غاية المرام في شرح شرائع الإسلام المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 548

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الثالث

دارالهادي

ص: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

كتاب النكاح

اشارة

ص: 3

ص: 4

في آداب العقد

قال رحمه اللّه : النكاح مستحب لمن تاقت نفسه من الرجال والنساء ، وإن لم تتق فيه خلاف ، والمشهور استحبابه.

أقول : المشهور استحباب النكاح للقادر عليه ، سواء اتاقت (1) النفس أو لم تتق ، لعموم الأدلة الواردة (2) في الترغيب فيه ، وقد ذكر المصنف طرفا منها ، فيه كفاية ، وقال الشيخ في المبسوط : تركه أولى لمن لم تتق نفسه إليه ، لأن اللّه تعالى وصف يحيى عليه السلام بكونه حصورا (3) ، وهو الذي لم يقارب النساء ، ولو لا أفضلية هذا الوصف لامتنع مدحه تعالى على ذلك ، ولا يجوز حمله على إطلاقه إجماعا ، فيحمل على من لم تتق نفسه الى النكاح ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وأكل ما ينثر في الأعراس جائز ، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم.

ص: 5


1- في «ن» : تاقت.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب مقدماته وآدابه ، لاحظ جملة الباب.
3- آل عمران : 39.

أقول : لا خلاف في جواز أكل ما ينثر في الأعراس ، لا أخذه ، والظاهر ان المراد بالأخذ الممنوع منه هو نقله من المجلس لا التقاطه بعد النثر ، لأن الأكل جائز ولا يمكن الا بالالتقاط ، وظاهر عبارة المصنف تدل على ذلك ، وعبارة القواعد مصرحة به ، لأنه قال : ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه ، فدل على ان المراد بالأخذ هو نقله من المجلس ، وعلى تقدير جواز الأخذ للإذن فيه أو لشاهد (1) الحال ، هل يملك بالأخذ؟ مذهب الشيخ في المبسوط أنه يملك بالأخذ ، واختاره المصنف والعلّامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد ، لأنه بالإذن فيه والاعراض عنه صار مباحا فيملك بالاستيلاء.

وفيه نظر لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم (2) يعلم السبب الناقل ، فيكون مباحا مع بقائه على ملك مالكه ويجوز له الرجوع فيه ما دامت العين باقية.

ص: 6


1- في «ن» و «م» : بشاهد.
2- في «ن» زيادة : يكن.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : يجوز أن ينظر الى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها ، وله تكرار النظر إليها ، وان ينظرها قائمة وماشية ، وروي جواز أن ينظر الى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ، وكذا يجوز أن ينظر الى أمة يريد شراءها والى شعرها ومحاسنها ، ويجوز النظر الى أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء ، لكن لا يجوز ذلك لتلذذ ولا لريبة ، ويجوز ان ينظر الرجل الى مثله ما خلا عورته ، شيخا كان أو شابا ، حسنا أو قبيحا ، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في مقامات :

الأول : في الأجنبية والنظر إليها لا يخلو إما ان يكون لضرورة أو لحاجة أو لغير حاجة ، فالضرورة مثل ان ينظر الطبيب إليها ، فإنه يجوز له النظر الى موضع العلة وان كانت العورة ، لأنه لا يمكن العلاج الا بعد الوقوف عليه. والحاجة مثل ان يتحمل شهادة على امرأة ، فله أن ينظر الى وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحققها ، وكذا لو كان بينه وبينها معاملة أو مبايعة فيعرف وجهها ليعلم من التي

ص: 7

يعطيها الثمن ان كانت بائعة والمثمن ان كانت مشترية ، فان قيل : إذا كان البيع نقدا بنقد فما الحاجة (1) الى معرفة الوجه فإنه يدفع الثمن الى من دفع (2) اليه المثمن أو بالعكس ، فلا حاجة الى المعرفة فلا يباح النظر.

قلنا : الحاجة حاصلة كما لو ظهر ما صار اليه مستحقا فإنه يفتقر الى معرفتها ليدعي عليها بما صار إليها ، وروي : «ان امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وآله لتبايعه فأخرجت يديها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : أيد امرأة أو يد رجل؟ فقالت : يد امرأة ، فقال : أين الحناء» (3). فدل هذا الخبر على جواز النظر عند الحاجة ، لأنه إنما عرف انه لا حنا على يديها (4) بالنظر إليها مكشوفة ، ومن الحاجة ان يريد نكاحها ، فيجوز له ان ينظر (5) الى وجهها وكفيها والى جميع جسدها من وراء الثياب مقبلة ومدبرة ، وهذا إجماع بشرط إمكان النكاح عرفا وشرعا ، فلو انتفى أحد الإمكانين لم يجز.

وقال المصنف : (وروي جواز ان ينظر الى شعرها ومحاسنها) ، أمّا رواية الشعر فهي إشارة إلى رواية عبد اللّه بن سنان ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يريد أن يتزوج المرأة فيجوز أن ينظر الى شعرها؟ فقال (6) : نعم انّما يريد ان يشتريها بأغلى الثمن» (7).

وأمّا رواية المحاسن فرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن

ص: 8


1- في «ن» : فلا حاجة.
2- في «ن» : يدفع.
3- مسند أحمد 6 : 262.
4- في «م» و «ن» : يدها.
5- في «ن» : النظر.
6- في «م» و «ن» : قال.
7- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 7.

علي عليه السلام : «في رجل نظر الى محاسن امرأة يريد ان يتزوجها ، قال : لا بأس ، انما هو مستام» (1).

تنبيه : أكثر عبارات الأصحاب تعطي الفرق بين المحاسن وبين الوجه والكفين ، لجزمهم بجواز النظر الى الوجه ، وترددهم بجواز النظر الى الشعر والمحاسن ، وعبارة أبي العباس في المهذب مصرحة بالمغايرة ، لأنه بعد ان ذكر جواز النظر الى الوجه والكفين ، قال : وهو إجماع من علماء الإسلام. بقي البحث في الشعر والمحاسن ، هل يجوز النظر الى ذلك أم لا؟ وهذا تصريح بالمغايرة وابن إدريس عرف المحاسن بالوجه واليدين (2) ، لأنه قال : ولا بأس ان ينظر الرجل الى أمة يريد شراءها وينظر الى شعرها ومحاسنها ووجهها ويديها فحسب ، فقوله : (ووجهها ويديها فحسب) يريد به المحاسن ، لأن قوله ومحاسنها معطوف على شعرها في جواز النظر ، وقوله : (ووجهها ويديها) عطف بيان ، يريد به تفسير المحاسن ، فعلى هذا يكون التردد في الشعر خاصة.

وان كان النظر إلى الأجنبية لغير (3) حاجة فقد جوز أكثر الأصحاب النظر الى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، لقوله صلى اللّه عليه وآله : «لكم أوّل نظرة ، فلا تتبعوها بالثانية» (4).

هذا مع عدم التلذذ وخوف الفتنة ، فإن حصل أحدهما انتفى الجواز.

وذهب فخر الدين الى المنع من ذلك ، ونقله عن والده في التذكرة ، لعموم

ص: 9


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 8.
2- ليست في «م».
3- في «ن» : بغير.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 104 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث (11 ، 13 ، 14 ، 15 ، 17) مع اختلاف يسير.

الآية (1) ، وهو أحوط.

الثاني : في النظر إلى الأمة ، وهو لا يخلو إمّا ان يريد شراءها أو لم يرد ، فان اراده جاز له النظر الى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها ، قال العلّامة في التذكرة : وله ان يمسّها بيده ويقلبها إلّا العورة لرواية أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام.

وان لم يرد شراءها ، قال العلامة في التذكرة : لم يجز النظر إلّا الى الوجه والكفين ، لقول الصادق عليه السلام : «لا أحب الرجل (3) ان يقلب جارية إلّا جارية يريد شراءها» (4) ، وسأله حبيب بن معلى الخثعمي ، «قال : اني اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت ، قال : اما لمن تريد شراءها فليس به بأس وأمّا لمن لا تريد ان يشتري فإني أكرهه» (5) دلّ هذا الخبر على كراهة (6) النظر من غير تحريم ، وظاهر ابن إدريس تحريم (7) المنع لغير المشتري لعموم ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (8).

ومما يقوي الأول قول الشيخين بجواز النظر الى نساء أهل الذمة وشعورهن إلّا لريبة أو تلذذ (9) ، لأنهن بمنزلة الإماء ، ومما يقويه أيضا قولهم النظر واللمس

ص: 10


1- النور : 30.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 1.
3- في «م» و «ن» : للرجل.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 3.
5- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 2.
6- في «ن» : كراهية.
7- ليست في «م» و «ن».
8- النور : 30.
9- في «ن» : لتلذذ.

لما (1) يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكفين لا ينشر الحرمة.

فرع : الوكيل في التزويج وفي شراء الأمة ان كان وكيلا مطلقا بحيث يزوجه بمن شاء ويشتري له من يشاء (2) كان له النظر ، كما لو كان الزواج أو الشراء لنفسه ، بل أبلغ ، لأنه يجب عليه تحري المصلحة لموكله ، وذلك لا يتم إلّا بالنظر ، وان كان وكيلا على زواج معينة أو شراء معينة ، فلا يخلو اما ان يتراضيا على النكاح والشراء ولم يبق غير العقد أو لم يتراضيا ، فان كان الأول لم يجز للوكيل النظر ، لأنه وكيل على إيقاع العقد فقط.

وان كان الثاني جاز له النظر ، لأن الظاهر انه أقامه مقام نفسه على شي ء معين فلا بد ان ينظر اليه مع إمكان النظر ليعلم هل هو صالح لموكله (3) أو غير صالح.

الثالث : في النظر الى نساء أهل الذمة والى شعورهن ، والمشهور جوازه ، لأنهن بمنزلة الإماء لا حرمة لهن ، كما لا حرمة للأمة (4) ، ولما رواه محمد بن يعقوب يرفعه إلى السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا حرمة لنساء أهل الذمة ، له أن ينظر الى شعورهن وأيديهن» (5).

وهذا بشروط ثلاثة : ان لا يكون النظر لريبة ، ولا تلذذ ، ولا يخاف الافتتان ، فان حصل شي ء من ذلك حرم ، وذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى عدم الجواز ، لعموم قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ

ص: 11


1- في «ن» : الذي.
2- في «ن» : شاء.
3- ليست في «م».
4- «ن» : (لنساء أهل الذمة) بدل : (للأمة).
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 112 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.

أَبْصارِهِمْ ) (1) والأول هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخين (2) وابن البراج والعلامة في القواعد والتحرير والإرشاد.

الرابع : في النظر الى المحارم ، والمراد بالمحارم هنا كلّ امرأة يحرم نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو ملك يمين ، دون من حرم نكاحها بسبب غير ذلك كالمطلقة تسعا للعدة والمزني بها ، وهي تحت بعل أو معتدة أو كالملاعنة ، فإن هؤلاء لا يجوز النظر إليهن إجماعا وإن حرم نكاحهن مؤبدا.

وأما القسم الأول فيجوز النظر الى الوجه والكفين إجماعا ، ومثله (3) الثدي حالة الرضاع لحصول المشقة بالتحرز منه ، أمّا النظر اليه غير حالة الرضاع والنظر الى البدن ففيه خلاف ، والمشهور الجواز الى الجميع عدا العورة ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ ) (4) الآية ، ووجه المنع عموم ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ )

الخامس : الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء ، وهو الذي لا يبلغ مبلغا يحكي ما يرى ، فهذا يجوز لهن (5) التبرج قباله والنظر إليه ، لأن وجوده وعدمه سواء وامّا إذا بلغ مبلغا يحكي ما يرى فلا يجوز التبرج قباله.

وهل يجوز النظر اليه قبل بلوغه؟ نقول ان كان في النظر اليه تحريك شهوة أو شوق (6) الى الرجال فلا يجوز قطعا ، وان لم يكن فيه شي ء من ذلك ، احتمل الجواز وعدمه وهو أحوط.

ص: 12


1- النور : 30.
2- ليست في «م».
3- «ن» : ومثلهما.
4- النور : 31.
5- ليست في «ن».
6- «ن» : تشوق.

السادس : الشيخ والشيخة إذا صارا في غير محل الشهوة وقعدا عن النكاح جاز النظر إليهما لانتفاء دواعي الشهوة ، وكذا حكم الصبية الصغيرة التي ليست في محل الشهوة ، ولا يجوز النظر إلى العورة في حال لغير الزوجين وغير الطبيب حالة العلاج.

قال رحمه اللّه : هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأظهر ، لعموم المنع ، وملك اليمين المستثنى بالآية المراد به الإماء.

أقول : قيل : يجوز للخصي النظر إلى المرأة سواء كانت مالكته (1) أو أجنبية ، أمّا الأجنبية فقوله تعالى ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) (2) ، وأمّا المالكة فقوله (3) تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (4) ، وذهب العلامة في المختلف الى جواز نظره الى مالكته دون الأجنبية ، والمشهور المنع منهما لتفسير : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) بالشيخ الفاني الذي ذهبت شهوته للنساء (5) ، وتفسير ملك اليمين بالإماء دون العبيد ، لعموم قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (6).

قال رحمه اللّه : الوطي في الدبر فيه روايتان ، إحداهما : الجواز ، وهي المشهورة بين الأصحاب ، لكن على كراهية شديدة.

أقول : رواية الجواز رواية عبد اللّه بن أبي يعفور (7) ، عن الصادق عليه

ص: 13


1- «ن» : مالكة.
2- النور : 31.
3- «م» و «ن» : فلقوله.
4- النور : 31.
5- تفسير القمي ، ج 2 ، ص 102.
6- النور : 30.
7- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 73 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 2.

السلام ، وهو المشهور بين الأصحاب ، للأصل ، وللرواية ، ولقوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) ورواية العدم رواية سدير (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو مذهب ابن حمزة من أصحابنا ، وبه قال جميع العامة غير مالك ، لأنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك ان وطي المرأة في دبرها حلال ، ثمَّ قرأ ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) .

قال رحمه اللّه : العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن ، قيل : هو محرم ، وتجب معه دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل : هو مكروه وإن وجبت الدية ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحريم العزل أو كراهته ، فالتحريم مذهب المفيد وابن حمزة ، لأن حكم النكاح الاستيلاد ولا يحصل غالبا مع العزل ، فيكون منافيا لغرض الشارع.

والكراهة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، وما رواه محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العزل؟ فقال : ذلك الى الرجل يصرفه حيث شاء» (3) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السلام «انه سئل عن العزل؟ فقال : أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكرهه» (4).

الثانية : في دية النطفة ، وأوجبها الشيخ وابن إدريس ، واختاره (5)

ص: 14


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 72 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 75 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 76 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.
5- ليست في «م» و «ن».

المصنف هنا ، والعلامة في الإرشاد ، والاستحباب مذهب المصنف في باب الديات ، واختار العلامة وأبو العباس في المقتصر في خصائص النبي صلى اللّه عليه وآله.

ص: 15

ص: 16

في خصائص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال رحمه اللّه : منها : ما هو في النكاح ، وهو تجاوز الأربع بالعقد ، وربما كان الوجه الوثوق بعدله بينهن دون غيره.

أقول : الوثوق بالعدل ليس علة تامة لإباحة تجاوز الأربع بالعقد (1) ، والا لسرت الى غيره ممن يحصل الوثوق بعدله من المعصومين ، والا لكان كل واحد من أئمتنا عليهم السلام يباح له ذلك الموثوق (2) بعدله فلما لم (يباح ذلك) (3) لهم بإجماع المسلمين مع الوثوق بعدلهم عندنا ثبت ان الوثوق بالعدل ليس علة تامة للإباحة ، وانما الوجه في ذلك الإكرام والتفضيل من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وآله ليحصل له التمييز عن غيره من رعيته.

قال رحمه اللّه : وتحريم الصدقة الواجبة ، وفي المندوبة في حقه خلاف.

أقول : إنما عدّ تحريم الصدقة الواجبة من خواصه مع تحريمها على جميع

ص: 17


1- ليست في «ن».
2- «م» و «ن» : للوثوق.
3- من «م» ، وفي الأصل كلمة غير مقروءة.

مستحقي الخمس ، لأن التحريم على غيره بسببه ، لأن التحريم عليهم بسبب استحقاقهم الخمس ، وانما استحقوه به صلى اللّه عليه وآله ، فرفعهم اللّه تعالى عن الصدقة الواجبة لكونها أوساخا ، وعوّضهم عنها بالخمس تعظيما لرسوله وتشريفا له ولأهل بيته عليهم السلام ، فلما كان هو السبب في ذلك عدّها من خواصه صلى اللّه عليه وآله.

وأما الصدقة المندوبة فقد توقف الشيخ في المبسوط فيها ، والأكثر على عدم تحريمها كباقي بني هاشم.

قال رحمه اللّه : تحرم زوجاته صلى اللّه عليه وآله على غيره.

أقول : أما التي مات عنها بعد الدخول بها فإنها تحرم على غيره إجماعا ، وهل تحرم التي لم يدخل بها؟ قال العلامة في التحرير : زوجاته صلى اللّه عليه وآله كلهن دخل بهن. فعلى ما قال العلامة لو قدرنا أنه مات عن غير مدخول بها ، هل تحرم على غيره؟ الظاهر ذلك ، لدخولها في اسم الزوجات فتدخل في الآية (1).

ويحتمل العدم لأصالة الإباحة فيقتصر بالتحريم على المدخول بها دون غيرها.

واما من فارقها في حياته اما بفسخ كالمرأة التي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها ، أو بطلاق كالمرأة التي قالت : أعوذ باللّه منك ، فطلقها ، هل للغير نكاحها؟ يحتمل ذلك ، لأصالة الإباحة ، وقوله تعالى ( وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) دال على التحريم بعد الموت فيبقى ما قبله على أصالة الإباحة.

ويحتمل المنع وهو المعتمد ، لأن تحريمهن بعد الموت إكرام له عليه السلام ،

ص: 18


1- الأحزاب : 53.
2- المصدر المتقدّم.

والإكرام في حال الحياة أولى منه بعد الموت ، فيكون التحريم في حال الحياة أبلغ وأولى منه بعد الموت.

قال رحمه اللّه : من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى اللّه عليه وآله القسمة بين أزواجه ، لقوله تعالى ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) ، وهو ضعيف ، لأن في الآية احتمالا يرفع دلالتها ، إذ يحتمل أن تكون المشية في الإرجاء متعلقة بالواهبات.

أقول : ليس للمانعين من وجوب القسم على النبي صلى اللّه عليه وآله حجة غير هذه الآية (1) ، وقد نقل الشيخ رحمه اللّه في تفسيرها وجوها بعضها يدل على عدم وجوب القسم عليه ، وبعضها لا يدل على ذلك ، فالذي يدل على عدم الوجوب ما نقله عن مجاهد ، قال (2) : معناه تعتزل من شئت من نسائك فلا تأتيها ، وتأتي من شئت من نسائك فلا تقسم لها.

قال الشيخ : فعلى هذا يكون القسم ساقطا عنه ، قال : وكان ممن أرجى ميمونة وأم حبيبة وجودية (3) وصفية وسودة ، وكان يقسم لهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن يأوي عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ، وكان يقسم بينهن نفسه وماله بالسوية.

ومثله ما نقله عن قتادة ، قال : كان نبي اللّه يقسم بين أزواجه فأوحى (4) اللّه له ترك ذلك.

ونقل عن ابن عباس ان معناه : أن تترك نكاح من شئت وتنكح من تشاء من نساء أمتك ، ونقل عن زيد بن أسلم أن الآية نزلت في اللاتي وهبن أنفسهن ،

ص: 19


1- الأحزاب : 51.
2- ليست في «م».
3- «م» و «ن» : جوزية.
4- «م» و «ن» : فأحل.

فقال اللّه له : تزوج من شئت منهن واترك من شئت ، قال : وهو اختيار الطبرسي.

إذا عرفت هذا ، فالمصنف اختار هذا الوجه من وجوه تفسير هذه الآية ، وهو ظاهر الشيخ في التبيان ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله مكلف بالأحكام الشرعية كغيره من المكلفين الا ما أخرجه النص مما اختص به صلى اللّه عليه وآله ، ولم يثبت تخصيصه بهذا الحكم لحصول الاحتمال الرافع للتخصيص الذي (1) ثبت في العقد (2).

ص: 20


1- في «ن» بزيادة : الأصل عدمه ، والعلامة جزم في القواعد بعدم وجوب القسم عليه ، واستقرب في التحرير الوجوب.
2- (ثبت في) ليست في «م» و (ثبت في العقد) ليست في «ن».

في العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : والعبارة عن الإيجاب لفظان : زوجتك وأنكحتك ، وفي متعتك تردد ، وجوازه أرجح.

أقول : منشأ التردد من أصالة عصمة الفرج وصيانته عن الغير ، خرج اباحته بما اتفق عليه من الألفاظ يبقى الباقي على أصالة المنع ، ولأن المتعة حقيقة في العقد المنقطع في العرف الشرعي فيكون مجازا في الدائم ، لأصالة عدم الاشتراك ، والمجاز لا يكفي في صيغ العقود والا لم تنحصر الألفاظ.

ومن أنهم قالوا : المنقطع إذا لم يذكر (1) فيه الأجل ينقلب دائما ، فلو لم يكن من صيغة لم ينعقد. والاقتصار على اللفظين خاصة مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف وهو أحوط.

ونقل عن بعض علمائنا انعقاده بلفظ المتعة ورجحه المصنف هنا ، وجزم به في المختصر وجزم به العلامة أيضا في القواعد والإرشاد.

ص: 21


1- «م» و «ن» : يكن.

فرعان :

الأول : يجب توقي اللحن المخل بالمعنى المقصود.

الثاني : لا يشترط في القبول لفظ معين ، بل كل ما دل على الرضا جاز وقوعه به ، لأنه كالمعلول للإيجاب والأثر له فلا يشترط غير ما يدل على الرضا بالإيجاب.

قال رحمه اللّه : ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح الإنشاء اقتصارا على المتعين وتحفظا من الاشتمار المشبه للإباحة ، ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء كقوله : زوجنيها ، فقال : زوجتك ، قيل : يصح كما في خبر سهل الساعدي وهو حسن ، ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله : أتزوجك ، فيقول : زوجتك جاز ، وقيل : لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول ، وفي رواية أبان بن تغلب في المتعة ، «أتزوجك متعة ، فإذا قالت : نعم ، فهي امرأتك».

أقول : لا خلاف في وقوع العقد بلفظ الماضي ، لأنه دال على صريح الإنشاء لدخول الماضي في الوجود فيحصل اليقين بوقوعه ، والمستقبل لا وثوق بحصوله ، لاحتمال (1) الوعد والاستفهام ، ولمشاركة الحال في الصيغة ، فهو لفظ مشتمر (2) أي غير منحصر بوجه ، ولهذا قال المصنف : وحفظا من الاشتمار المشبه المشتمل للإباحة ، اي (موقع للشبه) (3) في الإباحة ، لاحتمال ارادة الوعد أو الاستفهام ، فلا تحصل الإباحة بخلاف الماضي ، فإنه لا يحتمل غير المقصود لدخوله في الوجود ولا يحصل شبهة في الإباحة فتعين (4) الإتيان به دون ما يحصل فيه الشبهة ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما بيناه.

ص: 22


1- «م» : لاحتماله.
2- «م» و «ن» : مستمر.
3- «م» و «ن» : الموقع للشبهة.
4- «م» و «ن» : فيتعين.

وظاهر المصنف هنا جواز الإتيان بلفظ المستقبل لرواية أبان بن تغلب (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وأمّا وقوعه بلفظ الأمر فهو (2) مذهب الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف هنا ، لخبر سهل الساعدي : «ان امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وآله فقالت : إني وهبت نفسي لك يا رسول اللّه إن يكن لك في رغبة ، فقال : لا رغبة لي في النساء ، فقامت طويلا فقال رجل : يا رسول اللّه صلى اللّه عليك وآلك زوجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أعندك شي ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : ان أعطيتها جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : هل معك من القرآن شي ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، وسماهما ، فقال رسول اللّه : زوجتك بما معك من القرآن» (3).

قال رحمه اللّه : ولو قال الولي أو الزوجة : متعتك بكذا ، ولم يذكر الأجل ، انعقد دائما ، وهو دلالة على انعقاد الدائم بلفظ التمتع.

أقول : انعقاد المنقطع دائما مع الإخلال بذكر الأجل مذهب الشيخ وابن البراج وابي الصلاح والسيد وابن زهرة ، واختاره المصنف رحمه اللّه لرواية عبد اللّه بن بكير في الموثق (4) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : يبطل العقد ، واختاره العلامة ، لأن المتعة من شرطها ذكر الأجل ، ومع الإخلال يبطل المشروط رواه زرارة في الصحيح ، عن الصادق

ص: 23


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- من «م» ، وفي باقي النسخ : وهو.
3- المستدرك ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور ، حديث 2 (مع اختلاف يسير).
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المتعة ، حديث 1.

عليه السلام ، «قال لا يكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى وأجر مسمى» (1).

ومثله ما رواه إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح : «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتعة؟ فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم» (2).

قال رحمه اللّه : ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم ، فقال الزوج : قبلت ، صح ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ولو لم يعد اللفظ ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ من ان نعم صريحة في إعادة السؤال وكأنه (3) قال : زوجت وقد حصل لفظ الإيجاب ، فإذا قبل الزوج صح النكاح لأصالة الصحة. ومن ان قوله : زوجت بنتك من فلان استخبار ، وقول الأب : نعم زوجت خبر ، لأنه جواب الاستخبار ، والجواب لا يصلح ان يكون إنشاء ، لأن الإنشاء لغة الابتداء ، واصطلاحا إيجاد عقد بلفظ يقارنه في الوجود ، فالجواب لا يكون إنشاء ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي السكران الذي لا يعقل تردد ، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز ، وفي رواية : إذا زوجت سكرى نفسها ثمَّ أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضيا.

أقول : لا فرق بين السكران والسكرى ، ومنشأ التردد ، من ان السكران الذي لم يحصل كالمجنون في زوال العقل ، فيكون حكمه حكمها في عدم الالتفات إلى عقده فيقع باطلا ، وإذا وقع باطلا لم يؤثر فيه الإجازة بعد الانعقاد.

ومن الرواية التي أشار إليها المصنف ، وهي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب

ص: 24


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب المتعة ، حديث 3.
3- «ن» : فكأنه.

النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت فأنكرت ، ثمَّ ظننت انه يلزمها فوزعت منه ثمَّ أقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : إذا أقامت عنده بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، فقلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : نعم» (1).

وبمضمونها أفتى الشيخ رحمه اللّه في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 25


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب عقد النكاح ، حديث 1. (وفيه : ففزعت منه).

ص: 26

في أولياء العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل : نعم ، مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف ، والوجه أنه لا يشترط.

أقول : اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وابي الصلاح ، لرواية الفضل بن عبد الملك ، عن الصادق عليه السلام «قال الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز» (1) مفهوم هذه الرواية على اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد لقوله : «وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا» ، وذهب المفيد وسلار والسيد المرتضى وابن إدريس الى عدم الاشتراط ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن ولاية الجد ثابتة في حياة الأب فتثبت بعد وفاته عملا بالاستصحاب ، ولأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب ، لأنهما لو زوجاها برجلين دفعة صح عقد الجد وبطل عقد الأب.

ولو اختار الأب زوجا واختار الجد غيره قدم اختيار الجد وكان ولايته

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.

أقوى ، والأقوى لا يكون مشروطا بالأضعف ، والرواية قاصرة عن المطلوب ، لضعف سندها ، لأن في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وجعفر بن سماعة ، وهما واقفيان ، ولضعف دلالة المفهوم.

ولا فرق في ثبوت ولايتهما على الصغيرين والمجنونين ، قال أبو العباس في مهذبه : سواء كان جنونهما مستمرا قبل البلوغ أو عرض بعد زوال الولاية عنهما لرشدهما بعد البلوغ ، وهو جيد.

قال رحمه اللّه : ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين ، وكذا لو زوج الأب أو الجد الولد الصغير لزمه العقد ، ولا خيار له بعد بلوغه ورشده على الأشهر ، وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات ، أظهرها : سقوط الولاية عنها ، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع حتى لا يجوز لهما ان ينفردا عنها بالعقد.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

أ - في ثبوت الخيار للصبية بعد البلوغ إذا زوجها أبوها أو جدها له ، والمشهور عدم ثبوته لها ، ولم يتردد فيه أحد من الأصحاب ، وجزم به المصنف في المختصر ، ولم يجزم به هنا ، بل قال على أشهر الروايتين (1) ، لأن محمد بن مسلم روى عن الباقر عليه السلام قال ، «سألته عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : ان كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، لكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بعد فالمهر على الأب» (2) فهذه الرواية دالة على ثبوت الخيار لهما ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب ، لأنه عقد صدر من ولي شرعي لا ضرر فيه على المولى عليه

ص: 28


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث (1 و 2 و 3 و 7).
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث 8.

فكان (1) ثابتا.

ب - في ثبوت الخيار للصبي إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه ، وأثبته الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، وهو مذهب ابن حمزة ، لرواية يزيد الكناني (2) ، والمعتمد لزوم العقد ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، لأنه عقد صدر من أهله وهو الولي الإجباري ، فيكون لازما كالصبية.

ويمكن الفرق بينهما فإن الصبي ربما تطرق اليه الضرر في ذلك ، لأنه أثبت لها في ذمته مهرا ونفقة ، ولا فائدة له في النكاح حالة الصبي ، بخلاف الصبية فإنه أثبت لها مهرا في ذمة الزوج ونفقة ، ولا ضرورة عليها.

والمعتمد المساواة بينهما في عدم ثبوت الخيار ، لأن الولي أعرف بالمصلحة ، وهي غير منتفية ، فيلزم العقد لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

ج - في ثبوت ولايتهما على البكر البالغة الرشيدة وقد اختلف الأصحاب هنا على خمسة أقوال :

الأول : لا ولاية عليها في الدائم والمنقطع ، بل الولاية لنفسها خاصة ، وهو قول المفيد في أحكام النساء ، وبه قال سلار والسيد المرتضى وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

الثاني : ثبوت الولاية عليها للأب خاصة ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه.

الثالث : اشتراك الولاية بينها وبين الأب والجد بحيث لا ينفرد احد منهم دون الآخر ، وهو أحد قولي المفيد.

ص: 29


1- من «ن» و «م» وفي غيرهما : وكان.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 9.
3- المائدة : 1.

الرابع : اشتراك الولاية بينها وبين الأب خاصة ، وهو قول أبي الصلاح.

الخامس : استقلالها دونهما بعقد المتعة خاصة ، لكن لا يطأها الزوج في الفرج ، وهو قول ابن حمزة ، وذكره الشيخ في النهاية رواية.

ونقل المصنف قولا سادسا : وهو استقلالها بالدائم دون المنقطع ، ولم أقف على قائله ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولا ولاية للوصي وان نص له الموصي على النكاح على الأظهر.

أقول : قال الشيخ في الخلاف بثبوت الولاية للوصي إذا نص الموصي على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف لرواية أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وقيل : ليس له ذلك وان نص الموصي ، واختاره المصنف والعلامة في باقي كتبه.

قال رحمه اللّه : ولو وكلته في تزويجها منه ، قيل : لا يصح لرواية عمار ، ولأنه يلزم ان يكون موجبا قابلا ، والجواز أشبه.

أقول : المشهور الجواز ، وهو المعتمد ، وقد تقدم البحث (3) في عدم المنع من كونه موجبا قابلا ، والرواية ضعيفة ، لأن عمارا فطحي ، وفي طريقها مصدق بن صدقة ، وهو فطحي أيضا.

وصورة العقد على نفسه ان يقول : زوجت موكلتي فلانة من نفسي ، قبلت النكاح.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، هل لها أن تعترض؟ فيه

ص: 30


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب (3 و 4 و 6 و 9) من أبواب عقد النكاح ، وباب 11 من أبواب المتعة.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.
3- ج 2 ، ص 17 - 18 ، وص 355.

تردد ، والأظهر أن لها الاعتراض.

أقول : منشأ التردد من ان النكاح معاوضة على الفرج ، فكما لها الاعتراض إذا باع مالها بدون ثمن المثل ، كذا لها الاعتراض إذا زوجها بدون مهر المثل.

ومن انه ليس بمعاوضة محضة لجواز أخلاء النكاح عن ذكر المهر ، ولأن المقصود من النكاح النسل وكف الشهوة ، والمهر تابع ، بخلاف بيع المال فان المقصود منه العوض فقط ، والأصل الصحة.

وذهب المصنف والعلامة في القواعد ان لها الاعتراض ، واختاره فخر الدين ، وهل الاعتراض في فسخ المهر؟ أو فسخ النكاح أطلق المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين ذلك ، وجزم العلامة في التحرير بان لها فسخ المسمى ، قال : وهل لها فسخ النكاح؟ فيه نظر.

قلت : هذا نظر غريب من العلامة ، لأن الذي يقتضيه الأصل عدم جواز فسخ النكاح قطعا ، لجواز النكاح عن ذكر المهر ، وانما الاعتراض في فسخ المسمى إذا كان دون مهر المثل ، وقد نصوا على ذلك في باب تفويض المهر.

قال المصنف : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد. منشأ التردد من أن الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

وقال العلامة في القواعد ولو زوج الولي مفوضة أو بدون مهر المثل صح ، وقيل : يثبت مهر المثل بنفس العقد ، وفيه إشكال ينشأ من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر الولي.

وقال في التحرير نحو ذلك. فقد ثبت ان التردد في المهر دون العقد.

قال رحمه اللّه : عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر.

ص: 31

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يكون موقوفا ، والعمل على المشهور ، وقد تقدم احتجاج الفريقين في باب البيع.

قوله : ويقع من البكر بالسكوت عند عرضه عليها.

الأصل في ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وآله : «البكر تستأذن ، واذنها صماتها ، والثيب يعرب عنها لسانها» (1) والاعراب هو التبيين أي يبين عنها لسانها ، وقال ابن إدريس : لا بد من النطق ولا يكفي السكوت ، لأنه أعم.

قال رحمه اللّه : وإذا زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا (لو زوج)(2) الطفل ، وقيل : بالمنع في الطفل ، لأن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ولا خوف في جانب الصبي.

أقول : قوله : (وكذا الطفل) أي لو زوجه بالمملوكة ليس له خيار بعد البلوغ ، وسيأتي وجه الخلاف في ذلك إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ، ولو كانت امرأة ، وقيل : لها ان تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية استنادا إلى رواية سيف بن عميرة (3) ، عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد ، لعموم قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (4).

قال رحمه اللّه : إذا اذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح ، واقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر أمثاله ، فإن زاد كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر ، ويكون

ص: 32


1- سنن ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب استئمار البكر والثيب ، حديث 1872 (قريب منه).
2- من المطبوعة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب المتعة ، حديث 1 و 2 و 3.
4- النساء : 25.

مهر المثل على مولاه ، وقيل : في كسبه ، والأول أظهر ، وكذا القول في نفقتها.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

أ - ان المهر والنفقة على المولى ، لأنهما من توابع العقد المأذون فيه ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في قواعده وفخر الدين ، وهو المعتمد.

ب - في كسب العبد وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج - التفصيل وهو ان كان مكتسبا كان في كسبه ، وان لم يكن مكتسبا كان على المولى ، وهو قول ابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الأخوان برجلين ، فان وكلتهما فالعقد للأول ، ولو دخلت بمن تزوجها أخيرا فحملت ألحق الولد به وألزم مهرها وأعيدت إلى السابق بعد انقضاء العدة ، وان اتفقا في حالة واحدة ، قيل : يقدم الأكبر ، وهو تحكم.

أقول : القائل بتقديم عقد الأكبر مع الاقتران هو الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، لرواية وليد بياع الاصفاط (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ومنع ابن إدريس من ذلك ، ونسب المصنف تقديم الأكبر إلى التحكم - وهو القول بغير دليل - لأنهما وكيلان ، ومع الاقتران يبطل العقدان لتدافعهما ، فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، فلهذا نسبه الى التحكم.

قال العلامة في المختلف : وليس ببعيد عندي من الصواب ان يجعل لها الخيار في إمضاء عقد أيهما كان إذا عقد كل واحد منهما قد قارن زوال ولايته ، لأنه

ص: 33


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 7 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.

حالة عقد الآخر فبطلت هيئة عقد كل واحد منهما وهي (ونهى) (1) اللزوم ، ويبقى كل واحد منهما كأنه فضولي في العقد ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وفيه نظر ، لأنهم قد حكموا ببطلان العقدين مع التقارن ، فتخصيص البطلان بالهيئة التي هي اللزوم دون بطلان أصل العقد تخصيص من غير مخصص.

فروع :

الأول : إذا تحقق سبق عقد أحد الوكيلين أو الوليين كالأب والجد له واشتبه ، فيه احتمالات ، أقواها انهما يؤمران بالطلاق ، بأن يقول كل واحد منهما : ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق ، ثمَّ ينكح من شاءت بعد ذلك ، فان امتنعا أو أحدهما من الطلاق لم يجبرا عليه ولا أحدهما ، للإجماع على عدم وقوع طلاق المكره ، ولا يقرع بينهما ، لأن القرعة امارة ضعيفة تفيد الظن ، فلا يباح بها الفروج المترتب عليها إلحاق النسب ، وتحريم المحارم ، وجواز النظر إليهن ، وما شاكل ذلك من الأمور المهمة المبنية على الاحتياط ، ولا يجب التربص الى حين التذكر لما في ذلك من الإضرار بالمرأة ، بل يفسخ الحاكم ان كان والا المرأة دفعا للضرر المنفي ، والا لزم تعطيلها ومنعها من حقوقها ، وذلك ضرر عظيم ، وهو منفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) ، ولا مهر مع الفسخ ، لأنه كفسخ العيب.

الثاني : لو اشتبه الحال ، فلم يعلم السبق ولا الاقتران ، فالعلامة في القواعد جعل حكمه كما لو علم سبق أحدهما واشتبه ، وقال الشيخ : مع الاشتباه يبطل العقد ، لأنه إن اقترنا بطلا (3) ، وان ترتبا لم يمكن العلم به ولا بخصوصية السابق فيبطل ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأن العلم به غير مقدور لنا ، فلا يمكن

ص: 34


1- كذا في الأصل ، وليست في «م» و «ن».
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 212 حديث 3 و 4 و 6 ، وكتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.
3- «م» و «ن» : بطل.

إمضاؤه ، وكل عقد تعذر إمضاؤه فهو باطل.

ومذهب العلامة أحوط لاحتمال ترتيبهما ، فيكون أحدهما صحيحا فلا يباح لها نكاح غيره بغير الطلاق أو الفسخ.

الثالث : لو ادعى كل منهما السبق وصدقت (1) أحدهما احتمل ثبوت عقده ، لأنه ادعى عليها حقا فاعترفت به فيثبت ما ادعاه. ويحتمل العدم ، لأن الخصم هو الزوج الآخر فلا ينفذ تصديقها في حقه ودعواه ثابتة ، فعلى القول بعدم اعتبار تصديقها يكون الحكم كما في الفرع الأول ، وعلى القول باعتباره ، هل يسقط دعوى الآخر ، لأن الحق قد ثبت لغيره ، أو لا تسقط؟ والفائدة ثبوت مهر المثل للثاني لو اعترفت له على القول بضمان منفعة البضع بالتفويت ، وسيأتي تحقيقه في بابه إنشاء اللّه تعالى.

ولو نكلت عن اليمين فحلف ، فان قلنا : اليمين مع النكول كالبينة ، انتزعت من الأول الى الثاني ، لأن البينة أقوى من الإقرار ، وان قلنا : كالإقرار فهي للأول وتغرم للثاني.

قال رحمه اللّه : ولا ولاية للأم على الولد ، فلو زوجته فرضي لزمه العقد ، وان كره لزمها المهر ، وفيه تردد ، وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة ذمة الأم من المهر ، لأن عقدها فضولي كالأجنبي وكما (2) لا يضمن الأجنبي مع عدم الرضا بعقده شيئا ، كذا لا تضمن الأم مع عدم الرضا بعقدها شيئا.

ومن رواية محمد بن مسلم (3) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على لزوم المهر

ص: 35


1- «م» و «ن» : فصدقت.
2- «م» و «ن» : فكما.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 7 من أبواب عقد النكاح ، حديث 3.

للأم ، وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، والحمل على دعوى الوكالة ضعيف ، لأن الرواية خالية عن ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا زوج الأجنبي امرأة ، فقال الزوج : زوّجك العاقد من غير إذنك ، فقالت : بل أذنت ، فالقول قولها مع يمينها على القولين ، لأنها تدعي الصحة.

أقول : المراد بالقولين القول بان عقد الفضولي يقف على الإجازة والقول بأنه يقع باطلا ، فعلى القولين يكون القول قولها.

فان قيل : أما على القول بوقوعه باطلا فقد يتصور لهذه الدعوى فائدة : وهي لو اعترفت له بما ادعاه أو نكلت فحلف بطل العقد ، أما على القول بوقوفه على الإجازة ، فلا يتصور للدعوى فائدة ، لأنها لو اعترفت بعدم الاذن ثمَّ اجازته لزم العقد ، فما الفائدة في قوله : (على القولين)؟

قلنا : الفائدة هنا - مع التصديق - انتفاء اللزوم ، (إذ لو صدقت) (1) بما ادعاه لم يلزمه العقد حالة وقوعه ، وكان لها فسخه ، وربما رجا (2) ذلك منها ، لأنه إذا قال : زوّجك العاقد بغير إذنك وأريد أن تفسخي العقد ، ربما أجابت الى ذلك ، فيتصور للدعوى فائدة ، وانما كان القول قولها على القولين ، لأن على أحدهما تدعي الصحة ، وعلى الآخر تدعي اللزوم فيقدم قولها ، لأن الأصل في العقد الصحة واللزوم.

ص: 36


1- في «م» و «ن».
2- «ن» : جاز.

في أسباب التحريم

قال رحمه اللّه : فلو زنا فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب اليه شرعا ، وهل يحرم على الزاني والزانية؟ الوجه انه يحرم ، لأنه مخلوق من مائه ، فهو يسمى ولدا لغة.

أقول : أجمعت الإمامية على التحريم هنا ، إلا أنهم اختلفوا في وجهه ، قال الشيخ في الخلاف : دليلنا انه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة وهذه بنتها ، ثمَّ قال : وأيضا قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (1) وهذه بنته لغة وان لم يكن شرعا.

وابن إدريس جعل الوجه كفر ولد الزنا ، والكافر لا يجوز نكاحه للمسلم.

والمصنف والعلامة وغيرهما من المتأخرين جعلوا الوجه ثاني وجهي الشيخ رحمه اللّه ، وهو أنسب.

والمعتمد انه لا يثبت من توابع النسب غير تحريم النكاح فقط ، وما عداه فالحكم فيه كالأجانب.

ص: 37


1- النساء : 23.

قال رحمه اللّه : ولو احتمل ان يكون منهما استخرج بالقرعة على تردد ، أشبهه ان يكون للثاني.

أقول : إنما يحتمل ان يكون منهما إذا كان لستة أشهر من وطي الثاني ولغيره (1) لعشرة ، فما (دون من وطي الأول ، فهنا) (2) يحتمل ان يكون منهما ، وتردد المصنف بين القرعة وبين لحاقه بالثاني (3) من عموم قوله عليه السلام : «الولد للفراش» (4) والمراد به الوطي (المباح ، فهي فراش للثاني) (5) حقيقة ، لأن الأول قد زال فراشه بالطلاق.

ومن احتمال الحاقه بكل (واحد منهما ، فاختصاص) (6) أحدهما دون الآخر من غير قرعة ترجيح من غير مرجح ، فلا بد من القرعة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره فخر الدين ، والأول اختيار المصنف والعلامة في القواعد.

ص: 38


1- ليست في «م» و «ن».
2- من «م» و «ن».
3- هنا زيادة في «م» و «ن» : (من غير قرعة ومنشأ التردد).
4- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.
5- من «م» و «ن».
6- ما بين القوسين من «م» و «ن».

في الرضاع

اشارة

قال رحمه اللّه : الأول : أن يكون اللبن عن نكاح ، فلو درّ لم ينشر ، وكذا لو كان عن زنا ، وفي نكاح الشبهة تردد ، أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح.

أقول : منشؤه من ان اللبن تابع للنسب ، ونكاح الشبهة يلحق به النسب بلا خلاف ، وقال عليه السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) ، فيكون حكم لبن الشبهة حكم لبن النكاح الصحيح لتساويهما في التحاق النسب فيتساويان في حكم الرضاع.

ومن أصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.

والأول هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، والثاني مذهب ابن إدريس (فإنه قال : الشبهة لا تنشر حرمة ، ثمَّ بعد ذلك بلا فصل قوى التحريم ، ثمَّ قال : في ذلك نظر وتأمل ، وحاصله يرجع الى تردده فيه) (2).

قال رحمه اللّه : ولا حكم لما دون العشر إلا في رواية شاذة ، وهل يحرم

ص: 39


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- ليس في «م» و «ن».

بالعشر؟ فيه روايتان ، أصحهما : أنه لا يحرم ، وينشر الحرمة ان بلغ خمس عشرة رضعة ، أو رضع يوما وليلة.

أقول : يعتبر تقدير الرضاع المحرم بأمور ثلاثة :

أ - ما أنبت اللحم وشد العظم والمرجع فيه الى عرف أهل الخبرة.

ب - رضاع يوم وليلة بشرط ان لا يمنعه من الرضاع في اليوم والليلة مانع من مرض أو غيره ، ولا بد ان يحصل مسمى الارتضاع ، فاذا حصل ذلك نشر الحرمة من غير اعتبار عدد ولا اشتداد.

ج - العدد ، وقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال أربعة :

أ - ما يصدق عليه اسم الرضعة - وهو ملأه بطن الصبي ، إما بالمص أو بالوجر - محرم للنكاح ، وهو قول ابن الجنيد محتجا برواية علي بن مهزيار (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة ، وإليها أشار المصنف بقوله : (في رواية شاذة).

ب - ما رواه محمد بن بابويه : «انه لا يحرم الإرضاع خمسة عشر يوما» (2) ، وروي «انه لا يحرم الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» (3).

ج - حصول التحريم بعشر رضعات ، وهو قول المفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في كتابيه ، لأنه أحوط ، وعليه روايات (4) كثيرة ، وهو قول

ص: 40


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 10.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث 5. راجع المقنع : 110.
3- المصدر المتقدم ، حديث 17 ، ومن لا يحضره الفقيه 3 : ص ، حديث 13 - 14 (1475 - 1476).
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 11 وغيره.

أكثر الأصحاب.

د - اشتراط خمس عشرة رضعة ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، والدليل الروايات (1).

وابن إدريس اختار في أول بحثه التحريم بالعشر رضعات ، وشنع على الشيخ ، وجعل قوله مذهب الشافعي ثمَّ رجع الى قول الشيخ في آخر بحثه ، فشنع عليه العلامة في المختلف في ذلك.

قال رحمه اللّه : ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه.

أقول : القولان للشيخ رحمه اللّه ، والمشهور اعتبار العرف ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل لفظ أطلقه الشارع ولم يبين (2) له حدّا رجع فيه الى العرف ، والثاني اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، إلا ابن الجنيد فإنه لم يشترط الامتصاص من الثدي ، بل اكتفى بالوجور في حلقه لرواية جميل بن دراج في الصحيح (3) ، عن الصادق عليه السلام.

والأول هو المعتمد ، لأنه لا يسمى رضاعا الا مع الامتصاص من الثدي.

قال رحمه اللّه : ولو ارتضع من ثدي الميتة أو رضع بعض الرضعات وهي حية وأكملها وهي ميتة لم ينشر الحرمة ، لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام وهي كالبهيمة المرتضعة ، وفيه تردد.

ص: 41


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 1 و 14.
2- «م» : يعين.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 3.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن عموم قوله عليه السلام : «حرمة الميتة كحرمة الحية» (1) ومن جملته انتشار التحريم بالرضاع ، ولم أجد به قولا لأصحابنا ، بل هو قول أكثر الجمهور كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي ، وفتاوي أصحابنا كلها متطابقة على عدم انتشار الحرمة بلبن الميتة.

قال رحمه اللّه : الثالث : أن يكون في الحولين ويراعى ذلك في المرتضع ، لقوله عليه السلام : «لا رضاع بعد فطام» ، وهل يراعى في ذلك ولد المرضع؟ الأصح انه لا يعتبر.

أقول : اما اعتبار الحولين في المرتضع فهو إجماع الا من ابن ابي عقيل ، فإنه نشر الحرمة بالرضاع بعد الحولين كما قبلهما إذا لم يتخلله فطام ، والمشهور الأول ، لما رواه حماد بن عثمان في الموثق : «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : جعلت فداك ، وما الفطام؟ قال : الحولان اللذان قال اللّه عزوجل» (2).

أما المرتضع الذي حصل اللبن بولادته فالمشهور عدم اعتبار الحولين فيه ، لأن المرأة إذا كان لها لبن من نكاح حلال ومضى لها أكثر من حولين ثمَّ أرضعت به من له أقل من حولين رضاعا محرما انتشرت الحرمة بينهما.

وقال أبو الصلاح وابن حمزة وابن زهرة باعتبارهما في ولد المرضعة كاعتبارهما في المرتضع ، لأن الرضاع المعتبر ما حصل قبل الفطام ، وكما (3) اعتبر في أحد المرتضعين اعتبر في الآخر ، ولعموم قوله عليه السلام : «لا رضاع بعد فطام» (4) والأول هو المعتمد ، وهو اختيار المصنف والعلامة في أكثر كتبه ،

ص: 42


1- الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب 19 من أبواب حد السرقة ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم الرضاع ، حديث 5.
3- «م» : فكما. وفي «ن» : فلما.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الأحاديث (2 و 5 و 9 و 11 و 12).

وتوقف في المختلف.

فرع (1) : لو حصل الاشتباه في الرضاع ، هل وقع قبل الحولين أو بعدهما؟ فقد تعارض أصل البقاء وأصل الإباحة ، لأن الأصل عدم خروج الحولين ما لم تتحقق ، والأصل عدم التحريم ما لم يتحقق السبب المحرم وهو غير متحقق ، لأن مطلق الرضاع غير محرم ، بل إذا حصلت شروطه (2) وبعض شروطه غير متحقق ، وهو وقوعه في الحولين فيرجع أصل الإباحة لثبوته قبل الرضاع ، والسبب الناقل عنه غير متحقق.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنا ، وروي : أنه إذا أحلها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهة ، وهو شاذ.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «قال : سألته عن غلام لي وثب على جارية فأحبلها فولدت ، واحتجنا الى لبنها ، فإذا أحللت لهما ما صنعا يطيب لبنها؟ قال : نعم» (3) وبمضمون الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، واطرحها الباقون لمخالفتها للأصل ، لأن التحليل انما يبيح إذا وقع قبل الفعل لا بعده.

قال رحمه اللّه : وهل ينكح أولاده الذين لم يرضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل : لا ، والوجه الجواز.

أقول : قال (4) الشيخ في الخلاف بعدم الجواز معولا على رواية أيوب بن

ص: 43


1- «ن» : فروع : الأول.
2- «ن» : شرائطه.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 75 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 5.
4- «م» : قول.

نوح (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، والجواز مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، لأن أخ الأخ إذا لم يكن أخا يحل من النسب فحله من الرضاع أولى ، وهو المعتمد.

فرع : المشهور بين أصحابنا انه يجوز للفحل ان يتزوج (2) بأخت المرتضع وجدته ، لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع ، وخالف ابن إدريس في ذلك ، لأنه لا يجوز ان يتزوج بجدة ولده ولا أخته من النسب ، فكذا لا يجوز من الرضاع.

وأجيب بأن التحريم من جهة النسب لأجل المصاهرة ، ولا مصاهرة في الرضاع.

قال رحمه اللّه : ولو تولت المرضعة إرضاعها مختارة ، قيل : كان للصغيرة نصف المهر ، لأنه فسخ حصل قبل الدخول ولم يسقط ، لأنه ليس من الزوجة ، وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن قصدت الفسخ ، وفي الكل تردد ، مستنده الشك في ضمان منفعة البضع.

أقول : لا شك (3) ان ضمانها والرجوع عليها مبني على ضمان منفعة البضع بالتفويت ، وهو مشكوك فيه من أصالة براءة الذمة ، لأنه ليس بمال ، ولأن منفعة البضع لا تضمن بغير الوطي المباح لها ظاهرا.

ومن قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) الى قوله ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (4) وأراد بذلك المهر عوض المنفعة ، ولأن المهر عوض المنفعة ، فإذا أتلف أحد المنفعة التي قابلها يكون ضامنا لها ، فعلى هذا يتحقق الضمان ، وهل يفتقر الضمان الى قصد الفسخ؟ ظاهر المصنف افتقاره إليه ،

ص: 44


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 1.
2- «ن» : يزوج.
3- «ن» : لأن.
4- الممتحنة : 10.

وظاهر العلامة ومذهب فخر الدين عدم الافتقار ، لأن جميع المتلفات لا يفتقر في ضمانها الى قصد الإتلاف.

وهل الضمان للجميع أو للنصف؟ المشهور ضمان النصف ، لأنها فرقته (1) حصلت قبل الدخول ، ويحتمل وجوب الجميع ، لأنه يجب جميعه بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، ولم يحصل ، فيجب الجميع.

قال رحمه اللّه : وللصغيرة مهرها لانفساخ العقد بالجميع(2)، وقيل : يرجع به على الكبيرة.

أقول : سبق البحث في هذه ، لأن مبناه على ضمان منفعة البضع ، وقد سبق (3) البحث فيها.

قال رحمه اللّه : نعم لو كانت موطوءة بالعقد رجع عليها ، وعندي في ذلك تردد.

أقول : منشؤه من القول بضمان منفعة البضع وعدمه ، وقد سبق (4).

قال رحمه اللّه : إذا قال : هذه أختي من الرضاع أو بنتي على وجه يصح فان كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا ، وان كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها ، فان كان قبل الدخول فلا مهر ، وان كان بعده كان لها المسمى ، وان فقد البينة وأنكرت الزوجة ، لزمه المهر كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور ، ولو قالت المرأة : ذلك بعد العقد ، لم تقبل دعواها في حقه إلا ببينة ، ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.

أقول : هنا مسئلتان :

ص: 45


1- «م» و «ن» : فرقة.
2- في الشرائع المطبوع : بالجمع.
3- ص 33.
4- ص 33.

الأولى : ان يكون المدعي هو الزوج ولا يخلو اما ان يدعي ذلك قبل الدخول أو بعده ، وعلى التقديرين لا يخلو اما ان تصدقه المرأة أو تكذبه ، فالأقسام أربعة :

أ - ان يكون قبل الدخول وتصدقه المرأة ، فيبطل العقد ولا مهر ولا متعة.

ب - قبل الدخول أيضا وتكذبه المرأة ولا بينة فيحكم عليه بالمحرمية دونها ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) ، واما المهر فالمشهور انه يجب عليه نصفه ، لأنها فرقة حصلت من جهته قبل الدخول فأشبهت الطلاق.

ويحتمل وجوب الجميع عليه ، لأن الجميع قد ثبت بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، وهو لم يحصل ، فيجب الجميع ، وهو المعتمد.

ج - ان يكون الدعوى بعد الدخول وتصدقه المرأة ، فإن كانت جاهلة حالة العقد وجب لها المهر المسمى على المشهور ، لأن العقد هو سبب ثبوت المهر ، ولأنه السبب في إباحة الوطي ، وكان كالصحيح المقتضي لوجوب المسمى.

ويحتمل ثبوت مهر المثل دون المسمى لظهور بطلان العقد والمهر ما لزمه من جهة العقد ، بل هو من جهة الوطي بالشبهة ، فيكون لها عوض البضع ، وهو مهر أمثالها ، وهو المعتمد والضابط ان كل عقد حكم ببطلانه من أصله ثمَّ تعقبه وطي مع جهل المرأة وجب فيه مهر المثل ، وكل عقد تعقبه الفسخ وجب فيه المسمى.

د - ان يكون بعد الدخول وتكذبه المرأة ولا بينة ، فهنا يجب المسمى قطعا ، وتحرم عليه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولا يحل لها الزواج لاعترافها بأنها زوجة.

ويستحب له ان يطلقها بأن يقول : (ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق) فان امتنع لم يجبر على ذلك ، وفسخ الحاكم ان كان ، والا فسخت هي دفعا

ص: 46


1- الوسائل ، كتاب الإقرار باب 3 ، حديث 2.

للضرورة.

الثانية : أن تكون المرأة هي المدعية والأقسام الأربعة آتية هنا :

أ - ان يكون قبل الدخول ويصدقها ، فحينئذ تثبت الفرقة ولا مهر ولا متعة.

ب - ان يكون قبله ويكذبها ، فلا تحصل الفرقة ، وليس لها المطالبة بشي ء ، وان ادعت علمه بذلك وجبت اليمين على نفي العلم ، فان حلف ثبت العقد بمعنى عدم حلها للأزواج لا بمعنى (1) وجوب تسليم نفسها إليه ، لأنها أقرت على نفسها بأنها محرمة عليه ، فلا يحل لها تمكينه من نفسها ، وان نكل حلفت على الجزم وبطل العقد.

ج - ان يكون بعد الدخول وتصدقها ، فحينئذ يثبت المحرمية قطعا ، اما المهر فان ادعت جهلها حالة العقد ثمَّ حصل لها العلم بذلك بعد العقد والدخول بقول الثقات كان لها المسمى أو مهر المثل على الاحتمال السابق.

د - أن يكون بعد الدخول ويكذبها ، والحكم فيه كما لو كان قبل الدخول ثمَّ كذبها فلا تحصل الفرقة بينهما ، الا ان هناك ليس لها المطالبة بشي ء خلافه هنا ، إلا في المهر فان هناك لا مهر وهنا يثبت لها مع الجهل لها مهر المثل.

فروع :

الأول : إذا استقر العقد بيمين الزوج أو بنكولها بعد نكوله بقيت معطلة ما لم يطلقها أو تموت ، وليس للحاكم ولا لها فسخ النكاح ، كما لها فسخه إذا كان الزوج هو المدعي.

والفرق إذا كان الزوج هو المدعي فان الضرورة قد حصلت لها بفعل الزوج لا بفعلها فساغ الفسخ دفعا للضرورة ، وإذا كانت هي المدعية فالضرورة

ص: 47


1- من «م» و «ن» وفي غيرهما : معنى.

قد حصلت لها بفعلها بنفسها ، فلا يباح الفسخ ، لأصالة عدم جواز اشتراط (1) حق الغير بغير رضاه ، خرج منه الضرورة الأولى ، لأنه أنزل الضرورة بغيره فساغ للشارع دفعها بإسقاط حق من أنزله بها.

الثاني : ليس لها المطالبة بشي ء من حقوق الزوجية المتضمنة للاستمتاع قطعا لاعترافها بتحريم ذلك عليها ، ولا يجوز لها تمكينه منه لو أراده منها ، وهل لها المطالبة بالنفقة؟ استشكل العلامة ذلك ، لأنه معترف باستحقاق النفقة عليها ، وقد عطلها عن الأزواج فيجب النفقة دفعا للضرورة.

وهذا ضعيف جدا ، لأن النفقة لا تجب مع عدم التمكين من الزوجية ، فكيف تجب مع انتفاء التمكين واعتراف الزوجة بعدم الزوجية؟!

الثالث (2): لو كذب المقر نفسه أو ادعى الغلط بعد الفرقة لم يقبل ، لأنه أقر بما يقتضي التحريم ظاهرا ، فلا يباح برجوعه عن الإقرار.

قال رحمه اللّه : وهي تتحقق مع الوطي الصحيح ، وتشكل مع [الزنا و] الوطي بالشبهة والنظر واللمس.

أقول : يأتي تحقيق البحث في ذلك إنشاء اللّه تعالى (3).

قال رحمه اللّه : ولو تجرد العقد عن الوطي حرمت الزوجة على أبيه وولده ، ولم تحرم بنت الزوجة عينا ، بل جمعا ، ولو فارقها جاز له نكاح بنتها ، وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان : أشهرهما أنها تحرم.

أقول : إذا عقد الإنسان على امرأة ثمَّ فارقها قبل ان يدخل عليها لم تحرم عليه بنتها إجماعا ، وهل تحرم أمها؟ المشهور بين الأصحاب التحريم ، وهو

ص: 48


1- «م» و «ن» : إسقاط.
2- كذا «م» و «ن» وفي الأصل : فحينئذ.
3- ص 40 وص 42.

المعتمد لقوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (1) وجه الاستدلال انه أطلق تحريم أم الزوجة ولم يقيده بالدخول بالبنت ، وقيد تحريم الربيبة التي هي بنت الزوجة بالدخول بالأم ، فوجب العمل بمقتضى إطلاق الآية ، ولما رواه إسحاق بن عمار ، عن الصادق (2) عليه السلام : «ان عليا عليه السلام كان يقول الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير في الحجور سواء ، والأمهات مبهمات ، دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرموا وأبهموا ما أبهم اللّه» (3).

وقال الحسن بن أبي عقيل ومحمد بن بابويه في كتابه بعدم تحريم الأم إلا مع الدخول بالبنت لأصالة الإباحة ، ولتقييد تحريم الربائب بالدخول ، وهو معطوف على تحريم الأمهات فيكون أيضا تحريم الأمهات مقيدا بالدخول لتساوي المعطوف والمعطوف عليه بالحكم ، ولرواية جميل بن دراج ، عن الصادق عليه السلام («قال : الأم والبنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثمَّ طلقها قبل ان يدخل بها فإنه ان شاء تزوج أمها وان شاء ابنتها» (4) تهذيب) (5).

قال رحمه اللّه : ولو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة ، لم تحرم على الابن لسبق الحل ، وقيل : تحرم ، لأنها منكوحة الأب ، ويلزم الأب مهرها ، ولو عاودها الولد فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ، وان قلنا : لا يحرم - وهو

ص: 49


1- النساء : 23.
2- «م» و «ن» : عن الباقر عليه السلام.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3 وباب 20 ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث (3 و 4).
5- ما بين المعقوفتين ليس في «م» و «ن».

الصحيح - فلا مهر سوى الأول.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي التحريم وعدمه (1) ، والمعتمد عدم التحريم ، وقوله : فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ان المراد به وطي الأب المذكور في هذه المسألة ، وانما وجب عليه مهران على تقديم التحريم ، لأنه يجب عليه مهر بالعقد السابق على وطي أبيه ثمَّ يجب عليه مهر آخر بالوطي الآخر المتأخر عن وطي أبيه ، لأنها صارت محرمة عليه وقد وطأها للشبهة فيجب عليه مهر آخر لوطي الشبهة.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلا ، وقيل : كان للعمة وللخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق والاعتزال ، والأول أصح.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف وأبو العباس لكونه منهيا عنه ، والثاني قول الشيخين وسلار وابن إدريس (2) وابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، والدليل الروايات (3).

والثالث نقله العلامة في المختلف عن أكثر الأصحاب ، قال : ويحتمل ان يقال : ليس لها فسخ نكاحها ، بل فسخ نكاح الداخلة ، قال : وهو اختيار شيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ، لأن المنهي عنه انما هو العقد الثاني ، فيختص الحكم به ، ولا فرق بين العمة والخالة الدنيا كأخت الأب وأخت الأم ، أو العليا كأخت أب الأب وان علا وأخت أم الأم وان علت ، ولا بين كونها (4) من النسب أو الرضاعة ، ولا بين الحرة والأمة في العقد.

ص: 50


1- ليس في «م» و «ن».
2- ليس في «م» و «ن».
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- «م» و «ن» : كونهما.

أمّا (1) ملك اليمين فالعلامة في القواعد ذهب الى جواز نكاح بنت الأخت وبنت الأخ على العمة والخالة لأصالة الإباحة ، ولأن الأمة لا اعتراض لها على سيدها ، ولا تملك معه من أمر نفسها شيئا. وذهب فخر الدين الى التحريم أيضا لعموم قوله عليه السلام : «لا ينكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (2) نهى عن النكاح على العمة والخالة ، وهو عام في العقد وملك اليمين ، وهو أحوط.

قال رحمه اللّه : وان كان الزنا سابقا على العقد ، فالمشهور تحريم العمة والخالة إذا زنى بأمهما ، أما الزنى بغيرهما ، هل ينشر حرمة المصاهرة كالوطي الصحيح؟ فيه روايتان : إحداهما ينشر ، وهي أصحهما طريقا ، والأخرى لا ينشر.

أقول : الزنا بالمرأة هل ينشر حرمة التزويج في أمها وبنتها؟ وهل يحرم على أبي الزاني وابنه؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، والبحث هنا يقع في أماكن :

أ - في الزنا المتأخر عن العقد والوطي كمن زنا بأم زوجته أو بنتها أو بزوجة أبيه أو ابنه بعد الدخول بالزوجة ، فهذا الزنا لا ينشر الحرمة إجماعا.

ب - في الزنا المتأخر عن العقد المتقدم على الوطي ، وهذا لا ينشر الحرمة أيضا عند الأكثر ، وخالف ابن الجنيد في ذلك ونشر الحرمة به ، فعنده من عقد على امرأة ثمَّ زنا بأمها أو بنتها ، أو لاط بأبيها أو ابنها أو أخيها قبل دخوله بالزوجة حرمت الزوجة عليه وانفسخ عقده ، وكذا لو زنى بزوجة أبيه أو ابنه قبل دخول الأب أو الابن عليها ، والمعتمد الأول لسبق الحل ، وقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (3).

ج - في الزنا السابق على العقد ، وهو محل الخلاف ، وهو على قسمين : زنا

ص: 51


1- «ر 1» : أو.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

بالعمة والخالة ، وزنا بغيرهما.

أما الزنا بالعمة والخالة فهو محرم لبنتيهما على المشهور بين الأصحاب إلا ابن إدريس ، فظاهره التوقف في ذلك ، والمعتمد التحريم ، والمستند رواية أبي أيوب ، عن الصادق عليه السلام (1) وأما الزنا بغيرهما فهو ينشر الحرمة عند الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة (2) ، واختاره العلامة في المختلف ، وقواه فخر الدين ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وهو (3) أحوط ، والخطر في تحريم النكاح عظيم ، والخطر وان كان هنا غير متيقن فهو مظنون لورود الأخبار الصحاح بالتحريم ، كصحيحة محمد بن مسلم (4) ، وصحيحة عيص بن القسم (5) ، وصحيحة منصور بن حازم (6) وغير ذلك ، والضرر المظنون يجب التحرز منه بترك ما لا ضرر فيه.

وقال المفيد وسلار والسيد وابن إدريس : لا ينشر الحرمة ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في الإرشاد ولم يختر في القواعد والتحرير شيئا ، واستدلوا بقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ) (7) ولأصالة الإباحة ، ولأنه وطي لا حرمة له فلا يوجب تحريما ، ولهم عليه روايات ، منها رواية هشام بن المثنى (8) ، ورواية حنان بن سدير (9) ، والأول مجهول والثاني واقفي.

ص: 52


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1 - 2.
2- ليس في «ن».
3- «م» و «ن» : لأنه.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3.
7- النساء : 3.
8- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7 - 10.
9- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 11.

وأجيب عن الآية : ان المراد ب ( ما طابَ لَكُمْ ) أي مما حل وأبيح ، وهذه ليست حلالا. وعن الأصل : بوجوب مخالفته للدليل وقد بيناه ، وعن الروايات : بحملها على وقوع الزنا بعد العقد أو على ما يكون دون الوطي لتفصيل رواية منصور بن حازم الصحيحة ، عن الصادق عليه السلام : «في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ قال : ان كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وان كان إجماعا فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها هي» (1).

قال رحمه اللّه : وأما الوطي بالشبهة فالذي خرجه الشيخ ان ينزل منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد ، والأظهر انه لا ينشر ، لكن يلحق مع النسب.

أقول : منشأ التردد من ان حكمه حكم الصحيح في الإباحة ، ولحوق النسب ، ووجوب المهر ، فيكون حكمه كذلك في نشر الحرمة ومن أصالة الإباحة.

والأول مذهب الشيخ والعلامة في أكثر كتبه ، والثاني مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، وعلى القول بنشر الحرمة بالزنا فهو هنا اولى.

قال رحمه اللّه : اما النظر واللمس مما يسوغ لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة ، وما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد ، أظهره أنه يثمر كراهية.

أقول : إذا نظر الإنسان من (2) مملوكته أو لمس بشهوة ما يحرم على غيره ، هل تحرم على أبيه وابنه؟ وهل تحرم أمها وبنتها على الناظر واللامس أم لا؟البحث هنا في أماكن.

أ - في تحريمها على أبيه وابنه ، وقد تردد المصنف فيه ، من عموم قوله

ص: 53


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3 - 4.
2- ليست في «م».

تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (1)وشراء الأمة مع النظر واللمس بشهوة أقوى في الاستمتاع من نشر الحرمة في العقد المجرد عن الوطي ، وهذه (2)تحرم على الأب والابن بمجرد العقد ، وكذلك تحرم بالشراء مع النظر واللمس لما لا يباح لغير المالك ، ومن أصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (3) وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (4) ولموثقة علي بن يقطين ، عن العبد الصالح عليه السلام : «في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لأبيه وابنه؟ قال : لا بأس» (5).

وبنشر الحرمة قال الشيخ وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في التذكرة والمختلف ، وبعدمه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو مذهب المصنف.

ب - في تحريم أمها وبنتها على الناظر واللامس ، وبه قال الشيخ في الخلاف ، فإنه جزم فيه بتحريم أم المنظورة وان علت ، وبنتها وان نزلت ، وهو مذهب أحمد بن الجنيد.

وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بعدم التحريم ، وهو المعتمد.

ج - قد تقدم انه إذا عقد على امرأة ثمَّ فارقها قبل الدخول حلت له بنتها ، فلو نظر أو لمس من زوجته ما لا يحل لغيره ثمَّ فارقها قبل الوطي ، هل تحرم بنتها عليه؟ قال الشيخ في الخلاف وابن الجنيد : نعم ، والمعتمد عدم التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج بأختين كان العقد للسابقة ويبطل عقد الثانية ،

ص: 54


1- النساء : 22.
2- «م» و «ن» : وهي.
3- النساء : 3.
4- النساء : 24.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 77 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 3.

ولو تزوجهما في عقد واحد ، قيل : بطل نكاحهما ، وروي أنه يتخير أيتهما شاء ، والأول أشبه ، وفي الرواية ضعف.

أقول : القول بالبطلان قول ابن إدريس وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، وبه قال فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأنه عقد منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، وقال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج : يتخير أيتهما شاء ، واختاره العلامة في المختلف لرواية جميل بن دراج (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام ، ولان العقد عليهما عقد على كل واحدة منهما والانضمام لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو جمع بين المحرم والمحلل في البيع ، والرواية مرسلة ، ولهذا أشار إليها المصنف بالضعف.

وحكم الجميع بين الخمس بعقد واحد وبين الاثنتين لصاحب الثلاث كحكم الجمع بين الأختين ، فإن القائل بالبطلان في الأختين قائل بالبطلان هنا ، والقائل بالتخيير هناك قائل به هنا.

فرع : لو تزوج الأختين على التعاقب ثمَّ اشتبه السابق منهما منع منهما لوجوب اجتناب غير الزوجة ولا يتم الا باجتنابهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، ويجب عليه طلاقهما لقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (2) والإمساك متعذر فتعين التسريح ، ولا يتم الا بطلاقهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فاذا حصل الطلاق فان كان قبل الدخول وجب عليه دفع (3) ربع المهرين فيوقف (4) حتى يصطلحا عليه.

وان كان بعد الدخول وجب المهران ، فان اتفق المسميان ومهر المثل فلا

ص: 55


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
2- البقرة : 229.
3- ليست في «م» و «ن».
4- «ن» : فيوفق.

بحث ، وان حصل الاختلاف (1) بين المسمين ومهر المثل أو مسمى أحدهما ومهر مثلهما فالقرعة أو الاتفاق حتى يصطلحا.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ أمة بالملك ثمَّ تزوج بأختها ، قيل : يصح وحرمت الموطؤة بالملك أولا.

أقول : هذا هو المشهور ، لأن النكاح أقوى من الوطئ بالملك لتضمنه وجوب القسمة والمهر ، بخلاف الوطئ بالملك.

قال رحمه اللّه : ولو كان له أمتان فوطئهما ، قيل : حرمت الأولى حتى تخرج الثانية عن ملكه ، وقيل : ان كان بجهالة لم تحرم الأولى ، وان كان مع العلم حرمت حتى تخرج الثانية لا للعود إلى الأولى ، ولو أخرجها للعود والحال هذه لم تحل الأولى ، والوجه ان الثانية تحرم على التقديرين دون الأولى.

أقول : إذا ملك أختين جاز له وطئ أيتهما شاء ، فاذا وطئ أحدهما حرم عليه وطئ الأخرى حتى تخرج الموطوءة عن ملكه ، فان وطئ الثانية بعد وطيه للأولى ، قال الشيخ في النهاية : ان كان عالما بتحريمها حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية أو تخرج عن ملكه ، فإن أخرج الثانية ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها وإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع الى الاولى وان لم يعلم تحريم (2) ذلك عليه جاز له الرجوع الى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ببيع أو هبة.

والفرق بين العالم والجاهل عند الشيخ ان العالم لا تحل له الأولى إذا أخرج الثانية لأجل العود إلى الأولى ، والجاهل يحل له الأولى إذا أخرج الثانية ، سواء كان الإخراج للعود أو لغير العود ، فهذا فرق بينهما ، ولا فرق عنده في تحريمهما إذا

ص: 56


1- «م» و «ن» : اختلاف.
2- «م» و «ن» : بتحريم.

أبقاهما في ملكه ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (1).

وقال ابن إدريس : ان أبقاهما في ملكه حرمت الثانية دون الأولى وان اخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان الإخراج للعود أو لغيره ، ولا فرق عنده بين العالم والجاهل ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد لسبق حل الأولى (فلا تحرم عليه الا الثانية) (2) لقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (3) فإن أخرج الأولى حلت الثانية ، ويشترط في الإخراج ان يكون محرما للوطئ تحريما لا يقدر على دفعه ، فهو يحصل بأمور :

أ - بالبيع اللازم ، فلو كان بخيار للبائع لم يجز ، ويجزي لو كان الخيار للمشتري.

ب - بالهبة مع القبض ولا تكفي قبله.

ج - قال في التحرير : يكفي الكتابة واستشكله في القواعد لعدم الخروج عن الملك.

د - الرهن والتزويج لا يكفي وان كان محرما للوطئ لبقائها على ملكه.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين : عدم الطول وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو المشقة من الترك وقيل : يكره ذلك من دونهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم الجواز مع وجود الشرطين مذهب المفيد وابي الصلاح وابن الجنيد وابن البراج ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ

ص: 57


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- «م» و «ن» : فلا يحرمه وطئ الثانية.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ) إلى قوله ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (1) الآية ، وهي دالة على عدم الاستطاعة وخوف العنت في (إباحة) (2) نكاح الإماء بالعقد.

والجواز على كراهية مع وجود الشرطين مذهب الشيخ في النهاية ، والمصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (3) ، وأصالة الإباحة.

ويتفرع على القول بالمنع مع وجود الشرطين.

فروع :

الأول : لا فرق بين الدائم والمنقطع.

الثاني : المرجع الى قوله في خوف العنت وعدم الطول ولو كان في يده مال وادعى ان عليه دينا بقدره قبل قوله من غير نيّة ولا يمين.

الثالث : حدوث الشرطين بعد العقد لا يبطله وان كان قبل الدخول ، وكذا لو حدثا بعد الطلاق الرجعي ، فإنه يباح له الرجوع ، لأنها ليست ابتداء عقد.

قال رحمه اللّه : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها ، فإن بادر كان العقد باطلا ، وقيل : كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء ، ولها فسخ عقد نفسها ، والأول أشبه ، اما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا ولها الخيار في نفسها ان لم تعلم ، ولو جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرة دون الأمة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في أماكن :

أ - إذا تزوج الأمة على الحرة ولم تأذن الحرة ، وقلنا بصحة العقد على الأمة لمن عنده حرة ، هل يقع باطلا أو موقوفا على إجازة الحرة؟ بالأول قال ابن

ص: 58


1- النساء : 25.
2- من «م» و «ن».
3- النور : 32.

الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ، وحكاه عن الشيخ في التبيان ، واختاره المصنف لكونه منهيا عنه ، ولهم عليه روايات (1).

وبالثاني قال الشيخان (2) وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، ولهم عليه روايات.

وهل للحرة فسخ عقد نفسها إذا أدخلت الأمة عليها؟ قال الشيخان : نعم ، وبه قال ابن البراج وسلار وابن حمزة ، والوجه فيهما ما تقدم في العمة والخالة ، ومنعه المصنف والعلامة لوقوع عقدها صحيحا ، والمنهي عنه عقد الأمة فيختص بالحكم.

ب - إذا تزوج الحرة على الأمة ، قال الشيخ : تتخير الحرة بين الصبر والاعتزال ، وبه قال القاضي وابن زهرة ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال الشيخ في التبيان : لها فسخ عقد الأمة ، ومنعه ابن إدريس لوقوعه صحيحا ، بل تتخير في فسخ عقد نفسها.

ج - ان يجمع بينهما في عقد واحد ، بأن يقول : تزوجتكما على ألف ، فيقولا : زوجناك ، قال المصنف : يصح عقد الحرة ويبطل عقد الأمة ، وهو بناء على مذهبه.

اما على القول بوقوعه موقوفا ، فان قبلتا لم يكن للحرة الفسخ بعد ذلك ، ولو قالت في القبول : زوجتك نفسي وفسخت عقد الأمة ثبت عقدها ، وبطل عقد الأمة.

قال رحمه اللّه : إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم

ص: 59


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وباب 47 منه ، حديث 2 (وراجع حول روايات الثاني ما ذكره في الحدائق 23 : 573).
2- «م» : الشيخ.

تخرج من حباله ، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.

أقول : أطلق الشيخ تحريمها بنفس الوطي سواء أفضاها أم لم يفضها ، لما رواه يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام : «قال إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل ان تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا» (1).

والمشهور أن التحريم منوط بالإفضاء تمسكا بالعقد الصحيح وأصالة الإباحة ، خرج ما وقع عليه الإجماع ، وهو التحريم مع الإفضاء ويبقى الباقي على أصالة الإباحة واللزوم ، وهو المعتمد.

ولهذه أحكام :

أ - هل تخرج من حباله بنفس الإفضاء ، أو لا تخرج الا بالطلاق؟ نص ابن حمزة على خروجها من حباله بغير طلاق ، وهو ظاهر الشيخ ، لأن خروج البضع عن الإباحة يقتضي البينونة ، ولأن التحريم كما يبطل العقد سابقا يبطله لاحقا كالرضاع ، ونص ابن إدريس على عدم الخروج بغير طلاق ، وهو ظاهر المفيد ، واختاره المصنف (2) لأصالة بقاء العقد ، ولرواية بريد العجلي (3) الدالة على مطلوبهم ، ولما رواه محمد بن بابويه في كتابه ، يرفعه الى حمزة (4) بن حمران ، عن الصادق عليه السلام (5) ، وهي دالة على المطلوب أيضا ، ويتفرع عليه تحريم الأخت والخامسة والتوارث قبل الطلاق ، وعلى الأول تنتفي هذه الأحكام بنفس

ص: 60


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
2- «ر 1» : العلامة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3.
4- «ن» : ابن حمزة.
5- الفقيه 3 : 272 ، حديث 79 ، والوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1. لكن فيهما (حمران) بدل (حمزة بن حمران).

الإفضاء.

ب - وجوب الدية والإنفاق (1) عليها ، وان طلقها فان تزوجت فالأقرب زوال النفقة عنه (2) ، لأن وجوبها عليه لأجل تعطيلها عن الأزواج ، فاذا صلحت لهم وتزوجت وجبت النفقة على الزوج الثاني فلا تبقى على الأول ، لأن المرأة لا تجب نفقتها بالزوجية على اثنين بغير اشتباه ، فان طلقها الثاني بائنا (3) أو مات عنها عاد الإنفاق على الأول لانتفائه عن الثاني.

ج - لو اندمل الموضع وصلح للوطئ لم يعد الحل لحكم الشارع بالتحريم بنفس الإفضاء ، والأصل بقاؤه.

د (4) - هذه الأحكام ثابتة للزوجة المعقود عليها دائما أو منقطعا ، حرة أو امة ، وهل تحرم الموطوءة بالملك أو الشبهة أو المفضاة بالإصبع؟ استقرب العلامة في القواعد عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ، واختاره فخر الدين لأصالة الإباحة وعدم النص على الأمة والمفضاة بالإصبع.

واما الموطوءة بالشبهة فالشيخ في الخلاف جعلها كالزوجة في جميع الأحكام ، وابن إدريس منعها من النفقة لأصالة براءة الذمة ، واختاره العلامة في المختلف ، ولو أكرهها على الزنا قبل التسع فأفضاها وجبت الدية والمهر.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج في العدة ودخل فحملت ، فان كان جاهلا لحقه الولد ان جاء لستة أشهر فصاعدا منذ دخل ، وفرق بينهما ولزمه المسمى ، وتتم العدة للأول وتستأنف أخرى للثاني ، وقيل : تجزي واحدة ، ولها مهرها على الأول ومهر على الآخر إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها فلا مهر.

ص: 61


1- «ن» : والنفقة.
2- «ر 1» : على الزوج.
3- «ن» : ثانيا.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : تنبيه.

أقول : إذا تزوج المعتدة بائنا أو رجعيا أو عدة وفاة ، فاما ان يكون عالما بالعدة والتحريم أو جاهلا بأحدهما ، فهنا قسمان : الأول أن يكون عالما وله أحكام.

أ - ثبوت التحريم المؤبد بنفس العقد سواء كانت عالمة أو جاهلة ولا مهر لها الا مع الدخول وجهلها ، ولا تحرم على أبيه وابنه بنفس العقد.

ب - عدم انقطاع عدتها من الأول وان دخل الثاني وحملت لعدم اعتبار وطئ الثاني في نظر الشرع ، فان كانت معتدة بالشهور أكملت ثلاثا من حين الطلاق ، سواء حملت أو لم تحمل ، وان كانت معتدة بالأقراء فلا بد من ثلاثة ، وان حملت فان كان قد مضى قبل الحمل قروء فلا بد من قرئين آخرين فإن رأت الدم في زمان الحمل وقلنا باجتماعه مع الحمل احتسبت ما تراه فيه من العدة ، فإن أكملت قبل الوضع ثلاثة أقراء خرجت من العدة والا صبرت حتى تضع ، فإن رأت الدم عند الولادة أعتدت به حيضة وخرجت من العدة ان كانت ثالثة والا صبرت حتى تكمل ثلاثة اقرء ، وان تأخر الحيض لمكان الرضاع ، لأنها من أهل الأقراء وانقطاع الدم هنا لعارض ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

ج - يجوز للأول المراجعة ان كان الطلاق رجعيا فان كانت حاملا جاز له الوطي قبل الوضع ، لأن هذا الحمل لا حرمة له ، وان كانت حائلا ، قال : أبو العباس في مهذبه : لا يحل له الوطي في الطهر الذي وطأ فيه العاقد حتى تحيض لجواز (ان تحمل) (1) من الوطي ، والولد للزوج في الظاهر ، فيكون قد ألحق بنسبة من ليس منه ، وهو غير جائز هذا كلامه رحمه اللّه.

وفيه نظر ، لأنه زان ، والزاني لا حرمة لوطيه ، والا لوجب اجتناب كل زوجة زنت في طهر لم يقربها زوجها فيه قبل الزاني حتى تحيض وتطهر ، وهو خلاف المشهور.

ص: 62


1- «م» و «ن» و «ر 1» : حملها.

د - لو راجعها الزوج وهي حامل من الزاني ووطأها ، جاز له طلاقها في الحال من غير استبراء ، لأن المراد من الاستبراء علم براءة الرحم من الزوج وهو هنا حاصل.

الثاني ان يكون جاهلا ، وله أحكام :

أ - عدم التحريم بنفس العقد ، بل بالوطي ، فلو عقد في العدة جاهلا فسد العقد ، فان دخل في العدة حرمت مؤبدا ، وان دخل بعد العدة ، قال أبو العباس في مهذبه : لم تحرم مؤبدا ، لأن الحكم في الجاهل متعلق بالوطي وقد حصل بعد العدة ، وحينئذ لا فرق بين ان يتجدد له العلم بعد العدة أو قبلها إذا كان الوطي بعد العدة (1) هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو جيد ، لأن ابن إدريس قيد الدخول في العدة ، فيحمل إطلاق غيره عليه.

ب - ينقطع عدة الأول بوطي الثاني وان لم تحمل منه ، وهل (2) يكفي واحدة عنهما بأن تعتد عند مفارقة الثاني بثلاثة أقراء ان كانت من أهل الأقراء ، أو بثلاثة أشهر ، ويكتفي بها عنهما (3) ، أو لا بد من عدتين بأن تكمل عدة الأول عند مفارقة الثاني إذا لم تحمل من الثاني ثمَّ تستأنف للثاني عدة أخرى فإن حملت من الثاني أعتدت له بوضع حمله ثمَّ تكمل عدة الأول بأن تبني على ما مضى من الأقراء ان كانت من أهلها أو الشهور ان لم تكن من أهلها؟

قيل بالأول ، لأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالعدة الواحدة ، ولرواية زرارة (4) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على الاكتفاء بالعدة

ص: 63


1- في «م» بزيادة : (إلا إذا كان الجهل للتحريم ، فإنها تحرم بنفس العقد ولو لم يدخل على أصح القولين) أقول : هذه الزيادة ليست في المهذب البارع ، راجع المهذب 3 : 285.
2- ليست في «ن».
3- «ن» : عنها.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

الواحدة (1).

وقيل بالثاني ، لأنهما حكمان ، وتداخلهما على خلاف الأصل فلا بد من عدتين ، وهو المعتمد.

ج - للزوج مراجعتها في عدته سواء كانت متأخرة عن عدة العاقد كما في صورة الحمل ، أو متقدمة عليها كما في صورة عدمه ، وهل له مراجعتها في عدة العاقد في صورة تقدمها على عدته؟ منع العلامة في القواعد منه ، قال : وله الرجعة في الإكمال دون زمان الحمل وظاهر أبي العباس جواز الرجوع في زمان حمل الثاني الا انه يمنع من الوطي ، أما لو كان الطلاق بائنا فإنه لا يجوز له ان يعقد عليها في عدة الثاني إجماعا ، ولا في عدة نفسه إذا كانت متقدمة على عدة الثاني ، لأن التزويج يسقط عدته فيثبت (2) حكم عدة الثاني فيمتنع عليه الاستمتاع ، وكل عقد لا يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا عدا ما أخرجه النص والإجماع من جواز العقد على الصغيرة وان حرم نكاحها (حتى تبلغ) (3).

فروع :

الأول : لو تزوج بذات بعل هل يكون حكمه حكم المعتدة؟ قال العلامة : فيه اشكال من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم ، وقال في التحرير : لا نعرف لعلمائنا فيه فتيا ، وحمله على ذات العدة قياس ، مع ان الأقرب ذلك ، وثبوت الحكم فيه من طريق التنبيه لا القياس.

