غاية المرام في شرح شرائع الإسلام المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 576

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الأول

دارالهادي

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة التحقيق

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله الطاهرين المعصومين ، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.

أما بعد : فإنه لا يخفى فضل العلم والعلماء ، وقد ورد في الحثّ على طلبه وتعظيم أهله والدخول في زمرتهم الكثير من النصوص والآثار ، ومن جملتها ما يقضي بلزوم الأخذ عن المناهل العذبة والمنابع الصافية المتمثلة بعلماء الوحي والرسالة ، أولياء الأمر بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، الذين أمروا النّاس بالرجوع الى رواه حديثهم ، الفقهاء العارفين بالأحكام الذين مدادهم أفضل من دماء الشهداء.

وقد ورد على هذه المشارع مئات ، بل ألوف العلماء عبر العصور ، ممن قدّموا للدين والمذهب وللانسانية جليل الخدمات ، فكانوا قدوة ونبراسا يضي ء طريق اللاحقين بهم السائرين على هداهم من بعدهم.

ومع هذا فقد امتاز من بين هؤلاء جماعة أحرزت قصب السبق في هذا المضمار ، فكانوا ممن يضن الزمان بأمثالهم إلا على حين فترة.

ومن أولئك العظماء العلامة الفاضل المحقق المدقق الشيخ نجم الدين

ص: 5

جعفر بن الحسن الحلّي المعروف بالمحقق على الإطلاق والمحقق الحلي والمحقق الأول ، الذي كان له الأثر الكبير في تطوير علم الفقه وتهذيبه وتبويبه ، وقد أقرّ له بهذا كل من تأخر عنه ، ويبدو ذلك واضحا في آثاره التي يعد كتاب : «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» أهمها ، وقد حاز من الشهرة والرواج ما لم يتفق لكتاب في الفقه لا قبله ولا بعده ، وتداولته أيدي الطلبة والمدرسين منذ عهد مؤلّفه المتوفّى في سنة 676 ه إلى يومنا هذا. وقد وصف بأنه : (أفصح ما نهضت به إفهامهم ، وأنقح ما جرت فيه أقلامهم. قد ضمنه جميع أصول الأحكام ...).

وحسبنا ما قيل فيه انه : من أحسن المتون الفقهيّة ترتيبا ، وأجمعها للفروع ، وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه إلى الآن ، ولا يزال من الكتب الدراسية في عواصم العلم الشيعية ، وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة ، فجعلوا أبحاثهم وتدريساتهم فيه ، وشروحهم وحواشيهم عليه (1) انتهى. وقد تعدت تلك الشروح والحواشي المائة كما ذكر ذلك في الذريعة (2).

ويعد الموسوم منها ب- «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» أولها (3) ومن أهمها ، نظرا لمنزلة مؤلّفه العلمية ، وما يمثله في تلك الحقبة الزمنية ، وما احتواه هذا الكتاب من الفروع والتحقيقات والفوائد والتنبيهات.

ومن هنا وقع اختيارنا على هذا الكتاب لإخراجه بحلة تتناسب مع ما يمثله من قيمة علمية وتراثية ، مع تقديرنا للآثار الباقية لعلمائنا الأبرار رضوان اللّه تعالى عليهم ، وإحساسنا بضرورة إخراجها بما يتناسب مع أهميّتها والحاجة إليها.

ص: 6


1- انظر الذريعة 13 : 47.
2- المصدر : 48.
3- لاحظ الأعيان 10 : 133.

نبذة من حياة المؤلّف رحمه اللّه.

اسمه :

هو العالم الفاضل ، والحبر الكامل ، المحقق الفقيه والمدقق النبيه العلامة الأديب الشيخ الأجل مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني.

والده :

لم تشر كتب التراجم إلى شي ء من أحوال والده ، وقد اختلف في اسمه ، إذ منهم من ذكره بالتصغير ، والظاهر انه ليس في محله ، يعلم ذلك بمراجعة نهايات كتب المترجم (1).

ومنها أيضا يتبين اسم الجد ، وأنه ليس «راشدا» ، وانما هو كما أثبتناه «رشيد».

نسبته :

وهو صيمري نسبة الى «صيمر البصرة» على الأرجح ، لا إلى التي بين ديار

ص: 7


1- وسيأتي ذلك في ما نقلناه من الذريعة عن كتب المترجم ، وبالأخص جواهر الكلمات وكشف الالتباس ، انظر الذريعة للطهراني 5 : 279 ، 18 : 21.

