غاية المرام في شرح شرائع الإسلام المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 485

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الثاني

دارالهادي

ص: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

كتاب التجارة

اشارة

ص: 3

ص: 4

في ما يكتسب به

قال رحمه اللّه : وربما قيل بتحريم الأبوال كلها إلّا بول الإبل خاصة ، والأول أشبه.

أقول : القائل بالمنع فيها (1) عدا بول الإبل هو الشيخ في النهاية ، والمفيد وتلميذه سلّار ؛ لأن الأبوال من الفضلات فأشبهت البصاق والمخاط ، فلا يجوز بيع ما عدا بول الإبل للاستشفاء عند الضرورة.

وقال في المبسوط بجواز بيع كل بول مأكول اللحم ؛ لأصالة الجواز ، ولأنها طاهرة كبول الإبل.

واختاره ابن إدريس ، والعلّامة في المختلف ، وذلك مع تقدير الانتفاع بها (2).

قال رحمه اللّه : وفي الفيل تردد ، والأشبه جواز بيعه ؛ للانتفاع بعظمه. وقيل : يجوز بيع السباع كلها ؛ للانتفاع بجلدها أو ريشها ، وهو الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

ص: 5


1- في « م » زيادة : في ما.
2- قيد الانتفاع للعلامة خاصة ، انظر المختلف : 340.

الاولى : في المسوخ ، ومنع من بيعها أكثر المتقدمين ، وهو بناء على القول بنجاستها.

وذهب أكثر المتأخرين إلى القول بجواز بيعها ، من غير فرق بين الفيل وغيره ، بل كل عين طاهرة تقبل الذكاة ، وهي أعيان طاهرة على المختار ، ينتفع بجلودها إن كانت برية ، ودهنها إن كانت بحرية ، لكن يجب أن يقصد في البيع ما يجوز الانتفاع به من تلك الأعيان ، لا ما لا يجوز.

الثانية : في السباع ، وجوز ابن إدريس بيعها جميعا ؛ لطهارتها ، وللانتفاع بريشها وجلودها ، ولأصالة الجواز الا ما قام الدليل على المنع منه.

وحرّم الشيخ في النهاية والخلاف ما عدا الفهد.

وأجاز المفيد بيع الفهد وسباع الطير.

والمعتمد الجواز مطلقا.

قال رحمه اللّه : والقضاء على تفصيل سيأتي ، ولا بأس بأخذ الأجرة على عقد النكاح.

أقول : التفصيل هو أن القاضي إذا لم يتعين عليه القضاء وكان مضطرا ، قيل : يجوز له أخذ الجعل من المتحاكمين ، ومع عدم الضرورة أو التعيّن عليه لا يجوز له ، وسيأتي تحقيق ذلك في باب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

وأما الأجرة على إيقاع عقد النكاح وغيره من العقود فجائز ، وهي المباشرة للإيقاع سواء كان نائبا عن الزوجة أو الزوج ، أو البائع أو المشتري.

ولا يجوز أخذها على تعليم الصيغة وإلقائها على أحد (1) المتعاقدين ؛ لأن ذلك من باب الواجب على الكفاية - كتغسيل الموتى ودفنهم وحملهم ، وغير ذلك من الواجبات على الكفاية - لا يجوز أخذ الأجرة عليه.

ص: 6


1- من « ي ».

فرع : يجوز للغاسل أخذ الأجرة على الغسلات المندوبة ، ويجوز على تعميق القبر على القدر الواجب وإن زاد على المثل ، إذا كان المقصود من الأجرة ذلك الفعل المندوب.

ويشترط إجازة جميع الورثة إن كانت الأجرة من التركة.

وإذا وقعت الإجارة على الفعل الواجب كان العقد باطلا.

وهل يكون الفعل محرما يأثم فاعله أم لا؟

يحتمل ذلك ؛ لأنه فعله على وجه ليس بشرعي فيكون بدعة ( وكل بدعة ) (1) حرام.

ويحتمل إباحة الفعل ؛ لأنه طاعة ، ولا تحرم ، ولا يلزم من تحريم الأجرة تحريم الفعل.

تنبيه : قال فخر الدين رحمه اللّه في كتاب الإجارة (2) من شرح القواعد في شرح جواز أخذ الأجرة على تعليم الفقه : والحق عندي أن كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف به أخذ الأجرة عليه.

والذي على الكفاية ، فإن كان لو (3) أوقعه بغير نية لم يصح ولم يزل الوجوب به ، لا يجوز أخذ الأجرة عليه ؛ لأنه عبادة محضة (4) ، وقال تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (5). حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص ، وما يفعل بالعوض لا يكون كذلك ، فلا يصح.

ص: 7


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن » ، وبدل ( حرام ) ، ( حراما ).
2- في جميع النسخ ورد : ( التجارة ) بدل ( الإجارة ) ، والصحيح ما أثبتناه ؛ وكلام فخر الدين ( رحمه اللّه ) المنقول هنا موجود في كتاب الإجارة دون التجارة.
3- لم ترد في « ن ».
4- من « ي » و« م » ، وفي باقي النسخ : مخصوصة.
5- البينة : 5.

وغير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه ، إلا ما نص الشارع على تحريمه كالدفن (1) هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

جعل الضابط في تحريم الأجرة على الأفعال الواجبة على الكفاية هو فعل مشروط بالنية ، وما ليس مشروطا بها لا تحرم الأجرة عليه ، قال : إلا ما نص الشارع على تحريمه كالدفن ، وقد ذكر في هذه المسألة أن جميع الصنائع واجبة ، وأن كل ما ينتظم به أمور النوع (2) واجب على الكفاية مع عدم تحريم الأجرة على هذه الأشياء ، فأراد أن يجعل ضابطا لما يحرم الأجرة عليه منها.

وفي هذا الضابط نظر ؛ لأن الضابط إنما يكون في الغالب للأشياء المتفرقة التي يعتبر حصرها ، دون ما لا يعتبر حصره ، والمشروط بالنية من الأفعال الواجبة على الكفاية التي يحرم أخذ الأجرة عليها فعلان لم يحضرني الآن غيرهما ، وهما : تغسيل الموتى والصلاة عليهم.

أما غير المشروط بالنية مع اشتهار تحريم أخذ الأجرة عليه فهو كثير متعدد ربما يعسر حصره ، وذلك مثل توجيه الميت حال الاحتضار ، وحمله ، وتكفينه ، ودفنه ، وحضر القبر ، وتعليم الواجب من الفقه ، والواجب من القرآن ، والدلالة على المعارف الإلهية بطريق التنبيه ، والقضاء ، وتعليم صيغ العقود ، وإلقائها على المتعاقدين حالة إيقاع العقد ، وغير ذلك مما فيه الخلاف بين العلماء.

فان قيل : إن هذه الأفعال منصوص على تحريم الأجرة عليها ، وهو قد استثنى ذلك.

قلنا : الأفعال كلها يجب أن تكون منصوصة أو متفرعة على المنصوص ، وهذه وإن كانت منصوصة فهي كثيرة متفرقة ، وهي أولى بالضابط من غير الكثير

ص: 8


1- إيضاح الفوائد 2 : 264.
2- في « ن » و« ي » : ( الشرع ) ، وما في المتن موافق للإيضاح المطبوع.

المتفرق مع كونه منصوصا يعرفه من له أدنى معرفة ، مع أنه رحمه اللّه أطلق المنع من الأجرة على المشروط بالنية من واجب الكفاية ، وعنده أن اليوم المتكسر على الأولياء واجب على الكفاية.

قال في القواعد : ولو انكسر يوم فكالواجب على الكفاية.

قال رحمه اللّه في شرحه : الأول : في كيفية وجوب ذلك اليوم عليهما ، ولا شك في سقوطه عن كل واحد بفعل الآخر ، فهل عدم فعل كل (1) واحد شرط في وجوبه على الآخر ويكون من قبيل الواجب المشروط وجوبه ، أو من قبيل الواجب على الكفاية ، فلذلك قال : فكالواجب على الكفاية. ولم يجزم بكونه واجبا على الكفاية ، وليس من المباحث المهمة هنا ، والأقوى أنه واجب على الكفاية (2).

وهو مشروط بالنية إجماعا.

وقد ذهب الشهيد وأبو العباس إلى جواز استئجار بعض الأولياء لبعض على ما يخص المستأجر ، فانخرمت القاعدة التي جعلها ضابطا لتحريم الأجرة ، لكن هو أعلم بما قال.

قال رحمه اللّه : لا يجوز بيع شي ء من الكلاب إلا كلب الصيد ، وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردد ، والأشبه المنع.

أقول : أما كلب الصيد فبيعه جائز قطعا ، سواء كان سلوقيا - وهو المنسوب إلى قرية من اليمن اسمها سلوق - أو غير سلوقي.

وأما كلب الماشية ، والزرع ، والحائط - وهو البستان - وكلب الدار أيضا ، فقد اختلف فيها.

فذهب الشيخان وابن البراج الى عدم جواز بيع هذه الأربعة ، لرواية

ص: 9


1- لم ترد في « ن ».
2- إيضاح الفوائد 1 : 238.

السكوني (1) عن الصادق عليه السلام.

ولرواية الوليد القماري : « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال : سحت » (2).

والجواز مذهب ابن الجنيد وابن حمزة.

واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس.

وهو المعتمد ؛ لأن العلة المسوغة لبيع كلب الصيد - وهي الانتفاع به - حاصلة في هذه الأربعة ، ولأنه يجوز اقتناؤها وإجارتها ، فيجوز بيعها ، ولأن لها ديات مقدرة (3) في الشرع ، فيجوز بيعها.

ص: 10


1- الوسائل ، كتاب التجارة باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 7. وفيه « العماري » بدل « القماري » ، وفي التهذيب « العامري » ، لاحظ التهذيب 6 :2. 1060.
3- في « ن » : متعددة.

في عقد البيع

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردد ، والأشبه عدم الاشتراط.

أقول : الاشتراط مذهب الشيخ وابن حمزة وابن إدريس. واختاره فخر الدين ؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه ، لا ينتقل عنه إلا بسبب شرعي صالح للنقل ، ولم يثبت كون العقد المقدّم فيه القبول سببا شرعيا ، فيبقى على الأصل.

وعدم الاشتراط مذهب ابن البراج ، واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد. وهو المعتمد ؛ لأصالة الجواز ، ولأن الأصل اعتبار الرضى ، ولا عبرة بترتيب (1) الألفاظ ، إذ الشرط الإيجاب والقبول وقد حصل ، ولأنه غير معتبر في النكاح ، فكذا هنا.

وأجيب بالفرق بين النكاح وغيره ؛ لأن العلة المحوجة في جوازه في ألفاظ (2) النكاح - وهي حياء المرأة - منتفية هنا.

ص: 11


1- في « ن » : بترتب.
2- من « ن » و« ر 1 ».

قال رحمه اللّه : وكذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر.

أقول : وردت رواية بصحة بيعه إذا بلغ عشر سنين رشيدا (1) ، وعمل أكثر الأصحاب على المنع من العمل بهذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ولو أمر آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه ، قيل : لا يجوز ، والجواز أشبه.

أقول : قال ابن البراج : لا يصح إلا أن يأذن له سيده في ذلك ، فإن لم يأذن له لم يصح.

وقال في المبسوط : قيل : فيه وجهان :

أحدهما : يصح ، كما لو وكله في شراء عبد آخر بإذن سيده. والثاني : لا يصح ؛ لأن يد العبد كيد السيد ، وإيجابه وقبوله كإيجاب سيده وقبوله ، فإذا كان كذلك فأوجب السيد وقبل هو ، صار كأن السيد الموجب القابل ، وذلك لا يصح ، قال : والأول أقوى.

وهذا يدل على المنع وإن أذن السيد ، وهو بناء على عدم جواز أن يكون الإنسان الواحد موجبا قابلا.

والمعتمد الجواز مطلقا ، سواء أذن السيد أو لم يأذن ، أما مع الإذن فظاهر ؛ لأن عقوده جائزة بإذن سيده ، وأما مع عدم الإذن ، يكون إيجاب السيد كالإذن ، فلا مانع من ذلك ، مع أن الأصل الجواز.

قال رحمه اللّه : ولو باع ملك غيره ، وقف على إجازة المالك أو وليّه على الأظهر.

أقول : وقوفه على الإجازة مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وابن الجنيد وابن حمزة. واختاره المصنف والعلامة والشهيد ؛ لأنه بيع صدر من أهله

ص: 12


1- راجع المبسوط 2 : 163.

- وهو البائع العاقل المختار ، وكل من كان فيه هذه الصفات كان أهلا للبيع - في محله ، وهي العين التي يصح تملكها وينتفع بها قابلة للنقل من مالك إلى غيره.

والمانع عدم ملك البائع للعين ، وهو لا يصلح للمانعية ؛ لأنه لو أذن له في البيع قبل العقد جاز قطعا : فكذلك مع الإجازة بعد العقد ؛ إذ لا فرق بينهما. ولما رواه عروة البارقي : « أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى شاتين ، ثمَّ باع إحداهما في الطريق ، قال : فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته بالشاة والدينار ، فقال : بارك اللّه لك في صفقة يمينك » (1).

وجه الاستدلال أنه باع الشاة الثانية من غير إذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ثمَّ أجازه النبي صلى اللّه عليه وآله ، فلو كان البيع باطلا لما أجازه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وقال في المبسوط والخلاف : يقع باطلا. واختاره : ابن إدريس وفخر الدين ؛ للنهي عن التصرف في مال الغير (2) ، والبيع تصرف. ولقوله عليه السلام لحكيم بن خزام : « لا تبع ما ليس عندك » (3) ، والمعتمد الأول ؛ لأن النهي عن التصرف في مال الغير إنما هو مع عدم الإذن ، والإجازة إذن.

فروع :

الأول : على القول بصحة البيع مع الإجازة ، هل ينتقل إلى المشتري من حين العقد ، أو من حين الإجازة؟

يحتمل الأول ؛ لأن سبب الانتقال هو العقد المرضي به ، وقد علمنا بالإجازة حصول الرضى ، فتكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد ، كالإذن

ص: 13


1- المستدرك ، كتاب التجارة باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب مكان المصلي ، حديث 1 و3.
3- سنن الترمذي : ج 3 ، كتاب البيوع ، باب كراهية بيع ما ليس عندك ، حديث 1232.

السابق عليه.

ويحتمل الثاني : لأن الإجازة إما شرط أو جزء ، والشرط مقدم على المشروط ، والمعلول مؤخر عن العلة ، فلا يحصل الملك قبلها ، وإلا لزم تقدم المشروط على شرطه ، والمعلول على علته ، وهو باطل.

وتظهر الفائدة في النماء ، فإن قلنا بالانتقال من حين العقد ، ثمَّ حصل للمبيع نماء فيما بين العقد والإجازة ، كان للمشتري. وعلى القول من حين الإجازة فهو للبائع. وكذلك الثمن لو (1) كان البيع بالعين ثمَّ حصل نماء قبل الإجازة ، فعلى الأول النماء للبائع ، وعلى الثاني للمشتري ؛ لأن الانتقال الثمن مترتب على انتقال المثمن.

الثاني : هل يشترط ثبوت المجيز لعقد الفضولي في الحال؟ بمعنى أنه يشترط كون المالك بالغا عاقلا حتى تصح إجازته في الحال ، أو لا يشترط ، وتوقف الإجازة إلى حين البلوغ والعقل ، فإن أجازه حينئذ جاز ، وإلا بطل؟

يحتمل الاشتراط ؛ لأن البيع إذا بطل في وقت بطل دائما ، وحال عدم المجيز تمتنع الصحة ؛ لأنه لو أجاز حالة الصغر أو الجنون لم تصح الإجازة ، وإذا بطل حالة العقد لعدم المجيز بطل فيما بعد ذلك ، فلا يؤثر فيه الإجازة بعد البطلان.

ويحتمل عدم الاشتراط ؛ لجواز تأخير الإجازة زمانا طويلا بعد العقد ، وعدم وجوب مقارنتها للعقد ، وإذا جاز تأخيرها للبالغ عن زمان العقد اختيارا وإن طال الزمان ، ثمَّ يجيز بعد ذلك ما لم يرد ، جاز كون العقد ليس له مجيز في الحال ، لعدم اشتراط الإجازة في الحال. والأول مذهب القواعد ، والثاني مذهب الدروس.

وعلى القول بالثاني ، يمنع المشتري من التصرف في المبيع والثمن معا إن اشترى بالعين ، أما منعه من المبيع فلاحتمال عدم الإجازة ، وأما منعه من الثمن

ص: 14


1- في « ن » : ولو.

فلاحتمال الإجازة.

ولو تصرف ضمن العين ومنافعها ، ويرجع المالك على من شاء ، ويستقر الضمان على المشتري. وكذا لو كان المالك بالغا رشيدا.

الثالث : لو باع مال غيره (1) ثمَّ ملكه قبل فسخ المالك وإجازته ، افتقر إلى الإجازة من البائع ؛ لأنه باع وهو غير مالك ، ولا بد من إجازة المالك ، وقد صار مالكا فلا بد من إجازته.

واختار فخر الدين نفوذ البيع من غير توقف على الإجازة على القول بصحة بيع الفضولي ؛ لأن إجازة المالك موجبة لصحة فعل المباشر ، فملك المباشر أبلغ بإيجاب الصحة.

واشترط العلامة الشهيد الإجازة من غير تردد. وهو المعتمد ؛ لما قلناه.

الرابع : لا فرق بين الغاصب وغيره في صحة بيعه مع الإجازة.

الخامس : قال صاحب الدروس : ولو رتبت العقود على العين والثمن ، فللمالك إجازة ما شاء ، ومهما أجاز عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة ، وفي الثمن ينعكس. انتهى كلامه رحمه اللّه.

بيانه : إذا باع الفضولي عبدا لزيد بجارية لعمرو مثلا ، فالعبد هو المبيع والجارية هي الثمن ، فاذا بيع العبد مرارا ، وبيعت الجارية مرارا ، تخير زيد صاحب العبد في إجازة ما شاء من العقود المرتبة على المبيع وهو العبد ، وعلى الثمن وهو الجارية.

فإذا أجاز عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة ؛ لدخوله في ملك المشتري بالإجازة ، فيصح تصرفه فيه.

وإذا أجاز عقدا على الثمن ، صح وما قبله خاصة ؛ لتضمن الإجازة الملك ، ولا

ص: 15


1- في « ي 1 » : الغريم.

يملك الثمن إلا بإجازة العقود السابقة ، فتصح العقود السابقة وتبطل اللاحقة ، لصدورها عن غير مالك ولا يعقبها إجازة مالك ، فافهم ذلك.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب.

أقول : إذا باع الغاصب العين المغصوبة ولم يجز المالك ، استردها وجميع منافعها ، وإن تلفت تخير في الرجوع على أيهما شاء ، فإن رجع على المشتري ، رجع المشتري على الغاصب - مع الجهل بالغصب - بجميع ما غرمه.

وإن كان عالما بالغصب ، قال علماؤنا : لا يرجع على الغاصب بشي ء ؛ لأنه دفع المال بغير عوض ، وأطلقوا القول في ذلك. وفصّل العلامة ، قال : إن كان الثمن موجودا كان للمشتري أخذه ، وإن كان تالفا لم يكن عليه شي ء. وهو المعتمد ؛ لأنه ملك له لم ينتقل إلى البائع ؛ لوقوع العقد باطلا ، فيتسلط على أخذه ؛ لبقائه على ملكه ، أما مع التلف فقد سلطه على تلفه مجانا ؛ لعلمه بعدم استحقاق المبيع ، فلا يستحق مطالبته بشي ء.

تنبيه : قال الشيخ في النهاية : من غصب غيره مالا واشترى به جارية ، كان الفرج له حلالا. قال العلامة في المختلف بعد أن ذكر مذهب ابن إدريس ومذهب الشيخ في المسائل الحائرية : كلام الشيخ في النهاية يحتمل أمرين :

أحدهما : ما ذكره في جواب المسائل الحائرية ، فإن الشراء بالمال أعم من أن يكون بالعين أو في الذمة ، وإن كان الأول هو الظاهر ، لكن يمكن العدول عن الظاهر للعلم به.

الثاني : أن يكون البائع عالما بأن المال غصب ، فإن المشتري حينئذ يبيح وطي الجارية ، وعليه وزر المال.

وكلام العلامة هذا يدل على حصول الملك للمشتري بالعين المغصوبة مع

ص: 16

علم البائع بالغصب ، وإلا لما جاز وطي الجارية ، إذ جواز ( أخذ الثمن مع جواز ) (1) الوطي للمشتري يترتب على ثبوت الملك ، وهو مناقض لتفصيله الذي فصّله ، وهو جواز أخذ الثمن مع وجوده للعالم بغصب المبيع ؛ لأن علة الجواز وقوع البيع فاسدا وعدم تملك البائع له.

ولا فرق بين غصب الثمن أو المثمن في عدم صحة البيع إذا وقع على العين ، فالجمع بين جواز انتزاع عوض المغصوب مع بقاء عينه والعلم بالغصب ، وبين جواز وطئه ، مناقضة بينة.

اما على إطلاق الأصحاب عدم جواز الرجوع بعوض المغصوب مع العلم بالغصب ، فربما يتمشى ؛ لأنه قد ملك الجارية بغير عوض ؛ لعلمه بعدم استحقاقه للعوض الذي قبضه مقابلها ، فيكون قد دفعها إليه مجانا.

والمعتمد عدم جواز وطي هذه الجارية ، لتوقف الإباحة على الملك أو على عقد النكاح أو التحليل ، ولا هنا شي ء منها ، فيبقى على أصالة التحريم ، إلا أن يكون المشتري بالذمة ، فيباح له حينئذ وإن دفع المغصوب عوضا.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز أن يتولى طرفي العقد؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وقيل : إن علم الموكل جاز ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يجوز لغير الأب والجد تولي طرفي العقد ، نعم لو وكله في ذلك جاز.

وهو اختيار المصنف ؛ لأنه اشترط إعلام الموكل ، وكذلك العلامة في القواعد.

احتج الشيخ بأنه لا دليل عليه ، وتطريق التهمة اليه ببيعه على نفسه.

وذهب أبو الصلاح الى الجواز مطلقا ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرحه ؛ لأنه أذن له في البيع مطلقا على كل مالك دافع للثمن ،

ص: 17


1- ما بين القوسين من « ر 1 ».

فيدخل الوكيل في هذا الإذن ، ولقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1). ولا امتناع من كونه موجبا قابلا ؛ لأنه موجب باعتبار البيع ، قابل باعتبار الشرى ، فهو قائم مقام شخصين ، فلا مانع حينئذ. وهذا هو المعتمد. وقد أطلق ابن الجنيد المنع ، ولم يقيده بعدم الإعلام ولا غيره.

قال رحمه اللّه : والوصي لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة ، والتردد في توليه لطرفي العقد كالوكيل. وقيل : يجوز أن يقوّم على نفسه وأن يقترض إذا كان مليا.

أقول : هاهنا مسألتان :

الأولى : في توليه طرفي العقد ، والجواز مذهب الشيخ في النهاية ، والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد ؛ لما قلناه في حق الوكيل.

وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يجوز أن يشتريه لنفسه بحال ؛ لأن الإنسان لا يجوز أن يكون موجبا قابلا في عقد واحد ؛ لأن العقد لا يكون إلا بين اثنين ، ولا يصح ذلك إلا ما خرج بإجماعنا ، من الوالد إذا اشترى مال ولده الصغير ، فلا نقيس غيره عليه بحال ؛ لأنا لا نقول بالقياس في الشرعيات.

والجواب : عدم امتناع أن يكون موجبا قابلا باعتبارين.

الثانية : في جواز الاقتراض مع الملاءة. وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ ، وجزم به العلامة في القواعد. وهو المعتمد ؛ لأنه أمين ، له التصرف بجميع ما فيه غبطته للمولّى عليه ، ولا يمنع جواز اقتراضه ما لم يخالف مصلحة المولّى عليه.

ومنع من ذلك ابن إدريس وقال : هذا غير واضح ولا مستقيم ، ولا يجوز له أن يستقرض شيئا من ذلك ، سواء كان متمكنا في الحال من ضمانه وغرامته ، أو لم يكن ؛ لأنه أمين ، والأمين لا يجوز له أن يتصرف لنفسه على حال من الأحوال ،

ص: 18


1- البقرة : 275.

وانما أورد شيخنا ذلك إيرادا لا اعتقادا. والجواب ما قدمناه.

قال رحمه اللّه : وأن يكون المشتري مسلما إذا ابتاع مسلما ، وقيل : يجوز ولو كان كافرا ، ويجبر على بيعه من مسلم ، والأول أشبه.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد. وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1). ودخوله في ملك الكافر أعظم السبيل.

واحتج المجوزون بأن للكافر أهلية التملك ، والعبد المسلم يصح تملكه ، والسبيل ينتفي بإجباره على البيع ، كما لو أسلم الكافر وهو في ملك كافر.

قال رحمه اللّه : ولو ابتاع أباه المسلم ، هل يصح؟ فيه تردد ، والأشبه الجواز ؛ لانتفاء السبيل بالعتق.

أقول : منع الشيخ وابن البراج من ذلك ؛ لثبوت السبيل بدخوله في ملكه. وذهب المصنف والعلامة والشهيد الى الجواز. وهو المعتمد ؛ لأن في آن العقد لا سبيل له بدخوله عليه ، وفي الآن الثاني يعتق عليه ، فلا يتحقق ثبوت السبيل ، فلا يتحقق المانع.

قال رحمه اللّه : والأرض المأخوذة عنوة ، وقيل : يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف ، وفي بيع بيوت مكة تردد ، والمروي المنع.

أقول : من أصالة الجواز.

ومن أن المفتوحة عنوة (2) ملك لجميع المسلمين ، فلا يختص بها أحد دون غيره ، فيصح بيع آثار التصرف ، كالجدران والسقوف وغير ذلك ، فتدخل الأرض تبعا لتلك الآثار.

ص: 19


1- النساء : 141.
2- في « ي 1 » بزيادة للناس.

وأمّا مكة فهي من المفتوحة عنوة أيضا ، لقوله تعالى ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (1).

والمسجد الحرام اسم لجميع الحرم ؛ لقوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (2) والإسراء كان من بيت خديجة ، وروي (3) من شعب أبي طالب ، وهما خارجان عن المسجد ، فقد سماه اللّه تعالى مسجدا.

والمعتمد الجواز تبعا للآثار ، فلو أوقع العقد على الأرض خاصة ، لم يصح وكان باطلا ، هذا على القول بأنها فتحت عنوة.

وعلى القول بأنها لم تفتح ، بل طلبوا الأمان ، فعقد لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الأمان ، وقال : « من دخل بيته فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ثمَّ دخلها من غير قتال » (4). فعلى هذا يجوز بيع رقبة الأرض إذا قلنا بالفرق بينها وبين المسجد ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه ( لاختلاف بين أربابه ) (5) ويكون البيع أعود ، على الأظهر.

أقول : منع ابن الجنيد وابن إدريس من بيع الوقف مطلقا ؛ لرواية علي بن رئاب (6) ، ولعدم الاختصاص ؛ لمشاركة البطون المتجددة فيه ، ولأنه مشروط بالتأييد ، فلا يجوز تغيير شرطه.

ص: 20


1- الحج : 25.
2- الاسراء : 1.
3- البحار 18 : 380.
4- البحار 21 : 119 ، 129.
5- ما بين القوسين من الشرائع.
6- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 6 من أحكام الوقوف والصدقات.

وأجاز المفيد والسيد بيعه إذا كان أنفع لأرباب الوقف من بقائه.

والمصنف اشترط في الجواز حصول الخراب مع إبقائه ، واختاره العلامة وأبو العباس. وهو المعتمد ؛ لأنّ الغرض الأقصى من الوقف تحصيل منافعه ، وقد تعذرت ، فيجوز بيعه ، ويشترى بثمنه ملك يستغله (1) الموقوف عليهم ، ومهما أمكنت المماثلة بينه وبين الوقف كان أولى ، ولا يجوز صرف ثمنه في غير ذلك مع التمكن.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيع أم الولد ما لم يمت ، أو في ثمن رقبتها ، مع إعسار مولاها ، وفي اشتراط موت المالك تردد.

أقول : منشؤه من عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد ، خرج منه جواز بيعها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، يبقى الباقي على المنع ؛ ولأن مع حياة المولى للمال محل ، وهو ذمة المولى. ومن إطلاق الأصحاب جواز بيعها عند الإعسار بثمنها. وصرح ابن الجنيد بجواز بيعها في حال حياة سيدها مع الإعسار بثمنها ، ولرواية زرارة (2) ، عن الباقر عليه السلام ، وهذا هو المعتمد.

تنبيه : يجوز بيع أم الولد في أماكن :

الأول : في هذه الصورة المذكورة في هذا الكتاب.

الثاني : إذا مات ولدها جاز بيعها عند الخاصة. والعامة يثبتون لها حكم الاستيلاد مع موت ولدها.

الثالث : إذا أسلمت تحت الذمي بيعت عليه على المختار.

الرابع : إذا مات سيدها ، وعليه دين يحيط بالتركة وإن لم يكن ثمنا لها.

الخامس : إذا حملت بعد الارتهان ؛ لسبق حق المرتهن على الأقرب.

ص: 21


1- من « م » وفي الباقي من النسخ : يشغله.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 24 من بيع الحيوان ، حديث 3.

السادس : تباع في الجناية.

السابع : إذا أعسر مولاها عن نفقتها دفعا للضرورة.

الثامن : تباع إذا حملت بعد التفليس والحجر على أمواله ؛ لسبق حق الغرماء على الاستيلاد.

التاسع : تباع على من تنعتق عليه بالملك على الأقرب ؛ لحصول المطلوب ، وهو العتق.

العاشر : تباع إذا ارتد ولدها عن فطرة ؛ لمساواة الارتداد للموت.

الحادي عشر : تباع إذا كان ولدها كافرا وهناك ورثة مسلمون ؛ لعدم إرثه منها.

الثاني عشر : تباع إذا كان ولدها قاتلا عمدا ، لعدم ميراثه منها أيضا. وبالجملة : كل موضع يمنع ولدها من الإرث فإنه يجوز بيعها ؛ لأنها إنما تنعتق من نصيب ولدها ، فإذا لم يكن له نصيب لم تنعتق وجاز بيعها.

قال رحمه اللّه : ولا يمنع جناية العبد في بيعه ولا عتقه ، عمدا كانت الجناية أو خطأ ، على تردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في بيع الجاني ، ولا خلاف في جواز بيعه إذا كانت الجناية خطأ أو شبه العمد ، ويضمن المولى أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية ، ولو امتنع كان للمجني عليه أو وليه (1) انتزاع العبد ، فيبطل البيع ، وكذا ولو كان المولى معسرا ، وللمشتري الفسخ مع الجهالة ؛ لتزلزل ملكه ما لم يفده المولى.

وإذا كانت الجناية عمدا ، قال الشيخ : لا يصح بيعه ؛ لأنه مستحق للقتل.

والمشهور الجواز ؛ لأنه لم يخرج باستحقاقه للقتل عن ملك مالكه ، ولأصالة

ص: 22


1- في « م » و« ي 1 » : أولوية.

الصحة ، ولعدم إسقاطه (1) لحق المجني عليه ، فلا مانع منه. وإذا باعه كان مراعى ، فإن قتل أو استرق بطل البيع ، وإن عفى الولي أو صالح على مال التزمه (2) المالك لزم البيع.

الموضع الثاني : في جواز عتق العبد الجاني ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك.

قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن الجنابة إن كانت عمدا نفذ العتق ؛ لأن حق المجني عليه من القود لا يبطل بصيرورته حرا ، وإن كانت خطأ لم ينقض ؛ لأنها تعلقت برقبته ، والعتق يمنع الاسترقاق. وقال في النهاية بجواز عتقه إذا كانت خطأ ، ويلزم المعتق الدية ؛ لأنه عاقلة العبد. وابن إدريس قوّى مذهب المبسوط.

وقال العلامة في المختلف : المعتمد أن يقول : إن كانت عمدا لم يصح عتقه إلا أن يجيز أولياء المقتول ، وإن كانت خطأ وكان موسرا جاز ، وإلا فلا.

وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين : إما دفع الدية قبل العتق ، أو يضمنها ويرضى الولي بالضمان لا بدونهما. وهو يدل على عدم جواز عتقه في العمد والخطأ معا ؛ لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ؛ لزوال تعلق الجناية برقبة العبد ، أما مع أداء المال فظاهر. وأما مع الضمان فلأن الضمان مع رضي الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، فلا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين. وهذا هو المعتمد.

أما عدم جوازه في العمد ؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط حق المجني عليه ؛ لأنه مخيّر بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق ، وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل.

ص: 23


1- هامش « ر 2 » : استحقاقه.
2- في « ن » و« ر 1 » : ألزمه.

وأما عدم جوازه في الخطأ [ ف- ] لأن الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك المولى له ، فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك فيكون باطلا.

قال رحمه اللّه : ولو باع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة ، فيه تردد ، ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويا.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة ، وكونه مالا مملوكا مقدورا على تسليمه بعد مدة فيصح بيعه ، ويثبت الخيار للمشتري مع عدم العلم. وهو المعتمد. ومن أن القدرة على تسليمه شرط في صحة البيع ، وهو غير مقدور على تسليمه في الحال ، فلا يصح بيعه.

قال رحمه اللّه : فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد ، ولو تسلمه المشتري فتلف ، كان مضمونا عليه بقيمته يوم قبضه ، وقيل : بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه ، وإن نقص فله أرشه ، وإن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإن لم يكن غنيّا.

أقول : إذا باع بحكم أحدهما أو ثالث ، كان البيع باطلا ، فإن قبضه المشتري كان للبائع انتزاع العين مع بقائها ، فإن تلفت كانت مضمونة على المشتري.

وهل يضمنها بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، أو بقيمتها يوم قبضها؟ اختلف الأصحاب في ذلك.

ذهب الشيخ إلى ضمانها بالصحة يوم قبضها ؛ لأنه وقت الحيلولة.

وذهب ابن إدريس إلى ضمانها بأعلى القيم ؛ لأنها مضمونة عليه في جميع الحالات ؛ لعدم انتقالها عن ملك البائع بالقبض ، وعدم دخولها في ملك المشتري ، ومن جملة الحالات الحالة العليا ، فتكون مضمونة عليه بقيمتها تلك الحالة. وهذا هو المعتمد.

ص: 24

وإذا انتزع العين مع بقائها ، هل يرد عليه ما زاد بفعله ، سواء كان أثرا كتعليم الصنعة أو عينا كالصبغ؟ قولان :

أحدهما : لا يرد عليه شيئا ؛ لأنه وضعه في ملك غيره بغير إذنه ، ولا يمكن انفصاله ، فلا شي ء له ، سواء كان أثرا أو عينا.

وقيل : يكون شريكا بنسبة الزيادة ، سواء كانت عينا أو أثرا ؛ لأنه لم يتبرع (1) بها ، ولم يخرج عن ملكه بإضافتها إلى ملك الغير ، والمنع من التصرف لا يرفع الملك عن مستحقه. اما لو كانت الزيادة لا بفعله كالسمن فإنه لا يكون شريكا بشي ء قطعا. وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا فيه ، فالقول قول المبتاع مع يمينه ، على تردد.

أقول : إذا شاهد المشتري المبيع ، ثمَّ اشتراه بعد مدة يمكن فيها تغيره عن الصفات التي شاهده عليها ، ثمَّ اختلفا في تغير الصفات ، احتمل أن يكون القول قول البائع ؛ لأصالة بقاء الصفات المعلومة بينهما. واحتمل أن يكون القول قول المشتري ، لوجوب تسليم المبيع على تلك الصفات المعهودة ، ولم يثبت ، فيكون القول قوله ؛ لأصالة عدم وصول حقه اليه.

قال رحمه اللّه : وهل يصح شراؤه من غير اختبار ولا وصف على أن الأصل الصحة؟ فيه تردد ، والأولى الجواز.

أقول : قال الشيخان : كل شي ء من المطعوم والمشروب يمكن للإنسان اختباره من غير إفساد له ، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم ، وصنوف الطيب ، والحلاوات ، والحموضات ، فإنه لا يجوز بيعه بغير اختبار (2) ، وبه قال أبو الصلاح والقاضي وابن حمزة وسلّار ؛ لان الاختبار شرط في صحة البيع مع إمكانه ، وهذا

ص: 25


1- في بعض النسخ : ينزع.
2- في « ي 1 » و« م » : إلا بعد اختباره.

يمكن اختباره ، فلا يصح بيعه من غير اختبار.

وذهب المصنف إلى صحة البيع وثبوت الخيار مع خروجه معيبا ، واختاره العلامة ، لأصالة الصحة ، ولأنها عين مشاهدة فيصح بيعها ، ولأنه لو باعها بالوصف مع غيبتها صح البيع ، وثبت الخيار مع ظهورها على غير وصفها ، فمع مشاهدتها يكون صحة البيع أولى ، لزيادة العلم بالعين مع الحصول على العلم بالوصف مع الغيبة ، فالفرق غير لائق. وهذا هو المعتمد ، لكن إذا تصرف ثمَّ ظهر معيبا ثبت الأرش دون الرد ، ولا فرق في ذلك بين الأعمى وغيره ، خلافا لسلّار حيث أثبت للأعمى الرد وإن تصرف.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيع سمك الآجام وإن كان مملوكا ، لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره ، على الأصح.

أقول : جواز بيعه منضما إلى القصب أو غيره مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة.

وعدم جوازه مطلقا مذهب الشيخ في المبسوط ، وأختاه ابن إدريس والمصنف ، لأن المجهول إذا أضيف إلى المعلوم أو بالعكس حصل جهالة الجميع ، فيبطل البيع ، لاشتراط العلم بالمبيع.

وفصّل العلامة في المختلف ، قال : « إن كان المقصود بالبيع هو المضاف إلى السمك ، ويكون السمك تابعا صح البيع ، وبالعكس لا يصح » ، واختاره أبو العباس. وهو المعتمد ، لأن المعلوم إذا كان هو المقصود من البيع لا يضر جهالة الضميمة ، كالحامل مع حملها ، والأرض مع البذر الذي فيها قبل نباته ، وما شابه ذلك.

قال رحمه اللّه : وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ، وإن ضم إليه غيره ، وكذا ما في بطونها ، وكذا إذا ضمهما ، وكذا ما يلقح الفحل.

أقول : أما بيع الأصواف والأوبار والشعر على ظهور الأنعام ، فقد منع منه

ص: 26

الشيخ وأبو الصلاح وابن البراج إلا مع الضميمة. والمصنف جزم بالمنع وإن ضم إليه غيره.

وجوّزه المفيد وابن إدريس وإن لم يضم اليه غيره ، واختاره العلامة.

وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولصدور العقد من أهله في محله ، والمانع إنما هو الجهالة لا غير ، والجهالة [ غير ] متيقنة ، لحصول المشاهدة الرافعة للجهالة.

لا يقال : إنه موزون ، ولا يعرف وزنه وهو على ظهور الانعام ، فلا يصح بيعه ، لجهالته من حيث الوزن.

لأنا نقول : الوزن إنما يكون شرطا فيه بعد جزّه لا قبله ، كالتمرة ، فإنه يجوز بيعها على رؤوس النخل مع المشاهدة ، وهي مما يكال ويوزن.

وقوله : ( وكذا ما في بطونها وكذا إذا ضمهما ).

الضمير في ( ضمهما ) عائد إلى ( ما في البطون ، وما على الظهور ) ، وليس مراده عدم جواز ضمهما إلى ذوات البطون والظهور ، لأن ذلك جائز قطعا ، بل مراده عدم جواز شراء ما على ظهور الأنعام منضما الى ما في بطونها من غير أن تكون الأنعام داخلة في البيع ، لأن انضمام المجهول الى المجهول لا يصير معلوما.

وقال الشيخ بالجواز لما رواه إبراهيم الكرخي : « قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ قال : لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله [ في ] الصوف » (1).

وابن إدريس والمصنف والعلّامة لم يعولوا على هذه الرواية.

قال رحمه اللّه : المسك طاهر ، ويجوز بيعه في فأره وإن لم تفتق ، وفتقه أحوط.

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 10 ، عقد البيع وشروطه ، حديث 1.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في طهارته ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن الغزال تلقيه كما تلقي الولد ، والدم النجس انما هو الدم المسفوح ، لأن الكبد حلال طاهر وهو دم.

الثاني : في بيعه في فأره مع عدم الفتق ، وإن كان الفتق أحوط ، وهو قول الشيخ رحمه اللّه ، وتابعه بقية الأصحاب ، لأن البقاء في فأره مصلحة له ، لأنه يحفظه رطوبته وذكاء رائحته. ومنع أكثر أصحاب الشافعي من بيعه قبل فتقه ، لبقائه وبقاء رائحته مع خروجه من فأره ، فلا يصح بيعه مستورا في فأره لجهالة صفته.

قال رحمه اللّه : والرابح على المؤمن إلا مع الضرورة.

أقول : يجوز الريح من غير كراهية في أماكن :

أحدها : حال ضرورة البائع.

الثاني : أن يشتري بأكثر من مائة درهم شرعية ، وفي هذين يربح عليه ( قوت يومه وليلته لا غير ، والزيادة على ذلك مكروه.

الثالث : إذا اشترى المؤمن للتجارة ، فهنا لا يكره الربح عليه ) (1) ولا يتقدر بقدر إلا أنه يستحب له أن يرفق به.

قال رحمه اللّه : الزيادة في السلعة وقت النداء ، ودخول المؤمن في سوم أخيه على الأظهر ، وأن يتوكل حاضر لباد ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الزيادة وقت النداء ، قال الشيخ في النهاية : فإذا نادى المنادي على المتاع ، فلا يزيد في المتاع ، فاذا سكت المنادي زاد حينئذ إن شاء. وظاهر هذا

ص: 28


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

الكلام تحريم الزيادة في السلعة وقت النداء عليها ، لما رواه الشعيري (1) عن الصادق عليه السلام ، « قال : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، فإذا سكت فلك أن تزيد » (2) ، والمشهور الكراهية للأصل. وابن إدريس منع من الكراهية والتحريم معا.

الثانية : الدخول في سوم المؤمن ، وحرمه الشيخ في المبسوط ، لقوله عليه السلام : « لا يسوم أحدكم على أخيه » (3). والمشهور الكراهية للأصل.

تنبيه : التحريم أو الكراهية على الخلاف ، انما يكون بعد تراضيهما على الثمن وقطع المزايدة والمجاذبة بينهما ، فإذا استقر البيع على ثمن وما عاد إلا إيقاع العقد بينهما ، فحينئذ يحرم الدخول أو يكره على الخلاف.

وقيل : ذلك لا يحرم ولا يكره ، لعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (4). وللأصل.

الثالثة : في توكل الحاضر للبادي ، والبحث هنا في موضعين :

الأول : في أنه هل هو محرم أو مكروه؟ وبالتحريم قال الشيخ في الخلاف ، لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « لا يبيعن حاضر لباد » (5) ، وظاهر النهي التحريم. والمشهور الكراهية للأصل.

الثاني : في تفسيره ، قال في المبسوط : ولا يتبع حاضر لباد ، ومعناه أن لا يكون سمسارا له ، بل يتركه أن يتولى بنفسه ليرزق اللّه بعضهم من بعض ، فإن

ص: 29


1- في المصدر الشعيري.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 49 ، آداب التجارة ، حديث 1 ، وليس فيه قوله : « فاذا سكت. إلخ ».
3- مستدرك الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 ، آداب التجارة ، حديث 1.
4- البقرة : 275.
5- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 ، آداب التجارة ، حديث 1.

خالف أثم وكان بيعه صحيحا ، وينبغي أن يتركه في المستقبل ، هذا إذا كان ما معهم يحتاج أهل الحضر إليه ، وفي فقده إضرار لهم ، فأمّا إذا لم يكن لهم حاجة ماسة ، فلا بأس أن يبيع له. هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

قيّد النهي بحاجة أهل البلد الى ما عند البدوي. ومنع في الخلاف ، سواء كان في الناس حاجة أو لم يكن. وابن حمزة قيده في البدو دون الحضر (1).

ولابن إدريس هنا كلام طويل تركنا إيراده حذرا من أن يطول الكتاب.

والمعتمد ما قاله المصنف ، ولا فرق بين الحضر والسفر ، ولا بين أن يكون في الناس حاجة أو لم يكن ، لعموم النهي.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت للبائع خيار ، إلا أن يثبت الغبن الفاحش ، والخيار فيه على الفور مع القدرة ، وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط وهو الأشبه ، وكذا حكم النجش ، وهو أن يزيد لزيادة من واطأه البائع.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تلقي الركبان ، وجزم المصنف هنا بالكراهية ، وصحة البيع ولزومه إلا مع الغبن ، فيثبت الخيار على الفور. وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط لثبوته بظهور الغبن ، والأصل بقاؤه ما لم يسقطه مستحقه. والأول هو المعتمد ، لأن ثبوت الخيار على خلاف الأصل ، لأن الأصل في العقود اللزوم ، فإذا ثبت الخيار بالغبن دفعا للضرر المنفي ، ثبت على الفور ، لحصول الاتفاق على جواز الخيار حالة العلم بالغبن ، فيقتصر عليه ، لأن جوازه بعد ذلك مشكوك فيه ، فلا يرجع عن الأصل المتيقن إلا إلى متيقن مثله ، لا إلى ما هو مشكوك فيه.

وقال ابن إدريس : التلقي محرم ، والبيع صحيح ، ويتخير البائع.

وقال ابن الجنيد : يمضي بيع من يلقى الركبان خارجا عن المصر بأربعة

ص: 30


1- في « ي 1 » : البدوي دون الحضري.

فراسخ.

فظهر أن مذهب ابن إدريس تحريم التلقي وصحة البيع مع ثبوت الخيار فيه مطلقا ، سواء كان فيه غبن أو لم يكن. ومذهب ابن الجنيد التحريم وعدم صحة البيع. وذهب العلامة الى ما اختاره المصنف ، وهو كراهية التلقي وصحة البيع ولزومه الا مع الغبن ، فيثبت الخيار. وهو المعتمد.

الثانية : في النجش : وهو أن يزيد الإنسان في سلعة وهو لا يريد الشراء ، بل قصدا لتغرير الغير ببذل الزيادة ، وعدّه المصنف هنا من المكروهات ، وأكثر فتاوي الأصحاب على التحريم ، قال أبو العباس : ولا أعلم لتحريمه خلافا.

وأما البيع مع النجش فقد أبطله ابن الجنيد إذا كان من البائع ، قال : لأنه يجري مجرى الغش والخديعة ، فإذا كان من الواسطة لزم البيع ، ولزمه الدرك إن أدخله على المشتري. وفي الخلاف أطلق ثبوت الخيار ، قال : لأنه عيب ، ولم يقيد بالغبن وعدمه ، ثمَّ قال بعد الإطلاق : وإن قلنا لا خيار ، لأن العيب ما تعلق بالمبيع وهذا ليس كذلك ، كان قويا. والمعتمد ثبوت الخيار مع الغبن وإلا فلا. والخيار مع ثبوت (1) الغبن على الفور ، كما ذهب إليه الشيخ وابن إدريس ، واختاره العلامة لما قلناه في المسألة السابقة. وفخر الدين اختار ما رجحه المصنف ، وهو ثبوته ما لم يسقطه مستحقه.

قال رحمه اللّه : الاحتكار مكروه ، وقيل : حرام ، والأول أشبه ، وإنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن ، وقيل : وفي الملح بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن ولا يوجد باذل ، وشرط آخرون أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام ، وفي الرخص أربعين يوما ، ويجبر المحتكر على البيع ، وقيل : يسعر عليه ، والأول أظهر.

ص: 31


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

أقول : البحث هنا في مسائل :

الأولى : في الاحتكار ، هل هو محرم أو مكروه؟ وبالتحريم قال محمد بن بابويه وابن البراج ، وهو ظاهر ابن إدريس. وبالكراهية قال الشيخان ، واختاره المصنف والعلّامة. واستدل الفريقان بالروايات (1) ، مع اعتضاد الكراهية بأصالة عدم التحريم.

الثانية : في محله ، قال الشيخ في النهاية : إنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن. وتبعه ابن البراج وابن إدريس على الاقتصار على هذه الخمسة. وأضاف ابن حمزة الملح إلى هذه الخمسة. واختاره ( العلامة في القواعد ، وابن بابويه أضاف إلى الخمسة الزيت دون الملح ، وظاهر المصنف اختيار مذهب النهاية. كذلك ) (2) العلامة في المختلف.

الثالثة : في حدّ الاحتكار ، وحدّه الشيخ في الغلاء بثلاثة أيام ، وفي الرخص بأربعين يوما ، وتبعه ابن البراج. والمفيد لم يحدّه بشي ء ، بل أطلق كراهيته مع الغلاء ، وجوازه من غير كراهية في الرخص ، واختاره المصنف والعلامة.

الرابعة : يجبر المحتكر على البيع عند الحاجة إليه إجماعا. وهل يسعر عليه؟ فيه خلاف ، وفي القواعد قال : يسعر عليه إن أجحف لا مع عدم الإجحاف ، وهو مذهب ابن حمزة ، واختاره أبو العباس. وهو المعتمد ، ومستند الجميع الروايات (3).

ص: 32


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 27 ، 29 ، آداب التجارة.
2- ما بين القوسين من « م » و« ر 2 » و« ن ».
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 29 ، 30 ، آداب التجارة.

في الخيار

اشارة

قال رحمه اللّه : ويسقط باشتراط سقوطه في العقد ، وبمفارقة كل واحد صاحبه ولو بخطوة ، وبإيجابهما إياه أو أحدهما ورضى الآخر.

أقول : معنى الإيجاب هنا الالتزام بالعقد بعد وقوعه ، بأن يقولا : التزمنا بالعقد أو يقول أحدهما ويرضى الآخر ، وإنما سمي الالتزام إيجابا ، لأنه يوجب عليهما التمسك به ، فهو من باب الواجب ، وهو الإلزام للمكلف ، لا من باب الإيجاب الموضوع لنقل الأعيان مع القبول.

تنبيه : إذا التزما بالعقد بعده ، سقط خيار المجلس ، وخيار الثلاثة في الحيوان ، وخيار الشرط ، إذا التزما بعده ، ولا يسقط خيار الغبن ولا خيار العيب ولا خيار الرؤية ، والفرق أن خيار المجلس وخيار الثلاثة في الحيوان أثبته الشارع للإرفاق بالمكلّف ، بحيث يتروى بما هو أصلح له ، فيعمل عليه ، فإذا أسقطاه بعد علمهما بثبوته لهما فقد اختارا ترك هذا الإرفاق فيسقط ، لأن الإنسان مسلّط على حقه ، إن شاء أسقطه وإن شاء أبقاه ، وكذلك خيار الشرط أيضا ، لأنه ثبت لهما أو لأحدهما باختيارهما ، فإذا اختارا إسقاطه سقط ، وأمّا خيار العيب

ص: 33

والغبن والرؤية ، فإن الشارع قد أثبته دفعا للضرر ، ولا يعلمان بثبوته حالة العقد ، فلا يسقط بالالتزام حينئذ ، ولو شرطا في العقد سقوط هذه الثلاثة ، بطل الشرط والعقد على الخلاف ، أمّا بطلان الشرط فلما يتضمن من الغرر المفضي إلى الضرر ، وأمّا بطلان العقد فلعدم الرضى بدونه.

قال رحمه اللّه : ولو قال : اختر ، فسكت ، فخيار الساكت باق ، وكذا الآخر وقيل فيه : يسقط ، والأول أشبه.

أقول : عدم السقوط مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، واختاره المصنف والعلامة. وهو المعتمد ، لعموم قوله عليه السلام : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » (1) ، ولأنه خيره فلم يختر ، فلم يؤثر الخيار.

وقيل : يسقط خيار القائل ، لما روي عنه عليه السلام أنه قال : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر » (2) ، ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار ، فيسقط خياره ، ولا فرق بين قوله : اختر الفسخ أو الإمضاء ، أو اختر واقتصر.

قال رحمه اللّه : ولو كان العاقد واحدا عن اثنين كالأب والجد ، كان الخيار باقيا ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول.

أقول : هذا القول نقله الشيخ في المبسوط ولم يسم قائله ، وابن البراج نقل لفظ الشيخ بعينه ، والعلّامة نقل لفظ المصنف هنا ، وظاهرهما ترجيح هذا القول ، وفرع العلّامة احتمال ثبوت الخيار دائما وعدم ثبوته أصلا. فأمّا وجه ثبوته دائما ، [ ف- ] لأن العاقد عن اثنين قائم مقامهما ، وخيار المجلس ما داما مصطحبين ، وهو

ص: 34


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 ، أبواب الخيار ، حديث 3.
2- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 2 ، أبواب الخيار ، حديث 3.

مصاحب لنفسه دائما ، فيثبت الخيار دائما ما لم يسقطه أو يلتزم بالبيع.

وأمّا وجه سقوطه أصلا كون الخيار على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل في العقود اللزوم ، وإنما يثبت خيار المجلس للمتبايعين ، والعاقد هنا واحد ، فلا خيار في عقده لتقييد (1) الخيار بالاثنينية ، وهي منتفية هنا. ووجه سقوطه بمفارقة مجلس العقد ؛ لأنه قائم مقام اثنين وقد فارق المجلس ، فيبطل الخيار ؛ لسقوطه بمفارقة المجلس إلا مع الاصطحاب ، والاصطحاب هنا ممتنع ؛ لكونه بين اثنين فصاعدا ، فيمتنع بقاء الخيار. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : خيار الحيوان : والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر.

أقول : اختصاصه بالمشتري مذهب الشيخين وسلّار وابن بابويه وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس والمصنف والعلّامة.

وهو المعتمد ، لأن حكمة ثبوته أن عيب الحيوان قد يخفى ولا يظهر كظهوره في غير الحيوان ، فأثبت الشارع فيه الخيار مدة ثلاثة أيام ، لإمكان ظهور عيب خفي في مدة الثلاثة ، وهذه الحكمة منتفية عن البائع ، لاطلاعه على عيوبه دون المشتري ، فيختص الخيار بالمشتري دون البائع.

وقال المرتضى : إنه مشترك بينهما ، لأنه أحد المتبايعين فكان له الخيار كالآخر ، وفي الطرفين روايات (2).

فرع : إذا باعه حيوانا بحيوان ، فعلى مذهب السيد لكل منهما الخيار ولا بحث ، وعلى المشهور من اختصاصه بالمشتري ، هل يختص به هنا؟

ص: 35


1- في « ن » : لتقيد.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 من أبواب الخيار ، 1 و3 و5 ، وباب 3 حديث 1 ، 2 ، 3 ، 9 ، وباب 4.

يحتمل ذلك ، لعموم قولهم : للمشتري (1) ، دون البائع ، فيكون المشتري منشئ القبول ، ويحتمل ثبوت الخيار لهما ، لاشتراكهما في الحكمة الموجبة ثبوت الخيار في الحيوان ، وهي التروي مدة ثلاثة أيام ، لإمكان الظهور فيها على عيب خفي في الحيوان لا يظهر حالة العقد ، وإذا اشتركا في العلة الموجبة لثبوت الخيار اشتركا في الخيار. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومن اشترى شيئا ، ولم يكن من أهل الخبرة ، وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به ، كان له فسخ العقد إذا شاء ، ولا يسقط ذلك بالتصرف إذا لم يخرج عن الملك ، أو يمنع مانع من ردّه ، كالاستيلاد في الأمة والعتق ، ولا يثبت به أرش.

أقول : هذه المسألة لم يتردد المصنف فيها ، ولكنها من المسائل الجليلة التي تفتقر الى كشف وإيضاح ، فهي مشتملة على مباحث :

« أ » : حقيقة الغبن نقص قيمة أحد العوضين عن العوض المسمّى في العقد نقصا لا يتسامح بمثله عادة ، مع جهل من صار إليه الناقص ، وإنما يثبت به الخيار دون الأرش ، لأن الأرش عوض عن جزء فائت في العين أو صفاتها ، والغبن ليس كذلك ، فلهذا لم يثبت الأرش.

« ب » : ثبوت الخيار مع الغبن هو المشهور بين الأصحاب ، ويظهر من كلام ابن الجنيد عدم ثبوته ، لأن البيع مبني على المكاسبة (2) والمغالبة ، وثبوت الخيار مع الغبن ينفي ذلك. وقال الشهيد في الدروس : وربما قال المحقق ( في الدرس ) (3) بعدم خيار الغبن ، إشارة إلى مصنف هذا الكتاب المشروح. والمعتمد الثبوت.

ص: 36


1- الوسائل - كتاب التجارة - باب 3 من أبواب الخيار.
2- في « ن » : المكايسة.
3- من « ن ».

« ج » : لا يبطل هذا الخيار بالتصرف غير الناقل واللازم من المغبون ، ولا يبطل بالتصرف الصادر من الغابن مطلقا.

وتحقيق البحث أنّ التصرف لا يخلو إمّا أن يكون من الغابن فيما غبن فيه ، أو من المغبون فيما غبن فيه.

الأول : أن يكون من الغابن في عوض ما دفعه إلى المغبون ، بأن يشتري عينا رخيصة ويتصرف فيها ، والتصرف لا يخلو إمّا أن يكون ناقلا أو غير ناقل ، وعلى التقديرين لا يخلو ، إما أن يتعلق بالعين أو بالمنافع ، فالأقسام أربعة :

« أ » : أن يتعلق بالعين ويكون ناقلا لازما كالبيع بعد الخيار ، والهبة مع القبض ، والوقف والعتق وما شابه ذلك ، وهذا التصرف لا يسقط حق المغبون من الفسخ ، لكنه يسقط حقه من العين ، ويثبت له مع الفسخ القيمة للحيلولة ، ولو كان خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط باقيا أو الهبة لم تقبض ، ألزم الغابن بالفسخ ، ليأخذ المغبون عين ما له ، وللمغبون أن يفسخ بنفسه ، لتعلق حقه بالعين مع إمكان انتزاعها وهو ممكن هنا ، ولا يتوقف على إذن الغابن.

« ب » : أن يتعلق بالعين ولا يكون ناقلا ، كوطي الأمة مع عدم الإحبال ، وقصارة الثوب وصبغه وخياطته ، وهذا التصرف غير مانع من أخذ العين ، ويكون شريكا بنسبة الزيادة التي حصلت بفعله ، سواء كانت عينا كالصبغ والتطريز ، أو أثرا كتعليم الصنعة.

« ج » : أن يتعلق بالمنافع ، ويكون ناقلا لازما كالإجارة ، وهذا التصرف لا يمنع من الفسخ ، ومع الفسخ لا يسقط حق المستأجر ، بل يفيد نقل العين الى المغبون ، ويكون عليه الصبر مجانا حتى تنقضي مدة الإجارة ، ويجب عليه رد العوض عاجلا من حين الفسخ لانتقال العين إليه بالفسخ ، فلا يجب على الغابن الصبر بالعوض ، ولا يجوز له تأخير الفسخ إلى حين انقضاء مدة الإجارة ، لأنه

ص: 37

على الفور.

« د » : أن يتعلق بالمنافع ولا يكون لازما كالعارية ، فللمغبون الفسخ وانتزاع العين.

الثاني : أن يكون التصرف من المغبون في عوض ما غبن فيه ، وهو لا يخلو عن الأقسام الأربعة السابقة ، لكن الحكم مختلف ، فالتصرف إن كان لازما أسقط الخيار ، سواء كان واردا على العين ، كالبيع بعد مضي الخيار ، والهبة مع القبض ، والعتق والوقف وما شابه ذلك ، أو على المنافع كالإجارة إلا إذا لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء مدة الإجارة فله الفسخ ، وسواء كان ناقلا للعين والمنافع ، كالأمثال المتقدمة أو للعين خاصة ، كمن باع واستثنى المنافع مدة معلومة ، أو للمنافع خاصة ، كالحبس مدة معلومة ، أو كان لازما غير ناقل للعين ولا للمنافع ، كالإحبال للأمة ، فهذه الصور كلها مسقطة للفسخ ، ولا يسقط بغير اللازم ، سواء ورد على العين ، أو المنافع ، كالبيع في مدة الخيار ، والهبة قبل القبض والعارية.

والضابط : كل موضع يتمكن من دفع العين حالة الفسخ ، فالخيار ثابت ، وما لا فلا ، ولا يسقط الخيار بدفع الغابن التفاوت لثبوته بظهور الغبن ، فلا يسقط إلا باختيار المغبون.

خيار التأخير

قال رحمه اللّه : من باع ولم يقبض الثمن ، ولا سلّم المبيع ، ولا اشترط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن ، وإلا كان البائع أولى بالمبيع ، ولو تلف كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها ، على الأشبه.

أقول : لا خلاف في لزوم البيع إلى تمام ثلاثة أيام ، وإنما الخلاف في موضعين :

الأول : هل يبطل العقد بعد الثلاثة ، أو يصير الخيار للبائع ، بين إبقاء العقد

ص: 38

وفسخه؟ قال ابن الجنيد بالأول ، لرواية زرارة (1) ، عن الباقر عليه السلام ، والمشهور الثاني ، وهو المعتمد ، لوقوع العقد صحيحا ، والأصل بقاؤه ما لم يحصل الفسخ.

الثاني : لو تلف المبيع قبل القبض فان كان بعد الثلاثة كان من مال البائع إجماعا ، لأن الشارع قد جعل له مندوحة الفسخ والانتفاع بعينه فلم يفعل ، فكان التفريط مستندا اليه ، ولعموم قوله عليه السلام : « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » (2).

وان تلف في الثلاثة فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فذهب الشيخ وأكثر المتأخرين إلى انه من مال بائعه ، وهو المعتمد ، لعموم الخبر ، وقال المفيد : من مال المشتري ، لانتقال المبيع اليه بنفسه العقد ، ومنع البائع من التصرف فيه ، ولأنه لو حصل نماء كان للمشتري ، وقال عليه السلام : « الخراج بالضمان » (3).

واعترض عليه ابن إدريس بأن هذا لازم له بعد الثلاثة أيضا ، لأنه في ملك المشتري ما لم يفسخ البائع والنماء له أيضا.

وقد يجاب عن المفيد بأنه بعد الثلاثة ممنوع من التصرف في العين وهو ممنوع في الثلاثة ، فافترق الحكم بينهما ، وقال ابن حمزة : وهو من مال البائع ، الا ان يكون البائع عرض التسليم على المبتاع فلم يتسلمه ، فيكون التلف حينئذ من مال المشتري ، قال العلامة في المختلف : ولا بأس بقول ابن حمزة.

تنبيه : شروط هذا الخيار ان يكون المبيع معينا فلو اشترى موصوفا في الذمة لم يطرد الحكم فيه ، وان لا يحصل قبض احد العوضين ، فلو قبض أحدهما لم

ص: 39


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 9 من الخيار ، حديث 1.
2- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 9 من الخيار ، حديث 1.
3- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 7 من الخيار ، حديث 3.

يطرد الحكم ، وللشيخ قول بجواز فسخ البائع في كل موضع يتعذر فيه قبض الثمن ، سواء قبض المشتري المبيع أو لم يقبضه ، وقواه الشهيد ، ولا بد ان يكون العقد حالا ، فلو كان أحد العوضين مؤجلا سقط هذا الخيار.

فروع :

الأول : لو قبض الثمن ثمَّ ظهر مستحقا ، فكلا قبض ، ولا يسقط خياره بعد الثلاثة لفساد القبض.

الثاني : لو ظهر في المقبوض عيب يوجب الرد فلا فسخ ، لحصول القبض الصحيح ، والرد بالعيب لا يوجب فساد القبض.

الثالث : لو قبض بعض الثمن أو قبض بعض المعيب ، فالخيار ثابت في الجميع.

الرابع : لو جاء بالثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع ، قال العلامة لم يجز له الفسخ لزوال السبب ، ويحتمل ثبوته ، لأنه قد ثبت بمضي الثلاثة ، والأصل بقاؤه.

قال رحمه اللّه : وان اشترى ما يفسد من يومه ، فان جاء بالثمن قبل الليل ، والا فلا بيع له.

أقول : أورد الأصحاب هذه المسألة بعبارات مختلفة ، قال الشيخ في النهاية : وإذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء كالخضرة وغيرها ، ولم يقبض المباع ولا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما ، فان جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم ، والا فلا بيع له.

وابن إدريس نقل عبارة الشيخ ، إلا انه قال : فان جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم ، والا فصاحبه بالخيار بين ان يفسخ البيع (1) وبين ان يطالبه بثمنه. قال العلامة في القواعد : ولو اشترى ما يفسد ليومه ، فالخيار فيه الى الليل ، فان تلف

ص: 40


1- من « ن ».

فيه احتمل الخلاف. وعبارة التحرير كالقواعد ، الا انه زاد فيه : فإن جاء المشتري فيه لزم البيع ، والا تخير البائع ، وقال الشهيد : وخامسها خيار ما يفسده المبيت ، وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار.

إذا عرفت هذا ، فظاهر هذه العبارات الاختلاف في حكمين :

الأول : في محل الخيار ، وظاهر عبارة النهاية والسرائر والقواعد والتحرير دالة على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، وكذلك عبارة فخر الدين ، لأنه قال في شرحه قول أبيه : فإن تلف فيه احتمل الخلاف. وجه الاحتمال انه تلف في مدة الخيار ، فكان كالثلاثة ، ومن حيث عدم النص عليه ، والأصح العدم ، وهذا آخر كلامه ، وهو دال على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، لأن الضمير في قول العلامة : ( فإن تلف فيه ) ، عائد إلى اليوم ، وقد نص فخر الدين انه مدة الخيار ، الا ان تعليل فخر الدين رحمه اللّه ينقض بعضه بعضا.

بيان المناقضة انه قال : وجه الاحتمال انه تلف في مدة الخيار فكان كالثلاثة ، وعنى بالثلاثة المسألة السابقة التي اختلف الأصحاب فيها مع تلف المبيع في طرف الثلاثة ، هل يكون من مال البائع أو المشتري؟ وقد أجمع الأصحاب على عدم ثبوت الخيار في الثلاثة ، بل البيع فيها لازم وانما يثبت الخيار بانقضائها ، فقوله رحمه اللّه : ( كالثلاثة ) ينقض قوله : ( لأنه تلف في مدة الخيار ) ، لأن الثلاثة ليست مدة الخيار إجماعا ، فقد ظهرت المناقضة.

واما عبارة الدروس فهي دالة على لزوم البيع الى الليل ، وكذلك عبارة عميد الدين في شرحه للمسألة التي شرحها فخر الدين ، وذكرنا عبارة فخر الدين. أما عبارة عميد الدين ، فقال : يريد إذا تلف في ذلك اليوم احتمل في ذلك ما ذكرناه (1) من الخلاف في الثلاثة ، بمعنى انا ان قلنا بقول المفيد ان التلف في

ص: 41


1- من « م » وفي الباقي : ذكره.

الثلاثة من المشتري ، فهنا إذا تلف في اليوم كان من المشتري ، إذ العلة واحدة وهي لزوم البيع في تلك المدة ، أعني اليوم أو الثلاثة ، وان قلنا بقول الشيخ - وهو الأصح - فالتلف من البائع ، لأنه لم يقبض.

وهذا آخر كلامه ، وهو دال على لزوم البيع الى الليل ، لكنه غير مطابق لكلام العلامة الذي هذا شرحه ، لأن العلامة لم يذكر لزوم البيع الى الليل ، بل ظاهره عدم اللزوم ، ولهذا قال فخر الدين انه تلف في مدة الخيار ، لأن عبارة القواعد دالة على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، فعميد الدين شرح على مدلول آخر كلام العلامة وأغفل اوله ، وفخر الدين بالعكس ، فلهذا حصل عليهما (1) الاعتراض.

وأحسن عبارات الأصحاب في هذه المسألة عبارة المصنف في هذا الكتاب المشروح ، لأنه اقتصر على معنى الرواية ، والرواية هي رواية محمد بن يعقوب ، عن أبي حمزة أو غيره ، عمن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « فيمن يشتري ما يفسد من يومه ثمَّ يتركه حتى يأتيه بالثمن ، فان جاء فيما بينه وبين الليل ، وإلا فلا بيع له » (2) ، وهذه الرواية وان كانت مرسلة فهي مؤيدة بعمل الأصحاب.

الثاني : في حكم البيع بعد انقضاء اليوم ، وظاهر النهاية والشرائع بطلانه بانقضاء اليوم ، وهو مدلول الرواية ، لقوله عليه السلام فيها : « فان جاء فيما بينه وبين الليل ، والا فلا بيع له » ونفي البيع يدل على بطلانه ، وعبارة السرائر والتحرير والدروس مصرحة بثبوت الخيار للبائع بعد دخول الليل ، وهو يدل على عدم بطلان البيع.

ويمكن الجمع بين عبارات الأصحاب في هذا الحكم بحمل نفي البيع بعد

ص: 42


1- في « ن » : عليه وفي « ر 1 » : عليها.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 11 ، أبواب الخيار ، حديث 1 ، مع اختلاف يسير.

دخول الليل على نفي اللزوم دون البطلان ، وأما الجمع في الحكم الأول الذي هو محل الخيار فهو مشكل.

وانما طولنا البحث في هذه المسألة لاختلاف عبارات الأصحاب فيها فأحببنا أن نورد عباراتهم ليطلع على اختلافهم ، ويظهر تحقيق هذه المسألة لمن له قلب سليم ، واسال اللّه المعونة والتوفيق والهداية إلى التحقيق.

والشهيد طرد الحكم في كل ما يسرع اليه الفساد ولم يقيد بالليل ، بل القيد عنده حصول الفساد ، وهو يحصل بنقص الوصف وقلة الرغبة ، كما في الخضروات واللحم والرطب والعنب.

وهل ينزل فوات السوق منزلة الفساد؟ فيه نظر ينشأ من تطرق الضرر بنقص السعر ، ومن اقتضاء العقد اللزوم والتفريط من البائع بترك اشتراط العقد.

قال رحمه اللّه : خيار المجلس لا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع وخيار الشرط يثبت في كل عقد غير النكاح والوقف ، وكذا الإبراء والطلاق والعتق ، إلا على رواية شاذة.

أقول : المقصود من هذه المسألة تبيين العقود التي يثبت فيها الخيار وما لا يثبت فيه ، ونحن نذكر ان شاء اللّه كل خيار على حدة ، ونبين ما يثبت فيه الخيار وما لا يثبت على حسب الطاقة ، واللّه الموفق والمعين :

الأول : خيار المجلس ، ولا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع خاصة فهو ثابت فيه مطلقا ، ويجامع خيار الرؤية وخيار الحيوان ، إلا في شراء القريب فإنه لا خيار فيه مطلقا لا للمجلس ولا لغيره ، ولا للبائع ولا للمشتري لعلمهما بحصول العتق بنفس العقد ، وهو مبني على التغليب.

فرع : إذا أنشأ العقد (1) من بعد مفرط بحيث يسمع كلا منهما لفظ صاحبه

ص: 43


1- من « ن ».

صح العقد قطعا ، وهل يثبت خيار المجلس؟ يحتمل ذلك ، لعموم (1) ثبوته ما لم ينتقلا من موضع العقد غير مصطحبين ، ويحتمل المنع ، لأنهما لم يجمعهما مجلس عرفا.

الثاني : خيار الحيوان ، وهو شامل للأناسي وغيرها ، إلا في شراء القريب كما قلناه ، وهو يحصل بالبيع دون الصلح والإجارة والصداق ، وغير ذلك من المعاوضات ، لأن الأصل في العقود اللزوم إلا ما أخرجه النص ، وهو لم يثبت إلا في البيع ، فيبقى الباقي على الأصل.

الثالث : خيار الشرط ، وهو ثابت في البيع والإجارة والصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط ، وان وقع على ما في الذمم مع جهالته أو على إسقاط الدعوى ، قبل ثبوتها لم يثبت فيه خيار الشرط ، لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط واشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته ، وكل شرط ينافي مشروعية العقد غير جائز ، والرهن لا يدخله خيار الشرط للمرتهن ، لأنه جائز من طرفه ، وفي الراهن اشكال من أصالة الجواز ، وعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، خرج منه ما نص على عدم دخوله ، ومن منافاته لعقد الرهن ، لأنه وثيقة لدين المرتهن ، ومع حصول الخيار تنتفي الفائدة لاحتمال الفسخ بالخيار ، فيخرج المال عن الوثيقة ، والمعتمد الأول ، لأن خروج المال عن الوثيقة مستندا الى فعل المرتهن ، وهو الرضا بالشرط ، فهو كما لو لم يشترط الرهن ولا شك في جواز عدم اشتراط الرهن والحوالة والضمان يدخلها خيار الشرط ، وكذلك المساقاة والكتابة المشروطة يدخلها خيار الشرط للعبد والمولى

ص: 44


1- المصدر المتقدم.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4 ، والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 ، أبواب الخيار ، حديث 7.

دون المطلقة لحصول الحرية فيها بمقدار ما يدفعه من مال الكتابة ، والصرف يدخله خيار الشرط خلافا للشيخ ، وعقد السبق والرماية يدخله خيار الشرط ، ( والصداق يدخله خيار الشرط ) (1).

والعقود الجائزة كالشركة والوكالة والمضاربة والعارية والوديعة والجعالة جوز الشيخ دخول الخيارين فيها ، خيار المجلس وخيار الشرط ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، ومنع في الخلاف من دخول خيار المجلس دون خيار الشرط.

والعلامة منع من دخول الخيارين في هذه العقود ؛ لأنها عقود جائزة ، لكل منهما الفسخ في كل آن ، فلا معنى لدخول الخيار فيها ، بل لو شرطا عدم الفسخ لم يصح ، فلا فائدة في شرط الخيار ، فهذه العقود كلها يدخلها خيار الشرط ، والذي لا يدخله فهو النكاح والطلاق والخلع والوقف ، على خلاف يأتي ان شاء اللّه تعالى في بابه ، والعتق الا على رواية إسحاق بن عمار ، وهي التي أشار إليها المصنف ، والإقالة والإجارة والشفعة والهبة والإبراء ، وكل ما لا يدخله خيار الشرط لا يدخله خيار غيره.

الرابع : خيار المغبون ، وهو يثبت في كل عقد يشتمل على المعاوضة ، كالبيع والصلح ، إلا إذا وقع على ما في الذمم ، وكان مجهولا ، فهذا لا يثبت فيه خيار الغبن إذا علم بعد عقد الصلح وظهر غبن أحدهما ، وكذلك إذا وقع على إسقاط دعوى قبل ثبوتها ثمَّ ظهر حقية ما يدعيه ، وكان مغبونا فيما صالح عنه ، فلا خيار له ، لما قلناه في خيار الشرط ، ويثبت في الإجارة والمزارعة والمساقاة ، وما شاكل ذلك مع شروطه المعتبرة من جهالة المغبون ، وكون الغبن لم تجر به العادة بالتغابن بمثله ، واما خيار عدم التقابض وخيار الرؤية فهو مقيد بما يحصل هذان الشرطان فيه ،

ص: 45


1- لم يرد في « ن ».

فلا يفتقر الى تفصيل.

قال رحمه اللّه : المبيع يملك بالعقد ، وقيل : به وبانقضاء الخيار ، والأول أظهر.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن العقد سبب (1) انتقال الملك يدور معه وجودا وعدما ، ولعدم منافاة الخيار للملك ، والثاني مذهب الشيخ ، وظاهر ابن الجنيد ، لقصور العقد المشترط فيه الخيار عن غير المشترط فيه ، والقصور سبب عدم (2) افادة الملك ، والا لزم المساواة وهو باطل ، والحق عدم المساواة ، لأن العقد المشترط فيه الخيار غير لازم ، بل هو متزلزل قابل للفسخ بخلاف غير المشترط فيه ، ففائدة الخيار عدم اللزوم لا عدم الملك.

قال رحمه اللّه : خيار الشرط يثبت من حين التفرق ، وقيل : من حين العقد ، وهو أشبه.

أقول : ثبوته من حين التفرق مذهب الشيخ وابن إدريس ، لثبوت خيار المجلس قبل التفرق ، فلو ثبت خيار الشرط قبل التفرق لزم اجتماع المثلين ، وهو غير جائز ، والمشهور ثبوته من حين العقد ، وهو المعتمد ، لأن إطلاق المدة يقتضي الاتصال بالعقد كغيره من الأزمنة المشترطة في العقود ، ويلزم من قول الشيخ الجهالة بالمبتدإ ، لأن وقت التفرق غير معلوم ، وجهالة أحد الطرفين توجب بطلان العقد ، واجتماع المثلين غير مانع ، لأن الخيار واحد وأسبابه مختلفة ، فلا مانع من ذلك ، كما لو ظهر عيب وهو في المجلس فان له الخيار بسبب العيب وسبب المجلس.

ص: 46


1- في « م » : ( يفيد ) بدل ( سبب ).
2- لفظة ( عدم ) ليست في « م » و« ن » و« ر 1 ».

فروع :

الأول : إذا قيد الفسخ برد الثمن فليس له الفسخ بدون رده أو مثله ، ولو فسخ قبل ذلك كان لاغيا ، وان لم يقيد برد الثمن جاز الفسخ مع حضور الثمن وعدمه ، وكذا لو كان الخيار للمشتري ، فإن قيده برد المبيع أو مثله (1) لم يجز الفسخ قبل الرد ويجوز مع الإطلاق ، ولو أتى ببعض الثمن أو ببعض المبيع لم يجز له الفسخ الا مع اشتراطه مع الإتيان بذلك البعض ، ثمَّ ان كانت المدة طرفا للفسخ والاسترجاع كان له الفسخ متى جاء بالثمن ووجب قبوله ، وان كانت غاية لم يجب عليه قبض الثمن قبل مضيّها ولا يجوز الفسخ قبل ذلك.

الثاني : إذا جعلا الخيار لعبد أحدهما ملك مولاه الخيار ، وان جعلاه لعبد أجنبي لم يملكه مولاه ، ولو مات العبد لم ينتقل الى مولاه ، وكذا لو مات الأجنبي لم ينتقل الى وارثه ، لأنهما لم يرضيا بغير نظره ، بخلاف ما لو كان لأحدهما ، فإنه ينتقل الى وارثه ، وإذا جعلا الخيار لعبد الأجنبي لم يتوقف على رضا مالكه ، الا ان يمنع شيئا من حقوقه ، فيتوقف حينئذ.

الثالث : لا يبطل الخيار بتلف المبيع ، فان كان مثليا طالب بالمثل مع الفسخ ، والا بالقيمة.

الرابع : يجوز اشتراط مدة متأخرة عن العقد ويلزم بينهما ، لأصالة الجواز ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، ويحتمل العدم ، لأن الواجب لا ينقلب جائزا.

الخامس : لو جعل الخيار لاثنين ، فاختار أحدهما الإمضاء ، والآخر الفسخ انفسخ البيع ، وكان الحكم لمختار الفسخ ، لأن اختياره ناقل والآخر مقرر ،

ص: 47


1- في « ن » و« ر 2 » بزيادة : إن كان مثليا.
2- تقدم فيما سبق ص 44.

والناقل أولى من المقرر مع التعارض.

السادس : إذا جعل الخيار لأجنبي ولأحد المتابعين معا ، فاختلفا احتمل اختيار الأجنبي ، والا لم يكن لذكره فائدة ، واحتمل اختيار الفاسخ منهما ، لما قلناه أولا ، ولأنه مع اعتبار اختيار الأجنبي دون اختيار الآخر لم يكن في جعله للآخر مع الأجنبي فائدة أيضا ، وهذا هو المعتمد.

ص: 48

في أحكام العقود

قال رحمه اللّه : ولو باع بثمن حال وبأزيد منه الى أجل قيل : يبطل ، والمروي انه يكون للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين.

أقول : العمل بمضمون الرواية مذهب المفيد والسيد المرتضى ، والرواية إشارة الى ما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام (1).

والبطلان مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، لجهل (2) الثمن حالة العقد ، فكان كما لو قال : بعتك هذا أو هذا بكذا ، وهو غير جائز ، وهذا هو المعتمد.

فرعان :

الأول : لو باعه بثمن واحد بعضه نقدا وبعضه نسيئة صح البيع قطعا ، وكذا لو باعه سلعتين في عقد واحد واشترط تأجيل أحدهما وحلول الآخر بشرط

ص: 49


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، أحكام العقود ، حديث 2.
2- في « ي 1 » و« ر 2 » : لتجهيل.

تعيين المؤجل أو النقد.

الثاني : لو طال الأجل بحيث يعلمان عدم بقائهما إليه عادة كألف سنة مثلا ، احتمل بطلان العقد لخروج الثمن عن الانتفاع ، ويحتمل الصحة ، لأن الأصل مضبوط ويحل (1) بموت المشتري ، وهذا اختيار الشهيد ، وأبطله فخر الدين.

قال رحمه اللّه : وان ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ، فيه روايتان ، أشبههما الجواز.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ في النهاية لرواية خالد بن الحجاج (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والجواز مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة للأصل ، ولعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (3) ولرواية عبيد بن زرارة (4).

قال رحمه اللّه : فان امتنع من أخذه ثمَّ هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من مال البائع على الأظهر.

أقول : كل من عليه حق حال فدفعه الى من له الحق وجب على صاحب الحق قبضه ، فاذا امتنع من قبضه فعزله من عليه الحق ثمَّ تلف من غير تفريط ، هل يكون من مال من عليه الحق أو لا؟ قال الشيخ في النهاية بالثاني ، وبه قال المفيد وسلار وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، لأن الدين يتعين بتعيين المديون ، فاذا هلك بعد تعيينه كان من المدين.

وفي المبسوط دفعه الى الامام أو نائبه ليقبضه عن مالكه ، لأن الحاكم قائم

ص: 50


1- في « ر 2 » : ويحتمل ، وفي « ن » : ويحمل.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 ، من أبواب السلف ، حديث 3.
3- البقرة : 275.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 26 من أحكام العقود ، حديث 2.

مقام المالك مع امتناع المالك من قبض الحق ، فان لم يدفعه الى الحاكم أو نائبه ثمَّ هلك كان من ضمان المديون ، فان الدين لا يتعين الا بقبض المدين أو نائبه ، والتقدير انه لم يقبضه هو ولا نائبه ، فيكون من ضمان المديون ، وهذا هو الحق مع القدرة على الحاكم أو نائبه ، والا اشهد على عزله وتعيينه ، فان تلف بعد ذلك من غير تفريط كان من مال المدين ، سمعناه مذاكرة.

قال رحمه اللّه : ومن اتباع شيئا بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة فليذكر الأجل ، فإن باع ولم يذكر كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه بما وقع عليه العقد ، والمروي انه يكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع.

أقول : القائل بثبوت الخيار هو الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وبه قال ابن إدريس ، والمصنف والعلامة ، لأن الأجل له قسط من الثمن في عرف المعاملة ، فلما باعه بالثمن الذي اشتراه ولم يذكر الأجل كان مدلسا ، فيثبت الخيار بين الرد والإمساك بجميع الثمن ، وذهب الشيخ في النهاية الى عدم الخيار ، ويثبت له من الأجل مثل ما للبائع ، لرواية هشام بن الحكم (1) ، عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد.

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 25 ، أحكام العقود ، حديث 2.

ص: 52

فيما يدخل في المبيع

قال رحمه اللّه : وفي دخول المفاتيح ، تردد ، ودخولها أشبه.

أقول : من انها ليست من المبيع ولا من اجزائه فلا تدخل ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم الانتقال ، ومن اقتضاء العادة دخولها ، ولأنها من حقوقها فيدخل في المبيع.

قال رحمه اللّه : ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في المبيع ، فإن قال بحقوقها ، قيل : يدخل ، ولا أرى هذا شيئا.

أقول : القائل بالدخول هو الشيخ ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، وهو ظاهر كلام ابن إدريس بناء على ان النخل والشجر من حقوق الدار ، فظاهر المصنف عدم الدخول الا ان يقول : ( وما أغلق عليه بابها ) ، وهو اختيار العلامة ، لأصالة بقاء الملك على بائعه (1) ما لم يعلم السبب الناقل ، ولم يثبت ان النخل والشجر من حقوق الدار.

قال رحمه اللّه : ولو باع النخل ولم يكن مؤبرا فهو للمشتري على ما أفتى به

ص: 53


1- في « ن » : مالكه.

الأصحاب.

