجس (2) بالملاقاة.

ويدلّ عليه إطلاق القهر والغلبة وما شابههما في الأخبار المذكورة ؛ إذ ذاك أعظم أفراد الغلبة.

ويشهد له نصّ جمهور الأصحاب بعدم طهر المضاف وسائر المائعات المتنجّسة (3) إلّا بصيرورتها مطلقا ، مع أنّ الحال فيها أخفّ من نجس العين ، بل ظاهر كلامهم هناك يعطي اتّفاقهم على (4) الحكم في النجس كما أشرنا إليه.

ص: 88


1- في ( د ) : « المفروضين ».
2- في ( د ) : « يتنجس ».
3- في ( د ) : « النجسة » بدلا من : « المتنجسة ».
4- في ( د ) : « في » بدلا من : « على ».

البحث الثاني: في بيان أقسام المياه وأحكام كلّ منها وكيفيّة تطهيرها بعد تنجّسها

اشارة

البحث (1) الثاني

في بيان أقسام المياه وأحكام كلّ منها

وكيفيّة تطهيرها بعد تنجّسها (2).

تبصرة: [ في أقسام المياه ]

تبصرة (3)

[ في أقسام المياه ]

لمّا اختلفت أحكام المياه بحسب أنواعها من جهة قبولها وعدمها بل وغير ذلك أيضا وقع البحث عندهم عن عدّة من أقسام المياه فقسّموا الماء إلى [ أقسام ] (4) ، فينقسم (5) الماء باعتبار ورود النجاسة عليه (6) إلى الجاري وماء الغيث وماء الحمام والمحقون وماء البئر.

ويعتبر في صدق الجاري خروجه عن المادّة سواء جرى على وجه الأرض أو تحتها مع عدم بروزه على الأرض كما في بعض القنوات أو بروزه كما في أكثرها.

ولا عبرة بالجريان عن غير المادّة ، ولذا اعتبر جماعة فيه المنع (7) قاطعين به من غير ظهور خلاف فيه.

ص: 89


1- في ( ج ) : « المبحث ».
2- في ( د ) : « تنجيسها » ، بدلا من : « تنجّسها ».
3- الزيادة من نسخة ( ج ).
4- لم ترد في ( د ) : « لمّا اختلف أحكام .. فقسّموا الماء إلى ».
5- في ( د ) : « ينقسم ».
6- لم ترد في ( ج ) : « فينقسم .. عليه ».
7- في ( د ) : « معه النبع » ، بدلا من : « فيه المنع ».

قال في جامع المقاصد (1) : إنّ الجاري لا عن عين من أقسام الراكد يعتبر فيه الكرّيّة اتفاقا ممّن عدا ابن أبي عقيل.

وظاهر ذلك خروج الجاري عن الموادّ الظاهرة كبعض البحيرات أو الغدران الواسعة التي يجتمع فيها السيول.

وكأنّه الأظهر ؛ إذ لا يزيد حكمه على حكم أصله ، وإطلاق الجاري عليه مع عدم المعرفة بأصله لا يدلّ على صدقه عليه ، ولذا يصحّ سلبه عنه بعد المعرفة بحالة ، لكنّ الظاهر عدم فائدة يعتدّ (2) بها في ذلك ؛ لما سنبيّن من اتحاد الماء المفروض والجاري في الحكم.

ومثل ذلك ما (3) يجري من الثلوج ولا تأمّل هنا في اعتبار الكرّية فيه ، فيجري عليه أحكام الواقف.

وذهب شذوذ من المتأخّرين إلى صدق الجاري على غير الجاري من العيون ، وظاهره صدقه بمطلق الجريان إلّا أنّه اعتبر في حكمه وجود المادّة ، واكتفى فيها بوقوع جزء من الماء فوق موضع الملاقاة.

وهو بمكان من الضعف.

ولا يعتبر فيه كون مادّته تحت الأرض ، بل لو نبع من فوق كما في بعض العيون النابعة من صفحات الجبال كان جاريا قطعا ، فاعتبار بعض الأصحاب (4) نبعها من تحت الأرض محمول على ما يشمل ذلك أو على الغالب.

وهل (5) يعتبر فيه حصول الجريان أو يكتفى في صدقه بمطلق النبع أو مع كونه غير البئر؟ وجوه ؛ أقواها الأوّل لظاهر العرف ، وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب وصريح البعض.

ص: 90


1- جامع المقاصد 1 / 110.
2- لم ترد في ( د ) : « يعتدّ ».
3- لم ترد في ( د ) : « ما ».
4- في ( ج ) : « المتأخرين » ، بدل : « الأصحاب ».
5- في ( ب ) : « هو ».

والثاني مختار بعض المتأخرين (1).

والثالث مختار الشهيد الثاني وجماعة من المحققين.

ويؤيّده أنّهم لم يذكروا عنوانا مستقلّا للنابع الواقف ، فهو داخل عندهم في الجاري ؛ لعدم دخوله في الراكد ، ولا (2) البئر وإن حكي عن المقنعة والتهذيب إلحاقه بالبئر ، وربّما استحسنه (3) بعض المتأخّرين (4) ؛ إذ هو في غاية البعد ، لوضوح عدم شمول اسم البئر له مع ما لها من الأحكام المخالفة للأصل ، خصوصا على القول بالانفعال.

وفيه : أنّهم لم يقصدوا حصر الأقسام ، وبعد فرضه فغاية الأمر إطلاقهم الجاري عليه ، وهو لا يقتضي كونه حقيقة في عرفهم فضلا عن اللغة أو العرف العام.

فإن أريد بتعميم (5) الجاري للنابع غير البئر أو مطلقا حمل ما ورد في الأخبار على الأعم فهو في غاية الضعف ، وإن أريد بيان مصطلح الفقهاء فيه حتّى يحمل عليه إطلاقاتهم فهو غير معلوم.

نعم ، حمل كلام من رام حصر أقسام المياه مع عدم ذكره له تخصيصه (6) على النابع غير البئر ممكن ، بل حمل عبائر كثير منهم عند بيان أقسام الماء عليه ليس بذلك البعد.

وأمّا تعميمه للنابع مطلقا فلا يطابق اللغة (7) والإطلاقات العرفيّة قطعا.

ولا ثمرة مهمّة يترتّب (8) على ذلك.

ص: 91


1- في ( ألف ) : « ومختار الثاني أو بعض المتأخرين ».
2- في ( د ) : « وأمّا » ، بدلا من : « ولا ».
3- في ( ج ) زيادة : « صاحب كشف ».
4- زيادة في ( د ) : « صاحب كشف اللثام ».
5- لم ترد في ( ب ) : « بتعميم .. وإن اريد ».
6- في ( د ) : « بخصوصه ».
7- زيادة في ( د ) : « لا ».
8- في ( د ) : « يرتب ».
تبصرة: [ في كيفيّة تنجّس الجاري ]

لا ينجس الجاري بمجرّد ملاقاة النجاسة قليلا كان أو كثيرا على المشهور بين الأصحاب ، فأطلق (1) في الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى حكاية الإجماع عليه.

وحكى القاضي في شرح الجمل الإجماع على عدم تنجّس قليله وكثيره.

وذهب العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه إلى اعتبار الكريّة في اعتصامه.

وتبعه الشهيد الثاني في المسالك والروضة وغيره.

وعزاه في الروض إلى جماعة ، وظاهر ذلك اعتبار الكريّة في خصوص الخارج منه ، لا مع انضمامه إلى المادّة.

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات الدالّة على طهارة الماء ، وظاهر الإجماعات المحكيّة المطلقة ، وصريح الخاص منها ، وقول علي عليه السلام فيما رواه الراوندي : « الماء الجاري لا ينجّسه شي ء » (2).

وروى في الدعائم عنه عليه السلام في الماء الجاري يمرّ بالجيف والعذرة والدم : « يتوضّأ منه ويشرب وليس ينجّسه شي ء (3) ما لم يتغيّر أوصافه وطعمه ولونه وريحه » (4) مع اعتضادها بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل لا يعرف خلاف فيه ممّن سبق العلّامة كما في

ص: 92


1- في ( ب ) و ( د ) : « وأطلق ».
2- كتاب النوادر : 188.
3- في ( ب ) زيادة : « وروى ».
4- دعائم الإسلام 1 / 111 ، وعنه في مستند الشيعة 1 / 20.

الذكرى (1).

ويدلّ عليه أيضا ما ورد في ماء الحمام في الصحيح وغيره من أنّه : « كماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (2) وأنّه بمنزلة الجاري (3).

بل المستفاد منها ظهور حكم الجاري حيث شبّه به ماء الحمّام ونزّل منزلته مع وضوح عدم اعتبار الكريّة فيه كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

وما دلّ على اعتصام الماء بالمادّة كصحيحة (4) ابن بزيع الواردة في البئر ، ولأنه لو تغير ما يقارب المنبع منه بالنجاسة وقطع التغيير (5) عمود الماء بحيث يكون الباقي عند المنبع (6) أقلّ من الكر لزم تنجّسه على هذا القول.

ويتوقّف طهره حينئذ على ورود المطهّر عليه من خارج وإن جرى عليه من المنبع (7) (8) ما جرى ؛ لنقصان الخارج عن الكر وانفعاله.

وهو مع وضوح فساده يدفعه نصّ (9) قوله عليه السلام : « يطهّر بعضه بعضا » (10).

ويؤيّد ذلك إطلاق ما دلّ على نفي البأس عن البول في الماء الجاري (11) ، ووقوع السؤال

ص: 93


1- الذكرى : 8.
2- كماي الكافي 3 / 13 باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ح 1.
3- الكافي 3 / 13 ح 3.
4- الكافي 3 / 5 ح 2 ؛ المعتبر 1 / 76 ؛ وسائل الشيعة 1 / 141 ، ح 12 ، والصحيحة هكذا : « ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ».
5- في ( د ) : « التغير ».
6- في ( ب ) : « المنع ».
7- في ( ب ) : « المنع ».
8- في ( د ) : « النبع ».
9- في ( د ) : « بنصّ ».
10- كما نقلناه من الكافي ، وانظر : وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 7.
11- انظر العبارة في : جواهر الكلام 1 / 86.

في جميع تلك الأخبار عن (1) حال الفعل إن سلّم لا ينافي ذلك - كما قيل - على (2) ما ذكره الشيخ محمّد والفاضل الجزائري دام ظلّه العالي (3) ؛ إذ ذلك أيضا من الآثار المترتّبة عليه.

احتجّوا بإطلاق الصحاح الدالّة على اشتراط الكرّية في عدم الانفعال من غير تفصيل.

وفيه : بعد المناقشة في عمومها بحيث يشمل الجاري ؛ إذ المفهوم منها بملاحظة مواردها - مع ندرة الجاري في محلّ الصدور - خصوص الراكد ، مضافا إلى فهم الأصحاب منها ذلك ؛ أنها معارضة بروايات الجاري المعتضدة بالعمل والإجماعات المحكيّة المطلقة.

ولا ريب إذن في ترجيح جانب الطهارة لوجوه شتّى (4).

مضافا إلى ما عرفت من سائر الأدلّة الدالّة عليه.

وممّا يضعّف القول المذكور أنّ القائل به هنا لا يقول به في البئر بل لا يعرف هناك قائل بالتّفصيل إلّا شاذ من الأصحاب ، فالقول بطهارة ما دون الكر منها دون سائر المياه النابعة في غاية الركاكة.

وقد يقرّب هذا القول من المشهور بحمله على اعتبار الكريّة في مجموع الخارج والباقي في المادّة ؛ إذ في كثير من المياه الجارية يحصل القطع ببقاء الكرّ فيها ، وهو حينئذ وإن كان أقرب إلى ظاهر الدليل إلّا أنّه مخالف لظاهر كلامهم ، مردود بإطلاق الأدلّة المذكورة ، مع أنّ العلم به غير حاصل أيضا في كثير من المواضع خصوصا إذا كان نبعه ضعيفا وتعرضه الانقطاع في بعض الأحيان.

وهل يعتبر فيه عدم العلم بالقلّة؟ وجهان ؛ من الأصل ، وإطلاق الأدلّة والشك في شمولها لمثله.

ص: 94


1- في ( د ) : « بل ».
2- الزيادة من ( ج ).
3- لم ترد في ( د ) : « على ما ذكره الشيخ .. العالي ».
4- منها موافقتها الأصل والعمومات والشهرة بين الأصحاب ؛ كما يفهم من حاشية للمؤلف قدس سره ، وهي موجودة في ( ج ) إلّا أن الكاتب أدخلها في المتن.

ولا بدّ من بقاء النبع حين ملاقاة النجاسة أو (1) اتّصال الماء بالمنبع بحيث لو أخرج منه نبع مكانه ؛ لخروجه عن اسمه بعد انقطاعه ، ولأنّه السبب في الاعتصام كما دلّ عليه العلّة المنصوصة.

وكأنّه مقصود الشهيد رحمه اللّه (2) وغيره من اعتبار دوام النبع فيه كما اختاره جماعة في توجيه كلامه.

ويرشد إليه أنّ ظاهره في الذكرى (3) الإجماع على عدم اعتبار ما عدا الكرية فيه ، ولو فسّر بمعنى عدم (4) انقطاعه في بعض الأوقات كما يوهمه ظاهر العبارة ، فلا دليل عليه بل يدفعه ظاهر الإطلاقات.

ولو كان خروجه عن المادة على نحو التقاطر من دون اتّصال بعض الأجزاء ببعض كان في حكم الواقف.

وكذا لو قطع التغيير عمود الماء بالنّسبة إلى ما دون المتغير لانقطاعه عن المادة العاصمة.

وما تخيّله بعض أفاضل المتأخّرين - من شمول الإطلاق لمثله وجواز اعتصامه بالمادّة وإن توسّطه النجس - بيّن الضعف.

ولذا أطبقوا على إجراء حكم العليّة (5) على (6) دون المتغيّر مع قلّته وإن كان كثيرا فقد أطلقوا الحكم باعتصامه.

وينبغي التفصيل فيه على القول باعتبار تساوي السطوح في الكر.

ويحتمل إلحاقه في ذلك بالجاري.

والأقوى عدم الفرق في المادّة بين ما يكون خروج الماء منها بطريق النبع والفوران أو

ص: 95


1- في ( ب ) : « و ».
2- شرح اللمعة 1 / 252 - 253 ؛ روض الجنان : 134 - 137.
3- الذكرى : 8.
4- في ( د ) : « بعدم » ، بدلا من : « بمعنى عدم ».
5- في ( د ) : « القليل ».
6- زيادة في ( د ) : « ما ».

بنحو النز والرشح كما في بعض العيون والقنوات ؛ لظاهر العرف.

وفي جريان الحكم في السماد (1) - وهو الماء المجتمع في الرمال بحيث إن كشف (2) عنه ظهر من دون نبع - وجهان ؛ أوجههما العدم ، فيلحقه أحكام الواقف ، إلّا أنّ الظاهر (3) عدم (4) اعتصام الظاهر (5) بما خفي منه (6) مع كثرة المجموع والاتّصال.

ولو ذاب الثلج ففار من موضع وخرج من آخر مع عدم مداخلته لمادّة العين ولا حصول اجتماع له هناك يصح (7) صدق المادّة عليه كما يتّفق كثيرا في الجبال عند ذوبان الثلوج ونزول الأمطار ، ففي اندراجه في النابع إشكال ؛ إذ اعتصامه بمجرد الفار تحت الأرض غير ظاهر من الأدلّة (8).

ولا يعتبر في المادّة كونها تحت الأرض ، بل لو جرى من فوق كما في بعض العيون السائلة من صفحات الجبال كان جاريا.

فاعتبار بعض الأصحاب نبعه من تحت الأرض محمول على الغالب أو على ما يشمل المذكور (9).

ولو شكّ في كون الماء جاريا عن المادّة و (10) الثلج أو غيره بني (11) على عدم الاعتصام في وجه قويّ.

ص: 96


1- في ( د ) : « الثمال ».
2- في ( د ) : « لا يكشف » ، بدلا من : « إن كشف ».
3- في ( ب ) : « ظاهر اعتصام ».
4- لم ترد في ( ج ) و « د » : « عدم ».
5- في ( د ) : « الطاهر ».
6- لم ترد في ( د ) : « بما خفي منه ».
7- في ( د ) : « يصحح ».
8- الزيادة أثبتناه من نسخة ( ج ).
9- لم ترد في ( د ) : « ولا يعتبر في المادة كونها .. أو على ما يشمل المذكور ».
10- في ( د ) : « أو ».
11- في ( ج ) : « مبني ».

ولو شكّ في انفصاله فيها بعد الاتصال بني على أصالة البقاء على الأقوى.

وكذا لو شكّ في انقطاع المادة من أصلها.

ولو (1) توارد عليه الحالان بني على أصالة الطهارة.

وفي جواز التطهير (2) على نحو المعتصمة (3) إشكال ، و (4) الأظهر المنع.

ولا يشترط فيه تساوي السطوح بلا خلاف فيه يعرف حتّى ممّن اعتبره في الواقف للأصل وعموم الأدلّة.

ولا إشكال فيه على ما هو المختار لاعتصامه بالمادّة ، وأمّا عند القائل باشتراط الكريّة فلعلّه باستظهار حصول الوحدة العرفيّة هنا بمجرد الاتصال أو لما ذكره بعض (5) الأفاضل (6) من أنّه يرى في الجاري (7) خصوصيّة لا يراها في غيره ؛ إذ الغالب عدم الاستواء (8) ، فلو اعتبر فيه ذلك لزم تنجّس الأنهار العظيمة بمجرّد الملاقاة.

هذا إذا كان الجريان على نحو المعتاد ، وأمّا لو أجري الماء ببعض الأعمال إلى فوق مع جريانه إذن بنفسه أو بجذب أو وقوفه كذلك ففي اعتصام العالي بالسافل إشكال يتقوّى في بعض صوره.

ويجري الإشكال في الأمواج المرتفعة من (9) سطح الماء بهبوب الرياح.

والأقوى في جميع ذلك الاعتصام لما سيجي ء إن شاء اللّه.

ص: 97


1- في ( د ) : « الا » ، بدلا من : « ولو ».
2- زيادة في ( د ) : « به ».
3- في ( د ) : « المعصيّة » ، بدلا من : « المعتصمة ».
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- الزيادة أثبتناه من ( ج ).
6- منتهى المطلب 1 / 28 ؛ جامع المقاصد 1 / 112 ؛ المبسوط 1 / 6 ؛ مسائل الإفهام 1 / 13.
7- في ( ج ) : « الجاري و ».
8- في ( ج ) و « د » : « الاستقرار ».
9- في ( د ) : « عن ».

وقد قطع جماعة من الأصحاب منهم (1) الشهيد في الدروس (2) بعدم اعتصام الواقف المتّصل بالجاري إذا كان أعلى.

قال في الدروس (3) : ويكفي في علوّ الجاري فورانه من تحت الواقف ، فتأمّل.

ص: 98


1- في ( ب ) : « فهم ».
2- الدروس : 1 / 119.
3- الدروس 1 / 119.
تبصرة: [ في اعتبار كرّية المادة وعدمه ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب (1) في عدم انفعال ماء الحمّام في الجملة بمجرّد ملاقاة النجاسة مع اتّصاله بالمادّة ، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة.

والمراد به على ما نصّ عليه جماعة منهم - من غير خلاف يعرف - ما في حياضة الصغار المعروفة. وألحق بعضهم بها ما يشابهها ، والأصل في الحكم بعد الأصل والإجماع : النصوص المستفيضة كصحيحة داود بن سرحان : ما تقول في ماء الحمّام؟ قال : « هو بمنزلة الجاري » (2).

ورواية إسماعيل بن جابر : « ماء الحمّام لا ينجّسه شي ء » (3).

ومرفوعة ابن أبي يعفور الماضية (4).

وإطلاق الحكم فيها مقيّد بالاتّصال بالمادّة للإطباق عليه ظاهرا. بل في الصحيحة والمرفوعة إشارة إليه أيضا.

مضافا إلى خصوص الرواية : « ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة » (5).

وقريب منه ما في الفقه الرضوي (6).

والمراد به بحكم العرف الاتصال بالمادّة لا وجودها من دونه ، وهو ظاهر.

ص: 99


1- لم ترد في ( د ) : « بين الأصحاب ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 73 / 79.
3- وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 8.
4- وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 7.
5- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، ح 26 ؛ وسائل الشيعة 1 / 149 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 73 / 79.
6- فقه الرضا : 86 ، ونصّه : « وماء الحمّام سبيله سبيل الماء الجاري ، إذا كانت له مادة ».

وقد (1) وقع الكلام في المقام في اعتبار الكريّة في المادّة ، وفي طريق تطهيره ، وفي إلحاق غيره به. وكأنّه (2) عليه يحمل ما في الصحيح عن النصراني : يغتسل مع المسلم في الحمّام؟ قال : « إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل » (3). بحمل النهي أوّلا (4) على ما إذا اشتدّت (5) المادّة حال الغسل ، وتجويزه الغسل بعد غسله (6) وإجراء المادّة وتطهيره للحوض.

وقد (7) وقع الكلام في المقام في اعتبار الكريّة في المادّة ، و (8) في طريق تطهيره ، وفي إلحاق غيره به ، فالبحث هنا في أمور :

أحدها : في اعتبار الكرية في المادّة أو في المجموع ، ولهم فيه أقوال :

الأوّل : اعتبار الكريّة في خصوص المادّة. ذهب إليه العلامة رحمه اللّه في جملة (9) من كتبه.

وفي الروض (10) : أنّه أشهر القولين.

وعزاه في المدارك (11) إلى أكثر المتأخرين.

وفي الحدائق (12) أنّه ظاهر أكثر المتأخرين.

ص: 100


1- الزيادة أثبتناها من ( ج ).
2- لم ترد من قوله : « وقد وقع الكلام .. » إلى هنا في ( د ).
3- تهذيب الأحكام 1 / 223 ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة 3 / 421 ، ح 9 ؛ وقريب منه في بحار الأنوار 77 / 51.
4- لم ترد في ( د ) : « اوّلا ».
5- في ( د ) : « استندت ».
6- في ( د ) : « الغسل ».
7- لم ترد في ( ج ) : « وقد وقع .. غيره به ».
8- لم ترد في ( ب ) : « و ».
9- منتهى المطلب 1 / 32 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 18 ؛ تحرير الأحكام 1 / 46.
10- روض الجنان : 137.
11- مدارك الأحكام 1 / 34.
12- الحدائق الناضرة 1 / 207.

وفي الذخيرة (1) والحدائق (2) أيضا أنّه المشهور ، وكأنّ المراد به اعتبار الكريّة في الجملة (3) لا في خصوص المادّة.

وإليه يرجع ما في التحرير من اعتبار (4) الزيادة على الكر فيها بحمله على اعتبارها لأجل (5) حصول النقص عنه لولاها لما يجري منها إلى الحوض ، فليس اعتبارها لنفسها بل لإحراز الكريّة المعتبرة فيها.

وقد نبّه في جامع المقاصد (6) على اعتبار الزيادة معلّلا بذلك.

وفي المعالم : لا نعلم للأصحاب (7) مخالفا في عدم انفعاله بالملاقاة مع بلوغ المادة كرّا.

الثاني : اعتبار الكريّة في خصوص المادّة مع علوّها ومع تساويها ، فالمعتبر كريّة المجموع.

وبه نصّ المحقّق الكركي (8) وغيره ، وقد يرجع القول الأوّل إليه حملا لإطلاق كلامهم على الغالب.

وقد نبّه عليه في الذخيرة (9) قال : وهو المتّجه كما حكموا به في مسألة الغديرين (10) ، وهو

ص: 101


1- ذخيرة المعاد 1 / 118. كذا نسبه المؤلف إلى ذخيرة المعاد ، ولكن عبارة المصنف هكذا : « وأما الجاري فلا ريب في عدم اشتراط استواء السطوح في عدم الانفعال بالملاقاة على القول بعدم اشتراط الكرية كما هو المشهور ».
2- الحدائق الناضرة 1 / 204.
3- في ( ألف ) : « إلى » زائدة ولا معنى لها.
4- في ( د ) : « اعتباره ».
5- لم ترد في ( د ) : « لأجل ».
6- جامع المقاصد 1 / 113.
7- في ( د ) : « من الأصحاب ».
8- جامع المقاصد 1 / 112.
9- ذخيرة المعاد 1 / 120.
10- في ( ألف ) : « القدرين ».

الظاهر في حقّ من صرّح به في مسألة الغديرين كالعلّامة رحمه اللّه (1) لوضوح أنّ الحكم في الحمّام إن لم يكن أضعف (2) فليس بأشدّ من غيره.

الثالث : اعتبار الكريّة في المجموع من المادّة وما في المجرى والحوض. وإليه ذهب في الدروس والروض (3) وجماعة من متأخري المتأخرين. وهو الأقوى.

وقد يرجع القولان الأوّلان إلى ذلك بحملها (4) على اعتبار الكريّة فيها قبل إجرائها في الحوض ، وأمّا بعده فالمعتبر كريّة المجموع ، وهو بعيد.

فعلى المختار يكتفى في اعتصام ما في الحياض بكريّة المجموع ، ولا يكتفى به في اعتصام ما في المجرى ، فينجس ما فيه وما في الحوض إذا لاقاه النجاسة مع تسميته (5) على الحوض كما هو الشائع ، وكذا الحال في المادّة ، فينجس الجميع لما سيجي ء بيانه من عدم تقوّي الأعلى بالأسفل كذلك.

الرابع : عدم الاعتبار بالكريّة مطلقا وقد يعزى ذلك إلى ظاهر جماعة من الأصحاب كالصدوقين (6) - رحمهما اللّه - والطوسي (7) والحلّي (8) والعلّامة (9) - رحمه اللّه - في بعض رسائله (10) وابن فهد في المحرّر حيث أطلقوا القول ولم يشترطوا الكريّة في المادّة إلّا (11) في

ص: 102


1- تحرير الأحكام 1 / 46 ؛ نهاية الإحكام 1 / 232 ؛ منتهى المطلب 1 / 53 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 23.
2- في ( د ) : « أخفّ ».
3- روض الجنان : 137.
4- في ( د ) : « بحملهما ».
5- في ( د ) مشوش ، قد تقرأ : « تسنمه ».
6- زيادة في ( د ) : « والشيخ ».
7- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
8- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
9- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
10- في ( د ) : « مسائله ».
11- في ( ج ) : « ولا ».

المجمع (1).

ونصّ المحقّق (2) بعدم اعتبار الكريّة في المادّة مع عدم ذكره لاعتباره الكرّيّة في المجمع (3).

وقد يرجع كلامه إلى السابق بحمله على عدم اعتبار الكريّة في خصوص المادّة ؛ إذ لو بني على ظاهره لزمه القول بتطهير ما في الحياض بمجرّد اتّصاله بالقليل الّذي في المادّة ، وهو خلاف ما اتّفقوا عليه من عدم تطهير الماء النجس إلّا بالكرّ أو الجاري.

كذا قيل ، وفيه نظر.

ونصّ بعض متأخري المتأخرين على اختيار هذا القول ، وحكي الميل إليه من جماعة من المتأخرين ومتأخريهم.

لنا : ما عرفت من أصالة الطهارة ، وعدم اعتبار استواء السطوح في الكر على ما سيجي ء ، فلا أقلّ من إجراء حكم الكرّ فيه.

مضافا إلى إطلاق الروايات ، وعدم شاهد على التقييد في المقام.

وقد ظهر بذلك ضعف ما يحتجّ به للقول باعتبار الكريّة في نفس المادّة من أنّها مع عدم كرّيتها لا يكون (4) عاصمة لنفسها فكيف تعصم غيرها؟

لما عرفت من أنّ الاعتصام إذن لا تكون بها وحدها بل لمجموع (5) ما فيها وما في الحوض والمجرى.

ويظهر من ذلك أيضا وجه القول بالتّفصيل وضعفه ؛ لابتنائه على مراعاة استواء السطوح.

حجّة المحقّق (6) : إطلاق الروايات الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام لشمولها ما إذا كانت

ص: 103


1- مجمع الفائدة 1 / 254. ، وفي ( د ) : « المجتمع ».
2- جامع المقاصد 1 / 113.
3- في ( د ) : « المجتمع ».
4- في ( د ) : « تكون ».
5- في ( د ) : « بمجموع ».
6- ذخيرة المعاد 1 / 117.

بمقدار الكرّ أو دونها.

وما يقال : من معارضتها بما دلّ على انفعال القليل مطلقا ؛ مدفوع بأنّ التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع إلى أصالة الطهارة ؛ مضافا إلى أنّ أخبار المسألة من المنطوق وما دلّ بعمومه على نجاسة القليل من المفهوم.

والجواب أنّ إطلاقات ماء الحمّام منصرف إلى الغالب الشائع ، ولا ريب أنّ المتعارف فيها كثرة المادّة وكونها أضعاف الكرّ.

واحتمال عدم كون المادّة في الصدر الأوّل على هذا النحو مع كونه خلاف الظاهر من وضع الحمّامات لعامّة الناس المنافي لقلّة الماء لا ينفع في المقام ؛ إذ مجرّد الاحتمال لا (1) يكفي في صحّة الاستدلال ، فالظاهر أنّ أخبار الحمّام في المقام لا يفيد حكما خاصّا للحمّام ولا يوجد ذلك في غيره.

بل واستفادة الاعتصام من مجرّد تلك الأخبار فيما إذا كانت المادّة بمقدار الكرّ أو ما يقاربه (2) مع قطع النظر عمّا دلّ على اعتصام الكرّ لا يخلو من (3) إشكال (4) ؛ لما عرفت من انصرافها حينئذ إلى الغالب من كون (5) زيادتها على الكرّ.

هذا ، وعن بعض المتأخرين تفريع الحكم في المقام على مسألة الفرق بين الورودين ، وجعله السرّ في عدم تنجّسه بمجرّد الملاقاة وكذا في ماء الاستنجاء.

وما يتخيّل من صدق ورود النجاسة إذن بالنسبة إلى ماء الحوض ؛ مدفوع بأنّ المفروض ورود الماء من المادّة على ما في الحوض وتسلّطه عليه وعلى ما يصيبه من القذر ، فلم تكن (6) النجاسة واردة على ما هو ضابط لطهارة ماء الحوض.

ص: 104


1- لم ترد في ( ج ) : « لا ».
2- في ( د ) : « يقاربها ».
3- في ( د ) : « عن ».
4- في ( د ) : « الإشكال ».
5- لم ترد في ( د ) : « كون ».
6- في ( د ) : « يكن ».

قلت : قضيّة الفرق بين الورودين عدم تنجّس (1) خصوص الماء الوارد ، وذلك لا يقتضي اعتصام ما وردت النجاسة عليه به ، فمقتضى ذلك إذن تنجّس الحوض بورود النجاسة عليه ، وإن كان الماء الوارد عليه طاهرا.

على أنّه بعد الامتزاج بالماء النجس يكون موردا (2) عليه فينجّس أيضا.

إلّا أن يقال : بأنّ وروده من أوّل الأمر عاصم له إلى الآخر. وهو بيّن الضعف.

وقد يقال : بكونه حين الورود مطهّرا لما يلاقيه من الماء ، فيكون الماء الوارد باقيا على طهارته ومطهّرا لما (3) في الحوض.

وهو أيضا في غاية من (4) البعد ، بل ظاهر الفساد ؛ للزوم تطهير الكرّ من الماء إذن بعد زوال التغيير عنه بكفّ من الماء (5) مثلا إذا يلقى فيه ؛ إذ لم تعتبر (6) الاستيلاء فيه ، ومعه فلا أقلّ من تطهيره لمثله ، فيلزم تطهير ما دون الكرّ بما لا يبلغ معه حدّ الكرّ من الواقف.

والظاهر عدم الخلاف في فساده ، كيف ولو بني على ذلك للزم إجراؤه في غير الحمام فيلزم عدم تنجّس الماء القليل في الآنية عند صبّ الماء فيها من مثلها (7).

وهو باطل باتفاق القائلين بنجاسة القليل ؛ مضافا إلى أن ظاهر الفتاوى والأخبار في المقام عدم الفرق بين (8) الورودين في ذلك ، فكيف يمضي الحكم بورود النجاسة ، بل قد يدّعى إطلاقها بالنسبة إلى المادّة المتّصلة على نحو الاستعلاء وغيرها كما إذا كان اتصال الحوض بها من تحت على نحو الفوران مع عدم وروده على النجاسة حينئذ.

ص: 105


1- في ( ب ) : زيادة : « الحوض ».
2- في ( ج ) و ( د ) : « مورودا ».
3- في ( د ) : « يتطهر الماء » ، بدلا من : « مطهرا لما ».
4- لم ترد في ( د ) : « من ».
5- زيادة في ( د ) : « عليه ».
6- في ( د ) : « إن لم نعتبر ».
7- في ( ج ) : « أمثلها ».
8- في ( د ) : « في » ، بدلا من : « بين ».

ثم على ما اخترناه (1) من اعتبار الكرّية في المجموع لو شكّ فيها بني على أصالة عدمها كما هو الحال في سائر المياه المحقونة.

واختار بعض المتأخرين (2) إعمال أصالة الطهارة. وهو ضعيف سيأتي الكلام فيه.

[ تطهير ماء الحمام ]

ثانيها : في تطهير ماء الحمّام ، والأقوى الاكتفاء فيه بعد زوال التغيير بمجرّد الاتصال بالمادّة الكثيرة في نفسها أو بضميمة ما في المجرى أو (3) الحوض من الماء الطاهر المتّصل بالمادّة من غير فرق بين ما إذا كان اتصال المادّة به على نحو العلوّ أو المساواة أو غيرهما كالفوران ونحوه.

وسيأتي الكلام فيه عند بيان تطهير المياه ، ويأتي على قول الشهيد الثاني (4) من اعتباره العلوّ في المطهّر عدم حصول التطهير بأحد الوجهين الأخيرين إلّا بعد الامتزاج ليحصل (5) العلوّ المعتبر عنده.

وعلى قول معتبري الامتزاج يجب اعتباره هنا أيضا.

والعلّامة رحمه اللّه مع اكتفائه في جملة من كتبه كالنهاية (6) والمنتهى (7) في مسألة الغديرين بطهارة أحدهما عند تنجّسه بمجرّد اتّصاله بالبالغ منهما حد الكرّ صرّح هنا في المنتهى (8)

ص: 106


1- في ( د ) : « اخترنا ».
2- منتهى المطلب 1 / 34 و 128 ؛ روض الجنان : 134.
3- في ( د ) : « و ».
4- شرح اللمعة 1 / 254 ؛ روض الجنان 136 و 138.
5- في ( د ) : « لتحصل ».
6- نهاية الإحكام 1 / 230 - 232.
7- منتهى المطلب 1 / 53.
8- منتهى المطلب 1 / 53.

والنهاية (1) باعتبار الامتزاج.

وربّما يتراءى التدافع بين حكميه أو تغليظ حكم الحمّام بالنسبة إلى غيره ، وقد يجمع بينهما باكتفائه بالاتصال مع تساوي السطوح واعتباره الامتزاج مع العلوّ المطهّر ، فيجري التفصيل عنده إذن في ماء الحمّام أيضا.

وقد قطع بالتفصيل المذكور في الموجز.

ثمّ على قول معتبري الكرّية في نفس المادّة يأتي هنا اعتبار زيادته على الكرّ بمقدار ما يحصل به الامتزاج إن قيل باعتباره أو بمقدار ما يحصل به الاتصال عند المكتفي به ؛ لبقاء المادّة على الكرّية حال التطهير.

وممّن نصّ على اعتبارها المحقّق الكركي (2) والشهيد الثاني (3). ويأتي على ظاهر قول المحقّق من عدم اعتبار الكرّية في المادّة حصول التطهير بها مع قلّتها.

وهو ظاهر ما استند إليه من إطلاق الأخبار ، وما (4) يشهد بذلك أنّه يحكم بطهوريته لما يلاقيه من المتنجّسات ، فيلزمه الحكم بتطهيره لما يمازجه من الماء النجس أيضا.

ويسري الحكم إذن إلى تطهيره لما يتنجّس منه بالتغيير بعد زواله.

كيف ، ولو لا ذلك لزمه القول إمّا بتنجّس ماء الحمّام أو باختلاف حكم الماء الواحد في السطح الواحد ولا يقولون به.

وحكى عنه في الحدائق (5) عدم تطهيره ما في الحياض بمجرّد جريان المادّة إليه.

وعبارته في المعتبر (6) غير دالّة عليه.

ص: 107


1- نهاية الإحكام 1 / 230 - 232.
2- جامع المقاصد 1 / 113.
3- مسالك الإفهام 1 / 13 ؛ روض الجنان : 137.
4- في ( د ) : « مما » ، بدلا من : « ما ».
5- الحدائق الناضرة 1 / 204.
6- المعتبر 1 / 42.

وكأنّه أخذه من قوله : « ولا اعتبار بكثرة المادّة وقلّتها لكن لو (1) تحقّق (2) نجاستها لم يطهر بالجريان ».

وهو كما ترى يدلّ على عدم طهارة المادّة بعد تنجّسها إلّا (3) ما في الحياض بعد (4) طهارتها.

وقد نصّ من المتأخرين المحدّث الأسترآبادى على الاكتفاء بجريان المادّة بقوّة بحيث يستهلك الماء فيه من دون اعتبار الكرّية في المادّة ؛ لعموم الأدلّة.

وقد عرفت الحال في ذلك ممّا مضى.

[ تسرية حكم الحمام إلى غيره ]

ثالثها : في تسرية حكم الحمّام إلى غيره ، والحكم فيه على ما قويناه ظاهر ؛ لما عرفت من بناء الحكم فيه على مقتضى الأصل من غير التزام شي ء يوجب الخروج عن القواعد ، فيجري الأحكام المذكورة فيما ضاهاه من سائر المياه.

وعلى قول المحقّق رحمه اللّه ومن يقول بمقالته ، فالذي يقتضيه الأصل الاقتصار عليه ؛ لاختصاص الدليل به.

مضافا إلى تميّزه (5) من سائر المياه بعموم البلوى به وعسر الاحتراز عنه.

وفي اختصاص الحكم إذن ببلية الجاري (6) وجهان ؛ أقواهما ذلك لانصراف الاطلاق إليه ، ولأنّه محلّ الحاجة في استعمال الماء من جهة التطهير من الحدث والخبث ، على أنّه يكفي الشكّ في شمول الاطلاق.

ص: 108


1- ليس في ( ب ) : « لو ».
2- في ( د ) : « لكن تحقق » ، بدلا من : « لكن لو تحقق » ، وفي ( ب ) : « يحقّق ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « لا » ، بدل : « إلّا ».
4- في ( د ) : « مع » ، بدلا من : « بعد ».
5- في ( د ) : « تمييزه ».
6- في ( د ) : « ببيته الحار ».

ثمّ في تسرية الحكم إلى غير الحياض كالآنية الموضوعة تحت المجرى وجهان.

ويأتي على قول من يعتبر الدفعة في تطهير القليل عدم تسرية الحكم إلى غير الحمّام في تطهير ما في الحياض ؛ لعدم حصول الدفعة هنالك غالبا بمعناها المعروف.

نعم (1) ، لو كانت المادّة زائدة على الكرّ بحيث يبقى فيها بمقدار الكرّ بعد نزول ما يعتبر التطهير إلى ما في الحوض فالظاهر الاكتفاء به في غير الحمّام أيضا بناء على ما هو الأظهر من اختصاص الحكم للدفعة على القول بما إذا كان الماء بمقدار الكرّ لا زائد عليه كذلك نظرا إلى الاتّفاق في اعتصام الماء المتصل بالكرّ كذلك في تطهير ما يلاقيه أو امتزج به.

ص: 109


1- الزيادة أثبتناها من ( ج ).
تبصرة: [ في ماء المطر ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في عدم انفعال ماء الغيث في الجملة بمجرّد ملاقاة النجاسة.

والظاهر انعقاد إجماع الامّة عليه كذلك.

ويدلّ عليه بعد ذلك الأصل ، والنصوص المستفيضة المتكثّرة.

وكذا لا خلاف في ثبوت حكم الراكد فيه بعد وقوف التقاطر وانقطاعه.

ويقع الكلام في المقام في بيان (1) [ ماء المطر ، وفي دوران الحكم مدار التسمية من دون اعتبار شي ء زائد معها أو اعتباره ] فههنا مقامان :

[ المقام ] الأوّل : في بيان مسمّى المطر.

والظاهر من العرف اعتبار قوّة (2) في مفهومه ، فالقطرات اليسيرة لا يعدّ (3) منه ، وكذا الطل وما ينزل من السماء على سبيل الرشح في وجه قويّ. ولو كان بحيث يشكّ في تسميته مطرا ، ففي إجراء حكم القليل عليه نظرا إلى عموم المفهوم في قوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء .. » (4) انتهى ، أو إجراء حكم الغيث لأصالة طهارته والشكّ في دخوله في حكم القليل وجهان ؛ أحوطهما في الغالب الأوّل ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوّة.

وفي حصول التطهير به على نحو الغيث إشكال.

ص: 110


1- في نسخة ( ج ) : « الموضوع أعني مسمّى المطر وفي بيان الحكم من دوران المعصية مدار التسمية لا غيرها أو اعتبار أمر آخر ».
2- زيادة في ( د ) : « ما ».
3- في ( د ) : « لا تعد ».
4- وسائل الشيعة 1 / 158 ، ح 1 و 2 وعبارة الحديث هكذا : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء » ، وفي مستدرك الوسائل 1 / 198 ، ح 6 عن عوالي اللئالي 1 / 76 ، ح 156 ، « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ».

وحكى في الروض (1) عن بعض الأفاضل من معاصريه الاكتفاء في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه ، قال : وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه.

وغلط بعض الأفاضل نظرا إلى أن ثبوت الحكم المذكور :

إمّا من جهة عموم الآية (2) الشريفة الدالّة على طهوريّة الماء ، ولا وجه له ؛ إذ لا عموم فيها.

وإمّا من جهة تنزيلها منزلة الجاري ، وهو أيضا فاسد ؛ إذ ليس الجاري مطهّرا إلّا لمّا يلاقيه لكن الجزء الغير الملاقي لما كان متّصلا بالملاقي مع طهارته واعتصامه بالجاري كان طاهرا أيضا ، وهو لا يجري في المقام. غاية الأمر التزام تطهيره لما يلاقيه فيعود بعد ذلك نجسا لانقطاعه وعدم تقوّيه بشي ء.

وفيه : أنّه بعد تسليم طهوريّة القطرة يلزم طهارة جميع الماء في آن واحد بالتّقريب المذكور ، فكيف يتنجّس بعد ذلك! فإن حمل الكلام المنقول على ظاهره من الاكتفاء بوقوع قطرة من السماء عليه ولو لم يكن هناك قوّة في القطرات النازلة ، فهو في غاية البعد ؛ لخروجه من (3) اسم المطر كما عرفت.

ولو أراد به وقوع قطرة من قطرات المطر عليه فليس بذلك البعيد ، بل هو قويّ في بعض الوجوه.

هذا ؛ ويعتبر في صدقه عدم انقطاع نزوله من السماء قبل ذلك ، فلو وقع على أوراق الشجر ثمّ تقاطر منه على الأرض لم يثبت فيه الحكم ، وكذا لو نزل على السطح فوكف على الأرض.

وما يقع منه على ظاهر الأرض أو غيره ثمّ يسري في أعماقه فهو في حكم المطر مع اتّصاله بالنّازل كالسائل منه على الأرض أو غيره من المياه المتّصلة به.

ص: 111


1- روض الجنان : 139.
2- الفرقان (25) : 47.
3- في ( د ) : « عن ».
المقام الثاني: في بيان ( الحكم )

والظاهر دوران الحكم المذكور مدار المطر ؛ لصدق ) (1) الاكتفاء في ثبوت الحكم المذكور بحصول مسمّى المطر من غير حاجة إلى ضمّ قيد إليه.

وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلام جماعة من المتأخرين كالمشارق (2) والذخيرة (3) والحدائق (4) وغيرها (5).

وعزاه في الروض (6) بعد ذكر خلاف الشيخ رحمه اللّه إلى باقي الأصحاب.

وعن ظاهر الشيخ الطوسي رحمه اللّه (7) وابن سعيد (8) اعتبار جريانه من الميزاب والمنقول من كلامهم محتوى (9) لأمور :

أحدها : أن يكون المدار عندهم على خصوص الجاري من الميزاب دون فراغ (10) غيره.

ثانيها : أن يكون المدار في عدم الانفعال على الجريان من الميزاب ، فيحكم معه بذلك ولو في غير الجاري منه.

ثالثها : أن يكون المقصود من ذلك قوّة المطر بحيث يكون قابلا للجريان من الميزاب ، وكأنّ هذا هو الأظهر في مذهبهم.

ص: 112


1- ما بين الهلالين من ( ج ).
2- مشارق الشموس 1 / 212.
3- ذخيرة المعاد 1 / 121.
4- الحدائق الناضرة 1 / 220.
5- كشف اللثام 1 / 259.
6- روض الجنان : 138.
7- المبسوط 1 / 6.
8- الجامع للشرائع : 20.
9- في ( د ) : « محتمل » ، بدلا من : « محتوى » ، والظاهر : محتو.
10- لم ترد في ( د ) : « فراغ ».

رابعها : أن يراد حصول مسمّى الجريان ولو نحو جريان الماء على أعضاء الوضوء ، فيكون ذكره للجريان من الميزاب على سبيل المثال. واحتمله بعض المتأخرين في حمل كلامهم.

واختاره أيضا بناء على فهمه من بعض الروايات ومعناه ما في الكفاية حيث نفى البعد عن اعتبار الجريان في الجملة وإن لم يصل إلى حدّ الجريان من الميزاب. ولا يبعد أن يكون ذلك مختار المحقّق الأردبيلي (1) حيث استجود قول الشيخ رحمه اللّه ، إن حمل الميزاب فيه على التمثيل واريد به الجريان مطلقا حقيقة (2) كان أو حكما ، وادّعى أيضا استفادته من الأخبار.

وذهب صاحب الحدائق (3) إلى أنّه كالجاري بشرط الجريان أو الكثرة.

ثمّ إنّه على اعتبار الكثرة أو الجريان على هذين القولين ، فهل يعرف (4) أنّ المعتبر حصول الجريان فيما يرد عليه المطر أو يعتبر كون ذلك المطر كذلك في الخارج وإن يجر عليه ولم يكثر نزوله (5) عليه ، وكأنّ الأظهر بناءهم على الأوّل.

وكيف كان ، فالأقوى ما هو المشهور ؛ للأصل ، وعدم ظهور شمول أدلّة القليل لمثله ، وخصوص الرواية : « كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر » (6) ، ورواية أبي بصير ، عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر على القطرة ، قال : « ليس به بأس » (7).

ومرسلة محمد بن اسماعيل في طين المطر أنّه « لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام إلّا أن يعلم أنّه نجّسه شي ء بعد المطر » (8) ، فظاهرها يعمّ ما إذا كان المطر بحيث يجري من الميزاب

ص: 113


1- مجمع الفائدة 1 / 256.
2- في ( د ) : « حقيقة » ، بدلا من : « حقيقة ».
3- الحدائق الناضرة 1 / 220.
4- في ( د ) : « لا يعرف » ، بدلا من : « يعرف ».
5- في ( د ) : « نزوله به ».
6- وسائل الشيعة 1 / 146 ، ح 5.
7- وسائل الشيعة 1 / 147 ، ح 8.
8- وسائل الشيعة 1 / 147 ، ح 6 و 3 / 522 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 77 / 12 ، ح 3.

أولا.

وقريب منها مرسلة الصدوق ، عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة والدم ، فقال : « طين المطر لا ينجس » (1).

وهي محمولة على حال نزول المطر مع عدم وجود عين النجاسة في محلّ الإصابة أو على ما إذا زالت النجاسة بإصابة المطر.

وكيف كان ، ففي إطلاقها شهادة على ما قلناه.

وصحيحة علي بن جعفر عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال : « لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس » (2).

وإطلاق العبارة محمول على ما إذا كان حال نزول المطر ، فيعمّ ما إذا بقي المطر على قوّته بحيث يصلح للجريان أو لا ، فبناء على تخصيص الشيخ لتطهيره بحال صلوحه لذلك - كما قد يستظهر من كلامه - تكون الرواية حجّة عليه.

وربما يؤيّد المشهور بأنّه لو اعتبر الجريان في اعتصام المطر لزم انفعاله قبل حصول الجريان ، فيكون مجرّد الجريان اللّاحق أو القطرات اليسيرة الّتي بها يحصل الجريان مطهرا للسابقة وللمحلّ ، وهو بعيد.

وفيه : أنّ اعتصامه بالجريان من السحاب لكن يشترط (3) الجريان على الأرض ، فليس مجرّد الجريان ولا نفس القطرات الموجبة لها (4) عاصما للماء (5).

وقد يقال : إنّ بلوغ المنازل (6) تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اعتصامه من أوّل الأمر ،

ص: 114


1- الكافي 3 / 13 ، ح 4.
2- بحار الأنوار 77 / 96 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 143 ، ح 2.
3- في ( د ) : « بشرط ».
4- لم ترد في ( د ) : « لها ».
5- زيادة في ( د ) : « فتأمل ».
6- في ( د ) : « النازل ».

وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة ، وطهارته (1) بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل ، فتأمّل.

حجّة الشيخ رحمه اللّه ومن تبعه صحيحة هشام بن الحكم (2) ، ورواية محمّد بن مروان الواردتان في ميزابين سالا أحدهما ببول والآخر بماء فامتزجا : « أنّه لا بأس به » (3).

وصحيحة عليّ بن جعفر في البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه عن الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ (4) من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟

قال : « إذا جرى فلا بأس به » (5) بحمله (6) على الجريان من الميزاب بناء على حمل كلامهم على تخصيص الحكم به.

وفيه : أن من الظاهر عدم دلالة الخبرين الأوّلين على التخصيص ، وإنّما المستفاد منهما ثبوت الحكم على التقدير المفروض.

والثالث : يدلّ على الأعمّ من المطلوب ، ولا شاهد لحمله على المعنى المذكور وبإطلاقه يستدلّ على اعتبار مطلق الجريان كما هو مختار جماعة من المتأخرين.

مضافا إلى روايته الأخرى عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر فيكفّ فيصيب الثياب ، أيصلّي فيها قبل أن تغسل؟

قال : « إذا جرى من ماء المطر فلا بأس » (7).

ص: 115


1- زيادة في ( د ) : « عند ».
2- وسائل الشيعة 1 / 145 - 146 ، باب 6 ، ح 4 ، ونص الحديث : في ميزابين سالا ، أحدها بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك.
3- وسائل الشيعة 1 / 144 ، باب 5 ، ح 6 ؛ ونص الحديث : قال : « لو أنّ ميزابين سالا ، أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثم أصابك ، ما كان به بأس ».
4- في ( ألف ) : « أيوجد » ، وما أدرجناه من باقي النسخ ، وهو موافق للحديث المنقول.
5- وسائل الشيعة 1 / 145 ، باب 6 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 77 / 11 ، باب ماء المطر وطينه ، ح 1.
6- في ( د ) : « نحمله ».
7- وسائل الشيعة 1 / 145 ، باب 6 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 77 / 11 ، باب ماء المطر وطينه ح 1.

وفي رواية أخرى له (1) : عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّي فيه قبل أن تغسل (2) قال : « إذا جرى من ماء المطر (3) فلا بأس » (4).

ويضعّف دلالتها - بعد اشتراك الجميع في الدلالة على ثبوت البأس على تقدير عدم الجريان الذي هو أعمّ من ثبوت النجاسة - بأنّ المقصود من الجريان فيه غير معلوم ، فكأنّ المراد من الجريان جريان المطر الوارد على المحلّ النجس ليزال (5) به ما فيه من القذر ، فيبقى الباقي سليما عن مخالطة النجس.

وكأنّ ما يفهم منه من المنع عن استعماله قبل ذلك من أجل حصول التغيير بالنجاسة أو أنّه محمول على الكراهة لارتضاء الخصم به ؛ إذ لا فرق عنده بين أوّل الجاري وآخر.

أو (6) المراد به أخذه الماء حين جريان المطر من السماء فيكون متصلا بمادّته السماوية ، ويكون اشتراطه حينئذ بمكان

اتّصاله بعين النجاسة كما قد يستفاد من السؤال ، فينجّس لقلّته بعد الانقطاع.

وقد يقال : إنّ بلوغ النازل تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اقتضائه (7) من أوّل الأمر ، وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة وطهارته عند بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل.

وقد احتمل (8) الجريان على ذلك في المنتهى (9) أيضا.

ص: 116


1- لم ترد في ( د ) : « له ».
2- في ( د ) : « يغسل ».
3- في ( د ) : « به المطر ».
4- بحار الأنوار 77 / 13 ، باب ماء المطر وطينه ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، باب 6 ، ح 9.
5- في ( د ) : « ليزول ».
6- في ( د ) : « إذ ».
7- في ( د ) : « اعتصامه ».
8- زيادة في ( د ) : « حمل ».
9- منتهى المطلب 1 / 29 - 30.

والخبر الثاني بعد الغضّ عن سنده يحتمل أن يراد به كون الماء النازل من المطر لا من النجس.

ويمكن حمله على المعنى السابق أيضا ، بل الحمل المذكور إليه أقرب من السابق ؛ لفرض اشتراط عين النجاسة في السؤال ظاهرا ، ويجري ذلك في الخبر الثالث ، ويحتمل أن يراد بقوله : « إذا جرى [ فلا بأس ] به » إزالة المطر لعين النجاسة (1) وتذكر (2) الضمير لا مانع منه مع إمكان التأويل بالذكر.

واحتجّ في الحدائق (3) على اعتبار أحد الأمرين المذكورين بالأخبار المذكورة ، وما دلّ على اعتبار الأكثرية ، فروى هشام في الصحيح (4) ، عن الصادق عليه السلام ، عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء ، فكيف فيصيب الثوب؟ فقال : « لا بأس ما أصابه من الماء أكثر » قال (5) : لجعله الجريان في تلك الأخبار والكثرة في الخبر المذكور علّة لحصول الطهارة ، وخصوص مورد السؤال لا يصلح لتخصيص الجواب إلّا إذا كان لخصوصه مدخل (6) في العلّيّة. وشاهد الحال في المقام دالّ على عدمها ، فيجب التعدية إلى كلّ ما يقصد (7) فيه العلّة (8).

قلت : أمّا ما دلّ على اعتبار الجريان فقد عرفت الحال فيه.

وأمّا الصحيحة المذكورة فقد تحمل (9) على أكثرية الماء بالنّسبة إلى ما في السطح من عين البول ، فإن كان مقصوده من اعتبار الأكثريّة (10) ذلك أيضا فلا مانع منه لحصول الاستيلاء على

ص: 117


1- كما في ( د ) ، وفي ( ج ) و ( ب ) : « المطر تعين النجاسة » ، بدلا من : « إزالة المطر لعين النجاسة ».
2- في ( د ) : « تذكير ».
3- الحدائق الناضرة 1 / 214 - 217.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 7 ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 144 - 145 باب 6 ح 1.
5- الحدائق الناضرة 1 / 218 - 219.
6- في ( د ) : « لخصوصية مدخلية ».
7- في ( ج ) و ( د ) : « يوجد ».
8- في ( ج ) : « العليّة ».
9- في ( د ) : « يحتمل ».
10- لم ترد في ( ب ) : « ذلك ... به كثرة ».

النجاسة ، وإن أراد به كثرة المطر وشموله للأرض فلا دلالة في الخبر عليه ؛ إذ ليس فيه إلّا حكاية الأكثريّة.

نعم ، لو اريد به الأكثريّة بالنّظر إلى ما لاقاه من عين البول ولو مع جفافه وذهاب عينه ، دلّ على حصول الكثرة المطلوبة إلّا أنّ ذلك ممّا لا وجه له ولا يلتزمه أحد.

[ تنبيهات ]:

( وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليه :

أحدها : إنّ الظاهر أن الماء القليل المتصل بالمطر حكمه حكم ماء المطر ما دام المطر متقاطرا عليه أو محل ماء متصل به ، فلا ينفعل إذن بمجرد الملاقاة بلا خلاف أعرفه فيه.

ويدلّ عليه بعد الأصل ، اتصاله بالمادة العاصمة ، ولذا لا ينجس الماء الجاري من المطر ما دامت متصلة بالمادة السماوية وإن ما يقع عليه المطر معتصم غير منفعل بالملاقاة ؛ لما عرفت من اعتصامه ما دام المطر نازلا ، فإن انفعل الباقي كان بعض الماء الواحد في السطح الواحد طاهرا والبعض الآخر نجسا من غير ما مرّ ، وهو مع امتزاج المائين باطل بالإجماع مضافا إلى طهر الماء المفروض باتصاله بالمطر لو كان نجسا ، فاعتصامه به أولى لكون الدفع أهون من الرفع.

ثانيها : إنّ ظاهر إطلاق الآية الشريفة وخصوص نقله عليه السلام في مرسلة الكاهلي : « كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر » طهر جميع المتنجسات القابلة للتطهير بمجرد إصابة المطر مع زوال العين من غير حاجة إلى التعدد ولا إلى العصر ، بل ولا التعفير فيما يجب فيه ذلك. ويأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه في محله.

ثالثها : أنّه كما يطهر المطر ساير المتنجسات كذا يطهر ماء المتنجس على نحو غيره من المياه المعتصمة.

ويدل عليه إطلاق الآية والرواية المعتضدتين بظاهر الفتوى حيث نزّلوا الغيث حال تقاطره منزلة الجاري ، فيجري فيه أحكامه.

ص: 118

وفي الصحيحة أيضا : لا يمكن الحكم بتنجس ماء المطر مع عدم تغيره بالنجاسة قبل انقطاع التقاطر ؛ إذ قد عرفت اعتصامه حينئذ بالمادة ، وحينئذ فإمّا أن يبقى الماء النجس الممازج به على نجاسته أو أنه يطهر به.

لا سبيل إلى الأقل إذ ليس للماء الواحد في السطح الواحد مع عدم المائز حكمان مختلفان في الطهارة والنجاسة ، فيعيّن الثاني.

وفي عدة من الروايات دلالة عليه أيضا منها رواية الكاهلي المتقدمة ، فانّها تعمّ الماء وغيره ، والمناقشة فيها سندا بالإرسال ودلالته بأنّه ربما يكون في السؤال قرينة على أنّ المراد ب- « كلّ شي ء » : كل شي ء سأل سائل عنه وشبهه فلا يعم الماء وانّها إنما اشتملت على الحكم بطهارة ما يراه ماء المطر دون غيره ، وهو إنّما يلاقي بعض أجزاء الماء ، ولو بعد الامتزاج ، فغاية الأمر طهره به دون باقي الاجزاء.

ثم إنه لا شبهة في أنّه يعارضه لملاقاة الأجزاء النجسة فيعود نجسا لأنّه قليل لاقى نجاسة.

موهونة ؛ أمّا الأوّل فلاعتضاد الخبر بما ذكرناه.

وأمّا الثاني فبأنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد ، ومجرد الاحتمال المذكور لا يقضي بالتخصيص سيما مع كون العموم لغويا مع أنّ السؤال مذكور في الخبر وليس فيه ما يفيد ذلك ، بل انما يفيد العكس ، وأمّا الثالث فبأنّ طهر الأجزاء الملاقية كاف في تطهير الباقي ؛ لكونه ماء طاهرا ملاقيا لملاقيه وهكذا ، فيسري الطهارة إلى الجميع في آن واحد ، ولو بعد الامتزاج بناء على اعتباره في التطهير.

ولا وجه حينئذ لعود النجاسة إليه من تلك الأجزاء ، ومع الغضّ عن ذلك فلا وجه لعود النجاسة إلى الأجزاء الملاقية مع بقاء ملاقاتها للماء المعتصم ، فلا بد إذن من الحكم بطهر الجميع ؛ لما عرفت من اتحاد حكم الماء الواحد في السطح الواحد.

ومنها : صحيحة هشام ورواية محمد بن مروان المقدّمتين الواردتين في الميزابين السائلين ، فإنّ بقاء طهارته مع الامتزاج بالبول وتطهيره له بالاستهلاك قاض ببقاء طهارته مع الامتزاج بالماء النجس وتطهير له بالأولى.

ص: 119

والمناقشة فيه بأنّ أقصى ما يفيده الخبران تطهيره لكل ماء متنجس إذا جرى وحصل الامتزاج ، وأمّا تطهيره لكرّ من الماء أو أزيد مثلا بمجرد جريان المطر وإن قلّ فلا ؛ لاحتمال أن يكون التطهير في ذلك لكون ماء المطر أزيد من البول كما هو المعهود عادة أو مساويا له ؛ مدفوعة بأن تسليم تطهيره الماء النجس بالامتزاج على ما يستفاد من الخبرين قاض بتطهيره له كذلك مع القلّة والكثرة من غير فرق ؛ إذ لا فرق بين قليل المطر وكثرته نظرا إلى اعتصامه بالمادة المساوية. غاية الأمر أنه مع اعتبار الامتزاج في التطهير لا بدّ من امتزاج القطرات النازلة المجموع عليه وهكذا.

قال بعض الأفاضل بعد ذكر المناقشات المذكورة : إلّا أن الظاهر إجماع الأصحاب - خصوصا المتأخرين - فهم على تطهيره إذا تحقق الجريان قولا وفعلا ، فان تحقق فهو الحجة ، ويبقى التردّد بعد أنّ النازل من السماء من القطرات هل يطهر أو ليس المطهر إلّا ما يجري من الميزاب ونحوه.

والظاهر هو الثاني نظرا إلى الانفصال في الأول.

وضعفه ظاهر بعد ما عرفت ، فإنّ انفصال القطرات بعضها عن بعض في معنى الاتصال ؛ إذ لا يكون الاتصال بالمادة السماوية إلا على النحو المذكور.

وقد نبّه عليه الفاضل المذكور حيث نصّ بأنّ اعتصام الماء الجاري من الميزاب إنّما هو بالقطرات النازلة عليه من السماء ، وقد نصّ بعد ذلك أيضا بأنّ تطهير الغيث للبئر مشكل.

إذا العمدة في الحكم بتطهيره بالماء هو الإجماع كما عرفت ، ولا إجماع هنا ، وهو أيضا كما ترى.

والحاصل أن المسألة في غاية الظهور والتشكيكات المذكورة في غاية الوهن كما لا يخفى ) (1).

ص: 120


1- من أول التنبيهات « وهاهنا أمور ينبغي .. » إلى هنا ساقطة من نسخة ( ألف ) و ( ب ) و ( د ) ، وأدرجناها من ( ج ) ، فاغتنمها.
تبصرة: [ في تنجس ما دون الكر من الماء الراكد ]

ما دون الكرّ من الماء الراكد ينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة على المشهور بين علمائنا ، بل اتّفقت عليه كلمة الأصحاب من زمن المفيد إلى زمان صاحب المفاتيح ، فاختار (1) القول بعدم انفعال القليل تبعا لابن أبي عقيل.

وتبعه على ذلك جماعة من متأخري المتأخرين وفصّل السيد المرتضى (2) بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه ، فحكم بالانفعال بالثاني (3).

واستوجهه في المدارك (4).

ونفى عنه البعد في التبصرة (5) لما ستعلم.

وهذه المسألة وإن طال الكلام فيها بين المتأخّرين من علمائنا الأعلام ووسّعوا المقال فيها إلّا أنّها بعد الرجوع إلى أقوال العلماء الأجلّة والنظر في الطريقة المعلومة والسيرة المألوفة بين الشيعة من قديم الدهر إلى يومنا هذا ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بعدم ظهور خلاف - إلّا ممّن ندر - فيها مع عموم البلوى فيها (6) وشدّة الحاجة إليها ، ممّا لا ينبغي الشكّ فيها

ص: 121


1- روض الجنان : 129 ، ذخيرة المعاد 1 / 121.
2- المسائل الناصريات : 72 - 73.
3- في ( د ) : « في الثاني ».
4- مدارك الأحكام 1 / 40.
5- تبصرة المتعلمين : 15 ، لكن في ( د ) : « في الذخيرة » ، بدلا من : « في التبصرة ».
6- في ( د ) : « بها ».

و [ لا ] إطالة (1) الكلام في طرقها (2) وتكثير الأدلّة عليها ؛ لوضوح الحال فيها ممّا (3) بيّنّا.

مضافا إلى ما دلّ عليها من النصوص المستفيضة المتكثرة الّتي كادت أن تكون متواترة بالمعنى ، لكن لمّا (4) جرت الطريقة على كتبهم عن أدلّتها وبيان الأخبار الواردة فيها ، فلا بأس لو اقتفينا أثرهم في ذلك بالإشارة إلى بعض ما هنالك ، فنقول :

[ انفعال القليل بملاقاة النجاسة ]

قد ادّعى الإجماع على انفعال القليل بالملاقاة في الناصريات (5) والخلاف (6) والتهذيب والاستبصار (7) وشرح الجمل والجواهر (8) والغنية (9) والمختلف وحكى في المختلف (10) أيضا اتّفاق علمائنا عدا ابن أبي عقيل عليه.

وفي التنقيح والمهذّب البارع (11) حكاية الإجماع عليه إلّا من ابن أبي عقيل.

وقد حكى الإجماع على انفعاله في خصوص سؤر اليهود والنصارى وكلّ كافر في الانتصار (12).

وفيه وفي الذكرى الإجماع على نجاسة ماء الولوغ.

ص: 122


1- في ( د ) : « لإطالة ».
2- في ( د ) : « ولا إطالة الكلام في طريقها » ، بدلا من : « لإطالة الكلام في طرقها ».
3- في ( د ) : « عمّا » ، بدلا من : « ممّا ».
4- لم ترد في ( د ) : « لما ».
5- المسائل الناصريات : 67.
6- الخلاف 1 / 194.
7- نسبه إليه في الجواهر 1 / 105.
8- الجواهر 1 / 105 ، لم ترد في ( ج ) : « والجواهر ».
9- غنية النزوع : 46.
10- مختلف الشيعة 1 / 176.
11- المهذب البارع 1 / 78.
12- الانتصار : 88.

وفي السرائر (1) نفي الخلاف عن المنع من استعمال أحد الإنائين إذا وقع فيه نجاسة ولم يعلمه بعينه.

وفي المنتهى (2) حكاية الإجماع على نجاسة المستعمل للجنب والحائض وشبههما (3) إذا كان على جسده نجاسة عينيّة وكان أقلّ من كرّ ، وعلى نجاسة سؤر الخنزير وعلى نجاسة سؤر الكلب عدا بعض من (4) العامّة.

قلت : وبملاحظة هذه الإجماعات المحكيّة مضافا إلى السيرة المستمرّة بين الفرقة الناجية قديما وحديثا يمكن القطع بالإجماع في المسألة.

وأمّا الأخبار الدالّة على ذلك - مطلقا أو في موارد مخصوصة ، فيستدلّ بها لذلك بانضمام عدم القول بالفصل (5) - كثيرة جدّا بل لا يبعد بلوغها حدّ التواتر المعنوي كما ادّعي ، منها الأخبار الواردة في الكرّ ، وهي أيضا قريبة من التواتر.

وفي المعالم : إنّها كادت أن تبلغ في الكثرة حدّ التواتر المعنوي ، فمن ذلك الصحاح المستفيضة : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي ء » (6) فإنّ قضيّة مفهومها نجاسة الماء الّذي دونه ببعض النجاسات الغير المغيّرة وإلّا تساوى (7) الكرّ فتسقط فائدة الاشتراط.

وبانعقاد الإجماع على عدم الفرق بين النجاسات في ذلك ، يتمّ دلالتها على عموم الانفعال بالنّسبة إليها ، ودلالتها على العموم بالنّسبة إلى المياه وأحوالها من جهة عموم إرادة (8)

ص: 123


1- السرائر 1 / 85.
2- منتهى المطلب 1 / 137 و 154.
3- في ( د ) : « شبهما » ، بدلا من : « شبههما ».
4- لم ترد في ( د ) : « من ».
5- زيادة في ( د ) : « فيما لا قائل به ».
6- كما مرّ.
7- في ( ألف ) : « لتساوي ».
8- في ( د ) : « أداة ».

الشرط و (1) الموضوع في المنطوق.

أمّا الأوّل : فلأنّه المنساق منه في العرف ، ولو سلّم فالحكمة قاضية به في المقام وإلّا لخرج الكلام عن الإفادة.

أمّا الثاني : فلدلالة تعليق الحكم على الطبيعة (2) عليه كما قيل ، أو بمعونة الحكمة أيضا. ولا يبعد جريان الحكمة في المفهوم أيضا مع قطع النظر عن عموم المنطوق.

فظهر بما قلنا استفادة عموم الحكم منها بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة من الورود على النجاسة وورودها عليه واستعماله في التطهير وغيرها. ويدلّ على هذا التعميم أيضا إطلاق التنجيس الظاهر فيه.

وادّعى بعض الأفاضل دلالتها على انفعال القليل بكلّ واحد من النجاسات نظرا إلى دلالة المنطوق على عدم تنجّس الكرّ بشي ء من النجاسات بالعموم الاستغراقي ، فيكون المفهوم تنجّس القليل بكلّ واحد من النجاسات أيضا.

قال : وإلّا لم يكن الكرّ شرطا لكلّ واحد بل للمجموع من حيث المجموع ، فلا يدلّ المنطوق حينئذ على عدم انفعاله بملاقاة بعض النجاسات ، وهو خلاف الفرض والإجماع.

والحاصل أنّ النكرة في سياق النفي يدلّ على العموم الأفرادي لا المجموعيّ ، وبملاحظته يتمّ ما ذكرناه.

ومن الاشتباه بين العمومين يحصل الاشتباه في المقام (3) قال : فتأمّل جدّا فإنّ المطلب دقيق في الغاية.

أقول : من الواضح أنّ الحكم في المنطوق هو عدم تنجّس الكرّ بشي ء من النجاسات ، فيكون قضيّة مفهومه ينجس ما دون الكرّ بشي ء منها ، فاشتراط الكرّية إنّما هو في

ص: 124


1- لم ترد في ( د ) : « و ».
2- في ( د ) : « عليها » ، بدلا من : « عليه ».
3- في ( د ) : « بين المفاهيم » ، بدلا من : « في المقام ».

عدم الانفعال بشي ء منها المقهور (1) عند عدم الشرط.

ومن الظاهر أنّ رفع عدم الانفعال بشي ء إنّما يكون بانفعاله بشي ء ، فلا وجه لحمل العبارة على حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد من النجاسات زعما منه رحمه اللّه أنّه لولاه لكان المعلّق عدم التنجّس بمجموع النجاسات ، فلا يدلّ على عدم تنجّسه بالبعض.

وهو فاسد لما عرفت من حصول احتمال آخر غير المعنيين المذكورين ، بل ويعيّن الحمل عليه ، فيكون المعلّق على الشرط هو عدم تنجّس الماء بشي ء من النجاسات.

و (2) من الواضح أنّ ذلك لا يستلزم حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد واحد ليدلّ على حصول التنجّس بكلّ واحد مع انتفاء الشرط ، كيف ولو كان قضيّة المفهوم ما ذكره رحمه اللّه لكان (3) قولك : « إذا جئتني لم اعطك شيئا » دالّا على إعطائك جميع الأشياء مع عدم المجي ء ، وهو ظاهر البطلان ، لا إشعار في العبارة به بضرورة الوجدان.

ومن ذلك صحيحة علي بن جعفر ، عن الدجاجة والحمامة وأشباههما (4) تطأ العذرة ثمّ تدخل الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يكون الماء قدر كرّ من ماء » (5).

والمنع من الوضوء ليس إلّا لأجل النجاسة ؛ إذ لا يشترط بما سوى الطهارة إجماعا ، و (6) هو المفهوم من الكلام بمعونة المقام.

وصحيحة إسماعيل بن جابر [ في ] الماء الذي لا ينجّسه شي ء ، قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (7).

ص: 125


1- في ( ج ) و ( د ) : « المفقود ».
2- في ( د ) : « إذ » ، بدلا من : « و ».
3- في ( ألف ) : « لمكان ».
4- في ( و ) : « أشباهها ».
5- الإستبصار 1 / 21 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 419 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 13 و 159 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 77 / 14.
6- في ( د ) : « بل » ، بدلا من : « و ».
7- الإستبصار 1 / 10 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 53 ؛ وسائل الشيعة 1 / 165 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 77 / 18.

وظاهر التعريف مساواته للمعرّف ، فيدلّ على تنجّس ما دونه بالملاقاة في الجملة ، وبعدم القول بالفصل يعمّم الحكم بالنسبة إلى النجاسات ، وبظاهر الإطلاقات بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة كما مرّ.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الكرّ.

وفيها دلالة أيضا على شهرة اعتبار الكرّية في الماء عند الشيعة في زمن الأئمّة عليهم السلام حتى كرّروا السؤال عنه ، وهم عليهم السلام أجابوا تارة بتعيّن المساحة واخرى بضبط الوزن. ومن الظاهر أنّه بناء على القول بعدم الانفعال يكون ذلك لغوا محضا.

وحمله على عدم حصول التغيير معه عادة ممّا يقضي الضرورة بفساده ، ويتأدّى (1) سياق تلك الأخبار ببطلانه ، وكذلك حمل التقدير به على مجرّد المحافظة على المندوب (2) وطلب الراجح كما لا يخفى.

ومنها : ما دلّ على إراقة الإنائين اللذين وقع في أحدهما نجاسة واشتبه بالآخر ووجوب التيمّم كموثقتي سماعة (3) وعمّار الساباطي (4). ومن الظاهر دلالة الأمر بالإراقة في المقام على عدم جواز الانتفاع به فيما هو الغالب في الانتفاع بالماء من الشرب والاستعمال في التطهير من الأحدات والأخباث ونحوها ، وكذا العدول من (5) الطهارة الاختياريّة إلى الاضطراريّة.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة سؤر نجس العين ، وهي أخبار كثيرة مشتملة على الصحاح المستفيضة كصحيحة البقباق (6) وصحيحة معاوية (7) بن شريح الصريحتين في

ص: 126


1- في ( د ) : « ينادي ».
2- في ( د ) : « محافظة المندوب به » ، بدلا من : « المحافظة على المندوب ».
3- الإستبصار 1 / 21 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 229 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 2.
4- تهذيب الأحكام 1 / 248 ، ح 43 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 14.
5- في ( د ) : « عن ».
6- الإستبصار 1 / 37 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 237 ، ح 16 ؛ وسائل الشيعة 1 / 184 ، ح 6.
7- الإستبصار 1 / 19 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 225 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 226 ، ح 6.

نجاسة سؤر الكلب وموثقة (1) أبي بصير : « لا يشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (2).

وصحيحة سعيد الأعرج عن سؤر اليهودي والنصراني فقال : « لا » (3).

والصحيح إلى معلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام في الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء ، فأمرّ عليه حافيا؟ فقال : « أليس وراءه شي ء جاف؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضه بعضا » (4).

.. إلى غير ذلك من الأخبار.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة آنية ولوغ الكلب (5) والخنزير. ومن الظاهر عدم استلزام الولوغ بملاقاة (6) الآنية. وسراية النجاسة إليها من دون تنجّس ما فيها واضح الفساد.

والظاهر من تلك الأخبار كون ما في الآنية خصوص الماء كالصحيح عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات » (7).

وفي الصحيح أيضا عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » (8).

ومنها : الأخبار الدالّة على المنع من غسالة الحمّام ؛ ففي الموثّق : « وإيّاك أن تغسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع (9) غسالة اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ والناصب لنا أهل البيت فهو شرّهم ، انّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإنّ الناصب لنا أهل البيت

ص: 127


1- في المخطوطة : « مؤلفة ».
2- الإستبصار 1 / 20 ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 226 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة 1 / 158 ، ح 3.
3- الإستبصار 1 / 23 ، ح 11 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 223 ، ح 21 ؛ وسائل الشيع 1 / 229 ، ح 1.
4- الكافي 3 / 39 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 3 / 458 ، ح 3.
5- في ( د ) : « آنية الولوغ للكلب » ، بدلا من : « آنية ولوغ الكلب ».
6- في ( د ) : « لملاقاة » ، بدلا من : « بملاقاة ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 261 ، ح 47 ؛ وسائل الشيعة 1 / 225 ، ح 2.
8- الإستبصار 1 / 19 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 225 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة 1 / 226 ، ح 3 و 228 ح 3.
9- في ( د ) : « تجتمع ».

لأنجس منه » (1).

ومنها : ما دلّ على اعتبار المادّة في اعتصام ماء الحمّام الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدمها وكان في تشبيه ماء الحمّام بالجاري إشارة أيضا إلى انفعال غيره بالملاقاة.

ومنها : الأخبار الكثيرة المتظافرة الدالّة منطوقا أو (2) مفهوما على تنجّس القليل بملاقاة جملة من النجاسات المفروضة فيها كصحيحة عليّ بن جعفر عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح (3) الوضوء منه؟ قال : « لا » (4).

وصحيحة البزنطي عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال : « يكفي الإناء » (5).

وموثقة سماعة : « إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء وفيه شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء » (6).

وهناك أخبار مستفيضة غير ما ذكرنا واردة في هذا المعنى.

ورواية أبي بصير : « ما يبل الميل - يعني من النبيذ - ينجس حبا من ماء » يقوله ثلاثا (7).

وفي الحسن : « لا واللّه ولا قطرة - يعني من المسكر - قطرت في حبّ إلّا اهريق ذلك الحبّ » (8).

وعن العيص بن القاسم قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طست (9) فيه وضوء؟

ص: 128


1- وسائل الشيعة 1 / 220 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار 73 / 72 ، ح 5 و 77 / 37 ، ح 6 و 78 / 47 ، ح 14.
2- في ( د ) : « و ».
3- في ( د ) : « يصح ».
4- الكافي 3 / 74 ، ح 16 ؛ من لا يحضره الفقيه 1 / 13 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 1.
5- تهذيب الأحكام 1 / 39 ، ح 44 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 7.
6- الكافي 3 / 11 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 4.
7- الكافي 6 / 413 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 113 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة 3 / 470 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار 59 / 89 ، ح 16 ، ولا توجد لفظة « يعني » في الرواية.
8- الكافي 6 / 410 ، ح 15 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 116 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة 25 / 341 ، ح 1.
9- في ( د ) : « من طشت ».

قال : « إن كان من بول أو قذر فليغسل ما أصابه » (1).

وظاهر إطلاقه يدلّ على عدم الفرق بين الورودين وعلى نجاسة الغسالة.

.. إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة المذكورة في الأبواب المتفرقة ، من أرادها وقف عليها في مواضعها.

حجة القول بعدم الانفعال ، الأصل والعمومات الدالّة على طهارة الماء وطهوريّته ، وما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير كالحديث المشهور : « خلق اللّه الماء طهورا .. » (2) ، الخبر.

وما رواه العماني وادّعى تواتره عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : « إنّ الماء طاهر لا ينجّسه (3) شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (4).

والاطلاقات الحاكمة بطهارة الماء الملاقي للنّجاسة إذا خلا عن التغيير من غير تفصيل بين القليل والكثير كالصّحيح في الماء يمرّ به الرجل وهو يقع فيه الميتة والجيفة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا (5) كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ » (6).

والصحيح عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال : « إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ » (7).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الّتي يضاهى ذلك ، وهي كثيرة.

والأخبار الحاكمة بعدم تنجّس الماء مع ظهورها في القليل كموثقة عمّار : سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي؟ فقال : « نعم » ، قلت : فمن

ص: 129


1- وسائل الشيعة 1 / 215 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار 77 / 137 ، ح 7.
2- وسائل الشيعة 1 / 135 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار 77 / 9 ، ح 4.
3- في ( د ) : « لم ينجسه ».
4- مستدرك الوسائل 1 / 186 ، ح 5.
5- في ( د ) : « إن ».
6- الإستبصار 1 / 9 ، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 51 ؛ وسائل الشيعة 1 / 139 ، ح 4.
7- الكافي 3 / 4 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 141 ، ح 11 و 13 ؛ بحار الأنوار 77 / 21.

ذلك الماء الّذي شرب منه؟ قال : « نعم » (1).

وحسنة ابن الميسر عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال : « يضع يده ويتوضّأ ، ثمّ يغتسل هذا ممّا قال اللّه تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) » (3).

وصحيحة عمران (4) بن يزيد : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض فقال : « لا بأس » (5).

وصحيحة علي بن جعفر : عن رجل رعف فامتخط (6) فصار (7) ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إذا لم يكن شي ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن (8) كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ (9) منه » ؛ بحملها في صورة الإبانة (10) على حصول التغيير.

ورواية زرارة عن الصادق عليه السلام في جلد الخنزير يجعل دلوا فتسقى به الماء؟ قال : « لا بأس » (11).

وروايته الأخرى عن الباقر عليه السلام قلت له : رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ (12) أو

ص: 130


1- الإستبصار 1 / 18 ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 224 ح 24 ؛ وسائل الشيعة 1 / 230 ح 3.
2- الحجّ (22) : 78.
3- الكافي 3 / 4 ، ح 2 ؛ الإستبصار 1 / 128 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 5.
4- في المصدر : « عمر ».
5- الكافي 3 / 14 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 1 / 213 ، ح 7.
6- في ( د ) : « فامقظ ».
7- في ( ج ) : « وصار ».
8- في ( د ) : « وإلّا ».
9- الكافي 3 / 74 ، ح 16 ؛ الإستبصار 1 / 23 ، ح 12 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 413 ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 10 / 256 و 77 / 20 ، ح 11.
10- استظهرناها كذلك ، وهي في ( د ) غير منقوطة ، وفي ب : « الامامة ».
11- تهذيب الأحكام 1 / 413 ، ح 20 ؛ وسائل الشيعة 1 / 175 ، ح 16.
12- الجرذ والجراذ ، ضرب من الفار سمّي بذلك لأنه يسبّب الجرذ أي العيب والورم والتعقد ، كما في المعجم الزوولوجي الحديث 2 / 349 - 355 بتفصيل أكثر ، فراجع.

صعوة ميتة؟ قال : « إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ منها وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح (1) الميتة إذا أخرجتها طرية ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء ».

قال : وقال أبو جعفر عليه السلام : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجّسه شي ء تفسّخ أو لم يتفسّخ إلّا أن يجي ء له (2) ريح يغلب على ريح الماء » (3).

ورواية أبي مريم الأنصاري : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له ، فحضرت الصلاة فنزح دلوا من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة ، فأكفا رأسه وتوضّأ بالباقي (4).

وما رواه في المنتهى مرسلا ، عن الباقر عليه السلام قال : سئل عن الجرّة والقربة يسقط فيهما فارة أو جرو (5) أو غيره فيموت فيها؟

قال (6) : « إذا غلب رائحته على طعم الماء فأرقه وإن لم يغلب عليه فتوضّأ منه واشرب » (7).

ورواية بكار بن أبي بكر في الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر ثمّ يدخله الحبّ؟ قال : « يصيب من الماء ثلاث أكف ثمّ يدلك الكوز » (8).

ورواية محمّد بن مروان : لو أنّ ميزابين سالا ميزاب ببول (9) .. الخبر (10).

ص: 131


1- في ( د ) : « وأخرج ».
2- في ( د ) : « منه ».
3- الإستبصار 1 / 8 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 412 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة 1 / 140 ، ح 8.
4- الإستبصار 1 / 42 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 416 ، ح 32 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 12.
5- في ( د ) : « جرد » ، والصحيح إمّا ما في المتن لأن الجرو بالواو هو الصغير من أولاد الكلب والسباع ، أو الجرذ بالذال المعجمة قسم من الفار. انظر : معجم الزوولوجي الحديث 2 / 349 و 355.
6- لم ترد في ( د ) : « قال : ».
7- المعتبر 1 / 49 ، وعنه في وسائل الشيعة ( الاسلامية ) 1 / 104 ، ح 8.
8- الكافي 3 / 12 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة 1 / 164 ، ح 17.
9- في ( د ) : « يبول » ، بدلا من : « ببول ».
10- الكافي 3 / 13 ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 411 ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة 1 / 144 ، ح 6.

وقد مضى.

ورواية الحسين بن زرارة ، فقلت : شعر (1) الخنزير يعمل به حبلا يستقى (2) من البئر الّذي يشرب منها ويتوضّأ منها؟ فقال « لا بأس به » (3).

ويؤيّد ذلك أيضا ما دلّ (4) على طهارة ماء الاستنجاء ؛ إذ هو من جملة القليل الملاقي للنجاسة.

وفي بعض تلك الأخبار : « أو تدري لم صار لا بأس به؟ » فقلت : لا واللّه جعلت فداك! فقال : « إنّ الماء أكثر من القذر » (5).

والتعليل يقضي جريان الحكم في غيره أيضا.

وإطلاق ما دلّ على طهارة ماء الحمّام وأنّه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل إذ كلّما لاقى المحلّ النجس ينجس به ولا يطهره.

والتزام القول بطهوريّة النجس أو القول بتنجّسه بعد الانفصال لا حال الملاقاة الّتي هي السبب أو الفرق بين الورودين مع إطلاق الأخبار تعسّف بحت.

والجواب : أمّا عن الأصل والعمومات فبالخروج عنهما بمقتضى الأدلّة الدالّة على النجاسة ، فيخصّص بها ما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير (6) بعد الغضّ عن أسانيدها ؛ إذ قد عرفت الحال في الخبر المشهور.

وما ادّعي تواتره عن الصادق عليه السلام لم نعثر له في كتب الأصحاب على سند واحد فضلا

ص: 132


1- في ( د ) : « فشعر ».
2- في ( د ) : « نستقي » ، بدلا من : « يستقي ».
3- الكافي 3 / 7 ، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 409 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 1 / 170 ، ح 2 ، لكن في هذه الكتب الروائية هكذا : قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس ».
4- وسائل الشيعة 1 / 221 و 222 ، ح 1.
5- الكافي 3 / 13 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 1 / 222 ، ح 2.
6- في ( د ) : « بالتغير ».

عن تواتره. وكأنّه أخذه من مضمون الأخبار الكثيرة الواردة في الغدران ونحوها من المياه الواقفة (1) في الطرقات والصحاري ونحوهما (2) ممّا أشرنا إليها ، فلا يكون دليلا مستقلّا.

والإطلاقات المذكورة كثير منها ظاهر في الكثير لفرض الحكم في بعضها في الغدير أو في حياض أهل البوادي ممّا يردّها السباع والكلاب والبهائم ، وفرض وقوع الجيفة والميتة فيه مع احتمال عروض التغيير وعدمه ، أو فرض وقوع الجيف والقذر وولوغ الكلب وشرب الدوابّ وبولها فيه ، أو وقوع الجيفة مع أمره عليه السلام بالوضوء من الجانب الآخر ، أو فرضه في الحياض مع تكرّر البول فيها مع جواب الإمام بالتفصيل .. وغير ذلك ممّا يشهد بفرض الكثرة في الماء بل في (3) كونها أضعاف الكرّ في كثير منها.

ولو فرض إطلاقها (4) في بعضها فهو محمول على الكثير تحكيما للأخبار المقيّدة كما هو مقتضى القاعدة والأخبار الظاهرة في إرادة القليل مع أنّ كثيرا منها لا يخلو عن ضعف في الأسناد ، أكثرها لا يخلو من (5) ضعف في الدلالة ، بل بعضها غير دالّ عليه ؛ لإمكان حمل موثقة عمّار على علوّ الباقي من الماء ، فلا يسري النجاسة إليه ؛ مع معارضتها لأخبار اخر دالّة على نجاسة خصوص سؤر اليهود ، فيحتمل قويّا حملها على التقيّة.

ولفظ « القليل » في حسنة ابن الميسر يعمّ الكرّ (6) لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه ، فيقيّد (7) بالأخبار الخاصّة.

والقذارة أيضا لم يثبت كونها حقيقة في النجاسة الشرعيّة.

وصحيحة عمر بن زيد ليست دالّة على كون ما يقع في الإناء خصوص ما ينزو من

ص: 133


1- في ( د ) : « الواقعة ».
2- في ( د ) : « نحوها ».
3- في ( د ) : « و ».
4- في ( د ) : « إطلاق ».
5- في ( د ) : « عن ».
6- في ( د ) : « ذلك » ، بدلا من : « الكرّ ».
7- في ( ج ) : « فيقدّر ».

المكان النجس مع العلم به.

وصحيحة علي بن جعفر لا دلالة فيها على إصابة الدم الماء ، وإنّما تدلّ على إصابة الإناء ، فقد يكون السؤال من جهة حصول الظنّ بملاقاة النجاسة ، فأجاب عليه السلام أنّه إن تبيّن شي ء في الماء - يعني حصل بذلك العلم بإصابة الماء - فلا تتوضّأ منه وإلّا فلا بأس.

والرواية في جلد الخنزير ليست معمولا بها عند الأصحاب ؛ لدلالتها على جواز الانتفاع بالميتة ، على أنّها لا تدلّ على طهارة الماء ؛ لظهورها في نفي البأس عن الاستعمال.

ورواية زرارة لا يمكن العمل بها ؛ إذ الفرق بين التفسّخ وعدمه ممّا لا يقول به أحد.

وكذا الفرق في ذلك بين ما كان أكثر من رواية ودونها (1) ، فهي بظاهرها مطروحة عند كافّة الأصحاب ، فلا تصلح للتعويل.

والعذرة في رواية أبي مريم قد تحمل على الطهارة (2) كما حملت عليها في بعض الروايات مع أنّها لا صراحة فيها بكونها في الماء فلعلّها كانت على الدلو فإكفاء رأسه لإزالتها.

ولفظ « القذر » في رواية بكّار غير صريح في النجس كما مرّ على أنّه يمكن حمل الحبّ على ما يسع الكرّ على ما حكي من حباب ذلك الزمان ، ودلّ عليه بعض الروايات.

وقد يحمل أيضا قوله : « ثمّ يدخله الحبّ » على إرادة إدخاله الحبّ ، فيكون قوله : « يصب من الماء ثلاث أكف » بيانا على تطهير الكوز.

ورواية الحسين بن زرارة لا دلالة فيها على ملاقاة الحبل لما في الدلو. وما ورد في ماء الاستنجاء مقصور على محلّه ؛ إذ لا مقتضى للتسرية من الإجماع وغيره ، والرواية المعلّلة ضعيفة الاسناد.

وكيف كان ، فلا مقاومة للروايات المذكورة بالنسبة إلى ما دلّ على الانفعال ، مضافا إلى اعتضادها بالشّهرة العظيمة عند الأصحاب وجريان السيرة عليه بين الشيعة الأطياب.

وأمّا حكاية عدم إمكان التطهير بالقليل ، فضعيفة جدّا ؛ إذ استبعاد حصول التطهير

ص: 134


1- في المخطوطة و ( د ) : « رواية ودونه ».
2- في ( د ) : « الطاهرة ».

بالنجس ممّا لا يقوم حجّة في الشرع ، مع أنّه قد ذهب جماعة كثيرون إلى تطهير الأرض النجس بغير التطهير ، فكيف بالماء مع تنجّسه حال التطهير.

حجّة السيد (1) قدس سره على التفصيل أنّه لولاه لزم عدم إمكان التطهير بالقليل. وزاد من تبعه من المتأخرين عليه عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله ، والإجماع (2) على التسرية ، ومقتضى العمومات طهارته.

وقد عرفت ضعف الوجه الأوّل.

وأمّا الثاني ففيه : أنّه وإن كان أكثر ما دلّ على نجاسة القليل واردا في خصوص ورود النجاسة على الماء إلّا أن جملة من تلك الأخبار متناولة للنوعين كمفهوم (3) أحاديث الكر والروايات الواردة في المنع من غسالة الحمام معللا بأن فيها غسالة الناصب ومن يحكمه ، وإطلاق مضمرة العيص ابن قاسم المتقدمة ، وإطلاق رواية أبي بصير المذكورة من النبيذ ، ومفهوم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : سألته عن الشرب في إناء يشرب من الخمر قدحان عند ان أو باطنه؟ قال : « إذا غسله فلا بأس » ، ونحوها موثقة عمار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، عن الإبريق وغيره بكون فيه خمر يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « اذا غسل فلا بأس ».

ولو كان الماء مع الورود على النجاسة غير منفعل عنها لما احتج الأواني المذكورة إلى الغسل في موضع الماء فيها ؛ مضافا إلى الشهرة المقارنة للإجماع وظاهر الإجماعات الممكنة.

ولا يذهب عليك أنّ قضية ما استند إليه يخصّص طهارة الوارد بما أزيل به الخبث اقتصارا فيه على قدر الضرورة.

وقد يقال : إنه إذا أورد على ما لا يطهر به صار بتسليط النجس عليه موردا عليه

ص: 135


1- الناصريات : 73.
2- في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « لا إجماع ».
3- من هنا إلى قوله « الدالة على طهارة جلد الميتة » لم نجده في مصورة نسخة ( ألف ) وأدرجناها من نسخة ( ب ) وأطبقناها مع ( د ).

متنجس به وإن لم ينجس أو الورود فيرتفع الثمرة الظاهرة بخلاف ما لو حصلت بها الطهارة ؛ لعدم انفعاله ، فتأمل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : المعروف المتّفق عليه بين أصحابنا عدم الفرق في الحكم المذكور بين المياه والنجاسات ، وحالتي الاختيار والاضطرار بل يعدل حينئذ إلى التيمم إلا ما استثنى في المقام مما يجي ء الإشارة إليه.

وقد يتراءى من بعض المتأخرين الفرق بين الحالتين ، ولا يدري أنّه مبنيّ على طهارة ذلك الماء في حال الضرورة أو على جواز استعمال ذلك النجس في تلك الحال. وعلى الثاني فهو خارج عن محل البحث.

وكيف كان ، فالوجه فيه ظواهر الأخبار كحسنة ابن الميسّر المذكورة.

وصحيحة علي بن جعفر في اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يضطر إليه ».

وصحيحة محمد بن اسماعيل : كتبت أن من يسأله عن القذر يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من البئر ، فيستجي ء فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب : « لا تتوضأ من مثل هذا الماء إلا من ضرورة إليه ».

وقوّيه علي بن جعفر عن جنب أصابت يده من جنايته فمسحه بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال : « إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به وإن لم يجد غيره أجزأ ».

وظواهر عدة الأخبار كما ترى مطرحة عند الأصحاب مخالفة لما مرّ من الروايات ، فإن أمكن تأويلها بما يرجع إلى المشهور وإلّا فلتطرح أو تحمل كالأخبار الدالّة على طهارة القليل على التقية ؛ إذ القول بعدم انفعاله مذهب جماعة من العامة.

ص: 136

واعلم أنه اضطر ظاهر فتاوى الصدوق في هذا الباب نظرا إلى اختلاف الروايات عن السادة الأطياب فإنه رحمه اللّه مع اعتباره الكرية في الماء وحكمه في مقامات (1) شي ء بنجاسة القليل الملاقي للنجاسة في موارد مخصوصة ونجاسة الغسالة وعدم فرقه بين الورودين ، ذكر مضمون حسنة ابن الميسر مفتيا به مع ظهوره في جواز استعمال القليل الملاقي للنجاسة مع عدم غيره.

وذكر أيضا مضمون رواية زرارة في الرواية التي وقعت فيها فارة ، والمفصلة بين حالتي التفسخ وعدمه ؛ وذلك يعطي حكمه بعدم (2) انفعال ما في الرواية (3) والقرية وحب الماء والجرة (4) وما أشبهها (5) من أوعية الماء بملاقاة ميتة الفارة قبل تفسخها والذي يتخيل بالبال (6) أن بناءه رحمه اللّه إما على حكاية مضامين الأخبار وإن لم يعمل بظاهرها ليكون ذلك رجوعا عما ذكره أولا من اقتصاره على نقل الأخبار التي يفتي بمضمونها ، وهي حجة بينة وبين اللّه. ويؤيده أنّه ذكر في الباب الرواية الدالّة على طهارة جلد الميتة وجواز استعماله ، وهو ممّا أطبق الأصحاب على خلافه ؛ أو أنّه عمل بمضمون الأخبار المذكورة (7) مقتصرا على مورد الخبر من دون تسرية ، وهو ممّا يأبى عنه جلالة هذا الشيخ قدس سره.

وبعد البناء على ظاهر عبارته يكفي في ضعفه إطباق الشيعة الأبرار على خلافه مضافا إلى ما عرفت من الأخبار.

الثاني : ما علا من الماء على الملاقي منه للنجاسة جاريا عليه لم ينجس بملاقاة الأسفل للنجاسة بلا خلاف.

ويدلّ عليه - مضافا إلى الإجماع محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة السيرة الجارية الّتي

ص: 137


1- في ( ب ) : « المقامات » ، والصحيح ما أدرجناه من ( د ).
2- في ( ب ) : « بعد ».
3- في ( د ) : « الرواية ».
4- في ( د ) : « الجرعة ».
5- في ( د ) : « وشبهها » ، بدلا من : « وما أشبهها ».
6- في ( ب ) : « والذي محل بالاي ».
7- في ( د ) : « المزبورة » ، بدلا من : ( المذكورة ».

يقطع منها قول (1) المعصوم ، بل الظاهر أنّه في الجملة من الضروريات الّتي يشترك فيها الفقهاء والعوام (2).

وأيضا هو خارج عمّا دلّ على تنجّس القليل لعدم شمولها مثل (3) ذلك.

ولأجل ذلك والإجماع المحكيّ في الروض (4) يسري الحكم إلى المضاف ونحوه. وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين ما إذا كان علوّه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، فظاهر (5) السيرة والإجماعات المحكيّة - مضافا إلى ما عرفت من الأصل والشكّ في شمول الإطلاقات لمثل ذلك وفي انسحاب (6) الحكم فيما لو تدافع الماء مع عدم العلوّ الظاهر أو مساواة المكان أو جريانه من الأسفل كما في الفوارة - وجهان من صدق ملاقاته للنجاسة فيشمله ظواهر الإطلاقات الحاكمة بالنجاسة ، ومن أنّ قضية تلك الإطلاقات نجاسة محل الملاقاة كما تقتضيه (7) العبارة إذا سيقت (8) بالنسبة إلى سائر الأعيان ، وإنّما يجي ء تنجّس غير الملاقي من جهة الميعان المقتضي لسريان النجاسة بالإجماع ، وهو منتف في المقام.

والأوّل لا يخلو عن قرب ؛ لظهور ما دلّ على النجاسة على تنجيس مجموع الماء في مثل ذلك.

مضافا إلى الاحتياط في غالب المقامات.

ص: 138


1- في ( د ) : « بقول ».
2- في ( د ) : « الأعوام ».
3- في ( د ) : « لمثل ».
4- روض الجنان : 139.
5- في ( د ) : « لظاهر ».
6- في ( ج ) : « السحاب ».
7- في ( د ) : « يقتضيه ».
8- في ( ب ) : « سقيت » ولعله : « قيست ».

وقطع في البيان (1) بعدم تنجّس ما فوق موضع الملاقاة في الجاري لا عن المادّة ، وإطلاقه يشمل بعض الصور المفروضة.

الثالث : المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في تنجيس (2) الماء بالملاقاة بين قليل النجاسات وكثيرها ، وهو قضيّة جملة من الإطلاقات المذكورة.

وذهب الشيخ (3) رحمه اللّه إلى عدم تنجّس الماء لملاقاة أجزاء (4) الصغار من الدم القليل الذي لا تدركه (5) الطرف كرءوس الإبر لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام.

وقد مرّت الإشارة إليها.

وعدّى الحكم في المبسوط (6) إلى كلّ النجاسات ؛ لعدم إمكان التحرّز (7) عنها. وظاهر التعليل قد يومي إلى التسرية إلى غير الماء أيضا.

وقد يستدلّ أيضا بدلالة الرواية عليه بالفحوى. وقد عرفت عدم دلالة الرواية على ذلك.

ومع التسليم فالتسرية إلى غير الدم ممّا لا وجه له. وحكاية غير التحرير غير مسموعة (8).

الرابع : الظاهر من المذهب عدم الفرق في انفعال القليل الراكد بين ما بعد عن موضع الملاقاة إذا لم يكن متقاربا بعضه إلى بعض وما قرب إليه.

وظاهر المعالم عدم تنجّس ما بعد عن موضع الملاقاة. واستند في ذلك إلى عدم قيام دليل

ص: 139


1- البيان : 44.
2- في ( د ) : « تنجّس ».
3- المبسوط 1 / 7.
4- في ( د ) : « بملاقاة الأجزاء ».
5- في ( د ) : « لا يدركه ».
6- المبسوط 1 / 7.
7- في ( ج ) : « التحرير ».
8- لم ترد في ( د ) : « وحكاية غير التحرير غير مسموعة ».

على النجاسة لاختصاص ما دلّ على انفعال القليل بالمجتمع والمتقارب. وليس مجرّد الاتصال بالنّجس موجبا لانفعاله وإلّا فيسري (1) النجاسة إلى الأعلى لحصوله ، ومع عدم الاكتفاء بمجرّده فلا بدّ من (2) نجاسة البعيد من دلالة.

نعم ، إن جرى إليه الماء النجس قضي بالتنجيس.

وفيه : أنّ إطلاق ما دلّ على تنجّس القليل يشمل الصورة المذكورة أيضا.

مضافا إلى (3) السريان اللّازم لميعان الماء وعدم سرايتها (4) إلى العالي مع قيام الإجماع عليه لا يقضي بانتفائه في غيره مع وجود الفارق بين الأمرين من جهة قوّته على التنجيس (5) وتدافعه عليه بخلاف صورة المساواة وغيرها.

الخامس : الظاهر إطباق القائلين بنجاسة القليل على عدم الفرق بين جريان الماء ووقوفه.

وذهب بعض المتأخّرين من الأخباريين إلى عدم انفعاله بالملاقاة في الأوّل مع عدم ملاقاة النجاسة لأوّل جزء منه زعما منه تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ نظرا إلى عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله.

مضافا إلى ما دلّ بإطلاقه على طهارة (6) الجاري كقوله عليه السلام : « ماء الحمّام بمنزلة الجاري » (7) و « أنّه كماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (8) حيث لم يقيّد الجاري أو ماء النهر بكونه عن

ص: 140


1- في ( د ) : « لسرى » ، بدلا من : « فيسري ».
2- في ( د ) : « في » ، بدل من : « من ».
3- زيادة في ( د ) : « أن ».
4- في ( د ) : « سريانها » ، بدل من : « سرياتها ».
5- في ( د ) : « التنجس » ، بدل من : « التنجيس ».
6- في ( د ) : « طهورية ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 378 ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ح 1.
8- الكافي 3 / 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 8.

نبع (1).

وفي عدم تقيّد (2) ( كرية ) (3) ماء الحمّام بكريّة مادّته أو المجموع شهادة عليه أيضا مع إطلاق المادّة الواردة فيه وفي ماء البئر.

وضعف (4) جمع (5) ماءين (6) أوضح من أن يبيّن لما عرفت من إطلاق جملة من أدلّة انفعال القليل ، مع تأيده بالشّهرة العظيمة بين الطائفة القريبة من الإجماع بل الإجماع على الحقيقة.

وما ذكر من المؤيّدات لا يفيد شيئا كما عرفت الحال فيها.

هذا ، ومن العجب أيضا ما (7) يظهر عن (8) بعض المتأخّرين (9) من عدم سراية النجاسة إلى الأسفل ( يظهر ) (10) من الجاري لا عن المادّة وإن كان أقلّ من كرّ ؛ استنادا إلى أنّه هارب عن النجاسة ، فيبقى على أصالة الطهارة.

ووهنه واضح.

ص: 141


1- في ( د ) : « منبع ».
2- في ( د ) : « تقييد ».
3- الزيادة من ( د ).
4- في ( ب ) : « ضعفه ».
5- في ( ج ) : « جميع ».
6- في ( د ) : « ما بين » ، بدلا من : « ماءين ».
7- أضفنا لفظة ( ما ) من نسخة ( د ).
8- في ( د ) : « من ».
9- الحدائق الناضرة 1 / 239 - 240 ؛ المدارك 1 / 114.
10- لا توجد ( يظهر ) في ( د ).

تبصرة: [ في حكم الكثير الراكد ]

اشارة

الكثير من الراكد وهو ما كان كرّا فصاعدا لا ينجس إلّا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة على نحو ما مرّ في سائر المياه المعتصمة بإجماعنا المعلوم والمنقول في كلام جماعة من الفحول.

مضافا إلى الأصل والنصوص المستفيضة المتكثّرة بل المتواترة عن العترة الطاهرة ، فأصل المسألة ممّا لا كلام فيه وإنّما الكلام هنا في مواضع :

أحدها : أنّه لا يعتبر فيه تقارب أجزاء الماء ليتقوّى بعضها (1) ببعض ، فيضعف تأثير (2) النجاسة فيها ؛ للأصل وصدق اتّحاد الماء ولو تباعد أجزاؤه ، فيشمله إطلاق المستفيضة الدالّة على اعتصام الكرّ ، وما دلّ على تحديده بالوزن بل والمساحة على وجه نشير إليه.

