غاية المرام في شرح شرائع الإسلام المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 527

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الرابع

دارالهادي

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

كتاب الصيد

اشارة

ص: 3

ص: 4

فيما يؤكل صيده

قال رحمه اللّه : ولو أرسل المجوسي أو الذمي لم يحل أكل ما يقتله ، وإن أرسله اليهودي والنصراني فيه خلاف ، أظهره أنه لا يحل.

أقول : قال ابن أبي عقيل : ولا بأس بصيد اليهود والنصارى وذبائحهم ، واعلم أن الخلاف في حال الصيد كالخلاف في حال الذبح ، فمن قال بحل ذبائحهم قال بحل صيدهم ، وسيأتي (1) تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : وقيل : يحرم أن يرمي الصيد بأكبر منه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى تحريم رمي الصيد بما هو أكبر منه ، وحكم بتحريم الصيد أيضا مع اتفاق ذلك ، وذهب المصنف إلى الكراهة واختاره العلامة ، وهو المعتمد لأصالة الإباحة.

ص: 5


1- يأتي في أول كتاب الذباحة.

ص: 6

في أحكام الاصطياد

قال رحمه اللّه : ولو قطعه بنصفين فلم يتحركا فهما حلال ، ولو تحرك أحدهما فالحلال هو ، وقيل : يؤكلان إذا لم يكن في المتحرك حياة مستقرة ، وهو أشبه ، وفي رواية : يؤكل ما فيه الرأس ، وفي أخرى يؤكل الأكبر دون الأصغر ، وكلاهما شاذ.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، والمحقق من مذاهبهم أنه إذا قطع الصيد باثنين ، فان لم يتحركا حلا ، وان تحركا أو أحدهما فإن كان مع عدم استقرار الحياة حلا أيضا ، لعدم اعتبار هذه الحركة ، لأنّها كحركة المذبوح ، وان كان مع استقرار الحياة حل ما فيه الرأس مع التذكية ، وحرم الآخر ، لأنه أبين من حي فهو ميتة ، هذا هو المحقق وهو المعتمد ، والقول المشار إليه بأنهما يؤكلان إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة هو قول ابن إدريس ، والرواية المتضمنة أكل ما فيه الرأس هي رواية إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام ، والرواية

ص: 7


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 35 من أبواب الصيد ، حديث 2.

المتضمنة أكل الأكبر دون الأصغر هي رواية النوفلي (1) عن الصادق عليه السلام أيضا ، وأقوال الأصحاب هنا كثيرة أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب واقتصرنا على المحقق منها الذي يجب المصير اليه.

ص: 8


1- المصدر المتقدم ، حديث 4.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا عض الكلب صيدا ، كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لنجاسة الكلب وقد لاقى موضع العضة برطوبة فيجب غسله ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا يجب الغسل لإطلاق الاية (1) الأمر بالأكل من غير قيد الغسل فلا يجب ، والجواب عدم الأمر بالغسل لا ينافي وجوبه بدليل خارجي ، والدليل إجماع أصحابنا على نجاسة ما لاقاه الكلب برطوبة.

قال رحمه اللّه : إذا أرسل كلبه أو سلاحه فأدركه حيا ، فان لم تكن حياته مستقرة فهو بحكم المذبوح ، وفي الاخبار : أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده يركض رجله أو تطرف عينه ، أو يتحرك ذنبه ، وإن كانت مستقرة والزمان يتسع لذبحه لم يحل حتى يذكى.

أقول : اختلف الأصحاب في مستقر الحياة ما هو؟ قال الشيخ في المبسوط

ص: 9


1- المائدة : 4.

مستقر الحياة هو ما يمكن أن يعيش يوما أو نصف يوم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن حمزة : أدناه أن يطرف عينه أو تركض رجله أو يتحرك ذنبه ، وهو ظاهر المصنف في المختصر ، وهو الذي تضمنته الاخبار ، رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : في كتاب علي عليه السلام ، إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه ، فقد أدركت ذكاته » (1) ، وعن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك » (2) وروى محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : سألته عن الذبيحة؟ قال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (3) ، فهذه الأخبار دالة على مذهب ابن حمزة ، ولا شك أن مذهب الشيخ أحوط ، لحصول تعين الحل.

إذا عرفت هذا فغير مستقر الحياة غير صيد الكلب والسهم لم يحل بالتذكية سواء كان وحشيا أو إنسيا ، لأنه بحكم الميتة ، أما صيد الكلب والسهم إذا أدرك حيا وغير مستقر الحياة فهو حلال ، سواء ذكاة أو لم يذكه والذكاة أفضل.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا لم يكن معه ما يذبح به ، ترك الكلب يقتله ثمَّ يأكله إن شاء ، أما إذا لم يتسع الزمان لذبحه فهو حلال.

أقول : إذا أدرك الصيد وحياته مستقرة لم يحل إلا بالتذكية ، فان لم يكن معه ما يذكيه به ، قال الشيخ في النهاية : يترك الكلب حتى يقتله ثمَّ يأكل أن شاء ، وبه قال محمد بن بابويه وابن الجنيد واختاره العلامة ، لعموم قوله تعالى : ( فَكُلُوا

ص: 10


1- الوسائل ، كتاب الصيد الذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 3.

مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (1) ، ولما رواه جميل بن دراج في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه ، أفيدعه حتى يقتله الكلب ويأكل منه؟ قال : لا بأس » (2) وقال ابن إدريس : لا يحل بغير التذكية واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، واستحسنه في التحرير وهو اختيار فخر الدين وأبي العباس وهو المعتمد ، لأن كل مستقر الحياة غير ممتنع لا يحل بغير التذكية.

ص: 11


1- المائدة : 4.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 8 من أبواب الصيد ، حديث 1.

ص: 12

كتاب الذباحة

اشارة

ص: 13

ص: 14

في الأركان

قال رحمه اللّه : اما الذابح فيشترط فيه الإسلام أو حكمه ، ولا يتولاه الوثني. فلو ذبح كان المذبوح ميتة ، وفي الكتابي روايتان ، أشهرهما : المنع ، فلا تؤكل ذباحة اليهودي ، ولا النصراني ، ولا المجوسي ، وفيه رواية ثالثة ، تؤكل ذباحة الذمي ، إذا سمعت تسميته ، وهي مطروحة.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

الأول : تحريم ذبائح غير المسملين من جميع أصناف الكفار ، سواء كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ذهب اليه الشيخ والمفيد والمرتضى وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (1) ، والكافر لا يعرف اللّه ولا يذكره على الذبيحة ، ولا يعتقد ذلك فرضا ولا سنة ، وقد ورد في المنع روايات كثيرة ، منها : رواية سماعة في الموثق ، عن الكاظم عليه السلام ، « قال : سألته عن ذباحة اليهودي

ص: 15


1- الانعام : 121.

والنصراني؟ فقال : لا تقربها » (1).

الثاني : إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا سواء سمعته يسمي أو لا ، وهو قول الحسن بن أبي عقيل وظاهر ابن الجنيد ، لقوله تعالى ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (2) ، وورد في ذلك روايات ، منها : صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ قال : لا بأس به » (3).

الثالث : إباحة ذبائحهم مع سماع التسمية (4) من الذابح ، قال محمد بن بابويه ، لصحيحة حمران ، « قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه تعالى ، قلت : والمجوسي؟ قال : نعم إذا سمعته يذكر اللّه ، أما سمعت قول اللّه : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه » (5) ، وفي معناها غيرها من الصحاح (6) ، وأجاب الأولون عن الطعام بحمله على الحبوب ، وعن الروايات بحملها على التقية لا الضرورة.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط الايمان ، وفيه قول بعيد باشتراطه ، نعم لا تصح ذباحة المعلن العداوة لأهل البيت عليهم السلام وإن أظهر الإسلام.

أقول : البحث هنا في موضعين :

ص: 16


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذباحة ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 9.
2- المائدة : 5.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 34.
4- في الأصل : التذكية.
5- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 31 مع اختلاف يسير.
6- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 45 و 39 و 18.

الأول : في اشتراط الايمان وتحريم ذبائح المخالفين ، وهو مذهب ابن البراج وأبي الصلاح الحلبي وابن حمزة وابن إدريس ، وتحل عنده ذباحة المستضعف ، وعنى به من ليس منا ولا منهم ، وهو الذي لا يعرف الحق ولا يعتقد ضده ، واستدلوا برواية زكريا بن آدم ، « قال : قال أبو الحسن عليه السلام : إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة ، أو في محل التقية » (1) ، واكتفى الشيخ بالإسلام ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين والشهيد ، لعموم قوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) (2) ، ولما رواه محمد بن قيس ، عن الباقر عليه السلام ، « قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه عليه » (3) ، وللأصل ، وأجابوا عن الرواية المتقدمة بالحمل على الكراهة.

تنبيه : يشترط في إباحة ذبيحة المخالف التسمية كاشتراطه في إباحة ذبيحة المؤمن ، لتقييد الآية (4) والرواية (5) بذكر اسم اللّه ، وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب؟ أكثر مصنفات الأصحاب خالية عن ذكر اعتقاد الوجوب وعدمه ، واشترط العلامة في المختلف اعتقاد الوجوب ، ولم يشترطه الشهيد في دروسه ، وأطلق الأصحاب تحريم الذبيحة مع الإخلال بالتسمية عمدا والحل مع

ص: 17


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 26 من أبواب الذبائح ، حديث 9. وليس فيها : ( أو في محل التقية ).
2- الأنعام : 118.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 28 من أبواب الذبائح ، حديث 1 ، رواية محمد بن قيس.
4- الانعام : 118.
5- هي رواية محمد بن قيس المتقدمة.

النسيان ، ولم يفصلوا بين معتقد الوجوب وغيره ، ولا بين المؤمن والمخالف.

وفصل الشهيد بين معتقد الوجوب وعدمه ، قال : ولو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد نظر ، وظاهر الأصحاب التحريم لكنه يشكل بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبيا ، ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها فتحل الذبيحة ولو تركها عمدا.

قلت : انما كان ظاهر الأصحاب التحريم ، لأن جميع مصنفاتهم مصرحة بالتحريم مع الإخلال بالتسمية عمدا ، ولم يفرقوا بين معتقد الوجوب وعدمه ، واعترض الشهيد عليهم من حيث إطلاقهم اباحة ذبيحة المخالف مع أن بعضهم لا يعتقد وجوب التسمية ، ولم يفرقوا بين المعتقد للوجوب وغيره ، وغير المعتقد للوجوب يجوز له ترك التسمية عمدا ، وقد أباحوا ذبيحته لحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ، فهذا الإطلاق مناف لإطلاقهم التحريم مع ترك التسمية عمدا ، بل ينبغي تقييده بمعتقد وجوبها دون غيره وهذا الاعتراض غير وارد على صاحب المختلف ، لأنه اشترط في إباحة ذبيحة المخالف اعتقاد وجوب التسمية.

إذا عرفت هذا فلو سمى غير المعتقد للوجوب احتمل الحل ، لحصول الشرط ، وهو ذكر اسم اللّه على الذبيحة ، وهو ظاهر الشهيد ، ويحتمل العدم ، لأنه كغير القاصد إلى التسمية ، ومن ثمَّ لم تحل ذبيحة المجنون والسكران وغير المميز ، لعدم تحقق القصد إلى التسمية.

تنبيه : أجمع أصحابنا على تحريم ذبيحة الناصب وفي تفسيره وجوه :

الأول : أنه الخارجي الذي قال في علي عليه السلام ما قال ، وهو ظاهر المصنف والعلامة.

الثاني : أنه الذي ينسب الى أحد المعصومين ما يثلم العدالة.

الثالث : انه من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين

ص: 18

أنكرها.

الرابع : من اعتقد فضيلة غير علي عليه السلام.

الخامس(1): من سمع النص على علي عليه السلام من النبي صلى اللّه عليه وآله ، أو بلغه متواترا أو بطريق يعتقد صحته فأنكره.

وهذه الوجوه نقلها المقداد في كتاب الوصايا من شرح المختصر ، ثمَّ قال بعد أن نقل هذه الوجوه : والحق صدق النصب على الجميع ، أما من يعتقد إمامة غيره للإجماع أو لم يكن لمصلحة ولم يكن من أحد هذه الأقسام الخمسة فليس بناصب.

قال رحمه اللّه : وهل تقع الذكاة بالظفر والسن مع الضرورة؟ قيل : نعم ، لأن المقصود يحصل ، وقيل : لا ، لمكان النهي ولو كان منفصلا.

أقول : تتعين التذكية بالحديد مع القدرة ولا يجوز بغيره ، سواء كان من المعادن كالذهب والفضة والنحاس ، أو الخشب والقصب أو غير ذلك مما يفري الأوداج غير الحديد ، ويجوز مع الضرورة كخوف فوات الذبيحة أو مع الحاجة الى أكلها بكل ما يفري الأوداج إذا تعذر ذبحها بالحديد.

وهل يجوز بالظفر والسن إذا أمكن فري الأوداج بهما؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى المنع ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، وذهب في التهذيب الى الجواز واختاره ابن إدريس والعلامة في التحرير والمختلف ، والشهيد في الدروس ، واعلم أن روايات أصحابنا خالية من ذكر الظفر والسن ، أما مصنفاتهم فمطبقة على اعتبار الحديد مع القدرة ، واجزاء ما عدا الظفر والسن مع الضرورة ، ثمَّ يترددون فيهما مع عدم النص عليهما من طريقهم ، وانما ورد النهي عنهما من طريق العامة ، روى رافع بن خديج ، بالخاء

ص: 19


1- ليست في الأصل.

المعجمة المفتوحة ، والدال المهملة ، والجيم بعد الياء المثناة تحت ، « قال : يا رسول اللّه إنا نرجوا أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى ، أنذبح بالقصب؟ قال : قال عليه السلام : ما أبهر الدم وذكر اسم اللّه عليه فكلوا الا ما كان من سن أو ظفر وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم من الإنسان ، وأما الظفر فمدى الحبشة » (1) ، استثنى الظفر والسن من المأكول فلا يكون مأكولا ، والسؤال انما وقع عن حال الاضطراري ، وبهذه الرواية استدل الشيخ في الخلاف على المنع.

ولم يفرق أصحابنا بين المنفصل والمتصل ، وفرق أبو حنيفة فأجاز مع الانفصال ومنع مع الاتصال ، لكون ذلك أشبه بالأكل والتقطيع ، والمقتضي للتذكية هو الذبح ، ولم يفرق الشافعي أيضا.

فرع : على ما تضمنته الرواية لا يجوز التذكية بعظم الإنسان عند الضرورة ، لتعليله السن بأنه عظم من الإنسان ، دل هذا على المنع من الذبح بعظم الإنسان ، وابن إدريس لم يعتبر هذه الرواية ، لأنها من طريق المخالفين.

قال رحمه اللّه : والواجب قطع الأعضاء الأربعة ، المري وهو مجرى الطعام ، والحلقوم وهو مجرى النفس ، والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم ، فلا يجزي قطع بعضها مع الإمكان ، هذا في قول مشهور ، وفي رواية : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل لم يكن بحضرته سكين ، أيذبح بقصبة؟ قال : اذبح بالحجر ، والعظم ، والقصبة ، والعود ، إذا لم تصب الحديد ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس » (2) ، وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج ،

ص: 20


1- سنن ابن ماجه ، كتاب الذبائح ، باب 5 ، حديث (3178).
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 2 من أبواب الذبائح ، حديث 3.

عن أبي إبراهيم عليه السلام ، « قال : سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها إذا لم يجد سكينا؟ قال : إذا أفرى الأوداج فلا بأس » (1) ، واشترط في المبسوط والخلاف قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع ، فلو بقي من أحد الأعضاء الأربعة ولو بمقدار الشعرة لم تحل الذبيحة ، أما النحر فلا يشترط فيه قطع شي ء من الأعضاء ، بل يكفي الطعن في وهدة اللبة ، وهي النقرة التي بين الترقوتين ، والوهدة الموضع المنخفض والجمع وهاد ، واللبة المنحر والجمع لباب.

قال رحمه اللّه : فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل ، ولو أدركت ذكاته فذكي حل ، وفيه تردد ، إذ لا استقرار للحياة بعد الذبح والنحر.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن إدريس الحل مع إدراك الذكاة ، لوجود المقتضي للحل ، وهو الذبح أو النحر ، وتردد المصنف ، لعدم استقرار الحياة بعد ذبح المنحور أو نحر المذبوح ، والمعتمد الحل إذا صادفت الذكاة حياة مستقره ، والتحريم مع عدم استقرار الحياة ؛ لأنه يجري مجرى ذبح الميت ، وكذا لو قطع بعض الأعضاء ثمَّ أرسله ثمَّ تممه ، فان كانت الحياة مستقرة أو قصر الزمان حل وإلا حرم.

قال رحمه اللّه : وفي إبانة الرأس عمدا خلاف ، أظهره الكراهة ، وكذا سلخ الذبيحة قبل بردها ، أو قطع شي ء منها.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : في إبانة الرأس عمدا ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أربعة أقوال ، الأول : تحريم الأكل والفعل ، وهو قول الشيخ في النهاية ، الثاني : كراهتهما معا ، وهو قول ابن إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، الثالث : كراهة الفعل وتحريم الذبيحة ، وهو قول الشيخ في الخلاف ، الرابع : تحريم

ص: 21


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 2 من أبواب الذبائح ، حديث 1.

الفعل وكراهة الذبيحة ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، ومنشأ الاختلاف من اختلاف الروايات (1).

الثانية : في سلخ الذبيحة قبل بردها ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز سلخ الذبيحة إلا بعد بردها ، فان سلخت قبل أن تبرد أو سلخ منها شي ء لم يحل أكله ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، لما رواه أحمد بن محمد بن يحيى رفعه ، قال : « قال الرضا عليه السلام : الشاة إذا ذبحت وسلخت أو سلخ منها شي ء قبل أن تموت فليس يحل أكلها » (2) ، وأنكر ذلك ابن إدريس ، لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) (3) وهذا ذكر اسم اللّه عليه وذبح ذباحة شرعية ، وحصلت جميع الشرائط المعتبرة في الذباحة ، فيكون حلالا ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، وتحمل الرواية على الكراهية.

الثالثة : إذا قطع شي ء من أعضاء الذبيحة بعد ذبحها وقبل بردها ، قال أبو الصلاح : إنه حرام لا يجوز أكله ، واحتج بقوله تعالى ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها ) (4) ، فلا يجوز الأكل قبل ذلك ، والمشهور بين الأصحاب الكراهة ، وهو المعتمد ، لأنها بعد الذبح ذكية فتكون حلالا.

قال رحمه اللّه : الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة ، وقال بعض : لا بد مع ذلك من خروج الدم ، وقيل : يجزي أحدهما ، وهو أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : الاكتفاء بالحركة فقط ، وهو قول محمد بن بابويه ، واختاره العلامة

ص: 22


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 15 من أبواب الذبائح ، حديث 2 - 3 وباب 9 من أبواب الذبائح ، حديث 1 - 3 - 5 - 6 - 7.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 8 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- الانعام : 118.
4- الحج : 36.

في المختلف ، لما رواه محمد الحلبي في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (1) ومثلها رواية رفاعة (2) عن الصادق عليه السلام.

الثاني : لا بد من الحركة وخروج الدم المعتدل ، ويعنى به الدفع القوي لا ما يكون متثاقلا ، وهو الذي يسيل من غير دفع ، وهو مذهب المفيد وسلار وابن البراج ، للاحتياط ، ولأن الأصل تحريم الحيوان حتى يعلم ذكاته ، ومع اعتبار الأمرين يحصل يقين الحل ، لوقوع الإجماع عليه وما عداه مشكوك.

الثالث : الاكتفاء بأحدهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد وأبو العباس ، أما الاكتفاء بالحركة ، فلرواية محمد الحلبي وقد تقدمت ، واما الاكتفاء بخروج الدم المعتدل فلرواية الحسين بن مسلم ، « قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ جاءه محمّد بن مسلم ، قال : جعلت فداك تقول لك جدتي : إن رجلا ضرب بقرة بفأس فطرحها ثمَّ ذبحها؟ فلم يرسل معه بالجواب ، ودعى سعيدة مملوكة أم فروة ، فقال لها : إن محمد جائني برسالة منك فكرهت أن أرسل معه بالجواب ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه » (3).

تنبيه : إذا ذبح المشرف على الموت كالنطيحة ، والمتردية ، والموقوذة ، وأكيل السبع ، وما ذبح من قفاه ، اعتبر في حالة استقرار الحياة ، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند أكثر المتأخرين ، وان علم بقاؤه فهو حلال ، ولو اشتبه

ص: 23


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذباحة ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 12 من أبواب الذبائح ، حديث 2.

اعتبر بالحركة بعد الذبح ، أو خروج الدم المعتدل ، أو هما على الخلاف ، وظاهر الاخبار (1) والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف وان لم تكن الحياة مستقرة ، ونقل الشهيد عن الشيخ يحيى أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، قال : - ونعم ما قال - قلت : انما استحسنه الشهيد لأن الأخبار (2) الواردة في هذا المعنى لم يذكر فيها غير الحركة وخروج الدم المعتدل ولم يذكر في شي ء منها اشتراط استقرار الحياة وكذلك ، قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) الى قوله ( إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ ) (3) لم يشترط غير الذكاة ، وقد دلت الاخبار على وقوعها مع الحركة وخروج (4) الدم المعتدل من غير اشتراط قيد آخر ، والمذهب هو ما دل عليه القرآن (5) والأحاديث (6) ، ولم يدلا على اشتراط استقرار الحياة فلهذا قال : اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.

وأعلم أن من اشترط استقرار الحياة لم يصير في ذلك الى النص الصريح ، وانما استخرجه من الأصول المنصوصة المجمع عليها ، ولا شك في النص (7) والإجماع على تحريم الميتة ، فاستخرجوا من ذلك تحريم غير مستقر الحياة ؛ لأن حركته تجري مجرى حركة المذبوح ، فهو مقطوع على موته عاجلا كالقطع على موت المذبوح ، فلا اعتبار بتلك الحركة ، وقد يقال : ان النص والإجماع إنما انعقد على تحريم الميتة ، ومن فيه روح وله حركة فليس بميت ، وظاهر الآيات

ص: 24


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 وباب 12 من أبواب الذبائح.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 وباب 12 من أبواب الذبائح.
3- المائدة : 3.
4- في « ر 1 » : أو خروج.
5- المائدة : 3.
6- تقدمت في 24 ، 25.
7- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 ، 3 ، 5.

والروايات دالة على إباحته.

قال رحمه اللّه : وأن تنخع الذبيحة وأن تقلب السكين فيذبح الى فوق ، وقيل : فيهما : يحرم ، والأول أشبه ، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر إليه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : نخع الذبيحة وهو قطع نخاعها متصلا بالذبح قبل بردها ، والنخاع بضم النون وكسرها وفتحها هو الخيط الأبيض الناظم للخرز ، وهو ممدود من الرقبة إلى أصل الذنب ، وقد مضى البحث في التحريم والكراهة في إبانة الرأس (1) ، لأن المسألة واحدة في الحكم وان أوردها في مسألتين باللفظ ، قال الشيخ في النهاية : ومن السنة أن لا تنخع الذبيحة إلا بعد بردها ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد وتقطع النخاع ، ومثله قول ابن البراج ، وقال ابن إدريس : ويكره أن تنخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد بالموت ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد ويقطع النخاع ، وهو الخيط الأبيض الذي الخرز منظومة فيه ، فهذه العبارة (2) دالة على أن النخع هو إبانة الرأس ، وابن الجنيد جعل النخع غير إبانة الرأس ، قال : وليس للذابح أن يعتمد قطع رأس البهيمة إلا بعد خروج نفسها ، فان سبقته شفرته وخرج الدم لم يكن به بأس ، وليس له أيضا أن ينخع الذبيحة وهو كسر رقبتها أو يركبها برجله ليستعجل خروج نفسها.

الثانية : قلب السكين بأن يذبح الى فوق ، ومعناه أن يدخل السكين في وسط اللحم تحت الحلقوم ثمَّ يقطع الى الجلد ، وبتحريمه قال الشيخ وابن البراج ، لرواية حمران بن أعين ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : ولا تقلب السكين

ص: 25


1- ص 21.
2- في النسخ : العبارات.

تدخلها تحت الحلقوم وتذبح الى فوق » (1) ، وبالكراهية قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون للأصل.

الثالثة : أن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه ، قال الشيخ في النهاية : ولا يجوز ذبح شي ء من الحيوان صبرا ، وهو أن يذبح شاة وينظر اليه حيوان آخر ، وقال ابن إدريس : هذه رواية (2) أوردها إيرادا ، فإن صحت حملت على الكراهية دون الحظر ، لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل الإباحة (3) ، وتابعه المتأخرون على الكراهية دون التحريم ، وهو المعتمد.

ص: 26


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 3 من أبواب الذبائح ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 7 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- السرائر 3 : 109.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا ، ولو وثب فأخذه قبل موته حلّ ، ولو أدركه بنظره ، فيه خلاف ، أشبهه أنه لا يحل.

أقول : اكتفى الشيخ في النهاية بإدراكه بنظره وإن لم يأخذه بيده ، لما رواه سلمة بن حفص ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « أن عليا عليه السلام كان يقول في صيد السمك : إذا أدركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها وتطرف بعينها فهو ذكاتها » (1) والمعتمد أن ذكاة السمك أخذه حيا إما باليد أو بآلة متصلة باليد ثمَّ يموت خارج الماء ، ولا يكفى النظر الا في صيد الكافر إذا شاهده مسلم وهو مخرجه من الماء حيا ، وهو مذهب متأخري أصحابنا ، لحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام ، قال : « إنما صيد الحيتان أخذه » (2) ، وانما للحصر ، وللاحتياط.

فروع :

الأول : يشترط في إباحة السمك إخراجه من الماء مستقر الحياة ، فلو

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، ب 34 من أبواب الذبائح ، ح 2.
2- المصدر المتقدم ، ب 32 ح 9.

ضربه بمجدد أو بمثقل ثمَّ أخرجه غير مستقر الحياة لم يحل ، ومستقر الحياة هو الذي لو ترك في الماء لعاش يوما أو أياما.

الثاني : لو أخرج السمكة حية وألقاها في قدر فيه ماء وهو يغلي على النار فماتت فيه ، حرمت ، لأنها ماتت في الماء ، ولو كان في القدر غير الماء من المائعات كالزيت والخل وغير ذلك فألقاها فيه وهي حية فماتت فيه لم تحرم ، لأنها لم تمت فيما فيه حياتها.

الثالث : لو قطع منها قطعة بعد إخراجها من الماء ثمَّ وقعت في الماء وهي مستقرة الحياة لم تحرم تلك القطعة ، لأنها قطعت بعد ان حكم بتذكيتها ، ولو قطع منها قطعة وهي في الماء كانت حراما.

قال رحمه اللّه : وهل يحل أكل السمك حيا؟ قيل : لا ، والوجه الجواز ، لأنه مذكى.

أقول : القائل بعدم الجواز الشيخ في المبسوط ، والمشهور الجواز لما قاله المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو نصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحي بالميت ، قيل : حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه ، وقيل : يحرم الجميع تغليبا للحرمة ، والأول أحسن.

أقول : حل الجميع مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن أبي عقيل واختاره المصنف ، لرواية ابن مسلم (1) في الصحيح ، عن الباقر عليه السلام الدالة على إباحة الجميع ، ومثلها رواية مسعدة بن صدقه (2) عن الصادق عليه السلام ، ولأنه لا طريق الى تمييزه وهو مما تعم به البلوى ، لأن الغالب موت بعض

ص: 28


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 35 ، حديث 2.
2- المصدر المتقدم ، حديث 4.

السمك في الشبكة والحظيرة ( ولهذا علل ابن أبي عقيل الحل بأنه هكذا يكون صيد السمك ، أي لا بد أن يموت بعضه في الشبكة والحظيرة ) (1) وتحريم الجميع مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن السمك إذا مات في الماء حرم ، لما رواه عبد المؤمن ، « قال : أمرت رجلا أن يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صاد سمكا وهنّ احياء ، ثمَّ أخرجهن بعد ما مات بعضهن؟ فقال : ما مات فلا تأكله ، فإنه مات فيما فيه حياته » (2) ، وإذا ثبت تحريم ما مات في الماء وجب اجتنابه ، ولا يتم الا باجتناب الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فوجب اجتناب الجميع وهو المعتمد ، وحملت الاخبار بالإباحة على عدم الموت في الماء ، بل في الشبكة والحظيرة ولا دلالة فيها على الموت في الماء.

قال رحمه اللّه : ذكاة الجنين ذكاة أمّه إن تمت خلقته ، وقبل أن تلجه الروح ، ولو ولجته لم يكن بد من تذكيته ، وفيه إشكال ، ولو لم تتم خلقته لم يحل أصلا ، ومع الشرطين يحل بذكاة أمّه ، وقيل : ولو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله ، والأول أشبه.

أقول : ورد في الأحاديث من طريق العامة والخاصة عنه صلى اللّه عليه وآله : « ذكاة الجنين ذكاة أمه » (3) ، والمشهور الضم في الذكاتين معا ، الاولى على الابتداء ، والثانية على الخبر ، يكون المعنى : ذكاة الجنين هي ذكاة أمه ، فهي مبيحة له وقائمة مقام ذكاته ، وروى نصب الثانية بنزع الخافض ، وهو الكاف فيكون المعنى : ذكاة الجنين هي كذكاة أمه ، أي مثلها. فعلى هذا لا يباح بدون التذكية ولا تبيحه ذكاة أمه ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حرم ويكون حكمه

ص: 29


1- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
2- المصدر المتقدم ، حديث 1.
3- مستدرك الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 16 من أبواب الذبائح ، حديث 2 نقلا عن عوالي الآلي ، ولا حظ الوسائل ، من باب 18 من أبواب كتاب الصيد والذبائح.

بانفراده حكم سائر الذبائح ، والمعتمد الأول وعليه عمل أكثر الأصحاب لكن بشرطين :

الأول : ان تتم خلقته ، وحد ذلك أن يشعر أو يؤبر ، ولو خرج ميتا ولم تتم خلقته لم يحل إجماعا.

الثاني : اختلف الأصحاب فيه على أربعة أقوال :

الأول : أنه يشترط مع تمامية الخلقة أن لا تلجه الروح ، ولا يحل مع اختلال أحد الشرطين ، فلو ولجته الروح ولم يتم خلقته لم يحل ، ولو تمت خلقته وولجته الروح في جوف أمه لم يحل إلا بالتذكية بعد خروجه حيا ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حلّ ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في الإرشاد.

والى هذين الشرطين أشار المصنف بقوله ( ومع الشرطين يحل بذكاة أمه ) ، لكنه استشكل في ذلك ، ووجه الاشكال أن اشتراط عدم إيلاج الروح مع اشتراط الاشعار والايبار بعيد ، لأن الرواية (1) خالية من ذكر هذا الشرط ، ولأنه لم يجر في العادة أنه يشعر أو يؤبر قبل أن تلجه الروح ، فالشرطان متنافيان.

الثاني : خروجه ميتا أو حيا ، ولم يتسع الزمان لفعل التذكية نفسها ، لا باعتبار (2) عارض من فقد آله أو بعد مذكى ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (3) لأنه مع قصور الزمان عن تذكيته في حكم غير مستقر الحياة ، ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية وإن ضاق الزمان عنها ، وهو معارض بإطلاق الأصحاب وجوب (4) التذكية مع خروجه حيا.

ص: 30


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 18 من أبواب الذبائح.
2- في الأصل : إلا باعتبار.
3- في « ر 1 » : النهاية.
4- في الأصل و « ن » : ووجوب.

الثالث : خروجه ميتا من غير قيد تقدم ولوج الروح ، وهو مذهب المصنف في المختصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في شرحه واختاره أبو العباس في مقتصره.

الرابع : الاقتصار على تمامية الخلقة من غير قيد آخر ، وهو مذهب المفيد والحسن بن أبي عقيل.

والمعتمد : أن الجنين لا يحل بذكاة أمه الا مع تمام خلقته بالإشعار أو الايبار (1) ، وخروجه ميتا أو حيا غير مستقر الحياة ، لأنه في حكم الميت حينئذ ، أما مع خروجه حيا مستقر الحياة فلا يحل إلا بالتذكية ، فإن قصر الزمان عنها لم يحل ، لإطلاق الأصحاب وجوب التذكية مع خروجه حيا.

ص: 31


1- في « م » : بالاوبار.

ص: 32

خاتمة

قال رحمه اللّه : المسوخ لا تقع عليها الذكاة كالفيل والقرد والدب ، وقال المرتضى : تقع.

أقول : أما القائل بنجاسة المسوخ كالشيخين وسلار وابن حمزة يلزمهم (1) ( عدم وقوع الذكاة عليها ، وأما القائل بالطهارة فأكثرهم على وقوع الذكاة ، للانتفاع بجلودها ، ولم يقل منهم ) (2) بعدم الوقوع غير المصنف ، ولعل وجهه أن الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولا يلزم من الحكم بالطهارة وقوع الذكاة ، لما في الذبح من التعذيب المنهي عنه (3) ، فلا يباح بغير دليل.

قال رحمه اللّه : الثالث : الحشرات كالفأرة وابن عرس والضب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، أشبهه أنه لا يقع.

ص: 33


1- في النسخ : يلزم منهم.
2- ما بين القوسين سقط من « م ».
3- راجع مسند أحمد 2 : 6 ، وفيه النهي عن التمثيل به ، والوسائل ، التجارة ب 94 ( ما يكتسب به ) ح 6 وفيه : النهي عن إحراقه بالنار.

أقول : منشأ التردد من أن وقوع الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولأن ذبح الحيوان وقتله محظور ما لم يرد الشرع بإباحته لما فيه من التعذيب ، وقد نهى (1) النبي صلى اللّه عليه وآله عن تعذيب الحيوان ، فلا يصح الا مع ورود الشرع به ، ومن أنها طاهرة فتصح ذكاتها للانتفاع بجلودها أيضا كالمسوخ ، والمشهور عدم الوقوع وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : السباع كالأسد والنمر والثعلب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، والوقوع أشبه ، وتطهر بالذكاة ، وقيل : لا تستعمل مع الذكاة حتى تدبغ.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في وقوع الذكاة عليها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهم جوزوا استعمال جلود السباع وجلود الثعلب والأرنب ، ولو لا وقوع الذكاة عليها (2) لما جاز استعمال جلودها ، وقيل بعدم الوقوع ، لعدم الدليل عليه ، والأول هو المعتمد.

الثاني : في جواز استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه بعد الذكاة وقبل الدباغ ، وبالجواز قال المصنف في كتاب الصلاة ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو ظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ، لأنه إما أن يطهر بالتذكية أو لا ، فان لم يطهر لم يجز استعماله بعد الدباغ ، لأن الدباغ غير مطهر عندنا ، وإن طهر جاز استعماله قبل الدباغ ، لأنه طاهر.

وقال الشيخان والمرتضى وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز الاستعمال قبل الدباغ ، للإجماع على جوازه بعده ولا دليل على جوازه قبله.

ص: 34


1- تقدم في الصفحة السابقة.
2- هذه الكلمة من « م » و « ر 1 ».

قال رحمه اللّه : ولو اتخذ موحلة للصيد ، فتشبث بحيث لا يمكنه التخلص ، لم يملكه بذلك ؛ لأنها ليست آلة معتادة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن أنه صيره غير ممتنع بفعله بما يصلح أن يكون آلة فيملكه بذلك ، والمشهور الأول وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنف والعلامة ، وقوى الشهيد الملك مع القصد ؛ لأن الصيد يملك ( بالإثبات المزيل ) (1) للمنعة ، وهو حاصل.

قال رحمه اللّه : ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له في مضيق لا يتعذر قبضه ملكه ، وفيه أيضا إشكال ، ولعل الأشبه : أنه لا يملك هنا الا مع القبض باليد أو الآلة.

أقول : منشأ الاشكال من انه لم يقبضه في يده ولا أثبته في آلته فكان باقيا على أصل الإباحة ، ومن انه أزال امتناعه بإلجائه الى المضيق الذي لا يمكنه التخلص منه ، والأول أقوى. لكنه هل يصير أولى به من غيره كالمحجر؟ نقل فخر الدين عن والده انه يصير أولى به.

قال رحمه اللّه : ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه ، وان نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه ، وهل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه : لا ؛ لأنه لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج وقيل : يخرج كما لو وقع منه شي ء حقير فأهمله ، لأنه كالمبيح له ، ولعل بين الحالين فرقا.

أقول : أطلق الشيخ وابن إدريس عدم خروج الصيد عن الملك إذا انفلت بعد إقباضه ، ولم يتعرضا له (2) إذا قطع نية التملك عنه ، وانما تعرض له المصنف هنا والعلامة في القواعد والشهيد في الدروس ، واختار الجميع عدم الخروج عن

ص: 35


1- في « ن » : بإثبات المزيلة.
2- في النسخ : لما.

الملك ، ونقلوا قولا بالخروج محتجا (1) على إذا ما (2) القى الحقير مهملا له كالكسرة والتمرة ، ولهذا أباح السلف الصالح التقاط المسكين للسنابل ، فعند القائل أن هذا الشي ء القليل يخرج عن ملك ملقيه إذا أهمله ، قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه وقطع نية التملك عنه.

قال المصنف : ولعل بين الحالين فرقا.

قال شارح ترددات الشرائع : أشار بالفرق الى أن الإهمال هنا أنما أفاد الإباحة على تقدير تسليمها ، وهو غير المتنازع فيه ، إذ النزاع انما وقع في إفادة الملك وهو غير الإباحة. هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وليس مراد المصنف رحمه اللّه أن القائل المنسوب اليه القول بخروج الصيد عن الملك قائل بخروج الحقير إذا ألقاه مهملا ، لأنه جعل إلقاء الحقير وإهماله أصلا ثمَّ قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه قاطعا لنية التملك عنه ، وقد أجمع (3) القائلون بالقياس على اشتراط عدم الفرق بين الفرع ( والأصل المقيس عليه ، فلو أن مراد القائل بإباحة الحقير مع بقائه على ملك ملقيه لما جاز قياس ) (4) خروج الصيد عليه ، ويدل على ما قلناه قول الشهيد : ولمانع أن يمنع خروج الحقير عن ملكه وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره وفي الصيد كذلك ، دل على أن مراد القائل خروج الحقير عن ملك من أهمله والا لم يحسن منعه.

إذا عرفت هذا فالظاهر من كلام فخر الدين في شرح القواعد ، أن المراد بالفرق : الفرق بين ملك الصيد وملك (5) الحقير ، فإن الأصل في الصيد الإباحة

ص: 36


1- في النسخ : مقيسا.
2- في النسخ : ما إذا.
3- في « م » و « ن » : احتج وفي « ر 1 » : اجتمع.
4- ما بين القوسين سقط من « م ».
5- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.

وانما ملك بقبضه (1) مع نية التملك ، فإذا أطلقه وقطع نيته عن ملكه فقد زال سبب التملك ، فيزول الملك ويرجع الى أصله وهو الإباحة ، أما الشي ء الحقير فالأصل فيه الملك ، لأنه مال مملوك بالأصل ، والإهمال ليس سببا ناقلا للملك عن مالكه ، وأيضا فإن الملك لا ينتقل الى غير مالكه وعلى القول بخروج الحقير عن ملك مهملة يلزم منه انتقال الملك الى غير مالك (2) وهو باطل (3). وإذا ثبت الفرق بن الأصل والفرع ( المقيس عليه بطل القياس ، فيكون قياس خروج الملك عن الصائد بإطلاق الصيد وقطع نية التملك عنه ، على خروج الحقير عن الملك بإلقائه وإهماله باطلا ، للفرق بينهما فيكون لكل من الأصل والفرع ) (4) حكم على حدته ، فهذا مراد المصنف بذكر الفرق.

فعلى القول به يكون حكم الصيد خروجه عن الملك بإطلاقه وقطع نية التملك عنه ، ويكون حكم الحقير عدم جواز (5) خروجه عن الملك بإلقائه وإهماله بل يكون مباحا لمن يتناوله ، والمعتمد بقاؤهما على ملك الصائد والملقي ، ويباح للغير تناولهما لحصول القرائن الدالة على الإباحة ، ولا يملكهما بالتناول بل يباح له التصرف فيهما بالأكل وغيره ، وللأول الانتزاع ما دامت العين باقية.

قال رحمه اللّه : ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني ، فهو متلف فإن كان أصاب محل الذكاة فذكاه على الوجه فهو للأول ، وعلى الثاني الأرش وان أصابه في غير المذبح فعليه قيمته إن لم تكن لميته قيمة وإلا كان له الأرش وإن جرحه الثاني ولم يقتله ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال للأول ،

ص: 37


1- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.
2- هذا من النسخ وفي الأصل : مالكه.
3- في « م » : غير باطل.
4- ما بين القوسين سقط من « م ».
5- هذه الكلمة ليست في النسخ.

وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة ، لأنه تلف من فعلين أحدهما مباح والآخر محظور ، كما لو قتله كلب مسلم ومجوسي ، وأما الذي يجب على الجارح فالذي يظهر أن الأول ان لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه ، وهي دابة قيمتها عشرة جني عليها فصارت تساوي تسعة ، ثمَّ جرحها آخر فصارت إلى ثمانية ، ثمَّ سرت الجنايتان ، ففيها احتمالات خمسة : لا يخلو أحدها من خلل الى آخر البحث.

أقول : هذه المسألة من المسائل المشكلة من هذا الفن ، وقد ذكر المصنف هنا خمسة احتمالات ثمَّ ذكر أنه لا يخلو أحدهما من خلل ، أي لا يخلو كل احتمال من هذه الاحتمالات الخمسة من خلل ، ونحن إن شاء اللّه نذكر لفظ المصنف في كل احتمال منها ونبين وجهه ونذكر (1) الخلل الذي فيه.

قال رحمه اللّه : وهو إما إلزام الثاني كمال قيمته معيبا ، لأن جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون مباحا ، وهو ضعيف ، لأن مع إهمال التذكية جرى مجرى المشارك في جنايته.

أقول : هذا هو الاحتمال الأول من الاحتمالات الخمسة ، وقد أشار المصنف الى وجهه والى وجه ضعفه ، ونزيده بيانا ، أما وجه ضمان الثاني كمال (2) قيمته معيبا ، لأن جناية الأول مباحة ، والثانية محرمة ، وإذا اجتمع المباح والمحرم غلب المحرم ، كما لو اشترك المؤمن والكافر في الرمي فمات الصيد من جرحيهما فإنه يكون حراما ، وإذا كان المحرم هو الجرح (3) الثاني فهو المتلف ، لأنه جعل اللحم

ص: 38


1- في « م » و « ن » : ثمَّ نذكر.
2- في الأصل : كماله.
3- في « م » و « ن » : جرح.

لا قيمة له فيكون الضمان عليه دون الأول ، ووجه ضمان الثاني نصف قيمته معيبا أنه تلف من فعلهما معا فلا يختص أحدهما بالضمان ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، كما لو كانت شاه مملوكة لواحد فجرحها ثمَّ جرحها آخر وماتت من الجرحين ، فإنه يسقط مقابل جرح المالك ويجب على الثاني مقابل جرحه من القيمة.

وهذا الاحتمال مذهب المصنف لقوله : والذي (1) يظهر أن الأول إن (2) لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، وهو مذهب العلامة في قواعده وتحريره.

قال رحمه اللّه : وإما التسوية في الضمان ، وهو حيف على الثاني.

أقول : هذا الاحتمال الثاني من الاحتمالات الخمسة ، وهو التسوية في الضمان لتساويهما (3) بين الأول والثاني ، لأن كل واحد منهما انفرد بإتلاف ما قيمته درهم ، وتساويا في إتلاف الباقي بالسراية فيتساويان في الضمان ، لتساويهما في أرش السراية.

ويشكل بحصول الحيف على الثاني ، لأنه جنى عليه وقيمته دون قيمته حال جناية الأول ، ولأنه لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس.

وأجيب بأن دخول الأرش في بدل النفس إنما يكون في نفس لا ينتقض (4) بدلها ( بإتلاف بعضها ) (5) كالادمى.

أما البهائم فلا فإنه لو جنى عليها ما أرشه درهم نقص ذلك من قيمتها ، فإذا

ص: 39


1- في النسخ : فالذي.
2- في « م » : وإن.
3- هذا الكلمة ليست في النسخ.
4- في « ر 1 » : ينقص.
5- هذا من النسخ وفي الأصل يدل ما بين القوسين : في إتلاف كبعضها.

سرت الجناية إلى النفس أوجبنا على الجاني ما بقي من قيمة النفس.

قال رحمه اللّه : أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة ، وهو حيف أيضا.

أقول : هذا الاحتمال الثالث ، ومبناه دخول أرش جناية كل واحد منهما في بدل النفس ، لأن الجناية إذا صارت نفسا سقط حكمها ، فعلى الأول نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته فعليه خمسه ونصف ، وعلى الثاني نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته وهي تسعة فعليه خمسة.

وانما أدخلنا نصف أرش كل منهما في بدل النفس ، لأنه لو انفرد بالجناية دخل جميع الأرش في بدل النفس ، فاذا شاركه غيره سرت جنايته الى نصف النفس فيدخل نصف الأرش في بدل نصفها ، ولم يدخل النصف الآخر في بدل النصف الباقي ، لأنه ضمنه غيره فلا يدخل أرش جنايته في بدل نفس ضمنها غيره ، كما لو قطع يد حر ثمَّ قتله آخر فإنه لم يدخل (1) اليد (2) في دية النفس.

فاذا ثبت هذا رجع الأول على الثاني بنصف أرش جناية الثاني ، وهو النصف الذي دخل في ( نصف بدل ) (3) النفس ، لأنه جنى على ما دخل في ضمان الأول ، ومن جنى على ما ضمنه غيره ضمنه له كالجاني على المغصوب ، فإنه يضمنه للغاصب (4) إذا دفعه (5) الغاصب الى المالك ، فان رجع المالك على الأول بخمسة ونصف رجع على الثاني بأربعة ونصف ، ويرجع الأول على الثاني بالنصف ، وإن رجع على الأول بخمسة رجع على الثاني بخمسة.

ص: 40


1- في « ن » : لا يدخل.
2- هذه الكلمة ليست في « م ».
3- في « ن » : بدل النصف.
4- في « ن » : الغاصب.
5- في « م » و « ر 1 » : دفع وفي « ن » : رجع.

والمصنف لم يتعرض لرجوع الأول على الثاني بشي ء ، لكن ذلك مراده ، لحصول الزيادة بدونه في (1) مستحقه للمالك ، والحيف الحاصل على الثاني في الاحتمال السابق حاصل هنا ، لتساويهما حينئذ في الضمان مع أن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته حين جناية الأول عشرة (2).

قال رحمه اللّه : أو إلزام الأول بخمسة ، والثاني بأربعة ونصف ، وهو تضييع على المالك.

أقول : هذا الاحتمال الرابع ، ووجهه دخول جناية كل منهما في بدل النفس ، لأن كل واحد منهما لو انفرد بالجناية دخل أرش جنايته في بدل النفس ، فكذا إذا اجتمعا ، فحينئذ يضمن كل واحد منهما نصف قيمة النفس حال جنايته ، وقيمة النفس حال جناية الأول عشرة ، فيضمن نصفها خمسة وقيمتهما حال جناية الثاني تسعة ، فيضمن نصفها أربعة ونصف ، فيضيع نصف درهم على المالك وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : أو إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى عليه ، وضم القيمتين ، وبسط العشرة عليهما فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر ، وهو أيضا إلزام الثاني بزيادة لا وجه لها.

أقول : هذا هو الاحتمال الخامس ، ومبناه على دخول أرش جناية كل منهما في بدل النفس ، وعلى وجوب رجوع كمال القيمة على المالك ، وهذا الاحتمال اختيار الشيخ ، وعلله (3) بسلامته من جميع المحذورات ، وهو اختيار نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقر به العلامة في القواعد والتحرير.

ص: 41


1- في النسخ : وهي.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في النسخ : وعلل.

واعترض عليه المصنف بان فيه إلزام الثاني (1) بزيادة لا وجه لها ، وتابعه العلامة في القواعد ، وذلك أنا إذا بسطنا العشرة على التسعة عشر ضربنا التسعة عشر في عشرة يبلغ مائة وتسعين ، يكون على الأول مائة ، وهي خمسة دراهم وخمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا ( من درهم ، وعلى الثاني تسعون ، وهي أربعة دراهم وأربعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا من درهم ) (2) ، وقد أتلف نصف تسعة دراهم أربعة دراهم ونصف ، وهي خمسة وثمانون جزءا ونصف جزء ، وقد ألزمناه بتسعين جزءا فيزيد عليه (3) أربعة أجزاء ونصف جزء من تسعة عشر جزءا من درهم ، فهذه الزيادة عند المصنف لا وجه لها.

قلت : تخصيص الزيادة بالثاني دون الأول غير مسلم ، لأن الأول عليه نصف العشرة كما أن الثاني عليه نصف التسعة ، وقد أوجبنا على الأول مائة جزء من مائة وتسعين جزءا ، وذلك خمسة دراهم وخمسة أجزاء ، فقد زاد عليه خمسة أجزاء (4) من تسعة عشر جزءا من درهم ، فالزيادة لاحقة لهما ، وقد أشار العلامة في التحرير الى ذلك.

وقوله : لا وجه لها ، غير مسلم أيضا ، لأن هذا الاحتمال مبني على رجوع جميع القيمة إلى المالك ، فلو ألزمناهما بنصف القيمتين لضاع على المالك نصف درهم ، وهو تسعة أجزاء ونصف وهو غير جائز ، فوجب تقسيط ذلك النصف عليهما (5) بالنسبة ، فيلحق الأول خمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا من درهم ، والثاني أربعة ونصف من تسعة عشر جزءا من درهم ، وذلك هو المدعى ، فيسلم

ص: 42


1- في النسخ : للثاني.
2- ما بين القوسين سقط من « م ».
3- في « م » : على.
4- في « م » و « ن » : أخرى.
5- في الأصل : عليها.

تعليل الشيخ : انه سالم من جميع المحذورات.

قال رحمه اللّه : والأقرب أن يقال : يلزم الأول خمسة ونصف ، والثاني أربعة ونصف ، لأن الأرش يدخل في قيمة النفس فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف ، ويبقى عليه نصف الأرش مضافا الى ضمان نصف القيمة ، وهو أيضا لا يخلو من ضعف.

أقول : هذا الاحتمال السادس (1) ذكره المصنف ، وهو مبني على دخول نصف أرش جناية الأول في بدل النفس تبعا لضمان نصف القيمة ، ودخول مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس بمشاركة غيره بخلاف الأول ، لأنه جنى عليه ( قبل ان يجني عليه ) (2) ، وإذا دخل نصف أرش جناية الأول في بدل النفس وهو درهم ، بقي (3) عليه نصف درهم مضافا الى نصف القيمة يوم جنايته ، وهي عشرة فيلزمه (4) خمسة ونصف ، وإذا دخل مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس لم يلزمه غير نصف قيمته يوم جنى عليه ، وهي تسعة فيلزمه أربعة ونصف.

وهذا لا يخلو من ضعف ، لانفراد الثاني بإتلاف ما يساوي درهما ، ولم يشتركا إلا في ثمانية ، فإن أدخلنا (5) نصف أرش (6) جناية الأول في بدل النفس كان الثاني كذلك ، وإن أدخلنا مجموع جناية الثاني كان الأول كذلك ،

ص: 43


1- هذا من « ن » وفي الباقي : سادس.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- في الأصل : نفى.
4- في الأصل : يلزمه.
5- هذه الكلمة ليست في « ر 1 ».
6- هذه الكلمة ليست في الأصل.

لانفراد كل منهما بما يساوي درهما واشتراكهما في الباقي ولا فارق (1) بينهما.

تنبيه : لو قال كل واحد منهما : أنا أثبته وأنت قتلته فعليك ضمانه ، حلف كل واحد منهما للآخر ولم يثبت لأحدهما على الآخر شي ء ، فان حلف أحدهما ونكل الآخر حلف مع نكوله على ما ادعاه واستحقه ، ولو قال الأول : أنا أثبته وأنت قتلته ، فقال : أصبته ولم تثبته وبقي على امتناعه وأنا أثبته ، فإن كان يعلم انه لم يبق له بعد جراحة الأول وامتناع ، كما لو كسر جناح من يمتنع بالطيران ، فالقول قول الأول ، وإن كان يجوز أن يمتنع بعد جراحة الأول ، فالقول قول الثاني مع يمينه ، لأن الأصل الامتناع فلا يزول بجراح الأول.

قال رحمه اللّه : إذا كان الصيد ممتنع بأمرين كالدراج والقبج ، يمتنع بجناحيه وعدوه ، فكسر الرامي جناحه ثمَّ كسر الأخر رجله ، قيل : هو لهما ، وقيل : هو للآخر ، لأن بفعله تحقق الإثبات ، والأخير أقوى.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قوى الاشتراك ، لأن سبب الملك الإثبات وقد حصل بفعلهما إذ فعل كل واحد لو (2) انفرد لم يكن مثبتا.

فكان الملك لهما ، وقوى المصنف أنه للأخير ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، وهو مختار الشهيد ، لأن الإثبات قد حصل بفعله.

قال رحمه اللّه : إذا أصابا صيدا دفعه وأثبتاه فهو لهما ، ولو كان أحدهما جارحا والآخر مثبتا فهو للمثبت ، ولا ضمان على الجارح ، لان جنايته لم تصادف ملكا لغيره ، ولو جهل المثبت منهما فالصيد بينهما ، ولو قيل : يستخرج بالقرعة كان حسنا.

أقول : أما وجه كونه لهما فلاتحاد نسبتهما اليه ولاستحالة ترجيح أحدهما

ص: 44


1- في النسخ : فلا فارق.
2- في الأصل : أو.

من غير مرجح ، وأما وجه القرعة فللعلم بأن أحدهما أثبته دون الآخر ، فالاشتراك يوجب تمليك من ليس بمالك وهو غير جائز ، فلما لم يتعين المثبت منهما وجب استخراجه بالقرعة ، لقوله عليه السلام : « كل أمر مشكل فيه القرعة » (1) ، أما لو حصل الاشتباه في الإثبات (2) هل هو بفعلهما أو بفعل أحدهما؟ فالاشتراك أقوى.

ص: 45


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 11 الى 18 ، والمستدرك كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 1.
2- في « م » : بالإثبات.

ص: 46

كتاب الأطعمة والأشربة

اشارة

ص: 47

ص: 48

في حيوان البحر

قال رحمه اللّه : أما ما ليس له فلس كالجري ، ففيه روايتان ، أشهرهما : التحريم ، وكذا الزمار والمارماهي والزهو ، لكن أشهر الروايتين هنا الكراهة.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في الجري - بكسر الجيم - والمشهور تحريمه ، لرواية سمرة بن سعيد ، « قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فخرجنا معه حتى انتهينا الى موضع السمك فجمعهم ، فقال : أتدرون لأي شي ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، قال : لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه » (1) ، ومثلها رواية ابن فضال (2) عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، وقال ابن البراج انه يكره ، لرواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليه السلام : « قال : سألته عن الجريث؟ فقال : ما الجريث؟ فنعته له ،

ص: 49


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 14.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 15.

فقال : ( لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) (1). الاية ، ثمَّ قال : لم يحرم اللّه شيئا من الحيوان في القرآن الا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي ء من البحر ليس له قشر كالورق ، وليس بحرام وانما هو مكروه » (2) ، ومثلها صحيحة محمد بن مسلم (3) ، والمعتمد التحريم.

الثانية : في الزمار والمارماهي والزهو ، وظاهر المصنف كراهية ذلك ، وهو مختار الشيخ في موضع من النهاية وبه قال ابن البراج ، لرواية زرارة المتقدمة ، وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع آخر من النهاية بالتحريم ، وهو مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن إدريس والعلامة في المختلف ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لرواية سمرة بن سعيد المتقدمة.

قال رحمه اللّه : ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى ، حلت إن كانت من جنس ما يحل ، وإلا فهي حرام ، ولهذا روايتان طريق إحداهما السكوني والأخرى مرسلة ، ومن المتأخرين من منع استنادا الى عدم اليقين بخروجها حية ، وربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة.

أقول : إذا شق جوف سمكه فوجد فيها أخرى ، قال الشيخ في النهاية : حلت إن كانت مما يحل أكلها ولم تنسلخ ، ولا تحل لو انسلخت ، وقال المفيد وعلي بن بابويه : حلت ان كانت ذات فلس ، ولا تحل إن لم يكن لها فلس ، ولم يشترطا عدم السلخ ، وجزم المصنف في المختصر بحلها إن كانت مما يؤكل ولم يشترط عدم السلخ وهو ظاهره هنا ، لما رواه السكوني في الموثق عن الصادق عليه السلام :

ص: 50


1- الأنعام : 145.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 19.
3- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 20.

« أن عليا عليه السلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة؟ قال : كلهما جميعا » (1) ، ومثلها رواية أبان عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، « قال : يؤكلان جميعا » (2) وفي طريق الاولى السكوني وهو ضعيف ، والثانية مرسلة ، وإليهما أشار المصنف ، ثمَّ مال الى ترجيح الرواية استصحابا لحال الحياة ، لأن الأصل بقاء الحياة إلى حين أخذها ، فيكون شرط التذكية موجودا ، لأصالة عدم موتها قبل الأخذ.

ومنع ابن إدريس من أخذها ما لم توجد حية ، لأن الشرط في إباحة ( السمك إخراجه ) (3) من الماء حيا (4) ، وهذا الشرط غير معلوم فلا يباح أكلها ، واختاره فخر الدين ، لأن المشروط بدون وجود الشرط محال والا لم يكن الشرط شرطا.

قال رحمه اللّه : ولو وجدت في جوف حية أكلت إن لم تكن تسلخت ، والا لم تحل ، ولو تسلخت لم تحل ، والوجه انها لا تحل إلا أن يقذفها والسمكة تضطرب ، ولو اعتبر مع ذلك أخذها حية لتحقق الذكاة ، كان حسنا.

أقول : إذا قذفت الحية سمكة ، قال الشيخ في النهاية : حلت ان لم تنسلخ ، ومنع ابن إدريس من ذلك الا أن تقذفها والسمكة تضطرب ، وظاهر المصنف اعتبار أخذها بالتذكية (5). (6) ، واختاره العلامة وهو مبني على أن ذكاة السمك هل هي إخراجه باليد أو بالآلة المتصلة باليد أو يكفي موته خارج الماء مع

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 36 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 36 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- في « م » و « ر 1 » : السمكة إخراجها.
4- في ( م ) و « ر 1 » : حية.
5- في النسخ : باليد حية.
6- هنا كلمة في الأصل غير مقروة.

الإدراك بالطرف وان لم يأخذه بيده ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

احتج الشيخ رحمه اللّه بما رواه أيوب بن أعين عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثمَّ طرحتها وهي حية تضطرب ، أيحل أكلها؟ فقال : إن كان فلوسها تسلخت فلا تأكلها ، وان لم تكن تسلخت فكلها » (2) ، وأجيب بالقول بموجب الرواية وليس فيها ( دلالة على مطلوب الشيخ ، لأنها مصرحة بأن الحية القت السمكة وهي ( تضطرب و) (3) لم يذكر فيها ) (4) إخراجها ميتة والمعتمد اختيار المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز ، قيل : حل الجميع واجتنابه أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه في باب الصيد والذبائح (5) ، واختيار المصنف هناك إباحة الجميع وهنا اختار المنع وهو المعتمد.

ص: 52


1- ص 27.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 15 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
3- ليست في « ر 1 ».
4- ليست في « م ».
5- تقدم.

في البهائم

قال رحمه اللّه : وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه ، أحدها : الجلال ، وهو أن يغتذي عذرة الإنسان لا غير ، فيحرم حتى يستبرئ ، وقيل : يكره ، والتحريم أظهر ، وفي الاستبراء خلاف والمشهور استبراء الناقة بأربعين يوما ، والبقرة بعشرين ، وقيل تستوي البقرة والناقة في الأربعين ، والأول أظهر ، والشاة بعشرة ، وقيل بسبعة ، والأول أظهر ، وكيفيته أن يربط ويعلف علفا طاهرا هذه المدة.

أقول : البحث هنا في أماكن :

الأول : في تحريم الجلال ، وبتحريمه قال جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لرواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله » (1) ، وقال ابن الجنيد بالكراهية لأصالة الإباحة.

الثاني : فيما به يحصل الجلل ، وهو بالاعتذاء بعذرة الإنسان محضا ، فلا يحرم

ص: 53


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

لو خلط على المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : الجلالة هي (1) التي تكون أكثر علفها العذرة ، وهو يدل على ( حصول الجلل مع الخلط وليس يعتمد الا على القول بالكراهية ، لأنها متحققة مع الخلط والمشهور عدم ) (2) حصول الجلل (3) بغير الاغتذاء بعذرة الإنسان ، خلافا لأبي صلاح (4).

إذا عرفت هذا فقد أطلق الأصحاب أن الجلال هو الذي يغتذي بعذرة (5) الإنسان محضا ، ولم يذكروا القدر الذي يصير به الحيوان جلالا وهل (6) هو أيام متعددة أو يوم واحد أو أكله واحدة ، والروايات (7) خالية عن هذا التقدير أيضا ، ونقل أبو العباس عن المصنف أنه قال : وحيث لا تقدير في ذلك فالذي يتغلب أن يخلو من العلف الطاهر ويصير ما يتناوله من العذرة ماليا لآلات الغذاء ، بحيث يتحقق استحالة القدر الذي ( يتناوله الى شبه ) (8) الأعضاء إذ لا يتحقق التمحيض في الغذاء الا على هذا الوجه.

الثالث : فيما يزول به حكم الجلل وهو الاستبراء ، ويختلف باختلاف الحيوان ونحن نذكر إن شاء اللّه كل قسم من الأقسام المذكورة في المتن على حدته.

الأول : الناقة ، واستبراؤها بأربعين يوما إجماعا.

ص: 54


1- من النسخ.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- في « م » بعد هذا : مع الخلط والمشهور عدم حصول الجلل.
4- كذا.
5- في الأصل ، عذره ، وما أثبتناه فمن النسخ.
6- من النسخ.
7- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة ، وباب 28 ، وباب 24.
8- ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : شربه.

الثاني : البقرة ، والمشهور استبراؤها بعشرين يوما قاله الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وقال الشيخ في المبسوط : تستبرئ بأربعين يوما ، وهو مذهب أبي الصلاح ، واختاره فخر الدين للاحتياط ، وقال ابن بابويه : تستبرئ بثلاثين.

الثالث : في الشاة،وقد اختلف الأصحاب في مقدار ما تستبرئ به على أربعة أقوال :

أ ) عشرة أيام ، قاله الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن زهرة واختاره المصنف والعلامة.

ب ) عشرون ، قاله محمد بن بابويه في المقنع واختاره فخر الدين.

ج ) أربعة عشر يوما حكاه ابن الجنيد رواية (1).

د ) سبعة أيام ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال أبو الصلاح.

واستدلال الجميع في هذه المسائل بالروايات (2) ، والمشهور استبراء البطة بخمسة أيام والدجاجة بثلاثة أيام ، وقيل بالعكس ، ويشترط في العلف الذي يستبرئ به الجلال أن يكون طاهرا بالأصل خاليا عن نجاسة عارضة.

ص: 55


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 - 2 - 3 - 5 وغيرها ، والمستدرك ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 - 3.

ص: 56

في الطير

قال رحمه لله : وفي الغراب روايتان ، وقيل : يحرم الأبقع والكبير الذي يسكن الجبال ، ويحل الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف وهو أصغر منه يميل إلى الغبرة ما هو.

أقول : المشهور عند علمائنا أن الغراب على أربعة أضرب :

الأول : الكبير الأسود الذي يسكن الجبال والخربات ويأكل الجيف.

الثاني : الأبقع وسماه ابن إدريس العقعق ، وعرفه بأنه طويل الذنب.

الثالث : الزاغ ، وهو غراب الزرع أسود صغير.

الرابع : الغراف ، وهو أصغر من الزاغ وأغبر اللون كالرماد.

وأضاف أبو العباس الى هذه الأربعة خامسا : وهو أنه جعل الأبقع على ضربين : أحدهما المذكور آنفا وهو المسمى بالعقعق طويل الذنب ، والآخر المسمى عند عامة أهل العراق بالبقيع وهو أكبر من العقعق ، والعقعق أشد منه بياضا وأطول منه ذنبا ، وهو الذي ذكره أبو العباس مشاهدة في العراق والبصرة كما وصفه لكن الظاهر أن مراد الأصحاب الأعم الشامل للعقعق والبقيع ، لصدق

ص: 57

الاسم عليهما ، وأن كان أحدهما أصغر من الأخر وأطول منه ذنبا.

إذا عرفت هذا فالمشهور مما ورد في الغربان روايتان : إحداهما تتضمن تحريم الجميع ، والأخرى تتضمن إباحة الجميع على كراهية ، والذي يتضمن تحريم الجميع رواية على بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، « قال : سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكله؟ قال : لا يحل شي ء من الغربان زاغ ولا غيره » (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط والخلاف وفخر الدين وأبوه في المختلف.

والرواية التي تتضمن إباحة الجميع على كراهية فهي رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنه قال : « إن أكل الغربان ليس بحرام إنما الحرام ما حرم اللّه في كتابه ولكن للنفس نفرة عن كثير من ذلك تعززا » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والاستبصار واختاره المصنف في المختصر ، لاعتضاد الرواية بأصالة الإباحة.

وذهب ابن إدريس إلى إباحة الزاغ وتحريم البواقي ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو مذهب العلامة في التحرير والإرشاد.

قال رحمه اللّه : وفي الخطاف روايتان (3) ، والتحريم أشبه.

أقول : الخطاف طائر أسود صغير في قدر العصفور يأتي العراق في آخر القر فيقيم فيه حتى يبيض ويفرخ ، فاذا استوت أولادها للطيران ذهبت جميعا في

ص: 58


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 3 وفي كتاب رسائل علي بن جعفر ص 174 الحديث 310.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 39 من أبواب الصيد ، حديث 1 - 2 - 5 - 6 وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 17 من الأطعمة المحرمة ، حديث 2 - 6.

أول سمائم الحر.

إذا عرفت هذا ففي تحريمها خلاف بين الأصحاب ، فالمفيد على الإباحة واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، ولصحيحة زرارة ، « قال : واللّه ما رأيت مثل أبي جعفر عليه السلام قط ، قال : سألته ، قلت : أصلحك اللّه ما يؤكل من الطير؟ قال : يؤكل كل ما دف ، ولا يؤكل كل ما صف » (1) ، ومثلها رواية سماعة بن مهران (2) ، عن الصادق عليه السلام ، والخطاف مما يدف.

وقال الشيخ في النهاية بالتحريم وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه الحسن بن داود البرقي ، « قال : بينما نحن قعود عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ مرّ رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام حتى أخذه من يده ثمَّ رمى به ثمَّ قال : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! فقد أخبرني أبي عن جدي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن قتل ستة : النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطاف » (3).

وأجيب بأن المنع من القتل لا يدل على تحريم الأكل.

ص: 59


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 39 من أبواب الصيد ، حديث 2 - 3 وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 17 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

ص: 60

في الجامدات

قال رحمه اللّه : وهل يعتبر فيها الجز؟ الوجه أنها إن جزت فهي طاهره ، وان انتسلت غسل موضع الاتصال ، وقيل لا يحل منها ما يقلع ، والأول أشبه.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، للحكم بطهارة شعر الميتة ووبرها ، وما اتصل بالميتة من الشعر والوبر فهو ميتة ، فيجب طهارته مع القلع ويصح استعماله بعد ذلك ، لكن يشترط خلوه من أجزاء الميتة.

وقال الشيخ : لا يجوز استعماله مع القلع ، ولعل وجهه أنه مع القلع لا ينفك عن شي ء من أجزاء الميتة ، لأن الغالب ذلك ، والمعتمد هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وفي اللبن روايتان ، إحداهما : الحل ، وهي أصحهما طريقا ، والأشبه التحريم ، لنجاسته بملاقاة الميت.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار والمفيد ومحمد بن بابويه وابن حمزة إلى إباحة اللبن المحلوب من الميتة ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الانفحة يخرج من الجدي الميت؟ قال : لا بأس

ص: 61

قلت اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت فقال لا بأس به » (1) ، وقال ابن إدريس : إنه حرام لما رواه وهب عن الصادق عليه السلام وعن الباقر عليه السلام : « أنه سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال : قال علي عليه السلام : ذلك الحرام محضا » (2) ، ولأنه ينجس بملاقاة الميتة ، واختاره المتأخرون وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلط الذكي بالميت وجب الامتناع منه حتى يعلم الذكي بعينه ، وهل يباع من مستحل الميتة؟ قيل : نعم ، وربما كان حسنا إن قصد بيع الذكي حسب.

أقول : إذا اختلط اللحم الذكي بالميت ولا طريق الى تمييزه ، فقد أجمع الأصحاب على تحريم الجميع وعلى عدم جواز بيعه على غير مستحل الميتة ، واختلفوا في جواز بيعه على مستحل الميتة ، قال الشيخ في النهاية بالجواز ، وتبعه ابن حمزة ، لما رواه الحلبي في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سمعته يقول إذا اختلط الذكي بالميت باعه ممن يستحل الميتة » (3) ، ومنع ابن إدريس من بيعه وأنكر العمل بهذه الرواية ، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه » ، ولقوله عليه السلام : « لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها » (4) ، فذمهم على بيع ما حرم اللّه أكله ، ولا شك في تحريم الميتة فيحرم بيعها.

واختار العلامة في المختلف مذهب الشيخ ، قال : لأنه في الحقيقة ليس بيعا بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا.

ص: 62


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 10.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 11.
3- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
4- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 6 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 8.

ويرد عليه أن مال الكافر محرما (1) إذا كان ذميا الا على الوجه الشرعي ، ولهذا يحرم أخذ الربا منه.

وحمل المصنف والعلامة في القواعد والتحرير والإرشاد صحة البيع على قصد المذكى دون الميتة ، ويرد عليهم جهالة المبيع حينئذ وعدم إمكان تسليمه مميزا.

قال رحمه اللّه : المحرمات من الذبيحة خمس : الطحال ، والقضيب ، والفرث ، والدم ، والأنثيان ، وفي المثانة والمرارة والمشيمة تردد ، أشبهه التحريم لما فيها من استخباث ، أما الفرج ، والنخاع ، والعلبا ، والغدد ، وذات الأشاجع ، وخرزة الدماغ ، والحدق ، فمن أصحابنا من حرمها ، والوجه الكراهية.

أقول : عد المصنف هنا خمسة عشر شيئا ، ثمَّ اختار تحريم ثمانية منها ، خمسة جزما وثلاثة على التردد ، والكراهة في الباقي ، وذهب ابن إدريس إلى تحريم الجميع واختاره العلامة في القواعد جزما والشهيد كذلك ، واستقر به أبو العباس في مهذبه ، لقوله تعالى ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) (2) ، وهذه أشياء مستخبثه فتدخل في عموم الآية ، ومذهب الشيخ في النهاية تحريم الجميع عدا المثانة (3) واقتصر المفيد على ذكر الطحال والقضيب والأنثيين ولم يتعرض لغير ذلك ، وكذا سلار ، والأحوط مذهب ابن إدريس.

تفسير : المثانة مجمع البول ومحقنه ، والمشيمة بيت الأولاد ، والنخاع بحركات النون الثلاث هو الخيط الأبيض الذي في وسط سلسلة الظهر الناظم لخرز السلسلة ، ويسمى الوتين لا قوام للحيوان بدونه ، والعلبا عصبان عريضتان

ص: 63


1- كذا.
2- الأعراف : 157.
3- في النسخ : الثمانية.

ممدودتان من الرقبة إلى أصل الذنب ، وذات الأشاجع هي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف ، والحدق المراد به حبة الحدقة وخرزة الدماغ ، قال ابن إدريس : تكون في وسط الدماغ ، والدماغ المخ ، يخالف لونها لون المخ ، هي بقدر الحمصة تميل (1) إلى الغبرة ما يكون (2) ، وتابعه العلامة في التحرير على هذا التفسير وكذلك المقداد في شرح المختصر ، وقال أبو العباس في مهذبه : المراد بها المخ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة ، وابن إدريس فسر الدماغ بالمخ والخرزة في وسطه بقدر الحمصة ، وأبو العباس فسر الخرزة بالمخ في وسط الدماغ شبه الدودة ولم يفسر الدماغ ، ويلزم من تفسير الخرزة أن الدماغ غير المخ ، فعلى تفسير ابن إدريس يكون الى (3) المخ مباحا ، والمحرم الخرزة التي في وسطه ، وعلى تفسير أبي العباس يكون المخ حراما والدماغ غيره.

وهذه الأشياء محرمة من كل شي ء يذبح سواء كان كبيرا كالجزور أو صغيرا كالعصفور.

قال رحمه اللّه : أو وقعت فيه نجاسة وهو مائع كالبول ، أو باشره الكفار وإن كانوا أهل الذمة على الأصح.

أقول : اختلف الأصحاب في نجاسة ما يباشره الذمي من المائعات ، قال الشيخ في النهاية بعدم نجاسته ، لما رواه في الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ فقال : إذا توضأ فلا بأس » (4) ، والمراد بالتوضي غسل اليد ، وحملها العلامة في القواعد

ص: 64


1- ليست في النسخ.
2- كذا.
3- ليست في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 53 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

على تعدد الأواني ، وفي المختلف على ما لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة ، وحكم بنجاسة ما يلاقيه من المائعات ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأنهم أنجاس فينفعل ما يباشرونه برطوبة.

قال رحمه اللّه : الرابع الطين ، ولا يحل منه الا تربة الحسين عليه السلام ، فإنه يجوز للاستشفاء ، ولا يتجاوز قدر الحمصة ، وفي الأرمني رواية بالجواز (1) وهي حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها.

أقول : المشهور بين الأصحاب جواز استعمال الطين الأرمني إذا دعت الضرورة اليه ، وقيل :إنه من طين قبر الإسكندر رحمه اللّه (2) ويحصل الفرق بينه وبين تربة الحسين عليه السلام بأمور :

الأول : التربة يجوز تناولها للاستشفاء وإن لم يصفها الطبيب بل ولو حذر منها ، والأرمني لا يجوز تناوله إلا إذا كان موصوفا.

الثاني : التربة لا يجوز أن يتناول منها أكثر من الحمصة ، والأرمني لا يتقدر بقدر بل هو راجع الى تقدير الطبيب وإن زاد على قدر الحمصة.

الثالث : ان التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة ، والأرمني ليس بمحترم.

والمحترم من التربة الذي لا يجوز تقريب النجاسة منه هو ما أخذ من الضريح أو من خارج ووضع على الضريح المقدس ، أما ما أخذ من خارج ولم يوضع على الضريح فإنه لم يثبت له الحرمة ، الا أن يأخذه بالدعاء المرسوم ويختم عليه فيثبت له الحرمة حينئذ.

قال رحمه اللّه : ولو قطر قليل من دم كالأوقية فما دون في قدر وهي تغلي

ص: 65


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 60 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- كذا.

على النار ، قيل : حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان ، ومن الأصحاب من منع الرواية ، وهو حسن.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

الأول : طهارة المرق إذا كان الدم قليلا كالأوقية فما دون ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، لما رواه سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم ، أيؤكل؟ قال : نعم ، ثمَّ قال النار تأكل الدم » (1).

الثاني : إطلاق القول بطهارته إذا ذهب الدم بالغليان وان كان كثيرا ، وهو مذهب المفيد وسلار ، لعموم رواية زكريا بن آدم ، عن الرضا عليه السلام ، « قال : سألته عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير؟ قال : يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلاب ، واللحم اغسله وكله. قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال : الدم تأكله النار إن شاء اللّه تعالى » (2).

الثالث : نجاسة المرق سواء قل الدم أو كثر ، وهو مذهب ابن إدريس واستحسنه المصنف واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه ماء قليل أو مضاف لاقته نجاسة فينجس.

قال رحمه اللّه : ولو كان المائع دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز تحت الأظلة ، وهل ذلك لنجاسة دخانه؟ الأقرب ، لا ، بل هو تعبد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في عدم جواز الاستصباح به تحت الأظلة ، وهو مذهب الشيخين

ص: 66


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 44 من أبواب الشربة المحرمة ، حديث 1. مع اختلاف يسير.

وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وهو مذهب ابن إدريس ، وقال الشيخ في المبسوط : إنه مكروه ، واختاره فخر الدين ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن دخانه ليس بنجس ، ولأن رواية معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام ، وصحيحة زرارة (2) (3) مطلقتان من غير قيد بالسماء ، لكن الأول هو المشهور في فتاوي الأصحاب.

الثاني : هل عدم جواز الاستصباح به تحت الأظلة لنجاسة دخانه أو تعبد شرعي؟ نقل في المبسوط عن قوم أن كلما نقطع بنجاسته فدخانه نجس ، قال : وهو الذي دل عليه الخبر الذي قدمناه من رواية الأصحاب ، والذي قدمه جواز الاستصباح به تحت السماء دون السقف ، ثمَّ قال : وقال آخرون : - وهو الأقوى - ليس بنجس. وقال ابن إدريس : ويجوز الاستصباح به تحت السماء لا تحت الأظلة لا لأن دخانه نجس بل تعبد ، لأن دخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران عندنا بغير خلاف بيننا ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن النار تطهر ما أحالته رمادا أو دخانا.

قال رحمه اللّه : والكفار أنجاس ، ينجس المائع بمباشرتهم ، سواء كانوا أهل حرب ، أو أهل ذمة على أشهر الروايتين (4).

أقول : تقدم البحث في ذلك (5).

قال رحمه اللّه : ولو عجن بالماء النجس عجين لم يطهر بالنار إذا خبز على الأشهر.

ص: 67


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
3- في النسخ : ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام.
4- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 52 و 53 من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- ص 64.

أقول : قال الشيخ في باب المياه من النهاية بطهارته ، وقال في باب الأطعمة منها بعدمه ، وهو المعتمد ، لأن النار إنما تطهر ما أحالته رمادا أو دخانا.

قال رحمه اللّه : [ الرابع : ] الأعيان النجسة ، كالبول مما لا يؤكل لحمه ، نجسا كان الحيوان كالكلب والخنزير ، أو طاهرا كالأسد والنمر ، وهل يحرم ما يؤكل؟ قيل : نعم ، إلا بول الإبل ، فإنه يجوز للاستشفاء ، وقيل : يحل الجميع لمكان طهارته ، والأشبه التحريم لاستخباثها.

أقول : اختلف قولا المصنف في هذه المسألة ، اختار هنا تحريم الأبوال كلها لاستخباثها ، واختار (1) في المختصر وفي باب البيع من هذا الكتاب المشروح الإباحة ، لأنها أعيان طاهرة فيكون الأبوال كلها مباحة ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس ، فعلى هذا يجوز شرب الأبوال كلها لضرورة وغيره ضرورة.

والتحريم مذهب ابن حمزة واختاره العلامة والمصنف وأبو العباس في مقتصره فعلى هذا لو احتيج إليها للاستشفاء جاز (2) شربها.

ص: 68


1- في الأصل : واختاره ، وفي « ن » ليست هذه الكلمة موجودة.
2- ليست في النسخ.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا وجد لحما ولا يدرى أذكي هو أو ميت؟ قيل : يطرح في النار ، فان انقبض فهو ذكي ، وإن انبسط فهو ميت.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر جزما ، والمستند رواية شعيب (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « عن رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لا يدرى أذكي هو أو ميت؟ قال : يطرحه في النار فما انقبض فهو ذكي ، وما انبسط فهو ميت » (2) ، ومنع العلامة في القواعد من هذا القول ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة التحريم في الصيد واللحم ما لم يعلم تذكيته ، ولو وجد عليه آثار التذكية كتقطيع القصاب وهو في بلاد الإسلام ، فهو حلال كالجلد إذا وجد في بلاد الإسلام وعليه آثار التذكية كالدباغة.

ص: 69


1- في النسخ : شبيب. والمصدر.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره إلا بإذنه ، وقد رخص مع عدم الاذن في التناول من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه الكراهية ، ولا يحمل منه ، وكذا ما يمر به الإنسان من النخل ، وكذا الزرع والشجر على تردد.

أقول : الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، لقوله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (1) ، وقوله عليه السلام : « المسلم أخو المسلم لا يحل ماله الا عن طيب نفس منه » (2) ، واخرج النص من هذا الأصل وجوها :

الأول : ثبوت من تضمنته الآية ، وهي قوله تعالى ( وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) (3) إلى آخر الآية ، واشترط الأصحاب عدم علم الكراهية فلو تيقن الكراهية لم يحل الأكل ، ولو لم يعلم هل يكره أم لا؟ جاز الأكل لأصالة عدم الكراهية ، لأنه ألا يشترط علم عدم الكراهية بل يشترط عدم علم الكراهية والا لم يحصل الفرق (4) بين ثبوت من تضمنته الآية وبين غيرها ، لأنه مع علم عدم الكراهية يجوز الأكل من جميع البيوت ، لأن علم عدم الكراهية يقوم مقام الاذن الصريح في جواز الأكل من جميع البيوت ، ويكفي في ذلك غلبة الظن.

ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنه لا يأكل إلا ما يخشى عليه التلف ،

ص: 70


1- البقرة : 188.
2- المضمون موجود في الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 1 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 3 ، والمستدرك ، كتاب القصاص ، باب 1 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 6 - 23.
3- النور : 61.
4- ليست في الأصل.

واشترط في جواز (1) الأكل من غير إذن الاذن في الدخول ، والمشهور عدم اشتراط الاذن في الدخول ، بل يكفي البناء على حسن الظن ، لأن الروايات (2) الدالة على جواز الأكل مطلقة غير مقيدة بالإذن في الدخول ، وكذلك الآية ، والمشهور أيضا عدم تقييد الأكل بما يخشى تلفه بل هو عام يتناول كل مأكول.

الثاني : الأموال المشتركة كالمباطخ والأشجار والنخل فان لكل واحد من الشريكين الأكل بدون شريكه بشرط عدم علم الكراهية لقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (3).

الثالث : جواز الشرب والغسل والوضوء من المياه المملوكة ، كمياه الدوالي والدواليب وما شابه ذلك لشاهد الحال ، ولو علم الكراهية حرم.

الرابع : ما يمر به الإنسان من النخل والشجر والزرع ، وقد سبق البحث فيه في باب التجارة (4).

قال رحمه اللّه : ولو ألقي في الخمر خل حتى يستهلكه لم يحل ولم يطهر ، وكذا لو ألقي في الخل خمر فاستهلكه الخل ، وقيل : يحل إذا ترك حتى يصير الخمر خلا ، ولا وجه له.

أقول : تصوير المسألة أن نفرض إناءان في أحدهما خمر وفي الآخر خل ، فوقع من إناء الخمر في إناء الخل قطرة فما زاد فنجس الخل لملاقاته النجاسة ، فلو فرضنا صيرورة الخمر الذي وقع منه في إناء الخل خلا ، فإنه يحل قطعا للإجماع على حله بانقلابه.

وهل يطهر الخل الذي فيه الخمر ويحل؟ فيه ثلاثة أقوال :

ص: 71


1- في « ر 1 » : في عدم جواز الأكل.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 24 من أبواب آداب المائدة.
3- النساء : 29.
4- من كتاب الشرائع 2 : 55 ( في لواحق بيع الثمار ) ولم يعلق الشارح على المسألة هناك.