وعن زرارة ، عن الباقر عليه السلام : «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثمَّ قدم زوجها بعد ذلك فطلقها قال تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر

ص: 64


1- «م» و «ن» : بعدة واحدة.
2- «م» و «ر 1» : ويثبت.
3- ليس في «م» و «ر 1».

عدة واحدة وليس للأخير ان يتزوجها أبدا» (1).

قال العلامة : وفي طريقها ابن بكير ، وهي تدل على مساواة النكاح للعدة. ومذهب أبي العباس المساواة ، وفخر الدين اقتصر على مورد النص.

الثاني : هل وطي الأمة في الاستبراء كالوطي في العدة؟ استشكل (2) العلامة من أنه عدة الأمة ، ومن اختصاصه باسم لم يتناوله النص ، والأصل الإباحة ، وفخر الدين على عدم التحريم.

الثالث : لو تزوج ذات البعل عالما حرمت عليه قطعا ، وانما الإشكال إذا كان جاهلا أو لشبهة ، كما لو طلقها رجعيا ثمَّ رجع في العدة وأشهد على الرجعة من حيث لا تعلم ، فتزوجت بعد انقضاء العدة ، فأقام البينة بالرجعة في العدة ، أو كمن قامت البينة عندها بوفاة زوجها ، فنكحت غيره ثمَّ ظهرت حياته.

قال رحمه اللّه : من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها ، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا ، وكذا لو زنت امرأته وإن أصرت على الأصح ، ولو زنا بذات بعل ، أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا في قول مشهور.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في جواز نكاح الزانية ، والمشهور جوازه على كراهية وان كان الزاني هو العاقد عليها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والإستبصار ، ومذهب ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة الإباحة ، ولهم عليه روايات (3).

وقال المفيد والشيخ في النهاية : إذا فجر بامرأة غير ذات بعل فلا يجوز (4) العقد عليها ما دامت مصرة على ذلك الفعل ، فان ظهر منها التوبة جاز

ص: 65


1- تقدمت الإشارة إلى مصدرها ص 53.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : استشكله.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : بزيادة له.

له العقد عليها وتعتبر توبتها بان يدعوها الى ما كان منه فإن أجابت امتنع من العقد عليها ، وان امتنعت عرف بذلك توبتها. ومثله قال ابن البراج ، وأبو الصلاح أطلق تحريم الزانية حتى تتوب.

احتج الشيخ ومن تابعه برواية أبي بصير «قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثمَّ أراد بعد ان يتزوجها؟ فقال : إذا تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف نعرف توبتها ، قال : يدعوها الى ما كانت عليه من الحرام فان امتنعت واستغفرت ربها عرف توبتها» (1) ومثلها رواية عمار ابن موسى الساباطي (2) ، عن الصادق عليه السلام.

احتج أبو الصلاح على إطلاقه بقوله تعالى ( الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (3).

الثانية : في تحريم الزوجة إذا زنت وأصرت على الزنا ، وبالتحريم قال سلار ، وهو قول المفيد ، الا انها لا تبين إلا بإطلاق ، وقال ابن حمزة : ينفسخ نكاحها على قول بعض الأصحاب.

احتج سلار بأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، وأعظم حكمة الحد والزجر عن الزنا اختلاط الأنساب ، فلو أبيح نكاح الزانية لزم اختلاط الأنساب.

والمشهور عدم التحريم لقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (4) ، ولرواية عباد بن صهب (5) ، عن الصادق عليه السلام (6) ، الدالة على جواز

ص: 66


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
3- النور : 5.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
5- في «ن» : غياث بن صهيب. وفي «م» : عباد بن صهيب. وكذا في المصدر.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1.

إمساك الزانية.

الثالثة : الزنا بذات البعل أو العدة الرجعية ، والمشهور تحريمها مؤبدا لا أعلم فيه خلافا ، وادعى عليه المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر الإجماع ، ولا فرق عندهم بين علم الزاني بالزوج والعدة وعدمه ، ولا بين دخول الزوج وعدمه ، ولا بين الدائم والمنقطع.

ولو زنا بذات عدة بائن أو وفاة أو عدة المستمتع بها هل تحرم أم لا؟ قال العلامة في التحرير : ليس لأصحابنا فيه (1) نص ، وعلى ما قلناه من التفسير (2) يحتمل التحريم مع العلم ، لأنا قد بينا ثبوته مع العقد ، فمع التجرد عنه اولى ، قال : وهو الأقرب. وجزم في القواعد بعدم التحريم.

وهل الزنا بالأمة الموطؤة كالزنا بذات البعل؟ قال في القواعد : فيه نظر ، واختار فخر الدين عدم التحريم ، وهو اختيار العلامة في التحرير لخلوها عن النص.

قال رحمه اللّه : إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين ، فان سبقت إحداهما كان العقد لها ، وإن اتفقا في حال بطل العقدان ، وروي أنه يتخير ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية هي رواية جميل بن دراج (3) ، وهي مرسلة وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وقد سبق (4) البحث في هذه المسألة ، والمعتمد فيها البطلان.

قال رحمه اللّه : لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا ، وفي تحريم

ص: 67


1- «م» و «ن» : في ذلك.
2- في «م» و «ر 1» : التنبيه ، وفي «ن» : البينة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، حديث 1.
4- ص 55.

الكتابية من اليهود والنصارى روايتان ، أشهرهما المنع في الدائم ، والجواز في المؤجل وملك اليمين ، وكذا حكم المجوس على أشهر الروايتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى - في جواز نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أقوال كثيرة ، والمشهور منها ثلاثة :

الأول : تحريم النكاح بجميع أنواعه ، وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في كتابي الأخبار ، وأحد قولي المفيد ، وقواه ابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، قال : وهو الذي استقر عليه رأي والدي ، وهو مذهب ابي العباس في كتابيه لأنهن مشركات لقوله تعالى ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ) الى قوله تعالى ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (1) وإذا ثبت انهن مشركات ثبت تحريم نكاحهن لقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (2) وقوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (3) ، ولأن النكاح يستلزم المودة ، لقوله تعالى ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (4) ومودة الكافر غير جائزة ، لقوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (5) الآية.

الثاني : جوازه بجميع أنواعه ، وهو مذهب ابني بابويه وابن ابي عقيل ، لقوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (6) ولرواية أبي (7) مريم

ص: 68


1- التوبة : 30 ، 31.
2- البقرة : 221.
3- الممتحنة : 10.
4- الروم : 21.
5- المجادلة : 22
6- المائدة : 5.
7- «ن» : ابن.

الأنصاري (1) ، عن الصادق عليه السلام. وأجيب عن الآية بأنها منسوخة بقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (2) وعن الرواية بضعف السند.

الثالث : جواز المتعة وملك اليمين دون الدائم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، واختاره المصنف واستقربه العلامة في القواعد والتحرير ، لرواية أبان بن عثمان ، عن زرارة (3).

الثانية : في نكاح المجوسيات ، والمشهور ان حكمهن حكم أهل الكتاب ، لقوله عليه السلام : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (4) ومنع ابن إدريس من مناكحتهن لأصالة تحريم المشركات ، خرج منه اليهوديات والنصرانيات على الخلاف ، ويبقى الباقي على أصالة المنع.

قال رحمه اللّه : ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر ، وان كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، وقيل : ان كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا ، غير انه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها نهارا ، والأول أشبه.

أقول : القول المحكي قول الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار معولا على رواية جميل بن دراج (5) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام وقال في

ص: 69


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 3. في «م» و «ن» و «ر 1» : عن الباقر عليه السلام
2- الممتحنة : 10.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 49 من أبواب جهاد العدو حديث 9.
5- التهذيب ، كتاب النكاح ، فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب الحديث 12 (1254) ج 7 ص 300. والإستبصار ، أبواب ما أحلّ اللّه العقد عليهن وما حرّم ، باب الرجل والمرأة إذا كانا ذميين فتسلم المرأة دون الرجل حديث 1 5. ج 3 ص 181. وفي الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر حديث 1.

الخلاف بانفساخ العقد مطلقا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن التزويج نوع سلطنة على الزوجة والكافر ممنوع من السلطنة على المسلم.

قال رحمه اللّه : ولو قبّل ولمس بشهوة يمكن أن يقال : هو اختيار ، كما هو رجعة في حق المطلقة ، وهو يشكل بما يتطرق اليه من الاحتمال.

أقول : وجه الاشكال ان التقبيل واللمس قد يوجدان في الأجنبية فهما أعم من الاختيار وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ومن مشاركة الاختيار للرجعة (1) في إرادة النكاح ، وكل ما كان رجعة كان اختيارا وهما إذا قارنا الشهوة رجعة إجماعا فيكونان رجعة اختيارا ، وهو مذهب العلامة في القواعد والتحرير ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة وبنتها ثمَّ أسلم بعد الدخول بهما حرمتا ، وكذا لو كان دخل بالأم ، أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأم دون البنت ، ولا اختيار ، وقال الشيخ : له التخيير ، والأول أشبه.

أقول : إذا أسلم عن امرأة وبنتها زوجتين ولم يكن دخل بإحداهما ، قال الشيخ : يتخير أيهما شاء ، لأن عقد الشرك لا يحكم لصحته (2) الا بانضمام الاختيار حال الإسلام ولهذا لو تزوج عشرا واختيار منهن أربعا لم يجب للبواقي مهر ولا نفقة وكنّ بمنزلة من لم يقع عليهن عقد ، فاذا اختار الأم كان بمنزلة من لم يعقد على البنت ، قال : ويحتمل لزوم عقد البنت ، إذ نكاح الشرك صحيح ، كما لو تزوج أختين وانه (3) يختار أيهما يشاء ، فيكون صحيحا فيهما وصحة النكاح في البنت تقتضي التحريم المؤبد في الأم والمصنف اختار هذا الاحتمال ، وهو اختيار

ص: 70


1- «م» و «ر 1» : للرجعية. وفي «ن» : للمرجعية.
2- كذا
3- «م» و «ن» و «ر 1» : فإنه.

العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات ، فأسلم معه اثنتان ثمَّ أعتق ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين ، لأنه كمال العدد المحلل له ، ولو أسلمن وأعتق ، أو أسلمن بعد إسلامه وعتقه في العدة ثبت نكاحه عليهن لاتصافه بالحرية المبيحة للأربع ، وفي الفرق إشكال.

أقول : منشؤه من وجود الحرية المبيحة للأربع في الصورتين قبل الاختيار ، فيكون له اختيار الأربع في الصورتين ، ووجه الفرق انه في الصورة الأولى حين ثبوت الاختيار كان عبدا ، لأن ثبوته حال اجتماع الإسلامين (1) ، وهو حينئذ عبد ، وفي الصورة الثانية حالة (2) اجتماعهما وهو حر ، هذا الفرق بينهما ، وحينئذ لا فرق ان يختار في الصورة الأولى من سبق إسلامها عتقه أو تأخر إسلامها عنه ، وله ان يحدد العقد على الأخيرتين.

قال رحمه اللّه : اختلاف الدين فسخ لإطلاق فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط المهر ، وان كان من الرجل فنصفه على قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويحتمل ثبوت الجميع لأن التنصيف مشروط بالطلاق ، والفسخ ليس طلاقا ، ولا يعد في الثلاث.

قال رحمه اللّه : ولو لم يسم مهرا والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة ، وفيه تردد ، ولو دخل الذمي وأسلم وكان المهر خمرا ولم يقبضه ، قيل : سقط ، وقيل :يلزمه مهر المثل ، وقيل : تجب قيمته عند مستحله ، وهو أصح.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يسم مهرا ثمَّ أسلم قبل الدخول ، قال الشيخ : لها المتعة ، كما

ص: 71


1- في «ن» : الإسلام.
2- «ن» : حال.

لو طلقها ، وبه قال المصنف ثمَّ تردد من انه فسخ قبل الدخول فأشبه الطلاق في وجوب المتعة إذا لم يسم مهرا ، ومن أصالة براءة الذمة ، لأنه لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا ولا طلقها ، فلا يثبت عليه شي ء ، لأن المتعة مشروطة بالطلاق قبل الدخول ولم يحصل.

الثانية : إذا سمى مهرا فاسدا كالخمر والخنزير ، ثمَّ أسلم بعد الدخول وقبل قبض المهر ما الواجب عليه؟ حكى المصنف ثلاثة أقوال :

أ - السقوط ، ووجهه سقوط الخمر عن ذمته بإسلامه ، والأصل براءة الذمة مما سواه لعدم تناول العقد لغير الخمر فلا يلزمه شي ء.

ب - وجوب مهر المثل ، ووجهه استقراره في ذمته بالدخول فلا يسقط لكونه فاسدا ، فيكون كما لو لم يسم مهرا.

ج - وجوب قيمته عند مستحليه ، ووجهه أنه أتلف بإسلامه حقا لذمي يستحقه ويملكه ، فيكون ضامنا بقيمته ، واختاره المصنف وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطئ زوجته المسلمة (ووقف نكاحها على انقضاء العدة)(1) ، فلو وطئها لشبهة وبقي على كفره الى انقضاء العدة ، قال الشيخ : عليه مهران ، الأصلي بالعقد والآخر بالوطي بالشبهة ، وهو يشكل بما انها في حكم الزوجية إذا لم يكن عن فطرة.

أقول : إذا ارتد الزوج أو الزوجة أو هما بعد الدخول عن غير فطرة ، حرم الوطي من حين الارتداد ، ووقف انفساخ النكاح على خروج العدة ، فإن عاد (2) أو عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة فالزوجية باقية والا تبينا البينونة من حين الارتداد ، فإن وطأها مدة التربص لشبهة ، هل يجب عليه مهران؟ قال الشيخ :

ص: 72


1- (*) ما بين القوسين من الشرائع المطبوع.
2- كذا في الأصل ، وفي «ن» : عادوا.

نعم ، واستشكل المصنف ، ومنشؤه من انها بحكم الزوجة (فهي كالمطلقة) (1) رجعيا ، لجواز الرجوع إليها بإسلام المرتد منهما ووجوب النفقة إذا كان المرتد هو الزوج ، فهي في العدة بحكم الزوجة ، فلا يجب بوطئها مهر ، كما لا يجب بوطي المطلقة رجعيا.

ومن كون العدة كاشفة عن حصول البينونة حين الارتداد ، فلما انقضت على الارتداد تبين كونها أجنبية في زمان العدة ، ومن وطأ أجنبية للشبهة كان عليه مهر مثلها ، فيكون عليه المهر هنا ، وهو اختيار العلامة في التحرير جزما.

قال رحمه اللّه : ولو مات أو متن ، قيل : يبطل الخيار والوجه استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات.

أقول : إذا أسلم على أكثر من أربع ثمَّ أسلمن في العدة كان عليه اختيار أربع ، فلو متن أو مات بعضهن قبل الاختيار لم يسقط الاختيار ، بل له ان يختار من يشاء ويرثهن ، فلو متن أو مات قبل الاختيار قيل : يبطل الاختيار ، ولتعذره (2) بموت الزوج ، وحينئذ يوقف ربع تركته أو نصف ربعها للجميع حتى يصطلحن ، ويوقف من تركته كل واحدة نصفها أو ربعها حتى يصطلح ورثتها وورثة الزوج عليه ، واختار المصنف استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات ، وقد اشكلن فيقرع بينهن ، لأن كل أمر مشكل فيه القرعة ، والقول بالبطلان يؤدي الى توريث غير الوارث ومنع الوارث من إرثه أو بعضه ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : ولو مات قبلهن ورثه أربع منهن لكن لما لم يتعين وجب إيقاف الحصة حتى يصطلحن ، والوجه القرعة أو التشريك.

ص: 73


1- في الأصل : وهي المطلقة.
2- كذا.

أقول : ذكر المصنف في النصيب الموقوف - وهو الربع أو نصفه - ثلاثة وجوه :

الأول : ان يصطلحن عليه ، ووجهه ان المستحق له منحصر فيهن ، لكنه مجهول فالاحتياط يقتضي الصلح.

الثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة.

الثالث : القسمة بينهن بالسوية لانحصار المستحق فيهن وعدم أولوية البعض دون البعض فكان مشتركا بينهن ، كما لو تداعيا عينا ولا ترجيح لأحدهما.

قال رحمه اللّه : روى عمار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «ان إباق العبد طلاق امرأته فإنه بمنزلة الارتداد ، فان رجع بالعدة فهي امرأته بالنكاح الأول ، وان رجع بعد العدة وقد تزوجت فلا سبيل له عليها ، وفي العمل بها تردد ، منشؤه ضعف السند.

أقول : أفتى الشيخ في النهاية بمضمون هذه الرواية (1) ، وأنكره ابن إدريس ، لأصالة بقاء النكاح ، ولضعف سند الرواية ، لأن عمارا فطحي المذهب ، ولا يعمل بما انفرد به ، خصوصا مع مخالفة (2) الأصل.

ص: 74


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 73 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.
2- كذا. ولعل الصحيح : مخالفته.

مسائل من لواحق العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وان تأكد استحباب الإيمان.

أقول : ظاهر المفيد وابن الجنيد الاكتفاء بالإسلام وان تأكد استحباب الايمان ، فعلى هذا يجوز نكاح المؤمنة للمخالف ، لرواية محمد بن الفضل الهاشمي «قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الكفؤ أن يكون عفيفا ويكون عنده يسار» (1) ولقوله عليه السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه زوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (2).

ومنع الشيخ في المبسوط من نكاح المخالف للمؤمنة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لرواية عبد اللّه بن سنان ، عن

ص: 75


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 5 مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 1 - 2 - 3 - 6.

الصادق عليه السلام : «ولا نزوج المستضعف مؤمنة» (1) وفي رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام «قال : ان العارفة لا توضع الا عند عارف» (2) و «سئل الصادق عليه السلام عن امرأة مؤمنة عارفة وليس في الموضع أحد على دينها ، هل تزوج منهم؟ قال : لا تزوج الا من كان على دينها. ولأن المرأة تأخذ من دين بعلها ، فلا يؤمن ان يخدعها عن دينها» (3).

واستدلال المجوزين بقوله عليه السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» (4) لا يصلح ان يكون دليلا لهم ، لأن دين المخالف ليس بمرضي عند المؤمن ، فلا يدخل في الأمر بزواجه لعدم الارتضاء بدينه.

فرع : إذا ثبت ان الايمان شرط في إباحة نكاح المؤمنة كما أن الإسلام شرط في إباحة نكاح المسلمة وان المخالف يمنع من المؤمنة ، كما ان الكافر يمنع من المسلمة ، ثبت ابطال الخلاف لعقد المؤمنة لاحقا كإبطاله سابقا ، فلو خرج المؤمن من دينه الى دين أهل الخلاف انفسخ نكاح زوجته المؤمنة كانفساخ نكاح المسلمة بارتداد الزوج ، لأن الشرط يجب مصاحبته للمشروط ، وينتفي المشروط عند انتفاء الشرط ، فكما تنتفي إباحة الصلاة عند انتفاء الطهارة كذلك تنتفي اباحة المؤمنة والمسلمة عند انتفاء الايمان والإسلام ، لأن الايمان والإسلام شرط في إباحتهما ، كما ان الطهارة شرط في إباحة الصلاة.

إذا عرفت هذا ، فهل تبين زوجته المدخول بها حين انفساخ العقد

ص: 76


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 6.
2- الرواية الموجودة بنفس النص المذكور ليست عن زرارة عن الباقر عليه السلام بل عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام راجع الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر حديث 5.
3- المستدرك ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 8.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، حديث 1.

باختلاف الدين ، أو يتوقف الفسخ على انقضاء العدة كالمرتد عن ملة فإن عاد الى الإيمان في العدة كانت الزوجية باقية وان بقي على الخلاف بانت منه كالمرتد؟ يحتمل ذلك ، لأن خروج المؤمن إلى دين أهل الخلاف ليس أبلغ من الارتداد عن الإسلام إلى الكفر ، وقد ثبت ان الارتداد لا يوجب بينونته (1) حتى تنقضي العدة ، فتوقّف البينونة على انقضاء العدة في الخروج الى دين أهل الخلاف أولى ، ويكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لا من باب القياس.

ويحتمل البينونة بنفس انفساخ العقد حالة الخروج عن الأيمان ، لأن الأصل في الفسخ اقتضاء البينونة من حين الفسخ ، سوى (2) اقتضى التحريم المؤبد كالفسخ بسبب الرضاع أو لا يقتضي ذلك كالفسخ بالعيب خرج منه الفسخ بسبب الارتداد للنص (3) ، والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة ما يقتضيه الفسخ من البينونة من حينه.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تمكنه من النفقة؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : القائل بالاشتراط هو الشيخ في المبسوط ، وقال في النهاية بعدم الاشتراط ، وبه قال ابن حمزة والمصنف والعلامة ، وهو مذهب القاضي وابن الجنيد ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (4) ولا فائدة في الآية مع اشتراط الغنى ، ولأنها لو علمت بعسره ثمَّ رضيت فنكاحه صحيح إجماعا ، فلو كانت القدرة شرطا لما سقطت بالتراضي كغيرها من

ص: 77


1- «م» و «ن» و «ر 1» : البينونة.
2- كذا. ولعلها : سواء.
3- الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب 6 من أبواب موانع الإرث ، حديث 4.
4- النور : 32.

الشروط. وقال ابن إدريس بعدم الاشتراط الا أن المرأة تسلط على الفسخ مع عدم العلم بفقره ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو تجدد العجز عن النفقة هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ليس لها.

أقول : اما على القول بأشراط التمكين من النفقة ابتداء ، كمذهب الشيخ في المبسوط ، فاذا تجدد العجز ثبت لها الخيار ، واما على القول بعدم اشتراطه ، كما هو المشهور ، هل يثبت الخيار؟ قال ابن الجنيد : نعم ، ونقله ابن إدريس عن بعض أصحابنا ، واختاره العلامة في المختلف دفعا للضرورة الحاصلة لها لاحتياجها إلى النفقة وتحريم تزويجها بغيره ، فمع عدم اباحة الفسخ يحصل الضرر العظيم ، وهو منفي بالآية (1) والرواية (2).

والمشهور عدم جواز الفسخ لأصالة بقاء العقد ، ولعموم قوله تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (3) وهذا البحث مع دخولها عليه موسرا ثمَّ تجدد له الإعسار ، اما لو دخلت عليه معسرا لم يكن لها الفسخ قطعا ، لأنها هي التي أدخلت الضرر على نفسها وأسقطت حقها باختيارها.

تنبيه : على القول بان التمكن من المؤمنة شرط ليس هو كغيره من الشروط التي لا يباح المشروط بدونها ، كالطهارة في إباحة الصلاة ، والإيمان والإسلام في إباحة المؤمنة والمسلمة ، بل هو شرط في وجوب الإجابة ، لأنه مع الرضا بإعساره يباح له النكاح إجماعا ، وليس كذلك لو رضيت بكونه كافرا أو مخالفا مع كونها مؤمنة أو مسلمة ، فإنه لو رضيت المؤمنة بالمخالف لم يبح لها نكاحه

ص: 78


1- البقرة : 231. والطلاق : 6.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 وفي كتاب الفرائض ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 12.
3- البقرة : 280.

إجماعا من القائلين بالمنع ، ولو رضيت المسلمة بالكافر لم يبح لها إجماعا ، فقد ظهر الفرق بين اشتراط القدرة على النفقة وبين غيره من الشروط.

قال رحمه اللّه : وإذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته وان كان أخفض نسبا ، ولو امتنع الولي كان عاصيا.

أقول : روي (1) انه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشي ء يدخل فيه في جملة الفساق ، وان كان حقيرا في نفسه قليل المال ، فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلى اللّه عليه وآله.

قال ابن إدريس : ووجه الحديث في ذلك انما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والانفة منه كذلك (2) ، واعتقاد ان ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إذا رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه ، فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث.

هذا تحقيق ابن إدريس رحمه اللّه ، وهو جيد ، الا ان قوله : واعتقاد ان ذلك ليس بكفؤ في الشرع ، فإنه يفهم منه انه لو رده للأنفة من فقره وخفض نسبه مع اعتقاد انه كفوء في الشرع ، فإنه لم يكن عاصيا وهذا غير صحيح ، والا كان تارك الواجب مع اعتقاده انه واجب لم يكن عاصيا ، وهو ضروري البطلان ، لأنه إذا ترك اجابته مع علمه بأنه كفوء في الشرع وان أجابه الكفوء واجبة وانما ترك ذلك لأنفة كان تاركا للواجب مع علمه بكونه واجبا ، وهذا يكون عاصيا إجماعا ، فيكون تقييده للعصيان بالاعتقاد بأنه ليس بكفوء غير صحيح ، بل لو قيده بالاعتقاد بأنه كفوء كان أحسن.

ص: 79


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : لذلك.

وقال العلامة في القواعد : ولو امتنع الولي كان عاصيا الا الى العدول إلى الأعلى ، جوّز الامتناع إذا كان العدول إلى الأعلى ، وعند التحقيق يلزم من إطلاق قول العلامة ترك العمل بما تضمنه الخبر (1) من وجوب إجابة المؤمن إذا كان قليل المال أو أخفض نسبا ، لأنه إنما يترك الإجابة لأجل العدول الى من هو أعلى منه لا لقصد عدم تزويج ابنته ، فاذا جاز رد المؤمن لأجل قصد من هو أعلى لزم ترك العمل بالخبر ، فلو قيد العدول إلى الأعلى بحضوره ورغبته في النكاح كان حسنا.

فرعان :

الأول : هل حكم المرأة إذا كان أمرها بيدها حكم الأب في وجوب إجابة المؤمن إذا خطبها وان كان اخفض نسبا بحيث لو منعته كانت عاصية؟ يحتمل ذلك ، لأنه كفوء في الشرع وإذا خطب الكفوء وجبت الإجابة ، فكما يجب على أبيها إذا كان أمرها بيده يجب عليها إذا كانت مالكة أمر نفسها.

ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة من اشتغالها بواجب أو ندب ما لم يحصل الدليل الشاغل ، والرواية (2) إنما وردت في الأب ، فيقتصر في الوجوب على مورد النص دون ما عداه.

الثاني : لو كان للمرأة أخ أو عم وكان أمرها مفوض اليه ، هل يجب عليه الإجابة أم لا؟ يحتمل العدم ، لأنه ليس وليا حقيقا ، والنص انما ورد في الولي الإجباري إذ مع عدمه يكون أمرها بيدها ، ويحتمل الوجوب لأنه مع التفويض اليه وعدم مخالفته يصير كالولي الإجباري ، فيجب عليه الإجابة ، فإن رضيت والا انتفى الوجوب عنه ، وهذا هو الأحوط.

ص: 80


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 1.
2- المتقدمة آنفا.

قال رحمه اللّه : لو انتسب الى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ ، وقيل : ليس لها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على أربعة أقوال :

أ - قول الشيخ في النهاية قال : إذا انتمى الرجل إلى قبيلة وتزوج ، فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، وجعله ابن البراج رواية ، وهي رواية الحلبي (1) ، وهي حجة القوم.

ب - عدم ثبوت لزوم (2) الخيار ولزوم العقد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لأصالة بقاء العقد ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

ج - ثبوت الخيار إذا بان أدنى من القبيلة التي انتسب إليها بحيث لا يلائم شرفها شرفه ، وهو قول العلامة في المختلف.

د - ثبوت الخيار ان اشترط ذلك في العقد ، وعدم ثبوته ان لم يشترط ، وهو قول فخر الدين ، ووجهه الجمع بين الأقوال.

فرع : هل الحكم مشترك بين الرجل والمرأة؟ قال ابن الجنيد وابن حمزة (4) : نعم ، ولم يتعرض له الباقون ، وحكم الانتساب إلى الصنعة حكم الانتساب إلى القبيلة عند ابن الجنيد لما روي : «ان رجلا تزوج على انه يبيع الدواب ، فوجد بائعا للسنانير فلم يفسخ أمير المؤمنين عليه السلام نكاحه ، وقال : السنانير دواب» (5) ، وهي دالة على الحكم من حيث المفهوم.

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1.
2- ليست في «م» و «ن» و «ر 1».
3- المائدة : 1.
4- ليس في «ن».
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج بامرأة ثمَّ علم أنها كانت زنت ، لم يكن له فسخ العقد ولا الرجوع على الولي بالمهر ، وروي أن له الرجوع ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وهو شاذ.

أقول : الرواية إشارة إلى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها انها كانت (1) زنت؟ قال : ان شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وان شاء تركها» (2) وابن الجنيد وابن بابويه أثبتا له الخيار ، وأثبته ابن الجنيد للمرأة بزنا الرجل ، والمعتمد انه لا خيار ولا رجوع على الولي.

ويحصل العلم بالزنا للزوج بالتواتر والمشاهدة أو قول المعصوم أو البينة الشرعيّة.

قال رحمه اللّه : ولو خطب فأجابت قيل : يحرم على غيره خطبتها ، ولو تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحا.

أقول : بالتحريم قال الشيخ رحمه اللّه ، وهو مبني على تحريم الدخول في سوم المؤمن ، والمشهور الكراهية بناء على كراهية الدخول في سوم المؤمن ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا ، فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد ، وربما قيل : يلغو الشرط ، ولو شرطت الطلاق ، قيل : يصح النكاح ، ويبطل الشرط.

ص: 82


1- «م» و «ن» و «ر 1» : قد.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 4.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا شرطت المرأة على المحلل (إذا حللها) (1) فلا نكاح بينهما ، قال المصنف : بطل العقد واستقربه العلامة في القواعد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ونقل فخر الدين عن الشيخ قولا بعدم البطلان ، وهو ان وجود هذا الشرط كعدمه ، والمعتمد الأول لعدم حصول التراضي بدون الشرط ، وهو مناف للعقد فيكون باطلا.

الثانية : إذا اشترطت عليه الطلاق بعد التحليل قال الشيخ في المبسوط يصح العقد ويبطل الشرط ، واختاره العلامة في التحرير ، والمعتمد البطلان ، وهو اختيار فخر الدين لما قلناه أولا : من عدم حصول التراضي بدون سلامة الشرط ، وهو لا يصح سلامته.

قال رحمه اللّه : نكاح الشغار باطل.

أقول : قال الجوهري : والشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية ، وهو ان يقول الرجل للآخر : زوجني ابنتك أو أختك على ان أزوجك أختي أو بنتي على ان صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، كأنهما رفعا المهر واخليا البضع عنه.

وفي الحديث «لا شغار في الإسلام» (2) فإذا عرفت ان الشغار عبارة عن جعل نكاح امرأة مهر الأخرى فهو لا يخلو من أقسام.

أ - ان يدور مثل ان يقول : زوجتك بنتي على ان تزوجني بنتك على ان يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي ونكاح بنتي مهرا لبنتك ، فيقول : زوجتك وقبلت

ص: 83


1- ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 27 من أبواب عقد النكاح ، حديث 2.

النكاح ، فيبطل النكاحان لحصول (1) الاشتراك في البضع ، لأنه صار ملكا للزوج بالزوجية ، وللبنت (2) بالمهر.

ب - ان لا يدور مثل ان يقول : زوجتك بنتي على ان تزوجني بنتك على ان يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك ، فيقول : زوجتك وقبلت النكاح ، فهنا يبطل نكاح الممهورة خاصة ، وهي بنت المخاطب ، وصح نكاح بنت المخاطب ، ولو عكس مثل ان يقول : على ان نكاح بنتك مهرا لبنتي انعكس الحكم.

ج - ان يقول : زوجتك بنتي بمائة وتزوجت ابنتك بمائة أو أقل أو أكثر ، فيقول : زوجتك (3) ، فهنا يصح النكاحان والصداقان لعدم الشرط ، ولو لم يذكرا صداقا صح النكاحان وثبت لكل واحدة مهر المثل مع الدخول.

د - لو قال : زوجتك بنتي بمائة على ان تزوجني بنتك بمائة ، فقال : زوجتك وقبلت النكاح ، قال الشيخ : يصح العقدان ويبطل المهران ، لأنه شرط مع المهر تزويجا ، وهو غير لازم ، فيبطل وإذا بطل الشرط بطل المهر ، لأن التزويج بعض (4) الصداق ، فاذا بطل بجهل المهر فيبطل ، وهو المشهور ، وبه قال العلامة في كتبه ، وتردّد المصنف ، مما قاله الشيخ ، ومن انه شرط سائغ فيجب الوفاء به لقوله عليه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (5) وكذا لو زوجه وشرط ان ينكحه ابنته ولم (6) يذكر مهرا ففيه التردد بين وجوب الوفاء بالشرط وعدمه.

فرع : لو قال : (زوجتك جاريتي على ان تزوجني بنتك ويكون رقبة

ص: 84


1- «م» : بحصول.
2- في الأصل : (وليست) ، وما أثبتناه في سائر النسخ.
3- «م» و «ن» و «ر 1» بزيادة : وقبلت النكاح.
4- «ن» : بعد.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4.
6- «م» و «ن» «ر 1» : ولو لم.

جاريتي مهرا لبنتك) صح النكاحان لقبول الرقبة للنقل وليس تشريكا ، لأن الرقبة ملك للبنت ، والبضع ملك لأبيها فلا يشتركان في البضع اثنان ، لكنه يبطل المهر ، لأنه شرط نكاح إحداهما في نكاح الأخرى ، وهو غير لازم كما قاله الشيخ رحمه اللّه ، ويكون لكل منهما مهر المثل.

ص: 85

ص: 86

في النكاح المنقطع

قال رحمه اللّه : ويشترط فيهما الإتيان بهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أقبل أو أرضى وقصد الإنشاء لم يصح ، وقيل : لو قال : أتزوجك مدة كذا بمهر كذا وقصد الإنشاء فقالت : زوجتك صح ، وكذا لو قالت : نعم.

أقول : هذا قول ابن ابي عقيل لرواية أبان بن تغلب (1) الدالة عليه ، والمشهور عدمه ، وقد تقدم (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : كاليهودية والنصرانية والمجوسية على أشهر الروايتين.

أقول : هذا هو المشهور ، وقد سبق (3) تحقيق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : ولو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها وما شاكل ذلك من موجبات الفسخ ولم يكن دخل بها فلا مهر ، ولو قبضته كان له استعادته ، ولو تبين ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت ، وليس

ص: 87


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- ص 22 - 23.
3- ص 68 - 69.

عليه تسليم ما بقي ، ولو قيل : لها المهر ان كانت جاهلة ويستعاد [ما أخذت] ان كانت عالمة كان حسنا.

أقول : إذا ظهر فساد العقد في المتعة ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر وان كان بعده قال الشيخ في النهاية : لها ما أخذت وليس عليه تسليم ما بقي ، مستدلا برواية حفص بن البحتري (1) في الحسن ، عن الصادق عليه السلام.

واستحسن المصنف استعادة ما أخذت مع علمها ، لأنها بغية حينئذ ولا مهر لبغية ، وثبوت المهر لها مع جهلها لما استحل من فرجها ، واختاره العلامة واختار المصنف في المختصر بطلان المسمى مع الجهل والرجوع الى مهر المثل ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد لبطلان العقد فلا يلزم ما ذكر فيه.

قال رحمه اللّه : ولو قال مرة أو مرتين ولم يجعل ذلك مقيدا بزمان لم يصح ، وينعقد دائما ، وفيه رواية دالة على الجواز وانه لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه ، وهي مطروحة لضعفها ، ولو عقد على هذا الوجه انعقد دائما ، ولو قرن ذلك بمدة صح متعة.

أقول : يشترط في الأجل أن يكون معلوما مضبوطا بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلو قدره بالفعل كالمرة والمرتين ، فلا يخلو اما ان يقول (2) : الفعل بمدة مضبوطة أو لا ، فهنا قسمان :

أ - ان يقيده بمدة مضبوطة ، وهذا يصح قطعا ولا يجوز له الزيادة على القدر المشترط.

ب - ان لا يقيده بمدة مضبوطة ، وهذا يكون مجهولا ، والمعتمد فيه البطلان ، وهو اختيار العلامة وابي العباس ، وقال الشيخ في النهاية ينقلب دائما ، واختاره

ص: 88


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- «م» و «ر 1» : يقرن. وفي «ن» : يقدر.

المصنف هنا ، لأن الأجل المجهول كغير المذكور ، وعندهما انه إذا لم يذكر الأجل ينقلب دائما ، وهو ممنوع ، لأن المتعة من شرطها ذكر الأجل ، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة ، واعتمد (1) الشيخ على ما قاله في النهاية على رواية ابن فضال ، عن القاسم بن محمد ، عن رجل سماه «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، الرجل يتزوج المرأة عن فرد واحد قال لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر» (2) وهي مع ضعف الطريق مرسلة ولا تدل على مطلوب الشيخ لقوله : «فليحول وجهه ولا ينظر» دل على تحريمها بعد الفراغ من إيقاع (3) ما شرطه ، وهو منافي انعقاده دائما.

فرعان :

الأول : لو عقد على مدة متأخرة عن زمان العقد صح ، ومنعت الزواج (4) فيما بينهما ، لأن عليهما عقد ولها زوج ، ولا يجوز ان يكون للمرأة زوجان ولا يكون عليها عقدان بإجماع المسلمين ، ولا يجوز ان يتزوج بأختها وان وفت المدة بالأجل والعدة قبل حلول المدة المعينة ، لأنه يكون جامعا (5) بين الأختين.

الثاني : لو مات بعد العقد وقبل حضور المدة المشترطة احتمل بطلان العقد ولا مهر ولا عدة ، لأن العقد سبب لتأثير الإباحة عند حضور المدة المشترطة ، فإذا مات (6) زالت صلاحية التأثير فيبطل العقد.

ص: 89


1- «م» و «ن» و «ر 1» : واعتماد.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المتعة ، حديث 4 (لكن فيه «على عرد» بدل «عن فرد»).
3- في الأصل : أنواع ، وما أثبتناه في بقية النسخ.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : من الزواج.
5- «م» : جمعا.
6- «ن» : بانت.

ويحتمل عدم البطلان فيجب المهر والعدة ، لأنه وقع صحيحا والموت يرفع استمراره لا ابتدائه كالدائم. وذهب فخر الدين الى عدم جواز العقد على مدة متأخرة عنه ، واختار على القول بالجواز البطلان مع الموت قبل حضور المدة ، واحتمال عدم البطلان لا يخلو من قوة لما ثبت من تحريمها على الأزواج فيما بين العقد والمدة وتحريم أختها عليه ، وذلك لكونها زوجة ، وكل زوجة مات عنها زوجها كان عليها العدة ويثبت لها المهر ، وقد ثبت انها زوجة فتدخل في حكم الأزواج.

قال رحمه اللّه : كل شرط يشترط فيه فلا بد ان يقرن بالإيجاب والقبول ، ولا حكم لما يذكر قبل العقد ما لم يستعد فيه ولا لما يذكر بعده ، ولا يشترط مع ذكره في العقد استعادته بعده ، ومن الأصحاب من شرط اعادته بعد العقد ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في النهاية : كل شرط يشترطه الرجل على المرأة انما يكون له تأثير بعد ذكر ذلك العقد فان ذكر الشروط وذكر العقد بعدها كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها وان ذكرها بعد العقد ثبت على ما شرطه وقال ابن إدريس لا شرط يجب ذكره ويلزم الا شرطان ذكر الأجل المحروس من الزيادة والنقصان والمهر المعلوم بالكيل أو الوزن أو المشاهدة والمعتمد ان كل شرط سائغ تخلل ذكره بين الإيجاب والقبول كان لازما وان كان غير سائغ وتخلل ذكره بين الإيجاب والقبول كان باطلا ومبطلا للعقد ولا عبرة بما تقدم على العقد ولا بما تأخر عنه سواء كان سائغا أو غير سائغ الا ان يذكر قبله ثمَّ يعاد فيه ولو جهله كان يقول زوجتك نفسي بكذا مده كذا على ما تقدم من الشروط المذكورة فيقول قبلت فهنا يكون لها تأثير.

قال رحمه اللّه : لا يقع بها طلاق وتبين بانقضاء المدة ، ولا يقع بها (إيلاء

ص: 90

ولا)(1) لعان على الأظهر ، وفي الظهار تردد ، أظهره انه يقع (2).

أقول : هذه مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في المستمتع بها لا يقع (3) بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة أو هبتها إياها ، وفي رواية محمد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم» (4).

الثانية : لا يقع بها إيلاء على أقوى الوجهين ، لظاهر قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) (5) وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء على أقوى الوجهين المطالبة بالوطي ، وذلك في المتعة منتف ، وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم.

ويحتمل ضعيفا الوقوع ، وهو قول المرتضى لعموم لفظ النساء في قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (6) ورفع العموم بقوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) فان عود الضمير الى بعض العام تخصيصه.

الثالثة : لا يقع بها لعان لنفي الولد ولا للقذف ، اما الأول فظاهر ، لأن الولد ينتفي بمجرد نفيه قطعا ، ولا خلاف فيه وانما الخلاف في وقوع اللعان للقذف ، فقال الأكثر كالشيخ وابن الجنيد وأبي الصلاح والمصنف : لا يقع ، لصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه السلام «لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي تمتع بها» (7) وهو اختيار العلامة.

ص: 91


1- (*) من الشرائع المطبوع.
2- في «ر 1» بعد المتن : أقول : سيأتي البحث في ذلك ان شاء اللّه تعالى.
3- كذا.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المتعة ، حديث 1.
5- البقرة : 227.
6- البقرة : 226.
7- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 10 ، حديث 2.

وقال المفيد بالوقوع لأنها زوجة قطعا للعلم بأنها ليست ملك يمين وجعل الوطء منحصر فيهما ، وكل زوجة يقع بها اللعان لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) (1) فإن الجمع المضاف للعموم.

وجوابه ان ذلك في الدائم ، لأن الكتاب يخص بالسنة ، والأصح عدم الرابعة اختلفوا في وقوع الظهار بها ، فقال الصدوق وابن إدريس : لا يقع ، لأصالة بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفيئة أو الطلاق ، ولا طلاق في المتعة ، والإلزام بالفيئة وحدها بعيد.

وقال الحسن والمفيد والمرتضى وأكثر الأصحاب : يقع لعموم الآية ، فإن المستمتع بها زوجة لما قدمناه) (2).

قال رحمه اللّه : لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا ، ولو شرطا التوارث أو شرط أحدهما ، قيل : يلزم عملا بالشرط ، وقيل : لا يلزم ، لأنه لا يثبت الا شرعا فيكون اشتراطا لغير وارث ، كما لو شرط للأجنبي ، والأول أشهر.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ - ثبوت الميراث بالأصل ، ويسقط باشتراط سقوطه ، وهو مذهب ابن ابي عقيل ، وحكاه المصنف في المختصر عن السيد المرتضى ، اما ثبوته بالأصل فلصدق اسم الزوجة عليها فيدخل في عموم الآية (3) ، واما سقوطه مع الشرط فلموثقة محمد بن مسلم (4) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على المطلوب.

ب - سقوطه في الأصل وثبوته مع الشرط ، وهو مذهب ابن حمزة ،

ص: 92


1- النور : 6.
2- ما بين القوسين ، أي من قوله : (أقول إلى قوله : لما قدمناه) ليس في باقي النسخ.
3- النساء : 12.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب المتعة ، حديث 4.

والشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر وهو ظاهره هنا ، لحسنة احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه السلام «قال : تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، ان اشترط الميراث كان ، وان لم يشترط لم يكن» (1).

ج - عدم ثبوته مطلقا ، وهو مذهب ابي الصلاح وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه غير ثابت بأصل (2) الشرع ، فاشتراطه يجري مجرى الميراث للأجنبي ، وهو مخالف للكتاب والسنة ، فيكون باطلا وإذا بطل الشرط بطل العقد على القول بأن الشرط الفاسد يقتضي فساد العقد ، لأن التراضي لم يحصل بدونه.

قال رحمه اللّه : إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان ، وروي حيضة وهو متروك ، ولو كانت لا تحيض ولم تيأس فخمس وأربعون يوما وتعتد من الوفاة ، ولم يدخل بها ، بأربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا ، وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا على الأصح ، ولو كانت أمة كانت عدتها حائلا شهرين وخمسة أيام.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في عدة الفرقة بعد الدخول اما بانقضاء الأجل أو بهبة ما بقي من أيامها ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في النهاية : انها حيضتان أو خمسة وأربعون يوما ، وبه قال سلار وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال المفيد انها قران لمستقيمة الحيض وبه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف ، وقال ابن ابي عقيل انها حيضة واحدة ، وقال ابن بابويه :

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 32 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- «م» و «ن» : في أصل.

حيضة ونصف ، ودليل الجميع الروايات (1). وأطبق الجميع على خمسة وأربعين يوما للمسترابة ، ولا فرق هنا بين الحرة والأمة.

ب - في المتوفى عنها ، وقد اختلف الأصحاب في كميتها ، والمشهور أنها أربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا ، وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا ، وقال المفيد وسلار : انها شهران وخمسة أيام ، وعند ابن أبي عقيل عدة الحامل في الوفاة بوضع الولد ولم يعتبر الشهور وهو شامل للدائم والمنقطع والحرة والأمة ، والمعتمد هو المشهور.

واما عدة الأمة المتوفى عنها في المتعة فشهران وخمسة أيام ان كانت حائلا وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا ، اختاره المفيد والمصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال ابن إدريس : انها أربعة أشهر وعشرة أيام كالحرة وقواه العلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس للعموم (2) ، ولحديث زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام الدالة عليه ، فيكون عدة الأمة في المتعة أطول منها في الدائم.

ص: 94


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 24 وباب 4 وباب 22 من أبواب المتعة ، وباب 12 من أبواب ما يحرم بالاستيفاء ، وباب 52 من أبواب العدد.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 52 من أبواب العدد ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 52 من أبواب العدد ، حديث 2.

في نكاح الإماء

اشارة

قال رحمه اللّه : لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك ، فان عقد أحدهما من غير اذن وقف على اجازة المالك ، وقيل : يكون اجازة المالك كالعقد المستأنف ، وقيل : يبطل فيهما وتلغى الإجازة ، وفيه قول رابع مضمونه اختصاص الإجازة بعقد العبد دون الأمة ، والأول أظهر.

أقول : حكى المصنف هنا أربعة أقوال :

أ - وقوعه موقوفا ، وهو المشهور واختاره المصنف والعلامة وابن إدريس في أول بحثه.

ب - كون الإجازة كالعقد المستأنف ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والفرق بينه وبين الأول انه في الأول يحكم بصحة العقد من حين وقوعه ، وفي الثاني من حين الإجازة ، ويتفرع على ذلك : ما لو كان عنده أخت الزوجة حين العقد وحصلت الإجازة بعد موتها أو فارقها بائنا ، فإنه يبطل على الأول ويصح على الثاني.

ج - البطلان فيهما أي في العبد والأمة ، وهو قول الشيخ في المبسوط و

ص: 95

الخلاف ، واختاره ابن إدريس في آخر بحثه.

د - اختصاص الإجازة بعقد العبد دون الأمة ، وهو قول ابن حمزة ، والطريق الروايات (1) ، وقد سبق (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به ، سواء كان الحر هو الأب أو الأم ، الا ان يشترط المولى رق الولد ، فان شرط لزم الشرط على قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور لا أعلم فيه خلافا ، ولم يجزم المصنف هنا وتردد في المختصر ، ووجهه ان الولد منعقد حرا مع عدم الشرط ، والشرط إذا اشتمل على استرقاق الحر كان باطلا.

والجواب ان شرط استرقاق الحر بعد انعقاده حرا غير جائز ، أما الشرط قبل الانعقاد (3) فلا مانع منه إذا كان أحد أبويه رقا لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» (4) وحينئذ ينعقد رقا.

قال رحمه اللّه : وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية لزمه المهر ، وقيل : عشر قيمتها ان كانت بكرا أو نصف العشر ان كانت ثيبا ، وهو المروي ، ولو كان دفع إليها مهرا استعاد ما وجد منه وكان ولدها منه رقا ، وعلى الزوج ان يفكهم بالقيمة ويلزم المولى دفعهم اليه ، ولو لم يكن له مال سعى في قيمتهم ، وان أبى السعي فهل يجب ان يفديهم الامام؟ قيل : نعم تعويلا على رواية فيها ضعف ، وقيل : لا يجب ، لأن القيمة لازمة للأب ، لأنه سبب الحيلولة ، ولو قيل : بوجوب الفدية على الامام ، فمن أي شي ء يفديهم؟ قيل : من سهم الرقاب ، ومنهم من

ص: 96


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 23 ، 24 ، 26 ، 29 ، من أبواب نكاح العبيد والإماء.
2- ص 32.
3- «ن» : انعقاده.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4.

أطلق.

أقول : إذا ادعت الحرية فتزوجها على ظاهر الحال ، ثمَّ ظهرت أمة كان البحث في أماكن.

أ - في المهر ، وهو واجب هنا إجماعا ، لأنه وطئ ليس بزنا ولا ملك يمين ، فيجب فيه المهر ، وفي قدره خلاف :

الأول : قال ابن البراج : يلزمه المسمى ، واختاره العلامة ، لأنه عقد صحيح قبض فيه أحد العوضين فيجب العوض الآخر.

الثاني : العشر مع البكارة ونصفه مع الثيبوبة ، وهو اختيار ابن حمزة وأبي علي ابن الجنيد لرواية الوليد بن صبيح (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : مهر المثل ، وهو قول الشيخ في المبسوط لظهور فساد العقد فيكون شبهة فيلزمه مهر المثل.

ب - في حكم الأولاد فقد حكم المصنف برقهم وإلزام الأب لفكهم مع الإيسار وبالاستسعاء (2) مع الإعسار ، وإلزام المولى بتسليمهم اليه عند دفع قيمتهم ، وهو مذهب الشيخ وابن حمزة لما رواه سماعة ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن مملوكة أتت قوما وهي تزعم أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ، ثمَّ ان مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكته ، وأقرت الجارية بذلك؟ قال : تدفع الى مولاها هي وأولادها (3) ، وعلى مولاها ان يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه ، قلت : فان لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ، قلت : فان أبى الأب ان يسعى

ص: 97


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 67 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1.
2- «م» : وبالسعي.
3- «م» و «ن» «ر 1» : وولدها.

في ثمن ابنه عنده؟ قال : فعلى الامام ان يفديه ولا يملك ولد حر» (1).

دلت هذه الرواية على أمور :

الأول : كون الولد رقا للسيد ، لقوله «تدفع هي وولدها» ، وبه قال الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة والمصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال أبو الصلاح : يكون الولد حرا وعليه قيمته لمولى الأمة ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس في المهذب وقوله في آخر الرواية : «ولا يملك ولد حر» بتنوين الدال والراء ، يدل عليه ، ومن اضافة نفي الاستدلال.

الثاني : دلت على لحوق النسب ، لقوله عليه السلام : «يسعى أبوه في ثمنه» ، وهو إجماع.

الثالث : دلت على وجوب قبول القيمة على السيد ودفعه الى أبيه عند دفع القيمة وهو إجماع أيضا.

الرابع : اعتبار القيمة يوم دفعها اليه ، والمصنف هنا ، والعلامة في القواعد وابن إدريس أوجبوا القيمة يوم سقوطه حيا ، لأنه وقت الحيلولة.

الخامس : جواز حجر السيد على الولد حتى يقبض قيمته ، لقوله عليه السلام فيها : «حتى يؤديه ويأخذ ولده» ، وهو جيد على القول بانعقاده رقا ، ويشكل على القول بانعقاده حرا.

السادس : وجوب السعي على الأب مع إعساره ، وحمل بعضهم الأمر بالسعي على سبيل الاستحباب لا الوجوب.

السابع : مع تعذر الفك من جهة الأب ، قال الشيخ : يفكهم الامام من سهم الرقاب ، وتبعه ابن حمزة ، وليس في الرواية ما يدل على ان الفك من جهة سهم

ص: 98


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 5.

الرقاب ، وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب ان الامام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، لأن ذلك السهم مخصوص بالعبيد والمكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين ، بل هم أحرار في الأصل انعقدوا كذلك ما مسهم رق ، وقد وصفه انه ولد ، فكيف يشتري الحر من سهم الرقاب؟ وانما أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأن من حقهم ان يكونوا رقا لمولى الأمة ، فلما حال الأب بينه وبينهم بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء ، وهو وقت الحيلولة.

والعلامة في المختلف جوز دفعه من بيت المال لا على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الجواز ، لأنه لمصالح المسلمين. وانما حصل الخلاف في بعض الأحكام لما تتضمنه (1) الرواية ، لأنها ضعيفة السند ، لأن سماعة واقفي ، فلهذا رجع بعضهم فيما خالفت فيه الأصل الى الأصل وترك العمل بها.

الثامن : لو تعذر فكه ، قال ابن حمزة : بقي الولد رقا حتى يبلغ ويسعى في فكاك رقبته ، وهو بناء على مذهبه من انعقاده رقا ، وقال أبو العباس : يبقى في يد السيد مع انه اختار ان الولد حر في الأصل وان وجوب القيمة على أبيه من باب الإتلاف ، وفي الجمع بين انعقاده حرا وبين إبقائه في يد السيد مع تعذر الفك إشكال ، لأنه يكون (2) معاقبا بجناية غيره ، بل يكون القيمة متعلقة بذمة الأب تؤخذ منه مع يساره وينظر مع إعساره ، ويحاص الغرماء بعد موته ، وبالجملة حكمها كالدين ، ويجوز ان يدفع من سهم الغارمين.

ج - في حكم الرجوع بالمهر وقيمة الولد على من دلسها فان كانت هي دلست نفسها بدعواها الحرية رجع عليها بعد العتق ، ولو تزوجها على ظاهر الحال من غير دعواها للحرية فلا رجوع على احد لعدم الغرور ، والتفريط حصل

ص: 99


1- «م» و «ن» و «ر 1» : تضمنته.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : يصير.

من طرفه بتركه للسؤال ، وكذا لو تزوجها على سماعه لشهادة (1) شاهدين بالحرية من غير ان يحكم الحاكم بشهادتهما ، ولو كان المدلس هو السيد فان تلفظ بما تقتضي الحرية حكم عليها (2) بها ، ويثبت العقد وكان المهر لها عملا بظاهر إقراره ، وان لم يتلفظ بما يوجب الحرية لم تعتق وسقط عن الزوج قيمة الولد والمهر إلا أقل ما يصلح ان يكون مهرا ، قاله الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد.

ولو كان المدلس أجنبيا رجع عليه بالجميع ، ولو تزوجها بشهادة شاهدين ، وحكم الحاكم بشهادتهما (ثمَّ) (3) ظهرت الرقية فإن كان برجوعهما عن الشهادة لم تقبل ذلك في حق الزوج ولا الزوجة وغرما للسيد قيمة الجارية وقيمة الولد والمهر واستمر النكاح ، وان كان بتزويرهما حكم بفساد النكاح وردت رقا وغرم الزوج المهر وقيمة الولد ، ويرجع به عليهما ، لأنهما سبب الغرور.

قال رحمه اللّه : إذا زوج المولى عبده أمته هل يجب ان يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل : نعم ، والاستحباب أشبه.

أقول : بالوجوب قال الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح وابن البراج ، لما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام «عن المملوك يكون لمولاه أو مولاته امة يريد ان يجمع بينهما ، أينكحه نكاحا ، أو يجزيه ان يقول : أنكحتك فلانة ويعطي من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال : نعم ولو مد ، وقد رأيته يعطي الدراهم» (4) ومثله ما

ص: 100


1- «م» و «ن» «ر 1» : شهادة.
2- «م» و «ن» «ر 1» : عليه.
3- من «م» و «ن» و «ر 1».
4- التهذيب 7 : 346 ، حديث 47. ورواه في الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 3.

رواه الصدوق محمد بن بابويه في كتابه في الصحيح ، عن العلاء ، عن محمد ابن مسلم ، عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه ان يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها شيئا من قبله أو من مولاه ولو مد من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (1) وبعدم الوجوب قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن مهر الأمة للمولى ، وهو لا يستحق في ذمة نفسه شيئا ولا يثبت له في ذمة عبده مال ، وحملوا الروايات (2) الواردة بالدفع على الاستحباب جبرا لخاطر الأمة ورفعا لمنزلة العبد عندها وجبرا له أيضا.

تنبيه : صيغة العقد هنا على ما تضمنته الرواية ان يقول : (أنكحتك فلانا) أو (أنكحتك فلانة) من غير افتقار الى قبول من العبد ولا السيد ، لقوله في الرواية : «وانه يجزيه ان يقول : أنكحتك فلانة» ولم يذكر القبول ، فلو كان القبول شرطا كان ما جعله مجزيا غير مجز ، فظهر ان القبول غير شرط حيث اجتزأ بدونه.

قال العلامة في القواعد : ولو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ، ينشأ من انه عقد أو إباحة ، (فعند من يقول) (3) : انه عقد - كما هو المشهور بين الأصحاب - افتقر الى قبول ، لأن كل عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول ، وان قيل : انه اباحة - كمذهب ابن إدريس - لم يفتقر الى قبول ، وجزم في التحرير والمختلف انه عقد ، ومنع من كونه اباحة.

وأجاب في المختلف عن حجة ابن إدريس : انه ليس عقدا ، لأنه لا يفتقر الى القبول ، ولو كان عقدا لافتقر إليه بأن القبول انما يشترط في حق من يملكه ،

ص: 101


1- الفقيه 3 : 284 ، حديث 1 ، ورواه في الوسائل ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1 (باختلاف يسير فيهما).
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
3- «ر 1» : فإنه ان قيل.

والعبد هنا لا يملك القبول ، سواء قلنا انه عقد أو إباحة ، لأن النكاح مبني على الاحتياط التام ، ومع احتمال اشتراط القبول وعدمه إذا اتى بالقبول صح النكاح قطعا ، وإذا لم يأت به كان مشكوكا فيه ، فالاحتياط يقتضي القول بوجوب القبول ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : لو تزوج أمة بين شريكين ، ثمَّ اشترى حصة أحدهما بطل العقد وحرم عليه وطؤها ، ولو امضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح ، وقيل : يجوز له وطؤها بذلك ، وهو ضعيف ، ولو حللها له ، قيل : تحل ، وهو المروي ، وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض.

أقول : إذا ملك بعض زوجته بطل عقده عليها ، لأنه لا يستقر عقد إنسان على ملكه ، ويحرم عليه وطؤها لعدم اختصاصه بملكها ، وهل هناك طريق إلى إباحتها (سوى اشترى) (1) الباقي؟ قيل : لا ، لأن سبب الإباحة لا يتعدد ولا يتبعض ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية : إذا أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع جاز وطؤها. واستضعفه المصنف ، لأن العقد الأول قد بطل بالشراء فلا يصير صحيحا بالإجازة ، وعقد البيع أوقعه الشريك ، فلا يفتقر إلى إجازة ، فقول النهاية لا وجه له.

وقال ابن إدريس : الأولى ان يقال : أو يرضى مالك بضعها (2) ، بأن يبيحه وطي ما يملكه فيها ، ويطأها بالملكية والإباحة دون العقد ، لأن الفرج لا يتبعض ، فيكون بعضه بالملك وبعضه بالعقد. هذا مذهب ابن إدريس : ويعضده رواية محمد

ص: 102


1- كذا في «م» و «ن» وفي الأصل كلمة غير مقروءة ، وفي «ر 1» : سواء سرى.
2- «م» و «ر 1» : نصفها.

بن مسلم (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام.

وفيه اشكال لتعدد الأسباب فلا طريق إلى إباحة وطئها بدون شراء للباقي.

قال رحمه اللّه : وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد (2) ، فإن هايأها على الزمان ، قيل : يجوز ان يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها ، وهو مروي ، وفيه تردد لما ذكرناه من العلة.

أقول : قوله : (وكذا) عطف على المنع من وطي من ملك بعضها ، فاذا كان البعض الآخر حرا فهاياها مولاها على الزمان ، قال في النهاية : يجوز نكاحها متعة في أيامها ، اعتمادا على رواية محمد بن مسلم (3) ، عن الباقر عليه السلام ، ولأنها في أيامها كالحرة.

ومنع المصنف والعلامة ، لأن الفرج لا يتبعض ، اما جواز متعتها لغيره بإذنه فهو جائز.

قال رحمه اللّه : فإذا أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها سواء كانت تحت حر أو عبد ، ومن الأصحاب من فرق ، وهو الأشبه ، والخيار على الفور.

أقول : لا خلاف في ثبوت الخيار لها إذا كان زوجها عبدا ، واختلفوا في ثبوت الخيار لها إذا كان زوجها حرا ، فالشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس لم يفرقوا بين الحر والعبد ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

واختار الشيخ في المبسوط والخلاف عدم ثبوته إذا كانت تحت حر ،

ص: 103


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 41 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1. رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن مسلم.
2- في الشرائع المطبوع : بالعقد الدائم.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 41 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1. رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن مسلم.

واختاره المصنف هنا ، وأصل الخلاف ينشأ من اختلاف الرواية (1) في واقعة بريرة ، ففي بعضها : ان زوجها كان حرا ، وفي بعضها : انه كان عبدا ، وذلك ان عائشة اشترت بريرة ، وهي تحت زوج وأعتقتها ، فخيرها رسول اللّه.

وقد ورد في بعض (2) روايات أصحابنا : ان زوجها كان حرا ، وكذا ورد من طريق العامة (3) ، وروى ابن عباس : «ان زوج بريرة كان عبدا أسود اسمه مغيث ، كأني انظر اليه يطوف خلفها وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للعباس : يا عباس الا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟! فقال لها صلى اللّه عليه وآله : لو راجعته فإنه أبو ولدك ، فقالت : يا رسول اللّه أتأمرني؟ فقال : إنما اشفع ، فقالت : لا حاجة لي فيه» (4).

احتج الشيخ على الفرق باختصاص النص بالعبد فيختص بالحكم دون الحر ، لأن العقد قد ثبت ، والخيار يحتاج الى دليل.

واحتج المثبتون بأن المقتضي للخيار في العبد موجود في الحر ، وهو ملكها نفسها لقوله عليه السلام لبريرة : «ملكتي بضعك ، فاختاري» (5) ولهم عليه روايات (6) والخيار انما هو على الفور.

ص: 104


1- لاحظ باب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
2- لم نعثر عليها ، بل يوجد روايات مطلقة مثل (كان لها زوج) أو (كانت تحت زوج لها) ولا يوجد فيها وصف الزوج بأنه حر أو عبد.
3- سنن البيهقي : 7 : 223.
4- مستدرك الوسائل 15 : 32 ، حديث 3.
5- هذا النص غير موجود بعينه. ومضمونه في الوسائل ، ب 52 نكاح العبيد ، ح 6 و 9.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 52 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 11 وغيره.

فروع :

الأول : لو أخرت الفسخ لجهالة العتق لم يسقط خيارها لاستحالة تكليف الغافل.

الثاني : لو أخرته لجهالة ثبوت الخيار احتمل السقوط ، لأن جاهل الحكم لا يعذر ، ويحتمل عدم السقوط ، لأنه حكم خفي لا يجب معرفته على الأعيان وكان جاهله معذورا والا لزم الحرج ، وانما الحكم الذي لا يعذر جاهله الذي يجب معرفته على الأعيان ، ودقائق الفقه معرفتها واجبة على الكفاية دون الأعيان ، فيكون الجاهل بها معذورا حتى يعلم بها باجتهاد أو تقليد لأهله.

الثالث : لو علمت بالعتق والخيار وأخرته لجهلها بالفورية ، احتمل مساواته لجهل أصل الخيار لاتحاد طريق المسألتين ، لأن العلة فيهما واحدة ، وهي جهل الحكم فان عذرت هناك عذرت هنا والا فلا.

ويحتمل الفرق بين جهل أصل الخيار وجهل الفورية ، والحكم بالعذر في الأول دون الثاني ، لأنها إذا لم تعلم بأصل الخيار كان التأخير لغير الإهمال والتقصير فلا يظهر منها امارة (1) الرضا ، بخلاف ما إذا علمت بثبوت الخيار لها ثمَّ أخرته ، فإن التأخير هنا أمارة دالة على الرضا وان جهلت الفورية.

الرابع : لو أعتقت في العدة الرجعية كان لها خيار الفسخ فيمتنع الرجعة حينئذ ، وتكمل عدة الحرة ، ولو اختارت البقاء على النكاح لم يصح ، لأنها جارية إلى بينونة ، ولا يسقط خيارها لو راجعها في العدة فتعتد عدة اخرى من حين الفسخ.

الخامس : لو أعتقت الصبية أو المجنونة كان لهما الخيار عند زوال العذر.

قال رحمه اللّه : ويجوز ان يجعل عتق الأمة صداقها ويثبت عقده عليها

ص: 105


1- «ن» زيادة : دالة على.

بشرط تقديم لفظ العقد على العتق ، بأن يقول : تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك صداقك ، لأنه لو سبق العتق كان لها الخيار في القبول والامتناع ، وقيل : لا يشترط ، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة ، وهو حسن ، وقيل : يشترط تقديم العتق ، لأن بضع الأمة يباح لمالكها فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك ، والأول أشبه (1).

أقول : الأصل في هذه المسألة واقعة صفية بنت حي بن اخطب من ولد هارون بن عمران عليهما السلام ، اصطفاها النبي صلى اللّه عليه وآله من الغنيمة يوم فتح خيبر ، وأعتقها وتزوجها ، جعل عتقها صداقها بعد ان حاضت حيضة» (2) وأجمعت الإمامية (أصحابنا) (3) على انها من السنن المباحة المشروعة لجميع الأمة ، فإنه يجوز لكل واحد من أمة محمد صلى اللّه عليه وآله ان يعتق أمته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها ، وأكثر الجمهور جعلوا ذلك من خصائص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.

فاذا ثبت ذلك ، فهل يشترط تقديم النكاح أو تقديم العتق أو لا يشترط أحدهما؟ حكى المصنف ثلاثة أقوال ، وقد أشار الى وجوهها (4) بما فيه كفاية.

أ - قول الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف.

ب - قول أبي الصلاح ، واختاره العلامة في المختلف وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

ج - قول الشيخ في الخلاف.

تنبيه : هل يشترط في هذا العقد القبول؟ أطلق جميع الأصحاب صحة هذا

ص: 106


1- في الشرائع المطبوع : أشهر.
2- البحار : 21 : 34.
3- ليس في «م» و «ن» و «ر 1».
4- «ن» : أجودها.

العقد ولم يذكروا فيه القبول تبعا لواقعة صفية المتقدم ذكرها ولم ينقل اعتبار قبولها ، ولأن (سبب حريتها تزويج السيد بها فلو اعتبرنا قبولها لزوم الدور لأن اعتبار قبولها) (1) سبب حريتها ، وحريتها متوقفة على التزويج ، فلو توقف التزويج على القبول لزم الدور فلا يفتقر الى القبول.

واستشكل العلامة في قواعده اشتراط قبولها من انه عقد نكاح (2) ، فاشترط فيه القبول كغيره من عقود النكاح ، والأول هو المعتمد ، لأن هذا العقد مخالف للأصل وانما صير إليه لأجل النص ، فيجب المتابعة على ما ورد فيه النقل.

قال رحمه اللّه : وأم الولد لا تنعتق الا بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها ، ولو عجز النصيب سعت في المتخلف ، ولا يلزم على ولدها السعي فيه ، وقيل : يلزم ، والأول أشبه.

أقول : إلزام ولدها بالسعي في المتخلف مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن حمزة لرواية يونس بن يعقوب (3) ، ووجوب السعي عليها مذهب ابن إدريس والمفيد ، واختاره المصنف والعلامة لأصالة براءة ذمة الولد من وجوب السعي عليه.

قال رحمه اللّه : ويجوز بيعها (مع وجود ولدها)(4) في ثمن رقبتها.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب البيع ، وقد ذكرنا جواز بيعها في اثني عشر موضعا.

قال رحمه اللّه : لو كان ثمنها دينا فتزوجها المالك وجعل عتقها مهرها ثمَّ

ص: 107


1- ليس في «ر 1».
2- في الأصل : النكاح.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 15 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 2. راجع الحدائق 24 : 269.
4- (*) من الشرائع المطبوع.

أولدها وأفلس بثمنها ومات بيعت في الدين ، وهل يعود ولدها رقا؟ قيل : نعم لرواية هشام بن سالم ، والأشبه انه لا يبطل العتق ولا النكاح ولا يرجع الولد رقا لتحقق الحرية فيهما.

أقول : روى الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، «قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام وانا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها وجعل مهرها عتقها ، ثمَّ مات بعد ذلك بشهر؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ان كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عنده ما يحيط بقضاء ما عليه من ثمن (1) رقبتها كان عتقه ونكاحه جائزان ، وان لم يكن يملك ما يحيط بقضاء ما عليه من ثمن رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلان ، لأنه عتق ما لا يملك ، وأرى أنها لمولاها الأول ، قيل له : فان كانت قد علقت من الذي أعتقها وتزوجها ، ما حال الذي في بطنها؟ قال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها» (2) وبمضمون هذه الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، وابن البراج وابن الجنيد.

وقال ابن إدريس : لا يبطل العتق ولا النكاح ، لأنهما صادفا ملكا صحيحا ، والولد قد انعقد حرا فلا سبيل الى بطلان ذلك. واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن هذه الرواية قد خالفت أصلين قطعيين مجمع على عدم جواز مخالفتهما : الأول : اقتضت بطلان العتق بعد وقوعه صحيحا لصدوره من مالك بالغ عاقل جائز التصرف ، مع ان العتق إذا وقع صحيحا لم يجز إبطاله قطعا. الثاني : انها اقتضت استرقاق مولود بين حرين ، وهو مجمع على بطلانه ، فلا يرجع عن الأصول القطعية إلا بأدلة قطعية مثلها ، ولم

ص: 108


1- «م» و «ن» و «ر 1» : الدين في.
2- التهذيب 8 : 213 ، حديث 762 ، ورواه في الوسائل ، كتاب العتق ، باب 25 ، حديث 1.

يحصل.

وأوّل أصحابنا الرواية بتأويلات لا يخلو أحدها من ضعف ، فلا فائدة في إيرادها ، بل اما ان يرجع الى صورة النص من غير تأويل ، كمذهب الشيخ ومن تابعه ، أو الى الأصول المسلمة كمذهب ابن إدريس ومن تابعه من غير توسط تأويل.

قال رحمه اللّه : وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة ، ولو كان تحته حرة فبيع كان للمشتري الخيار على رواية فيها ضعف.

أقول : إذا بيعت الأمة المزوجة كان لمشتريها الخيار وان كانت تحت حر ، ولو بيع العبد المزوج كان لمشتريه الخيار إذا كانت زوجته أمة ، ولو كانت حرة هل يكون له خيار؟ قال الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة : نعم ، واختاره العلامة وأبو العباس لرواية محمد بن علي (1) ، عن أبي الحسن عليهم السلام ، ومنع ابن إدريس لأصالة بقاء العقد.

فرع : لو كان المشتري جماعة ، فاختار بعضهم الفسخ وبعضهم الإمضاء قدم اختيار الفاسخ.

قال رحمه اللّه : لو باعها بعد الدخول كان المهر للأول ، سواء أجاز الثاني أو فسخ ، لاستقراره في ملك الأول ، وفيه أقوال مختلفة ، والمحصل ما ذكرناه.

أقول : اختيار المصنف هو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في المبسوط : ان كان الأول قبض المهر فهو له ، فان كان بعد الدخول استقر ، وان كان قبله رد نصفه وان كان لم يقبضه فلا مهر لها لا للأول ولا للثاني ، فإن اختار المشتري الإمضاء ولم يكن قبض الأول المهر كان للثاني ، لأنه

ص: 109


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 4.

تجدد في ملكه ، فان دخل بها بعد الشراء استقر الكل ، وان طلقها قبل الدخول كان عليه نصف المهر للثاني ، وان كان الأول قد قبض المهر ورضي الثاني بالعقد لم يكن له شي ء ، فان باعها قبل الدخول فرضي المشتري بالعقد ودخل بها الزوج بعد البيع كان نصف المهر للسيد الأول ونصفه للثاني ، وان كان قد قبض الأول بعض المهر ثمَّ باعها لم يكن له المطالبة بباقي المهر سواء دخل بها أو لم يدخل ، لأنه حال بينه وبين الاستمتاع بها ، فان كان الثاني رضي بالعقد كان له المطالبة بباقي المهر (سواء دخل بها أو لم يدخل) (1) وان لم يرض لم يكن له ذلك.

ومستنده في ذلك رواية سعدان بن مسلم (2) ، عن ابي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام.

قال رحمه اللّه : لو زوج عبده بحرة ثمَّ باعه قبل الدخول ، قيل : كان للمشتري الفسخ ، وعلى المولى نصف المهر ، ومن الأصحاب من أنكر الأمرين.

أقول : المنكر ابن إدريس فإنه أنكر ثبوت الفسخ لمشتري العبد إذا كان تحته حرة ، وقد سبق البحث في ذلك ، وعلى تقدير الفسخ أنكر تنصيف المهر ، وأوجب الجميع على السيد ، لأنه يجب الجميع بالعقد ، وانما تنصف بالطلاق ولم يحصل فلا يسقط منه شي ء لأصالة بقاء حق المسلم ما لم يعلم سقوطه ، وهو لا يعلم بغير الطلاق.

ووجوب النصف خاصة مذهب الشيخ رحمه اللّه وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، لأن البيع سبب التفريق فاذا انضم اليه فسخ المشتري كمل السبب فيسقط نصف المهر كالطلاق ، ولرواية علي بن

ص: 110


1- ليس في «م» و «ن» و «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 87 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

حمزة (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، الدالة على المطلوب.

قال رحمه اللّه : لو باع أمته وادعى ان حملها منه ، وأنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع ويقبل في التحاق الولد ، لأنه إقرار لا يتضرر به الغير ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه إقرار لا يتضرر به المشتري ، لأنه لا يخرج عن ملكه بنفس الإقرار ، بل هو وأمه باقيان على ملك المشتري وان التحق نسبه بالمقر ، ومن احتمال تطرق الضرر الى مالكه كما لو مات أبوه من غير وارث سواه ، فإنه يشتري قهرا على مالكه ، وهو عليه ضرر ، وكل إقرار يتضرر به الغير فهو غير مقبول.

قال رحمه اللّه : ولو زوجه أمته كان عقدا صحيحا لا اباحة ، وكان الطلاق بيد المولى وله ان يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق ، مثل أن يقول : فسخت عقدكما ، أو يأمر أحدهما باعتزال صاحبه ، وهل يكون هذا اللفظ طلاقا؟ قيل : نعم حتى لو كرره مرتين وبينهما رجعة حرمت حتى تنكح غيره ، وقيل : يكون فسخا ، وهو أشبه.

أقول : إذا فرق بينهما بلفظ الطلاق كان طلاقا على القول بأن تزويج العبد بأمة مولاه عقد ، وحينئذ تفتقر الى شروط الطلاق ، وعلى القول بأنه اباحة - كمذهب ابن إدريس - لا يكون طلاقا وان فرق بينهما بالطلاق ، اما إذا فرق بينهما بغير لفظ الطلاق ، كقوله : (فسخت عقدكما) أو بأمر أحدهما باعتزال صاحبه ، فقد قيل : انه يكون طلاقا ، لأنه قائم مقام الطلاق في الفرقة وحكم احد المساويين حكم الآخر ، ولأن الفسخ انما يكون بواسطة عقد أو بيع أو عتق أو رده ، وليس هذا منها ، فيكون هذا اللفظ طلاقا.

ص: 111


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 78 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

وقيل : انه فسخ لامتناع وقوع الطلاق بالكناية بإجماع الإمامية ، ولو قلنا : انه طلاق لوقع الطلاق بالكناية ، وهو خلاف إجماع الإمامية ، فلا يكون طلاقا ولا يفتقر إلى شرائط الطلاق ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وهو المعتمد.

فرعان :

الأول : لو استقل العبد بالطلاق من غير اذن السيد ، هل تقع أم لا؟ (اختاره العلامة) (1) على اشكال ، ووجه الاشكال عموم قوله عليه السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2) غاية ما في الباب انه منهي عنه بغير اذن السيد هنا ، والنهي هنا لا يدل على الفساد.

ومن ان الطلاق بيد السيد هنا لما رواه ليث المرادي «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العبد يجوز طلاقه؟ قال : ان كانت أمتك فلا ان اللّه تعالى يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ) (3) وان كانت امة غيرك أو حرة جاز طلاقه» (4) وهذا نص على عدم صحة طلاقه ، ولأن الطلاق هنا بيد المولى ، والطلاق لا يجوز ان يكون بيد العبد (5) ، فلو جوزنا طلاق العبد هنا بغير اذن سيده لكان الطلاق بيد العبد (6) بالأصالة وهو غير جائز فلا يصح طلاق العبد بغير اذن السيد هنا ، وهو المعتمد.

الثاني : لو امره المولى بالطلاق ، هل يكون نفس الأمر فسخا؟ يحتمل

ص: 112


1- «م» و «ن» و «ر 1» : اختار العلامة وقوعه.
2- سنن البيهقي 7 : 360.
3- النمل : 75.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 43 من أبواب مقدماته وشرائطه ، حديث 2.
5- «م» و «ن» و «ر 1» : اثنين.
6- «م» و «ن» و «ر 1» : اثنين.

ذلك ، لأن الأمر بالاعتزال يتضمن الاعتزال ، وهو معنى الفسخ ، ولأن عصمة نكاح العبد أمة مولاه ضعيفة يكفي في زوالها ادنى امارة ، وقد وجدت فيوجد الفسخ.

ويحتمل العدم ، لأن الأمر بالطلاق يتوقف على بقاء الزوجية إلى حين إيقاعه ، فلو دل على فسخ العقد بنفس الأمر بالطلاق لتنافي مدلولا (1) اللفظ ، ولأن أمر العبد بالطلاق يدل على إيراده (2) إيقاع الطلاق بفعل العبد فيتوقف على فعله فلا يحصل قبله ، وهو المعتمد.

ص: 113


1- «م» و «ن» و «ر 1» : مدلول.
2- «ن» : إرادة.

ص: 114

في ملك المنفعة

اشارة

قال رحمه اللّه : اما الصيغة فان يقول : أحللت لك وطأها أو جعلتك في حل من وطئها ، ولا يستباح بلفظ العارية ، وهل يستباح بلفظ الإباحة؟ فيه خلاف ، أظهره الجواز.

أقول : الاقتصار على لفظ التحليل مذهب الشيخ وابن حمزة (1) ، واختاره فخر الدين لأصالة التحريم ما لم يحصل السبب المبيح بنص الشارع ، وهو لم يحصل بغير التحليل فيبقي الباقي على أصالة التحريم ، وسوغه ابن إدريس بلفظ الإباحة ، واختاره العلامة لمشاركة التحليل الإباحة في المعنى فيشتركان في الحكم ، وهو ظاهر المصنف.

فروع :

الأول : لو كانت مشتركة ووكل أحدهما الآخر في العقد أو يؤكلان ثالثا فلو باشرا فقال كل منهما : (أحللت لك وطأها) صح إذا أوقعاه دفعة ، وان كان على التعاقب لم يصح ، ولو قال كل منهما : (أحللت لك حصتي) هل يصح أم لا؟

ص: 115


1- «م» و «ن» و «ر 1» : زهرة.

يحتمل الصحة ، لأن إباحة كل منهما انما هو لحصته وقد ثبت انهما إذا باشرا دفعة بأن قال كل منهما : (أحللت لك وطي هذه الجارية) صح لدلالة اللفظ على حصته ضمنا ، وإذا دل اللفظ على الحصة بالمطابقة كان اولى.

ويحتمل العدم ، لأن منفعة البضع واحدة فلا يصح إفراد حصة كل واحد منهما بالإباحة ، وهذا هو المعتمد ، وكما لا يصح إفرادها بالإباحة لا يصح افرادها بالعقد ، ولا يجوز لأحد الشريكين الاستمتاع بما يحرم على الأجنبي.

الثاني : هل يفتقر هذا العقد الى تعيين مدة؟ نص الشيخ في المبسوط على افتقاره إلى مدة ، قال : لأنه يجري مجرى إسكان الدار وأعمارها ، (ولأن حل) (1) ذلك يحتاج إلى مدة (2) ، وظاهر ابن إدريس عدم احتياجه إلى المدة ، وهو اختيار العلامة ، لأنه نوع تمليك خال عن المعاوضة فأشبه العارية ، وهذا هو المعتمد ، فحينئذ يباح الوطي حتى يحصل النهي عنه ، ولو قرنه بمدة جاز الرجوع قبل انقضائها.

الثالث : هل يفتقر هذا العقد الى قبول مقارن للإيجاب؟ أطلق أكثر الأصحاب ذلك ولم يذكروا القبول ، وقال فخر الدين : قال ابن إدريس : انه ملك منفعة ، ونقل عن المرتضى انه عقد ، ثمَّ قال : تذنيب يلزم من ذلك ذنبك (3) اشتراط القبول عندي (4). هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، واختاره أبو العباس في المهذب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل هو عقد أو تمليك منفعة فيه خلاف بين الأصحاب ، منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك ، ولعل الأقرب هو الأخير.

ص: 116


1- «م» و «ن» و «ر 1» : ولأجل.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : بزيادة معلومة.
3- كذا في الأصل و «م» ، أما في «ن» و «ر 1» لا توجد : ذنبك.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : وهو الأقوى عندي.

أقول : نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى في الانتصار ان تحليل السيد جاريته لغيره عقد متعة ، والتحليل والإباحة عبارة عنه ، لأن إباحة الفروج منحصرة في العقد والملك (لا لغيرهما) (1) ، وملك الرقبة هنا منتف فما بقي غير العقد ، ولا يجوز ان يكون عقدا دائما ، لأن رفعه لا يتوقف على اختيار الزوج الرجوع ، فيكون عقد متعة.

ونقل عن الشيخين وغيرهما من المشيخة انه تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، كسكنى الدار وأعمارها ، ثمَّ اختار مذهب الشيخين ، وهو اختيار المصنف والعلامة.

ويتفرع على قول السيد تعيين الأجل واذن الحرة ان كانت عنده ، وكذلك إذن العمة والخالة إن كانتا عنده ، وعلى قول ابن إدريس لا يفتقر إلى شي ء من ذلك ، وعلى قول ابن إدريس للسيد النظر إليها ولمسها وتقبيلها بشهوة وغير شهوة ، وليس له ذلك على قول المرتضى.

قال رحمه اللّه : وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان أحدهما المنع ، ويؤيدها انه نوع من تمليك والعبد بعيد عن التملك ، والأخرى الجواز إذا عين له الموطوءة ، ويؤيدها انه نوع من اباحة وللمملوك أهلية الإباحة ، والأخير أشبه.

أقول : المنع مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرحه لرواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام «انه سئل عن المملوك أيحل له ان يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له» (2) ولأنه نوع تمليك والعبد لا يملك شيئا ، والجواز مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والإرشاد لعموم قوله تعالى :

ص: 117


1- «م» و «ن» و «ر 1» : لغيرهما.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 2.

( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (1) وعموم قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (2) ولأنه نوع اباحة ، والعبد أهل لها.

والمراد بقولهم : (نوع إباحة) أي في الحكم ، لأن للمالك رفع يده في كل حين ، وعند (3) استيفاء المنفعة يحصل الملك (4) كالعارية ، لأن الناس فريقان قائل بأنه عقد ، وقائل بأنه تمليك منفعة ، ولا قائل بأنه اباحة ، فثبت ان المراد بقولهم : (انه نوع اباحة) ما قلناه.

فرع : لو أحل أمته لمملوك غيره فان قلنا : انه عقد أفتقر إلى اذن السيد قبله أو إجازته بعده ، وان قلنا : انه تمليك لم يجز ، لأن العبد لا يملك شيئا.

قال رحمه اللّه : ولو ملك بعضها فأحلته نفسها لم تحل ، ولو كانت مشتركة فأحله الشريك ، قيل : تحل والفرق انه ليس للمرأة ان تحل نفسها.

أقول : القائل بالحل مع تحليل الشريك هو الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، ويحتمل العدم لعدم جواز تبعيض سبب الإباحة.

والتحقيق انه ان جعلناه عقدا كمذهب السيد فالتبعيض هنا حاصل فلا يجوز ، وان جعلناه تمليكا كمذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة كان الجواز قويا ، لان الملك له أسباب كالشراء والإرث والاتهاب والإجارة والعارية ، ومن جملتها التحليل هنا ، لأنه سبب تمليك (5) منفعة البضع فيصير الجميع مملوكا له فلا تبعيض ، لأن تبعيض الملك غير مانع.

ويحتمل المنع ، لأنه ملك البعض تبعا للرقبة ، والبعض الآخر مجرد عن

ص: 118


1- النساء : 25.
2- النور : 32.
3- «ن» : وعنده.
4- «ن» : للمالك.
5- «ر 1» : تمليكه.

الرقبة فهو كالتزويج والتبعيض حاصل فيقوى المنع.

قال رحمه اللّه : ولد المحللة حر ، ثمَّ ان شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ولا سبيل على الأب وان لم يشترط قيل : يجب على أبيه فكه بالقيمة ، وقيل : لا يجب ، وهو أصح الروايتين.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية أن ولد المحللة مع عدم اشتراط الحرية لمولاها ، وعلى أبيه ان يشتريه بماله ان كان له مال ، والا استسعى في ثمنه لرواية ضريس بن عبد الملك «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال : هو حلال ، فان جاءت بولد منه فهو لمولى الجارية الا ان يكون اشترط على مولى الجارية حين أحلها إن جاءت بولد فهو حر» (1) ومثلها رواية حسين العطار (2) ، عنه عليه السلام.

وقال ابن إدريس : الولد يكون حرا وليس على أبيه شي ء ، لأن الولد يلحق بأشرف الطرفين ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن مبنى الحرية على التغليب ، ولهذا لو أعتق جزءا من مائة جزء سرى العتق الى الجميع ، ولما رواه زرارة في الحسن «قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فان جاءت بولد؟ قال : يضم اليه ولده ويرد الجارية على صاحبها ، قلت له : انه لم يأذن في ذلك؟ قال : قد اذن له وهو لا يأمن ان يكون ذلك» (3) وفي معناها رواية إسحاق بن عمار (4).

ص: 119


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 2.
3- التهذيب 7 : 247 ، حديث 1073 ، ورواه في الوسائل ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 7.

ص: 120

في العيوب

قال رحمه اللّه : عيوب الرجل ثلاثة : الجنون والخصاء والعنن فالجنون سبب لتسليط الزوجة على الفسخ دائما كان أو أدوارا ، وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطي أو بعد العقد والوطي وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة وهو في موضع التردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في عدد عيوب الرجل ، والمشهور أربعة بإضافة الجب الى ما عده المصنف هنا ، وجزم به في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وتردد في الجب هنا لأصالة التمسك بمقتضى العقد حتى يتحقق السبب المبيح للفسخ ، ومن تحقق العجز عن الوطي ، وزاد ابن البراج في المهذب البرص والجذام والعمى ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واستحسنه العلامة في المختلف ، لأن هذه الثلاثة عيوب في المرأة إجماعا ، ففي الرجل أولى ، لأن الرجل له مندوحة التخلص بالطلاق ، وقد (1) جعل الشارع له الفسخ دفعا للضرورة فيكون ثبوت الفسخ لمن ليس له مندوحة التخلص بدونه

ص: 121


1- «م» و «ن» و «ر 1» : فقد.

اولى.

احتج المانعون بأصالة بقاء العقد.