أقول : لا خلاف في ان الثمرة للمشتري مع عدم التأبير ، وانما استند المصنف الى فتوى الأصحاب ، لأن هذا الحكم يثبت بإجماعهم إذا الروايات (1) الدالة على هذا الحكم ليست مصرحة فيه ، بل هي دالة من حيث المفهوم ، ودلالة المفهوم ضعيفة ، لكن الإجماع عضدها ، فلذلك نسب الحكم الى فتوى الأصحاب لا الى الروايات الواردة فيه ، لضعف دلالتها عليه.

قال رحمه اللّه : الأحجار المخلوقة : في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض ، لأنها من أجزائها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف : ( لأنها من اجزائها ) ، ومن عدم صدق اسم الأرض عليها ، لأنها مخالفة لها بالاسم وبالماهية ، والأصل بقاء الملك على مالكه.

ص: 54


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 32 من أحكام العقود.

في التسليم

قال رحمه اللّه : إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن ، فإن امتنعا أجبرا ، وإن امتنع أحدهما أجبر الممتنع ، وقيل : يجبر البائع أولا ، والأول أشبه ، سواء كان الثمن عينا أو دينا.

أقول : إذا قال البائع : ( لا أسلم المبيع حتى اقبض الثمن ) ، : وقال المشتري : ( لا أسلم الثمن حتى اقبض المبيع ) ، قال الشيخ في ( المبسوط والخلاف ) : الأولى ان يقال : على الحاكم ان يجبر البائع على تسليم المبيع ، ثمَّ يجبر بعد ذلك المشتري على تسليم الثمن ، لأن الثمن تابع للمبيع ، وتبعه ابن البراج.

وذهب المصنف الى ان الحاكم يجبرهما معا مع الامتناع دفعة واحدة. واختاره العلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، لأن حالة انتقال المبيع إلى المشتري هي حالة انتقال الثمن إلى البائع ، فلا أولوية.

وقوله : ( سواء كان الثمن عينا أو دينا ) ، أراد بالدين الموصوف في الذمة مع كونه حالا يجب تسليمه في الحال ، ولا يتوهم أحد ان مراده بالدين الموصوف بالذمة المؤجل ، لأن المؤجل لا يجب تسليمه الا مع حلول الأجل مع وجوب

ص: 55

تسليم عوضه حالا ، فلا يتصور إجبارهما معا ، ولا يتصور كون الثمن والمثمن مؤجلين ، لأن ذلك بيع الدين بالدين فلا يجوز ، بل المراد ما قلناه.

قال رحمه اللّه : والقبض هو التخلية ، سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار ، أو مما ينقل ويحوّل كالثوب والجوهر والدابة. وقيل : فيما ينقل القبض باليد أو الكيل فيما يكال أو الانتقال في الحيوانات ، والأول أشبه.

أقول : التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، ذكره الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه المتعارف بين الناس وعادة الشرع رد الناس الى ما يتعارفونه فيما لم ينص على مقصوده باللفظ كالأحياء ، ويؤيده صحيحة معاوية بن وهب (1) ، عن الباقر عليه السلام.

وقيل : هو التخلية بعد رفع اليد مطلقا ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : وإذا تلف المبيع قبل تسليمه الى المشتري فهو من مال بائعه ، وكذا ان نقصت قيمته بحدث فيه كان للمشتري رده ، وفي الأرش تردد.

أقول : منشؤه من انه لو تلف اجمع لكان من مال البائع ، فكذا أبعاضه وصفاته ، لأن المقتضي لثبوت الضمان في الجميع - وهو عدم القبض - موجود في الصفات والأبعاض فثبت الحكم ، ومن أصالة عدم ثبوت الأرش.

وانما أوجبنا الخيار بين الرد والقبول بجميع الثمن لدفع الضرر اللاحق بإيجاب القبول ، والأول مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وأبو الصلاح ، واختاره العلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد ، والثاني مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس.

ص: 56


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من أحكام العقود ، حديث 11 ، لكن الرواية فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز ان دفع الجميع إلى المشتري جاز ، وإن امتنع البائع قيل : ينفسخ البيع لتعذر التسليم ، وعندي أن المشتري بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء كان شريكا للبائع ، كما إذا اختلطا بعد القبض.

أقول : وجوب القبول مع دفع الجميع مذهب الشيخ ، لأنه زاده فضلا فلا يتسلط على الفسخ ، لزوال العيب بزوال الشركة ، والمعتمد عدم وجوب القبول ، لأن الزيادة تكون هبة والهبة لا يجب قبولها ، ويثبت الخيار بين الفسخ - لحصول العيب بالشركة - وبين الإمضاء ويكون شريكا ، ولو كان الامتزاج بعد القبض لزم العقد ولم يثبت الفسخ وكان شريكا ، فان علمت حصة كل واحد منهما كانا شريكين بالنسبة ، والا وجب ان يصطلحا ، وهذا حكم مطرد في جميع ما يحصل معه الشركة.

قال رحمه اللّه : ولو باع شيئا فغصب من يد البائع ، فإن أمكن استعادته في الزمن اليسير لم يكن للمشتري الفسخ ، وإلا كان له ذلك ولا يلزم البائع أجرة المدة ، على الأظهر.

أقول : إذا لم يمكن استعادة العين الا بعد فوات شي ء من منافعها ثبت خيار الفسخ ، فاذا لم يفسخ هل له ان يطالب البائع بالأجرة؟ يحتمل ذلك ، لأنه ضامن للعين قبل القبض ، فيكون ضامنا للمنافع ، ومن أصالة براءة الذمة ، ولأنه لو لم يغصب وبقيت في يد البائع مدة طويلة لم يكن ضامنا للأجرة ما لم يطلبها المشتري فيمنعه فيضمن حينئذ ، لأنه كالغاصب ، وقبل ذلك لا يضمن شيئا ، سواء كانت في يده أو غصبت منه ، وذهب المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد الى عدم الضمان.

قال رحمه اللّه : إذا ابتاع متاعا ولم يقبضه ، ثمَّ أراد بيعه كره ذلك إن كان مما

ص: 57

يكال أو يوزن ، وقيل : إن كان طعاما لم يجز ، والأول أشبه. وفي رواية : يختص التحريم بمن يبيعه بربح ، أما التولية فلا.

أقول : في هذه ثلاثة أقوال :

الأول : المنع في جميع ما يكال أو يوزن ، وهو مذهب ابن ابي عقيل.

الثاني : اختصاص المنع بالطعام ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثالث : الجواز في الجميع على كراهة فيما يكال أو يوزن ، ويكون قبض المشتري نائبا عن قبض البائع ، لأصالة الجواز ، ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمفيد ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام : « عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان بربح ، والجواز إذا كان تولية » (2). وبمضمونها أفتى العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : وكذا إذا دفع اليه مالا ، وقال : اشتر به طعاما ، فإن قال : اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنفسك ، صح الشراء دون القبض ، لأنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد (3)) ، وفيه تردد.

أقول : إذا دفع من عليه طعام الى ديانه مالا ، وقال : ( اشتر به طعاما ) ، فان قال : ( اشتره لنفسك ) بطل الشراء ، لأنه لا يجوز ان يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره.

وان قال : ( اشتره لي واقبضه لنفسك ) ، جاء الخلاف السابق في جواز بيع الطعام قبل قبضه ، اما الشراء للآمر فلا إشكال في صحته ، لأنه وكيل ، واما

ص: 58


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من أحكام العقود ، حديث 9.
3- في الشرائع : القبض.

القبض لنفسه ففيه الخلاف ؛ لأنه قبضه عوضا عما له عليه قبل ان يقبضه صاحبه.

وان قال : ( اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنفسك ) ، صح الشراء والقبض بلا خلاف ، واما قبضه لنفسه من نفسه ، فهو مبنى على جواز تولي الواحد طرفي العقد وعدمه ، وقد مضى الخلاف فيه في باب البيع ، وقد منعه هنا الشيخ وابن البراج ؛ لأن الإيجاب والقبول لا بد ان يكونا صادرين عن اثنين فلا يجوز فعلهما من واحد ، والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : لو أسلفه في طعام بالعراق ، ثمَّ طالبه بالمدينة ، لم يجب عليه دفعه ، ولو طالبه بقيمته ، قيل : لم يجز (1) ؛ لأنه بيع الطعام ( على من هو عليه ) (2)) قبل قبضه ، وعلى ما قلناه يكره ، ولو كان قرضا جاز أخذ العوض بسعر العراق ، فإن كان غصبا لم يجب دفع المثل ، وجاز دفع القيمة بسعر العراق ، والأشبه جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان ، وبالقيمة الحاضرة عند الإعواز.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا أسلفه في طعام في العراق مثلا ، ثمَّ طالبه بالمدينة مثلا وهذا لا يجب عليه (3) الدفع ، لاختلاف القيمة في موضع الاسلاف وموضع المطالبة ، ولو اتفقا على الدفع جاز ، فكما لا يجب على من عليه الطعام دفعه كذا لا يجب على من له الطعام قبضه ؛ لأنه في حمله مئونة ، ولو طالبه بالقيمة لم يجب دفعها ، قال الشيخ : ولا يجوز ، بناء على مذهبه من عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه ، والمعتمد الجواز على كراهية.

الثانية : إذا أقرضه طعاما في العراق فطالبه في المدينة ، فالحكم فيه كما

ص: 59


1- في « ي » : لم يجب.
2- من الشرائع المطبوع.
3- هذه اللفظة ليست في « ن » و« ر 2 ».

سلف ، إلا في أخذ القيمة ، فلا خلاف في جواز أخذها بسعر العراق ، ويجبر المقترض على دفعها إليه ؛ لأنه يجب عليه دفع حق المقرض مع المطالبة ، وقد تعذر المثل لعدم وجوب دفعه في المدينة ، فيجب القيمة بسعر العراق.

الثالثة : لو غصبه طعاما في العراق ، ثمَّ طالبه في المدينة ، فعند الشيخ وابن البراج حكمه كالقرض سواء ، وذهب المصنف الى جواز مطالبة الغاصب بالمثل ، ومع تعذر المثل يجب القيمة بسعر موضع المطالبة ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لان الغاصب مخاطب بأشق الأحوال ففي أي موضع طالبه برد المغصوب وجب عليه ، فان أعوز كان عليه قيمة موضع الإعواز.

ص: 60

في الشرط

اشارة

قال رحمه اللّه : ويجوز ابتياع المملوك ، بشرط أن يعتقه أو يدبره أو يكاتبه ولو شرط ان لا خسارة ، أو شرط أن لا يعتقها أو لا يطأها ، قيل : يصح البيع ويبطل الشرط.

أقول : البحث هنا في مقامين :

الأول في اشتراط فعل احد هذه الأمور الثلاثة :

« أ » : ان يشترط عليه العتق ، ولا خلاف بين علمائنا في جواز هذا الشرط ، لأنه غير مخالف للكتاب ولا السنة فيجب الوفاء به ، فاذا باع بشرط العتق وجب الوفاء به ، وهل يكون حقا لله ، أو للعبد ، أو للبائع؟

يحتمل الأول ، لأنه كالملتزم بالنذر في حقهما ، ولأنه شرط يقتضي زوال الملك عن جميع الملاك ، فلا يكون حقا لغير اللّه.

ويحتمل الثاني : لأن غايته ملك العبد نفسه وخروجه عن الرق وتسلطه على تصرفات الأحرار وتملكه لكسبه ، فكان حقا له.

ويحتمل الثالث ، لأنه ثبت بفعل البائع لتعلق غرضه به ، وربما تسامح لأجل

ص: 61

هذا الشرط ببعض الثمن فيكون حقا له ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، وهو ظاهر التحرير ، لأنه استقرب عدم إجبار المشتري على العتق ، وهو يدل على انه حق للبائع لا لله ، وظاهر الشهيد انه حق لله.

فعلى القول بأنه حق لله تكون المطالبة للحاكم ويجبره مع الامتناع ، ولا يسقط بإسقاط البائع.

وعلى القول بأنه للبائع تكون المطالبة له ويسقط بإسقاطه ولا يجبر المشتري ، ومع الامتناع يتخير البائع بين الفسخ والإمضاء.

وعلى القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق ، ومع الامتناع يرافعه الى الحاكم ليجبره على ذلك ، وكسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير.

ويتفرع هنا فروع :

الأول : لو مات العبد أو قتل ، قبل العتق فالخيار بحاله ، فإن فسخ رد الثمن الذي أخذه وطالب المشتري بالقيمة يوم القبض ، لأنه وقت انتقال الضمان إلى المشتري ، ويحتمل يوم التلف ، لأنه قبله كان يجب رد العين ، وانما وجبت القيمة بعد التلف ، وان امضى رجع بما يقتضيه شرط العتق ، فاذا قيل : ( قيمته لو بيع مطلقا مائة ، وبشرط العتق خمسة وسبعون ) ، زيد على الثمن مثل ثلثه ، هذا مذهب العلامة في القواعد ، واستضعفه الشهيد ، لأن الشروط لا توزع عليها الثمن ، ومع الفسخ يتبين انه مات على ملك البائع ، فمئونة التجهيز عليه ، والمحاكمة له لو كان قتيلا ، ومع عدم الفسخ ينعكس الحكم.

الثاني : هل يجوز إعتاقه عن الواجب على المشتري كالكفارة والنذر ، كما لو نذر عتق نسمة غير معينة؟ نقول : ان اشترط ( البائع عتقه عن الواجب جاز ذلك قطعا ، ويكون فائدة هذا الشرط تخصيص هذا العبد بالعتق ، وان اشترط ) (1)

ص: 62


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

العتق مطلقا لم يجز ، لوجوب العتق عليه بمقتضى الشرط ، فلا يجزي عن واجب غيره.

الثالث : اثبت العلامة في القواعد الولاء للمشتري ، وهو مشكل ، لأنه عتق واجب ، والعتق الواجب لا يثبت فيه ولاء.

وقد يجاب بأن مذهب العلامة انه حق للبائع ، فلا يجبر المشتري على العتق ، بل هو مخير ان شاء أعتق وان شاء ترك ، فيتخير البائع حينئذ ، فإذا أعتق كان عتقه تبرعا ، لكونه غير معين عليه لجواز الإخلال به ، اما على القول بأنه حق لله فلا يثبت فيه الولاء ، لإجباره على العتق لو أخل به.

الرابع : لو نكل به عتق ، ولم يجز (1) عن الشرط فيتخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، كما لو مات ، أو قتل ، وقد سبق (2) البحث فيه.

الخامس : لو باعه أو وقفه تخير البائع ، فإن اختار الإمضاء نفذت العقود ، وان اختار الفسخ بطلت العقود ، لوقوعها في غير ملك تام ، ولو قلنا انه حق لله وقعت العقود باطلة من رأس ، لتحتم العتق ، فلا ينفذ تصرف غيره.

السادس : لو باعه بشرط العتق احتمل الصحة ، لحصول غرض البائع وهو العتق ، واحتمل البطلان ، لأن العتق حق واجب عليه ، فلا يجوز نقله الى غيره.

السابع : لو اشترى من ينعتق عليه بالملك بشرط العتق لم يصح ، لتعذر الوفاء بالشرط وهو العتق بعد الملك ، وهذا ينعتق عليه بنفس الملك من غير إعتاق بل قهرا.

« ب » : لو باعه بشرط التدبير ، صح هذا الشرط بلا خلاف ووجب الوفاء به ، فان دبره فلا بحث ، وان امتناع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ واسترجاع

ص: 63


1- في « ي 1 » : يخرج.
2- ص 62.

العبد ورد الثمن وبين الإمضاء ، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا وقيمته بشرط التدبير ، وهل يجوز الرجوع ( في هذا التدبير؟ يحتمل ذلك ، لأن التدبير عقد جائز يجوز الرجوع فيه ) (1) فيتسلط البائع على الفسخ كما لو لم يدبره ، ويحتمل العدم ، لوجوب الوفاء بالشرط ، ولأنه تدبير واجب بمقتضى العقد فهو كالمنذور ، فلا يجوز الرجوع فيه ، ولأنه إبطال حق الغير وهو غير جائز.

ج : لو باعه العبد بشرط ان يكاتبه فإن أطلق الشرط تخير في المكاتبة بأي قدر شاء ، وإن عيّن قدرا (2) تعين ، فلو كاتبه بأزيد تخير بين الإجازة والفسخ ، وله إلزامه بالكتابة بالقدر المشترط ، وكذا لو كاتبه في صورة الإطلاق (3) بأزيد من القيمة ، ولم يرض العبد ، فللبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء ، وبين إلزامه بالمكاتبة بالقيمة. فإن امتنع تعين الفسخ أو الإمضاء ، ولا يجب على المشتري المكاتبة بأقل من القيمة إلا مع الشرط ، ومع الإطلاق يتخير بين المطلقة والمشروطة ، ولو عين أحدهما تعين.

المقام الثاني : لو اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه لو باعها ، أو (4) لا يطأها ولا يعتقها ، فهذا الشرط ينافي عقد البيع ، لأن مقتضاه التسلط على جميع التصرفات ، وأن الربح له والخسران عليه ، وإذا كان منافيا كان باطلا.

وإذا بطل الشرط ، هل يبطل البيع؟ ذهب العلّامة والشهيد إلى بطلانهما معا ، لأن الشرط يزيد الثمن باعتباره وينقص ، فإذا بطل الشرط بطل ما قابله من الثمن أو المثمن ، فيتطرق الجهالة إلى الباقي ، وجهالة أحد العوضين توجب بطلان

ص: 64


1- ما بين القوسين من « ي 1 » ، وفي باقي النسخ كلمة : ( فيه ) بدل ما بين القوسين.
2- في « ن » : بقدر.
3- في « ي 1 » بزيادة : ويتخير.
4- في « ي 1 » : ( وأن ) بدل ( أو ).

العقد ، ولعدم حصول الرضا بدون سلامة الشرط ، فمع بطلانه تكون تجارة عن غير تراض.

وقال الشيخ وابن البراج وابن الجنيد : يبطل الشرط دون العقد ، لأن الأصل صحة البيع ، ولعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (1) ، ولأن الشرط فرع على صحة البيع ، فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور.

تنبيه : قال العلامة في المختلف (2) : المشهور بين علمائنا الماضين ومن عاصرناهم الا من شذّ انه يجوز بيع الشي ء اليسير بأضاعف قيمته بشرط ان يقرض البائع المشتري شيئا ، لأنهم نصوا على جواز ان يبيع الإنسان شيئا ويشترط الإقراض أو الاستقراض أو الإجارة أو السلف ، أو غير ذلك من الشروط السائغة ، وكان بعض من عاصرناه يتوقف في ذلك. الى هنا كلامه.

وأشار بالمتوقف الى شيخه المحقق نجم الدين ابن سعيد مصنف هذا الكتاب المشروح ، نص على انه المحقق ، صاحب الدروس ، قال : ولو باعه بأضعاف القيمة ليقرضه أو ليؤجل ما عليه صح ، وتوقف فيه المحقق ولا وجه له.

احتج القائل بالجواز بعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (3) ، وهذا بيع فيكون داخلا في العموم ، وبإجماع على جواز بيع الشي ء بأضعاف قيمته وبدون قيمته ، وانضمام الشرط اليه لا يغير حكمه ، لأنه شرط سائغ يجوز انضمامه إلى سائر عقود المعاوضة ، فلا مانع منه ، لعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند

ص: 65


1- البقرة : 275.
2- في « ر 1 » : التحرير.
3- البقرة : 275.

شروطهم » (1).

ولهم على الجواز روايات (2) كثيرة ، أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب.

واحتج المانع بالروايات الواردة بالمنع (3) عن القرض إذا جرّ نفعا.

وأجيب بأنه غير صورة النزاع ، لأن الممنوع منه هو القرض مع اشتراط البيع بالمحاباة ، والنزاع في العكس ، وهو البيع بالمحاباة مع اشتراط القرض ، فالمانع لا يصلح للمانعية.

فروع :

الأول : قال العلامة في التذكرة : لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه إياه لم يصح ، سواء اتحد الثمن قدرا أو وصفا أو عينا أو لا ، والا جاء الدور ، لأن بيعه له يتوقف على ملكه المتوقف على بيعه له فيدور ، واما لو شرط ان يبيعه على غيره صح عندنا ، لعدم منافاته للكتاب والسنة.

لا يقال : ما الزمتموه من الدور وارد هنا.

لأنا نقول : الفرق ظاهر لجواز ان يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع. هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو يشعر بعدم حصول الملك للمشتري قبل حصول الشرط ، لقوله في توجيه الدور : لأن بيعه له يتوقف على ملكه المتوقف على بيعه ، فدل هذا على عدم حصول الملك قبل حصول الشرط ، ( والا لم يتوقف على البيع الذي هو شرط (4) ، ويدل أيضا

ص: 66


1- تقدم ص 44.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 6 ، أبواب الخيار.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 ، أبواب الربا.
4- في « ر 2 » : مشروط.

على عدم الانتقال قبل حصول الشرط ) (1).

قوله : ( جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي ) ، دل هذا الكلام على عدم انتقال الملك اليه وبقائه على ملك البائع ، والا لم يكن في بيعه على الغير وكيلا ولا فضوليا ، وهذا واضح لا غبار عليه.

إذا ثبت هذا فالجمع بين تملك المشتري للنماء المتجدد بعد عقد البيع وقبل فعل الشرط ، واستقرار ملكه عليه لو فسخ البائع لأجل المخالفة بالشرط ، وأخذ البائع العين مجردة دون النماء ، وبين عدم ملكه للمبيع قبل فعل الشرط مشكل ، لأن النماء تابع للأصل ، فكيف يملك النماء ولا يملك الأصل مع كونه قابلا بهذه الأحكام ، ومع التحقيق يجب المصير إلى عبارة الدروس ، لأنه قال : ولو شرط بيع المبيع على البائع بطل لا للدور ، بل لعدم قطع نية الملك ، وهذا هو الصحيح الذي لا غبار عليه.

الثاني : لو صالح على إسقاط الشرط بعوض صح الا ان يكون عتقا ، وقلنا : انه حق لله ، ولو شرط في عقد آخر سقوط اللازم له بالعقد السابق صح أيضا ، ولو شرط تأجيل الدين الحال أو حلول الدين المؤجل لزم بنفس العقد.

الثالث : إذا شرط رهنا معينا أو ضمينا لزم الشرط ، فلو تلف الرهن أو مات الضمين ، فان كان بعد الرهن والضمان لم يؤثر ، وان كان قبله كان له الفسخ.

الرابع : يجوز اشتراط رهن المبيع على ثمنه ، ومنعه الشيخ ، ولا يكفي عقد البيع عن عقد الرهن ، ولو جمع بينهما في عقد واحد وقدم الرهن بطل ، وان قدم البيع ، مثل ان يقول : ( بعتك الدار بألف وارتهنت العبد بها ) ، فقال : ( اشتريت ورهنت ) ، فيه وجهان ، أقربهما المنع ، لعدم ثبوت الحق حال الرهن.

الخامس : لو شرط ان يبيعه على زيد ، فامتنع زيد من الشراء احتمل ثبوت

ص: 67


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

الخيار للبائع ، لعدم حصول الشرط ، واحتمل لزوم البيع ، إذا التقدير ان يبيعه على زيد ان اشتراه ، فاذا امتنع لزم العقد ، لأن الأصل في العقود اللزوم ، اما لو امتنع الضمين المشروط بعقد البيع كان له الفسخ ، لأن نفع الضمان عائد اليه ولم يرض بدونه ، وهو لم يحصل فتسلط على الفسخ.

قال رحمه اللّه : ولو باعه أرضا على أنها جربان معينة ، وكانت أقل ، فالمشتري بالخيار بين الفسخ وأخذها بحصتها من الثمن ، وقيل : بل بكل الثمن ، والأول أشبه. ولو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجازة بالثمن.

أقول : إذا باعه عشرة أجربة مثلا ، فظهرت خمسة ، قال الشيخ في النهاية : يتخير بين الفسخ وأخذها بحصتها من الثمن ، وتبعه أكثر الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وقال في المبسوط بتخير المشتري بين فسخ البيع وبين الإمضاء بجميع الثمن ، ( وتبعه ابن البراج ، واختاره العلامة في القواعد وفخر الدين في شرحه وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، لأن العقد وقع على المبيع بجميع الثمن ) (1) فليس له الا الفسخ أو الإمضاء بالجميع ، لوقوع العقد عليه.

واحتج الأولون بأنه وحده ناقصا فله مقابله من الثمن ، كما لو اشترى الصبرة على انها عشرة أقفزة فظهرت خمسة ، ولرواية عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه السلام ، وفي هذه الرواية : « ان كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع ان يوفيه منها » (2).

واستقرب في القواعد ان الخيار في طرف النقيصة للمشتري بين الفسخ والإمضاء بجميع الثمن في متساوي الأجزاء ومختلفها ، وفي طرف الزيادة للبائع الخيار كذلك في المتساوي والمختلف ، والمشهور ان متساوي الأجزاء يسقط الثمن

ص: 68


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من أبواب الخيار ، حديث 1.

على اجزائه في الزيادة والنقصان.

فرع : على القول بأنه يرجع بالقسط من الثمن ، هل يثبت للبائع الخيار؟ يحتمل ذلك ، لأنه إنما رضي بيعها بالثمن أجمع ، فإذا لم يصل اليه كان له خيار الفسخ ، فلو بذل المشترى جميع الثمن لم يملك الفسخ حينئذ لوصول ما رضيه إليه.

ص: 69

ص: 70

في أحكام العيوب

قال رحمه اللّه : التصرية تدليس يثبت بها الخيار بين الرد والإمساك ، ويرد معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذر ، وقيل : يرد ثلاثة امتداد من طعام ، وتختبر بثلاثة أيام وتثبت التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة تردد.

أقول : التصرية تحقين الشاة وجمع لبنها في ضرعها بأن يتركها أوقاتا لا يحلبها ثمَّ يخرج بها الى السوق ، فيراها المشتري فيرغب في شرائها لظنه ان هذا قدر حلبها ، ولا خلاف في جواز ردّها مع تحقق ذلك ، وانما الخلاف في موضعين :

الأول : في حكم اللبن المحتلب منها ، والمشهور رده ان كان موجودا ، ومثله ان كان مفقودا ، وقيمته مع التعذر ، وهذا هو المعتمد ، لأن اللبن من ذوات الأمثال ، فعند حضوره يجبر البائع على أخذه ، لأنه عين ماله ، ومع فقده يجب مثله ، فان تعذر المثل وجبت القيمة كغيره من الأعيان المضمونة.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط يرد صاعا من تمر أو بر على ما نص (1)

ص: 71


1- راجع الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، أبواب الخيار ، حديث 2 ، 3 وليس فيهما البر ، والمستدرك باب 11 ، أبواب الخيار ، حديث 1 ، 3 ، 4 ، 5.

عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، فإن الأخبار الواردة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تضمنت البر أو التمر ، فمن قال بغيرهما فعليه الدلالة ، ومثله قال في المبسوط ، ثمَّ قال فيه : فان تعذر - يعني الصاع - وجبت قيمته وان أتى على قيمة الشاة ، ثمَّ تردد مع بقاء عين اللبن بين إجباره على أخذه ، لأنه عين ما له ، وبين العدم وإلزام المشتري بالصاع لعموم النص.

وجزم ابن البراج في المهذب على عدم إجبار البائع على أخذ عين اللبن ، وحمله العلامة في المختلف على تغير صفات اللبن ، لأن من شأنه التغير ، وهو يدل على انه مع التغير لا يجب على البائع أخذه ، والشهيد الزم أخذه (1) مع الأرش ، وهو فتوى القواعد ، وهو المعتمد.

وقيل : رد معها ثلاثة أمداد من طعام ، رواه الحلبي « فيمن اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثمَّ ردها وقد شرب لبنها » (2) ، ولم يذكر المصراة ، ومثله قال الشيخ في النهاية. وابن إدريس قيده بالمصراة.

الثاني : في ثبوته في الناقة والبقرة ، وبعدم ثبوته قال الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس ، وادعى الشيخ الإجماع ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وتوقف في المختلف ، لأصالة لزوم العقد وسقوط الخيار مع التصرف ، خرج منه الشاة لوقوع الاتفاق ، يبقى الباقي على الأصل ، وهو اختيار فخر الدين.

احتج المثبتون باتحاد العلة.

تنبيه : مدة خيار التصرية ثلاثة أيام ، وهل هي الثلاثة الثابتة للحيوان ، أو

ص: 72


1- في « ن » : إجباره.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، من الخيار ، حديث 1.

هي ثابتة للتصرية؟ نص الشيخ على الأول ، وهو ظاهر التحرير ؛ لأنه قال فيه : مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوانات ، وروى العامة انها ثابتة للتصرية (1).

وتظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان ، فان قلنا بالمغايرة فخيار التصرية باق ، وان قلنا بالاتحاد سقط.

والتصرية تثبت بإقرار البائع ، وبنقص حليبها في الثلاثة عن الحلبة الأولى ، فإن تساوت الحلبات ، أو زادت الأخيرة فلا خيار ، واستشكل في التحرير بثبوته قبل انقضاء الثلاثة بعد فتواه بعدم الثبوت.

وقال في القواعد : ولو علم بالتصرية قبل الثلاثة تخير على الفور ، ولعل فتوى التحرير أقرب ، لعدم ثبوت الخيار إلا بعد تحقق التصرية ولا تتحقق الا بنقص حليبها في الثلاثة عن الحلبة الاولى ، فلا بد من الاختبار مدة الثلاثة ، وتحمل فتوى القواعد على حصول العلم بإقرار البائع ، فحينئذ تتحقق التصرية ويثبت الفسخ.

ولو تصرف بغير الحلب سقط الرد ولا يثبت بالتصرية أرش ؛ لأنها تدليس ، ( وهو لا يثبت الأرش ، بل الخيار بين الرد والإمساك ، ويسقط خيار التدليس ) (2) بالتصرف عدا حلب المصراة.

قال رحمه اللّه : تحمير الوجه ووصل الشعر تدليس يثبت به الخيار دون الأرش ، وقيل : لا يثبت به خيار ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لو بيض وجهها بالطلاء ، ثمَّ أسمر ، أو حمر خديها بالذمار وهو الكلكون ، ثمَّ اصفر لم يكن له خيار ، وقال في المبسوط :

ص: 73


1- سنن البيهقي 5 : 318 - 319.
2- ما بين القوسين سقط في « م ».

يثبت له الخيار ، ثمَّ قال : ولو قلنا ليس له الخيار ، لأنه لا دليل في الشرع على كونه عيبا يوجب الرد ، كان قويا.

وقال ابن البراج : له الخيار بين الرد والإمساك ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه تدليس فأوجب الخيار كغيره ، ولأن الأغراض تختلف ، فربما شاهده المشتري على صفته ، فرغب اليه لتلك الصفة ، ولم يسلم له ، فيثبت له الخيار.

فرع : لو أشبع الشافة فامتلأت خواصرها فظنها المشتري حبلى ، أو سود أنامل العبد أو ثوبه ، فظنه كتابا فلا خيار ، لأنه لا يتعين في الجهة التي ظنها ، إذ قد يسود أنامل غير الكاتب وتمتلئ خاصرة غير الحبلى.

قال رحمه اللّه : إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض ، كان للمشتري رده ، وفي الأرش تردد. ولو قبض بعضه وحدث في الباقي حدث ، كان الحكم كذلك فيما لم يقبض.

أقول : اما منشأ التردد في حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض ، فقد مضى في باب قبض المبيع فلا وجه لإعادته ، واما قوله : لو قبض بعضه وحدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض فغير مسلّم ، بل يتخير في الجميع ، لعدم جواز تبعيض الصفقة.

ص: 74

في المرابحة والمواضعة

قال رحمه اللّه : فلو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل ، كان المشتري بالخيار بين رده وأخذه بالثمن وقيل : يأخذه بإسقاط الزيادة ، ولو قال اشتريته بأكثر ، لم يقبل منه ولو أقام بينة ، ولا يتوجه على المبتاع يمين الا أن يدعي عليه العلم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : إذا بان الثمن انقص مما وقع عليه العقد ، قال الشيخ في المبسوط وابن الجنيد : يأخذه بإسقاط الزيادة. واختلفا بما قابل الزيادة من الربح ، فالشيخ أسقطه تبعا لمقابله من الأصل ، وابن الجنيد أثبته ان كان درهما معينا ، لأنه باع برأس ماله وربح هذا المعين ، فاذا ظهر الكذب في رأس المال سقطت الزيادة ، ولا يسقط شي ء من الربح ، لأن الربح مقابل رأس المال ، والزيادة ليست من رأس المال ، فلا يقابلها شي ء من الربح ، فان كان الربح غير معين بالدراهم ، بل يجزئ من الثمن بأن يقول : بعتك برأس مالي وهو مائة مثلا وربح ثلث الثمن ثمَّ ظهرت الزيادة سقطت هي ومقابلها من الربح ، والمشهور ثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء بجميع ما وقع عليه العقد ، وهو المعتمد ، لأن العقد يتناول هذا القدر ،

ص: 75

وقد رضي المشتري به وانعقد البيع على ذلك ، وظهور النقيصة لا يوجب البطلان ، بل يثبت الخيار.

الثاني : إذا ادعى الغلط وان رأس ماله أكثر مما ذكره ، فالمصنف لم يتردد في عدم قبول دعواه ولا بينته للتكذيب ، وقال الشيخ في المبسوط : ( ولو قال وكيلي كان اشتراه بأزيد ) واقام بذلك بينة ، قبلت بينته ، قال : ولو قلنا انها لا تقبل ، لأنه كذبها بالقول الأول كان قويا ، والشهيد اختار قبولها إذا أقامها على مشتري الوكيل ، واختار العلامة في المختلف قبولها مطلقا ، لأنه لو صدقه المشتري قبل ، فله إقامة البينة مع التكذيب ، وفي القواعد لم يتردد بعدم القبول ، بل نقل عبارة الشرائع كما هي ، وكذلك في التحرير ، الا انه زاد فيه ما قابله الشيخ في دعوى شراء الوكيل.

قال رحمه اللّه : إذا حطّ البائع بعض الثمن ، جاز للمشتري أن يخبر بالأصل ، وقيل : ان كان قبل لزوم العقد ، صحت ولحق بالثمن ، وأخبر بما بقي ، وإن كان بعد لزومه كانت هبة مجدّدة وجاز الإخبار بأصل الثمن.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط بناء على مذهبه من ان المبيع لا ينتقل إلا بعد مدة الخيار ، والمشهور عدم التفصيل ، وهو المعتمد ، لأن العقد ناقل ، ومضي مدة الخيار سبب اللزوم ، لا سبب النقل ، ولا لها مدخل فيه ، فالإسقاط بعد العقد هبة مجدّدة ، سواء كان في مدة الخيار أو بعدها.

ص: 76

في الربا

اشارة

قال رحمه اللّه : فيجوز بيع المتجانس وزنا بوزن نقدا ، ولا يجوز مع زيادة ، ولا إسلاف أحدهما في الآخر على الأظهر.

أقول : إذا تماثل الثمن والمثمن في الجنس ، وكانا ربويين جاز البيع نقدا من غير زيادة في أحدهما بلا خلاف ، والمشهور بين الأصحاب عدم جواز اسلاف أحدهما في الآخر وان لم تحصل الزيادة. قال العلامة في المختلف : ولا أعرف في ذلك خلافا الا قولا شاذا للشيخ ذكره في الخلاف ، فإنه قال فيه : ويجوز بيع الجنس بعضه ببعض مماثلا يدا بيد ، ويكره نسيئة. قال : لكن الشيخ قد يطلق على المحرم اسم المكروه ، كما قال في هذا الكتاب : يكره الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة ، وقصده التحريم.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلف الجنسان جاز التماثل (1) والتفاضل نقدا ، وفي النسيئة تردّد ، والأحوط المنع.

أقول : إذا اختلف أجناس الربويات جاز البيع مع التفاضل نقدا بلا

ص: 77


1- من الشرائع المطبوع.

خلاف ، وهل يجوز نسيئة؟ قال الشيخ في النهاية : يجوز ، وهو قول ابن حمزة ، وقال المفيد وسلار بالكراهة ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وأبي العباس في المقتصر.

احتج ابن حمزة بقوله عليه السلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (1).

واحتج المانعون بقوله عليه السلام : « انما الربا في النسيئة » (2).

واحتج القائلون بالكراهة بأنه جمع بين الأدلة.

وإذا كان الثمن والمثمن عوضين غير ربويين كالثياب والعبيد جاز البيع مع التفاضل بلا خلاف ، وهل يجوز نسيئة؟ منعه الشيخ في النهاية والخلاف ، وهو قول ابن ابي عقيل وابن الجنيد ، وقال في المبسوط : انه مكروه ، وابنا بابويه أطلقا الجواز ، واستند الجميع الى الروايات (3).

قال رحمه اللّه : والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأظهر ، لتناول اسم الطعام لهما.

أقول : هذا مذهب الشيخين وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، ولهم عليه روايات (4) كثيرة.

وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل : انهما نوعان ، واختاره ابن إدريس ، لاختلافهما صورة وا سما وطعما.

قال رحمه اللّه : والحمام جنس واحد ، ويقوى ان كل ما يختص باسم واحد

ص: 78


1- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 12 ، أبواب الربا ، حديث 4.
2- كنوز الحقائق ، ص 75.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 من الربا.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 8 من الربا.

فهو جنس على انفراده (1) كالفخات والورشان وكذا السموك.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : في الحمام ، ويحتمل ان يكون جنسا واحدا لشمول اسم الحمام له ، ويحتمل ان كل ما يختص باسم فهو جنس على انفراده ، لاختلاف لحوم الحيوان باختلاف أسمائه مع شمول اسم الحيوان لها ، والأول اختيار العلامة والشهيد ، وانما يتصور الربا في الطير إذا بيع لحمه وزنا.

الثانية : في السموك ، وقوى الشيخ انها جنس واحد ، وقواه الشهيد ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال في التحرير : كل ما اختص باسم وصفة فهو صنف مخالف للصنف الآخر.

قال رحمه اللّه : ويجوز التفاضل بينهما نقدا وفي النسيئة تردد.

أقول : قد سبق (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو كان معدودا كالثوب بالثوبين والثياب ، والبيضة بالبيضتين والبيض نقدا ، وفي النسيئة تردد.

أقول : قد سبق (3) البحث فيه أيضا.

قال رحمه اللّه : ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه.

أقول : هذا مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن البراج ، واما ما يدخل في الأدوية من الطين الأرمني والخراساني ، فلا يجوز بيعه ، لأنه حرام ، فلا معنى لدخول الربا فيه ، والمعتمد الأول ، لأن تحريم الأكل لا يستلزم تحريم البيع إذا كان فيه منفعة ، وإذا جاز بيعه دخل الربا فيه إذا بيع وزنا ، والأرمني قيل : انه طين قبر

ص: 79


1- ( على انفراد ) من الشرائع.
2- ص 77.
3- ص 78.

الإسكندر ، وقيل : انه طين احمر يجلب من الأرمن يعالج به الأطباء.

قال رحمه اللّه : والاعتبار بعادة الشرع مما يثبت انه مكيل أو موزون في عصر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نبني عليه ، وما جهلت الحال فيه رجع الى عادة البلد ، ولو اختلفت البلدان فيه كان لكل بلد حكم نفسه ، وقيل : نغلب جانب التقدير ونثبت التحريم عموما.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : المماثلة شرط في الربا ، وانما تعتبر المماثلة بعرف العادة بالحجاز على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فاذا كانت العادة فيه الكيل لم يجز الا كيلا في سائر البلاد ، وما كان العرف فيه الوزن لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة ، هذا كله بلا خلاف ، فان كان مما لا يعرف عادته في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمل ذلك على عادة البلد الذي فيه ذلك الشي ء ، فإذا ثبت ذلك الشي ء فما عرف كيلا لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن لكل بلد عرفا خاصا ، فاذا انتفى العرف في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم انصرف الى عرف ذلك البلد ، ولأصالة عدم التحريم ، فان كان عرف ذلك البلد بيعه جزافا جاز فيه التفاضل ، وان كان عرفه كيلا أو وزنا ، حرم فيه التفاضل.

وقال المفيد : يحكم بالأغلب عند الاختلاف ، فان كان الأغلب فيه الجزاف جاز فيه التفاضل ، وان كان الأغلب فيه الكيل أو الوزن لم يجز ، وتبعه ابن إدريس ، لأن المعلوم من عادة الشرع اعتبار الأغلب واطراح النادر.

وفي النهاية غلب جانب التقدير وحرم التفاضل في الجميع ، لأن الأصل في الأشياء التقدير ، وللاحتياط حذرا من الوقوع في الربا ، وتبعه سلار.

قال رحمه اللّه : ولو باع لحما نيا بمقدّر متساويا ، جاز وكذا لو باع بسرا

ص: 80

برطب ، وكذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة لتحقق المماثلة ، وقيل : بالمنع نظرا لتحقق النقصان عند الجفاف ، أو إلى انضياف أجزاء مائية مجهولة ، وفي تحريم بيع الرطب بالتمر تردد ، والأظهر اختصاصه بالمنع اعتمادا على أشهر الروايتين.

أقول : هنا مسائل متعددة ، والعلة فيها متحدة ، وقد اختلف الأصحاب في جواز بيع الرطب باليابس من جنسه متساويا نقدا ، مع اتفاقهم على المنع من بيعه نسيئة ومتفاضلا.

فالمنع مطلقا في كل رطب مع يابسه مذهب ابن الجنيد ، واختاره العلامة ، للاشتراك في العلة المنصوصة (1) ، وهي النقص عند الجفاف.

والجواز مطلقا في كل رطب مع يابسه مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن إدريس ، قال : لأن بيع الجنس بالجنس مثلا بمثل جائز سائغ ، والمنع يحتاج إلى دليل ، قال : وقول شيخنا في النهاية : - لا يجوز بيع التمر بالرطب ( والزبيب بالعنب ) (2) ، لأنه إذا جف نقص - ، غير واضح ، بل يجوز ذلك ، ومذهبنا ترك التعليل والقياس.

وابن حمزة اقتصر على المنع ، من بيع التمر بالرطب والزبيب بالعنب ، وهو مذهب الشيخ في النهاية.

وفي الخلاف اقتصر على المنع من بيع التمر بالرطب والحنطة المبلولة بالجافة ، لفقدان الطريق الى العلم بمقدار ما فيها من الماء ، قال : واما الزبيب بالعنب أو تمرة رطبة بيابسها ، مثل التين الرطب بالجاف واللحم (3) الرطب بالمقدد واما أشبه ذلك ، فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه ، لقوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللّهُ

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من الربا حديث 1 و2.
2- لم يرد في « ر 2 ».
3- ( اللحم ) من « ي 1 » وفي البواقي ( الخوخ ).

الْبَيْعَ ) (1) ، والمصنف خصص المنع ببيع التمر بالرطب ، للرواية (2) المشهورة عن الصادق عليه السلام وذكر عليه السلام علة المنع ، وهي النقص عند الجفاف ، فعداها ابن الجنيد والعلامة الى كل مشارك في العلة.

قال رحمه اللّه : إذا كان في حكم الجنس الواحد وأحدهما مكيل والآخر موزون ، كالحنطة والدقيق فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز وفي الكيل تردّد ، والأحوط تعديلهما بالوزن.

أقول : الحنطة من المكيل وكذا الدقيق ، لأن أصله الحنطة ، فإذا بيع الحنطة بالدقيق قال الشيخ وابن إدريس : يباع وزنا احتياطا ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، لأن الوزن أصل الكيل فيرجع إليه إذا حصل في الكيل تفاوت كالحنطة والدقيق فإن الحنطة ثقيلة والدقيق خفيف ، يتجافى في المكيال ، فاذا بيعا كيلا حصل التفاضل المفضي إلى الربا ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر كيلا.

وقال العلامة في المختلف : لا يجوز بيع أحدهما بالآخر وزنا ، والا جاء الربا ، لأن تساويهما في الوزن يقتضي التفاضل بينهما فيما جعله الشارع معيارا لهما ، فلا ربا وان اختلفا فيما سواه ، لأنه غير معيار لهما.

والأول أشهر بين الأصحاب أما لو بيع ما أصله الكيل كالحنطة بما أصله الوزن كالخبز ، بيع وزنا ليزول (3) التفاضل.

قال رحمه اللّه : بيع العنب بالزبيب جائز ، وقيل : لا طردا لعلة الربط بالتمر ، والأول أشبه ، وكذا البحث في كل رطب مع يابسه.

ص: 82


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 أبواب الربا ، حديث 1.
3- في « م » و« ي 1 » : لزوال.

أقول : سبق البحث في هذه (1) فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : ويثبت بين المسلم والذمي ، على الأشهر.

أقول : بثبوته قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لعموم (2) النهي عن الربا ، ولأن أموالهم معصومة ، فلا يجوز أخذها بعقد باطل كالمسلمين.

وبعدم الثبوت قال المفيد والسيد المرتضى وابنا بابويه ، لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام « قال : ليس بين الذمي والمسلم ولا بين المرأة وزوجها ربا » (3) ، وحملت هذه الرواية على غير الملتزم بشرائط الذمة ، لأن غير الملتزمين بالشرائط لا تحرم أموالهم على المسلمين ، وحكمهم حكم أهل الحرب في حل أموالهم على المسلمين ، وعدم ثبوت الربا بينهم وبين المسلمين.

تنبيه : كل اثنين لا يثبت الربا بينهم كالوالد والولد وأزوج والزوجة والعبد وسيده على القول بأن العبد يملك ، يجوز لكل واحد منهما أخذ الفضل من صاحبه ، الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين ، وغير ذلك الا المسلم والحربي فإن المسلم يجوز له أخذ الفضل من الحربي ، ولا يجوز ان يعطيه بأن يأخذ منه درهما ويعطيه درهمين ، لما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ولا نعطيهم » (4).

ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع ، قاله الشهيد ، وربما قيل باختصاص الدائم دون المنقطع ، لأن لها التصرف بماله بغير اذنه بمثل المأدوم

ص: 83


1- ص 81
2- البقرة : 275 و278 ، آل عمران : 130.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 7 أبواب الربا ، حديث 5.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 7 أبواب الربا ، حديث 2.

كالملح والخل واللحم ، وجميع ما يؤتدم به ، بخلاف المتمتع بها ، فإنها لا يجوز لها التصرف بشي ء من ماله.

قال رحمه اللّه : لا يجوز بيع لحم الحيوان من جنسه ، كلحم الغنم بالشاة ، ويجوز بغير جنسه ، كلحم البقر بالشاة ، لكن بشرط ان يكون اللحم حاضرا.

أقول : جزم المصنف بعدم جواز بيع اللحم بحيوان من جنسه ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن إدريس : يجوز ذلك إذا كان اللحم موزونا ، سواء اتفق الجنس أو لا يدا بيد ، وسلفا أيضا إذا كان اللحم معجلا دون العكس ، إذ لا يجوز السلف في اللحم ويجوز في الحيوان ، لأن المقتضي وهو قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) موجود. والمانع وهو الربا منتف ، إذ الربا انما يثبت في الموزون والحيوان ليس بموزون ، واختاره العلامة في التحرير ، قال فيه : ومنعه الشيخ رحمه اللّه تعويلا على رواية ضعيفة السند قاصرة عن افادة المطلوب.

والأول مذهب الشيخ والمفيد وسلار وابن البراج وابن الجنيد وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف والشهيد قال : قال العلامة في المختلف : لنا انه أحوط وأسلم من الربا ، ولم نقف هنا على مخالف ، وابن إدريس قوله محدث لا يعول عليه ولا يثلم في الإجماع ، ولأن الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع ، وقوله حجة.

قال رحمه اللّه : ويشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات التقابض في المجلس ، فلو تفرقا قبل التقابض يبطل الصرف على الأشهر (2).

أقول : هذا هو المشهور حتى ان العلامة في التحرير ادعى عدم الخلاف في

ص: 84


1- البقرة : 275.
2- في « ر 1 » : الأظهر.

اشتراط التقابض في المجلس ، وقال محمد بن بابويه بعدمه ، لأصالة الصحة وأصالة عدم الاشتراط ، والمعتمد الأول ، لقوله عليه السلام : « الذهب والفضة يباعان يدا بيد » (1).

فرع : لو أوقعا العقد على دينار معلوم بدرهم معلوم ، ثمَّ تقابضا جزافا ليزناه في مكان آخر جاز والزائد يكون امانة ، وان نقص بطل البيع فيما قابل النقيصة ، وصح فيما قابل المقبوض ، ويثبت الخيار لتبعض الصفقة.

قال رحمه اللّه : لو كان له عليه دراهم ، فاشترى بها دنانير ، صح وإن لم يتقابضا ، وكذا لو كان له دنانير فاشترى بها دراهم ، لأن النقدين من واحد.

أقول : ظاهر المصنف ان الذي له الدراهم هو الذي باشر الشراء ممن عليه ، وهذا لا يصح الا مع قبض الدنانير التي هي عوض الدراهم في المجلس ، لاشتراط التقابض في الصرف ، اما لو أمر من له الدراهم من عليه تحويلها الى الدنانير ، كما جاء في الرواية (2) فحينئذ يكون وكيلا في الشراء والقبض ، وقد اجازه الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، ومنعه ابن إدريس.

واحتج الشيخ برواية إسحاق بن عمار (3) ، ورواية عبيد بن زرارة (4).

واحتج ابن إدريس باشتراط التقابض في الصرف ، فلا يصح بدونه.

وذهب فخر الدين الى اختيار ابن إدريس ، لأن العمل بمضمون الرواية مترتب على قواعد وهي مشكوك فيها.

منها : ان ما في الذمّة مقبوض.

ص: 85


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 أبواب الصرف ، حديث 3.
2- لاحظ المصدرين التاليين.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 أبواب الصرف ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 أبواب الصرف ، حديث 2.

ومنها : انه ليس بيع دين بدين.

ومنها : جواز تولي الواحد طرفي العقد.

ومنها : ان قبض الوكيل قبض الموكل ، وهذه القواعد التي ذكرها فخر الدين - وان كانت مشكوكا فيها - فان عليها عمل أكثر الأصحاب ، وإذا كانت الرواية من الصحاح المشاهير لا ينافيها الشك في هذه القواعد العامل بها أكثر الأصحاب ، بل لو لم يعمل بهذه القواعد احد وجب المصير الى النص ما أمكن العمل به ولو على وجه من التأويل ، فكيف إذا كانت هذه الأصول مقوية للنص؟! لأن أكثر الأصحاب على العمل بهذه الأصول ، وان وقع في بعضها خلاف فهو متروك عند الأكثر ، فلا يصلح لمعارضة النص.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها ، ووجد ما صار إليه غير فضة قبل التفرق ، كان له المطالبة بالبدل ، فإن كان بعد التفرق يبطل الصرف ، وان كان البعض ، يبطل فيه ، وصح في الباقي ، فان لم يخرج بالعيب عن الجنسية كان مخيرا بين الرد والإمساك بالثمن من غير أرش ، وله المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا ، وفيما بعد التفرق تردد.

أقول : فرض المسألة ان الثمن والمثمن من جنس واحد ، فاذا تقابضا في المجلس ، ثمَّ وجد أحدهما فيما صار اليه عيبا من جنسه كخشونة الجوهر واضطراب السكة كان مخيرا بين ثلاثة أشياء : الفسخ ورد المبيع ، وبين الإمساك مجانا من غير أرش حذرا من الربا ، وبين المطالبة بالبدل ، لأن المعقود غير متعين فلا يتعين المعيب بالقبض ، وإذا لم يتعين جاز له رده وأخذ بدله ما داما في المجلس.

وهل يجوز أخذ البدل بعد التفرق من المجلس؟ ذهب اليه الشيخ وابن حمزة والعلامة في القواعد ، ونازع في المختلف في جواز الفسخ الا مع تعذر

ص: 86

الإبدال ، لأن المعيب لم يتعين بالقبض ، والعقد تناول السليم من العيب ، فله المطالبة بما تناوله العقد وليس له الفسخ ، لأصالة لزوم البيع.

وعلى قول المختلف بعدم جواز الفسخ بعد التفرق مع حصول البدل ، فعدم جوازه قبل التفرق مع حصوله اولى.

وتردد المصنف في جواز أخذ البدل بعد التفرق من ان البدل هو المبيع لظهور المعيب غير المبيع والا لم يجز البدل ، وإذا كان البدل هو المبيع وقد قبضه بعد التفرق بطل الصرف ، لعدم التقابض في المجلس.

ومن ان المبيع قد لزم لحصول (1) القبض في المجلس ، ورده عليه وأخذ بدله فسخ متجدد بعد انعقاد البيع ، فلا يقدح في الصحة ، وعلى المنع من أخذ البدل بعد التفرق يتعين الرد وأخذ المبيع مجانا ، وان كان الثمن والمثمن مختلفين كالذهب والفضة ثمَّ ظهر العيب الجنسي في أحدهما كان له أخذ الأرش ما داما في المجلس من الأثمان وغيرها ، وان فارقاه لم يجز أخذه من غير الأثمان.

وللعلامة في القواعد هنا عبارة موهمة ، قال : فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وان كان مخالفا صح ، وظاهر هذه العبارة جواز أخذ الأرش من جنس المعيب بعد التفرق ، وهو غير جائز ، لما قلناه من ان الأرش جزء من الثمن أو المثمن فيجب قبضه في المجلس ، وقد صرح في التحرير بما قلناه. ولو فارقاه لم يجز أن يأخذ من الأثمان وجاز من غيرها ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى دينارا بدينار فدفعه ، فزاد زيادة لا يكون الا غلطا أو عمدا ، كانت الزيادة في يد البائع أمانة ، وكانت للمشتري في الدينار مشاعة.

أقول : وجه كونها امانة عدم الضمان ، ولأنه لم يقبضها بالبيع الفاسد ولا

ص: 87


1- في « م » و« ي 1 » : بحصول.

بالسوم فكانت امانة ، وهو مذهب الشيخ والشهيد ، وقال في القواعد : ويحتمل ان تكون مضمونة ، لأنه قبضه على انه عوض ماله ، واختاره فخر الدين ، أما لو دفع إليه أزيد من الدينار ليزنه في وقت آخر كانت الزيادة أمانة قطعا.

قال رحمه اللّه : روي جواز ابتياع درهم بدرهم ، مع اشتراط صياغة خاتم ، وهل يتعدى الحكم؟ الأشبه لا.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضل ، عن أبي الصباح الكناني ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وابدلك درهما طازجا بدرهم غلة ، قال : لا بأس » (1). والبحث هنا في موضعين :

الأول : في جواز بيع الدرهم بالدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، وجوّزه الشيخ في النهاية ، لهذه الرواية ، وهي كما تراها ليست دالة على البيع ، بل جعل ابدال الدرهم بالدرهم شرطا في العمل وهو جائز إذا اشترطه الصائغ على صاحب الخاتم مع استحقاقه لأجرة الصياغة.

ومنع العلامة العمل بما قاله الشيخ في النهاية ، ولأنه باع المثل بالمثل واشترط زيادة وهو غير جائز ، إذ لا فرق بين الزيادة الحكمية والعينية.

الثاني : في تعدية هذا الحكم على القول بجوازه ، كما لو باع درهما بدرهم واشترط صياغة سوار وخياطة ثوب أو غير ذلك ، أو يتعدى الى الثمن والمثمن ، كما لو باع دينارا بدينار واشترط العمل ، أو عشرة دراهم بعشرة دراهم ثمَّ اشترط العمل ، فنقول : على الجواز يحتمل التعدية ، لأن الزيادة المذكورة ان أوجبت الربا لزم التحريم في الجميع ، وان لم توجبه جاز في الجميع ، ويحتمل عدم التعدية اقتصارا على مورد النص ، إذ لو لا النص في الأول لما جاز العمل به

ص: 88


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 أبواب الصرف ، حديث 1.

فيقتصر عليه ، وترك العمل بهذه الرواية أحوط.

تنبيه : قوله : ( في الرواية درهما طازجا بدرهم غلة ) الطازجة بالطاء غير المعجمة والزاي المعجمة والجيم ، الدراهم البيض الجيدة ، والدراهم الغلة هي المكسرة ، فيكون قد شرط له ان يعطيه درهما أيضا جيدا فيأخذ منه درهما مكسورا على ان يصوغ له خاتما.

قال رحمه اللّه : وان بيعت بجنس الحلية ، قيل : يجعل معها شي ء من المتاع ، ويباع بزيادة عما فيها تقريبا ، دفعا لضرر النزاع.

أقول : اما مع العلم بمقدار الحلية ، فإن باع بالجنس فلا بد من زيادة تقابل الفضل ، وان باع بغير الجنس باع كيف شاء ، واما مع الجهل بمقدار الحلية ، قال الشيخ في النهاية : يجعل معها شيئا من المتاع ويباع بزيادة عما فيها ، ولعله سهو القلم ، لأن الضميمة يجب ان تكون الى الثمن ليسلم من الربا يقينا ، ولعله أراد ذلك أو أراد مع الضميمة ( يكثر المثمن ) (1) فيكثر الثمن ، فزيد على قدر الحلية زيادة تقابل الفضل وان قلّت الزيادة ، وان أراد ان يبيع الحلية منفردة غير جائز ، لجهالتها فيضم إليها المحل أو غيره ، وهذه التأويلات كلها متعسفة.

قال رحمه اللّه : لو باع ثوبا بعشرين درهما ، من صرف العشرين بالدينار ، لا يصح لجهالته.

أقول : إطلاق عدم الصحة غير جائز ، بل هو مقيد بتعدد الصرف بالسعر المذكور أو مع جهله ، أما لو اتحد الصرف في نوع واحد من الدراهم بالسعر المذكور وهما يعلمانه حالة العقد صح البيع ، والمصنف رحمه اللّه تبع إطلاق الشيخ في المبسوط ، لأنه قال فيه : لو اشترى ثوبا بعشرين درهما من صرف عشرين

ص: 89


1- في « ر 2 » : بكثرة الثمن.

درهما بدينار لم يصح الشراء ، لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة صيرها (1) معلوما ، والمعتمد التفصيل الذي ذكرناه.

قال رحمه اللّه : لو باع مائة درهم بدينار الا درهما لم يصح لجهالته. وكذا ذلك ثمنا لما لا ربا فيه ، ولو قدر قيمة الدرهم من الدينار جاز لارتفاع الجهالة.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط لجهالة الثمن ، لأنه لا يدري كم حصة الدرهم من الدينار الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ، فيكون مجهولا حالة العقد.

والتحقيق : ان كان الثمن والمثمن ربويين ، وكانا يعلمان نسبة المستثنى من (2) المستثنى منه حالة العقد صبح البيع ، وان كان أحدهما غير ربوي وكان البيع نقدا فالحكم كذلك ، وان كان سلفا فان شرطا استثناء الدرهم المتعامل به وقت العقد ، أو أطلقا فكالأول أيضا يصح مع العلم بنسبة المستثنى من المستثنى منه ، ويبطل مع الجهل ، وان شرطا استثناء الدرهم المتعامل به وقت الحلول بطل البيع للجهالة ، ولقول علي عليه السلام : « لعل الدينار يصير بدرهم » (3).

ص: 90


1- كذا.
2- في « ر 2 » : ( و) بدل ( من ).
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 23 ، أحكام العقود ، حديث 2.

في بيع الثمار

اشارة

قال رحمه اللّه : فأما النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما ، وفي جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد ، والمروي الجواز.

أقول : أما عدم الجواز قبل ظهورها عاما واحدا فهو إجماع والمشهور عدم الجواز أزيد من عام أيضا ، وادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، قال : وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون انها يجوز بيعها سنتين وان كانت فارغة وقت العقد. والمعتمد عدم الجواز قبل ظهورها مطلقا ، لأنه بيع عين مجهولة معدومة ، فلا يصح العقد كغيرها من المجهولات.

وقال محمد بن بابويه في المقنع بالجواز ، لرواية يعقوب بن شعيب (1) ، وحملت على ظهور الثمرة قبل تأبيرها ، واحتمل ابن إدريس جواز بيعها قبل ظهورها عاما واحدا منضمة إلى غيرها ، قال : فان قيل هذا غرر ، قلت : الشي ء المنضم يخرجه عن كونه غررا ، ثمَّ قال : والذي اعتمد عليه واعمل فيه وافتي به : انه لا يصح بيعها قبل ان تطلع ومعها شي ء آخر ، وهذا هو المعتمد.

ص: 91


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 ، بيع الثمار ، حديث 8.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيعها قبل بدو الصلاح عاما ، إلا أن يضم إليها ما يجوز بيعه ، أو يشترط القطع أو عامين فصاعدا ، ولو بيعت عاما من دون الشروط الثلاثة ، قيل : لا يصح ، وقيل : يكره وقيل يراعى السلامة ، والأول أظهر.

أقول : لا خلاف في جواز بيعها مع احد الشروط ، وبدونها فيه ثلاثة أقوال :

الأول : الجواز على كراهية ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب والاستبصار ، وبه قال المفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ولرواية الحلبي (2) ، عن الصادق عليه السلام.

الثاني : البطلان ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال الصدوق وابن الجنيد وابن حمزة ، والدليل الروايات (3).

الثالث : قال سلار : يجوز البيع ويكون مراعى ، فان سلمت الثمرة فهي للمشتري ، وللبائع الثمن ، وان خاست كان الحاصل منها للبائع ، ويرجع به المشتري ، ودليله الجمع بين القولين.

تنبيه : قال العلامة في القواعد : ( ولو بيعت على مالك الأصل أو باع الأصل واستثنى الثمرة فلا شرط إجماعا ).

مراده : إذا كانت الثمرة له والأصل لغيره ، فباع الثمرة بعد ظهورها وقبل بدو صلاحها على مالك الأصل صح البيع ، ولا يشترط ان يضم إليها أحد الشروط

ص: 92


1- البقرة : 275.
2- الوسائل : كتاب التجارة ، باب 1 ، بيع الثمار ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 و2 ، بيع الثمار.

الثلاثة المتقدمة ، ووجه الصحة أنه كالجمع بين الأصل والثمرة في عقد واحد.

وقال في التحرير : ( لا فرق عندنا بين بيعها على مالك الأصل والأجنبي ).

أراد : كما لا يجوز بيعها على الأجنبي لا يجوز على مالك الأصل ) ، فقد خالف ما قاله في القواعد ، مع انه لم يتردد في أحد القولين ، بل ادعى الإجماع على مذهب القواعد ، ومذهبه في التحرير هو المعتمد ، لعدم وقوع العقد على الجميع ، فلا تكون منضمة الى الأصل ، فلا فرق حينئذ بينه وبين مالك الأصل للمساواة في عدم الضميمة ، فيتساويان في الحكم من غير فرق لعدم حصول الفارق.

قال رحمه اللّه : ولو أدركت بعض ثمرة البستان ، جاز بيع ثمرته أجمع ، ولو أدركت ثمرة بستان ، لم يجز بيع ثمرة بستان آخر ولو ضم اليه ، وفيه تردّد.

أقول : هذا تفريع على اشتراط بدو الصلاح ومنشأ التردد ، من ان لكل بستان حكم نفسه ، فكما لا يصح بيعه منفردا لا يصح بيعه منضما ، ولما رواه عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام ، ومن الإجماع على جواز بيع ما لم يبد صلاحه منضما الى غيره ، ولا شك في جواز بيع ما بدا صلاحه ، فيجوز ضم ما لم يبد صلاحه إليه ، لرواية إسماعيل بن الفضل (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : اما الأشجار : فلا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها ، وحدّه أن ينعقد الحب ، ولا يشترط زيادة على ذلك ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : بدو الصلاح يختلف ، فان كانت الثمرة مما تحمر وتسود أو تصفر ، فبدو الصلاح منها حصول هذه الألوان ، وان كانت مما تبيض فبأن تنمو ، وهو ان ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه ، وان كان مما لا يتلون

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، بيع الثمار ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، بيع الثمار ، حديث 5.

كالتفاح ، فبأن يحلو ويطيب اكله ، وان كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج (1) ، قال : وقد روى أصحابنا ان التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة.

فأما ما يورد فبدو صلاحه ان ينتثر الورد وينعقد ، وفي الكرم ان ينعقد الحصرم (2). وهذا هو المشهور عند المتأخرين.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز بيعها بسنتين فصاعدا قبل ظهورها؟ قيل : نعم ، والأولى المنع لتحقق الجهالة ، وكذا لو ضم إليها شيئا قبل انعقادها.

أقول : الخلاف في ثمرة الأشجار كالخلاف في ثمرة النخل وقد سبق (3).

قال رحمه اللّه : ولو كان بعد القبض وهو التخلية لم يرجع على البائع بشي ء ، وهو الأشبه.

أقول : هذا هو المعتمد ، لأن حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ، وقوى الشيخ انفساخ البيع في قدر التالف ورجوع المشتري بنسبته من الثمن.

قال رحمه اللّه : ويجوز بيع الثمرة على أصولها بالأثمان والعروض. ولا يجوز بيعها بثمرة منها ، وهو المزابنة ، وقيل : بل هي بيع الثمرة في النخل بثمر ولو كان على الأرض ، وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه؟ قيل : لا ، لأنه لا يؤمن الربا ، وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منها ، وهو المحاقلة ، وقيل : بل هي بيع السنبل بحب من جنسه كيف كان ، ولو موضوعا على الأرض ، وهو الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في المزابنة ، وهي محرمة إجماعا ، وفي تفسيرها خلاف ، قال الشيخ في النهاية : المزابنة بيع الثمرة في رؤوس النخل بالثمر من ذلك النخل ، وذهب في

ص: 94


1- في « ر 2 » : النضيح.
2- راجع المبسوط 2 : 114 ، والرواية في الكافي 5 : 175 - 3.
3- ص 93.

الخلاف الى تحريم بيعها بالتمر مطلقا ، سواء اتحد الثمن والمثمن (1) أو اختلفا (2) ، وهو مذهب المفيد واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد حذرا من الربا.

احتج على مذهبه في النهاية بأصالة الصحة ، وبالآية (3) ، وفي الطرفين روايات (4).

الثانية : في تعدية التحريم الى غير ثمرة النخل من شجر الفواكه بحث (5) ، لا يجوز بيع ثمرة شجرة بثمر منها أو ثمر من مثلها على الخلاف ، يحتمل التعدية ، فإنه بيع احد المماثلين بالآخر وحينئذ لا يتساويان ويلزم الربا.

ومن حيث ان الربا انما يكون في المكيلين أو الموزونين ، وهاهنا ليس كذلك ، لأن الثمرة على رأس الشجرة لا يشترط في بيعها الكيل ولا الوزن فلا ربا حينئذ ، وذهب المصنف والعلامة إلى التحريم.

الثالثة : في المحاقلة ، ولا خلاف في تحريمها ، وانما الخلاف في تفسيرها كالخلاف في تفسير المزابنة ، والمعتمد التحريم مطلقا ، سواء اتحد الثمن والمثمن أو اختلفا إذا كان من الجنس.

قال رحمه اللّه : يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا ، والعرية هي النخلة تكون في دار الإنسان ، قال أهل اللغة : أو في بستانه وهو حسن ، وهل يجوز بيعها بخرصها من تمرها؟ الأظهر لا.

ص: 95


1- لم ترد في « ر 2 ».
2- في « ر 2 » : ( اختلف ) بدل ( اختلفا )
3- « وأحل اللّه البيع » البقرة : 275.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، بيع الثمار.
5- في بعض النسخ : ( بحيث ).

أقول : أجمع الأصحاب على استثناء العرية من المزابنة ، واختلفوا في محلها بعد اتفاقهم على انها النخلة ، قال الشيخ في المبسوط : العرايا جمع عرية ، وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها ، ومثله قوله في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ووافقهم ابن البراج في المهذب ، وفي الكامل ، قال : هي النخلة تكون في دار الإنسان لغيره.

والمعتمد الأول ، لنص أهل اللغة عليه ، ولاشتراك الموضعين في الحاجة الداعية المشروعة ، وهي كراهة صاحب الدار دخول مالك النخلة إلى داره ، وهذه العلة حاصلة في ملك البستان ، ويحتمل الاختصاص بالدار لرواية السكوني (1) المخصصة بكونها في الدار.

وهل يجوز بيعها بثمرة منها؟ ظاهر ابن حمزة تحريمه والا لزم اتحاد الثمن والمثمن وهو غير جائز ، ويحتمل الجواز ، لإطلاق الإذن به ، ولوجود المقتضي وهو الرخصة ، والمعتمد عدم الجواز ان شرطه في العقد ، وان لم يشرطه وصبر عليه الى صيرورته ثمرا ، جاز دفع الثمن من ثمرها ، واما العقد فيجب ان يكون حالا.

فروع :

الأول : لا فرق في جواز البيع على مالك الدار أو مستأجرها ومالك البستان ومشتري ثمرته ، للاشتراك في العلة وهي التضرر بدخول الغير.

الثاني : لو أجاز أحد هؤلاء البيع على الغير ، احتمل الجواز لوجود المقتضي للإباحة - وهو دفع ضرر المالك بدخول الغير داره - إذ التقدير عدم تضرره عرض بدخول من اجازه ، ويحتمل العدم ، لعموم تحريم المزابنة خرج منها بيع العرية على أحد هؤلاء ، يبقى الباقي على المنع.

ص: 96


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 بيع الثمار ، حديث 1.

الثالث : لو تعددت العرايا في الدار الواحدة وتعددت الملّاك بتعدد العرايا جاز شراء الجميع ، ولو اتحد المالك لم يجز للاقتصار على مورد النص (1).

الرابع : هذا البيع رخصة لوجود المقتضي للمنع وهو تحريم المزابنة ، فلو نذر ان لا يفعل رخصة حنث بإيقاعه ، ولو نذر ان يفعل رخصة بر (2) بفعله.

قال رحمه اللّه : لو قال : ( بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء ) لم يصح ولو تساويا عند الاعتبار إلا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع ، وقيل : يجوز وان لم يعلما ، فان تساويا عند الاعتبار صح وإلا بطل. ولو كانتا من جنسين جاز إن تساوتا وان تفاوتتا ولم يتمانعا بأن بذل صاحب الزيادة أو قنع صاحب النقيصة وإلا فسخ البيع ، والأشبه انه لا يصح على تقدير الجهالة وقت الابتياع.

أقول : القائل بالجواز - مع عدم العلم حالة العقد إذا تساويا عند الاعتبار مع اتحاد الجنس ، ومع الاختلاف والتفاوت إذا لم يتمانعا - هو الشيخ رحمه اللّه ، وهو بناء على الاكتفاء بالمشاهدة فيما يكال أو يوزن ، والتمانع أشار إليه المصنف ، وهو ان لا يقنع صاحب النقيصة ولا يبذل صاحب الزيادة ، وعدم التمانع عكسه.

ص: 97


1- وهي رواية السكوني المتقدّمة.
2- في « ر 2 » : برء.

ص: 98

في بيع الحيوان

اشارة

قال رحمه اللّه : ويملك اللقيط من دار الحرب ، ولا يملك من دار الإسلام ، ولو بلغ فأقرّ بالرقية ، قيل : لا يقبل ، وقيل : يقبل ، وهو الأشبه.

أقول : قال ابن إدريس : لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا ، لأن الشارع حكم عليه بالحرمة ، والمشهور القبول ، لقوله عليه السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ، وحكم الشارع بالحرية بناء على الأصل ما لم يعرف (1) بالعبودية ، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهولين ، فلو جاء رجل مجهول النسب فأقر على نفسه بالعبودية قبل منه.

تنبيه : المراد بدار الإسلام التي يحكم بحرية لقيطها وإسلامه : هي ما ينفذ فيها حكم الإسلام ولا يكون فيها كافر الا معاهدا. والمراد بدار الكفر : هي التي ينفذ فيها احكام الكفار ولا يكون فيها مسلم الا مسالما لأهلها ، ولقيطها محكوم بكفره ورقة الا ان يكون فيها مسلم ولو تاجرا إذا كان مقيما ، وكذا لو كان أسيرا أو محبوسا ، ولا يكفي مرور المسلمين فيها من غير اقامة ، ولو كانت الدار للمسلمين

ص: 99


1- في « ر 1 » : يعترف.

فاستولى عليها الكفار فهي كدار الكفار الا ان يعلم فيها مسلم.

قال رحمه اللّه : وهل يملك هؤلاء من الرضاع؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشهر.

أقول : القول بمساواة الرضاع للنسب قول الشيخ في النهاية والخلاف ، وهو اختيار ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وفخر الدين ، لرواية عبد اللّه بن سنان في الصحيح ، « قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام بحضوري عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته ، هل يحل لها بيع؟ قال : لا وهو ابنها من الرضاع حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، ثمَّ قال عليه السلام : أليس قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟! » (1).

والقول بعدم المساواة وجواز البيع قول المفيد في المقنعة وسلار وابن أبي عقيل وابن إدريس ، لأصالة بقاء الرق ، ولهم عليه احاديث (2).

قال رحمه اللّه : إذا حدث في الحيوان عيب ، بعد العقد وقبل القبض ، كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه ، وفي الأرش تردّد.

أقول : قد سبق البحث في باب القبض إذ لا فرق بين الحيوان وغيره هنا.

قال رحمه اللّه : ولو قبضه ثمَّ تلف ، أو حدث فيه عيب في الثلاثة ، كان من مال البائع ، ما لم يحدث فيه المشتري حدثا ، ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري ، لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد ، وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردد ، والظاهر لا.

أقول : انما كان تلفه بعد القبض من مال البائع ، وحكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ، لأنه تلف في مدة خيار المشتري ، فيكون تلفه ممن ليس له خيار ،

ص: 100


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 3 مع اختلاف يسير.
2- المصدر ، حديث 1 ، 2 ، وغيرهما فلاحظ.

ومنشأ التردد في جواز أخذ أرش العيب من ان الجملة مضمونة عليه ، وضمان الجملة يستلزم ضمان الأبعاض ، ومن أصالة عدم وجوب الأرش فيتخير المشتري بين الرد والإمساك مجانا ، وبالجملة الإشكال كالإشكال في تعينه قبل القبض ، وقد سبق (1).

قال رحمه اللّه : وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن البيع تعلق بالأم فلا يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه ، والأصل بقاء الملك على المالك.

وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج في المذهب : وإذا باع دابة أو أمة حاملا واستثنى الحمل لنفسه لم يجز ، وهو بناء على ان الحمل جزء من الحامل ، فهو كعضو من أعضائها ، فكما لا يصح استثناء العضو لا يصح استثناء الحمل.

وقال ابن حمزة : يكون للمشتري الا ان يستثنيه البائع.

ويتفرع على مذهب الشيخ في المبسوط انه لو باع الجارية الحامل بحر لم يصح البيع ، لأن الحر لا يدخل في البيع فيكون مستثنى ، وهو لا يصح استثناؤه ، فيبطل البيع.

قال رحمه اللّه : ولو باع واستثنى الرأس والجلد صح ، ويكون شريكا بقدر قيمة ثنياه من دار الحرب على رواية السكوني. وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة ، وشرط أحدهم لنفسه الرأس أو الجلد ، كان شريكا بنسبة ماله.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : الصحة ، ويكون شريكا بقيمة ثنياه ، فيقال : كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل : عشرة مثلا ، قيل : وكم قيمته منزوع الرأس والجلد؟

ص: 101


1- ص 38.

فاذا قيل تسعة مثلا صار البائع شريكا بالعشر ، لأنه أخذ قيمة تسعة أعشاره وبقي له عشرة ويلغو التعيين ، وهو قول الشيخ في النهاية وفي المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن البراج.

الثاني : صحة البيع والشرط معا ، وهو مذهب السيد والمفيد وسلار وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنه استثنى معلوما من معلوم فلا مانع من صحته.

الثالث : بطلان البيع الا ان يكون الحيوان مذبوحا أو المقصود منه الذبح ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

وأما وجه البطلان مع عدم الشرطين فلا فضائه الى الضرر والتنازع ، لأن المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان ، وهو يؤدي الى عدم انتفاع البائع بحقه ، وان اختار البائع ذبحه ليتوصل الى حقه كان فيه منع المشتري من التصرف بماله بما يختار من التصرفات ، وربما كان التبقية أنفع له من الذبح ، فيؤدي إلى التنازع.

وأما وجه الصحة مع الشرطين ، لأنه استثناء المعلوم ولا غرر فيه ولا ضرر ، فكان جائزا.

فرع : لو استثنى رطلا معلوما من اللحم ، ظاهر سلار جوازه ، وقال ابن الجنيد لا يجوز ، لأن مواضع اللحم تتفاضل بالجودة وعدمها ، فان عين المكان بما لا يختلط بغيره جاز ، واستحسنه العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ( الربح لنا ولا خسران عليك ) ، فيه تردد ، والمروي الجواز.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر الدروس ، لأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2) ، ولما

ص: 102


1- تقدم ص 44.
2- البقرة : 275.

رواه رفاعة (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومنع ابن إدريس من صحة هذا الشرط ، ونسب قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم الاستقامة ، لأن الخسران على رؤوس الأموال بلا خلاف ، فاذا شرط على احد الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة ، وقواه العلامة في التحرير ، ( واختاره العلامة في القواعد ) ، وأبطله في المختلف.

قال رحمه اللّه : ويكره وطي من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، على الأظهر.

أقول : منع ابن إدريس من ذلك بناء على كفرها ، لأنه يقول بكفر ولد الزنا ، والمشهور الإباحة على كراهية.

أما الإباحة ، فلعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (2) وأما الكراهة فلما رواه أبو خديجة ، قال : « سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا يطيب ولد الزنا ابدا » (3).

قال رحمه اللّه : العبد لا يملك ، وقيل : يملك فاضل الضريبة ، وهو المروي ، وأرش الجناية على قول ، ولو قيل : يملك مطلقا ، لكنه محجوز عليه بالرق حتى يأذن المولى ، كان حسنا.

أقول : نفي الملك عن العبد مطلقا مذهب ابن إدريس والمصنف في المختصر ، واختاره العلامة وابنه ( فخر الدين ) (4) وأبو العباس ، وهو المعتمد ،

ص: 103


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 بيع الحيوان ، حديث 1.
2- النساء : 4.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 96 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 8.
4- كذا في هامش بعض النسخ.

لأنه مملوك ، والمملوك لا يكون مالكا ولقوله تعالى ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ) (1).

وقال الشيخ : يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملكه المولى ، لما رواه زرارة في الصحيح (2) ، عن الباقر عليه السلام ، وقال الصدوق وابن الجنيد : يملك لا مستقرا ، بل للسيد منعه من التصرف.

قال رحمه اللّه : من اشترى عبدا ، كان ماله لمولاه ، إلا أن يشترطه المشتري ، وقيل : إن لم يعلم به البائع فهو له ، وان علم فهو للمشتري ، والأول أشهر.

أقول : التفصيل مذهب ابن البراج في المذهب ، وقال ابن الجنيد : ان علم البائع وسلمه مع العبد فهو للمشتري ، والا فهو للبائع ، والأول هو المشهور ، لأن البيع انما يتناول رقبة العبد فلا يدخل ماله إلا مع الشرط ، فاذا اشترطه المشتري دخل.

وهل يشترط ان يكون الثمن أزيد من ماله ليسلم من الربا؟ قال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار : إذا اشترط المبتاع كان له ، سواء كان أكثر من ثمنه أو أقل ، وأطلقوا من غير تفصيل بين الربوي وغيره ، وفصل ابن الجنيد ، قال : ان كان الثمن وماله ربويين لا بد من زيادة عن ماله تقابل العبد ، وان كان أحدهما غير ربوي لم يشترط الزيادة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، لأنه قال فيه : لو كان مع العبد مائة درهم وباعه بمائة درهم لم يصح ، ولو باعه بمائة ودرهم صح ، واختاره العلامة تفصيا من الربا ، وأطلق الجميع القول في ذلك.

وفصل الشهيد ، قال : ولو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ولا

ص: 104


1- النحل : 16.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 24 ، حديث 1.

التفصي من الربا ان قلنا : انه يملك ، وان أحلنا ذلك اشترط (1) ، وهذا التفصيل صحيح على مذهب المبسوط والقواعد ؛ لأن مذهبهما على القول بأن العبد يملك يكون اشترط المشتري للمال إبقاء له على ملك العبد ولا يملكه المشتري ، فعلى هذا لا يكون جزءا من المبيع ، فلا يجري فيه الربا ، ولا يشترط فيه العلم.

قال في المبسوط : وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمس مائة صح البيع على قول من يقول انه يملك ، ولو باع ألفا بخمس مائة لم يصح ، والفرق بينهما انه إذا باع العبد انما يتبع رقبته مع بقاء ملكه عليه فيصح ذلك ، وفي القواعد : ولا يتناول ماله الذي يملكه مولاه الا ان يستثنيه المشتري ان قلنا ان العبد يملك وينتقل إلى المشتري مع العبد ، وكان جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا ، فقد عرفت ان مذهب المبسوط والقواعد ، عدم انتقال مال العبد ، الى ملك المشتري وان اشترطه ، بل فائدة الشرط بقاؤه على ملك العبد.

قال رحمه اللّه : ولو قال اشترني ولك عليّ كذا ، لم يلزمه وان اشتراه ، وقيل : إن كان له مال حين قال ، ألزم وإلا فلا ، وهو المروي.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن العبد لا يملك شيئا ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، لرواية وردت عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2).

قال رحمه اللّه : التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم ، محرّمة ، وقيل : مكروه ، وهو الأظهر. والاستغناء يحصل ببلوغ سبع سنين. وقيل : يكفي استغناؤه عن الرضاع ، والأول أظهر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في تحريم التفرقة أو كراهتها ، وبالتحريم قال الشيخ في باب بيع

ص: 105


1- في « ر 2 » : اشترطنا.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 9 من بيع الحيوان ، حديث 1 و3.

الحيوان من النهاية ، وبه قال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن الجنيد ، وطرد الحكم إلى الأخوة ، ودليلهم الروايات (1).

وحكم المفيد والشيخ في المبسوط والخلاف بفساد البيع ، وهو ظاهر الروايات (2) ، والكراهية مذهب الشيخ في باب العتق من النهاية ، وتبعه ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وأبو العباس في المقتصر ، لأن الناس مسلطون على أموالهم يتصرفون فيها حيث شاؤوا ، وحملت الروايات الواردة بالمنع على الكراهة.

الثاني : في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في مدة الحضانة ، والشيخ في النهاية يجعله مدة الحولين في الذكر وسبعا في الأنثى ، وتبعه ابن إدريس وابن حمزة. وابن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والأنثى واختاره المصنف.

وقال المفيد : إنها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الأنثى. وقال ابن البراج في المهذب : هي سبع في الذكر وتسع في الأنثى ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، لأن المقصود قيام الأم بالشفقة عليه وايناسه ، ولا يحصل الاستغناء عن ذلك بأقل من هذه المدة.

قال رحمه اللّه : من أولد ، ثمَّ ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك ، وعلى الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وقيل : يجب مهر أمثالها ، والأول مروي.

أقول : وجوب مهر المثل مذهب الشيخ وابن إدريس ، والتفصيل مذهب العلامة.

ص: 106


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 من بيع الحيوان.
2- نفس المصدر السابق.

قال رحمه اللّه : ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد ، وهل يرجع بما اغترمه من مهر واجرة ، قيل : نعم ، لأن البائع أباحه بغير عوض وقيل : لا لحصول عوض في مقابلته.

أقول : عدم الرجوع مذهب ابن إدريس وهو بناء على ان المغرور إنما (1) يرجع على الغار بما لم يحصل له في مقابلته نفع كالعمارة والنفقة وقيمة الولد ، أما ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى وعوض البضع فلا ، والمعتمد الرجوع في الجميع ، لأنه دخل على اباحة هذه الأشياء بغير عوض ، فاذا غرم عوضها رجع به المغرور ، ولو كان المشتري عالما بالاستحقاق والتحريم ، فهو زان وولده رق ، ولا يرجع بشي ء إلا بالثمن مع بقاء عينه.

قال رحمه اللّه : ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام ، يجوز تملكه في حال الغيبة ووطي الأمة ، ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره ، وان كان فيها حق للإمام ، أو كانت للإمام.