الأول : الطهارة وحله ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب ، واستقربه العلامة في المختلف ، لأن انقلاب الخمر الواقع منه يدل على انقلاب الخمر الواقع في الخل (1) فتزول نجاسة الخل ، لأن نجاسة الخل تابعة لنجاسة الخمر فاذا انقلب الى الخل طهر فيطهر الخل.

الثاني : حل الخل إذا مضت عليه مدة ينقلب (2) في مثلها العين من التحليل الى التحريم ومن التحريم الى التحليل ، سواء انقلب الأصل أو لا ، وهو قول ابن الجنيد.

الثالث : بقاء الخل على النجاسة والتحريم ، لأصالة بقاء النجاسة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

فروع : الأول : يطهر الخمر بانقلابه خلا إجماعا بشرط نجاستها بسبب التخمير ، فلو لاقاه نجاسة من خارج قبل انقلابه كمباشرة الكافر له أو غير ذلك لم يطهر بالانقلاب ، وإذا حكم بطهارته حكم بطهارة إنائه ، سواء كانت تامة أو ناقصة ، وسواء كان النقص ( بعد الامتلاء أو لا ، وسواء كان النقص ) (3) بسبب الأخذ منه أو بسبب شرب الإناء له أو غير ذلك من الأسباب.

الثاني : لا يكره استعمال هذا الخل إذا انقلب من نفسه ، ويكره لو كان بعلاج ، وتطهر الأجسام الواقعة فيه للعلاج أو لغيره ، وان حكمنا بنجاستها قبل الانقلاب ، كما يطهر الإناء بعد الحكم بنجاسته ، لأن النجاسة لمكان الخمرة (4) وقد زالت.

الثالث : العصير إذا غلى حرم ، ومعنى الغليان : أن يصير أسفله أعلاه ، ولا

ص: 72


1- من النسخ وليس في الأصل.
2- في النسخ : ينتقل.
3- ما بين القوسين ليس في « م ».
4- في « م » و « ر 1 » : الخمرية.

فرق بين أن يكونه ذلك من نفسه أو بسبب تسخينه بالنار أو الشمس ، ولا يشترط ان يقذف بالزبد ، ولا صيرورته مسكرا فيحرم حينئذ العنب والرطب دون التمر والزبيب ، الا أن يصير مسكرا فيحرم حينئذ ، ويطهر بانقلابه خلا أو بذهاب ثلثيه ، ولا يشترط كون الذهاب بالغليان بل لو ذهب الثلثان بالشمس أو بالهواء حل ، وإذا حكم بطهارته حكم بطهارة القدر والمسواطة (1) ، ويطهرا على القدر الذي قذف اليه الزبد بالغليان.

قال رحمه اللّه : أواني الخمر من الخشب والقرع والخزف غير المغضور ، لا يجوز استعماله لاستبعاد تخليصه ، والأقرب الجواز بعد زوال عين النجاسة وغسلها ثلاثا.

أقول : عدم جواز الاستعمال مذهب الشيخ في النهاية ، وقوى في المبسوط جواز الاستعمال واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويكره الإسلاف في العصير ، وأن يستأمن على طبخه من يستحل شربه قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلما ، وقيل : لا يجوز مطلقا ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الإسلاف في العصير ، قال الشيخ في النهاية : إنه مكروه ، لأنه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه وقد تغير الى حال الخمر ، بل ينبغي أن يتبعه يدا بيد. وان كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا ، وقال ابن إدريس ما ذكره شيخنا فيه نظر ، لأن السلف لا يكون إلا في الذمة ولا يكون في العين ، فاذا كان في الذمة فسواء تغير ما عنده الى حال الخمر أو لم يتغير فإنه يلزمه تسليم ما في ذمته اليه من أي موضع

ص: 73


1- في « م » : السواطة.

كان ، فلا أرى لكراهيته وجها ، وانما هذا لفظ خبر واحد (1) أورده إيرادا ، وأجاب العلامة في المختلف بحمل كلام الشيخ على بيع عين مشخصة ، ويسلمها إليه في وقت معين ، وأطلق عليه اسم السلف مجازا.

الثانية : اختلف الأصحاب في جواز أن يؤتمن على طبخه من يستحل شربه قبل ذهاب ثلثيه ، قال الشيخ : لا يجوز ، لأنه لا يقبل شهادته في ذهاب ثلثيه ولا غيرها ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، لرواية معاوية بن عمار (2) ، عن الصادق عليه السلام ، واختار المصنف الجواز وهو اختيار العلامة في الإرشاد على كراهية.

ص: 74


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 59 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 4.

النظر في حال الاضطرار

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يرخص للباغي ، وهو الخارج على الامام ، وقيل : الذي يبغي الميتة ، ولا العادي ، وهو قاطع الطريق ، وقيل : الذي يعد وشبعه.

أقول : إذا اضطر الباغي أو العادي إلى أكل الميتة لم يجز له إجماعا ، لقوله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) (1) ، واختلفوا في تعريفهما ، والمشهور أن الباغي هو الخارج على الامام العادل ، والعادي هو قاطع الطريق.

ونقل المصنف والعلامة في القواعد والتحرير قولا بأن الباغي هو الذي يبغي الميتة ، والعادي هو الذي يعدو ويتبعه ، وقوى فخر الدين عدم الإباحة لهما معا واختاره الشهيد وهو المعتمد ، لأن باغي الميتة (2) والعادي من اتبعه لا ضرورة له الى ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو اضطر الى طعام الغير ، وليس له الثمن وجب على صاحبه بذله ، لأن في الامتناع اعانة على قتل المسلم ، وهل له المطالبة بالثمن؟

ص: 75


1- البقرة : 173.
2- من النسخ وما في الأصل غير واضح.

قيل : لا ، لان بذله واجب فلا يلزم العوض ، وإن كان الثمن موجودا وطلب ثمن مثله وجب دفع الثمن ، ولا يجب على صاحب الطعام بذله ، لو امتنع من بذل العوض ، لأن الضرورة المبيحة لاقتساره مجانا زالت بالتمكن من البذل ، وإن طلب زيادة عن الثمن ، قال الشيخ : لا يجب الزيادة ، ولو قيل : تجب كان حسنا ، لارتفاع الضرورة بالتمكن.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير بمعنى أنه إن لم يستعمله تلف ولم يكن المالك مضطرا اليه ، هل يجب على المالك بذله أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط : يجب ، وقد ذكر المصنف الوجه في ذلك ، وهو عدم جواز الإعانة على قتل المسلم ، وفي الامتناع من بذل الطعام إعانة على ذلك ، وهو غير جائز فوجب البذل ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، وقال الشيخ في الخلاف : لا يجب البذل ، لأصالة براءة الذمة واختاره ابن إدريس.

الثانية : على المختار من وجوب البذل ، هل يجب على المضطر العوض إذا لم يكن (1) يقدر عليه في الحال ، بمعنى أنه يصير متعلقا في ذمته يجب عليه دفعه عند القدرة عليه؟ نقل المصنف والعلامة قولا بعدم وجوب العوض لوجوب (2) البذل ولا عوض على الواجب ، واختار فخر الدين الوجوب لعصمة مال الغير ، ولما فيه من الجمع بين الحقين وهو المعتمد.

الثالثة : أن يكون الثمن موجودا عند المضطر وطلب صاحب الطعام أزيد من ثمن المثل فحينئذ لا خلاف في وجوب دفع ثمن المثل ، وإنما الخلاف في دفع الزيادة ، لارتفاع الضرورة بالتمكن من دفع الزيادة ، واختاره العلامة وابنه وهو

ص: 76


1- ليست في النسخ.
2- في الأصل : لوجوب.

المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وجد ميتة وطعام الغير فان بذل له الغير طعامه بغير عوض أو بعوض هو قادر عليه ، لم يحل الميتة ، ولو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا ولم يبذل وقوي صاحبه عن دفعه عن طعامه ، أكل الميتة فإن كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمنع ، أكل الطعام وضمنه ولم تحل الميتة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انتفاء الضرورة المبيحة لأكل الميتة ، لوجود طعام حلال بأن يقومه على نفسه ويأكله ثمَّ يؤدي قيمته عند القدرة عليها ، وانما يباح الميتة مع عدم وجود طعام غيرها ، وهو هنا موجود فلا يباح الميتة ، ومن عموم النهي (1) عن التصرف بمال الغير من غير إذنه ، خرج منه جواز التصرف لدفع الضرورة التي لا تندفع الا بتناوله ، للإجماع على ذلك ، ولوجوب حفظ النفس ، والضرورة هنا مندفعة بتناول الميتة ، فلا يحصل الشرط المبيح لتناول مال الغير قهرا ، وهو قوى.

قال رحمه اللّه : ولو لم يجد المضطر ما يلزم رمقه سوى نفسه ، قيل : يأكل من المواضع اللحمة كالفخذين ، وليس شيئا إذ فيه دفع الضرر بالضرر.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : فان لم يجد المضطر شيئا حلالا (2) بحال ، قال قوم : له أن يقطع من بدنه من المواضع اللحمة كالفخذ ونحوها ، لأنه لا يمنع من إتلاف البعض ، لاستبقاء الكل كما لو كان به أكله أو خبيثة فقطعها ، قال : والصحيح عندنا أنه لا يفعل ذلك ، لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه ، وفي القطع منه خوف على نفسه فلا يزال الخوف بالخوف ، ويفارق الخبيثة ، لأن في قطعها قطع سراية ، وليس كذلك قطع موضع من بدنه ، لأن في قطعه إحداث سراية ، وتابعه

ص: 77


1- تقدمت الإشارة إليه من الكتاب والسنة.
2- ليست هذه الكلمة في « ر 1 » و « ن ».

ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، وقوى فخر الدين الجواز ، لأن مع ترك الأكل يحصل الجزم بموته ، وعند قطع شي ء من لحمه يظن السلامة فكان أولى.

قال رحمه اللّه : ولو اضطر الى خمر وبول تناول البول ، ولو لم يجد إلا الخمر ، قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز دفع الضرورة بها ، وقال في النهاية : يجوز ، وهو الأشبه.

أقول : ذهب ابن البراج والمصنف والعلامة إلى اختيار مذهب النهاية ، لأن إباحة الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير للمضطر مستلزم إباحة كل ما حرم تناوله ، لأن تحريمها أفحش فإباحته يستلزم إباحة الأدون ، واستدل الشيخ على مذهبه في المبسوط بما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام « قال : سألته عن دواء عجن بالخمر؟ فقال : واللّه ما أحب النظر اليه فكيف أتداوى به وهو بمنزلة شحم الخنزير » (1) ، ونحوها رواية عمر بن أذينة (2) ، عن الصادق عليه السلام ورواية معاوية بن عمار (3) ، عنه عليه السلام أيضا.

ص: 78


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 1.
3- التهذيب ، كتاب الصيد والذبائح ، باب الذبائح والأطعمة ، حديث 226 (491) وقريب منها عن علي بن جعفر ، الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 15.

كتاب الغصب

اشارة

ص: 79

ص: 80

في السبب

قال رحمه اللّه : فالغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

أقول : اختلف الأصحاب في تعريف الغصب على معنيين :

أحدهما : أنه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ، وهو المشهور بين الأصحاب.

والآخر : أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وبهذا عرفه العلامة في التحرير ، وهو أعم من الأول ، فعلى هذا لو كان لإنسان عند صانع أو غسال ثوب فرد عليه غيره غلطا ، ثمَّ علم به بعد قبضه والاستيلاء عليه كان غاصبا ، لحصول الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وعلى الأول لا يكون غاصبا ، لأنه غير ظالم ولا متعد بقبضه ، وكذا لو خرج من جامع فوجد نعالا مختلطة فصار يرفع نعلا ويضع نعلا ليعرف نعله ، فهو غاصب على التعريف الثاني وليس غاصبا على التعريف الأول ، لأنه إنما فعل ذلك ليميز نعله من نعل غيره ، وهو لا يتم الا بما فعله ، ولو كان غاصبا بذلك لزم الحرج ، والتعريف الأول هو المعتمد والا لزم الحرج.

ص: 81

قال رحمه اللّه : فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الأصل ، وقال الشيخ : يضمن النصف ، وفيه تردد ، منشؤه عدم الاستقلال من دون المالك.

أقول : إذا سكن الدار قهرا مع مالكها ، هل يكون غاصبا بمعنى ضمان (1) نصف الدار لو تلفت عليه (2)؟ قال الشيخ نعم ، واختاره العلامة ، لتحقق معنى الغصب وهو إثبات اليد على مال الغير عدوانا ، لان مرادهم بإثبات اليد على مال الغير عدوانا هو إثبات القدرة على الانتفاع بمال الغير ظلما بغير وجه شرعي ، مع رفع قدرة المالك عن (3) الانتفاع بماله ، وليس المراد إثبات الجارحة ، واستشكل المصنف تحقق الغصب هنا ، لعدم استقلال الغاصب ، لأنهم عرفوا الغصب بأنه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ، والمراد بالاستقلال الانفراد ، وهذا لم ينفرد بإثبات يده لمشاركة المالك له بالتصرف والمعتمد اختيار الشيخ والعلامة.

إذا عرفت هذا فاذا تلفت الدار ضمن الغاصب النصف سواء سكن النصف أو أكثر أو أقل ، لأن المتصرف بالدار اثنان ، فيحال الضمان عليها (4) كالجنايات ، أما الأجرة فلا يضمن منها إلا قدر ما ينتفع به من السكنى ، وهذا البحث على تقدير تصرف كل واحد من المالك والغاصب في جميع الدار أما لو فرضنا استقلال الغاصب بيت من الدار مثلا ، ولم يشارك المالك في باقي الدار بل المتصرف فيه المالك وحده ، لم يضمن غير البيت الذي هو مستقل فيه خاصة ، ويضمن نصف المجاز الى البيت لمشاركة المالك له فيه ، ولو شارك المالك في باقي الدار ضمن البيت ونصف باقي الدار.

ص: 82


1- في « م » : ضامنا.
2- ليست هذه الكلمة في النسخ.
3- في « م » : على.
4- كذا.

قال رحمه اللّه : والحر لا يضمن بالغصب ولو كان صغيرا ، ولو أصابه حرق أو غرق أو موت في يد الغاصب من غير تسبيبه لم يضمنه ، وقال في كتاب الجراح : يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا وتلف بسبب ، كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط.

أقول : الحر لا يضمن تحت اليد ، لأنه ليس مالا ولا يتحقق غصبه فلا يضمن بالغصب ، لأن المضمون بإثبات اليد إنما هو الأموال ، أما الحر فلا وإنما يضمن بالجناية عليه.

فلو غصب حرا صغيرا وتلف قال المصنف : لا يضمنه الغاصب ، سواء كان التلف بسبب أو بغير سبب ، كما لو مات حتف أنفه ، وقال الشيخ في كتاب الجراح من المبسوط : يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا وتلف بسبب كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط ، واختاره العلامة ، لأنه فعل سبب الإتلاف إذا الصغير لا يمكنه الاحتراز فهو كحافر البئر ، ولأنه أتم احتياطا في حفظ الدماء وعصمة النفوس ، وقال في كتاب الغصب منه وفي الخلاف : لا يضمنه ، لأن الحر لا يضمن باليد بلا سبب وليس بمباشر والضمان معلل بهما ، وانتفاء العلة يوجب انتفاء معلولها ، فوجب القول بانتفاء الضمان ، ولأصالة البراءة ، ثمَّ قال : ولو قلنا بالضمان كان قويا والمصنف اختار عدم الضمان من غير فرق بين الموت بالسبب والموت بغيره ، وأكثر الأصحاب على الفرق.

قال رحمه اللّه : ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به ، لان منافعه في قبضته ، ولو استاجره لعمل واعتقله ولم يستعمله فيه تردد ، والأقرب أن الأجرة لا تستقر لما قلناه.

أقول : منشأ التردد من أن المؤجر قد ملك الأجرة بنفس العقد ، وقد مضى زمان يمكنه العمل فيه وهو باذل للمنفعة لكنه ممنوع بسبب المستأجر فتستقر

ص: 83

الأجرة عليه ، ومن أن منافع الحر لا تضمن بالفوات بل بالتفويت ، وهو لم يحصل فلا تستقر الأجرة ، وهو مذهب المصنف واختاره فخر الدين ، وهو مذهب أبيه في التحرير وهذا البحث ما إذا كان العمل في الذمة ، كما إذا وقع العقد على العمل ثمَّ حبسه مدة يمكنه فيها العمل.

اما لو كان العقد مقيدا بالزمان كما لو استأجره مدة معلومة ثمَّ حبسه تلك المدة ، فإنه تستقر الأجرة عليه قطعا ، لأنه قد استحق منافعه تلك المدة وقد فوتها على نفسه ، فتستقر (1) الأجرة عليه.

قال رحمه اللّه : ويضمن الخمر بالقيمة عند المستحل ، ولو كان المتلف ذميا ، وفي هذا تردد.

أقول : إذا أتلف الإنسان على الذمي خمرا وهو مشتريها ضمنها بالقيمة ، سواء كان المتلف مسلما أو ذميا ، لأنه مال مملوك للذمي معصوم فوجب ضمانها ، فان كان المتلف مسلما وجب عليه القيمة عند مستحله قطعا ، وإن كان المتلف ذميا ، هل يضمن بالمثل أو القيمة؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشأ التردد من أنه مال مملوك لكل منهما ، وهو من ذوات الأمثال فيضمن بمثله ، وهو مذهب ابن البراج ، ومن أنها محرمة في شريعة الإسلام فإذا تحاكموا إلينا لم نوجب المثل ، لكونه غير مملوك عندنا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وهو ظاهر المصنف والعلامة واختاره فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا ، ففي الضمان تردد ، وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق التلف ، وكذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد.

أقول : منشأ التردد في هذه المسائل الثلاث من عدم استقلال اليد على الولد

ص: 84


1- في « ن » : فلا تستقر.

والماشية فلا يتحقق الغصب فينتفي الضمان ، ولأن الأصل براءة الذمة ما لم يتحقق الشاغل لها ، ومن أنه سبب في إتلاف الولد والماشية إذ لولاه لم يتحقق التلف وإن كان لعلة (1) اخرى ، وتردد العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، ولم يرجح شيئا كالمصنف ، وظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ترجيح أصالة البراءة ، وفي الدروس اختار ضمان الولد إذا تبع أمه ولم يتعرض لموته جوعا ولا لحبس مالك الماشية عن حراستها بإثبات ولا نفى ، وظاهر الإهمال النفي ، ولم يفرق غيره بين الثلاث المسائل.

ولعل وجه الفرق كون السبب في اتباع الولد لأمه أقوى ، لميل الولد إلى متابعة أمه بالطبع بحيث لا يمكن الاستغناء عنها بغيرها ، بمعنى أنه لا يميل بالطبع الى غيرها كميله إليها بخلاف موته جوعا ، فإنه يمكن الاعتياض بلبن غيرها عنها ، وبخلاف حبس مالك الماشية عن حراستها ، فإنه تصرف في مالك الماشية ولم يتصرف فيها فأشبه المنع من إمساك الدابة المرسلة ، وقد أفتى جميع الأصحاب بعدم الضمان إذا منع المالك من إمساك دابته المرسلة ، فتلفت ، وترددوا في الضمان إذا حبسه عن حراسة دابته فتلفت ، وفي الفرق نظر.

قال رحمه اللّه : أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح أو ذاب بالشمس ، ففي الضمان تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن ، لان الريح والشمس كالمباشر ، ويبطل حكم السبب.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن أن الريح والشمس لا أثر لهما في إخراج السمن من الظرف وانما أثرا في انقلابه وإذابته ، وانما خرج السمن بسبب فتح رأس الظرف الصادر عنه فكان ضامنا له ، لضعف المباشر ، إذ لو انقلب الظرف أو ذاب ورأسه مشدود لم يؤثر الانقلاب والإذابة شيئا ، فكان السبب أقوى وهو

ص: 85


1- في النسخ : بعلة.

ص: 86

في الحكم

قال رحمه اللّه : ولو حدث في المغصوب عيب ، مثل تسويس التمر أو تحريق الثوب رده مع الأرش ، ولو كان العيب غير مستقر كعفن الحنطة ، قال الشيخ : يضمن قيمة المغصوب ، ولو قيل : يرد العين مع أرش العيب الحاصل ، ثمَّ كلما زاد دفع أرش الزيادة كان حسنا.

أقول : إذا غصب طعاما فعفن عنده بطول المكث أو بصب الماء عليه ولم يستقر نقصه ، قال الشيخ : فهو كالمستهلك يضمن ، واستحسن المصنف رد العين مع ضمان أرش العيب الحاصل ثمَّ كلما زاد دفع أرش الزيادة ، واختاره العلامة وابنه ، لبقاء العين المغصوبة فيجب ردها ورد نقصها الحاصل والمتجدد ، لأنه السبب في ذلك ، واستشكل العلامة رد المتجدد لحصول البراءة بدفع العين والأرش الحاصل.

والمعتمد ضمانه ، لأن وجود السبب كوجود المسبب. هذا إذا لم يمكن إصلاحه ولا التصرف فيه ، فلو أمكنا وأهمل فالأقرب انتفاء الضمان ، لاستناده الى تفريط المالك.

ص: 87

فرع : إذا غصب سمنا ودقيقا ودبسا واتخذ منه حلوى كان فيه الوجهان أيضا ، لأنه كالمستهلك عند من لا يريده فيضمن القيمة ، والمعتمد رده مع أرش النقص ، فحينئذ إن كانت قيمته لا تنقص بالاختلاط عن قيمته حال الانفراد ، أخذه المالك ولا شي ء للغاصب ولا عليه ، وان زادت بالاختلاط عن الانفراد أخذه المغصوب منه ولا شي ء للغاصب ، لأنه ليس له عين مال فيكون شريكا بها ، وانما حصل منه عمل في مال الغير بغير إذنه فلا يستحق بسببه شيئا ، وان نقصت قيمته بالاختلاط عن قيمته حال الانفراد رده مع أرش النقص ، لأنه السبب في ذلك.

قال رحمه اللّه : وإن لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم غصبه ، وهو اختيار الأكثر ، وقال في المبسوط والخلاف : يضمن أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو حسن ، ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك على تردد.

أقول : يجب رد المغصوب مع بقاء عينه وان تعسر وأدى (1) الى إتلاف (2) مال الغاصب ، وكان قيمته أضعاف قيمة المغصوب ، كاللوح في السفينة وهي في اللجة وأدى نزعه الى غرقها وغرق ما فيها للغاصب ، اما لو كانت هي أو ما فيها لغير الغاصب أو كان ما (3) فيها له وادي نزع اللوح الى غرقه أو غرق حيوان له حرمة ، فإنه يؤخر النزع الى حيث يصل الساحل ، وللمغصوب منه المطالبة بالقيمة حتى يقبض العين ، ويرد القيمة التي قبضها ، ومع رد العين لا (4) يلتفت الى القيمة ، سواء زادت أو نقصت إذا كانت العين على صفتها ، فان تلفت العين أو تعذر ردها بان غصبها ظالم ، وجب على الغاصب رد

ص: 88


1- في النسخ : أو أدى.
2- في النسخ : تلف.
3- في النسخ : أو كانت وما فيها.
4- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

المثل إن كانت مثلية ، وهي التي تساوي قيمة أجزائها كالحبوب والادهان ، ورد القيمة إن كانت قيمية ، وهي التي لا تساوي قيمة أجزائها كالثياب والحيوان.

واختلف الأصحاب في القيمة المردودة على ثلاثة أقوال : الأول : قيمته يوم الغصب ، لأنه وقت انتقال الضمان اليه ، والضمان هنا بالقيمة فيقضى عليه بها ، نقله المصنف عن الأكثر. الثاني : قيمته يوم التلف ، لأنه وقت استقرار ضمان القيمة ، لأنه قبل ذلك مخاطب برد العين ، وانما خوطب برد القيمة بعد تلفها ، فيضمن القيمة يوم التلف ، وهو مذهب ابن البراج واختاره العلامة في المختلف.

الثالث : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، لأنه مضمون في جميع الحالات التي من جملتها الحالة العليا ، ولأنه أنسب (1) إلى التغليظ على الغاصب وهو المعتمد.

أما القيمة بعد التلف فلا يلتفت الى زيادتها ولا نقصانها (2) على ما هو المشهور بين الأصحاب ، ولم يتردد في ذلك غير المصنف والشهيد ، بناء على ضمان زيادة القيمة بعد التلف على القول بضمان القيمي بمثله ، وهو قول نادر لا عمل عليه.

والظاهر أن منشأ التردد من عدم التفات الأصحاب إلى زيادة القيمة أو نقصانها بعد التلف ، ومن أن الغاصب مخاطب برد العين أو قيمتها من حين الغصب الى حين الدفع ، فيكون مخاطبا بأعلى القيم من حين الغصب الى حين الدفع.

قال رحمه اللّه : والذهب والفضة يضمنان بمثلهما ، وقال الشيخ رحمه اللّه : يضمنان بنقد البلد كما لو كان مما لا مثل له.

ص: 89


1- في « ن » و « ر 1 » : السبب.
2- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

أقول : هذا هو قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط حذرا من الربا ، وقال ابن إدريس يضمنان بالمثل ، لأنهما من ذوات الأمثال والربا إنما يكون في البيع (1) وهذا ليس بيعا ، واختاره المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولا تقدير في قيمة شي ء من أعضاء الدابة ، بل يرجع الى الأرش السوقي ، وروي (2) في عين الدابة ربع قيمتها ، وحكى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط والخلاف عن الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها ، وفي العينين كمال القيمة ، وكذا كلما في البدن منه اثنان ، والرجوع الى الأرش السوقي أشبه.

أقول : المشهور الضمان بالأرش السوقي ، لأن الجناية على البهائم لا تضمن بمقدر بل بالأرش السوقي ، والرواية التي أشار إليها المصنف هي ما رواه أبو العباس عن الصادق عليه السلام ، « قال : من فقأ عين الدابة فعليه ربع قيمتها » (3) ، والمعتمد الأرش.

قال رحمه اللّه : ولو غصب عبدا أو أمة فقتله ، أو قتله قاتل ، ضمن قيمته ما لم يتجاوز قيمة الحر ، ولو تجاوز لم يضمن الزيادة ، ولو قيل : يضمن الزائد بسبب الغصب كان حسنا.

أقول : وجوب الرد إلى دية الحر مع زيادة قيمة العبد عليها مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف للعموم (4) ، واستحسن المصنف الإلزام (5) بالزيادة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره العلامة وهو المعتمد ، لأنه لو مات أو تلف بسبب غير القتل ضمنه بتمام القيمة فكذا لو قتله ، ولأن الحمل على الجاني غير

ص: 90


1- في الأصل : المبيع ، وما أثبتناه فهو من النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ).
3- الوسائل : كتاب الديات ، باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 6 من أبواب ديات النفس ، حديث ( 2 ، 3 ، 5 ).
5- في النسخ : إلزام الغاصب.

الغاصب قياس لا نقول به ، فان كان الجاني هو الغاصب ضمن القيمة بالغا ما بلغت ، وإن كان غير الغاصب ورجع المالك على الغاصب أخذ القيمة بالغا ما بلغت ، وان رجع على الجاني رجع عليه بالقيمة ما لم تتجاوز دية الحر ، فان تجاوزت ردت إلى دية الحر ، وكان الزائد في مال الغاصب ، ومع الرجوع على الغاصب يرجع الغاصب على الجاني بما عدا الزائد على دية الحر.

قال رحمه اللّه : ولو جنى الغاصب عليه بما دون النفس ، فان كان تمثيلا ، قال الشيخ : عتق وعليه قيمته ، وفيه تردد ينشأ من الاقتصار بالعتق في التمثيل على مباشرة المولى.

أقول : قال الشيخ وابن البراج يعتق عليه ويضمن قيمته ، واختاره فخر الدين ، وظاهر المصنف عدم العتق ، لأن العتق بالتنكيل على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النقل وهو مباشرة المولى ، واختاره العلامة في أكثر كتبه.

قال رحمه اللّه : وكل جناية مقدرة في الحر فهي مقدرة في العبد بحساب قيمته ، وما ليست مقدرة في الحر ففيه الحكومة ، ولو قيل : يلزم الغاصب أكثر الأمرين من المقدر والأرش كان حسنا ، اما لو استغرقت قيمته ، قال الشيخ رحمه اللّه : كان المالك مخيرا بين تسليمه وأخذ القيمة ، وبين إمساكه ولا شي ء له ، تسوية بين الغاصب وغيره ، وفيه تردد.

أقول : إذا جنى الإنسان على عبد غيره فلا يخلو إما أن يجني عليه بما فيه مقدر من الحر أو بما ليس فيه مقدر ، وعلى التقديرين لا يخلو : إما أن تحيط الجناية بقيمة العبد أو لا ، فالأقسام أربعة :

الأول : أن يحني عليه بما فيه مقدر في الحر ، كقطع يد العبد ، فان في ذلك نصف القيمة ، لأن في يد الحر نصف ديته.

الثاني : أن يجني عليه بما ليس فيه مقدر من الحر ، كالجراحات في البدن ،

ص: 91

وهذا فيه الأرش ، وهو أن يقوّم سليما من تلك الجراحة ، ثمَّ يقوم مجروحا ، ثمَّ يغرم الجاني ما نقص بسبب الجراحة.

هذا إذا كان الجاني غير غاصب ، فان كان الجاني غاصبا ، هل يكون كذلك؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : نعم ، محتجا بإجماع الفرقة واخبارهم (1) ، وتبعه ابن إدريس.

واستحسن المصنف إلزام الغاصب بأكثر الأمرين من الأرش والمقدر الشرعي ، واختاره العلامة وقواه الشهيد وهو اختيار أبي العباس في مقتصره ، أما ضمان المقدر على تقدير الزيادة فلعموم ، وأما ضمان الأرش على تقدير الزيادة فلأنه نقص أدخله على مال غيره فيكون ضامنا له ، ولأنه أنسب (2) بالتغليظ ، لأن الغاصب مخاطب بأشق الأحوال ، فحينئذ لو قطع يد عبد قيمته مائة فصارت عشرين ضمن ثمانين ، ولو صارت ثمانين ضمن خمسين ، وهو المعتمد.

الثالث : أن لا تستغرق الجناية للقيمة ولا خلاف في أخذ العبد مع أرش الجناية مع القصور عن القيمة ولو بدرهم.

الرابع : أن تحيط الجناية بالقيمة مثل أن يقطع يده ورجله أو يقلع عينيه أو يقطع ذكره وما شابه ذلك ، فهنا يتخير بين دفع العبد إلى الجاني وأخذ القيمة منه ، وبين إمساكه مجانا ، فلو كان الجاني غاصبا هل الحكم كذلك؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، لئلا يجتمع للمالك العين والقيمة ، وقال ابن إدريس : له إمساكه والمطالبة بالقيمة ، واختاره العلامة والشهيد ، لان الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإن تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ، ويملكه

ص: 92


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح ، حديث 2 - 4.
2- في « ر 1 » : المسبب.

المغصوب منه ، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، ولو عادت كان لكل منهما الرجوع ، وعلى الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين الغصب الى حين دفع البدل ، وقيل : إلى إعادة المغصوب ، والأول أشبه.

أقول : إذا تعذر رد العين وهي باقية ، كما لو أبق العبد ، ضمن الغاصب القيمة في الحال ، للحيلولة ، ويملكها المغصوب منه ملكا لا عوض له ، لأن الغاصب لا يملك العين المغصوبة مقابل ما دفع من القيمة ، فإذا عادت العين المغصوبة إلى الغاصب وتمكن من دفعها الى مالكها ترادا وجوبا مع التماس أحدهما ، ولو تراضيا بتلك المعاوضة جاز ، وعلى الغاصب أجرة العين المغصوبة من حين الغصب الى حين دفع البدل ان كانت ذات اجرة.

وهل يجب اجرة ما بين دفع البدل الى رده؟ قيل : نعم ، لبقاء العين ومنافعها على ملك المالك فالمنافع الفائتة تلك المدة مملوكة له ، فتكون مضمونة على الغاصب ، وذهب المصنف الى عدم ضمان المنافع تلك المدة ، واختاره العلامة وابنه ، لحصول البراءة بدفع البدل فلا معنى لضمان المنافع.

قال رحمه اللّه : ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين ، فتلف أحدهما ، ضمن التالف بقيمته مجتمعا ، ورد الباقي وما نقص من قيمته بانفراده ، وكذا لو شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ثمَّ تلف أحدهما ، أما لو أخذ فردا من خفين يساويان غيره فتلف في يده وبقي الأخر في يد المالك ناقصا عن قيمته بسبب الانفراد ، رد قيمة التالف لو كان منضما الى صاحبه ، وفي ضمان ما نقص من قيمة الأجر تردد.

أقول : منشؤه من أن الذي في يد المالك لم يجز عليه غصب ، ولا دخل تحت يد الغاصب فلا يضمن نقصه ، لأصالة البراءة من ذلك ، ومن كونه سبب النقص فيضمنه ، وهو المعتمد.

ص: 93

قال رحمه اللّه : ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى ، وإن كانت للغاصب ، ولو نقص الفحل بسبب الضراب ضمن الغاصب وعليه أجرة الضراب ، وقال الشيخ في المبسوط : لا يضمن الأجرة ، والأول أشبه ، لأنها عندنا ليست محرمة.

أقول : احتج الشيخ بنهي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسب الفحل (1) ، وقال ابن إدريس بوجوب الأجرة ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأنها منفعة وكان عليه عوضها ، والنهي محمول على الكراهية دون التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو أغلى الزيت فنقص ضمن النقصان ، ولو أغلى عصيرا فنقص وزنه ، قال الشيخ : لا يلزمه ضمان النقيصة ، لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها بخلاف الاولى ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الشيخ بين الصورتين ، لأن الزيت لا ماء فيه فاذا نقص منه شي ء نقص من أجزائه ، بخلاف العصير فان فيه أجزاء مائية لا قيمة لها ، فاذا نقص منه شي ء لم يضمنه الغاصب ، وتردد المصنف من أنه نقص أدخله على مال الغير فيكون مضمونا ، واختاره العلامة وابنه وهو المعتمد.

وموضوع المسألة نقصان العين دون القيمة ، أما لو نقصت القيمة ضمنها قطعا.

ص: 94


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 3.

النظر الثالث في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن ، فخلطه بمثله فهما شريكان ، وإن خلطه بأدون أو بأجود ، قيل : يضمن المثل لتعذر تسليم العين ، وقيل : يكون شريكا في فضل الجودة ، ويضمن المثل في فضل الرداءة الا أن يرضى المالك بأخذ العين.

أقول : لم يفرق ابن إدريس بين الخلط بالأجود وبالمثل ، وحكم في الصورتين أنه كالمستهلك يتخير الغاصب بين دفع المثل منه أو من غيره ، ونقل عن بعض أصحابنا أنه يكون شريكا كما نقله المصنف هنا ، واختاره العلامة في القواعد جزما وهو المعتمد ، لأن عين المغصوب موجودة في هذا العين فلا ينتقل الحق إلى المثل أو القيمة مع وجود العين.

أما لو مزجه بالأردى فإنه يتخير المالك بين أخذ العين أو المثل من غيرها.

قال رحمه اللّه : ولو أولدها المشتري كان حرا وغرم قيمة الولد ورجع بها على البائع ، وقيل : في هذه له مطالبة أيهما شاء ، ولو طالب المشتري رجع على البائع ، ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري ، وفيه احتمال آخر.

ص: 95

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، قال : يرجع بقيمة الولد على أيهما شاء ، أما البائع فلأنه السبب في حصول الجارية في يد المشتري ، وأما المشتري فللمباشرة ، وابن إدريس قصر الرجوع على المشتري خاصة ، لأن السبب ضعف بالمباشرة.

ويتفرع على مذهب ابن إدريس أنه إذا رجع على البائع رجع البائع على المشتري ، وإليه أشار المصنف بقوله ( وفيه احتمال آخر ).

والمعتمد أن المشتري يرجع على البائع ، لأنه غره ولم يحصل له في مقابلة (1) الولد نفع فيرجع على الغار بما اغترمه في مقابله (2) وان رجع على البائع لا يرجع على المشتري لاستقرار الضمان على البائع.

قال رحمه اللّه : إذا غصب مملوكة فوطئها فإن كانا جاهلين لزمه مهر أمثالها ، للشبهة ، وقيل : عشر قيمتها إن كانت بكرا ، أو نصف العشر إن كانت ثيبا ، وربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم على الوطي بعقد الشبهة.

أقول : القول بوجوب مهر المثل قول الشيخ وابن إدريس ، قال ابن إدريس : وذهب بعض أصحابنا الى أن عليه نصف عشر قيمتها ، قال : والأول أصح ، لأن ذلك في من اشترى جارية ووطأها وكانت حاملا وأراد ردها على بائعها ، فإنه يرد نصف عشر قيمتها فلا يقاس عليه ذلك ، والى هذا القول أشار المصنف بقوله ( وربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم على الواطي بعقد الشبهة ) ، وذهب العلامة في الإرشاد إلى وجوب العشر مع البكارة ونصفه مع الثيبوبة ، واختاره الشهيد ، وقال في القواعد : ويحتمل الأكثر من الأرش والعشر وهو قريب ، لأنه مأخوذ بأشق الأحوال ، وظاهر التحرير متابعة الشيخ وابن

ص: 96


1- في النسخ : مقابل.
2- في النسخ : مقابلة.

إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو أحبلها ألحق به الولد ، وعليه قيمته يوم سقط حيا ، وأرش ما نقص من الأمة بالولادة ، ولو سقط ميتا ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يضمنه لعدم العلم بحياته ، وفيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي ، وفرق الشيخ رحمه اللّه بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه بغير جناية.

أقول : ذهب الشيخ رحمه اللّه في المبسوط الى عدم الضمان مع خروجه ميتا لأصالة براءة الذمة ، ولأن الضمان إنما كان للحيلولة بين الولد ومالك الأمة ، والحيلولة إنما تتحقق بعد خروجه حيا ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد والشهيد في دروسه ، واستشكله المصنف ، لأن الأجنبي إذا ضربها فألقت جنينا ميتا ضمنه ، والمقتضي للضمان انما هو ظن حياته قبل الضرب ، وهذا المعنى موجود مع وضعه ميتا من غير ضرب ، والشيخ فرق بين الصورتين ، لأنه إذا ألقته ميتا عقيب ضرب بطنها كان الظاهر أن موته بسبب الجناية ، بخلاف ما إذا ألقته ميتا من غير جناية ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولو كان الغاصب والأمة عالمين بالتحريم ، فللمولى المهر إن أكرهها على الوطي ، وعليه الحد ، وإن طاوعت حد الواطي ولا مهر ، وقيل : يلزمه عوض الوطي ، لأنه للمالك ، والأول أشبه.

أقول : المشهور عدم ثبوت المهر مع علمها بالتحريم ومطاوعتها ، لأنها حينئذ بغية ، وقال عليه السلام : « لا مهر لبغية » (1) ، وقيل : يلزمه المهر ، لأن سقوط مهر الحرة مستند الى رضاها ، ورضا الأمة لا يؤثر في حق السيد ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وضعته ميتا ، قيل : لا يضمن ، لأنا لا نعلم حياته قبل

ص: 97


1- سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 6 مع اختلاف في اللفظ.

ذلك ، وفيه تردد.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : ولو غصب حبا فزرعه ، أو بيضا فاستفرخه ، قيل : الزرع والفرخ للغاصب ، وقيل : للمغصوب منه ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في باب الغصب من الخلاف والمبسوط : إن الزرع والفرخ للغاصب ، لأن عين المغصوب قد تلفت ، وإذا تلفت لا يلزم غير القيمة ، قال : ومن يقول إن الفرخ عين البيض وإن الزرع هو عين الحب مكابر ، والمشهور أن الفرخ والزرع لمالك البيض والحب ، لأنهما متولدين من أصل مغصوب ، وتغير الأوصاف والألوان لا يوجب الخروج عن ملك المالك ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ في المبسوط : إذا خشي على حائط جاز أن يسند بجذع بغير إذن مالك الجذع مدعيا للإجماع ، وفي دعوى الإجماع نظر.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط محتجا بأن مراعاة المصالح الكلية أولى من الجزئية مع التعارض ، وفي اسناد الحائط حفظ النفس والمال ، وفي تركه حفظ بعض منافع جذع مع إمكان زواله سريعا ، وكان الأول أولى لوجوبه على صاحبه (2) كفاية ، وعينا بفقد سواه ، ومنشأ النظر من أنه تصرف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز.

قال رحمه اللّه : إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وهو قول الأكثر ، وقيل : القول قول الغاصب ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية والمفيد رحمه اللّه : إن القول قول المالك ونقله

ص: 98


1- ص 97.
2- في النسخ : صاحب الجذع.

المصنف عن الأكثر ، لأن الغاصب جاني (1) فلا يقبل قوله ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : القول قول الغاصب ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأنه منكر فيكون القول قوله ، ولأن الأصل عدم الزيادة عما يدعيه الغاصب.

قال رحمه اللّه : إذا باع الغاصب شيئا ثمَّ انتقل اليه بسبب صحيح ، فقال للمشتري : بعتك ما لا أملك وأقام بينة ، هل تسمع بينته؟ قيل : لا ، لأنه مكذب لها بمباشرة البيع ، وقيل : إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضم اليه من الألفاظ ما يتضمن الملكية قبل ، وإلا ردّت.

أقول : اما وجه عدم القبول فقد ذكره المصنف وهو التكذيب بمباشرة البيع ، والظاهر أن الإنسان إنما يبيع ملكه فلا يقبل دعواه بعد ذلك أنه ليس بملكه ، وكل موضع لا يقبل الدعوى لا تسمع البينة ، لأنها متوقفة (2) على صحة الدعوى ، ووجه القبول أن الإنسان قد يبيع ملك غيره ، فنفس البيع مع عدم ما يتضمن الملك لا ينافي دعوى عدم الملك ، أما لو ضم الى المبيع (3) ما يتضمن الملك مثل قوله : بعتك ملكي أو هذا ملكي أو قبضت ثمن ملكي ، فإنه لا يقبل الدعوى بعد ذلك ما لم ينضم الى البيع شي ء من الألفاظ المتضمنة للملك ، والدعوى (4) مقبولة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا مات العبد فقال الغاصب : رددته قبل موته ، وقال المالك : بعد موته ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وقال : ولو قلنا في هذه بالقرعة ، كان جائزا.

ص: 99


1- في النسخ : خائن.
2- في النسخ : مترتبة.
3- في النسخ : البيع.
4- في النسخ : فالدعوى.

أقول : المعتمد أن القول قول المالك ، لأن الأصل عدم رد العبد قبل موته ، والأصل عدم زوال الضمان ما لم يعلم السبب المزيل ، ووجه القول بالقرعة أن كلا منهما مدع موت العبد عند صاحبه ولا ترجيح ، لأن الأصل عدم موته عند الغاصب فيعمل بالقرعة.

ص: 100

كتاب الشفعة

اشارة

ص: 101

ص: 102

ما تثبت فيه الشفعة

قال رحمه اللّه : وتثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين إجماعا ، وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل : نعم ، دفعا لكلفة القسمة ، استنادا إلى رواية يونس ، عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : لا ، اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع ، واستضعافا للرواية المشار إليها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في محل الشفعة على أربعة أقوال :

الأول : اختصاصها في غير المنقول كالمساكن والعراص والبساتين ، وهو قول الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وابن حمزة ، واختاره المتأخرون وهو المعتمد ، لأن الشفعة على خلاف الأصل ، لأن الأصل عدم التسلط على مال الغير بغير اختياره ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولما رواه جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا شفعة إلا في ريع أو حائط » (1).

الثاني : ثبوتها في كل مبيع ، وهو قول ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد

ص: 103


1- كنز العمال ، ج 4 ، ص 2 ، رقم 1. سنن البيهقي ، ج 1. ص 104 ، 109.

المرتضى وابن البراج وابن إدريس ، لرواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الشفعة لمن هي وفي أي شي ء ولمن تصلح ، وهل تكون في الحيوان؟فقال : الشفعة جائزة في حيوان أو أرض أو متاع » (1) وأجيب باستضعاف الرواية ، لأنها مرسله.

الثالث : ثبوتها في كل مبيع بشرط عدم امتناع القسمة ، وهو قول الشيخ في النهاية فيخرج النهر والطريق والحمام والعضائد الضيقة ، لرواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام ، « قال : لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (2).

الرابع : ثبوتها في غير المنقول ، وفي العبد خاصة من المنقول ، نقله المصنف عن بعض الأصحاب ، واختاره العلامة في المختلف للضرر بقسمته.

قال رحمه اللّه : وفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة إذا بيع مع الأرض تردد ، إذ ليس من عادته أن ينقل.

أقول : منشؤه من أنه من المنقولات في الحقيقة فلا تثبت فيه الشفعة على القول باختصاصها في غير المنقول ، ومن جريان العادة بعدم نقله وتحويله فيدخل في الشفعة ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان بعض الدار وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق ، لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحدا ، لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص ، وقال المرتضى رحمه اللّه : تثبت الشفعة.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

ص: 104


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 3 ، حديث 7 وفيه بدل ( مقاسم ) قوله ( غير مقاسم ) ، راجع النهاية : ص 424.

الأول : ثبوتها مطلقا ، سواء كان الموقوف عليه واحد أو أكثر ، فإن كان للمساجد أو الفقراء والمساكين كان للحاكم المطالبة بالشفعة ، وهو قول المرتضى وأبي الصلاح ، وظاهر العلامة في التحرير ، لعموم (1) ثبوت الشفعة مع الشركة وهي حاصلة هنا.

الثاني : ثبوتها مع اتحاد الموقوف عليه ، وهو قول ابن إدريس واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، واستحسنه أبو العباس ، لأنه شريك واحد فكان له الشفعة.

الثالث : عدم الثبوت مطلقا ، وهو قول الشيخ ( في المبسوط ) (2) ، واختاره المصنف وقد ذكر وجهه ، وهو أنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص.

ص: 105


1- المصدر المتقدم.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

ص: 106

في الشفيع

قال رحمه اللّه : وتثبت بين الشريكين ، وهل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال : أحدها نعم ، وتثبت مطلقا على عدد الرؤوس ، والثاني تثبت في الأرض مع الكثرة ولا تثبت في العبد الا للواحد ، والثالث لا تثبت في شي ء مع الزيادة على الواحد ، وهو أظهر.

أقول : المشهور بين أصحابنا عدم ثبوت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين ، ويكاد أن يكون إجماعا كما (1) نقله ابن إدريس ، لأن الأصل عدم الشفعة ، وثبوت الملك للمشتري خرج منه موضع الإجماع ، لنفي الضرر بالشركة أو طلب القسمة ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولما رواه يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد اللّه بن سنان في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام : « قال لا يكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما » (2) ، وأثبتها ابن الجنيد مع القسمة وهو نادر ،

ص: 107


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 1.

نعم (1) ورد في ذلك روايات وأثبتها (2) محمد بن بابويه مع الكثرة في غير الحيوان ، ( وفي الحيوان ) (3) مع الشريك الواحد وهو نادر ، والأول هو المعتمد ، ثمَّ اختلف ابن الجنيد وابن بابويه ، فقال ابن الجنيد : إنها تثبت على قدر السهام ، وقال ابن بابويه : على قدر الرؤس ، وهو أوجه ، لأن المقتضي للأخذ بالشفعة مطلق الشركة ، ولهذا لو انفرد الشريك بالجزء من المئة لأخذ الجميع ، فصار المعتبر مطلق الشركة.

قال ( رحمه اللّه ) : ولو باع الجد أو الأب عن اليتيم شقصه المشترك معه ، جاز أن يتشفع وترتفع التهمة ، لأنه لا يزيد على بيع ماله من نفسه؟ وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ : لا ، لمكان التهمة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه كالوكيل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط لو باع ولي (4) اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه لم يكن له الأخذ بالشفعة الا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي منهم فيؤثر تقليل الثمن ، ولأنه ليس له ان يشتري لنفسه ، بخلاف الأب والجد ، لأنهما غير متهمين ولهما أن يشتريا لأنفسهما ، وظاهر المصنف جواز الأخذ للوصي أيضا واختاره العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه يجوز له عندهم أن يشتري لنفسه من نفسه كالأب والجد ، ولا يزيد الأخذ بالشفعة على ذلك ، والأمانة تدفع التهمة ، والأصل عدم الخيانة وهو المعتمد ، والعلامة في المختلف أبطل شفعة الولي مطلقا سواء كان أبا أو جدا أو وصيا للرضا بالبيع.

قال رحمه اللّه : ولو قال الحاضر لا أخذ حتى يحضر الغائب ، لم تبطل شفعته ، لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك ، وفيه تردد.

ص: 108


1- في الأصل : أورد.
2- هذه الكلمة ليست في الأصل.
3- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
4- في « ر 1 » : إلي.

أقول : منشؤه من ان الأخذ (1) [ ب ] الشفعة على الفور على الصحيح من المذهب ، والتأخير مناف للفورية فتبطل الشفعة ، ومن أن التأخير إذا كان لغرض لا يتضمن الترك وهو هنا كذلك.

قال رحمه اللّه : لو كانت أدار بين ثلاثة ، فباع أحدهم من شريكه استحق الشفعة الثالث دون المشتري ، لأنه لا يستحق شيئا على نفسه ، وقيل : يكون بينهما ، ولعله أقرب.

أقول : القائل بأن الشفعة بينهما هو الشيخ في المبسوط ، ووجه قربه أنهما اشتركا في الشركة الموجودة حال الشراء ، فوجب أن لا ينفرد أحدهما بالشفعة على القول بثبوتها مع الكثرة يكون اختصاص الثالث فيها أقوى (2) ، لأن الشفعة مستحقة على المشتري فلا تستحقها على نفسه.

ص: 109


1- من النسخ.
2- كذا وردت هذه الجملة في الأصل والنسخ.

ص: 110

في كيفية الأخذ

قال رحمه اللّه : ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة ، وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر ، قيل : يسقط لتعذر المثلية ، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : يأخذ بقيمة العوض وقت العقد ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان إذا كان الثمن قيميا هو قول الشيخ في الخلاف وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الأخذ بالشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولرواية على بن ذئاب (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، المتضمنة لسقوط الشفعة إذا كان الثمن قيميا ، وقال المفيد والشيخ في المبسوط وأبو الصلاح وابن إدريس : يأخذه بالقيمة حالة العقد ، لعموم ثبوت الشفعة (2) ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد وابنه والشهيد ، والمشهور الأخذ

ص: 111


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 3 وباب 7 ، حديث 2.

بالقيمة يوم العقد ، وقال فخر الدين يأخذ بأعلى القيم ( من حين العقد ) (1) الى حين الدفع ، لأنه أخذ قهري كالغصب ، والأول هو المعتمد ، لأن الفرق بين الغاصب والشفيع ظاهر.

قال رحمه اللّه : ولو انهدم المبيع أو عاب ، فان كان بغير فعل المشتري ، أو بفعله قبل مطالبة الشفيع فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والانقاض للشفيع ، باقيه : كانت في المبيع أو منقولة عنه ، لأنها لها نصيبا من الثمن ، وإن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة ضمنها المشتري ، وقيل : لا يضمنها ، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ ، والأول أشبه.

أقول : إذا تعيب المبيع بعد المطالبة بفعل المشتري ، قال الشيخ : لا يضمن ، وقد ذكر المصنف حجته ، والمشهور أنه يضمن وهو المعتمد ، لأنه وان لم يكن (2) يملك بالمطالبة فقد تعلق حقه بالعين ، فلا يجوز للمشتري إحداث نقص فيها ولو أحدثه كان ضامنا.

قال رحمه اللّه : ولو حمل النخل بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير ، قال الشيخ رحمه اللّه : الطلع للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع.

أقول : إذا نما المبيع في يد المشتري نماء منفصلا قبل الأخذ بالشفعة فهو للمشتري ، لأنه نمى في ملكه فاذا طلع النخل ثمَّ أخذه الشفيع ، فان كان بعد التأبير فهو للمشتري إجماعا ، وإن كان الأخذ قبل التأبير ، هل يكون الطلع للمشتري أو للشفيع؟ قال الشيخ رحمه اللّه : هو للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، لأنه يتبع الأصل في البيع فكذا هنا ، وكما لو باع النخل بعد الطلع وقبل التأبير يكون الطلع

ص: 112


1- ليست في « ر 1 ».
2- هذه الكلمة من « ر 1 ».

للمشتري ، فكذلك يكون للشفيع إذا أخذه قبل التأبير ، لأن المقتضي للتبعية في البيع ليس الا كونه جزءا من المسمى فكذا هنا ، والمعتمد اختصاص هذا الحكم بالبيع وقوفا على مورد النص (1) ، وهو اختيار المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد ، لأن له في ذلك غرضا وهو الانتفاع بالمال ، وتعذر الانتفاع بالأرض المشغولة ، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد.

أقول : منشؤه من أن التأخير لغرض صحيح فيكون جائزا ، ومن أن الأخذ بالشفعة على الفور ، والتأخير ينافيه فتبطل الشفعة معه ، وهو المعتمد.

ص: 113


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 2 ، حديث 1.

ص: 114

في لواحق الأخذ بالشفعة

قال رحمه اللّه : إذا اشترى بثمن مؤجل ، قال في المبسوط : للشفيع أخذه بالثمن عاجلا ، وله التأخير وأخذه بالثمن في محله ، وفي النهاية يأخذه عاجلا ويكون الثمن عليه ، ويلزم كفيلا بالمال إذا لم يكن مليا ، وهو أشبه.

أقول : هذا الخلاف مبنى على اشتراط الفورية وعدمه ، والمشهور اشتراطها وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمفيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، ومن لم يشترط الفورية جوز التأخير إلى حلول الأجل.

قال رحمه اللّه : قال المفيد رحمه اللّه ، والمرتضى رحمه اللّه : الشفعة تورث ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا تورث تعويلا على رواية طلحة بن زيد وهو بتري ، والأول أشبه ، تمسكا بعموم الآية.

أقول : احتج القائلون بالإرث بعموم آية الإرث (1) ولأنه حق للمورث فيكون موروثا كسائر الحقوق وهو المعتمد ، واحتج المانعون برواية طلحة بن

ص: 115


1- النساء : 7.

زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام ، « قال : الشفعة لا تورث » (1) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه اللّه : وهي تورث كالمال ، ولو ترك زوجة وولدا فللزوجة الثمن وللولد الباقي ، ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه لم يسقط ، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ، وفيه تردد ضعيف.

أقول : منشؤه من أن الورثة يقومون مقام مورثهم ، وهو لو عفى عن بعض الشفعة سقط الباقي وبطلت شفعته في الجميع ، فكذلك الورثة ، ومن أنه يلزم من ذلك إسقاط حق الغير بعفو غيره عن حقه وهو باطل ، ولهذا كان التردد ضعيفا.

قال رحمه اللّه : إذا باع الشفيع حصته بعد العلم بالشفعة ، قال الشيخ : سقطت شفعته ، لان الاستحقاق بسبب النصيب ، أما لو باع قبل العلم لم تسقط ، لان الاستحقاق سابق على البيع ، ولو قيل : ليس له الأخذ في الصورتين ، كان حسنا.

أقول : أما قول الشيخ فقد ذكر المصنف وجهه ، وأما وجه ما استحسنه المصنف فهو أن السبب في استحقاق الشفعة الشركة ، وقد زالت فيزول معلولها ، ولأن الشفعة إنما شرعت لازالة الضرر وقد زال ببيع ملكه ، فلو أثبتناها هنا لزم حصول ضرر آخر ، وأصالة البقاء منتفية لزوال السبب ، وهو اختيار العلامة في الإرشاد والمختلف.

قال رحمه اللّه : إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري ، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع ، لم يسقط بذلك الشفعة ، وكذا لو كان وكيلا لأحدهما ، وفيه تردد ، لما فيه من أمارة الذمي بالبيع.

أقول : ذهب الشيخ وابن إدريس الى عدم سقوط الشفعة بهذه الأشياء ،

ص: 116


1- الوسائل ، الشفعة ، باب 12 ، حديث 1.

واختاره العلامة في القواعد والتحرير وهو اختيار فخر الدين ، وذهب في المختلف الى بطلان الشفعة ، لما في هذه الافعال من الدلالة على الرضا بتمليك المشتري ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع ، فان كان الشفيع والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما ، وإن كانا جاهلين ، فان رده الشفيع كان المشتري بالخيار في الرد والأرش ، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص عن يده ، قال الشيخ رحمه اللّه : وليس للمشتري المطالبة بالأرش ، ولو قيل : له الأرش ، كان حسنا.

أقول : احتج الشيخ على عدم ثبوت الأرش بأن المشتري قد استدرك ظلامته بحصول جميع الثمن اليه من الشفيع ، ولأنه قد سقط الرد بأخذ الشفيع فيسقط الأرش ، لخروجه عن ملك المشتري ، ووجه عدم السقوط أنه ( عوض جزء ) (1) فائت ، فلا يسقط بخروجه عن ملكه ، فإذا أخذ الأرش سقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، لأنه ليس له عليه الا الثمن الذي استقر عليه العقد ، والذي استقر عليه هو ما زاد عن الأرش ، ولو ترك المشتري الأرش لم يكن للشفيع الرجوع بشي ء ، لأنه إسقاط لبعض الثمن بعد العقد.

قال رحمه اللّه : ولو باع الشقص بعضو معين لا مثل له كالعبد فإن قلنا لا شفعة فلا بحث ، وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع وظهر في الثمن عيب ، كان للبائع رده والمطالبة بقيمة الشقص ، إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد. ولا يرتجع الشقص ، لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة ، ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف ، كالهبة أو الميراث ، لم يملك رده على البائع ، ولو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته. ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه

ص: 117


1- في « ر 1 » بدل ما بين القوسين : ( جزء عوض ).

أقل من قيمة العبد ، قيل : يرجع الشفيع بالتفاوت ، وفيه تردد ، والأشبه لا ، لأنه الثمن الذي اقتضاه العقد.

أقول : إذا كان الثمن قيميا كالعبد ، ثمَّ ظهر فيه عيب قديم بعد أخذ الشفيع للشقص ودفع قيمة الثمن ، لم يملك البائع استرجاع الشقص من الشفيع ، لأنه ملكه بالأخذ ، وله فسخ البيع والرجوع على المشتري بقيمة الشقص ، فلو كانت القيمة التي يرجع فيها أقل من قيمة العبد التي دفعها الشفيع إلى المشتري ، هل للشفيع الرجوع بالتفاوت؟ تردد المصنف في ذلك من أن الشفيع إنما يجب عليه دفع ما استقر ثمنا ، وليس إلا قيمة الشقص التي رجع فيها البائع بعد الفسخ على المشتري ، فيرجع الشفيع بالتفاوت ، لأنا تبينا أنه دفع أكثر مما وجب عليه.

ومن أن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي اقتضاه العقد ، والعقد وقع على العبد فيلزمه قيمته ، ونقيصة الثمن بسبب الفسخ لا يوجب سقوط ما وجب على الشفيع بسبب العقد.

والمعتمد ، إن كان المشتري أخذ من الشفيع قيمة العبد سليما رجع الشفيع عليه بالتفاوت ، وإن أخذ قيمته معيبا لم يرجع عليه بشي ء.

قال رحمه اللّه : لو كانت دارا لحاضر وغائب وحصة الغائب في يد آخر ، فباع الحصة وادعى أن ذلك بإذن الغائب ، قال في الخلاف : تثبت الشفعة ، ولعل المنع أشبه ، لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع. فلو قضى بها وحضر الغائب ، فان صدّقه فلا بحث ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه ، وينتزع الشقص وله أجرته ، من حين قبضه الى حين رده ، ويرجع بالأجرة إن شاء على البائع ، لأنه سبب الإتلاف ، أو على الشفيع ، لأنه المباشر للإتلاف ، فإن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، رجع الشفيع على الوكيل ، لأنه غرّه ، وفيه قول آخر ، هذا أشبه.

ص: 118

أقول : القول الآخر هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو أن رجع على الوكيل ، رجع الوكيل على الشفيع لحصول التلف في يده ، فيستقر الضمان ، لأن المباشرة أقوى من السبب ، والمعتمد اختيار المصنف ، لأن المباشرة ضعفت بالغرور ، فصار السبب أقوى ، فيستقر الضمان على الوكيل.

قال رحمه اللّه : وتبطل الشفعة بترك المطالبة مع العلم وعدم الغرر ، وقيل : لا تبطل إلا أن يصرح بالإسقاط وإن تطاولت المدة ، والأول أظهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على الخلاف باشتراط الفورية وعدم الاشتراط ، وقد سبق البحث في ذلك (1) ، والمعتمد البطلان مع التأخير لغير عذر.

قال رحمه اللّه : ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع ، لأنه إسقاط ما لم يثبت ، وفيه تردد ، وكذا لو شهد على البيع ، أو بارك للمشتري أو للبائع ، أو أذن للمشتري في الابتياع ، فيه تردد ، لأن ذلك [ ليس ] أبلغ من الاسقاط قبل البيع.

أقول : منشأ التردد في الجميع ، من حصول أمارة الرضا بالبيع على الغير وهو مسقط للشفعة ، لأنها إنما شرعت الإزالة ضرر الشريك ، ومع الرضا يزول الضرر ، ومن أن الشفعة انما تثبت بعد البيع ، والاسقاط قبله إسقاط لما لم يثبت فلا عبرة فيه ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، وظاهر المصنف واختاره العلامة في القواعد وابنه ، والسقوط مذهب الشيخين وابن حمزة ، لأنه تمكن من دفع الضرر ولم يفعل ، فتبطل شفعته.

قال رحمه اللّه : ولو بان الثمن مستحقا بطلت الشفعة لبطلان العقد ، وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري غصبية الثمن ، أو أقرّ الشفيع بغصبيته ، منع من المطالبة ، وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه لتحقق البطلان على تردد في هذا.

ص: 119


1- ص 108 - 109.

أقول : منشؤه من أن الشفعة تابعة لصحة البيع ، والبيع قد بطل بتلف الثمن المعين قبل قبضه ، فتبطل الشفعة تحقيقا للتبعية وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، فلا فرق حينئذ بين ظهور الثمن مستحقا ، وبين تلفه مع تعيينه قبل القبض ، لاشتراكهما في بطلان البيع ، ومن أن الشفيع قد تعلق حقه بالشقص قبل بطلان البيع فلا يبطل بالفسخ المتجدد ، لأن الأصل بقاؤه ، وليس البيع هنا باطلا من أصله كظهور (1) الثمن مستحقا فافترق الحكم بينهما ، وهو ظاهر العلامة في المختلف واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه ، وقال : أنسيت الثمن ، فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلفه بطلت الشفعة ، أما لو قال : لم أعلم كمية الثمن لم يكن جوابا صحيحا وكلّف جوابا غيره وقال الشيخ : ترد اليمين على الشفيع.

أقول : فرق أصحابنا بين قول المشتري نسيت الثمن وبين قوله لم أعلم كميته ، وحكموا بصحة الأول وعدم صحة الثاني ، والمراد بالنسيان هو نسيان الجنس والقدر ، بحيث صار لا يعلم هل هو من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم؟ والمراد بعدم علم الكمية هو أن يذكر الجنس ويدعي جهالة القدر.

وانما حكموا بصحة دعوى النسيان ، لأنه اعترف بصحة البيع وادعى شيئا ممكنا ، لأن الإنسان قد ينسى الشي ء القريب ويذكر الشي ء البعيد ، ودعوى النسيان ليست منافية لصحة البيع الذي اعترف به ، بخلاف دعوى جهالة الكمية ، لأنه إذا اعترف بالبيع الصحيح وادعى عدم المعرفة بكمية الثمن ، - وهي منافية لصحة البيع ، لاشتراط الصحة بالعلم بقدر الثمن - فلا يسمع دعوى جهالة الكمية فيكلف جوابا صحيحا غير مناف لاعترافه.

وقال الشيخ رحمه اللّه : ترد اليمين على الشفيع ، لأنه لو ادعى رجل على

ص: 120


1- في « م » : لظهور.

رجل ألفا ، وقال : لا اعلم مقدار مالك علي ، فإنه يقال له : إما أن تبين مقدار ماله والا جعلناك ناكلا ، ورددنا اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه ، فكذا هنا.

قال رحمه اللّه : ولو أقام كل منهما بينة حكم ببينة المشتري ، وفيه احتمال القضاء ببينته ، لأنه خارج.

أقول : إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ولا بينة ، كان القول قول المشتري ، لأن الشقص ينتزع من يده ، ومع وجود البينة لأحدهما فالحكم له.

ولو أقام كل منهما بينة لما ادعاه ، قال المصنف البينة بينة المشتري وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختيار العلامة في التحرير ، لأنه المدعي وهو داخل ، وقال بن إدريس : البينة بينة الشفيع ، لأنه الخارج ، واختاره العلامة في القواعد.

ومبنى المسألة على تقديم بينة الداخل والخارج وسيأتي (1) إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : قال في الخلاف : إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي ، قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار ، وفيه تردد ، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع ، ولعل الأول أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي المسألة ، والأول اختيار الشيخ والمصنف والعلامة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2) ، ولا يلزم من عدم قبول قوله في حق المشتري بطلان حق الشفيع لترتبه على البيع ، وقد اعترف به

ص: 121


1- ص 259.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

من الشقص (1) في يده فلا يسقط بإنكار غيره وهو المعتمد.

والثاني مذهب ابن إدريس ، لأن الشفعة إنما تثبت بعد ثبوت البيع ، والشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري دون البائع والبيع لم يحصل ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بوقوعه فكان المستحق الشفيع ببيع لم يثبت عند الحاكم ، والجواب البيع يثبت بالنسبة إلى الشريك بإقراره وعدم ثبوته بالنسبة إلى المشتري غير مانع من أخذ الشفيع.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث ، وأقاما بينة : قال الشيخ : يقرع بينهما لتحقق التعارض.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط وقد ذكر المصنف وجهه ، والمعتمد تقديم بينة الشفيع ، لأنها ناقلة وتلك مقررة ، والناقلة أولى من المقررة ، وهو مذهب العلامة والمصنف (2).

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الشريك الإيداع قدمت بينة الشفيع ، لأن الإيداع لا ينافي الابتياع ، ولو شهدت بالابتياع مطلقا وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ متأخر ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالمالك ويكاتب المودع ، فان صدق قضى ببينته وسقطت الشفعة ، وإن أنكر قضى ببينة الشفيع.

أقول : إذا كانت الدار في يد رجلين نصفها لأحدهما والنصف الآخر لغائب فادعى مالك النصف على شريكه بالتصرف بالابتياع من المالك الغائب ، وأنه استحق الأخذ بالشفعة ، وأقام بذلك بينة ، وأنكر الشريك وادعى الإيداع وأقام

ص: 122


1- في الأصل والنسخ : النقص ، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصحيح.
2- هذه الكلمة من « ر 1 ».

بذلك بينة ، فان كانتا مطلقتين أو بينة الابتياع (1) متأخرة التاريخ ، أو مقيدة بأن المالك باع ما هو ملكه ، ولم تقيد بينة الإيداع بأن المودع أودع ما هو ملكه ، قدمت بينة الشفيع لعدم المنافاة حينئذ بين الابتياع والإيداع ، فلا منافاة بين البينتين لاحتمال الابتياع بعد الإيداع ، أما لو تأخر تاريخ بينة الإيداع عن تاريخ بينة الابتياع (2) ، وقيدت بأن المودع أودعه ما هو ملكه ، وأطلقت بينه الابتياع أي لم تقيد بأن البائع باع ما هو ملكه ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالملك ، ومراده : أنه لم يحصل التعارض بينهما ، لترجيح بينة الإيداع بتقييدها بذكر الملك دون بينة الابتياع ، ومع ترجيح إحدى البينتين على الأخرى فلا تعارض ويقضى بالراجحة ، وحكاه المصنف والعلامة عن الشيخ ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، وجزم به الشهيد وانما لم يجزم به المصنف والعلامة ، لاحتمال عدم الترجيح بذكر الملك ، لأن الإنسان إذا باع شيئا ولم يقل هو ملكي ، ثمَّ ادعى بعد البيع أنه ملك زيد لم يقبل منه في حق المشتري ، ويحكم الشارع عليه بأنه ملكه ، وإذا حكم الشارع على البائع بملكية ما باعه مع الإطلاق كحكمه عليه مع التقييد ، فلا ترجيح حينئذ بذكر الملك ، فالتعارض حينئذ حاصل كما لو قيدنا بالملك أو اتحد التاريخان ، ومع حصول التعارض يحكم بالقرعة أو التساقط.

ص: 123


1- في الأصل و « ن » : الابتياع.
2- في « ر 1 » : الإيداع.

ص: 124

كتاب احياء الموات

اشارة

ص: 125

ص: 126

في الأرضين

اشارة

قال رحمه اللّه : واما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو غير ذلك من موانع الانتفاع ، فهو للإمام عليه السلام لا يملكه أحد وإن أحياه ، ما لم يأذن له الامام ، وإذنه شرط ، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ، ولا يملكه الكافر ، ولو قيل : يملكه مع إذن الامام عليه السلام كان حسنا.

أقول : إذا أذن الإمام للذمي بإحياء الأرض الميتة ، هل يملكها الذمي بالاحياء حينئذ (1) كما يملكها المسلم مع الإذن بالاحياء؟ المشهور عند أصحابنا عدم الملك ، وهو مذهب الشافعي ، لقوله عليه السلام : « موتان الأرض لله ولرسوله وهي لكم مني » (2) وهو خطاب للمسلمين فيختص بهم ، واستحسن المصنف تملك الكافر بالاحياء مع إذن الامام ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو

ص: 127


1- من « م » و « ر 1 ».
2- مستدرك الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 1 ، حديث 2. وفي الأصل ( موتاة ) ، وما أثتبناه من المصدر و « م » و « ر 1 ».

مذهب أبي حنيفة ، ولعل وجهه أن الذمي له أهلية التملك فاذا سلطه المالك وهو الامام على ملكيته (1) ملكه كغيره ، لعموم قوله عليه السلام : « من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق » (2).

والبحث انما هو مع إطلاق الإذن بالاحياء ولم يفهم منه ارادة التمليك ، اما لو علم منه ارادة التمليك فإنه يملك قطعا ، لأن الإمام عندنا لا يأمر بغير المشروع.

قال رحمه اللّه : الثاني : أن لا يكون حريما لعامر ، كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط ، وحد الطريق - لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة - خمسة أذرع ، وقيل : سبعة أذرع فالثاني يتباعد هذا المقدار ، وحريم الشرب بمقدار مطرح شرابه ، والمجاز على حافتيه ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم ، قضي به له مع يمينه ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، وفيه تردد ، وحريم البئر المعطن : أربعون ذراعا ، وبئر الناضح : ستون ، وللعين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، وقيل حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، والأول أشهر.

أقول : هنا مسائل :

الاولى : في حد الطريق المبتكر في الأرض المباحة ، فعند المصنف أنه خمسة أذرع واختاره العلامة في القواعد ، ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، وقال الشيخ في النهاية : إنه سبعة أذرع ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف وقواه في التحرير وهو مذهب فخر الدين ، والشهيد رحمه اللّه قال :والقول بالخمس ضعيف ، والمستند الروايات (3).

ص: 128


1- في « ر 1 » و « ن » : ملكه.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب 1 ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب 11 ، حديث 5 و 6 وكتاب الصلح ، باب 15 ، حديث 1 و 2.

الثانية : إذا كان لشخص نهر في ملك غيره فادعى مالك النهر الحريم ، وادعاه مالك الأرض ، قال المصنف : يقضى به لمالك النهر ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، ثمَّ تردد المصنف في ذلك ومنشأ التردد من أن الحريم من جملة الأرض وهي لغير مالك النهر فيكون القول قول مالك الأرض ، ومن ان الحريم ملازم للنهر ، وثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم فيكون دعوى مالك النهر موافقة للظاهر ، فيكون القول قوله ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير.

الثالثة : في حريم بئر المعطن بكسر الطاء ، وهي التي يسقى منها الإبل ، أربعون ذراعا ، وحريم بئر الناضح ، وهي التي يسقى منها الزرع - والناضح اسم للجمل أو الثور الذي يجذب الدلو - ستون ذراعا ، وحريم العين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن الجنيد : حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، واختاره العلامة في المختلف ، والأول هو المعتمد لورود الروايات (1) الصحاح به.

قال رحمه اللّه : الثالث أن لا يسميه الشارع مشعرا للعبادة ، كعرفة ومنى والمشعر ، فإن الشرع دل على اختصاصها موطنا للعبادة ، فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة ، أما لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدي الى ضيقها عما يحتاج اليه المتعبدون كاليسير ، لم أمنع منه.

أقول : منع العلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد في الدروس من إحياء اليسير من هذه المواضع لتعلق حقوق الخلق كافة بها وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ولو كان مواتا خاليا من تحجير ، كما أقطع النبي صلى اللّه عليه وآله الدور وأرضا بحضر موت ،

ص: 129


1- أما حريم المعطن والناضح ففي الوسائل ، إحياء الموات ، باب 11 ، حديث 5. وأما حريم العين فالمصدر السابق، حديث 3.

وحضر فرس الزبير ، فإنه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة ، فلا يصح رفع هذا الاختصاص بالاحياء.

أقول : المراد بالدور هنا الدور التي أقطعها النبي صلى اللّه عليه وآله بالمدينة ، واختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : أقطع الخراب الذي أرادوا أن يبنوا فيه دورا فسماه بما يئول اليه من العمارة ، وقال آخرون : كانت تلك الخراب من ديار عاد فسماها باسمها التي (1) كانت عليه وكلاهما مجاز ، وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضر موت ، وأقطع الزبير حضر فرسه اى عدوها ، فأجراه حتى قام فرمى بسوطه فقال : أعطوه من حيث وقع السوط (2) ، وهذا غير ملك بل يفيد اختصاصها (3) كالتحجير.

ص: 130


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : باسرها.
2- سنن البيهقي - ج 6 ص 144. وفي المصدر ( بغ ) وفي « ن » دفع بدل ( وقع ).
3- في « م » و « ن » و « ر 1 » : اختصاصا.

في كيفية الاحياء

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا الان من يسمى التحجير إحياء ، وهو بعيد.

أقول : المرجع في كيفية الاحياء وصفته الى العرف والعادة فكلما تعارفه الناس احياء ملك به وما لا فلا ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (1) ذكر ان الملك يحصل بالاحياء ولم يذكر كيفية ذلك ولا وصفه (2) ، وكلما ورد به الشرع مطلقا ولا بد من تحديده فالمرجع فيه الى العرف ، وقد بين المصنف كيفية الاحياء والتحجير ( وذكر أن التحجير ) (3) لا يفيد ملكا بل أولوية ، والاحياء يفيد الملك ، ثمَّ ذكر عن بعض فقهاء زمانه (4) أنه يسمى التحجير احياء ، بمعنى انه يحصل معه (5) الملك ، ثمَّ استبعد ذلك ، والقائل المشار اليه هو شيخ المصنف نجيب الدين محمد بن نما. وحمله الشهيد على

ص: 131


1- المستدرك ، كتاب إحياء الموات ، باب 1 ، حديث 1.
2- في « م » و « ر 1 » : صفته.
3- ما بين القوسين من « م » و « ر 1 » و « ن ».
4- في « ن » : فقهائنا.
5- في « ن » : منه.

أرض ليس فيها استيجام (1) ولا ماء غالب وتسقيها العيون (2) غالبا ، فان ذلك قد (3) يعد احياء.

والمعتمد ان الرجوع في ذلك الى العرف كما هو مشهور (4) بين الأصحاب.

ص: 132


1- من « ر 1 » وهو موافق للمصدر وهو الدروس ، ج 3 ، ص 56. وفي الباقي من النسخ : أشجار.
2- في المصدر و « م » و « ن » و « ر 1 » : الغيوث.
3- ليست في الأصل مع أنها في المصدر أيضا.
4- في « ن » : المشهور.

في المنافع المشتركة

قال رحمه اللّه : وقيل : لو قام لتجديد الطهارة أو إزالة نجاسة أو ما أشبه ذلك ، لم يبطل حقه.

أقول : إذا سبق الى موضع من المسجد كان أحق ما دام في المسجد ، فاذا فارقه زال الاستحقاق سواء كانت المفارقة لعذر كتجديد الطهارة وإزالة النجاسة ، أو لغير عذر ، جزم به العلامة في القواعد والتحرير والشهيد في الدروس ، لزوال سبب الاستحقاق بالمفارقة. ونقل المصنف قولا بعدم زوال الاستحقاق إذا كانت المفارقة لعذر كتجديد وضوء أو ازالة نجاسة ، ووجهه أنه صار أحق به بسبب السبق والأصل بقاء الاستحقاق ، خرج منه زوال حقه إذا فارق لغير عذر لوقوع الإجماع فلا التفات ، يبقى الباقي على أصالة الاستحقاق ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو فارق لعذر ، قيل : هو أولى عند العود ، وفيه تردد ، ولعل الأقرب عدم الأولوية.

أقول : منشؤه من أن المفارقة لعذر غير مانع لاستحقاقه ، وإلا حصل

ص: 133

التضرر المنفي اما بفوات غرضه أو بفوات الاستحقاق ، وما منه التضرر فهو ممنوع بقوله عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار في الإسلام » (1) فلا يسقط الاستحقاق بالمفارقة لعذر ، ومن زوال سبب الاستحقاق وهو الكون في المدرسة والرباط ، لاستحقاقه بسبب الكون في ذلك الموضع ، فاذا فارقه زال السبب ، فيزول المسبب وهو المعتمد.

ص: 134


1- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 12 ، حديث 3 و 4 و 5 والفقيه ، كتاب الإرث ، باب ميراث أهل الملك ، حديث 2.

في المعادن الظاهرة

قال رحمه اللّه : وفي جواز اقطاع السلطان للمعادن تردد ، وكذا في اختصاص المقطع بها.

أقول : منشؤه من عدم جواز الاختصاص بها فلا يجوز إقطاعها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو بناء على عدم اختصاص الامام بها ، والبحث هنا في المعادن الظاهرة. ومن قول المفيد وابن البراج باختصاص الامام بها ، فيجوز إقطاعها ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو تسابق اثنان فالسابق أولى ، ولو توافيا وأمكن أن يأخذ كل منهما نصيبه فلا مبحث والا أقرع بينهما مع التعاسر ، وقيل : يقسم ، وهو حسن.

أقول : إذا لم يكن الجمع بينهما احتمل القرعة لانحصار الحق فيها ، وعدم أولوية أحدهما على صاحبه. وقيل : يقسم ذلك الموجود بينهما لاشتراكهما في سبب الاستحقاق ، وهو إثبات اليد دفعة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا من خص المعادن بالإمام عليه السلام ، وهي

ص: 135

عنده من الأنفال فعلى هذا لا يملك ما ظهر منها وما بطن.

أقول : ذهب المفيد وابن البراج في المهذب الى أن جميع المعادن للإمام ، وذهب ابن إدريس الى أن ما كان في ملكه عليه السلام ، كبطون الأودية ورءوس الجبال فهو له ، وما كان في أملاك المسلمين فهو لهم دونه ، وذهب الشيخ في المبسوط الى أن المعادن للمسلمين كافة ، والناس كلهم فيها سواء ، يأخذ كل واحد منهم قدر حاجته ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو حفرها لا للتملك بل للانتفاع ، فهو أحق بها مدة مقامه عليها ، وقيل : يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته ، ولو قيل : لا يجب ، كان حسنا.

أقول : أقسام الابار ثلاثة : ما يحفر في ملكه (1) ، وما يحفر في الموات للتمليك ، وفي هذين القسمين يملك الحافر البئر وماءها ، وما يحفر في المباح لا للتمليك ، بل للانتفاع مدة إقامتهم عليها فهو أحق بها مدة الإقامة.

وهل يجب على الحافر بذل الفاضل عن قدر حاجته؟

قال الشيخ يجب ذلك لما رواه ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (2) ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من منع فضل الماء ليمنع به الكلاء ، منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة » (3) واستحسن المصنف رحمه اللّه عدم الوجوب ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، والشهيد ، لأن المباحات إن قلنا : لا يفتقر في ملكها (4) إلى النية فقد ملك هنا الماء ، ولم يجب عليه بذل ما هو ملكه.

ص: 136


1- في « ن » و « م » و « ر 1 » : ملك.
2- مستدرك الوسائل ، إحياء الموات ، باب 4 ، حديث 2.
3- المصدر ، باب 6 ، حديث 5.
4- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تملكها.

وإن قلنا : إنها تفتقر إلى نية فيكون هذا كالتحجير يفيد أولوية ، فلا يجب بذل الفاضل منه ، ويجوز بيعه كيلا ووزنا ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه الاولى : ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح ، قال الشيخ : لا يملكه الحافر كما إذا جرى سئل إلى أرض مملوكة ، بل الحافر أولى بمائه من غيره ، لأن يده عليه ، فان كان فيه جماعة ، فان وسعهم التراضي فيه فلا بحث ، وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة الضياع ، ولو قيل : يقسم على قدر انصبابهم من النهر ، كان حسنا.

أقول : الأصل في الماء الإباحة لجميع الناس ، لقوله عليه السلام : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (1) ويملك بالاحراز في الإناء إجماعا ، وباستنباط بئر أو عين بقصد التملك ، فإنه يملك البئر والماء على المختار.

وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع من المبسوط : إذا ملك الإنسان البئر بالاحياء وخرج ماؤها ، فإنه أحق بها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، فان فضل بعد ذلك شي ء وجب بذله بغير عوض للمحتاج اليه لشربه ، والمعتمد عدم الوجوب.

وإذا حفر نهرا في ملكه أو في الموات ، وحصل فيه من الماء المباح شي ء ، هل يملكه مالك النهر وهو الحافر؟

قال الشيخ : لا يملك بل يكون أحق به من غيره ، لأنه لم يحدث على ملكه بل دخل فيه. والمعتمد أنه يملكه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه مباح قابل للتمليك (2) ، وقد قبضه النهر المملوك فصار مملوكا ، كما لو كان نبعا من قعر النهر.

ص: 137


1- تقدم مصدره في هامش رقم 21.
2- في « م » : للتملك.

وعلى الحكم بالملك لا يصح لأحد التصرف فيه إلا مع الاذن صريحا أو عرفا ، كالوضوء (1) منه والشرب والغسل وغسل الثوب ، ولو علم الكراهية لم يجز.

ولو كان النهر المملوك لجماعة كان ماؤه بينهم على قدر انصابهم من النهر على ما استحسنه المصنف ، والنصيب (2) على قدر العمل باليد (3) أو النفقة ، لأن ملك الماء تابع لملك النهر ، وملك النهر مستفاد من العمل أو النفقة على العمل فيكون النصيب على قدر ذلك.

فحينئذ إن كفى الجميع فلا بحث ، وإن قصر وتراضوا على القسمة بالمهاياة أو غيرها صح وان تعاسروا قسم الحاكم بينهم على قدر حقوقهم من النهر ، وتوضع خشبة صلبة أو حجر مشقوق الطرفين والوسط ، فيوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم (4) الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم ، يخرج من كل ثقب إلى ساقية منفردة الى كل واحد منهم ، فاذا حصل الماء في ساقية انفرد به.

فان اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه ولاخر ثلثه وللثالث سدسه ، جعل فيه ستة ثقوب لصاحب النصف ثلاثة تصب في ساقية ، ولصاحب الثلث اثنان ، ولصاحب السدس واحد ، وعلى هذا فقس.