ب - في الجنون المتجدد بعد العقد أو بعده وبعد الوطي ، فالمصنف والعلامة أثبتا الفسخ فيه وان كان أدوارا ، واختاره أبو العباس لعموم النص ، روى علي بن أبي حمزة «قال سئل أبو إبراهيم عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون؟ قال : لها تنزع نفسها منه إذا شاءت» (1) ولما فيه من الضرر المنفي.

واشترط الشيخان والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ان لا يعقل أوقات الصلاة ، ومعنى قولهم : (لا يعقل أوقات الصلاة) أي لا يميز بينها وبين غيرها من الأوقات.

قال رحمه اللّه : والخصاء : وهو سل الأنثيين وفي معناه الوجاء ، وانما يفسخ به مع سبقه على العقد ، وقيل : وان تجدد [بعد العقد] ، وليس بمعتمد.

أقول : للشيخ قول بثبوت الفسخ بالمتجدد بعد العقد ، وهو قول ابن البراج ، لأن به انقطاع النسل وهو ضرر عظيم ، والمشهور عدمه لأصالة بقاء اللزوم.

قال رحمه اللّه : فلو وطأها ولو مرة ثمَّ عن أو امكنه وطئ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولهم عليه روايات (2) مع التمسك بأصالة بقاء اللزوم ، والمفيد لم يفرق بين العنة الحادثة بعد الدخول وقبله لما في ذلك من الضرر بفوات فائدة النكاح ، وتوقف العلامة في المختلف ، اما العنن المتجدد بعد العقد وقبل الدخول فالخيار ثابت فيه.

ص: 122


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب العيوب والتدليس.

قال رحمه اللّه : ولو حدث الجب لم يفسخ به ، وفيه قول آخر.

أقول : إذا تجدد الجب الموجب للفسخ بعد الوطي ، هل يثبت فيه الخيار؟ قال الشيخ في موضع من المبسوط : نعم ، وهو مذهب ابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وهو اختيار فخر الدين وأبو العباس لفوات الاستمتاع وهو ضرر عظيم.

وقال في موضع من المبسوط والخلاف : لا خيار لها ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، والعلّامة في الإرشاد لأصالة بقاء العقد.

قال رحمه اللّه : ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ وقيل : لها ذلك وهو تحكم مع إمكان الوطي.

أقول : قال [قوى] الشيخ في موضع من المبسوط بجواز [جواز] الفسخ إذا بان خنثى ، ونسبه المصنف الى التحكم وهو القول بغير دليل ، والمراد انه يلحق بالرجال مع إمكان الوطي من طرفه.

تنبيه : المتحقق من مذاهب الأصحاب في عيوب الرجل ان الجنون أو الجبب يبيحان الفسخ وان تجددت بعد الوطي ، وكذلك الجذام على القول بأنه عيب ، وهو ظاهر القواعد ، واما العنة فإنها تبيح الفسخ وان تجددت بعد العقد قبل الوطي ولا تبيحه بعده ، واما الخصي فإنه يبيحه إذا كان سابقا على العقد ولا يبيحه بعده.

قال رحمه اللّه : واما القرن فقد قيل هو العفل ، وقيل : عظم ينبت في الرحم ، يمنع الوطء والأول أشبه.

أقول : القرن بسكون الراء ، قال الشيخ في المبسوط : انه عظم ينبت في الفرج يمنع (الواطئ من الوطي) (1) وحكى في المبسوط أيضا انه لحم ينبت في

ص: 123


1- «م» و «ن» و «ر 1» : من الوطي.

فرج المرأة لعارض يعتريها عند الولادة يسمى العفل ، واختاره ابن الجنيد والمصنف ، لأن العظم لا ينبت في الفرج ، وقال فخر الدين : ان اعتبر الوضع اللفظي وهي مسألة من علم (1) التشريح ، والفقيه يسلمها ويبحث عن القدر المشترك ، وهو كل مانع من الوطي يثبت فيه الفسخ لفوات غاية النكاح والا فلا.

وعلى التقديرين إذا لم يمنع من الوطي فلا فسخ ، وان منع ثبت الفسخ الا ان يمكن ازالته ويغلب (2) ذلك فلا فسخ حينئذ.

ص: 124


1- «ر 1» بزيادة : اللغة ، وان اعتبرت الحقيقة فهي مسألة من علم التشريح.
2- «م» و «ن» : وفعلت.

في أحكام العيوب

قال رحمه اللّه : واما العرج ففيه تردد أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد ، وقيل : الرتق احد العيوب المسلطة على الفسخ ، وربما كان صوابا إذا منع من الوطي أصلا لفوات الاستمتاع.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب جواز الفسخ بالعرج والرتق ، وهو التحام الفرج ولم يفصّلوا ، وبعضهم أعرض عن ذكرهما أصلا ، وفصل المصنّف وهو إن بلغ العرج الى حد الإقعاد والرتق الى المنع من الوطي أصلا جاز الفسخ والّا فلا ، واختاره العلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ، وما يتجدد بعد العقد والوطي لا يفسخ به ، وفي المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض.

أقول : منشأ التردد من عموم الأخبار (1) الدالة على جواز الفسخ بهذه العيوب ، خرج منه إذا كان بعد العقد والوطي يبقى الباقي على العموم ، وهو مذهب

ص: 125


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب العيوب والتدليس.

الشيخ في المبسوط والخلاف.

ومن أصالة لزوم العقد بعد وقوعه صحيحا ، خرج ثبوت الفسخ بالعيب السابق على العقد ، يبقى الباقي على أصالة اللزوم ، وهو مذهب ابن إدريس (1) ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد. وابن البراج اثبت الفسخ بالجنون المستغرق إذا حدث بعد العقد وقبل الوطي.

قال رحمه اللّه : لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره أو نكوله ، ولو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : يقام في الماء البارد فان تقلص حكم بقوله وان بقي مسترخيا حكم لها ، وليس بشي ء.

أقول : هذا قول ابني بابويه وابن حمزة ، وأنكره ابن إدريس ، واختار عدم ثبوته بغير الإقرار ، والنكول (2) مع يمين الزوجة على الخلاف ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو ثبت العنن ثمَّ ادعى الوطي فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : ان ادعى الوطي قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء وان كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا فان ظهر على العضو صدق ، وهو شاذ.

أقول : إذا ثبت العنن بإقراره أو نكوله ويمينها ورفعت أمرها إلى الحاكم اجله سنه من حين الترافع لتمر به فصول السنة الأربعة ، فإن كان ذلك من رطوبة زال في زمان اليبس ، وان كان من حرارة زال في زمان البرد ، فان واقعها فيها أو واقع غيرها فلا خيار ، وان ادعى انه واقعها في مدة التربص فأنكرت كان القول قوله مع يمينه لعدم إمكان إقامة البينة على دعواه ، وهو مذهب ابن ابي عقيل والشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة ، والقول باعتبار النظر إليها ان كانت بكرا واعتبار الخلوق ان كانت ثيبا قول الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع

ص: 126


1- «م» و «ن» و «ر 1» بزيادة : وابن حمزة.
2- «ر 1» : أو النكول.

الفرقة واخبارهم.

قال رحمه اللّه : ويحكم عليه ان نكل وقيل : بل يرد اليمين عليها ، وهو مبني على القضاء بالنكول.

أقول : يأتي البحث في ذلك ان شاء اللّه تعالى.

ص: 127

ص: 128

في التدليس

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة على انها حرة فبانت امة (الى آخر البحث).

أقول : سبق البحث في هذه مستوفى في باب نكاح الإماء ، فليطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : إذا عقد على بنت رجل على انها بنت مهيرة فبانت بنت امة كان له الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط إلا مع إطلاق العقد.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ثبوت الفسخ من غير قيد الشرط ، لرواية محمد بن مسلم (1) ، عن الباقر عليه السلام ، وقيده المصنف بالشرط ، واختاره العلامة لأصالة صحة العقد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة ، وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدده بسبب خفي وكان له ان ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيب ويرجع فيه الى العادة ، وقيل : ينقص السدس ، وهو غلط.

ص: 129


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1 و 2.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - هل يثبت له خيار الفسخ أم لا؟ قال أبو الصلاح : لا خيار له ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة بقاء العقد وإمكان الذهاب بسبب خفي كالنزوة والحرقوص ، وقال العلامة : إذا تحقق سبق الثيبوبة ثبت له الخيار لعدم تحقق الشرط ، لأنه اشترط صفة كما لو لم يوجد فيثبت له الخيار.

ب - في نقص المهر ، قال أبو الصلاح : لا ينقص منه شي ء لثبوته بالعقد ، والأصل بقاؤه ، والمشهور النقص ، وفي قدره أربعة أقوال :

أ - في نقص شي ء من غير تعيين القدر ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج لرواية محمد بن جزّك - بالجيم المفتوحة والزاي المنقطة المشددة والكاف أخيرا - «قال كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها المهر كاملا أو ينقص؟ قال ينقص» (1) ولا بد من إضمار شي ء.

ب - انه ينقص السدس ، قاله الراوندي في شرح مشكل النهاية حملا على الوصية ، لأن الشي ء في عرف الشرع السدس. قال المصنف : وهو غلط ، لأن اللازم من الرواية إضمار شي ء ، وهو يصدق على القليل والكثير ، فتخصيصه بالسدس تخصيص من غير مخصص.

ج - ان ينقص ما بين مهر البكر والثيب والمرجع فيه الى العادة واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة ، لأن الشارع لم يقدره فالمرجع فيه الى العادة.

د - الرجوع في التقدير الى نظر الحاكم ، قاله المصنف في نكت النهاية ، واختاره أبو العباس في مقتصره.

قال رحمه اللّه : إذا استمتع امرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون

ص: 130


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 2.

هبة المدة ولا له إسقاط شي ء من المهر ، وكذا لو تزوجها دائما على احد القولين.

أقول : المراد بأحد القولين القول بجواز نكاح الكتابية دائما أو منقطعا ، وعلى القول بالمنع منه دائما إذا ظهرت كتابية ظهر بطلان العقد من أصله لعدم مشروعيته.

قال رحمه اللّه : كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا المسمى ، وكل موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطي المسمى وان لحقه الفسخ ، وقيل : ان كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط قال : لأن أحكام العقد الفاسد تترتب عليه وكذا (1) المهر ، والمعتمد مذهب المصنف ، لأنه عقد صحيح ، ولهذا لو اختار البقاء عليه جاز ذلك ولزم ، بخلاف العقد الفاسد فإنه لا يلزم بالرضا به ولا يجوز ذلك ، وكل عقد صحيح يعقبه دخول وجب المسمى فيه.

ص: 131


1- بقية النسخ : فكذا.

ص: 132

في المهور

اشارة

قال رحمه اللّه : وعلى اجارة الزوج نفسه مدة معينة ، وقيل بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف مع قصورها عن افادة المنع.

أقول : إذا جعل المهر عملا مضمونا في ذمة الزوج جاز قطعا وان جعل منفعة (1) مدة معينة ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وكذلك قال ابن البراج في كتابه الكامل لما رواه أحمد بن محمد في القوي ، عن أبي الحسن عليه السلام «قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط إجارته شهرين؟ قال : موسى عليه السلام قد علم انه يستمر له شرطه ، فكيف لهذا بان يعلم بأنه سيبقى حتى يفي» (2) واستضعفها المصنف ، لأن رجالها غير منصوص على عدالتهم.

والمشهور الجواز للأصل ولقوله تعالى ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ ) (3) والرضا قد وقع على الإجارة ، ولهم عليه روايات (4).

ص: 133


1- «م» «ن» «ر 1» : منفعته.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 22 من أبواب المهور ، حديث 1.
3- النساء : 24.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور.

قال رحمه اللّه : ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلما ، قيل : يبطل العقد ، وقيل : يصح ويثبت لها مع الدخول مهر المثل ، وقيل : بل قيمة الخمر ، والثاني أشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في صحة عقد المسلم على الخمر والخنزير ، وبالصحة قال الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن حمزة وابن زهرة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن عقد النكاح لا يشترط فيه ذكر المهر فاذا أوقعه على مهر باطل كان كما لو لم يذكر مهرا ، وقال الشيخ في النهاية بعدم الصحة ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وابن البراج ، لأن العقد مترتب على الرضا بالمهر ، وهو باطل والمترتب على الباطل باطل ، لأنه عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض.

ب - على القول بالصحة ما يثبت لها؟ حكى المصنف قولين : أحدهما مهر المثل ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وظاهر ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن مع بطلان المسمى يخلو العقد عن المهر فيجب مهر المثل مع الدخول كما لو لم يذكر مهرا ، ولأن مهر المثل هو قيمة البضع وقد بطل عوضه المسمى فرجع (1) الى قيمة العوض ، وهو مهر المثل.

والآخر ثمن الخمر عند مستحليه قاله الشيخ في موضع من المبسوط ، لأنهما لم يغفلا المهر وذكرا عوضا فاسدا فيرجع الى قيمة العوض.

قال رحمه اللّه : وقيل بالمنع من الزيادة على مهر السنه ، ولو زاد رد إليها ، وليس بمعتمد.

أقول : المشهور عدم تقدير المهر في طرف القلة ما لم يخرج عن التمول ، وهو

ص: 134


1- «م» «ن» «ر 1» : فيرجع.

إجماع ، اما في طرف الكثرة فالمشهور عدم تقديره أيضا ، لأنه عقد معاوضة يرجع فيه الى تراضي المتعاوضين لقوله تعالى ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (1) ولرواية الوشاء (2) ، عن الرضا عليه السلام الدالة على المطلوب.

وقال السيد المرتضى : إذا تجاوز مهر السنه وهو خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا رد إليها ، ورواية الصدوق (3) في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستدل بعد الإجماع برواية الفضل بن عمر «قال : دخلت على ابي عبد اللّه عليه السلام ، فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يؤخره قال : فقال : مهر السنة المحمدية خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ، ولا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة» (4).

وأجيب بضعف الرواية لوقوع محمد بن سنان في طريقها ، وقد ضعفه الشيخ والعلامة.

قال رحمه اللّه : ويجوز ان يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد ويكون المهر بينهن بالسوية ، وقيل : يقسط على مهور أمثالهن ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بالتسوية (5) ، واختاره ابن البراج عملا بالأصل ، لأن النكاح ليس معاوضة حقيقية فلا يعتبر فيه قيمة البضع ، وقيل بالتقسيط على مهر المثل ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو تزوجها على خادم غير مشاهد ولا موصوف ، قيل :

ص: 135


1- النساء : 20.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب المهور ، حديث 1.
3- الفقيه 3 : 252 ، حديث 12.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 14.
5- «م» و «ن» : بالسوية.

كان لها خادم وسط ، وكذا لو تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة ، أو دار على رواية ابن أبي عمير.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن إدريس والعلامة في الإرشاد مصيرا الى النص (1) المذكور ، وجزم به المصنف في المختصر وحكاه هنا ، والعلامة في القواعد ساكتين عليه ، وفخر الدين اختار بطلان المسمى والرجوع الى مهر المثل ، وهو قوي ، لأنه مع عدم التعبير (2) أو الوصف يصير مجهولا فيبطل ، لأنه يشترط علمه بما يرفع الجهالة.

قال رحمه اللّه : وشرط ان تعطي أباها منه شيئا معينا قيل : يصح المهر ويلزم الشرط.

أقول : هذا القول نقله فخر الدين عن بعض الأصحاب ، وظاهر كلام ابن الجنيد ان شرطت الزوجة في نفس العقد لزم ، لأنه جعله بعض الصداق ، وهو قوي لأن الرضا لم يحصل الا به ، وقال الشيخ ان كان على سبيل الهدية لم يلزمه (3) الوفاء به ، وان كان على سبيل التوكيل فكذلك.

قال رحمه اللّه : فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها ، ولو أبهم فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل ، وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، ويلقنها الجائز وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وهل يجب تعيين القراءة ، وهي الحرف الذي يعلمها إياها؟ على وجهين : أحدهما لا يجب ، وهو الأقوى ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله لم يعين على الرجل (4).

ص: 136


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المهور ، حديث 1 و 2.
2- «م» «ن» «ر 1» : التعيين.
3- «م» «ن» «ر 1» : يلزمها.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور ، حديث 1.

والوجه الآخر لا بد من تعيين الحرف ، لأن بعضها أصعب من بعض ، فمن قال انه شرط فان ذكره والا كان فاسدا ولها مهر المثل ، ومن قال ليس بشرط لقنها أي حرف شاء ، وان شاء بالجائز وهو الصحيح عندنا ، لأن التعيين يحتاج الى دليل انتهى كلام الشيخ رحمه اللّه.

ومنه يعلم تحقيق المسألة ، والمعتمد عدم الوجوب ويلقنها ما شاء من السبعة دون العشرة ، وهو ظاهر التحرير.

فرع : لو نسيت الآية الأولى عقيب تلقين الثانية ، هل يجب الإعادة؟ ذكر الشيخ في المبسوط في هذه المسألة وجهين : أحدهما عدم وجوب الإعادة ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير لحصول القبض باستقلالها بالتلاوة والنسيان بسبب تفريطها فلا يضمنه الزوج.

والآخر انها لا تكون قابضة أقل من ثلاث آيات ، لأن أقل ما نفع (1) الاعجاز بثلاث ايات لقوله تعالى ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (2) وأقل سورة وجدت ثلاث آيات ، وهي سورة الكوثر ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو أصدقها ظرفا على انه خل فبان خمرا قيل : كان لها قيمة الخمر عند مستحليه ، ولو قيل : كان لها مثل الخل كان حسنا.

أقول : القول بوجوب القيمة عن مستحليه قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والقائل بوجوب المثل ابن إدريس وابن الجنيد ، واختاره المصنف ، وفيه قول آخر وهو وجوب مهر المثل واختاره العلامة في القواعد ، ولو تزوجها (3) على عبد فبان حرا كان الحكم كذلك.

ص: 137


1- «م» «ن» «ر 1» : يقع.
2- البقرة : 23.
3- «م» «ن» «ر 1» : زوجها.

قال رحمه اللّه : والمهر مضمون على الزوج فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمته وقت تلفه على قول مشهور لنا.

أقول : إذا أصدقها عينا معينة فتلفت قبل تسليمها إليها ، فإن كانت مثلية كان عليه مثلها ، وان كانت قيمية فالمشهور وجوب القيمة يوم التلف ، لأنه حين الانتقال إلى القيمة ، وقيل : أعلى القيمة (1) ، لأنه كان كالغاصب إلا في الإثم ، فإنه لا اثم عليه.

والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يتلف قبل المطالبة بالتسليم أو بعدها فان تلف قبل المطالبة كان عليه القيمة يوم التلف ، لأن العين قبل المطالبة لا يجب تسليمها والحق متعلق بها ، فاذا تلفت انتقل الحق إلى القيمة حين التلف ، وان كان التلف بعد المطالبة والامتناع لغير عذر كان عليه أعلى القيم من حين المطالبة إلى حين التلف ، هذا إذا كان التلف بسببه أو بأمر سماوي ، ولو أتلفه أجنبي تخيرت بين إلزام الزوج بالقيمة يوم التلف أو أكثر على ما قلناه من التفصيل وبين إلزام المتلف بالقيمة يوم التلف خاصة مطلقا ، سواء كان الإتلاف قبل المطالبة أو بعدها ، فان رجعت على الزوج رجع على المتلف بقيمته يوم إتلافه خاصة ، سواء رجعت عليه بها أو بالأكثر.

وان رجعت على المتلف بالقيمة يوم التلف وكان التلف بعد المطالبة ، هل لها ان ترجع على الزوج بتفاوت القيمة من حين المطالبة إلى حين الإتلاف؟ يحتمل ذلك ، لأنه حق لها ، فلها الرجوع به ، ويحتمل العدم ، لأن الشارع خيّرها في الرجوع على أيهما شاءت ، ولا يسوغ لها الرجوع عليهما وقد رضيت بالرجوع على المتلف فليس لها الرجوع على الزوج بشي ء.

قال رحمه اللّه : ولو وجدت به عيبا كان لها رده بالعيب ، ولو عاب بعد

ص: 138


1- «م» «ن» «ر 1» : القيم.

العقد ، قيل : كانت بالخيار في أخذه أو أخذ القيمة ، ولو قيل : ليس لها القيمة ولها عينه وأرشه كان حسنا.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، لأنه إنما أصدقها العين سليمة ، وهي مضمونة في يده ، فان عابت قبل التسليم فهي بالخيار بين ان يقبضها معيبة وبين ان تردها ، فلو اختارت الرد كان كتلف الصداق معيبا (1).

واستحسن المصنف أخذ العين معيبة مع أرش العيب ، واختاره العلامة لوجود العين التي تناولها العقد والعيب يجبر بالأرش ، فلا يجوز العدول عما تناوله العقد الى غيره مع وجوده ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولها ان تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قيل : نعم ، وقيل : لا وهو الأشبه.

أقول : اما الامتناع قبل الدخول فهو إجماع ، واما بعده فالشيخ في الخلاف والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس قد منعوا من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لحصول الملك التام بالعقد (2) ، فليس لها الامتناع بعده ، لأن التسليم الأول استقر به العوض برضا المسلم (3) ، فهو كما لو سلم المبيع قبل تسليم الثمن ، ولأن البضع حق له والمهر حق عليه ، وليس إذا كان له عليه (4) حق جاز له (5) ان يمنع حقه.

وقال في المبسوط : لها الامتناع ، لأن الامتناع كان سائغا لها قبل ان تسلم

ص: 139


1- «ن» «ر 1» : المعين.
2- «م» «ن» بزيادة : والقبض.
3- «م» : المتسلم.
4- «م» : وعليه.
5- ليست في «م» «ن» «ر 1».

نفسها ، فكذا بعده توصلا الى استيفاء حقها.

فرعان :

الأول : لو أكرهها على تسليم نفسها قبل دفع المهر كان لها الامتناع بعده ، لأن هذا التسليم لا اعتبار به لعدم الرضا به.

الثاني : لو كان المهر مؤجلا لم يجز لها الامتناع قبل الحلول إجماعا ، فلو حل قبل التسليم احتمل جواز الامتناع ، لأنه مهر حال على زوج لم يدخل بزوجته فلها ان تمتنع حتى تقبضه إجماعا (1) ، ويحتمل العدم لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول ، والأصل بقاء ما كان على ما كان وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد منشؤه ان الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، وقد مضى البحث فيها مستوفى في باب أولياء العقد.

الثانية : إذا زوجها مفوضة (2) ، ولا إشكال في صحة العقد ، وانما الإشكال في صحة التفويض مما قاله المصنف وهو الوثوق بنظر الولي ، فيصح التفويض ، ومما قاله الشيخ رحمه اللّه ، وهو عدم صحة التفويض ، لأنه عقد معاوضة فلا يصح للولي إخلاؤه من العوض كسائر المعاوضات ، فعلى قول الشيخ يثبت لها مهر المثل بنفس العقد لفساد التفويض ، ويتفرع على القولين : ما إذا كان لو طلقها قبل الدخول فعلى قول الشيخ يجب لها نصف مهر المثل ، وعلى ما اختاره المصنف يجب

ص: 140


1- ليست في «م» «ن» «ر 1».
2- «ن» : مفوضته.

لها المتعة ، والمعتمد اختيار المصنف.

فروع :

الأول : مفوضة البضع لها ان تمتنع (1) من الدخول حتى يوصلها المهر ويسلم إليها فإن اتفقا على الفرض جاز ، وان اختلفا وترافعا الى الحاكم فرض مهر المثل ما لم يتجاوز مهر السنة فيرد إليها ، وليس له الفرض قبل ان يعلم مهر مثلها.

الثاني : هل يجوز للأجنبي ان يفرضه ويدفعه من ماله؟ يحتمل ذلك ، لأنه يصح قضاؤه عنه ، ويحتمل العدم لعدم ثبوت الولاية والوكالة له ، فلا يجوز ذلك فلا يصح الفرض ولا الدفع ويكون مضمونا عليه (2) لأنها قبضته قبضا فاسدا ، وكل من قبض شيئا (3) قبضا فاسدا كان مضمونا عليه.

وعلى احتمال الصحة لو طلقها قبل الدخول ، احتمل رجوع النصف الى الزوج ، لأنه ملكه حين قضائه دينا عليه ، لأن الإنسان إذا قضى دين غيره دخل المدفوع في ملك المديون ضمنا آنا (4) ، ثمَّ ينتقل الى ملك الديان.

ويحتمل رجوعه إلى الأجنبي ، لأنه قضا ما وجب عليه ، وبالطلاق (5) سقط النصف فيرد النصف الى من دفعه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه فيعود اليه ، وفخر الدين منع هذا الحكم من أصله وأبطل فرض الأجنبي ودفعه.

الثالث : لو فرض الزوج فرضا ولم ترض به الزوجة بطل الفرض إذا كان دون مهر المثل ، فلو طلقها قبل الدخول كان لها المتعة دون نصف الفرض الذي فرضه ، لأنها لم تقبله.

ص: 141


1- «ر 1» : تمنع.
2- «م» «ن» «ر 1» : عليها.
3- من «م» و «ر 1».
4- ليست في «ن».
5- «م» «ن» «ر 1» : وبالبطلان.

الرابع : لو كان محجورا عليه ثمَّ فرض أكثر من مهر المثل ضربت بما قابل مهر المثل مع الغرماء ، والزائد عن مهر المثل يتبعه به بعد فك حجره ولا تشارك الغرماء فيه.

الخامس : لو وطي المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها وجب مهر المثل معتبرا بحال العقد.

السادس : لو أبرأته قبل الوطي والفرض والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح ، لأنه إبراء مما لم يجب ، ولو قالت : (أسقطت حقي من طلب الفرض) لم يسقط.

تنبيه : يجب على الفقيه ان يعرف مهر المثل على وجه كلي والولي (1) ، لأنه يبحث عنه في أماكن مثل وطي الشبهة ووطي المكرهة ومفوضة البضع والتسمية الفاسدة ، والتقسيط عليه كما لو تزوج امرأتين بمهر واحد ، أو جمع بين النكاح وغيره من العقود وما شابه ذلك ، ويفتقر معرفتهم (2) الى اعتبار حال المرأة في أمرين :

الأول : النسب ، وهو الركن الأعظم فيه ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط باعتبار حال نسائها من الطرفين كالأم والأخت والعمة والخالة ومن يجري مجراهن ما لم يتجاوز خمس مائة درهم فان تجاوزها رد إليها ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير لاختلاف المهور باختلاف الأحوال من الطرفين ، ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام «في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ،

ص: 142


1- «م» «ن» «ر 1» : قانوني.
2- «م» «ن» «ر 1» : معرفته.

ثمَّ دخل بها؟ قال : صداق نسائها» (1) والنساء شامل للعصبات وغيرها ، وابن البراج اعتبر نساءها من جهة الأب دون الأم ونساءها من جهتها ، قال : لأن المرأة أم الولد تكون من عرض المسلمين تحت الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام ، فيتزوج المرأة من العامة ليس لها نسب ولا حسب ، فالمعتبر من نسائها من كان (من) (2) جهة الأب.

وجزم العلامة في القواعد بعدم اعتبار الأم ، قال : لأنها ليست من نسبها ، واستشكل في اعتبار العصبات أو الأقارب ، والمصنف أطلق اعتبار حال نسائها ولم يفرق بين العصبات وغيرها ، وظاهره الاعتماد على قول الشيخ ، وهو المعتمد.

الثاني : في اعتبار الصفات ، فالمفيد اقتصر على الجمال والشرف ، وزاد أبو الصلاح السن والتحصين ، وقال الشيخ : كل أمر يختلف المهر لأجله فإنه يعتبر ، وقال ابن البراج ، يعتبر سنها وعقلها وحمقها وجمالها وقبحها ويسارها وإعسارها وأدبها والبكارة والثيبوبة. وهذا بالحقيقة تفسير لكلام الشيخ ، وبعضهم اعتبر البلد أيضا ، وأنكره فخر الدين وينبغي اعتبار الأقرب فالأقرب إلى المستحقة لمهر المثل ، لأنهن أشبه بها.

ولو (3) فقدت نساءها ، قال ابن البراج : يعتبر نساء أهل بلدها ، فان تعذر ، قال : يعتبر حال نساء أقرب البلدان الى بلدها ، واستشكله العلامة في التحرير.

تنبيه : آخر الاعتبار لمهر المثل المستند الى العقد الفاسد يوم الوطي لا يوم العقد ، فلو عقد عليها عقدا فاسدا ثمَّ وطأها بعد مدة وقد تغيرت أوصافها اعتبر

ص: 143


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب المهور ، حديث 3.
2- من «ن».
3- في الأصل : وقد.

يوم الوطي ، لأن سبب المهر هنا الشبهة والاعتبار (1) بوطي الشبهة يوم الوطي ، فإن اتحدت (2) الشبهة كالعقد الفاسد والتشبيه بالزوجة وجب مهر واحد وان تعدد الوطي.

ولو زنا بها مكرها لغير شبهة كان عليه لكل وطي مهر ، والفرق اتحاد سبب المهر هناك ، وهو الشبهة الواحدة وتعدد سبب المهر هنا وهو الوطي إكراها.

واستقرب العلامة عدم ردها الى مهر السنة إذا تجاوز مهور نسائها فيما يشبه الجنابة (3) ، كالنكاح الفاسد ووطي الشبهة والإكراه ، لأنه قيمة متلف (4) فلا تتقدر بمهر السنة ، بخلاف المفوضة فإنه لا يتجاوزه إجماعا لورود النص (5) فيه ، وهو جيد.

قال رحمه اللّه : ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول قيل : يسقط المهر ولها المتعة ، وقيل : ليس لها أحدهما ، والأول مروي.

أقول : إذا فوض (6) تقدير المهر إلى أحدهما مثل ان تقول : (زوجتك نفسي على ما شئت أو ما شئت أنا) صح النكاح والتفويض ، فلو مات من فوض اليه تقدير المهر بعد الدخول وقبل الفرض وجب مهر المثل ، وان كان قبل الدخول والفرض فيه ثلاثة أقوال :

أ - وجوب المتعة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس لما رواه محمد بن مسلم في

ص: 144


1- «ن» : ولا اعتبار.
2- «ر 1» : تجددت.
3- كذا ، ولعلها : الجناية.
4- «ن» : يختلف.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 21 من أبواب المهور ، حديث 1.
6- كذا ، ولعلها : فوضت.

الصحيح ، عن الباقر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل ان يدخل بها؟ قال لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها» (1) وهو المعتمد.

ب - لا شي ء لها ، لأن المتعة تجب بالطلاق ولم يحصل ، ومهر المثل بالدخول ولم يحصل فلا شي ء لها ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج - وجوب مهر المثل ، حكاه الشيخ في المبسوط ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأنهما ذكرا مهرا مجهولا ، وقد تعذر تعيينه بموت من اليه التعيين فيرجع الى قيمة البضع ، وهو مهر المثل.

قال رحمه اللّه : إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه ولم يسقط بالدخول ، سواء طالت مدتها أو قصرت طالبت به أو لم تطالب ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : نقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا ان الدخول يهدم المهر ، والى خلاف هذا القول أشار المصنف بقوله : (ولا يسقط بالدخول).

والرواية المهجورة إشارة الى ما رواه محمد بن مسلم (2) ، عن أحدهما عليهما السلام انها مع الدخول ليس لها المطالبة إذا لم تطالبه أولا.

قال رحمه اللّه : والدخول الموجب للمهر هو الوطي قبلا أو دبرا ، ولا يجب بالخلوة ، وقيل : يجب ، والأول أظهر.

أقول : الموجب لتقرير المهر أمور :

1 - الوطي قبلا أو دبرا وان كان مكرها أو حراما كالوطي في الحيض أو

ص: 145


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 21 من أبواب المهور ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 6. (ولكن الرواية عن «أبي جعفر عليه السلام» وليست عن «أحدهما عليهما السلام»).

الإحرام.

2 - ارتداد الزوج.

3 - موته على المشهور بين الأصحاب ، وخالف فيه محمد بن بابويه في المقنع.

4 - موت الزوجة على المشهور أيضا ، وخالف فيه الشيخ وابن البراج في الكامل.

5 - الخلوة التامة ، وهي المعركة العظيمة بين الفقهاء ، والمراد بالتامة إرخاء الستر وإغلاق الباب مع عدم المانع من جهة الزوج كالعنن ، ومن جهة الزوجة كالقرن والرتق ، وغير ذلك كالمرض من أحدهما ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، حكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن قوم من أصحابنا انها قائمة مقام الدخول في تقرير المهر ، ويؤيده رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام «قال : إذا تزوج الرجل المرأة ثمَّ خلا بها فأغلق عليها بابا وأرخى سترا ثمَّ طلقها فقد وجب الصداق» (1).

وابن الجنيد اشترط في الخلوة الوطي أو الإنزال بسبب النظر أو التقبيل أو اللمس ، وحكى الشيخ في المبسوط والخلاف أيضا ان وجود الخلوة كعدمها مع عدم الوطي ، والقول قول الزوج في عدمه ، قال : وهو الظاهر في روايات (2) أصحابنا.

واختاره المصنف ، والعلامة في أكثر كتبه ، وهو اختيار فخر الدين لما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر

ص: 146


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب المهور ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، وباب 55 منه.

الا الوقاع في الفرج» (1) وفي معناها رواية حفص بن البختري (2) ، وإذا ثبت عدم استقراره بدون الوقاع والأصل (3) عدمه ولأصالة براءة الذمة.

وقيل : ان وجود الخلوة كعدمها في نفس الأمر الا انها أمارة دالة على رجحان قبول قول المرأة إذا ادعت الدخول وأنكره الرجل ، فان القول قولها مع يمينها ، لأن الظاهر من حال الصحيح السليم إذا خلى بالزوجة المواقعة ، فيكون القول قولها عملا بالظاهر ولا تستحق في نفس الأمر غير النصف ان كانت كاذبة ، وهذا القول نقله الشيخ عن محمد بن أبي عمير ، عن قدماء الأصحاب ، ثمَّ استحسنه وافتى به ، واختاره أبو العباس في كتابيه.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثمَّ دخل كان ذلك مهرها ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول الا ان تشارطه قبل الدخول على ان المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد الى قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، ومستندهم رواية ابي عبيدة والفضل في الصحيح (4) ، عن الباقر عليه السلام ، وتوقف المصنف ، لأن مقتضى الأصل مع الدخول وعدم التسمية وجوب مهر المثل ، والذي قدمه قبل الدخول قد يكون مهرا وقد يكون هدية ، وعدم مشارطتها على غيره لا يدل على الرضا به ، ولا دلالة للعام على الخاص.

وقال العلامة : قد كان في الزمن الأول لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم هو العادة فنقول : ان كانت العادة في

ص: 147


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 7.
3- «م» «ن» «ر 1» : فالأصل.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 13.

بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدم وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها (1). هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، واستحسنه أبو العباس ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة ، قيل : كان له نصف القيمة [سليما] ولا يجبر على أخذ نصف العين ، وفيه تردد.

أقول : إذا دفع المهر قبل الدخول ثمَّ طلقها قبله رجع بنصفه ، ولو تعيب هل يجبر على أخذ نصفه معيبا؟ قال الشيخ في المبسوط : يتخير بين نصف العين ونصف القيمة ، وتردد المصنف من عموم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (2) فليس له غير نصف ما فرض مع نصف أرش النقصان ، لأن الجميع مضمون عليها ، فكذا الأبعاض والصفات ، وهو اختيار العلامة في القواعد.

ومن ان المفروض عين صحيحة وقد صارت معيبة ، والمعيب غير الصحيح ، فلا يجبر على أخذ المعيبة.

قال رحمه اللّه : ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف قيمته من دون الزيادة ولا تجبر المرأة على دفع العين على الأظهر.

أقول : إذا زاد الصداق زيادة منفصلة كانت للزوجة إجماعا ، وان زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعليم الصنعة ، فإن دفعت نصف العين اجبر على قبولها إجماعا ، ولو امتنعت من دفع العين وبذلت القيمة ، فالمشهور قبول ذلك

ص: 148


1- النسخ مضطربة في نقل عبارة العلامة (قده) ، وقد أثبتنا أقربها إلى المختلف ، لاحظ المختلف : 543.
2- البقرة : 237.

منها ، لأن العين قد نمت في ملكها فيكون النماء لها من دون الزوج ، وهو لا يتميز عن العين ولا يمكن دفع العين بدونه فلا يجب دفعها.

وقال الشيخ في المبسوط بعد ان خيرها بين دفع العين أو القيمة : ويقوى في نفسي ان له الرجوع في نصفه مع الزيادة التي تتميز (1) لقوله تعالى ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (2) وان كان الأول قويا ، والأول هو المعتمد.

فرع : لو زادت العين ونقصت باعتبارين كتعليم صنعة ونسيان أخرى ، فعلى القول بإجبار الزوج على قبول نصف العين معيبة - كمذهب القواعد - ويكون (3) الخيار هنا للزوجة لكونها مخيرة في طرفي الزيادة والنقصان ، وعلى القول بتخيره بين نصف العين ونصف القيمة - كمذهب الشيخ ، والعلامة في الإرشاد والتحرير - فالخيار لهما لحصول موجبه له بالنقيصة ولها بالزيادة ، فإن اتفقا على نصف العين جاز ، وان امتنعت من تسليم نصفها أو امتنع من الرجوع في النصف اعطي الزوج نصف القيمة خالية عن الزيادة والنقصان.

قال رحمه اللّه : ولو كان تعليم سورة قيل : يعلمها النصف من وراء الحجاب ، وفيه تردد.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط والخلاف ، وتردد المصنف من ان الواجب مع الطلاق قبل الدخول نصف المهر المسمى ، وهو قد سمى سورة فيجب ان يعلمها نصفها من وراء الحجاب لتحريم نظرها عليه بعد الطلاق ، ومن ان التنصيف في التعليم غير ممكن لاختلاف الآيات بالسهولة والصعوبة ، والتعليم يختلف باختلاف ذلك ، فلا يجب التعليم ويجب نصف أجرة المثل ، وهو اختيار

ص: 149


1- «م» «ن» «ر 1» : لا تتميز.
2- البقرة : 237.
3- كذا ، ولعل الواو زائدة.

العلامة ، وهو المعتمد.

ولا فرق بين تعليم السورة وتعليم الصنعة ، ولو كان الطلاق بعد التعليم رجع بنصف الأجرة.

قال رحمه اللّه : إذا أمهرها مدبرة ثمَّ طلقها صارت بينهما نصفين ، فاذا مات تحررت ، وقيل : بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها ، وهو أشبه.

أقول : إذا جعل المدبرة مهرا هل يبطل التدبير وتملك المرأة رقبة المدبرة أو لا يبطل التدبير وينصرف الأمهار إلى الخدمة وتنعتق بموت المولى ولا سبيل للمرأة عليها بعد موته ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، وسواء طلق أو لم يطلق؟ بالأول قال أكثر الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن التدبير كالوصية ، وهي تبطل بالتصرف ، فكذا التدبير.

وبالثاني قال الشيخ وابن البراج ، وهو بناء على ان التدبير لا يبطل الا بصريح الرجوع.

قال رحمه اللّه : وكذا لو شرط ان لا يفتضها لزم الشرط ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع ، وهو تحكم.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على خمسة أقوال :

أ - صحة العقد والشرط واباحة الافتضاض مع الاذن في الدائم والمنقطع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، وأبو العباس في المقتصر لأصالة صحة العقد ، ووجوب الوفاء بالشرط ، واما تسويغه بعد الإذن ، لأنه بالعقد ملك الاستمتاع ، وانما وجب الامتناع لوجوب الوفاء بالشرط ، وقد زال برضاها ، ولرواية سماعة بن مهران ، عن الصادق عليه السلام

ص: 150

«قال : قلت له : في رجل جاء الى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على ان تلمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها الا ما اشترط» (1).

وعن إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه السلام «قال : قلت : رجل تزوج بجارية عاتق عانس (2) على ان لا يفتضها ، ثمَّ أذنت له بعد ذلك؟ قال : إذا أذنت له فلا بأس» (3).

ب - بطلان الشرط خاصة ، وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وله ان يفتضها وان لم ترض ، وهو مذهب ابن البراج وابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، ووجهه كون الشرط فاسدا لمنافاته للعقد ، لأن العقد يقتضي إباحة النكاح ، وهذا الشرط يقتضي تحريمه فيكون شرطا فاسدا ، وفساد الشرط لا يقتضي فساد العقد ، كما لو شرط ان لا يتزوج عليها أو لا يتسرى.

ج - مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو بطلان العقد والشرط إذا وقع في الدائم ، وصحتها إذا وقع في المنقطع ، ونسبه المصنف الى التحكم ، لأنه لا دليل عليه.

د - مذهب ابن حمزة ، وهو بطلان الشرط دون العقد في الدائم ، وصحتهما في المنقطع.

ه - مذهب العلامة في المختلف ، وهو بطلانهما في الدائم والمنقطع ، لأنه شرط يمنع المقصود من العقد فكان باطلا ، فيبطل العقد لعدم الرضا بدون سلامة

ص: 151


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب المهور ، حديث 1.
2- ليست في النسخ والا المصدر.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب المهور ، حديث 2.

الشرط.

قال رحمه اللّه : إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها ، قيل : يلزم ، وهو المروي ولو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأقل منه ان لم تخرج معه فأخرجها إلى بلد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد وان أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما ، وفيه تردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في جواز اشتراط أن لا يخرجها من بلدها وبجوازه قال الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأغراض تتعلق باللبث في المنازل والبلدان التي حصل فيها المربي ، وهو أمر مطلوب للعقلاء ، سائغ في نظر الشرع ، فجاز جعله شرطا في عقد النكاح توصلا الى تحصيل الأغراض المباحة ولرواية أبي العباس ، عن الصادق عليه السلام «في الرجل يتزوج امرأة وتشترط ان لا يخرجها من بلدها؟ قال : يفي لها بذلك ، أو قال يلزمه ذلك (1)».

وقال في المبسوط والخلاف بصحة العقد وبطلان الشرط ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، لأن اقتضاء النكاح وجوب طاعة الزوج والخروج معه اين شاء ، وتسلط الزوج على الزوجة بالإسكان والاستمتاع في كل مكان ، وهذا الشرط يخالفه فكان باطلا.

ب - إذا شرط لها مائة دينار مثلا ان أخرجها إلى بلاده ، وخمسين ان لم يخرجها من بلادها ، قال المصنف : (إن أخرجها إلى بلاد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد ، وان أخرجها إلى بلاد الإسلام كان الشرط لازما) ثمَّ تردد في ذلك ، وما حكاه هو قول الشيخ رحمه اللّه في النهاية وقول ابن البراج.

ص: 152


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 40 من أبواب المهور ، حديث 1.

فان قيل : كيف تستحق المئة مع عدم الخروج إذا طلب إخراجها إلى بلد الشرك ، وهو لم يجعل المئة الا على الخروج معه ، فكيف يلزمه مع عدم الخروج؟!

قلت : المراد ان العقد وقع على مائة وشرط الخمسين على تقدير الامتناع من الخروج معه ، فحينئذ ان أراد إخراجها إلى بلاده وهي بلاد الكفر لم يجب إجابتها له لوجوب الهجرة عن بلاد الشرك ، فلا يعقل وجوب الهجرة إليها ولا ينقص من المهر الذي وقع عليه العقد شي ء ، وان أرادها (1) إلى بلاد الإسلام وجبت اجابته ، فان لم يفعل نقص من المهر بمقدار ما اقتضاه الشرط ، ومستند الحكم حسنة علي بن رئاب ، عن الكاظم عليه السلام «قال : سئل - وانا حاضر عنده - عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على ان تخرج معه الى بلاده ، فان لم تخرج فمهرها خمسون دينارا أرأيت ان لم تخرج معه الى بلاده؟ فقال : ان أراد ان يخرجها الى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار الذي أصدقها إياها ، وان أراد ان يخرجها الى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترطه عليها ، والمسلمون عند شروطهم» (2) وتردد المصنف مما تضمنته الرواية ، ومما قاله الشيخ في المبسوط والخلاف وقول ابن إدريس من فساد الشرط ، ونقل أبو العباس عن بعض الأصحاب فساد المهر لعدم تعيينه ، ثمَّ استضعفه واعتمد على ما تضمنته الرواية.

قال رحمه اللّه : الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين ولها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه ، فإذا طلق الزوج عاد اليه النصف وبقي للمرأة النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تملك المرأة لجميع الصداق بنفس العقد ، وهو المشهور بين

ص: 153


1- «م» «ن» «ر 1» : أراد إخراجها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 40 من أبواب المهور ، حديث 2.

الأصحاب لقوله تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (1) أمر باتيانهن كله ، ولم يفرق قبل الدخول أو بعده ، ولما رواه عبيد بن زرارة في الموثق ، عن الصادق عليه السلام «قال : قلت له : رجل تزوج امرأة وأمهرها مهرا ، فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عبيدها ، وطلقها قبل الدخول بها؟ قال : ان كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وان كن حملن عندها فلا شي ء له من الأولاد» (2) لأن الصداق بدل البضع فاذا ملك الزوج البضع بنفس العقد ملكت الزوجة بدله.

وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها كذلك ، لأنه لو ملكته بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها الا بسبب ناقل كالبيع والهبة ، ولما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر الا الوقاع في الفرج» (3) والأول هو المعتمد.

الثانية : في جواز التصرف فيه قبل القبض ، فالشيخ في الخلاف منع من ذلك ، واستدل بالإجماع على جواز تصرفها فيه بعد القبض ، ولا دليل على جواز التصرف فيما قبله وللنهي عن بيع ما لم يقبض.

والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنها ملكته بالعقد فلها التصرف فيه ، والنهي محمول على الكراهية.

ص: 154


1- النساء : 4.
2- التهذيب 7 : 368 ، حديث 54 ، وفي الوسائل باب 34 من أبواب المهور حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 6.

فرعان :

الأول : إذا طلق الزوج قبل الدخول ، هل تملك نصف المهر بغير اختياره كالإرث أو يملك ان اختار التملك؟ قال الشيخ بالأول ، وجزم به العلامة في القواعد ولم يجزم في التحرير بل نقله عن الشيخ ، ثمَّ قال : ويحتمل انه يملك ان تملك فيه ويتفرع (1) على ذلك النماء فعلى قول الشيخ نماء النصف من حين الطلاق للزوج وعلى الاحتمال فهو للمرأة إلى حين اختيار التمليك ، والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تلف النماء المتجدد بعد الطلاق في يدها فان كان بتفريطها ضمنته قطعا ، وان كان بغير تفريطها فان كان بعد المطالبة والمنع من التسليم ضمنته أيضا قطعا ، وان كان قبل المطالبة احتمل الضمان أيضا ، لأنه تولد من أصل مضمون فيكون مضمونا.

ويحتمل العدم ، لأنه امانة في يدها ، ولا يلزم من ضمان الأصل ضمان النماء ، لأن الأصل قبضته لنفسها فكان مضمونا عليها ، والنماء قبضته لا لنفسها ، بل لغيرها فهو أمانة ، حكمه حكمها ، اما لو تلف الأصل أو تعيب فهو مضمون عليها.

قال رحمه اللّه : فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج ، وكذا لو عفى الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الولي كالأب والجد للأب ، وقيل : أو من توليه المرأة عقدها (الى آخر البحث).

أقول : المطلقة اما ان تكون بالغة رشيدة أو غير بالغة ، فان كانت بالغة رشيدة كان العفو بيدها ، فان كان المهر دينا في ذمة الزوج جاز عفوها عنه ، قال الشيخ في المبسوط بألفاظ ستة : العفو والتمليك والهبة والاسقاط والترك والإبراء ، قال وهل تفتقر الى قبوله؟ فيه وجهان (والأولى ان تقول) (2) تفتقر الى قبوله ،

ص: 155


1- من «م» «ن» «ر 1» وفي الأصل : فرع.
2- كذا في الأصل ، وفي «ن» : (الأول) بدل ما بين القوسين.

والمعتمد عدم الافتقار الى القبول ، لأنه إبراء وإسقاط ، فهو كالعتق والطلاق فلا تفتقر الى القبول.

ولو قبضته المرأة ثمَّ تلف في يدها كان للزوج العفو بهذه الألفاظ ، ولو كان عينا مشخصة قائمة في يد الزوج أو المرأة وأراد العفو من ليس هو في يده جاز بلفظ العفو والهبة والتمليك ، ويشترط هنا القبول ولا يشترط مضي زمان يمكن فيه القبض ، ولو كان العافي من هو في يده صح بلفظ الهبة والتمليك دون غيرها ، وافتقر الى القبول والقبض ، وان كانت صغيرة كان العفو بيد الأب والجد له ، لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح ، وليس لغيرهما العفو ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : للذي توليه أمرها العفو كما هو للأب والجد له ، وفيه روايات (1) ، والمعتمد هو المشهور بين الأصحاب.

وأصل هذا الحكم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (2) فحينئذ يشترط في عفو الولي كون المرأة صغيرة ، وكونه بعد الطلاق وقبل الدخول ، وكونه عن بعض النصف لا عن جميعه.

قال رحمه اللّه : لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع (الى آخره).

أقول : قد سبق (3) البحث في هذه المسألة.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل الى آخره.

أقول : قد سبق (4) البحث في هذه المسألة في باب أولياء العقد فليطلب من

ص: 156


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 52 من أبواب المهور.
2- البقرة : 237.
3- ص 140.
4- ص 140.

هناك.

قال رحمه اللّه : لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثمَّ طلق الولد رجع الولد بنصف المهر ولم يكن للوالد انتزاعه لعين ما ذكرناه في الصغير وفي المسألتين تردد.

أقول : المراد بالمسألتين هذه المسألة والمسألة السابقة عليها ، وهي إذا زوج الوالد ولده الصغير ثمَّ دفع المهر من مال نفسه عن ولده ثمَّ بلغ الولد وطلق قبل الدخول ، قال المصنف : يرجع النصف الى الولد دون الأب ، لأن دفعه عنه يجري مجرى الهبة له ، ثمَّ تردد في الصورتين ، ومنشؤه من ان التبرع بقضاء الدين عمن هو عليه يجري مجرى الهبة للمديون ، فلا بد ان يدخل في ملك المديون أولا قهرا ، ثمَّ ينتقل عنه في ثاني الحال الى الديان ، وإذا ثبت دخوله في ملكه فاذا عاد بعد ذلك عاد اليه دون المتبرع لانتقاله عنه.

ومن ان الدفع انما كان قضاء عن الواجب عليه ، وبالطلاق سقط عنه النصف فلم يسقط بالدفع واجب (1) عمن قضاه عنه ، فيرجع الى ملك الدافع ، والأول هو المعتمد ، وكذا لو عاد جميع المهر لردّة الزوجة قبل الدخول أو الفسخ قبله بأحد العيوب الموجبة للفسخ.

قال رحمه اللّه : إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه ولا أشكال قبل الدخول لاحتمال تجرد العقد عن المهر ، لكن الاشكال لو كان بعد الدخول ، فالقول قوله أيضا.

أقول : هذا هو المشهور أيضا بين الأصحاب ، وهو مبني على أن العقد لا يستلزم ثبوت المهر ، لأن ذكر ذلك المهر ليس بشرط في صحته لقوله تعالى :

ص: 157


1- «م» : وأوجب.

( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) دلت هذه الآية على جواز العقد بغير مهر ، فاذا جاز خلو العقد من المهر كان القول قوله في عدم ذكره ، لأن الأصل عدمه.

هذا إذا كان قبل الدخول ، واما إذا وقع الاختلاف بعده فكذلك عند المصنف وغيره ممن تقدمه ، ووجهه عدم استلزام الدخول لوجوب المهر في ذمة الزوج ، بل قد يكون في ذمة غيره ، كما لو زوج الأب ولده الصغير المعسر ، وكما لو زوج المولى عبده ثمَّ أعتقه فإن المهر في ذمة الأب قطعا ، وفي ذمة المولى على الصحيح من المذهب ، وإذا ثبت ان الدخول لا يستلزم وجوب المهر في ذمة الداخل في بعض الصور كان القول قوله استنادا إلى البراءة الأصلية.

قال العلامة رحمه اللّه - ونعم ما قال - : والتحقيق انه ان أنكر التسمية صدق باليمين ، لكن يثبت عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة ، ومع الدخول مهر المثل ، والأقرب ان دعواها ان قصرت عنهما ثبت ما ادعته ، ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها التسمية فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو مشتمل على قبول إنكار التسمية وعدم قبول إنكاره الاستحقاق ، وقبول دعواها ان قصرت عما يستحقه بالطلاق أو الدخول مع عدم التسمية ، ومراده رحمه اللّه في ذلك إذا وقع الاختلاف بعد الطلاق أو بعد الدخول لا قبلهما ، لأنه إذا قبل قوله في عدم التسمية لم يستحق شيئا قبل الدخول أو الطلاق ، ولو مات قبلهما لم يثبت لها شي ء من المهر ولو ادعى قبلها عدم الاستحقاق قبل قطعا وان لم يقبل عنده إذا وقع بعد أحدهما ، لأن الطلاق موجب للمتعة مع عدم التسمية ولنصف المسمى معها ، والأمر لا يخلو عن أحد القسمين فهو يستحق أخذهما ، فلما كان الأصل عدم التسمية كان عليه المتعة ، والدخول

ص: 158


1- البقرة : 236.

موجب لاستقرار المهر قطعا مطلقا ، والأصل عدم تعلقه بذمة غير الداخل فيقبل قوله في عدم التسمية ، ويرجع فيه الى مهر المثل ، فان نقصت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق أو عن مهر المثل إذا كان الاختلاف بعد الدخول كان لها ما ادعت ، لأنه أقل ما ثبت لها ، وقد اعترفت بالرضا به فليس لها غيره ، وان زادت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق ردت إليها ، وكذا ان زادت عن مهر المثل إذا كان بعد الدخول فإنها ترد اليه (1) ، ولو كان قبلهما لم يثبت لها شي ء هذا تحقيق كلام العلامة رحمه اللّه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا خلا بها فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة - بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا وكانت بكرا - فلا كلام ، وإلا كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم المواقعة وهو منكر لما تدّعيه. وقيل : القول قول المرأة عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل ، والأول أشبه.

أقول : سبق (2) البحث في ذلك فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : إذا أقامت المرأة بينة انه تزوجها في وقتين بعقدين فادعى الزوج تكرار العقد الواحد ، وزعمت المرأة أنهما عقدان ، فالقول قولها ، لأن الظاهر معها ، وهل يجب عليه مهران؟ قيل : نعم عملا بمقتضى العقدين ، وقيل : يلزمه مهر ونصف ، والأول أشبه.

أقول : جزم الشيخ في المبسوط بوجوب المهرين ، ثمَّ نقل عن بعضهم وجوب مهر ونصف ، ثمَّ قواه وهو يدل على تردده ، واختار المصنف وجوب المهرين ، واختاره العلامة في القواعد ، وتردد في التحرير : من ان العقد يوجب المهر كملا ، والأصل بقاؤه ما لم يعلم المسقط ، وهو غير معلوم ، والتحقيق انه ان

ص: 159


1- «ن» : إليها.
2- ص 147.

ادعى عدم الإصابة في الأول قبل قوله ، لأن الأصل عدمها ، وان اعترف بها أو سكت لزمه مهران لثبوت موجبهما ، والأصل عدم المسقط.

ص: 160

في القسم

قال رحمه اللّه : والقسمة بين الأزواج حق على الزوج حرا كان أو عبدا ، ولو كان عنّينا أو خصيّا ، وكذا لو كان مجنونا ، ويقسم عنه الولي ، وقيل : لا تجب القسمة حتى يبتدي بها ، وهو أشبه.

أقول : القسمة بين الأزواج واجبة لمن تجب لها النفقة ، وهل هي واجبة من حين العقد ، أو إذا أراد الابتداء بواحدة وجب ان يقسم؟ المشهور الأول ، لأنه حق مشترك بين الزوجين لاشتراك ثمرته فلها المطالبة بحقها منه ، وهو اختيار العلامة وابنه ، ولأنه حق واجب على الزوج ، والأصل عدم اشتراطه بالابتداء.

وقال الشيخ في المبسوط بالثاني ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة منه ابتداء ، خرج منه ما إذا ابتدأ بواحدة منهن ، فإنه يجب عليه القسم للبواقي بوجوب العد ، ولاستحالة الترجيح من غير مرجح ، فعلى الأول يبتدئ بالقرعة وجوبا ، وعلى الثاني استحبابا.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز ان يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل : نعم ، والوجه اشتراط رضاهن.

ص: 161

أقول : اما القسمة أقل من ليلة فلا تجوز قطعا لما فيه من التنغيص (1) ، واما ما زاد على ليلة ، فالمعتمد اعتبار رضاهن ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله كان يقسم ليلة ليلة (2) ، ولأن الزائد فيه إضرار لبعد العهد وتغرير ، لأنه قد يقسم لبعضهن ويلحقه ما يقطعه (3) عن القسم للباقيات ، فيفتقر الى رضاهن بذلك ، وقيل : يجوز بغير رضاهن لعدم التفاوت ، وقال الشيخ : يجوز ثلاث ليال بغير رضاهن ، وأما الزائد فلا بد فيه من رضاهن.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج أربعا دفعة رتبهن بالقرعة ، وقيل : يبدأ بمن شاء حتى يأتي عليهن ، ثمَّ يجب التسوية على الترتيب ، وهو أشبه.

أقول : هذا مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، فعلى الأول تجب القرعة ، وعلى الثاني يتخير بالابتداء بمن شاء.

قال رحمه اللّه : ويختص الوجوب بالليل دون النهار ، وقيل : يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها ، وهو المروي.

أقول : المشهور بين الأصحاب اختصاص القسم بالليل دون النهار ، لأنه زمان الراحة والدعة ، والنهار زمان الانتشار والمعاش ، وقال ابن الجنيد : والواجب مبيت الليل وطول صبيحة تلك الليلة ، ومستنده رواية إبراهيم الكرخي «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاثة منهن في لياليهن ، فاذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا أثم؟ قال له عليه السلام : انما عليه ان يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في

ص: 162


1- «م» «ن» : التبعيض.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب القسم والنشوز ، حديث 2 (يدل على المطلوب) وسنن البيهقي 7 : 300 - 301.
3- «ن» «ر 1» : يقنطه.

صبيحتها ، وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك» (1) فعلى هذه الرواية يكون صبيحة الليلة حكم الليلة ، ويأثم لو أخل بجزء منها الا برضاها كالليل ، ومذهب المصنف والعلامة في القواعد عدم تخصيصها بشي ء من النهار ليس على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الاستحباب في صبيحة الليلة خاصة ، وعند الشيخ في المبسوط محل القسم هو الليل ، والنهار تابع له من أوله الى آخره.

ولا فرق بين الصبيحة وغيرها ، ولا يجوز له إيثار احد الضرائر فيه ، وهو معنى التبعية ، الا انه يجوز له الانتشار فيه لحاجة وغير حاجة ، والدخول إلى الضرائر لحاجة وغير حاجة الا انه لا يجوز له اللبث الطويل عندهن ولا الجماع ، واختاره العلامة في التحرير الا الجماع ، فإنه استقرب جوازه ، وأبو العباس وافق المبسوط في الصبيحة.

تنبيه : على القول بمذهب المبسوط والتحرير والمقتصر يحصل الفرق بين الليل والنهار من وجه ، والمساواة بينهما من وجه ، أما الفرق : فالليل لا يجوز الدخول فيه الى الضرة ولا مع الحاجة ، بل مع الضرورة ، والنهار يجوز الدخول فيه لحاجة وغير حاجة.

واما المساواة : ففي وجوب قضاء اللبث الطويل فيهما وتحريم الجماع فيهما أيضا على اختيار المبسوط والمقتصر دون التحرير ، وعلى اختيار الشرائع والقواعد يجوز إيثار غير صاحبة الليلة بجميع نهارها ، والمعتمد مذهب المبسوط ، لأنه أقرب الى العدل وعدم الميل.

قال رحمه اللّه : ولو بات عند الأمة ليلة ثمَّ أعتقت قبل استيفاء الحرة ، قيل : يقضي للأمة ليلة ، لأنها ساوت الحرة ، وفيه تردد.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد مما قاله

ص: 163


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب القسم والنشوز ، حديث 1.

الشيخ من أنها ساوت الحرة ، ومن انهما لم يتساويا الا بعد استيفاء الأمة لحقّها فلا يجب لها غيره حتى تستوفي الحرة حقها أيضا ، ثمَّ تصير القسمة بينهما بالسوية ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو سيق اليه زوجتان أو [ثلاث] زوجات في ليلة ، قيل : يبتدي بمن شاء ، وقيل : يقرع ، والأول أشبه والثاني أفضل.

أقول : سبق (1) البحث في هذه المسألة ، وانه مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، واختاره المصنف هناك ، فهنا مبني على مذهبه من عدم الوجوب حتى يبتدي بها.

قال رحمه اللّه : وتسقط القسمة بالسفر وقيل : يقضي سفر النقلة والإقامة دون سفر الغيبة.

أقول : ظاهر المصنف سقوط القسم في السفر مطلقا ، سواء كان للنقلة ، كمن يريد الانتقال من بلد الى آخر أو سفر عينه (2) ورجوع فعنده إذا استصحب بعض نسائه في السفر لا قضاء للبواقي مطلقا ، لأن زمان السفر ليس داخلا في القسم ، ونقل وجوب القضاء في سفر النقلة والإقامة أي زمان الإقامة المنوية التي يجب فيها إتمام الصوم والصلاة ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن سفر النقلة والتحويل لا يختص بإحداهن ، فإذا خص واحدة منهن قضا للبواقي ، وأيام الإقامة ليست من أيام السفر ، فاذا خص بها إحداهن قضا للبواقي ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويستحب ان يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن ، وهل يجوز العدول عمن خرج اسمها الى غيرها؟ قيل : لا ، لأنها تعينت للسفر ،

ص: 164


1- ص 161.
2- «م» «ن» «ر 1» : غيبة.

وفيه تردد.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط لتعينها بالقرعة والا لانتفت فائدة القرعة ، وتردد المصنف من ان هذا الزمان ليس داخلا في القسم ، فللزوج ان يتخير من شاء للخروج معه ، والأصل بقاء هذا التخيير ، لأن القرعة لا توجب ما ليس بواجب ، ولو أراد ترك من خرج اسمها والسفر وحده جاز إجماعا.

قال رحمه اللّه : ولو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج ، هل يلزم؟ قيل : لا ، لأنه حق لا يتقوم منفردا فلا يصح المعاوضة عليه.

أقول : هذا قول الشيخ رحمه اللّه ، لأن المعوض عنه كون الزوج عندها وهو لا يقابله عوض ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولا يوجد فيه خلاف ، وانما لم يجزم لاحتمال الجواز ، لأنه حق يقبل النقل بالهبة إجماعا ، وكلما يقبل النقل بالهبة يقبل النقل بالعوض ، والأول هو المعتمد ، وجزم به العلامة في القواعد ، ونقله في التحرير كنقل المصنف هنا.

ص: 165

ص: 166

في النشوز

قال رحمه اللّه : وصورة الهجر أن يحول إليها ظهره في الفراش ، وقيل : ان يعتزل فراشها ، والأول مروي.

أقول : لا خلاف في جواز الهجر مع ظهور امارة النشوز لقوله تعالى : ( وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (1) وانما الخلاف في كيفيته ، قال ابنا بابويه : يحول ظهره إليها في المضجع ليتحقق (2) الهجران به ، لأن الأمر المطلق لما (3) يقبل الشدة والضعف ، إنما (4) يحمل على أضعف مراتبه ، وأقلها تحويل الظهر في الفراش ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : يعتزل فراشها. قال العلامة في المختلف : وكلاهما جائز ، ويختلف ذلك باختلاف الحال في السهولة والطاعة وعدمهما ، وهو مذهبه في التحرير أيضا ، وهو المعتمد ، وفي القواعد نقل لفظ

ص: 167


1- النساء : 34.
2- «م» «ن» : لتحقق.
3- «ن» : لا ، وفي «م» و «ر 1» : بما.
4- في الأصل : اما.

المصنف هنا (فإنه قال : فان رجعت والا هجرها في المضاجع بأن يحول ظهره إليها في الفراش وقبل ان يعزل فراشها ، ولا يجوز له ضربها حينئذ ، فإن تحقق النشوز وامتنعت من حقه جاز له ضربها بأول مرة ، ويقتصر على ما يرجو الرجوع به ، ولا يبرح ولا يدمي انتهى) (1).

وليس الهجر قبل الوعظ فاذا تحقق النشوز والامتناع من حقه جاز الضرب ، ولا يجوز قبل ذلك ، لأن تقدير الآية : فعظوهن ان وجدتم امارة النشوز واهجروهن ان امتنعن واضربوهن إن أصررن على الامتناع من الحق.

وصورة الوعظ ان يقول : (اتقي اللّه فإن حقي عليك واجب واللّه يعاقبك على تركه) وما أشبه ذلك.

ص: 168


1- ما بين القوسين موجود في هامش الأصل ولم يذكر كونه من المتن وغير موجود في بقية النسخ.

في الشقاق

قال رحمه اللّه : وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر انه تحكيم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا ان ذلك تحكيم ، لأنهم رووا ان لهم الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد استئذانهما ، ولو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة بحسب شرطهما.

وبه قال ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله الشيخ ، ولقوله تعالى ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما ) (1) سماهما حكمين ، وجعل الإرادة لهما دون الزوجين ، ولو كانا وكيلين لم يكن لهما أراده ، لأن فعل الوكيل تابع لإرادة الموكل.

وقال ابن البراج في الكامل : ان بعثهما على سبيل التوكيل ، لأن البضع حق الزوج ، والمال حق المرأة ، فليس لأحد الحكمين ان يتصرف فيه الا بولاية عليهما أو وكالة عنهما ، وهما رشيدان ، فلم يكونا الا وكيلين ، ثمَّ رجع في كتابه المهذب

ص: 169


1- النساء : 35.

الى المذهب الأول ، لأنه لا امتناع من إثبات الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق.

ص: 170

في أحكام الأولاد

قال رحمه اللّه : وان لا يتجاوز أقصى الوضع وهو تسعة أشهر على الأشهر ، وقيل : عشرة أشهر ، وهو حسن يعضده الوجدان في كثير ، وقيل : سنة ، وهو متروك.

أقول : القول بالتسعة هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس وظاهر المصنف ، والقول بالعشرة حكاه ابن حمزة ، واستحسنه المصنف ، واختاره العلامة في أكثر كتبه وأبو العباس في مقتصره ، والقول بالسنة هو قول السيد في الانتصار ، وحكاه ابن حمزة ، وهو متروك ، ومستند الجميع ظاهر الروايات (1) ، والمعتمد اختيار ابي العباس.

قال رحمه اللّه : ولو وطأ أمته ووطأها آخر فجورا الحق الولد بالمولى ، ولو حصل مع ولادته امارة يغلب بها الظن انه ليس منه قيل : لم يجز له الحاقه به ولا نفيه ، بل ينبغي ان يوصي له بشي ء ولا يورثه ميراث الأولاد ، وفيه تردد.

ص: 171


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب أحكام الأولاد ، وكتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم رواية عبد اللّه بن سنان «ان رجلا من الأنصار أتى الصادق عليه السلام ، فقال له : اني ابتليت بأمر عظيم ان لي جارية كنت أطأها ، فوطئتها يوما وخرجت في حاجة بعد ما اغتسلت منها ونسيت نفقة يوم لي فرجعت الى المنزل فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية ، فقال عليه السلام : لا ينبغي لك ان (تقدمها ولا تنفيها) (1) ، ولكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيا ، ثمَّ أوص عند موتك ان ينفق عليها من مالك حتى يجعل اللّه لك ولها مخرجا» (2).

وتردد المصنف من انه اما ان يكون سبب الالتحاق موجودا فيجب الإقرار ، ولا تعارضه الأمارة ، لأنها ليست سببا صالحا لنفي الولد ، واما ان لا يوجد السبب فيجب النفي ولا عبرة بالأمارة ، ومضمون هذه الرواية مناف لهذين الأصلين ، فأوجب له التردد.

ص: 172


1- «م» «ن» «ر 1» : تقربها ولا تبيعها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

في أحكام الولادة

قال رحمه اللّه : وهل تجب العقيقة؟ قيل : نعم ، والوجه الاستحباب.

أقول : المشهور الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، وقال السيد المرتضى وابن الجنيد بالوجوب لما رواه علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح عليه السلام «قال : العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولد ، وان أحب ان يسميه من يومه فعل» (1).

وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم» (2) وعن أبي خديجة ، عن الصادق عليه السلام «قال : كل مولود مرتهن بالعقيقة» (3)

وأجيب بشدة الاستحباب ، وروي عن الباقر عليه السلام «قال : إذا ذبحت العقيقة ، فقل : بسم اللّه وباللّه والحمد لله واللّه أكبر إيمانا باللّه وثناء على

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 2.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، والعظمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت ، وان كان ذكرا فقل : اللّهم انك وهبت لنا ذكرا وأنت اعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت وكل ما صنعنا ، فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى اللّه عليه وآله واخسأ عنا الشيطان الرجيم لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين» (1).

ص: 174


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 46 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 4.

في الحضانة

قال رحمه اللّه : فلا يجب على الأم إرضاع الولد ولها المطالبة بأجرة إرضاعه ، وله استيجارها إذا كانت بائنا ، وقيل : لا يصح ذلك وهي في حباله ، والوجه الجواز.

أقول : أطلق الأصحاب عدم وجوب (1) الرضاع على الأم ، وعدم إجبارها عليه ، وقال العلامة في القواعد : تجبر على إرضاع اللبأ ، لأن الولد لا يعيش بدونه ، وهو المعتمد ، إلا انها تستحق الأجرة عليه جمعا بين الحقين ، فان اختارت بعد إرضاع اللبإ إرضاعه ، والّا لم تجبر عليه لقوله تعالى ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (2) ، وان أرضعته غير متبرعة استحقت الأجرة سواء كانت في حباله أو بائنة عنه على المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (3).

ص: 175


1- من «م» و «ن» و «ر 1».
2- الطلاق : 6.
3- الطلاق : 6.

وقال الشيخ في المبسوط : ان كانت في حباله لم تستحق أجرة ، لأن منافعها في كل وقت مستحقة للزوج لعقد النكاح فيما يرجع الى أحكام الوطي وتوابعه ، وإذا ملك جميع المنافع لم ينعقد الإجارة ، كما لو استأجر غيره لعمل شهر ، ثمَّ استأجره للعمل ذلك الشهر بعينه ، فإن الثاني باطل ، وان كانت مطلقة طلاقا لا يملك الزوج الرجعة فيه فلها ان تعقد على نفسها لرضاع ولدها. الى هنا كلام الشيخ.

وأجاب العلامة بالمنع من تملك الزوج لمنافعها ، وتملكه لوجوه الاستمتاع لا يقتضي تملكه للاسترضاع.

قال رحمه اللّه : لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب ، لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة على تردد.

أقول : المشهور ان القول قول الأب ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، وتردد المصنف من ان دعواه تتضمن سقوط حق الأم من الرضاع والأجرة ، وهي منكرة ، فيكون القول قولها لعموم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (1).

ومن ان إنكارها لوجود المتبرعة يتضمن إثبات الأجرة في ذمة الأب ، والأصل براءة الذمة ، فصارت هي المدعية ، لأنها مدعية خلاف الأصل ، فيكون القول قول مدعي الأصل.

وتعليل المصنف بأنه يدفع عن نفسه الأجرة يريد ما حققناه من ان دعواه مطابقة للأصل ودعواها مخالفة له ، فيكون هي المدعية على تعريفهم ان المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل.

قال رحمه اللّه : فاذا فصل فالوالد أحق بالذكر ، والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ

ص: 176


1- مستدرك الوسائل 17 : 368 ، حديث 4 (21601).

سبع سنين ، وقيل : تسعا ، وقيل : الأم أحق بها ما لم تتزوج ، والأول أظهر.

أقول : الحضانة ولاية وسلطنة على تربية الولد لكنها بالأنثى أليق ، فإذا افترق الأبوان وبينهما ولد فتنازعا في حضانته ، فان كان بالغا رشيدا فأمره إلى نفسه ينضم الى من شاء ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، ولا حق للأبوين فيه الا انه يكره للأنثى (مفارقتها لأمها) (1) ما لم تتزوج الأم أو البنت.

وان كان طفلا فالأم أحق بالذكر مدة الرضاع ، وبالأنثى إلى سبع سنين ، ثمَّ يصير الأب أولى ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج في الكامل ، وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في الخلاف : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت حتى تتزوج - يعني الأم - فإذا تزوجت الأم سقطت حضانتها ، وبه قال ابن الجنيد.

وقال ابن البراج في المهذب : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت الى تسع.

واستدل الجميع بالروايات (2).

قال رحمه اللّه : فان فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب ، فإن عدم ، قيل : كانت الحضانة للأقارب ، وترتبوا ترتيب الإرث نظرا الى الآية ، وفيه تردد.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (3).

وتردد المصنف من قول الشيخ ، ومن ان الحضانة حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية ، ومنع ابن إدريس من حضانة غير الأب والأم ، ومع فقدهما

ص: 177


1- «م» «ر 1» : مفارقة أمها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 81 من أبواب أحكام الأولاد.
3- الأنفال : 75.

الجد للأب ، ونسب قول الشيخ الى تخريجات المخالفين ، والعلامة اختار مذهب الشيخ ، وهو المعتمد.

فرع : إذا سقطت حضانة الأم لتزويجها أو لانتهاء المدة لم يمنع من الاجتماع بأمه ، فالذكر يذهب إليها ، والجارية تأتي أمها إليها من غير اطالة ولا انبساط في بيت مطلقها ، ولو فعلته كان مكروها غير محرم ، ولو مرض الولد لم تمنع الأم من تمريضه ، ولو مرضت الأم لم يمنع الولد من التردد إليها ذكرا كان أو أنثى ، ولو مات الولد حضرته امه وتولت أمره وإخراجه ، ولو ماتت الأم حضرها الولد.

قال رحمه اللّه : إذا طلبت للرضاع الأم أجرة زائدة على غيرها فله تسليمه الى الأجنبية ، وفي سقوط حضانة الأم تردد ، والسقوط أشبه.

أقول : منشؤه من ان الحضانة والرضاعة حقان متغايران ، ولا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر ، ومن حصول الضرر على الطفل بنقله كل يوم من الأم إلى المرضعة ومنها إلى الأم ، فيشوش الولد لذلك ، ولأنها لما أسقطت حقها من الرضاع بطلب الزيادة كانت مسقطة لحقها من الحضانة لكونها تابعة للرضاع ، والمصنف اختار السقوط ، وفخر الدين اختار عدمه ، وهو اختيار العلامة في التحرير الا ان يتعذر حمل الصبي إلى المرضعة ويتعذر مجيئها الى امه لترضعه عندها فتسقط الحضانة حينئذ ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوجت سقطت حضانتها فان طلقها رجعية فالحكم باق وان بانت منه ، قيل : لم ترجع حضانتها ، والوجه الرجوع.

أقول : القائل بعدم الرجوع ابن إدريس ، لأن ولايتها قد زالت بالتزويج وعودها يحتاج الى دليل ، وقال الشيخ : تعود الولاية بالطلاق البائن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لزوال المانع بزوال التزويج ، ولأن الحضانة جعلت إرفاقا بالصبي ، فإذا تزوجت الأم خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن

ص: 178

الحضانة للطفل ، لأنها ربما منعت الزوج بعض حقوقه لو حضنته ، فاذا طلقت زال المانع فتعود الولاية.

ص: 179

ص: 180

في النفقات

قال رحمه اللّه : وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين.

أقول : منشؤه من ان مطلق العقد غير كاف في وجوب النفقة كسقوط (1) نفقة الناشز إجماعا ، فصار مشروطا بالتمكين فلا يجب قبله لأصالة براءة الذمة ما لم يعلم السبب الشاغل لها ، وهو غير متحقق قبل التمكين.

ومن عموم الآيات (2) والروايات (3) الدالة على وجوب النفقة بالعقد حتى يتحقق النشوز ، والمعتمد عدم الوجوب قبل التمكين ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير والإرشاد.

ويتفرع على الاحتمالين فروع :

الأول : لو تعاقد النكاح ولم يطالبها ولا بذلته بأن (4) قالت : (سلمت نفسي

ص: 181


1- «م» «ن» «ر 1» : لسقوط.
2- البقرة : 233 ، الطلاق : 7 ، النساء : 3 و 34.
3- الوسائل ، كتاب النكاح باب (1 ، 2 ، 4 ، 6) من أبواب النفقات.
4- «م» «ن» «ر 1» : فإن.

إليك) بل سكتا ومضى زمان ، لم يكن لها نفقة عن ذلك الزمان على القول باشتراط التمكين ، لأن النفقة تجب بالتمكين لا بإمكانه ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز يجب نفقة ذلك الزمان لعدم تحقق النشوز قبل الطلب والامتناع.

الثاني : لو سافر قبل التمكين لم يستحق شيئا على اشتراطه ، فان حضرت عند الحاكم وبذلت التمكين لم تستحق شيئا قبل اعلامه ووصوله أو وكيله ، ويجب عليه (1) المبادرة بعد العلم ، وان علم ولم يبادر ولم ينفذ وكيلا مع الإمكان سقط عنه بقدر وصوله والزم بما زاد.

الثالث : لو تنازعا في التمكين كان عليها إقامة البينة على القول بأنه شرط ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز كان عليه إقامة البينة بالنشوز.

قال رحمه اللّه : أما لو كانت كبيرة وزوّجها صغيرا قال الشيخ لا نفقة لها ، وفيه إشكال ، منشؤه تحقق التمكين من طرفها ، والأشبه وجوب الإنفاق.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف إذا كان الزوج كبيرا والمرأة صغيرة أو بالعكس ، فلا نفقة ، وتبعه ابن البراج في المهذب لأصالة براءة الذمة.

وقال ابن الجنيد بسقوط النفقة عن الزوج مع صغر الزوجة وان كان الزوج كبيرا ، ووجوبها للزوجة الكبيرة وان كان الزوج صغيرا. وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

أما سقوط نفقة الصغيرة ، لأن الموجب للنفقة التمكن (2) التام المستند الى العقد الصحيح ، وهو غير معلوم الثبوت هنا ، وإذا لم يعلم وجود السبب لم يعلم وجود المسبب.

وأما وجوب النفقة للكبيرة مع صغر الزوج إذا حضرت عند الحاكم وبذلت

ص: 182


1- في الأصل : عليها.
2- «م» «ن» «ر 1» : التمكين.

التمكين فلوجود المقتضي ، وهو التمكين التام من طرفها المستند الى العقد الصحيح ، وتعذر الوطي من طرفه لا يسقط حقها مع تمكينها كالمريض.

قال رحمه اللّه : وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، نعم لو كانت المطلقة حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وكذا السكنى ، وهل النفقة للحمل أو لأمّه؟ قال الشيخ رحمه اللّه : هي للحمل ، وتظهر الفائدة في مسائل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : قيل : فيه قولان أحدهما النفقة لها لأجل الحمل ، وهو أصحهما عند المخالف ، والثاني النفقة للحمل وهو أقواهما عندي ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنها لو كانت حائلا لم يكن لها نفقة ، وإذا كانت حاملا كان لها النفقة ، وهي دائرة معه وجودا وعدما فتكون له ، ولأنه لما كانت النفقة له إذا كان منفصلا ، فهي له إذا كان متصلا.

احتج المخالف بأن نفقتها مقدرة بحال الزوج وكانت لها دون الحمل ، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة ، فلما كانت نفقتها مقدرة دل على انها للزوجة ، ولأنها لو كانت للحمل لوجبت على الجد مع فقد الأب ، فلما لم تجب عليه دل على انها لها.

وفائدة الخلاف تظهر في أماكن.

أ - إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد ثمَّ ابانها الزوج ، فعلى القول بأنها للحمل ، نفقتها على سيدها ، لأنه مالك الولد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي على الزوج.

ب - إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ، ثمَّ اشترط سيده رق الولد لنفسه ثمَّ ابانها وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على سيد العبد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي اما على سيده أو في كسب العبد على الخلاف.

ج - إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ولم يشترط سيده رق الولد ثمَّ ابانها وهي

ص: 183

حامل فالولد هنا حر ، فعلى القول بأن النفقة للولد فهي على الزوجة ، لأن المملوك لا يجب عليه نفقة أقاربه ، ومن قال للزوجة فهي في كسب العبد أو في ذمة مولاه على الخلاف.

د - إذا كان النكاح فاسدا فافترقا لفساد النكاح وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على أبيه ، وعلى القول بأنها للزوجة فليس عليه شي ء ، لأن النفقة للمعتدة من نكاح صحيح دون النكاح الفاسد ، وانما يتساوى الصحيح والفاسد في لحوق النسب خاصة وسقوط الحد.

ه - لو أخر الدفع ومضى زمان علم فيه الحمل وجب القضاء على القول بأنها للزوجة ، ولا يجب على القول بأنها للحمل ، لأن نفقة الأقارب لا تقضى.

و - لو لم ينفق عليها ثمَّ أسقطت الحمل فعلى القول بأنها للزوجة بشرط الحمل ترجع عليه بالنفقة من حين الطلاق الى حين الأسقاط ، وعلى القول بأنها للحمل لم ترجع عليه بشي ء ، ولو أنفق عليها ثمَّ أسقطت لم يرجع عليها بشي ء على القولين ، وتسقط النفقة بعد الاسقاط على القولين أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان أشهرهما انه لا نفقة لها ، والأخرى ينفق من نصيب ولدها.

أقول : الرواية المتضمنة للنفقة رواية أبي الصباح (1) الكناني ، عن الصادق عليه السلام «قال ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها» (2) وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح والرواية المتضمنة لعدم النفقة حسنة الحلبي ، عن الصادق عليه السلام «قال : المرأة الحبلى

ص: 184


1- «م» «ن» «ر 1» : الصلاح.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب النفقات ، حديث 1.

المتوفى عنها لا نفقة لها» (1) وبمضمونها افتى الحسن بن أبي عقيل وابن إدريس ، وهو اختيار العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم وجوب النفقة في مال الغير ما لم يحصل الدليل الشرعي ، ولأن الحمل لا يملك مستقرا ، بل ملكه مشروط بانفصاله حيا ، وهو غير متحقق لجواز سقوطه ميتا ، فيرجع نصيبه إلى باقي الورثة ، فيكون هذا الإنفاق قبيحا لاشتماله على التغرير بمال الغير ، ولأن نسبة الملك الى الحمل على سبيل المجاز ، وانما يجب الإنفاق فيما يملكه المنفق حقيقة ، وهو قبل انفصاله لم يملك شيئا حقيقة.

قال رحمه اللّه : وفي تقدير الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ، ومنهم من لم يقدر واقتصر على سد الخلة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ - التقدير بحال الزوج لا بحالها ، فان كان موسرا فعليه مدان في كل يوم ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فمد ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ب - قوله في الخلاف ، وهو التقدير بمد للموسر والمعسر ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم.

ج - قول ابن إدريس ، قال : نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه ، فإنه ذهب الى أنها مقدرة ، ومبلغها مد ، وقدره رطلان وربع ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، وهذا عجيب منه رضي اللّه عنه والسبر بيننا وبينه ، فان أخبارنا لم يرد فيها خبر بتقدير نفقة ، وأما أصحابنا المصنفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة الا من قلده

ص: 185


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب النفقات ، حديث 1 (مع اختلاف يسير).

وتابعه ، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، أي بما يتعارف الناس ، وأيضا الأصل براءة الذمة من التقدير ، فمن ادعى شيئا بعينه فإنه يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة (2). الى هنا كلام ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح ، ولو أخلقتها قبل المدة لم يجب عليه بدلها ، ولو انقضت المدة والكسوة باقية طالبته بكسوة لما يستقبل.

أقول : تحقيق هذا الكلام يحتاج إلى معرفة الأصل الذي يبنى عليه وهو ان الكسوة هل هي إمتاع أو تمليك؟ يحتمل الأول ، لأن المقصود من الكسوة يحصل بالإمتاع دون التمليك ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب التمليك فيكون امتاعا كالمسكن ، وجزم به العلامة في الإرشاد.

ويحتمل الثاني لعطف الكسوة على الرزق في الآية ، وهي قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، ولا شك في تمليك الرزق فكذلك الكسوة للعطف عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه في شرحه.

إذا عرفت هذا ، فاذا دفع إليها كسوة لمدة كما فرضه المصنف فاخلقتها قبلها ، فالعلامة في القواعد بنى استحقاق المطالبة بغيرها قبل انقضاء المدة ، وعدمه على القولين ، جعل لها المطالبة على القول بالامتناع ، والعدم على القول بالتمليك ، ومع انقضاء المدة والكسوة باقية أوجب لها غيرها على القول بالتمليك ، ولم

ص: 186


1- النساء : 19.
2- السرائر 2 : 655.
3- البقرة : 233.

يوجب شيئا على القول بالإمتاع ، ثمَّ فرّع على المذهبين ما لو طلقها أو مات أحدهما قبل مضي المدة ، فعلى القول بالإمتاع تكون الكسوة للزوج ، وعلى القول بالتمليك يحتمل اختصاصها بها كما لو دفع لها نفقة يوم ثمَّ طلقها أو مات أحدهما قبل مضيه ، فإنها تملك مجموع النفقة إجماعا ، فكذلك الكسوة ، ويحتمل التشريك على قدر المدة (1) بين الماضية والمستقبلة ، وهو اختيار فخر الدين ، ويكون للزوجة أو ورثتها ما قابل الماضية ، وللزوج أو ورثته ما قابل المستقبلة ، لأنه إنما ملكها إياها لمجموع المدة بسبب الزوجية المقتضية لوجوب الكسوة.

وقد ظهر انتفاء الزوجية في بعضها ، فوجب ان يكون مقسومة على المدتين فان كان الماضي نصف المدة كان لها نصف ما بقي من الكسوة ، وان كان ثلث المدة كان لها ثلث الباقي ، وهكذا.

فاذا تحقق هذا كان كلام المصنف متناقضا ، لأنه منعها من غيرها إذا أخلقتها قبل مضي المدة المضروبة ، وأوجب عليه غيرها بعد المدة وان كانت الأولى باقية ، وهو بناء على القول بالتمليك ، كما قاله العلامة في قواعده ، ثمَّ قال المصنف : (ولو سلم إليها نفقة لمدة ثمَّ طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف الا نصيب يوم الطلاق ، اما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقص المدة المضروبة لها) وانما يستعاد مجموع الباقي من الكسوة على القول بأنها إمتاع على ما تقدم من كلام العلامة ، فقد ظهر مناقضة كلام المصنف رحمه اللّه.

قال رحمه اللّه : ولا ينفق على بائن غير المطلقة [الحامل] ، وقال الشيخ : ينفق لأن النفقة للولد.

أقول : البائن غير المطلقة كالمعتدة من نكاح الشبهة أو الملاعنة إذا كانت حاملا ثمَّ اعترف بالحمل ، قال الشيخ : ينفق عليها ، لأن النفقة للحمل ، وقد

ص: 187


1- «م» «ن» «ر 2» : المدتين.