وذهب الراوندي إلى اعتبار ذلك فيه ، ولذا (3) ذكر حكاية الجمع بين الأبعاد. وكأنّهم من ذلك توهّموا ذهابه إلى النظافة (4) بالجمع بين الأبعاد في تحديد الكرّ من غير (5) اعتبار الضرب فألزموه باعتصام المياه القليلة إذا كان المجتمع من أبعاده بذلك المقدار.

وعبارته في شرح الجمل صريحة في خلافه ، وعدم خلافه للمشهور في بيان المقدار ، وإنّما خالفهم فيما ذكرناه.

ص: 142


1- في ( د ) : « بعضه ».
2- في ( ج ) : « بأمر ».
3- في ( د ) : « لذلك ».
4- في ( د ) : « انتفائه ».
5- لم ترد في ( د ) : « غير ».

وربّما يستفاد من المعالم أيضا ميله إلى اعتبار الإجماع.

واستشكل فيه في الحدائق (1) على ظاهر كلامهم. وكأنّ الوجه في اعتبار ذلك لإطلاق (2) الروايات الدالّة على تحديد (3) مساحة الكرّ.

وحملها على إرادة بيان المكسّر لا داعي إليه على أنّه مع الاجتماع يتقوّى الماء على النجاسة من جهة انتشارها فيه ، بخلاف ما لو انتشر الماء وتباعدت أجزاؤه.

وأنت خبير بأنّ ظواهر تلك الأخبار (4) ممّا لم يعرج (5) عليها أحد من الأصحاب ، فلا بدّ من حملها على إرادة التكثير كما فهموا - مضافا إلى ما عرفت من الإطلاقات وظاهر التحديد بالوزن - وأنّ المعتبر في الاعتصام هو بلوغ الماء قدر الكرّ ، وهو أعمّ من كونه على ذلك النحو المخصوص الملحوظ في الأبعاد على فرض تسليم ظهور الروايات فيه ، أو كونها بحيث لو جعل (6) في محلّ قليل (7) لذلك كان كذلك (8) ، فإطلاقها يعمّ جميع الوجوه.

هذا ، ثانيها : أنّه (9) هل يعتبر فيه استواء سطح الماء أو يعمّ صورة الاختلاف فيقوى الأسفل بالأعلى والأعلى بالأسفل بمجرّد اتّصال الماء؟

اختلفت فيه عبارات الأصحاب ، واضطربت فيه أقوالهم ؛ لخفاء مدرك الحكم وخلوّه عن النصّ. فظاهر ما ذهب إليه كثير من الأصحاب من اعتبار الدفعة في التطهير بالكرّ - كما سيجي ء - عدم تقوّي الأعلى بالأسفل وبالعكس إلّا مع اجتماع الماء عرفا واعتضاد بعضه

ص: 143


1- الحدائق الناضرة 1 / 276 - 275.
2- في ( د ) : « اطلاق ».
3- في ( ج ) : « تحديده الكرّ ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 415 ، ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 165 ، ح 1 و 2 و 4 و 5 و 6.
5- في ( د ) : « يصرّح ».
6- زيادة في ( د ) : « لا ».
7- في ( د ) : « قابل ».
8- لم ترد في ( ب ) : « كان كذلك ».
9- في ( د ) : « هذا وهل » بدل « ثانيها انه ».

ببعض ؛ إذ ذاك هو الوجه في اعتباره ، وهو التعليل المعروف له في كلامهم.

وقال في المعالم : إنّ اعتبار المساواة في الجملة ليس ببعيد ، ثمّ قال في مسألة التطهير بالكرّ : وحيث تقدّم منّا الميل إلى اعتبار المساواة فاعتبار الدفعة متعيّن.

وهو أيضا ظاهر من أطلق اعتبار الكثرة في مادّة الحمّام مع تسريته إلى غيره.

ومنهم المحقّق الكركي (1). وقد نصّ على اعتبار ذلك في غير صورة التساوي.

ومنهم من أطلق الحكم بالاعتصام مع اتّصال الماء فيقوى (2) كلّ من الأعلى والأسفل بالآخر مطلقا. وإليه ذهب في الروض (3). وجعله قضيّة إطلاق أكثر الأصحاب حيث لم يقيّدوا الكرّ (4) المجتمع بكون سطوحه مستوية أولا.

وظاهر إطلاقه عدم الفرق بين صورة التسنيم والانحدار كما حكى عنه صريحا في فوائد القواعد.

وتبعه في ذلك جماعة من المتأخّرين.

وهو قضيّة ما مرّ من تصريح جماعة بطهارة ما دون المتغيّر في الجاري مع (5) كريّته إذا قطع التغيير عمود الماء ؛ إذ هو بعد قطع العمود ينفصل عن حكم الجاري ، فيجري عليه أحكام الواقف.

ويعم ذلك أيضا صورتي الانحدار والتسنيم.

ويقتضيه أيضا إطلاق الدروس (6) والبيان (7) والموجز وغيرها بعدم (8) انفعال الجاري لا

ص: 144


1- جامع المقاصد 1 / 113.
2- في ( د ) : « فيتقوّى ».
3- روض الجنان : 135.
4- في ( د ) : « بالكرّ ».
5- لم ترد في ( ب ) : « مع كرّيته .. حكم الجاري ».
6- الدروس 1 / 119.
7- البيان : 44.
8- في ( د ) : « لعدم ».

عن مادّة بالملاقاة إذا كان بمقدار الكرّ ، ونجاسة الأسفل خاصّة إذا نقص عنه.

وقد يومي إليه إطلاق المعتبر (1) بالاكتفاء بكرية المجموع في الغديرين الموصول بينهما بساقية.

ومنهم من ذهب إلى تقوّي الأسفل بالأعلى أو (2) العكس. وهو ظاهر التذكرة (3).

وعليه أو على اعتبار المساواة مطلقا يبنى ما في الدروس (4) والبيان (5) والموجز من الحكم باتحاد القليل المتصل بالجاري معه (6) مع علوّ الجاري أو مساواته.

وذكر نحوه في الذكرى (7) وغيره في القليل المتصل بالكثير.

ولا يذهب عليك مدافعة ذلك لما حكيناه آنفا عن الدروس والبيان والموجز في الجاري لا عن المادّة.

ومنهم من فصّل بين صورتي التسنيم والانحدار ، فقال بحصول التقوّي من الطرفين في الثاني ، وعدم تقوي الأعلى بالأسفل في الأوّل.

واحتمله بعض المتأخرين. ويحتمله الجمع بين الحكمين المذكورين في الكتب المتقدّمة.

واحتمل بعضهم في الجمع بين عبائر من أطلق القول باعتبار الكرّية في مادّة الحمّام مع إطلاقه القول باتحاد الغديرين الموصول بينهما بساقية حمل الأوّل على صورة التسنيم وتخصيص الثاني بصورة الانحدار ، فيرجع إلى التفصيل المذكور لكن مع عدم تقوّي الأسفل بالأعلى أيضا في الصورة الأولى.

وتوضيح المرام أنّ الّذي يقتضيه الأصل في المقام عدم انفعال الماء بمجرّد بلوغ المتّصل

ص: 145


1- المعتبر 1 / 42.
2- في ( ج ) و ( د ) : « دون ».
3- التذكرة 1 / 4.
4- الدروس 1 / 119.
5- البيان : 44.
6- لم ترد في ( ب ) : « معه مع علوّ الجاري ».
7- الذكرى : 8 - 9.

منه حدّ الكرّ على جميع صوره ؛ لإطلاق ما دلّ على طهارة الماء وخصوص قوله عليه السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (1).

مضافا إلى استصحاب الطهارة السابقة.

وما دلّ على انفعال القليل لا يعمّ شيئا من هذه الصور ، ولا أقلّ من الشكّ في شموله ذلك. ولا يعارضه استصحاب حكم القلّة في القليل المتّصل كذلك بما يكمّله كرّا ؛ لمعارضته باستصحاب حكم الكرّ إذا طرا عليه ذلك. ولا قائل بالفصل ، فعلى كلّ من القولين لا بدّ من نقض أحد الاستصحابين.

وما يتخيّل - من دلالة أخبار الكرّ على اشتراط عدم انفعال الماء بشرط وجودي ، وهو غير معلوم الحصول في المقام ، فينفى بالأصل ويتفرّعه القول بالانفعال كما هو الوجه عند الشكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ - مدفوع بأنّ ذلك إنّما يتمّ عند تحقيق الشرط المفروض ، ثمّ الشكّ في حصوله كما في الفرض المذكور.

وأمّا مع الشكّ في أصل الشرط فلا ، بل العمومات تقضي بنفي الشرط (2) الزائد.

فمع الشكّ في صدق الكرّ مع الاختلاف في سطوح الماء كما في بعض صوره يبنى على الطهارة ؛ لرجوع ذلك إلى الشكّ في اعتبار ما يزيد على بلوغ الماء المتّصل حدا معلوما ، فيدفع بالأصل ، ويقتصر على اشتراط خصوص ما ثبت اعتباره.

مضافا إلى صدق اسم الكرّ مع صورة (3) اختلاف السطوح مع التسنيم والانحدار ، فتكون ذلك (4) الاطلاقات دليلا آخر عليه.

وما قد يقال - من أن عدم سريان النجاسة إلى الأعلى قاض بعدم سراية (5) (6) الطهارة إليه

ص: 146


1- الكافي 3 / 1 ، ح 2 و 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 216 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 134 ، ح 5.
2- في ( د ) : « اشتراط ».
3- في ( د ) : « صور » ، وفي ( ألف ) : « صوره ».
4- في ( د ) : « تلك ».
5- لم ترد في ( ب ) : « سراية الطهارة ... الحكم بعدم ».
6- في ( د ) : « اشتراط ».

أيضا لعدم الفرق بينهما وقد صرّح به في الروض (1) مع مبالغته في الحكم بعدم اعتبار الاستواء. وظاهر أنّ عدم سراية الطهارة إلى الأعلى ليس إلّا لعدم اعتصامه بما دونه ، وهو مقتض لانفعاله بالملاقاة ؛ إذ ليس عدم الانفعال إلّا لأجل الاعتصام - مدفوع بأنّه اعتبار محض لا دليل عليه.

بل ظاهر إطلاق الأخبار خلافه ؛ لصدق اسم الكرّ قطعا في بعض صورها كما إذا كان مقدار الكرّ من الماء المجتمع نازلا أو منحدرا.

ومع القول به في صورة اجتماع الماء وانضمام بعضه إلى بعض يثبت (2) في غيره أيضا ؛ لكشفه عن فساد الوجه المذكور ؛ إذ لا مقتضى سواه للتفرقة.

كيف ولو لا ذلك لزم الحكم بنجاسة الأنهار العظيمة المنحدرة بمجرّد قطعها عن المادّة بمجرّد ملاقاة النجاسة لأعلاها ، وهو ضروري الفساد.

وهذا من أقوى الشواهد على ما قلناه ، فلا ضير إذن في القول بحصول الاعتصام عن (3) الانفعال بمطلق الاتصال ، وإن لم يحصل به التطهير في بعض الوجوه من جهة قيام الإجماع (4) بالخصوص أو الشكّ في شمول أدلته أو لفهمه من عدم سراية (5) النجاسة بالفحوى كما سيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

والقول بالفرق بين حكمي الدفع والرفع ليس بمستطرف عندهم ؛ إذ قد اعتبر كثير منهم في تطهير المياه امتزاج المطهّر بها مع أنّه لا يعقل اعتباره في الاعتصام.

نعم ، قد يقال بعدم صدق اتحاد الماء مع اختلاف السطوح ، فلا يصدق معه البلوغ حدّ الكرّ المتفرّع على وحدة الماء. وكأنّ ذلك هو الوجه في القول الأوّل على ما يومي إليه بعض

ص: 147


1- روض الجنان : 136.
2- في ( د ) : « ثبت ».
3- في ( د ) : « من ».
4- في ( د ) زيادة : « عليه ».
5- في ( د ) : « سريان ».

كلماتهم.

ويضعّفه أنّ الظاهر اتّحاد المائين بمجرّد الاتّصال بل في كثير من صوره يقطع بالاتّحاد.

ولو شكّ فيه في بعض الصور فلا شكّ في عدم شمول أدلّة القليل لمثله (1). ولو فرض الشكّ فيه أيضا كفى في المقام ؛ لما عرفت من قضاء الأصل والعمومات فيه بالطهارة.

ولا يذهب عليك أنّه لا يصحّ للمفصّل الاستناد إلى الوجه المذكور كما قد يوهمه بعض العبائر ؛ إذ من الظاهر أنّه مع عدم صدق اتّحاد المائين يكون كلّ منهما في حكم المنفصل عن الآخر ، فلا يعقل الحكم بالاتّحاد من جانب دون (2) آخر.

نعم ، بعد القول بكون اللّاحق بمنزلة المنفصل عن السابق كما نصّ عليه بعضهم يمكن الاستناد في اعتصام السافل بالعالي بكون العالي مادّة له ؛ عملا بإطلاق ما دلّ على كونها عاصمة من التعليل الوارد في البئر ، وتعليق الحكم عليها في الحمّام المشعر بالعلّيّة.

ولذلك زعم بعض المحدّثين (3) تعميم الحكم ، فذهب إلى عدم انفعال القليل مع جريانه وملاقاة النجاسة لما عدا الأعلى منه ، وحكم بنجاسة الأعلى خاصّة إذا لاقاه النجاسة وإن كان أضعاف الكرّ ؛ لكونه بحكم المنفصل عمّا دونه ، فلا يتقوى به ولا يسري النجاسة منه إليه.

وأنت خبير بأنّ الوجه المذكور إنّما يتمّ مع كريّة السابق خاصّة ؛ لما مرّ في الحمّام من أنّه مع عدم اعتصام المادّة في نفسها لا يعقل اعتصام غيرها بها ، ولأنه المنساق منها في المواد البارزة.

والظاهر إطباقهم على اعتصام السافل به حينئذ ؛ إذ لم نجد مخالفا فيه مع تصريح جماعة قاطعين به.

وظاهر المعالم حكاية اتّفاقهم عليه ، فالوجه المذكور - إن تمّ - طريق آخر لاعتصام الماء لا دخل له بما هو محلّ الكلام من اعتصام السافل بالعالي في خصوص الكرّ.

على أن في اتفاقهم على ما ذكر تاييدا لما قلناه ؛ إذ مع الغضّ عن اتّحاد الماء وإجراء حكم

ص: 148


1- في ( ج ) : « بمثله ».
2- في ( ب ) : « أو ».
3- روض الجنان : 135 ؛ الحدائق الناضرة 1 / 243.

الكرّ على المجموع لا يظهر وجه للحكم سوى (1) رواية الحمّام وتعليل البئر.

ولا يخلو عن ضعف لعدم العموم في الأوّل. ولذا بنى جماعة هناك على تسرية حكمه بتطبيقه على القاعدة وظهور الثاني في الموارد الأرضية ، فتأمّل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : الظاهر أنّ موضع البحث في اعتبار استواء السطوح وعدمه فيها (2) إذا كان الاختلاف بتدافع الماء وجريانه ، و (3) أمّا مع سكونه واستقراره فلا يبعد خروجه عن محلّ الكلام ؛ لخروجه عن ظاهر كلماتهم في المقام وتصريحهم بطهارة الباقي من المتغيّر الكثير إذا كان كرّا من غير تفصيل بين كون غير المتغيّر منه بتساوي السطوح أو لا مع أنّ التغيّر في الغالب لا يسري على حدّ سواء.

مضافا إلى ما هو ظاهر المذهب من عدم اشتراط الاجتماع في الماء وضمّ بعضه إلى بعض كما عرفت.

وحينئذ فلا تأمّل في تقوّي الأعلى بالأسفل والأسفل بالأعلى ، وإن كان الماء ان متميّزين في الحسن (4) (5).

وفي بعض كلمات المتأخّرين ما يفيد تسرية الكلام إلى (6) ذلك أيضا ، وهو ضعيف.

نعم ، هناك كلام في تطهير الماء العالي كذلك بالسّافل. وسيأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 149


1- لفظة « سوى » من نسخة ( د ).
2- في ( د ) : « فيما ».
3- في ( د ) لم ترد : « و ».
4- في ( ب ) : « الحرّ ».
5- في ( د ) : « الحسّ ».
6- في ( د ) : « على ».

الثاني : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ حكم القليل المتّصل بالمعتصم من الكرّ أو الجاري أو الغيث حكمه في عدم الانفعال سواء تساوى سطحاهما أو اختلفا ، ويأتي على قول من لا يقول بتقوّي الأعلى بالأسفل عدمه هنا أيضا. ولو كان القليل أسفل ، فالظاهر عدم الخلاف في اعتصامه به كما عرفت من حكمهم.

الثالث (1) : المعروف من المذهب أنّ بلوغ الماء حدّ الكرّ باعث على العصمة من الانفعال بملاقاة النجاسة من غير فرق بين كون الماء في الغدران والقلبان (2) أو الأواني والحياض وغيرها.

وقد اشتهر حكاية الخلاف فيه عن المفيد رحمه اللّه في المقنعة (3) والديلمي في المراسم (4) ويستفاد ذلك أيضا من الشيخ رحمه اللّه في النهاية (5) في خصوص مياه الأواني حيث أطلق القول بانفعالها وفصّل في مياه الغدران بين الكرّ ودونه. والظاهر حملها على صورة القلّة ؛ إذ هو الغالب فيها بخلاف الغدران.

ولا يبعد أن يحمل عليه عبارة المقنعة والمراسم وإن صرّحا بنجاسته (6) مع الكثرة حملا للكثرة على العرفيّة دون الكرّية ؛ إذ اشتمال الآنية (7) على الكرّ في غاية الندرة.

وكذا الحياض المصفوفة (8) الّتي تسقى منها الدوابّ ونحوها. والحياض المعمولة في هذا الزمان غير معلوم الاشتهار في تلك الأعصار.

ص: 150


1- في ( د ) : « ثالثها ».
2- في ( ب ) : « القليبان ».
3- المقنعة : 64 - 66.
4- المراسم العلوية : 36.
5- النهاية : 3 - 4.
6- في ( ألف ) : « بنجاسية ».
7- في ( د ) : « الآية ».
8- في ( د ) : « المصنوعة ».

ويؤيّده أنّ الشيخ رحمه اللّه (1) في التهذيب عند شرحه للكلام المذكور حمله على القليل خاصّة ، ولذا استدلّ عليه بما دلّ على انفعال القليل ، وهو أعرف بمقصود شيخه.

وكيف كان ، فيدلّ على المشهور إطلاق روايات الكرّ.

ووقوع خصوص مياه الغدران في السؤال الوارد في بعضها لا يوجب انصراف الجواب إليه بالخصوص مع إطلاقه في نفسه.

ولو سلّم فغاية الأمر عدم دلالة تلك الرواية على العموم ، وهو لا ينافي دلالة غيرها عليه ؛ إذ ليس ذلك واردا في الجميع.

وفي رواية أبي بصير : « لا تشرب (2) سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (3) مضافا إلى الأصل والاستصحاب والعمومات ، مع عدم قيام دليل على خلافها.

واحتجّ المفيد (4) ومن تبعه بإطلاق ما دلّ على انفعال مياه الأواني من غير تفصيل بين القولين (5).

ويضعّفه (6) أنّه مع أخصّيته عن المدّعى معارض (7) بالإطلاق المتقدّم.

فغاية الأمر أن يكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، ومقتضاه الطهارة كما أنّها (8) مقتضى العمومات.

مضافا إلى أنّ الغالب في مياه الأواني القلّة ، فينصرف إليه الإطلاقات ؛ إذ هي مبنيّة على الغالب مع اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الطائفة بل اتفاق الكلمة عليه بعد أولئك الأجلّة إن

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 / 217.
2- زيادة في ( د ) : « من ».
3- التهذيب 1 / 226 ح 33 ؛ الإستبصار 1 / 20 ح 644 عن أبي بصير.
4- المقنعة : 64. وفي ( د ) : « للمفيد ».
5- في ( د ) : « القسمين ».
6- ليس في ( د ) : « أنه ».
7- في ( د ) : « أنه معارض ».
8- في ( د ) : « أنّ ».

ثبت خلافهم في المسألة.

الرابع (1) : لو شكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ بني على عدم بلوغه سواء علمت قلّته أو لا ، أو جهل الحال فيه لأصالة عدمه.

وتوضيح المقام أنّ الشكّ في كرّية الماء إمّا أن يكون ابتداء من أوّل الأمر أو بعد العلم بالكرّية بأن يشكّ في حصول النقيصة (2) أو مع العلم بحصولها في الجملة ، غير أنّه يشكّ في كونه مخرجا له عن الكريّة إمّا للشكّ (3) في مقدار أصل الماء أو الشكّ في مقدار النقيصة أو الشكّ فيهما أو بعد العلم بنقصانه عن الكرّ بأن يشكّ في تكميله ؛ أو يعلم به في الجملة ويشكّ في إيصاله إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار أصل الماء أو في قدر (4) المكمل أو فيهما ، فهذه وجوه المسألة :

أحدها : أن يكون الشكّ في الكرّية من أوّل الأمر.

والظاهر كما أشرنا إليه البناء على قلّته (5) وانفعاله بالملاقاة ؛ أخذا بأصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّية (6) (7).

وذهب جماعة من المتأخّرين إلى البناء على أصالة الطهارة ؛ إذ أصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّ معارضة بأصالة بقاء الطهارة ، فيبقى العمومات سليمة من (8) المعارض.

ويضعّفه أن أصالة الطهارة مغيّاة بقيام الدليل الشرعي على النجاسة ، وقد قام ثبوت (9) القلّة بالاستصحاب وقيام أدلّة القليل على انفعاله ، فليس هناك معارضة بين الأصلين.

ص: 152


1- في ( د ) : « رابعها ».
2- زيادة في ( د ) : « من أصلها ».
3- في ( ألف ) : « الشك ».
4- في ( د ) : « القدر ».
5- في ( د ) : « أقلّيته ».
6- لم يرد في : ( ب ) : « الكريّة وذهب .. البلوغ إلى حدّ ».
7- في ( د ) : « الكر ».
8- في ( د ) : « عن ».
9- في ( د ) : « لثبوت ».

وكذا الحال في عموم « كل ماء طاهر » (1) إن جعلناه (2) مغايرا للاستصحاب لكون الحكم فيه مغيّى بالعلم ، وهو حاصل من جهة قيام الدليل الشرعيّ.

وما يقال من أنّ العلم ظاهر في اليقين وهو غير حاصل بالاستصحاب ونحوه منقوض بحكمهم بالنجاسة قطعا من جهة قيام الدليل الشرعيّ على الحكم كالأدلّة القائمة على انفعال القليل أو نجاسة عرق الجنب من الحرام ونحوهما. والحال أنّ الأدلّة المذكورة لا يفيد اليقين في نفسها.

وأمّا انتهاؤها إلى اليقين للدليل القاطع على حجيّتها فهي قاضية بالعلم القطعي بالحكم ، فيجب البناء على مقتضاها في المقامين.

ولتفصيل الكلام في هذا المرام مقام آخر.

ثانيها : أن يكون الشكّ في طروّ نقص على الماء بعد العلم بكرّيته.

ولا شكّ إذن في البناء على أصالة البقاء على الكرّية مع اعتضادها بأصالة الطهارة والعمومات المذكورة. وهو مما لا كلام فيه.

ثالثها : أن يكون الشكّ في القدر الناقص إذا علم بنقصان شي ء منه ودار الأمر بين بلوغه إلى حدّ يوجب نقصه عن الكرّ وعدمه. والحكم فيه كسابقه ؛ لأصالة القلّة في القدر الناقص وأصالة الطهارة في الماء.

رابعها : أن يكون القدر الناقص معلوما ويكون الشكّ من جهة الشكّ في مقدار أصل الماء ، فيحتمل فيه البناء على أصالة القلة فيؤخذ بالقدر المتيقّن. ومعه يلزم الخروج عن الكرّية بالنقص المفروض.

ويشكل بأنّ الماء قد كان محكوما بكرّيّته قبل طروّ النقص ، فالأصل البقاء عليها إلى أن يعلم المخرج.

ص: 153


1- في ( ب ) زيادة : « .. إلى آخره ».
2- في ( ب ) : « جعلنا مغاير الاستصحاب ».

وفيه : أنّ المحكوم بكرّيته هو مجموع الماء بطروّ (1) النقص تغيّر (2) الموضوع إذ لم يحكم أولا بكريّة الباقي حتى يستصحب الحال.

ويدفعه أن ذلك ليس من استصحاب الحكم حتّى يتنازع فيه بتغيّر الموضوع بل هو من قبيل استصحاب نفس الموضوع فانّ الكرّ قد كان موجودا قبل النقيصة فالأصل بقاؤه بعدها حتّى يعلم الخلاف.

ومع الغضّ عن ذلك فتأخذ الحكم في المقام العصمة عن الانفعال ، فإنّ القدر الباقي قد كان معصوما من الانفعال قبل النقص ، فالأصل بقاؤه عليه بعده.

ويتوجّه عليه أنّ الأصل عدم الزيادة في مقدار الماء ، فلا يحكم بها إلّا على مقدار اليقين ، وحينئذ بعد العلم بحصول النقص المفروض يثبت القلّة أخذا بالأصل المذكور ، وهو حاكم عى أصالة بقاء الكر وأصالة بقاء العصمة ؛ إذ الحكم بهما مغيّى بحصول العلم بالقلة ، والمفروض أنّ الأصل المذكور دليل شرعي عليها من دون معارض يدفعه سيّما لو كان الماء قليلا في الأوّل فحصلت الزيادة شيئا فشيئا فشكّ في مقدار الماء الزائد ، خصوصا لو كان ذلك لاحتمال حصول الزيادة بعد الزيادة ، بل لا يبقى الشك (3) في مثله في الحكم بالقلّة.

مضافا إلى أنّه قد يناقش في كونه من استصحاب الأمر فيه إلى الشكّ في بقاء الكرّية مع اختلاف ما لو تعلّق به اليقين الأوّل قطعا ، كيف ولو قيل بكون استصحاب بقاء الكرّ من استصحاب الموضوع لكونه متعلّقا بجملة من الأحكام جرى مثله في كثير من موارد الاستصحاب.

وهو كما ترى.

خامسها : أن يعلم نقصانه من الكر أوّلا وقد زيد عليه ما يشكّ معها في البلوغ إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار الزائد أو في مقدار الماء أوّلا أو فيهما.

ص: 154


1- في ( د ) : « فيطّرد ».
2- في ( د ) : « بغير ».
3- في ( ج ) : « لا ينبغي التأمّل ».

وفيه الوجهان السابقان.

والأظهر ما قدّمناه من البناء على أصالة القلّة ، وجعله حاكما على أصالة الطهارة.

سادسها : أن يكون الشك في طروّ الكرّية ابتداء بعد العلم بالقلّة.

والظاهر حينئذ هو الحكم باستصحاب القلّة.

والحكم فيه أوضح من الوجوه المتقدّمة (1).

وقد يقال بمعارضته باستصحاب الطهارة فيرجع إلى أصالة الطهارة ، وهو ضعيف.

ص: 155


1- في ( د ) : « السابقة ».

تبصرة: [ في تقدير الكرّ بالوزن ]

للأصحاب في تقدير الكرّ (1) طريقان : أحدهما بالوزن ، والآخر بالمساحة.

والمعروف في الأوّل تحديده بألف ومأتي رطل بلا خلاف يظهر فيه.

وقد حكي الإجماع عليه في الانتصار (2) والناصريات (3) والغنية (4).

وعزاه في المعتبر (5) إلى الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه.

ونحوه ما في المهذّب البارع (6) حيث أسنده فيه إلى عمل الأصحاب.

وجعله الصدوق رحمه اللّه (7) من دين الإمامية (8).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك مرسلة ابن أبي عمير (9) الّتي هي عندهم بمنزلة الصحيح سيّما بعد اعتضادها بالعمل ، بل هي إذن أقوى من كثير من الصحاح. وعدّها في كشف (10) الرموز من أصحّ الروايات والأشهر منها في الباب.

ص: 156


1- مفتاح الكرامة 1 / 293 مقدار الماء الكرّ ، وانظر : كشف الرموز 1 / 47 ؛ الحدائق الناضرة 1 / 254 ؛ ذخيرة المعاد : 122.
2- الانتصار : 85.
3- الناصريات : 68.
4- الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 489.
5- المعتبر : كتاب الطهارة 1 / 47.
6- المهذّب البارع 1 / 81.
7- الأمالي : 514.
8- في المخطوطة : « الامامة ».
9- وسائل الشيعة 1 / 167 ، ح 1.
10- كشف الرموز : 1 / 47.

فالحكم المذكور ممّا لا ريب فيه.

واختلفوا في المقصود بالأرطال في المقام ، فالمشهور كما حكاه جماعة من الأصحاب (1) منهم الشهيد الثاني في الروض والروضة (2) وصاحب الذخيرة (3) والحدائق (4) وغيرهم - أنه الأرطال العراقية.

وحكى في كشف الرموز (5) عن الشيخ رحمه اللّه حكاية الإجماع عليه. قيل : ولم نعثر عليه في كتبه. وبه قال الشيخان والقاضي (6) والطوسي (7) والفاضلان (8) والشهيدان (9) وجمهور المتأخرين (10).

وعن الصدوقين (11) والسيد (12) أنّها مدنية (13).

وجعله في الغنية (14) أحوط.

ص: 157


1- مفتاح الكرامة 1 / 299 ؛ روض الجنان : كتاب الطهارة في المياه : 140 س 14 ؛ الروضة البهية : كتاب الطهارة مقدار الكر 1 / 255.
2- لم ترد في ( ب ) : « الروضة ».
3- ذخيرة المعاد : كتاب الطهارة : 122 س 15.
4- الحدائق الناضرة 1 / 254.
5- كشف الرموز 1 / 48.
6- مفتاح الكرامة 1 / 294 ، النهاية : كتاب الطهارة في المياه : 3 ، المقنعة : 64 ، وفي التهذيب للقاضي كتاب الطهارة : 1 / 21.
7- المبسوط 1 / 6.
8- شرائع الإسلام : 1 / 10 ؛ والمختصر النافع : 2 ؛ مختلف الشيعة : 1 / 185 ؛ نهاية الاحكام 1 / 233.
9- الروضة البهية : كتاب الطهارة 1 / 255 ؛ روض الجنان : 139 ؛ البيان : 44.
10- كشف اللثام 1 / 265 ؛ رياض المسائل 1 / 146 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 / 259.
11- مفتاح الكرامة 1 / 295 ؛ من لا يحضره الفقيه : باب المياه 1 / 6 ، ونقل عن أبيه في المختلف الشيعة : كتاب الطهارة في حد الكر 1 / 185.
12- الانتصار : كتاب الطهارة : 85.
13- في ( د ) : « مذهبه ».
14- الغنية : غنية النزوع ( الجوامع الفقهية ) : 489.

وحكى السيد (1) عليه الإجماع وقال : إنّه الذي دلّت عليه الآثار المعروفة المرويّة.

وعدّه الصدوق (2) من دين الإمامية (3).

والأقوى الأول. ويدلّ عليه أمور :

الأول : الأصل ، وعموم قوله عليه السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنه قذر » (4) ؛ إذ غاية الأمر حصول الشكّ في المراد بالأرطال لإجمالها واشتراكها بين الرطلين ، فيشكّ في نجاسة القدر الأقلّ بالملاقاة ، وقضية الأصل والعموم المذكور بقاؤه على الطهارة حتّى يتبيّن المخرج.

وقد يناقش فيهما بأنّ مقتضاهما الحكم بالطهارة مع الشكّ في ملاقاة النجاسة لا مع العلم بها ، والشكّ في الانفعال بالملاقاة أو في حكم الشرع نجاسة الملاقي كعرق الجنب من الحرام ، بل الواجب حينئذ هو الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة. وبعد العجز عن الترجيح مراعاة جانب الاحتياط.

والحاصل أنّ العمل بالعموم والأصل إنّما هو مع الشكّ في عروض القادح (5) لا في قدح العارض ، بل لا بدّ في النافي (6) من ملاحظة الدليل والبناء على ما يقتضيه.

ويشهد له أنّ مقتضى الأصل والعموم المذكورين هو البناء على الطهارة إلى أن يتبيّن الخلاف ، ويتّفق له القطع بطروّ النجاسة ، فلا يجب التجسّس والفحص عن حصولها. وهذا إنّما يتمّ في الأوّل دون الثاني ، للزوم التجسّس عن الدليل قطعا.

ويدفعه أنّ قضية إطلاق أدلّة الاستصحاب وظاهر العموم المذكور عدم الفرق بين الصورتين في صحّة الرجوع إلى الأمرين ، وتخصيصه بالأوّل خروج عن الظاهر من غير قيام حجة عليه كما فصّل ذلك في محلّه.

ص: 158


1- الانتصار : 85.
2- الامالي : 514.
3- في ألف : « الامامة ».
4- الكافي 3 / 1 ح 3.
5- في ( ج ) : « القادع ».
6- في ( د ) : « الثاني ».

وما ذكر من الفرق بين الصورتين في صحّة (1) الرجوع إلى الأمرين نظرا إلى عدم جواز البناء عليهما من دون الفحص في اثبات أصل الحكم ، لا يقضي بخروجه عنها ؛ إذ غاية الأمر تقييده لما دلّ على وجوب بذل الوسع على المجتهد بما يعدّ بذل الوسع لا بخروجه عن كلا التقديرين.

ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.

وما يقال : من أنّ قضية أخبار الكرّ كون الكرّية شرطا للاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة ، ومن المعلوم أنّها صفة وجوديّة ، فمع الشكّ في حصولها لا بدّ من نفيها بالأصل ويتبعه القول بالانفعال ، فقضية الأصل فيه على العكس ؛ فاسد إذ ذاك إنّما يتمّ مع العلم بمقدار الكرّ والشكّ في حصوله ؛ إذ الأصل فيه حينئذ عدم وصوله إلى ذلك المقدار.

وأمّا إذا تعلّق الشكّ بأصل مقداره فلا معنى لأصالة عدم كونه كرّا ؛ إذ من الواضح للأصل المذكور لموضوعات الألفاظ ومستعملاتها وتعيين المراد من المجملات (2). فغاية الأمر هو التوقّف ، ومعه يقدّم (3) للأصل المتقدّم حجّة على الطهارة.

وما يجاب عن الإيراد المذكور من أنّه كما يقال (4) بكون الكرّية شرطا للاعتصام بمقتضى منطوق روايات الكرّ كذا نقول بكون القلّة شرطا لانفعاله بمقتضى المفهوم فكما أنّ الشكّ في الشرط يوجب (5) الشكّ في المشروط في الأوّل فكذا في الثاني.

وحينئذ فالمرجع بعد تعارض الأصلين المذكورين إلى أصالة الطهارة في الماء المستفادة من العمومات وأصالة براءة الذمّة عن وجوب الاجتناب.

ويضعّفه أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان كلّ من الشرطين المذكورين وجوديّا ، وأمّا (6) مع كون

ص: 159


1- لم ترد في ( د ) : « في صحّة الرجوع إلى الأمرين ».
2- في ( د ) : « المحتملات ».
3- في ( د ) : « يقوم الأصل » ، بدل : « يقدّم للأصل ».
4- في ( ج ) : « يوهم ».
5- لم ترد في ( ج ) : « يوجب الشكّ في المشروط ».
6- لم يرد في ( ب ) : « وأمّا .. وجوديّا ».

أحدهما وجوديا والآخر عدميّا فلا يتّجه ذلك أصلا ؛ إذ قضية الأصل إذن (1) ثبوت ما يوافقه ، فيتعين العمل بمقتضاه كما هو الشأن في نظائر المقام ، فالصواب في الجواب هو ما قدّمناه.

بقي الإشكال في المقام في أمرين :

أحدهما : أنّ ما ذكر من الأصل وكذا العموم إنّما يتمّ إذا كان الماء المفروض منفصلا من الكثير وما بحكمه ، وأمّا إذا كان محكوما بقلّته أوّلا ثمّ زيد عليه ما جعله ألفا ومأتين بالعراقية ، فلا يجري فيه ذلك ، بل الأمر فيها بالعكس ؛ إذ (2) كان الماء قبل البلوغ إلى ذلك محكوما بانفعاله فمع الشكّ في زواله يبنى على أصالة بقائه ، ويكون ذلك حاكما على الأصل والعموم المذكور لكونه دليلا شرعيّا على الانفعال.

ثانيهما : أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنسبة إلى اعتصام الماء ، وأمّا تطهيره لما يلاقيه على نحو الكرّ بناء على الفرق بين الكرّ وغيره في ذلك فلا ؛ لأصالة بقاء الملاقي الوارد عليه على نجاسته ، فقضية الأصل البناء على كلّ من الأصلين في محلّه.

والحاصل : أنّ تطهير الماء لورود النجاسة عليه مشروط بالكرّية على القول المذكور ، ولا دليل على حصول الكرّية في المقام عليها شرعا ، والشكّ في (3) الشرط يوجب الشكّ في المشروط فلا يحكم به إلّا بعد قيام الدليل.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لا مقتضى (4) لاستصحاب الانفعال في المقام مع عدم جريان استصحاب القلّة كما عرفت ، فإنّه إذا لم يقم دليل شرعيّ على القلّة ولو من جهة الأصل لم يتّجه الحكم بالانفعال ؛ إذ هو مخالف للأصل والعموم ، فيقتصر فيه على مورد اليقين وغاية ما يثبت الحكم بانفعاله قبل الإكمال المفروض.

وأمّا بعده فاستصحاب عدم الانفعال قائم فيه ؛ إذ قضية الأصل والعموم عدمه إلّا فيما

ص: 160


1- في ( ألف ود ) : « أنّ ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- في ( ب ) : « و ».
4- في ( د ) : « معنى ».

يثبت خلافه والمفروض ثبوته قبل طروّ تلك الحالة لو لاقته نجاسة.

وأمّا مع عدم طروّ النجاسة عليه حينئذ و (1) وصوله إلى المقدار المذكور فقضية ما قلناه بقاء تلك الحالة.

واستصحاب قبول الانفعال غير متّجه بل الأمر بالعكس ؛ لقضاء الأصل والعموم بعدمه إلّا فيما دلّ الدليل عليه. وغاية ما دلّ عليه هو ما قبل الإكمال. وأمّا بعده فقضيّة الاستصحاب والعموم المذكور (2) البقاء على الطهارة.

والحاصل : أن الحكم بأصالة الانفعال بالملاقاة هو عكس ما اقتضاه الدليل من الأصل والعموم من البناء على عدمه.

نعم ، لو تفرّع الانفعال على صفة ثابتة في الأول وأمكن استصحابها تفرّع عليها الحكم بالانفعال ، وهو غير جار في محلّ الكلام ؛ لما عرفت من عدم جريان استصحاب القلّة في المقام ، فتأمّل.

وعن الثاني بأنّ الماء المفروض بعد ورود النجاسة عليه محكوما بطهارته شرعا ، فيكون مطهّرا ؛ إذا المانع من طهوريّة القليل على القول باعتبار الورود فيه انفعاله لملاقاة النجاسة ، فلا يطهر ما يلاقيه ؛ إذ غاية ما يثبت من الأدلّة طهوريّة الوارد دون المورود ، فحينئذ نقول : إنّ عمومات طهوريّة الماء كافية فيه.

وأمّا على القول بعدم الفرق بين الورودين في ذلك فالأمر واضح.

وفيه : أنّ بقاء الطهارة نظرا إلى الأصل لا يقضي بتطهيره لما يلاقيه على أي وجه كان.

نعم ، قضيّة بقاء الطهارة بالأصل تطهيره لما يلاقيه في الجملة لما (3) هو معلوم من أن تطهير النجس مع وروده على الماء مشروطا ببلوغه حدّ الكرّ ، فكيف يمكن الحكم بحصول الطهارة في المقام مع الشكّ في حصول الشرط ، فغاية الأمر حينئذ هو الحكم ببقاء الطهارة.

ص: 161


1- زيادة الواو من ( د ).
2- لم يرد في ( ب ) : « المذكور البقاء .. الأصل والعموم ».
3- لم ترد في ( ج ) : « لما ».

وأمّا طهوريّته على النحو المذكور بعد البناء على الاشتراط المفروض مع الشكّ في حصوله فممّا لا وجه له أصلا.

نعم ، إنّ ورود الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة عليها قضت أصالة البقاء على الطهارة بطهوريّتها حسب ما ذكر ، ولا يعارضه استصحاب النجاسة في الآخر ؛ لما هو معلوم من أن الحكم باستمراره مغيّى بالعلم بالمزيل بحسب الشرع ، وقد علم ذلك من تطهيره بما علمت طهارته بحكم الشرع.

كيف ولو صحّ تعارض الاستصحابين في المقام لما جاز التطهير بشي ء من المياه الّتي يثبت فيها الطهارة بالاستصحاب ، وهو خلاف إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين.

فظهر بذلك أنّ قضية الأصل في المقام جريان حكم (1) الكرّ في الماء المفروض بالنسبة إلى الاعتصام عن الانفعال وجريان حكم القليل فيه بالنسبة إلى كيفية التطهير ، لكن لا يبعد أن يقال : إنّه بعد الحكم بطهوريّة الماء المفروض لا بدّ من الحكم بتطهيره لما يلاقيه ، ولو على الوجه المفروض ؛ لصدق اسم الغسل بالماء الطاهر ، وإنّما لا (2) يطهر بالورود عليه بناء على القول المذكور من جهة انفعال القليل بالملاقاة فيتنجّس به الماء من دون أن يقتضي بالتطهير ، ومع عدم انفعاله في ظاهر الشرع لا وجه لعدم الحكم مع القلّة بطهوريته على الوجه المذكور ، فالأظهر قضاء الأصل في المقامين بالطهارة والطهوريّة ، وهو مفاد الكرّية.

الثاني : إن « الأرطال » في الرواية المتقدمة (3) الّتي هي الأصل في المسألة محمولة على الأرطال العراقية تقديما لعرف الراوي على المرويّ عنه. والرواية وإن كانت مرسلة إلّا أنّ الظاهر كون الراوي عراقيا ؛ إذ غالب الرواة من أهل العراق ، والمرسل هو ابن أبي عمير ، وعمدة مشايخه من العراقيين.

مضافا إلى أنّ المستفاد من غير واحد من الأخبار اشتهار الأرطال العراقيّة في ذلك

ص: 162


1- لم يرد في ( ب ) : « حكم الكرّ .. وجريان ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لا ».
3- وسائل الشيعة 1 / 167 ، ح 1.

العصر ، فربّما ينصرف الإطلاق إليها ، فقد ورد في بعض الأخبار تفسير الأرطال المطلقة بأرطال مكيال العراق وفسّر الصاع في بعض الروايات بتسعة أرطال ، ويراد (1) به العراقي قطعا.

ويؤيّده أيضا فهم معظم الأصحاب منه ذلك واشتهار الحكم به بينهم ، فإنّ القول بإرادة المدني فيها لم يظهر إلّا من المذكورين. والمعروف بين من تأخّر (2) عنهم هو العراقيّة بلا خلاف يعرف بينهم سوى بعض متأخري المتأخرين كما أشرنا إليه لوجه ضعيف سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث : ما في صحيحة محمّد بن مسلم من أنّ الكرّ ستمائة رطل (3) بحمل الرطل فيها على المكّي الّذي هو ضعف العراقي لكون الراوي لها من حوالي مكّة ولعدم ظهور القائل به من الأصحاب لو لا حملها عليه وإلا لزم طرحها ، وللجمع بينها وبين الرواية المتقدّمة فيكشف كلّ منهما عمّا هو المراد بالآخر.

وربّما يشهد له أنه قد روى ابن أبي عمير أيضا بطريق فيه إرسال عن الصادق عليه السلام إنّ الكرّ ستمائة رطل (4). فتعيّن الوجه المذكور للجمع بين روايته (5).

بل احتمل بعضهم اتحاد الروايتين بل يحتمل اتحاد الروايات الثلاث على أن يكون روايته الثانية هو رواية محمّد بن مسلم ويكون ما في روايته الأولى نقلا لذلك بالمعنى على حسب ما هو المتعارف بينهم في الأرطال.

* * *

ص: 163


1- في ( ب ) : « ومراد ».
2- في ( ألف ) : « متأخّر » ، بدل : « من تأخّر ».
3- وسائل الشيعة 1 / 168 ، ح 3.
4- وسائل الشيعة 1 / 168 ، ح 2.
5- في ( د ) : « روايتيه ».

حجة القول الآخر أمران :

أحدهما : حمل الرطل في الحديث المتقدّم على الرطل المدني ؛ ترجيحا لعرف المروي عنه.

ثانيهما : الاحتياط.

ويظهر من السيد في الانتصار ورود روايات به وقيام إجماع الفرقة عليه حيث قال بعد ذكر تحديده بألف ومأتي رطل : أمّا المدني (1) في مقابلة تحديد (2) ابن حيّ بثلاثة آلاف رطل ، إن تحديدنا بالأرطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حيّ (3) ؛ لأنّا عوّلنا في ذلك على آثار معروفة مرويّة ، وإجماع الفرقة قد دلّ الدليل على أنّ فيهم الحجّة وابن (4) حي لا يدرى كيف حدّده بثلاثة آلاف رطل وعلى ما ذا اعتمد (5)؟!

ودفع الأوّل ظاهر ممّا (6) قرّرنا ، فلا حاجة إلى إعادته. والاحتياط لا يقوم حجّة شرعيّة.

وذكر صاحب الحدائق (7) : إنّ التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الأخبار الواردة في الكرّ القائلة بأنّه « إذا بلغ الماء كرّا لم ينجّسه شي ء » دالّة بمنطوقها (8) على أنّه مع العلم ببلوغ الكرّية لا ينجسه شي ء ، وبمفهومها - الّذي هو حجّة صريحة صحيحة - على أنّه مع العلم بعدم بلوغه كرا ينجس بالملاقاة تعلّق الحكم بنجاسة ذلك الماء على العلم ببلوغه كرا. ومقتضى هذين التعليقين. ومقتضى الاخبار الدالّة على وجوب التوقّف ، التوقّف عن الحكمين والوقوف على جادة الاحتياط في العمل.

ص: 164


1- في ( د ) : « بالمدنيّ » ، بدل : « أمّا المدنيّ ».
2- في ( ج ) : « تحديده الجاجي » ، بدل : « تحديد ابن حيّ ».
3- في ( ج ) : « الحاحى » ، بدل : « ابن حيّ ».
4- في ( ج ) : « فهم الحجة والحاحي ».
5- الانتصار : 85.
6- في غير ( د ) : « ما ».
7- الحدائق الناضرة : 1 / 260.
8- في ( د ) : « أيضا » ، بدل : « بمنطوقها ».

قولهم : الاحتياط ليس بدليل شرعيّ ، على إطلاقه ممنوع ؛ لما عرفت في المقدمة الرابعة من أن الاحتياط في مثل هذه الصورة من الأدلّة الشرعيّة. انتهى.

ويرد عليه ، أمّا أوّلا : فبأنّ ما ذكره من وجوب الاحتياط في المقام فاسد ، بل مقتضى الأصل والعموم هو المتّبع حتى يقوم دليل على تنجسه بملاقاة النجاسة حسبما مرّ الكلام فيه.

وتفصيل الكلام في ذلك في الأصول.

وأمّا ثانياً : فبأنّ أخذ العلم في المنطوق والمفهوم غير متّجه في المقام لإناطة الحكم في الرواية بالواقع دون العلم. وقد ذكر في الحاشية في وجه التّقييد به أنّ مناط الحكم بالطهارة والنجاسة هو علم المكلّف به لا مجرّد كونه كذلك في الواقع. وأحال ذلك إلى ما قرّرنا في مقدّمات الكتاب من بيان ذلك.

ويدفعه أنّ ما أنيط به الحكم المذكور هو العلم الشرعيّ سيّما بالنسبة إلى ما نحن فيه حيث إنّ الكلام في ثبوت الحكم الشرعي دون موضوعه. ومن البيّن أنّ العلم القطعي غير معتبر في المقام وإلّا لما اكتفى في الحكم بتنجّس الماء بملاقاة ما دلّ الدليل الشرعي على نجاسة من النجاسات العينيّة أو المتنجسات إذا لم يفد العلم القطعي بنجاسة الواقعي. وهو فاسد عنده قطعا بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه أصلا فكذا الحال في المقام.

وقد عرفت قضاء الأصل والعمومات بطهارة الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة ، فيكون كرّا ؛ إذ ليس المراد به إلّا ما يقتضي عصمة الماء من الانفعال بالملاقاة.

وأمّا ثالثاً : فبان قضيّة ما ذكره أخذ العلم في مفهوم النجاسة دون الطهارة ، فلا وجه لاعتبار التقييد المذكور في جانب الطهارة أيضا ؛ فإنّ النجس - بناء على ما قرّره - هو ما علم نجاسته ، والطاهر ما لم (1) يعلم نجاسته. وقضية ذلك الحكم بالطهارة في المقام.

ثمّ إنّ ما يستفاد من كلام السيّد (2) من دلالة الروايات عليه فممّا لا نقف (3) عليه في الروايات

ص: 165


1- في ( ب ) : « والظاهر ما لم » ، ولا توجد « لم » في ( ألف ).
2- الانتصار : 85.
3- في ( د ) : « لم يقف » ، بدل : « لا نقف ».

الواصلة إلينا ، ولا أشار إليه أحد من علمائنا. وكأنّه مبني على حمل اللفظ على عرف المتكلّم فيرجع إلى الوجه الأوّل.

وما ادّعاه من الإجماع (1) على فرض صرفه إلى الخصوصيّة المذكورة أيضا دون أصل المقدار في مقابلة ما ذكره ابن حي ، موهون بمصير المعظم على خلافه كما عرفت.

هذا ، واعلم أنّ المشهور في مقدار الرطل أنّه مائة وثلاثون درهما فيكون بالمثاقيل الشرعيّة أحدا وتسعين مثقالا. وذهب العلامة رحمه اللّه في بحث نصاب الغلات من التحرير والمنتهى أنّه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، فيكون تسعين مثقالا شرعيا. وهو محكيّ عن أحمد بن علي - وهو من العامة - في كتاب الحاوي.

والأظهر هو الأوّل.

ويدلّ عليه الشهرة العظيمة المعلومة من مذهب الأصحاب ، والمنقولة في كلام جماعة بل لا يعرف مخالف فيه سوى العلامة رحمه اللّه في خصوص ما ذكر من كتابيه. وهو موافق للمشهور في غيرهما.

وفي (2) مثل هذه المسألة يكتفى فيه بمطلق المظنّة (3) فإنّها من قبيل الموضوعات اللفظيّة.

ويمكن الاحتجاج عليه أيضا بما رواه الشيخان رحمهما اللّه في الكافي والتهذيب عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي : جعلت فداك! إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع ، بعضهم يقولون الفطرة (4) بصاع المدني وبعضهم يقولون بصاع العراقي ، فكتب إليّ : « إنّ الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي » ، قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة ، فيكون كلّ رطل بالعراقي مائة وثلاثين وزنة (5).

ص: 166


1- في ( ألف ) : « الإجمال ».
2- لم ترد في ( د ) : « في ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « الظنّ ».
4- لم يرد في ( ب ) : « الفطرة بصاع المدني وبعضهم يقولون ».
5- الكافي 4 / 172 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 84 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة 9 / 340 ، ح 1.

والظاهر أنّه يريد بالوزنة مقدار الدرهم. ونشير إليه أنّه روى الصدوق رحمه اللّه هذا الخبر بعينه في العيون (1) وذكر الدرهم بدل الوزنة.

وهذه التتمة يحتمل أن يكون من المكاتبة (2) بحمل الإخبار على (3) الإخبار في الكتابة.

ويحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه السلام بإخباره إيّاه بلا واسطة أو بإخبار أبيه عنه حيث إنّه الواسطة.

ويحتمل أن يكون من كلام جعفر ، فيكون الإخبار منه لمن روى عنه ، وعلى الأخير (4) الآخر لا تكون رواية لكنّه في مقام (5) لا يبعد التعويل عليه.

وفي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني أنه قال : اختلفت (6) الرواية في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام صاحب العسكر أسأله عن ذلك ، فكتب : (7) « الفطرة صاع من قوت بلدك .. » إلى أن قال : « تدفعه وزنا ستة أرطال رطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما » (8) فيكون الرطل العراقي مائة وثلاثين لما دلّ من المستفيضة على (9) كون العراقي ثلثي المدني.

وما في الخبرين المذكورين (10) من ضعف في الإسناد مجبور بالشهرة العظيمة ، فالقول المذكور من العلامة رحمه اللّه ضعيف جدا.

ثم إنّ كلّ درهم نصف مثقال وخمساه فكلّ عشرة دراهم سبع مثاقيل شرعية ، وكلّ

ص: 167


1- عيون أخبار الرضا 2 / 276 ، ح 73.
2- في ( ألف ) : « الكانية ».
3- لم يرد في ( ب ) و ( ج ) : « على الأخبار ».
4- في ( ب ) : « من الآخر ».
5- في ( د ) : « مثل المقام » ، بدل : « مقام » ، وهو أظهر.
6- في غير ( د ) : « اختلف ».
7- زيادة في ( د ) : « أنّ ».
8- تهذيب الأحكام 4 / 79 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 9 / 244 ، ح 2.
9- في ( د ) : « في » ، بدل « على ».
10- في ( د ) : « المزبورين ».

مثقال منها زنة (1) دينار ، والدينار ممّا لم يختلف وزنه عمّا كانت عليه في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من غير خلاف فيه يعرف.

وقد حكي اتفاق (2) الخاصة والعامة عليه ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصير في حسب ما نصّوا عليه.

وأمّا الدرهم فقد اختلف الحال (3) فيه. و (4) ذكر جماعة أنّ الدرهم في صدر الإسلام كان نوعين : أحدهما كان وزنه ثمانية دوانيق ، وهي البقليّة (5) ، والآخر نصفه أربع دوانيق ، وهي الطبرية ، فجمعا (6) في الإسلام واخذ (7) نصف المجموع ، فاستقر أمر الدرهم على ستّة دوانيق ، وهو المقصود في المقام.

ص: 168


1- في ( د ) : « مائة » ، بدل « زنة ».
2- في ( ب ) : « عن اتفاق ».
3- مفتاح الكرامة 2 / 106 - 108.
4- زيادة في ( د ) : « قد ».
5- في ( د ) : « البغلية ».
6- في ( د ) : « مجمعا ».
7- في ( د ) : « واحدا لنصف » ، بدل « اخذ نصف ».

تبصرة: [ في تقدير الكر بالمساحة ]

اشارة

الطريق الثاني : تقديره بالمساحة.

وقد اختلف فيه كلام الأصحاب على أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه الأكثر من تحديده بما يبلغ بمكسّره (1) اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر. ذهب إليه جماعة من القدماء والمتأخرين منهم الصدوق (2) في الهداية - وجعله في الأمالي رواية كما سيجي ء الإشارة إلى كلامه رحمه اللّه - والشيخ في النهاية (3) والمبسوط (4) والطوسي والحلي (5) وابن زهرة (6) والفاضلين والشهيد (7) - في متونه الأربعة - والسيوري والمحقق الكركي (8) - في عدّة من كتبه - وصاحب المعالم.

وحكي القول به عن السيد (9) والقاضي (10).

ص: 169


1- في ( ج ) : « بكسره ».
2- الهداية : 68 ونصه : والكر ثلاثة أشبار طول ، في عرض ثلاثة أشبار ، في عمق ثلاثة أشبار ، لكن في بعض نسخ : ثلاثة أشبار ونصف طول ...
3- النهاية : 5 ، ونصه : حد الكر ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا.
4- المبسوط 1 / 6.
5- المحقق الحلي في شرايع الإسلام 1 / 10 ، والعلامة الحلي في مختلف الشيعة 1 / 184.
6- غنية النزوع : 45.
7- الدروس 1 / 117 ، والذكرى : 8 ، والشهيد الثاني في مسالك الإفهام 1 / 15.
8- جامع المقاصد 1 / 116.
9- مدارك الأحكام 1 / 49.
10- المهذب لابن البراج 1 / 21.

وفي الغنية (1) حكاية الإجماع عليه.

وقال في المعتبر (2) : لا تصغ إلى من يدعي الإجماع هنا ؛ فإنّه يدّعي (3) الإجماع في محلّ الخلاف.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلامهم جدّا حكاها الفاضل (4) والشهيدان (5) وأصحاب المدارك (6) والمعالم والذخيرة (7) والمشارق (8) والبحار (9) والحدائق (10) وغيرهم.

وعزاه الطريحي (11) في مجمع البحرين إلى جمهور متأخري الأصحاب.

والمحقق الأردبيلي (12) أنكر الشهرة في المقام (13) ، ولا تقلّد فإنّ الشهرة لا أصل لها.

ثانيها : ما يبلغ مكسّره سبعة وعشرين شبرا.

اختاره الصدوق في الفقيه (14) والمقنع (15) والمحقق في المعتبر (16) ميلا إليه والعلّامة رحمه اللّه في

ص: 170


1- غنية النزوع : 46.
2- المعتبر 1 / 46.
3- في ( د ) : « مدّعى ».
4- كشف اللثام 1 / 266.
5- الذكرى : 8 ؛ شرح اللمعة 1 / 255 - 257.
6- مدارك الأحكام 1 / 49.
7- ذخيرة المعاد 1 / 122.
8- مشارق الشموس 1 / 197.
9- بحار الأنوار 77 / 19.
10- الحدائق الناضرة 1 / 261.
11- مجمع البحرين 4 / 31.
12- مجمع الفائدة 1 / 260.
13- زيادة في ( د ) : « قال ».
14- من لا يحضره الفقيه 1 / 6.
15- المقنع : 31.
16- المعتبر 1 / 46.

المختلف (1) إليه (2) والشهيد الثاني (3) في الروض والروضة.

واختار (4) جماعة من المتأخرين (5) منهم المحقق الأردبيلي وشيخنا البهائي والفاضلان المجلسيّان وشارح الدروس.

وعزاه في كشف الرموز (6) إلى والد الصدوق ، وفي السرائر (7) إلى القمّيين.

ثالثها : ما بلغ مكسّره ستّا وثلاثين شبرا. مال إليه في المعتبر ، واختاره صاحب المدارك (8).

وجزم الفاضل المجلسي (9) في شرح الفقيه ببلوغه حدّ الكرّ.

رابعها : ما يبلغ أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (10) جمعا. حكاه العلّامة (11) رحمه اللّه عن القطب الراوندي ، وقد اشتهرت نسبة ذلك إليه بعده. وكأنّها مأخوذ (12) منه.

وفي كشف اللثام (13) أنه اكتفى القطب الراوندي في حلّ (14) المعقود (15) من الجمل والعقود بجميع المقادير الثلاثة.

ص: 171


1- مختلف الشيعة 1 / 184.
2- لم ترد في ( د ) : « إليه ».
3- شرح اللمعة 1 / 257 ؛ روض الجنان : 140 - 141.
4- في ( د ) : « اختاره ».
5- مجمع الفائدة 1 / 260 ؛ وشيخنا البهائي في مشرق الشمسين : 375.
6- كشف الرموز 1 / 47.
7- السرائر 1 / 60.
8- مدارك الأحكام 1 / 49.
9- من لا يحضره الفقيه 1 / 6.
10- في ( د ) : « أيضا » ، بدل « ونصفا ».
11- مختلف الشيعة 1 / 184.
12- في ( د ) : « مأخوذة ».
13- كشف اللثام 1 / 267.
14- في ( د ) : « جمل ».
15- في ( د ) : « العقود ».

وعليه فقد يكون الكرّ ما هو المشهور بين الأصحاب إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، وقد يكون مقدار كأس من ماء إذا وضع في أنبوبة يكون طوله عشرة أشبار ونصفا إلا عرض إصبع ، ويكون كلّ من عرضه وعمقه نصف إصبع.

وقد أورد عليه بأنّ صدور مثل هذا التحديد العظيم الاختلاف لا يخلو من غرابة.

قلت : وأغرب من ذلك التزام اختلاف حال الماء على الوجه المسطور بحسب اختلاف أشكاله وظروفه.

قال شيخنا البهائي (1) : انّ الّذي يظهر أنّ مراد القطب رحمه اللّه أنّ الكرّ هو الّذي لو تساوت أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار ونصفا. وحينئذ ينطبق كلامه على (2) المذهب المشهور.

وهذا التوجيه ممّا لا شاهد عليه في كلامه سوى الاستبعاد المذكور ، فحمل كلامه عليه رجم بالغيب.

والصواب أنّ ذلك كلّه مبنيّ على الغفلة في النقل ؛ فإنّه وإن قال في المقام بالجمع بين الأبعاد إلّا أنّه نصّ أيضا على اعتباره (3) تقارب أجزاء الكر حسب ما مرّت الإشارة إليه ليرجع (4) ما ذكره إلى المشهور بعد إرادة كون كلّ من أبعاده ثلاثة أشبار ونصفا على ما هو ببالي من كلامه.

خامسها : ما يبلغ مكسّره نحوا من مائة شبر. حكاه (5) العلّامة وغيره عن الإسكافي.

سادسها : ما حكي عن السيّد علي بن طاوس (6) رحمه اللّه من الاكتفاء بكلّ ما روي ، واستقر به

ص: 172


1- الحبل المتين : 108.
2- لم يرد في ( ب ) : « على المذهب .. ، فحمل كلامه ».
3- في ( ب ) و ( ج ) : « اعتبار ».
4- في ( د ) : « فمرجع ».
5- نسبه الى ابن الجنيد في مختلف الشيعة 1 / 183 ؛ جامع المقاصد 1 / 117 ؛ مفتاح الكرامة 1 / 301.
6- مدارك الأحكام 1 / 52.

شيخنا الحر في الوسائل (1).

وفي المدارك (2) أنّه لا بأس به إذا صحّ السند.

وربّما يظهر من جماعة التوقف في المقام حيث لم يرجّحوا شيئا بعد ذكر المسألة كابن فهد في المهذب البارع والصيمري في غاية المرام وصاحب الذخيرة.

ويحكى عن الشلمغاني تقديره بما لا يتحرك جنباه لو ألقي حجر في وسطه. قال الشهيد رحمه اللّه : وهو خلاف الإجماع (3).

قلت : قد ذكر في كتاب الفقه الرضوي (4) ما يوافقه ، ففيه : « وكلّ غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات ».

والعلّامة رحمه اللّه في ذلك أن يؤخذ بحجر فيرمى به في وسطه ، فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكر وإن لم يبلغ فهو كرّ لا ينجسه شي ء إلّا أن يكون فيه الجيف فيتغيّر لونه وطعمه ورائحته. انتهى.

والفتاوى والنصوص منطبقة (5) على خلافه ، فلا معوّل عليه مع ما فيه من الضعف ، وقد يكون ذلك من دين الملاحدة لو ثبت صحة ذلك الكتاب في الجملة ، فإنّ الشلمغاني منهم.

والمعوّل عليه من هذه الأقوال هو القولان الأوّلان.

وأمّا باقي الأقوال فموهونة كما سنبيّن الحال فيها ، فلنفصّل القول في أدلّتهما :

أمّا القول الأول فاستدلّ عليه :

بالأصل نظرا إلى أنّ الكريّة شرط في اعتصام الماء ، فمع الشكّ في حصوله يبنى على عدمه حتّى يقوم دليل شرعي على ثبوته.

ص: 173


1- وسائل الشيعة 1 / 167.
2- مدارك الأحكام 1 / 52.
3- الذكرى : 9.
4- فقه الرضا عليه السلام : 91.
5- في ( د ) : « مطبقة ».

وبالإجماع المحكيّ عن الغنية المؤيّد بالشهرة المستفيض النقل في كلام جماعة من الأجلة كما عرفت.

وعدّة من الروايات :

منها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره؟

قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء » (1).

وهذه الرواية أوضح أخبار هذا القول سندا.

وعن صاحب العوالي (2) أن رواية أبي بصير هذا من المشاهير.

ومنها : ما رواه في المهذب البارع (3) مرسلا عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في طوله ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عرضه ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عمقه في الأرض فذلك الكرّ ».

ويحتمل أن يكون ذلك عين الخبر الأوّل ويكون الاختلاف الحاصل فيه من اختلاف النسخ ، و (4) دلالته على المدّعى حينئذ (5) ظاهرة.

ومنها : ما رواه في التهذيب بإسناده عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كان الماء في الركى كرّا لم ينجسه شي ء ». قلت : وكم الكرّ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها » (6).

ورواه الشيخ في الاستبصار في حكم الآبار مصرّحا بذكر الأبعاد الثلاثة ، وفيها : قلت : وكم الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار

ص: 174


1- الكافي 2 / 3 ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 42 ، ح 55 ؛ وسائل الشيعة 1 / 166 ، ح 6.
2- في هامش عوالى اللئالي 3 / 11.
3- المهذب البارع 1 / 82 ، وليس فيه من قوله : « طوله » إلى « ونصفا في عرضه و ».
4- في ( ب ) زيادة : « لا ».
5- في ( ألف ) : « في حينئذ ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، باب المياه واحكامها ح 1.

ونصف عرضها » (1).

ومنها : مرسلة الأمالي (2) حيث قال : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار ونصف في طول وفي عرض وفي عمق. ويمكن أن يكون إشارة إلى أحد الخبرين المذكورين. وينجبر ما فيها من الضعف في الدلالة أو الإسناد بانضمام بعضها إلى البعض ، وباعتضادها بالشّهرة بين الأصحاب والإجماع المنقول بل الأصل في وجه.

ويرد على الأوّل أن قضيّة الأصل طهارة الماء إلى أن يعلم نجاسته ، ولا علم بالنجاسة مع نقصانه عن القدر المذكور بما لا ينقص عن كرّ القميين.

وقد مرّ تفصيل القول في ذلك في التقدير الأوّل.

وعلى الثاني أن الإجماع المذكور موهون بمصير كثير من الأصحاب إلى خلافه سيّما القمّيين المتقاربين (3) لأعصارهم بل المعاصرين لهم عليهم السلام الآخذين بمضامين الروايات الواردة منهم عليهم السلام.

وقد أنكر المحقّق رحمه اللّه (4) دعوى الإجماع في المقام كما مرّت الإشارة إليه ، وقد عرفت مناقشة المحقّق الأردبيلي (5) في قيام الشهرة عليه فكيف بالإجماع.

وعلى الثالث أمّا على الموثقة فتارة بالمناقشة في إسنادها من جهة اشتمالها على عثمان بن عيسى ، وهو غير مصرّح عليه بالتوثيق ؛ مضافا إلى وقفه وسخط الإمام عليه السلام عليه. وحكاية توبته غير ثابتة (6).

وعلى أبي بصير المشترك بين جماعة ، وفيهم بعض المجاهيل ، وقد طعن على بعضهم

ص: 175


1- الإستبصار 1 / 33 ، ح 9.
2- عبارة المرسلة هكذا : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا ؛ الأمالي : 744.
3- في ( د ) : « المقاربين لأعصار الشيخ » بدل « المتقاربين لأعصارهم ».
4- المعتبر 1 / 46 و 47.
5- مجمع الفائدة 1 / 261.
6- انظر عن عثمان بن عيسى ومدى توثيقه وحكاية توبته : رجال النجاشي : 300.

بالوقف.

وأخرى بالمناقشة في دلالتها لعدم اشتمالها على تحديد الأبعاد الثلاثة.

فقد يقال حينئذ بترك ذكر العرض بكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف » بدلا عن مثله ، وقوله « في عمقه » متعلّقا بعامل مقدّر يقدّر حالا عن « ثلاثة أشبار ونصف » فلا يكون العرض مذكورا من أصله.

وقد يقال بترك بيان مقدار العمق بأن يكون قوله « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف » بيانا لمقداري الطول والعرض ، ويكون قوله « في عمقه » إشارة إلى ضرب ذلك في عمق الماء من دون بيان لمقداره.

ويمكن دفع الأول إما من جهة عثمان بن عيسى فيما تقرّر في محلّه من توثيقه بوجوه شتّى ، فغاية الأمر أن تكون الرواية (1) موثقة بل يحتمل عدّه من الصحاح إن قيل بثبوت توبته كما يومي إليه بعض الشواهد.

وكيف كان فلا ريب في مقبولية أخباره وربّما يعدّ خبره موثقا كالصحيح.

وإمّا من جهة أبي بصير فيما تقرّر في الرجال من اشتراك أبي بصير بين رجلين ثقتين لا ريب في شأنهما (2) سيما إذا كان راويا عن الصادق عليه السلام ، فالمناقشة فيها من جهة السند في غاية الوهن.

ودفع الثاني بوجهين :

أحدهما : أن ترك البعد الثالث لا يمنع من صحة الاحتجاج إمّا لظهوره بالمقايسة ؛ إذ لو كان أقل أو أكثر لأشار إليه في مقام البيان أو لأنّ المتعارف في مثله التعبير بالبعدين ، ويراد به الأبعاد الثلاث كما إذا قيل إنّ هذا الحوض كم في كم؟ فيقال : ثلاث في ثلاث ، ويراد به أنّ كلّا من أبعاده ثلاث أو لأنّه بعد ثبوت كون كلّ من بعديه ثلاثا ونصفا يتعيّن ذلك في بعده الآخر

ص: 176


1- زيادة في ( د ) : « عنهم عليهم السلام ».
2- لا حظ عن أبي بصير المشترك كتب الرجال منها : اختيار معرفة الرجال 1 / 397 ، سماء المقال في علم الرجال 1 / 318.

لعدم القول بالفصل.

ثانيهما : تفسير الرواية على وجه يشتمل على بيان الأبعاد الثلاث ، ويقرّر ذلك بوجوه :

منها : ما أشار إليه شيخنا البهائي (1) رحمه اللّه من الحكم بعود الضمير في قوله « في مثله » إلى ما دلّ عليه قوله « ثلاثة أشبار ونصفا » أي في مثل ذلك المقدار ، فيدلّ على بيان مقدار كلّ من الطول والعرض ، ويكون الضمير في قوله « في عمقه » عائدا إلى ذلك المقدار أيضا بقرينة عود ضمير « مثله » إليه. ورجوعه إلى الماء ممّا لا محصّل له مع ما فيه من التفكيك.

ومنها : ما أشار اليه رحمه اللّه (2) أيضا من جعل قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » منصوبا على أنه خبر ثان ل- « كان » ، لا مجرورا بالبدليّة والحال في بقية الخبر كما في الوجه المتقدّم.

ويرد على الأوّل أن إرجاع ضمير « في عمقه » إلى المقدار المذكور تكلّف ؛ إذ لا يتم ذلك إلّا مع جعل الإضافة بيانية ، وهو في المقام بعيد جدّا إن قلنا بجوازه في الإضافة إلى الضمير ، وقوله « ان عود الضمير إلى الماء ممّا لا محصّل له » إنّما يتمّ إذا جعل قوله « في عمقه » مضروبا فيه من دون بيان مقداره ، وأمّا إن كان متعلّقا ب- « مقدّر » يكون حالا من ثلاثة أشبار ونصف ، فأي مانع من رجوع الضمير إلى الماء؟

وعلى الثاني بأنّه لا يوافق كتابة الحديث ؛ فإن قوله « ونصفا » يكون معطوفا على ثلاثة أشبار ، فمع نصبها يكون منصوبا لا بد من كتابته بالألف.

وقد يذبّ عنه بلزوم الإيراد المذكور في الفقرة الأولى من الرواية لكتابة النصف هناك كما هنا على ما في بعض النسخ فما يلتزم في الجواب عنه هناك يلتزم به هنا أيضا.

وقد يقال حينئذ بكون الثلاثة مرفوعة بالابتدائية ، ويكون « في عمقه » خبرا عنه ويجعل الجمع خبر البيان.

وهذا الوجه مع بعده لا يصحّح (3) الوجه المذكور بل هو توجيه آخر للرواية.

ص: 177


1- مشرق الشمسين : 376.
2- مشرق الشمسين : 376.
3- في ( ألف ) : « لا يصح ».

وكيف كان فالوجهان المذكوران لا يصحّحان الاستناد إلى الرواية إلّا مع ظهور الخبر في أحدهما ولا شاهد عليه ، غاية الأمر صحّة حمل الرواية على كلّ منهما (1) ، ومجرّد الاحتمال لا يقضي بصحة الاستدلال.

ومنها : أن يكون المراد بقوله عليه السلام « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا » ما يشمل طول الماء وعرضه.

فالمقصود أن يكون سعة الماء الشاملة لطوله وعرضه بالغة إلى المقدار المذكور ، ويكون ما في الرواية بيانا لمقدار عمقه.

ومنها : أن يكون اسم « كان » ضمير شأن مستتر فيه ، ويكون قوله « الماء ثلاثة أشبار ونصف » مبتدأ وخبرا ، والجملة خبرا ل- ( كان ).

والمراد به أحد (2) طرفي الطول والعرض ، وبقوله « في مثله » الطرف الآخر ، والمراد به ضرب أحد الطرفين في الآخر.

ويكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » مع تقدير المبتدأ خبرا ثانيا ل- ( كان ) ، وقوله « في عقمه » متعلّقا بعامل مقدر يكون حالا عنه يعني كائنا في عمقه.

ولا يخفى بعد التوجيه المذكور ، وعدم مساعدته لنصف النصف كما في النسخة المشهورة ، فما قيل من أنه مع ما فيه من البعد أحسن التوجيهات في هذا الخبر لفظا ومعنى كما ترى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكر من الوجوه إنّما يتمّ في مقام التوجيه لا في معرض الاحتجاج ؛ إذ بمجرّد الاحتمال لا يصح الاستدلال.

نعم ، لو انحصر الأمر من حمل الرواية على أحد الوجوه المذكورة فربّما أمكن الاحتجاج بها بل لا حاجة في تصحيح الاستدلال إلى ملاحظة شي ء منها ؛ إذ بعد حمل الرواية على المكعّب يتعيّن البعد الثالث بالمقايسة قطعا وإلّا سقط الكلام عن الإفادة ، والأمر في الزيادة

ص: 178


1- في ( ج ) : « منها ».
2- في ( ألف ) : « أصل ».

سهل (1) لكنّه ليس كذلك لاحتمال حملها على المستدير كما يومي إليه رواية (2) الثوري حيث فرضه في الركى ظاهر في المستدير.

وحينئذ فلا يفيد المدّعى بل يكون أقرب إلى تحديد القميين (3) حيث يزيد عليه ستة أشبار ونصف تقريبا ، وينقص من المشهور تسعة ونصف تقريبا والأمر في الزيادة سهل لإمكان مراعاتها لأمور أخر بخلاف النقيصة.

وقد يقال بانجبار ضعفها في الدلالة بالشهرة بين الأصحاب لكن بلوغ الشهرة إلى تلك الدرجة غير ظاهر سيّما مع معارضتها بما هو أصحّ منها سندا وأوضح دلالة كما يأتي.

وأمّا على رواية المهذّب (4) فبإرسالها. ويحتمل أن يكون نقلا بالمعنى للموثقة المذكورة بناء على فهمه تقدير الأبعاد الثلاثة.

وأمّا على رواية (5) الثوري فبضعف إسنادها ودلالتها أيضا على ما في غيرها لعدم اشتمالها على تقدير الأفعال الثلاثة وظهورها في المستدير حسبما أشرنا إليه.

ويمكن حمل ما في الاستبصار (6) أيضا على المستدير بأنّ بعد أحد الامتدادين في المستدير طولا والآخر عرضا نظرا إلى ظهور صدر الرواية في (7) فرض الكرّ في المستدير على أنّ الظاهر في متن الرواية ما في التهذيب ؛ إذ الأصل في الرواية على حسب ما في الكتابين كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى والظاهر أنّ ما فيه مطابق لما في التهذيب لموافقته لرواية الكافي عنه الّذي هو أضبط الكتب الأربعة.

ص: 179


1- لم ترد في ( د ) : « والأمر في الزيادة سهل ».
2- في المخطوطة : « ورواية ».
3- في ( د ) : « التعيين ».
4- المهذب البارع 1 / 82.
5- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، ح 1.
6- الإستبصار 1 / 33 ، ح 9.
7- الزيادة أثبتناها من نسخة ( ج ).

وأمّا على رواية الأمالي (1) فبضعفها بالإرسال ، مضافا إلى قوة احتمال كونها نقلا بالمعنى لإحدى الروايتين المذكورتين ، فلا تكون حجة أخرى.

وأمّا على القول الثاني : فيحتجّ عليه تارة بالأصل - وقد عرفت أن الأظهر قضاء الأصل بالقول بالأقل حسبما مرّ تفصيل القول فيه في المسألة المتقدمة - وأخرى بما رواه الشيخان في الصحيح على الأصحّ عن اسماعيل بن جابر ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ فقال : « كرّ » ، قلت : وما الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (2).

وأورد عليه تارة بالمناقشة في إسناده من جهة اشتماله على محمّد بن خالد البرقي.

وقد ضعّفه النجاشي (3) ولم يوثّق أيضا اسماعيل بن جابر ، بل لم يوثقه غيره أيضا عدا الشيخ رحمه اللّه في الأمالي (4).

ومحمّد بن سنان حاله معروف في الضعف ، وقد نصّ على تضعيفه جماعة من علماء الرجال (5).

وقد زعم جماعة صحة الرواية لتوهم كون ابن سنان الوارد في إسنادها عبد اللّه بن سنان حسبما وقع التصريح به في موضع من التهذيب.

وانتصر لهم شيخنا البهائي بما لا مزيد عليه.

ولكن الخبير الماهر في الرجال مع ملاحظة جميع ما ذكره يكاد يقطع بخلافه ، وأنّه محمّد بن سنان لا غير كما وقع التصريح به في موضع آخر من التهذيب.

وتارة بالمناقشة في دلالته لعدم اشتماله على البعد الثالث.

ويدفع الأوّل ما تقرّر في محلّه من توثيق البرقي واسماعيل بن جابر. وتوهينه بكون

ص: 180


1- الأمالي للصدوق : 744.
2- تهذيب الأحكام 1 / 38 ، ح 40 ؛ الإستبصار 1 / 10 ، ح 2.
3- رجال النجاشي : 32 و 235.
4- الأمالي ، الشيخ المفيد : 191.
5- لاحظ عن محمد بن سنان : رجال النجاشي : 328 ، رجال ابن داود : 174.

الموثق له واحدا أوهن شي ء حسبما قرّر في محله.

وأمّا محمّد بن سنان فضعفه وإن كان مشهورا بين الأصحاب إلّا أنّه عند التحقيق من أجلّاء الثقات كما هو المختار عند جماعة من المحقّقين لأحوال الرجال ، وقد فصّل القول فيه في الرجال.

والثاني : ما مرّت الإشارة إليه من ظهور البعد الثالث بالمقايسة. ويؤيّده ما يداول في الاستعمالات من ترك البعد الثالث في مثل التعبير المذكور.

نعم ، لو صحّ حملها على المستدير أمكن المناقشة في دلالتها كما مرّت الإشارة إليه فيما مرّ من الأخبار إلّا أنّه لا يمكن إرادته في المقام ؛ إذ لا قائل بمضمونه.

مضافا إلى أنه روى الصدوق (1) رحمه اللّه مرسلا إنّ الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في مثله ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا.

على ما قد روى اسماعيل بن (2) جابر أيضا في الصحيح قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » وهو أصحّ روايات الباب حسبما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

وما ذكره صاحب العوالي (3) من أن هذه الرواية والرواية المتقدمة غير معلوم الإسناد ضعيف جدا.

وعن بعض الأصحاب أنّ هذا الخبر ممّا اتفق الكلّ على صحته ، وظاهر لفظ السعة والاقتصار على ذكر البعدين يومي إلى إرادة المدور ، فيقارب مكسّره ما أفاده روايته الأولى ، فحملها على المدور هو الذي يقتضيه الجمع بين روايتيه ، بل لا يبعد أن يكون الكر مكيالا مدوّرا فينصرف الاطلاق في مثل الخبر المذكور إلى المستدير.

وبعد ملاحظة جميع ما ذكر لا يبعد أن يكون هذه الصحيحة حجّة مستقلّة على القول

ص: 181


1- الأمالي للصدوق : 744.
2- الإستبصار 1 / 10 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 53.
3- عوالي اللئالي 3 / 11.

المذكور.

ودعوى تطبيقها على القول المشهور لكون الذراع زائدا على الشبرين غير ظاهر بل الظاهر خلافها حسبما يساعده الاختيار ، ويعاضده الاشتهار عند أهل الاعتبار.

وقد ظهر بما قرّرنا ضعف حملها على المكعّب ليكون الكر ستة وثلاثين شبرا ، ويكون المراد بالستة (1) مجموع الطول والعرض أو أحدهما ، ويبين الحال في الآخر بالمقايسة مضافا إلى أنّه لا يظهر قائل صريح به من الأصحاب ، ولو فرض ذهاب البعض إليه فلا ريب في شذوذه فلا داعى لحمل الخبر عليه.

هذا ، ويؤيّد القول المذكور مقاربته للتحديد بالوزن بناء على تفسير الرطل بالعراقي كما هو المشهور المنصور ، فإنه لا يوافق جدّا زيادة الانصاف في المساحة.

نعم ، لو فسّر الرطل بالمدني قارب القول به إلّا أنه خلاف المشهور ، فاختيار المعظم هنا الأرطال العراقية لا يوافق اختيارهم زيادة الانصاف.

وربّما يؤيده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من تفسير الكر بنحو من هذا وأنّ الماء إذا كان أكثر من راوية لا ينجسه شي ء ونحو ذلك.

مضافا إلى أنه الذي يجمع به بين الأخبار لما عرفت من إمكان تنزيل أخبار المشهور وغيره على ذلك ، ولا أقلّ من إمكان حمل الزائد إذن على الاستحباب بخلاف ما لو أخذ بالأكثر للزوم طرح الأقل حينئذ.

فظهر من جميع ما ذكرنا أن الأظهر في المقام هو مختار القميين.

وممّا قررنا ظهر وجه القول الثالث وضعفه.

ووجه القول الرابع حمل الأخبار على إرادة الجمع دون الضرب.

وضعفه ظاهر لخروجه عن ظواهر الروايات ومخالفته لفهم جمهور الأصحاب من دون قيام شاهد عليه.

ص: 182


1- في ( ألف ) : « بالسعة ».

لكنّك قد عرفت أن مرجع القول المذكور إلى المشهور ؛ إذ لا فرق بعد ما بنى عليه القائل المذكور بين الضرب والجمع.

وأما القول الخامس فلم نقف له على مستند.

نعم ، روى الصدوق رحمه اللّه في المقنع (1) مرسلا أنّ الكر ذراعين وشبر في ذراعين وشبر.

ويمكن استناده إليه بعد حمله على المستدير ؛ إذ يصير مضروبه ثمانية وتسعين وسبعا ونصف ، وهو نحو مائة شبر ؛ لكنّ الرواية ضعيفة جدّا متروكة بين الأصحاب ، فلا معوّل عليها.

ومع ذلك لا يطابق ما ادّعاه ، فإن ظاهرها اعتبار خصوص القدر المذكور.

وأما القول السادس فوجهه الجمع بين الأخبار بحملها على التخيير. ومرجعه عند التحقيق إلى الأخذ بالأقل وحمل الزائد على الاستحباب ، فيرجع القول بحسب المساحة إلى مذهب القميين إذ لم يقل أحد بما دونه.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها :

أحدها : إن العبرة في الأشبار بأشبار مستوى الخلقة حملا للإطلاق على الشائع ، فلا عبرة بالقصيرة جدا ولا الطويلة فيرجعان إلى المستوي.

ثانيها : ان من الظاهر اختلاف أشبار مستوى الخلقة جدا ، فقد يستشكل معه في تحديد الكر به لعدم انضباطه.

ويجاب عنه بأنّ التفاوت على الوجه المذكور لا ينافي الانضباط العرفي ؛ إذ ليس الضبط (2) في العرف على وجه لا يقع فيه الاختلاف أصلا ، كيف والتحديد بالوزن أضبط مع أنه لا يخلو

ص: 183


1- المقنع : 31.
2- في ( د ) : « المنضبط ».

أيضا عن التفاوت.

فالضبط العرفي أوسع دائرة من الضبط العقلي (1).

والأظهر أن يقال : إن العبرة حينئذ بأقل المستوية ، فلا يقضي باختلاف التحديد ، وكذا الحال في الوزن.

ويحتمل القول باعتبار كلّ واحد من المستوية شبر نفسه لوقوع التقدير على حسبه في العرف ، فيحمل عليه الاطلاق أو أنّ العبرة بشبر المعتبر ، ولا يخلو عن بعد وإن وافق الجواب الأول.

ويحتمل الرجوع إلى أوسط أشبار المستوية ، وهو أيضا بعيد.

ثالثها : الظاهر أن التحديد المذكور للكر تحقيقي لا تقريبي ، فلو نقص عن الحدّ المذكور بأقلّ قليل كان في حكم القليل على ظاهر المعروف بين الأصحاب.

وفي الحواشي الكركية أنّ هذا هو المعروف من المذهب.

وربما يومي عبارة المنتهى (2) إلى اتفاقنا على الحكم حيث أسند القول بالتقريب إلى الشافعي من العامة.

والوجه فيه ظاهر ؛ فإن ظاهر التحديد قاض بإناطة الحكم بالحدّ المعيّن حقيقة ، والتسامح العرفي من قبيل التجوّز لا يحمل عليها الاطلاق من دون قيام دليل عليه.

وربّما يستفاد من عبارة الإسكافي حيث ذكر أنّ الكر ما بلغ بكسره (3) نحوا من مائة شبر اختيار التقريب. وهو على فرض دلالة العبارة المذكورة عليه ضعيف جدا.

وربّما يقال بأن اختلاف التحديدات الواردة في الكر والاختلاف الحاصل في الأشبار والأوزان شاهد على كون التحديد مبنيّا على التقريب ، وإلّا لما أنيط بمثله.

ص: 184


1- في غير ( د ) : « الفعلي ».
2- منتهى المطلب 1 / 41.
3- في ( د ) : « تكسيره ».

وضعفه ظاهر ؛ إذ غاية الأمر حينئذ أن يكون القدر (1) المعتبر حصول أقل تلك التقديرات ، وذلك لا يقضي بالاكتفاء بما ينقص عن الكلّ ممّا يقاربه كما هو قضية البناء على التقريب.

ص: 185


1- في ( د ) : « المقدار ».

تبصرة: [ في موضوع البئر وبعض أحكامها ]

ماء البئر أحد أقسام المياه المعنونة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد أنيط بها عدّة من الأحكام فالأولى أوّلا شرح موضوعها ثمّ اتباعه ببيان (1) أحكامها.

فنقول : قد عرّفه جماعة (2) منهم الشهيدان بأنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ، ولا يخرج عن مسماها عرفا. والإحالة (3) في تعيين مسماها إلى العرف من جهة عدم إمكان تحديد الأمور العرفيّة على وجه جامع مانع بدون الإرجاع إلى العرف.

وليس التحديد حينئذ لغو لبيان جملة من الأمور الشارحة لمعناها. غاية الأمر أن ضمّ إليها الرجوع إلى العرف لتتميم الحد.

ولا إحالة إلى المجهول ؛ لوضوح الحال بعد الرجوع إلى العرف.

ولا استعمالا للمشترك في الحد من دون قرينة ؛ لوضوح انصراف العرف مع الإطلاق إلى العرف العام. والمراد به العرف العام الحاصل في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، الظاهر من ملاحظة العرف العام في هذه الأزمنة كما هو الغالب في استعمال (4) المعاني العرفية الحاصلة في أزمنتهم عليهم السلام.

فلا يلزم من ذلك إبهام الحدّ من جهة جهالة العرف المحال عليه لاستكشافه بالرجوع إلى العرف العام في أزمنتنا.

ص: 186


1- في غير ( د ) : « بيان ».
2- لم ترد في ( ج ) : « جماعة منهم ».
3- في ( ج ) : « الأصالة ».
4- في ( ألف ) : « استعلام ».

ولا من الرجوع إلى العرف العام تغيير الحكم بتغيير العرف ؛ إذ لا معوّل على شي ء من المعاني العرفيّة في معرفة الألفاظ الواردة في كلام الشارع بعد العلم بتغيير العرف أو الظن به ، بل الشك أيضا. وإنّما يؤخذ بالمعاني العرفية من جهة الظن بالاتحاد والاستكشاف بما عندنا عمّا هناك كما هو الحال في المقام.

فالإيراد المذكور في غاية السقوط.

واعتبار النبع في مفهومها ظاهر من ملاحظة العرف العام المحكم في أمثال المقام ، ولذا لا يعدّ الماء النازل إلى الحفر الهابطة بئرا في العرف ، وإن أطلق عليها اسم البئر في بعض البلاد كما يحكى عن بلاد الشام ، فلا يجري عليه أحكام البئر ؛ لما عرفت من عدم الاعتداد فيه بالعرف الخاص.

والمراد بالنبع ما يعمّ الترشيح لصدق البئر معه قطعا ولو (1) (2) فرق بين أن يكون الترشيح من أعماق الأرض أو من النهر (3) الواقع في جنب الأرض في وجه قوي.

ولو كان ظهور الماء تحت الأرض على نحو الثماد (4) ففي إلحاقه بالنبع وجه.

ولو كان هناك ماء مجتمع واقف تحت الأرض فحفر الأرض إليها كما يوجد في بعض البلاد ففي إجراء حكم البئر فيه إشكال ، ويعتبر فيه إبقاء النبع بمعنى اتصالها بالنبع ، فلو حبسه (5) نبعا جرى عليها حكم الواقف في وجه قوي.

ولو اتصل بالماء المعصوم كالجاري خرج عن حكم البئر ، فلو ألقى فيه الكر وإن كان مأخوذا منه قوي اعتصامها به ما دام باقيا فيها ويحتمل فيه تغليب حكم البئر بعد استقراره فيها.

ص: 187


1- لم ترد في ( ب ) : « لو ».
2- في ( د ) : « لا ».
3- في ( ألف ) : « الشهر ».
4- في ( ألف ) : « التماد ».
5- في ( ج ) : « جفّ ».

ولو أجري الماء إلى (1) البئر فسرى في أعماق الأرض ثمّ خرج بعد ذلك على سبيل النبع أو الرشح اندرج في حكم البئر في وجه قوي ، ويعتبر فيها البعد عن وجه الأرض ، فلو أشير إليه في الحد كان أولى ويرجع في مقدار البعد إلى العرف.

وظاهر الشيخ في التهذيب تنزيل العيون (2) الراكدة منزلة البئر. وإليه ذهب ابن القطان في المعالم وبعض المتأخرين. فإن أريد بذلك دخولها في اسم البئر فهو بيّن الضعف بعد الرجوع إلى العرف ، وإن أريد مجرّد إلحاقها بها في الحكم فكذلك أيضا ؛ لعدم وضوح دليل على الإلحاق مع ما للبئر من الأحكام المخالفة للأصل. فالأقوى إذن إلحاقها على القول بعدم عاصميّة (3) المادة إلى المياه المحقونة ، وإلّا فالأقوى اعتصامها وجريانها مجرى الجاري كما مرّ.

ويظهر من المفيد رحمه اللّه مخالفته في الحكم للجاري والراكد والبئر ، وهو غريب.

ويعتبر أيضا في صدق البئر أن يكون على النحو المعتاد وما يقاربه فلو حفر سرداب ونحوه إلى أن ظهر الماء لم يكن بئرا.

وفي جريان حكمها فيه وجهان ، ومقتضى الأصل عدمه.

وما اعتبر في الحد من عدم جريان الماء وتعدّيه عن النبع (4) هو الظاهر من إطلاق البئر في العرف ، فالقنوات الجارية تحت الأرض بحكم سائر المياه الجارية سواء ظهرت على وجهها أولا.

وعن بعض أفاضل المتأخرين صدق البئر مع الجريان أيضا كما في أكثر آبار المشهد المقدس الغروي - على مشرفه آلاف السلام - ، وحينئذ فيندرج آبار القنوات الجارية في محلّ البحث ، وهو بعيد جدا.

ص: 188


1- في ( د ) : « في ».
2- في ( ب ) : « العنوان ».
3- في ( ألف ) : « عاصمة ».
4- في ( د ) : « المنبع ».

وحمل الإطلاقات الواردة في المقام (1) ما يعمّها في غاية البعد عن الفهم ، فالظاهر خروجها عن محلّ الكلام في المقام وعدم جريان أحكام البئر فيها (2).

نعم لو وقف مياه القنوات وانقطع جريانها فالأظهر اندراجها في محلّ البحث وإن كانت جارية في الأغلب واتصل مياه تلك الآبار بعضها بالبعض.

ولو فاض ماء البئر في بعض الفصول قوى خروجه عن البئر. واندراجه إذن في اسم العين وإن كان حين غور مائها مندرجا في البئر ، ومغلوبية الحالة الأولى لا يقضي بشمول اسم البئر لها في تلك الحال.

ومع البناء على (3) الشمول فالظاهر عدم شمول الإطلاق لمثله.

وظاهر الحد يومي إلى اندراجه إذن في البئر بخلاف ما لو كان الغالب فيه الجريان واتفق غوره في بعض الأحيان أو تساوى فيه الحالان.

ولو توصّل إلى جريان الماء في الظاهر ببعض الآلات ففي جريان حكم البئر على مائها (4) وجهان.

وأمّا الماء الخارج المتّصل بالمنبع ففي إلحاقه بالجاري أو الراكد أو البئر وجوه ؛ كان أوجهها الأوّل.

ثمّ إن الظاهر من الحد المذكور اتحاد المنبع والمجمع ، ولا يخلو عن قرب إلّا أن يتقاربا فلا ، يبعد معه صدق البئر.

هذا ، ومقتضى الأصل في موارد الشكّ في صدق البئر هو الإلحاق بغيرها لما لها من الأحكام المخالفة للأصل سيّما على القول بنجاستها بالملاقاة ، ولو كان الشكّ بعد اليقين بصدق البئر احتمل استصحاب الحكم السابق ، فتأمّل.

ص: 189


1- زيادة في ( د ) : « على ».
2- في ( د ) : « لها ».
3- لم ترد في ( د ) : « الشمول .. واتفق غوره ».
4- في ( د ) : « ما فيها » ، بدل « مائها ».

تبصرة: [ في كيفية اعتصام البئر بالملاقاة ]

اختلف الأصحاب في اعتصام البئر عن الانفعال بالملاقاة وعدمه على أقوال :

أحدها : القول بانفعالها بمجرّد الملاقاة مطلقا.

وإليه ذهب معظم المتقدمين من فقهائنا. وقد نصّ عليه ابن بابويه في رسالته إلى ابنه والمفيد في المقنعة والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ رحمه اللّه في عدّة من كتبه والديلمي ، والقاضي ، والحلبي ، وصاحب الإشارة والطوسي وابن زهرة ، والحلّي والمحقق ، وابن عمّه يحيى بن سعيد ، و (1) العلّامة في تلخيص المرام والشهيدان في عدّة من كتبهما والشيخ عبد العال.

وحكاية الإجماع عليه ودعوى اشتهاره بين الأصحاب مستفيضة سيجي ء الإشارة إلى جملة منها.

ثانيها : القول بالطهارة وعدم الانفعال بمجرّد ملاقاة النجاسة.

وإليه ذهب معظم المتأخرين من أصحابنا ، بل الظاهر استقرار المذهب عليه واتّفاقهم أخيرا على القول به ؛ ذهب إليه العلّامة رحمه اللّه في معظم كتبه وولده المحقّق في الايضاح والسيورى في ظاهر التنقيح وابن فهد في عدة من كتبه ، والمحقق الكركي ، وتلميذه الشيخ أبي طالب ، والفاضل القطيفي ، والشهيد الثاني ، فيما اعتمد عليه أخيرا حسبما نصّ عليه ولده المحقّق في المعالم وصرّح به في رسالته المعمولة في المسألة ، والمحقق الأردبيلي ، وتلميذاه المحقّقان ، وشيخنا البهائي في اثني عشريته ، والفاضل الخراساني ، والعلّامة الخوانساري ، وولده ، والعلّامتين المجلسيّين وغيرهم.

ص: 190


1- لم ترد في ( ج ) : « والعلّامة في تلخيص المرام ».

وقد حكي القول به أيضا عن جماعة من قدماء أصحابنا منهم العماني ، والصدوق في الهداية ، والحسين بن عبد اللّه الغضائري شيخ الشيخ قد حكى في غاية المراد عن الشيخ أبي يعلى الجعفري خليفة المفيد عنه القول به ، والشيخ الفقيه مفيد بن جهم شيخ العلّامة رحمه اللّه حكاه الشهيد أيضا عن شيخه السيد العميدي عنه.

ويظهر القول به عن الشيخ رحمه اللّه في كتابي الحديث. وكلامه فيهما مضطرب إلّا أنّ حمل كلامه على الحكم بالطهارة والقول بوجوب النزح تعبّد هو مقتضى الجمع بين كلماته.

وقد حكاه المحقّق عن قوم من الفقهاء القدماء ، وتلميذه الآبي عن جماعة من معاصريه.

وربّما ينسب ذلك إلى جماعة من أساطين المحدثين وفقهاء الرواة كزرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير ومعاوية بن عمار وعلي بن جعفر وأبان بن عثمان وابن رئاب ومحمّد بن اسماعيل بن بزيع والبزنطي والحسين بن سعيد وأحمد بن محمّد بن عيسى والصفار والزيات وغيرهم ممّن روى عدم انفعالها بالملاقاة ؛ بناء على ما اشتهر من انّهم إنّما يفتون بمضمون ما يروون.

وقد اختلف القائلون بهذا القول في وجوب النزح تعبّدا وعدمه على قولين :

فعن جماعة منهم الشيخ في كتابي الحديث على ما مرّ هو الأول ، وإليه ذهب العلّامة رحمه اللّه في المنتهى ، وابن فهد في عدة من كتبه.

وربّما يستظهر من الصدوق في الهداية ، ويظهر من السيوري الميل إليه.

والمعروف بين المتأخرين بل المتّفق عليه في الظاهر بين متأخريهم هو استحباب النزح.

وهو مختار العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه ، والمحقّق الكركي ، والشهيد الثاني ، وهو المنقول عن جماعة من القدماء منهم العماني على ما حكاه جماعة.

وتفرّد ابن فهد في حكاية الأوّل عنه.

ثمّ على القول الأوّل يتوقف جواز استعمال الماء على النزح على ما نصّوا عليه. وكأنّه المراد بالوجوب وإلّا فلا وجه للقول بوجوبه الشرعي فيأثم بتعمّد استعماله من دونه.

وأمّا مع الجهل به فلا حرج ، كما نصّ عليه الشيخ. ومع التعمّد والإثم فهل يصحّ التطهير به؟ قولان.

ص: 191

وظاهر التهذيب صحة الاستعمال وإن أثم كما هو المصرّح به في المحرر ، وظاهر الاستبصار بطلان الاستعمال ولزوم إعادة الوضوء والصلاة.

والظاهر أنّه إنّما يقول به فيما يتوقف على نية القربة كالوضوء دون غيره كتطهير الثياب ، فينحلّ القول المذكور إذن إلى أقوال ثلاثة.

ثالثها : التفصيل بين الكثير والقليل ، فلا يعتصم (1) ما دون الكر منه وان (2) الكر على ما حكي القول به عن محمّد بن محمّد البصري من تلامذة السيد المرتضى رحمه اللّه وربّما يعزى ذلك إلى السيد في الجمل (3) حيث قال : « إن كلّ ماء على أصل الطهارة إلّا أن يخالطه - وهو قليل - نجاسة فينجس أو يتغير - وهو كثير - أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة ».

فإنّه يعم ماء البئر والجاري وغيرهما ، لكن القاضي في شرحه حمل ذلك على القليل من الراكد ، وذكر أن أصحابنا يذهبون إلى نجاسة مياه الآبار ممّا يلاقيها من النجاسة ولا يعتبرون فيه قلة ولا كثرة.

واختار هذا التفصيل شيخنا البهائي في بعض مصنّفاته ، وألزم العلّامة رحمه اللّه القول به ، فإنه إذا قال به في الجاري كان التزامه به في البئر أولى وليس كذلك ؛ إذ الطهارة والنجاسة من الأحكام التوقيفية ، وظاهر الإطلاقات في المقام انتفاء (4) التفصيل في البئر بين القليل والكثير.

والأولوية المذكورة لا تنهض حجة شرعية مع عدم إشعاره قدس سره بالتفصيل ، ولو كان قائلا به لأشار إليه في شي ء من كتبه.

وعن الجعفي أنه اعتبر في اعتصام البئر أن يكون كل من أبعاده الثلاثة ذراعين ، ثمّ إنه حكم بالنزح.

وكلامه هذا يحتمل التفصيل المذكور عن البصروي ؛ بناء على تحديده الكر بالقدر

ص: 192


1- في ( د ) : « فلا يعصم ».
2- في ( د ) : « دون » بدل : « وإن ».
3- رسائل المرتضى 3 / 23.
4- في ( ب ) : « عدم انتفاء ».

المذكور لكنه غير معروف في حدّ الكر.

ويحتمل أن يكون تفصيلا آخر في البئر.

ثمّ حكمه بالنزح إن كان بالنسبة إلى ما بلغ القدر المذكور أيضا ، وكان قولا منه بوجوبه كما يومي إليه العبارة المذكورة كان ذلك أيضا فارقا بين قوله وقول البصروي ؛ إذ لم ينقل عنه الحكم بوجوب النزح بالنسبة إلى ما ذهب اعتصامه ، وظاهر مذهبه يعطي عدم الوجوب.

وكيف كان ، فالظاهر أن هذا القول أيضا ينحلّ إلى قولين.

والمختار في المسألة هو القول بعدم (1) انفعالها بالملاقاة وعدم وجوب النزح.

ويدلّ عليه بعد قضاء الأصل به من وجوه عديدة ودلالة العمومات عليه من الكتاب والسنة المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها منها صحيحة محمّد بن اسماعيل ابن بزيع المروية مشافهة تارة ومكاتبة أخرى عن مولانا الرضا عليه السلام : « ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة » (2) ، وهي مع وضوح إسنادها واضحة الدلالة على المقصود بل فيها دلالة على المدعى من وجوه شتّى.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام : « لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلا بنتن (3) فإن نتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (4).

وفي صحيحة أخرى له عنه في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ قال : « لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه » (5).

ونحوها في موثقة أبان (6) عنه عليه السلام ، وقد وقع السؤال فيها عن إعادة الوضوء.

ص: 193


1- في ( ألف ) : « بعد ».
2- الإستبصار 1 / 33 ، ح 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة 1 / 172 ، ح 6 و 7.
3- في ( ب ) : « أن ينتن ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 10 ، لكن عبارة « إلّا بنتن فإن نتن » في الرواية هكذا : « إلّا أن ينتن فإن أنتن ... ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 9.
6- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 11.

ومنها : صحيحة الشحام وابن عثيم عنه (1) عليه السلام : « إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء. قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا؟ فقال : « لا بأس » (2).

ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة رحمهم اللّه تعالى في الكتب الأربعة عن أبي بصير قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : بئر يسقى منه ويتوضأ به ويغتسل منه الثياب ويعجن به ثمّ يعلم أنّه كان فيها ميت؟ قال : فقال : « لا بأس ولا يغسل منه الثوب ولا يعاد منه الصلاة » (3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فيه زنبيل من عذرة (4) رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (5).

ومنها : مرسلة علي بن حديد ، قال : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد اللّه عليه السلام دلوا فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد اللّه : « عليه السلام : « أرقه » فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة فاستقى الثالث ، فلم يخرج فيه شي ء ، فقال : « صبه في الإناء » (6).

واستعماله عليه السلام للماء المفروض من دون نزح المقدّر مع ما تقرّر من عدم إقدامهم اختيارا على المكروهات ومخالفة السنن إما لمكان الضرورة من جهة السفر أو لبيان الجواز أو من جهة التوسعة والأخذ بالرخصة ، وهي قد يكون جهة مرجّحة كما ورد « أنه تعالى يحبّ أن يؤخذ

ص: 194


1- في ( ج ) : « منه ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 12 ، في الرواية : « لا بأس به ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 8 ؛ الكافي 3 / 7 ، ح 12 ؛ الإستبصار 1 / 32 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة 1 / 171 ، ح 5.
4- لم ترد في ( ج ) : « عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من ».
5- الإستبصار 1 / 42 ، ح 3.
6- الإستبصار 1 / 40 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 239 ، ح 24 ؛ وسائل الشيعة 1 / 174 ، ح 14 ، لكن في الرواية : « فقال : صبه في الإناء ، فصبّه في الإناء ».

برخصته (1) كما يحبّ (2) أن يؤخذ بعزائمه » (3).