قال رحمه اللّه : لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ، لم يشارك السابقين ، وقسم له ما يفضل عن كفايتهم ، وفيه تردد.

أقول : قوله ( ولو أحيا أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ) أي الوادي

ص: 138


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : بالوضوء.
2- ليست في الأصل.
3- في « ن » : بالبذل.
4- في « ن » : مقدم.

المذكور في المسألة السابقة الذي لم يف مسيله (1) بسقي ما عليه دفعة.

وهذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط محتجا بأن هذا الماء من مرافيق أرضهم وحقوقها ، وكانوا أحق به من غيرهم مع حاجتهم اليه فلا يقسم لهذا المحيى الا ما فضل عن حاجتهم ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير تردد.

وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه قد ملك الأرض بالإحياء فيكون له نصيب في الماء ، فعلى هذا لا خلاف في تقدمهم (2) عليه لسبقهم بالاحياء ، وكل من أحيا أولا كان حقه أسبق بالسقي. وإنما يبدأ بمن يلي الفوهة ، ثمَّ بمن يليه مع جهل السابق ، ولو علم سبق الأقصى وتأخر من يلي الفوهة قدم الأقصى بالسقي وتأخر المتأخر بالاحياء ، وهو الذي يلي الفوهة.

إذا عرفت هذا فهذا المحيي لا شك في تأخره ، فإن قلنا بالمشاركة سقي أخيرا ، ولا يجوز رد الماء إلى الأرض إلا بعد فراغه وإن احتاج الأول اليه ، وأن قلنا بعدم المشاركة كمذهب الشيخ والعلامة ، فإن فضل عن قدر حاجتهم شي ء قسم له ، وان احتاج اليه الأول بعد سقي الأخير قدم الأول على هذا المحيي ، لعدم الفضل حينئذ فهذا معنى قولهم ( ويقسم له ما يفضل عن كفايتهم ).

ص: 139


1- ليست في الأصل.
2- في « م » « ر 1 » : تقديمهم.

ص: 140

كتاب اللقطة

اشارة

ص: 141

ص: 142

في اللقيط

قال رحمه اللّه : ولا ريب في تعلق هذا الحكم بالتقاط الطفل غير المميز وسقوطه في طرف البالغ العاقل ، وفي الطفل المميّز تردد ، أشبهه جواز التقاطه ، لصغره وعجزه عن دفع ضرورته.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن امتناعه عن الضياع لاستقلاله (1) بحفظ نفسه فلا يجوز التقاطه. والمعتمد الجواز ، وهو مذهب المصنف والعلامة والشهيد.

قال رحمه اللّه : وهل يراعى الإسلام؟ قيل : نعم ؛ لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهرا ، ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين.

أقول : المشهور اشتراط الإسلام في ملتقط الطفل المحكوم بإسلامه ظاهرا ، كالوجود في دار الإسلام ، أو دار الكفر وفيها ولو مسلم واحد لما ذكره المصنف ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير توقف. وظاهر كلام المصنف يشعر بالتوقف ، ووجهه : أن الغرض الأهم حضانته وتربيته ، وهو يحصل من

ص: 143


1- في « ن » : لاشتغاله.

الكافر.

والمعتمد الأول ، لانتفاء سبيل الكافر عن المسلم ، ولا شك في ثبوت السبيل للملتقط على الملقوط.

قال رحمه اللّه : ولو كان الملتقط فاسقا ، قيل : ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه الى عدل ؛ لأن حضانته استيمان ولا أمان للفاسق ، والأشبه أنه لا ينتزع.

أقول : القول بانتزاعه من يد الفاسق قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، لعدم أمانة الفاسق فلا يؤمن أن يدعى رقه ، واختار المصنف عدم انتزاعه ، واستقربه الشهيد في دروسه ؛ لان المسلم محل للأمانة ، والأول أحوط.

قال رحمه اللّه : ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه ، أو حضري يريد السفر ، قيل : ينتزع من يده لما لا يأمن من ضياع نفسه [ نسبه ] ، فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه ، والوجه الجواز.

أقول : القول المحكى قول الشيخ في المبسوط ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ اختار جواز التقاط البدوي ومريد (1) السفر ، واختاره العلامة أيضا ، لوجود شرائط الالتقاط فيهما ، فيثبت لهما من الولاية بإثبات اليد ما يثبت لغيرهما ، وهو المعتمد.

وعلى القول بانتزاعه منهما ، إنما ينتزع مع وجود غيرهما أولى بالحفظ منهما ، ومع عدم ذلك لا ينتزع منهما قطعا.

قال رحمه اللّه : وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به ، وإلا استعان بالمسلمين ، وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية ؛ لأنه دفع ضرورة مع التمكن ، وفيه تردد.

ص: 144


1- في « م » : ومن يريد.

أقول : منشؤه من أنه إحسان ومعاونة على البر فيكون واجبا ، لعموم قوله تعالى ( وَأَحْسِنُوا ) (1) ، وقوله تعالى ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (2) ، ولما في ذلك من حفظ نفس المسلم ، فيكون واجبا على الكفاية ؛ لأن فعله غير مراد من واحد معين فاذا قام به البعض سقط عن الباقي.

ومن أن الوجوب حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والأصل براءة الذمة ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : أخذ اللقيط واجب على الكفاية ؛ لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع ضرورة المضطر ، والوجه الاستحباب.

أقول : المشهور وجوب أخذ اللقيط على الكفاية ، وجزم به العلامة والشهيد ، ولم يوجبه المصنف ، لأصالة البراءة ، وحمل الآية على الاستحباب ، وأستعبده الشهيد إذا خيف على اللقيط التلف.

قال رحمه اللّه : اللقيط يملك كالكبير. وفيما يوجد بين يديه أو الى جانبه تردد ، أشبهه أنه لا يقضى له ، وكذا البحث لو كان على دكة وعليها متاع ، وعدم القضاء هنا له أوضح.

أقول : منشأ التردد من انتفاء أسباب الملك هنا ؛ لان سبب الملك إثبات اليد على ما هو متصل به ، كالقميص الذي عليه ، ودراهم مشدودة فيه ، وفراش تحته ، ودراهم مصبوبة تحت الفراش ، ودابة هو راكبها أو مشدودة بشي ء متصل به ، فهذه الأشياء كلها تحت يده.

والذي بين يديه والى جانبيه غير متصل به ولا يده عليه ، فلا يقضى له به.

ومن أن العادة قاضية أن الإنسان قد يترك ماله بقربه وهو غير متصل به

ص: 145


1- البقرة : 195.
2- المائدة : 2.

كالميزان وغيرها للبقال.

والمعتمد ان هذا الشي ء الذي يقاربه وهو غير متصل به ، إن ادعاه مدع غير اللقيط قضي له به ، والا فهو اللقيط.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان أمّا ، ولو قيل : لا يثبت نسبه الا مع التصديق ، كان حسنا.

أقول : لم يفرق الشيخ في الخلاف والمبسوط بين دعوى الرجل والمرأة للبنوة ، وانه يقبل دعوى المرأة كما يقبل دعوى الرجل ، واستحسن المصنف عدم ثبوت نسب المرأة إلا مع التصديق ، والمراد به بعد البلوغ أو بإقامة البينة قبله ، وهو اختيار العلامة وابنه ؛ لأن الأصل عدم النسب ، خرج منه قبول دعوى الأب للإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع ما لم يحصل البينة أو التصديق بعد الدعوى.

قال رحمه اللّه : ولا يحكم برقه ولا بكفره إذا وجد في دار الإسلام ، وقيل : يحكم بكفره إذا أقام الكافر بينة ببنوته ، وإلا حكم بإسلامه لمكان الدار وإن لحق نسبه بالكافر ، والأول أولى.

أقول : الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه تبعا للدار ، فان ادعى كافر بنوته لحقه نسبه.

وهل يحكم بإسلامه أو بكفره؟ قال الشيخ في المبسوط : إن كان معه بينة حكم بكفره ؛ لأن البينة أثبتت فراشه ، والمولود على فراش الكافر يكون كافرا. وإن لم يكن معه بينة حكم بإسلامه لأنه وجد في دار الإسلام ، وقال في الخلاف مثل ذلك.

وظاهر المصنف الحكم بالإسلام مطلقا ، سواء أقام بينة أو لم يقم ، ووجهه أنه قد حكم الشارع بإسلامه لمكان الدار ، والأصل البقاء على الحكم بالإسلام

ص: 146

إلى حين البلوغ ، فان بلغ وأعرب الكفر حكم بارتداده ، وذهب العلامة إلى اختيار الشيخ وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اختلف مسلم وكافر ، أو حر وعبد في دعوى بنوته ، قال الشيخ : يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد ، وفيه تردد.

أقول : هذا إشارة الى ما قاله الشيخ في المبسوط ، فإنه حكى عن قوم ترجيح المسلم على الكافر ، والحر على العبد ، ثمَّ قال : وهو قوى.

وحكم في الخلاف بعدم الترجيح ، واستدل بعموم الاخبار فيمن ادعى النسب ولم يخصوا كافرا من مسلم ولا عبدا من حر.

وتوقف المصنف والعلامة ولم يرجحا شيئا.

ورجح فخر الدين المسلم إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه كالملتقط في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم ، لتأييد دعوى المسلم بالحكم بإسلام اللقيط ، ولا يكون مسلما الا مع أحد أبويه ، وظاهر الشهيد في الدروس متابعته ، وظاهره في شرح الإرشاد متابعه مذهب الشيخ في الخلاف.

ص: 147

ص: 148

في الملتقط في الحيوان

قال رحمه اللّه : وكذا حكم الدابة ، وفي البقرة والحمار تردد ، أظهره المساواة ؛ لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

أقول : وقع الإجماع على عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا ، سواء كان في كلاء وماء أو لم يكن ، وكذا إذا ترك من جهد في كلاء وماء ، والمشهور عند أصحابنا جواز أخذه إذا ترك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، ويملكه الآخذ حينئذ بنفس الأخذ ، لأنه كالمباح.

ومنع ابن حمزة من أخذه مطلقا ، لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، قال : « جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه انى وجدت بعيرا ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، فلا تهيجه » (1) ، وهو محمول على الواجد في كلاء وماء ، أو ترك (2) من غير جهد.

ص: 149


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 13 ، حديث 1.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تركه.

إذا عرفت هذا فالمشهور إلحاق الدابة بالبعير ، وفي (1) جواز الأخذ إن تركت من جهد في غير كلاء ولا ماء ، والمنع ان تركت صحيحة أو مجهودة وهي في كلاء وماء لمساواتها للبعير في الامتناع ، ويحتمل جواز أخذها مطلقا ؛ لأن الخيل لا تصبر عن الماء صبر الإبل.

وهل حكم البقرة والحمار حكم الإبل والخيل؟

تردد المصنف في ذلك من المشاركة في العلة المانعة من أخذ البعير ، وهي القدرة على رعي الأشجار ، والشرب من الأنهار ، والامتناع من صغير السباع لكبر حجمها فيها بها صغير السباع ومن أن الحمير والبقر لا تصبر صبر البعير على الجوع والعطش ، فيجوز أخذها.

وجزم العلامة في القواعد بالمساواة وكذا الشهيد ، وهو المعتمد.

فرع : إذا أخذ البعير وشبهه في موضع الجواز ملكه بنفس الأخذ ولا ضمان عليه ؛ لأنه كالتالف ، فلو جاء المالك وأقام به بينة أو صدّقه الآخذ ، هل له انتزاع العين؟ استشكله العلامة في القواعد ، من أصالة بقاء الملك السابق ، ومن الحكم بملك الملتقط ، فلا يبطل بوجود المالك.

واختار فخر الدين وجوب الدفع الى المالك ، وجزم العلامة في التحرير والشهيد في الدروس باستقرار ملك الملتقط وعدم جواز الانتزاع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد ؛ لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرّضة للتلف ، والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ، ويضمن على تردد.

أقول : إذا وجد الشاة في الفلاة وهي الموضع الذي ليس فيه قرى مسكونة ولا أهل طنب جاز أخذها إجماعا وإذا أخذها كان مخيرا بين حفظها لمالكها ، وبين

ص: 150


1- كذا في النسخ.

دفعها الى الحاكم ليحفظها لمالكها ، ولا ضمان فيهما إجماعا ، وبين أن يتملكها.

وهل يضمن هنا؟ تردد المصنف في ذلك ، لقوله عليه السلام حين سئل عن ضالة الغنم « خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب » (1) ، وظاهر قوله هي لك يقتضي التمليك (2) ، فيكون كالبعير إذا ترك من جهد ، ومن عموم قوله عليه السلام : « لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه » (3) ، وعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (4) ولا منافاة بين جواز الأخذ والضمان ، وهو المعتمد. وقوى العلامة عدم وجوب التعريف للخبر السابق وهو جيد.

قال رحمه اللّه : وفي حكمها كل ما [ لا ] يمتنع من صغير السباع ، كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير على تردد.

أقول : منشؤه من الاشتراك في العلة المبيحة للأخذ ، وهي عدم القدرة على الامتناع من صغير السباع ، والاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم ، ومن أصالة عدم جواز التسلط على مال الغير بغير اذنه ، فيقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى الى غيره ؛ لأن التعدي قياس لا نقول به.

والمعتمد الأول ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه اللّه : ويصح أخذ الضالة لكل بالغ عاقل ، أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ رحمه اللّه فيهما بالجواز ؛ لأنه اكتساب ، وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة ، فان لم يأتي مالك ، فان كان الغبطة في تمليكه وتضمينه إياها

ص: 151


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 13 ، حديث 1 وغيره.
2- في « م » : التملك.
3- المستدرك ، الغصب ، باب 1 ، حديث 3 - 5.
4- المستدرك ، كتاب الوديعة ، باب 1 ، حديث 12. والمصدر السابق حديث 4.

فعل ، وإلا أبقاها أمانة ، وفي العبد تردد ، أشبهه الجواز ؛ لان له أهلية الحفظ ، وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه : لا ، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في لقطة الكافر والفاسق فالمشهور بين الأصحاب جوازها لهما ؛ لأنها نوع اكتساب فيتساوى فيها المسلم والكافر والعدل والفاسق ، لتساويهما في جواز الاكتساب ، وظاهر ابن الجنيد عدم جواز أخذها للفاسق فيكون أولى منه الكافر ؛ لأن اللقطة أمانة وولاية ، وليس الفاسق والكافر أهلا لها ، فعلى هذا يحتمل منع الطفل والمجنون من أخذها ، لأنهما ليسا أهلا للأمانة والولاية ، ولهذا لم يجزم المصنف بجواز التقاطهما ، بل أسند ذلك الى الشيخ ، وهو يشعر بالتوقف.

والمعتمد تحريم لقطة الحرم على هؤلاء الأربعة ؛ لأنها أمانة محضة ، وجواز غيرها ؛ لأنها اكتساب مجرى القرض.

الثاني : في لقطة العبد ، والمشهور جوازها ؛ لأن له أهلية الاكتساب ، وأهلية الأمانة فكان له الالتقاط. وقال ابن الجنيد ليس له ذلك لما رواه أبو خديجة عن الصادق عليه السلام قال : « لا يعرض لها العبد » (1) ، ولأن المقصود من اللقطة التملك بعد الحول ، وهو ليس من أهل التملك.

والمعتمد جواز أخذ اللقطتين له.

اما لقطة الحرم فلأنها أمانة وهو أهل للأمانة ، ونقل الشهيد عن العلامة أنه قال : لا نعلم فيه خلافا ، وأما غير لقطة الحرم فلما تقدم من أنها نوع اكتساب ويتولى التعريف السيد إن أذن فيها أو رضى بها ، ولا ضمان على السيد إن كان العبد أمينا وان لم يكن أمينا ، وعرف سيده بذلك ولم ينتزعها منه كان الضمان على السيد لا في رقبة العبد ، قاله الشيخ في المبسوط ، وظاهر العلامة في المختلف

ص: 152


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 20 ، حديث 1.

والتحرير عدم ضمان السيد ؛ لان للعبد التسلط على اللقطة ولا يجب على السيد الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا كان للقطة نفع ، كالظهر واللبن والخدمة ، قال في النهاية : كان ذلك بإزاء ما أنفق ، وقيل : ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصّان ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال : الأول ، كون النفع بإزاء النفقة سواء تساويا قيمة أو تفاوتا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ومستنده رواية السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن آبائه صلى اللّه عليهم جميعا.

الثاني : التقاص ، ومعناه تقويم المنفعة والنفقة ، فإن تساويا تهاترا ، وان تفاوتا رجع صاحب الفضل (2) على صاحبه ؛ لأنه أنسب إلى العدل ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثالث : عدم الرجوع بالنفقة ؛ لأنها واجبة على الملتقط وهو مذهب ابن إدريس.

ص: 153


1- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 12 ، حديث 2.
2- في « ن » : الفاضل.

ص: 154

في اللقطة

قال رحمه اللّه : اللقطة : كل مال ضائع أخذ ولا يد لأحد عليه ، فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف ، وما كان أزيد من ذلك ، فان كان في الحرم ، قيل : يحرم أخذه وقيل ، يكره ، وهو أشبه.

أقول : البحث هنا في لقطة الحرم ، والتحقيق : أن لقطة الحرم خالفت غيرها بأربعة أمور لا يخلو أحدها عن الخلاف.

أ ) هل يجوز أخذها أم لا؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، واختاره العلامة وأبو العباس ولهم عليه روايات (1) ، وقال الشيخ في الخلاف : أخذها مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الجواز ، ولما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم « قال : لا تحل لقطة الحرم الا لمنشد » (2) ، دل بمفهومه على إباحتها مع نية الإنشاد ، قلت : وكذلك لقطة غير الحرم إذا تجاوزت الدرهم ، لا يحل أخذها إلا مع قصد الإنشاد وهو التعريف ، فلا فرق حينئذ. والمعتمد التحريم والا لم يبق

ص: 155


1- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 1.
2- سنن البيهقي - ج 6 - ص 199.

للحرم مزية على غيره.

ب ) هل تملك لقطة الحرم إذا قصرت عن الدرهم كما تملك لقطة غيره ، أو تكون أمانة يجب تعريفها حولا كما لو زادت على الدرهم؟ الأول ظاهر ابن البراج والمصنف ، واختاره الشهيد وهو مذهب ابن إدريس ، لأصالة الجواز ، ولعموم (1) تملك ما نقص عن الدرهم من اللقطة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وابني بابويه ، وهو ظاهر القواعد والإرشاد والا لما حصل الفرق بين الحرم وغيره.

ج ) هل يجوز تملك لقطة الحرم بعد التعريف حولا كما يجوز تملك غيرها ، أم لا بل تبقى أمانة؟ بالأول قال أبو الصلاح ، وبالثاني قال أكثر الأصحاب.

د ) إذا تصدق بها بعد التعريف فكره المالك هل يضمن أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنه يضمن ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وقال الم فيد وابن البراج وابن حمزة لا يضمن ، واختاره أبو العباس وهو مذهب المصنف ؛ لأنه دفعه دفعا (2) مشروعا فلا يتعقبه ضمان ، احتج الموجبون بقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (3) ، ولأنه تصرف في إتلاف المال بغير اذن صاحبه ، فيكون مضمونا كلقطة الحرم ، وهو قوى.

قال رحمه اللّه : وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف ، أظهره الجواز ، وكذا العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال ، وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.

أقول : جزم أبو الصلاح بجواز التقاط الإداوة والقربة وغيرها من أوعية

ص: 156


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 2 ، حديث 9.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : دفع.
3- المستدرك ، كتاب الغصب ، باب 1 ، حديث 4.

الماء ، والحذاء والسوط ونحوه قول علي بن بابويه وابنه محمد بن بابويه ، وجوز ابن الجنيد التقاط الوتد والعقال والشظاظ لمن هو محتاج اليه ، قال : ويغرم (1) لمالكه مع التلف ، ومال إليه العلامة في المختلف ؛ لأنه أتلف مال الغير فيكون عليه ضمانه ، وقال الشيخ في النهاية : ويكره أخذ ماله قيمة يسيرة مثل العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه ذلك وليس بمحظور ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولرواية حريز (2) في الحسن عن الصادق عليه السلام الدالة على جواز التقاط هذه الأشياء.

احتج المانعون برواية عبد الرحمن (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي محمولة على الكراهية.

قال رحمه اللّه : لا تملك اللقطة قبل الحول ، ولو نوى ذلك ، ولا بعد الحول ما لم يقصد التملك ، وقيل : يملك بعد التعريف حولا وإن لم يقصد ، وهو بعيد.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

الأول : دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف قهرا بغير اختياره ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن بابويه وابن إدريس ؛ لقول الصادق عليه السلام : « يعرفها سنة فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل ماله » (4) والفاء للتعقيب من غير تراخ ، فلو احتاج دخولها في الملك بعد التعريف إلى نية لحصل التراخي وهو باطل فلا تفتقر إلى نيته نية.

الثاني : لا يدخل في ملكه بعد التعريف الا باختياره ، ويكفي فيه القصد وإن لم يتلفظ ، قاله العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو

ص: 157


1- في الأصل : يحرم ويغرم.
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 12 ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 2 ، حديث 1.

المعتمد ، أما الافتقار إلى النية فلأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يحصل قصد التملك ، وأما عدم الافتقار الى اللفظ فلان النية من أفعال القلوب فيكفي فيها القصد كسائر النيات.

الثالث : لا يدخل في ملكه بعد التعريف إلا بالنية واللفظ ، مثل أن يقول اخترت تملكها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبو الصلاح ، للإجماع على حصول الملك بذلك دون غيره ، فلا يحصل الملك بدونه.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه ، اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك وهو بعيد ؛ لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لقوله عليه السلام : « من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يعنت ، فان جاء صاحبها فليردها والا فهو ما اللّه يؤتيه من يشاء » (1) ، واستبعده المصنف ؛ لأن المطالبة تتوقف على الاستحقاق ، فلو توقف الاستحقاق على المطالبة لزم الدور ، وهو باطل ، فيكون سبب الضمان نية التملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجب التعريف الا مع نية التملك ، وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها على المالك ، فلا يجوز تملكها الا بعد التعريف ، ولو بقيت في يده أحوالا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه التعريف ؛ لأن التعريف انما يكون للتملك ، وإن أراد التملك وجب التعريف سنة ، والمشهور وجوبه مطلقا ، سواء قصد التملك أو لم يقصد ، لعموم (2) الأمر به ، ولأن فائدة الحفظ وصولها الى المالك ، وانما يتم بالتعريف لخفاء حالها على

ص: 158


1- سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 187. وفي ن ( ويكتم ).
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 2.

مالكها ، وانما يظهر بالتعريف ، ويجب أن يكون التعريف عقب الالتقاط بلا فصل ، وينبغي ان يكثر من التعريف يوم الوجدان وبعده على التدريج ، ونقل العلامة في التحرير قولا بأن أقله أن يعرف في الأسبوع ، وقال الشهيد : وينبغي أن يعرف كل يوم مرة أو مرتين من الأسبوع الأول ، ثمَّ في الأسبوع الثاني مرة ، ثمَّ في الشهر مرة ، ومثله عبارة القواعد ، والضابط : وجوب المتابعة بحيث لا ينسى اتصال التالي بمتلوه من غير تقدير معين (1).

فروع : أ ) لو نوى التملك قبل انقضاء الحول ، لم يحصل الملك وضمن بنفس النية ، ولا تصير أمانة لو عاد إلى نية الحفظ ، وله التملك بعد انقضاء التعريف ، لعدم تأثير الأولى غير الضمان.

ب ) تأخير التعريف حرام ، ولو أخره مع إمكانه أثم ، ولا يسقط التعريف بالتأخير ، وابتداء الحول من حين التعريف لا من حين الالتقاط.

ج ) لو أخر التعريف الحول الأول ثمَّ عرف الحول الثاني أو بعده ، كان له التملك بعد حول التعريف على المختار ، لعموم (2) جواز تملكها بعد التعريف.

قال رحمه اللّه : ولو عابت بعد التملك ، فأراد ردها مع الأرش جاز ، وفيه إشكال ؛ لأن الحق تعلق بغير العين فلم يلزمه أخذها معيبة.

أقول : إذا حضر المالك بعد أن نوى الملتقط التملك فطالب الملتقط ، وكانت قد تعيبت بعد نية التملك ، هل يجبر المالك على قبولها معيبة مع أرش العيب؟ يحتمل ذلك ؛ لأنها عين ماله فيجب عليه القبول والعيب (3) يجبر بالأرش ، ويحتمل العدم ؛ لان بنفس نية التملك تعلق حقه بالمثل أو القيمة ، فلا يجب عليه قبولها

ص: 159


1- من « م » و « ر 1 ».
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 2 ، حديث 1 وغيره.
3- في الأصل : والفائت.

معيبة ، وانما وجب عليه قبولها صحيحة ؛ لأن وجوب قبول المثل أو القيمة يقتضي وجوب قبول العين صحيحة ؛ لأن وجوب قبولها أولى من وجوب قبول مثلها أو قيمتها ؛ لأن المثل انما يجب قبوله لكونه مشابها لها ، والقيمة انما يجب قبولها مع عدم وجود العين على صفاتها ، فاذا وجدت على صفاتها كان قبولها اولى من قبول المثل أو القيمة.

قال رحمه اللّه : ولو علم المولى قبل التعريف ولم يأخذ منه ، ضمن لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن حيث أن العبد له التسلط على اللقطة ، فلا يجب على المولى الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وقد سبق البحث في ذلك (1).

ص: 160


1- ص 152.

كتاب الفرائض

اشارة

ص: 161

ص: 162

في موانع الإرث

قال رحمه اللّه : ولو كان الميت مرتدا ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم ، وفي رواية : يرثه الكافر ، وهي شاذة.

أقول : الرواية هي ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل ، « قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل نصراني أسلم ثمَّ رجع الى النصرانية ثمَّ مات ، قال : ميراثه لولده النصراني ، ومسلم تنصر ثمَّ مات؟ قال : ميراثه لولده المسلم » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في الاستبصار ، والمشهور عند أصحابنا أن ميراثه للإمام مع فقد الوارث المسلم لتحريمه بالإسلام فلا يرثه الكافر ، والرواية محمولة على التقية وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما لو لم يكن وارث سوى الامام ، وأسلم الوارث فهو أولى من الامام ؛ لرواية أبي بصير ، وقيل : إن كان قبل نقل التركة إلى بيت مال الامام ورث وإن كان بعده لم يرث ، وقيل : لا يرث ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد.

ص: 163


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 6 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : إذا أسلم وارث الكافر كان أولى من الامام مطلقا سواء نقله الى بيت المال أو لم ينقله ، فعلى هذا له أخذه ما دامت العين باقية ، وهو اختيار المصنف ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، ولم ينقله عميد (1) الدين عن غير المصنف ، والمستند رواية أبي بصير ، « قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة وولد مسلمان؟ فقال : إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس ، قلت : فان لم يكن له امرأة ولا ولد ، ولا وارث له سهم في كتاب اللّه من المسلمين وأمه نصرانية ، وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه؟ قال : فإن أسلمت امه فان جميع ميراث لها ، وان لم تسلم امه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب ، فان ميراثه له ، وإن لم يسلم من قرابته احد فهو للإمام » (2).

الثاني : التفصيل ، وهو إن أسلم قبل نقل التركة إلى بيت المال فهي له ، وإن كان بعده لم يستحق شيئا ، وهذا القول صرح به ابن حمزة ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في الإرشاد واختاره فخر الدين.

الثالث : وهو عدم الاستحقاق مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ساكتين عليه.

فروع : الأول : لو أسلم الوارث قبل(3) قسمة بعض التركة فيه ثلاثة احتمالات، أحدها : المشاركة في الجميع إن كان مساويا ، واجازة (4) الجميع إن

ص: 164


1- في « ن » : غير عميد الدين.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1 ، وفي المصدر سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ).
3- في النسخ : بعد.
4- في النسخ : اجازة.

كان أولى ؛ لأن التركة اسم لمجموع المال المتروك ولم يقسم المجموع ، فيصدق أنه أسلم على مال قبل قسمته ، فيجيزه إن كان أولى.

الثاني : أنه لا يرث فيما قسم ، ويرث في غير المقسوم ، أما عدم ميراثه من المقسوم ، فلوجود المانع من الميراث في ذلك البعض وهو القسمة ، فلا يرث منه شيئا ، وأما ميراثه من غير المقسوم ، فلعدم وجود المانع من الإرث ؛ لأن المانع القسمة ولم يوجد في ذلك البعض فيرث جميع (1) غير المقسوم أو بعضه على التفصيل.

الثالث : عدم الإرث من الجميع ؛ لأن الإرث مشروط بالإسلام قبل القسمة ، وهذا الشرط لم يوجد لحصول القسمة في البعض ، والثاني هو المعتمد.

الثاني(2): لو خلف الميت ما لا يمكن قسمته مثل العبد والجوهرة وأشباه ذلك ثمَّ أسلم الوارث ، هل يشارك في ذلك أم لا؟ يحتمل العدم ؛ لأن قولهم إذا أسلم على ميراث قبل قسمته ، يفهم منه اختصاص الإرث فيما يمكن قسمته دون ما لا يمكن ، والا لم يحسن قولهم قبل قسمته ، ويحتمل الإرث منه قبل القسمة (3) فيما بينهم ورد بعضهم على بعض لصدق إسلامه على مال قبل قسمته ، وهو المعتمد.

تنبيه (4) : هل يشارك في النماء المتجدد بين الموت والإسلام قبل القسمة؟ يحتمل ذلك ؛ لأن النماء تابع للأصل وهو يشارك في الأصل قطعا ، فيشارك في النماء خصوصا على القول ببقاء التركة على حكم مال الميت ، ولأنه لما استحق النصيب من التركة بالميراث عن الميت بينا (5) أنه كان مالكا حالة الموت والكفر

ص: 165


1- ليست في الأصل.
2- من « ن » وفي غيرها : الرابع.
3- في « م » و « ر 1 » : التثمين ، وفي « ن » : التمييز.
4- في الأصل : الثاني.
5- في « ن » : ثبت.

مانع وهو المعتمد ، ويحتمل العدم ، لتجدد النماء على ملك الورثة المسلمين فلا يستحق فيه شيئا ؛ لأنه انما يستحق فيما كان مملوكا لمورثه وهذا النماء لم يدخل في ملك المورث فلا يستحقه.

فرع (1): لو باع بعض الورثة حصته من التركة أو وهبها من آخر قبل القسمة ثمَّ أسلم الكافر ، هل يمنع من الميراث؟ يحتمل ذلك ؛ لأن البيع والهبة أقوى من القسمة ، لاقتضائهما (2) زوال الملك عن المالك (3) الى غيره ، والقسمة تقتضي تميز الحقوق بعضها عن بعض مع بقاء الملك على مالكه ، وإذا كان الأضعف مانعا من المشاركة كان منع الأقوى أولى ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم المنع لصدق الاسم (4) على مال قبل قسمته.

قال رحمه اللّه : ولو كان الوارث زوجا أو زوجة ، وآخر كافر ، فإن أسلم أخذ ما فضل من نصيب الزوجة ، وفيه إشكال ، ينشأ من عدم إمكان القسمة ، ولو قيل : يشارك مع الزوجة دون الزوج ، كان وجها.

أقول : الإرث هنا مبني على القول بعدم الرد على الزوج والزوجة ، وعدم الإرث مبني على القول بالرد ، وسيأتي أن شاء اللّه تحقيق ذلك (5).

قال رحمه اللّه : لو خلف نصراني أولادا صغارا ، وابن أخ وابن أخت مسلمين ، كان لابن الأخ ثلثا التركة ، ولابن الأخت الثلث وينفق الاثنان على الأولاد بنسبة حقهما ، فان بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة على رواية مالك بن أعين

ص: 166


1- ليست في الأصل.
2- في « ن » : لاقتضائها.
3- في « ن » : الكافر.
4- في النسخ : الإسلام.
5- ص 173.

أقول : روى مالك بن أعين عن الباقر عليه السلام ، « قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم ، وابن أخت مسلم ، وللنصراني أولاد وزوجة نصارى؟ قال : فقال : أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثا ما ترك ، ويعطى لابن أخته ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار ، وان كان له ولد صغار كان على الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا ، قيل له : كيف ينفقان؟ قال : فقال : يخرج وارث الثلاثين ثلثي النفقة ، والأخر ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعت النفقة عنهم ، وإذا أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم الى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم ، وإن لم يبقوا إذا أدركوا دفع الامام الميراث الى ابن أخيه وابن أخته المسلمين » (1) وهذه الرواية من المشاهير ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج ، وردها ابن إدريس وحكم بالميراث لابن الأخ وابن الأخت المسلمين ؛ لأن الأولاد بحكم آبائهم ولم يوجب الإنفاق على الأولاد ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر ، وخرّج المفيد رحمه اللّه وجها آخر ، هو المنع من الدية ، وهو حسن ، والأول أشبه.

أقول : القتل إذا كان عمدا ظلما منع القاتل من إرث المقتول إجماعا مقابلة بنقيض مقصوده ، وعقوبة (2) على فعله ، واحتياطا في عصمة الدم كيلا تقتل أهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في الميراث ، وإن كان خطأ فقد اختلف فيه الأصحاب على ثلاثة أقوال :

الأول : المنع مطلقا ، وهو قول ابن أبي عقيل احتياطا لعصمة الدم ، ولأنه

ص: 167


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 2 من موانع الإرث ، حديث 1.
2- في « ن » : بعقوبة.

يؤخذ منه الدية فكيف يرث منها.

الثاني : التوريث مطلقا ، وهو قول المفيد وسلار واختاره المصنف ؛ لان المنع عقوبة وقاتل الخطأ غير مذنب ، ولصحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال سألته عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال : إن كان خطأ ورثها ، وإن كان عمدا لم يرثها » (1) ولا يتوهم أحد من قول المصنف ( وخرج المفيد وجها وهو المنع من الدية ) أن ذلك مذهب المفيد ، بل مذهبه التوريث مطلقا ، نقله عنه العلامة في المختلف ، وابنه ، وعميد الدين في شرح القواعد ، والشهيد ، وأبو العباس ، والوجه الذي أشار إليه المصنف هو أن المفيد حمل الرواية (2) الواردة بمنع القاتل وان كان خطأ على المنع من الدية دون غيرها ، نقله عنه الشيخ في النهاية ، قال في النهاية : والقاتل ضربان ، قاتل عمدا ولا يرث المقتول على كل حال ، ولدا كان أو والدا ، زوجا أو زوجة ، من نفس التركة ومن الدية وقد رويت رواية بأن القاتل لا يرث وإن كان خطا ، وهذه رواية شاذة لا عمل عليها ؛ لأن أكثر الروايات على ما قدمناه ، وكان شيخنا رحمه اللّه يحمل هذه الرواية على أنه إذا كان القاتل خطأ لا يرث من الدية ويرث من التركة ، للجمع بين الاخبار ، وعلى هذا أعمل ؛ لأنه أحوط. هذا آخر كلام الشيخ في النهاية ، وانما نسب المصنف هذا التفصيل الى المفيد ؛ لأنه هو السابق اليه وليس ذلك مذهبا له.

الثالث : المنع من الدية دون باقي التركة ، وهو قول الشيخ والمرتضى (3) وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، للجمع بين الروايات (4).

ص: 168


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 9 من موانع الإرث ، حديث 2.
2- الوسائل - الإرث ، باب 7 من موانع الإرث ، حديث 1.
3- ليست في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 7 - 8 - 9 من أبواب موانع الإرث.

واما شبه العمد فكالعمد عند ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد وابنه ، وكالخطإ عند سلار ، واختاره العلامة في التحرير ، وألحق بالخطإ أيضا قتل الصبي والمجنون ، وقال في القواعد : والقتل بالسبب مانع ، وكذا قتل الصبي والمجنون والنائم ، ولعل المعتمد فتوى التحرير ، لعدم المؤاخذة بالعقوبة.

قال رحمه اللّه : ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعا ، وكان الميراث للإمام ، ولو أسلم الكافر كان الميراث له ، [ والمطالبة اليه ، ] وفيه قول آخر.

أقول : القول الآخر إشارة الى ما سبق (1) من الخلاف فيما لو لم يكن وارث غير الإمام فأسلم الوارث ، هل يجيز المال مطلقا أو لا يجيزه مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد أو يجيزه ما لم ينقل الى بيت المال وقد سبق البحث في ذلك واختيار المصنف هنا هو اختياره هناك ، وهو الحيازة مطلقا.

قال رحمه اللّه : يرث كل مناسب ومسابب عدا من يتقرب بالأم ، فإن فيهم خلافا.

أقول : اختلف الأصحاب في الوارث لدية المقتول على ثلاثة أقوال :

الأول : يرثها كل وارث ، وهو قول الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف ، وابن حمزة وابن إدريس في كتاب الجنايات ، واختاره أبو العباس في المقتصر.

الثاني : يرثها كل مناسب ومسابب عدا المتقرب بالأم ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وابنه ، والشهيد.

الثالث : يرثها العمودان ، ومع فقدهما يرثها المتقرب بالأبوين معا ، دون من يتقرب بأحدهما من الاخوة والعمومة ، ومع فقدهم فلمولى النعمة ان كان ،

ص: 169


1- ص 164.

وإلا فالإمام وهو القول الثاني للشيخ في الخلاف ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن للميت وارث سوى المملوك ، اشترى المملوك من التركة وأعتق ، وأعطي بقية المال ، ويقهر المالك على بيعه ، ولو نقص المال عن قيمته قيل : يفك بما وجد ويسعى في الباقي ، وقيل : لا يفك ويكون المال للإمام ، وهو الأظهر ، وكذا لو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كل واحد منهم أو نصيب بعضهم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : فيما إذا كان الوارث واحدا ، وقصرت التركة عن قيمته ، هل يفك منه ما قابل التركة ويسعى في الباقي ، أو تكون التركة للإمام؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخان وسلار تكون التركة للإمام ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لأصالة عدم الفك ، خرج ما إذا وفت التركة بالقيمة ، يبقى الباقي على أصالة المنع ؛ لأن الأصل عدم جواز إجبار الغير على بيع ماله ، ونقل الشيخ وابن الجنيد وابن البراج عن بعض الأصحاب أنه يشتري منه ما قابل التركة ويستسعى في الباقي ، قال العلامة في المختلف : وليس بعيدا من الصواب ؛ لأن عتق الجزء يساوي عتق الكل في الأمور المطلوبة شرعا ، فيساويه في الحكم ، والأول هو المعتمد.

الثاني : فيما إذا تعدد الوارث ثمَّ قصر نصيب كل واحد عن قيمته ، أو قصر نصيب بعضهم ، وهذا تفريع على القول بعدم شراء بعض الوارث الواحد ، بل تكون التركة للإمام ، فعلى هذا القول لو خلف وارثين أو أكثر ، وقصرت التركة عن فك الجميع ونهضت بفك البعض ، إما لكثرة نصيبه أو لقلة قيمته ، هل تكون التركة للإمام أو يفك من نهض نصيبه بقيمته ( ويحوز الباقي؟ فيه إشكال ، منشؤه

ص: 170


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 10 - 11 من أبواب موانع الإرث.

من أن شراء الوارث مشروط بوفاء التركة بقيمته ) (1) وليس لأن الوارث مجموع الوارث ، والتركة قاصرة عن قيمة الجميع ، فلا يتحقق الشرط فينتفي المشروط ، فيكون التركة للإمام ؛ لأن اختصاص كل شي ء معين موقوف على حريته ، وليس له نصيب قبل الحرية حتى يفك به ، ولهذا إذا وفت التركة بقيمة الجميع فكوا من غير التفات الى تفاوت السهام ولا تفاوت القيمة ، فإنه لو كانت قيمة أحدهما جزء وسهمه مائة جزء ، والأخر بالعكس فكا جميعا لمجموع التركة ، من ( غير التفات الى هذا التفاوت ، فلو كان لأحدهما نصيب قبل الحرية لما جاز ذلك ، ومن وجود وارث تفي ) (2) التركة بقيمته فيشترى ويعتق ويعطى باقي التركة ، لعموم النص (3) ، واختاره فخر الدين ، قال : ولا إشكال عندي في هذه المسألة ، لأنه يجب عتق واحد لوجود المقتضي وهو وجود قريب وارث على تقدير الحرية ، فحينئذ يختص من (4) نهض نصيبه بقيمته وإلا أقرع.

تنبيه : لو امتنع المالك عن البيع ، دفع اليه الثمن وانتزع منه العبد قهرا ، ويكون ذلك كافيا في الشراء ، ولا يكفي الشراء عن العتق بعده ويتولاهما الامام ، ومع تعذره يتولاه الفقيه من باب الحسبة ، وكسبه قبل الشراء والعتق لسيده ، ولو باعه قبل شراء الامام صح البيع ويفكه الامام من الثاني (5).

قال رحمه اللّه : يفك الأبوان إجماعا ، وفي الأولاد تردد ، أظهره أنهم يفكون وهل يفك ما عدا الإباء والأولاد؟ الأظهر : لا ، وقيل : يفك كل وارث ولو كان زوجا أو زوجة ، والأول أولى.

ص: 171


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل - الإرث ، باب 20 من موانع الإرث.
4- في « ن » : بمن.
5- في « م » : الباقي.

أقول : اختلف الأصحاب فيمن يفك من الوارث ومن لا يفك على أربعة أقوال :

الأول : الأبوان خاصة ، وهو قول سلار ، وظاهر ابني بابويه ؛ لأن الفك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

الثاني : إضافة الأولاد إلى الأبوين ، والمراد بهم أولاد الصلب دون أولاد الأولاد ، وهو قول المفيد وابن حمزة ، وقواه ابن إدريس ، ونقله السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لحسنة جميل (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على فك الأولاد.

الثالث : إضافة الأقارب إلى الأبوين والولد ، فيدخل فيه من علا من الآباء ومن سفل من الأولاد ، والإخوة والأعمام والأخوال ، وبالجملة كل وارث عدا الزوج والزوجة ، وهو اختيار العلامة وفخر الدين والشهيد وابى العباس ، والمستند رواية عبد اللّه بن طلحة (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبهم.

الرابع : اضافة الزوجين إلى باقي الورثة ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والمستند صحيحة سليمان بن خالد (3) عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

قال رحمه اللّه : الغائب غيبة منقطعة لا يورث حتى يتحقق موته إلى آخره.

أقول : ذكر المصنف هذه المسألة في ما بعد (4) وبين وجهها بما لا يحتاج معه الى كشف.

ص: 172


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 20 من موانع الإرث حديث 4.
2- المصدر السابق حديث 5.
3- المصدر السابق ، حديث 10.
4- من كتاب الشرائع.

في الحجب

قال رحمه اللّه : الرابعة؟! أن لا يكون هناك وارث أصلا من مناسب ومسابب ، والنصف للزوج والباقي رد عليه ، وللزوجة الربع ، وهل يرد عليها؟ فيه أقوال ثلاثة : أحدها : يرد ، والأخر : لا يرد ، والثالث : يرد مع عدم الامام لا مع وجوده ، والحق انه لا يرد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في الرد على الزوج مع فقد غيره من الوارث ، والمشهور الرد عليه (1) دون الامام حتى ادعى الشيخان والمرتضى عليه الإجماع ، ويظهر من سلار وجود الخلاف فيه ، لموثقة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام ، « قال : لا يكون الرد على زوج ولا زوجة » (2) وتعارضها (3) أخبار (4) صحاح مصرحة بالرد عليه.

ص: 173


1- في « م » و « ر 1 » : على الزوج.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأزواج ، حديث 8.
3- في « ن » : يؤيدها.
4- الوسائل ، كتاب الإرث ، احاديث البابين 3 - 4.

الثاني : في الرد على الزوجة ، وفيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : الرد مطلقا في غيبة الامام وحضوره ، وهو قول المفيد ، وهو قول نادر قاله في آخر باب ميراث الاخوة من المقنعة ، ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له رجل مات وترك امرأة؟ قال : المال لها ، قال : قلت امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال له » (1) وحملها الشيخ على كونها قريبة له تأخذ الباقي بالقرابة.

الثاني : عدم الرد مطلقا ، وهو قول ابني بابويه وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف وفخر الدين ، لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السلام ، « قال : سألته عن امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره؟ قال : إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها الربع وما بقي للإمام » (2).

الثالث : التفصيل وهو الرد عليها مع غيبة الإمام دون حضوره ، وهو قول محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستقربه الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، ووجهه الجمع بين الاخبار (3).

قال رحمه اللّه : وهل يحجب القاتل؟ فيه تردد ، والظاهر أنه لا يحجب.

أقول : منشؤه من عموم قوله تعالى ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (4) خرج منه المماليك والكافر ، للرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم

ص: 174


1- الوسائل ، كتاب الإرث - أبواب ميراث الأزواج. وهي رواية ابن مسكان عن أبي بصير ، قطعها في الوسائل ، فجعل قسما في باب 1. حديث 6 ، والأخر في : باب 4 ، حديث 9.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من ميراث الأزواج ، حديث 8.
3- المصدر السابق ، احاديث باب 4.
4- النساء : 11.

يرثا؟ قال : لا » (1) فيبقى الباقي على العموم ، ولأنه لا يشترط في الحاجب أن يكون وارثا ، فإن الإخوة يحجبون ولا يرثون ، فكذلك القاتل يحجب وان منع من الإرث ، وهو مذهب محمد بن بابويه والحسن بن ابي عقيل ، ومن أن القاتل يشارك الكافر والمملوك في المنع من الإرث ، فيشاركهما في عدم الحجب ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة ، قال : ( اى كونهما ممنوعين من إرث الميت فيشتركان في عدم الحجب ) (2) بل بإجماع الأمة ، وابن مسعود خالف في ذلك ، وقد انقرض خلافه ، وبه قال المفيد وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملا تردد ، أظهره أنه شرط.

أقول : منشؤه من انتفاء علة الحجب ونفي وجوب نفقة الإخوة على الأب ، قال المفيد وابنا بابويه انما يحجب الإخوة للأب ؛ لأنهم عياله وعليه نفقتهم ، وهذه مروية (3) (4) وهي منتفية في الحمل فلا يكون حاجبا ، وعليه فتوى الأصحاب ومن عموم ( آية الحجب (5) وأصالة عدم اشتراط الانفصال ، والقائل بهذا غير معلوم ) (6).

ص: 175


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 14 من أبواب ميراث الأبوين ، حديث 1.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 10 من ميراث الأبوين والأولاد ، حديث 3.
4- في الأصل زيادة وهي : ( رواها الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ).
5- في الأصل : أنه يحجب.
6- ما بين القوسين ليست في « م » و « ن ».

ص: 176

ميراث الأنساب

قال رحمه اللّه : ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت كان لأولاد الابن الثلثان ولأولاد البنت الثلث على الأظهر.

أقول : المشهور بين (1) الأصحاب أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به ، فلأولاد الابن نصيب الابن ولأولاد البنت نصيب البنت ، فلو خلف ابن بنت وبنت ابن ، أخذ ابن البنت الثلث ، وأخذت بنت الابن الثلاثين هذا هو المشهور ، واستدل عليه بصحاح الأخبار ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن الصادق عليه السلام ، وصحيحة سعد بن أبي خلف (3) عن الكاظم عليه السلام ، وقال المرتضى وابن إدريس : إنهم يقتسمون مقاسمة الأولاد للصلب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا عبرة بالآباء ؛ لأن أولاد الأولاد أولاد حقيقة ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (4)

ص: 177


1- في الأصل : اتفق.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 7 من ميراث الأبوين ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 7 من ميراث الأبوين ، حديث 3.
4- النساء : 23.

واجتمعت (1) الأمة على الاستدلال بهذه الآية على تحريم بنت البنت ، وقوله تعالى ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (2) واجتمعت (3) الأمة على تحريم زوجة ابن الابن وزوجة ابن البنت لهذه الآية ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : وأولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين كما يقتسم أولاد الابن ، وقيل : يقتسمون بالسوية ، وهو متروك.

أقول : القول بالسوية قول ابن البراج ، والمشهور الأول ، لعموم القرآن وهو قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (4).

قال رحمه اللّه : يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وسيفه ومصحفه ، وعليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام ، ومن شرط اختصاصه أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي على قول مشهور ، وان يخلف الميت مالا غير ذلك.

أقول : البحث هنا في أماكن :

الأول : هل تخصيص الأكبر بالحبوة لازم للورثة على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ ابن إدريس على الوجوب ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وهو مذهب الشهيد لإطلاق الروايات (5) الواردة في ذلك ، ونص المرتضى وابن الجنيد على الاستحباب ، وهو ظاهر أبي الصلاح ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة عدم التخصيص.

الثاني : هل هذا التخصيص بالقيمة أو مجانا؟ قال المرتضى وابن الجنيد : هو بالقيمة ، للجمع بين قوله تعالى :

ص: 178


1- في النسخ : وأجمعت.
2- النساء : 23.
3- في النسخ : وأجمعت.
4- النساء : 11.
5- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 3 من أبواب ميراث الأبوين.

( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) وبين ما اجتمعت (2) عليه الطائفة من التخصيص ، ونص ابن إدريس أنه يعطى ذلك مجانا ، وهو ظاهر القائلين بالوجوب ، وهو المعتمد.

الثالث : المشهور اختصاص الحبوة بالأربعة التي ذكرها المصنف ، وهي ثياب البدن والخاتم والسيف والمصحف ، وزاد ابن الجنيد السلاح ، لرواية بشار (3) ، وفي رواية ربعي (4) عن الصادق عليه السلام إضافة الدرع والكتب والرحل والراحلة ، والمعتمد الأول ، لأصالة عدم التخصيص ، خرج المتفق عليه يبقى الباقي على أصالة المنع.

الرابع : لو تعددت أشخاص هذه الأربعة ، قال ابن الجنيد : يحبى بما كان الميت يعتاد لبسه ويديمه ، قال الشهيد : وهو حسن فيما جاء بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف والخاتم ، وقال العلامة : يعطى واحد يتخيره الوارث ، أما الثياب فيعطى الجميع لمجيئها بلفظ الجمع المضاف وهو للعموم ، فالاقتصار على البعض على خلاف النص ، وهو المعتمد.

الخامس : هل العمامة من الثياب أم لا؟ استشكله العلامة من أن البدن هل هو اسم لهذا الهيكل المحسوس أو لما عدا الرأس؟ ومن أن العمامة هل هي من ثياب بدنه أم لا؟ واختار الشهيد دخول العمامة للعموم.

السادس : هل يشترط كونه غير سفيه ولا فاسد الاعتقاد؟ اشترط ابن إدريس وابن حمزة ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

السابع : لو تعدد الولد الأكبر قسمت الحبوة بينهم ، وهو المشهور بين

ص: 179


1- النساء : 11.
2- في النسخ : أجمعت.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأبوين - وليس فيه رواية لبشار والمظنون كونها تصحيف ( بن بشار ) وهي ذات رقم 6.
4- المصدر السابق ، حديث 1 و 2.

الأصحاب ، وأسقط ابن حمزة الحبوة لأنه اشترط عدم وجود آخر في سنه.

الثامن : هل يشترط بلوغ الأكبر حالة الموت أم لا؟ ظاهر ابن إدريس وابن حمزة اشتراطه ، والروايات (1) وأكثر فتاوى الأصحاب مطلقة.

التاسع : هل يشترط هذه الحبوة بقضاء الفائت من الصلاة والصيام بحيث يمنع من الإخلال بذلك ، أو الحبوة له والقضاء واجب عليه ، وليس أحدهما مشروطا بالآخر؟ ابن حمزة على الأول ؛ لأنه جعل قضاء الصلاة والصيام شرطا خامسا وظاهر الروايات (2) وفتاوى الأصحاب وجوب القضاء وإن لم يكن حبوة ، واستحقاق الحبوة وإن لم يكن على الميت قضاء صلاة ولا صيام ، وهو المعتمد.

العاشر : الحبوة انما تكون بعد الدين والوصايا ، فلو كان الدين مستغرقا فلا حبوة ، ولو لم يكن مستغرقا لم يجز بيعها في الدين ، ولا يجوز دفع العين الى الديان ، بل يقضى الدين من غيرها ، ولو أبرأ صاحب الدين المستوعب الميت أو قضاه متبرع تعينت الحبوة ، لحصول الميراث.

الحادي عشر : لو أوصى بالأعيان المشخصة للحبوة نفذت الوصية فيها (3) ، فان خرجت من الثلث والا افتقرت إلى إجازة الأكبر خاصة.

الثاني عشر : لا بد أن يخلف الميت مالا غير قدر الحبوة وإن قل.

قال رحمه اللّه : إذا ترك جد أبيه ، وجدته لأبيه ، وجده وجدته لأمه ، ومثلهم للام ، كان لأجدادها الثلث بينهم أرباعا ، ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا ، ثلثا ذلك لجده وجدته لأبيه ، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الآخر

ص: 180


1- المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 12 من أبواب قضاء الصلوات - وكتاب الصوم ، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ، وكتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأبوين.
3- في « م » : منها.

لجده وجدته لأمه أثلاثا على ما ذكره الشيخ رحمه اللّه ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة ، تنكسر على الفريقين ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ تضرب الجميع في ثلاثة فتكون مائة وثمانية.

أقول : للميت في الدرجة الأولى أربعة أجداد ، وفي الثانية ثمانية ، وفي الثالثة ستة عشر ، فاذا مات عن ثمانية أجداد كان لأجداد الأم الثلث بينهم أرباعا ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا كما فرضه المصنف وقاله الشيخ رحمه اللّه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وانما كان أصله ثلاثة ؛ لأن فيها ثلاثا وثلاثين ( وقد تبين ان مخرج المفرد المكرر سميه فهو من ثلاثة ) (1) ولا شك في انكسارها على الفريقين ، فتضرب أقل عدد ينقسم على أجداد الأم - وهو أربعة - في أقل عدد ينقسم على أجداد الأب وهو تسعة ، ثمَّ المجتمع في أصل الفريضة يبلغ العدد المذكور ، فيحصل لكل من أجداد الأم الأربعة تسعة ، ولجدي الام (2) للأب (3) أربع وعشرون بينهما أثلاثا ولجدي (4) أب الأب ثمانية وأربعون بينهما أثلاثا ، وقال معين الدين المصري رحمه اللّه : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم بالسوية ، وثلث الثلاثين لأبوي أم الأب بالسوية ، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثا ، فسهام قرابة الأم ستة ، وسهام قرابة الأب ثمانية عشر ؛ لأنه أقل عدد ينقسم عليهم فيلغي أقل العددين ، لدخوله تحت الأكثر ، ويضرب الأكثر في أصل الفريضة تبلغ أربعة وخمسين ، ومنها تصح ، وقيل : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم أثلاثا ، فتصح أيضا من أربعة وخمسين ، والمعتمد الأول.

ص: 181


1- ما بين القوسين ليس في النسخ.
2- في النسخ : أم.
3- في « ر 1 » : الأب.
4- في « ن » : لأبوي.

قال رحمه اللّه : ولو اجتمع عم الأب وعمته ، وخاله وخالته ، وعم الأم وعمتها ، وخالها وخالتها ، قال في النهاية : كان لمن يتقرب بالأم الثلث بينهم بالسوية ، ولمن تقرب بالأب الثلثان ، ثلثه لخال الأب وخالته بينهما بالسوية ، وثلثاه بين العم والعمة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين فتضرب أربعة في تسعة فتصير ستة وثلاثين ، ثمَّ تضربها في ثلاثة فتصير مائة وثمانية.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن قرابة الأم يأخذ الذكر منهم مثل حظ الأنثى ، فالميراث بينهم بالسوية ، قال العلامة في القواعد : ويحتمل أن يكون لعم الام وعمتها ثلثا سهم الأم (1) بالسوية ، وثلثه لخالها وخالتها بالسوية ، ووجهه أن الأعمام والأخوال لو اجتمعوا كان للأعمام الثلثان ، وللأخوال الثلث ، وقد اجتمع أعمام الأم وأخوالها ، بالنسبة إلى الثلث فيقتسمون كذلك ، وهو ضعيف ؛ لأنهم جميعا يرثون الميت من جهة الأم ، فيشتركون بالسوية ، فعلى الأول يصح من مائة وثمانية ؛ لأن أصلها ثلاثة ، وأقل عدد ينقسم على أقرباء ( الأم أربعة وأقل عدد ينقسم على أقرباء ) (2) الأب ثمانية عشر ، وبينهما موافقة بالنصف ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ المجتمع في ثلاثة يبلغ العدد المذكور ، وعلى الثاني تصح من أربعة وخمسين.

قال رحمه اللّه : إذا كان للزوجة من الميت ولد ، ورثت من جميع ما يترك ، ولو لم يكن لها ولد لم ترث من الأرض شيئا ، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والابنية ، وقيل : لا تمنع إلا من الدور والمساكن ، وخرج المرتضى رحمه اللّه قولا ثالثا وهو : تقويم الأرض وتسليم حصتها من القيمة ، والقول الأول أظهر.

ص: 182


1- في النسخ : الثلث.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال.

الأول : حرمانها من الأرض ، واستحقاقها من قيمة الآلات والابنية ، وهو المشهور واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

الثاني : حرمانها من أرض الدور خاصة دون أرض البساتين والضياع ، وتعطى قيمة آلات الدور وأبنيتها ، وهو قول ابن إدريس.

الثالث : قد ذكر المصنف قائله وهو المرتضى ، وابن الجنيد لم يحرمها من شي ء ، وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه ، واستدلوا بالنصوص (1) الواردة عن أئمتهم عليهم السلام ، والحكمة في ذلك مذكورة في النصوص وعبارات الأصحاب ، وهو تطرق الضرر على أقرباء الميت ، إذا لا حجر لهم عليها بالتزويج فربما تزوجت بمن كان منافسا للميت وعدوا له فيثقل ذلك على أهله وعترته ، فعدل بها عن ذلك الى أجمل الوجوه ، وروى حماد بن عثمان ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : « انما جعل للمرأة قيمة الخشب لئلا تتزوج فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم » (2) ومثلها رواية محمد بن مسلم (3) ، عن أبي عبد اللّه عليهم السلام ، والمفيد والمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس لم يخصوا (4) الحرمان بغير ذات الولد بل أطلقوا ، وابن إدريس صرح بحرمان ذات الولد كغيرها ، والمعتمد اختصاصه بغير ذات الولد ، وهو مذهب الشيخ ( في النهاية وأكثر ) (5) أصحابنا.

تنبيه : فتاوي أصحابنا ورواياتهم(6) مطلقة باستحقاق قيمة الأشجار

ص: 183


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
2- المصدر السابق ، حديث 9.
3- المصدر السابق ، حديث 7.
4- في « م » : يحصروا.
5- في النسخ بدل ما بين القوسين : متأخري.
6- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 6 من أبواب ميراث الأزواج.

والابنية والآلات ، ولم يذكروا كيفية التقويم ، والذي يدل عليه أصول المذهب وإطلاق الفتاوى والروايات استحقاق قيمة هذه الأشياء على الصفة التي هي عليها حالة الموت فتقوم قائمة مستحقة للبقاء حتى تستقلع الأشجار وينهدم البنيان ؛ لان الموت موجب لاستحقاق القيمة وهي على هذه الصفة ، فتكون مستحقة لها ، ولا يقوم على تقدير كونها مقلوعة ؛ لأنها لو كانت مقلوعة لاستحقه (1) العين إجماعا ، وانما تستحق القيمة لكونها قائمة ، وإذا علق الاستحقاق على وصف لم يجز أن يعطى المستحق على تقدير زواله ، والا لحصلت المناقضة ، فتقوم على الصفة التي هي علة الاستحقاق.

إذا عرفت هذا فلك في التقويم طريقان : أحدهما : أن تقوم هذه الأرض على تقدير خلوها من الأشجار ما تسوى فاذا قيل : عشرة مثلا ، قومت مضافة إلى الأشجار ، فإذا قيل : عشرون مثلا ، كانت شريكة في العشرة الزائدة ( وكذلك الرباع تقوم العرصة خالية من البناء ثمَّ تقوم مضافة إليه وتشارك في الزيادة ) (2) كما قلناه ، والثاني تقوم هذه الأشجار غروسا في الأرض مستحقة للبقاء الى حين تستقطع (3) ، والأبنية مستحقة للبقاء الى حين تستهدم ، من غير التفات إلى قيمة الأرض ، ثمَّ تأخذ حصتها من هذه القيمة.

فروع : الأول : يدخل قيمة الابنية والأشجار في ملك الزوجة قهرا كسائر المواريث ، وانما يعتبر القيمة حالة الموت ؛ لأنها التي تستحقها (4) بالموت ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك وإن تأخر التقويم.

الثاني : لو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة ؛

ص: 184


1- كذا.
2- ما بين القوسين ليس في « م ».
3- في « م » : تستقلع.
4- في النسخ : استحقتها.

لأن النماء تابع للأصل ، وهي لم تستحق في عين الأصل شيئا.

الثالث : لو باع الورثة هذه الابنية والآلات قبل التقويم صح البيع ، فان دفعوا حصتها إليها ، والا كان لها فسخه لتعلق حقها بالمبيع.

الرابع : هذه القيمة مستحقة من التركة وليس(1) متعلقه في ذمة الورثة ، ولو غصبت التركة من غير تفريط من الورثة لم يضمنوا لها ، فان عادت التركة عاد حقها.

الخامس : ولو دفعوا إليها حصتها من العين احتمل وجوب القبول ؛ لأن حقها متعلق بالعين ، وانما جاز للورثة دفع القيمة للإرفاق بهم ، فاذا تركوا هذا الإرفاق وجب عليها قبول العين ، ويحتمل العدم ؛ لأنها استحقت من تركة الميت قيمة هذه الأشياء دون أعيانها فلا يجب عليها قبول ما ليس بحق لها وهو أقرب.

السادس : لو كان لها شريكة ذات ولد أخذتا ثمن مجموع التركة ، واختصت ذات الولد بما منعت غير ذات الولد ، ودفعت إليها قيمة الأبنية والأشجار ، وليس للورثة ذلك لخروج مجموع الثمن عنهم.

السابع : أجرى الشهيد ولد ولد الزوجة إذا كان وارثا ، مجرى الولد في استحقاق الجدة من جميع التركة كاستحقاق أم الولد ، قال : ولو لم يكن وارثا كما لو كان هناك ولد للصلب ففيه نظر ، من صدق الولد ، ومن عدم إرثه ، فتبقى علة المنع موجودة وهي إدخال المرأة عليهم من يكرهونه ، ولو منع الولد من الصلب من الإرث لكونه قاتلا أو كافر احتمل الوجهان.

ص: 185


1- في « ر 1 » : وليست.

ص: 186

في الميراث بالولاء

قال رحمه اللّه : إنما يرث المنعم إذا كان متبرعا ، ولم يتبرأ من ضمان جريرته ولم يكن للمعتق وارثا مناسب ، فلو أعتق في واجب ، كالكفارات والنذور ، لم يثبت للمنعم ميراث ، وكذا لو تبرع واشترط سقوط الضمان ، وهل يشترط في سقوطه الإشهاد بالبراءة؟ الوجه لا.

أقول : إذا اشترط المعتق المتبرع بالعتق سقوط ضمان الجريرة كان ذلك مسقطا للولاية بإجماع الإمامية ، وهل يشترط في سقوط الولاء الإشهاد بالبراءة؟ ظاهر الشيخ ومحمد بن بابويه وجماعة من الأصحاب الاشتراط ، لما رواه ابن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال : من أعتق رجلا سابية فليس عليه من جريرته شي ء ، وليس له من الميراث شي ء وليشهد على ذلك » (1) وعن أبي الربيع ، « قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن السابية؟ فقال الرجل يعتق غلامه ، ويقول : اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي ء ، ولا علي من

ص: 187


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 43 ، حديث 4.

جريرتك شي ء ، ويشهد على ذلك شاهدين » (1) وابن الجنيد لم يشترط الاشهاد واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لأن المراد بالإشهاد في جميع العقود عدا الطلاق ثبوتها عند الحاكم ، لا وقوعها في نفسها ، ولأصالة عدم الاشتراط وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو عدم المنعم ، قال ابن بابويه : يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث ، وهو حسن ، ومثله في الخلاف لو كان رجلا ، وقال المفيد رحمه اللّه : الولاء للأولاد الذكور دون الإناث ، ورجلا كان المنعم أو امرأة ، وقال الشيخ رحمه اللّه في النهاية : يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، ولو كانت امرأة كان الولاء لعصبتها ، وبقوله رحمه اللّه تشهد الروايات.

أقول : إذا مات المنعم - وهو المعتق - الى من ينتقل الولاء بعده؟ للأصحاب فيه خمسة أقوال :

الأول : انتقاله إلى الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا ، كسائر المتروكات ، وهو قول محمد بن بابويه محتجا بقوله عليه السلام « الولاء لحمة كلحمة النسب » (2) ، واستحسنه المصنف.

الثاني : الاعتماد على هذا القول إن كان المنعم ذكرا ، وإن كان امرأة فالى عصبتها دون أولادها ، وهو قول الشيخ في الخلاف.

الثالث : انه للأولاد الذكور دون الإناث ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، وهو قول المفيد.

الرابع : التفصيل المنقول عن الشيخ في النهاية ، وهو أنه للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، وإن كان امرأة فهو لعصبتها ، وهو المشهور بين الأصحاب.

ص: 188


1- المصدر السابق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، باب 42 ، حديث 6.

الخامس : انتقاله إلى العاقلة الذين يكون عليهم الدية إذا قتل خطأ ، ومستند الجميع الروايات (1).

والمعتمد مذهب النهاية ؛ لأنه أشهر في الروايات ، وأظهر بين الأصحاب ، وهو بعينه مذهب الخلاف لكن الأصحاب ذكروهما قولين فذكرنا هما كذلك.

قال رحمه اللّه : ومع عدم الأبوين والولد يرثه الاخوة ، وهل ترثه الأخوات؟ على تردد أظهره نعم ؛ لأن للولاء لحمة كلحمة النسب.

أقول : هذه المسألة فرع على التي قبلها ، فإن قلنا : إن الولاء ينتقل الى الذكور والإناث ممن يرث تركة المنعم انتقل إلى الإخوة والأخوات مع فقد الآباء والأولاد ، وان خصصنا به الذكور من الأولاد خصصنا به الاخوة دون الأخوات ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، قال : ولا يثبت الولاء لامرأة على رأي إلا إذا باشرت العتق ، فلها الولاء عليه ، وعلى أحفاده ، وعتيقه ، وعتيق عتيقه ، وهذا اختيار الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا لا ينتقل الولاء إلى المرأة ، سواء كانت أم المنعم أو ابنته أو عمته أو خالته.

قال رحمه اللّه : إذا أولد العبد من معتقة ابنا فولاء الابن المعتق أمه ، فلو اشترى الابن عبدا فأعتقه كان ولاؤه له ، فلو اشترى معتقه أب المنعم فأعتقه انجرّ الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، وكان كل واحد منهما مولى الأخر ، فلو مات الأب فميراثه لابنه ، وإن مات الابن ولا مناسب له فميراثه [ فولاؤه ] لمعتق أبيه وان مات المعتق ولا مناسب له فولاؤه للابن الذي باشر عتقه ، ولو ماتا ولم يكن لهما مناسب ، قال الشيخ : يرجع الولاء الى مولى الام ، وفيه تردد.

أقول : هذا قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط ؛ لأن « الولاء لحمة كلحمة

ص: 189


1- المصدر المتقدم ، باب 39 - 40 - 42 - 43 ، والباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق.

النسب » ومعنى انجراره من مولى الأم (1) إلى مولى الأب ، صيرورة مولى الأب أولى من مولى الام ، ولا يزول الولاء عن مولى الام ، كما لا يزول النسب بوجود (2) أولى منه ، وتردد المصنف في ذلك ؛ لأنهم فسروا الانجرار بانقطاع ولاء مولى الام (3) وزواله من حين عتق الأب ، وإذا حكم بانقطاعه وزواله فلا وجه لعوده اليه ، بل يكون الميراث للإمام ، وهو مذهب العلامة وابنه وهو المعتمد.

ص: 190


1- في « ر 1 » : الإمام.
2- في الأصل : لوجود.
3- في « ر 1 » : الامام.

في ميراث ولد الملاعنة

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن ولد كان الميراث لامه ، الثلث بالتسمية والباقي بالرد ، وفي رواية ترث الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأنه الذي يعقل عنه ، والأول أشهر.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنه ترث أمه الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأن جنايته على الامام » (1) ومثلها رواية أبي عبيدة (2) عن الباقر عليه السلام أيضا ، وبمضمون الرواية أفتى ابن الجنيد ، والمشهور عدم إرث الإمام مع وجود الأم ؛ لأنها وارثة ، وإرث الإمام مشروط بعدم المناسب ولهم عليه روايات (3) كثيرة.

قال رحمه اللّه : وهل يرث قرابة أمه؟ قيل : نعم ، لأن نسبه من الام ثابت وقيل : لا يرث إلا أن يعترف به الأب ، وهو متروك.

ص: 191


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من أبواب ميراث ولد الملاعنة : حديث 4.
2- المصدر السابق ، حديث 3.
3- المصدر السابق ، احاديث باب 1.

أقول : ذهب الشيخ في الاستبصار الى أن ولد الملاعنة لا يرث أخواله ، بل هم يرثونه ، لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في حديث طويل الى أن قال : « أما الولد فإني أرده اليه إن ادعاه ، ولا ادع ولده وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن بل يكون ميراثه لأخواله ، فان لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم » (1) وذهب في التهذيب إلى أنه يرثهم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ؛ لأن نسبه من الام ثابت ، فهم كالاخوة منها ، ولرواية زيد الشحام عن الصادق عليه السلام ، « قال : وهو يرث أخواله » (2).

قال رحمه اللّه : ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به ، فان اعترف به بعد اللعان ورث هو أباه ولا يرثه الأب ، وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف؟ قيل : نعم ، والوجه أنه لا يرثهم [ ولا يرثونه ] ، لانقطاع النسب باللعان ، واختصاص حكم الإقرار بالمقر حسب.

أقول : قال أبو الصلاح : يرث الابن قرابة أبيه إذا أكذب الأب نفسه ، وقواه ابن إدريس ، قال : لأنه إذا أقربه حكم عليه بأنه ابنه الا ما أخرجه الدليل ؛ لأن الإقرار بمنزلة البينة بل أقوى ، والمشهور عدم إرثه لقرابة أبيه ، لانقطاع النسب باللعان وانما ورث أباه لاعترافه به ، وإقراره بنسبة ، وإقرار الإنسان على نفس (3) لا ينفذ على غيره ، فلا يرث قرابة أبيه ولا يرثونه ، قال العلامة في القواعد : ولو قيل : إن اعترفوا به وكذبوا الأب في اللعان يرثونه كان وجها ، وقواه فخر الدين ، لحصول الإقرار بالنسب من الأب وأقاربه ، قال الشهيد : وهو نادر ، مع أن الشرع حكم بانقطاع النسب فكيف يعود؟.

ص: 192


1- المصدر السابق ، باب 4 ، حديث 7.
2- المصدر السابق ، حديث 3 إلا أن فيه ( يوارث ) بدل ( يرث ).
3- كذا.

ميراث ولد الزنا

قال رحمه اللّه : واما ولد الزنا فلا نسب له ، ولا يرثه الزاني ولا التي ولدته ، ولا أحد من أنسابها ، ولا يرثهم هو ، وميراثه لولده ومع عدمهم للإمام ، ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع الولد ، والأعلى مع عدمه ، وفي رواية : ترثه أمه ومن يتقرب بها مثل ابن الملاعنة ، وهي مطروحة.

أقول : ولد الزنا لا يرثه أبوه ولا من يتقرب به إجماعا ، وهل ترثه أمه ومن يتقرب بها؟ المشهور : لا ، لانتفاء النسب الشرعي ، ولدلالة الأخبار الصحاح على عدم التوارث بينهما ، كخبر عبد اللّه بن سنان (1) عن الصادق عليه السلام ، وخبر زيد الشحام عنه ، وعن الباقر عليه السلام ، « ان عليا عليه السلام كان يقول : ولد الزنا وابن الملاعنة يرثه أمه وإخوته لأمه أو عصبتها » (2) والمعتمد الأول.

ص: 193


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، حديث 3 و 4.
2- المصدر السابق ، حديث 9.

ص: 194

ميراث الخنثى

قال رحمه اللّه : في ميراث الخنثى من له فرج الرجال والنساء يرث على الفرج الذي يسبق منه البول ، فإن جاء منهما اعتبر الذي ينقطع منه أخيرا ، فيورث عليه. فان تساويا في السبق والتأخر ، قال في الخلاف : يعمل فيه بالقرعة محتجا بالإجماع والأخبار ، وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط : يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وعليه دلت رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قضاء علي عليه الصلاة والسلام ، وقال المفيد والمرتضى رحمهما اللّه : تعدّ أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امرأة ، وان اختلفا فهو ذكر ، وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي عليه السلام ، واحتجا بالإجماع ، والرواية ضعيفة والإجماع لم يتحقق.

أقول : الخنثى من له فرج النساء وفرج الرجال ، وأحدهما أصل والآخر زائد ، فهو إما ذكر وإما أنثى ويستحيل اجتماعهما ، فاذا اتفق ذلك ورث على الأصل منهما وألغي الزائد ، وكان حكمه حكم غيره من الزوائد على أصل الخلقة ، كالإصبع الزائدة وما شاكل ذلك ، فان عرف الأصل من الزائد فلا بحث ، وإن

ص: 195

اشتبه الأصلي منهما بالزائد اعتبر الفرج الذي يسبق منه البول ، فان سبق من أحدهما ورث عليه ، لاتفاق الأصحاب ، وإن خرج منهما دفعة اعتبر بالانقطاع ، فأيهما انقطع منه أخيرا فهو الأصلي ولا اشتباه حينئذ ، وإن تساويا أخذا وانقطاعا تحقق الاشتباه ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو قول الشيخين وسلار وابن حمزة (1) وابن إدريس والمصنف والعلامة والشهيد ، وادعى ابن إدريس عدم الخلاف فيه بين الأصحاب.

وأما ابنا بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد فجعلوا الاشكال بعد تساويهما في الأخذ ولم يعتبروا الانقطاع ، والأول هو المعتمد ، فاذا تحقق الاشكال فيه ففيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : العمل بالقرعة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، محتجا بالإجماع والاخبار ؛ لأنه أمر مشكل ، وقال الصادق عليه السلام : « كل مشكل فيه القرعة » (2) وصورتها أن يكتب في رقعة ( عبد اللّه ) وفي أخرى ( أمة اللّه ) ، وتقول ما رواه الفضل بن يسار عن الصادق عليه السلام : « اللّهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في كتابك » (3) ثمَّ يورث على ما يخرج.

الثاني : قول الشيخ في النهاية والمبسوط والإيجاز ، وهو أن يعطى نصف

ص: 196


1- من « ر 1 ».
2- المستدرك ، كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 1 ، ولم أجده بلفظه.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 2 وفيه ( الفضيل ) بدل ( الفضل ).

ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وهو المشهور بين (1) الأصحاب ، لما رواه هشام بن سالم (2) في الموثق عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

الثالث قول المفيد والمرتضى وابن إدريس ، قالوا : تعد أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امراة ، وإن اختلفا فهو ذكر ، واستدلوا عليه بفعل علي عليه السلام : في المرأة التي جاءت الى شريح (3) ، ولما روى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر ، فصار الرجال أقل من النساء (4) ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب النهاية.

قال رحمه اللّه : ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين ، قيل : يكون للذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة ، ولو كان معهما أنثى كان لها سهمان ، وقيل : بل تقسم الفريضة مرتين ، وتفرض في مرة ذكر وفي أخرى أنثى ، ويعطى نصف النصيبين.

أقول : اختلف الفقهاء القائلون باستحقاقه نصف النصيبين ، في كيفية توريث الخنثى إذا اجتمع مع الذكور والإناث ، قال بعضهم : يجعل للأنثى سهمين ، وللخنثى ثلاثة ، وللذكر أربعة ؛ لأنا نجعل للأنثى أقل عدد له نصف وهو اثنان ، وللذكر ضعف ذلك أربعة ، وللخنثى نصفهما ثلاثة المجموع تسعة.

وقال آخرون : يجعل مرة ذكرا ومرة أنثى ، وتقسم الفريضة على هذا مرة ، وعلى هذا أخرى ، ثمَّ يعطى نصف النصيبين.

وهذه القسمة توافق الاولى في بعض المواضع ، وتخالفها في البعض ، كما لو اجتمع خنثى وذكر وأنثى ، فعلى القسمة الأولى تصح من تسعة للخنثى الثلث ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية ، مسألة الذكورية من خمسة ، والانثوية من أربعة ،

ص: 197


1- في « م » و « ر 1 » : عند.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 3.
4- المصدر السابق.

وبينهما تباين ، فيضرب أحدهما في الأخرى تبلغ عشرين للخنثى ، على تقدير كونها ذكرا ثمانية ، وعلى تقدير كونها أنثى خمسة ، وليس للمجموع نصف صحيح فتضرب اثنين مخرج النصف في عشرين تبلغ أربعين ومنها تصح الفريضة ، فيحصل لها ثلاثة عشر سهما وهي دون ثلث الأربعين بثلث سهم ، فحصل التفاوت بين القسمين.

ولو جامع الخنثى ذكر فقط فعلى القسمة الأولى الفريضة من سبعة ، للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية الفريضة ، من اثنى عشر ، للذكر سبعة وللخنثى خمسة ، ولو جامع الخنثى أنثى فقط ، فعل الأولى الفريضة من خمسة ، وعلى الثانية من اثنى عشر أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي كون الإباء والأجداد خناثى بعد ؛ لأن الولادة تنكشف عن حال الخنثى الا أن يبني على ما روي عن شريح في المرأة التي ولدت وأولدت ، [ و] قال الشيخ رحمه اللّه ولو كان الخنثى زوجا أو زوجة كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ولا يتقدر في الخنثى أن يكون أبا أو أما ؛ لأنه متى كان أبا كان ذكرا بيقين ، ومتى كان أما كان أنثى بيقين ، ويتقدر أن يكون زوجا أو زوجة على ما روي في بعض الاخبار (1) ، فله نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

قلت : كون الخنثى زوجا أو زوجة أبعد من كونه أما أو أبا ؛ لأن كونه أبا أو أما قد يتفق بوطي الشبهة ، أما كونه زوجا أو زوجة فإنه يتوقف على العقد الصحيح ، مع أنه لا يصح تزويج الخنثى ما دام مشكلا ، لا برجل لاحتمال كونه رجلا ، ولا بامرأة لاحتمال كونه امرأة.

ص: 198


1- المصدر السابق ، حديث 5 ، لاحظ الجواهر ، ج 39 ص 292 آخر الصفحة وما بعده.

وأبعد منه إرثه نصف نصيب الزوج ونصف نصيب الزوجة ؛ لأنه إن تزوج أنثى فلا يتقدر كونه زوجة ، وإن تزوج رجلا لا يتقدر كونه زوجا ، وانما يتقدر ذلك لو تزوج خنثى مثله ، وقلنا بصحته ، مع أنا لا نقول بصحة تزويجه مطلقا ما دام مشكلا.

والرواية التي أشار إليها المصنف هي ما رواه الشيخ رحمه اللّه عن أبي الحسين قال : حدثني محمد بن الكاتب ، عن علي بن عبد اللّه بن معاوية ابن ميسرة بن شريح ، « قال ميسرة : قدمت الى شريح امرأة فقالت : إني جئتك مخاصمة ، فقال : واين خصمك ، فقالت : أنت خصمي ، فأخلا لها المجلس وقال : تكلمي ، فقالت : إني امرأة لي إحليل ولي فرج ، فقال : قد كان لأمير المؤمنين عليه السلام في هذه قضية وورث من حيث جاء البول ، فقالت : إنه يجي ء منهما جميعا ، فقال من أين سبق البول؟ فقالت : ليس منهما شي ء يسبق ، يجيئان في وقت واحد وينقطعان كذلك ، فقال : إنك لتخبرين بعجب ، فقالت : أخبرك بما هو أعجب من هذا ، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادما فوطئتها فأولدتها ، وإنما جئتك لمّا ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي ، فقام من مجلس القضاء ودخل على علي عليه السلام وأخبره بما قالت المرأة ، فأمر بها فأدخلت وسألها عما قال القاضي ، فقالت : هو الذي أخبرك به ، قال : فاحضر زوجها ابن عمها وأخبره بما قالت المرأة فأمر بها فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هذه امرأتك ابنة عمك؟ قال : نعم ، قال : قد علمت ما كان؟ قال : نعم ، قد أخدمتها خادما فوطئتها فأولدتها ، قال : ثمَّ وطأتها بعد ذلك؟ قال : نعم ، قال له علي عليه السلام : لأنت أجرأ من خاصي الأسد ، علي بدينار الخادم وكان معدولا وبامرأتين فأوتى بهم ، فقال : خذوا هذه المرأة ، إن كانت امرأة فأدخلوها بيتا وألبسوها ثيابا وجردوها من ثيابها ، وعدوا أضلاع جنبيها ، ففعلوا ذلك ثمَّ خرجوا اليه فقالوا عددنا الجنب الأيسر

ص: 199

إحدى عشر ضلعا ، والجنب الأيمن إثنا عشر ضلعا ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر ايتوني بحجام ، فأخذ من شعرها وأعطاها رداء وحذاء ، وألحقها بالرجال ، فقال الزوج : يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال ، ممن أخذت هذه القضية؟ قال : إني ورثتها من أبي آدم عليه السلام ، وحواء خلقت من ضلع آدم ، فاضلاع الرجل أقل من أضلاع النساء بضلع ، وعدد أضلاعها أضلاع رجل فأمر بهم فأخرجوها ».

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : لو كان للميت ابن موجود وحمل ، أعطي الموجود الثلث ووقف للحمل الثلثان ؛ لأنه الأغلب في الكثرة ، وما زاد نادر ، ولو كان الموجود أنثى أعطيت الخمس حتى يتبين الحمل ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا اعلم فيه خلافا ، وانما نسب القول الى الشيخ لخلوه عن خبر ناطق به.

ص: 200

في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق مما يحصل معه الاشتباه تردد.

أقول : إذا اشتبه تقدم موت أحد بسبب غير الهدم والغرق ، كالقتل والحريق وأكل السبع ، هل يحصل بينهما توارث أم لا؟ نص ابن حمزة وأبو الصلاح على التوارث كالغرق والهدم ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف (1) ، وقصره المفيد على الغرق والهدم ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وبه قال فخر الدين وأبو العباس في المقتصر ، وتردد المصنف ومنشؤه من الاشتراك في العلة ، وهي الاشتباه ( فيجب الاشتراك ) (2) في الحكم ، ومن أن الأصل اشتراط الإرث بحياة الوارث بعد موت الموروث ، وهو هنا مجهول ولا يجوز الحكم بالمشروط مع الجهل بالشرط ،

ص: 201


1- في النسخ : القواعد.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

ترك العمل بذلك في الغرقى والمهدوم عليهم للنص (1) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : فمع حصول الشرائط يرث بعضهم من بعض ، ولا يرث الثاني مما ورث منه ، وقال المفيد رحمه اللّه : يرث مما ورث منه ، والأول أصح.