سبق (1) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : نفقة زوجة المملوك تتعلق برقبته ان لم يكن متكسبا ويباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه ، وقال آخرون : يجب في كسبه ، ولو قيل : يلزم السيد لوقوع العقد بأذنه كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا تزوج بإذن مولاه وكان متكسبا فالنفقة في كسبه ويكون اذن السيد في التزويج إذنا في تعلق نفقة الزوجة بكسبه ، وان لم يكن متكسبا قال قوم : يتعلق برقبته ، لأن الوطي في النكاح بمنزلة الجناية ، ومنهم من قال : يتعلق بذمته ، لأنه حق لزم باختيار من له الحق ، فكان في ذمته كالقرض ، والأول أليق بمذهبنا.

ثمَّ قال : فمن قال : يتعلق برقبته على ما اخترناه قال ان أمكن ان يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وان لم يمكن بيع كله كما قيل في الجناية ووقف ثمنه ينفق عليها منه ، وقد انتقل ملك سيده عنه الى ملك سيد آخر.

وقال ابن إدريس : النفقة على السيد ، لأنه اذن في شي ء فيلزمه توابعه.واختاره المصنف والعلامة.

وقال ابن حمزة : إذا كان العبد مكتسبا تخير السيد بين جعل النفقة من كسبه والإنفاق من خالص ماله. واختاره العلامة في المختلف ، لأن السيد مخير في جهات القضاء كالدين ، وهو قول ابن إدريس ، لأن كسب العبد مال السيد ، فان وفى بالنفقة ، وإلا تممه السيد من خاصه (2).

قال : وقال رحمه اللّه : ولو كان مكاتبا لم تجب نفقة ولده من زوجته ويلزمه نفقة الولد من أمته ، لأنه ماله ، ولو تحرر منه شي ء كانت نفقته في ماله

ص: 188


1- ص 184.
2- «ن» «ر 1» : خاصته.

بقدر ما تحرر منه.

أقول : الضمير في قوله (قال رحمه اللّه) عائد إلى الشيخ رحمه اللّه ، وهذه المسألة لم أجد فيها خلافا ، الا ان المصنف نقلها عن الشيخ وكذلك العلامة في التحرير ، وجزم بها في القواعد ، والمراد بالزوجة المنكوحة بالعقد سواء كانت حرة أو امة أو مكاتبة ، فان ولده منها لا يجب نفقته عليه ، لأن نفقة الأقارب انما تجب مع اليسار ، والمكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يتحرر منه شي ء غير موسر ، لأن جميع ما في يده لسيده ، ولهذا لو رد في الرق كان الجميع له ، فان كانت الأم حرة كانت النفقة عليها مع يسارها ، ومع إعسارها أو فقدها وفقد من يقوم مقامها من الأجداد فعلى بيت المال ، وان كانت امة أو مكاتبة فالنفقة تابعة لملك الولد ، فمن كان ملكه كانت نفقته عليه ، واما وجه وجوب نفقته على ولده من أمته ، لأن المكاتب له ابتياع الرقيق ، لأن له تنمية المال ، فاذا ابتاع امه لم يجز له وطأها ، لأن في ذلك تغريرا لمال سيده ، فان اذن له جاز فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فالولد لاحق به ، اما مع الاذن فظاهر ، واما مع عدمه فلحصول الشبهة فهو وطي لا يجب فيه الحد ، وكل وطي يسقط فيه الحد عن الوطئ فالنسب لاحق به والولد هنا مملوك ، لأنه تولد من مملوكين ، فيكون مملوكا لأبيه (1) ، لأنه ولد أمته ، ولا يعتق عليه ، لأنه ناقص الملك ، ولا يجوز له بيعه ، لأن الشرع منع من بيع الآباء والأولاد ، ولا يملك عتقه ، لأن فيه إتلاف لمال سيده ، بل يوقف فإن أدى الأب وتحرر تحرر الولد ، وان استرق الأب استرق الولد ، وعليه نفقته ، لأن المكاتب يجب عليه نفقة رقيقه ، لأن التنمية لا يحصل الا بها.

ولو تحرر من الأب شي ء كان عليه من نفقة ولده من الحرية بقدر ما تحرر منه ، والباقي على الأم.

ص: 189


1- «ر 1» : لابنه.

ص: 190

في نفقة الأقارب

قال رحمه اللّه : تجب النفقة على الأبوين ، والأولاد إجماعا وفي وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد ، أظهره الوجوب.

أقول : فتاوي الأصحاب كلها متطابقة على وجوب الإنفاق على الأبوين وان علوا والأولاد وان نزلوا ، وتردد المصنف فيما علا من الآباء لعدم صدق الأبوة عليهم حقيقة وان صدقت مجازا ، ولأصالة براءة الذمة وهو مذهب مالك ، والمعتمد الأول.

وأوجبها الشيخ لكل وارث والمعتمد الاقتصار على العمودين.

قال رحمه اللّه : ويشترط في وجوب الإنفاق الفقر وهل يشترط العجز عن الاكتساب؟ الأظهر اشتراطه.

أقول : وجه الاشتراط قد ذكره المصنف ، ووجه عدم الاشتراط صدق اسم الفقر عليه ، لأن الفقير هو الأذى لا مال له ، وهذا كذلك ، والمعتمد الاشتراط ، والمراد التكسب اللائق بحاله ، فلو كان قادرا على مكسب غير لائق بحاله ولا مروءته وجب الإنفاق عليه ولا يكلف ذلك ، وعلى القول ان المتكسب

ص: 191

غني لا يجب عليه الإنفاق على قريبه المعسر ، ويجب عليه التكسب لذلك.

تنبيه : قال فخر الدين رحمه اللّه : فائدة : المانع من الإرث كالرق والقتل والكفر مانع من وجوب الإنفاق ، قلت : اما الرق فمسلم لا نزاع فيه ، واما الكفر فجميع الأصحاب أوجبوا النفقة على القريب وان كان كافرا ، وبه قال أبوه في قواعده وتحريره ، وأما القتل فإنما يتصور الإنفاق بعده من المتقرب اليه بالمقتول ، ولم يتعرض الأصحاب لإسقاط نفقة القريب لغير الرق ، لأنها تجب على مولاه دون قريبه ، فاذا حصل القرابة والفقر وجبت النفقة على القريب الغني ما لم يعلم سقوطها ، وهو غير معلوم بغير الرق ، فيثبت الوجوب.

ص: 192

كتاب الطلاق

اشارة

ص: 193

ص: 194

في المطلق

قال رحمه اللّه : فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه عشرا ، وفيمن بلغ عشرا عاقلا وطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الصدوق في كتابه عن زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته؟ قال : إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس» (1) ، وهو جائز ، ورواية ابن بكير عن الصادق عليه السلام ، «قال يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين» (2) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن البراج وابن حمزة ، ومنعه ابن إدريس لضعف سند الرواية ، لأن سماعة واقفي ، وابن بكير ملعون كذاب ، وهو واقفي أيضا ، مع المعارضة بروايات (3) أصح طريقا ، وكون الصبي محجورا عليه قبل البلوغ ، فلا يصح طلاقه قبل البلوغ وهو المعتمد.

ص: 195


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 32 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 7 - والفقيه ، كتاب الطلاق ، باب 157 في طلاق الغلام حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 32 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 6.
3- في «م» و «ن» و «ر 1» : (برواية). لاحظ المصدر المتقدم.

قال رحمه اللّه : فلو بلغ فاسد العقل(1) طلق وليه مع مراعاة الغبطة ومنع منه قوم ، وهو بعيد.

أقول : جواز طلاق الولي عمن بلغ فاسد العقل مع مراعاة الغبطة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الحاجة تشتد إليه وتدعو الضرورة إلى إيقاعه ، وهو غير ممكن من المجنون (2) لسلب أهلية التصرفات عنه ، فلو لم يشرع للولي ذلك لزم الضرر الدائم على المجنون ، وعلى الزوجة أيضا وهو منفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (3) ، ولهم عليه روايات (4).

ومنع ابن إدريس ، لقوله عليه السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (5) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وتجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأصح.

أقول : منع الشيخ في النهاية ، وابن حمزة وابن البراج من وكالة الحاضر في البلد ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق» (6) ، قال الشيخ في التهذيب والإستبصار (7) : وهذا الحديث لا ينافي

ص: 196


1- وفي نسخة في الأصل زيادة في المتن بعد قوله (رحمه اللّه) فاسد العقل : فيطلق عنه الولي مع الغبطة ، فإن فقد فالوصي ، فإن فقد فالحاكم ، فلو تجدد جنونه بعد عقله ورشده فالولاية عليه للحاكم.
2- في الأصل الجنون وباقي النسخ على ما أثبتناه.
3- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 ، وكتاب المواريث ، باب موانع الإرث ، حديث 12. وفي «م» : (ولا إضرار) بدل (ولا ضرار).
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 35 من أبواب مقدمات الطلاق.
5- كنز العمال : ج 5 ، ص 155 ، حديث 3151.
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 5. وفي الأصل زيادة قوله (لحاضر) في ذيل الرواية.
7- هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.

الأخبار الأولة (1) ، لأنا نحمل هذا الخبر على الحال التي يكون الرجل فيها حاضرا غير غائب عن بلده ، فإنه متى كان الأمر كما وصفناه لم تجز وكالته في الطلاق.

وابن إدريس يجوز (2) الوكالة مطلقا ، وهو المعول (3) عليه عند المتأخرين ، لأصالة الصحة ، ولعدم اشتراط وقوعه من مباشر معين ، فاذا جاز (4) الوكالة للغائب جاز للحاضر ، ولهم عليه روايات (5) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ : لا يصح ، والوجه الجواز.

أقول : حجة الشيخ (رحمه اللّه) أن القابل لا يكون فاعلا ، وهي (6) مفعول بها (7) الطلاق فلا تكون فاعله ، وجوزه ابن إدريس والمتأخرون ، لأن كل فعل قبل النيابة لا يشترط فيه خصوصية النائب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وكذا لو قال : طلقي واحدة فطلقت ثلاثا ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف ، بعدم وقوع شي ء لمخالفتها أمر الموكل ،

ص: 197


1- في «م» : الدالة.
2- في النسخ : (جوز).
3- في الأصل و «م» : المعمول.
4- كذا
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدماته وشرائطه.
6- في الأصل : وهي.
7- هذه الكلمة ليست في «ن».

واختاره فخر الدين وهو قوي ، لاختلاف الحكم بين ما أمرها به (1) وبين ما أوقعته ، لأن البائن تقتضي إسقاط النفقة والرجعة و (الطلقة) (2) ، الواحدة تقتضي ثبوتهما ، وربما كان (3) غرضه متعلق بحكم ما أمرها به ، وقد أوقعت ضده فلا يقع صحيحا.

وقيل : يقع (4) واحدة في الصورتين ، لأن الاذن في الثلاثة يستلزم الاذن في (5) الواحدة قطعا ، فاذا فعل الوكيل بعض المأمور به لا يجب عليه فعل الباقي ، ويصح ما فعله لكونه مأمورا به ، وكذلك لو أمرها بواحدة فأوقعت ثلاثا ، لأنها أوقعت المأمور به وغيره فيصح المأمور به ويبطل غيره ، واختاره المصنف والعلامة.

ص: 198


1- هذه الكلمة ليست في الأصل.
2- هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر 1».
3- ليست في الأصل.
4- في النسخ : يصح.
5- هاتان الكلمتان ليستا في الأصل.

في المطلقة

اشارة

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر ، عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض ، ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر ، عملا برواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمحصل ما ذكرناه.

أقول : اختلف علماؤنا في قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب على خمسة مذاهب (1).

الأول : عدم وجوب الانتظار وجواز الطلاق في أي وقت شاء ، وهو مذهب المفيد وسلار وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وابن أبي عقيل ، ومستندهم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «قال سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال : يجوز طلاقه على كل حال ، وتعتد المرأة من يوم طلقها (2)».

الثاني : عدم جوازه قبل مضي شهر ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه

ص: 199


1- في «ن» : أقوال.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 26 من أبواب مقدماته ، حديث 1.

قال ابن حمزة ، والمستند رواية إسحاق (1) بن عمار.

الثالث : عدم جوازه قبل مضي ثلاثة أشهر ، وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف ، لصحيحة جميل بن دراج (2).

الرابع : تحديد أقل المدة بشهر ، وأوسطها بثلاثة أشهر ، وأقصاها بخمسة أشهر أو ستة ، وهو مذهب محمد بن بابويه ، والمستند رواية إسحاق (3) بن عمار.

الخامس : اعتبار مدة يعلم انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر بحسب عادتها ، والمراد بالعلم هنا غلبة الظن المستند إلى العادة التي يعلمها من شأنها (4) ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، ووجهه الجمع بين الروايات (5) ، فاذا علم انتقالها من طهر الى آخر صح طلاقها وإن صادف الحيض ، وكذا إذا علم حيضها حالة الطلاق ، أما لو رجع من غيبته فوجدها حائضا فإنه لا يصح طلاقها ، ولو علم انتقالها في حال الغيبة من طهر الى آخر لعموم (6) منع الحاضر من طلاق الحائض.

قال رحمه اللّه : ولو كان له زوجتان أو زوجات فقال : زوجتي طالق ، فان نوى معينة صح ويقبل تفسيره ، وإن لم ينو ، قيل : يبطل الطلاق ، لعدم التعيين ، وقيل : يصح ، وتستخرج بالقرعة وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في اشتراط تعيين المطلقة بالاسم أو الإشارة أو

ص: 200


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- المصدر السابق ، حديث 7.
3- المصدر السابق ، حديث 8 إلا أنه لم يتضمن الشهر الواحد ، لكن الحديث رقم 3 المقدم يتضمن ذلك.
4- في «ن» : نسائها.
5- الوسائل ، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق.
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، لاحظ أحاديث الباب 9 والباب 25 من أبواب المقدمات.

القصد ، والمشهور اشتراطه ، وهو مذهب المفيد والسيد والشيخ في أحد قوليه ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في شرح المختصر ، وهو المعتمد.

ولم يشترطه الشيخ في موضع من المبسوط ، وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، ويكفي قوله إحدى نسائي طالق أو إحداهن (1) أو امرأتي طالق (2) ، من غير قصد ، ثمَّ يعين بعد ذلك.

احتج الأولون بأن الطلاق أمر معين فلا بد من محل معين ، لاستحالة وقوع المعين في المبهم ، ولأن توابع الطلاق كالعدة لا بد له من محل معين.

واحتج الآخرون بعموم النص (3) ، وان إحداهما زوجة وكل زوجة يصح طلاقها ، وفيه نظر ، لأن الكبرى ممنوعة وهي قولهم : وكل زوجة يصح طلاقها ، لأن من الزوجات ما لا يصح طلاقها كزوجة الصبي ، وزوجة الحاضر إذا كانت حائضا.

تنبيه :

على القول بوقوعه مع عدم التعيين ، هل الواقع سبب مؤثر في البينونة حالة الوقوع ، أو أثر له صلاحية التأثير عند وقوع(4) التعيين؟ كلاهما محتمل.

ويتفرع على ذلك فروع :

أ - يجب عليه (5) التعيين ويطالب به ويحبس عليه على الأول ، دون الثاني ، ويجب الإنفاق على الاحتمالين معا ، ولا فرق بين البائن والرجعي.

ص: 201


1- في النسخ : إحداكن.
2- هذه الكلمة في «ن».
3- الطلاق : 1.
4- هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.
5- في الأصل : عليهما ، وفي «م» : (عليه).

ب - يجب العدة من حين التلفظ بالطلاق على الأول ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط ، ومن حين التعيين على الثاني ، وهو اختيار العلامة.

ج - التعيين بالقرعة على الأول ، وهو مذهب المصنف ، وباختيار المطلق على الثاني ، وهو اختيار القواعد.

د - يحرم عليه الجميع حتى (يعين على الأول) (1) ، كما لو اشتبهت زوجته بأجنبية ، وعلى الثاني الكل زوجات يباح (2) نكاحهن حتى يعين.

ه - لو وطئ واحدة وجب تعيين الطلاق في غيرها على الأول ، ويجوز أن يعينها على الثاني.

و - الفرع الذي ذكره المصنف ، وهو قوله : هذه طالق أو هذه (3) فعلى اشتراط التعيين يبطل الطلاق ، وعلى القول (بعدمه يعين للطلاق من شاء) (4).

قال رحمه اللّه : ولو قال : هذه طالق أو هذه ، وهذه ، طلقت الثالثة ويعين من شاء الأولى أو الثانية ولو مات استخرجت واحدة بالقرعة ، وربما قيل بالاحتمال في الأولى والأخيرتين جميعا ، فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا ، والاشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة.

أقول : هذه فرع على القول بعدم اشتراط التعيين والقول بطلاق الثالثة هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنها معطوفة على المطلقة (لأنه عدل من لفظ الشك الى واو العطف فلا تشاركهما الثالثة في الشك (5) وقال بعضهم : الثالثة معطوفة على الثانية لقربها ، وهو ظاهر واختاره ابن إدريس ، فعلى الأول تطلق الثالثة قطعا ،

ص: 202


1- ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : على تعيين الأول.
2- في «ر 1» : (يباح له).
3- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
4- في «ن» بدل ما بين القوسين : بعدم التعيين يعين من شاء.
5- من «م» و «ن».

لأنها معطوفة على المطلقة) (1) في نفس (2) الأمر ويصير الترديد (3) بين الأولى والثانية يعين منهما من شاء.

وعلى القول الثاني حكم الثالثة حكم الثانية لعطفها عليها ، فيقع الترديد (4) بين الأولى وحدها وبين مجموع الثانية والثالثة ، فإن عين الأولى للطلاق كانت الثانية والثالثة زوجتين ، وإن عينهما للطلاق كانت الأولى زوجة.

قال رحمه اللّه : ولو نظر الى زوجته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : أردت الأجنبية ، قبل ، ولو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى ، فقال : سعدى طالق ، ثمَّ قال : أردت الجارة ، لم يقبل ، لأن إحداكما تصلح لهما ، وإيقاع الطلاق على الاسم يصرف إلى الزوجة ، وفي الفرق نظر.

أقول : لم يفرق الشيخ في المبسوط بين المسألتين ، لأنه قال : فرع : إذا نظر الى امرأته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : نويت الأجنبية ، لم يقع الطلاق على زوجته بلا خلاف ، ولو كان اسم زوجته زينب ، فقال : زينب طالق ، ثمَّ قال عنيت به جارتي وكان له جارة اسمها زينب ، عندنا يقبل وعندهم لا يقبل منه.

والفرق بينهما : أن قوله : إحداكما يصلح لكل واحدة منهما (لفظا ، فإذا أخبر أنه أراد إحداهما قبل منه ، وليس كذلك الأخرى ، لأنه إنما طلّق واحدة (وانها تشار لها) (5) في هذا الاسم ، لا أن اللفظ تناولهما ، وإذا كان اللفظ لا يتناول إلا واحدة فالعادة أنه لا يطلق الا زوجته ، وعندي أنه لا فرق بين الموضعين.

ص: 203


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «ن» : تعيين.
3- في النسخ : التردد.
4- في النسخ : التردد.
5- في «ن» : (وانما تشاركها). وفي «م» : (وانما شاركها).

انتهى كلام الشيخ رحمه اللّه ، وقوله : (وعندهم لا يقبل منه) إشارة إلى الجمهور ، لأنهم مجمعون على الفرق بين الصورتين ، للفرق الذي ذكره الشيخ ، ووجه اختيار الشيخ أن إحداكما يصلح لكل واحدة منهما) (1) ، كذلك الاسم إذا كان موضوعا لهما (2) ، فالفرق بينهما لا وجه له.

ص: 204


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «م» : لها.

في الصيغة

قال رحمه اللّه : لو قال : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق ، وكذا لو قال : أنت مطلقة ، وقال الشيخ رحمه اللّه : إنه يقع إذا نوى الطلاق ، وهو بعيد عن شبه الإنشاء.

أقول : لا شك في عدم وقوع الطلاق بقوله : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات ، وانما الشك في قوله : أنت المطلقة (1) ، قال الشيخ في المبسوط : قوله (أنت مطلقة) إخبار عما مضى فقط ، فان نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن تقول إنه يقع ، ومنع في الخلاف من وقوعه ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الطلاق لفظ إنشائي وضعه الشارع لازالة قيد النكاح ، فيقتصر على موضع الوضع ، لأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم المزيل له.

قال رحمه اللّه : ولو قال : طلقت فلانة [فقال : نعم] قال [الشيخ] : لا يقع ، وفيه إشكال ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم.

أقول : الضمير في قوله (قال : لا يقع) عائد إلى الشيخ رحمه اللّه ، ومراده

ص: 205


1- في «ر 1» : مطلقة.

أنه (1) لو قال : طلقت فلانة وقصد الإنشاء أنه (2) لا يقع الطلاق عند الشيخ ، قال المصنف : وفيه إشكال ، ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم. وجه استدلاله رحمه اللّه أنه لو قيل له : هل طلقت امرأتك؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق عند أكثر الأصحاب ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال فكأنه قال : طلقت امرأتي ، وإذا وقع الطلاق بما يتضمن قوله (طلقت) ، فوقوعه بالتصريح أولى.

واختار العلامة عدم الوقوع ، وهو المعتمد ، والأصل الذي بنى عليه المصنف ممنوع ، وسيأتي (3) تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ويقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالة ، وفي رواية يلقي عليها القناع فيكون ذلك طلاقا ، وهي شاذة.

أقول : المشهور أن طلاق الأخرس بالإشارة المفيدة أو الكتابة (4) إن عرفها ، وهو مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المتأخرون لما رواه أحد بن محمد بن أبي نصر ، «قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يكون عنده المرأة يصمت فلا يتكلم ، فقال : أخرس ، فقلت : نعم ، قال فيعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها؟ قلت : نعم ،  أيجوز له أن يطلق عنه وليه؟ قال : لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت أصلحك اللّه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي يعرف به من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها وبغضه لها» (5) وقال ابنا (6) بابويه : والأخرس إذا أراد أن يطلق ، ألقى على امرأته قناعا

ص: 206


1- ليست في «م».
2- ليست في «ن» و «ر 1».
3- ص 208.
4- «ر 1» : والكتابة.
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 1.
6- في «ن» : ابن.

يرى أنها قد حرمت عليه ، فاذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى أنها قد حلت له ، واحتجا بما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام «قال : طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثمَّ يعتزلها» (1) ، وكذا روى أبو بصير (2) عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : يقع بالكتابة إذا كان غائبا عن الزوجة ، وليس بمعتمد.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وان كان غائبا وكتب بخطه أن فلانة طالق وقع الطلاق ، وقال في الخلاف بعدم وقوعه بالكتابة مع القدرة على اللفظ ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لوجوب مراعاة اللفظ المخصوص والكتابة غير اللفظ ، ولأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم السبب المزيل ، ولم يعلم بغير اللفظ المنصوص عليه.

احتج الشيخ على مذهبه في النهاية بما رواه الثمالي في الصحيح (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو قال : اعتدي ، ونوى به الطلاق قيل : يصح وهي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومنعه كثير وهو الأشبه.

أقول : قال ابن الجنيد : يقع الطلاق بقوله (اعتدي) إذا قصد به الطلاق ، ومستنده ما ذكره المصنف ، والأكثر على عدم الوقوع وهو المعتمد ، لأصالة بقاء العقد ما لم يعلم السبب المزيل له.

قال رحمه اللّه : ولو خيرها وقصد الطلاق فان اختارته أو سكتت ولو لحظة

ص: 207


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 5.
3- المصدر المتقدم ، باب 14 ، حديث 3 - وكذا في المصدر و «ر 1» ، ولكن في الأصل وباقي النسخ إلا «ن» : (عبد الرحمن الثمالي) وفي «ن» : اليماني.

فلا حكم ، وإن اختارت نفسها في الحال ، قيل : تقع الفرقة بائنة ، وقيل : تقع رجعية ، وقيل : لا حكم له ، وعليه الأكثر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - وقوع التخيير وكونه طلاقا ، وبوقوعه قال ابن أبي عقيل وأحمد بن الجنيد بشروط ثلاثة ، وقوعه في طهر لم يقر بها فيه بجماع ، وحضور شهود ، وجوابها على الفور ، والمستند الروايات (1) ، وصورة التخيير أن يقول لها : اختاري نفسك ، أو جعلت أمرك بيدك ، أو خيرتك ، أو جعلت لك الخيار ، فان قالت : اخترت نفسي ، طلقت عند القائل به ، وإن قالت : اخترتك أو سكتت ثبت النكاح.

وقال الشيخ : لا يقع به الطلاق ، وبه قال ابن إدريس واختاره المتأخرون ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء النكاح ، والروايات الواردة بالجواز معارضة بغيرها (2).

ب - اختلف القائلون بوقوعه ، فقال بعضهم : إنه يقع طلقة واحدة رجعية ، وقال بعضهم : إنه يقع واحدة بائنة ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولو قيل هل طلقت فلانه؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ، ولرواية السكوني (4) عن الصادق عليه السلام ، (والباقر عليه السلام) (5) ، وقال ابن

ص: 208


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، لا حظ أحاديث الباب 41 من أبواب مقدماته وشرائطه.
2- المصدر المتقدم.
3- المصدر المتقدم.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 16 من أبواب مقدماته حديث 6.
5- ما بين القوسين ليس في «ن».

إدريس : إذا قيل للرجل : هل طلقت فلانة؟ فيقول : نعم ، كان ذلك إقرارا بطلاق شرعي ، وظاهره أنه إن قصد الإنشاء لا يكون طلاقا ، واختاره العلامة في المختلف وهو المعتمد ، لأصالة البقاء ما لم يعلم المزيل وهو غير معلوم بدون اللفظ المتفق عليه وهو لفظ طالق.

قال رحمه اللّه : ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث قيل : يبطل الطلاق ، وقيل : تقع واحدة بقوله طالق ، ويلغى التفسير وهو أشهر الروايتين.

أقول : تفسير الطلقة بواحدة أو اثنين مثل أن يقول : أنت طالق ثلاثا ، أو اثنين ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس : تقع واحدة وتلغوا (1) الضميمة واختاره المصنف (2) والعلامة في المختلف والإرشاد ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد لوجود المقتضي ، - وهو قوله : أنت طالق - وانتفاء المانع ، لأنه ليس إلا الضميمة وهي مؤكدة غير منافية ، فلا يؤثر البطلان ، ولرواية جميل بن دراج في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام ، «قال : سألته عن الذي يطلق في حالة طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : هي واحدة» (3).

وقال السيد المرتضى وابن ابي عقيل وابن حمزة بالبطلان ، لأن الواحدة المنفردة المقيدة بقيد الوحدة غير مرادة ، فلا يقع لاشتراط القصد في الطلاق ، ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي ء» (4).

(وأجاب العلامة بالقول بالموجب ، فإن الثلاثة لا تقع ، فهو ليس بشي ء

ص: 209


1- في الأصل : تلغى وما أثبتناه فمن النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 29 من أبواب مقدماته حديث 3.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 29 من أبواب مقدماته حديث 8.

فوجب ما قصده) (1) وهو تأويل حسن.

قال رحمه اللّه : ولو قال أنت طالق للسنة صح إذا كانت طاهرا ، وكذا لو قال للبدعة ، ولو قيل : لا يقع ، كان حسنا ، لأن البدعي لا يقع عندنا والآخر غير مراد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لو قال لها في طهر لم يجامعها فيه : أنت طالق للبدعة ، وقع طلاقه ، وقوله للبدعة لغوا (2) ، واستحسن المصنف عدم وقوعه واختاره العلامة وابنه ، لأن البدعي لا يقع بل ولا يتصور ثبوته هنا ، لانتفاء المانع من الطلاق من الحيض وغيره ، وغير البدعي غير مقصود والطلاق من (شرط صحته) (3) القصد ، وهو مفقود فيكون باطلا وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أنت طالق قبل طلقة أو بعدها أو قبلها أو معها لم يقع شي ء ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن ، ولو قيل : تقع طلقة واحدة بقوله (طالق) مع طلقة أو بعدها أو عليها ، ولا يقع لو قال : قبلها طلقة أو بعد طلقة ، كان حسنا.

أقول : قال بعض علمائنا لا يقع شي ء من هذا الطلاق الموصوف بهذه الصفات ، لأنه طلاق معلق بما قبله أو ما بعده ، ولم يقصد طلاقا مطلقا ، بل قصده موصوفا بهذه الصفات فلا يقع الموصوف من حيث أنه موصوف ، ولا غير الموصوف ، لأنه غير مقصود.

وفصل المصنف بين قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (4) أو عليها ، وبين قوله

ص: 210


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- هكذا وردت هذه الكلمة في النسخ إلا «ر 1» فلم ترد فيها.
3- كذا في النسخ وفي الأصل : شرطه صحة العقد.
4- هذه الكلمة ليست في النسخ.

قبلها طلقة (1) أو بعد طلقة ، واستحسن الصحة في الأول والبطلان في الثاني.

ووجه الصحة في الأول : وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (2) أو عليها ، لأنه قصد لفظ طلقة أخرى منضمة إلى الطلقة الواقعة ، فتصح المنجزة ، وتبطل المنضمة.

ووجه البطلان في الثاني : لأنه قصد طلقة بعد طلقة لم تقع ، فلا تقع المشروط بها.

قال رحمه اللّه : ولو قال : [أنت] طالق نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يقع ، ولو قيل : يقع [واحدة] بقوله أنت طالق ويلغوا الضمائم إذ ليست رافعة للقصد : كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بعدم الوقوع ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأنه قصد طلاقا ينتصف (3) ، وهو غير جائز ، وظاهر المصنف وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو الضمائم ، واستقربه العلامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد.

ص: 211


1- هذه الكلمة ليست في الأصل وإن كانت في هامش وفي باقي النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في «ر 1» : بتنصيف.

ص: 212

في الإشهاد

اشارة

قال رحمه اللّه : بل لا بد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة ، ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ، والأول أظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار ظاهر العدالة ، لقوله تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (2).

والشيخ رحمه اللّه اقتصر في النهاية على اعتبار الإسلام ، والأول هو المعتمد.

فروع :

الأول : لا يشترط في صحة الطلاق العدالة الباطنة بل الظاهر ، فلو طلقها بحضرة شاهدين ظاهرهما العدالة وكانا فاسقين في الباطن ، صح طلاقها وحلت على غيرهما إجماعا.

ص: 213


1- البقرة : 231.
2- الطلاق : 2.

وهل تحل لهما؟ يحتمل ذلك لصحة طلاقها وبينونتها من زوجها في ظاهر الشرع ، فيجوز لكل أحد نكاحها لكونها مطلقة غير ذات بعل ، ويحتمل العدم ، لأن الظاهر إنما حكم بالنسبة إلى غيرهما (1) لعدم اطلاعه على باطن غيره ، فلو كلفناه بالباطن لزم تكليف ما لا يطاق وهو باطل ، واما بالنسبة إليهما أنفسهما فلا يحكم لهما بالظاهر لعلمهما بأنفسهما ضرورة ، وقد علما عدم حصول شرط الطلاق فلا يكون صحيحا بالنسبة إليهما فلا تباح لهما وهو المعتمد ، ولا يلزم من إباحتها لغيرهما إباحتها لهما.

الثاني : لو كان أحدهما فاسقا بالباطن دون صاحبه حرمت عليه خاصة على المختار ، ولو كان العدل عالما بفسق صاحبه حرمت عليهما.

الثالث : لو كان الزوج مطلعا على فسقهما ، هل يصح الطلاق أم لا؟ يحتمل عدم الصحة ، لأن الآية (2) تضمنت أمر الأزواج بإشهاد عدلين ولم يحصل ، لأنهما غير عدلين عنده فلا يحصل امتثال الأمر ، فلا يصح الطلاق وهو المعتمد.

ويحتمل الصحة ، لأن الشرط إشهاد من ظاهرهما العدالة وقد فعل ، لأن ظاهرهما العدالة عند غيره ، فلهذا يجوز للغير نكاحها ، وكان الطلاق صحيحا.

وعلى عدم الصحة لو ادعى علمه بفسقهما بعد إيقاع الطلاق لم يؤثر في إبطاله ما لم يقم البينة على فسقهما قبل الإيقاع ، ولو لم يقم بينة وصدقه الشاهدان لم يؤثر البطلان أيضا في حق الزوجة.

الرابع : لو علمت المطلقة بفسق الشاهدين دون المطلق ، احتمل صحة الطلاق ، لأن الزوج هو المأمور بإشهاد عدلين (3) وقد فعل ، فيقع الطلاق صحيحا

ص: 214


1- في «ر 1» : الجاهل.
2- الطلاق : 2.
3- في النسخ : العدلين.

لامتثال الأمر ، ويحتمل عدم الصحة بالنسبة إلى المرأة ، لعلمها بفساد شرط الصحة ، وهو عدالة الشاهدين ، ولا يؤثر (1) قولها بفساد الطلاق بالنسبة إلى الزوج وإن صدقها ، ويحرم عليها الأزواج ما دام حيا ، ولا يجب عليه طلاقها ثانيا بل يستحب له ، فان لم يفعل احتمل جواز فسخ الحاكم إن كان ، وإلا فسخت هي دفعا للضرر المنفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (2) ، وهو قوي ، ويحتمل الصبر حتى يموت أحدهما.

ص: 215


1- «م» و «ر 1» : ولو تواتر.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 - وكتاب المواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 12.

ص: 216

أقسام الطلاق

قال رحمه اللّه : إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها في الثانية للعدة إجماعا ، وقيل : لا يجوز للسنة ، والجواز أشبه.

أقول : هذه المسألة من مشكلات هذا الفن ، وتحقيقها يفتقر إلى معرفة أقسام الطلاق ، فنقول :

الطلاق ينقسم الى قسمين : سني ، وبدعي.

فالبدعي : ما نهي عنه ، كطلاق الحائض المدخول بها ، الحاضر زوجها عندها ، وطلاق النفساء قبل طهرها ، والطلاق في طهر المواقعة فبهذا بدعة عندنا غير صحيح ، وعند العامة يقع صحيحا وإن أثم فاعله.

والسني : هو الطلاق المأذون به شرعا ، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

طلاق عدة : وهو أن يطلقها على الشرائط ثمَّ يراجعها في العدة ويطأها فيها.

وطلاق سنة بالمعنى الأخص : وهو أن يطلقها على الشرائط ، ثمَّ يتركها حتى تنقضي عدتها ، ثمَّ يراجعها بعقد جديد ومهر جديد إن شاءت.

ص: 217

وطلاق سنة بالمعنى الأعم : وهو الذي يقابل البدعي ، سمي طلاق سنة (بالمعنى الأعم) (1) لأنه شامل للسني والعدي والبائن والرجعي وجميع أنواع الطلاق المباحة.

إذا عرفت هذا فإنه لا خلاف في جواز طلاق الحامل المستبين حملها ، فاذا طلقها فلا (2) خلاف في جواز الرجوع فيها قبل الوضع ، فإذا أراد أن يطلقها ثانيا ، فان كان واقعها بعد المراجعة جاز طلاقها إجماعا وكان طلاق العدة ، وإن لم يكن واقعها ، هل يجوز طلاقها ثانيا قبل المواقعة وقبل الوضع؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة ، لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : الحلبي تطلق تطليقة واحدة» (3) ، ومثلها صحيحة إسماعيل الجعفي (4) عن أبي جعفر عليه السلام ، وصحيحة الحلبي (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، فهذه الروايات تضمنت وحدة طلاق الحبلى ، ففسر الشيخ رحمه اللّه ومن تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، أي لا يقع بها الا نوع واحد من أنواع الطلاق وهو العدي خاصة.

وقال ابن إدريس يجوز طلاقها للسنة كما يجوز (6) للعدة ، واختاره المتأخرون ، لعموم الروايات (7).

قال المصنف في نكت النهاية : وهذا التأويل بعيد ، يعني تأويل الشيخ ومن

ص: 218


1- ما بين القوسين ليس في الأصل.
2- في النسخ : لا.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
5- المصدر السابق ، حديث 2.
6- في نسخة من الأصل : يصح.
7- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.

تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، قال : لأن (1) الطلاق واحد ، وانما يصير للسنة بترك الرجعة والمواقعة ، وللعدة بالمواقعة بعد الرجعة ، ولا ريب أنه إذا طلقها طلقة كان له مراجعتها ومواقعتها ، وله طلاقها من دون المواقعة عملا بإطلاق الاذن ، ومثله قال العلامة في المختلف.

والمراد بطلان السنة هنا السنة بالمعنى الأعم ، لأنه لا يتصور بالمعنى الأخص.

قال رحمه اللّه : إذا طلق الحائل ثمَّ راجعها فان واقعها وطلقها في طهر آخر صح إجماعا ، وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة ، فيه روايتان : إحداهما لا يقع الثاني أصلا ، والأخرى يقع ، وهو الأصح ، ثمَّ لو راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه ، ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنة والمنع على طلاق العدة ، وهو تحكم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في وقوع الطلاق وعدمه ، وقد وردت فيه روايتان إحداهما تتضمن الصحة ، وهي رواية محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامعها ثمَّ طلق في طهر آخر على السنة؟ أتثبت التطليقة الثانية بغير إجماع؟ قال : نعم إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة» (2) ، وعلى هذه الرواية عمل جمهور الأصحاب ، ويعضدها رواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر) (3) في الصحيح «قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين (ثمَّ راجعها ولم

ص: 219


1- في الأصل : إن.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 1.
3- «ن» : ابي بصير.

يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثمَّ طلقها على طهر بشاهدين) (1) ، أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال : نعم» (2) ، والرواية الأخرى تتضمن عدم الصحة ، وهي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام : «المراجعة في الجماع ، والا فإنما هي واحدة» (3) ، وبمضمونها أفتى ابن أبي عقيل والأول هو المعتمد.

الثاني : في حمل الجواز على طلاق السنة ، والمنع على طلاق العدة ، وقد حمله بعض الأصحاب على ذلك ، ووجه هذا الحمل : أن لفظ الطلاق مشترك بين السني والعدي وغير ذلك من أنواع الطلاق ، فلا يلزم من ورود النفي والإثبات عليه تناقض ، لجواز اختلاف المعنيين ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار من غير مناقضة كان أولى من إبطال بعضها ، فتحمل رواية الجواز على الطلاق السني ، لعدم اشتراط الوطي فيه ، ورواية المنع على (الطلاق العدي لاشتراط الوطي فيه) (4) لئلا تتناقض الأخبار ، وقال المصنف : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، لأن الأخبار وردت مطلقة ، فتخصيص خبر الجواز بطلاق السنة ، وتخصيص خبر المنع بطلاق العدة ، لا مخصص له فكان تحكما.

وفخر الدين جعل الاعتراض (أي قول المصنف) (5) غير هذا ، قال : لأن شرط العدي الوطي بعده وبعد الرجعة منه في العدة ، فهنا شرط سبق الوطي ، وليس بشرط في طلاق العدة ، فيلزم هذا القائل أنه أخذ غير الشرط مكانه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

ص: 220


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 17 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في «ن».
5- ما بين القوسين ليس في النسخ.

قلت : قوله (فهنا شرط سبق الوطي وليس بشرط في طلاق العدة) ممنوع ، بل هو شرط في طلاق العدة ، فلا يتصور بدونه ، لأنه (1) طلاق العدة وهو الذي يراجع بعده في العدة ويطأ ، فإذا لم يسبق الطلاق وطي فلا يكون طلاق العدة ، فثبت أن سبق الوطي على الطلاق شرط في طلاق العدة ، كما أن الرجوع في العدة والوطي بعده شرط فيه ، فلا يرد على الجامع بين الروايات اعتراض فخر الدين ، وإنما يرد عليه ما قلناه نحن واللّه الموفق للصواب ، وقد بينا حجة الجامع ، وهي الفرار من التناقض.

قال رحمه اللّه : وكذا لو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول ، فيه روايتان أيضا ، لكن هنا الأولى ، تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطي.

أقول : أما رواية الجواز فهي رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام ، «قال : قلت له : رجل طلق امرأته ثمَّ بدا له فراجعها بشهود ثمَّ طلقها ثمَّ راجعها بشهود ثمَّ طلقها بشهود ، أتبين؟ قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد؟ قال : تبين منه» (2) ، وأما رواية المنع فرواية عبد الرحمن بن الحجاج ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يطلق امرأته له أن يراجعها؟ قال : لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها» (3) ، وعمل الأصحاب على الأولى لاعتضادها بعموم القرآن (4) ، ويكون هذا الطلاق طلاق السنة بالمعنى الأعم لا

ص: 221


1- في النسخ : لأن.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 5 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 2 مع اختلاف يسير أيضا.
4- البقرة : 229 - 230.

بالمعنى الأخص.

قوله رحمه اللّه : (لكن هنا الأولى تفريق الطلاق على الأطهار) ، أي إذا لم تحصل (المواقعة بعد) (1) المراجعة فالأولى تفريق الطلاق على الاطهار هو (2) ان لا يوقع الطلاق في طهر واحد ، بل إذا راجعها ولم يطأها تركها حتى تحيض وتطهر ثمَّ يطلقها كما في المسألة السابقة ، وليس هذه الأولوية مانعة من النقيض ، لوقوع الاختلاف مع تفريق الطلاق على الأطهار ، إذا لم يحصل الوطي بينها (3) كما تقرر في المسألة الأولى ، بل هذا أولى من إيقاعه في طهر واحد ، وعمل الطائفة الآن على الجواز.

ص: 222


1- ما بين القوسين ليس في نسخة بدل في الأصل ، وما أثبتناه موافق لنسخة الأصل الأخرى وباقي النسخ.
2- كذا
3- «ن» : (منهما) وفي «ر 1» : بينهما.

في طلاق المريض

قال رحمه اللّه : ولو قال طلقت في الصحة ثلاثا (1) قبل منه ولم ترثه والوجه انه لا يقبل بالنسبة إليها.

أقول : إذا أقر المريض أنه طلق زوجته في حال الصحة ثلاثة (2) قبل منه ، لأنه إقرار بما له أن يفعله فيكون مقبولا ، وهل ترثه؟ يحتمل العدم ، لأن قبول إقراره يقتضي عدم الإرث ، ويحتمل أنها ترثه ، لأن إقراره إنما يقبل بالنسبة إليه بمعنى تحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره (ولا يقبل بالنسبة إليها بمعنى أنها ترثه إن مات في ذلك المرض ما لم تصدقه ، لأن إقرار الغير على غيره غير جائز) (3) ، (اما بالنسبة إليها فإقراره غير جائز) (4) ، ولو كان الإقرار في حال الصحة بانت منه قطعا.

قال رحمه اللّه : وهل التوريث لمكان التهمة؟ قيل : نعم ، والوجه تعلق

ص: 223


1- هذه الكلمة ليست في «م».
2- هذه الكلمة أيضا ليست في «م».
3- ما بين القوسين ساقط في نسخة بدل من الأصل.
4- ما بين القوسين ليس في النسخ.

الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار التهمة.

أقول : اختار الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم اعتبار التهمة وأوجب الإرث مطلقا ، سواء كان متهما أو لم يكن ، واختاره ابن إدريس والمصنف لعموم الأخبار (1) الواردة بتوريث المريض إلى سنة ما لم تتزوج (2) أو يبرأ من مرضه ، وقال في الإستبصار : إنما ترثه بعد انقضاء العدة إذا طلقها للإضرار بها ، لما رواه زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض؟ قال : ترثه ما دامت في عدتها ، وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فان زاد على السنة يوم واحد لم ترثه» (3) ، وروى محمد بن القاسم الهاشمي ، «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان منهن في مرض الزوج وإن مات ، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه» (4) وهذا هو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإرث بعد البينونة فيقف فيه على موضع الوفاق ، وهو إذا لم ترض بالطلاق بل وقع بغير رضاها.

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد ، أشبهه أنه لا ارث ، وكذا لو خالعته أو بارأته.

أقول : هذا التردد مبني على اعتبار التهمة وعدمها ، فان قلنا إنها تعتبر في استحقاق الإرث انتفى هنا قطعا ، لتحقق انتفاء التهمة ، وإن قلنا بعدم اعتبارها احتمل الإرث هنا للعموم (5) ، ويحتمل عدمه لتصريح الرواية (6) بسقوط إرث

ص: 224


1- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 14 من أبواب ميراث الأزواج.
2- في «ر 1» : يزوج.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 15 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 14 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1.
6- لاحظ رواية محمد بن القاسم الهاشمي المتقدمة في المسألة السابقة.

المختلعة والمبارأة والمستأمرة.

ويكون الفرق بين المسألة الأولى وهذه : أنه إن طلق بغير إذنها فإنها ترثه وإن لم يحصل قرينة دالة على التهمة ، أما إذا سألته الطلاق فقد رضيت بإسقاط حقها فلا ترثه ، فهذا فرق بينهما ولهذا اختلف اختيار المصنف فيهما ، اختار في الأولى الإرث للعموم (1) ، وفي الثانية عدمه لرضاها بإسقاط حقها ، ويترتب على اعتبار التهمة وعدمه ما ذكره المصنف من توريث الأمة إذا أعتقت بعد الطلاق ، ثمَّ مات بعد خروج العدة ، وتوريث الكتابية إذا أسلمت بعد الطلاق ، وحصل الموت بعد العدة ، والمعتمد عدم الإرث.

ص: 225


1- لاحظ العموم المقدم في هذه المسألة.

ص: 226

في ما يزول به تحريم الثلاث

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي المراهق تردد أشبهه انه لا يحلل.

أقول : يشترط في المحلل كونه بالغا ، وهل يحلل المراهق الذي يقارب البلوغ؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من عموم قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1) ، ولا شك أن المراهق زوج قادر على الوطي فيدخل ، وهو مذهب ابن البراج (2) ، والشيخ في المبسوط والخلاف ، ومن أن غير البالغ لا يلحقه شي ء من أحكام المكلفين ، ولأن الأصل بقاء التحريم حتى يتحقق الرافع له ، ولقوله عليه السلام : «حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها» (3) والعسيلة لذة الجماع ، وهي لا تحصل من غير البالغ وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما أنه يهدم.

ص: 227


1- البقرة : 230.
2- في النسخ : ابن الجنيد.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 13.

أقول : رواية الهدم هي رواية رفاعة بن موسى النخاس (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ويؤيدها قول علي عليه السلام لعمر لما قضى أنها تبني (2) على ما بقي من الطلاق : «سبحان اللّه أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة؟» (3) ، وهذه الرواية أشهر ، وعليها عمل أكثر الأصحاب ، والأخرى رواية الحلبي (4) عن الصادق عليه السلام ، وهي متروكة ، ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا العمل بها.

قال رحمه اللّه : لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا في تلك المدة ، قيل : يقبل ، لأن في جملة ذلك ما لا يعلم الا منها كالوطي ، وفي رواية إذا كانت ثقة صدقت.

أقول : المشهور قبول قولها مع إمكان الصدق ، سواء كانت ثقة أو لم تكن ، لتعذر إقامة البينة (في كل مكان وزمان ، ولأن من شرط التحليل الوطي ، وهو لا يعلم الا بقولها لتعذر إقامة البينة) (5) عليه ، وهو مذهب العلامة ، ولم يجزم به المصنف لمخالفته للأصل ، لأن الأصل بقاء التحريم ما لم يعلم الرافع له ، وأما الرواية المشار إليها ، وهي رواية الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه وأراد مراجعتها ، فقال لها : إني أريد أن أراجعك فتزوجي زوجا غيري ، فقالت : قد تزوجت وحللت لك ،  أفيصدقها ويراجعها كيف يصنع؟ قال : إذا كانت ثقة صدقت في دعواها» (6).

قال رحمه اللّه : إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول ،

ص: 228


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
2- في النسخ : تبقى.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 3.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 6.
5- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 11 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.

وإن كذبها ، قيل : يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل ، ولو قيل : يعمل بقولها على كل حال كان حسنا ، لتعذر إقامة البينة لما تدعيه.

أقول : الأول اختيار الشيخ في المبسوط ، لأن الظن مناط الأحكام الشرعية ، والمعتمد قبول قولها مطلقا ، لأنها تصدق في شرطه ، وهو انقضاء العدة ، فتصدق في سببه ، ولتعذر إقامة البينة عليه ، فلو لم يقبل قولها لزم الحرج ، لاحتمال موت الزوج (أو عناده) (1) فيتعذر العلم به فيلزم الحرج ، وهو ظاهر المصنف واختاره العلامة وابنه.

فرع :

لو ادعت المرأة ان زوجها طلقها وانقضت العدة جاز العقد عليها ، ولا يجب مطالبتها بالبينة ولا بخط الطلاق ، لأن الخط لا يعمل عليه ، وإقامة البينة في كل مكان وزمان متعذر ، فلو لم يقبل قولها إلا ببينة لزم تعطيلها دائما ، وهو ضرر عظيم ، وقال عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) فلو جاء الزوج الأول وادعى عدم الطلاق انتزعها من الثاني ما لم تقم البينة بالطلاق.

ص: 229


1- في «ن» بدل ما بين القوسين : لو أعاده.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 4 من أبواب أقسام الطلاق ، وأحكامه ، حديث 13 وفي «ن» بدل (ولا إضرار) : (ولا ضرار في الإسلام).

ص: 230

في الرجعة

قال رحمه اللّه : ولو قال راجعتك إذا شئت أو ان شئت لم يقع ولو قالت شئت وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الطلاق ما لم تتحقق الرجعة ، وهي لا تتحقق إذا كانت معلقة على شرط ، وان وجد فكما (1) أن النكاح والطلاق لا يقبل التعليق على شرط ، كذلك الرجعة ، وهو مذهب الشيخ ، وجزم به العلامة في القواعد ، ومن الدلالة على (الالتزام بالنكاح) (2) عند حصول الشرط ، وقد حصل فيصح الرجعة ، لأنها تحصل بجميع ما يدل على التمسك بالنكاح من الأقوال والأفعال ، وهي (3) ليست كالنكاح والطلاق ، لعدم ثبوتهما (4) بغير الألفاظ المخصوصة لهما (5).

ص: 231


1- من النسخ ، وفي الأصل : وكما.
2- في «ر 1» : النكاح بالالتزام.
3- في النسخ : فهي.
4- في «م» : ثبوتها.
5- في «م» : لها.

قال رحمه اللّه : ولو طلقها رجعية فارتدت فراجع لم يصح ، كما لا يصح ابتداء الزوجية ، وفيه تردد ، ينشأ من كون الرجعية زوجة ، [ولو أسلمت بعد ذلك استأنفت الرجعة إن شاء ، ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا ثمَّ راجعها في العدة ، قيل : لا يجوز ، لأن الرجعة كالعقد المستأنف ، والوجه الجواز ، لأنها لم تخرج عن زوجيته ، فهي كالمستدامة] (1).

أقول : ينشأ من أن الرجعية زوجة ، والرجعة استدامة للنكاح السابق والردة لا تنافي الاستدامة (في العدة) (2) ، ومن أنه بالطلاق زال عقد النكاح والمرتدة لا يصح ابتداء النكاح عليها ، فلا تصح مراجعتها ، والمعتمد صحة المراجعة فإن أسلمت في العدة والا بطلت ، وهو اختيار فخر الدين.

(قوله «ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا الى آخره» البحث في هذه كالسابقة ، ويزيد هنا أن الذمية لا يحرم استدامة نكاحها ، فاذا لم يجعل الطلاق مزيلا للنكاح الأول رأسا جازت الرجعة بخلاف المرتدة لتحريم نكاحها) (3).

قال رحمه اللّه : ورجعة الأخرس بالإشارة الدالة على المراجعة ، وقيل : بأخذ القناع عن رأسها ، وهو شاذ.

أقول : القائل ابنا بابويه فعندهما أن طلاق الأخرس بإلقاء القناع على رأسها ورجعته بأخذه عن رأسها ، لرواية السكوني (4) ، وقد سبقت في طلاق الأخرس (5) ، والمشهور أن طلاقه ورجعته بالإشارة الدالة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته فأنكر

ص: 232


1- ما بين القوسين زيادة اقتضاها بحث المصنف.
2- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل هو في هامش الأصل.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته وشروطه ، حديث 3.
5- ص 206 - 207.

المولى وادعى خروجها ، قبل الرجعة فالقول قول الزوج ، وقيل : لا يكلف اليمين لتعلق حق النكاح بالزوجين ، وفيه تردد.

أقول : التردد في توجه اليمين على الزوج ، ومنشؤه من تعلق حق النكاح بالزوجين كما قاله المصنف ، وقد تصادقا على الرجعة فلا يمين ، ومن أن المولى يدعي عود البضع إليه بانقضاء العدة ، والزوج ينكر ذلك فيكون عليه اليمين ، لعموم قوله عليه السلام : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (1) ، واختاره العلامة وفخر الدين في شرح القواعد وهو المعتمد.

فرع : لو تزوجها في العدة الرجعية بطل العقد ، لأنها زوجة ، وهل يكون رجعة؟ فيه إشكال من بطلانه شرعا ، فلا يترتب عليه أثر ، ومن دلالته على التمليك (2) بها ، وقواه الشيخ وفخر الدين وهو المعتمد ، لأن الرجعة تحصل بكل قول أو فعل يدل على التمسك ، والعقد عليها من هذا القبيل.

ص: 233


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 3.
2- في النسخ : (التمسك بها).

ص: 234

في العدد

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا تجب العدة بالخلوة منفردة عن الوطي على الأشهر ، ولو خلا ثمَّ اختلفا في الإصابة فالقول قوله مع يمينه.

أقول : الدخول الموجب للعدة هو الدخول الموجب لتقرير المهر وقد سبق البحث فيه في باب الصداق (1) ، وعلى القول بأن القول قول الرجل إذا أنكر الإصابة وادعتها ، فإن العدة لازمة لها ، لاعتراضها بما يوجبها عليها ، ولا يلزم من عدم (2) قبول دعواها في حق الزوج بوجوب المهر ، عدم وجوب العدة عليها ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

قال رحمه اللّه : في ذات الأقراء ، وهي المستقيمة الحيض وهذه تعتد بثلاثة أقراء ، وهي الأطهار على أشهر الروايتين.

أقول : المستقيمة الحيض هي التي في سن من تحيض ، ولها عادة مستقرة ، وهذه قد اتفق الفقهاء على ان عدتها من الطلاق ثلاثة أقراء ، لقوله تعالى :

ص: 235


1- ص 145.
2- هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.

( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (1) واختلفوا في تفسير القروء ، وهل هو الطهر أو الحيض؟ ذهب بعضهم إلى أنه الحيض ، وذهب بعضهم إلى أنه الطهر ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وبالطرفين روايات (2).

قال رحمه اللّه : وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ولكن الأخيرة ليست من العدة ، وانما هي دلالة على الخروج منها ، وقال الشيخ رحمه اللّه : هي من العدة ، لأن الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها ، والأول أحق.

أقول : انما كان أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، لأنه لا يتصور أقل من ذلك ، لأنه أقل الإمكان بأن يبقى الطهر بعد الطلاق لحظة ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة أيام ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة ، ثمَّ ترى لحظه وهل هذه اللحظة من العدة؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، ووجهه ما ذكره المصنف ، وقال ابن إدريس : ليست من العدة ، لأنها غير داخلة فيها ، لأن العدة هي الأطهار ، وقد انقضى لها ثلاثة ، وأختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو راجعها في تلك اللحظة صحت الرجعة عند الشيخ ، وبطلت عند ابن إدريس.

الثاني : لو تزوجت فيها ، صح النكاح عند ابن إدريس ، وبطل عند الشيخ.

الثالث : لو مات أحدهما فيها ورثه الآخر عند الشيخ ، ولم يرثه عند ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان أحدهما : أنهما تعتدان

ص: 236


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 14 من أبواب العدد.

بثلاثة أشهر ، والأخرى لا عدة عليهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم وجوب العدة عليهما مذهب ابني بابويه وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن العدة إنما شرعت لاستعلام فراغ الرحم من الحمل غالبا ، وهذه الحكمة منتفية عنهما ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام ، «قال : ثلاثة يتزوجن على كل حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : التي لها أقل من تسع سنين والتي لم يدخل بها والتي يئست من الحيض ، قلت : وما حدها إذا كان لها خمسون سنة» (1) ، ومثلها رواية زرارة (2) عن الصادق عليه السلام ، وكذلك رواية محمد بن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام ، وأوجب السيد المرتضى عليها العدة ثلاثة أشهر ، لقوله تعالى ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (4) ، قال : وهذا صريح في أن اليائسات من المحيض واللائي لم يبلغن ، عدتهن الأشهر ، ولما رواه أبي بصير ، «قال عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر» (5) ، وأجيب عن الآية بأنها مشترطة بالريبة ، وعن الرواية بضعف السند ، لأن في طريقها سماعة وابن جبلة وعلي بن أبي حمزة وكلهم منحرفون عن الحق ، وهي غير مسندة الى الامام.

قال رحمه اللّه : وحد اليأس أن تبلغ خمسين سنة ، وقيل : في القرشية والنبطية : ستين سنة.

ص: 237


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 2 من أبواب العدد ، حديث 4 مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 3 من أبواب العدد ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 1.
4- الطلاق : 4.
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 2 من أبواب العدد ، حديث 6.

أقول : في حد اليأس ثلاثة أقوال :

الأول : خمسين سنة مطلقا (وهو قول الشيخ في النهاية واختاره المصنف) (1).

الثاني : ستين مطلقا ، وهو قول العلامة في منتهى المطلب ، ورجحه في المختلف.

الثالث : التفصيل ، رواه ابن بابويه في كتابه (2) ، واختاره العلامة في أكثر كتبه.

ومستند الجميع الروايات (3) ، وقريش هو النضر بن كنانة ، فمن انتسب اليه فهو قرشي ، والنبط قيل : إنهم قوم يسكنون البطائح بين العراقين البصرة والكوفة ، وقيل : إنهم عرب استعجموا أو عجم استعربوا.

قال رحمه اللّه : اما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة ، صبرت تسعة أشهر ، لاحتمال الحمل ، ثمَّ أعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وهي أطول عدة ، وفي رواية عمار تصبر سنة ، ثمَّ تعتد بثلاثة أشهر ، ونزلها الشيخ في النهاية على احتباس الدم الثالث ، وهو تحكم.

أقول : المرأة التي لا (4) تحيض ومثلها تحيض تعتد بثلاثة أشهر إجماعا ، وهي المسترابة ، وهذه تراعي الشهور والحيض ، فأيهما سبق خرجت به ، وقد تبتدى العدة بالأشهر ثمَّ تصير من ذوات الأقراء ، كما لو طلقها بعد بلوغ تسع سنين وقبل رؤية الحيض ، فإنه إذا جاءها الدم قبل انقضاء ثلاثة أشهر ولو بيوم بطل الاعتداد بالأشهر ، واحتسبت الماضي قراء وافتقرت الى قرئين آخرين.

ص: 238


1- في الأصل بدل ما بين القوسين قوله : (وقيل في القرشية والنبطية : ستين).
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 31 ، حديث 9 وغيره.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 32.
4- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

وقد ينعكس بأن تبتدئ العدة بالحيض ، ثمَّ تصير من ذوات الشهور ، كما لو رأت قرءا أو قرائن ثمَّ بلغت اليأس ، فهذه تعويض عن كل قرء يبقى بشهر.

وان انقطع الدم لعارض فلا يخلو إما أن يكون معلوما كالحمل والرضاع ، أو غير معلوم ، فان كان معلوما انتظرت الأقراء ، ولا يجوز لها الاعتداد الا بها وإن طالت مدتها ، لأن انقطاع الدم هنا لعارض معلوم الزوال ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

وان كان غير معلوم فهي مسألة الكتاب المبحوث عنها ، وهذه تصير أقصى مدة الحمل ، فان ظهر فيها حمل أعتدت بوضعه ، وإن لم يظهر حمل دل على براءة الرحم وأعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، لأن التربص السابق لم يكن عدة ، وانما اعتبر ليعلم أنها ليست من ذوات الأقراء ، فإذا علم ذلك بمضي مدة الحمل ، ولم يكن حمل ولا رضاع ولا بلغت اليأس ، تحققت الريبة ، فعليها الاعتداد بالأشهر.

والرواية المشار إليها رواية عمار الساباطي ، «قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض في كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ قال أمر هذه شديد ، هذه تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة من غير جماع بشهود ، ثمَّ يتركها حتى تحيض ثلاث حيضات ، متى ما حاضتها انقضت عدتها ، قلت : فان مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيضات؟ قال : تتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثمَّ قد انقضت عدتها. قلت : فان ماتت أو مات زوجها؟ قال : فأيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهر» (1).

وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية إن كان المحتبس هو الدم الثالث.

قال المصنف : وهو تحكم ، لأن الرواية وردت غير مقيدة بالثالث ، فمن

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 13 من أبواب العدد ، حديث 1.

قيدها به افتقر الى الدليل وليس ، فالتقييد مع عدم الدليل الموجب له يكون تحكما.

فرع :

إذا أعتدت بثلاثة أشهر بعد مدة التربص ، فان مضت ثلاثة لم تر فيها دما انقضت عدتها وحلت لها الأزواج ، وإن رأت فيها دما بطل اعتدادها بالأشهر ، لأنا تبينا أنها من ذوات الأقراء فيلزمها الاعتداد بها وإن طالت مدتها.

وهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخللة بين الطلاق وغاية التربص؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، وذلك لأن مدة التربص ليست من العدة فلا عبرة بها ، ونقل أبو العباس عن الشهيد قولا : إنها تبني على ما بعد الطلاق فيكفيها تمام الثلاثة (1) أقراء وهو قوي ، لأنها لما رأت الدم بعد انقطاعه تبينا أنها من ذوات الأقراء وذوات الأقراء عدتهن ثلاثة أقراء من حين الطلاق لا أزيد من ذلك ، أما لو رأت الدم الثالث قبل مضي مدة التربص ولو بيوم انقضت عدتها إجماعا ، ولو رأته بعد مدة التربص ولو بيوم كان فيه الاحتمالان.

قال رحمه اللّه : ومتى طلقت في أول الهلال أعتدت بثلاثة أشهر أهلة ، ولو طلقت في أثنائه أعتدت بهلالين ، وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ، وقيل : تكمل ثلاثين وهو أشبه.

أقول : إنما يتصور الطلاق في أول الشهر إذا قارن آخر جزء من الطلاق أول جزء من الشهر ، فلو تأخر عن ذلك ولو بساعة حصل الانكسار ، ولا يظن ظان أنه إذا طلقها في أول يوم من الشهر كان ذلك أول الشهر ، واكتفت بثلاثة أشهر أهلة وتبين برؤية الرابع ، لأن ذلك ليس مرادا إجماعا ، لأن الشهر هو ما بين الهلالين من الأيام والليالي ، فإذا وقع الطلاق بعد مضي جزء مما بين الهلالين

ص: 240


1- في النسخ : ثلاثة.

حصل انكسار الشهر ، ويقال : إنها طلقت في أثنائه.

إذا عرفت هذا ، فاذا طلقت في أثناء الشهر فقد انكسر ذلك الشهر وتعتد بعده بشهرين هلاليين ، قال المصنف : وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ، أي (1) الشهر الثالث بالنسبة إلى الشهرين الهلاليين ، وهو رابع بالنسبة إلى الشهر الأول المنكسر.

وهذا مذهب أبي حنيفة ، وقواه الشيخ في المبسوط ، لأنه لو طلقت من أول الشهر اكتفت بما بين الهلالين ، فاذا كان بعد فوات بعضه أكتفت بقضاء الفائت ، وقال الشيخ في الخلاف (2): تكمل المنكسر بثلثين ، سواء كان تاما أو ناقصا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، والأول متعذر في المنكسر فتعين الثاني ، فعلى الأول لو مضى من الشهر عشرون يوما ثمَّ طلقها وأهل ناقصا ، اكتفت بشهرين هلاليين بعده ، وبعشرين يوما من الرابع ، وعلى الثاني تحتسب بتسعة من الأول وتأخذ من الرابع أحد وعشرين يوما وتلفق الساعات والأنصاف ، ولا عبرة بطول الأيام وقصرها.

قال رحمه اللّه : لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة والنكاح لم يبطل ، وكذا لو حدثت الريبة بالحمل بعد العدة وقبل النكاح ، أما لو ارتابت قبل انقضاء العدة لم تنكح ولو أنقضت العدة ، ولو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا.

أقول : المرتابة بالحمل هي التي يحصل لها بعض أمارات الحمل ، بحيث يحصل مع وجود تلك الأمارة شك في الحمل ، ككبر البطن وثقلها وغير ذلك من الأمارات ، ولا يخلو إما أن يحصل الريبة في العدة ، أو بعدها. وقبل النكاح ، أو

ص: 241


1- «م» : الى.
2- في الأصل (المختلف) والظاهر أنه تصحيف وفي «ر 1» : (المبسوط).

بعدها أو بعد النكاح (1) ، ففي الفرضين الآخرين لا يبطل النكاح ولا يحرم للحكم بخروج العدة وصحة النكاح شرعا ، ولا (2) يقدح الإباحة الشك في الحمل ما لم يتحقق. وفي الفرض الأول - وهو حصول الريبة قبل انقضاء العدة.

قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز لها ان تنكح ، فان خالفت ونكحت على تلك الحال فالنكاح باطل ، لأن النكاح مبني على الاحتياط التام ، واستحسن المصنف جواز النكاح واختاره العلامة وهو (المعتمد ، لوجود) (3) المقتضي لإباحة النكاح ، وهو خروج العدة وانتفاء الرجعة والنفقة وجواز نكاح الأخت والخامسة ، وذلك دليل على انقطاع العصمة بينهما ما لم يتحقق الحمل ، فان تحقق بعد النكاح بطل وكان نكاح شبهة.

ص: 242


1- كذا في الأصل وجميع النسخ.
2- النسخ : فلا.
3- ما بين القوسين سقط من «ر 1».

في عدة الحامل

قال رحمه اللّه : ولو طلقت (فادعت الحمل) (1) صبر عليها أقصى الحمل ، وهي تسعة أشهر ، ثمَّ لا يقبل دعواها ، وفي رواية سنة وليست مشهورة.

أقول : قد مضى تحقيق البحث في باب إلحاق الأولاد في أقصى مدة الحمل (2) ، والمعتمد أنه عشرة أشهر ، وهو اختيار المصنف (والعلامة) (3) في أكثر كتبه وأبي العباس في مقتصره ، وقال السيد المرتضى في الانتصار وأبو الصلاح : إنه سنة ، والأكثر على أنه تسعة أشهر ، واستناد الجميع الى الروايات (4).

تنبيه : إذا مضى أقصى مدة الحمل ، هل تنقضي عدتها للعلم بكذب دعواها ، أو تفتقر إلى ثلاثة أشهر بعدها؟ بالأول قال ابن إدريس ، لعدم ظهور الحمل وقد حصل ثلاثة أشهر يقين (5) فتخرج العدة بانقضاء أقصى مدة الحمل ،

ص: 243


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- ص 171.
3- ما بين القوسين ليس في «م».
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد.
5- كذا والكلمة في النسخ غير واضحة ، ولعل الصحيح (بيقين).

وقال الشيخ (في النهاية) (1) بالثاني ، واختاره العلامة في المختلف وفخر الدين في شرح القواعد ، لأن الأشهر التسعة مدة الاستبراء ، فتجب العدة بعدها ، ولما رواه عبد الرحمن في الصحيح ، «قال سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا أنتظر تسعة أشهر فإن ولدت والا أعتدت بثلاثة أشهر ثمَّ بانت منه» (2).

قال رحمه اللّه : ولو كان حملها اثنين بانت بالأول ، ولم تنكح الا بعد وضع الأخير ، والأشبه أنها لا تبين الا بوضع الجميع.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، لرواية عبد الرحمن بن عبد اللّه البصري (3) عن الصادق عليه السلام ، ولأن الحامل تبين من المطلق بوضع الحمل ، وهذه يصدق عليها الوضع ، وانما لم يجز نكاحها قبل وضع الثاني لاشتغال رحمها.

والثاني مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (4) ، والحمل هو الجميع ، ويظهر فائدة الخلاف في أماكن :

الأول : جواز الرجعة فيما بين الوضعين على مذهب الخلاف دون النهاية.

الثاني : وجوب النفقة على المطلق على مذهب الخلاف (دون النهاية.

الثالث : لو مات أحد الزوجين بين الوضعين ورثه الآخر على مذهب الخلاف دون النهاية) (5) ، وبالجملة هي بينهما زوجة على مذهب الخلاف.

ص: 244


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 10 من أبواب العدد ، حديث 1.
4- الطلاق : 4.
5- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

فرع : لا تنقضي العدة بانفصال بعض الولد فلو مات الزوج أو المرأة بعد خروج رأسه ورثه صاحبه ، على رأيه وورثه صاحبه ولو خرج منه قطعه كيده لم يحكم بالانقضاء ولو خرج ما يصدق عليه اسم الولد (1) ناقصا كيد علم بقاؤها (2) ، اختار (3) العلامة خروج العدة بذلك لصدق وضع الولد ، واختار فخر الدين عدم خروج العدة به ، لعدم فراغ الرحم من الحمل وهو أحوط.

قال رحمه اللّه : لو أقرت بانقضاء العدة ثمَّ جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها ، قيل : لا يلحق ، والأشبه الحاقه ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل.

أقول : إذا طلقها ثمَّ مضى بعد الطلاق مدة يمكن فيها انقضاء العدة ، فادعت انقضائها قبل قولها ، فإذا أتت بعد ذلك بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها ، وادعت أنه من المطلق ، قال الشيخ في المبسوط لا يحلق به ، لأن هذه الدعوى مكذبة لإقرارها (4) بانقضاء العدة ، فلا تكون مقبولة مع إمكان تجدده بعد الطلاق ، وهو ممكن بمضي ستة أشهر فصاعدا ، وقد مضت فلا يحلق الولد بالمطلق.

واختار المصنف التحاقه به ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل ، وذلك مع خلوها من زوج ومولى ، ووجهه : أنها كانت فراشا له وهذا الولد يمكن أن يكون منه ، وليس هنا من هو أولى منه أو (5) مساو له فيلحق به ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو المعتمد.

ص: 245


1- في نسخة في الأصل : الآدمي.
2- كذا.
3- «م» : واختار.
4- من النسخ ، وفي الأصل : إقراره.
5- في النسخ : ولا.

ص: 246

في عدة الوفاة

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي الأمة تردد أظهره أنه لا حداد عليها.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من وجوب الحداد ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام : «إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجيهما سواء في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد» (1) ، ومن قوله عليه السلام : «لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوج أربعة أشهر وعشرة أيام» (2) ، ولم يفرق بين الحرة والأمة فيجب عليها (3) الحداد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، والأول مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره ابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : وان خرجت من العدة ولم تتزوج فيه روايتان ، أشهرهما

ص: 247


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 42 من أبواب العدد ، حديث 2.
2- المستدرك : كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد ، حديث 9.
3- «ن» و «ر 1» : عليهما.

أنه لا سبيل عليها.

أقول : إذا أعتدت زوجة المفقود بإذن الحاكم بعد البحث عنه أربع سنين ثمَّ جاء بعد انقضاء عدتها وقبل زواجها ، قال الشيخ في النهاية والخلاف : هو أولى بها ، واختاره فخر الدين ، وقال سلار وابن إدريس هي أولى بها ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق ، وحكمه عدم الرجوع بعد المدة (1).

فروع :

الأول : ابتداء المدة المضروبة من حين رفع القضية إلى الحاكم ، ولا عبرة بالمدة السابقة على ذلك وإن طالت.

الثاني : لا بد من أمر الحاكم بالاعتداد بعد انقضاء المدة المضروبة ، فلو أعتدت بغير إذنه لم يجز ، وافتقرت الى عدة أخرى بعد الإذن ، لأن هذا الحكم منوط بالحاكم لكونه من المسائل الاجتهادية ، فلا بد من إذنه فيه ، ولا يناط باجتهاد غير الحاكم.

الثالث : هذه العدة كعدة الوفاة ، يجب فيها الحداد على الزوجة ، وإن قيل بافتقارها الى الطلاق.

الرابع : لو غلط الحاكم في الحساب فأمرها بالاعتداد قبل مضي أربع سنين ، فاعتدت وتزوجت ثمَّ ظهر الغلط ، بطل النكاح الثاني ، واستقرب العلامة في قواعده أنها تحرم على الثاني مؤبدا ، وقواه فخر الدين ، لأن مدة التربص كالعدة ، وكل من عقد على معتدة ودخل بها حرمت عليه أبدا ، ويحتمل العدم ، لأن مدة التربص ليست عدة حقيقة ، ولم يحصل من (2) زنا بذات بعل لحصول

ص: 248


1- في النسخ : العدة.
2- في النسخ : (منه).

الشبهة ، ولأصالة الإباحة.

تنبيه : هل يفتقر الى الطلاق (1) بعد البحث أم لا؟ أطلق الشيخان وابن البراج وابن إدريس والمصنف القول بالاعتداد بعد مدة البحث عدة الوفاة ، ثمَّ تحل للأزواج ولم يقيدوا بالطلاق ، قال (2) ابن الجنيد : يأمر السلطان الولي بالطلاق ، فان لم يطلق أمرها بالعدة ، وقال ابن بابويه يأمر السلطان الولي بالطلاق ، فان لم يطلق طلقها الحاكم ، وبه قال ابن حمزة ، واختاره العلامة وفخر الدين وأبو العباس ، لما رواه بريد بن معاوية العجلي في الصحيح ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المفقود ، كيف تصنع امرأته؟ قال : ما سكتت وصبرت فخل عنها ، وإن رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ثمَّ يكتب الى الصقع الذي فقد فيه. فيسأل عنه ، فإن أخبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بحياة حتى يمضي أربع سنين دعا ولي الزوج المفقود ، فقيل له : هل للزوج مال؟ فان كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته ، وإن لم يكن له مال قال أنفق عليها ، فان فعل فلا سبيل لها الى أن تتزوج ما أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي أن يطلقها تطليقة في استقبال العدة. وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين وإن انقضت العدة قبل أن يجي ء ويراجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل للأول عليها» (3) ، انتهت الرواية.

وقال العلامة في قواعده والأقرب أنّ للحاكم أن يطلقها بعد مضي مدة (4) البحث ، للرواية الصحيحة وهي هذه الرواية التي ذكرناها ، وانما أسند العلامة

ص: 249


1- في النسخ : (طلاق).
2- في النسخ : (وقال).
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
4- هذه الكلمة ليست في «ن».

الطلاق الى الحاكم والرواية دالة على إيقاعه من الولي ، لأن الحاكم هو المطلق بالحقيقة ، لأن طلاق الولي موقوف على أمر الحاكم وإذنه فيه ، وهو غير واقع بغير إذن الحاكم ، فكأن الحاكم هو المطلق وإن كان المباشر غيره ، ولو لم يكن للمفقود ولي باشر الطلاق الحاكم.

قال رحمه اللّه : لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها ، نظرا الى حكم الحاكم بالفرقة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن نفقة الزوجة تابعة للزوجية والتمكن ، وقد حكم الحاكم بالفرقة فتنقطع الزوجية فتنقطع النفقة ، ومن حيث أنه إذا حضر قبل انقضاء العدة صارت كالعدة الرجعية ، لجواز رجوعه فيها فيلزمه النفقة على مذهب الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في التحرير ، وهو اختيار فخر الدين (1).

قال رحمه اللّه : إذا أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به ، ولو ادعاه الأول وذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت الى دعواه ، وقال الشيخ : يقرع بينهما ، وهو بعيد.

أقول : بالقرعة قال الشيخ في المبسوط لكونه ممكنا ، ووجه بعده أنه قد بانت من الأول وزال فراشه وصارت فراشا للثاني ، وقال عليه السلام : «الولد

ص: 250


1- في هامش الأصل حاشية لم يعلم لمن وهي : إذ مات المفقود أو زوجته بعد الحكم بالفرقة ، فاما أن يكون موته في أثناء العدة أو بعدها قبل التزويج أو بعده ، ففي الأخير لا توارث بينها ، وكذا لو كان بعد العدة ، لانقطاع العصمة بينهما. وعلى القول بأنه لو حضر كان أحق بها يحتمل التوارث لظهور وجوده ، والأقوى عدم التوارث ، ولو مات أحدهما وهي في العدة فقولان : العدم لأن العدة عدة وفاة ، والآخر التوارث وهو الأقوى لبقاء حكم الزوجية.

للفراش» (1) فيكون تابعا له وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة وكذا لا ترثه ، والتردد لو مات أحدهما في العدة ، والأشبه الإرث.

أقول : منشؤه من أنها عدة بائنة ، والبائنة لا ميراث فيها ، ومن عدم (2) انقطاع العصمة بينهما ، لأنه لو حضر في العدة كان له الرجوع فيها وكل عدة يصح الرجوع فيها يثبت فيها التوارث ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 251


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.
2- هذه الكلمة ليست في «م».

ص: 252

في عدة الإماء

قال رحمه اللّه : عدة الإماء في الطلاق مع الدخول قرآن وهما طهران ، وقيل : حيضتان ، والأول أشهر.

أقول : تقدم البحث (1) في تفسير القرء فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : وعدة الذمية كالحرة في الطلاق ، والوفاة ، وفي رواية تعتد عدة الأمة ، وهي شاذة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، «قال : سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها ، هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، الى قوله ، فقلت : ما عدتها؟ فقال : عدتها عدة الأمة ، حيضة أو خمسة وأربعون يوما» (2) والمشهور أن عدتها عدة الحرة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كانت أم ولد لمولاها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا.

ص: 253


1- ص 236.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 45 من أبواب العدد ، حديث 1. وفيه (حيضتان) بدل (حيضة).

أقول : مراده إذا زوج السيد أمته وله منها ولد كانت عدتها من (الطلاق ووفاة) (1) الزوج كالحرة ، لأن لها تشبثا بالحرية كالمكاتبة ، ولو مات السيد عن أم ولد يطأها ، قال أبو الصلاح : أعتدت من موته كالحرة ، وهو ظاهر ابن حمزة ، واختاره أبو العباس في مهذبه لموثقة إسحاق بن عمار (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام.

وقال ابن إدريس : لا عدة عليها من موت سيدها غير الاستبراء بحيضة ، لأصالة براءة الذمة من وجوب العدة ، لأنها ليست زوجة بل هي باقية على الملك والعبودية إلى حين الوفاة ، وهي (3) كسائر الإماء الموطوءات ، وجنح إليه العلامة في المختلف ، وجزم به في التحرير.

ص: 254


1- ما بين القوسين ليس في نسخة في الأصل ، وما أثبتناه موافق للنسخ ولنسخة الأصل الأخرى.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 42 من أبواب العدد ، حديث 4.
3- في النسخ : فهي.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو طلقت في مسكن دون مستحقها ، جاز لها الخروج عند الطلاق الى مسكن يناسبها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من عموم تحريم الخروج من منزل الطلاق ما لم تأت بفاحشة ، ومن حصول الغضاضة على الزوجة بلبثها في مسكن غير مناسب لحالها ، فلها الانتقال الى ما يناسب حالها ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد.

وكذا يجوز نقلها من منزل الطلاق الى غيره عند الضرورة ، كما لو كان بيتها في طرف البلد وخافت من الإقامة فيه ، أو كانت بين قوم فسقة ، أو خافت انهدام المسكن.

قال رحمه اللّه : لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا بإذنها ، أو مع انقضاء عدتها ، لأنها استحقت السكنى فيه على صفة ، والوجه أنه لا سكنى بعد الوفاة ما لم تكن حاملا.

أقول : السكنى تابعة لوجوب النفقة ، فمن لا نفقة لها لا سكنى لها ، والنفقة إنما

ص: 255

هي للمطلقة الرجعية والبائن الحامل ، والموت مع عدم الحمل مسقط للنفقة إجماعا.

وهل يسقطها مع الحمل؟ فيه خلاف قد تقدم (1) ، وهو مبني على أن النفقة هل هي للحمل أو للحامل بشرط الحمل؟ وقد سبق تحقيقه.

قال رحمه اللّه : ولا نفقة للمتوفي عنها ولو كانت حاملا ، وروي أنه ينفق عليها من نصيب الحمل ، وفي الرواية بعد.

أقول : قد سبق البحث في هذه في باب النفقات (2).

قال رحمه اللّه : لو تزوجت في العدة لم يصح ولم تنقطع عدة الأول فإن لم يدخل الثاني بها فهي في عدة الأول ، وإن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك حملت أو لم تحمل ، ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول ، لأنها أسبق واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين.

أقول : قد سبق البحث في هذه في باب المحرمات (3) مستوفى فليطلب من هناك ، وباقي الخلاف المذكور في هذا الباب الى كتاب الخلع لا يفتقر الى الشرح لتنبيه المصنف على وجه الخلاف فيها.

ص: 256


1- ص 184.
2- ص 184.
3- ص 61 - 63.

كتاب الخلع

اشارة

ص: 257

ص: 258

في الصيغة

قال رحمه اللّه : وهل يقع بمجرده؟ المروي نعم ، وقال الشيخ : لا يقع حتى يتبع بالطلاق.

أقول : قال المرتضى وابن الجنيد والمفيد وسلار ومحمد بن بابويه وابن حمزة يقع بمجرده ، واختاره العلامة في مختلفة ، وفخر الدين وأبو العباس في مقتصره ، لروايات (1) كثيرة ، منها ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، «قال الخلع تطليقة بائنة» (2) ، وقال الشيخ : يفتقر إلى إتباعه بالطلاق ، واختاره ابن إدريس ، لأصالة بقاء النكاح حتى يعلم السبب المزيل له ، ولرواية موسى بن بكير عن أبي الحسن الأول عليه السلام ، «قال : المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدتها» (3) ، والأول هو المعتمد.

تنبيه : لا يشترط تقديم البذل على الخلع ، بل يكفي قوله خلعتك ، أو

ص: 259


1- «ر 1» : والروايات.
2- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 5 ، حديث 2 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 3 ، حديث 1.

أخلعتك ، أو خلعت موكلتك فلانة على كذا ، فتقول هي أو وكيلها : قبلت ، ولا يلزم بدون القبول منها أو من وكيلها ، ولو سبق البذل منها أو من وكيلها لم يفتقر الى القبول بعد الخلع ، ولو قلنا بافتقاره الى الطلاق أو أتبعه به وإن لم يفتقر اليه ، فقال : خلعتك على كذا (وأنت) (1) طالق ، فلم تقبل وقعت الطلقة رجعية ، إن شاء رجع وإن شاء ترك ، ولا يجب عليها القبول.

قال رحمه اللّه : وبتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع هل يكون فسخا أو طلاقا؟ قال المرتضى رحمه اللّه : هو طلاق ، وهو المروي ، وقال الشيخ رحمه اللّه : الأولى ان يقال فسخ ، وهو تخريج.

أقول : القول بوقوع الفرقة بلفظ الخلع ، هل هو طلاق؟ بمعنى أنه (هل تعد في الثلاث) (2)؟ قال المرتضى وابن الجنيد والعلامة في المختلف : إنه طلاق بمعنى أنه يعد في الثلاث (3) ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو المعتمد ، لما روي عن (4) ثابت بن قيس لما خلع زوجته بين يدي النبي صلى اللّه عليه وآله لم يأمره بلفظ الطلاق ، فلما خالعها قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أعتدي ، ثمَّ التفت الى أصحابه وقال : هي واحدة» (5) ، ولما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام : «الخلع تطليقة بائنة (وليس فيها رجعة) (6)» (7) ، وفي

ص: 260


1- في النسخ : أنت.
2- في «م» : (يعد في الثلاث) وفي «ن» و «ر 1» : (يعد من الثلاث).
3- في «م» : (بمعنى أنه يعد في الثلاث).
4- في النسخ : (أن).
5- لاحظ كنز العمال ج 3 ص 224 ، وفي المستدرك ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 3 ما يناقض ذلك مع اتحاد الحادثتين ظاهرا.
6- ما بين القوسين ليس في النسخ.
7- تقدمت هذه الرواية في المسألة السابقة.

معنى ذلك روايات كثيرة (1).

وقال الشيخ : ولو قلنا بوقوعه مجردا كان الأولى أنه فسخ ، لأنه لو كان طلاقا لكان كناية لا صريحا ، والطلاق لا يقع بالكناية ، ولقوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) ثمَّ قال ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) ، ثمَّ قال ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (2) ، وقد ذكر تعالى تطليقتين ، والخلع وتطليقة بعده ، فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا ، وهذا محال.

وقول المصنف (وهو تخريج) : أي قول الشيخ مخرج غير منصوص عليه ، لأن التخريج هو : تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه ، ولم يرد النص بأن الخلع فسخ ، وانما حمله الشيخ على الفسخ لخلوه من لفظ الطلاق وكل فرقة حصلت بغير لفظ الطلاق فهي فسخ ، فكان الخلع فسخا.

ويحتمل أن يكون مراده بالتخريج هنا : تنزيل الحكم على غير مذهب القائل على تقدير قوله بالمذهب الذي يتفرّع عليه الحكم ، لأن الشيخ لم يقل بوقوعه مجردا ، فكان قوله بأنه فسخ تخريجا على مذهب القائل بوقوعه مجردا لا على مذهبه.

وعلى القول بأنه فسخ يصح من ولي الطفل مع المصلحة ، ولا يصح على القول بأنه طلاق.

ص: 261


1- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، حديث 3 - 5 - 10.
2- لاحظ الآيتين 229 ، 230 من سورة البقرة.

ص: 262

في الفدية

قال رحمه اللّه : ويصح بذل الفداء منها ومن وكيلها وممن يضمنه بأذنها ، وهل يصح من المتبرع؟ فيه تردد ، والأشبه المنع.

أقول : منشؤه من أنه عقد معاوضة فلا يكون المعوض لشخص والعوض على غيره ، فلا يصح من المتبرع ، ومن أنه افتداء ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (1) ، وهو يصح من الأجنبي ، والأول مذهب الشيخ واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : اما لو قال(2) طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها ، أو على عبدها هذا وعلي ضمانه صح ، فان لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن المتبرع ، وفيه تردد.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد من فتوى الشيخ ، ولأنه مما تمس الحاجة إليه فهو كقوله : ألق متاعك في البحر وعلي

ص: 263


1- البقرة : 229.
2- هذه الكلمة ليست في «م» و «ن».

ضمانه ، ومن أنه ضمان ما لم يجب فيكون باطلا ، ومع بطلان العوض يبطل الخلع ، لاشتراط صحته بسلامة العوض ، وهو لم يسلم.

قال رحمه اللّه : ولو خالعت في مرض الموت صح وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل ، وفيه قول أن الزائد عن مهر المثل من الثلث ، وهو أشبه.

أقول : الخلاف هنا مبني على أن منجزات المريض هل هي من الأصل أو من الثلث؟ وقد سبق (1) البحث في ذلك ، والمعتمد أنها من الثلث.

قال رحمه اللّه : ولو خلعها على عين فبانت مستحقة ، قيل : يبطل الخلع ولو قيل : يصح ويكون له القيمة أو المثل إن كان مثليا كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط ، يبطل الخلع ، لأن العوض شرط في صحة الخلع ، وإذا بطل الشرط بطل المشروط ، ويحتمل عدم البطلان لأصالة الصحة ، ويضمن المثل أو القيمة ، والمعتمد الأول وهو اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ويصح البذل من الأمة ، فان أذن مولاها انصرف الإطلاق إلى الاقتداء بمهر المثل ، ولو بذلت زيادة عنه ، قيل : يصح وتكون لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار ، وتتبع بأصل البذل مع عدم الإذن.