الجبل وديار خوزستان (1) - وإن ظهر ذلك من قول البعض (2) - ولا إلى التي ادعي وجودها في البحرين ، كما نقله في أنوار البدرين عن بعض الثقات ، ونفى كون شيخنا المترجم منها ، مستشهدا بالبيتين الآتيين.

وقد انتقل شيخنا الصيمري إلى البحرين ، وسكن قرية سلم آباد ، ولم ينازع أحد في أنه سكن البحرين ، وقصيدته النونية - التي قالها بعد خروجه من البحرين - شاهدة على ذلك ، وفيها :

وما أسفى على البحرين لكن *** لاخوان بها لي مؤمنينا

دخلنا كارهين لها فلما *** ألفناها خرجنا كارهينا

وكان سبب خروجه من البحرين - كما يظهر من قصيدته هذه - هو تسلط بعض الولاة الظلمة وتعصبهم ، قال :

ألا من مبلغ الاخوان اني *** رضيت بسنة الفجار فينا

فافعل مثل «فعلان» وإني *** ك «جندب» للولاية قد نفينا

ثمَّ عاد إليها ثانية ، وبقي فيها حتى وفاته (3).

ولادته :

وأما تاريخ ولادته فلم يعلم بالتحديد ، وقد خلت عنه كتب التراجم التي تعرضت له.

ص: 8


1- راجع معجم البلدان 3 : 439 ، فقد ذكر الصيمرتين.
2- وترجيح صيمر البصرة لما نقله السيد محسن الأمين رحمه اللّه ، وما نقل عن الشيخ سليمان البحراني ، وكذا أحد مذهبي الآقا بزرگ في ذريعته ، وإن خالفه في الطبقات. لاحظ أعيان الشيعة 10 : 2. وأنوار البدرين 75 - 76 ، والذريعة 16 : 20 و 13 : 329 و 4 : 422 ، طبقات أعلام الشيعة (الضياء اللامع) : 138.
3- أنوار البدرين : 75 والأعيان 10 : 133.

نعم ذكر بعضهم انه توفي سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين ، وعمره ينيف على الثمانين (1) ، فيكون مولده ما يقرب من سنة ثمانمائة وثلاث وخمسين.

والظاهر أنه سهو ، إذ أن تاريخ الوفاة المذكور ومدة الحياة هو لولده الشيخ حسين ، كما أجمعت عليه المصادر ، فراجع (2).

مشايخه في القراءة والرواية :

لم تحدثنا المصادر عن شي ء يذكر من حياة شيخنا المترجم العلمية سوى أنه تلمّذ على يد العلامة الشيخ العابد جمال الناسكين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي رحمه اللّه المتوفى سنة ثمانمائة وإحدى وأربعين للهجرة (3).

وهو يروي عن أستاذه المذكور ، كما في إجازة السيد حسين بن السيد حيدر الكركي (4).

وأما تلامذته والراوون عنه :

فحالهم في هذا كحال مشايخه ، وقد تتلمذ على يده ولده الفاضل ، العالم العابد ، المحدث الشيخ حسين رحمه اللّه الذي وصف بأنه كان كثير التلاوة والصوم والصلاة والحج ، حسن الخلق ، واسع العلم ، له كتاب «المناسك الكبير» ، كثير

ص: 9


1- تنقيح المقال 3 : 244.
2- رسالة مشايخ الشيعة لتلميذ الشيخ حسين الصيمري التي نشرت في مجلة كلية الآداب - جامعة تبريز السنة 19 العدد الرابع ص 318. وأمل الآمل ٢ : ١٠٣ ورياض العلماء ٢ : ١٧٩. ورجال السيد بحر العلوم ٢ : ٣١٢ وتنقيح المقال ١ : ٣٤٥.
3- مصفى المقال : 461.
4- روضات الجنات 7 : 169.

الفوائد ، ورسائل أخرى ، توفي سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين للهجرة ، وعمره يزيد على الثمانين (1).

وفي رسالة «مشايخ الشيعة» قال : الشيخ الفاضل نصير الحق والملة والدين حسين بن مفلح بن حسن : ذو العلم الواسع والكرم الناصع ،. قد استفدت منه وعاشرته زمانا طويلا ينيف على الثلاثين سنة ، فرأيت منه خلقا حسنا وصبرا جميلا ، وما رأيت منه زلة فعلها ولا صغيرة أصر عليها فضلا عن الكبيرة ، وكان له فضائل ومكرمات ، كان يختم القرآن (في كل ليلة الاثنين ، والجمعة مرة ، وكان كثير) (2) النوافل الراتبة في اليوم والليلة ، وكثير الصوم.