أقول : إذا ورث أحدهما من صاحبه ثمَّ أردنا توريث الأخر ، هل يورثه من أصل مال الأخر دون من ورث من صاحبه ، أو يورثه منهما جميعا؟ فالشيخ وأبو الصلاح وابن أبي عقيل وابن حمزة وابن الجنيد وابن البراج على الأول ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لما قاله المصنف ، وهو انما نفرض الممكن ، والتوريث مما ورث منه يستدعي الحياة بعد الموت ، وهو غير ممكن.

فان قيل : هذا وارد على كل واحد من التقديرين ؛ لأنك تفرض موت أحدهما وتورث الأخر منه ، ثمَّ تفرض موت الثاني وتورث منه من فرضت موته أولا ، فقد لزم منه فرض الحياة بعد الموت ، وهو محال.

قلنا : أجيب بالفرق بين التقديرين ، وذلك ظاهر ؛ لأنا إذا فرضنا موت أحدهما وحياة الأخر ، وورثنا الأخر منه قطعنا النظر عن هذا الفرض ، ثمَّ نفرض موت الآخر وحياة الأول كانا لم نفرض موت الأخر ، ولم نجعل (2) للثاني منه ميراثا ، بخلاف ما إذا ورثنا الأول من الثاني مما كان قد ورث الثاني من الأول ، فإنه يلزم منه فرض موت الأول وحياته في حالة واحدة ، وهو محال واحتجوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام : « في أخوين ماتا لأحدهما مائة ألف درهم ، والأخر ليس له شي ء فركبا في السفينة

ص: 202


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 1 - من أبواب ميراث الغرقى. ويلاحظ أحاديث باب 5 أيضا.
2- في « م » و « ر 1 » : يحصل.

فغرقا ، ولم يدر أيهما مات أو لا؟ قال : الميراث لورثة الذي ليس له شي ء » (1) ، وقال المفيد رحمه اللّه وسلار : يرث منهما جميعا لوجوب تقديم الضعيف في التوريث ، ولو لا القول بوجوب التوارث مما ورث من صاحبه لم يكن للتقديم مزية.

قال رحمه اللّه : وفي وجوب تقديم الأضعف في التواريث تردد ، قال في الإيجاز : لا يجب ، وفي المبسوط : لا يتغير [ يتعين ] به حكم غير أنا نتبع الأثر في ذلك ، وعلى قول المفيد رحمه اللّه تظهر فائدة التقديم ، وما ذكره في الإيجاز أشبه بالصواب.

أقول : هل يجب فرض موت الأكثر نصيبا أو لا أو يورث الأضعف نصيبا أولا أو لا يجب ذلك؟ قال المفيد وسلار وابن إدريس بوجوب توريث الأضعف نصيبا أولا ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، لرواية عبيد بن زرارة ، « قال : سألت الباقر عليه السلام عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ فقال : يورث المرأة من الرجل ، ثمَّ الرجل من المرأة » (2) ، ولأنه أحوط ، وعدم الوجوب مذهب الشيخ في الخلاف والإيجاز ، وهو ظاهر ابي الصلاح وابن زهرة واختاره المصنف والعلامة ، لأصالة براءة الذمة ، ولا ثمرة من تحقيقه الا على قول المفيد ، والمعتمد خلافه (3).

ص: 203


1- المصدر السابق ، باب 2 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، باب 6 ، حديث 2.
3- في الأصل : وهو المعتمد.

ص: 204

في ميراث المجوس

قال رحمه اللّه : في ميراث المجوس : المجوسي قد ينكح المحرمات بشبهة دينه ، فيحصل له النسب الصحيح والفاسد ، والسبب الصحيح والفاسد ، ونعني بالفاسد ما يكون عن نكاح محرم عندنا لا عندهم ، كما إذا نكح أمه فأولدها ولدا ، فنسب الولد فاسد ، وسبب زوجيتها فاسد. فمن الأصحاب من لا يورثه الا بالصحيح من النسب والسبب ، وهو المحكي عن يونس بن عبد الرحمن ومتابعيه ، ومنهم من يورثه بالنسب صحيحه وفاسده ، وبالسبب الصحيح لا الفاسد ، وهو اختيار الفضل بن شاذان من القدماء ومن تابعه ، ومذهب شيخنا المفيد رحمه اللّه ، وهو حسن ، والشيخ أبو جعفر رحمه اللّه يورثه بالأمرين صحيحهما وفاسدهما.

أقول : نقل المصنف في توريث المجوس ثلاثة أقوال :

الأول : بالنسب والسبب الصحيحين دون الفاسدين منهما ، وهو قول يونس بن عبد الرحمن من متقدمي أصحابنا كان في زمن الصادق عليه السلام ، قال أبو العباس في المهذب : له مصنفات كثيرة قريب من اربع مائة مصنف ، واختاره أبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في المختلف ، لقوله تعالى ( فَإِنْ

ص: 205

جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (1) ولا شي ء من الفاسد بقسط ، ولأن ما عدا الصحيح باطل فلا يتعلق به حكم.

الثاني : بالنسب الصحيح والفاسد ، والسبب الصحيح خاصة ، نقله عن الفضل بن شاذان من القدماء ، وهو من رجال الهادي عليه السلام ، ونقله عن المفيد أيضا ثمَّ استحسنه ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في الإيضاح ؛ لأنه من الأنساب الفاسدة عندنا صحيح عندهم ، وقد أقرّهم الشارع عليه ، فلا أقل من أن يكون شبهة النسب ، ونحن نورث ولد الشبهة للحوق نسبه ، بخلاف السبب الفاسد فإن الإجماع منعقد على عدم اعتباره في شرع الإسلام ، فلا يوجب إرثا.

الثالث : بالنسب والسبب صحيحهما وفاسدهما ، نقله عن (2) ، الشيخ ابى جعفر ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة ؛ لأنهم يعتقدون ذلك نكاحا صحيحا ونسبا صحيحا ، ونحن مأمورون بإقرارهم على دينهم ولأنا نهينا عن قذفهم بالزنا ، لما روى : « أن رجلا سب مجوسيا بحضرة الصادق عليه السلام فزبره ونهاه ، فقال : إنه تزوج بأمه ، فقال : أما علمت أن ذلك عندهم النكاح » (3) ولما روى عن الصادق عليه السلام : « كل قوم دانوا بشي ء يلزمهم حكمه » (4) والمعتمد مذهب الفضل بن شاذان ، وهو اختيار أبي العباس في مقتصره.

قال رحمه اللّه : وكذا عمة هي أخت من أب لها نصيب الأخت دون العمة ، وكذا عمة هي بنت عمة لها نصيب العمة.

ص: 206


1- المائدة : 42.
2- من « م » و « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 1 من أبواب ميراث المجوس ، حديث 2.
4- المصدر السابق ، حديث 3.

أقول : هذا تفريع على مذهب الشيخ والفضل بن شاذان ، دون مذهب يونس ، فإنه منع من توريثهم بالنسب الفاسد ، وعلى الأول لو اجتمع سببان يمنع أحدهما الأخر ورث بالمانع خاصه ، ثمَّ ذكر المصنف أمثلة تصويرها (1) ظاهرا ، ثمَّ قال : وكذا عمة هي أخت لأب ، وتصويره : مجوسي تزوج بامه فأولدها بنتا وله ولد ، فالبنت أخت هذا الولد لأبيه وعمته أيضا ؛ لأنها أخت أبيه ، وعمة هي بنت عمه ، تصويره : مجوسي تزوج ببنته فأولدها بنتا وله ولد فهي أخت هذا الولد وبنت أخيه ، وهي عمة ولد هذا الولد وبنت عمته.

ص: 207


1- في « ن » : تصورها.

ص: 208

في المناسخات

قال رحمه اللّه : في المناسخات ونعني به أن يموت إنسان فلا تقسم تركته ، ثمَّ يموت بعض وراثه ويتعلق الفرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد. فطريق ذلك أن تصحح مسألة الأول ، ويجعل للثاني من ذلك نصيب ، إذا قسم على ورثته صح من غير كسر. فان كان ورثة الثاني هم ورثة الأول من غير اختلاف في القسمة كان كالفريضة الواحدة ، مثل إخوة ثلاثة وأخوات ثلاث من جهة واحدة ، مات أحد الإخوة ثمَّ ماتت إحدى الأخوات ثمَّ ماتت أخرى وبقي أخ وأخت ، فمال الموتى بينهما أثلاثا أو بالسوية ، ولو اختلف الاستحقاق أو الوارث أو هما فانظر نصيب الثاني فإن نهض بالقسمة على الصحة فلا كلام.

أقول : لا يخلو الحال عن أحد أربعة أقسام :

الأول : ان يتحد الوارث والاستحقاق ، كإخوة ثلاثة مات أخ ثمَّ آخر ، وبقي أخ ، فوارث الثاني هو بعينه وارث الأول ، والاستحقاق بالصورتين بالاخوة.

ص: 209

الثاني : اختلافهما ، كأخوين مات أحدهما ثمَّ مات الآخر عن ابن ، فوارث الثاني غير وارث الأول ، والاستحقاق في الأول كان بالاخوة والثاني بالبنوة.

الثالث : اختلاف الوارث خاصة ، كإنسان مات عن ولدين ، ثمَّ مات أحدهما عن ابن ، فله ما كان لأبيه فوارث الثاني غير وارث الأول ، والاستحقاق في الصورتين بالبنوة.

الرابع : اختلاف الاستحقاق خاصة ، كإنسان مات عن زوجة وابن ، ثمَّ ماتت الزوجة عن هذا الابن ، فوارث الثاني هو بعينه وارث الأول ، والاستحقاق في الأول كان بالزوجية ، وفي الثاني بالبنوة ، وفي هذه الصور الأربع نصيب الثاني ناهض بالقسمة على ورثته من الفريضة الاولى ، من غير كسر على ما مثلناه ، وإن لم ينهض نصيب الثاني على ورثته من غير كسر فلا يخلو : إما أن يكون بين فريضة الثاني ونصيبه وفق أولا ، فإن كان الأول فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى ، وإن كان الثاني فاضرب الفريضة الثانية في الفريضة الاولى.

وقد ذكر المصنف في المتن مثال الوجهين فلا فائدة في إعادته ، وانما ذكرنا هذه المسألة ، لتبين اختلاف الوارث أو الاستحقاق أو هما ، وما عدا ذلك فقد بينه المصنف فليطلب من هناك.

ص: 210

في معرفة سهام الوارث من التركة

قال رحمه اللّه : ولو كانت التركة عددا أصم فاقسم التركة عليه ، فان بقي ما لا يبلغ دينارا فابسطه قراريطا واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ قيراطا فابسطه حبات واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ حبة فابسطه أرزات واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ أرزة فابسطه بالاجزاء إليها ، وقد يغلط الحاسب فاجمع ما يحصل للوارث ، فان ساوى التركة فالقسمة صواب ، وإلا فهي خطأ.

أقول : العدد الأصم في حساب الضرب هو الذي لا سبيل الى علم حقيقته أي أصله ، وهو الجذر الذي إذا ضرب في نفسه اجتمع منه المال ، والجذر المنطق (1): هو ما يعرف حقيقة مقداره ويمكن ان ينطق به كاثنين فإنها جذر الأربعة ، وثلاثة فإنها جذر التسعة ، وأربعة فإنها جذر الستة عشر ، والعشرة فإنها جذر المئة ، فالمال ما اجتمع من ضرب الجذر في نفسه ، كالأربعة والتسعة والستة عشر والمئة.

إذا عرفت هذا ، فالاصم هو الذي ليس له جذر إذا ضرب في نفسه اجتمع

ص: 211


1- في « م » و « ن » : المطلق.

منه المال ، كاثنين وثلاثة وعشرة ؛ لأنه ليس له جذر إذا ضرب في نفسه بلغ اثنين أو ثلاثة أو عشرة.

إذا عرفت هذا ، فمثال ما ذكره المصنف ، فنقول مثال ذلك : كما لو خلف الميت أحد عشر ولدا واثنى عشر دينارا ، فاعطى كل واحد دينارا يبقى دينار ، فابسطه قراريطا يكون عشرين قيراطا ، فأعط كل واحد قيراطا يبقى تسعة قراريط فابسطها حبات تبلغ سبعة وعشرين حبه ؛ لأن القيراط ثلاث حبات ، فأعط كل واحد حبتين يبقى خمس حبات ، فابسطها أرزات تبلغ عشرين أرزة ؛ لان الحبة أربع أرزات ، فأعط كل واحد أرزة يبقى تسع أرزات ، فابسطها احد عشر جزءا ، فأعط كل واحد جزءا ، فيحصل لكل واحد دينار وقيراط وحبتان وأرزة وجزءا من أحد عشر جزءا من تسع أرزات ، يكون الجمع اثنى عشر دينارا وذلك مجموع التركة.

ص: 212

كتاب القضاء

اشارة

ص: 213

ص: 214

في الصفات

قال رحمه اللّه : وهل يشترط علمه بالكتابة؟ فيه تردد ، نظرا الى اختصاص النبي عليه السلام بالرئاسة العامة مع خلوه في أول أمره من الكتابة ، والأقرب اشتراط ذلك لما يضطر اليه من الأمور التي لا تتيسر لغير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بدون الكتابة.

أقول : قد أشار المصنف ( رحمه اللّه ) الى منشأ التردد ، وما اختاره مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو اختيار العلامة والشهيد وابي العباس ، وهو المعتمد.

وأجيب بالفرق بين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين غيره ، لعصمة النبي من الخطأ والنسيان ، وجواز ذلك على غيره ، ولأنه يوحى إليه عليه السلام بخلاف غيره.

وإنما قال لخلوه في مبدا أمره من الكتابة لأن الشيخ رحمه اللّه قال في المبسوط : انما كان خاليا من الكتابة قبل البعثة لا بعدها واختاره ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : وفي انعقاد قضاء الاعمى تردد ، أظهره أنه لا ينعقد ، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك مع الاعمى الا فيما يقل.

ص: 215

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن أن شعيبا عليه السلام كان أعمى ، ولأصالة الجواز.

وأجيب بالفرق بين الأنبياء وغيرهم ، واشتراط البصر هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط الحرية؟ قال الشيخ في المبسوط نعم ، والأقرب أنه ليس شرطا.

أقول : اشتراط الحرية مذهب الشيخ في المبسوط ، وابن البراج ، ويحيى بن سعيد ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ؛ لان القضاء من المناصب الجليلة التي لا تليق بالعبد ، ولأن القضاء ولاية والعبد مولى عليه فلا يكونه واليا ، والمصنف لم يشترط الحرية ؛ لأن المناط العلم مع العدالة والاجتهاد ، فاذا حصل في العبد ذلك جاز أن يكون قاضيا لأصالة الجواز ، ولعموم قول الصادق عليه السلام : « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا الى قضاة الجور ، ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا » (1)

قال رحمه اللّه : تولى القضاء مستحب لمن يثق من نفسه بالقيام بشرائطه ، وربما يوجب ، ووجوبه على الكفاية ، وإذا علم الامام أن بلدا خال عن قاض لزمه أن يبعث له ، ويأثم أهل البلد بالاتفاق على منعه ، ويحل قتالهم طلبا للإجابة ، ولو وجد من هو بالشرائط فامتنع لم يجبر مع وجود مثله ولو ألزمه الإمام ، قال في الخلاف : لم يكن له الامتناع ، لأن ما يلزم به الامام واجب ، ونحن نمنع الإلزام ، إذ الإمام لا يلزم بما ليس لازما ، أما لو لم يوجد غيره تعين هو ولزمه الإجابة ، ولو لم يعلم به الامام وجب أن يعرف بنفسه ؛ لان القضاء من باب الأمر بالمعروف ، وهل يجوز أن يبذل مالا ليلي القضاء؟ قيل : لا ؛ لأنه كالرشوة.

ص: 216


1- الوسائل ، القضاء ، باب 1 من أبواب صفات القاضي ، حديث 5.

أقول : الناس في القضاء على أربعة أقسام :

أ ) من يستحب له ، وهو جامع الشرائط الواثق من نفسه بالقيام بشرائطه خصوصا إذا لم يكن له من ماله كفاية ، وافتقر في طلب الكفاية إلى الاشتغال بالمباح كالتجارة وغيرها ، وبذل له الرزق من بيت المال ، فهذا توليته للقضاء وصرف زمانه في طاعة اللّه تعالى وارتزاقه من بيت المال خير من الاشتعال بالمباح ، لما في ذلك من تضييع العلم والعمل.

ب ) من يستحب له تركه ، وهو من كان له كفاية من ماله وكان مشهورا بالعلم والفضل تقصده الناس وتتعلم منه ، فهذا يستحب له ترك القضاء ؛ لان التدريس والتعليم طاعة وعبادة مع السلامة من الاخطار ، والقضاء وان كان طاعة فهو مشتمل على خطر عظيم ؛ لقوله عليه السلام : « من نصب نفسه قاضيا فقد ذبح نفسه بغير سكين » (1) ، والاخبار في هذا المعنى كثيرة.

وإن لم يكن مشهورا ولا يعرف علمه وفضله ولا ينتفع أحد بعلمه ولا يقصده أحد ليتعلم منه ، فهذا قيل : يستحب له أن يلي القضاء ليدل الناس عليه ليحصل الانتفاع بعلمه وذلك مع استكمال الشرائط.

ج ) من يحرم عليه ، وهو الجاهل العدل أو العالم الفاسق وان كان مستترا بالفسق.

د ) من يجب عليه ، وهو جامع الشرائط إذا لم يوجد غيره ، فهذا على الامام أن يوليه ، وعليه أن يقبل ولو لم يعلم به الامام وجب عليه أن يعلمه بنفسه ليوليه القضاء ، لما في ذلك من الأمر بالمعروف ، ولا يجب أن يبذل مالا ليلي القضاء ، الا أن يعلم من تعين عليه أن الظالم لا يوليه إلا ببذل المال ، فيجوز له ذلك حينئذ إذا علم أنه إذا تولى القضاء تمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ص: 217


1- مستدرك الوسائل ، القضاء ، باب 3 من أبواب صفات القاضي ، حديث 4.

قال رحمه اللّه : إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما ، فان قلد الأفضل جاز ، وهل يجوز العدول الى المفضول؟ فيه تردد ، والوجه الجواز ؛ لان خلله ينجبر بنظر الإمام.

أقول : إذا تساويا في الشرائط المعتبرة في القاضي ، وكان أحدهما أفضل من الآخر ، إما بزيادة علم أو زهد ، هل يجوز للإمام تولية المفضول؟ اختار المصنف والعلامة في القواعد وابنه الجواز لان خلله ينجبر بنظر الامام ، وظاهر العلامة في التحرير والشهيد في الدروس عدم الجواز ، لعموم قبح تقديم المفضول على الفاضل.

تنبيه : هذا الخلاف إنما هو في حال ظهور الامام وكونه المتولي لنصب المفضول ، أما في حال الغيبة فإنه لا يجوز العدول عن الفاضل الى المفضول ، نص العلامة في القواعد والشهيد على ذلك ، ولأن العلة المبيحة لتقديم المفضول على الخلاف - وهي جبر خلله بنظر الإمام - منتفية في حال الغيبة ، فحينئذ يجب الترافع إلى الأعلم ، فإن تساويا فالاورع ، فلو كان أحدهما أعلم والآخر أورع رجح الأعلم ؛ لأن ما فيه من الورع يحجز عن التهجم على الحرام ويبقى علمه لا معارض له.

قال رحمه اللّه : أما أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف ، والوجه التفصيل ، فمع عدم التعيين وحصول الضرورة ، قيل : يجوز ، والاولى المنع ، ولو اختل الشرطين لم يجز.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط عن قوم ، جواز أخذ الجعل للقاضي من أحد المتحاكمين بشرط الضرورة وعدم التعيين ، وكذلك نقله المصنف والعلامة والشهيد ، واختار الجميع المنع ؛ لأنه يؤدي واجبا فلا يجوز أخذ الأجرة عليه ، ولأنه نوع من الرشوة وهو حرام.

ص: 218

احتج القائلون بالجواز بأنه فعل مباح غير متعين (1) على فاعله فكان له أخذ الجعل عليه مع الضرورة الى ذلك ، قال الشهيد : فان جوزناه ففي جواز تخصيص أحدهما به أو جعله على المدعي أو التشريك بينهما ، نظر من الشك في أنه تابع للعمل أو المنفعة الحاصلة.

قلت : الظاهر على القول به أنه تابع للشرط ، فان اشترطه عليهما أو على أحدهما والتزما به أو أحدهما لزم ، ومع عدم سبق الشرط لا يلزمهما ولا أحدهما شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا حدث به ما يمنع الانعقاد انعزل وان لم يشهد الامام بعزله كالجنون والفسق ، ولو حكم لم ينفذ حكمه ، وهل يجوز أن يعزل اقتراحا؟ الوجه : لا ؛ لان ولايته تثبت شرعا فلا تزول تشهيا.

أقول : لا شك في جواز عزل القاضي للإمام أو نائبه ، لمصلحة كاطفاء الفتنة أو وجود من هو أصلح منه.

وهل يجوز عزله بغير سبب ولا لمصلحة؟ فيه قولان حكاهما الشيخ في المبسوط ، والمصنف اختار عدم الجواز وقد ذكر وجهه ، واختاره العلامة في الإرشاد (2) جزما ، واختار في التحرير الجواز ؛ لأنها ولاية تثبت بنظر الإمام أو نائبه فيتبع اختيار المنوب كالوكالة ، ولو حصلت ريبة عند الإمام في القاضي جاز له عزله قطعا ، وكفاه غلبة الظن ، قاله العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : إذا مات الامام [ عليه السلام ] ، قال الشيخ : الذي يقتضيه مذهبنا انعزال القضاة أجمع ، وقال في المبسوط : لا ينعزلون ؛ لان ولايتهم تثبت شرعا فلا تزول بموته ، والأول أشبه.

ص: 219


1- في الأصل و « ن » : معين.
2- في « ر 1 » : القواعد.

أقول : أما وجه عدم الانعزال فقد ذكره المصنف ، وأما وجه الانعزال فلأنهم كالوكلاء ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو مات القاضي الأصلي لم ينعزل النائب عنه ؛ لأن الاستنابة مشروطة بإذن الإمام ، فالنائب عنه كالنائب عن الامام فلا ينعزل بموت الواسطة ، والقول بانعزاله أشبه.

أقول : إذا زالت ولاية القاضي الأصلي بموت أو جنون أو فسق أو عزله الامام ، هل ينعزل النائب عنه؟ ذكر المصنف في أول بحثه أنه لا ينعزل ، وقد ذكر وجهه ، وذلك : أن القاضي المنصوب من قبل الامام لا يجوز له أن ينصب غيره الا بإذن الإمام صريحا ، مثل أن يقول له انصب قاضيا يعينك على القضاء ، أو بشاهد الحال : مثل أن يكون ولايته متسعة لا ينهض بها القاضي الواحد ، فشاهد الحال هنا يدل على إذنه بالاستنابة ، وإذا أذن له أن ينصب قاضيا كان منصوبا من قبل الامام ، فلا ينعزل بعزل الواسطة ، ثمَّ اختار (1) انعزاله ؛ لأن ظاهر إذن الامام بالاستنابة يدل على أن القاضي يستنيب عن نفسه لا عن الامام ، وإذا كان النائب عن القاضي انعزل بعزله وهو المعتمد ، إلا أن يقول له استنب عني فيستنيب عنه ، فحينئذ لا ينعزل بعزل الواسطة.

ص: 220


1- في « ن » : اختيار.

في الآداب والمسائل

قال رحمه اللّه : وأن يستعمل الانقباض المانع من اللحن بالحجة.

أقول : يكره للقاضي الانقباض وهو ضد الانبساط المانع من اللحن بالحجة ، أي التفطن لها ، قال صاحب الصحاح : اللحن بالتحريك الفطنة ، وقد لحن ، وفي الحديث : « ولعل أحدكم ألحن بحجته » (1) اى أفطن لها ، فهذا مراد المصنف باللحن ، وليس اللحن بسكون الحاء الذي هو الخطأ في الاعراب.

قال رحمه اللّه : الإمام يقضي بعلمه مطلقا ، وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس ، وفي حقوق اللّه تعالى ، على قولين أصحهما القضاء.

أقول : إذا أقر الخصم أو قامت البينة بما يدعيه خصمه جاز للحاكم الحكم قطعا ، وإن لم يتفق الإقرار ولا البينة بل علم الحاكم بما يوجب الحكم ، مثل أن شاهد الغصب أو الزنا أو سمع الطلاق أو العتق ، ثمَّ أنكر الفاعل ولم تقم عليه بذلك بينة ، هل يجوز له الحكم بعلمه؟

فنقول : أما بالنسبة إلى جرح الشهود وتعديلهم فيجوز الحكم بعلمه قطعا ،

ص: 221


1- الوسائل ، القضاء ، باب 2 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

وأما غير ذلك من الحقوق فقد قال الشيخ في الخلاف والمرتضى وأبو الصلاح : يجوز مطلقا ، سواء كان إمام الأصل أو غيره ، وسواء كان الحق لله وأو لآدمي ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس ، لقوله تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (1) وقوله تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (2) علق الحكم على ثبوت الوصف وهو خطاب للحاكم (3) ، فاذا علم الحاكم بثبوت الوصف وجب الحكم بموجبة ، وإذا ثبت ذلك في الحدود ففي غيرها أولى ، ولان الحكم بالشاهدين ظن والعلم يقين ، ومحال في الحكمة جواز الحكم مع الظن ومنعه مع اليقين ، ولأنه لو لم يحكم بعلمه لزم فسق الحاكم أو إيقاف الحكم ؛ لأنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا ثمَّ جحد الزوج الطلاق مطلقا (4) كان القول قوله مع يمينه ، وإذا حكم الحاكم بغير علمه وهو إحلاف الزوج وتسليمها اليه فسق ؛ لأنه سلطه على فرج يعلم تحريمه عليه ، وإن لم يعلم (5) بشي ء لزم إيقاف الحكم وكذا لو غصب مال رجل بحضرته ثمَّ جحده ، فإنه يقضي الى ما قلناه ، فلم يبق إلا الحكم بعلمه وهو المعتمد.

وقال ابن حمزة وابن إدريس : أما الامام فيحكم بعلمه مطلقا ، وأما غيره ففي حقوق الناس دون حقه تعالى ؛ لان حقوقه تعالى مبنية على التخفيف.

قال رحمه اللّه : الحاكم إذا عرف عدالة الشاهدين حكم ، وإن عرف فسقهما أطرح ، وإن جهل الأمرين بحث عنهما ، وكذا لو عرف إسلامهما وجهل عدالتهما وقف حتى يتحقق ما يبني عليه من عدالة أو جرح ، وقال في الخلاف : يحكم ، وبه

ص: 222


1- النور : 2.
2- المائدة : 38.
3- في « ن » : للحاكم.
4- ليست في « م » و « ن » و « ر 1 ».
5- في غير « ر 1 » : يحكم.

رواية شاذة.

أقول : المشهور بين الأصحاب التوقف في مجهول العدالة حتى يتبين حاله ؛ لأن العدالة شرط في قبول الشهادة ، ولا يجوز الحكم بالمشروط مع جهالة الشرط ، وهو المعتمد. وقال الشيخ في الخلاف : إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما ولا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما ولا يقف على البحث الا بجرح المحكوم عليه ، بان يقول : هما فاسقان ، فحينئذ يجب عليه البحث ؛ لأن الأصل في المسلم العدالة ، ولأنه لم ينقل عن الصحابة والتابعين البحث عن حال المسلم ورواية حريز (1) عن الصادق عليه السلام دالة على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت الجرح الا مفسرا ، وفي الخلاف يثبت مطلقا.

أقول : نقل العلامة في المختلف وابنه في الإيضاح عن الشيخ أنه قال في المبسوط والخلاف : لا يقبل الجرح الا مفسرا ، ويقبل التعديل المطلق من غير تفسير ، وحكيا استدلاله في الخلاف ، وهو : ان الناس يختلفون فيما هو جرح وما ليس بجرح ، فيجب أن يفسر ؛ لأنه ربما اعتقد فيما ليس بجرح أنه جرح ، فاذا فسره عمل القاضي بما يقتضي الشرع فيه من جرح أو تعديل ، واستدل في المبسوط بأن التزكية إقرار صفة على الأصل فلهذا قبلت من غير تفصيل (2) ، والجرح اخبار عما حدث من عيوبه وتجدد من معاصيه ، فبان الفرق بينهما.

ونقل المصنف عن الشيخ في الخلاف أنه يثبت مطلقا اي لا يفتقر الى ثبوت (3) تفسير كالتعديل ، وهو ضد ما نقله عنه العلامة وابنه ، فعلى هذا للشيخ في الخلاف قولان : أحدهما لا يقبل في الجرح الا مفسرا ، والثاني : يقبل مطلقا ، والأول هو

ص: 223


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 40 ، حديث 18.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تفسير.
3- ليست في النسخ.

المعتمد.

وذهب ابن الجنيد الى التفصيل فيهما ، واختاره العلامة في المختلف ؛ لأن المقتضي لتفصيل الجرح ثابت في التزكية ؛ لأن الشي ء قد لا يكون سببا للجرح عند الشاهدين ويكون جارحا عند الحاكم ، فإذا أطلق الشاهد التعديل تعويلا منه على عدم تأثير ذلك الشي ء ، كان تغريرا للحاكم ، ثمَّ قال : والأحوط أن يسمع الجرح مطلقا ، ويستفصل عن سبب العدالة ؛ لأنه أحوط للحقوق.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلف الشهود في الجرح والتعديل قدم الجرح ؛ لأنه شهادة بما يخفى عن الآخرين ، ولو تعارضت البينتان في الجرح والتعديل ، قال في الخلاف : وقف الحاكم ، ولو قيل : يعمل على الجرح ، كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : إذا شهد اثنان بالجرح وشهد اثنان (1) بالتعديل وجب على الحاكم أن يتوقف ، وقال في المبسوط : يقدم الجرح على التعديل ، واختاره ابن إدريس وابن حمزة ؛ لأن البينة الجارحة تشهد بما يخفى على المزكية.

قلت : فعلى هذا لا يصير فرقا بين اختلاف الشهود في الجرح ، وبين التعارض ؛ لأن الاختلاف هو ان يشهد شاهدان بالجرح وآخران بالتعديل ، وكذلك التعارض المحكي عن الشيخ ، مع أن المصنف والعلامة في القواعد والتحرير فرقا بين الاختلاف والتعارض ، وجزما بتقديم الجرح في صورة الاختلاف ، وحكيا الخلاف في صورة التعارض ، قال العلامة في المختلف بعد أن حكى قول الشيخ في الخلاف والمبسوط : والحق عندي التفصيل ، وهو أن نقول : إن جاز الجمع بين الشهادتين حكم بالجرح ، لجواز خفائه على المعدل ، وإن لم يجز وقف الحاكم ولم يحكم بالشهادة ، بل تتساقط بينة الجرح والتزكية ، وذلك

ص: 224


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : آخران.

بان (1) يشهد الجارح بسبب ينفيه المعدل ، كما لو شهد أنه في الوقت الفلاني كان في المكان الفلاني شرب خمرا ، وشهد المعدل أنه كان في ذلك الوقت بعينه في مكان آخر لم يمكن ان يجامع كونه في ذلك المكان الأول في ذلك الوقت ، لعدم أولوية القبول ، بخلاف الأول فإن قبول الجرح أولى. هذا آخر كلامه في المختلف.

فعلى هذا تصير (2) مسألة الجرح والتعديل على ظاهر الشرائع والقواعد والتحرير منقسمة إلى ثلاثة أقسام : اختلاف الشهود الذي جزما بتقديم الجرح به ، والتعارض وهو ينقسم الى قسمين : الى ما يجوز الجمع بين الشهادتين ، والى ما لا يجوز.

والمعتمد عدم الفرق بين اختلاف الشهود ، وبين التعارض غير المانع من الجمع بين الشهادتين ؛ لان الفرق غير متصور هنا ، وإنما يتصور مع عدم إمكان الجمع بين الشهادتين كما فرضه العلامة ، والحكم بتقديم الجرح في الأول والتوقف في الثاني.

ص: 225


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : مثل أن.
2- ليست في الأصل.

ص: 226

في كيفية الحكم

قال رحمه اللّه : إذا ورد الخصوم مترتبين بدأ بالأول فالأول ، فإن وردوا جميعا ، قيل : يقرع بينهم ، وقيل : يكتب أسماء المدعين ، ولا يحتاج الى ذكر الخصوم ، وقيل : يذكرهم أيضا لتحضر الحكومة معه ، وليس معتمدا ، ويجعلها تحت ساتر ثمَّ يخرج رقعة رقعة ، فيتعين صاحبها ، وقيل : إنما يكتب أسماءهم مع تعسر القرعة بالكثرة.

أقول : المشهور القرعة بين الخصوم إذا وردوا دفعة ، وهو اختيار العلامة والشهيد ، وقال ابن البراج : إن كان عددهم قليلا يمكن الإقراع بينهم أقرع بينهم ، فمن خرجت قرعته قدمه ، وان كثروا وتعذرت القرعة كتب الحاكم أسماءهم في رقاع ، وجعلها بين يديه يأخذ رقعة بعد أخرى ، فإذا قدم إنسانا بالسبق أو بالقرعة أو بالرقعة ، فحكم بينه وبين خصمه وفرغ منهما أمرهما بالقيام وقدم غيرهما ، فان قال الأول : لي حكومة أخرى لم يلتفت اليه.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ : لا تسمع الدعوى إذا كانت مجهولة ، مثل أن يدعي فرسا أو ثوبا ، ويقبل الإقرار بالمجهول ويلزم تفسيره ، وفي الأول إشكال.

ص: 227

أقول : إذا ادعى وصية مجهولة سمعت دعواه قطعا ، وكذا لو أقر له عند الحاكم أو عند الشهود بمجهول ، كان له المطالبة بما أقر له بلا خلاف ، أما غير ذلك كدعوى الفرس والثوب المجهولين ، فهل تسمع أم لا؟ قال الشيخ : لا تسمع ، لعدم فائدتها ، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب بنعم ؛ لأن الحكم بالمجهول غير جائز. ثمَّ اعترض على نفسه بصحة الإقرار بالمجهول ، ثمَّ أجاب بالفرق بأنه لو طالبناه بالتفصيل ربما رجع ، بخلاف المدعي فإنه لا يرجع عند مطالبته بالتفصيل.

واختار المصنف في المختصر والعلامة وابنه وأبو العباس السماع ؛ لأن المدعى ربما يعلم حقه بوجه ما ، كما لو علم أن له عنده فرسا أو ثوبا ولا يعلم شخصها ولا صفتها ، فلو لم يجعل له الشارع طريقا الى الدعوى لبطل حقه ولزم (1) الحرج ، فتصح الدعوى المجهولة ويستفسره الحاكم كما يستفسره عن الإقرار المجهول.

والشهيد رحمه اللّه اختار مذهب الشيخ وهو عدم سماع الدعوى المجهولة ، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته ، والقيمي بقيمته ، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها.

قال رحمه اللّه : ولا بد من إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، فلو قال : أظن أو أتوهم لم يسمع ، وكان بعض من عاصرناه يسمعها في التهمة ويحلف المنكر ، وهو بعيد من شبهة [ شبه ] الدعوى.

أقول : اشترط المصنف إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، والشرط إنما هو الجزم في الإيراد لا الجزم في نفس الأمر ، بمعنى أنه إن لم يكن جازما في نفس الأمر حرمت عليه الدعوى ، فان من المعلوم إذا كان للإنسان بينة تشهد له بالحق وهو

ص: 228


1- في الأصل : الزم.

لا يعلم ، كان له أن يدعي عند الحاكم لتشهد له البينة ، مع أن البينة تفيد الظن ، فصار الشرط الجزم في الإيراد خاصة.

واستشكله العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ولم يفت بشي ء ، ومنشأ الاشكال من عموم قوله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ ) ، ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) (1) ، أوجب الحكم في مطلق التنازع ، وهو شامل لصورة الجزم وغيرها ، ومن أنه بعيد عن شبهة الدعوى ؛ لأن المعهود من الدعوى القول الجازم فلا يكفى الظن أو الوهم. وقوله ( وكان بعض من عاصرناه يسمعها في التهمة ) أشار بذلك الى شيخه الفقيه محمد بن نما الحلي ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولا بأس به ، لما فيه من حسم مادة النزاع ، وقال في الدروس : وأما الجزم فالإطلاق محمول عليه ، أي إطلاق الدعوى بصيغة الجزم ( محمولة على الجزم ) (2) ، ولا يشترط أن يقول الحاكم : هل أنت جازم أم لا؟ ثمَّ قال : ولو صرح بالظن أو الوهم فثالث الأوجه السماع فيما يعسر (3) الاطلاع عليه ، كالقتل والسرقة دون المعاملات.

تنبيه : على القول بسماع دعوى الظن أو الوهم لا يثبت الحق الا بالبينة ،ومع عدمها يحلف المنكر ، ولا يجوز له رد اليمين ، ولا يجوز للمدعي الحلف لا برد اليمين ولا بنكول ولا مع الشاهد الواحد ، فان حلف المنكر فلا كلام وان امتنع هل يلزمه الحق استشكله العلامة في التحرير والاشكال مبني على القول بالقضاء بالنكول مع الامتناع من اليمين أو يرد اليمين على المدعى فعلى الأول يقضى عليه هنا كما يقضى عليه بصورة الجزم لقيام النكول حينئذ مقام الإقرار وعلى الثاني

ص: 229


1- المائدة : 49 ، النساء : 65.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- في الأصل والنسخ : يعتبر ، وما أثبتناه من المصدر ص 175.

ليس الأخذ بمجرد إنكار المدعى عليه ونكوله عن اليمين من غير بينة ولا إقرار فحينئذ يحبس المنكر حتى يقر أو يحلف لو عاد المدعي بعد نكول المنكر عن اليمين وادعى العلم قوى الشهيد في شرح الإرشاد السماع لجواز حصوله فيما بعد.

قال رحمه اللّه : إذا تمت الدعوى ، هل يطالب المدّعى عليه بالجواب ، أم يتوقف ذلك على التماس المدعي؟ فيه تردد ، والوجه أنه يتوقف ؛ لأنه حق له فيقف على المطالبة.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن أن العادة وشاهد الحال دليلان على أن الخصم لا يحضر خصمه عند الحاكم ثمَّ يدعى عليه ثمَّ ينصرف من غير جواب ، واختار العلامة مذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : أما الإقرار فيلزم إذا كان جائز التصرف ، وهل يحكم به عليه بغير سؤال المدعي؟ قيل : لا ؛ لأنه حق له فلا يستوفي إلا بمسألته.

أقول : البحث في الحكم عليه بغير سؤال المدعي كالبحث في المطالبة بالجواب وقد سبق.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الإعسار كشف عن حاله ، فان استبان فقره انظر ، وفي تسليمه الى غرمائه يستعملوه أو يؤاجروه روايتان ، أشهرهما : الانظار حتى يوسر.

أقول : قال ابن حمزة : إذا ثبت إعساره خلى سبيله إذا لم يكن ذا حرفة يكتسب بها وامره بالتحمل ، وإن كان ذا حرفة دفعه اليه ليستعمله ، فما فضل عن قوته وقوت عياله بالمعروف أخذه بحقه ، ومثله قول الشيخ في النهاية ، للخبر المشهور الذي رواه السكوني عن الصادق والباقر « أن عليا ( عليهم السلام ) كان يحبس في الدين ثمَّ ينظر ، فان كان له مال اعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم وأجروه وإن شئتم

ص: 230

استعملوه » (1). قال ابن إدريس : هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم ؛ لأنه مخالف لأصول مذهبنا ، ومضاد لتنزيل الكتاب ، فان اللّه تعالى قال ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (2) ولم يذكر : استعملوه ولا وأجروه ، وانما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقاد ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وهل يحبس حتى يبين حاله؟ فيه تفصيل ذكر في باب المفلّس.

أقول : التفصيل المذكور هو : إن كان له أصل مال أو كانت الدعوى مالا ، حبس حتى يثبت إعساره وإن لم يعلم له أصل مال ، ولا كانت الدعوى مالا فادعى الإعسار ، قبلت دعواه ولا يكلف البينة وللغرماء مطالبته باليمين.

قال رحمه اللّه : ولو أقام البينة بما حلف عليه المنكر لم تسمع ، وقيل : يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين ، وقيل : إن نسي بينة سمعت وإن أحلف والأول هو المروي.

نقل فخر الدين وأبو العباس إجماع المسلمين على عدم سماع الدعوى في مجلس الحلف ، وهل يسمع في غيره لو عاودها واقام البينة؟ فهنا اختلف الأصحاب على ثلاثة أقوال :

أ - عدم السماع مطلقا ، وهو اختيار الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد ؛ لأن البينة حجة المدعي فيكون اليمين حجة المنكر ، وكما لا تسمع يمين المنكر بعد بينة المدعي ، لا تسمع بينة المدعى بعد يمين المنكر ، ولصحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام : « قال : إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر فاستحلفه

ص: 231


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 7 ، حديث 3.
2- البقرة : 280.

فحلف أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له ، قلت له : وان كانت له بينة عادلة؟ قال : نعم ، وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ما كان له حق ، فان اليمين قد أبطلت كلما ادعاه قبله مما استحلفه عليه ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : من حلف لكم فصدقوه ، ومن سألكم باللّه فأعطوه ، ذهبت اليمين بدعوى المدعي فلا دعوى له » (1).

ب - السماع ما لم يشترط المنكر سقوط الحق بيمينه ، وهو قول المفيد وابن حمزة وابن البراج في الكامل ؛ لأن حكم البينة حكم الإقرار ، ولو أقر بعد اليمين لزم الحق قطعا ، فكذا مع قيام البينة ، وأجيب بمنع المساواة.

ج - لا تسمع البينة مع علم المدعى بها وإعراضه عنها ورضاه باليمين ، وتسمع لو لم يعلم بها من رأس ، بأن يولي غيره (2) الاشهاد على حقه ، أو يعملها ونسيها حالة الخصومة ، وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط ، واختاره أبو الصلاح وابن إدريس ، وجنح إليه العلامة في المختلف ؛ لأنه إنما طلب (3) اليمين لعجزه عن استخلاص حقه بالبينة :

فرع : لو أقام المدعي بينة على إقراره بالحق بعد الحلف سمعت ، لجواز المطالبة مع كذا به نفسه إجماعا.

قال رحمه اللّه : وإن نكل المنكر بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد ، قال له الحاكم : إن حلفت والا جعلتك ناكلا ، ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا لا فرضا ، فإن أصرّ قيل : يقضي عليه بالنكول ، وقيل : بل يرد اليمين على المدعي ، فان حلف ثبت حقه ، وإن امتنع سقط ، والأول أظهر.

ص: 232


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 9 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 2.
2- في الأصل : بأن غيره أقام.
3- في « ن » : يطلب.

أقول : الأول اختيار ابني بابويه والمفيد وسلار وابى الصلاح الحلبي ، واختاره المصنف ، لصحيحة محمد بن مسلم (1) عن الصادق عليه السلام : « أنه حكى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ألزم أخرس بدين ادعى عليه به فأنكر ونكل عن اليمين ، فالزمه الدين بامتناعه عن اليمين » ، وأجيب باحتمال إلزامه عقيب إحلاف المدعي ، والثاني اختيار الشيخ في الخلاف وابن حمزة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ؛ لان الحكم مبني على الاحتياط التام ، والاحتياط يقتضي الحكم بعد يمين المدعي ، لامتناع الحق من غير بينة ، ولا إقرار ولا يمين ، لاحتمال نكوله عن اليمين ، لحرمة اليمين أو للحلف على عدم الحلف ، لا (2) لأن الحق ثابت عليه ، ولما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « أنه رد اليمين على صاحب الحق » (3) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شهدت على صبي ، أو مجنون ، أو غائب ، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد ، أشبهه أنه لا يمين.

أقول : منشؤه من مساواة الثلاثة للميت في المقتضي لوجوب اليمين على المدعي ، وهو جهل حاله وعدم العلم بجوابه ، فيثبت الحكم لهم كما هو ثابت له وهو المشهور ، ومن أصالة براءة الذمة من وجوب اليمين مع البينة ، خرج الميت بالنص (4) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع.

قال رحمه اللّه : وأما السكوت فان اعتمده ألزم الجواب ، فان عاند حبس حتى يبين ، وقيل : يحبس حتى يجيب ، وقيل : يقول الحاكم : إما أجبت وإلا جعلتك

ص: 233


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 33 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1.
2- من « ن » و « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 2 عن ابي عبد اللّه عليه السلام مع اختلاف يسير.
4- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 4 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1.

ناكلا وردت اليمين على المدعي ، فان أصرّ رد الحاكم اليمين على المدعي ، والأول مروي.

أقول : إذا سكت عن الجواب عنادا ، أي من غير آفة ، حكى الشيخ ثلاثة أقوال :

أ - أن يحبس حتى يجيب ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لأن الواجب عليه (1) الجواب فيحبس عليه حتى يجيب ، والأصل عدم إلزامه بغير ذلك.

ب - يجبر على الجواب وهذا القول نقله المصنف والعلامة.

ج - قول الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس ؛ لأن السكوت عنادا كالنكول ، والمعتمد الأول.

ص: 234


1- ليست في الأصل.

في القضاء على الغائب

قال رحمه اللّه : يقضى على من غاب عن مجلس القضاء مطلقا ، مسافرا كان أو حاضرا ، وقيل : يعتبر في الحاضر تعذر حضوره مجلس الحكم.

أقول : المشهور جواز القضاء على من غاب عن مجلس الحكم مطلقا ، أي سواء كان في البلد أو مسافرا ، وسواء تعذر إحضاره أم (1) لا ؛ لأنه إما منكر أو مقر ، فان كان منكرا فقد قامت عليه البينة ، وان كان مقرا فالبينة مؤكدة ، ولا ريب في جواز الحكم حينئذ على التقديرين ، وهذا هو المعتمد. ويبقى الغائب على حجته ، فان حضر وأقام بينة بفسق الشهود أو بالوفاء (2) أو الإبراء بطل الحكم ، وإلا فلا.

وقال الشيخ في المبسوط : فأما إذا كان حاضرا في البلد غير ممتنع من الحضور ، فهل له أن يحكم عليه وهو غائب عن مجلس الحكم (3) أم لا (4)؟

ص: 235


1- في « م » : أو.
2- في الأصل : القضاء.
3- في « ن » و « م » و « ر 1 » : حديث كم.
4- ليست في النسخ.

قال قوم : له ذلك ؛ لأنه غائب عن مجلس الحكم ، والصحيح أنه لا يقضى عليه ؛ لأنه مقدور على إحضاره ، والقضاء على الغائب إنما جاز لموضع الحاجة اليه وتعذر إحضاره (1)

قال رحمه اللّه : يقضى على الغائب في حقوق الناس كالديون والعقود ، ولا يقضى في حقوق اللّه كالزنا واللواط ؛ لأنها على التخفيف ، فلو اشتمل الحكم على الحقين قضى بما يخص الناس ، كالسرقة تقضى بالغرم ، وفي القضاء بالقطع تردد.

أقول : منشؤه من أن القضاء بالقطع لازم للقضاء بالسرقة ، والحكم بأحد المتلازمين يقتضي الحكم بالآخر ، وقد حكم بالسرقة فيحكم بالقطع.

ومن أن القطع حق من حقوق اللّه تعالى ولا يحكم بها على الغائب فلا يحكم به ، وهو المشهور ، وجزم به العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وجزم به الشهيد في الدروس ، وهو المعتمد.

ص: 236


1- في « ن » : حضوره.

في كيفية الاستحلاف

قال رحمه اللّه : ولا يستحلف أحد إلا باللّه ، ولو كان كافرا ، وقيل : لا يقتصر في المجوسي على لفظ الجلالة ؛ لأنه يسمى النور إلها ، بل يضم الى هذه اللفظة الشريفة ما يزيل الاحتمال.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ رحمه اللّه ، واختاره فخر الدين والشهيد ، ولا بد أن يضم اليه ما يزيل احتمال التأويل ، كقوله : واللّه خالق النور والظلمة ، فحينئذ ينتفي التأويل ويحصل الجزم بأنه حلف باللّه ، والمصنف والعلامة لم يشترطا ذلك ، لقوله تعالى ( فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما ) (1) وقوله تعالى ( وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ) (2) ، ولقوله عليه السلام : « من كان حالفا فليحلف باللّه » (3) ومن ألفاظ العموم.

قال رحمه اللّه : وحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : توضع يده على اسم اللّه

ص: 237


1- المائدة : 107.
2- الانعام : 109 وغيرها.
3- مستدرك الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 24 ، حديث 1.

تعالى في المصحف ، ويكتب اسم اللّه سبحانه وتوضع يده عليه ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه فإن شرب كان حالفا وإن امتنع ألزم الحق ، استنادا الى حكم علي عليه الصلاة والسلام في واقعة الأخرس.

أقول : في كيفية تحليف الأخرس ثلاثة أقوال :

أ - الاكتفاء بالإشارة المفهمة وهو المشهور بين الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لان الشارع أقام إشارته مقام الكلام.

ب - لا بد مع الإشارة من وضع يده على اسم اللّه تعالى ، وهو مذهب الشيخ في النهاية.

ج - غسل اليمين بعد كتابته ويؤمر بشربه ، وهو قول ابن حمزة ، لما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه السلام : « قال : سألته عن الأخرس ، كيف يحلف إذا ادعى عليه دين ولم يكن للمدعي بينة؟ قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لما ادعى عنده على أخرس بدين من غير بينة : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج اليه ، ثمَّ قال : ائتوني بمصحف فأوتى به اليه ، فقال للأخرس : ما هذا؟ فرفع رأسه الى السماء وأشار أنه كتاب اللّه عزوجل ، ثمَّ قال : ائتوني بوليه فأتي بأخ له فأقعده الى جنبه ، ثمَّ قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمَّ قال لأخ الأخرس : قل لأخيك : هذا بينك وبينه إنه علي ، فتقدم اليه ثمَّ كتب أمير المؤمنين عليه السلام : واللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية أن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان ، أعني الأخرس ، حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمَّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع فالزم

ص: 238

الدين » (1).

وحملها ابن إدريس على أخرس له كتابة معقولة ولا إشارة مفهومة (2).

قال رحمه اللّه : أما المدعي ولا شاهد له فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو مع النكول على قول ، فان ردها المنكر توجهت فيحلف على الجزم ، ولو نكل سقطت دعواه إجماعا ، ولو رد المنكر اليمين ثمَّ بذلها قبل الإحلاف ، قال الشيخ : ليس له ذلك الا برضى المدعي ، وفيه تردد منشؤه أن ذلك تفويض لا إسقاط.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : في ثبوت اليمين على المدعي مع نكول المنكر عن اليمين وقد مضى البحث في ذلك (3).

الثانية : في نكول المدعي عن اليمين إذا ردها المنكر ، قال المصنف : ولو نكل سقطت دعواه إجماعا ، والمراد به في ذلك المجلس. وهل تسمع في غيره؟ استشكله العلامة في القواعد من أصالة بقاء الحق ، ومن أدائه إلى التسلسل فيحصل الإضرار ولم تنقطع المنازعة. واختار العلامة في التحرير عدم سماع دعواه ما لم يأت ببينة كاملة ، واختاره الشهيد في الدروس ، وهو المعتمد ، لانتفاء التسلسل مع قيام البينة.

الثالثة : إذا رد المنكر اليمين ثمَّ بذلها قبل إحلاف المدعي ، قال الشيخ في المبسوط : ليس له ذلك إلا برضا المدعي ؛ لأن المنكر لما رد اليمين استحقها المدعي ، والأصل بقاء الاستحقاق فلا ينتقل عن المستحق إلا برضاه. وتردد المصنف والعلامة في القواعد ، من حيث أن الرد تفويض لا إسقاط ، وإذا كان

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 33 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 1.
2- في « م » : مفهمة.
3- ص 232.

تفويضا جاز الرجوع قبل الإحلاف ، واختاره فخر الدين والشهيد.

واعلم : أنه يظهر من المصنف والعلامة في القواعد الفرق بين اليمين التي ردها المنكر ، وبين اليمين التي ردها الحاكم بسبب النكول ؛ لأنهما جزما بعدم قبول بذل المنكر اليمين بعد نكوله ، وترددا في قبول بذله لها مع الرد.

ولعل الفرق : أن يمين النكول تثبت بحكم الحاكم وحكمه لا ينقض ما لم يظهر خطأه ، ويمين الرد تثبت باختيار المنكر فله الرجوع ( ما لم يحلف ) (1) ، والشهيد لم يفرق وجوز الرجوع قبل الحلف.

والمعتمد : إن قال القاضي بعد تعريف المنكر بحكم النكول قد حكمت بنكوله ورددت اليمين على المدعي ، لم يكن له الحلف بعد ذلك ما لم يرض المدعي ؛ لأن حكم الحاكم لازم (2) ، وقد ثبت اليمين بحكمه ، فلا يسقط الا برضاه ، وقال العلامة في التحرير : وكذا لو قال للمدعي : احلف ، فهو كالقضاء بالنكول ، ولو أقبل على المدعي بوجهه ، فقال الناكل : أنا حالف (3) ، فالأقرب أن له الرجوع.

فروع : أ ) إذا حلف المدعي ، هل يمينه كإقرار الخصم أو البينة؟ استشكله العلامة في القواعد ، وجزم في التحرير أنها كإقرار الخصم ، واختاره الشهيد. والفائدة في مثل إنكار الوكيل العيب ونكوله عن اليمين ، فيحلف المدعي ، فان جعلناها كالبينة ملك (4) رده على الموكل ، وإن جعلناها كالإقرار فلا.

ب ) هل للمدعي إلزام المنكر بإحضار المال قبل اليمين؟ قال أبو الصلاح : نعم ، وقال العلامة في المختلف : ولم يحضرني الآن قول لأصحابنا يوافقه ، قال : والوجه المنع ؛ لأن تكليف الإحضار قبل الثبوت تسليط على مال المسلم بغير

ص: 240


1- ما بين القوسين ليس في « ن ».
2- في « ن » : لزم.
3- في « م » و « ن » : أحلف.
4- في « م » : فله.

حق ، وانما يستحق الإحضار بعد اليمين ، ولا بأس بهذا القول.

ج ) لو طلب المدعي الإمهال باليمين المردودة أمهل ؛ لأن الحق له بخلاف المنكر ، فإنه لو طلب الإمهال لم يمهل ؛ لأن الحق عليه.

قال رحمه اللّه : لو كان له بينة فأعرض عنها والتمس يمين المنكر [ أو ] قال : أسقطت البينة وقنعت باليمين ، فهل له الرجوع؟ قيل : لا ، وفيه تردد ، ولعل الأقرب الجواز ، وكذا البحث لو أقام شاهدا فاعرض عنه ، وقنع بيمين المنكر.

أقول : قال الشيخ : ليس له الرجوع ؛ لأن إقامة البينة واليمين حق له وقد أسقطه فلا يعود اليه الا بدليل ، ويحتمل عدم السقوط ؛ لأن الحق له (1) لا يسقط بالاعراض ، والأصل بقاؤه ما لم يحلف المنكر ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : أما لو ادعى الصغير الحربي الإنبات بعلاج لا بالسن ليتخلص عن القتل ، فيه تردد ، ولعل الأقرب أنه لا يقبل الا مع البينة.

أقول : تقبل (2) دعوى الصبي المسلم البلوغ من غير يمين وإلا دار ، وتقبل دعواه عدم البلوغ من غير يمين أيضا (3) ، وإلا لزم من صحة اليمين إبطالها.

أما لو وقع صبي من المشركين في يد المسلمين فادعى عدم البلوغ ليسلم من القتل ويلحق بالذراري ، فاعتبر فوجد الشعر الخشن على عانته ، فادعى أنه استنبته بالدواء ، هل يقبل منه ذلك بلا يمين ، أو مع اليمين ، أو لا يقبل إلا بالبينة؟ فيه ثلاثة احتمالات :

أ ) القبول بلا يمين ؛ لأن مجرد الدعوى شبهة والقتل حد ، وقال عليه السلام :

ص: 241


1- من الأصل.
2- في الأصل : ( لا يقبل ).
3- ليست في الأصل.

« ادرءوا الحدود للشبهات » (1) ؛ ولأن دعواه موافقة للأصل ؛ لأن الأصل عدم البلوغ والقتل موقوف على تحقق الوقوع (2) ، وهو لم يتحقق فلا يقتل ويقبل قوله من غير يمين ، كدعوى الذمي الإسلام قبل الحول (3) ، ودعوى إخراج الزكاة وابدال النصاب ونقص الخرص ، فكما أن الدعوى بهذه الأشياء (4) مقبولة بغير يمين ؛ لأنها حقوق اللّه وهي مبنية على التخفيف كذلك هذه الدعوى ، ولأن يمين غير البالغ غير معتبرة فإذا قبل قوله بعدم القبول فلا فائدة بيمينه.

ب ) لا يقبل دعواه إلا باليمين ، وهو قول الشيخ في المبسوط واختاره العلامة ، ونقله فخر الدين عن كثير من الفقهاء ؛ لأنه محكوم ببلوغه ظاهرا ، ولا يزول هذا الحكم بمجرد دعواه فلا بدّ له من مزيل ، فقد (5) يتعذر إقامة البينة فلم يبق غير اليمين.

ج ) لا يقبل دعواه إلا بالبينة ، وهو اختيار المصنف ؛ لأن الشارع جعل الإنبات أمارة البلوغ وقد وجدت فيوجد البلوغ ، ودعواه مخالفة للظاهر فلا يقبل إلا بالبينة ، ولأنه لو كان عدم العلاج شرطا لما جاز قتل محتمل المعالجة إلا بعد علم انتفائها ، وهو باطل إجماعا.

ص: 242


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب المقدمات ، حديث 4.
2- في « ر 1 » : البلوغ.
3- في « م » : الحلول.
4- في « ن » : الأسباب.
5- كذا.

في اليمين مع الشاهد

قال رحمه اللّه : وضابطه ما كان مالا ، أو المقصود منه مال ، وفي النكاح تردد.

أقول : منشؤه من أن المشهور من فتاوى أصحابنا عدم ثبوت النكاح بالشاهد واليمين ، ومن أنه عقد معاوضة على مال فيثبت بالشاهد واليمين. واستقرب العلامة الثبوت إن كان المدعي المرأة ؛ لأنها تدعي ما يستلزم المال إن كان بعد الدخول والتسمية. وظاهر فخر الدين عدم الثبوت مطلقا ؛ لان المقصود من النكاح الإحصان وكف النفس وحصول التناسل ، والمهر والنفقة تابعان.

قال رحمه اللّه : وفي الوقف إشكال منشؤه النظر الى من ينتقل ، والأشبه القبول ، لانتقاله الى الموقوف عليهم.

أقول : على القول بانتقال الوقف الى اللّه تعالى لا يثبت بالشاهد واليمين ، وعلى القول بانتقاله الى الموقوف عليهم يثبت بهما ، وقد مضى تحقيق البحث في ذلك في باب الوقف (1).

ص: 243


1- ج 2 ص 378.

ص: 244

في كتاب قاضٍ الى قاضٍ

قال رحمه اللّه : إنهاء حكم الحاكم الى الآخر : إما بالكتابة أو العقول أو الشهادة ، أما الكتابة فلا عبرة بها ، لإمكان التشبيه ، واما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر : حكمت بكذا ، أو أنفذت ، أو أمضيت ، ففي القضاء به تردد ، نص الشيخ في الخلاف : انه لا يقبل.

أقول : منشأ التردد من أن حكم الحاكم الثاني بمجرد أخبار الأول قول في الشرع بغير علم ، وهو غير جائز ، لقوله تعالى ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) ، وقوله تعالى ( أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (2) ، ومن أنه لما كان حكم الحاكم الأول مقبولا ماضيا كان إخباره مقبولا أيضا ، وهو اختيار العلامة في القواعد ، وبه قال الشهيد ، اما لو لم يقل : حكمت ، ولا أنفذت ولا أمضيت ، بل قال : ثبت عندي ، لم ينفذه الثاني قطعا ؛ لأن الأول لم يحكم ، والثاني لم يجز له ان يحكم بما ثبت عند غيره.

ص: 245


1- الاسراء : 36.
2- البقرة : 169.

قال رحمه اللّه : إذا عرفت هذا ، فالعمل بذلك مقصور على حقوق الناس ، دون الحدود وغيرها في حقوق اللّه تعالى ، فما ينهى إلى الحاكم أمران ، أحدهما : حكم وقع بين متخاصمين ، والثاني : إثبات دعوى مدع على غائب ، فإن حضر شاهدا لإنهاء خصومة الخصمين سمعاها يحكم به الحاكم ، وأشهدهما على حكمه ثمَّ شهدا بالحكم عند الأخر ، ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم ، وأنفذ ما ثبت عنده الا [ لا ] أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر إذ لا علم له به ، بل الفائدة فيه قطع خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك الواقعة وإن لم يحضر الخصومة نحكي لهما الواقعة وصورة الحكم وسمى المتحاكمين بأسمائهما وابائهما وصفاتهما وأشهدهما على الحكم ، ففيه تردد والقبول أولى ؛ لأن حكمه كما كان ماضيا كان إخباره ماضيا.

أقول : منشأ هذا التردد كمنشأ التردد السابق من غير فرق ، إلا أن اخباره في الأولى للحاكم الأخر وهنا للشهود ، فكما جاز أن يشهدا بالحكم جاز لهما الشهادة بالأخبار ، وهو اختيار العلامة في القواعد.

واعلم أن المصنف قد ذكر في هذا الفصل تردد آخر ، ومنشؤه معلوم من هنا فلا فائدة في ذكره ؛ لأن منشأ الجميع واحد وإن تغابرت المسائل.

ص: 246

في مبحث القسمة

قال رحمه اللّه : وفي التراضي بقسمة الكافر نظر ، أقربه الجواز ، كما لو تراضيا بأنفسهما من غير قاسم.

أقول : منشؤه من عدم جواز الركون الى الكافر ، ومن عدم اشتراط الأمانة في غير القاسم المنصوب من جهة الامام ، ولقد جزم العلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد في الدروس بجواز قسمة الكافر إذا تراضيا به.

قال رحمه اللّه : المنصوب من قبل الامام تمضي قسمته بنفس القرعة ، ولا يشترط رضاهما [ بعدها ] وفي غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة ، وفي هذا إشكال من حيث أن القرعة وسيلة إلى تعيين الحق ، وقد قارنها الرضا.

أقول : ومن حصول الفرق بين قسمة قاسم الامام وقسمة غيره ؛ لأن قسمة قاسم الإمام بمنزلة حكمه ، فلهذا كانت لازمة بعد القرعة بخلاف قسمة غيره ، لأن الأصل بقاء الاشتراك ما لم يحصل التراضي بعد القرعة ، وبه جزم العلامة في التحرير وهو أحوط ، وجزم الشهيد بعدم اعتبار التراضي بعد القرعة إلا في قسمة الرد خاصة.

ص: 247

قال رحمه اللّه : ويتحقق الضرر المانع من الإجبار بعدم الانتفاع بالنصيب بعد القسمة [ وقيل ] بنقصان القيمة ، وهو أشبه ، وللشيخ قولان.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والضرر عند قوم أن لا ينتفع بما يفرد له ولا يراعى نقصان قيمته ، وهو قول الأكثر ، وهو الأقوى ، وقال بعض المتأخرين : الضرر نقصان قيمة سهمه بالقسمة ، فمتى نقص بالقسمة فهو الضرر وهو قوي أيضا. وهذا يدل على تردده.

وذهب المصنف والعلامة إلى حصول الضرر بنقصان القيمة ، لعموم قوله عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (1).

قال رحمه اللّه : وإذا سألا الحاكم القسمة ولهما بينة بالملك قسم ، وإن كان يدهما عليه ولا تنازع ، قال في المبسوط : لا يقسم ، وقال في الخلاف : يقسم ، وهو أشبه ؛ لأن التصرف دال على الملك.

أقول : احتج المانع من القسمة بأن قسمة الحاكم حكم بالملك من غير حجة ، وهو باطل ، فأجاب الشيخ في الخلاف عن هذا بأنا نحترز من هذا بأن تكتب الصورة بأنه قسم بينهما بقولهما ، فاذا قال هذا لا يكون قد حكم لهما بالملك ، وهو اختيار المصنف والعلامة (2) وابنه (3) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإن تساويت الحصص قيمة لا قدرا ، مثل أن يكون لواحد النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس ، وقيمة أجزاء ذلك الملك متفاوتة [ متساوية ] سويت السهام على أقلهم نصيبا فجعلت أسداسا ثمَّ كم يكتب رقعة؟ فيه تردد بين أن يكتب بعدد الشركاء ، أو بعدد السهام ، والأقرب الاقتصار على

ص: 248


1- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 12 ، حديث 3 ، وفيه ( ضرار ) بدل ( إضرار ).
2- ليست في « م » و « ن » و « ر 1 ».
3- ليست في « ن ».

عدد الشركاء ، لحصول المراد به ، فالزيادة كلفة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : يكتب ست رقاع ، لصاحب السدس رقعة ، ولصاحب الثلث رقعتان ، ولصاحب النصف ثلاثة رقاع ، قال : وقال بعضهم : تجزي ثلاث رقاع ؛ لأنها إنما تخرج القرعة مرتين ويكتفي بها عن الثالث ، فإذا أمكن الاختصار فلا معنى للتطويل ، قال : والأول أقوى ؛ لأن كل من كان سهمه أكثر كان حظه (1) أوفر وله مزية على صاحب الأقل ، فإذا كتب لصاحب النصف ثلاث رقاع كان خروج قرعته أسرع وأقرب وإذا كتب له واحدة كان خروج قرعته وقرعة صاحب السدس سواء ، ولهذا قيل : يكتب له أكثر من رقاع غيره ، قال : والثاني أيضا قوي ؛ لأنا فرضنا أن القسمة متساوية فلا فائدة في ذكر التقديم والتأخير ، وهذا يدل على تردده ، والمعتمد اختيار المصنف وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو كان المستحق مشاعا بينهما ، فللشيخ رحمه اللّه قولان : أحدهما : لا يبطل فيما زاد عن المستحق ، والثاني : يبطل ؛ لأنها وقعت من دون إذن الشريك ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان بينهما ضيعة نصفين فاقتسماها فبان ثلثها مستحقا ، فان كان معينا وحصل بينهما بالسوية لم تبطل القسمة ، والا بطلت. وإن كان مشاعا بطلت في قدر المستحق ، ولم تبطل فيما بقي وقال قوم : تبطل فيما بقي ، والأول مذهبنا ، والثاني قوي ؛ لأن القسمة تميز حق كل منهما عن صاحبه وقد بان أنه على الإشاعة ، قال : والعلة الجيدة أنهما اقتسماها نصفين وثلثها لغائب ومن قسم ما هو شرك بينه وبين غيره من غير حضوره كانت القسمة باطلة ، والى هذه العلة أشار المصنف بقوله ( لأنها وقعت من دون إذن الشريك ) ، والمعتمد مذهب

ص: 249


1- في « ن » : حديث صته.

المصنف وهو اختيار العلامة.

ص: 250

في أحكام الدعوى

قال رحمه اللّه : المدعي : هو الذي يترك لو ترك الخصومة ، وقيل : هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا ، وكيف عرفناه فالمنكر في مقابلته.

أقول : اجتمعت (1) الأمة على أن البينة على المدعي واليمين على المنكر ، والأصل في ذلك قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) ، وقيل : إن السبب في ذلك أن جانب المنكر أقوى من جانب المدعي لموافقة دعوى المنكر للأصل ؛ لأن الأصل براءة ذمته مما يدعيه عليه المدعي ، ومخالفة دعوى المدعي للأصل ، والبينة أقوى من اليمين لعدم التهمة فيها ، والإنسان قد يتهم بدعواه لنفسه فاعطى الشارع أقوى الحجتين لأضعف الجانبين ، وأضعف الحجتين لأقوى الجانبين ، ليجيز الضعيف القوي ليحصل المعادلة بينهما ، فهذه القاعدة أحوجت إلى معرفة المدعي من المدعى عليه ، ليطالب كل منهما بحجته ، وقد عرفوا المدعى بثلاث تعريفات :

ص: 251


1- في النسخ : أجمعت.
2- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

الأول : الذي يترك لو ترك الخصومة ، فيكون المدعى عليه من لا يترك لو سكت.

الثاني : هو الذي يدعي خلاف الأصل ، والمدعى عليه هو الذي يوافق الأصل.

الثالث : هو الذي يدعي أمرا خفيا ، فيكون المدعى عليه هو الذي يدعي ما يوافق الظاهر.

إذا عرفت هذا فاذا ادعى زيد دينارا أو عينا على عمرو فزيد هو المدعي على التعريفات الثلاث ؛ لأنه لو سكت ترك وسكوته ، ولأنه هو الذي يدعي خلاف الأصل وخلاف الظاهر ؛ لأن الأصل والظاهر براءة ذمة عمرو مما يدعيه زيد.

والفائدة إنما تظهر في مثل ما إذا أسلم الزوجان قبل الدخول وادعى الزوج تقارن الإسلام ليثبت العقد ، وادعت الزوجة تعاقبه لينفسخ العقد ، فان قلنا : المدعي من يترك لو ترك الخصومة فالزوجة مدعية ؛ لأنها لو تركت لما نازعها (1) الزوج واستقر العقد فيحلف الزوج ويستقر عقده ، وكذا لو قلنا : إن المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل ، فالزوجة المدعية ؛ لأن الأصل عدم تقدم (2) أحدهما على الأخر ، وإن قلناه : إن المدعي هو الذي يدعي خلاف الظاهر فالزوج هو المدعي ؛ لأن التقارن (3) نادر والظاهر التعاقب.

ولو انعكست الدعوى فادعت الزوجة التقارن لتثبت النكاح والمهر ، وقال الزوج : أسلمت قبل فلا نكاح ولا مهر ، فعلى التفسير الأول فالمدعي الزوجة ؛

ص: 252


1- في « ن » : بان عنها.
2- من النسخ وفي الأصل : تقديم.
3- من النسخ وفي الأصل : والتقارن.

لأنها تخلى وسكوتها ، وكذا على الثالث ، لندور الاقتران ، وعلى الثاني فالمدعي الزوج ؛ لأن الأصل عدم سبق أحدهما على الأخر ، ففي المسألة الأولى الزوجة مدعية على الأول والثاني ، والزوج مدعي (1) على الثالث وفي المسألة الثانية الزوجة مدعية على الأول والثالث ، والزوج مدع على الثاني.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى المنكر فسق الحاكم أو الشهود ولا بينة ، وادعى علم المشهود له ، ففي توجه اليمين على نفي العلم تردد ، أشبهه عدم التوجه ؛ لأنه ليس له حقا لازما ، ولا يثبت بالنكول ولا باليمين المردودة ؛ لأنه [ يثير ] فسادا.

أقول : ومن أنه ينتفع به في حق لازم ، وهو بطلان الحكم مع الإقرار ، فحينئذ لو صدقه على فسق الحاكم أو الشهود وبطل الحكم ولم تبطل الدعوى ، فله اعادتها عند غير ذلك الحاكم ، وله إقامة غير تلك الشهود. والمعتمد عدم توجه اليمين ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين والشهيد. أما لو التمس بعد إقامة البينة عليه إحلاف المدعي على الاستحقاق أجيب ، قاله العلامة في القواعد جزما.

قال رحمه اللّه : وفي إلزامه بالجواب عن دعوى الإقرار تردد ، منشؤه أن الإقرار لا يثبت حقا في نفس الأمر ، بل إذا ثبت قضى به ظاهرا.

أقول : منشؤه من أنه ينتفع به مع التصديق ؛ لأنه لو صدقه بأنه قد أقر له الزم بذلك الإقرار ، ومما قاله المصنف ، وبيانه : أن الإقرار لا يوجب حقا في نفس الأمر ؛ لأنه لو علم المقر له كذب المقر بما أقر به لم يحل له أخذ المقر به ، فلهذا قال المصنف : الإقرار لا يثبت حقا في نفس الأمر ، والمعتمد وجوب الجواب وهو اختيار العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو كان المدين حاضرا و[ جاء ] للغريم بينة تثبت عند الحاكم ، والوصول اليه ممكن ففي جواز الأخذ تردد أشبهه الجواز ، وهو الذي

ص: 253


1- كذا.

ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وعليه دل عموم الاذن في الاقتصاص.

أقول : هذا هو المشهور ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1) ولقوله عليه السلام : « الواجد يحل عقوبته وعرضه » (2) واختاره المصنف هنا والعلامة والشهيد ، ويحتمل عدم الجواز ؛ لان التسلط (3) على مال الغير خلاف الأصل ، فيقتصر على محل الضرورة ، وهو عدم (4) وجود البينة وتعذر (5) الوصول الى الحاكم ، ونقله الشهيد عن المصنف في المختصر.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن بينة أو تعذر الوصول الى الحاكم ، ووجد الغريم من جنس ماله اقتص مستقلا بالإيفاء [ بالاستيفاء ] ، نعم لو كان المال وديعة عنده ، ففي جواز الاقتصاص تردد أشبهه الكراهية ، ولو كان من غير جنس الموجود أخذه بالقيمة العدل.

أقول : الكراهية مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن إدريس : واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لرواية أبي العباس (6) عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب ، وذهب الشيخ في النهاية (7) وابن البراج وابن زهرة إلى تحريم الأخذ ، لعموم قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (8) وهو ينافي جواز الأخذ ، ولرواية ابن أبي عمير (9) ، عن أبي

ص: 254


1- البقرة : 194.
2- الوسائل ، كتاب الدين ، باب 8 من أبواب القرض ، حديث 4.
3- في « ر 1 » : التسليط.
4- في النسخ : مع عدم.
5- في النسخ : أو تعذر.
6- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 83 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 1.
7- في « ن » : الاستبصار.
8- النساء : 58.
9- في النسخ : إلزام الغاصب.

عبد اللّه عليه السلام الدالة على عدم الجواز ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو تلفت قبل البيع ، قال الشيخ : الأليق بمذهبنا أنه لا يضمنها ، والوجه الضمان ؛ لأنه قبض لم يأذن فيه المالك ، ويتقاصان [ بقيمتها ] مع التلف.

أقول : إذا أخذ من مال (1) المماطل شيئا كان مخيرا بين أن يتملكه بالقيمة وبين البيع إذا لم يكن من جنس الحق ، فإن تلف قبل التملك أو قبل البيع ، هل يضمنه؟ قال الشيخ : لا يضمنه ؛ لأنه قبضه قبضا مشروعا فلا يتعقبه ضمان ، وقال المصنف : يضمنه ، وقد ذكر وجهه واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه قبضه لنفسه فيكون مضمونا عليه.

قال رحمه اللّه : لو انكسرت سفينة في البحر ، فما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه ، وبه رواية في سندها ضعف.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه الحسين بن يقطين ، عن أمية بن عمرو ، عن الشعيري : « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضه بالغوص واخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال : أما ما أخرجه البحر فهو لأهله اللّه أخرجه ، وأما ما اخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به » (2) وأوردها الشيخ في النهاية على صورتها ، واستضعفها المصنف ؛ لأن أمية بن عمرو واقفي. وقال ابن إدريس : ما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما أخرج بالغوص ، فان تركه أهله آيسين منه فهو لمن أخرجه وغاص عليه ؛ لأنه بمنزلة المباح ، كالبعير يترك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، فإنه يكون لواجده ، وادعى

ص: 255


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 12 ، حديث 2.

الإجماع على ذلك ؛ لأن الأصل بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم المخرج ، واستحسن أبو العباس في مقتصره قول ابن إدريس.

ص: 256

في الاختلاف في دعوى الاملاك

قال رحمه اللّه : لو تنازعا عينا في يدهما ولا بينة ، قضى بها بينهما نصفين ، وقيل : يحلف كل واحد منهما لصاحبه.

أقول : المشهور أنه لا يقضى بينهما (1) نصفين إلا بعد أن يتحالفا ؛ لأن كل واحد مدع بالنصف ، ومدع عليه في النصف الأخر ، فإن حلفا أو نكلا استقرت العين بينهما ويحلف كل واحد منهما على النفي ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ردت اليمين على الحالف ، فيحلف على الإثبات في النصف الأخر ؛ لأن هذه يمين المدعي المردودة ، ولو نكل الأول الذي بدأ به القاضي تحكما (2) أو بالقرعة ، عرض على الثاني يمين النفي واليمين المردودة ، ويكفى يمين واحدة جامعه بين النفي والإثبات ، فيحلف أن جميع العين له ليس لصاحبه فيها حق ، ولو قال : واللّه إن النصف الذي يدعيه ليس له فيه حق والنصف الأخر لي كفاه ؛ لأن الواجب في يمين النفي أن ينفيه عن المدعي ولا يجب عليه أن يثبته لنفسه.

ص: 257


1- في « م » : بها.
2- في الأصل تحاكما.

قال رحمه اللّه : وفي الثاني يقضى بها للخارج دون المتشبث ، ان شهدت لهما بالملك المطلق ، وفيه قول آخر ذكره في الخلاف بعيد ، ولو شهدتا بالسبب ، قيل : يقضي لصاحب اليد ، لقضاء علي عليه السلام في الدابة ، وقيل : يقضى للخارج ؛ لأنه لا بينة على ذي اليد كما لا يمين على المدعي عملا بقوله صلى اللّه عليه وآله : « واليمين على من أنكر » ، والتفصيل قاطع الشركة ، وهو أولى ، أما لو شهدت للمتشبث بالسبب ، وللخارج بالملك المطلق ، فإنه يقضي لصاحب اليد ، سواء كان السبب مما لا يتكرر كالنتاج ونساجة الثوب الكتان ، أو يتكرر كالبيع ، أو الصياغة ، وقيل : يقضي للخارج ، وإن شهدت بينة بالملك المطلق عملا بالخبر ، والأول أشبه.

أقول : إذا تداعيا عينا في يد أحدهما وأقام كل منهما بينة فلا يخلوا ، إما ان تشهد لهما بالملك المطلق ، أو تشهد لهما بالسبب ، أو تشهد لأحدهما بالملك المطلق وللآخر بالسبب ، فالأقسام أربعة :

أ ) أن تشهد لهما بالملك المطلق ، قال الشيخ في الخلاف : إن البينة بينه الداخل سواء أطلقتا أو قيدتا بالسبب ؛ لأن له بينة ويد ، ولما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة وكل منهما أقام بينة أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده ، وقال لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » (1) ، ومثلها رواية جابر (2) عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. واستبعده المصنف (3) ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب (4) والاستبصار ، لقوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على

ص: 258


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 12 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.
2- سنن البيهقي - ج 10 - ص 256.
3- في الأصل بعد هذا عبارة غير موجودة في النسخ وهي : وما اختاره من تقديم الخارج.
4- في « ن » : النهاية.

من أنكر » (1) ولا شك أن المتشبث منكر فيكون الخارج هو المدعي والبينة (2) بينته ، ولعدم دلالة الحديث على مطلوبه ؛ لأنه مقيد بالسبب فلا دلالة فيه على الإطلاق.

ب ) أن تشهد لهما بالسبب ، فهنا يقدم الداخل عند الشيخ في الخلاف والتهذيب والاستبصار ، والخارج عند الصدوقين والمفيد ، للحديث المشهور بين الأصحاب فيقدم الخارج لما تقدم من قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (3) ، جعل عليه السلام لكل واحد حجة ، وكما لا يمين على المدعي لا بينة على المنكر ، والا لزم الاشتراك بين المدعي والمنكر في البينة واليمين ، فلا يتحقق فائدة التفصيل أي تخصيص كل واحد بشي ء ، وهو معنى قوله ( والتفصيل قاطع للشركة ) أي تخصيص المدعي بالبينة والمنكر باليمين قاطع لشركتهما بالبينة واليمين ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

ج ) أن تشهد بينة الخارج بالملك المطلق والداخل بالسبب ، فهنا قال الشيخ في النهاية : يحكم له واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لتأييد اليد بالسبب ، ولرواية غياث بن إبراهيم المتقدمة عن علي عليه السلام ، ورواية جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وقال ابن إدريس : يقضى للخارج مطلقا ، لعموم قوله عليه السلام « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ».

د ) ان تقيد بينة الخارج بالسبب ويطلق بينة الداخل ، فهنا يقدم الخارج بلا خلاف ؛ لأن القائل بتقديم بينة الداخل قيد ذلك بإطلاقهما أو بشهادتهما لهما بالسبب أو بتقييد الداخل بالسبب مع إطلاق الخارج ، ولم يقل احد بتقديم بينه

ص: 259


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.
2- في ن : فالبينة.
3- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

الداخل مع إطلاقها وتقييد بينه الخارج بالسبب.

قال رحمه اللّه : ولو كانت في يد ثالث ، قضى بأرجح البينتين عدالة ، فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا ، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما فمن خرج اسمه أحلف وقضي له ، وإن امتنع أحلف الأخر وقضي له ، وإن نكلا قضي به بينهما بالسوية ، وقال في المبسوط : يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق ، ويقسم بينهما ان شهدتا بالملك المقيد ، وإن اختصت إحداهما بالتقييد قضى بها دون الأخرى ، والأول أنسب بالمنقول.

أقول : ما حكاه أولا - وهو الحكم بالقرعة مع التساوي عددا وعدالة - قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وقد ورد فيه وفي قول المبسوط روايتان (1) عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وانما كان مذهب النهاية أنسب بالمنقول ؛ لأنهما بينتان تعارضتا ولا ترجيح لأحدهما على الأخرى ، ولا يجوز إبطالهما ، فيتعين الجمع بينهما بالقسمة بعد القرعة واليمين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين ، ولا يتحقق بين شاهدين وشاهد ويمين ، وربما قال الشيخ نادرا : يتعارضان ويقرع بينهما.

أقول : الشيخ ذكر هذه المسألة في موضعين من المبسوط ، أحدهما : فصل الرجوع عن الشهادة ، وحكى الخلاف فيها ولم يختر شيئا ، والأخر : فصل الدعاوي والبينات ، واختار عدم التعارض بل تقدم الشاهدان والشاهد والمرأتان على الشاهد واليمين ، وصرح في الخلاف بعدم التعارض أيضا ، وهو المعتمد.

ص: 260


1- الوسائل ، القضاء ، باب 12 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1 و 6.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى شيئا فقال المدعي عليه : هو لفلان اندفعت عنه المخاصمة ، حاضرا كان المقر له أو غائبا ، فإن قال المدعي : أحلفه أنه لا يعلم أنها لي ، توجهت اليمين ؛ لأن فائدتها الغرم لو امتنع لا القضاء بالعين لو نكل أورد ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا يحلف ولا يغرم لو نكل ، والأقرب أنه يغرم ؛ لأنه حال بين المالك وملكه بإقراره لغيره.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى دارا في يد رجل ، فقال المدعي عليه : ليست بملك لي وانما هي لفلان ، فقال المدعي : أحلفوا المقر الذي ادعيت عليه أولا انه لا يعلم أنها ملكي ، قال قوم : يجب عليه اليمين ، وقال اخرون : لا يجب عليه ، بناء على مسألة هي : إذا قال الدار لزيد لا بل لعمرو سلمت الى زيد ، وهل يغرمها لعمرو؟ على قولين ، كذلك هنا لو اعترف بها للمدعي بعد أن أقر بها لغيره ، وهل عليه الغرم أم لا؟ ( على قولين ) (1) : فمن قال : لو اعترف لزمه الضمان ، قال : عليه اليمين ؛ لأنه لما لزمه الغرم مع الإقرار لزمه (2) اليمين مع الإنكار ، وقال قوم : لا يحلف ، لأنه لا فائدة فيها ؛ لأن أكثر ما فيه أن يعترف خوفا من اليمين ، ولو اعترف فلا شي ء عليه ، فلما لم يلزمه الغرم مع الإقرار لا يلزمه اليمين مع الإنكار ، قال : وهو الذي يقوى في نفسي ، والمعتمد مذهب المصنف وقد ذكر وجهه.