أقول : المشهور بين الأصحاب جواز بذل الأمة مع الاذن وعدمه ، فمع عدم الاذن يتعلق البذل في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار ، وكذا لو زاد بذلها عن القدر المأذون فيه ، أو زاد عن مهر المثل مع الإطلاق ، فالزائد في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار لا أعلم في ذلك خلافا.

وإنما الخلاف في محل البذل المأذون فيه ، قال الشيخ في المبسوط : إن كانت مأذونا لها في التجارة أعطت مما في يدها ، وإن لم تكن تاجرة أعطت من كسبها ، فإن لم يكن لها كسب تعلق بذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها ، واستحسن العلامة

ص: 264


1- ج 2 ، ص 451.

في القواعد تعلقه بذمة السيد مع الاذن مطلقا ، سواء كانت تاجرة أو لا وسواء كانت مكتسبة أو لا ، وهو بناء على أن مهر العبد على سيده مع الاذن بالنكاح ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قالت : لأدخلن عليك من تكرهه لم يجب [عليه] خلعها ، بل يستحب ، وفيه رواية بالوجوب.

أقول : بمضمون الرواية (1) قال الشيخ في النهاية ، لأنه قال : إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إني لا أطيع لك أمرا ، ولا أقيم لك حدا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه إن لم تطلقني ، فإذا سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شي ء من ذلك إن لم يطلق وجب عليه خلعها ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة ، لأن النهي عن المنكر واجب ، ولا يتم الا بالخلع.

وأنكر الوجوب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب ، وهو المعتمد.

ص: 265


1- صرح في الجواهر (33 : 45) - ونقله عن غيره أيضا - أنه لم يعثر على رواية بالوجوب.

ص: 266

في الأحكام

قال رحمه اللّه : إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها ، وقيل : هو منسوخ ، ولم يثبت.

أقول : إذا فعلت المرأة الفاحشة ، وهي الزنا ، جاز للرجل عضلها - وهو منعها - من حقوقها حتى تفدي نفسها ، لقوله تعالى ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (1) ، قال الشيخ في المبسوط دلت هذه الآية على أنها متى زنت جاز عضلها وإحواجها (2) بالعضل الى أن تفدى نفسها ، قال : وقيل : إنها منسوخة كما نسخت أية الحبس (3) بالفاحشة عن الحبس الى الحدود ، ثمَّ قال : والأول أقوى ، لأنه الظاهر ولا دليل على أنها منسوخة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لقيام الدليل على الجواز ، وعدم ثبوت النسخ.

ص: 267


1- النساء : 19.
2- في النسخ : (وإخراجها).
3- النساء : 15.

ويحتمل العدم ، لقوله تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (1) ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قالت : طلقني ثلاثة بألف فطلقها قال الشيخ : لا يصح ، لأنه طلاق بشرط ، والوجه أنه طلاق في مقابله بذل ، فلا يعد شرطا.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي القولين ، واختار المصنف والعلامة وابنه صحة الطلاق وهو المعتمد ، لأنه طلاق لغرض - وهو البذل - فلا مانع منه.

قال رحمه اللّه : فان قصدت الثلاث ولاء لم يصح البذل وان طلقها ثلاثا مرسلا ، لأنه لم يفعل ما سألته ، وقيل : يكون له الثلث لوقوع الواحدة.

أقول : معنى الولاء أن يقول : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، ومعنى المرسلة هنا : أن يقول أنت طالق ثلاثا.

ووجه البطلان في الأول امتناع الغاية المجعول عليها ، لأن الطلاق الثاني والثالث (لو) (2) أوقعه على مطلقة فهو لغو لا حكم له ، وإذا امتنع الفعل المجعول عليه بطلت الجعالة.

واما وجه البطلان في الثاني وهو الطلاق المرسل ، فلأنه لم يوقع ما سألته ، لأنه سألته ثلاثا فلا يستحق مع المخالفة شيئا ، والمعتمد بطلان البذل ووقوع الطلاق رجعيا.

قال رحمه اللّه : ولو كانت معه على طلقة ، فقالت طلقني ثلاثا بألف ، فطلق واحدة كان له ثلث الألف ، وقيل : له الألف إن كانت عالمة ، والثلث إن كانت جاهلة ، وفيه الاشكال.

ص: 268


1- النساء : 4.
2- هذه الكلمة ليست في «ر 1».

أقول : منشأ الاشكال من حيث أن البذل وقع في (1) مقابلة المجموع من حيث هو مجموع ، فلا يقع البعض مقابل البعض ، ووجه وجوب الالف مع العلم تنزيل كلام المسلم على الصحة ، وهي تعلم عدم وقوع الثلاث عليها فيكون مقصودها تكميل الثلاث ليقع التحريم ، وأما مع الجهل فيكون مقصودها العدد و (هو) (2) لا يقع منه غير واحدة ، فيكون لها (مع) (3) مقابلها من البذل.

والمعتمد إن قصدت تكميل الثلاث ليحصل التحريم استحق الألف وإلا لم يستحق شيئا.

قال رحمه اللّه : لو اتفقا على ذكر القدر دون الجنس واختلفا في الإرادة ، قيل : يبطل ، وقيل : على الرجل البينة ، وهو أشبه.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، لأن عند التناكر يصير البذل مجهولا ، فيبطل ويرجع الى مهر المثل ، واختار المصنف أن على الزوج البينة ، لأنه مدع ومع فقد البينة يكون القول قولها ، لأنها أبصر بنفسها (4) وقصدها ، واختاره العلامة وابنه.

ص: 269


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر 1».
3- هذه الكلمة ليست في «م» و «ر 1».
4- في «م» و «ر 1» : (بنيتها).

ص: 270

كتاب الظهار

اشارة

ص: 271

ص: 272

في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولو شبهها بظهر احدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم أو الأخت ، فيه روايتان أشهرهما الوقوع.

أقول : اختلف الأصحاب في المشبه بها ، قال الشيخان وابن الجنيد هي كل محرمة بنسب أو رضاع ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لقوله عليه السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) ، ولما رواه زرارة في الصحيح (2) عن الباقر عليه السلام.

وقال (ابن إدريس : إنها الأم خاصة ، واختاره فخر الدين لرواية سيف التمار عن الصادق عليه السلام) (3) ، «قال : قلت له : إن الرجل يقول لامرأته : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي ، فقال : إنما ذكر اللّه الأمهات ، وإن هذا الحرام» (4) واقتصر ابن البراج على المحرمات بالنسب دون الرضاع للفرق بين

ص: 273


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 4 ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في «م».
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 4 ، حديث 3.

التحريم بالنسب والتحريم بالرضاع ، لأن التحريم بالنسب ملازم للوجود ، والتحريم بالرضاع مسبوق بالإباحة ، وإنما حصل التحريم بعد الرضاع ، فالفرق ظاهر ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو شبهها بيد أمه أو شعرها أو بطنها ، قيل : لا تقع ، اقتصارا على منطوق الآية ، وبالوقوع رواية فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه سدير عن الصادق عليه السلام ، «قال : قلت له الرجل يقول لامرأته : أنت علي كشعر أمي أو بطنها أو كرجلها؟ قال : ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار» (1) ، وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط ، وابن البراج في المهذب ، وابن حمزة.

وقال المرتضى وابن إدريس بعدم الوقوع ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لأصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.

قال رحمه اللّه : ولو جعله يمينا لم يقع ولا يقع الا منجزا ، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على القول الأظهر ، وقيل : يقع ، وهو نادر. وهل يقع في إضرار؟ قيل : لا ، وفيه إشكال ، منشؤه التمسك بالعموم ، وفي وقوعه موقوفا على الشرط تردد ، أظهره الجواز. ولو قيده بمدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة ، قال الشيخ : لا يقع ، وفيه إشكال مستند الى عموم الآية ، وربما قيل : إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع ، وهو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص ، وفيه ضعف.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : لا يقع الظهار بجعله يمينا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي إن

ص: 274


1- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 9 ، حديث 2.

فعلت كذا ، فصورة اليمين صورة الشرط ، ويحصل الفرق بينهما من وجهين :

الأول : أن اليمين لا يكون متعلقة (1) بفعل غير المتكلم ، والشرط قد يتعلق بفعل المتكلم وبغير فعله ، كقوله : إن برئ مريضي أو قدم مسافري ، والبرء والقدوم ليس من فعل الحالف.

الثاني : إن اليمين يكون المقصود منها كف النفس وزجرها عن إيجاد الشرط ، وإلزام نفسه بمحذور الظهار إن أوجد الشرط ، فهو يترك الشرط حذرا من الظهار ، كما يترك الحالف الحنث حذرا من الكفارة ، وأما الشرط فالمقصود منه مجرد التعليق ، فغرضه وجود المشروط (2) عند وجود الشرط (3) ، فهو نقيض (4) اليمين.

الثانية : هل يقع معلقا على صفة ، كقوله إذا انقضى الشهر : أنت على كظهر أمي ، أو إذا دخل يوم الجمعة : أنت علي كظهر أمي؟ المشهور بين الأصحاب عدم وقوعه معلقا على الصفة.

وأعلم أن القول بوقوعه هنا فرع على القول بوقوع المشروط ، فكان ينبغي للمصنف تقديم الأصل على الفرع في الترتيب كما فعله في المختصر ، وهنا قدم الفرع على الأصل ، وهو غير مستحسن ، فكل قائل بعدم وقوعه مشروطا (منعه هنا) (5) ، والقائلون بوقوعه مشروطا اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : بالوقوع لاشتراكهما بالتعليق ، وقال الأكثر : لا يقع ، لعدم النص على وقوعه معلقا

ص: 275


1- كذا
2- في «ن» : (الشرط).
3- في «ن» : (المشروط).
4- في «م» : (مقتضى).
5- في النسخ بدل ما بين القوسين : (قائل بعدم وقوعه معلقا بالصفة).

على الصفة ، وقد ورد النص (1) بوقوعه مشروطا ، والفرق بينهما : أن الشرط يمكن وقوعه والمعلق على الزمان يستحيل وقوعه في الحال ويتحتم وقوعه فيما بعد.

الثالثة : هل يقع الظهار إذا قصد به إضرار المرأة؟ قال الشيخ في النهاية : لا يقع ، واختاره العلامة ، لقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) ، ويحتمل وقوعه مطلقا ، لعموم الآية (3) ، وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنهم أطلقوا القول بوقوع الظهار ولم يقيدوا بعدم الإضرار ، والمعتمد مذهب العلامة.

والمراد بالإضرار المانع من الظهار : هو أن يكون مقصود المظاهر إضرار المظاهر منها فقط ، فهذا القصد يمنع من وقوع الظهار عند القائل به وإن لم تتضرر المرأة بالظهار ، وإن أوقعه لغرض غير الإضرار ، فإنه يقع وإن تضررت به ، فالمعتبر قصد المظاهر ولا أثر لتضررها مع عدم قصد الإضرار ، ولا (أثر) (4) لعدم تضررها مع قصد الإضرار ، لأن دليلهم على حكم الظهار قوله تعالى ( قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ ) (5) ، الآيات ، وذلك أن خولة بنت مالك بن ثعلبة ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبرته بذلك ، فأخبرها بتحريمها عليه ، فرفعت يديها الى السماء وقالت : أشكو إلى اللّه فراق زوجي ، فنزلت الآيات (6) ، ولا خلاف بينهم في وقوع هذا الظهار ، والآية دلت على شكوى الزوجة الى اللّه ، والشكوى دلالة على تضررها بفراق زوجها ، فلو كان لتضرر الزوجة مع عدم

ص: 276


1- الوسائل ، كتاب الظهار ، الباب 16.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 ، مع اختلاف ولم نعثر عليه بلفظه.
3- المجادلة : 3.
4- هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.
5- المجادلة : 1 و 2 و 3 و 4.
6- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 1 ، حديث 1 و 2 و 4.

قصد الزوج الإضرار أثر لوقع الخلاف في هذا الظهار ، وهو غير واقع ، فثبت أن الاعتبار بقصد الزوج ، ولا اعتبار بحال المرأة.

الرابعة : في وقوعه موقوفا على شرط ، وهو اختيار الشيخ ومحمد بن بابويه وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، لعموم الآية (1) ، ولما رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، «قال : الظهار ظهاران ، أحدهما : أن يقول : أنت علي كظهر أمي ، ثمَّ يسكت. فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع ، وإذا قال : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا فقد وجبت عليه الكفارة حين يحنث» (2).

وقال السيد المرتضى وابن البراج وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس : لا يقع مشروطا ، لرواية القاسم بن محمد ، «قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إني ظاهرت من امرأتي؟ فقال : كيف قلت؟ قال : قلت : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ، فقال : لا شي ء عليك ولا تعد» (3).

الخامسة : هل يقع مؤقتا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي يوما ، أو شهر ، أو سنة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يقع ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه سعيد الأعرج في الصحيح ، عن الكاظم عليه السلام ، «في رجل ظاهر من امرأته يوما؟ قال : ليس عليه شي ء» (4) ، وقال ابن الجنيد : يلزمه الظهار ، للعموم (5) ، فحينئذ لو أنقضت مدة الظهار حلت من غير تكفير ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار فخر الدين مذهب الشيخ ، وعلى القول بوقوعه موقتا

ص: 277


1- المجادلة : 3.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 16 ، حديث 7.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 16 ، حديث 4.
4- المصدر المتقدم ، حديث 10 ، لاحظ الجواهر ، ج 33 ، ص 109 - 111.
5- المجادلة : 2.

لا فرق بين أن يقصر المدة عن زمان التربص أو لا ، للعموم (1) ، وزمان التربص هنا ثلاثة أشهر.

قال رحمه اللّه : وكذا لو قال : أنت حرام كظهر أمي.

أقول : هذا عطف على المسألة السابقة التي ذكر المصنف وجه الخلاف فيها ، ومذهب الشيخ في الأولى وقوع الظهار ، ومذهبه في هذه عدم وقوعه ، والمصنف عطف هذه على مذهبه في السابقة وهو عدم الوقوع ، لأن هذه (الصيغة غير) (2) الصيغة المنصوصة (3) ، والأصل بقاء الحل ، وهو ظاهر العلامة في القواعد ، واختار في المختلف وقوع الظهار ، واختاره فخر الدين أيضا ، لرواية زرارة الصحيحة ، عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الظهار؟ فقال : يقول الرجل لامرأته وهي طاهر من غير جماع : أنت علي (حرام) كظهر أمي أو أختي ، وهو يريد الظهار» (4).

ص: 278


1- المصدر المتقدّم.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 1.
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 2 ، حديث 2. وما بين القوسين ليس في الأصل وإن كان في النسخ والمصدر أيضا.

في المظاهرة

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط الدخول تردد ، والمروي اشتراطه.

أقول : منشؤه من عموم الآية (1) ، ومن صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «في المرأة التي لم يدخل بها؟ قال : لا يقع فيها إيلاء ولا ظهار» (2) ، ومثلها رواية الفضل بن يسار (3) ، عن الصادق عليه السلام ، واشتراط الدخول مذهب الشيخ وابن بابويه وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وعدم الاشتراط مذهب المفيد وسلار وأختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : وهل يقع بالمستمتع بها؟ فيه خلاف ، والأظهر الوقوع.

أقول : وقوعه بها مذهب السيد المرتضى وابن زهرة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والمختلف ، وأبو العباس ، وهو المعتمد ،

ص: 279


1- المجادلة : 2.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 8 ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 8 ، حديث 1.

لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (1) ، وهي من النساء.

وقال ابن بابويه وابن الجنيد : لا تقع بها ، واختاره ابن إدريس ، لما رواه ابن فضال ، عمن أخبره «قال : لا يكون الظهار الا على موضع الطلاق» (2) ، والمستمتع بها لا يقع بها طلاق ، فلا يقع بها ظهار.

وأجيب بإرسال الرواية مع ضعف سندها.

قال رحمه اللّه : وفي الموطؤة بالملك تردد ، والمروي أنه يقع كما يقع بالحرة.

أقول : منشؤه من أنها من النساء لتحريم أمها وبنتها وأختها ، فتدخل في عموم الآية (3) ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «قال : سألته عن الظهار على الحرة والأمة؟ قال : نعم» (4) ، ومثلها رواية إسحاق بن عمار (5) عن الكاظم عليه السلام ، ومن أصالة بقاء الحل ، ورواية حمزة بن حمران ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر أمه؟ قال : يأتيها ، وليس عليه شي ء» (6) ، وفي طريقها ابن فضال وهو ضعيف ، ومساواتها مذهب الشيخ في النهاية (والخلاف) (7) ، وبه قال ابن أبي عقيل ، وابن حمزة ، والعلامة في المختلف (والتحرير) (8) ورجحه أبو العباس في مقتصره ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس بعدم وقوعه بها ، والأول هو المعتمد.

ص: 280


1- المجادلة : 2.
2- الوسائل ، كتاب الظهار باب 16 ، حديث 13.
3- المجادلة : 3.
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 11 ، حديث 2.
5- المصدر المتقدم ، حديث 1.
6- المصدر المتقدم ، حديث 6.
7- ليست في «ن» وفي الأصل : (المختلف).
8- ليست في «ن».

في الأحكام

قال رحمه اللّه : الظهار محرم لاتصافه بالمنكر ، وقيل : لا عقاب فيه ، لتعقيبه بالعفو.

أقول : أجمع أصحابنا على تحريم الظهار ، لقوله تعالى ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (1) وكل منكر حرام ، وكذا كل زور ، ثمَّ اختلفوا.

قال بعضهم : إنه يعفى عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة ، لقوله تعالى ( وَإِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) (2) ، عقب بالعفو ، أو هو يستلزم نفي العقوبة ، (وقيل نفي العقوبة) (3) غير متحتم ، بل تفضل من اللّه تعالى ، إن شاء عفى وإن شاء عاقب.

قال رحمه اللّه : لا تجب الكفارة بالتلفظ وانما تجب بالعود ، وهو إرادة الوطي ، والأقرب أنه لا استقرار لها ، بل معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر.

أقول : إذا أراد المظاهر الوطي وجبت عليه الكفارة قبله ، لقوله تعالى :

ص: 281


1- المجادلة : 2.
2- المجادلة : 2.
3- ما بين القوسين ليس في «ن».

( ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (1) والعود إرادة الوطئ ، وهل يستقر بمجرد هذه الإرادة وتستقر في ذمته ، أو معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر؟ أكثر الأصحاب على الثاني ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والأول مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واختاره العلامة في التحرير.

وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو أراد الوطي ثمَّ مات قبله ، وجبت الكفارة في ماله على الأول دون الثاني.

الثاني : لو طلق بعد إرادة الوطي قبله ، وجبت الكفارة على الأول خاصة.

الثالث : وجوب إخراجها على الفور عند الإرادة ، على الأول دون الثاني.

الرابع : سقوط الزكاة لو كانت الكفارة تمام النصاب ، وأراد الوطي قبل دخول الحول ، ولم يطأ حتى حال الحول ، على الأول دون الثاني.

قال رحمه اللّه : ولو ظاهر من واحدة مرارا وجب عليه بكل مرة كفارة ، فرّق الظهار أو تابعه ، ومن فقهائنا من فصّل.

أقول : تعدد الكفارة بتعدد المرات مطلقا ، سواء كان الثاني متراخيا أو غير متراخ ، وسواء اتحدت المشبه بها أو تعددت ، هو مذهب الشيخ في النهاية ، والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل ظهار سبب مستقل يوجب التكفير لعموم الآية (2) ، ولأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، وأحكام الظهار معلقة على حصوله ، فيكون علة ، وهو موجود في كل مرة.

وقال الشيخ في المبسوط وابن حمزة بتكرر الكفارة مع تراخي الثاني عن

ص: 282


1- المجادلة : 3.
2- المجادلة : 3.

الأول ، ومع تتاليه ، إن قصد بالثاني ظهارا مستأنفا تعدد (1) وإن قصد به تأكيد الأول لم يتعدد ، وادعى الشيخ الإجماع على عدم التعدد مع قصد التأكيد ، وهو ظاهر فخر الدين.

وقال العلامة في المختلف : قول الشيخ لا بأس به.

وقال ابن الجنيد : يتعدد إن تعدد المشبه بها ، كقوله : أنت علي كظهر أمي ، أنت علي كظهر أختي ، لأنهما حرمتان انهتكتا ، وتتحد إن اتحد المشبه بها.

والمعتمد التعدد مطلقا ، ما لم يقصد بالثاني تأكيد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو كان الوطي هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله ، ولا تستقر الكفارة حتى يعود ، وقيل : تجب بنفس الوطي ، وهو بعيد.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه اللّه ، بناء على أن الاستمرار وطي ثان ، ووجه بعده أن الوطي من ابتدائه إلى النزع واحد في العرف ، والإطلاق انما يحمل على العرف ، والمشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله ، وقبل النزع لم يتحقق الشرط.

قال رحمه اللّه : يحرم الوطي على المظاهر ما لم يكفر ، سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام ، ولو وطأها خلال الصوم استأنف ، وقال شاذ منا : لا يبطل التتابع لو وطأ ليلا.

أقول : أجمع المسلمون على وجوب تتابع صيام كفارة الظهار ، وأجمعوا على وجوب الاستئناف مع الإفطار لغير عذر ، قبل (2) مضي شهر ويوم من الثاني ، واختلفوا في موضعين :

ص: 283


1- هذه الكلمة في النسخ وليست في الأصل.
2- في «ن» : وقبل.

الأول : إذا حصل الوطي ليلا في خلال الشهر (1) ، هل يبطل التتابع أم لا؟ قال ابن إدريس : لا يبطل التتابع ، وهو مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقربه العلامة في القواعد ، لأنه لم يبطل من الصوم شي ء ، فلا يجب الاستئناف ، لأصالة براءة الذمة ، لأن التتابع : هو إتباع صوم يوم لاحق بصوم يوم (2) سابق وهو حاصل ، لعدم بطلان الصوم بالوطي ليلا ، ويجب عليه كفارة أخرى للوطي قبل التكفير.

والمشهور الاستئناف ، لقوله تعالى ( فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) (3) ، وهو لم يأت بالمأمور به فلا يجزيه ، وهو مذهب الشيخ ، والمصنف ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وفخر الدين ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا وطى نهارا قبل أن يمضي من الثاني شي ء ، قال الشيخ : إن تعمد الوطي بطل التتابع مطلقا ، سواء كان (عمدا أو سهوا) (4) ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، والسهو يسقط الإثم لا الإعادة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يحرم عليه ما دون الوطي ، كالقبلة والملامسة؟ قيل : نعم ، لأنه مماسة ، وفيه إشكال ، ينشأ من اختلاف التفسير.

أقول : تحريم الجميع مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو اختيار فخر الدين ، لصدق اسم المسيس على التقبيل واللمس ، لأن حقيقة المسيس تلاقي الأبدان لغة ، والأصل عدم النقل ، وقال ابن إدريس : لا يحرم غير الوطي ، وقواه العلامة في المختلف ، لأن المسيس يراد به الوطي

ص: 284


1- في «م» و «ن» : (الشهرين).
2- ليست هذه الكلمة في «ر 1».
3- المجادلة : 3.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : (عامدا أو ساهيا).

لا غير ، لقوله تعالى ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (1).

قال رحمه اللّه : إذا عجز المظاهر عن الكفارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار ، قيل : تحرم عليه حتى يكفر ، وقيل : يجزيه الاستغفار ، وهو أكثر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في قوله أو ما تقوم مقامها ، فنقول الكفارة عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا ، ومع العجز عن الجميع ، هل لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي أو لا؟

قال المفيد وابن الجنيد : لا بدل لها بل يحرم عليه وطؤها ، حتى يكفر بإحدى الثلاث المذكورة ، واختاره فخر الدين ، لأن نص القرآن (2) انما جاء على هذه الثلاث الخصال ، فلا يجزى غيرها ، ولما رواه أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة ، ما خلا يمين الظهار ، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه وفرق بينهما ، الا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها» (3).

وقال كثير من الفقهاء (4) لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي ، واختلفوا فيه ، قال الشيخ في النهاية : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز عن ذلك كان حكمه ما قدمناه من أنه يحرم عليه وطؤها حتى يكفر (5).

ص: 285


1- البقرة : 237 ، والأحزاب : 49.
2- المجادلة : 3 - 4.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 6 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
4- في «م» و «ر 1» : (الأصحاب).
5- ص

وقال علي بن بابويه في الرسالة ، وابنه في المقنع : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا (تصدق بما يطيق ، ثمَّ قال في المقنع أيضا : وروي إذا لم يطق إطعام ستين مسكينا) (1) ، صام ثمانية عشر يوما (2).

وقال ابن البراج : يصوم ثمانية عشر يوما.

وقال ابن حمزة : فإن عجز عن الإطعام صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز تصدق عن كل يوم بمدين من طعام.

والمصنف أتى بما يشمل الجميع ، فقال : إن عجز عن الكفارة أو ما يقوم مقامها ، ومثله قال العلامة في القواعد.

الثاني : في حكم العاجز عن الكفارة وما يقوم مقامها ، هل يكفيه الاستغفار ويحل له الوطي؟ مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد ، وابن الجنيد ، وفخر الدين عدم ذلك ، وقد تقدم (3) وجهه.

وقال ابن إدريس : يكفيه الاستغفار ويستحل به الوطي ، واختاره المصنف ، والعلامة ، وأبو العباس ، لما رواه إسحاق بن عمار في الموثق ، عن الصادق عليه السلام ، «إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر اللّه ، وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ، وقد أجزي ذلك عن الكفارة» (4) ، ولأن إيجاب الكفارة عند (5) العجز عنها يكون تكليفا بما لا يطاق وهو محال.

ونقل ابن إدريس عن الشيخ في الإستبصار قولا ثالثا ، وهو إباحة الوطي بعد الاستغفار ، وبكون الكفارة في ذمته إذا قدر عليها كفر.

ص: 286


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
3- ص 285.
4- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 6 من أبواب الكفارات ، حديث 4.
5- في النسخ : مع.

والمعتمد مذهب ابن إدريس ، ولا بد في الاستغفار (من نية التكفير ، فيقول : أستغفر اللّه عن كفارة الظهار ، لوجوبه قربة الى اللّه ، والندم على ما صدر منه) (1) من الظهار ، والعزم على ترك العود الى مثله ، والتلفظ بالاستغفار ، ويكفي مرة واحدة ، ولا يكفي التلفظ من دون النية والندم والعزم على ترك المعاودة.

ص: 287


1- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

ص: 288

في الكفارات

اشارة

قال رحمه اللّه : وكفارة من أفطر يوما نذر صومه على أشهر الروايتين ، وكذا كفارة الحنث في العهد وفي النذر على التردد ، والواجب في كل واحدة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من أفطر يوما نذر صومه ، وكفارته كفارة رمضان كبيرة مخيرة عند الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال ابن بابويه : من نذر أن يصوم في كل سبت فليس عليه أن يتركه الا من علة ، وإن أفطر من غير علة تصدق لكل يوم على عشرة مساكين.

الثانية : كفارة الحنث في النذر ، قال الشيخ : إنها كبيرة مخيرة ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن حمزة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال سلار : أنها كبيرة مرتبة.

ص: 289

وقال ابن بابويه : هي كفارة يمين.

ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى أنها كبرى (1) إن كان النذر صوما ، وكفارة يمين إن كان النذر غير الصوم ، واختاره العلامة في الإرشاد.

واستند الجميع الى الروايات (2) ، ووجه الأخير الجمع بينهما.

الثالثة : كفارة خلف العهد ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة وهو المعتمد.

وقال المفيد : كفارة خلف العهد كفارة قتل الخطأ ، وهو يعطي وجوب الترتيب ، والمستند الروايات (3) أيضا.

قال رحمه اللّه : من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار فإن عجز فكفارة يمين ، وقيل : يأثم ولا كفارة ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : الحلف بالبراءة من اللّه أو الرسول أو الأئمة عليهم السلام حرام ، وهل تجب به كفارة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يأثم ولا كفارة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وقال المفيد وسلار والشيخ في باب الكفارات من النهاية : تجب الكفارة.

واختلفوا في تقديرها ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج : إنها كفارة ظهار ، فان عجز فكفارة يمين ، وقال ابن حمزة : إنها كفارة النذر ، وروى ابن بابويه ، «قال : كتب محمد بن الحسن إلى العسكري عليه السلام في رجل حلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله فحنث فما توبته وكفارته؟ فوقع عليه السلام : يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ، ويستغفر اللّه عزوجل» (4) ، وعلى هذه الرواية

ص: 290


1- في «ن» : كبيرة.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 23 من أبواب الكفارات.
3- المصدر المتقدم ، باب 24.
4- المصدر المتقدم ، باب 20 حديث 1.

عمل العلامة في التحرير والمختلف.

تنبيه : هل يترتب الحكم على الحلف لكل واحد من الثلاثة ، أو لا بد من الجميع (1)؟ صرح الشيخ بالأول وهو المعتمد ، لدلالة الرواية (2) عليه ، وسلار رتب الحكم على المجموع.

وهل تستقر الكفارة بمجرد الحلف أو لا تستقر الا بالحنث؟ قال المفيد وسلار : إنما تجب مع المخالفة ، وقال ابن بابويه تجب بمجرد القول ، وهو يقتضي إلزامه بها معجلا عقيب الحلف.

ويتفرع على مذهب ابن بابويه وجوبها بالغموس وإن كان صادقا ، وعدم وجوبها على مذهب المفيد وإن كان كاذبا.

الثانية : في جز المرأة شعرها في المصاب ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب كفارة كبرى مرتبة ، قاله سلار وابن إدريس.

الثاني : وجوب كفارة مخيرة ، وهو مذهب ابن البراج ، وظاهر النهاية ، واختاره أبو العباس اعتمادا على رواية (خالد بن) (3) سدير (4) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : عدم وجوب الكفارة ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين.

فروع :

الأول : لو جزته في غير المصاب لغير حاجة ، احتمل قويا وجوب الكفارة ، لأن وجوب الكفارة في المصاب يقتضي وجوبها في غير المصاب بطريق

ص: 291


1- في النسخ : (المجموع).
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 20 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 31 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

الأولى ، ويحتمل عدمه ، لعدم النص عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، أما لو جزته لحاجة فلا كفارة قطعا.

الثاني : الجز هو القص ، واستقرب العلامة إلحاق الحلق به ، وزاد الشهيد إلحاق الإحراق بهما ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثالث : لا فرق بين جزء الكل أو البعض ، لصدق اسم الجز على القليل والكثير.

الرابع : لا فرق ان تفعله مباشرة أو يفعله الغير بإذنها.

الثالثة : كفارة الحيض مع التعمد ، والعلم بالتحريم ، والتمكن من التكفير ، قيل : تستحب ، وقيل : تجب ، وهو الأحوط ، ولو وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من طعام ، وقد سبق البحث في هذه في باب الحيض (1).

الرابعة : من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصواع من دقيق ، وهل هذه الكفارة واجبه أو مستحبة؟ بالوجوب قال ابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وهو ظاهر التحرير والدروس ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، وقال ابن إدريس : إنه مستحب ، واختاره المصنف ، والمستند الروايات (2) ، والشيخ أطلق التكفير ولم ينص على الوجوب ولا الاستحباب.

فروع :

الأول : لا فرق بين العدة البائنة والرجعية وعدة الوفاة.

الثاني : لو تزوج بذات بعل ، وجبت الكفارة أيضا لصريح الرواية (3) ، وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ،

ص: 292


1- الجزء الأول ، ص 72.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 36 من أبواب الكفارات حديث 1 ، وكتاب الحدود ، باب 27 من أبواب حد الزنا ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 36 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

«في رجل تزوج امرأة ولها زوج؟ فقال : إذا لم يرفع خبره الى الامام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع من دقيق هذا بعد ان يفارقها» (1).

الثالث : أطلق أكثر الأصحاب وجوب التكفير ، ولم يفصلوا بين العالم والجاهل ، ونص العلامة في التحرير على عدم الفرق بين العالم (بالعدة والتحريم) (2) والجاهل بهما أو بأحدهما ، ثمَّ استشكل ذلك وهو في محل الإشكال ، لأن رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام مصرحة بالعلم ، «قال سألته عن امرأة تزوجها رجل في عدتها فوجد لها زوجا؟ قال : عليه الجلد وعليها الرجم ، لأنه تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم ، وكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا» (3). فهذه الرواية مصرحة بعلمه ، وأيضا وجوب الحد والكفارة يقتضي العلم ، لأنهما عقوبة ، والجاهل لا عقوبة عليه.

والمعتمد عدم وجوبها على الجاهل ، وقوله في الرواية (فكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا ، تدل على أنه إذا أقيم عليه الحد لم تجب عليه الكفارة) (4) وانما تجب مع عدم رفع أمره الى الحاكم ، وإقامة الحد عليه.

الرابع : لا فرق بين الحرة والأمة ، ولا بين الدخول وعدمه.

الخامس : لا تجزي الصدقة من غير الدقيق وإن كان أصلا له ، كالحنطة والشعير ، ومنع المقداد رحمه اللّه من إجزاء غير دقيق الحنطة والشعير ، وجزم (5) العلامة في التحرير بإضافة دقيق الذرة والدخن الى دقيق الحنطة والشعير ،

ص: 293


1- الفقيه : كتاب النكاح ، باب 144 في النوادر ، حديث 23 (1440). ولاحظ المصدر المتقدم أيضا.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 27 من أبواب حد الزنا ، حديث 5.
4- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.
5- من «ن» وفي باقي النسخ والأصل : (وجزم به).

واستقرب فيه أجزاء الخمسة الأصواع من الخبز.

الخامسة : من نام عن العشاء حتى جاوز نصف الليل أصبح صائما ، وهل الصوم واجب أو ندب؟ قال المرتضى وأبو الصلاح هو واجب ، لرواية عبد اللّه بن المغيرة ، عمن حدثه ، عن الصادق عليه السلام ، «في رجل نام عن العتمة ولم يقم الا بعد انتصاف الليل؟ قال : يصليها ويصبح صائما» (1) ، وهي مرسلة.

وأطلق الشيخ وكثير من الأصحاب الصوم ، ولم يقيدوا بالوجوب ولا بالاستحباب.

ونص ابن إدريس على الاستحباب ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

فروع :

الأول : يجب الصوم على غير النائم كالعامد والسكران والناسي ، ولا صوم على النائم عن غير العتمة ، اقتصارا على مورد النص (2).

الثاني : لو أفطر ذلك اليوم على القول بوجوبه ، احتمل وجوب الكفارة لتعين صوم ذلك اليوم ، وكل من أفطر في صوم معين وجبت عليه الكفارة ، ويحتمل العدم ، لأن صوم ذلك اليوم كفارة ، ولا كفارة في إفطار صوم الكفارة.

الثالث : لو اتفق ذلك اليوم(3) في السفر أو في العيد ، فلا شي ء عليه لعدم قبول الزمان للصوم.

الرابع : لو وافق ذلك(4) صوما معينا تداخلا ، قاله الشهيد ، وعلى القول به لا بد من نية السببين معا.

ص: 294


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 29 من أبواب المواقيت ، حديث 8.
2- المصدر المتقدم.
3- من «م».
4- هذه الكلمة ليس في النسخ.

السادسة : من نذر صوم يوم معين فعجز عنه ، قال المصنف : أطعم مسكينا مدين ، فان عجز تصدق بما استطاع ، فان عجز استغفر اللّه تعالى.

واقتصر الشيخ في النهاية على إطعام المدين.

وقال المفيد : إن أفطره لغير عذر كان عليه القضاء والكفارة ، وإن كان لعذر كان عليه القضاء دون الكفارة ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال ابن إدريس : إن كان عجز لمرض لا يرجى زواله عادة - كالعطاش الذي لا يرجى برؤه - كان قول الشيخ صحيحا ، وإن كان لمرض يرجى زواله كالحمى كان عليه القضاء خاصة ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : الأول الإيمان وهو معتبر في كفارة القتل إجماعا ، وفي غيرها على التردد ، والأشبه اشتراطه ، والمراد بالإيمان هنا الإسلام أو حكمه.

أقول : أجمع المسلمون على اعتبار الإيمان في كفارة القتل لنص القرآن (1) ، واختلفوا في صحة عتق الكافر في غير (2) ذلك من الكفارات ، فالمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس وسلار منعوا من عتق الكافر ، وكذلك الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وجزم في المبسوط والخلاف بجواز عتق الكافر في جميع الكفارات عدا القتل ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الرقبة المؤمنة ، ولأن اللّه لم يقيدها بالمؤمنة في غير القتل ، فحمل غيرها عليها يحتاج الى دليل.

احتج الأولون بحمل المطلق على المقيد ، وبقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (3) ، ولا شك في خبث الكافر ، ولأن دليل الاحتياط

ص: 295


1- النساء : 92.
2- هذه الكلمة من النسخ.
3- البقرة : 267.

يقتضيه لحصول يقين البراءة بعتق المؤمن وحصول الشك فيما عداه.

إذا عرفت هذا فأكثر مصنفات الأصحاب بأن (1) المراد بالايمان هنا الإسلام ، فيدخل فيه كل مظهر للشهادتين عدا الناصب والغالي.

وقال العلامة في القواعد : وهل يشترط الإيمان؟ الأقوى ذلك.

قال فخر الدين في شرحه : اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان ، قال المرتضى وابن إدريس : لا يجزى الا المؤمن ، وهو الأصح عندي وعند والدي ، لما تقدم من الاحتياط ، ولقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (2) ، والكافر خبيث إجماعا.

وهذا الكلام فيه نظر من وجهين :

الأول : نسبته قول المرتضى وابن إدريس إلى اشتراط الإيمان الحقيقي الذي يعتقده الإمامية دون غيرهم من أهل الخلاف ، مع أن عبارة ابن إدريس لا تدل على ذلك ، وهذه عبارته : قال شيخنا أبو جعفر الطوسي لا يعتبر الإيمان في العتق في جميع أنواع الكفارات إلا في كفارة قتل الخطأ خاصة وجوبا ، وما عداه يجوز أن يعتق من ليس بمؤمن وإن كان المؤمن أفضل ، وقال المرتضى وباقي أصحابنا باعتبار الإيمان في جميعها ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، لقوله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) والكافر خبيث بغير خلاف ، وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وهذا يدل على أن المراد بالإيمان هو الإسلام الذي هو ضد الكفر ، بدليل تقسيمه المسألة إلى قولين ، قول الشيخ بعدم اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل ، وقول المرتضى وباقي الأصحاب باشتراطه في الجميع ، مع أن الفريقين إنما

ص: 296


1- كذا
2- البقرة : 267.

اختلفوا في جواز عتق الكافر وعدمه ، ولم يقع بينهم اختلاف في عتق المخالف ، ويدل عليه قوله : (والكافر خبيث بغير خلاف) ، فلو أراد بالمؤمن ضد المخالف من المسلمين لقال : والمخالف خبيث.

وأيضا يلزم من قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، خروج السيد وابن إدريس من هذا التقسيم ، لأنهما قائلان بعدم إسلام المخالفين ، والخلاف (1) الذي ذكره بين القائلين بإسلامهم ، فلا يدخلان فيه ، فلا يصح الاستدلال بقولهما على مطلوبه.

وانما يصح استدلاله بقول من يقول بإسلام المخالف ، وهو يمنع من عتقه.

الوجه الثاني : الذي فيه النظر ، قول فخر الدين : والكافر خبيث إجماعا ، فهذا الاستدلال غير مطابق للقاعدة التي يبحث عنها ، لأن بحثه في جواز عتق غير المؤمن من المسلمين ، بدليل قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، فالكافر لا مدخل له في هذا البحث ، فكان ينبغي الاستدلال (بخبث المخالف ، لأنه المبحوث عنه (عنده) (2) والكافر قد مضى البحث فيه في المسألة السابقة ، فالاستدلال) (3) بخبث الكافر غير مطابق للبحث.

والتحقيق : أن المسلمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين بعد اتفاقهم على اشتراط الإيمان في كفارة قتل الخطأ ، فالشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد من الإمامية ، وعطا ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه من العامة ، جوزوا عتق الكافر في جميع الكفارات عدا كفارة قتل الخطأ ، وباقي الإمامية والشافعي ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق من العامة منعوا ذلك ، والجميع

ص: 297


1- في «م» : (فالخلاف) وفي «ن» : (في الخلاف).
2- من «ر 1».
3- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

مجمعون أن المراد بالإيمان هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر.

ويلزم من مذهب السيد وابن إدريس عدم جواز عتق غير الإمامي ، لقولهما بكفر من عداه ، ولا يلزم منه خروج المسألة عن القولين ، لأن الناس عندهما على قسمين ، مؤمن وكافر ، والإسلام عندهما قسم واحد وهو الإيمان فقط ، والناس عند غيرهما من الإمامية على ثلاثة أقسام : مؤمن وكافر ومسلم ، فمن قال بإسلام المخالف قال بجواز عتقه عدا العلامة في القواعد ، فإنه قال : وهل يعتبر الإيمان؟ الأقوى ذلك. وهو يشعر بعدم جواز عتق المخالف ، وجزم في التحرير بجواز عتقه ، وكذلك في الإرشاد ، لأنه لم يشترط فيه غير الإسلام ، ولم أجد قولا غير عبارة القواعد تدل على اشتراط غير الإسلام ، ولهذا اقتصر عميد الدين رحمه اللّه في شرحه على بيان وجه القوة ، ولم يذكر أنه مذهب لأحد من الأصحاب.

وانما طولنا البحث في هذه المسألة لاشتباهها على كثير من الأصحاب بسبب تقرير فخر الدين ونسبته القول باشتراط الإيمان الى السيد وابن إدريس ، حتى قلده المقداد في ذلك ، وسطره في كتابه شرح المختصر ، وقد ظهر مما حققناه وحكيناه فساد ذلك ، واللّه الموفق للصواب.

ص: 298

في خصال الكفارة

اشارة

قال رحمه اللّه : والطفل في حكم المسلم ، ويجزي ان كان أبواه مسلمين ، أو أحدهما ولو حين يولد ، وفي رواية : لا يجزى في القتل خاصة ، إلا البالغ الحنث ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه معمر بن يحيى في الحسن ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود؟ فقال : كل العتق يجزي فيه عتق المولود إلا في كفارة القتل ، فان اللّه تعالى يقول : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (1) ، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث» (2) ، ومثلها رواية الحسين بن سعيد (3) ، عن الصادق عليه السلام ، والمراد بالحنث الطاعة والمعصية ، أي يبلغ مبلغا يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية ، وبمضمون الرواية قال ابن الجنيد.

ص: 299


1- النساء : 92.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 7 من أبواب الكفارات ، حديث 6.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 7 من أبواب الكفارات ، حديث 6.

وقال ابن البراج : يجزي المولود في الجميع ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (1) ، والإلحاق انما هو في الإيمان ، ولهذا يلحق به أحكام الارتداد والإيمان بعد بلوغه وإن لم يسبق منه لفظ الشهادة ، وذلك للحكم بإيمانه ، فيكون مجزيا في الجميع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على تردد ، وهل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل : نعم ، صونا له أن يستزلاه عن عزمه ، وان كان بحكم الكافر.

أقول : منشأ التردد من وصفه برفع القلم عنه قبل البلوغ ، فلا يحكم بإسلامه ولا بكفره إلا بالتبعية ، ومن ورود الأخبار (2) بإمضاء أفعاله المشتملة على المعروف كالوصية والوقف والصدقة وغير ذلك فيصح إسلامه ، ولأن مباشرة الإسلام بعد التمييز أقوى من تبعيته للغير.

والمعتمد عدم الحكم بإسلامه في اعتبار شي ء من أحكام الإسلام ، وانما يعتبر في التفرقة بينه وبين اهله لئلا يردوه عن الإسلام ، ولا فرق بين الأبوين وغيرهما من أهله.

قال رحمه اللّه : ويجزي ولد الزنا ، ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر ، أو لقصوره عن صفة الإيمان ، وهو ضعيف.

أقول : جواز عتق ولد الزنا في الكفارة هو المشهور بين علمائنا ، وادعى الشيخ عليه الإجماع ، ولما رواه سعيد بن يسار ، عن الصادق عليه السلام ، «

ص: 300


1- الطور : 21.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44.

قال : لا بأس بأن تعتق ولد الزنا» (1) وهو عام في الكفارات (2) وغيرها.

ومنع المرتضى وابن الجنيد من عتقه في الكفارات (3) ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (4) ، وولد الزنا خبيث ، لما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : «لا خير في ولد الزنا ، لا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في جلده ، ولا في عظمه ، ولا في شعره ، ولا في بشره ، ولا في شي ء منه» (5) واجزاؤه في الكفارات (6) ، وإسقاط الحكم به عن الجاني ضرب من الخير ، وقد نفاه الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فدل على أنه لا يجزي.

والمعتمد المشهور وهو الأجزاء ، قال الشهيد : ويتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ ، وتبعية السابي ، وفي تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر ، من انتفائه عنه شرعا ، ومن تولده عنه حقيقة ، فلا يقصر عن السابي ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : فلا يجزي المدبر ما لم ينقض تدبيره ، وقال في الخلاف والمبسوط : يجزي ، وهو أشبه ، ولا المكاتب المطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا ، ولو لم يؤد أو كان مشروطا ، قال في الخلاف : لا يجزي ، ولعله نظر الى نقصان الرق لتحقق الكتابة ، وظاهر كلامه في النهاية أنه يجزي ، ولعله أشبه من حيث تحقق الرق.

ص: 301


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 16 ، حديث 1.
2- في النسخ : (الكفارة).
3- في النسخ : (الكفارة).
4- البقرة : 267.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7 باختلاف يسير.
6- في النسخ : الكفارة.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز عتق المدبر في الكفارات (1) قبل نقض تدبيره ، قال الشيخ في النهاية : لا يصح الا بعد نقض تدبيره ، ورده الى محض الرق ، لما رواه عبد الرحمن في الموثق ، «قال : سألته عن رجل قال لعبده : إن حدث بي حدث فهو حر ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، إله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة ملك اليمين؟ قال : لا يجوز (للذي جعل) له ذلك» (2) ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه : يصح ، ويكون ذلك إبطالا لتدبيره ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط وهو المعتمد ، لأن التدبير وصية يجوز الرجوع فيها قولا وفعلا.

الثانية : في جواز عتق المكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا ، والمشروط الذي لم يوف جميع كتابته في الكفارة ، قال الشيخ : لا يصح ، واختاره (العلامة في المختلف) (3) ، لأن الملك غير تام ، وقال ابن إدريس : يجوز ، لأنه مملوك ، وكل مملوك يصح عتقه عن الكفارة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن ، وقال الشيخ : يصح مطلقا إذا كان موسرا ، ويكلف أداء المال ان كان حالا ، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا ، وهو بعيد.

أقول : المعتمد عدم صحة عتق المرهون بدون إجازة المرتهن مطلقا سواء كان الراهن معسرا أو موسرا ، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، وسواء وضع رهنا غيره أو لا ، لأن الراهن ممنوع من جميع التصرفات المقتضية لنقض المال من

ص: 302


1- في النسخ : الكفارة.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة ، باب 12 من أبواب التدبير ، حديث 1 - وما بين القوسين ليس في «ر 1».
3- في «ن» بدل ما بين القوسين : فخر الدين.

دون إذن المرتهن ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة ، فللشيخ قولان ، والأشبه المنع وان قتل خطأ ، قال في المبسوط : لم يجز عتقه ، لتعلق حق المجني عليه برقبته ، وفي النهاية ، يصح ويضمن السيد دية المقتول ، وهو حسن.

أقول : اختلف الفقهاء في جواز عتق العبد الجاني ، قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن الجناية إن كانت عمدا نفذ العتق ، لأن حق المجني عليه من القود لا يبطل بصيرورته حرا ، وإن كانت الجناية خطأ لم ينفذ ، لأنها تعلقت برقبته ، والعتق يمنع من الاسترقاق ، وقال في النهاية : يجوز عتقه إذا كانت خطأ ، ويلزم المعتق الدية ، لأنه عاقلة العبد ، وابن إدريس قوّى مذهب المبسوط.

وقال العلامة في المختلف : المعتمد أن تقول : إن كانت عمدا لم يصح عتقه ، الا أن يجيزوا أولياء المقتول ، وإن كانت خطأ وكان موسرا جاز وإلا فلا ، وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين : إما دفع الدية قبل العتق أو يضمنها (ويرضى الولي) (1) بالضمان لا بدونهما ، وهو يدل على عدم جواز عتقه في العمد (والخطأ معا ، لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ، لزوال تعلق الجناية برقبة العبد) (2) ، اما مع أداء المال فظاهر ، وأما مع الضمان فلان الضمان مع رضي الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، ولا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين ، وهذا هو المعتمد ، أما عدم جوازه في العمد ، فلأنه يؤدي الى إسقاط حق المجني عليه ، لأنه مخير بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق (3) وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل ، وأما عدم

ص: 303


1- في الأصل بدل ما بين القوسين : المولى.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في «ر 1» : والاشتراط.

جوازه في الخطأ ، فلان الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك (1) المولى (2) فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك ، فيكون باطلا ، وهو مذهب الدروس ، لأنه قال : ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية ، ولا يخرج من عهدة الجناية إلا (3) بأحد الشرطين المذكورين.

قال رحمه اللّه : ولو تبرع بالعتق عنه ، قال الشيخ : نفذ العتق عن المعتق دون من أعتق عنه ، سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا ، ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا تبرع أجنبي بالعتق عنه من غير مسألة ، قال الشيخ في المبسوط : يقع عن المالك المعتق لا عن المعتق عنه ، لأن العتق مبني على التغليب ، وهو لم يقع عن المعتق عنه فيقع عن المالك ، قال فخر الدين : والأصح انه لا يصح ، لأنه نوى العتق عن الغير بغير إذنه ، (وهو لا ولاية) (4) له ، فلا يصح عن الغير ولا عنه ، لأنه لم يقصده. واللفظ إنما هو تابع للإرادة ، وهو لم يقصد إزالة الرق (5) عن نفسه.

الثانية : إذا أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح وفرق بين الوارث والأجنبي ، لأن الوارث قائم مقام الموروث في كثير من الأحكام ، لأن الوارث يملك ما كان يملكه الموروث ، ويقبل قوله فيما كان يقبل

ص: 304


1- في النسخ : انفكاك.
2- في «ن» : المنع.
3- من النسخ ، وفي الأصل غير مقروء.
4- في «م» : ولا ولاته.
5- ليست في «م».

قوله فيه كالإقرار (بالمجهول) (1) ، وتعيين المطلقة ، والمعتق وقضاء ما كان عليه من صيام أو صلاة ، وليس كذلك الأجنبي ، فحصل الفرق بينهما ، وهو ظاهر فخر الدين ، لأنه قال : وقال شيخنا ابن سعيد في شرائعه : والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع والجواز ، وضعفه ظاهر. حكم بضعف قول ابن سعيد في شرائعه ، وجزم في الدروس باجزاء نية المتبرع إن كان وارثا ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا قال أعتق عبدك عني فقال : أعتقت عنك ، فقد وقع الاتفاق على الأجزاء ، ولكن متى ينتقل الى الآمر ، قال الشيخ رحمه اللّه : ينتقل بعد قول المعتق أعتقت عنك ثمَّ ينعتق بعده وهو تحكم ، والوجه الاقتصار على الثمرة ، وهو صحة العتق وبراءة ذمة الآمر ، وما عداه تخمين ، ومثله إذا قال له : كل هذا الطعام فقد اختلف أيضا في الوقت الذي يملكه الآكل ، والوجه عندي أنه يكون إباحة للتناول ، ولا ينتقل الى ملك الأكل.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قال أعتق عبدك عني ففعل صح العتق ووقع عن الأمر إجماعا ، والنية هنا من الوكيل وهو المأمور بالعتق ، ولا بد من دخوله في ملك الآمر ضمنا ، لقوله صلى اللّه عليه وآله : «لا عتق إلا في ملك» (2) ، وفي وقت انتقاله الى ملكه إشكال ، نقل المصنف عن الشيخ انتقاله بعد قول المعتق (أعتقت عنك) ثمَّ ينعتق بعده (3) ، قال : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، ووجه قول الشيخ : أن العلة في ملكه والعتق قوله أعتقت عنك ، فهو علة في أمرين : أحدهما سابق على الآخر ،

ص: 305


1- في «ن» و «ر 1» : المجهول.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 والعوالي.
3- في النسخ : (عنده).

وهو انتقال الملك اليه ثمَّ العتق واقتضاء (1) العلة الواحدة بسببين بالترتيب (2) بينهما ممكن.

ونقل فخر الدين قولا بانتقاله بالأمر ، وبكونه قوله (أعتقت عنك) كاشفا عن سبق الملك بالأمر ، لأن ملك المعتق شرط في صحة العتق ، ومقدم عليه بالزمان ، ولا واسطة بين قوله (أعتق عبدك عني) وبين قوله (أعتقت) (3) ، لأنه لو تخلل زمان لم يصح العتق ، لأنه بمنزلة إيجاب وقبول.

قال فخر الدين والأصح أن قوله (أعتقت) عقيب قوله (أعتق عني) مركب بأول جزء يحصل الملك للآمر ، والمجموع علة في انعتاقه عنه ، وهو اختيار المفيد.

(قلت : وهذا) (4) معنى قول الشيخ : وإن اختلف بعض اللفظ.

الثانية : إذا قال : كل هذا الطعام ، قيل : (يأكله مملوكا له) (5) ، واختلف في وقت ملكه ، قيل : يملكه بأخذه بيده ، وقيل : بوضعه (6) في فيه ، وقيل : بابتلاعه ، والأقوال الثلاثة حكاها الشيخ في المبسوط.

واختار المصنف كون ذلك إباحة للتناول ولا يدخل في ملك الآكل ، لأنه لا ضرورة هنا الى دخوله في ملكه بخلاف العتق ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح وهو المعتمد.

وعلى القول بالملك بالأخذ يجوز إعطاؤه لغيره ، ولو نبت من غائطه شجرة

ص: 306


1- من النسخ وفي الأصل : (فإنها).
2- في نسخة من الأصل : (والترتيب).
3- في «ن» : (أعتقت عنك).
4- في «م» : (وهذا هو).
5- في الأصل بدل ما بين القوسين : (يأكله يكون مملوكا).
6- في «ن» : (بمضغه).

كالبطيخ وغيره يكون للآكل على القول بالملك بأحد الأقوال الثلاثة ، وعلى القول بعدم الملك يكون لصاحب الطعام ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على الأشبه ، ولو كانت الكفارات من جنس واحد ، قال الشيخ : يجزي نية التكفير مع القربة ، ولا يفتقر الى التعيين ، وفيه إشكال ، أما الصوم فالأشبه بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين ، ويجوز تجديدها إلى الزوال.

أقول : يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه والقربة والتكفير ، فلو نوى الوجه والقربة ولم ينو عن الكفارة لم يجز ، وهذه الشروط مجمع عليها.

وهل يشترط التعيين؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط لم يشترط التعيين مطلقا سواء اتحد الجنس كما لو كان الجميع للظهار أو القتل أو النذر ، أو تعدد الجنس كما لو كان للظهار والقتل والنذر وغير ذلك ، ويكفي قوله : أنت حر ، عن الكفارة وإن لم يعين سببها.

وقال في الخلاف (1) : وإن اتحد الجنس كفى نية التكفير من غير افتقار إلى نية التعيين ، (وان تعدد الجنس أفتقر إلى نية التعيين ، واختاره ابن إدريس والعلامة في القواعد والتحرير.

وفصل في المختلف ، فقال : إن كانت الكفارة من جنس واحد كالحنث إذا تكرر منه فلا يفتقر الى التعيين) (2) فيها ، وإن كانت من أجناس مختلفة ، فإن اتفقت في الحكم كقتل الخطأ والظهار أجزأ الإطلاق أيضا ، لأن حكمهما واحد ، وهو العتق عينا ، فان عجز فالصوم ، وإن اختلف الحكم كالظهار والإفطار ، فلا بد من تعيين السبب ، لأنه إذا أعتق ونوى مطلق التكفير لم يكن صرفه إلى أحدهما

ص: 307


1- «م» : المختلف.
2- ما بين القوسين ليس في «ن».

أولى من الآخر ، فان صرفه الى الظهار بقي التخيير بين العتق والصيام والإطعام ، وإن صرفه إلى الإفطار تعين عليه العتق في الأخرى ، وليس إحداهما أولى من الأخرى ، فلا بد من التعيين.

والمصنف اختار هنا وجوب التعيين مع الاختلاف ، واستشكل وجوبه مع الاتفاق ، من أن التكفير جنس شامل يدخل فيه جميع جزئياته ، ومن أن كل واحد من الكفارات عمل ، وكل عمل يفتقر إلى نية ، فيشترط التعيين ليحصل التمييز.

والشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوب نية التعيين مع اتحاد السبب ، ومذهب العلامة في الإرشاد وجوب التعيين وإن اتحد السبب.

قال الشهيد في شرح الإرشاد : لم أعرف هذا القول لأحد من العلماء.

ومذهبه في الدروس وجوب التعيين اتحدت الكفارات (1) أو تعددت ، اختلف الجنس أو اتحد ، وهو ظاهر المصنف في المختصر ، لأنه أطلق وجوب التعيين وهو المعتمد ، لحصول تعين البراءة به ، ولأنه أحوط ، والمراد بالتعيين تعيين السبب لا تعيين شخص الكفارة ، فلا يجب أن يقول قتل زيد أو عمرو ، ولا النذر الفلاني.

وإنما كان الأشبه عند المصنف وجوب التعيين في الصوم ، لإطلاق الأصحاب وجوب التعيين في صوم غير رمضان والنذر المعين ، وليس الكفارة منهما ، فيجب في صومها التعيين قطعا ، ويحتمل مساواة الصوم للعتق ، لاتحاد العلة فيتحد الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو قال له قائل أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا ، فأعتقه لم يجز عن الكفارة [لأنه قصد العوض] ، وفي وقوع العتق تردد ، ولو قيل

ص: 308


1- في النسخ : الكفارة.

بوقوعه ، هل يلزم العوض؟ قال الشيخ : نعم ، وهو حسن.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وقوع العتق عن (1) غير الكفارة ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، لأنه أوقعه عن أمرين : الكفارة والعوض ، وإذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الآخر ، لأن العتق مبني على التغليب.

وتردد المصنف مما قال الشيخ ، ومن أن المعتق لم ينو (2) بالعتق غير (3) الكفارة ، وهو لم يقع عنها ، لأنه (لو وقع عن غيرها) (4) لزم وقوعه بغير نية وهو باطل.

واستشكل العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد من غير ترجيح ، وكذلك فخر الدين لم يرجح شيئا ، واستقرب الشهيد في دروسه عدم الوقوع ، وذهب في شرح الإرشاد إلى الوقوع.

الثانية : على القول بوقوع العتق لا عن الكفارة ، هل يلزم الباذل العوض؟ قال الشيخ : نعم ، واستحسنه المصنف ، وبه قال العلامة والشهيد تفريعا على الوقوع ، لأن المعتق لم يتبرع بالعتق ، بل جعله مقابله (5) عوض بذله الغير (6) فيكون لازما للباذل ، ويحتمل العدم ، لأن الجعل مقابل العتق المجزي عن الكفارة ، وهو لم يحصل ، ولا يلزم (7) البذل كما لو لم يعتق ، إذ لا فرق بين عدم

ص: 309


1- «ر 1» : من.
2- في «ن» : (ينف).
3- في النسخ : (بالعتق عن غير).
4- في «م» بدل ما بين القوسين : (أوقع عن غيرهما).
5- في «ر 1» : (معاملة).
6- في «م» : (للغير).
7- في النسخ : (فلا يلزم).

العتق ، وعتق لا يجزي عن الكفارة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : وان صام من الثاني ولو يوما أتمّ ، وهل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردد ، أشبهه عدم الإثم.

أقول : منشؤه من أن التتابع في الشهرين إنما يحصل بكمالهما ، فاذا لم يحصل تحقق الإثم ، ومن أصالة براءة الذمة وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد ، وقال أبو الصلاح وابن إدريس : يأثم ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع ، ولو أفطرتا خوفا على الولد ، قال في المبسوط : ينقطع ، وفي الخلاف لا ينقطع ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في جواز الإفطار مع الخوف على الولد ، وإنما الخلاف في انقطاع (1) التتابع وعدمه ، بالانقطاع قال في المبسوط ، وهو ظاهر ابن إدريس ، لأنه حصر الذي يقطع التتابع بالمرض والحيض لا غير.

والمشهور مذهب الخلاف ، لأن فيه حفظ نفس الغير وهو واجب فلا يوجب عقوبة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع سواء كان إجبارا كمن وجر في حلقه ، أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وفي المبسوط قال بالفرق.

أقول : الإكراه على قسمين ، أحدهما : أن (2) يبلغ حد الإلجاء ، وهو الذي

ص: 310


1- هذه الكلمة ليست في «ن».
2- من النسخ ، وفي الأصل : (أنه).

لا يبقى للمكره (1) معه قصد النية (2) ، ولا يمكنه الامتناع منه ، والآخر : لا يدفع القصد بالكلية ، ويمكن معه الترك وذلك مثل من يضرب حتى يأكل ، فهذا كان يمكنه ترك الأكل ، فقد حصل الفرق بينهما فيفترقان في الحكم أيضا.

والمشهور عدم الفرق وهو المعتمد ، لان دفع الضرر عن النفس واجب ، وهو لا يتم إلا بالإفطار فيكون واجبا ، وفاعل الواجب لا عقوبة عليه ، والاستئناف عقوبة فيكون منفيا.

قال رحمه اللّه : ويجب إطعام العدد [المعتبر] لكل واحد مد ، وقيل : مدان ، ومع العجز مد ، والأول أشبه.

أقول : المكفر مخير بين إطعام المساكين ، وبين التسليم إليهم ، والبحث في موضعين

الأول : التسليم إليهم ، وهل يجزي المد الواحد اختيارا؟ قال ابنا بابويه : نعم ، وبه قال المفيد وسلار ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس وهو المعتمد ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، الى أن قال : «فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا» (3) ، ولأن الواجب في الآية (4) الإطعام من غير تقييد ، والأصل براءة الذمة مما زاد عن المد.

وأوجب الشيخ مدين مع القدرة مستدلا بإجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط.

والواجب دفع الحب ، ولا يجب مئونة الطحن والخبز والأدم ، وأوجبه ابن الجنيد ، ولا فرق هنا بين الصغير والكبير إلا أن الدفع إلى ولي الصغير ، فان فقده فالى من يعني بحاله.

ص: 311


1- «م» و «ر 1» ، وفي الباقي غير مقروة.
2- «م» : البتة ، وهو محتمل في الأصل أيضا.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 10 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
4- المائدة : 89.

ونية الدفع إلى ولي الصغير : أخرج هذا القدر من الكفارة إلى فلان ليقبضه عن فلان ، لوجوبه قربة الى اللّه ، وكذلك في الزكاة والخمس ، ولو لم يجد غير واحد دفع اليه يوما فيوما الى تمام ستين يوما ، ولا يجوز الدفع دفعة لجواز التمكن من العدد.

الثاني : الإطعام ، والواجب شبعه مرة واحدة على المشهور بين الأصحاب ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن البراج بوجوب شبعه في يومه ، وأوجب ابن الجنيد العشاء والغداء ، والأول هو المعتمد.

ولا يتقدر الشبع بمقدار ، سواء زاد شبعه عن المد أو نقص.

ولا يشترط إذن الولي في إطعام الطفل.

ومحل النية عند الشروع في الأكل ، فيقول : أطعم هؤلاء المساكين أو هذا المسكين عن كفارة كذا لوجوبه قربة الى اللّه ، وجوز الشيخ في النهاية دفعها الى المستضعف من المخالفين مع تعذر المؤمنين وأطفالهم وهو ظاهر المصنف ، لأنه لم يستثن غير الكافر والناصب ، واختاره العلامة (1) في المختلف ، ومنع ابن البراج وابن إدريس من إعطاء غير المؤمنين وأطفالهم ، ومع التعذر يتوقع وجودهم ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة فإذا كسا الفقير وجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة ، ومع العجز ثوبا واحدا ، وقيل : يجزي الثوب الواحد مع الاختيار ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الثوبين مع القدرة مذهب الشيخ (في النهاية ، وتبعه ابن البراج. وقال محمد بن بابويه : لكل رجل ثوبان ، وروي ثوب ، والاقتصار على

ص: 312


1- في «ن» : (المصنف والعلامة).

الثوب الواحد مطلقا مذهب الشيخ) (1) في المبسوط ، واختاره المصنف وهو المعتمد.

والمشهور عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، وفرق بينهما ابن الجنيد وأوجب للمرأة ما يصح فيه صلاتها ، وهو درع وخمار ، والمعتمد عدم الفرق ودليل الجميع الروايات (2) ، والمجزي قميص أو سراويل أو مئزر ، وكذلك للمرأة مقنعة أو إزار أو قميص أو سراويل أو مئزر ، ولا يشترط الجديد بل يكفي الغسيل ما لم يتخرق ، فلا يجزي حينئذ وان رقع ، ويكفي ما يواري الطفل وإن كان رضيعا إذا قبل (3) الولي عنه.

قال رحمه اللّه : من وجب عليه شهران [متتابعان] فان صام هلالين فقد أجزأه ولو كانا ناقصين ، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا ، وأكمل الأول ثلاثين ، وقيل : يتم ما فات من الأول ، والأول أشبه.

أقول : مضى البحث في هذه في باب العدة وباب السلف (4) ، فليطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه ، بل يجب الصبر ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار ، وفي الظهار تردد.

أقول : ما قاله المصنف من أول المسألة إلى قوله (كالظهار) حكاية قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ تردد المصنف في الظهار ، ومنشؤه من أن الصبر حتى يصل المال يتضمن ضررا وحرجا على المظاهر لتحريم الوطي عليه قبل التكفير ،

ص: 313


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 12 - 14 - 15 - 17.
3- في النسخ : (قبض).
4- ص 240 وج 2 ، ص 118 (باب السلف).

والضرر والحرج منفيان بالآية (1) والرواية (2) ، فينتقل فرضه الى الصيام ، ولا يجب عليه الصبر لما يتضمن من الضرر ، ومن عموم عدم جواز الانتقال في المرتبة من الخصلة العليا الى ما دونها الا مع تحقق العجز عن العليا ، وهو غير عاجز في ثاني الحال ، فيجب عليه الصبر الى حين القدرة ، لأنه حق (3) لا يفوت بالتأخير ، وكما يجب عليه الصبر في غير كفارة الظهار ، فكذلك فيها للمشاركة في العلة وهي الترتيب ، والمعتمد : الانتقال إن حصل في الصبر مشقة ، كما لو كان ذا شهوة ولا زوجة له غير المظاهر منها ، ومع عدم الانتقال ووجوب الصبر مع عدم المشقة (4).

قال رحمه اللّه : لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار ، قال الشيخ : لا يجزيه ، لأنه كفر قبل الوجوب ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأن الكفارة إنما تجب بنية العود وقبلها لا يجب ، فاذا كفر قبل النية لم يأت بالواجب عليه ، فلا يخرج من العهدة. وإنما لم يجزم المصنف به (5) لاحتمال الاجزاء ، لأن الكفارة هنا سبب في اباحة الوطي وشرط في تسويغه ، فالمعتبر تقديم الشرط على مشروطه ، ولا يعتبر تقديم غير الشرط عليه ، ولأن السبب الموجب للتكفير هو الظهار الموجب للتحريم بدون التكفير ، لأن إرادة الوطي من دون الظهار لا توجب التكفير وكان (6) الظهار هو السبب أو جزء السبب الموجب للتكفير ، فيصدق عليه أنه كفر بعد الوجوب فيكون مجزيا ، والأول هو المعتمد.

ص: 314


1- المائدة : 6.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات باب 7 ، حديث 2 وكتاب المواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1.
3- من «م» و «ن».
4- كذا.
5- من النسخ.
6- في «ر 1» : (فكان).

كتاب الإيلاء

اشارة

ص: 315

ص: 316

في الصيغة

قال رحمه اللّه : أما لو قال : لا أجمع رأسي ورأسك في بيت أو مخدة ، أو لا ساقفتك ، قال الشيخ في الخلاف : لا يقع به إيلاء ، وقال في المبسوط : يقع مع القصد ، وهو حسن.

أقول : معنى قوله (لا ساقفتك) : أي لا اجتمعت أنا وأنت تحت سقف ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف ، واستقربه العلامة في التحرير (1) ، واختاره في المختلف ، لأنه (لفظ يستعمل) (2) عرفا فيما نواه وقصده ، فيحمل على ما نواه كغيره من الألفاظ ، وللأخبار (3) الدالة عليه ، وقال الشيخ في الخلاف : لا يقع وإن قصد ، واختاره ابن إدريس ، والعلامة في الإرشاد ، وفخر الدين في شرح القواعد ، لأصالة بقاء الحل ما لم يتحقق السبب المحرم ، وهو غير متحقق مع احتمال الألفاظ ، فلا يتحقق الا باللفظ الصريح.

ص: 317


1- في «ن» : (النهاية).
2- في «ر 1» بدل ما بين القوسين : (مستعمل).
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 و 10.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ [فيه] قولان ، أظهرهما اشتراطه.

أقول : مذهب الشيخ في الخلاف اشتراط تجريده عن الشرط ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1) ، وبأصالة الإباحة ، وتابعه ابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد وفخر الدين ، وقال في المبسوط : يقع معلقا على الشرط والصفة ، واختاره العلامة في المختلف ، لعموم القرآن (2) ، والأول هو المعتمد.

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 ، حديث 1 - 9 ، وباب 9. لاحظ الجواهر ج 33 ص 301.
2- البقرة : 227.

في المؤلي

قال رحمه اللّه : وفي صحته من المجبوب تردد ، أشبهه الجواز وتكون فئته كفئة العاجز.

أقول : منشؤه من عموم الآية (1) فيصح من المجبوب وغيره من الأزواج ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، ومن أنه حلف على فعل ممتنع فلا يقع ، كما لو حلف ليصعدن الى السماء ، وأيضا الإيلاء لا يقع إلا في إضرار ، وهو لا يتصور (2) من المجبوب لعدم قدرته على الوطي ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وبه قال فخر الدين.

ولو بقي للمجبوب ما يمكنه معه الوطي صح ايلاؤه إجماعا.

ص: 319


1- البقرة : 226.
2- في «ن» و «ر 1» : (لا يقع).

ص: 320

في المؤلي منها

قال رحمه اللّه : وفي وقوعه بالمستمتع بها تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) ، والتعقيب بالطلاق يمنع دخول المستمتع بها ، لعدم وقوع الطلاق عليها ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، ومن أنها من النساء فيدخل في عموم قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (2).

ص: 321


1- البقرة : 227.
2- البقرة : 227.

ص: 322

في أحكامه

قال رحمه اللّه : فان طلق فقد خرج من حقها وتقع الطلقة رجعية على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأصالة عدم البينونة ما لم يثبت ، وقيل : يقع الطلاق باينا ، لعدم الفائدة مع ثبوت الرجعة ، والأول هو المعتمد ، فان راجع ضربت له (1) مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلق (وراجع ضربت له مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلقت) (2) بانت قاله في التحرير ، وربما قيل : لا يفتقر إلى مدة أخرى بعد الرجعة.

قال رحمه اللّه : لو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع من الوطي كالحيض والمرض. لم يكن لها المطالبة ، لظهور عذره في التخلف ، ولو قيل : لها بالمطالبة بفئة العاجز عن الوطي ، كان حسنا.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، لأن الامتناع من جهتها ، ووجه

ص: 323


1- في «ن» : (لها).
2- ما بين القوسين ساقط في «ن».

اختيار المصنف عدم سقوط الميسور بالمعسور فيطالبه (بفيئة) (1) العاجز ، وهو إظهار العزم على الوطي وهو اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط : تنقطع الاستدامة عدا الحيض ، وفيه تردد.

أقول : معنى انقطاع الاستدامة : عدم احتساب أيام العذر غير الحيض من المدة ، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة قبل العذر ، والفرق بين الحيض وغيره من الأعذار كالجنون والإغماء والمرض : أن الحيض يتكرر في كل شهر مرة أو مرتين غالبا ، فلو قطع الاستدامة لما تمت مدة التربص في أربعة أشهر غالبا ، بخلاف باقي الأعذار فإنها نادرة ، فلهذا حكم الشيخ بالفرق بينهما.

وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن احتمال عدم الفرق بين الحيض وغيره في عدم قطع الاستدامة ، وقواه فخر الدين ونقله عن كثير من الأصحاب ، لقيام (العاجز فيه) (2) مقام الوطي من القادر ، وعدم قبول المحل كعدم القدرة من الفاعل (3) ، فكما يلزم بفيئة (4) العاجز عند عجزه عن الوطي ، كذلك يلزم عند عجزها عن الوطي أيضا ، فلا فرق حينئذ بين الحيض وغيره من الأعذار ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا ولو وطأ بعد المدة ، قال في المبسوط : لا كفارة ، وفي الخلاف : تلزمه ، وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى :

ص: 324


1- كذا في جميع النسخ.
2- في النسخ : (فيه العاجز).
3- في «م» : (القاعد).
4- كذا في الأصل وجميع النسخ.

( ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (1) ، ولرواية منصور بن حازم (2) عن الصادق عليه السلام ، ووجه اختيار المبسوط أصالة البراءة والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قال في المبسوط : المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (3) ، جعل المدة أربعة أشهر من حين الإيلاء ، ولرواية بريد (4) بن معاوية (5) في الحسن عن الصادق عليه السلام ، الدالة على ابتداء المدة من حين الإيلاء ، ومن أن ضرب المدة حكم شرعي فيقف على إذن الشارع ، وهو موقوف على الترافع.

والأول مذهب ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، والثاني مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره العلامة في الإرشاد ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو قال : واللّه لا وطئتك خمسة أشهر فإذا انقضت ، فو اللّه لا وطئتك سنة ، فهما إيلاءان ، ولها المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين ، ولو وافقته فماطل حتى انقضت خمسة الأشهر ، فقد انحلت اليمين ، قال الشيخ : ويدخل وقت الإيلاء الثاني ، وفيه وجه وبطلان الثاني ، لتعلقه على الصفة على ما قرره الشيخ.

ص: 325


1- المائدة : 89.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 12 من أبواب الكفارات ، حديث 3.
3- البقرة ، 226.
4- في النسخ : يزيد.
5- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 10 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

أقول : الذي قرره الشيخ أن هذا الإيلاء معلق على صفة ، قال في المبسوط : لو قال : واللّه لا أصبتك خمسة أشهر ، فإذا انقضت فو اللّه لا أصبتك سنة فهما إيلاءان ويمينان مختلفان ، أحدهما خمسة أشهر ، والآخر سنة ، والأولى مطلقة والثانية معلقة بصفة ، فإذا وجدت الصفة انعقدت (1) ، كقوله : إذا قدم زيد فو اللّه لا وطئتك سنة ، فمتى قدم زيد انعقد الإيلاء ، فقد ظهر من تقرير الشيخ أنه معلق على صفة ، وأنه يقع مع التعليق ، والقائل بعدم وقوعه معلقا منع منه ، وقد مضى (2) البحث فيه.

ص: 326


1- في «ن» : (انعقدت اليمين).
2- ص 318.

كتاب اللعان

اشارة

ص: 327

ص: 328

في السبب

قال رحمه اللّه : ولو كان للقاذف بينة فعدل عنها الى اللعان قال في الخلاف يصح ومنع في المبسوط التفاتا الى اشتراط عدم البينة في الآية وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار العلامة في المختلف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله لاعن بين العجلاني وزوجته ، ولم يسأل هل له بينة أو لا (1). (ومذهب المبسوط اختيار المصنف) (2) ، والعلامة في أكثر كتبه ، وبه قال فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) (3) ، شرط في اللعان عدم النية (4) وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا ليس له مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها ، فان ماتت ، قال الشيخ : له المطالبة ، وهو حسن.

ص: 329


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1 ، حديث 9.
2- في نسخة من الأصل بدل ما بين القوسين : (ومذهب المصنف اختيار المبسوط).
3- النور : 6.
4- في النسخ : (البينة).

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه حد قد ثبت بالقذف ، فلا وجه لإسقاطه ، لعدم جواز تعطل الحدود ، ويحتمل عدم جواز مطالبه السيد به ، لان الحد لا ينتقل بالملك ، والا لكان ملكا (1) له حال حياة الأمة وليس كذلك ، ولا ينتقل بالميراث ، لأن المملوك لا يورث شيئا ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولا يلحق الولد الخصي المجبوب على تردد.

أقول : إذا اتفق الخصى والجب في إنسان ، هل يلحق به الولد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أن العادة قاضية بأن الخصي المجبوب لا يولد له ، والعادة لها تأثير في الشرع ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن عموم قوله عليه السلام ، «الولد للفراش» (2) ، علقه على مجرد الفراش ، وهي فراش للخصي المجبوب فيلحقه الولد ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان الزوج حاضرا وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع الاعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك ، الا أن يؤخره بما جرت العادة به ، كالسعي إلى الحاكم ، ولو قيل : له إنكاره [بعد ذلك] ما لم يعترف به ، كان حسنا.

أقول : ما حكاه أولا مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ثمَّ استحسن المصنف قبول الإنكار ما لم يحصل الإقرار ، ووجهه : ان السكوت أعم من الاعتراف وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولأنه مع الإنكار قبل الاعتراف يكون قد أنكر ولدا لم يعترف به ، فيقبل إنكاره له.

قال رحمه اللّه : وإذا طلق الرجل وأنكر الدخول فادّعته ، وادعت أنها حامل منه ، فإن أقامت بينة أنه أرخى سترا ، لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر ، وان لم تقم بينه ، كان عليه نصف المهر ولا لعان ، وعليها مائة سوط ، وقيل :

ص: 330


1- في النسخ : مالكا.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.

لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول وهو الوطي ، ولا يكفي إرخاء الستر ولا يتوجه عليه الحد ، لأنه لم يقذف ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به ، ولعل هذا أشبه.

أقول : ما حكاه المصنف أولا كلام الشيخ في النهاية ، وهو مشتمل على أحكام.

الأول : أن الخلوة قائمة مقام الدخول المترتب عليه كمال المهر ولحوق النسب ، وقد مضى (1) البحث في ذلك.

الثاني : مع عدم ثبوت الخلوة ينتفي الولد بغير لعان ، ولا يثبت عليه (2) غير نصف المهر.

الثالث : جلدها حينئذ مائة سوط حد الزنا ، لانتفاء الحمل عن الزوج بغير لعان ، فهو كإقرارها أو نكولها أو قيام البينة عليها بالزنا ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، واختار أبو العباس في مقتصره مذهب النهاية عدا وجوب الحد عليها ، لإمكان صدقها فتتحقق الشبهة.

ص: 331


1- ص 146.
2- من «م».

ص: 332

في الملاعن قال رحمه اللّه : وفي لعان الكافر روايتان ، أشهرهما أنه يصح وكذا القول في المملوك.

أقول : اختلف الأصحاب في صحة لعان الكافر ، كما لو كانا ذميين وترافعا إلينا أو يكون الزوج مسلما والزوجة ذمية أو بالعكس ، كما لو أسلمت تحت الذمي وأتت بولد يلحقه شرعا ، وكذلك اختلفوا في لعان المملوك ، قال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف به ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم الآية (1) ، ولحسنة جميل عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ قال : نعم ، وبين المملوك والحرة ، وبين العبد والأمة ، وبين المسلم واليهودية والنصرانية ، ولا يتوارثان ، ولا يتوارث الحر والمملوكة» (2) ، وقال المفيد وسلار وابن الجنيد : لا يصح مطلقا

ص: 333


1- النور : 6 - 9.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 3.

لأن اللعان شهادات ، لقوله تعالى ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ ) (1) ، لأنه يفتقر الى لفظ الشهادات ، والشاهد يشترط فيه الإسلام.

وفصل ابن إدريس والشيخ في الاستبصار فجوزا اللعان لنفي الولد دون القذف ، لرواية زرارة (2) ، وإسماعيل بن زياد (3) عن الصادق عليه السلام ، وعن الباقر عليه السلام : «أن عليا عليه السلام قال : ليس بين خمس نساء وأزواجهن ملاعنة : اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية ، والأمة تكون تحت الحر فيقذفها ، والحرة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية ، لأن اللّه تعالى يقول ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) (4) ، والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان انما اللعان باللسان» (5).

قال رحمه اللّه : ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة كما يصح طلاقه وإقراره ، وربما توقف شاذ منا ، نظرا الى تعذر العلم بالإشارة وهو ضعيف ، إذ ليس حال اللعان بزائد على حال الإقرار بالقتل.

أقول : المشهور صحة لعان الأخرس بالإشارة المعقولة ، وتوقف ابن إدريس في صحة لعانه ، قال : لأن النطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذر ، والأصل براءة الذمة ، واللعان حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وأيضا لو رجع عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد ، والرسول عليه السلام قال «ادرؤا الحدود للشبهات» (6) من المعلوم أن في إيمائه وإشارته بالقذف

ص: 334


1- النور : 6.
2- لم يروه في الوسائل عن زرارة.
3- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 12.
4- النور : 4.
5- انظر هامش 13.
6- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ، حديث 4.

شبهة ، هل إرادته القذف أو غيره؟ وهو غير المعلوم (1) يقينا ، كالناطق بلا خلاف ، ثمَّ قال : وإن قلنا يصح منه اللعان كان قويا ، لأنه يصح منه الإقرار والايمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام (2).

قال العلامة في المختلف : وهذا يدل على اضطرابه وتردده في هذه المسألة ، ولو التزم بالتوقف كما حكم به أولا كان أجود ، فإن الفرق بين الإقرار وأداء الشهادات ، وبين اللعان ظاهر ، لاشتراط خصوصية اللفظ هنا دون الإقرار والشهادات ، إذ القصد فيهما المعنى بأي عبارة كان.

ص: 335


1- في النسخ : (معلوم).
2- السرائر 2 : 702.

ص: 336

في الملاعنة

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار الدخول بها خلاف المروي أنه لا لعان [قبله] ، وفي قول بالجواز ، وقال : ثالث بثبوته بالقذف دون نفي الولد.

أقول : اعتبار الدخول مذهب الشيخ في النهاية ، وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة ، لموثقة أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، «قال لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته» (1) ، ومثلها رواية (2) مصادف (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وعدم اعتبار الدخول منقول عن المفيد رحمه اللّه ، واختاره العلامة في القواعد ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) (4).

والتفصيل مذهب ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، واختاره

ص: 337


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 2 ، حديث 6.
2- في «ر 1» : (زرارة).
3- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 2 ، حديث 4 ، 8 ، وفيه (ابن مضارب).
4- النور : 6.

فخر الدين وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، أما ثبوته بالقذف (1) فلعموم الآية (2) ، وأما عدم ثبوته لنفي النسب فلأنه إنما يلحق بعد الدخول ، وقبله ينتفي عنه بمجرد النفي ، والقول قوله فيه ، واللعان إنما يثبت لنفي النسب مع عدم نفيه بدون اللعان ، وقد ثبت أنه قبل الدخول يكون القول قوله في نفيه ، ولا يفتقر (3) الى اللعان (4).

قال رحمه اللّه : ويثبت اللعان بين الحر والمملوكة ، وفيه رواية(5)بالمنع ، وقال ثالث. بثبوته ينفي الولد دون القذف.

أقول : ثبوته مطلقا مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن بابويه وأبو الصلاح ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، لعموم القرآن (6) ، ولرواية جميل المتقدمة (7) ، ومنعه المفيد وسلار مطلقا لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا يلاعن الحر الأمة» (8) إلى آخر الحديث ، وبالفرق قال ابن إدريس ، لأن اللعان بالقذف لأجل إسقاط الحد ، ولا حد في قذف الأمة ، بل التعزير ، واختاره فخر الدين ، واستحسنه أبو العباس في مقتصره ، وضعفه الشهيد في شرح الإرشاد ، واختار ثبوته مطلقا.

قال رحمه اللّه : ولا تصير الأمة فراشا بالملك وهل تصير فراشا بالوطي؟ فيه روايتان ، أظهرهما : أنها ليست فراشا ، ولا يلحق ولدها إلا بإقراره ، ولو

ص: 338


1- في «ن» : (في القذف).
2- النور : 6.
3- في «م» : (فلا يفتقر).
4- في النسخ : (لعان).
5- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 4.
6- النور : 6.
7- ص 333.
8- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 4.

اعترف بوطئها ولو نفاه لم يفتقر الى لعان.

أقول : معنى صيرورة الأمة فراشا بالوطي أنها إذا أتت بولد بعد الوطي في مدة الحمل لحق به ولم يجز له نفيه ، ومعنى عدم صيرورتها فراشا : عدم وجوب اعترافه بالولد وجواز نفيه بغير لعان ، وهو اختيار الشيخ والمصنف والعلامة وفخر الدين ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «أن رجلا من الأنصار أتى الى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقال له : إني ابتليت بأمر عظيم ، إن لي جارية كنت أطؤها فوطئتها يوما وخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ، ونسيت نفقة لي ، فرجعت الى المنزل لأخذها فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية؟ فقال له عليه السلام : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تنفيها ، ولكن أنفق عليها من مالك حتى يجعل اللّه عزوجل لك ولها مخرجا» (1).

واما الرواية الدالة على أنها تصير فراشا بالوطي ، فرواية سعيد بن يسار ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي ء ، وقد عزل عنها ، ولم يكن منه إليها شي ء ، ما تقول في الولد؟ قال : أرى إلا يباع هذا الولد يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه السلام؟ فقال : أتتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، فقال : كيف تستطيع الا يلزمك الولد؟!» (2) والأول هو المعتمد.

ص: 339


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
2- المصدر المتقدم.

ص: 340

في كيفيّة اللعان

قال رحمه اللّه : ولا يصح إلا عند الحاكم أو من ينصبه لذلك ، ولو تراضيا برجل من العامة فلاعن بينهما جاز ، ويثبت حكم اللعان بنفس الحكم ، وقيل : يعتبر رضاهما بعد الحكم.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في اشتراط إيقاعه عند الحاكم أو من يأمره ، وهو مجمع عليه ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله تولى اللعان بنفسه بين هلال بن أمية وزوجته (1) ، وبين العجلاني وزوجته (2) ، ولأنه إما أيمان أو شهادات ، ولا يثبت حكم أحدهما إلا عند الحاكم ، قال الشيخ : ولا يفتقر الى حضوره بل إلى استدعائه وإلقائه على الزوجين ، والمعتمد أنه لا بد من حضوره وأمره وسماعه الشهادات ، فلو أمر به ثمَّ أوقعاه بغيبته لم يقع ، ولا يفتقر الى حضور الزوجين معا ، فلو لاعن كل واحد منهما بغيبة صاحبه جاز.

ص: 341


1- سنن البيهقي ، ج 7 ، ص 394.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1 ، حديث 9.

الثانية : إذا تراضيا برجل وهو جامع لشرائط الاجتهاد فلاعن بينهما ، هل يصح ذلك أم لا؟ بالصحة قال ابن حمزة والشيخ في موضع من المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن الخصمين إذا تراضيا بحكم أحد من الرعية ، وهو جامع لشرائط الاجتهاد ، جاز له الحكم بينهما.

وقال العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد : لا يجوز ، لأن اللعان حكم شرعي يتعلق به أحكام وكيفيات مخصوصة ، وحكمه يتعدى الى غير الزوجين كنفي الولد ، فيناط بالإمام وخليفته دون غيرهما.