أقول : كل سرية غزت بغير اذن الامام كانت غنيمتها له ، فعلى هذا يكون جميع ما يسبى في الغيبة له ، لعدم اذنه في ذلك ، ولا فرق بين سبي المسلمين أو الكفار ، وقد أباحوا لشيعتهم المناكح والمساكن في حال الغيبة ، لتطيب ولادتهم ، واما الذي فيه الخمس خاصة فهو ما أخذ من دار الحرب غيلة أو نهبا من غير قتال فهو لآخذه ، وعليه فيه الخمس لأربابه ، فيكون للإمام فيه حق ، فلا يجب إخراج حصة الإمام عليه السلام ولا حصة أرباب الخمس ، لعموم الاذن بإباحة الرقيق حال الغيبة ، ونازع ابن إدريس في ذلك ، ومنع من وطي ما يختص بالإمام.

تنبيه : إذا ثبت ان المسبي حالة الغيبة للإمام ، وانما أباح تملكه لشيعته

ص: 107


1- من « ر 2 ».

خاصة ، للعلة المذكورة ، ثبت ان المخالفين لا يملكون ما اختص بالإمام عليه السلام ، ولا يباح لهم ما كان شريكا فيه ، لعدم اباحته لهم ، لأنه مال الغير فيتوقف على تملكه واباحة التصرف فيه على اذن مالكه ، وهو لم يأذن لغير شيعته ، فلا يباح لغيرهم اقتصارا على اذن المالك.

وهل يملكون ما اشتروه من الشيعة؟ يحتمل ذلك ، لأن الشيعة ملكوه بالسبي أو بالشراء ، فاذا اشتراه المخالف منهم فقد ملكه ، لأنه اشتراه من مالك بعقد صحيح ناقل فيملكه.

ويحتمل العدم ، لأن سبب التحريم قبل الشراء من الشيعي كونه مخالفا لدين الشيعة ، وهذا السبب موجود بعد الشراء ، فيوجد المنع لوجود السبب ، لأن كل سبب مانع من شي ء لا يباح ذلك الشي ء مع ذلك السبب المانع من الإباحة ، والا لم يكن مانعا فيكون البيع باطلا ، لأن بيع الشي ء على من ليس يملكه بالشراء غير جائز ، هذا فيما كان جميعه للإمام.

اما ما كان له بعضه كالمغتال والمنتهب ، فان المخالف يملكه أربعة أخماسه وللإمام وأرباب الخمس الباقي ، فلا يجوز للمخالف الوطي قبل دفع الخمس إلى أربابه ودفع حصة الإمام الى من يقوم مقامه من فقهاء الشيعة ، لأنها قبل ذلك مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين وان اذن الآخر على الأقوى.

فعلى هذا التحرير يجوز للشيعي قهر المخالف على الرقيق المعلوم ان جميعه للإمام ، لكونه مباحا له محرم على المخالف ، ما لم يثر فتنة ، فلا يجوز حينئذ لتحريم إثارة الفتنة.

فرع : يحرم على الشيعي بيع الأمة على المخالف ، لما فيه من التسلط على الفروج المعصومة ، فيكون كالجامع بين اثنين للزنا ، بل أبلغ من ذلك لسقوط

ص: 108

اختيار الأمة بسبب فعل البائع ، فهو كالمكره لها على الزنا.

قال رحمه اللّه : إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ، ويعتقها ، ويحج بباقي المال. فاشترى أباه ، ودفع إليه بقية المال يحج به. واختلف مولاه وورثة الآمر ومولى الأب فكل يقول اشترى بمالي. قيل : يرد الى مولاه رقا ، ثمَّ يحكم به لمن أقام البينة ، على رواية ابن أشيم وهو ضعيف ، وقيل : يرد على مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : رده الى مواليه رقا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، فمن أقام البينة بعد ذلك من ورثة الآمر ومولى المأذون أخذه ، وتبعه ابن البراج على ذلك لرواية موسى بن أشيم الدالة على هذا الحكم.

الثاني : كون المعتق رقا لمولى المأذون وبطلان عتقه ، لأن جميع ما في يد العبد فهو لسيده ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف هنا ، وبه قال العلامة.

الثالث : إمضاء ما فعله المأذون ، وهو الحكم بصحة البيع والعتق ، وهو مذهب المصنف في المختصر وقواه الشهيد ، ثمَّ اعترض بما فيه من طرح الرواية المشهورة.

وانما كان قول المختصر قويا ، لأن حكم المأذون حكم الوكيل فيقبل إقراره بما في يده ويمضي تصرفه فيه ، وظاهر الشهيد العمل على الرواية.

فرع : لو أقام كل واحد من الثلاثة بينة فان رجحنا بينة ذي اليد ، فالحكم لبينة مولى المأذون ، لأن ما في يد العبد في يد المولى ، وان قدمنا بينة الخارج أسقطنا بينة مولى المأذون ، وهل يقدم بينة دافع المال إلى المأذون أو بينة مولى الأب؟ يحتمل الأول ، لأن العمل ببينة الدافع يقتضي صحة البيع ، فيكون

ص: 109

الترجيح لها ، لأن العمل بما يقتضي الصحة أولى من العمل بما يقتضي الفساد ، ويحتمل الثاني ، لادعائه ما ينافي الأصل - وهو فساد البيع - فتكون بينته ناقلة وبينة الأول مقررة ، والناقلة أولى من المقررة.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى عبدا في الذمة ، ووضع البائع عبدين ، وقال : ( اختر أحدهما ) فأبق واحد. قيل : يرتجع نصف الثمن ، فان وجده اختاره ، وإلا كان الموجود لهما ، وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، ولو قيل : التالف مضمون بقيمته وله المطالبة بالعبد الثابت بالذمة كان حسنا ، أما لو اشترى عبدا من عبدين ، لم يصح العقد ، وفيه قول موهوم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اشترى عبدا في الذمة. المسألة ، والقول بارتجاع نصف الثمن وكون الموجود لهما والتخيير مع وجود الآبق هو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لرواية محمد بن مسلم (1) ، وعن الباقر عليه السلام.

قال المصنف : وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، لأنه مع انحصار حقه فيهما يكون شريكا للبائع ، وإذا ذهب من الشريك بعض مال الشركة من غير تفريط كان على جميع الشركاء ، ولو قيل : ان كان التالف مضمونا بقيمة وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمة كان حسنا.

انما كان حسنا ، لأن المقبوض بالسوم مضمون ، والثابت في الذمة غير متعين ، فيضمن التالف ، لكونه مقبوضا بالسوم ، ويطالب بالثابت في الذمة ، فإن كانا متصفين بالصفات المذكورة في العقد اختار أحدهما ، فإن اختار التالف تهاترا ، وان اختار الموجود أخذه ودفع الى البائع قيمة التالف ، وان كانا غير متصفين بالصفات المذكورة في العقد ضمن الآبق ودفع اليه الموجود وطالب

ص: 110


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من بيع الحيوان ، حديث 1.

بالموصوف بالصفات المذكورة في العقد ، وهذا هو المعتمد.

الثانية : إذا اشترى حر (1) عبدا من عبدين معينين على ان يختار أحدهما ، فالمشهور في هذه المسألة البطلان ، لعدم تعين المبيع عند المتبايعين حالة العقد ، وقال الشيخ في موضع من الخلاف بالجواز ، واستدل بإجماع الفرقة ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، وانما نسبه المصنف الى الوهم ، لأنه بيع مجهول ، والبيع المجهول لا يصح ، وحمل العلامة قول الشيخ على تساوي العبدين من كل وجه.

والمعتمد البطلان وان تساويا لعدم التعيين ، وهو شرط في صحة البيع المشاهد.

قال رحمه اللّه : إذا وطئ احد الشريكين مملوكة بينهما ، سقط الحد مع الشبهة ، ويثبت مع انتفائها ، لكن يسقط منه بقدر نصيب الواطئ ، ولا يقوّم عليه بنفس الوطي ، على الأصح ، فلو حملت ، قوّمت عليه حصص الشركاء ، وانعقد الولد حرا ، وعلى أبيه قيمة حصصهم يوم ولد.

أقول : لا خلاف في سقوط الحد مع الشبهة كما لو توهم حل المشتركة وثبوت مقدار نصيب الشركاء مع انتفاء الشبهة ، وانما الخلاف في حكمين :

الأول : هل تقوم بنفس الوطي أو لا تقوم الا مع الحمل؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم التقويم الا مع الحمل.

الثاني : هل تقوم بقيمتها العادلة يوم التقويم أو بأكثر الأمرين من القيمة يوم التقويم والثمن الذي اشتريت به؟ المشهور الأول ، وقال الشيخ بالثاني ،

ص: 111


1- من « ر 2 ».
2- تقدم ص 44.

لرواية عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام : « إذا حملت تعلق بها حكم أمهات الأولاد فتقوم عليه ، لأن الاستيلاد بمنزلة الإتلاف ، لتحريم بيعها ووجوب عتقها بموت سيدها ، ولا يدخل في ملكه بمجرد الحمل ، بل بالتقويم ودفع القيمة أو الضمان مع رضاء الشريك.

فروع :

الأول : قبل التقويم هي مشتركة لهم استخدامها وعليهم نفقتها ولهم كسبها.

الثاني : لو مات قبل التقويم أخذ القيمة من تركته ولا تحسب الجارية من التركة ، لأن الاستيلاد إتلاف ، فلو ضاقت التركة اختص الشركاء بالجارية ، لأنها تباع بثمن رقبتها ، فان فضل منها شي ء عن حصص الشركاء كان الباقي للغرماء.

الثالث : انما يجب عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا إذا لم تقوم عليه وهي حامل ، فاذا قومت عليه قبل الولادة صارت ملكه ، فلا يجب عليه قيمة الولد ، وإذا لم تقوم حاملا كانت عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ، ويسقط عنه قدر نصيبه منه ، وتقوم الأم حينئذ بأعلى القيم من حين الإحبال إلى حين التقويم ، ويسقط قدر نصيبه.

الرابع : لو كانت بكرا وجب عليه أرش البكارة ، وان كانت ثيبا وجب عليه المهر إذا كانت جاهلة أو مكرهة ، لا مع العلم أو المطاوعة.

الخامس : لو سقط الولد ميتالم يلزمه شي ء.

السادس : لو سقط بجناية جان لزم الجاني دية جنين حر (2) للأب ، وعلى الأب لشركائه دية جنين الأمة عشر قيمة أمه إلا قدر نصيبه ، ويحتمل ان لا يجب

ص: 112


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 17 من بيع الحيوان ، حديث 1.
2- في « ر 2 » : حتى.

على الأب شي ء للشركاء ، لأنهم قالوا : ( وعليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ) ، والمعتمد الأول ، لأن وجوب الدية على القاتل يقوم مقام سقوطه حيا.

قال رحمه اللّه : المملوكان المأذون لهما ، إذا ابتاع كل منهما صاحبه من مولاه حكم بعقد السابق ، فإن اتفقا في وقت واحد ، بطل العقدان. وفي رواية يقرع بينهما ، وفي أخرى : تذرع الطريق ويحكم للأقرب ، والأول أظهر.

أقول : لا يخلو الحال من ثلاثة وجوه : اما ان يعلم السبق أو الاقتران أو يجهل الحال :

الأول : ان يعلم سبق أحدهما فيصح عقد السابق ويبطل عقد المتأخر ، لبطلان تصرفه بخروجه عن ملك مولاه.

الثاني : ان يعلم الاقتران ، وفيه ثلاثة أقوال.

« أ » : بطلان العقدين معا ، لتدافعهما ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف.

« ب » : يقرع بينهما ، وهو اختيار الشيخ وابن البراج ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة (1).

« ج » : قول العلامة في المختلف والقواعد ، وهو ان كانا وكيلين صح العقدان ، وان كانا مأذونين كان العقدان موقوفين على الإجازة ، لأن كل واحد بطل اذنه ببيع مولاه فاذا اشترى الآخر صار كالفضولي ، فيكون عقده موقوفا ، يصح مع الإجازة ويبطل مع الرد.

الثالث : ان يشتبه الحال بمعنى عدم العلم بالسبق والاقتران ، وفيه قولان :

أحدهما : تمسح الطريق من موضع افتراقهما الى موضع سيدهما مع تساويهما بالقوة ويحكم للأقرب منهما ، ومع تساوي الطريقين يقرع ، وهو قول

ص: 113


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 18 بيع الحيوان ، حديث 1.

الشيخ في الاستبصار ، لما رواه الشيخ (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام.

والآخر البطلان ، ولجواز سبق ذي الطريق البعيدة لسرعة سعيه ، وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح ، كان له ردها على البائع ، ولو مات أحد من ورثته ، ولو لم يخلف وارثا استسعت في ثمنها ، وقيل : تكون بمنزلة اللقطة ، ولو قيل : تسلم الى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : ردها على البائع وأخذ الثمن منه ، فان مات فعلى ورثته ومع عدم الورثة يستسعى ، وهو قول الشيخ والقاضي عبد العزيز بن البراج ، والمستند رواية مسكين السمان (2).

الثاني : يكون بمنزلة اللقطة ، وهو قول ابن إدريس ، لعدم جواز دفعها الى البائع وهو يعلم انه غير مالكها ، ولا يجوز استسعاؤها وهي مملوكة الغير ، فما بقي إلا ردها الى مالكها ان عرفه ، والا عرفها كاللقطة ، أو دفعها الى حاكم المسلمين ، ويجتهد على ردها ممن سرقت منه ، لأنه الناظر في مثل ذلك.

الثالث : قول المصنف وهو ان يدفعها الى حاكم المسلمين ابتداء ولا يجوز التصرف بغير ذلك ، لأنها مال الغائب ، فيكون وليه الحاكم ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، وأما حكم الثمن ، فان كان المشتري عالما بالحال فلا رجوع مع ذهاب عينه ، وان كان جاهلا رجع به ، فان تعذر سقط ولا يجوز استسعاؤها ، لأنها مملوكة الغير ، ونفقة الجارية من كسبها ان كانت ذات كسب ، والا فمن بيت مال المسلمين.

ص: 114


1- التهذيب ، 7 : 72 ، حديث 310.
2- الوسائل ، كتاب التجارة باب 23 من بيع الحيوان ، حديث 1.

في السلف

قال رحمه اللّه : وهل ينعقد البيع بلفظ السلم ، كأن يقول : أسلمت إليك هذا الكتاب بهذا الدينار؟ الأشبه نعم ، اعتبارا بقصد المتعاقدين.

أقول : يحتمل الانعقاد ؛ لأن السلم نوع من البيع فيجوز استعماله في الجنس مجازا تبعا للقصد ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، ويحتمل العدم لعدم انتقال الملك الا بما جعله الشارع ناقلا ، ولم يثبت ان الشارع جعل هذا اللفظ ناقلا لغير هذا النوع المخصوص به ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز استعمال السلم إلا مع ذكر الأجل.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الأجود ، لم يصح لتعذره ، وكذا لو اشترط الأردأ ، فلو قيل في هذا بالجواز ، كان حسنا لإمكان التخلص.

أقول : أما عدم جواز اشتراط الأجود ؛ لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود منه فيحصل الجهالة لعدم الضبط ، وهذا لا خلاف في عدم جوازه ، وأما لو شرط الأردى فقد قال الشيخ : لا يصح للجهالة أيضا ؛ لأن الأردى لا يضبط بالوصف كالأجود. واستحسن المصنف الجواز لا مكان التخلص ؛ لأنه إذا دفع أجود من

ص: 115

المشترط وجب القبول فبأي صفة دفع كان أجود من المشترط ، والمعتمد البطلان.

قال رحمه اللّه : وفي الجلود تردد ، وقيل : يجوز مع المشاهدة وهو خروج عن السلم.

أقول : القول بالجواز مع المشاهدة قول الشيخ في النهاية وقول ابن البراج في الكامل ، وعدم الجواز مذهب ابن إدريس واختاره العلامة ؛ لأن الجلود لا يمكن ضبطها بالوصف لاختلاف خلقها.

واحتج المجوزون بأصالة الصحة ، وعموم الآية (1) ، ولهم عليه روايات (2) ، والعمل به ينافي حقيقة السلف ، لأنه بيع مضمون إلى أجل معلوم ، والمشاهد ليس كذلك.

قال رحمه اللّه : ويجوز في شاة معها ولدها : وقيل : لا يجوز ، لأن ذلك مما لا يوجد إلا نادرا ، وكذا التردد في جارية حامل لجهالة الحمل.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الإسلاف في شاة معها ولدها ، والمراد ان يكون منفصلا عنها ، قال الشيخ : لا يجوز ، لعدم إمكان ضبط الولد بالوصف ، لإمكان ان لا تلد كذلك وهو مما يعز وجوده.

والجواز مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، لأصالة الصحة ، وإمكان وجوده على الصفات المذكورة في العقد.

الثانية : في جواز الإسلاف في شاة حامل أو جارية كذلك ، قال الشيخ وابن الجنيد : انه مجهول لا يمكن ضبطه بالوصف ، والمعتمد الجواز ؛ لأن الحمل تابع لا يضر جهالته ، والا لما جاز بيع الحبلى نقدا ، فلو كانت جهالة الحمل مانعة منعت

ص: 116


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 من السلف ، حديث 7.

في الموضعين.

قال رحمه اللّه : وفي الإسلاف في جوز القز تردد.

أقول : منشؤه من ان القز فيه دود ان كان حيا أفسده ؛ لأنه يقرضه ويخرج ، وان كان ميتا فالميتة لا يجوز بيعها ، ومن ان الدود غير مقصود في البيع ، فلا فرق بين ان يكون حيا أو ميتا ؛ لأصالة الصحة ، ولا بد أن يشترط كونه طريا أو يابسا ، والأول مذهب الشيخ ، والثاني مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يكون من الثمن من دين عليه ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بمثله ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف والشهيد في دروسه ، لما قاله المصنف : ( من انه بيع دين بمثله ) ، وقيل بالكراهة ، واختاره المصنف ، لأن ما في الذمة مقبوض وبيع الدين بالدين المنهي عنه عند المصنف هو ما كان في ذمتين غير ذمتي المتبايعين ، أما ما كان في ذمتي المتبايعين لا يكون بيع دين بدين ، واختاره العلامة في التحرير.

ولو لم يعينه من الدين بل جعله موصوفا في الذمة ثمَّ حاسبه بعد العقد في المجلس صح على ما اختاره في القواعد ، ويلزمه ان العقد وقع على دين بدين ، فيشكل صحته.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدّا؟ الوجه لا.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ ، والجواز مذهب ابن الجنيد ، وفصل العلامة ، قال : ان كان مما يتفاوت يسيرا كالجوز واللوز جاز وزنا وعددا ، وان كان يتفاوت كثيرا كالبطيخ والبيض والباذنجان لا يجوز إلا وزنا ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اشتراه حالا ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وهو المروي.

ص: 117

أقول : قد تقدم (1) البحث في هذه ، ويكون بيعا بلفظ السلم.

قال رحمه اللّه : ولو قال الى شهرين فان كان في أول الشهر ، عد شهرين اهلة ، وان أوقع العقد في أثناء الشهر ، أتم من الثالث بمقدار الفائت من شهر العقد ، وقيل : يتم ثلاثين يوما ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : إتمام الناقص بقدر الفائت من شهر العقد ، فان كان وافيا أتمه ثلاثين ، وان كان ناقصا أتمه تسعة وعشرين ، وقواه الشيخ بحصول إتمام الشهر باستثناء ما فات منه.

الثاني : عد المنكسر ثلاثين سواء كان ناقصا أو تماما ، لأن الشهر اما عدة بين الهلالين أو ثلاثين يوما ، والأول قد تعذر ، فيتعين الثاني.

الثالث : عد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الأول قد انكسر ولا يعقل دخول الثاني حتى يكمل الأول ، فيجب ان يكون إكماله مما يليه فينكسر الثاني ، وهكذا فينكسر الجميع ، فيجب إتمام الجميع ثلاثين ثلاثين.

والعمل على الأوسط من الأقوال ، ويلفق اليوم إذا وقع العقد في أثنائه ، بأن يأخذ من يوم آخر بقدر ما فات من يوم العقد ، ولا عبرة بقصر اليوم وطوله للتسامح بمثل ذلك.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه ، ولو كان في حمله مئونة.

أقول : اشترط الشيخ في المبسوط والخلاف ذكر موضع التسليم إذا كان في حمله مئونة ، ولم يشترط في النهاية غير ذكر الجنس والوصف والأجل ، وهو يدل على عدم اشتراط ذكر موضع التسليم ، ولم يشترطه ابن إدريس ، واختاره

ص: 118


1- ص 115.

المصنف ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الاشتراط ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2) ، ولاقتضاء العقد التسليم في بلد العقد ، فلا يفتقر الى ذكر الموضع.

واحتج المشترطون بأن مع ذكر موضع التسليم يقطع بصحة العقد ، ومع عدمه لا دليل على صحته ، وقال العلامة : ان كان في برية أو بلد ليس قصدهما الاجتماع فيه ، وجب ذكر موضع التسليم ، لأنه لا يمكن التسليم في موضع العقد وليس أحد الأمكنة أولى من الآخر ، فاذا لم يذكر موضع التسليم أفضى إلى الجهالة والتنازع ، وان كان العقد في موضع هما مجتمعان فيه لم يجب ذكر موضع التسليم ، لاقتضاء العقد وجوبه في بلد العقد فلا يجب ذكره ، هذا مذهب العلامة في القواعد والمختلف ، وفي التحرير لم يشترطه وان كانا في برية ، فعلى هذا يجب التسليم في بلد البائع ، لأصالة البراءة ذمته من وجوب حمله الى غير بلده ، ولو اشترطه في موضع غير بلد العقد وجب اتباع الشرط ، ومذهب القواعد هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى كرا من طعام بمائة ثمَّ اشترط تأجيل خمسين ، بطل في الجميع على قول.

أقول : لا يجوز كون الثمن مؤجلا في السلف ، لعدم جواز بيع الدين بالدين ، فاذا اشترط تأجيل البعض احتمل البطلان في الجميع ، لجهالة ما يقابل المقبوض ، ويحتمل الصحة ثمَّ يوزع فيما بعد ، كما لو اشترى سلعتين بعقد واحد ثمَّ استحق أحدهما.

وعلى القول بالصحة والتقسيط يثبت الخيار لتبعيض الصفقة عليهما.

ص: 119


1- المائدة : 1.
2- البقرة : 275.

قال رحمه اللّه : ولو دفع خمسين ، وشرط الباقي في دين على المسلم إليه ، صح فيما دفع ، ويبطل فيما قابل الدين ، وفيه تردد.

أقول : سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : يجوز بيع الدين بعد حلوله ، على الذي عليه وعلى غيره ، فإن باعه بما هو حاضر ، صح وإن باعه بمضمون حال ، صح أيضا ، وان اشترط تأجيله ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بدين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : البطلان مذهب ابن إدريس ، لأنه بيع الدين بالدين كما قاله المصنف ، واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الدروس ، وقال الشيخ في النهاية : انه مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الصحة ، ولأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو ان يبيعه دينا في ذمة زيد بدين في ذمة عمرو ، وهذا ليس كذلك ، والأول أحوط.

واما الدين المؤجل فقد جوز ابن إدريس بيعه على من هو عليه ومنع من بيعه على الغير ، وجوزه العلامة في المختلف مطلقا على من هو عليه وعلى غيره ، لأصالة الجواز ، وفي التحرير منع من بيعه مطلقا ، واختاره صاحب الدروس ، الا انه عكس مذهب ابن إدريس سهوا ، لأنه قال : قال ابن إدريس : لا خلاف في تحريم بيعه على من هو عليه ، ويلزم بطريق التنبيه تحريمه على غيره ، وجوز الفاضل بيعه على من هو عليه فيباع بالحال ، هذا كلامه رحمه اللّه.

وهو سهو ، لأن مذهبه العكس ، وهذه عبارته : الدين لا يخلو إما ان يكون حالا أو مؤجلا ، فإن كان مؤجلا فلا يجوز بيعه بغير خلاف على غير من هو في ذمته ، وان كان حالا فلا يجوز بيعه بالدين بدين آخر لا ممن هو عليه ولا من غيره بغير خلاف أيضا ، هذا كلامه رحمه اللّه.

ص: 120


1- ص 119.

وخص المنع من البيع على غير من هو عليه ، يدل بمفهومه على جواز البيع على من هو عليه ، فلهذا قلنا انه يجوز بيعه على من هو عليه ، وتجويز العلامة بيعه على غير من هو عليه يدل على جوازه على من هو عليه بطريق الأولى ، وهو عكس ما نقله صاحب الدروس.

والظاهر ان سبب سهو الشهيد غلط نسخة المختلف التي نقل منها مذهب ابن إدريس ، ومذهب العلامة ، ولهذا قال : وجواز الفاضل بيعه على من هو عليه.

ومراده بالفاضل العلامة ، مع انه مذهبه في المختلف جواز بيعه على غير من هو عليه ، وهذه عبارته : قال ابن إدريس : الدين المؤجل لا يجوز بيعه على غير من هو عليه بلا خلاف والوجه عندي الكراهية ، للأصل الدال على الجواز ، والإجماع ممنوع. هذا كلامه رحمه اللّه في المختلف ، وهو دال على جواز بيعه على غير من هو عليه.

لكن الظاهر ان النسخة التي نقل منها الشهيد محذوف منها ( غير ) من كلام ابن إدريس سهوا من الناسخ ، فحصل الغلط في نقله عن ابن إدريس ، وعن العلامة.

وأبو العباس تابع الشهيد على سهوه في النقل عنهما رحمهم اللّه جميعا وجزاهم اللّه عنا خيرا ، ونسأل من اللّه العصمة من الزلل الموجب للخلل.

تنبيه : لو باع الدين بأقل من ثمنه ، قال الشيخ وابن البراج : لم يلزم الغريم ان يدفع الى المشتري أكثر مما دفع الى البائع ويبرأ من الباقي ، لرواية محمد بن الفضل ، « قال : قلت للرضا عليه السلام رجل اشترى دينا على رجل ، ثمَّ ذهب الى صاحب الدين ، فقال له : ادفع ما لفلان عليك فقد اشتريته منه ، فقال : يدفع إليه قيمة ما دفع الى صاحب الدين ويبرأ الذي عليه المال من جميع ما بقي

ص: 121

عليه » (1).

وأنكر ابن إدريس هذا إنكارا عظيما ، والمعتمد صحة البيع ووجوب دفع الجميع إلى المشتري ، إذ لا خلاف في جواز بيع الدين بأقل من قيمته مع علم البائع بالقيمة.

فرع : إذا تعذر قبض المبيع من المديون لفلسه أو هربه أو دفعه للمشتري ، رجع على البائع بالثمن الذي دفعه اليه ، لعدم حصول العوض الذي قابله.

قال رحمه اللّه : إذا أسلف في شي ء وشرط أصواف نعجات ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. ولو شرط أن يكون الثوب من غزل امرأة معينة ، أو الغلة من قراح معينة ، لم يضمن.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أسلف في غنم واشترط أصواف نعجات معينة مشاهدة ، وقد منع منه ابن إدريس واختاره المصنف ، لأن السلم في المشاهد لا يجوز ، لأنه بيع مضمون إلى أجل ، والمشاهد ليس كذلك ، ولأن بيع الصوف على ظهور الغنم لا يجوز عنده للجهالة.

وجوزه الشيخ واختاره العلامة لجواز البيع بلفظ السلم عنده ، وعدم اشتراط الأجل ، وصحة بيع الصوف على ظهور الغنم لمشاهدته وانتفاء الغرر فيه ، فلا مانع من ذلك ، وهو المعتمد.

الثانية : إذا أسند السلف الى معين ، كما لو شرط الثوب من غزل امرأة معينة أو الغلة من قراح معين ، قال المصنف : لم يضمن ، وظاهره صحة البيع ، إلا انه لا يضمن من المعين ، وهو بناء على ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد.

والمعتمد بطلان البيع ، وهو مذهب العلامة في قواعد ، والشهيد في دروسه ،

ص: 122


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 15 من أبواب الدين والقرض ، حديث 3.

لبطلان الشرط الموجب لبطلان البيع.

اما بطلان الشرط فلمنافاته العقد ، لأن السلف ابتياع مضمون في الذمة ، والمضمون في الذمة لا يتشخص من دون القبض ، فتشخيصه بأحد الأمور المذكورة خروج عن حقيقة السلم فيكون منافيا ، ولأنه يؤدي الى الغرر ، لاحتمال موت المرأة أو تلف غلة القراح ، فيتعذر التسليم ، إذ لا بد ان يكون وجود المسلم فيه عاما عند الحلول ، وهذا الشرط ينافيه.

واما بطلان البيع فلعدم الرضا بدون سلامة الشرط ، فيكون تجارة من غير تراض ، فتكون باطلة.

قال رحمه اللّه : إذا تقايلا رجع كل عوض إلى مالكه ، فإن كان موجودا أخذه ، وإن كان مفقودا ضمن بمثله إن كان مثليا ، وإلا بقيمته ، وفيه وجه آخر.

أقول : المراد بالوجه الآخر عدم صحة التقابل مع تلف العوض المتقايل عليه ، لفوات محل ما وقع عليه الإقالة.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الصحاح عوض المكسرة ، قيل : يصح ، والوجه المنع.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابي الصلاح وابن حمزة ، لرواية يعقوب بن شعيب في الصحيح ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغفلة فيأخذ الدراهم الطازجة طيبة بها نفسه؟ قال : لا بأس ، وذكر ذلك عن علي عليه السلام » (1) ، وليس في الحديث دلالة على ذكر الشرط.

والطازجة بالطاء المهملة والزاء المعجمة والجيم الدراهم البيض الجيدة ، ومنع ابن إدريس والمصنف من ذلك واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لما رواه

ص: 123


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 أبواب الصرف ، حديث 5.

الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه السلام : « قال : إذا أقرضت الدراهم ثمَّ أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط » (1) ، وهو يدل على ثبوت البأس مع الشرط.

تنبيه : جوز العلامة اشتراط ان يبيع المقرض المقترض سلعة أو يؤجره دار بثمن المثل وأجرة المثل ، أو ان يقرضه المقترض أو يبيع المقرض على زيد مثلا أو يقرضه عمروا ، ولو عين الثمن في اشتراط البيع على زيد لزم وان كان أقل من ثمن المثل ، ولو اشترط الرهن أو الكفيل على القرض لزم ، ولو اشترطه على دين آخر جوزه في القواعد ، ومنعه في التحرير ، لما فيه من جر النفع ، وإذا فسد القرض بفساد الشرط كان مضمونا عليه ، لأنه قبضه على ان يكون ضامنا له ، وقال ابن حمزة : يكون أمانة ، لأنه لم يملكه فيكون أمانة ، لأصالة عدم الضمان.

قال رحمه اللّه : وما ليس كذلك ، يثبت في الذمة قيمته وقت التسليم ، ولو قيل : يثبت مثله أيضا ، كان حسنا.

أقول : إذا اقترض المثلي وجب رد المثل إجماعا ، فإن تعذر المثل وجبت القيمة يوم القبض ، لأنه وقت ثبوته في الذمة ، ويحتمل وقت التعذر ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة.

وإذا اقترض القيمي وجب عليه القيمة يوم القرض على المشهور بين الأصحاب ، واستحسن المصنف رد المثل في القيمي أيضا ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخذ قصعة امرأة كسرت قصعة أخرى ، وضمن عائشة إناء حفصة وطعامها بمثلها (2) ، وهو محمول على التراضي.

وانما يحصل المماثلة مع الاشتراك في جميع الصفات التي لها مدخل في القيمة ،

ص: 124


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من الدين والقرض ، حديث 1.
2- سنن البيهقي 6 : 21 و96.

فاذا دفع المماثل في جميع الصفات وجب قبوله على قول المصنف ، ولا يجب على المشهور بين الأصحاب ولو تغيرت أسعار القيمي وجبت القيمة يوم القبض على المشهور ، وعلى قول المصنف يجب القيمة يوم دفع العوض.

قال رحمه اللّه : ويجوز اقتراض الجواري. وهل يجوز اقتراض اللئالي؟ قيل : لا ، وعلى القول بضمان القيمة ينبغي الجواز.

أقول : يجوز اقتراض المثلي إجماعا ، وكذا القيمي الذي يمكن السلف فيه ، وفي ما (1) لا يضبطه الوصف ، ولا يجوز السلف فيه كاللآلي واللحم والجلود قولان ، مع اتفاقهم على جواز إقراض الخبز عددا ووزنا عملا بالعرف ، والمنع في الجواهر وشبهها مذهب الشيخ ، والجواز مذهب ابن إدريس ، لأصالة الجواز ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : القرض يملك بالقبض لا بالتصرف ؛ لأنه فرع التملك ، فلا يكون مشروطا به. وهل للمقرض ارتجاعه؟ قيل : نعم ، ولو كره المقترض ، وقيل : لا ، وهو أشبه ؛ لأن فائدة الملك التسلط.

أقول : ذهب الشيخ في الخلاف الى اشتراط التصرف في حصول الملك ، والمشهور حصوله بالعقد ؛ لأن التصرف فرع الملك ، فلو كان مشروطا به لزم الدور ، ويتفرع عليه جواز انتزاع العين ، فعلى اشتراط التصرف له ذلك قبله ، وليس له على عدم الاشتراط.

ويتفرع عليه أيضا عتق القريب بنفس القبض ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شرط التأجيل في القرض لم يلزم ولو أجل الحال لم يتأجل ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : الدين الحال لا يتأجل إلا بأحد أمور ثلاثة :

ص: 125


1- في « ر 1 » : وما.

الأول : ان يشترط التأجيل في عقد لازم ، مثل ان يقول : ( بعتك العبد مثلا بمائة على ان تؤجلني بالدين أو القرض أو المهر سنة مثلا ) ، فيقول : ( قبلت ) ، وكلما يجوز تأجيله في العقد اللازم يجوز إسقاط الأجل فيه أيضا ، ولو أقرضه واشترط تأجيل الحال عليه أو حلول المؤجل على المقترض لم يصح وبطل القرض.

الثاني : يتأجل بالوصية ، فإذا أوصى بتأجيل ما على فان سنة مثلا تأجل ، ولا يحتسب الدين من الثلث ، لعدم خروجه عن ملك الورثة بالتأجيل ، بل يخرج من الثلث ما قابل الأجل ، فيقال : لو بيع هذا الدين الذي قيمته مائة مثلا بمؤجل إلى سنة بكم يباع؟ فاذا قيل بمائة وخمسين علمنا ان قسط الأجل ثلث الثمن ، فيخرج ثلث الدين من الثلث وهكذا ؛ لأنه مقدار الفائت بالوصية ، فيقتصر عليه.

الثالث : يتأجل بالنذر والعهد واليمين.

قال رحمه اللّه : من كان عليه دين ، وغاب صاحبه غيبة منقطعة ، يجب أن ينوي قضاءه ، وأن يعزل ذلك عند وفاته ويوصي به ليصل الى ربه ، أو إلى وارثه إن ثبت موته ، وإن لم يعرفه اجتهد في طلبه ، ومع اليأس ، يتصدق به على قول.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وهو مشتمل على أحكام :

الأول : وجوب نية القضاء.

الثاني : العزل عند الوفاة ، وهو واجب عند الشيخ والمصنف ، وأنكره ابن إدريس وادعى الإجماع على عدم وجوبه.

الثالث : وجوب الوصية بدونه ، وهذا لا خلاف فيه.

الرابع : وجوب الصدقة مع اليأس من الوارث ، وهو مذهب الشيخ وابن البراج ، واختاره المصنف وأبو العباس ، لئلا يتعطل المال ويخرج عن الانتفاع ،

ص: 126

ولاحتياج من هو عليه الى تفريغ الذمة ، ولا سبيل غير الصدقة ، فإن ظفر بالوارث بعد ذلك قضاه دينه إذا لم يرض بالصدقة.

وقال ابن إدريس : يدفعه الى الحاكم إذا لم يعلم له وارثا ، فان قطع بعدم الوارث كان للإمام ، واختاره فخر الدين والمقداد ؛ لأن الإمام وارث من لا وارث له ، وقال العلامة : إذا لم يعلم انتفاء الوارث وجب حفظه ؛ لأنه مال معصوم فيجب حفظه على مالكه ، فإن أيس من وجوده والظفر به أمكن ان يتصدق به.

قال رحمه اللّه : إذا باع الدين بأقل منه ، لم يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله على رواية.

أقول : سبق (1) البحث في هذه فلا فائدة في الإعادة.

واعلم انه لو كان على الدين رهن انتقل إلى المشتري تبعا للدين ، نص عليه فخر الدين في شرح قواعد أبيه في باب الكفالة ، في قوله : ( والأقرب انتقال حق الكفالة إلى الوارث ) ، فلما قرر المسألة : قال : وظهر الفرق بين الكفالة والرهن ؛ لأن الرهن تابع لاستحقاق الدين لتعلق نفس الدين بالرهن ، فالى من انتقل الدين انتقل الرهن بأي وجه كان ، ففي الوارث انتقل لسببين بانتقال نفس الرهن بالإرث ، وبانتقال الدين إلى مشتري الدين بسبب واحد وهو انتقال الدين ، انتهى كلامه رحمه اللّه.

ص: 127


1- ص 121.

ص: 128

في دين المملوك

قال رحمه اللّه : المملوك لا يجوز له أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ولا في غير ذلك من العقود ، ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ، ولو حكم له بملكه ، وكذا لو أذن له المالك ان يشتري لنفسه ، وفيه تردد ، لأنه يملك وطئ الأمة المشاعة مع سقوط التحليل في حقه.

أقول : العبد محجور عليه في أنواع التصرفات بغير اذن سيده عدا الطلاق ، سواء قلنا : انه يملك أو أحلنا ذلك ، قال المصنف : ( وكذا لو اذن له المالك ان يشتري لنفسه ). وهذه من المسائل الغامضة التي لا يدركها غير المحصل لهذا الفن ، فان مراده انه إذا دفع اليه السيد ما لا ليشتري به العبد لنفسه فإنه لا يملك التصرف فيه أيضا ، لفساد الاذن على كلا التقديرين ، اما على تقدير انه لا يملك فقد اذن له بالمحال ، فيكون الاذن باطلا ، وأما على تقدير انه يملك فملكه محصور بما يملكه مولاه من فاضل الضريبة وأرش الجناية ، والسيد لم يملكه الثمن بل أمره ان يشتري بما هو مملوك للسيد لنفسه ، فكان الاذن باطلا ؛ لأنه يجري مجرى تمليكه لمال الغير ، وهو غير جائز.

ص: 129

وتردد المصنف في بطلان التصرف ؛ لأنه لو اذن له ان يشتري امة لنفسه فاشترى على ذلك الاذن ملك وطأها بسبب الاذن ، فلو لم يجز التصرف لما جاز الوطي ، لأن علة جوازه اذنه بالملك المستلزم للتسلط على جميع التصرفات ومن جملتها الوطي ، ولا يكون حل الوطي من جهة التحليل ، لأنه متعذر في حقه ، لأن الأصحاب على قسمين ، منهم من منع جواز تحليل السيد أمته لعبده ، ومنهم من جوز ذلك لكن شرط التعيين ، والأمر ليس كذلك ، لأنه قبل الشراء لم تكن معينة ولا مملوكة ، فلا وجه للتحليل ولم ينو غير الاذن.

قال العلامة : وهل يستبيح العبد البضع؟ الأقرب ذلك لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الاذن.

وصاحب الترددات جعل منشأ التردد من ان العبد لا يملك ، ومن انه يستبيح الوطي ولا سبيل غير الملك ، فيلزم انه يملك ، وهو غلط ، لأن قول المصنف : ( وكذا لو أذن له بالشراء لنفسه ) معطوف على المنع من التصرف وان حكم له بالملك ، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، فيكون المراد ما قلناه ، ويدل عليه قول العلامة : ( لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الاذن ).

ومما يدل على ما قلناه استشكال العلامة صحة الشراء لبطلان الاذن المستلزم لتمليك ما لا يصح تمليكه ، والمعتمد صحة الشراء وعدم حل الوطئ ، أما صحة الشراء فلأنه مشتري مأذون فيه ، وجعله للعبد لا يبطله ، لأن جميع ما للعبد فهو لسيده ، وأما عدم حل الوطئ فلانتفاء أسبابه ، لأن سببه العقد أو ملك الرقبة أو المنفعة ، وليس هاهنا شي ء منها ، فلا يباح بدون السبب المبيح له.

قال رحمه اللّه : فإن اذن له في الاستدانة ، كان الدين لازما للمولى إن استبقاه أو باعه ، وإن أعتقه ، قيل : يستقر في ذمة العبد ، وقيل : يكون باقيا في ذمة المولى ، وهو أشهر الروايتين.

ص: 130

أقول : كونه باقيا في ذمة المولى مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن حمزة واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، لأن اذن السيد موجب لتعلق الدين في ذمته فلا ينتقل عنه بالعتق ، وقال في النهاية : يستقر في ذمة العبد إذا أعتقه ، لرواية عجلان (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وتابعه ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة ، فاستدان وتلف المال كان لازما لذمة العبد ، وقيل : يستسعى فيه معجلا.

أقول : السعي معجلا مذهب الشيخ في النهاية ، لأن السيد قد غر الناس بالإذن بالتجارة ، ولصحيحة أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام. والاستسعاء بعد العتق مذهبه في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، وهو المعتمد ، لأن سعي العبد لمالكه ، فتصرفه فيما لم يأذن فيه غير جائز.

وقال ابن حمزة : إن علم الديان أن المولى لم يأذن في الدين كان في ذمة العبد ، يتبع به بعد العتق ، وان لم يعلم استسعي العبد عاجلا.

وقال العلامة : إن كان الدين لضرورات التجارة لزم المولى ، لأن الاذن في التجارة يستلزم الاذن في الاستدانة لضرورتها ، وان كان لغير ذلك يتبع به بعد العتق ، وهو حسن ، لكن العمل على الصبر الى بعد العتق من غير تفصيل.

فرع : لا يثبت اذن العبد في التجارة بمجرد قوله ، لأصالة عدم الاذن ، وقوله غير حجة ، بل لا بد من البينة على الاذن أو الشياع على ما اختاره العلامة وابنه والشهيد ، لتعذر إقامة البينة عند كل معامل.

قال رحمه اللّه : وإذا باع واشترى ، فأجرة ما يبيع على الآمر ببيعه ، وأجرة

ص: 131


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 54 من العتق حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 31 من الدين والقرض حديث 1.

الشراء على الآمر بالشراء ، ولا يتولاهما الواحد.

أقول : السمسار في البيع والشراء فاذا باع كانت أجرته على البائع ، وإذا اشترى كانت أجرته على المشتري ، وقال المصنف هنا : ( ولا يتولاهما الواحد ) ، وفي المختصر : ولا يجمع بينهما لواحد ، وعبارة القواعد كعبارة المصنف هنا ، وهي دالة على المنع من تولي الواحد ، ودلالتي البيع والشراء في سلعة واحدة ، لأن الوكيل يجب عليه مراعاة الأصلح لموكله ، وهو ممتنع هنا ، والا لزم اجتماع الضدين ، ولأنه يكون موجبا قابلا ، وهو ممنوع عند بعضهم.

وأما عبارة المختصر النافع فهي دالة على عدم جواز أخذ الأجرتين لشخص واحد عن سلعة واحدة من البائع والمشتري ، بل يأخذ ممن هو وكيل له وعاقد عنه ، فإن أمره بالبيع والابتياع كانت الأجرة على السابق بالأمر ، وقيل : يأخذ منهما أجرة واحدة ، وكذا ان اقترنا في الأمر أو تعاقبا وكان الغرض مجرد العقد ، وان كان الغرض السمسرة لكل منهما كان للواسطة أجرتان على قدر عمله.

ص: 132

كتاب الرهن

اشارة

ص: 133

ص: 134

في الرهن

قال رحمه اللّه : هل القبض شرط؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وهو الأصح.

أقول : باشتراط القبض قال الشيخ في النهاية وابن البراج وأبو الصلاح والمفيد وابن الجنيد ، واختاره المصنف والشهيد ، لقوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (1) ولرواية محمد بن قيس ، عن الباقر عليه السلام ، « قال : لا رهن الا مقبوضا » (2).

وبعدم الاشتراط قال الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة عدم الاشتراط ، ولقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) ، وهذا عقد فيجب الوفاء به.

وأجابوا عن الآية بكونها بيانا للإرشاد إلى حفظ المال ، وهو لا يتم الا بالقبض ، وعن الرواية بضعف السند ، وعلى القول باشتراط القبض لا يشترط

ص: 135


1- البقرة : 283.
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 3 في أحكام الرهن ، حديث 1.
3- المائدة : 1.

دوامه إجماعا ، بل لو رده الى مالكه بعد القبض انعقد الرهن.

وقبضه كقبض المبيع الا انه يشترط فيه اذن الراهن بخلاف المبيع ، إذ لو قبضه بغير اذن البائع صح القبض ، والفرق بينهما ان القبض شرط في صحة العقد وهو من تمامه هنا ، فيقف على الرضى كالإيجاب والقبول ، بخلاف البيع إذ القبض ليس شرطا في انعقاده فلا يشترط اذن البائع ، لأنه قبض حقه ولا يفتقر إلى رضى البائع في ذلك.

ولا يشترط مقارنة القبض لعقد الرهن ، بل لو طالت المدة بعد العقد ثمَّ قبض انعقد الرهن.

ويتفرع على اشتراط القبض وعدمه فروع كثيرة لا فائدة في ذكرها لظهورها عند ورودها.

قال رحمه اللّه : ولو أقر الراهن بالإقباض ، قضي عليه ، ما لم يعلم كذبه ، ولو رجع لم يقبل رجوعه. ويسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإشهاد ، ويتوجه اليمين على المرتهن ، على الأشبه.

أقول : هذا فرع على اشتراط القبض فلو أقر الراهن قضي عليه ، قال المصنف : ( ما لم يعلم كذبه ) وذلك مثل ان يقول بمكة : رهنت اليوم زيدا داري بالمدينة فاقبضته إياها ، وهذا يعلم كذبه ، لأن خرق العادة يلحق بالمحال ، فيكون محالا ، فان رجع بعد إقراره الممكن ، وقال : أقررت مواطاة بيني وبينه ، لإقامة رسم القبالة ، أو لورود خط وكيلي ، ثمَّ ظهر الخلاف ، أو ظننت ان القول كاف من دون التسليم ، هل يقبل رجوعه بمعنى انه تكون دعوى صحيحة بحيث يطالب بالبينة ومع عدمها يحلف المرتهن ، أو تكون الدعوى باطلة لا يلتفت إليها؟

يحتمل الأول ، لأنه ادعى شيئا ممكنا قد جرت العادة به فيسمع ، ولأنه لو اعترف له المرتهن بما ادعاه ثبتت دعواه ، فمع عدم الاعتراف يطالب بالبينة ، فان

ص: 136

لم يكن حلف المرتهن.

ويحتمل الثاني ، لأنه مكذب ، لإقراره بحق الغير ، فلا يقبل دعواه ولا يكون لها حكم ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز تسليم المشاع إلا بإذن شريكه ، سواء كان مما ينقل أو لا ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ انما يعتبر اذن الشريك في المنقول كالجوهر والسيف ، والمعتمد اعتبار اذنه مطلقا ، لأن قبض المشاع انما يتم بتسليم الجميع ، فان كان مما ينقل فلا بد من نقل الجميع ، لعدم تمييز حق الشريك قبل القسمة ، وان كان مما لا ينقل فالقبض فيه التخلية - وهو ان يسلطه على التصرف بعد رفع يده عنه - وهو لا يتم الا بالتسليط على الجميع ، والتسليط على مال الغير بغير اذنه غير جائز ، فلا فرق بين المنقول وغيره.

تنبيه : إذا امتنع الشريك من الاذن في القبض ، فإن رضي المرتهن بكونه في يد أحدهما جاز ، وان امتنع أيضا نصب الحاكم عدلا من جهته يقبض لهما ، وحينئذ يسقط اعتبار رضى الجميع ، وهذا على القول باشتراط القبض أو بكونه مشروطا في العقد.

ص: 137

ص: 138

في شرائط الرهن

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي رهن المدبر تردد ، والوجه أن رهن رقبته إبطال لتدبيره. أما لو صرح برهن خدمته ، مع بقاء التدبير ، قيل : يصح التفاتا إلى الرواية المتضمنة جواز بيع خدمته ، وقيل : لا ، لتعذر بيع المنفعة المنفردة ، وهو أشبه.

أقول : إذا رهن المدبر قبل ابطال تدبيره ، قال الشيخ في الخلاف : فان لم يقصد في الرهن فسخ التدبير بطل الرهن ، ثمَّ قال : ولا دلالة على بطلان التدبر ، ولا دلالة على صحة الرهن ، فينبغي ان يكون باطلا ، ثمَّ قال بعد ذلك : ولو قلنا انه يصح التدبير والرهن ، لأنه لا دلالة على بطلان واحد منهما كان قويا.

وقال في المبسوط - بعد ان حكم ببطلان التدبير - : ولو قلنا الرهن صحيح والتدبير بحاله كان قويا ، ومثله قال ابن إدريس ، وتردد المصنف من هذه الحيثية ، ثمَّ اختار ان رهن الرقبة إبطال للتدبير ، وهو يدل على اختياره صحة الرهن ، وبه قال العلامة وهو المعتمد ، لأن المدبر مملوك يجوز التصرف فيه بأنواع التصرفات فلا مانع من صحة ورهنه ، والتدبير وصية بجواز الرجوع فيها ،

ص: 139

والرجوع أعم من ان يكون بالقول أو الفعل ، فالرهن يكون رجوعا في التدبير كما هو رجوع بالوصية ، لتعلق حق المرتهن فيه ، أما لو صرح برهن خدمته خاصة فقد ذكر المصنف وجهي الصحة والبطلان ، والبطلان هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو رهن المسلم خمرا ، لم يصح ، ولو كان عند ذمي. ولو رهنها الذمي عند المسلم ، لم يصح أيضا ، ولو وضعها على يد ذمي ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا استقرض الذمي من مسلم مالا ورهن عنده بذلك خمرا على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق ، فباعها واتي بثمنها جاز له أخذه ولا يجبر عليه ، لعدم الدليل على إجباره ، وله ان يطالب بما لا يكون عوضا عن محرم ، وفي هذا الكلام حكمان :

الأول : جواز ارتهان الخمر للمسلم إذا وضعه على يد ذمي ، والمعتمد عدم جوازه ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، فكما لا يجوز له مباشرة لا يجوز توكيلا.

الثاني : عدم إجبار المسلم على قبض ثمن الخمر من الذمي ، والمعتمد وجوب القبض أو إبراء ذمته كما لو دفع من غير ذلك ، لأنه مال مملوك.

قال رحمه اللّه : ولو رهن مالا يصح إقباضه ، كالطير في الهواء ، والسمك في الماء ، لم يصح رهنه. وكذا لو كان ممن يصح إقباضه ولم يسلمه ، وكذا لو رهن عند لكافر عبدا مسلما أو مصحفا ، وقيل : يصح ويضع على يد مسلم ، وهو أولى.

أقول : جواز رهن المصحف والعبد المسلم عند الكافر إذا وضعا على يد مسلم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد وابنه في شرحه والشهيد في دروسه ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، والمانع انما هو ثبوت السبيل وهو منتف هنا ، لأن الرهن ليس تمليكا ولا يوجب استحقاقا ، بل يستلزم أشياء ، وهي غير مانعة :

الأول : ان يباع بالدين مع عدم الافتكاك ، وهو غير مانع ، لأن البائع هو

ص: 140

المسلم أو وكيله أو الحاكم ، فلا سبيل للكافر عليه.

الثاني : انه يستوفي دينه من ثمنه ، وهو غير مانع أيضا ، إذ لا خلاف في جواز إيفاء الكافر دينه من ثمن العبد المسلم أو المصحف.

الثالث : منع المسلم من التصرف وهو غير مانع أيضا ، لأن الكافر ممنوع أيضا من التصرف ، فلا سبيل له عليه ، وان لم يحصل سبيل يوجب السبيل للكافر ، فلا مانع من الجواز.

وظاهر ابن الجنيد المنع من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، لما فيه من المنافاة لتعظيم ما يجب تعظيمه.

قال رحمه اللّه : ويصح الرهن في زمان الخيار ، سواء كان للبائع ، أو للمشتري أو لهما ، لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب البيع ، إذ الجواز وعدمه مبني على ان انتقال المبيع هل هو بنفس العقد أو بانقضاء الخيار؟ وقد سبق ذلك (1).

قال رحمه اللّه : ويصح رهن العبد المرتد وان كان عند فطرة والجاني خطأ ، وفي العمد تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز رهن المرتد ، وقد أطلق الشيخ جواز رهنه ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة الصحة ، ولعدم خروجه عن الملك بالارتداد من دون القتل ، والتقدير انه فات السلطان.

ومنع ابن الجنيد من جواز رهنه مطلقا ، سواء كان عن فطرة أو ملة ، لاشتراط كون ملك المرهون ثابتا ، والمرتد مستحق للقتل فلا يصح رهنه.

وفصل العلامة في المختلف بين المرتد عن فطرة والمرتد عن ملة ، وأبطل

ص: 141


1- ص 46.

رهن الأول وأجاز الثاني ، اما البطلان في الأول ، فلعدم جواز إبقائه فلا يجوز رهنه ، وأما الجواز في الثاني ، لأن وجوب قتله ليس مطلقا ، بل لعدم شرط الرجوع ، فقتله غير متحقق وهو لم يخرج بالارتداد عن الملك فيجوز رهنه ، وكذلك الجارية ، لعدم وجوب قتلها بالارتداد.

والمعتمد الأول ، فلو جهل المرتهن حاله كان له فسخ البيع المشروط فيه ارتهانه إلا ان يكون عن ملة ثمَّ يتوب قبل علمه ، فلا خيار حينئذ ، لزوال العيب ، ولو علم فلا خيار ، سواء قتل أو لم يقتل ، ولو لم يعلم حتى قتل احتمل ان يكون كما لو خرج مستحقا ، فيتخير في فسخ البيع المشروط فيه وإمضائه ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم الفسخ كما لو خرج معيبا.

الثانية : في جواز رهن القاتل ، وأبطله الشيخ في الخلاف مطلقا ، سواء كان القتل عمدا أو خطأ ، لأنه ان كان عمدا استحق القتل ، وان كان خطأ تعلقت برقبته فلا يصح (1). وذهب المصنف والعلامة والشهيد الى الجواز مطلقا ، وهو المعتمد ، لعدم المنافاة ، إذ حق المجني عليه مقدم على الرهن ، فان قتل في العمد واسترق جميعه في الخطأ بطل الرهن ، وان فاداه مولاه أو عفى المجني عليه بقي رهنا ، وان استرق بعضه كان الباقي رهنا ، ويثبت الخيار في إمضاء البيع المشروط فيه وفسخه مع عدم العلم الا مع عفو المجني عليه قبل العلم ، ولو قتل في العمد قبل العلم ، فكما لو قتل المرتد.

فرعان :

الأول : إذا ظهر في الرهن عيب سابق على الرهانة كان له رده بالعيب ، فان كان البيع مشروطا به تخير في فسخه وإمضائه بغير رهن ، هذا إذا كان بالصفة التي قبضها ، أما لو حدث عنده عيب أخر أو مات العبد لم يكن له رده بالعيب السابق ،

ص: 142


1- في « ر 2 » : يصلح.

ولا أخذ الأرش ، بخلاف البيع ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ولو قيل : ان الموت وحدوث العيب عند المرتهن لا يمنع من الرد بالعيب السابق كان وجها ، لأنه لم يرض بالبيع الا مع الوثيقة على الثمن ، ولم يرض بالوثيقة الا مع كونها على الصفات المشترطة بها أو المزية ، فإذا لم يظهر كذلك كان له ردها وفسخ البيع المشترط بها ، لأن حدوث العيب عنده وموت العبد من غير تفريط غير مضمون عليه ، لأنه أمانة عنده فلا يمنع من الرد ، بخلاف البيع إذ الثمن أو المثمن مضمون على القابض ، فاذا حدث فيه عيب فهو من ضمانه ، فلا يجوز رده معيبا أو ميتا ، بل يأخذ أرش العيب السابق ، والرهن لا يجب فيه للعيب أرش ، ولا يجبر المرتهن على قبضه معيبا فلم يبق غير الرد أو الرضا بغير رهن.

الثاني : لو أقر العبد المرهون بالجناية ، فإن صدقاه كان الحكم فيه كما لو علما بالجناية قبل الرهانة ، فإن قلنا بجواز رهن الجاني لم يبطل الرهن والا بطل ، وان صدقه الراهن خاصة لم يمض في حق المرتهن ولا يمين على المرتهن ، ما لم يدعي عليه العلم ويقدم حق المرتهن على حق المجني عليه ، فان افتك تعلقت به الجناية ، وان بيع بالدين غرم الراهن للمجني عليه ، لاعترافه بجناية المملوك ، وقد أحال بينه وبين حقه بالرهانة وان صدقه المرتهن خاصة لم يمض على الراهن.

وهل ينفسخ الرهن على القول بعدم جواز رهن الجاني؟ يحتمل ذلك إذا لم يعف المجني عليه ، أو يفتك أحدهما ، لأنه اعترف بسبق حق الغير على حقه ، والتقدير انه مانع من صحة الرهن فيبطل ، ويحتمل العدم ، لأن إقراره غير مقبول في حق الراهن وهو معترف بصحة الرهن فلا يبطل ، والمعتمد الأول ، لأنه لو لم يفتكه الراهن لم يجز للمرتهن بيعه والاستيفاء من ثمنه ، لعلمه باستحقاق غيره له ، فلا يباح له بتكذيب الراهن.

قال رحمه اللّه : ولو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه ،

ص: 143

جاز. وإلا بطل ، قيل : يصح ويجبر على بيعه.

أقول : إذا رهن ما يسرع اليه الفساد كالأطعمة ، وكان الأجل متأخرا عن مدة بقائها ، فإن شرط بيعه وإبقاء الثمن رهنا صح قطعا ، وان لم يشترط ذلك احتمل البطلان ، لاشتراط كون الرهن مما يصح الاستيفاء منه عند الأجل وهذا ليس كذلك ، ولعدم بقائه إلى الأجل ، ويحتمل الصحة ، لأن الأصل في العقود الصحة ويكون الرهن قرينة دالة على البيع ، وجعل الثمن رهنا فهو كالإذن في ذلك صونا لفعل العاقل عن اللغو والفساد والعبث ، إذ لو كان مقصوده الرهن على غير هذه الصفة كان عابثا لا غيا لعلمه بفساد رهنه ، فحمله على الصحة مع الإمكان أولى من الحمل على الفساد ، وهذا هو المعتمد.

فرع : لو رهن ما يصح عليه البقاء ثمَّ طرا عليه ما عرضه للفساد كتعفين الحنطة وتسويس التمر ، وجب بيعه وجعل ثمنه رهنا ويجبر المالك على البيع في موجبه ، فإن تعذر باع عليه الحاكم ، فان تعذر باع المرتهن.

ص: 144

في الحق

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا مال الكتابة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه.

أقول : الكتابة المطلقة لا كلام في جواز أخذ الرهن على مالها ، أما المشروطة فقد اختلف فيها ، قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز ، لأن للمكاتب فسخ الكتابة بتعجيزه نفسه ، فلا يكون المال ثابتا في الذمة ، ولأنه لو امتنع من دفع مال الكتابة كان لسيده رده في الرق فلا فائدة في الرهن.

والمشهور عند المتأخرين جواز أخذ الرهن على ذلك ، وهو المعتمد ، لأنه مال ثابت في الذمة فيجوز أخذ الرهن عليه ، وليس له تعجيز نفسه مع القدرة ، بل يجبره الحاكم أو المالك على السعي ، لأن الكتابة عقد لازم فليس له فسخها اختيارا ، ولو سلمنا جواز الفسخ لم نسلم بطلان الرهن لجوازه في مدة الخيار مع جواز الفسخ.

قال رحمه اللّه : ولا يصح على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن ، كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته. ويصح على ما هو ثابت بالذمة ، كالعمل المطلق.

أقول : ربما يشتبه تصوير هذه المسألة على المبتدي ، ومراده : ان الإجارة

ص: 145

إذا تناولت منفعة شي ء معين لم يجز أخذ الرهن على تلك المنفعة ، كما لو اجره عبدا معينا للخدمة سنة ، أو دارا معينة للسكنى سنة ، أو دابة معينة لحمل شي ء معين ، فإذا أراد أن يرهن عنده شيئا على هذه المنافع لم يجز ، لعدم جواز استيفاء المنفعة من غير المعين الذي وقع عليه العقد.

أما لو وقع العقد على منفعة في الذمة كخياطة ثوب ، أو بناء دار ، أو حمل شي ء معين جاز أخذ الرهن على المنفعة ، ويباع عند تعذر العمل أو يستأجر من يفعل ذلك ، لعدم تعلقها بمعين ، بخلاف الصورة الأولى.

قال رحمه اللّه : ولو رهن على مال رهنا ، ثمَّ استدان آخر ، وجعل ذلك الرهن عليهما ، جاز.

أقول : هذا إذا كان الدين الثاني من الديان الأول ، أما لو كان من غيره فإنه لا يصح الا مع اجازة المرتهن الأول ، وإذا حصلت الإجازة من الأول احتمل بطلان حقه مطلقا ، ويصير جميعه رهنا للثاني ، لأنه أجاز تعلق حق الغير به ، فينتفي تعلق حقه ، لحصول المنافاة ، لأن مقتضى الرهن اختصاص المرتهن وتقدمه على غيره من الغرماء بثمن الرهن ، فلا يجوز اجتماع حقين متصفين بهذه الصفة بعين واحدة لحصول المضادة.

ويحتمل البطلان فيما قابل دين الثاني خاصة ، كما لو كان دين الثاني عشرة مثلا وكان قيمة الرهن عشرين مثلا ، يكون قد سقط حق الأول من نصف الرهن ، لأن المقصود من الرهن عند الثاني والإجازة من الأول وفاء حقه من الرهن ، وهو يحصل بما قابله فيبقى الباقي على رهانة الأول ، لعدم المنافاة بينهما.

ويحتمل عدم بطلان حق الأول مطلقا ، لأنه لم يصرح بإسقاط حقه ، والأصل بقاؤه ، وصدور الإجازة منه غير دالة على إسقاط حقه ، ولا منافية لثبوته ، إذ لا مانع من تعلق دينين بعين واحدة مع تقدم أحدهما على الآخر ، فان

ص: 146

فضل عن الأول شي ء كان للثاني.

فروع :

الأول : لو أسقط الثاني حقه من الرهانة ، فإن قلنا بسقوط حق الأول مع إجازته بقي الرهن مطلقا لا حقّ متعلقا فيه ، وان قلنا بسقوطه فيما قابل حق الثاني سقط ذلك القدر خاصة ، وان قلنا بعدم السقوط ، بل فائدة الإجازة تعلق حق الثاني فيما فضل عن الأول لم يسقط شي ء بإسقاط الثاني حقه وان زادت قيمة الرهن عن دين الأول ، لعدم تحقق الفضلة قبل الاستيفاء لاحتمال تلف الزائد قبله.

الثاني : لو لم يعلم الأول بالرهانة الثانية حتى مات الراهن ، هل يختص الثاني بالفاضل عن الأول؟ يحتمل ذلك لأنه لازم من جهة الراهن ما لم يبطله الأول ، وهو لم يبطله ، فيكون لازما من جهته ، والمانع من اختصاص الثاني تعلق حق الأول وقد زال ، فلا مانع حينئذ.

ويحتمل عدم الاختصاص ، لأن صحة رهانة الثاني مشروطة بالإجازة ، وهي لم تحصل فتنتفي الصحة لانتفاء شرطها ، والأصل عدم اختصاصه من دون الغرماء بشي ء ما لم يتحقق السبب المخصص ، وهو لم يتحقق فلا تخصيص لشي ء ، وهو المعتمد.

الثالث : لو أجاز المرتهن الأول الرهانة الثانية بعد موت الراهن ، لم تؤثر الإجازة شيئا لخروج الرهن عن ملك الراهن بالموت ودخوله في ملك الغير ، فلا يؤثر في ملك من انتقل اليه ، لعدم رضاه بالرهانة ، وكذا (1) لو مات الفضولي البائع لمال الغير ، ثمَّ أجاز المالك العقد بعد موت العاقد ، فان هنا يصح على القول بوقوف بيع الفضولي على الإجازة ، لأن المجيز هنا هو المالك والعاقد غيره ، فلا فرق بين موته وحياته ، لعدم تغير الحال في ذلك ، إذ لا حقّ للعاقد في المعقود

ص: 147


1- في « ر 2 » : ولا كذا.

عليه ، فلا يتغير الحكم بموته ، بخلاف الراهن ، إذا العاقد هو المالك والمجيز غيره ، وبموت المالك ينتقل الملك الى الغير فلا يؤثر إجازة غير المالك في ملك غير العاقد فافترقا.

قال رحمه اللّه : وليس للمالك فسخ الوكالة ، على تردد ، وتبطل مع موته ، دون الرهانة.

أقول : الرهن قابل للشروط السائغة ، فإذا شرط ان يكون وكيلا في بيع الرهن عند حلول الأجل صح هذا الشرط ، وهل للراهن فسخه؟ تردد المصنف في ذلك من ان الوكالة عقد جائز من الطرفين ، وقضية الجائز جواز الفسخ فيكون جائزا هنا ، فاذا فسخ تخير البائع حينئذ في فسخ البيع المشترط فيه الرهن والوكالة ، وفي إمضائه وبقاء الرهن بغير وكالة ، ومن انها اشترطت في عقد لازم فيلزم ، لأن كل جائز يشترط في عقد لازم صار لازما ، لقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) فلا يجوز فسخها ، وهو المعتمد ، فلو مات الراهن انفسخت الوكالة دون الرهانة ، لأن الوكالة تبطل بالموت.

فان قيل : ان الوكالة صارت عندكم لازمة ، والعقود اللازمة لا تبطل بالموت فببطلانها بالموت ينفي كونها لازمة.

لأنا نقول : تغير حكم الوكالة لا يوجب تغير حقيقتها ، لأن حقيقة التوكيل هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكل ، وهذه الحقيقة تنتفي بالموت ، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميت لانتقال متعلق الوكالة إلى الغير ، ومع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم ، لأن الجواز واللزوم من أحكام الوكالة ، ولا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة ، وموت المرتهن موجب لبطلان الوكالة أيضا دون الرهانة ، إلا ان يشترط في العقد انتقالها الى ورثته بعد موته ، فتنتقل حينئذ.

ص: 148


1- تقدم ص 44.

فرع : لو أقر المرتهن بالدين الذي ارتهن عليه ، واشترط الوكالة فيه انتقل الدين والرهن الى المقر له دون الوكالة ، بل يبقى لمن اشترطت له ولا تبطل بإقراره بالدين للغير ، وكذا لو اشترط غير الوكالة ، فإنه يكون لمن اشترطت ولا تبطل ) (1) ولا ينتقل الى المقر له بالدين.

قال رحمه اللّه : والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء ، سواء كان الراهن حيا أو ميتا ، على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن فائدة الرهن اختصاص المرتهن بالاستيفاء ، وتقديمه على غيره من الغرماء ، وقد وردت رواية بعدم الاختصاص إذا مات الراهن ، وهي رواية عبد اللّه بن الحكم ، « قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ما له بما عليه من الديون؟ قال : تقسيم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (2).

وربما عضد الرواية كون الموت موجبا لتعلق الدين بالتركة فيتساوى الجميع بأعيانها ، بخلاف حالة الحياة إذ الدين متعلق بالذمة فافترقا ، وقد يمكن استيفاء غير ذي الرهن حالة الحياة من الكسب المتجدد بعد قسمة أمواله ، ولا يمكن ذلك في حالة الموت فيتضرر غير المرتهن بسقوط جميع حقه ، والمشهور هو المعتمد ، وإلا لانتفت فائدة الرهن.

قال رحمه اللّه : وإن كان للرهن مئونة كالدابة ، أنفق عليها وتقاصّا ، وقيل : إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق.

أقول : الإنفاق على ما يحتاج اليه الرهن واجب على المرتهن ؛ لأن حفظ

ص: 149


1- لم يرد في « ر 2 ».
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 19 في أحكام الرهن ، حديث 1.

الرهن واجب عليه ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق فيكون واجبا ، فإذا أنفق ، قال في النهاية : له الانتفاع بالظهر والدار مقابل نفقته ، وهو قول ابي الصلاح الحلبي ، لرواية أبي ولاد حفص بن سالم (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : لا يجوز التصرف في ذلك ، لوقوع الإجماع على منع الراهن والمرتهن من التصرف ، ثمَّ قال : فإن أنفق تبرعا فلا رجوع له ، وان نوى الرجوع واشهد على ذلك رجع بما أنفق اشترط في الرجوع الاشهاد ، والشهيد اشترط في الرجوع بالنفقة اذن المالك أو الحاكم ، فان تعذر فالإشهاد ، والمصنف والعلامة أطلقا التقاص ولم يقيدا بشي ء ، وصرح أبو العباس بعدم الاشتراط ، بل يرجع مع نيته ، ولا يفتقر إلى اذن ولا إشهاد ، لأنه أمين والإنفاق واجب عليه فيقبل قوله من غير بينة ، والأحوط مذهب الشهيد ، والاعتماد على عدم وجوب غير بينة الرجوع.

أما التصرف بالرهن بالركوب والحلب فإنه لا يجوز إلا مع اذن المالك أو الحاكم أو افتقار الدابة الى ذلك وتضررها بتركه ، ويقضى حينئذ بالتقاص ويرجع صاحب الفضل بفضله.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ المرتهن الأمة مكرها ، كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر ، وقيل : عليه مهر أمثالها.

أقول : هذا مبني على ما يجب على الواطئ للأمة بشبهة أو اكراه ، وسيأتي ان شاء اللّه تعالى في باب نكاح الإماء.

قال رحمه اللّه : ولو باع أو وهب ، وقف على إجازة المرتهن. وفي صحة العتق مع الإجازة تردد ، والوجه الجواز. وكذا المرتهن. وفي عتقه مع إجازة الراهن تردد ، والوجه المنع ، لعدم الملك ما لم يسبق الإذن.

ص: 150


1- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 12 في أحكام الرهن ، حديث 1.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تصرف الراهن في الرهن ، ولا شك في المنع منه بغير اذن المرتهن إذا كان التصرف ناقلا للملك كالبيع والهبة ، أو ينقص به المال كالوطء المفضي إلى الاحبال الموجب لنقص المالية ، وأما ما ليس كذلك كتأبير النخل ، وختان العبد ومداواته ، ورم المستهدم من الدار ، وزرع الأرض ، وحلب الدابة وما شاكل ذلك فلا يمنع منه.

إذا عرفت هذا فان عقوده الناقلة كالبيع والهبة تصح مع اجازة المرتهن ، وهل عتقه يصح مع الإجازة؟ تردد المصنف في ذلك من ان العتق لا يقع موقوفا ولا يقبل التعليق فيقع باطلا ، لاشتراط التنجيز فيه ، ومن ان العتق مبني على التغليب ، ولهذا يسري في ملك غيره ، فيقع صحيحا ويكون مراعى ، والإجازة كاشفة ، فإن أجاز المرتهن تبينا وقوع العتق من حينه ، وان رد تبينا بطلانه من رأس ، وهذا هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة ، والمنع قول الشيخ في المبسوط.

فرع : لو انتفت الإجارة والرد ثمَّ افتك الرهن لزمت العقود ، لعدم وقوعها باطلة ، وهي لازمة من جهة الراهن ، وقد زال المانع فتلزم.

الثانية : في تصرف المرتهن ، وهو ممنوع من جميع التصرفات مطلقا بغير إذن إلا مع افتقار الرهن الى التصرف فيه ، وحصول الضرر عليه مع عدم التصرف ، فهذا النوع من التصرف جائز بغير اذن المالك ، وهل يقف عتقه على اجازة المالك؟ تردد المصنف في ذلك ، من حصول الإجازة من المالك وهي تقتضي صحة العتق (1) ، ومن ان العتق لا يكون إلا في ملك (2) ، والمرتهن غير

ص: 151


1- في « ر 2 » : العقد.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 من أبواب العتق.

مالك ، فيقع العتق باطلا ، والإجازة لا تؤثر فيما يقع باطلا ، بخلاف الراهن ، لوقوعه من المالك ، والمعتمد البطلان ما لم يسبق الاذن ، لكونه وكيلا حينئذ.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ الراهن فأحبلها ، صارت أم ولد ، ولا يبطل الرهن ، وهل تباع؟ قيل : لا ، ما دام الولد حيّا ، وقيل : نعم ، لأن حق المرتهن أسبق ، والأول أشبه.

أقول : قال في المبسوط : لا يبطل الرهن ، لأنها مملوكة ، وتبعه ابن إدريس واختاره العلامة ، وهو مذهب المصنف ، لسبق حق المرتهن ، فلا تبطل بتعدي الراهن في الوطئ ، وهو المعتمد.

وقال في الخلاف : ان كان موسرا لزم قيمتها ويكون رهنا ويبطل الرهن فيها ، لحرية ولدها ، وان كان معسرا بقي الرهن بحاله وجاز بيعها بالدين.

والمصنف جمع بين عدم بطلان الرهن وعدم جواز بيعها بالدين وبه قال العلامة في التحرير ، فعلى هذا تكون الفائدة منع الراهن من التصرف بشي ء من التصرفات ويجبر على فكها ، بخلاف غيرها من الرهون فان الراهن لا يجبر على الفك ، بل له ان يوفي الدين من الرهن ، والمعتمد إجباره على فكها مع القدرة عند حلول الدين لا قبله ، فان تعذر الفك جاز بيعها ، ولا يجب على المرتهن الصبر الى يسار المالك ، ولا فرق في عدم بطلان الرهن بين ان يكون الوطئ بإذن المرتهن أو بغير اذنه ، جزم به في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو غصبه ثمَّ رهنه صح ، ولم يزل الضمان ، وكذا لو كان في يده بيع فاسد. ولو أسقط عنه الضمان صح.

أقول : في هذا الكلام ثلاث مسائل ، جزم المصنف بها ولم يتردد في شي ء منها ، وكل مسألة لا تخلو من إشكال :

الأولى : إذا كان الرهن مغصوبا ، ثمَّ رهنه المغصوب منه عند الغاصب صح

ص: 152

الرهن بلا خلاف وان اشترطنا القبض ، لأنه مقبوض في يد الغاصب.

وهل يزول الضمان بمجرد العقد؟ جزم المصنف بعدم زواله ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد ، لأنه قبل الرهن كان مضمونا على الغاصب فكذا بعده ، لأصالة بقاء الضمان ، ولقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1).

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، لأنه صار مأذونا له في الإمساك فلا تكون يده غاصبة ، وقوى في المختلف مذهب الشيخ.

الثانية : إذا كان مقبوضا بالبيع الفاسد ثمَّ رهنه المالك عند من هو في يده صح الرهن بلا خلاف ، وهل يزول الضمان؟ جزم المصنف بعدم زواله ، ولم يفرق بينه وبين ما كان مغصوبا للعلة المذكورة في الغصب ، وهو كونه مضمونا قبل الرهن ، فكذا بعده.

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأن ضمانه أخف من ضمان الغاصب ، ولأن قبضه السابق مأذون فيه من جهة المالك ، وانما كان مضمونا عليه ، لأنه قبضه لنفسه قبضا فاسدا ، لكون العقد غير ناقل ، وبعد الارتهان صار مقبوضا لمالكه فيصير امانة ، فهذا فرق بينهما.

الثالثة : إذا أبرأه الغاصب من ضمان الغصب وهو في يد الغاصب ، هل يبرأ أم لا؟ جزم المصنف هنا بصحة الإبراء وسقوط الضمان وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، ( لوجوب رد ) (2) السبب الموجب لضمان القيمة عند التلف ، وهو الغصب.

وذهب في القواعد الى عدم سقوط الضمان ، وهو المعتمد ، لأنه ليس له في ذمة الغاصب شي ء ما دامت العين باقية ، بل حقه متعلق بالعين ، وانما ينتقل إلى

ص: 153


1- مستدرك الوسائل ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، حديث 4.
2- في « ر 2 » لوجوده.

الذمة بعد تلف العين ، فإذا أبرأه والعين قائمة كان إبراء مما لم يجب ، وهو باطل.

فروع :

الأول : إذا أودع المغصوب منه العين المغصوبة عند الغاصب قبل ان يقبضها المالك ، أو آجره إياها قبل قبضها صحت الوديعة والإجارة ، وهل يزول الضمان؟ يحتمل العدم ، لما قلناه في الرهن ، ويحتمل الزوال ، لأن الاستئمان في الإيداع أقوى منه في الرهن ، لأنه استئمان محض ، واستنابة في الحفظ والاستئجار مع كونه امانة فقد صرفه فيه ، وسلطه على منافعه ، وملكه إياها فيزول الضمان ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا أعاد العين المغصوبة للغاصب ، هل يزول الضمان؟ يحتمل ذلك ، لأنه قد سلطه على منافعه كالإجارة ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، ولحصول الفرق بين إمساك المستأجر والمستعير ، فإن إمساك المستأجر بحق لازم عقد مقابل العوض الذي دفعه الى المالك فصار قبضه كقبض المالك ، وإمساك المستعير غير لازم ، وإمساكه لنفسه بغير عوض ولا عقد لازم ، فإمساكه أضعف من إمساك المستأجر ، فلا يزول عنه الضمان ما لم يسلمه الى المالك ، وهو المعتمد.

الثالث : إذا أوكل الغاصب في بيع المغصوب أو عتقه ، هل يزول الضمان بمجرد الوكالة قبل البيع والتسليم الى البائع أو العتق؟ يحتمل ذلك ، لأن الوكيل كالمستودع ، فيزول الضمان بمجرد الوكالة ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، وللفرق بينه وبين المستودع لثبوت الأجرة له ما لم ينتزع ، والمعتمد عدم زوال الضمان.

قال رحمه اللّه : ولو حملت الشجرة أو المملوكة ، كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.

أقول : النماء المتجدد بعد الارتهان ، ان كان متصلا اتصال ممازجة كالسمن

ص: 154

والطول دخل في الرهن إجماعا ، وان كان منفصلا أو يقبل الانفصال كالثمرة والولد والصوف والشعر ، قال الشيخ في النهاية بدخوله ، وهو مذهب المفيد وابن البراج وابي الصلاح وابن حمزة ، واختاره ابن إدريس وادعى عليه الإجماع ، واختاره المصنف.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط بعدم الدخول ، واختاره العلامة وابنه ما لم يشترط دخوله ، لأصالة عدم الدخول وكونه غير جزء من الرهن ، ومذهب العلامة هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة ، وإن لم تؤبر. وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا النخل والشجر ولو قال بجميع حقوقها دخل فيه ، وفيه تردد ، ما لم يصرح.

أقول : منشؤه من انه قال بحقوقها فيدخل جميع ما هو متصل فيها ، ومن ان الزرع والثمرة ليسا جزءا من الأرض والنخل ، والأصل عدم دخوله ما لم يصرح مالكه بالدخول ، وهذا هو المعتمد.

فرع : إذا رهن الجدار ، هل يدخل الأس تحته ، أو يدخل المغرس تحت الشجرة إذا رهنها من دون الأرض؟ يحتمل ذلك ، لأن منفعتهما لا تتم الا بهما ، ولا يمكن وجود الرهن من دون المصاحبة لهما ، ويحتمل العدم ، لعدم دخولهما في البيع من دون الشرط ، ولأنهما ليسا من اجزاء الرهن ولا من مسماه ، والأصل عدم دخولهما من دون الشرط وهو المعتمد ، نعم يجب إبقائهما فيهما أبدا ما لم ينهدم الجدار وتنقلع الشجرة ، وليس له الإعادة حينئذ.

قال رحمه اللّه : وهل يجبر الراهن على الإزالة ، قيل : لا ، وقيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نبت في الأرض شي ء من الشجر المحترم بعد الرهن ، هل يجبر

ص: 155

الراهن على ازالته؟ يحتمل ذلك ، سواء أنبته الراهن أو أجنبي أو اللّه تعالى ما لم يكن من فروخ الشجر المرهون ، لأن بقاءه يضر (1) في الأرض ، كما لو وضع متاعا في الدار ، فإنه يجبر على ازالته فكذا هنا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، الا انه قيد وجوب الإزالة عند الانتهاء عادة لئلا يخرج عن الانتفاء فيحصل الضرر ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في الخلاف : لا يجبر على الإزالة ، واختاره العلامة في التحرير ، لأنه تصرف في المنافع ، وهي غير داخلة في الرهن فلا يمنع منها ، ولا يجبر على ازالة ما له من ماله ، ولو كان الغرس من فروخ الشجر المرهون لم يمنع منه ، ولا يجبر على إزالته إذا كانت الفروخ موجودة حالة الارتهان ، لكونها داخلة في الرهن ، فلا ضرورة على المرتهن في ذلك ، بخلاف ما ليس داخلا في رهنه.

قال رحمه اللّه : ولو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار ، فان كان الحق يحل قبل تجدد الثانية ، صح ، وان كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لم يتميز ، قيل : يبطل ، والوجه أنه لا يبطل.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط ، لعدم الاستيفاء من الرهن ، لأن كل ما يصح رهنه وجب ان يصح بيعه عند الأجل ، وعنده ان هذا لا يصح بيعه ، لعدم تمييزه من غيره ، وما لا يصح بيعه عند الأجل لا يصح رهنه ، لعدم الفائدة في ذلك واختار المصنف الصحة ، وكذا اختيار العلامة وابنه ، وهو المعتمد ، ويحكم فيه كما يحكم في الأموال الممتزجة وهو القضاء بالصلح ، لأن مقدار كل لقطة غير معلوم ، وكذا حكم كل مالين امتزجا ولم يعلم المقدار فيهما ولا في أحدهما.

ص: 156


1- في « ر 2 » : تصرف.

قال رحمه اللّه : ولو رهن من مسلم خمرا ، لم يصح. فلو انقلب في يده خلا ، فهو له على تردد ، وكذا لو جمع خمرا مراقا ، وليس كذلك لو غصب عصيرا.

أقول : منشأ التردد من ان الخمر لا يجوز إثبات اليد عليه لغير التخليل ، والأول قد أسقط حقه منه بدفعه الى المرتهن ، فاذا صار خلا في يده ملكه ، لأن قبل صيرورتها خلا لا ملك لأحد عليها ، فهي لمن تخللت في يده. ومن احتمال عود الملك إلى الأول ، لأن يده أسبق عليها وكان له إثبات اليد عليها للتخليل ، وقد دفعها بغير نية الإعراض عنها ، لعدم سقوط حق الراهن من الرهن ، والأول هو المعتمد.

وكذا الخلاف لو كان معه خلا واراقه فجمعه جامع فتخلل في يده كان ملكه لمن تخلل في يده ، بل ملك الثاني هنا أقوى ، لأن الأول اراقه بنية الإعراض عنه.

والمعتمد في المسألتين ان قبضه الثاني بنية التخليل كان أحق به ، لأنه قبضه قبضا مباحا ، وان كان ليس كذلك فالأول أحق به ، لأن الثاني قبضه قبضا منهيا عنه ، والأول يده أسبق ، ويقبل قوله في قصد نية التخليل وعدمه.

قوله : ( وليس كذلك لو غصب عصيرا ) ، أي إذا غصب عصيرا فتخلل في يده لم يملكه الثاني ، لأن العصير مملوك للأول ، ولا يخرج عن الملك الا بصيرورته خمرا ، بل يكون للأول بغير خلاف ، ويضمن التفاوت لو نقصت قيمة الخل عن العصير.

قال رحمه اللّه : إذا فرط في الرهن ، لزمه قيمة يوم قبضه ، وقيل : يوم هلاكه ، وقيل : أعلى القيم ، فلو اختلفا في القيمة ، كان القول قول الراهن ، وقيل : القول قول المرتهن ، وهو الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في القيمة التي يغرمها المرتهن إذا ثبت تفريطه بإقراره أو بالبينة ، في

ص: 157

ذلك خمسة أقوال :

الأول : قول المصنف ، وهو قيمته يوم قبضه ، وهو قول نادر لم يذكره غيره ، ونقله العلامة في القواعد. قال عميد الدين : وأما القول بأن عليه القيمة يوم قبضه فشي ء نقله المصنف وابن سعيد ، ولم نقف على ذلك الا من نقلهما.

الثاني : قيمته يوم هلاكه ، وهو قول المفيد والشيخ في النهاية ، لأنه يوم استقرار الضمان وانتقاله إلى ذمة المرتهن.