قال رحمه اللّه : لو ادعى دارا في يد إنسان ، وأقام بينة أنها كانت في يده أمس ، أو منذ شهر ، قيل : لا تسمع هذه البينة : وكذا لو شهدت له بالملك أمس ؛ لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا تندفع بالمحتمل ، وفيه إشكال ، ولعل الأقرب القبول.

ص: 261


1- ما بين القوسين ليس في الأصل.
2- في « ر 1 » : لا يلزمه.

أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، فتارة حكم بسماع البينة لسبق اليد ، وتارة لم يحكم بها ، واختار المصنف والعلامة في المختلف والإرشاد سماع البينة بذلك ؛ لأن اليد دليل ظاهر على الملكية ، وإذا ثبت بالبينة والإقرار (1) سبقها فقد ثبت دليل الملك ، وثبوت دليل الملك يقتضي ثبوت مدلوله وهو الملك ، والا لم يكن دليلا ، وقال فخر الدين : لا تسمع هذه البينة ولا تنتزع هذه (2) العين من ذي اليد بهذا (3) ؛ لأن هذه يد معلومة وتلك مظنونة ، والمظنون لا يعارض المعلوم ، ولأن اليد قد تكون مستحقة وقد لا تكون ، فاذا زالت ضعفت دلالتها.

واحتج الشيخ على عدم السماع بأن المدعي يدعي الملك الآن والبينة تشهد له بالملك (4) بالأمس ، فقد شهدت بغير ما يدعيه فلم يقبل ، ثمَّ قال : فان قالوا : شهدت له بالملك أمس والملك مستدام الى أن يعلم زواله ، قلت لا نسلم ان الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الأول موجود فلا يزول (5) الثابت بأمر محتمل.

ص: 262


1- في النسخ : أو الإقرار.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في « ن » : هذا.
4- من « ن ».
5- في النسخ : يزال.

في الاختلاف في العقود

قال رحمه اللّه : إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهرا معينا ، واختلفا في الأجرة ، وأقام كل منهما بينه بما قدّره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ؛ لأن الثاني يكون باطلا ، وإن كان التاريخ واحدا تحقق التعارض إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين ، فحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط ، وقال آخر : يقضى ببينة المؤجر ؛ لأن القول قول المستأجر لو لم يكن بينة ، إذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر فيكون القول قوله ، ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، فحينئذ نقول هو مدع [ زيادة ] ، وقد أقام البينة بها ، فيجب ان تثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : منشأ التردد من عدم ترجيح أحد القولين عنده ؛ لأن كل واحد منهما مدع وله بينة فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، وذهب العلامة في التحرير الى اختيار الشيخ وهو اعتبار القرعة ، ولم يرجح في القواعد والإرشاد شيئا ، واختار الشهيد في شرح الإرشاد القرعة أيضا ، وهو قوي.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى استيجار دار ، فقال المؤجر ، بل آجرتك بيتا

ص: 263

منها ، قال الشيخ : يقرع بينهما ، وقيل : القول قول المؤجر ، والأول أشبه ؛ لأن كلا منهما مدع ، ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ ، ومع التفاوت يحكم للأقدم.

أقول : إذا ادعى المستأجر أنه استأجر جميع الدار المعينة بعشرة مثلا وادعى المؤجر أنه آجره بيتا منها بعشرة ولم يكن بينة ، حكى المصنف أنه يقرع بينهما ، ونقل قولا بتقديم قول الموجر ثمَّ اختار القرعة ، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فلا أولوية بتقديم أحدهما على الأخر ، وظاهر العلامة وابنه أنهما يتحالفان ويبطل العقد ويرجع الى أجرة المثل ان كان بعد استيفاء المنفعة (1) ، وان كان قبل الاستيفاء فلا شي ء ، وان كان في الأثناء بطل في المختلف ، وله أجره المثل في الماضي ، وهذا القول نقله ( الشهيد عن ) (2) الشيخ وهو قريب ، وان أقام كل بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ فحينئذ يتساقطان ويرجع الى التحالف أو القرعة أو تقديم قول المؤجر كما لو لم يكن بينة ، ووجه تقديم قول المؤجر ؛ لأن (3) المستأجر يدعي استيجار الزائد على البيت والمؤجر منكر ، واختار العلامة في التحرير مذهب المصنف وهو القرعة ، وإن اختلف التاريخ عمل على الأسبق ، قال الشهيد : فان كان بينة الدار فلا بحث ، وان كان بينة البيت صح العقدان إلا أنه ينقص من العشرة بنسبة ما بين البيت والدار ، ومثله قول صاحب القواعد ، قال : إن كان الأقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة ، بيانه : إن سبق عقد الدار حكمنا بصحته ولا بحث ؛ لأنه لم يبق شي ء يقع عليه العقد الثاني لاشتمال الدار على البيت ، وان سبق عقد

ص: 264


1- في الأصل : الاستيفاء.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- كذا.

البيت صح العقدان وحكم بإجارة البيت بأجرته وهي العشرة ، وحكم بإجارة مجموع الدار والبيت بعشر لكن ينقص من العشرة بنسبة ما بين الدار والبيت ، فيسقط ما قابل البيت ويؤخذ منه ما قابل بقية الدار ؛ لأن عقد الدار وقع على ما يملكه (1) وهو بقية الدار وعلى ما لا يملكه (2) وهو البيت ، لسبق العقد عليه ، هذا إذا لم يتفقا أنه لم يجر الا عقد واحد فان اتفقا على أنه لم يجر الا عقد واحد تحقق التعارض.

قال رحمه اللّه : لو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن وهي في يد البائع ، قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة ، وعددا ، وتاريخا وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، ولا يقبل قول البائع لأحدهما ، ويلزمه إعادة الثمن على الآخر ؛ لأن قبض الثمنين ممكن ، فتزدحم البينتان فيه. ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن ، وهل لهما ان يفسخا؟ الأقوى : نعم ، لتبعيض المبيع قبل قبضه ، ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم ، وفي لزوم ذلك له تردد أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه من أنه يثبت له خيار الفسخ ابتداء والأصل بقاؤه ، ومن وجود المقتضي للزوم وهو دعواه الشراء وقيام البينة به ، وزوال المانع ؛ لأن المانع من اللزوم دعوى الآخر للشراء وقيامه البينة على ما ادعاه ، وقد زالت الدعوى فيلزم البيع (3) للآخر ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه. ولو لم يقيما بينة رجع إليه ، فإن كذبهما حلف لهما وتدافعا ، وإن صدق أحدهما حلف للآخر وقضي للأول ، وللثاني إحلاف الأول أيضا ، ولو أقر لكل واحد بالنصف قضى له به

ص: 265


1- في النسخ : يملك.
2- في النسخ : يملك.
3- في النسخ : المبيع.

وحلف لهما أيضا.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه ، وادعى آخر أن مولاه باعه منه ، وأقاما البينة ، قضي لأسبق البينتين تاريخا ، فان اتفقا قضي بالقرعة مع اليمين ، ولو امتنعا من اليمين ، قيل : يكون نصفه حرا ونصفه رقا لمدعي الابتياع ، ويرجع بنصف الثمن ، ولو فسخ عتق كله ، وهل يقوم على بائعه؟ الأقرب : نعم ، لشهادة البينة بمباشرة عتقه.

أقول : إذا ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر أن مولاه باعه منه ولا بينة ، فان أنكرهما حلف لهما واستقر ملكه على العبد ، وإن أقر لأحدهما (1) ثبت ما أقربه ، وهل يحلف لمدعي الشراء مع إقراره بالعتق؟ يبنى على مسألة : هي أن إتلاف البائع للمبيع قبل قبض المشتري ، هل هو كالآفة السماوية أو كإتلاف الأجنبي؟ إن قلنا بالأول انفسخ العقد ولا يمين لا فراره بالعتق قبل قبض المشتري إتلافا فينفسخ العقد ، وان ادعى تسليم الثمن إلى البائع طالبه به ، فان اعترف سلمه اليه ، وان أنكر حلف ، وان قلنا بالثاني - وهو ان إتلاف البائع كإتلاف الأجنبي وهو المعتمد - كان له إحلافه ، فإن حلف برئ منه ، وإن أقرّ أو نكل فحلف المشتري غرم له قيمة العبد ، وإن أقرّ أولا بالبيع ، هل يحلف للعبد قيل : لا ؛ لأنه لو اعترف بالعتق بعد الإقرار بالبيع لم يعتق ولم يغرم ؛ لأنه عبد.

والمعتمد وجوب اليمين ، فان حلف برئ منه ، وان اعترف أو نكل فحلف العبد الزم بفكه من المشتري ، وإن أقام أحدهما بينة عمل بها ، ولو أقاما بينة وتساويا عدالة وعددا وتاريخا أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف وثبت مدعاه ، فان امتنعا قسم بينهما فيعتق نصفه ويرق نصفه للمشتري ، ويثبت للمشتري الخيار لتبعيض الصفقة ، وان فسخ عتق كله لقيام البينة بالعتق وانتفاء المعارض ؛

ص: 266


1- كذا.

لان المعارض حق المشترى (1) وقد زال ، وإن لم يفسخ (2) المشتري بل أخذ النصف ، هل يقوم على البائع مع يساره؟ قال المصنف : نعم ، واختاره العلامة وابنه ، لقيام البينة بالعتق مختارا ، وقد ثبت بها عتق النصف فيقوم عليه النصف الأخر ، ويحتمل العدم لإعمال بينة الشراء بالنصف وهو ينفي أصل العتق ، والنصف الآخر عتق قهرا فلا يقوم حينئذ ، هذا إذا كان العبد في يد البائع ، وان كان في يد المشتري قدمت بينته على القول بتقديم بينة الداخل ، وتقدم (3) بينة العبد على القول بتقديم بينة الخارج.

قال رحمه اللّه : لو ادعى كل واحد منهما أن الذبيحة له ، وفي يد كل واحد منهما بعضها ، وأقام كل منهما بينة قيل : يقضى لكل واحد بما في يد الآخر ، وهو الأليق بمذهبنا.

أقول : هذا القول مبني على القول بتقديم بينة الخارج ، وقد مضى البحث في ذلك (4).

قال رحمه اللّه : إذا تداعى الزوجان متاع البيت ، قضي لمن قامت له البينة ، ولو لم يكن بينة فيد كل واحد على نصفه ، قال الشيخ في المبسوط : يحلف لصاحبه ويكون بينهما بالسوية ، سواء كان مما يخص الرجال أو النساء أو يصلح لهما ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو زائلة ، ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث ، وقال في الخلاف : ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء للمرأة ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية : أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، وما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات

ص: 267


1- في النسخ : للمشتري.
2- في النسخ : يفسخه.
3- في النسخ : وتقديم.
4- ص 259.

وأظهر بين الأصحاب.

أقول : للشيخ في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : مذهبه في المبسوط ، وهو قسمته بينهما بالسوية ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو اختيار فخر الدين ، والحجة عليه إلحاقه بسائر الدعاوي لدخوله تحت الأصول المحققة والعمومات المسلمة.

الثاني : مذهبه في الخلاف ، وقد حكاه المصنف ثمَّ جنح اليه ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، ودليلهم الروايات.

الثالث : مذهبه في الاستبصار وهو أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام أنه قال : « المتاع متاع المرأة الا أن يقيم الرجل البينة قد علم من بين لابتيها يعنى جبلي منى أن المرأة تزف الى بيت زوجها المتاع ، ونحن يومئذ بمنى » (1) ، وقال العلامة في المختلف : إن كان هناك قضاء عرفي رجع اليه وحكم به بعد اليمين ، والا كان الحكم كما في غيره من الدعاوي ، قال : لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة الى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل ، وكون المتشبث أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا ، فحكم بإيجاب البينة على من يدعى خلاف الظاهر ، والرجوع الى من يدعى ظاهر العرف ، واما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعوتين مع عدم الترجيح فيتساويان ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، ولا بأس به.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو

ص: 268


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 8 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1 ، ويراجع في روايات القولين الآخرين باب نفسه.

غيره ، كلّف البينة كغيره من الأسباب ، وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه جعفر بن عيسى ، « قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها ما كان عندها من متاع وخدم ، أيقبل ذلك بلا بينة أم لا يقبل إلا ببينة؟ فكتب في الأب يجوز بلا بينة ، وكتبت اليه : إن ادعى زوج الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب لا » (1) ، والمشهور عدم الفرق بين الأب وغيره ، لعموم « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) وهو المعتمد.

ص: 269


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 23 من أبواب كيفية الدعوى ، حديث 1.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 4 و 5. والوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم والدعوى حديث ( 2. 2 ، 3 ، 5 ) مع اختلاف يسير.

ص: 270

كتاب الشهادات

اشارة

ص: 271

ص: 272

في صفات الشهود

اشارة

قال رحمه اللّه : الأول : البلوغ ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا وقيل : تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك ، واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل فروى جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « تقبل شهادتهم في القتل ويؤخذ بأول كلامهم ، ومثله روى محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقال الشيخ في النهاية : تقبل شهادتهم في الجراح والقصاص ، وقال في الخلاف : تقبل شهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على مباح ، والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر ، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع إذا كان على مباح تمسكا بموضع الوفاق.

أقول : شهادة الصبي إما أن تكون في الجراح والقتل أو في غيرهما من الحقوق كالأموال وغيرها ، وعلى التقديرين إما أن يبلغ عشر سنين أو (1) لا ، فالأقسام أربعة :

ص: 273


1- في غير « م » : أم.

الأول : شهادتهم في غير الجراح والقتل قبل بلوغ العشر باطلة إجماعا.

الثاني : شهادتهم في الجراح والقتل قبل بلوغ العشر ، وظاهر الشيخ في النهاية أنها لا تقبل أيضا ؛ لأن عبارته فيها : ويجوز شهادة الصبيان إذا بلغوا عشر سنين الى أن يبلغوا في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول قولهم ، ولا يؤخذ بثانيه ، ولا يقبل شهادتهم فيما عدا ذلك ، وهو يدل على اشتراط بلوغ العشر ، وأطلق ابن الجنيد قبول شهادة الصبيان في الجراح ، وكذا الشيخ في الخلاف.

الثالث : قبول شهادتهم إذا بلغوا عشر سنين في الجراح خاصة دون القتل وغيره من الحقوق بقيود ثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع ، وكونه على المباح (1) ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد.

الرابع : القبول مطلقا في الجراحات وغيرها من الحقوق مع بلوغ العشر ، وهو القول الذي أشار إليه المصنف ، وقيل : يقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك. وهذا القول نقله العلامة والشهيد ، كما نقله المصنف ، قال عميد الدين في شرح القواعد : ولم نظفر الى الآن بهذا القائل.

تنبيه : إنما قال المصنف : اختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل ؛ لأنه لا خلاف بينهم في قبول شهادتهم في الجملة ، وانما الخلاف في العبارات ، فبعضهم قبلها في الجراح والقصاص وهو المفيد ، وبعضهم قبلها في الجراح دون القصاص ، وهو الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة والشهيد ، وبعضهم اشترط الاجتماع على مباح ، وبعضهم لم يشترطه ، وبعضهم اشترط عدم الافتراق ، ولم يشترطه بعضهم ، ومنع فخر الدين من قبول شهادتهم مطلقا ، لقوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (2) ، ولأن إقراره غير مقبول

ص: 274


1- في النسخ : مباح.
2- البقرة : 282.

على نفسه فعدم قبوله على غيره أولى ، وهو قوي ، لكن مخالفة ما أجمع عليه الأصحاب مشكل.

قال رحمه اللّه : وتقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وباشتراطه رواية مطرحة ، ويثبت الإيمان بمعرفة الحاكم أو قيام البينة أو الإقرار. وهل تقبل شهادة الذمي على الذمي؟ قيل : لا ، وكذا لا تقبل على غير الذمي ، وقيل : تقبل شهادة كل ملة على ملتهم ، وهو استناد إلى رواية سماعة ، والمنع أشبه.

أقول : أجمع أصحابنا على عدم قبول شهادة غير المؤمن المحق العدل ، مسلما كان أو كافرا ، لاتصافه بالفسق فهو غير مقبول الشهادة وان كان موثقا ، إلا شهادة الذمي في الوصية ، فإنهم أجمعوا على قبولها بشروط ثلاثة : الأول : تعذر عدول المسلمين ، وكون الشاهد عدلا في دينه ، معتقدا تحريم الكذب ، وكون الشهادة على الوصية في المال دون الولاية. وهل يشترط كون الموصي غريبا مسافرا؟ قال أبو الصلاح وابن الجنيد : نعم ، لأصالة عدم قبول شهادة الكافر ، خرج منه قبول شهادة الذمي في الوصية بالشروط المذكورة مع السفر ، لقوله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (1) ، اشترط في القبول الضرب في الأرض وهو السفر ، ولما رواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) ؟ قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، قال : انما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة ، وطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته ، فلم يجد مسلمين ، يشهد على وصيته رجلين ذميين من

ص: 275


1- المائدة : 106.

أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم » (1) ، والمشهور إطلاق القبول من غير تقييد بالسفر ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد ؛ لأن المناط في القبول عدم عدول المسلمين ، إذ لا تأثير للأرض في القبول.

وهل تقبل شهادة الذمي على غيره من أهل الذمة أم لا؟ نقول : أما في الوصية فهي مقبولة ؛ لأنه إذا قبلت على المسلمين في الوصية فقبولها على أهل الذمة فيها أولى ، وأما في غير الوصية فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال ابن الجنيد : تقبل مطلقا ، أي سواء اتفقت الملة أو اختلفت ، وقال ابن أبي عقيل والمفيد : لا تقبل مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنهم فسقة والفاسق لا تقبل شهادته ، خرج القبول في صورة معينة للنص والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية : يقبل مع اتفاق الملتين أي ملة الشاهد والمشهود عليه ، كاليهودي على اليهودي ، ولا تقبل شهادة اليهودي على النصراني وبالعكس.

قال رحمه اللّه : الرابع : العدالة ، إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق ، ولا ريب في زوالها بمواقعة الكبائر ، كالقتل والزنا واللواط وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار وفي الأغلب ، أما لو كان في الندرة ، فقد قيل : لا يقدح لعدم الانفكاك منها إلا فيما نقل باشتراط إلزام الأشق ، وقيل : يقدح لإمكان التدارك بالاستغفار ، والأول أشبه ، وربما توهم واهم أن الصغائر لا تطلق على الذنب الا مع الإحباط ، وهو بالاعراض حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة ، ولكل فريق اصطلاح.

أقول : العدالة شرط في قبول الشهادة ، لقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ

ص: 276


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 20 ، حديث 7.

مِنْكُمْ ) (1) وقوله ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (2) والفاسق ليس بمرضي ، وقوله ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (3) وهي كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة ، ولا شك في زوال التقوى بفعل شي ء من الكبائر وبالإصرار على الصغائر ، والكبيرة عند أكثر (4) الأصحاب كل فعل (5) توعد اللّه تعالى عليه بخصوصه بالعقاب ، ومنهم من قال : كل ذنب يوجب الحد فهو كبيرة وما لا يوجبه فهو صغيرة ، ومنه من قال : إن الذنوب كلها كبائر ، نظرا الى الاشتراك في مخالفة أمره ونهيه ، وانما سمي صغائر بالنسبة الى ما فوقها ، كالقبلة المحرمة ، صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، وجاء في الحديث « لا تنظر الى ما فعلت ولكن أنظر لمن عصيت » (6) وقال بعضهم : إن الصغائر لا تطلق على الذنب الا على القول بالإحباط كما هو مذهب المعتزلة ، وقد فسروا الكبيرة والصغيرة بثلاث معان :

الأول : بالإضافة إلى الطاعة ، وهو إن زاد عقابها على ثواب تلك الطاعة فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة ، الثاني : بالإضافة إلى معصية أخرى ، وهو إن زاد عقابها على عقاب تلك المعصية فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة. الثالث : بالإضافة إلى فاعلها ، فان صدرت ممن له علم (7) وزهد فهي كبيرة ، وإن صدرت ممن ليس له ذلك فهي صغيرة.

ص: 277


1- الطلاق : 2.
2- البقرة : 282.
3- الحجرات : 6.
4- ليست في « ن ».
5- في النسخ : ( ذنب ).
6- الوسائل.
7- في « ن » : علم بها.

قال المصنف : وهذا بالاعراض عنه حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة لكل فريق اصطلاح ، أي إطلاق الكبيرة والصغيرة عند هذا القائل بالنسبة إلى غيرها ، وذلك لا يستلزم الإحباط ؛ لأنهما يقالان بالنظر الى ذواتهما وبالنسبة إلى غيرهما كما عرفت ، وذلك لا يستلزم الإحباط ، لعدم العلم بمقدار ثواب الطاعة وعقاب المعصية حتى ينسب بعضها الى بعض ، وهذا اصطلاح المعتزلة ، فلا يلزمنا القول به (1).

واما المروة التي هي شرط في قبول الشهادة فتنزيه النفس عن الأفعال التي لا تليق بمثله ، كالسخرية ، وكشف ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة ، وهو ما بين السرة والركبة ، والأكل في الأسواق غالبا ، ولبس الفقيه القبا والقلنسوة ، ولبسه لباس الجندي بحيث يسخر منه وبالعكس ، وكشف الرأس في المحافل وهم ليس كذلك ، وبالجملة كل فعل يسقط المحل والعزة من قلوب الناس ترد شهادة فاعله.

إذا عرفت هذا ، فهل يقدح فعل الصغيرة نادرا؟ قال ابن إدريس : نعم ، لإمكان التدارك بالاستغفار وقال الشيخ في المبسوط : لا يقدح ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن اشتراط اجتناب جميع القبائح مما يعسر ويشق ، ويؤدي الى بطلان الشهادة وعدم مشروعيتها ، لعدم انفكاك غير المعصوم عن ذلك ، قال العلامة : وقول ابن إدريس ليس بشي ء ، لأن مع التوبة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة في سقوطها بها ، على أن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة ، ولا شك أن الصغائر لا ينفك منها الإنسان ، فلا يصح هذا العزم منه غالبا فلا يمكن التوبة (2) في أغلب الأحوال ، وهذا هو المعتمد.

ص: 278


1- هكذا وردت هذه الفقرة.
2- ليست في الأصل.

قال رحمه اللّه : ولا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب قبلت ، وحد التوبة : أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ويواري باطنا ، وقيل : يكذبها إن كان كاذبا ، ويخطئها في الملإ إن كان صادقا ، والأول مروي ، وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والأقرب الاكتفاء بالاستمرار ؛ لان بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في حد التوبة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية ، وعلي بن بابويه والحسن بن أبي عقيل : حدها أن يكذب نفسه فيما قذف به إن كان صادقا ، واختاره المصنف في المختصر من غير قيد بالتورية مع الصدق ، لما رواه أبو الصباح (1) عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال : يكذب نفسه » (2) وهو عام ، وهنا قيد بالتورية مع الصدق ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، لحصول التخلص ( عن الكذب ) (3) بالتورية ، وقال ابن إدريس : يقول : القذف باطل حرام ولا أعود الى ما قلت ، ولا يقول : كذبت ؛ لأنه قد يكون صادقا فيكون مأمورا بالكذب وهو قبيح ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ومذهب العلامة في القواعد والإرشاد والمختلف التفصيل ، وهو : إن كان كاذبا كان توبته التصريح بالكذب والاعتراف به حقيقة ، وإن كان صادقا اعترف بتحريم ما قاله ، وأظهر الاستغفار منه من غير أن يصرح بالكذب ، وحمل الاخبار (4) على هذا التفصيل. وعلى جميع الأقوال لا بد من فعل ذلك عند الذي

ص: 279


1- وفي النسخ : أبو الصلاح.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 36 ، حديث 1.
3- ليستا في الأصل.
4- راجع أخبار باب 36 من كتاب الشهادات من الوسائل.

قذف عنده (1) وعند الحاكم الذي أقام عليه الحد ، فان تعذر فعند (2) ملأ من الناس.

الثانية : هل يشترط إصلاح العمل ، وهو أن يفعل طاعة بعد التوبة ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يجب ذلك ، لقوله تعالى ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا ) (3) اعتبر التوبة وإصلاح العمل وفسر الإصلاح بالاستمرار على التوبة ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة من الزيادة على ذلك.

قال رحمه اللّه : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ترد به الشهادة ، وفي الاتكاء عليه ، والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه من عموم (4) المنع من استعمال الحرير ، فيدخل الاتكاء والافتراش ، ومن أصالة الجواز خرج منه تحريم اللبس للنص (5) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي شهادة الولد على والده خلاف والمنع أظهر سواء شهد بمال أو بحق يتعلق ببدنه كالقصاص والحد.

أقول : ذهب السيد المرتضى الى جواز شهادة الولد على والده ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وقواه الشهيد في الدروس ، لقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ

ص: 280


1- في النسخ : وعند.
2- في النسخ : ففي.
3- آل عمران : 89.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 الى 16 من أبواب لباس المصلي.
5- المصدر المتقدم.

وَالْأَقْرَبِينَ ) (1) وقال الشيخان وابنا بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس : لا تقبل ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد في شرح الإرشاد ، وادعى عليه (2) الشيخ في الخلاف الإجماع ، واستدل العلامة بقوله تعالى : ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (3) وليس من المعروف الشهادة عليه وإظهار كذبه ، فيكون ارتكاب ذلك معصية ، ولأنه نوع عقوق ، وفيه نظر ؛ لأن الشهادة بالحق غير منافية للمعروف ، بل ذلك هو المعروف بعينه ، خصوصا مع عدم قيام شاهد غيره يثبت به ذلك الحق ، والجواب (4) عن الآية بأن الأمر بالإقامة لا يستلزم وجوب (5) قبولها ، وفيه نظر أيضا ؛ لأن الأمر بالإقامة مع عدم القبول يستلزم العبث ، ولأنه معطوف على المقبول (6) وهو الشهادة على نفسه ، ومعطوف عليه المقبول وهو الشهادة على الأقربين ، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، فوجب أن يكون مقبولا ، فلا حجة للقائل بالمنع أقوى من الإجماع المنقول عن الشيخ ؛ لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة والشهادة على الأم مقبولة.

قال رحمه اللّه : وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها مع غيرها من أهل العدالة ، ومنهم من شرط في الزوج الضميمة كالزوجة ، ولا وجه له ، ولعل الفرق انما هو لاختصاص الزوج بمزية القوة في المزاج أن تجذبه دواعي الرغبة.

ص: 281


1- النساء : 135.
2- ليست في الأصل.
3- لقمان : 15.
4- في النسخ : فأجاب.
5- ليست في الأصل.
6- في « ن » القبول.

أقول : شرط الشيخ في النهاية الضميمة في الزوج والزوجة ، والولد والوالد والأخ إذا شهد بعضهم لبعض ، والاشتراط في الوالد والأخ نادر ، وأما في الزوجين فتابعه ابن البراج وابن حمزة ، وظاهر المصنف الضميمة (1) في الزوجة دون الزوج ، وأشار الى الفرق بأن الزوج له مزية قوية (2) في مزاجه تمنعه من دواعي الرغبة ، وأما الزوجة فلضعف عقلها لا تؤمن من الانخداع ، والمشهور عدم اشتراط الضميمة مطلقا ، لانتفاء التهمة مع تحقق العدالة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما الفاسق المستتر إذا أقام فردت ثمَّ تاب وأعادها فيها [ فهنا ] تهمة الحرص على دفع الشبهة ، لاهتمامه بإصلاح الظاهر ، لكن الأشبه القبول.

أقول : لو شهد المستتر بالفسق فردت شهادته ، ثمَّ تاب ، قبلت شهادته في كل شي ء وهل تقبل شهادته (3) فيما ردت فيه ؛ بحيث لو أعاد الشهادة المردودة ، هل تسمع أم لا؟ يحتمل العدم ، لحصول التهمة بدفع عار الكذب ، والتهمة مانعة من قبول الشهادة ، ويحتمل القبول ، لوجود المقتضي وهو العدالة الثابتة بالتوبة ، وزوال المانع وهو الفسق ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين ، أما المعلن بالفسق فاذا تاب قبلت شهادته مطلقا ، فيما ردت فيه وفيما لم ترد ، والفرق حرص المستتر على إصلاح الظاهر ، ودخول الغضاضة عليه بظهور كذبه ، بخلاف المعلن ؛ لأن المعلن بالشي ء لا يدخله غضاضة مع ظهوره ، فيحصل التهمة للأول دون الثاني.

قال رحمه اللّه : قيل : لا تقبل شهادة المملوك أصلا ، وقيل : تقبل مطلقا ، وقيل : تقبل إلا على مولاه ، ومنهم من عكس ، والأشهر القبول إلا على المولى ،

ص: 282


1- ليست في الأصل.
2- في النسخ : مزيد قوة.
3- من « ن ».

ولو أعتق قبلت شهادته على مولاه ، وكذا حكم المدبر والمكاتب المشروط ، أما المطلق إذا أدى من كتابته ، قال الشيخ : تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه وفيه تردد أقربه المنع.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في شهادة القن ومن هو في حكمه كالمدبر والمكاتب المشروط ، وقد (1) اختلف الأصحاب هنا على طرفين وواسطة ، الطرف الأول : المنع مطلقا ، وهو قول الحسن بن أبي عقيل العماني ، فإنه قال : لا يجوز شهادة العبيد (2) والإماء في شي ء من الشهادات ، الطرف الثاني : القبول مطلقا ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ، وأما الواسطة ففيها أقوال :

الأول : قول ابن الجنيد ، وهو المنع من القبول على الحر المؤمن مطلقا ، واحترز بالحر عن العبد ، وبالمؤمن عن الكافر ، فعنده يقبل شهادة العبد على مثله من المسلمين ، وعلى الكافر مطلقا (3).

الثاني : القبول مطلقا على غير مولاه ، وهو قول السيد المرتضى والمفيد والشيخ في النهاية وسلار وابن البراج وابن زهرة وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره ( المصنف و) (4) العلامة في القواعد والمختلف ، وابنه في الإيضاح ، للجمع بين الروايات.

الثالث : قول أبي الصلاح ، لا تقبل للسيد ولا تقبل عليه ، وتقبل فيما عداه.

الرابع : تقبل لغير السيد مطلقا ، وهو قول ابني (5) بابويه.

ص: 283


1- ليست في « ن ».
2- في غير « ر 1 » : العبد.
3- ليست في « ر 1 ».
4- ليست في النسخ.
5- في « م » و « ر 1 » : ابن.

الخامس : عدم القبول الا على مولاه ، نقله المصنف.

ودليل الجميع الروايات (1) ، والمعتمد مذهب السيد المرتضى وهو القبول مطلقا الا على مولاه.

الثانية : في شهادة من عتق بعضه ، قال الشيخ في النهاية : تقبل شهادة المكاتب على مولاه بمقدار ما ادى (2) وهو مذهب ابن الجنيد ، واستقرب المصنف والعلامة المنع ، واختاره فخر الدين والشهيد وهو المعتمد ؛ لأن الشهادة لا تتبعض.

قال رحمه اللّه : التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة فيمنع القبول ، أما في حقوق اللّه تعالى أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع ، إذ لا مدعي لها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الموضعين فيمنع من القبول فيهما ، لتساويهما في العلة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، نقله عنه صاحب كشف الرموز ، ومن أن حقوق اللّه تعالى والمصالح العامة لا مدعي لها فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع لأدى ذلك الى سقوطها ، والمشهور القبول هنا ، وهو المعتمد ؛ لأن العدالة تدفع التهمة.

قال رحمه اللّه : المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته ، الوجه أنها لا تقبل حتى يستبين استمراره على الصلاح ، وقال الشيخ : يجوز أن يقول : تب لا قبل شهادتك.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، قال العلامة في القواعد : وليس بجيد ؛ لأن التوبة واجبة فيجب فعلها ؛ لأنها واجبة ، وفعل الواجب لا يقع صحيحا الا مع

ص: 284


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 23. والباب 1. حديث 6.
2- في « ر 1 » : ادعى.

الإخلاص بفعله لله ، وظاهر هذا انه لم يتب الا لتقبل شهادته ، فلم يحصل الإخلاص فلا تقبل توبته ، وكل فاسق لا تقبل (1) توبته لم تقبل شهادته ، وقواه فخر الدين ، والمعتمد اختيار المصنف ، وهو أنها لا تقبل حتى يستبين استمرار صلاحه فتقبل حينئذ.

قال رحمه اللّه : فلا تقبل شهادة ولد الزنا أصلا ، وقيل : تقبل في الشي ء اليسير مع تمسكه بالصلاح ، وبه رواية نادرة ، ولو جهلت حاله قبلت [ شهادته ] وإن نالته بعض الألسن.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ في النهاية ، لما رواه عيسى بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لا يجوز إلا في اليسير إذا رأيت فيه صلاحا » (2) وقال الشيخ في الخلاف : لا تقبل أصلا ، وبه قال المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس ، ولهم عليه روايات (3) ، ولقوله عليه السلام : « ابن الزنا شر الثلاثة » (4) وإذا كان أشر (5) من الزاني ، والزاني لا تقبل شهادته ، فمن هو أشر منه أولى بعدم قبول شهادته ، وادعى السيد عليه الإجماع.

ص: 285


1- في النسخ : لم تقبل.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 31 ، حديث 5.
3- راجع الباب السابق من المصدر المتقدم.
4- البحار ، ج 5 ، ص 285.
5- في « م » و « ن » : شر.

ص: 286

فيما به يصير شاهدا

قال رحمه اللّه : وتقبل فيه شهادة الأصم ، وفي رواية يؤخذ بأول قوله لا بثانيه ، وهي نادرة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه جميل عن الصادق عليه السلام : « قال : سألته عن شهادة الأصم في القتل؟ قال : يؤخذ بأول قوله » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والمشهور القبول مطلقا فيما لا يفتقر الى السماع مع تكامل شروط الشهادة ؛ لأن كل ما يدرك بحس البصر لا حاجة فيه الى السماع ، فلا فرق فيه بين الأصم وغيره وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وما يكفي فيه السماع فالنسب والموت والملك المطلق ، لتعذر الوقوف مشاهدة في الأغلب ، ويتحقق كل واحد من هذه بتوالي الاخبار من جماعة لا يضمهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم ، وفي هذا عندي تردد ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لو شهد عدلان فصاعدا ، صار السامع متحملا وشاهد أصل ، لا شاهدا على شهادتهما ؛ لأن ثمرة الاستفاضة الظن وهو

ص: 287


1- الوسائل ، الشهادات ، باب 42 ، حديث 3.

حاصل بها ، وهو ضعيف ؛ لأن الظن يحصل بالواحد.

أقول : الأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين ، لقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) وروى عن ابن عباس أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الشهادة؟ « فقال : هل ترى الشمس؟ فقال : نعم ، قال : على مثلها فاشهد والا فدع » (2) خرج عن هذا الأصل الاستفاضة ، وبما تحصل الاستفاضة التي يصير بها شاهدا؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : والضابط الاستفاضة المفيدة للظن ، واستدل بأنا نحكم بزوجية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لزوجاته ( ولم نشاهدهم ولا طريق إلى ذلك غير الاستفاضة ، ثمَّ أعترض بأن النبي عليه السلام علم زوجيته بالتواتر ) (3) وأجيب بأن التواتر يشترط فيه استواء الطبقات في التواتر ، واستناده الى الحس ، ومن المعلوم بالضرورة أن الطبقات المخبرين بعد موت النبي صلى اللّه عليه وآله ، وموت أزواجه لم يخبروا عن مشاهدة العقد ولا عن إقرار النبي عليه السلام ، وانما أخبروا عن الطبقة الاولى ، والظاهر أن الطبقة الأولى لم تبلغ المشاهدة منهم حد التواتر ، وانما أخبروا عن السماع فلا طريق غير الاستفاضة ، وقال بعضهم : الاستفاضة بالإشهاد بحيث يتاخم العلم.

والفرق بينه وبين قول الشيخ في الخلاف هو : أن الشيخ بنى (4) الاستفاضة على مطلق الظن ، وهذا القائل اشتراط الظن الراجح المقارب للعلم بحيث لا يرجح عليه ظن مثله ، وانما يرجح عليه العلم (5) ، وتردد المصنف في

ص: 288


1- الأسراء : 36.
2- المستدرك ، كتاب الشهادات ، باب 15 ، حديث 2.
3- ما بين القوسين ليس في « م ».
4- في النسخ : علق.
5- في الأصل : مثله.

ذلك من عموم (1) النهي عن اتباع الظن ، وعموم (2) تحريم القول بغير علم ، ولا شك أن العلم اليقيني لم يحصل ، ومن أن العمل بقول الشيخ يقتضي العمل بهذا القول بطريق الاولى ، وقال : المصنف والعلامة وفخر الدين : إنما يتحقق ذلك بالأخبار من جماعة لا بضمهم قيد المواطاة على الكذب ، ويستحيل ذلك عادة ، فيثمر قولهم العلم ، فلا يكون السامع خارجا عن الأصل وهو أحوط ، وقال الشيخ في المبسوط : يكفيه السماع من عدلين فيصير شاهد أصل ، وهو بناء على قاعدته من اعتبار الظن ، واستضعفه المصنف ؛ لان الظن يحصل بقول الواحد ولو امرأة.

إذا عرفت هذا فالذي يثبت بالاستفاضة عشرة ، النسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والموت ، والولاية من قبل الامام ولو (3) نصب قاضيا تثبت ولايته بالاستفاضة ، والولاء ، والعتق ، والرق ، والعدالة. هذا هو المحقق من فتاوي الأصحاب ، واقتصر ابن الجنيد على النسب فقط ، ولم يذكر المصنف غير الموت والنسب والملك المطلق والوقف ، والمعتمد ما قلناه.

قال رحمه اللّه : الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب ، مثل البيع والهبة والاستغنام ؛ لأن ذلك لا يثبت بالاستفاضة ، فلا يعزى الملك اليه مع إثباته بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة ، أما لو عزاه الى الميراث صح ؛ لأنه يكون عن الموت الذي يثبت بالاستفاضة والفرق تكلف ؛ لأن الملك إذا ثبت بالاستفاضة لم تقدح الضميمة مع حصول ما يقتضي جواز الشهادة.

أقول : أما الفرق بين سبب الإرث وغيره فقد ذكره المصنف ، وهو المشهور

ص: 289


1- يونس : 36.
2- الإسراء : 36.
3- في « ن » : فلو.

بين الأصحاب ، فإن أسنده إلى الإرث قبل بالأصل والسبب ، وإن أسنده إلى سبب غير الإرث - كالبيع والهبة وغيره - قبلت الشهادة في أصل الملك دون السبب ، ولم يكن ذكر السبب قادحا في قبول الشهادة في أصل الملك ، وظاهر المصنف عدم الفرق بين سبب الإرث وغيره ؛ لأنه جعل الفرق تكلفا.

وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدع آخر ، فلو شهد شاهدان لواحد بالاستفاضة من غير سبب ، وشهد آخران لآخر بها مع ذكر السبب ، فان قلنا بقبول السبب كما هو ظاهر المصنف رجحناه على غير ذي السبب ، وإن قلنا بعدم قبول السبب (1) كما هو المشهور بين الأصحاب - وهو المعتمد - فلا ترجيح.

قال رحمه اللّه : إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة ، هل يفتقر الى مشاهدة اليد والتصرف؟ الوجه : لا ، أما لو كان لواحد يد ولآخر سماع مستفيض ، فالوجه : ترجيح اليد ؛ لأن السماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره ، فلا تزال اليد بالمحتمل.

أقول : إما أن تجتمع اليد والتصرف والتسامع ، أو اليد والتصرف دون التسامع ، أو اليد فقط مجردة عن التصرف ، أو التسامع فقط مجردا عن اليد ، فالأقسام أربعة :

الأول : أن تجتمع اليد والتصرف والتسامع ولا شك حينئذ في جواز الشهادة بالملك المطلق ؛ لان هذا الاجتماع غاية الإمكان.

الثاني : أن يجتمع اليد والتصرف المتكرر من غير منازع دون التسامع ، فحينئذ هل يجوز الشهادة بالملك المطلق أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : يجوز ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وحكى في المبسوط قولين ،

ص: 290


1- في الأصل : الشهادة.

أحدهما : الجواز ، والآخر : عدمه ، ولم يختر شيئا ؛ لتساوي الاحتمالين ؛ لان اليد تختلف فتكون يد مالك ، ومستأجر ، ومستعير ، ووكيل ، ووصي ، والتصرف واحد ، فاذا اختلفت الأيدي وأحكامها لم تجز الشهادة بالملك المطلق ، والأول هو المعتمد.

الثالث : أن تخلو اليد عن التصرف والتسامع ، ولا ريب في جواز الشهادة باليد (1) ، وهل تشهد له بالملك المطلق؟ ظاهر الشيخ في المبسوط عدم الفرق بين اليد المتصرفة واليد المجردة عن التصرف ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وهو اختيار الشهيد ؛ لأن اليد قاضية بالملك ، ولما رواه محمد بن بابويه ، عن سليمان بن داود المقري ، عن حفص بن غياث ، عن الصادق عليه السلام « قال : قال له رجل : أرأيت إن رأيت شيئا في يد رجل ، أيجوز أن أشهد أنه له؟ فقال : نعم ، فقلت : فلعله لغيره ، قال : ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك ، هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه إليك من قبله ، ثمَّ قال الصادق عليه السلام : لو لم يجز هذا لما قامت للمسلمين سوق » (2) واستشكل المصنف هذا ، قال : لأن اليد لو أوجبت ملكا لم تسمع دعوى من يقول : الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال : ملك هذا لي ، وأجيب : بأن دلالة اليد ظنية ؛ لأنها تدل على الملك دلالة ظاهرة لا قطعية ، والإقرار قاطع ، والصرف عن الظاهر جائز بخلاف القاطع ، فحصل الفرق بين ثبوت الملك بدليل قطعي وثبوته بدليل ظني ، فلا منافاة بين جواز دعوى من يقول : الدار التي في يد فلان لي ، وبين عدم جواز دعوى من يقول ملك فلان لي ؛ لأن الثاني أقرّ بالملك لغيره فلا تقبل دعواه ، بخلاف الأول.

ص: 291


1- في الأصل : مع اليد.
2- الوسائل ، القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 2.

الرابع : التسامع المجرد عن اليد ، وقد مضى البحث فيه (1) ، فأما على القول باشتراط السماع من جماعة يثمر أخبارهم العلم ، فلا كلام في جواز الشهادة به ، وأما على القول باعتبار الظن فيرجع الى الخلاف السابق.

بقي هنا مسألة : هي إذا كان لواحد يد والآخر (2) سماع مستفيض ، قال المصنف : الوجه ترجيح اليد ، واختاره العلامة والشهيد ، وذكروا الوجه في ذلك ، ويحتمل عدم الترجيح لليد (3) ، لان اليد قد تكون يد مالك ويد غيره ، فلا ترجيح على السماع.

قال رحمه اللّه : وأما النكاح فلأنّا نقضي بأن خديجة عليها السلام زوجة النبي صلى اللّه عليه وآله ، كما نقضي بأنها أم فاطمة عليها السلام ، ولو قيل : ان الزوجية تثبت بالتواتر ، كان لنا أن نقول : التواتر لا يثمر إلا إذا استند السماع الى المحسوس. ومن المعلوم أن المخبرين لم يخبروا عن مشاهدة العقد ، ولا عن إقرار النبي صلى اللّه عليه وآله ، بل نقل الطبقات متصل إلى الاستفاضة التي هي الطبقة الأولى ، ولعل هذا أشبه بالصواب.

أقول : قد سبق البحث في ذلك (4).

ص: 292


1- ص 288.
2- كذا.
3- ليست في النسخ.
4- ص 228.

في أقسام الحقوق

قال رحمه اللّه : وفي أقسام الحقوق وهي قسمان : حق اللّه سبحانه ، وحق الآدمي. والأول منه ما لا يثبت إلا بأربعة رجال ، كالزنا واللواط والسحق ، وفي إتيان البهائم قولان ، أصحهما ثبوته بشاهدين ، ويثبت الزنا خاصة بثلاثة رجال وامرأتين ، وبرجلين وأربع نساء ، غير أن الأخير لا يثبت به الرجم ويثبت به الجلد ، ولا يثبت بغير ذلك.

ومنه ما يثبت بشاهدين وهو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود كالسرقة وشرب الخمرة والردة.

ولا يثبت شي ء من حقوق اللّه تعالى بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ولا بشهادة النساء منفردات ولو كثرن.

وأما حقوق الآدمي فثلاثة ، منها ما لا يثبت إلا بشاهدين ، وهو الطلاق ، والخلع ، والوكالة ، والوصية إليه ، والنسب ، ورؤية الأهلة ، وفي العتق والنكاح والقصاص تردد ، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين ، ومنها ما يثبت بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين ، وهو الديون والأموال ، كالقرض والقراض والغصب ،

ص: 293

وعقود المعاوضات ، كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارات والمساقاة والرهن والوصية له ، والجناية التي توجب الدية ، وفي الوقف تردد أظهره أنه يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين.

الثالث : ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمات ، وهو الولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة ، وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف ، أقربه الجواز.

وتقبل شهادة امرأتين مع رجل في الديون والأموال ، وشهادة امرأتين مع اليمين ، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولو كثرن ، وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهل وفي ربيع الوصية ، وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء لا يثبت بأقل من أربع.

أقول : الحقوق تقسم بالنسبة إلى الشهود أقساما :

الأول : لا يثبت إلا بأربعة رجال وهو السحق واللواط.

الثاني : لا يثبت إلا بأربعة رجال ، أو ثلاثة وامرأتين ، أو برجلين وأربع نساء ، وهو الزنا ، فان ثبت بالأولين وجب الرجم ، وان ثبت بالآخرين وجب الجلد خاصة ، والمشهور عدم ثبوت الزنا برجل واحد وست نساء ، وأثبته الشيخ في الخلاف بذلك ، وأوجب به الجلد وهو متروك.

الثالث : لا يثبت الا بشاهدين ذكرين ، وهو شرب الخمر ، والردة ، والقطع في السرقة ، وإتيان البهائم ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ؛ لأنه ليس زنا ولا يوجب الجلد بل التعزير ، ويحتمل عدم ثبوته بدون شهود الزنا ، لاشتماله على الهتك كالزنا ، والمعتمد الأول ، والقذف ، والطلاق ، والرجعة ، والعدة ، والخلع ، والوكالة ، والوصية اليه ، والنسب ، والهلال ، على ما هو المشهور بين الأصحاب ، وأثبت سلار هلال شهر رمضان بالشاهد الواحد احتياطا للصوم ، وهو متروك ،

ص: 294

والبلوغ ، والجرح والتعديل ، والعفو عن القصاص ، وتردد المصنف في العتق ، والقصاص ، والنكاح ، ثمَّ رجح الثبوت بالشاهد والمرأتين ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وظاهر التحرير عدم الثبوت بغير الشاهدين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وضبطوا ذلك بما كان من حقوق اللّه أو حقوق الادميين ، وليس مالا ولا المقصود منه المال ، فإنه لا يثبت إلا بشهادة الرجال دون النساء.

الرابع : ما يثبت برجلين ، أو برجل وامرأتين ، أو رجل ويمين ، أو امرأتين ويمين ، وضابطه : ما كان مالا كالقرض ، والقراض ، والغصب ، وعقود المعاوضات ، كالبيع ، والصرف ، والسلم ، والصلح ، والإجارات ، والرهن ، والوصية له ، أو حقا متعلقا بالمال ، كالخيار ، والفسخ ، والأجل ، والشفعة ، أو (1) المقصود منه المال ، كقتل الخطأ ، والجرح المشتمل على التعزير ، كالهاشمة والمنقلة والمأمومة وإن كان عمدا ، وما لا قود فيه كقتل الوالد ولده ، والمسلم الكافر ، والحر العبد.

وهل يثبت الوقف الخاص (2) بذلك؟ تردد المصنف فيه ، ثمَّ رجح القبول ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ومنشأ التردد ، من أن الوقف هل ينتقل الى اللّه تعالى ، أو الى الموقوف عليه ، أو لا ينتقل الى أحد بل يبقى على ملك المالك؟ فعلى الأول والثالث لا يثبت الا برجلين ، وعلى الثاني يثبت بما تثبت به الأموال ، وهو المعتمد. وكذلك قبض نجوم المكاتب ، وإن كان في الأخير إشكال.

الخامس : ما يثبت بشهادة الرجال والنساء منفردات ومنضمات ، وهو ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة ، والاستهلال ، وعيوب النساء الباطنة ، واختلف الأصحاب في الرضاع ، فمنع الشيخ في الخلاف من قبول شهادة النساء

ص: 295


1- في « ن » و « ر 1 » : و.
2- ليست في « ن ».

فيه مطلقا ، منفردات ومنضمات ، وقبلها المفيد منفردات ومنضمات ، وبه قال سلار وابن حمزة وابن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد ؛ لأنه من الأمور الخفية عن الرجال ، ومنع ابن البراج من قبول شهادة الرجال في ما لا يجوز لهم النظر اليه ، واستضعفه الشهيد.

السادس : ما يثبت بشهادة امرأة واحدة ، وهو ربع الوصية ، وربع ميراث المستهل ، ويثبت بالمرأتين ، النصف ، وبالثلاث ثلاثة أرباع ، وبالأربع الجميع ، كل ذلك من غير يمين. ولو حلف مع المرأتين والثلاثة أخذ الجميع ، وليس له أن يحلف مع الواحدة ويأخذ النصف ، وليس للمرأة تضعيف المال ليصير ما أوصى به الربع (1) ، ولو فعلت ذلك قبل ظاهرا ، وهل يستبيح المشهود له المال مع علمه بالحال؟ المعتمد ذلك إن علم بالوصية والا فلا ، ولو شهد عدل واحد احتمل إلحاقه بالمرأة في ثبوت ربع الوصية من غير يمين ، والا لزم ان يكون أسوء حالا من المرأة وهو اختيار العلامة في القواعد ، ويحتمل عدم ( ثبوت شي ء بغير يمين ) (2) اقتصارا على مورد النص ، وهو اختيار فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا دعي من له أهلية التحمل وجب عليه ، وقيل : لا يجب ، والأول مروي.

أقول : اختلف الفقهاء في وجوب تحمل الشهادة على من له أهلية التحمل إذا دعي إلى التحمل ولا ضرر غير مستحق (3) عليه ولا على أحد من المؤمنين (4) في الدين ولا في الدنيا على ثلاثة أقوال.

الأول قول المفيد ، قال : ليس لأحد أن يدعى الى شي ء ليشهد به أو عليه ،

ص: 296


1- في النسخ : ربع الربع ما شهدت به للكذب.
2- ما بين القوسين من النسخ وفي الأصل غير مقروء.
3- في « م » : متحقق.
4- في « ن » : المسلمين.

فيمتنع من الإجابة الا أن يكون حضوره يضر بالدين أو بأحد من المسلمين ضررا لا يستحقه ، وهو يدل على الوجوب عينا ، وهو قول أبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن زهرة ، لعموم قوله تعالى ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) (1).

الثاني: قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو الوجوب على الكفاية ، وقد يتعين إذا لم يكن غيره ، كغيره من فروض الكفايات ، واختاره العلامة وابنه.

الثالث: قول ابن إدريس ، وهو أنه لا يجب عينا ولا على الكفاية ، لأصالة البراءة ، وأجاب عن الآيات والروايات (2) المتضمنة لعدم جواز الامتناع بالحمل على بعد (3) التحمل لا قبله ، والمعتمد وجوبه على الكفاية ؛ لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو واجب على الكفاية.

ص: 297


1- البقرة ، آية : 282.
2- البقرة : 282 - 283 ، والوسائل ، كتاب الشهادات ، باب الأول.
3- كذا.

ص: 298

في الشهادة على الشهادة

قال رحمه اللّه : ولا تقبل في الحدود سواء كانت لله محضا ، كحد الزنا واللواط والسحق ، أو مشتركة ، كحد السرقة والقذف على خلاف فيهما.

أقول : أجمع الأصحاب على جواز الشهادة على الشهادة مرة واحدة في الأموال ، والديون ، ونحوها من حقوق الناس ،لعموم قوله تعالى: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (1) ، ولقول أبي جعفر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم ، « حين سئل عن الشهادة على شهادة الرجل وهو حاضر في البلد؟ فقال : نعم ولو كان خلف سارية ، إذا لم يمكنه أن يقيمها لعذر يمنعه من أن يحضر ويقيمها » (2) وأجمعوا أيضا على عدم سماعها في حقوق اللّه تعالى المحضة ، ونقل المصنف والعلامة الخلاف في حد السرقة وحد القذف ، ثمَّ اختار المنع.

وابن الجنيد والشيخ في النهاية والخلاف وابن البراج وابن زهرة أطلقوا المنع في الحدود ، فيدخل حد السرقة والقذف ، وصرح الشيخ في المبسوط بالجواز

ص: 299


1- البقرة : 282.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 44 ، حديث 1.

في حد القذف ، وبالمنع في حد السرقة ، وظاهر ابن حمزة المنع من حد القذف ، واختار الشهيد في شرح الإرشاد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : وللتحمل مراتب أتمها : أن يقول شاهد الأصل : أشهد على شهادتي أني أشهد على فلان بن فلان بكذا ، وهو الاسترعاء ، وأخفض منه أن يسمعه يشهد عند الحاكم فلا ريب في تصريحه هناك بالشهادة ، ويليه أن يسمعه يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان بكذا ، ويذكر السبب مثل : أن يقول : من ثمن ثوب أو عقار ، إذ هي صورة جزم وفيه تردد.

أقول : منشؤه من التسامح بمثل ذلك في غير (1) مجلس الحكام ، ومن أنها صورة جزم والعدل لا يتسامح الى مثل هذه الغاية.

قال رحمه اللّه : أما لو لم يذكر سبب الحق بل اقتصر على قوله إنما أشهد لفلان على فلان بكذا ، لم يضر بتحمله لاعتبار التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب إشكال.

أقول : اعلم أن الشيخ في المبسوط فرّق بين الصورتين بعد أن ذكر أقسام التحمل كما ذكرها المصنف هنا ، وتبعه ابن إدريس ، ثمَّ قال : هذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه كما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شي ء ، وهو يدل على تردده ، واستشكل المصنف الفرق بين هاتين الصورتين بعد تردده في الصورة الاولى ، ومنشأ الاشكال من تساوي الصورتين بالجزم في إثبات الحق في ذمة المشهود عليه فيتساويان في الحكم ، والمعتمد الفرق بينهما وهو (2) مشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة والشهيد.

قال رحمه اللّه : ولو شهد شاهد الفرع فأنكر [ شاهد ] الأصل ، فالمروي

ص: 300


1- ليست في « م ».
2- في النسخ : كما هو.

العمل بشهادة أعدلهما ، فإن تساويا أطرح الفرع ، وهو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم الأصل ، وربما أمكن لو قال الأصل : لا أعلم.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابنا (2) بابويه وابن البراج ، وقال في المبسوط : إن سمع الحاكم من الفرع ، والأصل مريض أو غائب ، ثمَّ قدم الغائب أو برئ المريض فان كان بعد حكم الحاكم لم يقدح ذلك في حكمه ؛ لأن حكمه قد نفذ قبل حضور الأصل ، وإن كان قبله لم يحكم بشهادة الفرع ؛ لأنه إنما يحكم بالفرع لتعذر الأصل ، واختاره العلامة وهو المعتمد.

وقال : ابن حمزة : وإن كان حكم بشهادة الفرع ثمَّ بعد الحكم كذبه الأصل ، فإن تساويا في العدالة نقض الحكم ، وإن تفاوتا أخذ بقول أعدلهما ، فإن لم يحكم سمع من الأصل ، وحمل المصنف قول الشيخ في النهاية على قوله : لا أعلم ، أما لو صرح بكذب الفرع أطرحت شهادة الفرع ، قال فخر الدين : والأولى عندي إذا قال شاهد الأصل : لا أعلم ، ثبتت شهادة الفرع ، وفيه نظر ؛ لأن المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع مع حضور (3) شاهد الأصل ، وهو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة أو يترك الإقامة ، لعدم علمه بها أو لغير ذلك.

قال رحمه اللّه : وتقبل شهادة النساء على الشهادة ، فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد أشبهه المنع.

أقول : منشؤه من أن قبول شهادتهن في هذه الأشياء يستلزم قبول

ص: 301


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 46 ، حديث 3.
2- في « م » : وابن.
3- في « ن » : حديث صول.

شهادتين فيها فرعا بطريق الأولى ؛ لأن الأصل أقوى من الفرع ، فاذا قبلت في الأقوى قبلت في الأضعف بطريق الاولى ، ولعموم قوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) (1) ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، والشهيد ، ومن انتفاء العلة المجوزة لقبول شهادة النساء منفردات ، وهي عدم اطلاع الرجال على هذه الأشياء غالبا وعدم (2) حضور الرجال حالة الوصية ، ودعاء ضرورة الموصي إلى الوصية ، فلهذه العلة جازت شهادة النساء وهي منتفية في صورة النزاع ، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول ، فلا تقبل شهادة النساء على الشهادة في شي ء البتة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين وأبو العباس.

ص: 302


1- البقرة : 282.
2- في « م » و « ر 1 » : أو عدم.

في الطوارئ

قال رحمه اللّه : ولو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ، ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المحكوم به ، لم ينقض الحكم وكان الضمان على الشهود ، ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم للشبهة الموجبة للسقوط ، وكذا لو كان للادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك من الحقوق تردد.

أقول : منشؤه من ان الشهادة إثبات حق يجري مجرى الإقرار ، والرجوع نفي ذلك الحق ، فهو جار مجرى الإنكار بعد الإقرار ، فلما لم يبطل الحكم بالإقرار (1) بحدوث الإنكار لم يبطل الحكم بالشهادة بحدوث الرجوع ، ولأن رجوعهما ليس شهادة منهما ، ولهذا لم تفتقر الى لفظ الشهادة ، فلا يسقط حقه بعد ثبوته بما ليس بشهادة عليه ، ولا إقرار (2) منه ، ولأن الشهادة أثبتت الحق ، فلا يزول بالطارئ كالفسق ، ومن أن الحق ثبت بشهادتهما فاذا رجعا سقط كما لو كان

ص: 303


1- في الأصل : الإقرار.
2- في « ن » و « ر 1 » : والإقرار.

قصاصا ، وأجيب بالفرق ؛ لأن القصاص والحدود تسقط بالشبهة ، بخلاف غيرها ، والأول هو المعتمد ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه اللّه : أما لو حكم وسلم فرجعوا والعين قائمة ، فالأصح أنه لا ينقض ولا تستعاد العين ، وفي النهاية : ترد على صاحبها ، والأول أظهر.

أقول : لا فرق عند ابن إدريس والعلامة وابنه إذا كان الرجوع بعد الحكم بين أن يكون قبل الاستيفاء أو بعده ، ولا بين كون العين المستوفاة قائمة أو تالفة ، وحكموا في الجميع بعدم نقض الحكم ، ويغرم الشهود كما لو كان الحكم (1) الرجوع بعد الاستيفاء (2) وتلف العين ، وقال الشيخ في النهاية إذا كانت العين قائمة نقض الحكم وردت العين الى صاحبها ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وحجة الفريقين ما تقدم في المسألة الاولى ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : يقتل ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية.

أقول : إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وهو محصن فرجم ثمَّ رجع واحد منهم عن الشهادة ، وقال : تعمدت فلم (3) يصدقه الباقون لم يمض إقراره عليهم ، وكان لأولياء المقتول قتله ، قال الشيخ في النهاية : ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، لرواية (4) إبراهيم بن نعيم ، وقال ابن إدريس : لا يمضي إقراره الا على نفسه ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأنه لا يجوز إلزام الغير بإقرار غيره ، فحينئذ يكون الرد من أولياء المقتول.

قال رحمه اللّه : إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور ، نقض الحكم واستعيد المال ،

ص: 304


1- ليست في النسخ.
2- في الأصل : بعد الحكم والاستيفاء.
3- في النسخ : فان لم.
4- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 12 ، حديث 2.

فان تعذر غرم الشهود.

أقول : لا يثبت أنهم شهدوا بالزور بإقرارهم ؛ لأنه رجوع فله أحكام الرجوع ، ولا بشهادة غيرهم ؛ لأنه تعارض فيلحقه احكام التعارض ، وانما يثبت تزويرهم بدليل قاطع ، وهو علم الحاكم أو قول المعصوم ، ولهذا يجب نقض الحكم من غير تفصيل وبغير خلاف.

قال رحمه اللّه : إذا رجعا معا ضمنا بالسوية ، فإن رجع أحدهما ضمن النصف ، ولو ثبت بشاهد وامرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف ، وضمنت كل واحدة الربع ، ولو كان عشر نسوة مع شاهد فرجع الرجل ضمن السدس ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الضمان على الجميع مع الرجوع ، والرجل بامرأتين فيضمن السدس ، وهو المشهور بين الأصحاب وعليه فتاويهم ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ، ومن أن الرجل نصف البينة ، ولهذا لا يثبت المال بدونه ولا غيره بالزائد على امرأتين ، لثبوت المال بشهادتهما مع الرجل ، ولا يثبت بشهادة العشر من دون الرجل ، فلهذا كان نصف البينة ، فيكون عليه نصف المال ، وهو قوي ، لكن فتاوي الأصحاب على الأول.

قال رحمه اللّه : لو كان الشهود ثلاثة ضمن كل واحد منهم الثلث ولو رجع واحد منفردا ، وربما خطر أنه لا يضمن ؛ لأن في الباقي ثبوت الحق ، ولا يضمن الشاهد بالحكم بشهادة غيره للمشهود له ، والأول اختيار الشيخ رحمه اللّه ، وكذا لو شهد رجل وعشر نسوة فرجع ثمان منهن ، قيل : على كل واحدة نصف السدس ، لاشتراكهن في نقل المال ، والاشكال فيه كما في الأول.

أقول : إذا شهد أكثر من العدد الذي يثبت به الحق كثلاثة في المال فرجع

ص: 305

الزائد قبل الحكم لم يمنع ذلك من (1) الحكم ولا غرم ، وإن رجع بعد الحكم ، قال الشيخ : يضمن بالنسبة ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ولا تخصيص بثبوته (2) بشهادة البعض دون البعض ، وهو المعتمد. وخطر للمصنف أنه لم يضمن ، وقد ذكر وجهه وهو ضعيف ؛ لأن الحكم ثبت بالجميع ، والراجع (3) جزء من السبب المتلف فيضمن وتخصيص الثبوت بشهادتهما دون شهادته ترجيح من غير مرجح ، فعلى هذا لو رجع ثمان من عشر نسوة ضمنت كل واحدة نصف السدس ، وعلى ما خطر للمصنف لم يضمنوا شيئا ؛ لأن الحق يثبت بالباقي.

قال رحمه اللّه : ولو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا لم ينقض الحكم ، لاحتمال التجدد بعد الحكم ، ولو تعين الوقت وهو متقدم على الشهادة نقض ، ولو كان بعد الشهادة وقبل الحكم لم ينقض ، وإذا نقض الحكم فان كان قتلا أو جرحا فلا قود والغريمة [ الدية ] من بيت المال ، ولو كان المباشر للقصاص هو الولي ففي ضمانه تردد ، والأشبه أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه ، ولو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية.

أقول : إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل وأنفذ ذلك ، ثمَّ ظهر كفرهما أو فسقهما قبل الحكم نقض الحكم ، ولم يجب على الشاهدين ضمان لبطلان الحكم في نفسه ، بخلاف الرجوع ؛ لان الراجع معترف بكذبه ويضمن الحاكم لتفريطه وحكمه بشهادة من لا يجوز شهادته ، ولا قصاص ؛ لأنه مخطئ فتجب الدية ومحلها بيت المال ؛ لأنه نائب عن المسلمين ووكيلهم ، وخطأ الوكيل في حق

ص: 306


1- في « ن » : من ذلك.
2- في « م » : بثبوته.
3- في النسخ : فهو.

موكله عليه ، ولا يجب على عاقلته ولا الامام (1) وسوى (2) تولى ذلك الحاكم (3) بنفسه أو أمر من يتولاه.

وتردد المصنف في ضمان الولي إذا كان هو المباشر من أنه فاعل السبب والمباشرة فيكون ضامنا ؛ لان سبب الحكم الدعوى وإقامة البينة ، فإذا باشر بعد ذلك كان الضمان عليه دون الحاكم ، ومن أن الحاكم قد سلط الولي على القصاص ، وهو يدعي أنه حقه فلا ضمان عليه ، وهو المعتمد إذا كان ذلك بإذنه كما قاله المصنف ، ولو كان المحكوم به ما لا فالضمان على المحكوم له دون الحاكم ؛ لأن المال يضمن بالقبض بخلاف القصاص ، ولا فرق بين أن تكون العين باقية أو تالفة ، ولا بين أن يكون المضمون له موسرا أو معسرا ، خلافا للشيخ في المعسر ، فإنه قال : لو كان معسرا ضمن الامام ، ويرجع به على المحكوم له إذا أيسر.

ص: 307


1- في النسخ : عاقلة الإمام.
2- كذا.
3- في « م » : الحكم.

ص: 308

كتاب الحدود والتعزيرات

اشارة

ص: 309

ص: 310

في حد الزنا

قال رحمه اللّه : ولو تشبهت عليه فعليها الحد دونه ، وفي رواية يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا ، وهي متروكة.

أقول : بمضمون الرواية (1) أفتى ابن البراج والمعتمد اختصاصها بالحد لاختصاصها بالزنا دونه والا لزم تكليف ما لا يطاق (2).

قال رحمه اللّه : ويسقط الحد مع الإكراه ، وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا ، وفي تحققه في طرف الرجل تردد ، والأشبه إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

أقول : لا شك أن المكره لا يتعلق به تحريم على فعل ما اكره عليه ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، وهل يتحقق الإكراه في طرف الرجل بمعنى هل تقدر المرأة أن تكره الرجل على الزنا بها؟ تردد المصنف في ذلك من أن الخوف يمنع من انتشار العضو ؛ لأنه مانع من انبعاث القوى ، ولا يمكن الزنا مع عدم انتشار العضو وهو

ص: 311


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 38 من أبواب حديث الزنا ، حديث 1.
2- في الأصل إضافة : الغافل به.

لا ينتشر الا مع انبعاث القوى بالشهوة ، والخوف يمنع من ذلك فامتنع الإكراه ، ومن أن الطبع له ميل الى ذلك فيحصل الانتشار لميل الطبع المزجور بالشرع ، فلو كان الخوف مانعا من انتشار العضو لامتنع انتشار عضو الزاني مطلقا ، لحصول الخوف بزجر الشرع عن الزنا ، والتوعد عليه بالعقوبة التي هي أعظم عليه (1) من العقوبة الحاضرة ، فلما لم يمنع ذلك من انتشار العضو دل على أن الخوف غير مانع ، وهو المعتمد ؛ لأن التخويف بترك الفعل ، والفعل لا يخاف منه فلا يمنع من الانتشار.

قال رحمه اللّه : ويثبت للمكرهة على الواطي مثل مهر نسائها على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، وقال الشيخ في كتاب الحدود من الخلاف : لا مهر لها ، واستدل بقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « أنه نهى عن مهر البغية » (2) ، وقال : البغي الزانية ، وقال ابن إدريس : وهذا الاستدلال نرغب عن ذكره ، وهل هذه المكرهة بغي حتى استشهد بهذا الحديث على نفي مهرها؟!

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار كمال العقل خلاف ، فلو وطأ المجنون عاقلة وجب عليه الحد رجما أو جلدا ، هذا اختيار الشيخين رحمهما اللّه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اختلاف الأصحاب وتساوي أدلتهم عند المصنف ، وأوجب الشيخان وابن البراج وابن بابويه الحد على المجنون إذا زنى ، لرواية أبان بن تغلب (3) عن الصادق عليه السلام الدالة على وجوب الحد ، وقال سلار وابن إدريس : لا يجب ، واختاره العلامة وابنه ؛ لأن الحد عقوبة سببها

ص: 312


1- ليست في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 13.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 21 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 2.

التحريم ، وهو منتف عن المجنون ؛ لأنه غير مكلف وهو المعتمد.

اما لو كان يفيق ثمَّ زنى وقت الإفاقة حد مائة جلدة محصنا كان أو غير محصن ، وهو مذهب أبي الصلاح واختاره أبو العباس ، وأجمع الكل على عدم حد المجنونة ؛ لأن المرأة تؤتى والرجل يأتي ، وانما يأتي إذا عقل ، وهذا الفرق ذكره الصادق عليه السلام في الرواية (1) وفيه دلالة على مذهب أبي الصلاح.

قال رحمه اللّه : ويجب الحد على الاعمى ، فإن ادعى الشبهة ، قيل : لا تقبل ، والأشهر القبول مع الاحتمال.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ رحمه اللّه ، والمشهور القبول مع احتمال صدقه ؛ لأنه في مظنة ما أخبر به ، ولأن دعواه شبهة ، وقال عليه السلام : « ذروا الحدود للشبهات » (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر أربعا في مجلس واحد ، قال في الخلاف والمبسوط : لا يثبت ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من عموم قوله عليه السلام « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (3) ولأن الحكم معلق على الإقرار ، ( لا على أماكن الإقرار ) (4) ، ومن أن حد الزنا مبني على التخفيف ، فيقتصر فيه على ما وقع في حضرة النبي صلى اللّه عليه وآله ، وهو لم يحد ماعزا حتى أقرّ أربعا في أربعة مجالس (5)

ص: 313


1- المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ، حديث 4 وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).
3- الوسائل ، كتاب الإقرار ، الباب 3 ، حديث 2 وفي المستدرك ، باب الثاني من الكتاب ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في « ن ».
5- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 225 و 226 و 227.

والأول (1) هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : زنيت بفلانة ، لم يثبت الزنا في طرفه حتى يكرره أربعا ، وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من أن حد القذف شرع لمنع الناس من الفحش ، وهذا فحش ، ومن أن زناه بها لا يستلزم زناها ، لاحتمال إكراهها ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بحد ولم يبينه ، لم يكلّف البيان وضرب حتى ينهى عن نفسه ، وقيل : لا يتجاوز به المئة ولا ينقص عن الثمانين ، وربما كان صوابا في طرف الكثرة ، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان ، لجواز أن يريد بالحد التعزير.

أقول : الأصل في هذه المسألة رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر برجل أقر على نفسه بحد ولم يسمه أن يضرب حتى ينهى عن نفسه » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد والإرشاد ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو قول ابن إدريس ، والمعتمد صوابه في طرف الكثرة ؛ لأن المئة أعلى الحد ، وعدم صوابه في طرف القلة بل متى نهى عن نفسه ترك ؛ لأن حد القواد خمسة وسبعون ، وهو أقل من الثمانين ، والتعزير قد يسمى حدا مجازا ، فتقييد طرف القلة بثمانين لا وجه له.

قال رحمه اللّه : وفي التقبيل ، والمضاجعة بإزار واحد ، والمعانقة روايتان ، إحداهما : مائة جلدة ، والأخرى : دون الحد ، وهي أشهر.

أقول : المشهور ان في ذلك التعزير ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، ولما

ص: 314


1- ليس في « ر 1 » ، والعبارة هكذا : وهو المعتمد.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب المقدمات ، حديث 1.

رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، « أن عليا عليه السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف فحد كل واحد منهما مائة سوط الا سوطا » (1) وروى عبد الرحمن الحذاء عن الصادق عليه السلام « أنه إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة جلدة » (2) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا قيل بالزاني بامرأة أبيه أو ابنه.

أقول : لا خلاف في قتل الزاني بإحدى المحرمات السبع الأم والبنت والأخت وبنتها وبنت الأخ والعمة والخالة ، وألحق الشيخ من زنى بامرأة أبيه ، وتبعه ابن البراج ، وابن حمزة أضاف (3) جارية الأب الذي وطأها ، وأضاف ابن إدريس الى ما ذكره الشيخ ، من زنى بامرأة ابنه أيضا ، والمشهور مذهب الشيخ وهو المعتمد ؛ لان عصمة نفس الإنسان أمر مطلوب للشارع ، فلا يصار الى خلافه إلا بدليل ، وحرمة الجارية ليس كحرمة الحرة ، فلا يثبت بالزنا بجارية الأب ما يثبت بالزنا بزوجته ، وحرمة الابن أقل من حرمة الأب فلا يجب على الأب القتل بالزنا بزوجة الابن ، واحتج القائل بالقتل بأنهما محرمتان كزوجة الأب.

قال رحمه اللّه : وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل : نعم ، وقيل : بل يجلد ثمَّ يقتل إن لم يكن محصنا ، عملا بمقتضى الدليلين ، والأول أظهر.

أقول : الزاني بإحدى المحرمات المذكورة ، والذمي إذا زنى بمسلمة ، ومن أكره امرأة على نفسها ، وجب قتله مطلقا ، محصنا كان أو غير محصن ، شابا كان أو شيخا ، حرا كان أو عبدا ، وهل يقتصر على ضرب العنق؟ قال الشيخان (4) :

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 10 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 20.
2- المصدر السابق ، حديث 5.
3- في « م » و « ر 1 » : وأضاف.
4- في « ن » : الشيخ.

نعم ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لرواية زرارة (1) عن أحدهما عليهما السلام ، وقال ابن إدريس : يجلد ثمَّ يقتل إن كان غير محصن ، ويجلد ثمَّ يرجم إن كان محصنا ، ليحصل امتثال الأمر في الحدين معا ، ولا يسقط واحد منهما.

قال رحمه اللّه : وأما الرجم فيجب على المحصن إذا زنى بالغة عاقلة ، فإن كان شيخا أو شيخه جلد ورجم [ ثمَّ رجم ] ، وإن كان شابا ففيه روايتان ، إحداهما : يرجم لا غير ، والأخرى : يجمع له بين الحدين ، وهو أشبه.

أقول : أما رواية الرجم لا غير فرواية عبد اللّه بن طلحة عن الصادق عليه السلام ، « قال : إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمَّ رجما ، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وأبو الصلاح.

وأما رواية الجمع ، فعن محمد بن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام ورواية زرارة (4) أيضا ، وذلك هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى : ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (5) ، ولأن عليا عليه السلام : « جلد سراحة يوم الخميس وقتلها يوم الجمعة فقيل له : أتحدها حدين؟ فقال : حددتها بكتاب اللّه ، ورجمتها بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم » (6).

قال رحمه اللّه : وفي ثبوته في طرف المجنون تردد ، والمروي الثبوت.

ص: 316


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 17 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 2 - 4.
2- المصدر السابق ، باب الأول من أبواب حديث د الزنا ، حديث 11.
3- المصدر السابق ، حديث 8.
4- المصدر السابق ، حديث 14.
5- النور : 2.
6- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 220.

أقول : قد مضى البحث في ذلك (1) فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : وأما الجز [ الجلد ] والتغريب ، فيجبان على الذكر الحر غير المحصن ، يجلد مائة ، ويجز رأسه ، ويغرب عن مصره الى آخر عاما ، مملكا كان أو غير مملك ، وقيل : يختص التغريب بمن أملك ولم يدخل ، وهو مبني على البكر ما هو؟ والأشبه أنه عبارة عن غير المحصن وإن لم يكن مملكا.

أقول : الأصل في هذا الحكم قول النبي صلى اللّه عليه وآله : « البكر بالبكر جلد مائة ويغرب عاما ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » (2) ، وقول الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي : « الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة » (3) ، واختلف الأصحاب في تفسير البكر ، قال الشيخ في النهاية : هو من أملك ولم يدخل ، أي عقد على امرأة ولم يدخل بها ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : هو غير المحصن ، سواء كان مملكا أو غير مملك ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، ومستند الفريقين الروايات (4) ، فعلى مذهب النهاية ينقسم الزاني غير المحصن الى قسمين : البكر : وهو من أملك ولم يدخل ، وحده الجز والجلد والتغريب ، ( وغير البكر وهو من ليس بمملك ) (5) وحده الجلد لا غير ، وعلى مذهب المبسوط والخلاف غير المحصن قسم واحد.

قال رحمه اللّه : ولو تكرر من الحر الزنا فأقيم عليه الحد مرتين ، قتل في

ص: 317


1- ص 312.
2- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 222.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب الأول من أبواب حديث الزنا ، حديث 9.
4- راجع احاديث باب المذكور. والباب السابع أيضا.
5- في الأصل بدل ما بين القوسين : ومن لم يملك.

الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : الأول مذهب محمد بن بابويه ، واختاره ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع ، لقوله عليه السلام : « أهل الكبائر يقتلون في الثالثة » (1) والثاني قول الشيخين والمرتضى وابن البراج وأبي الصلاح وسلار ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : « قال : الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة » (2) ولما في ذلك من الاحتياط على حفظ النفس ، وعدم التهجم على إراقة الدم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة ، وقيل : في التاسعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابنا (3) بابويه والمفيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح وابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، والوجه معلوم مما تقدم.

قال رحمه اللّه : في كيفية الحد ، فان فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة ، ولو ثبت بالإقرار لم يعد ، وقيل : إن فر قبل إصابته بالأحجار أعيد.

أقول : إذا فر المرجوم من الحفيرة ، فإن ثبت موجب رجمه بالبينة أعيد إجماعا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، وإن ثبت الموجب بالإقرار قال المفيد وسلار وأبو الصلاح : لا يعاد مطلقا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لان فراره كالإنكار ، ولو أنكر بعد الإقرار لم يرجم فكذا إذا

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 5 من أبواب المقدمات ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- في « م » و « ر 1 » : ابن.

فرّ ؛ لأن الحدود مبنية على التخفيف ، ولما روى من إنكار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على قتلة ماعز بن مالك ، لما فرّ فلحقه الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه وقتلوه ، فأنكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذلك ، وقال : « هلا تركتموه لما هرب فذهب ، فإنه المقر على نفسه ، أما لو كان علي عليه السلام حاضرا لما ظلمتم » (1) وروي أنه فداه من بيت المال (2) ، وقال في النهاية : يعاد مع عدم إصابة الأحجار ، ولا يعاد مع اصابتها ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن الجنيد ، لرواية الحسين بن خالد (3) عن الكاظم عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ويستحب أن يحضر اقامه الحد طائفة ، وقيل : يجب تمسكا بالآية ، وأقلها واحد ، وقيل : عشرة ، وخرّج متأخر ثلاثة ، والأول أحسن.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : حضور الطائفة ، هل هو مستحب أو واجب؟ بالأول قال الشيخ في الخلاف ، وهو ظاهر المصنف ، لأصالة البراءة ، وبالثاني قال ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو اختيار العلامة وأبو العباس ، لقوله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) ، والأمر حقيقة في الوجوب ، وهو المعتمد.

الثانية : اختلف الأصحاب في الطائفة ، قال في النهاية : أقلها واحد ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ؛ لأن الطائفة واحد من الفرقة ،

ص: 319


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، الباب 15 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 1 ، وفيه ( ضللتم ) بدل ( ظلمتم ).
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- النور : 2.

لقوله تعالى ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (1) والفرقة جماعة ، والطائفة واحد ، وقال الشيخ في الخلاف : أقلها عشرة ، نقله عن الحسن ( البصري ، وقال ابن إدريس : أقلها ثلاثة ؛ لأن الطائفة تقال عرفا على الجماعة ، وأقل الجمع ثلاثة ) (2) والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يرجمه من لله قبله حد ، وهو على الكراهية.

أقول : ورد في الروايات (3) النهي عن أن يرجمه من لله قبله حد ، فظاهره التحريم ، ويحتمل أن يكون الكراهية لأصالة البراءة ، وهو المشهور ، لوجوب القيام بأمر اللّه تعالى ، وعموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجم من هذا القبيل. واعلم أن الخلاف إنما هو في المقر ، أما من قامت عليه البينة فالواجب بدأة الشهود ؛ لأن النهي انما ورد في صورة الإقرار.

قال رحمه اللّه : يجلد الزاني مجردا ، وقيل : على الحالة التي وجد عليها قائما أشد الضرب ، وروى متوسطا.

أقول : المشهور جلده قائما مجردا ، سواء وجد بثيابه أو عاريا ، وقال في النهاية : يجلد على مثل حالة الزنا إن زنا وهو مجرد جلد مجردا ، وإن زنى وعليه ثيابه جلد بثيابه ، والأول هو المعتمد ، والمرأة تضرب وهي جالسة لابسة ثيابها على المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن بابويه : إن وجدت مجردة كذلك ، والأول هو المعتمد ، والمشهور أن (4) يضرب أشد الضرب ، ورواية التوسط رواية الحسين بن سعيد (5) عن الباقر عليه السلام ، والأول هو المعتمد ، لقوله تعالى :

ص: 320


1- التوبة : 122.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، احاديث باب 31 من أبواب المقدمات.
4- في « ن » و « ر 1 » : أنها.
5- لم أعثر على رواية للحسين بن سعيد بهذا المضمون ، والموجود في الجواهر ، ج 41 ، ص 360 مرسل حرير. وهي مروية في الحدود من الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا - حديث 6 وفي باب رواية لابن سعيد حديث 1.

( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (1) ، والضرب الضعيف رأفة وقد نهي عنه.

قال رحمه اللّه : إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا ، فادعت أنها بكر ، فشهد لها أربع نساء [ بذلك ] فلا حد ، وهل تحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية : نعم ، وقال في المبسوط : لأحد ، لاحتمال الشبهة في المشاهدة ، والأول أشبه.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد واختاره المصنف ؛ لأنهم شهدوا بزنا لم يثبت فيجب عليهم الجلد للفرية ، وبمذهب المبسوط قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لحصول الشبهة بتعارض الشهادتين وهي دارئة للحد ، ولإمكان عود البكارة ، قاله العلامة في القواعد ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم ، ولعل الأشبه الوجوب ، لوجوب بدأتهم بالرجم.

أقول : البدأة بالرجم واجب ، وهو لا يتم الا بالحضور ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وقال في المبسوط والخلاف : لا يجب عليهم الحضور ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأصالة براءة الذمة ، فعلى هذا يكون شرط وجوب البداءة الحضور لا الشهادة ، فإن حضروا واجب (2) عليهم البدأة بالرجم والا فلا.

قال رحمه اللّه : إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان ، ووجه الجمع [ سقوط ] العقوبة والحد إن اختل بعض شروط الشهادة ، مثل سبق الزوج بالقذف ، ويحد الزوج ، أو يدرأ باللعان ويحد الباقون ، وثبوت الحد إن لم يسبق

ص: 321


1- النور : 2.
2- كذا.

الزوج ولم يختل بعض الشرائط.

أقول : إذا كان الزوج أحد الشهود الأربعة ، قال المصنف : فيه روايتان ، أما رواية قبول شهادتهم ووجوب حد المرأة فرواية علي بن إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يجوز » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والخلاف والاستبصار ، وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، ان لم يختل بعض شروط الشهادة ، ورواية حد الشهود دون المرأة رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام : « في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يلاعن ويحد الباقون » (2) ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج ، وحمل الأولون الرواية على اختلال بعض الشرائط ، كسبق الزوج بالقذف أو عدم تعديل الشهود واختلافهم (3) في الإقامة ، وقد سبق البحث في هذه في باب اللعان (4).

قال رحمه اللّه : إذا شهد بعض وردّت شهادة الباقين ، قال في الخلاف والمبسوط : إن ردّت بأمر ظاهر حد الجميع ، وإن ردّت بأمر خفي فعلى المردود الحد دون الباقين ، وفيه إشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة.