الثالثة : على القول بصحة إيقاعه من غير الحاكم ومنصوبه ، هل يلزم بنفس الإيقاع أو يفتقر إلى التراضي بعده؟ يبنى على مسألة ، هي أن الخصمين إذا تراضيا برجل من العامة غير القاضي المنصوب من قبل الإمام يحكم بينهما ، فهل ينفذ (1) حكمه بنفس الحكم أو يفتقر الى تراضيهما بعده؟ فيه خلاف ، وسيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى في باب القضاء (2).

قال رحمه اللّه : فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور ، وأن يكون الرجل قائما عند التلفظ ، وكذا المرأة ، وقيل : يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم.

أقول : اختلف علماؤنا في المرأة حال تلفظ الرجل بالشهادات واللعن ، هل تكون قائمة أو قاعدة؟ قال الشيخ في المبسوط : تكون قاعدة ، وهو مذهب ابني (3) بابويه وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال الشيخ في النهاية : يجب قيامهما معا ، وبه قال المفيد وابن أبي عقيل وأبو

ص: 342


1- في «ن» : (يثبت).
2- لم نعثر عليه في كتاب القضاء.
3- في «م» : (ابن).

الصلاح وابن حمزة وسلار وابن زهرة ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو اختيار فخر الدين ، ودليل الفريقين الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وقال الشيخ : اللعان أيمان وليست شهادات ، ولعله نظر الى اللفظ فإنه بصورة اليمين.

أقول : هل اللعان شهادات أو أيمان؟ قال الشيخ في المبسوط : هو أيمان ، لما روى عكرمة عن ابن عباس ، «أن النبي صلى اللّه عليه وآله لما لاعن بين هلال بن أمية وزوجته ، قال : إن أنت به على نعت كذا وكذا ، فما أراه إلا وقد كذب عليها ، وان أتت به على نعت كذا وكذا ، فما أراه الا من شريك بن السجا ، قال : فأتت به على النعت المكروه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن» (2) ، فسمى اللعان يمينا ، وعندهم أنه شهادة ولا يصح الا ممن تصح منه الشهادة (3). هذا آخر كلام المبسوط ، وجزم العلامة في القواعد أنه أيمان ، وظاهر المصنف أنه شهادات.

ولا شك أن اللعان قد اشتمل على أحكام تشابه اليمين ، وأحكام تشابه الشهادات.

فالمشابهة لليمين اشتراط اسم اللّه فيه ، ولا شي ء من الشهادات يشترط فيه ذلك ، وأيضا افتقاره إلى صيغة مخصوصة ، وهي : أشهد باللّه ، وليست الشهادة كذلك ، بل يكفي ما يدل على المعنى ، والشهادة لا تصح لنفس الشاهد ، وهنا الشهادة لنفسه فلا يكون شهادة.

وأما المشابهة لأحكام الشهادات : إن أصل الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود ،

ص: 343


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1.
2- سنن البيهقي ، ج 7 ، ص 394.
3- المبسوط 5 : 183. مع اختلاف يسير في عبارة المبسوط.

وهو مشتمل على أربعة شهادات ، ولأن اللّه تعالى سماه شهادة لقوله تعالى : ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ ) (1) ويلحقه أحكام أخر غير ما ذكرناه مما تشابه الايمان والشهادات أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب.

ص: 344


1- النور : 6.

في الأحكام

قال رحمه اللّه : ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد ، لكن يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به ، وترثه الأم ومن يتقرب بها ، ولم يعد الفراش ولم يزل التحريم ، وهل عليه الحد؟ فيه روايتان ، أظهرهما : أنه لا حد.

أقول : رواية عدم الحد هي رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام : «في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ، ثمَّ ادعى ولدها بعد ما ولدت ، وزعم أنه منه؟ فقال : يرد إليه الولد ولا تحل له ، لأنه قد مضى التلاعن» (1) وهو يدل على نفي الحد ، لأن قوله (مضى التلاعن) دليل على ترتب أثره عليه ، ومن جملته نفي الحد ، وإنما خرج الولد خاصة للنص والإجماع ، وصونا له عن الضياع ، فيبقى الباقي على أصله ، وهو مذهب الشيخ (في النهاية) (2) ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتحرير والإرشاد ، وأبو العباس في المقتصر.

والرواية المتضمنة لثبوت الحد رواية محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه

ص: 345


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 6 ، حديث 2 مع اختلاف.
2- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

السلام ، «قال : سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثمَّ أكذب نفسه ، هل يرد عليه ولده؟ فقال : إذا أكذب نفسه جلد الحد ورد عليه ابنه ، ولا ترجع عليه امرأته أبدا» (1) ، وهي صريحة في إثبات الحد ، وحملها الشيخ في التهذيب على حصول الإكذاب قبل إتمام اللعان ، وآخر الخبر يدفعه ، لأن قوله (ولا ترجع عليه امرأته أبدا) يدل على كون الإكذاب بعد اللعان ، وإلا لم تحرم عليه امرأته.

وبوجوب الحد قال الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في شرحه.

قال رحمه اللّه : ولو اعترفت بعد اللعان لم يجب عليها الحد الا أن تقر أربع مرات ، وفي وجوبه معها تردد.

أقول : منشؤه من أنها أقرت أربع مرات ، وكل من أقر بالزنا أربع مرات مع إمكانه وجب عليه الحد ، ومن عموم قوله تعالى ( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (2) ، وقد شهدت فيسقط عنها الحد ، وهو اختيار فخر الدين للشبهة.

ووجوب الحد مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ويحيى بن سعيد وظاهر الإرشاد.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فأقرت قبل اللعان ، قال الشيخ : لزمها الحد إن أقرت أربعا ، وسقط عن الزوج ، ولو أقرت مرة فإن كان هناك نسب لم ينتف الا باللعان ، وكان للزوج أن يلاعن لنفيه ، لأن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب ، إذ هو ثابت بالفراش ، وفي اللعان تردد.

أقول : التردد انما هو في اللعان فقط ، دون ثبوت الحد عليها مع الإقرار

ص: 346


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 6 ، حديث 6.
2- النور : 8.

أربعا ، ودون سقوط الحد عنه بالإقرار ولو مرة ، فهذا الاشكال (1) فيه عندهم (2) ، والاشكال إنما هو في ثبوت اللعان مع تصادقهما على الزنا ، واستشكله العلامة في كتبه أيضا ، ومنشأ الاشكال عندهم من أن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب الثابت بالفراش ، ومن أن اللعان إنما يتصور مع تكاذبهما ولا تكاذب (3) هنا ولا لعان.

قلت : مع التحقيق ينبغي انتفاء هذا الإشكال ، لأنه إذا تصادقا على الزنا ، لا يخلو إما أن يتصادقا على أن الولد من ذلك الزنا الذي تصادقا عليه أم لا.

فان كان الأول لم يتصور اللعان ، لأن من شرطه أن تشهد المرأة ( أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ ) ، وهذا الشرط منتف مع عدم التكاذب ، فينتفي المشروط وهو اللعان.

وإن كان الثاني وهو الا يتصادقا (على أن) (4) الولد من ذلك الزنا الذي تصادقا عليه ، وادعى الزوج أنه منه أو من غيره (ولم) (5) تصدقه عليه ، (أو ادعى) (6) أنه ليس ولده وأطلق ، وادعت أنه ولده فهاهنا (لا إشكال) (7) في عدم نفيه عنه بغير لعان ، (لأن الولد لاحق به (8) في ظاهر الشرع وقد تكاذبا في نفيه فلا ينتفي إلا باللعان) (9) فالإشكال منتف على التقديرين ، وهذا واضح

ص: 347


1- كذا
2- في «ن» : (عنده مسلم ثمَّ).
3- في النسخ : (فلا لعان).
4- ما أثبتناه من «ر 1» في باقي النسخ : (بأن).
5- في «ر 1» : (ولو لم).
6- في «ر 1» : (إن ادعى).
7- في «م» و «ر 1» : (الإشكال).
8- في «م» : (له).
9- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

لا غبار عليه.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فاعترفت ثمَّ أنكرت فأقام شاهدين باعترافها ، قال الشيخ : لا يقبل إلا بأربعة ويجب الحد ، وفيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنا.

أقول : إذا قذفها فأنكرت فادعى إقرارها وأقام شاهدين بالإقرار ، هل يقبل بالنسبة إلى إسقاط الحد عنه؟ قال الشيخ : لا يقبل إلا أربعة ويجب عليه الحد ، لأنها (1) شهادة على الزنا ، وشهادة الزنا لا تقبل فيها إلا أربعة ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (2) ، واستشكل المصنف من أنها شهادة على الإقرار لا على الزنا ، فإنها لو أقرت مرة واحدة سقط الحد عن القاذف بتلك المرة ، فإذا ثبت إقرارها بالشاهدين (3) انتفى الحد عنه ولا يثبت زناها بذلك ، بل فائدة هذه الشهادة سقوط الحد عنه.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها الزوج وعليه الحد للوارث ولو أراد دفع الحد باللعان جاز ، وفي رواية أبي بصير : «إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له ، والا أخذ الميراث» ، وإليه ذهب [الشيخ] في الخلاف ، والأصل أن الميراث يثبت بالموت فلا يسقط باللعان المتعقب.

أقول : إذا قذف الرجل (4) زوجته وجب عليه الحد ، وانما يسقط بالبينة أو بالاعتراف أو اللعان ، فان ماتت قبل ذلك كان الحد باقيا وللوارث المطالبة به ،

ص: 348


1- في النسخ : (لأنه).
2- النور : 4.
3- في «ن» : (بالشاهد) ، وفي «ر 1» : (بشاهدين).
4- هذه الكلمة ليست في «م» و «ر 1».

فاذا طالب به ، هل له إسقاطه بلعانه وحده من غير احتياج الى اللعان (1) من الوارث؟ قال الشيخ في المبسوط : الوجه أنه لا لعان بعد موتها لوروده بين الزوجين ، واختاره ابن إدريس ، وجوزه المصنف والعلامة في القواعد ، واختاره أبو العباس لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (2) ، فعلى هذا يكون فائدة لعانه سقوط الحد خاصة دون باقي أحكام اللعان من البينونة (3) والتحريم المؤبد ، لتوقف ذلك على لعانهما (4) ، ويحكم بموتها على زوجيته ، فيرثها وعليه مئونة التجهيز وهو أولى بغسلها والصلاة عليها.

وهل لأحد من ورثتها ملاعنته لتبين منه ويسقط إرثه؟ قال الشيخ في النهاية والخلاف : نعم ، وبه قال ابن حمزة وابن البراج ، لرواية (5) أبي بصير ، ومنعه في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، لإضافة اللعان الى الزوجين في الآية لا إلى الولي (6) ، ولأن اللعان أيمان وكيف يحلف الإنسان عن غيره؟ ولأن الإرث قد ثبت بالموت فلا يبطل باللعان المتعقب له ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثمَّ قذفها به ، قيل : لا حد ، وقيل : يحد ، تمسكا بحصول الموجب وهو أشبه ، وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثمَّ قذفها به ، وهنا سقوط الحد أظهر.

ص: 349


1- في النسخ : (لعان).
2- النور : 6.
3- في «ن» : (التسوية).
4- في «م» و «ن» : (لعانها).
5- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 15 ، حديث 1.
6- في «م» : (المولى).

أقول : تكرار القذف من غير تخلل حد ولا لعان لا يوجب غير حد واحد إجماعا ، فإن تخلل أحدهما حصل الخلاف ، فهنا مسألتان :

الأولى : إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثمَّ قذفها به ثانيا ، هل يجب عليه حد أم لا؟ للشيخ قولان ، أحدهما : عدم الحد ، قاله في المبسوط ، قال : لأنه يثبت كذبه لعجزه عن البينة ، والقذف إنما يكون بما يحتمل الصدق والكذب ، وهذا محكوم بكذبه ، وقال في الخلاف بوجوب الحد لوجود المقتضي وهو القذف ، وانتفاء المانع وهو وجود ما يسقطه من بينة أو إقرار أو لعان فيثبت الحد ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

الثانية : إذا قذفها فلاعن ثمَّ قذفها به(1) ثانيا ، قال الشيخ في المبسوط (والخلاف) (2) بعدم ثبوت الحد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن اللعان جار مجرى إقامة البينة أو الإقرار في سقوط الحد ، ومع إقامة البينة أو الإقرار لا يجب الحد بإعادة القذف ، فكذلك لا يجب مع اللعان للمساواة.

ويحتمل ثبوت الحد بالقذف الثاني ، لأن اللعان إنما أسقط الحد الذي وجب قبله بالقذف السابق عليه (3) ولم يثبت زناها باللعان كما يثبت بالبينة أو الإقرار ، فإذا قذفها بعد اللعان وجب عليه الحد ، لعموم الآية (4) ، والمعتمد سقوطه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، والظاهر أن الخلاف الذي أشار إليه المصنف في قوله : (وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثمَّ قذفها) للجمهور ، لعطفها على المسألة السابقة ، لأن الشيخ حكى فيها خلافا لهم ثمَّ اختلف قولاه فيها (5) ، وأما هذه المسألة الثانية

ص: 350


1- من النسخ وليست في الأصل.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- من النسخ وليست في الأصل.
4- النور : 4.
5- في الأصل : فيهما.

ففتاوي الأصحاب متطابقة على سقوط الحد فيها. وإن لم يحصل الجزم ، لاحتمال عدم السقوط كما بيناه.

قال رحمه اللّه : ولو قذفها ولاعن فنكلت ثمَّ قذفها الأجنبي قال الشيخ : لا حد كما لو أقام بينة ، ولو قيل : يحد ، كان حسنا.

أقول : إذا قذفها الزوج ولاعن فنكلت (1) عن اللعان وحدت ثمَّ قذفها الأجنبي ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : لا حد ، لأن النكول كالبينة ، وإذا قامت عليها البينة بالزنا لم يحد القاذف لها بل يعزر ، ولأنها بنكولها وحدها خرجت عن الإحصان ، والحد إنما يجب بقذف المحصنة ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (2) ، واستحسن المصنف وجوب الحد ، لأنه لم يوجد منها إقرار ، ولا قامت عليها بينة بالزنا ، فلا يزول إحصانها ، واختاره (المصنف و) (3) العلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان ، إحداهما : ترجم المرأة ، والأخرى يحد الشهود ويلاعن الزوج ، ومن فقهائنا من نزل رد الشهادة على اختلال بعض الشرائط ، أو سبق الزوج بالقذف ، وهو حسن.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم زوجها (وجب عليها الحد ، وقد روي : «أن البينة يجلدون حد المفتري ويلاعنها زوجها) (4)» (5) ، قال : وهذه الرواية محمولة على أنه إذا لم (6) تعدل الشهود

ص: 351


1- في «ن» : (ثمَّ نكلت).
2- النور : 4.
3- ما بين القوسين من «ر 1».
4- النهاية : 690.
5- ما بين القوسين ليس في «م».
6- ليست في «ر 1».

واختلفوا في إقامة الشهادة أو اختل بعض شرائطها ، فاما مع اجتماع (1) شرائط الشهادة كان الحكم ما قدمناه ، فقد ظهر أن مذهب الشيخ في النهاية وجوب حد المرأة ما لم يختل بعض شرائط الشهادة.

وقال محمد بن بابويه وأبو الصلاح تحد الشهود ويلاعن الزوج ، لأن الزوج هو المدعي فلا تقبل شهادته ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وبه قال فخر الدين.

وقال ابن حمزة وابن إدريس بوجوب حد المرأة ما لم يسبق قذف الزوج لها ، واستحسنه المصنف ، ومال إليه العلامة في المختلف ، لعموم قوله تعالى : ( وَاللّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) (2) ، ولم يفرق بين أن يكون الزوج أحدهم أو لا وهو خطاب للحكام.

ص: 352


1- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.
2- النساء : 15.

كتاب العتق

اشارة

ص: 353

ص: 354

أسباب العتق

قال رحمه اللّه : وعبارته الصريحة التحرير ، وفي الإعتاق تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الملك على مالكه ، وأصالة بقاء الرق ما لم يعلم السبب الناقل ، وهو غير متحقق بغير لفظ التحرير ، لوقوع الخلاف فيما عداه ، ومن استعمال لفظ العتق في التحرير استعمالا ظاهرا بحيث لا يفهم منه عند الإطلاق إلا التحرير ، وإجماع علمائنا على حصول العتق بقوله : أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، والاقتصار على لفظ التحرير فقط مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس ، ووقوعه بلفظ العتق مذهب العلامة والشهيد ، واختاره أبو العباس وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال لأمته : يا حرّة وقصد العتق ففي تحررها تردد ، والأشبه عدم التحرر لبعده عن الإنشاء.

أقول : منشأ التردد من أن الشارع وضع للعتق صيغة الأخبار حقيقة (1) ، وهي : أنت حرّة ، والنداء ليس اخبارا ، فلا يفيد العتق ، لأصالة بقاء الرق ما لم

ص: 355


1- ليست في «ر 1».

يعلم السبب المزيل له ، ومن أن حرف الإشارة لم يعتبره الشارع ، وانما الاعتبار بلفظ التحرير وقد أتى به ، فقوله : يا حرّة مع قصد التحرير ، بمعنى قوله : أنت حرّة ، والمعتمد مذهب المصنف وهو اختار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : أما لو قال : بدنك أو جسدك فالأشبه وقوع العتق ، لأنه هو المعني بقوله : أنت حرة.

أقول : الألفاظ الموضوعة للتحرير ، أنت حرّ ، أو عبدي حر ، أو زيد حر ، أو هذا حر ، فلو قال : بدنك أو جسدك حر ، هل يقع التحرير؟ قال المصنف والعلامة وابنه والشهيد بوقوعه ، وهو المعتمد ، لأن الإنسان على اختلاف مذاهب المتكلمين ، اما جوهر مجرد أو أجزاء أصلية في البدن أو هذا الهيكل المحسوس ، وعلى كل تقدير فالملك إنما يتناول الهيكل المحسوس دون الجوهر المجرد والاجزاء الأصلية ، والتحرير ازالة الملك بعد ثبوته عما يثبت عليه الملك ، والملك انما يثبت على هذا الجسد ، فاذا قصده بالتحرير تحرر ، ويحتمل عدم التحرير ، لأنه ليس الصيغة المنصوص عليها ، والأصل بقاء الملك.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر لا ، فلو قال : أحد عبيدي حر صح ، ويرجع الى تعيينه ، فلو عين ثمَّ عدل لم يقبل ، ولو مات قبل التعيين ، قيل : يعين الوارث ، وقيل : يقرع ، وهو أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده.

أقول : بعدم وجوب تعيين المعتق قال الشيخ وابن حمزة والمصنف ، والعلامة في جميع كتبه ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وفي الدروس قال : فيه خلاف ، ولم يرجح شيئا ، وقال فخر الدين : وعندي في هذه المسألة توقف ، وقال عميد الدين : لم أقف على قول باشتراط التعيين.

إذا عرفت هذا فحجة القائلين بعدم الاشتراط عموم مشروعية العتق

ص: 356

وأصالة عدم الاشتراط ، ويحتمل الوجوب ، لأن العتق أمر معيّن فيفتقر الى محل معين ، ولأصالة بقاء الرق ما لم يعلم السبب المزيل ، وهو غير معلوم مع عدم التعيين وعلى القول بالصحة يعين من شاء فان عين واحدا وعدل عنه الى غيره لم يقبل العدول ولم يعتق الثاني ، لأنه لم يبق محل للعتق ، بخلاف ما لو أعتق معينا واشتبه فعين ثمَّ عدل ، فإنهما يعتقان. والفرق أن التعيين في الصورة الأولى تعيين شهوة واختيار ، فاذا عينه في واحد تعين ولم يبق محل للعتق ، لأن محله واحد منهم وقد تعين ، والتعيين في الصورة الثانية تعيين إقرار واختيار ، فاذا عينه في واحد ثمَّ عدل عنه الى غيره لم يقبل العدول بالنسبة الى من عينه أولا ، وينعتق الثاني ، لأنه إقرار بعتقه ، «وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) كما لو أقر لزيد بعين ثمَّ أقر بها لعمرو ، فإنه يغرم لعمرو ولا يمضي إقراره على زيد فكذا هنا ، وإذا مات قبل التعيين قيل تعيين الوارث ، لأنه قائم (2) مقام الموروث واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وقيل بالقرعة واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد في الدروس ، لعدم اطلاع الوارث على قصد الميت قاله المصنف ، وفيه نظر ، لأن المعتق لم يقصد معينا فلا يضر عدم الاطلاع على قصده ، ولأن القرعة لاستخراج ما هو معين في نفسه ، لا لتحصيل التعيين.

والتحقيق : أن الواقع هل هو العتق في الحال والتعيين كاشف أو سبب له صلاحية التأثير عند التعيين ، فعلى الأول يكون العمل على القرعة ، وعلى الثاني يكون التعيين للوارث ، ويتفرع على الوجهين فروع.

الأول : عدم جواز الاستخدام لواحد منهم قبل التعيين على الأول ، لأن فيهم حرا يحرم استخدامه وهو مشتبه ، وإذا اشتبه المحلل بالمحرم اجتنبا ، وعلى

ص: 357


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.
2- في الأصل : قام.

الثاني يجوز الاستخدام بالجميع قبل التعيين ، لعدم تحرير شي ء منهم قبل التعيين.

الثاني : عدم جواز بيع شي ء منهم قبل التعيين على الأول ، وجوازه على الثاني لما قلناه في الفرع الأول.

الثالث : عدم جواز وطي شي ء منهن لو كن إماء على الأول ، وجوازه على الثاني ، وأما النفقة فواجبة على الجميع قبل التعيين على الوجهين.

قال رحمه اللّه : وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد ، ومستند الجواز رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.

أقول : منشأ التردد من الرواية (1) المذكورة وبمضمونها أفتى الشيخ وابن البراج ، ومن ثبوت الحجر على الصبي (2) حتى يبلغ ، وهو المشهور وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويبطل باشتراط نية القربة عتق الكافر لتعذرها في حقه ، وقال الشيخ في الخلاف : يصح.

أقول : جوز الشيخ في الخلاف والمبسوط عتق الكافر للمسلم وأثبت له الولاء على العتق ، لعموم قوله عليه السلام «الولاء لمن أعتق» (3) ، لكنه لا يرثه ما دام كافرا ، لان الكفر يمنع الإرث من المسلم ، ومنع منه ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وهو مبني على اشتراط نية القربة ، لقوله عليه السلام «لا عتق الا ما أريد به وجه اللّه» (4) وقال العلامة في المختلف : إن كان الكفر باعتبار جهله باللّه تعالى فالوجه ما قاله ابن إدريس ، وإن كان باعتبار جحده النبوة أو بعض أصول الإسلام كالصلاة ، فالوجه ما قاله الشيخ ، وقواه الشهيد في شرح الإرشاد واستقربه في الدروس ، ولا بأس به إذا اعتقد أن العتق قربة الى اللّه ،

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 56 ، حديث 1.
2- في «ن» : عليه.
3- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 56 ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 35 ، حديث 1 و 2.

لعموم الدليل على صحة العتق إذا أريد به وجه اللّه ، فيقع وان لم يستحق عليه ثوابا لكفره.

قال رحمه اللّه : ويعتبر في المعتق الإسلام والملك فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه ، وقيل : يصح عتقه مطلقا ، وقيل : يصح مع النذر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم الصحة مطلقا ، وهو قول السيد المرتضى وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في القواعد ، وهو مذهب فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1) والكافر خبيث ، ولما رواه سيف بن عميرة عن الصادق عليه السلام «قال : سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا» (2).

الثاني : الصحة مطلقا وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، لما رواه الحسن بن صالح عن الصادق عليه السلام «قال : إن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه» (3)

الثالث : وقوعه مع النذر لا بدونه ، وهو قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر ، ووجهه الجمع بين الخبرين المذكورين ، وعلى القول بالصحة يشترط أن يتعلق النذر بعبد معين ، كقوله : لله علي أن أعتق سالما ، أما لو قال : لله علي أن أعتق عبدا كافرا ، لم ينعقد قطعا ، لأن الحكم على ماهية (4) مقيدة بوصف يشعر بعلية ذلك الوصف ، وحينئذ يكون النذر معصية لا طاعة فيه أصلا ، فلا ينعقد. أما مع تعيينه من غير تقييد بالوصف. لا يكون الوصف مقصودا.

ص: 359


1- البقرة : 267.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 17 ، حديث 5.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- في «م» و «ن» و «ر 1» : الماهية.

قال رحمه اللّه : ويصح عتق ولد الزنا ، وقيل : لا يصح بناء على كفره ، ولم يثبت.

أقول : القائل ابن الجنيد وابن إدريس ، والمشهور الجواز وهو المعتمد ، لعدم ثبوت كفره ، ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام ، «قال : ولا بأس أن يعتق ولد الزنا» (1).

قال رحمه اللّه : ولو شرط على العتيق شرطا في نفس العتق لزمه الوفاء به ولو شرط إعادته في الرق إن خالف أعيد مع المخالفة عملا بالشرط ، وقيل : يبطل ، لأنه اشتراط لاسترقاق من ثبتت حريته.

أقول : يجوز أن يشترط على العتيق شرطا سائغا ، كقوله : أنت حر وعليك مائة دينار ، أو خدمة سنة مثلا ، ولا يكون هذا تعليقا بل عتقا وشرطا ، ولا يشترط رضا العبد في اشتراط الخدمة ، لأن السيد يملك الرقبة والمنافع ، فاذا استثنى منافعه مدة معلومة لم يفتقر الى رضاه ، ويشترط رضاه في اشتراط المال ، لأن المولى لا يملك إثبات مال في ذمة العبد الا برضاه.

إذا عرفت هذا ، (فاذا قال : فان لم تف بالشرط فأنت رد في الرق هل يصح هذا) (2) الشرط؟ فيه ثلاثة أقوال :

الأول : صحة العتق والشرط ، قاله الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (3) ولما رواه إسحاق بن عمار وغيره عن الصادق عليه السلام ، «قال سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ، ويشترط ان هو أغارها أن يرده في الرق؟ قال : له

ص: 360


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 16 ، حديث 1.
2- ما بين القوسين سقط من «ر 1».
3- مستدرك الوسائل ، كتاب البيع ، باب 6 من أبواب الخيار ، حديث 7.

شرطه» (1).

الثاني : بطلانهما معا ، قاله المصنف في نكت النهاية ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير والمختلف ، والشهيد في شرح الإرشاد ، لأن العتق لا يقبل التعليق ، فلو قال : أنت حرّ إن فعلت كذا بطل ، وإذا شرط عوده في الرق مع المخالفة صار معلقا فيبطل.

الثالث : قال ابن إدريس : يبطل الشرط دون العتق ، لأن الحرّ لا يجوز أن يصير رقا ، فهذا الشرط مخالف للكتاب والسنة فيكون باطلا دون العتق ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو شرط خدمة زمان معين صح ، ولو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق ، وهل للورثة مطالبته بأجرة مثل الخدمة؟ قيل : لا ، والوجه اللزوم.

أقول : إذا شرط خدمة سنة مثلا ثمَّ أبق بعد العتق حتى مضت السنة ، ليس للسيد ولا للورثة المطالبة بالخدمة ، لأن الزمان إن كان معينا فقد فات ، والشرط لم يتناول غير المعين وان كان مطلقا فهو يقتضي الاتصال بالعقد ، فيصير كالمعين وقد فات فلا يضمن الخدمة بمثلها ، لأنها ليست من ذوات الأمثال ، وانما يضمن القيمة وهي أجرة المثل.

إذا عرفت هذا ، فهل للسيد أو للورثة المطالبة بأجرة مثل المدة؟ قال الشيخ في النهاية وابن البراج : لا ، لصحيحة يعقوب بن شعيب ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعتق جاريته ، وشرط عليها أن تخدمه خمس سنين أو سنة. فأبقت ومات الرجل فوجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها؟ قال : لا» (2) وقال ابن إدريس : يجب عليها الأجرة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه

ص: 361


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 12 ، حديث 1 - 2 - 3.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 11 ، حديث 1 ، وفي النسخ : خمسين سنة.

وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الخدمة مستحقة وقد فاتت أوقاتها ، فيرجع بقيمتها وهي أجرة المثل.

فرع : هل يجب على المعتق نفقة العتيق مدة الخدمة؟ قال ابن الجنيد : نعم ، لقطعه عن التكسب ، ويحتمل العدم ، لأنها تابعة للملك فينفق عليه من بيت المال أو الصدقات.

قال رحمه اللّه : لو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة ، قيل : يعتق أحدهم بالقرعة ، وقيل : يتخير ويعتق ، وقيل : لا يعتق شيئا ، لأنه لم يتحقق شرط النذر ، والأول مروي.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : يعتق بعضهم بالقرعة وهو مذهب النهاية وابن البراج ، وهو ظاهر المصنف ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام ، «في رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعا؟ قال : يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج اسمه» (1).

الثاني : التخيير ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف (2) في المختصر (3) ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وأبو العباس في المهذب ، لرواية الصيقل عن الصادق عليه السلام ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القرعة.

الثالث : بطلان النذر ، وهو قول ابن إدريس ، لعدم تحقق شرطه ، لأنه نذر عتق أول مملوك يملكه ، وليس لمن ملك جماعة في حالة واحدة أول.

قال رحمه اللّه : من أعتق وله مال فما له لمولاه ، وقيل : إن لم يعلم به المولى

ص: 362


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 57 ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
2- في «م» : العلامة.
3- في غير الأصل : المختلف.

فهو له ، وإن علمه فهو للمعتق إلا أن يستثنيه المولى ، والأول أشهر.

أقول : هذه المسألة مبنية على أن العبد هل يملك أم لا؟ فعلى القول بعدم الملك فما في يده لمولاه (سواء علم به السيد أم لا) (1) وسواء استثناه أم لا ، ومن أثبت له الملك قال : إن علم به حالة العتق ولم يستثنه فهو للعبد ، وان استثناه فهو للسيد ، ومستندهم رواية (2) زرارة عن الصادق عليه السلام ، واشترط الشيخ تقديم الاستثناء ، بأن يقول : مالك لي وأنت حر ، ولو قال : أنت حر ومالك لي ، لم يصح عنده ، وبه قال فخر الدين تفريعا على القول بالملك ، لأنه إذا قال أنت حر وقع التحرير فلا يكون للاستثناء بعده فائدة ، والمشهور عدم اشتراط تقديم الاستثناء ، لأن الكلام كله كالجملة الواحدة ، لا يتم أوله إلا بآخره.

وتحقيق هذه المسألة مضى البحث فيه في باب البيع (3).

قال رحمه اللّه : ولو اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل اخرج ثلثهم قيمة وطرح اعتبار العدد ، وفيه تردد.

أقول : إذا أعتق ثلث عبيده أو أعتقهم في مرض الموت ، ولا مال سواهم ولم تجز الورثة ، أو أوصى بعتق ثلثهم استخرج الثلث بالقرعة ، وحينئذ المفروض لا يخلو من ستة :

الأول : أن يمكن تعديلهم عددا وقيمة ، بأن يكونوا ستة أو تسعة قيمتهم واحدة ، فيقسمهم ثلاثة أقسام قسما للحرية وآخرين للرقية ، ويكتب ثلاث رقاع في واحدة حرية ، وفي أخريين رقية ، وتستر ثمَّ يقال لرجل لم يحضر : اخرج على اسم هذا القسم ، فان خرجت رقعة الحرية عتق ، وان خرجت رقعة الرقية رق ،

ص: 363


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 24 ، حديث 1 عن الباقر (عليه السلام).
3- ج 2 ص 104.

وأخرجت أخرى فإن خرجت (رقعة الحرية عتق ورق الثالث ، وان خرجت) (1) رقعة الرقية رق وعتق الثالث ، أو يكتب اسم كل قسم في رقعة ثمَّ يخرج رقعة على الحرية فينعتق المسمون فيها وكان الباقين رقا ، وان أخرج على الرقية رق المسمون فيها وافتقر إلى إخراج أخرى على الرقية أو الحرية ، فإن أخرج على الحرية عتق المسمون فيها وكان الباقي رقا ، وان اخرج على الرقية رق المسمون فيها وكان الباقي حرا.

الثاني : أن يمكن تعديلهم بالعدد والقيمة معا ، لكن قيمتهم مختلفة كستة قيمة كل واحد من اثنين ألف وكل واحد من آخرين ألفان ، وقيمة كل واحد من الباقين ثلاثة آلاف ، فالمجموع اثنا عشر ألفا ، فتجعل الأوسطين جزءا وواحدا من الأولين وواحدا من الآخرين جزءا ، وكذا الثالث ثمَّ تقرع كما تقدم.

الثالث : ان يمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة ، أو بالقيمة دون العدد ، (ولا يمكن الجمع بينهما كستة قيمة واحد ألف ، وقيمة اثنين ألف ، وقيمة ثلاثة ألف فإن اعتبرنا العدد لم يمكن التعديل بالقيمة ، وان اعتبرنا القيمة) (2) لم يمكن التعديل بالعدد ، فحينئذ ما المعتبر منهما؟

قال الشيخ رحمه اللّه : يعتبر القيمة ويترك العدد ، كما أن قسمة الدار إذا لم يمكن بالمساحة والاجزاء عدلت بالقيمة ، وقال آخرون : يعتبر العدد ويترك القيمة ، فيضم الى من قيمته ألف واحد من الثلاثة الذين قيمتهم ألف ، فتكون عبدان أقل من ألف وعبدان أكثر من ألف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله جعل كل عبدين جزءا ، قال : والأول أصح عندنا ، وعنى بفعل النبي صلى اللّه عليه وآله ما رواه عمران بن حصين : «ان رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته لم يكن

ص: 364


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- ما بين القوسين ساقط من «ن».

له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال قولا سديدا ودعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ، ثمَّ أقرع بينهم فأعتق عبدين وأرق أربعة» (1) وحملت على تساوى القيمة.

وتردد المصنف من إطلاق الرواية الدالة على اعتبار العدد ، ومن حصول الضرر على الورثة بحصول التشخيص في العتق ، وهو ضرر عظيم ، ومراعاة ما لا ضرر فيه أولى.

الرابع : أن يمكن التعديل بالعدد دون القيمة ، كستة قيمة اثنين ألف ، وقيمة اثنين خمسمائة ، وقيمة اثنين سبعمائة ، فيقسم أثلاثا بالعدد كل اثنين قسما ، فتجعل كل واحد ممن قيمتهما (ألف ، وواحد ممن قيمتهما خمس مائة جزء ، وتجعل اللذين قيمتهما) (2) سبع مائة جزء ثمَّ يقرع ، فإن أخرجت القرعة على جزء قيمته أقل من الثلث أعتقا ، وأكمل الثلث من الباقين بالقرعة ، وان خرجت على جزء قيمته أكثر من الثلث أقرع بينهما ، فينعتق من تخرجه القرعة ومن الباقين (3) تتمة الثلث ، ويسعى في باقيه للورثة.

الخامس : أن يمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد ، كسبعة قيمة أحدهم ألف ، وقيمة اثنين ألف ، وقيمة أربعة ألف ، فيعدلون بالقيمة.

السادس : أن لا يمكن تعديلهم لا بالعدد ولا بالقيمة ، كخمسة قيمة أحدهم ألف ، وقيمة اثنين ألف ، واثنين ثلاثة آلاف ، فحينئذ يكتب خمس رقاع بأسمائهم ثمَّ تخرج على الحرية ، فإن كان الخارج بقدر الثلث عتق ، وان زاد سعى في الباقي ، وان نقص أكمل من الباقي ، واستقرب العلامة هذا العمل في جميع المفروض.

ص: 365


1- سنن أبي داود ، ج 2 ، كتاب العتق ، الباب 10 فيمن أعتق عبدا له لم يبلغهم الثلث ، ص 240 ، حديث 3958.
2- ما بين القوسين ساقط من «م».
3- في «م» و «ن» : الباقي.

قال رحمه اللّه : من أشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها ، وتزوجها ومات ولم يخلف سواها ، بطل عتقه ونكاحه ، وردت إلى البائع ، رقا. ولو حملت كان ولدها رقا ، وهي رواية هشام بن سالم ، وقيل : لا يبطل العتق ، ولا يرق الولد ، وهو أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه في باب النكاح (1).

قال رحمه اللّه : إذا اوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه ، فإن امتنع أعتقه الحاكم ، ويحكم بحريته حين الإعتاق لا حين الوفاة وما اكتسبه قبل الإعتاق وبعد الوفاة يكون له ، لاستقرار سبب العتق بالوفاة. ولو قيل : يكون للوارث لتحقق الرق عند الاكتساب ، كان حسنا.

أقول : ذكر المصنف وجهي المسألة ، والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، والثاني اختيار العلامة وهو المعتمد ، لأنه قبل العتق رق لا يملك شيئا.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الآمر ، وينتقل الى الآمر عند الأمر بالعتق ، ويتحقق العتق في الملك ، وفي الانتقال تردد.

أقول : مضى البحث في هذه في باب الكفارات مستوفى فليطلب من هناك (2).

قال رحمه اللّه : والعتق في مرض الموت يمضى من الثلث ، وقيل : من الأصل ، والأول مروي (3).

أقول : قد مضى البحث في هذه أيضا في باب الوصايا (4) ، وهل تعتبر قيمة المعتق يوم الوفاة أو يوم العتق؟ قال الشيخ في المبسوط : قيمة من أعتقه في مرضه

ص: 366


1- ص 108.
2- ص 305.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 17 ، حديث 13.
4- تقدم في الجزء ص

يوم الإعتاق ، لأنه وقت إتلافه ، وقيمة من أوصى بعتقه تعتبر يوم الوفاة ، لأنه وقت استحقاق العتق ، ومثله قول ابن الجنيد.

والتحقيق : أن الأصل في هذه المسألة أن العبد إذا أعتقه مولاه المريض ولا شي ء سواه (1) ثمَّ مات العبد قبل مولاه ، هل يكون حرا كله أو رقا كله ، أو يعتق ثلثه لا غير؟ يحتمل الأول ، لعدم الفائدة للوارث في رده الى الثلث ، ويحتمل الثاني لعدم تملك الوارث ضعفه ، ويحتمل الثالث كما لو بقي حتى مات المولى ، فان قلنا : إنه يتحرر كله ، فالوجه مذهب العلامة في المختلف ، وهو اعتبار القيمة حين الوفاة وان نقصت قيمة المنجز ، لأنه لو بقي عبدا لم يتفاوت على الورثة ، سواء نقص القيمة فلم يتلف عليهم أكثر منها ، وان زادت القيمة كان بمنزلة الكسب للعلم يعتق شي ء منه وقت الإعتاق ، فإذا زادت قيمة المعتق لم تحسب الزيادة المقابلة للشي ء المعتق منه من التركة وعلى (اعتبار القيمة وقت الإعتاق) (2) تحسب على المعتق (3) ، وأما ما قابل الرق فتحسب زيادته من التركة فإن خلف ضعف قيمته الاولى من غيره عتق كله ، وإن خلف أقل أو لم يخلف شيئا دخلها الدور لزيادة التركة بزيادة قيمة الرق (من العتق) (4) فيكثر العتق ، فتقل التركة ، فيقل العتق ، فيكثر التركة ، وذلك دور.

وطريق استخراج معرفة مقدار ما انعتق منه أن يقول : لو كانت قيمته مائة وقت العتق ثمَّ مات السيد ولم يخلف سواه بعد أن صارت قيمته ثلاث مائة فنقول : عتق منه شي ء وله من زيادة القيمة شيئان ، لأن الزيادة بقدر القيمة مرتان (5) ،

ص: 367


1- كذا.
2- ما بين القوسين ليس في «ن» وفي «م» و (ر) بدل ما بين القوسين : قول الشيخ.
3- في «م» زيادة : ثمَّ يحسب الزيادة المقابلة للشي ء المعتق من التركة وعلى قول الشيخ.
4- في النسخ وليست في الأصل.
5- في النسخ : مرتين.

وللورثة شيئان ضعف ما انعتق منه ، فيصير العبد في تقدير خمسة أشياء ، ثلاثة له واثنان للورثة ، فينعتق منه مائة وثمانون ، وللورثة مائة وعشرون ، ولو صارت قيمته مائتين وخلف السيد مائة غيره ، فنقول : عتق منه شي ء وله من نفسه باعتبار زيادة القيمة شي ء آخر ، وللورثة من نفسه ومن المئة شيئان باعتبار ما عتق منه ، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء ، شيئان للعبد من نفسه ، وشيئان للورثة ، فالشي ء خمسة وسبعون ، فينعتق منه ثلاثة أرباعه ، وتسلم المئة والربع الأخر للورثة.

وإن قلنا بالاحتمال الثاني ، وهو أن العبد إذا مات قبل سيده مات كله رقا ، كان الاعتبار بالقيمة يوم الإعتاق ، كما ذهب اليه الشيخ وابن الجنيد ، لأنه وقت الإتلاف فإذا زادت القيمة فلا عبرة بالزيادة عندهما ، وإن نقصت دخلها الدور أيضا على قولهما ، لأنا لا نعلم مقدار ما عتق منه حتى يعلم مقدار ما يحصل للورثة ، ولا نعلمه حتى نعلم مقدار ما عتق منه.

وطريق استخراج معرفة القدر الذي انعتق منه أن نفرض قيمته مائة مثلا حال الإعتاق ، ثمَّ نفرض رجوعه الى خمسين حال موت السيد ، فنقول عتق منه شي ء ورجع الى نصف شي ء يبقى خمسون الا نصف شي ء ، يعدل ضعف ما عتق منه ، وذلك شيئان فاجبر الخمسين بنصف شي ء ، وقابل بمثله ليصير خمسين كاملة ، تعدل شيئين (1) ونصف شي ء ، فالشي ء عشرون ، فلما حكمنا برجوع الشي ء الى نصف شي ء ظهر أن المعتق خمس العبد ، لأن نصف شي ء هو خمس شيئين ونصف ، وكان قيمة خمس العبد يوم الإعتاق عشرين ، وعادت يوم موت السيد إلى عشرة ، وبقي للورثة أربعة أخماس ، وقيمتها يوم موت السيد أربعون وهي (2) ضعف قيمة خمسه يوم الإعتاق.

ص: 368


1- في الأصل والنسخ : ستين. وما أثبتناه فهو من «ر 1».
2- في النسخ : وهو.

ولو خلف السيد مائة أخرى ، فعلى مذهب العلامة ينعتق كله لخروجه من الثلث ، وعلى مذهب الشيخ وابن الجنيد نقول : عتق منه شي ء ورجع (1) الى نصف شي ء بقي منه خمسون الا نصف شي ء ، يبقى للورثة المئة والخمسون الا نصف شي ء يعدل شيئين ، فبعد الجبر والمقابلة تصير المئة والخمسون تعدل شيئين ونصف ، فالشي ء ستون فينعتق منه ثلاثة أخماسه هي الآن ثلاثون ، وللورثة مائة وعشرون ضعف ما عتق منه حالة الإعتاق.

ولو أعتق ثلاثة أعبد قيمة كل واحد مائة يوم الإعتاق فعادت قيمة أحدهم إلى خمسين يوم موت السيد ، أقرع بينهم ، فان خرجت رقعة الحرية للذي أنقص قيمة عتق ثلث آخر من الاثنين الباقيين بالقرعة على مذهب العلامة رحمه اللّه ، وعلى مذهب الشيخ وابن الجنيد لم يعتق من الآخر شي ء ، لأن قيمة المعتق يوم الإعتاق مائة وينبغي أن يبقى للورثة ضعفها وان خرجت القرعة لأحد الآخرين فعلى قول العلامة وقولهما تعتق خمسة أسداسه وقيمتها ثلاثة وثمانون وثلث ويبقى للورثة سدسه والاخران وقيمتهما مائة وستة وستون وثلثان ضعف ما عتق منه ، لان المحسوب على الورثة الباقي بعد النقصان وهو مائتان وخمسون وقس على هذا جميع ما يرد في هذا الباب.

وانما طولنا البحث في هذه لخلو أكثر مصنفات أصحابنا عنها وقد يحتاج الفقيه إلى معرفة ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق ثلاثة إماء في مرض الموت ، ولا مال له سواهن أخرجت واحدة منهن بالقرعة. فإن كان بها حبل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا. وان كان سابقا على الإعتاق ، قيل : هو حر أيضا وفيه تردد.

أقول : القائل بحرية الحمل وان كان سابقا على العتق هو الشيخ في المبسوط

ص: 369


1- في «ر 1» : أو رجع.

وابن الجنيد رحمهما اللّه ، وهو بناء على مذهبهما من أن الحمل جزء من الحامل يتبعها في البيع والعتق وغير ذلك من العقود الناقلة ، وتردد المصنف مما قالاه ، ومن سبق رق الحمل على إعتاق أمه ، والأصل بقاؤه على ما كان عليه وهو منفرد عن الام وليس كالجزء منها ، بل هو كالنماء وهو المعتمد.

واعلم أن تقدير المسألة تساوي قيمة الثلاث بحيث يكون كل واحدة ثلث التركة ، ولا بد من تقويم الحمل فعلى تقدير يقوم من الثلث ، وعلى تقدير رقيته يقوم على الورثة.

ص: 370

في السراية

قال رحمه اللّه : وقيل : إن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا ، أو بطل عتقه ان كان معسرا وان قصد القربة عتقت حصته ، وسعى العبد في حصة الشريك ، ولم يجب على المعتق فكه.

أقول : إذا أعتق أحد الشريكين حصته لا يخلو إما أن يكون موسرا أو معسرا فهنا قسمان :

الأول : في الموسر ، وشرط الشيخ (عليه في التقويم) (1) قصد الإضرار لشريكه ، ومع قصد القربة لا يقوم عليه بل يستحب له افتكاكه ، فان فكه والا سعى العبد ، وان امتنع من السعي كان له بقدر ما عتق منه لمولاه الباقي ، واحتج برواية الحلبي الحسنة ، عن الصادق عليه السلام : «انه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه؟ فقال : إن كان مضادا كلف أن يعتق كله (2) والا استسعى العبد في النصف الآخر» ، وأورد ابن إدريس عليه لزوم التناقض

ص: 371


1- في النسخ بدل ما بين القوسين : في التقويم عليه.
2- من النسخ وليستا في الأصل.

لاشتراط نية القربة في العتق ، ومع قصد الإضرار تنقضي القربة ، فلا عتق حينئذ.

وأجاب العلامة بأن الشيخ لم يقصد أنه أعتق لمجرد (1) الإضرار من غير قصد التقرب ، وهو لا ينافي منع الشريك من التصرف في حصته ، ومعنى الإضرار هو هذا ، وهو معلوم أنه لو قصد التقرب لا غير حصل هذا النوع من الضرر (2) ، فلما كان تضرر الشريك حاصلا على التقديرين لم يكن قصد الإضرار مانعا من ارادة التقرب ، فإنه لا يريد بالإضرار شيئا زائدا (3) على المقدر في الشرع ، وإذا كان ذلك القدر حاصلا على كلا التقديرين لم يكن مانعا من العتق قصده أو لا. هذا آخر كلام العلامة رحمه اللّه.

وأجبته (4) قلت : والتحقيق ان ضم نية اللازم إلى نية القربة هل يقدح في نية القربة ، كضم نية البرد إلى نية القربة في الوضوء أم لا؟ فان قلنا ببطلان الوضوء مع ضم نية التبرد قلنا ببطلان العتق هنا ، وإن قلنا بصحته قلنا بصحة العتق هنا ، لأن الإضرار لازم بعتق الشريك كما أن التبرد لازم للوضوء ، والمشهور التقويم مطلقا ، لعموم قول النبي عليه السلام : «من أعتق شقصا من عبد وله مال قوم عليه الباقي» (5) (القسم) الثاني : المعسر وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : إن قصد الإضرار بطل العتق ، وإن قصد القربة استسعى العبد في فك رقبته ، فان امتنع من السعي كان له من نفسه بقدر ما عتق منه ولمولاه الباقي ، وهو قول الشيخ في النهاية.

ص: 372


1- في النسخ : بمجرد.
2- في النسخ : التضرر.
3- في الأصل : أبدا ، وما أثبتناه من النسخ.
4- هذه الكلمة ليست في النسخ.
5- سنن البيهقي : ج 10 ص 285 ، سنن ابي داود : كتاب العتق ، باب في ذكر سعاية العبد ، حديث 2.

الثاني : استقرار الرق في الباقي ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

الثالث : استسعاء العبد في نصيب الشريك ، وهو المشهور. والمستند في الجميع الروايات.

فرع : إذا وجب على العبد السعي ، هل يكون جميع سعيه له أو له منه بقدر الحرية؟

يحتمل الأول ، لما رواه القاسم بن محمد عن الصادق عليه السلام «قال سألته عن مملوك بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه؟ قال : يقوم عليه ثمَّ يستسعى فيما بقي ، وليس للثاني أن يستخدمه ولا يأخذ الضريبة» (1) ، وهو يدل على انقطاع الشريك من التصرف فيه وفي كسبه ، ونحوها رواية سليمان بن خالد (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وهو ظاهر القواعد والدروس.

ويحتمل الثاني ، لأن النماء تابع للأصل فيكون نصيب الرقية للشريك ، لأنه نماء ملكه فلو كان محسوبا عليه كان قد فك ماله بماله.

قال رحمه اللّه : وتعتبر القيمة وقت العتق لأنه وقت الحيلولة ، وتنعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا بالإعتاق ، وقال الشيخ : هو مراعى.

أقول : اختلف الأصحاب في أي وقت ينعتق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية ، قال المفيد والشيخ في النهاية : عند الأداء ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير والمختلف ، لأن للأداء مدخلا في العلة (3) ، ولهذا لا ينعتق مع الإعسار ، ولأنه لو انعتق مع الإعتاق لزم تضرر الشريك بتقدير هرب المعتق أو إعساره (4) قبل الأداء ، ولقوله عليه السلام : «لا عتق إلا في ملك» (5) ، وهو قبل

ص: 373


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 10 ، مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 9.
3- في النسخ : العلية.
4- في «ن» : اعتبار وفي «ر 1» : إذ إعساره.
5- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 ، حديث 2 ، مع اختلاف يسير.

الأداء غير مالك لحصة الشريك فلا ينفذ العتق فيها ، ولرواية محمد بن قيس (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على توقف الإعتاق على الأداء.

وقال الشيخ في المبسوط : يكون مراعى إن أدى تبينا عتقه (2) وإن لم يؤد حتى مات أحدهما أو أعسر المعتق تبينا رقه. ووجهه الجمع بين قولي الشيخ عتقه باللفظ وعتقه بالأداء ، وقال ابن إدريس : يعتق جميعه حالة الإعتاق ، ومستنده (رواية سليمان بن خالد) (3) ورواية : غياث بن إبراهيم (4) ، عن الصادق عليه السلام ، وفخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد توقفا في هذه المسألة.

ويتفرع على عتق حصة الشريك بالأداء أو الإعتاق فروع :

الأول : لو أعتق الشريك بعد إعتاق شريكه نفذ العتق ، لمصادفته الملك على الأول ويسقط الغرم على المعتق أو لا ، وعلى الثاني لا يسقط الغرم عنه لبطلان عتق الثاني ، لمصادفة الحرية.

الثاني : لو اختلفا في القيمة بعد مضي زمان يمكن تغيره ، قدم قول المعتق عند ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، سواء قلنا : يعتق بالأداء أو الإعتاق ، لأنه غارم ، ولعموم قوله عليه السلام : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (5) ، وبناها الشيخ على العتق باللفظ أو بالأداء ، فعلى الأول القول قول المعتق ، وعلى الثاني يحلف الشريك ، لأن النصيب ينتزع من يده ، واختاره العلامة في التحرير والشهيد في الدروس.

الثالث : يعتبر القيمة عند الأداء على الأول عند الشهيد ، وعند المصنف

ص: 374


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 3.
2- في النسخ : زيادة (حالة الإعتاق) بعد قوله : (عتقه).
3- ما بين القوسين ليس في «ن» والرواية في : الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 9.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 64 ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 3.

والعلامة حالة الإعتاق مطلقا.

الرابع : لو مات العبد قبل الأداء مات مبعضا ولا شي ء على المباشر على الأول ، وعلى الثاني يموت حرا ويغرم المباشر.

الخامس : لو مات المباشر قبل الأداء يسعى العبد في باقيه على الأول ، وتؤخذ قيمة حصة الشريك من التركة على الثاني.

السادس : لو ادعى على شريكه العتق فأنكره وحلف ، بقي نصيب المدعى على الرق لا غير (1) ، لاعترافه بعتقه فلا يبطل بإنكار الشريك.

السابع : لو ادعى كل واحد من الشريكين عتق شريكه تحالفا واستقر ملكهما عليه على الأول إن كانا موسرين ، وتحرر على الثاني ، لاعتراف كل منهما بعتق شريكه ، ولو كانا معسرين سعى لهما ، ولو كانا عدلين ، قال العلامة في التحرير : يحلف معهما ويتحرر (2) أو يحلف مع أحدهما ويتحرر نصفه ، ومثله قال في القواعد ، وهو يقتضي ثبوت العتق بالشاهد واليمين ، (مع أنه جزم في كتاب القضاء من الكتابين معا) بعدم (3) ثبوت العتق بالشاهد واليمين) (4) ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ثمَّ أوصى في كتاب الشهادات من الكتابين الى ثبوت العتق بشاهد وامرأتين ، وهو يقتضي ثبوته بالشاهد واليمين ، لأن كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين.

قال رحمه اللّه : ولو ورث شقصا ممن ينعتق عليه ، قال في الخلاف : يقوّم عليه ، وهو بعيد.

أقول : عتق الشقص أما مباشرة بالصيغة وقد مضى حكمه ، أو بالسبب

ص: 375


1- في النسخ : على الأول.
2- ليست هذه الكلمة في «ن».
3- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
4- ما بين القوسين ليس في «م».

وهو ملك القريب ، والملك إما باختياره أو لا ، فهنا قسمان :

الأول : ان يملك الشقص باختياره ، كالبيع والهبة والصلح والصداق ، فهذا هل يقوم عليه الباقي مع يساره أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط بالتقويم واختاره العلامة وابنه ، لأنه فعل سبب العتق اختيارا فكان كالمباشر.

الثاني : أن يملك الشقص بغير اختياره كالإرث ، قال الشيخ في الخلاف : يقوّم عليه أيضا ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1) ، وقال في المبسوط : لا يقوّم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن العتق ليس من فعله فلا يسري عليه.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق الحامل تحرر الحمل وإن استثنى رقه على رواية السكوني ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وفيه إشكال منشؤه : عدم القصد الى عتقه.

أقول : مضى البحث في هذه ، وبمضمون الرواية (2) أفتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والمعتمد عدم تبعية الحمل لأمه في (3) العتق ولا في البيع ولا يسري عتق أمه إليه ، لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص.

قال رحمه اللّه : فاذا دفع لمعتق قيمة نصيب شريكه ، هل ينعتق عند الدفع ، أو بعده؟ والأشبه انه بعد الدفع ليقع العتق في الملك ، ولو قيل بالاقتران كان حسنا.

أقول : منشأ التردد من عموم قوله عليه السلام : «لا عتق إلا في ملك» (4) ، وهو لا يملك إلا بالأداء فيكون العتق بعده ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن

ص: 376


1- راجع ما ذكره في عيون الحقائق الناظرة ، ج 1 ، ص 293.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 69 ، حديث 1.
3- في «ر 1» : لا في.
4- تقدم ص 373.

قيام الأداء هنا مقام الصيغة ، فيقع العتق مقارنا للأداء كما يقع مقارنا للصيغة ، لتساويهما في سببية العتق.

ص: 377

ص: 378

في الملك

قال رحمه اللّه : ولو ملك الرجل من جهة الرضاع من ينعتق عليه بالنسب هل ينعتق عليه؟ فيه روايتان أشهرهما : العتق.

أقول : أما الرواية المتضمنة للعتق فرواية الحلبي (1) ، ومثلها رواية أبان بن عثمان (2) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، وأما الرواية المتضمنة لعدم العتق فرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر الا ما كان من قبل الرضاع» (3) ، ومثلها رواية الحلبي ، عن الصادق عليه السلام «في بيع الام من الرضاع؟ قال : لا بأس» (4) ، وبمضمونها افتى الشيخ وسلار وابن إدريس.

قال رحمه اللّه : إذا ملك شقصا ممن ينعتق عليه [لم] يقوم عليه ان كان معسرا ، وكذا لو ملكه بغير اختياره ، ولو ملكه اختيارا وكان موسرا قال الشيخ :

ص: 379


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 2.
3- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 1 ، حديث 118 ، ولم نعثر عليه في الوسائل.
4- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 1 ، حديث 119 ، ولم نعثر عليه في الوسائل.

يقوم عليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من التقويم ، خرج ما وقع عليه الاتفاق وهو التقويم مع مباشرة عتق شقص ، يبقى الباقي على الأصل ، ومن أنه ملك بعض قريبه باختياره مع علمه بأنه ينعتق عليه ، فكان كالمباشر للعتق ، فيجب تقويمه عليه ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى له ببعض من ينعتق عليه وكان معسرا ، جاز القبول ، ولو كان المولى عليه موسرا ، قيل : لا يقبل ، لأنه يلزمه افتكاكه ، والوجه القبول ، إذ الأشبه : أنه لا يقوم عليه.

أقول : هذه المسألة مبنية على وجوب الافتكاك وعدمه ، فالقائل بوجوبه يمنع من القبول ، والقائل بعدم الوجوب لا يمنع منه ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

ص: 380


1- تقدم قبل قليل.

في العوارض

قال رحمه اللّه : واما العوارض فهي العمى ، والجذام ، والإقعاد ، وإسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه ، ودفع قيمة الوارث ، وفي عتق من مثل به مولاه تردد ، والمروي : أنه ينعتق.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الرق والملك ما لم يثبت المزيل المتفق عليه ، ومن الرواية الصحيحة المتضمنة للعتق بالتنكيل ، روى الصدوق في الصحيح ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام «قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه : إنه حر لا سبيل عليه» (1) والمشهور العمل بمضمون الرواية ، وقال ابن إدريس : أورد شيخنا هذه الرواية في نهايته إيرادا ، وهو يدل على ضعفها عنده.

ص: 381


1- من لا يحضره الفقيه ، باب 53 في الحرية حديث 5 ، لكنه رواه عن أبي جعفر عليه السلام وكذلك الوسائل ، كتاب العتق ، باب 22 ، حديث 2.

ص: 382

كتاب التدبير

اشارة

ص: 383

ص: 384

في العبارة

قال رحمه اللّه : وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج المملوكة ، ووفاة من يجعل له خدمته تردد ، أظهره الجواز ، ومستنده النقل.

أقول : منشؤه من أن العتق يقبل التأخير كما أنه يقبل التنجيز ، ولا تفاوت بين الأشخاص فإذا جاز تعلقه (1) بوفاة المالك جاز تعليقه بوفاة غيره ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له الخادم ، فقال : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فاذا مات فهي حرة ، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثمَّ يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها بقدر ما أبقت؟ فقال : إذا مات الرجل فقد عتقت» (2) ومن أصالة بقاء الرق ، والتدبير في عرف الشرع هو عتق العبد بعد موت مولاه ، والمجعول له الخدمة غير المولى ، فلا يصح التدبير بموته ، (ولأن

ص: 385


1- في النسخ : تعليقه.
2- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 2 التدبير ، حديث 28. وفي الاستبصار ، كتاب العتق ، باب 17 من أبواب التدبير ، حديث 2. وفي الوسائل ، كتاب التدبير باب 11 حديث 1.

التدبير) (1) وصية وهي لا تصح معلقة بموت غير الموصي ، ولأن التدبير لو صح تعليقه على موت غير المالك لبطل بالإباق ، كما يبطل به إذا علق بموت المالك ، وهو مذهب ابن إدريس والأول مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج واختاره المصنف والعلامة وابنه.

وأجاب العلامة بعدم الملازمة بين الصحة والبطلان بالإباق ، ولان حمله على تعليقه بموت المولى قياس لا نقول به ، ولحصول الفارق بينهما ، لأن الخدمة إذا جعلت للمولى ثمَّ أبق ، فقد قابل النعمة بالكفر والإباق ، فيبطل التدبير مقابلة بنقيض مقصوده ، كقاتل العمد في المنع من الإرث ، بخلاف ما إذا جعلت الخدمة للغير.

إذا عرفت هذا فالنص إنما ورد بجواز التعليق بموت من جعلت له الخدمة ، ثمَّ عداه المصنف والعلامة إلى التعليق بموت زوج الأمة للمشابهة ، قال الشهيد : ويظهر من ابن الجنيد جواز تعليقه بموت الغير مطلقا ، قلت : وهو اللازم من تعليل العلامة في المختلف ، لأنه قال : لنا أن العتق قابل للتأخير كما هو قابل للتنجيز ، ومعلوم أنه لا تفاوت بين الأشخاص في ذلك ، وهذا يدل على جواز تعليقه على موت الغير مطلقا.

فرع : على القول بجواز تعليقه بموت الغير لو مات ذلك الغير في حياة المدبر كان التدبير ماضيا من الأصل ، ولو مات المالك أولا خرج من الثلث وليس للورثة الرجوع بتدبيره ثمَّ (2) مع خروجه من الثلث (لا بحث) (3) ، ولو خرج بعضه من الثلث كان ذلك البعض مدبرا يتحرر بموت من علق تدبيره على موته ،

ص: 386


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، وفي الأصل في نسخة دون أخرى.

ثمَّ يسعى للورثة في باقيه.

قال رحمه اللّه : ولو كان المملوك لشريكين ، فقالا : إذا متنا فأنت حر ، انصرف قول كل واحد منهما الى نصيبه وصح التدبير ، ولم يكن معلقا على شرط ، وينعتق بموتهما إن خرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه ، ولو خرج نصيب أحدهما تحرر وبقي نصيب الآخر أو بعضه رقا ، ولو مات أحدهما تحرر نصيبه وبقي نصيب الآخر حتى يموت.

أقول : أطلق المصنف صحة التدبير مع قولهما : إذا متنا فأنت حر ، ثمَّ حكم بأنه لو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه (1) ، وبقي نصيب الآخر حتى يموت ، وهذا الذي حكاه جميعه قول الشيخ رحمه اللّه.

ونقل العلامة : في القواعد قول المصنف ، ثمَّ قال : أما لو قصدا عتقه بعد موتهما بطل التدبير ، وانما يصح لو قصدا توزيع الاجزاء على الاجزاء ، ويحمل إطلاق المصنف على هذا التفصيل ، وقال الشهيد في دروسه : ولو قال الشريكان فاذا متنا فأنت حر ، وقصدا تبعية النصيب بموت صاحبه وقع ، وإن قصدا تبعيته بموتهما بطل ، وهو موافق لمذهب القواعد ، لأن معنى قوله في القواعد : وانما يصح لو قصدا توزيع الاجزاء على الاجزاء ، وهو ما قاله الشهيد رحمه اللّه ، وهو تبعية النصيب بموت صاحبه.

وقال في التحرير - بعد أن نقل كلام الشيخ - والوجه عندي بطلان التدبير الا مع تجويز التعليق بموت الغير ، نعم لو قال كل واحد منهما : إذا مت فنصيبي حر ، كان تدبيرا صحيحا وكان الحكم فيه ما تقدم.

وقال في الإرشاد : ولو قال الشريكان : فاذا متنا فأنت حر ، لم يعتق شي ء بموت أحدهما حتى يموت الأخر ، وليس للورثة بيعه حتى يموت الشريك.

ص: 387


1- في «ر 1» : الثلث.

فظهر من هذه العبارة أن للعلامة في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : قوله في القواعد : وهو تقييد الصحة بقصد توزيع الاجزاء على الاجزاء ، أي (1) قصد تبعية (2) النصيب يموت صاحبه ، وتابعه الشهيد.

الثاني : قوله في التحرير وهو بطلان التدبير(3) مطلقا إذا قالا : إذا متنا فأنت حر ، وانما يصح إذا قال كل منهما : إذا مت فنصيبي حر ، وبين (4) جوازه إذا قالا إذا متنا فأنت حر ، على القول بجواز التعليق بموت الغير ، ومراده بالغير غير المالك والزوج المجعول له الخدمة ، لأن الشريك ليس من هؤلاء ، وهذا قول نادر كما تقدم.

الثالث : قوله في الإرشاد وهو الصحة مطلقا وإن قصدا عتقه بموتهما ، بدليل قوله لم يعتق منه شي ء بموت أحدهما حتى يموت الآخر ، وهذا يدل على أنهما لم يقصدا عتقه الا (5) بعد موتهما (6) ، إذ لو قصد تبعية النصيب بموت صاحبه تحرر بموته ، وقول الإرشاد خارج عما تقدمه من الأقوال ، ويفهم منه جواز التعليق على شرط ، لأنه إذا لم يتحرر نصيب كل واحد عند موته كان موت كل واحد شرطا في تحرير نصيب الآخر ، والمعتمد مذهب القواعد.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط نية القربة تردد ، والوجه أنه غير مشترط.

أقول : منشؤه من أن التدبير هل هو عتق أو وصية؟ فعلى الأول يشترط

ص: 388


1- في «ر 1» : إن.
2- هذا من النسخ ، وفي الأصل : بتبعية.
3- من النسخ وفي الأصل : التحرير.
4- في النسخ : وبنى.
5- هذه الكلمة موجودة في النسخ ، وفي الأصل جعلت على نحو النسخة البدل.
6- في هذه الكلمة من «ن» و «ر 1» وفي الأصل و «م» : موت أحدهما.

نية القربة على القول باشتراطهما في العتق ، وهو مذهب ابن إدريس ، وعلى الثاني لا يشترط نية القربة ، لعدم اشتراطهما في الوصية ، وهو المشهور بين الأصحاب.

ويتفرع على القولين جوازه من الكافر (وعدمه) (1) ، وعلى اشتراط القربة لا يصح تدبيره ، ويصح على عدم الاشتراط ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الشرط الثاني تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور للأصحاب.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن التدبير لا يصح (2) معلقا على شرط ولا صفة ، قال العلامة : للإجماع المنعقد بيننا على أن العتق بشرط باطل ، وذهب ابن البراج الى وقوعه معلقا بالشرط والصفة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو حملت بمملوك سواء كان عن عقد أو زنا أو شبهة كان مدبرا كأمّه ، فلو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها ، وقيل : له الرجوع ، والأول مروي.

أقول : القول الأول - وهو عدم جواز الرجوع في تدبير الولد - قول الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وهو ظاهر المصنف هنا وصرح به في المختصر ، لرواية أبان بن تغلب (3) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على عدم جواز الرجوع في تدبير الولد ، ولان الرجوع انما يكون فيما دبره باختياره والولد ليس كذلك ، لان تدبيره بغير اختياره بل بالسراية فليس له الرجوع فيه.

والقول الثاني - وهو جواز الرجوع - قول ابن إدريس واختاره العلامة

ص: 389


1- من النسخ وليست في الأصل.
2- في النسخ : لا يقع ، وهو في الأصل أيضا على نحو النسخة البدل.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 7 من أبواب التدبير ، حديث 1.

وابنه وأبو العباس ، لأنه مدبر (وكل مدبر) (1) يصح الرجوع فيه ، فعلى تجويز الرجوع في الولد يصح فيه دون الام وبالعكس ، ولا يلزم من الرجوع في أحدهما الرجوع في الأخر.

ص: 390


1- ما بين القوسين ليس في «م».

في المباشر

قال رحمه اللّه : ولا يصح التدبير الا من بالغ ، عاقل ، قاصد ، مختار ، جائز التصرف. فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره. وروي : أنه إذا كان مميزا له عشر سنين صح تدبيره ، ولا يصح تدبير المجنون ، ولا المكره ، ولا السكران ، ولا الساهي ، وهل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه : نعم ، حربيا كان أو ذميا.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في تدبير الصبي إذا بلغ عشر سنين ، وقد مضى البحث في تصرفات من بلغ عشر سنين مرارا متعددة (1).

الثانية : في تدبير الكافر ، وهو مبني على اشتراط نية القربة ، فمن اشتراطها منع تدبير الكافر ، ومن لم يشترطها لم يمنع من ذلك ، وقد مضى البحث في اشتراط نية القربة وعدمه (2).

قال رحمه اللّه : ولو دبر المسلم ثمَّ ارتد لم يبطل تدبيره ، ولو مات في حال

ص: 391


1- ص 358. وج 2 ص 12.
2- ص 388.

ردته عتق المدبر ، هذا إذا كان الارتداد لا عن فطرة ، ولو كان عن فطرة لم يعتق المدبر بوفاة المولى لخروج ملكه عنه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الارتداد عن فطرة موجب لخروج الملك عن المالك ، وشرط العتق بالتدبير بقاء الملك على المدبر الى حين وفاته ، فيبطل التدبير بالارتداد عن فطرة الموجب لخروج الملك عن المدبر ، ومن سبق حق العبد المدبر على حق الوارث ، فلا ينتقل الى الوارث بارتداد مدبره ، وهو مبني على القول بعدم جواز بيع (1) رقبة المدبر قبل الرجوع في التدبير.

لكن هنا دقيقة وهي : إذا قلنا بعدم بطلان التدبير وأنه ينعتق بموت المدبر ، لم ينعتق غير ثلاثة (2) ، لأنه لا مال للمدبر سواه ، لأن ماله قد انتقل إلى الورثة بنفس الارتداد ، (ولم يبق غير العبد المدبر (لتعلق التدبير به) (3) فلا ينعتق جميعه بل ثلثه ، ولو قيل : ينعتق بنفس الارتداد) (4) عن فطرة لإجراء الارتداد هنا مجرى الموت كان وجها.

والمعتمد بطلان التدبير ، لأن المدبر مملوك يقبل النقل على المشهور بين الأصحاب ، والارتداد عن فطرة ناقل جميع أموال المرتد (5) الى ورثته وهو (6) من جملتها.

قال رحمه اللّه : ولو ارتد لا عن فطرة ثمَّ دبر صح على تردد.

أقول : منشؤه من بقاء ملك المرتد عن غير فطرة عليه ، فاذا دبر صح

ص: 392


1- هذه الكلمة ليست في الأصل.
2- كذا والظاهر كونه : ثلثه.
3- ما بين القوسين من «م» و «ر 1».
4- سقط من «ر 1» من قوله : ولم يبق إلى هنا.
5- من «ن» وفي الأصل وباقي النسخ : المدبر.
6- في النسخ : والمدبر.

تدبيره ، لأنه بالغ عاقل مالك ، وكل من كان كذلك صح تدبيره ، ومن أنه محجور (1) عليه بالردة فلا يصح تدبيره ، والمعتمد صحة تدبيره موقوفا ، فان تاب والا بطل ، وهو فتوى القواعد.

ص: 393


1- كذا في الأصل والنسخ.

ص: 394

في الأحكام

قال رحمه اللّه : التدبير بصفة الوصية يجوز الرجوع فيه ، قولا ، كقوله : رجعت في هذا التدبير ، وفعلا ، كأن يهب ، أو يعتق ، أو يوقف ، أو يوصي ، سواء كان مطلقا ، أو مقيدا ، وكذا لو باعه بطل تدبيره ، وقيل : إن رجع في تدبيره ثمَّ باع صح بيع رقبته ، وكذا إن قصد ببيعه الرجوع ، وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقيته.

أقول : إنما قال : التدبير بصفة الوصية ولم يقل وصية ، لوقوع الخلاف فيه ، فقد قيل : انه وصية بالعتق ، لأنه يعتبر من الثلث ويجوز الرجوع فيه إجماعا ، وهذا حكم الوصية ، ولأن العتق لا يقع معلقا والتدبير معلق بالموت فيكون وصية.

وقيل : هو عتق بصفة لعدم اشتراط القبول فيه ، وعدم افتقاره إلى الإعتاق بعد الموت ، وكان عتقا بصفة ، وانما جاز تعليق العتق هنا للإجماع عليه.

إذا عرفت هذا ، فالرجوع بالتدبير جائز إجماعا ، وهو قد يكون بالقول ، مثل رجعت بالتدبير ، أو أبطلته ، أو رفعته ، أو فسخته ، أو نقضته ، أو أزلته ، بأي

ص: 395

هذه الألفاظ أتى بطل التدبير إجماعا.

وقد يكون بالفعل ، مثل الهبة ، والعتق ، والوقف ، والوصية به للغير ، وقد جزم المصنف ببطلانه في هذه الأشياء ، سواء كان مطلقا ، مثل قوله : أنت حر بعد وفاتي ، أو معلقا (1) ، مثل قوله : إن مت في سنتي هذه (2) أو مرضي هذا فأنت حر ، وهذا الذي صرح به المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب ابن حمزة إلى بطلان الهبة والوقف والوصية قبل الرجوع في التدبير لفظا.

أما البيع قبل الرجوع في التدبير فقد منع منه محمد بن بابويه والحسن ابن أبي عقيل الا مع اشتراط العتق على المشتري عند موته ، فإذا أعتقه كان الولاء للمعتق.

وقال الشيخ في النهاية : ومتى أراد بيعه من غير أن ينتقض (3) تدبيره لم يجز له ذلك الا أن يعلم المشتري أنه يبيعه خدمته ، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه ، ومستنده الروايات (4) ، فعلى هذا يتحرر بموت البائع ولا سبيل للمشتري عليه حينئذ.

وقال ابن إدريس ببطلان التدبير مع البيع ، لأن التدبير وصية ، وكل وصية تبطل بإخراج الموصى به عن ملك الموصي في حياته ، وبيع المنافع لا يصح لعدم كونها أعيانا ، وعدم العلم بها وبمقدارها ، وتحمل الأخبار (5) الدالة على المنع من بيع المدبر على ما إذا كان التدبير واجبا بالنذر ، فهنا لا يجوز لما فيه من مخالفة النذر.

ص: 396


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة من النسخ ، وليست في الأصل.
3- في النسخ : ينقض.
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 من أبواب التدبير.
5- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 و 3 و 4 من أبواب التدبير.

قال رحمه اللّه : ولو كان على الميت دين يستوعب التركة ، بطل التدبير ، وبيع المدبر فيه ، وإلا بيع منه بقدر الدين ، وتحرر ثلث من بقي ، سواء كان الدين سابقا على التدبير ، أو لاحقا على الأصح.

أقول : ما حكاه المصنف هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأن التدبير بمنزلة الوصية ، والدين مقدم عليها فيكون مقدما على التدبير ، سواء كان سابقا على التدبير أو متأخرا عنه.

وفصل الشيخ في النهاية وابن البراج ، قالا : إن كان الدين متقدما على التدبير فهو مقدم عليه ، وإن كان متأخرا عنه فالتدبير مقدم على الدين ، ومستندهما صحيحتا أبي بصير (1) ، عن الصادق عليه السلام وعلي بن يقطين (2) ، عن الكاظم عليه السلام.

تنبيه : إذا كان الدين بقدر نصف المدبرين مثلا ولا تركة سواهم ، كتب رقعة للدين وأخرى للتركة بعد أن يقسم العبيد قسمين ، ثمَّ يخرج رقعة على أحد القسمين ، فان خرجت رقعة الدين بيع ذلك القسم فيه ، وعتق ثلث القسم الآخر (في التدبير) (3).

وإن كان الدين بقدر ثلث العبيد كتب ثلاث رقاع ، واحدة للدين واثنتين للتركة وهكذا ، وكذلك الحكم لو أعتق المريض في مرض الموت ومات وعليه دين ، واحتجنا الى بيع بعض المعتقين في الدين.

قال رحمه اللّه : لو دبر الشريكان ثمَّ أعتق أحدهما لم تقوّم عليه حصة الأخر ، ولو قيل : تقوّم ، كان وجها.

ص: 397


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 9 من أبواب التدبير ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 9 من أبواب التدبير ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل فيها : بالقرعة أيضا وإن خرجت رقعة التركة أعتق ثلث القسم الذي خرجت عليه ، وبيع القسم الآخر في الدين.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بعدم التقويم ، لأن حصة الشريك لها جهة يعتق بها ، والمعتمد التقويم ، لأنه عبد لم يخرج بالتدبير عن الرقية وهو مذهب المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو دبر أحدهما ثمَّ أعتق وجب عليه فك نصيب الأخر ، ولو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة على تردد.

أقول : منشأ التردد في هذه المسألة معلوم من المسألة السابقة ، إذ لا فرق بينهما.

قال رحمه اللّه : ولمولاه أن يبيع خدمته وله أن يرجع في تدبيره ثمَّ يبيعه.

أقول : سبق البحث في هذه (1) ، والمعتمد عدم جواز بيع الخدمة (كما) (2) تقدم.

قال رحمه اللّه : أما لو دبره ثمَّ كاتبه كان نقضا للتدبير ، وفيه إشكال.

أقول : منشؤه من أن التدبير وصية وهي تبطل بفعل ما ينافيها ، والكتابة منافية للوصية ، لأنها تقتضي العتق في حال حياة المكاتب ، والوصية تقتضي العتق بعد موت الموصي ، وهما متنافيان ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة ، ومن أصالة بقاء التدبير ما لم يعلم السبب المبطل له ، والكتابة ليست سببا مبطلا للتدبير ، لاجتماعهما في صورة تقدم الكتابة على التدبير ، فكذلك مع التأخر عنه إذ لو تنافيها لما اجتمعا في حال ، لأن المقصود من الكتابة والتدبير هو العتق فلا يتنافيان ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن البراج واختاره الشهيد ، لصحيحة أبي بصير (3).

ص: 398


1- تقدم عند شرح قوله التدبير بصفة الوصية.
2- في الأصل مع هذه الكلمة على نحو النسخة البدل : لما.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب التدبير ، حديث 1.

كتاب المكاتبة

اشارة

ص: 399

ص: 400

في الأركان

قال رحمه اللّه : ولا يصح من دون الأجل على الأشبه.

أقول : اشتراط الأجل في الكتابة مذهب الشيخ وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وفي موضع (1) من القواعد وفخر الدين والشهيد ، لأن ما في يد العبد لمولاه فلا تصح المعاملة عليه ، وانما يقع على المتوقع حصوله بالكسب (2) ، فلا بد من الأجل حذرا من جهالة وقت الحصول.

وابن إدريس لم يشترط الأجل وجوزها حاله واختاره العلامة في موضع من القواعد وفي التحرير ، لأصالة عدم الاشتراط ، وعموم قوله تعالى : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (3).

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر الى قوله : فإذا أديت فأنت حر ، مع نية ذلك ، قيل : نعم ، وقيل : تكفي النية مع العقد ، فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة أو

ص: 401


1- في «ن» : مواضع.
2- في «م» و «ن» : بالتكسب ، وفي «ر 1» : في الكسب.
3- النور : 33.

أغفلها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، ففي المبسوط لم يشترط قوله في العقد : فإذا أديت فأنت حر ، واشتراط ذلك في الخلاف ، واختار المصنف والعلامة مذهب المبسوط ، لأن الكتابة عقد مشروع بالنص والإجماع ، وغايتها تحرير العبد عند أداء المال ، فلا يفتقر الى ذكر الغاية في العقد ، كما لا يفتقر الى (1) ذكرها في غير الكتابة كالبيع والإجارة وغير ذلك.

وفخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد رجحا مذهب الخلاف ، لأن لفظ الكتابة مشترك بين المراسلات والكتابة الشرعية ، وهي أعم ، ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : وحد العجز أن يؤخر نجما الى نجم ، أو يعلم من حاله العجز عن فك نفسه ، وقيل : أن يؤخر نجما عن محله ، وهو مروي.

أقول : اختلف الأصحاب في حد العجز بالمبيع (2) للفسخ في المشروط (3) ، قال المفيد والشيخ في الاستبصار وابن إدريس : حدّه أن يؤخر النجم عن محله ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف والإرشاد وفخر الدين وأبو العباس ، لصحيحة معاوية بن وهب (4) وقال الشيخ في النهاية : وحدّه أن يؤخر نجما الى نجم أو يعلم من حاله العجز ، ومعناه انه ليس للسيد أن يعجزه بنفس تأخر النجم عن محله ، بل يجب الصبر الى أن يحل نجم آخر الا أن يعلم من حاله العجز علما عاديا ، فلا يجب الصبر حينئذ ، وبه قال ابن البراج ، وهو ظاهر المصنف هنا

ص: 402


1- ليست في الأصل.
2- في الأصل : بالبيع.
3- في النسخ : المشروطة.
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 5 من أبواب المكاتبة ، حديث 1 و 2.

والعلامة في القواعد والتحرير ، والمستند رواية إسحاق بن عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وقال محمد بن بابويه : حدّه التأخير إلى ثلاثة أنجم.

قال رحمه اللّه : والكتابة عقد لازم ، مطلقة كانت أو مشروطة ، وقيل : إن كانت مشروطة فهي جائزة من جهة العبد ، لأن له أن يعجز نفسه ، والأول أشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : هل هي لازمة أو جائزة؟ وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال : الأول : قول الشيخ وهو لزومها من جهة السيد (2) (وجوازها من جهة العبد) (3) ، ولم يقيد بالمشروطة ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم (4) على أن المكاتب متى عجز كان للمولى رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة ، وهذا الاستدلال يدل على أن المراد المشروطة ، وصرح ابن إدريس بلزوم المطلقة من الطرفين ، وجواز المشروطة من طرف العبد ، وهو موافق لقول الشيخ.

الثاني : قول ابن حمزة ، وهو جواز المشروطة من الطرفين ، ولزوم المطلقة من جهة السيد ، وجوازها من جهة العبد.

الثالث : لزومها مطلقا ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ، وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، واختاره العلامة وابنه وهو المعتمد ، لأن عقد الكتابة اقتضى وجوب السعي على العبد ، فليس له تركه مع القدرة عليه.

الثاني : في معنى الجواز ، وفسره الشيخ في الخلاف بأنه له الامتناع من أداء ما عليه ، فيتخير السيد حينئذ بين الفسخ وبين البقاء على العقد ، وقال في

ص: 403


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب المكاتبة ، حديث 13 وفيه لفظ عام أو عامين.
2- في «ر 1» العبد.
3- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 وباب 10 من أبواب المكاتبة.

المبسوط : ولسنا نريد بقولنا جائزة من جهة العبد ، أن له الفسخ كعامل القراض ، بل له أن يمتنع من أداء ما عليه مع القدرة على ذلك ، فيتخير المالك حينئذ ، والقائل باللزوم يوجب عليه السعي مع القدرة ، ويجبره على ذلك الحاكم أو السيد.

قال رحمه اللّه : وهل يعتبر الإسلام؟ فيه تردد.

أقول : هل يشترط في صحة الكتابة إسلام السيد؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من أن الكتابة ، هل هي عتق بعوض أو معاملة بين السيد وعبده على عوض معلوم؟ فعلى الأول يشترط الإسلام عند من اشترطه في العتق (1) ، وعلى الثاني لا يشترط الإسلام ، لأنها نوع معاملة فلا يشترط فيها الإسلام ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، هذا إذا كان السيد والعبد كافرين أما لو كان السيد كافرا والعبد مسلما ، فالمعتمد وجوب البيع على الكافر و (لا) (2) يصح (له) (3) مكاتبة العبد المسلم ، لعموم النص (4) بوجوب البيع وليست الكتابة بيعا ، ولوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر على الفور ، ولحصول السبيل بالتسلط على المسلم بالاستيفاء وهو منفي (5) ، ويحتمل الجواز لقطع السلطنة.

قال رحمه اللّه : ويجوز لولي اليتيم مكاتبة مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه ، وفيه قول بالمنع.

أقول : للشيخ في هذه المسألة قولان : أحدهما الجواز ، قاله في الخلاف ، لأن للولي التصرف بجميع ما فيه غبطة ، فإذا حصلت الغبطة في الكتابة جاز له ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، والثاني عدم الجواز ، قاله في

ص: 404


1- في «م» و «ر 1» : المعتق.
2- ليست في «ر 1».
3- ليست في الأصل.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 73 ، حديث 1.
5- إشارة إلى قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) النساء : 141.

المبسوط ، لأنها نوع (من أنواع التبرعات ، لأنها) (1) معاملة على ماله بماله ، وليس للولي أن يتبرع بشي ء من مال الطفل.

قال رحمه اللّه : ويعتبر في المملوك البلوغ ، وكمال العقل ، لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول ، وفي كتابة الكافر تردد أظهره المنع ، لقوله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (2).

أقول : منع السيد المرتضى والشيخ في المبسوط من كتابة العبد الكافر ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وظاهر المختلف الجواز وقواه أبو العباس في المهذب.

والخلاف مبني على تفسير الخير (3) المذكور في الآية (4) ، قال السيد : إنه الدين والأمانة ، فعلى هذا لا يصح كتابة الكافر ، لأنه على هذا التفسير لا خير فيه أصلا ، وقال الشيخ : إنه الكسب والامانة فعلى هذا لا يصح أيضا ، لأن الكافر لا أمانة له ، وقال الحسن البصري والثوري : هو الاكتساب حسب ، فعلى هذا لا يصح (5) كتابة الكافر ، ولا شك أن الخير ورد في القرآن بمعنى المال ، مثل قوله تعالى ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) (6) ومثل قوله ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (7) ، ولا شك ، ان المراد بالخير هنا المال ، وورد بمعنى العمل الصالح في قوله تعالى ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (8) ، وهو مناسب

ص: 405


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- النور : 33.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 من أبواب المكاتبة ، حديث 1.
4- النور : 33.
5- في النسخ : يصح.
6- العاديات : 8.
7- البقرة : 180.
8- الزلزلة : 7.

للدين ، لأن عمل الكافر لا خير فيه ، وورد بمعنى الثواب في قوله تعالى ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) (1) ، يعنى ثوابا ، وهذا مناسب للدين أيضا ، لأن الثواب مترتب على الايمان فغير المؤمن لا ثواب له.

قال رحمه اللّه : وأما الأجل ففي اشتراطه خلاف.

أقول : مضى ذكر الخلاف فيه (2).

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، وهو غير معلوم مع عدم اتصال الأجل بالعقد. وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن أصالة الصحة وحصول شرائطها من ذكر الأجل وضبطه ، وذكر المال ، وصدور الصيغة من أهلها ، وهو اختيار العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو قال : على خدمة شهر بعد هذا الشهر ، قيل : يبطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط وهو تفريع على اتصال المدة بالعقد ، وفيه التردد المذكور في المسألة الاولى ، وقد مضى البحث فيه (3).

قال رحمه اللّه : ولو كاتبه ثمَّ حبسه مدة ، قيل : يجب أن يؤجله مثل تلك المدة ، وقيل : لا يجب ، بل تجب أجرته لمدة احتباسه ، وهو أشبه.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ثمَّ قواهما معا الا أن الأول عنده أرجح ، واستحسنه فخر الدين ، لأن المدة لا قيمة لها فيضمنها بمثلها ، واختار المصنف والعلامة الثاني ، لأن منافع الأيام إنما تضمن بالقيمة ، وهي

ص: 406


1- الحج : 36.
2- ص 401.
3- في الحاشية السابقة.

مثل (1) أجرة ذلك الزمان وهو المعتمد.

ص: 407


1- ليست في الأصل.

ص: 408

في الأحكام

قال رحمه اللّه : إذا مات المكاتب ، وكان مشروطا بطلت الكتابة ، وكان ما تركه لمولاه ، وأولاده رقا ، وإن لم يكن مشروطا تحرر منه بقدر ما أداه ، وكان الباقي رقا ، ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ، ولورثته بقدر ما فيه من حرية ، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة ، وإن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم ، ومع الأداء ينعتق الأولاد. وهل للمولى إجبارهم على الأداء؟ فيه تردد ، وفيه رواية أخرى (1) ، تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة ، ويتحرر الأولاد ، وما بقي لهم ، والأول أشبه.