ونحوه ما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام قال : « كان في المدينة بئر في وسط مزبلة ، فكانت الريح تهب فتلقى فيه (4) القذر وكان النبي صلى اللّه عليه وآله يتوضأ منها » (5).

وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنّه كان يتطهّر من بئر بضاعة ، وفيها العذرة والنجاسات (6).

والظاهر إن الرواية من طرق العامة ، وما أورده المحقق رحمه اللّه (7) من (8) أن عادته عليه السلام (9) التنزه عن النجاسات والتباعد عن المكروهات فلا يظن به (10) المسامحة (11) باستعمال المياه المتنجّسة مع وجود غيرها مدفوع بما قرّرنا.

ومنها : صحيحة زرارة عن الصادق [ عليه السلام ] ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ به من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس به ».

وروى ولده الحسين بن زرارة في الموثق عنه عليه السلام نحو ذلك (12).

واحتمال أن يكون الوجه فيه عدم العلم بوصول الشعر إلى الماء مدفوع بقضاء العادة بخلافه ، مضافا إلى ترك الاستفصال.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه ممّا لا مجال لذكرها في المقام.

ص: 195


1- في ( ألف ) : « ترخصه ».
2- في ( ج ) : « يجب ».
3- وسائل الشيعة 1 / 107 ح 63 ، نقلا من رسالة المحكم والمتشابه : 36 - 37 ، وفيه : « برخصه ».
4- خ. ل : « فيها » ، كما في ( ألف ).
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 21 ، ح 33.
6- مسند احمد 3 / 15 و 31.
7- الوسائل التسع : 226.
8- لم ترد في ( ب ) : « من ».
9- في ( ألف ) : « إعانة » ، وفي ( ب ) : « اعانة عليه السلام ».
10- في ( د ) : به عليه السلام.
11- في ( ج ) : « عدم المسامحة ».
12- وسائل الشيعة 1 / 169 ، ح 2.

ويؤيده الأخبار المستفيضة الدالّة على الاكتفاء في البئر المتغير بعده من النجاسات نزحها إلى أن يزول التغيير فيفيد الاكتفاء ولو مع عدم استيفاء المقدّر ، وهو لا يوافق القول بالانفعال.

وفي الأخبار الواردة في المنزوحات أقوى شاهد عليه من وجوه شتّى ؛ نظرا إلى شدّة اختلافها في التقديرات المشيرة إلى بناء الأمر فيها على الندب ؛ إذ لا يناسب التفاوت الفاحش مقام الوجوب.

وقد أطلق في عدّة منها نزح الدلاء من غير تعيين لمقدار المنزوح ، ولا يناسب مثله من التسامح مقام الوجوب ، والتزام الاجمال (1) في تلك الأخبار بعيد جدّا.

وقد ورد في عدّة منها نزح الماء لورود غير النجاسات ، ولا وجه لتنجيسه الماء ولا لوجوب النزح حينئذ من دون ورود نجاسة عليها.

ويعضد ذلك أيضا الروايات المستفيضة الدالّة على اعتصام الماء الكثير منه ، فيثبت الحكم في غيره أيضا لضعف القول بالتفصيل.

ومع الغضّ عنه فهي كافية في دفع القول بانفعالها مطلقا.

[ و ] منها : قوية الثوري المتقدم في بحث الكر (2).

ومنها : موثقة الفطحيّة عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة؟ فقال : « لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (3). وكأنّ اشتراط الكثرة حينئذ من جهة عدم تغيّره بالنجاسة المفروضة.

ومنها : ما في الفقه الرضوي : « وكلّ بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل الماء الجاري إلّا أن يتغيّر لونها وطعمها ورائحتها ، فإن تغيّرت نزحت حتى تطيب » (4).

ص: 196


1- في ( ب ) : « الاحتمال ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، ح 1.
3- الإستبصار 1 / 42 ، ح (117) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 416 ، ح 31 ؛ وسائل الشيعة 1 / 175 ، ح 15.
4- فقه الرضا عليه السلام : 91.

ويؤكد ذلك أيضا أنّه لو انقطع قدر كرّ من ماء البئر عن مادّته أو جفت مادة البئر وكان ما فيها من الماء مقدار الكر لم ينجّس بملاقاة النجاسة لاندراجه في الكثير الراكد وخروجه عن اسم البئر ، فلو كان مع الاتصال بالمادة متنجسا بالملاقاة لكان (1) وجود المادة قاضيا بضعفه وقبوله للانفعال.

وهو بعيد جدا بل لا وجه له إذ لو لم يكن وجود المادّة قاضيا بقوّة الماء لم يكن باعثا على ضعفه.

مضافا إلى أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يرد آبار المشركين ولم ينقل عنه الأمر بالرجوع (2) من جهة ورودهم عليها ، بل كان صلى اللّه عليه وآله في مكّة المشرفة يستعمل مياه آبارها مع شرك أهلها. وكذا يستعمل ماء زمزم مع مزاولة المشركين لها.

وكون نجاسة المشركين واردة في المدينة لا ينافيه ؛ إذ لا ينحصر نجاسة المشركين في كفرهم لمزاولتهم لسائر النجاسات إلّا أن يقال : إنّ شيئا من النجاسات لم يكن نجسة حينئذ ، وهو بعيد ، والظاهر فساده.

على أنّه لم ينقل عنه صلى اللّه عليه وآله الأمر بتطهير آبار المشركين بعد ذلك ، ولا أمر بتطهير بئر زمزم بعد الفتح مع ورود نجاسة المشركين قبله على أنّ في القول بانفعال البئر بالملاقاة من الحرج والمشقة الشديدة ما لا يخفى إذا غلب المياه دورانا مياه الآبار سيّما في الحرمين الشريفين وما والغالب والاها عدم تحفّظها من ملاقاة النجاسات أو المتنجّسات.

وإلزام النزح منها دائما حرج عظيم لا يناسب الشريعة السمحة السهلة.

مضافا إلى أنها لو تنجّست بمجرد الملاقاة لورد في الشريعة بيان لكيفيّة تطهيرها ، ولم نجد ذلك في شي ء من الأخبار سوى ما ورد في أخبار المنزوحات بالنسبة إلى أمور مخصوصة عديدة وقع السؤال عنها ، وقد خلت معظم النجاسات والمتنجسات عن النص.

ولا وجه لإهمال الشارع بيان الحكم في مثل هذه المسألة العامّة البلوى الّتي يحتاج إليها

ص: 197


1- في ( ج ) : « لمكان ».
2- في ( د ) : « النزح ».

عامة الورى ولا (1) تقدّم نقل النقلة ذلك إلينا.

وأيضا لو تنجّس البئر بالملاقاة لم يمكن تطهيرها بالنزح إلّا مع التزام أمور مستبعدة لا وجه للالتزام بها إلّا مع قيام دليل واضح عليها ، وهو مفقود في المقام.

وذلك لتنجس الدلو بورود البئر ، فيكون وروده ثانيا على البئر بمنزلة إصابة نجاسة جديدة ، وكذا الرشاء والماء المتساقط منه في البئر ، فكيف يصحّ القول بتطهيره بذلك مع ملاقاته النجاسة من جهته.

وأيضا كيف يحكم بطهارة الماء عند انفصال الدلو النجس عنه ، وكذا بطهارة الدلو عند تفريغ ما فيه من الماء النجس المنزوح من البئر من دون ملاقاة المطهر.

وكذا الحال في طهارة الرشاء وأطراف البئر بما (2) تقاطر عليه الماء النجس ، وما هبط عنه الماء من أطراف البئر من جهة بعض الماء بالنزح.

وكذا الحال في ثياب النازح وسائر ادوات النزح ، فإنّه و (3) إن أمكن القول بطهارة الجميع على الوجه المذكور إلّا أنّه بعيد يتوقّف القول به على قيام دليل واضح عليه.

والقول (4) بعدم انفعال البئر بالملاقاة أقرب منه ، ولا شي ء يلزم من ذلك على القول به فيما إذا تغيّر ماء البئر بالنجاسة فإنّا لا نقول بطهارة الرشاء وجوانب البئر وسائر ما يلاقيه الماء المتغيّر إلّا بملاقاة المطهّر على النحو المعمول.

حجّة القول بالانفعال مطلقا أمور :

أحدها : الإجماعات المحكيّة على ذلك المعتضدة بالشهرة القديمة بين الطائفة ، الظاهرة من ملاحظة الفتاوى وكلمات الأصحاب ، والمنقولة في لسان جماعة من علمائنا الأطياب ، وممّن

ص: 198


1- في ( د ) : « وامّا لعدم » بدل « ولا تقدّم ».
2- في ( د ) : « ممّا ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».
4- في ( د ) : « العمل » بدل « القول ».

حكى الإجماع عليه السيد في الانتصار (1) حيث عدّ ذلك ممّا انفردت الامامية به ، وذكر أنّ حجة الإمامية فيما ذهب إليه في البئر ما تقدّم من الحجة ، وأشار به إلى الإجماع.

وفي كلام الشيخ في التهذيب (2) نفي الخلاف عن نجاسة ماء البئر إذا وقع فيه البعير والخمر.

وفي شرح الجمل للقاضي : إنّ أصحابنا يذهبون إلى نجاسة مياه الآبار بما يلاقيها من النجاسة ، ولا يعتبرون فيه قلّة ولا كثرة. وظاهره (3) الإجماع عليه.

وفي الغنية (4) التصريح بالإجماع عليه قليلا كان ماؤها أو كثيرا.

وفي السرائر (5) نفى الخلاف عن الحكم بالنجاسة قليلا كان الماء أو كثيرا.

وقد نفى الخلاف عنه في خصوص بعض النجاسات بل نصّ فيها (6) بالإجماع.

وعن المحقّق في المسائل المصريّة (7) وفي غاية المراد : الأكثر من الأصحاب وكاد أن يكون إجماعا منهم على النجاسة ، ولعلّه الحجّة.

ويظهر من جماعة منهم إجماع السلف على نزح البئر لوقوع النجاسة في الجملة وأنّه يطهّرها ففي الانتصار (8) أنّه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في أنّ اخراج بعض ماء البئر يطهّرها ، وإنّما اختلفوا في مقدار ما ينزح.

وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل حال من غير اعتبار لمقدار مائها.

ونحوه ما في الغنية (9).

ص: 199


1- الانتصار : 89 - 90.
2- تهذيب الأحكام 1 / 240.
3- في ( ب ) : « ظاهر ».
4- غنية النزوع : 46 و 47.
5- السرائر 1 / 69.
6- في ( د ) : « في بعضها » بدل « فيها ».
7- زيادة في ( د ) : « نفي الخلاف عنه ».
8- الانتصار : 90.
9- غنية النزوع : 48.

وفي غاية المراد أنّ النزح للبئر مرويّ عن علي عليه السلام ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن البصري. وعليه عمل الاماميّة في سائر الأعصار والأمصار.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، حكاه القطيفي في شرح الإرشاد والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام (1).

ثانيها : أخبار النزح ؛ وهي في غاية الكثرة والاستفاضة بل متواترة في الجملة.

فإنّ ظواهرها كون النزح لأجل التطهير من جهة ملاقاة النجاسة كما هو الحال في سائر الأوامر المتعلّقة بغسل الثياب والأواني ونحوها بعد ملاقاة النجاسة ؛ فإنّ مفادها تنجّس تلك الأشياء بملاقاة النجاسة وطهرها بذلك حسبما هو المعلوم منها في العرف.

وقد جرى عليهم فهم الفقهاء في تلك المقامات ، فكذا في المقام بل جرى عليه فهم معظم القدماء هنا أيضا كما عرفت.

وذلك من أقوى الشواهد على المقصود ؛ فإنّ فهم الأصحاب وفتواهم من أعظم المؤيّدات بل يجري مجرى الدليل في بعض المقامات.

وحمل تلك الأوامر على الوجوب التعبدي بعيد جدّا بل يمكن القطع بفساده وحملها على الندب خروج عن ظواهرها من غير دليل عليه يكافئها ، بل في ورود النزح في صورة التغيير بالنجاسة وغيرها على نحو واحد أقوى شاهد على كونه في المقامين من قبيل واحد ، والمقصود به مع التغيير هو التطهير فيكون ذلك هو المراد مع عدمه.

ثالثها : الأخبار المستفيضة المشتملة على الصحاح الدالّة عليه بالخصوص :

منها : صحيحة محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيه شي ء من عذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟

فوقّع عليه السلام في كتابي بخطّه « ينزح منها دلاء » (2).

ص: 200


1- كشف اللثام 1 / 278 و 279.
2- الإستبصار 1 / 44 ، ح (124) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 36.

ومفاد الرواية بعد وقوع السؤال عمّا يطهّرها بعد وقوع المذكورات أنّ نزح الدلاء مطهّر لها وأنّه لا يحل استعماله قبله ، فيدلّ على نجاستها بملاقاتها.

وكون الرواية بالمكاتبة مع جهالة الواسطة لا يقضي بضعفها بعد قطع الثقة (1) بتوقيع الإمام وخطّه عليه السلام حسبما أخبر به.

ومنها : صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام عن البئر يقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة؟ فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء اللّه تعالى » (2).

فإن حكمه بتطهيرها بنزح الدلاء حكم منه عليه السلام بنجاستها بملاقاة أيّ واحد من تلك النجاسات ؛ مضافا إلى ما في لفظ « الإجزاء » من الإشارة إلى عدم الاجتزاء بما سوى ذلك ، وأنّه المجزي دون ما دونه.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به ، فتيمّم بالصعيد فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد ولا تقع على البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (3).

فإنّ قضيّة قوله « لا تفسد على القوم ماءهم » أنه لو وقع في الماء أفسد. والظاهر من الإفساد التنجيس أو زوال الطهوريّة.

وأيضا أمره بالتيمّم مع وجود الماء وتمكّنه من الوصول إليه ليس الّا من جهة عدم تمكّنه من استعماله لتنجّس الماء بنزوله أو خروجه عن الطهوريّة باستعماله : إذ لو لا ذلك تعيّن عليه الغسل.

والجواب أمّا عن الاجماعات المنقولة بوجود الخلاف فيه من جماعة من المتقدمين

ص: 201


1- في ( د ) : « البعد » بدل « الثقة ».
2- الإستبصار 1 / 37 ، ح (101) 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 231 ، ح 17.
3- الكافي 3 / 65 ، ح 9 ؛ الإستبصار 1 / 127 ، ح (435) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 149 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة 1 / 177 ، ح 22.

واشتهار خلافه بين المتأخرين حتى أنّه استقر المذهب عليه.

مضافا إلى معارضتها بالأخبار الصحيحة الدالّة على خلافها الراجحة عليها من وجوه شتّى.

وأمّا عن أخبار النزح فبعدم وضوح دلالتها على النجاسة بل عدم ظهورها بل وظهورها في خلافها كما لا يخفى على المتأمّل فيها حسب ما مرّت الإشارة إليه. كيف وقد حكم في بعضها بعدم لزوم غسل ما لاقاه قبل العلم بوقوع النجاسة فيها ، وورود جملة منها في ورود جملة من غير النجاسات عليها كوقوع العقرب والوزغ ونحوهما مع الاختلاف الفاحش في مقدار النزح مع اعتبار أسانيد عدّة منها.

إلى غير ذلك ممّا يظهر للمتأمّل فيها.

وفهم الجماعة منها ذلك إنّما يتمّ به قصورها في الدلالة لو لا ما يعارضه من شواهد خلافه.

مضافا إلى معارضته فهم المتقدمين بما فهمه المتأخّرون ، والشهرة من القدماء بالشهرة المتأخرة ، فيتساقطان بل لا يبعد ترجيح الثاني في المقام لدقّة أنظارهم وملاحظتهم لمعظم الوجوه المرجّحة واجتماع الآثار المرويّة عندهم.

والظاهر أنّ مستند القدماء في الفهم المذكور هو ما أشرنا إليه دون أن يكون هناك أمر آخر دعاهم إلى الحمل عليه ، وإلّا لأشير إليه ولو في كلام البعض ، ولما تنبّه المتأخرون لضعف الحمل المذكور نظرا إلى الوجوه الموهونة له عدلوا عن ذلك حتى استقرّ المذهب على خلافه.

وأمّا عن الأخبار الخاصّة (1) فبأنّها لا تكافئ الصحاح الدالّة على الطهارة المعتضدة بغيرها من الأخبار المعتبرة ؛ إذ هي أوضح استنادا وأصرح دلالة وأكثر عددا منها مع (2) اعتضادها بالأصول المتعدّدة وسائر الوجوه المؤيّدة لها جدّا حتّى كاد (3) أن يبلغ بها إلى درجة القطع ، وقد عرفت الحال في الشهرة المعاضدة لها.

ص: 202


1- في ( ب ) لم ترد : « الخاصّة فبأنّها .. من الأخبار ».
2- الزيادة من ( د ).
3- في ( ج ) : « كان ».

على أنّ شيئا (1) من الروايات المذكورة ليست بتلك المكانة من الظهور.

وأمّا صحيحة ابن بزيع فلاحتمال أن يراد بالطهارة النظافة الحاصلة بارتفاع الكراهة ، فالمراد بقوله « حتى يحل » الحل الذي لا كراهة فيه.

على أنّ الرواية غير معمول بها عند الجماعة ؛ إذ لا يقولون بالاكتفاء بنزح الدلاء الصادقة على الثلاث أو الأربع في شي ء من النجاسات المذكورة في السؤال.

ويجري نحو ما ذكرناه في صحيحة علي بن يقطين أيضا.

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور فالظاهر أنّه لا ظهور لها فيما ادّعوه ؛ إذ (2) إفساد الماء على القوم أعمّ من تنجيسه لاحتمال أن يراد به اختباط الماء بالطين وتغيّر ريحه وطعمه.

وقد يومي إلى ذلك تعبيره عليه السلام بقوله « لا تقع على البئر » الظاهر في إلقاء نفسه في الماء دون دخوله فيه بالتدريج.

كيف ولو قضى ذلك بنجاسة الماء من جهة نجاسة بدنه لم يطهر به ، ولم يرتفع حدثه ، وكان ذلك حينئذ أولى بالذكر في المقام من إفساد الماء على غيره لفساده إذن بالنسبة إليه أيضا ، وعدم ترتّب الغاية المطلوب عليه.

وظاهر التعليل المذكور يومي إلى إفساد (3) الماء على القوم دون نفسه بالنظر إلى ما هو بصدده حتّى لا يترتّب عليه ما يريده.

والظاهر أن البئر المذكور لإضراره (4) من (5) موارد القوم الموقوفة لأجل الشرب ونحوه أو الجارية مجرى الأوقاف فينافيه التصرف المذكور لإضراره بهم ، ولذا لزمه الانتقال إلى التيمّم ، وبمعرفة صحّة ما في الأقوال من التأمل فيما قررنا فلا حاجة إلى إبطاله (6).

ص: 203


1- في ( د ) : « سائر » بدل « شيئا من ».
2- في ( ج ) : « أو ».
3- في ( د ) : « إفساده ».
4- لم ترد في ( د ) : « لإضراره ».
5- في ( ب ) لم ترد : « من ».
6- في ( د ) : « إطالة القول فيها » بدل : « إبطاله ».

تبصرة: [ في تطهير المياه النجسة ]

اشارة

تطهر المياه كلّها بملاقاتها للماء المعصوم من الجاري بل مطلق النابع أو الواقف ، الكر أو الغيث ، فيكفي مجرّد اتصالها به إذا كانت قابلة للتطهير ، فلو كانت متغيّرة لم (1) يطهر قبل زواله فيطهر الجاري بمجرّد زوال التغيير ؛ لاتصاله (2) بالمادّة المعتصمة ولا يحتاج إذن إلى تكاثر الماء من المادة وتدافعه إليه عليه (3).

وما يوجد في كلام الفاضلين وغيرهما من اعتبار التكاثر أو التدافع في تطهير الجاري لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض هناك تغيّر الماء ، وهو ممّا لا يرتفع في مثله غالبا إلا به ، فالمطهر إذن بعد رفعه بالتكاثر هو الاتصال لتنجّس الممازج (4) أيضا بسبب التغير ، فتأمل.

ويطهر الراكد المتنجس بالملاقاة أو التغيير بعد زواله قليلا كان أو كثيرا بالاتصال بالنابع أو الغيث أو الكر من غير حاجة إلى الامتزاج واستيلاء المطهر عليه.

ويدلّ على ما قلناه عموم ما دلّ على (5) طهوريّة المياه لاقتضائه تطهير كلّ ما يلاقيه إلّا أن يدل دليل على اعتبار أمر زائد عليه كالتثنية (6) في البول والتعفير في آنية الولوغ.

والتشكيك الواقع من غير واحد من المتأخرين في عموم الأدلّة الدالّة عليه إن كان في العموم المصطلح ففي محلّه ، ولا يمنع من الحجيّة ، وإلّا فلا وجه له ؛ لوضوح الإطلاق.

ص: 204


1- في ( ب ) لم ترد : « لم ».
2- في ( ب ) : « لاتصالها ».
3- في ( ب ) : « إليه ولا » ، بدل « عليه وما » في ( ج ) : « إليه وما ».
4- في ( د ) : « الخارج ».
5- ليس في ( د ) : « على ».
6- في ( د ) : « كاعتبار التثنية » بدل : « كالتثنية ».

وقوله عليه السلام « الماء يطهّر ولا يطهر » بعد الغضّ عن سنده إنما يراد به عدم تطهيره بغيره لقيام الإجماع على خلافه.

مضافا إلى ما فيه من التدافع بين ظاهر الصدر والعجز ، فلا بدّ من التقييد في أحد الطرفين فلا يصلح سندا للنفي.

والإجماع المذكور يرجّح الأخير مع أنه قد يقال بترجيح التجوّز في العجز عليه في الصدر.

وحينئذ يكون بإطلاقه من الشواهد على المطلوب أيضا.

فإن قلت : المفهوم من الاطلاقات اعتبار الملاقاة في التطهير ، ولانعقاد الإجماع عليه فلا يثبت منها إلّا تطهيرها لخصوص ما يلاقيها من أجزاء الماء دون غيرها من الأجزاء ، فلا يتّجه الحكم بالسراية إلى الجميع.

نعم ، ذلك إنّما يصحّ مع الامتزاج لحصول الملاقاة بالنسبة إلى الجميع.

قلت : مجرّد اتصال المائين قاض بطهر الجزء الملاقي ، فيطهر الجزء الذي يلاقيه ممّا بدا به (1) لكونه طاهرا مطلقا. وهكذا الحال في الذي يليه بالنسبة إلى ما يلاقيه إلى تمام أجزاء الماء ، فيطهر الجميع.

وبذلك يظهر الفرق بين المطلق والمضاف ؛ لعدم ثبوت الطهورية له ، فلا يسري الطهارة من الجزء الملاقي إلى ما بعده ، فلا يمكن تطهيره بمجرّد الاتصال ، ولا بالامتزاج مع عدم استهلاكه في الماء ؛ لعدم إمكان إيصال المطهّر إلى جميع أجزائه حينئذ.

ولذا ذهب الجمهور إلى عدم قبوله للطهارة ما دام على الإضافة ، فلا مدخليّة لاعتبار الامتزاج في تطهير شي ء من المياه لما عرفت من عدم حصول ملاقاة المطهّر لجميع الاجزاء إن قصد (2) ذلك ، وعدم الحاجة إليه من جهة صدق ملاقاة الماء الطهور بالنسبة إلى جميع الأجزاء ؛ لحصوله بمجرّد الاتصال حسبما قرّرنا.

ص: 205


1- في ( د ) : « يليه » بدل : « بدا به ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إن قصد .. إلى جميع الأجزاء ».

كيف ولو غضّ عمّا قلناه لزم اعتبار استهلاك الماء النجس في المعصوم على نحو المياه المضافة ليحصل التطهير ، وهو على الظاهر خلاف الإجماع ؛ إذ لا خلاف بينهم في تطهير الكرّ من الماء إذا ألقي في مثله أو ضعفه من الماء النجس مع زوال التغيير ، ولا استهلاك فيه قطعا.

ويدلّ على ما قلناه أيضا أنّه لا خلاف ظاهر في كون إلقاء الكر دفعة على الماء النجس متطهّرا (1) له ، ولو كان النجس أضعاف أضعاف الكر كما هو مقتضى إطلاقاتهم.

وقد نصّ على عدم الخلاف بينهم في ذلك في كشف اللثام.

ومن الظاهر إذن عدم حصول الممازجة بالنسبة إلى الجميع ، فيطهر بعضه بالامتزاج والباقي بالاتصال وأمّا إذا كان الاتصال مطهرا في البعض فلا مفرّ من القول به في الكلّ.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا في خصوص الجاري وماء الحمّام إطلاق قوله عليه السلام في مرسلة ابن أبي يعفور : « ماء الحمّام كماء النهر ، يطهّر بعضه بعضا » من غير إشارة إلى اعتبار الامتزاج.

وبتنقيح المناط يمكن تسرية الحكم إلى سائر المياه المتّصلة بالمعصوم.

مضافا إلى أنّ الماء المتّصل بالمعصوم من الجاري والكر وغيرهما (2) يدفع عن نفسه النجاسة لاعتصامه بها ، فيكون أيضا رافعا لاتّحاد السبب فيهما.

فاعتبار الامتزاج (3) مطلقا كما يظهر من التذكره أو اعتباره في الكر دون الجاري كما يظهر من بعض أجلّة المتأخّرين أو مع علوّ المطهّر دون ما إذا تساوى الماء ان كما يظهر من الموجز ويقتضيه (4) الجمع بين عبارات المنتهى والنهاية كما عرفت في بحث ماء الحمّام ؛ ضعيف لا مستند له.

إذ اعتباره إمّا لأجل ملاقاة المطهّر للنجس فقد عرفت أنّه (5) حاصل بالنسبة إلى جميع

ص: 206


1- في ( د ) : « مطهّرا ».
2- زيادة في ( د ) : « ممّا ».
3- زيادة في ( د ) : « فيهما ».
4- في ( د ) : « بعضه ».
5- زيادة في ( د ) : « غير ».

الأجزاء - لا حقيقة ولا عرفا - لعدم إمكان الأوّل ، وعدم اعتبارهم للثاني ظاهر.

وإمّا لرفع الاثنينيّة بين المائين واتحادهما ففيه أنّه لا يتوقّف على الامتزاج.

وإمّا لرفع الامتياز بينهما والمغايرة في الإشارة الحسيّة ففيه أنّه لا دليل عليه ولا شاهد من نظائره يرشد إليه.

وقد يستدلّ عليه بأصالة بقاء النجاسة إلى أن يعلم المزيل ، ولا يتحقق إلّا مع الامتزاج لقيام الإجماع عليه حينئذ.

وفيه أنّ الإطلاق أيضا حجّة وهو كاف في نقض الأصل.

مضافا إلى ما عرفت. ويعزى إلى بعض الأصحاب أنّه على القول بالاكتفاء بالاتّصال في الواقف لا مفرّ أيضا من اعتبار الامتزاج في الجاري مستدلّا بحصول علوّ المطهّر أو امتزاجه هناك بخلاف الجاري ؛ لكون المنبع فيه تحت الأرض.

ولا يخفى ضعف الدليل في نفسه وأخصيّته عن الدعوى إن تمّ ؛ إذ قد يكون المنبع من مكان مرتفع أو مساو للماء ، وقد يكون التغيير في المنحدر عن المنبع بكثير وكان ذلك شاهد على تخصيص الدعوى بصورة علوّ النجس على المادّة كما حكي عن بعض المتأخرين.

وقد يظهر من الروض أيضا ؛ لاعتباره علوّ المطهّر ففيه كما سيأتي من عدم الدليل على اعتبار ذلك.

وهل يعتبر فيه علوّ المطهّر أو مساواته مطلقا أو في غير النابع أو لا يعتبر ذلك مطلقا؟

وجوه ؛ أقواها عدم الاشتراط لما عرفت من عموم (1) الدليل بالنسبة إلى جميع الأقسام.

واعتبار الورود في المطهّر على ما اعتبر في تطهير غير الماء فانّما هو في غير المعتصم وإلّا فلا فرق بين الورودين في غيره قطعا.

وظاهر الروض اعتبار علوّ المطهّر خاصّة فلا طهر مع المساواة أو علو النجس ، وظاهر ما ذهب إليه مخالف لما اتفقوا عليه.

ص: 207


1- في ( د ) : « عدم ».

وقد اعترف باتفاقهم في صورة مساواة السطوح قال (1) : « ويمكن حمله بأنّ جماعة (2) من الأصحاب منهم المصنّف في التذكرة والشهيد في الذكرى (3) اشترطوا في طهر النجس إذن امتزاج الطاهر به ».

قال (4) : « وهذا الشرط راجع إلى علو الجاري إذ لا يتحقق الامتزاج بدونه ».

ولا يخفى عليك أنّ الامتزاج لا يستلزم علو المطهر على جميع أجزاء النجس (5) ، ولو سلّم فاشتراطهم له ليس من تلك الجهة فاعتباره له مخالف لظاهر ما اتفقوا عليه.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، مع مخالفته لظاهر الأدلّة.

وقطع في القواعد بعدم الاكتفاء بنبع الماء من تحت الراكد المتنجس.

وفي المعتبر (6) أنّه أشبه بالمذهب.

وهذا بظاهره قد يوهم اشتراط علوّ المطهّر أو مساواته لكن حمله على بناء النبع على اعتبار الدفعة ممكن.

ويؤيّده أنه نصّ في المعتبر بعد ذلك بطهارة الماء إذا وصل المطهّر إليه من تحت.

وقريب منه ما في نهاية الإحكام.

ولا يذهب عليك أنّ المقصود بالنبع في المقام غير النبع من الأرض ؛ إذ لا تأمّل في الاكتفاء به في الجملة.

هذا ، وأمّا (7) عدم علوّ النجس على المطهّر متدافعا عليه من الأعلى إلى الأسفل فلا شكّ في اعتباره لعدم سراية النجاسة كذلك كما عرفت ، فلا تسري الطهارة أيضا.

ص: 208


1- روض الجنان : 136.
2- في ( د ) : « جملة ».
3- في ( ب ) زيادة : « و ».
4- روض الجنان : 136.
5- في ( د ) : « المتنجّس ».
6- المعتبر 1 / 51.
7- زيادة في ( د ) : « مع ».

مضافا إلى استصحاب النجاسة مع الشك في شمول إطلاقات التطهير لمثله. والظاهر اتفاقهم على ذلك وعليه يحمل ما حكي عن ظاهرهم من الاتّفاق على اعتبار علوّ المطهّر هنا أو مساواته ، ولو أريد به ما يشمل المعنى الأوّل فقد عرفت ضعفه ، وتصريح غير واحد من الأصحاب بخلافه.

والظاهر عدم الفرق فيما ذكر بين علوّ النجس عليه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، وكذا الحال مع حصول مسمّى الانحدار.

وأمّا مع تساوي المكان عرفا إذا تدافع النجس على المطهّر ففي حصول التطهير به إشكال ونحوه ما إذا جرى عليه (1) النجس من الأسفل كالفوّارة.

وقضيّة الأصل بقاء النجاسة وإن كان حصول التطهير به لا يخلو عن قوّة.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : ذهب الشيخ في الخلاف إلى (2) اعتبار الدفعة في إلقاء الكر على الماء النجس. وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخر عنه.

وعزاه المحقّق الكركي (3) إلى صريح الأصحاب مؤذنا (4) باتفاقهم عليه.

وفي المسالك (5) أنه المشهور.

والظاهر أنّه لا خلاف في عدم اعتبارها في التطهير بما عدا الكر من المياه المعتصمة كالجاري والغيث. ولا يبعد اختصاصه أيضا بما إذا كان التطهير بمقدار الكرّ (6).

ص: 209


1- في ( ب ) : « إليه ».
2- زيادة اللفظه من ( د ).
3- جامع المقاصد 1 / 133.
4- في ( ب ) : « مؤذن ».
5- مسالك الإفهام 1 / 14.
6- الزيادة من نسخة ( ب ).

أمّا لو زاد عليه بمقدار ما يحصل به الاتصال بالماء النجس - بناء على الاكتفاء به - أو الامتزاج أيضا - بناء على اعتباره - فلا وجه لاعتبار الدفعة فيه ؛ لما عرفت من اعتصام المنحدر إذن بما فوقه من الكر على ظاهر مذهبهم.

وقد صرّح جمع من معتبري الدفعة بتسرية حكم الحمّام به (1) إلى غيره وقد عزا في المعالم إلى الذاهبين إلى اعتبار المساواة في سطح الكر أنّهم مصرّحون بعدم انفعال القليل المتصل بالكثير ، ولذا اعتبرت الدفعة في عباراتهم في خصوص الكر. وظاهر الشرائع اعتبارها في الزائد على الكر أيضا ، وقد يرجع إلى الأوّل.

وكيف كان ، فاعتبار الدفعة مبني على اعتبار تساوي السطوح في الكر وعدم تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ إذ مع القول بعدمه لا يخرج المنحدر بسبب اتصال الماء عن حكم الكرّ ، فلا فائدة في اعتبار الدفعة.

وحيث إنّ الأقوى عدم اعتبار استواء السطوح (2) كذلك فالوجه عدم اعتبارها في المقام ؛ وفاقا لجماعة من الأعلام بعدم ظهور الفرق بين الدفعة وغيرها حينئذ في إفادة التطهير لاقتضاء الإطلاقات بخصوص التطهير على الوجهين.

والقول بعدم ورود كيفيّة تطهير (3) المياه في الروايات - فينبغي الأخذ بمقتضى استصحاب النجاسة في غير مورد الإجماع - فيبتني على بقاء النجاسة مع عدم إلقاء الكر دفعة لشهرة الخلاف فيه حينئذ ، مدفوع بما مرّت الإشارة إليه من الاكتفاء في الحكم بالتطهير بالاطلاقات الواردة ؛ إذ هي مع عدم ظهور التقييد حجة وافية (4) في إفادة الحكم.

وما ذكر من الاستصحاب مدفوع باستصحاب بقاء الكرّ الوارد على غير وجه الدفعة على الطهارة ؛ إذ مع القول بعدم إفادته التطهير يحكم بنجاسته حسبما نصّ عليه ، فكيف يصحّ

ص: 210


1- لم ترد في ( ب ) و ( ج ) : « به ».
2- في ( ب ) : « السطح ».
3- لفظه - « تطهير » لم ترد في ( د ).
4- في ( ج ) : « وأثبته ».

القول ببقائه على الطهارة وبقاء الآخر بالنجاسة مع امتزاج المائين وانتفاء المائز بينهما.

ويظهر من المحقق الكركي (1) ورود النصّ به باعتبار الدفعة.

ولم نعثر عليه.

وما حكاه من تصريح الأصحاب به لا حجّة فيه مع تصريح جماعة بخلافه.

مضافا إلى عدم وضوح ما ذكره في دعوى الإجماع.

وقد ظهر ممّا قلنا عدم الحاجة إلى اعتبارها مع تساوي سطحي المائين لحصول (2) الاعتصام معه قطعا.

ولذا اعتبروها في إلقاء الكرّ نظرا إلى علوّه على النجس ، فتفطن.

وقد يحمل اعتبار الدفعة في كلام جماعة منهم على إرادة المواصلة بين أجزاء (3) الكر بأن لا يلقى فيه دفعات متفرقة ، وهو بهذا المعنى ممّا لا شك فيه.

الثاني : أنّه لو كان الماء متغيرا بالنجاسة فألقي عليه كرّ فإن تغيّر به الكرّ الوارد نجس وليس ذلك من التغيير بالمتنجّس كما مرّ بيانه.

ولا بدّ حينئذ من إلقاء كرّ آخر إلى أن يزول التغيير.

وكذا الحال لو تغيّر به بعض الكرّ الوارد لتنجسه بذلك ، ونقصان الباقي عن الكر فينجس الجميع.

ومن ذلك ما لو تغير بعضه في أول آنات اللقاء ثمّ زال التغيير عن الجميع باستيلاء الماء الوارد.

وما يتراءى من اقتضاء إطلاق الأصحاب بحصول التطهير في الصورة المفروضة لصدق (4) زوال التغيير بالقاء الكر عليه ، بيّن الفساد ؛ لظهور خروج الصورة المفروضة عمّا

ص: 211


1- جامع المقاصد 1 / 133.
2- في ( ج ) : « بحصول ».
3- في ( ج ) : « اجراء ».
4- لم ترد في ( ج ) : « لصدق .. المفروضة ».

ذكروه.

كيف ومن الواضح تنجّس القدر المتغير في تلك الحال وخروج الباقي عن الكرية ، فلا يبقى هناك كر طاهر حتّى يصحّ التطهير به ، ويندرج في إطلاق ما ذكروه.

ولو شكّ في تغيير بعضه في أوّل الملاقاة بنى على أصالة عدمه وبقائه على طهارته ، فيحكم بطهارة الجميع بعد زوال التغيير ( عن الماء بعد حصول الاستيلاء.

ولو شكّ في زوال التغيير ) (1) بعد امتزاج المائين ظاهر القاعدة الحكم بالطهارة بعد تعارض الأصلين ، ولو أمكن استعلام حاله فهل يجب عليه ذلك عند إرادة استعماله؟ وجهان.

ولو كان الماء نجسا متغيرا وشكّ في كون تغيّره بالنجاسة ففي طهره مع بقاء التغيير وجهان ؛ من استصحاب النجاسة وأصالة عدم كون التغيير بالنجاسة.

الثالث : أنّه لو كان مقدار الكر في روايات عديدة مثلا فأهريق الجميع دفعة على الماء النجس بعد اتصال بعضها بالبعض في محلّ الانصباب ، فالظاهر الاكتفاء به في المقام بناء على ما اخترناه من عدم اعتبار استواء السطوح في الكر وتقوّي الأسفل بالأعلى.

والظاهر أن ذلك هو مقصود الجماعة من فضلاء البحرين حيث حكموا بالتطهير مع تفرّق ماء الكر في أواني عديدة حسبما حكاه عنهم في الحدائق.

والوجه فيه ما قرّرناه ، فما (2) ذكره من أنّه لا يعلم بالوجه فيه عندهم كما ترى.

الرابع : أنّه كما يطهر الماء النجس بإلقاء الكرّ عليه كذا يطهر بإلقائه في الكر ، ولا مجال حينئذ لاعتبار الدفعة.

[ مسائل ]

وهاهنا مسائل :

ص: 212


1- ما بين الهلالين من نسخة ( د ).
2- في ( ب ) : « لما ».

أحدها : أن المشهور (1) بين المتأخرين عدم طهر القليل باتمامه كرّا سواء تمّم بطاهر أو نجس ، وهو (2) محكيّ (3) عن الإسكافي والشيخ رحمه اللّه في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعزاه في شرح اللمعة (4) إلى معظم الأصحاب. وفي شرح القواعد إلى المتأخرين.

وعزاه جماعة إلى الأكثر.

ويظهر من المعتبر ندور القول بخلافه.

وذهب جماعة من القدماء منهم السيد ، والديلمي ، والقاضي (5) ، وابن أبي المجد الحلبي ، والحلّي ، وابن سعيد إلى طهره بذلك.

وإليه ذهب من المتأخرين المحقّق الكركي (6) ، وعزاه إلى أكثر المحققين.

وظاهر (7) إطلاق بعضهم وصريح آخرين عدم الفرق بين إتمامه بالطاهر أو النجس ، بل ربّما يظهر من بعض أدلّتهم عدم الفرق بين كون الإتمام بالماء أو غيره حتّى من نجس العين إلّا أنّ الشيخ رحمه اللّه في المبسوط (8) - مع احتمال ذهابه إليه حيث قوىّ القول بالطهارة مع إتمامه بالطاهر أو النجس - نفى الشك عن عدم حصول الطهر بإتمامه بالنجاسة.

والمقصود مع استهلاكه فيه وإلّا كان خارجا عن محلّ الكلام.

وفصّل الطوسي بين إتمامه بالماء الطاهر والنجس ، وحكاه الشيخ رحمه اللّه عن البعض.

ص: 213


1- مفتاح الكرامة 1 / 409 - 410.
2- لم ترد في ( ج ) : « وهو محكيّ .. القول بخلافه ».
3- في ( ب ) : « العقربة ».
4- في ( د ) : « الجعفريّة ».
5- جواهر الفقه : 5.
6- جامع المقاصد 1 / 133.
7- زيادة في ( ج ) : « هو محكيّ عن الاسكافي والشيخ في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.
8- المبسوط 1 / 7.

حجة المشهور أصالة بقاء النجاسة حتّى يعلم المزيل ولم يعلم حصوله بذلك ؛ لعدم نهوض دليل عليه.

وما احتجّ به للطهارة موهون كما سنبيّن ، وإنّ قضية ما دلّ على انفعال القليل ثبوت النجاسة حتّى يعلم المزيل ولا دليل هنا.

مضافا إلى إطلاق المنع من غسالة الحمّام ؛ معلّلا بأنّ فيه غسالة اليهودي وولد الزنا والناصب ، فيعم ما لو بلغ المجموع حدّ الكر أو كان دونه.

وفيها أنّ استصحاب النجاسة إنّما يتمّ إذا لم يكن تتميمه بالماء الطاهر ، وأمّا معه فيتعارض (1) الاستصحابان. وقضية الأصل طهارة الماء حتّى يعلم انفعاله.

والقول باقتضاء أدلّة القليل بقاء الانفعال إلى أن يتحقق المزيل - لو سلّم - كان مفادها مفاد الاستصحاب ، فيتعارض (2) حينئذ ما دلّ على طهارة الطاهر حتّى يعلم زواله مع خصوصيته في ذلك. وما دل على المنع من غسالة الحمّام محمول على المتعارف في تلك الأزمنة.

وبلوغ المجموع حد الكر غير معلوم ، فلا دلالة فيها على المطلوب.

حجة القائلين بطهره بذلك بعد العمومات الدالّة على طهارة الماء من الآيات والروايات الإجماع عليه. حكاه في السرائر (3) ، وقوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء كرا « لم يحمل خبثا » ، وجعله في السرائر من قول الرسول صلى اللّه عليه وآله المجمع عليه عند المخالف والمؤالف.

وفي المهذب (4) من قولهم صلوات اللّه عليهم.

و (5) ظاهر ذلك روايته عن الأئمّة عليهم السلام ، والمراد بقوله « لم يحمل خبثا » : لم يظهره ، من قولهم : فلان يحمل غضبه أي يظهره.

ص: 214


1- في ( د ) : « فيعارض ».
2- في ( د ) : « فيعارض ».
3- السرائر 1 / 63.
4- المهذب 1 / 23.
5- في ( ب ) لم ترد : « وظاهر ذلك .. لم يطهّره ».

ومجي ء « حمل » بهذا المعنى مذكور في جملة من كتب اللغة ، فيعمّ صورتي دفع النجاسة عن نفسه ورفعها. كذا ذكره جماعة في وجه الدلالة.

ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى حمله على ذلك مع بعده عن ظاهر الاستعمالات بل يمكن الاستناد إليه مع حمله على ظاهر العرف ؛ فإنّ عدم حمل الخبث يعمّ الصورتين ، فلو كان الخبث حاصلا قبل الكرّيّة كان عدم حمله رفعه عن نفسه ، وإلّا اقتضى دفعه عنها ، والإجماع على طهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة عينيّة ولم يعلم هل كان وقوعها قبل بلوغ الكر أو بعده ، فلولا تساوي الحالين لما حكم فيه بالطهارة مطلقا ، وإن بلوغ الماء حدّ الكر يوجب استهلاكه للنجاسة ، فلا فرق بين وقوعها قبل بلوغه وبعده.

ويرد عليه أنّ العمومات مخصوصة بما دلّ على تنجّس الماء ، وأمّا الإجماع فموهون بمصير الأكثر إلى خلافه.

قال المحقق (1) : « إنّا لم نقف على شي ء في شي ء من كتب الأصحاب ، ولو وجد كان نادرا ، بل ذكره المرتضى في مسائل منفردة وبعده اثنان أو ثلاثة ممّن تابعه. ودعوى مثل هذا إجماعا غلط ». انتهى.

والرواية على فرض كونها من روايات أصحابنا مرسلة لا تعويل عليها. ونقله الإجماع على الرواية إن عني به الإجماع على الحكم المستفاد منها فقد عرفت ما فيه وإن عني مجرد الاتّفاق على الرواية - إذ لا معنى لدعوى الإجماع المصطلح عليه - فهو أيضا ضعيف ؛ لعدم ذكرها في شي ء من كتب الحديث ، وإنّما وجدت مرسلة في بعض كتب الفقه قال المحقق (2) : ونحن قد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ وإنّما رأينا ما ذكرناه ، وهو قول الصادق عليه السلام : « إذا كان الماء .. الخبر. ولعلّه غلط من غلط في هذه المسألة لتوهمه أنّ معنى اللفظين واحد. انتهى.

على أنّها على فرض صحّتها قد يناقش في دلالتها ؛ نظرا إلى ظهور قوله عليه السلام « لم يحمل »

ص: 215


1- المعتبر 1 / 53.
2- المعتبر 1 / 53.

في عدم حمل النجاسة الطارئة ، فلا يشمل غير صورة الدفع كالصحاح الخاصة. والإجماع على طهارة الماء الكثير المفروض ليس مبنيّا على ذلك بل على أصالة الطهارة.

والوجه الأخير قياس فيه.

حجة المفصّل في الحكم بالطهارة الرواية المذكورة. وفي اشتراط طهر المتمّم اعتبار سبب الطهارة ؛ إذ لا يعقل حصول الطهارة من غير مطهّر.

ويضعّفه ما عرفت مضافا إلى أنّ قضية إطلاقها حصول الطهر بمجرّد البلوغ إلى حد الكرّ ، فنفس الكرّية رافعة للنجاسة من غير حاجة إلى طهارة البعض.

قلت : وقد عرفت من حكاية تعارض الأصلين وجها وجيها للتفصيل. وما قد يتراءى لدفعه من إطلاقات المفهوم في روايات الكر مدفوع بأنّ المناط في الكرية وعدمها هو حال الملاقاة ، والمفروض إذن بلوغه حدّ الكر.

فان قلت : المتبادر من روايات الكر اشتراط عدم الانفعال ببلوغ الماء الطاهر حدّ الكر ، وقضية ذلك تنجّسه إذا لم يكن الطاهر منه كرّا كما هو المفروض في المقام.

قلت : القائل بطهره في الإكمال يقول بطهر الجميع ، فليس الطاهر عنده خصوص ما فرض طهارته بما دون الكر ، فيقتضي (1) الإطلاق تنجّسه ، فلا مقتضى لاختصاص الطهر به سوى استصحاب النجاسة في الآخر.

وقد عرفت أنه معارض باستصحاب الطهارة ، فقضيّة العمومات طهارة الجميع للإجماع على تغليب أحد الحكمين مع الملاقاة. هذا غاية ما يقال في توجيه القول المذكور.

ولا يذهب عليك أنّ البناء على توارد الأصلين إنّما يتم إذا ورد الطاهر على النجس أو تواردهما ، أمّا مع ورود النجس عليه فينفي الحكم بالنجاسة ؛ إذ لا مطهّر لما علا من النجس على ما يلاقيه.

ثمّ إنّ قضيّة روايات الكر تنجّس ما دون الكر من الماء الطاهر بملاقاة النجاسة والملاقاة

ص: 216


1- في ( د ) : « ليقتضي ».

حاصلة في المقام ، فيقتضي ذلك تنجّسه ، ولو فرض ثبوت طهره كان ذلك في الحقيقة تقييدا للإطلاق.

وممّا يؤيد ذلك إطباق الأصحاب - ظاهرا - على البناء على خروج الحكم بالطهارة بذلك عن القاعدة ، فلذا لم يتمسّك أحد فيها بالأصل ، وإنّما استندوا إلى الأدلّة الخاصّة.

قال المحقق (1) بعد ردّ ما استدلّ به الحلي من الأخبار : وإن لم يثبت طهارته فالاجماع على المنع منه.

مضافا إلى أنّ السبب في اعتصام الكر تقوّي بعض أجزائه بالبعض ، ومع تنجّس بعضه لا يحصل التقوية العاصمة.

وأيضا بعد تعارض الأصلين يبقى استصحاب انفعال القليل بالملاقاة الثابت قبل الوصول إلى النجس سليما من المعارض.

فظهر بجميع ما ذكرنا ضعف القول المذكور.

ثانيها : أنّ المعروف بين الأصحاب عدم طهارة الكثير المتنجّس بالتغيير بمجرّد زواله.

وفي المنتهى (2) حكاية الشهرة عليه.

بل لا نعرف مخالفا فيه سوى ما حكي عن ابن سعيد من حكمه بالتطهير.

واحتمله العلّامة (3) في النهاية فيما إذا زال التغيير بنفسه.

ولا يخفى ضعفه لاستصحاب النجاسة الثابتة من دون حصول ما يوجب العلم بنقضه ، ولظاهر الإطلاقات الدالّة على وجوب الاجتناب عنه في الاستعمال بعد حصول التغيير.

والوجه في الطهارة عموم قوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » خرج عنه حال التغيير بالإجماع ، فبقي الباقي ، وإنّ التغيير هو السبب في النجاسة فتزول بزواله ؛ ضرورة انتفاء المسبّب عند انتفاء السبب.

ص: 217


1- المعتبر 1 / 53.
2- منتهى المطلب 1 / 65.
3- نهاية الإحكام 1 / 257.

ولا يخفى وهن التعليلين ؛ لاقتضاء الرواية عدم حمله شيئا من الأخباث مطلقا ، فمع ثبوته يستصحب بعدم دلالتها على رفعه بعد الثبوت.

ومن هنا ظهر أنّه لا يلزم القائل بالطهارة بالإتمام قوله بها هنا ، وإن استدلّ هناك بالخبر المذكور فما (1) في المعتبر والدروس من إلزامه إذن بذلك ليس بوجه (2).

ولذا نصّ جماعة منهم بعدمها في المقام. ولو سلّم العموم فيها بالنسبة إلى الأوقات فقد عرفت ما فيها من الضعف في السند والدلالة. والمسبب عن التغيير إنّما هو حصول النجاسة لا بقاؤها ليرتفع بارتفاعه كالملاقاة بالنسبة إلى القليل ، فلا ترتفع النجاسة عنه بمجرّد ارتفاعها.

ثمّ إنّه لا فرق بين زوال التغيير من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح أو بمخالطة بعض الأجسام غير الماء أو الماء مع عدم بلوغه حدّ الكر ، ويأتي على القول بطهر القليل بإتمامه كرا احتمال طهره في الصورة الأخيرة ، بل حكي القول به عن ظاهر إطلاق المبسوط ، والمراسم ، والوسيلة ، والجامع.

وقد يستدل عليه بتوارد الاستصحابين ، والأصل الطهارة.

وقد عرفت ضعفه لإطلاق (3) الرواية المذكورة بناء على أنّ المراد بالكر ما فوق القليل سواء كان بمقدار الكر أو زاد عليه.

ولا يخفى ضعفه لظهور الرواية إن حملت على ذلك في القلة السابقة.

ولذا نصّ في السرائر (4) هنا بعدم الالحاق.

هذا ، ولو تغيّر بعض الكثير وكان الباقي كرّا طهر بمجرد زوال التغيير على ما ذهبنا إليه ، وعلى اعتبار الامتزاج فلا بدّ من تمويج الباقي ليحصل الامتزاج.

ص: 218


1- في ( ج ) : « مما ».
2- في ( د ) : « بالوجيه ».
3- في ( د ) : « وبإطلاق ».
4- السرائر 1 / 62 - 63.

ثالثها : إذا جمد الماء كان حكمه حكم نحوه من الجوامد فإن تنجّس حينئذ اختص النجاسة بمحل الملاقاة سواء كان بقدر الكر أو دونه. وحكم العلّامة رحمه اللّه بعدم انفعاله مع بلوغه قدر الكر.

وهو ضعيف كما مرّت الإشارة إليه. وطريق تطهيره كتطهير نحوه من الجوامد. ولو تنجّس مائعا ثم جمد لم يمكن تطهيره إلّا بالميعان ؛ لعدم إمكان إيصال الماء (1) إلى جميع أجزائه إلّا بذلك.

ويحتمل على مذهب العلّامة تطهيره بالاتصال بالماء المعصوم بناء على الاكتفاء في التطهير بمجرّد الاتّصال ، فتأمّل.

ص: 219


1- لم ترد في ( ب ) : « الماء إلى جميع .. تطهيره الاتصال ».

تبصرة: [ في كيفية تطهير البئر ، والكلام في النزح ]

يطهر البئر بناء على ما قوّينا من اعتصامها بالمادة كغيرها من المياه النابعة بزوال التغيير ، سواء زال من نفسه أو بمخالطة الماء أو غيره مع طهارة الممازج أو نجاسته وفاقا لجماعة.

وفي الحدائق (1) : أنّه على القول بعدم انفعال البئر لا إشكال في طهارتها بذلك لمكان المادة.

وربّما يستفاد ذلك من كلام (2) غيره أيضا.

والوجه فيه ظاهر ممّا قرّرناه ؛ إذ لا فرق حينئذ بينها وبين غيرها من المياه النابعة.

وحيث اخترنا هناك طهرها بمجرّد زوال التغيير كيفما كان جرى ذلك في المقام ، واعتبار النزح بخصوصه في صحيحة ابن بزيع من أجل استناد الزوال غالبا إليه خلافا لجماعة منهم العلّامة رحمه اللّه (3) في عدّة من كتبه ، وولده في الايضاح (4).

واختاره بعض أفاضل المتأخرين.

وفي كلام بعض المحقّقين حكاية الشهرة عليه. والوجه فيه استصحاب النجاسة وإناطة الطهارة في المعتبرة المستفيضة بالنزح (5).

والأوّل مدفوع بقيام الدليل على الطهارة حسبما أشرنا إليه ، والثاني محمول على الغالب كما عرفت.

ص: 220


1- الحدائق الناضرة 1 / 371.
2- زيادة في ( د ) : « صاحب المعالم والذخيرة ».
3- منتهى المطلب 1 / 68.
4- إيضاح الفوائد 1 / 20.
5- في ( د ) : « في ».

ومع البناء على الثاني فهل يتوقف طهرها على نزح جميع الماء أو يكتفى بنزح ما يزيل التغيير على بقائه؟ قولان.

والأوّل مختار العلّامة رحمه اللّه (1) في التذكرة ، وولده في الايضاح (2).

وقوّاه في القواعد (3) على إشكال.

والثاني مختار جماعة. واستقر به بعض أفاضل المتأخرين.

والوجه في الأول استصحاب النجاسة ، فلا يحكم بزوالها بعد انتفاء علامة الطهارة إلّا بنزح الجميع ؛ إذ هو القدر المتيقّن.

وفي الثاني طريق الأولويّة ، فإنّه إذا كان ذلك كافيا مع بقاء التغيير فمع زواله أولى.

وهذا هو الأظهر تفريعا على الوجه المذكور.

نعم ، لو لم يحصل العلم به إلّا مع نزح الجميع فلا كلام في لزومه على كلّ من القولين المذكورين (4) للعلّامة في القواعد والنهاية (5) ، فقال ببقاء النجاسة مع زوال التغيير من نفسه من دون النزح أو ملاقاة المطهّر.

ولذلك أوجب حينئذ نزح الجميع.

ولو قلنا بتنجّسها بالملاقاة طهرت بالنزح المقدّر إجماعا ، وبمطهر غيرها من الاتصال بالجاري أو الغيث أو الكر أو ممازجتها بناء على اعتبارها.

وبه نصّ في البيان والروضة وجماعة من متأخري المتأخرين ، ويعطيه كلام العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه ؛ لإطلاق ما دلّ على طهوريّة (6) الماء ، ولأنّه بعد الامتزاج لا بدّ من القول بطهارة الجميع أو نجاسته ، والثانية باطل لما مرّ ، فتعين الأوّل.

ص: 221


1- منتهى المطلب 1 / 70 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 30.
2- إيضاح الفوائد 1 / 21.
3- قواعد الأحكام 1 / 189.
4- زيادة في ( د ) : « خلافا ».
5- نهاية الإحكام 1 /. 261
6- في ( ج ) : « طهور ».

ويسري الحكم إذن إلى مجرد الاتصال لعدم القول بالفصل بعد الاكتفاء به في التطهير.

ولا ينافيه ظاهر إطلاق الروايات وكلام الأصحاب من ذكر النزح بالخصوص ؛ لابتنائه على ما هو الغالب من عدم التمكّن من غيره أو صعوبته ، فلا دلالة فيها على عدم الاكتفاء به بعد حصوله.

مضافا إلى عدم وضوح دلالتها على الحصر.

ويضعف بما (1) ذكرنا ما في المعتبر من عدم الاكتفاء بجريان الماء المتصل بالجاري إليها معلّلا بتعلّق الحكم بالنزح ولم يحصل.

وفصّل الشهيد في الذكرى والدروس (2) بين وصول الجاري أو الكثير إليها بالتسنيم وغيره ، فحكم في الثاني بالتطهير دون الأوّل لعدم الاتحاد في المسمّى.

ونصّ المحقّق الكركي على طهرها باتصالها بالجاري على وجه لا تسنّمها من علوّ ، وعلّله باتحادها به قال (3) : أمّا إذا تسنمها من علوّ فيشكل (4) لأنّ الحكم بالطهارة دائر مع النزح ، وكذا القول في ماء المطر والكثير إذا ألقى فيها دفعة.

ويظهر منه أنّه يريد بتعليله بالاتحاد خروج البئر عن اسمه في الأوّل فيسقط النزح بخلاف الثاني.

ويحتمل عبارة الشهيد رحمه اللّه. وفيه - بعد عدم اتضاح الفرق بين الوجهين في ذلك - أنّه يرجع إلى ما ذكره المحقّق رحمه اللّه ؛ إذ الظاهر اكتفاؤه بذلك بعد خروجها عن اسم البئر.

وإن اريد بذلك بقاء الممايزة بين المائين وعدم حصول الوحدة المعتبرة في التطهير ففيه ما عرفت سابقا. ومع الغض عنه فلا شبهة في اتحاد الممازج معه وهو معتصم بما فوقه اعتصام الواقف بالجاري أو الكر إذا كان ما فوقه كرا ، وهو كاف في المقام ومع زوال التغيير من نفسه أو

ص: 222


1- في ( ب ) : « ممّا ».
2- الذكرى : 10 ؛ الدروس 1 / 120 و 121.
3- جامع المقاصد 1 / 148.
4- زيادة في ( د ) : « ذلك ».

بتصفيق الرياح ونحوه فلا مجال للقول بطهرها ، وإن قيل باكتفاء زوال التغيير في طهر الكر.

وحينئذ فهل يعتبر في تطهيره نزح (1) الكل أو يكتفى بنزح ما يزيل التغيير على فرض بقائه؟ فيه الخلاف (2) المتقدم والأظهر فيه الوجه الثاني حسبما مرّ.

ولو جرى البئر بعد تنجّسه فإن كان من نفسه وعلى سبيل الندرة احتمل طهر الجميع حينئذ (3) بخروجه عن اسم البئر في وجه قويّ ، وإن كان بإجرائه على الأرض فالظاهر خروجه عن اسمه فيطهر به لما دلّ على طهوريّة الجاري.

ويحتمل فيه كالأوّل بقاء النجاسة إلى حصول النزح أو طهارة ما بقي بعد جريان قدر المنزوح.

ولا يخفى ضعفه في غير الأوّل.

واحتمل الوجوه الثلاثة في الذكرى من غير ترجيح ، وقطع في الدروس ببقاء النجاسة.

ولا يخفى ضعفه.

ولو أجريت باستعانة بعض الآلات ففي بقاء حكمها بعد الجريان وجهان. وينبغي القطع بطهارة الباقي بعد خروج المقدار الّذي يجب نزحه.

ص: 223


1- في ( ب ) : « بنزح ».
2- في ( ب ) : « بخلاف ».
3- في ( د ) : « بعد خروجه » بدل « بخروجه ».

تبصرة: [ في مقدار نزح ماء البئر ]

يطهر البئر بناء على انفعاله بالملاقاة بنزح مائه أجمع لوقوع الخمر وغيرها من المسكرات المائعة بالأصل والفقاع والمني وكلّ من الدماء الثلاثة وموت البعير على المعروف بين الأصحاب.

وقد حكى الإجماع على الجميع في السرائر والغنية ، وأسند في نهاية الإحكام وجوب نزح (1) الجميع لما ذكر على القائلين بقبوله الانفعال مؤذنا باتفاقهم عليه (2).

ويدلّ على ثبوت الحكم في الخمر بعد الأصل والإجماع المنقول الصحاح المستفيضة كصحيحة الحلبي : « إن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح (3) الماء كله (4) ».

وصحيحة ابن سنان : « إن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه (5) ».

وصحيحة ابن عمّار : في البئر يبول فيها الصبيّ أو يصب فيها بول أو خمر؟ « ينزح الماء كله » (6).

ص: 224


1- في ( ب ) : « نزح وجوب ».
2- زيادة في ( د ) : « وعدا العمامة المذكورة في السرائر النجاسات المنصوص عنده فربّما يظهر منه ورود النصّ في الجميع لكن النصّ عليه غير موجود عندنا في كثير منها ».
3- زيادة في ( د ) : « وفي الاستبصار فلينزح ».
4- الكافي 3 / 6 ، ح 7 ؛ الإستبصار 1 / 34 ، ح (92) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 240 ، ح 25 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 6.
5- الإستبصار 1 / 35 ، ح (93) 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 26 ؛ وسائل الشيعة 1 / 179 ، ح 1.
6- الإستبصار 1 / 35 ، ح (94) 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 4.

واشتمال هذه على نزح الجميع في البول مع اطراحها في ذلك عند موجبي النزح لا (1) يخرجها من (2) الحجيّة بالنسبة إلى غيره.

ثمّ إنّ ظاهر هذه الأخبار يشمل القليل من الخمر وكثيرها إلّا ما سقط فيها على سبيل التقاطر.

والظاهر أنّ الحكم في غيره ممّا لا خلاف فيه.

وأمّا في القطرة فهو المشهور أيضا.

وفي المقنع (3) : أنّه ينزح لوقوعها عشرون دلوا.

وظاهر المعتبر (4) الميل إليه ، وكأنّه لرواية زرارة : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر؟ قال : « الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلوا » (5).

مع عدم دلالة الأخبار الأول على حال القطرة لورودها بلفظ « الصبّ » الظاهر في خلافها.

ويضعفه ضعف الرواية ، فلا تقاوم الأصل مع اعتضاده بالشهرة والإجماع بل قد يدّعى شمول الصبّ له أيضا خصوصا إذا لم يكن وقوعها على نحو التقاطر ؛ مضافا إلى أنّ ظاهر الرواية عدم الفرق بين القطرة من الخمر وما فوقها ما لم يغيّر الماء ، ولا يقول به.

وفي خبر كردويه عن البئر : يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » (6).

وهو مطرح بين القائلين بوجوب النزح. وقد يستأنس به لمذهب الصدوق رحمه اللّه من جهة

ص: 225


1- في ( ب ) : « إذ ».
2- في ( ب ) : « عن ».
3- المقنع : 34.
4- المعتبر 1 / 58.
5- الإستبصار 1 / 35 ، ح (96) 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 28.
6- الإستبصار 1 / 35 ، ح (95) 5 ، و 1 / 45 ، ح (125) 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 242 ، ح 29 ؛ وسائل الشيعة 1 / 179 ، ح 2 ، و 1 / 194 ، ح 5.

اشتماله على عدم وجوب (1) نزح الجميع (2) للقطرة.

ويظهر من (3) شرح الجعفريّة وجود القول بنزح العشرين للخمر مطلقا ، وكذا القول بنزح الثلاثين لها أيضا. ولم نجد شيئا من القولين في كلام غيره بل لم نجد القول بنزح الثلاثين لها أصلا ولو في القطرة ، وإنّما وردت به الرواية المذكورة.

ثمّ إنّ المذكور في الروايات المذكورة خصوص الخمر ، فإن قلنا بشمولها لغير المتّخذ من العنب كما يعطيه كلام بعض أهل اللغة ويستفاد من جملة من الأخبار دلّت على حكم سائر المسكرات ، وإلّا فالوجه فيها - مضافا الى الأصل والإجماع المعتضدين بالشهرة - ما يستفاد من جملة من الأخبار أنها بمنزلة الخمر كقوله عليه السلام : « ما فعل فعل الخمر فهو حمر » (4) ، وقوله عليه السلام : « ما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام » (5) (6).

إلى غير ذلك ، ويجري نحو ذلك في الفقاع أيضا.

مضافا إلى الإجماعات المستفيضة الدالة على أنها بمنزلة الخمر في الأحكام.

وأما المني فلم نقف فيه على نصّ فالمستند فيه الأصل ، والاجماعان المذكوران ، مع تأيّده بالشهرة المعلومة والمنقولة في كلام جماعة كالشهيدين والمحقق الكركي وجماعة من القدماء والمتأخرين كأبي علي والفاضلين والآبي وصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهم ، صرّحوا بعدم عثورهم فيه على النص ، ولذا ألحقه في ظاهر المعتبر بما (7) لا نصّ فيه ، وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخر عنه ، وهو ظاهر اللمعة حيث ترك ذكره في المقام.

ثمّ إن ظاهر الإجماع المحكي وكلمات الأصحاب عموم الحكم لمني الإنسان وغيره من

ص: 226


1- لم ترد في ( د ) : « وجوب ».
2- لم ترد في ( ب ) : « الجميع للقطرة .. القول بنزح ».
3- لم ترد في ( ج ) : « ويظهر من .. المذكورة ».
4- الكافي 6 / 412 ؛ وسائل الشيعة 25 / 343 ، ح 2.
5- في ( د ) : « خمر ».
6- وسائل الشيعة 25 / 340 ، ح 10 ؛ من لا يحضره الفقيه 4 / 354 ؛ بحار الأنوار 74 / 47 ، ح 3.
7- في ( ب ) : « ممّا ».

ذوات الأنفس السائلة ، فما نسب (1) إلى بعض الأصحاب من التفصيل في ذلك وإلحاق الثاني ممّا لا نصّ فيه لا وجه له بعد اشتراكها في عدم النصّ وشمول الإجماع لها إن ثبت.

وأما الدماء الثلاثة فقد نصّ على نزح الجميع لها الشيخ رحمه اللّه والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة والطوسي والحلي والعجلي والعلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه والشهيد وابن فهد والمحقق الكركي.

وأسنده في جامع المقاصد إلى الأصحاب ، ولم نقف فيها أيضا على نصّ.

واعترف جماعة من الأصحاب بعدم العثور فيها على النصّ.

وفي الروض : ذكره الشيخ رحمه اللّه وتبعه الأصحاب معترفين بعدم النصّ.

فالدليل عليه الأصل (2) والإجماع المنقول المعتضد بفتوى الجماعة والشهرة المنقولة عليه في الشرائع والروضة.

وربّما (3) يعلّل بغلظ (4) حكمها بالنسبة إلى غيرها من الدماء.

وهو كما ترى.

واقتصر الشيخ في النهاية على ذكر الحيض. ولم يفرّق الصدوقان والمفيد والسيد رحمهم اللّه بين هذه الدماء وغيرها ، بل أطلقوا القول في بيان ما ينزح للدم إلا أنّ بينهم اختلافا في التقدير كما يأتي.

وظاهر ذلك إلحاقها بسائر الدماء كما هو نصّ المحقق (5).

والتحقيق أنه لا إطلاق فيما ورد في الدم بحيث يشملها سوى ما ورد في القطرات ، وهو لا يفيد حكم غيرها فلم (6) ، يشملها إطلاق رواية زرارة المتقدمة ، لكنّها ضعيفة.

ص: 227


1- في ( د ) : « نسبه في الروض » بدل « نسب ».
2- لم ترد في ( ج ) : « الأصل و ».
3- لم ترد في ( ج ) : « وربّما .. كما ترى ».
4- في ( ألف ) و ( ب ) : « بغلط ».
5- خ. ل : المعتبر. كما في نسخة ( ألف ) و ( ب ) ، وفي ( ج ) وفي ( د ) : « المعتبر » بدل « المحقق ».
6- في ( ب ) : « نعم » ، بدلا من : « فلم ».

فإلحاق (1) غيرها بما لا نصّ فيه بعد الغضّ عن الإجماع أولى.

وأما نزحها لموت البعير فيدلّ عليه بعد الأصل (2) والإجماعين المنقولين والمحكي عن كشف الأساس (3) صحيحة الحلبي المتقدمة.

ولا يقاومها رواية عمرو بن سعيد بن هلال الحاكمة بنزح الكر للجمل ؛ لضعفها - مع تأيّد الصحيحة (4) بالشهرة المقطوعة واعتضادها بالأصل والحائطة.

والذي نصّ عليه جماعة منهم في المقام وفي الوصايا تعميمه للذكر والأنثى من الإبل (5).

ونصّ عليه جماعة من أهل اللغة بل حكي اتفاق أئمة اللغة عليه إلّا أنّه قد يقال باشتهاره عرفا في الذكر ، ولذا صرّح الغزالي بعدم دخول الناقة فيه.

وقال الأزهري (6) : إنّ شموله للنوعين في كلام العرب ولا يعرفه إلّا خواص أهل العلم باللغة.

وقال أيضا في توجيه قول الشافعي حيث حكم بانصراف البعير في الوصيّة إلى الجمل : إنّ شموله للناقة من محتملات اللغة الّتي لا يعرفها إلّا الخواص ، والوصيّة مبنية على عرف الناس.

وكأنّه لذا فسّره في القاموس (7) بالجمل ، ثمّ قال : وقد يطلق على الناقة.

ومن ذلك ينقدح الاشكال في المسألة إلّا أنّ الأظهر وفاقا لجماعة من علمائنا من غير

ص: 228


1- في ( ب ) : « فالخلاف ».
2- لم ترد في ( ج ) : « الأصل و ».
3- في ( د ) : « الالتباس » ، وهو الظاهر.
4- هكذا استظهرنا وقد يقرأ في ( ج ) ، وفي ( ألف ) و ( ب ) : « مع تأييده بصحيحة » ، وفي ( د ) : « مع تأيده بالصحيحة ».
5- زيادة في ( د ) : « وقد يستفاد من السرائر دعوى الاتّفاق عليه في المقام ».
6- كشف اللثام 1 / 321 ، نقلا عن المصباح المنير 1 / 74 ( مادة يعى ).
7- القاموس المحيط 1 / 374 ( بعر ).

خلاف يعرف منهم (1) هو التعميم ؛ لعدم وضوح غلبة توجب صرف اللفظ عن أصله.

ولذا حكى الغزالي عن طوائف من أصحابه القول بشموله في الوصيّة للناقة ، ولو سلّم الغلبة فحصولها في زمن صدور الرواية غير معلوم ، فيبنى على المعنى الأصلي حتّى يتبيّن المخرج.

وحكى الغزالي أيضا عن أئمّة اللسان أن البعير (2) كالإنسان من الآدمي ، وظاهر ذلك شموله للكبير والصغير.

وقد يظهر ذلك من فقه اللغة للثعالبي كما حكي ، ولذا حكم جماعة من أصحابنا كالطوسي والفاضلين والشهيدين رحمهم اللّه بالتعميم إلّا أنّ (3) المصرّح به في كلام (4) جماعة (5) من أئمّة اللغة اختصاصه (6).

وفي القاموس (7) : إنّه يقال للجمل البازل والجذع (8).

وعن العين (9) : أنه البازل.

فبملاحظة ذلك مع عدم وضوح تعميمه للصغير في العرف يتقوى اختصاصه بالكبير. ولعله بالجد (10) وما فوقه لنقل اولئك الأجلّة ، فيكون ما دونه داخلا في غير المنصوص.

هذا ، وقد ذكر وجوب نزح الجميع لأمور أخر غير ما ذكرنا :

ص: 229


1- في ( د ) : « بينهم ».
2- في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) زيادة : « من الابل ».
3- في ( ب ) : « أنّه ».
4- في ( ج ) زيادة : « ذكره في الصحاح والمحيط ومهذّب اللغة منه ».
5- زيادة في ( د ) : « ذكره في الصحاح والمحيط ومهذّب اللغة ( منه ).
6- زيادة في ( د ) : « بما .. ».
7- القاموس المحيط 1 / 374 ( بعر ).
8- في النسخ : « الحمل » ، وما أدرجناه من القاموس ، وانظر الصحاح 2 / 593 ( بعر ).
9- كتاب العين 2 / 132 ( بعر ).
10- هذا هو الذي استظهرناه ، والنسخ مختلفة متشتتة! ففي ( د ) : « الحدء » ، وفي ( ب ) : « بالجدء » ، وفي ج : « بالحد » ، وفي ( ألف ) : « بالجدع ».

منها : الثور ، وبه قال الصدوق رحمه اللّه والفاضلان والشهيدان (1) وأكثر المتأخرين.

وعزاه جماعة إلى الأكثر ، وهو الأقوى ؛ لصحيحة ابن سنان الماضية.

وظاهر جملة من كتب الأصحاب كالمقنعة والمبسوط والمراسم والمهذّب والكافي والغنية والوسيلة والاصباح والسرائر نزح الكر له. وفي ظاهر الغنية (2) الإجماع عليه.

وعزاه في كشف اللثام إلى ظاهر الباقين بعد نقل قول الصدوق رحمه اللّه. وكأنه لما يعطيه ظاهر رواية عمرو بن سعيد الآتية من ثبوت الحكم لما يشبه الحمار في المقدار.

وفيه - بعد ضعف الرواية سندا ودلالة وعدم انجبارها بالشهرة في المقام - أنّها لا تقاوم الصحيحة المذكورة مع اعتضادها بالأصل والاحتياط.

ومنها : البقرة ، و (3) قد ألحقها بالثور في المدارك وغيره لزيادة نحو الثور في الصحيحة المتقدمة في التهذيب ، وهو يشمل البقرة قطعا ، والمشهور فيه نزح الكر.

واستوجه (4) المحقق إلحاقها بما لا نصّ فيه.

ومنها : ما كان مثل البعير في الجسم أو كان أكبر منه كالفيل. ذهب إليه في المهذّب ، وكأنه لتنقيح المناط.

ويضعّفه أنّه لا منقح له في المقام.

ومنها : العصير العنبي إذا غلا واشتدّ ، فقد ذكر في الذكرى (5) : أنّ الأولى دخوله بعد الاشتداد في حكم الخمر لشبهه به إن قلنا بنجاسته.

وقد قطع جماعة من المتأخرين بعدم إلحاقه بها ؛ قال في المعالم : إنه قياس لا نقول به.

وفي المدارك : أنه لا يلحق به العصير العنبي قطعا.

ص: 230


1- لم يرد في ( د ) : « والشهيدان ».
2- زيادة في ( د ) : « حيث حكى الإجماع على وجوب نزح الكرّ للخيل وما أشبهها في الجسم ( منه ) ».
3- لم ترد في ( ب ) : « وقد ألحقها .. يشمل البقرة ».
4- في ( ب ) : « استوجبه ».
5- الذكرى : 11.

قلت : وليس المنع من إلحاقه بها تلك المثابة من الظهور لما يظهر من الأخبار من كونه بمنزلة الخمر ، فيكون عموم المنزلة قاضيا بثبوت أحكام الخمر له ، ومن جملتها الحكم المذكور إلا أن اندراج ذلك الحكم فيما ذكر محلّ (1) تأمّل ؛ إذ لا يستفاد من ذلك إلّا المشاركة في الأحكام الظاهرة واندراج ذلك فيها غير ظاهر ، فالظاهر عدم فهم المشاركة في الحكم المذكور وإن احتمله على بعد.

ومنها : عرق الإبل الجلّالة والجنب من الحرام. وقد حكم بإلحاق الأوّل في المهذب وحكى إلحاق الثاني عن البعض.

ولم نعرف المستند في الأمرين إلّا أنّه ذكر في الوسيلة : أنّه روى بعض الأصحاب فيها (2) ذلك.

ومنها : بول وروث ما لا يؤكل لحمه. فقد أوجب الحلبي فيها (3) نزح الجميع عدا بول الرجل والصبي.

وكأنّ مستنده في البول إطلاق صحيحة ابن عمّار الماضية بعد تخصيصها بغير بول الرجل وترك العمل بها في بول الصبيّ من جهة النصّ والعمل.

وفيه اختصاص الرواية بصورة الصب فلا يشمل وقوعه على نحو التقاطر ، مضافا إلى احتمال انصراف البول فيها إلى بول الإنسان. وأمّا الروث فلا يعرف مستنده فيه إلّا أن يدّعى اشتراكه للبول في الحكم أو يقول به من جهة عدم النص ، فلا يتّجه إذن ذكره بالخصوص.

ومنها : خروج الكلب والخنزير حيّين. وحكي القول به عن البصروي ، وكأنه يقول به أيضا مع الموت للأولويّة.

فالوجه فيه إذن إطلاق موثقة عمّار عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال : « ينزح

ص: 231


1- في ( ألف ) : « فعل » ، بدلا من : « محل ».
2- في ( د ) : « فيهما ».
3- في ( د ) : « فيهما ».

كلها » (1).

واشتمالها على الفأرة مع ترك العمل بها في خصوصها لا يوجب ترك الرواية.

ويضعّفه ما حكاه في المنتهى من الإجماع على عدم وجوب نزح الجميع بذلك (2) قال (3) : « إنّ أحدا من أصحابنا لم يوجب نزح الجميع بموت الكلب والفأرة والخنزير ».

على انّ الرواية معارضة بما هو أصحّ منها خصوصا في الكلب لورود أخبار كثيرة فيه بخلاف ذلك.

وكأنّه لذلك ذهب بعضهم فيما حكاه البعض (4) إلى وجوب نزح الجميع لموت الخنزير عملا بالموثقة في خصوصه مع حملها على صورة الموت ، ويحتمل أن يكون حكمه به من جهة إدخاله في نحو الثور المذكور في الصحيحة المتقدّمة.

ص: 232


1- الإستبصار 1 / 38 ، ح (104) 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 242 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 185 ، ح 8.
2- في ( ألف ) و ( ج ) : « فبذلك ».
3- منتهى المطلب 1 / 73.
4- زيادة في ( د ) : « في الذخيرة ( منه ) ».

تبصرة: [ في تراوح الرجال ونزح ماء البئر ]

إذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوما إلى الليل بلا خلاف فيه يعرف.

وفي الغنية الإجماع عليه.

وفي المنتهى (1) : لا أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتّنجيس.

لموثقة عمّار : « فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ثمّ يقام عليه قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزحون (2) يوما إلى الليل وقد طهرت ».

والطعن في الرواية - بوقوع جماعة من الفطحيّة في إسنادها واشتمالها على ما هو متروك بين الأصحاب ، بل ورد التراوح في خصوصها ، فلا يعمّ بل لا يفيد شيئا من المدّعى فلا يثبت منها الحكم فيما بنوا فيها على وجوب التراوح وباقتضائها وجوب النزح في يومين ولا يقولون به - مدفوع بما حقّق في محلّه من حجّية الموثّقات ، ولو سلّم فهي منجبرة بالشهرة العظيمة القريبة عن (3) الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة.

وفي كشف اللثام (4) بعد نقل الخبر ورواية الفقيه (5) : والخبران وإن ضعّفا لكن لا نعرف من الأصحاب خلافا في العمل بها.

وبأنّ متروكيّتها في البعض لا يفيد تركها في الباقي كما حقّق في محلّه وأنّ المستفاد منها

ص: 233


1- منتهى المطلب 1 / 73.
2- في ( د ) : « فينزفون ».
3- في ( د ) : « من ».
4- كشف اللثام 1 / 324.
5- في ( د ) : « الفقه ».

تفريع وجوب التراوح على وجوب نزح الجميع ، فيثبت فيما يثبت ذلك فيه (1).

وقد يستشكل فيه بأنّه مع طرح الرواية في موردها لا يتجه العمل بها في غيرها وإن لفظة ( ثمّ ) في المقام للترتيب الذكري ، وهو وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه بعد فهم الأصحاب منها الحكم المذكور لا مندوحة في حملها عليه.

وقد حكي اتفاقهم على فهمه منها بعض الأجلّاء (2) أو أنّها من زيادة النسّاخ أو من كلام الراوي يعني ( ثمّ قال عليه السلام ).

ويؤيّد ذلك سقوطها في بعض نسخ الحديث ، ونقلها المحقّق في المعتبر خاليا عنها.

ويؤيّد الحكم المذكور أيضا ما في رواية الفقيه (3) وإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكترى عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغداة إلى الليل ومع بناء الحكم على الاستحباب كما هو الأقوى فلا شبهة في الاقتفاء بما عرفت من الوجوه.

ثمّ إنّه يلحق بالتعذر إمكانه مع المشقّة الشديدة ، ولذا وقع في كلام جماعة (4) كالمقنعة والتهذيب منه (5) فهم اعتبار الصعوبة بل لا يبعد شمول التعذّر لمثله ، فتتوافق العبارات فلو أمكن نزح جميعه يوما وليلة أو يومين ونحوهما وجب على الأقوى ولو لم يظهر من الأمارات ما يدلّ على نشفه بما يزيد على التراوح قوي الاكتفاء به ، ويحتمل لزوم استعلام الحال.

ولو كان الماء (6) غالبا في بعض الأحيان جرى فيه الحكم في ذلك الوقت ولا يجب مراعاة وقت النقص ليمكن النزف على إشكال فيه مع قرب ذلك الوقت وعدم حصوله سعة (7) في

ص: 234


1- زيادة في ( د ) : « ذلك ».
2- في هامش ( د ) : « السيد نعمة اللّه في شرح التهذيب - منه ».
3- في ( د ) : « الفقه ».
4- زيادة في ( د ) : « منهم ».
5- لم يرد في ( د ) : « منه ».
6- لم ترد في ( ج ) : « ولو كان الماء ... التأخير اليه ».
7- في ( د ) : « حصول مشقّة » بدل « حصوله سعة ».

التأخير إليه. ولو أمكن نزح الجميع بسدّ (1) المنبع (2) لم يجب ، فالمقصود إمكان نزحه مع بقائه على حاله.

ولو أمكن نزح الجميع لا على النحو المعتاد ففيه وجهان.

ولو أمكن نشفه بغير (3) نزحه كما إذا أمكن إجراؤه ببعض الآلات حتى ينشف أو إجراؤه إلى موضع آخر أسفل منها حتّى ينفذ ماؤها فالظاهر عدم لزومه.

و (4) لا يعتبر فيه وقوع التراوح بنيّة التطهير كما هو الشأن في غيره من المطهّرات ، فلو اتّفق حصول التراوح لأمر آخر ثمّ ثبتت (5) الحاجة إليه لأجل التطهير كفى ، ولا حاجة إلى إعادته.

ثمّ إن الظاهر من التراوح المذكور في الرواية وكلام الأصحاب أن يمتح اثنان ويستريح الآخران إلى أن يتعبا فيقومان مقامهما وهكذا.

وفي الروض (6) والروضة : وليكن أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والآخر فيها يملأها.

وهو خلاف ظاهر الرواية وما يعطيه ظواهر إطلاقاتهم وصريح بعضهم (7) مع أنّه لا فائدة في إملاء الآخر مع كثرة الماء.

نعم ، قد يحتاج إليه من جهة قلّة الماء ، والغالب في المقام خلافه.

وفي كشف اللثام (8) : لا دلالة للنصّ على شي ء منها والأحوط اختيار ما ينزح به أكثر من الطريقين. انتهى.

ص: 235


1- لم ترد في ( ب ) : « بسدّ المنبع .. ولو أمكن نزح الجميع ».
2- في ( د ) : « النبع ».
3- في ( د ) : « بعد ».
4- لم ترد في ( ج ) : « ولا يعتبر .. إلى إعادته ».
5- في ( ألف ) و ( ب ) و ( د ) : « تبيت ».
6- روض الجنان : 148 ؛ مسالك الإفهام 1 / 15.
7- في ( ج ) و ( د ) زيادة : « السرائر ».
8- كشف اللثام 1 / 324 - 325.

وهو يومي إلى تجويز كلّ من الوجهين ، وقد عرفت ما فيه.

ولو توقّف النزح على الإملاء قوي اعتبار ثالث معهما ، فتأمل.

ولو تناوبا على التعاقب من غير إعياء ولا فصل يعتدّ به ففيه وجوه ؛ ثانيها (1) المنع مع حصول التعويق ، ولا بدّ من اجتماع اثنين منها في العمل فلا يجزي نزحهم منفردين.

ولو اجتمع ثلاثة منهم عليه ففيه وجهان من الأولويّة والخروج عن مدلول النصّ مع تعب المشترك ، فقد يوجب قصوره في العمل عند نوبته.

وكأنّ هذا أقوى ، ويجب اشتغال كلّ منهما بعد الأخيرين من غير تراخ.

وهل يعتبر اشتراكهما (2) في الرشا (3) والدلو ، فلا يجزي بانفراد كلّ عن الآخر وإن اجتمعا في النزح وجهان أوجههما الأوّل وقوفا إلى التعارف (4).

وبه قال في السرائر.

ولا يجزي ما دون الأربعة في ظاهر كلام الأصحاب. وبه نصّ الشهيدان والمحقّق الكركي وغيرهم.

وفي المدارك أنّه المشهور.

وقرّب في المنتهى إجزاء الأقل إذا سدّ مسدّ الأربعة.

واستقر به في المدارك.

وقوّى في التذكرة الاكتفاء بالقويّين إذا نهضا بعمل الأربعة.

والأظهر الأوّل وقوفا مع ظاهر النصّ (5). وأمّا الزيادة على الأربعة فالظاهر جوازه عملا بإطلاق الرواية. ولا يخالفه ظاهر كلام الأصحاب إن لم يدل بالفحوى على جوازه.

ص: 236


1- في ( ج ) و ( د ) : « ثالثها ».
2- في ( ج وب ) : « اشتراكها ».
3- في ( ب ) : « الرشاء ».
4- في ( د ) : « مع المتعارف » بدل : « إلى التعارف » ، وفي ( ب ) : « ولو ما مع التعارف ».
5- لم ترد في ( ب ) : « النصّ وأمّا ... ولا يخالفه ».

وكأنّ كلامهم مبنيّ على بيان أقل الواجب ولو اجتمع حينئذ على النزح ما يزيد على الاثنين ففي جوازه وجهان.

ولا يبعد الجواز مع عدم لزوم التعويق. وظاهر الجمهور اعتبار كونهم رجالا فلا يجزي الصبيان ولا النساء والخناثى.

وفي المدارك وغيره حكاية الشهرة عليه. وبه نصّ الشهيدان والمحقّق الكركي والسيوري وغيرهم. وهو الوجه وقوفا مع النصّ لظهور « القوم » في الرجال كما يعطيه ظاهر الاستعمالات.

ويستفاد من ظاهر الآية وقول زهير ، ونصّ عليه بعض أهل اللغة ولا أقل من الشك في التعميم فيقتصر على محلّ اليقين مضافا إلى التصريح به في رواية الفقيه وجوّز في التذكرة نزح من عدا الرجال لصدق القوم عليهم.

وفي المدارك بعد حكاية ذلك عن بعض الأصحاب أنّه حسن مع عدم قصور نزحهم (1) عن نزح الرجال.

وظاهر تقييده يعطي استناده في ذلك إلى تنقيح المناط.

ومع (2) البناء على قضاء الفحوى بجوازه ففي جواز الاستقاء بالحيوانات كالبقر مع قيامه بعمل الرجلين وزيادة ؛ وجهان أظهر هما ذلك بعد البناء المذكور سيّما إذا كان البئر مما يستقى منها على الوجه المذكور.

ولو انضمّ الصبيّ أو المرأة إلى الرجلين ففي الاجتزاء وجهان.

ولا يبعد الجواز مع استقلالهما بالنزح ليكون الانضمام تقوية.

ولا فرق في الرجال بين الأقوياء والضعفاء والشباب والشياب والأصحاء والمرضى إلّا إذا منع الضعف عن الاشتغال بالنحو المعتاد ، ولا بين الفحل والخصي والمجبوب ، و (3) لا بين

ص: 237


1- كذا ، والظاهر : « نزحهنّ ».
2- لم ترد في ( ج ) : « ومع البناء .. الوجه المذكور ».
3- لم ترد في ( ج ) : « ولا بين .. من وجه ».

العاقل والمجنون والمسلم والكافر إذا لم يقض نزحه بنجاسته من وجه.

ولا بدّ من وقوع التراوح في يوم كامل فلا يجوز النقص عنه ولو بشي ء يسير ، ولا التلفيق منه مرتين (1) من الليل أو من يوم آخر ، ولا الليل (2) وإن كان أطول من النهار ، ولا نصف النهار مع اجتماع النجاسة على دلو من يتراوح كلّ أربعة على دلو.

ولا فرق بين قصيره وطويله ومتوسّطه ، فيتخير بين الجميع.

وهل هو يوم الصائم أو من طلوع الشمس إلى غروب القرص أو يوم الأجير فينصرف إلى المتعارف في الإجارة؟ وجوه أوجهها الأوّل كما ( ذكره جماعة منهم الفاضلان والشهيدان والسيوري وابن فهد والصيمري والمحقّق الكركي غيرهم.

وفي المفاتيح : اليوم هنا هو الشرعي من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

وفي المنتهى (3) : لا نعلم خلافا في أنّ المراد باليوم من طلوع الفجر إلى المغرب.

وفي المعتبر بعد كحايد جملة من عباراتهم : ومعاني هذه الألفاظ متقاربة فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط.

وفي الذكرى بعد نقل جملة من العبائر : والظاهر أنّهم أرادوا به يوم القوم ، فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لأنّه المفهوم من اليوم مع تحديده باللّيل.

وقال المحقّق الكركي : اليوم الشرعي هو الظاهر من عبارات الأصحاب كما ) (4) نصّ عليه الشهيد وابن فهد والمحقق الكركي رحمه اللّه وغيرهم (5).

وفي المنتهى (6) : لا نعلم خلافا في أن المراد باليوم من طلوع الفجر إلى الغروب.

ص: 238


1- لم ترد في ( ج ) : « مرّتين ».
2- لم ترد في ( ج ) : « ولا الليل : .. على دلو ».
3- منتهى المطلب 1 / 73 كما في مفتاح الكرامة 1 / 448.
4- ما بين الهلالين زيادة وردت في ( د ).
5- لا حظ : جامع المقاصد 1 / 139 في تطهير المياه النجسة ، التنقيح الرائع 1 / 49 في منزوحات البئر ، مسالك الإفهام 1 / 15 وغيرها.
6- منتهى المطلب 1 / 73 ، وعبارة المنتتهى هكذا : « لو تعذر نزح الجميع لكثرته تراوح عليها أربعة رجال مثنى مثنى في طلوع الفجر الى الغروب ، ولم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس » ، والذي في المتن نقله عن المنتهى في مفتاح الكرامة 1 / 448.

وبه نصّ المحقّق والصيمري والسيوري والشهيد رحمه اللّه في الذكرى إلّا أنّه صرّح الشهيد (1) بكون آخره مغيب الحمرة.

وقد نصّ المفيد والديلمي والحلبي وابن زهرة والحلي رحمه اللّه بالتراوح من أول النهار إلى آخره.

وحكى عليه في الغنية الإجماع.

والمراد به ما قلناه. وإليه يرجع باقي تعبيراتهم عنه ككونه من الغدوة إلى الليل كما عبّر عنه الصدوق والسيد ، أو من الغدوة إلى العشاء كما عبّر عنه الشيخ والطوسي رحمه اللّه ، أو من الغدوة إلى الرواح كما في الاصباح ، أو يوما إلى الليل كما في بعض كتب العلّامة والشهيد وقد عرفت تنزيل جماعة منهم عباراتهم على ذلك.

وقال المحقّق الأردبيلي (2) : إنّه لا يبعد الاكتفاء باليوم العرفي في العمل.

وتبعه تلميذه في المعالم حيث تنظّر فيما حكيناه عن الشهيد من الحمل على يوم القوم ما يقتضي عدم الاجتزاء باليوم الّذي يفوت من أوّله جزء وإن قلّ.

وعباراتهم لا تدلّ عليه بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك.

ولفظ الرواية محتمل أيضا لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الأجزاء إذا كان قليلا.

واستجود ذلك بعض المتأخّرين كشارح الدروس.

واحتمل في المدارك الاكتفاء فيه من أوّله بما ينصرف إليه الإطلاق في الإجارة والنذر ونحوهما.

وقد ينزل عليه بعض عبارات القدماء أيضا حيث إنّ الغدوة ينتهي آخرها إلى طلوع الشمس ، فيكون النزح من الغدوة صادقا مع الشروع من عند طلوع الشمس.

ص: 239


1- نقله عن الذكرى في مفتاح الكرامة 1 / 448.
2- مجمع الفائدة 1 / 270.

وبملاحظة جميع ذلك تبيّن أن التدقيق المذكور لا يخلو من إشكال إلّا أنّه بعد ملاحظة كلام الأكثر المؤيّد بفهم الجماعة يتقوّى الوجه الأوّل.

ويؤيّده أن تعيين آخره في الرواية بالبلوغ إلى الليل يشير إلى اعتبار التدقيق المذكور أيضا ، فيكون مبدؤه من أوّل النهار على وجه الحقيقة حسبما ذكروه ؛ إذ لو لا ما ذكروه من التدقيق في أوّله لما اعتبر ذلك في آخره ؛ مضافا إلى قضاء الاستصحاب ببقاء النجاسة في الماء إلى أن يعلم المزيل (1).

ولا بدّ من تمهيد مقدماته قبل الفجر لئلا يتأخّر الشروع عنه (2) على ما نصّ عليه جماعة.

وجعله في الذكرى أولى.

وظاهر جماعة من المتأخّرين عدم لزوم التدقيق على النحو المذكور.

وذكر المحقق الأردبيلي (3) إنه لا يبعد دخول زمان أو ليتأهب (4) إذا كان قليلا ، ومع البناء على الأول فالظاهر (5) الاكتفاء بالشروع بإدخال الرشاء أوّل الوقت ، فلا يجب تقديمه على الفجر.

نعم ، يعتبر إدخال جزء من أوّل النهار وآخره بحصول اليقين بالاستيعاب عند جماعة من الأصحاب كالشهيدين والمحقق الكركي.

ويحتمل الاكتفاء بصدق الاستيعاب في العرف ، فلا يحتاج إلى التدقيق المذكور وإن افتقر إليه عند الجمود على الحقيقة اللغوية ، فلا يجوز إخلاء بعض الوقت عن الفعل.

فلو حصل بعض العوائق المتعلّقة بالتراوح كوصل الحبل بعد قطعه ونحوه من الأفعال اليسيرة لم يمنع من التتابع.

ص: 240


1- ما بين الهلالين ساقط من ( ج ) ، ومؤخر في ( ب ) و ( ألف ).
2- لم ترد في ( ج ) : « أعلى ما نصّ .. على الأوّل ».
3- مجمع الفائدة 1 / 270.
4- في ( د ) : « التأهّب » بدل : « أو ليتأهّب ».
5- في ( د ) : « والظاهر ».

ولو توقّف على فعل كثير كتبديل الحبل وشرائه من السوق أو رفع (1) الدلو إذا طالت به المدّة قوي لزوم الاستيناف.

ويستثنى من ذلك عند جماعة منهم الشهيد وابن فهد والمحقق الكركي الصلاة جماعة والاجتماع في الأكل (2).

واقتصر الشهيد الثاني على الأول (3).

وكأنّ الوجه في الأول ما دلّ بعمومه على رجحان الجماعة والصلاة في أوّل الوقت ، فلا يترك لذلك.

وفي الثاني جريان العادة به.

ويضعفان بأنّه لو بنى على ذلك لجرى في غير الجماعة من سائر المستحبّات كأداء الرواتب وقراءة القرآن وقضاء حوائج الإخوان ونحوها ، وأن المتعارف إنّما يثبت في الأجير ، فلا دخل له في الأحكام الشرعيّة إلّا أن يقال بحصول عرف في مثله يوجب انصراف اللفظ إليه ، وهو محلّ تأمل (4).

ص: 241


1- في ( د ) : « رقع ».
2- زيادة في ( د ) : « وحكى بعضهم عليه الشهرة ».
3- زيادة في ( د ) : « مصرّحا بالمنع من الثاني ومن الاجتماع في الصلاة من دون جماعة ».
4- من هنا إلى قول المصنف أعلى اللّه مقامه « تبصرة في المضاف والأسئار » لم توجد في ( د ).

تبصرة: [ في نزح الماء للدوابّ ]

تبصرة (1)

[ في نزح الماء للدوابّ ]

المعروف كما عن جماعة (2) نزح الكرّ للدوابّ الثلاث أعني الفرس والبغل والحمار.

وعزاه في النهاية إلى القائلين بانفعال القليل.

ونصّ في الغنية على ثبوت الحكم في الخيل وشبهها في الجسم ، ونقل الإجماع عليه.

وحكى في المهذّب البارع والروض الشهرة في الحمار والبغل ، وعزا إلى الاخير حكاية عمل الأصحاب عليه.

وحكى الشهرة في جامع المقاصد والمدارك بالنسبة إلى الفرس.

والمستند في الحكم رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر [ ما بين ] الفارة إلى السنّور إلى الشاة ففي ذلك كلّه يقول : « سبع » حتّى بلغت الحمار والجمل فقال : « كر من ماء » (3).

وهي وإن ضعف إسنادها بعمرو لجهالته إلّا أنّ في بعض الأخبار ما يفيد نحو ركون إليه مع تقدّم عبد اللّه بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع عليه. مضافا إلى تأيّده بالشهرة العظيمة بالنسبة إلى الحمار.

قال المحقق (4) : إن الرواية (5) وإن ضعف منه فالشهرة يؤيدها ، فإنّي لا أعرف من

ص: 242


1- ليس في ( د ) : « تبصرة ، المعروف كما ... تبصرة ، في المضاف والأسئار ».
2- لم ترد في ( ج ) : « كما عن جماعة ».
3- الإستبصار 1 / 34 ، ح (91) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 235 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 5.
4- المعتبر 1 / 47 ، لكن عبارته هكذا : « ولو كان ذلك ضعيفا لانجبر بالعمل ، فإني لا أعرف من الأصحاب رادّا لها » ، وقال المحقق السبزواري ، في ذخيرة المعاد 15 / 130 : « وإن ضعف مسندها ، فالشهرة يؤيدها وإني لا أعرف من الأصحاب رادّا لها ».
5- لم ترد في ( ج ) : « انّ الرواية .. فإنّي ».

الأصحاب رادّا لها.

وفي المنتهى (1) (2) : إن أصحابنا عملوا بها في الجمل.

وفي شرح الدروس : إن الإجماع الظاهري (3) يجزيها (4) وفي المقام لا نعلم فيه خلافا لأحد من الأصحاب.

وفي البحار : إنّه لم يظهر فيه مخالف. واشتمالها على المحلّ مع إعراض الأصحاب عن العمل بها فيه ومعارضتها بالصحيحة المتقدّمة لا يوجب طرحها بالنسبة إلى غيره كما قرّر في محله.

واحتمل الشيخ رحمه اللّه أن يكون الجواب مختصّا بالحمار.

وفيه بعد وإلغاز في العبارة لا يناسب منصب الإمامية.

ثمّ إن هذه الرواية إنّما يفيد ثبوت الحكم في الحمار ، فلا ينبغي التأمل في الحكم بالنسبة إليه فاحتمال إلحاقه بالثور لاندراجها في نحوه كما في المدارك ليس على ما ينبغي وإن اتجه البناء عليه على طريقته.

وإما البغل فيمكن أن يحتجّ عليه بالخبر المذكور بناء على ما في المعتبر حيث ذكر فيها البغل أيضا سيّما بعد ما ذكره من أنه لا يعرف رادّا لها ، فإنّ في حكاية الثقة كفاية لتقدم الزيادة على النقيصة ، وكأنّه أخذها من بعض الأصول القديمة.

وقد عزا إلى المهذب البارع (5) والروض (6) والروضة وغيرها وجود البغل في الرواية. وهو موجود أيضا في بعض نسخ التهذيب على ما حكاه بعض الأجلّة.

ص: 243


1- لم ترد في ( ج ) : « وفي المنتهى .. من الأصحاب ».
2- منتهى المطلب 1 / 74 ، لكن العبارة هكذا : « إلا إن اصحابنا عملوا فيها بالحمار ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».
4- كذا استظهرناها من ( ب ).
5- المهذب البارع 1 / 91.
6- روض الجنان : 148.

وعن كشف اللثام (1) : إن البغل موجود في موضع من التهذيب.

فبملاحظة ذلك كلّه مع اشتهار القول به والإجماع المتقدم لا يبعد القول بثبوت الحكم فيه.

وقد اقتصر (2) جماعة منهم الشهيد في الذكرى (3) والمسالك (4) في الحكم المذكور على الحمار والبغل.

وأما الفرس فلم نقف على مستند فيه ، وقد يحتج عليه بأنّ المنساق من الرواية المذكورة ثبوت الحكم لما بلغ في الجثة إلى الحمار والبغل ، فذكر (5) الحمار والجمل ليس لإرادتهما بالخصوص بل المقصود سؤاله عمّا بلغ في الجثّة إلى ذلك ، فيحتمل إذن عدم ذكره مخصوص الجمل في السؤال فتقيّد إذن بما دل على وجوب نزح الجميع له حملا للمطلق على المقيّد.

وقد يجعل ذلك حملا للرواية من جهة اشتمالها على ذكر الجمل ، وهو كما ترى بعيد عن مقتضى العبارة.

نعم ، لا يخلو الرواية عن إيماء إليه إلّا أنّ الاحتجاج بها بمجرّد ذلك لا يخلو عن إشكال.

واحتج عليها في المنتهى (6) بصحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام في البئر يقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والطير فيموت ، قال عليه السلام : « يخرج ثمّ (7) ينزح منها دلاء ثم اشرب وتوضأ ».

وقد تكلف للاحتجاج بما لا يخفى وهنه ؛ إذ ليس في تلك الصحيحة إيماء إلى ذلك حتّى يتمّ فيه التقريب ببعض الوجوه.

ص: 244


1- كشف اللثام : 1 / 326.
2- لم ترد في ( ج ) : « وقد اقتصر .. والبغل ».
3- الذكرى : 10.
4- مسالك الإفهام 1 / 16.
5- لم ترد في ( ب ) : « فذكر الحمار والجمل ».
6- منتهى المطلب 1 / 75.
7- لم ترد في ( ب ) : « ثمّ ».

واحتمل في المدارك (1) العمل بتلك الصحيحة والاكتفاء بنزح الدلاء للدواب الثلاث ، واحتمل أيضا إلحاقها بنحو الثور.

وأنت خبير بأنّ إضراب القائلين بالنجاسة عن العمل بها يقضي بعدم التعويل عليها بناء على النجاسة.

وقد يحمل الدابة فيها على الدوابّ الصغار كما يشير إليه عطف الفأرة عليها.

وعن المعتبر (2) تقريب إلحاق الفرس بما لا نصّ فيه.

وقد يقال : إن الموثق الدالّ على أن أكثر ما ينزح لما يموت في البئر السبعون فلا يجب الزيادة عليه بشي ء من الحيوانات الّا ما خرج بالدليل.

ثمّ إن المذكور في كلام جماعة من الأصحاب ثبوت الحكم المذكور في البقرة. وقد نصّ عليه في المقنعة والمراسم والاصباح والوسيلة والسرائر بزيادة ما أشبهها في الجسم ، وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم المحقق الكركي والشهيد الثاني وصاحب المدارك.

وقد زاد عليها الشهيد الثاني : ما أشبهها.

ولم نقف على مستنده في شي ء من الأخبار إلّا أن يستفاد ذلك من الرواية المتقدمة بالتقريب المذكور.

وقد عرفت ما فيه.

ولا يبعد إلحاق البقرة بالثور ؛ إذ هي أبين من غيرها في الاندراج في نحوه الواردة في الصحيحة المتقدمة.

وقد (3) ورد في صحيحة (4) محمّد بن مسلم نزح العشرين للميتة إذا كانت لها رائحة. وفيها دلالة على الاكتفاء به للخالي من الرائحة بالأولى فقد يجعل ذلك أصلا في جميع الميتات

ص: 245


1- مدارك الأحكام 1 / 74 - 75.
2- المعتبر 1 / 62.
3- لم ترد في ( ب ) : « قد ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 34 ؛ وسائل الشيعة 1 / 195 ، ح 1.

إلّا ما خرج بالدليل.

وفي الروضة (1) أن إلحاق الفرس والبقرة بما لا نصّ فيه أولى.

ص: 246


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : 1 / 261.

تبصرة: [ في النزح لموت الإنسان ]

المعروف بين الأصحاب - بلا خلاف يعرف - نزح السبعين لموت الانسان. وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وعن المنتهى (1) : أنّ عليه إجماع القائلين بالتنجيس.

وعن المعتبر والمدارك (2) : إسناده إلى مذهب الأصحاب مؤذنا بالاتفاق عليه. ونحوه ما في المختار (3).