أقول : مذهب الخلاف والمبسوط هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير وهو المعتمد ؛ لأنهم أقاموا شهادة مقبولة في ظاهر الشرع ، ولم يطلعوا على جرح من ردت شهادته منهم ، لخفاء حاله عليهم ، فيختص المردود بالحد دونهم ، كما لو رجع في شهادته ، والا لزم تكليف ما

ص: 322


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 12 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- في « م » : وإحلافهم.
4- ج 3 ص 351.

لا يطاق وهو باطل ، وظاهر المصنف وجوب حد الجميع ، لتحقق (1) القذف الخالي عن بينة ، وهو معارض برجوع بعضهم عن الشهادة فإنه يختص بالحد مع عدم تحقق البينة.

قال رحمه اللّه : من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها ، ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها ، وقيل : يلزمه الأرش ، والأول مروي.

أقول : لزوم عشر القيمة مذهب الشيخ في النهاية ، ولزوم الأرش مذهب ابن إدريس ، وجعل ما قاله الشيخ رواية ، قال : وروي (2) أن عليه عشر قيمتها ويجلد من ثلاثين إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة ، قال : والأولى أن يغرم ما بين قيمتها بكرا وثيبا.

ص: 323


1- في الأصل : لتحقق حد القذف.
2- السرائر ، ج 3 ، ص 449.

ص: 324

في حد اللواط والسحق والقيادة

قال رحمه اللّه : ويحكم الحاكم فيه بعلمه ، إماما كان أو غيره على الأصح.

أقول : قد سبق البحث في هذه في كتاب القضاء.

قال رحمه اللّه : وكيفية إقامة الحد القتل إن كان اللواط إيقابا ، وفي رواية : إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، والأول أشهر ثمَّ الامام مخير في قتله ، بين ضربه بالسيف ، أو تحريقه ، أو رجمه أو إلقائه من شاهق ، أو إلقاء جدار عليه ، ويجوز أن يجمع بين أحد هذه وتحريقه وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة ، وقال في النهاية : يرجم إن كان محصنا ، ويجلد إن لم يكن والأول أشبه.

أقول : اللواط قد يكون إيقابا وغير إيقاب ، فالايقاب غيبوبة الحشفة في الدبر ، وغير الإيقاب كالتفخيذ بين الأليتين ، فإن كان الأول وجب قتل الفاعل والمفعول مع بلوغهما ورشدهما ، ولا فرق بين الحر والعبد ، ولا بين المسلم والكافر ، ولا بين المحصن وغيره ، وهذا هو المشهور وعليه فتوى الأصحاب ، قال المصنف : وفي رواية إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، وهو

ص: 325

إشارة الى ما رواه العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام ، « قال : حد اللوطي مثل حد الزاني ، وقال : إن كان قد أحصن رجم والا جلد » (1) ، ومثلها رواية حماد بن عثمان (2) عن الصادق عليه السلام ، وحملها الشيخ على عدم الإيقاب أو التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، وان كان الثاني - وهو غير الإيقاب - فالمشهور أن الحد فيه جلد مائة مطلقا ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، وهو مذهب المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه السلام : « في الرجل يفعل بالرجل؟ قال : إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان الثقب أقيم قائما ثمَّ ضرب بالسيف » (3) وقال الشيخ في النهاية : يرجم مع الإحصان ويجلد مع عدمه ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وهو ظاهر ابني بابويه للحديثين المتقدمين.

قال رحمه اللّه : لو تكرر منه الفعل وتخلله الحد مرتين قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : هذا غير الموقب ، والأول قول ابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، والوجه ما تقدم في الزنا.

قال رحمه اللّه : والحد في السحق مائة جلدة ، حرة كانت أو أمة ، مسلمة أو كافرة ، محصنة أو غير محصنة ، الفاعلة والمفعولة ، وقال في النهاية : ترجم مع الإحصان وتحد مع عدمه ، والأول أولى.

ص: 326


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب من أبواب حد اللواط ، حديث 3 وفيها العلاء بن الفضيل.
2- المصدر السابق ، حديث 4.
3- المصدر السابق ، حديث 2.

أقول : الأول مذهب السيد المرتضى والمفيد وأبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام ، « قال المساحقة تجلد » (1) وبمذهب النهاية قال ابن البراج وابن حمزة لما رواه هشام بن حمزة وحفص ، عن الصادق عليه السلام ، « أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهم عن السحق؟ فقال : حدها حد الزاني ، فقالت المرأة : ما ذكره اللّه تعالى في القرآن؟ فقال : بلى ، فقالت : أين؟ قال : هن أصحاب الرس » (2) وحملت على حد الزاني من الجلد.

قال رحمه اللّه : والأجنبيتان إذا وجدتا في إزار مجردتين عزرت كل واحدة دون الحد ، فان تكرر الفعل منهما والتعزير مرتين أقيم عليهما الحد في الثالثة ، فإن عادتا ، قال في النهاية : قتلتا والأولى الاقتصار على التعزير ، احتياطا في التهجم على الدم.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما ، وليس بينهما رحم ولا أحوجتهما الى ذلك ضرورة من برد وغيره ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين ، فان عادتا الى مثل ذلك نهيتا وأدبتا ، فإن عادتا ثالثة أقيم عليها الحد كاملا مائة جلدة فان عادتا رابعة كان عليهما القتل ، وتبعه ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، لما رواه أبو خديجة (3) عن الصادق عليه السلام ، « ولأن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة على المشهور ، وابن إدريس أوجب القتل في الثالثة بناء على مذهبه من أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ،

ص: 327


1- المصدر السابق ، باب 1 من أبواب حديث د السحق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 1 ، وفيه هشام بن أبي حمزة.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 10 من أبواب حد الزنا ، حديث 25.

والمصنف لم يوجب القتل بل التعزير في الرابعة والحد في الثالثة ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير.

قال رحمه اللّه : إذا وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت ، قال في النهاية : على المرأة الرجم وعلى الصبية الجلد مائة بعد الوضع ، ويلحق الولد بالرجل ، وعلى المرأة المهر ، أما الرجم فعلى ما مضى من التردد ، واشتهر [ وأشبهه ] الاقتصار على الجلد ، وأما جلد الصبية فموجبه ثابت ، وهي المضاجعة [ المساحقة ] ، وأما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان وقد انخلق منه الولد فيلحق به ، وأما المهر فلأنها سبب في إذهاب العذرة ، وديتها مهر نسائها ، وليست كالزانية في سقوط دية العذرة ؛ لأن الزانية أذنت في الافتضاض وليست هذه كذا ، وأنكر بعض المتأخرين ذلك ، وظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة وسقوط النسب.

أقول : أنكر ابن إدريس الرجم ولحوق الولد بالرجل وإيجاب المهر على الزوجة ، قال : لأنا قد بينا أن جلّ أصحابنا لا يرجمون المساحقة ، سواء كانت محصنة أو غير محصنة ، واستدللنا على ذلك ، فكيف نوجب على هذه الرجم؟ قال : وإلحاق الولد بالرجل فيه نظر يحتاج الى دليل قاطع ؛ لأنه غير مولود على فراشه ، والرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم قال « الولد للفراش » (1) وهذه ليست فراشا للرجل ؛ لأن الفراش عبارة في الخبر عن العقد ، وإمكان الولد ، ولا هو من وطى شبهة ، قال : وإلزام المرأة المهر أيضا فيه نظر ولا دليل عليه ؛ لأنها مختارة غير مكرهة ، وقد بينا أن الزاني إذا زنى بالبكر الحرة البالغة لا مهر عليه إذا كانت مطاوعة ، والبكر المساحقة هنا مطاوعة ، وقد أوجبنا عليها الحد ؛ لأنها بغي ، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « نهى عن مهر البغي » (2) إلى هنا كلام ابن

ص: 328


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 13.

إدريس (1).

قلت : اما الرجم فالمعتمد فيه مذهب ابن إدريس ، والشيخ بناء ذلك على مذهبه وهو وجوب رجم المساحقة إذا كانت محصنة ، وقد مضى البحث في (2) ذلك.

واما لحوق الولد بالرجل ووجوب المهر على الزوجة ، فالمشهور في ذلك مذهب الشيخ وقد بين المصنف الوجه في ذلك ، ولا يلحق الولد بالكبيرة إجماعا وهل يلحق بالصبية التي ولدته؟ استقرب العلامة في القواعد عدم اللحوق ، لانتفاء سببه ، وهو النكاح الصحيح أو الشبهة وهما منتفيان ، ولأنها في حكم الزانية ، ولهذا يجب عليها الحد ويحتمل اللحوق ؛ لأنها ولدته من غير زنا فيلحق بها ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومع ثبوته يجب على القواد خمس وسبعون جلدة ، وقيل : يحلق رأسه ويشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن القواد يحلق رأسه ويشهر شنعة له ، والمصنف لم يجزم بذلك لخلو الأحاديث (3) عنه ، وانما هو شي ء ذكره الشيخان وتبعهما الباقون.

قال رحمه اللّه : وهل ينفى بأول مرّة؟ قال في النهاية : نعم ، وقال المفيد رحمه اللّه : ينفى في الثانية ، والأول مروي ، أما المرأة فتجلد وليس عليها جز ولا شهرة ولا نفي.

أقول : القواد يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد ، ثمَّ

ص: 329


1- السرائر ، ج 3 ، ص 465.
2- ص 326.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الخامس من أبواب حد السحق والقيادة.

ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره ، أما الجلد والحلق والشهرة فبأول مرة ، وهل ينفى بأول مرة أيضا؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر وفخر الدين وأبو العباس ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمس وسبعون سوطا ، وينفى عن المصر الذي هو فيه » (1) وقال المفيد : لا ينفى إلا في الثانية ، وبه قال أبو الصلاح وسلار.

ص: 330


1- المصدر السابق ، حديث 1.

في حد القذف

قال رحمه اللّه : ولو قال ولدت من زنا ، ففي وجوب الحد لأمه تردد ، لاحتمال انفراد الأب بالزنا ولا يثبت الحد مع الاحتمال ، أما لو قال : ولدتك أمك من الزنا فهو قذف للام ، وهنا الاحتمال أضعف ، ولعل الأشبه عندي التوقف لتطرق الاحتمال وان ضعف.

أقول : إذا قال لغيره ولدت من الزنا ففيه قولان ، أحدهما : اختصاص القذف بالأم ، لاختصاص الأم بالولادة ظاهر (1) وقد عداه الى الزنا بحرف الجر ، ومقتضاه نسبة الأم إلى الزنا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ونقله الشهيد عن نجم الدين في نكت النهاية ، وعن العلامة في التلخيص ، والثاني اشتراك القذف بين الام والأب ؛ لأن نسبته إليهما واحدة فلا اختصاص ، وهو قول ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، ولم يصرح بثبوت الحد ولا نفيه ، وظاهر المصنف هنا عدم ثبوت الحد ، وقد ذكر وجهه وهو ظاهر العلامة في التحرير أيضا ، وجزم في القواعد بثبوته لهما ؛ لأن ظاهر اللفظ القذف لهما

ص: 331


1- كذا.

والاحتمال لا ينفي ما ثبت بظاهر اللفظ ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، فعلى هذا إذا قال : ولدتك أمك من الزنا ، كان قذفا للأم خاصة ، وكان احتمال ثبوت الحد لهما (1) أضعف ، وجزم العلامة بالثبوت ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : زنيت بفلان أو لطت به ، فالقذف للمواجه ثابت ، وفي ثبوته للمنسوب اليه تردد ، وقال في النهاية وفي المبسوط : يثبت حدان ؛ لأنه فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر ، ونحن لا نسلم أنه فعل واحد ؛ لأن موجب الحد في الفاعل غير الموجب في المفعول ، وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.

أقول : ثبوت الحدين مذهب الشيخ وابن زهرة وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ؛ لأنه أضاف الزنا واللواط إليهما ، وهو فعل واحد. وثبوته للمواجه خاصة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ؛ لان موجب الحد في الفاعل غير موجب الحد في المفعول ؛ لأن نسبته الى المفعول به الانفعال لا الى الفعل ، والانفعال أعم من المطاوعة والإكراه ، لصدق حقيقته فيهما ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولا حد مع الاحتمال ، لكونه شبهة ، وقال عليه السلام « ذروا الحدود بالشبهات » (2).

قال رحمه اللّه : ولو قال لامرأته : زنيت بك ، فلها حد على التردد.

أقول : التردد المذكور هو ما سبق (3) من التردد في قوله : زنيت بفلان أو لطت به ، فمن أثبت القذف في هذه الصورة للمنسوب إليه ، أثبته للزوجة في صورة

ص: 332


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب المقدمات ، حديث 4. وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).
3- تقدم في المسألة السابقة.

قول الزوج لها : زنيت بك ، ومن لا فلا وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا يشترط ، فعلى الأول يثبت نصف الحد ، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين جلدة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في القواعد والتحرير ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (1) الاية ولما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي بكر الحضرمي ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن عبد مملوك قذف حرا؟ قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق الناس ، وأما ما كان من حقوقه تعالى فإنه يضرب نصف الحد ، قلت : الذي من حقوقه تعالى ما هو؟ فقال : الزنا وشرب الخمر ، فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد » (2) وقال في المبسوط : يجلد العبد أربعين لما رواه أبو العباس بن سليمان ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المملوك إذا افترى على الحر ، كم يجلد؟ قال : أربعين » (3) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى المقذوف الحرية فأنكرها القاذف ، فان ثبت أحدهما عمل عليه ، وإن جهل ففيه تردد ، أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال.

أقول : إذا قذف رجل رجلا ثمَّ اختلفا ، فقال المقذوف : أنا حر فعليك

ص: 333


1- النور : 4.
2- الوسائل ، الحدود ، باب 4 من أبواب القذف ، حديث 14.
3- المصدر السابق ، حديث 15.

الحد ، وقال القاذف : أنت عبد فعلي التعزير ، قال الشيخ في الخلاف : القول قول القاذف ؛ لأصالة البراءة ، وقال في المبسوط : إن علم أنه حر أو عبد أعتق قبل القذف فعليه الحد ، وان علم أنه مملوك عزر ، وإن جهل ، قال قوم : القول قول القاذف لأصالة البراءة ، وقال آخرون : القول قول المقذوف لأصالة الحرية ، وهما قويان ، وهو يدل على تردده ، واختار العلامة في المختلف مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو قال لمسلم يا ابن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت أمه كافرة أو أمة ، قال في النهاية : عليه الحد تاما لحرمة ولدها ، والأشبه التعزير.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد وابن البراج ، والتعزير مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ؛ لأن الأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو المقذوف ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لان المقذوف هنا الام ، وهي غير مكافئة للقاذف ، والمعتمد مذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين ، قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ؛ لأن أهل الكبائر عنده يقتلون في الثالثة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس (1) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض ، إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الامام بما يراه.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا أعلم فيه خلافا (2) ، ويحتمل

ص: 334


1- ليست في « ن ».
2- في الأصل : مخالفا.

ثبوت التعزير ، لعموم قولهم : « كل من ترك واجبا أو فعل محرما فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد » (1) ، قال المقداد في شرح المختصر : وجه العدم ثبوت التعزير في الطرفين فيتهاتران ، وفي هذا التوجيه نظر ؛ لأنه لو كان ثبوت التعزير في الطرفين علة في سقوطه عنهما لسرت في المسلمين ، مع أنه لو تقاذف اثنان من المسلمين عزرا إجماعا.

قال رحمه اللّه : يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط ، وكذا المملوك ، وقيل : إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه ، وهو على الاستحباب.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من ضرب مملوكه فوق الحد كان كفارته أن يعتقه ، وتبعه ابن البراج ، وقال ابن إدريس : لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة من العتق ، وبقاء الرق ، والمشهور الاستحباب ، وهو المعتمد لأصالة البراءة من الوجوب.

ص: 335


1- كأنه من عبارات الفقهاء. لاحظ مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني رحمه اللّه ، ج 1. ص 106 ، والتنقيح الرائع للمقداد السيوري رحمه اللّه ، ج 4 ، ص 364.

ص: 336

في حد المسكر

قال رحمه اللّه : أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار ، ففي تحريمه تردد ، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ ، وكذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، والأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.

أقول : التمر أو الزبيب إذا جعل (1) بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، ولم يبلغ الشدة المسكرة احتمل فيه التحريم ، مساواة للعصير إذا غلى ، ويحتمل عدم التحريم لأصالة الإباحة ، فيقتصر على موضع النص (2) ، وهو المشهور بين الأصحاب واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف في تعريف المسكر ، قيل : هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم ، وظهور السر المكتوم ، وقيل : هو ما يغير العقل ويحصل معه نشوة وسرور وقوة نفس وعربدة ، فان حصل مع ذلك تغيير الحواس الخمس فهو المرقد ، والمعتمد صدق السكر لكل واحدة من هذه الأشياء ، فإذا غلى التمر

ص: 337


1- من « ن » وفي غيرها : جعلا.
2- في المفاتيح ، ج 2 ، ص 87 : لم نجد مستنده.

والزبيب حتى صار أسفله أعلاه ، وحصل فيه القوة المسكرة التي تفعل بالمزاج أحد هذه الأشياء ، حرم والا فهو حلال.

قال رحمه اللّه : الحد ثمانون جلدة ، حرا كان الشارب أو عبدا ، رجلا كان الشارب أو امرأة ، وفي رواية يحد العبد أربعين ، وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بكر الحضرمي (1) عن الصادق عليه السلام وقد تقدمت في القذف ، وبمضمونها أفتى محمد بن بابويه ، والمشهور عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين ، لإطلاق الروايات الدالة على ذلك ، كرواية زرارة (2) عن الباقر عليه السلام وفي رواية (3) أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام ، ورواية بريد بن معاوية (4) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو مذهب الشيخين وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا حد مرتين ، قتل في الثالثة ، وهو المروي ، وقال في الخلاف : يقتل في الرابعة.

أقول : قتله في الثالثة مذهب المفيد وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، لما رواه أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام ، « قال : من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد فاقتلوه » (5) ولصحيحة يونس عن الكاظم عليه السلام ، « قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين

ص: 338


1- تقدمت في الهامش (61) ص
2- الوسائل ، الحدود ، باب 4 من أبواب حد المسكر ، حديث 7.
3- المصدر السابق ، باب 6 من أبواب حد المسكر ، حديث 4 - 5.
4- المصدر السابق ، باب 4 من أبواب حد المسكر ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب حد المسكر ، حديث 3.

فتلوا في الثالثة » (1) ، وقتله في الرابعة مذهب الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو شهد واحد بشربها ، والآخر بقيئها ، وجب الحد ، ويلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا بقيئها نظرا الى التعليل المروي ، وفيه تردد لاحتمال الإكراه على بعد ، ولعل هذا الاحتمال يندفع ؛ لأنه [ بأنه ] لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أما لو ادعاه فلا حد.

أقول : إذا شهد واحد بشربها والآخر بقيئها فالمشهور بين الأصحاب ثبوت الحد ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : وعليه فتوى الأصحاب ، لم أقف فيه على مخالف ، وفيه نظر ؛ لأن فخر الدين نقل عن والده في المختلف تقوية عدم وجوب الحد ، قال : وهو الأقوى عندي ، والأصل في هذه المسألة حكم على عليه السلام على الوليد بوجوب الحد ، حين شهد عنده واحد بشربها وآخر بقيها ، فقال عليه السلام : « ما قاءها إلا وقد شربها » (2) ، والى هذا التعليل أشار المصنف بقوله نظرا الى التعليل المروي.

احتج فخر الدين بان سبب الحد الشرب مختارا ، فلا يدل القي ء عليه لاحتمال الإكراه ، ويجاب بأن الأصل في الشرب الاختيار حتى يثبت الإكراه.

فعلى القول بثبوت الحد لو شهدا (3) بقيها ، هل يثبت أم لا؟ يحتمل الثبوت ، وهو المشهور لقوله عليه السلام : « ما قائها الا وقد شربها » ، ويحتمل العدم لاحتمال الإكراه ، قال المصنف : وهذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أي لو كان مكرها لادعاه ، وقال : إني شربته مكرها ، فان ادعى

ص: 339


1- المصدر السابق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، باب 14 من أبواب حد المسكر ، حديث 1 ، وليس فيه الوليد بل قدامة بن مظعون.
3- في الأصل : شهد.

الإكراه لم يثبت الحد قطعا.

قال رحمه اللّه : ومن شرب الخمر مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ، وإن امتنع قتل ، وقيل : يكون حكمه حكم المرتد ، أما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لما روي (1) عن النبي صلى اللّه عليه وآله في قضية قدامة بن مالك لما شرب الخمر مستحلا ، والثاني مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه أنكر ما علم تحريمه من الدين ضرورة ، ومن أنكر شيئا من ذلك كان مرتدا.

قال رحمه اللّه : ولو كان ثبوت الحد بإقراره ، كان الامام مخيرا [ بين حدّه وعفوه ] ، ومنهم من منع التخيير وحتم الاستيفاء هنا ، وهو أظهر.

أقول : إذا ثبت الشرب بالإقرار فتاب بعد الثبوت ، قال الشيخ : يتخير الامام بين العفو أو إقامة الحد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وابنه في الإيضاح وأبو العباس ؛ لأن التوبة تسقط تحتم القتل ، وهو أقوى من الحد فاسقاطها تحتم الحد أولى ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يتحتم الحد هنا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والشهيد ، لثبوت الحد بالإقرار ، وسقوطه يفتقر الى دليل ، وحمله على الرجم قياس مع ثبوت الفارق.

قال رحمه اللّه : من قتله الحد أو التعزير فلا دية له ، وقيل : تجب على بيت المال ، والأول مروي.

أقول : الخلاف إنما هو في التعزير ، أما الحد فلا خلاف في سقوط الدية فيه ؛ لأنه مقدر بالشرع المطهر صلى اللّه على الصادع به وعلى آله ، أما التعزير فاجتهادي ، فان مات به ، قيل : لا دية له ، وبه قال الشيخ في الخلاف وابن

ص: 340


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 2 من أبواب حد المسكر ، حديث 1.

إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، ولان التعزير حد من حدود اللّه تعالى ، وكل من قتله الحد فلا دية له ، ولما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ، « قال : من أقمنا عليه حدا من حدود اللّه تعالى فمات فلا ضمان » (1) ، وقال الشيخ في المبسوط : إذا عزر الامام رجلا فمات من الضرب فعليه كمال الدية ؛ لأنه ضرب تأديب ، قال : وأين تجب الدية؟

قال قوم : تجب في بيت المال ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أمر بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا ، فالنصف على الحداد في ماله ، ولو زاد سهوا فالدية على عاقلته ، وفيه احتمال آخر.

أقول : يحتمل أن يكون مراده بالاحتمال الآخر ما اختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو وجوب القصاص مع العمد ؛ لأنه مباشر للإتلاف عمدا فيقتص منه بعد رد نصف الدية ، ووجوب النصف على العاقلة مع السهو ، هذا اختياره في الكتابين المذكورين ، وقال في القواعد : ويمكن أن تسقط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت ، فيسقط ما قابل السائغ ، وإيجاب الجميع ؛ لأنه قتل حصل من فعله تعالى وعدوان الضارب فيحال الضمان كله على العادي كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف ، وكما لو ألقى (2) حجرا على سفينة موقرة فغرقها ، فيحتمل أن يكون مراد المصنف بالاحتمال هذا الإمكان الذي ذكره العلامة في قواعده.

ص: 341


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 3 من أبواب المقدمات ، حديث 4 ، مع اختلاف يسير.
2- في « ن » : أبقى.

ص: 342

في حد السرقة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو سرق الطفل لم يحد ويؤدب ولو تكررت سرقته ، وفي النهاية يعفى عنه أولا ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ، وبهذا روايات.

أقول : بتفصيل النهاية قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف في المختلف ، لرواية الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام ، واقتصر ابن إدريس على التأديب دائما ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة البراءة ، ولاتصاف الطفل بما يوجب رفع القلم عنه ، وأما التأديب فليس من باب التكليف ، بل من باب وجوب التأديب على الحاكم ، لاشتماله على المصلحة ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع ارتفاع الشركة ، فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان ، إحداهما : لا يقطع والأخرى : إن زاد ما سرقه عن نصيبه قدر النصاب قطع ، والتفصيل حسن.

ص: 343


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 28 من أبواب حد السرقة ، حديث 2.

أقول : أما رواية عدم القطع فعن محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام ، « قال : في رجل أخذ بيضة من المغنم ، قالوا : قد سرق أفنقطعه؟ فقال : إني لم أقطع أحدا له فيما أخذه شركة » (1) ، وبمضمونها أفتى المفيد وسلار وفخر الدين ، وأما رواية التفصيل فعن عبد اللّه بن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وروى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال : كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه » (3) ، وليس فيها دلالة على أن السارق من الغانمين.

قال رحمه اللّه : تقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه ، وفي رواية : لا يقطع ، وهي محمولة على حالة الاستيمان ، وكذا الزوج إذا سرق من زوجته ، أو الزوجة ، وفي الضيف قولان ، أحدهما : لا يقطع مطلقا ، وهو المروي ، والآخر : يقطع إذا أحرز من دونه ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في قطع الأجير إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم القرآن (4) والأخبار (5) ، ومنع محمد بن بابويه والشيخ في النهاية من قطعه ، لرواية الحلبي (6) في الحسن عن الصادق عليه السلام ، ورواية سليمان (7) عنه والأول

ص: 344


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 4.
3- المصدر السابق ، حديث 3.
4- المائدة : 38.
5- الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الثاني من أبواب حد السرقة.
6- المصدر السابق ، باب 14 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
7- المصادر السابق ، حديث 3.

هو المعتمد ، وروايات عدم القطع محمولة على الاستيمان ، وفيها دلالة عليه ، لقوله عليه السلام : « وهو مؤتمن ليس بسارق » (1).

الثانية : في قطع الضيف إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (2) ، وقال ابن بابويه والشيخ ( في النهاية ) (3) لا يقطع لما رواه محمد بن قيس عن الصادق عليه السلام ، « قال الضيف : إذا سرق لا يقطع وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف » (4) والمعتمد القطع من الإحراز مطلقا.

وأما الزوج أو الزوجة فإذا سرق أحدهما من صاحبه وكان المال محرزا عنه ، فإنه يقطع بغير اشكال.

قال رحمه اللّه : ومن شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن ، وقيل : كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إلا بإذنه.

أقول : أجمع الأصحاب على اشتراط الحرز في القطع ، وعلى أن المرجع فيه الى العرف ؛ لأنه لا حقيقة شرعية له ، واختلف الأصحاب في تعريفه ، لعدم تنصيص الشارع عليه ، قال الشيخ في النهاية : الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول إلا بإذنه ، أو يكون مغلقا عليه ، أو مدفونا.

وقال في المبسوط : معرفة الحرز مأخوذة من العرف ، فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع ، وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع ؛ لأنه ليس بحرز ، فحرز البقل والخضروات في الدكاكين وراء شريحة تغلق أو تقفل ، وحرز الذهب

ص: 345


1- لاحظ الروايتين السابقتين.
2- المائدة : 38.
3- ليست في الأصل.
4- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 17 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.

والفضة والجواهر والثياب الأماكن الحريزة في الدور الحريزة (1) وتحت الأغلاق الوثيقة ، وكذلك الدكاكن والخانات الحريزة ، فمن جعل الجوهرة في دكان البقل تحت شريحة قصب فقد ضيع ماله ، والحرز يختلف باختلاف المحرز فيه ، وقال قوم : إذا كان الموضع حرزا لشي ء فهو حرز لسائر الأشياء ، ولا يكون المكان حرزا لشي ء دون شي ء. قال : وهو الذي يقوى في نفسي ؛ لأن أصحابنا قالوا : إن الحرز هو كل موضع ليس لغير المالك أو المتصرف فيه دخوله إلا بإذنه.

وقال ابن إدريس : المراعاة بالعين حرز ، والذي يقتضيه المذهب أن الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عدا ذلك ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وهو أحوط ، لما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام يرفعه الى علي عليه السلام : « لا يقطع الا من نقب نقبا أو كسر قفلا » (2).

وباقي ترددات هذا الباب وخلافاته الى قوله ( الثالث فيما فيه يثبت ) متفرعة على هذه المسألة ، فلا فائدة في ايراداتها (3) ، لرجوعها الى هذه القاعدة.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن له يسار ، قال في المبسوط قطعت يمينه ، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام : لا يقطع ، والأول أشبه.

أقول : محل القطع من السارق في المرأة الأولى يده اليمنى ، سواء كان له يد يسرى أو لم يكن ، وقال ابن الجنيد : لا يقطع مع فقد اليسرى ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (4) المذكورة ، ولئلا يصير بلا يدين والمعتمد القطع لوجود الموجب

ص: 346


1- ليست في « ن ».
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 18 من أبواب حد السرقة ، حديث 3.
3- كذا.
4- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب حد السرقة ، حديث 3.

والمحل.

قال رحمه اللّه : ولو سرق ولا يمين له ، قال في النهاية : قطعت يساره ، وقال في المبسوط : ينتقل الى رجله ، ولو لم يكن له اختيار قطعت رجله اليسرى ، ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس ، وفي الكل إشكال من حيث أنه تخط عن موضع القطع فيقف على إذن الشرع وهو مفقود.

أقول : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى في أول مرة ، فإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى ، فاذا سرق ثالثا حبس دائما ، فلو سرق في الحبس قتل.

فلو فقد العضو المخصوص بالقطع ، هل يسقط القطع أو ينتقل الى غيره كما لو سرق ولا يمين له؟ قال ابن إدريس : تختص كل مرتبة بما وظف لها ، فلا يحبس من لم يسرق مرتين ، ويقطع في كل منهما بل يعزر ، وكذا لا يقطع رجل من لم يقطع يده في السرقة (1) ، وهو ظاهر المصنف ، وقال الشيخ : إذا فقد محل القطع انتقل الى غيره ، واختلف قولاه في الانتقال ، ففي المبسوط : ينتقل الى رجله اليسرى ؛ لأنها محل يؤخذ في السرقة ، واختاره ابن البراج في المهذب ، وفي النهاية : ينتقل الى يده اليسرى ؛ لأن اليد أقرب الى مماثلة اليد من الرجل ، ولا ينتقل الى الرجل الا مع فقد اليدين معا ، واختاره العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو تاب بعد الإقرار ، قيل : يتحتم القطع ، وقيل : يتخير الإمام في الإقامة والعفو ، على رواية فيها ضعف.

أقول : تحتم الحد قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لثبوت القطع بالإقرار ، والأصل عدم سقوطه ، والتخيير مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وأبو العباس ، لرواية أبي عبد اللّه البرقي (2) ، وهي

ص: 347


1- في النسخ : سرقة.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 18 من أبواب المقدمات ، حديث 3.

مرسلة ، فلهذا قال المصنف : فيها ضعف.

قال رحمه اللّه : إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان ، قال في النهاية : يجب القطع ، وقال في الخلاف : إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا ، وإن كان دون ذلك فلا قطع ، والتوقف أحوط.

أقول : القطع مذهب الشيخ في النهاية ، وهو قول السيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة ؛ لأن موجب الحد ثابت ، وهو سرقة النصاب ، وقد صدر عن الجميع فيجب عليهم القطع ، وقال في الخلاف : لا قطع مع قصور نصيب كل واحد عن النصاب ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، وهو المعتمد لأصالة براءة الذمة ، ولعدم صدور الموجب عن كل واحد منهما ، بل الصادر عن كل واحد بعض السبب ، والبعض لا يقوم مقام الكل.

قال رحمه اللّه : ولو قامت الحجة بالسرقة ثمَّ مسكت حتى قطع ، ثمَّ شهدت عليه بأخرى ، قال في النهاية : قطعت رجله في الثانية ، استنادا إلى الرواية ، وتوقف بعض الأصحاب فيه ، وهو أولى.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه بكير بن أعين (1) ، عن الباقر عليه السلام ، وبمضمونها أفتى أبو الصلاح وابن بابويه والشيخ في النهاية ، وقال في المبسوط ؛ لا قطع في الشهادة (2) الثانية ، لعدم تأخر السرقة عن القطع الأول ، بل الكل سابق على القطع وان تأخرت البينة ، كما لو زنا وشرب مرارا ثمَّ قامت عليه البينة بالجميع ، فإنه يكفي حد واحد ، وبه قال ابن إدريس والمصنف وأبو العباس ، وهو المعتمد.

ص: 348


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 9 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
2- في النسخ : بالشهادة.

في حد المحارب

قال رحمه اللّه : المحارب : كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ، ليلا أو نهارا ، في مصر وغيره ، وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد ، أصحه أنه لا يشترط مع العلم بقصد الإخافة.

أقول : منشأ التردد من اختلاف فتاوى الأصحاب ، قال في النهاية المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل الريبة أي الفساد ، ومثله قول المفيد ، وهو المشهور في عبارات الأصحاب ؛ لان من ليس من أهل الريبة أي الفساد لا يكون محاربا. ولم يشترط المصنف كونه من أهل الريبة ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (1).

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت هذا الحكم للمجرّد مع ضعفه عن الإخافة تردد ، أشبهه الثبوت وتجرى بقصده.

أقول : منشؤه من عموم الآية (2) ، وصدق اسم المحارب عليه ؛ لأنهم

ص: 349


1- المائدة : 33.
2- المائدة : 33.

عرفوا المحارب بأنه من جرد السلاح لإخافة المسلمين ، فاذا حصل ذلك كان محاربا ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، ومن أنه إذا كان ضعيفا عن الإخافة لم يكن صالحا لها ، فلا فائدة في تجريده وقصده الإخافة مع ضعفه ، فيكون وجود فعله وعدمه سواء ، والمعتمد الأول لسلوكه طريق المحاربين ، فيجزى بقصده ونيته.

قال رحمه اللّه : وحد المحارب القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي ، وقد تردد فيه الأصحاب ، فقال المفيد رحمه اللّه بالتخيير ، وقال الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه بالترتيب.

أقول : التخيير مذهب المفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ، لدلالة القرآن (1) عليه ، والترتيب المحكي في المتن للشيخ وابن البراج ، للروايات الدالة عليه ، كرواية عبد اللّه المدائني (2) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص إلى الولي ، ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر.

أقول : أجمع الكل على تحتم قتل المحارب إذا قتل غيره طلبا للمال ، فان كان المقتول كفؤا قتل قصاصا ، وان عفى الولي أو كان المقتول غير كفوء قتل حدا ، هذا في صورة القتل بلا خلاف.

فلو لم يقتل بل جرح جرحا يوجب القصاص في غير المحاربة طلبا للمال ، هل يتحتم القصاص كما يتحتم القتل سواء عفى الولي أو لم يعف ، أو إذا عفى الولي

ص: 350


1- المائدة : 33.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 1 من أبواب حد المحارب ، حديث 4 ، وفيه ( عبيد اللّه ) بدل ( عبد اللّه ).

سقط القصاص؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يتحتم القصاص وللولي العفو ، لأصالة جواز العفو ، وتحتم وجوبه في القتل لا يوجب تحتمه في الجرح ، واختاره المصنف وجزم به العلامة في القواعد ، وقال في المبسوط : يتحتم القصاص ، واختاره العلامة في المختلف ، قال : لنا أنه يتحتم القتل فكذا الجرح حسما لمادة الفساد ، ومجازاة له على فعله بمثله.

ص: 351

ص: 352

في حد المرتد

قال رحمه اللّه : وكم يستتاب؟ قيل : ثلاثة أيام ، وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ، والأول مروي ، وهو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ، ثمَّ قوى الثاني ، وهو القدر الذي يمكن معه الرجوع ، قال : والأول أحوط ، وقوى فخر الدين ما قواه الشيخ ، وظاهر المصنف العمل على الأول ، والمعتمد مذهب فخر الدين ، لقوله عليه السلام : « لا تأخير في حد » (1).

قال رحمه اللّه : إذا تكرر الارتداد ، قال الشيخ : يقتل في الرابعة ، قال : وروى أصحابنا يقتل في الثالثة.

أقول : المشهور أنه يقتل في الرابعة ، وهو المعتمد ، وأما الرواية المذكورة ، قال فخر الدين : هي رواية الشيخ عن يونس عن الكاظم عليه السلام ، « قال : أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (2).

ص: 353


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 25 من المقدمات ، حديث 1 ، ولم أعثر عليه بلفظه.
2- المصدر السابق ، باب 5 من المقدمات ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : كل ما يتلفه المرتد على المسلم ، يضمنه في دار الحرب أو دار الإسلام ، حالة الحرب وبعد انقضائها ، وليس كذلك الحرب ، وربما خطر اللزوم في الموضعين لتساويهما في تسبب الغرم.

أقول : قال الشيخ : الحربي لا يضمن ما يتلفه على المسلم مطلقا ، أي سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء كان في حال الحرب أو في غيره ، لقوله عليه السلام : « الإسلام يجب ما قبله » (1) ، وفصل فخر الدين ، قال : ان كان الإتلاف في حال الحرب سقط بالإسلام سواء كان نفسا أو مالا ، إذا لم تكن العين موجودة ، وان كان في غير حال الحرب ضمن النفس والمال ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وظاهر المصنف أن الحربي يضمن مطلقا كالمرتد ، لتساويهما في سبب الغرم ؛ لان السبب هو الإتلاف ظلما ، ولأن الكفار مخاطبون باتباع الشرائع ، واختاره العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : لو زوج حربي بنته المسلمة لم يصح ، لقصور ولايته عن التسلط على المسلم ، ولو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد ، وأشبهه الجواز.

أقول : منشؤه من بقاء الملك ، وكل مالك بالغ عاقل له تزويج مملوكته ، ومن أن الكافر ليس له على المسلم سبيل مع كونه محجورا عليه ، فلا يصح إنكاحه لمماليكه ، وجزم به العلامة في القواعد ، واختار في التحرير مذهب المصنف ، ومذهب القواعد هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قود ، ويسقط قتل الردة ، ولو عفى الولي قتل بالردة ، ولو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة ؛ لأنه لا عاقلة له على تردد.

أقول : منشؤه من أنه مرتد فلا يعقله المسلمون ؛ لأنه كافر ، ولا الكفار ؛

ص: 354


1- المستدرك ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 2.

لأنهم لا يرثونه ، فتكون الدية في ماله ، ومن أن ميراثه لوارثه المسلم ، فيكون دية الخطأ عليه ، وهو اختيار فخر الدين.

ص: 355

ص: 356

في إتيان البهائم

قال رحمه اللّه : وإن كان الأهم منها ظهرها لا لحمها ، كالخيل والبغال والحمير لم تذبح ، وأغرم الواطي ثمنها لصاحبها ، وأخرجت من بلد المواقعة ، وبيعت في غيره ، إما عبادة لا لعلة مفهومة لنا ، أو لئلا يعير بها صاحبها ، وما الذي يصنع بثمنها ، قال بعض الأصحاب : يتصدق به ، ولم أعرف المستند ، وقال آخرون : يعاد على المغترم ، وإن كان الواطي هو المالك دفع إليه ، وهو أشبه.

أقول : القول بالصدقة قول المفيد رحمه اللّه ، عقوبة للفاعل ورجاء لتكفير ذنبه ، والقول بالإعادة على المغترم قول الشيخ في النهاية ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة (1) وفخر الدين لأصالة عدم وجوب الصدقة ولأنه (2) لما غرم ثمنها صارت ملكا له ، والمتولي لإخراجها وبيعها الحاكم.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يثبت إلا بالإقرار مرتين ، وهو غلط.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن إتيان البهائم يثبت بشهادة رجلين

ص: 357


1- من « ن ».
2- في الأصل : لأنه.

عدلين ، وبالإقرار ولو مرة واحدة ، وقال ابن إدريس : يثبت بالإقرار مرتين ، ويفهم منه عدم ثبوته بالإقرار مرة واحدة ، ولهذا غلطه المصنف ، والمعتمد : إن كانت الدابة له ثبت بالمرة الواحدة التعزير والإحراق إن كانت ماكولة وإخراجها وبيعها عليه في غير البلد إن كانت غير مأكولة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (1) وإن كانت لغير المقر ثبت التعزير بالإقرار ، سواء اتحد أو تعدد ، ولا يثبت الحيلولة بين مالكها وبينها إلا بالبينة دون الإقرار ، لعدم نفوذ إقرار العاقل على غيره.

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

في الدفاع

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده مقبلا ، ورجله مدبرا ، ثمَّ يده مقبلا ، ثمَّ سرى الجميع ، قال في المبسوط : عليه ثلث الدية إذا تراضيا ، وإن أراد الولي القصاص جاز بعد رد ثلثي الدية ، أما لو قطع يده ثمَّ رجله مقبلا ، ويده الأخرى مدبرا ، وسرى الجميع ، فان توافقا قبض الدية ، وإن طلب القصاص رد نصف الدية ، والفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد ، وليس كذلك في الأولى ، وفي الفرق عندي ضعف ، والأقرب أن الأولى كالثانية : لأن جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية ، كما لو قطع يده والآخر رجله ، ثمَّ قطع الأول يده الأخرى ، فمع السراية بهما هما سواء في القصاص والدية.

أقول : فرق الشيخ بين توالي الجرحين المباحين ، وبين تخلل الجراح المحرم بينهما ؛ لأنهما إذا تواليا كان كالجرح الواحد ، وإذا تخللهما المحرم كانا اثنين ، فتسقط الدية عليهما وعلى المحرم ، والمعتمد ما قاله المصنف ، وهو اختيار العلامة ، وقد ذكر المصنف وجهه.

قال رحمه اللّه : ومن به سلعة إذا أمر بقطعها فمات ، فلا دية له على القاطع ،

ص: 359

ولو كان مولى عليه فالدية على القاطع إن كان وليا ، كالأب والجد للأب ، وإن كان أجنبيا ففي القود تردد ، والأشبه الدية في ماله لا القود ؛ لأنه لم يقصد القتل.

أقول : يحتمل القود ؛ لأنه تعمد فعل ما يقتل غالبا ، فاتفق القتل كان عليه القود (1) لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (2) والمعتمد اختيار المصنف.

ص: 360


1- كذا.
2- المائدة : 45.

كتاب القصاص

اشارة

ص: 361

ص: 362

قصاص النفس

اشارة

قال رحمه اللّه : ويتحقق العمد بقصد البالغ العاقل الى القتل بما يقتل غالبا ، ولو قصد القتل بما يقتل نادرا فاتفق القتل فالأشبه القصاص ، وهل يتحقق مع القصد الى الفعل الذي يحصل به الموت وإن لم يكن قاتلا في الغالب ، إذا لم يقصد به القتل ، كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف ، فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ليس بعمد يوجب القود.

أقول : القتل على ثلاثة أقسام : العمد المحض وموجبه القصاص ، والخطأ المحض وموجبه الدية في مال العاقلة وشبيه العمد : وموجبه الدية في مال الجاني ، فالعمد يتحقق بقصد الفعل والقتل بما يقتل غالبا كالسيف والمثقل ، وهو اللت (1) والحراب والنشاب ، بقي هنا مسألتان :

الاولى : لو قصد الفعل والقتل بما يقتل نادرا لا غالبا فاتفق القتل ، هل يجب القصاص؟ قال المصنف : الأشبه القصاص ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لتحقق الإتلاف مع القصد اليه ، وظاهر الشيخ في المبسوط عدم وجوب القود بل الدية

ص: 363


1- من النسخ ، وفي الأصل غير واضحة.

مغلظة (1) في مال الجاني.

الثانية : أن يقصد الفعل دون القتل بما يقتل غالبا ، كما مثلناه فاتفق القتل ، هل يكون عمدا يوجب القود أم لا؟ قال المصنف : فيه روايتان : أشهرهما أنه ليس بعمد يوجب القود ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لرواية أبان بن عثمان (2) عن الصادق عليه السلام ، ولأن شبيه العمد هو الذي يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، وهو هنا كذلك ، وقوى الشيخ في المبسوط وجوب القصاص ، لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (3) ولرواية أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام ، وأما الخطأ المحض فضابطه : ما كان مخطئا في فعله وقصده ، كمن رمى طائرا فتخطاه السهم الى إنسان فقتله ، وشبيه العمد ويسمى عمد الخطأ ، وهو ما قصد به الفعل دون القتل ، كالضرب للتأديب.

قال رحمه اللّه : اما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل غالبا ثمَّ أرسله فمات ، ففي القصاص تردد ، والأشبه القصاص إن قصد القتل ، والدية إن لم يقصد أو اشتبه القصد.

أقول : منشأ التردد من أنه أوجد علة القتل مختارا فيقتل به ، لعموم : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (5) ، ومن أنه أوجد علة غير صالحة للقتل في العادة ، فحصل الشك بوجوب شرط القصاص ، مع أن في التهجم على الدماء خطر عظيم ، فلا يباح الا مع تحقق السبب الموجب ، وهو هنا غير متحقق ، والمعتمد التفصيل الذي ذكره المصنف وهو اختيار العلامة وابنه ، ولو كان المفعول به ضعيفا

ص: 364


1- في « م » : معلقة.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب قصاص النفس ، حديث 7.
3- المائدة : 45.
4- المصدر السابق من الوسائل ، حديث 8.
5- المائدة : 45.

لا يحتمل مثل ذلك قيد به (1) قطعا.

قال رحمه اللّه : ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل ، فوجده صاحبه فأكله فمات ، قال في الخلاف والمبسوط : عليه القود ، وفيه إشكال.

أقول : منشؤه من استقلاله بإتلاف نفسه بمباشرة الأكل العادي عن إذن جاعل السم في الطعام فيسقط القود ؛ لأن طرح السم في الطعام سبب ، وإذا اجتمع السبب والمباشر اختص الضمان بالمباشر دون ذي السبب ، ومن أنه قصد قتله بما يقتل غالبا ، والمباشرة ضعفت بالغرور فيكون عليه القود ، وتوقف المصنف والعلامة في كتبه ، وابنه في شرح القواعد.

وعلى القول بسقوط القصاص ، هل يلزمه الدية؟ يحتمل ذلك ، وهو ظاهر الشهيد في شرح الإرشاد ؛ لأنه سبب في إزهاق النفس مع عرضة (2) الأكل ، وسقوط القصاص للشك في موجبه فتثبت الدية ، ويحتمل عدم الأمرين لعدم السبب الحقيقي.

قال رحمه اللّه : ولو جرحه ثمَّ عضه الأسد وسرتا ، لم يسقط القود ، وهل ترد فاضل الدية؟ الأشبه : نعم ، وكذا لو شاركه أبوه أو اشترك عبد وحر في قتل عبد.

أقول : إذا جرحه إنسان وعضه أسد ثمَّ سرتا ، كان للولي قتل الجارح قطعا ، لكن هل يرد عليه نصف الدية؟ قال المصنف : الأشبه نعم ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ؛ لأنه مات بسببين : أحدهما يوجب القصاص ، والآخر لم يوجبه ، فليس له القصاص الا بعد رد نصف الدية ، وهو المعتمد. ويحتمل عدم وجوب الرد ؛ لأنه مات من جرحين : أحدهما مضمون ، والآخر

ص: 365


1- في النسخ : قيل.
2- في النسخ : غرور.

غير مضمون ، فيحال الضمان على المضمون دون غير المضمون ، أما لو شاركه أبو المقتول أو اشترك حر وعبد في قتل عبد ، فلا يقتص من الأجنبي والعبد الا بعد الرد قطعا ؛ لأن جناية المشارك هنا مضمونة بالدية ، بخلاف الأولى.

قال رحمه اللّه : إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر ولا يتحقق الإكراه في القتل ، ويتحقق في ما عداه ، وفي رواية علي بن رئاب : يحبس الآخر بقتله حتى يموت ، هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا ، ولو كان غير مميز كالطفل والمجنون فالقصاص على المكره ، لأنه بالنسبة إليه كالآلة ، ويستوي في ذلك الحر والعبد ، ولو كان مميزا عارفا غير بالغ وهو حر فلا قود ، والدية على عاقلة المباشر.

وقال بعض الأصحاب : يقتص منه إن بلغ عشرا ، وهو مطرح ، وفي المملوك المميز تتعلق الجناية برقبته فلا قود ، وفي الخلاف : إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية ، والأول أظهر.

أقول : لا يتحقق الإكراه في القتل ، لاشتماله على دفع الضرر بمثله ، ويتحقق فيما دونه ، ومن هذا الباب قيل : « لا تقية في الدماء » (1) ؛ لأنها انما أبيحت ليحقن بها الدم فلا يكون سببا لاراقته ، ويجوز فيما دون النفس إذا خاف على النفس.

إذا عرفت هذا فإذا أكره رجل غيره على قتل آخر ، فلا يخلو : إما أن يكون المأمور بالغا عاقلا ، أو مميزا غير بالغ ، أو لا بالغ ولا مميز ، وعلى التقادير لا يخلو اما ان يكون حرا أو عبدا فهنا أقسام :

ص: 366


1- هذا مضمون عدة روايات ، راجع الوسائل ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب 31. والمستدرك ، كتاب الأمر بالمعروف ، باب 1. والمذكور في المتن كأنه من عبارات العلماء ، لا حظ مثلا التنقيح ، ج 4 ص 406.

الأول : أن يكون المقهور بالغا عاقلا ، ولا شك في كون القصاص على المباشر دون الآمر ؛ لأنه قتل عمدا ظلما لاستيفاء نفسه ، فأشبه ما لو كان قتله في المخمصة ليأكله ، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد قاله المصنف والعلامة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وأما الأمر فلا يجب عليه هنا قصاص ولا دية ، بل يحبس حتى يموت على ما هو مشهور (1) بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في كتبه ، وظاهر المصنف عدم الجزم ؛ لأنه نسبه الى رواية (2) علي بن رئاب ، وهو يدل على عدم الجزم.

الثاني : أن يكون مميزا غير بالغ وهو حر ، قال المصنف : لا قود والدية على عاقلة المباشر ، وبه قال العلامة ، ونقل المصنف عن بعض الأصحاب أنه يقتص منه إذا بلغ عشرا ، وهو قول الشيخ في المبسوط وأسند (3) ذلك الى الروايات ، ولو كان المميز عبدا ، قال الشيخ في المبسوط : تجب الدية متعلقة برقبته ، وجزم به المصنف والعلامة.

الثالث : أن يكون المقهور غير مميز ، كالطفل والمجنون فالقصاص على الآمر ، لأن غير المميز كالآلة ، والمشهور عدم الفرق بين الحر والعبد ، وقال الشيخ في الخلاف : إذا كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ، ووجبت الدية على السيد ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة (4) وهو ظاهر أبي العباس ، قال : واختيار المبسوط أوضح في الحكم وأقرب الى الأدلة العقلية ؛ لأن المجنون وغير المميز آلة محضة ، فيتوجه القود على الآمر بخلاف العاقل المميز.

ص: 367


1- في « م » و « ن » : المشهور.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 13 من قصاص النفس ، حديث 1.
3- في النسخ : واستند في
4- ليست في الأصل.

قال رحمه اللّه : لو قال : اقتل نفسك ، فان كان مميزا فلا شي ء على الملزم ، والا فعلى الملزم القود ، وفي تحقق إكراه العاقل هنا إشكال.

أقول : منشؤه من أن المقهور على قتل غيره انما يقتله ليدفع القتل عن نفسه ، فلا يعقل دفع القتل عن نفسه بقتل نفسه ، ومن تفاوت أسباب القتل ، فربما عدل الى سبب هو أقل ألما من السبب المتوعد به ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه فهلك ، قتلا به ، لأن سراية الأول لم تنقطع بالثاني ، لشياع ألمه قبل الثانية ، وليس كذلك لو قطع واحد يده وقتله الآخر ؛ لأن السراية انقطعت بالتعجيل ، وفي الأولى إشكال.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ في الخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد ، واستشكله المصنف والعلامة في التحرير ، ومنشؤه من أن الثاني قطع سراية الأول ؛ لأنه لا يتجدد ألم للأول بعد قطع الثاني ، فيكون الأول قاطعا والثاني قاتلا ، فتكون المسألة الأولى كالثانية ، ولأن سراية الاولى مظنونة والثانية معلومه ، والمظنون لا يساوي المعلوم ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو كان الجاني واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا ، وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب فيه ، ففي النهاية : يقتص منه إن فرق ذلك ، وإن ضربه ضربة واحدة لم يكن له أكثر من القتل ، وهي رواية محمد بن قيس عن أحدهما عليهما السلام ، وفي المبسوط والخلاف : يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، وهو رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام ، وفي موضع آخر من الكتاب : لو قطع يد رجل ثمَّ قتله قطع قتل ، والأقرب ما تضمنته النهاية لثبوت القصاص بالجناية الاولى ، ولا كذا لو كانت الضربة واحدة.

أقول : إذا جرحه بان قطع يده مثلا ثمَّ سرت الى نفسه تداخل القصاص

ص: 368

وليس له غير قتله إجماعا ، أما لو قطع يده مثلا ثمَّ قتله ، هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، بمعنى أنه لا يقتصر على قتله أو لا يدخل بل يقطع يده أولا ثمَّ يقتله (1) بعد ذلك؟ اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال.

الأول : التداخل مطلقا ، قاله الشيخ في المبسوط والخلاف ، وقد ذكر المصنف مستنده.

الثاني : عدم التداخل مطلقا ، وهو قول ابن إدريس ، لقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (2) وقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (3) ، ولا فرق بين أن يكون ذلك بضربة واحدة أو بضربات.

الثالث : التفصيل ، لرواية محمد بن قيس ، عن أحدهما عليهما السلام : « في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثمَّ قتله؟ فقال : ان كان فرق ذلك اقتص منه ثمَّ قتل ، وان كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه » (4) ، ومثلها رواية حفص بن أبي البختري (5) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اشترك رجل وامرأة فعلى كل واحد منهما نصف الدية ، وللولي قتلهما ، ويختص الرجل بالرد ، وفي المقنعة يقسم الرد بينهما أثلاثا وليس بمعتمد ، ولو قتل المرأة فلا رد ، وعلى الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته ، وقيل : نصف ديتها ، وهو ضعيف ، وكل موضع يوجب

ص: 369


1- في « ن » : يقتله.
2- المائدة : 45.
3- البقرة : 194.
4- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 51 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
5- المصدر السابق ، حديث 2.

الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء.

أقول : الخلاف هنا في موضعين :

الأول : إذا قتلهما معا كان على الولي رد نصف الدية ، خمس مائة دينار ، وفي مستحقها قولان ، قال الشيخ واتباعه بكون الجميع لأولياء الرجل ؛ لأن عليه نصف الدية فيبقى له نصف ، بخلاف المرأة ؛ لأن عليها نصف الدية أيضا ، وديتها نصف دية الرجل فلا يبقى لها شي ء ، وهذا هو المعتمد. وقال المفيد في المقنعة : يقسم الرد أثلاثا ، ووجهه تقسيط الرد على ديتهما ، فكما أن دية المرأة ثلث الديتين يكون لها ثلث الرد.

الثاني : إذا قتل الرجل خاصة ردت المرأة نصف ديته خمس مائة دينار ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ؛ لأن عليها نصف الجناية فيكون عليها نصف الدية ، وقال الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج. برد نصف ديتها ؛ لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : للأولياء أن يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم إليهم العبد ، أو يقتلوا العبد ، وليس لمولاه على الحر سبيل ، والأشبه أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته ، ولا يرد على مولى العبد شي ء ، ما لم تكن قيمته أكثر من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد ، وإن قتلوا العبد وكانت قيمته زائدة على نصف دية المقتول ، أدوا إلى مولاه الزائد ، فإن استوعب الدية والا كان تمام الدية للأولياء الأول ، وفي هذا اختلاف للأصحاب ، وما اخترناه أنسب بالمذهب.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على أقوال :

الأول : ما حكاه المصنف عن الشيخ في النهاية ، وهو قول المفيد وتبعهما ابن

ص: 370

البراج ، وفيه نظر ؛ لأنه قال : يقتلونهما ويؤدون إلى سيد العبد ثمنه ، وهذا لا وجه له ؛ لأنه يخرج العبد عن كونه جانيا ، لعدم دخول النقص حينئذ على سيده ، بل (1) يرد عليه الزائد عن نصف الدية ان اتفق والا فلا شي ء ، وفي رد سيد العبد على ورثة الحر نصف الدية في صورة قتل الحر خاصة نظر أيضا ، لاحتمال نقصان قيمة العبد عن ذلك ، فلا يلزم السيد أكثر من قيمة العبد ، وفي قوله : يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل ، نظر أيضا ، لاحتمال زيادة قيمة العبد على نصف دية الحر ، فيرجع سيده على الحر بالزيادة.

الثاني : قول أبي الصلاح ، وهو إذا قتلهما الولي رد قيمة العبد ؛ لأنها (2) الفاضل عن حقه على سيد العبد وورثة الحر يكون بينهما نصفين ، وإن قتل العبد خاصة دفع الحر الى سيده نصف قيمته ، وإن قتل الحر خاصة كان على سيد العبد نصف الدية ، وإن أختار الدية كان عليهما نصفين ، ويرد عليه ما ورد على قول الشيخ.

الثالث : كون الجناية عليهما نصفين ، وذلك يفضي الى ضمان كل واحد منهما لنصفها ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وحينئذ نقول قيمة العبد إما أن تزيد على جنايته أم لا ، وعلى التقديرين فالولي إما أن يختار قتلهما أو الدية منهما أو قتل الحر خاصة (3) أو العبد ، فالأقسام أربعة ، فإذا ضربت في القسمين الأولين أعني زيادة قيمة العبد على جنايته وعدم الزيادة ، صارت ثمانية ، أربعة منهما في طرف الزيادة ، وأربعة في طرف عدمها.

الطرف الأول في زيادة قيمة العبد على جنايته ، ومسائله أربعة.

ص: 371


1- في « ر 1 » : وهل.
2- كذا
3- من « ن ».

الاولى : أن يختار الولي قتلهما ، فله ذلك ويرد على الحر نصف ديته ؛ لأنه الفاضل عن قدر جنايته ، وعلى سيد العبد الزائد على قيمته عن نصف الدية ، ما لم يتجاوز القيمة دية الحر فيرد إليها.

الثانية : أن يختار الدية منهما ، فعلى الحر نصف الدية وعلى سيد العبد النصف الآخر ، أو تسليم ما قابل النصف من العبد إلى الولي ليسترقه.

الثالثة : اختيار قتل الحر فيؤدي سيد العبد الى الحر نصف ديته ، أو يسلم من العبد ما قابل نصف الدية ليسترقوه ، وليس لهم قتله.

الرابعة : اختيار قتل العبد فيؤدي الحر الى سيده ما زاد عن نصف الدية ، فإن قصر الزائد عن نصف الدية أدى الحر إلى الولي تمام النصف ، وإن لم يقصر لم يؤد الى الولي شيئا ، وإن زادت الزيادة عن النصف ردت إليه (1) ، لأن قيمة العبد إذا تجاوزت دية الحر ردت إليها.

الطرف الثاني في عدم الزيادة ، ومسائله أربع أيضا :

الأولى : اختار قتلهما ، فلا شي ء لسيد العبد على المولى ، ولا للمولى على سيد العبد ، ولورثة الحر نصف الدية على الولي.

الثانية : اختار الدية منهما (2) فعلى الحر نصفها وعلى سيد العبد النصف الآخر ، أو يسلم العبد إلى ولي المقتول إن شاء استرقه ، وإن شاء باعه ، وإن شاء قتله ، وليس على سيد العبد ولا على الشريك الحر تكميل ما نقص عن نصف الدية لو كان هناك نقص.

الثالثة : اختار قتل الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثته نصف ديته أو يسلم العبد إليهم فلهم استرقاقه وبيعه لا قتله ، فان كانت قيمته بقدر نصف الدية فهو

ص: 372


1- في « م » : إليهما ، وفي « ن » و « ر 1 » : إليها.
2- في « ر 1 » : منها.

حقهم ، وان كانت أنقص كان على الولي (1) تمام (2) النقص.

الرابعة : اختار قتل العبد ، ولا سبيل لسيده على الحر ، وعلى الحر نصف الدية للولي ، ولا شي ء له على سيد العبد لو نقصت قيمته عن النصف ؛ لأنه لا يعقل عبده ، ولا على الحر التمام أيضا ؛ لأن عليه النصف لا أزيد.

قال رحمه اللّه : فيقتل الحر بالحر ، والحرة مع رد فاضل ديته ، والحرة بالحرة ، وبالحر ، ولا يؤخذ ما فضل على الأشهر.

أقول : إذا قتلت المرأة رجلا كان لوليه قتلها ، وهل يأخذ منها مع ذلك نصف الدية؟ المشهور بين الأصحاب عدم ذلك وربما كان إجماعا ، للروايات المتضافرة عن أهل البيت عليهم السلام ، كرواية حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : إذا قتلت المرأة الرجل قتلت به وليس لهم الا نفسها » (3) ، وروى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا ، « في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » (4) ، وانفرد أبو مريم الأنصاري بما رواه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال ، « في امرأة قتلت رجلا؟ قال : تقتل ويؤدي وليها بقية المال » (5) ، قال الشيخ في الاستبصار : وهذه الرواية شاذة لم يروها إلا أبو مريم وان تكررت في الكتب في مواضع متفرقة ، ومع ذلك فإنها مخالفة لظاهر الكتاب العزيز ، قال تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ ) (6) الآية ولم يذكر معها شيئا آخر ،

ص: 373


1- في « ن » : للوالي.
2- في النسخ : إتمام.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 33 من أبواب قصاص النفس ، حديث 3.
4- المصدر السابق ، حديث 10.
5- المصدر السابق ، حديث 17.
6- المائدة : 45.

والرواية من الصحاح لكن الأصول وعمل الأصحاب على خلافها.

قال رحمه اللّه : ولا يقتل حر بعبد ولا أمة ، وقيل : إن اعتاد قتل العبيد قتل حسما للجرأة.

أقول : لا يقتل الحر بالعبد مع عدم الاعتياد إجماعا ، فإن اعتاد قتل العبيد ، هل يقتل أم لا؟ قال في النهاية : يعاقب من يعتاد قتل العبيد ويزجر عن مثله في المستقبل ، وهذا يدل على عدم القتل ، وبه قال في المبسوط والخلاف ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله تعالى ، ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) (1) وفي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام : « لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ، ويغرم ثمنه دية العبد » (2) وهو عام ، وقال الشيخ في التهذيب والإستبصار وأبو الصلاح : يقتل مع الاعتياد ، لرواية الفتح بن يزيد الجرجاني (3) ، والمرجع في الاعتياد الى العرف ، وقال ابن الجنيد : يقتل في الثالثة أو الرابعة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قتل المولى عبده كفّر وعزّر ولم يقتل به ، وقيل : يغرم قيمته ويتصدق بها ، وفي المستند ضعف ، وفي بعض الروايات إن اعتاد ذلك قتل به.

أقول : إذا قتل المولى عبده ، هل يجب عليه الصدقة بقيمته؟ المشهور بين الأصحاب : نعم ، وهو مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج وسلار وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، لما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام رفع اليه رجل

ص: 374


1- البقرة : 178.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 40 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، باب 38 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1. وفي المصدر ( أبي الفتح )بدل( الفتح )

عذب عبده حتى مات ، فضربه مائة نكالا وحبسه سنه وغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه » (1) وتوقف المصنف والعلامة ، لضعف طريقها ، والمعتمد ما عليه الأصحاب.

وقوله ( وفي بعض الروايات ان اعتاد ذلك قتل ) إشارة الى ما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام ، « في رجل قتل مملوكه أو مملوكته؟ قال : إن كان المملوك له أدب فحبس إلا أن يكون معروفا يقتل المماليك فيقتل به » (2) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والمدبر كالقنّ ، فلو قتل عمدا قتل ، وإن شاء الولي استرقاقه كان له ، وإن قتل خطا فإن فكه مولاه بأرش الجناية ، وإلّا سلّمه للرق ، فاذا مات الذي دبره ، هل ينعتق؟ قيل : لا ، لأنه كالوصية ، وقد خرج عن ملكه بالجناية فيبطل التدبير ، وقيل : لا يبطل ، بل ينعتق [ وهو المروي ] ومع القول بعتقه ، هل يسعى بفك رقبته؟ فيه خلاف ، الأشهر أنه لا يسعى ، وربما قال بعض الأصحاب : يسعى في دية المقتول ، ولعله وهم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا جنى المدبر عمدا واختار ولي الدم استرقاقه ، أو خطأ ودفعه السيد للرق ، هل يبطل تدبيره ويستقر ملك أولياء المقتول عليه؟ أو لا يبطل بل ينعتق بموت المدبر؟ اختلف الأصحاب في ذلك والمشهور بطلانه ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأنه خرج عن ملك المدبر بالجناية وصار ملكا لأولياء المقتول ، والأصل بقاء ملكهم عليه ،

ص: 375


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 37 من أبواب قصاص النفس ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 38 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.

فمن أخرجه عن ملكهم يحتاج الى دليل ناقل ، ولرواية أبي بصير (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على المطلوب ، وقال الشيخان وابن بابويه : لا يبطل التدبير ، لحسنة جميل بن دراج (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبهم.

الثانية : على القول بعدم بطلان التدبير ، هل يسعى بعد عتقه لأولياء المقتول بشي ء؟ فيه أقوال :

الأول : عدم السعي بشي ء وهو ظاهر المفيد ، لحسنة جميل المتقدمة ؛ لأنه قال فيها : « يخدمهم حتى يموت مدبره ثمَّ يرجع حرا لا سبيل عليه ».

الثاني : يسعى في دية المقتول إن كان حرا ، وفي قيمته إن كان عبدا ، وهو قول الشيخ في النهاية ؛ لأن الواجب في القتل دية الحر وقيمة العبد ، فاذا سعى انما يسعى في ذلك ؛ لأنه الواجب عليه ونسبه المصنف الى الوهم ؛ لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وربما كانت الدية أكثر من قيمة نفسه وقال محمد بن بابويه يسعى بقيمة نفسه.

الثالث : قال فخر الدين يسعى بأقل الأمرين من قيمته والدية كما لو فكه مولاه.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يمين رجل ومثلها من آخر ، قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني ، فلو قطع يد ثالث ، قيل : سقط القصاص إلى الدية ، وقيل :قطعت رجله بالثالث ، وكذا لو قطع رابعا.

أقول : إذا قطع يمين رجل ومثلها من آخر ، قطعت يمناه بالأول ويسراه بالثاني إجماعا ؛ لأن اليد مساوية لليد ، وان اختلفا (3) ، وهل يجب بقطع الثالث

ص: 376


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 42 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
3- في « ر 1 » : اختلفتا.

قطع رجله اليسرى ، وبالرابع رجله اليمنى ، وبالخامس الدية ، أو ينتقل إلى الدية بعد فقد اليدين؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال ابن الجنيد والشيخ في النهاية وابن البراج بالترتيب المذكور ، لما رواه الشيخ في الصحيح يرفعه الى حبيب السجستاني (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، والانتقال إلى الدية مع فقد اليدين مذهب ابن إدريس ، ونقله فخر الدين عن نجم الدين في الشرائع وليس فيها ما يدل على ترجيح أحد القولين ؛ لأنه نقل القولين ولم يرجح شيئا ، احتج ابن إدريس باشتراط المماثلة ، والعدول من اليد الى الرجل على خلاف الأصل ( ولا دليل عليه ) (2) وهو ظاهر فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو قتل العبد حرين على التعاقب كان لأولياء الآخر ، وفي رواية أخرى يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول ، وهذه أشبه ، ويكفي في الاقتصاص أن يختار الولي استرقاقه ولو لم يحكم به الحاكم.

أقول : إذا قتل العبد حرين أو أكثر دفعة كان لأولياء الجميع قتله قولا واحدا ، وهل الحكم كذلك لو كان على التعاقب؟ قال الشيخ في الاستبصار : نعم ما لم يحكم به للأول ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام ، واشترط الشيخ في انتقاله إلى الأول حكم الحاكم به للأول ، وابن إدريس قال : يكفي في انتقاله إلى الأول اختيار أولياء المقتول استرقاقه وان لم يحكم به الحاكم ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير وفخر الدين وهو المعتمد ، وقال الشيخ في النهاية : هو لأولياء الأخير ، ولم يشترط الحكم به للأول ، وعليه دلت رواية علي بن عقبة عن الصادق عليه

ص: 377


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 2.
2- من « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 45 من قصاص النفس ، حديث 1.

السلام ، « قال سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد؟ قال : فقال : هو لأولياء الأخير إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه » (1) ؛ لأنه إذا قتل الأول استحقه أولياؤه فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأول فصار لأولياء الثاني ، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث ، فاذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده قاطع ورجله آخر ، قال بعض الأصحاب : يدفعه إليهما ويلزمهما الدية ، أو يمسكه كما لو كانت الجناية [ الجنايتان ] من واحد ، والأولى أن له إلزام كل واحد بدية جنايته ولا يجب دفعه إليهما.

أقول : قوله ( قال بعض الأصحاب ) إشارة الى ما قواه الشيخ في المبسوط ، قال ابن إدريس : ما قواه الشيخ أضعف من التمام ، لأنه كان رقا للمولى فيستصحب حتى يظهر المزيل ولم يثبت ، ولو لا الإجماع في الواحد كان الحكم فيه كذلك (2) ، أيضا لكن صرنا الى الانتقال مع أخذ الدية للإجماع المنفي هنا ، وهو اختيار المصنف والعلامة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : كل موضع يفكه المولى إنما يفكه بأرش الجناية ، زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت ، وللشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل الأمرين ، والأول مروي.

أقول : إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته ، فإن أراد سيده أن يفديه ، قال الشيخ في المبسوط : يفديه عند قوم بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية ؛ لأنه إن كانت قيمته أقل فليس عليه غير قيمته ، وإن كانت جنايته (3) أقل

ص: 378


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- في النسخ : ذلك.
3- في النسخ : الجناية.

فليس عليه غيرها (1) وعند آخرين (2) هو بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسمله للبيع (3) ؛ لأنه قد يرغب فيه راغب يشتريه بذلك القدر أو أكثر ، قال : وهذا أظهر في رواياتنا ، والأول أقوى ، واختاره العلامة في القواعد ، وقال في الخلاف يفديه بالأرش بالغا ما بلغ ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، ووجهه ما حكيناه عن الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه ، صح ولم يسقط القود ، ولو قيل : لا يصح لئلا يسقط حق الولي من الاسترقاق ، كان حسنا ، وكذا البحث في بيعه الى آخره.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في باب البيع (4) فلا وجه للإعادة.

ص: 379


1- في « ن » : غير قيمته.
2- في « ر 1 » : آخر.
3- في الأصل : إلى البيع.
4- تقدم في الجزء الثاني ، ص 23.

ص: 380

فروع في السراية

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا جنى الحر على المملوك فسرت الى نفسه ، فللمولى كمال قيمته ، ولو تحرر وسرت الى نفسه كان للمولى أقل الأمرين ، من قيمة الجناية أو الدية عند السراية ؛ لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له ، والزيادة حصلت بعد الحرية فلا يملكها المولى ، وإن نقصت مع السراية لم يلزم الجاني تلك النقيصة ؛ لأن دية الطرف تدخل في دية النفس ، مثل أن يقطع واحد يده وهو رق ، فعليه نصف قيمته ، فلو كانت قيمته ألفا كان الجاني خمس مائة ، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله ثمَّ سرى الجميع ، سقطت دية الطرف وثبتت دية النفس وهي ألف ، فلزم الأول الثلث بعد أن كان يلزمه النصف ، فيكون للمولى الثلث وللورثة الثلثان من الدية ، وقيل : له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة وثلث الدية ، والأول أشبه.

أقول : إذا قطع أحد يد عبد فعتق ، ثمَّ قطع آخر يده ثمَّ آخر رجله ثمَّ سرى الجميع ومات من الكل ، فلا قصاص على الأول إذا كان حرا في النفس ولا في الطرف ، وعلى الأخيرين القصاص ، وأما الدية فتقع موزعة على الجنايات

ص: 381

الثلاث على كل واحد ثلثها ، ولا حق للسيد فيما يجب على الآخرين وأنما تعلق حقه بما يجب على الجاني الأول الذي جنى عليه حالة الرق ، وفيما يستحقه قولان :

الأول : أقل الأمرين من ثلث الدية وأرش الجناية ، وهو قول الشيخ في الخلاف ، ونقله عنه عميد الدين في شرح القواعد ، ووجهه ما ذكره المصنف ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد.

الثاني : أقل الأمرين من ثلث القيمة وثلث الدية ؛ لأنه إن كان ثلث القيمة أقل فلا شي ء للسيد فيما زاد على الثلث بالسراية حال الحرية ، وإن كان ثلث الدية أقل فلا يلزمه أكثر من ثلث دية الحر ؛ لأن قيمة العبد إذا زادت عن دية الحر ردت إليها ، وتوقف العلامة ( في المختلف ) (1) ، وابنه في شرح القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده وهو عبد ثمَّ رجله وهو حر ، كان على الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه ، وعليه القصاص في الجناية حال الحرية ، فإن اقتص المعتق جاز ، وإن طالب بالدية كان له نصف الدية يختص به دون الولي ، ولو سرتا فلا قصاص في الأولى ، لعدم التساوي ، وله القصاص في الرجل ؛ لأنه مكافئ ، وهل يثبت القود؟ قيل : لا ؛ لأن السراية عن فعلين أحدهما لا يوجب القود ، والأشبه ثبوته مع رد ما يستحقه الولي.

أقول : أما وجه عدم القصاص فقد ذكره المصنف ، وأما وجه ثبوته فلوجود السبب وهو الجناية على الحر المكافئ وكون إحدى الجنايتين لا توجب القصاص غير مانع من القصاص بالجناية الأخرى ، كما لو ( قطع يد ولده ثمَّ ) (2) قطع أجنبي رجله ثمَّ سرتا ، فإنه يقاد الأجنبي مع رد نصف الدية ، وكذلك هنا يقاد الأجنبي مع رد نصف دية العبد ، وجزم به العلامة في كتبه.

ص: 382


1- ليستا في الأصل.
2- ما بين القوسين ليس في « م ».

قال رحمه اللّه : وقيل : إن اعتاد قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص بعد رد فاضل ديته.

أقول : لا خلاف في عدم قتل المسلم بالذمي مع عدم الاعتياد ، ومع الاعتياد اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال :

الأول: قول الشيخ في النهاية : إنه يقتل قصاصا بعد رد أولياء الذمي فاضل دية المسلم ، وهو قول المفيد واختاره المصنف في المختصر جزما.

الثاني : انه يقتل حدا لا قصاصا ولكن لا فساده قام مقام المحاربين ، وهو قول أبي الصلاح وأبي علي.

الثالث : عدم قتله مطلقا ، وهو قول ابن إدريس وهو ظاهر المصنف هنا ، والعلامة في القواعد واختاره فخر الدين ومستند الجميع الروايات (1) ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : والحق أن هذه المسألة إجماعية ، فإنه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس ، وقد سبقه الإجماع ولو كان هذا (2) الخلاف مؤثرا في الإجماع لم يوجد إجماع قط ، إذا عرفت هذا فهنا فروع :

الأول : المراد بالذمي هو الملتزم بشرائط الذمة السابقة فلو أخلّ بشرط واحد منها صار حربيا لم يقتل المسلم بقتله.

الثاني : معنى الاعتياد ، قيل : يحصل بقتله ثانيا ؛ لأنه مشتق من العود ، وقيل بقتله ثالثا ؛ لأن ثبوت العادة شرط في القصاص ، والشرط مقدم على المشروط ، فبقتله مرتين يحصل العادة ، وبالثالثة يجب القتل.

الثالث : على القول بأنه قصاص يتوقف على طلب الولي ، وعلى القول بأنه حد يقتله الامام عليه السلام لفساده في الأرض.

ص: 383


1- الوسائل ، أحاديث باب 47 من أبواب قصاص النفس.
2- ليست في النسخ.

الرابع : على القول بقتله قصاصا ، هل يتوقف على طلب جميع الأولياء أو طلب ولي الأخير خاصة؟ يبني على مسألة هي أن قتل ما قبل الأخير هل هو شرط في وجوب القصاص أو جزء سبب؟ فان كان الأول لم يتوقف على طلب الجميع بل على طلب ولي الأخير ؛ لأن قتله سبب تام في وجوب القصاص ، وان كان الثاني توقف على طلب الجميع ، ويتفرع على ذلك رد فاضل دية المسلم ، وكل من يتوقف القصاص على مطالبته كان الرد واجبا عليه.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الذمي مسلما عمدا ، دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيرون بين قتله أو استرقاقه ، وفي استرقاق ولده الصغار تردد ، أشبهه بقاؤهم على الحرية ، ولو أسلم ، قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله.

أقول : منشأ التردد من تبعية الطفل لأبويه في الكفر والإسلام ، فيتبعه في الرق ، ولأنه بخرق الذمة صار حربيا وحكم الحربي استرقاق أولاده الصغار ، ومن أصالة بقاء حريتهم السابقة ، لانعقادهم عليها وجناية الأب لا تخرجهم عنها لقوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1) وبالاسترقاق قال المفيد وابن حمزة وسلار ونقله العلامة في التحرير وفخر الدين وعميد الدين عن الشيخ في النهاية ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولم أر ذلك في شي ء من كتب الشيخ ، ومنع ابن إدريس من الاسترقاق ، واختاره المصنف والشهيد في شرح الإرشاد ، واستبعد القول باسترقاقهم.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الذمي مرتدا قتل به ؛ لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي ، أما لو قتله مسلم فلا قود قطعا ، وفي الدية تردد ، والأقرب أنه لا دية.

أقول : منشؤه من أن المرتد مهدور الدم بالنسبة إلى المسلم ، فلا قود

ص: 384


1- الأنعام : 164.

ولا دية وان أساء بقتله ؛ لأن أمره الى الحاكم (1) ومن أنه لم يكن أقل حرمة من الذمي ، ويجب بقتل الذمي الدية فكذلك في (2) المرتد ، والأول هو المعتمد والمشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى اثنان ولدا مجهولا ، فان قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود لتحقق الاحتمال في طرف القاتل ، ولو قتلاه فالاحتمال بالنسبة الى كل واحد منهما باق ، وربما خطر الاستناد إلى القرعة ، وهو تهجم على الدم ، والأقرب الأول. ولو ادعياه ثمَّ رجع أحدهما وقتلاه ، توجه القصاص على الراجع بعد رد ما يفضل عن جنايته ، وكان على الأب نصف الدية وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده. ولو ولد مولود على فراش مدعيين له ، كالأمة أو الموطوءة بالشبهة في الطهر الواحد ، فقتلاه قبل القرعة ، لم يقبلا ، لتحقق الاحتمال بالنسبة الى كل واحد منهما ، ولو رجع أحدهما ثمَّ قتل لم يقتل الراجع ، والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الأصحاب بين رجوع أحد المدعيين للولد المجهول ، وهو الذي لم يعلم ولادته على فراش معلوم ، وبين رجوع أحد المدعيين للولد المولود على فراشهما كما فرضه المصنف ، ثمَّ حكموا بقتل الراجع في الصورة ( الأولى إذا قتل الولد ، وبعدم قتل الراجع في الصورة ) (3) الثانية ؛ لأن البنوة إذا ثبتت بالفراش لم تنتف الا باللعان ، وإذا ثبتت بمجرد الدعوى انتفت بالرجوع عنها مع وجود مدع غير الراجع ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وتردد المصنف في الفرق ؛ لأن المانع من القصاص هنا انما هو احتمال البنوة وهذا المعنى مشترك بين

ص: 385


1- في النسخ : الامام.
2- من « ر 1 ».
3- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

الصورتين لان النسب يثبت بالفراش المنفرد والدعوى المنفردة وكما ساوت الدعوى المنفردة الفراش المنفرد في ثبوت النسب وجب ان يتساوى الدعوى المشتركة والفراش المشترك في احتمال النسب فالفرق بينهما في صورة الاشتراك مع عدمه في صورة الاتحاد لا وجه له وعدم الفرق قوي غير ان عمل أكثر الأصحاب على الفرق من غير تردد.

قال رحمه اللّه : وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي أخرى إذا بلغ خمسة أشبار ، وتقام عليه الحدود ، والوجه أن عمد الصبي خطأ محض يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ خمسة عشرة سنة.

أقول : الرواية الأولى رواها الشيخ عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام ، « قال : سأل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ؟ فقال : إن خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويردوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه ، وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية قال وان أحب أولياء المقتول ان يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف » (1) وحملها الشيخ على من بلغ العشر.

وأما الرواية الثانية فرواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية » (2) وبمضمون الأولى أفتى الشيخ وبمضمون الثانية أفتى ابن بابويه والمفيد ، والمشهور اختيار المصنف ، لقوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاثة ، عن الطفل حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، والنائم حتى

ص: 386


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، الباب 34 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 36 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.

ينتبه » (1) ولعدم جواز التهجم على الدماء إلا في موضع اليقين.

قال رحمه اللّه : ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ؛ لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (2) وقال أبو الصلاح : لا يقتل به بل تؤخذ الدية ؛ لأن الكامل لا يقتل بالناقص ، والطفل ناقص فلا يقتل به البالغ.

قال رحمه اللّه : ولا يقتل العاقل بالمجنون ، وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد ، وعلى العاقلة إن كان خطأ محضا ، ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا ، وفي رواية ديته في بيت المال.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بصير ، « قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل مجنونا؟ فقال : ان كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شي ء عليه من قود ولا دية ، وتعطى ورثته الدية من بيت المال » (3) وبمضمونها أفتى المفيد ، ولا بأس به لئلا يبطل (4) دمه والمشهور سقوط القود والدية معا ، لأن الدفع اما مباح أو واجب فلا يتعقبه ضمان.

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت القود على السكران تردد ، والثبوت أشبه ؛ لأنه كالصاحي في تعلق الأحكام ، أما من بنّج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر ، فقد ألحقه الشيخ رحمه اللّه بالسكران ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في ثبوت القود على السكران ، ومنشأ التردد فيه من مساواته للمجنون في زوال العقل فيساويه في انتفاء القصاص ، ولأن العمد يعتبر فيه القصد

ص: 387


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.
2- المائدة : 45.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 28 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
4- كذا.

الى القتل ، والسكران لا قصد له فلا قود عليه ، وتجب الدية في ماله ، ومن أن الشارع أجراه مجرى الصاحي في الأحكام ومن جملتها وجوب القود ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين.

الثانية : هل حكم من بنج نفسه أو شرب مرقدا حكم السكران؟ قال الشيخ : نعم ؛ لأن إبطال عقله بفعله واختياره ، مع نهي الشارع عنه ، فكان حكمه حكم السكران في تعلق الاحكام ، وتردد المصنف لاختصاص النص (1) بالسكران دون غيره ؛ لأن الاعتبار بالافعال القصد والإرادة ، فمع عدم القصد والإرادة تكون ملحقة بأفعال الساهي ، خرج منه السكران بالنص (2) والإجماع يبقى الباقي على الأصل ، واختار فخر الدين مذهب الشيخ.

تنبيه : الفرق بين السكران والمبنج وشارب المرقد تابع للفرق بين خواص المسكرات ، فخاصة الخمر النشوة لشاربها والسرور (3) وقوة النفس ، وقد يحصل مع ذلك تغير العقل ، واختلال الكلام المنظوم ، وظهور السر المكتوم ، وعربدة في الكلام ، وخواص البنج تغير العقل لا غير ، من غير نشوه ولا سرور ولا قوة نفس مع تعب (4) الحواس ، وخاصة المرقد كخاصية البنج ويزيد على ذلك تغير (5) الحواس الخمس (6) بحيث يصير راقدا لا يتحرك منه شي ء كالميت ، غير أنه فيه نفس.