الثالث : أعلى القيم من يوم القبض الى يوم التلف ، قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره : نقله المصنف - يعني مصنف المختصر - وهو يشعر بأنه لم يقف عليه الا من قوله ، والظاهر انه اشتبه عليه بالقول الأول الذي اختاره المصنف هنا ، وهو ضمان القيمة يوم القبض ، لأنه لم يذكره غيره وغير العلامة ، وأما هذا القول فهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو قول مشهور نقله عنه فخر الدين واختاره ، ونقله عنه المقداد أيضا ، وهو مشهور في المصنفات.

الرابع : أعلى القيم من يوم التلف الى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة ، وهو قول ابن الجنيد.

الخامس : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، وهو قول العلامة في المختلف ، وهو المعتمد ، لأنه زمان الضمان ، إذ قبل التفريط لم يكن مضمونا ، وبعد التلف لا يلتفت الى زيادة القيمة ولا نقصانها ، لذهاب العين وانتقال الضمان إلى الذمة.

الثانية : إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخ : القول قول الراهن ، وبه قال ابن البراج وابن الجنيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح الحلبي ، لسقوط عدالة المرتهن بتفريطه فلا يلتفت الى قوله ، وقال ابن إدريس : القول قول المرتهن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه منكر ، وقال عليه السلام : « البينة على

ص: 158

المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، وسقوط عدالته لا يوجب سقوط هذا الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا فيما على الرهن ، كان القول قول الراهن ، وقيل : قول المرتهن ، ما لم تستغرق دعواه ثمن الرهن ، والأول أشهر.

أقول : الأول مذهب جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لأن الراهن منكر للزيادة فيكون القول قوله فيها ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما اعترف به.

والثاني : مذهب ابن الجنيد معولا على رواية السكوني (2) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبة ، وهي مع مخالفتها للأصل ضعيفة السند ، لأن السكوني عامي المذهب.

قال رحمه اللّه : لو اختلفا في متاع ، فقال أحدهما : هو وديعة ، فقال الممسك : هو رهن ، فالقول قول المالك ، وقيل : القول قول المرتهن والأول أشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الممسك مدع والمالك منكر.

والثاني : مذهب السيد المرتضى والشيخ في الاستبصار ، لرواية عبادة بن صهيب في الموثق (3) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وشنع ابن إدريس هنا على الشيخ تشنيعا عظيما ، ولم يذكر السيد بشي ء مع انه أسبق من الشيخ.

ص: 159


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 2 ، كيفية الحكم واحكام الدعوى ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 17 في أحكام الرهن ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 16 في أحكام الرهن ، حديث 3.

ص: 160

كتاب المفلس

اشارة

ص: 161

ص: 162

في منع التصرف

قال رحمه اللّه : أما إذا أقر بدين سابق صح ، وشارك المقر له الغرماء ، وكذا لو أقر بعين دفعت الى المقر له ، وفيه تردد ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فالشيخ في المبسوط اختار قبول الإقرار بالدين والعين معا ، وبه قال العلامة في التحرير ، الا انه استشكل إحلاف المقر مع تكذيب الغرماء انه لم يقر مواطاة ، ثمَّ فرع على وجوب اليمين ونكوله عنها إشكالا في إحلاف الغرماء على ان إقراره مواطاة أو إحلاف المقر له على عدم المواطاة.

والشيخ في الخلاف حكم بالمشاركة بالدين وتردد في العين ، والعلامة في الإرشاد حكم بصحة الإقرار بالدين ومنع من مشاركة الغرماء بل يتبع به بعد فك الحجر عنه ، وأبطل الإقرار بالعين.

ووجه قول المبسوط والتحرير عموم قوله عليه السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (1) ، ولمساواة الإقرار للبينة ، إذ لو اقام المدعي بينة بدعواه

ص: 163


1- المستدرك ، كتاب الإقرار ، الباب 2 ، حديث 1.

شارك الغرماء أو يتبرع العين ، فكذا مع الإقرار ، ووجه المنع تعلق حق الغرماء بأعيان ماله ، وفي إقراره بالعين ضرر عليهم فلا يكون مقبولا.

ووجه الفرق بين العين والدين ان حق الغرماء تعلق في أمواله ، فلو قبل إقراره بالدين لشارك المقر له الغرماء فيما ثبت انه ماله ، والعين لم يثبت انها ماله ، فإذا أقر بها ، قبل ، لعدم ثبوت ملكه لها ، وهو فرق ضعيف.

والمعتمد عدم الفرق بين الإقرار بالدين والعين ، فان لم يكن متهما قبل إقراره فيهما ، وان كان متهما بطل بالنسبة إلى الغرماء فيهما ، وصح في حق نفسه يتبع بالدين بعد فك الحجر ، وتؤخر العين ، فان فضلت عن الغرماء دفعت الى المقر له ، وان استغرقها حق الغرماء وجب عليه دفع قيمتها بعد فك الحجر الى المقر له.

قال رحمه اللّه : ولو قال هذا المال مضاربة لغائب ، قيل : يقبل قوله مع يمينه وأقر في يده. وإن قال لحاضر وصدّقه ، دفع إليه ، وإن كذّبه قسّم بين الغرماء.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط نقله المصنف هنا والعلامة في القواعد ، ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، والمعتمد عدم الفرق بين هذا الإقرار والإقرار المذكور في المسألة السابقة ، لاتحاد العلة فيهما فيتحد الحكم في يمين ( المقر هنا ) (1) إثبات لحق الغير (2) ، وهو غير جائز ، فإن قبل إقراره قبل بغير يمين ، وان لم يقبل لم يثبت باليمين.

ص: 164


1- لم يرد في « ر 2 ».
2- كذا

في اختصاص الغريم بعين ماله

قال رحمه اللّه : ومن وجد منهم عين ماله ، كان له أخذها ، ولو لم تكن سواها ، وله أن يضرب مع الغرماء بدينه ، سواء كان وفاء أو لم يكن ، على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لما رواه عمر بن يزيد في الصحيح ، عن الكاظم عليه السلام ، « قال : سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصه الغرماء » (1) ، ولأنه لم يسلم له العوض ، فكان له الرجوع الى المعوض.

وقال الشيخ في النهاية والاستبصار بعدم الاختصاص مع قصور مال المفلس عن أداء الدين ، لأن دينه دين غيره متعلق بذمته وهم مشتركون في ذلك ، فلا وجه للتخصيص ، ولأن المال قد انتقل الى المفلس بعقد البيع ، فلا يعود

ص: 165


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 5 في أحكام الحجر ، حديث 2.

الى مالكه الا بوجه شرعي ، لرواية أبي ولاد (1) ، عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وهل الخيار في ذلك على الفور؟ قيل : نعم ، ولو قيل بالتراخي ، جاز.

أقول : إذا وجد الغريم عين ماله كان مخيرا بين أخذها والضرب مع الغرماء ، وهل الخيار على الفور؟ قال الشيخ في المبسوط : فيه قولان ، وجعل الفورية أحوط ، والعلامة في القواعد اختار الفورية ، وهو المعتمد ، لأن التأخير يفضي الى تضرر الغرماء بتأخير حقهم فأشبه الأخذ بالشفعة ، ولما في ذلك من الأخذ بالاحتياط.

وظاهر المصنف هنا والعلامة في التحرير ان الخيار على التراخي ، لأن الخيار قد ثبت له بالزمان الأول ، والأصل بقاؤه.

قال رحمه اللّه : ولو وجد بعض المبيع سليما ، أخذ الموجود بحصته من الثمن ، وضرب بالباقي مع الغرماء ، وكذا لو وجده معيبا بعيب ، قد استحق أرشه ، ضرب بأرش النقصان.

أقول : لم يتردد المصنف في هذه المسألة ، وأطلق الضرب بأرش النقصان ، وهي مسألة غامضة تحتاج الى كشف وإيضاح.

وتحقيق البحث ان نقول : إذا وجد المبيع ناقصا ، فان كان النقص يمكن افراده بالبيع كالعبد من العبدين أخذ السليم بحصة من الثمن وضرب مع الغرماء بما يخص التالف.

وان كان النقص لا يمكن افراده بالبيع كقطع اليد وقلع العين أو ذهاب شي ء من جوارحه ، فهذا النقص لا يمكن افراده بالبيع ، لأنه لا يمكن تقسيط الثمن على أطراف العبد ، فلا يصح افرادها بالبيع ، فلا يخلو اما ان توجب الجناية أرشا كما

ص: 166


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 5 في أحكام الحجر ، حديث 3.

إذا كانت من أجنبي ، أو لا يوجب كما إذا كانت من المشتري أو من قبله تعالى ، فان كان الثاني فليس له إلا أخذه معيبا أو الضرب بالثمن مع الغرماء ، وان كان الأول كان مخيرا بين الضرب بالثمن وترك العين ، وبين أخذ العين والضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ان كان الثمن أقل من القيمة ، وان كان أكثر منها ( أو مثلها ) (1) ضرب بنقصان القيمة دون الزائد عليها.

وقول المصنف : ( ضرب بأرش النقصان ) ، مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية مطلقا ، لأنه قد يكون كل الثمن كما لو اشترى عبدا بمائة يساوي مائتين ثمَّ قطعت يده ، فإن أرشها يكون مائة ، فلو أوجبنا الأرش لأخذ العبد الثمن وهو باطل.

والتحقيق ان نقول : لا يخلو اما ان يكون الثمن أقل من قيمة العبد ، أو أكثر منها ، أو مثلها.

الأول : ان يكون أقل من القيمة كما لو كانت قيمته عشرين ثمَّ باعه بعشرة ثمَّ قطعت يده ، فإنه ينظر الى قدر ما نقص من قيمته بسبب الجناية ، فيضرب بنسبته من الثمن فان كان نصفا ضرب بنصف الثمن وان كان ثلثا ضرب بثلث الثمن ، وهكذا ، وان لم ينقص شيئا بسبب الجناية لم يكن له الا الضرب بالثمن أو أخذه مجانا ، وهذا معنى قولنا : ( ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ) ولا يجوز هنا الضرب بما نقص من القيمة ، لأنه يؤدي الى أخذ الثمن والمثمن أو أزيد من ذلك ، كما لو فرضنا انه نقص بالجناية ثلاثة أرباع القيمة ، فلو أوجبنا الضرب بنقصان القيمة لأخذ ثمنا ونصفا والمثمن ، وهو باطل.

فان قيل : انه يلزم في هذا الفرض ان يأخذ أكثر من الثمن على ما ذهبتم إليه ، فإنه يأخذ العبد وقيمته خمسة ، ويأخذ ثلاثة أرباع الثمن ، وهو سبعة

ص: 167


1- من « ر 2 ».

ونصف ، فتجمع له اثنا عشر ونصفا ، وهو أكثر من الثمن بدرهمين ونصف ، فان الثمن عشرة دراهم.

فانا نقول : هذا غير مانع ، لأنه حكم اقتضاه التقسيط (1) ، لأن كل جزئين من العبد يقابل جزءا من الثمن ، فالراجع اليه من العبد خمسه ، وهو مقابل درهمين ونصف درهم من الثمن ، فإذا أخذ سبعة ونصفا لم يأخذ أكثر من الثمن لما بيناه ان الخمسة تقابل درهمين ونصف درهم ، ألا ترى لو كان العبد سليما من العيب كان له أخذه وهو يساوي عشرين والثمن عشرة ، ولا يجب عليه ان يرد على الغرماء شيئا ، فلو كان قدر المحاباة محسوبا عليه ، لما جاز أخذ العبد الا بعد رد عشرة دراهم.

وهذا لم يقل به احد غير العلامة في التذكرة ، فإنه منع من أخذ العبد إذا زادت قيمتها لزيادة السعر أو اشتريت بدون ثمن المثل ، وهو قول نادر ولم أجد له موافقا ، والخلاف انما هو إذا زادت القيمة للنماء المتصل كالسمن والطول لا مع الزيادة لغير ذلك ، وقد جزم في القواعد بالرجوع وان زادت لزيادة النماء المتصل.

وقال في التحرير : وإذا اختار الرجوع الى العين كانت له سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر ، وهذا هو المعتمد.

الثاني : ان يكون الثمن أكثر من القيمة كما لو كانت القيمة عشرة فاشتراه بعشرين فاذا جني عليه فصار يساوي خمسة ضرب بنصف القيمة وهي خمسة ، ولا يضرب بنصف الثمن ، لأن العشرة الزائدة محاباة من المفلس لم يأخذ مقابلها عوضا ، فلا يجب على الغرماء أداء تبرعاته ، بل أداء ما أخذ مقابله عوضا.

ولو لم ينقص من القيمة التي هي عشرة شي ء لم يضرب بشي ء كما قلناه أولا ، وهو معنى قولنا : ( ضرب بنقصان القيمة دون الزيادة عليها ) ، اي دون

ص: 168


1- في « ر 2 » : بالتقسيط.

نقصان الزائد من الثمن على القيمة.

الثالث : ان يكون الثمن بقدر القيمة ، فهنا يضرب بمقدار ما نقص من الثمن بسبب الجناية ، لعدم التفاوت بينه وبين القيمة ، وقال العلامة في التحرير : فينظر كم نقص من القيمة فيرجع بذلك الجزء من الثمن لا من القيمة ، وأطلق القول في ذلك ولم يفصل بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والمصنف أطلق الرجوع بأرش النقصان ، وقد بينا ان مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية ، لأن ذلك لم يقل به أحد ، الا انه لم يفصل بين ان يكون الضرب بنقصان الثمن أو نقصان القيمة ، ولا فرق بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والشيخ في المبسوط أطلق الرجوع بقسط ما نقص بالجناية من الثمن ولم يفصل أيضا.

إذا عرفت هذا ، فعبارة المصنف والتحرير والنهاية (1) والمبسوط متفقة معنى وان اختلف اللفظ ، والمعتمد التفصيل الذي ذكرناه وحققناه ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، الا ان عبارته فيها غامضة لا يدركها غير المحصل لهذا الفن المحقق له.

قال رحمه اللّه : ولو كان النماء متصلا ، كالسمن أو الطول ، فزادت لذلك قيمته ، قيل : له أخذه ، لأن هذا النماء يتبع الأصل ، وفيه تردد.

أقول : اما النماء المنفصل فلا خلاف في كونه للمفلس لا يجوز الرجوع فيه ، واما المتصل الذي يزيد بسببه القيمة فقد اختلف فيه ، قال الشيخ في المبسوط : انه تابع للأصل ، فإذا فسخ البيع فيه تبعته الزيادة ، واختاره ابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن الجنيد : يأخذ العين بقيمتها ويرد الزيادة على الغرماء ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الزيادة مملوكة للمفلس ، فلا تخرج عن ملكه مجانا ، واختار في الإرشاد سقوط حقه من العين ، وهو يدل على المنع

ص: 169


1- من « ر 2 ».

وان بذل قيمة الزيادة ، وبالغ في التذكرة بأن أسقط حقه من العين مع زيادة قيمتها لزيادة السعر أو كان الشراء بدون ثمن المثل ، وهو نادر.

فقد ظهر ان للعلامة أربعة أقوال في هذه المسألة ، أشهرها قول القواعد ، وأقواها قول المختلف.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى أرضا ، يغرس المشتري فيها ثمَّ أفلس ، كان صاحب الأرض أحق بها ، وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية. وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل : نعم ، والوجه المنع. نعم يباعان ويكون له ما قابل الأرض.

أقول : اختار المصنف هو المعتمد ، وقال في المبسوط : له الإزالة مع بذل الأرش.

قال رحمه اللّه : ولو اشترى زيتا ، فخلطه بمثله ، لم يبطل حق البائع من العين ، وكذا لو خلطه بدونه ، لأنه رضي بدون حقه. وان خلطه بما هو أجود ، قيل : يبطل حقه من العين ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

أقول : بطلان حقه من العين مع الخلط بالأجود مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد ، لأنها ليست موجودة من طريق المشاهدة ولا الحكم ، لأنه ليس له المطالبة بقيمتها إجماعا ، بل بالثمن الذي وقع العقد عليه ، وإذا لم تكن موجودة من الوجهين كانت بمنزلة التالف ، فيتعين الضرب مع الغرماء بالثمن.

وقيل : يباع الزيتان معا ، فيؤخذ الثمن على قدر قيمة الزيتين ، فاذا كان قيمة العين درهما والممتزج فيهما درهمين ، بيعا وأخذ ثلث الثمن ، ووجود عين ماله وإمكان التوصل إليها بما قلناه.

وقال ابن الجنيد : لو كان المبيع مما يكال أو يوزن فاختلط بما لا يتميز بمحضر من شهود ثمَّ أفلس المشتري ، كان للبائع ثمن متاعه به على الغرماء ، ولم

ص: 170

يفصل بين الاختلاط بالأجود أو الأردإ أو المماثل ، واختاره العلامة في المختلف.

ولا فرق بين الزيت وغيره من المكيلات والموزونات.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم في متاع ، ثمَّ أفلس المسلم اليه ، قيل : إن وجد رأس ماله أخذه ، وإلا ضرب مع الغرماء بالقيمة ، وقيل : له الخيار بين الضرب بالثمن وبقيمة المتاع ، وهو أقوى.

أقول : إذا أسلم في حنطة مثلا ثمَّ أفلس المسلم إليه ، فإن وجد عين الثمن الذي دفعه كان له أخذه وكان أحق به من سائر الغرماء ، وان لم يجد عين ماله ضرب بقيمة الطعام الذي أسلم فيه مع الغرماء ، وهل له مع فقد عين ماله فسخ العقد والضرب بالثمن الذي هو رأس ماله؟ قال الشيخ في المبسوط : قيل له ذلك ، وقواه المصنف هنا ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه قد تعذر استيفاء المسلم فيه ، فكان للمشتري الفسخ كسائر أصناف السلم.

ويحتمل المنع ، لأصالة لزوم العقد وعدم وجود عين ماله ، فليس له الا الضرب بقيمة ما في ذمة المفلس - وهو المتاع المسلم فيه - فيقوم قيمة عادلة ثمَّ يضرب بتلك القيمة ، سواء زادت عن الثمن الذي دفعه أو نقصت.

تنبيه : لو وجد مثل المتاع الذي أسلم فيه في مال المفلس لم يكن له الاختصاص به ، ولا يتعين أخذ حقه منه ، لاشتراك الغرماء بأعيان أمواله ، والدين انما يتعين بالقبض وهو لم يقبضه ، وكونه من جنس ما له لا يكفي في التعيين.

قال رحمه اللّه : وإذا شهد للمفلس شاهد بمال ، فان حلف استحق. وان امتنع ، هل يحلف الغرماء؟ قيل : لا ، وهو الوجه ، وربما قيل بالجواز ، لأن في اليمين إثبات حق الغرماء.

أقول : القول بمنع يمين الغرماء قول الشيخ رحمه اللّه ، وهو المعتمد ، لأنه لا

ص: 171

يصح للإنسان ان يحلف ليثبت مالا لغيره ، والغرماء يحلفون ليثبتون مالا للمفلس وهو غير جائز. وقال ابن الجنيد : يجوز لهم الحلف ، لأنهم إذا حلفوا كان لهم المطالبة فكان النفع لهم ، والجواب انهم يأخذون عن المفلس لا بالأصالة.

قال رحمه اللّه : وإذا مات المفلس حلّ ما عليه ، ولا يحل ماله ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : يحل ما له ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج لما رواه أبو بصير ، « قال : قال أبو عبد اللّه : إذا مات الميت حل ما له وما عليه من الدين » (1).

والمشهور حلول ما عليه دون ما له ، والفرق حصول الإجماع على حلول ما عليه ، قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : إلى الآن لا أعرف لأصحابنا فيه نصا معينا فأحكيه ، وفقهاء الأمصار كلهم يذهبون الى ان الدين المؤجل يصير حالا بموت من هو عليه. ويقوى في نفسي ما ذهب اليه الفقهاء ويمكن ان يستدل عليه بقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (2) علق القسمة بقضاء الدين فلو أخرت تضررت الورثة ، هذا كلامه رحمه اللّه.

نقل عن علماء الأمصار كلهم انهم يذهبون الى حلول الدين المؤجل بموت من هو عليه ، وهذا هو الإجماع بعينه ، ولأنه مع منع الورثة من التصرف في التركة قبل حلول الأجل يحصل الضرر عليهم ، ومع أمرهم بالتصرف يحصل الضرر على صاحب الدين ، فوجب ان يحل ما عليه دفعا لهذه الضرورة اللاحقة بأحد الفريقين ، بخلاف ما له إذ لا مفسدة في تأخيره إلى حين الأجل ، إذ الأصل عدم الحلول ، خرج ما وقع عليه الاتفاق ، يبقى الباقي على الأصل ، ولا فرق بين ان

ص: 172


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 أبواب القرض والدين ، حديث 1.
2- النساء : 11.

يكون الدين سلما أو دية خطأ تعلقت بمال الجاني أو غير ذلك للعموم.

قال رحمه اللّه : وينظر المعسر ، ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته ، وفيه رواية أخرى مطرحة.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، واختاره الشهيد ، لأنه لم يوجب التكسب للدين ، وقال ابن حمزة : ان كان المديون معسرا صبر عليه من له الدين حتى يجد ، وان كان مكتسبا أمره بالإنفاق على نفسه وعياله وصرف الفاضل في دينه ، وان كان غير مكتسب خلي سبيله حتى يجد ، لما رواه السكوني في الموثق ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : « ان عليا عليه السلام كان يحبسه في الدين ثمَّ ينظر فان كان له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم وأجروه ، وان شئتم استعملوه » (1).

واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر القواعد ، لأنه أوجب عليه السعي في الدين ، ويلزم منه جواز مؤاجرته مع الامتناع ، لأن القادر على التكسب غير معسر ولهذا يمنع من الزكاة ، وغير المعسر يجب عليه أداء الدين.

احتج المانعون بقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (2) ، وبأصالة براءة الذمة من وجوب السعي والمؤاجرة ، وهو المعتمد.

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 7 في أحكام الحجر ، حديث 3.
2- البقرة : 280.

ص: 174

في قسمة ماله

قال رحمه اللّه : ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة ، قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا ، وإلا جعل وديعة ، لأنه موضع ضرورة.

أقول : إذا باع الحاكم مال المفلس فان كان الغريم واحدا دفع اليه المال ، وان تعدد وأمكنت القسمة عاجلا من غير ضرورة لم يجز التأخير ، وان تعذرت أو اقتضت المصلحة التأخير كظن ظهور غريم أو الخوف من ظالم ، أو غير ذلك مما يراه الحاكم من المصلحة.

قال المصنف : ( قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا والا جعل وديعة ) ، ولم يجزم بذلك ، وجزم به العلامة في القواعد ، وجزم به في التحرير أيضا ، الا انه قيد بتعذر القسمة ، وانما لم يجزم المصنف بذلك ، لاحتمال عدم جواز تأخير دفع الحق إلى مستحقه مع الإمكان.

قال رحمه اللّه : وهل يزول الحجر بمجرد الأداء ، أو يفتقر الى حكم الحاكم ، الأولى أنه يزول بالأداء ، لزوال سببه.

أقول (1) : ومن ان حجره يثبت بحكم الحاكم فلا يرتفع الا بحكمه ، وهو مذهب المصنف.

ص: 175


1- كذا.

ص: 176

كتاب الحجر

ص: 177

ص: 178

في موجباته

قال رحمه اللّه : وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر ، وفي أخرى إذا بلغ عشرا وكان بصيرا ، أو بلوغ خمسة أشبار جازت وصيته ، وأقيمت عليه الحدود.

أقول : يفهم من كلام المصنف ان الرواية الواردة بلوغ العشر سنين أو بلوغ الخمسة أشبار ( واحدة ، و) (1) انها تضمنت جواز وصيته واقامة الحدود عليه مع بلوغ العشر أو الخمسة أشبار ، وليس الأمر كذلك بل الوارد بالوصفين اللذين ذكرهما وهما بلوغ العشر أو الخمسة أشبار روايتان تضمنتا حكمين ، فرواية بلوغ العشر تضمنت جواز الوصية ، ورواية بلوغ الخمسة الأشبار تضمنت جواز إيقاع الحدود عليه ، فالرواية الأولى هي رواية الصدوق محمد بن بابويه ، عن عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام ، « انه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته » (2).

وروى زرارة ، عن الباقر عليه السلام مثل ذلك الا انه زاد في روايته :

ص: 179


1- في « ن » : أو حدّه.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، حديث 3.

« فإنه يجوز له في ماله إذا أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف » (1).

واما الرواية الثانية التي تضمنت جواز اقامة الحدود عليه فهي رواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، « في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار لم يقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية » (2).

قال رحمه اللّه : الوصف الثاني الرشد : وهو ان يكون مصلحا لماله ، وهل يعتبر العدالة؟ فيه تردد.

أقول : اعتبار العدالة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأن غير العدل سفيه ، والسفيه ليس برشيد ، وقال ابن الجنيد : الرشد هو العقل وإصلاح المال ، واختاره أكثر المتأخرين ، لأصالة عدم الزيادة على ذلك ، وهو المعتمد ، لأن المفهوم من الرشد هو إصلاح المال مع الأمن من الانخداع في المعاملات ، فاذا ثبت هذا ثبت الرشد ، لأصالة عدم اشتراط الزائد على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو باع فأجاز الولي ، فالوجه الجواز ، للأمن من الانخداع.

أقول : الجواز مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله المصنف. وقال الشيخ وابن البراج لا يصح ، لأنه محجور عليه وممنوع من التصرف ، فلا يكون تصرفه صحيحا ، وحكم الاذن له في البيع حكم الإجازة بعده ، ولا فرق بينهما إلا في اشتراط تعيين من يبيع عليه أو يشتري منه إذا كان الاذن سابقا.

تنبيه : إذا بلغ الصبي وصرف أمواله في وجوه الخير كالصدقات ، وعتق المماليك ، وبناء القناطير والمساجد ، وما شابه ذلك ، هل يكون ذلك تبذيرا؟

ص: 180


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 26 أبواب القصاص في النفس ، حديث 1.

قال في الإرشاد : وصرف المال في وجوه (1) الخير ليس بتبذير مع بلوغه في الخير ، والظاهر ان الضمير في ( بلوغه ) عائد إلى الصارف ، اي مع بلوغ ذلك الصارف في الخير المبلغ الذي يصير أهلا أن يصرف جميع أمواله في الخير ، بأن يكون مبالغا في صنوف اعمال الخير من العلم والزهد والتقوى والمواظبة على جميع الطاعات والقيام بالواجبات والمندوبات ، فمن كان على هذه الصفة لا يكون صرفه جميع أمواله في الخير تبذيرا ، لأن همه اشتغاله في أمر آخرته ، وقد اعرض عن هذه الدنيا وكان رغبته فيما عند اللّه ، فأوجبت هذه الهمة وهذه الرغبة صرف جميع أمواله الى ما هو مطلوبه ومقصوده فلا يكون مبذرا.

أما لو كان تاجرا همه جمع الأموال في الكدح بالبيع والشراء والأسفار وغير ذلك من أصناف التكسبات ، فهذا إذا صرف أمواله في أفعال الخير كان مبذرا ، كما لو ألقاه في البحر ، لأنه صرفه بما ليس همته ولا مقصوده ، ولا هو أهل لذلك ، لأن عادته وهمته ومقصوده في جمع الأموال ، فاذا صرفه جميعه بما ليس بمقصود له ولا ملائم لطبعه ، كان سفيها مبذرا ، وكان ذلك اما لاختلال في عقله أو للرياء والسمعة ، فلا يكون لغرض صحيح ، وكل صرف لا يكون لغرض صحيح فهو تبذير ، ولا أرى لتأويل عبارة الإرشاد بغير هذا الوجه وجها.

ويحتمل ان يكون صرف التاجر وشبهه لجميع ما له في أفعال الخير لا يكون تبذيرا ، لأن المقصود من المال الانتفاع به ، ولا انتفاع أبلغ من صرفه في هذا الباب ، وهو ظاهر القواعد ، فإنه قال فيه : وصرف المال الى الخيرات ليس بتبذير ، وأطلق ، والأول هو المعتمد لما بيناه.

ويحتمل ان صرف الأول - وهو المبالغ في أفعال الخير - جميع ما له في الخير تبذير ، لقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ

ص: 181


1- من « ر 2 » ، وفي بعض النسخ : ( صنوف ).

فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (1).

وهذا الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مع عظم مبالغته في أفعال الخير ، فقد نهي عن صرف جميع ماله في الخير ، فكيف من يكون قاصرا عنه في المبالغة في أفعال الخير؟! وقد أومى في التحرير إلى شي ء من هذا ، فقال : وصرف أكثر المال في صنوف الخير مع قناعته بالباقي ليس بتبذير ولا سرف ، وهو يدل بمفهومه على ان صرف الجميع يكون تبذيرا ، بل صرف الأكثر مع عدم القناعة بالباقي يكون تبذيرا وسرفا ، وليس بعيدا من الصواب.

والمراد بالقناعة هنا قدر الكفاية ، أي لا ترك الا قدر كفايته ، وليس المراد رضى النفس إذ قد لا ترضى بالجميع.

قال رحمه اللّه : وفي منعه من التبرعات المنجزة الزائدة على الثلث ، خلاف بيننا ، والوجه المنع.

أقول : يأتي البحث في هذا إنشاء اللّه تعالى في كتاب الوصايا.

ص: 182


1- الإسراء : 29.

في أحكام الحجر

قال رحمه اللّه : لا يثبت حجر المفلس ، إلا بحكم الحاكم. وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردد ، والوجه أنه لا يثبت إلا بحكم الحاكم ولا يزول إلا بحكمه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : حجر السفيه لا يثبت الا بحكم الحاكم ولا يزول الا بحكمه ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن ثبوت الحجر على خلاف الأصل ، لأن الأصل صحة تصرفات البالغ العاقل ، فالمنع من ذلك يفتقر الى حكم الحاكم ، وإذا ثبت الحجر بحكمه لا يزول الا بحكمه ، لأصالة بقاء الحجر ، وزوال السفه أمر خفي ، فيفتقر الى نظر الحاكم كما يفتقر ثبوت الحجر اليه.

وقيل : يثبت الحجر بظهور السفه من دون حكم الحاكم ، لأن علة الحكم ظهور السفه فلا يحتاج الى الحكم بالحجر ، والا لما كان السفه علة وهو ممنوع ، فكلما وجد السفه وجد الحجر ، وكلما زال الحجر فلا يفتقر في دفعه الى حكم الحاكم مع زوال السفه ، لزوال (1) السبب الموجب للحجر.

ص: 183


1- في « ر 2 » بعض النسخ ، و« ن » : بزوال.

قال رحمه اللّه : فإذا حجر عليه ، فبايعه إنسان ، كان البيع باطلا. وإن كان المبيع موجودا استعاده البائع وان تلف وقبضه بإذن صاحبه كان تالفا ، وإن فك حجره. ولو أودعه وديعة ، فأتلفها ، ففيه تردد ، والوجه أنه لا يضمن.

أقول : التردد في ضمان الوديعة مع إتلافها انما هو إذا كان الإيداع بعد الحجر عليه ، أما إذا أودعه قبل الحجر ثمَّ أتلفه بعده كان مضمونا عليه قطعا ، ومنشأ التردد في الأول من اسناد التفريط الى المالك في إيداعه للمحجور عليه ، فلا يضمن المحجور عليه ، فهو كما لو أودع الصبي أو المجنون فأتلف ، ومن عموم ضمان المتلفات ، فإن الصبي والمجنون يضمنان ما أتلفاه من المال في مالهما ان كان لهما مال ، وكذلك السفيه إذا أتلف ما لا ضمنه ، فهنا يضمن أيضا.

والمعتمد عدم الضمان ، لحصول الفرق بين الاتلافين ، لأن المالك هنا قد عرض ماله للإتلاف بسبب التسليط عليه ، بخلاف ما إذا أتلف مالا من غير تسليط مالكه عليه ، والأصل براءة الذمة ، فهو كما لو قبضه المشتري ثمن ما اشتراه منه ثمَّ أتلفه ، فكما لا يضمن هناك لا يضمن هنا ، ولا فرق بين علم المشتري من السفيه والبائع عليه بالحجر وعدمه في عدم ضمان ما قبضه منهما باختيارهما عوضا عما دفعه إليهما ، قاله العلامة في القواعد والتحرير ، وفيه نظر من استحالة تكليف الغافل.

قال رحمه اللّه : إذا حلف انعقد يمينه ، ولو حنث ، كفّر بالصوم ، وفيه تردد.

أقول : لا خلاف في انعقاد يمين السفيه في موضع ينعقد فيه يمين غيره ، ولا في وجوب الكفارة عليه مع الحنث ، ولكن هل ينحصر الكفارة في الصيام دون غيره؟

تردد المصنف في ذلك من انه غير ممنوع من اليمين ولا من التكفير مع الحنث ، فيكون مخيرا في أنواع الكفارة كغيره ، ومن انه محجور عليه في جميع

ص: 184

التصرفات المتعلقة بإخراج المال ، وغير الصيام يتضمن إخراج المال فيكون ممنوعا منه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويختبر الصبي قبل بلوغه ، وهل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح.

أقول : معنى الاختبار ان نفوض اليه تصرفات أمثاله يتصرف فيها ، فولد التاجر يفوض اليه البيع والشراء ، فان سلم من المغابنة علم رشده ، وأولاد الأشراف الذين يرتفع أمثالهم عن المعاملات يدفع الى الصبي منهم نفقته مدة بعضها في مصالحه ، فان كان حافظا لها يحاسب وكيله ويستوفي منه ويأمره بشراء ما يليق بحاله وينهاه عما لا يليق عرف رشده.

والمرأة تختبر بما لا يلائم حالها من حرف النساء ، فان كانت من أهل الغزل والنساجة اختبرت بهما ، وان كانت مرتفعة عن الصنائع اختبرت بالولاية على الخدم في خدمة البيت ، فإن أمرتهم ونهتهم في محل الأمر والنهي ، ومكنتهم فيما شأنهم التمكين فيه ، ومنعتهم عما من شأنهم الامتناع عنه ، علم رشدها ، فاذا علم رشد الصبي قبل بلوغه لم يفتقر الى اختبار بعد البلوغ.

إذا عرفت هذا ، فهل تصح العقود التي يختبر فيها قبل بلوغه أم لا؟ يبنى ذلك على ان بيع المميز وشراءه بأمر الولي هل هو صحيح أم لا؟

قال العلامة في التحرير : وقت الاختبار قبل البلوغ مع التمييز ، ومع اذن الولي يصح تصرفه وبيعه ، فقد جزم بصحة البيع ، وذهب المصنف هنا الى عدم صحة البيع ، وهو مذهب العلامة في الإرشاد ، قال فيه : ويختبر الصبي قبل بلوغه ولا يصح بيعه ، جزم بعدم صحة البيع ، وقال العلامة في القواعد : وفي صحة العقود حينئذ إشكال ، ولم ينص على الاختبار ، هل هو قبل البلوغ أو بعده ، بل استشكل في صحة العقود.

ص: 185

واختلف الشارحان في منشأ الاشكال بعد اتفاقهما على كون الاختبار بعد البلوغ ، قال فخر الدين : ان ظهر رشده حالة العقود صحت العقود قطعا ، وان ظهر سفهه أو لم يتبين شي ء بعد ، فهل يحكم بصحة العقود أو لا؟ والاشكال في هذين الموضعين.

ومنشؤه ان السفيه يصح تصرفه بإذن الولي ، وهذه العقود مأذون فيها شرعا ، ومن حيث بطلان تصرفات السفيه وهذا سفيه ، هذا كلامه رحمه اللّه. جعل منشأه من صحة بيعه بإذن الولي ، ومن عدم الصحة.

وقال عميد الدين : منشؤه من ان تصرفه موقوف على ثبوت رشده وقبله لم يكن رشده ثابتا ، فلا يكون تصرفه صحيحا ، ومن استبانة رشده عند وقوع العقد ، فكان صحيحا ، هذا تعليله رحمه اللّه.

قلت : الذي أوجب لهما الاختلاف في التعليل فهمهما وقوع الاختبار بعد البلوغ ، فعلل كل واحد منهما على قدر فهمه ، ومن العجب فهمهما كون الاختبار بعد البلوغ ، وقد نص العلامة في إرشاده وتحريره انه قبل البلوغ ، ونص عليه نجم الدين هنا.

وقال الشهيد في شرح الإرشاد : كونه بعد البلوغ مذهب بعض العامة ثمَّ منعه ، قال : ولو كان بعد البلوغ لأدى ذلك الى الحجر على البالغ الرشيد ، وهو خلاف الإجماع.

قلت : قول الشهيد هنا منقوض بعدم ثبوت الرشد الا بعد الاختبار.

فان قيل : إنهما تلامذة المصنف وربما انهما سمعا منه ان مراده في الاشكال إذا كان الاختبار بعد البلوغ.

قلنا : ان عبارة عميد الدين لا تدل على ذلك ، بل على ضده ، لأنه قال : قال صاحب الشرائع : يختبر الصبي قبل بلوغه ، وهل يصح بيعه؟ الأشبه انه لا

ص: 186

يصح ، تردد في صحة العقد الصادر منه قبل بلوغه ، والمصنف لم يفصل هل ذلك قبل البلوغ أو بعده ، والظاهر ان المراد ان بلغ الصبي وشك في رشده فإنه يختبر حينئذ بما يلائمه من التصرفات ، هذا كلامه رحمه اللّه. وهو دال على انه لم يفهم ذلك الا من إطلاق المصنف ، لأنه لو سمعه منه لأسنده إلى سماعة لا إلى الإطلاق ، وكأنه لم يقف على قول المصنف في الإرشاد والتحرير حالة شرحه لهذه المسألة ، والا لكان ذكر مذهبه فيهما كما ذكر مذهب الشرائع.

وعلى القول بان الاختبار بعد (1) البلوغ يكون تعليل عميد الدين أنسب للحكم وأليق بمذهب المصنف ، وتعليل فخر الدين غير مذهب المصنف ، لأن مذهب المصنف في القواعد وغيرها جواز بيع السفيه بإذن الولي سواء وقع بعد الاذن أو قبله ثمَّ اجازه الولي ، ولم يتردد في ذلك ، فحمل هذا الاشكال عليه يخالف مذهبه رحمه اللّه ، بل حمل الاشكال على كون الاختبار قبل البلوغ كما نص عليه في الإرشاد والتحرير ، وكون منشأه من صحة بيعه إذا كان بإذن الولي كما هو مذهبه في التحرير في هذه المسألة المشروحة ، ومن عدم الصحة كما هو مذهبه في الإرشاد أولى ، لأن حمل إطلاقه في القواعد على ما قيدها في غيرها اولى من حمله على ما ليس بمذكور في مصنف من مصنفات أصحابنا المتداولة بيننا الآن ، وليس هو مذهبنا لهم ، بل لبعض الجمهور ، كما قاله الشهيد في شرح الإرشاد ، وإذا ثبت ان الاختبار قبل البلوغ ثبت ان منشأ الاشكال ما قلناه ، فلا يحتاج الى تعسف.

ص: 187


1- في « ر 2 » : قبل.

ص: 188

كتاب الضمان

اشارة

ص: 189

ص: 190

في تعريف الضمان

قال رحمه اللّه : وهو عقد شرّع للتعهد بمال أو نفس. والتعهد قد يكون ممن عليه للمضمون عنه مال ، وقد لا يكون. فهنا ثلاثة أقسام : القسم الأول في ضمان المال ممن ليس عليه للمضمون عنه مال. وهو المسمّى بالضمان بقول مطلق.

أقول : التعهد ان كان بالنفس فهو الكفالة ، وان كان بالمال ممن عليه للمضمون مال مثله فهو الحوالة ، وان كان ممن ليس عليه مال فهو الضمان بقول مطلق ، والى هذا أشار بقوله : ( فهنا ثلاثة أقسام ).

وقوله : ( بقول مطلق ) اي من غير تقييد بقولنا : ممن عليه مثله.

ص: 191

ص: 192

في ضمان المال

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يشترط علمه بالمضمون له ، ولا بالمضمون عنه ، وقيل : يشترط ، والأول أشبه.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لما روي : « ان عليا عليه السلام ضمن عن ميت درهمين » (1) ، وروي : « ان أبا قتادة ضمن عن ميت دينارين » (2) ، وكان ذلك منهما بحضرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم يسألهما عن معرفة صاحب الدين ولا عن معرفة الميت ، بل لا بد من تمييز المضمون عنه ، كما قاله المصنف ليصح معه القصد الى الضمان عنه ، والمعرفة التي لا تشترط هي معرفة الاسم والنسب.

وقال في المبسوط : فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : يشترط معرفتهما ، وهو الأظهر ، أما معرفة المضمون له لينظر هل هو سهل المعاملة أولا؟ واما المضمون عنه لينظر هل يستحق ذلك عليه أم لا؟ حذرا من الغرر.

ص: 193


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 3.

قال رحمه اللّه : ويشترط رضى المضمون له ، ولا عبرة برضا المضمون عنه ، لأن الضمان كالقضاء ، ولو أنكر بعد الضمان لم يبطل على الأصح.

أقول : مذهب الشيخ في الخلاف عدم اشتراط رضاهما معا ، لضمان علي عليه السلام وابي قتادة (1) ، فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يسأل عن رضى المضمون له ، ولا يمكن رضى المضمون عنه ، لأنه ميت.

وذهب في المبسوط إلى رضى المضمون له دون (2) المضمون عنه ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

أما عدم اعتبار رضى المضمون عنه فلما قاله المصنف : من ان الضمان عنه كالقضاء ، فكما لا يعتبر رضاه في القضاء لا يعتبر رضاه في الضمان.

واما اعتبار رضى المضمون له ، لأن ذلك إثبات حق في الذمة بعقد فلا بد من رضى المتعاقدين فيما وقع العقد عليه كسائر الحقوق.

إذا عرفت هذا ، فإذا أنكر المضمون عنه الضمان اي لم يرض به هل يبطل أم لا؟ ذهب الشيخ في النهاية إلى بطلانه ، وبه قال المفيد في المقنعة ، وهو مذهب ابن البراج وابن حمزة ، وهو بناء على اشتراط الرضى بالضمان.

وقال ابن إدريس بعدم البطلان ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو بناء على عدم اشتراط رضى المضمون عنه ، لقوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (3) ، وهو عام.

قال رحمه اللّه : مع تحقق الضمان ، ينتقل المال إلى ذمة الضامن ، ويبرأ

ص: 194


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 2 و3.
2- في « ر 1 » : لا.
3- المستدرك ، كتاب الضمان ، باب 1 ، حديث 1 ، مع اختلاف في النص ، وهو موجود في سنن الترمذي ، باب 39 ، وسنن ابي داود ، كتاب الإجارة ، باب تضمين العارية.

المضمون عنه ، وتسقط المطالبة عنه ، ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه ، لم يبرأ الضامن ، على قول مشهور لنا.

أقول : قال العامة : الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه ، فيجوز له حينئذ ( مطالبة أيهما شاء ) (1). وقال أصحابنا : الضمان ناقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

إذا عرفت هذا ظهرت فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : إذا أبرأ المضمون له المضمون عنه ، كما قاله المصنف ، فعلى قول أصحابنا لا يبرأ الضامن ، لأن المال قد انتقل الى ذمته ( وبرأ المضمون عنه بنفس الضمان (2) ، فقد أبرأه مما ليس في ذمته فكان الإبراء باطلا ، وعلى قول العامة يبرأ ، لعدم الانتقال إلى ذمة الضامن ، ولو ابرأ الضامن برءا عندنا ولا يبرءا عند العامة ، لأنه لم ينتقل المال الى ذمته ، فقد أبرأه مما ليس بلازم له.

الثانية : لو مات الضامن قبل الأداء بقي المال على المضمون عنه عندهم ، وعندنا يتعلق بتركة الضامن ، فان كان له تركة ، والا سقط حق المضمون له ، ولو مات المضمون عنه تخير المضمون له في الرجوع الى تركته ومطالبة الضامن عندهم ، وعندنا يتعين مطالبة الضامن ، وليس للمضمون له الرجوع على تركة المضمون عنه.

الثالثة : لو ضمن بغير سؤاله ثمَّ أدى بسؤاله رجع عليه عندهم ، لأنه أدى دينه بإذنه عندهم ، وعندنا لا يرجع عليه بشي ء ، لانتقال المال الى ذمته بنفس الضمان ، فاذن لا يرجع على الآذن بشي ء.

الرابعة : لو دفع الضامن الى المضمون له ، فأنكر فشهد المضمون عنه ،

ص: 195


1- في « ن » : مطالبته ان شاء.
2- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

فعندهم لا تقبل هذه الشهادة ، لأنها له فلا تقبل شهادته لنفسه ، وعندنا تقبل ما لم تحصل التهمة ، وهي تتصور في مواضع :

الأول : ان يحجر على الضامن للفلس ويكون المضمون عنه أحد غرمائه ، ويكون الضمان تبرعا بغير اذن المضمون ، فهنا تتحقق التهمة ، لأن شهادته بالأداء تمنع المضمون له من مخاصمة الغرماء وهو أحدهم.

الثاني : ان يدفع عن الحق عوضا أقل من قيمته ، فهنا تتحقق التهمة ، لأنه يرجع بقيمة المدفوع خاصة.

الثالث : ان يكون الضامن معسرا والمضمون له غير عالم بحاله ، فهنا تتحقق التهمة أيضا ، لأن شهادته بالأداء تمنع رجوع المضمون له عليه.

قال رحمه اللّه : والضمان المؤجل جائز إجماعا ، وفي الحالّ تردد ، أظهره الجواز.

أقول : قال الشيخ في النهاية : لا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل معلوم ، وهو قول المفيد في المقنعة ، وابن البراج في الكامل ومذهب ابن حمزة ، لأن الضمان إرفاق ، فيشترط فيه الأجل إذ الحالّ لا إرفاق فيه ، لأن الضمان الحالّ يسوغ تعجيل المطالبة بالحق المضمون فيتسلّط الضامن على مطالبة المضمون عنه ، فتنتفي فائدة الضمان وهي الإرفاق.

وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب بجواز الحالّ ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، وعموم قوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (1) ، وعموم ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (2).

وأجيب عن حجة المانعين بعدم انحصار الفائدة في التأجيل ، بل في تفاوت الغرماء بحسن القضاء والتقاضي.

ص: 196


1- تقدم ص 194.
2- يوسف : 72.

تنبيه : مراد الشيخ في النهاية ومن تابعه بالمنع من الضمان الحال الإطلاق ، أي سواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، وليس مرادهم تخصيص المنع بما إذا كان الدين مؤجلا كما توهمه المقداد في شرح المختصر ، لأنه قسم الدين الى حال ومؤجل ، وقسم الضمان الى حال ومؤجل ، ثمَّ قال : الثاني ان يكون مؤجلا ويضمن حالا ، وهذا منعه الشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة ، لأن الضمان وضع للإرفاق ، هذا كلامه رحمه اللّه.

حصر منع الشيخ والمفيد في النهاية والمقنعة فيما إذا كان الدين مؤجلا وهو سهو القلم ، لأن المراد هنا الإطلاق واختصاص المنع بالمؤجل وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، نقله العلامة عنه في المختلف ، وفي هذه المسألة مذهبه فيه الجواز ضد مذهبه في النهاية ، وفي النهاية اشترط تأجيل الضمان مطلقا ، وفي المبسوط اشترط تأجيله إذا كان الدين مؤجلا ، وجوز حلوله إذا كان الدين حالا وتابعه المصنف هنا على مذهبه فيه ، واختار في هذه جواز الحلول ، واختار فيما إذا كان الدين مؤجلا اشتراط التأجيل ، ذكر ذلك في آخر باب الضمان في المسألة التي تلي الحوالة ، فقد ظهر فساد ما توهمه المقداد.

ومما يدل على فساده قول العلامة في التحرير ، قال : وللشيخ قول بالمنع من الضمان الحالّ مطلقا ، وقول آخر بالمنع من الضمان المؤجل حالا. أشار بالإطلاق إلى قوله في النهاية الذي توهمه المقداد انه مختص بالمؤجل ، وأشار بالمختص بالمؤجل إلى قوله في المبسوط.

وانما نبهنا على ذلك ليحصل العلم بأن هذه المسألة (1) والتي بعدها مسألتان متغايرتان ، وان مذهب المصنف غير متناقض ، وعلى ما قاله المقداد تكون مسألة

ص: 197


1- في « ن » بزيادة : واحدة.

واحدة ، فيلزم حينئذ التكرار (1) لغير فائدة ، وحصول التناقض في قوليه ، لأنه اختار هنا جواز الضمان حالا واختار في التي بعدها عدم جوازه حالا ، وهو تناقض على القول بأنهما مسألة واحدة ، فقصدنا لهذا لتنبيه تحقيق ذلك ، ونسأل من اللّه المعونة والتوفيق ، ( والهداية إلى التحقيق والعصمة من الزلل الموجب للخلل في القول والعمل ) (2).

فروع :

الأول : إذا اشترط في عقد الضمان الأداء من مال بعينه صح الضمان والشرط ، لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال ، فلو تلف المال قبل الأداء من غير تفريط من الضامن ، هل يبطل الضمان ويرجع على الأصل أو لا يبطل ويلزم الضامن بالأداء من غيره؟ يحتمل البطلان ، لفوات الشرط وهو الأداء من ذلك المال المتعين ، وقد تلف فيبطل الضمان ، ويحتمل عدم البطلان ، لأن الضمان ناقل للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، واشتراط الضمان من مال بعينه لا ينافي ثبوته في ذمته ، وإذا كان ثابتا في الذمة لم يبطل بتلف المال المشترط أداء الدين منه.

والتحقيق : انه إذا اشترط الضمان من مال معين (3) ، هل يتعلق الدين بذلك المال تعلق الدين بالرهن أو تعلق الأرش برقبة الجاني؟ فعلى الأول لا يبطل الضمان كما لو تلف الرهن ، وعلى الثاني يبطل كما لو تلف العبد الجاني ، فإذا بطل رد على الأصل ، والأول مذهب فخر الدين ، وهو المعتمد.

الثاني : لو لم يف المال الذي اشترط أداء الدين منه بقيمة الدين ، هل يرجع

ص: 198


1- في « ن » : بغير.
2- ليس في « ن » و« ر 2 ».
3- في « ن » : بعينه.

بالباقي على الضامن أو الأصيل؟ يبنى على الأصل الذي ذكرناه ، فان قلنا : انه يتعلق به تعلق الأرش برقبة الجاني لم يرجع على الضامن ، ويرجع على الأصيل ، لأن المال لم ينتقل إلى ذمة الضامن ، بل يتعلق بعين المال فلا يلزمه أكثر من قيمته ، كما لا يلزم السيد أكثر من قيمة الجاني.

وان قلنا : تعلق الدين بالرهن ، رجع على الضامن ، لأن المال قد انتقل الى ذمته بنفس الضمان ، فاذا قصر ما اشترط الأداء منه عن الدين تمم من غيره ، ورجع على المضمون عنه ان كان الضمان بسؤاله.

الثالث : لو بيع متعلق الضمان وهو المال الذي اشترط الأداء منه بأقل من قيمته لعدم الراغب احتمل الرجوع بتمام القيمة ، لأنه يرجع بما غرم ، ويحتمل الرجوع بالثمن خاصة ، لأنه القدر الذي قضاه ، قاله في القواعد.

وفي هذا الكلام دلالة على ان المديون يجب عليه بيع ما له بالدين وان كان بدون ثمن المثل ، والا لما احتمل الرجوع بتمام القيمة ، لأنه لو باع بأقل من ثمن المثل مع عدم وجوب البيع عليه كان متبرعا ببيع غير واجب ، والمتبرع لا يرجع بما يتبرع به قطعا.

وقوله : ( ويحتمل الرجوع بالثمن خاصة ) ، ليس لأن البيع غير واجب ، بل لما قاله ، لأنه القدر الذي قضاه ، والضامن يرجع بما قضاه لا بما ضمنه ، والمعتمد الأول ، لأن النقص حصل بسبب الضمان المأذون فيه ، إذ لو لا ذلك لما وجب عليه بيع ما له بأقل من ثمن المثل.

تنبيه : قال في القواعد : ولو ضمن كل من المديونين ما على صاحبه تعاكست الأصالة والفرعية فيهما إن أجازهما ويتساقطان ، فان شرط الضمان من مال بعينه وحجر عليه للفلس قبل الأداء ، رجع على الموسر بما أدى ، ويضرب الموسر مع الغرماء.

ص: 199

وهذه العبارة لا تخلو من إبهام وغموض ، وسبب الإبهام قوله : ( حجر عليه للفلس قبل الأداء ) ، ثمَّ قال : ( رجع على الموسر بما أدّى ويضرب الموسر مع الغرماء ) ، فاذا كان الحجر قبل الأداء فكيف يرجع بما أدّى وهو لم يؤد شيئا؟! وبيان ذلك أن نقول إذا شرط الضمان من مال بعينه ثمَّ حجر على ذلك الضامن للفلس اختص المضمون له بذلك المال دون سائر الغرماء ، لأن الضمان حينئذ إما ان يتعلق بذلك المال تعلق الدين بالرهن ، أو تعلق الأرش برقبة الجاني ، وكلاهما يوجب التخصيص ، فاذا اختص المضمون له بهذه العين رجع الضامن بقيمتها على المضمون عنه وتعلقت بها حقوق الغرماء ، ثمَّ يضرب الموسر بما أداه عن المفلس مع الغرماء ، ولا يجوز له ان يقاصصه للمفلس بقيمة تلك العين التي دفعها عنه ، لعدم تشخيص ما يستحقه في ذمة المفلس ، فهو شريك للغرماء في قيمة العين وغيرها ، فليس لهما التساقط وان اتفقا عليه لتعلق حقوق الغرماء بما يستحقه في ذمة الموسر.

قال رحمه اللّه : وكمال السبق والرماية ، على تردد.

أقول : اعلم ان الحقوق على أربعة أقسام :

الأول : حق لازم مستقر كالثمن بعد قبض المبيع ، ولزوم العقد والأجرة بعد العمل ، وهذا لا شك في جواز ضمانه.

الثاني : حق لازم ، ولكن غير مستقر كالثمن بعد قبضه وقبل انقضاء مدة الخيار كالمهر قبل الدخول ، وكالأجرة قبل العمل ، وهذا يجوز ضمانه أيضا وان جاز أن تسقط ، إذ جواز السقوط غير مانع من صحة الضمان ، وإلا لكان مانعا في المستقر أيضا ، لجواز سقوطه بالإبراء أو الرد بالعيب وغير ذلك.

الثالث : حق غير لازم ، ولا يئول الى اللزوم عند بعضهم ، كمال الكتابة ، وهذا لا يجوز ضمانه عند من قال انه غير لازم للعبد ، ويجوز ضمانه عند من قال

ص: 200

بلزومه له ، وهو المعتمد.

الرابع : حق غير لازم ، ولكن يئول الى اللزوم كمال الجعالة قبل الشروع في العمل ، هل يصح ضمانه أم لا؟ أطلق الشيخ في المبسوط جواز ضمانه ، واختاره المصنف ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد للأصل ، ولعموم : « الزعيم غارم » (1) ، ولأنه مما ليس تمس الحاجة إليه ، كما لو قال : الق متاعك في البحر وعليّ ضمانه.

ويحتمل عدم الجواز قبل الشروع بالعمل ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لأن العقد غير لازم ، والمال غير ثابت في الذمة فلا يصح ضمانه.

إذا عرفت هذا ، فمال السبق والرماية إن قلنا ان العقد لازم صح ضمانه من غير تردد ، وإن قلنا انه عقد جائز كان حكمه حكم مال الجعالة ، والمعتمد جواز ضمانه أما لو ضمن العمل في الجعالة أو السبق والرماية فإنه لا يصح قطعا.

فرعان :

الأول : المنافع الثابتة في الذمة يجوز ضمانها كالأموال بخلاف ما لو كانت غير ثابتة في الذمة ، بل متعلقة بعين المؤجر ، كما لو استأجر عبدا معينا للخدمة مدة معينة ، أو دابة معينة لحمل شي ء معين ، فان هذه المنفعة لا يجوز ضمانها ، لعدم جواز استيفائها من غير العين المشخصة.

الثاني : لو ضمن المهر قبل الدخول فارتدت المرأة أو فسخت لعيب ، فان كان قبل أن يؤدي الضامن شيئا سقط المال عنه وعن الأصيل ، وان كان بعد الأداء رجع الضامن على الأصيل إن كان الضمان بإذنه ، ويرجع الأصيل على

ص: 201


1- تقدم ص 194.

المرأة.

قال رحمه اللّه : وفي ضمان الأعيان المضمونة ، كالغصب والمقبوضة بالبيع الفاسد تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : منشأ التردد من انه مال مضمون على القابض فجاز ضمانه ، ولأصالة الجواز ، ومن انه غير ثابت في ذمة المضمون عنه ، ولا يمكن انتقاله إلى ذمة الضامن ، لأن المضمون هي الأعيان المشخصة ، والواجب رد أعيانها ، فهي غير ثابتة في الذمة ، فلا يصح ضمانها ، وهو مذهب فخر الدين ، ومذهب المصنف والعلامة جواز ذلك ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط العلم بكمية المال ، ولو ضمن ما في ذمته ، صح على الأشبه ، ويلزمه ما تقوم البيّنة به.

أقول : للشيخ قولان في هذه المسألة : أحدهما الصحة ، وهو قوله في النهاية ، وبه قال المفيد في المقنعة وابن الجنيد وسلار وأبو الصلاح وابن زهرة ، وابن البراج في الكامل ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ولأصالة الصحة ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (1) ، وأشار إلى حمل البعير ، والأصل عدم تعينه ، وعموم قوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (2).

وقال في المبسوط والخلاف : لا يصح ، وبه قال ابن البراج في المهذب ، واختاره ابن إدريس ، لأن ضمان المجهول غرر ، لأنه لا يدري كم المال الذي عليه.

وأجاب العلامة بأن الغرر إنما هو في المعاوضات التي تفضي إلى التنازع ، أما الإقرار والضمان وشبههما فلا ، لأن الحكم فيها معين ، وهو الرجوع الى المقر في

ص: 202


1- يوسف : 72.
2- تقدم ص 194.

الإقرار ، والى البينة في الضمان ، فلا غرر حينئذ.

وقد يمكن للشيخ الجواب عن جواب العلامة : بأنا لا نسلم زوال الغرر مع الرجوع الى ما قامت فيه البينة ، لاحتمال قيامها بما يعجز عنه الضامن ، فيحصل الضرر المستند الى الغرر.

وقد يمكن للعلامة الجواب عن هذا الجواب : بأن هذا الضرر هو الذي أدخله على نفسه فهو مستند الى فعله ، وهو ضمانه للمجهول مع علمه بهذا الاحتمال ، وقد قدم على ذلك ، فيكون كما لو ضمن المعلوم مع عجزه عنه فاذا ضمن ما في ذمة زيد ، قال المصنف : ( يلزمه ما تقوم به البينة ).

وقال أبو الصلاح : أو أقر به الغريم ، وقال المفيد : أو يحلف على ما يدعيه ، والمعتمد هو مذهب المصنف ، وهو اختيار العلامة ، والإقرار لا يلزم غير المقرر ، وأما مع عدم البينة ونكول الغريم عن اليمين ، وحلف المدعي ان قلنا ان يمينه هنا كالبينة وجب على الضامن دفع ما حلف عليه المدعي ، كما لو أقام البينة ، وان قلنا هي كإقرار الخصم ، لم يلزم الضامن شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن عهدة الثمن ، لزمه دركه في كل موضع يثبت فيه بطلان البيع من رأس ، أما لو تجدد الفسخ بالتقابل ، أو تلف المبيع قبل القبض ، لم يلزم الضامن ورجع على البائع ، وكذا لو فسخ المشتري بعيب سابق ، أما لو طالب بالأرش رجع على الضامن ؛ لأنه استحقاقه ثابت عند العقد ، وفيه تردد.

أقول : معنى ضمان العهدة هو انه إذا باع الإنسان شيئا وخشي ان يظهر الثمن مستحقا أو خشي بأن يظهر المبيع مستحقا ، جاز لكل منهما ان يضمن رجلا على درك الثمن والمثمن إن ظهر مستحقا رجع المضمون له على الضامن من متى شاء الضامن أو المضمون عنه ، فيكون هذا الضمان ضم ذمة إلى ذمة ، سواء قلنا انه ناقل أو غير ناقل ، لعدم إمكان انتقال الحق هنا حالة الضمان ، وانما يصح ضمان

ص: 203

عهدة الثمن بعد قبضه لا قبل القبض إذا كان الضمان عن البائع للمشتري ، فإذا خرج المبيع مستحقا طالب أيهما شاء ، وان كان الضمان عن المشتري للبائع وكان الضامن لثمن المبيع قبل ان يتسلمه البائع ولعهدة الدرك بعد ان يتسلمه ، فالضمان في الحالين لعهدة الثمن سواء كان للبائع أو للمشتري.

والعهدة ، قال في التحرير : هي اسم للكتاب الذي يكتب فيه ووثيقة البيع ، ويذكر فيه الثمن فنقل الى الثمن المضمون ، وقال صاحب الصحاح : يقال في الأمر عهدة ، وفي العقل عهدة أي ضعف ، وألفاظ ضمان العهدة ان تقول : ضمنت عهدته أو دركه ، أو يقول للمشتري : ضمنت خلاصك منه.

ولو ضمن خلاص المبيع لم يصح ؛ لأنه لو خرج حرا لم يجز تخليصه.

إذا عرفت هذا ، فاذا ضمن العهدة رجع على الضامن في كل موضع يثبت فيه بطلان البيع من أصله ، دون ما تجدد بسبب الفسخ ، كما قاله المصنف.

أما إذا كان الرد بسبب العيب السابق على العقد ، فقد جزم المصنف هنا بعدم جواز الرجوع على الضامن ، واختاره العلامة في التحرير.

ولو طالب بالأرش تردد المصنف في الرجوع على الضامن بعد أن حكم بالرجوع عليه ، واختار العلامة في التحرير عدم جواز الرجوع عليه.

ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة وان ضمان العهدة يستلزم الرجوع على الضامن مع خروج الثمن مستحقا وفساد البيع من أصله ، والأمر ليس كذلك ومن أن أجزاء المبيع مقابلة لأجزاء الثمن ، فاذا ظهر في المبيع عيب سابق يقتضي نقص القيمة تبينا ان تلك النقيصة ليست مستحقة للبائع وقد قبضها من غير استحقاق ، فكان البيع باطلا في مقابلها من الثمن ، فيجوز له الرجوع على الضامن بتلك النقيصة ، لاستحقاقه لها حالة العقد ؛ لأن الأرش بدل جزء فائت حالة العقد ، فيكون له الرجوع فيه على الضامن ، وهو مذهب المصنف ، والعلامة في القواعد ،

ص: 204

وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن ضامن للمشتري ، درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصح ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، قيل : وكذا لو ضمنه البائع ، والوجه الجواز ؛ لأنه لازم بنفسه العقد.

أقول : ذكر المصنف وجهي الصحة والبطلان ، واستشكل العلامة صحة ضمان البائع في القواعد ، وأبطله فخر الدين ، والعلامة في التحرير ؛ لأنه ضمان ما لم يجب.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن المريض في مرضه ومات فيه ، خرج ما ضمنه من ثلث تركته ، على الأصح.

أقول : ضمان المريض صحيح فإن برأ أو أجاز به الورثة خرج من الأصل ، ولو مات كان خروجه من الأصل أو الثلث مبنيا على تبرعاته ، هل هي من الأصل أو الثلث؟ وسيأتي البحث في ذلك إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ولو كان الدين مؤجلا وضمنه حالا لم يصح ، وكذا لو كان الى شهرين وضمنه الى شهر ؛ لأن الفرع لا يرجّح على الأصل ، وفيه تردد.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، لأن الفرع لا يرجح على الأصل معناه ان الضامن (1) فرع المضمون عنه ، والمال غير حال على المضمون عنه ، فلا يجوز ان يحل على فرعه ، وهو الضامن لعدم جواز رجحان الأضعف على الأقوى ، لأن الأصل أقوى من الفرع.

واختاره فخر الدين ، قال : لأن الحلول زيادة في الحق ، ولهذا يختلف الثمن به ، وهذه الزيادة غير لازمة للمديون ولا ثابتة في ذمته ، فيكون ضمان ما لم يجب ، فلا يصح عندنا.

ص: 205


1- في « ر 1 » : الضمان.

وتردد المصنف لاحتمال الصحة ، لأن المضمون عنه يصح له أن يدفع المؤجل حالا ، فكذا الضامن ، لأن الضمان كالقضاء ، وهو المعتمد ، واليه ذهب العلامة رحمه اللّه.

وبقي هنا بحث ، وهو إذا ضمن المؤجل حالا ، هل له مطالبة الأصيل قبل حلول الأجل؟ فيقول : لا يخلو اما ان يكون الضمان بسؤاله أو غير سؤاله ، فإن كان الثاني فليس له الرجوع مطلقا ، وإن كان الأول فلا يخلو إما أن يأمره بالضمان مطلقا أو حالا ، فإن أمره بالضمان مطلقا فضمن حالا لم يحل على الأصيل إلا بعد حلول الأجل ، وان أمره بالضمان حالا فضمن كذلك ، لزم الغرم عاجلا ، لأنه أسقط حقه من الأصل بالأمر بالضمان حالا ، فهو كما لو قضاه من نفسه ، وإلا لزم تضرر الضامن وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (1).

ص: 206


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.

في الحوالة

اشارة

قال رحمه اللّه : ويشترط فيها رضى المحيل والمحال عليه والمحتال ومع تحققها يتحول المال الى المحال عليه ، ويبرأ المحيل وإن لم يبرأه المحتال على الأظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في اعتبار رضى الثلاثة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وقال المصنف في المختصر : وربما اقتصر بعض على رضى المحيل والمحتال ، قال أبو العباس في شرحه : اعتبار رضى الثلاثة هو المشهور ، واقتصر ابن إدريس على رضى المحيل والمحتال ، وهو ظاهر المفيد هذا كلامه في المقتصر.

وفي المهذب مثله أسند الاقتصار على رضى المحيل والمحتال الى ابن إدريس ، مع ان مذهب ابن إدريس اعتبار رضى الثلاثة ، وهذه عبارته : والثلاثة يعتبر رضاهم في صحة عقد الحوالة ، لأنه إذا حصل رضاهم هؤلاء أجمع ، صحت الحوالة بلا خلاف ، وإلا لم يحصل فيه خلاف. وهذا كلامه.

ثمَّ تتبعت باب الحوالة في كتابه من أوله إلى آخره فلم أجد له قولا يخالف

ص: 207

هذا القول.

والمقداد رحمه اللّه أسند الاقتصار على رضى المحيل والمحتال إلى أبي الصلاح.

وقال العلّامة في المختلف : وقال ابن حمزة : تصح الحوالة بشروط عشرة. إلى أن قال : ورضى المحال عليه على الصحيح. وهو يشعر بوجود قول لبعض أصحابنا أنه لا يعتبر ، هذا كلامه رحمه اللّه.

وهو دال على عدم وقوف العلّامة على ذلك القول إلا من ظاهر كلام ابن حمزة ، وظاهر كلام المفيد ، لأنه استدل بظاهر كلامه أيضا على عدم اعتبار رضى المحال عليه ، ولو كان ذلك قول ابن إدريس لأسند ذلك إليه ، لأن الإسناد إلى الصريح أولى من الإسناد إلى الفحوى.

الثانية : في اشتراط إبراء المحتال للمحيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة وأبو الصلاح وابن الجنيد ، وهو أن يقول : ( أبرأتك مما لي عليك ) ، ودليلهم رواية زرارة الحسنة (1) ، عن أحدهما عليهما السلام.

وأنكر ابن إدريس ذلك ، واختاره المصنف والعلّامة.

وهو المعتمد ، لأن الحوالة تقتضي تحويل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، والإبراء إسقاط لما في الذمة ، فإن وقع قبل الحوالة سقط ما في ذمّة الغريم ، فلا معنى للحوالة بعد ذلك ، وإن وقع بعد الحوالة ، فقد انتقل المال إلى ذمة المحال عليه وبرأت ذمة المحيل ، فلا فائدة ، في الإبراء.

أما على القول بعدم اشتراط رضى المحال عليه وجواز الرجوع على المحيل ، يتصور للإبراء فائدة وهو عدم جواز الرجوع بعد الإبراء ، والعمل على غير ذلك.

قال رحمه اللّه : ويصح أن يحيل على من ليس عليه دين ، لكن يكون ذلك

ص: 208


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 11 ، حديث 2.

بالضمان أشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن البراج وابن حمزة الى عدم جواز الحوالة على من ليس عليه دين ، لأنها نوع معاوضة عندهم ، وذهب المصنف والعلامة إلى الجواز ، لأصالة الصحة ، لكنها تشبه الضمان ، لأنه تحمل للمال عمن ليس له عليه مال ، فالحوالة مشابهة له.

قال رحمه اللّه : ويشترط تساوي المالين جنسا ووصفا تفصيا من التسلط على المحال عليه ، إذ لا يجب أن يدفع إلا مثل ما عليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه لو لم يعتبر تساوي الحقين لأدى إلى تسلط المحتال على المحال عليه بإلزامه بأداء الحق من غير الجنس الذي عليه وهو غير جائز ، إذ لا يجب عليه الدفع إلا من الجنس الذي لزمه بالعقد السابق.

ومن أصالة الجواز ، ولأنه يجوز الحوالة على غير من عليه حق ، فعلى من عليه بالمخالف أولى ، والضرر مدفوع باعتبار رضاه ، لأنا نشترط رضى المحال عليه في صحة الحوالة ، فإذا رضي أن يدفع من غير الجنس الذي عليه فلا مانع ، كما لو تراضيا بقبض غير الجنس ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد حلول النجم ، وهل تصح قبل حلوله؟ قيل : لا يصح.

أقول : منع الشيخ رحمه اللّه من الحوالة على العبد بمال الكتابة ، بناء على مذهبه من ان للعبد ان يعجز نفسه عند الحلول ، فيظهر عدم الاستحقاق ، وعلى القول بلزوم العقد يجوز قبل الحلول وبعده ، لأنه مال ثابت في ذمته ، فيجوز الحوالة به كغيره من الديون.

قال رحمه اللّه : إذا قال أحلتك عليه ، فقبض ، وقال المحيل : قصدت الوكالة ، وقال المحتال : إنما أحلتني بما عليك ، فالقول قول المحيل ، لأنه أعرف

ص: 209

بلفظه ، وفيه تردد.

أقول : إذا اتفقا على إيقاع لفظ الحوالة ، ثمَّ ادعى المحيل قصد الوكالة ، قال المصنف : ( كان القول قوله ) ، ثمَّ تردد في ذلك من حيث انه أعرف بلفظه وقصده ، والأصل بقاء حق المحيل في ذمة المحال عليه ، وبقاء حق المحتال في ذمة المحيل ما لم يتفقا على الانتقال ولم يحصل.

ومن احتمال كون القول قول المحتال بشهادة اللفظ له ، لأنه أتى بلفظ موضوع للحوالة المقتضية لنقل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فلا يقبل دعواه في غير ذلك.

والأول هو المعتمد ، وهو اختيار العلامة في القواعد ، وبه قال الشيخ ، والثاني اختيار العلامة في التحرير. وعلى التقديرين ان كان الحق قد تلف بعد قبضه ، فقد برئ كل منهما من صاحبه وان كان التلف بتفريط القابض ، لأن المحتال إن كان محقا فقد أتلف ماله.

وان كان مبطلا ثبت لكل منهما في ذمة الآخر مثل ما للآخر في ذمته فيتقاصّان وان كان بغير تفريط فالمحتال يقول : قبضت حقي وبرء المحيل بالحوالة والمحال عليه بالتسليم ، والمحيل يقول : تلف المال في يد وكيلي من غير تفريط فلا ضمان ، وان لم يتلف المال في يد المحتال كان للمحيل الرجوع على المحتال ودفع حقه إليه من غيره ، لأنه مخير في قضاء الدين من أي مال شاء إذا كان من جنس الحق ، ولا يجوز للمحتال ان يقاصه بما قبضه إلا مع الامتناع من دفعه حقه.

قال رحمه اللّه : إذا كان له دين على اثنين ، وكل منهما كفيل لصاحبه ، وعليه لآخر مثل ذلك ، فأحاله عليهما صح وإن حصل الرفق في المطالبة.

أقول : المراد بالكفالة هنا كفالة المال ، لا كفالة البدن وكفالة المال ناقلة له من ذمة المكفول عنه إلى ذمة الكفيل ، وهي ضمان بالحقيقة.

ص: 210

إذا عرفت هذا قال الشيخ في المبسوط : إذا كان له على رجلين ألف ، ولرجل عليه ألف ، فأحال بها على الرجلين وقبل الحوالة كانت جائزة ، فإن كان كل واحد منهما ضامنا عن صاحبه فأحاله عليهما لم يصح ، لأنه يستفيد بها مطالبة الاثنين كل واحد منهما بالألف ، وفي هذا زيادة في حق المطالبة بالحوالة ، وذلك لا يجوز ، وليس له ان يطالب كل واحد منهما بالألف ، وانما يقبض الألف من أحدهما دون الآخر.

قوله : ( وان حصل الرفق في المطالبة ) إشارة إلى ما قاله الشيخ وهو حصول الزيادة في حق المطالبة ، لأنه قبل الحوالة كان يستحق مطالبة واحد ، فصار بسبب الحوالة يستحق مطالبة اثنين ، وهذا هو معنى الرفق في المطالبة.

والتحقيق أن نقول : ان كفالة المال ناقلة ، فاذا كفل كل من الرجلين صاحبه ، لا يخلو اما ان يرضى المكفول له بكفالتهما أو لا يرضى ، أو يرضى بكفالة أحدهما دون الآخر ، فان رضي بهما معا أو لم يرض بشي ء لم يكن له مطالبة أحد منهما بأكثر من النصف ، اما على تقدير عدم الرضى فظاهر ، وأما على تقديره فلانتقال ما في ذمة كل واحد منهما إلى ذمة الآخر ، فهو كما لو لم يكن كفالة ، وان رضي بضمان أحدهما دون الآخر كان له مطالبته بألف ، فليس له على الآخر سبيل ، فلا يتصور التخيير بمطالبة كل واحد بالألف بحيث يحصل الإرفاق في أحدهما دون الآخر ، بل المعتمد ما حققناه.

قال رحمه اللّه : إذا أحال المشتري البائع بالثمن ، ثمَّ رد المبيع بالعيب السابق ، بطلت الحوالة ، لأنها تبع للبيع ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الحوالة تبع للمبيع ، وقد بطل فتبطل الحوالة ، لاستحالة وجود التابع بدون متبوعه ، ومن ان الحوالة ناقلة للمال وقد تحققت ، فيتحقق انتقال المال من ذمة المشتري الى ذمة المحال عليه ، فلا يسقط بالفسخ

ص: 211

المتعقب ، والأول مذهب الشيخ ، واختاره العلامة بناء على بطلان الحوالة وعدمه على انها هل هي استيفاء أو اعتياض؟ ثمَّ حكم بالبطلان على القول بالاستيفاء ، وبعدمه على القول بالاعتياض ، ووجه كونها استيفاء عدم اشتراط التقابض في المجلس لو كان الحقان من الأثمان ، ولأنه لو كان اعتياضا لكان بيع الدين بالدين ، ووجه كونها اعتياضا انه يقبض ما في ذمة المحال عليه مقابل ما في ذمة المحيل ، وهو معنى الاعتياض.

ووجه البطلان على القول بالاستيفاء انها نوع إرفاق ، وإذا بطل الأصل بطل هبة الإرفاق ، ولأنه لو اشترى دراهم مكسورة فدفع اليه صحاحا ، كان دفع الصحاح إرفاقا ، فإذا فسخ البيع رجع بالصحاح ، فيبطل الإرفاق.

ووجه عدم البطلان على القول بأنها اعتياض لزوم المعاوضة ، كما لو أخذ ثمن المبيع ثوبا به عيب ، ثمَّ رد المبيع بالعيب ، فإنه يرجع بالثمن الذي وقع عليه العقد لا بالثوب الذي أخذه عوضا عن المبيع ، والمعتمد بطلان الحوالة.

ويتفرع على القول بالبطلان وعدمه :

فروع :

الأول : على القول بعدم البطلان يرجع المشتري على البائع خاصة دون المحال عليه ، ولا يتعين حقه فيما قبضه البائع من المحال عليه ، لأنه صار ملكه فله دفعه ودفع غيره.

الثاني : لو لم يقبض البائع الحق من المحال عليه ، هل للمشتري الرجوع عليه قبل القبض؟ يحتمل ذلك ، لأنه إذا أحاله بالثمن كان كما لو أقبضه إياه ، ولهذا لا يجوز حبس المبيع بعد الحوالة على الثمن ، ويحتمل العدم ، لأن التغريم انما هو للمقبوض ولو لم يحصل حقيقة القبض ، وهذا الفرع على القول بعدم البطلان ، ولو قلنا به كان له المطالبة ، وان لم يقبض.

ص: 212

الثالث : لو قلنا بعدم البطلان ومنعنا من المطالبة قبل القبض ، هل له إلزام البائع بالقبض من المحال عليه ليقبض المشتري من البائع؟ يحتمل ذلك ؛ لأنه إذا ردّ المشتري المبيع ومنعناه من مطالبة المحال عليه - لانتقال ما كان له عليه إلى البائع ، ومنعناه من مطالبة البائع لعدم القبض من المحال عليه ، ولم يوجب على البائع القبض من المحال عليه - ليرجع المشتري عليه لأدى ذلك الى بطلان حق المشتري ، وهو غير جائز ، ويحتمل العدم ؛ لأنه ليس للإنسان أن يجبر غيره على قبض حق نفسه ، والتقدير ان الحق صار للبائع فلا يجبر على قبضه.

الرابع : على القول بالبطلان ، فان كان البائع قبض ما أحاله المشتري به رده على المشتري ، ولا يرده على المحال عليه ويتعين حق المشتري في المقبوض ؛ لأنا تبيّنا بقاءه على ملك المشتري وعدم استحقاق البائع له ، لبطلان البيع فإن تلف في يده كان مضمونا عليه ؛ لأنه قبضه لنفسه ، ولو لم يقبضه لم يجز قبضه ، ورجع المشتري على المحال عليه.

قال رحمه اللّه : أما لو أحال البائع أجنبيا بالثمن على المشتري ، ثمَّ فسخ المشتري بالعيب السابق أو بأمر حادث ، لم تبطل الحوالة ؛ لأنها تعلقت بغير المتبايعين ، أما لو ثبت بطلان البيع ، بطلت الحوالة في الموضعين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : فيما إذا أحال البائع ثالثا بالثمن ، وقد جزم المصنف بعدم بطلان الحوالة ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وادعى عليه الإجماع ، لتعلق حق الغير بالثمن ، ويحتمل البطلان ؛ لأن استحقاق المحال فرع على استحقاق المحيل ، وقد بطل الأصل ، فيبطل الفرع.

الثانية : فيما إذا ظهر فساد البيع من أصله ، فهنا تبطل الحوالة في الموضعين ، موضع أحاله المشتري للبائع بالثمن ، وموضع أحاله البائع للأجنبي لظهور فساد

ص: 213

الحوالة ، لتعلقها بما لا يستحقه المحيل.

ص: 214

في الكفالة

اشارة

قال رحمه اللّه : وتصح حالّة ومؤجلة على الأظهر.

أقول : اشترط المفيد والشيخ في النهاية الأجل في الكفالة ، ولم يشترطه في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ( فان لم أحضره كان علي كذا ) لم يلزمه إلا إحضاره دون المال ، ولو قال : ( علي كذا إلى كذا إن لم أحضره ) وجب عليه ما شرط من المال.

أقول : هذه المسألة إجماعية ، وليس الفرق من حيث تقدم حرف الشرط وتأخيره ؛ لأن ذلك لا يوجب افتراق الحكم عند أهل العربية ، وانما الفارق النص الوارد في ذلك ، وهو ما رواه أبو العباس عن الصادق عليه السلام « قال : سألته عن رجل تكفل بنفس رجل الى أجل ، فان لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما؟ قال : ان جاء به الى الأجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا إلا ان يبدأ بالدراهم ، فان بدأ بالدراهم فهو لها ضامن ان لم يأت به الى الأجل الذي

ص: 215

أجله » (1).

قال رحمه اللّه : ومن أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا كان عليه إحضاره ، أو أداء ما عليه ، ولو كان قاتلا ، لزمه إحضاره أو دفع الدية.

أقول : هذه المسألة إجماعية أيضا ، ووجه الحكم انه رفع اليد المستولية على ما استحقت الاستيلاء عليه ، فكان عليه اعادة الاستيلاء بإعادة الغريم والتمكين منه ، أو دفع الحق الذي بسببه تثبت اليد ، فان كان قاتلا ولم يحضره ، دفع الدية وان كان القتل عمدا ؛ لأن القصاص إنما يجب على المباشر ، وقد تعذر استيفاؤه ، فيجب الدية على المانع منه.

هنا فروع :

الأول : لو دفع الدية ثمَّ حضر القاتل كان لولي المقتول قتله ، ويدفع الدية الى من أخذها منه ؛ لأنه أخذها للحيلولة وقد زالت.

الثاني : لو تمكن من استيفاء القصاص بعد أخذ الدية من المخلص ولم يقتص ، وجب عليه دفع ما أخذه من المخلص ؛ لأنه أخذ المال للحيلولة وقد زالت ، فيجب رده الى مالكه.

الثالث : لو تراضى الوارث والمخلص بهذا المدفوع على ما يستحقه الوارث في ذمة القاتل من القصاص أو الدية لم يكن بعد ذلك للوارث مطالبة القاتل بشي ء ؛ لأنه رضي بما صار إليه من المخلص مقابل حقه ، فيسقط ما يدعيه عن القاتل به ، وانما يتسلط على القاتل بعد الأخذ من المخلص إذا كان الأخذ غرامة بسبب الحيلولة لا للرضى بكونه عوضا عن حقه ، وكما لا يجوز رجوع الوارث على القاتل مع التراضي بالمأخوذ ولا يجوز للمخلص أيضا ؛ لأنه أدى دين الغير بغير اذنه ، فلا يجوز الرجوع عليه بشي ء.

ص: 216


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 10 من أبواب الحكام الضمان ، حديث 2.

أما لو أخذ منه للعجز عن القاتل بسبب الحيلولة ولم يحصل التراضي بينهما في المأخوذ ، فإنه يجوز للمخلص الرجوع على الذي خلصه قصاصا.

قال رحمه اللّه : إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلّمه إذا كان لا ضرر عليه ، ولو قيل : لا يجب كان أشبه.

أقول : إذا كفله مؤجلا ثمَّ أحضره قبل الأجل ، هل يجب على المكفول له تسليمه؟ قال الشيخ في المبسوط - وتبعه ابن البراج - : ان كان لا ضرر في تسليمه وجب ، وذهب المصنف الى عدم الوجوب ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لأن حقه تسليمه في الأجل ، فلا يجب عليه ان يقبض غير حقه ؛ لأن المقبوض قبل الأجل ليس حقه ، فلا يجب عليه قبضه.

قال رحمه اللّه : إذا تكفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد ، فان عين موضعا لزم. ولو دفعه في غيره لم يبرأ ، وقيل : إذا لم يكن في نقله كلفة ، ولا في تسليمه ضرر وجب تسليمه ، وفيه تردد.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط ، وتبعه ابن البراج ، وتردد المصنف من ان الشرط اقتضى تسليمه في موضع معين فلا يجب عليه ان يتسلمه في غيره ، كما قلنا في الأجل ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تكفل رجلان برجل ، فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر ، ( ولو قيل بالبراءة كان حسنا ).

أقول : الأول قول الشيخ رحمه اللّه وابن البراج وابن حمزة ، والمعتمد ما استحسنه المصنف ؛ لأن المكفول لو سلم نفسه برء الكفيل ، فكذا لو سلم أحدهما ؛ لأن المقصود التسليم وقد حصل.

قال رحمه اللّه : لا تصح كفالة المكاتب ، ( على تردد ) (1)).

ص: 217


1- لم ترد في الشرائع.

أقول : عدم جواز كفالة المكاتب مذهب الشيخ رحمه اللّه بناء على أصالة عدم لزوم الكتابة ، والمعتمد الجواز ؛ لأنها عقد لازم عند الأكثر.