وعن الدلائل : أنّه ممّا أطبق عليه الأصحاب.

وعن المعتبر (4) والذكرى والروض اتفاق الأصحاب على العمل بمدلول الرواية الدالّة عليه ، وهي موثقة الفطحية : « وفيها ما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره (5) الإنسان ينزح منها سبعون دلوا » (6).

والرواية مع كونها معتبرة في نفسها منجبرة بعمل الأصحاب والإجماعات المنقولة ، فالحكم المذكور ممّا لا ينبغي التأمل فيه.

واستشكال صاحب المدارك (7) فيه قائلا : إنه إن تم اتفاق الأصحاب فهو الحجة وإلّا

ص: 247


1- منتهى المطلب 1 / 76.
2- مدارك الأحكام 1 / 75.
3- في ( ج ) : « المختلف » ، بدل : « المختار ».
4- المعتبر 1 / 62.
5- في بعض النقول : « فأكثره ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة 1 / 194 ، ح 2.
7- مدارك الأحكام 1 / 75.

فللتوقّف في هذا الحكم مجال ؛ ممّا لا وجه له بحيث (1) يصدق موته في البئر.

ثمّ إن الوارد في الرواية وكلمات الأصحاب هو لفظ « الانسان » الشامل للذكر والأنثى والصغير والكبير ، والظاهر شموله للسقط إذا ولج (2) فيه الروح.

ولو كان قبل ولوجه ففيه وجهان.

وظاهر إطلاقه يعمّ المسلم والكافر لكن في شمول الحكم لهما (3) قولان ، فظاهر الأكثر عدم الفرق. وبه نصّ جماعة منهم الفاضلان والشهيد الثانى رحمه اللّه. وفي المدارك (4) : أنه المشهور بين الأصحاب. وعن الروض إسناده الى الأصحاب.

وذهب الحلي رحمه اللّه إلى اختصاص الحكم بالمسلم ، وألحق الكافر بما لا نصّ فيه.

واختاره بعض محققي (5) المتأخرين. وهو الأظهر ؛ إذ المفهوم من الرواية هو نزح السبعين باعتبار موت الإنسان.

والحاصل في الكافر جهة أخرى غير الموت ، وهي ممّا لا نص فيه. ألا ترى أنّ ظاهر لفظ « الانسان » يعمّ الطاهر والنجس مع أن ظاهرهم الإطلاق على اختصاصه بالأوّل ، فلو كان متنجّسا بالمني أو البول أو الدم أو غيرها جرى عندهم في الجميع ما ينزح لتلك النجاسات إلّا (6) أن يقال بالتداخل ، فإذا قيل بذلك بالنظر إلى النجاسة العارضة فالقول به في النجاسة الأصليّة أولى ؛ حملا (7) له على الشائع في محلّ صدور الرواية.

مضافا إلى أنّه لا يبعد انصراف الإنسان في المقام إلى المسلم ، ولا أقل من الشكّ في شموله لغيره ، فاستناد الأكثر إلى إطلاق الرواية ليس على ما ينبغي.

ص: 248


1- لم ترد في ( ج ) : « بحيث يصدق موته في البئر ».
2- في ( ألف ) : « دلج ».
3- في ( ألف ) : « لها ».
4- مدارك الأحكام 1 / 75.
5- في ( ألف ) : « محقق ».
6- لم ترد في ( ج ) : « إلّا أن يقال بالتداخل ».
7- لم ترد في ( ج ) : « حملا .. الرواية ».

وأضعف منه الاستناد إلى زوال الكفر بالموت لزوال الاعتقاد الفاسد ؛ نظرا إلى ظهور عدم زوال أحكام الكفر بمجرّد الموت ، فمجرّد زوال الاعتقاد لخروج الروح لا يقضي بجريان أحكام المسلم على البدن ، بل من الظاهر خلافه.

ولهذا لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن مقابر المسلمين ولا يحكم بطهارة ما لا يحلّ فيه الحياة.

وحكى صاحب المدارك (1) عن المحقق الكركي رحمه اللّه والشهيد الثاني في الروض التفصيل (2) بين وقوع الكافر - ميتا أو حيّا - وموته فيها بغير ذلك ، فحكما في الأول بالاكتفاء بالسبعين أخذا بإطلاق الخبر المتقدم ، وأوجبا نزح الجميع في الثاني لثبوت ذلك قبل الموت فلا يرتفع به.

ولا يخفى وهنه ؛ إذ لو سلّم اندراج الكافر في الرواية فإنّما يندرج في الصورة الثانية دون الأوّل (3) ؛ إذ المفروض فيها وقوع الإنسان في البئر وموته فيها ، فلا يندرج فيها ما إذا مات في الخارج ثمّ وقع فيها ولو كان مسلما.

وحينئذ ففي تسرية الحكم إليه ولو في المسلم إشكال لخروجه عن مدلول الرواية إلّا أن يقال بدلالتها عليه بالفحوى ؛ إذ المناط ملاقاة الميّت حال نجاسته فلا يفرق الحال بين موته في البئر أو خارجه.

وقد نصّ بعض المتأخرين (4) بجريان الحكم في الصورتين ولا يخلو عن تأمّل وإن كان الأظهر ذلك.

وحينئذ بعد تسليم الإطلاق يندرج فيه الكافر أيضا ، فلا يتّجه التفصيل المذكور.

ص: 249


1- مدارك الأحكام 1 / 77.
2- في ( ألف ) : « التغسيل » ، ولا معنى له.
3- كذا في ( ألف ) ، والظاهر : « الأولى ».
4- زيادة في ( ج ) : « الفاضل الهندي ».

تبصرة: [ في ثبوت نزح الخمسين ]

يثبت نزح الخمسين في المشهور لأمرين :

أحدهما : العذرة الذائبة ذهب إليه الشيخان والديلمي والحلبي والقاضي والطوسي والحلي رحمهم اللّه وغيرهم وهما عليه في الغنية (1) إجماع الفرقة [ واكتفى الفاضل المجلسي في الحديقة في العذرة اليابسة بثلاث دلاء وعن ابن بابويه أنّه ينزح لها من أربعين إلى خمسين وذهب جماعة من المتأخرين إلى التخيير بين الأربعين والخمسين ونفى عنه الخلاف في ظاهر السرائر (2) ، وهذه عبارته : « وينزح لعذرة بني آدم الرطبة أو اليابسة المذابة المتقطّعة خمسون دلوا فإن كانت يابسة غير مذابة ولا متقطّعة فعشر دلاء بغير خلاف ».

وحكى الشهرة عليه جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الكركي والعلّامة المجلسي رحمه اللّه ] (3).

والأصل في المسألة روايتا أبي بصير وعلي بن أبي حمزة عن العذرة تقع في البئر ، قال : « ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا » (4).

ص: 250


1- في ( ب ) : « النهاية ».
2- السرائر 1 / 79.
3- في ( ج ) : « ونفى عنه الخلاف في ظاهر السرائر وهذه عبارته : وينزح لعذرة بني آدم الرطبة أو اليابسة المذابه المتقطّعة خمسون دلوا فإن كانت يابسة غير مذابة ولا متقطعة فعشر دلاء بغير خلاف. وحكى الشهرة عليه جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقّق الكركي والعلّامة. وعن ابني بابويه أنه ينزح لها من أربعين إلى خمسين. وذهب جماعة من المتأخرين إلى التخيير بين الأربعين والخمسين » ، بدل : « واكتفى .. المجلسي ».
4- الإستبصار 1 / 41 ، ح (116) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة 1 / 191 ، ح 1 و 2.

وقد احتجّ بها على كلّ من المذاهب المذكورة وهي كما ترى واضحة الدلالة على الأخير.

وقد قرّر الاحتجاج بها على الأوّل بوجوه :

منها : - وهو أقواها - أنّ الترديد فيها بين الوجهين من الراوي ، ولا أقلّ من احتماله. ومعه فلا بدّ من العمل على الأكثر استصحابا بالنجاسة إلى حصول اليقين بالطهارة.

ويضعّفه بعد الاحتمال المذكور عن العبارة ولا موجب للصرف عن الظاهر.

ومنها : أنّ لفظة ( أو ) يجي ء كثيرا في الكلام الفصيح للإضراب فيحتمل إرادته في المقام ، ومعه لا بدّ من العمل بالثاني لتحصيل اليقين.

وضعفه أظهر من الأول لبعد الاحتمال المذكور. ولو صحّ مجيئه للإضراب في الكلام الفصيح فهو في غاية الندرة ، فكيف يحصل الشكّ من جهته في الإطلاق؟!

مضافا إلى أنّ الإضراب ممّا يومي إلى حصول السهو في الأوّل حيث أعرض عنه بعد ذكره وهو لا يناسب كلام الأئمّة عليهم السلام.

ومنها : ما ذكره العلّامة رحمه اللّه في المختلف (1) ، وأشار إليه الشيخ في التهذيب في الرواية الواردة في الكلب كما سيجي ء ، وهي أنه مع العمل بالأكثر يحصل اليقين بالبراءة بخلاف البناء على الأقل.

وهو أيضا ضعيف ، بل لا وجه له أصلا.

وقد يوجّه ذلك بأنّ ( أو ) في المقام كما يحتمل التخيير كذا يحتمل الترديد ؛ إذ هو أيضا (2) من معانيه فلا يقضي بعض المصالح كإرادة (3) الإبهام وحينئذ فلا بدّ من الأخذ بأكثر الأمرين ، وهو أيضا بمكان من البعد.

وقد يقال بأن الرواية قد دلّت على حصول الطهر بكلّ من الوجهين المذكورين إلّا أنّها ضعيفة لا يتم الاحتجاج بها إلّا مع حصول الجابر ، وهو حاصل بالنسبة إلى الأخير دون

ص: 251


1- مختلف الشيعة 1 / 216.
2- لم ترد في ( ب ) : « من معانيه .. وهو أيضا ».
3- في ( ج ) : « لإرادة ».

الأول فيتعيّن البناء عليه.

وبه يوجّه المشهور مضافا إلى الأصل والشهرة والإجماع المنقول ، وقيام أحد الاحتمالات المذكورة وإن لم يخل الجميع عن البعد.

وما يقال من أن الرواية صحيحة على ما في الإستبصار ؛ إذ الموجود فيه عبد اللّه بن يحيى مكان عبد اللّه بن بحر المجهول المذكور (1) في التهذيب.

فلا مانع من التعويل على ظاهرها .. مدفوع بأنّه لا معوّل على الاستبصار بعد مخالفته للتهذيب ؛ إذ لا أقل من الشك لبعد وقوع الرواية على الوجهين مع اتحاد الراوي أو المروي عنه فيهما ، بل قد يرجّح عبد اللّه بن بحر بأنه هو الراوي عن أبي بصير كما نص عليه في ترجمته ، والرواية هنا عن أبي بصير وإن كانت بتوسط ابن مسكان مضافا إلى اشتراك عبد اللّه بن يحيى بين الكاهلي الممدوح وابن يحيى بن زكريا بن سنان الذي يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ، وهو مجهول.

وكأنه الأنسب برواية الحسين عن ... (2).

ثم إن العذرة يختص بفضلة الإنسان كما حكي عن عدة من كتب اللغة منها تهذيب اللغة والغريين. وبه نص جماعة من الأصحاب منهم الحلي قاطعا به والشهيد متظهّرا له.

ويشهد له الاعتبار ؛ إذ العذرة في الأصل اسم لأفنية الدور ، ولما كان يضعفونها في الأفنية سمّوها باسم المحل.

وعن المحقق في المعتبر (3) انها والخبر مترادفان ويعمّان فضلة كل حيوان.

وقد أطلقها الشيخ في التهذيب على فضلة غير الإنسان فيقوم الاحتمال في المقام.

ص: 252


1- من هنا إلى قوله قدّس سره « فالظاهر عدم جريان الحكم المذكور. هذا ، ثم إن قوله عليه السلام » لا توجد إلّا في ( ج ) ، وهي نسخة كثيرة الأغلاط ، فصحّحنا العبارات على قدر وسعنا ، وبهذه الأوراق ختام نسخة ( ج ) ؛ إذ هي ناقصة تبدأ من بداية الكتاب وتختم بهذه العبائر.
2- سقط في النسخة.
3- المعتبر 1 / 411.

والأظهر الأول لما عرفت ، ويشهد له ظاهر إطلاقات العرف. مضافا إلى الأصل إن أوجبنا الزيادة عليها لما لا نص فيه ، فهل يعم الحكم عذرة الانسان مطلقا أو يختص بالمسلم؟ وجهان ؛ من إطلاق النص ومن أن المفهوم عنه خصوص نجاسة العذرة ، والمفروض حصول النجاسة هناك من جهة أخرى فلا يكفي فيه ذلك.

كيف ، ولا ينقص النجاسة العينية عن النجاسة العارضية في المحل ، ولو كان المحل متنجسا بالعارض فلا ينبغي التأمل في عدم الاكتفاء بذلك ، فكيف مع ملاقاته لنجس العين مع الرطوبة ، وهو الأظهر.

وحكم في الذكرى (1) بعدم الفرق بين فضلة المسلم والكافر ، قال : مع احتماله لزيادة النجاسة.

هذا ، والموجود في النص خصوص الذوبان وظاهره تفرّق أجزائها وشيوعها في الماء سواء استهلكت فيه أولا ، فاعتبار والاستهلاك كما في كلام البعض لا يخلو عن بعد.

والحق جماعة منهم المفيد بالذائبة الرطبة وعزي الى الأكثر ، وهو خروج عن مدلول النصّ. وربما علّل بحصول الذوبان مع الرطوبة. وهو ضعيف.

ولو سلّم فلا فائدة إذن في الالحاق.

والموجود في نهاية الإحكام والبيان اعتبار الرطوبة خاصة من دون ذكر للذوبان.

وربما يستفاد ذلك من الشيخ في الإستبصار وعزاه في النهاية إلى القائلين بالانفعال مؤذنا باتفاقهم عليه.

وقد يحمل ذلك على تفسير الذائبة بها أو دعوى حصول الذوبان معها. وكلتا الدعويين في محل المنع.

الثاني : الدم الكثير على المعروف بين الأصحاب.

وحكى في الغنية عليه الاجماع.

ص: 253


1- الذكرى : 100.

وعن السرائر (1) أنه لا خلاف فيه الا من المفيد وعن جماعة منهم الشهيدان (2) حكاية الشهرة عليه.

وعزاه جماعة منهم المحقق الكركي إلى الشيخ والأتباع.

وعن جماعة منهم الصدوق في الفقيه والشيخ في الاستبصار والفاضلان في غير واحد من كتبهما والآبي أن المنزوح له من ثلاثين إلى أربعين.

واستحسنه الشهيد في الذكرى وقوّاه ابن فهد.

وعن المفيد في المقنعة (3) أنّ فيه عشر دلاء.

وعن السيد أن في الدم نزح ما بين الواحد إلى العشرين من غير تفصيل بين الكثير والقليل.

وقد يحمل كلامه على اختلاف ذلك باختلافه في القلة والكثرة والمروي صحيحا في المقام في شاة ذبحت فوقعت في البئر وأوداجها تشخب دما : « إنّه ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين ».

وقد عمل بها الجماعة المذكور من القدماء والمتأخرين ، فالاقوى البناء عليها.

ومجرد مخالفتها للأكثر أو المشهور إن سلّم لا يوجب طرحها مع عدم وضوح معارض لها سوى مجرد الشهرة الخالية عن المستند.

ثم إن المعزى إلى الأكثرين إطلاق الدم الكثير ، وقد يستظهر منه الرجوع إلى العرف وجعله بعضهم ظاهر كلام الأصحاب ، وهو قضية ما حكيناه من إجماع الغنية.

ونفى الخلاف المذكور في السرائر ، وقد نص عليه الشهيد الثاني في الروض.

وعن القطب (4) الراوندي أنه يعتبر بينه ملاحظة حال البئر في الغزارة والنزارة فيختلف

ص: 254


1- السرائر 1 / 79.
2- روض الجنان : 149.
3- المقنعة : 67.
4- نقل عنه في روض الجنان : 150.

فيه الحال باختلاف الأحوال فيعتبر حال الدم والبئر معا.

وحكاه القطب الراوندي عن العلامة ، وربما يرجع الاول إلى ذلك لاختلاف العرف باختلاف ذلك.

ولا ينافيه ظاهر كلام الأكثر ؛ إذ الموجود في كلامهم وقوع الدم الكثير في البئر فيحتمل عبائرهم ملاحظة حال البئر أيضا. ولا يذهب عليك أن ذلك إنما يتم في كلمات الأصحاب ، وليس في الروايات ما يفيد إناطة الحكم به ، وإنما المستند في المقام صحيحة علي بن جعفر ، والمذكور فيه دم الشاة ، وجعلوا ذلك مناطا للكثرة وليس في تلك الرواية استنصال عن حال البئر ، فيفيد إذن إناطة الحكم بنفس الدم ، وهو المستفاد من كلام جماعة حيث فسّروه بدم الشاة ونحوها ، فالبناء عليه هو الأظهر في المقام.

وهل يختص الحكم بدم ظاهر العين أو يعم الجميع ما عدا الدعاء الثلاثة؟ وجهان ، واستوجه الثاني في الروضة ، ونفى عنه البعد في الروض ؛ أخذا بالإطلاق وقوّى المحقق الكركي الأول ، وبه جزم بعض المتأخرين ، وهو الأظهر ؛ لما عرفت من اختلاف الجهة وأنه لا إطلاق في المقام ليمكن الاستناد إليه في ذلك ، والصحيحة المتقدمة إنما وردت في دم الشاة ، فإلحاق نجس العين بها يحتاج إلى الدليل ، والإجماع على عدم الفرق غير ثابت في المقام.

وربما يحتج للمفيد بصحيحة ابن بزيع (1) الواردة في قطرات البول والدم ، وقد ذكر الشيخ لها تقريبا في الاحتجاج ، وهو في غاية البعد مع أن إرادة الكثير من القطران لا يتّجه أصلا ، ولم نقف على حجة المشهور ولا على مختار السيد.

ص: 255


1- وسائل الشيعة 1 / 194 ، باب ما ينزح من البئر لموت الانسان وللدم القليل والكثير ، ح 3.

تبصرة: في نزح الأربعين دلوا

ينزح في المشهور أربعون دلوا لأمور :

أحدها : الكلب ، وبه قال الشيخان (1) والديلمي والقاضي والجعفي والحلي (2) وغيرهم.

وعن الغنية (3) حكاية الإجماع عليه.

وعن الصدوقين (4) أنه ينزح له من ثلاثين إلى أربعين. واستقرب بعض الأفاضل (5) فيه ينزح الدلاء الصادقة عنده على الثلاث.

والأخبار فيه مختلفة أيضا ، ففي صحيحة أبي مريم (6) وموثقة حمّاد نزح الجميع له.

وفي صحيحة أبي بصير : « فقدرت أن تنوح ماءها فافعل (7) ».

ولا عامل بها.

وفي رواية ابن أبي حمزة المروية في المعتبر (8) عن كتاب الحسين بن سعيد نزح الأربعين له.

وهي حجة المشهور بعد انجبار ضعفها بالعمل.

ص: 256


1- المقنعة : 66 ، النهاية : 6.
2- مختلف الشيعة 1 / 200.
3- غنية النزوع : 49.
4- فقه الرضا : 93 ، المقنع 29 ، الهداية : 70.
5- في الهامش : « السيد نعمة اللّه - منه ». وقد خلطه الكاتب بالمتن.
6- وسائل الشيعة 1 / 182 ، باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 1.
7- وسائل الشيعة 1 / 185 ، باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 11.
8- المعتبر 1 / 69.

وفي موثقة سماعة (1) نزح الثلاثين أو الأربعين للسنور وما هو أكبر منه ، فيندرج فيه الكلب.

وكأنها حجة الصدوقين إلا أنها لا تنطبق على ما ذكرناه آنفا.

وفي رواية أخرى لابن أبي حمزة « ينزح العشرين أو الثلاثين أو الأربعين » (2).

واحتج الشيخ (3) بهذين الخبرين على المشهور أخذا بالزائد للإجماع على الاكتفاء به دون ما نقص عنه ، وهذا كما ترى. وغاية ما يوجه به ما عرفته في المسألة السابقة من الوجود المذكورة.

وكيف كان فقد يعتضد بهما المشهور بعد دلالة الرواية المذكورة عليه.

وفي صحيحة الشحام نزح « الخمس مع عدم التفسخ وتغير طعم الماء » (4).

وحملها الشيخ على خروجه حيا ، وهي كما ترى صريحة في خلافه.

وفي صحيحة علي بن يقطين (5) وصحيحة الفضلاء ورواية البقباق (6) إطلاق نزح الدلاء ، وهي حجة من ذهب إلى الاكتفاء بالثلاثة أخذا بأقل الجمع بناء على استظهار عدم الفرق بين جموع القلة والكثرة في المخاطبات العرفية كما هو الظاهر.

فظهر بما ذكرنا قوّة القول المشهور بناء على القول بالانفعال ، والأمر فيها كنظائرها - على ما قوّينا - ظاهر.

ص: 257


1- تهذيب الأحكام 1 / 236 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، ح 12.
2- قريب منه ما رواه حسين بن سعيد ، عن قاسم عن علي في تهذيب الأحكام 1 / 235 ، باب تطهير المياه من النجاسات ح 11.
3- تهذيب الأحكام 1 / 236.
4- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 6 ، وفيه : « فإذا لم ينفسخ أو لم يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ».
5- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 5.
6- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 4.

ثانيها : السنور ، وبه قال الشيخان (1) والديلمي والقاضي والحلبي (2) والطوسي (3) والحلي (4) وغيرهم.

وفي الغنية (5) حكاية الاجماع عليه.

وعن والد الصدوق (6) نحو ما ذهب إليه في الكلب. وإليه ذهب الصدوق في المقنع (7) والهداية (8) وقال في الفقيه (9) بالاكتفاء فيه بالسبع. واكتفى بعض المتأخرين فيه بالدلاء الثلاثة ، ويدل على المشهور رواية ابن أبي حمزة المروية في المعتبر (10) عن السنّور ، فقال : أربعون وللكلب وشبهه. وضعفها منجبرة بالشهرة والأصل ؛ إذ لا قائل ظاهرا بالزيادة.

وفي موثقة سماعة ورواية علي بن أبي حمزة ما مرّ في الكلب. واستدل بهما على المشهور بالتقريب المتقدم.

وفيه أيضا ما مرّ.

ويظهر الوجه في ما ذهب إليه (11) الصدوقان مما مر. ويدل على مذهب الصدوق رواية عمرو بن سعيد بن هلال ، وفيها أنه ينزح لها سبع دلالة (12).

ص: 258


1- المقنعة : 66.
2- الكافي للحلبي : 130.
3- المبسوط 1 / 11 ، النهاية : 6.
4- إرشاد الأذهان 1 / 237 ، نهاية الأحكام 1 / 259.
5- غنية النزوع : 49.
6- فقه الرضا : 94.
7- المقنع : 30.
8- الهداية : 70.
9- من لا يحضره الفقيه 1 / 17.
10- المعتبر 1 / 69.
11- هنا في نسخة ( ج ) - الوحيدة في هذه الأوراق - عبارة لم نفهم ربطها بالمقام ، وهي : « الأصل بقاء النجاسة ».
12- وسائل الشيعة 1 / 185 باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 10 وفيه : أنه ينزح للسنور سبع دلاء.

وهي ضعيفة لا يقاوم ما مرّ.

ومن الغريب حكمه في المختلف بجودة سند هذه الرواية قائلا بأن عمرا إن قيل إنه كان فطحيا فهو ثقة ، وهذا بناء منه على كونه عمرو بن سعيد المدائنى ، وهو فاسد قطعا لوضوح المغايرة بينهما إذ المدائني من أصحاب الرضا عليه السلام فكيف يروي عن الباقر عليه السلام ، ويروي عنه عمر بن يزيد الذي هو من أصحاب الصادق عليه السلام ، مضافا إلى التصريح بكونه ابن هلال ، وهو غير موثق في الرجال إلّا أنه يظهر من بعض الروايات مدحه.

وقال بعض الأفاضل بدلالة حديث (1) على توثيقه.

وفي صحيحة الشحّام نحو ما في الكلب وهي أصح ما في الباب. وقد يميل ظاهر المختلف إلى العمل بها.

ويضعّفه إعراض جمهور الأصحاب عنها على القول بالانفعال.

وفي صحيحة علي بن يقطين إطلاق نزح الدلاء ، وهي حجة من اكتفى فيه بذلك.

وفيها ما عرفت.

نعم ، بناء على القول بالطهارة هو أدنى مراتب الاستحباب.

ثالثها : الشاة وما أشبهها ، ففي المقنعة (2) الحكم بنزح الأربعين لموت الشاة والكلب والخنزير والسنور والغزال والثعلب وشبهه في قدر جسمه.

وحكى نحوه عن الشيخ في النهاية والمبسوط والديلمي والقاضي والطوسي والحلي.

وفي الغنية (3) : وما يوجب نزح أربعين هو موت الشاة أو الكلب أو الخنزير أو السنور أو ما كان مثل ذلك في مقدار الجسم ، ثم ادّعى الإجماع عليه بعد ذلك ، فيندرج فيه نحو السؤر أيضا.

وقد يندرج ذلك في العبارة المتقدمة المنقولة عن الجماعة بناء على تعلق ضمير الشبه

ص: 259


1- كذا ، والظاهر : الحديث.
2- المقنعة : 66.
3- غنية النزوع : 49.

بكل من المذكورات.

وعن ابن سعيد (1) الاقتصار على الشاة ونحوها.

وعن المحقق والآبي الاقتصار على الكلب وشبهه.

وحكى في الروضة أيضا الشهرة. والأصل في الحكم رواية ابن أبي حمزة المتقدمة المروية في المعتبر حملا لشبه الكلب على ما يشبهه في المقدار كما فسّره به الشيخ ، واستفادة شبه السنور منها غير ظاهرة.

وقد يستدل أيضا برواية ابن أبي حمزة المتقدمة بالتقريب المتقدم.

وفيه ما عرفت.

وكأنّ الأظهر الوقوف على ما أفاده النصّ من جريان الحكم في السنور والكلب وشبهه فيندرج فيه الثعلب والارنب والغزال والشاة ونحوها أخذا بظاهر الخبر المذكور المعتضد بعمل الجماعة بل الشهرة كما هو الظاهر والمحكي في الذكرى (2) وغيره والاجماع المتقدم.

وعن الصدوق في الفقيه (3) أنه ينزح للشاة وما أشبهها سبعة (4) إلى عشرة. وجعله في كشف الرموز أولى. وعن الصدوق في المقنع (5) نزح العشرين للخنزير ، ولم أقف على مستنده في المقامين.

وقد نص جماعة على اندراج الخنزير في شبهه. وهو على إطلاقه محل إشكال.

واستظهر في المدار لإلحاقه بنحو الثور ، فينزح له الجميع.

رابعها : بول الرجل ، على المعروف بين الأصحاب. والمراد به الذكر البالغ كما هو المفهوم منه بحسب العرب ، ويستفاد من أهل اللغة وإن احتمل في القاموس صدق الرجل عليه من

ص: 260


1- انظر : كشف اللثام 1 / 331.
2- الذكرى 1 / 95.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 21.
4- في المصدر : « تسعة ».
5- المقنع : 34.

حين ميلاده ؛ إذ هو وجه ضعيف لا عبرة به مع عدم مساعدة العرف وظاهر كلام غيره عليه.

وقد نص على الحكم المذكور (1) كثير من الأصحاب.

وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وعن ظاهر السرائر (2) انه مما لا خلاف فيه.

وعن المعتبر (3) ان روايته مجبورة بعمل الأصحاب. وعن المنتهى (4) ان الأصحاب قبولها.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاه المحقق والشهيدان (5) وابن فهد (6) وصاحب الذخيرة (7) وغيرهم.

والأصل في الحكم رواية ابن أبي حمزة ، عن الصادق عليه السلام قلت : بول الرجل؟ قال : « ينزح منها أربعون دلوا » (8).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب والإجماع المحكي كما عرفت.

وهل يعم بول المسلم والكافر؟ وجهان ؛ من ظاهر الإطلاق وأن المتيقّن منها هو الأول. والظاهر ثبوت الحكم من جهة كونه بول الرجل دون جهة أخرى ، ويزيد بول الكافر ولذا لو لاقى البول نجاسة خارجية لم يكتف فيه مجرد ذلك أخذا بإطلاق المذكور فنجاسة المخرج بالمعارض ليس بأقوى من نجاسة بالأصل مضافا إلى ملاقاته لسائر أعضاء الكافر ، فظاهر إطلاق كثير من الأصحاب هو الأول. وحكي عن صريح جماعة منهم كالحلي (9) والسرائر (10)

ص: 261


1- في المخطوطة : « الذكر ». ولا تستقيم العبارة. ويمكن أن تكون « في الذكر » أو « للذكر ».
2- السرائر 1 / 78.
3- المعتبر 1 / 67.
4- منتهى المطلب 1 / 86.
5- روض الجنان : 150.
6- مهذب البارع 1 / 102.
7- ذخيرة المعاد 1 / 133.
8- الاستبصار 1 / 34 ، باب بول الصبي يقع في البئر ح 2.
9- المعتبر 1 / 68.
10- السرائر 1 / 78.

والعلامة (1) والشهيد الثاني (2) في عدة من كتبهما وابن فهد في المهذب.

وفي الذخيرة (3) أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق.

وعن بعض المتأخرين احتمال الفرق أو النجاسة الكفر تأثير (4).

وعن صاحب المعالم (5) أن التحقيق اعتبار الحيثيّة بعدم تداخل الأسباب. وهو الأظهر على نحو ما استظهرناه وفي نظائره.

وفي جريان الحكم في بول المرأة قولان فعن جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيدان عدم الإلحاق لاختصاص النص الأول. وعن القاضي وابن أبي المجد الحلبي والحلي والعلامة في التحرير ونهاية الإحكام أنه كبول الرجل. وفي الغنية حكاية الاجماع عليه.

وأسند في السرائر إلى تواتر الأخبار في اثبات الحكم للإنسان ، وهو غريب ؛ إذ لا أثر له في الأخبار ، وقد نص عليه المحقق وغيره.

وعن الشهيدين والمحقق الكركي وغيرهما إلحاق بول المرأة بما لا نصّ فيه.

وعن المحقق في المعتبر (6) : ينزح الثلاثين لبول المرأة والصبيّة ؛ أخذا برواية كريه (7) واحتمله. واحتمل الإلحاق بما لا نص فيه في كشف اللثام (8).

ولا يبعد الإلحاق بما لا نص فيه.

نعم ، قد ورد في صحيحة ابن عمار (9) إطلاق نزح الجميع لبول الرجل.

ص: 262


1- مختلف الشيعة 1 / 206.
2- روض الجنان : 150.
3- ذخيرة المعاد 1 / 133.
4- كذا ، ولعلّها : « إذ لنجاسة الكفر تأثير ».
5- انظر مفتاح الكرامة 1 / 471.
6- انظر مفتاح الكرامة 1 / 471.
7- لعلّه « كردويه » كما سيأتي.
8- كشف اللثام : 1 / 333.
9- الاستبصار 1 / 35 ، باب البئر يقع فيها البعير أو الحمار وما أشبههما أو يصيب فيها الخمر ، ح 4.

وفي صحيحة ابن بزيع (1) المتقدم أنه (2) : « ينزح دلاء لقطرات البول ».

وهاتان الروايتان شاملتان لبول المرأة والصبية.

وفي رواية كردويه : « ينزح الثلثين لوقوع القطرة من البول » (3).

وهي أيضا شاملة للجميع إلا أن الأخيرة لضعفها لا يمكن التعويل عليها.

وأما الأولان فيمكن حمل المطلق فيها على المقيد فيقال بالاكتفاء في القطرات بالدلاء وفي غيرها يحكم لوجوب نزح الجميع بعد إخراج بول الرجل عنه للنص المتلقّى بالقبول.

ويمكن المناقشة فيه بأن الأخبار المذكورة غير معمول بها في ظاهر كلام الأصحاب ، فالبناء عليها مع اعراضهم عنها مشكل جدا.

حينئذ لا يبعد إرجاعهما إلى ما لا نص فيه. ومن يقول بوجوب نزح الجميع فيما لا نص فيه إنما يقول بوجوبه في انصباب بول المرأة من تلك الجهة لا لورود الخصوصية في الصحيحة ، فهي مطرحة على القول المذكور أيضا.

ثم بناء على إلحاق بول المرأة والصبية بما لا نص فيه يجي ء الاشكال في بول الخنثى ، وقد نص في الروض (4) بأنه ينزح له أكثر الأمرين من القدر لبول الرجل وما لا نص فيه ، وهو الوجه لدورانه بين الأمرين ، فيجب الأخذ بالأكثر استصحابا للنجاسة.

واستوجهه في جامع المقاصد ، واحتمل في الروضة (5) الاكتفاء بالأقل من جهة الأصل ، وهو ضعيف على القول بالنجاسة. نعم ، إنما يتجه على القول بالتعبّد في وجه.

ثم إنه جعل فيه وجوب أكثر الأمرين معلّقا على القول بنزح الثلاثين أو الأربعين لما لا نص فيه ، وهم كما ترى.

ص: 263


1- الاستبصار 1 / 45 ، باب البئر يقع فيها الدم القليل أو الكثير ، ح 2.
2- قد تقرأ عبارة « المتقدم أنه » في ( ب ) : « النقد ترأنه » ، صحّحناها بالقرائن ، وليس من عبارة الحديث لأنه نقل بالمعنى ، فراجع.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 22.
4- روض الجنان : 150.
5- روضة البهية 1 / 264.

تبصرة: في نزح الثلاثين دلوا

ينزح ثلاثون دلوا لماء (1) المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب عند كثير من الأصحاب كما في الذخيرة (2).

وقد نص عليه في الشرائع (3) والقواعد (4) وغيرهما.

ويدل عليه رواية كردويه والموجود فيها مضافا إلى المذكورات أبوال الدوابّ وأرواثها ، فعلى القول بطهارتها يكون وجودها كعدمها.

وأمّا على القول بنجاستها فينبغي ضمهما إليها في المقام وكأنهم اقتصروا على الثلاثة المذكورة لذهابهم إلى طهارتهم.

وربما يقال بشمولهما لأبوال وأرواث سائر الدوابّ التي لا يؤكل لحمها فيعمّ الأبوال والأرواث النجسة.

ولا يخلو عن بعد.

والرواية المذكورة بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن كردويه قد رواه الشيخ في الكتابين (5) والصدوق في الفقيه (6) باختلاف يسير عنه أيضا قال : سألت أبا

ص: 264


1- في المخطوط : الماء.
2- ذخيرة المعاد 1 / 134.
3- شرايع الإسلام 1 / 11.
4- قواعد الأحكام 1 / 187.
5- الإستبصار 1 / 43 ، باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة أو الرطبة ، ح 5 ، تهذيب الأحكام 1 / 413 ، باب المياه وأحكامها ، ح 19.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ح 35.

الحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » وإن كانت منجرة (1).

وهي ضعيفة بكردويه فإنه مهمل في الرجال ، ولذا استجود في الذخيرة الرجوع إلى ما دل عليه الأخبار والصحيحة للنجاسات المفروضة.

وقد حكى ذلك عن الحلي حيث قال بأن النجاسة المخالطة على حكمها من نزح الجميع أو المقدر.

ويمكن أن يقال بانجبارها لعمل الجماعة بل ذكر بعض الأفاضل أن الخبر تلقّوه الأصحاب بالقبول عاملين بمضمونه.

مضافا إلى أن للصدوق (2) طريقا إلى كردويه ، وهو يومي إلى جلالته ، ورواية ابن أبي عمير عنه يومي إلى الاعتماد عليه أيضا بل الظاهر (3) من جهة تقدّمه بل صحيحة على ما اختاره جماعة من الأصحاب.

ويومي إلى ذلك تكريرها في الاصول المعتبرة.

وكيف كان ، فالتعويل عليها بعد ما ذكرنا بناء على القول بتنجس البئر غير بعيد.

ثم إن البول فيها يعم بول الرجل والمرأة والطفل ، ولا يفيد ذلك النص على حكم بول المرأة ليخرج بذلك عما لا نص فيه ؛ إذا الاكتفاء بذلك مع دخوله في ماء المطر لا يفيد الاكتفاء به مع انفراده على أن البول يستهلك في الماء فلا يبقى له عين ، بل قد لا ينجس الماء في المقام لاعتصام ماء المطر عن الانفعال إلا أن إطلاق الرواية يعم ما اذا كان امتزاج البول به قبل الانقطاع أو بعده.

وبذلك يظهر ضعف ما قد يستشكل في الرواية من أن بعضا من المذكورات له قدر

ص: 265


1- في ( ج ) : « منجبرة » ، وهو غلط ، وما أدرجناه من المصدر. قال في هامشه : البئرة المبخرة التي يشم منها الرائحة الكريهة كالجيفة ونحوها.
2- في المخطوطة : « الصدوق ».
3- هنا فراغ بمقدار لفظة في المخطوط.

مخصوص يريد وحده ذلك ، فالمنزوح لبول الرجل أربعون دلوا وللعذرة مع الذوبان خمسون ، فكيف يكتفي مع اجتماعها بالثلاثين ؛ إذ لا مانع من أن يكون اختلاطها بماء المطر موجبا لوهن حكمها مضافا إلى أن حكم البئر مبنيّ على التعبد فأيّ مانع من ثبوت الحكم المذكور في الصورة المفروضة؟

وقد يدفع ذلك أيضا بأن الحكم هنا مبنيّ على استهلاك تلك النجاسات في الماء ، فلا بقاء لعينها حتى يرد لانتقال المذكور.

ويدفعه أن الاستهلاك في المقام إنما يتصور في البول وحصوله في غيره بعيد جدا. وعلى فرض حصوله نادرا لا وجه لحمل الإطلاق على الفرض النادر.

مضافا إلى ما فيه من ترك الاستفصال المنزل منزلة العموم في المقال.

وعن بعض الأصحاب حمل الرواية على ما إذا حصل هناك ظنّ بحصول تلك النجاسات في الماء دون ما إذا علم بها فيكون الأمر بالنزح لزوال النفرة الحاصلة من أجل المظنة المذكورة. وهو محمل بعيد.

ولو خالط الماء أحد المذكورات الثلاث اكتفى بالثلثين عند الشهيد أخذا بمفهوم الموافقة.

وحكى في الروض عن بعض الأصحاب اختصاص الحكم بصورة الإجماع ، فلا يعمّ غيره.

ولا يخلو عن ضعف.

واختار في الروض (1) التفصيل بين ما إذا لم يكن له مقدارا وكان ، وكان أكثر. أما لو كان أقل كبول الرضيع الداخل في إطلاق البول المذكور في الرواية أو عمومه فالظاهر الاكتفاء به لأن مصاحبته لماء المطر إن لم يضعف حكمه - كما هو الظاهر - فلا يزيده.

ويشكل بأن جريان حكم النجاسة في المتنجس بها محل تأمل ، فضعف حكم البول من حيث امتزاجه بالماء لا يقضي ضعف حكم الماء المتنجس به.

نعم ، إن قلنا بجريان حكمه في المتنجس به صح ما ذكر.

ص: 266


1- روض الجنان : 151.

وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه.

ولو وقعت المذكورات في البئر من دون الامتزاج بالماء لم يجر فيه الحكم المذكور.

وكذا لو وقع واحد منها حسبما أشرنا إليه.

ولو تنجس ماء المطر بالنجاسات المفروضة من دون امتزاجه بها لو تنجس بواحد منها كذلك فالظاهر الاكتفاء بالثلاثين لدلالة الفحوى.

ولو امتزجت بغير ماء المطر ففي جريان الحكم فيه تأمل من خروجه عن مورد النص أنه بمعناه ؛ إذ لا يظهر فرق بين المياه في ذلك.

ويؤيد الثاني ذكر « ماء الطريق » بدل ماء المطر في الرواية المذكورة على ما في الفقيه (1).

ولو خالطت الماء المضاف أو غيره من المائعات فالظاهر عدم جريان الحكم المذكور.

هذا ، ثم إن قوله عليه السلام ... (2)

ص: 267


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 باب المياه وطهرها ونجاستها ح 35.
2- إلى هنا في نسخة ( ج ) ، وهذه الصفحات ساقطة من بقية النسخ ، فاغتنمها.

تبصرة: [ في المضاف والأسئار ]

تبصرة (1)

[ في المضاف والأسئار ]

وعرّف بأنّه ما لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه.

وقد يرد عليه سائر المائعات لاشتراكها معه في عدم صدق الماء كذلك. ولذا زاد بعضهم التقييد بقوله « مع (2) صدقه عليه مع القيد ».

ويمكن الجواب عنه بأن تقييد النفي بالإطلاق (3) بنفيه مع انتفائه فيصدق عليه « مع القيد » إرجاعا للنفي إلى القيد.

وقد يقال : إنّه إن أريد صدق الماء عليه مع الإضافة على سبيل الحقيقة ، فهو لا يوافق ما ادّعوه من مجازيّة الماء فيه ، وجعل التقييد قرينة عليه.

وإن أريد صدقه عليه على سبيل المجاز فنقول بصحة إطلاق الماء على كثير من سائر المائعات على سبيل المجاز كماء العين وماء الأنف ونحوهما.

ويمكن الجواب بأنّ لفظ الماء مقيّدا بالمضاف أو المجموع المركّب من اللفظين حقيقة فيه بخلاف سائر المائعات ، فإنّ صدق الماء عليها ولو مع الإضافة على سبيل المجاز.

والحاصل أن الماء المضاف يصدق حقيقة على كلّ من المياه المضافة قطعا بخلاف غيرها من الماء المطلق وسائر المائعات المذكورة.

وما ذكروه من مجازيّة الماء في المضاف إنّما أرادوا به لفظ الماء مع إطلاقه كما هو قضية

ص: 268


1- في ( د ) : « الفصل ».
2- لم ترد في ( د ) « مع صدقه عليه ».
3- في ( د ) : « بالإطلاقات قاض بدل : « بالإطلاق ».

التبادر وغيره من علائم الحقيقة ، والمجازية (1) (2) ( فيه كذلك لا يستلزم مجازية مع التقييد مع وجود علائم الحقيقة فيه واستحقاق ) المطلق للفظ الماء مع أن الاطلاق لا يستدعي استحقاقه مع التقييد بالمضاف ؛ نظرا إلى وجود المطلق فيه لوضوح أن المراد بالمطلق هنا ما كان من دون القيد المذكور ، فاستحقاقه له بشرط لا (3) يقضي باستحقاقه مع الشرط إذ هو فرع وضع اللفظ ، وهو ما يختلف باختلاف القيود والاعتبارات المأخوذة فيه.

وقد يقال : بأن المراد من استحقاقه للماء مع القيد هو استحقاقه للفظ الماء المضاف إلى خصوصيّة ما انضمّ إلى الماء كماء الورد وماء الزعفران وماء اللحم ونحوها حسبما مرّ ، فالمقصود في الحد هو ذلك.

وهذا إنّما يتمّ مع دعوى كون ذلك حقيقة فيه ، وإلّا جاء الإشكال المذكور ، ولا بعد فيه أيضا كما مرّت الإشارة إليه.

إلّا أنّ الحمل على الأعم بحيث يشمل لفظ الماء المضاف هو الأولى كما هو واضح ؛ نظرا إلى الإطلاق والاعتبار.

ثمّ إنّه ينقسم [ الماء ] إلى الممتزج والمعتصر والمجمّد (4).

وخصّه في الشرائع بالأولين. ولا يخلو من وجه ؛ إذ في الصعيد نحو من المزج أو الاعتصار ، إذ لو جمد في الاعتصار حقيقة لزم خروج ما يخرج من الأجسام من دون عصره كالماء الخارج من اللحم أو البقول بسبب النار ونحوها من الأقسام.

ثم إنّ انحصاره في الأقسام المذكورة غير معلوم ، ولو قلنا بجواز خروج الماء من الإطلاق لطول المكث كان رابعا للأقسام.

ص: 269


1- لم ترد في ( ب ) : « مع التقييد بالمضاف نظرا إلى وجود » ، بدل ما بين الهلالين.
2- في ( د ) : « مجازيته » بدل : « المجازيّة ».
3- زيادة في ( د ) : « لا ».
4- في ( د ) : « المصعّد ».

تبصرة: [ في امتزاج المضاف بالمطلق ]

لو امتزج المضاف بالمطلق لوحظ صدق الاسم سواء اختلفا في الأوصاف أو (1) اتفقا مع انسلاب صفة المضاف أو زيادة صفة مما ثلة لصفة المضاف في الماء. وهو واضح ؛ إذ لا تقييد في الشرع ، فيدور الحكم مدار الاسم كما هو الشأن في غيرها.

والحكم في الأوّل موضع وفاق قد حكي الإجماع عليه من جماعة على ما ذكره صاحب المدارك (2) وأخوه (3).

وأمّا الثاني فقد نصّ جماعة بما قلناه منهم العلّامة والشهيد وصاحب المدارك والذخيرة وغيرهم. وهو قضيّة إطلاق جماعة.

وقد خالف فيه الشيخ والقاضي حيث حكم الأوّل في مسلوب الصفة من المضاف إذا خالط الماء أنّ العبرة في الخروج من الإطلاق بأكثرية المضاف للأصل والاحتياط إلا أنه احتياط ما يجمع بين الوضوء والتيمّم.

ونصّ الثاني بأنّ العبرة بأكثرية الماء للأصل والاحتياط ، [ و ] في شرح النافع للسيد نور الدين حكاية الشهرة على اعتبار الأكثر منهما.

ثمّ ذكر قول الشيخ مع المساواة ، وعن العلامة تقدير المخالفة في الصفة كالحكومة في الحر.

وهل يعتبر حينئذ أوسط الأوصاف أو أضعفها؟ وجهان ؛ والأوّل محكيّ عن الشهيدين والمحقق الكركي ، والثاني عن صاحب المعالم.

ص: 270


1- في ( ب ) : « و ».
2- مدارك الأحكام 1 / 114.
3- في ( ب ) : « آخره ».

ويعلّل الأوّل بالأغلبيّة والثاني بأنّه لو بقي شي ء من الأشدّ لم يقدر الزائد قطعا فلا يقيد أيضا مع زوال الجميع.

وكأنّ إطلاق (1) المذكور مبني على التحقيق في صدق الاسم أو في بيان الحكم في صورة الشك ، وإلّا فالرجوع في مثله إلى صدق الاسم بعد تحققه مما لا ينبغي الريب فيه.

والقول بدوران صدق ( الاسم ) (2) على أكثرية الماء أو المضاف ضعيف جدّا ، وكذا اعتبار التقدير في الاستكشاف ؛ لتفاوت الحال في الخروج عن الاسم بين وجود الصفة وعدمها ، أو اشتدادها وعدمها فلا يمكن استكشاف الحال بالتقدير.

فالأظهر أن يقال له (3) : إن تبيّن الحال بعد مراجعة العرف فلا إشكال ، ومع الشك يتقوى البناء على بقاء طهارته واعتصامه عن الانفعال إن كان معتصما بالكثرة أو غيرها ؛ استصحابا لطهارته ، والحكم عدم طهوريّته لتعارض الأصل من الجانبين ، وقضية الأصل بقاء الحدث أو الخبث الحاصلين.

ودعوى أصالة بقاء كلّ على حاله - فكلّما مرّ على المضاف مرّ عليه المطلق أيضا وهو كاف في الإزالة والرفع كما ذكره البعض - بيّنة الوهن ؛ لوضوح أنّ الماءين بعد امتزاجهما لا يبقى كلّ منهما على الحالة (4) السابقة ثمّ (5) إنّه لو وجد من المطلق ما لا يكفيه للطهارة وتمّمه (6) من المضاف بما لا يسلبه الإطلاق جاز الوضوء به حسبما عرفت ، وقد نصّ عليه جماعة منهم الشيخ والفاضلان ، وعن غير واحد من الأفاضل حكاية الاتفاق عليه.

وهل يجب عليه ذلك مع انحصار الأمر فيه ولا يسوغ له التيمّم مع المكنة منه؟ قولان ؛ والأشهر فيه الوجوب.

ص: 271


1- في ( د ) : « الخلاف ».
2- الزيادة في ( د ).
3- في ( د ) : « إنّه ».
4- في ( ألف ) : « حالة ».
5- لفظة « ثمّ » أدرجناها من ( د ).
6- في ( ألف ) : « عمه ».

وقد نصّ عليه العلامة والشهيدان وصاحب المدارك والذخيرة وغيرهم. وذهب الشيخ في المبسوط إلى انتفاء الوجوب ، وتبعه صاحب الدلائل ، وربّما يميل إليه في الإيضاح.

وعن المعتبر التردّد فيه ، والظاهر الأوّل لتمكنه من الطهارة الاختياريّة ، فلا ينتقل إلى الاضطرارية.

والظاهر أن المراد من وجدان الماء المذكور في الآية هو التمكن منه لا وجوده عنده كما قد يتوهّم ؛ إذ ذاك ممّا لا يشترط فيه قطعا ، ولذا يجب الطلب والتحصيل مع الإمكان.

ويدلّ عليه أيضا أن الظاهر أنّه لا تأمّل في وجوب إذابة الثلج ونحوه مع انحصار الأمر فيه مع أنّه من قبيل إيجاد الماء لخروجه بالجمود عن المائية.

وقد يستدلّ للشيخ بأنّ المزج لا يقتضي بإيجاد حقيقة الماء وإنّما يوجب الاشتباه على الحسّ ، فمع عدم العلم بعدم استيفاء الماء للأعضاء لا يصحّ العمل.

وكأنّه الوجه في حكم الشيخ عند العلّامة والشهيد الثاني في الروض حيث حكما بالتناقض بين حكميه - أعني الحكم بعدم وجوب المزج مع الانحصار والقول بصحة الوضوء مع المزج - ، وأجاب عنه في الإيضاح بأنّ حكم الشيخ في المقام مبنيّ على توقّف وجوب الوضوء على وجود الماء والتمكّن منه ، فلا يجب إيجاده (1) أو لا يجب تحصيل مقدمة الواجب المشروط ، فلا منافاة بين عدم وجوب المزج ووجوب الوضوء مع حصوله.

وعن الدلائل أنّ المتأخرين أطبقوا على فساد التعليل المذكور.

قلت : والوجه فيه واضح ؛ إذ لو جعل المكنة من الماء شرطا في وجوب الوضوء كما ذكرناه ممنوع ولا يترتب عليه عدم وجوب الإكمال ؛ إذا المفروض حصول المكنة في المقام ، إذ التمكّن من إيجاده تمكن منه وإن جعل وجود الماء شرطا فيه فهو ممنوع ، ولو استند فيه إلى ظاهر الآية فقد عرفت ما فيه. كيف وظاهرها اعتبار الوجدان ولا يقول أحد باعتباره فيه.

ص: 272


1- في ( ألف ) : « اتّحاده ».

على أنّه لو قيل باشتراط مجرد الوجود فيه مع وضوح فساده فهو حاصل في المقام لوجود الماء في نفسه.

فظهر بذلك (1) ما في كلام بعض الأفاضل (2) من أنّ وجوب الطهارة (3) المائية مشروط بالنسبة إلى إيجاد الماء وإن لم يكن مشروطا بالنسبة إلى تحصيله والوصول إليه ؛ لما عرفت من انتفاء الدليل عليه وعدم ظهور الآية ، بل الظاهر من الأخبار خلافه كما سبق في مباحث التيمّم.

هذا ، ونظير المسألة ما لو تمكّن من استخلاص المطلق من المضاف كتميّز الماء من الطين عند امتزاجه وخروجه عن اسم الماء ، فلا يجب ذلك بناء على التعليل الأخير.

ثم إنّه لا فرق بين كون الممزوج من المضاف أو غيره من المائعات بل الجوامد إذا توقف عليه الاستعمال كما إذا نقص الماء من الكرّ بحسب الوزن فتوقف تمكّنه من استعماله على خلطه بشي ء من التراب ، فيتمكّن من استعماله بعد الاعتصام.

ص: 273


1- زيادة في ( د ) : « ضعف ».
2- زيادة في ( د ) : « الفاضل الهندي ».
3- في ( ب ) : « طهارة ».

تبصرة: [ في تنجس المضاف ]

لا خلاف بين الأصحاب في طهارة المضاف في نفسه وانفعاله بالملاقاة ولو كان كثيرا أضعاف الكرّ. وقد حكى الإجماع على انفعاله بالملاقاة جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيدان.

ويدلّ عليه بعد ذلك القاعدة المسلّمة من تنجيس النجس ملاقيه (1) مع الرطوبة.

وقد دلّ عليه في المقام غير واحد من الأخبار كخبر السكوني عن الصادق عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة؟ قال : « يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل » (2).

ورواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة نبيذ أو خمر مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال : « يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله » (3).

والمناقشة في إسناد الخبرين أو دلالتهما بعد وضوح الحال وموضوعيّة الحكم واعتضادهما بالاتفاق المعلوم والمنقول ليس في محلّها.

ثمّ إنّ الحكم في الساكن المتساوي السطوح ظاهر ، وكذا في مختلفها مع الوقوف وإن حكم بتعدّدهما في بادي الرأي كالحوضين الموصول بينهما بساقية ولو كانت دقيقة.

ص: 274


1- في ( د ) : « لما يلاقيه » بدل « ملاقيه » ، وكلاهما صحيح.
2- الكافي 6 / 261 ، ح 2 ؛ الإستبصار 1 / 25 ، ح (62) 5 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 87 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة 1 / 206 ، ح 3.
3- الإستبصار 4 / 94 ، ح (363) 9 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 279 ، ح 107 ؛ وسائل الشيعة 3 / 470 ، ح 8.

ويأتي على قول من زعم من شذوذ من المتأخرين من عدم سراية النجاسة في الماء القليل المتفرّق مع اتصال بعضه بالبعض إلى ما تباعد عن محل الملاقاة جريانه في المقام لا طراد العلّة فيه.

وقد أشرنا إلى ضعفه فيما مرّ.

ولو كان جاريا متدافعا - سواء تساوى سطوحه أو اختلف ، اتحد الماء في بادي الرأي أو تعدد - تنجّس محل الملاقاة وما دونه قولا واحدا.

وأمّا ما فوقه فإن كان علوّه على سبيل التسنيم لم ينجس قطعا ، وقد حكى بعض الأجلّة الاتّفاق عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك الأصل ؛ إذ قضية الانفعال بالنجاسة تنجّس ما لاقى النجاسة في محل الملاقاة ؛ إذ لا معنى لتأثير النجاسة في غير ما يلاقيه ، ونجاسة الجميع في (1) المائعات إنّما يأتي من جهة السراية ، ولما كانت النجاسة من جهتها على خلاف الأصل فلا بدّ فيه من الاقتصار على محلّ الإجماع ، وهو الميعان مع استواء السطوح أو كونه ما دون محلّ الملاقاة فيبقى ذلك مندرجا تحت الأصل.

وكذا ما إذا كانت الرطوبة من دون الميعان ، فإنّه يختص النجاسة بمحل الملاقاة ولا تسري منه إلى غيره مطلقا.

فإن قلت : إنّ قضية الأصل سراية النجاسة مع الرطوبة ، فإنّه إذا تنجّس (2) محل الملاقاة تنجّس ما يلاقيه به لكونه ملاقيا للنجس بالرطوبة و .. هكذا ، فما دلّ على تنجيس النجس بالملاقاة دالّ عليه ، فلا حاجة إلى ملاحظة نصّ أو إجماع في خصوص السراية.

قلت : فرق ، (3) بين سبق حصول النجاسة على الملاقاة ولحوقه ، والذي قام الدليل على كونه سببا للتنجيس إنّما هو الأوّل ؛ إذ هو مورد الإجماع ، وأما الملاقاة السابقة فلا يوجب

ص: 275


1- لم ترد في ( ب ) : « في ».
2- لم ترد في ( ب ) : « تنجّس محلّ الملاقاة ».
3- زيادة في ( د ) : « بيّن ».

تنجيس الغير لخروجه عن مورد الإجماع.

ويشهد له أنّه لا يصدق عرفا ملاقاة سائر الأجزاء للنجاسة وإن صحّ كونه ملاقيا بالتدقيق المفروض فلا عبرة به بعد خروجه عنه في ظاهر العرف.

لا يقال : إنّه ليس هناك لفظ يدلّ على اعتبار الملاقاة في التنجيس ليقال فيه بالرجوع فيه إلى العرف ، فلا يندرج فيه الصورة المفروضة ؛ إذ من الواضح أنّ العقل لا مسرح له في باب النجاسات ، والذي قام عليه الإجماع في تأثير النجاسة مع الملاقاة هو الصورة الأولى وهو الّذي ينصرف إليه إطلاقات (1) الملاقاة دون الصورة الأخيرة ، وصدق الملاقاة هناك بملاحظة تدقيق العقل لا يقضي بالنجاسة كما (2) عرفت ، فيلزم البناء على مقتضى الأصل لخروجه عن موارد (3) الإجماع.

نعم ، قد دلّ الإجماع وغيره على سراية النجاسة في الصورة المفروضة مع الميعان فيقتصر عليه.

وليس في الأدلة ما يفيد إطلاق تنجيس النجاسة بالملاقاة على نحو يشمل المفروض من نصّ أو إجماع ؛ أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلعدم استفادته من كلمات الأصحاب بل ملاحظة إطباقهم على بطلان السراية في غير المائع - وكذا ما حكم جماعة به في المقام - يشهد بخلافه.

وربّما علّله كثير منهم بالأصل. وفيه أقوى شاهد على عدم الاكتفاء بالملاقاة السابقة.

فقد ظهر بما قرّرنا أن سراية النجاسة عن محلّ الملاقاة على خلاف الأصل ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على مورد الدليل ويحكم في غيره على مقتضى الأصل ومنه ما (4) على محلّ الملاقاة كما هو المفروض في المقام.

ص: 276


1- في ( د ) : « اطلاق ».
2- لم ترد في ( ب ) : « كما عرفت .. سراية النجاسة ».
3- في ( د ) : « مورد ».
4- زيادة في ( د ) : « علا ».

فإن قيل : إنّ ما دلّ على انفعال المضاف بالملاقاة يدلّ على انفعال جميعه مع ملاقاة النجاسة لبعضه ، فإذا فرض اتحاده في العرف ففي ذلك بانفعال جميعه ؛ أخذا بإطلاق الدليل.

قلنا : لم نجد الإطلاق المذكور في شي ء من الأخبار ليقوم (1) حجة على المطلوب ، وما ورد في كلمات الأصحاب محمول على غير تلك الصورة لتصريح جماعة منهم بعدم التسرية ، فلو لا انعقاد الإجماع على انتفاء النجاسة في المقام فلا أقلّ من عدم قيام الإجماع على خلافه ، فلا يتمّ الاحتجاج بالإجماع أيضا.

وما قد يقال : من أن قضيّة ما دلّ على تنجّس القليل بالملاقاة إنّما يدلّ على نجاسة الكلّ به من دون حاجة إلى ملاحظة قاعدة السراية ، فيثبت ذلك في المضاف بالأولى ؛ إذ لا يزيد حكمه على الماء.

مدفوع - بعد المناقشة في الأولوية - بأنّ السراية إلى العالي منتفية في الماء إجماعا بل ضرورة ، فكيف يمكن الاحتجاج بالأولويّة : مع عدم ثبوت الحكم في الأصل على أنّه ليس في أدلّة انفعال القليل إطلاق بيّن يدل عليه بل معظم ما دل عليه أخبار حاكمة بنجاسته في موارد مخصوصة (2) كذلك مشكل جدا.

فظهر بما ذكرنا صحّة احتجاج صاحب المدارك (3) في المقام للأصل السالم عن المعارضة (4). واتّضح فساد ما قد يتسارع إلى بعض الأفهام من الحكم بسراية النجاسة في المقام.

هذا ، ولو كان العلو على غير نحو التسنيم ففي طهارة العالي وجهان (5) لا يبعد القول (6) به

ص: 277


1- في ( ب ) : « يقوم ».
2- زيادة في ( د ) : « لا يندرج فيها نحو ذلك. نعم ، في أخبار الكرّ إن ثبت إطلاقها بالنسبة إلى ذلك إشارة إلى ذلك إلّا أنّ الحكم بإطلاقها ».
3- مدارك الأحكام 1 / 114.
4- في مخطوطة ( ألف ) : خ. ل وفي ( د ) : المعارض.
5- زيادة في ( د ) : « و ».
6- في ( د ) : « بها ».

مع الانحدار التام (1) على ما مرّ نظيره في الماء (2) لو كان الدفع من السافل إلى العالي كالفوارة ، ففي ثبوت السراية وجهان.

ص: 278


1- في غير ( د ) : « انحدار المقام ».
2- في ( د ) زيادة : « و ».

تبصرة: [ في الاختلاف في طهورية المضاف أحيانا ]

المعروف من المذهب ان المضاف كسائر المائعات لا طهورية فيها عن الحدث ولا الخبث في حال الاختيار ولا الاضطرار ، وقد وقع هناك خلاف ضعيف.

أما الأول فقد خالف فيه الصدوق في ظاهر الهداية (1) والفقيه بالنسبة إلى خصوص ماء الورد (2) إلى قوم من أصحاب الحديث ، والظاهر اختصاص الخلاف بماء الورد دون غيره من أنواع المضاف.

ويشهد له ما في المعتبر (3) حيث قال : اتّفق الناس جميعا على أنّه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات ، ولم نجد من وافقه ممّن سبقه أو تأخر عنه سوى صاحب المفاتيح. وهو ضعيف جدا للأصل والإجماع على الظاهر المصرّح به في التهذيب (4) والإستبصار (5) والغنية (6) والشرائع (7) والنافع (8) والمنتهى (9) والتذكرة والسرائر (10) والطالبيّة.

ص: 279


1- انظر : الهداية 64.
2- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « حيث جوّز الوضوء والاغتسال به وحكي ذلك عن أماليه أيضا. وعزا في الخلاف جواز التوضؤ بماء الورد » ، انظر : أمالي الصدوق : 2. ح 1006.
3- المعتبر 1 / 82 ، الفقيه : 1 / 345.
4- التهذيب 1 / 219 ، ذيل ح 627.
5- الإستبصار 1 / 14 ، ذيل ح 227.
6- الغنية : 50.
7- الشرائع 1 / 12.
8- المختصر النافع : 3.
9- المنتهى 1 / 118.
10- السرائر 1 / 59.

ونفى عنه الخلاف بين الطائفة في المبسوط وبين المحصّلين في السرائر.

و ( في ) (1) الذكرى (2) أن الصدوق مسبوق بالإجماع.

وفي الروض (3) وغيره : مسبوق بالإجماع ملحوق به.

وفي شرح القطيفي : إن الفتوى على عدم دفعه والقول به شاذّ لا يعوّل عليه.

وعن غاية المرام وكشف الالتباس الإجماع عليه ممّن عدا الصدوق.

وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : أطبق أصحابنا إلّا الصدوق على عدم جواز الطهارة بالماء المضاف ، وظاهر (4) الآية الشريفة الحاكمة بانتقال الحكم إلى التيمّم مع عدم وجدان الماء الصادق مع وجدانه ، وقوله عليه السلام في خبر أبي بصير وقد سأله عن الماء باللبن (5) : « لا إنّما هو الماء والصعيد » ، مضافا إلى اعتضاده بالشهرة العظيمة بل الإجماع محققة كما عرفت.

ويؤيّده الحكم بطهورية الماء المطلق في معرض الامتنان ، ولو تمّ (6) الحكم لغير المطلق لأشير (7) إليه بحسب المقام ليكون الامتنان أكمل (8) ، وإن ظاهر إطلاق الغسل في الآية والأخبار قد ينصرف إلى ما يكون بالماء إما لأخذه في مفهوم الغسل أو لأنّه الفرد الغالب ، فتعيّن للاستعمال ، وكان مستند الصدوق في ذلك رواية يونس ، عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ للصلاة ، قال : « لا بأس » (9).

ص: 280


1- الزيادة من ( د ).
2- الذكرى : 7.
3- الروض : 132.
4- في ( د ) : « لظاهر ».
5- الإستبصار : 1 / 14 ، ح (26) 2 و 155 ، ح (534) 1 ؛ التهذيب 1 / 188 ، ح (540) 14 ؛ الوسائل 1 / 201 ، ح 518 ، 3 / 351 ، ح (3843) 6.
6- في ( د ) : « عمّ ».
7- في ( ب ) : « لا يشير ».
8- في ( ب ) : « الحمل ».
9- الإستبصار 1 / 14 ، ح (27) 2 ؛ التهذيب 1 / 218 ، ح 627 ؛ الوسائل 1 / 204 ، ح 523.

مضافا إلى إطلاقات الغسل الواردة في الآية والروايات.

وربّما قيل أيضا باندراج ماء الورد في المطلق والإضافة فيه لأدنى الملابسة كماء الحوض وماء النهر ونحوهما.

ويدفع الرواية تارة بضعفها في الإسناد ؛ لاشتماله على سهل ، والمشهور بين أصحاب الرجال ضعفه (1) ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ونصّ أنّه فاسد المذهب.

ولا يظهر ذلك من رواياته (2) ، وكأنّهم عنوا به الغلوّ والارتفاع في القول على ما هو دأبهم من رمي كثير من الأجلاء به.

وما في المدارك (3) من الحكم بكونه عامي المذهب غريب ؛ إذ لم نجد له أثرا في شي ء من كتب الأخبار بل ظاهرهم عدم التأمل (4) في كونه من الأصحاب كما يظهر من رواياته ، وإكثار ثقة الإسلام عنه حتّى أنّه عقد له عدة على نحو عدة البرقي وابن عيسى.

وفي ذلك وغيره ممّا ذكر في محلّه وغيره إشارة إلى الاعتماد عليه إلّا أن ذلك كلّه لا يخرجه عن حدّ الضعف فلا يجوز التعويل عليه.

وربّما يناقش فيه أيضا من جهة الاشتمال على العبدي عن يونس ؛ نظرا إلى استثنائهم ذلك من رجال نوادر الحكمة ، وهو إن لم يثبت عندنا إلّا أنّه يوجب وهنا في الخبر سيّما في المقام ، وأخرى بشذوذها ومتروكيّتها بين الأصحاب وإعراضهم عنها.

قال الشيخ في كتابي الحديث : إنّه خبر شاذّ شديد الشذوذ ، وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره ، مضافا إلى معارضته لظاهر الآية وغيرها.

وقد قيل (5) بأنّ المراد بها ماء ألقي فيه الورد دون المصعّد ؛ اكتفاء بأدنى الملابسة أو يقرء

ص: 281


1- لا حظ : رجال النجاشي 185 / 490 « فهرست الطوسي 142 / 339 ؛ معالم العلماء 92 / 383.
2- في ( ب ) : « روايته ».
3- المدارك 1 / 111.
4- في ( ب ) : « المشهور ».
5- في ( د ) : « تؤوّل ».

« الورد » بكسر الواو ، والمقصود السؤال عن المياه التي تكون مورودة للدوابّ وسائر الحيوانات.

والاستناد إلى الإطلاقات قد عرفت ما فيه ، فهي إن لم تكن شاهدة للمشهور فلا تشهد على خلافه سيّما مع الإطباق على عدم جواز استعمال غير ماء الورد إلى العرف (1) من المياه المضافة حسب ما عرفت.

والاستناد إلى اندراجه في المطلق أوهن الوجوه المذكورة ؛ لوضوح فساده بعد الرجوع إلى العرف.

وأمّا الثاني فقد خالف فيه السيد ، وعزاه في السرائر إليه وإلى جماعة.

واختلف النقل عن المفيد ، فحكى عنه في المختلف ذهابه إلى المشهور ، والمحكي عنه في كلام جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك وأخيه القول بجواز الإزالة به.

وفي الروض وغيره حكاية الإجماع ممّن تقدّم على السيد وتأخّر عنه على المنع.

وفيه أيضا إشارة إلى موافقته للمشهور.

والمحكي عن السيّد في عدّة من الكتب - منها الخلاف والمعتبر - هو القول بجواز إزالة الخبث لمطلق المائع.

وكيف كان ، فالقول به ضعيف منقرض قد أطبق المتأخرون على خلافه.

وفي شرح القطيفي : إنّ الفتوى على عدم إزالة الخبث به والقول به شاذّ لا يعوّل عليه. وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : إنّ الأكثر بل الإجماع على جواز إزالة النجاسة به.

ويدلّ على المشهور الأصل وورود الأمر بالغسل بالماء في عدّة من الأخبار الظاهرة في تعيينه في الغسل.

وقوله عليه السلام : « لا يجزي من البول إلا الماء » (2) مع عدم القول بالفصل ، وقوله عليه السلام : « كيف

ص: 282


1- لم يرد في ( د ) : « إلى العرف ».
2- الإستبصار 1 / 57 ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (166) 21 ؛ وسائل الشيعة 1 / 317 ، باب وجوب الاستنجاء وإزالة النجاسات للصلاة ، ح 6.

يطهر من غير ماء » (1) ، وفي الصحيح أو الموثق : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال : « يصلّي فيه وإذا وجد الماء (2) غسّله » (3).

مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط غالبا ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع (4) ، وإطلاق الأمر بالتطهير والغسل الشامل لذلك ، وأن الغرض إزالة الخبث ، وهو حاصل به من غير خصوصيّة فيه للماء.

ويشهد له حسنة الحكم بن الحكيم الصيرفي قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو تصيب ثوبي؟ قال : « لا بأس به » (5).

وخصوص رواية غياث بن ابراهيم ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه ، عن على عليه السلام قال : « لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق » (6).

ووهن الجميع ظاهر : أما الإجماع فلاشتهار خلافه ، فلو لم يكن منعقدا على عدمه فليس منعقدا على ثبوته. وقد ذكر المحقق في المسائل المصريّة الوجه في دعواه الإجماع في المقام حيث سئل : إنّه كيف أضاف علم الهدى إزالة النجاسة بالمائعات إلى مذهبنا ولا نصّ فيه؟!

فأجاب أنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا لأن من أصلنا العمل بدليل الأصل العقل ما لم يثبت إلينا.

قال : وليس في الشرع ما يمنع استعمال المائعات في الإزالة ولا ما يوجبها ، ونحن (7)

ص: 283


1- وسائل الشيعة 3 / 453 ، باب أن الشمس إذا جفت الأرض واسطح .. ، ح 7.
2- في ( د ) : « ماء ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 68 ، باب ما ينجس الثوب والجسد ، ح 155.
4- زيادة في ( د ) : « بل الإجماع في الحقيقة حسبما نقل احتجّوا للسيّد ومن وافقه بالاستناد إلى الإجماع ».
5- الكافي 3 / 56 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 4.
6- تهذيب الأحكام 1 / 425 ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة 1 / 149 ، باب حكم الريق ، ح 2.
7- في ( ب ) : « نحوه ».

لا نفرّق بين الماء والخلّ في الإزالة بل ربّما كان غير الماء أبلغ حكما (1) بدليل العقل.

وهو كما ترى صريح في كون الإجماع المدّعى تخريجيّا (2) مبنيّا على الوجه المذكور ، فظهر فساده بفساد أصله.

وأنت خبير بأنّه لو صحّ ما ذكره لم يصحّ (3) الاستناد إلى الإجماع كما لا يخفى.

ومنه يعلم الوجه في ضعف الإسناد إلى أكثر إجماعاته المنقولة في المسائل الخلافية ، والإطلاقات لا حجة فيها بعد انصرافها إلى المتعارف إن سلّم حصول العقل (4) على الحقيقة من غير الماء.

وما أورده السيد من أنّه لو قيل باختصاص الغسل بما يغسل به في المعتاد لما جاز الغسل بما لم تجر العادة بالغسل به من المياه كماء النفط وماء الكبريت ونحوهما ، وهو خلاف الإجماع ؛ مدفوع بأنّه لو سلّم ذلك فالإجماع على جوازه كاف في ذلك ، وهو الحجة فيه دون الإطلاق ، مع حصول الفرق البيّن بين المقامين ؛ إذ ندرة الوجوه (5) غير الفرد حسب ما قرر في محلّه على ان غاية الأمر فيه الاستناد إلى الإطلاق.

ولا بدّ من حملها على الأخبار المقيدة حسبما عرفت. ومجرد إزالة العين غير كاف في حصول الطهارة وإلّا لجازت التطهير بغير المائعات ، بل وحصل ذلك بمجرد تخفيف النجاسة المائعة كالبول إذا زال به العين ، ولا قائل به.

والاستناد فيه إلى الحسنة المذكورة بيّن الوهن ؛ إذ لو حملت دلالتها على حصول الطهر بذلك فهي متروكة بين الأصحاب ، مع أنّها لم تشتمل على كون الازالة بالمائع من المضاف وغيره.

ص: 284


1- في ( ب ) : « محكما ».
2- في ( ب ) : « تخرفيّا ».
3- زيادة في ( د ) : « له ».
4- في ( د ) : « الفصل ».
5- في ( ألف ) : « الوجود ».

وما دلّ عليه من ازالة البول من الجسد بالحائط أو التراب لم يقل به أحد منّا كما نصّ عليه في المعتبر.

ورواية غياث ضعيفة جدّا ، متروكة بين الأصحاب ، معارضة بما عرفت ؛ فهي لا تنهض حجة في نفسها فضلا عن الاعتماد عليها مع متروكيتها ومعارضتها بما مر.

وكأن الخبرين المذكورين منظور المفيد حيث ذكر في مسائل خلافه أن جواز (1) الإزالة به مروي عن الأئمّة عليهم السلام فيما حكاه المحقّق في المسائل المصريّة ؛ إذ لم ينقل أحد من الأصحاب فيه رواية غير ذلك.

وأما الثالث فقد خالف فيه العماني وفصّل بين الحالين ، فمنع من استعماله مع الاختيار وجوّزه في حال الاضطرار في المقامين.

وحكى في المقنع عن الصدوق تجويزه رفع الحدث بماء الورد في السفر وفيه عدم المطلق إلّا أنّه غير مطابق للموجود في كتبه المذكورة.

وكيف كان فلم نجد مستند التفصيل ، وقد يستند فيه بالجمع بين الأخبار وحمل الخبر المذكور (2) على صورة الاضطرار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ هي مع عدم مكافأته لغيره وخلوّ الجمع المذكور عن الشاهد غير واف لمقصوده.

ص: 285


1- في ( ب ) : « جوز ».
2- لم ترد في ( ب ) : « على صورة .. وخلوّ الجمع المذكور ».

تبصرة: [ في كيفية تطهير المضاف المتنجّس ]

إذا تنجّس المضاف اعتبر في طهره خروجه عن الإضافة إلى الإطلاق ، وملاقاته للمطهّر على نحو ما مرّ في تطهير المياه.

فهو ما دام مضافا غير قابل للتطهير لسراية النجاسة إلى جميع أعماقه (1). وملاقاة المطهّر لجميع أجزائه من المستحيل مع بقاء الإضافة وبقاء الماء على المائية ؛ إذ مع عدم حصول المزج التام لا يمكن وصول الماء إلى جميع أجزاء المضاف ، ومع حصول الامتزاج التام لو سلّم حصول ملاقاته لجميع الأجزاء إمّا أن ينقلب المضاف مطلقا أو يخرج الماء من الإطلاق ، والأوّل خروج عن محلّ البحث ، والثاني لا يقضي بالتطهير لخروج الماء حينئذ من الإطلاق القاضي بخروجه عن الطهورية ، فلا يكون طهورا حال إفادته التطهير ، وحينئذ ينجس (2) الجميع.

والفرق بينه وبين المطلق أنّ المطلق متّصف بعد الطهارة بالطهوريّة فيطهر ما يلاقيه وهكذا ، بخلاف المضاف. ولذا اكتفينا هناك بمجرد الاتصال بخلاف المقام.

فلا فائدة حينئذ لمراعاة الامتزاج.

وأما إذا خرج عن الإضافة وصار مطلقا كان بحكمه ، فيطهر بما يطهر به المطلق.

وبقاء حقيقته السابقة وتأثيره في المطلق لا يمنع من قبول الطهارة ، ولا يقضى بتنجيس الماء ؛ لما عرفت من ضعف القول بتنجس الماء بتغيّره بالمتنجّس ، وإنّما يختصّ ذلك بعين النجاسة كما مرّ.

وعلى ما ذكرنا لا فرق بين خروجه عن الإضافة بنفسه أو بتصفيق الرياح أو العلاج أو

ص: 286


1- لم ترد في ( ب ) : « أعماقه وملاقاة المطهّر لجميع ».
2- في ( د ) : « فينجس ».

امتزاجه بالماء النجس أو الطاهر القليل أو المعتصم المطهّر ، غير أنّه في الأخير يطهر بمجرّد خروجه عن الإضافة ، وفي الأقسام المتقدّمة يفتقر إلى ملاقاة المطهّر.

ثمّ إن طهره بما ذكرناه قد ذهب إليه العلّامة في التذكرة والنهاية ، وهو المشهور بين المتأخرين.

ولهم في المسألة أقوال أخر :

أحدها : اعتبار خروج المضاف عن إضافته وبقاء إطلاق الماء وعدم خروجه عن صفته من جهة اختلاطه بالمضاف وامتزاجه به. ذهب إليه الشيخ في المبسوط. وحكي عن ظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير إلّا أن الشيخ اعتبر الزيادة على الكر ، ولم يعتبره العلّامة.

وكأنّه أخذ ذلك من جهة الاحتياط في بقاء مقدار الكر على الإطلاق مع بقاء الأوصاف ؛ إذ لا أقلّ من اتّصاف بعض الماء بأوصاف المضاف عند ممازجته وإن زال عنه بعد ذلك ؛ إذ من الواضح انتفاء المزية فيما زاد على الكر بالنسبة إليه ، فجعل ذلك قولا آخر في المسألة من جهة اعتبار الزيادة ليس على ما ينبغي.

ثانيها : القول بالاكتفاء بمجرّد الاتصال وإن بقي الاسم والصفة. حكاه في الروضة وعزاه إلى العلامة في التذكرة.

ثالثها : تطهيره بممازجة الكر وإن تغيّر الماء وخرج عن الإطلاق. ذهب إليه [ العلامة ] في المنتهى والقواعد ، وابن فهد في الموجز. وربّما يفصّل فيه بين ما إذا وضع المضاف في الماء (1) أو وضع الماء فيه.

فلو قيل بطهره بذلك فانّما يقال به في الثاني دون الأول ؛ إذ لا مجال للقول بطهر المحلّ من دون ملاقاة المطهر أصلا أو ملاقاته لبعضه. وعن المحقق الكركي أنه أوجب أن يكون تصوير المسألة في إلقاء المضاف النجس فيه.

قلت : إطلاق كلام العلّامة قاض بخلافه ، بل عبارة الموجز الحاوي صريحة في خلافه

ص: 287


1- في ( ب ) زيادة : « وخرج عن الإطلاق ».

حيث قال : وطهره بإلقاء كر عليه ، وإن بقي التغيير بالإضافة ، فمع ما علّل به التفصيل أن خروج الماء عن الاطلاق إما أن يكون بعد حصول امتزاجه بالجميع أو البعض دون الباقي أو لا يعلم شي ء من الحالين.

فعلى الأوّل يتعيّن عند البناء على الطهارة ، وعلى الثاني لا ينبغي التأمل في النجاسة ؛ إذ لا مطهر لبقيّة أجزاء المضاف ؛ إذ المفروض عدم وصول الماء إلى الجميع.

فبعد خروج الماء عن حقيقته تنجّس الجميع من جهة الاتصال به.

والاكتفاء في طهره (1) بمزجه بذلك على خروجه عن اسم الماء ممّا لا وجه له أصلا ، وكأنّ ذلك من كلام القائل به.

وفي الأخير إن قيل بطهر المضاف أخذا بأصالة البقاء على المائية فلا مانع أيضا من القول بطهر المحلّ به ؛ إذ لا فاصل بينهما.

فظهر بذلك أنه لو خصّص الحكم بما ذكره المحقق المذكور لم يصحّ الإطلاق ، وإن حمل على الوجه المذكور فلا حاجة إلى ما ذكر من التفصيل. وكأنّه أطلق في المقام لظهور المرام.

هذا ، والوجه في قول الشيخ ظاهر ممّا قلناه ، وإنّما اعتبر عدم تغيّر الماء بأوصاف المضاف بناء على ما ذهب إليه من تنجيس الماء بتغيّره بالمتنجس.

وضعفه ظاهر ممّا مرّ.

وكأنّ الوجه في الثاني - إن حمل على ظاهره - أن ملاقاة المطهّر كاف (2) في التطهير والمفروض حصوله.

وضعفه ظاهر ، وقد يرجع إلى الأخير.

والوجه في الثالث أن بلوغ الكر سبب لعدم الانفعال إلّا مع التغيير بالنجاسة ، فلا يؤثّر المضاف بالتنجيس وإن غلب عليه فيطهر (3) المضاف بملاقاته ؛ أخذا بعموم ما قضى بطهوريته

ص: 288


1- في ( ب ) : « بطهره » ، بدل « في طهره ».
2- في ( ألف ) : « كان ».
3- في ( ألف ) : « يظهر ».

لما يلاقيه ، ومن جهة الاتّفاق على اتحاد حكمهما بعد الامتزاج.

وضعفه ظاهر أيضا ؛ إذ (1) الحكم المذكور إنّما ثبت للماء المطلق ، فبعد خروجه عنه واندراجها في المضاف لا بقاء للحكم المذكور ، فلا وجه للحكم بتطهيره لما يلاقيه ؛ إذ هو فرع طهارته في نفسه.

وقد عرفت خلافه ممّا بيّنّاه.

ص: 289


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ الحكم .. للحكم بتطهيره ».

تبصرة: [ في تحديد السؤر ]

اختلف الأصحاب في تعبير السؤر فقيل : إنّه ما باشره جسم حيوان. ذكره الشهيد في الذكرى ، والمحقق الكركي في الجعفريّة.

وفي الروض : أنه لغة ما يبقى بعد الشرب ، وشرعا ماء قليل باشره جسم حيوان وإن لم يشرب منه. واختار الحدّ المذكور في تعليق الشرائع والروضة.

وفي المعتبر (1) : أنه بقيّة المشروب.

وفي كشف الالتباس : أنّه بقيّة ما يشرب منه الحيوان.

وفي المهذب البارع (2) : أنّه ماء قليل فضل من شرب حيوان.

وهذا الحدّ أخصّ حدوده بناء على أصل الشرب على ما يستلزم الملاقاة والورود كما هو الغالب بل الظاهر خروجه عن اسم السؤر من دونه كما إذا صبّ الماء من الآنية في فيه ، فالظاهر حمل الحدّ عليه كما أن الحدّ الأول أعم تفاسيره بناء على ما هو الظاهر من كون « ما » موصولة يشمل الماء وغيره.

وفسّره القطيفي في شرح النافع بأنه بقية المشروب من المائعات في أصحّ الأقوال.

وفسره في السرائر (3) وغيره بأنّه ما شرب منه (4) الحيوان أو باشره بجسمه من (5)

ص: 290


1- المعتبر 1 / 93.
2- المهذب البارع 1 / 122.
3- السرائر 1 / 85.
4- في ( ألف ) : « من ».
5- في ( ب ) زيادة : « المياه وسائر ».

المائعات.

وفي المدارك وغيره أنّ الأظهر في تعريفه أنه ماء قليل باشره فم حيوان. واختاره في غرر الجامع ، ونصّ أنه معنى السؤر بحسب اللغة والاصطلاح.

وقال الشيخ (1) في شرح الإرشاد : إن الظاهر أن المراد هنا ماء قليل لاقاه جزء حيوان خال عن نجاسة طارئة.

وهناك اختلاف أيضا في تفسيره بحسب اللغة : فعن الصحاح (2) والمغرب والنهاية (3) ومجمع البحرين (4) أنّه ما يبقى بعد الشرب.

ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك والروضة وغيره في بيان معناه بحسب اللغة.

وفي كشف اللثام (5) : إنّه في اللغة البقيّة من كلّ شي ء أو ما يبقيه المتناول من الطعام والشراب أو من الماء خاصة ، والقلّة معتبرة فيه.

ثم إن ظاهر جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني في الروض المغايرة بين معناه اللغوي والعرفي.

قال المحقق الكركي (6) بعد بيان معناه اللغوي بما مر : إن المراد به هنا ما باشره جسم حيوان مع قلّته ، فإنّ البحث فيه من جهة طهارته ونجاسته وكراهته (7). وذلك لا اختصاص له بالشرب.

وأنت خبير بأن ذلك لا يوجب تعميم معنى السؤر ولا اعتبار القلّة الشرعية مع عدم أخذه في معناه اللغوي ؛ لإمكان إثبات بعض أحكام السؤر للكثير أيضا بعد صدق اسمه عليه

ص: 291


1- في ( د ) : « شيخه ».
2- الصحاح 2 / 675 ( سأر ).
3- النهاية 2 / 327 ( سأر ).
4- مجمع البحرين 2 / 314 ( س أ ر ).
5- كشف اللثام 1 / 30.
6- جامع المقاصد 1 / 123.
7- في ( د ) : « كراهة ذلك بدل : « كراهته وذلك ».

بحسب اللغة ، وجواز اختصاصه ببعض الأحكام من جهة ملاقاة الفم - إن ثبت أخذه فيه في اللغة - على أن اشتراك غيره له في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم.

فالأظهر اتّحاد معناه في اللغة والعرف كما هو ظاهر الاستعمالات ، ويومي إليه ملاحظة إطلاقه في الروايات.

مضافا إلى أصالة عدم النقل.

وقد صرح به في غرر الجامع ، ويحتمل قويا كون معناه اللغوي الأصلي مطلق التبقية (1) كما يومي إليه ملاحظة لفظ السؤر.

هذا ، والاختلاف الواقع في تفسيره إنّما هو في أمور ثلاثة :

أحدها : في اختصاصه بالماء أو تعميمه لسائر المائعات أو الجوامد المشتملة على الرطوبة المسرية أو غيرها أيضا. والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في شموله لغير الماء من المائعات. وكأنّ (2) من خصّصه بالماء راعى خصوصيّة المقام لا اختصاص مفهومه عنده بالماء. وكأنّ الأظهر صدقه بالنسبة إلى غير المائعات مع حصول الرطوبة المسرية في أحد الملاقيين.

وفي صدقه مع اليبوسة وجهان أظهرهما العدم.

ثانيها : في اشتراط القلّة في الماء ونحوه أو عدمه. والظاهر اعتباره فيه كما يظهر من ملاحظة العرف لكن (3) لا يعتبر فيه خصوص القلّة الشرعيّة ، فقد يصدق مع الكثرة الشرعيّة (4) في المقام فكأنّه بنى على دوران الأحكام على القلّة في المقام.

وفيه ما عرفت.

ثالثها : في اشتراط الشرب والأكل أو الاكتفاء بمجرّد ملاقاة الفم أو أيّ جزء كان من أجزاء البدن. ولعلّ الأظهر الأوّل مع مراعاة ملاقاة الفم أو ما بمنزلة أو غيره من أجزاء البدن.

ص: 292


1- في ( ألف ) : « مطلقا التقيّة ».
2- لم ترد في ( ب ) : « وكأنّ من .. غير المائعات ».
3- في ( ألف ) : « لكي ».
4- زيادة في ( د ) : « إذا كان قليلا بالنسبة إلى الحيوان الوارد عليه ومن اعتبر القلّة الشرعيّة ».

وفي الاكتفاء بمجرد ملاقاة الفم وإن لم يشرب أو يأكل منه وجه قويّ إلّا أنّ الأظهر عدم الاكتفاء في صدق الاسم بمجرّده.

نعم ، لو أدخله في فضاء الفم ولم يبقه احتمل قويّا صدق اسم السؤر على الباقي ، وأمّا مجرد ملاقاة سائر الأجزاء فالظاهر عدم الاكتفاء في تحقق السؤر به (1) كما لا يخفى على من راجع العرف وإن شاركه في الطهارة والنجاسة ؛ لما عرفت من أن الاشتراك في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم ، وإلا يجري في ملاقاة سائر الأشياء.

ص: 293


1- في ( د ) : « السؤريّة » بدل : « السؤر به ».

تبصرة: [ في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة والنجاسة ]

الظاهر أن السؤر تابع للحيوان في الطهارة والنجاسة :

أما في النجاسة فظاهر بعد الحكم بانفعال القليل. وأمّا في الطهارة فلظهور عدم قابلية الطاهر للتنجيس ؛ إذ هو فرع نجاسة المنجّس كما هو واضح من ملاحظة الشرع.

وظاهر عبارة الحلي - القول بنجاسة بعض الأشياء على ما سيأتي مع حكمه بطهارة الحيوان كما يظهر من غيره أيضا في بعض الأسئار - ضعيف جدّا ، ويمكن حمله على إرادة مجرّد المنع من الاستعمال وإن كان طاهرا.

ثمّ إنّه [ كما ] يحكم بطهارته يحكم بجواز استعماله في رفع الحدث والخبث وسائر الاستعمالات على المعروف بين الأصحاب ؛ للأصل ، والاستصحاب ، والعمومات ، وخصوص صحيحة البقباق : عن فضل الهرة والشاة والبقر والابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه ، فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضّأ بفضله وأصيب ذلك الماء (1) » (2).

ومناقشة بعض الأفاضل ودلالتها بأن معناها « أنّي لم أترك شيئا منها الذي خطر ببالي وقت السؤال » ، وحينئذ كيف يحصل لنا العلم بتذكّره للمختلف وقت السؤال ليندرج في العموم المذكور حتّى يتمّ الاحتجاج؟!

مدفوعة ؛ بأنّ ما ذكره خروج عن ظاهر الكلام وإنّما حملها عليه لعدم إمكان وقوع السؤال عن الجميع بحسب العادة.

ص: 294


1- لم ترد في ( د ) : « بفضله واصيب ذلك الماء » .. إلى : « عدّة من الأخبار الدالّة .. ».
2- الإستبصار 1 / 19 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح 140.

وأنت خبير بأنّه لا مانع من وقوع السؤال عن الجميع الحيوان (1) شاملا لكثير من الأنواع ، فيمكن استيفاء جميع الأنواع بذكر عناوين مخصوصة شاملة لها ، فلا مانع من حمل العبارة عليه.

ومعه لا وجه لصرفها عن العموم ، فيقيّد حينئذ طهارة جميع الاشياء ما عدا الكلب. ولا بدّ حينئذ من استثناء الخنزير والكافر وإن قلنا بشموله للإنسان لما دلّ على نجاستهما من الأخبار والإجماع.

وهناك أخبار أخر يعرف منها طهارة جملة من الأسئار كالصحيح عن السؤر قال : « لا بأس أن تتوضأ من فضلها إنّما هي من السباع » (2).

ويستفاد من التعليل جريان الحكم في سائر السباع.

ونحوه خبر آخر : « لا تدع فضل السؤر إن تتوضأ منه إنّما هي سبع » (3). وقد وصفه العلّامة بالصحّة.

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال : « كلّ شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما .. » (4) الخبر.

وفي رواية أبي بصير : « فضل الحمامة والدجاج لا بأس به .. » (5) إلى غير ذلك.

مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب ، وعدم قيام دليل واضح على المنع كما سيبيّن من ملاحظة ما احتجّوا به على المنع.

هذا ، وقد وقع الكلام في المقام في أمور :

ص: 295


1- كذا ، والمراد جميع أنواع الحيوان ، ولعل العبارة : جميع الحيوان.
2- الإستبصار 1 / 18 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح (39) 1 ، تهذيب الأحكام 1 / 225 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 27.
3- تهذيب الأحكام 1 / 227 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 36.
4- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 5.
5- الكافي 3 / 9 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 2 ، تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 42.

أحدها : سؤر [ ما ] لا يؤكل لحمه من الحيوان عدا الكلب والخنزير. والمعروف فيه جواز الاستعمال. وفي الغنية الإجماع على طهارة سؤر الحيوان الطاهر. الظاهر إطلاقه في عدم تحقق المنع منه.

وفي التذكرة والذخيرة أنه المشهور.

وعن كشف الالتباس أن عليه عامّة المتأخرين وكثير من المتقدمين.

وفي المدارك أن عليه عامة المتأخرين.

وعن الشيخ في التهذيب المنع من سؤر ما لا (1) يؤكل لحمه ما عدا الطيور والسؤر.

ونحوه ما في الإستبصار أنّه ذكر الفأرة في مكان السؤر.

وقد يستظهر منه اباحة كل ما لا يتيسّر الاحتراز عنه.

وعن المبسوط والمهذب المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي والطيور. أما ما لا يمكن التحرّز (2) عنه كالهرّة والفأرة واتّجه (3).

وعن الحلي التصريح بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر عدا الطيور مطلقا - جلّالة كانت أو برّية أو حضرية - وما لا يمكن التحرّز عنه. ونصّ على طهارة سؤر جميع حيوانات البرّ حتّى السباع والمسوخ. وكأنه أراد بالنجاسة المنع من الاستعمال ؛ إذ لا يتصوّر نجاسة الماء من دون ملاقاة للنجاسة كما مرّت الإشارة إليه.

وقد يحتجّ على تفصيل الشيخ في المبسوط ، أمّا بالنسبة إلى المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر ، فإطلاق موثقة الفطحيّة ، عن الصادق عليه السلام قال : يسئل من ماء يشرب منه الحمام؟ فقال : « كلّما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب ».

لدلالتها بالمفهوم على عدم جواز الوضوء والشرب لسؤر ما لا يؤكل لحمه.

وأورد عليه : تارة بالمناقشة في عموم الرواية لسائر ما لا يؤكل لحمه ؛ لاحتمال عود

ص: 296


1- لم ترد في ( ب ) : « ما لا يؤكل لحمه .. في مكان السؤر ».
2- في ( ب ) : « التجوّز ».
3- كذا في المخطوطات.

الضمير في قوله « يؤكل لحمه » إلى الحمام المذكور في السؤال.

وتارة بأنّ الدلالة عليه من قبيل مفهوم الوصف ولا حجّة فيه عند المحققين.

وأخرى بأنه لا يفيد انتفاء الحكم عن كلّ أفراد المخالف للمنطوق ؛ إذ رفع الإيجاب الكلي يكفي في تحقّقه السلب الجزئي الصادق مع الحكم بنجاسة سؤر الكلب والخنزير.

وقد يدفع الأوّل بأنّه لا وجه لعود الضمير إلى الحمام ، وإلّا بقي الموصول من دون العائد ، وظاهر الموصول تعميم الحكم لكلّ ما لا يؤكل ، فكيف مع إضافة الكلّ إليه إلّا أن يقال بأن تقدّم الحمام قرينة على كون الموصول للعهد ، فيفيد عموم الحكم لأفراد المعهود.

وفيه تأمّل لظهور سياقه في العموم.

والثاني : بأنّ ظاهر العبارة تعليق الحكم عليه ، وهو يؤمي بأنّ المناط فيه مأكولية اللحم فينتفي الحكم في غيره.

على أنّ روايته الأخرى ظاهرة في الاشتراط ، رواها الشيخ والصدوق عنه ، عن الصادق [ عليه السلام ] قال : « كلّما يؤكل لحمه فليتوضّأ من سؤره ويشرب » (1).

وفي خبر آخر : « كلّ شي ء يجتر فسؤر حلال ولعابه حلال » (2).

وهاتان الروايتان أظهر دلالة من الخبر المذكور.

والثالث : بأنّ ظاهر المفهوم في مثل هذا المقام التبعيّة للمنطوق في العموم كما هو ظاهر من ملاحظة العرف. وقد حقّق الكلام فيه في محله.

مضافا إلى تأيّده بمرسلة الوشّاء : « أنه كان يكره سؤر كلّ شي ء لا يؤكل لحمه » (3).

مع ما دلّ على عدم كراهة الإمام عليه السلام للحلال.

وأنت خبير بأنّ هذه الروايات ليس فيها دلالة واضحة على المنع حتّى يمكن الاستناد

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 / 224 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز ، ح 25.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 8 ، ح 9 ، تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 41.
3- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 7.

إليها في المنع مع ما في الحكم به من العمد والمخالفة للقواعد ، سيّما مع قيام الشهرة على خلافه.

مضافا إلى معارضته بما مرّ ، واعتضاد المعارض بالأمثل والعمل.

نعم ، بعد ملاحظة الأخبار المذكورة كما اختاره غير واحد من الأجلّة ، مضافا إلى الخروج عن خلاف من خالف فيه ، وأنكره جماعة من المتأخرين في ظاهر كلامهم ؛ نظرا إلى ضعف الأخبار المذكورة سندا ودلالة.

ولا يخفى وهنه بعد التسامح في أدلّة السنن. وأما بالنسبة إلى استثناء حيوان الوحش فلما دلّ على عدم البأس بالمياه المورودة لها كظاهر الصحيحة المتقدمة وغيرها.

وأمّا بالنسبة إلى ما لا يمكن الاحتراز عنه فالحرج المنفي في الشريعة في الآية والرواية.

ويدلّ على استثناء الطيور كما في كتابي الحديث ما دلّ على عدم البأس بسؤر الطيور كالموثّق : « كلّ شي من الطير يتوضّأ مما يشرب منه » (1) ، ورواية أبي بصير المتقدمة ، وعلى استثناء السؤر كما في التهذيب عدّة من الأخبار الدالّة على عدم البأس به. وقد جرت (2) الإشارة إلى عدّة منها.

ولا يخفى عليك أن الأخبار المذكورة ليست ببيّنة الدلالة على انتفاء الكراهة ، فلا يبعد البناء على الكراهة في سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على سبيل الإطلاق.

وتحمل هذه الأخبار على بيان الجواز أو يقال بتخفيف الكراهة بالنسبة إليها سيّما السنّور ؛ لاستفاضة الأخبار فيها ، وفي التعليل الوارد فيها إشارة إلى الأوّل.

ثانيها : ذهب الشيخ في المبسوط (3) والنهاية إلى المنع من سؤر أكل الجيف من الطيور. وعن المبسوط المنع من سؤر أكل الجيف مطلقا.

وحكي ذلك أيضا عن المهذب.

وهو ضعيف لا مستند له إلّا أن يستند فيه إلى ما دلّ على المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه ،

ص: 298


1- تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 43.
2- في ( د ) : « مرّت ».
3- في ( د ) : « ظاهر » بدل : « المبسوط و ».

فلا فائدة في خصوصية العنوان مع ما عرفت من وهنه.

وقد أطلق جماعة من الأصحاب فيه القول بالكراهة كما عن المقنعة والمراسم والمعتبر والشرائع (1) والقواعد والدروس واللمعة وغيرها.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه.

وقد ناقش غير واحد (2) من المتأخرين ؛ لعدم العثور على دليل الكراهة.

وهو في محلّه إن كان الملحوظ ثبوت الكراهة لخصوصية العنوان ، والّا فما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه دالّ عليه. مضافا إلى أنّ أفواهها في معرض النجاسة دائما. ويؤيّدها حكم الجماعة فيها بالكراهة.

ثالثها : سؤر الجلال ، فعن الإسكافي والسيد والقاضي المنع من سؤره. ونحوه عن الشيخ في المبسوط إلّا أنّه قيّده بجلال الطيور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب فيه الكراهة منهم الديلمي والفاضلان في غير واحد من كتبهما ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وغيرهم.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه. ولم نجد مستندا للمنع بل ناقش غير واحد من المتأخرين في ثبوت الكراهة.

وهو في محلّه مع ملاحظة خصوصية العنوان كما مرّ.

وإن أريد مطلق الكراهة فيمكن الاستناد فيه إلى ما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه ممّا مرّ الّا أنّه يمكن المناقشة فيه بانصرافه إلى ما لا يؤكل لحمه بالأصل أو مطلقا مع استمرار المنع ، دون ما لا يؤكل لحمه لعارض يمكن زواله. وربّما يحتج له بالصحيح : « لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك عرقها فاغسله ».

وحيث كان ذلك محمولا على الكراهة أفاد كراهة سائر الرطوبات.

وهو كما ترى.

ص: 299


1- في ( ب ) زيادة : « والسرائر ».
2- زيادة في هامش ( د ) : « صاحب المدارك والفاضل الهندي ».

وقد يكتفى في ثبوت الكراهة بفتوى الجماعة المعتضدة بالشهرة المنقولة ، وإطلاق ما عرفت من الأدلّة وهنه مجبور بحكم الجماعة.

رابعها : سؤر المسوخ. والقول بنجاسته لازم كلّ من قال بنجاستها ، فلا خصوصية بالمقام إلّا أنّ الشيخ - وهو ممّن يقول بنجاسة المسوخ - صرّح في الاقتصاد بأنّها مباحة السؤر نجسة الحكم ، فإن صحّ ذهاب سائر المنجسين إليه ارتفع الخلاف في المقام.

خامسها : سؤر ولد الزنا فقد نصّ جماعة بالمنع عنه ، وآخرون بكراهته منهم الفاضلان والشهيد. والحكم بالمنع مبنيّ على القول بنجاسته. وهو ضعيف يأتي الكلام فيه في محله.

وأمّا الكراهة فهي قضية بعض الأخبار الدالّة على المنع بحملها على الكراهة لما دلّ على طهارته كما سيجي ء القول فيه ، وخروجا عن خلاف من خالف فيه ، فيقيّد به إطلاق ما دلّ على انتفاء الكراهة في سؤر المؤمن كما سنشير إليه.

ثمّ إنّ هنا خلافا في عدّة من الأسئار كسؤر المجسّمة والمشبّهة والمجبّرة وسائر أهل الخلاف بل الفرق المخالفة لأهل الحق.

والقول بالمنع مبنيّ على نجاستها.

والبناء على الكراهة في جميع من خالف الحق غير بعيد خروجا عن الخلاف ، وأخذا بفحوى ما دلّ على كفر من أنكر الولاية وإن لم يحكم بكفرهم في ظاهر الشريعة.

ص: 300

تبصرة: [ في سؤر الحائض ]

سؤر الحائض الغير المأمونة كما نصّ عليه جماعة منهم المفيد والديلمي والقاضي وابنا سعيد والشهيد وغيرهم حيث حكي عنهم التعبير بما ذكرناه.

وعن النهاية والوسيلة والسرائر والمعتبر وكثير من كتب العلّامة واللمعة وغيرها التعبير بالتهمة.

وعن السيد في المصباح والشيخ في المبسوط إطلاق الكراهة.

وربّما يوهم عبارة السيد في الجمل (1) انتفاء الكراهة حيث قال : لا بأس بسؤر الجنب والحائض (2).

ويمكن حمله على إرادة نفي الحرمة كما هو ظاهر لفظ « البأس » أو يقال : إنه أراد نفي البأس عنه من حيث كونه سؤر الحائض وإن لحقه حكم الكراهة من جهة الاتهام.

وكيف كان ، فثبوت الكراهة في سؤر الحائض في الجملة هو المعروف من المذهب بل الظاهر الإطباق عليه. والأخبار به متظافرة ، فثبوت الحكم فيه. كذلك ممّا لا تأمّل فيه. وربّما يستظهر من المقنع المنع.

ص: 301


1- جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ) 3 / 23 ، كتاب الطهارة في المياه.
2- لم ترد في ( ب ) : « ويمكن حمله .. سؤر الحائض ».

تبصرة: [ في كراهية سؤر الحائض المتّهمة ]

المعروف كراهة سؤر الحائض المتّهمة وامّا غيرها ففيه قولان من ورود المستفيضة المشتملة على المعتبرة الحاكمة بكراهة سؤرها (1) من غير تفصيل.

ومن التقييد (2) في المأمونة في موثقة علي بن يقطين : والرجل يتوضأ بفضل الحائض؟

قال : « إذا كانت مأمونة فلا بأس » (3).

وموثقة العيص من (4) سؤر الحائض؟ قال : « توضّأ منه وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء » (5).

فلا بدّ من حمل المطلقات على المقيّد.

وقد يرجّح العمل على تلك الاطلاقات لكثرتها وظهور دلالتها على الإطلاق فتحمل هاتان على شدّة الكراهة مع عدم الأمن.

وقد يؤيّد ذلك بأنّ في بعض تلك الأخبار ظهورا تامّا في العموم كما في رواية ابن أبي يعفور : أيتوضّأ الرجل من فضل المرأة؟ قال : « إذا كانت تعرف الوضوء ولا يتوضّأ من سؤر الحائض » (6).

وصحيحة العيص ، عن سؤر الحائض فقال : « لا توضّأ منه ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا

ص: 302


1- في النسخ المخطوطة : « سؤره ».
2- في ( د ) : « التعبّد ».
3- الإستبصار 1 / 16 ، باب استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسؤرهما ح 130.
4- في ( د ) : « عن ».
5- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الحائض ولجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 2.
6- الكافي 3 / 11 ، باب الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 4.

كانت مأمونة » (1) .. الخبر.

إذ إطلاق المنع فيه مع تقيّد (2) الجواز في الآخر شاهد على إطلاق الحكم فيه.