قال رحمه اللّه : وفي الأعمى تردد ، أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص

ص: 388


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.
2- المصدر السابق.
3- في « ن » : وهو السرور.
4- في « ر 1 » : تغيب ، وفي « م » و « ن » : عدم تغيب.
5- في النسخ : تغيب.
6- من « ر 1 ».

لعمده ، وفي رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن جنايته خطأ تلزم العاقلة.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية الى ان عمد الأعمى بمنزلة الخطأ يجب فيه الدية على عاقلته ، وتبعه ابن البراج وهو مذهب ابن الجنيد للرواية المذكورة ، وذهب ابن إدريس إلى وجوب القود عليه مع العمد كالمبصر ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لتحقق القصد منه فيدخل في عموم : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (1) لأنه مكلف بالغ عاقل قاصد فيقتص منه كالمبصر.

ص: 389


1- المائدة : 45.

ص: 390

في دعوى القتل

قال رحمه اللّه : ولو حرر الدعوى بتعيين القاتل وصفة القتل ونوعه ، سمعت دعواه ، وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل ، فيه تردد أشبهه القبول.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى على رجل أنه قتل وليا له ولم يقل عمدا ولا خطا ، وأقام شاهدا واحدا يشهد له بما ادعاه ، قال قوم : لا يكون لوثا ؛ لأنه لو حلف مع شاهده لم يمكن الحكم بيمينه ؛ لأنا لا نعلم صفة القتل فيستوفى بموجبة فتسقط الشهادة ، وهذا القول مذهبه في المبسوط ، وتردد المصنف والعلامة في القواعد في ذلك ، قال فخر الدين وعميد الدين : ينشأ مما ذكره المصنف رحمه اللّه ، ومن إمكان علم الولي بصدور القتل من شخص وجهله بصفته ، فلو لم تسمع دعواه لزم ضياع حقه ، واختار المصنف والعلامة في التحرير سماع الدعوى.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى القتل ولم يقل عمدا أو خطا ، الأقرب أنها تسمع ويستفصله القاضي ، وليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى ، ولو لم يبين ، قيل : طرحت دعواه وسقطت البينة بذلك ، إذ لا يمكن الحكم بها ، وفيه تردد.

ص: 391

أقول : هذه المسألة هي السابقة بعينها ، وانما أوردها ثانيا ، لزيادة الإيضاح والتبيين ، وعلى ما اختاره المصنف والعلامة في التحرير من سماع الدعوى ، ينبغي الحكم بالدية في مال القاتل لا بالقصاص لما فيه من التهجم على الدماء مع الشك في السبب ، ولا في مال العاقلة لأصالة براءة ذمتهم ما لم يعلم الموجب ، فيتعين كونها في مال القاتل.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى على شخص القتل منفردا ، ثمَّ ادعى على آخر ، لم يسمع الثانية برئ الأول أو شرّكه ، لا كذابة نفسه بالدعوى الاولى ، وفيه للشيخ قول آخر.

أقول : القول الآخر نقله صاحب الترددات عن الشيخ في الخلاف ، وهو سماع الدعوى الثانية ؛ لأن قول الولي قتله فلان وحده لم يقطع به ، وانما قاله بغالب ظنه ، والمعتمد عدم السماع ما لم يصدقه الثاني فيؤخذ (1) بإقراره ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير.

قال رحمه اللّه : اما الإقرار فيكفي فيه المرّة ، وبعض الأصحاب يشترط الإقرار مرتين.

أقول : نص الشيخ في النهاية على وجوب الإقرار مرتين ، وتبعه ابن إدريس ، للاحتياط للدماء ، ولأنه لا تقصر عن الإقرار بالسرقة والزنا ، والمشهور الاكتفاء بالمرة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2) ، ولأنه حق آدمي فيكفي فيه المرة كغيره من الحقوق ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بقتله عمدا ، فأقر آخر أنه هو الذي قتله ، ورجع الأول درئ عنهما القصاص والدية ، وودي المقتول من بيت المال ، وهي قضية

ص: 392


1- في النسخ : فيؤاخذ.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

الحسن عليه السلام.

أقول : هذه قضية (1) الحسن عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام ، وعليها فتوى أكثر (2) الأصحاب ، وذهب أبو العباس في المقتصر الى تخيير الولي في تصديق أيهما شاء.

قال رحمه اللّه : أما البينة فلا تثبت ما يجب به القصاص الا بشاهدين ، ولا يثبت بشاهد وامرأتين ، وقيل : تجب به الدية ، وهو شاذ.

أقول : المشهور عدم قبول شهادة النساء منفردات ومنضمات فيما يوجب القصاص ، وقال ابن الجنيد : ولو لم يتم الشهادة على القتل بالرجال ، وشاركهم النساء أوجبنا بها الدية ، وقال أبو الصلاح : ولا يقتص بشهادتهن (3) وتؤخذ بها الدية ، والمعتمد ما هو مشهور (4) بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو شهدا لمن يرثانه ان زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت ، ولا تقبل قبله ، لتحقق التهمة على تردد.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم القبول قبل الاندمال ، لوجود التهمة ؛ لأن الجرح قد يسرى الى النفس فتجب الدية على القاتل ، فيستحقها الشاهدان فتحققت التهمة ، وتردد المصنف ؛ لأن الوارث لو شهد للمريض بدين قبلت شهادته مع تحقق التهمة ، لاحتمال موته بذلك المرض ، فينتقل المال الى الشاهدين ، فلو أن تهمة الوارث مانعة لمنعت شهادته للمريض (5) ، والمعتمد ما

ص: 393


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 4 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
2- ليست في « ن ».
3- في الأصل : بشهادتين.
4- في « م » : المشهور.
5- في « ن » شهادة المريض.

هو مشهور (1) بين الأصحاب.

ص: 394


1- في « م » : المشهور.

في القسامة

قال رحمه اللّه : ولو قال الشاهد : قتله أحد هذين ، كان لوثا ، ولو قال : قتل أحد هذين ، لم يكن لوثا ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الشيخ في المبسوط بين المسألتين ؛ لأن في المسألة الأولى ثبت أن القتيل قتله أحدهما وتمييز القاتل قد يعسر ؛ لأنه يخفى (1) نفسه ، بخلاف المقتول ، وقد أطلق الأصحاب أن شهادة الواحد لوث وليس الثانية كذلك ؛ لأن كل ولي لا يعلم أن الشاهد يشهد له ، فلا يتحقق شهادة الواحد لأحدهما فلا لوث حينئذ.

وتردد المصنف في الفرق ، ومنشؤه مما قاله الشيخ ، ومن احتمال عدم اللوث في الأولى أيضا ؛ لأن شهادة الواحد إنما تكون لوثا مع جزم الشاهد بتعيين شخص القاتل وشخص المقتول ، بحيث لا يحتمل أحدهما الشركة ، لاشتراط الجزم في الشهادة ، فلما لم يحصل الجزم لم يثبت اللوث.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه.

ص: 395


1- في « م » و « ر 1 » : لا يخفى.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف وهو المشهور ؛ لأن العادة موت الإنسان بالأمراض ، وموت الفجأة نادر ، فلا يحمل على النادر الا بدليل ، إذ قد يقتل الإنسان غيره بأخذ نفسه وعصر خصيته وان لم يكن هناك أثر ، وقوى في المبسوط اشتراط وجود أثر القتل في تحقق اللوث ، فعلى هذا لا يتحقق بدونه والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهي في العمد خمسون يمينا فان كان له قوم حلف كل واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة ، وإن نقصوا عنه كررت عليهم الإيمان حتى يكملوا القسامة ، وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرين يمينا ، ومن الأصحاب من سوى بينهما ، وهو أوثق في الحكم ، والتفصيل أظهر في المذهب.

أقول : اتفق الأصحاب على أن القسامة في العمد خمسون يمينا ، واختلفوا في الخطأ وشبيه العمد ، فمنهم من ساواهما بالعمد كالمفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ؛ لأن القسامة على خلاف الأصل فيعمل بها على الأحوط وكذلك (1) قال المصنف ، وهو أوثق ، وادعى ابن إدريس على ذلك إجماع المسلمين ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف : خمس وعشرون يمينا ، وادعى في المبسوط إجماع الأصحاب ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وأبو العباس في المقتصر ، ولهم عليه روايات ، كرواية عبد اللّه بن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، ورواية يونس (3) عن الرضا عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو كان المدعى عليهم أكثر من واحد ، ففيه تردد أظهره أن

ص: 396


1- في « م » : ولذلك.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.

على كل واحد خمسين يمينا ، كما لو انفرد ؛ لأن كل واحد منهم يتوجه عليه الدعوى بانفراده.

أقول : منشؤه مما قال المصنف ، ومن أنها جناية واحدة لاتحاد موضوعها ، وقد قدر لها الشارع خمسين يمينا فيقسط على الجميع ، والمعتمد اختيار المصنف وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : لو امتنع من القسامة ولم يكن له من يقسم ، ألزم الدعوى ، وقيل : له رد اليمين على المدعي.

أقول : لا شك أن القسامة على المدعي ، فان لم يحلف كان له إحلاف المدعى عليه ، فان لم يحلف المدعى عليه ولا قومه أو (1) لم يكن له قوم ، هل له رد اليمين على المدعي؟ ذهب الشيخ في المبسوط الى جواز ردها عليه ، والمشهور عدم الرد ؛ لأنها كانت للمدعي أولا فردها على المنكر فلا يجوز الرد على المدعي ، والا لم تخل إما أن يجوز ردها على المنكر ثانيا أولا ، فإن كان لزم التسلسل ، وإن كان الثاني انتفت فائدة الرد ، والمعتمد عدم جواز الرد.

قال رحمه اللّه : وتثبت القسامة في الأعضاء مع التهمة ، وكم قدرها؟ قيل : خمسون يمينا احتياطا إن كانت الجناية تبلغ الدية ، وإلا فبنسبتها من خمسين ، وقال آخرون : ست أيمان فيما فيه دية النفس ، وبحسابه من ستة فيما فيه دون الدية ، وهي رواية أصلها طريف.

أقول : القول بالخمسين مذهب سلار وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ؛ لأنه أحوط ، والقول بالستة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، واختاره المصنف في المختصر ، وفخر الدين في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ، والمستند

ص: 397


1- في « ن » : إذ.

رواية (1) سهل بن زياد ، عن الحسن (2) بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، يرفعه الى الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وفي قبول قسامة الكافر على المسلم تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من عموم الأخبار (3) الدالة على ثبوت القسامة فتثبت للكافر على المسلم كالعكس ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، غير أنه لا يثبت به القصاص وانما تثبت الدية ، ومن أن استحقاق القسامة سبيل ، ولا سبيل للكافر على المسلم ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يذكر في اليمين أن النية نية المدعي؟ قيل : نعم ، دفعا لتوهم الحالف ، والأشبه أنه لا يجب.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه اللّه ، ومنع (4) المصنف والعلامة وابنه ( لأنه حكم شرعي وكل ) (5) حكم شرعي لا بد في ثبوته من دليل شرعي ، ولم يقم على ذلك دليل ، والأصل براءة الذمة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اتهم والتمس الولي حبسه حتى يحضر بينته ، ففي إجابته تردد ، ومستند الجواز ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام ، فإن جاء الأولياء ببينة وإلا خلى سبيله ، وفي السكوني ضعف.

أقول : منشأ التردد من الرواية (6) المذكورة ، وبمضمونها أفتى الشيخ

ص: 398


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
2- في « ن » : ( الحسين ) بدل ( الحسن ).
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، أحاديث الأبواب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
4- في « ن » : ومنعه.
5- في « م » و « ر 1 » بدل ما بين القوسين : لان كل.
6- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.

وابن البراج ، ومن ان الحبس عقوبة لم يثبت سببها فلا يجوز الحبس (1) ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 399


1- كذا.

ص: 400

في كيفية الاستيفاء

قال رحمه اللّه : ويرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فان لهما نصيبهما من الدية في العمد أو الخطأ ، وقيل : لا يرث القصاص إلا العصبة ، دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب بها ، وهو الأظهر ، وقيل : ليس للنساء عفو ولا قود [ على الأشبه ] ، وكذا يرث الدية من يرث المال ، والبحث فيه كالأول.

أقول : اختلف الأصحاب في وارث القصاص ، قال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : إنه كل وارث عدا الزوج والزوجة ، واختاره العلامة وابنه ، ونقل في المبسوط أيضا عن جماعة من أصحابنا أنه العصبة ، وقال في الاستبصار : ليس للنساء عفو ولا قود ، والمعتمد الأول ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (1).

قال رحمه اللّه : ولو كان الولي واحدا كان له المبادرة ، والاولى توقفه على إذن الامام ، وقيل : تحرم المبادرة ويعزر لو بادر ، ويتأكد الكراهية في قصاص

ص: 401


1- الأحزاب : 6.

الطرف.

أقول : قال الشيخ في في موضع من المبسوط : يتوقف على إذن الامام ؛ لأنها مسألة اجتهادية مبنية على الاحتياط التام ، فتكون منوطة بإذن الإمام ، فعلى هذا لو بادر من غير إذن الامام لم يضمن دية ولا أرشا ، بل يكون مأثوما ويعزر ، وقال في موضع آخر من المبسوط بعدم التوقف ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (1) ، وقال في الخلاف : يتوقف على اذن الامام في الطرف ؛ لأنه من فروض الامام لجواز التخطي فإنه في معرض السراية ، واختاره العلامة في القواعد (2).

قال رحمه اللّه : ولو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء الا بعد الاجتماع ، اما بالوكالة أو بالإذن لواحد ، وقال الشيخ : يجوز لكل واحد المبادرة ، ولا يتوقف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، مستدلا بالإجماع وعموم الآية (3) ، والمشهور اختيار المصنف وهو المعتمد ، فلو بادر أحدهم عزر وضمن حصص الباقين.

قال رحمه اللّه : إذا كان له أولياء لا يولى عليهم ، كانوا شركاء في القصاص ، فان حضر بعض وغاب الباقون ، قال الشيخ : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، وكذا لو كان بعضهم صغارا ، وقال : لو كان الولي صغيرا وله أب أو جد ، لم يكن لأحد أن يستوفي حتى يبلغ ، سواء كان

ص: 402


1- الاسراء : 33.
2- ليست في « ر 1 ».
3- الاسراء : 33.

القصاص في النفس أو الطرف ، وفيه إشكال ، وقال : يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وهذا أشد اشكالا من الأول.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : ان يكون الأولياء مكلفين ثمَّ يغيب بعضهم ويحضر بعض ، فهنا قال الشيخ في المبسوط والخلاف : للحاضر الاستيفاء ويضمن حصص الباقين ، ( وهو بناء على مذهبه من جواز المبادرة لكل واحد من الشركاء بشرط ضمان حصص الباقين ) (1) سواء كان الشريك حاضر أو غائبا ، وعلى قول من يوجب الاجتماع يحتمل عدم جواز الاستيفاء للحاضر ؛ لأن القتل غير مختص به ولا تبعيض ، فوجب تأخيره إلى حضور الغائب والا لزم ضياع حقه ، وحينئذ يحبس القاتل لوجوب حفظ حقوقهم وهو لا يتم الا بالحبس ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وحكم الصغير غير ذي الأب والجد حكم الغائب.

الثانية : أن يكون بعض الأولياء صغيرا أو مجنونا وله أب أو جد ، قال الشيخ : ليس لأحد أن يستوفي حقه حتى يبلغ الصغير أو يفيق المجنون ؛ لأنه لا يمكن تلافيه (2) وكل حق هذا شانه لا يملكه الولي ، واستشكله المصنف ؛ لأن للولي استيفاء جميع حقوق المولى عليه مع المصلحة وهو قائم مقامه فله الاستيفاء ، وهو المعتمد.

الثالثة : قال الشيخ يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون لما تقدم ، قال المصنف : وهذا أشد إشكالا من الأول ؛ لأن الحبس زيادة عقوبة لا وجه لها ؛ لأن الواجب على القاتل القصاص أو الدية ، ولم يجب عليه الحبس هنا فوجوبه عليه يحتاج الى دليل.

ص: 403


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- في « ر 1 » : طاقته.

قال رحمه اللّه : ولو اختار بعضهم الدية وأجاب القاتل جاز ، فإذا أسلم سقط القود على رواية ، والمشهور أنه لا يسقط ، وللآخرين القصاص من بعد ان يردوا عليه نصيب من فاداه.

أقول : الرواية المتضمنة لسقوط القود هي رواية جميل بن دراج (1) عن زرارة عن الباقر عليه السلام ، والمشهور عدم السقوط وعليه فتوى الأصحاب.

قال رحمه اللّه : إذا قتل جماعه على التعاقب ، ثبت لولي كل واحد منهم القود ، ولا يتعلق حق واحد بالآخر ، فان استوفى الأول سقط حق الباقين لا الى بدل على تردد ، ولو بادر أحدهم فقتله فقد أساء وسقط حق الباقين ، وفيه إشكال من حيث تساوي الكل في سبب الاستحقاق.

أقول : منشأ التردد من فوات محل القصاص فيسقط لا الى بدل ، لقوله عليه السلام : « لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » (2) ؛ لأن الدية انما تثبت بالتراضي منهما وقد تعذر ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط والخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم ، ومن كون السقوط لا الى بدل يستلزم إهدار الدم المحقون ، وقال عليه السلام : « لا يبطل دم امرئ مسلم » (3) ( فلما تعذر القصاص وجب الانتقال الى بدله وهو الدية لئلا يظل دم امرئ مسلم ) (4) ، وهو اختيار فخر الدين ولا فرق عنده (5) بين أن يقتل بالأول أو بالأخير ، ولا بين أن يقتله أحد أولياء المقتولين بالقرعة أو بغير قرعة ، ويتفرع على ذلك ما لو قتله أجنبي خطأ أو مات قبل أن يقتص منه ، فعلى الأول ليس لهم إلا الدية ،

ص: 404


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 54 من أبواب قصاص النفس ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 33 من أبواب قصاص النفس ، حديث 10.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 6 من أبواب دوي القتل ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في الأصل.
5- ليست في الأصل.

فتكون بينهم على نسبة حقوقهم في صورة قتل الخطأ ، وتسقط حقوقهم في صورة الموت ، وعلى الثاني يرجع كل واحد على تركة الميت بتمام حقه.

ص: 405

ص: 406

قصاص الطرف

قال رحمه اللّه : وتقطع اليمين باليمين ، فان لم يكن يمين قطعت بها يسراه ، ولو لم يكن يمين ولا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح رفعه الى حبيب السجستاني (1) عن أبي جعفر عليه السلام وقد تقدم ذكرها ، وقال ابن إدريس : تنتقل إلى الدية مع فقد اليدين ، وقد مضى البحث في هذه المسألة (2).

قال رحمه اللّه : وهل يجوز القصاص قبل الاندمال ، قال في المبسوط : لا ، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها ، وقال في الخلاف بالجواز مع استحباب الصبر ، وهو أشبه.

أقول : أما وجه مذهب المبسوط فقد حكاه المصنف ، وأما وجه مذهب الخلاف فعموم (3) قوله تعالى ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (4) ، وقوله تعالى :

ص: 407


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 2.
2- ص 347.
3- في الأصل : فمعلوم من.
4- المائدة : 45.

( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1) أتى بالفاء الدالة على التعقيب وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قطع عدة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها ، ولو كان أضعاف الدية ، وقيل : يقتصر على دية النفس حتى يندمل ، ثمَّ يستوفي الباقي ، أو يسري فيكون له ما أخذه ، وهو أولى ؛ لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.

أقول : أما وجه أخذ (2) جميع الديات وان زادت عن دية النفس فلأن الجناية موجبة للجميع والسراية مسقطة للبعض ، والأصل عدم الإسقاط لأصالة عدم السراية ، فلا يترك ما يتحقق استحقاقه لاحتمال سقوط ؛ لأن احتمال السقوط لا يوجب تأخير الحق ، ووجه التأخير ظاهر وهو احتمال السراية الموجبة لدخول دية الطرف في دية النفس وهو المعتمد (3).

قال رحمه اللّه : ويثبت القصاص في العين وان كان الجاني أعور خلقة ، وان عمي ، فان الحق أعماه ولا رد ، أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين ، اقتص له بعين واحدة ، وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل : لا ، لقوله تعالى « وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ » وقيل : نعم ، تمسكا بالأحاديث ، والأول أولى.

أقول : إذا قلع ذو العينين صحيحة الأعور وكان العور خلقة أو بآفة لم يوجب دية اقتص له بعين واحدة ، وهل تؤخذ له نصف الدية مع ذلك؟ للشيخ قولان : أحدهما : لا ، قاله في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، وذكر وجهه وقواه العلامة في التحرير ، والثاني : نعم ، قاله في النهاية والمبسوط ،

ص: 408


1- البقرة : 194.
2- في « ر 1 » : عدم.
3- في النسخ : والأول هو المعتمد.

وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ؛ لأن في عينه (1) الدية كاملة لو كانت الجناية خطأ ، فإذا اقتص بما فيه نصف الدية كان له التفاوت والا لزم الظلم ، ولرواية محمد بن قيس (2) عن الباقر عليه السلام ، ورواية عبد اللّه بن الحكم (3) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة ، وهل تؤخذ بالمخرومة؟ قيل : لا ، ويقتض الى حد الخرم ، والحكومة فيما بقي ، ولو قيل : يقتص إذا رد دية الخرم ، كان حسنا.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن الاذن الصحيحة تؤخذ بالمثقوبة في محل الثقب ، وهل تؤخذ بالمثقوبة في غير محل الثقب وبالمخرومة؟ المشهور عدمه ، بل تقتص الى حد الثقب أو الخرم والحكومة في الباقي ، هذا هو المشهور وجزم به العلامة في كتبه ؛ لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص ، واستحسن المصنف جواز القصاص مع رد دية الخرم ، لعموم قوله تعالى ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (4) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي السن القصاص ، وإن كانت سن مثغر وعادت ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية ، ولو قيل بالأرش كان حسنا.

أقول : المثغر من سقطت أسنان اللبن منه ثمَّ نبتت ، فاذا قلع سن مثغر فان حكم أهل الخبرة أنها لا تعود ، كان له القصاص في الحال ، وان حكموا أنها تعود بعد مدة فإن انقضت المدة ولم تعد ثبت القصاص أيضا ، وان عادت في تلك المدة

ص: 409


1- في « م » : عينيه.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 15 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- المائدة : 45.

فلا يخلوا إما أن تعود متغيرة أو على حالها التي كانت عليها ، فان عادت متغيرة كان فيها الحكومة إجماعا.

ومعنى الحكومة : أن يقوم ما لو كان عبدا وله سن تامة ما قيمته ، ثمَّ يقوم بالسن المتغيرة ، فالأرش هو تفاوت ما بين القيمتين ، وإن عادت كما كانت ، قال ابن البراج : لا قصاص ولا دية ، واستحسن المصنف وجوب الأرش ، واختاره العلامة ؛ لأن الجناية اقتضت نقصا في المجني عليه فلا يهدر.

قال رحمه اللّه : أما سن الصبي فينتظر بها [ سنه ] ، فان عادت ففيها الحكومة ، والا كان فيها القصاص ، وقيل : في سن الصبي بعير مطلقا.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند رواية مسمع بن عبد الملك (1) عن الصادق عليه السلام ، والمشهور الأرش وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قطع يدا كاملة ، وله يد ناقصة إصبعا ، كان للمجني عليه قطع الناقصة ، وهل تؤخذ دية الإصبع؟ قال في الخلاف : نعم ، وفي المبسوط : ليس له ذلك إلا أن تكون فك [ يكون أخذ ] ديتها.

أقول : وجه القولين ظاهر ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم ، قال في المبسوط : يقتضي مذهبنا سقوط القود ، وفيه تردد ؛ لأن المتعين قطع اليمين فلا تجزي اليسرى مع وجودها.

أقول : ومن (2) أن اليسرى قد تقطع باليمين مع فقدها فكانت بدلا منها ، وحكم البدل حكم المبدل ، فاذا قطع اليسرى وقعت عن اليمين ، والمعتمد اختيار

ص: 410


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 33 - من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- في « ن » : من.

المصنف ؛ لأن البدل انما يجزي مع فقد المبدل ، والمبدل موجود فلا يجزي البدل.

قال رحمه اللّه : ولو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا ، وكان على القاطع ديتها ، ولا قصاص في اليمين ؛ لأنها موجودة ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أنه رضي باليسرى عن اليمين فيكون ذلك عفوا عن القصاص بعوض ، ومن أنها معاوضة فاسدة والفاسد لا يترتب عليه أثر ، فعلى هذا يضمن المقتص دية اليسرى وله قطع اليمنى وعلى القول بعدم قطع اليمنى لا يضمن المقتص دية اليسرى ، لوقوعها عوضا عن اليمنى ، واختار فخر الدين سقوط القصاص ؛ لأنه مبني على التخفيف وقد رضي المجني عليه بسقوطه (1) بقطع اليسار فيسقط.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه ، قيل : وقع القصاص موقعه ، وقيل : لا يكون قصاصا ؛ لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء ، وهو أشبه ، ويكون قصاص المجنون باقيا [ على الجاني ] ودية جناية المجنون على عاقلته.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط القولين ، ثمَّ اختار الثاني ، واختاره المصنف أيضا وقد ذكر وجهه ، وأما وجه الأول فلان المجنون إذا كان له مال معين فأتلفه ، كان بمنزلة الاستيفاء كما لو كان وديعة عند شخص وهجم (2) عليها فأتلفها. فلا ضمان على المستودع ، والأول هو المعتمد ، وينتقل الى اليسار لفوات محل اليمين ، وهو معنى قول المصنف : ويكون قصاص المجنون باقيا.

قال رحمه اللّه : اما لو قطع يده فمات فادعى الجاني الاندمال ، وادعى الولي السراية ، فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، ولو اختلفا

ص: 411


1- في الأصل : لسقوطه.
2- في النسخ : فهجم.

فالقول قول الولي ، وفيه تردد.

أقول : انما كان القول قول الجاني مع مضي المدة التي يمكن فيها الاندمال ، لأصالة براءة الذمة مما زاد على الجناية ، ولأن الأصل عدم السراية. فيكون القول قول الجاني ، ولو لم يمض مدة يمكن فيها الاندمال كان القول قول الولي ؛ لأن دعوى الجاني غير ممكنة فلا تكون مسموعة ، وذلك مع التصادق على المدة أو (1) قيام البينة بها ، ولو اختلفا فقال الجاني : مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، وقال الولي : لم تمض ، قال المصنف : القول قول الولي وفيه تردد ، ومنشؤه من تعارض براءة الذمة مما زاد على دية اليد ، وأصالة عدم مضي المدة.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الجاني أنه شرب سما فمات ، وادعى الولي موته من السراية ، فالاحتمال فيها سواء ، ومثله الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين ، وادعى الولي أنه كان حيا ، وادعى الجاني أنه كان ميتا ، فالاحتمالان متساويان ، فيرجح قول الجاني بما أن الأصل عدم الضمان ، وفيه احتمال آخر ضعيف.

أقول : إنما تساوي الاحتمالان في المسألتين لتعارض الأصلين في الاولى ، والأصل والظاهر في الثانية ؛ لأن الأصل عدم الموت بالسراية في الاولى ، والأصل عدم شرب السم ، والأصل حياة (2) الملفوف بالكساء في الثانية ، والظاهر موته ؛ لأن الظاهر من حال الملفوف في الكساء الموت ، ومع التعارض يجب التساقط والرجوع الى أصالة البراءة ؛ لأن الأصل عدم الضمان ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ونقل عن بعض الفقهاء أن القول قول الولي ، واستضعفه الشيخ وتبعه المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو صرح بالعفو صح فيما كان ثابتا وقت الإبراء ، وهو دية

ص: 412


1- في « ر 1 » : و.
2- في الأصل : عدم حياة.

الجرح ، أما القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد ؛ لأنه إبراء مما لم يجب ، وفي الخلاف : يصح العفو عنها وعما يحدث عنها ، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث ؛ لأنه بمنزلة الوصية.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، وهو أن العفو إبراء ، والإبراء مما لم يجب لا يصح ؛ لأن شرط العفو كون المعفو عنه ثابتا في الذمة ، وهذا ليس كذلك ، ومن أن وجود السبب كوجود المسبب ، وسبب السراية وهو الجرح موجود حالة العفو ( فيصح العفو ) (1) عنها ، كما لو كانت موجودة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته ، فان قال : أبرئك لم يصح ، وإن أبرأ السيد صح ؛ لأن الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك السيد ، وفيه إشكال من حيث أن الإبراء إسقاط لما في الذمة.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، وحكم بصحة إبراء السيد دون العبد ، واستشكله المصنف ؛ لأن الإبراء إسقاط لما في الذمة ، ولم يتعلق في ذمة المولى شي ء (2) فلا يصح الإبراء له (3) ، ولا للعبد أيضا ؛ لأن الجناية متعلقة برقبته ، لا في ذمته فلا يصح إبراء أحدهما ، أما لو قال : عفوت عن أرش هذه الجناية ، صح إجماعا.

ص: 413


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ليست في « ن ».
3- ليست في « م » و « ن ».

ص: 414

كتاب الديات

اشارة

ص: 415

ص: 416

في أقسام القتل

قال رحمه اللّه : وهل تقبل القيمة السوقية مع وجود الإبل؟ فيه تردد والأشبه لا.

أقول : منشؤه من أن الواجب الإبل فلا تعدل عن الواجب الى غيره الا مع التراضي ، ومن أن المقصود المال والقيمة قائمة مقام العين في ذلك ، ولأصالة الجواز ، والمعتمد الأول وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

ص: 417

ص: 418

في مقادير الديات

قال رحمه اللّه : ودية شبيه العمد ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، وأربعة وثلاثون ثنية طروقة الفحل ، وفي رواية ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وأربعون خلفة وهي الحامل.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة ابن سنان ، « قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في الخطأ شبيه العمد أن تقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أن دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل منها أربعون خلفة من ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون » (1) ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد وأبو العباس في المقتصر ، وما اختاره المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج والعلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : وقال المفيد : تستأدى في سنتين ، فهي إذن مخففة عن العمد في السن والاستيفاء.

أقول : قول المفيد هو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.

النهاية (1) ، وأبو الصلاح وسلار ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال الشيخ في الخلاف : تستأدى في سنة ، وجمع ابن حمزة بين القولين ، فقال : تستأدى في سنة إذا كان ذا يسار ، وفي سنتين إذا لم يكن ، والمعتمد الأول وهو اختيار أبي العباس.

قال رحمه اللّه : ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وفي رواية خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وتستأدى في ثلاث سنين.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخين وابن البراج وسلار وابن بابويه واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد والمستند رواية ابن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، والرواية التي أشار إليها المصنف هي رواية العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام ، « قال : في قتل الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار ، فان كانت من الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقه ، وخمس وعشرون جذعة » (3).

قال رحمه اللّه : ولو قتل في أشهر الحرم ، ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا ، وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان : نعم ، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.

أقول : قد يعرض التغليظ في الدية وسببه أحد أمور ثلاثة :

الأول : العمد ، فيغلظ في السن بالنسبة إلى الإبل وفي الاستيفاء فإنها تؤخذ

ص: 420


1- في « ن » : الخلاف والمبسوط ، وفي ( م ) و « ر 1 » : المبسوط.
2- المصدر السابق.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، الباب 1 من أبواب ديات النفس ، حديث 13.

في سنه واحدة وغير العمد تؤخذ في سنتين أو ثلاث.

الثاني : الزمان ، بان تقع الجناية في أحد الأشهر الحرم رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم ، فيلزم القاتل دية وثلث إجماعا ، والسند رواية كليب الأسدي (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : المكان ، بان تقع الجناية في أحد الحرمين أو مشاهد الأئمة عليهم السلام ، قاله الشيخان وتبعهما الباقون وليس عليه شاهد من الروايات ، فلهذا نسبه الى الشيخين ، والتغليظ انما هو في النفس دون الأطراف وإن كان فيها دية النفس.

قال رحمه اللّه : لو رمى في الحل الى الحرم فقتل فيه لزم التغليظ ، وهل يغلظ مع العكس؟ فيه [ ال ] تردد.

أقول : منشؤه من أن السبب الموجب للتغليظ هو القتل في الحرم ولم يوجد لأن التقدير أن القتل حصل في الحل ، والأصل براءة الذمة من وجوب التغليظ ، ومن أن سبب القتل حصل في الحرم ؛ لأن الرمي من الحرم الى الحل فهو كما لو رمى صيدا من الحرم فأصابه في الحل ، فإنه يجب عليه الكفارة فكذلك هنا يجب التغليظ ؛ لأنه إذا لزمه الكفارة في الصيد المباح لحرمة الحرم يكون لزوم التغليظ بالقتل المحرم أولى ، وهو اختيار فخر الدين ، والألف واللام في التردد لتعريف الماهية لا إشارة إلى تردد سابق.

قال رحمه اللّه : ولا يقتص من الملتجئ الى الحرم فيه ، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، ولو جنى في الحرم اقتص منه لانتهاكه الحرمة ، وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال به في النهاية.

أقول : إذا قتل ثمَّ التجأ الى احد مشاهد الأئمة عليهم السلام هل يقتص منه

ص: 421


1- المصدر السابق ، باب 3 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.

في المشهد ، أو يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، كما لو التجئ إلى الحرم؟ قال الشيخ في النهاية بالثاني ، لمساواة مشاهد الأئمة عليهم السلام للحرم في الحرمة ، ولم يجزم به المصنف ، لاحتمال جواز القصاص في المشهد ، لأصالة عدم وجوب تأخير الحق خرج ما إذا التجأ إلى الحرم للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، والأول (1) هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم ، وقيل : دية الذمي ، وفي مستند ذلك ضعف.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية ولد الزنا دية مسلم ، وذلك مبني على القول بإسلامه ، وقال السيد المرتضى في الانتصار : دية ذمي ، وقال ابن إدريس : والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك ، وأن لا دية له لأصالة براءة الذمة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية الذمي ثمان مائة درهم يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا ، ودية نسائهم على النصف ، وفي بعض الروايات دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم ، وفي بعضها دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، والشيخ رحمه اللّه نزلها على من يعتاد قتلهم.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية الذمي ثمان مائة درهم ، وعليه عمل الأكثر وهو المعتمد ، والمستند رواية درست عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال سألته عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي قال : هم سواء ثمان مائة درهم » (2) ، وروى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال :

ص: 422


1- ليست في « ر 1 ».
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 13 من أبواب ديات النفس ، حديث 8.

دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم » (1) وحملها الشيخ على من يعتاد قتلهم ، فإن الإمام يغلظ عليه بما شاء حسما للجرأة.

قال رحمه اللّه : ويستوي في ذلك [ كله ] القن والمدبر ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي أم الولد تردد على ما مضى.

أقول : الإشارة بقوله على ما مضى الى ما ذكره في باب أم الولد من قولهم : إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها ، الى قوله : وفي رواية مسمع (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام جنايتها في حقوق الناس على سيدها ، وقد سبق البحث في ذلك (3).

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 14 من أبواب ديات النفس ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 43 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- ج 3 ص 427.

ص: 424

في موجبات الضمان

قال رحمه اللّه : النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه [ أو بحركته ] ، قيل : يضمن الدية في ماله ، وقيل : في مال العاقلة ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية ، وانما الخلاف في محلها ، قال الشيخان : هي في ماله ، واختار المصنف والعلامة وابنه انها في مال العاقلة ؛ لأنه مخطئ (1) فعله وقصده ، قال فخر الدين ، وانما جعلها الشيخ في ماله ؛ لأنه من باب الأسباب لا من باب الجنايات.

قال رحمه اللّه : إذا أعنف بزوجته جماعا في قبل أو دبر ، أو ضما فماتت ، ضمن الدية ، وكذا الزوجة ، وفي النهاية إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شي ء ، والرواية ضعيفة.

أقول : وجوب الدية مذهب المفيد (2) وسلار ، واختاره المصنف

ص: 425


1- من « ر 1 » ، وفي الأصل خطأ محض ، وليس في « م » و « ن » كلمة خطأ ، والأخرى غير واضحة.
2- في « ن » : السيد.

والعلامة وأبو العباس ، لإتلاف النفس المعصومة فتكون مضمونة بالدية ، لعدم التعمد ، ومستند النهاية رواية يونس (1) ، وهي مرسلة ، وأوجب ابن إدريس القصاص مع التهمة : ومع عدمها الدية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان مع المار صبي فقربه من السهم لا قاصدا فأصابه ، فالضمان على من قربه لا على الرامي ؛ أنه عرضه للتلف ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الرامي مباشر للإتلاف فيكون الضمان على عاقلته ؛ لأنه خطأ ، ومن أن المار هو الذي عرضه للإتلاف بتقربه من طريق السهم فهو سبب ، والمباشرة ضعفت بالغرور ، واختار فخر الدين ضمان الرامي أو عاقلته ، ولو قال الرامي حذار لم يضمن.

قال رحمه اللّه : روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام « أن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام » ، والرواية مناسبة للمذهب.

أقول : هذه الرواية (2) وإن كانت ضعيفة السند فان عليها عمل أكثر الأصحاب ، لكونها مناسبة للأصل ، قال المصنف في نكت النهاية : الأصحاب مجمعون على أن الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ، وقال ابن إدريس : لا ضمان ؛ لأنه فعل سائغ مأدون فيه فلا يستعقب ضمانا ، والرواية من الآحاد مع ضعفها ، وعلى تقدير العمل بها يحمل على حصول التفريط ؛ لأنه قطع غير ما أريد القطع منه ؛ لأن الحشفة غير محل القطع.

قال رحمه اللّه : روى أبو جميلة ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية ، ركبت أخرى فنخستها ثالثة ، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت ، أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة ، وأبو

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 31 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 24 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.

جميلة ضعيف ، فلا استناد الى نقله ، وفي المقنعة على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ، ويسقط الثلث لركوبها عبثا ، وهذا وجه حسن ، وخرج متأخر وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة ، وإن لم تكن ملجئة فالدية على القامصة ، وهو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب الأول.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : العمل بمضمون رواية أبي جميلة (1) وهو مذهب الشيخ واتباعه.

الثاني : سقوط ثلث الدية ، لركوبها (2) عبثا ويجب الثلثان على الناخسة والقامصة ، وهو مذهب المفيد في المقنعة ، واختاره المصنف في نكت النهاية ، وقواه العلامة في المختلف ، لحصول التلف بالأسباب الثلاثة فتثبت الشركة.

الثالث : قول ابن إدريس ، وهو التفصيل إلى الإلجاء وعدمه ، واختاره العلامة ( في الإرشاد ) (3) وابنه في الإيضاح ؛ لأن مع الإلجاء يكون فعل المكره مستندا إلى مكرهه ، قال الشهيد : ويشكل بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان.

قال رحمه اللّه : من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا ، فهو له ضامن حتى يرجع إليه ، فإن عدم فهو ضامن ديته ، وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينة فقد برئ ، وإن عدم البينة ففي القود تردد ، والأصح [ أنه ] لا قود ، وعليه الدية في ماله ، وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن.

أقول : مستند هذا الحكم ما رواه عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق عليه السلام ، « قال إذا دعي الرجل أخاه ليلا فهو ضامن له حتى يرجع الى بيته » (4) ،

ص: 427


1- الوسائل ، كتاب الديات - باب 7 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في « ن » : لرواية جميل بن دراج.
3- ليستا في « ر 1 ».
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

وروى عمرو بن أبي المقدام ، « قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام وإذا رجل ينادي بأبي جعفر وهو يطوف وهو يقول يا أمير المؤمنين : إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله ولم يرجع إلي ، واللّه ما أدري ما صنعا به ، فقال لهما أبو جعفر ما صنعتما به؟ قالا يا أمير المؤمنين كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان فوافياه من الغد صلاة العصر وحضرته ، فقال لجعفر بن محمد عليهما السلام وهو قابض على يده اقض بينهم ، قال : فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى قصب فجلس عليه ثمَّ جاء الخصمان فجلسوا قدامه فقال : ما تقول؟ فقال : يا ابن رسول اللّه ان هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فو اللّه ما رجع إلي ، واللّه ما أدري ما صنعا به ، فقال : ما تقولان؟ فقالا : يا ابن رسول اللّه كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال جعفر عليه السلام : يا غلام أكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كل من طريق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن له الا ان يقيم البينة أنه رده الى منزله ، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه ، فقال : يا ابن رسول اللّه ما قتلته ولكني أمسكته ، ثمَّ جاء هذا فوجأه فقتله ، قال : يا غلام نح هذا واضرب عنق الآخر ، فقال : يا ابن رسول اللّه واللّه ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة ، فأمر أخاه فضرب عنقه ثمَّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ثمَّ حبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين جلدة » (1) إذا عرفت هذا فإذا دعي غيره فأخرجه من منزله ليلا فان رجع فلا كلام ، وان لم يرجع فلا يخلو إما أن لا يوجد ولا يعلم خبره أو يوجد مقتولا أو ميتا ، فان كان الأول فلا خلاف في وجوب الدية في مال المخرج ، ما لم يعترف بقتله عمدا فيكون عليه القصاص ، وإن كان الثاني ولم يقم بينة على أن القاتل غيره ، فقد تردد المصنف في وجوب

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 18 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.

القود ثمَّ رجح وجوب الدية دون القود ، واختاره العلامة وابنه وهو اختيار الأكثر ؛ لأن شرط القود تحقق القتل ظلما ، وهو غير متحقق ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط ، وقال المفيد بوجوب القود للرواية المذكورة والأول هو المعتمد ، وان كان الثالث ، وهو أن يوجد ميتا فقد تردد المصنف في لزوم الدية ثمَّ رجح عدم اللزوم ، ومنشؤه من أصالة براءة الذمة ، فلا يلزمه شي ء ، وهو مذهب ابن إدريس ، إذا ادعى أنه مات حتف أنفه ولا لوث من عداوة أو خصومة ، ومع اللوث يحلف الولي القسامة ، ويثبت القود عند ابن إدريس والدية عند العلامة ، ومن كونه مضمونا حتى يرجع الى منزله فتجب الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : روى عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في لص دخل على امرأة فجمع الثياب ووطأها قهرا ، فثار ولدها فقتله اللص ، وحمل الثياب ليخرج ، فحملت هي عليه فقتلته ، فقال : يضمن مواليه دية الغلام ، وعليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، وليس عليها في قتله شي ء ، ووجه الدية فوات محل القصاص ، وإيجاب المال دليل على أن مهر المثل في مثل هذا ، لا يتقدر بخمسين دينارا ، بل بمهر أمثالها ما بلغ. وتنزّل هذه الرواية على أن مهر أمثال القائلة هذا القدر.

أقول : هذه الرواية (1) من المشاهير بين الأصحاب ، وقد تضمنت أحكاما غير خالية عن الاعتراض (2):

الأول : إيجاب الغلام والجناية عمدا موجبها القصاص ، وأجيب

ص: 429


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 2 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.
2- في « ن » : الاعراض.

لوجوب (1) المصير إلى الدية عند فوات محل القصاص.

الثاني : إيجاب الدية على مواليه ، والعمد لا يضمنه العاقلة ، وأجيب بالحمل على فقره.

الثالث : أنها قتلته بعد ان قتل ابنها ، فكان الواجب براءته من دية الغلام لاستيفاء القصاص منه ، وأجيب بأن قتله لم يكن قصاصا بل دفاعا فكان هدرا.

الرابع : إيجاب أربعة آلاف درهم عن هذا الوطي ، مع أن الواجب مهر المثل وهو لا يزيد عن خمس مائة درهم ، وأجيب بأن مهر المثل في هذه الصورة لا يتقدر بالسنة (2) ؛ لأنه كالجناية فجاز أن يكون مهر المثل ما ذكره ولأجل توجه هذه الاعتراضات أوردها الأصحاب بلفظ الرواية.

قال رحمه اللّه : وروى عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقا الى حجلتها ، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي ، فقال : تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج ، وفي تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر.

أقول : هذه الرواية أيضا رواية عبد اللّه بن طلحة (3) ، والضمير عائد إليه في قوله : ( وروى عنه ) ، وتردد المصنف من أن الزوجة غارّة للصديق ، فيلزمها ضمانه كما هو مضمون الرواية ؛ لأنها سبب قتله ، ومن أنه دخل دار الزوج بغير إذنه ، ولأنه محارب والمحارب دمه هدر إذا لم يمكن الدفع بدونه ، وهذا هو المعتمد ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه ، والرواية قضية في واقعة فلا تتعدى.

ص: 430


1- كذا
2- في « ر 1 » و « ن » : بالنسبة.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 2 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : روى محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن علي عليه السلام : في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان ، فقضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية ، وفي رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ، ومن المحتمل أن يكون عليه السلام قد اطّلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.

أقول : اختلاف الروايتين (1) في الواقعة يوجب التوقف في الحكم ، والأصل أنه حكم خاص في واقعة خاصة فلا يوجب التعدي ، فلعله عليه السلام اطلع في هذه القضية على ما يوجب هذا الحكم وأكثر الأصحاب عملوا بالرواية الأولى ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك وأحسن ما وقفنا عليه من أقوالهم قول أبي العباس رحمه اللّه ، وهو أن هذه صورة لوث فلأولياء المقتولين القسامة ، ثمَّ للمجروحين أيضا القسامة (2) وهو جيد ؛ لأن كل واحد من المقتولين والمجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة ، ويجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدرا.

قال رحمه اللّه : روى السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومحمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن علي عليه السلام : في ستة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد ، فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين ، فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين ، وخمسين على الثلاثة ، وهذه الرواية متروكة بين الأصحاب ، فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا يتعدى

ص: 431


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1 ، رواية محمد بن قيس وحديث 2 رواية السكوني.
2- في « ر 1 » : على المقتولين.

لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

أقول : بمضمون هذه الرواية (1) أفتى ابن البراج ، وهي مع ضعف سندها قضية في واقعة فلا يجب تعديتها ، والذي يقتضيه المذهب أن إحدى الشهادتين إن سبقت الأخرى مع استدعاء الولي إياها عند الحاكم ، وكانت بالشرائط المعتبرة سمعت ثمَّ لا تسمع شهادة الأخرى (2) ليحقق بالتهمة (3) وان كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة للجميع لم تقبل شهادة أحد من الخمسة لتحقق التهمة فيها ، ويكون ذلك لوثا فللولي إثبات حقه بالقسامة ، وانما أورد المصنف هذه المسألة ونظائرها بلفظ الرواية ؛ لأن مضمونها مخالف للأصول فأوردها بيانا لعلة الحكم تفصيا من حصول الاعتراض عليه.

قال رحمه اللّه : ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين ، قيل : لا يضمن ؛ لان الحفر لذلك شائع [ سائغ ] ، وهو حسن.

أقول : القائل الشيخ في النهاية ؛ لأنه فعل سائغ وكل فعل سائغ لا يتعقبه ضمان ، واستحسنه المصنف واستقربه العلامة في التحرير ، واختار فخر الدين الضمان ؛ لان ما أساغه الشارع لا بد من خلوه من وجوه القبح والمفاسد ، فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع ، فالوقوع كاشف عن اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا.

قال رحمه اللّه : ولو بنى مسجدا في الطريق ، قيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ما يتلف بسببه ، والأقرب استبعاد الفرض.

أقول : إذا بنى مسجدا للمسلمين في طريق واسع في موضع لا يضر بالمارة

ص: 432


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- كذا
3- في « ر 1 » : التهمة.

كالزاوية ، فلا ضمان قطعا ، ولو كان يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه ، وقيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ، والمصنف استبعد هذا الفرض ؛ لأن الإمام إنما يأمر بالسائغ وهو لم يأمر به الامام ، فالفرض بعيد.

قال رحمه اللّه : ولو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم ، سقط نصيبه من الدية لمشاركته ، وضمن الباقون تسعة أعشار الدية ، وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال دون من أمسك الخشب ، أو ساعد بغير المد ، ولو قصدوا أجنبيا بالرمي كان عمدا موجبا للقصاص ، ولو لم يقصدوه كان خطأ ، وفي النهاية إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته ؛ لأن كل واحد ضامن لصاحبه ، وفي الرواية بعد ، والأشبه الأول.

أقول : الرواية هي رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة فوقع على واحد منهم فمات ، قال : يضمن الباقيان ديته ؛ لأن كل واحد منهم ضامن دية صاحبه » (1) ، ووجه بعدها أنه تلف بفعله وفعل الباقيين فيسقط ما قابل فعله ، والا لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه وهو محال.

قال رحمه اللّه : نصب الميازيب الى الطريق جائز وعليه عمل الناس ، وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه اللّه : لا يضمن ، وقال الشيخ : يضمن ؛ لأن نصبها مشروط بالسلامة ، والأول أشبه.

أقول : عدم الضمان مذهب المفيد وابن إدريس وظاهر النهاية (2) واختاره المصنف ؛ لأنه فعل سائغ فلا يتعقبه الضمان ، وبالضمان قال الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ؛ لأنه سبب الإتلاف

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 3 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في « ر 1 » : العلامة.

فكان ضمانا ، وإباحة السبب لا ينافي الضمان كالطبيب والمؤدب بالسائغ شرعا ، ولما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام ، « قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : من أخرج كنيفا أو ميزابا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فهو له ضامن » (1) وقال في المبسوط : الحكم فيه كخشب الجناح سواء ، وقال في الجناح : يضمن النصف ؛ لأنه هلك من فعل مباح ومحظور ، ومراده بالمباح ما كان من الخشب في الحائط ، وبالمحظور ما كان خارجا عن الحائط إلى الطريق ، فعلى هذا لو انكسر الميزاب أو الجناح فسقط منه ما خرج عن الحائط ضمن الجميع ، وإنما يضمن النصف بوقوع الداخل في الحائط ، وهذا التفصيل مذهب العلامة في القواعد ، وبه قال فخر الدين ، وجعل المصنف للضمان ضابطا ، وهو كل ما كان للإنسان إحداثه في الطريق لم يضمن بسببه ، وما ليس له إحداثه يضمن بسببه وهو قوي.

قال رحمه اللّه : ولو بالت دابته في الطريق ، قال الشيخ : يضمن لو زلق فيه إنسان ، وكذا لو ألقى قمامة المنزل كقشور البطيخ ، أو رش الدرب بالماء ، والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش ، أو لم يشاهد القمامة.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، سواء كان راكبا أو سائقا أو قائدا ؛ لأن يده عليه كما لو بال هو في هذا المكان ، قال : ومثله لو أكل شيئا فرمى قشوره في الطريق كالبطيخ والخيار والباقلاء ، وكذا لو رش في الطريق ماء والباب واحد ( هذا كلامه رحمه اللّه ) (2) والمصنف اشترط عدم العلم من الواقع ؛ لأنه مع العلم يكون مباشرا أو سببا في إتلاف نفسه ، ولم يتعرض لبول الدابة بل خص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة ولم يذكر البول ، والظاهر أن الحكم عنده واحد

ص: 434


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 11 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في الأصل غير مقروءة ، وما أثبتناه فهو من النسخ.

لاتحاد علة الجميع ، وجزم العلامة في موضع من القواعد بمذهب المبسوط ، ما لم يتعمد المار وضع الرجل عليه مع إمكان العدول عنه فلا ضمان حينئذ ، ثمَّ قال بعد ذلك بقليل : ولو بالت الدابة أو راثت فزلق إنسان فلا ضمان الا مع الوقوف على اشكال ، وهو رجوع عما جزم به أولا.

قال رحمه اللّه : وفي ضمان جناية الهر المملوكة تردد ، قال الشيخ : يضمن للتفريط مع الضرورة ، وهو بعيد ، إذ لم تجري العادة بربطها ، نعم يجوز فتلها.

أقول : منشأ التردد من أن السنور إذا كان ضاريا كان كالكلب في الأذى ، فيجب حفظه كما يجب حفظ الكلب العقور ، ويضمن مالك السنور مع التفريط كما يضمن مالك الكلب ومن أصالة براءة الذمة ، وقوله عليه السلام : « جرح العجماء جبار » (1) أي هدر ، ترك العمل به في الكلب العقور والدابة الصائلة مع التفريط لجريان العادة بربطها بخلاف الهرة ، فإنه لم تجر العادة بربطها ، وبالضمان قال الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو هجمت دابة على أخرى ، فجنت الداخلة ، ضمن صاحبها ، ولو جنت المدخول عليها كان هدرا ، وينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج القول بضمان صاحب الداخلة إذا جنت على المدخول عليها ، وعدم الضمان إذا جنت المدخول عليها على الداخلة ، والأصل في ذلك قضية علي عليه السلام في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم روى : « أن ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله فرفع ذلك اليه عليه السلام وهو في الناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال يا رسول اللّه : بهيمة

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 32 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2 - 3 - 5.

قتلت بهيمة فما عليها شي ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم فقال : مثل قول أبي بكر ، فقال يا علي : اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول اللّه ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليه ، قال فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين » (1) والمصنف اعتبر التفريط فان كان صاحب الداخلة فرط في احتفاظها ضمن ، والا فلا ردا للحكم إلى أصله ، واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها ، وفيما تجنيه برأسها تردد ، أقربه الضمان ، لتمكنه من مراعاته ، وكذا القائد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة خرج ضمان ما تجنيه يديها للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مساواة الرأس لليدين في التمكن من المراعاة ، فيشتركان في الحكم وهو المشهور في فتاوى الأصحاب.

وانما يضمن الراكب ما تجنيه بيديها ورأسها مباشرة ، لا تسبيبا ، كما لو أصاب شي ء من الحصا المتطاير من وقع السنابك عين إنسان فأبطل ضوءها ، واستشكله العلامة في القواعد ، من أنه مما تجنيه بيديها ، ومن أصالة براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : ولو أركب مملوكه دابته ضمن المولى جناية الراكب ، ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك ، وهو حسن.

أقول : اشتراط صغر المملوك ، مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لتفريطه حينئذ ، وأطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، لرواية الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في رجل حمل عبده على دابته فوطئت طفلا؟ فقال الغرم على

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

مولاه » (1) ، وحمل على كونه صغيرا أو مجنونا وهو المعتمد.

هذا إذا كانت الجناية على نفس آدمي ولو كانت على مال لم يلزم المولى ، قال المصنف : وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق ، وهو جيد ؛ لأن الاستسعاء إضرار بالسيد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة ، فألقاه فلا ضمان ، ولو قال : علي ضمانه ضمن دفعا لضرورة الخوف ، ولو لم يكن خوف ، فقال : القه وعلي ضمانه ، ففي الضمان تردد ، أقربه أنه لا يضمن.

أقول : إذا خيف على السفينة من الغرق ، فقال بعض الركبان لبعض : ألق متاعك وعلي ضمانه صح الضمان بلا خلاف ، لما في ذلك من المصلحة المطلوبة للعقلاء ، وهي دفع خوف الغرق على النفس والمال ، ولو لم يكن خوف فقال : القه وعلي ضمانه ، هل يصح هذا الضمان؟ ادعى الشيخ في المبسوط الإجماع على بطلانه ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، وتردد المصنف في ذلك ، لثبوت الضمان في الصورة الأولى مع أنه ضمان ما لم يجب فيثبت في الصورة الثانية ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) ، ومن أن الأصل عدم صحة ضمان ما لم يجب ، خرج عنه الصورة الأولى للمصلحة الظاهرة ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان ، وتعلق الثاني بثالث ، والثالث برابع فافترسهم ، فيه روايتان : إحداهما رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قضى عليه السلام في الأول فريسة الأسد يغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ، والثانية رواية مسمع ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن عليا

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 16 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- المائدة : 1.

عليه السلام قضى ان للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا ، والأخيرة ضعيفة الطريق الى مسمع ، فهي ساقطة ويمكن أن يقال : على الأول دية الثاني لاستقلاله بإتلافه ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى ، وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، كان على الأول دية ونصف وثلث ، وعلى الثاني نصف وثلث ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير.

أقول : الزبية بضم الزاي حفيرة تحفر (1) للأسد في الموضع العالي غالبا ، والجمع الزبى ، ومنه قيل : بلغ السيل الزبا ، والأصل في ذلك واقعة علي عليه السلام في اليمن ، والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب وعليها فتاويهم ، وتوجيه الرواية : أن الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه ، فعلى كل واحد ثلث الدية ولم يكن على الرابع شي ء ، فأولياء الأول يدفعون إلى أولياء الثاني ثلث الدية ثمَّ نضيف أولياء الثاني إليه ثلثا آخر ويدفعون ذلك الى أولياء الثالث ، ثمَّ يضيف أولياء الثالث الى ذلك ثلثا آخر تتمة الدية ، ثمَّ يدفعون ذلك الى أولياء الرابع ، وهذا معنى قوله في الرواية : « وغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية » (2).

وأما توجيه الرواية الثانية (3) فإن الأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الباقين فوقه وهم ثلاثة ، وذلك مستند الى فعله فيسقط حصته من الضمان وهي ثلاثة أرباع ويبقى الربع على حافر الزبية ، ونزلها في القواعد على كون الحفر تعديا ، والثاني مات بسبب جذب الأول ، وهو ثلث السبب ووقع الاثنين فوقه

ص: 438


1- في النسخ : يحتفرها الأسد.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.
3- المصدر السابق ، حديث 1.

وهو ثلثاه ، ووقوعهما فوقه من فعله فيسقط ذلك من الدية يبقى له الثلث ، والثالث مات بسبب جذب الثاني وهو نصف السبب ، ووقوع الرابع عليه وهو من فعله فيسقط النصف ، ويجب له نصف الدية ، والرابع مات بجذب الثالث له فله كمال الدية ، فهذا توجيه قوله ( للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع كمال الدية ، وجعل ذلك على عاقله الذين ازدحموا ) أي جعل الثلث الذي وجب للثاني على عاقلة الأول ، والنصف الذي وجب للثالث على عاقلة الثاني ، والجميع الذي وجب للرابع على عاقلة الثالث ، وأما الربع الذي وجب للأول فعلى الحافر.

وأورد هنا الشهيد عليه إشكالين :

الأول : أن تكون الجناية إما عمدا أو شبيه عمد ، وكلاهما لا تضمنه العاقلة.

الثاني : قوله ( وجعل ذلك ) إشارة الى جميع ما تقدم ، فلا يختص بغير الأول.

وأجاب أبو العباس عن الأول بمنع الحصر ، أما نفي العمد فلان كل واحد منهم لم يقصد قتل صاحبه ، ولا ما اقتضت العادة بالتلف معه لظنه الخلاص ، وخلاصه وسلامته فرع على سلامة الممسوك ، وأما نفي شبيه العمد فلأنه حالة الوقوع غافل عن كل شي ء سوى ما يتوهمه منجيا له ، مع قطعه للنظر عما سوى ذلك ، فهو لا قصد له الى سواه ، فهو كرامي الطير.

وأجاب عن الثاني بالمنع من وجوب الإشارة إلى الجميع ، بل تجوز الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ، ( إذ لا يجب مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في كل حكم (1) ، وأبو العباس قدم الحكم على الجمل سهوا ، قال : بل يجوز

ص: 439


1- المهذب البارع ، الجزء الخامس ، ص 297.

الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ) (1) ، وذلك سهو القلم.

وذكر المصنف في المسألة احتمالين : أحدهما : على الأول دية الثاني ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع ، لاستقلال كل واحد بإتلاف من باشر إمساكه ، والثاني : التشريك في الضمان بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، فيكون على الأول دية للثاني ( لاستقلاله بإتلافه ونصف دية الثالث ؛ لأنه تلف بجذبه وجذب الثاني ، وثلث دية الرابع ؛ لأنه تلف بجذب الثلاثة ، وعلى الثاني نصف دية الثالث ، وثلث دية الرابع ، لما ذكر ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير ، وذكرهما ) (2) العلامة في القواعد والتحرير ، والمشهور العمل بمضمون الرواية الأولى.

ص: 440


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل فيها : ( « وعليه و» على الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع وذكرها ). هذا وليس في « ر 1 » ما بين القوسين الصغيرين من هذه الجملة.

في الجناية على الأطراف

اشارة

قال رحمه اللّه : في شعر الرأس الدية ، وكذا في شعر اللحية ، فإن نبتا فقد قيل : في اللحية ثلث الدية ، والرواية ضعيفة ، والأشبه فيه وفي شعر الرأس الأرش إن نبت ، وقال المفيد رحمه اللّه : في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار ، ولا أعلم المستند ، أما شعر المرأة ففيه ديتها ، ولو نبت ففيه مهرها ، وفي الحاجبين خمس مائة دينار وفي كل واحدة نصف ذلك ، وما أصيب منه فعلى الحساب ، وفي الأهداب تردد قال في المبسوط والخلاف : الدية إن لم ينبت ، وفيها مع الأجفان ديتان ، والأقرب السقوط حالة الانضمام والأرش حالة الانفراد ، وما عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه ، استنادا إلى البراءة الأصلية.

أقول : أقسام الشعر خمسة :

الأول : شعر الرأس وهو لا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في النهاية وأبو الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف

ص: 441

والعلامة ، لقوله عليه السلام : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » (1) ولما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له : رجل دخل الحمام فصب عليه صاحب الحمام الماء الحار فأسقط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت ابدا؟ قال : عليه دية » (2) والثاني قول المفيد وهو مائة دينار عشر الدية ، قال المصنف ولا أعلم المستند ، وان نبت بعد الجناية ففيه قولان أيضا : أحدهما : مائة دينار ، وهو قول محمد بن بابويه وأبي الصلاح ، والثاني الأرش ، وهو قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : شعر اللحية ، ولا يخلو إما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما : الدية كاملة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام : « قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، وإن نبتت فثلث الدية » (3) ويؤيده عموم : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » والثاني : مائة دينار ، قاله المفيد ، وان نبتت ففيه قولان أيضا : ثلث الدية قاله الشيخ ومحمد بن بابويه ، لرواية مسمع المتقدمة وطريقها ضعيف ، والثاني الأرش ، قاله المصنف واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

الثالث : شعر الحاجبين ، ولا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أولا ، فان لم ينبت ففيه خلاف ، والمشهور نصف الدية وفي كل واحد ربع الدية ، جزم به المصنف والعلامة ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، وظاهر المبسوط الدية كاملة ، ويؤيده قوله عليه السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (4) ،

ص: 442


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- وسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.

وقال سلار : روي فيهما إذا لم ينبتا مائة دينار (1) ، والأول هو المعتمد.

الرابع : شعر الأهداب ، وهو شعر الأجفان وفيه خلاف للأصحاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : فيه كمال الدية ، واحتج بإجماع الفرقة ، وبه قال ابن حمزة ، والعلامة في القواعد ، وابنه في الإيضاح ، وقال ابن البراج : نصف الدية ، وقال ابن إدريس بوجوب الأرش حالة الانفراد ، والسقوط حالة الانضمام إلى الأجفان ؛ لأن الأهداب تتبع الأجفان كشعر الساعدين ، واختاره المصنف ومال إليه العلامة في التحرير والمختلف ، قال أبو العباس : وهو متين ، وقال الشيخ في المبسوط : يقتضي مذهبنا أن في الأجفان والأهداب ديتين ، واختاره العلامة في القواعد وابنه في الإيضاح.

الخامس : ما عدا ذلك من الشعر كشعر البطن والعانة والساقين والساعدين ، وفيه الأرش مع الانفراد ، ولا شي ء مع الانضمام إجماعا.

تنبيه : إذا قلع شعر الرأس أو اللحية نظر فان حكم أهل الخبرة بعدم النبات بان يذهب على وجه لا يرجى عوده ، مثل أن يقلب على رأسه ماء حار فيفسد المنبت وينقطع بالكلية بحيث لا يعود ، دفعت إليه الدية ، فإن عرض الإنبات بعد ذلك رجع عليه بالفاضل من الثلث أو الأرش على الخلاف ، وإن لم يحكم أهل الخبرة بعدم عوده بل حكموا بعوده أو اشتبه عليهم ولم يوجد من يعلم ذلك انتظر به سنة ، لما رواه الشيخ ، عن سلمه بن تمام ، « قال : أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك الى علي عليه السلام فأجله سنة ، فجاء ولم ينبت شعره فقضى عليه بالدية » (2) ولو طلب الدية قبل

ص: 443


1- المراسم ص 245 مع تفاوت فليراجع.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.

السنه لم يجب ، ولو طلب الأرش وأرجى الباقي أعطي ذلك.

قال رحمه اللّه : وفي الأجفان الدية وفي تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط : في كل واحد ربع الدية ، وفي الخلاف : في الأعلى ثلثا الدية ، وفي الأسفل الثلث ، وفي موضع آخر : في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف ، وينقص على هذا التقدير سدس الدية ، والقول بهذا كثير ، وفي الجناية على بعضها بحساب ديتها.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية في الأجفان إذا قلعت جميعا ، والخلاف انما هو في تقدير كل واحد على الانفراد ، وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال :

الأول : في كل واحد ربع الدية ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو اختيار أبي العباس ، قال : واختاره المصنف والعلامة ، والمستند رواية هشام بن سالم (1) ، وهي غير مسندة الى امام لكن الراوي ثقة.

الثاني : في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثان ، قاله الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، واختاره ابن إدريس.

الثالث : في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصف ، قاله الشيخان في النهاية والمقنعة ، وبه قال ابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح ، فعلى هذا ينقص سدس الدية ، والمستند رواية ظريف بن ناصح (2) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : أما العوراء ففي خسفها روايتان ، إحداهما : ربع الدية ، وهي متروكة ، والأخرى : ثلث الدية ، وهي مشهورة ، سواء كانت خلقه أو بجناية جان ، ووهم هاهنا وأهم فتوق زلله.

أقول : الأولى رواية عبد اللّه بن جعفر عن الصادق عليه السلام ، « في

ص: 444


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3 - 4.

العين العورا تكون قائمة فتخسف؟ قال : قضى علي عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة » (1) ومثلها رواية سليمان (2) عن الصادق عليه السلام وبهما أفتى المفيد وسلار ، والثانية رواية بريد بن معاوية (3) عن الباقر عليه السلام ، ومثلها صحيحة أبي بصير (4) عن الباقر عليه السلام أيضا ، وعليهما فتوى أكثر الأصحاب ، ولا فرق في هذا الحكم بين كون العور خلقة أو بجناية جان ؛ لأنه عوض (5) عضو أشل ، وانما التفصيل في صحيحة الأعور لا في فاسدته ، وفصل ابن إدريس ، قال : إن كان العور خلقة فدية كاملة ، أي دية العين كاملة بلا خلاف بين الأصحاب ، وإن كان العور بجناية جان ففيها ثلث الدية ، قال وهو اختيار شيخنا في مبسوطه ومسائل خلافه ، وذهب في نهايته الى أن فيها نصف الدية ، قال : والأول الذي اخترناه هو الأظهر الذي تقتضيه أصول مذهبنا ، والى هذا التفصيل أشار المصنف بقوله ( ووهم هنا واهم فتوق زلله ) فالواهم إشارة الى ابن إدريس ، والوهم إشارة الى عدم التدبر (6) لكلام الشيخ رحمه اللّه فتوهم غير مقصود الشيخ فوقع في الغلط ، والزلل هو ما ذهب اليه من التفصيل الى كون العور خلقه أو بجناية جان ، وإيجابه في الأول نصف الدية ، وحينئذ لا بد من إيراد لفظ الشيخ في النهاية ليتبين الوهم فهذا لفظه رحمه اللّه : وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت بآفة من جهة اللّه تعالى ، وإن كانت قد ذهبت وأخذ

ص: 445


1- المصدر السابق ، باب 29 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2 وفيه عبد اللّه بن سليمان.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- المصدر السابق ، حديث 2.
5- ليست في النسخ.
6- في النسخ : فهم.

ديتها أو استحق ديتها وان لم يأخذها ، كان فيها نصف القيمة (1) ، هذه عبارة الشيخ في النهاية ، وابن إدريس فهم من كلام الشيخ أن مراده بالعين العوراء العين الفاسدة كما هو ظاهر اللفظ ، وأن مراده بالدية الكاملة دية العين لا دية النفس ، وان المراد بنصف القيمة نصف دية العين ، لا نصف دية النفس ، وليس ذلك مقصود الشيخ بل انما قصده بالعوراء الصحيحة ، وبالدية الكاملة دية النفس ، وبنصف القيمة نصف دية النفس ، كما تضمنه خبر العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام في حديث ، الى أن قال : « وفي لسانه الدية تامة وأذنيه الدية تامة ، والرجلان بتلك المنزلة ، والعينان بتلك المنزلة ، والعين العوراء الدية تامة ، والإصبع من اليد أو الرجل فعشر الدية » (2) والشيخ استعمل ذلك تبعا للفظ الرواية واتساعا في اللغة ، وانما أطلق على الصحيحة اسم العوراء حيث لا أخت لها من جنسها ، وفي الحديث : إن أبا لهب اعترض على النبي صلى اللّه عليه وآله عند إظهار الدعوى ، فقال له أبو طالب يا أعور ما أنت وهذا؟ قال ابن الأعرابي : ولم يكن أبو لهب أعور وانما العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور ، فلهذا أطلق الشيخ على الصحيحة اسم العوراء.

فلم يفهم ابن إدريس مراده ، وليس ذلك لقصور علم ابن إدريس ، ولا لبلادته. لأن فضله غير منكور ، ولكن الحكمة اقتضت وقوع الغلط من غير المعصوم وان كان حاذقا ، فلا بد من وجود معصوم حافظا للشرع ، والا لجاز ان يكلف اللّه الخلق بغير المشروع ، وهو قبيح تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

قال رحمه اللّه : وفي الروثة ، وهي الحاجز بين المنخرين نصف الدية ، وقال ابن بابويه : هي مجمع المارن ، وقال أهل اللغة : هي طرف المارن.

ص: 446


1- في « ن » : الدية.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 11.

أقول : للفقهاء في تفسير الروثة قولان ، أحدهما : ما قاله المصنف ، وبه قال العلامة ، والثاني ما حكاه (1) علي بن بابويه ، وهو موافق لما قاله أهل اللغة ؛ لأن مجتمع المارن هو طرفه ، وفي ديتها قولان : أحدهما نصف الدية كما قاله المصنف ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، ونقل في القواعد قولا أن فيها الثلث ، لاشتمال المارن على ثلاثة أجزاء ، على المنخرين والروثة فتقسم الدية عليها ، لأصالة البراءة من الزائد.

قال رحمه اللّه : وفي أحد المنخرين نصف الدية ؛ لأنه إذهاب نصف المنفعة ، وهو اختياره في المبسوط ، وفي رواية غياث ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام : ثلث الدية ، وكذا في رواية عبد الرحمن العرفي ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، وفي الرواية ضعف غير أن العمل بمضمونها أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال : الأول : نصف الدية ، لأن في الأنف الدية ، وهو منخران فنقسم الدية عليها ، ولأنه أذهب نصف المنفعة ونصف الجمال ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط فتقسم الدية عليهما ، وبه قال ابن إدريس ، الثاني : ثلث الدية ؛ لأن الأنف مشتمل على ثلاثة أجزاء على منخرين وحاجز ، فتقسم الدية عليها أثلاثا ، وللروايتين المذكورتين (2) واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتحرير ، وهو مذهب ابن الجنيد ، وقواه فخر الدين ، الثالث : الرابع ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة ، لاشتمال الأنف على أربعة : المنخرين والروثة والحاجز ، على قول من يقول أن الروثة غير الحاجز ، كقول ابن بابويه وأهل اللغة.

ص: 447


1- في « ر 1 » : عن علي.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 43 من ديات الأعضاء ، حديث 1 ، رواية غياث والباب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 13.

قال رحمه اللّه : الأذنان ، وفيهما الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية وفي بعضها بحساب ديتها ، وفي شحمتها ثلث ديتها على رواية فيها ضعف ، لكن يؤيدها الشهرة ، قال بعض الأصحاب : وفي خرمها ثلث ديتها ، وفسره واحد بخرم الشحمة ، وبثلث دية الشحمة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وفي شحمة الاذن ثلث دية الاذن ، وكذلك في خرمها ثلث ديتها ، قال ابن إدريس : يعني في خرم الشحمة ثلث دية الشحمة ، وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة ، وقال في الخلاف : في شحمة الاذن ثلث دية الاذن وكذلك في خرمها ، قال العلامة في المختلف - بعد أن حكى قول الشيخ في الخلاف - : فهذا يدل على أنه أراد في النهاية خرم الاذن فثلث دية الاذن ، لا كما قال ابن إدريس ، ثمَّ حكى عبارة المبسوط ثمَّ قال : وتأويل ابن إدريس لا دليل عليه ، والظاهر أن المصنف لم يرض بتأويل ابن إدريس أيضا.

قال رحمه اللّه : الشفتان وفيهما الدية إجماعا ، وفي تقدير كل واحدة خلاف قال في المبسوط في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، وهو خيرة المفيد رحمه اللّه ، وفي الخلاف : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، وهي رواية أبي جميلة ، عن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وذكره طريف في كتابه أيضا وفي أبي جميلة ضعف ، وقال ابن بابويه : هو مأثور عن طريف أيضا في العليا نصف الدية ، وفي السفلى الثلثان ، وهو نادر ، وفيه مع ندوره زيادة لا معنى لها. وقال ابن أبي عقيل : هما سواء في الدية ، استنادا الى قولهم عليهم السلام : كل ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، وهذا حسن ، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها. وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم ، والعليا ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم ، وليس حاشية الشدقين منها.

أقول : حكى المصنف للأصحاب هنا أربعة أقوال :

ص: 448

الأول : في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، حكاه الشيخ في المبسوط ، قال : وهو خيرة المفيد ، وبه قال أبو الصلاح وسلار ، لزيادة منفعة السفلى على العليا ؛ لأنها تمسك الطعام والشراب ، وشينها أقبح من شين العليا ، قال المفيد : وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى عليهم السلام.

الثاني : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، حكاه عن الشيخ في الخلاف ، قال : وهي رواية أبي جميلة (1) ، عن أبان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وذكره ظريف (2) في كتابه أيضا ، وفي أبي جميلة ضعف.

الثالث : في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ومحمد بن بابويه ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند ما ذكره المصنف (3) ، قال : وهو نادر ، وفيه مع ندوره زياده لا معنى لها ، وهذا القول مذهب ابن الجنيد ؛ لأن السفلى تمسك الطعام والشراب وتمسك اللعاب ، فتزاد ديتها عملا بالمناسبة.

الرابع : كونهما سواء في الدية ، في كل واحدة منهما النصف ، حكاه عن ابن أبي عقيل واستحسنه المصنف هنا ، وقواه في المختصر وهو ظاهر العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس ، والمستند رواية هشام بن سالم ، « قال : كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية » (4) ، وهي مقطوعة لكن رجالها ثقاة ، قال العلامة في التحرير : وان لم يسندها الى امام الا أن هشاما ثقة ، والظاهر أنه سمعها من الامام.

قال رحمه اللّه : ولو تقلصت ، قال الشيخ : فيه ديتها ، والأقرب الحكومة ،

ص: 449


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 1.
3- المصدر السابق.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.

ولو استرختا فثلثا الدية.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لذهاب منفعتها بالكلية ، ووجه القرب (1) فيما اختاره المصنف أصالة براءة الذمة من وجوب الدية تامة ، ولعدم التقدير في ذلك ، فيرجع الى الأرش ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم ، وهي ثمانية وعشرون حرفا ، وفي رواية تسعة وعشرون حرفا ، وهي مطرحة.

أقول : أشار الى ما رواه حماد بن عيسى (2) عن الصادق عليه السلام ، وعمل الأصحاب على الثمانية والعشرين ، ولا فرق بين الحروف اللسنية والحلقية ، ولا بين الثقيلة والخفيفة.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقة [ عند الجناية ] ، صدق مع القسامة ، لتعذر البينة ، وفي رواية : يضرب لسانه بإبرة ، فإن خرج الدم أسود صدق ، وإن خرج أحمر كذب.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة ، « قال : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه ، كيف يعلم انه صادق؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : اما ما ادعاه أنه لا يشم الرائحة فإنه يدنى منه الحراق فان كان كما يقول والأحول أنفه ودمعت عيناه ، وأما ما ادعاه في عينيه فإنه يقابل بعينه عين الشمس ، فان كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه ، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، وأما ما ادعاه من لسانه فإنه يضرب لسانه بالإبرة ، فإن خرج

ص: 450


1- في « ن » : الفرق.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات المنافع ، حديث 5.

الدم أحمر فقد كذب وان خرج الدم أسود فقد صدق » (1) ، وقال الشيخ : يثبت حقه بالقسامة ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو جنى على لسانه فذهب كلامه ثمَّ عاد ، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط : نعم ، لأنه لو ذهب لما عاد ، وقال في الخلاف : لا ، وهو أشبه.

أقول : أما حجة الشيخ في المبسوط فقد حكاها المصنف ، وأما حجته في الخلاف فإن العائد من الكلام هبة متجددة من اللّه تعالى ، والمجني عليه قد استحق الدية بسبب الجناية الموجبة لها ، فلا تستعاد بسبب الهبة من اللّه تعالى ، وفصل في القواعد ، قال : والأقرب الاستعادة إن علم أن الذاهب أو لا ليس بدائم ، والا فلا معناه ان حكم أهل الخبرة بعدم دوام الذهاب ، بل يحتمل عود النطق ، وان كان بعلاج ثمَّ عاد استعيدت الدية ، وان حكموا بدوام الذهاب وعدم عود النطق ثمَّ عاد لم تستعاد الدية ؛ لأنه هبة متجددة حينئذ ، وهذا التفصيل لا بأس به لما فيه من الجمع بين القولين.

قال رحمه اللّه : وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي ، وفيها ثلث دية الأصلي إن قلعت منفردة ، وقيل : فيها الحكومة ، والأول أظهر.

أقول : القائل بالحكومة هو المفيد رحمه اللّه قال : وما زاد على هذه الأسنان فليس له دية مقطوعة شرعا ، لكن ينظر ما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه على تقدير أن يكون عبدا ويعطى بحسابه ، والمشهور الأول ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما قرره الشارع.

قال رحمه اللّه : ولو اسودت السن بالجناية ولم يسقط فثلثا ديتها وفيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر.

ص: 451


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اسودت السن بالجناية كان فيها الثلثان ، قاله الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، والمستند رواية عبد اللّه بن سنان (1) ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة.

الثانية : إذا قلعت بعد الاسوداد بالجناية ففيها ثلث الدية عند الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية العزرمي ، عن أبيه ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، « في السن السوداء ثلث ديتها » (2) ، ولأنها في معنى الأشل ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة ؛ لأنها المتيقن وما زاد من التقدير في رواية ضعيفة السند لا تعارض البراءة الأصلية ، وقال في النهاية : فيها ربع دية السن ، لرواية عجلان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في السن السوداء ربع دية السن » (3) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه اللّه : وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها ، وفي الرواية ضعف ، والحكومة أشبه.

أقول : وجوب الثلاثين مع الانصداع أي التخلخل ، وعدم السقوط مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في القواعد ، ولعله تشبيه بالشلاء وكونها في معرض السقوط ، وأما الرواية المشار إليها بالضعف فلم نقف عليها ، واختار ( المصنف و) (4) العلامة الحكومة ، لأصالة براءة الذمة من وجوب شي ء مقدر ؛ لان التقدير حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية وليس.

قال رحمه اللّه : والدية في المقلوعة مع سنخها ، وهو الثابت منها في اللثة ،

ص: 452


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 40 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.
4- ما بين القوسين ليس في النسخ.

ولو كسر ما برز عن اللثة فيه تردد ، والأقرب أن فيه دية السن.

أقول : منشؤه من أن الدية الكاملة انما تكون في مجموع السن ، والمجموع ما كان بارزا منه مع ما هو في اللثة ، ومع عدمه فلا يجب الدية كاملة بدون المجموع ، ومن إطلاق اسم السن على ما كان بارز منه عن اللثة ، قال الشيخ وابن إدريس : السن ما شاهدته بارزا منه عن اللثة ، والسنخ أصله ، وجزم العلامة بوجوب الدية في البارز عن اللثة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وينظر بسن الصغير ، فان نبتت لزم الأرش ، ولو لم ينبت فدية المثغر ، ومن الأصحاب من قال : فيها بعير ولم يفصل ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه النوفلي (1) عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي ضعيفة السند ، والمعتمد التفصيل الذي ذكره المصنف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه القاضي وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

تنبيه : أطلق أكثر الأصحاب الانتظار من غير تعيين (2)) المدة ، وقيده العلامة بالسنة ؛ لأنه الغالب. وأورد عليه الشهيد بان من بلغ أربع سنين العادة قاضية بأن سنة لو قلعت لم تنبت الا بعد مدة تزيد عن السنة قطعا ، قال : وانما هذا شي ء اختص به المصنف رحمه اللّه - يعني العلامة - ولا أعلم وجه ما قاله ، وهو أعلم بما قال ، ثمَّ اختار التقييد بنبات أسنانه بعد سقوطها ، وفاقا لما قاله ابن البراج في المهذب قال : وينبغي للمجني عليه أن يصبر حتى تسقط أسنانه التي هي أسنان اللبن وتعود.

فرع : لو مات الصبي في مدة الانتظار قبل عودها وقبل اليأس منه لزم

ص: 453


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 33 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.
2- في الأصل : تقييد.

الجاني الأرش ، فيقوم مقلوع السن من حين الجناية إلى حين الموت وسليما هذه المدة ، وتؤخذ من الدية بنسبة تفاوت القيمتين.

قال رحمه اللّه : ولو قطعت من المرفق أو من المنكب ، قال في المبسوط : عندنا فيه مقدر ، محيلا على التهذيب.

أقول : في اليدين معا الدية كاملة ، وفي كل واحدة نصف الدية سواء اليمين والشمال ، وحدها المعصم وهو المفصل الذي بين الكف والذراع ، فلو قطعت مع الأصابع فدية واحدة خمس مائة دينار ، فان قطعت الأصابع منفردة ففيهما (1) خمس مائة دينار ، ولو قطع كفا لا أصابع لها فالحكومة ، سواء ذهبت الأصابع بجناية جان أو من قبل اللّه تعالى ، ولو قطع مع اليد بعض الزند في اليد خمس مائة دينار ، وفي الزائد حكومة ، وهذا كله مما لا أشكال فيه.

ولو قطع اليد من المرفق أو المنكب ، قال الشيخ في المبسوط : واليد التي تجب نصف الدية فيها هي الكف الى الكوع ، وهي ان يقطعها من المفصل الذي بينها وبين الكوع ، فان قطع أكثر من ذلك كان فيها دية وحكومة بقدر ما قطع ، فان كان من نصف الذراع أو من المرفق أو العضد أو المنكب ففي الزائد حكومة ، وكلما كانت الزيادة أكثر كانت الحكومة أكثر ، وعندنا أن جميع ذلك فيه مقدر ذكرناه في تهذيب الاحكام ، وهو يعطي أن الحكومة ليست مذهبا له وانما نقلها عن المخالف ، وقال المفيد : في اليدين إذا استؤصلتا الدية كاملة ، وكذا في الذراع والذراعين والعضد والعضدين ، وهو يعطي أن في الذراع وحده منفردا الدية ، وكذا في العضد ، وبه قال أبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لقوله عليه السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (2)

ص: 454


1- كذا.
2- تقدم في الهامش (2) من ص 434 والموجود فيه ( ففيهما ) بدل ( ففيه ).