تنبيه : المشهور بين الأصحاب عدم جواز الكفالة ببدن من عليه الحد ، سواء كان اللّه كالزنا وشرب الخمر ، أو لآدمي كالقذف ؛ لأن الكفالة انما تصح في موضع إذا تعذر الحضور وجب على الكفيل أداء الحق الذي على المكفول ، وحق الحد لا يمكن استيفاؤه من غير من وجب عليه ، وجوزوا (1) الكفالة ببدن الزوجة لمن يدعي زوجيتها ، مع انه لا يمكن استيفاء الحق الذي على الزوجة ، وهو تسليمها نفسها الى الزوج من غيرها.

وفي الجميع بين الحكمين تناقض ظاهر ، واعتمدوا في حكم الزوجة على وجوب حضورها مجلس الحكم ، وهذا الوجوب لازم لمن عليه الحق أيضا.

ص: 218


1- في « ن » و« ر 2 » : ويجوز.

كتاب الصلح

اشارة

ص: 219

ص: 220

في تعريف الصلح

قال رحمه اللّه : وهو عقد شرع لقطع التجاذب ، وليس فرعا على غيره ، ولو أفاد فائدته ويصح مع الإقرار والإنكار ، إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ، وكذا يصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه ، ومع جهلهما به.

أقول : الصلح عقد وضع لقطع المنازعة ، وهل هو أصل بنفسه ، أو فرع على غيره؟ للشيخ في المبسوط قولان : أحدهما : انه فرع على غيره ، واختاره ابن البراج.

وعلى القول به فهو فرع على عقود خمسة : البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء ؛ لأنه لا يخلو اما ان يتضمن تمليكا أو إسقاطا ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون تمليك عين أو منفعة ، وعلى التقديرين اما ان يكون التمليك بعوض أو بغير عوض ، فان تضمن تمليك عين بعوض فهو البيع ، وان كان بغير عوض فهو الهبة ، وان تضمن تمليك منفعة بعوض فهو الإجارة وبغير العوض فهو العارية ، وان تضمن الاسقاط فهو الإبراء.

وحجة القائل بالفرعية افادته فائدة هذه العقود الخمسة ، فيكون فرعا

ص: 221

عليها.

والقول الآخر للشيخ انه عقد مستقل بنفسه ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه عقد منفرد له صيغة مخصوصة ، فيكون أصلا بنفسه ، ولمخالفته لغيره في الحكم ، فان طلب البيع إقرار ، وطلب الصلح ليس بإقرار ، والصلح جائز على المجهول مع تعذر استعلامه والبيع غير جائز.

وقول المصنف ( إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ) ، كما لو اصطلحا على شرب الخمر أو الزنا ، فهذا يقتضي تحليل الحرام وهو غير جائز ، وكما لو اصطلح الزوجان على ترك الوطئ فهذا يقتضي تحريم الحلال ، وهو غير جائز.

وقوله : ( ومع جهلهما ) لا بد من جهل المصطلحين معا فيما وقع عليه عقد الصلح أو علمهما ، ولا يصح مع جهل أحدهما وعلم الآخر ، كما لو علم زيد أن في ذمته مائة لعمرو ولم يعلم عمرو بها ، فصالحه زيد على أقل من المئة لم يجز ؛ لأنه يلزم منه تحليل الحرام ؛ لأن منع الحق حرام ، وهذا الصلح يقتضيه فيكون باطلا.

قال رحمه اللّه : ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح ولم يكن فرعا للبيع ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الصرف ، على الأشبه.

أقول : هذا مبني على الأصالة والفرعية ، فمن قال : انه فرع البيع ، اشترط فيه التقابض في المجلس ، ومن قال : انه أصل ، لم يشترط التقابض ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم ، فصالحه على درهمين صح على الأشبه ؛ لأن الصلح وقع عن الثوب لا عن الدرهم.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز هذا الصلح ؛ لأنه إذا أتلف الثوب وجب عليه قيمته ؛ لأن الثوب من ذوات القيم ، ومن أتلف قيميا وجب عليه قيمته يوم تلفه ، وإذا كان الثابت (1) في ذمته القيمة - وهي درهم - لا

ص: 222


1- في « ن » و« ر 2 » : الفائت.

يجوز ان يصالحه على أكثر من ذلك حذرا من الربا ، وجوزه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن الصلح وقع على الثوب لا على الدرهم.

وقول الشيخ لا يخلو من قوة على القول الصحيح ؛ لأن القيمي يضمن بالقيمة وان الربا شامل لجميع المعاوضات ، كما هو مذهب المصنف ، واختيار فخر الدين وابي العباس.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثمَّ صالحه المنكر على سكنى سنة ، صح ، ولم يكن لأحدهما الرجوع ، وكذا لو أقرّ له بالدار ، ثمَّ صالح ، وقيل له الرجوع ؛ لأنه هنا فرع العارية ، والأول أشبه.

أقول : الخلاف في قوله : ( وكذا لو أقر بالدار ثمَّ صالح ) ؛ لأنه مع الإقرار يصير الدار للمدعي ، فإذا صالحه من هي في يده على ان يسكنها سنة صح الصلح بلا خلاف ، وانما الخلاف في لزومه.

قال الشيخ في المبسوط : له الرجوع فيه ؛ لأن الصلح إذا كان لغير عوض كان فرع العارية وهي تقتضي جواز الرجوع ، والمعتمد عدمه ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

ص: 223


1- ص 221.

ص: 224

في أحكام النزاع في الأملاك

اشارة

قال رحمه اللّه : يجوز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة ، ولو عارض فيها مسلم على الأصح.

أقول : للشيخ قولان في هذه ، قال في المبسوط : إذا عارض مسلم وجب قلعه ، وتبعه ابن البراج ؛ لأن الطريق حق لجميع المسلمين فإذا أنكر أحدهم لم تغصب عليه.

وقال في الخلاف : لا يجب قلعه ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لجريان العادة في ذلك ، ولان نفس الطريق ليس بمملوك ، وإنما يملك المسلمون منافعها ، فلا يلتفت الى معارضة واحد منهم.

قال رحمه اللّه : ولو كانت مضرة وجب إزالتها ، ولو أظلم بها الطريق ، قيل : لا يجب إزالتها.

أقول : قال الشيخ : ظلمة الطريق بالروشن النافذ ليس إضرارا ، وقال العلامة أنه إضرار ؛ لأن ضعيف البصر يتعذر عليه المشي فيه فيجب المنع منه ، وهو المعتمد.

ص: 225

قال رحمه اللّه : واما الطرق المرفوعة (1)) فلا يجوز احداث باب فيها ولا جناح ولا غيره إلا بإذن أربابها ، سواء كان مضرا أو لم يكن ؛ لأنه مختص بهم ، وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة.

أقول : ربما يشتبه على المبتدي معرفة الطريق المرفوعة ، أو معرفة الشبهة التي يمنع من فتح الباب لأجلها ، أما الطريق المرفوعة فهي منسدّة الأسفل وهي ضد النافذة وهي مختصة بأهلها ، والنافذة لا تختص بأحد من المسلمين ، لاشتراك الجميع في استحقاق السلوك فيها بخلاف غير النافذة ، فإنه يجوز لأهل تلك السكة المنسدة الأسفل منع الأجنبي من دخولها ، لكن يجوز دخولها ما لم يحصل المنع من أحد أربابها.

فإذا عرفت هذا ، فإن أراد بعض أهل الطريق المرفوعة فتح باب للاستطراق غير بابه المعتادة ، جاز لأهل الطريق منعه ان كانت ادخل من بابه ، سواء سد الأول أو لا ؛ لأنه لا حقّ له في الداخل عن بابه ، بل يختص به من هو ادخل منه ، وكذا يمنع لو كانت لغير الاستطراق ، بل للاستضاءة دفعا للشبهة ، أي لئلا تحصل الشبهة على ممر الأوقات انها فتحت بحق يوجب استحقاق الاستطراق فعلّة المنع دفع هذه الشبهة.

فرع : لو اذن أهل الأسفل في إدخال الباب في الطريق المرفوعة ، هل لأهل الأعلى المنع من ذلك؟ يحتمل العدم لعدم استحقاقهم الاستطراق فيه ، فلا يملكون المنع من الاذن فيه ، ويحتمل ان يكون لهم المنع من ذلك لاحتياجهم اليه عند ازدحام الناس والدواب ، وهو المعتمد ، ولهذا لو كان في أسفل الدرب فضلة فهم مشتركون فيها لارتقائهم بها.

قال رحمه اللّه : ولو صالحهم على احداث روشن ، قيل : لا يجوز ؛ لأنه لا

ص: 226


1- في « ن » : المعروفة.

يصح افراد الهواء بالبيع ، وفيه تردد.

أقول : القول بالمنع قول الشيخ في المبسوط ، بناء على أصله من ان الصلح فرع البيع ، وقد مضى البحث فيه ، والمعتمد الجواز ، ومن انه أصل.

قال رحمه اللّه : ولو أذن جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا ، وبعد الوضع لا يجوز ؛ لأن المراد التأبيد ، والجواز حسن مع الضمان ، أما لو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الرجوع بعد الوضع ، وعدم الجواز مذهب الشيخ في المبسوط ، لما قاله المصنف من ان المراد به التأبيد ، ولأن في القلع إضرار فلا يجوز ، والمعتمد الجواز ؛ لأن ذلك عارية ، والضرر ينتفي بضمان الأرش ان حصل عيب في الجذوع بسبب القلع ؛ لأن سبب العيب حصول الاذن بالوضع ثمَّ الأمر بالقلع ، فيكون ضامنا لما يحدث في الجذوع من العيب للغرر.

الثانية : إذا انهدم الجدار ثمَّ أعاده المالك ، هل يعود الوضع؟ قال الشيخ في المبسوط : ان أعاده بتلك الآلة لم يكن له منعه من رد الخشب والسعف ، وهو بناء على أصله من أنه للتأبيد ، والمعتمد ان له منعه لما بيناه من انه عارية ولا أرش هنا لحصول التعيب بغير اختياره ، فلو كان هو الذي هدمه كان عليه الأرش.

قال رحمه اللّه : لو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع ، قيل : لا يقضى بها ، وقيل : يقضى مع اليمين ، وهو الأشبه.

أقول : إذا تداعيا جدارا مطلقا ، اي غير متصل ببناء أحدهما ولا بينة ، فقد ذكر المصنف وجه الحكم فيه ، فلو كان عليه جذوع لأحدهما ، هل يقدم قول صاحب الجذوع؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يقدم ، وقال ابن إدريس : يقدم ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد ؛ لأن له عليه يدا وتصرفا فيقدم قوله لحصول

ص: 227

الرجحان.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا في خصّ قضي لمن اليه معاقد القمط للرواية.

أقول : الرواية رواية عمر بن سمرة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عن أبيه ، عن علي عليه السلام : « انه قضى في رجلين اختصما في خص ، فقال : الخص لمن يليه القمط » (1). وهي قصة في واقعة ، فلا تتعدى ، لاحتمال اطلاعه على ما يوجب الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو هدمه من غير اذن شريكه وجب عليه إعادته.

أقول : إذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن شريكه ، قال المصنف : وجب عليه اعادته ، والمعتمد وجوب الأرش ؛ لأن الجدار غير مثلي ، وهو مذهب القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو تنازعا في السقف ، قيل : إن حلفا قضي به لهما ، وقيل : لصاحب العلو ، وقيل : هو بينهما ، وهو حسن.

أقول : إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر وتنازعا في سقف البيت الذي عليه الغرفة ولا بينة ، قال في المبسوط : يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ، فان حلفا كان بينهما نصفين ، والأحوط ان يقرع بينهما وحكم له ، وقال في الخلاف : يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف لصاحبه وحكم له ، وان قلنا انه يقسم بينهما نصفين كان جائزا ، واستحسنه المصنف ؛ لأنه أرض صاحب العلو وسماء صاحب السفل.

وقال ابن إدريس : يحكم به لصاحب الغرفة ، وهو المعتمد ؛ لأن الغرفة إنما

ص: 228


1- الوسائل ، كتاب الصلح ، باب 14 ، حديث 2 ، والفقيه : أبواب القضايا والأحكام ، باب 42 ، حديث 2 ، باختلاف يسير ، إضافة إلى أن الراوي فيهما هو ( عمرو بن شمر ) بدل ( عمر بن سمرة ).

تتحقق بالسقف ، إذ هو أرضها ، والغرفة لا تكون بغير ارض ، والبيت قد يكون بغير سقف ، وقد اتفقا على ان هنا غرفة لصاحبها ، وبدون السقف لا غرفة ؛ لأن تصرفه فيها دون صاحب السفل. هذا في السقف الذي لا يمكن إحداثه بغير بناء السفل ، أما ما لا يمكن إحداثه كالازح الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بغير (1) امتداده في العلو فهو لصاحب السفل.

قال رحمه اللّه : ولو خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها إن أمكن ، وإلا قطعت من حد ملكه ، وإن امتنع صاحبها ، قطعها الجار ولا يتوقف على إذن الحاكم ، ولو صالحه على إبقائه في الهواء لم يصح ، على تردد.

أقول : القول بعدم الصحة مذهب الشيخ رحمه اللّه ؛ لأنه ان كان رطبا فهو يزيد في كل حال ولا يعرف قدر الزيادة ، وان كان يابسا ، فهو بيع الهواء من غير قرار ، وهو غير جائز ، والمعتمد الجواز لما قد ثبت أن الصلح عقد مستقل بنفسه.

قال رحمه اللّه : إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها ، فهي للراكب مع يمينه ، وقيل : هما سواء في الدعوى ، والأول أقوى

أقول : تساويهما في الدعوى مذهب الشيخ في الخلاف ، قال : لعدم دليل على وجوب تقديم أحدهما على الآخر ، والقضاء للراكب مذهبه في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لرجحان يد الراكب بالتصرف ، وهو الركوب.

ص: 229


1- في « ر 1 » : بعد.

ص: 230

كتاب الشركة

اشارة

ص: 231

ص: 232

في أقسامها

قال رحمه اللّه : المشترك قد يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا ، وسبب الشركة قد يكون إرثا ، وقد يكون عقدا ، وقد يكون مزجا ، وقد يكون حيازة ، والأشبه في الحيازة اختصاص كل واحد بما حازه.

أقول : ذكر المصنف ان الشركة تحصل في ثلاثة أشياء :

الأول : في الأعيان ، وهي تحصل بالإرث ، كما لو ورثا ما عن أبيهما ، والعقد ، كما لو اشتريا عينا صفقة أو اوصي لهما بعين فقبلا ، وبالامتزاج ، كما لو امتزج مال مالكين بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر ، سواء كان المزج اختيارا أو غير اختيار.

وبالحيازة ، قال ابن إدريس : واما الشركة بالحيازة ، فهو ان يشتركوا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء بعد خلطه وحيازته ، فأما قبل خلطه فلا شركة عندنا بينهم ، لأن الشركة بالأعمال والأبدان باطلة عندنا ، لأنها لا تصح إلا بالأموال المتجانسة المتفقة الصفات بعد خلطها خلطا لا يتميز. الى هنا كلامه رحمه اللّه ، جعل الحيازة سببا من الأسباب الموجبة للشركة ثمَّ اشترط

ص: 233

الخلط بعد الحيازة ، فحينئذ لا تكون الحيازة سببا إلا إذا اقتلعا شجرة دفعة ، أو اغترفا ماء كذلك ، كما قاله المصنف رحمه اللّه.

الثاني : في المنافع ، كالاشتراك في منفعة الوقف ، ومنفعة العين المستأجرة ، ولا سبب هنا غير العقد.

الثالث : في الحقوق ، مثل حق القصاص ، وحق الشفعة ، وحق القذف ، وخيار الرد بالعيب ، وخيار الشرط ، وحق الرهن ، وحق المرافق في الطرقات ، ومرافق الدار ، والضيعة ، والشرب ، والبئر والعين وما أشبه ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو اشترط أحدهما زيادة في الربح مع تساوي المالين أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين ، قيل : تبطل الشركة ، وقيل : تصح الشركة ، والأول أظهر.

أقول : مقتضى عقد الشركة كون الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال ، فإذا حصل الشرط المنافي - كما فرضه المصنف - فلا يخلو إما ان يكونا عاملين ، أو يكون أحدهما دون الآخر ، أو يكون العامل غيرهما ، فهنا ثلاثة أقسام :

الأول : ان يكونا عاملين وفيه ثلاثة أقوال :

« أ » : بطلان الشركة والشرط ، وهذا هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس والمصنف ، ومعنى البطلان : هو بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن في التصرف ، لا بطلان حقيقة الشركة الحاصلة بعد المزج ، لأنه لا يمكن وصفها بالصحة والبطلان.

« ب » : صحة الشرط وما اقتضاه ، وهو مذهب السيد المرتضى ، واختاره العلامة ، وهو مذهب أبيه سديد الدين ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو

ص: 234

المعتمد ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، والوفاء بها إجراءها على ما وقعت عليه ، وقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (2) ، والتراضي انما وقع على ما اشترطاه ، فلا يسوغ غيره ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (3).

وأجاب الأولون بأن الشركة ليست عقدا ، لحصولها بغير العقد ، وهو الامتزاج ، فلا يدخل تحت الآية ، ولم يتعرض احد ممن قال بالصحة للجواب عن هذا الجواب ، مع كونه جوابا حسنا ، وحجة ظاهرة.

وأقول : قد يجاب عن هذا الجواب بأن حقيقة الشركة الحاصلة بالامتزاج مسلم انها ليست عقدا ، لكن الشرط الذي جرى بينهما عقد لافتقاره إلى التراضي ، ولا نعني بالعقد الذي استدللنا على صحته بالآية غير ذلك ، ولهذا ان القائل بالبطلان مراده بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن بالتصرف ، فيكون المراد بالصحة ذلك أيضا ، وقد ثبت ان الشرط عقد ، فالإيراد غير وارد.

« ج » : كون الزيادة اباحة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، وهو قول أبي الصلاح الحلبي.

الثاني : ان يكون أحدهما عاملا ، والآخر غير عامل ، قال المصنف هنا : ( اما لو كان العامل أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح ويكون بالقراض أشبه ).

وقال أبو الصلاح : العامل اجرة عمله من الربح وبحسب ماله. ومذهب

ص: 235


1- المائدة : 1.
2- النساء : 29.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7 وقد تقدم مرارا ، لاحظ ص 44.

العلامة صحة الشرط سواء عملا أو عمل أحدهما وسواء شرط الفضل للعامل أو لغيره.

الثالث : ان يكون العامل غيرهما ، ويلزم القائل بالصحة مع عملهما القول بها مع عمل غيرهما ، لأن الأدلة الواردة هناك واردة هنا ، وهو ظاهر العلامة ، لأنه جواز اشتراط الزيادة لغير العامل مع عمل الآخر ، فيكون جوازها مع عدم عملهما أولى.

تنبيه : قال العلامة في القواعد : وقيل : تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ، ولم يتعرض فخر الدين لذكر القائل ، وقال عميد الدين : وقوله : ( وقيل يبطل الا ان يشترط الزيادة للعامل ) إشارة إلى قول ابي الصلاح ، وقد حكيناه والذي حكاه والدي رحمه اللّه ضد هذا القول ، وهذه صورة ما حكاه : ( وقال أبو الصلاح : لا يلزم الشرط ولصاحب الزيادة الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، ولو شرط التفاضل في عقد الشركة صحت الشركة وبطل الشرط ، ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة لم يلزم ، وكان له اجرة عمله من الربح وبحسب ماله ).

وهذا الذي حكاه عن ابي الصلاح نقله من المختلف ، وهو ضد ما نقله في القواعد ، لأن القول الذي حكاه في القواعد يتضمن الصحة إذا شرط له الزيادة للعامل بدليل قوله : ( وقيل تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ) استثنى من البطلان الصحة إذا اشترطت الزيادة للعامل ، وقول أبي الصلاح يدل على البطلان مع اشتراطهما للعامل بدليل قوله الذي حكاه عنه : ( ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة ، لم يلزم وكان له اجرة عمله من الربح ) ، فقد حكم بفساد الشرط والرجوع الى الأجرة.

ومن العجب اشتباه هذا على السيد مع ذكائه وفهمه وعظم نباهته ، وكون ذلك ليس محلا للاشتباه والإبهام لوضوحه وظهوره لمن هو ادنى من السيد ، لكن

ص: 236

السهو جائز على غير المعصوم ، وكأن الحكمة اقتضت وقوع مثل هذا الغلط الظاهر من هذا العالم المحقق ليظهر احتياج الإمام إلى العصمة ، وان غير المعصوم لا يجوز ان يكون إماما ، فنسأل اللّه العصمة من الزلل الموجب للخلل.

وأقول الظاهر ان القول الذي حكاه في القواعد قول المصنف هنا ، لأن مذهبه هنا البطلان إلا مع كون الزيادة للعامل ، قال : ( ويكون بالقراض أشبه ) ، وانما كان أشبه ، لأن مقتضاه كون حصته من الربح تقابل عمله ، فهذه الزيادة استحقها بسبب عمله كالعامل بمال القراض.

ص: 237

ص: 238

في اللواحق

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك ، قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : مذهب الشيخ في باب الشركة من المبسوط عدم اشتراط النية ، ومذهبه في باب احياء الموات منه اشتراط النية ، ومنشأ التردد من انه قبل الحيازة لم يكن مملوكا ، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتحقق الملك ، ولاتفاقهم - غير ابن إدريس - على ان ما يوجد في جوف السمكة للمشتري ، ولا يجب عليه تعريف الصائد ، ولو ان المباح يدخل في الملك من غير نية التملك لوجب ان يكون ما في جوف السمكة للصائد دون المشتري ، ومن انه بنفس الحيازة قد استولى عليه وجاز له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات ، وهذا هو معنى الملك ، والأصل عدم الزيادة على ذلك ، وعلى القول باشتراط النية فهو باق على الإباحة ما لم تحصل النية.

قال رحمه اللّه : لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض وادعى المشتري تسليم الثمن إلى البائع وصدّقه الشريك برء المشتري من حقه ،

ص: 239

وقيل : تقبل شهادته على القابض في النصف الأخر وهو حصة البائع لارتفاع القيمة في ذلك القدر ، ولو ادعى تسليمه الى الشريك فصدقه البائع لم يبرأ المشتري بشي ء من الثمن ، لأن حصة البائع لم تسلم اليه ولا الى وكيله ، والشريك ينكره فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : تقبل شهادة البائع ، والمنع في المسألتين أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في قبول شهادة الشريك على البائع في هذه الصورة التي فرضها المصنف ، ولا خلاف في سقوط حق الشريك عن حق المشتري لاعترافه أو بالدفع الى وكيله ، وانما الخلاف في قبول شهادته على البائع بالنسبة إلى حصة البائع ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط ، وبه قال العلامة في القواعد والتحرير جزما ، وهو المعتمد لعدم التهمة في ذلك ، لأن الأصل قبول شهادة العدل ما لم يحصل المانع من قبولها فيحلف معه ويبرأ منها ، فأما حصة الشريك فلا تثبت في ذمة البائع إلا مع إقامة البينة بالقبض ، سواء أقامها المشتري أو الشريك.

واختار المصنف المنع من قبولها ، لأنها غير مقبولة بالنسبة إلى حصته فلا تكون مقبولة بالنسبة إلى حصة شريكه ، والا لزم تبعيض الشهادة ، وهو غير جائز.

والجواب المنع من حصول التبعيض ، لأنه ليس شاهدا بالنسبة إلى حصته ، لأن الإنسان لا يكون شاهدا لنفسه ، وانما هو شاهد بالنسبة إلى حصة شريكه فلا تبعيض حينئذ.

الثانية : في قبول شهادة البائع على الشريك إذا اعترف البائع بوصول الثمن اليه ولم يكن وكيلا للشريك في القبض ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط لارتفاع التهمة ، لأن البائع والمشتري معترفان بثبوت حق الشريك على المشتري ، لأن الدفع الى غير وكيله ولم يشارك البائع الشريك فيما قبضه ، فلا تهمة.

ص: 240

واختار المصنف عدم القبول ، وجزم به العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه وان لم يشارك في المقبوض ، فإنه يستفيد في هذه الشهادة اختصاصه بالباقي في ذمة المشتري ، فقد جرّ فيها نفعا ، وكل شهادة جرت نفعا فهي مردودة.

قال رحمه اللّه : ولو باع اثنان عبدين كل واحد منهما بانفراده صفقة ، بثمن واحد من تفاوت قيمتهما ، قيل : يصح ، وقيل : تبطل ، لأن الصفقة تجري مجرى عقدين ، فيكون ثمن كل واحد منهما مجهولا.

أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمه اللّه ، لأن ثمنهما يسقط على قدر قيمتهما ، وذلك مجهول حالة العقد. وقيل بالصحة ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لأن كونهما في حكم العقدين لا يقتضي كونهما عقدين ، بل العقد واحد ، ولهذا لو فسخ البيع في أحدهما لم يجز أخذ الآخر ، وهو يدل على ان العقد واحد ولو كانا عقدين كان له رد أحدهما وإمساك الآخر ، وليس كذلك.

ص: 241

ص: 242

كتاب المضاربة

اشارة

ص: 243

ص: 244

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر أو الغنم ، قيل : يفسد ؛ لأن مقتضاه التصرف في رأس المال ، وفيه تردد.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس وتردد المصنف ، من ان المضاربة هي الاسترباح بالمال بالبيع والشراء ، وهذا الشرط مناف لها ، وكل شرط نافى العقد فهو باطل فتبطل المضاربة ، وهو المعتمد.

ومن أصالة الجواز ، ولحصول النماء المتجدد بسبب سعي العامل ، إذ لو لا شراءه لما حصل ذلك النماء ، ولكونه شرطا سائغا ، فيكون صحيحا.

قال رحمه اللّه : وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد ؛ لأن سفره لأجل مال المضاربة ، فكانت نفقته من أصله ، ولما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه السلام « قال : في المضاربة ما أنفق في

ص: 245

سفره فهو من جميع المال ، فاذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه » (1).

وقال في المبسوط : ان نفقته من خاصته دون مال القراض ؛ لأنه دخل على ان يكون له من الربح سهم معلوم ، فليس له أكثر من ذلك ؛ لأنه ربما لم يربح سوى ذلك القدر.

قال رحمه اللّه : ولو كان لنفسه مال غير مال القراض ، فالوجه التقسيط.

أقول : هذا تفريع على وجوب النفقة من مال القراض ، ووجه كون سفره لأجل المالين ، فتكون النفقة عليهما بالحصص ، ويحتمل كون النفقة عليه خاصة ، كما ذكره عميد الدين رحمه اللّه.

قال العلامة في القواعد : ونفقة الحضر على نفسه ، وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، ولو كان معه غيره قسط ، ويحتمل مساواة الحضر واحتساب الزائد على القراض.

وقد اختلف الشارحان في تأويل الاحتمال ، فعميد الدين رحمه اللّه جعله مختصا في المسألة الثانية ، وهي قوله : ( ولو كان معه غيره قسط ) ، قال بعد ان ذكر وجه التقسيط : ويحتمل مساواته للحضر ، لأنه لم يسافر للقراض وانما سافر في تجارته ، وأراد ان يزداد في الربح فأخذ مال القراض من غيره مستصحبا ، إذ السفر لأجله فكانت نفقة في خاصته ، كما لو كان حاضرا ، ويحتمل ان ينفق من مال القراض ما زاد عن نفقة الحضر ، لأنه مشغول بمصلحته كما لو كان حاضرا ، وانما لزمه بسبب السفر القدر الزائد عن نفقة الحضر ، فكان إنفاق ذلك القدر لا غير من مال القراض. إلى هنا كلامه رحمه اللّه ، حمل الاحتمال على المسألة الثانية دون الاولى.

وفخر الدين حمل الاحتمال على المسألة الأولى ، لأنه قال : البحث هنا في

ص: 246


1- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 6 ، حديث 1 ، باختلاف يسير.

مقامين : الأول : هل نفقة العامل في السفر للتجارة على مال القراض أو على نفسه؟ ثمَّ ذكر قولي الشيخ رحمه اللّه ، ثمَّ قال : المقام الثاني : على القول بوجوب النفقة على مال القراض ، هل يستحق كمال النفقة ، أو ما زاد بسبب السفر؟

اختار والدي المصنف الأول ، جعل الاحتمال عائدا إلى الأول ، وهو انسب ، وعليه دلت عبارة التحرير ، لأنه قال فيه : وعلى ما اخترناه هل يأخذ كمال النفقة من مال القراض أو الزائد على نفقة الحضر؟ الأقرب الأول ، وقوى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة. هذا كلامه في التحرير ، وهو موافق لاختيار فخر الدين وهو أنسب الى الأصل ، وكلام عميد الدين أنسب إلى متن القواعد.

تنبيه : المراد بالنفقة نفقة أمثاله من المأكول أو المشروب والملبوس والمركوب ، من غير إسراف ولا تقتير ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتر لم يحسب له.

والمراد بالسفر هو السفر العرفي سواء أوجب القصر أو لم يوجب كما لو وصل ملكا استوطنه ستة أشهر ، أو نوى الإقامة عشرا وهو مشغول بالبيع والشراء ، أما لو انقضى بيعه وشراؤه لم يتأخر الرجوع الى بلده لعارض فان نفقته تكون على نفسه والا لزم تضرر المالك لاحتمال طول المدة بسبب العارض بحيث يستغرق جميع المال بالنفقة.

فرع : إذا رجع الى بلده سقطت النفقة عن مال القراض ، فلو بقي عليه ثياب من مال القراض لها قيمة ردت الى مال القراض ، وله ان يأخذ نفقة كل يوم من مال القراض ثمَّ ينفق من غيره ويستقر ملكه على ذلك ، كما لو دفع الى زوجته نفقة فقبضتها وأنفقت من غيرها ، لأنه يستحق النفقة في هذا المال ، فله أخذها ولا يتعين عليه الإنفاق ، بل له ان ينفق من غيرها ، ويملك ما أخذه كالزوجة.

ص: 247

ولو لم يميز النفقة من مال القراض ثمَّ أنفق على نفسه من خاصته (1) على أن يرجع بما أنفقه على مال القراض ، فله ذلك ، كالزوجة إذا أنفقت على نفسها بنية الرجوع ، لأن النفقة حق للعامل تعلقت في مال القراض فله أخذه متى شاء ما لم يسقطه ، جزم بذلك في القواعد.

ص: 248


1- في « ن » و« ر 2 » : خاصة.

في مال القراض

قال رحمه اللّه : وفي القراض بالنقرة تردد.

أقول : قال صاحب الصحاح : النقرة هي السبيكة ، قال الشهيد : وربما كانت في عرف الفقهاء هي الدراهم المضروبة من غير سكة ، فيكون التردد عائدا إلى عرف الفقهاء ، فيكون منشؤه من أصالة الجواز ، ولأنها مما يتعامل بها كالمنقوشة بسكة المعاملة ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، ومن الاقتصار على مورد الشرع ، وهو لم يثبت إلا في المنقوشة.

وعلى القول بأن المراد بالنقرة السبيكة يكون منشؤه من انها تضمن بالقيمة فهي كالثوب ، ومن كونها أصلا للدراهم فتصح بها كما تصح بالدراهم ، والى هذا المعنى ذهب صاحب الترددات ، والأول أحسن ، والمعتمد عدم الجواز على التعريفين.

قال رحمه اللّه : ولا يكفي المشاهدة ، وقيل : يصح مع الجهالة ، ويكون

ص: 249


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.

القول قول العامل مع التنازع في قدره.

أقول : للشيخ في ذلك قولان أحدهما البطلان مع جهالة رأس المال ، وهو قوله في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه لحصول الغرر ، وإفضائه إلى التنازع ، وهو المعتمد.

ونقل في المبسوط عن قوم الصحة ويكون القول قول العامل ثمَّ قواه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة الجواز ، ولقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1).

ص: 250


1- المصدر المتقدّم.

في الربح

قال رحمه اللّه : ويلزم الحصة بالشرط دون الأجرة على الأصح.

أقول : المشهور بين الأصحاب ان للعامل ما شرطه من الربح نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل أو أكثر إذا بقي للمالك شي ء ، ذهب اليه الشيخ في الخلاف والاستبصار وابن حمزة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وهذا عقد ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولهم عليه روايات (2).

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج : يكون له الأجرة ، لأن النماء تابع للأصل فيكون الربح للمالك ، كما ان الأصل له وعليه الأجرة ، ولأنها معاملة فاسدة ، لجهالة العوض ، فتبطل ، ويكون الربح بأجمعه لصاحب المال ، وعليه الأجرة للعامل.

قال رحمه اللّه : ولا بد أن يكون الربح مشاعا ، فلو قال : خذه قراضا والربح في فسد ، ويمكن أن يجعل بضاعة نظرا الى المعنى ، وفيه تردد ، وكذا التردد لو قال :

ص: 251


1- المائدة : 1.
2- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 3.

والربح لك.

أقول : منشؤه التردد في الصورتين من ان عقد القراض يقتضي المشاركة في الربح ، فاذا اختص بأحدهما دون الآخر احتمل البطلان ، لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، فيكون للعامل الأجرة والربح للمالك ، ويحتمل جعله (1) بضاعة مع اختصاص المالك بجميع الربح نظرا الى المعنى ، وجعله قراضا مع اختصاص العامل بالجميع نظرا الى المعنى أيضا ، والمعتمد انه إن دخل على ان الربح كله للمالك لم يكن له اجرة ، لأنه دخل على ذلك ، فكان متبرعا بالعمل فلا اجرة له ، وإن دخل على أنه له كله ، كان له الأجرة خاصة لفساد العقد.

قال رحمه اللّه : ولو شرط لغلامه حصة معهما صح ، عمل الغلام أو لم يعمل ، ولو شرط الأجنبي وكان عاملا صح ، وإن لم يكن عاملا فسد ، وفيه وجه آخر.

أقول : المراد بالغلام هنا المملوك ، والمراد بالأجنبي ما عداه وان كان رحما كالولد والوالد ، وواجب النفقة كالزوجة ، ووجه الصحة في الغلام ان جميع ما للمملوك فهو لمالكه ، فالاشتراط له كالاشتراط لنفسه.

واما الأجنبي إذا لم يكن عاملا فلا يجوز الاشتراط له ، لأنه لا مال له ولا عمل ، وعقد المضاربة يقتضي اختصاص الربح فيهما ، فاذا اشترط لغيرهما كان مخالفا لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وهذا هو المعتمد.

ويحتمل الجواز لكونه شرطا سائغا ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2).

ص: 252


1- في « ر 2 » : ان يكون.
2- تقدم ص 249.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : وقوله مقبول في التلف ، وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد ، أظهره أنه لا يقبل.

أقول : عدم القبول الا مع البينة هو المشهور وهو المعتمد ، لأنه مدع ، وقال في المبسوط بالقبول ، وكأن وجهه كونه أمينا كالمستودع ، والفرق ظاهر ، فان المستودع قبض المال لمصلحة المودع خاصة ، والعامل قبضه لمصلحتهما.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى من يعتق على رب المال فان كان بإذنه صح وانعتق ، فإن فضل من المال عن ثمنه شي ء كان الفاضل قراضا ، ولو كان في العبد المذكور فضل ، ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة ، والوجه الأجرة ، وإن كان بغير إذنه ، وكان الشراء بعين المال ، بطل ، وإن كان في الذمة وقع الشراء للعامل ، إلا أن يذكر رب المال. ولو كان المال لامرأة ، فاشترى زوجها ، فإن كان بإذنها ، بطل النكاح ، وإن كان بغير إذنها ، قيل : يصح الشراء ، وقيل : يبطل ، لأن عليها في ذلك ضررا ، وهو أشبه إذا اشترى العامل أباه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

ص: 253

الأولى : ان يشتري العامل أبا رب المال ، ولا يخلو إما ان يكون الشراء بإذنه أو بغير إذنه ، فان كان بإذنه صح الشراء وعتق وبطلت المضاربة بمقدار الثمن.

وقال الشيخ : ان كان فيه ربح ضمن المالك حصة العامل من الربح ، وان لم يكن فيه ربح فلا شي ء له ، ووجهه ان المضاربة تبطل بالانعتاق لتلف المال بإذن المالك وأن العامل يملك حصته من الربح بالظهور ، فيكون شريكا للمالك بتلك الحصة ، وحصة المالك قد عتقت باختياره ، فيشتري عليه حصة العامل ويضمن له قيمتها ، فأما مع عدم ظهور الربح فقد أتلف المالك مال المضاربة ولا ربح فيه ، فلا شي ء للعامل ، لأنه لا نصيب له في غير الربح.

واختار المصنف وجوب الأجرة للعامل ، واختاره العلامة أيضا ، وهو المعتمد ، لبطلان المضاربة بالشراء المأذون فيه ، فيكون له الأجرة ، لأنه لم يتبرع بالعمل.

وان كان الشراء بغير اذنه فلا يخلو اما ان يكون بالعين أو بالذمة ، فإن كان الشراء بالعين بطل ، لأنه دفع اليه المال ليشتري له ما يربح فيه وينتفع به ، وهذا الشراء يستضر به لتلف ماله به ، فلا يكون لازما ، لكونه غير مأذون فيه ، ويكون موقوفا على الإجازة على الصحيح من المذهب.

وان كان بالذمة فلا يخلو اما ان يذكر رب المال أو لا يذكره ، فان ذكره كان موقوفا على إجازته ، فان اجازه والا بطل ، فلو ادعى البائع الاذن في الشراء كان القول قول المالك ، وان لم يذكر رب المال كان الشراء للعامل ظاهرا ولا يقبل دعواه القصد انه للمالك.

فرع : إذا اشترى أبا المالك بغير اذنه ، وهو جاهل في النسب بينهما أو جاهل في الحكم - أي لا يعلم انه ينعتق على المالك - احتمل الصحة وكان حكمه كما لو اذن له في الشراء ، لأن عقد المضاربة اقتضى شراء ما يرجو في الربح ، وهو

ص: 254

هنا كذلك ، فيقع صحيحا وينعتق على المالك ويكون كما لو امره ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأنه غير مكلف بالعلم بكيفية نسب كل رقيق يشتريه وربما تعذر ذلك.

ويحتمل البطلان لظهور التضرر بهذا العقد الموجب لتلف جميع ما يضمنه من المال ، إذ لو اشترى بأكثر من ثمن المثل كان باطلا ، لتلف بعض المال في غير مصلحة ، فيكون بطلانه بتلف الجميع أولى.

الثانية : إذا كان رب المال امرأة ولها زوج مملوك فاشتراه العامل ، فان كان بإذنها صح الشراء ، وملكته وانفسخ النكاح وكان من مال القراض ، وإن كان بغير إذنها ، فإن اشتراه بعين المال ، ففيه قولان :

أحدهما : البطلان ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لأن عقد المضاربة اقتضى أن يشتري العامل ما ليس فيه ضرر على رب المال ، وهذا فيه ضرر ، لانفساخ نكاحها بملكها لزوجها وسقوط مهرها ونفقتها فلا يكون صحيحا.

وقيل بالصحة ، لأن القصد من القراض ان يشتري ما يحصل فيه الربح ، وربما كان الربح حاصلا في هذا العبد فيكون الشراء صحيحا والمعتمد وقوفه على الإجازة ، وان كان الشراء بالذمة كان موقوفا على إجازتها ان كان ذكر ان الشراء لها ، والا كان كما قلناه في شراء القريب.

وعلى القول بالصحة من غير افتقار إلى إجازتها يكون العامل ضامنا لمهرها مع علمه بالزوجية والحكم.

الثالثة : ان يشتري العامل أبا نفسه ، فان لم يكن فيه ربح صح الشراء قطعا لعدم المانع حينئذ ، فإنه في الحقيقة كالوكيل عن المالك ، ولا خلاف في جواز شراء القريب للغير ، لعدم دخوله في ملك المشتري.

ثمَّ ان ظهر فيه ربح بعد الشراء ، فان قلنا ان العامل لا يملك حصته بعد

ص: 255

الربح الا بعد الإنضاض والقسمة كانت المضاربة بحالها ، وان قلنا انه يملك بالظهور ملكا متزلزلا عتق عليه حصته ، واختاره العلامة ، لأن الشراء به انما يكون مع الملك الاختياري وهذا لم يملك باختياره ، لأن الملك تجدد بعد العقد بسبب زيادة السعر ولا اختيار له في الزيادة ، ويحتمل التقويم مع اليسار ، لأنه اختار السبب - وهو الشراء - واختيار السبب يجري مجرى اختيار المسبب وهو الملك.

وان كان فيه ربح حالة الشراء ، فان قلنا : انه لا يملك بالظهور صح الشراء قطعا أيضا ، وان قلنا انه يملك ، فالأقرب الصحة أيضا ، لأنه لا ضرر على المالك ، لأنه ان كان العامل موسرا سرى العتق وأخذ حصته منه ، وان كان معسرا ، فحصة المالك باقية على الرق فلا مانع من صحة الشراء.

ويحتمل عدم الصحة ، لأنه يؤدي الى زوال الملك عن المالك قهرا : وهو مخالف للتجارة ، والمصنف أطلق صحة الشراء ووجوب السعي على العبد مع ظهور الربح ، لاختصاص النص (1) الوارد في السراية بالعتق ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يتحقق السبب الشاغل ، وهو هنا غير متحقق.

قال رحمه اللّه : إذا فسخ المالك صح ، وكان للعامل أجرة المثل الى ذلك الوقت ، ولو كان بالمال عروض ، قيل : كان له أن يبيع ، والوجه المنع ، ولو ألزمه المالك ، قيل : يجب أن ينضّ المال ، والوجه أنه لا يجب وإن كان سلفا كان عليه جبايته ، وكذا لو مات رب المال وهو عروض كان للعامل البيع إلا أن يمنعه الوارث ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا أربع مسائل :

الأولى : في استحقاق العامل للأجرة مع فسخ المالك قبل ظهور الربح ، والمصنف جزم بالاستحقاق ، واستشكله العلامة في القواعد والتحرير ، من أنه

ص: 256


1- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 8 ، حديث 1.

رضي بالعمل في مقابل الربح ولم يحصل ، فليس له شي ء ، والفسخ حصل بإذن الشارع ، لجواز العقد ، فلا ضمان على المالك.

ومن انه عمل عملا محترما غير متبرع ، ولم يسلم له عوضه - وهو حصول الربح بسبب الفسخ الصادر من المالك - فكان له اجرة مثل ذلك العمل ، واختاره فخر الدين.

الثانية : إذا فسخ وبالمال عروض ، وطلب العامل بيع العروض ، هل يجب على المالك اجابته؟ قال الشيخ : للعامل ان يبيع ، سواء ظهر ربح أو لا ، لجواز ان يرغب فيه من يشتريه بربح. وقال المصنف : الوجه المنع ، وأطلق.

وذهب العلامة في القواعد إلى إجبار المالك على الإجابة مع ظهور الربح ووجود من يشتريه بربح ، ثمَّ استشكل ذلك من انه إذا انفسخ العقد لم يجبر المالك على تمكين الغير من بيع ماله ، ومن انه يملك حصته من الربح بالظهور ، ولا يتحقق إلا بالبيع فالمنع منه إضرار بالعامل ، وهو غير جائز ، وهذا هو المعتمد ، الا ان يقوّم المالك العروض على نفسه ثمَّ يدفع حصة العامل من الربح اليه ، فيمنع من البيع حينئذ لوصول حقه إليه.

الثالثة : إذا ألزمه المالك بالبيع بعد الفسخ ، هل يجب عليه ذلك أم لا؟ فنقول : فان كان فيه ربح ولم يسقط حقه منه وجب عليه البيع قطعا ، اما إذا لم يكن فيه ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه ، فإنه يحتمل عدم وجوب البيع عليه ، لأنه انما يجب عليه البيع مع بقاء عقد المضاربة ، أو فسخه مع ظهور الربح ليتوصل الى حقه ، فمع انتفائها لا يجب عليه ، وهو اختيار المصنف ، ويحتمل الوجوب ، لأنه أخذ المال ناضّا ، فيجب عليه ان يرده كما أخذه ، ولأن في رده الى تلك الحالة مئونة على المالك لا يجب عليه دفعها ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره العلامة في القواعد.

ص: 257

الرابعة : إذا مات رب المال وهو عروض انفسخ القراض وكان للوارث مطالبة العامل بالانضاض ، وهل له البيع وان كره الوارث؟ قال المصنف : ( وله البيع الا ان يمنعه الوارث ، وفيه قول ).

قال صاحب الترددات : ان القول يمكن ان يقال : انه يمنع من البيع لانفساخ المقارضة بالموت الا مع اذن الوارث. وهو غلط ، لأن هذا هو مذهب المصنف الذي ذكره ، لأنه قال : ( وله البيع إلا أن يمنعه الوارث ) ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو ان له البيع وان منعه الوارث ، فهو ضد ما اختاره ، إذ لو كان القول هو الذي اختاره كان قال : ( على قول ) ، لأن المصنف إذا قال : ( على قول ) كان مذهبه ذلك القول ، وإذا قال : ( وفيه قول ) كان مذهبه ضد ذلك ، وهذا مما ليس يشتبه على من له ادنى تحصيل.

والمصنف بنى هذه المسألة على مذهبه ، من انه إذا انفسخ القراض وفيه عروض لا يجب على المالك اجابة العامل الى البيع ، والقول المشار اليه ، قول الشيخ رحمه اللّه بناء على مذهبه أيضا من وجوب اخبار المالك على الإجابة ، كما حكيناه عنه في المسألة الثانية وذكرنا الوجه في ذلك.

والوجه في هذه المسألة ان الفسخ بالموت ليس أبلغ من فسخ المالك فكما يجبر المالك على اجابة العامل الى البيع ، فكذا يجبر الوارث ، وهو المعتمد ، مع ظهور الربح أو وجود من يشتريه بربح.

قال رحمه اللّه : وإن كان بغير اذنه لم يصح القراض الثاني ، فإن ربح كان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول وعليه أجرة الثاني ، وقيل : للمالك أيضا ، لأن الأول لم يعمل ، وقيل : بين العاملين ويرجع الثاني على الأول بنصف الأجرة ، والأول أحسن (1).

ص: 258


1- في الشرائع : حسن.

أقول : إذا قارض العامل غيره بغير اذن المالك بطل القراض الثاني ؛ لأن المالك لم يرض بنظر غير العامل ، فان عمل الثاني ولم يربح شيئا أخذ المالك المال ولا بحث.

وان ربح شيئا ، فقد ذكر المصنف فيه ثلاثة أقوال ، والثلاثة ذكرها الشيخ رحمه اللّه :

الأول : ان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول ، وعليه أجرة الثاني ، ووجهه ان المالك دخل على ان يكون له نصف الربح فلا يستحق أكثر من ذلك ، والعامل الثاني اشترى للأول ، فكان الربح له وعليه للثاني أجرة عمله ؛ لأنه بذل منفعة على عوض ولم يسلم له العوض فكان له الأجرة.

الثاني : ان النصف الآخر للمالك أيضا ؛ لأن العامل الأول لا مال له ولا عمل ، فلا يستحق شيئا والثاني تصرف تصرفا غير مأذون فيه ، فلا يستحق شيئا أيضا ، فيكون الجميع للمالك.

الثالث : النصف بين العاملين ، ويرجع الثاني على الأول بنصف أجرته ، ووجهه ان الثاني دخل على ما رزق اللّه من ربح فهو بينهما ، والذي رزق اللّه هو هذا النصف ، ووجه رجوع الثاني على الأول بنصف أجرته ؛ لأنه بذل منفعة تقابل نصف الجميع ولم يحصل له غير النصف فيرجع بأجرة النصف.

والمعتمد ان نقول : لا يخلو اما ان يشتري بعين المال أو في الذمة ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون الثاني عالما بالفساد أو لم يكن ، فان كان عالما كان العقد عقد فضول للمالك اجازته وفسخه ، ولا أجرة لعدم الغرر ، وان كان جاهلا كان له الأجرة على العامل الأول ؛ لأنه غرّه ، وان كان الشراء في الذمة كان الربح كله للعامل الثاني ؛ لأنه اشترى في ذمته فيكون الملك له ، الا ان يذكر القراض في العقد فيكون له النصف ، وللمالك النصف فان تلف المال رجع المالك على من شاء

ص: 259

منهما ، فان رجع على الأول رجع الأول على الثاني مع علمه ؛ لأن التلف حصل في يده ، وان رجع على الثاني رجع على الأول مع جهله ؛ لأنه غرّه.

قال رحمه اللّه : إذا تلف مال القراض أو بعضه ، بعد دورانه في التجارة ، أحتسب التالف من الربح ، وكذا لو تلف قبل ذلك ، وفي هذا تردد.

أقول : إذا تلف بعد دورانه في التجارة كان التالف محسوبا من الربح إجماعا ؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فان قيل اما مع تلف البعض فإنه يقتدر أنه يبقى ربح يجبر به رأس المال ، فمع تلف الجميع كيف يتقدر ذلك؟!

فانا نقول : يتقدر ذلك كما لو ظهر في مال القراض ربح ثمَّ تلف مقدار رأس المال وبقي مقدار الربح ، فان ذلك الربح يصير رأس المال ، والتالف هو الربح.

أما إذا تلف رأس المال أو بعضه قبل دورانه في التجارة ، أي قبل ان يشتري به ما لا للقراض ، فقد تردد المصنف في انه هل يحسب ذلك من الربح أم لا؟ ومنشأ التردد من ان عقد القراض اقتضى ان لا يكون للعامل شي ء من الربح إلا بعد رأس المال ، فيجب أن يكون التالف محسوبا من الربح ؛ لأن العامل دخل على ذلك.

ومن ان المال إذا تلف قبل دورانه في التجارة يكون قد تلف عين رأس المال ، وإذا تلف عين رأس المال انفسخ القراض فيه ، فلا يكون محسوبا من الربح ويتقدر ذلك كما لو اذن له بالشراء في الذمة فاشترى كذلك ثمَّ تلف المال قبل دفعه الى البائع ، فهنا يجب على رب المال ان يدفع اليه الثمن ثانيا ؛ لأن الشراء وقع له بإذنه كالوكيل ، فيجب عليه نقد ثمنه.

فعلى الأول يكون الجميع رأس المال ، وعلى الثاني يكون رأس المال هو الأول.

واعلم ان الأصحاب اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا

ص: 260

قراضا ، فاشترى به عبدا للقراض ، فهلك الألف قبل ان يدفعه ، قال قوم : المبيع للعامل والثمن عليه ، ولا شي ء على رب المال. وقال قوم : المبيع لرب المال ، وعليه ان يدفع إليه ألفا أخرى ليقضى بها دينه ، ويكون الألف الأول والثاني قراضا ، وهما معا رأس المال.

واختاره ابن البراج ، وحكى في الخلاف القولين ، ثمَّ اختار فيه ان يكون المبيع للعامل ، وعليه الثمن ، وقال ابن إدريس : فإن اشترى في الذمة فإن الشراء له وان اشترى بالعين وتلف المال بطل العقد.

وقال العلامة في المختلف : إذا كان اذن له بالشراء في الذمة ، فاشترى في الذمة فالحق ما قاله في المبسوط ، وان اشترى في الذمة بغير اذنه فالحق ما قاله في الخلاف ، وان اشترى بالعين فتلف قبل القبض ، فالحق ما قاله ابن إدريس من بطلان البيع ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قارض اثنان واحدا وشرط له النصف منهما وتفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال كان فاسدا ، لفساد الشرط ، وفيه تردد.

أقول : هذه المسألة مبنية على جواز اشتراط التفاوت في الربح والخسران مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوتهما ، وقد سبق البحث في ذلك (1) ، فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى عبدا للقراض فتلف الثمن قبل قبضه ، قيل : يلزم صاحب المال ثمنه دائما ويكون الجميع رأس ماله ، وقيل : إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك ، وإلا كان باطلا ولا يلزم الثمن أحدهما.

أقول : قد ذكرنا ذلك ، والقول الأول قول الشيخ في المبسوط ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، وقد سبق (2).

ص: 261


1- ص 234.
2- ص 260.

قال رحمه اللّه : إذا دفع مالا قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة ، قيل : لا يصح ؛ لأن العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجرا ، وقيل : يصح القراض ويبطل الشرط ، ولو قيل بصحتهما كان حسنا.

أقول : البضاعة هو ان يدفع الإنسان إلى غيره مالا أمانة على ان يتجر له فيه ولا حصة له في الربح ، فاذا شرط رب المال على العامل ان يأخذ له بضاعة ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ قال في المبسوط أيضا : ولو قلنا : ان القراض صحيح والشرط جائز لكنه لا يجب الوفاء به ؛ لأن البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويا

والمعتمد ما استحسنه المصنف ؛ لأنه لا مانع من ان يعمل العامل في مال بعوض وفي آخر بغير عوض لوجود المقتضي ، وهو الشرط السائغ فدخل تحت عموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطؤها وإن أذن له المالك ، وقيل : يجوز مع الإذن ، أما لو أحلّها بعد شرائها ، صح.

أقول : القول بالجواز هو قول الشيخ في النهاية ، معولا على ما رواه مرفوعا الى الكاهل ، عن أبي الحسن عليه السلام ، « قال : قلت : رجل سألني أن اسألكم ، ان رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري ما يرى من شي ء ، وقال : اشتر جارية تكون معك ، والجارية انما هي لصاحب المال ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، فللمضارب ان يطأها؟ قال : نعم » (2). وفي طريقها سماعة ، وهو

ص: 262


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.
2- التهذيب ، كتاب التجارات ، باب الشركة والمضارة ، حديث 31 (845). وفي الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 2. حديث 1.

واقفي.

والمعتمد عدم الجواز ؛ لأنه لا يخلو إما ان يظهر فيها ربح أو لا ، فان ظهر فيها ربح وقلنا : انه يملك حصته بالظهور فهي مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين على ما يأتي في كتاب النكاح ان شاء اللّه تعالى. وان قلنا : انه لا يملك بالظهور أو لم يكن فيها ربح ، فهي ملك لرب المال حصل بعد الإذن ، والإذن السابق لا يقبل الإباحة ؛ لأنه لم يصادف ملكا ، أما لو لم يكن فيها ربح وحصل التحليل بعد الشراء ، فإنه يجوز الوطي قطعا.

ص: 263

ص: 264

كتاب المزارعة والمساقاة

اشارة

ص: 265

ص: 266

في المزارعة

اشارة

قال رحمه اللّه : أما لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا الى الحصة ، قيل : يصح ، وقيل : يبطل ، والأول أشبه.

أقول : القائل بالصحة على كراهية هو الشيخ رحمه اللّه ، وتابعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة ، ونقل المصنف والعلامة قولا بالمنع ولم يسميا قائله. والمعتمد الأول ، لعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، فإن هلك الزرع بشي ء من الآفات سقط الشرط.

قال رحمه اللّه : ويكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير مما يخرج منها ، والمنع أشبه ، وان يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث بها حدثا أو يؤجرها بجنس غيره.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : ان يؤجر الأرض بحنطة أو شعير مما يخرج منها ، والمشهور في هذه عدم الجواز ، لاحتمال لا يخرج منها شي ء فتسقط الأجرة ، وهو غير جائز ،

ص: 267


1- مستدرك الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب 5 ، من أبواب الخيار ، حديث 7.

وقيل بالجواز على كراهية ، لأصالة الجواز ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، والأول هو المعتمد ؛ لأن هذا الشرط مشتمل على غرر فيكون باطلا.

الثانية : في جواز ان يؤجر الأرض الذي استأجرها بأكثر مما استأجرها به إذا كان من جنس ما استأجرها ولم يحدث فيها حدثا ، وبعدم الجواز قال الشيخ والسيد المرتضى وابن الجنيد : حذرا من الربا ، ولهم عليه روايات (1).

وقال المفيد وابن إدريس : انه مكروه. واختاره العلامة ، لأصالة الجواز ، ولهم عليه روايات كثيرة (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو مضت المدة والزرع باق كان للمالك إزالته على الأشبه.

أقول : المعتمد وجوب تعيين المدة في العقد ، فاذا عينا مدة يمكن ادراك الزرع فيها ثمَّ انقضت ولم يدرك ، هل للمالك ازالته؟ يحتمل ذلك لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ، فلا يجب على المالك إبقاء الزرع بعدها ، لكن يجب عليه أرش النقص بسبب القلع ، والأرش هو نقص قيمته مقلوعا عن قيمته قائما ، لأنه نقص دخل على ملك الغير بسبب تخليص ملكه ، فيكون مضمونا.

ويحتمل عدم جواز الإزالة ، لأنه تصرف تصرفا مأذونا فيه ، والقلع فيه ضرر على الزارع ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (3) ، ولأنه ليس لعرق ظالم ، ويحتمل وجوب التبقية بالأجرة ، جمعا بين الحقين.

فرع : إذا عينا مدة فأدرك الزرع في بعضها ، فان كان قد عينا المزروع لم يجز للعامل ان يزرع الأرض مرة ثانية وان كان يدرك عند انتهاء تلك المدة ، وان لم يعينا المزروع جاز ان يزرع الأرض مرة ثانية ، لأنه يملك التصرف بما شاء من

ص: 268


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 22 ، حديث 2 ، وباب 20.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 22 ، وكتاب المزارعة والمساقاة ، باب 15.
3- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1 وغيره.

الزرع تلك المدة المعينة.

قال رحمه اللّه : ولو استأجر للزراعة ( ما لا ينحصر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع ، ولو رضي بذلك المستأجر ) (1)) جاز ، ولو قيل : بالمنع لجهالة الأرض كان حسنا.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي المنع والجواز ، والمعتمد الجواز ان كانت الأرض معلومة أو كان الماء صافيا يمكن مشاهدتها أو كان قليلا يمكن معه بعض الزرع ، وإلا فلا.

قال رحمه اللّه : إذا استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا ، قيل : يجب على المالك إبقاؤه أو ازالته بعد الأرش ، وقيل : له أزالته كما لو غرس بعد المدة ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في جواز الغرس ، وانما الخلاف في ان الغارس هل يجبر بعد انقضاء المدة على قلع غرسه مجانا أو لا يجبر إلا مع بذل أرش النقصان ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما؟ فنقول : لا يخلوا اما ان يشترط القلع بعد انقضاء المدة أو يطلق العقد ، فان اشترط القلع وجب ، ولا أرش حينئذ ، لأنه دخل على ذلك.

وان أطلق العقد ، قال الشيخ : لم يجبر على قلعه مجانا ، ويجبر المالك بين أخذ الغرس بالقيمة ويجبر المستأجر على القبول ، وبين الإجبار على القلع مع دفع أرش نقص الغرس ، وبين التبقية بأجرة المثل.

ووجهه انه من استأجر شيئا ليشغله بحق له انما يجبر على ازالة حقه منه على ما جرت العادة بنقله منه ، والعادة لم تجر بنقل الغرس إلا بعد جفافه ، فلا يجبر على نقله قبل ذلك ، ولا يجبر مالك الأرض على شغلها بمال الغير بغير عوض ، لما في

ص: 269


1- ما بين القوسين لم يرد في الشرائع.

ذلك من الضرر المنفي ، فوجه الجمع بين الحقين ما قاله الشيخ.

قال العلامة في التحرير بعد ان حكى قول الشيخ : وعندي في إجباره على قبول القيمة نظر. وجه النظر ان المعاوضة عقد يفتقر إلى التراضي والإجبار ينافيه ، وقيل : يجبر على الإزالة ، كما لو غرس بعد انقضاء المدة ، لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ولا أرش على مالك الأرض ، لأن تفريغ الأرض واجب عليه ، وكما قبضها فارغة يجب تسليمها فارغة ، فلا يستحق على فعل الواجب عليه أرشا ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار المصنف مذهب الشيخ.

قال رحمه اللّه : إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه ، وكذا لو اختلفا في قدر الحصة فالقول قول صاحب البذر ، فإن أقام كل واحد منهما بينة ، قدمت بينة العامل ، وقيل : يرجعان إلى القرعة ، والأول أشبه.

أقول : انما كان القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، لأن النماء تابع للأصل ، فيقتضي ان الجميع لصاحب البذر إلا ما أخرجه الشرط ، فاذا ادعى زيادة عما اعترف به صاحب البذر كان القول قول المالك وهو صاحب البذر مع عدم البينة وانما كان البينة بينة العامل ، لأنه الخارج ولأن القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، فيكون البينة بينة الآخر.

وقال الشيخ رحمه اللّه : يقرع بينهما ، لأن الربح تابع للعمل ورأس المال ولا ترجيح ، فيقرع بينهما ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا ، فقال الزارع : أعرتنيها ، فأنكر المالك وادعى الحصة أو الأجرة ولا بينة ، فالقول قول صاحب الأرض ويثبت له أجرة المثل مع يمين الزارع ، وقيل : يستعمل القرعة ، والأول أشبه.

أقول : انما كان القول قول صاحب الأرض ، لأن المنافع مملوكة له كالعين فكما ان القول قوله لو ادعى عليه تمليك العين ، فكذا القول قوله إذا ادعى عليه

ص: 270

تمليك المنافع ، وقيل بالقرعة ، لأنهما اتفقا على حدوث المنافع في ملك الزارع ، وصاحب الأرض يقول بأجرة ، والأصل عدم التبرع ، والزارع يقول مجانا والأصل براءة الذمة ، ولا ترجيح لأحد الأصلين على الآخر ، فيقرع بينهما ، والمعتمد الأول.

ص: 271

ص: 272

في المساقاة

قال رحمه اللّه : ويصح قبل ظهور الثمرة ، وهل تصح بعد ظهورهما؟ فيه تردد ، والأظهر الجواز إن بقي للعامل عمل ، وإن قل مما يستزاد به الثمرة.

أقول : المساقاة جائزة قبل ظهور الثمرة إجماعا ، أما بعد ظهورها إذا بقي للعامل عمل يستزاد به الثمرة ، فقد تردد فيه المصنف ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الصحة ، ولأن المقصود من المساقاة زيادة النماء بسبب فعل العامل ، والتقدير انه حاصل ، وبه قال الشيخ في الخلاف محتجا بعموم الأخبار (1) الدالة على جواز المساقاة من غير تفصيل ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ومن ان المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو الصحة قبل الظهور دون ما بعده ، ولأن الثمرة إذا ظهرت كانت ملكا للمالك ، فاذا ساقاه عليها وشرط له منها جزءا كان قد شرط جزءا من ماله له ، فلا يصح كالمضاربة.

ص: 273


1- الوسائل ، كتاب المزارعة والمساقاة ، باب 9 ، حديث 2.

فرع : على الجواز بعد الظهور لو حصلت بعد بدو الصلاح كان زكاة الجميع على المالك خاصة لبدو الصلاح على ملكه من غير مشارك.

قال رحمه اللّه : ولا تبطل بموت المساقي ولا بموت العامل على الأشبه.

أقول : المساقاة عقد لازم كالإجارة ، والخلاف في بطلانها بالموت كالخلاف في بطلان الإجارة به ، فالقائل بالبطلان هناك قائل به هنا ، ومن لا فلا.

وعلى القول بعدم البطلان - وهو المعتمد - يقوم الوارث مقام العامل ان كان هو الميت ، فان امتنع الوارث من العمل لم يجبر عليه ، لأن العمل غير واجب عليه ، لأن الأعمال الواجبة على الإنسان إذا تعلقت ببدنه لا يجب على وارثه القيام بها عدا الصلاة على ما تقدم ، فمع امتناع الوارث من العمل يستأجر الحاكم من تركته ان كان له تركة ، ومع عدم التركة أو تعذر الاستئجار يفسخ المالك ان شاء وعليه اجرة العامل الى حين الموت إذا لم تظهر الثمرة ، وان كانت قد ظهرت بيعت حصة العامل منها ودفعت الى ورثته ، ولا أجرة حينئذ.

قال رحمه اللّه : وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به كالحناء والتوت تردد.

أقول : منشؤه من ان المساقاة المشروعة انما هي على الأصول التي لها ثمرة ينتفع بها مع بقاء أصلها ، والورق لا يسمى ثمرة لا باللغة ولا بالعرف. ومن ان الورق هنا يجري مجرى الثمرة المتجددة كل عام مع بقاء أصله وهو ينتفع به كالانتفاع (1) بالثمرة ، فيصح المساقاة عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والكش للتلقيح ، وقيل : يلزم ذلك العامل ، وهو حسن.

ص: 274


1- في « ن » : كانتفاعه.
2- ( التحرير ) لم ترد في « ر 2 ».

أقول : كون الكش على المالك مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة ، لأنه عين ماله ، والعامل لا يجب عليه غير العمل ، وكونه على العامل مذهب ابن إدريس ، لأن العمل لا يتم إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، واستحسنه المصنف والعلامة ، والأول هو المعتمد.

والخلاف في الثور الذي يدير الدولاب ، كالخلاف في الكش.

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يعمل غلام المالك معه جاز ، لأنه ضم مال الى مال ، ولو شرط ليعمل الغلام لخاصّ العامل لم يجز ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : ان يشترط ان يعمل غلام المالك لخاص العامل ، ومنشأ التردد فيه من انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، وهذا الشرط يقتضي كون الحصة مقابل بعض العمل ، وهو جائز ، وهو ظاهر المصنف واختيار العلامة ، وهو المعتمد.

ومن انه اشترط ان العوض له والعمل على غيره ، وهو غير جائز.

الثانية : إذا شرط على رب المال أجرة الأجراء ، أو شرط خروج أجرتهم من وسط الثمرة والباقي بينهما ، وهو لا يخلو اما ان يشترط أجرة الأجراء الذين جرت العادة باستئجارهم والاستعانة بهم وباقي العمل على العامل ، أو يشترط أن يستأجر على جميع العمل ولم يبق للعامل غير الاستعمال خاصة ، فإن كان الأول فقد قال الشيخ في المبسوط بالبطلان ، لأن المساقاة موضوعة على أن من رب المال المال ومن العامل العمل ، فان اشترط أن أجرة الأجراء على رب المال أو من الوسط اقتضى ان يكون على رب المال المال والعمل ، وهو غير جائز ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه شرط سائغ فيجب الوفاء به.

والمعتمد الجواز بشرطين : ان تكون الأجرة معلومة مقدرة حالة العقد ،

ص: 275

وان يبقى للعامل شي ء من العمل وان قل ، وان كان الثاني وهو أن يشترط الاستئجار على جميع العمل ولم يبق غير الاستعمال ، وهذا استشكله العلامة في القواعد : من ان العامل لا يملك الحصة ويستحقها الا بعمل الجميع أو البعض ، وهذا لا يعمل شيئا ، والاستعمال لا يسمى عملا.

ومن ان الاستعمال يجري مجرى العمل ، لحصوله بواسطة الاستعمال ، والمعتمد البطلان ، لأن المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على موضع الوفاق ، فيكون له اجرة الاستعمال ، لأنه يجري مجرى الوكيل بجعل.

ونفقة الغلمان الذين يشترط عملهم على سيدهم ، فان اشترطها على العامل جاز مع التقدير لا مع عدمه ، ونفقة الأجراء على أنفسهم إلا مع الشرط ، فيجب تقديرها.

قال رحمه اللّه : ولو شرط مع الحصة من النماء حصة من الأصل الثابت لم يصح ، لأن مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه شرط يقتضي مخالفة العقد ، وكل شرط يقتضي مخالفة العقد فهو باطل ، لأن مقتضى عقد المساقاة كون الحصة من النماء دون الأصل ، فإذا اشترط من الأصل شيئا ، فهو كما لو اشترط العامل في مال القراض شيئا من رأس المال مضافا إلى حصته من الربح ، وهو باطل ، فكذا هنا ، وبه قال الشيخ وابن إدريس وفخر الدين ، وهو المعتمد.

ومن انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولأنه كما لو اشترط شيئا غير الحصة من غير الأصل - كما لو اشترط ذهبا أو فضة أو غير ذلك - فهو جائز ، فكذا هنا.

والجواب حصول الفرق بين ان يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به ، وبين ان يكون منه ، لأن جعل العوض الحاصل للعامل - وهو الحصة من النماء -

ص: 276

مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه ، فاذا صار له جزء من الأصل لم يحصل العمل بجميع المال للمالك ، وإذا لم يعمل بجميع المال المملوك للمالك لم يستحق مجموع الحصة المشترطة لا خلاله بالشرط ، وهو العمل بالجميع فيبطل العقد ويكون للعامل اجرة مثل عمله ، وللمالك مجموع الفائدة.

قال رحمه اللّه : ولو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة ، لأن الحصة لم تتعين ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة وعدم حصول الجهالة لتعيين العملين والحصتين ، فأي عمل عمله كانت الحصة عليه معلومة. ومن ان الترديد بين العملين والحصتين يقتضي عدم تعيين المعقود عليه من العمل والحصة ، ومع عدم التعيين يحصل الجهالة المفضية إلى البطلان ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها ، فان كان بعد بدو الصلاح جاز ، وان كان بعد ظهورها ، وقيل : بدو صلاحها بشرط القطع صح إن استأجره بالثمرة أجمع ، ولو استأجره ببعضها ، قيل : لا يصح لتعذر التسليم ، والوجه الجواز.

أقول : صحة الإجارة وعدمها قبل بدو صلاحها مبني على صحة البيع قبله ، فمن قال بصحته بشرط القطع قال بالصحة هنا بشرط القطع أيضا ، ومن قال بالصحة مطلقا قال بها هنا أيضا ، والمعتمد بجواز الاستئجار لها بعد الظهور ، سواء كان بالكل أو البعض ، وسواء شرط القطع أو لم يشترطه ، لجواز البيع كذلك على الصحيح من المذهب.

قال رحمه اللّه : إذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على الآخر بكذا ، قيل : يبطل ، والجواز أشبه.

أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمه اللّه ، قال في المبسوط : إذا قال ساقيتك

ص: 277

على هذا الحائط بالنصف على ان أساقيك على هذا الحائط الآخر بالثلث ، بطل ، لأنه بيعان في بيعة واحدة ، لأنه ما رضي ان يعطيه هذا النصف إلا ان يأخذ منه الآخر بالثلث ، وهكذا في البيع إذا قال : بعتك عبدي هذا بألف على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ، فالكل باطل ، لأن قوله : ( على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ) ، وعد من صاحب العبد فهو بالخيار بين الوفاء وبين الترك ، والمعتمد الجواز في الموضعين البيع والمساقاة معا ، لأنه شرط سائغ ، فلا مانع منه ، فان حصل الوفاء به ، وإلا كان البائع والمساقي بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، وبه قال المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : إذا هرب العامل لم تبطل المساقاة فإن بذل العمل عنه باذل ، أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه ، فلا خيار وإن تعذر ذلك ، كان له الفسخ ، لتعذر العمل ولو لم يفسخ وتعذر الوصول الى الحاكم ، كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ، ويرجع عليه على تردد ، ولو لم يشهد ، لم يرجع.

أقول : المساقاة عقد لازم لا تبطل بهرب العامل ، ولكن صاحب النخل يحتاج الى ان يرفع امره الى الحاكم ليثبت عنده العقد ، فيطلبه الحاكم ، فان وجده ألزمه العمل ، وان لم يجده وكان له مال استأجر منه من يقوم مقامه ، وان لم يكن له مال وكان في بيت المال شي ء استأجر من بيت المال قرضا على العامل ، فان لم يكن في بيت المال شي ء ووجد من يتطوع بإقراضه استقرض عليه ، فان لم يجد المتطوع بالإقراض ولم يتطوع المالك بالإقراض ولا بالعمل ، قال له الحاكم : قد تعذر العمل من جهة العامل ، فلك ان تفسخ ، فاذا فسخ لا يخلو إما ان يكون الثمرة قد ظهرت أو لم تظهر ، فان لم تظهر بعد ، كان على المالك اجرة عمله الى حين الفسخ ، لأنه عمل عملا غير متبرع به ولم يسلم له الحصة المشترطة ، فيكون له الأجرة ، وان كانت قد ظهرت صار شريكا فيها بنسبة حصته ، فيقال للمالك

ص: 278

أتختار ان يبيع نصيبك من الثمرة؟ فإن قال : نعم ، بيعت في موضع يصح بيعها ، وقسمه بالقيمة على قدر الحصص ، وإلا بيعت حصة العامل على مالك النخل أو على غيره.

هذا كله مع وجود الحاكم ، وإمكان الوصول اليه ، ومع غيبته أو عدم التمكن من الوصول اليه ، قال المصنف : ( كان له ان يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع عليه على تردد ). ومنشؤه من أنه أنفق على مال غيره بغير اذنه ولا اذن الحاكم ، فلا رجوع له لأصالة براءة الذمة.

ومن ان الرجوع هنا لمكان الضرورة ، لأنه لو لم يجز الرجوع عليه بما أنفقه مع وجوب دفع حصته اليه ، لزم الضرر المنفي ، أما لو كان الإنفاق بغير اذن الحاكم مع القدرة على استئذانه ، فإنه لا يرجع إجماعا ، وإن اشهد.

فرع : إذا لم يشهد على ان هذه النفقة دين على العامل ، ونوى ذلك في نفسه ، هل له ان يرجع عليه؟ استشكل ذلك العلامة في القواعد ، ومنشؤه : من ان الإشهاد ، هل هو شرط في جواز الرجوع ، أو الشرط هو نية الرجوع ، والإشهاد لأجل الثبوت؟

الظاهر الأول ، لأن الشارع علق جواز الرجوع على استئذان الحاكم مع إمكانه ، أو الإشهاد مع عدمه ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يعلم السبب ، وهو غير معلوم ، مع عدم هذين الشرطين.

ويحتمل الرجوع بمجرد النية ، لأن الإشهاد لا يفيد إثبات حق في ذمة الغير ، وانما فائدته إثبات عدم التبرع ، وعدم التبرع يحصل بنية الرجوع ، فالمفيد للرجوع هو نية عدم التبرع ، فاذا ثبت ذلك بإقرار الخصم جاز له الرجوع ، والأول ظاهر المصنف ، لأنه أطلق عدم الرجوع مع عدم الإشهاد ، وهو اختيار

ص: 279

العلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومع ثبوت الخيانة هل يرفع يده أو يستأجر من يكون معه من أصل الثمرة؟ والوجه أن يده لا ترفع عن حصته من الربح ، وللمالك رفع يده عما عداه ، ولو ضم المالك إليه أمينا كان أجرته على المالك خاصة.

أقول : إذا ثبت خيانة العامل إما بإقراره أو بالبينة أو بنكوله عن اليمين مع يمين صاحب النخل ، قال المصنف : ( الوجه انه لا يرفع يده عن حصته ) ، ووجه هذا الوجه ان الخيانة توجب رفع اليد عن مال الغير لا عن مال نفسه.

ويحتمل رفع يده عن الجميع ، لأنه لا يتم رفع اليد عن مال الغير إلا مع رفع يده عن الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

والأول اختيار المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

تنبيه : صورة رفع يده عن حصة المالك مع بقائها على حصته هو ان يضم اليه من يشاركه في العمل بمقدار حصة المالك ويكون مستوليا على حصة المالك وعاملا بها ، والعامل يختص من العمل بمقدار حصته مع اشتراك الثمرة بينهما ، ويكون استيلاء العامل الثاني على العمل بمقدار حصة المالك ، وتصرفه بها رفعا ليد العامل الأول عنها وان كانت لا تتميز عن حصة العامل ، ولا يتوهم احد ان رفع يده عن حصة المالك مع بقاء حصته هو ان يقتسما الثمرة ثمَّ يتصرف كل واحد منها بحصته ، لأن قسمة الثمن قبل الفراغ من جميع ما يحتاج اليه من العمل غير جائز ، لأن العامل لا يستقر ملكه على حصته منها إلا بتمام العمل جميعه على وجه الشياع ، لأن من شرط صحة المساقاة كون الحصة مشاعة إلى حين الفراغ من العمل ليكون التالف منهما والباقي لهما ، فالقسمة قبل ذلك تنافي هذا الحكم ، لاحتمال تلف احد النصيبين أو بعضه دون الآخر فيختص الآخر بمجموع الباقي أو بأكثر مما شرط له ، وهو غير جائز.

ص: 280

فإذا عرفت هذا فأجرة هذا الأجير من أصل الثمرة كما قاله المصنف ، لأن عمله لهما ، أما كونه للعامل فلأن جميع العمل واجب عليه ، وهذا قد عمل بعضه ، وأما كونه للمالك فلأن العمل لمصلحته ليسلم ما له من الخيانة ، إذ لو لا مصلحته لما جاز ضم هذا الأجير إلى العامل ، وإذا كان العمل لهما كانت الأجرة عليهما.

ويحتمل كون الأجرة من خاص العامل ، لأن العمل واجب عليه ، وقد تعذر استيفاؤه منه بسبب خيانته ، فيجب عليه بذل العوض ، وهو اجرة العامل ، وهو قوي.

أما لو ضم المالك إليه أمينا حافظا من غير ان يعمل شيئا ولا يرفع يد العامل عن شي ء كانت أجرته على المالك خاصة ، لأن عمله له خاصة.

ولو عجز العامل عن القيام بالعمل أو بعضه مع كونه أمينا استؤجر من يعمل جميع العمل أو بعضه ، وكانت الأجرة من خاص العامل ، لأن مجموع العمل له.

فرع : لو لم يمكن الأمين الحفظ لكون العامل قويا باطشا لا يمكن التحرز منه رفعت يده عن الجميع ، والزم اجرة عامل يقوم مقامه ليحصل الجمع بين العمل وحفظ مال المالك.

قال رحمه اللّه : وقيل له الرجوع على العامل بالجميع ان شاء ، لأن يده عادية ، والأول أشبه ، إلا بتقدير ان يكون العامل عالما به.

أقول : مذهب المصنف ، وهو الرجوع على العامل بالنصف خاصة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، لأنه لم يقبض الثمرة كلها ، وانما كان حافظا لها نائبا عن الغاصب.

وقيل : يرجع عليه بالجميع لما قاله المصنف : ( لأن يده عادية ) ثمَّ يرجع على الغاصب ، لأنه غرّه ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأيدي إذا تعاقبت

ص: 281

على المغصوب تخيّر المالك في تضمين من شاء.

ص: 282

كتاب الوديعة

اشارة

ص: 283

ص: 284

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو عين له موضع الاحتفاظ ، اقتصر عليه ، ولو نقلها ضمن الا الى الأحرز أو مثله على قول.

أقول : إذا دفع إليه الوديعة لا يخلو إما ان يعين له الحرز أو لا يعينه ، بل جعل النظر اليه أو يعين حرزا ولم ينهه عن النقل عنه أو نهاه ، وأطلق أي لم يقل : وان تلفت ، أو قال : ولا ينقلها عنه وان تلفت ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان لا يعين موضع الحفظ ، فاذا تركها في موضع جاز له نقلها الى غيره ، سواء كان مثل الأول أو أعلى أو أدون إذا كان حرز مثلها ؛ لأن الإيداع اقتضى حفظ الوديعة في حرز مثلها ، والمالك قد وكل النظر اليه ورضي باجتهاده حيث لم يعين موضع الحفظ ، فله الوضع حيث شاء بشرط ان يكون حرز مثلها ، ولا ضمان عليه في ذلك.

الثاني : عين الحرز ولم ينهه عن النقل عنه ، قال الشيخ في المبسوط : فان نقلها الى ما يماثله لم يضمن ؛ لأن صاحبها رضي بأن يكون في ذلك الموضع أو مثله ، فصار كما لو استأجر أرضا ليزرعها طعاما فله ان يزرع ما يكون ضرره

ص: 285

مثل ضرر الطعام أو دونه.

واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، واختار في المختلف عدم جواز النقل والضمان به ، بناء على ان الأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضده. هذا مع عدم الخوف عليها في ذلك الموضع الذي عينه المالك ، أما مع الخوف فإنه يجب نقلها ولو ترك النقل مع المكنة ضمن ان تلفت.

الثالث : ان يعين الموضع ويمنعه من النقل الى غيره ، ويطلق المنع ، أي لم يقل : وان تلفت ، هذا يضمن بالنقل ، سواء كان الى الأعلى أو الأدنى أو المثل ؛ لأن صاحبها قطع اجتهاد المستودع حيث عين الموضع ونهاه عن النقل.

ولو حصل خوف من نهب أو لص أو حريق وجب النقل ، فلو لم ينقلها مع الخوف احتمل الضمان ؛ لأنه كان مأمورا بالنقل ولم يفعله ، فيكون ضامنا وهو المعتمد.

ويحتمل عدم الضمان ؛ لأن المالك نهاه عن النقل ، فاذا امتثل امره لم يكن ضامنا.

الرابع : إذا قال : لا تنقلها وإن تلفت ، فحصل الخوف ، جاز نقلها وتركها ، ولو تلفت في أحد الوجهين فلا ضمان ؛ لأن الشارع أذن له بالنقل عند الخوف ، والمالك أذن له بالترك عنده ، فهو كما لو سلطه على تلفه ، فلا ضمان مع اتباع أحد الأمرين.

فرع : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى الودعي النقل خوف الحريق أو النهب أو الغرق ، فإنه لا يقبل قوله إلا بالبينة ؛ لأن مثل ذلك لا يخفى ، وكل موضع يدعي السرقة أو الغصب أو يقول : تلفت من غير تفريط ، فإنه لا يقبل قوله إلا مع اليمين ، والفرق إمكان إقامة البينة على الأول دون الثاني.

وقال العلامة : يقبل قوله مطلقا ، سواء ادعى أمرا خفيا أو ظاهرا ، لما رواه

ص: 286

الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه السلام « قال : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان » (1).

قال رحمه اللّه : ولو كان الغاصب مزجها بماله ، ثمَّ أودع الجميع فإن أمكن المستودع تمييز المالين رد عليه ماله ومنع الآخر ، وان لم يمكن تميزهما وجب إعادتهما على الغاصب.

أقول : هذه المسألة مخالفة للأصل ، لأنها تتضمن دفع مال الغير الى غير مالكه مع كونه غاصبا ، وهو غير جائز إلا أن عمل أكثر الأصحاب على ذلك.

قال ابن إدريس : ولو كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما عن الآخر ردّ جميعها الى المودع متى طلبها بدليل إجماع أصحابنا. فقد ظهر ان المسألة إجماعية ، والعلامة حكم في القواعد بما هو فتوى الأصحاب ، ثمَّ استشكل ذلك.

قال فخر الدين : منشؤه من قول الأصحاب ، ثمَّ نقل قول ابن إدريس هذا الذي نقلناه ، ثمَّ قال : ومن انه رد الغصب الى الغاصب وهو لا يجوز ، والأولى رده الى الحاكم. هذا كلامه رحمه اللّه ، ولا بأس بالعمل على ما اجتمعت عليه الأصحاب ، لأن الإجماع حجة.

ص: 287


1- الوسائل : كتاب الوديعة ، باب 4 ، حديث 1.

ص: 288

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا أنكر الوديعة أو اعترف وادعى التلف أو الردّ ولا بينة ، فالقول قوله ، وللمالك إحلافه على الأشبه ، أما لو دفعها الى غير المالك وادعى الإذن ( فأنكر ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وان صدقه على الاذن ) (1) لم يضمن وان ترك الاشهاد على الأشبه.

أقول : في هذا الكلام مباحث :

الأول : إذا ادعى عليه الوديعة فأنكر ، كان القول قوله مع اليمين بلا خلاف ، لقوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2).

الثاني : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ ادعى التلف كان القول قوله ، وظاهر المصنف قبول قوله مطلقا ، كما هو مذهب العلامة. والشيخ فرّق بين ان يدعي التلف بسبب ظاهر كالنهب والحرق والغرق ، وبين ان يدّعيه بسبب خفي كالسرقة وما شابه ذلك ، وحكم بعدم قبول قوله بالأول من غير بينة ، لإمكان إقامتها على

ص: 289


1- ما بين القوسين لم يرد في الشرائع.
2- المستدرك ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 4.

ما يدعيه ، ولقبولها بالثاني من غير بينة مع اليمين ، وقد أشرنا الى ذلك فيما مضى.

الثالث : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ ادعى الرد ، قال المصنف فالقول قوله ، وللمالك إحلافه على الأشبه ، وظاهر قوله : ( على الأشبه ) عائد إلى احتمال عدم إحلافه ، وليس كذلك ، لأنه لا خلاف في إيجاب اليمين عليه على القول بأن القول قوله ، بل عائد إلى قوله : ( فالقول قوله على الأشبه وللمالك إحلافه ).