أقول : إذا كان الأولاد أحرارا كان لهم مما تركه أبوهم بقدر ما تحرر (من أبيهم) (2) ، وللسيد بقدر ما فيه من الرقية ولا سعي عليهم ، وإن كانوا أرقاقا وولدوا (3) بعد الكتابة كان ما قابل نصيب الرقية منهم مكاتبا ، وكان عليهم أن

ص: 409


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 23 من أبواب موانع الإرث ، حديث 6 - 8.
2- في النسخ بدل ما بين القوسين : منه.
3- في النسخ : ولدوا.

يؤدوا (1) ما بقي على أبيهم من مال الكتابة ، لا (2) ما يساوي قيمتهم.

فاذا لم يف نصيبهم بما بقي على أبيهم وامتنعوا من السعي بالباقي ، هل يجبرون عليه؟ تردد المصنف في ذلك من أصالة البراءة ، وكون الاخبار (3) على خلاف الأصل ، ومن أن الشارع جعل السعي عوضا عن رقية الأولاد وقطع تصرفه عن ملكه مقابل هذا العوض ، فلا يجوز لهم الامتناع منه (4) ، وهو اختيار العلامة في القواعد. والرواية المتضمنة لأداء ما عليه من أصل التركة كالدين ، واختصاص الورثة بالباقي هي رواية جميل ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن مكاتب يؤدي بعض مكاتبته ثمَّ يموت وترك أبناء له من جارية له؟ فقال : إن كان اشترط عليه إن عجز فهو رق رجع ابنه منها مملوكا وان لم يشترط عليه صار ابنه حرا ورد على المولى بقية المكاتبة وورث ابنه ما بقي» (5) ، ومثلها صحيحة ابن سنان (6) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد ، والمعتمد مذهب المصنف وهو المشهور بين الأصحاب.

فرع : إذا كان وارث المكاتب جماعة انعتق من كل واحد منهم بقدر ما انعتق من أبيهم ، ومع عدم وفاء نصيبهم من ميراث أبيهم بالباقي من مال الكتابة يتعلق الباقي بكل واحد بعينه وبالجميع كواجب الكفاية ، فإذا أداه بعضهم انعتقوا أجمع ، وإن أدى بعضهم بعضه انعتق من الجميع بقدره ، ولا يختص المؤدي بالعتق ،

ص: 410


1- في «ن» : يردوا.
2- في «م» : إلا.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة.
4- في النسخ إضافة : ولأنه عوض اقتضته المعاوضة الشرعية اللازمة فلا يجوز لهم الامتناع منه. وفي «ن» سقطت (منه) الاولى.
5- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب المكاتب ، حديث 25 ، وفي الوسائل اشارة اليه في كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة ، حديث 3.
6- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة ، حديث 3.

لأن الجميع كواحد وهو المورث.

قال رحمه اللّه : ولو كان المولى أذن له ، قيل : لم يجزه ، لأنه كفّر بما لم يجب عليه.

أقول : إذا كفّر المكاتب بغير الصوم بغير إذن مولاه لم يجزه قطعا ، لأنه محجور عليه في التصرفات المتضمنة لإخراج المال بغير عوض بقدره أو أزيد منه ، ويكفر بالصيام سواء كانت مخيرة أو مرتبة.

ولو أذن له السيد بالعتق أو الإطعام ، هل يجزيه أم لا؟ قيل : لا يجزيه ، لأن فرضه الصيام فاذا كفّر بغيره كان قد كفر بغير الواجب عليه فلا يجزيه ، والمعتمد الاجزاء ، لأنه بالغ عاقل مالك ، وانما لم يجزه مع عدم الإذن ، لأنه محجور عليه لحق السيد ، فإذا أذن السيد زال المانع ، ويمتنع انحصار فرضه في الصيام بل حكمه حكم العاجز عن غير (1) الصوم ، ومع الاذن لا يتحتم عليه العتق في المرتبة بل تصير مخيرة.

قال رحمه اللّه : إذا ملك المملوك نصف نفسه ، كان كسبه بينه وبين مولاه ، وهو طلب أحدهما المهاياة أجبر الممتنع ، وقيل : لا يجبر ، وهو أشبه.

أقول : وجه الإجبار أن لكل منهما الانفراد بحصته ولا يلزمه مشاركة صاحبه ، (ولا يمكنه من) (2) الانفراد إلا بالمهاياة فيجبر الممتنع عليها ، ووجه عدم الإجبار كون المهاياة جارية مجرى قسمة ما لا يمكن قسمته ، لأن المشترك بينهما اما الرقبة وهي لا يمكن قسمتها أو المنافع طول حياته وذلك غير معلوم المقدار فيكون مجهولا ، وقسمة المجهول غير ممكنة فلا يجبر الممتنع ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.

ص: 411


1- ليست في «م» و «ر 1».
2- في النسخ : ولا يمكن.

قال رحمه اللّه : إذا اختلف السيد والمكاتب في مال الكتابة ، أو في المدة ، أو في النجوم ، فالقول قول السيد مع يمينه ، ولو قيل : القول قول المنكر زيادة المدة والمال ، كان حسنا.

أقول : إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة مثل أن يقول السيد : هو خمسون ، ويقول العبد : هو أربعون ، أو اتفقا على قدر المال واختلفا في المدة ، مثل أن قال السيد : المدة شهر ، وقال العبد : إنها شهران ، أو اتفقا على المدة واختلفا في النجوم ، مثل ان قال السيد : هي نجمان وقال العبد : هي ثلاثة.

قيل : القول قول السيد (في هذه الصور (1) كلها ، لأن العبد وكسبه لسيده ، والمكاتبة معاملة على مال السيد) (2) بماله ، فالمدعي بالحقيقة هو العبد ، لأنه يدعي العتق بأداء ما اعترف به من المال ، والسيد هو المنكر فيكون القول قوله ، ولا شك في أن القول قوله في إنكار زيادة المدة وزيادة النجوم ، لأن الأصل عدم الزيادة ، ولأن العبد هو المدعي فيهما قطعا ، فيصير القول قوله في الجميع.

واستحسن المصنف أن القول قول منكر الزيادة منهما ، لأن السيد قد اعترف بالكتابة وادعى على (3) العبد مالا زائدا عما اعترف به ، والعبد ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله فيها ، والقول قول السيد في إنكار زيادة المدة والنجوم ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته ، فبان العوض معيبا ، فإن رضي المولى فلا كلام ، وإن رده بطل العتق المحكوم به ، لأنه مشروط بالعوض ، ولو تجدد بالعوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش

ص: 412


1- من «ر 1» وفي الأصل وباقي النسخ : الصورة.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في «ر 1» : عليه.

الحادث ، وقال الشيخ : يمنع ، وهو بعيد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في بطلان العتق مع رد العوض بالعيب ، وبالبطلان قال الشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة في الإرشاد والتحرير ، وفي موضع من القواعد ، وبه قال الشهيد وهو المعتمد ، لان العتق مشروط بدفع العوض الذي وقع عليه العقد وهو الصحيح السليم ، فلما ظهر العوض معيبا ظهر أنه غير العوض المذكور في العقد ، ومع عدم دفع العوض يتحقق عدم العتق.

واستشكل العلامة بطلان العتق في موضع من القواعد ، ثمَّ كتب عليه حاشية بخطه وهذه صورتها : منشأ الاشكال أن يقال : العتق إتلاف واستهلاك فاذا حكم بوقوعه لم يبطل كالخلع ، وأن يقال العتق انما يستقر باستقرار الأداء ، وقد ارتفع الأداء فيرتفع العتق. هذا آخر ما كتبه العلامة نقله عنه فخر الدين في إيضاحه.

الثاني : إذا تجدد بالعوض عيب عند السيد ، هل يجوز له رده بالعيب السابق مع أرش الحادث؟ منع منه الشيخ في المبسوط كما في البيع ، واختار المصنف والعلامة الرد مع الأرش.

قال رحمه اللّه : يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا أو رقا له ، ومنعه الشيخ ، ولو كان الباقي لغيره فأذن صح ، وإن لم يأذن بطلت الكتابة ، لأنها تتضمن ضرر الشريك ، لأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يمكن من التصرف.

أقول : إذا كاتب بعوض بعض عبده لا يخلو البعض الأخر من كونه حرا أو رقا ، له أو لغيره ، فان كان البعض الآخر حرا صحت الكتابة إجماعا ،

ص: 413

لاستغراق الكتابة للرق (1) ، فلا مانع حينئذ ، وان كان بعضه رقا لنفسه منع الشيخ في المبسوط من كتابة البعض ، قال : لأن المقصود من الكتابة : وقوع العتق بالأداء ، وهذا مفقود هنا ، لأنه لا يتمكن من التصرف ، لأن السيد يمنعه من التصرف بما فيه من الرق ، ولا يأخذ من الصدقات وإذا أخذ اقتضى أنه يقاسمه السيد عليها ، وإن كان الباقي رقا لغيره اشترط الشيخ في صحة كتابة حصته إذن الشريك واختاره المصنف ، وقد ذكر المصنف الوجه في ذلك.

وذهب في الخلاف الى الجواز مطلقا واختاره العلامة وهو المعتمد لقوله عليه السلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (2) ، ولأنه يجوز بيع النصيب وعتقه فيجوز كتابته ، لأنها لا تنفك عنهما وتمنع ضرر (3) الشريك بالكتابة فإن السعي الثابت قبل الكتابة ثابت بعدها أقصى ما في الباب أن الشريك يقاسم شريكه وهنا يقاسم العبد ، ويمنع مشاركته فيما يأخذه من الصدقات ، لأنه انما يأخذ بجزئه المكاتب ما يصرفه في الكتابة ، ولا يجوز له صرفه في غيرها فلا يشاركه السيد في ذلك.

ص: 414


1- في نسخة في الأصل : بالعتق.
2- البحار ، ج 2 ، ص 272.
3- في الأصل : شرر.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا كان للمكاتب على مولاه مال ، وحل نجم ، فان كان المالان متساويين جنسا ووصفا تهاترا ، ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل ، وان كانا مختلفين لم يحصل التقاص إلا برضاهما ، وهكذا حكم كل غريمين ، وإذا تراضيا كفى ذلك ، وإن لم يقبض الذي له لم يعده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا ، وفيه قول آخر بالتفصيل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شي ء من النجوم ، فان كان الحقان من جنس واحد من النقود تقاصا ، وان اختلف الجنس أو كان من غير النقود فإن أحدهما لا يصير قصاصا عن الأخر ، ثمَّ إن كان المالان نقدين لم يحتج الى قبض الحقين (معا بل) (1) يقبض أحدهما ما عليه من صاحبه ، ثمَّ يرده عليه عوضا عما له في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز ، وإن كانا عرضين فلا بد أن يقبض كل واحد منهما ماله على صاحبه ، ولا يجوز أن يقبض أحدهما ثمَّ يرد ما قبضه على الآخر

ص: 415


1- في «ر 1» و «ن» : مقابل.

عوضا عما له عليه ، لأن هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الجنسين (عن سلم) (1) فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض عما في ذمته من المال ، وأخذ المال الثابت عن كتابة لو (2) سلم غير جائز ، وإن كان أحدهما نقدا والآخر عرضا فإنه إن قبض صاحب النقد حقه لم يجز أن يدفعه عوضا عن العرض الذي في ذمته بل عليه تسليمه وإقباضه ، وإن قبض صاحب العرض حقه جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، الى هنا كلام الشيخ ، وهو الذي أشار إليه المصنف بالتفصيل والمعتمد مذهب المصنف وهو اختيار العلامة ، لأن التقاص نوع من الإبراء فلا يفتقر الى القبض.

قال رحمه اللّه : إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له فكه بالأرش ، إلا أن يكون فيه الغبطة له ، وكذا لو كان المملوك أبا المكاتب لم يكن له انفكاكه بالأرش ، ولو قصر عن قيمة الأب ، لأنه يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقي مالا ينتفع به ، لأنه لم يتصرف في أبيه ، وفي هذا تردد.

أقول : هذا التردد مبني على جواز شراء المكاتب لقريبه الذي ينعتق عليه ، فنقول أما مع إذن السيد فلا خلاف في جوازه ، ومع عدم الاذن فيه إشكال ، من حيث أنه تصرف يستلزم نقص المال ، لأن المكاتب إذا اشترى من ينعتق عليه كان موقوفا إن أدى (3) المكاتب مال الكتابة (والعتق ، العتق القريب) (4) ، وإن عجز المكاتب واسترق استرق القريب ، فيلزم من شراء القريب نقص المال ، لانقطاع تصرفه بقيمته ، وكل تصرف يشتمل على نقص المال فهو ممنوع منه بغير

ص: 416


1- في الأصل : غير مسلم ، وما أثبتناه من النسخ.
2- في النسخ : أو
3- في «ر 1» : نوى.
4- ما بين القوسين من «م» و «ر 1» وفي الأصل : انعتق العتق القريب وفي «ن» : انعتق القريب.

إذن السيد ، ومن حيث أنه أشترى مملوكا لا ضرر فيه (1) على السيد بشرائه ، لأنه يأخذ كسبهما ومع العجز يسترقهما ، فلا ضرر عليه في ذلك.

والمعتمد الأول وهو مذهب الشيخ والعلامة فخر الدين ، فعلى هذا لو أذن السيد لمكاتبه بشراء أبيه فجنى الأب ، لم يجز له (افتكاكه الا مع) (2) الإذن أيضا ، وإن كان في ذلك (3) غبطة ، ولو قلنا بجواز الشراء مع عدم (4) الاذن جاز الافتكاك مع الغبطة من غير اذن.

ص: 417


1- ليست هذه الكلمة في «ر 1».
2- في «ر 1» بدل ما بين القوسين : إنكار.
3- في نسخة من الأصل : فيه.
4- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي في النسخ.

ص: 418

في أحكام المكاتب

قال رحمه اللّه : إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه فان كان فيها أوسط عددا ، أو قدرا انصرف اليه ، وإن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاؤوا ، وقيل : تستعمل القرعة ، وهو حسن.

أقول : إذا قال : ضعوا عنه أوسط نجومه ، فاما أن يكون فيها وسط بحسب العدد لا غير ، أو بحسب القدر لا غير ، أو بحسب الأجل لا غير ، أو بحسب العدد والقدر ، أو بحسب العدد والقدر والأجل ، أو لا يكون لها وسط بحسب شي ء ، فالأقسام ستة :

الأول : أن يكون لها وسط بحسب العدد لا غير ، كما إذا كان مال الكتابة ثلاثة دنانير في ثلاثة نجوم ، أجل كل نجم شهر ، قسط كل نجم دينار ، فان الوسط هنا بحسب (1) العدد لا غير ، لأنه لا تفاوت في المال ولا في الأجل ، ومع عدم التفاوت لا يتقدر الوسط فيهما ، فلم يبق غير العدد.

الثاني : أن يكون لها وسط بحسب القدر لا غير ، كسبعة دنانير في أربعة نجوم

ص: 419


1- في الأصل : بسبب.

أجل كل نجم منها شهر ، قسط الأول ديناران والثاني دينار ، والثالث دينار أيضا ، والرابع ثلاثة دنانير ، فالوسط هنا (الديناران ، لأن أقل ما فيها من المقادير دينار ، والأكثر الثلاثة ، وأوسط المقادير الديناران ، لأنه لا وسط لها) (1) بحسب عدد النجوم ، لأنه أربعة ، ولا بحسب الأجل ، لأنه أربعة أشهر ، فلم يبق غير القدر.

الثالث : أن يكون لها وسط بحسب الأجل لا غير ، كأربعة دنانير في أربعة نجوم ، قسط كل نجم دينار ، وأجل الأول شهر ، والثاني شهران ، والثالث ثلاثة ، والرابع ثلاثة أيضا ، فالأوسط الشهران (2) ، لأنهما بين الأقل والأكثر.

الرابع : أن يكون لها وسط بحسب العدد والقدر دون الأجل ، كستة دنانير في ثلاثة نجوم أجل كل نجم شهر ، وقسط الأول ديناران ، والثاني قسطه دينار ، وقسط الثالث ثلاثة ، فالثاني أوسط بحسب العدد ، والأول أوسط بحسب القدر ، لأنه بين الأقل والأكثر ، فلا أوسط لها بحسب الأجل لتساويهما.

الخامس : أن يكون لها وسط بحسب العدد والأجل والقدر ، كما إذا كان عدد النجوم ثلاثة ، ومال الكتابة ستة ، وأجل النجم الأول شهر وقسطه دينار ، وأجل الثاني شهران وقسطه ديناران ، وأجل الثالث ثلاثة أشهر وقسطه ثلاثة دنانير ، فالثاني وسط بحسب العدد والقدر والأجل.

السادس : أن لا يكون لها وسط بحسب شي ء كما إذا كانت النجوم أربعة ومال الكتابة أربعة ، والآجال أربعة ، فهنا لم يحصل الوسط بحسب شي ء.

إذا عرفت هذا رجعنا الى الحكم فمع وجود الوسط وكونه واحدا يتعين ، لعدم وجود ما يحمل عليه لفظ الموصي غيره ، ومع تعدد الوسط يتخير الوارث ،

ص: 420


1- ما بين القوسين من نسخة في هامش الأصل.
2- في نسخة من الأصل إضافة كلمة : الثلاثة.

وقال ابن البراج : يستعمل القرعة ، واستحسنه المصنف لما فيه من العدل والمعتمد الأول ، والثاني أفضل ، ومع عدم الوسط يجمع بين نجمين فالثاني والثالث وسط للأربعة ، والثالث والرابع وسط للستة ، وهكذا.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة ، فإن برأ فقد لزم العتق والإبراء ، وإن مات خرج من الثلث ، وفيه قول آخر : إنه من أصل التركة.

أقول : هذا القول مبني على خروج منجزات المريض من الأصل ، وقد مضى البحث فيه (1).

ص: 421


1- تقدم في الجزء الثاني ، كتاب الوصايا ص 451.

ص: 422

كتاب الاستيلاد

اشارة

ص: 423

ص: 424

في الأحكام

قال رحمه اللّه : ولو أولد أمة غيره مملوكا ثمَّ ملكها لم تصر أم ولده ، ولو أولدها حرا ثمَّ ملكها ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، وفي رواية ابن مارد : لا تصير أم ولد.

أقول : إذا وطئ أمة الغير بشبهة أو بعقد فأولدها حرا ثمَّ ملكها بعد ذلك ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، لأن طريقة الاشتقاق تقتضيه ، فالضابط عنده اجتماع نسب الولد منه وحريته وملك أمه ، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة شروط صارت أم ولد ، والمعتمد عدم صيرورتها أم ولد الا مع علوقها منه في ملكه للأصل ، ولما رواه الشيخ في التهذيب يرفعه الى ابن مارد ، عن الصادق عليه السلام : «في رجل يتزوج الأمة ويولدها ثمَّ يملكها ولم تلد عنده بعد ذلك؟ قال : هي أم ولد إن شاء باعها ، ما لم يحدث بعد ذلك حمل ، وإن شاء أعتق» (1).

قال رحمه اللّه : ولو وطأ المرهونة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد ، وكذا لو وطأ الذمي أمته فحملت منه ، ولو أسلمت بيعت عليه ، وقيل : يحال بينه

ص: 425


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1 ولم نجدها في التهذيب.

وبينها ، وتجعل على يد امرأة ثقة ، والأول أشبه.

أقول : البيع على الذمي مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في التحرير والشهيد في شرح الإرشاد ، لوجوب انتفاء سبيل الكافر على المؤمن ، وهو لا ينتفي إلا بالبيع.

وقال الشيخ في الخلاف : يحال بينه وبينها ، وتوضع على يد امرأة ثقة ، لعموم المنع (1) من بيع أمهات الأولاد.

وقال العلامة في المختلف : تستسعى في قيمتها فإذا أدت عتقت للنهي عن بيع أمهات الأولاد ، وإبقاؤها في يد المولى لا يجوز ، وعتقها مجانا إضرارا على المولى ، وكذا الحيلولة بينه وبينها ، فيتعين السعي ، واختاره فخر الدين والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا مات مولاها وولدها حر جعلت في نصيب ولدها ، وعتقت عليه ، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها ، وسعت في الباقي ، وفي رواية : تقوم على ولدها إن كان موسرا ، وهي مهجورة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط وابن الجنيد ، وهو بناء على أن من ملك بعض قريبه بغير اختياره هل يقوم عليه أم لا؟ وقد سبق البحث فيه (3) ، والمشهور الاستسعاء وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أوصى لأم ولده ، قيل : تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية ، وقيل : تنعتق من الوصية ، فإن فضل منها شي ء عتق من نصيب ولدها ،

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 2 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 5 من أبواب الاستيلاد ، حديث 2.
3- ص 379.

وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية تعتق من نصيب ولدها وتعطي الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من أمه فينعتق عليه وتعطي الوصية.

وقال ابن إدريس : تنعتق من الوصية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير وأبو العباس في باب الوصايا من المقتصر ، وهو المعتمد ، لأن الإرث متأخر عن الوصايا ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1).

قال رحمه اللّه : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، وللمولى فكها وبكم يفكها؟ قيل : بأقل الأمرين من الجناية وقيمتها ، وقيل : بأرش الجناية ، وهو الأشبه ، وإن شاء رفعها إلى المجني عليه ، وفي رواية مسمع ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «جنايتها في حقوق الناس على سيدها» (2).

أقول : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، لأنها مملوكة وجناية المملوك متعلقة برقبته ، فلو أراد المولى فكها في الخطأ كان ذلك اليه.

وبكم يفكها؟ قال الشيخ في المبسوط : بأقل الأمرين ، واختاره العلامة ، لأنه ان كانت الجناية أقل فلا يجب غيرها ، وإن كانت أكثر فلا يجب عليه غير قيمة الجاني ، وقال في الخلاف : يفكها بالأرش سواء زاد عن قيمتها أو نقص ، لأنه هو الذي تعلق برقبتها ، فاذا اختار المولى فكها كان الواجب فكها بما تعلق برقبتها ، واختاره المصنف. واختار الشهيد الأول وهو المعتمد ، ورواية مسمع (3)

ص: 427


1- النساء : 11 - 12.
2- الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب 14 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ، حديث 2.
3- المتقدمة.

محمولة على أن للمولى الفداء.

وقال الشيخ في باب الديات من المبسوط : جناية أم الولد على سيدها بلا خلاف إلا أبو ثور جعلها في ذمتها تتبع به بعد العتق ، وقال في باب الاستيلاد من المبسوط ، أيضا : يتعلق أرش جنايتها برقبتها بلا خلاف.

قال رحمه اللّه : روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في وليدة نصرانية أسلمت عند رجل ، وولدت منه غلاما ومات ، فأعتقت وتزوّجت نصرانيا وتنصرت وولدت ، فقال عليه السلام : ولدها لابنها من سيدها ، وتحبس حتى تضع فإذا ولدت فاقتلها ، وفي النهاية : يفعل بها ما يفعل بالمرتدة ، والرواية شاذة.

أقول : رواية محمد بن قيس (1) هذه مخالفة للأصول في شيئين ، لأنها تضمنت استرقاق الولد وهو حر ، والحر لا يجوز استرقاقه ، وتضمنت تحتم القتل على المرأة بالارتداد وهو ممنوع ، والمعتمد اطراح الرواية والحكم بحرية الولد ، وتحبس هي وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت.

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 8 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1.

كتاب الإقرار

اشارة

ص: 429

ص: 430

النظر الأول في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولو قال : ان شهد لك فلان فهو صادق ، لزمه الإقرار في الحال ، لأنه إذا صدق وجب الحق وان لم يشهد.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، ونقلها المصنف والعلامة في كتبه كما قالها الشيخ ولم يترددوا (1) فيها ، ومنع الشهيد ذلك ، قال : لإمكان اعتقاد المخبر أن شهادته محال ، والمحال جاز ان يستلزم المحال ، ولأن الإقرار المعلق على شرط ممكن باطل.

وعلل المصنف لزوم الإقرار في الحال : لأنه إذا صدق وجب الحق وإن لم يشهد ، وبيانه : أن المقر قد اعترف بصدق الشاهد على تقدير الشهادة ، ويلزم من صدقه ثبوت المال في ذمة المقر ، وينعكس الى قولنا كلما لم يكن المال ثابتا في ذمة المقر لم يكن الشاهد صادقا ، وقد ثبت كونه صادقا بإقراره ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2) ، فيكون المال ثابتا في ذمته ، فيلزم به في الحال وان لم

ص: 431


1- كذا.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

يشهد ، لأن الشهادة ليس لها تأثير في ثبوت الصدق ولا عدمه ، لأنه لو لا ثبوت الصدق عند المقر لما علقه على الشهادة ، إذ يستحيل أن تجعله الشهادة صادقا إذا كان غير صادق ، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق وقد حكم به ، وجب أن يلزم بالمال وإن لم يشهد الشاهد.

ووجه اختيار الشهيد أن تعليق الصدق على شهادته يوجب توقفه على الشهادة ، لأن المعلق على شرط متوقف على حصول ذلك الشرط ، والشهادة وإن كانت ممكنة في نفس الأمر فإنها قد تكون محالة بالنسبة إلى اعتقاد المخبر ، لأنه قد يعتقد عدم ثبوت المال في ذمته ويعتقد صدق الشاهد ، وأنه لم يشهد بغير الحق ويجزم بذلك.

ويلزم من هذا الاعتقاد عدم وقوع الشهادة من الشاهد الذي أشار إليه ، لاعتقاده صدقه وعدالته ، وعدم ثبوت المال في ذمته فلا يشهد عليه بما ليس في ذمته ، فتعليق الإقرار على شهادته لا يكون إقرارا ، وأيضا فإن الإقرار المعلق على شرط باطل باتفاقهم ، لأن الواجب لا يقبل التعليق وهذا معلق فيكون باطلا ، وهذا في غاية القوة الا انه مخالف لجمهور الأصحاب.

قال رحمه اللّه : إذا قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر ، لزمه الالف ، وكذا لو قال : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، ومنهم من فرّق ، وليس شيئا.

أقول : الفرق هو إن بدأ بالمال لزمه ولغت الضميمة ، وان بدأ بالشهر لم يلزمه شي ء ، وهذا مذهب العلامة في التحرير ، أما اللزوم مع تقدم ذكر المال.فلأن قوله : علي ألف ، إقرار صحيح وقوله : إذا جاء رأس الشهر ، تعقيب له بما يبطله ، فيلزم الإقرار وتلغو الضميمة ، واما البطلان مع تقديم فلأن قوله : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، تعليق على الصفة ، والإقرار المعلق غير جائز.

والمصنف استضعف هذا الفرق ، إذ لا فرق بين تقديم حرف الشرط

ص: 432

وتأخيره ، فكما يلزم الإقرار مع تأخير الشرط ، كذا يلزم مع تقديمه.

والشهيد رحمه اللّه أطلق البطلان في الصورتين معا للتعليق ، ولعدم الفرق بين تقديم الشرط وتأخيره ، وجزم العلامة في القواعد والإرشاد بالصحة مع قصد التأجيل ، وبالبطلان مع قصد الشرط وهذا هو المعتمد ، فعلى هذا يستفسر ويقبل قوله بالقصد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : كثيرا ، قال الشيخ رحمه اللّه : يكون ثمانين ، رجوعا في تفسير الكثرة إلى رواية النذر(1) ، وربما خصها بعض بموضع الورود ، وهو حسن ، وكذا لو قال : عظيم جدا ، كان كقوله : عظيم ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قال له عندي مال كثير ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يلزم ثمانون درهما ، وتبعه ابن البراج ، لأنه قد ثبت في عرف الشرع هذا المقدار في النذر فكذا في غيره ، والا لزم الاشتراك والأصل عدمه ، وقال ابن إدريس يرجع في تفسيره اليه ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن حمله على النذر قياس وهو باطل ، ولأنه مجهول فيرجع في تفسيره اليه وهو المعتمد.

الثانية : إذا قال له عندي مال عظيم جدا ، هل يقبل تفسيره بالقليل كما يقبل لو قال عظيم واقتصر؟ قال الشيخ وابن إدريس : يقبل ، واختاره العلامة والشهيد وهو المعتمد ، وتردد المصنف ، ومنشؤه من أن لفظة جدا موضوعة للمبالغة في الكثرة فلا يقبل تفسيره لها بأقل ما لا يمكن حمل الكثرة عليه ، ومن أن كل مال فهو عظيم جدا لعظم خطره (وهو كفر مستحله) (2) والأصل براءة الذمة من الزائد على ما يفسره المقر.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 3 ، حديث (1 ، 2 ، 3 ، 4).
2- ما بين القوسين ليس في «م» و «ر 1».

قال رحمه اللّه : لو قال له كذا درهم ، كان اليه تفسيره ، كما لو قال : شي ء ، ولو فسره بالدرهم نصبا أو رفعا ، كان إقرارا بدرهم ، وقيل : إن نصب كان له عشرون ، ويمكن هذا مع الاطلاع على القصد ، وإن خفض احتمل بعض الدرهم ، واليه تفسير البعضية ، وقيل : يلزمه مائة مراعاة لتجنب الكسر ، ولست أدري من أين نشأ هذا الشرط.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا قال له على كذا درهم ، بالرفع لزمه درهم ، فان خفض لزمه مائة ، وإن نصب لزمه عشرون ، ووجهه : أن أقل عدد مفرد تفسيره بمفرد مجرور مائة ، وأقل عدد مفرد تفسيره بمفرد منصوب عشرون ، وقال ابن إدريس : يرجع بالتفسير إليه ، لأن كذا لفظ مفرد مبهم مجمل ، ولا يعلق على الذمم شيئا بلفظ مجمل ، لأصالة براءة الذمة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وهو المعتمد ، ويكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة ، لأن الجر يحصل بعد الجزء من الدرهم مثل نصف درهم وربع درهم وما شابه ذلك.

وقال العلامة في المختلف : ان كان المقر من أهل اللسان لزمه ما قاله الشيخ ، وإلا رجع الى تفسيره كما اختاره ابن إدريس ، واختاره المقداد في شرح المختصر وهو معارض بالبراءة الأصلية ، وكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة كما قلناه أولا ، فلا يخرج بذلك عن كونه (1) من أهل اللسان.

قال رحمه اللّه : ولو قال : كذا كذا ، فان اقتصر فإليه التفسير ، وإن أتبعه بالدرهم نصبا أو رفعا ، لزمه درهم ، وقيل : إن نصب لزمه أحد عشر ، ولو قال : كذا وكذا درهما نصبا ، أو رفعا لزمه درهم ، وقيل : ان نصب لزمه أحد

ص: 434


1- في «ر 1» : من.

وعشرون ، والوجه الاقتصار على التعيين [اليقين] الا مع العلم بالقصد.

أقول : إذا كرر كذا (1) بغير عطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد عشر درهما ، لأن أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما أحد عشر ، وعند ابن إدريس والمصنف والعلامة ومن تابعهم يلزمه درهم ، كأنه قال : شي ء شي ء ، وفي الجر يحتمل أنه أضاف الجزء الى جزء ثمَّ (2) أضاف الأخر إلى الدرهم كنصف ربع درهم ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وهذا هو المعتمد.

وإذا كرر مع العطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد وعشرون ، وقال ابن إدريس. ومتابعوه : يلزمه درهم ، لأنه مجمل فيرجع الى تفسيره ، لأصالة براءة الذمة من الزائد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، كان إقرارا ، ولو قال : نعم ، لم يكن إقرارا ، وفيه تردد من حيث يستعمل الأمران استعمالا ظاهرا.

أقول : منشأ التردد من تعارض العرف واللغة ، لأن أهل العرف لا يفرقون بين لفظي نعم وبلى في كونهما إقرارا ، لأن تقدير الكلام : نعم لك عندي ، والإقرار انما يحمل على مفهوم العرف دون دقائق العربية ، ومن حيث أن نعم في جواب السؤال تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ، فقوله : نعم ، أي ليس لك علي كذا وبلى تكذيب لما دخل عليه حرف الاستفهام ، لأن أصل بلى بل وهي للرد والاستدراك ، وقوله : بلى ، رد لقوله : أليس لي عليك كذا ، لأنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ، ونفي النفي إثبات ، قال تعالى ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى ) (3) ، فلو قالوا : نعم كفروا ، وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ

ص: 435


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في الأصل.
3- الأعراف : 172.

عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ ) (1) ، والمشهور عند (2) الأصحاب أن قوله (نعم) بعد الاستفهام ليس إقرارا ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة وابنه وأبو العباس في مقتصره ، وتردد المصنف في كتابه (3).

واستقرب الشهيد في دروسه عدم الفرق بين بلى ونعم في كونهما إقرارا ، وربما قيل : بالتفصيل ، وهو إن كان المقر من أهل العربية لم يكن إقرارا ، والا كان إقرارا ، وهو غير بعيد من الصواب.

قال رحمه اللّه : الاستثناء من الجنس جائز ، ومن غير الجنس على تردد.

أقول : منشؤه من ان الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ ، وغير الجنس غير داخل في اللفظ فلا يخرج بالاستثناء ، ولان ثبوت الاستثناء في الإقرار على خلاف الأصل ، لما يتضمن من الإنكار بعد الإقرار ، فيقتصر على موضع الوفاق ، ومن أن استعمال الاستثناء من غير الجنس كاستعماله من الجنس ، وقد ورد ذلك في قوله تعالى وفي أشعار العرب ، أما قوله تعالى ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلّا رَبَّ الْعالَمِينَ ) (4) ، ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) (5) وأمثال ذلك ، وأما أشعار العرب فمثل قولهم :

وبلدة ليس بها أنيس

الا اليعافير والا العيس (6)

وأمثال ذلك كثير ، وإذا ورد استعماله من غير الجنس كاستعماله من

ص: 436


1- القيامة : 2 ، 3.
2- في «ر 1» : بين.
3- في «م» : كتابه.
4- الشعراء : 77.
5- الواقعة : 25 ، 26.
6- أوضح المسالك ، ج 2 ، الشاهد رقم 261.

الجنس ، ثبت الجواز فيهما ، لثبوت الاستثناء في الإقرار وهو المعتمد ، لكن يجب أن يبقي شيئا بعد رفع قيمة المستثنى ، فلو لم يبق شي ء ، قال ابن الجنيد : بطل الاستثناء ووجب ما أقرّ به أولا ، لأن الاستثناء باطل وإذا بطل بقي ما أقرّ به ، والمعتمد بطلان التفسير ويطالب بتفسير غيره ، بحيث يبقى بعد قيمة المخرج شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا قال : له عشرة إلا درهما ، كان إقرارا بتسعة ونفيا للدرهم ، ولو قال : الا درهم ، كان إقرارا بالعشرة.

أقول : الفرق بين النصب والرفع كون النصب على الاستثناء ، لأن الاستثناء من الموجب يوجب النصب ، فإلّا هنا حرف استثناء ، والرفع يكون على الوصف فلا يكون إلا حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها مرفوعا ، قال ابن إدريس : لأن المعنى غير درهم ، ومثله قول الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ما له عندي شي ء إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، وكذا لو قال : ما له عشرة إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، ولو قال : إلا درهما ، لم يكن إقرارا بشي ء.

أقول : الفرق بين الرفع والنصب هنا كون الرفع على البدل من العشرة ، فكأنه قال : ما له علي إلا درهم ، أبدل الدرهم من العشرة فيثبت عليه درهم ، وأما عدم لزوم شي ء مع النصب ، فلأنه أدخل حرف النفي ، وهو (ما) على الجملة الموجبة المشتملة على الاستثناء ، وذلك ما له على عشرة إلا درهما ، فلما أدخل حرف النفي وهو (ما) على هذه الجملة يكون قد نفى ثبوت ذلك عن ذمته ، ومعناه أن هذا المقدار الذي هو عشرة إلا درهما ليس له علي ، فلهذا لم يلزمه شي ء.

ص: 437

ص: 438

النظر الثاني في المقر

قال رحمه اللّه : ويقبل إقرار المفلس ، وهل يشارك المقر له الغرماء ، أو يأخذ حقه من الفاضل؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من تعلق حقوق الغرماء بأعيان ماله فلا يشارك المقر له ، بل يعطي من الفاضل عن الغرماء إن كان والا بقي في ذمة المقر ، ومن أن المقر له صار غريما فيشارك الغرماء ، في أعيان ماله ، وقد مضى البحث في هذه في باب المفلس (1).

والتحقيق : إن كان المفلس غير متهم في إقراره اختص المقر له بالعين ويشارك الغرماء في الدين ، وإن كان منهما وكان الإقرار بعين أوقفت ، فإن فضلت عن دين الغرماء أخذها المقر له ، وإن لم تفضل أخذها الغرماء وتبع المقر له المفلس في قيمتها ، وإن كان الإقرار بدين لم يشارك الغرماء مع التهمة ، فإن فضل عن الغرماء شي ء أخذه المقر له والا بقي في ذمة المقر.

قال رحمه اللّه : ويقبل وصية ، المريض في الثلث وان لم يجز الورثة ، وكذا

ص: 439


1- ج 2 ص 163.

إقراره للوارث والأجنبي مع التهمة على أظهر القولين.

أقول : اختلف علماؤنا في إقرار المريض إذا مات في مرضه على أربعة أقوال :

الأول : أنه يمضي من الأصل مع عدالة المقر وانتفاء التهمة في إقراره ، ومن الثلث إن كان متهما ، سواء كان الإقرار لوارث أو لأجنبي ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج والمصنف هنا ، واختاره العلامة والشهيد ، ومستندهم الروايات الصحاح ، كرواية إسماعيل بن جابر (1) في الصحيح وصحيحة الحلبي (2) وصحيحة منصور بن حازم (3) ، عن الصادق عليه السلام.

الثاني : قال المفيد : إقرار العاقل في مرضه للأجنبي والوارث سواء ، وهو ماض واجب لمن أقر له به ، وإذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة وأقر لقوم آخرين بدين مضافا الى ذلك ، كان إقراره ماضيا عليه ، وللقوم أن يحاصبوا (4) باقي الغرماء فيما تركه بعد وفاته ، وإذا كان عليه دين يحيط بما في يده فأقر بأنه وديعة لوارث أو غيره قبل إقراره إن كان عدلا مأمونا ، وإن كان متهما لم يقبل إقراره انتهى كلام المفيد رحمه اللّه.

ومضمونه قبول الإقرار بالدين ، ووجوبه لمن أقر له به سواء كان وارثا أو غير وارث ، وسواء كان هناك دين أو لم يكن ، وسواء كان متهما أو غير متهم ، وهو قول سلار وابن إدريس ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (5) ، ولم

ص: 440


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 5 - 7.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 1 وكتاب الإقرار ، باب 1 ، حديث 1.
4- من النسخ وفي الأصل غير واضح وكأنها : يحاسبوا.
5- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

يشترط العدالة في الإقرار بالعين إلا إذا كان هناك دين مستغرق ، وقال الشيخ في النهاية : إذا كان عليه دين مستغرق (1) فأقر أن جميع ما في ملكه لبعض ورثته لم يقبل إقراره إلا ببينة ، فان لم يكن عند المقر له بينة أعطى صاحب الدين حقه أو لا ثمَّ ما يبقى يكون ميراثا ، قال ابن إدريس : ما ذكره رحمه اللّه صحيح إن أضافه الى نفسه ولم يقل إنه حق واجب ، وأما إن أطلق إقراره ولم يقل : جميع ما في ملكي ، أو هذه داري لفلان ، بل قال : هذه الدار لفلان ، أو جميع هذا الشي ء لفلان ، كان ذلك صحيحا ، سواء كان المقر له وارثا أو غير وارث ، في صحة كان إقراره أو في مرض ، وعلى جميع الأحوال.

قال العلامة في المختلف : والحق أن الشيخ رحمه اللّه لم يعتبر ما قاله ابن إدريس هنا ، إذ لا خصوصية لهذا الموضع بهذا الحكم ، بل إنما لم يقبل إقراره ، لأنه في الحقيقة إقرار في حق الغير فلا يسمع إلا بالبينة انتهى كلام العلامة ، والمراد بالبنية بينه المقر له على استحقاق المقر به ، وظاهر المختلف موافقة النهاية ، وهو الصحيح مع التهمة إذ لو صح ذلك لكان وسيلة إلى إسقاط حق أهل الدين ، لان كثيرا من الناس لا يبالي بذمته ويجتهد بإسقاط الحق عنه بالجحود والايمان الكاذبة والشهود المزوره ، فاذا حصل له إسقاط الحق عنه بإقراره ان ما في يده لورثته أو لغيرهم من غير بينة باستحقاق المقر له كان ذلك أهون عليه من كل شي ء ، وفعل ذلك أكثر الناس الا الأتقياء والصالحين وقليل ما هم.

الثالث : انه يمضى من الأصل مطلقا ، سواء كان لوارث أو لأجنبي ، وسواء كان متهما أو غير متهم ، وهو قول سلار وابن إدريس ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2).

ص: 441


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- تقدمت في الصفحة السابقة.

الرابع : أنه يمضي من الثلث إن كان لوارث ، سواء كان المقر متهما أو غير متهم ، ومن الأصل إن كان لأجنبي ، مع عدم التهمة ومعها من الثلث ، وهو قول المصنف في المختصر ولم أجد به قائلا غيره ، ولعل وجهه الجمع بين الأقوال والروايات (1) ، والمعتمد الأول.

تنبيه : المراد بالتهمة العلم أو الظن المتاخم له بقرينة حالية أو مقالية بإرادة تخصيص المقر له ، وان الإقرار ليس صحيحا في نفس الأمر ، ولو اختلفا في التهمة فادعاها الوارث وأنكرها المقر له ، كان الأصل عدم التهمة فعلى مدعيها البينة وعلى المنكر اليمين مع عدمها ، ويكفيه الحلف على عدم العلم بالتهمة.

ولا يجب عليه الحلف على أنها ليست حاصلة في نفس الأمر ، لأن الإقرار مبني على الظاهر وهو غير مطلع على قصد المقر ، ولا يشترط في صحة الإقرار علم المقر له بثبوت الحق في ذمة المقر ، لإمكان خفاء سبب الاستحقاق ، فلا يجب عليه يمين الاستحقاق في ذمة المقر ، بسبب غير الإقرار ، لأنه قد لا يعلمه بل يجب عليه الحلف أنه لا يعلم كونه متهما في حقه ، ولا بينهما مواطاة على ذلك ، فان ذكر المقر السبب وصدقه المقر له وجب الحلف على الاستحقاق.

قال رحمه اللّه : ويقبل الإقرار بالمبهم ، ويلزم المقر بيانه ، فان امتنع حبس وضيق عليه حتى يتبين ، وقال الشيخ رحمه اللّه : يقال له : إن لم تفسر جعلتك ناكلا ، فإن أصر حلق المقر له.

أقول : المعتمد اختيار المصنف وهو حبسه حتى يبين ، لأنه صار مقرا ، وبالامتناع عن التفسير يصير مانعا لحق قد ثبت عليه ، ومن امتنع من حق ثابت عليه مع قدرته عليه ، حبس حتى يخرج منه.

ص: 442


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 وباب 16.

في المقر له

قال رحمه اللّه : لو أقر للبهيمة لم يقبل ، ولو قال : بسببها ، صح ويكون الإقرار للمالك ، وفيه إشكال ، إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك ، كأرش الجناية على سائقها أو راكبها.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال بسببها كان لمالكها حملا على أنه استأجرها أو جنى عليها ، وعوض الإجارة وأرش الجناية للمالك قطعا ، ولأن الأسباب المقتضية لتمليك المالك هي الغالبة ، ويرد عليه ما قاله المصنف ، لأنه قد يجب بسببها مالا يستحقه المالك ، كأرش الجناية على سائقها أو راكبها ، فحينئذ الكلام محتمل لأمرين وتخصيصه في أحدهما دون الأخر لا وجه له ، إذ لا دلالة للعام على الخاص.

وظاهر العلامة في القواعد والتحرير بطلان الإقرار ما لم يقل بسببها لمالكها أو لأجنبي ، فيلزم حينئذ ، فعلى هذا لو قال بسببها واقتصر لزم التفسير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقرّ لحمل صح ، سواء أطلق أو بين سببا محتملا ،

ص: 443

كالإرث والوصية ، ولو نسب الإقرار إلى السبب الباطل كالجناية عليه ، فالوجه الصحة ، نظرا إلى مبدإ الإقرار ، وإلغاء لما يبطله.

أقول : وجه الصحة عموم قوله عليه السلام : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) وقد أقر إقرارا ممكنا مع كونه مختارا فيلزم بما أقر به ، ولا يلتفت الى تفسيره بما يبطله ، لعدم قبول الإنكار بعد الإقرار وهذا اختيار المصنف والعلامة ، وقال ابن الجنيد وابن البراج : يبطل إقراره ، واختاره فخر الدين ، لأصالة براءة الذمة ، ولان الكلام كله كالجملة الواحدة لا يتم أوله إلا بآخره.

فرع : لو أقر لمسجد أو مقبرة وفسره بسبب صحيح ، كما لو قال من غلة وقفه صح الإقرار قطعا ، وان أطلق أو فسره بسبب فاسد كان فيه الوجهان المذكوران في الحمل ، والمعتمد صحة الإقرار له مطلقا سواء أطلق أو فسره بسبب صحيح أو فاسد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بعبد لإنسان فأنكر المقر له ، قال الشيخ : يعتق ، لأن كل واحد منهما أنكر ملكيته ، ولو قيل : يبقى على الرقية المجهولة المالك كان حسنا.

أقول : أما قول الشيخ فقد ذكر المصنف وجهه ، واما وجه ما استحسنه المصنف فإنه عبد محكوم برقه ، وهو مال ورفع الخاص لا يستلزم رفع العام ، لأنه لا يلزم من خروجه عن ملك المقر بالإقرار ، وخروجه عن ملك المقر له بالإنكار ، خروجه عن المالية المجهولة المالك ، فان ادعى العبد الحرية ، قال فخر الدين : يقبل دعواه ، لأنه مدع لا منازع له ، ويحتمل العدم للحكم عليه بالملكية.

فروع الأول : إذا أقر بعبد لزيد فكذبه زيد ، وأقر العبد أنه لعمرو وصدقه عمرو على إقراره ، قوّى الشيخ عتق العبد وعدم الالتفات إلى إقراره لعمرو ،

ص: 444


1- تقدم ذكر الرواية ص 440.

وصاحب اليد اعترف به لزيد وقد أنكره زيد فينعتق ، وتبعه ابن البراج.

واختار العلامة قبول إقرار العبد ، لانتفاء ملك المقر والمقر له ، فيبقى إقراره صادر عن عاقل فينفذ الإقرار إذ لا مزاحم له.

الثاني : إذا أقر بعين لزيد فكذبه لم تسلم العين لزيد ، وهل يترك في يد المقر أو ينتزعها الحاكم؟ يحتمل الأول ، لأنا لا نعرف مالكها ويد من له أهلية اليد عليها ، والأصل في يد المسلم وأفعاله الصحة فهو أولى الناس بحفظها ، ويحتمل انتزاع الحاكم لها وكونه أولى من صاحب اليد ، لأنه ولي الغائب فحينئذ له أن يتركها في يد صاحب اليد ويكون أمينا للحاكم.

الثالث : لو رجع المقر له عن تكذيب المقر وصدقه على إقراره له بالعين ، قبل رجوعه ، لأنه لم يصدر منه اعتراف لغيره بل اقتصر على مجرد الإنكار ، وذلك غير قادح في رجوعه ، لأنه (1) صاحب اليد قد أعترف له بها (فصدقه وله) (2) انتزاعها ، ولا فرق بين العبد وغيره على القول ببقاء العبد على الرقية المجهولة المالك.

الرابع : لو رجع المقر عن إقراره وكذب نفسه بالإقرار بعد إنكار المقر له ، لم يقبل رجوع المقر ، لأنه اعترف بالحق لغيره وسلبه عن نفسه فلا يقبل رجوعه بعد ذلك ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3) ، والفرق بين رجوع المقر والمقر له أن رجوع المقر إنكار بعد إقرار وهو غير مقبول ورجوع المقر له اعتراف بدعوى أنكرها قبل والاعتراف بعد الإنكار مقبول.

قال رحمه اللّه : ولو أقر أن المولى أعتق عبده ثمَّ اشتراه ، قال الشيخ : صح

ص: 445


1- في «م» و «ر 1» : لأن.
2- في النسخ بدل ما بين القوسين : وصدقه فله.
3- تقدم ذكر الرواية قريبا.

الشراء ولو قيل يكون ذلك استنقاذا لا شراء كان حسنا ، وينعتق.

أقول : الشهادة على الغير بعين في يده يكون إقرارا من الشاهد من وجه ، بمعنى أنه لو لم ينفذ شهادته ثمَّ حصل يوما من الدهر في يد الشاهد ، بحيث لو لا شهادته كان ملكه ، تمحضت تلك الشهادة للإقرار وحكم عليه بمقتضاها ، فلو قال : أن زيدا أعتق سالما ، لم يحكم بحريته لمجرد قوله ويبقى على ملك زيد ، فلو اشتراه الشاهد من زيد ، قال الشيخ في المبسوط : صح الشراء ، لأن الشارع لم يعتبر قول الشاهد فكان شراؤه صحيحا ، لأنه اشترى عينا مملوكه للبائع في ظاهر الشرع فيصح شراؤه ، واستحسن المصنف كون الشراء هنا استنقاذا ، لان البيع مركب من جزئين إيجاب وقبول ، وصحة البيع موقوفة على صحتهما ويفسد بفساد أحدهما ، والقبول غير صحيح لاعتراف المشتري بحرية العبد والحر لا يصح تملكه. والمعتمد أنه بيع من جهة البائع واستنقاذ من جهة المشتري فلا يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار الشرط.

فان مات هذا العبد ولا وارث له ، قال المصنف كان للمشتري من تركته قدر الثمن خاصة ، وأطلق القول في ذلك والمراد به إذا اعترف أنه أعتقه عتقا يستحق به الولاء على العبد ، أما إذا لم يكن له على العبد ولاء فإنه لا يجوز أخذ شي ء من تركته. واستشكل الشهيد أخذ الثمن من تركته على تقدير ثبوت الولاء ، لأن المشتري متبرع بدفع الثمن فليس له مقاصة المدفوع اليه ، ثمَّ أجاب بأن مثل هذا الدفع مرغب فيه للاستنقاذ ، ويكون مضمونا على القابض لظلمة.

قال رحمه اللّه : إذا قال : علي ألف وقطع ، ثمَّ قال : من ثمن مبيع لم أقبضه ، لزم الالف ، ولو وصل فقال : له علي ألف من ثمن مبيع وقطع ، ثمَّ قال : لم أقبضه ، قبل ، سواء عين المبيع أو لم يعينه ، وفيه احتمال بالتسوية بين الصورتين ، ولعله أشبه.

ص: 446

أقول : أما لزوم الألف في الصورة الأولى فهو إجماع لم أجد فيه مخالفا ، وأما الصورة الثانية فقد قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يقبل قوله (لم أقبضه) ، وبه قال ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف وابنه في شرح القواعد ، لأن قوله (1) (لم أقبضه) لا ينافي إقراره الأول ، لأنه قد يكون عليه ألف درهم ولا يجب عليه التسليم قبل قبض المبيع ، ولأن للإنسان أن يخبر بما هو ثابت في ذمته على حد ما هو ثابت في الذمة ، وقد يشتري الإنسان ولا يقبض المبيع وكان له أن يخبر بذلك ، ولو ألزم بغير ما أقر به كان ذلك ذريعة إلى سد باب الإقرار ، وقال ابن إدريس : لا فرق بين الصورتين ويجب عليه الالف ولا يقبل تفسيره ، لما فيه من إسقاط ما أقر به بعد الاعتراف ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير.

ص: 447


1- من النسخ وفي الأصل : وقوله.

ص: 448

في الإقرار بالنسب

قال رحمه اللّه : ولا يعتبر تصديق الصغير ، وهل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية [لا ،] وفي المبسوط يعتبر ، وهو أشبه.

أقول : المشهور مذهب المبسوط وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم الانتساب ، ولأنه إقرار في حق الغير فلا يقبل الا مع التصديق والبينة (1) ، خرج منه الإقرار بالصبي والمجنون للإجماع على قبول ذلك من غير بينة ولا تصديق ، لأن تصديقهما غير معتبر.

واحتج الشيخ على مذهب النهاية بأن التصديق غير معتبر والا لما صح الإقرار بالطفل والمجنون. أجيب بأنه لا اعتداد بتصديقهما ، فلا يكون شرطا بخلاف البالغ العاقل.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه لحق به ، ولو ادعت الأخرى أن ولدها [هو] الذي أقر به كان القول قول المقر مع يمينه ، ولو لم يعين ومات ، قال الشيخ : يعين الوارث ، وان امتنع أقرع بينهما ، ولو قيل باستعمال

ص: 449


1- في النسخ : أو البينة.

القرعة بعد الوفاة مطلقا ، كان حسنا.

أقول : وجه حسنه كونه أمرا مشكلا لتعذر العلم بخصوصية المقر به بعد موت المقر ، فيدخل في عموم : «كل أمر مشكل فيه القرعة» (1) ، ولما في ذلك من العدل ، وقال الشيخ في المبسوط : يعين الوارث ، لأنه قائم مقام مورثه والأول هو المعتمد وهو اختيار العلامة ، وذهب الشهيد الى اختيار الشيخ.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين ، ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين على الأظهر ، ولا بشهادة رجل ويمين.

أقول : قال الشيخ في الخلاف وفي موضع من المبسوط : يثبت بشهادة رجل وامرأتين ، وقال في موضع آخر من المبسوط : لا يثبت إلا بشهادة رجلين عدلين ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة (2) وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شهد الاخوان وكانا عدلين بابن للميت ، ثبت نسبه وميراثه ، ولا يكون ذلك دورا.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط الى ثبوت النسب دون الميراث حذرا من الدور ، لأنه قال : كل موضع يثبت النسب بالإقرار يثبت المال إلا في موضع واحد ، وهو إذا كان إثبات الميراث يؤدي الى إسقاطه ، مثل أن يقر الاخوان بابن للمورث ، فان نسبه يثبت ولا يثبت الميراث ، لأنه لو ورث حجب الأخوين فخرجا عن كونهما وارثين فيبطل الإقرار بالنسب ، إذ هو إقرار من غير وارث ، وإذا بطل النسب بطل الميراث فإذا أدى إثبات الميراث إلى إسقاطه أسقط ليثبت النسب دونه.

ص: 450


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 11 الى 18 ، والمستدرك ، كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعوى ، حديث 1.
2- ليست في الأصل.

هذا كلامه رحمه اللّه ، حكم بأن إثبات الميراث يؤدي الى إسقاطه وذلك دور ، وجزم المصنف بثبوت الميراث ، لأنه تابع للنسب وقد ثبت بشهادتهما فيثبت الميراث ولا دور الى آخره.

ص: 451

ص: 452

الجعالة

قال رحمه اللّه : إذا بذل جعلا فان عينه فعليه تسليمه مع الرد ، وإن لم يعينه لزمه مع الرد أجرة المثل ، إلا في رد الآبق على رواية أبي سيّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل في الآبق دينارا إذا أخذ في مصره ، وإن أخذ في غير مصره فأربعة دنانير(1) ، وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : هذا على الأفضل لا الوجوب ، والعمل على الرواية ، ولو نقصت قيمة العبد ، وقيل الحكم في البعير كذلك ، ولم أظفر فيه بمستند.

أقول : إذا رد الإنسان عبد غيره أو ضالته ، لا يخلو إما أن يذكر المالك جعلا مجهولا أو معينا أو لم يجعل شيئا ، فإن جعل جعلا معينا لزم مع الرد ولا كلام ، وان جعل جعلا مجهولا لزم مع الرد أجرة المثل إلا في رد العبد والبعير ، فان في رد كل واحد منهما من المصر دينار قيمته عشرة دراهم ، ومن غير المصر أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما ، وإن رده من غير ذكر جعل معلوم ولا مجهول لم يكن له شي ء في غير العبد والبعير إجماعا ، لأنه متبرع بالعمل فلا يستحق عليه جعلا ،

ص: 453


1- التهذيب ، كتاب المكاسب ، باب 94 اللقطة والضالة ، ص 398 ، حديث 1203.

وإن رد العبد و (1) البعير فقد اختلف الأصحاب فيه ، ذهب الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة إلى وجوب المقدار المذكور في الرواية التي أشار إليها المصنف ، وظاهره العمل بها ، وحمل الشيخ الرواية بالنسبة إلى المتبرع على الأفضل لا على الوجوب ، ولم يوجب ابن إدريس شيئا واختاره المتأخرون وهو المعتمد ، لأنه متبرع.

نعم لو أمر بالرد ولم يذكر عوضا فالأولى العمل بالرواية ، ومع العلم بها يجب العمل بها على إطلاقها وإن قصرت قيمة العبد والبعير عن المقدار المذكور فيها على ما هو مشهور بين الأصحاب ، واستشكله العلامة في القواعد ، وجزم به (2) في التحرير كما (3) جزم به المصنف هنا ، وهو لزوم المقدار وان قصرت قيمة العبد عنه ، والنص مختص في العبد ، وألحق الشيخان البعير بالعبد ، قال المصنف : ولم أظفر فيه بمستند.

قال رحمه اللّه : لو جعل لواحد جعلا على الرد ، فشاركه آخر في الرد ، كان للمجعول له نصف الأجرة ، لأنه عمل نصف العمل ، وليس للآخر شي ء ، لأنه تبرع وقال الشيخ : يستحق نصف أجرة المثل ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ان قال لواحد : إن جئتني بعبدي فلك دينار فجاء به هو وغيره ، فان هذا الذي عينه يستحق نصف الدينار ولا يستحق للآخر شيئا ، لأنه تطوع به ، قال : وعلى ما قلناه يستحق أجرة المثل.

قال العلامة في المختلف بعد حكاية قول الشيخ : قوله (وعلى ما قلناه) ان من رد العبد فله ما عين ويجعل ذلك عاما مع الجعالة (4) والإطلاق ، ويجعل

ص: 454


1- في النسخ : أو.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في النسخ : بما.
4- في «م» : الجهالة.

بأجرة (1) المثل ما قرره الشارع لكن الوجه عدم ذلك ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وقال في القواعد : ولو قصد الثاني إعانة العامل. وللعامل الجميع ، ولو قصد أجرة لنفسه فهو متبرع.

ص: 455


1- في النسخ : أجرة.

ص: 456

في اللواحق

قال رحمه اللّه : لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه ، فالقول قول الجاعل مع يمينه ، قال الشيخ : وتثبت أجرة المثل ، ولو قيل : أقل الأمرين من الأجرة والقدر المدعى ، كان حسنا ، وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل ، وهو خطأ ، لأن فائدة يمينه إسقاط دعوى العامل لا ثبوت ما يدعيه الحالف.

أقول : إذا اختلفا في قدر الجعل بعد الرد ، مثل أن قال المالك دينار ، وقال العامل بل جعلت دينارين ، أو في جنسه ، مثل أن قال المالك مثقال فضة ، وقال العامل بل مثقال ذهب ،فالبحث هنا في موضعين.

الأول : في اليمين ، هل هي على المالك خاصة ، لأنه منكر لما يدعيه العامل من الزائد على ما اعترف به ويكون القول قوله ، كما لو أنكر أصل الجعالة؟ أو يتحالفان ، لأن كل واحد منهما مدع لعقد مخالف للعقد الذي يدعيه صاحبه ، ومنكر لما يدعيه الأخر؟ فالأول قول الشيخ وابن البراج واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد والتحرير ، والثاني قاله العلامة في القواعد ، والشهيد قال بالأول إن كان الاختلاف بالقدر وبالثاني إن كان الاختلاف بالجنس ، والأول

ص: 457

أشهر بين الأصحاب.

الثاني : في الثابت للعامل بعد اليمين،وقد اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال :

الأول : أجرة المثل ، وهو قول الشيخ وابن البراج ، لبطلان ما ادعاه العامل بيمين المالك ، ولا يقبل ما أعطاه (1) المالك ، لعدم موافقة العامل عليه فلم يبق غير أجرة المثل.

الثاني : أقل الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه العامل ، وأكثر الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه المالك ، وهو مذهب المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، لأن أجرة المثل إن كانت أقل مما يدعيه العامل لم يستحق غيرها ، لبطلان ما ادعاه بيمين المالك ، وان كانت أكثر مما يدعيه لم يستحق الزائد ، لاعترافه بعدم استحقاقه لغير ما ادعاه (بيمين المالك) (2) ، وإن كان ما يدعيه المالك أكثر من أجرة المثل فقد اعترف له به فيجب تسليمه اليه ، وإن كان أقل من أجرة المثل فهو قد أستحق أجرة المثل ، لبطلان ما يدعيه المالك بإنكار العامل.

الثالث : قول الفقيه محمد بن نما شيخ المصنف رحمهما اللّه تعالى ، وهو الذي أشار إليه بقوله : وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل قال : يحلف المالك ويثبت ما ادعاه ، وقواه الشهيد كما لو كان الاختلاف في الإجارة ، وكما (3) يثبت ما يدعيه المؤجر مع يمينه ، كذا يثبت ما ادعاه الجاعل ، مع يمينه ، لأصالة عدم الزائد واتفاقهما على العقد المشخص بالأجرة المعينة وانحصارها في دعواهما ، فاذا حلف المالك على نفي دعوى العامل ثبت مدعاه لقضية الحصر.

ص: 458


1- في النسخ : ما ادعاه.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- في النسخ : فكما.

كتاب الأيمان

اشارة

ص: 459

ص: 460

في ما به ينعقد اليمين

قال رحمه اللّه : لا ينعقد اليمين الا باللّه ، أو بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره ، إذ مع إمكان المشاركة ينصرف إطلاقها [إليه ،] فالأول كقولنا : ومقلب القلوب الذي نفسي بيده الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، والثاني كقولنا : واللّه والرحمن ، والأول الذي ليس قبله شي ء ، والثالث كقولنا : والخالق والباري والرازق ، وكل ذلك ينعقد به اليمين مع القصد.

أقول : اعلم أن المصنف رحمه اللّه قسم ما ينعقد به اليمين إلى ثلاثة أقسام :

الأول : باللّه تعالى.

الثاني : بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره.

الثالث : ما يمكن معه المشاركة وينصرف إطلاقه إليه تعالى.

ثمَّ عرف الأول الذي هو الحلف باللّه تعالى بقوله : ومقلب القلوب ، والذي نفسي بيده ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وتابعه العلامة على ذلك ، وهو تعريف ابن إدريس ، فعندهم أن هذه الألفاظ ليست أسماء لله بل دالة عليه.

واستضعفه الشهيد ، قال : لأن مرجعه إلى أسماء تدل على صفات الافعال ،

ص: 461

كالخالق والرازق التي هي أبعد في الانعقاد من الأسماء الدالة على صفات الذات ، كالرحمن الرحيم هذا كلامه رحمه اللّه ، لأن صفاته تعالى على قسمين : صفات ذات ، وصفات فعل ، وصفات الذات كالرحمن الرحيم ، وكعظمة اللّه وجلالة اللّه وقدرة اللّه وكبرياء اللّه وما شابه ذلك ، وصفات الفعل كالخالق والرازق والمصور ، فكما أن الخالق فاعل الخلق والرازق فاعل الرزق ، فكذا مقلب القلوب ، لأنه فاعل التقليب.

وانما كانت صفات الافعال أبعد في الانعقاد من صفات الذات ، لأن صفات الافعال مشتركة بينه وبين خلقه ، فإنه يقال : خالق الخلق له تعالى ، وخالق الافك لغيره تعالى ، ويقال : رازق الخلق له تعالى ، ورازق الجند لغيره تعالى ، ورب العالمين له تعالى ورب البيت لغيره ، وصفات الذات مختصة به تعالى ، والحلف بالصفة المشتركة أبعد في الانعقاد من الحلف بالصفة المختصة.

قال رحمه اللّه : ولو قال : وقدرة اللّه ، وعلم اللّه ، فان قصد المعاني الموجبة للحال لم ينعقد اليمين ، وإن قصد كونه قادرا عالما جرى مجرى القسم باللّه القادر والعالم ، وكذا ينعقد بقوله : وجلال اللّه وعظمة اللّه وكبرياء اللّه ، وفي الكل تردد.

أقول : المراد بالمعاني الموجبة للحال ما ذهب إليه الأشاعرة من كونه قادرا بقدرة وعالما بعلم ، فان قصد الحالف هذه المعاني لم ينعقد يمينه قطعا ، وان قصد كونه قادرا عالما انعقدت يمينه عند الشيخ وابن إدريس والعلامة من غير تردد ، وكذا الحلف بعظمة اللّه وجلال اللّه وكبرياء اللّه ، وما شابه ذلك من صفات الذات لم يترددوا في الانعقاد ، والمصنف تردد في ذلك من أن انعقاد اليمين حكم شرعي يفتقر ثبوته الى دليل شرعي لأصالة براءة الذمة ، والدليل إنما دل على انعقادها بالحلف به أو بأسمائه المختصة أو المشتركة مع انصراف إطلاقها إليه لقوله عليه

ص: 462

السلام : «من كان حالفا فليحلف باللّه أو يترك» (1) ، ومن أن الصفات المختصة به تعالى يعبر بها عن الذات كما يعبر بالأسماء المختصة ، فينعقد اليمين بها كما ينعقد بالأسماء وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا أشهد ، إلا أن يقول : باللّه ، وفيه للشيخ قولان.

أقول : إذا قال : أشهد ، ولم يقل : باللّه ، لم ينعقد ، كما لو قال : أقسم ، ولم يقل : باللّه ، وإن قال : أشهد باللّه (2) ، قال الشيخ في الخلاف : لا يكون يمينا ، وتبعه ابن إدريس ، لأن هذا لفظ الشهادة ، ولفظ الشهادة لا يسمى يمينا ، وقال في المبسوط : إن أراد به اليمين كان يمينا ، وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة للعرف ، ولاستعمال ذلك في اللعان (3).

قال رحمه اللّه : وكذا وحق اللّه ، فإنه حلف بحقه لا به ، وقيل : ينعقد ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال وحق اللّه كانت يمينا إذا أراد يمينا ، وقال في الخلاف : لا يكون يمينا قصد أو لم يقصد ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، وهو مذهب ابن إدريس ، لأنه حلف بحق اللّه وحق اللّه فروضه وعباداته ، واختار العلامة في المختلف والتحرير وابنه في شرح القواعد الانعقاد مع قصد اليمين باللّه ، واستقربه الشهيد وإن أطلق به القصد كما لو قصد به اللّه الحق أو المستحق للعبادة ، ولأن حق صفة عامة فإذا أضيفت الى اللّه اختصت به ، ولأن اختصاص الإضافة تفيد الاختصاص فهو كما لو حلف بعظمة اللّه وكبرياء اللّه ، وليس ببعيد من الصواب.

ص: 463


1- المستدرك ، كتاب الايمان ، باب 24 ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
2- في «ر 1» : لله.
3- في «ن» : اللغات.

قال رحمه اللّه : ولو تراخى عن ذلك من غير عذر حكم باليمين ، ولغي الاستثناء ، وفيه رواية مهجورة(1)، ويشترط في الاستثناء النطق ، ولا يكفي النية.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : يجوز الاستثناء بمشيئة اللّه في اليمين إجماعا ، وقد استثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يمينه ، «قال : واللّه لأغزون قريشا إن شاء اللّه» (2) ، واستثنى أمير المؤمنين عليه السلام في صفين ، «قال : واللّه لأقتلنهم غدا إن شاء اللّه» (3) ، لكن بشرط الاتصال العادي فلو فصل بالتنفس والسعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة بحيث لا يخرج عن الاتصال لم يضر ، ولو تراخى لغير عذر حكم باليمين ولغي الاستثناء عملا بعادة (4) اللغة وأهل اللسان ، فإنهم لا يلحقون الاستثناء المنفصل بالكلام الأول بل يلغونه ، ولما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من حلف على شي ء ورأى غيره خيرا فليكفر وليأت الذي هو خير» (5) ، فلو جاز تأخير الاستثناء لارشدنا اليه لينحل اليمين به من غير كفارة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وروى محمد بن بابويه في الصحيح ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي ، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء؟ فقال : تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن ، فاحتبس عنه جبرئيل

ص: 464


1- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 29 ، حديث 3 ، 4 ، 6.
2- المستدرك ، كتاب الايمان ، باب 1 ، حديث 3 نقله عن العوالي وسنن ابي داود ، كتاب الايمان والنذور ، حديث 3285.
3- الكافي ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 1.
4- في «م» : بعبارة.
5- سنن ابن ماجه ، كتاب الكفارات ، باب 7 ، حديث 2108.

عليه السلام أربعين يوما ثمَّ أتاه ، فقال : «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» (1) ، وتأولها العلامة بحملها على ما إذا حلف وفي ضميره الاستثناء ونسيه لفظا ، فجاز له استدراكه ولا حد له ، والتقييد في الحديث بالأربعين للمبالغة وفي هذا التأويل نظر.

الثاني : هل يشترط النطق في الاستثناء أو يكفي النية؟ اختلف الأصحاب في ذلك على ثلاثة أقوال :

الأول : لا يكفي النية بل لا بد من النطق ، قاله الشيخ في المبسوط واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد والإرشاد جزما.

الثاني : الاكتفاء بالنية والاعتقاد ، سواء حلف سرا أو علانية ، وهو قول العلامة في المختلف ، وقواه الشهيد.

الثالث : من حلف علانية فليستثن علانية ، ومن حلف سرا فليستثن سرا ، وهو قول (الشيخ في النهاية) (2) ، ورواه محمد بن بابويه (3).

قال رحمه اللّه : ولا يدخل بالاستثناء غير اليمين وهل يدخل الإقرار؟ فيه تردد ، والأشبه انه لا يدخل.

أقول : المراد بدخول الاستثناء (4) في الإقرار أنه إذا عقب الإقرار بالمشيئة بطل الإقرار ولم يلزمه ما أقر به ، كما يبطل اليمين إذا عقب بها.

إذا عرفت هذا فمنشأ التردد من أن الاستثناء يتضمن بطلان ما أقر به ، فهو

ص: 465


1- من لا يحضره الفقيه ، باب 98 الايمان والنذور والكفارات ، حديث 2 (ج 3 ص 229) وفي الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 29 ، حديث 6.
2- في «م» بدل ما بين القوسين : الشهيد.
3- من لا يحضره الفقيه ، باب 98 الايمان والنذور والكفارات ، حديث 29 (ج 3 ص 233 ، حديث 29) وفي الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 25 ، حديث 2.
4- في «ر 1» : الإقرار.

كالإنكار عقيب الإقرار فلا يكون مقبولا ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد ، وابنه في شرحه.

ومن أصالة براءة الذمة مما أقر به ، والأصل عدم لزومه له ، فاذا استثنى بطل إقراره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في المختلف ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : والحروف التي يقسم بها : الباء ، والواو ، والتاء ، وكذا لو خفض ونوى القسم من دون النطق بحرف القسم على تردد أشبهه الانعقاد.

أقول : منشؤه من أصالة عدم انعقاد اليمين ، خرج ما اتفق عليه - وهو مع الإتيان بأحد حروف القسم - يبقى الباقي على أصالة عدم الانعقاد ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وحكاه عن جميع الفقهاء إلا أبا جعفر الأسترآبادي ، وتبعه ابن إدريس.

ومن أن أهل اللغة جوزوا حذف حرف القسم ، ولو بطل القسم حينئذ لما جاز ذلك في اللغة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : هاء اللّه كان يمينا ، وفي أيمن اللّه تردد ، من حيث هو جمع يمين ، ولعل الانعقاد أشبه ، لأنه موضوع للقسم بالعرف ، وكذا ايم اللّه ، ومن اللّه ، وم اللّه.

أقول : منشأ التردد في أيمن اللّه ، من اختلاف النحاة في هذه اللفظة ، قال الكوفيون هي جمع يمين ، واستدلوا بقول الشاعر :

تبدي لها من أيمن وأشمل (1).

ص: 466


1- لسان العرب ، مادة شمل.

فلو لم يكن جمعا لما قابلها بالاشمل ، فعلى هذا لا يكون يمينا (قطعا) (1) ، لأن اليمين ليس بقسم فكذا جمعها ، لأنه عبارة عن تضعيف الواحد.

وقال البصريون : هي مفردة ، واشتقاقها من اليمن والبركة ، فعلى هذا يكون يمينا قطعا.

والمشهور انعقاد اليمين بها ، لأنها موضوعة للقسم.

وأما ايم اللّه فأصلها : أيمن اللّه ، فحذف النون منها تخفيفا لكثرة استعمالها ، وهمزتها تكسر وتفتح ، وأما من اللّه فأصلها : أيمن اللّه أيضا ، فحذفت الهمزة تخفيفا ، وبقيت الياء ساكنة ، والابتداء بالساكن محال فحذفت أيضا ، وحكى الجوهري في الصحاح في هذه اللفظة : ثلاث لغات : فتح الميم والنون وكسرهما وضمهما.

وأما وم اللّه فأصلها : ايم اللّه.

واعلم أن التردد في الجميع ، لأن أصل الجميع أيمن اللّه ، والتردد واقع فيه فيكون التردد واقعا في الجميع.

ص: 467


1- ليست في النسخ.

ص: 468

في الحالف

قال رحمه اللّه : ويصح اليمين من الكافر كما يصح من المسلم ، وقال في الخلاف : لا يصح ، وفي صحة التكفير منه تردد ، منشؤه الالتفات الى اعتبار نية القربة.

أقول : ومن عموم الايات (1) والأخبار (2) الدالة على وجوب فعل الكفارة مع الحنث.

وأعلم أن الأصحاب اختلفوا في انعقاد يمين الكافر ، قال الشيخ في المبسوط بانعقاده ، واختاره ابن البراج والمصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، لعموم الآيات الدالة على انعقاد اليمين ، وهو مذهب الشهيد ، قال : لأن القربة غير مرادة.

وقال في الخلاف : لا ينعقد يمين الكافر ، واختاره ابن إدريس ، لأن اليمين إنما يصح باللّه ممن يكون عارفا باللّه ، والكافر غير عارف باللّه فلا يصح يمينه.

ص: 469


1- المائدة : 89.
2- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 15 و 30.

وفصل العلامة في المختلف ، قال : إن كان الكفر باعتبار جهل اللّه وعدم علمه به ينعقد (1) يمينه ، لأنه يحلف بغير اللّه ، وإن كان باعتبار جحده نبوة أو فريضة معلومة الثبوت من دين الإسلام ، انعقدت يمينه باللّه تعالى ، لوجود المقتضي وهو الحلف باللّه من عارف به عاقل ولا ولاية لا حد عليه ، وإذا انعقدت وجب عليه الفعل المحلوف عليه ، فان كان من الطاعات وقصد إيقاعه على وجه التقرب الى اللّه ، وجب تقديم الإسلام وفعله إذا لا طاعة من الكافر ، وإن كان غير طاعة وجب عليه فعله مطلقا ، ومتى حنث وجبت عليه الكفارة ، لوجود المقتضي ، لكن لا يصح منه أداؤها إلا بتقديم الإسلام عليه ، فان أسلم بعد الحنث سقطت الكفارة عنه ، لعموم : «الإسلام يجب ما قبله» (2).

واعلم أنه لا يتحقق الحنث قبل الموت الا مع التقييد بزمان معين ، ومع عدمه لا يتحقق الا بعد الموت فيعاقب عليه في الآخرة ، واختار فخر الدين وأبو العباس في مقتصره مذهب المختلف ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا ينعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه ، وكذا يمين المرأة والمملوك إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ، ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب والزوج والمالك حل اليمين ولا كفارة.

أقول : في عبارة المصنف هنا تسامح ، لأنه حكم أولا بعدم انعقاد يمين الثلاثة مع عدم إذن الوالد والزوج والمالك ثمَّ قال : ولو حلف أحد الثلاثة كان للزوج والأب والمالك حل اليمين ، والحل إنما يكون بعد العقد ، وقد حكم بعدم الانعقاد فينبغي وقوعها لاغية فلا تفتقر الى حل ، وانما تفتقر الى الحل على الوجه الذي خرجه العلامة في القواعد ، قال : ولو قيل بانعقاد ايمانهم كان وجها ، نعم لهم الحل

ص: 470


1- في النسخ : لم ينعقد.
2- عوالي اللئالي 2 : 54 ، 224.

في الوقت مع بقاء الوالد والزوجية والعبودية ، فلو مات الأب أو طلقت الزوجة أو أعتق العبد وجب عليهم الوفاء مع بقاء الوقت ، وعبارة التحرير كعبارة الشرائع فالاعتراض متوجه عليه أيضا.

الا أن يقال : المراد بعدم الانعقاد عدم اللزوم ، والمراد بالاذن هو السابق على اليمين والمتعقب له ، وهو تعسف ، لأن فيه حملا للفظ على غير ظاهره ، لأن ظاهر عدم الانعقاد وقوعه لاغيا ، وظاهر الاذن هو السابق على العقد.

فرع : على القول بوقوع اليمين لاغية مع عدم الاذن ، فلو أجازها الأب أو الزوج أو المالك بعد الحلف لم ينعقد ، لأن الإجازة لا تؤثر في الفاسد ، وعلى القول الآخر ينعقد مع الإجازة.

ص: 471

ص: 472

في متعلق اليمين

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا حلف : لا يشرب من لبن عنز له ، ولا يأكل من لحمها ، لزمه الوفاء ، وبالمخالفة الكفارة ، إلا مع الحاجة الى ذلك ، ولا يتعداها التحريم ، وقيل يسري التحريم إلى أولادها على رواية فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه عيسى بن عطية ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني آليت أن لا أشرب من لبن عنز لي ولا آكل من لحمها فبعتها وعندي من أولادها؟ قال : لا تشرب من لبنها ولا تأكل من لحمها فإنها منها» (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وأنكر ابن إدريس تعدية التحريم إلى الأولاد ، واختاره المصنف والعلامة (2) وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، ولعدم تناول النهي للأولاد ، ولضعف الرواية ، لأن في طريقها عبد اللّه بن الحكم وهو ضعيف ، وسهل بن الحسن ويعقوب بن إسحاق وهما مجهولان.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا يأكل طعاما ما اشتراه زيد ، لم يحنث بأكل ما

ص: 473


1- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 37 ، حديث 1.
2- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

يشتريه زيد وعمرو ، ولو اقتسماه على تردد ، ولو اشترى كل واحد منهما طعاما وخلطاه ، قال الشيخ : إن أكل زيادة على النصف حنث ، وهو حسن.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : أن يأكل ما اشتراه زيد وعمرو صفقة واحدة قبل القسمة ، والمشهور عدم الحنث هنا ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن كل جزء يشار اليه لم ينفرد زيد بشرائه ، بل يقال : اشتراه زيد وعمرو ، لأن الشراء عقد واحد فاذا اشترك فيه اثنان اختص كل واحد منهما في العرف بنصفه ، فلم تكتمل الصفقة لأحدهما فلا يقع الحنث.

وقوى في المبسوط الحنث ، لأنهما لما اشترياه معا فكل واحد قد اشترى نصفه ، لان على كل واحد منهما ثمن نصفه ، فاذا كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه زيد.

الثانية : اقتسماه ثمَّ أكل من حصة زيد ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشؤه من أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو ، فإذا أكل مما حصل بعد القسمة لزيد صدق عليه أنه أكل مما اشتراه زيد ، ومن أن ذلك القدر الحاصل لزيد بالقسمة لم يشتره زيد بانفراده ، فلا يحنث بأكله ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وهو المعتمد.

الثالثة : لو اشترى زيد طعاما صفقة بانفراده واشترى عمرو طعاما بانفراده ثمَّ خلطاه وأكل منه الحالف ، هل يحنث؟ قوى الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم الحنث ما لم يزد على النصف ، والحنث إذا زاد ما اكله عليه ، لأنه لا يقطع على أنه أكل من طعام انفرد زيد بشرائه حتى يزد على النصف ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، وقال ابن البراج : يحنث بأكل القليل والكثير ، لأنه

ص: 474

لم يقطع أنه لم يأكل من طعام اشتراه زيد.

وفصل العلامة في المختلف ، قال : إن كان مائعا كاللبن والعسل أو ما يشبه الممتزج كالدقيق ، حنث بأكل قليله وكثيره ، لامتزاجه واختلاط جميع أجزائه بعضها ببعض ، فأي شي ء أكل منه علم ان فيه جزءا مما اشتراه زيد ، وان كان متميزا كالرطب والخبز لم يحنث حتى يأكل أكثر مما اشتراه عمرو ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو حلف لا شربت من الفرات ، حنث بالشرب من مائها ، سواء كرع منها ، أو اغترف بيده ، أو بإناء ، وقيل : لا يحنث الا بالكرع منها ، والأول هو العرف.

أقول : إذا حلف لا شربت من الفرات أو من نهر ، قال الشيخ في الخلاف : متى شرب من مائها حنث ، سواء اغترف بيده أو بإناء أو كرع منها كالبهيمة واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأن معنى هذا الكلام لا شربت من مائها ، بهذا جرت العادة وهو المتعارف عند الناس.

وقوى في المبسوط عدم الحنث بدون الكرع ، واختاره ابن إدريس ، لأن الكلام في الحقائق دون المجاز ، وهذا هو الحقيقة وما عداه مجاز ، لأنه إذا شرب غرفا بيده ما شرب منها ، وانما شرب من يده وكذلك الإناء ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا حلف : لا أكلت رؤوسا ، انصرف الى ما جرت العادة بأكله غالبا ، كرؤس البقر والغنم والإبل ، ولا يحنث برؤوس الطيور والسمك والجراد ، وفيه تردد ، ولعل الاختلاف عادي ، وكذا لو حلف : لا يأكل لحما ، وهنا يقوى أنه يحنث بالجميع ، ولو حلف : لا يأكل شحما ، لم يحنث بشحم الظهر ، ولو قيل : يحنث ، كان حسنا ، ولو قال : لا ذقت شيئا ، فمضغه ولفظه ، قال الشيخ : يحنث وهو حسن.

ص: 475

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا حلف لا يأكل الرؤوس ، فان نوى نوعا انصرف اليمين اليه. وإن خلا عن النية ، هل ينصرف إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يحنث إلا بأكل رؤوس النعم خاصة كالإبل والبقر والغنم ، لأنها هي المأكولة بالعرف والعادة ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والتحرير والشهيد.

وقال ابن إدريس يحنث بأكل جميع الرؤوس ، لأن ذلك هو الحقيقة ، فلا يعدل عنه الى المجاز.

وقال العلامة في المختلف : إن نوى الحالف نوعا صرف اليه ، وان لم ينو ، فان كان هنا عرف خاص يعهده الحالف انصرف (1) إطلاق لفظه اليه ، وحمل (2) عليه والا حمل على الحقيقة اللغوية ، واختاره فخر الدين.

الثانية : إذا حلف لا يأكل لحما ، فان نوى معينا انصرف اليه ، وإن لم ينو شيئا انصرف الى لحم الانعام والصيد والطائر ، وهل ينصرف الى لحم السمك أيضا ويحنث باكله؟ ذهب الشيخ في المبسوط الى عدم الحنث بأكل لحم الحيتان ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، للعرف والعادة (3) ، وقال في الخلاف : يحنث بأكله لان اسم اللحم يطلق عليه ، لقوله تعالى ( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (4) ، ورجحه ابن إدريس وقواه المصنف ، وقال العلامة في المختلف : يرجع الى العرف.

الثالثة : إذا حلف لا يأكل شحما ، هل يحنث بشحم الظهر؟ ذهب الشيخ في

ص: 476


1- في النسخ : ويصرف.
2- في النسخ : حمل ، بدون الواو.
3- ليست في الأصل.
4- فاطر : 12.

المبسوط الى عدم الحنث به ولا بالألية ، قال : لان الشحم هو ما يكون في الجوف من شحم الكلاء (1) وغيره فإن أكل منه حنث ، وإن أكل من غيره لم يحنث ، لأن اسم الشحم لا يقع عليه ، واختاره العلامة في القواعد ، لأنه لحم سمين ولهذا يحمر عند الهزال.

وقال ابن إدريس : يحنث بشحم الظهر ، واستحسنه المصنف واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وهو المعتمد ، لأن الشحم عبارة عن غير اللحم من أي موضع كان ، سواء كان شحم الألية أو الظهر أو البطن ، ولأن اللحم والشحم جنسان مفترقان في الاسم والحقيقة ، أما افتراقهما في الاسم فظاهر ، وأما افتراقهما في الحقيقة فلأن اللحم أحمر كثيف ذو طعم خاص ، والشحم أبيض رخو ذو طعم آخر ، سواء كان في الجوف أو في الظهر أو غيره ، ولقوله تعالى ( مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) (2) ، فلو لم يكن شحما كان الاستثناء من غير الجنس فيكون مجازا والأصل عدمه.

الرابعة : إذا حلف لا ذقت شيئا فمضغه ولفظه حنث ، لأن الذوق عبارة عن معرفة طعم الشي ء ، وهو يحصل بالمضغ وإن لم يبتلعه.

قال رحمه اللّه : لو قال : لا أكلت من هذه الحنطة ، فطحنها دقيقا أو سويقا. لم يحنث ، وكذا لو حلف : لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله ، وكذا لو حلف : لا يأكل لحما ، فأكل إلية لم يحنث ، وهل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ فيه تردد.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : إذا حلف لا أكلت من هذه الحنطة ، فطحنها دقيقا أو سويقا ، أو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله ، هل يحنث أم لا؟

ص: 477


1- في النسخ : الكلى.
2- الأنعام : 146.

اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : (لا يحنث ، وجزم به المصنف والعلامة في القواعد ، وقال ابن البراج يحنث ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير) (1).

والتحقيق : أن الأيمان قد تتبع الأعيان المتعينة بالإشارة ، كما لو قال : لا أكلت هذا الطعام أو لا لبست هذا الثوب ، فان اليمين يتعلق بتلك العين ، فلا يحل له أكل ذلك الطعام ولا لبس ذلك الثوب على أى حال كان.

وقد تتبع الأسماء ، كما لو حلف : لا أكلت حنطة أو لا لبست ثوبا ، تعلق اليمين بالاسم هنا ، فلو أكل دقيقا أو خبزا لم يحنث ، لزوال الاسم بزوال الصفة.

فلو اجتمع الاسم والإشارة ، كما لو قال : لا أكلت هذه الحنطة ، فهنا تعلقت اليمين بالعين والاسم ، فان تغيرت الصفة تغيرا لا يوجب تغير الاسم فلا يخلو إما ان تستحيل الاجزاء أم (2) لا ، فان استحالت (3) الاجزاء كما لو حلف : لا يأكل هذه الحنطة فصارت دقيقا أو سويقا ، أو هذا الدقيق فصار خبزا ، هل يتبع اليمين العين أو الاسم؟ يحتمل الأول ، لأن العين التي تعلقت بها اليمين موجودة وانما تغيرت بالطحن والخبز ، لأن مبني الأيمان على العرف ، وإضافة الأكل إلى الحنطة انما يكون على هذه الصفة ، لأن اسم الأكل لا ينصرف إلى الحنطة إلا إذا صارت دقيقا أو سويقا أو خبزا ، ويحتمل الثاني لأصالة براءة الذمة ، ولأنه حلف على أكل ما هو مسمى حنطة لا ما يسمى دقيقا.