ويحتمل في الذراعين والعضدين الحكومة ؛ لأن الشارع لم يقدر لها دية بانفرادها (1) ، وتحقيق الأول : أن اليد إذا قطعت من المعصم أو من المرفق أو من المنكب ففيها الدية خاصة ، وان قطعت من غير المفصل (2) بل من بعض الزند أو بعض العضد ففيها دية وحكومة ، وإن قطعت من المعصم ثمَّ قطعت من المرفق كان فيها ديتان ، فان قطعت بعد ذلك من المنكب كان فيها دية أخرى ثالثة ، ولو قطعت أولا من مفصل ، وثانيا من غير مفصل كان في الأول دية وفي الثاني حكومة وهذا التحقيق مذهب المفيد وأبي الصلاح والقواعد والتحرير وهو المعتمد ، وظاهر المصنف العمل على ذلك ؛ لأنه قال في آخر كلامه : ويظهر لي في الذراعين الدية ، وكذا في العضدين ، وفي كل واحد نصف الدية.

قال رحمه اللّه : فلو قطعهما ففي الأصلية دية ، وفي الزائدة حكومة ، وقال في المبسوط : ثلث دية الأصلية ، ولعله تشبيه بالسن.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن في اليد الزائدة حكومة ؛ لأن الشارع لم يجعل لها دية مقدرة ، وما ليس له مقدر فيه الحكومة ، والظاهر أن الشيخ أحال اليد الزائدة على السن الزائدة ، فكما أن في السن الزائدة ثلث الأصلية كذلك في اليد الزائدة ثلث الأصلية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي أصابع اليدين الدية ، وكذا في أصابع الرجلين ، وفي كل واحدة ثمن الدية ، وقيل : في الإبهام ثلث الدية ، وفي الأربعة البواقي الثلثان بالسوية.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، والمشهور الأول وهو مذهب

ص: 455


1- في الأصل : لانفرادها.
2- في النسخ : مفصل.

الشيخين وابن الجنيد (1) وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، ومستند الفريقين الروايات (2).

قال رحمه اللّه : وفي الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير ، وكذا لو نبت أسود ، ولو نبت أبيض كان فيه خمسة دنانير ، وفي الرواية ضعف غير أنها مشهورة ، وفي رواية عبد اللّه بن سنان في الظفر خمسة دنانير.

أقول : الرواية الأولى المشار إليها بالضعف رواية مسمع بن عبد الملك (3) عن الصادق عليه السلام ، وفي طريقها محمد بن الحسن بن شمون (4) ، قال ابن الغضائري : إنه وقف ثمَّ غلا فلا يلتفت الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، والرواية الثانية (5) محمولة على نباته أبيض ، لوجوب حمل المطلق على المقيد ، وقال ابن إدريس يجب ثلثا ديته إذا خرج أسود ، وجنح إليه العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين واستحسنه أبو العباس ، لأصالة براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل ، وأيضا فليس خروجه أسود كلا خروجه ، فيكون ديته حال خروجه أسود أقل من ديته حال عدم خروجه عملا بالمناسبة.

قال رحمه اللّه : الثاني عشر : الظهر ، وفيه إذا كسر الدية ، وكذا إذا أصيب واحدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود ، ولو صلح كان فيه ثلث الدية ، وفي رواية ظريف : إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار ، وان عثم فألف دينار ولو كسر فشلت الرجلان فدية له ، وثلثا دية للرجلين ، وفي الخلاف : لو

ص: 456


1- ليس في « ر 1 ».
2- الوسائل ، كتاب الديات ، احاديث باب 12 و 39 من أبواب ديات الأعضاء.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 41 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- في « ن » : الحسين بن ميمون ، وفي « ر 1 » : الحسن بن شمعون.
5- المصدر المتقدم ، حديث 2.

كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه فديتان.

أقول : مختار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، ومستندهم صحيحة الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام ، وما حكاه عن الخلاف من وجوب الديتين بذهاب المشي والجماع هو المشهور بين الأصحاب أيضا ، وجزم به العلامة في القواعد ، فعلى هذا لو جبر صلبه فعادت إحدى المنفعتين وجبت دية واحدة ، ولو عادت ناقصة فدية وحكومة عن نقص العائدة ، والقول قول المجني عليه مع يمينه في ذهاب الجماع إن ادعاه ، وشهدت أهل الخبرة أن هذه الجناية تؤدي الى ذهابه والا فلا ، ولو ذهب ماؤه دون جماعه احتمل وجوب الدية ؛ لأنه أذهب منفعة مقصودة ، ويحتمل الحكومة ؛ لأنه لم يذهب المنفعة أجمع وهو أقوى (2).

قال رحمه اللّه : ولو قطع الحلمتين ، قال في المبسوط فيهما الدية ، وفيه إشكال من حيث أن الدية في الثديين ، والحلمتان بعضهما ، أما حملتا الرجل ففي المبسوط والخلاف : فيهما الدية ، وقال ابن بابويه رحمه اللّه : في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية ، مائة وخمسة وعشرون دينارا ، وكذا ذكر الشيخ رحمه اللّه في التهذيب عن طريف ، وفي إيجاب الدية فيهما بعد ، والشيخ أضرب عن رواية ظريف ، وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في حلمة ثدي المرأة ، وقد حكى عن (3) الشيخ في الكتابين أن فيهما الدية ثمَّ استشكله ؛ لأن الدية في الثديين والحلمة بعضهما ، فلو وجب في الحلمة ما وجب في الجميع لزم مساواة الكل للبعض وهو باطل ، ونقض بالأنف

ص: 457


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 4.
2- في النسخ : قوي.
3- ليست في « ر 1 ».

واليد والذكر ، وأجيب بوجود النص هنا وفقده هناك. احتج الشيخ ب- « كل ما فيه من البدن اثنان فيه الدية » ، وفخر الدين ذهب الى وجوب الحكومة وهو ظاهر المصنف.

الثانية : في حلمة ثدي الرجل وقد حكى المصنف (1) عن الشيخ أن فيهما الدية ، لقوله عليه السلام : « كل ما في البدن منه اثنان ففيه الدية » ، ثمَّ حكى قول ابن بابويه ( أيضا ، وابن إدريس والعلامة في المختلف تابعا الشيخ ، وابن الجنيد وابن حمزة تابعا ابن بابويه ) (2) والمصنف استبعد الدية لما مر من الاشكال المتقدم في حلمتي المرأة وظاهره وجوب الحكومة وهو اختيار فخر الدين لان ذلك هو المتيقن وما عداه مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : وفي الخصيتين الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية ، وفي رواية في اليسرى ثلثا الدية ؛ لأن منها الولد ، والرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة.

أقول : الرواية إشارة الى حسنة عبد اللّه بن سنان (3) عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج في المهذب وسلار ، قال المصنف : لكن يتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة ، والمراد به ما ورد من قولهم : « كل ما في البدن منه اثنان ففيهما الدية » والمشهور التساوي فيهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي أدرة الخصيتين أربع مائة دينار ، فان فحج فلم يقدر

ص: 458


1- ليست في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.

على المشي فثمان مائة دينار ، ومستنده كتاب ظريف غير أن الشهرة تؤيده.

أقول : قال صاحب الصحاح الأدرة : نفخة في الخصية ، يقال رجل أدر بين الأدرة ، وتسمى في العرف القروة ، والمستند (1) وان كان ضعيفا لكن عليه عمل الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وفي إفضاء المرأة ديتها ، ولو كانت المكرهة بكرا ، هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر؟ فيه تردد ، والأشبه وجوبه.

أقول : منشؤه من أنه فعل واحد فيجب مهر المثل وهو (2) عوض الوطي ، فلا يجب غيره ، ومن أنه جناية زائدة عن الوطي فوجب عليه أرشها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كسر بعصوصه فلم يملك غائطه ، كان فيه الدية ، وهي رواية سليمان بن خالد ، ومن ضرب عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ، ففيه الدية ، وهي رواية إسحاق بن عمار.

أقول : البعصوص عظم دقيق حول الدبر ، والعجان ما بين الخصية إلى حلقة الدبر ، وقد ذكر المصنف مستند الحكم (3) في ذلك ولم أجد فيه مخالفا بل فتاوى الأصحاب متطابقة على ذلك.

قال رحمه اللّه : قال في المبسوط والخلاف : في الترقوتين الدية ، وفي كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا ، ولعله إشارة الى ما ذكره الجماعة عن ظريف ، وهو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا.

أقول : المشهور بين الأصحاب ما ذكره الشيخ في الكتابين المذكورين ،

ص: 459


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 18 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
2- ليست في الأصل.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1 - 2.

وجزم به العلامة ، والمستند كتاب ظريف (1) والمصنف لم يجزم بذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ولم يذكر الأصحاب حكمها إذا لم تجبر أو جبرت على عيب (2) ، والظاهر أن فيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية ، لعموم قوله عليه السلام : « كل مافي البدن منه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية،وما كان فيه واحد ففيه الدية ».

قال رحمه اللّه : من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي ذلك بثلث الدية ، وهي رواية السكوني ، وهو ضعيف.

أقول : روى السكوني عن الصادق عليه السلام ، « قال : رفع الى أمير المؤمنين عليه السلام رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه ، فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث كما أحدث أو يغرم ثلث الدية » (3) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا قصاص هنا ، لما فيه من التغرير بالنفس (4) واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ويقضي على الجاني بالحكومة ؛ لأنه المتيقن ، والتقدير بالثلث حكم شرعي فلا يثبت بمثل رواية السكوني لضعفه ، وإنما يثبت بالأخبار الضعيفة ما اعتضد بالأصل أو بعمل الأصحاب.

قال رحمه اللّه : من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ، فعليه ثلث ديتها ، وفي رواية ديتها ، وهو أولى ، وقيل : مهر نسائها.

أقول : أما وجوب ثلث ديتها فرواية محمد بن بابويه في من لا يحضره الفقيه والشيخ في التهذيب عن علي عليه السلام ، « في رجل افتض جارية بإصبعه

ص: 460


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
2- في « م » : غير عيب.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 20 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 1.
4- في الأصل : التعزير في النفس.

فخرق مثانتها فلم تملك بولها فجعل لها ثلث نصف الدية مائة وستة وستين دينارا وثلثي دينار ، وذلك ثلث دية المرأة ، وقضى لها عليه صداقها مثل نسائها » (1) ، والرواية المتضمنة لديتها رواية هشام (2) عن أبي الحسن عليه السلام ، ويعضدها أن استمساك البول منفعة واحدة فيجب في تفويتها الدية ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد ، وعلى القولين لا بد من مهر نسائها لذهاب بكارتها.

ص: 461


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 30 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 3.

ص: 462

في الجناية على المنافع

قال رحمه اللّه : العقل وفيه الدية ، وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم ، إذ لا طريق الى تقدير النقصان ، وفي المبسوط يقدر بالزمان ، فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب نصفه ، أو [ جنّ ] يوما وأفاق يومين ، كان الذاهب ثلثه ، وهو تخمين.

أقول : جزم العلامة في القواعد بما قرره الشيخ في المبسوط ، وهو التقدير في الزمان وذلك مع إمكان الضبط ، مثل أن يجن يوما ويفيق يوما ، أو يجن يوما ويفيق يومين ، أو بالعكس وهكذا ، ولو لم يضبط زمان الإفاقة ولا زمان الجنون ، مثل أن يجن بعض يوم ويفيق بعضه فإنه يرجع الى تقدير الحاكم ، والمصنف لم يلتفت الى هذا التقدير ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية وليس ، والقول بغير دليل تخمين ، فالمرجع في ذلك الى رأي الحاكم سواء أمكن ضبط الزمان أو لم يمكن ، وهو ظاهر العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : ولو شجه فذهب عقله لم يتداخل دية الجنايتين ، وفي رواية : إذا كان ضربة واحدة تداخلتا ، والأول أشبه ، وفي رواية : لو ضربه على

ص: 463

رأسه فذهب عقله انتظر به سنة ، فان مات فيها قيد به ، وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي عبيده الحذاء « قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله؟ فقال : إن كان المضروب لا يعقل أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنه ينتظر به سنة ، فان مات فيما بينه وبين سنة قيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين سنة ولم يرجع اليه عقله ، لزم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت فما ترى عليه في الشجة شيئا؟ قال : لا ؛ لأنه إنما ضربه واحدة فجنت الضربة جنايتين ، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كانتا الا ان تكون فيهما الموت ، فيقاد به ضاربه بواحدة وتطرح الأخرى » (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، واختار المصنف والعلامة عدم التداخل مطلقا ما لم تسر الجناية إلى النفس ، واختاره أبو العباس أيضا ؛ لأنهما جنايتان وتداخلهما على خلاف الأصل ، ولو قال المصنف : وفي الرواية كان أحسن من قوله : وفي رواية ؛ لأن الثانية هي الأولى.

قال رحمه اللّه : وفي رواية يقابل بالشمس فان كان كما قال بقيتا مفتوحتين.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) ، وقد تقدمت في اللسان (3).

ص: 464


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 7 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.
3- تقدم ص 450.

قال رحمه اللّه : وفي رواية : يحرق له حراق ويقرب منه ، فان دمعت عيناه ونحى أنفه فهو كاذب.

أقول : هذه رواية الأصبغ بن نباته المتقدمة ، ولا عمل عليها في شي ء مما تضمنته.

قال رحمه اللّه : قيل : في سلس البول الدية ، وهي رواية غياث بن إبراهيم ، وفيه ضعف ، وقيل : إن دام الى الليل ففيه الدية ، وإن كان الى الزوال فثلثا الدية ، والى ارتفاع النهار فثلث الدية.

أقول : روى غياث ابن إبراهيم عن الصادق عليه السلام ، « أن عليا عليه السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة (2) ؛ لأنه منفعة (3) واحدة في البدن ، والمصنف توقف في ذلك ؛ لأن غياث بتري فعلى تقدير عدم العمل بالرواية يجب الحكومة ، وروى الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار ، « قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله؟ فقال : إن كان البول يمر الى الليل فعليه الدية ، وان كان الى نصف النهار فعليه ثلثا الدية ، وإن كان الى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية » (4) قال العلامة : والظاهر أن المراد في ذلك ( في كل ) (5) يوم والمعتمد اختيار المصنف.

ص: 465


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 4.
2- في النسخ : المصنف.
3- في النسخ : لأن منفعته.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 3.
5- ما بين القوسين ليس في « م » و « ر 1 ».

ص: 466

في الشجاج والجراح

اشارة

قال رحمه اللّه : أما الخارصة فهي التي تقشر الجلد ، وفيها بعير ، وهل هي الدامية؟ قال الشيخ : نعم والرواية ضعيفة ، والأكثرون على أن الدامية غيرها ، وهي رواية منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

أقول : ذهب الشيخ الى أن الخارصة والدامية مترادفتان على معنى واحد ، وتبعه ابن البراج في الكامل وهو ظاهر أبي الصلاح وابن حمزة حيث أسقطا لفظ الخارصة وذكر (1) الدامية وهو تفسير الأصمعي ، استند الشيخ ومن تابعة إلى رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : قال : أمير المؤمنين عليه السلام قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في المأمومة ثلث الدية ، وفي المنقولة خمس عشرة من الإبل ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وفي الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وقضى في المتلاحمة ثلاثة أبعرة » (2) ومثلها

ص: 467


1- كذا.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الشجاج ، حديث 6 ورواية السكوني حديث 8.

رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمشهور المغايرة بين الدامية والخارصة ، لما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن علي عليه السلام : « في الخارصة وهي الخدش بعير ، وفي الدامية بعيران » (1).

وعلى القولين لا يزيد الشجاج على ثمان ولا ينقص عنها ، وهي الخارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة ، فعلى القول بأن الخارصة هي الدامية تكون الباضعة غير ( الدامية ) (2) المتلاحمة ، فحينئذ يصير الدامية والخارصة واحدا ، وهي التي تقشر الجلد وفيها بعير ، وان شئت سميتها خارصة ، وان شئت سميتها دامية ، وتصير الباضعة هي التي تأخذ في اللحم يسيرا ، وعلى القول بأن الدامية غير الخارصة تكون الباضعة هي المتلاحمة فلا تفاوت حينئذ في العدد ، ولا في الدية.

قال رحمه اللّه : أما الهاشمة فهي التي تهشم العظم ، وديتها عشر من الإبل أرباعا إن كان خطأ ، وأثلاثا إن كان شبيه العمد.

أقول : قوله أرباعا إن كان خطأ وأثلاثا إن كان شبيه العمد أي أربعة أسنان من الإبل أو ثلاثة منها ، وذلك ؛ لأن دية الخطأ عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، فهذه أربعة أسنان ، ودية الهاشمة عشر ذلك ، فتأخذ عشر كل سن فيجتمع بنتا مخاض ، وابنا لبون ، وثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق فهذا معنى قوله ( أرباعا ) أي بالنسبة إلى الأسنان.

ودية شبيه العمد تشمل على ثلاث أسنان من الإبل ، هي ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقه ، وأربعون خلفة وهي الحامل ، ودية الهاشمة عشر الجميع فتأخذ ثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق ، وأربع خلفات ، وهذا معنى قوله ( أو

ص: 468


1- المصدر السابق ، حديث 14.
2- ليس في النسخ.

أثلاثا ).

ولم يذكر العمد مع أن الواجب في الهاشمة الدية وإن كانت عمدا ، لأن أسنان الإبل لا تختلف في العمد ، بل يجب فيها مائة من مسان الإبل فلهذا أهمل ذكرها.

قال رحمه اللّه : ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما ، واتصل الهشم باطنا ، قال في المبسوط : هما هاشمتان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الهشمة (1) إنما تكون تبعا للإيضاح ، فاذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين ، ومن اتصال الهشم فيكون واحدا ولا يشترط في الهشم الجرح الظاهر ؛ لأنه لو حصل ( الهشم من غير جرح ) (2) ثبت ديته وإن لم يكن جرحا.

قال رحمه اللّه : ولا قصاص في المأمومة ؛ لأن السلامة معها غير غالبة ، ولو أراد المجني أن يقتص في الموضحة ، ويطالب بدية الزائد جاز ، والزيادة ثمانية وعشرون بعيرا ، قال في المبسوط : وثلث بعير ، وهو بناء على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين وثلثا ، ونحن نقتصر على ثلاثة وثلاثين تبعا للنقل.

أقول : قال ابن إدريس : وفي الثانية - يعني المأمومة - ثلث دية النفس ، ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب من غير زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل ، ولا يلزمه ثلث البعير الذي يكمل به ثلث المئة بعير التي هي دية النفس ؛ لان روايتهم مطلقة وكذا مصنفاتهم وقول مشايخهم وفتاويهم ، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء ؛ لأن ذلك يتحدد فيه الثلث ، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم ، قال : وما حررناه واخترناه تحرير السيد المرتضى في جواب المسائل الناصريات التي هي الطبريات ، وكذا قال

ص: 469


1- كذا.
2- في الأصل و « م » : معه جرح ، بدل ما بين القوسين.

شيخنا المفيد في مقنعته : دية المأمومة ثلث دية النفس ثلاث وثلاثون بعيرا ، ولم يقل وثلث بعير ، وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته (1) انتهى كلام ابن إدريس واختاره المصنف.

وجزم العلامة في القواعد : أن في المأمومة ثلاث وثلاثون بعيرا وثلث بعير ، كما هو مذهب المبسوط ، قال العلامة في المختلف : والروايات الدالة على أن فيها ثلث الدية تدل على ذلك ، لكن الروايات الأخرى تدل على أن الواجب ثلاث وثلاثون بعيرا ، روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام : « في المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل ، والجائفة ثلاث وثلاثون من الإبل » (2).

قال رحمه اللّه : ولو طعن في صدره فخرج من ظهره ، قال في المبسوط : واحدة ، وفي الخلاف : اثنتان ، وهو أشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لإطلاق الاسم عليهما من (3) البطن والظهر ، ولما في ذلك من زيادة الألم المقتضي لزيادة العقوبة ، ولأنه لو انفردت كل منهما لا وجبت حكما ، فمع الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حالة الانفراد للاستصحاب ، ولأنه لو طعنه من كل جانب طعنة والتقتا كانتا جائفتين فكذا هنا ، إذ لا فارق غير اتحاد الضربة وتعددها وهو غير صالح للفرق. وحجة المبسوط أصالة البراءة ، ولأن الجائفة ما نفذت الى الجوف من ظاهر ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل ، ففيها مائة دينار.

ص: 470


1- السرائر ، ج 3 ، ص 408.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الشجاج ، حديث 4.
3- في الأصل : كما في.

أقول : هذا قول ظريف بن ناصح في كتابه ، قال : « والنافذة إذا نفذت من خنجر أو رمح في شي ء من أطراف الرجل فديتها عشر دية الرجل مائة دينار » (1) وظاهر المصنف التوقف في ذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى عدم العمل بقول ظريف تكون فيها الحكومة ، وكذا لو كانت في أطراف المرأة فإن فيها الحكومة وإن قلنا بما تضمنه كتاب ظريف ، لاختصاص ذلك بالرجل.

قال رحمه اللّه : وفي احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف ، وفي اخضراره ثلاثة دنانير ، وكذا في الاسوداد عند قوم ، وعند آخرين ستة دنانير ، وهو أولى ، لرواية إسحاق بن عمار (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ولما فيه من زيادة النكاية ، وقال في جماعة : ودية هذه الثلاث في البدن على النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في احمرار الوجه أو اخضراره أو اسوداده في الجناية ، ولا خلاف فيما قدر في الاحمرار والاخضرار ، وانما الخلاف في الاسوداد ، فالمفيد وسلار وابن الجنيد وأبو الصلاح والسيد المرتضى وابن إدريس ذهبوا الى مساواة الاسوداد للاخضرار في إيجاب ثلاثة دنانير ، لأصالة براءة الذمة عما زاد على ذلك ، وقال الشيخ في النهاية والخلاف : في الاسوداد ستة دنانير ، وتابعه ابن حمزة وابن البراج في الكامل ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد والوجه ما ذكره المصنف.

الثانية : هذه الجناية إذا حصلت في البدن كان على النصف ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة متابعة للأصحاب ، ولم يجزم به

ص: 471


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح ، حديث 1.

المصنف ؛ لأنه لم يظفر بدليل مقنع ، والتقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى تقدير عدم العمل بما هو مشهور بين الأصحاب يكون في ذلك الحكومة ، والمشهور هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : من لا ولي له فالإمام ولي دمه يقتص إن قتل عمدا ، وهل له العفو؟ الأصح : لا ، وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية ، وليس له العفو.

أقول : عدم جواز العفو هو المشهور بين الأصحاب ، وهو قريب من الإجماع ، لما رواه أبو ولاد عن الصادق عليه السلام : « في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الامام أنه ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الامام وكذلك ديته تكون له » (1) ، وقال ابن إدريس له العفو ؛ لأنه وارث فله إسقاط حقه كغيره من الوارث ، والأول هو المعتمد.

ص: 472


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 60 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 1 و 2.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو كان ذميا فعشر دية أبيه ، وفي رواية السكوني ، عن جعفر ، عن علي عليهما السلام : عشر دية أمّه ، والمعتمد على الأول.

أقول : وجه الأول أن الواجب في جنين الحر مائة دينار ، وهي عشر دية الأب ، فكذا دية جنين الذمي فيه عشر دية أبيه ، وروى السكوني عن جعفر عن علي عليهما السلام : « في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه » (1) وهي متروكة ، وحملها العلامة على كون الأم مسلمة.

قال رحمه اللّه : ولو لم تتم خلقته ففي ديته قولان ، أحدهما عشرة ، ذكره في المبسوط ، وفي موضع من الخلاف ، وفي كتابي الأخبار ، والآخر : - وهو الأشهر - ، توزيع الدية على مراتب النقل ، ففيه عظما ثمانون ، ومضغة ستون ، وعلقة أربعون.

أقول : وجوب الغرة مذهب الشيخ في الكتب المذكورة ، وابن الجنيد أطلق وجوب الغرة في الجنين ، ولم يقيد بتمام الخلقة وعدمه ، لما رواه أبو بصير عن

ص: 473


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 22 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.

الصادق عليه السلام ، « قال : إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا ، كان عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها » (1) ، والتوزيع مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ولهم عليه روايات كثيرة (2) ، وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف الأصحاب في الغرة ، والمشهور أنها عبد أو أمة ، وهو قول صاحب الصحاح وأبو عبيدة من أهل اللغة ، وقال العلامة في القواعد عبد أو أمة ولا يكون معيبا ولا شيخا كبيرا ولا له أقل من سبع سنين ، وقال الشيخ : الغرة من كل شي ء خياره ، وهو قول أبي سعيد الضرير ، والأول هو المعتمد ؛ لأنه قول الأكثر من الفقهاء وأهل اللغة.

قال رحمه اللّه : وقال بعض الأصحاب : وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك ، وفسره واحد بأن النطفة تمكث عشرين يوما ثمَّ تصير علقة ، وكذا بين العلقة والمضغة ، فيكون لكل يوم دينار ، ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول ، ثمَّ نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد. على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما ، وكذا بين العلقة والمضغة ، روى ذلك سعيد بن المسيب ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبو جرير القمي عن موسى على السلام ، وأما العشرون فلم نقف بها على رواية ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين لنا أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال وليس محتمل واقعا ، مع أنه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه الصلاة والسلام : « إن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين ». وكذا كل ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد

ص: 474


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 20 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 5.
2- راجع أحاديث الباب في المصدر السابق.

دينارين ، وهذه الاخبار وإن توقف فيها لاضطراب النقل أو لضعف الناقل ، فكذا توقف على التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا ، ثمَّ يصير علقة وفيه أربعون دينارا ، وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثمَّ يصير مضغة وفيها ستون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ثمَّ يصير عظما وفيه ثمانون دينارا ، ثمَّ يصير مكسوا عليه اللحم خلقا سويا تشتق له العينان والأذنان والأنف قبل ان تلجه الروح وفيه مائة دينار ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ولم يفسره.

قال ابن إدريس : الجنين الولد ما دام في البطن وأول ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم الى عشرين يوما عشرون دينارا ، ثمَّ بعد العشرين يوما لكل يوم دينار إلى أربعين يوما ففيه أربعون دينارا ، وهي دية العلقة فهذا معنى قولهم ( وفيما بين ذلك بحساب ذلك )

وأنكر ذلك المصنف وطالبه بصحة ما ادعاه من أن النطفة تمكث عشرين يوما مع أن المروي في المكث بين المراتب أربعين يوما ، روى أبو حرير القمي ، عن العبد الصالح عليه السلام ، « قال : إنه يكون في بطن أمه أربعين يوما ثمَّ يكون علقة أربعين يوما » (1) ومثله رواه سعيد بن المسيب (2) عن زين العابدين عليه السلام ، قال : اما العشرون فلم نقف بها على رواية ، قال : ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين ان التفاوت في الدية مقسوم على الأيام ، ثمَّ قال : يحتمل أن يكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني (3) ، عن الصادق عليه السلام ، وهذه الرواية رواها محمد بن بابويه في المقنع وفي كتاب من لا يحضره

ص: 475


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 9.
2- المصدر السابق ، حديث 8.
3- المصدر السابق ، حديث 5.

الفقيه ، قال في المقنع : في النطفة عشرون دينارا ، فان خرج في النطفة قطرة دم فهي عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا ، وإن قطرت قطرتين فأربعة وعشرون دينارا ، فان قطرت ثلاث قطرات فستة وعشرون دينارا ، فان قطرت أربع قطرات ففيها ثمانية وعشرون دينارا ، فان قطرت خمس قطرات ففيها ثلاثون دينارا ، وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى يصير علقة ، فإذا صارت علقة ففيها أربعون دينارا ، ان خرجت مخضخضة بالدم ، فان كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وان كان دما أسود فلا شي ء عليه الا التعزير ؛ لأنه ما كان من دم صاف فهو الولد وما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف ، فان كان في (1) العلقة شبه العرق من اللحم ففي ذلك اثنان وأربعون دينارا ، فان كان في المضغة شبه العقدة عظما ناتيا (2) فذلك العظم أول ما يبتدي ففيه أربعة (3) دنانير ومتى ( زاد زائد ) (4) أربعة حتى تتم الثمانون ، وإذا اكتسى العظم لحما وسقط الصبي ، لا يدري حيا كان أو ميتا ، فإنه إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه حياة ، وقد استوجب الدية ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه ، وظاهر المصنف والعلامة التوقف.

قال رحمه اللّه : ولو قتلت المرأة فمات معها [ جنين ] فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن جهل حاله ، ولو علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها ، وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة ؛ لأنه مشكل ولا إشكال مع وجود ما يصار اليه من النقل المشهور.

أقول : القرعة مذهب ابن إدريس ، قال : لأن القرعة مجمع عليها في كل

ص: 476


1- ليست في النسخ.
2- في « ن » : يابسا.
3- في « م » : أربعون.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : ما زاد أزيد.

مشكل وهذا من ذاك ، ونصف الديتين مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه لا اشكال مع النقل ، لتطابق الروايات بذلك مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان (1) ، ورواية ابن مسكان (2) ، عمن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وغير ذلك من الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولو عزل المجامع اختيارا عن الحرة ولم تأذن ، قيل : يلزم عشرة دنانير ، وفيه تردد ، أشبهه أنه لا يجب.

أقول : الوجوب مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن إدريس : لا يجب ، واختاره المصنف هنا ، وقد مضى البحث في هذه المسألة في باب النكاح (4).

قال رحمه اللّه : في قطع رأس الميت المسلم مائة دينار ، وفي قطع جوارحه بحساب ديته ، وكذا في شجاجه وجراحه ، ولا يرث وارثه منها شيئا ، بل تصرف في وجوه القرب عنه ، عملا بالرواية ، وقال علم الهدى رحمه اللّه : يكون لبيت المال.

أقول : جرت عادة الفقهاء بالبحث عن دية قطع رأس الميت والجناية عليه عقيب دية الجنين ، للمشاركة بينهما في أن كل منهما صورة آدمي ليس فيه روح ، ولهذا ساوى الشارع بينهما في الدية ، والمشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار وفي رواية عبد اللّه بن مسكان عن الصادق عليه السلام : « في قطع رأس الميت

ص: 477


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2 ، لاحظ المهذب البارع ، ج 5 ، ص 382 ، وغوالي اللئالي ، ج 3 ، ص 653 ، والكافي ، كتاب الديات باب دية الجنين ، حديث 8.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 21 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 2 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 2.
4- ج 3 ص 14.

الدية ؛ لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي » (1) ، والمعتمد الأول ، والمشهور أنه يتصدق بها عنه وتصرف في وجوه القرب ، لما رواه الحسن بن خالد ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، « قال : دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مائة دينار وهي لورثته ودية الميت إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليست هي لورثته انما هي له دون الورثة ، قلت : وما الفرق بينهما؟ قال : ان الجنين مستقبل مرجو نفعه وان هذا قد مضى فذهبت منفعته ، فلما مثل به بعد وفاته صارت دية تلك المثلة له لا لغيره يحج بها عنه ويفعل بها من أبواب البر والخير من صدقة وغير ذلك » (2) ، وقال المرتضى وابن إدريس : هي لبيت المال ، لما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام ، « قلت : من يأخذ ديته؟ قال الامام : هذا لله » (3) ، وأجيب بعدم المنافاة بين الصدقة وبين كونها لله ، والأول هو المعتمد.

ص: 478


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 24 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 6.
2- المصدر المتقدم ، حديث 2 ، وفيه ( الحسين بن خالد ) بدل ( الحسن بن خالد ).
3- المصدر السابق ، حديث 3.

في الجناية على الحيوان

قال رحمه اللّه : وفي كلب الصيد أربعون درهما ، ومن الناس من خصّه بالسلوقي وقوفا على صورة الرواية ، وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في كلب الصيد ، أنه يقوم ، وكذا كلب الغنم وكلب الحائط ، والأول أشهر ، وكلب الغنم كبش ، وقيل : عشرون درهما ، وهي رواية ابن فضال عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، مع شهرتها لكن الأولى أصح طريقا ، وقيل : في كلب الحائط عشرون درهما ، ولا أعرف المستند. وفي كلب الزرع قفيز من البئر ، ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها ، ولا يضمن قاتلها شيئا ، أما ما يملكه الذمي كالخنزير ، فهو يضمن بقيمته عند مستحليه ، وفي الجناية على أطرافه الأرش.

أقول : الكلاب التي يجوز تملكها والانتفاع بها ويحرم على الغير الجناية عليها خمسة ، كلب الصيد وكلب الغنم وكلب الحائط وكلب الزرع وكلب الدار ، هذه الخمسة لا خلاف في جواز تملكها والانتفاع بها وإجارتها وتحريم الجناية

ص: 479

عليها ، وانما الخلاف في جواز بيعها وقد مضى البحث فيه (1) وفي تقدير دياتها ، وما عدا هذه الخمسة تسمى العكلى وكلب الهراش فهذا لا يجوز تملكه ولا يحرم الجناية عليه.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في ديات الكلاب ولنذكر كل صنف على انفرد.

الأول : كلب الصيد ، وفي ديته قولان : أحدهما أربعون درهما ، قاله الشيخان (2) وابن البراج وسلار وابن بابويه وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن الجنيد : تجب القيمة ولا يتجاوز أربعين درهما ، واستحسنه العلامة في المختلف ومنهم من خص ذلك بالسلوقي ، وهو ما كان منسوبا الى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة ، روى الوليد بن صبيح ، عن الصادق عليه السلام : « قال : دية كلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك لبني خزيمة » (3) وقال ابن إدريس : دية كلب الصيد أربعون درهما ، سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا كان معلما ، قال : وشيخنا أطلق في دية الكلب السلوقي ، قال : الأولى تقييده بكلب معلم ؛ لأنه إذا كان غير معلم على الصيد ولا هو كلب ماشية ولا زرع ولا حائط فلا دية له وان كان سلوقيا.

الثاني : كلب الغنم ، وفيه كبش عند المصنف والعلامة في القواعد ، لرواية أبي بصير (4) عن أحدهما عليهما السلام ، وقال الشيخان وابن بابويه عشرون درهما ، لرواية ابن فضال (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وظاهر العلامة في

ص: 480


1- تقدم في
2- في « ن » : الشيخ.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
4- المصدر السابق ، حديث 2.
5- المصدر السابق ، حديث 4.

المختلف وجوب القيمة لرواية السكوني (1).

الثالث : كلب الحائط ، وهو البستان ، قال الشيخان وابن البراج وابن إدريس : فيه عشرون درهما ، قال المصنف : ولا أعرف المستند ، وظاهر المختلف القيمة.

الرابع : كلب الزرع ، وهو الذي يتخذه أهل الزروع في مزارعهم للأنس به ، وليحرسهم وما عندهم من العوامل من الذئاب والخنازير وصغير السباع ، وفيه قفيز من طعام عند الشيخ في النهاية ، واختاره ابن البراج وابن إدريس والمصنف وأبو العباس ، لرواية أبي بصير (2) وظاهر محمد بن بابويه : فيه زنبيل من تراب ، على القاتل ان يعطى وعلى صاحب الكلب أن يقبل ، وظاهر المفيد : لا شي ء فيه ، والأول هو المعتمد.

الخامس : كلب الدار ، وهو الذي يتخذه البدوي (3) لحراستهم ، وكذا أهل الحضر أيضا تتخذه للحراسة والأنس ، وأوجب ابن الجنيد فيه زبيلا من تراب ، وهو ظاهر ابن بابويه ، والمشهور : لا شي ء فيه ، وهو المعتمد لأصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها ولو كان نهارا لم يضمن ومستند ذلك رواية السكوني وفيه ضعف والأقرب اشتراط التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا.

أقول : أكثر الأصحاب كالشيخين وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة على العمل بمضمون رواية السكوني (4) وابن إدريس اعتبر التفريط

ص: 481


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- المصدر السابق ، حديث 2 وليلاحظ الجواهر ج 42 ص 397.
3- كذا
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 40 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

وعدمه ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأن السكوني عامي المذهب.

قال رحمه اللّه : وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قضى في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر ان على الشركاء حصته لأنه حفظ وضيع الباقون.

أقول : هذه رواية محمد بن قيس (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال المصنف في نكت النهاية : إن صحت هذه الرواية فهي حكاية واقعة ولا عموم للواقع ، ولعله عقله وسلمه إليهم ففرطوا أو غير ذلك ، أما طرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا.

قال رحمه اللّه : في كفارة القتل تجب كفارة الجمع بقتل العمد ، المرتبة بقتل الخطأ ، مع المباشرة لا مع التسبيب ، فلو طرح حجرا ، أو حفر بئرا ، أو نصب سكينا في غير ملكه ، فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة. وتجب بقتل المسلم ، ذكرا كان أو أنثى ، حرا أو عبدا ، وكذا تجب بقتل الصبي والمجنون ، وعلى المولى بقتل عبده ولا تجب بقتل الكافر ، ذميا كان أو معاهدا ، استنادا إلى البراءة الأصلية ، ولو قتل مسلما في دار الحرب مع العلم بإسلامه ولا ضرورة فعليه القود والكفارة ، ولو ظنه كافرا فلا دية وعليه الكفارة ، ولو كان أسيرا ، قال الشيخ : ضمن الدية والكفارة ؛ لأنه لا قدرة للأسير على التخلص ، بخلاف غير الأسير ، وفيه تردد.

أقول : إذا قتل مسلما في دار الحرب ظانا انه كافر فبان أسيرا ، قال الشيخ على القاتل الدية والكفارة ، واختاره العلامة ؛ لأن الأسير لا يقدر على التخلص بخلاف غير الأسير ، وتردد المصنف من مساواة الأسير وغيره في إباحة القتل مع

ص: 482


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 39 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

عدم العلم بالإسلام ، وتساويه (1) في عدم (2) وجوب الدية ، ومن عموم قوله تعالى ( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (3) وهذا مؤمن فيجب تسليم ديته إلى أهله ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا قبل من العامة الدية وجبت الكفارة قطعا ، ولو قتل قودا هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط : لا تجب ، وفيه إشكال ، ينشأ من كون الجناية سببا.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة واختار ابن إدريس مذهب الشيخ (4) ، ومن أن الجناية سبب وجوب الكفارة وقد ثبت السبب فيثبت المسبب ، فيجب في تركة الجاني ، لأن الكفارة حق مالي فيثبت في التركة كسائر الحقوق المالية ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

ص: 483


1- في « م » و « ر 1 » : ولتساويه.
2- ليست في الأصل.
3- النساء : 92.
4- في الأصل : الشيخين.

ص: 484

في العاقلة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل ، وفي هذا الإطلاق وهم ، فإن الدية يرثها الذكور والإناث ، والزوج والزوجة ، ومن يتقرب بالأم على أحد القولين.

أقول : اختلف الأصحاب في تفسير العصبة على أقوال :

الأول : هم المتقربون بالأب من الرجال كالاخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم سواء كانوا من أهل الإرث في الحال أو لا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

الثاني : من يرث دية القاتل إذا قتل ، ولا يلزم من لا يرث دية ، وهو قول الشيخ في النهاية وهو مردود بما ذكره المصنف.

الثالث : هم المستحقون لميراث القاتل في الحال من الرجال العقلاء ، سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه ، ولو تساوت القرابات كالإخوة للأب والأخوة للأم كان على إخوة الأب الثلثان وعلى إخوة الأم الثلث ، وهو قول ابن الجنيد مستدلا

ص: 485

برواية سلمة بن كهيل (1) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال المصنف وفي سلمة ضعف ، ووجه ضعفه أنه بتري.

قال رحمه اللّه : وهل يدخل الإباء والأولاد في العقل؟ قال في المبسوط والخلاف : لا ، والأقرب دخولهما ؛ لأنهما أدنى قومه.

أقول : احتج الشيخ على عدم الدخول بإجماعنا ، وأصالة البراءة وعدم الدليل على الدخول ، وذهب المفيد وابن الجنيد الى دخولهم ؛ لأنهم أدنى قومه اليه ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي رواية سلمة ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل مع فقد القرابة ولو قتل في غيره ، وهو مطرح.

أقول : روى سلمة بن كهيل ، « قال : أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل من أهل الموصل قد قتل رجلا خطا ، فكتب أمير المؤمنين عليه السلام الى عامله بها في كتابه ، وسأل عن قرابته من المؤمنين فاجمعهم إليك ثمَّ انظر ، فان كان هناك رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها في ثلاث سنين وان لم يكن له أحد من قرابته له سهم في الكتاب وكانوا سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل أبيه ، وقرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ، اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية ، واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية ، وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا من قبل أمه ، ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ ولا يدخل فيهم غيرهم ، وإن لم يكن له قرابة ولا هو من أهل الموصل فرده إلي فأنا وليه والمودي عنه ولا يبطل دم امرء مسلم » (2) دلت هذه الرواية على دخول أهل البلد في العقل

ص: 486


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب العاقلة ، حديث 1.
2- المصدر السابق.

مع فقد القرابة ، وابن كهيل بتري مذموم ، قاله الكشي.

قال رحمه اللّه : وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا ، وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف : نعم ، ومنع في غيره ، وهو المروي ، غير أن في الرواية ضعفا.

أقول : منع في النهاية من تحمل العاقلة ما دون الموضحة ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن الجنيد ، واختاره العلامة وابنه ؛ لأن الأصل إيجاب الدية على مباشر الجناية ، خرج عنه دية النفس في الخطأ والموضحة فما زاد للنص والإجماع ، يبقى الباقي على أصله ، ولرواية أبي مريم عن الباقر عليه السلام ، « قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يحمل العاقلة إلا الموضحة فصاعدا » (1) وفي طريقها ابن فضال وهو ضعيف ، وقال الشيخ في الخلاف : تحمل العاقلة الجميع وتابعه ابن إدريس ، وادعى الشيخ الإجماع على ما ادعاه في الخلاف ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يعقل مولى المملوك جنايته ، قنّا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة على الأشبه.

أقول : الخلاف في أم الولد خاصة ، وفي رواية مسمع عن الصادق عليه السلام : « أن جنايتها في حقوق الناس على سيدها » (2) وقد مضى البحث في ذلك (3).

قال رحمه اللّه : وضا من الجريرة يعقل ، ولا يعقل عنه المضمون ولا يجتمع مع عصبة ولا معتق ؛ لأن عقده مشروط بجهالة النسب وعدم المولى ، نعم لا يضمن الامام مع وجوده ويسره على الأشبه.

ص: 487


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب العاقلة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 43 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- ص 423 ، وج 3 ص 427.

أقول : الامام عاقلة من لا عاقلة له من نسب أو معتق أو ضامن جريرة ، ولا يعقل الامام مع وجود ضامن الجريرة ويسره ، ولو لم يكن هناك ضامن جريرة (1) أو كان وهو فقير ضمن الامام من بيت المال لا أعلم فيه خلافا ، جزم الشيخ وابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه بذلك ، ولم يجزم المصنف ، لاحتمال ضمان الامام مع وجود ضامن الجريرة ويساره.

قال رحمه اللّه : وأما كيفية التقسيط ، فإن الدية تجب ابتداء على العاقلة ولا يرجع بها على الجاني على الأصح.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن بعض الأصحاب جواز الرجوع على القاتل ، قال : ولا أعرف به نصا ولا قولا ، ثمَّ استدل بظواهر الأخبار (2) الدالة على لزوم الدية على العاقلة ابتداء ، قال : وليس في شي ء منها ما يدل على الرجوع على القاتل ، ونسب ابن إدريس القول بالرجوع الى المفيد في المقنعة ، ولم يذكر مستنده ، وربما استدل بأنه غرم لزم العاقلة بسببه فيكون لها الرجوع عليه ، وعدم الرجوع هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي كمية التقسيط قولان ، أحدهما : على الغني عشرة قراريط ، وعلى الفقير خمسة ، اقتصارا على المتّفق ، والآخر : يقسطها الامام على ما يراه بحسب أحوال العاقلة وهو أشبه وهل يجمع بين القريب والبعيد؟ فيه قولان : أشبههما الترتيب في التوزيع. وهل تؤخذ من الموالي مع وجود العصبة؟ الأشبه : نعم ، مع زيادة الدية عن العصبة ولو اتسعت أخذت من عصبة المولى ، ولو زادت فعلى مولى المولى ثمَّ عصبة مولى المولى ، ولو زادت الدية عن العاقلة أجمع ، قال الشيخ : يؤخذ الزائد من الامام حتى لو كانت الدية دينارا ، وله أخ ،

ص: 488


1- ليست في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الديات - أحاديث أبواب العاقلة.

أخذ منه عشرة قراريط ، والباقي من بيت المال ، الأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن عاقلة سواه ؛ لأن ضمان الامام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية. ولو زادت العاقلة عن الدية لم يختص بها البعض ، وقال الشيخ : يخص الامام بالعقل من شاء ، لأن التوزيع بالحصص يشق والأول أنسب بالعدل ، ولو غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر.

أقول : هذا البحث يشتمل على أحكام :

الأول : كمية التقسيط ، قال الشيخ في المبسوط : يقسط على الغني عشرة قراريط وعلى الفقير خمسة قراريط ، ثمَّ قال بعد ذلك : الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يقدر ذلك ، بل يقسم الامام على ما يراه من حاله من الغنى أو الفقر ، وتابعه ابن البراج على الأول ، وهو ظاهر العلامة في القواعد ؛ لأن ذلك متفق عليه ، والزائد مختلف فيه ، والأصل براءة الذمة ، واختار ابن إدريس الثاني ، وهو اختيار المصنف والعلامة في المختلف والتحرير ، لأصالة عدم التقدير.

الثاني : هل يجمع بين القريب والبعيد في العقل؟ قال المصنف : فيه قولان أشبههما الترتيب في التوزيع (1) ، أشار بذلك الى ما ذكره الشيخ في المبسوط ، قال : يقسم الامام على ما يراه من حالة الغنى والفقر ، وان يفرقه على القريب والبعيد ، وإن قلنا بتقدم الأول فالأول (2) كان قويا ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (3) ، واختاره المصنف ؛ لأنه كالميراث ، فعلى هذا يؤخذ من الموالي مع وجود العصبة مع زيادة الدية على العصبة ، ولو زادت على الموالي وموالي الموالي ، قال الشيخ : أخذ الزائد من الامام ، واختار المصنف

ص: 489


1- في « ر 1 » : والتوزيع.
2- كذا
3- الأحزاب : 6.

عدم جواز الأخذ من الامام ؛ لأن ضمانه مشروط بعدم وجود العاقلة أو عجزهم عن الدية.

الثالث : لو زادت العاقلة عن الدية ، قال الشيخ يخص الامام بالعقل من يشاء ؛ لأن التوزيع بالحصص يشق ، وقيل : يوزع على الجميع ، قال المصنف : وهو أنسب بالعدل ، ووجه كونه أنسب بالعدل ؛ لأن الدية وجبت على العاقلة كلهم ، فتبسط عليهم جميعا ، فمن خص بها قوما دون قوم فعليه الدلالة ، والتخصيص بغير دليل جور.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن عاقلة ، أو عجزت عن الدية أخذت من الجاني ، ولو لم يكن له مال أخذت من الامام ، وقيل : مع فقر العاقلة أو عدمها يؤخذ من الامام دون القاتل ، والأول مروي.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، وبه قال سلار وأبو الصلاح وابن الجنيد ، والثاني قول الشيخ في الخلاف ، قال : والجاني لا يدخل في العقل بحال مع وجود من يعقل عنه من العصبات وبيت المال ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية الخطأ شبيه العمد في مال الجاني ، فان مات أو هرب ، قيل : يؤخذ من الأقرب إليه ممن يرث ديته ، فان لم يكن فمن بيت المال ، ومن الأصحاب من قصرها على الجاني ، وتوقع مع فقره يسره ، والأول أظهر.

أقول : الأول (1) قول الشيخ في النهاية ، واختاره ابن البراج والمصنف والعلامة في المختلف ، لقوله عليه السلام : « لايبطل دم امرء مسلم » والثاني قول ابن إدريس ، قال : هذا غير واضح ولا مستقيم ؛ لأنه خلاف الإجماع وضد ما يقتضيه أصول مذهبنا ؛ لأن الأصل براءة الذمة ، فمن شغلها يحتاج الى دليل ، واختار فخر الدين مذهب ابن إدريس.

ص: 490


1- إلى هنا انتهت نسخة « ر 1 ».

قال رحمه اللّه : ولو قتل الأب ولده عمدا ، دفعت الدية منه الى الوارث ولا نصيب للأب ، ولو لم يكن وارث فهي للإمام عليه السلام ، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ويرثها الوارث ، وفي توريث الأب هنا قولان ، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة ، فإن قلنا : لا يرث فلا دية ، وإن قلنا : يرث ، ففي أخذه من العاقلة تردد ، وكذا لو قتل الولد أباه خطأ.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا كان هناك وارث غير العاقلة ، كولد المقتول أو أمه أو زوجته ، فهنا هل يرث الأب من الدية شيئا أم لا؟ سبق البحث في هذه في باب المواريث (1) ، فعلى القول بمنع القاتل مطلقا فلا يرث الأب شيئا وكذا على القول بمنعه من الدية ، وعلى القول بالإرث مطلقا فإن قلنا برجوع العاقلة على القاتل - كما هو مذهب المفيد وسلار - فلا ارث هنا أيضا ، وان قلنا بوجوب الدية على العاقلة ابتداء - كما هو المعتمد - احتمل إرثه منها لوجوب الدية على العاقلة للوارث وهو أحد الوارث ، ويحتمل العدم ؛ لأن العاقلة تتحمل جنايته فلا يعقل تحملها له ، وكيف يمكن عقلا أن يطالب الغير بجناية جناها ، والمعتمد عدم إرثه.

الثانية : لو لم يكن وارث سوى العاقلة ( فإن قلنا : إن الأب لا يرث فلا دية ، وان قلنا : يرث ، ففي أخذه من العاقلة تردد ) (2) ووجه المنع ما تقدم من أن العاقلة تحمل جنايته عنه فلا تحملها له ، ومن كون قتله (3) غير مانع من الإرث ، والجناية غير المطلوبة (4) ولا وارث لها سواه ، فتضمنها العاقلة له ، والمعتمد عدم إرثه مطلقا سواء كان وارث غيره أو لم يكن.

ص: 491


1- ص 169.
2- ما بين القوسين ليس في « م » و « ن ».
3- في « م » : عقلها.
4- في « م » : مطلوبة ، وفي « ن » : مطلق.

قال رحمه اللّه : وكذا لو رمى طائرا ثمَّ ارتد فأصاب مسلما ، قال الشيخ : لم يعقل عنه المسلمون من عصبته ولا الكفار ، ولو قيل : يعقل عنه عصبته المسلمون كان حسنا ؛ لأن ميراثه لهم على الأصح.

أقول : وجه اختيار الشيخ انه رمى وهو مسلم فلا يعقل عنه (1) الكفار ، وأصاب وهو كافر فلا يعقل عنه (2) المسلمون وما استحسنه المصنف هو اختيار فخر الدين ، لما قاله المصنف وهو المعتمد.

وهذا آخر ما قصدنا إيراده في هذا الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين ، وأنا التمس من أولي الأذهان الصافية ، والعقول الوافية من أهل العلم والاعتراف النظر اليه بعين الانصاف ، وإصلاح ما يتحققونه غلطا لا يقبل التأويل ، فإني في زمان يستكثر فيه القليل ، ويرضى منه باليسير دون الجليل ، ومع هذا فمن نظر الى كتابي هذا بعين الفكر والاعتبار ، وأعرض عن التقليد لأهل الفضل والاشتهار ، واتبع قول أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال ، فان الرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال » عرف فضل هذا الكتاب على ما سواه ، وأنه لم يسبق الى مثل إيجاز لفظه وبسط معناه ، واتخذه كنزا يرجع عند الحاجة اليه ، ويعول في المهمات عليه ؛ لأنه اشتمل على تفصيل مجملات ، وإيضاح مشكلات ، وفتق مرتقات ، وفروع وتنبيهات ، لم تنهض بها المطولات ، وقصرت عنها المقصورات ، فاسأل اللّه أن يتقبله بأحسن قبول ، ويبلغ فيه المأمول ، فإنه تعالى بفضله يقبل اليسير ، ويجازي عليه بالكثير ، ولنقطع الكلام حامدين لله رب العالمين ، ومصلين على

ص: 492


1- في الأصل : عند.
2- في الأصل : عند.

محمد وآله الطاهرين.

قد اتفق الفراغ من كتابته وتحرير ألفاظه بعون اللّه تعالى وحسن توفيقه فله الحمد وله الشكر وله الفضل والمنة والإحسان على ذلك في رابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ستة وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية على مهاجرها أكمل التحيات وأفضل الصلاة وعلى إله الطاهرين على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة اللّه الملك الغني غناه اللّه. بن الحسين بن المرتضى الحسيني عفا اللّه عنهم وعن جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات انه جواد كريم والحمد لله حق حمده وصلى اللّه على محمد رسوله وعبده وسلم تسليما ابدا دائما سرمدا كثيرا برحمتك يا ارحم الراحمين.

ص: 493

ص: 494

المصادر المعتمدة في التحقيق

الاعلام : للزركلي - ط. بيروت.

أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين - ط. بيروت.

أنوار البدرين : ط. قم.

أمل الآمل : الشيخ الحر العاملي - ط. بيروت.

أدب الطف : السيد جواد شبر - ط. بيروت.

بحار الأنوار : الشيخ محمد باقر المجلسي - ط. إيران.

تنقيح المقال : الشيخ المامقاني - ط. حجرية.

التهذيب : الشيخ الطوسي - ط. إيران.

جواهر الكلام : الشيخ محمد حسن النجفي - طبعة إيران.

الحدائق الناضرة : الشيخ يوسف البحراني - ط. جامعة المدرسين - قم.

الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الآغا بزرك الطهراني - ط. دار الإضواء بيروت.

رياض العلماء : الميرزا عبد اللّه الأفندي - ط. قم.

رجال السيد بحر العلوم ( الفوائد الرجالية ) : السيد محمد المهدي بحر العلوم - ط. إيران.

روضات الجنات : محمد باقر الخونساري - ط. إيران.

ص: 495

السرائر : محمد بن إدريس الحلي - ط. جامعة المدرسين - قم.

سنن البيهقي : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي - ط. الهند.

شرائع الإسلام : المحقق الحلي - ط. إسماعيليان - قم.

الصحاح : للجوهري - ط. إيران.

طبقات أعلام الشيعة : الآغا بزرك الطهراني - ط.

فهرست آل بابويه وعلماء البحرين : ط. إيران.

لسان العرب : ابن منظور - ط. بيروت.

المبسوط : الشيخ الطوسي - ط. إيران.

مسند أحمد : أحمد بن حنبل - ط. دار احياء التراث العربي - بيروت.

معجم البلدان : ياقوت الحموي - ط. بيروت.

مصفى المقال : الطهراني - ط. إيران.

معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة - ط. بيروت.

منية المريد تحقيق رضا مختاري : الشهيد الثاني - ط. قم.

من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق - ط. النجف.

مختلف الشيعة : العلامة الحلي - ط. حجرية.

المهذب البارع : ابن فهد الحلي - ط. جامعة المدرسين قم.

مقابيس الأنوار : الشيخ التستري - ط. حجرية.

مستدرك الوسائل : الميرزا النوري - ط. مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ).

النهاية : ابن الأثير : ط. إسماعيليان - قم.

النهاية : الشيخ الطوسي - ط. بيروت.

هدية العارفين : ط. بيروت.

وسائل الشيعة : الشيخ الحر العاملي ، ط. بيروت وط. مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ).

ص: 496

محتويات الجزء الرابع

كتاب الصيد

الموضوع / الصفحة

فيما يؤكل صيده

في صيد اليهود والنصارى... 5

في رمي الصيد بما هو أكبر منه... 5

في أحكام الاصطياد

في قطع الصيد باثنين... 7

في اللواحق

إذا عض الكلب صيداً... 9

في مستقر الحياة... 9

في عدم حلية الصيد إلا بالتذكية... 10

ص: 497

كتاب الذباحة

في الاركان

في ذبائح غير المسلمين... 15

في ذبائح المخالفين... 17

تنبيه في اشتراط التسمية لإباحة ذبيحة المخالف... 17

تنبيه في تحريم ذبيحة الناصب... 18

في تفسير الناصبي... 18

في التذكية بغير الحديد من الظفر والسن... 19

فرع: في التذكية بعظم الانسان... 20

في الاعضاء التي بجب قطعها في الذباحة... 20

في نحر المذبوح وذبح المنحور... 21

في إبانة الرأس عمداً... 21

في سلخ الذبيحة قبل بردها... 22

في قطع بعض الاعضاء بعد الذبح وقبل بردها... 22

في الاكتفاء بالحركة بعد الذبح في التذكية... 22

تنبيه: في ذبح المشرف على الموت... 23

في نخع الذبيحة... 25

في قلب السكين... 25

في ذبح حيوان وآخر ينظر إليه... 26

في اللواحق

في ذكاة السمك... 27

ص: 498

فروع... 27

هل يحل أكل السمك حياً... 28

لونصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه... 28

في ذكاة الجنين... 29

خاتمة

في تذكية المسوخ وعدمها... 33

في وقوع الذكاة على الحشرات... 33

في تذكية السباع... 34

في جواز استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه... 34

لو اتخذ موحلة للصيد... 35

لو اغلق عليه باباً هل يملكه... 35

في عدم خروح الصيد عن الملك إذا انفلت... 35

لو اثبته الأول فقتله الثاني... 37

إذا كان الصيد ممتنع بأمرين فكسر الرامي جناحه والاخر رجله... 44

إذا أصابا صيداً دفعة... 44

كتاب الأطعمة والأشربة

في حيوان البحر

في ما ليس له فلس... 49

لو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى... 50

إذا قذفت الحية سمكة... 51

ص: 499

في البهائم

في تحريم الجلال... 53

فيما به يحصل الجلل... 53

في الاستبراء... 54

في الطير

في الغراب وانواعه... 57

في الخطاف... 58

في الجامدات

حكم شعر الميته ووبرها... 61

في اللبن المحلوب من الميتة... 61

في الختلاط اللحم الذكي بالميت... 62

في محرمات الذبيحة... 63

في نجاسة ما يباشره الذمي من المائعات... 64

في تناول الطين... 65

في الفرق بين الطين الأرمني وبين تربة الحسين عليه السلام... 65

لو قطر قليل من دم في قدر وهي تغلي... 66

في حكم الاستصباح بالدهن النجس... 66

في عجن العجين بالماء النجس... 67

في تحريم الأبوال... 68

ص: 500

في اللواحق

إذا وجد لحماً لا يدري أذكي هو أو ميت... 69

في من يحل الاكل من بيته مع عدم الاذن... 70

في القاء الخمر بالخل وبالعكس... 71

فروع... 72

في طهارة الخمر إذا انقلب خلاً... 72

في حرمة العصير إذا غلى وفي معنى الغليان... 72

في أواني الخمر... 73

الاسلاف في العصير... 73

النظر في حال الاضطرار

في ترخيص الباغي والعادي... 75

في تعريف الباغي والعادي... 75

لو الضطر إلى طعام الغير وليس له الثمن... 75

لو وجد المضطر ميتةً وطعام الغير... 77

إذا لم يجد المضطر شيئاً يأكله سوى نفسه... 77

لو اضطر إلى خمر أو بول... 78

كتاب الغصب

في السبب

في تعريف الغصب... 81

إذا سكن الدار قهراً مع مالكها... 82

ص: 501

الحر لا يضمن تحت اليد... 83

لو حبس صانعاً لم يضمن اجرته ما لم ينتفع به... 83

يضمن الخمر بالقيمة عند المستحل... 84

لو غصب شاة فمات ولدها جوعاً... 84

في الحكم

لوحدث في المغصوب عيب... 87

في ضمان القيمي... 88

في ضمان الذهب والفضة... 89

في كيفية ضمان أعضاء الدابة... 90

لوغضب عبداً فقتل... 90

في الجناية على العبد بما دون النفس... 91

في تعذر رد العين مع بقائها... 93

لو غصب فرداً من خفين فتلف في يده وبقي الآخر في يد المالك... 93

لو غصب فحلاً فأنزاه على الانثى... 94

لو أغلى الزيت فنقص ضمن النقصان... 94

في اللواحق

لوخلط المغصوب بالأدون أو الأجود... 95

إذا غصب مملوكة فوطأها... 96

لوغصب حباً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه... 98

إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة... 98

ص: 502

إذ باع الغاصب شيئاً ثم انتقل اليه بسبب صحيح... 99

كتاب الشفعة

ما تثبت فيه الشفعة

في محل الشفعة... 103

في عدم ثبوت الشفعة في المنقولات... 104

لوكان بعض الدار وقفاً وبعضها طلقاً... 104

في الشفيع

في عدم ثبوت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين... 107

لوباع ولي اليتيم حصته من المشترك معه لم يكن له الأخذ بالشفعة إلا ان يكون أباً أو جداً        108

في تأخير الاخذ بالشفعة حتى يحضر الغائب... 108

لوكانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه... 109

في كيفية الاخذ

في سقوط الشفعة إذا كان الثمن قيمياً... 111

إذا تعيب المبيع بعد المطالبة بفعل المشتري... 112

إذا نما المبيع قبل الأخذ بالشفعة... 112

إذا كانت الأرض مشغولة بزرع... 113

ص: 503

في لواحق الأخذ بالشفعة

إذا اشترى بثمن مؤجل... 115

في تورث الشفعة... 115

إذا باع الشفيع حصته بعدالعلم بالشفعة... 116

إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك... 116

إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على البيع... 117

إذا كان الثمن قيمياً كالعبد ثم ظهر فيه عيب قديم بعد أخذ الشفيع... 118

لوكانت داراً لحاضر وغائب فباع الحصة مدعياً اذن الغائب... 118

في بطلان الشفعة بترك المطالبة مع العلم وعدم الغرر... 119

في اسقاط الشفعة قبل البيع... 119

لوبان الثمن مستحقاً بطلت الشفعة... 119

في أن الشفعة تابعة لصحة البيع... 120

لو ادعى عليه الابتياع فصدقه... 120

إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن... 121

إذا ادعى انه باع نصيبه من أجنبي فأنكر... 121

إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك انه ورث... 122

لو ادعى الشريك الايداع... 122

كتاب احياء الموت

في الأرضين

تعريف الموت... 127

هل يملك الذمي الأرض بالاحياء بعد الاذن له... 127

ص: 504

في حد الطريق المبتكر في الأرض المباحة... 128

في حريم بئر المعطن وحريم بئر الناضح... 129

في احياء المواضع التي يسميها الشارع مشعراً للعبادة... 129

في الدور التي اقطعها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمدينة... 130

في كيفية الاحياء

في أن المرجع في كيفية وصفته إلى العرف والعادة... 131

في المنافع المشتركة

إذا سبق إلى موضع من المسجد كان أحق... 133

لو فارق لعذر... 133

في المعادن الظاهرة

في جواز اقطاع السلطان للمعادن... 135

لو تسابق اثنان... 135

في اختصاص المعادن بالإمام عليه السلام... 135

في أقسام الآبار... 136

الأصل في الماء الاباحة لجميع الناس... 137

لو أحيا ارضاً ميتة على الوادي الذي لم يف بسقي ما عليه دفعة... 138

ص: 505

كتاب اللقطة

في اللقيط

في التقاط الطفل غير المميز... 143

اشتراط الاسلام في ملتقط الطفل المحكوم باسلامه... 143

لوكان المتقط فاسقاً... 144

في جواز التقاط البدوي ومريد السفر... 144

في استعانة الملتقط بالسطان للانفاق... 144

في وجوب أخذ اللقيط... 145

في ملكية اللقيط... 145

في دعوى النبوة... 146

إذا ادعى الكافر بنوة الملقوط لحقه نسبه ولم يحكم بكفره... 146

في التنازع في بنوته بين المسلم والكافر أو الحر والعبد... 147

في الملتقط من الحيوان

في عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد... 149

فرع... 150

إذا وجد الشاة في الفلاة أخذها... 150

في أخذ كل مالا يمتنع من صغير السباع... 151

في صحة أخذ الضالة لكل بالغ عاقل... 151

في لقطة الكافر والفاسق... 152

في لقطة العبد... 152

ص: 506

إذ كان للقطة منفعة... 153

في اللقطة

في لقطة الحرم... 155

في جواز التقاط النعلين والادواة والسوط... 156

لاتملك اللقطة قبل الحول... 157

في ضمان اللقطة... 158

في وجوب التعريف... 158

فروع... 159

لوعابت بعد التملك... 159

لوعلم المولى قبل التعريف ولم يأخذ منه ضمن... 160

كتاب الفرائض

في موانع الارث

لوكان الميت مرتداً ولا وارث مسلم له... 163

إذا أسلم وارث الكافر... 163

فروع... 164

لو خلف الميت ما لا يمكن قسمته... 165

تنبيه: هل يشارك في النماء المتجدد بين الموت واسلامه... 165

فرع: لو باع بعض الورثة حصته م التركة أو وهبها قبل القسمة ثم أسلم الكافر 166

لوكان الوارث زوجاً أو زوجاً أو زوجة وآخر كافر واسلم... 166

ص: 507

لوخلف نصراني أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أخت مسلمين... 166

في توريث القاتل خطأ من ارث المقتول... 167

لوكان للقاتل وارث كافر فالميراث للإمام (عليه السلام)... 169

في الوارث لدية المقتول... 169

لولم يكن للميت وارث سوى المملوك... 170

في من يفك من الوارث... 171

في الغائب غيبة منقطعة... 172

في الحجب

في الرد الزوج مع فقد غيره من الوارث... 173

في الرد على الزوجة... 174

في حجب القاتل... 174

في حجب الحمل... 175

ميراث الأنساب

أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم... 177

أولاد البنت يقسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الانثيين... 178

في تخصيص الأكبر بالحبوة... 178

في الأمور التي تدخل في الحبوة... 179

في اشتراط كون الأكبر غير سفيه ولا فاسد الاعتقاد... 179

لو تعدد الولد الأكبر... 179

هل يشترط بلوغ الأكبر حالة الموت... 180

ص: 508

هل تشترط الحبوة بقضاء الفائت من الصلاة والصيام... 180

الحبوة تكون بعد الدين والوصايا... 180

لوترك الميت أجداداً لأكثر من درجة... 180

لو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الأم وعمتها وخالهاوخالتها... 182

في إرث الزوجة من الأرض والأبنية... 182

فروع... 184

في الميراث بالولاء

في شروط إرث المنعم... 187

في انتقال الولاء للأولاد بعد موت المنعم... 188

في انتقال الولاء إلى الاخوة مع عدم الأولاد... 189

في ميراث ولد الملاعنة

الميراث للأم مع عدم الولد... 191

في إرث ولد الملاعنة من قرابة أمه... 192

يرث ولد الملاعنة قرابة أبيه مع تكذيب الأب لنفسه... 192

في ميراث ولد الزنا... 193

في ميراث الخنثى... 195

في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم... 201

لو اشتبه تقدم موت أحد بسبب غير الهدم والغرق... 201

هل يجب فرض موت الاكثر نصيباً أو الاضعف... 203

ص: 509

في ميراث المجوس... 205

في المناسخات... 209

في معرفة السهام... 211

لوكانت التركة عدداً أصم... 211

كتاب القضاء

في الصفات

في اشتراط علم القاضى بالكتابة... 215

في انعقاد قضاء الأعمى... 215

في اشتراط الحرية في القاضي... 216

تولي القضاء مستحب لمن يثق من نفسه... 216

من يستحب له ترك القضاء... 217

من يحرم عليه القضاء... 217

من يجب عليه القضاء... 217

إذا تساويا في الشرائط المعتبرة في القاضي... 218

تنبيه: انه في حال الغيبة لايجوز العدول عن الفاضل إلى المفضول... 218

في أخذ الجعل من المتحاكمين... 218

في عزل القاضي... 219

في انعزال القضاة اجمع بموت الإمام (عليه السلام)... 219

في انعزال النائب عن القاضي لو مات... 220

ص: 510

في الآداب والمسائل

في حكم القاضي بعلمه... 221

في ان العدالة شرط في قبول الشهادة... 222

في ثبوت الجرح... 223

إذا اختلف الشهود في الجرح والتعديل... 224

في كيفية الحكم

إذا ورد الشهود دفعة... 227

في الدعوى المجهولة... 227

في إيراد الدعوى بصيغة الجزم... 228

تنبيه: في عدم ثبوت الحق إلا بالبينة... 229

في مطالبة المدعى عليه بالجواب لو تمت الدعوى... 230

لو ادعى الاعسار... 230

في سماع الدعوى في غير مجلس الحلف... 231

فرع... 232

لونكل المنكر... 232

في ضم اليمين إلى البينة لو شهدت على صبي أو مجنون أو غائب... 233

إذا سكت عن الجواب عناداً... 234

في القضاء على الغائب

جواز القضاء على من غاب عن مجلس القضاء... 235

يقضى على الغائب في حقوق الناس... 236

ص: 511

في كيفية الاستحاف

في عدم الاستحاف إلا باللّه... 237

حلف الأخرس... 237

نكول المدعي عن اليمين... 239

إذا رد المنكر اليمين ثم بذلها... 239

فروع... 240

لوكان له بينة فأعرض عنها... 241

دعوى الصبي البلوغ... 241

في اليمين مع الشاهد... 243

في كتاب قاض إلى قاض... 245

في مبحث القسمة

في التراضي بقسمة الكافر... 247

في قسمة المنصوب من قبل الإمام... 247

لوكان المستحق مشاعاً بينهما... 249

في أحكام الدعوى

في تعريف المدعى... 251

في ادعاء المنكر فسق الحاكم أو الشهود... 253

في الزامه بالجواب عن دعوى الاقرار... 253

في الاقتصاص من المدين... 253

لو انكسرت سفينة في البحر... 255

ص: 512

في الاختلاف في دعوى الاملاك

لو تنازعا عيناً في يدهما... 257

إذا تداعياً عيناً في يد أحدهما... 258

في تقديم بينة الداخل والخارج... 259

إذا تداعيا عيناً في يد ثالث... 260

في معارضة البينة... 260

إذا ادعى داراً في يد رجل... 261

في الاختلاف في العقود

إذا اتفقا على الاستيجار واختلفا في الاجرة... 263

لو ادعى استيجار دار وادعى المؤجر انه آجره بيتاً... 264

لو ادعى كل منهما انه اشترى داراً معينة وأقبض الثمن... 265

لو ادعى عبد أن مولاه اعتقه وادعى آخر ان مولاه باعه منه... 266

إذا تداعى الزوجان متاع البيت... 267

لو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها... 268

كتاب الشهادات

في صفات الشهود

في شهادة الصبي... 273

تنبيه... 274

في قبول شهادة الذمي في الوصية... 275

ص: 513

العدالة شرط في قبول الشهادة... 276

في شهادة القاذف... 279

في توبة القاذف... 279

في لبس الحرير للرجال... 280

في شهادة الولد في والده... 280

في شهادة الزوج لزوجته... 281

في شهادة المستتر بالفسق... 282

في شهادة المملوك... 282

في التبرع بالشهادة قبل السؤال... 284

شهادة المشهور بالفسق إذا تاب... 284

في شهادة ولد الزنا... 285

فيما به يصير شاهداً

في شهادة الأصم... 287

في ما يكفي فيه السماع... 287

الأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين... 288

ضابط الاستفاضة التي يصير بها شاهداً... 288

في أن الشاهدبالاستفاضة لايشهد بالسبب... 289

في اجتماع اليد والتصرف والتسامع... 290

في أقسام الحقوق... 293

تقسيم الحقوق بالنسبة إلى الشهود... 294

في وجوب تحمل الشهادة... 296

ص: 514

في الشهادة على الشهادة

عدم قبولها في الحدود... 299

في مراتب التحمل... 300

في عدم ذكر سبب الحق... 300

لو شهد شاهد الفرع فانكر الأصل... 300

في قبول شهادة النساء على الشهادة... 301

في الطوارئ

لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم... 303

في رجوع الشهود... 304

لو رجع أحد شهود الزنا بعد الرجم... 304

في نقض الحكم إذا ثبت الزور... 305

في ضمان الشهود بعد الرجوع... 305

إذا قامت بينة بالجرح بعد الحكم... 306

كتاب الحدود والتعزيرات

في حد الزنا

في سقوط الحد مع الاكراه... 311

في ثبوت مهر المثل للمكرهة... 312

في حد المجنون إذا زنى... 312

وجوب الحد على الأعمى... 313

في ثبوت الحد بالاقرار... 313

ص: 515

في ثبوت حد القذف عليه لو أقر مرة على نفسه... 314

لو أقر بحد ولم يبينه... 314

في حد المضاجعة بازار واحد... 314

في قتل الزاني باحدى المحرمات... 315

في رجم المحصن... 316

في الجلد والتغريب... 317

في تفسير البكر... 317

لو تكرر الحد على الحر... 318

المملوك يقتل إذا أقيم عليه الحد سبعاً... 318

في كيفية الحد... 318

إذا فر المحروم من الحفيرة... 318

في حضور الطائفة إقامة الحد... 319

في أقل الطائفة... 319

في النهي عن رجم الزاني من قبل من لله قبله حد... 320

في انه يجلد الزاني مجرداً... 320

إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلاً فادعت انها بكر... 321

في وجوب حضور الرجم على الشهود... 321

إذا كان الزوج أحد الأربعة... 321

إذا شهد بعض وردّت شهادة الباقين... 322

من افتض بكراً باصبعه... 323

في حد اللواط... 325

إن كان اللواط ايقاباً فحده القتل... 325

في حد السحق... 326

ص: 516

إذا وطأ زوجته فساحقت بكراً فحملت... 328

في حد القواد... 329

في حد القذف

إذا قال لغيره ولدت من الزنا... 331

لوقال: زنيت بفلان أو لطت به... 332

لوقال لامراته: زنيت بك... 332

لو ادعى المقذوف الحرية... 333

لو قال لمسلم يا ابن الزانية... 334

إذا تكرر الحد بتكرر القذف قتل... 334

في التعرير مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض... 334

في تأديب الصبي... 335

في حد المسكر

في غليان التمر والزبيب... 337

تنبيه: في تعريف المسكر... 337

في حد شارب الخمر... 338

إذا حد مرتين... 338

إذا شهد واحد بشربها والآخر بقيئها... 339

من شرب الخمر مستحلاً استتيب... 340

إذا ثبت الشرب بالاقرار فتاب... 340

من قتله الحد أو العزير فلا دية له... 340

ص: 517

لو زاد الحداد عمداً فقتل المحدود... 341

في حد السرقة

إذا كان السارق طفلاً... 343

لو سرق من مال الغنيمة... 343

في قطع الأجير... 344

في قطع الضيف... 345

اشتراط الحرز في القطع... 345

محل القطع من السارق... 346

لو سرق ولايمين... 347

لوتاب بعد الاقرار... 347

إذا سرق اثنان نصاباً... 348

هل يتكرر الحد بتكرر الشهادة عليه بالسرقة... 348

في حد المحارب

في تعريف المحارب... 349

في ثبوت حكم المحارب على الضعيف عن الاخافة... 349

كيفية حد المحارب... 350

لو جرح طلباً للمال... 350

في حد المرتد

في استتابة المرتد... 353

ص: 518

في تكرر الارتداد... 353

في ضمان الحربي ما يتلفه على المسلم... 354

في صحة تزويج مملوكته للحربي... 354

لو قتل المرتد مسلماً خطأً... 354

في اتيان البهائم... 357

في الدفاع... 359

كتاب القصاص

في قصاص النفس

في أقسام القتل... 363

لو حبس نفسه يسيراً لايقتل ثم ارسله فمات... 364

لوجعل السم في طعام صاحب المنزل فأكله فمات... 365

لو جرحه انسان وعضه أسد وسرتا... 365

الاكراه في القتل... 366

لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه فهلك... 368

لوجرحه ثم سرت إلى نفسه... 368

لو اشترك رجل وامرأة في القتل... 369

إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً... 370

إذا قتلت المرأة رجلاً... 373

لايقتل الحر بالعبد... 374

لو قتل المولى عبده... 374

إذا جنى المدبر عمداً... 375

ص: 519

إذا قطع يمين رجل ومثلهما من آخر... 376

لو قتل العبد حرين على التعاقب... 377

لو قطع يده قاطع ورجله آخر... 378

إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته... 378

فروع في السراية

إذا قطع يد عبد فعتق... 381

لو قطع يده وهو عبد ثم رجله وهو حر... 382

في جواز الاقتصاص من المسلم إذا اعتاد قتل أهل الذمة... 383

لو قتل الذمي مسلماً عمداً... 384

لو قتل الذمي مرتداً قتل به... 384

لو ادعى اثنان ولداً مجهولاً... 385

لو اشترك غلام وامرأة في قتل رجل... 386

لو قتل البالغ الصبي قتل به... 387

لايقتل العاقل بالمجنون... 387

فى ثبوت القود على السكران... 387

حكم من بنج نفسه أو شرب مرقداً... 388

تنبيه: الفرق بين السكران والمبنج وشارب المرقد... 388

في أن الأعمى كالمبصر في توجه القصاص لعمده... 389

في دعوى القتل

لو ادعى القتل ولم يقل عمداً أوخطأً... 391

ص: 520

لو ادعى على شخص القتل منفرداً ثم ادعى على آخر... 392

في كفاية الاقرار مرة... 392

لو أقر بقتله عمداً فأقر آخر... 392

في شهادة النساء فيما يوجب القصاص... 393

في عدم قبول الشهادة مع تحقيق التهمة... 393

في القسامة

في اللوث... 395

في عدد القسامة... 396

في أن القسامة على المدعي... 397

ثبوت القسامة في الاعضاء وفي قدرها... 397

في قبول قسامة الكافر على المسلم... 398

في حبس المتهم بالدم... 398

في كيفية الاستيفاء

في وارث القصاص... 401

في مبادرة الولي استيفاء القصاص بدون إذن الإمام... 401

لو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع... 402

في غياب بعض الاولياء المكلفين... 403

إذا كان بعض الاولياء صغيراً أو مجنوناً... 403

في حبس القاتل حتى يبلغ الصبى أو يفيق المجنون... 403

في سقوط القود... 404

ص: 521

إذا قتل جماعة على التعاقب... 404

قصاص الطرف

في جواز القصاص قبل الاندمال... 407

لو قطع عدة من أعضائه خطأً... 408

إذا قلع ذو العينين صحيحة الأعور... 408

في أن الاذن الصحيحة تؤخذ بالمثقوبة في محل الثقب... 409

في قصاص السن... 409

في قصاص اليد... 410

إذا قد الملفوف في الكساء نصفين... 412

لو صرح بالعفو صح في دية الجرح دون النفس... 412

لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته وأبرأ العبد... 413

كتاب الديات

في أقسام القتل... 417

في مقادير الديات

دية شبيه العمد... 419

دية الخطأ المحض... 420

التغليظ في الدية... 420

إذا قتل ثم التجأ إلى أحد مشاهد الأئمة عليهم السلام... 421

دية ولد الزنا دية مسلم... 422

ص: 522

دية الذمي... 422

في موجبات الضمان

النائم إذا أتلف نفساً... 425

إذا أعنف بزوجته جماعاً... 425

إذا قرب المار الصبي من السهم فأصابه... 426

في ضمان الختان لو قطع الحشفة... 426

في قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة

فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت... 426

من دعى غيره ليلاً فهوله ضامن حتى يرجع... 427

في لص دخل على امرأة فوطأها قهراً وقتل ولدها فحملت عليه فقتلته... 429

في امرأة أدخلت صديقاً إلى حجلتها فاقتتل مع الزوج فقتله الزوج فقتلته هي 430

في اربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان... 431

في ستة غلمان كانوا في افرات فغرق واحد... 431

لو حفر في الطريق المسلوك... 432

لو بنى مسجداً في الطريق... 432

لو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم... 433

في نصب الميازيب إلى الطريق... 433

لو بالت دابته في الطريق أو ألقى القمامة فيه فزلق فيه انسان... 434

في ضمان جناية الهر المملوكة... 435

لو هجمت دابة على اخرى فجنت... 435

في ضمان راكب الدابة ما تجنيه... 436

ص: 523

في ضمان المولى جناية الدابة إذا أركبها مملوكه... 436

لوقال: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة فألقاه... 437

لو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان والثاني بثالث وهو برابع فافتر سهم... 437

في الجناية على الأطراف

شعر الرأس... 441

شعر اللحية... 442

شعر الحاجبين... 442

شعر الأهداب وغيره من سائر البدن... 443

تنبيه:... 443

في قلع الأجفان... 444

في خسف العين العوراء... 444

في الروثة... 446

في اذهاب أحد المنخرين... 447

في الاذنان... 448

في الشفتان... 448

لو ادعى ذهاب نطقه... 450

لو جنى على لسانه... 451

في قلع السن الزائدة... 451

لو اسودت السن بالجناية... 451

في انصداع السن... 452

في سن الصغير... 453

ص: 524

تنبيه... 453

فرع... 453

في قطع اليدين... 454

في قطع اليد الزائدة... 455

في أصابع اليدين... 455

في الظفر... 456

في الجناية على الظهر... 456

في قطع حلمة الثدي... 457

في الخصيتين... 458

ف ادرة الخصيتين... 458

في افضاء المرأة... 459

في كسر البعصوص... 459

في الترقوتين... 459

في داس بطن انسان حتى أحدث... 460

في افتض بكراً باصبعة فخرق مثانتها... 460

في الجناية على المنافع

في الجناية على العقل... 463

لو شجه فذهب عقله... 463

في سلس البول... 465

في الشجاج والجراح

في الخارصة والدامية... 467

ص: 525

في الهاشمة... 468

في الموضحة... 469

في المأمومة... 469

لوطعن في صدره فخرج من ظهره... 470

إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل... 470

في احمرار الوجه أو اخضراره أو اسوداده... 471

الإمام ولي من لا ولي له وليس له العفو... 472

في اللواحق

في دية الجنين... 473

تنبيه: في الغرة... 474

لو قتلت المرأة فمات معها الجنين... 476

في عزل النطفة عن الحرة... 477

في قطع رأس الميت المسلم... 477

في الجناية على الحيوان

في الكلاب التي يجوز تملكها ويحرم على الغير الجناية عليها... 479

في ديات الكلاب... 480

في جناية الماشية على الزرع... 481

في كفارة القتل... 482

ص: 526

في العاقلة

في تفسير العصبة... 485

في دخول الآباء والأولاد في العقل... 486

في دخول أهل البلد في العقل مع فقد القرابة... 486

في تحمل العاقلة ما دون الموضحة... 487

في أن ضامن الجريرة يعقل مع يسره... 487

الإمام عاقلة من لا عاقلة له... 488

في الرجوع بالدية على القاتل... 488

في كمية التقسيط... 488

لو زادت العاقلة عن الدية... 490

لو لم يكن عاقلة أو عجزت من الدية... 490

في دية الخطأ شبيه العمد... 490

في إرث الأب من الدية مع وجود ولد المقتول أو أمه أو زوجته... 491

لو لم يكن وارث سوى العاقلة... 491

لو رمى وهو مسلم فأصاب وهو كافر... 492

المصادر المعتمدة في تحقيق الكتاب... 495

المحتويات... 497

ص: 527

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.