إذا عرفت هذا : فالقول بأن القول قوله هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه فتوى الجميع وان استشكله بعضهم بعد الفتوى ، لاحتمال ان يكون القول قول المالك ، لأنه منكر ، وقد قال عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، ولم أجد قائلا بهذا الاحتمال ، بل الفتاوي متطابقة على ان القول قول الودعي ، لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك ، فيكون قوله مقبولا بالرد ، وهو المعتمد.

تنبيه : انما يقبل قوله بالرد على من ائتمنه خاصة ، أما لو مات المالك فادعى الودعي الرد على وارثه لم يقبل إلا بالبينة ، لأنه غير أمين للوارث ، وكذا لو مات الودعي فادعى وارثه الرد على المالك ، لأنه لم يكن أمينا للمالك ، ولو أراد السفر فأودعها ثقة لتعذر المالك والوكيل والحاكم ، فادعى الثقة ردها على المالك لم يقبل إلا ببينة لما قلناه ، ولو ادعى ردها الى المستودع الأول ، قبل قوله مع اليمين ، لأنه ادعى على من ائتمنه ، ولو ادعى من طير الريح ثوبا الى داره رده الى مالكه لم يقبل إلا بالبينة ، لأنه لم يكن أمينا له باختياره.

ولو قال المالك : ( إذا سافرت أو دعها فلانا ) ، فأودعه ، فادعى الرد على المالك قبل قوله مع اليمين ، لأنه ادعى الرد الى من ائتمنه ، ولو ادعى دفعها الى المستودع الأول لم تقبل إلا بالبينة ، لأنه لم يكن أمينا له ، بل هو أمين للمالك.

ص: 290


1- تقدم ص 289.

وإذا ادعى الاذن بالدفع الى غيره فصدقه على الاذن وأنكر الدفع ، قال المصنف : ( لم يضمن وان ترك الاشهاد على الأشبه ) ، واختاره العلامة في القواعد ، لأنه قال : ولو صدق الإذن وأنكر التسليم فكدعوى الرد أي كدعوى الرد على المالك ، وقد اختار ان القول قول المستودع في الرد ، وجزم في التحرير بعدم الضمان وان ترك الاشهاد ، ووجهه كونه أمينا ، والاحتمال الوارد في دعوى الرد على المالك وارد هنا ، فلهذا قال : ( على الأشبه ).

وفرّق الشيخ بين ان يكون الأمر بالدفع الى الغير على سبيل الإيداع له ، وبين ان يكون على سبيل الإبقاء ، وقوى في الأول عدم الضمان مع ترك الاشهاد ، وحكم في الثاني الضمان مع تركه ، لأن الإذن بقضاء الدين للبراءة منه ، وهي لم تحصل بدون الإشهاد ، بخلاف الوداعة فإنها مبنية على الإخفاء ، ولا يشترط الإشهاد.

قال رحمه اللّه : إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الإنكار فصدقها ثمَّ ادعى التلف قبل الإنكار لم تسمع دعواه ( وعدم قبول بينته ) (1)) ، لاشتغال ذمته بالضمان ، ولو قيل : تسمع دعواه وتقبل بينته كان حسنا.

أقول : عدم سماع دعواه وعدم قبول بينته مذهب الشيخ رحمه اللّه ، لأنه بإنكار الوديعة مكذب لدعوى الهلاك ولا تقبل هذه الدعوى ، وإذا كانت الدعوى غير مسموعة لم تقبل البينة بها ، لأن البينة فرع الدعوى.

وقال ابن الجنيد : يقبل دعواه ، لأن إنكاره يجوز ان يكون عن سهو أو نسيان. والمعتمد ان كان صورة الإنكار نفي الإيداع لا تقبل دعواه ولا يسمع بينته.

قال رحمه اللّه : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ مات ، وجهلت عينها ، قيل : تخرج

ص: 291


1- لم يرد في الشرائع.

من أصل تركته ، ولو كان له غرماء وضاقت التركة حاصّهم المستودع ، وفيه تردد.

أقول : إذا حضرته الوفاة وعنده وديعة كان حكمها كما لو أراد السفر وعنده وديعة ، وهو ردها الى مالكها أو وكيله ، فان فقدهما فالى الحاكم ، فان تعذر الجميع وجب عليه إظهار أمرها والإشهاد عليها والإيصاء بها الى الثقة ليدفعها الى صاحبها ، فان لم يفعل ذلك يكون قد أتلفها على صاحبها ، لانتقال التركة إلى الورثة بالموت ، وقولهم مقبول بعدم الوديعة فلو لم يوص كان ضامنا ، وكذا لو اوصى الى الفاسق.

إذا عرفت هذا فاذا اعترف بالوديعة ووصفها بصفتها المميزة لها عن غيرها ثمَّ مات ، وجهلت عينها ، هل يخرج من أصل تركته ويكون صاحبها شريكا للغرماء لو كان عليه ديون؟ تردد المصنف في ذلك ، والظاهر ان تردد المصنف من احتمال الضمان وعدمه.

ووجه الضمان انه اعترف بوجود الوديعة عنده ، والأصل بقاؤها ، وجهل عينها لا يوجب عدم الضمان ، لعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1).

ووجه احتمال عدم الضمان ان الودعي أمين لا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط ، والأصل عدمه لاحتمال تلف الوديعة من غير تفريط ، والأصل براءة الذمة.

واعلم ان العلامة ذكر هذه المسألة في موضعين من القواعد ، قال في الأول : أما لو قال : ( عندي ثوب ) ولم يوجد في التركة ثوب ، لم يضمن تنزيلا على التلف قبل الموت على إشكال ، وفي الثاني : لو مات المستودع ولم توجد الوديعة في

ص: 292


1- المستدرك ، كتاب الوديعة ، باب 1 وجوب أداء الأمانة ، حديث 12.

تركته ، فهي والدين سواء على اشكال ، فعميد الدين رحمه اللّه لم يفرق بينهما ، وجعل منشأ الإشكال فيهما من احتمال الضمان وعدمه ، وفخر الدين رحمه اللّه فرق بينهما ، وجعل منشأ الإشكال في الأول من احتمال الضمان وعدمه ، وجعل موضوعها أصل الضمان ، وجعل موضوع الثانية كيفية الضمان ، بمعنى ان الوديعة ، هل تقدم على الدين ويخرج قيمتها أو لا والنقص يدخل على الغرماء أو حكمها حكمه؟ ثمَّ اختار تقديمها عليه لتعلقها بعين التركة كالرهن.

ولمانع ان يمنع حجة فخر الدين ، لأن الدين متعلق بعين التركة أيضا بلا خلاف ، وانما الخلاف في صفة تعلقه ، هل هو كتعلق الدين بالرهن أو كتعلق الأرش برقبة الجاني؟ وإذا ثبت ان الدين متعلق بالتركة فلا ترجيح ، والقياس على الرهن باطل ، لأن تقديم صاحب الرهن لتعلق حقه بعين مشخصة مميزة عن غيرها ، بخلاف الوديعة ، لأنها غير متميزة ولا مقطوع ببقائها فافترقا ، فكما لو كان الرهن مقبوضا بيد المالك ثمَّ مات ولم يوجد في التركة فإنه لا يختص بقيمته فكذا في الوديعة ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأمل.

وقطع العلامة في التحرير بمشاركة الغرماء من غير تردد ، وهذا الحكم مختص فيما إذا اعترف بالوديعة حال موته إذا قامت البينة انه مات وهي عنده.

اما لو كان عنده وديعة حال حياته ، ثمَّ مات ولم يعترف بها ، ولا قامت البينة بأنه مات وهي عنده ، هل يكون ضامنا لها؟ استشكله في القواعد والتحرير ، من عموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1) ، ومن أصالة البراءة ما لم يتحقق السبب ، وهو غير متحقق.

فروع :

الأول : لو وجد كيس مختوم في التركة وعليه مكتوب : بأنه وديعة فلان ، لم

ص: 293


1- ص 292 المصدر المتقدم.

يجب تسليمه اليه إلا بالبينة ، لاحتمال ان يكون اشتراه من مالكه ، وترك العلامة عليه.

الثاني : لو قال : ( عندي ثوب وديعة ) ، ولم يصفه ، وفي تركته أثوابا ، كان ضامنا لتفريطه بعدم التمييز ، فهو كما لو خلط الوديعة بغيرها.

ولو وجد في التركة ثوب واحد احتمل تنزيل الوصية عليه ، ويجب دفعه الى الموصى له ، ويحتمل الضمان لعدم التبيين ، وعدم وجوب دفع الثوب الموجود ، لاحتمال ان يكون غير الموصى به ، وهو قوي.

الثالث : يجب ان يميزها حالة الوصية ، إما بالإشارة إلى عينها بحضرة الشهود ، أو بذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، فلو قال : ( عندي وديعة ) ، ولم يميزها بما ذكرناه فهو كما لو لم يوص لعدم الفائدة حينئذ ، ويكفي ذكر الجنس من دون الوصف ، ويكفي الإشارة وان لم يذكر الجنس والوصف.

قال رحمه اللّه : إذا فرط واختلفا في القيمة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : القول قول الغارم مع يمينه ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخان : القول قول المالك ، لأن المستودع صار خائنا ، فلا يكون قوله مسموعا. وقال أبو الصلاح : القول قول المستودع. وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه غارم ، والأصل براءة ذمته.

ص: 294

كتاب العارية

اشارة

ص: 295

ص: 296

في المستعير

قال رحمه اللّه : ولو استعار من الغاصب وهو لا يعلم ، كان الضمان على الغاصب ، وللمالك إلزام المستعير بما استوفاه من النفقة ، ويرجع على الغاصب ، لأنه أذن له في استيفائها بغير عوض ، والوجه تعلق الضمان بالغاصب حسب.

أقول : يحتمل تعلق الضمان بالغاصب حسب وليس للمالك ان يرجع على المستعير بشي ء مع جهله بالغصب ، لأنه تصرف تصرفا مشروعا في ظاهر الشرع ، فلا يتعقبه ضمان ، وإلا لزم تكليف العاقل ، وهو محال ، والمعتمد كونه مخيرا بتضمين المنافع والعين مع تلفها بين ان يضمن الغاصب أو المستعير ، لأن كل يد تترتب على الغاصب يد ضمان ، فان ضمن الغاصب لم يرجع على المستعير مع جهله ، ويرجع عليه مع علمه ، ولو ضمن المستعير لم يرجع على الغاصب مع علمه ، ويرجع عليه مع جهله ، لأنه غيره.

فرع : إذا استعار من الغاصب وهو جاهل بالغصب استقر الضمان على الغاصب ، لأنه لو رجع على المستعير رجع المستعير على الغاصب ، فلو كانت العين ذهبا أو فضة أو شرط الغاصب الضمان على المستعير ، هل يستقر الضمان على

ص: 297

المستعير مع جهله؟ يحتمل ذلك ، لأنه دخل على انه ضامن ، ويحتمل العدم لظهور فساد الشرط لوقوعه من غير المالك ، والفاسد لا يترتب عليه اثر ، والضمان أثر الشرط ، وقد بان فساده.

والمعتمد استقرار ضمان العين ان تلفت على المستعير ، لأنه دخل على ان يكون ضامنا لها مع التلف ، وقد حصل ، فلا يكون مغرورا.

وأما ضمان المنافع ونقص العين بالاستعمال ، فهو يستقر على الغاصب ، لأن المستعير دخل على عدم الضمان فيهما.

ص: 298

في العين المعارة

قال رحمه اللّه : ويصح استعارة الأرض للزرع والغرس والبناء ، ويقتصر المستعير على القدر المأذون فيه ، وقيل : يجوز ان يستبيح ما دونه في الضرر ، كأن يستعير أرضا للغرس فيزرع ، والأول أشبه.

أقول : قال ابن إدريس : فإذا أذن صاحب الأرض للمستعير في الغراس أو البناء ، فزرع جاز ، لأن ضرر الزرع أخف من ضرر ما اذن فيه. وهو اختيار العلامة في القواعد ، قال : ولو أذن له في زرع الحنطة تخطى الى المساوي والأدون لا الأضر.

والمصنف اقتصر على مورد الإذن ، لأن التصرف في مال الغير بغير اذنه غير جائز ، وإذا تصرف في غير المأذون فيه يصدق عليه انه تصرف بمال الغير بغير اذنه.

تنبيه : لا يجب في العارية تعيين جهة الانتفاع وان تعددت وتفاوتت ، فاذا أعاره أرضا وأطلق ، جاز البناء والغرس والزرع ، وان عين الغرس وأطلق غرس ما شاء من الأشجار والنخل ، ولا يجوز البناء لاختلاف ضررهما ، لأن

ص: 299

ضرر الغراس تحت الأرض أكثر لانتشار عروقه في الأرض ، وضرره فوق الأرض أقل من البناء ، لأنه يمكن الزرع تحته ، والبناء بالعكس ، لأنه لا يمكن الزرع تحته فيكون ضرره فوق الأرض أكثر وليس له عروق تمتد تحت الأرض ، فيكون ضرره تحت أقل.

ولو أذن في الزرع وأطلق ، زرع ما شاء وليس له الغرس ، وإذا انتهى الزرع لم يكن له ان يزرع غيره إلا بإذن جديد ، قال في التذكرة : وفيه نظر ، لأن للمستعير الانتفاع بالعارية المطلقة ما لم ينهه المالك.

قال رحمه اللّه : ولو أذن له بالبناء والغرس ، ثمَّ أمره بالإزالة ، وجبت الإجابة ، وكذا في الزرع ، ولو قبل إدراكه على الأشبه ، وعلى الآذن الأرش.

أقول : فرق الشيخ وابن إدريس بين الزرع وبين البناء والغرس ، وجوز الرجوع في إذن البناء والغرس بعد الفعل ، لأنهما للتأبيد ، فلا يجب على المعير الصبر في ذلك ، ولم يجوز الرجوع في إذن الزرع بعده قبل انتهائه ، لأن له وقتا ينتهي اليه ، فلا يجوز الرجوع قبله ، لما في ذلك من الضرر على المستعير.

والمصنف اختار عدم الفرق ، وهو مذهب العلامة وابنه ، لأن العارية ليست لازمة ، فللمعير الرجوع متى شاء والضرورة تزول ببذل الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته قائما وبين قيمته مقلوعا.

والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يكون الرجوع في الاذن قبل الفعل أو بعده ، فان كان قبل الفعل ، ثمَّ زرع أو غرس أو بنى بعد ذلك ، كان حكمه حكم الغاصب إذا كان عالما بالرجوع ، ولو لم يعلم بالرجوع فبنى أو غرس أو زرع بعده ، فهل للمالك الإزالة من غير أرش؟ يبنى على ان المأذون في أمر ، هل يبطل تصرفه مع رجوع الإذن وان لم يعلم المأذون له بالرجوع؟ يأتي ذلك إنشاء اللّه تعالى في باب الوكالة (1).

ص: 300


1- يأتي ص 339.

والمعتمد عدم وجوب الإزالة من غير أرش ، وإلا لزم تكليف الغافل وهو محال ، وان كان الرجوع بعد الفعل ، فلا يخلو إما ان يقيد الإذن بمدة معلومة أو لا ، وعلى التقديرين إما ان يشترط القلع بعد انتهاء المدة في صورة تقديرها ، أو متى شاء في صورة عدم التقدير ، أو لا يشترط القلع ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان لا يعين مدة ولا يشترط القلع ، وهذا لا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في استحقاق الأرش ، قال قوم : لا يجب الأرش ، لأن له المطالبة بتفريغ ملكه متى شاء ، لأنه غير مستحق للبقاء ، والعارية لا يتعقبها ضمان ، وقيل : ليس له الإزالة إلا مع ضمان الأرش ، لأنه غرس مأذون فيه ، وفي الإزالة ضرر على مالكه ، فيجب الأرش على المزيل ، لأنه لتفريغ ملكه ، وهو المعتمد.

فرع : لو اختار المستعير القلع وكره المالك ذلك ، كان له القلع إجماعا ، وهل عليه طم الحفر؟ يحتمل ذلك ، لأنه نقص ادخله على مال الغير من غير اذنه لتخليص ماله ، فكان عليه أرشه ، وهو طم الحفر ليعيد الأرض كما كانت.

ويحتمل العدم ، لأن المالك لما إعارة الأرض للغرس مع علمه ان له أخذ غروسه متى شاء ، وذلك تشويش الأرض وحفرها كان ذلك إذنا في القلع ، فلا يجب عليه الطم.

الثاني : ان لا يعين مدة ويشترط القلع متى شاء ، وهنا لا يجب على المالك أرش الغرس ولا على المستعير طم الحفر ، لأن المستعير دخل على انه متى امره المعير بالإزالة أزاله ، وهو يعلم ان ازالته تقتضي نقص الغرس ، والمعير أذن في ذلك مع علمه ان الإزالة تقتضي تشويش الأرض ، فهو كما لو أعاره ثوبا فلبسه حتى خلق ثمَّ رده عليه ، فكما لا يضمن ما نقص من الثوب بالاستعمال لعلم المعير بالنقص ، كذلك لا يضمن نقص الأرض بالحفر لعلم المعير به.

ص: 301

الثالث : ان يتقيد الإذن (1) بمدة معلومة ولا يشترط القلع بعدها ، وهنا هل يجوز القلع قبل انتهاء المدة؟ قال الشيخ وابن الجنيد لا يجوز ، وقال العلامة بالجواز ، وهو ظاهر المصنف ، لأنه أطلق ذلك لكن بشرط الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما إلى انتهاء المدة ، وأما بعد انقضاء المدة فلا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في الأرش.

واختار العلامة في القواعد والتحرير وجوب القلع مجانا ، ولو اختار المالك الإزالة قبل انتهاء المدة أو بعدها ، كان له ذلك ، وهل يجب عليه طم الحفر؟ سبق احتمال ذلك في الفرع السابق ، والمعتمد وجوبه ، لأنه نقص دخل على مال الغير لتخليص ماله.

الرابع : ان يقيد بمدة معلومة ثمَّ يشترط القلع بعدها ، وهنا لا يجب أرش نقص الغرس ، ولا يجب طم الحفر سواء اتفقا على القلع بعد انقضاء المدة أو اختلفا ، لاتفاقهما عند الاذن على ذلك ، فلا يؤثر اختلافهما بعده.

قال رحمه اللّه : ولو أعاره حائطا ليطرح خشبة ، وطالبه بالإزالة كان له ذلك ، إلا أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير فيؤدي إلى خرابه ، وإجباره على ازالة جذوعه عن ملكه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن ان العارية عقد جائز ، لكل منهما الرجوع ، والنقص الذي يدخل على ملك الغير يجبر بالأرش. وعدم جواز الإزالة مذهب الشيخ وابن إدريس ، وجوازها مع ضمان الأرش مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اذن له في غرس شجرة ، فانقلعت جاز أن يغرس غيرها استصحابا للإذن الأول ، وقيل : يفتقر إلى إذن مستأنف ، وهو أشبه.

ص: 302


1- في « ن » و« ر 2 » : الأول.

أقول : المعتمد عدم جواز الغرس إلا بإذن جديد : لأن الإذن لم يتناول غير تلك الشجرة المعينة ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، أما لو انقلعت الشجرة المأذون في غرسها في غير الوقت المعتاد قلعها فيه ، فله ان يغرسها ثانيا من غير اذن ان كانت صالحة للغرس.

ص: 303

ص: 304

في الأحكام المتعلقة بها

اشارة

قال رحمه اللّه : ويجوز للمستعير ان يبيع غروسه وأبنيته في الأرض المستعارة للمعير ولغيره ، على الأشبه.

أقول : قوى الشيخ رحمه اللّه عدم جواز بيعها على غير مالك الأرض لعدم إمكان التسليم ، وهو مبني على عدم دخول صاحب الغرس اليه بعد رجوع المعير في العارية ، فيمتنع التسليم حينئذ ، والمصنف والعلامة جواز البيع بناء على جواز الدخول إذا كان لمصلحة الغرس كالسقي والتلقيح ، فان اتفقا على بيع الأرض والغراس معا بيعا بثمن واحد ثمَّ يقسط على القيمتين ، فيقال : كم قيمة هذه الأرض لو بيعت منفردة عن الغراس مع كون الغراس فيها الى ان يموت؟ فاذا قيل : مائة مثلا ، قيل : كم قيمة هذا الغراس لو بيع منفردا عن الأرض مع استحقاقه للبقاء في الأرض إلى حين يموت ويستقلع؟ فاذا قيل : خمسون مثلا ، قسط الثمن على القيمتين ، وكان لكل منهما قيمة حقه.

ولو بيع الغرس منفردا عن الأرض قوّم مستحقا للبقاء في ملك الغير حتى يستقلع ، وإذا امتنعا من البيع وامتنع المعير من بذل الأرش في موضع يجب عليه بذله عند ارادة القلع ، كان للمعير الدخول إلى أرضه والاستظلال بالشجر دون

ص: 305

الانتفاع به من ربط دابة وغيرها ، وله الانتفاع بالأرض كيف شاء ، وهل للمستعير الدخول إلى شجره؟ يقول ان كان الدخول للتفرج والتنزه منع منه قطعا ، لأن الأرض ملك لغيره ، وقد رجع في إعارتها ، فلا يجوز الدخول إليها لغير حاجة.

وان كان ارادة الدخول لسقي الغرس وتلقيح النخل وجذاذ الثمرة ، ولقط الرطب وما شاكل ذلك ، هل يجوز له ذلك أم لا؟ قوى الشيخ رحمه اللّه عدم الجواز ، لأن المعير قد رجع في العارية فيبطل حكمها ، إلا في مغارس الشجر خاصة لتعلق حق المستعير بها حتى يقلع.

ونص العلامة على جواز الدخول ، لأن مالك الأرض لما أعارها للغراس مع علمه ان الغراس يقر في أرضه وهو يفتقر إلى السقي والتلقيح والجذاذ وغير ذلك تضمن اذن المستعير الدخول لذلك ، والا تضرر المستعير ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (1) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : اجرتكها ، فالقول قول الراكب ، لأن المالك مدعي الأجرة ، وقيل : القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقطت دعوى الراكب ، ويثبت عليه أجرة المثل لا المسمى ، وهو أشبه.

أقول : القول بأن القول قول الراكب ، هو قول الشيخ رحمه اللّه لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمة من وجوب الأجرة ، والقول بان القول قول المالك فيحلف ويرجع الى أجرة المثل هو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير.

واختار في القواعد والمختلف انهما يتخالفان ويثبت له الأقل من اجرة

ص: 306


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.

المثل ومما ادعاه ، هذا وإذا كان التنازع بعد استيفاء المنافع أو بعضها ، أما لو كان قبل استيفاء شي ء من المنافع كان القول قول المستعير ، لأصالة عدم العقد.

قال رحمه اللّه : لو فرط في العارية كان عليه قيمتها يوم التلف ، إذا لم يكن لها مثل ، وقيل : أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في ان المضمون هل هو القيمة يوم التلف أو أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف؟ المشهور الأول ، لأن العين ما دامت باقية لا يجب غير ردها ولا ينتقل إلى القيمة إلا مع التلف ، فيكون الواجب قيمتها يوم ضمانها بالقيمة ، وهو يوم التلف.

وقيل : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، لأنه من حين التفريط صار قبضه مضمونا عليه كالغاصب ، لأنها بعد التفريط مضمونة عليه في جميع الحالات ، ومن جملتها الحالة العليا.

الثانية : فيما إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخان وسلار وابن حمزة وابن البراج : القول قول المالك ، لأن المستعير صار خائنا بالتفريط فلا يكون قوله مقبولا. وقال ابن إدريس : القول قول المستعير ، لأنه منكر به ، واختاره المصنف والعلامة (1) ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : لو كانت العين مضمونة لا للتفريط ، بل للشرط ثمَّ تلفت واختلفا في القيمة كان القول قول المستعير قطعا لعدم الخيانة ، لأن حجة القائل بأن القول قول المالك صيرورة المستعير خائنا بالتفريط ، فلا يكون قوله مسموعا ، وهذه الحجة منتفية هنا ، إذ التقدير انه لم يفرط ، وانما ضمن لاشتراط الضمان عليه.

ص: 307


1- لم ترد في « ر 2 ».

الثاني : لو نقصت العين بالاستعمال ثمَّ تلفت ، وكانت مضمونة عليه لاشتراط الضمان أو للتفريط ضمن قيمتها يوم التلف دون ما نقص بالاستعمال ، لأنه مأذون فيه ، إلا على القول بأن المفرط يضمن أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف.

الثالث : لو تلفت العين بالاستعمال كثوب أبلاه اللبس ، احتمل عدم الضمان لاستناد التلف الى فعل مأذون فيه ، ويحتمل الضمان لانصراف الإذن غالبا ، إلى استعمال غير متلف ، فعلى هذا يضمن قيمة آخر حالات التقويم ، وهي القيمة التي لا يفرض له بعدها قيمة.

الرابع : إذا استعار شيئا ليرهنه جاز وكان مضمونا على المستعير وان لم يشترط المعير ضمانه ، ولا فرط المستعير ، لأنه معرض للتلف ، ولأنه ربما بيع بدينه فكان عوضا عن دينه ، فيكون مضمونا عليه ، نص الأصحاب على ذلك ، وذكره العلامة في كتاب الرهن من القواعد والتحرير ، وقال في كتاب العارية من التحرير : ولو تلف من غير تفريط لم يكن على أحدهما ضمانه ، يعني الراهن والمرتهن ، والعمل على الأول.

إذا عرفت هذا فان عيّن المعير قدر الدين أو جنسه أو عين المرتهن أو الحلول أو الأجل لم يجز المخالفة ، فإن خالف كان للمعير فسخ الرهن وانتزاع رهنه ، وان عين أجلا فرهنه إلى أقل منه يكون قد خالف أيضا ، لأنه ربما لم يجد ما يفتكه عند ذلك الأجل القريب ، فيتسلط المرتهن على العين ، بخلاف ما لو عين قدرا فرهنه على أقل منه ، لأنه من رضي بالأكثر يكون قد رضي بالأقل ، وان لم يعين شيئا كان ذلك تفويضا الى المستعير فيرهنه على ما شاء الى أي أمد شاء ، وليس له المطالبة قبل الأجل ، لأنه المالك اذن بعقد لازم ، فليس له المطالبة بغير اختيار المتعاقدين.

ص: 308

كتاب الإجارة

اشارة

ص: 309

ص: 310

في عقد الإجارة

قال رحمه اللّه : والعبارة الصريحة عن الإيجاب : آجرتك ، ولا يكفي : ملكتك ، أما لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة مثلا ، صح ، وكذا أعرتك ، لتحقق القصد إلى المنفعة ، ولو قال : بعتك هذه الدار ونوى الإجارة لم يصح ، وكذا لو قال : بعتك سكناها سنة لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان ، وفيه تردد.

أقول : للإجارة عبارتان صريحتان : آجرتك وأكريتك ، بأيهما اتى انعقدت الإجارة إجماعا ، وكذا لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا.

ولو قال : أعرتك هذه الدار سنة بكذا ، هل يصح ذلك؟ جزم المصنف بالصحة ، قال : ( لتحقق القصد إلى المنفعة ) ، وجزم العلامة بعدم الصحة ، واستشكل في التحرير ، والمعتمد عدم الصحة لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وانما ينتقل عنه مع تحقق الناقل وهو اللفظ المتفق عليه ، ولفظ العارية موضوع لنقل المنافع بغير عوض نقلا غير لازم ، ولفظ الإجارة موضوع لنقل المنافع بعوض نقلا لازما ، فلا يفيد كل منهما حكم الآخر.

ولو قال : بعتك سكناها ، تردد المصنف في الصحة وعدمها ، من ان

ص: 311

الإجارة تمليك المنافع بعوض ، والبيع موضوع لنقل الأعيان والمنافع ، فلا مانع من استعماله في نقل المنافع منفردة عن الأعيان ، ومن أنه لفظ موضوع لنقل الأعيان ، والمنافع تبعا لها ، فلا يجوز استعماله في نقل المنافع خاصة ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، والعقود متلقاة من الشرع ، فيجب الاقتصار على مورد الاذن فيها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل تبطل بالموت؟ المشهور بين الأصحاب نعم ، وقيل : لا تبطل بموت المؤجر ، وتبطل بموت المستأجر ، وقال آخرون : لا تبطل تموت أحدهما ، وهو الأشبه.

أقول : الإجارة من العقود اللازمة التي لا تبطل إلا بالتقايل (1) ، أو بأحد الأسباب الموجبة للفسخ ، كتجدد العيب المانع من الانتفاع كغرق الأرض وانهدام الدار وما شابه ذلك ، ولا تبطل بالبيع ، بل يتخير المشتري مع عدم العلم ، ولا تبطل بالعذر ، كما لو اكترى جملا للحج ثمَّ بدا له أو مرض ولم يخرج ، لم يكن له فسخ الإجارة ، وكذا لو استأجر دكانا للتجارة ثمَّ تلف قماشه فليس له فسخ الإجارة ، وكذا لو أجر جمله للحج ثمَّ بدا للمؤجر ، أو أجر دكانه أو داره وأراد السفر ثمَّ بدا له عن السفر ، لم يكن له فسخ الإجارة في هذه المواضع وما شاكلها. وقال أبو حنيفة : يفسخ بمثل هذه الاعذار.

ولو حصل الخوف في الطريق كان لكل من المؤجر والمستأجر الفسخ حذرا من التغرير ، سواء كان الخوف على النفس أو المال لوجوب حفظهما ، وعدم جواز التغرير فيهما.

وهل الموت موجب للفسخ؟ اختلف الأصحاب في الموت على ثلاثة أقوال :

ص: 312


1- في « ر 2 » : إلا بالموت أو التقابل.

الأول : البطلان بالموت من أيهما اتفق ، وهو مذهب الشيخ وسلار وابن البراج وابن حمزة ، لتعذر استيفاء المنفعة ان كان الموت للمؤجر ، وتعذر استيفاء الأجرة ان كان الموت للمستأجر ، أما تعذر استيفاء المنفعة ، لأن المستأجر استحق استيفاءها على ملك المؤجر ، وبالموت ينتقل إلى الورثة ويحدث المنافع على ملكهم ، فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للمؤجر ، وأما تعذر استيفاء الأجرة ، لأنه استحق من مال المستأجر وبالموت تنتقل التركة إلى الورثة ، ولأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين ، وقد تعذر ذلك بالموت ، فتبطل الإجارة.

الثاني : بطلانها بموت المستأجر دون موت المؤجر ، نقله الشيخ في المبسوط والخلاف عن الأصحاب ، وقال في المبسوط : وهو الأظهر عندهم ، أي عند الأصحاب ، ووجهه ما قلناه أولا : من انه ربما كان غرضه تخصيص المستأجر دون غيره لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين.

الثالث : عدم البطلان بالموت مطلقا ، وهو مذهب السيد المرتضى وابي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الإجارة عقد ناقل بالإجماع ، وقد اقتضى نقل المنافع إلى المستأجر مدة الإجارة ونقل الأجرة إلى المؤجر ، والأصل البقاء ، والموت لا يسقط حق الغير المتعلق بمال الميت ، ويكون المنتقل إلى الورثة العين مسلوبة المنافع مدة الإجارة ان كان الموت للمؤجر ، ومجموع التركة مع استحقاق الأجرة فيها ان كان الموت للمستأجر ، وتكون الأجرة دينا على المستأجر ، وينتقل حق الميت الى وارثه.

ولو آجر البطن الأول الوقف ثمَّ انقرضوا قبل انتهاء المدة ، استقرب العلامة بطلان الإجارة ، لأن البطن الثاني يتلقى الوقف عن الواقف لا عن البطن الأول ، فالبطن الأول قد انقضت مدتهم لانقراضهم ، وصار الملك الى غيرهم من

ص: 313

غيرهم ، بخلاف الوارث فإنه يتلقى الملك عن الميت.

قال رحمه اللّه : والعين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلا بتعدّ أو تفريط ، وفي اشتراط ضمانها من غير ذلك تردد. أظهره المنع.

أقول : إذا شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين المستأجرة ، هل يصح هذا الشرط؟ تردد المصنف من عموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، ولأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لأنه غير مخالف للكتاب ولا للسنة ، ومن كونه شرطا مخالفا لمقتضى العقد ، لأن عقد الإجارة يقتضي كون العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعدّ أو تفريط ، وهذا يقتضي ضمانها مطلقا فكان مخالفا لمقتضى العقد ، فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل العقد ، لعدم حصول الرضى بدونه ، وهو المعتمد.

ص: 314


1- لاحظ ص 44.

في شرائط الإجارة

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا المميز إلا بإذن الولي وفيه تردد.

أقول : إذا أوقع الصبي المميز العقد بإذن الولي ، هل تصح الإجارة؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشؤه من عموم النص (1) على عدم اعتبار عبارة الصبي ، ومن انه مميز قد اذن له الولي فانجبر نقصه ، والمعتمد عدم الصحة.

فرع : لو أجر الولي الصبي أو ماله مدة يعلم بلوغه فيها بطلت الإجارة فيما زاد على خمس عشرة سنة من عمره ، وصحت في الباقي ، فلو أجر ابن عشر عشرا ، صحت الإجارة في خمس سنين وبطلت في خمس ، ولو اجره خمسا من عشرة ، فبلغ في أثنائها ، قال الشيخ وابن إدريس : لم يكن للصبي الفسخ ، لأن العقد وقع صحيحا على الصبي أو ماله ، فمن ادعى أن له الفسخ بعد البلوغ كان عليه الدلالة.

وقال العلامة : له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر ، وقد زال فتزول

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث 3 ، وكتاب الحجر ، الباب 1 و2 ، وكتاب الوصايا ، الباب 45 ، 46 من أبواب أحكام الوصايا.

الولاية ، والعقد تابع لها ، فاذا زالت زال العقد ، ولأنه إذا أوقع العقد إلى مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل العقد في الزائد قطعا ، فكذا إذا حصل البلوغ في أثناء المدة التي يمكن بلوغه فيها.

قال رحمه اللّه : الثاني أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل فيما يكال أو يوزن ليتحقق انتفاء الغرر ، وقيل : تكفي المشاهدة ، وهو حسن ، وتملك الأجرة بنفس العقد.

أقول : هنا مسائل.

الأولى : هل يكفي المشاهدة في مال الإجارة؟ اكتفى بها الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف لأصالة الجواز وانتفاء الغرر لحصول العلم بالمشاهدة. ومنع ابن إدريس من ذلك ، وأوجب العلم بالكيل أو الوزن ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الجهالة مبطلة بالإجماع ، وهي متحققة هنا ، لأن المعهود من عرف الشرع ان المكيل والموزون انما يصح المعاوضة عليه بالكيل أو الوزن ، ولم يكتف الشارع بالمشاهدة في البيع ولا مانع غير الجهالة ، وهي ثابتة هنا فتكون مانعة من الإجارة.

الثانية : أطلق الأصحاب وجوب تعجيل الأجرة ما لم يشترط التأجيل. والمعتمد التفصيل ، وهو ان وقعت الإجارة على عين ذات منافع كالدار والعبد والدابة وما شاكل ذلك ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد ، واستحق تسليمها اليه ، ولا يشترط استيفاء المدة ولا مضي مدة يمكن فيها ذلك ، وان وقعت على عمل كخياطة ثوب أو نساجة غزل أو بناء دار ملك الأجير الأجرة بنفس العقد أيضا ، لكن لا يجب تسليمها إلا بتسليم العمل ، فان كان العمل بمنزل المستأجر استحق الأجرة بنفس الفراغ ، وان كان في منزل الأجير لم يستحق إلا بعد تسليم العين.

الثالثة : إذا استأجر شيئا ، هل يجوز ان يؤجره بأكثر مما استأجره مع اتحاد الجنس قبل ان يحدث فيه حدثا؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخين والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن البراج في المهذب لثبوت الربا ، ولهم عليه

ص: 316

روايات (1).

وأجازه ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأنه قد ملك المنافع بالعقد وصارت ملكه ، فله المعاوضة عليها بما شاء ، ولهم عليه روايات (2) ، وهو المعتمد.

الرابعة : إذا سكن بعض الدار وآجر الباقي بمقدار الأجرة أو أكثر ، هل يجوز ذلك أم لا؟ منع الشيخ منه ، واختاره المصنف هنا لثبوت الربا ، واجازه ابن البراج وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما تقدم.

الخامسة : إذا استأجره ليحمل له متاعا الى موضع معين بأجرة معينة في وقت معين فان قصر عنه نقص من أجرته شيئا ، هل يجوز ذلك؟ جزم المصنف بالجواز ، وهو المشهور في كتب الأصحاب ، والمستند رواية محمد الحلبي في الموثق ، « قال : كنت قاعدا عند قاض وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس ، فأتاه رجلان ، فقال أحدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن ، واشترطت عليه ان يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنه سوق أتخوف أن تفوتني ، فإن أحتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبسته كذا وكذا ، وانه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما؟ فقال القاضي : هذا شرط فاسد ، أوفه كراه ، فلما قام الرجل اقبل الى ابي جعفر عليه السلام ، فقال : شرطه بهذا جائز ما لم يحط بجميع كرائه » (3).

ونقل أبو العباس في هذه المسألة أربعة أقوال : الأول : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة فيجب اجرة المثل ، نقله عن الشيخ في النهاية ،

ص: 317


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 20 وباب 21 وباب 22.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 20 وباب 21 وباب 22.
3- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 13 ، حديث 2.

قال : وافتى به العلامة ، وهو المعتمد.

الثاني : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة ، فيجب القضاء بالصلح ، نقله عن ابن الجنيد.

الثالث : بطلان الشرط وصحة العقد ، فيجب الأجرة بكمالها ، نقله عن ابن إدريس.

الرابع : بطلانهما معا ، فيجب اجرة المثل ، سواء أوصله في الوقت المعين أو في غيره ، وسواء إحاطة بالأجرة أو لا ، نقله عن العلامة وفخر الدين.

السادسة : إذا قال : ( آجرتك كل شهر بكذا ) ، قال المصنف : صح في شهر بكذا وله في الزائدة أجرة المثل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة. وقال ابن إدريس : تبطل في الجميع ، ويلزم اجرة المثل في الجميع ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن العلم بقدر المنفعة شرط ، وهي مقدرة هنا بالمدة ، والمدة مجهولة فتبطل الإجارة.

احتج الشيخ بأن الشهر الأول معلوم وما عداه مجهول ، فيصح في المعلوم وتبطل في المجهول. والجواب ان المعلوم إذا أضيف إلى المجهول صار مجهولا.

قال رحمه اللّه : لو قال ان خطته فارسيا فلك درهم ، وان خطته روميا فلك درهمان صح.

أقول : الصحة مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، وهذا شرط سائغ ، ولأنه استأجره على كل واحد من الفعلين بأجرة معلومة ، فيكون صحيحا.

وقال ابن إدريس : لا يصح هذا العقد ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه عقد مجهول لم يعين فيه العوض ولا المعوض ، لأن العقد لم يوجب شيئا معينا

ص: 318


1- لاحظ ص 44.

فكان باطلا.

والفارسي هو ما يكون بدرز واحد ، والرومي هو ما يكون بدرزين.

قال رحمه اللّه : لو قال ان عملت هذا العمل في هذا اليوم فلك درهمان وفي غد درهم ، فيه تردد ، أظهره الجواز.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في الخلاف ، ودليله ما تقدم ، واختاره المصنف ، واختار ابن إدريس المنع ، وهو المعتمد ، ووجهه انه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلا يصح ، كما لو قال : بعتك هذا بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة شهرين.

قال رحمه اللّه : ويستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه أو في ملك المستأجر ، ومنهم من فرق.

أقول : قد سبق (1) البحث في هذه المسألة ، والفرق هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة في التحرير ، لأن العمل إذا كان في ملك المستأجر كان كالمقبوض في يده ، فلا يتوقف استحقاق الأجرة بعد الفراغ من العمل الى التسليم لكونها في ملكه ، وتحت يده ، وإذا كانت العين مقبوضة في ملك الأجير وفي تصرفه ، فلا يستحق تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل ، ولا يحصل الا بتسليم العين الى مالكها.

والمصنف اختار الاستحقاق بنفس الفراغ ، لأنه قد ملك الأجرة بالعقد واستحقها بالعمل ، وإذا استحق الإنسان شيئا وجب تسليمه اليه عند طلبه له ، ولا يجوز تأخيره ، وهو مذهب قوي.

ويتفرع على المذهبين : ما لو تلفت العين بعد الفراغ من العمل وقبل التسليم من غير تفريط ، على القول بالاستحقاق بنفس الفراغ لم تسقط أجرته ، وعلى القول بعدم الاستحقاق قبل التسليم تسقط الأجرة ، كسقوط الثمن مع تلف المبيع

ص: 319


1- المسألة الثانية ص 316.

قبل قبضه.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يستعمل الأجير قبل ان يقاطع على الأجرة وأن يضمن إلا مع التهمة.

أقول : الذي سمعناه من مشايخنا عليهم رضوان اللّه وحشرهم مع الأئمة الطاهرين ان مراد المصنف في كراهة التضمين مع عدم التهمة ، كما إذا ادعى المستأجر رد العين فأنكر المالك ، فهنا يكون القول قول المالك فإنه يكره ان يحلف المالك على عدم الرد ثمَّ يغرم المستأجر مع كونه ثقة غير متهم ، وكما إذا تلفت العين المستأجرة فادعى المالك انها تلفت بتفريط من المستأجر فأنكر المستأجر التفريط ، فهنا يكون القول قول المستأجر ، فلو نكلا عن اليمين كره للمالك تغريمه مع كونه ثقة ، ونقل العلامة عبارة المصنف في القواعد من غير زيادة ولا نقصان.

والذي قاله مشايخنا جيد ، ويدل عليه عبارة الشيخ في النهاية ، قال : ولا ينبغي لأحد ان يضمن صانعا شيئا إلا إذا اتهمه في قوله ، فاما إذا كان ثقة مأمونا وجب ان يصدقه ولا يغرمه شيئا. وهذه العبارة تدل على ما قاله مشايخنا ، وقول الشيخ : ( وجب ان يصدقه ) ، ليس مراده بالوجوب اللزوم ، بل الأولوية والاستحباب.

وليس مراد المصنف بالتضمين ان يشترط عليه الضمان في العقد ، لأن ذلك يؤدي الى بطلان العقد عند المصنف ، وقد ذكره آنفا.

قال رحمه اللّه : ولو أجر غير المالك تبرعا ، قيل : بطلت ، وقيل : وقفت على اجازة المالك ، وهو حسن.

أقول : قد سبق الخلاف في باب البيع في عقد الفضولي (1) ، هل هو باطل من أصله أو موقوف على الإجازة؟ والحكم فيهما واحد.

قال رحمه اللّه : ولو قدر المدة والعمل ، مثل أن يستأجره ليخيط هذا الثوب

ص: 320


1- تقدم ص 12.

في هذا اليوم ، قيل : يبطل ، لأن استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق ، وفيه تردد.

أقول : من شرط صحة الإجارة كون المنفعة معلومة لينتفي الغرر والعلم يحصل بأن تكون المدة معلومة والعمل مجهولا ، مثل ان يقول : ( آجرتك نفسي شهرا مثلا لابني أو لأخيط ) ، أو يكون العمل معلوما والمدة مجهولة مثل : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب أو لأنسخ لك هذا الكتاب ) ، فلو قال : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب في هذا اليوم ) ، هل يصح ذلك؟ قال الشيخ وابن إدريس : لا يصح ، لأنه ربما خلص منه قبل الغروب ، فيبقى بعض المدة مستحقة بلا عمل ، أو لا يخلص منه في ذلك اليوم ، فيحتاج إلى مدة أخرى فيحصل جهالة المدة والعمل معا وذلك غير جائز.

وتردد المصنف من هذه الحيثية ، ومن احتمال الصحة ، لأن العقد قد وقع على العمل ، والمدة ذكرت للتعجيل ، فان فرغ من العمل قبل انتهاء المدة لم يكن له ان يلزمه في باقيها بعمل غيره ، وان لم يفرغ منه فيها كان المستأجر مخيرا بين الفسخ وإلزامه بالعمل في غيرها ، فان فسخ قبل ان يعمل شيئا فلا اجرة ، وان فسخ بعد بعض العمل كان له من الأجرة بنسبته ، وإن اختار الصبر لم يكن للأجير الفسخ ، والأول هو المعتمد.

وان كان العين مما له عمل كالحيوان جاز تقدير المنفعة بأي الوجهين شاء ، وان كان مما ليس له عمل كالدار والأرض لم يجبر الا بالمدة خاصة.

قال رحمه اللّه : هل يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد؟ قيل : نعم ، ولو أطلق بطلت ، وقيل : الإطلاق يقتضي الاتصال ، وهو أشبه. ولو عين شهرا متأخرا عن العقد ، قيل : بطل ، والوجه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وجوب الاتصال بالعقد ، وبالاشتراط قال الشيخ رحمه اللّه ،

ص: 321

قال في الخلاف والمبسوط : إذا استأجر الدار شهرا ولم يقل من هذا الوقت وأطلق ، بطلت الإجارة.

وقال ابن البراج وابن إدريس : لا يبطل ، وينصرف الإطلاق إلى الاتصال بالعقد ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وقال في المختلف : والتحقيق ان كان العرف في الإطلاق يقتضي الاتصال فالحق ما قاله ابن البراج ، وان كان لا يقتضيه فالحق ما قاله الشيخ ، لحصول الجهالة على التقدير الثاني دون الأول ، ومذهب المصنف هو المعتمد.

الثانية : لو عين شهرا متأخرا عن العقد ، هل يصح أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يصح وهو فرع على اشتراط الاتصال ، ولأن عقد الإجارة حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، ولا دليل على ثبوت الإجارة على هذا الوجه.

وقال ابن البراج وابن إدريس بالصحة ، واختاره المصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وهذا عقد ، فيجب الوفاء به ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، وهذا شرط سائغ فيكون لازما ، ولأنها معاوضة على مدة معلومة بأجرة معلومة فتكون صحيحة.

قال رحمه اللّه : وإذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة وجبت الأجرة ، وفيه تفصيل.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب لزوم الأجرة ، وكذلك المصنف في المختصر ، وفصل هنا ، ومراده بالتفصيل ان كانت الأجرة مقدرة بالزمان ومضى ذلك الزمان لزمته الأجرة المعينة ولم يجز له استيفاء المنفعة بعدها ، وان لم تكن مقدرة

ص: 322


1- المائدة : 1.
2- تقدمت الإشارة إلى مصدره ص 44.

بالزمان ، بل بالعمل ثمَّ سلم العين ومضت مدة يمكن فيها استيفاء العمل ولم يعمل شيئا وجب عليه في تلك المدة الماضية أجرة المثل لها ، وله استيفاء المنفعة المقدرة بالأجرة المسماة.

وهو تفصيل حسن ؛ لأن العقد وقع على استيفاء منفعة معينة فلا يجوز للمالك الفسخ قبل استيفائها ، بل كل ما مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها ولم يستوف وجب عليه اجرة مثل تلك المدة ، فإذا استوفى المنفعة المعقود عليها وجب عليه المسمى.

قال رحمه اللّه : اما لو انقضى بعض المدة ثمَّ تلف أو تجدد فسخ الأجرة صح فيما مضى وبطل في الباقي ، ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة.

أقول : حكم المصنف بالرجوع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة ولم يذكر كيفية التقسيط على المدتين ، وربما يتوهم الناظر ان الأجرة توزع (1) على المدتين ، فما قابل المستوفي منهما فهو للمالك ، وما قابل الباقي فهو للمستأجر ، وليس كذلك.

قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : وإذا استأجر عبدا سنة ثمَّ مات بعد مضي نصفها ، فان العقد يصح فيما مضى ويبطل فيما بقي ، وله المطالبة بأجرة المثل ، فان تساويا أخذه ، وان كان اجرة الباقي أكثر استحق الزيادة ، مثل ان يكون أجرة الماضي مائة والباقي مائتين ، فإنه يستحق عليه مائتين ، وبالعكس لو انعكس ، هذا كلامهم رحمهم اللّه.

وفيه نظر ، لأنه ربما (2) اجرة مثل الباقي تحيط بمجموع الأجرة ، فلا يبقى للمالك مقابل المدة الماضية شي ء ، كما لو كانت الأجرة مائتين وكان اجرة مثل المدة

ص: 323


1- في « ر 2 » زيادة : سهما.
2- ( ربما ) لم ترد في « ر 2 ».

الباقية مائتين فحينئذ يخرج المالك بغير شي ء ، بل الأجود ان يقال : ينسب المسمى الى مثل اجرة المدتين ، ثمَّ يسقط ما قابل المتخلف من المدة ، وهو ظاهر العلامة رحمه اللّه.

قال رحمه اللّه : ويلزم مؤجر الدابة كلما يحتاج إليه في إمكان الركوب من الرحل والقطب وآلته والحزام والزمام ، وفي رفع المحمل وشده تردد ، أظهره اللزوم.

أقول : التردد في رفع المحمل وشده ، هل هو على المكري أو المكتري؟ ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة من وجوب ذلك عليه ، ولأن المحمل غير واجب عليه ولا يجب عليه شده وحله ، ومن انه من الحمولة ، وجميع الأحمال يجب على المكاري رفعها وحطها وشدها وحلها فيكون ذلك واجبا عليه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : كلما يمكن فعله على الراحلة كصلاة النوافل والأكل والشرب لا يجب على المكاري إن يوقفها لأجله ، وما لا يمكن فعله عليها كالصلاة اليومية الفرض ، وقضاء الحاجة يجب عليه ان يوقفها لذلك ، وليس للمصلي أن يطول صلاته ، بل يقتصر على إتمام (1) الأفعال ويختصر الأذكار ، لأن حق الغير قد تعلق به.

الثاني : على الجمال (2) ان يبرك البعير لركوب المرأة ونزولها ، لأنها ضعيفة الخلقة ، ولأنها عورة ربما انكشفت ، والرجل ان كان مريضا أو سمينا لا يقدر على الركوب ، كان حكمه حكم المرأة ، وإلا فلا ، عملا بالعرف والعادة.

ص: 324


1- في « ر 2 » : تمام.
2- « ر 2 » : الحمال.

الثالث : لو كانت العادة تقتضي النزول والمشي عند قرب بعض المنازل لم يجب على الراكب النزول فيه وان كان جلدا على المشي.

الرابع : إذا استأجر بهيمة ثمَّ ذكر أنها متعبة ، نظر في حاله فان كان ذلك من قبله ، مثل ان يكون لإعادة له بالركوب ولا صبر له عليه ، لم يكن له خيار ، وان كان ذلك من قبل البهيمة كالعثار والصعوبة فإن كان قد اكتراها بعينها مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، ولا يجب على المالك إبدالها ، وان كان في الذمة ردها وأخذ بدلها ، لأن ذلك عيب.

الخامس : لو اختلفا في أوقات السير وأماكن النزول ، بأن اختار أحدهما السير بالليل والآخر بالنهار ، كان المرجع إلى العادة.

قال رحمه اللّه : لو حفر بعض ما قوطع عليه ثمَّ تعذر حفر الباقي إما لصعوبة الأرض أو مرض الأجير أو غير ذلك قوم حفرها وما حفر منها ورجع عليه بنسبته في الأجرة ، وفي المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة.

أقول : روى الشيخ في النهاية عن ابي شعيب المحاملي ، عن الرفاعي ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قبل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثمَّ عجز ، قال يقسم على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى والاثنين للثانية والثلاثة للثالثة ، وعلى هذا الحساب على عشرة » (1) ، ولم يتعرض الشيخ للإفتاء وعدمه.

وقال في المبسوط : يقسط المسمى على اجرة المثل ، لأن الحفر يختلف فحفر ما قرب من الأرض أسهل ، لأنه يخرج التراب من قرب ، وحفر ما هو أبعد أصعب ، فإن كان اجرة مثل ما بقي عشرة واجرة مثل ما حفر خمسة كان له ثلث

ص: 325


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 35 ، حديث 2 ، وفي التهذيب 6 : 287 ، كتاب القضايا والاحكام ، باب 92 في الزيادات في القضايا والأحكام ، حديث 1 (794).

المسمى. واختاره ابن إدريس والعلامة والمصنف ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويجوز استئجار المرأة للرضاع لمدة معينة بإذن الزوج ، فان لم يأذن فيه تردد ، والجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه.

أقول : ذهب الشيخ الى اشتراط اذن الزوج ، لأن منافع المرأة مملوكة له بعقد النكاح ، فلا يجوز لها العقد على شي ء منها بغير اذنه ، واختاره ابن إدريس ، وذهب المصنف الى الجواز ما لم يمنع الرضاع حقه وهو الاستمتاع ، واختاره العلامة لأصالة الجواز ، وعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولأن المملوك للزوج منفعة الاستمتاع خاصة ، فإذا لم تمنع الإجارة من الاستمتاع كانت صحيحة لا مانع منها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط ذكر الموضع الذي يرضع فيه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة وأصالة عدم اشتراط الموضع ، ومن اختلاف الأغراض في ذلك ، لأن الرضاع في بيت المرضعة أسهل عليها ليحصل الجمع بين الرضاع وبين إصلاح منزلها ، والرضاع في بيت الطفل أصلح للطفل لاشراف أبيه عليه وهو أشق على المرضعة ، فيحصل الغرر بعدم اشتراط الموضع ، وبالاشتراط قال الشيخ ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : لو استأجرها للرضاع لم يكن عليها حضانته ولا غسل خرقه ، ولا غسل الصبي وتنظيفه ما لم يشترط ذلك عليها ، لعدم تناول العقد لغير الرضاع.

الثاني : لو استأجرها بالأكل والكسوة مدة معلومة جاز بشرط تعيين الكسوة وتعيين نفقة كل يوم.

ص: 326


1- المائدة : 1.

الثالث : لو استأجر زوجته لإرضاع ولده جاز ، وقال الشيخ : لا يجوز ما دامت في حباله.

الرابع : على المرضعة ان تأكل وتشرب ما يكثر به اللبن ويدر ويصلح ، وللمستأجر ان يطالبها به ، لتوقف استيفاء المنفعة عليه.

قال رحمه اللّه : ولو مات أبوه هل يبطل؟ يبنى على القولين.

أقول : المراد بالقولين ان الإجارة هل تبطل بموت المستأجر أو لا؟ وقد تقدم البحث (1) في ذلك.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز إجارة الحائط المزوّق للتنزه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : القول بالجواز قول ابن إدريس إذا كان فيه غرض وهو التعلم من البناء المحكم ، كما يجوز اجارة كتاب فيه خط جيد للتعلم منه ، لأن فيه غرضا صحيحا ، ولأنه لا مانع يمنع منه ، وقال الشيخ : لا يجوز للمالك المنع من النظر اليه والتفرج عليه ، وكل منفعة ليس للمالك منع المنتفع بها لا يجوز إجارتها كالاستظلال بالحائط ، واختاره العلامة في المختلف ، واختار في القواعد والتحرير مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو آجر عبدا آبقا لم تصح وان ضم إليه شي ء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اشتراط القدرة على تسليم المنفعة ، والآبق لا يقدر على تسليمه ، ومن جواز بيعه مع الضميمة فيجوز إجارته معها ، لأن الإجارة ليست أبلغ من البيع ، وظاهر القواعد الجواز مع الضميمة.

قال رحمه اللّه : ولو منعه المؤجر منه سقطت الأجرة ، وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردد ، والأظهر نعم.

ص: 327


1- ص 312.

أقول : منشؤه من أن المستأجر قد ملك المنافع بنفس العقد فان منعه المالك منها كان غاصبا ، له ان يرجع عليه بالتفاوت بين (1) المسمى واجرة المثل ان كانت أكثر ، ومن أن استمرار القبض شرط في صحة الإجارة ، ولهذا تبطل مع تلف العين وان كان بعد قبضها ، وإذا لم يحصل القبض كانت الإجارة باطلة ، وإذا بطلت لم يصح الالتزام بالباطل ، والأول هو المعتمد كما لو كان المانع أجنبيا ، ويختص البطلان بالتلف دون المنع من التسليم.

قال رحمه اللّه : ولو انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة ، إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه ، وفيه تردد.

أقول : إذا فات شي ء من المنافع جاز الفسخ قطعا ، والتردد ( انما هو ) (2) إذا أعاده قبل فوات شي ء من المنافع.

ومنشؤه من وجود سبب الفسخ ، والأصل بقاؤه ، ومن زوال السبب المبيح للفسخ قبل فوات شي ء من المنافع فيزول أثره ، والمعتمد بقاء الخيار.

ص: 328


1- في « ن » و« ر 2 » : من.
2- لم يرد « ن » و« ر 2 ».

في أحكامها

قال رحمه اللّه : إذا تعدى في العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان ، ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك إن كانت دابة ، وقيل : قول المستأجر على كل حال ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية : القول قول المالك ان كانت دابة ، وان كانت غير الدابة ، فالقول قول الغارم ، ومستنده رواية أبي ولاد (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : القول قول الغارم مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لعموم قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) ، والغارم منكر لما يدعيه المالك من الزيادة على ما اعترف به فيكون القول قوله.

ص: 329


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 17 في أحكام الإجارة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى مع اختلاف في المتن ، الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث 3.

قال رحمه اللّه : من تقبل عملا لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة على الأشهر ، إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به الفضل ، ولا يجوز تسليمه الى غيره إلّا أن يأذن له المالك ، ولو سلم من غير اذن ضمن.

أقول : إذا تقبل عملا كخياطة ثوب بدينار (1) مثلا ، هل يجوز ان يقبله غيره بأنقص من الدينار ، ويأخذ هو الفاضل قبل ان يحدث فيه حدثا كتفصيله أو خياطة شي ء منه؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، ومنع العلامة في التحرير إذا قبله بالجنس ، وجوزه إذا كان بغير الجنس ، وأطلق الجواز في القواعد.

ودليل الشيخ والمصنف الروايات (2) ، ودليل العلامة ان المالك استحق عليه العمل المطلق ، فيكون له الاستنابة والاستئجار عليه والفاضل له بمقتضى العقدين ، وهو المعتمد ، إلا انه ان يكون ضامنا مع عدم الإذن ، لأن المالك لم يرض بغير أمانته ، ويحتمل عدم الضمان ، لأنه عمل ما هو مأذون فيه شرعا ، واذن الشارع لا يتعقبه ضمان.

قال رحمه اللّه : أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه من غير تعد ولا تفريط لم يضمن على الأصح ، وكذا المكاري والملاح لا يضمنان إلا ما يتلف عن تفريط على الأشهر.

أقول : اختلف أصحابنا في تضمين الصناع كالخياطين والقصارين والحجامين والفصادين وأشباههم ، وفي تضمين الملاحين والمكارين ، قال المفيد والسيد المرتضى : انهم ضامنون لجميع الأمتعة وعليهم البينة إلا ان يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه ، مثل الحريق العام والنهب العام.

ص: 330


1- في « ن » بزيادة : أو خياطة شي ء منه.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 23 في أحكام الإجارة.

وقال الشيخ وأبو الصلاح وابن إدريس : لا ضمان عليهم إلا فيما جنت أيديهم أو فرطوا في حفاظه. واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنهم أمناء ، والأصل براءة الذمة ، ورواية معاوية بن عمار في الصحيح (1) ، عن الصادق عليه السلام دالة على عدم الضمان.

احتج الأولون بعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (2) ، فعلى قول الأولين لا يقبل قول الصناع والمكارين بالتلف إلا مع البينة العادلة ، أو الاشتهار بما لا يمكن رده ، وعلى قول الآخرين يقبل قولهم مع اليمين بالتلف من غير تفريط إلا مع قيام البينة بالتفريط وبعدم التلف ، ولو تلف بسبب فعلهم ضمنوا ، سواء كان بتفريط أو غير تفريط.

فرع : إذا استأجر عينا لينتفع بها مدة معلومة ثمَّ انقضت المدة ، هل يجب عليه ردها ومئونة ردها الى مالكها أو لا يجب ، بل الواجب عليه ان يرفع يده عنها إذا طلبها مالكها؟

قال الشيخ في المبسوط : يجب ، ويكون ضامنا مع التأخير ، قال : لأن الإمساك بعد مضي المدة غير مأذون فيه ، ومن أمسك شيئا بغير اذن صاحبه وتمكن من رده ولم يرده فهو ضامن ، قال : وفي الناس من قال : لا يصير ضامنا ولا يجب عليه الرد ولا مئونة الرد ، وأكثر ما يلزمه ان يرفع يده عنه إذا أراد صاحبه استرجاعه ، لأنه امانة في يده ، فلا يجب عليه رده كالوديعة ، والى هذا ذهب ابن إدريس والعلامة في القواعد ، واستشكله في التحرير والمختلف ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو آجر الوصي صبيا مدة يعلم بلوغه فيها بطلت في المتيقن

ص: 331


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 29 في أحكام الإجارة حديث 14.
2- تقدم ص 292.

وصحت في المحتمل ، ولو اتفق البلوغ فيه ، فهل للصبي الفسخ بعد بلوغه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف وابن إدريس : ليس له الفسخ ، لأن العقد على الصبي أو ماله وقع صحيحا بلا خلاف ، فمن ادعى ان له الفسخ بعد بلوغه فعليه الدلالة.

وقال الشيخ في المبسوط : كان له فسخها ، وقيل : ليس له ذلك ، وهو الأقوى ، قال العلامة في المختلف : والحق ان له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر وقد زال فتزول الولاية ، والعقد تابع لها فيزول بزوالها ، ولأنه لو عقد عليه مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل في الزائد ، وكذا المجهول مع وقوعه ، لأن العلم والجهل لا مدخل لهما في ثبوت الولاية. انتهى كلامه رحمه اللّه ، وهو المعتمد.

ص: 332

في التنازع

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع وأنكر المالك كلفوا البينة ، ومع فقدها يلزمهم الضمان ، وقيل : القول قولهم مع اليمين ، لأنهم أمناء ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : وقد سبق (1) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه اللّه : لو قطع الخياط ثوبا قباء ، فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : قول الخياط ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في كتاب الإجارة من الخلاف وابن إدريس : القول قول المالك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإذن الذي يدعيه الخياط ، ولأنه لو اختلفا في الإذن كان القول قول المالك ، فكذا إذا اختلفا في صفته.

وقال الشيخ في كتاب الوكالة من الخلاف : القول قول الخياط ، لأن الأصل عدم تفريطه ، فعلى الأول يجب عليه الأرش والأجرة له ، وعلى الثاني الأرش

ص: 333


1- ص 330.

عليه ، وله اجرة المثل دون المسمى ان زاد ، لأنه يثبت (1) بقوله.

ص: 334


1- في بعض النسخ : لا يثبت.

كتاب الوكالة

اشارة

ص: 335

ص: 336

في العقد

قال رحمه اللّه : ومن شرطها أن تقع منجزة ، فلو علقت بشرط متوقع أو وقت متجدد لم تصح ، نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز.

أقول : لا خلاف في بطلان الوكالة إذا علقت على شرط ، مثل ان يقول : ( إذا قدم زيد من السفر فأنت وكيلي ) ، وكذا إذا علقت على صفة ، مثل ان يقول : ( إذا هل الشهر فأنت وكيلي ) ، أو ( إذا كان يوم الجمعة فأنت وكيلي ).

ومع بطلان الوكالة لتعليقها على شرط أو صفة ، هل يصح تصرف الوكيل ويكون لازما للموكل؟ يحتمل العدم ؛ لأن الفاسد لا يترتب عليه أثره ، وهذا عقد فاسد فلا يجوز للوكيل التصرف كما لا يجوز للمشتري بشراء فاسد أن يبيع ما اشتراه ، ولا يجوز للبائع التصرف في ثمنه ، وكل واحد من المتبايعين قبض ما صار إليه بإذن مالكه ، فكما لا يجوز للمتابعين التصرف بما صار إليهما مع فساد العقد كذا لا يجوز للوكيل التصرف لفساد عقد الوكالة.

ويحتمل الجواز ؛ لأن الموكل قد اذن له في التصرف ، والاذن باق لم يزل بفساد العقد ، وإذا لم يزل الإذن جاز التصرف ، وهو اختيار العلامة في التذكرة ، وكذلك في المختلف ؛ لأنه حكم فيه بصحة تصرف الوكيل بعد عزله نفسه عن

ص: 337

الوكالة اعتمادا على الإذن السابق ، ولا خلاف في بطلان الوكالة إذا عزل الوكيل نفسه عنها.

والفرق بين الوكالة الفاسدة والبيع الفاسد ظاهر ، فان البيع الفاسد وان تضمن الاذن في قبض الثمن والمثمن فهو باعتبار تملك الثمن للبائع والمثمن للمشتري ، وكل منهما يتصرف فيما قبضه لنفسه فاذا تبين انه غير مملوك كان تصرفه باطلا ، بخلاف الوكيل فإنه يتصرف للاذن لا لنفسه ، فكان تصرفه مأذونا فيه.

فان قيل : إذا جاز التصرف في الوكالة الفاسدة كما يجوز في الوكالة الصحيحة ، فما الفارق بينهما وما فائدة الصحة؟

قلنا : فائدة الصحة استحقاق الوكيل للجعل المسمى على تقدير الصحة ان كانت بجعل وبطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل على تقدير الفساد كالعامل في المضاربة ، وهذا هو المعتمد.

ولو قال : ( وكلتك في بيع هذا العبد مثلا ولا تبعه حتى يدخل الشهر الفلاني ) ، جاز قطعا ، وكذا لو قال : ( وكلتك في البيع شهرا ) صح ، ولا يجوز التصرف بعده.

قال رحمه اللّه : ولو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ولو وكله مطلقا لم يصح على قول ، والوجه الجواز.

أقول : المراد بالإطلاق بأن وكله في شراء عبد ولم يصفه ، بل أطلق ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح للغرر ، لأنه ربما اشترى له ما ليس بمطلوبه ، وذهب المصنف الى الجواز واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الموكل قد أقام الوكيل مقام نفسه وفوض اليه الاختيار فتنصرف الوكالة إلى شراء العبد الصحيح بنقد البلد ، والخيار في النوع والصفات الى الوكيل لأصالة صحة الوكالة.

ص: 338

قال رحمه اللّه : وللموكل ان يعزله بشرط أن يعلمه العزل ، ولو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل ، وقيل : إن تعذر إعلامه فاشهد انعزل بالعزل والإشهاد ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم الانعزال الا مع العلم وتصرفه قبل العلم ماض ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لأنه من التكاليف الشرعية وهي لا تلزم إلا بعد الإعلام بها ، وإلا لزم تكليف الغافل ، ولأن في ذلك ضررا ، إذ قد يتصرف تصرفا يؤدي بطلانه الى الضرر ، كما لو باع جارية فوطئها المشتري ، أو طعاما فأكله ، أو تلف المبيع في يد المشتري ، فان استرجاع ذلك يؤدي الى ضرر المشتري ، ولرواية هشام بن سالم (1) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

الثاني : أن ينعزل مع الاشهاد على العزل وان لم يعلم إذا تعذر علمه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابي الصلاح وابن إدريس ، ووجهه الجمع بين الأحاديث (2).

الثالث : انعزاله بنفس العزل من غير شرط الاشهاد والإعلام ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن الوكالة من العقود الجائزة ، فلكل منهما فسخها وان لم يعلم صاحبه ، وإلا كانت لازمة ، ولأن العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه ، فلا يفتقر الى علمه.

قال رحمه اللّه : إذا باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه ، ثمَّ تستعاد العين إن كانت باقية ومثلها أو قيمتها ان كانت

ص: 339


1- الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب 2 في أحكام الوكالة حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الوكالة باب 1 ، 2.

تالفة ، وقيل : يلزم الدلال إتمام ما حلف الموكل عليه ، وهو بعيد.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، ووجه بعده ظهور بطلان البيع لمخالفة الوكيل اذن الموكل ، وإذا بطل البيع ردت العين أو مثلها أو قيمتها - على التفصيل - الى المالك ، فلا وجه لغرامة الوكيل ، ويحمل قول النهاية على ما إذا تعذر استعادة العين وقيمتها من المشتري ، فيغرم الوكيل القيمة ويكون موافقة لما ادعاه المشتري ، وما اختاره المصنف (1) وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد.

ولو اشترى جارية بعشرين ، فقال : ما أذنت إلا بعشرة ، قدم قول الموكل ، فان كان الشراء بالعين فذكر ان الشراء للموكل ردت الجارية على البائع ، واسترجع الثمن ، وان لم يذكر ان الشراء للموكل ، فان صدقه البائع للمشتري في دعواه ان الشراء لغيره ، وانه لم يرض بالشراء بهذا الثمن ردت الجارية أيضا الى البائع وان كذبه ، فإن ادعى عليه العلم حلفه على نفيه ، ويلزم البيع للوكيل ويغرم للموكل ، فان كان الوكيل كاذبا فالجارية للبائع ، وعليه دفع الثمن في الباطن لوقوع العقد باطلا ، لمخالفة أمر الموكل ، وان كان صادقا والموكل كاذبا كانت الجارية للموكل.

فعلى التقديرين لا يحل للوكيل وطي الجارية لعلمه بعدم استحقاقها ، إلا أن يشتريها ممن له باطنا ، فان كان الموكل ، قال : ( ان كنت أذنت لك بعتك بعشرين ) ويقبل الوكيل ، وان كان البائع ، قال : ( ان كنت صادقا ان الشراء للغير ، وهو باطل فقد بعتك بعشرين ) فحينئذ يحل له الوطئ ، ولا يقدح هذا الشرط في صحة البيع ، لأنه ليس شرطا حقيقيا وان كان بصيغة الشرط ، لأن الشرط الحقيقي هو المتوقع الذي يمكن وقوعه ويمكن عدم وقوعه ، وهذا واقع في الماضي فلا يكون شرطا ، فان امتنع من هي له من البيع ، جاز للحاكم ان يتولى بيعها.

ص: 340


1- كذا.

وان كان الشراء في الذمة وأطلق لزمه البيع ، وان ذكر ان الشراء للموكل بطل ، وكل موضع بطل فيه البيع ترجع العين إلى البائع ، وكل موضع يصح البيع يكون العين للموكل ، وانما يلزم الوكيل البيع ظاهرا ، وطريق الاستحلال ما ذكرناه.

ص: 341

ص: 342

في ما لا تصح فيه الوكالة

قال رحمه اللّه : والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش.

أقول : ذهب المصنف الى عدم جواز التوكيل في حيازة المباحات ، وهو بناء على انها تملك بالحيازة من دون النية ، فإذا ملكها بالاستيلاء لم ينتقل عنه الى الموكل ، ومن قال ان تملك المباحات يفتقر إلى النية أجاز التوكيل في ذلك وكان ما يجوزه للموكل ، لأنه حازه انه لموكله ، فلا يدخل في ملك الوكيل ، لأنه لم ينو التملك لنفسه ، وقد سبق (1) البحث في تحقيق افتقار تملك المباحات إلى النية في باب الشركة ، فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : وفي الجهاد على وجه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وأما الجهاد ، فلا يصح فيه النيابة بحال ، لأن كل من حضر الصف توجه عليه فرض القتال وكيلا كان أو موكلا ، وقد روي (2) انه يدخله النيابة ، وقال ابن البراج : تدخله النيابة ، واختاره العلامة ، قال : ولهذا قال : صح الاستئجار عليه.

ص: 343


1- تقدم ص 239.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 8 جهاد العدو وما يناسبه حديث 1.

وقوله : ( على وجه ) أي إذا لم يتعين عليه ، مثل ان يستنيب قبل ان يحضر الصف ولم يكن عينه الإمام للخروج ، فهذا يجوز ان يستنيب في الجهاد لعدم تعينه.

قال رحمه اللّه : ولو وكله على كل قليل أو كثير ، قيل : لا يصح لما يتطرق من [ احتمال ] الضرر ، وقيل : يجوز ، ويندفع الحال باعتبار المصلحة ، وهو بعيد عن موضع الفرض ، نعم لو وكّله على كل ما يملكه صح ، لأنه يناط بالمصلحة.

أقول : القول بعدم الصحة قول الشيخ في الخلاف ، لأن في ذلك ضررا عظيما ، لأنه ربما ألزمه بالعقود بما لا يمكنه الوفاء به ، أو يؤدي الى ذهاب جميع ماله ، مثل ان يزوجه بأربع حرائر ويطلقهن قبل الدخول ، فيلزمه نصف مهورهن ثمَّ يزوجه بأربع حرائر أخرى ويطلقهن قبل الدخول ، وهكذا ، أو يشتري له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا حاجة له فيه ، وفي ذلك ضرر عظيم ، وما يؤدي الى الضرر فهو باطل ، واختاره فخر الدين.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن البراج وابن إدريس بالجواز ، واختاره العلامة في الإرشاد والمختلف ، لأن كل واحد من الأفعال التي تدخله النيابة يصح التوكيل فيه على حدته ، فاذا عم الوكالة دخل الجميع تحتها ، والضرر الذي ذكره الشيخ مدفوع ، لأن فعل الوكيل منوط بالمصلحة ، سواء كانت عامة أو خاصة ، فكل فعل يفعله ان كان فيه مصلحة للموكل كان صحيحا وإلا كان باطلا ، وهذا هو المعتمد.

وقول المصنف : ( وهو بعيد عن موضع الفرض ) مراده إذا خصصنا فعل الوكيل بما فيه مصلحة كان بعيدا عن موضع الفرض ، إذ الفرض انه وكيل في كل قليل وكثير مما للموكل ان يفعله ، وذلك ليس مقيدا بالمصلحة ، فالتقييد بالمصلحة إخراج للمسألة عن موضعها.

ص: 344

والجواب يعلم مما سبق (1) من ان فعل الوكيل منوط بالمصلحة بخلاف الموكل ، فلو وكل في بيع عين مشخصة لم يجز للوكيل ان يبيعها بأقل من ثمن المثل والموكل له ذلك فقد ظهر انه ليس للوكيل ان يفعل كل ما يفعله الموكل إذ له ان يتصدق ويهب ويحابي ، وليس للوكيل ذلك سواء كانت الوكالة عامة أو خاصة.

وقوله : ( نعم لو وكله على ما يملك صح ، لأنه يناط بالمصلحة ) الضمير في ذلك عائد إلى الوكيل ، اي لو قال : وكلتك على قليل وكثير مما يملك فعله ، صح ، لأن الوكيل لا يملك فعل ما ليس بمصلحة فيكون وكالة صحيحة لتقييدها بالمصلحة ، ولا يجوز عود الضمير الى ما يملكه الموكل من التصرفات ، لأنه يملك كل قليل وكثير مما فيه مصلحة ومما ليس فيه مصلحة ، فلا فرق حينئذ بين المسألتين.

قال رحمه اللّه : ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه ، كالوصية والصدقة والطلاق على رواية.

أقول : جواز الوكالة في هذه الأشياء مبني على جواز مباشرتها من الموكل ، وقد سبق البحث في ذلك في باب البيع ، والمعتمد عدم الجواز مباشرة وتوكيلا.

قال رحمه اللّه : وتصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأظهر.

أقول : منع الشيخ في النهاية من توكيل الحاضر في الطلاق ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام « قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق » (2). فحملوها على الحاضر ، وحملوا الروايات (3) الدالة على

ص: 345


1- ص 344.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 أبواب مقدماته وشرائطه ، حديث 5 وفيه عن ابن سماعة.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدماته وشرائطه.

الجواز على الغائب جمعا بين الأدلة.

وقال ابن إدريس بالجواز ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لأصالة الصحة ، ولأنه من الأفعال القابلة للنيابة لوقوع الإجماع على جواز توكيل الغائب في الطلاق ، وإذا ثبت قبوله للنيابة جاز نيابة الحاضر فيه ، إذ لا مانع من ذلك غير الرواية المذكورة ، وهي مع ضعف سندها غير دالة على مطلوب الشيخ ، لأنها دالة على المنع مطلقا وهو لا يقول به.

والمراد بالحضور هو الحضور في البلد وان كان غائبا عن مجلس الطلاق ، فعلى القول بالمنع من وكالة الحاضر لا يصح وكالته مع غيبته عن مجلس الطلاق وحضوره في البلد.

ص: 346

في الوكيل

قال رحمه اللّه : ويجوز للمرأة ان تتوكل في طلاق غيرها ، وهل يجوز في طلاق نفسها؟ قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : واما المرأة فإنها تتوكل لزوجها في طلاق نفسها عند الفقهاء ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، والأظهر انه لا يصح ، وتبعه ابن إدريس على عدم الصحة. قال العلامة : والوجه الجواز ، لأنه فعل يقبل النيابة صدر من اهله فكان واقعا عملا بالأصل ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم على القول المشهور ، وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم؟ فيه تردد ، والوجه الجواز على كراهية.

أقول : لا يخلو حال الوكيل والموكل والموكل عليه عن ثمانية أقسام :

الأول : ان يتوكل المسلم للمسلم على المسلم ، وهذا لا نزاع فيه.

الثاني : ان يتوكل المسلم للمسلم على الذمي ، وهذا لا نزاع في صحته أيضا.

ص: 347

الثالث : ان يتوكل المسلم على الذمي للذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الرابع : ان يتوكل الذمي على ذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الخامس : ان يتوكل الذمي للمسلم على الذمي وهذا لا شك في صحته.

السادس : ان يتوكل الذمي للذمي على مسلم ، ولا شك في بطلان هذا القسم.

السابع : ان يتوكل الذمي على مسلم لمسلم. ذهب المصنف الى عدم الجواز ، وهو المشهور بين أصحابنا لإثبات السبيل على المسلم (1) ، وهو غير جائز.

الثامن : ان يتوكل المسلم للذمي على مسلم ، وقد تردد المصنف في صحة هذه الوكالة ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الجواز ، ولأن للذمي مطالبة المسلم بالحقوق ، فيكون تولي المسلم لذلك أولى ، وهو مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة.

ومن ان في ذلك سلطنة وسبيلا ، فكما لا يجوز ان يتسلط الذمي على المسلم كذا لا يجوز أن يسلط المسلم على المسلم وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وسلار.

ص: 348


1- النساء : 141.

في ما به تثبت الوكالة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا بشاهد ويمين على قول مشهور.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم ثبوت الوكالة بشاهد ويمين ، ولا أعلم في ذلك خلافا ، لأن جميع الولايات لا تثبت بغير الشاهدين العدلين الذكرين ، والمصنف لما لم يقف على دليل مقنع عنده على ذلك نسبه الى القول المشهور ، كما جرت عادته في ذلك من ان كل قول يجده مشهورا بين الأصحاب لا يختلفون فيه ولم يجد عليه دليلا أشار إليه بالمشهور ، وقد أشرنا الى ذلك في أول هذا الشرح (1).

والظاهر ان الذي منع المصنف من الجزم في هذه المسألة نظره الى قاعدتين : إحداهما ان الولايات لا تثبت إلا بالشاهدين ، والأخرى كلما كان مالا أو المقصود منه المال يثبت بشاهد ويمين ، والوكالة قد يكون المقصود منها المال ، كما لو وكل وكيلا في قبض دينه من زيد ، فدفع زيد الى الوكيل فأنكر الموكل الوكالة ، فأقام الغريم شاهدا واحدا بالوكالة ، فإنه يحتمل ثبوتها بالشاهد واليمين ، لأن المقصود هنا إثبات دفع المال وما شابه ذلك ، فلما عمل الأصحاب بالقاعدة

ص: 349


1- الجزء الأول ص 38 - 39.

الأولى وتركوا الثانية - مع احتمال جواز العمل بها - لم يجزم بما عملوا به لعدم ترجيح قاعدتهم التي بنوا عليها على القاعدة التي تركوها.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا في لفظ العقد بأن شهد أحدهما أن الموكل قال : وكلتك ، وشهد الآخر انه قال استنبتك ، لم تقبل ، لأنها شهادة على عقدين ، إذ صيغة كل واحد منهما مخالفة للأخرى ، وفيه تردد ، إذ مرجعه إلى أنهما شهدا في وقتين.

أقول : قال الشيخ بعدم القبول لما ذكره المصنف ، وقال ابن الجنيد بالقبول ، والمعتمد ان شهدا على الإنشاء لم يقبل وكان الحق ما قاله الشيخ ، وان شهدا على الإقرار قبل وكان الحق ما قاله ابن الجنيد ، ولو قال أحدهما : ( أشهد انه وكله ) ، وقال الآخر : ( أشهد أنه استنابه ) ولم يحكيا قول الموكل جاز بغير خلاف.

قال رحمه اللّه : لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم فلا يمين عليه. الى آخر المسألة.

أقول : لا يخلو المال الذي ادعى الوكالة في قبضه من ان يكون عينا أو دينا. وعلى التقديرين إما ان يعترف الغريم بالوكالة أو لا ، والأول ان يكون المال عينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، فليس لهذه الدعوى حكم في وجوب الدفع إجماعا ، سواء صدقه الغريم أو كذبه ، فلا يجب التسليم اليه مع التصديق ، لأن تصادق الغريم والوكيل على ثبوت الوكالة لا ينفذ (1) على الموكل ، وهل يجوز الدفع؟ قال الشيخ في المبسوط بالجواز ، والمشهور العدم.

الثاني : ان يكون المال دينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، وهنا لا يخلو إما ان يدعي عليه العلم أو لا ، فان ادعى عليه العلم لا يخلو إما ان يعترف بالوكالة أو ينكرها ، فان اعترف بها ، هل يجب التسليم إليه أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : لا

ص: 350


1- في « ر 2 » : ( يتعلق بحق له ) بدل : ( ينفذ ).

يجب ، وهو اختيار المصنف والعلامة. وقال ابن إدريس : يجب الدفع إليه ، لأنه صار وكيلا عليه بتصديقه إياه ، لأن إقرار العقلاء على نفوسهم جائز (1).

ووجه الأول انه لا يجبر على دفع غير مبرئ ، وهذا الدفع غير مبرئ ، لاحتمال إنكار الوكالة فيكون القول قوله في ذلك ، ومن هذين الوجهين نشأ التردد ، والمعتمد عدم وجوب الدفع.

وان أنكر العلم ، هل يجب اليمين؟ قال ابن إدريس : يجب اليمين وهو بناء على قاعدته من وجوب الدفع مع الاعتراف ، وهذه قاعدة مطردة في جميع الأحكام ان كل موضع يجب الحق مع الإقرار يجب اليمين مع الإنكار ، وما لا فلا.

فرعان :

الأول : إذا ادعى إحالة الغائب عليه فصدقه احتمل وجوب الدفع ، لأن الحوالة ناقلة للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وقد اعترف الغريم بالحوالة فيكون قد اعترف بمال في ذمته فيجب دفعه اليه ، وهو المعتمد.

ويحتمل عدم وجوب الدفع ، لاحتمال إنكار المحيل الحوالة فلا يجبر الغريم بالدفع ، وهو ضعيف ، لأن احتمال إنكار الحوالة - بل تحقق إنكارها - لا يوجب إسقاط حق المحتال عليه ، والفرق بين دعوى الحوالة ودعوى الوكالة ظاهر ، لأن دعوى الحوالة يتضمن إثبات حق لنفسه وقد اعترف له ، فيجب دفعه اليه ، ودعوى الوكالة تتضمن استحقاق إثبات يده على مال الغير.

الثاني : لو ادعى انه وارث الغريم ولا وارث سواه ، فان صدقه وجب الدفع وان كذبه وجبت اليمين ، فان دفع المال وظهر وارث سواه فلا غرم ، فان كان لتصديقه إياه غرم حصة الوارث.

ص: 351


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 أبواب الإقرار ، حديث 2.

ص: 352

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو ادعى بعد ذلك ان تلف المال قبل الامتناع ، أو ادعى الرد قبل المطالبة ، قيل : لا تقبل دعواه ولو أقام بينة ، والوجه انها تقبل.

أقول : إذا طالب الموكل الوكيل بالرد فقال : ( غدا أرده عليك ) مع تمكنه من رده في الحال كان ضامنا ، فان ادعى بعد ذلك التلف ، وذكر انه قبل المطالبة وادعى انه ردّه قبل (1) لم يقبل قوله ، لأنه صار ضامنا بتأخيره للرد مع الإمكان ، فإن أقام بينة قال الشيخ : فيه وجهان :

أحدهما : أنها تقبل ، وهو الصحيح ، واختاره المصنف ، لأنه أقامها على تلف أو رد ، ولو صدقه عليه لا يدفع عنه الضمان ، فمع التكذيب تقبل البينة ، وقيل : لا تقبل دعواه ولا بينة (2) ، لأنه مكذب لها بقوله : ( أرده عليك ) فلا تكون مقبولة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : كل من في يده مال لغيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم

ص: 353


1- في « ن » و« ر 2 » : قبلها.
2- كذا في النسخ.