ولقد حج مرارا متعددة ، تغمده اللّه بالرحمة والرضوان ، وأسكنه بحبوحة الجنان ، نفعنا اللّه به ، ومات بقرية سلم آباد [مسلم آباد] إحدى قرى البحرين ، مفتتح شهر محرّم الحرام من سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وعمره ينيف على الثمانين ، انتهى.

وللشيخ حسين هذا مؤلفات عديدة ، ذكرها تلميذه يحيى بن عشيرة البحراني ، وننقلها عن مجموعة مخطوطة في مكتبة ملك في طهران تحت رقم 2147 ، كلها بخط التلميذ (3) :

1 - نيات الحج والعمرة.

2 - المقدمات التسع في بيان وجوب القصر على رائدي مساجدي [كذا] ، وعدم جواز الجمع بين القصر والإتمام ، وذلك في فصلين.

ص: 10


1- أمل الآمل 2 : 103.
2- ما بين القوسين من الروضات.
3- نقلت ذلك مما استنسخه سماحة الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي حفظه اللّه من المجموعة.

3 - رسالة في المتعة ، في إثبات نكاح المتعة بالدليل وابطال قول المخالف فيها بالدليل.

4 - في الوقف والوصل في القرآن.

5 - رسالة في حد البلوغ.

6 - حرمة الفتوى والحكم لغير المجتهد الجامع للشرائط. قال ابن عشيرة :

أظنه له.

7 - معرفة الاحكام. قال : أظنه له.

8 - رسالة كشف الالتباس عن قلوب الناس في الإفتاء والاستفتاء والحكم لغير المجتهد ، ووجوب العمل بالنقل عن المجتهد الميت. قال : أظنه للشيخ حسين بن مفلح.

9 - رسالة في غسل الأواني من ولوغ الكلب.

هذا ولم يصرح باسم تلميذ آخر للشيخ مفلح. نعم جاء في الذريعة : إجازة الشيخ مفلح لبعض تلاميذه ، مختصرة ، كتبها له بخطه مع نسبه المذكور على ظهر كتاب القواعد ، الذي قرأه التلميذ عليه في مجالس ، آخرها أول جمادى الأولى سنة 873 (1).

وما ذكره بعضهم من أن المجاز هو ناصر بن إبراهيم البويهي فليس في محله ، لأن المذكور متوفى سنة 853 وتاريخ الإجازة بعد هذا ، فيدل على أنها لم تكتب له. وذكر في الضياء اللامع انه قد رأى تلك النسخة عند حفيد اليزدي (2).

وفاته :

لتاريخ وفاته نصيب من الغموض أيضا ، حيث أنه لم تذكر المصادر تاريخ

ص: 11


1- الذريعة 1 : 251 ، وذكرها في طبقات اعلام الشيعة (الضياء اللامع) : 137.
2- لاحظ طبقات اعلام الشيعة : 143.

الوفاة بالتحديد ، ولذا استقرب في الأعيان كون وفاته في حدود سنة تسعمائة للهجرة.

مدفنه :

وفي رسالة مشايخ الشيعة أنه مات في بلدة هرموز ، وكذا ذكر الميرزا الأفندي نقلا عن تحفة الاخوان (1) ، وتابعهم الشيخ الطهراني رحمه اللّه في الضياء اللامع (2). وذكر كحالة أنه توفي في بلدة جرموز (3).

وعن الشيخ سليمان البحراني : أن قبره بجنب ولده في قرية سلم آباد في البحرين وزرتهما مرة (4). ومن كل ذلك يتبين أن القول بوفاته في الحلة - كما ذكره البغدادي (5) - عار عن الصواب. نعم ذكر في الروضات : انه قدس سره قد سكن الحلة السيفية (6).