ثمّ الظاهر اتّحاد صحيحة العيص لموثّقته السابقة فالظاهر ترجيحها عليها لصحّة إسنادها وروايتها في الكافي الذي هو أضبط كتب الحديث ، فينحصر الشاهد على التقييد في خصوص الموثقة ، فالبناء على تعميم الكراهة أولى.

والظاهر أنّ هناك كراهتين إحداهما من جهة الجنابة (3) الحاصلة لحدث الحيض ، والأخرى بسبب الاطمئنان على عدم طهارتها ، والقائلون بالتفصيل إنّما يقولون بالكراهة من الجهة الأخرى خاصّة.

ثمّ إنّ المذكور في الأخبار هو خصوص كراهة الوضوء بل نصّ في جملة منها على عدم البأس بالشرب ، فالقول بكراهة سؤرها مطلقا على الخلاف كما هو قضيّة إطلاقهم لا يخلو من إشكال ، بل الظاهر من الأخبار خلافه.

نعم ، قد يتّجه التسرية إلى الغسل. وفي تسريته إلى غسل النجاسة وجهان.

ولا يبعد القول بعموم الكراهة في المتّهمة من جهة إطلاق فتوى الأكثر ، وعدم ظهور انتفاء الكراهة من تلك الجهة من الأخبار.

وذلك كاف في أدلّة السنن مع تأيّده ببعض الاعتبارات المقربة.

ثمّ إنّ جماعة من المفصّلين إنّما فصّلوا بين المتّهمة وغيرها ، والروايتان المذكورتان إنّما يفيدان التفصيل بين المأمونة وغيرها ، وهي أخصّ من غير المتّهمة ، فبعد البناء على التفصيل فلا بدّ من البناء عليه كما نصّ عليه آخرون منهم.

هذا ، وفي ثبوت الكراهة مطلقا أو مع الاتّهام في النفساء وجهان ؛ من إطلاقهم اشتراك النفاس والحيض في الأحكام عدا ما استثني ، ومن خروجها عن مدلول النص.

ص: 303


1- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 2.
2- في ( د ) : « تعبّد ».
3- في ( د ) : « الخباثة ».

وكذا الحال في المستحاضة.

وألحق الشهيدان وجماعة بالحائض المتّهمة كلّ متّهم بالنجاسة ممّن لا يتوقّى منها.

وأورد عليه بأنّه تصرّف في النصّ.

قلت : في رواية ابن أبي يعفور الماضية إشارة إليه ، فالقول به غير بعيد ، لكن في تسرية الحكم إلى الشرب وسائر الاستعمالات النافية « لا بأس عن شرب سؤر الحائض » إشارة إلى عدمها إلّا أن يقال : إنّ مفاد تلك الاطلاقات انتفاء الكراهة من جهة الحيض ، والاتّهام سبب آخر.

وقد يستشكل في استنباط ذلك من المقام ؛ لما عرفت من دلالة الرواية هنا على اعتبار الأمن. وهو لا يعتبر في سائر المقامات بلا تأمّل إلّا أن يقال : إنّه لمّا كانت الحائض عرضة للنجاسة اعتبر كونها مأمونة ؛ لعدم اطمينان النفس بطهارتها من دونه.

وقد يؤيّد ذلك بما دلّ على رجحان الاجتناب في بعض موارد الظن بالنجاسة كطين المطر بعد الثلاثة (1). وقد يستفاد من ذلك تسرية الحكم إلى كلّ من يلازم النجاسة مع كونه مأمونا كالمسلوس ونحوه.

ثمّ هل يختصّ الكراهة فيما ذكر بخصوص ما يلاقيه من دون تسرية إلى غيره ممّا يلاقي ما يلاقيه وهكذا ، أو يعمّ الجميع؟ وجهان ؛ أقواهما الأوّل لاختصاص الدليل به ، وظهور عدم بناء الشرع عليه. مضافا إلى غير التحرز منه.

ص: 304


1- زيادة في ( د ) : « وغيره ».

فصل: في الماء المستعمل في إزالة الأخباث أو رفع الأحداث

والظاهر أنّ المستعمل في رفع الخبث ما يكون مزيلا للنجاسة أو جزء من المزيل ، فما لا يكون كذلك كالغسلة المندوبة الحاصلة بعد طهر المحلّ كالغسلة (1) الثالثة في الاستنجاء لمن يبول ، فلا يندرج في العنوان.

وربّما توهّم بعضهم نجاسة الغسالة ولو بعد طهر المحلّ كما سيجي ء الإشارة إليه. وهو إن لم يؤل بما يرجع إلى ما قلناه فهو مقطوع الفساد.

وفي جريان ذلك في المستعمل في رفع الحدث كالغسلة الثالثة في الغسل وجه إلّا أنّ ظاهر الإطلاق هناك يعمّ الكلّ.

نعم ، في الغسلة من العضو الأخير لا يبعد القول بخروجه عن محلّ البحث ؛ لارتفاع الحدث قبله.

ص: 305


1- لم ترد في ( ب ) : « كالغسلة الثالثة .. بعد طهر المحلّ ».

تبصرة: [ في نجاسة الغسالة ]

لا خلاف بين الأصحاب في نجاسة الغسالة مع تغيرها في أحد الأوصاف الثلاثة. وهو مع غاية وضوحه قد استفاض حكاية الإجماع عليه.

وممّن حكاه الفاضلان في المعتبر والمختلف وصاحبا الذخيرة والدلائل وغيرهم.

وقد شاع الخلاف بين الأصحاب في حكمها مع عدم تغيّرها ، ولهم فيه أقوال ربّما ينتهي إلى اثني عشر قولا :

أحدها : القول بالنجاسة مطلقا وعزي (1) إلى ظاهر المقنع. وحكي عن الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف ، وصاحب الاصباح ، والمحقق في الشرائع والنافع والمعتبر ، والآبي في كشف الرموز ، والعلّامة في عدّة من كتبه كالمنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف ، والشهيدين (2) في اللمعة والروضة ، وابن فهد في المقتصر ، والسيوري في التنقيح.

واختاره جماعة من المتأخرين.

وربّما حكى في التحرير (3) عليه الإجماع حيث قال : إذا كان على بدن الجنب والحائض نجاسة كان المستعمل نجسا إجماعا.

وعن الروض أنّه أشهر الأقوال.

وعن الفاضل الميسي وغيره حكاية الشهرة عليه.

وربّما يستفاد من المنتهى نفي الخلاف بالنسبة إلى الغسلة الأولى حيث قصر النزاع على

ص: 306


1- لم ترد في ( ب ) : « عزي إلى ظاهر .. والمعتبر و ».
2- في النسخ المخطوطة : « والشهيدان ».
3- تحرير الأحكام 1 / 6.

الغسلة الأخيرة.

وقد نصّ في التحرير والتذكرة بعدم الفرق بين الغسلة الأولى وغيرها فيما يعتبر فيه التعدد.

وعبّر في اللمعة بأنّها كالمحلّ قبلها. وظاهر إطلاقه اعتبار التعدّد فيما يلاقيه لو اعتبر ذلك في المحلّ قبلها ، فيفرق إذن بين غسالة الغسلة الأولى والثانية.

وقيّده في الروضة بما يغسل مرّتين لا بخصوص النجاسة ، فلو كان التعدّد لخصوصيّة النجاسة كالولوغ فلا تعدد ؛ إذ لا تسمّى ملاقاة الغسالة ولوغا. وظاهر كلامه يومي (1) أنّه إذا اعتبر التعدد في مطلق النجاسة هناك يظهر الفرق بين المسألتين ، وأمّا إذا كان التعدد من جهة نجاسة خاصّة فلا ؛ لعدم اندراج الغسالة فيها.

وأنت خبير بأنّ القول باعتبار التعدد في مطلق النجاسة ضعيف ، فلا ثمرة إذن في ذلك.

وقد يحمل كلامه حينئذ على عدم الفرق بين الغسلتين ، والاجتزاء بالواحدة في كلّ من الأمرين.

ويمكن حمله على بيان الفرق بين ما إذا اعتبر التعدد في تلك النجاسة مطلقا وما إذا كان بكيفية (2) ملاقاة تلك النجاسة مدخليّة في التعدّد ، فأراد إخراج الأخير ، ولذا مثّل بالولوغ ؛ إذ مطلق النجاسة الكلّية (3) لا يعتبر فيه التعدد بخلاف البول.

وحكى في غرر الجامع القول بكونه كالمحلّ قبل أن يغسل رأسا ، سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية وأنه يعتبر في تطهيره ما يعتبر في تلك النجاسة المغسولة من تعدّد الغسل وعدمه إلى أكثر المتأخرين. وبه فسّر (4) عبارة النافع أيضا.

فقد ظهر بما بيّنا أنّ في القول المذكور وجوها عديدة ، فإن ثبت لكلّ منها قائل انحلّ القول

ص: 307


1- زيادة في ( د ) : « إلى ».
2- في ( د ) : « الكيفيّة ».
3- في ( د ) : « الكلبيّة ».
4- في ( ب ) : « فسّرها رحمه اللّه » ، بدل : « فسّر عبارة ».

المذكور إلى أقوال متعددة.

ثانيها : القول بالطهارة مطلقا. وحكي عن المقنع أيضا ، وكذا عن الشيخ في المبسوط والخلاف ، وعزي إلى الطوسي في الوسيلة ، والشهيد في ظاهر الذكرى ونكت الإرشاد.

وعزاه في حاشية الدروس إلى البصروي.

وفي غرر الجامع أنّه القول الثاني من المشهور.

وحكاه المحقّق الكركي عن أكثر المتقدّمين.

وذكر الصيمري في كشف الالتباس أنّ عليه فتوى شيوخ المذهب كالسيد والشيخ وابني إدريس وحمزة وأبي عقيل.

وأسنده المحقّق الكركي أيضا إلى السيد والشيخ وابن إدريس.

وهذا يعطي أنّهما خلطا بين القول المذكور والقول الآتي المفصّل بين الورودين.

وله وجه.

وقد حكى في المدارك (1) عن جماعة انّهم قالوا : إن كلّ من قال بطهارة الغسالة اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة ما عدا الشهيد في الذكرى حيث لم يفرّق بين الورودين.

ولا يذهب عليك أنّ الجماعة إنّما اعتبروا ذلك في كيفية التطهير لا في طهارة الغسالة (2) حتّى يعدّوا المورد أيضا غسالة شرعيّة ، لكن يحكمون بنجاستها.

بل الظاهر أنّ المورد (3) عندهم ليس من الماء المستعمل شرعا في التطهير. فهذا القول في الحقيقة قول بالإطلاق في طهارة الغسالة وإنّما جعلناه قولا آخر ؛ أخذا بالظاهر ، ولاختلافه مع غيره في حكم الماء المستعمل وإن لم يكن غسالة عند هذا القائل.

ثمّ إنّ هذا القول على طرف النقض من القول الأوّل كما ذكره الشهيد الثاني.

ثالثها : الفصل بين الوارد والمورود ، وعزي إلى السيد والشيخ والحلي.

ص: 308


1- مدارك الأحكام 1 / 122.
2- زيادة في ( ب ) : « اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة ما عدا الشهيد في الذكرى ».
3- في ( ب ) : « المورود ».

وإسناده إلى الجماعة لا يخلو من التأمل ؛ لعدم تنصيصهم بالتفصيل المذكور في الغسالة.

نعم ، قوّى السيد في بادي نظره التفصيل بين الورودين في انفعال القليل كما مرّت الإشارة إليه معلّلا بأنّه لو لاه لأدّى إلى عدم إمكان تطهير الثوب بالقليل.

وهو كما ترى لا يدلّ على طهارة الغسالة حينئذ ، بل هو بالدلالة على خلافه أولى ؛ إذ لو كان للغسالة خصوصيّة عنده لما صحّ تعليله المذكور ، ولوجب عليه الاقتصار مع (1) مورد الضرورة ، فهو في الحقيقة قائل بعدم انفعال الماء مع الورود على النجاسة غسالة كان أو لا.

وفي تعليله المذكور دلالة على قطعه بعدم الفرق بين الغسالة وغيرها ، وإلّا لم يصحّ له الإسناد إلى ذلك في عدم انفعال الماء مع الورود مطلقا كما أشرنا إليه.

على أنه قد يقول بنجاسة الغسالة مع عدم طهر المحلّ لورود الماء عليه كما إذا توقّف الطهر على التعدد أو لم يحصل زوال العين بالمرّة ؛ لصيرورته موردا حينئذ عند انفصال الغسالة.

ويجري نحو ذلك في كلام الحلي حيث استحسن كلام السيد على أنّه قد نصّ بنجاسة الغسالة الأولى في الولوغ.

ثمّ إنّه قد حكم بطهارة الغسالة مع ورود الماء على النجاسة في الكفاية. وتردد في عكسه.

وهو كما ترى ليس قولا صريحا في التفصيل المذكور.

رابعها : أنّهما كالمحلّ بعدها ، فإن كان ممّا يكتفى فيه بالمرّة كانت طاهرة وإلّا حكم بطهارة الّتي يتعقّبها كما في المحل.

حكوه قولا في المقام وعزي إلى الاستاد الشريف رفع مقامه.

خامسها : التفصيل بين الغسلة الأولى والثانية ، فيحكم بالطهارة في الثانية دون الأولى.

وعزي إلى الشيخ في الخلاف (2) إلّا أنّه نصّ بطهارة غسالة الولوغ وإن كانت الأولى. وقد يرجع هذا إلى ما تقدّمه إن خصّ نجاسة الأولى بما فيه التعدّد ، فيحكم بطهارتها مع الوحدة.

وقد عزي ذلك إلى الشيخ في الخلاف ، وإن قال بثبوت النجاسة في الغسلة الواحدة كان

ص: 309


1- في ( د ) : « على ».
2- في ( ب ) : « النهاية ».

قولا آخر.

سادسها : أنّها نجسة وأنّها كالمحلّ قبلها. وهو أحد الوجوه المتقدمة في القول الأول.

سابعها : أنها نجسة لكنّها معفوّ عنها. حكاه غير واحد من الأصحاب.

ثامنها : أنّها طاهرة وقد سلبت عنها الطهوريّة. وربّما يومي إلى ظاهر الصدوق حيث ساوى بينها وبين المستعمل في رفع الأكبر.

تاسعها : أنّها طاهرة قبل الانفصال نجسة بعده. حكاه غير واحد منهم.

عاشرها : أنّها طاهرة إذا لم يزد وزنها على ما قبل استعمالها. حكاه بعض الأصحاب ، ولا نعرف من يقول به.

نعم ، عن العلامة في النهاية إلحاق الزيادة في الوزن بالتغيير إلّا أنّه لم يحكم بالطهارة مع عدمه.

حادي عشرها : أنّها طاهرة إذا كانت غسالة الإناء من ولوغ الكلب. حكاه أيضا بعض الأصحاب.

وهو كما ترى غير مشتمل على بيان الحكم في غير الولوغ. وعدّة قولا برأسه كأنّه من جهة استثناء الولوغ. ولعلّه أشار بذلك إلى ما حكيناه عن الخلاف.

ثاني عشرها : أنّها نجسة وإن زاد على الواجب وترتيب الغسلات إلى ما لا نهاية لها. وعن ابن فهد والمحقق الكركي في غير واحد من كتبهما ، والشهيد الثاني في الروض أنّهم حكوه قولا في المسألة ، بل عزاه ابن فهد إلى الفاضلين وفخر المحققين.

وغلطه الصيمري في تلك النسبة ؛ إذ لا دلالة عليه في كلام الفاضلين أصلا ، والفخر في الايضاح لم يتعرض للمسألة ظاهرا.

مضافا إلى ما هو ظاهر جدّا من بعد ذهاب هؤلاء الأجلاء إلى ما هو بيّن الفساد ؛ إذ من الواضح أنّ المحل بعد الطهارة (1) لا يوجب تنجيس الماء.

ص: 310


1- في ( د ) : « طهارته ».

وقد خصّ (1) المحقق الكركي (2) بأنّ الظاهر أنّ موضع النزاع ماء الغسل المعتبر في التطهير دون ما سواه.

فهذا القول على فرض ثبوته ضعيف جدا يقطع عادة بعدم ركون مثل هؤلاء الأفاضل إليه.

وقيّده بعض الأصحاب عند حكايته بما إذا كان مبتلى بماء الغسالة الّتي كان من قبلها نجسا. وكأنّه من جهة نجاسة المتخلّف في الجملة ، وسيجي ء الإشارة إليه.

هذا ، ولنوضّح (3) الكلام برسم أمور :

أحدها : الأظهر من الأقوال المذكورة نجاسة الغسالة مطلقا سواء كانت عن الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء ورد الماء على النجاسة أو وردت عليه إن اكتفينا بالثانية في التطهير.

ويدلّ عليه وجوه :

الأول : إطلاق مفهومات الأخبار الدالّة على اشتراط اعتصام الماء بالكرّية حسب ما مرّ من دلالتها على انفعال ما دون الكر بالملاقاة إن تمّ ما ذكر في بيان إطلاقها.

ويؤيّده أنّ ورودها في مقام البيان ينافي البناء فيها على الإجمال ، وكأنّ المنساق فيها بحسب الفهم العرفي هو ما ذكرناه من الإطلاق ، ولذا لم يرد بيانها في شي ء من الأخبار مع تظافر تلك الروايات الدالّة عليه ، ولم يسأل عنه أحد من أجلّاء الرواة مع عموم الحاجة إليه وقيام الدواعي على الاستفصال عنه.

الثاني : إن القاعدة المستفادة من الروايات الواردة في القليل هو انفعاله بالنجاسة كيف كان حتّى يقوم دليل على عدم تنجّسه في بعض المقامات ، وهو الذي جرى عليه الأصحاب في فهم تلك الروايات ؛ إذ لم يتوهّم أحد منهم اختصاص الحكم بموارد تلك الأخبار بل فهموا إطلاق الحكم بانفعاله مع القلّة كسائر الأعيان ، ففهموا أنّ القلّة هو المناط في الانفعال كما أنّ

ص: 311


1- في ( د ) : « نصّ ».
2- جامع المقاصد 1 / 128.
3- في ( ب ) : « ولتوضيح » ، ولو كان كذلك يجب أن تكون بعده « ترسم ».

الكثرة هو المناط في الاعتصام ، ولذا يستندون فيما قالوا بطهارته مع القلّة إلى الأدلّة الخاصّة ، ولم يتكلّموا فيها على مجرّد الأصل.

الثالث : ما دلّ عليه .... (1).

ص: 312


1- في مخطوطتي ( ألف ) و ( د ) : « بياض في الأصل » ، والعبارة متصلة في نسخة ( ب ).

تبصرة: [ في إزالة ماء الاستنجاء من البدن والثوب ]

لا خلاف بين علمائنا في عدم وجوب إزالة ماء الاستنجاء من الثوب والبدن ؛ لأجل ما هو مشروط بالطهارة ، وقد حكى اتفاقهم عليه غير واحد منهم.

نعم ، حكي عن الشيخ في الخلاف الفرق بين الغسلة الأولى والثانية. وهو شاذ ملحوق بالإجماع ، بل ومسبوق به.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها منها صحيحة الأحول : أخرج عن الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبى في ذلك الماء الّذي استنجيت؟ فقال : « لا بأس به » (1).

وصحيحة الهاشمي : عن رجل يقع ثوبه على الماء الّذي استنجى به ، أينجس ذلك ثوبه؟ قال : « لا » (2).

صحيحة أخرى للأحول : قلت له : أستنجي ثمّ وقع ثوبي فيه وأنا جنب؟ فقال : « لا بأس به » (3).

وفي رواية أخرى بعد بيان الحكم : « أو تدري لم صار لا بأس به؟ » قلت : لا واللّه جعلت فداك ، فقال : « لأنّ الماء أكثر من القذر » (4).

ص: 313


1- الكافي 3 / 13 ، باب اختلاط ما ، المطر بالبول وما يرجع في الإناء من غسالة الجنب ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 86 ، باب صفة الوضوء ح 77.
3- تهذيب الأحكام 1 / 87 ، باب صفة الوضوء ح 76.
4- علل الشرائع 1 / 287 ، باب 207 ، العلة التي من أجلها لا يجب غسل الثوب الذي يقع في الماء الذي يستنجي به ح 1.

وقد وقع الكلام في طهارته والعفو عنه مع نجاسته ، فظاهر الأكثر هو الأوّل. وحكي الشهرة عليه في كلام جماعة ، ونسب خلافه إلى الشذوذ في المجار (1). واستقرب الشهيد في الذكرى القول بالعفو ، وحكي عن ظاهر المنتهى.

وكلام المحقّق في المعتبر مضطرب في المقام. ومن الأصحاب من توهّم التدافع بين النجاسة والعفو فنزّل كلام القائل بالعفو على إرادة سلب الطهوريّة ، وحكى ذلك عن ظاهر الذكرى ، ولا دلالة في عبارته عليه.

ومن الغريب أن صاحب الحدائق مع جعله ثمرة البحث في جواز التناول والاستعمال ورفع الخبث أو الحدث أيضا نصّ على أنّ مقصود القائل بالعفو هو سلب الطهورية.

ومن الواضح عدم تفريع تحريم التناول عليه.

والذي يقوى في النظر عدم المنافاة بين النجاسة والعفو المذكور ؛ إذ من الظاهر أنّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعية (2) الثابتة للأشياء مع قطع النظر من الأحكام الشرعيّة التابعة لها ، غاية الأمر أنّه مع عدم تفريع (3) شي ء من الأحكام الشرعيّة عليها يكون تشريعها لغوا. وهاهنا ليس كذلك ؛ إذ غاية ما يقولون فيه بالعفو هو عدم وجوب إزالته ، أما سائر أحكام النجاسة من حرمة التناول والاستعمال فباقية بحالها ، فارتفاع تابع من توابع النجاسة لا يوجب ارتفاع أصل الحكم.

ثمّ إنّ المراد بالعفو إمّا سقوط وجوب الإزالة لما يشترط بها بالنسبة إليه وإلى ما يلاقيه ، وحينئذ فيسري النجاسة الثابتة له إلى غيره على نحو ما ثبت له أو أنّ المراد سقوط حكم التنجيس عنه فهو لا يجب إزالته ، ولا ينجس ما يلاقيه فلا يثبت (4) في ملاقيه شي ء من أحكام النجاسة ، وكأنّ هذا هو الأظهر في مذهبهم.

ص: 314


1- كذا في المخطوطات الثلاثة.
2- في ( ألف ) : « الوصف ».
3- لم ترد في ( ب ) : « تفريع شي ء .. هو عدم ».
4- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).

وحينئذ فدفعه بصحيحة الأحوال المتقدمة ظاهر الاندفاع.

وبعد ملاحظة الأصل والأخبار لا يخفى قوّة هذا القول ؛ إذ ليس المستفاد منها سوى عدم وجوب إزالته وطهارة ملاقيه ، وهو أعم من الطهارة ، فالثابت قطعا من هذه الأخبار مفاد القول بالعفو دون الحكم بالطهارة.

وهذا هو مراد الشهيد وغيره من دعوى صراحة الأخبار في العفو دون الطهارة ، فلا يرد عليه أنّ غاية الأمر إجمال الرواية بالنسبة إلى إفادة الطهارة فكيف يدعى صراحتها في خلافها ، لكن بعد ملاحظة الشهرة و (1) فهم كثير من الأصحاب منها الطهارة بناء على دلالة نفي بعض لوازم الطهارة أو النجاسة على انتفاء ملزومه كما فهموا ذلك من حرمة الوضوء والشرب والمنع عنهما في أبواب المياه ، يكون القول بالطهارة أقوى.

مضافا إلى تأيّده بالأصل والعمومات الحاكمة بطهارة الماء. والتعليل المذكور في رواية العلل الظاهر في عدم انفعال الماء عن النجاسة بسبب الكثرة والإجماع المحكي عليه في ظاهر المنتهى ، وحينئذ فنثبت (2) له سائر أحكام الطهارة من جواز الشرب مع عدم الخباثة والاستعمال في رفع الأحداث والأخباث إلّا أن الإجماع محكي على عدم جواز ارتفاع الحدث بالمستعمل في رفع الخبث كما عرفت.

فإن ثبت كان ذلك خارجا بالدليل.

هذا ، ( وقد ذكر ) (3) للحكم بطهارة الماء المذكور شروطا (4) كعدم تغيّره بالنجاسة وعدم تعدّيها به عن المحلّ المعتاد وعدم مصاحبة نجاسة أخرى مع الحدث الخارج ، بل وغيرها ممّا تنجّس (5) بها .. إلى غير ذلك.

ص: 315


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- في ( ب ) : « تثبت ».
3- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).
4- في ( ألف ) : « مشروطا ».
5- في ( د ) : « يتنجّس ».

ولا تصريح في شي ء من روايات الباب لشي ء من ذلك إلّا أن اعتبار بعض الشرائط مستفاد من الأصل أو غيره.

ولتوضيح (1) القول في ذلك ترسم أمور :

أحدها : لو تغيّر بالنجاسة فلا شبهة في نجاسته لاطباقهم ظاهرا على نجاسة المتغيّر بالنجاسة كائنا ما كان ، ولأنّه لا يزيد على المياه المعتصمه.

وإطلاق الروايات منصرف إلى الغالب من عدم التغير (2) فلا يشمل التغير ، وعلى فرض شموله فهي معارضة بإطلاق ما دلّ على نجاسة المتغيّر كالنبوي المشهور وغيره مع ترجيحه بعمل الأصحاب ، ووضوحه في العموم.

ثانيها : لا ريب في نجاسته مع تعدّي النجاسة عن المحلّ المعتاد لخروجه من اسم الاستنجاء ، فلا يشمله الروايات المذكورة.

ومن ذلك يظهر أنّه لو تعدّى من المخرج بحيث لم يمنع من صدقه كما إذا لم يكن خارجا عن النحو المعتاد كان طاهرا.

وعليه يحمل ما في الدروس من نفيه الفرق بين المتعدّي وغيره ؛ لوضوح الأمر مع الخروج عن اسم الاستنجاء.

ثمّ مع التعدية لو غسل المقدار المتعدي جرى في الباقي حكمه ، وكذا لو غسل ما في المخرج وأبقى الباقي على إشكال في المقامين مع اتّصال المتعدّي لنجاسة الماء الملاقي للنجاسة في الأوّل وملاقاة الماء للنجاسة المتعدّية في الثاني.

ثالثها : لو لاقى الماء نجاسة خارجية تنجّس قطعا لخروج ذلك عن مدلول الأخبار ، ومن ذلك ما لو كانت اليد نجسة قبل الاستنجاء سواء كانت بنجاسة خارجية أو من المخرج.

ومنه أيضا ما لو كان المخرج متنجّسا قبل ذلك ، وكذا لو صاحب الحدث الخارج نجاسة أخرى كالدم ، خلافا لبعضهم في ذلك حيث حكم بالطهارة لإطلاق الأخبار.

ص: 316


1- في ( د ) : « ولنوضّح ».
2- في ( ب ) : « تغيره ».

وأنت خبير بأنّ الإطلاقات إنّما تنصرف إلى الغالب ، وأنّ غاية ما يستفاد منها طهارة ماء الاستنجاء ، وعدم تنجّسها من ملاقاة النجاسة المعروفة ، فبقي غيرها تحت الأصل.

ويؤيّده أنّه لو خرجت تلك النجاسة وحدها لم يجر فيه حكم الاستنجاء في ظاهر المذهب ، بل الظاهر أنّه ممّا [ لا ] يتأمّل فيه أحد ، فمع المصاحبة كذلك ؛ إذ لا يوجب النجاسة الأخرى تخفيفا في حكمها.

ومن الظاهر ترجيح الأشد مع اجتماع السببين.

ولو صاحبها شي ء آخر كالبلغم أو الودي أو المذي ففيه وجهان ؛ من الشك في شمول الاطلاق لمثله ، ومن أنّه لا يزيد على حكم النجاسة المتنجسة به.

وبعض الأصحاب حكم بالطهارة لدعوى شمول الاطلاق.

وهو محلّ نظر سيّما إذا كان أدخل من خارج فخرج كالدّواء.

هذا إذا لم يكن متنجّسا من خارج ، وإلّا كان بحكم النجاسة المصاحبة.

وفي إلحاق المني بالحدثين وجه قوي. وكأنّ في الصحيحة الأخيرة دلالة عليه ، فتأمّل.

ثمّ إنّ تنجّس اليد حال الاستنجاء لا ينجس الماء إلّا إذا رفعها بعد تنجّسها فأراد العود إليه من دون تطهيرها ففيه وجهان.

وإلحاقها بالنجاسة الخارجة قويّ مع الخروج عن النحو المعتاد ، ولو أزال النجاسة بغير اليد ففي إجراء الحكم إليه وجهان.

ويجريان فيما إذا استنجى له غيره ، والظاهر خروجه من مدلول الأخبار فإن صحّ تنقيح المناط كما هو الأظهر ، والأقوى (1) النجاسة.

هذا بالنسبة إلى مخرج الغائط ، وأما بالنسبة إلى مخرج البول فالظاهر التنجيس لعدم الحاجة فيه إلى معونة الآلة ، فيخرج عن مفاد الروايات.

ومع الحاجة إليه لعارض ففيه وجهان أوجههما الطهارة.

ص: 317


1- كذا ، والظاهر : فالأقوى.

ولا فرق بين سبق الماء اليد في الوصول إلى النجاسة وعكسه ؛ لظاهر الاطلاق.

نعم ، لو سبقه اليد لا بقصد الاستنجاء كان كالنجاسة الخارجة ، ولو طهره حينئذ بحيث لم يتراح عند وصول الماء عن النحو المعتاد ففيه وجهان.

رابعها : لو استنجى على النجاسة الخارجة ينجس الماء بالوصول إليها ؛ إذ تلك كغيرها من النجاسات الخارجة. وإطلاق الروايات غير واضح الشمول لذلك ، وإنما المستفاد منها عدم التنجّس بسبب ملاقاة النجاسة عند المخرج.

ودعوى غلبة حصول الاستنجاء على النجاسة غير معلوم في تلك الأوقات.

على أنّ المفروض في الصحيحة الأولى مغايرة محل الاستنجاء ومكان الخلوة ، وفيه إيماء إلى أنّه المعروف في تلك الأزمنة.

وهل يعتبر اضمحلال النجاسة المزالة في الماء أو يجري الحكم مع بقاء أجزاء منه في الماء؟ وجهان.

وقد يفصّل بين ما إذا كانت الأجزاء ظاهرة متميّزة في الحسّ وما إذا كانت صغارا لا يتميّز إلّا بعد الفحص التامّ فيحكم بالطهارة لعدم خلوّ الماء عنه ؛ إذ استهلاك أجزاء الغائط في الماء بحيث لا يبقى أجزاء الصغار أيضا نادر جدّا فكيف يحمل عليه الإطلاقات المذكورة.

ثمّ إنّه لو شكّ في وجود أجزاء متميّزة في الماء فظاهر إطلاق الروايات البناء على الطهارة للحكم فيها بعدم البأس من تكليف بالفحص. وقد يفصّل بين ما إذا شكّ في وجود أجزاء متميّزة من أوّل الأمر وبين العلم بوجوده والشكّ في الاضمحلال كذلك ؛ لأصالة البقاء في الثاني.

وكأنّ الأولى أقوى.

ومنه يظهر الوجه في الإطلاقات مع البناء على النجاسة بمجرّد وجود الأجزاء الصغار.

خامسها : هل يختصّ الحكم بما إذا كان الاستنجاء عن طلب منه وقصد أو يعمّ صورة

ص: 318

انتفاء القصد؟ وأيضا كما إذا صبّ (1) الماء عليه من دون قصد أو وقع عليه الماء فطهره؟ وجهان.

وظاهر اللفظ بحسب اللغة يعطي الأوّل إلّا أنّ التعميم لا يخلو من قرب. وعلى الثاني فهل يعتبر فيه قصد التطهير؟ وجهان.

سادسها : هل يختص الحكم بالمخرج الخلقي المعتاد أو يجري في العارضي أيضا أو يفصل بين اعتياده وعدمه أو بين سدّ الخلقي وعدمه أو بين اجتماع الصفتين وعدمه؟ وجوه.

وهي جارية في الخلقي إذا لم يكن في الموضع المعتاد. وقضية الأصل فيها أجمع الحكم بالنجاسة.

وفي جريان الحكم في الخلقي إذا كان معدّا له وجه قويّ سيّما مع الانحصار فيه.

ومنه يتبيّن جريان الحكم في كلّ من فرج الخنثى المشكل ، بل وغيره أيضا إذا كان كلّ منهما معدّا لذلك وجه (2) لو اختصّ أحدهما به واتفق خروجه من الآخر ففيه أيضا وجهان.

ويقوى فيه النجاسة إلّا مع الاعتياد ، ففيه إشكال.

ولو لم يخرج من شي ء من فرجيه الخلقيين في المشكل واتّفق خروجه من أحدهما ففي إجراء حكم المذكور له وجهان ؛ من أصالة الانفعال في القليل مع اشتباه الحال ، ومن أصالة الطهارة كأنّه (3) أقوى.

فإن خرج منهما كان غسالة كا منهما بمنزلة المشتبه.

ويجري الوجوه المذكورة في البول الخارج من الدبر أو الخارج من مخرج الحيض في المرأة مع الإفضاء بها أو عدمه ، والحكم بطهارة غسالة المجبوب وجه قويّ.

سابعها : الظاهر ثبوت الحكم المذكور للماء سواء كان بعد الانفصال او قبله ، بعد طهر المحل أو قبله ، لكن لو قصر الماء عن إزالة العين فأزال به بعضه ففي الحكم بطهره مع نجاسة المحل إشكال سيّما إذا استنجى كذلك عالما بالحال ، ولو أكمله كذلك من دون تراخ يعتدّ به قوي

ص: 319


1- في ( ألف ) : « أصيب ».
2- زيادة في ( ب ) : « قويّ ».
3- في ( ب ) : « وكما أنّه ».

الطهارة.

ثامنها : اعتبر بعض الأصحاب في طهارته عدم زيادة وزن النجاسة على وزن الماء ، وكأنّه للعلّة المذكورة في الرواية المتقدمة.

وأنت خبير بأن الغالب حصول التغيير بل الإضافة (1) مع المساواة ، ولو فرض انتفاؤهما قوي الطهارة ، لضعف الرواية وخروجها مخرج الغالب.

تاسعها : يثبت الحكم المذكور بالنسبة إلى كلّ من مخرج البول والغائط على ظاهر المذهب ، وإن كان الظاهر من جماعة من أهل اللغة تخصيص الاستنجاء بالثاني (2).

قال في القاموس (3) : النجو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.

لكن ورد في الأخبار في كلام الإمام عليه السلام والشامل إطلاق الاستنجاء على تطهير مخرج البول فلا يبعد شمول الاخبار للأمرين.

وقد يدّعى الشمول بحسب اللغة على أنّ الغالب الاستنجاء من الأمرين في محلّ واحد فعدم التفصيل في الأخبار شاهد على التعميم.

ص: 320


1- لم ترد في ( ب ) : « الإضافة ».
2- في ( ب ) : « بالماء » ، بدل : « بالثاني ».
3- القاموس الفقهي : 249 ( نجا ).

تبصرة: [ في طهورية الماء المستعمل ]

الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر مطهّر من الخبث والحدث بإجماعنا المعلوم المقبول (1).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك : الأصل ، والعمومات ، وخصوص رواية عبد اللّه بن سنان (2).

وحكي عن شيخنا المفيد استحباب التنزّه عنه. ولا مستند له.

وكأنّه لأجل زيادة النظافة المطلوبة في ماء الطهارة ، لكن روى الصدوق مرسلا عن علي عليه السلام (3) أفضليّة الوضوء من فضل جماعة المسلمين عن الوضوء من ركو ، أو مجرد إطلاقه قد يفيد عكس ما ذكره رحمه اللّه.

ومثله المستعمل في الأغسال الغير الرافعة كغسل الجمعة والعيد والزيارة ونحوها.

وهو أيضا ممّا لا خلاف فيه.

ونصّ المفيد بأنّ الأفضل تجري المياه الطاهرة الّتي لم يستعمل في أداء فريضة ولا سنّة.

وظاهره يدلّ على ما حكينا عنه أولا ، بل ويعمّ غسل اليد قبل الطعام ونحوه من الغسلات المندوبة.

وقد يستدلّ على كراهة الأغسال بغسالة الأغسال المندوبة لخبر : « من اغتسل من الماء

ص: 321


1- في ( د ) : « المنقول ».
2- زيادة في ( د ) : « وغيرها ».
3- أصل الرواية هكذا : قال : سئل علي عليه السلام : « أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال : « لا بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإن أحب دينكم إلى اللّه الحنيفية السمحة السهلة ». أنظر : وسائل الشيعة : 1 / 210 ، باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر ح 3.

الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه » (1) بناء على ظاهر إطلاقه.

وقد يقال : بدلالة آخر الرواية ورودها في ماء الحمام ؛ إذ فيه : فقلت : إن أهل المدينة يقولون : فيه شفاء من العمى (2) فقال : « كذبوا! يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ ما خلق اللّه ثمّ يكون شفاء من العين » (3)؟!

فلا تدلّ على المستعمل في خصوص الأغسال الغير الرافعة.

قلت : في تخصيص ما ذكر لأوّل الرواية تأمّل ، غاية الأمر أن يكون ردّ ما ذكروه مخصوصا بالقسم المذكور لوضوح الحال فيه أو لاختصاص (4) قولهم عليهم السلام.

ولا يذهب عليك أنّ مورد الرواية هو الماء الذي اغتسل فيه لا به ، فالتعميم مشكل إلّا أن ينقح المناط أو يقال فيه بالأولوية.

ص: 322


1- الكافي : 6 / 503 ، باب الحمام ح 38.
2- في المصدر : « العين ».
3- الكافي : 6 / 503 ، باب الحمام ح 38.
4- في ( ب ) : « ظاهر اختصاص » ، بدل « فيه أو لاختصاص ».

تبصرة: [ في المستعمل في رفع حدث الجنابة ]

اشارة

المستعمل في رفع حدث الجنابة طاهر بلا خلاف عندنا إذ لا منجّس له لطهارة بدن الجنب ، وعدم تعقل سراية حكم الحدث إلى الماء مع عدم تأثره ذلك في محلّه.

مضافا إلى الأصل والعمومات وإجماع الأصحاب.

وكذا لا خلاف يعرف في طهوريّته للخبث.

وحكى جماعة عليه الإجماع. وحكى الشهيد قولا بعدمه نظرا إلى استيفاء قوّته ، فالتحق بالمضاف.

وهذا القول على فرض كونه من الأصحاب شاذّ ضعيف لا يقتضي وصمة في الإجماع المذكور كما توهمه بعضهم. وما استند (1) في إثباته أضعف منه ، فبعد ملاحظة الأصل والعمومات السليمة عن المعارض والإجماع المنقول بل المعلوم لا ريب في الحكم.

وفي طهوريّته للحدث خلاف معروف. والأشهر فيه - كما حكاه بعض الأجلّة - ذلك ، وحكي عليه الشهرة بين المتأخرين.

وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : إن المشهور بقاء ما استعمل في رفع الأكبر على الطهورية. وذهب جماعة من القدماء على عدمها.

وفي الخلاف : إنّه مذهب أكثر أصحابنا.

وقد يستظهر من الشيخ في الإستبصار التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار. وكأنّه مبنيّ على مجرّد إرادة الجمع بين الأخبار كما هو ظاهر من طريقته في كتابيه.

ص: 323


1- زيادة في ( د ) : « إليه ».

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات مع عدم وضوح المخصّص كما ستعرف.

مضافا إلى الرواية المذكورة ؛ لظهورها في الكراهة والصحيح على الأظهر : عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال : « ينضح بكفّ بين يديه وكفّا من خلفه وكفّا عن يمينه وكفّا عن شماله ، ثمّ يغتسل » (1).

وفي صحيحة علي بن جعفر : « إن كان يعني الماء في مكان واحد ، وهو قليل لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ؛ فإن ذلك يجزيه » (2).

وما يستظهر من الرواية الأولى وظاهر السؤال في الثانية من كون ذلك حال الاضطرار لا يوجب قصورا في الدلالة ؛ إذ لا قائل ظاهرا بالفصل.

وصحيحة محمّد بن مسلم : قلت له : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من مائه؟ قال : « نعم لا بأس أن تغتسل منه » (3).

ويؤيّده أيضا (4) في الأخبار من المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام ؛ معلّلا بأنّ فيه غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب ، أو غسالة الزاني وولد الزنا والناصب ونحو ذلك ؛ إذ لو كان غسالة غسل الجنابة موجبا لذلك لكان التعليل به أوضح.

حجّة المنع بعد الاحتياط لتحصيل البراءة اليقينية بعد اليقين بالشغل ، ورواية عبد اللّه ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب ويغسل (5) من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به وأشباهه » (6).

ص: 324


1- الإستبصار 1 / 28 ، باب الماء المستعمل ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 417 ، باب المياه وأحكامها 37.
2- الإستبصار 1 / 29 ، باب الماء المستعمل ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 417 ، باب المياه وأحكامها ، ح 34.
3- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، باب عدم نجاسة ماء الحمام إذا كان له مادة بمجرد ملاقات النجاسة ، ح 2.
4- زيادة في ( د ) : « ما ورد ».
5- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « به الرجل ».
6- الإستبصار 1 / 27 ، باب الماء المستعمل ، ح 1.

ورواية حمزة (1) بن محمّد الناهية عن الغسل من البئر الّتي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ معلّلا بأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب.

وصحيحة محمّد بن مسلم : سألته عن ماء الحمّام : « أدخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو أكثر الناس فلا تدري فيه جنب أم لا » (2)؟

وصحيحة الأحرز : عن الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء » (3).

والجواب أمّا عن الاحتياط فبعد وجوبه في المقام بعد نهوض العمومات حجة (4) والروايتان المذكورتان لضعف إسنادهما وعدم وضوح جابر لهما لا يقومان حجّة لإثبات حكم مخالف للأصل.

على أنّ دلالة الثانية على المدّعى غير ظاهرة إذ تعليل الحكم بالوجوه المذكورة لا يدلّ على استقلال كلّ منهما في ذلك.

والصحيحتان المذكورتان غير ظاهر في الدلالة ؛ لظهور الأوّل في الكراهة من جهة الاكتفاء فيه بمجرّد احتمال وجود الجنب ، وهو غير موجب لذلك بلا خلاف.

ودعوى استعمال النهي إذن في الحرمة والكراهة معا لو سلّم جوازه فلا شكّ في كونه خلاف الظاهر ، بل الظاهر عدم التأمل في ترجيح المجاز على استعمال اللفظ في المعنيين ، فليحمل النهي على إرادة مطلق المرجوحيّة. ومعه لا يخفى فيه دلالة على المقصود.

ويرشد إلى إرادة الكراهة في المقام أنّ النهي الأوّل ليس للإلزام قطعا فيهون (5) الخطب في الثاني.

ص: 325


1- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 33.
3- الكافي 3 / 2 ، باب الماء الذي لا ينجسه شي ء ، ح 2.
4- زيادة في ( د ) : « على الجواز ».
5- في ( ألف ) و ( ب ) : « يتهون ».

وأيضا غاية ما تقتضيه الرواية هو النهي عن الاغتسال مع اغتسال الجنب هناك واستعماله للماء.

ولا دلالة فيه على اغتساله في الماء ؛ ليكون الباقي غسالة ، فيكون النهي من جهة ملاقاته الماء ، وهو غير محلّ البحث.

وبمجرّد تنزيله على محلّ النزاع لا يتمّ الاستدلال.

وعدم دلالة الثانية على استقلال غسالة الجنب في الحكم ، بل وتأثيره فيه لوقوعه في السؤال خاصّة ، وعلى فرضه فهو يدلّ إذن على التنجيس ، ولا قائل به.

مضافاً إلى معارضتها بما عرفت من الأخبار الظاهرة في خلافه.

وحمل ما دلّ على المنع على صورة وجود النجاسة في بدن الجنب كما هو الغالب فيه غير بعيد ، ولذا ذكر إزالة النجاسة عند بيان كيفية غسل الجنابة في جملة من الأخبار وكلام الأصحاب ، فإذن يكون المنع من جهة استعماله في رفع الخبث.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : الظاهر ثبوت الحكم المذكور منعا وجواز (1) [ ه ] في المجتمع بعد تمام الغسل ، وفي أثنائه ، بل وفي القطرات المنتضحة منه ، إلّا أنها إذا انتضحت في الإناء لم يمنع من الاغتسال بمائه لاستهلاكه فيه ؛ إذ لا يزيد على حكم المضاف ، فما في كلام بعض الأعلام خروج ذلك عن محلّ البحث ، وردّه على المنتهى حيث استظهر منه دخوله فيه استنادا إلى الأخبار النافية للبأس عنه إذا وقعت في الإناء ، وتجويز الصدوق بل الشيخ أيضا في ظاهر كلامه الاغتسال بماء الإناء إذا انتضح فيه مع أنّهما من المانعين ممّا لا وجه له ؛ لوضوح أن ثبوت الحكم المذكور لنفس القطرة لا يوجب ثبوته لما استهلك فيه.

ص: 326


1- في ( د ) : « جوازا ».

والذي دلّت عليه الأخبار المذكورة ، وكلام الشيخين المذكورين هو الثاني خاصّة ، ولو أفسد غسله ففي ثبوت الحكم لما اجتمع قبله وجهان.

ولو ظهر فساد غسله لم يجر فيه حكمه ، ولو اعتقد صحته فغسالة من خالف أهل الحق لا يجري فيه الحكم المذكور ، بل حكمها حكم السؤر ، فذكر غسالة الناصب وغيره الوارد في بعض الروايات إنّما هو من جهة السؤرية لا غيرها.

ثانيها : يثبت الحكم المذكور للغسل الترتيبي والارتماسي مع قلّة الماء من غير خلاف يعرف كما في الحدائق (1) : هل يصحّ غسله بالارتماس؟ وجهان.

والظاهر ابتناؤه على كون الغسل حاصلا دفعة حقيقة في الكون تحت الماء أو أنّه يحصل حقيقة بالتدريج وإن صدق معه الدفعة العرفيّة ، فعلى الأوّل يحكم بالصحّة قطعا ، وعلى الثاني يجي ء وجه الفساد.

وقد تبيّن من ذلك أنّه لو نوى الغسل حال الكون تحت الماء صحّ غسله ، والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وحكى (2) الحدائق الإجماع عليه.

والأقوى صحّة الغسل مطلقا لإطلاق الأخبار الواردة في الارتماس.

وقد يستدلّ عليه أيضا بأنّه كما لا يخرج الماء الوارد على البدن بمجرّد وروده عن حكمه - ولذا لا يجب تجديد الماء لكلّ جزء جزء - كذلك الحكم (3) في الورود عليه لذلك.

وفيه : أنّه قد قام الإجماع هناك شاهدا على الجواز بخلاف المقام. ودعوى عدم الفرق ممنوع للزوم الحرج هناك.

وأمّا هنا فيمكن حصوله بالدفعة الحقيقية. نعم ، فيما ذكر تقريب للمقام وإن لم ينهض حجّة على المرام.

ص: 327


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- زيادة في ( د ) : « في ».
3- في ( د ) : « الحال ».

ولو نوى الغسل ترتيبا بارتماس العضو في الماء فإن نواه وهو في الماء دفعة صحّ غسل العضو المقدم خاصّة ، ولو نوى غسل العضو تدريجا ففي صحّة غسل ما عدا الجزء الأوّل إشكال من إلحاقه بالماء الوارد ، ومن الشك في تنقيح المناط.

وكأنّ الأوّل أقوى.

هذا كلّه إن قلنا بصيرورة الماء مستعملا قبل خروجه عن الماء وانتقاله من محلّ الغسل كما هو الأقوى.

وبه نصّ في المنتهى والنهاية إلّا أن ظاهر (1) التأمل في النهاية في كونه مستعملا إذن بالنسبة إلى غيره حيث ذكر فيه وجهين ، والأقوى كونه مستعملا بالنسبة إليه أيضا بل ثبوته بالنسبة إليه أولى كما اختاره في المنتهى.

ويعزى إلى ظاهر الشهيد في الذكرى القول بكونه حينئذ مستعملا في حقّ الغير ، أمّا بالنسبة إليه فلا حتّى يخرج.

وفي دلالة عبارته هناك على ذلك تأمّل.

ثالثها : المعروف بينهم أنّ محلّ الخلاف هو المستعمل في رفع الحدث الأكبر سواء استعمل في رفع الجنابة أو غيرها. وعنون البحث في المنتهى في خصوص غسل الجنابة ولم يذكره غيره.

وحمله صاحب المعالم على إرادة المثال ، واستشكل في ذلك في الحدائق ؛ نظرا إلى ورود الأخبار في خصوص الجنابة ، وكلام بعض المانعين كعبارة الصدوق في الفقيه خصوص بها.

نعم ، قد يستفاد التعميم من رواية عبد اللّه بن سنان على وجه إلّا أنّه لا يتعيّن حملها على ذلك ؛ لجواز عطف قوله « وأشباهه » على فاعل « يجوز » ، فيكون المعنى أنّه لا يجوز الوضوء وأشباهه به ، فلا يفيد حكم غير الجنابة.

قلت : بعد بناء الأصحاب على تعميم الحكم يتقوّى في الرواية إرادة المعنى الأول ، مضافا

ص: 328


1- في ( د ) : « ظاهره ».

إلى أظهرية (1) من اللفظ ، وممّا يقربه ذكر « الأشباه » بصيغة الجمع ، وهي لا تناسب الحمل الثاني ؛ إذ ليس هناك شي ء غير الغسل للاتفاق على إزالة الخبث به كما مرّ.

ثمّ إنه على ما رجّحناه من البناء على الكراهة فالأمر واضح ؛ للاكتفاء فيه بمجرّد فتاويهم ، مضافا إلى ما عرفت من إطلاق بعض الأخبار الدالّة عليه.

رابعها : هل يختص الحكم المذكور بما إذا تيقّن حصول الحدث ليكون الغسل رافعا لحدث يقيني أو يعمّ صورة الشك في الحدث أيضا إذا وجب به الغسل كالبلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء أو تيقّن بالحدث والطهارة معا وشكّ في المتأخّر منهما أو يعم صورة عدم الإيجاب أيضا فيجري الحكم أيضا فيما إذا استحب له الغسل من جهة الاحتياط كما إذا ظنّ الجنابة وقلنا برجحان الاحتياط فيه كما هو الأقوى أو الخروج عن خلاف كما في وطي دبر المرأة أو البهيمة بناء على عدم وجوب الغسل له ، ونحو ذلك؟ وجوه أضعفها الأخير ؛ لأصالة بقاء طهوريّة الماء مع عدم ظهور (2) مخرج له ، و (3) مجرّد احتمال رفع الحدث به واقعا لا يكفي فيه مع حكم الشرع بنفيه ظاهرا.

والثاني مختار بعض الأفاضل ؛ للحكم معه شرعا بكونه محدثا. والأحكام الشرعية تابعة للظاهر لا الواقع.

وكأنّ الأظهر أن يقال : أن كان الحكم بوجوب الغسل من جهة الحكم بحصول الحدث شرعا كما إذا تيقّن الحدث وشكّ في الغسل ، فالظاهر ثبوت حكم الغسالة فيه ، وإن كان لتغليب جانب الاحتياط فليس الثابت له إلّا مجرّد أحكام الحدث (4) ، فلا يتعدى الحكم إلى الماء ؛ عملا بالاستصحاب لعدم (5) ثبوت (6) رفعه الحدث ، ومجرّد ارتفاع أحكام المحدث عنه في

ص: 329


1- في ( د ) : « أظهريّته ».
2- في ( ألف ) : « طهور ».
3- في ( ألف ) : « أو » بدلا من « له و ».
4- في ( د ) : « المحدث » ، وهو الظاهر.
5- في ( ب ) : « كعدم ».
6- في ( د ) : « ثبوته ».

الظاهر لا يوجب الحكم برفع الحدث ؛ لعدم قيام الدليل عليه كذلك كما في الثوبين المشتبهين ، فإنّه لا يصحّ الصلاة في شي ء منهما مع عدم تنجيس أحدهما لما يلاقيه.

خامسها : هل يجري الحكم المذكور في المستعمل في الغسلات المندوبة كالغسلة الثانية والثالثة في كلّ من الأعضاء أو يختصّ بالواجب منها أو يفصل بين ما كان قبل ارتفاع الحدث أو بعده؟ وجوه ؛ ظاهر الإطلاقات هو الأوّل ، وبناء على ما قوّينا من الكراهة لا يبعد القول به.

سادسها : هل يجري الخلاف في استعمال الماء المفروض في رفع الحدث أو يجري في مطلق استعماله في الوضوء والغسل وإن لم يكونا رافعين؟ فظاهر إطلاق جماعة حيث عنونوا البحث في طهورية الماء المفروض ورفع الحدث به هو الأوّل ، وظاهر إطلاق الأخبار الّتي استدلّوا بها هو الأوّل ، وعلى ما قوّينا ( فتعميم ) (1) الحكم هو الأقوى.

سابعها : الظاهر أنّ محلّ النزاع إنّما هو في القليل ، فلو اغتسل بالكثير لم يخرج من الطهوريّة.

وفي الحدائق (2) أنّه الظاهر من كلمات جمع من الأصحاب ، تصريحا تارة وتلويحا أخرى.

وقد يعزى إلى ظاهر العلامة في المختلف تعميم الخلاف للقسمين حيث استدلّ بصحيحتي صفوان وابن بزيع في المسألة.

وفيه تأمّل لا يخفى على من راجع المختلف ، بل ظاهره خلاف ذلك.

[ و ] عن بعض المتأخرين إسناد المنع في (3) الكثير أيضا إلى شيخنا المفيد حيث حكم في الحقيقة بكراهة الارتماس في الكثير الراكد.

قال : والظاهر أنه لا وجه له سوى صيرورته مستعملا ممنوعا من الطهارة به ثانيا.

قلت : كأن ما ذكره وقع عن غفلة من ملاحظة عبارته المعروفة في ذلك ؛ إذ ذاك ظاهر في

ص: 330


1- ما بين الهلالين من ( د ).
2- الحدائق الناضرة 1 / 457.
3- زيادة في من ( د ).

خلاف ذلك بل كالصريح فيه حيث قال (1) : « ولا ينبغي له أن يرتمس في الماء الراكد ؛ فانّه إن كان قليلا أفسده وإن كان كثيرا خالف السنّة بالاغتسال فيه ».

فإن حكمه بإفساد الماء مع القلّة خاصّة كالصريح في عدم حصوله مع الكثرة.

على أن ما ذكره من انحصار الوجه في الكراهة بيّن الفساد.

ونصّ الشيخ في التهذيب عند شرح العبارة المذكورة على عدم زوال الطهورية عنه مع الكثرة.

وفيه إيماء إلى خروجه عن محلّ الخلاف.

وظنّي أن الحكم في ذلك أوضح من أن يخفى ؛ إذ ليس استعمال الماء في رفع القذارة الحكمية بأشدّ من استعماله في رفع النجاسات العينية ، وإذا كان الثاني ممّا لا خلاف في عدم رفعه الطهوريّة عن الماء فالماء (2) أولى.

ثامنها : الظاهر انّ عود (3) المستعمل إلى الطهوريّة كعود النجس إلى الطهارة ؛ إذ لا يزيد حكمه عليه ، فعلى ما هو الأقوى (4) الاكتفاء في التطهير بمجرّد الاتصال بالمعتصم يكتفي به هنا أيضا ، والظاهر الاكتفاء هنا بالاستهلاك في الماء الطهور كيفما كان ؛ إذ لا يزيد على المضاف.

وهل يزول عنه بإتمامه كرا قولان :

أحدهما ذلك. وذهب إليه الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى.

والآخر المنع عنه. واختاره المحقق وجماعة. وتوقف الشيخ في الخلاف.

والأقوى بناء المسألة على كون الإتمام مطهّرا للقليل النجس وعدمه ، فعلى القول به هناك لا ينبغي التأمل فيه في المقام وإلّا فلا دليل على زوال الحكم الثابت ، فالقول بعدم عود الطهارة هناك وعود الطهوريّة هنا ممّا لا وجه له.

ص: 331


1- المقنعة : 54.
2- في ( د ) : « فالأوّل ».
3- في ( ب ) : « فرد ».
4- زيادة في ( د ) : « من ».

والاستدلال عليه بأنّ بلوغ الكريّة مانع عن الانفعال بالنجاسة فمنعه عن الانفعال بارتفاع الحدث أولى على ما في المنتهى (1) كما ترى ؛ إذ ذلك إنّما يقتضي أن يكون عاصما لنفسه بعد حصول الكريّة كالنجاسة لا رافعا لما ثبت فيه لعدم ثبوته في اعتصامه عن النجاسة أيضا. على أن رفعه لذلك أولى من رفعه النجاسة ، فتوجّه المنع عليه كما لا يخفى.

ص: 332


1- نقل هذه العبارة من المنتهى في الحدائق الناضرة 1 / 45 ، ولم نعثر عليه في المنتهى.

تبصرة: [ في غسالة الحمام ]

اشارة

اختلف الأصحاب في غسالة الحمّام ، والمراد بها مجمع غسالات الحمّام. وعبّر عنها في الرواية : « بالبئر الّتي مجتمع (1) فيها غسالة الحمّام » (2).

وفي السرائر (3) : إنّه المستنقع الّذي يسمّى الحبة (4) ، فذهب جماعة من قدماء الأصحاب إلى وجوب الاجتناب عنها في الغسل بل والوضوء أيضا ، بل مطلق التطهير ، ويعزى إلى الصدوقين ؛ معلّلين بأنّه « يجتمع فيه غسالة اليهودي والنصراني والمبغض لآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو شرّهم » (5).

ومنه الشيخ في النهاية (6) وابن ادريس في السرائر (7).

وفي الشرائع (8) : لا تغتسل بغسالة الحمّام إلّا أن يعلم خلوها عن النجاسة. ونحوه ما عن القواعد والبيان. وليس في هذه العبارات تصريح بالنجاسة وإنّما دلّت على المنع من الاستعمال لكنّ التعليل الوارد في كلام الصدوقين تبعا لما في الرواية ظاهر في النجاسة.

واستظهر بعض المتأخرين من تعليلهما أنّهما لا يقولان بالمنع.

ص: 333


1- في ( د ) : « يجتمع ».
2- الكافي 3 / 14 ، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ، ح 1.
3- السرائر 1 / 90.
4- في المصدر : « الجئة ».
5- من لا يحضره الفقيه ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 16.
6- نهاية الإحكام 1 / 245.
7- السرائر 1 / 90.
8- لم نعثر عليه في الشرائع ، ونقله في المعتبر 1 / 92.

وهو كما ترى.

نعم ، ظاهر الصدوق نفي البأس عنه إذا أصاب الثوب حيث روى الرواية الدالّة عليه بعد ما ذكر الحكم الأوّل ، فيكون قائلا بطهارته مع المنع من استعماله.

ونصّ في الإرشاد بنجاستهما ما لم يعلم خلوه عن النجاسة. وربّما يعزى ذلك إلى بعض من تأخر عنه.

ويحتمل أن يحمل عليه كلام المانعين من استعماله ، فيتّحد القولان إلّا أن تنزيل كلام الصدوق عليه لا يخلو عن بعد.

والمختار عند العلامة في المنتهى هو الطهارة ، وظاهر عدم المنع من استعماله.

وفي الروض (1) : إنّه الظاهر إن لم يثبت الإجماع على خلافه. وهو مختار المحقق الكركي وغيره من المتأخرين.

حجة القول بمنعه من استعماله أمران :

أحدهما : عدّة روايات منها رواية حمزة بن أحمد ، عن الكاظم عليه السلام : « لا يغتسل من البئر الّتي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ لأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم » (2).

ورواية ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه السلام : « لا تغتسل في البئر الّتي يجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب ، وهو شرّهما » (3).

وروى في العلل ، في الموثق ، عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق [ عليه السلام ] في حديث قال : « وإيّاك أن تغسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب ،

ص: 334


1- روض الجنان : 161.
2- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ح 1.
3- الكافي 3 / 14 ، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ح 1.

وإنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه » (1).

لا يبعد اتحاد الروايتين إلّا أنّ ظاهر لفظ الروايتين يأباه. ويعضدهما عمل جماعة من القدماء بمضمونها بل لا يبعد أن يكون ذلك هو الأشهر مع اعتضاد بعض تلك الأخبار بالبعض.

ثانيهما : الإجماع (2). وقد وردت به عن الأئمّة عليهم السلام آثار معتمدة قد أجمع الأصحاب عليها لا أجد مخالفا فيها.

وفيه دلالة على وجود أخبار معتمدة في ذلك ؛ ليكون متواترة أو مقرونة بقرينة القطع حيث إنّه لا يقول بحجيّة أخبار الآحاد. ويمكن أن يجتمع بما ذكر للقول بالنجاسة بناء على ظهور المنع من الاستعمال في ذلك سيّما بملاحظة التعليل حسب ما مرّ.

ويرد عليه أن الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على المنع في صورة الشك فإن ظاهرها الحكم بوجود النجس فيها. وظاهره حصول العلم بذلك.

وحينئذ فلا كلام في النجاسة لو حمل على كونه مظنّة لذلك ، ففي التعليل شهادة على عدم إرادة التحريم بملاحظة ما تقرّر في الشريعة من أنّ المناط في الحكم بالنجاسة هو العلم دون الظن ، وأن قضية الأصل عدم المنع من الاستعمال من دون حصول العلم بالمنع. وكأنّ ذلك هو ملحوظ من استظهر من التعليل عدم المنع كما مر.

وكيف كان ، فلا دلالة ظاهرة في تلك الأخبار على المنع من الاستعمال في صورة الجهل ووجوه (3) الأخبار المعتمدة (4) في ذلك غير ظاهر ؛ إذ لم نجد من الأخبار في ذلك سوى ما ذكرنا.

والأوّلان ضعيفان ، والثالث أيضا ليس من الصحيح إلّا أنّ إسناده معتبر.

ص: 335


1- علل الشرائع 1 / 293 ، باب 220 آداب الحمام ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 230 ، باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام .. ح 5.
2- زيادة في ( د ) : « حكاه في السرائر ، قال بعد الحكم بعدم جواز استعماله على حال : وهذا إجماع ».
3- في ( ألف ) : « وجوه ».
4- في ( ب ) : « المفيدة ».

وأمّا الإجماع فغير ظاهر ، وحكاية ابن إدريس (1) لا يخلو عن وهن ، مع تفرّده بنقله ، وذهاب كثير من الأصحاب إلى خلافه.

قال المحقق في المعتبر (2) بعد ذكر كلامه : ولم نقف على رواية بهذا الحكم سوى تلك الرواية ورواية مرسلة ذكرها الكليني عن بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور.

وهذه مرسلة وابن جمهور ضعيف جدا ذكر ذلك النجاشي في كتاب الرجال ، فأين الإجماع وأين الاخبار المعتمدة؟! ونحن نطالبه بما ادّعاه ، وأفرط في دعواه.

وفي مرسلة أبي يحيى الواسطي تصريح بطهارته ، وظاهر الفقيه العمل بها ، فيكون حاكما بصحّتها.

وقد ظهر بما قرّرنا حجة القول بالطهارة وعدم المنع من الاستعمال مع عدم العلم بالنجاسة ، فإنّ القاعدة الشرعيّة المحكمة المأخوذة من الاستصحاب وأصالة عدم وجوب الاجتناب والعمومات توقّف الحكم بالنجاسة على العلم بها ، وهو قضية مرسلة أبي يحيى الواسطي المشار إليها ، وهي وإن كانت ضعيفة إلّا أنّها مؤيّدة بذكرها في الفقيه وحكم الصدوق بصحتها بالأصل المذكور.

ويدلّ عليه أيضا ظاهر الإطلاق في الصحيحة الآتية ، ولا يحسب ماء الحمّام.

وهذا هو الأظهر في النظر ، فتكون المذكور من الروايات محمولا على الكراهة إن قلنا بكون المقصود من التعليل كونه مظنّة لورود تلك النجاسات ، وإن حمل على صورة العلم بذلك فهي محمولة على ظواهرها حسب ما عرفت.

وحينئذ فيكتفي في ثبوت الكراهة بالخروج عن خلاف الجماعة وما حكي من الإجماع عليه ودلالة الروايات المعتبرة عليه ، والظاهر أنّه لا شكّ في المرجوحيّة بل لا بد من مراعاة الاحتياط في المسألة.

ص: 336


1- زيادة في ( د ) : « له ».
2- المعتبر 1 / 92.

وفي الرياض (1) : إنّه ينبغي القطع بعدم جواز التطهير مطلقا مع عدم العلم بطهارته (2). وأمّا سائر الاستعمالات فالجواز قوي.

وأنت خبير بأنّ القطع المذكور ليس في محلّه ، والأخبار المذكورة غير واضحة الدلالة عليه حسب ما عرفت ، ولا دليل ظاهر في ذلك غيرها مع ما في الحكم بالطهارة من المنع عن الاستعمال في التطهير من البعد ، فلا وجه للالتزام به من دون قيام دليل ظاهر عليه.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّه لو علم بورود الماء النجس عليه مع قلّته فلا إشكال في نجاسته كما أنّه لا إشكال في طهارته مع علمه بعدم ملاقاة النجاسة له ، ولو ظنّ عدمه فالظاهر طهارته ، ولا يبعد خروجه عن محلّ البحث.

ولو شكّ فيه من دون ترجيح لملاقاته النجاسة ففي اندراجه في محلّ البحث وجهان ؛ من إطلاق كلامهم ، وظهور المفروض في كلامهم في صورة الظن.

ولذا عدّوه من مسألة تعارض الأصل والظاهر.

و (3) يشهد له ملاحظة تعليل الروايات المذكورة حسب ما عرفت.

ثمّ إنّ الظاهر فرض المسألة في صورة قلة الماء أو بلوغه حدّ الكثرة مع كون الحال فيه على ما ذكر قبل البلوغ إليه ، بناء على عدم كون البلوغ حدّ الكرّ مطهّرا للقليل.

أمّا لو كان الماء المظنون الطهارة به الحاصل فيه كرّا أو ورود كرّ من الماء الطاهر كذلك فالظاهر خروجه عن محلّ البحث.

ثانيها : ظاهر المفروض في كلامهم الحمّامات المعروفة الموضوعة للعامّة ، وأمّا الحمّام

ص: 337


1- رياض المسائل 1 / 12.
2- في ( ب ) : « بالطهارة ».
3- لفظة الواو لم تذكر في ( ألف ).

الموضوع لخصوص أصحاب الدار ممّا لا يكون موردا للنجاسات على نحو المفروض في الأخبار وكلام الأصحاب فلا يبعد خروجه عن محلّ الكلام ، فلا بدّ من البناء فيه على مقتضى الأصل.

ويحتمل اندراجه فيه للإطلاق ، وهو بعيد لانصرافه إلى الشائع.

والفرق ظاهر بين الصورتين ، وقضية الأصل البناء على الطهارة ، وعدم الخروج (1) في الاستعمال حتّى يتبيّن المخرج عنه.

وفي جريان ذلك في الحمّامات العامّة ممّا لا يدخلها النّصاب إلّا اليهود والنصارى مع كونها مظنة لورود سائر النجاسات وجهان ، أوجههما ذلك إن بني الأمر فيه على الكراهة ، وأمّا مع البناء على المنع من الاستعمال ففيه إشكال من خروجها عن ظاهر الأخبار المذكورة ، ومن مشاركتها لها في المعنى.

ثالثها : الظاهر أنّه لا إشكال في أرض الحمّام وإن كان مجرى لتلك المياه المجتمعة لخروجها عن مورد النصّ وكلام الأصحاب ، فلا بدّ من البناء فيهما على مقتضى الأصل ، بل في المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح عدم البأس بها ، وعدم لزوم غسل الرجل منها بعد الخروج من الحمّام ، يستفاد منها طهارة الأرض وطهارة الماء المختلف (2) فيها.

ولا دلالة فيها على جواز استعمال ذلك الماء في التطهير ، فيرجع فيه إلى الأصل.

ففي الصحيحين بعد السؤال عن الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه؟ قال : « لا بأس أن يغتسل فيه الجنب ولقد اغتسلت به ثمّ جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلّا لما لزق بهما من التراب » (3) يعني لا لأجل النجاسة بل للتنظيف من الكثافة.

وفي صحيحة أخرى : أرأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمّام وبينه وبين داره قذر؟ فقال :

ص: 338


1- في ( د ) : « الحرج » ، بدل : « الخروج ».
2- في ( د ) : « المتخلّف ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 30.

« لو لا ما بينى وما بين داري ما غسلت رجلي ولا يجنب ماء الحمّام » (1).

وفي إطلاق الفقرة الأخيرة دلالة على طهارة الغسالة ، بل وعدم وجوب التحرّز عنه في التطهير كما أشرنا إليه. ولا ينافي استحباب التنزّه عنها فإنّ النهي هنا في مقام توهّم الوجوب.

وفي الموثق : رأيت أبا جعفر عليه السلام يخرج عن الحمّام فيمضي كما هو لا يغسل رجله حتّى يصلّي (2).

وظاهر قوله « حتّى يصلّي » : حتّى يوقع الصلاة ، فيفيد عدم غسل رجله لأجل الصلاة أيضا.

وقد يحمل على إرادة إيقاع الصلاة ، فيدلّ على غسل رجله لأجل الصلاة. وحينئذ قد لا يفيد المدّعى ، بل ربّما يومي إلى خلافه إلّا أنّه خلاف الظاهر منه.

ثمّ إنّ حصول العلم بتنجس الأرض أحيانا لا يقضي وجوب الاجتناب عنها في غير حال العلم ، وذلك لورود النجاسة عليها تارة والمطهّر أخرى ، وما توارد عليه الحالان من دون علم بالمتأخر لا يحكم بطهارة ملاقيه ، بل الظاهر الحكم بطهارته أيضا لا لعموم « كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (3). أمّا لو علم بنجاسة الأرض ولم يعلم بورود المطهّر عليه فالظاهر أنّه لا إشكال في الحكم بنجاسته بل (4) ونجاسة ملاقيه أيضا ؛ بناء على ما هو المختار من حصول التنجيس بما حكم بنجاسته بالاستصحاب.

وعلى القول بعدمه يحكم بطهارة الملاقي بمجرد احتمال طريان المطهّر عليه. وهو أنسب بإطلاق تلك الأخبار. إلّا أنّ حملها على ما قلناه غير بعيد. وهو المتّجه بعد تنزيل المعلوم بالاستصحاب منزلة اليقين ، فكما أنّ صورة العلم بالنجاسة خارجة فكذا ما بمنزلته لنصّ الشارع على كونه حجّة متّبعة.

ص: 339


1- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 31 وفيه : ولا نحيت ماء الحمام.
2- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 32 وفيه : لا يغسل رجليه.
3- وسائل الشيعة 3 / 467 ، باب أن كل شي ء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه ، ح 4.
4- لم ترد في ( ب ) : « بل ونجاسة ».

تبصرة: [ في اشتباه الماء النجس بالطاهر ]

إذا اشتبه الماء النجس بالطاهر مع عدم الانحصار لم يجب الاجتناب ، وجاز استعمال كلّ منهما فيما يشترط بالطهارة بلا خلاف بين الطائفة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع السيرة المعلومة ، ولزوم العسر والحرج الشديد لو لاه.

ويستفاد ذلك أيضا من الأخبار.

وأمّا مع الانحصار فالظاهر أنّه لا خلاف بين قدماء الأصحاب إلى ما بعد الشهيد الثاني في وجوب اجتناب الجميع وعدم جواز استعمال شي ء منها فيما يشترط بالطهارة. وقد استفاض في كلماتهم حكاية الإجماع على وجوب اجتناب الإنائين المشتبهين. حكاه في الخلاف والغنية والمعتبر والتذكرة والنهاية والمختلف وغيرها.

والأصل فيه بعد الإجماع - محصّلا ومنقولا - موثقة سماعة : عن رجل معه إناء ان وقع في أحدهما قذر لا يدري في أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره؟ قال : « يهريقهما ويتيمّم » (1).

ونحوه موثقة عمّار أيضا (2).

وحكمه عليه السلام بالتيمّم مع تمكّنه من الماء صريح في المنع من استعمالهما وعدم صحّة الوضوء بشي ء منهما ، وعدم (3) البناء على أصالة الطهارة بالنسبة إلى كلّ منهما.

ص: 340


1- الإستبصار 1 / 21 ، باب الماء التعليل يحصل فيه شي ء من النجاسة ح (48) 3.
2- الظاهر أنه ما رواه سعد بن عبد اللّه ، عن أحد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب فيه على أنه يهودي؟ فقال : « نعم ». فقلت : « من ذلك الماء الذين يشرب منه؟ قال : « نعم ». لاحظ : الاستبصار 1 / 18 ح 2. 3.
3- في ( د ) : « هدم ».

ويفصح عنه حكمه عليه السلام بإهراقهما الظاهر في عدم جواز الانتفاع بهما في الشرب وسائر الاستعمالات الغالبة المشروطة بالطهارة.

وما يقال من أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو من جهة إعدام الماء ليصحّ التيمّم المنوط بعدم (1) وجدانه بيّن الفساد ؛ إذ مع عدم جواز استعمال شي ء من الماءين لا يتوقّف صحّة التيمّم على الإهراق ؛ لصدق عدم الوجدان الشرعيّ مع وجودهما أيضا.

ولو فرض جوازه تعيّن عليه الطهارة الاختيارية ، فلا يجوز له إهراقهما والعدول إلى الاضطراريّة ، والقول بكراهة استعماله حينئذ ، فيكون الأمر بالإهراق للندب ؛ لينتقل الحكم بعده إلى التيمّم كما يستفاد من كلام بعض الأعلام أوضح فسادا منه إلّا أن يحمل ذلك على صورة عدم وجوب طهارة الاختيارية ، وإطلاق السؤال وترك الاستفصال في كلام الإمام عليه السلام ينادي بخلافه.

وقد يقال : إنّ ذلك لأجل الاقتصار على التيمّم إذ ؛ قضيّة القاعدة في مثله المنع من استعمال الماءين ؛ للزوم تنجّس البدن باستعمالهما على ما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

فالمحكي (2) في شأنه هو الوضوء بأحدهما ، وحيث كان أحدهما مجهول الطهارة فيدور أمره بين أن يكون طاهرا ونجسا يتعيّن عليه الجمع بين الوضوء والتيمّم ؛ إذ المقصود في المقام هو العلم بإصابة الطاهر لا نفس إصابته ، فهو كمن وجد أحد المشتبهين بالمضاف ، فإنّه يتعيّن عليه الجمع بين الوضوء والتيمّم كما قالوه حسبما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه ؛ لاحتمال وجدانه الماء فيتعيّن عليه الوضوء ، وعدمه فيتعيّن التيمّم (3).

ويدفعه أيضا ما عرفت ؛ إذ لو صحّ ذلك وجب عليه الاحتياط حينئذ فكيف يجوز الإهراق (4)؟! فالرواية واضحة الدلالة على سقوط التكليف بالوضوء بعد حصول الاشتباه.

ص: 341


1- في ( ب ) : « بعد ».
2- في ( د ) : « فالممكن ».
3- زيادة في ( د ) : « فيكون الأمر به إرشاديّا أو للاستحباب من جهة تسهيل الأمر بالاقتصار على التيمّم ».
4- زيادة في ( د ) : « له ».

والطعن في إسناد الروايتين من جهة اشتمال كلّ منهما على غير واحد ممّن لا يقول بالحق ؛ مدفوع بما قرّر في محلّه من حجيّة الموثق خصوصا مثل روايات عثمان بن عيسى وسماعة وعمّار لإطباق الأصحاب على العمل بأخبارهم.

ولو سلّم ذلك فلا تأمّل في حجيّة الضعيف بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، وهنا قد أطبقوا على العمل بهما.

على أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في مقامات شتّى بناء الشارع على وجوب الاجتناب في المحصور إذا دار الأمر بين الحلال والحرام كيف ما كان ، مثل ما دلّ على وجوب غسل جميع الثوب إذا لم يعرف موضع النجاسة منه ، وما دلّ على وجوب الاجتناب من اللحم مع اختلاط المذكّى منه بالميتة ، وما دلّ على وجوب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين .. إلى غير ذلك.

وقد جرى الأصحاب على ذلك في تلك المقامات.

ويمكن الاحتجاج على ذلك أيضا بالأصل ؛ « لوجوب الاجتناب عن المحرم ولا يتم إلّا باجتناب الجميع.

فإن قلت : إن الوضوء بالماء النجس ليس من المحرّمات الأصليّة وإنّما يثبت المنع منه من جهة البدعة ويرتفع ذلك بقصد الاحتياط ؛ إذ لا يصدق الإبداع بمراعاة الاحتياط ، مضافا إلى الأوامر الدالّة على رجحان الاحتياط لإفادتها تشريع الفعل من تلك الجهة وإن لم يكن مشروعا في نفسه.

وحينئذ فلا تكليف بالاجتناب في المقام ، بل الأمر فيه بالعكس ؛ لثبوت التكليف بالطهارة ، فيجب استعمال الماءين لتحصيل اليقين بالفراغ.

فما يوجد في كلام بعض المتأخرين (1) من تعليل المنع من استعماله في الطهارة الحدثية والخبثية بأنّ استعمال الماء النجس فيما يعد في الشرع طهارة أو إزالة نجاسة مع اعتقاد

ص: 342


1- في حاشية ( د ) : « هو السيّد نور الدين أخو صاحب ».

المشروعية إدخال في الدين ما ليس منه ، بل لو لم يعتقد مشروعيته إذا فعله بصورة المشروع لا يبعد تحريمه ؛ مدفوع بما عرفت من انتفاء البدعة مع قصد الحائطة ؛ إذ ليس ذلك إدخالا في الدين ما ليس منه بل إنّما يؤتى به من جهة احتماله لمصادفة ما ثبت في الدين. كيف ، وما ورد في الأخبار من الأمر بالاحتياط قاض بتعلّق الطلب به ، ومع تعلّق الأمر به لا يعقل توهّم البدعة.

قلت : ليس المقصود في الاحتجاج المذكور الاستناد إلى المنع من استعماله في الوضوء ونحوه ، بل المراد المنع منه في الشرب ونحوه ؛ إذ من الواضح حرمة شرب النجس في نفسه ولا يعلم الاجتناب عنه إلّا مع الاجتناب عن الأمرين.

ومن ناقش فيه من المتأخرين ناقش في المقامين.

وأمّا المنع من استعمال كلّ منهما في الطهارات فله وجه آخر يأتي إن شاء اللّه القول فيه.

وما يقال من أنّه إنّما دلّ الدليل على وجوب الاجتناب عنه مع العلم بالنجاسة ، وأمّا مع الجهل بها فلا دليل على وجوبه (1) مدفوع بأنّ الأحكام ثابتة للواقع من دون مدخليّة في ثبوتها للعلم والجهل كما هو ظاهر الإطلاقات. غاية الأمر قيام الدليل من العقل والنقل على عدم وجوب البناء (2) عليه من دون العلم رأسا ؛ إذ مع الاشتباه بغير المحصور فيبقى محلّ البحث مندرجا تحت القاعدة.

نعم ، قد يتوهّم بناء الشرع في ثبوت النجاسة مع العلم دون الواقع. وهو ضعيف لما عرفت.

وقد فصّلنا القول فيه في محلّ آخر.

وما يتخيّل من دلالة العمومات على البناء على الحلّ حتّى تعرف الحرام بعينه ، والبناء على الطهارة في الأشياء وفي خصوص الماء حتّى يعلم النجاسة غير متّجه ؛ إذ المستفاد من تلك الأخبار غير صورة الاشتباه بالمحصور كما يعرف من إرجاع تلك العبارات إلى العرف.

ص: 343


1- في ( ألف ) : « وجوب ».
2- في بعض النسخ : « الدليل ».

ومع الفضّ (1) عنه فعدم فهم الأصحاب منها العموم كاف (2) في ذلك ، فلا أقلّ من الشك ، وهو كاف في هدم الاستدلال.

وفي بعض تلك الأخبار دلالة واضحة على ما قلناه ، مضافا إلى أنّ المفروض حصول الماء في مقام تنجيس أحدهما وحرمة التابعة لنجاسته ، وظاهر العمومات المذكورة هو الحكم بالحلّ والطهارة إلى أن يعلم الحرمة والنجاسة الحاصل (3) في المقام في الجملة.

غاية الأمر اشتباه الحلال بالحرام والطاهر بالنجس ، فلا بدّ إذن من الحكم بحرمة أحدهما ونجاسته نظرا إلى العلم المفروض.

فإذا قضيت (4) القاعدة المذكورة بحليّة الأشياء وطهارتها إلى أن يعلم خلافها لم يمكن إجراؤها بعد حصول العلم بخلافها ودوران ذلك بين فردين ؛ إذ المستفاد منها تغليب جانب الحليّة والطهارة مع الجهل دون العلم (5) ونسبة العمومات المذكورة إلى الماءين على نحو واحد ، وقد فرض خروج أحدهما عن الحلية والطهارة يقتضي العلم المفروض ، فيكون المتحصّل في المقام مع ملاحظة العمومات المفروضة هو طهارة أحد الماءين وحلّيته ، ونجاسة الآخر وحرمته (6) قد يكون مع القطع به والشك في تعلّقه بالعين المخصوصة.

فهناك يقين بالطهارة ويقين بارتفاعها ، وشك في ارتفاع الطهارة المتعلّقة بخصوص العين المعيّنة لعدم العلم بخصوص الزائل ، فليس الشك في المقام من جهة الشك في ارتفاع الأمر الحاصل ؛ إذ المفروض حصول القطع به ، بل من جهة الشك في التعيين بعد علم المكلّف حينئذ ببقاء إحدى الطهارتين وزوال الآخر ، فبقاء إحدى (7) الطهارتين معلومة كارتفاع الآخر

ص: 344


1- في ( ألف ) : « النصّ ».
2- في ( ب ) : « كان ».
3- كذا.
4- في ( د ) : « قضت ».
5- لم ترد في ( ب ) : « ونسبة العمومات ... يقتضي العلم ».
6- زيادة في ( ب ) : « ولا دلالة في تلك العمومات .. » إلى .. ويدفعه أن الشك في بقاء الطهارة ».
7- في ( ألف ) : « أحد ».

وليس الحكم ببقائها من جهة الاستصحاب ؛ إذ المفروض حصول القطع به.

نعم ، لمّا كانت الطهارة بالنسبة إلى كلّ من الماءين معلومة وكانت النجاسة الواردة دائرة بينهما فقد طرى الشك في ارتفاع خصوص كلّ من الطهارتين بعد العلم بحصولها فيندرج بملاحظة ذلك في قاعدة الاستصحاب.

وأنت خبير بعدم ظهور اندراج هذه الصورة في الأخبار الدالّة على حجيّة الاستصحاب ؛ إذ الظاهر منها استصحاب حكم اليقين الحاصل وعدم نقضه بالشك في حصول الرافع ، لا مع اليقين بحصوله والشك في المتعيّن.

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم إطلاق الأدلّة الدالّة عليه فلا ريب في ارتفاع أحد الاستصحابين ، وبعد القطع إجمالا بانتقاض أحد الاستصحابين لا يصحّ الاستدلال بأحدهما بخصوصه.

وهل ذلك إلّا كالاستدلال بأحد العمومين بعد العلم بتخصيص أحدهما إجمالا أو بأحد الآيتين مع العلم بنسخ أحدهما كذلك؟ ولا يظن أن أحدا يجوّزه ويصحّح الاستدلال به.

كيف وقد أجمعوا على عدم جواز الاحتجاج بالعام المخصّص بالمجمل مع أنّ قضية الأصل في كلّ واحد من الأفراد عدم إخراجه عن العموم سيّما إذا كان المخصّص مفصّلا. وكأنّ ما ذكرنا هو مقصود المحقق (1) حيث ذكر أنّ يقين الطهارة في كلّ منهما معارض بيقين النجاسة ، ولا رجحان فيتحقق المنع.

فما أورد عليه بعض المحققين من أن يقين الطهارة في كلّ واحد يعارضه الشك في النجاسة لا اليقين بها بيّن الاندفاع بما ذكرناه.

وما ذكره بعض المتأخرين - في الايراد على ما ذكره المحقق وما أورده المحقق المذكور من أنّ الاشتباه بين الإناءين قد يكون بعد العلم بالحال ، وقد يكون من أوّل الأمر ، فلا يتمّ الحجة في الثاني ولا الإيراد المذكور في الأوّل - غريب ؛ إذ مع الغضّ عن فساده بما عرفت لا وجه

ص: 345


1- المعتبر 1 / 103.

للتفصيل المذكور ؛ لوضوح عدم الفرق في ذلك بين الصورتين فكما يصحّح الاستناد إليه في الصورة الأولى ينبغي أن يقول به في الثانية أيضا ؛ إذ مجرّد احتمال كون أحد المعنيين هو ما علم نجاسته لا يوجب ارتفاع حكم اليقين بالطهارة الثانية له قبل ذلك على نحو ما يقال به في الصورة الأخرى.

وقد يقال أوّلا : إنّ العلم بخصوص النجس في الصورة الأولى يقتضي عدم صحة الاستناد إلى الاستصحاب بالنسبة إليه لحصول اليقين بنجاسته بالخصوص الذي هو الغاية في الحكم بالطهارة فيه بخلاف الثانية لعدم حصول العلم بنجاسة شي ء منهما بالخصوص فيصحّ الاستناد إلى الاستصحاب بالنسبة إلى كلّ منهما فكلّ من الماءين هنا يندرج في موضوع الاستصحاب.

وأمّا في الصورة فقد خرج أحدهما عن الموضوع قطعا ، والشكّ الطاري لا يوجب الاندراج تحت قاعدة الاستصحاب وإن كان أحد الماءين بالخصوص خارجا ؛ إذ كلّ منهما حينئذ من مصاديق الموضوع المقرّر للاستصحاب.

والحاصل أنّ العلم الإجمالي بأحد الإناءين حاصل في الصورتين ، فإن جعل ذلك مانعا عن البناء من الأصل المذكور جرى فيهما ، وإلّا فلا يمنع من البناء عليه فيهما أيضا.

ومجرّد تعيين النجس إناء ما لا يقضي بالفرق إلّا أن يقال : إنّ ما يقتضيه ظاهر أخبار الاستصحاب هو البناء على الطهارة مع الشك في عروض النجاسة لا مع اليقين به والشكّ في اليقين كما أشرنا إليه ، أمكن الفرق لكنه بيّن الفساد حسب ما مرّ الكلام فيه.

لا (1) يذهب عليك أنّ ما ذكره المحقق المذكور من الإيراد لو تمّ فإنّما يتمّ معه عدم العلم أولا بنجاسة الماءين ؛ إذ لو علم بها أوّلا ثم علم بطهر أحدهما من دون تعيين كان مقتضى الأصل على دعواه هو الحكم بالنجاسة ، والتفصيل المذكور في الإيراد الأخير فاسد أيضا لاقتضاء الأصل حينئذ ، ومع الاشتباه الأصل : الحكم بالنجاسة ، وفي الطارئ يجي ء المنع من جهة

ص: 346


1- في ( د ) زيادة : « ثم ».

الشبهة حسبما ذكره. والبناء على التفصيل بين هذه الصورة والصورة المتقدمة بعيد جدا. فتأمّل.

إذا تقرّر ذلك تبيّن أنّه لا وجه للاكتفاء في الطهارة أو الإزالة باستعمال أحد الماءين كما زعمه الجماعة لما عرفت من انتفاء الحكم بالطهارة فيه في ظاهر الشريعة وإن لم يحكم بنجاسته أيضا أو مجرّد الجهل بالطهارة في الظاهر ولو من جهة الأصل والعمومات كاف في عدم الحكم بالصحّة ؛ نظرا إلى أنّ الأصل عدم ارتفاع الخبث أو الحدث الحاصلين ؛ لاشتراط الطهارة في المزيل والشك في الشرط قاض بالشك في المشروط فتستصحب تلك الحالة السابقة من الحدث أو الخبث المتحقّقين ، ولا باستعمالهما معا على سبيل التعاقب وإن قطع معه باستعمال الطاهر.

أمّا بالنسبة إلى الرّفع فلأنّ (1) استعمال الأوّل غير كاف في الحكم بالرفع كما عرفت ، واستعمال الثاني بعده قاض بنجاسة المحلّ في حكم الشرع ، فلا يصحّ الطهارة معه لاشتراطهما بطهارة العضو في حكم الشرع المرتفع قطعا بتعاقبهما على المحلّ.

وأمّا في الإزالة فلأنّه وإن حكم معه بزوال الخبث الحاصل إلّا أنّه يقطع أيضا بتنجّس المحلّ من دون قطع بزوالها فتستصحب ولا يترتب فائدة يعتدّ بها على العلم بزوال النجاسة المتقدمة.

نعم ، لو كانت إزالة النجاسة الحاصلة في المحلّ متوقفة على غسلتين بخلاف الحاصلة في الماء اكتفى حينئذ في إزالتها بغسلة واحدة سواء غسل لكلّ منهما مرّة أو مرّتين.

فإن قلت : إن الأظهر كما يأتي (2) عدم تنجّس المحلّ باستعمال أحد الماءين ، وحينئذ فإذا طهر أعضاء الطهارة بالماء الثاني بعد الفراغ من الطهارة بالأوّل ثمّ استعمله في الطهارة الثانية حصل اليقين بصحة إحدى الطهارتين وارتفاع الحدث الحاصل ؛ إذ لو كان الطاهر هو الأوّل فقد ارتفع به الحدث ، وإن كان الثاني فقد أزيل به النجاسة الحاصلة في المحلّ ، وصحّت الطهارة

ص: 347


1- في ( ألف ) : « ولأن ».
2- في ( ألف ) هنا زيادة لفظة : « في ».

الواقعة به.

ومن الواضح عدم خلوّ الواقع عن إحدى الصورتين ، فيحصل اليقين بارتفاع الحدث. وحيث صارت ملاقاته للأوّل كالعدم بعد غسله للأخير ، فلا ينجس به المحل بعد ملاقاته للأخير ؛ إذ ليست إصابته له حينئذ إلّا كإصابته لأحدهما.

وحينئذ (1) لا تقضي بتنجس المحل كما عرفت ، فلا مانع من جهة نجاسة الماء للعلم بطهارة أحدهما ، ولا من جهة تنجّس المحلّ فيصحّ أحد الاستعمالين قطعا.

ومنه يظهر الوجه في ارتفاع الخبث بتعاقبهما والحكم بطهارة المحلّ بعد استعمالهما ؛ لما عرفت من ارتفاع حكم الأوّل بورود الثاني.

قلت : قضية الأصل في المقام هو الحكم بتنجس المحلّ بعد إصابة الماءين ؛ للقطع بطروّ النجاسة عليه مع عدم العلم بزوالها ، فيستصحب ما علم ثبوته حتى يعلم زواله. ولا علم به في المقام ؛ لتوقفه على العلم بطهارة الأخير ، والمفروض عدم العلم بما (2) يحكم شرعا بنجاسته ما تواردا عليه إلى أن يعلم زوالها ، ومعه لا يمكن الإتيان بالطهارة الثانية لاشتراطها بطهارة المحلّ ، والمفروض أنّه معلوم النجاسة في حكم الشرع.

وفيه نظر.

وتحقيق القول فيه أن يقال : إنّه لا وجه لاستصحاب النجاسة في المقام ؛ إذ هو من قبيل استصحاب أحد الحالين مع العلم بحصول كلّ منهما كاستصحاب بقاء الحدث والطهارة مع العلم بحدوث طهارة وحدث عنه (3) ، فكما أنّه لا يمكن استصحاب الحدث أو الطهارة في ذلك المقام فكذا هاهنا ؛ للعلم بطهارة المحل في إحدى الحالين ونجاسته في الأخرى.

وكما علم اتّصافه بالنجاسة في حال كذا يعلم اتّصافه بالطهارة أيضا كما لا يمكن الحكم باستصحاب الطهارة كذا لا يمكن استصحاب النجاسة أيضا. والتفصيل بين الحالين بإجراء

ص: 348


1- في ( د ) : « هي » ، بدل : « حينئذ ».
2- في ( د ) : « بها فيحكم » ، بدل : « بما يحكم ».
3- في ( د ) : « منه ».

الاستصحاب في إحداهما دون الأخرى غير مقبول ، فغاية الأمر أن يكون مجهول الحال ، وحينئذ فلا يمكن الحكم بشي ء منهما.

وقد يقال : إنّ قضية القاعدة حينئذ هو الحكم بالطهارة ؛ إذ بعد تكافؤ الاستصحابين يرجع إلى أصالة الطهارة.

وأنت خبير بأنّ الأصل المذكور ممّا لا دليل عليه بحيث يشمل المقام ؛ إذ لا مصرّح فيه للعقل ولا شاهد عليه من النقل ، غاية ما في الباب الرجوع إلى ما دلّ على أصالة الطهارة في الماء أو سائر الأشياء حتّى يعلم القذارة ، وقد عرفت عدم صحة الاستناد إليه في المقام.

كيف والمفروض العلم بالقذارة في المقام ولا دلالة فيها على عدم الالتفات إلى العلم المفروض ، والحكم بطهارة الجميع بل قضية إطلاقها هو الحكم بالنجاسة على نحو ما تعلّق العلم بها ، ومع الحكم بها كذلك لا يمكن الحكم بطهارة كلّ منهما حسب ما مرّ الكلام فيه.

ونظير المقام ما لو كان عنده ماءان أحدهما معلوم الطهارة بعينه والآخر معلوم القذارة ، فغسل ثوبه بكل من ذينك الماءين وشكّ في تاريخ الاستعمال ، فإنّه مع الجهل بتقديم الطاهر أو النجس لا مجال لاستصحاب الطهارة ولا النجاسة ولا إجراء (1) القاعدة المذكورة.

نعم ، قد يقال فيه بالأخذ بضدّ الحالة السابقة على نحو ما قيل في صورة العلم بحدوث الحدث والطهارة مع جهالة التاريخ لاستصحاب بقاء الحالة السابقة في الآنات اللاحقة إلى أن يعلم ارتفاعها ، وقضيّة ذلك الحكم بتقدّم ما لا تقضي (2) برفع الحالة السابقة (3) وتأخر ما يقضي بارتفاعه فيحكم بطهارته مع نجاسته أوّلا وبنجاسته مع طهارته.

مضافا إلى أن تقدّم ما يخالف الحالة الموجودة يقضي بارتفاع تلك الحالة لحدوث ضدّها ، ثمّ ارتفاع ذلك الضدّ بطروّ الآخر ، بخلاف الوجه الآخر ؛ إذ ليس هناك من الحوادث إلا

ص: 349


1- في ( د ) : « لإجراء ».
2- في ( د ) : « يقضي ».
3- في ( د ) : « الثابتة ».

ارتفاع (1) الحالة الموجودة فيه ، فيزيد الآخر عليه بوجود حادثين والأصل عدمهما.

ويجري ذلك بعينه فيما نحن فيه إلّا أنّك خبير بأنّ الاستناد إلى الأصول المذكورة أخذ بالأصول المثبتة (2) ، وهي لا تنهض حجّة إذ لا يمكن إثبات ملاقاة الطاهر له في الأول والنجس في الثاني بمجرّد الأصل المذكور ؛ إذ غاية الأمر حجيّة الأصل المذكور في محلّه ، ولذا يحكم ببقاء نجاسته بعد استعمال الأوّل ، وأمّا في إثباته حكما عاديا آخر فلا وجه له أصلا كما قرّر في محلّه.

إذا عرفت ذلك فنقول : بعد الجهالة بالطهارة والنجاسة وانتفاء طريق في الظاهر إلى الحكم بكلّ منهما لا يمكن الحكم بصحّة الأمر المتوقّف على الطهارة ؛ لعدم قيام دليل شرعيّ على حصول الشرط ، وكذا لا يترتّب عليه الحكم المتوقّف على النجاسة.

فلو اعتبرنا في حرمة الأكل والشرب نجاسة المأكول والمشروب قوي الحلّ (3) في المقام لعدم العلم بحصول الحرمة ، فيبنى على انتفاء الحكم.

لا يقال : إنّه يترتّب على نجاسة الماء المنع من استعماله فيما يشترط بالطهارة من الطهارات وإزالة الأخباث ، فيجري فيه ما ذكر من البناء على عدم ثبوت ذلك الحكم حتّى يقوم دليل عليه ، فالمنع من استعماله فيها مدفوع بالأصل ؛ لعدم قيام دليل عليه حسب ما ذكر أو نقول : إنّه لا منع في المقام من استعماله في الأمور المذكورة إلّا من جهة البدعة ، وارتفاعها إنّما يكون بقيام الدليل لا بمجرد الأصل ، وكذا الحال بالنسبة إلى آثار ذلك الاستعمال ؛ إذ قضية الأصل عدم ثبوت شي ء منها من دون قيام دليل عليه ، فلا وجه لإثباتها بمجرد الأصل بل قضية الأصل عدم ثبوتها وعدم تفريغ الذمة عمّا يشترط بحصولها.

فثبت بما ذكرنا عدم جواز الصلاة في الثوب بعد تعاقب الماءين المذكورين عليه ، وكذا الحال بالنسبة إلى البدن ، فلا يحكم في الظاهر بصحة الوضوء من جهة احتمال نجاسة العضو من غير قيام دليل شرعي على طهارته ، ولو من جهة الأصل لا أنّه محكوم بفساده ، فاحتمال نجاسة

ص: 350


1- في ( ألف ) : « الارتفاع » بدل : « إلّا الارتفاع ».
2- في ( ألف ) : « المشتبهة ».
3- في ( ب ) : « الحال ».

العضو نظير احتمال نجاسة الماء في الصورة المفروضة من غير فرق.

فقضية الأصل الحكم بصحة أحد الوضوءين وارتفاع الحدث باستعمالها كذلك.

إلّا أنه يشكل الحال نظرا إلى ارتفاع الحكم بطهارة الأعضاء ، وهو مانع من الحكم بصحة الصلاة من جهة الخبث ، وحينئذ فقضية القاعدة الانتقال إلى التيمّم أيضا ؛ لوجوب تقديم الطهارة الخبثية على الطهارة الاختيارية فينطبق الحكم المذكور حينئذ على القاعدة.

وقد يقال حينئذ بلزوم تكرار الصلاة بأدائها تارة بين الطهارتين وأخرى بعد الطهارة الثانية ليعلم معه بأداء العبادة مستجمعا للطهارة الحدثية والخبيثة ؛ إذ لو كان الطاهر هو الأوّل فقد أدّى العبادة على وجهها ، وكذا لو كان الثاني.

وفيه : أنّه وإن حصل العلم حينئذ بأداء الصلاة مستجمعة للطهارتين بحسب الواقع إلّا أنّه لا يجوز الإتيان بها كذلك على ما تقتضيه القواعد الشرعيّة للحكم شرعا بفساد الصلاة الأولى من جهة الحكم عليه ببقاء الحدث ؛ نظرا إلى الشك في ارتفاعه باستعمال الأوّل ، وعدم جواز استعمال الثاني من جهة ارتفاع الحكم بطهارة البدن معه ، مع اشتراطها في صحّة العبادة وتقدّمها على الطهارة الحدثية الاختيارية ، فتحصيل إحراز (1) الواقع في العبادة مع المخالفة لما تقتضيه القواعد الشرعيّة ليس أخذا بالاحتياط ؛ ليتحقّق رجحان كلّ من (2) الفعلين من تلك الجهة حتى (3) يصحّ التقرّب بكل منهما.

وبما قرّرنا يظهر ضعف ما قد يفصل في المقام بين ما إذا وفي الماء لذلك فيكرّر العبادة على الوجه المذكور ، وما إذا لم يف به فينتقل إلى التيمّم معه.

لكن ما أورد عليه من أنّ هذين الماءين قد حكم بنجاستهما شرعا واستعمال النجس في الطهارة ممّا لا يمكن التقرب به لكونه بدعة فاسد ؛ لوضوح أنّه لم يحكم بنجاسة الماءين المذكورين معا وإنّما حكم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر على الإجمال ، وحصول الطهارة

ص: 351


1- في ( ب ) : « إجراء ».
2- لم ترد في ( ب ) : « من الفعلين ».
3- في ( ب ) : « متى ».

والنجاسة بالنسبة إلى خصوص كلّ منهما غير معلوم واستعمال النجس المجهول من جهة الاحتياط وإحراز استعمال الطاهر لا يكون بدعة كما عرفت.

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما يتمّ مع وجوب الطهارة من الخبث ، فلا يتمّ ذلك إذا كان قبل دخول وقت الصلاة الواجبة ؛ إذ لا يجب عليه إذن مراعاة طهارة البدن ، وكذا إذا كان فاقدا للطهورين سوى الماءين المفروضين لتقدم الطهارة الحدثية على الخبثية قطعا ، ولذا يسقط وجوب الصلاة بانتفاء الأوّل دون الثاني.

وحينئذ فالحكم بإطلاق المنع من استعمالهما والانتقال إلى التيمّم لا ينطبق على القواعد ، والاقتصار على ما تقتضيه القاعدة غير موافق لظاهر كلمات الأصحاب وإطلاق الموثقتين المذكورتين.

فالظاهر عدم صحّة الوضوء بهما في الصورة الأولى ؛ أخذا بظاهر الخبرين المتقدمين المعتضدين بإطباق الأصحاب على أنّه لا يظهر قائل صريح بوجوب التعاقب بين الأصحاب سيّما على التفصيل المذكور (1) ، فانّ من لم يعمل بالحديثين المذكورين من المتأخرين يكتفي باستعمال أحدهما.

وأمّا الصورة الثانية فالظاهر خروجها عن مدلول الخبرين وظاهر كلمات الأصحاب أو الحكم بالانتقال إلى التيمّم شاهد على فرض المسألة في صورة التمكّن من الطهارة الاضطراريّة ، ومع خروجه عن مدلول النصّ والفتوى لا يبعد الرجوع فيه إلى مقتضى الأصل ؛ إذ لا وجه للقول بسقوط الصلاة حينئذ من غير قيام دليل ظاهر عليه إلّا أن يدّعى الإجماع على المنع من استعمالها في الطهارة مطلقا ، وهو محلّ تأمّل ، والأظهر في النظر الرجوع فيه إلى القاعدة المذكورة ، فتأمّل.

هذا ، وقد ظهر ممّا فصّلنا ضعف ما ذهب إليه جماعة من المتأخرين من البناء على جواز استعمال أحد الإناءين إسنادا (2) إلى الأصل والعمومات ، واستضعافا للموثقين المذكورين ،

ص: 352


1- لم ترد في ( ب ) : « المذكور فإنّ .. بالحديثين ».
2- في ( د ) : « استنادا ».

ومنعا لما ادّعي عليه من الإجماع.

وقد ذكروا في المقام شواهد على ما راموه من البناء على الطهارة وجواز الاستعمال : منها نصّ الأصحاب بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المتعلّقة بغير المحصور مع أنّ قضية الأصل فيهما على نهج سواء.

وكذا ما ذكر من توقّف ترك الحرام على المجموع.

وفيه : أنّ الفارق بين الأمرين خروج غير المحصور بالإجماع والسيرة المقطوعة ، وما يستفاد من الاخبار و (1) لزوم العسر والحرج الظاهرين بخلاف غير المحصور ؛ لعدم قيام شي ء من هذه الأدلّة عليه.

مضافا إلى أن احتمال (2) الماء (3) المذكور في غير المحصور لضعفه لا يعدّ في العرف علما ولا يعتنى به أيضا في الأمور العادية (4) بخلاف الاشتباه في المحصور ، ولذا لم يعد الآتي به متجرّيا على الحرام ، على أنّ العلم الحاصل في غير المحصور يتساوى غالبا بالنسبة إليه الحكم بحرمة الفرد المخصوص وعدمه.

ألا ترى أنّا إذا علمنا وجود ماء نجس في العالم لم يكن حكمنا بنجاسة الماء المخصوص حكما بطهارة غيره من المياه بل العلم بوجود النجس إجمالا حاصل .. (5).

ص: 353


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- في ( ب ) : « الاحتمال » ، بدل : « احتمال الماء ».
3- لم ترد في ( د ) : « الماء ».
4- في ( ب ) : « العارية ».
5- هنا بياض في نسخة ( ألف ) بمقدار سطر واحد بل أقل.

الفصل الثاني: في الوضوء

اشارة

الفصل (1) الثاني

في الوضوء

وهو غسلات ومسحات معروفة مشترطة بنية القربة.

والكلام في أسبابه وغاياته وكيفيته ولواحقه :

القول في الأسباب

والمراد بها الأمور القاضية بإيجاب الوضوء لغاية واجبة وندبه للمندوبة.