حتى يشهد صاحب الحق بالقبض ، ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده وما لا يقبل إلا بينة. الى آخر المسألة.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، إلا أنه قيد في التحرير ما لم يؤد الإشهاد إلى تأخير الحق ، قال : فإن ادى الى التأخير ، فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل قوله فيه مع اليمين ، فإن أخر ضمن ، وأطلق في القواعد كما أطلق المصنف.

وقيل بالتفصيل فان كان الحق مما يقبل القول في رده مع اليمين من غير بينة ليس له الامتناع من التسليم لأجل الإشهاد ، لعموم وجوب دفع الحق إلى مستحقه عند الطلب ، خرج منه ما لا يقبل القول بردّه إلا بالبينة حذرا من الإنكار المؤدي إلى غرم المال ، وان كان الحق مما يقبل القول بردّه جاز ذلك ، والمشهور الجواز مطلقا ، لأن مع الإنكار يفتقر الى اليمين وهي محظورة (1) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن ، ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن ، وفيه تردد.

أقول : الفرق بينهما ان الوداعة مبنية على الإخفاء والكتمان ، وقضاء الدين مبني على الظهور والإعلان ، قال الشيخ رحمه اللّه : ولو امره بقضاء الدين فلم يشهد ضمن بترك الاشهاد وان صدقه على القضاء ، لأنه فرط حيث دفع دفعا غير مبرئ ، ومنشأ التردد من الوجه الذي ذكره بترك الاشهاد الشيخ ، ومن انه امتثل ما امره به وهو القضاء ، والجحود من القابض لا يوجب الضمان على الدافع ، والبراءة في نفس الأمر قد وقعت ، والأول هو المشهور.

فرع : لو أنكر الودعي الوديعة فصدقه الموكل ، وادعى على الوكيل عدم

ص: 354


1- في « ن » : محروزة ، وفي « ر 2 » : محذورة.

الإيداع ، كان القول قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما هو وكيل فيه وليس للوكيل ان يحلف الودعي ، لأنه لا يدعي عليه حقا لنفسه ولا لموكله ، لأن موكله لا يدعي عليه شيئا ، لأنه مصدقه على عدم دفع الوكيل اليه ، والوكيل لا يغرم شيئا بحيث يرجع عليه فيه ، ومع عدم تصديق الموكل للودعي تكون المخاصمة للموكل دون الوكيل.

قال رحمه اللّه : إذا اذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز ، وفيه تردد ، وكذا في النكاح.

أقول : قد مضى البحث في هذا في كتاب البيع (1) ، والمنع مذهب الشيخ وابن إدريس وابن الجنيد ، والجواز مذهب المصنف والعلامة ، ومنشأ التردد من ان البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول ، ولا يتصور إلا من اثنين ، فالشخص الواحد لا يكون موجبا قابلا.

وأجيب بأن الشخص الواحد إذا كان موجبا باعتبار البيع قابلا باعتبار الشراء كان قائما مقام اثنين.

وصورة العقد هنا ان يقول : بعت هذه العين عن موكلي من نفسي بدينار مثلا ، قبلت البيع لنفسي ، وكذا النكاح ، فيقول : زوجت موكلتي من نفسي بكذا ، قبلت الزواج لنفسي.

ص: 355


1- ص 17.

ص: 356

في التنازع

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا اختلفا في رد المال الى الموكل ، فان كان بجعل كلف البينة ، لأنه مدعي ، وان كان بغير جعل ، قيل : القول قوله كالوديعة ، وهو قول مشهور ، وقيل : القول قول المالك ، وهو الأشبه.

أقول : لا يخلو الوكيل من أحد أمرين اما ان يكون وكيلا بجعل أو بغير جعل : الأول ان يكون بجعل ، وقد افتى المصنف في كتابيه ان القول قول الموكل ، وهو المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : فيه وجهان : أحدهما أن القول قول الموكل ، لأن الوكيل قبض المال لمنفعة نفسه وهو الجعل فهو كالمرتهن والمستعير. والثاني : ان القول قول الوكيل ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل ، بخلاف المرتهن والمستعير ، لأن حقهما متعلق بالعين.

الثاني : ان يكون بغير جعل ، وهذا (1) - قال (2) الشيخ - : يكون قوله مقبولا في الرد ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل دون منفعة نفسه فهو كالمودع ، واختاره

ص: 357


1- في « ر 2 » : وبهذا.
2- في « ن » : قول.

المصنف في المختصر. وقال ابن إدريس : القول قول الموكل لعموم قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، خرج منه الودعي بالإجماع ، يبقى الباقي داخلا في العموم ، واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة وقواه فخر الدين.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الوكيل التصرف وأنكر الموكل ، مثل ان يقول : بعت أو قبضت ، قيل : القول قول الوكيل ، لأنه أقر بماله أن يفعله ، ولو قيل : أن القول قول الموكل أمكن ، لكن الأول أشبه.

أقول : إذا ادعى الوكيل بيع العين التي وكّل في بيعها أو قبض الثمن الذي وكل في قبضه ، وادعى انه قد تلف بعد القبض فأنكر الموكل دعواه ، كان القول قول الوكيل على قول مشهور بين الأصحاب ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ويحتمل ان يكون القول قول الموكل ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يلزم به ، لكن الأول هو المشهور.

قال رحمه اللّه : إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه ، ويلزم الوكيل مهرها ، وروي نصف مهرها ، وقيل : يحكم ببطلان العقد في الظاهر ، ويجب على الموكل أن يطلقها إن كان يعلم صدق الوكيل وان يسوق لها نصف المهر ، وهو قوي.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب المهر كملا على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وقواه ابن إدريس ، لأن المهر يثبت جميعه بالعقد وانما ينتصف بالطلاق ، وليس هنا طلاق ، لأن (2) الوكيل منع حقها بترك الاشهاد على الوكالة

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 3.
2- في « ر 1 » : ولأن.

فيكون ضامنا.

الثاني : وجوب نصف المهر على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، لأنها فرقة قبل الدخول ، فيكون كالطلاق ، ولرواية عمر بن حنظلة (1) ، عن الصادق عليه السلام.

الثالث : بطلان العقد في الظاهر ، ولا يجب على الوكيل شي ء كما لو اشترى عينا مدعيا وكالته فأنكر الوكالة ، فإن القول قوله ويبطل البيع ولا يغرم الوكيل شيئا ، ولأن التفريط ليس من الوكيل ، بل هو منسوب إليها كيف أجابت إلى التزويج بمن لم تثبت وكالته شرعا.

وإذا حكم ببطلان العقد في الظاهر يبقى الموكل فيما بينه وبين اللّه تعالى ، فان كان وكل وجب عليه ان يطلقها ويدفع اليه نصف مهرها ، فان لم يفعل كان مأثوما عند اللّه تعالى ، وهذا القول نقله المصنف هنا والعلامة ، ولم يسميا قائله ، وقواه المصنف هنا ، والعلامة في المختلف ، وهو قوي لمناسبته لأصول المذهب ، ولا يضمن الوكيل شيئا إلا ان يضمن لها بعد العقد ، فحينئذ يغرم الجميع ، وله مقاصة (2) الموكل ان كان صادقا في الوكالة واذن له في الضمان ، وإلا فلا.

فروع :

الأول : إذا لم تعلم المرأة صدق الوكيل جاز لها التزويج ظاهرا ، وان علمت صدقه لم يجز لها ان تتزوج إلا مع الطلاق ، فلو لم يطلق لم يجبر عليه وفسخ الحاكم العقد ، فان لم يكن هناك حاكم فسخت هي دفعا للضرورة.

الثاني : لو طلقها وسماها عند الطلاق ، بأن قال : ( زوجتي فلانة طالق ) ، كان إقرارا بالنكاح ، ويجب دفع نصف المهر الى الوكيل ان كان قد غرمه ، وإلا الى

ص: 359


1- الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب 4 في أحكام الدعوى ، حديث 1.
2- في « ر 2 » و« ن » : معاوضة.

المرأة.

الثالث : لا يجوز للوكيل ان يتزوجها في موضع يحكم ببطلان العقد ظاهرا من غير طلاق ، ولا فسخ ان كان صادقا في دعواه لعلمه انها ذات بعل ما لم يمت الموكل ، فتحل له حينئذ بعد العدة بالنسبة إليه لا إليها.

الرابع : لو ادعى أن فلانا الغائب وكله في زواج امرأة فزوجها له ، ثمَّ مات الغائب

لم ترثه إلا ان يصدقه الورثة أو تقوم بذلك بينة ، ويجب عليها العدة للزوم العقد قبل موته وإنكاره ، وانما منعت من الإرث ، لأن الأصل عدمه ما لم يتحقق السبب الموجب له وهو غير متحقق ، وليس كذلك لو زوجها فضوليا ثمَّ مات الزوج قبل الإجازة أو الفسخ ، فان هنا لا يجب عليها العدة وان كان العقد لازما من جهتها ، لأنها هنا أوقعت عقدا غير لازم للزوج حالة وقوعه ، وانما هو موقوف على اجازته ، وهناك أوقعت عقدا لازما له في زعمها حالة وقوعه ، وانما تجدد له الفسخ ظاهرا بسبب الإنكار للوكالة ، والأصل عدمه ، فالفرق حاصل بين عقد يعتقد لزومه حالة وقوعه ، وبين عقد يعتقد عدم لزومه حالة وقوعه.

قال رحمه اللّه : لو وكل بقبض دينه من غريم له ، فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، فالقول قول الموكل ، وفيه تردد.

أما لو أمره ببيع سلعة وتسليمها وقبض ثمنها ، فتلف من غير تفريط فأقر الوكيل بالقبض وصدقه المشتري وأنكر الموكل ، فالقول قول الوكيل ، لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث انه سلم المبيع لم يتسلم الثمن ، فكأنه يدعي ما يوجب الضمان ، وهناك الدعوى على الغريم ، وفي الفرق نظر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا وكل وكيلا في استيفاء دين له على إنسان ، فقال : استوفيته وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، نظر فان قال : استوفيته وهو قائم بيدي فحده ، كان

ص: 360

عليه قبضه من الوكيل ولا معنى لهذا الاختلاف ، وان قال استوفيته وتلف من غير تفريط ، وأنكر الموكل الاستيفاء احتمل ان يكون القول قول الموكل ، لأصالة بقاء الحق فلا يقبل تصادق الوكيل والغريم إلا ببينة ، لأن قولهما على خلاف الأصل ، ويحتمل ان يكون القول قول الوكيل ، لأنه اختلاف في التصرف المأذون فيه ، وهو أمين فيكون قوله مقبولا فيه.

وفتوى الأصحاب على ان القول قول الموكل في هذه المسألة إلا فخر الدين ، فإنه اختار ان القول قول الوكيل ، واتفقت فتاويهم على ان القول قول الوكيل ، إذا اختلفا في التصرف المأذون فيه.

الثانية : إذا أمره ببيع سلعة وتسليمها إلى المشتري وقبض الثمن منه فادعى أنه باعها وقبض ثمنها ثمَّ تلف الثمن من غير تفريط ، فأنكر الموكل قبض الثمن من المشتري ، فالقول قول الوكيل على ما تطابقت عليه فتاوي الأصحاب ، لأن الوكيل لا يجوز ان يسلم المبيع حتى يتسلم الثمن ، فلو فعل ذلك كان مفرطا فيصير ضامنا فإذا أنكر الموكل قبض الوكيل للثمن بعد ثبوت قبض المشتري للسلعة يكون قد ادعى خيانة الوكيل وتفريطه حيث قدم على فعل غير جائز ، وهو تسليم المبيع قبل قبض الثمن ، والأصل عدم الخيانة والتفريط.

قال المصنف : ( وفي الفرق نظر ) ، وجه النظر ان الدعوى هنا على المشتري أيضا ، كما ان الدعوى هناك على الغريم ، ووجه قبول قول الموكل في صورة استيفاء الدين كون الدعوى على غير الوكيل وهي هنا كذلك. هذا وجه عدم الفرق الذي نظره رحمه اللّه ، وهو ضعيف ، لأنه لو قلنا ان القول قول الموكل هنا ، وتعذر استيفاء الثمن من المشتري رجع على الوكيل لتفريطه بخلاف صورة استيفاء الدين فإنه إذا تعذر استيفاؤه من الغريم ليس على الوكيل شي ء ، فالفرق ظاهر.

قال رحمه اللّه : ولو ظهر في المبيع عيب ، ردّها على الوكيل دون الموكل ،

ص: 361

لأنه لم يثبت وحول الثمن اليه ، ولو قيل برد المبيع على الموكل كان أشبه.

أقول : وجوب رده على الوكيل مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وذهب المصنف والعلامة وفخر الدين الى رده على الموكل ، وهو المعتمد ، لأنه ملك للموكل فيكون الرد عليه مع ثبوت الوكالة شرعا ، لأنه قد صار في يد وكيله ، فهو كما لو كان في يده ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، والمخاصمة بين المشتري والموكل إذا تحققت الوكالة ، فلا وجه لرده على الوكيل.

فرع : إذا رده على الوكيل لجهل المشتري بالوكالة ، فان صدقه الوكيل على سبق العيب لزمه قبوله ولا يمضي تصديقه على الموكل ، فان صدقه الموكل أيضا أو قامت بذلك بينة رده الوكيل على الموكل ، وان كذبه وكان الغيب مما يمكن حدوثه ولا بينة ، كان القول قول الموكل ، فإذا أحلفه لم يملك الوكيل رده عليه ، وان كذب الوكيل المشتري حلف ، فان نكل الوكيل عن اليمين وحلف المشتري رده على الوكيل ، وهل يملك الوكيل رده على الموكل؟ فان قلنا ان اليمين المردودة على المدعى كإقرار الخصم لم يملك رده على الموكل ، وان قلنا انها كالبينة كان له رده عليه.

ص: 362

كتاب الوقوف والصدقات

اشارة

ص: 363

ص: 364

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو قال : حبست وسبّلت ، قيل : يصير وقفا وإن تجرد ، لقوله عليه السلام : « حبس الأصل ، وأطلق الثمرة » ، وقيل : لا يكون وقفا إلا مع القرينة ، إذ ليس ذلك عرفا مستقرا بحيث يفهم من الإطلاق ، وهذا أشبه.

أقول : القول بحصول الوقف بقوله : ( حبست وسبلت ) مجردا عن القرينة ، قول الشيخ في الخلاف ، وبه قال السيد المرتضى وابن زهرة ، واختاره العلامة في القواعد ، فالصريح عندهم ثلاثة : ( وقفت وحبست وسبلت ) ؛ لأن ( حبست وسبلت ) ثبت لهما عرف الاستعمال بين الناس ، وللخبر الذي ذكره المصنف.

وقال الشيخ في المبسوط : الذي يقوى في نفسي ان صريح الوقف قول واحد وهو : ( وقفت ) لا غير ، وبه يحكم بالوقف ، واما غيره من الألفاظ فلا يحكم به الا بدليل ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، والعلامة في الإرشاد ، وقواه في التحرير ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء الملك على صاحبه ما لم يتحقق السبب المزيل ، وهو غير متحقق هنا ، والموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على التخصيص ، ولفظ ( حبست وسبلت ) موضوع للتأبيد وغير التأبيد فهو

ص: 365

مشترك ، فلا يحمل على التأبيد من غير قرينة دالة عليه ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه تصدق بداره في بني زريق ، وكتب :

« بسم اللّه الرحمن الرحيم

هذا ما تصدق به أمير المؤمنين على بن ابي طالب ، وهو حي سوي ، وتصدق بداره التي في بني رزيق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات والأرض ، واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، وإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين » (1).

فغير لفظ الوقف يحتاج إلى قرينة دالة على التأبيد ، كما في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام مثل : « لا تباع ولا توهب حتى يقبض اللّه الأرض ومن عليها » ، وبالجملة كل ما يدل على التأبيد.

وألفاظ الوقف ستة : ( وقفت وحبست وسبلت وحرمت وتصدقت وأبدت ) وكلها تفتقر إلى القرينة عدا ( وقفت ).

قال رحمه اللّه : أما لو وقف في مرض الموت ، فان أجاز الورثة ، وإلا اعتبر من الثلث كالهبة والمحاباة في البيع ، وقيل : يمضي من أصل التركة. والأول أشبه ، ولو وقف ووهب وأعتق وباع فحابى ولم يجز الورثة ، فإن خرج ذلك من الثلث صح ، وان عجز بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي قدر الثلث ، ثمَّ يبطل ما زاد ، وهكذا لو أوصى بوصايا ، ولو جهل المتقدم قيل : يقسم على الجميع بالحصص.

أقول : يأتي تحقيق البحث في هذه إنشاء اللّه تعالى في باب الوصايا (2).

ص: 366


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 4.
2- ص 451 من هذا الجزء ، تصرفات المريض.

في الشرائط

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يصح وقف الدنانير والدراهم؟ قيل : لا ، وهو الأظهر ، لأنه لا نفع لها الا التصرف فيها ، وقيل : يصح ، لأنه قد يفرض لها نفع مع بقائها.

أقول : الذهب والفضة إذا كان حليا صح وقفه إجماعا ، والخلاف انما هو في الدراهم والدنانير ، ونقل في المبسوط الإجماع ، إلا ممن شذ على عدم جواز وقفها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن نفعها في إخراجها ، وهو مناف للوقف.

وقيل : يصح مع تقدير المنفعة الحكمية كالتحلي بها. قال العلامة في التحرير : ولو سوغناه ففي جواز عمله حليا للموقوف عليه نظر ، والمعتمد عدم الجواز على القول بالصحة ، لأنه يؤدي الى تغيير عين الوقف ، وهو غير جائز ، ويحتمل الجواز ، لأنه نوع انتفاع مع بقاء العين.

قال رحمه اللّه : ولو وقف ما لا يملكه لم يصح وقفه ، ولو أجاز المالك ، قيل : يصح ، لأنه كالوقف المستأنف ، وهو حسن.

أقول : استقرب العلامة في القواعد صحة الوقف مع الإجازة ، وهو ظاهر

ص: 367

الإرشاد ومنع منه في التحرير ، وهو مذهب الشهيد رحمه اللّه ، وقواه فخر الدين ، قال : لعدم صحة التقرب بمال الغير.

قال رحمه اللّه : وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي جواز صدقته ، والأولى المنع.

أقول : جواز وقف من بلغ عشرا مذهب الشيخ رحمه اللّه وابي الصلاح وابن الجنيد ، لرواية زرارة (1) عن الصادق عليه السلام المتضمنة جواز صدقته والوقف صدقة ، والمنع مذهب سلار وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لعموم الحجر عليه قبل البلوغ (2).

قال رحمه اللّه : ولو بدأ بالمعدوم ثمَّ بعده بالموجود ، قيل : لا يصح ، وقيل : يصح على الموجود ، والأول أشبه.

أقول : إذا كان الوقف منقطع الابتداء متصل الانتهاء ، كأن يقف أولا على من لا يصح الوقف عليه ، ثمَّ على من يصح ، كأن يقف على نفسه أو عبده أو المجهول كأحد هذين ، أو المعدوم ، ثمَّ على الفقراء والمساكين ، قال الشيخ في الخلاف : يبطل الوقف فيمن بدأ بذكره ، لأنه لا يصح الوقف عليه ويصح (3) في حق الباقين ، لأنه يصح الوقف عليهم وقواه في المبسوط ، لأنه ذكر نوعين أحدهما لا يصح الوقف عليه والآخر يصح الوقف عليه فيبطل في حق من لا يصح الوقف عليه ، ويصح في حق من يصح في حقه ، لأن تفريق الصفقة جائز ، فلا مانع من صحة هذا الوقف ، واختار المصنف البطلان ، وهو مذهب العلامة

ص: 368


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 15 في أحكام والوقوف والصدقات ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، حديث 4.
3- من « ن » ، وفي « ر 2 » : وهل يصح ، وباقي النسخ : فيبطل.

وفخر الدين ، وهو المعتمد ، لأنه لا مقر له في الحال ، فيكون باطلا.

فروع :

الأول : إذا قلنا بصحة الوقف فيمن يصح في حقهم ، هل تصرف منفعة الوقف إليهم في الحال؟ قال الشيخ في المبسوط : ينظر فان كان الذي بطل الوقف في حقه لا يمكن انقراضه كالمعدوم والميت فإن منفعة الوقف تصرف الى من يصح في حقهم في الحال ، ويكون أولئك بمنزلة المعدوم الذي لم يذكر في الوقف ، فان كان الموقوف عليه أولا يمكن انقراضه كالعبد ، فمنهم من قال يصرف إليهم في الحال ، لأنه لا مستحق غيرهم ، وهو الأصح ، ومنهم من قال لا يصرف إليهم في الحال ، لأنه انما جعل منفعة الوقف لهم بشرط انقراض من قبلهم ، والشرط لم يوجد ، فيصرف الى الفقراء والمساكين مدة بقاء الموقوف عليه أولا ، ثمَّ إذا انقرض رجعت إليهم ، هذا جميعه قول الشيخ في المبسوط ، وهذا الفرع ساقط سقوط أصله.

الثاني : لو انقطع وسط الوقف ، [ احتمل الصحة في الطرفين ] كما لو وقف على زيد ثمَّ على عبده ثمَّ على الفقراء والمساكين ، احتمل الصحة في الطرفين فيصرف (1) منفعته في الوسط الى الواقف أو وارثه ولو كان منقطع الطرفين ، فهو كمنقطع الأول.

الثالث : إذا وقف على ما ولده سنة ثمَّ على الفقراء والمساكين صح ، لأنه مؤبد في طرفيه ووسطه.

الرابع : إذا وقف على أولاده وشرط ان يكون غلة العام الأول لزيد ، والعام الثاني لعمرو ، وهكذا ، وبعدهم على الفقراء والمساكين ، العام الأول لعلمائهم ، والثاني لزهادهم ، والثالث لعبادهم ، صح ولزم الشرط.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على المؤمنين انصرف الى الاثني عشرية ، وقيل :

ص: 369


1- من « ن » ، وفي « ر 2 » : وتصرف ، وفي الباقي من النسخ : وصرف.

إلى مجتنبي الكبائر ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في انصرافه إلى الاثني عشرية القائلين بإمامة الاثني عشر عليهم السلام ، وانما الخلاف في اشتراك الجميع أو اختصاص مجتنبي الكبائر منهم.

قال الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج وابن حمزة : باختصاص مجتنبي الكبائر منهم ، وقال سلار وابن إدريس : باشتراك الجميع ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الفسق لا يخرج المؤمن عن إيمانه.

وقال العلامة في المختلف : والتحقيق ان الإيمان ان جعلناه مركبا من الاعتقاد القلبي والعمل بالجوارح لم يكن الفاسق مؤمنا ، وان جعلناه عبارة عن الأول كان مؤمنا ، قال : وهو الحق عندي.

قال رحمه اللّه : ويشترك الذكور والإناث المنتسبون إليه من جهة الأب نظرا إلى العرف ، وفيه خلاف للأصحاب.

أقول : إذا قال : وقفت على الهاشميين أو العلويين أو الحسينيين ، كان لمن انتسب الى هاشم أو علي أو الحسين بن علي ، ويشترك الذكور والإناث في ذلك ما لم يحصل التفصيل ، وهل يشترط الانتساب بالأب أو يدخل المنتسب بالأم؟.

اختلف الأصحاب في ذلك ، والمشهور اختصاص المنتسب بالأب والأم أو الأب خاصة دون المنتسب بالأم خاصة ، وقال السيد المرتضى : يدخل المنتسب بالأم خاصة ، ويشارك أهل الوقف ، وقد مضى تحقيق ذلك في باب الخمس (1) فلينظر من هناك.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على جيرانه يرجع إلى العرف ، وقيل : لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا ، وهو حسن ، وقيل : إلى أربعين دارا من كل جانب ، وهو

ص: 370


1- تقدم في الجزء الأول ص 297 - 298.

مطرح.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : الرجوع الى العرف ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، لأن مع تعذر الحقيقة الشرعية يرجع الى العرف.

الثاني : مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس.

الثالث : قول بعض الأصحاب ، وهو منقول عن عائشة ، وهو متروك.

فروع :

الأول : هل يشترط ملك الجار للدار ، حتى لو كان مستأجرا أو مستعيرا لم يستحق من الوقف شيئا؟ يحتمل ذلك ، لأن الجار الحقيقي هو مالك (1) الدار دون مستعيرها ومستأجرها. ويحتمل استحقاق المستعير والمستأجر لصدق اسم المجاورة عرفا ، اما الغاصب فالأقرب عدم دخوله ، لأنه مأمور بالخروج في كل آن فلا يصدق عليه المجاورة ، وعلى القول باستحقاق المستأجر والمستعير لو خرجا خرجا عن الوقف.

الثاني : إذا باع الملك (2) خرج عن الوقف ويصير للمشتري لصيرورته جارا.

الثالث : لو لم تكن الدار مسكونة ، هل يستحق مالكها شيئا من الوقف؟ يحتمل ذلك لصدق اسم المجاورة بالملك ، فإنه يجوز ان يقال : فلان جار فلان إذا كانت داره الى جانب داره وان لم تكن مسكونة ، ويحتمل العدم ، لأن المجاورة في العرف انما تكون مع السكنى به دون الملك ، ولهذا يصدق على المستأجر والمستعير

ص: 371


1- من « ن » ، وفي النسخ : المالك.
2- من « ن » ، وفي النسخ : مالك.

بأنه جار.

الرابع : لو كان في داره اثنان فصاعدا دخلوا في الوقف لصدق المجاوزة.

الخامس : لا يخرج صاحب الدار عن الوقف بسفره المتقطع ، ولا في تردده بالسكنى بينها وبين غيرها.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على بني تميم صح ويصرف الى من يوجد منهم ، وقيل : لا يصح لأنهم مجهولون ، والأوّل هو المذهب.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا وقف على بني تميم أو بنى هاشم صح الوقف ، وان كانوا غير محصورين كالفقراء والمساكين ، قال : وفي الناس من قال : انه لا يصح ، لأنه مجهول. وقال ابن حمزة : لا يجوز الوقف على بنى فلان ، وهم غير محصورين في البلاد ، والمشهور الجواز ، وهو المعتمد لوقوع الإجماع على صحة الوقف على الفقراء والمساكين وعلى المسلمين والمؤمنين ، ولا شك في انتشارهم وعدم انحصارهم.

ويجب إعطاء ثلاثة فما زاد ولا يجزي أقل من ثلاثة ، ولا يجب الزائد عليها ، وكذا حكم كل قبيلة منتشرة ، ولا يجب التسوية بين المدفوع إليهم ، بخلاف المحصورين فإنه يجب التسوية والاستيعاب (1) ، ولو كانوا منحصرين ثمَّ انتشروا وجب استيعاب ما أمكن ، لأن الواقف أراد التسوية والتعميم في ابتداء وقفه لكونه ممكنا لانحصار الموقوف عليه ، فاذا تعذر بعد ذلك وجب العمل بما أمكن بخلاف المنتشرين ابتداء ، لأن الواقف لم يقصد التعميم ولا التسوية لتعذره في حق المنتشرين ، فلا يجب أكثر من أقل الجمع ، ولا يكفي دونه.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على الذمي جاز ، لأن الوقف تمليك فهو كإباحة المنفعة ، وقيل : لا يصح ، لأنه يشترط فيه نيّة القربة إلا على أحد الأبوين ، وقيل :

ص: 372


1- في « ن » : الاستيعاب.

يصح على ذوي القرابة ، والأوّل أشبه ، وكذا يصح على المرتد ، وفي الحربي تردد ، أظهره (1) المنع.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في جواز الوقف على الذمي ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك على أربعة أقوال :

الأول : الجواز مطلقا ، وهو مذهب المصنف والشهيد ، لقوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) (2).

الثاني : انه يصح على ذي الرحم دون الأجنبي ، وهو مذهب الشيخين للحث على صلة الأرحام.

الثالث : يصح على الوالدين دون غيرهم ، واختاره ابن إدريس ، لقوله تعالى ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (3) ، وللحث على برّهما ، ثمَّ رجع بعد ذلك الى مذهب الشيخين ، وهو يدل على اضطرابه في هذه المسألة.

الرابع : المنع مطلقا ، واختاره فخر الدين لقوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (4) الآية وهي دالّة على النهي عن مودة الكافر وان كان أبا.

الثانية : في المرتد عن غير فطرة ، ذهب المصنف والعلامة في القواعد الى جواز الوقف عليه ، ووجه الصحة كون الوقف صدقة ، وهي جائزة على المرتد

ص: 373


1- في بعض النسخ : أشبهه.
2- الممتحنة : 8.
3- لقمان : 15.
4- المجادلة : 22.

من غير فطرة ، لأنه له أهلية التمليك ، ولعموم : « على كل كبد حرى أجر » (1). ويحتمل المنع لكونه كافرا ، واختاره فخر الدين.

الثالثة : في الحربي ، لا خلاف في عدم جواز الوقف على الأجانب ، وانما الخلاف في جوازه على الأقارب ، قال الشيخان : بجوازه عليهم سواء كانوا أبوين أو غيرهما من ذوي الأرحام ، وكذا أبو الصلاح وابن حمزة ، وقال سلار : ووقف المؤمن على الكافر باطل ، وقد روي انه ان كان الكافر أحد أبوي الواقف أو من ذوي رحمه كان جائزا ، والأول لم يثبت ، ومثله قال ابن البراج.

وجزم المصنف في المختصر بعدم جواز الوقف على الحربي ، وهو مذهب العلامة ، ووجه الجواز والمنع ما تقرر في الذمي.

قال رحمه اللّه : وكذا لو جعله لمن ينقرض غالبا ، كأن يقفه على زيد ويقتصر أو يسوقه الى بطون تنقرض غالبا ، أو يطلقه في عقبه ولا يذكر ما يصنع به بعد الانقراض ، ولو فعل ذلك ، قيل : يبطل الوقف ، وقيل : يجب إجزاؤه حتى ينقرض المسمّون ، وهو الأشبه فإذا انقرضوا رجع الى ورثة الواقف ، وقيل : إلى ورثة الموقوف عليهم ، والأوّل أظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : من شرط في الواقف التأبيد فإذا جعله لمن ينقرض غالبا ، كما وصفه المصنف ولم يسقه بعد ذلك الى من لا ينقرض كالفقراء والمساكين والمساجد والمشاهد ، هل يصح ذلك؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة مثل ان يقف على ولده وله ولد وسكت ، فمن أصحابنا من قال : لا يصح الوقف ، ومنهم من قال : يصح ، والمشهور الصحة ، وهو مذهب الشيخين وابن الجنيد وسلار وابن إدريس وابن حمزة ، واختاره المتأخرون ،

ص: 374


1- عوالي اللئالي 1 : 95 ، حديث 3.

ويكون حبسا أو سكنى أو عمرى بلفظ الوقف ؛ لأنه نوع تمليك وصدقة ، فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ، ولأن تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأول ، وإلا لزم الدور ، لأن تمليك الأول شرط في تمليك الثاني ، فلو كان تمليك الثاني شرطا في تمليك الأول لزم الدور.

واحتج المانعون بأن الوقف مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول ، فلا يصح كما لو وقفه على مجهول في الابتداء.

الثانية : إذا انقرض الموقوف عليهم ، هل يرجع الوقف إلى ورثة الواقف أو ورثة الموقوف عليهم أو الى وجوه البر؟ فيه ثلاثة أقوال :

الأول : الى ورثة الواقف ، وهو مذهب الشيخ وابن البراج وسلار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه حبس في الحقيقة لانقراض أربابه ، وحكم الحبس رجوعه الى ورثته عند انقراض المحبس عليهم لعدم خروجه عن ملكه بالكلية.

الثاني : الى ورثة الموقوف عليهم ، وهو مذهب المفيد ( وابن إدريس ) (1) ، لأن الوقف خرج عن ملك الواقف فلا يعود اليه ولا الموقوف عليه تملك الوقف فينتقل الى ورثته بعد موته.

والجواب عدم انتقال الرقبة إلى الموقوف عليه هنا لما بينا من انه حبس في الحقيقة ، وانما ينتقل الوقف الى الموقوف عليه في صورة التأبيد.

الثالث : قال ابن زهرة : ينتقل الى وجوه البرّ لانتقال الوقف عن الواقف وزواله عن ملكه ، ومال إليه العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على أولاده الأصاغر فقبضه يكون قبضه عنهم ، وكذا الجد للأب ، وفي الوصي تردد ، أظهره الصحة.

ص: 375


1- لم يرد في « ن ».

أقول : منشؤه : من انه قائم مقام الأب والجد مع فقدهما ، فيكون حكمه حكمهما ، ومن انه لا يجوز ان يتولى طرفي العقد عند الشيخ وابن إدريس ، وهذا عقد ، والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على نفسه لم يصح ، وكذا لو وقف على نفسه ثمَّ على غيره ، وقيل : يبطل في حق نفسه ويصح في حق غيره ، والأول أشبه.

أقول : هذا منقطع الابتداء ، وقد مضى (1) البحث فيه.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز أن يشرك معهم وإن لم يشترط ، وليس بمعتمد.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج لرواية عبد اللّه بن الحجاج (2) ، عن الصادق عليه السلام ، والمشهور المنع ، وهو المعتمد لعدم جواز تغيير الوقف ، ولرواية جميل بن دراج (3) ، عن الصادق عليه السلام.

ص: 376


1- ص 368.
2- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 5 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 4 في أحكام الوقوف والصدقات حديث 2 و7.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو وقف حصته من عبده ثمَّ أعتقه لم يصح العتق لخروجه عن ملكه ، ولو أعتقه الموقوف عليه لم يصح أيضا لتعلق حق البطون به ، ولو أعتقه الشريك مضى العتق في حصته ولم يقوم عليه ، لأن العتق لا ينفذ فيه مباشرة ، فالأولى أن لا ينفذ فيه سراية ، ويلزم من القول بانتقاله الى الموقوف عليهم افتكاكه من الرق ، ويفرق بين عتقه مباشرة وعتقه سراية بأن العتق مباشرة يتوقف على انحصار الملك في المباشر أو فيه وفي شريكه ، وليس كذلك افتكاكه فإنه إزالة للرق شرعا فيسري في باقيه ويضمن الشريك القيمة ، لأنه يجري مجرى الإتلاف ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من عدم ترجيح احد الاحتمالين وقد بين وجههما ، وعدم نفوذ العتق مباشرة وسراية مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في مصنفاته ، وهو المعتمد ، وعلى القول بالانتقال الى اللّه تعالى لا يتوجه احتمال الافتكاك ، وانما يتوجه على القول بانتقاله الى الموقوف عليهم.

قال رحمه اللّه : إذا وقف مملوكا كانت نفقته في كسبه ، اشترط ذلك أو لم

ص: 377

يشترط ، ولو عجز عن الاكتساب كانت نفقته على الموقوف عليهم ، ولو قيل في المسألتين كذلك كان أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : نفقة العبد الموقوف في كسبه إذا لم يشترط أو شرطها في الكسب ، لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه ، وانما يمكن ذلك ببقاء عينه ، وانما يبقى بالنفقة ، فمقتضى العقد يوجب كون النفقة في كسبه ، هذا إذا كان ذا كسب ، واما إذا عجز عن الكسب فالنفقة على الموقوف عليهم على القول بانتقال الملك إليهم ، وعلى القول بانتقاله الى اللّه تعالى فهي من بيت المال مع عجز العبد عن التكسب.

وظاهره ترجيح كون النفقة على الموقوف عليهم ، سواء كان ذا كسب أو لم يكن لكونه مملوكا لهم والنفقة تابعة للملك ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو جنى العبد الموقوف عمدا لزمه القصاص. الى آخر المسألة.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا جنى العبد الموقوف ، فان كانت الجناية عمدا فلا خلاف في جواز الاقتصاص منه وبطلان الوقف ، وإذا كانت خطأ لم يتعلق برقبته ، لأنه انما يتعلق برقبته من يباع بالأرش ، أما رقبة من لا يباع بالأرش فلا يتعلق بها ، وهذا إجماع وانما الخلاف في محل الدية ، هل هو كسب العبد أو مال الموقوف عليه أو مال الواقف أو بيت المال؟ فيه أقوال :

الأول : تعلقها بمال الموقوف عليه ، وهو بناء على انتقال الملك إليه ، وقد تعذر استيفاء الدية من رقبة المملوك لعدم جواز بيعه ، ولا سبيل إلى إهدار الجناية فيكون في مال المالك.

الثاني : تعلقها بمال الواقف ، وهو بناء على انتقال الملك الى اللّه تعالى ، لأنه

ص: 378

الذي منع الرقبة من تعلق الأرش بها بالعتق ، فيكون ضامنا.

الثالث : تعلقها ببيت المال كالحر المعسر ، وهو بناء على انتقال الملك الى اللّه تعالى أيضا.

الرابع : تعلقها بكسبه ، لأنه أقرب الأشياء الى رقبته ، فاذا تعذر تعلقها برقبته تعلقت بما هو أقرب الأشياء إليها ، وهذا هو المعتمد ، لأنه لا يجوز إهدار الجناية ولا تعلقها برقبة العبد لعدم جواز بيعه بها ولا بمال المولى ، لأن المولى لا يعقل عبدا ، فوجب تعلقها بالكسب ، وقال العلامة في المختلف : ويحتمل تعلقها بالرقبة وتباع فيه كما تقبل في العمد والبيع أدون من القتل ، وهذا الاحتمال لم يقل به احد ، ولو لم يكن له كسب كان الاحتمال قويا.

فرع : لو كانت الجناية عمدا هل يتخير المجني عليه بين القتل والعفو والاسترقاق كما يتخير في الطلق أو يتحتم القتل أو العفو دون الاسترقاق؟ يحتمل ذلك لوجوب دوام الوقف بدوام الحياة في الحيوان ، لأنه يقتضي التأبيد ، وهو مانع من تملك غير الموقوف عليه للوقف ما دام موجودا ، ويحتمل جواز الاسترقاق ، لأن له ابطال الوقف بقتله ، فإبطاله مع بقاء الحياة أولى ، لأنه عفو ، وهو حسن ، والأول أقوى.

الثانية : في الجناية على العبد الموقوف ، فاذا جنى عليه فلا خلاف في وجوب أرش الجناية على الجاني ، وانما الخلاف في مصرفها ، قال الشيخ في المبسوط : قال قوم يشتري بها عبدا آخر ويقام مقامه ، سواء قيل بانتقال الملك الى اللّه تعالى أو الى الموقوف عليه ، لأن حق البطون الأخر متعلق برقبة العبد ، فاذا فاتت أقيم غيرها بقيمتها مقامها ، ومنهم من قال بنقل القيمة إليه ، قال : وهو الأقوى ، لأنا قد بينا ان ملكه له ، والوقف لم يتناول القيمة. هذا كلامه في المبسوط ، وهو يدل على اختياره انتقال القيمة إلى الموقوف عليه ، ويكون ملكا

ص: 379

له كالنماء ، واختاره المصنف.

والعلامة اختار ان يشتري بها غيره ويقام مقامه ، لأن البطن الأول لا يملك الوقف على الخصوص ، ولهذا ان البطن الثاني يتلقى الوقف من الواقف لا من البطن الأول.

وهنا فروع :

الأول : على القول بتملك البطن الأول للقيمة يجوز لهم العفو ، وعلى القول بوجوب شراء بدله ليس لهم العفو.

الثاني : على القول بوجوب الشراء يتولاه الناظر الخاص ، وهو الذي جعل الواقف النظر اليه ، ومع فقده يتولاه الناظر العام ، وهو الامام عليه السلام أو من يقوم مقامه ، وهو حاكم الشرع ، ومع التعذر يتولاه الموقوف عليه.

الثالث : لا يفتقر هذا العبد المشترى الى وقف جديد ، بل يصير وقفا بنفس الشراء ، لأنه بدل من الوقف ، لأنه انما اشتري ليكون وقفا فلا يفتقر الى وقف ، وهو مذهب فخر الدين ، والشهيد في شرح الإرشاد.

الرابع : يجب ان يكون البدل من جنس المبدل ، ويجب المماثلة ما أمكن حتى في الذكورة والأنوثة.

الخامس : لو لم تف قيمة الأول بعبد اشترى بها شقص عبد يكون وقفا ، ولو فضل عن قيمة العبد اشترى بها شقص (1).

قال رحمه اللّه : إذا كان له موال من أعلى - وهم المعتقون له - وموال من أسفل - وهم الذين أعتقهم - ثمَّ وقف على مواليه ، فإن علم أنه أراد أحدهما انصرف إليه ، وإن لم يعلم انصرف إليهما.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ وابن إدريس

ص: 380


1- كذا.

والمصنف ، لأن الاسم متناولهما ، وذهب العلامة إلى البطلان عند عدم القرينة الدالة على إرادة أحدهما ، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر ، فلا يمكن حمله عليهما ، لأن الاسم يقع عليهما بمعنيين مختلفين كالاسماء المشتركة مثل العين ، والاسم المشترك لا يمكن حمله على جميع مسمياته ، وحمله على البعض دون البعض من غير قرينة ترجيح (1) من غير مرجح ، فيبطل ، لأنه يجري مجرى الوقف على احد هذين.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على أولاده انصرف الى أولاده لصلبه ولم يدخل معهم أولاد الأولاد ، وقيل : بل يشترك الجميع ، والأول أظهر.

أقول : إذا قال : ( وقفت على أولادي ) ، فلا يخلو إما ان يحصل قرينة دالة على اختصاص البطن الأول ، مثل ان يقول : ( على أولادي لصلبي أو الذي يلوني ) ، أو تحصل قرينة دالة على التشريك ، كما لو قال : ( وقفت على أولادي ) ، وليس له أولاد لصلبه ، بل أولاد أولاد ، أو قال : ( ويفضل أولاد الأكبر أو الأعلم على غيرهم ) ، أو قال : ( فإذا خلفت الأرض من عقبي فهو للمساكين ) ، أو قال : ( أو يفضل أولاد الذكور على أولاد الإناث ) ، أو قال : ( ويفضل الأعلى من يليه ) ، أو ما شابه ذلك من القرائن الدالة على التشريك ، أو يتجرد اللفظ عن القرائن الدالة ، ولا شك في وجوب اتباع القرائن في التخصيص والتشريك.

والبحث انما هو مع تجرد اللفظ عن القرائن ، وهنا قال الشيخ في المبسوط وابن الجنيد بتخصيص البطن الأول ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والمختلف ، وهو المعتمد ، لأن اللفظ إذا أطلق حمل على الحقيقة دون المجاز ، ولا يجوز ان يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة دالة على المجاز وليس.

ولا شك في ان الولد حقيقة هو ولد الصلب المتكون من نطفته دون ولد

ص: 381


1- في « ن » ، وفي باقي النسخ : ترجح.

الولد ، لأن إطلاق اسم الولد عليه مجاز ، ولهذا يصح سلبه عنه ، فإنه يصح ان يقال : ( هذا ليس : بولدي ، بل ولد ولدي ) ، وصحة النفي من علامات المجاز.

وقال المفيد وابن البراج وابن إدريس يشترك الأولاد وأولاد الأولاد ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن اسم الولد شامل للولد من الصلب ولولد الولد ، ولقوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) ، وهو شامل لأولاد البنين وإن سفلوا ، ولقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (2) ، وهو شامل للبنت وبنت البنت وان نزلت ، ومثل هذا كثير في القرآن ، والمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي ان يحمل على المطلق من كلام اللّه تعالى ، ومطلق كلام اللّه تعالى دال على دخول أولاد الأولاد في لفظ الأولاد ، فيحمل عليه كلام الآدمي.

قال رحمه اللّه : ولو قال : على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولادي فعلى الفقراء ، فالوقف لأولاده ، فإذا انقرضوا ، قيل : يصرف إلى أولاد أولاده ، فإذا انقرضوا فإلى الفقراء ، وقيل : لا يصرف إلى أولاد الأولاد ، لأن الوقف لم يتناولهم لكن يكون انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء ، وهو أشبه.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ، ثمَّ قوى الأول ، لأنه شرط انقراض أولاد الأولاد ، وذلك بظاهره يدل على انه وقف عليهم ، فهو كما لو صرح به ، والمصنف ذهب الى الثاني ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد ، ووجهه ما قاله المصنف فيكون الوقف منقطع الوسط ، ففي حال انقطاعه تصرف غلته الى الواقف ، ان كان ، وإلا إلى ورثته.

قال رحمه اللّه : وإذا وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز

ص: 382


1- النساء : 11.
2- النساء : 23.

بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا يخشى خرابه ، بل كان البيع أنفع ، قيل : يجوز بيعه ، والوجه المنع ، ولو انقلعت شجرة من الوقف ، قيل : يجوز بيعهما لتعذر الانتفاع الا بالبيع ، وقيل : لا يجوز لإمكان الانتفاع بالإجارة للسقف وشبهه ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز بيع الوقف إذا وقع بين الموقوف عليهم خلف وخشي خرابه ، وتحقيق البحث ان الأصحاب قد اختلفوا هنا على ستة أقوال :

الأول : جواز بيعه إذا حدث (1) للموقوف عليهم ما يمنع الشرع عن معونتهم والقربة الى اللّه تعالى بصلتهم ، وهو قول المفيد رحمه اللّه ، وهو محمول على ان الواقف قصد معونة الموقوف عليهم لصلاحهم وديانتهم ثمَّ يخرج أربابه عن هذا الوصف الى حد الكفر ، فحينئذ يمكن خروجهم عن الاستحقاق ، ولأن الوقف صدقة والصدقة يشترط التقرب بها الى اللّه تعالى ، فمن لا يصح التقرب عليه لا يصح الوقف عليه ، فيبطل الوقف في حقهم ويرجع طلقا.

الثاني : جواز بيعه إذا كان البيع انفع لهم وأردف وارد (2) عليهم من تركه ، وهو قول المفيد أيضا ، وكأنه عول على رواية جعفر بن حسان ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقف غلة على قرابته من أبيه وقرابته من امه ، فللورثة أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا أو اختلفوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال : نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا باعوا » (3) ، فهذه الرواية دالة على جواز البيع إذا كان انفع لهم من بقائه.

ص: 383


1- في « ر 2 » : أحدث.
2- في « ن » و« ر 2 » : وارف.
3- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 8 مع ، وفيه ( حنان ) بدل ( حسان ).

الثالث : جواز بيعه إذا حصل لأربابه ضرورة شديدة إلى ثمنه ، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ، وهو قول السيد المرتضى والمفيد وسلار وابن حمزة ، لأن الواقف قصد بالوقف نفع الموقوف عليهم ودفع حاجتهم ، وإذا لم يمكن دفع حاجتهم الا بالثمن جاز بيعه.

الرابع : جواز بيعه إذا وقع بين أربابه فتنة وخشي خرابه ، ولا يمكن انسدادها بدون بيعه ، وهو قول الشيخين ، واختاره العلامة ، وهو ظاهر المصنف ، لأن المقصود من الوقف استيفاء منفعته فاذا تعذرت جاز بيعه تحصيلا للغرض ، ولأن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال وتعطيل لغرض الواقف ، ولرواية علي بن مهزيار (1).

الخامس : التفصيل ، وهو ان كان الوقف مؤبدا لم يجز بيعه بحال ، وان كان حبسا على أقوام معينين ، وليس فيه ما يقتضي تأبيده جاز بيعه عند خوف هلاكه ، وإفساده إذا كان بأربابه حاجة ضرورية ، وهو قول ابن البراج ، وابي الصلاح ومحمد بن بابويه ، ويمكن استدلالهم برواية جعفر بن حسان المتقدمة التي استدللنا بها على مذهب المفيد ، لأن مفهومها دال على عدم التأبيد.

السادس : عدم جواز البيع مطلقا ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره فخر الدين لما رواه علي بن راشد ، « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، قلت : جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما وزنت المال خبرت ان الضيعة وقف ، قال : لا يجوز شراء الوقف ولا يدخل الغلة في مالك ، ادفعها الى من أوقفت عليه ، قلت : لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها » (2) ،

ص: 384


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 1 ، وفي المصدر ( أبي علي ) بدل ( علي ).

وما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها ، والمعتمد مذهب المصنف والعلامة.

الثانية : إذا انقلعت نخلة من الوقف ، قال الشيخ : يجوز بيعها ، لأنه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلا على هذا الوجه ، وقال ابن إدريس : يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها بأن يعمل جسرا أو زورقا (1) ، إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها ، ومنع من بيعها ، والمعتمد جواز بيعها مع خروجها عن المنافع بالكلية ، وعدم الجواز مع فرض المنفعة.

تنبيه : إذا بيع الوقف بحيث يجوز بيعه ما يصنع بثمنه؟ قال المرتضى والمفيد : يدفع الى الموجودين ينتفعون به ، وقال العلامة : والأقوى عندي ان أمكن شراء شي ء بالثمن يكون وقفا على أربابه كان أولى ، فإن اتفق مثل هذا الوقف كان اولى ، وإلا جاز شراء مهما كان مما يجوز وقفه ، وان لم يكن (2) صرف الثمن الى التابعين (3) ينتفعون به مهما شاءوا ، ولأن فيه جمعا بين التوصل الى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النصف الدال على عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد.

وإذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب ، لأنه موافق لغرض الواقف وداخل تحت الأول الذي وقع العقد عليه ، ومراعاة الخصوصية بالكلية تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه ، ولأن قصر الثمن على التابعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه ، مع انهم

ص: 385


1- في النسخ : ردنوقا ، وما أثبتناه من السرائر ج 3 ص 167.
2- كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : يمكن.
3- في « ر 2 » : البائعين.

يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الأول ، تعذر وجودهم حالة الاستحقاق. الى هنا كلام العلامة ، وهو المعتمد.

ويتولى البيع والشراء البطن الذي اشترطه الواقف ، فان لم يكن فالحاكم فان لم يكن فالموقوف عليهم ، ويصير وقفا بنفس الشراء على ما اختاره فخر الدين والشهيد ، ولا يفتقر إلى إحداث عقد الوقف بعد الشراء.

قال رحمه اللّه : ولو آجر البطن الأول الوقف إلى مدة ثمَّ انقرضوا في أثنائها. إلى آخر المسألة.

أقول : ( على القول ) (1) بأن الموت لا يبطل الإجارة ، واختار (2) المصنف والعلامة وابنه بطلانها هنا ، ووجهه ما قاله المصنف ، وقد سبق البحث في هذه في باب الإجارة (3) ، واختيار المصنف هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل تصير أم ولد؟ قيل : نعم وتنعتق بموته وتؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون ، وفيه تردد.

أقول : إذا وطأ الأمة الموقوفة أحد من أرباب الوقف فأحبلها ، فلا يخلو إما أن يكون الوقف عاما كالوقف على الفقراء والمساكين ، أو خاصا كالوقف على أقوام معينين وعلى عقبهم وما تعاقبوا ، وعلى التخصيص لا يخلو إما ان يكون في طبقة الواطئ أو غيره أو لم يكن ، فالأقسام ثلاثة :

الأول : ان يكون الوقف عاما كالوقف على الفقراء والمساكين فيطأها أحدهم فيحبلها ، فهنا لا تصير أم ولد إجماعا ، ولو كان هناك شبهة وجب المهر جميعه على الفقير الواطئ يقبضه الحاكم ، وله دفعه الى غيره من الفقراء ، ويجوز

ص: 386


1- كذا ، وفي « ر 2 » : لم يرد.
2- في « ر 2 » : واختيار.
3- ص 312.

ان يدفع اليه بعضه لكونه فقيرا ولا يجوز دفع جميعه إليه ، لأن الوقف العام لا يجوز صرف غلته إلى أقل من ثلاثة.

الثاني : ان يكون الوقف خاصا ولا يكون في طبقة الواطي غيره ، فهنا لا يلزمه عقر (1) ، لأنه لا يتعلق بذمته شي ء لنفسه ، فإذا أحبلها هل تصير أم ولد أم لا؟ فيه إشكال ينشأ من انها ملكه ، وقد علقت منه فتصير أم ولد ، ومن أدائه إلى بطلان حق باقي البطون بعتقها بموت مولاها ، واختار فخر الدين صيرورتها أم ولد ، لأن الاستيلاد مبني على التغليب ، وعلى القول به تنعتق بموت مولاها ويؤخذ قيمتها من تركته ، لأنه أتلفها على من بعده من البطون بعد موته ، وهذا على القول بعدم اختصاص البطن الأول بعوض الموقوف ، وعلى القول بالاختصاص لا يؤخذ شي ء لاستحالة غرمه لنفسه ، قاله الشهيد في شرح الإرشاد ، وهو معارض بأن الغرم انما يتحقق بعد موته ، وهو لا يملك شيئا حينئذ ، فلا يتصور غرمه لنفسه بل لغيره من البطون ، وهو مذهب فخر الدين ، وهو لا يتوجه إلا على القول بأن السبب إذا كان عدوانا ضمن فاعله ما يتلف به ، وان كان بعد موته كمن حفر بئرا عدوانا في ملك غيره ، فوقع فيها إنسان بعد موت الحافر فإن الدية تؤخذ من تركة الحافر على ما هو مشهور بين الأصحاب.

وقال عميد الدين : انما يتوجه عتقها بعد موت سيدها ، ويؤخذ ثمنها من تركته إذا كان ولده منها داخلا في الوقف ، فاما إذا كان لم يكن داخلا في الوقف فإنها تعتق لعدم انتقالها الى الولد ، بل الى البطون ، ومذهب فخر الدين عتقها بعد موت الواطئ وأخذ قيمتها من تركته مطلقا ، سواء كان ولدها داخلا في الوقف أو لم يكن.

وجرى بين السيد عميد الدين وبين الشهيد بحث في هذه المسألة ذكره

ص: 387


1- في « م » : عرقه.

الشهيد في شرح الإرشاد ، قال : قلت له ان الأصحاب أطلقوا انها تصير أم ولد ، وحكم أمهات الأولاد العتق بموت المولى من نصيب الولد ، فقال : إذا لم يكن له نصيب منها ، فكيف يقال انها تعتق من نصيبه؟! فقلت : إذا حكم بأنها أم ولد اقتضى موت المولى جري (1) المواريث فيها فصار له فيها نصيب وتعتق من نصيبه ، وطول البحث هنا.

والمعتمد اختيار فخر الدين ، فان كان الولد غير داخل في الوقف جعلت في نصيبه لصيرورتها أم ولد ، وأم الولد موروثة بعد موت المولى وان كان داخلا في الوقف ، هل يحسب القيمة من نصيبه؟ يحتمل ذلك لعموم النص (2) ، واختاره فخر الدين.

ويحتمل العدم ، لأن الوقف صح فيها ولا ينفك إلا بخروجها عن صلاحية الملك ، وهذا الاحتمال ذكره فخر الدين ، وهو ضعيف.

الثالث : ان يكون الوقف خاصا ويكون في طبقة الواطئ غيره ، والحكم على القول بنفوذ الاستيلاد دفع قيمة حصص الشركاء إليهم في الحال أو يشتري به شي ء يكون وقفا ، ولا يجب الصبر الى بعد الوفاة ، وأما حصة الواطئ فالإشكال فيها بعد وفاته كما تقدم ، ويجب عليه حصص الشركاء من المهر يختصون به ، لأنه كان كالمنافع ، وكذا حصصهم من قيمة الولد يوم سقوطه حيا.

ص: 388


1- في « ن » : كون.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاء ، احاديث الباب 6.

في العطيّة

قال رحمه اللّه : ولا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض سواء عوّض عنها أو لم يعوض ، لرحم كانت أو لأجنبي ، على الأصح.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم جواز الرجوع في الصدقة بعد القبض ، سواء كانت فرضا أو نفلا ، وقال الشيخ في المبسوط : صدقة التطوع بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، فكل موضع يجوز الرجوع في الهبة يجوز الرجوع في الصدقة.

والمعتمد الأول لما قاله المصنف : من ان المقصود منها الثواب ، وقد حصل فهي كالمعوض عنها ، وادعى ابن إدريس الإجماع على ذلك ، ولا فرق بين الرحم والأجنبي.

ص: 389

ص: 390

كتاب السكنى والحبس

قال رحمه اللّه : فيلزم بالقبض ، وقيل : يلزم ان قصد به القربة ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب والمعول عليه عندهم اللزوم بالقبض بعد الإيجاب والقبول ، ولا يجوز الرجوع بعد القبض مطلقا ، سواء نوى القربة أو لم ينو ، وهذه الأقوال التي نقلها المصنف ، نقلها العلامة في كتبه ، وفخر الدين وعميد الدين في شرحيهما ، وأبو العباس في المهذب ، كما نقلها المصنف من غير إشارة إلى تخصيص القائل ، ولم ينسبوا شيئا من هذه الأقوال إلى شخص معين ، ونسب المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر القول بعدم اللزوم مطلقا الى الشيخ ، ونسب القول باللزوم مع القربة الى ابي الصلاح ، والمعتمد ما هو مشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو قال لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت ، جاز وترجع الى المسكن بعد موت الساكن على الأشبه.

أقول : حكى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط أن في هذه المسألة قولين : أحدهما بطلان الوقف ، والآخر الصحة ، ثمَّ القائلون بالصحة اختلفوا فمنهم من

ص: 391

قال : يكون للعمر مدة حياته ولورثته بعده ، ومنهم من قال : يكون له مدة حياته ، فاذا مات رجعت الى المعمر أو ورثته ان كان مات ، ثمَّ قال : وهذا هو الصحيح على مذهبنا. هذا قوله رحمه اللّه في المبسوط ، ولم أجد في هذه المسألة خلافا لأصحابنا ، والخلاف الذي ذكره رحمه اللّه للجمهور ، ذكره شارح مختصر الشافعي.

قال رحمه اللّه : ولو قال أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك ، كان عمرى ولم تنتقل الى المعمر ، وكان كما لو لم يذكر العقب.

أقول : إذا قال : ( أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك ) ، هل يرجع الى المالك بعد انقراض العقب أو يصير ملكا للمعمر ولا يرجع الى المالك الأول؟ المشهور رجوعها الى المالك بعد انقراض المعمر وعقبه ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وظاهر الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب ان المعمر يملكها ولا يرجع الى المالك ، لأنه أعطى إعطاء يجري فيه الإرث ، وانما يورث المملوك ، ولما رواه جابر : « ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : أيّما رجل عمر عمرى له ولعقبه ، فإنما هي للذي يعطاها ، ولا يرجع الى الذي أعطاها ، فإنه أعطاها إعطاء وقعت فيه المواريث » (1).

قال رحمه اللّه : ولا تبطل بالبيع ، بل يجب أن يوفى للمعمر ما شرط له.

أقول : هذه العبارة تقتضي جواز البيع مطلقا سواء كان مقرونا بالمدة أو بالعمر ، ولا خلاف في جواز البيع إذا كان الإسكان مقرونا بالمدة ، وكذلك الحبس إذا كان الى مدة معلومة ، ومع عدم العلم يتخير المشتري ، اما إذا كان الحبس أو الإسكان مقرونا (2) بالعمر ، هل يجوز بيعه أم لا؟ قال ابن الجنيد بالجواز ، وهو

ص: 392


1- صحيح مسلم 2 : 64 ، كتاب الهبات ، باب 4 حديث 22 مع اختلاف في المتن.
2- من « ن » و« ر 2 » وفي الباقي : غير مقرون.

ظاهر المصنف لإطلاقه الجواز.

وأطلق العلامة في الإرشاد كإطلاق المصنف هنا ، ورواية الحسن بن ابي نعيم (1) ، عن ابي الحسن الكاظم عليه السلام دالة على جواز البيع ، وهي حجة القائلين به. واستشكل العلامة صحة البيع في القواعد والمختلف ، واستقرب في التحرير عدمه ، واستشكله الشهيد أيضا ، ومنشؤه جهالة وقت الانتفاع ، ولأنهم قد منعوا من بيع المسكن الذي تعتد فيه المرأة بالأقراء بجهالة وقت الانتفاع ، وهذه العلة سارية هنا.

وجواز الشيخ في المبسوط بيع العبد الموصى بخدمته على التأبيد ، ويلزم منه جواز البيع هنا ، ومنع العلامة في القواعد من بيعه ، ويلزم منه عدم جواز البيع هنا.

والذي سمعناه من مشايخنا جواز البيع على المحبس عليه والمعمر دون الغير ، ولعل وجهه انتفاء المانع ، وهي جهالة وقت الانتفاع ، لأن المنافع مملوكة في الحال ، فاذا ملك الرقبة صارت المنافع والرقبة ملكا له مقبوضة في يده ، فلا مانع حينئذ ، وهو حسن.

ص: 393


1- الوسائل ، كتاب السكنى والحبس ، باب 2 ، حديث 2.

ص: 394

كتاب الهبات

اشارة

ص: 395

ص: 396

في الحقيقة

قال رحمه اللّه : ولو وهب ما في الذمة ، فإن كان لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن إدريس والعلامة في المختلف إلى صحة هبة الدين بغير من هو عليه لصحة بيعه والمعاوضة عليه كالعين فيصح هبته. نعم يشترط في اللزوم القبض ، فاذا قبضه الموهوب له ممن هو عليه لزمت الهبة ، وذهب المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير الى عدم الجواز على غير من هو عليه ، والدليل ما ذكره المصنف في المتن ، وهو اشتراط القبض ، وهذا الدليل غير ناهض بمطلوبهم ؛ لأن القبض كما هو ممكن في العين هو ممكن في الدين فالفرق ضعيف ؛ لأنه كما هو شرط في العين وهو شرط في الدين ، فلو جعلوا دليلهم حصول الجهالة لعدم التعيين كان أقوى ؛ لأن الدين غير متعين قبل قبضه ولو وهبه شيئا غير معين كشاة من قطيع أو أحد العبدين بطلت الهبة إجماعا ، نصوا على ذلك في مصنفاتهم ، وعللوا بحصول الجهالة ، وهي سارية في الدين ولم يعللوا بها ، بل بما لا يصلح أن يكون علة.

ص: 397

قال رحمه اللّه : ولا يشترط في الإبراء القبول على الأصح.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط وابن زهرة وابن إدريس إلى اشتراط القبول في الإبراء لاشتماله على المنة ، ولا يجبر على قبولها كالعين فلو لم يعتبر قبوله أجبر على قبول المنة ، وذهب المصنف والعلامة الى عدم اشتراط القبول ، واستدل القائلون بعدم اشتراط القبول بقوله تعالى ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (1) ، ومن العجب استدلالهم بهذه الآية على عدم القبول ، وهم اجمعوا على اشتراط القبول في الصدقة ، وإذا كان الإبراء صدقة اشترط فيه القبول ، والآية وان كانت مطلقة فإنها دلت على ان الإبراء صدقة ، وقد ثبت افتقار الصدقة إلى القبول والقرآن مخصص بالإجماع ، وقد اجمعوا على افتقار الصدقة إلى القبول ، فلا تكون الآية دليلا ، والدليل ان الإبراء إسقاط حق ، فلا يفتقر الى القبول كالعتق والطلاق بخلاف الهبة ، فإنها تمليك ، والتمليك يفتقر الى القبول.

قال رحمه اللّه : ولو وهب ما هو في يد الموهوب له صح ، ولا يفتقر إلى إذن الواهب في القبض ولا مضي زمان يمكن فيه القبض ، وربما صار الى ذلك بعض الأصحاب.

أقول : الصائر الى ذلك الشيخ في المبسوط ، ومذهب المصنف هو المعتمد ، لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على الرضا بالقبض السابق.

قال رحمه اللّه : وإذا قبضت الهبة فإن كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعا ، وكذا إذا كان ذا رحم غيرهما ، وفيه خلاف.

أقول : عبارة المصنف هنا وفي المختصر دالة على اختصاص الإجماع بالمنع من الرجوع بالهبة إذا كانت لأحد الأبوين أولهما ، ويفهم منه وقوع الخلاف إذا كانت الهبة للأولاد لتخصيص الإجماع بالأبوين ، وكذلك عبارة العلامة في

ص: 398


1- البقرة : 280.

التحرير ، لأنها كعبارة المصنف هنا.

وقال العلامة في المختلف : وإذا وهب ولده الصغير أو الكبير واقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعا ولو كانت لغير الولد من ذوي الأرحام للشيخ قولان ، وهذه العبارة دالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب للأولاد ، ودالة على وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأولاد لآبائهم ، وهو عكس مذهب المصنف.

والشهيد قصر الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب لولد الصغير ، ويفهم منه وقوع الخلاف في الكبير وفي الآباء ، والمقتضي للجمع بين الأقوال وقوع الإجماع على عدم جواز الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين وان علا والأولاد وان نزلوا ، وهو مذهب ابن حمزة.

وأما غير العمودين من ذوي الأرحام ففيه خلاف ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : بجواز الرجوع ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس ، وقال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن البراج بعدم جواز الرجوع ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد لرواية محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام : « قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها حيزت أو لم تحز ، إلا لذي رحم ، فإنه لا يرجع فيها » (1).

قال رحمه اللّه : وهل يلزم بالتصرف ، قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : اللزوم مع التصرف مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس والعلامة ، وأبو العباس في المقتصر ، وقال سلار وأبو الصلاح بجواز الرجوع ما دامت العين باقية وان تصرف ، واختاره المصنف والعلامة ، والمعتمد الأول ، لأن المتهب قد ملك الهبة بالعقد والإقباض ، وقد ظهر

ص: 399


1- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 3 في أحكام الهبات ، حديث 2.

أثر الملك بالتصرف ، فيقوى وجود السبب وكان تاما ، وإذا ملك ملكا تاما افتقر في خروجه عنه الى سبب ، والرجوع هنا ليس سببا لاستقرار الملك بالتصرف ، ولهم عليه روايات (1).

واستدل المجوزون برواية محمد بن مسلم المتقدمة (2) في مسألة ذوي الأرحام ، وإطلاق التصرف أعم من ان يكون مخرجا للعين عن الملك كالبيع والهبة ، أو لا يكون مخرجا كالرهن والكتابة ، وسواء غير صفته كقصارة الثوب وعمل الخشب بابا أو سريرا ، أو لم يغير صفته كاستخدام العبد والوطئ ولبس الثوب ، وبالجملة كل تصرف يفتقر الى الملك واذن المالك فإنه مانع من الرجوع على إطلاق الشيخ وابن إدريس والعلامة في القواعد والمختلف والإرشاد ، وقسم ابن حمزة التصرف غير المخرج عن الملك الى ما يحصل معه تغيير الصفة ، كقصارة الثوب ونسج الغزل ، والى ما لا يحصل معه التغيير كالرهن والكتابة ، ومنع الرجوع في الأول ، وجوزه في الثاني.

تنبيه : انما تملك الهبة وتلزم بالقبض ان كانت لرحم ، وبالتصرف ان كانت لأجنبي إذا تمت بشروطها من الإيجاب والقبول والقبض ، فلو كانت معاطاة من غير عقد لم يحصل الملك ، بل يباح التصرف ، وللمالك الرجوع ما دامت العين باقية سواء كانت لرحم أو لأجنبي ، فلو نقلها الى غيره بعقد لازم أو أتلفها سقط الرجوع ، وقد أشار العلامة في القواعد الى ذلك ، قال : ولا يكفي المعاطاة ولا الأفعال الدالة على الإيجاب ، نعم يباح التصرف.

قال رحمه اللّه : ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها والزوج لزوجته ، وقيل : يجري مجرى ذوي الرحم ، والأول أشبه.

ص: 400


1- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 8 في أحكام الهبات ، حديث 1.
2- ص 399.

أقول : جواز الرجوع لكل من الزوجين على صاحبه مذهب الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف لرواية محمد بن مسلم المتقدمة ، فإنه حكم فيها بجواز الرجوع في حق غير ذوي الرحم ، وهو عام وليس الزوج رحما.

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب تحريم الرجوع ، واختاره العلامة في التذكرة ، وفخر الدين في شرح القواعد وأبو العباس في المقتصر ، لرواية زرارة الصحيحة ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : « قال : ولا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ، ولا المرأة فيما تهبه لزوجها خيرت أو لم تخر ، أليس اللّه تعالى يقول ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) (1) ، وقال تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (2) وهذا يشمل الصداق والهبة » (3).

فرع : استقرب العلامة في القواعد والتحرير عدم انتقال حق الرجوع بالهبة إلى الوارث ، واختاره فخر الدين ، لأن الموهوب قد ملك الهبة بالقبض واستحقاق الرجوع على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، وانما ورد في الواهب خاصة ، فلا يستحق غيره ذلك.

ص: 401


1- البقرة : 229.
2- النساء : 4.
3- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 7 أحكام الهبات ، حديث 1.

ص: 402

في حكم الهبات

قال رحمه اللّه : ولو تلفت والحال هذه أو عابت لم يضمن الموهوب له ، لأن ذلك حدث في ملكه ، وفيه تردد.

أقول : إذا اشترط عليه الثواب ولم يثبه حتى تلفت العين أو عابت ، هل يضمن المتهب قيمة العين في صورة التلف ، والأرش في صورة العيب؟ تردد المصنف في ذلك بعد الفتوى بعدم الضمان ، ومنشأ التردد من ان التلف أو التعيب حصل في العين المملوكة للمتهب بغير عوض لازم له ، لأنه مخير بين دفع العوض وبين عدم دفعه فلا يلزم ضمان ، ومن انه لم يملكها مجانا ، بل بشرط دفع العوض ، ولو كان العوض غير لازم له قبل التلف وقد صار لازما له بعده ، لأن المالك يتسلط على استرجاع العين مع عدم دفع العوض إذا كانت باقية ، وهذا التسلط قد تعذر بتلف العين فيتحتم العوض إذا كانت العين باقية ، وهكذا التسلط ، وكذا الأرش لحصول النقص في يده ، وهذا هو المعتمد ، فحينئذ لا يخلو إما ان يكون العوض مقدارا أو غير مقدر ، فان كان مقدرا كان عليه أقل الأمرين من المقدر ومن قيمة العين ، لأنه ان كانت القيمة أقل فهي اللازمة له ، لأن العوض غير لازم له ، لأنه كان مخيرا بين دفع العوض وبين عدم دفعه ، فيتسلط المالك على العين ،

ص: 403

وان كان العوض أقل من قيمة العين فقد رضي المالك به عوضا عن عينه فليس له أزيد منه.

فان قيل : إذا كان العوض غير مقدر تخير المتهب بدفع ما شاء ، وان قل ، نص عليه المصنف والعلامة مع بقاء الدين ، فكيف يتحتم مع التلف قيمة المثل؟

قلنا : الجواب : الفرق بين الصورتين حاصل ، فان في صورة بقاء العين إذا دفع ما شاء يتخير المالك بين قبوله وبين استرجاع العين إذا كان أقل من القيمة ، فإذا اختار القبول فقد رضي بترك الزائد مع قدرته على أخذه باسترجاع العين ، أما في صورة تلف العين فقد تعذر الاسترجاع فتتعين القيمة ، لأنه قبضها على انها مضمونة عليه ، وضمان القيمي بقيمته ، فهذا فرق بين الصورتين.

قال رحمه اللّه : إذا وهب في مرضه المخوف فبرأ صحت الهبة ، وان مات في مرضه ولم يجز الورثة اعتبرت من الثلث على الأظهر.

أقول : منجزات المريض تلزم مع البرء إجماعا ، فإذا مات في ذلك المرض اختلف في خروجها من الثلث أو الأصل ، وسيأتي البحث في تحقيق ذلك إنشاء اللّه تعالى في باب الوصية.

فرع : حكم الهدية حكم الهبة ، والمشهور افتقارها إلى الإيجاب والقبول والقبض كالهبة ، ومن دون الإيجاب والقبول نطقا يباح للمهدي إليه التصرف فيها مع بقائها على ملك المهدي ، فلو كانت جارية لم يجز له وطؤها ، لأن الاستمتاع لا يحل بالإباحة ، فمن أراد تمليك المهدى اليه وكل رسوله في الإيجاب والإقباض ، ويحتمل عدم الحاجة الى الإيجاب والقبول نطقا ، ويكفي الفعل الدال عليها ، لأن الهدايا كانت تحمل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم ينقل انه راعى العقد ، وكان يتصرف فيها تصرف المالك ، وعلى هذا الناس في سائر الأمصار والأعصار ، وهذا الاحتمال ظاهر العلامة في التحرير.

ص: 404

كتاب السبق والرماية

اشارة

ص: 405

ص: 406

في الألفاظ المستعملة فيه

قال رحمه اللّه : فالسابق هو الذي يتقدم بالعنق والكتد ، وقيل : بإذنه ، والأول أكثر.

أقول : الكتد - بفتح التاء وكسرها والأول أشهر - مجمع الكتفين من أصل العنق والظهر ، والسبق به مذهب الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، واعتبار الاذن مذهب ابن الجنيد ، لقوله عليه السلام : « بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما يسبق الآخر بإذنه » (1).

ص: 407


1- مسند أحمد بن حنبل 2 : 331.

ص: 408

في عقد المسابقة

قال رحمه اللّه : عقدا المسابقة والرماية يفتقر إلى إيجاب وقبول ، وقيل : هي جعالة ، فلا يفتقر الى قبول ، فيكفي البذل.

أقول : اختلف في عقد المسابقة هل هو لازم أم جائز؟ قال ابن إدريس : انه لازم ، وهو اختيار المصنف في المختصر ، وظاهره هنا اختيار اللزوم أيضا لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، وقال الشيخ انه جائز ، واختاره العلامة ، لأصالة عدم اللزوم ، لأنه نوع جعالة ، لأن قوله : ( من سبق فله كذا ) هو عين الجعالة.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط التساوي في الموقوف ، قيل : نعم ، والأظهر لا ، لأنه مبني على التراضي.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم اشتراط التساوي في الموقف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه مبني على التراضي كما قاله المصنف ، وقيل بالاشتراط ، لأنه أقرب الى العدل.

ص: 409


1- المائدة : 1.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد ، والأظهر أنه (1) لا يشترط.

أقول : المبادرة مثل من سبق إلى إصابة خمسة من عشرين فقد نضل صاحبه ، فان كان الرشق عشرين والإصابة خمسة ، أو شرطا المبادرة ، فمن بدر إلى إصابة الخمسة قبل صاحبه فقد نضله ، ولا يجب الإكمال.

والمحاطة (2) إسقاط ما تساويا فيه شيئا بشي ء حتى ينتهي العدد.

إذا عرفت هذا ، هل يشترط المبادرة أو المحاطة في العقد؟ تردد المصنف ثمَّ اختار عدم الاشتراط ، ومنشأ التردد من أصالة الصحة ، وحمل الإطلاق على المحاطة ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، ومن حصول الجهالة المفضية إلى التنازع.

ص: 410


1- في الشرائع : والظاهر.
2- من « ن » و« ر 2 » وفي باقي النسخ : المحاطاة.

في أحكام النضال

قال رحمه اللّه : ولو شرط في العقد إطعامه لحربه لم أستبعد صحته.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : يكون النضال صحيحا والشرط باطلا ، وقال في المبسوط : النضال باطل ، وظاهر المصنف صحة النضال والشرط معا ، واختاره العلامة.

ص: 411

ص: 412

كتاب الوصايا

اشارة

ص: 413

ص: 414

في الوصيّة

قال رحمه اللّه : ولا ينتقل منفردا عن القبول على الأظهر.

أقول : ذهب الشيخ في الخلاف الى انتقالها بالموت منفردا عن القبول ؛ لأنه لا يمكن بقاء الموصى به على ملك الميت ؛ لأن الميت لا يملك ولا يمكن انتقاله الى الوارث ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1) ، جعل الميراث لهم بعد الوصية ، ولم يقل بعد وصية الموصي وقبول الموصى له ، فكانت ملك الموصى له بنفس الموت وان لم يقبل.

ونقل في المبسوط ثلاثة أقوال :

أحدها : انتقال الملك بموت الموصي وقبول الموصى له ، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

والثاني : أنه من ادعى أنه قبل الوصية تبيّنا أنه انتقل إليه بوفاة الموصي ، وإن لم يقبل تبيّنا أنه انتقل إلى الورثة.

والثالث : أنه ينتقل الى الموصى له بوفاة الموصي كالميراث ،

والمعتمد ان نقول : الوصية إن كانت لمن لا يمكن حصرهم كالفقراء

ص: 415


1- النساء : 12.

والمساكين ، أو لقبيلة منتشرة كبني هاشم ، أو كانت للمساجد والمدارس وشبه ذلك ، فإنها تنتقل بنفس الموت ، لعدم اعتبار القبول هنا ، وإن كانت لمعيّن لم تنتقل إلا بالموت والقبول معا ، لأن القبول هنا معتبر ، فلا يحصل الملك قبله كسائر العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، ولا يشترط القبول لفظا ، بل يكفي الفعل الدالّ عليه.

قال رحمه اللّه : ولو قبل قبل الوفاة جاز ، وبعد الوفاة آكد.

أقول : نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا عدم الاعتداد بالقبول قبل الوفاة ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه أوجب له بعد الموت ، فقبله ليس محلا للقبول فهو كما لو قبل [ قبل ] الإيجاب.

وقال في القواعد : وقبوله بعد الموت لا اثر له لو تقدم. فهو موافق لمذهبه في المختلف ، ثمَّ رجع عنه في ثاني سطر الى اختيار المصنف هنا ، قال : فلو قبل بعد الموت بمدة أو في الحياة بعد مدة صح. وهو مذهبيه في التحرير والإرشاد.

وهو المعتمد ، لعدم اشتراط مقارنته للإيجاب ، فهو كما يجوز تأخيره عن الموت يجوز تقديمه عليه ، إذ لا مانع من ذلك ، وهو اختيار ابن إدريس أيضا.

قال رحمه اللّه : ولو ردّ بعد الموت والقبول وقبل القبض ، قيل : تبطل ، وقيل : لا تبطل وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط وابن حمزة : تبطل الوصية إذا ردها قبل القبض بعد الموت والقبول ، لأن ملكه لا يستقر إلا بالقبض كالموقوف عليه.

وقيل : لا تبطل ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين.

وهو المعتمد ، لحصول الملك بالموت والقبول فلا يزول إلا بسبب ناقل ، والرد ليس شيئا ناقلا للملك عن مالكه.

ص: 416

في الموصي

قال رحمه اللّه : ولا الصبي ما لم يبلغ عشرا ، فإن بلغها فوصيته جائزة في وجوده المعروف لأقاربه وغيرهم على الأشهر إذا كان بصيرا ، وقيل : تصح وإن بلغ ثمانيا ، والرواية شاذة.

أقول : الصحة مع بلوغ العشر مذهب الشيخ وأبي الصلاح ، والصحة مع بلوغ الثمان مذهب ابن الجنيد ، وعدم الصحة قبل البلوغ مذهب ابن إدريس ، وعليه عمل المتأخرين ، للحجر عليه قبل البلوغ ، ودليل المجوّزين الروايات (1).

ص: 417


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، وباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات ، حديث 3.

ص: 418

في الموصى

اشارة

به قال رحمه اللّه : وإجازة الوارث تعتبر بعد الوفاة ، وهل تصح قبل الوفاة؟ فيه قولان : أشهرهما أنه يلزم الوارث.

أقول : اختلف الأصحاب في اعتبار الإجازة ولزومها قبل الوفاة.

قال المفيد وسلّار وابن إدريس بعدم اللزوم ، واختاره فخر الدين ، لأن الورثة قبل الوفاة لا يستحقون شيئا ، فلا تعتبر إجازتهم فيما لا يستحقونه.

وقال الشيخ وابن حمزة وابن الجنيد والعلامة في المختلف بلزومها ، وهو ظاهر المصنف ، واختيار ابي العباس والمقداد.

وهو المعتمد ، لأن الرد حق الورثة ، فإذا رضوا بالوصية سقط حقهم.

ولما رواه منصور بن حازم في الصحيح (1) ، ومحمد بن مسلم في الحسن (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في رجل اوصى بوصية وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال : ليس لهم ذلك ، الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته » ، وبمعناها روايات (3).

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 13 في أحكام الوصايا ، حديث 2 ( مع اختلاف في المتن ).
2- المصدر المتقدم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 حديث 19 ، وباب 11 ، أيضا حديث 1 و16 و17 و18.

وادعى الشيخ الإجماع على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى الى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ ، وربما يشترط كونه قدر الثلث فأقل ، والأول مرويّ.

أقول : المشهور بين الأصحاب صحّة هذه الوصية إذا كان الأولاد صغارا ودليلهم الروايات (1).

وقال ابن إدريس : الوصية لا تنفذ إلا بالثلث قبل موته والربح قد تجدد بعد موته فلا تنفذ فيه وصية ، وقد سبق البحث في هذه في باب المضاربة.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بثلثه لواحد ، وبثلثه لآخر كان ذلك رجوعا عن الأول إلى الثاني.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال ابن إدريس والمصنف ، لأن الإنسان لا يستحقّ في ماله بعد موته غير الثلث ، فإذا أوصى به لزيد ثمَّ أوصى به بعد ذلك لعمرو ، فقد نقل الثلث الذي يستحقه من زيد إلى عمرو ، ولأنه يعلم أنه لا يستحقّ في ماله غير الثلث ، فتكون الوصية الثانية ناسخة للأولى.

وقيل : لا يكون رجوعا ، واختاره العلّامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد ، لأصالة بقاء الوصية الاولى ، والثانية لا تنافيها ، لأنه مع الإجازة تصح الوصيتان إجماعا ، فلو كانت الثانية ناسخة للأولى لم تؤثر الإجازة فيها ، لأنها تنعقد بفعل (2) الموصي لا (3) ابتداء عطية ، فلو اوصى لزيد بشي ء ثمَّ رجع عنه وأجاز

ص: 420


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 92 في أحكام الوصايا ، حديث 1 و2.
2- من « ر 2 » وفي الباقي : لفعل.
3- في « ن » : له.

الورثة الوصية لم تثمر الإجازة ملكا إجماعا ، فدل على ان الوصية الثانية ليست رجوعا عن الاولى ، والا لم تفد الإجازة سببا. هذا إذا لم تحصل قرينة دالة على الرجوع مثل ان يقول : ( أعطوا عمروا الثلث الذي أوصيت به لزيد ) ، أو يوصي لزيد بثلث ولعمرو بثلث ، ثمَّ يقول : ( هما ثلث واحد ) ، أو يقال له عقيب الوصيتين : ( أضررت بالورثة ) ، فيقول : ( انما أوصيت بالثلث ) فان حصلت قرينة دالة على الرجوع كان رجوعا ، والا ففيه الاشكال.

وعلى القول بعدم الرجوع إذا لم يجز الورثة كان الثلث للأول ، لعموم قولهم : « إذا زادت الوصايا عن الثلث ولم يجز الورثة بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث ويدخل النقص على الأخير » (1).

ولو ردّ أحدهما الوصية ولم يقبلها كان الثلث للآخر مع الإجازة وعدمها.

وعلى القول بكون الثانية رجوعا ولم يجز الورثة ، فإن ردّ الأول فلا حكم لرده ، لبطلان وصيته بالوصية الثانية ، وان رد الثاني رجع المال إلى الورثة وبطلت الوصيتان معا ، تبطل الأولى بالثانية ، والثانية بالرد.

ومذهب المختلف قوي.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك من يملكه منفردا ومن يملك بعضه أعتق نصيبه حسب ، وقيل : يقوّم عليه حصة شريكه إن احتمل ثلثه ذلك ، وإلا أعتق منهم من يحتمله الثلث ، وبه رواية ضعيفة.

أقول : عدم التقويم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن ملكه قد زال بالموت فلا يسري عليه حينئذ.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : يقوّم عليه ، لأنه أوجد سبب السراية

ص: 421


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 في أن من اوصى بأكثر من الثلث صحت الوصية في الثلث.

لاستناد العتق في الحقيقة اليه ، ولرواية أحمد بن زياد (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه واحلفوا على الزائد ، وفيه تردد ، أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية. الى آخره.