الثانية : إذا حلف لا يأكل لحما فأكل الألية ، هل يحنث أم لا؟ نقول : من اقتصر على أن الشحم هو ما في البطن ، كالشيخ في المبسوط اقتضى قوله الحنث

ص: 478


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- كذا.
3- في النسخ والأصل : استحالة.

بالألية ، إذا حلف : لا يأكل لحما ، لأنها لحم.

وعلى ما اختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في المختلف من أن الشحم يعم ما في البطن وغيره لا يحنث وهو المعتمد.

الثالثة : إذا حلف لا يأكل لحما ، هل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ تردد المصنف في ذلك من أصالة براءة الذمة ، وانفراد الكبد والقلب باسم خاص غير اسم اللحم ، ومن صدق اسم اللحم عليه لغة. وعدم الحنث فيهما مذهب الشيخ في الخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد والحنث فيهما (1) مذهب ابن إدريس ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا حنث ، وفيه قول آخر ضعيف.

أقول : القول الآخر لابن إدريس ، فإنه قال : الذي يقوى في النفس أن لا يحنث للعرف ، لأن الإنسان إذا قال لغلامه : اشتر لنا رطبا ، فاشترى منصفا لم يمتثل أمره ، وكذلك إذا أمره باشتراء البسر فاشترى المصنف ، لان العرف والعادة أن الرطب هو الذي نضج جميعه ، والبسر هو الذي جميعه لم ينضج.

والحنث مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأن المنصف هو الذي نصفه رطب ونصفه بسر ، فاذا حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا فقد أكل الرطب وأكل معه شي ء آخر ، وكذا لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا ، وقال العلامة في المختلف : يحكم للأغلب والأكثر ، فإن كان مذنبا فإنه يجري عليه حكم البسر ، وإن كان قد أرطب أكثره فإنه يجري عليه حكم الرطب ، ولم يفرق في التحرير بين المذنب والمصنف.

قال رحمه اللّه : الفاكهة تقع على : الرمان والعنب والرطب ، فمتى حلف لا

ص: 479


1- في النسخ : بهما.

يأكل فاكهة حنث بأكل واحد من ذلك ، وفي البطيخ تردد.

أقول : الفاكهة : اسم لما يتفكه به بعد الطعام وقبله ، وليس المقصود منه التقوت بل التنعم ، فهل البطيخ فاكهة؟ تردد المصنف في ذلك ، من أنه يصدق عليه اسم الفاكهة عرفا ، ولان له نضجا كنضج الرطب ، يحلو إذا نضج ويوكل كالعنب فيكون فاكهة ، ومن أنه من الخضروات كالقثاء والخيار ، ولا خلاف في أن الخضروات ليست فاكهة فلا يكون البطيخ فاكهة ، ولأنه ورد في تفسير قوله تعالى ( أَزْكى طَعاماً ) (1) ، أنه البطيخ فلا يكون فاكهة.

والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير ، وهو مذهب الشهيد ، لأنه عد من الفاكهة حب الصنوبر والبطيخ بقسميه ، واشترط العلامة في التحرير الرطوبة فلا يحنث يابس الفاكهة.

قال رحمه اللّه : إذا قال : لا شربت ماء هذا الكوز لم يحنث إلا بشرب الجميع.

أقول : إذا قال : واللّه لا شربت ماء هذا البئر ، هل يحنث بشرب البعض أو لا يحنث الا بشرب الجميع دون البعض؟ قيل : لا يحنث بشرب البعض لأصالة براءة الذمة ، ولأن الكلام يحمل على الحقيقة دون المجاز ، وحقيقة ماء البئر جميعه ، فاذا شرب البعض لم يحنث ، لأن اليمين تعلقت بجميع ماء البئر وهو لم يشربه فلم يحنث ، فلهذا استحسنه المصنف.

والمشهور الحنث بالبعض حملا لليمين على العرف والعادة ، وهي لم تجر بشرب جميع ماء البئر إذ لا يمكن ذلك ، فيحمل الكلام على عدم الشرب من مائها ، لأن بذلك جرت العادة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قال : لا شربت لك ماء من عطش ، فهو حقيقة في تحريم الماء ، وهل يتعدى الى الطعام؟ قيل : نعم عرفا ، وقيل : لا تمسكا بالحقيقة.

ص: 480


1- الكهف : 19.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : لا شربت لك ماء من عطش عقيب تعديد انعامه عليك ، كقوله : أحسنت إليك أو وهبتك كذا أو أعطيتك كذا وكذا ، تعلق الحكم بشرب مائه من عطش ، فان انتفع بغير الماء من ماله وأكل من طعامه ولبس ثيابه وركب دوابه لم يحنث ، لأنه إنما ينظر الى مخرج اليمين ويحنث صاحبها ويبر (1) على مخرجها دون أسبابها ، وقال بعضهم : يحنث بكل (2) حال ، والأول أقوى عندي ، لأصالة براءة الذمة ، والثاني قوي لفحوى الخطاب : هذا آخر كلامه ، وهو يدل على تردده.

والمعتمد : أن مبنى اليمين على نية الحالف ، فان قصد بيمينه رفع المنة انصرف الى كل ما فيه منه ، وإن لم يقصد شيئا احتمل صرفه إلى الحقيقة اللغوية وهو الماء فقط ، ويحتمل صرفه الى العرف وفحوى الخطاب فيصرف الى كل ما فيه منه ، لان حلفه بعد تعديد إنعامه عليه يدل على الامتناع عن كل ما يعد نعمة ، ويحصل فيه منة ، ولعل الأقوى عدم الحنث ، لأصالة براءة الذمة ما لم يتحقق اشتغالها ، وهو غير متحقق مع الاحتمال.

قال رحمه اللّه : أما التطيب ففيه التردد ، ولعل الأشبه : أنه لا يحنث بالاستدامة.

أقول : الأفعال على ثلاثة أقسام :

الأول : ما يحنث فيه بابتداء الفعل واستدامته ، مثل السكنى واللبس والركوب والغصب والجماع ، فاذا حلف : لا ساكنت فلانا وهو ساكن معه ، وجب الخروج على الفور ، (وإذا حلف لا لبست ثوب زيد وهو لابسه ، وجب نزعه على

ص: 481


1- في الأصل وفي «ن» : وهي.
2- كذا في النسخ وفي الأصل : لكل.

الفور) (1) ، وكذا لا ركبت وهو راكب وجب النزول على الفور ، ووجب رد المغصوب على الفور لو حلف لا غصبت شيئا ، ولو حلف عن الجماع وهو مجامع وجب النزع على الفور ، فلو تأخر في هذه الصور مع الإمكان حنث ، لأن اسم الفعل في هذه الصور يطلق على الاستدامة كما يطلق على الابتداء فاستوى حكمها (2).

الثاني : ما يحنث بالابتداء دون الاستدامة ، وهو النكاح والإحرام والشراء والرهن والوقف ، وبالجملة كل عقد لازم ، فلو حلف لا نفعل أحد هذه العقود وقد فعله لا يحنث حتى يستأنفه.

الثالث : ما اختلف فيه ، هل يكون استدامته كابتدائه أم لا؟ وهو ثلاثة : الطيب والطهارة والسفر ، والشيخ ذهب الى عدم الحنث بالاستدامة واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأن التطيب حقيقة في الابتداء مجاز في الاستدامة ، لأنه يجوز للمتطيب أن يقول ما تطيبت الآن ، والسلب من علامات المجاز ، ولأصالة براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : لو حلف : لا دخلت دار زيد ، أو لا كلمت زوجته أو لا استخدمت عبده ، كان التحريم تابعا للملك ، ومتى خرج شي ء من ذلك عن ملكه زال التحريم ، أما لو قال : لا دخلت دار زيد هذه ، تعلق التحريم بالعين ، ولو زال الملك ففيه قول بالمساواة حسن.

أقول : إذا قال لا دخلت دار زيد هذه ، أو لا كلمت عبده هذا أو زوجته هذه ، هل يزول اليمين بزوال الإضافة أم لا؟ قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : يزول بزوالها ، واستحسنه المصنف لأصالة براءة الذمة ، ولأنه إذا دخل الدار بعد

ص: 482


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «م» : حكمهما.

خروجها عن ملك زيد لا يقال دخل دار زيد ، فيجب أن لا يحنث ، لان اليمين متعلقة بالاسم فاذا زال الاسم زالت اليمين.

وقال ابن البراج : يحنث مع بقاء الإضافة وعدمها ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، لان اليمين تعلقت بالعين وهي موجودة والإضافة للتعريف ، ولأن الدخول فعل موضوعه الدار وإضافتها الى زيد لا تقتضي تعلق الحكم بها ، لأنه أعم ولا دلالة للعام على الخاص.

هذا إذا لم يقصد الإضافة ولا العين بل أطلق وقصد ما يطلق عليه هذا اللفظ ، ومع القصد لا إشكال في التعليق بما قصده ، وكذا لو قصد في التعليق العداوة والمباينة للمضاف اليه ، اختصت اليمين بالإضافة دون العين.

(قال رحمه اللّه : أما لو قال : لا دخلت هذه الدار فانهدمت وصارت براحا ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يحنث ، وفيه اشكال ، من حيث تعلق اليمين بالعين فلا اعتبار بالوصف.

أقول : ومن عدم (1) تسمية العرصة بالدار ، والأصح الحنث) (2).

قال رحمه اللّه : لو حلف لا أدخل على زيد بيتا ، فدخل عليه وعلى عمرو ناسيا أو جاهلا بكونه فيه ، فلا يحنث ، وإن دخل مع العلم حنث ، سواء نوى الدخول على عمرو خاصة أو لم ينو ، والشيخ رحمه اللّه فصّل.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو إن نوى الدخول على عمرو دون زيد لم يحنث ، وإن لم يستثن زيدا بالنية حنث ، (لأن مبنى) (3) هذه المسألة على من حلف لا يكلم زيدا ثمَّ سلم على جماعة هو فيهم واستثناه من

ص: 483


1- هذا من «ن» وفي الأصل و «ر 1» : عده أو عنده وهي غير واضحة.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في الأصل و «ر 1» : لا بد مبنى ، وفي «م» : لأنه مبنى وما أثبتناه من «ن».

بينهم ، وقوى عدم الحنث مع الاستثناء ، فكذلك الدخول عنده ، وفرق بينهما في الخلاف وجوز الاستثناء في الكلام دون الدخول ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن السلام لفظ عام فيجوز أن يخصه بقلبه ، والدخول فعل واحد فلا يجوز تخصيصه بعمرو دون زيد ، وإذا لم يقبل التخصيص فقد حنث بالدخول ، سواء خصص أو لم يخصص.

قال رحمه اللّه : وهل يحنث بدخوله عليه في مسجد أو الكعبة؟ قال الشيخ : لا ، لأن ذلك لا يسمى بيتا في العرف ، وفيه إشكال ، يبنى على ممانعته دعوى العرف.

أقول : هذه المسألة مبنية على ان المسجد والكعبة ، هل يسمى كل واحد منهما بيتا في العرف أو لا؟ قال الشيخ : لا يسمى بيتا ، لأن البيت إذا أطلق يتناول ما بني للايواء والسكنى ، فلا يحنث بما بني للعبادة والصلاة ، واستند في ذلك الى العرف ، وتابعه العلامة في قواعده واختاره الشهيد ، واستشكله المصنف وبنى الإشكال على ممانعة العرف (1) الشيخ دعوى العرف ، أي يمنع دعوى الشيخ أن كلا من الكعبة والمسجد لا يسمى بيتا في العرف ، لأن اللّه تعالى سماه بيتا (2) فهو بعرف الشرع يسمى بيتا ، وان كان بعرف العادة والاستعمال لا يسمى بيتا ، وإذا طرئ عرف الشرع على عرف اللغة أو الاستعمال كان الحكم لعرف الشرع ، وهو مذهب ابن إدريس.

والمعتمد اتباع القصد فان خلا عن القصد انصرف الى عرف الحالف.

قال رحمه اللّه : العقد : اسم للإيجاب والقبول فلا يتحقق إلا بهما ، فاذا حلف ليبيعن لا يبرّ إلا مع حصول الإيجاب والقبول ، وكذا لو حلف ليهبن ، وللشيخ في

ص: 484


1- هذه الكلمة ليست في «م» و «ن».
2- الحج : 30 ، النور : 36.

الهبة قولان ، أحدهما : أنه يبر بالإيجاب ، وليس بمعتمد.

أقول : الاكتفاء بالإيجاب خاصة مذهبه في الخلاف ، واشتراط القبول مذهبه في المبسوط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن الهبة عقد وهو لا يكون الا بين اثنين فهو كالبيع ، الا أن القبول في الهبة قد يكون قولا وقد يكون فعلا ، ولا يكون البيع الا بالقول دون الفعل.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ : الهبة : اسم لكل عطية متبرع بها ، كالهدية والنحلة والعمرى والوقف والصدقة ، ونحن نمنع الحكم في العمرى والنحلة إذ يتناولان المنفعة ، والهبة تتناول العين ، وفي الوقف والصدقة تردد ، منشؤه متابعة العرف في أفراد كل واحد باسم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في العمرى والنحلة ، هل يعدان هبة أم لا؟ ذهب الشيخ إلى أنهما نوعان من أنواع الهبة ، فإذا حلف لا وهبت له فأعمره أو نحلة حنث عند الشيخ ، واختاره العلامة والشهيد ، لمساواة المنافع للأعيان في النقل والتقويم ، فاذا تبرع بها كانت هبة كالعين ، ومنع المصنف من ذلك ، لأن إطلاق الهبة ينصرف الى تمليك الأعيان فما لا يكون تمليكا للأعيان لا يكون هبة ، فلا يحنث بتمليك المنفعة مجردة عن العين ، لأصالة براءة الذمة.

الثاني : في الوقف والصدقة المندوبة ، هل يتناولهما اسم الهبة؟ قال الشيخ : يتناولهما اسمها إذا حلف على عدم الهبة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف لاندراجهما تحت اسم الهبة ، لأنها كل عطية متبرع بها حال الحياة ، وانما قلنا حال الحياة ليخرج الوصية ، لأنها عطية متبرع بها لكنها بعد الموت. فلا تسمى هبة.

وقال ابن إدريس : قوله الهبة عبارة عن كل عطية يملكه إياها متبرعا بغير عوض فغير واضح ، لأن الوقف كذلك ولا يسمى هبة بغير خلاف ، وصدقة

ص: 485

التطوع عندنا لا تسمى هبة ، بل بينها وبين الهبة فرق كثير ، لأن صدقة التطوع (1) بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها ، والهبة يجوز الرجوع فيها ، وتردد المصنف في ذلك لافراد كل واحد من الهبة والصدقة والوقف باسم ، واليمين إنما تناول اسم الهبة فلا يدخل الوقف والصدقة (باسم فيها ، بل) (2) وللمغايرة في الحكم أيضا ، لأن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته بخلاف العين الموهوبة ، ولأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان (3) يقبل الهبة ويرد الصدقة ، ولأن المقصود من الصدقة التقرب الى اللّه تعالى وتحصيل الأجر ، والمقصود من الهبة تحصيل المودة ، فإذا حصل المغايرة في الاسم والحكم والغاية خرجا عن حد الهبة وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة ، فإذا قال : لا بعت ، أو لا شربت ، فوكل فيه لم يحنث ، أما لو قال : لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو استئجاره ، قيل : يحنث نظرا الى العرف ، والوجه : أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث ، وفي السلطان تردد ، أشبهه أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث ، ولو توكل لغيره في البيع أو الشراء ففيه تردد ، والأقرب الحنث لتحقق المعنى المشتق منه.

أقول : إذا حلف لا يفعل ثمَّ باشر الفعل بنفسه حنث مطلقا ، سواء كان (مما جرت عادته) (4) بمباشرة ذلك الفعل أو لا ، وإن فعله غيره بإذنه أو فعله هو نيابة عن غيره ، هل يحنث أم لا؟ البحث هنا في موضعين :

الأول : أن يفعله غيره بأمره ، فنقول : إن كان الحالف عادته (5) مما يلي ذلك

ص: 486


1- في الأصل : لأن الصدقة التطوع الهبة القربة ، وما أثبتناه من «م» و «ن».
2- في «ن» : فيها ، وفي «م» و «ر 1» : فيهما.
3- هذه الكلمة في «ر 1».
4- في «ن» بدل ما بين القوسين : ما جرت العادة.
5- هذه الكلمة ليست في النسخ.

الفعل بنفسه فوكل فيه غيره لم يحنث ، لأنه لم يفعله ، لأن الإيمان إنما تتعلق بحقائق الأسماء والأفعال ، فإذا فعله غيره فهو وإن أضيف اليه لم يفعله حقيقة ، لصحة سلب الفعل عنه.

وإن كان الحالف ممن لم تجر عادته بتولي ذلك الفعل بنفسه مثل السلطان ، يحلف على عدم البيع أو الشراء أو الضرب فيأمر فيه ، أو غير البناء يحلف على عدم البنيان ، فيأمر فيه ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ثمَّ رجح عدم الحنث ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، لأن حقيقة اضافة الفعل اليه أن يباشره بنفسه ، وانما ينسب ما يفعله غيره بأمره اليه على ضرب من المجاز ، ولهذا يحسن أن يقال ما ضربه وإنما ضربه غلامه ، والايمان تتعلق بالحقائق دون المجازات ، والأصل براءة الذمة ، وقوى في المبسوط الحنث وقوى (1) عدمه أيضا ، واختار العلامة وابنه والشهيد الحنث اتباعا للعرف ، لان العرف صرف حقيقة اللفظ الى مجازه ، فيصير اعتبار المجاز حيث اقترن بالعرف أولى من اعتبار الحقيقة إذا فارقت العرف ، لأن المتبادر الى فهم السامع حمل اللفظ عند إطلاقه إلى المتعارف بين الناس وإن خالف الحقيقة.

وهذا البحث انما يتوجه مع إطلاق (2) اللفظ (عند إطلاقه إلى المتعارف) (3) وقصد مدلوله ، أما مع قصد المباشرة أو الأمر فلا يحنث بل يتبع القصد.

الثاني : إذا باشر الفعل المحلوف على تركه لغيره كما لو حلف لا يبيع ولا يشتري ثمَّ باع أو اشترى لغيره ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ثمَّ رجح الحنث ، قال : لتحقق المعنى المشتق منه ، لأن البائع من صدر منه البيع ،

ص: 487


1- في النسخ : ثمَّ قوى.
2- كذا.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ.

والمشترى من صدر منه الشراء ، وهذا المعنى متحقق في المباشر للبيع والشراء ، سواء كان لنفسه أو لغيره.

ويحتمل عدم الحنث ، لأن المتبادر الى الفهم عند إطلاق لفظ البيع والشراء ما كان لنفسه دون غيره ، فيحمل اللفظ عند إطلاقه إلى المتبادر الى فهم السامع ويعضده أصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط ، قيل : يجزي الضغث ، والوجه انصراف اليمين الى الضرب بالآلة المعتادة كالسوط والخشبة.

أقول : إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط في الحد والتعزير المأمور به ، انعقدت اليمين ووجب الوفاء بها ، ولا يجب الوفاء بها (1) إذا كان للتأديب على شي ء من المصالح الدنيوية ، ولا يحنث بالترك بل يكون أولى.

ومع وجوب الوفاء ، قال الشيخ في المبسوط : يجزي ضربة واحدة بضغث مشتمل على العدد لقوله تعالى ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (2) ، ولأن حقيقة الضرب وقوع الإله المضروب بها على المضروب بقوة فعل (3) الضارب ، وقد حصل المسمى الحقيقي فيبرئ.

واختار المصنف عدم اجزاء الضغث مع عدم الخوف على نفس المضروب ، بل لا بد من الضرب بالآلة المعتادة للضرب ، كالسوط والخشبة ، واختاره المصنف وهو المعتمد ، لاقتضاء العرف ذلك والأيمان تنصرف الى المتعارف بين الناس ، وهنا هو المتعارف ، فينصرف اليمين عند إطلاق اللفظ اليه.

تنبيه : لا بد في الضرب من الإيلام ، فلا يجزي وضع الآلة ورفعها من غير

ص: 488


1- ليست في الأصل.
2- صاد : 44.
3- في النسخ : بفعل.

إيلام ، لأنه لا يسمى في العرف ضربا الا مع الإيلام ، ومع عدمه لا يصدق عليه (1) اسم الضرب حقيقة ، واللكم واللطم المؤلم يسمى ضربا ، بخلاف العصر والخنق والقرص ، خلافا لابن الجنيد في الثلاثة.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا ركبت دابة العبد ، لم يحنث بركوبها ، لأنها ليست له حقيقة ، وإن أضيفت إليه فعلى المجاز ، أما لو قال : لا ركبت دابة المكاتب ، حنث بركوبها ، لان تصرف المولى ينقطع عن أمواله ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن عدم تمامية الملك ، لأنه ممنوع من التصرف في أمواله بغير الغبطة ولأصالة براءة الذمة ، والمشهور الحنث ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في كتبه (2).

قال رحمه اللّه : التسري [هو] وطئ الأمة ، وفي اشتراط التحذير نظر.

أقول : منشأ النظر من اختلاف الأصحاب في حقيقة التسري ، قال الشيخ في الخلاف : إذا حلف لا يتسرى فمتى تسرى حنث ، وما هو التسري؟ الاولى أن يقال : إنه عبارة عن الوطي والتخدير ، لأن الجارية ضربان : سرية وخادمة ، فاذا خدرها ووطى فقد تسرى وترك الاستخدام ، وتابعه ابن إدريس واختاره العلامة في الإرشاد.

ونقل في المبسوط ثلاثة أقوال : الأول : مذهبه في الخلاف والثاني : أن التسري مجرد الوطي أنزل أو لم ينزل ، حصنها أو لم يحصنها ، واختاره العلامة في التحرير والشهيد في دروسه. الثالث : أنه الوطي مع الانزال وان لم يخدرها ، ثمَّ قواه.

واختار العلامة في المختلف الرجوع الى العرف ، فإنه يختلف باختلاف

ص: 489


1- هذه من النسخ ، وفي الأصل : معه.
2- في «ن» : أكثر كتبه.

الزمان والأصقاع (1) والأوضاع (2) ، واختاره فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لأقضين دين فلان الى شهر كذا ، كان غاية ، ولو قال : الى حين أو زمان ، قال الشيخ : يحمل على المدة التي حمل عليها نذر الصيام ، وفيه إشكال من حيث هو تعد عن موضع النقل وما عداه إن فهم المراد به ، والا كان مبهما.

أقول : إذا قال لأقضين حقه الى حين أو الى زمان ، قال الشيخ رحمه اللّه : يحمل على نذر الصوم ، وهو أن الحين ستة أشهر والزمان خمسة ، وقواه العلامة في المختلف ، لأن العرف الشرعي ناقل عن الوضع اللغوي ، والعرف الشرعي نقل الحين في نذر الصوم إلى ستة أشهر والزمان إلى خمسة أشهر ، واستقر (3) العرف في ذلك.

وابن إدريس خص ذلك بمورد النقل ، وهو نذر الصوم خاصة ، لأن الزمان والحين من الأسماء المبهمة التي تقع على القليل والكثير ، قال تعالى ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (4) وفسر بيوم القيامة ، وقال تعالى ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) (5) ، وفسره بعضهم بتسعة أشهر مدة حمله ، وقيل : هو أربعون سنة ، إشارة إلى آدم عليه السلام ، لأنه صور من حمأ مسنون وطين لازب ثمَّ نفخ فيه الروح بعد أربعين سنة ، وقال تعالى ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ ) (6) ،

ص: 490


1- من النسخ وفي الأصل : والاجتماع.
2- ليست في النسخ.
3- في «م» : واستقرب.
4- صاد : 88.
5- الدهر : 1.
6- المؤمنون : 54.

وقال ( حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (1) ، فهو اسم مشترك بين القليل والكثير ، ولا يمكن حمله على جميع معانيه فلهذا صار مبهما.

والبحث في الزمان كالبحث في الحين ، لأنه اسم مبهم يصدق على القليل والكثير أيضا.

والمعتمد : أنه (2) إن فهم المراد عمل عليه والا كان مبهما لا يتحقق الحنث فيه الا بموت أحدهما ، لحصول تعين الحنث حينئذ ، والأصل فيما عداه براءة الذمة.

ص: 491


1- الروم : 17.
2- من «ر 1».

ص: 492

في اللواحق

قال رحمه اللّه : اليمين بالبراءة من اللّه سبحانه ، أو من رسوله صلى اللّه عليه وآله لا ينعقد ، ولا يجب فيها كفارة ، ويأثم ولو كان صادقا ، وقيل : يجب بها كفارة ظهار ولم أجد به شاهدا ، وفي توقيع العسكري عليه السلام الى محمد بن يحيى : يطعم عشرة مساكين ويستغفر اللّه (1).

أقول : لا خلاف في عدم جواز الحلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من الأئمة عليهم السلام ، سواء كان الحالف صادقا أو كاذبا ، وانما الخلاف في وجوب الكفارة لو حلف ثمَّ حنث ، قال المفيد رحمه اللّه : ولا يجوز اليمين بالبراءة من اللّه ومن رسوله ومن أحد الأئمة عليهم السلام ، فمتى حلف بشي ء من ذلك ثمَّ حنث كان عليه كفارة ظهار ، ومثله قال الشيخ في باب الكفارات من النهاية ، وزاد : فان لم يقدر على ذلك كان عليه كفارة يمين ، وتبعه ابن البراج ، وقال ابن حمزة يأثم ويلزمه مع المخالفة كفارة النذر ، وقال في المبسوط والخلاف : يأثم ولا

ص: 493


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 7 (ج 7 ص 461) ونقله في الوسائل - عن محمد بن الحسن - في كتاب الايمان ، باب 7 ، حديث 3.

كفارة ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه لا يمين بغير اللّه ، واعتمد العلامة في المختلف على توقيع العسكري عليه السلام الى محمد بن يحيى ، وقد أشار إليه المصنف وهو : «إطعام عشرة مساكين ثمَّ يستغفر اللّه تعالى» (1).

قال رحمه اللّه : إذا انعقدت يمين العبد ، ثمَّ حنث وهو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيّرها ومرتبها ، ولو كفر بغيره من عتق أو كسوة أو إطعام ، فإن كان بغير إذن المولى لم يجز ، وإن أذن أجزأه ، وقيل : لا يجزيه ، لأنه لا يملك بالتمليك ، والأول أصح ، وكذا لو أعتق عنه المولى بإذنه.

أقول : القول بعدم الاجزاء وإن أذن له المولى نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم ثمَّ قواه ، قال : لأنه وإن ملكه مولاه لا يملك عندنا ، واختار المصنف الاجزاء مع الإذن ، لأنه كالمعسر ، فلو كفر الغير عن المعسر بإذنه صح ، وادعى العلامة الإجماع على ذلك ، وكما يصح عن المعسر يصح عن العبد ، إذا لا مانع سوى عدم الوجدان ، وهو كما يثبت بالإعسار يثبت بالارقاق ، واختاره العلامة.

وذهب فخر الدين الى عدم الاجزاء ، قال : أما العتق فلاشتراط الملك والعبد لا يملك ، وكذا الإطعام والكسوة إلا مع القول بأن تبرع الأجنبي يجزي عن الحي ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وقد حكينا عن أبيه أنه ادعى الإجماع على إجزاء تكفير الغير عن المعسر بإذنه ، قاله في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو حنث من غير إذنه كان له منعه ولو لم يكن الصوم مضرا ، وفيه تردد.

أقول : إذا حلف العبد بإذن سيده ثمَّ حنث بغير إذنه ، هل له منعه من

ص: 494


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 7 (ج 7 ص 461) ونقله في الوسائل - عن محمد بن الحسن - في كتاب الايمان ، باب 7 ، حديث 3.

الصيام أم لا؟ ظاهر الشيخ في المبسوط له المنع ، سواء كان الصوم مضرا أو مضعفا في بدنه وعمله كزمان الصيف ، أو غير مضر كزمان الشتاء وما جاوره (1) ، لأنه إذا أذن له باليمين فقد منعه من الحنث.

وقال ابن البراج : إن كان الصوم يضره لسيده منعه ، وإن لم يضره ليس له منعه ، لان الصوم لا ضرر على السيد فيه.

وتردد المصنف من أن الأمر بالشي ء يستلزم الأمر بلازمه ، والكفارة من لوازم اليمين المأذون فيها ، لأن سبب الكفارة ليس الحنث المطلق ، بل الحنث عن اليمين المأذون فيها ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، ونقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، ومن أن الحنث مناف لليمين فهو ضد له ، والأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضده. (فالأمر باليمين يستلزم (النهي عن) (2) الحنث ، فلا يستلزم معلول الحنث) (3) وهو قوى.

ص: 495


1- في «ن» و «ر 1» : أو ما جاوزه.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

ص: 496

كتاب النذر

اشارة

ص: 497

ص: 498

في الناذر

قال رحمه اللّه : ويشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج ، وكذا يتوقف نذر المملوك على إذن المالك ، فلو بادر لم ينعقد وإن تحرر ، لأنه وقع فاسدا ، وإن أجاز المالك ، ففي صحته تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : منشأ التردد من الشك في إذن السيد ، هل هو شرط في الانعقاد ، بمعنى أن نذر المملوك لا ينعقد بدونه أو شرط في اللزوم ، بمعنى أنه ينعقد بدون الاذن لكنه لا يلزم الا معه؟ فعلى الأول لا يلزم مع الإجازة لأن الإجازة لا تؤثر في الفاسد الصحة ، وعلى الثاني يلزم مع الإجازة ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد ، والشهيد في دروسه وفي شرح الإرشاد.

وحكم الزوجة مع الزوج والولد مع الوالد حكم العبد مع سيده ، فعلى مذهب المصنف والعلامة والشهيد إذا أعتق العبد أو طلقت الزوجة أو مات الزوج أو الوالد قبل الحل والإجازة لزم النذر ، لوقوعه صحيحا ، لزوال مانع اللزوم وهو المعتمد.

فرعان : الأول : لو بيع العبد بعد النذر وقبل الإجازة والحل لم يلزم النذر

ص: 499

لبقاء الحجر وللمشتري حله وإجازته.

الثاني : لو قال زيد : إن تزوجت عمرة فلله علي أن أطأها كل جمعة ، وقالت عمرة أن تزوجني زيد فلله على أن أصوم كل جمعه ثمَّ تزوجها انعقد نذرها دونه ، لأنها نذرت في حاله لا يتوقف نذرها على رضاه ، وقد حصل الشرط فانعقد النذر ووجب الوفاء به ، لأن نذر الوطي إنما يتناول الوطي المباح دون المحرم ، ولا شك في تحريم وطيها في صومها الواجب عليها ، كما لو كانت حائضا ، ولأنه لو نذر وطيها في يوم معين فاتفق الحيض فيه بطل نذره ، نعم لو صادف يوم الجمعة سفرا أو طهرت في أثنائه من الحيض أو النفاس وجب الوطئ لوجوب الوفاء بالنذر مع الإمكان ، ولا فرق بين علم كل واحد منها بنذر صاحبه وعدمه.

ص: 500

في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولا شبهة في انعقاد النذر بالأولين ، وفي الثالث خلاف ، والانعقاد أصح.

أقول : اختلف علماؤنا في النذر المطلق غير المعلق على شرط ، مثل قوله لله عليّ أن أصوم يوما والأكثر على وقوعه وصحته ، وهو مذهب الشيخ وابن إدريس واختاره المتأخرون ، لأن النذر المطلق يصدق عليه أنه نذر فيجب عليه الوفاء ، لعموم الآيات (1) الدالة على وجوب الوفاء بالنذر ، وعموم قوله عليه السلام : «من نذر أن يطيع اللّه فليطعه» (2) ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام : «قال سألته عن رجل قال : علي نذر؟ إنه قال : ليس النذر بشي ء حتى يسمي شيئا لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا» (3) وقال السيد المرتضى : لا ينعقد النذر الا معلقا على شرط ، كأن يقول : لله على إن قدم فلان أو

ص: 501


1- منها الحج : 29 ، الإنسان : 7 ، آل عمران : 35.
2- المستدرك ، باب 12 من أبواب النذر والعهد ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 1 من أبواب النذر ، حديث 2 والتهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النذور ، حديث 2.

إن كان كذا فلله علي كذا ، واحتج بالإجماع ، ولأن معنى النذر ما كان معلقا على شرط وما ليس بمعلق لا يستحق اسم النذر ، وأجيب بمنع الإجماع وبأن معنى النذر ما كان معلقا (1) على شرط هو المتنازع فيه ، فلا يكون دليلا.

ص: 502


1- في الأصل : ما يكون مطلقا ، وفي «ن» : أن يكون معلقا.

في متعلق النذر

قال رحمه اللّه : أما الحج فنقول : لو نذره ماشيا لزم ، ويتعين من بلد النذر ، وقيل من الميقات.

أقول : إذا نذر الحج ماشيا أو راكبا انعقد أصل النذر إجماعا ، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه خلاف مبني على أن المشي أفضل من الركوب أو الركوب أفضل من المشي ، وقد مضى تحقيق البحث في ذلك في باب الحج (1). فاذا لزم قيد المشي ، هل يلزم المشي من بلد النذر أو من الميقات؟ الأول ظاهر الشيخ في المبسوط ، واختاره (المصنف و) (2) العلامة للعرف ، والألفاظ إنما تحمل على الاصطلاح العرفي ، ونقل في المبسوط أنه يلزمه من الميقات ، والأول هو المعتمد ما لم يقصد من الميقات ، وباقي فروع هذه المسألة مذكورة في كتاب الحج فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام انصرف الى بيت اللّه

ص: 503


1- ج 1 ص 398.
2- ليست في الأصل بل من النسخ.

سبحانه بمكة ، وكذا لو قال : الى بيت اللّه ، واقتصر ، وفيه قول بالبطلان إلا أن ينوي الحرام.

أقول : إذا قال لله على أن أمشي إلى بيت اللّه ولم يقل الحرام ، للشيخ في ذلك قولان : أحدهما : ينصرف الى بيت اللّه الحرام ، لأن الإطلاق ينصرف اليه وهو قوله في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس ، وقال في الخلاف : يبطل الا أن يقصد البيت الحرام ، واختار العلامة في المختلف عدم البطلان ، فان انصرف الى المسجد الحرام بمكة والا انصرف الى مطلق المساجد فيتخير في إتيان أي مسجد شاء ، وإذا انعقد النذر وجب الإتيان بحج أو عمرة ، لعدم جواز دخول مكة بغير إحرام فلو جاز ذلك كالمتكرر أو من دخل بعد إحرام لم يمض له شهر لم يجب النسك.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أن أمشي إلى بيت اللّه لا حاجا ولا معتمرا ، قيل : ينعقد بصدر الكلام وتلغو الضميمة ، وقال الشيخ : يسقط النذر ، وفيه إشكال من كون قصد بيت اللّه طاعة.

أقول : المعتمد إن كان لا يجوز له الدخول بغير إحرام : بطل نذره ، لأنه نذر ترك الواجب وهو لا ينعقد ، وان جاز له الدخول بغير إحرام كمن دخل بعد إحرام لم يمض له شهر ، أو كان متكررا كالحطاب والحشاش انعقد نذره ، لأن نفس قصد البيت طاعة ، فاذا انعقد لم يلزم القيد ، وهو الدخول بغير حج ولا عمرة ، بل هو مخير إن شاء دخل محرما بحج أو عمره ، وإن شاء دخل غير محرم ، لأن الإحرام غير واجب عليه ، لان الواجب المشي الى البيت خاصة فلا يجب النسك ، ما لم يكن واجبا عليه قبل النذر أو بسبب الدخول.

فرع : إذا نذر المشي الى أحد المساجد انعقد نذره ووجب الوفاء به ، قال الشيخ : فاذا وصله لزم أن يصلي فيه ركعتين ، لأن الطاعة المقصودة من المشي الى

ص: 504

المسجد الصلاة فيه ، لأن القصد لغير الصلاة ليس بطاعة ، وقال العلامة والشهيد : لا يلزمه فيه صلاة ، لأن نفس القصد طاعة ، لقوله عليه السلام : «من مشي الى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس الا سبحت له إلى الأرضين السابعة» (1) ، ولأنه إن كان القصد طاعة انعقد ولم يجب الصلاة ، لعدم تناول اللفظ لها والأصل براءة الذمة منها ، وان لم يكن القصد طاعة فلا ينعقد النذر فلا يجب الصلاة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال ، فحج عن غيره ، أجزأه عنهما ، وفيه تردد.

أقول : سبق البحث في هذه في باب الحج (2) والمعتمد عدم الاجزاء ما لم يكن ذلك بنيته (3).

قال رحمه اللّه : كما لو نذر يوم قدوم زيد ، سواء قدم ليلا أو نهارا ، أما ليلا فلعدم الشرط ، وأما نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور ، وفيه وجه آخر.

أقول : أما مع القدوم ليلا فلا خلاف في عدم الانعقاد لعدم حصول الشرط ، وانما الخلاف إذا قدم نهارا ، قال الشيخ وابن إدريس بعدم الانعقاد أيضا ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد وفخر الدين ، لعدم التمكن من صيام اليوم المنذور ، لأنه إذا قدم في أثناء النهار فقد مضى جزء من النهار قبل حصول شرط الصوم وهو قدوم زيد وبقي بعض ، فلا يصح افراد بعض النهار

ص: 505


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، الباب الرابع من أبواب أحكام المساجد ، حديث 1 ، وفيه زيادة كلمة : (الأرض) بين كلمتي : (له الى).
2- ج 1 ص 399.
3- في النسخ : (في نيته).

بالصوم ، ولو سبق (1) الوجوب الى الجزء الماضي لزم وجوب صوم زمان بعد مضيه وفواته وهو باطل ، فلا يكون النذر صحيحا ، وقال ابن الجنيد : من نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم في بعض النهار أجزأه صوم ذلك اليوم ، وإن لم يبيت الصيام من الليل ، والاحتياط أن يصام يوم مكانه بتقدم نيته على كل حال ، ولا يختار له فطر ذلك اليوم إذا لم يكن أحدث ما يفطر الصائم وان قدم ليلا لم يلزمه النذر ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

ووافقه العلامة في باب النذور من المختلف على انعقاد النذر ، ووجوب الصوم إذا قدم قبل الزوال ولم يتناول الناذر ، واختاره الشهيد ، لأنه قد يجب الصوم في زمان لا يمكنه فعله كما لو برئ المريض أو قدم المسافر قبل الزوال ولم يتناولا المفطر ، فإنه يجب عليهما إكمال الصوم وينويان حينئذ ويجزئهما ، فيكون نيتهما مؤثرة في الزمان المتقدم عليها ، وكذا لو أصبح بنية الإفطار يوم الشك ثمَّ ثبت الهلال قبل الزوال.

قال رحمه اللّه : ولو اتفق ذلك يوم عيد أفطر إجماعا ، وفي وجوب قضائه خلاف ، والأشبه عدم الوجوب.

أقول : إذا نذر صوم يوم قدوم زيد دائما ، فقدم يوم الخميس مثلا لزمه صوم كل خميس يأتي بعد يوم القدوم إجماعا ، أما الخميس الذي قدم فيه فعلى ما مر من الخلاف ، فاذا اتفق العيد يوم الخميس أفطره إجماعا ، لتحريم صوم يوم العيد.

وهل يجب القضاء فيه قولان : أحدهما : الوجوب ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، لرواية علي بن مهزيار (2) عن أبي الحسن عليه السلام الدالة

ص: 506


1- في «ن» و «ر 1» : سرى وفي «م» : سراء
2- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 10 من أبواب النذر ، حديث 1.

على وجوب القضاء ، الثاني عدم الوجوب ، وهو مذهب ابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأنه نذر زمانا لا يصح صومه فلا ينعقد صومه ، كما لو نذر صوم الليل ، والجهل بكونه يوم العيد لا يخرج المحل عن عدم قبوله للصوم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصيام في بلد معين ، قال الشيخ : صام أين شاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه إذا لم يوقعه في البلد المعين بالنذر لم يأت بالمنذور فلا يخرج من العهدة ، ومن أنه لا ترجيح لإيقاعه في البلد المنذور ، لأنه لم يحصل للصوم صفة زائدة لإيقاعه في ذلك المكان ، فلا ترجيح حينئذ وهو قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير ، وابنه في شرح القواعد ، وذلك إذا لم يكن للمكان المذكور مزية على غيره ، أما لو كان له مزية كصوم ثلاثة أيام للحاجة في المدينة ، فلا شك في تعينه بالنذر.

قال رحمه اللّه : إذا نذر صلاة فأقل ما يجزيه ركعتان ، وقيل : ركعة ، وهو حسن ، وكذا لو نذر أن يفعل قربة ولم يعينها.

أقول : إذا نذر صلاة وأطلق ، قال الشيخان وابنا بابويه والشهيد : أقل ما يجزيه ركعتان ، لرواية مسمع بن عبد اللّه (1) عن الصادق عليه السلام ، ولان المعهود من الشرع إنما هو صلاة ركعتين والركعة نادرة ، ونقل الشيخ عن بعض الجمهور وجوب ركعة لا غير ، وهو مذهب ابن إدريس واستحسنه المصنف ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير والمختلف ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنها عبادة فتكون مجزية.

ص: 507


1- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 2 من أبواب النذر ، حديث 3 لكنه نقله عن مسمع بن عبد الملك وكذلك في التهذيب.

فعلى إجزاء الركعة هنا لو نذر أن يفعل قربة وأطلق ، اجتزأ بالركعة الواحدة ، ولا شك أن الأول أحوط ، للنهي عن البتراء فيقتصر بها على موضع الوفاق.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد لزم ، لأنه طاعة ، أما لو نذر الصلاة في مكان لا مزية فيه للصلاة على غيره ، قيل : لا يلزم وتجب الصلاة ، ويجزي إيقاعها في كل مكان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه لا ترجيح في إيقاعها في المكان المعين ، لعدم المزية له على غيره فلا يلزم إيقاعها فيه ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، ومن أنه مع عدم الإيقاع في ذلك المكان المعين لم يأت بالمنذور (على وجهه) (1) فلا يخرج من العهدة.

قال رحمه اللّه : ولو نذر عتق عبد كافر غير معين لم ينعقد ، وفي المعين خلاف ، والأشبه : أنه لا يلزم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا نذر عتق رقبة فإنه يجزي أي رقبة كانت صغيرة أو كبيرة ، معيبة أو سليمة ، مؤمنة كانت أو كافرة ، ومثله قال في الخلاف ، وقال ابن البراج : إذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال ، سواء كانت مؤمنة أو كافرة ، وان كانت غير معينة أعتق أي رقبة بعد أن لا تكون كافرة ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وقال ابن إدريس : لا يجوز عتق الكافرة مطلقا ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (2) ، والكافر خبيث واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : ومن نذر أن لا يبيع مملوكا لزمه النذر ، فان اضطر الى بيعه ،

ص: 508


1- ما بين القوسين ليس في النسخ.
2- البقرة : 267.

قيل : لم يجز ، والوجه الجواز مع الضرورة.

أقول : القول بعدم جواز البيع وان اضطر قول الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، لما رواه الشيخ في الضعيف ، عن الحسن بن علي ، عن أبي الحسن عليهم السلام : «قال : قلت له : إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن الا أنى حلفت عليها يمين ، فقلت : لله على أن لا أبيعها أبدا ولى الى ثمنها حاجة مع تخفيف المونة ، فقال : ف لله بنذرك» (1) ، ومنع ابن إدريس من ذلك وجوز البيع مع الضرورة ، للإجماع (على جواز) (2) مخالفة النذر إذا كانت المخالفة أصلح دينا أو دنيا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

فروع : الأول : لو باع ما نذر ترك بيعه من غير ضرورة بل كان الاولى ترك البيع ، هل يصح البيع؟ يحتمل عدم الصحة ، لكونه منهيا عنه ، لأنه ممنوع من البيع منعا شرعيا ، فهو كبيع المحجور عليه فلا يقع صحيحا ، ويحتمل الصحة ، لأنه بيع صدر من مالك بالغ عاقل فيكون صحيحا ، والنهي الموجب للبطلان النهي المتعلق بالعبادات لا في المعاملات ، وهو المعتمد ، فحينئذ تجب الكفارة بمخالفة النذر اختيارا ، ولو قلنا بالبطلان لم يجب الكفارة.

الثاني : إذا نذر أن يعتق عبده إن برئ المريض أو قدم المسافر ، هل يجوز له بيعه قبل حصول الشرط؟ يحتمل ذلك ، لأنه قبل حصول الشرط مالك للعبد ملكا تاما ، ولم يوجد مانع من التصرف فيه ، لأن المانع وجوب الوفاء بالنذر وهو مشروط بوقوع الشرط ، ويستحيل تقدم المشروط على شرطه ، والمقتضي لجواز البيع موجود وهو الملك التام ، والمانع وهو وجوب الوفاء بالنذر مفقود ، فيجوز

ص: 509


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب 5 في النذور ، حديث 26. وفيه (ف لله بقولك له). والوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 17 من أبواب النذر ، حديث 11 (وفيه بدل - ف لله بنذرك - ف لله بقولك).
2- في «ر 1» : مع.

البيع. وهو مذهب ابن الجنيد وظاهر العلامة في المختلف.

ويحتمل العدم لتعلق النذر به ، ولهذا قال علماؤنا : لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأتلفه اليوم باختياره كان عليه الكفارة ، فاقتضى ذلك تعلق النذر بهذه العين قبل مجي ء الغد ، فلا يصح بيعه قبل حصول الشرط ، وهو اختيار فخر الدين ، لأن النذر قبل حصول الشرط له صلاحية التأثير ، وإخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير فلا يكون جائزا وهو قوي ولو نذر الصدقة بعين مشخصة عند حصول الشرط كان الحكم بجواز بيعها قبل حصول الشرط كذلك.

الثالث : ولو قلنا بجواز البيع فأعتق العبد ، المنذور عتقه عند حصول الشرط ، قبل حصوله ، (وتصدق بالعين التي نذر الصدقة بها كذلك ، صح العتق والصدقة قطعا ، ولو قلنا بالمنع من البيع فأعتق) (1) أو تصدق قبل حصول الشرط ، هل يقع ذلك صحيحا؟ يحتمل العدم ، لأنه ممنوع من التصرف المخرج من الملك قبل حصول الشرط ، لما في ذلك من إبطال النذر الذي ألزم بالوفاء به ، فيكون فعلا منهيا عنه ، والنهي يدل على فساد ما اشترط فيه نية القربة ، وهي مشروطة في العتق والصدقة ، فلا يقع شي ء من ذلك صحيحا ، ويحتمل وقوعه صحيحا ، لأنه تصرف قد صادف الملك وهو فعل مرغب فيه غير مناف لغاية النذر ، لأن الغاية فيه تحصيل العتق أو الصدقة بتلك العين ، فاذا فعل ذلك قبل الوجوب عليه كان ذلك مسارعة في الخير ومبادرة في الطاعة ، فيكون صحيحا ، لعدم منافاته لغرض الشارع وهو المعتمد.

الرابع : لو نذر عتق عبده غدا فأعتقه اليوم تبرعا ، هل يكون الحكم كذلك؟ يحتمل العدم للفرق بين المعلق على شرط والمعلق على صفة ، لتحتم وقوع

ص: 510


1- ما بين القوسين ليس في «م».

الصفة والشك في حصول الشرط ، فسبب (1) الوجوب المعلق على صفة متحقق ، والمعلق على الشرط مشكوك فيه ، ولهذا قال علماؤنا : ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث ، لتحقق المخالفة ، ولو كان معلقا على شرط لم يتحقق الحنث بإتلافه قبل حصول الشرط قولا واحدا وان حرم الإتلاف ، فعلى هذا لا يصح عتقه قبل الغد.

ويحتمل الصحة وعدم الحنث ، للفرق بين العتق وأكل الطعام ، لأن أكل الطعام من باب المباح المتساوي فعله وتركه ، ولم يكن أكله في اليوم أولى من أكله في الغد والا لم يتحقق الحنث ، والعتق من باب الطاعات المندوب (2) إلى المسارعة إليها والمبادرة فيها (3) ، وتعجيل الطاعة أولى من تأخيرها فيصح العتق ولا حنث ، لعدم المنافاة كما قلناه أولا ، وهو (فتوى ابن إدريس بجواز) (4) مخالفة النذر إذا كانت المخالفة أصلح دينا أو دنيا.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصدقة في موضع معين وجب ، ولو صرفها في غيره أعاد الصدقة بمثلها فيه.

أقول : إنما وجبت الإعادة فيه ، لأنه إذا نذر الصدقة بموضع معين أستحق النذر أهل ذلك الموضع ، فكأنه نذر الصدقة على أقوام معينين ، فاذا تصدق في غير ذلك الموضع فقد دفع النذر الى غير المنذور له ، فلا تجزيه الصدقة وتجب الإعادة على المنذور له ، فان كان المال معينا وجبت الكفارة أيضا والا اكتفى بالإعادة.

وهل تجزي الصدقة على أهل ذلك البلد المعين في غيره؟ استشكله العلامة في القواعد من أن النذر الصدقة في بلد معين ينصرف الى أهل ذلك البلد ، وقد

ص: 511


1- في الأصل : فيثبت.
2- في الأصل : المندوب.
3- في النسخ : إليها.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : قوي لجواز.

تصدق عليهم فيخرج من العهدة ، ومن أنه لم يأت بالمنذور فلا يخرج من العهدة ، والمعتمد إن بقي في البلد أحد وجب الصرف اليه ولا يجوز في غيره ، وإن لم يبق أحد صرف إلى أهله أين كانوا.

فروع : الأول : إذا نذر الصدقة إلى (1) أقوام معينين لزم وان كانوا أغنياء أو هاشميين ، وهل يجب عليهم القبول؟ فيه إشكال ، من توهم أنه كالدين فيجب قبوله ، لأنه يجب على الديان قبول دينه عند الدفع إليه إذا كان حالا ، ومن توهم أنه كالهبة المنذورة المعينة (2) ، فلا يجب القبول ، فحينئذ إذا دفعه إليهم ولم يقبلوا بطل النذر ، لتعذر مصرفه وسقط عن الناذر ، وهو مذهب العلامة وابنه ، ولا يبطل النذر على القول بوجوب قبولهم مع الرد.

الثاني : لا يملك المنذور له الإبراء إذا تعلق النذر بعين مشخصة ، لأن الإبراء يتناول ما في الذمم ، والعين ليست كذلك ، ولا يجزي القيمة ، ولو نمت العين قبل دفعها الى المنذور له كان النماء تابعا للملك ، فان قلنا بالملك القهري فهو للمنذور له ، وإن قلنا انه لا يملك الا بالاختيار فهو للناذر.

ولو كان المنذور غير مشخص بل في الذمة ملك المنذور له الإبراء ، وجاز احتساب الدين والمعاوضة ، إن كان صيغة نذره ان لفلان علي كذا ، وإن نذر الصدقة عليه أو الإهداء اليه أو الإيصال لم يجز الإبراء والاعتياض ، فلو مات أحدهما قبل الصدقة أو الإهداء أو الإيصال وكانت صيغة نذره لفلان علي كذا لم يبطل النذر بموت المنذور له وينتقل النذر الى ورثته ، ولا كفارة على الناذر ، لعدم تحقق المخالفة فإنه لم ينذر غير إثبات الشي ء في ذمته لزيد مثلا ، ولم ينذر دفعه اليه فصار كالدين المعلق في ذمته ، ولهذا لم يبطل بالموت من أحدهما.

ص: 512


1- كذا.
2- في النسخ : لمعين.

الثالث : ذهب الشهيد الى جواز مطالبة المنذور له للناذر بالنذر على كل تقدير ، سواء كان النذر معلقا بعين مشخصة أو بشي ء مقدر بالذمة ، وسواء كانت صفة النذر أن له على كذا أو أتصدق عليه أو أهدى اليه ، وهو يشكل على القول بالمواسعة وهو مذهبه ، لأن كل موضع (1) لا يلزم من عليه الحق الدفع حالا ليس للغريم المطالبة ، كالدين (2) المؤجل ، وقد يجاب بأن الدفع هنا واجب وان جاز التأخير ، وإذا وجب الدفع جازت المطالبة بخلاف الدين المؤجل فإن الدفع غير واجب قبل حلول الأجل ، فلهذا لم يجز المطالبة ، وقول الشهيد هو المعتمد إلا أنه مع الامتناع من الدفع لا يجوز حبسه ولا مقاصته لإباحة التأخير له.

الرابع : إذا قيد النذر بعين مشخصة أو قدر الفعل بزمان معين ، فأخر حتى تلفت العين أو فات الزمان اختيارا كان عليه القضاء والكفارة ، وإن كان غير مختار فالقضاء خاصة.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يهدي واقتصر ، انصرف الإطلاق في الهدي الى النعم ، وله أن يهدي أقل ما يسمى من النعم هديا ، وقيل : كان له ان يهدي ولو بيضة ، وقيل : يلزم ما يجزي في الأضحية ، والأول أشبه.

أقول : جزم الشيخ في الخلاف بأن إطلاق الهدي ينصرف الى ما يجزي في الأضحية من النعم ، وهو الثني من الإبل والبقر والمعز ، والجذع من الضأن ، سواء نكر مثل أن قال : لله على أن أهدى هديا ، أو عرف بالألف واللام كأن يقول : لله علي أن أهدى الهدي ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، بأنهم رووا : «أن الهدي لا يقع الا على النعم» (3) ، وقوى في المبسوط أن يلزمه أقل ما يقع عليه

ص: 513


1- في الأصل : حق.
2- في «م» و «ر 1» : كالنذر.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب الذبح ، حديث 1 ، 5 ، 9 ، 11.

الاسم من تمرة أو بيضة فما فوقها ، لأن اسم الهدي يقع عليه لغة ، وشرعا ، يقال : أهدي بيضة وتمرة ، وقال تعالى ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (1) ، وقد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة ، وسمى النبي صلى اللّه عليه وآله البيضة هديا فقال : «في التكبير إلى الجمعة الا ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة» (2) ، واختاره العلامة في المختلف لأصالة براءة الذمة من الزائد على ذلك ، واختاره المصنف انصراف الإطلاق إلى النعم وأجزأ أقل ما يسمى هديا ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وبه قال فخر الدين والشهيد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يهدي الى بيت اللّه سبحانه غير النعم ، قيل : بطل النذر ، وقيل : يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت.

أقول : القول بالبطلان قول ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس وابن أبي عقيل ، لأصالة براءة الذمة ، ولما رواه أبو بصير في طريق ضعيف عن الصادق عليه السلام : «فان قال الرجل : أنا أهدي هذا الطعام ، فليس بشي ء إنما يهدي البدن» (3) ، ولأنه لم يتعبد بالإهداء إلا في النعم فيكون نذرا لغير متعبد به.

وقيل : ينعقد النذر ويباع ذلك ويصرف في مصالح البيت ، واختاره العلامة في المختلف ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، لأنه طاعة وقربة فيقع لمساكين تلك البقعة فينعقد ويجب الوفاء ، والخلاف أنما هو في غير النعم وغير العبد والجارية والدابة ، لإجماعهم أن من جعل عبده أو أمته أو دابته هديا لبيت اللّه ، بيع ذلك وصرف في مصالح البيت.

ص: 514


1- المائدة : 95.
2- سنن البيهقي ، ج 3 ص 226.
3- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 1 من أبواب النذر ، حديث 3.

قال رحمه اللّه : ولو نذر نحر الهدي بمكة وجب ، وهل يتعين التفرقة بها؟ قال الشيخ : نعم عملا بالاحتياط ، وكذا بمنى ، ولو نذر نحره بغير هذين ، قال الشيخ : لا ينعقد ، ويقوى أنه ينعقد ، لأنه قصد الصرف على فقراء تلك البقعة ، وهو طاعة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا نذر أن ينحر بمكة ولم يزد على هذا ، قال قوم : يلزمه النحر والتفرقة معا بها ، ومنهم من قال : يلزم النحر فقط ، ويفرق اللحم حيث يشاء ، والأول أقوى عندنا (1) وأحوط ، فاما إن نذر بغير مكة كالبصرة والكوفة وغيرهما ، فان نذر أن ينحر ويفرق اللحم بها لزمه ذلك ، لأن نذره لمساكين تلك البقعة ، وإن أطلق ولم يذكر تفرقة اللحم ، قال قوم : إنه يلزمه النحر وتفرقة اللحم بها ، ومنهم من قال : لا ينعقد نذره أصلا ، وهو الأقوى عندي ، لأن الأصل براءة الذمة.

وقال في الخلاف : فان نذر نحره بالبصرة أو الكوفة لزمه الوفاء ، ويفرق في الموضع الذي ذكره ، واختار المصنف مذهب الخلاف ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد والتحرير ، فإنه اختار فيهما انعقاد النذر ولم يذكر التفرقة ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : وهو اختيار الشيخ في الخلاف ونجم الدين ، فدل على أن مذهب الخلاف كمذهب الإرشاد والشرائع ، وهو انعقاد النذر ووجوب التفرقة في موضع النحر وإن كان بغير مكة ومنى.

وفصل الشهيد في دروسه بعد أن أوجب تفرقة اللحم بمكة ومنى إن كان النحر فيهما ، فقال : ولو نوى غيرهما وقصد الصدقة أو الإهداء للمؤمنين صحّ ، وإن قصد الإهداء للبقعة بطل ، وإن قصد مجرد الذبح فيهما فهو من باب المباح ،

ص: 515


1- في «ن» : عنده.

وهو جيد مع حصول القصد ، والاشكال انما هو مع الإطلاق واعتقاد القصد ، لأنه المبحوث عنه.

ص: 516

في اللواحق

قال رحمه اللّه : والشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، ولو صام شوالا وكان ناقصا أتمه بيوم بدلا عن العيد ، وقيل بيومين ، وهو حسن.

أقول : تردد الشيخ في المبسوط بين الإتمام بيوم أو يومين ، ففي أول بحثه حكم بالإتمام بيومين ، وفي آخره قوى الإتمام بيوم ، ووجه الإتمام بيومين : أن الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، وهو قد أفطر يوما من شوال فصار الاعتبار بالعدد ، ووجه الإتمام بيوم واحد ، لأنه لم يفطر من الشهر الهلالي غير يوم فلا يجب عليه غيره ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : [الثالثة :] إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد ، لأن صيامه مستحق بغير النذر ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن صيامه مستحق بغير النذر ولا يمكن وقوع غير رمضان فيه فلا ينعقد نذره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، ومن انعقاد الإجماع على انعقاد النذر إذا كان المنذور طاعة ، ووجوب صومه بأصل الشرع لا ينافي الانعقاد ، لما فيه من الحث على فعل الواجب ، حذرا من لزوم

ص: 517

الكفارة معه ، لأنه مع الإخلال يلزمه كفارتان ، وقيل النذر كان يلزمه كفارة واحدة ، فيحصل تأكيد الوجوب ، وهو مذهب العلامة والشهيد وهو المعتمد.

فرع : على القول بانعقاد نذر الواجب ينبغي التعرض لنية المنذور الموكل مع الأصل مثل ان يقول : أصوم غدا لوجوبه علي بالأصل والنذر قربة الى اللّه ، ويجوز ترامي النذر أيضا وتعدد الكفارة بتعدده ، كما لو نذر أن يصوم شهرا مطلقا ، ثمَّ بعد انعقاد النذر نذر أن يصومه من سنة معينة ثمَّ بعد انعقاده نذره بعينه بشهر معين من تلك السنة ، فان أخل به حتى مات لزمه ثلاث كفارات وإن اتى به في غير السنة المعينة لزمه كفارتان ، وإن أتى به في تلك السنة المعينة في غير ذلك الشهر المعين منها لزمه كفارة واحدة.

قال رحمه اللّه : [الخامسة :] إذا عجز الناذر عما نذره سقط ، فلو نذر الحج فصدّ سقط النذر ، وكذا لو نذر صوما ، لكن روي في هذا : يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه محمد ابن منصور ، عن الرضا عليه السلام ، «قال : كان يقول من عجز عن صوم نذره فمكان كل يوم مد» (1) ، وقد سبق البحث في ذلك في باب الكفارات (2).

قال رحمه اللّه : وكفارة المخالفة في العهد كفارة يمين ، وفي رواية : كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان (3) ، وهي أشهر.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب الكفارات (4) ، والمعتمد أنها كفارة

ص: 518


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب ، حديث 2 وفيه اختلاف يسير.
2- ص 289 لكن ليس فيه صورة العجز.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 24 من أبواب الكفارات : حديث 2.
4- ص 290.

من أفطر يوما من شهر رمضان.

قال رحمه اللّه : [السابعة :] النذر والعهد ينعقدان بالنطق ، وهل ينعقدان بالضمر والاعتقاد؟ قال بعض الأصحاب : نعم ، والوجه : أنهما لا ينعقدان الا بالنطق.

أقول : الانعقاد بالضمير والاعتقاد مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، وهو ظاهر المفيد ، لقوله عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (1) ، وإذا انتفى العمل عند انتفاء النية وجب تحققه عند تحققها ، ولأن المناط في العبادات (2) اللفظية الاعتقاد ، وهو هنا حاصل ، واللفظ انما هو لإعلام الغير بما في الضمير ، واللّه تعالى عالم بسرائر القلوب ، ولقوله تعالى ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ ) (3).

وقال ابن الجنيد : لا ينعقد الا باللفظ مع النية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لان النذر إيقاع فلا يكفي فيه مجرد النية ، كاليمين والعتق ، ولأنه من الأسباب ولا يجري على ما في القلوب بل لا بد من ظهورها.

ص: 519


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.
2- في الأصل : الاعتقادات.
3- البقرة : 284.

ملاحظة

قد تمت طريقة التحقيق في هذين الجزأين - أي الثالث والرابع - على خلاف ما قبلهما ، لتوفر نسخة مهمة لدينا تبدأ من كتاب النكاح إلى نهاية الشرح ، وقد عرّفنا بها في مقدمة التحقيق ج 1 ص 20 ورمزنا لها ب- «ي» فراجع.

لذا جعلناها «أصلا» ، وما خالفها من بقية النسخ أشرنا إليه في الهامش ، إلا ما اعتقدنا خطأه في نسخة الأصل فصححناه اعتمادا على النسخ الأخرى ، مع الإشارة إلى ذلك.

ص: 520

محتويات الجزء الثالث

كتاب النكاح

الموضوع / الصفحة

آداب العقد

في اللواحق... 7

تنبيه في الفرق بين المحاسن وبين الوجه والكفين... 9

فرع في حكم نظر الوكيل إلى المرأة التي يريد تزويجها للموكل أو الأمة التى يريد شراء ها له... 11

حكم النظر إلى نساء أهل الذمة وإلى شعورهن... 11

في النظر إلى المحارم... 12

في جواز تبرج النساء قبال الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء... 12

حكم نظر الخصي إلى المرأة... 13

حكم الوطء في الدبر... 13

حكم العزل عن الحرة... 14

مسألة فى دية النطفة... 14

في خصائص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)... 17

ص: 521

في العقد... 21

حكم العقد وقع بغير الماضي... 22

حكم الإخلال بذكر الأجل في العقد المنقطع... 23

حكم السكران أو السكرى إذا زوجت نفسها... 24

في أولياء العقد... 27

في حكم ولاية الجد مع بقاء الأب... 27

في ثبوت الخيار للصبية بعد البلوغ إذا زوجها أبوها جدها له... 28

في ثبوت الخيار للصبي إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه... 29

في ثبوت ولايتهما على البكر البالغة الرشيدة... 29

في ولاية الوصي على النكاح... 30

لو وكلته في تزويجها منه... 30

لو زوجها الولي بدون مهر المثل... 30

حكم سكوت البكر... 32

في جوازها نكاح الأمة بإذن مالكها... 32

إذا زوجها الاخوان برجلين... 33

فروع في اختلاف الوكيلين أو الوليين... 34

في ولاية الأم على الولد... 35

في العقد الفضولي مع انكار الزوج الاذن... 36

في أسباب التحريم... 37

في الرضاع... 39

في تقدير ما ينشر الحرمة... 40

فرع فيما لو حصل الاشتباه في الرضاع... 43

فى كراهية استرضاع من ولادتها عن زنا... 43

ص: 522

فرع في جواز ترويج الفحل لأخت المرتضع وجدته... 44

إذا عقد الانسان على امرأة ثم فارقها قبل الدخول لم تحرم عليه بنتها فهل تحرم امها 48

هل للعمة الخالة الخيار في اجازة العقد ونسخه فيما لو تزويج بنت اخيها أو أختها 50

الزنا بالمرأة هل ينشر حرمة التزويج في أمها وبنتها... 51

حكم الوطيء بالشبهة... 53

حكم النظر واللمس الذي يسوغ لغير المالك... 53

هل تحرم المملوكة على أبي اللامس أو ابنه إذا أو لمس ما يسوغ لغير المالك حكم ما لو تزوج بأختين         54

حكم ما لو وطيء أمة بالملك ثم تزوج بأختها... 56

في شرطي جواز عقد الحر على الأمة... 57

فروع... 58

في عدم جواز نكاح الأمة على الحرة إلا باذنها... 58

حكم المفضاة التي لم تبلغ تسعاً... 59

حكم الدخول بالمعتدة... 61

فروع... 64

حكم التزوج بذات البعل... 64

حكم وطي الأمة في الاستبراء... 65

في أن من زنا بامرأة لم يحرم عليه نكاحها... 65

في جواز نكاح الزانية على كراهية... 65

حكم الزنا بذات عدة بائن أو وفاة أو عدة المستمتع بها... 67

إذا طلق احدى الاربع بائناً وتزوج اثنتين... 67

ص: 523

في عدم جواز نكاح غير الكتابية... 67

في جواز نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى... 68

في نكاح المجوسيات... 69

حكم ما لو أسلمت زوجته قبل الدخول... 69

إذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا... 70

لو اسلم العبد وعنده أربع حرائر وثينات... 71

في ان اختلاف الدين فسخ لا طلاق... 71

إذا لم يسم مهراً ثم أسلم قبل الدخول... 71

إذا سمى مهراً فاسداً كالخمر والخنزير ثم اسلم بعد الدخول وقبل قبض المهر... 72

إذا ارتد المسلم بعد الدخول... 72

لم اسلم على أكثر من أربع ثم اسلمن فى العدة... 73

في ان اباق العبد طلاق امرأته فانه بمنزلة الارتداد... 74

في مسائل من لواحق العقد... 75

في ان الكفاءة شرط في النكاح... 75

هل يشترط التساوي في الايمان... 75

فرع... 76

لو تجدد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلط على الفسخ... 78

تنبيه في أن التمكن من المؤنة هل هو شرط في وجوب الاجابة... 78

في وجوب اجابة المؤمن القادر على النفقة إذات خطب ولو امتنع الولي كان عاصياً 79

فرعان... 80

في انتماء الرجل إلى قبيلة وتزوج فبان الخلاف... 81

فرع... 81

ص: 524

إذا تزوج بامرأة ثم علم أنها كانت زنت... 82

لوخطب فأجابت هل يحرم على غيره خطبتها... 82

في بطلان العقد مع اشتراط المرأة على المحلل ان لا نكاح بينهما بعد التحليل... 83

في اشتراطها الطلاق بعد التحليل... 83

في بطلان نكاح الشغار... 83

فرع... 84

النكاح المنقطع

ضبط الأجل ومعلوميته... 88

فرعان... 89

في أن الشروط يجب أن تقرن بالايجاب والقبول... 90

في ان المستمتع بها تبين بانقضاء المدة... 90

في انه لا يقع لعان بالمستمتع بها لنفي الولد... 91

لاتوارث بين الزوجين في المنقطع... 92

في عدة المستمتع بها... 93

نكاح الاماء

تنبيه في صيغة العقد هنا... 101

في انه إذا ملك بعض زوجته بطل عقده عليها... 102

إذا اعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها... 103

فروع تتعلق في خيار المملوكة المزوجة بعد العتق... 105

في جواز جعل عتقه الأمة صداقها... 106

ص: 525

في ان الولد تنعتق بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها... 107

لو زوج عبده بحرة ثم باعه قبل الدخول... 110

في ان طلاق الأمة بيد المولى... 111

فرعان... 112

حكم ما لو استقل العبد باطلاق من غير اذن السيد... 112

هل أمر المولى بالطلاق يكون فسخاً... 112

في ملك المنفعة... 115

فروع... 115

حكم تحليل امته لمملوكه... 117

في ان ولد المحللة حر... 119

في العيوب

في عيوب الرجل... 121

تنبيه في أن الجنون أو الجبب يبيحان الفسخ وان تجددت بعد الوطي... 123

في تعريف القرن... 125

في أحكام العيوب

في الجنون... 125

في العنن... 126

في التدليس... 129

في المهور... 133

إذا جعل المهر عملاً مضموناً في ذمة الزوج... 133

ص: 526

حكم عقد المسلم على الخمر والخنزير... 134

حكم الزيادة على مهر السنة... 134

في جواز ان يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد... 135

فرع... 137

لو أصدقها ظرفاً على انه خل فبان خمراً... 137

في ان المهر مضمون على الزوج... 138

وهنا تحقيق... 138

لو وجدت في مهرها عيباً كان لها رده بالعيب... 138

في ان لها ان تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض المهر... 139

فرعان لو زوجها الولي بدون مهر المثل... 140

فروع... 141

تنبيه في انه يجب على الفقيه ان يعرف مهر المثل على وجه كلي... 142

تنبيه آخر الاعتبار لمهر المثل المستند إلى العقد الفاسد يوم الوطي لا يوم العقد... 143

لو فوضت تقدير المهر إلى أحدهما (هي أو الزوج)... 144

في الدخول الموجب للمهر... 145

إذا لم يسم لها مهراً وقدم لها شيئاً ثم دخل كان ذلك مهرها... 147

لو شرط ان لايفتضها لزم الشرط... 150

إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها... 152

في ان الصداق يملك بالعقد... 153

فرعان... 155

في الاختلاف في أصل المهر... 157

ص: 527

إذ خلا بها فادعت المواقعة... 159

في القسم

في ان القسمة بين الأزواج حق على الزوج... 161

في اختصاص القسم بالليل... 162

في سقوط القسمة بالسفر... 164

في النشوز... 167

في صورة الهجر... 167

في الشقاق... 169

في ان بعث الحكم على سبيل التحكيم لا التوكيل... 169

أحكام الأولاد

في ان أقصى الوضع هو تسعة أشهر... 171

في أحكام الولادة

حكم العقيقة... 173

في الحضانة

في عدم وجوب الرضاع على الأم... 175

إذا ادعى الأب وجود متبرعة وانكرت الأم... 176

في حق الحضانة... 177

ص: 528

فرع يتعلق بسقوط حضانة الأم... 178

في ان أولوية الرضاع للأم ما لم تطلب اجرة زائدة... 178

إذا طلقت الأم فهل ترجع حضانتها... 178

في النفقات

هل ان وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين... 181

فروع... 181

حكم النفقة مع صغر أحد الزوجين وعدم تمكنه... 182

في سقوط نفقة البائن وسكناها... 183

في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها... 184

في تقدير الإطعام... 185

في كسوة الزوجة وهل هي إمتاع أو تمليك... 186

في نفقة زوجة المملوك... 188

في نفقة الأقارب

في نفقة الأبويين والأولاد... 191

تنبيه وفيه ان المانع من الارث مانع من وجوب الانفاق... 192

كتاب الطلاق

في المطلق

في طلاق الغلام الذي لم يحتلم... 195

في طلاق الولي عمن بلغ فاسد العقل... 196

ص: 529

في الوكالة في الطلاق للغائب... 196

حكم توكيلها في طلاق نفسها... 197

في المطلقة

في تقديرة المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب... 199

هل يشترط تعيين المطلقة بالاسم أو بغيره لمن كان له من زوجة... 200

تنبيه يتفرع عليه فروع... 201

إذا نظر إلى اجنبية وزوجته فقال إحداكما طالق... 203

في الصيغة

في الطلاق بغير الصيغة المعهود... 205

في طلاق الأخرس... 206

لوخيرها وقصد الطلاق... 207

في الطلاق المعلق... 210

في تنصيف الطلاق... 211

في الاشهاد

في اشتراط العدالة بالشاهدين... 213

فروع تتعلق بعدالة الشاهدين... 213

في أقسام الطلاق

في طلاق الحامل... 217

في تعريف الطلاق البدعي والسني... 217

ص: 530

في طلاق الحائل ثم مراجعتها... 219

في طلاق المريض

في اقرار المريض بطلاق زوجته في حال الصحة ثلاثاً... 233

إذا سألته الطلاق فلا إرث لها... 224

في ما يزول به تحريم الثلاث

في المحلل وشروطه... 227

لو ادعت المطلقة ثلاثاً انها تزوجت وقضت العدة... 228

فرع في جواز العقد على المرأة لو ادعت انها مطلقة وانقضت عدتها... 229

في الرجعة

في عدم تحقق الرجعة المعلقة على شرط... 231

حكم ارتداد المطلقة رجعية... 232

في كيفية رجعة الأخرس... 232

لو تزوجها في العدة الرجعية... 233

في العدد

في الدخول الموجب للعدة... 235

في عدة المستقيمة الحيض... 235

في اقل زمان تنقضي به العدة... 236

في عدة اليائسة... 236

ص: 531

في حد اليأس... 237

في عدة المرأة المسترابة... 238

فرع... 240

حكم المدة في ما إذا طلقت في اثناء الشهر... 240

حكم المرتابة بالحمل... 241

في عدة الحامل

في أقضى مدة الحمل... 243

تنبيه في مضي اقصى مدة الحمل... 243

حكم الحامل باثنين... 244

فرع في انه لا تنقضى العدة بانفصال بعض الولد... 245

لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً... 245

في عدة الوفاة

في وجوب الحداد على الأمة وعدمه... 247

حكم اعتداد زوجة المفقود باذن الحاكم ثم رجوعه بعد انقضاء العدة وقبل زواجها 248

فروع... 248

في انه لانفقة على الغائب في زمان العدة... 250

حكم الولد لستة أشهر من دخول الثاني... 250

في انه لاتوارث لو كان الموت بعد العدة... 251

حكم الميراث لومات أحدهما في العدة... 251

في ان البائنة لا ميراث فيها... 251

ص: 532

في عدة الاماء

في عدة الذمية... 253

في عدة أم الولد... 253

في اللواحق

حكم المطالقة في مسكن دون مستحقها... 255

في ان السكنى تابعة لوجوب النفقة... 255

كتاب الخلع

في الصيغة

في وقوع الخلع بمجرده... 259

تنبيه في انه لا يشترط تقديم البذل على الخلع... 259

هل ان وقوع الفرقة بلفظ الخلع طلاق أم فسخ... 260

في الفدية

في من يصح منه بذل الفداء... 263

لو خالعت في مرض الموت صح... 264

لو خلعها على عين فبانت مستحقة... 264

في صحة البذل من الأمة... 264

متى يجب الخلع على الزوج... 265

ص: 533

في الأحكام

متى يجوز للرجل عضل الزوجة... 267

في معنى العضل... 267

حكم الطلاق بشرط... 268

في معنى الولاء... 268

حكم البذل المجهول... 269

كتاب الظهار

في الصيغة

حكم شبيه بغير الأم (أي انه يقع الظهار؟)... 273

حكم التشبيه بيد الأم أو الشعر أو البطن... 274

في انه لايقع الظهار بجعله يميناً... 274

حكم تعليق الظهار على صفة... 275

هل يقع الظهار إذا قصد به اضرار المرأة... 276

في وقوعه موقوفاً على شرط... 277

هل يقع الظهار مؤقتاً... 277

في وقوعه بغير الصيغة المنصوصة... 278

في المظاهرة

في اشتراط الدخول وعدمه... 279

هل يقع الظهار بالمستمع بها... 279

في وقوعه بالموطوءة بالملك... 280

ص: 534

في الأحكام

في حرمة الظهار... 281

في وجوب الكفارة على المظاهر... 281

في تعدد الكفارة بتكرر الظهار... 282

في حرمة الوطي على المظاهر ما لم يكفر... 283

في حرمة ما دون الوطيء عليه... 284

في اجزاء الاستغفار إذا عجز من الكفارة... 285

في الكفارات

في كفارة من أفطر يوماً نذر صومه... 289

في كفارة الحنث في النذر... 289

في كفارة خلف العهد... 290

حكم من حلف بالبراءة من اللّه أو الرسول أو الأئمة عليهم السلام... 290

تنبيه في ترتب الحكم على الحلف لكل واحد أو للجميع... 291

هل تستقر الكفارة بمجرد الحلف أو لا بد من الحنث... 291

في جز المرأة شعرها في المصاب... 291

فروع... 292

في معنى الجز... 292

في كفارة الحيض مع التعمد... 292

حكم من تزوج امرأة في عدتها... 292

فروع... 292

في وجوب الكفارة على من تزوج بذات بعل... 292

ص: 535

في انه لا يجزي الصدقة من غير الدقيق... 293

حكم من نام عن (صلاة) العشاء حتى جاوز نصف الليل... 294

فروع... 294

في اعتبار الايمان في الرقبة في كفارة القتل وعدمه... 295

في المراد بالايمان... 296

تحقيق في مسألة اشتراط ايمان الرقبة... 297

في خصال الكفارة

في جواز عتق المولود في كفارة الظهار... 299

في اسلام المراهق... 300

في جواز عتق ولد الزنا في الكفارة... 300

في جواز عتق المدبر في الكفارات... 302

في عدم صحة عتق المرهون بدون إجازة المرتهن... 302

في جواز عتق العبد الجاني... 303

في تبرع أجنبي بالعتق عنه... 304

إذا أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت... 304

إذا قال: اعتق عبدك عني ففعل... 305

في كيفية ملك الطعام الذي قدم للأكل بقول مالكه (كل هذا الطعام)... 306

في انه يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه والقربة والتكفير... 307

في وقوع العتق عن غير الكفارة فيما لو قال له قائل اعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا     308

حكم من أفطر في اليوم الثاني من الشهر الثاني في صوم الكفارة... 310

في عدم انقطاع التتابع لو أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على أنفسهما... 310

ص: 536

في ان الاكراه على الافطار لا يقطع التتابع... 310

في اقسام الاكراه... 311

في تخير المكفريين اطعام المساكين وبين التسليم اليهم... 311

في ان كفارة اليمين مخيرة بين العتق والاطعام والكسوة... 312

في وجوب كفارة الظهار بنية العود... 314

كتاب الايلاء

في الصيغة

في ان الايلاء لايتحقق إلا باللفظ الصريح... 317

حكم الايلاء المعلق على شرط أو صفة... 318

في المؤلي

في صحة الايلاء من المجبوب وعدمها... 319

في المؤلى منها

في انه لايقع بالمستمع بها... 321

في أحكام الايلاء

في معنى انقطاع الاستدامة... 324

حكم الوطء في مدة التربص... 324

ص: 537

كتاب اللعان

في السبب

في عدول القاذف عن البينة إلى اللعان... 329

في لحوق الولد بالخصي والمجبوب وعدمه... 330

في الملاعن

في صحة لعان الكافر... 333

في كيفية لعان الاخرس... 334

في الملاعنة

في اعتبار الدخول بالملاعنة وعدمه... 337

في ثبوت اللعان بين الحر والمملوكة... 338

في صيرورة الأمة فراشاً بالوطي وفي معناه... 339

في كيفية اللعان

في اشتراط ايقاع اللعان عند الحاكم... 341

في وضع الرجل والمرأة (من القيام أو القعود) حال تلفظه بالشهادة واللعن... 342

هل اللعان شهادات أو أيمان... 343

ص: 538

في الأحكام

فيما لو أكذب نفسه بعد اللعان... 345

في انه لايجب الحد عليها لو اعترفت بعد اللعان... 346

حكم اقرارها بعد القذف وقبل اللعان... 346

إذا قذفها فماتت قبل اللعان... 348

إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثم قذفها به... 349

حكم نكولها بعد القذف واللعان ثم قذفها الاجنبي... 351

حكم شهادة اربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم الزوج... 351

كتاب العتق

في أسباب العتق

في وقوع العتق بغير لفظ التحرير... 355

في الألفاظ الموضوعة للتحرير... 356

في اشتراط تعيين المعتق... 356

في صحة عتق الصبى... 358

في بطلان عتق الكافر... 358

في شروط صحة العتق... 359

في صحة عتق ولد الزنا... 360

في لزوم وفاء العتيق بشروط المعتق... 360

من نذر عتق أول مملوك فملك جماعة... 362

حكم العتق في مرض الموت... 363

تحقيق في مسألة العتق في مرض الموت... 367

ص: 539

في السراية

في عتق أحد الشريكين حصته... 371

فرع في وجوب السعي على العبد... 373

في انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية... 373

فروع حول عتق حصة الشريك... 374

في ان عتق الشقص إما مباشرة بالصيغة أو بالسبب... 375

لو أعتق الحامل تحرر الحمل... 376

إذا دفع لمعتق قيمة نصيب شريكه... 376

في الملك

لو ملك من جهة الرضاع من ينعتق عليه... 379

في العوارض

في عتق من مثل به مولاه... 381

كتاب التدبير

في العبارة

في تعليق التدبير بوفاة غير المالك... 385

فرع لومات المالك أولاً... 386

في صحة تدبير المملوك لشريكين مع قولهما إذا متنا فأنت حر... 387

في اشتراط نية القربة... 388

ص: 540

في تعليق التدبير على شرط أو صفة... 389

في عدم جواز الرجوع في تدبير الولد... 389

في المباشر

في تدبير الصبي... 391

في تدبير الكافر... 391

في بطلان تدبير المرتد عن فطرة... 392

في عدم بطلان تدبير المرتد عن غير فطرة... 392

في الأحكام

في ان التدبير بصفة الوصية... 395

في بطلان التدبير لو كان على الميت دين يستوعب التركة... 397

في ان الكتابة منافية للتدبير... 398

كتاب المكاتبة

في الأركان

في اشتراط الأجل في الكتابة... 401

في حد العجز بالمبيع للفسخ في الشروط... 402

في أن الكتابة عقد لازم... 403

في معنى الجواز المقابل للزوم... 403

هل يشترط في صحة الكتابة اسلام السيد... 404

ص: 541

في جواز مكاتبة مملوك اليتيم من قبل وليه... 404

في اعتبار البلوغ والكمال والاسلام في المكاتبة... 405

لوكاتبة ثم حبسه مدة... 406

في الأحكام

في موت المكاتب... 409

فرع لو كان وارث المكاتب جماعة... 410

في تكفير المكاتب بغير الصوم بغير إذن مولاه... 411

إذا ملك المملوك نصف نفسه... 411

في اختلاف السيد والمكاتب في مال الكتابة... 412

في بطلان العتق مع رد العوض بالعيب... 413

في مكاتبة بعض عبده... 413

في اللواحق

إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شيء من النجوم... 415

في جواز شراء المكاتب لقريبه الذي ينعتق عليه... 416

في أحكام المكاتب

إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه... 419

ص: 542

كتاب الاستيلاد

إذا وطيء أمة الغير بشبهة أو بعقد فأولدها... 425

لو وطأ الذمي أمته فحملت منه وأسلمت... 425

إذا أوصى لأم ولده... 426

إذا جنت أم الولد... 427

في وليدة نصرانية اسلمت... 428

كتاب الاقرار

في الصيغة

في ان الاستثنا من الجنس جائز... 436

في المقر

في إقرار المفلس... 439

في اقرار المريض... 440

في قبول الاقرار بالمبهم... 442

في المقر له

في الاقرار للبهيمة... 443

في الاقرار للحمل... 443

ص: 543

فرع لو أقر لمسجد أو مقبرة... 444

لو أقر بعبد لانسان فأنكر المقر له... 444

فروع... 444

إذا أقر بعين لزيد فكذبه... 445

لورجع المقر له عن تكذيب المقر... 445

لو رجع المقر عن اقراره... 445

في ان الشهادة على الغير بعين في يده يكون اقراراً... 446

لو قال علي ألف وقطع ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضة... 446

في الاقرار بالنسب

في عدم اعتبار تصديق الصغير... 449

في ثبوت النسب... 450

في الجعالة

إذا رد الانسان عبد غيره أو ضالته... 453

لو جعل لواحد جعلا على الرد فشاركه آخر... 454

في اللواحق

لو اختلفا في قدر الجعالة... 457

ص: 544

كتاب الإيمان

في مابه ينعقد اليمين

في اقسام ما ينعقد به اليمين... 461

في المراد بالمعاني الموجبة للحال... 462

في الاستثناء بمشيئة اللّه... 464

في دخول الاقرار بالاستثناء... 465

في الحروف التي يقسم بها... 466

في الحالف

في صحة يمين الكافر وعدمها... 469

في يمين الولد والزوجة والمملوك... 470

فرع... 471

في متعلق اليمين

إذا حلف ان لايشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها... 473

إذا حلف أن لايأكل طعاماً اشتراه زيد فأكل ما اشتراه زيد وعمرو... 473

لوحلف لاشربت من الفرات... 475

إذا حلف لا يأكل الرؤوس... 476

إذا حلف لايأكل لحماً... 476

إذا حلف لايأكل شحماً... 476

ص: 545

إذا حلف لايأكل من هذه الحنطة فطحنها... 477

لو حلف لايأكل بسراً... 479

في معنى الفاكهة... 480

إذا قال لا شربت ماء هذا الكوز... 480

إذا حلف أن لا يتطيب... 481

لو حلف لا دخلت دار زيد... 482

لو قال: لا دخلت هذه الدار فانهدمت... 483

لوحلف: ليبيعن... 485

في المراد من الهبة وكيفية القبول فيها... 485

إذا حلف لايفعل ثم باشر الفعل بنفسه حنث... 486

إذا حلف ليضر بن عبده مئة سوط... 488

إذا حلف لا ركبت دابة العبد... 489

في حقيقة التسري... 489

إذا حلف لأقضين دين فلان إلى حين أو زمان... 490

في اللواحق

في عدم جواز الحلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من الأئمة عليهم السلام 493

إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق... 494

إذا حلف العبد باذن سيده ثم حنث بغير اذنه... 494

ص: 546

كتاب النذر

في الناذر

يشترط إذن الزوج في نذرة المرأة... 499

فرعان... 499

في الصيغة

في النذر المطلق... 501

في متعلق النذر

في نذر الحج... 503

لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه... 504

فرع إذا نذر المشيء إلى أحد المساجد... 504

لو نذر صوم يوم قدوم زيد... 505

لو نذر الصيام في بلد معين... 507

إذا نذر صلاة فأقل ما يجزيه ركعتان... 507

لو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين منه لزم... 508

لو نذر عتق عبد كافر غير معين لم ينعقد... 508

من نذر أن لا يبيع مملوكاً... 508

فرع... 509

إذا نذر أن يعتق عبده ان برئ المريض أو قدم المسافر هل يجوز له بيعه قبل

ص: 547

حصول الشرط... 509

لو نذر عتق عبده غداً فأعتقه اليوم تبرعاً... 510

لو نذر الصدقة في موضع معين... 511

فرع لو نذر الصدقة إلى اغنياء أو هاشميين... 512

في مطالبة المنذور له بالنذر... 513

لو نذر الهدي والطلق... 513

لو نذر أن يهدي الى بيت اللّه سبحانه غير النعم... 514

لو نذر نحر الهدي بمكة... 515

في اللواحق

في ان الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوماً... 517

إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان... 517

فرع... 518

إذا عجز الناذر عما نذره سقط... 518

في كفارة المخالفة في العهد... 518

في ان النذر والعهد ينعقدان بالنطق... 519

محتويات الكتاب... 521

ص: 548

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.