والأولى تتميمه لما تقتضي ندبه لغاية واجبة أو مندوبة كالمذي ، ولا فرق بين ما يكون اقتضاؤه فعليّا أو شأنيا كالحدث المبتدأ الواقع عقيب آخر ، والواقع من المكلّف أو غيره ؛ ولا بين ما يكون مقتضيا له بالنسبة إلى الغاية الواقعة عقيبه أو لأخرى كالبول الخارج من المسلوس عقيب الطهارة أو في أثنائها.

ويطلق عليها الموجبات والنواقض والأحداث أيضا إلا أنّ الموجبات أخصّ منها مطلقا إن اعتبر فيها الإيجاب فعلا ، وإلّا فهما متساويان.

والنواقض أعمّ منها من وجه كالأحداث سواء اعتبر النقض فعلا أو لا بناء على التعميم في الأسباب ، وإلّا فالنواقض أعمّ مطلقا على الأخير.

ص: 354


1- في ( د ) : « المقصد ».

تبصرة: [ في خروج البول أو الغائط والريح ]

من أسباب الوضوء خروج البول أو الغائط والريح من الموضع المعتاد بالإجماع والروايات المستفيضة المتكثرة منها الصحيح : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين والنوم » (1).

وصحيحة أخرى : « لا يوجب الوضوء إلّا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (2).

وفي أخرى : ما ينقض الوضوء؟ فقال : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر غائط أو بول أو مني أو ريح » (3) ، الخبر.

ولا فرق بين حصول الاعتياد وعدمه في الخروج عن الموضع المعتاد (4) المعروف كما إذا اعتاد الخروج من غيره ، فاتفق الخروج منه بلا خلاف فيه يعرف ؛ للإطلاقات.

وفي حكمه (5) الموضع المعتاد ما لو وقع الموضع الخلقي في غير المعتاد في ظاهر كلام الأصحاب. وفي (6) المنتهى (7) والسرائر (8) حكاية الإجماع عليه.

ص: 355


1- الإستبصار 1 / 86 ، باب الضحك والقهقهة ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 1 / 346 ، باب الاحداث الموجبة للطهارة ح 8.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 61 ، باب ما ينقض الوضوء ، ح 1.
4- لم ترد في ( د ) : « المعتاد ».
5- في ( ألف ) : « حكم ».
6- زيادة في ( د ) : « ظاهر ».
7- منتهى المطلب 1 / 31.
8- السرائر 1 / 106 ، وفي ( د ) : « التحرير ».

وفي الحدائق (1) : إنّ ظاهرهم فيه عدم اعتبار الاعتياد ، واستشكل فيه حتّى مع الاعتياد.

وهو غريب.

ولو تعدّد المخرج الخلقي كما في الخنثى المشكل أو غيره فإن اعتيد المخرجان فلا تأمّل في النقض ، وإلّا نقض الخارج عن الواقع في المحلّ المعتاد ، ولو مع (2) عدم الاعتياد ، وفي غيره مع عدم اعتياده وجهان.

ولو انفتح مخرج سوى الطبيعي ، فإن كان مع انسداده فعن المنتهى حكاية الإجماع على أنّه كالطبيعي إذن ، فظاهره عدم اعتبار الاعتياد فيه أيضا.

وفي الحدائق : إن ظاهرهم عدم اعتبار الاعتياد.

وبه قال (3) في السرائر والمنتهى والتحرير والروض والمسالك وغيرها.

وظاهر إطلاق الشرائع والمدارك عدم النقض مع عدم الاعتياد. ولو كان مع عدم انسداد الطبيعي ففي النقض الخارج منه أقوال :

النقض مطلقا ، وإليه ذهب في السرائر والتذكرة.

وعدمه كذلك ، واختاره غير واحد من المتأخرين وتردّد فيه في الذخيرة واستشكله في الحدائق فيرجع إلى القول بعدم النقض. وقد نصّ عليه في الأخير.

وهو غريب مع مبالغة في عدم حجية الاستصحاب في صورة الشك في قدح العارض كما في المقام ، والتفصيل بين حصول الاعتياد وعدمه.

وفي الحدائق (4) وغيره : إنّه المشهور والتفصيل بين الخروج عما دون المعتاد وما فوقها ، وعزي إلى الشيخ في المبسوط والخلاف.

ص: 356


1- الحدائق الناضرة 2 / 86.
2- زيادة : « مع » من ( د ).
3- لم ترد في ( ب ) : « وبه قال .. عدم الاعتياد ».
4- الحدائق الناضرة 2 / 86.

والوجه في الأقوال المذكورة إطلاق ما دلّ على نقض البول والغائط ، فإن (1) الإطلاقات إنما تنصرف إلى الأفراد الشائعة (2) ، وهو الخارج من الموضع المعتاد ، وفيها ما يدل على حصر النواقض أيضا ، وأنه مع الاعتياد يكون مشمولا للإطلاقات ؛ لانصرافها إلى المعتاد بخلاف ما إذا لم يحصل الاعتياد وأنّ الخارج عما دون المعدة مشمول للغاية ، فيتناول (3) الاسم بخلاف الخارج عمّا فوقها.

وقد يقال : إن الإطلاقات إنّما تنصرف إلى المعتاد الشائع لا معتاد الشخص على سبيل الندرة ، فلا فائدة في اعتبار الاعتياد بالنسبة إليه إلّا أن يقال : إن المنساق من العبارة هو خصوص الخارج من الموضع المعدّ لخروجه خلقة أو المعتاد المعدّ له عارضا وإن ندر (4) حصول الثاني فإنّ ندرة حصوله لا يقتضي خروجه عن الإطلاق مع ظهور شموله له بعد حصوله على ما هو الأظهر من انصراف الإطلاقات إلى الأفراد النادرة إذا شملها المعنى المنساق من اللفظ ، بخلاف ما إذا كان شك في الشمول أو ظهور في خلافه.

فظهر بذلك الفرق بين ندرة حصول الاعتياد في الخروج من غير الموضع المعتاد وندرة الخروج عن غير المعتاد.

ويتبيّن منه قوة التفصيل المشهور إلّا أن يكون الخروج عن حوالي الموضع المعروف ، فيحتمل فيه إطلاق البناء على النقض كما إذا خرج البول في المرأة من مخرج الحيض إذا أفضى ، وكذا إذا حصل ثقب في الآلة فخرج منه البول أو قطع الذكر. وينبغي القطع فيه بحصول النقض بأوّل مرة.

ثمّ إن المرجع في صدق الاعتياد إلى العرف ، فلا عبرة بتكرره مرّتين كما اعتبر في عادة الحيض. واكتفى به هنا في الروض والمسالك أو ثلاثا كما حكي عن بعض الأفاضل. وقيّده

ص: 357


1- في ( د ) : « وإنّ ».
2- في ( ب ) : « السابقة ».
3- في ( د ) : « فيتناوله ».
4- في ( ألف ) : « قدر ».

بعضهم بعدم تطاول الزمان.

هذا كلّه في البول أو الغائط.

ويحتمل إجراء الجميع في الريح إلّا أنّه نصّ في المهذب والسرائر (1) والمنتهى (2) والبيان والمشارق (3) وكشف اللثام على عدم نقض الريح الخارج عن القبل الشامل للذكر والفرج ، وظاهر ذلك عدم الفرق بين حصول الاعتياد وعدمه ، فقضيته حينئذ عدم الاعتبار بالريح الخارج من الدبر أو المخرج المعدّة للغائط.

وفي بعض الصحاح تخصيص النقض بالضرطة (4) والفسوة ، وصدقهما مع الخروج عن معد آخر غير ظاهر ، فالأظهر عدم إلحاق الريح بهما فيما ذكرنا للشك في الشمول وقضاء الأصل والنصوص بعدم انتقاض الطهارة بالشّك.

وهل يعتبر كون الخروج من (5) النحو المعتاد أو يكفي مسماه كيفما كان؟ وجهان ، فلو خرجت المقعدة متلطخا بالعذرة فعادت لم ينقض على الأوّل بخلاف الثاني.

واستقرب في كشف اللثام عدم النقض فيه ، وحكاه عن الذكرى ، واحتمله في المدارك إلّا أنّه مال إلى النقض.

وكأنّه الأظهر لصدق الخروج معه لغة وعرفا. وانصراف الإطلاقات عما ليس معتادا مطلقا ممنوع.

وينبه عليه أنّه لو انفصل ثمة شي ء بعد الخروج معها نقض قطعا فكذا مع عدمه (6) لو خرج من الأغلف بول فصار في غلفته ، ففي انتقاض طهارته وجهان مبنيّان على أنّ ما تحت الغلفة من الظواهر أو البواطن ، وقد ذكر في وجوب غسل ما تحت الغلفة في الاستنجاء وجهان

ص: 358


1- السرائر 1 / 107.
2- منتهى المطلب 1 / 188.
3- مشارق الشموس 1 / 57.
4- في ( ألف ) : « بالضرط ».
5- في ( د ) : « على ».
6- زيادة في ( د ) : « و ».

بل حكي فيه قولان ، وكأن الأقوى صدق (1) الخروج معه إلّا أن يكون (2) ..

ولو قطع بعض الذكر وأبقى منه الجلدة فجرى البول إليها ففيه قولان.

وكأن الأقوى هنا عدم الانتقاض مع عدم الخروج إلى الظاهر.

ثمّ إنّه مناط (3) الحكم بالنقض على تسمية الخارج باسم البول أو الغائط في العرف ، فلو لم يسمّ باسميهما (4) لم يثبت فيه الحكم.

ولو خرج عن التسمية لأجل الامتزاج بالغير كالبول الممتزج بالدم ففيه وجهان ؛ أقواهما الانتقاض.

ولو استهلك فيه لصدق خروج البول وإن لم يكن متميزا في الحسّ ولو لم يتميز البول من الدم في المثانة كما قد يتفق في بعض أمراضها ، احتمل عدم الانتقاض ؛ لعدم صدق اسمه قبل الامتياز.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من اعتبار الاعتياد وعدمه إنما هو في نقض الخارج.

وأمّا في نجاسته فلا شكّ فيها مع صدق الاسم لتبعيّة الحكم. والفارق إناطة الحكم هنا بالخروج وهناك بالتسمية.

والظاهر أن ذلك ممّا لا خلاف فيه كما يستفاد من إطلاقاتهم. وربّما يستفاد من بعض الأفاضل تأمّل فيه ، وليس في محلّه.

ثمّ اعلم أنّه قد وقع في المعتبرة المستفيضة تقييد الريح الناقض بكونه ذا صوت أو رائحة ، وقضيّة ذلك عدم نقض الخالي عنهما ولو مع اليقين بالخروج.

وقضية حمل المطلق على المقيد تقييد المطلقات بها لكن لم نر أحدا من الأصحاب عمل على ظاهرها.

ص: 359


1- لم ترد في ( ب ) : « صدق الخروج .. وكان الأقوى ».
2- العبارة هكذا ، وفيها نقص بيّن.
3- في ( د ) : « يناط ».
4- في ( ألف ) : « باسميها ».

ويمكن أن يحمل ذلك على إرادة عدم انتقاض الطهارة بمجرّد الشك أو الظنّ ، وقد يومي إليه غير واحد من تلك الأخبار.

ولمّا كان كلّ من الوصفين من أوضح الأدلّة على اعتبار خصوصهما في تلك الروايات ، وقد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (1) : رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرجت ، فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها؟ قال : « يعيد الوضوء والصلاة » (2).

وربّما يخيّل (3) تخصيص الريح الناقض بالمعدي فلو اجتمعت الرياح في أطراف المقعدة لم ينقض ، فجعل الإمام عليه السلام أحد الوصفين كاشفا عن الناقض وعدمه عن عدمه إلّا أن يعلم بالحال في بعض الأخبار (4) مع الخلو عن الوصفين أيضا فيحكم أيضا بالنقض قطعا.

وعليه يحمل الرواية الأخيرة.

فهناك صور ثلاثة يتبين الحكم فيها من الجمع من أخبار الباب.

وفيه : أنّه جمع لا شاهد عليه ، بل ظاهر إطلاقات الأصحاب خلافه ، وكذا ظواهر الأخبار ، فتأمّل.

ص: 360


1- زيادة في ( د ) : « في ».
2- وسائل الشيعة 1 / 248 ، باب أنه لا ينقض الوضوء الا اليقين بحصول الحدث ، ح 9.
3- في ( د ) : « يتخيّل ».
4- في ( د ) : « أحيان ».

تبصرة: [ في النوم الغالب ]

من أسباب الوضوء النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر ، وهو الذي يسمّى نوما في العرف ، إذ ما دونه يسمّى نعاسا ونحوه.

ولذا أطلق تارة في الصحاح (1) الحكم بنقضه من غير تقييد ، وقيّد اخرى بغلبته على العقل والسمع ، أو على الأخير وعلى البصر ، أو عليهما وعلى القلب. والمقصود من الجميع واحد.

ونقضه الوضوء مطلقا هو المعروف من المذهب. والظاهر انعقاد الإجماع عليه. والخلاف فيه إن ثبت منقوض (2) والأصل فيه بعد الإجماع - محصّلا أو منقولا في لسان جماعة من الأجلّة كما في الانتصار والناصريات والتهذيب والخلاف وغيرها - النصوص المستفيضة المتكثّرة المشتملة على الصحاح وغيرها.

وفي آية الوضوء دلالة ظاهرة عليه بمعونة تفسيرها في الموثق بالقيام من النوم. وفيه : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا كان يغلب على السمع » (3).

وفي مرسلة بكير أيضا تفسيرها بذلك ، بل حكى الشيخ والعلّامة إجماع المفسرين عليه.

وفي الصحيح : « من وجد طعم النوم فإنّما وجب عليه الوضوء » (4).

ص: 361


1- الصحاح 5 / 2047 ( نوم ) ، وانظر : لسان العرب 12 / 598 ( نوم ).
2- في ( ألف ) : « منقرض ».
3- الإستبصار 1 / 80 ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح 9.
4- الإستبصار 1 / 81 ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح 10 وفيه : فإنما أوجب عليه.

وفي أخرى : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء » (1).

وما يعارضها ممّا دلّ على « عدم نقض النوم جالسا مع عدم تعمّده » كما في رواية عمير بن حمران أو النوم جالسا مجتمعا » كما في رواية أبي بكر الحضرمي أو (2) « عدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج » (3) كما في مرسلة الفقيه أو « أنّ الخفقة في الصلاة قائما أو راكعا » (4) لا ينقضه كما في موثقة سماعة لا يقاوم ما ذكر من الأدلّة مع كثرتها ، ووضوح إسنادها ، وصراحة دلالتها ، وبعدها عن مذهب العامة ، وموافقتها للكتاب ، واعتضادها بعمل الأصحاب.

ويمكن حملها على التقيّة على أنّها ضعيفة الإسناد سوى الموثقة ، وهي غير ظاهرة الدلالة ، أو على ما إذا لم يغلب على الحاسّتين جمعا بين الأخبار.

وعن (5) الصدوق في المقنع ووالده : أنّها لم يذكر [ ا ] النوم في النواقض مع حصرهما للنواقض في غيره.

وروى في الفقيه موثقة سماعة ، والمرسلة المذكورة تنسب إليه جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والعلامة القول بعدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج بناء على ما ذكره في أوّل كتابه من ذكره الروايات التي يفتى بمضمونها.

وأنت خبير بأنّه لا يثبت بمجرد ذلك الخلاف في المسألة ؛ إذ عدم الذكر أعمّ منه ، ومجرّد ذكر الحصر مع وروده في الخبر وما علم من طريقتهم من الاقتصار على ذكر متون الأخبار ليس واضح الدلالة عليه مع ما استفيض في الأخبار من الحكم بنقضه ، وما هو معلوم من مذهبهم في الاعتماد على الأخبار.

ومجرد رواية الحديث في الفقيه لا يدلّ على حمله على إطلاقه ؛ لاحتمال البناء مع تقييدها

ص: 362


1- الإستبصار 1 / 79 ، ابواب ما ينقص الوضوء ، باب النوم ، ح 5.
2- في ( د ) : « إذ ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 38.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 63 نقلا بالمعنى.
5- في ( ألف ) : « من ».

بما إذا لم يغلب على العقل كما هو الوجه في حمله.

وقد ذكر في (1) صحيحة زرارة الدالّة على نقضه إذا ذهب العقل ، والتعارض بينهما من العموم من وجه ، فكيف يستفاد بناؤه على ذلك الإطلاق.

هذا ، ثمّ إنّ الظاهر من أخبار الباب كون النوم بنفسه من الأحداث ، وقد صرّح به في بعضها كالصحيح : « لا ينقض الوضوء الّا حدث والنوم حدث » (2).

وهو ظاهر الأصحاب ، ويعزى إلى بعضهم البناء على ناقضيّته من جهة احتمال طروّ الحدث. وقد يحمل عليه ترك الصدوقين بعدها في الأحداث.

ويستدل عليه بالقوي في بيان العلّة لنقضه أنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح عليه كل شي ء واسترخى ، فكان أغلب الاشياء ممّا يخرج منه الريح موجب عليه الوضوء لهذه العلّة.

وروايتي (3) الكناني في الخفقة في الصلاة أنّه « إن لم يحفظ حدثا فعليه الوضوء (4) وإن استيقن عدمه فلا وضوء عليه ».

وفيه : أنّ الرواية الأولى إنّما اشتملت على بيان الحكمة في ذلك وليس بيانا للعلّة المطردة كما يظهر من ملاحظة باقى العلل المذكورة فيها ، والأخيرة ضعيفة متروكة بين الأصحاب.

ويمكن حملها على الاستحباب بعد حمل الخفقة على غير النوم الغالب كما يشعر به الرواية.

وبالجملة ، لا يقاوم ظاهر هذين الخبرين ما مرّ من الأخبار الظاهرة فيما ذكرناه مع تأيّدها بظاهر المذهب.

ص: 363


1- في ( د ) : « فيه ».
2- الإستبصار 1 / 79 ، باب النوم ، ح 4.
3- في ( د ) : « رواية ».
4- الإستبصار 1 / 80 ، باب النوم ، ح 8.

تبصرة: [ في إلحاق ما يزيل العقل بالنوم ]

المعروف من المذهب إلحاق الإغماء والسكر والجنون وغيرها ممّا يزيل العقل بالنوم مع إبطاله الإحساس كما في الأوّل أو عدمه كما في الأخيرين.

وفي المنتهى (1) : لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم.

وفي المدارك (2) : أنّه مجمع عليه بين الأصحاب.

واستدلّ عليه في المشارق بالإجماع.

وفي البحار (3) : أنّ اكثر الأصحاب نقلوا الإجماع على كون الإغماء وما في حكمه ناقضا.

وحكى الشيخ في التهذيب (4) إجماع المسلمين على نقض المرض المانع من الذكر.

والظاهر أنّه أراد به الإغماء ونحوه الحاصل بسبب المرض.

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماعات المنقولة ما رواه في الدعائم مرسلا عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام « أنّ المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه » (5).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب لكن لا يثبت بها سوى حكم الإغماء الذي هو أخو النوم في إبطال الإحساس.

ص: 364


1- منتهى المطلب 1 / 31.
2- مدارك الأحكام 1 / 149.
3- بحار الأنوار 77 / 215.
4- تهذيب الأحكام 1 / 5.
5- دعائم الإسلام 1 / 101.

وربّما يفهم حكمه من أخبار النوم أيضا ؛ إذ هو بحكمه.

وفي القيود المذكورة فيه من الغلبة على العقل أو السمع أو البصر إشارة إليه.

وقد يستدل عليه بصحيحة معمر بن خلاد الوارد (1) (2) في العليل الذي « لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشدّ (3) عليه فربّما اعتفى (4) وهو قاعد أنّه إذا أخفى عليه (5) الصوت فقد وجب عليه الوضوء » (6) بحمل الاعتفاء (7) على الاغماء.

وقد وجّه ذلك بعض الأفاضل بوجوه ضعيفة لا يمرّ بنا في (8) صرف اللفظ إليه ، فهي كما ترى صريحة في إرادة النوم.

نعم ، يمكن أن يستدل بتعليق الحكم فيه على خفاء الصوت دوران الحكم معه لإشعاره بالعلّية ، فيجرى إذن في الإغماء ونحوه.

ويستفاد ذلك أيضا من التعليل المذكور في نقض النوم في القوي المتقدم ، فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا تأمل في حكم الإغماء وما في حكمه ممّا يبطل به الشعور بالمرة.

وأمّا السكر والجنون ونحوهما ممّا يخفى معه الشعور فلا مستند له من الأخبار ، والدليل عليه منحصر في الإجماع المنقول والمحصّل إن ثبت.

وقد يظهر من المقنعة والتهذيب وغيرهما اختصاص الحكم بما يزيل الشعور.

وما ادّعاه من الإجماع في التهذيب مخصوص به ، ولذا تأمّل فيه بعض المتأخرين.

ص: 365


1- كذا ، والأظهر : « الواردة ».
2- في ( د ) : « الواردة ».
3- في ( د ) : « يشتدّ ».
4- في ( د ) : « أغفى ».
5- في ( د ) : « خفى عنه » بدل « أخفى عليه ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 9 ، باب الاحداث الموجبة للطهارة ، ح 14 ، نقلا بالمعنى.
7- في ( د ) : « الإغفاء ».
8- في ( د ) : « ينافي » ، بدل « بنافي ».

تبصرة: [ في الاستحاضة القليلة ]

من أسباب الوضوء الاستحاضة (1) القليلة ، وهي التي لا يثقب الكرسف على المشهور من (2) الأصحاب.

وعن الناصريات والخلاف حكاية الإجماع عليه.

وفي التذكرة : ذهب إليه علماؤنا سوى ابن (3) عقيل.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، ذكره في المنتهى والذخيرة والحدائق وغيرها.

وأسنده في كشف اللثام إلى المعظم.

وعن العماني القول بعدم كونه سببا ولا ناقضا.

وعن الإسكافي القول بسببيته للغسل في اليوم والليلة مرّة.

وقضية ذلك نقضه الوضوء في الجملة وعدم سببيّته له مطلقا بناء على مذهبه في الغسل من سقوط الوضوء معه.

لنا (4) بعد الإجماع : الصحاح المستفيضة المؤيّدة بعمل الأصحاب :

منها : « تصلّى كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم » (5).

ص: 366


1- في ( ألف ) : « استحاضة ».
2- في ( د ) : « بين ».
3- زيادة في ( د ) : « أبي ».
4- في ( ألف ) : « لما ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 169 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 55.

ومنها : « إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (1).

وفي رواية عليّ جعفر ، عن أخيه عليه السلام : « فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة » (2).

واحتجّ للعماني في المختلف بصحيحة عبد اللّه بن سنان الحاكمة بوجوب الثلاثة للمستحاضة من دون ذكر للوضوء ، فدلّت على عدم وجوبه.

وهي كما ترى إن دلّت (3) على ذلك ، فإنّما تدلّ على عدم وجوبه مع الأغسال ، وهي مسألة أخرى فلا ربط لها بالمدّعى.

ويمكن أن يستدل له بالأصل والعمومات الحاصرة لأسباب الوضوء في أمور ليست منها ، ورواية اسماعيل الجعفي الواردة في الحائض التي استمر بها الدم بعد أيام الاستظهار أنها : « تغتسل وتحتشي فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل .. » (4) الخبر.

فترك ذكر الوضوء في شأنها في مقام بيان حكمها شاهد على عدم وجوبه عليها.

ويدفعه أنّ الأصل والعمومات لا تعارض ( الأدلّة الخاصّة. والرواية المذكورة إن سلّم ظهورها فيما ادّعي فلا تعارض ) (5) النصوص الدالّة عليه.

وحجة الإسكافي فيما حكي (6) إطلاق موثقة سماعة : « إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة » (7).

ص: 367


1- الكافي 31 / 89 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 / 280 ، باب ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، ح 7.
3- كرّرت لفظة « دلّت » في النسخ.
4- تهذيب الأحكام 1 / 171 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 60 ، مع إختلاف يسير.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- في ( ألف ) و ( د ) : « حكي من ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 170 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 57.

وفيه : أن إطلاقه مقيّد بما مرّ من الصحاح. مضافا إلى اشتماله على وجوب الوضوء معه لكلّ صلاة ، ولا يقول به بل في آخرها ما يدلّ على إرادة المثقبة حيث قال : « هذا إذا كان (1) عبيطا وإن كان صفرة فعليها الوضوء » فالاحتجاج (2) بها على المشهور أولى.

قلت : الأولى أن يحتج له بصحيحة زرارة : « إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد » (3).

وقد يستدل أيضا بصحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « واستدخلت (4) كرسفا فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل » (5).

ورواية إسماعيل الجعفي الماضية.

وفيه : أنّها مقيّدة بما عرفت. على أن ظاهر الخبرين الأخيرين الظهور من الجانب الآخر ، فلا يوافق المدّعى.

ثمّ إنّه يجري حكم القليلة في المتوسطة والكثيرة بالنسبة إلى غير الصلاة الّتي يغتسل لها ، أمّا الأولى فلم نقف على مخالف فيه ، ويدلّ عليه موثقة سماعة الماضية وهي كالصريحة في ذلك.

وأمّا الثانية فكذلك أيضا عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الجمل والحلي والعلّامة والشهيدان وأكثر المتأخرين.

وفي المختلف : أنه المشهور.

وعزاه في المدارك إلى عامة المتأخرين.

وفي التذكرة (6) : لا يجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا.

وعن جماعة من القدماء منهم ابنا بابويه والمفيد والشيخ عدم ثبوت الوضوء كذلك.

ص: 368


1- زيادة في ( د ) : « دما ».
2- في ( ألف ) : « بالاحتجاج ».
3- الكافي 3 / 99 ، باب النفساء ، ح 4.
4- في ( د ) : « ولتستدخل ».
5- تهذيب الأحكام 5 / 400 ، باب من الزيادت في فقه الحج ، ح 36.
6- تذكرة الفقهاء 1 / 285.

وقد بالغ المحقق في المعتبر وتلميذه الآبي في نفي هذا القول حتّى أنّهما ذكرا أنّه لم يذهب إليه أحد من طائفتنا ، واستثنى منه الآبي ظاهر عبارة الجمل.

ويدلّ على الأوّل ما رواه في الدعائم (1) عنهم عليهم السلام من أنّها « تحشّى (2) بخرقة أو قطن ، وتتوضأ لكلّ صلاة ، ويحل لزوجها ، وعليها أن تغتسل لكلّ صلاتين ».

وضعفه منجبر بالشهرة بين المتأخرين مع الاعتضاد بالاحتياط ، وتحصيل اليقين بالفراغ.

وعدم ذكر الوضوء في أكثر أخبار الباب ليس بتلك المكانة من الظهور في عدم الوجوب لينهض حجة في مقابلة ما ذكرناه.

كيف ، وقد ترك فيها ذكر الوضوء من رأس مع أنّه لا ينبغي التأمّل في ثبوت الوضوء مع الغسل كما سيجي ء إن شاء اللّه.

ص: 369


1- دعائم الإسلام 1 / 128 مع اختلاف.
2- في ( د ) : « تحتشى ».

تبصرة: [ في حصر النواقض بما ذكر ]

المعروف بين الأصحاب عدم وجوب الوضوء لشي ء غير المذكورات.

وفي التذكرة والنهاية : أنه مذهب علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه عدّة من الأخبار المصرّحة بحصر النواقض.

وهناك أمور وقع الخلاف فيها سنشير إليها.

ثمّ إنّه لا يحكم ( بنقض شي ء من الأمور المذكورة إلّا مع اليقين بحصوله فلو شك في النوم أو خروجه أحد المذكورات أو ظنّ به لم يحكم ) (1) بالنقض بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدل عليه النصوص المستفيضة.

وفي الموثق التحذير عن إعادة الوضوء مع عدم اليقين بالحدث ، ولو شك في تسمية الخارج بأحد الاسمين لم ينقض ما لم يعلم (2) أنّه بول أو غائط ، ولو خرج المأكول بحاله لم ينقض ما لم يسمّ غائطا أو يستصحب معه.

وكذا لو خرج منه الدود أو الحصاة أو حب القرع أو نحو ذلك. ولو شك في استصحاب الغائط فيها بنى على الأصل.

وعن الإسكافي أنّ الخارج من السبيلين لذلك (3) في خلوّه من النجاسة أوجب الطهارة. وهو ضعيف.

وكأنّه لعموم « إلّا ما خرج من طرفيك ».

ص: 370


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- لم ترد في ( ب ) : « يعلم أنّه .. لم ينقض ما لم ».
3- كذا ، والظاهر : « كذلك ».

ولو تخايل له شي ء ولم يعلم أنّه ينام أو حديث (1) لم يحكم بالنقض. وكذا لو تحقق أنّه رؤيا على الأقوى.

وحكم في التذكرة إذن بالنقض. وكأنّه لدعوى الملازمة بين الرؤيا والنوم الغالب.

وفيه منع ظاهر كما يحكم به الوجدان.

وقد استثني من القاعدة المذكورة البلل المشتبه الخارج من الرجل بعد البول قبل الاستبراء على المعروف من المذهب. ونفى عنه الخلاف في السرائر.

وفي كشف اللثام (2) : أنّه اتفاقي.

وفي الذخيرة (3) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة منطوقا والمستفيضة الأخرى مفهوما منها الصحيح : « إن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء » (4).

ونحوه صحيحة أخرى.

وفي الموثق : « وإن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ » (5).

وفي الصحيح بعد ذكر الاستبراء : « فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (6).

وفي صحيحة أخرى : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (7).

وأمّا ما في الصحيح عن رجل بال ثمّ توضّأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا ، قال : « فلا

ص: 371


1- زيادة في ( د ) : « للنفس ».
2- كشف اللثام 1 / 220.
3- ذخيرة المعاد 1 / 20.
4- الإستبصار 1 / 119 ، باب وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل ، ح (402) 4.
5- تهذيب الأحكام 1 / 144 ، باب حكم الجماعة وصفه الطهارة منها ح 99.
6- تهذيب الأحكام 1 / 28 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارت ، ح 10 ولفظه « الحبائل » من المصدر ، والموجود في النسخ : « التأمل ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 27 ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارت ، ح 9.

يتوضأ إنّما ذلك من الحبائل » (1).

وفي الأخرى : « كلّ شي ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل » (2) فمحمولتان على ما إذا كان بعد الاستبراء ؛ جمعا بين الأخبار المفصّلة كما عرفت. مضافا إلى اعتضاد ذلك بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

وذهب بعض المحقّقين من فضلاء البحرين إلى عدم انتقاض (3) الطهارة به ، وهو ظاهر المشارق.

وفي البحار : (4) : لا يبعد القول بالاستحباب من حيث الجمع بين الأخبار. وأنت خبير بأنّ حمل تلك الأخبار على المذي حمل بلا جامع ، وما ذكرناه هو الأولى من حيث الجمع أيضا.

هذا والحكم بالانتفاض بما ذكر ظاهري من جهة الحكم بكونه بولا ، فليس المشتبه ناقضا مستقلا ليعارضه ما دلّ على حصر النواقض كما ظنّ.

فلو تيقّن عدم كونه بولا بعد سبكه فيه لم يقض بالنقض على ظاهر ما نسب إلى الأصحاب كما ستعرف ، وإن جرى عليه حكم الحدث قبله.

ولا فرق بين الشكّ في كون الخارج بولا أو الظنّ بخلافه ، فما لم يتبيّن عدم كونه بولا لا (5) يحكم بالنقض ، ولا فرق بين (6) ما إذا كان الاشتباه بعد الاستعلام أو قبله مع امتناعه أو امكانه على تأمّل في الأخير. ويحمل القول بوجوبه حينئذ إذا انتقل حكمه إلى التيمّم.

ثمّ إن الأخبار الواردة في نقض الخارج قبل الاستبراء مطلقة تعمّ صورة الاشتباه والعلم بالحال ، وحكي عن الأصحاب تقييده بما إذا لم يعلم عدم بوليّته ، فقد نفى الخلاف عنه إذن في المشارق وحكى الإجماع عليه أيضا.

ص: 372


1- الكافي 3 / 19 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 2.
2- علل الشرائع 1 / 296.
3- في ( ألف ) : « انتقاض ».
4- بحار الأنوار 78 / 70.
5- لم ترد في ( د ) : « لا ».
6- لم ترد في ( ب ) زيادة : « الشكّ في كون ... ولا فرق بين ».

وقد نصّ في المدارك والذخيرة والبحار بالإجماع على عدم وجوب الغسل إذا علم كون الخارج بعده بولا. ومن الظاهر اتحاد المسألتين وورود الأخبار فيهما على نحو سواء.

وكأنّ الوجه فيه ما هو ظاهر من أن الحكم بنقضه إنّما هو من جهة بوليّته أو منويّته ، فلا يتعقل الحكم في صورة العلم بخلافه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار به.

قلت : ويحتمل أن يكون المبنى في إطلاق الأخبار على احتمال ممازجة شي ء منهما للخارج قبل الاستبراء ، وهو ممّا لا يمكن العلم بخلافه في العادات ، فلذا أطلق الحكم بالنقض فيها.

وحينئذ فلا وجه لتقييد الإطلاقات إلّا أن يحمل كلامهم على فرض حصول العلم.

وهو كما ترى فرض محض لا يليق بالذكر ، فالظاهر أنّهم لم يعتنوا بالاحتمال المذكور أو بنوا على عدم ترتّب حكمه عليه من جهة استهلاكه لغيره.

وكلا الوجهين محلّ بحث إلّا أن يقال : إنّ المنساق من البلل في المقام هو المشتبه أو المعلوم مضافا إلى الإجماعات المنقولة الكاشفة عن فهمهم ذلك ، وتقييده بالمشتبه في جملة من العبارات ، فيكون الثابت خروجه من الأصل المذكور ما كان نفس البلل مشتبها لا ما احتمل من وجود جزء مستهلك فيه ، فيكون ذلك مندرجا تحت القاعدة الحاكمة بعدم نقض اليقين بالشك. والمقام لا يخلو من إبهام ، والعمل فيه بالاحتياط أولى وإن كان الحكم بعدم النقض (1) فيه أقوى.

وهل يحكم إذن بنجاسة المشتبه الخارج أو يبنى فيه على اصالة الطهارة وجهان ؛ ظاهرهم البناء على الأوّل.

وفي الحدائق (2) : الظاهر من كلامهم أنّه لا خلاف في وجوب غسله ، وهذا هو الأقوى لموثقة سماعة : « إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ، ولكن يتوضّى ويستنجى » (3).

ص: 373


1- في ( ب ) : « نقض اليقين » ، بدل « النقض ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 62.
3- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ، ح 4.

ومن الغريب ما أورد في الحدائق (1) على ذلك من أن مقتضى ما قرّروه في مسألة الإناءين عدم التنجس هنا أيضا مع اندراج هذا البلل في كلّية « كلّ شي ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » مع عدم المخصّص ، وعدم ملازمة الحكم بالنقض للنجاسة ، فحكمهم بوجوب غسل الملاقى هنا مناف لما ذكروه هناك.

وبنى وجوب الاجتناب هنا على ما قرّره هناك من إعطاء الشارع للمشتبه (2) بالحرام أو النجس مع الانحصار حكمها.

وأنت خبير بما بين المقامين من البون البعيد ، وليس حكمهم بالنجاسة هنا من جهة الاشتباه بل لفهمهم ذلك من الروايات ؛ إذ قد عرفت دلالة النصّ عليه ، فاستناده إلى حكاية الاشتباه المحصور في المقام مع فساده من أصله لا وجه له ؛ لدوران الأمر في المقام بين كون الخارج من فرد النجس أو الطاهر من غير دوران الأمر بين الفردين الخارجين.

وحينئذ فلا خلاف لأحد في البناء على الطهارة لو لا قيام الدليل على خلافها.

ثمّ إنّ الحكم المذكور يختص بالرجال ؛ لاختصاص الأدلّة فيهم ، فالبلل المشتبه الخارج منهنّ لا حكم له ؛ إذ لا دليل على اشتراكهم للرجال في ذلك.

وفي جريان الحكم في الخنثى المشكل أو المحكوم بأنوثيّته خصوصا مع اعتياد خروج البول من ذكره وجهان.

وقضية الأصل البناء على عدم الانتقاض إلّا أنّ الحال في المشكل لا يخلو عن إشكال.

ولو خرج البول من منفذ آخر لم يجر فيه الحكم المذكور قطعا سواء كان مع اعتياده أو لا ، ولو قطع بعض ذكره جرى في الباقي حكم الاستبراء.

ولو قطع من أصله فإن قلنا بالبدء في الاستبراء من المقعدة جرى الحكم المذكور ، وإلّا ففيه وجهان.

ص: 374


1- الحدائق الناضرة 2 / 62.
2- في ( ب ) زيادة : « الخارج ».

تبصرة: [ في النواقض المحتملة ]

قد وقع خلاف من شاذّ من الأصحاب في نقض أمور لا بدّ من التنبيه عليها :

منها : المذي ، وهو ما يخرج من الذكر عند الملاعبة أو التقبيل. كذا حكي عن جماعة من أهل اللغة ، ويساعده العرف أيضا.

وفي رواية أنّه « ما يخرج من ملاعبة المرأة » ، والظاهر أنّ ذكر الملاعبة والتقبيل من قبيل المثال ، والمقصود أنّه الخارج بسبب الشهوة سواء كانت من أحدهما أو من النظر أو التخيّل أو غيرهما.

وفي مرسلة ابن رباط : « أنّه يخرج من الشهوة » (1).

والمعروف من المذهب عدم انتقاض الوضوء بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه سوى ما يعزى إلى الإسكافي من القول بنقضه إذا كان عقيب الشهوة ، فتوضّأ (2) للصحيح : « إن كان من شهوة نقض » (3).

وفي القوي : « ما كانت لشهوة فتوضأ منه ».

وفي الخبر : « أحد لك حدّا فقال : إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء » (4).

ص: 375


1- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 11.
2- لم ترد في ( د ) : « فتوضّأ ».
3- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذى والوذي ، ح 8.
4- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 7.

وربّما يعزى إلى الشيخ في التهذيب القول بنقضه إذا خرج عن الشهوة (1) كان كثيرا خارجا عن المعتاد ، لكن كلامه هناك ليس صريحا في قوله به ، وفيما ذكره احتمالا في الجمع بين الأخبار.

ويدفعه الأخبار الحاصرة للنواقض في غيره ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الصريحة في عدم ثبوت الوضوء في مذي (2) المعتضدة بعمل الأصحاب ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

مضافا إلى مخالفتها للجمهور ؛ لاطباقهم - على ما حكي - على النقض ، فحمل تلك الأخبار كما دلّ على ثبوت الوضوء فيه مطلقا ولو من غير شهوة على التقية أو الاستحباب معيّن (3).

ويدلّ على الأخير صحيحة ابن بزيع : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء ثمّ أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء ، ثمّ (4) أعدته منه .. إلى أن قال : قلت : فإن لم أتوضّأ » ، قال : « لا بأس » (5) لظهوره في إرادة الاستحباب.

والقول بأنّ الأخبار الأوّلة مطلقة وهذه مقيّدة فليحمل عليها كما في كلام بعض الأجلاء ، ولذا جعل المسألة محلّا للتردّد ليس على ما ينبغي ؛ لما عرفت.

وإخراجه تلك الأخبار في الإطلاق مضافا إلى أن الغالب في المذي ما يكون الشهوة بل هو المعين (6) فيه كما عرفت من تحديده ، فكيف حمل (7) الإطلاقات على الفرد النادر إن ثبت التعميم ، مضافا إلى القوي الناصّ على عدم وجوب الوضوء للمذي من الشهوة.

ص: 376


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- كذا ، والظاهر : « المذى ».
3- في ( د ) : « متعيّن ».
4- لم يرد في ( د ) : « ثمّ أعدته ».
5- الإستبصار 1 / 92 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 5.
6- في ( د ) : « المتعيّن ».
7- في ( د ) : « يحمل ».

وفي مرسلة ابن رباط بعد تفسيره بما مرّ أنّه « لا شي ء فيه ».

واستشكل بعض الأفاضل في التفصيل الوارد في تلك الأخبار حيث إنّها صريحة في أنّ المذي نوعان ، مع أنّ الذي يعطيه كلام أهل اللغة وغيرهم وظاهر المرسلة الماضية خلافه.

قلت : الظاهر أن مقصود أهل اللغة أنّ الشهوة هي المحرّكة لخروج المذي سواء كان خروجه عقيبها أو بعد مدة ، فيمكن أن يحمل التفصيل على خروجه عقيب الشهوة بلا فاصلة طويلة أو معها ، ولذا عبّر عنه الإسكافي بالخروج عقيب الشهوة أو أنّ كلامهم مبنيّ على الغالب ، وهذه الروايات مسوقة لبيان حكم الغالب وغيره.

والأوّل أظهر ؛ إذ خروج المذي مع عدم تحريك الشهوة إن كان ففي غاية الندرة ، ويبعد معها ورود حكمه في الأخبار خصوصا مع عدم سبق السؤال عن خصوصه.

ومن الغريب ما أورده في البحار (1) على الإسكافي من أنّ تفصيله لا معنى له ، ولا يطابق كلام اللغويين ولا صريح الخبر ، وكأنّه غفل عن الأخبار المذكورة ، فكلّما يوجّه به تلك الأخبار يتوجّه به في كلامه أيضا.

ومنها : التقبيل عن الشهوة إذا كان محرّما ؛ فعن الإسكافي : من قبّل بشهوة الجماع ولده في المحرّم نقض الطهارة ؛ والاحتياط إذا كان في محلّ إعادة الوضوء لرواية أبي بصير : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو لمس فرجها أعاد الوضوء » (2).

وهي محمولة على الاستحباب والتقيّة للصحاح المستفيضة الدالّة على عدم نقض القبلة.

ومنها : مسّ باطن الفرجين ففي الفقيه : إن مسّ الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء. وقال الإسكافي : في المسّ باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلّل والمحرّم.

وعنه أيضا : من مسّ ما انضمّ عليه الثقبتان نقض وضوءه (3).

ص: 377


1- بحار الأنوار 77 / 218.
2- تهذيب الأحكام 1 / 22 ؛ الإستبصار 1 / 88.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 65.

حجة الصدوق موثقة عمّار : عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : « ينقض وضوءه وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة » (1).

وهي لا تقاوم ما مرّ من الأدلّة ، فلتحمل على التقيّة أو على الاستحباب فيما عدا الفقرة الأخيرة. وحجة الإسكافي إطلاق الرواية (2) المقدمة ، وهي مردودة من وجوه شتّى.

وفي المعتبرة المستفيضة دلالة على بطلان ما ذكراه.

ومنها : مسّ ظهر الفرج من المحرّم إذا كان عن شهوة ؛ فعن الإسكافي أيضا نقض الطهارة (3).

ولم نعرف مستنده سوى إطلاق مسّ الفرج في الرواية السابقة.

ومنها : فتح الإحليل ، فعن الصدوق (4) : إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ؛ لما في آخر الموثقة المذكورة : « إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ».

ومنها : القهقهة في الصلاة متعمّدا ؛ فعن الإسكافي : من قهقه في الصلاة متعمّدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه لتعمد الضحك في الصلاة.

وفي موثقة سماعة : من نواقض الوضوء.

ويدفعه مضافا إلى ما مرّ الصحيح : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (5).

ومنها : الحقنة ؛ وذهب الاسكافي أيضا إلى نقضها ، ولم نعرف مستنده.

وفي الصحيح ، عن الرجل : هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثمّ يصلّي وهو معه ، أينقض الوضوء؟ قال : « لا ينقض الوضوء ولا يصلّي حتّى يطرحه » (6).

ص: 378


1- تهذيب الأحكام 1 / 45 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 66.
2- في نسخة ( ب ) : « الروايات ».
3- زيادة في ( د ) : « به ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 65.
5- الكافي 3 / 364 ، باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث ، ح 6.
6- قرب الإسناد : 189.

تبصرة: [ في الأسباب النادبة للوضوء ]

الأسباب النادبة للوضوء أمور :

منها : المذي لما عرفت.

ولا يبعد القول بالبناء على الاستحباب في جميع الأمور المذكورة خروجا عن الخلاف ، ولورود النصّ في كثير منها.

ومنها : الودي بالمهملة ؛ للصحيح : « والودي فيه الوضوء لأنّه يخرج من بعد البول » (1).

ومنها : القرقرة في البطن إلا شي ء تصبر عليه (2) ؛ لرواية سماعة.

ومنها : الرعاف والقي ء والتخليل يسيل ( به الدم مع حصول الاستكراه فيها ؛

لموثقة الحذّاء : « الرعاف والقي ء والتخليل يسيل ) (3) الدم إن استكرهت شيئا ينقض الوضوء وإن لم تستكرهه لم ينقض » (4).

وفي الحسن : « رأيت أبي صلوات اللّه وسلامه عليه وقد رعف بعد ما توضّأ دما سائلا فتوضّأ (5).

وربّما يحمل على حصول الاستكراه.

ومنها : الظلم والكذب وإكثار الشعر الباطل ؛ لموثقة سماعة ، وقد سأله عن نشيد الشعر

ص: 379


1- الإستبصار 1 / 94 ، باب حكم الوذي والمذي ، ح 12 وفيه : يخرج من دريرة البول.
2- الإستبصار 1 / 83 ، باب القي ء ، ح 4.
3- ما بين الهلالين لم ترد إلا في ( د ).
4- الإستبصار 1 / 83 باب القي ء ح 5.
5- الإستبصار 1 / 85 باب الرعاف ح 5.

الباطل ، هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال : « نعم لا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة أو الأربعة ، فأمّا أن يكثر الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » (1).

ويستفاد من استثناء الصدق من الشعر عدم جريان الحكم في الأشعار المشتملة على التواريخ والحكايات ونحوها إذا لم يكن كذبا. وقد يستفاد من مقابلة الباطل لما يصدق فيه تخصيصه بما فيه الكذب إلّا أنّ الأظهر تعميمه لسائر الأباطيل كهجو المؤمن والتشبيب بالمؤمنة المعروفة ونحوهما.

ومنها : البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء ؛ للمكاتبة : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : « نعم » (2).

ومنها : الغضب ؛ لقول النبي صلى اللّه عليه وآله « إذا غضب أحدكم فليتوضّأ » (3).

وفي تعميم الحكم لما كان منه لله تعالى وجهان.

ومنها : مصافحة المجوسي ؛ للخبر : أيتوضأ إذا صافحه؟ قال : « نعم إن مصافحتهم تنقض الوضوء » (4).

وحمله على إرادة غسل اليد بعيد.

ومنها : نسيان الاستنجاء من البول قبل الوضوء ؛ للمعتبرة المستفيضة. وفي بعضها إعادة الصلاة أيضا.

وقد ورد في المعتبرة المستفيضة أيضا المنع عن إعادة الوضوء حينئذ. فربّما يظهر منها انتفاء الاستحباب أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه ؛ لورودها في مقام توهّم الوجوب فلا يفيد سوى رفعه.

ص: 380


1- الإستبصار 1 / 87 ، باب انشاد الشعر ، ح 2 ، وفيه : « عن نشد الشعر ».
2- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ح 138.
3- الدعوات : 52.
4- تهذيب الأحكام 1 / 347 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 12 ، وفيه : « إذا صافحهم قال ».

وعن الصدوق وجوب الإعادة إذن ، وهو إن حمل على ظاهره ضعيف محجوج بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع.

ومنها : نسيان الاستنجاء من الغائط على ما يستفاد من موثقة سماعة.

ثمّ إنّ قضية إطلاق هذه الموثقة وغير واحد من الأخبار الدالّة على الحكم في نسيان استنجاء البول تعميم الحكم بصورة العمد أيضا ، فلا يبعد القول به.

ومنها : نسيان الاستنجاء بالماء ، وقد استنجى بالاحجار ؛ لموثقة عمّار : في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى إلّا أنّه قد تمسح بثلاثة (1)؟ قال : « إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء ، وإن كان قد خرجت وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة » (2).

وهي كما ترى لا يخلو من إجمال ، وقد تحمل على عدم كون التمسح مزيلا لعين النجاسة ، فيدلّ على الحكم السابق بعد حملها على الندب.

ولو بنى على إطلاقها ، فالبناء على رجحان إعادة الصلاة لا يخلو من إشكال.

ومن ذلك تبيّن الإشكال في ثبوت الحكم المذكور.

ومنها : مسّ الكلب ؛ للموثق : « من مسّ كلبا فليتوضّأ » (3).

وقد يحمل على غسل اليد.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ جملة من الأمور المذكورة مما قال فيها بعض العامّة بالنقض ، فحمل ما ورد على ثبوت الوضوء فيها على التقيّة خصوصا ما دلّ منها على وجوب الوضوء قريب جدا ، فيشكل الحال في إثبات الاستحباب إلّا أن يقال بثبوت الندب بمجرّد ورود الرواية ؛ تقديما للحمل المذكور على غيره ، وتسامحا في أدلة السنن مع ما فيه من المبالغة لظاهر أقوالهم عليهم السلام ، مع عدم وضوح البناء على التقية فيها.

ص: 381


1- زيادة في ( د ) : « أحجار ».
2- وسائل الشيعة 1 / 317 ، باب حكم من نسي الاستنجاء حتى توضأ وصلى ، ح 1.
3- الإستبصار 1 / 89 ، باب مصافحة الكفار ومس الكلب ، ح 2.

فصل: في أحكام الخلوة

ذكرناها في المقام لمناسبتها للوضوء ؛ لتقدّمها عليه في الغالب ولمناسبة ذلك الأحداث ، وكذا الأصحاب لذكرها في الباب.

ص: 382

تبصرة: [ في ستر العورة ]

يجب على المتخلّي ستر العورة بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا ففي كلام جماعة : قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (1).

فعن علي عليه السلام « معناه : لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه » (2).

وعن الصادق عليه السلام : « كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا في هذا الموضع ؛ فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه » (3).

مضافا إلى النصوص المستفيضة :

منها : الأخبار المانعة من دخول الحمّام إلّا بمئزر ، وفي بعضها بعد المنع عنه : « ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه » (4).

وفي القوي بعد ذكر ما يفيد مطلوبيّة الاتّزار في الحمّام التعليل بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (5).

وروى الجمهور عنه عليه السلام أنّه قال : « احفظ عورتك إلّا من زوجك أو ما ملكت يمينك » (6).

ص: 383


1- النور : 30.
2- وسائل الشيعة 1 / 300 ، باب وجوب ستر العورة ، ح 5.
3- من لا يحضره الفقيه ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام ، ح 235.
4- تحف العقول ص 11 ، وعنه في وسائل الشيعة 2 / 33 ح 1399.
5- كتاب المؤمن : 70 ، الكافي 2 / 359 ، باب الرواية على المؤمن ، ح 2.
6- سنن البيهقي 1 / 199.

رواها في نهاية الإحكام (1) مستدلّا به.

وكما يجب سترها يحرم النظر إليها بلا خلاف فيه.

ويدلّ عليه أيضا بعد الإجماع محصّلا ومنقولا والآية بمعونة الرواية المذكورة : الأخبار الكثيرة ، وقد مرّت الإشارة إلى بعضها.

وفي حديث المناهي : « نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم ، وقال : من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة تنظر عورة المرأة » (2).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليجاوز على عورته » (3).

وفي صحيحة حريز ، عن الصادق عليه السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » (4).

ورواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه وآله وزادوا : « ولا المرأة إلى عورة المرأة » (5).

ويشهد له أيضا الأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب ستر عورة الميّت المشتملة على الصحيح وغيره.

وفي [ رواية ] أن « حرمة عورة المؤمن وحرمة بدنه وهو ميّت كحرمته وهو حيّ ، فوار عورته » (6).

ولا ينافيه الحكم بكراهته في بعض الأخبار ؛ إذ هي أعمّ من الحرمة في لسانهم عليه السلام ، فيحمل عليها بقرينة تلك الأخبار ، بل قد يقال بظهورها في نفسها في الحرمة كما يستفاد من بعض الأخبار.

وممّا يقضي العجب منه ما في كلام بعض المتأخرين (7) من ترجيح الجواز لو لا مخالفة

ص: 384


1- نهاية الإحكام 1 / 79.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 9.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 وفيه : فليحاذر على عورته.
4- تهذيب الأحكام 1 / 374 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 7.
5- سنن البيهقي 1 / 199.
6- قرب الإسناد : 312.
7- هنا في هامش ( د ) : « شارح الدروس ».

الإجماع استضعافا للرواية واستظهارا بورود الكراهة في تلك الرواية.

والاستدلال بتحريم النظر على وجوب الستر لما في الكشف من الإعانة على الإثم كما ذكره بعض الأفاضل ساقط لوضوح عدم الملازمة بين الأمرين. كيف ويحرم على النساء النظر إلى الرجال ولا يجب عليهم التستر منهنّ بوجه.

وهل يختص المنع في النظر على عورة المسلم أو يعمّ الكافر أيضا؟ قولان.

وفي الحدائق : إن المفهوم من كلام أكثر الأصحاب إطلاق المنع.

ويدلّ عليه جملة من الإطلاقات منها ما مرّ.

ومنها : الموثق : أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس؟ فقال : « كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد » (1).

ومنها : الخبر عن الحمّام ، فقال : « أدخله بمئزر وغضّ بصرك » (2).

وعن جماعة القول بالجواز ، وهو ظاهر الصدوق. وإليه ذهب صاحب الوسائل والحدائق وغيرهما. ومال إليه صاحب المعالم ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (3).

وروى (4) الصدوق مرسلا عنه عليه السلام : « إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم ، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (5).

مع اعتضاده بالأصل ؛ مضافا إلى اختصاص كثير من أخبار المنع إلى عورة المؤمن.

هذا إذا لم يكن النظر عن شهوة ، ومعها فلا شبهة في المنع ولا خلاف لأحد فيه.

ص: 385


1- الكافي 6 / 502 ، باب الحمام ، ح 28.
2- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 1.
3- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 27.
4- لم ترد في ( ب ) : « وروى .. عورة الحمال ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 114.

ولا فرق بين كون الناظر مسلما أو كافرا ، عاقلا أو مجنونا ، بالغا أو غير بالغ إذا كان مميّزا ، أمّا غير المميّز بحيث لا يميّز العورة عن غيرها فلا يجب التستّر عنه ظاهرا ، بل ولا يحرم النظر إلى عورته أيضا وإن ستر العورة ؛ لعدم وضوح شمول الأدلة الثلاثة.

وفي المرفوعة : « لا يدخل الرجل مع ابنه الحمّام فينظر إلى عورته » (1).

وهي مع ضعفها لا دلالة فيها على المدّعى ؛ ولقيام السيرة المعلومة على عدم التحرّز عن النظر إلى عورة الأطفال الصغار ، ولحاجتهم إلى مباشرة الأمّهات والمربّيات لاستنجائهم وإزالة النجاسات والقذارات عنهم ، ويتعسّر ذلك كثيرا من دون النظر.

والأحوط الاجتناب إذا زاد سنّهم عن الثلاث والأربع.

وفي جواز النظر إلى عورة المميّز أيضا وجه ؛ لاختصاص كثير من الأخبار بالمؤمن.

والأقوى خلافه لما عرفت من الإطلاقات.

ويقوى عدم وجوب الستر عن المجنون أيضا إذا لم يميّز العورة عن غيرها لعدم ظهور شمول الأدلة لمثله ، أمّا النظر إلى عورته فالظاهر المنع فيه ؛ لما عرفت.

ثمّ إنّ الواجب هو ستر جسم العورة بحيث يمنع من مشاهدة لونها وإن ظهر الحجم. ولا فرق بين سترها بالنبات أو الطين أو النورة أو اليد أو غيرها.

وعن أبي جعفر عليه السلام : أنّه دخل الحمّام فتنوّر فالقي عنه المئزر. فقيل له في ذلك؟ فقال عليه السلام : « أما علمت أنّ النورة قد يستر العورة؟! » (2).

ونحوها الظلمة المانعة من الرؤية ، وكذا البعد.

ولو منعا عن رؤية اللون دون الحجم قوي المنع ؛ لصدق رؤية الجسم معه ، وظاهر الأدلّة المنع عنه.

نعم ، إذا لم ير منه سوى الشبح من دون تشخيصها بوجه قوي (3) الجواز.

ص: 386


1- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 23.
2- الكافي 6 / 502 ، باب الحمام ، ح 35 باختلاف.
3- في ( ألف ) : « نفي ».

ثم إن الذّكر والبيضتين والدّبر عورة في الرجل بلا خلاف فيه.

وفي المدارك : حكاية الإجماع عليه مستفيض في كلامهم.

والظاهر أنّ ما عدا ذلك ليس من العورة ، وهو المشهور.

وفي السرائر الاجماع عليه.

وفي المنتهى : إنّ عليه أكثر علمائنا.

وفي البحار وغيره : إنّه المشهور ؛ للمرسل : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالألتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (1).

قال الكليني : وفي رواية أخرى : « فأمّا الدّبر فقد سترته الأليتان ، وأمّا القبل فاستره (2) بيدك » (3).

وفي مرسلة الفقيه : « الفخذ ليست من العورة » (4).

وضعفها منجبر في الأصل بعمل الأصحاب.

وعن القاضي : أنّها ما بين السرّة والركبة.

وجعلها السيّد رواية. وكأنّه أشار إلى رواية بشر ، عن أبي جعفر عليه السلام : « أنّه دخل الحمّام فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام قطع جسده .. » إلى أن قال : ثمّ قال : « هكذا فافعل » (5).

وفيه بعد الغضّ عن منع ظهورها أنّها ضعيفة ، ولا جابر لها.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فليحمل على الندب جمعا.

وعن الحلبي (6) : أنّها ما بين السرّة إلى نصف الساق. ولم نقف على مستنده ، بل حكى في

ص: 387


1- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 26.
2- في ( ب ) : « ما سترت » بدل « فاستره ».
3- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 26.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 119 ، وفيه : الفخذ ليس.
5- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 22 باختلاف.
6- الكافي للحلبي : 139.

المعتبر (1) والمنتهى (2) إجماع علمائنا على عدم كون الركبة من العورة.

وعورة المرأة بالنسبة إلى الأجانب تمام بدنها إلّا ما استثني ، وبالنسبة إلى المحارم ما عدا من يحلّ له وطئه ومن بحكمه كالرجل.

ويأتي الكلام فيها إن شاء اللّه.

والخنثى يلحق بالمرأة عندهم.

ثمّ إنّ الظاهر خروج ما بين العورتين منها ، وكذا الشعر النابت حولها.

وفي النابت عليها وجهان.

وفي ذكر الخنثى المحكوم بالانوثية أو فرجه مع الحكم برجوليته وجهان ؛ أقربهما الخروج.

أمّا الممسوح فلا يبعد جريان حكم العورة بالنسبة إلى المنفذ المعدّ فيه ؛ لدفع الفضلتين على تأمل فيه إن لم يكن فيما يقارب الموضع المعتاد.

ولا فرق في العورة بين اتّصالها بالبدن وانفصالها عنه ، وكذا بين كلّها وبعضها ؛ للأصل والإطلاقات.

وكأنّه لا خلاف فيه.

ص: 388


1- المعتبر 2 / 101.
2- منتهى المطلب 1 / 236.

تبصرة: [ في تحريم استقبال القبلة واستدبارها ] [ حال البول والتغوّط ]

المعروف بين الأصحاب تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال البول والتغوّط مطلقا.

وفي الخلاف (1) والغنية (2) الإجماع عليه.

وفي جملة من كتب المتأخرين كالذخيرة (3) والبحار (4) وكشف اللثام أنّه المشهور.

وظاهر ما حكي عن الإسكافي عدم التحريم مطلقا ؛ لحكمه باستحباب ترك الاستقبال في الصحراء ، ولم يذكر الاستدبار ولا الحكم في البنيان (5).

وحكي القول به عن المفيد أيضا. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما.

وعن الديلمي التفصيل بين الصحاري والبنيان ، فتحرم في الأول ويكره في الثاني. وحكي القول به عن الديلمي. وعزاه في المعتبر (6) إلى المفيد.

وعبارته في المقنعة (7) لا يخلو من إجمال.

ص: 389


1- الخلاف 1 / 101.
2- غنية النزوع : 487.
3- ذخيرة المعاد 1 / 16.
4- بحار الأنوار 77 / 169 ، باب آداب الخلاء.
5- في ( ب ) : « البيان ».
6- المعتبر 1 / 122.
7- المقنعة : 41.

وفي المختلف (1) بعد نقل عبارته أنّه يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان ، وقد تحمل على ما يوافق المشهور.

ويؤيّده أنّ في عبارة الشيخ ما يقارب كلامه ، ولم ينسب إليه الخلاف في كلام أحد من الأصحاب.

واحتمل في نهاية الإحكام (2) اختصاص النهي عن الاستدبار بالمدينة المشرفة ونحوها ممّا يساويها في الجهة ؛ لاستلزامه استقبال بيت المقدس ، وهو اعتبار محض لا شاهد عليه.

والأظهر المنع مطلقا.

ويدلّ عليه مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة والإجماع المنقول : الروايات المستفيضة ، منها الخبر : « إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن (3) شرّقوا وغرّبوا » (4).

والقوي : ما حد الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها ».

وفي حديث المناهي : « إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة » (5).

وفي نوادر الراوندي : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للقبلة (6).

وفي الدعائم عنهم صلوات اللّه وسلامه عليهم في جملة من مناهي الرسول صلى اللّه عليه وآله : النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في حال الحدث والبول (7).

وضعف هذه الأخبار منجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وذكرها في الكتب المعتمدة ، وتلقّي

ص: 390


1- مختلف الشيعة 1 / 265.
2- نهاية الإحكام 1 / 79.
3- لم ترد في ( ب ) : « ولكن تشرّقوا .. ولا تستدبرها ».
4- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة ، ح (130) 1.
5- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر جمل من المناهي ، ح 4968.
6- كتاب النوادر : 230.
7- دعائم الإسلام 1 / 104.

الأصحاب لها ، واشتهار العمل بمضمونها. وضمّ بعض المكروهات ببعضها لا يفيد إرادة الكراهة (1) فيه فكيف في غيره.

حجة الجواز : الأصل ، وعدم دليل صالح للخروج عنه ؛ لضعف الأخبار المانعة سندا ودلالة ، وإنّما يستفاد ذلك أيضا من الحسنة : « من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له » (2).

لظهورها في ترتّب الثواب على إجلال القبلة وتعظيمها.

ويضعفه ما عرفت من الانجبار بالعمل والظهور كاف في المقام ؛ خصوصا مع الاعتضاد بفهم الجمهور ، وترتّب الثواب العظيم على الفعل المذكور من جهة التعظيم بعد استحبابه حينئذ ؛ إذ الواجب أحرى بترتب الثواب ؛ خصوصا إذا اختار منه أفضل الفردين.

حجة التفصيل : الجمع بين الأخبار المذكورة ، وحسنة محمّد بن إسماعيل : دخلت على الرضا عليه السلام وفي منزلة كنيف مستقبل القبلة (3). فتخصيص الروايات بالصحاري.

وفيه : أنّه في الرواية شاهد على الجواز لعدم دلالتها على كون بنائه بإذن الامام عليه السلام ، ولا على جلوسه كذلك. وتقريره عليه السلام للبناء لا يدلّ عليه ؛ لعدم ظهور وجوب الهدم.

على أن كون المكان ملكه غير معلوم بل الذي حكي أنّ المأمون - لعنه اللّه - لمّا استجلب الرضا عليه السلام إلى خراسان أنزله في بعض بيوت أهل الخلاف ، فاحتمال التقية هنا ممّا لا يخفى.

وقد يستدل عليه بما في الدعائم حيث قال بعد ما حكينا عنه وذكر جملة من الأحكام : « ورخّصوا في البول والغائط في الأبنية » (4).

ولا يخفى ضعفه.

وربّما يفيد وجود خبر دالّ عليه ، وهو أيضا لا يفيد شيئا.

ص: 391


1- لفظة « الكراهة » من ( د ).
2- المحاسن 1 / 54.
3- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ح (132) 1.
4- دعائم الإسلام 1 / 104 ، وفيه : « في الآنية ».

ثمّ إنّ المدار في حرمة الاستقبال والاستدبار على مقدّم البدن ومؤخّره لا خصوص العورة على ظاهر كلامهم ، وصريح جماعة منهم ، وحكي الشهرة عليه.

وعن السيوري : إنّ المحرّم هو المقابلة بالوجه والبدن ، فلو ميل فرجه وبال لم يكن محرّما.

وعزاه في المدارك إلى بعض المعاصرين ، قال : وليس بشي ء.

قلت : قال محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء أصحابنا في علله : « أحد عشر لا بدّ لكلّ الناس من معرفتها ، وذلك آداب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فاذا أراد البول والغائط فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بالقبل والدبر ، والعلّة في ذلك أنّ الكعبة عظّمها اللّه وأجلّ حرمته ، ولا تستقبل بالعورتين القبل والدبر لتعظيم اللّه وحرم اللّه وبيت اللّه » (1). انتهى.

وظاهر ذلك كما ترى اختصاص الحرمة باستقبال خصوص العورتين ، وإسناده ذلك إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

قلت : وفي بعض الأخبار دلالة عليه مرّت الإشارة إلى بعضها.

ومنها : قوله عليه السلام : « لا تستقبل القبلة بغائط ولا بول » (2) وجعل الباء بمعنى الملابسة كأنّه بعيد عن الظاهر ، فلا داعي إليه.

والإطلاقات الاخر واردة على الغالب من حصول الاستقبال بالعورة عند استقبال البدن إلّا أن ظاهر فهم الأكثر يضعف البناء عليه.

وكيف كان ، فلا شبهة في كون الاحتياط في الاجتناب عنه ، والمراد بالقبلة ما يراد في باب الصلاة ، فهي للقريب عين الكعبة وللبعيد جهتها ؛ للإطلاقات وظاهر الحسنة الماضية ؛ لصدق الانحراف بالميل اليسير عن محاذاة القبلة ، فيجوز استقبال ما بين المشرق والمغرب ؛ استنادا إلى ظاهر الأمر في الخبر المذكور ، وأن ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في الرواية وأنّ قبلة البعيد الجهة وفيها سعة.

ولا يخفى ضعف الجميع.

ص: 392


1- بحار الأنوار 77 / 194 ، باب آداب الخلاء ، ح 53.
2- الكافي 3 / 16 ، باب الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح 5.

وكأنّ المراد من الرواية الميل إلى جهة المشرق والمغرب. ويحتمل حمله على الندب ؛ لخلوّ غيره من الأخبار عنه.

والقول بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة المنجبر ؛ مدفوع بأنّ مجرّد ذلك لا يقضي بالمنع ؛ إذ الظاهر (1) إرادة قبلة المختار.

نعم ، يحتمل القول بالمنع حال التحيّر من كونه إذن قبلة الصلاة.

وهو قويّ ؛ نظرا إلى حصول الشبهة في تلك الجهة دون غيره ، فلو دارت بين جهتين أو ثلاثة قوي اجتناب الجميع.

ولو لم يتعين مطلقا فإن أمكن استعلامها بالعلامات أو السؤال قوي وجوبه مع انتفاء الضرورة في تأخير قضاء الحاجة بمقداره ، وإلّا فإن أمكنه التأخير إلى ظهور الحال والانتقال إلى محلّ يعرف القبلة فيه فوجهان ، وإلّا جاز من غير لزوم التأخير إلى حال الضرورة في وجه قوي.

وربّما احتجّ له بقوله عليه السلام : « كلّ شي ء فيه حلال وحرام .. » (2) الخبر ونظائره.

وفيه ضعف.

ولو كان في أرض مقاطر للكعبة مثلا سقط الحكم.

ولو لم يمكنه الانحراف ودار بين الاستقبال والاستدبار ففي تقديم الاستدبار في البول والاستقبال في الغائط وجه قوىّ ؛ بناء على مناسبة التعظيم المستفاد من الحسنة المذكورة.

ولا فرق في ذلك بين القادر والعاجز كما قطع به في المدارك (3). وحكى عن بعض المحققين أنّه لا بأس في الإحالة إلى قبلة الصلاة بالنسبة إلى العاجز. وتردّد بالنسبة إلى القادر ، قال : ولعلّ الأقرب عدم جريانه بالنسبة إليه.

ص: 393


1- لم يرد هنا في ( د ) : « بالمنع إذ الظاهر .. » إلى قوله : « في المعتبر والقواعد » ، ثم وجدنا العبارات في موضع آخر من ( د ) ، مشوش الموضع في ( ألف ) و ( ب ) أيضا ، وأدرجناها في مواضعها ، والحمد لله.
2- الكافي 5 / 313 ، باب النوادر ، ح 39 ، وفيه : « كل شي ء يكون فيه ».
3- مدارك الأحكام 1 / 159.

وهو ضعيف.

ثمّ إنّ الاستقبال في القائم والقاعد وما بينهما واضح.

وأمّا في المضطجع فهل يعتبر استقبال الصلاة أو لا؟ في المعتبر (1) وجهان ، والمناسب للتعظيم التجنّب على الوجهين.

ولا ريب أنه أحوط ، والظاهر أنّ المدار في الحكم إلى حال خروج الحدث دون مقدماته ، وإطلاق بعض الأخبار محمول عليه ، فالأولى البحث حال الجلوس على الخلاء.

والأولى مراعاته حال الاستنجاء أيضا للخبر : الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد : قال : « كما يقعد للغائط » (2).

والظاهر وإن أوهم الوجوب لكن لضعفه وعدم وضوح دلالته على الوجوب لا يثبت به ما يزيد على الاستحباب.

ثمّ إنّ مناط الحكم بالخروج على النحو المعتاد من الموضع المعتاد له ، ولو كان بالعارض في وجه قويّ ، ولو أحسّ بخروج البلل قبل الاستبراء احتمل جريان المنع.

وفي وجوب منع الأطفال من ذلك وجهان ؛ من انتفاء التكليف في شأنهم ومراعاة الاحترام.

ولا يخلو عن وجه.

ولو باشر ذلك لهم قوي المنع.

ص: 394


1- المعتبر 2 / 160.
2- الكافي 3 / 18 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 11.

تبصرة: [ في الاستنجاء للبول والغائط ]

اشارة

يجب الاستنجاء للبول والغائط بإجماع علمائنا كافّة ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

وقد خالف فيه أبو حنيفة (1) واتباعه إذا لم يكن التلويث أزيد من درهم.

ويتعيّن الماء في مخرج البول على ظاهر المذهب.

وقد خالف فيه الجمهور ، وقد حكي إجماعنا على لزوم غسله بالماء خاصّة في التذكرة (2) ونهاية الإحكام (3) والروض (4) والمدارك (5) والمشارق (6) وكشف اللثام (7).

وفي الحدائق (8) : أنه إجماعي فتوى ورواية.

وفي المعتبر (9) : إنّ عليه اتفاق علمائنا.

وفي المنتهى (10) : إنّه مذهب علمائنا.

ص: 395


1- نقل عنه في تذكرة الفقهاء 1 / 123.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 124.
3- نهاية الإحكام 1 / 86.
4- روض الجنان : 23.
5- مدارك الأحكام 1 / 161.
6- مشارق الشموس 1 / 73.
7- كشف اللثام 1 / 202.
8- الحدائق الناضرة 2 / 7.
9- المعتبر 1 / 126.
10- منتهى المطلب 1 / 256.

وحكي عن المفيد (1) والسيد في بحث المضاف تجويز إزالة الخبث مطلقا. وظاهر ذلك جوازه هنا أيضا إلّا أنّ قضية الإجماعات المنقولة عدم قولهما بما في المقام ؛ لما في بعض الأخبار إلّا أن يقال : إنّ المراد بالماء في المقام ما يعمّ المضاف ؛ لوقوعه في مقابلة الأحجار.

وهو بعيد.

ويدلّ على الحكم مضافا إلى الإجماعات المحكيّة صحيحة جميل : « إذا انقطعت البول وجب الماء » (2) ، وقوية يزيد بن معاوية : « لا يجزى من البول إلّا الماء » (3).

مضافا إلى أمر الإطلاقات الحاكمة بغسله الظاهر في ذلك.

ورواية سماعة الظاهرة في جواز استعمال غير الماء مؤوّلة أو محمولة على التقيّة ؛ لإطباق الفقهاء الأربعة عليه.

ولا فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار كما هو ظاهر إطلاق الأخبار.

وربّما يستفاد من الشيخ في الكتابين ( في توجيه رواية سماعة بناء على الجواز حال الاضطرار إلّا أن الأظهر عدم استفادة مذهب الشيخ في الكتابين ) عند توجيه الأخبار كما يعرف من الشيخ فيهما.

وقد يحمل على ما سننقله عن الفاضلين وغيرهما من لزوم التخفيف حال تعذّر الماء من غير حكم بالطهارة.

واختلفوا في أقلّ ما يجزي من الماء ، فعن الصدوقين (4) والشيخين (5) والفاضلين في المعتبر (6) والقواعد اعتبار مثلي ما على الحشفة فلا يجزي ما دونه.

ص: 396


1- المقنعة : 40.
2- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح 8 وفيه : « إذا انقطعت درة البول فصبّ الماء ».
3- الإستبصار 1 / 57 ، باب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء عد واحد من الاحداث ، ح 166 (21).
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 31 ، الهداية : 48.
5- المقنعة : 42 ، المبسوط 1 / 17.
6- المعتبر 1 / 127.

وحكى بعض الأفاضل الشهرة عليه.

وعزاه بعضهم إلى الأكثر.

وعن ظاهر الشيخ في الخلاف (1) والحلبي (2) وابن زهرة (3) والطوسي (4) والحلي (5) والفاضل في المنتهى (6) والمختلف (7) [ و ] الإرشاد (8) ، والشهيدين في اللّمعة ، وظاهر الروض (9) ، وابن فهد في الموجز ، وصاحبي المدارك (10) والمشارق (11) والذخيرة (12) ، وغيرهم من المتأخرين الاجتزاء بكلّ ما يزيل العين.

ولا يبعد أن يكون الخلاف في ذلك لفظيّا من جهة التأمّل في كون ما نقص عن المثلين مزيلا للعين.

وقد أشار إليه الشهيد في البيان (13).

وكيف كان فالحق الأخير ؛ للإطلاقات وخصوص مرسلة نشيط : « يجزي من البول أن يغسله بمثله » (14) ، ومرسلة الكليني : « يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس

ص: 397


1- الخلاف 1 / 103.
2- الكافي الحلبي : 127.
3- غنية النزوع : 36.
4- الوسيلة : 47.
5- السرائر 1 / 96.
6- منتهى المطلب 1 / 264.
7- مختلف الشيعة 1 / 273.
8- إرشاد الأذهان 1 / 221.
9- روض الجنان : 25.
10- مدارك الأحكام 1 / 163.
11- مشارق الشموس 1 / 73.
12- ذخيرة المعاد 1 / 16.
13- البيان : 7.
14- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 33.

الحشفة » (1).

( وغيره احتجّوا برواية نشيط : كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال : بمثلي ما على الحشفة ) (2).

وفيه بعد الغضّ عن سندها لما ادّعي من الشهرة الجابرة لها أنّها محمولة على المبالغة والإشارة إلى كمال التوسع وغاية السهولة كما هو الشأن في هذه الشريعة السهلة ؛ للاكتفاء بأقل القليل ولو بمثل القطرتين ، وليس المقصود بعينهما في الإزالة.

وقد يجعل ذلك إشارة إلى اعتبار عليّة المطهّر في إزالة النجاسة ؛ لعدم حصولها بدونها في الغالب.

وفي اعتبار التعدّد في الغسل هنا قولان ، فعن الصدوق في الفقيه (3) والهداية (4) اعتبار التعدد. وتبعه الشهيدان في الذكرى (5) والروضة (6) والمحقق الكركي (7) وغيرهم.

وذهب آخرون إلى الاكتفاء بالمرّة ، وعليه الأكثر ، بل لم ينقل من أحد (8) القدماء التصريح بخلاف سوى الصدوق.

وهو الأقوى ؛ لإطلاق طهوريّة الماء والإطلاقات الآمرة بغسله أو صب الماء عليه.

وفي الحسن : قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقى مأثمة » (9).

وخصوص مرسلة نشيط ومرسلة الكليني المتقدمتان لا إشعار فيها (10) باعتبار التعدد في

ص: 398


1- الكافي 3 / 20 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 7.
2- تهذيب الأحكام 1 / 35 باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 32. وما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 31.
4- الهداية : 76.
5- الذكرى 1 / 168.
6- الروضة البهية 1 / 341.
7- جامع المقاصد 1 / 93.
8- زيادة في ( د ) : « من ».
9- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 14.
10- كذا.

الغسل بوجه ، بل المستفاد منها - إن سلّم - غلبة المطهّر أو خصوص اعتبار المثلين كما مرّ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل أيضا بأنّ حمل الرواية على إرادة التعدد يوجب الاكتفاء بالمثل في الغسلة الأولى. ولا وجه له ؛ لعدم حصول الغلبة المعتبرة في المطهّر.

وحمله على اعتبار الثلاثة بالنظر إلى القطرة الباقية بعد خروج البول وإن كان إجراء الماء بعد سقوطها ، فهي غالبة على الرطوبة (1) في المخرج لا وجه له ؛ لإطلاق الرواية أوّلا ، وعدم اعتبار سقوطها عنها ثانيا.

وفيه : أن اعتبار الغلبة المذكورة محلّ مناقشة ، بل الذي يفهم من الإطلاقات اعتبار الإزالة خاصّة إلّا أن يقال بعدم حصولها بدونها.

وهو محلّ تأمّل ، والأخبار الدالّة على اعتبار التعدّد في إزالة البول إنّما دلّت عليه عند إصابة الجسد أو الثوب ، وذلك لا يشمل (2) صورة الاستنجاء كما لا يخفى.

ولو سلّم إطلاقها فهي معارضة بالإطلاقات الواردة في المقام ، والتعارض نحو (3) العموم من وجه والعمومات القاضية بطهورية الماء حاكمة بالطهارة بالمرّة.

والاجماع المنقول أيضا مخصوص بغير هذه الصورة.

ويشهد له استشهاد الناقل في المقام بالأخبار ، وعدم نقله الإجماع هنا ، بل ونصّه على الخلاف فيه ، وجعله اعتبار المثلين أولى.

ثمّ على القول باعتبار التعدّد فهل يعتبر فيه التعدّد الحقيقي المتوقّف على حصول الفصل بين الغسلتين أو يكتفي بالتقديري؟ قولان ، اختار أوّلهما الشهيد في الذكرى (4) مع ذهابه إلى عدم اعتباره في غير الاستنجاء.

ص: 399


1- زيادة في ( د ) : « الباقية ».
2- في ( ألف ) : « ذلك لا يستعمل » بدون الواو.
3- في ( ألف ) : « عن ».
4- الذكرى : 1 / 168.

اعتذر منه المحقق الكركي (1) بين ما إذا كانت الإزالة بالمثلين أو ما زاد عليهما ، فعلى الأول لا بدّ من الانفصال لصدق الوحدة مع عدمه ، بخلاف ما لو كان الماء كثيرا ، وبه وجّه كلام الشهيد.

والأقوى إذن اعتبار الفصل مطلقا لعدم صدق التعدد عرفا بدونه ، مضافا إلى استصحاب النجاسة الباقية.

فروع

الأول (2) : هل يجب على الأغلف غسل ما تحت الغلفة؟ وجهان مبنيّان على كونه من الظاهر أو الباطن.

قطع المحقق الكركي بالأوّل ، واختاره المحقق والعلّامة في المنتهى (3) وغيره ، والشهيد في الذكرى (4) إلّا أن يكون ... (5)

فيسقط عنه ، وحكي الثاني عن المنتهى والذكرى ، والموجود فيهما ما عرفت.

الثاني : إن لم يخالط البول أجزاء لزجة من المذي والودي أو نحوهما كفى فيه مجرّد الصبّ ؛ لإطلاق (6) الأمر بالصبّ ، وفي بعضها بعد الأمر به « فإنّما هو ماء » (7).

ولو شكّ في ممازجة شي ء له فهل يكتفي بالصبّ أو لا بدّ من الدلك وجهان ؛ أحوطهما ذلك ليحصل اليقين بالطهارة بعد تيقّن النجاسة.

الثالث : لو تعذر عليه استعمال الماء لفقده أو بسبب آخر ، فهل يجب عليه التمسّح بالحجر

ص: 400


1- جامع المقاصد 1 / 94.
2- لفظة « الأول » مما أضيفت من ( د ).
3- منتهى المطلب 1 / 43.
4- الذكرى 1 / 173.
5- هنا سقط في عبارات المخطوطات الثلاثة.
6- لم ترد في ( ب ) : « الإطلاق .. بالصب ».
7- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصب الثوب أو الجسد ح 1.

ونحوه ؛ نظرا إلى أنّ الواجب إزالة العين والأثر ، فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر ، ويسقط ذلك بتعذّر المطهّر؟ قولان اختار أوّلهما الفاضلان والشهيد في الذكرى.

وظاهر التعليل المذكور وجوب ذلك بالنسبة إلى سائر النجاسات أيضا.

وعن بعض المتأخرين أنّه فهم ذلك حصول الطهارة الاضطرارية بذلك من الأصحاب كالتيمّم بالنسبة إلى الأحداث ، ووافقهم عليه.

وقد فهم الفاضل الجزائري أيضا ذلك من كلام الفاضلين ، وذكر أنّه لم يذهب إليه سواهما.

واستفادة ذلك من كلامهم كما ترى ، بل التعليل المذكور صريح في بقاء الأثر أعني النجاسة ، فالقول بالطهارة إن ثبت ضعيف جدا ؛ لما عرفت من الإجماعات والأخبار الدالّة على تعيين (1) تطهيره بالماء ، من غير ظهور دليل على حصول الطهارة الاضطرارية بذلك.

وقد يستدلّ عليه بموثّقة ابن بكير ، ولا دلالة فيها على ذلك.

نعم ، يجري عليه حكم الطاهر بالنسبة إلى الصلاة لسقوط حكم النجاسة إذن حال الضرورة ، وأمّا وجوب التجفيف في النجاسة كما ذكروه فهو لا يساعده الاعتبار المذكور إلّا أنّه لا ينهض حجّة على ثبوت الحكم ، فالبناء على أصالة البراءة أقوى.

ص: 401


1- في ( د ) : « تعيّن ».

تبصرة: [ في الاستنجاء من الغائط ]

يتعيّن الماء أيضا في الاستنجاء من الغائط مع التعدية بلا خلاف بين الطائفة ، وحكاية الاجماع عليه مستفيضة في كلامهم.

ففي المعتبر (1) أنّه مذهب أهل العلم. وفي التذكرة (2) أنّه متعيّن إجماعا.

وفي الروض (3) أنه إجماعيّ من الكلّ.

وفي كشف اللثام (4) : يجب الغسل به خاصّة إجماعا.

إلى غير ذلك من الإجماعات المحكيّة عليه.

ويدلّ عليه - مضافا إلى ذلك - الأصل والنبويّ : « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة » (5).

قلت : كلام الأصحاب فيما ذكر لا يخلو عن إجمال. ويظهر حقيقة الحال ببيان أمرين :

أحدهما : أن المدار في التعدي على تجاوز بين المحلّ المعتاد بحيث لا يعدّ إزالته عن ذلك استنجاء في العادة كما اختاره في المدارك (6) ونحوهما فالوجه (7).

ص: 402


1- المعتبر 1 / 128.
2- انظر تذكرة الفقهاء ، 2 / 494.
3- روض الجنان : 23.
4- كشف اللثام 1 / 19.
5- عوالي اللئالي 2 / 181 ، وفيه : روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة ».
6- مدارك الاحكام 1 / 166.
7- الظاهر أن في العبارة نقصا ، والنسخ كلها كما أدرجنا.

وفي مجمع الفائدة (1) بعد ما فسّر المتعدّي بالمتفاحش بحيث يخرج عن العادة ويصل إلى الألية كما اعتبروا ذلك في عدم عفو ماء الاستنجاء قال : ولو لا دعوى المصنّف الاجماع في التذكرة (2) على أنّ المتعدّي هو ما يتعدّى عن المخرج في الجملة لقلت : مراد الأصحاب بالتعدّي هو ما قلناه ؛ لعموم الأدلّة وعدم المخصّص ، ثمّ قال (3) : والذي يقتضيه النظر في الدليل عدم الالتفات إلى هذه الأمور وحصول التطهير مطلقا إلّا على وجه ؛ لعدم تنجّس غير الموضع المتعارف والمعدى (4) العرفي.

وظاهر كلامهم (5) هو اختيار ما قلناه وأمّا اعتبار الوصول إلى الألية كما يظهر من أوّل كلامه فبعيد جدّا ؛ لوضوح صدق التعدي من دونه ، ولذا نصّ جماعة بحصول التعدّي وإن لم يبلغ الأليتين.

وربّما يظهر من بعض العبارات اتفاقهم عليه.

وعلى ما اخترنا فالوجه في عدم الإجزاء - مضافا إلى ما عرفت ممّا لا خفاء فيه من الخبر - الأصل.

وعن جماعة من الأصحاب أنّ المدار على التجاوز من المخرج وإن لم يتفاحش.

وهو بعيد ؛ إذ لا دليل على تعيّن الماء حينئذ ، وإطلاق المستفيضة الدالّة على جواز الاستجمار (6) أوضح شاهد على فساده لغلبة التجاوز عن عين المخرج.

ولو لاها فلا أقلّ من عدم الخروج عن النحو المعتاد الذي يصرف إليه الإطلاق.

نعم ، هناك إجماعات محكيّة متكثّرة دالّة على أنّ الغائط إذا تعدّى المخرج يتعيّن غسله بالماء ، فقد يستظهر منه مجرّد التعدي وإن لم يتفاحش ، وقد يجعل ذلك دليلا على التفسير

ص: 403


1- مجمع الفائدة 1 / 90.
2- التذكرة الفقهاء 1 / 14.
3- مجمع الفائدة 1 / 90.
4- في ( د ) : « التعدّي ».
5- في ( د ) : « كلامه ».
6- في ( ألف ) : « الاستحجار و ».

المذكور. ولا يخلو ذلك من خفاء. وحملها على ما ذكرنا غير بعيد.

ثانيهما : لزوم الاقتصار على الماء في محلّ التعدية واضح لا خفاء فيه كما عرفت ، وأمّا في المخرج فمقتضى الإطلاقات جواز الاستجمار أيضا.

نعم ، ربّما دلّت الرواية المذكورة على المنع إلّا أنّها عاميّة ، مع أنّها غير صريحة فيه ؛ إذ غاية ما يقتضيه عدم الاكتفاء بالأحجار.

وقد يحمل عليه إطلاق الأصحاب ، فمقصودهم إذن عدم جواز الاقتصار على الاستجمار ، لا عدم الاكتفاء به في محل النجو (1) وإن استعمل الماء في الباقي.

ويمكن حمل الإجماعات المحكيّة على تعيّن الماء حينئذ عليه ، وإن كان الظاهر منها ومن كلام الأصحاب خلافه.

قال بعض الأفاضل : لم يحصل الاطلاع على نصّ من الأصحاب بشي ء ، وإثبات وجوب غسل الجميع لا يخلو من إشكال إن لم يكن إجماع.

وفي الحدائق (2) : لم أقف على صريح كلامهم في ذلك إلّا أن ظاهر عباراتهم الأوّل.

قلت : وحمل تلك الظواهر على ما قلناه غير بعيد. ويقرب ذلك قطعهم بالمسألة من غير نقل خلاف فيه مع عدم قيام شي ء من الأدلّة على الإطلاق ، وما هو معلوم من طريقة المتأخرين في الأحكام الاتفاقيّة عند إعواز النصوص الشرعيّة. قال في المدارك (3) بعد تفسير التعدي بما اخترناه : وعليه فالأمر واضح.

ونحو منه ما في الذخيرة ، ويرشد عليه أيضا أنّه مع انفصال محلّ التعدية عن المخرج لا ينبغي الريب في الاجتزاء به فيه ؛ إذ لا دخل لتنجس محلّ آخر في ارتفاع حكم المحلّ مع أنّه لو بنى على ظاهر إطلاقهم قضي بالمنع ، وهم لا يقولون به قطعا ، فالأقوى الاكتفاء إذن بالأحجار في محلّ النجو مطلقا. وهو الظاهر من شيخنا البهائي رحمه اللّه.

ص: 404


1- في ( ب ) : « التجوّز ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 28.
3- مدارك الأحكام 1 / 168.

تبصرة: [ في الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها ]

يتخيّر في محلّ النجو بين الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها بلا خلاف بين الطائفة بل الامّة إلّا ما حكي عن شذاذ من أهل الباطل حيث ذهبوا إلى تعيّن الماء مع وجدانه. وآخرين منهم حيث نفوا الاستنجاء بالماء.

وكلاهما مدفوعان بالنصّ من صاحب الشرع وإجماع أهل الحق.

والمشهور الاجتزاء بكلّ جسم قالع للعين إلّا ما استثني.

وعن الديلمي اعتبار كونه ممّا أصله الأرض.

وعن السيد (1) : أنه يجوز الاستنجاء بالأحجار أو ما قام مقامها من المدر والخزف (2).

وعن الإسكافي (3) : إن لم يحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه. وذلك يعطي الترتيب بين الأمرين.

والأقوى الأوّل ؛ للصحيح : هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقي مأثمة » (4) (5).

والموثّق : « يغسل ذكره (6) ويذهب الغائط » (7) ؛ لتعليق الحكم فيهما على مطلق النقاء

ص: 405


1- نقل عنه الحدائق الناضرة 2 / 29.
2- في ( د ) : « الخرق ».
3- نقل عنه مصباح المنهاج 2 / 82.
4- في النسخ المخطوطة : « ينفى ما عنه » ، وما أورجناه من الصدر.
5- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 14.
6- الكافي 3 / 18 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 15 و 16.
7- تهذيب الأحكام 1 / 47 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 73.

والإذهاب المصانعين (1) مع كلّ ما يقلع العين.

مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة.

وليس (2) في الأدلّة ما يقتضي اعتبار خصوصيّة بعض الأعيان. نعم ، ورد ما يفيد الاكتفاء بجملة أمور :

منها : الأحجار والكرسف والمدر (3) والخزف على بعض النسخ ، ولا إشارة فيها إلى عدم الاجتزاء بغيرها ، بل وربّما استفيد منها ارادة المثل (4).

والمقصود إزالة العين كيف ما كان ، مضافا إلى النهي عن خصوص الزفت والرمة.

وتعليله في بعض الأخبار بأنّه طعام الجنّ ، فيومي ذلك إلى جواز غيرهما ، فتأمّل بعض الأفاضل في خصوص غير المنصوص للمناقشة في شمول الخبرين ليس في محلّه ، ولم نعثر للديلمي على حجّة بل يدفعه إطلاق ما دلّ على الاجتزاء بالخرق ؛ لصدقها على المنسوجة عن الصوف وليس ممّا أصله الأرض ، وتعميمه لذلك يوجب انطباقه على المشهور.

وقد يستدل لابن الجنيد بالمرسل : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار : » (5) الخبر بحمل (6) ما دلّ على اجزاء غيره على صورة تعذّره. ولا يخفى ضعفه.

هذا وقد اعتبر فيما استنجي به أمور :

منها : الطهارة من غير خلاف يعرف.

وفي المنتهى (7) : أنّه قول علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك انصراف الإطلاقات في مقام التطهير إلى الطاهر ، وهو

ص: 406


1- في ( د ) : « الصانعين ».
2- زيادة « ليس » من ( د ).
3- زيادة في ( د ) : « والخرق ».
4- في ( د ) : « المثال ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارات ، ح 69.
6- في ( ألف ) : « يحمل ».
7- منتهى المطلب 1 / 44.

المعهود في إزالة النجاسة ، ولا أقل من الشك في شمولها للنجس ، وهو كاف في المقام لقضاء الأصل بالنجاسة ، مضافا إلى أنّه مع نجاسته ينجس به المحلّ مع ملاقاته رطبا كما هو الغالب ، ويتعين إذن تطهيره بالماء (1) فكيف يصحّ إزالتها.

وقد يحتجّ عليه أيضا بالمرسل : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار ابكار ويتبع بالماء » (2).

ومجرّد ذكر الإتباع بالماء لا يقضي بحمل الأول على الاستحباب ، والقول بأنّ البكارة ليست معتبرة اتفاقا لجواز الاستنجاء بها بعد غسلها بلا خلاف ، فيتعيّن حمله على الندب ؛ مدفوع بأنّه لا كراهة أيضا في استعماله بعد الغسل ، فالظاهر اندراج المستعمل بعد تطهيره في البكر.

نعم ، قد يستشكل فيه بأنّ ظاهره المنع من استعمال المستعمل مع عدم (3) تنجيسه بالاستعمال أو إذا استعمل غيره (4) وضع النجاسة منه ، ولا مانع فيه عند القائلين بعدم المنع من استعمال المستعمل إلّا أن تقيّد الإطلاق به عند هذا القائل.

وفيه : أنّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب إلّا أن يجعل الشهرة مرجّحة للحمل على الأوّل أو يقال بحجيّة الرواية في مورد الشهرة خاصّة ، فلا تنهض حجّة فيما عداه ، فتأمّل.

ومنها : الجفاف ، وقد ذهب إلى اعتباره جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في المنتهى (5) والشهيد الثاني في الروض (6) والروضة (7).

ص: 407


1- لم ترد في ( ب ) : « فكيف .. بالماء ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 69.
3- لم ترد في ( ب ) : « مع عدم .. المستعمل ».
4- في ( د ) : « غير ».
5- منتهى المطلب 1 / 46.
6- روض الجنان 24.
7- الروضة البهية 1 / 337.

وعزاه في الحدائق (1) إلى صريح الأكثر.

وظاهر آخرين منهم عدم اشتراطه حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه.

ويوجّه اشتراطه بذلك تارة بأنّه مع الرطوبة لا تنشف به المحلّ ، وتارة بأنّ البلل الذي فيه ينجس بالملاقاة ، فيسري منه النجاسة إلى الحجر ، ومع تنجّسه لا يصلح للتطهير.

وأخرى بأنّ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلويث.

ودفع الجميع بأنّ المعتبر هو قلع النجاسة دون تنشيف المحلّ ، ولو من غير رطوبة النجس ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء.

ولو سلّم فهو إنّما يتمّ بالنسبة إلى المسحة الثالثة ، وإنّ تنجّس الحجر بذلك إنّما هو بواسطة نجاسة المحلّ لأجل الاستعمال ، وهو لا يضرّ بالحال ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء عند القائل بالانفعال وإنّ المفروض إزالة النجاسة بها ؛ إذ مع عدمها لا مجال للمقال.

قلت : غاية ما ثبت من الأدلّة انتفاء المانع من جهة تنجس الأحجار عن المحلّ ، وأمّا الرطوبة الحاصلة فيها فلا دليل على خروجها عن القاعدة ، فهي نجسة منجّسة للأحجار ، فلا يجوز استعمالها ؛ لما عرفت من اشتراطها بالطهارة لأنّها مع رطوبتها تسري النجاسة منها إلى المحلّ فينجس بها ، ولا دليل على العفو من الرطوبة النجسة الحاصلة منها ، ولا على الاكتفاء منها (2) بالاستجمار.

وقياس ذلك على الرطوبة الباقية و (3) الاستنجاء بالماء فاسد ؛ إذ لا شاهد على التسرية ، فيتعيّن في إزالتها الماء ، فلا فائدة إذن في التجفيف الحاصل بالحجر اللاحق ، فبملاحظة ذلك يتقوّى القول باعتبار الجفاف ، مضافا إلى اعتضاده بالاستصحاب.

نعم ، لو كانت الرطوبة الحاصلة فيه غير مسرية فالظاهر أنّه لا مانع عنها ، وكأنّها خارجة عن محلّ الخلاف.

ص: 408


1- الحدائق الناضرة 2 / 31.
2- في ( د ) : « فيها ».
3- في ( د ) : « في ».

ومنها : أن لا يكون مستعملا ، وإليه ذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية (1) والقاضي (2) والطوسي (3) وابنا سعيد. وظاهر ذلك يعمّ ما تنجّس بالاستعمال أو لا سواء استعمل موضع النجاسة أو غيره.

ويدلّ عليه المرسلة المتقدمة الدالّة على اعتبار البكارة في الأحجار ، وهي ضعيفة الإسناد غير قابلة لتقييد الإطلاقات.

ويمكن حملها على إرادة الطهارة كما مرّت الإشارة إليه ، وربّما يحمل عليه كلام الجماعة ، ولذا ذهب آخرون إلى عدم اعتباره حيث لم يذكروا ذلك في الشرائط ، وهو الأقوى.

بل ربّما يظهر من المختلف (4) أنّ استعمال المحلّ الطاهر منه ثانيا في استنجاء آخر من المسلّمات ، ولو غسله فالظاهر عدم الخلاف في جواز استعماله ، ولو كسر موضع النجاسة ففي جواز استعمال الباقي وجهان.

ومنها : أن يكون قالعا لعين النجاسة فلا يجزي الرخو (5) ولا الصيقل ونحوهما. واعتبار هذا الشرط واضح بل لا حاجة إلى اشتراطه ؛ إذ المفروض [ ... ] (6).

ص: 409


1- النهاية : 10.
2- المهذب 1 / 40.
3- الوسيلة : 47.
4- مختلف الشيعة 1 / 267.
5- في ( د ) : « الرخو » بدل : « الوضوء ».
6- هنا سقط في النسخ المخطوطة ، ولعلّه مما لم يؤلّف.

تبصرة: [ في مستحبات المتخلّي ]

يستحب للمتخلّي أمور :

منها : ستر البدن كلّا (1) عن الناظر مطلقا ، تأسّيا بالنبي صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه لم ير في بول ولا غائط قطّ.

وعن الصادق عليه السلام في وصف لقمان عليه السلام : « أنّه لم ير واحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدّة تستّرته وتحفّظه في أمره » (2).

وقوله : « من أتى الغائط فليتستّر » (3).

ورواية حمّاد ، عن الصادق عليه السلام ، عن لقمان : « إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض » (4).

والأظهر اعتبار التمييز فيه ، فلا يستحب التستّر عن غير المميّز مطلقا.

والمدار على ستر الشخص لا جسم البدن ، ويحصل بكلّ ما يحصل به خفاء الشخص من الدخول في البيت والولوج في الحفيرة والدخول تحت البناء (5) وإبعاد المذهب (6) في الأرض.

وذكر الأخير خاصّة في رواية حمّاد لفرضه ظاهرا في السفر ، والغالب فيه عدم حصول مواراة الشخص بدونه ، وهو الوجه فيما رواه جنيد بن عبد اللّه من فعل امير المؤمنين عليه السلام.

ص: 410


1- في ( د ) : « كملا ».
2- وسائل الشيعة 1 / 305 ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح 2.
3- وسائل الشيعة 1 / 306 ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح 4.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 297 ، باب آداب المسافر ، ح 2505.
5- في ( د ) : « الخباء ».
6- زيادة : « في » من ( د ).

وهل يكتفي بالظلمة الشديدة أو عن الناظر؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك.

ولو علم صاحبه إذن بالحال ففي ثبوت الكراهة مع قرب محله منه احتمال يعضده مراعاة بعض العمومات.

ويعمّ الحكم حال كلّ من البول والغائط ؛ لإطلاق ما عرفت.

نعم ، النبويّة المذكورة خاصّة بالغائط ، وقد يعمّم أيضا للبول.

وقد يستفاد من غير واحد من الأخبار عدم استحباب الاستتار ( حال التبوّل. ويمكن الحمل على عدم تأكّده بالنسبة إليه كما هو ظاهر الاعتبار أو على عدم التمكّن من الاستتار ) (1) أو حصول مشقة فيه. وذهب بعض المتأخرين إلى عدم الكراهة فيه استنادا إلى جملة من النصوص. وقد عرفت الحال فيها.

وفي ثبوت الحكم لحال الاستنجاء أيضا وجه ، وقد يستفاد ذلك من رواية جنيد وقوله عليه السلام : « كما يقعد للغائط » (2).

ولا يخلو عن خفاء. وكأن في رواية عبد الرحمن بن كثير الحاكية للضوء البياني إشارة إلى عدمه.

ومنها : تغطية الرأس على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب ؛ لكونها من سنن النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما نصّ عليه المفيد في المقنعة (3).

وفيه أيضا أنّه يأمن به من خبث الشيطان ، ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه.

وفي الروضة (4) والمدارك (5) أيضا أنها من سنن النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

والظاهر أنّهما أخذاه من المفيد رحمه اللّه ؛ إذ (6) لم نجده فيه نقلا عن غيره.

ص: 411


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- الكافي 3 / 18. باب القول عند دخول الخلاء ، ح 11.
3- المقنعة : 38.
4- الروضة البهية 1 / 340.
5- مدارك الأحكام 1 / 174.
6- زيادة : « إذ » من ( د ).

وفي المعتبر (1) والذكرى (2) أنّ عليه اتفاق الأصحاب.

ومنها : التقنّع لقوله صلى اللّه عليه وآله في وصيته لأبي ذر : « استحي من اللّه ، فإنّي والذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط مقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللّذين معي » (3). وعن الصادق عليه السلام : أنه كان « إذا دخل الكنيف تقنّع رأسه » (4).

ويحصل به تغطية الرأس أو كان مكشوفا ، بل الظاهر من جماعة الأصحاب حيث استدلّوا على الأوّل بحديث التقنيع أنّ مقصودهم من التغطية هو التقنّع كما في المعتبر (5) وغيره إلّا أنّه ذكر في الروضة (6) أنّه روى التقنّع مع التغطية.

وكأنّه أشار به إلى ما حكاه في المقنعة ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى التقنّع ؛ إذ هو الوارد في الرواية ، فاستحباب التغطية من دون التقنّع لا يخلو عن تأمّل وإن كان قضيّة إطلاق جماعة منهم ذلك ، بل عدم استحباب التقنّع فوقها حيث لم يذكروه.

قال العلّامة المجلسي (7) : المشهور بين الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء ، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يستحب التقنّع بأن يسدل على رأسه ثوبا يقع على منافذ الرأس ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ وأن كان متعمّما.

قال : وهذا أظهر وأحوط.

أقول : ما ذكره رحمه اللّه غير بعيد ؛ إذ ليس على استحباب التغطية مستقلّا دليل في الأخبار ولا شاهد من الاعتبار غير دعوى منع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ ، وبعد تسليمه لا

ص: 412


1- المعتبر 1 / 133.
2- الذكرى : 20.
3- بحار الأنوار 74 / 83 ، وفيه : « متقنعا ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 24 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 1.
5- المعتبر 1 / 133.
6- الروضة البهية 1 / 340.
7- بحار الأنوار 77 / 183.

يفيد الاستحباب إلّا أنّ الوقوف على ظاهر كلام الجماعة أظهر خصوصا بعد ما عرفت من استنادها (1) إلى الرواية للتسامح في أدلّة السنن.

ومنها : ارتياد موضع مناسب للبول بحيث لا يرشّش عليه كالجلوس على مرتفع لقوله عليه السلام : « من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله » (2).

وعن الصادق عليه السلام أنّه صلى اللّه عليه وآله « كان أشدّ الناس توقّيا للبول » (3) ( حتّى أنه كان إذا أراد البول عهد إلى مكان مرتفع من الأرض أو مكان تكون فيه التراب كراهية أن ينتضح عليه.

والأظهر تخصيص الحكم بما إذا ترتب فائدة على الاحتراز ، وأما إذا كان نجسا وأراد الدخول في الماء فلا ، إلا أن يقال باستحباب التحرّز عن ترشّش البول مطلقا.

وهو بعيد.

ومنها : تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج عكس المسجد. ذكره الصدوق (4) والشيخ (5) وجماعة (6).

وعزاه في منتهى المطلب (7) إلى الأصحاب ، ولم نعرف مستنده الا ان في الاعتماد على الجماعة في ذلك كفاية.

مضافا إلى ما هو الظاهر من طريقة الصدوق من عدم التعدية عن مضامين النصوص.

وهل يختص الحكم بالأبنية أو يعمّ غيرها؟ وجهان ، نص العلّامة على الثاني.

وعن ظاهر بعضهم اختيار الأول ؛ لعدم صدق الدخول هناك.

وعلى الأول فالمعتبر موضع جلوسه كما نصّ عليه.

ص: 413


1- في ( د ) : « إسنادها ».
2- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه ، ح 1.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 36.
4- الهداية : 73.
5- الرسائل العشر : 157.
6- المهذب 1 / 39 ؛ الوسيلة : 47.
7- منتهى المطلب 1 / 254.

وهل المعتبر في الدخول في الأمكنة المتّسعة كأفنية الدور ونحوها على الدخول فيها أو موضع الجلوس فيها؟ وجهان.

ويحتمل أيضا إلحاقها بالصحاري ، فيجري فيها الوجهان المذكوران. والمدار في المواضع المبنيّة على الدخول في الفضاء الذي يقعد فيه لا الدخول في موضع المبني في وجه قوي ، وإن كان مراعاة الأمرين في بعض الصور أولى.