أقول : فرّق الأصحاب هنا بين الوصية بالجزء المشاع كالنصف مثلا ، وبين الوصية بالمعيّن كالعبد والدار مثلا ، وفتواهم على قبول دعوى الورثة ظن القلة إذا كانت بجزء مشاع ، وعدم قبول دعواهم ظن الكثرة إذا كانت بمعين ، إلا انهم اختلفوا في الجزم وعدمه ، فالمصنف هنا جزم بعدم الالتفات الى دعواهم إذا كانت الوصية بمعيّن ، وتردّد في قبول دعواهم إذا كانت بمشاع.

والعلامة في القواعد والتحرير جزم بقبول دعواهم إذا كانت بمشاع ، ولم يجزم بعدم القبول إذا كانت بمعيّن ، بل يحتمل عنده القبول أيضا ، كما لو كانت بمشاع ، عكس مذهب المصنف.

ووجه الفتوى : ان الوصية إذا كانت بجزء مشاع من التركة كنصفها مثلا ، كان العلم بمقداره موقوفا على العلم بالجميع ، والأصل عدم كونه معلوما ، فيقبل دعوى الجهالة فيه مع اليمين ، بخلاف ما إذا كانت بمعيّن ، لحصول العلم بمقدار ما تضمنته الوصية.

ووجه تردّد المصنف في عدم قبول الدعوى إذا كانت الوصية بمشاع - كما لا تقبل إذا كانت بمعلوم ، لأن الوصية قد لزمت بالإجازة فيلزمهم العمل بها ، ولا تقبل دعواهم ما يبطلها - لأصالة عدم البطلان بعدم اللزوم.

ووجه احتمال قبول قولهم في المعين كقبوله في المشارع - كما ذهب إليه العلامة -

ص: 422


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 74 في أحكام الوصايا ، حديث 2.

دفع ضرر الوارث ، لأنه إنما يسمح بذلك المعيّن ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه ، فإذا بان خلاف ذلك حقه الضرر بالإجازة ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (1).

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن له عود إلا عود اللّهو ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وتزال عنه الصفة المحرّمة أما لو لم يكن فيه منفعة إلا المحرمة بطلت الوصية.

أقول : نقل العلامة في التحرير هذا القول ، كما نقله المصنف هنا. وظاهر القواعد والإرشاد صحة الوصية مع إمكان إزالة الصفة المحرمة ، لأنه شرط في البطلان عدم إمكان إزالة الصفة المحرمة.

واشترط الشهيد في الصحة قصد الرضاض في الوصية ، فلو لم يقصده كانت باطلة.

قال رحمه اللّه : لو أوصى بجزء من ماله ، فيه روايتان ، أشهرهما العشر ، وفي رواية سبع الثلث.

أقول : ورد في هذه المسألة ثلاث روايات :

الاولى : تضمنت العشر ، وهي صحيحة عبد اللّه بن سنان : « قال : إن امرأة أوصت إليّ ، وقالت : ثلثي تقضي به ديني ، وجزء منه لفلان ، فسألت عنه ابن ابي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء! فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وما قال ابن ابي ليلى ، فقال : كذب ابن ابي ليلى ، لها عشر الثلث ، إن اللّه أمر إبراهيم عليه السلام وقال : ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب إحياء الموات ، باب 12 حديث 3 ، 5 ، وكتاب الشفعة ، باب 5 من أبواب الشفعة ، حديث 1.

جُزْءاً ) (1) والجبال كانت عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي ء » (2).

وبمضمونها افتى ابن بابويه ، والشيخ في التهذيب والاستبصار ، وهو اختيار المصنف ، والعلامة في المختلف.

الثانية : تضمنت السبع ، وهي صحيحة أحمد بن محمد البزنطي ، « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله ، فقال واحد من سبعة ، ان اللّه تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (3) » (4).

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية والخلاف ، والمفيد والسيد وسلّار وابن الجنيد وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، والعلامة في القواعد.

الثالثة : سبع الثلث ، وهي رواية الحسن بن خالد ، عن ابي الحسن عليه السلام (5) ، ذكرها ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها ، جعله في وجوه البر ، وقيل : يرجع ميراثا.

أقول : جعله في وجوه البر مذهب الشيخين ، ومحمد بن بابويه وابن البراج واختاره المصنف والعلامة ، لأنه خرج عن ملك الورثة بالوصية وخفي مالكه ومستحقه فيصرف في وجوه البر ، لأن الغالب قصد القربة ، ولأن الوصية قد لزمت فلا يجوز تغييرها.

ص: 424


1- البقرة : 260.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 الوصايا ، حديث 2.
3- الحجر : 44.
4- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 من أحكام الوصايا ، حديث 12.
5- من لا يحضره الفقيه 4 : 155 ، حديث 5477 ، والوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 أحكام الوصايا ، حديث 14.

والقول برجوعه ميراثا مذهب ابن إدريس ، نقله عن الشيخ في الحائريات ؛ لتعذر القيام بالوصية ، فيبطل ويصير ميراثا.

والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بسيف معين وهو في جفن ، دخل الجفن والحلية في الوصية ، وكذا لو أوصى بصندوق وفيه ثياب ، أو بسفينة وفيها متاع ، أو جراب وفيه قماش ، فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية ، وفيه قول آخر بعيد.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في الإرشاد ، وجزم به في التحرير.

ومستند الحكم في السيف والصندوق رواية أبي جميلة ، عن الرضا عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل أوصى بسيف كان في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنما لك النصل وليس لك المال ، فقال : بل السيف بما فيه له ، قال : قلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال له الورثة إنما لك الصندوق ، وليس لك المال ، قال : فقال أبو الحسن عليه السلام : الصندوق بما فيه له » (1).

وأبو جميلة كذّاب ملعون ، إلا أن أكثر الأصحاب على العمل بهذه الرواية ، وعمل الأصحاب وان لم يستند إلى نصّ فهو حجة.

ومستندهم في السفينة رواية عقبة بن خالد ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ فقال : هي للذي أوصى له بها ، إلا ان يكون صاحبها

ص: 425


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 57 في أحكام الوصايا ، حديث 1 مع اختلاف يسير في المتن.

استثنى ما فيها » (1).

وقول المصنف : ( وفيها قول آخر بعيد ) ، اي بعدم دخول الجميع ، ونقله أبو العباس في المقتصر عن ابن إدريس ، ونقل عنه في المهذب دخول الجميع ، كما هو المشهور وهو الصحيح ، وهذا مذهبه في السرائر ، ولم اعلم له كتابا غيره. وظاهر العلامة في المختلف عدم دخول الجميع إلا مع القرينة الدالة على الدخول - واختاره فخر الدين في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر - ، لأن الجفن والطعام والمتاع ليس داخلا في مسمى الوصية ، ولا هو جزء من أجزائها فلا يدخل في الوصية.

والشهيد حكم بدخول الجفن والحلية في السيف والمتاع في الصندوق ، ولم يحكم بدخول الطعام في السفينة ، قال : والعمل بالقرينة هنا متوجّه.

تنبيه : اشترط الشيخ وابن البراج في الموصي في هذه الأشياء العدالة ، قال : فان لم يكن عدلا وكان متّهما لم تمض الوصية بأكثر من الثلث. وباقي الأصحاب على عدم الاشتراط ، وأن الوصية لا تمضي بأكثر من الثلث ، سواء كان الموصي عدلا أو فاسقا. وأطلق الشيخ ذكر الصندوق والجراب. وقيد المفيد وأبو الصلاح الصندوق بالقفل والجراب المشدود.

وقال فخر الدين : والبحث إنما هو في المشار اليه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم تمض ، وهل يلغو اللفظ؟ فيه تردد بين البطلان وإجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد ، فتمضى في الثلث ويكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة ، والوجه الأول ، وفيه رواية بالجواز مهجورة.

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 59 في أحكام الوصايا ، حديث 1 مع اختلاف في المتن ، وفي من لا يحضره الفقيه بنفس المتن 4 : 163.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في صحة هذه الوصية ، وأكثر الأصحاب على عدم الصحة ، لأن النسب إذا ثبت شرعا ثبت الإرث شرعا أيضا ، فلا يملك الإنسان إزالته ولا تغييره.

وقد وردت رواية بلزوم هذه الوصية ، رواها محمد بن بابويه ، عن وصي علي بن السري ، « قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن علي بن السري توفي واوصى إليّ ، فقال : رحمه اللّه ، قلت : وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له ، فأمرني ان أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه فإن كانت صادقا فسيصيبه خبل ، قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي ، فقال له : أصلحك اللّه أنا جعفر بن علي بن السري ، وهذا وصيّ أبي ، فمره فليدفع إليّ ميراثي ( من أبي ) (1) ، فقال لي : ما تقول؟ فقلت : نعم هذا جعفر بن علي بن السري وانا وصي علي بن السري ، قال : فادفع اليه ماله ، فقلت : أريد أن أعلمك (2) ، قال : فادن ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي ، فقلت له : هذا وقع على أم ولد أبيه (3) فأمرني أبوه ، وأوصى اليّ أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فقال : اللّه ، قسما أن أبا الحسن عليه السلام أمرك؟ قلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ، ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك به فالقول قوله ، قال الوصي : فأصابه الخبل بعد ذلك » (4).

قال محمد بن بابويه عقيب إيراد هذه الرواية : من أوصى بإخراج ابنه من

ص: 427


1- من المصدر.
2- في المصدر : أكلمك.
3- في المصدر : لأبيه.
4- الفقيه 4 : 165 ، حديث 5155 ، ورواه في الوسائل كتاب الوصايا ، باب 90 ، أحكام الوصايا حديث 2.

الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك. وهو يدل على أنه إن فعل ذلك جاز إخراجه من الميراث.

وقال الشيخ في الاستبصار : هذا الحكم مقصور على هذه الوصية فلا يتعدى الى غيرها. وهو المعتمد.

الثاني : هل تلغو هذه الوصية ويكون وجودها كعدمها ، أو يختص الورثة دونه بالثلث ويشاركهم بالثلثين؟ اختار المصنف الأول ، وهو اختيار فخر الدين. وهو المعتمد ، لأنه لفظ لا يعتبره الشارع فلا يكون له أثر.

واختار العلامة في المختلف الثاني ، لأن إخراجه من تركته يستلزم تخصيص باقي الورثة فيها ، فيمضي من الثلث.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أعطوه كثيرا ، قيل : يعطى ثمانين درهما كما في النذر ، وقيل : يختص هذا التفسير بالنذر اقتصارا على موضع النقل.

أقول : الأول قول الشيخ ومحمد بن بابويه وابن البراج ، لأن الكثير ثمانون فما زاد ، لقوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (1) وكانت ثمانين. موطنا.

والثاني قول ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن الرواية وردت في من نذر أن يتصدّق بمال كثير ، ولم يرد في الوصية ، فيقتصر بالرواية على مورد النص ، ويرجع في الوصية إلى تفسير الوارث كما لو قال : ( أعطوه حظا أو قسطا ) فإن للورثة ان يعطوا ما شاؤوا.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بخدمة عبد مدة معينة فنفقته على الورثة ، لأنها تابعة للملك ، أو ثمرة بستان أو سكنى دار ، أو غير ذلك من المنافع على التأبيد أو مدة معينة ، قوّمت المنفعة فإن خرجت من الثلث ، وإلا كان للموصى له ما يحتمله

ص: 428


1- التوبة : 25.

الثلث ، وإذا اوصى بخدمة عبده.

أقول : لا خلاف في جواز الوصية بالمنافع على التأبيد والتأقيت ، وقد اختلف في كيفية التقويم في الحالين.

أما المؤقتة ، فقد قيل : إنها تقوّم بنفسها من دون الرقبة ، لأن قيمة المنفعة المؤقتة معلومة بدون تقويم الرقبة ، لأن قيمتها اجرة المثل تلك المدة ، فيحسب من الثلث. وقيل : تقوّم الرقبة بمنافعها ، ثمَّ تقوّم مسلوبة المنافع تلك المدة ، فالناقص يخرج من الثلث ، وهذا هو المشهور.

وهو المعتمد ، لأن هذه الوصية تنقص قيمة العين قطعا ، فيكون النقص محسوبا على الموصى له.

وأما المؤبدة فيمتنع تقويمها بمنفعتها دون العين ، لأن المراد بالتأبيد هنا ما دامت العين باقية ، ومدة بقائها غير معلومة ، فلا يمكن تقويمها بنفسها ، فلا بد من تقويمها مع العين.

إذا عرفت هذا فقد نقل الشيخ في المبسوط في كيفية التقويم ثلاثة أقوال :

أحدها : ان تقوّم الرقبة والمنفعة ، ويعتبر خروج الرقبة ومنافعها من الثلث ، فإن خرج من الثلث صحّت الوصية بمنافعها ، وإن لم تخرج من الثلث صحّت فيما يخرج منها من الثلث ، وبطلت في الباقي.

ووجه هذا القول : أن استحقاق منفعة العين على التأبيد بمنزلة إتلاف الرقبة ، لأن المقصود من الأعيان المنافع ، فتقوّم العين ومنافعها على الموصى له.

والثاني : تقوّم المنفعة من الثلث والرقبة من الثلاثين على الورثة. ووجهه : ان الرقبة تنتقل إلى الورثة كما تنتقل المنفعة الى الموصى له ، فتكون الرقبة مقوّمة على من انتقلت اليه. وطريق التقويم أن يقوّم العين بمنافعها ، فإذا قيل : مائة ، قوّمت العين مسلوبة المنافع ، فإذا قيل : عشرة علم أن قيمة المنفعة تسعون ، فالمحسوب على

ص: 429

الورثة قيمة الرقبة ، والمحسوب من الثلث قيمة المنفعة.

وهذا هو المعتمد إن فرض للرقبة قيمة ، وإلا كان الأول هو المعتمد.

الثالث : الرقبة لا تقوّم لا على الوارث ولا على الموصى له ، واختاره الشيخ ، لأن الرقبة إذا كانت مسلوبة المنافع فلا قيمة لها كالحشرات. والمصنف هنا لم يتعرض لكيفية التقويم ، بل قال : ( قوّمت المنفعة ) ولم يذكر الرقبة ، ويفهم من تقييده وجوب النفقة على الوارث في الموقتة ، وعدم وجوبها عليهم في المؤبدة. وقد جزم العلامة في التحرير بوجوبها في الحالين على الورثة.

فروع :

الأول : لو كان الموصى بخدمته على التأبيد أمة ، لم يملك الوارث وطء الجارية ، لأنه إنما يملك الرقبة مسلوبة المنافع ، والوطء من المنافع فلا يملكه ، ولا يملكه الموصى له أيضا وإن كان من جملة المنافع ، لأن النكاح إنما يستباح بملك الرقبة أو التحليل أو عقد النكاح ، والكل مفقود هنا ، وليس لها أن تتزوج إلا بإذنهما.

الثاني : لو وطئت بشبهة ، هل يكون المهر للوارث أو للموصى له بالخدمة على التأبيد؟ قال الشيخ : إنه للموصى له ، لأنه من جملة المنافع. وحكم العلامة في التحرير بأنه للوارث ، لأنه عوض منفعة البضع ، وهي لم تدخل بالوصية. وكذلك حكم الصداق لو زوّجاها.

الثالث : لو أتت بولد من الزنا كان مملوكا ، وهل يكون للوارث أو للموصى له؟ جزم في التحرير بأنه للوارث. واستشكله في القواعد ، من ان الولد كالجزء من أمّه ، والأم ملك الوارث ، ومن أنه كالنماء.

الرابع : لو قتل العبد الموصى بخدمته على التأبيد ، فإن كان القتل موجبا للقصاص كان المطالبة للوارث ، وان كان موجبا للدية احتمل صرفها الى الوارث ،

ص: 430

لانتهاء الوصية بانتهاء العمر.

واحتمل ان يشتري بها من يكون حكمه حكم المقتول ، واحتمل تقسيطها على قيمة الرقبة والمنفعة ، لأن الدية قيمة الجميع ، فيكون للوارث ما قابل الرقبة ، وللموصى له ما قابل المنافع.

قال رحمه اللّه : ولا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين ، ولا تقبل شهادة النساء في ذلك ، وهل تقبل شهادة شاهد مع اليمين؟ فيه تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من ان ثبوت الولاية حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والمشهور عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين ، ومن أن كل ما كان مالا أو المقصود منه المال فإنه يثبت بالشاهد واليمين ، والولاية هنا قد يستفيد منها مالا ، لأنه يستحق اجرة مثله أو قدر نفقته مع الحاجة ، على الخلاف بين الأصحاب. والشيخ في المبسوط قوّى ثبوتها بشاهد وامرأتين ، ويلزم منه ثبوتها بشاهد ويمين.

والمعتمد عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين العدلين.

قال رحمه اللّه : ولو أشهد إنسان عبدين له على حمل أمته أنّه منه ، ثمَّ مات فأعتقا ، فشهدا بذلك ، قبلت شهادتهما ولا يسترقهما المولود ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : إطلاق المصنف القول بأنه : ( لا يسترقهما المولود ) لا وجه له ، لأنه يفهم منه انه يجب على المولود إمضاء العتق الذي صدر من الوارث بعد موت مولاهما الذي شهدا على إقراره ، وليس كذلك ، بل الخلاف فيما إذا ادعيا أن مولاهما الذي أشهدهما أعتقهما.

قال الشيخ في النهاية : إذا أشهد رجل عبدين له على نفسه بالإقرار لوارث فردّت شهادتهما وحاز الميراث غير المقر له فأعتقهما بعد ذلك فشهدا للمقر له ، قبلت شهادتهما له ، ورجع بالميراث على من كان أخذه ، ورجعا عبدين ، فان ذكرا

ص: 431

أن مولاهما كان أعتقهما في حال ما كان أشهدهما ، لم يجز للمقر له أن يردهما في الرق ويقبل شهادتهما في ذلك ، لأنهما أحييا حقه ، هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو مراد المصنف في قوله : ( ولا يسترقهما المولود ) ، إلا انه غير مفهوم من لفظه.

وقال ابن إدريس : قول الشيخ هذا غير واضح ولا مستقيم ، لأن هذه الشهادة الأخيرة شهادة على سيدهما ، وقد ثبت أنه لا يجوز شهادة العبيد على ساداتهم.

والمعتمد كراهية استرقاقهما ان ادعيا أن مولاهما أعتقهما.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده ، استخرج ذلك العدد بالقرعة ، وقيل : يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد ، والقرعة على الاستحباب. وهو حسن.

أقول : وجه القرعة : ان الوصية بالعتق مع عدم التشخيص حق للجميع ، وتخصيص البعض دون البعض من غير قرعة ترجيح من غير مرجح. ووجه القول بالتخيير : أن الواجب على الورثة إعتاق العدد المعين من غير تخصيص فيكون التخصيص إليهم. واستحسنه المصنف هنا ، واستجوده العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا وليس له سواه ، قيل : عتق كله ، وقيل : يعتق ثلثه ويسعى للورثة في باقي قيمته. وهو أشهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو الثلث؟ وسيأتي (1) تحقيق البحث في ذلك ، إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب.

أقول : البحث هنا في موضعين :

ص: 432


1- ص 451.

الأول : في جواز عتق المخالف غير الناصب عند تعذّر المؤمن ، وبالجواز قال الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف ، لرواية علي بن حمزة (1) ، عن ابي الحسن عليه السلام. ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو مذهب فخر الدين ، لقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (2) ، والوصية تضمنت عتق المؤمن فإذا أعتق المخالف كان تبديلا للوصية ، بل يتوقع الرقبة المؤمنة.

وهو المعتمد.

الثاني : في تفسير الناصب وقد حكى المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر في تفسيره وجوها :

الأول : انه الخارجي الذي يقول في علي عليه السلام.

الثاني : انه الذي ينسب الى احد المعصومين ما يسقط العدالة.

الثالث : من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع : من اعتقد أفضلية غير علي عليه السلام.

الخامس : من سمع النص على علي عليه السلام من النبي ، أو سمعه متواترا بطريق يعتقد صحته ، فأنكر.

قال : والحق صدق النصب على الجميع ، أما من يعتقد إمامة غيره للإجماع أو لمصلحة (3) ، ولم يكن من أحد الأقسام الخمسة ، فليس بناصب ، ثمَّ نقل عن المرتضى وابن إدريس أنهما أطلقا النصب على غير القائل بإمامة الاثني عشر عليهم السلام.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 74 أحكام الوصايا ، حديث 1 و2.
2- البقرة : 181.
3- في « ن » : مصلحته.

ص: 434

في الموصى له

اشارة

قال رحمه اللّه : وتصح الوصية للذمي ولو كان أجنبيا ، وقيل : لا يجوز مطلقا. ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام ، والأول أشبه ، وفي الوصية للحربي تردد ، أظهره المنع.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في الوصية للذمي ، وقد حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الوصية له مطلقا سواء كان رحما أو أجنبيا ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنها نوع عطية ، وهي جائزة له ، ولرواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام (1).

الثاني : عدم الجواز مطلقا ؛ لتحريم مودة الكافر (2) ، وهو قول ابن البراج.

الثالث : جوازها للرحم دون الأجنبي ، حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ؛ للحث على صلة الأرحام.

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 32 في أحكام الوصايا ، حديث 1.
2- المجادلة : 22.

الثانية : في الوصية للحربي ، والمشهور بين الأصحاب عدم جوازها ، وتردد المصنف. ومنشأ التردد من ان الوصية نوع صلة ومودة ، وهي غير جائزة للكافر ، ومن كونها نوع عطية ، وهي جائزة.

والمعتمد عدم الجواز للحربي سواء كان رحما أو أجنبيا.

قال رحمه اللّه : ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة ، وإن كان قيمته أقل اعطي الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى به له ، فإن بلغت ذلك بطلت الوصية ، وقيل : يصح ويسعى في الباقي كيف كان ، وهو حسن.

أقول : إذا أوصى لمملوك نفسه بجزء مشاع كثلث التركة أو نصفها أو ربعها مثلا صحت الوصية إجماعا ، وكان الحكم ما قاله المصنف من أن الوصية إن كانت بقدر قيمته أعتق ، وان كانت أقل من القيمة سعى بالباقي ، وان كانت أكثر أخذ الفاضل سواء كانت الوصية أكثر من القيمة أو أقل.

وهذا هو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة : ان كانت قيمته ضعف الوصية ، أي بقدرها مرتين بطلت الوصية.

ومستندهما رواية الحسن بن صالح (1) ، عن الصادق عليه السلام المتضمنة مطلوبهما ، وهو زيدي اليه تنسب الصالحية.

وإذا أوصى لعبده بشي ء معيّن من التركة ، هل يصح أم لا؟ استشكله العلامة في القواعد ، واختار في المختلف عدم الصحة ، لأنه إذا أوصى له بمعيّن لم يجز صرف ذلك المعيّن إلى قيمة رقبته ، لما فيه من تبديل الوصية ، وهو غير جائز ، ولأنه يكون قد قصد تمليكه لتلك العين والعبد لا يملك شيئا ، وانما صحّت الوصية ، بالجزء

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 79 في أحكام الوصايا ، حديث 2.

المشاع ، لتناولها رقبة العبد ، فهو كما لو اوصى بعتقه.

والأصحاب أطلقوا جواز الوصية ولم يفصّلوا بين المعين وغيره ، وحكموا بصرف ما اوصى له سيده إلى قيمة نفسه من غير تفصيل. وانما فصل ابن الجنيد والعلامة في المختلف. وفخر الدين اختار إطلاق الأصحاب ، وكذا الشهيد.

وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا أوصى بعتق مملوكه وعليه دين ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق وسعى في خمسة أسداس قيمته ، وإن كانت قيمته أقل بطلت الوصية بعتقه. والوجه ان الدين يقدم على الوصية فيبدأ به ويعتق منه الثلث مما فضل عن الدين ، أما لو نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرنا أولا ، عملا برواية عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أوصى بعتق عبده المستوعب وعليه دين. وما حكاه المصنف من اشتراط كون قيمته ضعف الدين مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لحسنة الحلبي (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وما اختاره من تقديم الدين على الوصية مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة.

وهو المعتمد ، لأن الدين من الأصل ، والوصية من الثلث.

الثانية : إذا أنجز عتق المستوعب وعليه دين ، فإن قلنا : إن المنجزات من الأصل ، مضى العتق في جميعه وسقط الدين ، وإن قلنا المنجزات من الثلث ، فيه قولان :

أحدهما : اختيار المصنف ، وهو إن كانت قيمته بقدر الدين مرتين ، نفذ العتق في سدسه وسعى بنصف قيمته للدين وبثلث قيمته للورثة ، وإن كان الدين أكثر من

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 39 أحكام الوصايا ، حديث 3.

نصف قيمته ، بطل العتق واسترق أهل الدين بقدر دينهم وللورثة الباقي ، وهو مذهب المفيد ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) ، عن الصادق عليه السلام.

والثاني : الحكم بصحة العتق من ثلث الفاضل عن الدين وإن قلّ ، ويستسعى للديّان والورثة على النسبة ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى الإنسان لأم ولده ، صحت الوصية ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب ولدها؟ قيل : تعتق من نصيب ولدها ويكون لها الوصية ، وقيل : تعتق من الوصية ، لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية.

أقول : القول بأنها تعتق من نصيب ولدها وتأخذ الوصية قول الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من امه فتنعتق عليه وتستحق الوصية.

والقول بأنها تنعتق من الوصية ، وإن فضل منها شي ء أعتق من نصيب الولد ، قول ابن إدريس ، واختاره العلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، لأن الإرث متأخّر عن الوصايا. لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لو أوصى لأعمامه وأخواله ، كانوا سواء على الأصح ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : إذا اوصى لأعمامه وأخواله وأطلق الوصية ، قال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج بتفصيل الأعمام على الأخوال كالميراث. ومستندهم رواية زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام ، وهي التي أشار إليها المصنف بالهجر.

ص: 438


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 39 أحكام الوصايا ، حديث 5.
2- النساء : 12.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 62 أحكام الوصايا ، حديث 1.

وذهب ابن إدريس إلى التسوية ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الإطلاق يقتضي التسوية ، فما اقتضى التسوية بين الذكور والإناث من الأولاد اقتضى التسوية بين الأعمام والأخوال. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبة مصيرا إلى العرف ، وقيل : كان لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام ، وهو غير مستند إلى شاهد.

أقول : التفسير الأول مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، حملا للّفظ على المعنى العرفي عند تعذر النص الشرعي. والتفسير الثاني مذهب المفيد ، ومعناه الارتقاء إلى أبعد جدّ في الإسلام والى فروعه ، ولا يرتقي إلى أب المشرك.

قال الشيخ في الخلاف : ولم أجد به نصا ، ولا عليه دليلا مستخرجا ، وهو معنى قول المصنف : ( وهو غير مستند الى شاهد ) اي لا يشهد به نص ولا دليل.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لقومه قيل : هو لأهل لغته.

أقول : قال الشيخان : قومه جماعة أهل لغته من الذكور والإناث. وبه قال ابن حمزة وابن البراج. وقال أبو الصلاح : يعمل بالمعلوم من قصده ، فان لم يعلم قصده عمل يعرف قومه في ذلك الإطلاق. وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته الأدلة الظاهرة انه يكون مصروفا الى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف أنهم اهله وعشيرته دون غيرهم ممن سواهم ، هذا الذي تشهد به اللغة ، وعرف العادة وفحوى الخطاب ، قال الشاعر :

قومي هم قتلوا أميم أخي *** فإذا رميت يصيبني سهمي

واختاره العلامة مذهب الشيخين ، قال : لأنهما أعرف باللغة ومقاصد العرب ، والمرجع في ذلك إليهم أي إلى العرب.

ص: 439

قال رحمه اللّه : ولو قال : لجيرانه ، قيل : كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب ، وفيه قول آخر مستبعد.

أقول : القول المستبعد أربعون دارا ، وهو مروي عن عائشة (1) ، وقد سبق البحث في ذلك في باب الوقف فيطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لإنسان فمات قبل الموصي ، قيل : بطلت الوصية ، وقيل : إن رجع الموصي بطلت الوصية ، سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده ، وان لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : كون الوصية لوارثه مع عدم رجوع الموصي هو المشهور بين الأصحاب لرواية محمد بن قيس (2) ، عن الباقر عليه السلام.

وقال ابن الجنيد : تبطل الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لما رواه أبو بصير ومحمد بن مسلم معا ، عن الصادق عليه السلام (3).

قال رحمه اللّه : ولو أوصى في سبيل اللّه صرف إلى ما فيه أجر ، وقيل : يختص بالغزاة ، والأول أشبه.

أقول : القائل باختصاص الغزاة الشيخ في الخلاف ، لأن عرف الشرع يقتضي حمل السبيل على الغزاة ، وحكم كلام الآدميين إذا أطلق حمل على عرف الشرع.

والمعتمد اختيار المصنف ، لأن سبيل اللّه كل طريق يؤدي الى الأجر.

ص: 440


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 86 أحكام العشرة ، حديث 1 وباب 90 ، حديث 1 و2 و3 و4 ، والمستدرك ، كتاب الحج باب 76 من أحكام العشرة ، حديث 1 و2 و3 ، وليس في المصدرين عن عائشة.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 30 أحكام الوصايا ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 30 أحكام الوصايا ، حديث 4 و5.

في الأوصياء

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل تعتبر العدالة؟ قيل : نعم تعتبر ، لأن الفاسق لا أمانة له ، وقيل : لا ، لأن المسلم محل للأمانة كالوكالة والاستيداع.

أقول : اشتراط العدالة هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، والمفيد في المقنعة ، وابن البراج وابن حمزة وسلّار ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وفخر الدين والشهيد. وعدم اشتراط العدالة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف ، وقد ذكر المصنف دليل الفريقين.

والفرق بين الوصية إلى الفاسق ووكالته وإيداعه ظاهر ، لأن الوكالة والإيداع ولاية على مال نفسه ، والوصية إليه ولايته على مال غيره ، فافترق الحكم.

والعمل على المشهور مع كونه أحوط.

اما إذا اوصى الى عدل ففسق ، أجمع الأصحاب على بطلان وصيته ، إلا ابن إدريس فإنه لم يبطلها ، قال : لأن الأصل عدم تبديل الوصية ، وبطلانها تبديل لها ،

ص: 441

وهو حرام.

قال رحمه اللّه : ولو مرض أحدهما أو عجز ضمّ إليه الحاكم من يقويه ، أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم الى الآخر ، وجاز له الانفراد ، لأنه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من إطلاق أكثر الأصحاب أنه يستند من غير ضم ، ولأنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم ، والوصي هنا موجود ، ومن احتمال وجوب الضم ، لأن الموصي لم يرض برأي أحدهما بانفراده ، والوصي انما هو هما معا ، لا أحدهما بانفراده ، فلا بد من ضم آخر اليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين والشهيد.

وهو المعتمد.

فرعان :

الأول : على وجوب الضم ، هل يجوز للحاكم أن يجعل جميع الولاية للباقي منهما؟ فيه وجهان ، أحدهما : عدم الجواز ، لأن الموصي لم يرض برأيه منفردا ، فليس للحاكم ان يفوّض اليه الجميع ، والآخر الجواز ، لأن النظر قد صار للحاكم.

والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تغيّر حالهما معا وصرفهما الحاكم ، جاز له نصيب واحد ، ولا يجب التعدد ، والفرق أنّ الباقي منهما في الصورة الأولى منصوب الموصي ، وهو لم يرض برأيه وحده ، وهنا قد انقطع نظر الموصي وصار النظر الى الحاكم ، فله نصب ما شاء ، وهو اختيار الشهيد.

قال رحمه اللّه : ولو كان للوصي دين على الميت ، جاز أن يستوفي مما في يده من غير إذن حاكم إذا لم يكن له حجّة ، وقيل : يجوز مطلقا ، وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد ، والأشبه الجواز.

ص: 442

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في جواز استيفاء دينه مما في يده ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يأخذ مما في يده إلا ما تقوم به البيّنة ، وتبعه ابن البراج. وقال ابن إدريس : يجوز وان لم يكن له بينة ، لأن من له على غيره مال ولا له عليه بينة ولا يقدر على أخذه ظاهرا فله أخذه باطنا. وقيل : ليس له الأخذ بغير اذن الحاكم إلّا مع عدم البينة ، فأما إذا كانت له بينة فليس له ذلك ، لأنه قادر على استيفاء حقه ظاهرا فليس له أخذه باطنا ، وهو ظاهر المصنف هنا.

وذهب العلامة إلى جواز الأخذ بغير اذن الحاكم مطلقا : سواء كان له بينة أو لم يكن.

الثانية : في جواز بيعه من نفسه ، وقد سبق (1) البحث في ذلك.

والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : وإذا أذن الموصي للوصي أن يوصي جاز إجماعا.

أقول : لا خلاف في عدم جواز الإيصاء إذا منعه منه ، كما لا خلاف في جوازه مع الأمر به ، وإنما الخلاف في الإطلاق ، فهل يجوز للموصي أن يوصي؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، ووجهه أنه ملك ولاية فيملك الإيصاء بها. ولرواية محمّد بن الحسن الصفار (2) ، عن الحسن بن علي عليهما السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة. وقال المفيد : لا يجوز ، وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس.

وهو المعتمد ، لبطلان ولايته بالموت ، والأصل عدم جواز تسليط الغير على حق الأطفال ما لم يحصل الإذن الشرعي ، وولاية الوصي تابعة لإذن الموصي ، وهو

ص: 443


1- ص 18.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 70 في أحكام الوصايا ، حديث 1.

مقصور على تصرفه دون تصرف غيره.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولّاه من المؤمنين من يوثق به ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أن الولاية الشرعية إنما تثبت للأب أو الجدّ أو الحاكم ، فلا يجوز لغيرهم ، ومن أنه محلّ ضرورة ، فتجوز الولاية مع فقدهم لغيرهم من المؤمنين ، وهو المشهور بين الأصحاب. والمراد بالحاكم هنا السلطان العادل الأصلي أو نائبه ، فإن تعذّر فالفقيه الجامع شرائط الفتوى.

قوله : ( فان لم يكن حاكم ) ، المراد فقد هؤلاء الثلاثة.

قال رحمه اللّه : وإذا أوصى بالنظر في مال ولده الى أجنبي وله أب لم يصحّ وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي ، وقيل : يصحّ ذلك في قدر الثلث مما ترك ، وفي أداء الحقوق.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : بطلانها مطلقا ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والعلامة وابنه ، وهو مذهب المصنف ، لأن ولاية الجد ثابتة بالأصل وهي مساوية لولاية الأب أو أقوى منها ، فكما لا يصح وصية الجدّ مع بقاء الأب كذلك العكس.

الثاني : عدم جواز العمل بالوصية مع وجود الجدّ ، فإذا مات أو حدث عليه أمر يمنع ولايته ، جاز للوصي العمل بوصية الأب اليه ، وهو منقول عن بعض الأصحاب.

الثالث : ذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى صحة الوصية بالثلث ، لأن له إخراجه عن ملك الوارث فإزالة الولاية أولى.

والمعتمد الأول.

ص: 444

أما الوصية بإخراج الحقوق إلى الأجنبي مع وجود أب (1) الموصي فهي صحيحة.

قال رحمه اللّه : الصفات المعتبرة في الوصي تعتبر حال الوصية ، وقيل : حين الوفاة ، فلو أوصى الى صبي فبلغ ثمَّ مات الوصي صحّت الوصية ، وكذا الكلام في الحرية والعقل ، والأول أشبه.

أقول : الصفات المعتبرة في الوصي وهي : البلوغ والعقل والحرية ، والإسلام - إذا كان الموصي مسلما - والعدالة ، على القول باشتراطهما (2) تعتبر حالة موت الموصي إجماعا ، وهل تعتبر حالة الوصية؟ في هذه المسألة ثلاث أقوال :

الأول : اعتبارها حالة الموت خاصة ، لا قبل ذلك ؛ لأن الوصية إنما تلزم بالموت ويثبت للوصي (3) النظر والتصرف في تلك الحالة ، فالشرائط معتبرة حينئذ ؛ لأن قبل ذلك لا تصرّف ولا ولاية ، فلا فائدة في اعتبار الشرائط قبله.

الثاني : لا بدّ أن تكون ثابتة حالة الوصية والموت معا ، أما حالة الموت فلما تقدم ، وأما حالة الوصية ، لأنها حالة الإيجاب والقبول والركون اليه ، ولأنه لو مات بعد الوصية بلا فصل كان للموصي التصرف ، فلا بد من ان يكون جامعا للصفات حالة الوصية.

الثالث : حالة الوصية والموت ، وما بينهما وما بعدهما ، فلو أوصى الى عاقل فجنّ بعد الوصية ثمَّ زال العذر قبل موت الموصي ، صحّ على القولين الأولين دون الثالث. وقوى الشيخ وابن إدريس الوسط ، واختاره المصنف والعلامة.

وهو المعتمد.

ص: 445


1- من « ر 2 » و« ن ».
2- كذا في النسخ.
3- في « ن » : الموصى إليه.

قال رحمه اللّه : يجوز لمن يتولى أموال اليتيم أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله ، وقيل : يأخذ قدر كفايته ، وقيل : أقل الأمرين ، والأول أظهر.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : أجرة المثل ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه عمل عملا محترما لم يتبرّع به ، فكان له اجرة مثله.

الثاني : قدر الكفاية ، وهو قول ابن إدريس بشرط الحاجة ، لصحيحة عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام.

الثالث : أقل الأمرين من قدر الكفاية واجرة المثل ، قاله الشيخ في المبسوط والتبيان.

وهذا البحث إذا كان الوصي محتاجا ، فإذا كان غنيا ، هل يجوز له ذلك ، أو يجب عليه الاستعفاف؟

أوجبه ابن إدريس عملا بظاهر الآية ، وهي قوله تعالى ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

وحمل الشيخ وابن الجنيد والعلامة الاستعفاف على الندب ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية هشام بن الحكم ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فيمن تولى مال اليتيم ، ما له أن يأكل منه؟ فقال : ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجرة لهم ، فيأكل بقدر ذلك » (3) ، وهي عامة.

ص: 446


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 72 ما يكتسب به ، حديث 1.
2- النساء : 6.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 72 ما يكتسب به ، حديث 5.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو كان له زوجة وبنت ، وقال : مثل نصيب بنتي ، فأجاز الورثة ، كان له سبعة أسهم وللبنت مثلها وللزوجة سهمان ، ولو قيل : لها سهم واحد من خمسة عشر كان أولى.

أقول : كونها من ستة عشر ، قول الشيخ ، وهو سهو القلم ، لأن الزوجة إذا أخذت سهمين من ستة عشر خرجت الوصية جميعها من نصيب البنت دون نصيب الزوجة ، لأن السهمين ثمن الستة عشر من غير نقص ، بل يجب ان يكون من خمسة عشر ، لأن أصل الفريضة ثمانية ، للزوجة سهم وللبنت سبعة ، فإذا زاد عليها سبعة أخرى صارت خمسة عشر ، فيصير سبعة الموصى له خارجة من الجميع. هذا مع الإجازة.

ومع الرد تكون المسألة من اثني عشر ، للموصى له أربعة وللبنت والزوجة ثمانية ، سهم للزوجة وسبعة للبنت ، فلو أجازت إحداهما وردت الأخرى ضربت وفق مسألة الإجازة في مسألة الرد أو بالعكس ، والوفق هنا بالثلث ، فاذا ضربت ثلث إحدى المسألتين بالأخرى بلغت ستين ، فمن أجاز منهما أخذ نصيبه

ص: 447

من مسألة الإجازة مضروبا في وفق مسألة الرد ، ومن ردّ أخذ نصيبه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة ، فمع اجازة الزوجة ورد البنت تأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الإجازة ، وهو سهم مضروبا في وفق مسألة الرد وهو أربعة ، فيكون لها أربعة ، وتأخذ البنت نصيبها من مسألة الرد وهو سبعة مضروبا في وفق مسألة الإجازة وهو خمسة ، يكون لها خمسة وثلاثون يبقى من ستين احد وعشرون للموصى له.

ومع اجازة البنت ورد الزوجة تأخذ البنت نصيبها من مسألة الإجازة وهو سبعة مضروبا في ثلث مسألة الرد وهو أربعة يكون لها ثمانية وعشرون ، وتأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الرد وهو سهم مضروبا في ثلث مسألة الإجازة وهو خمسة ، فيكون لها خمسة يبقى من الستين سبعة وعشرون للموصى له.

وهذه قاعدة مطردة مع اختلاف الورثة بالرد والإجازة ، فإنه ينظر إلى مسألة الرد ومسألة الإجازة ثمَّ ينظر إلى الموافقة بينهما ، فتضرب جزء الوفق من أحدهما بالأخرى ، فما اجتمع فرض فيه كما فرضناه في هذه المسألة.

قال رحمه اللّه : ولو كان له اربع زوجات وبنت ، فأوصى بمثل نصيب إحداهن ، كانت الفريضة من اثنين وثلاثين ، يكون للزوجات الثمن أربعة بينهن بالسوية ، وله سهم كواحدة ، يبقى سبعة وعشرون للبنت ، ولو قيل : من ثلاثة وثلاثين كان أشبه.

أقول : كونها من اثنين وثلاثين قول الشيخ ، وهو مردود بما قلناه في المسألة السابقة ، لأن الوصية كلها تكون من نصيب البنت خاصة ، وهو غير جائز ، بل السهم الموصى به يكون على الجميع فيزاد على أصل الفريضة فتصير ثلاثة وثلاثين ، للبنت ثمانية وعشرون ، ولكل واحدة من الزوجات والموصى له سهم.

قال رحمه اللّه : ولو اوصى لأجنبي بنصيب ولده ، قيل : تبطل الوصية ،

ص: 448

لأنها وصية بمستحقة ، وقيل : تصح فيكون كما لو اوصى بمثل نصيبه ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، ولم يختر في القواعد والإرشاد والتحرير شيئا ، بل قال : احتمل الصحة والبطلان. وفخر الدين اختار البطلان ، وهو قوي ، لأن قوله : ( أوصيت لزيد بنصيب ابني ) ، يجري مجرى قوله : ( أوصيت لزيد بدار ابني ) ، ولا شك في بطلان هذه الوصية ، لأنها وصية بما يستحقه الغير ، وكذلك الوصية بنصيبه ، لأنه مستحق له ، كما ان داره مستحقة له.

ونقل الشيخ عن بعض علمائنا صحة الوصية وتكون بمنزلة من قال : ( بمثل نصيب ولدي ) ، واختاره المصنف ، لأن اللفظ يحمل على مجازه عند تعذر حمله على حقيقته صونا لكلام العقلاء عن الهذر.

قال رحمه اللّه : ولو كان له ابن قاتل وأوصى له بمثل نصيبه ، قيل : صحت الوصية ، وقيل : لا تصح ، لأنه لا نصيب له ، وهو أشبه.

أقول : عدم الصحة قول الشيخ في المبسوط ، وقيل : يصح ويقدر كما لو لم يكن قاتلا صونا لكلام العاقل عن الهذرية ، وقال في المختلف : ان علم انه قاتل وان القاتل لا يستحق شيئا بطلت الوصية ، وان جهل أحدهما صحت الوصية ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أوصى بضعف نصيب ولده كان له مثلاه ، ولو قال : ضعفاه كان أربعة ، وقيل : ثلاثة ، وهو أشبه.

أقول : إذا اوصى بضعفي نصيب ولده للشيخ فيه قولان :

أحدهما : يكون له أربعة أمثاله ، لأن ضعف الشي ء مثلاه ، فاذا ثناه وجب ان يكون أربعة أمثاله وللآخر ثلاثة أمثاله ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن ضعف الشي ء ضم مثله اليه فاذا ثناه فكأنه ضم مثليه إليه.

ص: 449

قال رحمه اللّه : وهل يجب ان يعطي ثلاثة فصاعدا؟ قيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان الفقراء اسم جمع أو اسم جنس؟ فعلى الأول يكون أقله ثلاثة ، وعلى الثاني يكفي الواحد ، لأن اسم الجنس يصدق على القليل كما يصدق على الكثير ، والأصل براءة الذمة من الزائد.

قال رحمه اللّه : إذا اوصى له بدار فانهدمت ، وصارت براحا ثمَّ مات الموصي بطلت الوصية ، لأنها خرجت عن اسم الدار ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الاعتبار بالوصية ما يقع عليه الاسم عند لزوم الوصية ، والبراح لا يصدق عليه اسم الدار ، فتبطل ، ومن ان الوصية بالدار تتضمن الوصية بالبراح ، فالوصية انما هي بالبراح والجدران والسقوف ، فلا تبطل الوصية بالمجموع بفوات بعض الأجزاء ، كما لو اوصى له بعبدين فمات أحدهما ، فإن الوصية ثابتة في الباقي منهما إجماعا.

قال رحمه اللّه : إذا قال : أعطوا زيدا والفقراء كذا ، كان لزيد النصف من الوصية ، وقيل : الربع ، والأول أشبه.

أقول : وجه الأول انه أضاف الوصية اليه وإليهم فوجب ان يساويهم وحده ، ووجه الثاني ان الفقراء اسم جمع ، واقله ثلاثة ، فكأنه اوصى له ولثلاثة ، فيكون له الرابع ، ويحتمل ان يكون كأحدهم للتسوية بينهم وبينه ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا يعطى كواحد منهم ويكون فائدة ذكره عدم جواز الإخلال به ، ووجوب الدفع اليه وان كان غنيا.

ص: 450

في تصرّفات المريض

قال رحمه اللّه : منجزات المريض إذا كانت تبرعا كالمحاباة في المعاوضات والهبة والوقف والعتق ، فقد قيل : انها من أصل المال ، وقيل : من الثلث.

أقول : القول انها من الأصل قول الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج وابن إدريس ، لأنه مالك تصرف في ملكه فكان تصرفه ماضيا كالصحيح ، لأن الأصل عدم الحجر على البالغ العاقل ، لقوله عليه السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (1).

وقال الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه وابن الجنيد : انها من الثلث ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : كل مرض لا يؤمن معه الموت غالبا فهو مخوف ، كحمى الدّق والسل وقذف الدم والأورام السوداوية والدموية والإسهال المنتن والذي يمازجه دهنية أو براز أسود يغلي على الأرض وما شاكله ، وأما الأمراض التي

ص: 451


1- بحار الأنوار 2 : 272.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 وباب 11 وباب 17.

الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحة ، كحمى يوم ، وكالصداع عن مادة أو غير مادة والدمل والرمد والسلاق ، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى العفن والزحير والأورام البلغمية ، ولو قيل : يتعلق الحكم بالمرض الذي يتفق به الموت سواء كان مخوفا بالعادة أو لم يكن ، كان حسنا.

أقول : إذا ثبت ان المنجزات الواقعة تخرج من الثلث اقتصر على بيان المرض ، فان المرض فيه مخوف وغير مخوف ، وقد بينه المصنف في المتن ، والشيخ في المبسوط علق الخروج من الثلث على المرض المخوف دون ما ليس بمخوف ، لرواية علي بن يقطين : « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث كثير » (1).

فقوله : ( عند موته ) لا يكون الا عند امارة الموت ، والأمارات انما تكون بالمرض المخوف دون غيره.

وذهب المصنف والعلامة إلى تعليق الحكم بكل مرض اتفق فيه الموت سواء كان مخوفا أو غير مخوف لصدق اسم المرض عليه ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : « المريض محجور عليه الا في ثلث ماله » (2) ، والوصف هنا سبب ، فاذا اتصف بالمرض وحصل الموت ثبت الحكم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها ، صح العتق والعقد وورثت ان خرجت من الثلث ، وان لم تخرج فعلى ما مر من الخلاف.

أقول : المراد بالخلاف المشار اليه ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو من الثلث؟ فعلى القول بأنها من الأصل ينفذ العتق والنكاح سواء خرجت من

ص: 452


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 في أحكام الوصايا ، حديث 8.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 في أحكام الوصايا ، حديث 4 و7 و8 مع اختلاف في المتن.

الثلث أو لم تخرج ، وعلى القول بأنها من الثلث فان خرجت منه فلا بحث ، وان لم تخرج منه افتقرنا الى البحث ، فان لم تكن سواها ولم يدخل عتق ثلثها ، واسترق ثلثاها ، وبطل النكاح ، وان كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها مثلا عتق منها ثلاثة أسباعها واسترق أربعة أسباعها.

وطريقه ان نقول : عتق منها شي ء ولها بصداقها نصف شي ء وللورثة شيئان ، فيجمع ذلك فتكون ثلاثة أشياء ونصف ، فاذا بسطناها انصافا كانت سبعة ، لها منها ثلاثة ولهم أربعة تسعى فيها للورثة.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق أمته وقيمتها ثلث تركته ، ثمَّ أصدقها الثلث الآخر ودخل ثمَّ مات ، فالنكاح صحيح ، ويبطل المسمى ، لأنه زائد عن الثلث وترثه وفي ثبوت مهر المثل تردد ، وعلى القول الآخر يصح الجميع.

أقول : أما وجه بطلان المسمى ، لأن ثبوته يتوقف على صحة العقد المتوقف على العتق المتوقف على الخروج من الثلث المتوقف على بطلان المسمى.

وأما وجه التردد في ثبوت مهر المثل ، لأنه مع ثبوت المهر لم يبق هنا ثلث ينفذ عتقها فيه ، وإذا لم تعتق لم يصح النكاح ولا الصداق ، فلا بد من ابطال المهر حتى يصح العتق والنكاح.

ومن حيث ان مهر المثل كأرش الجناية فلا يجوز إسقاطه ، وهو المعتمد ، وحينئذ لا تعتق بجملتها ، وإلا لوجب لها مهر المثل كملا ، فينقص الثلث عن قيمتها ، فلا ينفذ العتق ، فلا يثبت جميع مهر المثل ، بل يعتق بعضها ويثبت لها من مهر المثل بإزاء ما عتق ، فحينئذ يدخلها الدور ، لأن نقصان مهر المثل يستلزم زيادة التركة فيزيد العتق فيزيد مهر المثل ، فيتوقف معرفة مهر المثل على معرفة قدر العتق ومعرفة قدر العتق ، على معرفة مهر المثل ، وهو دور.

وطريق التخلص ان نقول : عتق منها شي ء ولها من مهر المثل شي ء بإزاء ما

ص: 453

عتق منها وللورثة شيئان يقابلان ما عتق منها دون ما حصل لها من مهر المثل ، لأنه كأرش الجناية فهو لا يجب (1) على احد.

والتركة حينئذ في تقدير أربعة أشياء : شيئان للجارية ، وشيئان للورثة ، وقيمة الجارية ثلث التركة فينعتق ثلاثة أرباعها ، لأن ربع الجمع ثلاثة أرباع الثلث ، ويحصل لها ثلاثة أرباع الثلث الآخر ، مهر المثل تؤدي منه ثلثه تمام قيمتها ، ويبقى معها نصف الثلث ومع الورثة ثلث ونصف ثلث بقدر ما عتق منها مرتين ، لأن الذي عتق منها ثلاثة أرباعها وهو سدس التركة ونصف سدسها ، ومهر المثل غير محسوب عليها ، فلا يجب مقابله (2) شي ء للورثة.

تمَّ الجزء الأول (3) من كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ، ويتلوه الجزء الثاني ان شاء اللّه تعالى والحمد لله حق حمده ، وصلّى اللّه على محمد عبده ورسوله وآله الطيبين الطاهرين ، والحمد لله رب العالمين.

ص: 454


1- في « ر 2 » : يحسب.
2- في « ر 2 » : في مقابله.
3- هذا بحسب تقسيم الشارح رضوان اللّه تعالى عليه.

محتويات الجزء الثاني كتاب التجارة

الموضوع / الصفحة

فيما يكتسب به

بيع الأبوال... 5

مسألة في بيع المسوخ... 5

مسألة في بيع السباع... 6

أخذ الاجره علي القضاء ، فرع... 6

تنبيه في الضابط الذي جعله فخر المحققين لما يحرم أخذ الاجرة عليه... 7

حكم بيع الكلب... 9

في عقد البيع

في اشتراط تقديم الايجاب علي القبول... 11

في نفوذ بيع الصبي وعدمه... 12

في صحة ابتياع العبد نفسه في غيره... 12

البيع الفضولي

فروع خمسة وفي الأول منها فائدة... 13

في عدم الرجوع بالثمن مع العلم بالغصب... 16

ص: 455

الموضوع / الصفحة

تنبيه وفيه بيان لعباره للشيخ في النهاية... 16

جواز تولي طرفي العقد وعدمه... 17

مسألتان : في تولي الوصي طرفي العقد ، وافتراضه مع الملأة... 18

في لزوم كون المشتري مسلماً اذا ابتاع مسلماً... 19

حكم الارض المأخوذه عنوة ، وحكم بيوت مكة... 19

بيع الوقف... 20

بيع ام الولد... 21

تنبيه في مواضع بيع أم الولد... 21

حكم بيع العبد الجاني... 22

حكم عتق العبد الجاني... 23

حكم بيع ما يتعذر تسليمه الا بعد مدة... 24

حكم ما لو باع بحكم احدهما... 24

حكم اختلاف البائع والمشتري في المبيع... 25

حكم شراء ما يمكن اختباره من غير اختبار... 25

حكم بيع سمك الآجام والجلود والأوبار علي الانعام... 26

طهارة المسك وحكم بيعه... 27

حكم الربح علي المؤمن معه الاضطرار وعدمه... 28

مسألة : في الدخول في سوم المؤمن ، وفيها تنبيه... 29

مسألة : في توكل الحاضر للبادي... 29

مسألة في تلقي الركبان... 30

مسألة في حرمة النجش وحكم البيع معه... 31

ص: 456

الموضوع / الصفحة

مسائل أربعة في حكم الاحتكار ومحله وحده والاجبار علي البيع معه... 32

في الخيار

في ما يسقط به خيار المجلس... 33

حكم مالو قال : اختر ، فسكت... 34

في حكم خيار المجلس إذا كان العاقد واحد... 34

خيار الحيوان... 35

فرع : فيما اذا باعه حيواناً بحيوان... 35

كشف وايضاح في خيار الغبن ، حقيقته ، ثبوته وعدمه... 36

في أن التصرف غير الناقل لا يبطل هذا الخيار... 37

في صحة العقد إذا لم يقبض الثمن مع عدم اشتراط

تأخيره وعدم تسليم المبيع... 38

حكم مالو تلف المبيع قبل القبض... 39

تنبيه... 39

فروع أربعة... 40

حكم ما يفسد من يومه ، وفيه بحث طويل وتحقيق... 40

في محل هذا الخيار ، وبيان مناقصة في عباره فخر المحقيقن... 41

في حكم البيع بعد انقضاء اليوم ، والجمع بين عبارات الاصحاب... 42

في العقود التي يثبت فيها خيار المجلس... 43

فروع : في من انشأ العقد من بعد مفرط... 43

الكلام في العقود التي يثبت فيها خيار الحيوان وخيار الشرط... 44

ص: 457

الموضوع / الصفحة

الكلام في العقود يثبت فيها خيار المغبون... 45

في أن المبيع يملك بالعقد أو به وبانقضاء الخيار؟... 46

في أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق أو من حين العقد... 46

فروع ستة... 47

في أحكام العقود

حكم مالو باع بثمن حال وبأزيد منه الي أجل... 49

فرعان... 49

حكم مالو ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة... 50

في أن قبض الحق واجب علي صاحبه ، وحكم امتناعه منه... 50

حكم من ابتاع شيئاً بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة... 51

فيما يدخل في المبيع... 53

في التسليم

في معني القبض... 56

حكم تلف المبيع قبل التسليمة الي المشتري... 56

حكم اختلاط المبيع بغيره... 57

حكم مالو باع شيئاً فغصب من يد البائع... 57

حكم مالوابتاع متاعاً ولم يقبضه ثم أراد بيعه... 57

حكم مالو دفع من عليه طعام الي ديانه مالاً وقال : اشتر به طعاماً... 58

مسألتان : في الاسلاف والاقراض في بلد والمطالبة في آخر... 59

ص: 458

الموضوع / الصفحة

مسألة : في الغصب في بلد ومطالبة المغصوب منه في آخر... 60

في الشرط

في جواز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه وعدمه ، وفيه مقامان ، الاول... 61

فروع سبعة... 62

لو باعه بشرط التدبير... 63

حكم مالو باع العبد بشرط ان يكاتبه... 64

المقام الثاني : حكم مالو اشتري جارية بشرط منافٍ لعقد البيع... 64

تنبيه : في جواز بيع الشيء اليسير بأضعاف قيمته... 65

فروع خمسة ، وبيان اشكال في عبارة التذكرة... 66

حكم مالو باعه اُرضاً أنها جربان معينة وكانت أقل... 68

فرع... 69

في أحكام العيوب

معني التصرية وأن فيها الخيار ، وحكم اللبن المحتلب منها... 71

في ثبوت هذا الخيار في الناقة والبقرة وعدمه... 72

تنبيه في مدة هذا الخيار... 73

في أن الخيار يثبت بتحمير الشعر وتدليس الوجه... 73

فرع ، حكم حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض... 74

في المراجعة والمواضعة

إذا باع الثمن أنقض مما وقع عليه العقد... 75

ص: 459

الموضوع / الصفحة

إذا ادعي الغلط وأن رأس ماله أكثر مما ذكره... 76

حكم مالو حط البائع بعض الثمن... 76

في الربا

حكم بيع المتماثلين في الجنس والمختلفين مع كونهما ربويين... 77

في كون الحنطه والشعير جنساً واحداً وعدمه... 78

مسألتان : في كون كل من الحمام والسموك جنساً واحداً وعدمه... 79

في ثبوت الربا في الطين الموزون كالارمني وعدمه... 79

في حكم المكيل والموزون مع العلم بالحال في عصر النبي أو الجهل به... 80

في بيان حكم بيع الرطب باليابس من جنسه متساوياً نقداً ،

وفيه عدة مسائل... 81

حكم مالو كان المبيعان في حكم الجنس الواحد واحدهما

مكيل والأخر موزون... 82

في ثبوت الربا بين المسلم والذمي... 83

تنبيه... 83

في جواز بيع لحم الحيوان من جنسه وعدمه من غيره... 84

بيع الصرف

في أن التقابض شرط من بيع الصرف... 84

فرع... 84

حكم مالو كان له عليه دراهم فاشتر بها دنانير... 85

حكم ما اذا اشتر دراهم في الذمة بمثلها... 86

ص: 460

الموضوع / الصفحة

بيان عبارة موهمة للعلامة في القواعد... 86

إذا اشتري ديناراً بدينار فدفعه فزاد... 87

حكم بيع الدرهم بالدرهم مع شرط صياغة خاتم ،

وحكم تعديته الي باقي الشروط... 88

تنبيه... 89

بيع المراكب المحلاة بجنس الحلية... 89

لو باع ثوباً بعشرين درهماً... 89

تحقيق في حكم بيع مئة درهم بدينار إلا درهماً... 90

بيع الثمار

حكم بيع النخل قبل ظهورهما عاماً واحداً... 91

حكم بيع النخل قبل بدو صلاحها عاماً... 92

تنبيه في بيان مراد العلامة في قواعده وتحريره... 92

تفريع علي اشتراط بدو الصلاح ، وأنه يختلف باختلاف محله... 93

مسألة في المزابنة... 94

مسألة في تعدية التحريم إلي غير ثمره النخل من الفواكه... 95

مسألة في المحاقلة ، في حكم بيع العرايا... 95

فروع أربعة... 97

بيع الحيوان

في قبول اقرار لقيط دار الحرب بالرقية وعدمه... 99

تنبيه في بيان المراد بدار الاسلام... 99

ص: 461

الموضوع / الصفحة

في تسوية الرضاع بالنسب في عدم جواز الملك... 100

حكم تبعية الحمل للمبيع... 101

حكم مالو باع واستثني الرأس والجلد... 101

فرع... 101

حكم مالو قال الربح لنا والخسران عليك... 102

حكم وطي من ولدت من الزنا... 103

بيان الخلاف في أن العبد يملك أولا... 103

حكم مال العبد المباع... 104

حكم مالو قال اشترني ولك علي كذا... 105

البحث في تحريم التفرقة وكراهتها... 105

البحث في الغاية التي يزول معها التحريم او الكراهة... 106

من أولد ثم ظهر أنها مستحقة ، وحكم الرجوع علي البائع بما اغترمه... 106

حكم ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الامام... 107

تنبيه... 107

فرع... 108

إذ دفع الي مأذون مالاً ليشتري نسمة ويعتقها ويحج ... ، وهنا فرع... 109

مسألة فيمن اشتري عبداً في الذمة ووضع البائع عبدين ... 110

مسألة فيما اذ اشتري عبداً من عبدين معينين علي أن يختار أحدهما... 111

حكم ما إذا وطأ احد الشريكين مملوكة بينهما... 111

فروع ستة... 112

المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كل منهما صاحبه من مولاه... 113

ص: 462

الموضوع / الصفحة

من اشتري جارية سرقت من أرض الصلح... 114

بيع السلف

في احتمال انعقاد البيع بلفظ السلم... 115

في عدم جواز اشتراط الأجود... 115

حكم بيع الجلود مع المشاهده وعدمه... 116

مسألتان في جواز الاسلاف في شاة معها ولدها أو

حامل أو جارية كذلك... 116

حكم الاسلاف في جوز القز ، حكم شرط كون الثمن من دين عليه ، وحكم الاسلاف في المعدود  117

حكم مالو قال : الي شهرين... 118

في شروطية ذكر موضع التسليم... 118

في عدم جواز كونه الثمن مؤجلاً في السلف... 119

في جواز بيع الدين بعد حلوله ، وفيه بيان سهو للشهيد وأبي العباس... 120

تنبيه فيما لو باع الدين بأقل من ثمنه ، ويليه فرع... 121

مسألة فيما إذا سلف في غنم واشتراط اصواف نعجات معينه... 122

مسألة فيما إذا أسند السلف الي معين... 122

لو شرط الصحاح عوض المكسرة... 123

تنبيه... 124

في اقتراض المثلي والقيمي وأنه يثبت بالثاني القيمة... 124

حكم اقتراض الجواري واللآلي... 125

ص: 463

الموضوع / الصفحة

في أن القرض يملك بالقبض لا بالتصرف... 125

في شرط التأجيل في القرض وأنه لا يتأجل إلا بأمور ثلاثة... 125

حكم الدين الذي غاب صاحبه غيبة منقطعة... 126

لو كان عل الدين رهن... 127

دين المملوك

في أن المملوك محجور عليه في انواع التصرفات

ولا يجوز له التصرف في نفسه... 129

في بيان غلط صاحب الترددات... 130

حكم الدين مع الاذن للعبد عل الاستدانة... 130

حكم تلف المال مع الاذن له في الستدانة دون التجارة ويليه فرع... 131

في أن أجرة البيع أو الشراء علي الآمر بأحدهما... 132

كتاب الرهن

في شرطية القبض وعدمه... 135

فيما لو أقر الراهن بالاقباض... 136

في اعتبار اذن الشريك في جواز تسليم المشاع... 137

تنبيه : في امتناع الشريك من الاذن في القبض... 137

في شرائط الرهن

في رهن المدبر... 139

ص: 464

الموضوع / الصفحة

حكم رهن المسلم خمرا ، حكم رهن ما لا يصح قبضه... 140

في صحة الرهن زمن الخيار... 141

مسألة في جواز رهن العبد المرتد... 141

مسألة في جواز رهن العبد القاتل... 142

فرعان... 142

حكم ما لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل... 143

فرع... 143

في الحق

في جواز أخذ الرهن علي مال الكتابة... 145

في عدم صحة الرهن علي ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن وصحته علي ما هو ثابت في الذمة 145

في حكم الاستدانة بعد الرهن وجعل الرهن عل المالين... 146

فروع ثلاثه... 147

في أن ليس للمالك فسخ الوكالة في بيع الرهن وأن الوكالة

تبطل مع الموت دون الرهانة... 148

فرع... 149

في أن المرتهن أحق من غيره في استيفاء دينه... 149

في حكم الرهن ذي المؤنة كالدابة... 149

مسألتان في تصرف الراهن والمرتهن في الرهن وهنا فرع... 151

في حكم رهن الامة بعد وطأ الراهن لها... 152

ص: 465

الموضوع / الصفحة

مسألة في رهن المغصوب عند الغاصب... 152

مسألة في رهن المقبوض بالبيع الفاسد... 153

مسألة في ابراء الغاصب من ضمان الغصب وهو في يده... 153

فروع ثلاثة... 154

في أن حمل الشجرة والمملوكة رهن كالأصل... 154

في دخول الثمرة في رهن النخل وعدمه... 155

فرع... 155

في اجبار الراهن علي ازالة النابت بعد الرهن وعدمه... 155

حكم مالو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار... 156

حكم مالو رهن من مسلم خمرا... 157

مسألة في القيمة التي يغرمها المرتهن إذا ثبت تفريطه... 157

مسألة في لو اختلف الراهن والمرتهن في القيمة... 158

حكم مالو اختلفا علي الرهن او في متاع... 159

كتاب المفلس

في منع التصرف

حكم إقرار المفلس بالدين أو العين... 163

فيما لو ادعي المفلس أن هذه المال مضاربة لغائب... 164

في اختصاص الغريم بعين ماله

في أن من وجد من الغرماء عين ماله كان له أخذها أو الضرب مع الغرماء... 165

ص: 466

الموضوع / الصفحة

حكم الخيار في ذلك ، وأنه علي الفور أو لا؟... 166

مسألة فيمن وجد بعض المبيع سليماً أو معيباً

بعيب قد استحق أرشه... 166

تحقيق وفيه بيان لعبارة غامضة في القواعد... 167

حكم مالو كان النماء متصلاً فزادت قيمته... 169

حكم مالو اشتري أرضاً بغرس المشتري فيها ، أو زيتاً فخلطه بمثله... 170

حكم مالو أسلم في متاع ثم أفلس المسلم إليه... 171

تنبيه... 171

فيما لو شهد للمفلس شاهد بمال... 171

في أن المفلس إذا مات هل يحل ماله وما عليه؟... 172

في وجوب إنظار المعسر وعدم جواز إلزامه ولا مؤاجرته... 173

في قسمة ماله

فيما لو اقتضت المصلحة تأخير القسمة... 175

في زوال الحجر بمجرد الأداء أو أنه يفتقر الي حاكم... 175

كتاب الحجر

في موجباته

في السن الذي يعلم به البلوغ... 179

الوصف الثاني : الرشد... 180

حكم مالو باع فأجاز الولي... 180

ص: 467

الموضوع / الصفحة

تنبيه في حكم حرف الصبي امواله في وجوه الخير بعد البلوغ... 181

أحكام الحجر

في أن حجر المفلس يثبت بحكم الحاكم أو بظهور السفه... 183

حكم ضمان الوديعة مع اتلافها قبل الحجر وبعده... 184

حكم نذر السفيه ويمينه... 184

في اختبار المرأة ، والصبي قبل البلوغ... 185

بيان وجه استشكال العلامة في القواعد في صحة بيع الصبي قبل البلوغ... 185

كتاب الضمان

في تعريف الضمان ، وأنه ثلاثة أقسام... 191

ضمان المال

في اشتراط العلم بالمضمون له أو المضمون عليه... 194

في اشتراط رضي المضمون له وأنه لا عبرة برضي المضمون عنه... 194

مسائل أربعة متفرعه علي أن الضمان ناقل للذمة لا ضام إليها... 195

حكم الضمان المؤجل والحال... 196

تنبيه... 197

فروع ثلاثة وفي الاول مع منها تحقيق... 198

تنبيه في شرح بمارد غامضة للعلامة في القواعد... 199

حكم ضمان مال السبق والرماية ، وبيان أن الحقوق علي اربعة اقسام... 200

ص: 468

الموضوع / الصفحة

فرعان... 201

حكم ضمان الاعيان المضمونة... 202

في عدم اشتراط العلم بكمية المال المضمون... 202

إذا ضمن عهدة الثمن ، معني ضمان العهده... 203

في بيان معني العهدة... 204

حكم مالو ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث... 205

ضمان المريض... 205

حكم مالو كان الدين مؤجلاً وضمنه حالاً... 205

بحث في أنه ضامن المؤجل حالا هل له مطالبة الاصيل قبل حلول الأجل... 206

في الحوالة

مسألة في اعتبار رضي الثلاثة... 207

مسألة في اشترط ابراء المحتال للمحيل... 208

مسائل في شروط الحوالة... 209

تحقيق في احكام الحوالة... 211

حكم إحالة المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب السابق... 211

فروع أربعة... 212

مسألة فيما اذا أحال البائع ثمناً ، وفيما إذا ظهر فساد البيع... 213

في الكفالة

في صحتها حالة ومؤجلة... 215

حكم من أطلق غريماً من يد صاحب الحق قهراً عليه... 216

ص: 469

الموضوع / الصفحة

فروع ثلاثة... 216

في وجوب تسلم الغريم إذا أحضر قبل الأجل... 217

مسائل في لواحق الكفالة... 217

تنبيه في حكم الكفالة ببدن من عليه الحد... 218

كتاب الصلح

في تعريف الصلح... 221

حكم مالو أتلف علي رجل ثوباً قيمته درهم فصالحه علي درهمين... 222

لو ادعي داراً فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر علي سكني سنة... 223

في أحكام النزاع في الأملاك

حكم اخراج الرواشن ولأجنحة الي الطرق مع الضرر وعدمه... 225

في حكم الاستطراق من غير الباب المعتادة في الطرق المرفوعة... 226

فرع... 226

مسألة في جواز الرجوع بعد وضع الجذوع في حائط الجار... 227

مسألة فيما إذا انهدم الجدار ثم أعاده المالك ، هل يعود للوضع؟... 227

في بقية مسائل النزاع... 228

كتاب الشركة

أقسام الشركة

في أن الشركة تحصل في ثلاثة أشياء... 233

ص: 470

الموضوع / الصفحة

حكم اشتراط احدهما الزيادة في الربح مع تساوي المالين أو العكس... 234

تنبيه علي ما وقع لعميد الدين في شرح القواعد مع ذكائه وعظم

نباهته... 236

في اللواحق

في افتقار التملك بالحيازة إلي نية وعدمه... 239

مسألتان... 240

لو باع اثنان عبدين كل واحد منهما بانفراده صفقة بثمن واحد... 241

كتاب المضاربة

فيما لو شرط أن يشتري أصلاً يشتركان في نمائه... 245

حكم مالو كان لنفسه مال غير مال القراض... 246

حكومة الشارح بين شارحي القواعد... 246

تنبيه في معني النفقة والسفر... 247

فرع... 247

في مال القراض

حكم القراض بالنقرة... 249

في كفاية المشاهدة وعدمها... 250

في الريح

في اللازم بالشرط... 251

ص: 471

الموضوع / الصفحة

مسائل في الربح... 252

في اللواحق

في قبول قول المضارب في التلف والرد... 253

مسألة... 254

شراء العامل أبا رب المال... 254

فرع... 254

مسألتان... 255

مسائل أربعة وفي الأخيرة مباحثة مع صاحب الترددات... 256

فيما اذا قارض العامل غيره بغير إذن المالك... 258

فيما اذا تلف مال القراض أو بعضة بعد دورانه في التجارة... 260

فيما لو شرط أن يأخذ له بضاعة... 262

حكم شراء المضارب الجارية التي يطؤها... 262

كتاب المزارعة

فيما لو شرط أحدهما علي الآخر شيئاً يضمنه... 267

مسألة في إجارة الارض بحنطة أو شعير يخرج منها... 267

مسألة في الارض بأكثر مما استأجرها به... 268

حكم الازالة فيما لو مضت المدة والزرع باق ، فرع... 268

إذا استأجر أرضاً ليغرس فيها ما يبقي بعد المدة... 269

ص: 472

الموضوع / الصفحة

حكم مالو تنازعا في المدة أو في قدر الحصة ، أو في كونها عارية... 270

كتاب المساقاة

حكم المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعدها... 273

فرع... 273

في بطلان المساقاة بموت المساقي أو العامل وعدمه... 274

حكم المساقاة فيما لا ثمرة له... 274

مسألة فيما لو شرط أن يعمل غلام المالك معه... 275

مسألة فيما اذا شرط علي رب المال أجرة الاجراء أو

خروج أجرتهم من وسط الثمرة... 275

حكم مالو شرط مع الحصة من النماء حصة من الاصل الثابت... 276

حكم المساقاة مع عدم التعيين ، حكم الاجارة بحصة... 277

في أن هرب العامل لا يبطل المساقاة ، وما يترتب عل ذلك من أحكام... 278

فرع... 279

حكم ثبوت خيانة العامل... 280

تنبيه... 280

فرع... 281

لو انقسما الثمرة وتلفت... 281

كتاب الوديعة

في أن دفع الوديعة علي أربعة أنحاء... 285

ص: 473

الموضوع / الصفحة

فرع... 286

حكم ايداع الغاصب المغصوب الممزوج بماله... 287

في اللواحق

حكم مالو ادعي عليه الوديعة فأنكر ، ومالو اعترف بها ثم ادعي التلف... 289

حكم مالو اعترف بالوديعة ثم ادعي التلف... 290

تنبيه فيه فروع... 290

إذ أقام المالك البينة علي الوديعة بعد الانكار... 291

اذا حضرته الوفاة وعنده وديعة ، أو اعترف بها وبصفتها... 292

في المحاكمة بين فخر الدين وعميد الدين... 293

فروع ثلاثة... 293

اذا فرَّط واختلفا في القيمة... 294

كتاب العارية

حكم الضمان لو استعار من الغاصب وهو لا يعلم... 297

فرع... 297

في العين المعارة

حكم استعارة الارض للزرع والغرس والبناء... 299

تنبيه... 299

تحقيق في الامر بالازالة بعد الاذن بالبناء أو الغرس... 300

ص: 474

الموضوع / الصفحة

في أن أقسام المسألة أربعة ، وفي الأول منها فرع... 301

حكم مالو أذن له في غرس شجرة فانقلعت... 302

في الاحكام المتعلقة بها

حكم بيع المستعير غروسه وأبنيته في الارض المستعارة... 305

حكم اختلاف المالك وراكب الدابة... 306

مسألة في أن المضمون هل هو قيمة يوم التلف أو أعلي القيم؟... 307

مسألة في الاختلاف في القيمة... 307

فروع أربعة... 307

كتاب الاجارة

في عقد الاجارة

في الفاظ العقد... 311

في بطلان الاجارة بالموت وعدمه... 312

في أن العين المستأجرة أمانة... 314

في شرائط الاجارة

في عقد المميز... 315

فرع في إجارة الولي الصبي... 315

مسألة في كفاية المشاهدة في مال الاجارة... 316

مسألة في حكم التعجيل لو لم يشترط التأحيل... 316

مسألة في جواز إيجار شيء بأكثر مما استأجر مع اتحاد الجنس... 316

ص: 475

الموضوع / الصفحة

مسألة في ما اذا سكن بعض الدار وآجر الباقي... 317

مسألة فيما اذا استأجره ليحمل له متاعاً... 317

مسألة فيما اذا قال : آجرتك كل شهر بكذا... 318

فيما لو قال إن خطته فارسياً فلك درهم ورومياً فدرهمان... 318

فيما لو قال إن عملت اليوم فلك درهمان وغداً فدرهم... 319

حكم استعمال الاجير قبل المقاطعة علي الاجرة

وأنه لا يضمن الا مع التهمة... 320

حكم مالو قدر المدة والعمل... 320

مسألة في اشتراط اتصال مدة الاجارة بالعقد... 321

مسألة فيما لو عين شهراً متأخراً عن العقد... 322

فيما اذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة... 322

فيما لو انقضي بعض المدة ثم تلف او تجدد فسخ الاجرة... 323

في أن كل ما يحتاج اليه في إمكان الركوب لازم علي مؤجر الدابة... 324

فروع خمسة... 324

حكم مالو حفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر حفر الباقي... 325

حكم استئجار المرأة للرضاع... 326

فروع أربعة... 326

حكم اجارة الحائط المزوَّق للتنزه... 327

وحكم اجارة العبد الآبق... 327

حكم مالو انهدم المسكن... 328

ص: 476

الموضوع / الصفحة

في أحكامها

حكم الاختلاف في القيمة... 329

حكم تقبيل الغير العمل الذي تقبله... 330

حكم تضمين الصناع... 330

فرع... 330

فرع... 331

حكم مالو آجر الوصي صبياً... 331

في التنازع

فيما لو قطع الخياط ثوباً قباءً فقال المالك أمرتك بقطعه قميصاً... 333

كتاب الوكالة

في العقد

في صحة الوكالة معلقة... 337

في تربطة الوصف لانتفاء الغرر وحكم عدمه... 338

حكم العزل... 339

فيما لو باع الوكيل بثمن فانكر المالك الاذن في ذلك القدر... 340

في ما لا تصح فيه الوكالة

حكم التوكيل في حيازة المباحات... 343

حكم التوكيل علي كل قليل أو كثير... 344

ص: 477

الموضوع / الصفحة

حكم الوكالة في الطلاق... 345

في التوكيل

حكم توكل المرأة في طلاق نفسها وغيرها... 347

حكم توكل المسلم والذمي علي المسلم والذمي... 347

في ما به تثبت الوكالة

في ثبوت الوكالة بشاهد ويمين... 349

حكم الاختلاف في لفظ العقد... 350

حكم ادعاء الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم... 350

فرعان... 351

في اللواحق

حكم مالو ادعي بعد زوال العذر وتأخر التسليم تأخر

الامتناع عن تلف المال... 353

في أن كل من في يده مال لغيره له أن يمتنع من التسليم

حتي يشهد علي القبض... 353

في حكم الوكيل في الايداع اذا لم يشهد علي الودعي... 354

فرع... 354

حكم ما إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع... 355

ص: 478

الموضوع / الصفحة

في التنازع

في الاختلاف في رد المال الي الموكل... 357

فيما لو ادعي الوكيل التصرف وانكر الموكل... 358

فيما اذا زوجه امرأة فانكر الوكالة ولا بينة... 358

فروع أربعة... 359

مسألة في من وكل وكيلاً في استيفاء دين ثم صدقه الغريم وأنكر الموكل... 360

مسألة فيمن أمر ببيع سلعة وتسليمها الي المشتري وقبض الثمن منه ففعل ثم ادعي التلف من غير تفريط       361

في حكم الرد لو ظهر في المبيع عيب... 361

فرع... 362

كتاب الموقوف والصدقات

في العقد

في الفاظ العقد... 365

في الشرائط

حكم وقف الدنانير والدراهم... 367

حكم وقف ما لا يملك... 367

حكم وقف وصدقة من بلغ عشراً... 368

حكم مالو بدأ الوقف بالمعدوم ثم بعده بالموجود... 368

فروع أربعة... 369

ص: 479

الموضوع / الصفحة

في أنه اذا وقف علي المؤمنين انصرف الي الاثني عشرية... 369

في اشتراك الذكور والاناث في المنسبين ، واختلاف

حكم المنتسب بالأب الو الام... 370

حكم مالو وقف علي جيرانه... 370

فروع خمسة... 371

حكم الوقف علي غير المحصور والذمي... 372

مسألة في الوقف علي المرتد عن غير فطرة... 373

مسألة في الوقف علي الحربي... 374

مسألة في شرطية التأبيد... 374

مسألة في حكم الوقف اذا انقرض الموقوف عليهم... 375

في حكم قبض الواقف علي أولاده الا صاغر... 375

في اللواحق

في حكم نفقة المملوك الموقوف... 377

مسألة فيما اذا جني العبد الموقوف... 378

فرع ، مسألة في الجنابة علي العبد الموقوف... 379

فروع خمسة... 380

فيما لو وقف عل أولاده... 381

فيمالو قال علي أولادي فاذا انقرضوا فعلي الفقراء... 382

تحقيق في جواز بيع الوقف مع الخلاف وخشية الخراب... 383

مسألة في ما إذا انقلعت نخلة من الوقف... 385

ص: 480

الموضوع / الصفحة

تنبيه فيما يصنع بثمن الوقف لو جاز بيعه... 385

في مالو وطأ الامة الموقوفة واحد من أرباب الوقف... 386

مباحثة بين الشهيد والسيد عميد الدين... 387

في العطية... 389

كتاب السكني والحبس

في ما تلزم به... 391

في البطلان بالبيع وعدمه... 392

في جواز البيع علي المحبس عليه والمعمر وعدمه... 393

كتاب الهبات

في الحقيقة

حكم مالو وهب ما في الذمة... 397

في اشتراط القبول في الابراء وعدمه... 398

في حكم الرجوع بالهبة بعد القبض... 398

في لزوم الهبة بالتصرف وعدمه... 399

في حكم رجوع الزوج في يهبه لزوجته والعكس... 400

فرع في انتقال حق الرجوع بالارث... 401

ص: 481

الموضوع / الصفحة

في حكم الهبات

حكم الضمان في مالو اشترط عليه الثواب ولم يثبه حتي تلفت أو عابت... 403

حكم الهبة إذ وهب في مرضه المخوف... 404

فرع في حكم الهدية... 404

كتاب السبق والرماية

في الالفاظ المستعملة فيه... 407

في عقد المسابقة

في افتقاره الي الايجاب والقبول وعدمه... 409

في اشتراط التساوي في الموقوف... 409

في اشتراط المبادرة والمحاطة... 410

في احكام النضال... 411

كتاب الوصايا

في الوصية

في الانتقال بالموت منفرداً عن القبول... 415

حكم مالو قبل قبل الوفاة وبعدها... 416

حكم مالو رد بعد الموت والقبول وقبل القبض... 416

ص: 482

الموضوع / الصفحة

في الموصي... 417

في الموصي به

في اعتبار إجازة الوارث بعد الوفاة... 419

لو أوصي بثلثه لواحد وبثلثه لآخر... 420

لو أوصي بعتق مماليكه... 421

لو أوصي بنصف ماله فأجاز الورثة ثم قالوا ظننا أنه قليل... 422

لو أوصي بجزء من ماله... 423

لو أوصي بوجوه فنسي الوصي وجهاً... 424

لو أوصي بسيف معين وهو في جفن... 425

تنبيه... 426

في صحة الوصية باخراج بعض الولد من التركه... 426

حكم مالو قال أعطوه كثيرا... 428

في الوصية بالمنافع مؤقتاً ومؤبداً وكيفية التقويم في الحالين... 428

فروع أربعة... 430

فيما تثبت به الوصية... 430

لو أشهد عبدين له علي حمل أمته منه... 431

لو أوصي بعتق عدد مخصوص من عبيده... 431

لو أوصي بعتق رقبة مؤمنة... 432

في جواز عتق المخالف عند تعذر المؤمن... 432

في تفسير الناصب... 433

ص: 483

الموضوع / الصفحة

في الموصي له

مسألة في الوصية للذمي... 435

مسألة في الوصية للحربي... 436

فيما يوصي به للمملوك... 436

مسألة فيما اذا أوصي بعتق عبده المستوعب وعليه دين... 437

مسألة فيما اذا انجز عتق المستوعب وعليه دين... 437

حكم الوصية لأم الولد والاعمام والاخوال... 438

حكم الوصية لذوي القرابة والقوم والجيران... 439

لو أوصي لانسان فمات قبل الموصي... 440

لو أوصي في سبيل اللّه... 440

في الاوصياء

في اعتبار العدالة... 441

حكم مالو مرض أحد الموصي اليهما أو عجز أو مات أو فسق... 441

فرعان... 442

مسألة في جواز استيفاء الوصي دينه مما في يده... 442

إذا اذن الموصي للوصي أن يوصي... 443

في جواز تولي المؤمنين وصاية من لا وصي له... 443

إذا أوصي بالنظر في حال ولده الي أجنبي وله أب... 444

في اعتبار الصفات في الوصي حال الموت والوصية... 444

في جواز أخذ أجرة المثل من مال اليتيم لمن يتولي أمواله... 445

ص: 484

الموضوع / الصفحة

في اللواحق

فيمن كان له زوجة وبنت وقال : مثل نصيب بنتي ، فأجاز الورثة... 447

فيمن كان له أربع زوجات وبنت فأوصي بمثل نصيب إحداهن... 448

فيمن أوصي لأجنبي بنصيب ولده... 448

لو أوصي لابنه القاتل... 449

لو أوصي بضعفي نصيب ولده... 449

لو أوصي للفقراء... 450

لو أوصي بدار فانهدمت... 450

لو قال : أعطوا زيدا والفقراء كذا... 450

في تصرفات المريض

في أن تصرفات المريض التبرعية تخرج من الثلث أو الاصل... 451

في بيان المرض المخوف... 451

اذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها... 452

لو أعتقها وقيمتها ثلث تركته ثم أصدقها الثلث الآخر ودخل ومات... 453

ص: 485

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.