ومنها : الوقوف عند باب المتوضأ والالتفات إلى الملكين والقول بالمأثور ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان اذا أراد الحاجة وقف عند باب المتوضأ ثم التفت عن يمينه ويساره إلى ملكيه فيقول : « أميطا عني فلكما اللّه على أن لا أحدث بلساني حتى أخرج إليكما » (1).

ومنها : التسمية عند الدخول للخبر : « إذا دخل الخلا قال : بسم اللّه » (2).

ويقوى الاعتبار في الصحاري بمحل الخلاء ، وفي الأماكن المتّسعة الوجهان الماضيان (3).

ويجزي ذلك في ساير الأحكام المتعلّقة بالدخول ونحوه.

ومنها : الدعاء بالمأثور عند الدخول ، ففي الصحيح : « إذا دخلت المخرج فقل : بسم اللّه اللّهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم » (4).

وعن الصادق عليه السلام : « من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء : بسم اللّه وباللّه من الرجس النجس الشيطان الرجيم إن اللّه هو السميع العليم » (5).

وظاهر هذه الرواية اختصاص الدعاء المذكور بصورة قصد الغائط وإطلاق الأخبار ظاهره الأول ، وغيرها يعمّ قصد البول أيضا.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه كان إذا أراد دخول المتوضّى قال : « اللّهم إني أعوذ بك من الرجس

ص: 414


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب استحباب التقنع عند دخول الخلاء ، ح 39.
2- الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي : 206.
3- الكلمة في المخطوطة مشوّشة قد تقرأ « المعاضيان » أو « المعارضيان ».
4- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ... ، ح 1.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 25 باب ارتياد المكان للحدث ، ح 42 ، ولم نجد الفقرة الأخيرة « إنّ اللّه هو السميع العليم » في المصادر المطبوعة المراجع إليها.

النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللّهم أمط (1) عنّي الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم » (2).

وهذه الرواية صريحة في كون الدعاء قبل الدخول في الخلاء أو حاله.

ولعله المراد من الأخبار الأخر أيضا وإن كان ظاهر الشرط قاضيا بكونه بعده.

ويمكن أن يجعل كل منهما مستحبّا برأسه ، اللّهم إنّهم لم يبنوا عليه ، مضافا إلى أن تلك العبارة ممّا يقال عرفا عند إرادة الدخول مع اقترانه بالتسمية المؤمية إليه.

ومنها : التسمية عند الكشف البول أو غيره ؛ للصحيح : قال النبي صلى اللّه عليه وآله : « إذا تكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل : بسم اللّه ، فإنّ الشيطان يغضّ بصره » (3).

وفي القوي عن أمير المؤمنين (4) نحوه.

وفيه : بغضّ بصره عنه حتى يفرغ. ويحتمل أن يراد بغضّ البصر معناه الحقيقي أو أنه كناية عن عدم التعرض لوسوسته.

ومنها : الدعاء حال الفعل ، فروى الصدوق ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : إذا انزجر قال : اللّهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » (5).

وروى ابن طاوس ، عن الباقر عليه السلام أنه قال : « فإذا جلس يقضي حاجته قال : اللّهم أذهب عني الأذى وهنّئني طعامي » (6).

ص: 415


1- في من لا يحضره الفقيه المطبوع : « أمت ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب ارتياد المكان للحدث والسنة في دخوله والآداب ، ح 37 ، وسائل الشيعة 1 / 307 ، باب استحباب التسمية والاستعاذة والدعاء بالمأثور عند دخول المخرج ج 5.
3- تهذيب الأحكام 1 / 353 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح 10.
4- ثواب الأعمال : 15.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح 37 وفيه : وإذا تزحر قال : « اللّهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » تزجر بالزاي والحاء المهملة المشددة : التنفس بأنين وشدة.
6- فلاح السائل : 49.

وهذه الرواية تعم قبل الفعل أيضا على وجه ، فظاهره ما ذكرناه.

ومنها : الدعاء عند النظر إلى الحدث ، فعن الصادق عليه السلام : « ما من عبد إلّا وبه ملك موكّل يلوي حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك : يا بن آدم هذا رزقك فانظر ) (1) من أين أخذته وإلى ما صار ، فعند ذلك ينبغي للعبد أن يقول : اللّهم ارزقني الحلال وجنّبني الحرام » (2).

ومنها : الدعاء بعد الفراغ من الحاجة ، ففي رواية أبي خديجة : « فإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وهنّأني طعامي » (3).

وفي رواية أبي أسامة : « فإذا فرغت قلت : الحمد لله على ما أخرج منّي من الأذى في يسر منه وعافية » (4).

وفي رواية أبي بصير : « فإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عنّي الأذى » (5).

وليس في هذه الروايات تصريح بكون هذه الدعوات بعد الفراغ من الغائط ، فيحتمل ثبوت الحكم للبول أيضا.

وكأن الظاهر من سياقها إرادة الأوّل.

وفي رواية أخرى لأبي بصير : « فإذا فرغت - أي من الغائط - فقل : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وأذهب عنّي الغائط وهنّأني وعافاني ، والحمد لله الذي يسّر وسهّل المخرج وأمضى ( وأماط خ ل ) الأذى » (6).

ومنها : غسل اليد اليمنى ، والدعاء بقوله : « بسم اللّه وباللّه الحمد لله الذي جعل الماء

ص: 416


1- ما بين الهلالين من قوله : « حتى أنه كان إذا أراد » إلى هنا لم يرد إلّا في ( د ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح 38 ؛ بحار الأنوار 77 / 164 ، باب علة الغائط ، ح 2.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 29 ، باب المياه وطهرها ، ونجاستها ، ح 58.
4- المحاسن 1 / 278.
5- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 1.
6- بحار الأنوار 77 / 179 ، باب آداب الخلاء ، ح 27.

طهورا ولم يجعله نجسا » (1) ؛ لرواية عبد الرحمن بن كثير.

ويحتمل أن يكون التسمية هنا أيضا مستحبا برأسه ، ولا يبعد أن يكون استحباب غسل اليد عند كون الآنية مفتوح الرأس ليحتاج إلى إدخال اليد في الإناء.

ومنها : الدعاء حال الاستنجاء ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه استنجى فقال : « اللّهم حصّن فرجي واعفه واستر عورتي وحرّمني على النار » (2).

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنّه إذا استوى جالسا للوضوء قال : « اللّهم أذهب عنّي القذى والأذى واجعلني من المتطهّرين » (3).

وظاهره يعمّ حال الاستنجاء وقبله.

ومنها : الدعاء بعد الاستنجاء ، ففي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام : « فإذا فرغت - يعني من الاستنجاء على ما هو الظاهر من العبارة - فقل : اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين » (4).

وفي المشارق (5) : انّ الحكم باستحباب الدعاء بعد الفراغ من الاستنجاء أشهر بين الأصحاب.

ومنها : الدعاء عند القيام من الحاجة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « كان نوح كبير الأنبياء إذا قام من الحاجة قال : الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في جسدي منفعته وأخرج عنّي أذاه ومشقّته » (6).

ومنها : الدعاء بعد الخروج ومسح البطن ؛ لما حكاه في الغنية عن علي عليه السلام : « أنّه إذا

ص: 417


1- المحاسن 1 / 45.
2- المحاسن 1 / 45.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 37.
4- فقه الرضا عليه السلام : 78.
5- مشارق الشموس 1 / 80.
6- بحار الأنوار 77 / 190 ، باب آداب الخلاء ، ح 45.

خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي أخرج منّي أذاه وأبقى (1) قوّته ، فيا لها من نعمة لا يعذر القادرون قدرها » (2).

والمستفاد من الرواية كون استحباب المسح منضمّا إلى الدعاء ، فما ذكره بعض الأصحاب من استحباب مسح البطن حينئذ مستقلّا لا وجه له.

وفي الصحيح عنه عليه السلام : « أنّه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذّته وأبقى قوّته في جسدي وأخرج عنّي أذاه ، يا لها من نعمة - ثلاثا - » (3).

وفي صحيحة أخرى : « إذا خرجت فقل : بسم اللّه والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عنّي الأذى » (4).

ويحتمل كما مرّ أن يراد به حال الخروج. وحينئذ فيمكن عدّ التسمية للخروج مستحبّا برأسه.

ومنها : الاعتماد على اليسرى حال الجلوس ؛ لأنّه عليه السلام علّم أصحابه الاتّكاء على اليسرى كما في النهاية (5) ، وأسنده في الذكرى (6) إلى الرواية ، وزاد في الروضة (7) استحباب فتح اليمنى معه.

ولم نجد مأخذة وكأنّه جعله لازما للأوّل.

ومنها : البدأة بالمقعدة ثمّ بالإحليل ؛ للموثق. وربّما يعلّل بعدم تنجّس اليد عند الاستبراء.

ص: 418


1- زيادة في ( د ) : « فيّ ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 24 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 40.
3- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 16.
4- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 1.
5- نهاية الاحكام 1 / 81.
6- الذكرى 1 / 167.
7- الروضة البهية 1 / 341.

ومنها : تعجيل الاستنجاء من البول ؛ للصحيح : « إذا انقطعت درة (1) البول فصبّ الماء » (2).

وفي رواية أخرى : رأيت أبا الحسن عليه السلام يبول غير مرّة ويتعاول كوزا صغيرا ويصبّ عليه الماء من ساعته » (3).

وربّما يعم الحكم للاستنجاء من الغائط أيضا.

ومنها : إيثار الماء في مخرج الغائط مع عدم التعدّي عن المعتاد ؛ للمستفيضة (4) الواردة في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (5).

ومنها الصحيح والمعتبرة (6) وغيرها.

والمراد باستحبابه أفضليّته من الآخر ، فلا ينافي وجوبه تخييرا.

أو يقال : يتعلق الندب عينا بالخصوصيّة ، فلا ينافي وجوب تعيين الازالة من حيث هي.

أو يقال بعدم المنافاة بين وجوب الطبيعية وندبية الفرد.

والأول أظهر على ما هو الظاهر من امتناع اجتماع الأمر والنهي. وأكمل منه الجمع بين المطهّرين في المتعدّي وغيره ، وخصّه الشهيد بالأوّل مقدّما للأحجار ؛ لقوله عليه السلام : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاث أحجار أبكار ويتبع بالماء » (7) ؛ لما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة.

ص: 419


1- في النسخ المخطوطة : « مرة » ، وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعدم الخروج والاستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الدخول وعند الوضوء ح 8.
3- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 34.
4- الخصال : 192 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « جرت في البراء بن محرور الأنصاري ثلاث من السنن أما أولهن فإن الناس كانوا يستنجون بالأحجار فأكل البراء من محرور الدباء فلان بطنه فاستنجى بالماء فأنزل اللّه عزوجل فيه : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) فجرت السنة في الاستنجاء بالماء ».
5- البقرة : 222.
6- لم ترد في ( ب ) : « المعتبرة ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 69.

وفي حصول السنّة بإزالة عين النجاسة بما لا يوجب طهر المحل كاستعمال النجس أو الاكتفاء بما دون الثلاث إذا نقي المحل به وجه يقضي به التعليل الأخير.

ولذا احتمله (1) في الروضة إلّا أنّ ثبوت الحكم الشرعي بمجرّده لا يخلو من خفاء.

ومنها : الإتيان (2) في الاستنجاء إذا حصل النقاء بما دونه ؛ لقوله عليه السلام : « إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء » (3).

ومنها : إعداد الأحجار. ذكره بعض الأصحاب لقوله عليه السلام : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليندب معه بثلاثة أحجار ، فإنّها تجزي » (4).

ومنها : الصبر هنيئة قبل الاستبراء (5). ذكره العلّامة والشهيد. ولم نعرف مستند.

وقد يستدل على خلافه بظاهر الخبرين الماضيين.

ولا يخفى ضعفه.

ومنها : الاستبراء على المعروف من المذهب ، بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه ؛ إذ لا يعرف خلاف فيه إلّا من الشيخ في الاستبصار (6) حيث عنون الباب لوجوب الاستبراء.

وحمله على إرادة مطلق الثبوت ليس بالبعيد ، ولذا ناقش بعض المتأخّرين في إسناد الوجوب إليه.

وكيف كان فاحتجّ له بظاهر الطلب الوارد في صحيحتي حفص وابن مسلم ، ودلالتهما على ذلك في غاية الضعف ، بل الظاهر بملاحظة المقام عدمه.

مضافا إلى فهم الأصحاب بل وإطباقهم على خلافه مع تأيّده بالأصل وخلوّ سائر الأخبار عنه ، بل قد يستظهر من جملة من الأخبار وعدمه كالخبرين المتقدمين ، وفي رواية

ص: 420


1- في ( ألف ) : « احتمل ».
2- في ( د ) : « الايتار ».
3- الإستبصار 1 / 52 ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (148) 3.
4- السنن الكبرى 1 / 103 وليس من طريق الخاصة.
5- لم ترد في ( ب ) : « ذكره ... الاستبراء ».
6- الإستبصار 1 / 48.

أخرى : بال أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا قائم على رأسه (1) ، فلمّا انقطع خشب (2) البول قال بيده إليّ هكذا فناولته [ بالماء ] فتوضّأ مكانه » (3).

ثم إنّ كلام الأصحاب وظواهر الأخبار اختلاف في كيفيّة الاستبراء ، فذهب المفيد (4) إلى الاكتفاء فيه بأربع مسحات حيث اعتبر المسح باصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرّتين أو ثلاثا ووضع مسحته تحت القضيب وإبهامه فوقه وإمرارها عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرّتين أو ثلاثا.

وعن السيد (5) أنّه نتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرّات. وحكى ذلك عن الاسكافي أيضا.

وعن الصدوق في الهداية (6) والغنية (7) أنّه المسح باصبعه من عند مقعده إلى الأنثيين ونتر ذكره ثلاثا.

ونحوه ما في الوسيلة (8) إلّا أنّه اعتبر النتر بكونه بين الإبهام والسبابة.

وعن الشيخ في المبسوط (9) والنهاية (10) أنه مسح ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثا ، ومسح القضيب ونتره ثلاثا.

وهو يرجع إلى كلام الصدوق إن جعل قوله « ونتره ثلاثا » بيانا للمسح وإلّا رجع إلى

ص: 421


1- في الكافي هنا زيادة : « ومعي إداوة أو قال كوز ».
2- في النسخ المخطوطة : « سحت » ، وما أدرجناه من الكافي المطبوع.
3- الكافي 3 / 21 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 8.
4- المقنعة : 40.
5- نقله عنه في منتهى المطلب 1 / 255.
6- الهداية : 76.
7- غنية النزوع : 37.
8- الوسيلة 47.
9- المبسوط 1 / 17.
10- النهاية 1 / 10.

اعتبار التسع كما في الشرائع (1) والمنتهى (2) والقواعد (3) والروض (4) وغيرها حيث اعتبر فيها المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ، ثمّ مسح القضيب ثلاثا ثمّ نتره ثلاثا.

وقال في السرائر (5) انّه المسح باصبعه من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثا ثمّ يمرّ إصبعه على القضيب ويخرطه ثلاثا.

ويجزي فيه الوجهان المذكوران ، والأظهر فيه الأوّل وجرى (6) إليه القول بكونه نتر القضيب من أصله إلى رأسه من غير اعتبار عدد ولا شي ء زائد.

وفي الدروس (7) : أنه المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثمّ إلى رأسه ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

وفي البيان (8) والروضة (9) : أنّه مسح ما بين المقعدة وأصل القضيب ثلاثا ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

فهذه أقوال ستّة أو سبعة.

وأمّا الأخبار الواردة في بيانه :

فمنها : صحيحة حفص بن البختري : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي » (10).

ص: 422


1- شرائع الإسلام 1 / 23.
2- منتهى المطلب 1 / 42.
3- قواعد الأحكام 1 / 180.
4- روض الجنان : 25.
5- السرائر 1 / 96.
6- في ( د ) : « عزى ».
7- الدروس 1 / 89.
8- البيان : 6.
9- الروضة البهية 1 / 341.
10- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ، ح (136) 1.

ومنها : صحيحة ابن مسلم : « يعصر أصل ذكره إلى طرفه » (1) كما في الكافي (2).

و « إلى ذكره » كما في التهذيب (3) وإلى رأس ذكره كما في الاستبصار (4) : « ثلاث عصرات ونتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول ». ورواه الحلي في مستطرفات السرائر (5) عن كتاب حريز ، عن الصادق عليه السلام.

ومنها : حسنة عبد الملك بن عمرو : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ استنجى ، فإن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبال » (6).

ومنها : ما رواه الراوندي بإسناده عن موسى بن إسماعيل بن موسى عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ يسلّها ثلاثا » (7).

ومنها : ما رواه أيضا بإسناده المذكور (8) عنه عليه السلام قال : « كان النبي صلى اللّه عليه وآله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرّات » (9).

فهذه الأخبار كما ترى مختلفة ، ولا يوافق ظاهر شي ء منها شيئا من الأحوال المذكورة سوى الصحيحة الأولى والرواية الأخيرة ، فإنّهما منطبقان على مذهب السيد. وبهما يتقوّى القول المذكور كما قوّاه جماعة من المتأخرين مع اعتضاده بما دفعه للأصل.

وقد يستدلّ على اعتبار (10) التسع بالجمع بين الأخبار المذكورة.

ص: 423


1- الكافي 3 / 19 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 1.
2- في ( ب ) : « المدارك ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 28 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 10.
4- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء ، قبل الاستنجاء من البول ، ح (137) 2.
5- السرائر 3 / 587.
6- الإستبصار 1 / 94 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 13 مع اختلاف.
7- كتاب النوادر : 189.
8- لم ترد في ( ب ) : « عنه عليه السلام .. المذكورة ».
9- كتاب النوادر : 230.
10- في ( ألف ) : « اعتباره ».

ولا يخفى ضعفه.

نعم ، لا ريب في كونه أحوط وأبلغ في الاستظهار ، ولا يبعد القول بجواز كلّ من الوجوه المذكورة في الأخبار المعتبرة ، بل يمكن أن يقال : إنّ المستفاد من اختلاف الأخبار هو أنّ المناط حصول الاطمئنان بعدم بقاء شي ء (1) في الممرّ ، فبأيّ نحو حصل من الوجوه المذكورة كفى.

وعلى هذا فيحتمل الاكتفاء بغير ذلك ممّا يوجب الطمأنينة بذلك ككثرة المشي ونحوها ، فيجري عليها حكم الاستبراء.

ثمّ إنّ الظاهر على القول باعتبار المسحات فيه استيعاب المسح بالنسبة إلى مجرى البول ، فلا يعتبر فيه مسح جميع ظاهر الجلد في وجه قويّ.

هذا ، والمعروف ثبوت حكم الاستبراء في خصوص الرجل.

وعن العلامة : أنّها تستبرئ عرضا ، وهو خروج عن مدلول النصّ ، فإن سلّم استحبابه لما فيه من مراعاة الاحتياط ، فلا تأمّل في عدم جريان حكمها من بعض الطهارة بالبلل المشتبه الخارج به أو قبله.

وهل يجري ذلك في الخنثى؟ وجهان يجريان في غير المشكل أيضا. والأقوى فيه العدم.

ص: 424


1- زيادة في ( د ) : « من البول ».

تبصرة: [ في مكروهات التخلّي ]

يكره للمتخلّي أمور :

منها : استقبال جرمي الشمس والقمر بالقبل والدبر حال البول والغائط ؛ لقوله عليه السلام في الحسن : « لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به » (1).

وقوله عليه السلام في الخبر : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (2).

وفي حديث المناهي : « نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو للقمر » (3).

وهذه الأخبار الثلاثة دالّة على حكم خصوص الاستقبال في البول ، وكأنّه لذا اقتصر الشيخ في جملة من كتبه وغيره على ذلك. وفي مرسلة الفقيه في حدّ الغائط : « لا يستقبل الهلال ولا يستدبره » (4).

وفي مرسلة الكافي المذكورة في حدّ الغائط أيضا : « لا يستقبل الشمس ولا القمر » (5).

وهاتان تدلّان على حكم الغائط إلّا أنّهما لا تدلّان على حكم الاستدبار سوى استدبار الهلال. وقد يراد بالاستقبال فيها الاستدبار ، فيكون المتروك حكم الاستقبال في الغائط.

وكيف كان ، فالأظهر شمول الحكم للصورتين كما يجي ء بيانه.

ص: 425


1- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 31.
2- تهذيب الأحكام 1 / 34 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 30.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر جهل من مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله ، ح 4968.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 26 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 48.
5- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح 3.

ثمّ إنّ قضيّة الأخبار المذكورة هو التحريم ؛ لظاهر النهي إلّا أنّه محمول على الكراهة ؛ لفهم جمهور الأصحاب منها ذلك (1) ، ولخلوّ الأخبار المذكورة في حدّ الغائط عنه الظاهرة في عدم حرمته ، ولضعف كثير منها ، فلا تنهض حجّة على الحرمة.

فظهر بذلك ضعف ما عزي إلى المفيد من تحريم استقبال النيّرين بالفرج حال البول والغائط ، وما حكي عن الديلمي من النهي عن استقبال النيّرين في البول إن حمل على الحرمة ، وما ذكره محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء الأصحاب من عدم جواز استقبالها (2) « بقبل ولا دبر » (3) معلّلا بأنّهما آيتان من آيات اللّه تعالى.

وما عزي إلى الصدوق من تحريم الجلوس للبول والغائط مستقبل الهلال أو مستدبره (4) يحتمل ذلك تحريم كلّ من الأمرين على كلّ من الحالين وتحريم الاستقبال حال البول والاستدبار عند الغائط.

وينبغي أمور :

أحدها : المدار في الاستقبال على نفس الفرج دون البدن ؛ لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

وهو ظاهر الشرائع (5) والمنتهى (6) والقواعد (7) وغيرها ممّا قيّد فيه الاستقبال بكونه بالفرج.

ص: 426


1- زيادة في ( ب ) : « ضعف ما عزا إلى المفيد من تحريم استقبال المفسرين بالفرج » ، والعبارة مرتبطة لما بعدها كما يستجي ء.
2- في ( د ) : « استقبالهما ».
3- بحار الأنوار 77 / 194 ، باب آداب الخلاء ح 53.
4- في ( ألف ) : « واستدبره ».
5- شرائع الإسلام 1 / 15.
6- منتهى المطلب 1 / 242.
7- قواعد الأحكام 1 / 180.

وفي كشف اللثام (1) : اقتصر الأكثر على ذكر الاستقبال بالفرج.

وأطلق الاستقبال في الإرشاد (2) والدروس (3) والبيان (4) واللمعة (5).

وظاهره يعطي أنّه كالقبلة يراعى فيه البدن ، ويمكن حمله على الأوّل.

وفي كلام بعض المتأخرين نفي البعد عن كراهته (6) أيضا.

وكأنه لإطلاق الروايتين الأخيرتين مع ادّعاء عدم دلالة الأخبار الاخر على نفي الكراهة عن الاستقبال بغير الفرج.

وفيه ما لا يخفى.

والّذي يتقوّى في النظر اختصاص الحكم في البول بالاستقبال بخصوص الفرج ؛ لنصّ الأخبار المذكورة ، وأمّا في الغائط فظاهر الخبرين اعتبار استقبال الشخص ، مضافا إلى أنّ الغالب عدم حصول استقبال الفرج هناك فيقيّد الإطلاق به في غاية البعد.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع (7) والعلّامة (8) في غير واحد من كتبه والشهيد في الدروس (9) واللمعة (10) اختصاص الكراهة بالاستقبال حال البول والاستدبار حال الغائط ، فلا يمكن (11) عكسه.

ص: 427


1- كشف اللثام 1 / 23.
2- إرشاد الأذهان 1 / 221.
3- الدروس 1 / 88.
4- البيان : 6.
5- اللمعة الدمشقية : 17.
6- في ( ألف ) : « كراهة ».
7- شرائع الإسلام 10 / 14.
8- تحرير الأحكام 1 / 62 ، وتذكرة الفقهاء 1 / 119.
9- الدروس : 89.
10- اللمعة الدمشقية : 17.
11- في ( د ) : « يكره ».

وبه نصّ في نهاية الإحكام (1) والمدارك (2). ولا يبعد القول بعموم الكراهة للحالين حال [ البول و ] الغائط ؛ لعدم التفاوت في النسبة ظاهر [ ا ].

ولظاهر مرسلة الصدوق المتقدمة ، وثبوتها بالنسبة إلى الهلال قاض بثبوتها في القمر.

ويستفاد منه الحكم في الشمس أيضا.

وأمّا في البول فالظاهر اختصاص الكراهة فيه بالاستعمال ؛ لظاهر النصوص المذكورة وعدم قيام شاهد بالتعميم.

وربّما يستدلّ عليه بمساواته الاستقبال في الاحترام. وفيه منع ظاهر.

ثالثها : المراد بالاستقبال هنا ظهوره مقابل أحد النيّرين ؛ لظاهر الأخبار المذكورة ، فلا عبرة هنا بالجهة ، فلو حصل بينهما حاجب من غيم أو جدار أو يد أو ثوب أو غير ذلك ارتفعت الكراهية.

وبه نصّ في المنتهى (3) والروض (4) والمدارك (5) وغيرها. وكأنّه الظاهر من الباقين ؛ لظهور الاستقبال فيه في المقام.

رابعها : لا فرق في الحكم بين ظهور تمام القرص وبعضه كما عند طلوعه أو غروبه وكمال وضوحه وعدمه كما عند الغيم الخفيف أو الحاجب الغير الساتر بعينه وإضاءته وعدمها كما في القمر نهارا.

والأظهر اعتبار رؤيته ، فلو استقبل الشمس والقمر في المحاق لم يلزم منه استقباله.

وكذا لا فرق بين أمارته وكسوفه كلّا أو بعضا إلّا أنّه عند كسوف الشمس يكون الاستقبال للقمر ، كذا في الروض.

ص: 428


1- نهاية الإحكام 1 / 82.
2- مدارك الأحكام 1 / 178.
3- منتهى المطلب 1 / 242.
4- روض الجنان : 26.
5- مدارك الأحكام 1 / 178.

وفيه تأمّل لا يخفى.

وعليه فيكون الاستقبال لهما مع كون الكسوف جزئيا. ويظهر الثمرة في ذلك أيضا في النذر ونحوه.

خامسها : في أكثر الأخبار والفتاوى إناطة الحكم باستقبال الفرج ، ففي انسحاب الحكم إلى كلّ مخرج للبول والغائط ولو كان عارضيا وجه.

ولا يبعد اعتبار الاعتياد في الحاصل بالعارض ، أمّا المجبوب فالظاهر أنّ حكمه حكم غيره.

سادسها : لا فرق في الحكم المذكور بين الرجل والمرأة. وهو ظاهر الأصحاب وإن كان مورد الأخبار خصوص الرجل.

وفي جريان الحكم في الصبيّ والصبيّة وجه قويّ ، فيكره لغيرهما استقباله بهما كذلك حال أحد الأمرين ، واللّه العالم.

ومنها : استقبال الريح واستدبارها حال البول والغائط ؛ لقوله عليه السلام في رواية الخصال (1) : « ولا يستقبل ببوله الريح ».

وقول الحسن عليه السلام في مرفوعة عبد الحميد بعد السؤال عن حدّ الغائط : « لا تستقبل الريح ولا تستدبرها » (2).

ونحوه مرفوعة محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبي الحسن عليه السلام (3).

ورواه في المقنع (4) مرسلا عن الرضا عليه السلام.

وكأنّ المراد بالغائط هنا ما يعمّ البول على نحو ما ذكروا في الآية ، فالمقصود بيان حال التخلّي أو خصّ بالذكر من جهة ملازمته للبول ، والأكثر اقتصروا على ذكر استقبال الريح ، فلم

ص: 429


1- الخصال : 614.
2- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ، ح (131) 2.
3- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أيتغوط فيه أو يبال ، ح 3.
4- المقنع : 20.

يذكروا الاستدبار.

وإما لجمود الحكم بالغائط. وكأنّهم نظروا إلى رواية الخصال أو إلى ما علّلوه به من خوف الترشّش مع ما ورد من الحثّ على التوقّي من البول.

وأطلق الشهيد في الدروس واللمعة كراهة استقبالها حال التخلّي ، فيعمّ كلا الحالتين.

ونصّ في الأخير على كراهة الاستدبار أيضا.

ونصّ في الروض على عدم الفرق بينهما. وصرّح في الروضة بكلا التعميمين.

وهو الأقوى ؛ لما عرفت.

ورواية الخصال والعلّة المذكوران لا تدلّان على انتفاء الكراهة في غير الصورة المفروضة ، مع أنّه يحتمل أن يكون العلّة احترام الريح من جهة الملك المصاحب لها كما ذكره بعض القدماء (1) ؛ تعليلا للحكم المذكور.

ومن العجب غفلة صاحب الحدائق عن الرواية المذكورة ، فتعجب من الجماعة حيث خصّوا الكراهة بالبول معلّلين بخوف الردّ والاستقبال مع اختصاص الرواية بالغائط من دون التعليل واشتمالها على الاستدبار.

ومنها : الجلوس في الشوارع ، وهي الطرق النافذة والمشارع ، وهي موارد المياه كشطوط الأنهار ، ونحوها رءوس الآبار وظل النزّال.

والمراد به الظلّ المعدّ لنزول القوافل كظلالة الجدران والأشجار المعدّة لذلك ومواضع اللعن. وفسّرت في الصحيح بأبواب الدور (2). ولعلّه محمول على المثال ، فيعم المذكورات وغيرها ممّا يوجب إيذاء الناس كالمواضع المتّسعة أمام المساجد.

وأطلق لفظ « الأفنية » في القواعد (3) والدروس (4) ، وصرّح بالتعميم لأفنية المساجد ؛

ص: 430


1- في ( د ) : « قدماء الأصحاب » بدل : « القدماء ».
2- الكافي 3 / 15 ، باب مواضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ح 2.
3- قواعد الأحكام 1 / 181.
4- الدروس 1 / 89.

( والدور والبساتين. وفي كشف اللثام (1) : وكأنّه للدخول في مواضع اللعن وإلّا فالموجود في الرواية هو أفنية المساجد ) (2) كلّ ذلك للروايات.

ولا يبعد اختصاص الكراهة بما إذا كانت الأماكن المذكورة على الإباحة ، وأمّا إذا كانت وقفا فلا تأمّل في الحرمة إذا استضرّ به الموقوف عليهم كما في الأغلب. ولو كانت ملكا حرم التصرف فيه من دون إذن المالك.

وهل يكره ذلك للمالك؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك مع جعلها موردا للوارد ، فلو كان النّهر في ملكه المحصور قوي انتفاء الكراهة.

وعن النهاية (3) : أنّه لا يجوز التغوّط على شطوط الأنهار والطرق النافذة وأبواب الدور وفي ء النزّال.

وعن المقنعة (4) : عدم جوازه على المشارع والشوارع والأفنية ومنازل النزّال.

فإن حملت على ظاهرها من المنع فمستندها بعض النواهي الدالّة على المنع ، وهي محمولة على الكراهة كما يرشد به سياقها ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

ولو اختصّ نزول القوافل فيها بوقت مخصوص ففي ثبوت الكراهة في غيره وجهان ؛ من عدم إضرارهم ، ومن الإطلاق وتضرّرهم بتنجّس المحلّ إن علموا بالحال أو لم يعلموا به في وجه.

ثمّ في ثبوت الكراهة في ذلك كلّه في المواضع الّتي لا يتردّد فيها المسلمون وجهان.

ومنها : التخلّي على القبور - وبينها ؛ للصحيح : « من تخلّى على قبر .. » إلى أن قال : « فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه وأسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان

ص: 431


1- كشف اللثام 1 / 232.
2- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).
3- النهاية : 10.
4- المقنعة : 41.

وهو على بعض هذه الحالات » (1).

والخبرين : « ثلاثة يتخوف منها الجنون .. » وعدّ منها التغوّط بين القبور.

وفي استفادة كراهة البول من ذلك إشكال.

هذا إذا كان في محلّ مباح ، وأمّا إذا كان في المملوك فلا تأمّل في المنع.

والظاهر ثبوت الكراهة إذن للمالك أو لمن أذن له.

ولو كان في التخلّي فيها هتك للمذهب حرم قطعا ، بل ربّما أوجب كفر الفاعل كقبور من يجب احترام قبورهم من الشهداء والعلماء والزهّاد وأهل الفضل والصلاح ممّن له مزيد اعتناء عند أهل الإسلام.

والظاهر ثبوت الكراهة بالنسبة إلى قبور الكفّار أيضا ، لإطلاق الروايات وإنّ الحكمة فيه عدم عود الضرر إلى الفاعل كما هو ظاهر الأخبار لا مراعاة حال الميّت.

ولو تخلّى على القبر في أبنية ، ففي ثبوت الكراهة وجهان : أقواهما العدم لخروجه عن مدلول الأخبار.

وهل يسقط الكراهة مع اندراس الميّت وجهان ؛ أقواهما بقاء الكراهة إلّا إذا خرج عن اسم القبر.

ولا فرق بين قبور البالغين والأطفال إلّا في نحو السقط ؛ للشك في شمول الإطلاق سيّما إذا لم تلجه الروح ، وإذا كان مدفنا لبعض الإنسان أو عظامه تبع لصدق اسم القبر.

ومنها : التخلّي تحت النخيل والأشجار المثمرة ؛ للأخبار المستفيضة ، وهي محمولة على الكراهة كما يظهر من سياقها ، ولخلوّ الأخبار الواردة في حدّ الغائط عنه.

وعن الصدوق (2) والمفيد (3) الحكم بعدم الجواز.

وهو ضعيف.

ص: 432


1- الكافي 6 / 533 ، باب كراية أن يبيت الإنسان وحدة والخصال المنهي ح 2.
2- المقنع : 8.
3- المقنعة : 41.

والمدار في الأثمار مسمّاه.

وفي جريان الحكم لكلّ ذوات الأحمال ممّا يؤكل حملها ممّا لم يعد ثمرة كالسمّاق وجهان.

ثمّ إنّ الموجود في عدة أخبار إطلاق الشجرة المثمرة ، وذكر في بعضها مساقط الثمار ، وعن جماعة من الأصحاب حمله على ما شأنه الإثمار وإن لم تكن مثمرة بالفعل ؛ معلّلا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتقّ.

وفيه : أنّ ذلك لو سلّم فهو أخصّ من المطلوب ؛ إذ بناء المسألة على ذلك يقتضي اعتبار حصول لفظ الثمرة الإثمار منه ولو مرّة ، واعتبار الثانية أعمّ منه ، فلا يتمّ التعليل إلّا أن يختصّ المدّعى بذلك أيضا.

وقد يعلّل بأنّ المتبادر من لفظ الثمرة عرفا هو ذلك ، فلا يبتني المسألة على صدق المشتقّ مع زوال المبدأ إلّا أنّ ما ذكر محلّ منع.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على اعتبار وجود الثمرة فيها كرواية الخصال : « وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت أو نخلة قد أينعت أي أثمرت » (1).

ورواية العلل : « إنّما نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يضرب أحد من المسلمين خلاءه تحت شجرة أو نخلة قد اثمرت لمكان الملائكة الموكّلين بها ، قال : ولذلك يكون الشجر والنخل انسا إذا كان فيها حمله لأنّ الملائكة تحضره » (2).

وفيه أيضا في وصيّة النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « وكره أن يحدث الإنسان تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت » (3).

ففي هذه الأخبار شهادة على أنّ ذلك هو المقصود من الإطلاقات ، ولذا اختاره جماعة من المتأخرين ، ومال إليه في المدارك (4) والذخيرة (5).

ص: 433


1- الخصال : 521 ، وليس فيه : « قد أينعت أو نخلة ».
2- علل الشرائع 1 / 278.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 357 ، باب النوادر ح 5762.
4- مدارك الأحكام 1 / 177.
5- ذخيرة المعاد 1 / 21.

ثمّ بناء على ما اخترناه لا يتوقّف الحكم على اتباع الثمرة كما قد يومي الرواية المتقدمة لإطلاق غيرها ، مضافا إلى تفسير الإتباع فيها بالإثمار ؛ إذ لا أقلّ من كون التفسير من الراوي وهو كاف فيه.

وهل يتوقّف على صدق اسم الثمرة عليه أو يكفي فيه مجرّد البروز وجهان.

ولا يبعد صدق اسم الإثمار بمجرّد ذلك وإن لم يصدق اسم الثمرة على الحمل ، أمّا مجرّد ظهور الطلع فليست إثمارا قطعا ، ولو يبست الثمرة عليها بحيث خرجت عن اسمها كأن صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ففي بقاء الكراهة وجهان ، كان أظهرهما ذلك.

ولو تخلّى تحت الشجرة في أفنية ونحوها مما يخرجها عمّا تحتها من دون تنجيس المحلّ ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة ، ولظاهر سائر الإطلاقات.

نعم ، لو علّل الحكم بعدم تنجيس الأثمار الواقعة تحت الشي ء أمكن القول بارتفاع الكراهة حينئذ ، لكن لا شاهد عليه.

ولو كان حاجب بين الشجرة وبينه لخباء ونحوه قوي ارتفاع الكراهة.

ومنها : البول في الماء جاريا كان أو واقفا. وفي كلام بعض الأصحاب أنّ الأوّل تورث السلس ، والثاني الحصر. وعلّل الأخير في رواية بأنّه « يورث النسيان » (1).

وفي أخرى بأنّه « منه يكون ذهاب العقل » (2).

والثاني أشدّ كراهة ، وهو الوجه في الجمع بين الأخبار ممّا يدلّ على إطلاق الكراهة وما يدلّ على الكراهة في خصوص الراكد ، وعلى ثبوته في خصوص الجاري وعلى عدمها فيه ، وعلى التفصيل بين القسمين كالصحيح : « لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الراكد » (3).

ص: 434


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 35.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر من جمل من مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله ، ح 4968.
3- تهذيب الأحكام 1 / 31 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 20.

وقد ذهب الصدوقان (1) - في ظاهر كلامهما - إلى التفصيل إلّا أنّ ظاهرهما المنع في الراكد ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة (2) إلّا أنّه وافق الأكثر في كراهته في الجارى.

وقد يرجع قولهم بالمنع في الراكد إلى المشهور.

وظاهر البحار (3) توقّفه في الكراهة بالنسبة إلى الجاري ، بل ربّما يظهر منه الميل إلى نفيها ، قال : وظاهر كثير من الأخبار عدم الكراهة.

ويضعفه دلالة غير واحد من النصوص على كراهيته بالخصوص كرواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام : « ولا يبولنّ في ماء جار ، فإن فعل ذلك فأصابه شي ء فلا يلومنّ إلّا نفسه فإنّ للماء أهلا » (4).

ومرسلة مسمع : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة » (5).

مضافا إلى تأيّدها بالإطلاقات وإطلاق كثير من الأصحاب ، فيحمل ما عارضهما على إرادة خفّة الكراهة ، بل كثير ممّا عارضهما ليس بصريح في انتفاء الكراهة.

والمراد بالجاري هنا هو الجاري من المادّة أو مطلق النابع على الخلاف أو المقصود مطلق الجريان ، أقواهما الأخير.

فالنابع الواقف ملحق بالراكد ؛ لظواهر الأخبار في المقام.

ولو بال خارجا عن الماء فجرى إليه ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك لظاهر التعليل.

ومنه يجي ء احتمال ثبوت الكراهة في صبّ البول في الماء.

ص: 435


1- الهداية : 74.
2- المقنعة : 41.
3- بحار الأنوار 77 / 169.
4- الخصال : 613.
5- الإستبصار 1 / 13 ، باب البول في الماء الجاري ، ح 525.

وقضية التعليل إن بني عليه كراهة صبّه على البول أيضا.

ومنه ينقدح احتمال كراهة في اجراء المياه إلى الميضات ؛ لإخراج ما فيها من القذارات كما هو المعتاد في بعض البلاد إلّا أنّ الحكم بالكراهة في ذلك كلّه لا يخلو عن إشكال.

وكيف كان ، فلا تأمّل في عدم الكراهة في الاستنجاء في الميضات بل وصبّ الماء فيها للتطهير ، وأمّا البول فيها مع اجتماع الغسالات فيها فالظاهر أنّه لا مانع منه أيضا ؛ لجريان السيرة عليه ، ولأن الغرض (1) عدم تلويث الماء بتلك القذارة ، وهي حاصلة فيه.

ومنه ينقدح احتمال زوال الكراهة بالنسبة إلى المياه والقذرة المصاحبة للنجاسات إلّا أنّ البناء على الإطلاق فيها أولى.

ولو امتزج البول بالدم بحيث خرج عن اسم البول ففي ثبوت الكراهة فيه أيضا وجهان : أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة.

ثمّ إنّه ذكر في نهاية الإحكام (2) أنّ البول في الماء في الليل أشدّ ؛ لما قيل من أنّ الماء في الليل للجنّ فلا يبال فيه ولا يغتسل ؛ حذرا من أصابتهم ، فإن عني به شدّة الكراهة فلم نعثر عليه في الأخبار وكراهة الاغتسال فيه إن بني على إطلاقه فهو مخالف لسائر إطلاقاتهم ، بل لم نعثر على قائل به.

هذا ، وفي جريان الحكم إلى الغائط وجهان ؛ من اختصاص النصوص بالبول ، ومن استفادته من التعليل أو من طريق الاولويّة كما قيل.

وهو الأظهر ، وعزي إلى الشيخين والأكثر.

ويدلّ عليه - بعد ما ذكر - مرسلة الدعائم عنهم عليهم السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : البول في الماء القائم من الجفاء ونهى عنه وعن الغائط فيه وفي النهر » (3).

ص: 436


1- قد تقرأ في ( ألف ) : « الفرض ».
2- نهاية الإحكام 1 / 83.
3- دعائم الإسلام 1 / 104.

وعن المفيد (1) المنع منه في الجاري والراكد.

وعن الديلمي نهيه عن ذلك فيها. ويشهد لهما المرسلة المذكورة.

ومنها : البول قائماً ، وفي البحار (2) أنّه لا خلاف في كراهته.

ويدلّ عليه عدّة أخبار كالقوي : « البول قائما من غير علّة من الجفاء » (3).

والصحيح العادلة من الأحوال الّتي إذا « أصاب صاحبه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه ، قال عليه السلام : وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الأحوال » (4).

وكذا الحال في التغوّط ؛ لرواية الخصال في وصية النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « وكره أن يحدث الرجل وهو قائم » (5).

ولا فرق بين ما إذا خاف من ترشّش البول عليه وعدمه وما إذا كان على حالة يفضي إلى الاحتراز عنه أو لا.

وفي نهاية الإحكام (6) : إنّ الأقرب أنّ العلّة هي التوقّي من البول ، فلو كان في (7) حال لم يقتصر إلى الاحتراز عنه كالحمّام زالت الكراهة.

وهو بعيد ؛ إذ ما ذكره استنباط محض لا شاهد عليه ، بل نصّ الرواية المذكورة دافعة له.

وفي مرسلة ابن أبي عمير (8) نفي البأس فيه حال النورة ، فقد يؤذن بتخصيص الحكم به.

ونحوه حسنة أخرى.

ص: 437


1- المقنعة : 41 ، قال في ماء الجاري : واجتنابه أفضل.
2- بحار الأنوار 77 / 174.
3- الخصال : 54.
4- الكافي 6 / 533 ، باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده والخصال المنهي ، ح 2 مع اختلاف.
5- لم نجده في الخصال ، انظر : من لا يحضره الفقيه 4 / 357 ، باب النوادر ، ح 5762 ، والذي في الخصال : 521 أنه : « كره البول على شط نهر جاري ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت ، وكره أن يتنعّل الرجل وهو قائم .. ».
6- نهاية الإحكام 1 / 83.
7- زيادة « في » من ( د ).
8- زيادة في ( د ) : « الصحيحة ».

وكأنّه لتضرّره حينئذ بالجلوس كما في مرسلة الفقيه من أن « من جلس وهو متنوّر خيف عليه من الفتق » (1) ، فلا يبعد تقييد الإطلاقات بهما.

وقد يحملان على الرخصة وتخفيف الكراهة حينئذ ، وكأنّه لذا (2) اطلقت الكراهة في كلام أكثر الأصحاب.

ومنها : تطميح البول في الهواء إمّا بالكون على مرتفع أو غيره ؛ للأخبار المستفيضة.

وفي بعضها التعليل بأنّ للهواء أهلا.

ولا ينافيه ما مرّ من استحباب (3) أو [ ... ] (4) المكان للبول كالكون على مرتفع ؛ إذ المقصود هناك التحرّز من ترشّش البول ، وهو حاصل بما دون ذلك.

وظاهر جملة من النصوص كراهة التطميح بمعنى رميه من المكان المرتفع ، والمستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة أنّه عبارة عن رميه في الهواء.

وقد نصّ عليه في الصحاح (5) والقاموس (6) ، وهو أعمّ من الأوّل.

وهو المراد بناء على الأظهر ؛ لإطلاق بعض ما دلّ على كراهة التطميح ، ولا دلالة في تلك الأخبار على التخصيص. وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب ، بل عزي إلى الأكثر.

وبه نصّ في كشف اللثام (7).

ونصّ في البحار (8) على إرادة الأوّل.

ص: 438


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 119.
2- في ( ألف ) : « إذا ».
3- كذا في ( ب ) ، ولعلّها في ألف : « انسحاب » ، قد تقرأ في ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير.
4- هنا بياض بمقدار كلمة في النسخ المخطوطة.
5- الصحاح 1 / 388 ( طمح ) وفيه : « وطمح ببوله ، إذا رماه في الهواء ».
6- القاموس المحيط 1 / 238 ( طمح ).
7- كشف اللثام 1 / 229.
8- بحار الأنوار 77 / 189.

وقد عرفت ما فيه.

وفي جريان الحكم في البول في البلاليع العتيقة ونحوها وجهان ؛ أقواهما العدم للشكّ في دخوله في التطميح.

وفي البحار (1) أنه محلّ إشكال.

وعدم الكراهة لا يخلو من قوّة.

وفي تسرية الحكم إلى الغائط وجه ؛ نظرا إلى ظاهر العلّة المذكورة. وكأنّ الأقوى خلافه.

ومنها : البول في الصلبة كما نصّ عليه جماعة. وعزاه في البحار (2) إلى الأصحاب.

ويدلّ عليه ما مرّ من استحباب (3) أو [ ... ] (4) المكان ما دلّ على التأكيد في التوقّي من البول.

ولا يذهب عليك أنّ ذلك إنّما يقتضي الكراهة مع خوف الترشّش خاصّة ، بل إذا كان على حالة يرجّح له التوقّي من النجاسة كما مرّ ؛ فإن حمل إطلاقهم عليه وإلّا فلا وجه له.

ثمّ إنّه لا مدخل في الحكم لخصوص الصلبة ، لعدم وروده في الاخبار ، وإنّما المناط ما ذكرناه من استحباب الماء والمحافظة عن البول (5).

ومنها : البول في الحمّام ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام « أنّه يورث الفقر » (6).

ومنها : البول في جحر الحيوانات. وعلّل بعدم الأمن من جراح حيوان (7) يلسعه ، حكي

ص: 439


1- بحار الأنوار 77 / 189.
2- بحار الأنوار 77 / 168.
3- كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، وفي ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير. وهنا سقط بعد هذه اللفظة إلى قوله : « الماء والمحافظة عن البول » في ( ب ).
4- هنا في النسخ المخطوطة بياض بمقدار كلمة.
5- في ( ب ) : « والمحافظة على عن البول »!
6- الخصال : 504.
7- في مخطوطات الأصل : « حسران ».

أنّ سعد بن قتادة (1) بال في جحر فاستلقى ميّتا فسمعت الجنّ تنوح عليه بالمدينة وتقول :

نحن قتلنا سيّد الخزرج سعد بن قتادة (2)

ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده (3)

ومنها : طول الجلوس على الخلاء ، فعن عليّ والباقر عليهما السلام : « انّه يورث الباسور » (4).

وعن لقمان : « أن مولاه أطال الجلوس على الخلاء فناداه أنّ طول الجلوس على الحاجة تفجع الكبد ويورث منه الباسور ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هونا وقم هونا ، فكتب حكمته على باب الحش » (5).

وكأن الكراهة مخصوصة بالجلوس على النحو المعروف كما هو ظاهر التعليل المذكور ، فلو لم يكن التقيّة من محلّ الجلوس لم يبعد ارتفاع الكراهة.

ومنها : مسّ الذكر باليمين بعد البول ؛ لمرسلة الصدوق : « إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه » (6).

ومنها : الاستنجاء باليمين ؛ للقوي نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « أن يستنجى الرجل بيمينه » (7).

وفي قويّة أخرى : « إنّ الاستنجاء باليمين (8) من الجفاء » (9).

وللفرق بين ما إذا أوجبت تلوّث اليد بالنجاسة أو لا.

ولا بين الاستنجاء بالماء أو غيره.

ص: 440


1- في المصادر : « عبادة ».
2- في المصادر : « عبادة ».
3- نقل البيتين في الاستيعاب 2 / 599 ، تاريخ مدينة دمشق 20 / 269.
4- الخصال : 18 ، في القاموس المحيط 1 / 272 ( بسر ) ؛ والباسور : علة معروف ، جمع : البواسير.
5- وسائل الشيعة 1 / 337 ، باب كراهة طول الجلوس على الخلاء ح 5 ، وفي المخطوطات : « الحشر » ، وما أدرجناه من الوسائل.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 55.
7- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج وعند الاستنجاء ، ح 5.
8- لم ترد في ( ب ) : « باليمين .. ولا بين ».
9- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ، ح 7.

ولا يكره صبّ الماء باليمين.

وفي تعميم الحكم للاستنجاء من البول إذا افتقر إلى المباشرة وجه ؛ لصدق الاستنجاء باليد (1) بالنسبة أيضا.

وفي بعض الأخبار كراهة مسّ الذكر باليمنى بعد البول كما سيجي ء إلّا أنّه اعتبار آخر غير الاستنجاء.

ومنها : الاستنجاء باليد الّتي فيها خاتم عليه اسم اللّه ؛ للمستفيضة الدالّة عليه.

وظاهرها يعطي التحريم كما هو الظاهر من بعض أفاضل المتأخرين إلّا أنّ جمهور الأصحاب حملوها على الكراهة.

وفي رواية وهب بن وهب دلالة عليه : « كان نقش خاتمه : العزّة لله جميعا ، وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام : الملك لله ، وكان في يده اليسرى يستنجي بها » (2).

وسياق هذه الرواية ظاهرة في التقيّة ، وإلّا فظاهرها عدم الكراهة أيضا.

فالاستناد إلى فهم الأصحاب في حمل تلك الأخبار على الكراهة أولى.

وعن جماعة من الأصحاب إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام للاشتراك في الاحترام.

قلت : وينبغي إلحاق آي القرآن به أيضا.

وقد يستشكل في الإلحاق بناء على القول بالمنع ؛ لخروجه عن مدلول النصّ.

هذا إذا لم يوجب تنجّس الكتابة ، ومعها فلا تأمّل في الحرمة في الجميع.

ومنها : استصحاب خاتم فيه اسم اللّه سبحانه أو شي ء من القرآن لجملة من الأخبار :

منها : الموثق : « لا يدخل المخرج » (3).

وفي رواية علي بن جعفر ، عن أخيه المرويّة في قرب الإسناد : « عن الرجل يجامع

ص: 441


1- لم ترد في ( ب ) : « باليد .. غير الاستنجاء ».
2- الإستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (134) 2.
3- الإستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (133) 1.

ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر اللّه أو شي ء من القرآن أيصلح ذلك قال : لا » (1).

وفي القوي : « الرجل يريد الخلا وعليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى قال : ما أحب ذلك ، قال : فيكون اسم محمّد صلى اللّه عليه وآله ، قال : لا بأس » (2).

وهذا شاهد على حمل غيره على الكراهة.

وفي جواز كونه في غير اليد الّتي يستنجي بها كما هو صريح غير واحد من الروايات صراحة في عدم التحريم ، بل ربّما قضى ظاهرها بعدم الكراهة أيضا.

وفي تسرية الحكم إلى اسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسائر الأنبياء صلوات اللّه عليهم وجهان.

وظاهر الرواية الأخيرة انتفاء الكراهة ، وكذا الكلام في آي القرآن.

وثبوت الكراهة لا يخلو عن قوّة. وفي تسرية الحكم إلى غير الخاتم ممّا يصحبه وجهان. وبه حكم بعض الأصحاب.

ومنها : غسل الحرّة فرج زوجها من غير علّة ، ففي الصحيح : المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال : « ولم من سقم » (3) قال : « ما احبّ للحرّة أن تفعل ، فأمّا الأمة فلا تضر » (4).

وهل الكراهة للزوجة أو للزوج أو لهما؟ وجوه ، وظاهر الفقرة الأولى من الجواب هو الأول ، والفقرة ظاهرة في الثاني.

ومنها : الأكل والشرب على ما نصّ عليه جماعة الأصحاب ؛ لمنافاتهما للحياء (5) المطلوب حال الخلاء.

ويدلّ على الأوّل مرسلة الفقيه المرويّة عن الباقر عليه السلام : « أنّه وجد لقمة في القذر فأخذها وغسلها ، ورفعها إلى مملوك معه فقال عليه السلام : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلمّا خرج عليه السلام قال

ص: 442


1- قرب الاسناد : 293.
2- الاستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (135) 3.
3- زيادة في ( د ) : « قلت لا ».
4- تهذيب الأحكام 3 / 356 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 31.
5- في ( د ) : « للخباء ».

للملوك : أين اللقمة؟ قال : أكلتها يا بن رسول اللّه ، فقال عليه السلام : إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة » (1) الخبر.

وروي نحو من ذلك عن مولانا الحسين عليه السلام (2).

وفيه دلالة ظاهر [ ة ] على كراهة الأكل ، ويمكن أن يستفاد منه الحكم في الشرب أيضا.

ومنها : التكلّم بغير ما استثني على المعروف بين الأصحاب ؛ للروايات المستفيضة كالصحيح بعد ما سأله « عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي والحمد لله أو آية الحمد لله ربّ العالمين » (3).

ورواية أبي بصير : « لا تتكلّم على الخلاء فانّ من تكلّم على الخلاء لم يقض له حاجة » (4).

ورواية صفوان : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلّمه حتّى يفرغ » (5).

مضافا إلى منافاته الاستحياء المطلق ، وظاهر الصدوق القول بالمنع ؛ لظاهر النهي.

وهو ضعيف.

ولا فرق بين تكلّمه لنفسه أو مع الغير. وفي تكلّمه بغير الموضوع وجهان.

ثمّ إنّه استثنى من ذلك أمور :

أحدها : أن يكون الكلام واجبا فوريّا كردّ السلام أو الدلالة على الوديعة مع طلب صاحبها أو جواب من يجب طاعته إذا تعلّق غرضه بالجواب في الحال.

ولو كان الوجوب تخييريّا ففي ارتفاع الكراهة وجهان أقواهما ذلك.

ص: 443


1- عوالى اللئالي 2 / 188 ، وفيه : « لقمة خبز في القذر ».
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 48.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 57.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 61 وفيه : « لم يقض له حاجته ».
5- علل الشرائع 1 / 284.

وفي ارتفاعها بكون السائل مؤمنا سيّما إذا تعلّق بحاجة ضروريّة أو كان موجبا لكسر قلبه وجه قويّ ، وإن كان قضيّة إطلاق الرواية الأخيرة عدمه.

ثانيها : أن يكون له حاجة بتأخيره. ذكره جماعة من الأصحاب وتركه آخرون.

واستدلّ عليه بأنّ في الامتناع منه ضررا ، وهو منفي بالآية والرواية.

وهو الأظهر.

ولا بدّ أن يكون بحيث لا يمكن أداؤه (1) بغير الكلام كالتصفيق والتسبيح (2) كما نصّ عليه جماعة منهم.

ونحوه ما إذا لحقه بتأخيره ضرر كفسخ معاملة بنقض خياره بالتاخير.

وكذلك لو كانت الحاجة لمؤمن أو لحقه بتأخيره ضرر في وجه قوي.

ومع إمكان الاستعجال في قضاء الحاجة وأدائها بعد وجهان.

ثالثها : ذكر اللّه تعالى ؛ لقول الصادق عليه السلام في رواية الحلبي : « لا بأس بذكر اللّه وأنت تقول إنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال ، ولا تسأم من ذكر اللّه » (3).

وقوله في رواية أبي بصير : « لا تدع ذكر اللّه على تلك الحال ، فإنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال » (4).

وفي الصحيح في بيان بعض ما أوحى اللّه إلى موسى : « لا تدع ذكري على كلّ حال .. » (5) إلى غير ذلك ، وظاهر هذه الأخبار شمول الذكر باللسان. وربّما يومى بعض الأخبار إلى كونه بالقلب كقوله عليه السلام في قويّة مسعدة بن صدقة : « كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد اللّه في نفسه » (6).

ص: 444


1- في ( ب ) : « إذائه ».
2- في ( د ) : « التنحنح ».
3- عدة الداعي : 239.
4- علل الشرائع 1 / 284.
5- الكافي 2 / 497 ، باب ما يجب من ذكر اللّه عزوجل في كل مجلس ح 7.
6- قرب الاسناد : 74.

وفي الفقيه « كان الصادق عليه السلام إذا دخل الخلاء تقنع برأسه ويقول في نفسه : بسم اللّه وباللّه » (1) .. الخبر.

ولعلّه لذا قال الشيخ (2) في جملة من كتبه : إنّه يذكر فيما بينه وبين نفسه.

ويمكن حمل ذلك كلّه على الإخفات في الذكر.

ويؤيّده استفاضة الدعوات المأثورة حال الخلاء ، وحملها على ذلك في غاية البعد.

نعم ، في الصحيحة المتقدّمة دلالة على كراهة ما عدا التحميد من الذكر إلّا أنّها لا تقاوم الأخبار المذكورة.

رابعها : قراءة آية الكرسي ، للصحيحة المذكورة. وبها يخصّص ما في القوي : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » (3) وعدّ منها الشخص يكون في الكنيف.

وقد يستثنى منه آية ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) للصحيحة المتقدمة إلّا أنّ احتمال الترديد من الراوي يسقط الاستدلال بها.

نعم ، الظاهر دخولها في الذكر ، وبذلك يتّجه القول بنفي الكراهة في سائر الآيات الداخلة في الذكر. ولا يبعد القول باختلاف الحكم لاختلاف القصد ، فيكره بقصد التلاوة دون الذكر.

وحينئذ فاستثناء الآية المزبورة محلّ خفاء.

وفي التهذيب (4) ذكر الآية مطلقا ، ومعه يبعد الاحتمال المذكور ، فيتمّ الاستدلال بها في مطلق الآية إلّا أنّه يضعّفه وجود التقييد في الفقيه (5).

خامسها : حكاية الأذان لقول الباقر عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم « لو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللّه عزوجل وقل كما يقول » (6).

ص: 445


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 24 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 41.
2- المبسوط 1 / 18 والنهاية : 11.
3- الخصال : 357.
4- تهذيب الأحكام 1 / 352 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح 5.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 28.
6- علل الشرائع 1 / 284 ، ح 2.

وقول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير : « إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر اللّه عزوجل في تلك الحال لأنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال » (1).

وفي رواية العلل : لأيّ علّة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط؟

فقال : « لأنّ ذلك يزيد في الرزق » (2).

وفي الروضة (3) : يجوز حكاية الأذان إذا سمعه على المشهور.

ويومي ذلك إلى تأمّل منه في الحكم ، وكذا الشهيد في الذكرى (4) والدروس (5) حيث أسنده فيهما إلى قول.

وفي الروض (6) أنّه حسن في فصوله الّتي فيها ذكر دون الحيعلات ؛ لعدم نصّ عليه بالخصوص إلّا أن يبدل بالحوقلة كما ذكر في حكايته في الصلاة.

ولا وجه لذلك بعد ما عرفت من النصوص الواردة فيه.

وكأنّهما رحمه اللّه غفلا عن الأخبار المذكورة ، بل المستفاد من الروايتين الأوليين كون الأذان كلّه ذكرا.

سادسها : الصلاة على النبيّ وآله عند سماع اسمه الشريف ؛ للخبر الأكيد عليه حتّى قيل بوجوبه كما ذهب إليه المفيد وجماعة وعليه ، فهو داخل في القسم الأوّل.

وإدخالها في الذكر كما في كشف اللثام لا يخلو عن تأمّل.

سابعها : التحميد عند العطاس ، وقد سمعت الرواية الواردة فيه ، وهو داخل في الذكر فلا فائدة في إفراده بالذكر.

ص: 446


1- علل الشرائع 1 / 284 ، ح 1.
2- علل الشرائع 1 / 285 ، ح 4.
3- الروضة البهية 1 / 344.
4- الذكرى : 170.
5- الدروس 1 / 89.
6- روض الجنان : 27.

ثامنها : التسميت للعاطس. ذكره في المنتهى (1) ونهاية (2) الإحكام ؛ لكونه من الذكر.

وفيه منع ظاهر.

وفي المدارك (3) : إنّ تركه أولى.

قلت : لا يذهب عليك أنّ ما دلّ على كراهة الكلام إنّما يدلّ على مرجوحيّة التكلّم على النحو المعتاد ، فشموله لمثل الدعاء والذكر وقراءة القرآن غير معلوم ، بل الظاهر خلافه فيبقى العمومات الدالّة على رجحانها بحالها.

نعم ، الصحيحة الأولى ربّما تدلّ على (4) كراهة الجميع سوى ما استثني.

ويضعّفه أن السؤال فيها مخصّص بالتسبيح وقراءة القرآن ، والممنوع منه في الجواب غير مذكور صريحا.

فيحمل على إرادة العموم وإرادة خصوص المذكور في السؤال ، ومع حصول الاحتمال يسقط الاستدلال.

فإن قلت : استثناء التحميد في الجواب قاض بإرادة العموم ؛ لعدم ذكره في السؤال.

قلت : إنّما يتمّ ذلك إذا لم يقم احتمال الترديد من الراوي فيه ، ومعه يحتمل أن يكون المذكور في كلام الإمام عليه السلام خصوص آية الكرسي وآية الحمد لله ربّ العالمين ، فلا يبعد إذن أن يكون المقصود خصوص المنع من قراءة القرآن سوى المذكورين.

وممّا يقرّبه عدم المنع من الذكر الشامل للتسبيح مطلقا كما هو قضية النصوص المستفيضة ، فلا يتمّ إطلاق المنع.

فبعد البناء على ما ذكر بكون جملة من المستثنيات المذكورة على حكم الأصل ، وبكون الدعاء أيضا كالذكر.

ص: 447


1- منتهى المطلب 1 / 41.
2- في ( ب ) : « النهاية ».
3- مدارك الأحكام 1 / 183.
4- لم ترد في ( ب ) : « على كراهة .. مذكور ».

ويختصّ الكراهة بالتكلّم وقراءة القرآن عدا ما استثني منهما.

وحينئذ يتّجه عدم كراهة التسميت ؛ لدخوله في الدعاء مع احتمال اندراجه في الكلام من جهة توجيهه إلى المخاطب ، فتأمل.

ص: 448

البحث [ الأول ]: في أفعال الوضوء

تبصرة: [ في نية القربة ]

لا بدّ في الوضوء من نية القربة بلا خلاف بين الفرقة ، وكذا غيرها من الطهارات الثلاث.

وقد حكى إجماع الفرقة عليه جماعة من الأجلّة ، وبذلك اندرجت في تلك العبادات وإزالة النجاسات.

ويدلّ بعد ذلك عليه قوله تعالى : ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ ) (1) ، فإن ظاهره اعتبار الإخلاص في النيّة في جميع التكاليف الدينيّة.

ويومي إليه ما دلّ على وجوب طاعته صلى اللّه عليه وآله ، إذ حقيقة الإطاعة هو موافقة إرادته في أمره ونهيه من حيث إنّه أمر به أو نهى عنه ، وهو معنى القربة.

فلو (2) خلا عنه لم يحصل الامتثال إلّا أنّ ذلك إنّما يفيد اعتبار قصد الطاعة في الجملة لا عدم جواز الضّميمة.

وكيف كان ، ففيه تأييد لما قلنا.

وفي كلام بعض الأفاضل إشكال في الفرق بين الطهارة من الحدث والخبث ؛ لورود الأخبار فيهما على حدّ سواء ، قال : وما قيل من أنّ النية (3) إنّما يجب في الأفعال دون التروك

ص: 449


1- البينة : 5 والآية هكذا : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
2- لم ترد في ( ب ) : « فلو خلا عنه ».
3- في ( ألف ) : « إزالته » بدل « أن النية ».

منقوض بالصوم والإحرام ، والجواب أنّ الترك فيهما كالفعل تحكّم. ولعلّ ذلك من أقوى الأدلّة على سهولة الخطب في النيّة ، فإنّ المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجّه ، وهذا القدر أمر لا ينفكّ عنه (1) أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان.

ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلّفنا .. إلى آخره ، قال : وهو كلام متين لمن تدبّر.

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فبأنه يكفي في الفرق بين المقامين قيام الإجماع بل الضرورة على عدم اعتبار النيّة في رفع الخبث ، وقد دلّ عليه الأخبار كقوله : ما أصابه البصر فقد طهر وغيره مع عدم قيام دليل هنا على عدم اعتبار النيّة ، فتبقى تحت الأصل ، وخلو الأخبار.

ومن ذكرها فيه بالخصوص لا يفيد عدم اعتبارها كما هو الشأن في كثير من العبادات.

وأمّا ثانيا : فبأنّ إزالة النجاسة المطلوبة حاصلة بمجرّد الغسل ، فليس للنيّة مدخليّة فيها بخلاف الطهارة من الأحداث ؛ إذ لا يصدق شي ء من أساميها من دون قصدها ؛ لصحة وقوع تلك الأفعال على وجوه متعددة ، فالنيّة مقوّمة فيها دون غيرها.

وهذا هو المناط فيما يعتبر فيه النيّة وما لا يعتبر فيها ، وكأنّ ذلك هو مقصود المجيب ؛ إذ الغالب في التروك أنّها من قبيل الأول.

ثمّ إنّ هذا الوجه إنّما يفيد الفرق بين الأمرين في اعتبار النيّة بالمعنى الأعمّ دون نيّة القربة.

وأمّا ثالثا : فبأنّ ما ذكره من الاكتفاء في النيّة يتخيّل (2) المنوىّ الّذي لا ينفكّ عنه أحد من العقلاء عند شي ء من الأفعال ممّا لا وجه له ، إذ النيّة المعتبرة في الوضوء وسائر العبادات ليست مجرّد ذلك بالضرورة ، كيف و (3) لا ينبغي إذن فرق بين العبادات وغيرها.

وما حكاه من بعض الفضلاء إن حمل على ظاهره فهو بيّن الفساد.

وحكى بعض المحققين عن بعض المحدّثين تحقيقا في المقام واستحسنه ، وهو أنّ المطلوب من العبد إمّا إيجاد أمر في الخارج كالركوع والسجود أو في الذهن كمعرفة أن لا يتعمّد شيئا من

ص: 450


1- في ( ألف ) : « من » بدل « عنه ».
2- في ( د ) : « تخيّل ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».

المفطرات أو وجود حاله كطهارة الثوب في الصورة الأولى بين العبادة وغيرها كاللعب بالنية ، وفي الثانية ( العبادة المطلوبة هي نفس العزم المقيّد بقيد فلا حاجة إلى إرادة اخرى وفي الثالثة ليس المقصود إلّا وجود ذلك الشي ء سواء ) (1) حصل بإيجاده أو بغيره قارن النية أو لا.

أقول : فيه أوّلا : إنّ ما ذكره في الفرق بين الصورتين الأوليين ممّا لا وجه له بل الظاهر أنّه لا فرق بينهما في شي ء ؛ إذ الحاصل في الذهن لا ينحصر في النيّة وعلى فرضه فالفرق فيها بين العبادة وغيرها إنّما هو بقصد القربة وغيره ، وهو المناط في الصورة الأولى أيضا.

وثانيا : إنّ ما ذكره لا يفيد شيئا في المقام ؛ إذ الكلام في الفرق بين الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ، وهما مشتركان في كون المراد وجود الحالة ، مع أنّ حصولها في الأوّل موقوف على قصد القربة. ومنه يعرف أنّ ما ذكره من عدم الحاجة إلى النيّة فيما يكون المقصود فيه وجود الحالة ممّا لا وجه له نعم ذلك إنّما يصحّ في الامور العادية.

وأمّا المقاصد الشرعيّة فيتوقّف حصولها على النحو الذي قرّره الشرع فإن أخذ فيه قصد القربة توقف عليه ، وإلّا فلا.

وحيث إنّ البحث عن النيّة من المطالب المهمّة ؛ إذ هي من الامور المقوّمة لجميع العبادات الشرعيّة ، وقد تعلّق بها مسائل عديدة فالأولى أن نفصّل الكلام أوّلا في مطلق النية ، ثمّ نتبعه بالبحث عن خصوص نيّة الوضوء ، فنقول :

لا تأمّل في أنّ الفعل الصادر عن الفاعل المختار يتوقّف على تصوّر ذلك الفعل ( بوجه من الوجوه وإلّا لكان طالبا للمجهول المطلق.

وهو محال ، وعلى تصوّر غاية لذلك الفعل ) (2) ليكون داعيا إلى الفعل وإلّا لكان توجه النفس إليه عبثا.

وهو أيضا محال كما تقرّر في محلّه.

وهذا المقدار من النيّة مشترك بين جميع الأفعال الاختياريّة ويستحيل خلوها عنه ، فلو

ص: 451


1- ما بين الهلالين أثبتناه من ( ب ).
2- ما بين الهلالين من ( د ).

كلّفنا اللّه تعالى بإيقاع الفعل من غير نيّة لكان تكليفا بالمحال ، لكن مجرّد ذلك ليس كافيا في العبادات بالضرورة ، بل المعتبر في كلّ من الأمرين شي ء مخصوص ، وفي كلّ من المقامين خلاف معروف كما ستعرف إن شاء اللّه.

ص: 452

تبصرة: [ في اعتبار التعيين في النية ]

يعتبر في المقام الأوّل تعيين نوع الفعل ؛ إذ مع عدمه لا يتعيّن الفعل لذلك النوع ؛ لصلاحية الفعل له ولغيره ، وانصرافه إلى المكلّف (1) به فرع قصد الفاعل له فلا ينصرف إليه مع انتفاء قصده ، فلا امتثال.

فلو اندرج الفعل تحت أنواع من التّكليف تعيّن بتعيين أحدها ؛ لما عرفت من عدم انصراف الفعل إليه بدونه.

ولو دار بين تكاليف من نوع واحد فهل يكتفي بمجرّد قصد الامتثال أو لا بدّ أيضا من التعيين؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لتوقّف امتثال كلّ من تلك الأوامر على قصده ، فمع عدم قصده التعيّن لا يكون امتثالا لشي ء منها ، إذ (2) إرجاعها إلى ( أحدها دون الآخر ترجيح من غير مرجّح ، ولا يمكن إرجاعه إلى الجميع فيقع لغوا.

نعم ، لو أمكن إرجاعها إلى الجميع ) (3) على نحو الإشاعة كما لو تعلّق بذمّته زكاة الأموال ، فدفع مقدار الزكاة من دون قصد شي ء منها بالخصوص ، فإنّه ينصرف إلى الجميع على نحو (4) الإشاعة في وجه قويّ.

ثمّ إنّ تعيين الفعل إمّا أن يكون بنفسه أو بلازم من لوازمه كقصد الأداء أو القضاء أو الوجوب أو الندب أو القصر أو التمام أو المركّب منها ، ولو عيّنه بالامور الطارية عليه فالظاهر

ص: 453


1- لم ترد في ( ب ) : « به فرع .. من التكليف ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إذا إرجاعها .. منها ».
3- ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).
4- لم ترد في ( ب ) : « نحو ».

الجواز كما لو فاته إحدى الرباعيّات من اليوميّة فينوي الفائت كما هو المشهور فيه.

وعن الحلبي وجوب التعدّد ، وهو مبنيّ على وجوب نيّة التعيّن.

ويضعفه أنّه لا دليل عليه ، ويكفي في صدق الامتثال قصده على نحو الإجمال.

وقضيّة ما ذكرناه جواز التعيين بفعل الغير كما إذا نوى الصلاة الّتي نواها الإمام أو عيّنه بما يقتضيه فعله السابق مع الجهل به.

ولا يخلو عن قوّة إلّا أنّ الأحوط تركه. أمّا لو عيّنه بما يعيّنه أو غيره بعد ذلك فالأظهر المنع ؛ لعدم الاطمينان باليقين اللّاحق (1) لا لعدم حصول (2) كما قد يتوهّم.

ثمّ مع تعيين الفعل بما يعيّنه واقعا لا حاجة إلى تعيين نوع الفعل عند الفاعل ولا صفاته الحاصلة فيه كالوجوب والندب والأداء والقضاء والقصر والتمام ، ولا تعيينه حال (3) الفعل ، فلو دار الصلاة بين كونه (4) واجبة في نفسها أو بالنذر أو استيجار لم يجب تعيين الخصوصيّة بعد تعيينه في الواقع.

وكذا لو دار الصوم الّذي في ذمّته بين كونه قضاء أو منذورا إلى غير ذلك.

ولو احتمل اشتغال ذمته بالواجب مع اشتغالها بذلك الفعل ندبا أيضا فنوى بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته فيها بين الواجب والمندوب صحّ ، لعدم الابهام في الواقع.

وإن اشتملت النيّة على الترديد ظاهر كما إذا احتمل اشتغال ذمته بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته مرتّبا بين الأمرين.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب في الصلاة إلى اعتبار تعيين نفس الفعل كالظّهر والعصر مثلا وصفاته من الوجوب والندب والأداء والقضاء ، وقضيّة كلامهم اعتبار المعرفة بنوع الفعل وتعيين صفاته المميّزة.

ص: 454


1- في ( ب ) : « اللاحق حق ».
2- كذا في النسخ المخطوطة.
3- لم ترد في ( ب ) : « حال .. بعد تعيينه ».
4- في ( د ) : « كونها ».

وقد يوجّه ذلك بعدم تمييز الفعل من دون تعيين نوعه وكذا صفاته إذا وقع ذلك الفعل على وجوه متعددة كصلاة الظهر مثلا ؛ لجواز وقوعه أداء وقضاء واجبة ومندوبة ، فإنّما يتميّز بالقصد ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لها على ذلك الوجه ، بل المقصود بيان الحكم. وهو واضح.

وأيضا قد وردت الأوامر على سبيل التنويع تارة بالتهديد والوعيد ، وأخرى بالترغيب وجواز الترك ، وتارة دلّت على الوجوب وأخرى على السنّة والتطوّع ، وما ذاك إلّا ليعلم المكلّف إذا أوقع بذلك التكاليف كيف يوقعها.

وأيضا الواجب إيقاع الفعل على وجهه أي وجهه المأمور به شرعا وإيقاع الفعل كيف ما اتفق ولم يكلّف به ، وقضية التعليلات المذكورة اعتبار ذكر الصفات مع وقوعه على الجهات المختلفة ، وبدونه فلا وجه لوجوبه.

ويضعّفها بأنّ المفروض تعيين الفعل واقعا بما عيّنه وهو كاف في تميز الفعل ، وإن لم يتعيّن هذا العامل ؛ إذ لا دليل على اعتبار التعيين ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لهما على ذلك الوجه بل المقصود بيان الحكم ، وهو واضح.

والقول بأنّ الواجب إيقاع الفعل على وجهه أوّل الكلام إن أريد به الجهات المذكورة وإلّا فلا ربط له بالمقام.

وما قد يتوهّم من أنّه مع (1) عدم تعيين الفعل ( لا يكون قاصدا لامتثال الأمر المتعلّق به ، فلا يعدّ ممتثلا.

وكذا الحال في الجهات الّتي يختلف الفعل ) (2). بحسبها. ألا ترى أنّه لو أتى بالواجب على وجه المندوب (3) أو بالعكس لم يعد ممتثلا بل كان مشرّعا مدفوع بأنّ مجرّد قصد الاشتغال (4)

ص: 455


1- زيادة : « مع » من ( د ).
2- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- في ( د ) : « الندب ».
4- في ( د ) : « الامتثال ».

بالفعل كاف في حصول الامتثال عرفا (1) إن لم يتعيّن خصوص الفعل الممتثل به عنده ، وأنّه فرق بين قصد خلاف الجهة المعتبرة وعدم قصد شي ء من الجهات وعدم قصد الجهة المعيّنة على نحو الاجمال.

ولو سلّم عدم حصول الامتثال فإنّما يسلّم في الأول دون الأخرى ، سيّما الأخير بل الحكم لعدم حصول الامتثال في صورة مخالفة الجهة مع عدم (2) كونها بنوعه محلّ إشكال كما إذا نوى الندب في صلاة الظهر أو الصبح ، فإنّ احتمال الصحة فيه قوي ، فيكون القصد المذكور لغوا.

وقد يفرّق بين (3) صورة التوصيف المحض وما اذا نوى وقوع الفعل على الجهة المخالفة فانّ ما نوى ايقاعه غير ممكن الوقوع وما يصحّ ( وقوعه غير المنويّ ولو كانت الجهة منوعة تعيّن بتعيين الجهة ، فلا ينصرف إلى الآخر ولو لم يصح ) (4) وقوعه على الجهة المنويّة كما نوى صوم المنذور في شهر رمضان في وجه قويّ.

والاجتزاء بصوم يوم الشكّ بنيّة شعبان إذا تبيّن أنّه من شهر رمضان خارج بالدليل.

ويحتمل القول بأنّ المطلوب هناك وقوع الصوم في شهر رمضان ، فلو صامه وقع من شهر رمضان ، ولو نوى غيره.

وفيه بعد.

ثمّ الظاهر أنّه يكفي في نيّة الفعل مجرّد المعرفة به إجمالا وتعيينه ببعض خواصّه بحيث يتميّز من بين سائر الأفعال ، ولا يلزمه المعرفة بكنهه وتفاصيل أجزائه وشرائطه ؛ إذ ذاك ممّا لا دليل عليه ، وتعيّن الفعل وقصده ممّا (5) يتوقف عليه وكذا العلم بالبراءة ؛ لجواز الاتيان بجميع ما شكّ (6) اعتباره في الصحّة من الأجزاء والشرائط المحتملة.

ص: 456


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- لم ترد في ( ب ) : « عدم ».
3- زيادة : « بين » من ( د ).
4- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
5- في ( ب ) : « لا ».
6- في ( د ) : « يشكّ ».

هذا إذا لم يحتمل المانعيّة في شي ء منها ، وإلّا لم يحصل البراءة إلّا بعد المعرفة بالحال ، ولا يجب حينئذ أيضا المعرفة بالتفاصيل قبل الشروع في الفعل ، بل لو كان هناك معلّم يعلّمه حال الفعل جاز الاقتصار عليه في وجه قويّ.

وما دلّ على توقّف العمل على العلم لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض العلم بحصول الواجب في ضمنها.

نعم ، لو دار الواجب بين الفعلين وجب العلم بالتعيين ؛ لعدم إمكان قصد القربة بكلتيهما (1) لاحتمال البدعة.

نعم ، لو لم يمكن العلم ارتفعت البدعة لأجل تحصيل اليقين بالفراغ.

والقول بجواز الاكتفاء به في رفعها مع إمكان الاستعلام لم يعلم عليه شاهد قويّ ، مع معارضته بما دلّ على وجوب استعلام الأحكام.

ولو كان الترديد في أجزاء الفعل لم يجب الاستعلام مع الإتيان بالجميع ، والفرق عدم وجوب نيّة الأجزاء بخصوصها.

نعم ، لو كان الترديد في أوّل أجزاء الفعل جرى فيه الكلام المذكور. والأظهر فيه أيضا لزوم الاستعلام.

ص: 457


1- في ( د ) : « بكلّ منهما ».

تبصرة: [ في داعي النية ]

اشارة

يعتبر في المقام الثاني كون الداعي إلى الفعل هو امتثال أمره تعالى لا غيره من مراءات (1) الناس ؛ لدفع ذمّهم أو جلب نفعهم أو غير ذلك من الأمور المطلوبة منهم أو من سائر الغايات المترتّبة على الفعل وإن خلا عن الرياء كقصد البرد في الغسل والوضوء أو قصد تحصيل المال في الجهاد ونحو ذلك.

وتفصيل الكلام في المقام أنّ كلّا من الداعي الإلهي والريائي وغيرهما من الغايات المطلوبة من الفعل إمّا أن يكون مفردا أو لا ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون كلّ منهما مستقلا (2) في البعث على الفعل لو لو حظ منفردا أو لا.

وعلى الثاني فإمّا إن يكون أحدهما مستقلا والآخر ضميمة بحيث لو خلا عنه لكفى الأوّل في البعث أو أنّهما معا بعثا على الفعل ، فلو انتفى أحدهما لم يستقل الآخر.

[ مسائل ]:

فهاهنا مسائل :

أحدها : أن يكون الداعي الإلهيّ (3) منفردا ، ولا إشكال في صحّة الفعل حينئذ كما أنّه لا إشكال في فساده مع انفراد الرياء أو غيره من الأغراض إلّا أنّه عزي إلى السيد عدم وجوب الصلاة الواقعة على جهة الرياء وإن لم يستحقّ بها الأجر ، فيكون مجزية مسقطة للواجب عن

ص: 458


1- في ( ألف ) : « مرات ».
2- لم ترد في ( ب ) : « مستقلا ... أحدهما ».
3- في ( ألف ) : « إلهي ».

الذمّة ، وإن لم يكن مقبولة موجبة لاستحقاق الأجر والثواب ، فلا ملازمة عنده بين الإجزاء والقبول.

وكأنّ الوجه فيما ذكره حصول الإتيان بالمأمور به مع عدم رجوع دليل على الفساد ؛ إذ غاية ما تقتضيه الأدلّة حرمة الاشتراك في العبادة وعدم ترتّب ثواب على العبادة المفروضة.

ولا يقتضي شي ء منهما فساد العمل ؛ لتعلّق الحرمة بأمر خارج وإن ترتّب الثّواب ليس من مقوّمات العبادة ، ويكفي في رجحانها المعتبر فيها إسقاطها العقاب.

كيف ، وقد دلّ الآثار الصحيحة على عدم قبول صلاة شارب الخمر إذا أسكر أربعين يوما ، وفيها ما يدلّ على عدم قبول سائر الأعمال إذا لم تقبل الصلاة .. إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

مع أنّه لا تأمّل لأحد في صحة العبادة مع ذلك ، فظهر بذلك الفرق بين الأجزاء الموجب لسقوط التكليف والقبول الباعث على استحقاق الأجر.

وأيضا ظاهر الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر عدم ترتّب العقاب المعدّ لتارك ذلك الواجب ، وإلّا لاقتضى المقام ذكره ، فالمستفاد منها أنّ أقصى ما يلزم المرائي في فعله حرمانه من الثواب المعدّ للعمل.

ويدفعه أوّلا : أنّه إنّما يصدق الامتثال إذا أتى بالفعل من جهة أمر الآمر كما يدلّ عليه العرف ، فلو كان الحامل له على الفعل مجرّد الرياء لم يكن ممتثلا لأمره تعالى ولا مطيعا له ، فكيف يكون مجزية.

وهذا الوجه لا يجرى فيما إذا جعل الرّياء ضميمة للقربة مع استقلالها.

وثانيا : إنّ ظاهر النواهي حرمة العمل الواقع على جهة الرياء ، بل الظاهر أنّه من الأمور الواضحة الّتي لا يختلف فيها أحد من الأمّة ، وذلك قاض بالفساد.

وثالثا : إنّ في الأدلّة ما هو دالّ على كون المطلوب هو خصوص الواقع على جهة الاخلاص كالآية الشريفة.

ص: 459

وفي النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام : « اعملوا في غير رياء ولا سمعة » (1) .. إلى غير ذلك ، فلا وجه للقول بإتيانه بالمأمور به الموجب لحصول الامتثال.

ثمّ إنّه لا إشعار في الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر على فعل الرياء بصحّة الفعل وعدم ترتّب الإثم.

كيف ، ولو أفاد ذلك لدلّ على عدم حرمة الرياء ، مع أنّ تحريمه من ضروريّات العقل والدين ، فالظاهر أنّ ذلك لمّا كان من المفاسد الشنيعة المترتبة عليه ورد بيانه في تلك الأخبار.

مضافا إلى ما اشتملت عليه من القريب إلى القبول.

على أنّ عدم ترتّب الأجر عليه من أدلّة فساده ؛ إذ لو صحّ وحصل به امتثال الأمر لزمه ترتّب الأجر ؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين الإجزاء والقبول في العبادات الصرفة ، وما يوهم بظاهره الفرق محمول على إرادة القبول الكامل.

ويرشد إليه ما ورد من توقّف القبول على بعض المستحبّات كالإقبال في الصلاة ، مع أنّه لا خلاف في قبولها مع عدمه.

نعم ، يتمّ الفرق المذكور في غير العبادات كإنقاذ الغريق وتكفين الأموات ودفنهم ، فإنّ ذلك لو فعل على قصد الرياء أو غيره من الوجوه المحرّمة أجزأ لكن لا يترتّب عليه الثواب لانتفاء الامتثال.

ثانيها : أن يكون جهة الرياء أو غيره مستقلا ، وينضم إليها قصد الامتثال. وهو كسابقه في الفساد.

ثالثها : أن يكون جهة الامتثال منضما إلى جهة الرياء بحيث يكون الفعل ناشئا منهما معا. ولا تأمّل أيضا في الفساد ، وكثير من الأخبار الواردة في الرياء ظاهر فيه.

رابعها : الصورة بحالها إلّا أنّ المفروض فيها أن تكون الضميمة غير الرياء من المقاصد الأخر ، ولا تأمّل أيضا في فساد العبادة ؛ لمنافاته للإخلاص المطلوب في العمل ، ولعدم إسناد

ص: 460


1- نهج البلاغة 1 / 61 ، الخطبة : 23.

الفعل إلى أمر الآمر المعتبر في صدق الامتثال إليه

خامسها : أن يكون كلّ من قصد القربة والرياء مستقلّاً بمعنى أنّه لو انفرد كلّ منهما كفى في البعث على الفعل ولا تأمّل أيضا ؛ إذ هو أيضا من الإشراك في العبارة ، وربّما نفصّل فيه بما يأتي الإشارة إليه ) (1).

سادسها : الصورة بحالها إلّا أنّ الباعث إلى صرفها غير الرياء من سائر المقاصد.

وفي صحّة العمل حينئذ وجهان ؛ من استقلال القربة وعدم حصول الاشراك المنهيّ عنه في العبادة ، ومن منافاته للإخلاص المعتبر في العمل.

وكأنّه الأظهر ؛ نظرا إلى أنّ الظاهر استناد الفعل إلى الجهتين ، فاستقلال القربة إنّما هو بالفرض ، وإلّا لزم توارد العلّتين على معلول واحد.

نعم ، لو كانت القربة سببا مستقلا بالفعل على البعث وكانت سببيّة الآخر فرضا محضا بمعنى أنّه لو خلا القصد عن الأوّل لأثر الآخر قوي الصحة ؛ لكونه إذن من المقارنات الصرفة ؛ إذ المفروض عدم استناد ذلك الفعل إليه بوجه ، فلا منافاة فيه للفرض.

ويجرى الوجه المذكور في الصورة السابقة أيضا ، وفيها أيضا يتقوّى البناء على الصحة.

سابعها : (2) أن يكون قصد الامتثال مستقلّا ويضمّ إليه قصد الرّياء من غير استقلاله في البعث.

وفيه وجهان.

واستقرب العلّامة الحلي فيه صحّة العمل ، وحكى القول به عن بعض المحقّقين ؛ حملا لما دلّ على حرمة الترك في العبادة وأنّه تعالى خير شريك يدع كلّ العمل لشريكه على غير هذه الصورة ممّا لا يستقلّ فيه القربة إنّما هو على فرض خلوّ القصد عن الأخير.

نعم ، لو استند الفعل إلى محض القربة وكان الآخر مجرّد خطور بالبال عن غير تعيينه منه على الفعل فعلا قوي فيه الصحّة كما قدّمنا ؛ لحصول الخلوص معه.

ص: 461


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في النسخ : « سادسها ».

ثامنها : (1) الصورة بحالها مع تبديل قصد الرياء بسائر القصود ممّا عدا القربة.

واحتمال الصحّة هنا أقوى من السابق ؛ لعدم اندراجه فيما دلّ على حرمة الرّياء ، وكذا ما دلّ على المنع من الاشتراك في العمل ؛ إذ الظاهر منه ارادة خصوص الرياء أيضا.

والأظهر فيه الفساد أيضا ؛ لعدم الخلوص معه إلّا مع عدم كونه دخيلا في البحث على الفعل بوجه كما أشرنا إليه.

فظهر بما ذكرنا عدم البأس بالضميمة في الصور المذكورة مع خلوّها عن تأثير في البعث سواء كانت ريائيّة أو غيرها ومنعها عن الصحة معه من غير فرق بينهما أيضا ، فلا يمنع صحة العمل صيرورة على اطلاع الغير على عمله حال الفعل ولا بعده ، وكذا مجرد حبّه لاختيار الناس به إلّا أنّ ذلك قلّما يخلو من داعية الرياء ومداخل الشيطان فيه في غاية الخفاء ، وقد جعل الرياء في العمل أخفى من دبيب النمل على الصفا.

ولذا عدّ ذلك من علامات المرائين وليس الاتّصاف به من صفات المتّقين.

هذا ، ولو كانت الضميمة راجحة في الشرع وكان الباعث على ملاحظتها رجحانها لم يمنع من الصحة ، بل كانت مؤكدة للقربة لحصول الامتثال إذن من وجهين كما لو تجاهر بالعبادة لرغبة الناس في العمل واقتدائهم به في ذلك أو كانت الضميمة إجابة المؤمن.

وكذا لو لاحظ في اجتهاده في العبادة تعظيمه في قلوب المكلّفين يستعين (2) بهم على قضاء حوائج المؤمنين على إشكال فيه.

وكذا الحال في التقيّة ، فإن كان الداعي عليه إلى فعلها مجرّد القربة حيث إن مطلوب الشرع هو إيقاع الفعل على ذلك الوجه ، فالأمر واضح وإن دعاه إلى الفعل مجرّد الخوف بحيث لو لا خوفه لم يتلبس بالفعل مطلقا ، فالظاهر فساد العمل لانتفاء القربة.

ولو كان الخوف ضميمة مع استقلال القربة سواء كان مستقلا أيضا أو (3) لا احتمل (4) قويّا

ص: 462


1- في النسخ المخطوطة : « سابعها ».
2- في ( د ) : « ليستعين ».
3- في ( ألف ) : « و ».
4- في ( ب ) : « احتمال ».

البناء على الصحة ، وإن قلنا بالتعيين بالنسبة إلى سائر الضمائم ؛ لإطلاق ما دلّ على صحة العمل مع التقيّة ، وعدم انفكاكها في كثير من الأحوال بالنسبة إلى كثير من الناس عن ذلك ، فلو كان العمل فاسدا معها لأشير إليه في الأخبار.

ولو كان الداعي إلى نفس الفعل مجرّد القربة وإلى أدائه من غير ملاحظة القربة فيه بطريق التقيّة مجرّد الخوف ففيه وجهان.

وقضيّة ما ذكرناه من الإطلاق البناء على الصحّة أيضا إلّا أنّه لا يخلو عن إشكال.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين تعلّق الرّياء بالواجب أو الندب أو (1) الجزء الواجب بين الواجب أو الندب أو الكيفيّة الواجبة أو المندوبة.

وقد يقال بالرياء في الجزء أنّما يقضي بفساده خاصّة ، فلا وجه للقول بتسرية الفساد إلى الكل.

نعم ، إن تعلّق الرياء بالكلّ بواسطة ذلك أو كان من الأذكار الموجبة حرمتها لإلحاقها بالكلام المفسد للصلاة أو اقتصر على ذلك الجزء مع وجوبه قضي بالفساد من تلك الجهات.

قلت : الظاهر تسرية الرياء غالبا إلى أصل الفعل في كلّ موضع يكون الأجزاء منه مرتبطا بعضها بالبعض نظرا إلى وحدة الفعل إذن في العرف.

نعم ، لو فرض عدم تسرية الرياء منه إلى أصل الفعل كما إذا قصد الرياء لجزء من دون ملاحظة ذلك في خصوص ما أتاه من الكلّ قوي الصحّة مع إعادة الجزء إذا كان واجبا ولو تعلّق الرياء ببعض الأمور المكمّلة للفعل كما ترك بعض الأمور.

ص: 463


1- لم ترد في ( ب ) : « أو الجزء ... الندم ».

تبصرة: في بيان كيفيّة النيّة في الوضوء

في (1) بيان كيفيّة النيّة في الوضوء

وقد اختلفوا فيها على أقوال :

أحدها : الاكتفاء بمطلق القربة ، وعزي إلى الشيخين والبصروي وابن طاوس في البشرى. وإليه يرجع ما حكي عن الجعفي والديلمي من الاكتفاء بمطلق النيّة.

ثانيها : اعتبار قصد رفع الحدث واستباحة الصلاة ، وإن حكاه في الذكرى قولا آخر أو غيرهما ممّا يشترط به. وظاهر هذا القول اعتبار القربة أيضا ؛ إذ قد عرفت أنّه لا خلاف فيه. وقد نصّ عليه بعض من يقول به ، وحكي القول به عن المحقق.

ثالثها : اعتبار قصد الاستباحة فقط. حكي عن السيد ، والظاهر اعتباره قصد القربة معه أيضا وإن ترك ذلك في النسبة إليه.

رابعها : اعتبار الجمع بين القربة والوجه والرفع والاستباحة. وعزي إلى الحلبي والقاضي والراوندي. واختاره من المتأخرين المحقّق الجزائري مع دعوى اتّحاد رفع الحدث واستباحة الصلاة. وحكي عن الحلبي.

والأقوى الأوّل ؛ أخذا بالإطلاقات مع عدم قيام شاهد على اعتبار شي ء من المذكورات ؛ إذ لا دليل في المقام سوى ما دلّ على اعتبار النيّة في مطلق العبادة ، وغاية ما يقتضيه ذلك كما عرفت هو تعيين نوع الفعل وكون الداعي إليه امتثال الأمر والمفروض في المقام حصول الثاني ، والأوّل حاصل بقصد مطلق الوضوء ؛ إذ الظاهر من الشرع أنّه عمل واحد وفعل متميّز من سائر الأفعال لا إجمال فيه بحيث يندرج تحته أنواع متعدّدة كالصلاة

ص: 464


1- زيادة في ( د ) : « المقام الثاني في .. ».

والصوم وإعطاء الفقير الشامل للزكاة والصدقة وغيرهما. وهذا ممّا لا يكاد يخفى على من تأمّل في الأخبار ، وكلام العلماء الأبرار ، وينادي به المعلوم من حال المتشرّعة والتامّل في موارد التسمية.

نعم ، إنّما يختلف بحسب اختلاف الصفات والغايات الملحوظة فيه ، وهي أمور خارجة عن حقيقة غير مقوّمة لماهيّة. وفي كلام بعض الأعلام أنّ غسل تلك الأعضاء يمكن أن يقع على وجوه شتّى منها التنظيف ومنها غيره من أنواع الوضوء ، فالوضوء لغة النظافة ، فإذا قصد به القربة كان مثابا عليه كما ذكروه في إزالة النجاسات من أنّه يثاب عليها بذلك القصد ، فإذا قال « أتوضّأ قربة إلى اللّه » فمعناه أنّي أنظّف هذه الأعضاء لتحصيل القرب ، وهذا ليس من وضوء الصلاة في شي ء إجماعا.

ثمّ قرّر أنّه لا فرق بين معنى الوضوء لغة وشرعا إلّا النيّة ، وذلك أن الوضوء للصلاة تنظيف خاص لبعض الأعضاء وليس مجرّد القرب إلى اللّه تعالى فارقا ؛ لأنّه حاصل غالبا ، وغير غالب في الوضوء اللغويّ كما عرفت.

فلا يكون بينهما فارق سوى أنّ الوضوء تنظيف بهذه الأعضاء الخاصّة لفعل خاصّ كالصلاة مثلا ممّن لا يخطر بباله حال الوضوء لم يكن قد أتى بالواجب الشرعيّ على وجهه.

أقول : ما ذكره بيّن الاندفاع ؛ إذ لا تأمّل لأحد في لزوم قصد الوضوء أعني الأفعال المخصوصة الموضوعة في الشرع ، فلا يكفي في حصوله مجرد قصد غسل الأعضاء المعلومة وإن ضمّ إليه قصد القربة ، بلا خلاف فيه (1) في عدم تسميته بالوضوء.

والكلام إنّما هو في الاكتفاء بذلك مع عدم ضمّ قصد الرفع أو الاستباحة ، والقول بانحصار جهة التعيين في قصد الغاية المخصوصة بيّن الفساد ؛ إذ الوضوء الشرعي أمر متميّز لا اشتراك فيه فمجرّد قصده كاف في تعيينه وإن لم ينو شيئا من غاياته.

وقد يتوهّم أنّه مع جواز وقوع الوضوء على كلّ من جهتي الوجوب والندب فيما إذا كان

ص: 465


1- زيادة في ( د ) : « و ».

هناك جهة موجبة وأخرى مرجّحة لا يقع الفعل واجبا ولا مندوبا من دون تعيين أحد الوجهين ؛ إذ انصرافه إلى أحدهما ترجيح من غير مرجّح ، وأيضا مع قصد مطلق القربة من دون تعيين (1) الجهتين لا يكون امتثالا لشي ء من الطلبين ، وليس القدر المشترك بين الحكمين تكليفا واردا من الشرع ، فيكون ذلك امتثالا له.

ويدفع الأوّل أنّه مع حصول جهة الوجوب يقع واجبا في الواقع وإن لم يكن بملاحظة الغاية المتداولة واجبا ، وعدم ملاحظة الغاية الواجبة لا يخرجه عن الوجوب. ألا ترى أنّ سائر الواجبات النفسيّة من غير العبادات لو أتى بها المكلّف لا من جهة امتثال الأمر قد أتى بالواجب واتّصف به (2) فعله بالوجوب وإن لم يكن ممتثلا لإطلاق متعلّق الأمر بالنسبة إليها ، إذ ليس المأمور به فيها إلّا الإتيان بالفعل لا خصوص الاتيان به مقيّدا بقصد الامتثال كما في العبادات ؛ إذ لا دليل على ذلك التقييد.

والقول بانصراف الأمر عرفا إلى ذلك في حيّز المنع ، بل واضح الفساد ، وإلّا لما كان فرق بين العبادة وغيرها أو كان الأصل في جميع التكاليف الشرعيّة وغيرها أن تكون عبادات مشروطة بقصد الامتثال إلّا ما خرج بالدليل ومن الظاهر خلافه.

وما قد يتخيّل من أنّها المقدّمة لو كانت واجبة مع خلوّها عن قصد التوصّل بها إلى ذيها يصحّ إذن قصد التقرّب بها كما هو الشأن في سائر الواجبات بل الرجحان (3) وفساده كاشف عن بعد وجوبها الغيري بما إذا لوحظ الوصلة بها إلى الواجب ، مدفوع بأنّه لا شبهة في تقييد إيجاب المقدّمة بملاحظة ذيها ، فوجوبها أيضا إنّما يكون بتلك الملاحظة ، لكن ملاحظة الأمر ذلك في إيجابها لا يقتضي تقييد فعل الفاعل بذلك ليكون الواجب عليه إيقاعها على ذلك الوجه ؛ إذ لا

ص: 466


1- الزيادة من ( ب ) : « أحد الوجهين إذ انصرافه إلى » ، وفي ( د ) زيادة على ذلك : « أحدهما ترجيح من غير مرجّح وأيضا مع قصد مطلق القربة من دون تعيين إحدى ».
2- لم ترد في ( د ) : « به ».
3- في ( د ) : « الراجحات ».

ملازمة بين الأمرين قصد (1) التقرّب بها يتوقّف على تلك الملازمة (2) وإن لم يتوقّف عليه الحكم بوجوب أصل الفعل.

ويجري نحوه في الواجبات النفسيّة كما إذا أمر المولى (3) بإكرام صالح فأكرم صالحا لا من جهة صلاحه لم يكن ممتثلا ، ولا صحّ منه التقرب به إليه وإن اتّصف أصل فعله بالوجوب.

والحاصل فرق بيّن بين امتثال الأمر والاتيان بالواجب ؛ لاختصاص الأوّل بما قصد به الامتثال دون الآخر ، وإنّما يصحّ التقرّب مع حصول الامتثال لا غير. ثمّ إنّ الّذي يظهر من إمعان النظر في الأدلّة أنّ المعتبر في العبادة ليس إلّا القربة وملاحظة جهة الامتثال لا غير ، سواء لوحظ الأمر الخاص بتلك العبادة أو غيرها مع اتّحاد نوع الفعل كما إذا أعاد الحاضرة المؤدّاة فرادى جماعة على وجه الندب ، فانكشف بعدها فساد الأوّل ، فإنّ الأظهر صحّة الصلاة وإجزائها عن الفرض وإن لم يقصد بها الوجوب لعدم اعتبار قصد الوجه ، وقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ ) (4) لا يدلّ على أزيد من اعتبار قصد القربة الامتثال.

نعم ، ما دلّ على وجوب الاطاعة وربّما يفيد ذلك إلّا أنّه مع ايقاعه متعلّق الأمر (5) بقاء للأمر ، فلا مصداق إذن للإطاعة والامتثال ، واحتمال تقييد إطلاق الأمر بما دلّ على وجوب الاطاعة ليكون المأمور به خصوص الفعل بقصد الامتثال ( ممّا لا دليل عليه غاية ما يسلّم أن يكون هناك تكليفان فيسقط الثاني بعد الإتيان بالفعل لا بقصد الامتثال ) (6).

وهذا هو الوجه في عدم وجوب اعادة غير العبادات إذا أدّاها بغير قصد الامتثال ، فاندفع بذلك الايراد الأخير أيضا ؛ للاجتزاء بالوضوء المفروض عن التكليفين وإن لم يكن امتثالا لخصوص كلّ من الأمرين ؛ إذ مجرّد قصد الامتثال الحاصل مع العلم بكونه راجحا عند

ص: 467


1- في ( د ) : « فقصد ».
2- في ( ب ) و ( د ) : « الملاحظه ».
3- زيادة في ( د ) : « عبده ».
4- البينة : 5.
5- زيادة في ( د ) : « لا ».
6- ما بين الهلالين وردت في ( ب ) و ( د ).

الأمر كاف في الصحّة كما عرفت.

وقد يقال إنّ محصّل الاستدلال على الصحّة هو التمسّك بالإطلاقات ، وهي لا تنهض مع الشكّ في الصحّة مع الخلوّ عن قصد الوجه والغاية بناء على كون أسامي العبادات بإزاء الصحّة (1) المستجمعة لشرائط الصحّة كما هو الأظهر ، فالواجب إذن بعد اليأس عن دليل الصحّة هو الاتيان بالشرط المشكوك.

ويدفعه ورود بيان الوضوء في عدّة أخبار مع خلوّه عن الاعتبار المذكور ، فلا إجمال فيه بعد ذلك ليجب الاحتياط على أنّ ذلك لا يجري فيما إذا قصد أحد الغايات الّتي يستحبّ الوضوء لها ، فاعتبار خصوص الرّفع أو استباحة الصلاة لا دليل عليها (2) بوجه ، والوجه في اعتبار قصد الوجه قد مرّ بيانه.

وما يدلّ على وهنه.

وقد يستدلّ على اعتبار قصد الاستباحة بأمور :

منها : ظاهر الآية الشريفة ، فإنّ المستفاد منها ملاحظة الغاية المخصوصة في أداء الصلاة كما هو الظاهر من نظائره كقولك « إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك ، وإذا أردت لقاء العدوّ فخذ سلاحك » إلى غير ذلك ، فإذا أوقعه لا بقصده لم يكن ممتثلا للأمر المذكور ، وفيه فالواجب ايقاع الوضوء لأجل الصلاة.

وفيه أنّ المستفاد من التعليق المذكور هو كون العلّة في الطلب هو الغير أي أنّ مطلوبيّته لأجل الغير والتوصل إليه ، وأين ذلك من تقييد نفس المطلوب بأن يكون المقصود خصوص إيجاده بقصد الغير وبينهما من البون ما لا يخفى.

ومنها : أنّ قضية امتثال الأمر الإتيان به على النحو المطلوب وإلّا لم يكن إطاعة ، فلو أتى بالواجب الغيري من حيث كونه نفسيا ومطلوبا بالأصالة لم يكن ممتثلا للأمر المتعلّق به ولا مطيعا ، وكذا العكس ، والوضوء كما مرّ من الواجبات الغيريّة ، فلا بدّ فيه من ملاحظة الغير

ص: 468


1- في ( د ) : « الصحيحة ».
2- في ( د ) : « عليه ».

مضافا إلى كونه واجبا بالأصالة أيضا على بعض الفروض ، فكيف يصحّ إطلاق النيّة من دون تعيين أحد الوجهين بل وتعيين الغاية المخصوصة ؛ إذ العبادة المشتركة إنّما تقع مجزئة عن أحد أفرادها بالقصد والنيّة.

ويدفعه أنّ عدم صدق الامتثال لا يعطي بقاء التكليف إلّا أن يقال بتعدّد أنواع الوضوء أو (1) اعتبار الجهة التقييديّة في المطلوب.

وقد عرفت فساد الأمرين ، فغاية ما يقتضيه عدم الامتثال عدم ترتّب الثواب المعدّ للوضوء المخصوص عليه ، وذلك لا يقضي بعدم الإتيان بالواجب ؛ لما عرفت من الفرق الظاهر بين الأمرين.

مضافا إلى أنّ امتثال الأمر حاصل (2) مع قصد المأمور به إجمالا وإن لم ينو خصوص الجهة المأخوذة فيه إذا لم ينو خلافه كما إذا نوى ما في ذمته كائنا ما كان ، فلا يفيد ذلك اعتبار خصوص قصد الاستباحة.

ومنها : أنّ قوله عليه السلام في الحديث المتواتر : « إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » (3) يعطي أنّ صحة الأعمال وكمالها إنّما يناط بنيّاتها ، فكلّ عمل لا يقع على النيّة المطلوبة لا يكون صحيحا والمطلوب من وضوء الصلاة أن يكون ذلك الوضوء لأجلها ، ولا يكون كذلك إلا إذا وقع تقييدها.

وفيه : أنّ الروايتين مسوقتان ظاهر [ ا ] لبيان دوران الأعمال على حسب تلك النيّات ، ولو سلّم شمولها لغير ذلك أيضا ، فغاية (4) ما يستفاد منها انحصار الواقع في المنويّ ، وهو لا يقتضي بقاء التكليف بغيره إلّا بأحد الوجهين المتقدمين. وقد مرّ فسادهما.

ومنها : ما ورد في الأحاديث المتكثّرة من الأمر بالوضوء للصلاة ، والمستفاد منها إيقاع

ص: 469


1- في ( د ) : « إذ ».
2- في ( ألف ) : « الحاصل ».
3- دعائم الإسلام 1 / 4.
4- في ( ب ) : « وغاية ».

الوضوء لأجل الصلاة ، فمتى أوقعه من غير قصد الصلاة لم يتحقّق ذلك.

وفيه : أنّا لم نظفر بالأخبار المتكثّرة المنقولة.

نعم ، في بعض الأخبار أنّ اللّه فرض الطهور للصلاة ، وحمله على ما ذكره غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه ؛ إذ المنساق منها خصوص كون الصلاة عليه ؛ لوجوب الطهور كما ورد في غير واحد من أخبار علل الوضوء ، وهو لا يعطي ملاحظة الجهة التقييديّة في الفعل بوجه من الوجوه ، ولو كان هناك في الأخبار نحو ما ذكره فحملها على ما ذكره غير بعيد أيضا.

إذا عرفت ذلك يتبيّن لك الاكتفاء بالوضوء الواقع على جهة القربة المطلقة سواء قارنه قصد الرفع أو استباحة الصلاة فريضة أو نافلة أو غيرها من الغايات المطلوبة فيها ارتفاع الحدث وجوبا أو استحبابا أو غيرها أو كانت خالية عنها ، فارتفاع الحدث واستباحة الصلاة مانعان لفعله ، ولا فرق بين إطلاقه رفع الحدث أو قصد خصوص حدث معلوم مع وجود غيره أو عدمه.

ولو عيّنه والواقع غيره فالظاهر الإجزاء مع كونه خطأ. واستقرب الفساد في البيان.

ولو كان عمدا ففيه وجهان كما لو نوى عدم ارتفاع الحدث به ، وكذا (1) لو اعتقد عدم ارتفاع الحدث به كما لو توهّم أنّه جنب فتوضّأ للأكل ، ثمّ تبيّن خلافه.

وقضية الإطلاقات فيه الاجتزاء ، فيقوى بها البناء على الصحة في الجميع.

وقد يتخيّل اختلاف وضوء الجنب ونحوه لسائر الوضوءات الرافعة في النوع حيث إنّه وضوء صوريّ لا غير بخلاف غيرها.

وفيه بعد.

وأمّا الواقع على جهة التجديد إذا تبيّن فساد الأوّل فقد يقال فيه أيضا بنحو ذلك إلّا أنّ البناء فيه على الاجتزاء هو الأقوى ؛ لما عرفت. وكأن العلّة المشرعة لتجديد احتمال وقوع الحدث عنه ليجوز الطهارة الواقعيّة.

ص: 470


1- لم ترد في ( ب ) : « وكذا ... الحدث به ».

وذهب بعضهم إلى عدم الاكتفاء به ، ويضعّفه ما مرّ. ولو قصد استباحة فريضة بعينها فلا إشكال في استباحة غيرها من الفرائض وكذا الحال لو نرى استباحة النافلة ، ونفى عنه الخلاف في كلام بعض المتأخرين. ولو نرى عدم استباحة تلك الصلاة ففي صحة الوضوء وجهان.

وقطع في البيان بالفساد.

ويحتمل قويّا إلقاء النفي أو ما يستباح به صلاة معيّنة هو بعينه ما يستباح به غيرها ، ولو نوى استباحة ما يشترط بالطهارة ما عدا الصلاة كالطواف الواجب فالمشهور استباحة الصلاة به أيضا.

وعن الشيخ وظاهر الحلي عدم الاجتزاء به. وهو ضعيف.

ولو نوى سائر الغايات ممّا لا يشترط بالوضوء فهناك أقوال :

ثالثها : الاكتفاء مع تعيين الغاية دون ما لو أطلق ولم يقصد غاية مخصوصة.

رابعها : التفصيل بين ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن وما ليس كذلك كالتجديد.

خامسها : التفصيل بين ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث قصدا لكمال الغاية المنويّة وما لا يستحب له الطهارة أو يستحب لا مع قصد الكمال.

وعن بعضهم زيادة قصد الكون على الطهارة ، فيجزي فيه أيضا.

وكلّ هذه الأقوال مبتنية على أمور اعتباريّة لا تنهض حجّة في المطالب الشرعيّة.

وممّا يدلّ على ما قلناه من الاجتزاء بذلك في الفريضة إطلاق الطهارة والتطهير ونحوهما على كثير من الوضوءات المذكورة ، وهو قاض بحصول ارتفاع الحدث بها ، فلا مانع إذن من الدخول بها في الصلاة.

وقد يقال باختلاف الأحداث بالنسبة إلى الأفعال ، فلا يفيد ارتفاعه بالنسبة إلى الفعل المنويّ ارتفاعه بالنظر إلى غيره سيّما مع كون عناية الشرع بغيره أقوى ، وهو بمكان من البعد كما لا يخفى على من لاحظ الطريقة المألوفة وتأمل في سياق الأخبار المأثورة.

ص: 471

وقد يحتجّ بعدم الاكتفاء بها في الصلاة بالآية الشريفة ؛ لقضائها بوجوب الوضوء عند القيام إلى كلّ صلاة خرج عنه ما قام الدليل عليه وبقي غيره ، وبقوله عليه السلام : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (1) ؛ لاقتضائه بوجوب الوضوء ، ولو كان متوضأ لغير الصلاة.

وفيه : أنّ الآية مخصوصة بالمحدثين سيّما مع ستر القيام فيها بالقيام من النوم كما في الموثّق وغيره ، ويجري نحو ذلك في الرواية مضافا إلى عدم دلالتها سيّما الأخير على اعتبار الجهة التقييدية في فعل الوضوء ، فيعمّ ما لو أوقعه لأحد الغايات المذكورة أيضا ، فتأمل.

ص: 472


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.

تبصرة: [ في غسل الوجه واليدين ]

من أفعال الوضوء غسل الوجه بالنصّ والإجماع بل الضرورة من الدين.

وحدّ الوجه طولا من قصاص الشعر إلى طول الذّقن بلا خلاف فيه ظاهر.

وفي التذكرة الإجماع عليه.

وفي القوي : كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن حد الوجه؟ فكتب : « من أوّل الشعر إلى آخر الوجه وكذلك الجبينين » (1).

ويعتبر القصاص ممّا يحاذى الجبهة والجنبين ، فلا عبرة بالقصاص من عند الزغبتين ؛ إذ لا قائل ظاهرا بوجوب غسلهما.

وظاهر بعض المتأخرين حكاية الإجماع عليه.

وعرضا ما حواه الإبهام والوسطى ممّا يمرّان عليه من ظاهر الوجه من القصاص إلى آخر الذقن على المعروف بين الأصحاب ؛ للصحيح المروي عن الباقر عليه السلام : « الوجه الذي قال اللّه عزوجل وأمر اللّه تعالى بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه » (2).

وظاهر الرواية دوران الإصبعين معا من عند القصاص إلى منتهى الذقن كما فهمه الأصحاب ، فيدخل في الوجه ما دخل تحتهما.

وقوله : « وما جرت عليه الإصبعان » تأكيد وإيضاح لقوله « ما دارت .. » إلى آخره.

ص: 473


1- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل ، ح 4.
2- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل ، ح 1.

وقوله « مستديرا » حال من الضمير في « عليه » ، وكأنّ التقييد به إشارة إلى عدم دخول ما خرج عن مستدارة الوجه ممّا يحويه الإصبعان في حوالي الذقن.

ويحتمل أن يكون صفة للمصدر المحذوف أي جريانا مستديرا.

وحملهما بعض محقّقي المتأخرين على إرادة (1) الخطّ الواصل بين القصاص ومنتهى الذقن الّذي هو مقدار ما بين الإصبعين غالبا على نفسه بعد فرض جانب وسطه. ويكون ذلك تحديد الكلّ من طول الوجه وعرضه.

وأيّد هذا الوجه بأنّهم يقولون بخروج النزغتين والصدغين من الوجه ، وإنّما يخرجان عنه بناء على المعنى المذكور دون ما ذكروه ، وعليه فيخرج مواضع التحذيف والعذاران وبعض من العارضين أيضا.

وأنت خبير بأنّ حمل الرواية على المعنى المذكور بعيد عن العبارة ؛ إذ ظاهرها إدارة الإصبعين معا من القصاص ، ولو حمل على الدائرة لم يمكن ذلك مضافا إلى بعد المعنى المذكور عن متفاهم العرف ، ومخالفته لفهم الأصحاب.

على أنه لو حمل على ذلك لزم خروج ما يزيد على النزغتين ممّا يليهما الواقع في أعلى طرفي الجبهة كما هو مقتضي الاستدارة ، والظاهر عدم الخلاف في وجوب غسله.

وكذا يخرج عنه ما يزيد على العذارين ممّا يقابلهما وكثير من أجزاء العارضين ، والبناء على خروجهما عن الوجه في غاية البعد.

والاعتماد فيه على مجرّد الاحتمال المذكور أبعد ، بل ظاهرهم اتفاق على دخول بعض المذكورات ، ولو سلّم تكافؤ الاحتمالين فلا أقلّ من كون الأوّل موافقا للاحتياط محصّلا للقطع بالفراغ بعد اليقين بالشغل ، مع كونه أقرب إلى الوجه العرفي ، فتعيّن ترجيحه.

ثمّ إنّ هذه الرواية هي الأصل في تحديد الوجه ، فما حواه التحديد المذكور داخل في الوجه وما خرج منه خارج عنه ، وهاهنا حدود يذكر للوجه قد وقع الخلاف في كثير منها لا بدّ

ص: 474


1- زيادة في ( د ) : « إدارة ».

من الاشارة إليها :

منها : النزغتان ، وهما البياضان اللّذان عن جانبي الناصية ، ولا خلاف ظاهر في عدم وجوب غسلهما ، وقد مرّت الاشارة إليه.

وقد يتوهم شمول التحديد المذكور لهما.

ويدفعه أنّ المتبادر من ظاهره بمعونة فهم الأصحاب هو قصاص الناصية وما يحاذيها لمحاذاة النزغتين للناصية الخارجة عن الوجه قطعا ، وخروجهما عن التسطح الّذي يتميّز (1) به الوجه عن الرأس.

نعم ، لو قصرت النزغتان بحيث كانتا قريبتين من محاذاة الجبهة احتمل قويا وجوب غسلهما ؛ لدخولهما في ظاهر العبارة.

ومنها : مواضع التحذيف ، وهي أسفل منهما يتّصل أعلاها في النزعة وأسفلها بالصدغ عليها شعر خفيف تحذفها النساء ، ولذا سمّيت بها.

وفسّرها بعضهم بما بين منتهى العذار والنزغة ، وهو تسامح في التعبير.

وفي وجوب غسله قولان نصّ العلّامة في غير واحد من كتبه وجماعة بعدمه.

وعلّل كونها من الرأس نبات الشعر عليها.

وعن جملة من الأصحاب القول بدخولها احتياطا. وبه قطع في الروضة.

والأظهر أنّ الشعر النابت عليها إن كان نحو شعر الرأس وإن كان خفيفا لم يجب غسله ؛ لكونه فوق القصاص وإن نبت عليه الشعر الضعيف قوي وجوب غسله سيّما مع البناء على وجوب الاحتياط في صورة الشكّ.

ومنها : الصدغ. وفسّره جماعة من أهل اللغة تارة بما بين العين والأذن (2) وأخرى بالشعر المتدلّي عليه (3). وقد قطع جماعة من الأصحاب بعدم وجوب غسله ، بل هو المعروف من

ص: 475


1- زيادة « يتميز » من ( ب ).
2- الصحاح 4 / 1323 ( صدغ ).
3- لسان العرب 8 / 439 ( صدغ ).

المذهب.

وفي النصّ الصحيح (1) التصريح به.

وأنت خبير بأنّ الّذي ينبغي القطع به دخول بعضه ؛ نظرا إلى التفسير المذكور ، لدخوله في التحديد المذكور والتزام تخصيصه كما قد يومي إليه كلام بعضهم بيّن الفساد.

وقد يراد به ما حاذى العذار فوقه المحاذي لرأس الأذن.

وبه فسّره العلّامة في غير واحد من كتبه. ويساعده العرف.

وكأنّه المقصود في الرواية وكلام الأصحاب.

وحينئذ فلا تأمل في خروجه عن الوجه ؛ لخروجه عن التحديد المذكور ، مضافا إلى خصوص الصحيح ، مع تأيّده بحكم الأصحاب.

وعن الراوندي القول بدخوله في الوجه ، وقد يحمل كلامه على الأوّل بإرادة الوجه.

ومنها : العذار ، وفسّره تارة بالشعر المحاذي للأذن ويتّصل اعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض ، وأخرى بالقدر المحاذي للأذن ، وكذلك بينه وبين الأذن بياض يسير.

والمعروف خروجه ؛ لعدم شمول الإصبعين له في الغالب ، ومن ظاهر الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3) والإسكافي دخوله فيه. وبه نصّ المحقق الكركي (4) والشهيد الثاني (5). وفصّل بعضهم بين ما يشمله الإصبعان وغيره ، وبه جمع بين القولين المذكورين ، وهو الأقوى.

ومنها : العارض ، وفسّره غير واحد منهم بالشعر المنحطّ عن محاذاة الأذن المتصل أعلاه بالعذار وأسفله بما يقرب من الذّقن.

وفي القاموس (6) : أنّه جانبا اللحية. وقد يفسّر بمنبت الشعر المذكور كما يعرف من

ص: 476


1- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ح 1.
2- المبسوط 1 / 20.
3- الخلاف 1 / 76.
4- جامع المقاصد 1 / 213.
5- الروضة البهية 1 / 323.
6- انظر القاموس المحيط 2 / 86 و 334.

ملاحظة العرف.

وكيف كان فقد قطع الفاضلان بخروجه عن الوجه والشهيدان (1) بدخوله.

وفصّل العلّامة في النهاية (2) بين ما ناله الإصبعان وغيره.

وهو الأقوى ، وقد يحمل عليه القولان الأخيران.

ومن الغريب ما أورده بعض الأفاضل على اعتباره بالاصبعين من أنّ التحديد بهما إنّما هو بالنسبة إلى وسط الوجه خاصّة وإلّا لزم غسل ما تجاوز عن العارض أيضا ، وهو باطل إجماعا ؛ إذ التحديد المذكور إنّما هو بالنظر إلى ما يشمله استدارة الوجه كما لا يخفى على من تأمّل في الرواية ، ولو سلّم الإطلاق فخروج ذلك بالإجماع لا يقضي بخروج غيره.

ولو سلّم اختصاص التحديد بما ذكر فلا بدّ من القول بدخول جميع ما تحته بحكم الغصب (3) به ، فقضية الإطلاق احالة الباقي إلى ذلك.

ثمّ إنّ المدار في الأصابع طولا وقصرا على مستوى الخلقة بحسب العادة ، فطويلها وقصيرها عن المعتاد يرجعان والإصبع (4) الخارج عن العادة يرجع إليها أيضا كالأغمّ كذلك ، فيجب عليه غسل موضع الغمة.

ولو كان عريض الوجه زائدا على المعتاد أو بعكسه قوي الرجوع في نفسه إلى يد تناسب ذلك الوجه في المعتاد ، وإن لم يكن من مستوى الخلقة.

هذا ، ولا يذهب عليك أن أشبار مستوى الخلقة ( متفاوته جدّا ، والبناء على خروج ما ذكرناه من حدّ الوجه في العرض إنّما هو على الأغلب.

ولو فرض في أشبار مستوى الخلقة ) (5). ما يشمل الأجزاء من الحدود المذكورة بالفرض

ص: 477


1- الدروس 1 / 91 ، والروضة البهية : 1 / 323.
2- نهاية الإحكام 1 / 36.
3- كذا.
4- في ( د ) : « الأصلع ».
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فالأقرب لزوم مثله ، وربّما يحمل عليه كلمات الأصحاب ؛ إذ لا موجب للتقييد إلّا في الصدغ ، والمعارضة بينه وبين التحديد بالأصابع من قبيل العموم من وجه ، وقضيّة الاحتياط إذن غسله.

ص: 478

تبصرة: [ في كفاية مسمّى الغسل ]

الواجب من الغسل أقلّ مسمّاه ، ويحصل بجري الماء من جزء إلى آخر ولو بمعونة اليد على المشهور بين الأصحاب (1).

وعن جماعة البناء فيه على الرجوع إلى العرف.

وعن بعضهم الاكتفاء بمثل الدهن.

ولا خلاف ظاهر بين الأقوال المذكورة ؛ لإمكان الانطباق بينها ، وكأنّ الاختلاف في التعبير من جهة احتمال المغايرة ، فعبّر كلّ بما هو المناط عنده.

نعم ، فصّل بعضهم في الاكتفاء بمثل الدهن بين حالتي الاختيار والاضطرار. حكاه الشهيد (2) عن الشيخين (3). وحينئذ فلا تأمّل في المغايرة إلّا أن القول به ضعيف.

ويدلّ على اعتبار الجريان في الجملة أنّه المتبادر من لفظ الغسل عرفا ، فيثبت كونه كذلك لغة. وعدم ذكره بخصوصه في كلام أهل اللغة - كما قيل - لا يقضي بعدمه ؛ لاكتفائهم عن ذكره لوضوحه ، ومع الغض عنه فالمتّبع في مثله هو المعنى العرفي عند الدوران بينه وبين اللغوي.

وقد يقال بالاكتفاء فيه أيضا بإفاضة الماء على المحلّ أو وقوعه فيه.

وفيه تأمّل.

ويدلّ عليه أيضا اعتبار الجريان في بعض الصحاح ، وفيه (4) : « كلّ ما أحاط به الشعر

ص: 479


1- لم ترد في ( ب ) : « الأصحاب ... ظاهر بين ».
2- الذكرى 1 / 77.
3- المقنعة : 8 ، النهاية : 47.
4- في ( د ) : « ففيه ».

ليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء » (1).

وورد أيضا في الغسل : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده فقد أجزأه » (2).

ولا قائل بالفرق مضافا إلى ما في الأخبار الواردة في الوضوء البياني من ذكر الصبّ والإفاضة والغرفة لكلّ عضو.

وفي الأخبار المستفيضة الاكتفاء فيه بمثل الدّهن كالصحيح : « إنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء إنّما يكفيه مثل الدهن » (3).

وفي صحيحة أخرى : « إذا مسّ جلدك الماء فحسبك » (4).

ونحوه خبر آخر في الغسل ، وهي محمولة على بيان أقل مراتب الجريان المعتبر في الغسل ، فظاهر إطلاقها مقيّد بما ذكرنا ، والمعارضة بين إطلاقها وما مرّ من قبيل العموم المطلق ، فلا بدّ من حمله عليه.

وفي كلام بعض الأعلام الميل إلى عدم معارضته بين المقامين ؛ إذ ليس في شي ء منهما دلالة على عدم اجزاء غيره.

وهو كما ترى ؛ إذ ما دلّ على اعتبار الغسل والجريان ظاهر في (5) تعيينه بخلاف الأخبار الأخيرة.

ثمّ إنّ الواجب حصول مسمّى الغسل ، فيعمّ سائر وجوهه من الصبّ عليه أو إدخاله في الماء أو تحريكه تحت الماء أو إخراجه عنه أو الوقوف تحت المطر بحيث يجري الماء على العضو.

وكذا جعل العضو تحت غير المطر من المياه النازلة إن لم يكن بصبّ الغير ، وإلّا كان الآخر

ص: 480


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 45 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 88.
2- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ح 4 ، وفيه : « قليله وكثيره فقد أجزأه ».
3- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء .. ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 3. باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 78.
4- الكافي 3 / 22 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء .. ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 4. باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 72.
5- في ( ألف ) : « وفي ».

هو الغاسل ، ولا أقلّ من الشك فلا يتمّ البراءة.

ولو لم يتعمد الآخر صبّ الماء عليه ففي الاجتزاء به وجه.

ولو نواه بمجرّد الكون في الماء احتمل الجواز.

والأقوى عدم الاجتزاء ؛ لمكان الشكّ في صدق اسم الغسل بمجرّده.

وقد يتخيّل عدم الاجتزاء في الوجوه المتأخرة ، فلا ينصرف الإطلاق إليها.

ويضعّفه أنّ مجرّد جريان الطريقة على نحو مخصوص لا يوجب صرف الإطلاق مع وضوح كون المذكورات من أنواع الغسل ، بل وشيوعها في غسل النجاسات ، سيّما بالنسبة إلى أوّل الخطابات.

وقد ورد في الصحيح الاكتفاء فيه بإصابة المطر مع غسله العضو.

والظاهر الاجتزاء بإمرار الخرقة النديّة على العضو بحيث يحصل به إجراء الرطوبة من جزء إلى آخر.

وكذا لو أمرّ الثلج أو مسح يده النديّة على العضو.

وفي القوي : « اغسله من أعلا وجهك إلى أسفله بالماء مسحا ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك » (1).

وهي محمولة على خصوص الجريان في المسح في غير الرأس والقدمين ، فيقيّد ما قلناه.

وفيه إشارة إلى عدم المباينة بين كلّ من المسح والغسل ، وسيجي ء الإشارة إليه.

ص: 481


1- قرب الإسناد : 312.

تبصرة: [ في غسل ظاهر الوجه ]

يجب غسل ظاهر الوجه من البشرة والشعر المختصّ به ، فلا يجب الاستبطان فيما ستره الشعر كالحاجبين.

وفي الصحيح : « كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » (1).

فاللحية الكثيفة لا يجب تخليلها ، وهو محلّ وفاق.

وحكي في اللحية الخفيفة قولان ، والأقوى عدم وجوب غسل ما أحاط به الشعر بحيث يستر البشرة دون ما ترى منه ؛ إذ الظاهر من الصحيحة المتقدمة ذلك ، وهو الظاهر أيضا من الصحيحة الأخرى عن (2) « الرجل يتوضّأ أيبطن لحيته؟ قال : لا » (3) ؛ إذ ظاهر (4) الإبطان ايصال الماء تحت الشعر الحاجب للبشرة.

والخلاف المحكي عن السيد (5) والإسكافي في ذلك غير ظاهر ؛ إذ لا إشعار في العبارة المحكيّة عنها في ذلك ، بل الظاهر منها هو ما ذكرناه.

فالظاهر أن وجوب غسل المواضع الغير المستورة بالشعر ممّا لا خلاف فيه.

وعن المقاصد العليّة حكاية الإجماع عليه.

ص: 482


1- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 36.
2- في ( ألف ) : « من ».
3- الكافي 3 / 28 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ، ح 2.
4- زيادة في ( ب ) : « العلّامة في المختلف والشهيد في الألفيّة ».
5- الناصريات : 114.

وعن الأنوار القمريّة نفي الخلاف عنه.

وهو الظاهر من جامع المقاصد (1) والروض (2).

وذكر المحقّق الكركي أنّه ممّا لا كلام فيه ، فيكون محلّ الخلاف إذن بمقتضى ما ذكره الجماعة في غسل البشرة المستورة بالشعر المفروض.

وحينئذ فلا تأمّل في وجوب غسل المستورة لما عرفت من الأدلّة بل لا يبعد نفي الخلاف عنه أيضا.

وعن بعض الأصحاب دعوى الاتّفاق على عدم وجوب غسله ، وقد جعل النزاع في البشرة الظاهرة على عكس الجماعة المتقدّمة ، فإذا بني على الجمع بين الإجماعين المذكورين - كما هو الأظهر - يعود النزاع لفظيّا. وبذلك يظهر بعد جعل النزاع في كلّ من الجانبين.

وقد حكى بعض الأفاضل عن البعض تخصيص الخلاف (3) بالبشرة المستورة تحت الخفيفة بناء على عدم الخلاف في وجوب غسل الظاهر كما حكي عن آخرين عكسه مدّعيا (4) للاتّفاق على عدم وجوب غسل المستورة.

وبعضهم خصّ الخلاف بالخفيفة الّذي يكون غالبه مستورا ، ويصدق عليه عرفا أنّه المناط به الشعر وإن لم يصدق لغة.

وهو أيضا كما ترى.

وكأنّ الخلاف في الخفيف الذي يستر البشرة في بعض الأحيان دون بعض ، فهل يغلب (5) جانب الستر ، فلا يجب غسله حال الظهور أيضا أو بالعكس؟

ص: 483


1- جامع المقاصد 1 / 214.
2- روض الجنان : 32.
3- زيادة في ( د ) : « إلى المستورة. وقد عرفت ما فيه ، فلا يتّضح إذن في المقام ما يصلح أيكون محلّا للكلام وبعضهم خصّ .. إلى آخره فكما أنّه لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب غسل المستور فلا يتّضح في المقام ما يصلح أن يكون محلّا للكلام وبذلك يظهر بعد ما حكي عن البعض من تخصيص الخلاف ».
4- في ( ألف ) : « عدميّا ».
5- في ( د ) : « يتغلّب ».

والأقوى فيه إذن أنّ وجوب الغسل أمّا حال الظهور فظاهر ، وأمّا مع عدمه للشك (1) في قيام الشعر مقام البشرة وانتفاء اليقين بالبراءة مع عدمه.

ويحتمل التفصيل بين الحالين ، فيجب حال الظهور دون غيره.

ويتقوّى القول به في المتدلّي على البشرة ، فلو (2) كشف عن الكثيف (3) فظهرت البشرة احتمل وجوب غسله ، والصحيحة تدلّ على عدم وجوبه [ .. ] (4) الكشف.

ولو لم يستر الحاجب لون البشرة وجب غسل ما تحته ، وإنّما يجب غسل ما يتراءى من البشرة تحته دون ما احتجب بالشعر.

ويحتمل إجراء الخلاف في اللحية الخفيفة هنا أيضا ، والأعمّ الخارج عن المعتاد إنّما يغسل ظاهر غمته ، ولا يجب عليه الاستبطان عملا بالاطلاق المذكور.

وكذا الكلام في سائر الشعور النابتة في الوجه سواء كانت في المحلّ المعدّ له أو غيره.

ثمّ إنّ الظاهر سقوط الغسل عن البشرة المستورة بتكاثر الشعر ، فالمستورة بتدلّي الشعر الواحد ونحوه لا يسقط غسله ، ولو تدلّى الشعر من غير محلّ الغسل عليه لم يجب غسله بل تعيّن غسل ما تحته ، أمّا المتدلّي من بعض مواضع الغسل على آخر فإن خرج عن حدود الوجه لم يجب غسله قطعا وإن لم يخرج فالظاهر وجوب غسله مطلقا.

وهل يكتفى به عن غسله ما تحته كذلك أو يقتضي بغسل الشعر عن غسل البشرة بالنسبة إلى منابتها وما يفارقها ؛ أخذا بظاهر ما يتراءى من الصحيحة المتقدّمة؟ وجهان ؛ أوجههما الأوّل مع صدق كونه مخاطبا للشعر ، وإلّا لزم غسله في وجه قويّ.

ثمّ إنّ الزيادات الحاصلة في المحلّ المغسول كالبثور واللحم الزائد تابعة للمحلّ في وجوب الغسل ؛ لدخولها في اسم الوجه ، وإن كانت في الذقن.

ص: 484


1- في ( د ) : « فللشكّ ».
2- في ( د ) : « ولو ».
3- في ( ألف ) : « الكشف ».
4- هنا فراغ في النسخ المخطوطة.

ويحتمل (1) عدم وجوب غسلها إذا خرجت عن منتهى الذقن ، والظاهر وجوبه مع دخولها في اسم الذقن ، ولذا يجب غسل الشعر النابت عليه المختصّ.

ولو خرجت من حدّه بحيث لا يشمله اسم الوجه ففيه إشكال مع ارتفاع بشرة الوجه معها ، والأظهر فيه أيضا عدم الوجوب.

ص: 485


1- في ( ألف ) : « يحمل ».

تبصرة: [ في غسل اليدين ]

الثاني والثالث من أفعال الوضوء : غسل كلّ من اليدين إلى المرفقين ، بلا خلاف بين الامّة بل هو من ضروريّات الدين.

ويجب غسل المرفقين بلا خلاف فيه.

وهل ذلك لدخوله في اليد أو لكونه مقدّمة للعلم؟ وجهان ، بل قولان مبنيّان على دخول الغاية في المغيّى وخروجها.

ويتفرّع عليه وجوب إدخال جزء من العضد في المغسول وعدمه.

وقضيّة الاحتياط في تحصيل البراءة اليقينيّة ترجّح الأوّل سيّما على القول بكون ألفاظ العبادات بإزاء الصحيحة مضافا إلى الصحيحة.

تبصرة (1) : الثاني والثالث من أفعال الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين بلا خلاف فيه بين الأمة ، بل هو من ضروريّات الملّة. وظاهر الأصحاب وجوب غسل المرفقين.

وفي جوامع الجامع (2) : إنّه مذهب أهل البيت عليهم السلام.

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وفي المدارك (3) : إنّه قد قطع الأصحاب بوجوب غسل المرفقين.

وعلّله بأنّ « إلى » في الآية بمعنى « مع » أو أنّ الغاية مع عدم التميّز داخلة في المغيّى ،

ص: 486


1- العبارات الأولى من هذه التبصرة تكرار لما قبلها ، إلّا أنها تختلف طريقة البحث عن الموضوع ، ولعلّ إحداهما مسودّة المؤلف قدّس سره ، فتأمّل.
2- تفسير جوامع الجامع 1 / 478.
3- مدارك الأحكام 1 / 203.

فالظاهر من كلامه كون المذهب على وجوب غسلهما بالأصالة.

وعن مشرق الشمسين (1) بعد ما استند في إدخال المرفق في الغسل إلى فعل المغيّى أنّه قد أطبق جماهير الأمّة أيضا على دخوله ، ولم يخالف في ذلك إلّا شرذمة من العامّة لا يعتدّ بهم ولا بخلافهم.

وفي الأنوار القمريّة : الظاهر من كلام الأصحاب أنّه لا خلاف في وجوب غسلهما ، وإنّما الخلاف في سبب وجوبه أنّه النصّ أو من باب المقدّمة.

قلت : ويتفرّع عليهما وجوب إدخاله (2) جزء من العضد في المغسول وعدمه.

وقد حكي القول بالأخير عن العلّامة في المنتهى (3) وجمع من المتأخرين ، ونفي عنه البأس في المدارك (4).

ويضعّفه أنّ غسله من باب المقدمة العلميّة لا يتوقّف على غسل جميع المرفق بل يكتفي فيه ببعض أجزائه المتّصلة بالذراع.

وكيف كان ، فبملاحظة الاحتياط الواجب في المقام بعد تسليم انتفاء الدلالة على دخول الغاية في المغيّى يرجّح المصير إلى الأوّل ، مضافا إلى الصحيحة الحاكية لفعله عليه السلام حيث ذكر فيه وضعه الماء على المرفق بناء على ظهور الفعل في الوجوب النفسي كالقول ، وفي عدة أخبار (5) كون غسل كلّ من اليدين من المرفق بناء على استظهار دخول مدخول « من » في المقصود ، مضافا إلى اعتضاده بظاهر الإجماع المنقول ، وما عزاه في الجوامع إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام.

والوجه في الأخير الأصل ؛ إذ لا دليل يعتدّ به على دخول المرفق (6) بالأصالة ، وجعل

ص: 487


1- مشرق الشمسين : 281.
2- في ( د ) : « إدخال ».
3- منتهى المطلب 2 / 34.
4- مدارك الأحكام 1 / 204.
5- أنظر من لا يحضره الفقيه 1 / 45 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 88.
6- في ( د ) : « المرافق ».

« إلى » بمعنى « مع » في الآية مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة ، وحمله على الغاية كما هو الظاهر يقضي بخروجها بناء على استظهار خروج الغاية عن المغيّى مضافا إلى ما في جملة من الوضوءات البيانيّة من غسل الساعدين.

وفيه : أنّه لا معوّل على الأصل في المقام ، واستظهار خروج الغاية غير واضح سيّما في المقام.

وذكر الساعدين في تلك الأخبار لا يدلّ على خروج المرافق كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا بدّ من استيعاب الغسل ظاهر اليدين كما مرّ في غسل الوجه ، ولا بدّ من غسل البشرة والشعر النابت في موضع الغسل إلّا أن يتكاثف الشعر بحيث يحجب البشرة ، فيتقوّى حينئذ الاقتصار على غسل ظاهره ؛ للصحيحة المتقدمة.

ويحتمل هنا وجوب الاستبطان (1) إلّا أنّ البناء على ظاهر عمومها هو الأظهر سيّما مع صدق غسل اليد عرفا بغسل الظاهر.

منها : ولو كان في محلّ الغسل لحم زائد أو إصبع زائد ونحوها وجب غسله.

وفي الحدائق (2) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه إلّا انّه ناقش في مستنده ، ثمّ حكم به من جهة الاحتياط.

ويدلّ عليه بعد ذلك دخوله في اسم اليد ، ومجرّد ندرة وجوده لا يقضي بخروجه عن الإطلاق بعد شمول اللفظ له عند وجوده.

نعم ، لو كان بحيث لا يندرج في إطلاق اليد فالظاهر عدم وجوب غسله ولو كان الزائد أخرى أشكل اندراجها في اليد الأصلي إلّا أنّ الأظهر وجوب غسلها ؛ أخذا بيقين الفراغ ، مضافا إلى قطع جماعة من الأصحاب بالوجوب من دون تأمّل فيه.

وفي المدارك (3) نفي الريب عنه.

ص: 488


1- الزيادة من ( ب ) و ( د ) : « حملا للرواية على الغالب ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 447.
3- مدارك الأحكام 1 / 206.

ولو كانت الزيادة من عند المرفق بني على دخول المرفق في المغسول اصالة وعدمه ولو كانت فوق المرفق لم يجب غسلها مع العلم بالزيادة سواء كان لها مرفق آخر أو لا.

وعن بعض الأصحاب لزوم غسل الزائد ؛ أخذا بعموم الآية.

وهو ضعيف ؛ لعدم شمولها لمثل ذلك ، ومع الغض عنه فالآية من قبيل خطاب المشافهة لا عموم فيها.

نعم ، لو لم يتميز الأصلي من الزائد أو كانا أصليّين قوي وجوب غسل الجميع.

ويحتمل في الأخير التخيير.

ويدفعه توقّف اليقين بالفراغ على الجمع ، ولو انكشط الجلد عن محلّ الغسل ، جرى في محلّه حكم الغسل ، وإن بقي الجلد (1) متدلّية وجب غسلها إذا كان بحيث يعدّ من أجزاء اليد كاللّحم الزائد إن تدلّى عن محلّ الغسل سواء انكشط عن محلّ الغسل أو لا ، وإلّا (2) لم يجب غسلها.

ص: 489


1- في ( د ) : « الجلدة ».
2- زيادة : « وإلّا » من ( د ).

تبصرة: [ في مسح الرأس ]

اشارة

الرابع من أفعال الوضوء : مسح الرأس ، وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين بل هو من ضروريات الدين.

والكلام فيه في أمور :

أحدها : الواجب من المسح هو مسمّاه على المشهور بين المتأخرين ، فلا يتقدّر بقدر مخصوص.

وظاهر الشيخين (1) أنّ أقلّ ما يجزي مقدار إصبع واحدة.

وعزي القول به إلى الراوندي. واختاره العلّامة في المختلف (2) والشهيد في الدروس (3).

وفي المختلف (4) : أنه المشهور. ولم يذكر فيه القول بالمسمّى.

وقد يؤوّل كلام بعض هؤلاء بأنّ المراد المسح بالإصبع إلا اعتبار كون الممسوح ذلك لا داعي إليه ، وقد يحمل ذكر الإصبع على المثال ، والمقصود حصول المسمّى (5) به ، وحمل كلام الشيخ والمنقول عن الراوندي عليه بعيد.

ويقرب ذلك في عبارة المختلف ، بل يتعيّن حملها عليه بقرينة ما ذكره في الاحتجاج على ما اختاره ، وما نصّ عليه في غيره من كتبه كالتذكرة وإرشاد الأذهان وغيرهما.

ص: 490


1- النهاية : 14 ، المقنعة : 48.
2- مختلف الشيعة 1 / 289.
3- الدروس 1 / 92.
4- مختلف الشيعة 1 / 289.
5- في ( ب ) : « الشي ء ».

وعن الصدوق في الفقيه (1) والسيد في المصباح والشيخ في الخلاف (2) اعتبار المسح بثلاث أصابع.

وربّما يعزى القول به إلى بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام مع تعيينه الأصابع بالسبابة والوسطى والّتي يليها.

وقد يحمل عليه إطلاق غيره.

وللشيخ مذهب ثالث ، وهو التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار فاعتبرنا الأولى أن يكون بمقدار الأصابع الثلاث المضمومة. واكتفى في الثانية بالاصبع الواحدة. وعزي القول به إلى السيّد في مسائل خلافه.

وربّما يعزى إلى بعض المتأخرين أيضا ، والأظهر الأوّل : لظاهر إطلاق الكتاب مضافا إلى ما ورد في تفسيره في صحيحة زرارة ، وفيها : « فعرفنا حين قال برؤوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء » (3).

وتلك الصحيحة بنفسها حجّة كافية فيه (4).

ويدلّ عليه أيضا صحيحته الأخرى : « فإذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك » (5).

ويؤيّده إطلاق الروايات الحاكية للوضوءات البيانية ؛ إذ لم يذكر في شي ء منها تعيين الممسوح ، وهو ظاهر في فهمه عدم ملاحظة الخصوصيّة ، وإلّا لأشير إليها.

ويحتجّ للثاني بالخبرين :

أحدهما : « في الرجل يتوضّأ وعليه عمامة (6) قال : يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه

ص: 491


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 45.
2- الخلاف 1 / 82.
3- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 4 ، تهذيب الأحكام 1 / 61 ، باب صفة الوضوء ح 17.
4- لم ترد في ( ب ) : « فيه ».
5- الإستبصار 1 / 61 ، باب مقدار ما يمسح من الرأس والرجلين ، ح (182) 1.
6- في ( د ) : « العمامة ».

فيمسح على مقدّم رأسه » (1).

والآخر : « عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة باصبعه أيجزيه ذلك؟ فقال : نعم » (2).

وفيهما مع ضعف الإسناد ومخالفة ظاهر الأخير لإجماع الأصحاب أنّ الأوّل لا إشارة فيه بمقدار الممسوح ، بل ظاهر إطلاقه يقتضي الاكتفاء بمسمّى المسح ، فهو في الحقيقة من الشواهد على المختار.

والثاني : لا إشعار فيه بعدم إجزاء الأقل ، والثالث بخبر مضمر (3) : « يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع » (4).

وصحيحة زرارة « المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها » (5) ؛ لظهور لفظ الإجزاء في أقل الواجب ، وثبوت الحكم في المرأة قاض بثبوته في الرجل ؛ لعدم القائل بالفصل وظهور الاشتراك في الحكم.

وما رواه الكشي في الصحيح أنّه سأل حريزا - وهو من أجلاء الأصحاب (6) - وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا (7) أنّه : كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوئك للصلاة؟ قال : « بقدر ثلاث أصابع » وأومأ بالسبابة والوسطى والثالثة (8).

فإن ظاهره عدم الاجتزاء بالأقل.

ويدفعه ضعف الرواية الأولى سندا ودلالة ، والثانية دلالة لعدم وضوح دلالة الأجزاء

ص: 492


1- الإستبصار 1 / 60 ، باب كيفية المسح على الرأس والرجلين ، ح (178) 3.
2- الإستبصار 1 / 60 ، باب كيفية المسح على الرأس والرجلين ، ح (179) 4.
3- في ( د ) : « معمّر ».
4- الكافي 3 / 29 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 1.
5- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 5.
6- في ( د ) : « أصحابنا ».
7- في ( ألف ) : « فقهاء كثير ».
8- بحار الأنوار 77 / 287 ، ح 41 ، نقل الرواية في هامشه من رجال الكشي : 285.

على كونه أقل الواجب ، على أنّه قد يكون التعبير به من جهة عدم القاء الخمار.

مضافا إلى أنّ انتفاء القول بالفصل غير معلوم.

كيف ، وقد عزا الشهيد (1) إلى الإسكافي التفصيل بين الرجل والمرأة ، فاكتفى في الأوّل بالاصبع واعتبر في الثانية الأصابع الثلاثة ، وهو قول خامس في المسألة.

وكأنّه استند في المرأة إلى الصحيحة المذكورة وفي الرجل إلى ما دلّ فيه على الاجتزاء بالإصبع.

وضعفه ظاهر ممّا مرّ ، مضافا إلى شذوذ القول به ، وإطباقهم بعده على عدم الفرق.

وما روي عن حريز لا حجة فيه ، غاية الأمر أن يكون ذلك مذهبا له ، على (2) أنّ التعبير عن المندوب بمثل ذلك ليس بذلك البعيد سيّما في عبائر القدماء كما يظهر من ملاحظة فتاوى الشيخ (3) والصدوق وغيرهم.

ويحتمل قويا حمل عبارة الغنية (4) والنهاية (5) عليه أيضا ، مضافا إلى أنّ تعيين الأصابع بما ذكر غير مذكور في رواية ولا فتوى ففيه كما أشرنا إليه وللرابع الجمع بين ما دلّ على اعتبار الإصبع ، وما دلّ على الثلاث بحمل الأوّل على صورة الاضطرار للخبر : « قلت للصادق عليه السلام : رجل توضّأ وهو سقيم ، فيثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال : ليدخل إصبعه » (6).

وفيه بعد الحمل المذكور وعدم ظهور الرواية في الاضطرار وضعف إسنادها فلا ينهض حجة على ذلك ، مضافا إلى ما عرفت.

ص: 493


1- الذكرى : 2 / 137.
2- زيادة : « على » من ( د ).
3- في ( ب ) و ( د ) : « الشيخين ».
4- غنية النزوع : 55.
5- النهاية : 14.
6- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 3 ، وفيه : « توضأ وهو معتمّ فثقل عليه » ، وانظر : تهذيب الأحكام 1 / 90 ، باب صفة الوضوء ح 88 ، وفيه : « توضأ وهو معتمّ وثقل عليه ».
[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أن الظاهر من روايات الباب أنّ المقصود من تعيين الأصابع الثلاث هو بيان مقدار الممسوح من الرأس لا تعيين الماسح. ويحتمله أيضا ما دلّ على اعتبار الإصبع ، وظاهر عبارة الفقيه اعتبار المسح بالثلاث ، فإن حملت على ظاهرها فلا شاهد عليه ، ولا يبعد تطبيقها على النصوص.

ثانيها : أنّه لا دلالة في الأخبار المحدودة (1) للمسح كونه في عرض الرأس أو طوله ، فقضيّة إطلاقها جواز كلّ من الوجهين وتأدية الواجب أو المندوب بكلّ من الصورتين.

وقد نصّ المحقّق الكركي (2) بأنّ المراد من تعيين الثلاث هو ما كان في عرض الرأس ، وأمّا الطول فيكفي فيه بالمسمّى ، ولو بجزء من إصبع.

وعن الشهيد الثاني نحو ذلك إلّا أنّه ذكر الإصبع بدل المسمّى.

قلت : ولا يبعد أن يستظهر ممّا دلّ على اعتبار الثلاث أن يكون المسح بمجموع الثلاث طولا وعرضا كما هو ظاهر لفظ الأصابع ، فإنّه اسم لمجموع العضو ، وكأنّه الظاهر من الأصحاب المفتين بمضمونه ، فحينئذ يتحدد بذلك طول الممسوح وعرضه غير أنّه يشمل صورة وضع عرض الأصابع على طول الرأس وبالعكس ، فما ذكره المحقق المذكور من ملاحظة التحديد في العرض ثمّ الاكتفاء بالمسمّى في الطول ..

ص: 494


1- في ( د ) : « المحدّدة ».
2- جامع المقاصد 1 / 218.

تبصرة: [ في مسح الرجلين ]

الخامس والسادس من الأفعال مسح كلّ من الرجلين بلا خلاف فيه بين أصحابنا ، بل الظاهر أنّه من ضروريّات مذهبنا ، ومحلّ المسح هنا من رءوس الأصابع إلى الكعبين بالكتاب والسنة والإجماع ، والمشهور وجوب استيعاب الطول.

وقد حكى السيد وغيره عليه الإجماع.

وذهب شذوذ من المتأخرين إلى الاكتفاء به بالمسمّى. واحتمله في الذكرى مع القطع في غيره بوجوب الاستيعاب.

وأشكل فيه في الحدائق مع الميل إلى الأخير.

والأقوى هو الأوّل ؛ لظاهر الآية ، وعدّ من الأخبار المعتبرة نحو الآية الشريفة ، بل بعضها أظهر من الآية ؛ لعدم ذكر الغاية في المرافق.

واحتمال كون الغاية للممسوح لا ينافيه ؛ لظهور (1) العبارة أيضا في مسح الجميع ، مضافا إلى بعده عن ظاهر العبارة.

نعم بناء على قراءة الجر لا يخلو ذلك عن مناقشة ، ولا يجري ذلك فيما لم يذكر فيه الغاية « من ».

ومجرّد كون الغاية في الأوّل للمغسول لا يدلّ عليه الأخبار الواردة فيه ، وممّا يدلّ عليه موثقة الآخرين (2) الحاكية للوضوء الفعلي ، وفيها « ثمّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين » ، مضافا إلى الإجماع المحكيّ عليه المعتضد بإطباق الأصحاب قديما وحديثا عليه من غير نقل خلاف

ص: 495


1- في ( ألف ) : « ظهور ».
2- في ( د ) : « الاخوين ».

فيه ، سوى من ظهر منه الخلاف من المتأخرين ، مع تأيّده بعمل الطائفة عليه من قديم الدهر إلى الآن ، وقيام السيرة به حجة الاكتفاء فيه بالمسمّى إطلاق الكتاب بعد حمل الغاية فيه على (1) تحديد الممسوح كما يستفاد من الصحيح.

ويومي إليه حملها عليه في المرافق وجملة من أخبار الباب ممّا ليس فيها ذكر الغاية أو ذكرت لحملها على تحديد الممسوح ، وخصوص صحيحة الآخرين (2) بعد ذكر الآية الشريفة : « فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه » (3).

وصحيحة زرارة المعروفة الدالّة على كون الباء في الآية تبعيضيّة ، وفيها : « فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها ، ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للناس فضيّعوه » (4).

والمستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين ، والرواية الدالّة على جواز المسح على الرجل ، « وهي في الخف إذا كان مخرقا (5) ، فظاهرها الاكتفاء (6) بمسمّى المسح.

ويدفع الجميع أنّ الآية ظاهرة في استيعاب الطول ولو مع كون التحديد للممسوح.

ومع الغضّ عنه فلا أقل من احتمال الوجهين ، ودلالة الصحيحة على كون الغاية للمسوح محلّ خفاء ، وكذا الكلام في الأخبار المذكورة.

على أنّ جملة من الأخبار ظاهرة فيما ذكرنا ، ومع الغضّ عن جميع ذلك فلا يزيد ما ذكر عن الإطلاق ، فيقيّد بما دلّ على اعتبار الاستيعاب.

ص: 496


1- لم ترد في ( ب ) : « فيه على ... الغاية ».
2- في ( د ) : « الاخوين ».
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 4.
5- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 10.
6- في ( ألف ) : « اكتفاء ».

وصحيحة الآخرين (1) غير واضحة الدلالة على ذلك ؛ لاحتمال أن يكون قوله « ما بين كفّيك » بدلا عن قوله « بشي ء » ، والظاهر كون « ما » موصولة ، فيفيد لزوم استيعاب الطول.

وحمله على الموصوفة غير ظاهر ، ومجرّد احتماله كما ذكره بعضهم لا ينفع في الاستدلال.

نعم ، قد يستظهر كونه بدلا عن « القدمين » ، وحينئذ فيدلّ على ما ادّعوه إلّا أنّه بعد تسليمه ليس بتلك المثابة من الظهور.

وصحيحة زرارة لا يزيد على الإطلاق ، والأخبار الدالّة على عدم استبطان الشراكين لا يفيد عدم لزوم استيعاب الطول ؛ لوقوع الشراك على الكعب الخارج عن الممسوح على (2) ما هو الأظهر في معنى الكعب ، على أنّ جماعة من الأصحاب قالوا باستثناء ذلك من وجوب مباشرة الماسح للمسوح ؛ للأخبار المذكورة.

وقد يستفاد ذلك من بعض رواياته ، فلا دلالة فيها على ذلك أيضا إلّا أنّ الأظهر حملها على الأوّل ، والرواية الدالّة على الاكتفاء بمسح الرجل في الخف المخرق مع ضعف إسنادها لا دلالة فيها على عدم لزوم الاستيعاب كما لا يخفى.

وهل يدخل الكعبان في الممسوح؟ وجهان ، بل قولان مبنيان على مسألة دخول الغاية في المغيّى وخروجها ، وقد يكتفى فيه باحتمال الدخول بناء على لزوم الاحتياط في مثله إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ لظاهر صحيحة الآخرين (3) والأخبار الدالّة على عدم لزوم استبطان الشراك.

وفي البحار : إنّ المشهور بين علمائنا عدم دخوله في المسح.

هذا كلّه في طول الرجلين وأمّا في العرض فالمشهور الاكتفاء فيه بمسمّى المسح ، فيجزي ما دون الإصبع ؛ لإطلاق جملة من الأخبار وخصوص صحيحتي زرارة والآخرين (4) مضافا

ص: 497


1- في ( د ) : « الأخوين ».
2- لم ترد في ب : « على ... للممسوح ».
3- في ( د ) : « الأخوين ».
4- في ( د ) : « الأخوين ».

إلى الإجماع المحكي عليه في كلام الفاضلين (1) ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الطائفة (2).

وعن الشيخ (3) والراوندي اعتبار الإصبع ، وعن ابن زهرة (4) اعتبار الإصبعين.

ولا نعرف مستندهما ، وقد يحملان على التمثيل.

وعن بعضهم اعتبار الثلاث ؛ للخبر : « يجزى (5) المسح على الرؤوس ثلاث أصابع وكذا الرجل » ، لظهور الإجزاء في أقل الواجب.

وفيه : مع ضعف الإسناد عدم ظهور في الدلالة. نعم ، يمكن القول باستحباب الثلاث حملا لها على الندب كما مرّ في مسح الرأس.

وقد نصّ به العلّامة وغيره ، والأفضل المسح بكلّ الكف ؛ لصحيحة البزنطي المتقدّمة ، للزوم حملها على الندب ؛ إذ لا قائل بظاهرها.

قال في المدارك (6) : لو لا الإجماع المنقول على الاكتفاء فيه بالمسمّى لأمكن القول بوجوب المسح بكلّ الكفّ انتهى.

وهو كما ترى ؛ إذ إعراض الأصحاب عن ظاهرها مع معارضتها بالصحيحتين المقدّمتين اللّتين هما كالنصّ في خلافها كاف في ذلك ، وإن لم يثبت الإجماع المذكور.

ومن الغريب ذهاب بعض المتأخرين إلى العمل بظاهرها زعما منه إطلاق غيرها من الأخبار ، فيحمل على المقيّد.

وضعفه ظاهر.

وقد يؤيّد ذلك بالقوي : « قلت للصادق عليه السلام : عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارا كيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأمثاله من كتاب اللّه ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ

ص: 498


1- المعتبر 1 / 150 ، تحرير الأحكام 1 / 80.
2- بحار الأنوار 77 / 244 وفيه : عدم دخولهما في المسح.
3- الخلاف 2 / 217.
4- غنية النزوع : 56.
5- في ( د ) زيادة : « من ».
6- مدارك الأحكام 1 / 221.

فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) امسح عليه » (2).

ويضعّفه أنه لا شاهد في الرواية على إرادة الإصبع من الرجل.

ص: 499


1- الحج : 78.
2- الكافي 3 / 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 27.

تبصرة: [ في تحديد الكعبين ]

المعروف من المذهب أن الكعبين هما العظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك ، وهما قبّتا القدم.

وبه أفتى العماني والشيخان (1) والسيدان (2) والحلبي (3) والحلّي (4) والمحقق (5) والشهيدان (6) والمحقّق الكركي (7) وغيرهم ، بل لا يظهر فيه خلاف بين الفرقة إلى زمن العلّامة ، ولا أشاروا إلى وقوع اختلاف فيه بين الخاصة في الكتب المعدّة لذكر المسائل الخلافيّة ، وإنّما خصّوا الخلاف فيه بالعامة.

نعم ، المحكي (8) عن الإسكافى أنّ الكعب ظهر القدم دون عظم الساق ، وهو المفصل الّذي قدّام العرقوب.

فقد يستفاد منه ما يأتي نقله عن ظاهر (9) العلّامة بل ادّعى شيخنا البهائي رحمه اللّه صراحته فيه. وهو كما ترى ؛ إذ ظاهر قوله « في ظهر القدم » يومي إلى عدم كونه المفصل بين الساق

ص: 500


1- الخلاف 5 / 437 ، والمقنعة : 44.
2- الانتصار : 115.
3- الكافي للحلبي : 132.
4- السرائر 1 / 100.
5- المعتبر 1 / 151.
6- الذكرى 2 / 149 ، ورسائل الشهيد الثاني : 91.
7- جامع المقاصد 1 / 220.
8- مختلف الشيعة 1 / 293.
9- لم ترد في ( د ) : « ظاهر ».

والقدم ؛ إذ هو واقع على الحدّ المشترك ، وظاهر الظرفية خلافه.

وكذا قوله « دون عظم الساق » وقوله « وهو المفصل الّذي قدّام العرقوب » لا يدلّ على كون المراد به المفصل المذكور ؛ لإمكان حمله على المفصل الذي في وسط القدم.

وقد أطلق عليه المفصل في كلامهم كما سيجي ء الإشارة إليه.

وقد حكي عن صدر الشريعة من أفاضل العامّة أنّ الكعب في رواية هشام عن محمّد هو المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لكنّ الأصحّ أنّها العظم الناتئ الذي ينتهي إليه عظم الساق (1). انتهى.

وقد عرفت أنّ في أوّل كلامه قرينة عليه ، وقد يجعل الضمير راجعا إلى عظم الساق بقرينة جعله في ظهر القدم ، فيكون الردّ على العامّة حيث جعلوه من عظم الساق عند ملتقاه مع القدم أعني العظمين الناشزين عن الجانبين ، على أن في كون ذلك من تتمّة عبارة الإسكافي تأمّلا ؛ لاحتمال كونه من كلام العلّامة.

وقد يومي إليه عدم نقله الشهيد عنه عند نقل كلامه.

وقد يؤيّده أنّهم لم يشيروا إلى وقوع خلاف فيه بين الخاصّة ، فلو كان الإسكافي مخالفا فيه لأشاروا إليه كما هو شأنهم في معظم المسائل. كيف وقد ادّعوا اتّفاق الخاصّة عليه الدالّ على موافقته لهم.

وحكاية الإجماع عليه مستفيضة ، نقله جماعة منهم السيدان في الانتصار والغنية والشيخ في عدّة من كتبه ، ففي التهذيب (2) بعد تفسيره المقيّد له بما حكي (3) هو صريح في ذلك.

ويدلّ عليه إجماع الأمّة ، وهو أنّ الأمّة بين قائلين : قائل يقول وجوب المسح دون غيره ولا يجوز التخيير ويقطع على أنّ المراد بالكعبين ما ذكرناه .. إلى أن قال : ولا قول ثالث ، فإذا ثبت بالدليل الذي قدّمنا ذكره وجوب مسح الرجلين وأنّه لا يجوز غيره ثبت ما قلنا من ماهية

ص: 501


1- نقله في ذخيرة المعاد 1 / 32.
2- تهذيب الأحكام 1 / 75.
3- لم ترد في ( د ) : « حكى ».

الكعبين.

وفي الخلاف (1) بعد تفسيره الكعب بالعظمين النابتين في وسط القدم أنّ كلّ من قال بوجوب مسح الرجلين قال : إنّ الكعب ما قلناه ، قال : فالتفرقة (2) بين المسألتين خروج عن الإجماع.

وفي مجمع البيان (3) أنّهما عند الإماميّة هما العظمان النابتان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك. وهذا مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام ، ثمّ نصّ على الإجماع في طيّ ذكر الأدلّة.

وفي المنتهى (4) : ذهب علماؤنا إلى أنّ الكعبين هما العظمان النابتان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك.

ثمّ ذكر في طي الأدلّة عليه أنّ القول بوجوب المسح مع كون الكعب غير ما ذكرناه منفيّ بالإجماع أمّا عندنا فلثبوت الأمرين ، وأمّا عند العامّة فلانتفائهما معا (5).

ثمّ إنّه قد ذكر في بعض فروعه اللاحقة ما ربّما يخالف ذلك إلّا أنّه إن حمل على ظاهره فهو اجتهاد منه في فهم العبارة لا ينافي ما نقله من الإجماع المذكور.

وفي الذكرى (6) : الكعبان عندنا معقد الشراك وقبّتا القدم ، وعليه إجماعنا. وأكثر الأصحاب عبّر عنهما بالنابتان في وسط القدم أو في ظهر القدم.

ثمّ نسب العلّامة إلى المتفرّد (7) فيما اختاره من المذهب الآتي.

ثمّ إنّ حكاية الشهرة على القول المذكور مستفيضة في كتب الأصحاب ، ففي المقاصد

ص: 502


1- الخلاف 1 / 93.
2- في ( ألف ) : « فالفرقة ».
3- تفسير مجمع البيان 3 / 289.
4- منتهى المطلب 2 / 71.
5- منتهى المطلب 2 / 73.
6- الذكرى : 88.
7- في ( د ) : « التفرّد ».

العليّة : إنّ (1) المشهور بين الأصحاب.

وفي شرح الجعفريّة أنّه مذهب معظم الأصحاب.

وفي المدارك : أنّه المعروف من مذهب الأصحاب إلى غير ذلك ، وذهب العلّامة في عدّة من كتبه إلى أنّه المفصل بين الساق والقدم.

ويعبّر (2) عنه أيضا بمجمع القدم وأصل الساق.

وعزي اختياره إلى الشهيد في ظاهر الألفيّة والسيوري والمحقق الأردبيلي والعلّامة التستري والفاضل الكاظمي وصاحب المفاتيح وغيرهم من متأخري المتأخرين.

وذهب شيخنا البهائى رحمه اللّه (3) إلى أنّه العظم المستدير الواقع تحت عظم الساق وحمل عليه كلام العلّامة ، بل عبائر كثير من الأصحاب بل وقال : إنّها لا تأتي عن الحمل عليه.

وقد تبعه على ذلك جماعة من المتأخرين ، وقد عزاه الرازي (4) في التفسير الكبير والنيسابوري في تفسيره إلى الإماميّة مؤذنا بإطباقهم عليه.

وقد ذكر الرازي في الاحتجاج عليه تارة بأنّ المفصل يسمّى كعبا ، وأخرى بأنّ ذلك العظم المستدير يسمّى به ، وهو قاض باتّحاد الوجهين حسبما ذكره شيخنا المذكور.

وأنت خبير بأنّ حمل كلام العلّامة على ذلك غير الخروج عن ظاهر عبارته ، وعدم ظهور وجه للحكم بانطباق الوجهين ؛ إذ بعض أجزاء العظم المذكور خارج عن حدّ المفصل كما نصّ عليه بعض الأفاضل من هؤلاء.

فمع البناء على كون الكعب هو العظم المفروض ينبغي القول بالاجتزاء بإنهاء المسح إليه من غير حاجة إلى إيصاله إلى نفس المفصل بناء على خروج الغاية عن المغيّى في المقام الأوّل الظاهر من هؤلاء عدم اجتزائهم به ، فالظاهر منهم البناء على اتّحاد الوجهين ، وإن كان

ص: 503


1- في ( د ) : « انّه ».
2- في ( ألف ) : « يعتبر ».
3- مشرق الشمسين : 285.
4- تفسير الرازي 11 / 162.

للمناقشة مجال فيه حسب ما عرفت.

وكيف كان ، فقد نزّل عليه في المختلف (1) عبائر الأصحاب ، وجعل حملها على غير ما ذكر من اشتباه غير المحصل.

ويومي إليه كلامه في المنتهى (2) حيث قال بعد ما حكينا عنه من الإجماع في جملة فروع ذكرها أنّه : قد يشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في الكعب ، والضابط فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام ، قلنا : أصلحك اللّه! فأين الكعبان؟ قال : « هاهنا » يعني المفصل دون عظم الساق (3).

وأنت خبير بأنّ حمل عبائر الأصحاب على المعنى المذكور بعيد غاية البعد.

وحيث إنّه حاول جماعة من متأخري المتأخرين الانتصار له في الحمل المذكور فلا بأس بذكر جملة من عبائرهم في المقام حتّى يتبيّن ضعف ما حاولوه عن المرام ، وقد تقدّم جملة من عبائرهم المشتملة على حكاية الاتفاق من علمائنا.

وعن العماني (4) : إنّ الكعبين ظهر القدم.

وعن المفيد (5) : إنّهما قبّتا القدمين ما بين المفصل والمشط .. إلى أن قال : والكعب في كلّ قدم واحد ، وهو ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه.

وعن السيد (6) إنّهما العظمان النابتان في وسط القدم عند الشراك.

وفي المبسوط (7) : هما النابتان في وسط القدم عند الشراك.

وعن الحلبي : إنّهما معقد الشراك.

ص: 504


1- مختلف الشيعة 1 / 293.
2- منتهى المطلب 1 / 64.
3- الكافي 3 / 24 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- نقله عنه في ذخيرة المعاد 1 / 32.
5- المقنعة : 44.
6- الانتصار : 115.
7- المبسوط 1 / 22.

وفي السرائر (1) : إنّهما العظمان اللّذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك.

وفي الشرائع (2) : إنّهما قبّتا القدمين.

وهذه العبائر والعبارات المتقدّمة وغيرها بعضها صريحة وبعضها كالصريح في خلاف ما حاولوه لاعتبار النتو فيهما أو كونهما في وسط القدم أو عند معقد الشراك أو كونهما قبّة للقدم أو كونهما بين المفصل والمشط سيّما ما أخذ فيه عدّة من المذكورات كما في كثير من تلك العبارات.

وحمل الناتئ (3) في وسط القدم على الوسط في العرض كما ذكره جماعة بيّن الوهن ؛ لفقدان النتو أوّلا وعدم انصراف إطلاق الوسط عليه ثانيا.

على أنّ المفصل يعمّ القدر العالي منه المحاذي لقبّة القدم وغيره ممّا هو دونه.

ولا يظهر وجه اختصاصه بالأوّل ، فلا وجه لتطبيق ذلك على المفصل أصلا ، فتخصيص المفصل بما يحاذي القدر الناتئ من العظم المذكور كما ترى.

قلت : وقد يحمل كلامهم على إرادة النتوء الحاصل له في نفسه ، فإن له فتوا في أحد الجانبين ، فيكون المراد أنّهما عظمان نابتان (4) كائنان في وسط القدم لا أنّهما نابتان (5) في وسطه.

وفيه من البعد لا يخفى.

كيف ، ولو كان المقصود من تلك العبارة بيان ذلك لما احتيج إلى ذلك التطويل مع عدم وضوحه في المقصود ووضوح لفظ « المفصل » في الدلالة عليه ، فعدم التعبير به مع غاية وضوحه وبيانه (6) ، والتعبير بتلك العبارات مع طولها وعدم وضوح دلالتها أوضح شاهد على عدم إرادة المفصل سيّما مع إطباق العبارات المذكورة على ما ذكرناه.

ص: 505


1- السرائر 1 / 100.
2- شرايع الإسلام 1 / 17.
3- في ( ألف ) : « الثاني ».
4- في ( د ) : « ناتئان ».
5- في ( د ) : « ناتئان ».
6- لم ترد في ( ب ) : « به مع غاية وضوحه وبيانه ».

فلو تسامح بعضهم في التعبير لم يطّرد في تعبيرات (1) الباقين ، فمع إطباق هؤلاء على التعبير المذكور كان من المستبعد جدّا حملها على المعنى المذكور.

وقد أذعن شيخنا البهائي رحمه اللّه بصراحة عبارة المفيد فيما ذكرناه ، وعدم قبوله للتأويل.

وحينئذ فما حاوله من التأويل في سائر العبارات مع موافقته لهما (2) في أصل التعبير وإن لم تكن بتلك الصراحة كما ترى.

مضافا إلى أنّ ظاهرهم عدم حصول خلاف بينهم ؛ إذ لم يشيروا إلى اختلاف فيه بين الخاصّة بل حكوا اتفاقهم عليه.

ولو حملت العبارات المذكورة على ما ذكره لزم مخالفتهم للمفيد في ذلك.

وحينئذ يبعد غاية البعد أن لا يعتدّوا بخلافه ، ولا يشيروا إلى مخالفته.

وممّا يفصح عمّا ذكرنا تسليم الشيخ في التهذيب لما ذكره وحكاية الإجماع عليه كما عرفت.

ومن الغريب ما حاوله غير واحد منهم من تطبيق عبارة المقنعة على مذهب العلّامة مع أنّه صرّح بكون الكعب فيه القدم بين المفصل والمشط ؛ نظرا إلى حمله كلام العلّامة على إرادة العظم الواقع عند المفصل ، وحينئذ يكون بعضه واقعا بين المفصل والمشط.

وهو كما ترى ؛ إذ مجرّد وقوع جزء منه هنالك لا يقضي بصحّة الحكم بكون الكعب ما بين المفصل والمشط ، مع أنّ معظم أجزائه خارج عن ذلك ، ولذا يقولون إنّ العظم المذكور واقع تحت عظم الساق ، ولا يقال بوقوعه بين الساق والمشط ؛ مضافا إلى تعبيره عنه بقبّة القدم الصريح في خلافه.

هذا ، وقد قيل أيضا في توجيه كونه في وسط القدم بأنّ المراد بهما مجموع الرجل ، فيندرج فيه العقب كما يدلّ عليه ملاحظة الأقدام المذكورة في تقدير الظلّ لمعرفة الأوقات والعظم

ص: 506


1- في ( ألف ) : « تغييرات ».
2- في ( د ) : « لها ».

المذكور واقع قدّام العقب ، فيكون في وسط القدم وإن لم يكن حقيقيا ، فإنّ الغرض التحاشي (1) عمّا ذكره العامّة.

وفيه : أنّ ظاهر كلامهم كونه في وسط ظاهر القدم ؛ لتعلّق المسح بالظاهر ، والغرض تحديد محلّ المسح ، فاندراج العقب في القدم لا يقضي بكونه المفصل في الوسط ، ولمّا كان التقدير بالأقدام بملاحظة باطن القدم اندرج العقب فيها على عكس المقام ، مع ما في الحمل المذكور من البعد ؛ إذ المفصل من حدود القدم فكيف يعرف أو يعرف ما حصل فيه بكونه في وسط القدم؟!

وأبعد من ذلك دعوى كون المراد بمعقد الشراك هو المفصل إمّا لكونه هو المعقد أو لمجاورته له.

وفيه : أنّ الأوّل معلوم الخلاف ، والثاني غير لائق بمقام التحديد.

مضافا إلى عدم موافقته لسائر القيودات.

هذا كلّه مع مخالفة ما ذكر من التوجيهات لفهم معظم الأصحاب من العبائر المذكورة حيث عدّوا ما ذكره العلّامة مخالفا للمشهور واستفاض منهم نقل الشهرة على القول الأوّل كما قدّمنا ، فبعد فهم الجماعة وصراحة بعض تلك العبائر وظهور الباقي فيه كمال الظهور لا يبقى مجال للتوجيه.

نعم ، قد يوجّه كلام العلّامة بما يرجع إلى المشهور كما حاوله بعض الأصحاب واستجود صاحب الحدائق (2) ، ولا ريب أنّه أولى من التوجيه في كلمات الأصحاب كما احتمله أولئك ، بل أولى من الحكم ببناء العلامة على توجيه كلماتهم والخروج عن مقتضاها مع كمال ظهورها كما عرفت هذا (3) ، وقد يعطي ما ذكره السيوري في كنز العرفان اختياره لما ذهب إليه العامّة حيث

ص: 507


1- في ( ألف ) : بدل : « القرص النحاسي ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 294.
3- في ( ألف ) : « وهذا ».

قال - بعد ما حكم بأنّ الكعبين ملتقى الساق والقدم - : وإنّ النابتين (1) لا شاهد لهما لغة وعرفا وشرعا. قيل : لو أريد ملتقى الساق والقدم لقال إلى الكعاب ؛ إذ كل رجل له الكعبان من كل رجل.

وبأنّ أبا عبيدة قال (2) : الكعب هو الّذي في أصل القدم ينتهي إلى الساق بمنزلة كعب القناة. انتهى ما حكاه عن أبي عبيدة.

يحتمل أن يكون المراد به خصوص العظم الواقع تحت الساق حسب ما مرّ ، وأن يراد به ما يقع تحت الساق وينتهي إليه مطلقا.

وكأنّه الأظهر من إطلاقه.

وكيف كان ، فالجواب الثاني يخالف الأوّل إلّا أن يقال : إنّ الكعب في الأصل موضوع لذلك ثمّ أطلق على الملتقى حسب ما بيّنه ، فتأمل.

وإذ قد عرفت ملخّص أقوالهم في المقام فنقول : الأظهر هو القول الأوّل ، وتفصيل الكلام في بيانه أن يقال : إنّ جملة ما ذكر من معاني الكعب بما يناسب المقام أمور :

أحدها : العظمان الناشزان عن طرفي الساق عند المفصل بينه وبين القدم. وقد نصّ عليه كثير من أهل اللغة : ففي مقاييس اللغة (3) : كعب الرجل هو عظم طرفى الساق عند ملتقى القدم والساق (4).

وفي المغرب : هما العظمان الناشزان من جانبي القدم (5).

وفي النهاية (6) : الكعبان العظمان النابتان (7) عند مفصل الساق والقدم عن الجنبين.

ص: 508


1- في ( د ) : « الناتئين ».
2- نقله عنه في المعتبر 1 / 151.
3- معجم مقاييس اللغة 5 / 186 ( كعب ).
4- انظر مفردات غريب القرآن : 432 ( كعب ).
5- انظر لسان العرب 1 / 718 ( كعب ).
6- النهاية في غريب الحديث 4 / 178 ، باب الكاف مع العين ( كعب ).
7- في ( د ) : « الناتئان ».

وفي الصحاح (1) : الكعب العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم.

وعدّ في القاموس (2) في جملة معانيه العظمين الناشزين من جانبي القدم.

وفي المصباح المنير (3) نقلا عن أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وجماعة أنّه العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم ، فيكون لكلّ قدم كعبان عن يمنتها ويسرتها وحكى في فائت (4) الجمهرة - كما في الذكرى (5) - عن أبي بصير عن الأصمعي أنّه الناتئ في أسفل الساق وعن يمين وشمال.

وفي الطراز في عداد معانيها : والعظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم فيكون لكلّ قدم كعبان عن يمنتها ويسرتها.

وفي مفردات الراغب (6) : كعب الرجل العظم الّذي عند ملتقى القدم والساق.

وهذه العبارة يحتمل الحمل على المعنى المذكور كما يكشف عنه كلام غيره ، ويمكن حمله على المعنى الذي ذكره شيخنا البهائي قدس سره.

والأوّل هو الألصق بطريقتهم والأوفق بكلماتهم.

وكيف كان ، فمجي ء الكعب بهذا المعنى هو المعروف بين أهل اللغة ، وقد نصّ عليه جماعة من علماء التفسير إلّا أنّه غير مراد في المقام باتفاق علمائنا سوى ما قد يوهمه عبارة كنز العرفان ، وهو على فرض حمله على ذلك مدفوع بإجماعنا والنصّ الوارد عن أئمّتنا عليهم السلام.

ثانيها : العظم الناشز في وسط القدم حسب ما مرّ. وقد ذكره جماعة من أهل اللغة ، ففي القاموس (7) في عداد معانيه : العظم الناشز فوق القدم.

ص: 509


1- الصحاح 1 / 213 ( كعب ).
2- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).
3- المصباح المنير 2 / 195 ( كعب ).
4- في ( ألف ) : « غاية ».
5- الذكرى 2 / 151.
6- مفردات غريب القرآن : 432 ( كعب ).
7- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).

وهو ظاهر الانطباق على ذلك ؛ إذ لا نشوز ظاهر لغيره لينصرف الإطلاق إليه.

وقال أبو عمرو الزاهد في كتاب فائت الجمهرة - فيما حكاه الشهيد في الذكرى (1) - : أخبرني سلمة عن الفرّاء قال : هو في مشط الرجل قال : هكذا برجله ، قال أبو العباس : فهذا الّذي يسمّيه الأصمعي الكعب هو عند العرب المنجم.

وهو ظاهر الدلالة في المعنى المذكور ؛ إذ هو متّصل بالمشط بخلاف غيره.

وفي الطراز في عداد معانيه : الكعب من رجل الإنسان العظم الناشز فوق قدمه ، وهو قبّة القدم أمام الساق.

وهو صريح فيما ذكرناه ، وفيه شرح لعبارة القاموس.

وفي النهاية (2) عن قوم : إنّهما العظمان اللّذان في ظهر القدم ، قال : وهو مذهب الشيعة.

وعن مجمع البحرين (3) : قيل : هما العظمان اللّذان في ظهر القدم. وهو مذهب الشيعة.

والظاهر من هاتين العبارتين هو المعنى المذكور ؛ إذ ليس في العظام الّتي في ظهر القدم ما يسمّى كعبا سواه ، والعظم المستدير الآتي موضوع تحت الساق ، ولا يعدّ من عظام الظهر.

وكون جزء منه قدّام القدم على فرض ظهوره لا يصدق مع كونه في ظهر القدم مع وقوع معظمه في غيره.

على أنّه لا يبعد أن يراد بظهر القدم ما علا وارتفع منها ، فيكون المراد خصوص القبّة.

وعن الشهيد في الذكرى (4) : إنّ لغوية الخاصّة متّفقون على أنّ الكعب ما ذكرنا وحكى عن العلّامة اللغوي عميد الرؤساء أنّه صنّف كتابا في تحقيق الكعب وأكثر من الشواهد على أنّ الكعب هو الناشز في ظهر القدم أمام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

ويؤيّد ذلك أنّ جماعة من أهل اللغة نصّوا على أنّ لفظ الكعب يدلّ على النتو والارتفاع ،

ص: 510


1- الذكرى 2 / 151.
2- النهاية في غريب الحديث 4 / 178 ( كعب ).
3- مجمع البحرين 4 / 47.
4- الذكرى 2 / 151.

فعن ابن فارس في المقاييس (1) : الكاف والعين والباء أصل صحيح يدلّ على نتو وارتفاع في الشي ء ، من ذلك الكعب : كعب الرجل.

وعن الغريبين والنهاية (2) : كلّ شي ء علا وارتفع فهو من كعب ، وبه سمّيت الكعبة.

وفي مجمع البحرين (3) : وكلّ شي ء علا وارتفع فهو كعب ، قيل : وبه سمّيت الكعبة كعبة وقد نصّوا أيضا (4) أنّه يقال : كعبت الجارية وتكعّب ثديها إذا ظهر ونتا ثديها.

فعلى هذا يكون كعب القدم ما نتأ وظهر منها ، وهو القبّة.

فظهر من جميع ما ذكرناه كون إطلاق الكعب على الناتئ في وسط القدم حقيقيّا ، وإنكار الأصمعي كون الكعب في ظهر القدم كما حكاه عنه جماعة منهم لا حجّة فيه بعد قيام الدليل عليه ، وذكر غيره له ؛ إذ من المقرّر تقديم القول المثبت (5) سيّما مع اعتضاده بما يؤيّده.

ثالثها : المفصل بين الساق والقدم ، ففي المصباح المنير (6) نقلا عن ابن الأعرابي وغيره أنّه المفصل بين الساق والقدم. وعدّه في الطراز في معاني الكعب ، ثمّ قال في تفسير الكعبين : ومن قال بالمسح قال هو المفصل بين الساق والقدم ، وهو قول ابن الاعرابى وجماعة في تفسير الكعب.

وعدّ في القاموس (7) والطراز في معاني الكعب أنّه كلّ مفصل للعظام.

ونحوه عن التّبيان (8) نقلا عن الزجاج.

فيندرج فيه المفصل المذكور.

ص: 511


1- معجم مقاييس اللغة 5 / 186 ( كعب ).
2- النهاية في غريب الحديث 4 / 179 ( كعب ).
3- مجمع البحرين 4 / 48.
4- زيادة في ( د ) : « على ».
5- في ( ألف ) : « المنبت ».
6- المصباح المنير 2 / 195 ( كعب ).
7- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).
8- التبيان 3 / 456.

وأنت خبير بأنّ العبارة المنقولة عن ابن الأعرابي غير صريحة فيما يخالف المعنى الأوّل ؛ لإمكان حملها (1) على ما هو المعروف بين العامّة ، فإنّ العظمين الناتئين (2) واقعان في المفصل ، وإن كان قضيّة مقابلته في المصباح للأوّل خلافه.

وما في الطراز كأنّه مأخوذ من ذلك ؛ إذ لم نجد ذلك في كلام غيره من أهل اللغة ، فثبوت كونه حقيقة فيه بمجرّد ذلك مع عدم ذكره في معظم كتب اللغة لا يخلو عن إشكال ، فلا يبعد حمله على ما يرجع إلى الأوّل ، سيّما بملاحظة ما هو الشائع بينهم من التسامح في التعبير.

ثمّ إنّ ما ذكر من إطلاقه على كلّ مفصل للعظام لو ثبت كونه من الإطلاقات الحقيقيّة فالظاهر أنّه من المعاني المهجورة المتروكة في الاستعمال المتداولة ، فلا يحمل عليه الإطلاق من غير قرينة.

ثمّ لا يذهب عليك أنّه مع ثبوت كونه حقيقة في المعنى المذكور فالظاهر أنّ المراد به مجموع المفصل المذكور لا خصوص الواقع منه في ظهر القدم أو في أعلى ظهر ، فهو مناسب لما هو المعروف من مذهب الغاسلين ، ولا ينطبق على ما هو ظاهر المذهب كما سيجي ء الإشارة إليه.

رابعها : العظم المستدير الكائن عند ملتقى الساق والقدم الواقع تحت عظم الساق.

وهذا المعنى ممّا لم ينصّ عليه أحد من أهل اللغة سوى صاحب الطراز ، وإنّما ذكره علماء التشريح ولا حجة في قولهم مع مخالفته لكلام أهل اللغة.

وعدّ في القاموس (3) في معانيه الّذي يلعب به.

وهو يحتمل الحمل على كعب النرد ، والّذي يلعب به الجهال ممّا يستخرج من أرجل الحيوانات وشموله للعظم المذكور من الإنسان غير ظاهر. على أنّ الّذي يستخرج من أرجل الحيوانات إنّما يكون موضوعا في المفصل الذي بين عظم فخذها وساقها ، فينبغي أن يكون في الإنسان أيضا موضوعا هناك ، فلا ربط له إذن بالعظم المذكور.

ص: 512


1- في ( ألف ) : « حملهما ».
2- في ( ألف ) : « النابتين ».
3- القاموس المحيط 1 / 124 ( الكعب ).

ومجرّد ذكره في الطراز لا حجة فيه مع احتمال استناده فيه إلى ما ذكره شيخنا البهائي رحمه اللّه وغيره ممّا لا ينهض حجّة.

هذا ، وقد عزا في كشف اللثام (1) مجيئه لهذا المعنى إلى ظاهر العين (2) والصحاح (3) والمجمل (4) والمفردات (5).

وفيه : أنّ شيئا من عبائر هؤلاء ليس ظاهر [ ا ] فيما ادّعاه ، وقد مرّ عبارة الصحاح ، وهي ظاهرة الدلالة على المعنى المشهور عند العامّة ؛ إذ العظم عند ملتقى الساق والقدم ظاهر في الناشز عن الجانبين ؛ لظهور نشوزه بخلاف غيره.

وملاحظة سائر العبائر الواردة هناك كاشفة عمّا قلناه كما يظهر من ملاحظة ما نقلناه.

ومع الغضّ عن ذلك فلا ظهور لهما فيما ادعاه أيضا ، غاية الأمر دورانه بين الوجهين ، وقد مرّ الكلام في عبارة المفردات (6).

وعن العين (7) : كعب الانسان ما أشرف فوق رسغه عند قدمه والعظم الناتئ من الساق من خلف. انتهى.

وهذه العبارة كما ترى لا يخلو من إجمال ؛ فإنّ الرسغ إن حمل على المفصل بين الساق والقدم كما ذكر في غير واحد من كتب اللغة فلا يبعد أن يراد به العظمان الناشزان عند المفصل ؛ إذ هو الظاهر من الناشز عند القدم فوق المفصل ، وإن أريد به العظام المتّصلة بالمشط ما بينها وبين المفصل - كما حكي عن أهل التشريح - فلا يبعد انطباقه على المعنى الثاني ، فيراد به قبّة القدم ؛ إذ هو المشرف على الرسغ ، ويكون قوله « والعظم الناتئ من الساق من خلف » إشارة

ص: 513


1- كشف اللثام 1 / 546.
2- العين 1 / 207 ( كعب ).
3- الصحاح 1 / 213 ( كعب ).
4- مجمل اللغة 3 / 787 ( كعب ).
5- المفردات : 433.
6- في ( ألف ) : « عبارات » بدل « عبارة المفردات ».
7- العين 1 / 207.

إلى المعنى الأوّل.

ويحتمل على الوجهين حملها على المعنى المذكور - أعني العظم الواقع في المفصل - وإن كان حمله على ذلك بناء على الوجه الأوّل بعيدا جدّا.

وفيه : أنّ العظم المذكور واقع تحت الساق ، ولا يظهر له نتوّ ظاهر في ظهر القدم. على أنّ ما يدّعي نتوّه فيه إنّما هو جزء منه ، فيكون الكعب هو خصوص الناشز منه ، فلا ينطبق على المعنى المذكور.

وأيضا لو كان كذلك لزم القول بلزوم المسح إليه ولا يظهر قائل به لجواز المسح إلى سائر أجزاء المفصل ممّا يحاذى قبة القدم.

وكأنّ شيخنا البهائي لعدم استظهاره المعنى المذكور من كلام أهل اللغة لم يستند إلى كلماتهم مع كمال مبالغته في انتصار المذهب المذكور.

وكيف كان ، فما استظهره هذا الفاضل من الكتب المذكورة ليس على ما ينبغي.

نعم ، قد حكى الامام في التفسير الكبير (1) والنيشابوري في تفسيره عن الإماميّة وكلّ من قال بالمسح حمل الكعب في الآية الشريفة عليه مؤذنا باتفاقهم عليه. وحكاه الأوّل عن الأصمعي ، قال : وكأن الأصمعي يختار هذا القول ، ويقول : الطرفان النابتان (2) يسميان المنجمين. وهكذا رواه القفال في تفسيره. انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ما حكيناه عن الشيعة مخالف لما حكاه عنه أجلّة علمائهم ، ولا ريب أنّهم أعلم بمذاهب أصحابهم. مضافا إلى ما عرفت من عبائرهم المحكيّة. وهو أيضا مخالف لما حكاه جماعة منهم عن الشيعة كما تقدّم نقله عن النهاية.

وقال الفيومي (3) بعد ما حكى عن أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وجماعة أنّه العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم ، وعن ابن الأعرابي وغيره أنّه المفصل : وذهب الشيعة إلى أن

ص: 514


1- تفسير الرازي 11 / 162.
2- في ( د ) : « الناتئان ».
3- المصباح المنير 2 / 195.

الكعب في ظهر القدم. وأنكره أهل اللغة كالأصمعي وغيره.

وهو كالصريح في إسناد المعنى الثاني إلى الشيعة كما ينادي به مقابلته بالمعنيين المذكورين.

وقد حكى أيضا في المغرب والصحاح (1) إنكار الأصمعي كونه في ظهر القدم.

وهو بضميمة ما حكي عنه في التفسير الكبير دالّ على أنّ العظم الواقع تحت الساق ليس في ظهر القدم ، فيكون غرضه الردّ على الشيعة حيث يقولون به إلّا أنّ ما حكاه في المصباح وفائت الجمهرة عنه مخالف لما حكاه الإمام. وبه تهون النسبة المتقدّمة من وجه آخر.

فقد ظهر بما عرفت ضعف ما نقلاه عن الشيعة ، فلا حجّة في نقلها ، ولا تأييد فيه لثبوت المعنى المذكور ، ولا لمعروفيته بين الشيعة. فإسناد جماعة من الأجلّة إليه في كونه مذهبنا معروفا بين الشيعة ليس على ما ينبغي.

ثمّ إنه ذكر الرازي (2) في بيان احتجاج الإماميّة : إنّ الكعب واقع على العظم المخصوص الموجود ، ومنه الكعب لكلّ ما له ارتفاع في جميع أرجل الحيوانات ، فوجب أن يكون في حقّ الإنسان كذلك.

قلت : ويوهنه ما عرفت من أنّ تسميته كعبا في سائر الحيوانات لا يقتضي أن يدعى كعبا في الإنسان ، مع أنّ الكعب في سائر الحيوانات في المفصل الّذي بين عظم الفخذ والساق ، فينبغي أن يكون في الانسان كذلك ، فالحكم بكون العظم المذكور كعبا تشبيها له بسائر الحيوانات كما ترى.

إذا تقرّر ما ذكرناه فنقول : قد عرفت الاتفاق منّا على عدم إرادة المعنى الأوّل في المقام ، وكذا ضعف كونه حقيقة في أحد المعنيين الأخيرين ، مضافا إلى عدم موافقته للمقام ؛ إذ مع البناء على كلّ منهما يلزم جواز المسح إلى المفصل ممّا يحاذى القبة وغيره.

والظاهر أنّهم لا يقولون به ، بل يخصّصونه بالأوّل.

ص: 515


1- الصحاح 1 / 213.
2- تفسير الرازي 11 / 162.

فإن قيل بالتخصيص (1) في التسمية فلا شاهد عليه وإن قيل بالتعميم فيها والتخصيص في الحكم ، ففيه من التعسّف ما لا يخفى.

ويرد على الأخير أيضا عدم وجوب إنهاء المسح إلى المفصل بناء على وصول جزء من العظم المفروض إلى ما يحاذي ظهره كما ذكره البعض مع أنّهم لا يقولون به ، فتعيّن من ذلك قوّة حمل الآية على المعنى الثاني.

ويدلّ عليه بعد ذلك أمور :

منها : شهرة تفسيره بذلك بين الأصحاب حتّى أنّه لا يعرف فيه مخالف من القدماء ، والمسألة متعلّقة بالألفاظ ، فيكفي (2) فيها الظن (3) ، ولا ريب أنّ الظنّ الحاصل من ذلك أقوى من الظن الحاصل من كلام آحاد أهل اللغة.

ومنها : الإجماعات المحكيّة عليه كما عرفت ، ولا ريب في الاعتماد عليها في المقام حتّى ممّن تأمّل في جواز الاستناد إليها في الأحكام.

ومنها : الأخبار ممّا يدلّ عليه أو يشير إليه ، ففي الذكرى (4) عن كتاب فائت الجمهرة (5) لأبي عمرو الزاهد ، قال : أخبرني سلمة ، عن الفرّاء ، عن الكسائي (6) قال : قعد محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام في مسجد كان له وقال : « هاهنا الكعبان » ، قال : فقالوا : هكذا؟ فقال : « ليس هو هكذا ، ولكنّه هكذا .. » وأشار إلى مشط رجله ، فقالوا : إنّ الناس يقولون هكذا ، قال : « لا » (7).

وهذه الرواية ظاهرة الدلالة على ذلك معتضدة بفتوى الأصحاب ، وإشارته عليه السلام إلى

ص: 516


1- في ( ألف ) : « بالتحقيق ».
2- في ( د ) : « فيكتفى ».
3- في ( د ) : « بالظن ».
4- الذكرى 2 / 151.
5- في المصدر المطبوع : « الجمرة ».
6- في ( ب ) : « الإسكافي ».
7- بحار الأنوار 77 / 299 ، ح 57.

المشط لاتصال الكعب به.

وفي حسنة ميسّر : ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : « هذا هو الكعب » ، قال : وأومئ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : « إنّ هذا هو الظنبوب » (1).

فإن ظاهر قوله : « وضع يده على ظهر القدم » وضعها على غير المفصل ؛ إذ المفصل حدّ مشترك بينه وبين الساق ، فيبعد التعبير عنه بذلك.

وفي حسنته الأخرى : ووصف الكعب في ظهر القدم (2).

وفي صحيحة البزنطي فوضع كفه على الأصابع ، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم (3).

فإن قوله « إلى ظاهر القدم » بدل من قوله « إلى الكعبين » ، فيكون تفسيرا للكعب.

والمراد به ما ارتفع منها ؛ أخذا من ظواهر الأرض بمعنى.

واحتمل بعضهم أن يكون المراد ان مسحه عليه السلام كان إلى ظاهر القدم لا من جهة باطنها ، قال بعض الأفاضل : وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر لا يكون أخفى.

وهو كما ترى لما فيه من الخروج عن مقتضى الأصل من غير باعث عليه.

ويدلّ عليه أيضا المعتبرة المستفيضة الدالّة على الاكتفاء بالمسح على النعل ، وعدم لزوم استبطان الشراكين كالصحيح : « تمسح على النعلين ( ولا تدخل يدك تحت الشراك » (4).

وفي صحيح آخر : إن عليّا عليه السلام « مسح على النعلين ) (5) ولم يستبطن الشراكين » (6).

وفي القوي : « توضّأ على عليه السلام فغسل وجهه وذراعيه ثمّ مسح على رأسه وعلى نعليه ، ولم يدخل يده تحت الشراك » (7).

ص: 517


1- تهذيب الأحكام 1 / 75 ، باب صفة الوضوء ، ح 39.
2- بحار الأنوار 77 / 283 ، ح 33.
3- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 6.
4- تهذيب الأحكام 1 / 90 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ح 86.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- تهذيب الأحكام 1 / 60 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ح 31.
7- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 11.

إلى غير ذلك ممّا دلّ عليه ، وحملها على خصوص النعل العربي الّذي يقع شراكه على طول القدم لا عرضها تقييد للإطلاق من غير دليل ، مع أنّ الظاهر من تحديدهم للكعبين ما بهما معقد الشراك يعطي أنّ الغالب في النعل هو ما يكون شراكه واقعا على الكعب.

نعم ، قد يناقش في بعض تلك الروايات بأنّها حكاية فعل فلا تعمّ.

وفيه : أنّ حكاية الإمام لفعله في مقام البيان والاستدلال شاهد على الإطلاق ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد ذلك أيضا ما ورد في حدّ السارق ، فإنّه قد دلّت الأخبار على قطع رجله من الكعب ، وقد نصّ كثير من الأصحاب بل حكي الإجماع عليه من جماعة بقطعها من العظم الناتئ ، وفي الأخبار إشارة إليه أيضا :

ففي صحيحة زرارة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان : إذا قطع الرجل قطعها من الكعب (1).

وفي الخبر : « إنّما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه فيصلّي ويعبد ربّه » (2).

وفي مرسلة الدعائم : عن علي عليه السلام وأبي عبد اللّه عليه السلام أنّهما قالا : « يقطع الرجل من الكعب ويدع له العقب يمشي عليها ، فيكون القطع من نصف القدم » (3).

وفي الموثق : « إذا أخذ السارق قطع الكف ، فإن عاد قطع (4) رجله من وسط القدم » (5).

قال بعض الأفاضل : المراد بالوسط ، الوسط العرفي لا الحقيقي لئلّا ينافي قطعه من مفصل السارق.

وأنت خبير بأنّه خروج عن ظاهر الخبر إن حملت على ما يعمّ ذلك ؛ إذ إطلاق الوسط في العرف لا ينصرف إلى مثل ذلك ؛ إذ مقدار الباقي بالنسبة إلى المقطوع بمنزلة النصف أو دونه.

ص: 518


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 64 ، ح 5115.
2- الكافي 7 / 225 ، باب حد القطع وكيف هو ح 17.
3- مستدرك الوسائل 18 / 123 ، باب حد السرقة وكيفيته ، ح 1.
4- في ( د ) : « قطعت ».
5- الكافي 7 / 223 ، باب حد القطع وكيف هو ح 8.

وقال الشيخ في المبسوط (1) : إنّ القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم ، ويترك بالمشي عليه. وعندهم من المفصل بين الساق والقدم.

وهذه العبارة كما ترى ظاهرة الدلالة على ما بيّناه ، وفيها دلالة على الإجماع كعبائر جماعة آخرين ، فبملاحظة ما يستظهر من الروايات المذكورة - بعد ضمّ بعضها إلى البعض المعتضدة بالإجماعات المحكيّة وفتوى الجماعة - يتقوّى القطع من قبة القدم ، فيحمل بعض الأخبار الدالّة على قطعها من المفصل على المفصل الواقع عند معقد الشراك.

وقد يحمل عليه أيضا فتاوى جماعة ممّن عبّر كذلك ، ويمكن أن يحمل عليه أيضا ما في بعض الأخبار من تفسير الكعب بالمفصل ، وكذا ما في كلام الاصحاب كما مرّت الإشارة إليه.

حجّة القول بأن الكعب هو المفصل أو العظم المستدير الموضوع عنده - على اختلاف القولين أو بإرجاع أحدهما إلى الآخر كما مرّ - ما عرفت من بعض كلمات أهل اللغة والتشريح ، وما تقدّم نقله عن التفسير الكبير وصحيحة الآخرين (2) ، وفيها : فقلنا : أين الكعبان؟ قال : « هاهنا » ، يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : « هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك » (3).

وما دلّ على أنّ السارق إذا قطع رجله يقطع من الكعب ، مع ما دلّ على أنّه يقطع من المفصل كرواية معاوية بن عمّار المرويّة في نوادر ابن عيسى ، عن الصادق عليه السلام في حديث أنّه « يقطع الرجل من المفصل ويترك العقب أيضا (4) يطأ عليه » (5).

ونحوه ما في الرضوي.

مضافا إلى ما ورد من عدّة من الأخبار في الماء الّذي يؤخذ من السبل (6) أنه يأخذ العالي

ص: 519


1- المبسوط 8 / 35.
2- في ( د ) : « الأخوين ».
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- لم ترد في ( ب ) : « أيضا ».
5- وسائل الشيعة 28 / 254 ، باب حد القطع وكيفيته ، ح 7 ، ليس في الرواية : « أيضا ».
6- في ( د ) : « السيل ».

للمنخل (1) إلى الكعبين وللزّرع إلى الشراكين ؛ إذ فيها إشارة إلى أنّ الكعب غير محلّ الشراك ، فتعيّن (2) أن يكون المفصل.

وأنت خبير بأنّ جميع ذلك لا يقاوم بعض ما مرّ من الأدلّة ، فكيف مع انضمام بعضها إلى البعض.

وقد عرفت الحال فيما ذكره أهل اللغة وما ذكره في التفسير الكبير.

ويمكن حمل المفصل في الصحيحة على مفصل المشط الواقع بينه وبين العظم الزورقي كما أشرنا إليه ، وقد يومي إليه قوله : « دون عظم الساق » ، فإن القرب يقتضي بحصول الفصل بينهما في الجملة. والعظم المذكور متّصل بعظم الساق ، والمفصل حد مشترك بينه وبين القدم ، فلا يحسن التعبير منها (3) بذلك ، فالمناسب له هو ما ذكرناه.

وقد يومي إليه أيضا قوله : « والكعب أسفل من ذلك » ، ومن هنا جعلها بعض الأصحاب من شواهد القول المشهور.

وليس بالبعيد ، فما ذكره شيخنا البهائي وجماعة ممّن تأخّر عنه من صراحة تلك الصحيحة فيما اختاروه ليس على ما ينبغي.

وأمّا ما ذكر من الاستناد (4) على محلّ القطع في السارق فقد عرفت أنّ الأظهر قطعه عن القبّة كما هو المشهور ، فهو من الشواهد على المختار كما مرّ.

وأمّا الاستناد إلى الأخبار الواردة في ماء السبل (5) ففيه أوّلا : إنّ الكعب معقد الشراك ، ولا شكّ أنّه أعلى من مبدئه الّذي هو غاية ما يوجد للشروع.

وثانيا : إنّ الظاهر من تلك الأخبار إرادة العظمين النابتين (6) من الجانبين كما يومي إليه

ص: 520


1- في ( د ) : « للنخل ».
2- في ( د ) : « فيتعيّن ».
3- في ( د ) : « عنهما ».
4- في ( ب ) : « الاستثناء ».
5- في ( د ) : « السيل ».
6- في ( د ) : « الناتئين ».

تثنية الكعب في معظمها أو جميعها ؛ إذ لو أخذ الكعب بمعنى آخر لم يكن في رجل إلّا كعب واحد ، وملاحظة الرجلين معا كما في آية المسح لا يناسب ذلك المقام. وحينئذ فلا شهادة فيها على المذهب المذكور أصلا.

ص: 521

ص: 522

فهرس المواضيع الجزء الأول

تقديم بقلم العلامة الفقيه الشيخ هادي النجفي... 5

الأقوال حول الكتاب... 6

تنبيه... 10

كلمات حول تبصرة الفقهاء... 10

نسخ الكتاب... 11

شكر وتقدير... 13

ترجمة المؤلف بقلم العلامة المحقق السيد أحمد الحسيني... 15

عشيرته وأسرته... 15

مولده وشي ء عن نشأته... 18

الهجرة الى ايران... 20

الاقامة بأصبهان... 21

الأصولي الفقيه... 22

بعض تلامذته البارزين... 23

قالوا فيه... 25

آثاره العلمية... 26

وفاته... 27

مصادر الترجمة... 29

ص: 523

نماذج المخطوطات... 29

تبصرة الفقهاء

كتاب الطّهارة

كتاب الطهارة... 43

تبصرة - في معنى الطهارة اللغوي والمصطلح... 43

الباب الأول : في المياه... 47

البحث الأول... 47

مقدّمة : في الماء المطلق والمضاف... 47

تبصرة - في أن الماء طاهر مطهّر... 53

تبصرة - في كيفيّة تنجّس الماء... 72

المدار في صفات النجاسة... 73

الكلام في الصفات الطبيعية... 74

القول في الملوحة... 75

التغيير في غير الأوصاف الثلاثة... 77

مجاورة النجاسة... 78

اعتبار التغيير حال الملاقاة... 79

مدار التنجّس : التغيّر بالنجاسة... 80

مدار التنجّس فعليّته... 83

الاستهلاك في النجاسة والممازجة... 87

البحث الثاني... 89

تبصرة - في أقسام المياه... 89

ص: 524

تبصرة - في كيفيّة تنجّس الجاري... 92

تبصرة - في اعتبار كرّية المادة وعدمه... 99

تطهير ماء الحمام... 106

تسرية حكم الحمام إلى غيره... 108

تبصرة - في ماء المطر... 110

المقام الأوّل : في بيان مسمّى المطر... 110

المقام الثاني : في بيان الحكم... 112

تنبيهات... 118

تبصرة - في تنجس ما دون الكر من الماء الراكد... 121

انفعال القليل بملاقاة النجاسة... 122

تنبيهات... 136

تبصرة - في حكم الكثير الراكد... 142

تنبيهات... 149

تبصرة - في تقدير الكرّ بالوزن... 156

تبصرة - في تقدير الكر بالمساحة... 169

تنبيهات... 183

تبصرة - في موضوع البئر وبعض أحكامها... 186

تبصرة - في كيفية اعتصام البئر بالملاقاة... 190

تبصرة - في تطهير المياه النجسة... 204

تنبيهات... 209

مسائل... 212

تبصرة - في كيفية تطهير البئر ، والكلام في النزح... 220

تبصرة - في مقدار نزح ماء البئر... 224

تبصرة - في تراوح الرجال ونزح ماء البئر... 233

ص: 525

تبصرة - في نزح الماء للدوابّ... 242

تبصرة - في النزح لموت الإنسان... 247

تبصرة - في ثبوت نزح الخمسين... 250

تبصرة - في نزح الأربعين دلوا... 256

تبصرة - في نزح الثلاثين دلوا... 264

تبصرة - في المضاف والأسئار... 268

تبصرة - في امتزاج المضاف بالمطلق... 270

تبصرة - في تنجس المضاف... 274

تبصرة - في الاختلاف في طهورية المضاف أحيانا... 279

تبصرة - في كيفية تطهير المضاف المتنجّس... 286

تبصرة - في تحديد السؤر... 290

تبصرة - في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة والنجاسة... 294

تبصرة - في سؤر الحائض... 301

تبصرة - في كراهية سؤر الحائض المتّهمة... 302

فصل : في الماء المستعمل في إزالة الأخباث أو رفع الأحداث... 305

تبصرة - في نجاسة الغسالة... 306

تبصرة - في إزالة ماء الاستنجاء من البدن والثوب... 313

تبصرة - في طهورية الماء المستعمل... 321

تبصرة - في المستعمل في رفع حدث الجنابة... 323

تنبيهات... 326

تبصرة - في غسالة الحمام... 333

تنبيهات... 337

تبصرة - في اشتباه الماء النجس بالطاهر... 340

ص: 526

الفصل الثاني : في الوضوء... 354

القول في الأسباب... 354

تبصرة - في خروج البول أو الغائط والريح... 355

تبصرة - في النوم الغالب... 361

تبصرة - في إلحاق ما يزيل العقل بالنوم... 364

تبصرة - في الاستحاضة القليلة... 366

تبصرة - في حصر النواقض بما ذكر... 370

تبصرة - في النواقض المحتملة... 375

تبصرة - في الأسباب النادبة للوضوء... 379

فصل في أحكام الخلوة... 382

تبصرة - في ستر العورة... 383

تبصرة - في تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال البول والتغوّط... 389

تبصرة - في الاستنجاء للبول والغائط... 395

فروع... 400

تبصرة - في الاستنجاء من الغائط... 402

تبصرة - في الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها... 405

تبصرة - في مستحبات المتخلّي... 410

تبصرة - في مكروهات التخلّي... 425

البحث الأول في أفعال الوضوء... 449

تبصرة - في نية القربة... 449

تبصرة - في اعتبار التعيين في النية... 453

تبصرة - في داعي النية... 458

مسائل... 458

ص: 527

تبصرة - في بيان كيفيّة النيّة في الوضوء... 464

تبصرة - في غسل الوجه واليدين... 473

تبصرة - في كفاية مسمّى الغسل... 479

تبصرة - في غسل ظاهر الوجه... 482

تبصرة - في غسل اليدين... 486

تبصرة - في مسح الرأس... 490

تنبيهات... 494

تبصرة - في مسح الرجلين... 495

تبصرة - في تحديد الكعبين... 500

فهرس المواضيع... 523

ص: 528

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.