ذكره الخالد :

وبقي رحمه اللّه من الخالدين ذكرا ، اقتدى بالسلف الصالح من علماء الإمامية رضوان اللّه تعالى عليهم ، الذين بذلوا كل غال ونفيس لنصرة الدين وإعلاء كلمة الحق بل كان قدوة حسنة لمن جاء من بعده ، فكان يظهر علمه كلما ظهرت البدع امتثالا للحديث الشريف ، متصديا للمنحرفين والمبطلين والخارجين عن

ص: 12


1- رياض العلماء 5 : 215.
2- طبقات اعلام الشيعة : 137.
3- معجم المؤلفين 12 : 317. وقد احتمل بعض العلماء الأفاضل ان «هرموز» تصحيف «جرموز» باعتبار ان الأولى تكتب بغير الواو أي «هرمز» ، كما تحققه من المعاجم المختصة.
4- لاحظ أنوار البدرين : 76.
5- هدية العارفين 6 : 469.
6- روضات الجنات 7 : 170.

الدين ، فلله درّة وعليه أجره ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

فعلى هذا ليس غريبا أن يثني عليه كل من ذكره ممن تأخر عنه ، فحسبه ما قيل عنه : إنه من رؤساء الطائفة المحقة ، وفتاويه كثيرة منقولة مشهورة في كتب الأصحاب (1).

وانه من أجلّة فقهائنا (2) ، وله التصانيف الفائقة المليحة (3).

وهو من مشاهير العلماء ، شارح الشرائع بشرح مشهور (4) ، ووصفه تلميذ ولده - ابن عشيرة البحراني في رسالته «في معرفة مشايخ الشيعة» - ب : الشيخ الأجل مفلح. صاحب التحقيقات الباهرات ، صنف كتبا جمّة.

مؤلفاته :

له كتب متعددة جمع فيها علوما شتى ، وهي :

1 - إلزام النواصب ، وعدّه في رياض العلماء من تأليف ولده الشيخ حسين ، وهو مطبوع سنة 1303 ه ، وهو من كتب الإمامة ، وعدّه الشيخ الحر من الكتب التي لم يعلم مؤلفها ، وقال في كشف الحجب : ان بعض الناس نسبه الى السيد ابن طاوس ، ولكن صرّح الشيخ سليمان الماحوزي : بأنه للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري صاحب «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام (5)» ، وتبعه على ذلك غيره (6).

ص: 13


1- أنوار البدرين : 75.
2- تنقيح المقال 3 : 244.
3- لاحظ أنوار البدرين : 74 - 75 والأعيان 10 : 133.
4- رياض العلماء 2 : 178.
5- الذريعة 2 : 289 - 290 ، انظر فهرست آل بابويه وعلماء البحرين : 70.
6- لاحظ أنوار البدرين : 75.

2 - التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه (1) : وقد رآه صاحب الروضات ، وقال : إنه جمع فيه فتاويه [أي الصدوق] المخالفة للإجماع ، والمسائل المتروكات عند علمائنا المتأخرين ، والمرفوضات عند فقهائنا المتقدمين ، وقد اشتمل على مسائل معللات ينشرح لها الخاطر ، وغرائب ونكات يلتذ بها الناظر (2).

3 - جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات : وهي رسالة دالة على علمه وفضله واحتياطه ، كما وصفها الشيخ الحر (3) ، وعن الشيخ سليمان البحراني الماحوزي أنه قال في رسالته عن هذا الكتاب : مليح كثير المباحث غزير العلم ، وعنه أيضا : ان نسخة خط المؤلف كانت عندي ، فرغ منها في العاشر من جمادى الأولى سنة 870 ه ، وهو مرتب على مقدمة وبابين ، أولهما في العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، ورتبها في تسعة عشر كتابا. والباب الثاني في الإيقاعات ، رتبها في أحد عشر كتابا ، وكتب في آخره : قد فرغ من تعليقه مصنفه ومؤلفه الفقير الى اللّه الغني مفلح بن حسن بن رشيد الصيمري (4) ، ونسب للشهيد الثاني وقد نبه على خطأ هذه النسبة بعض أهل هذا الفن في مقدمته على منية المريد للشهيد الثاني فراجع (5).

4 - التبيينات في الإرث والتوريثات : رسالة في الفرائض والمواريث للشيخ مفلح. مرتب على ثلاثة أبواب وخاتمة (6) ، وذكره أيضا في الذريعة بعنوان :

ص: 14


1- الذريعة 4 : 438.
2- روضات الجنات 7 : 169.
3- أمل الآمل 2 : 324 ، انظر التعليقة للأفندي : 319 والمقابيس للتستري : 14.
4- الذريعة 5 : 279.
5- راجع مقدمة كتاب منية المريد ص 25 تحقيق الشيخ رضا مختاري.
6- الذريعة 3 : 335.

كتاب الفرائض (1).

5 - عقد الجمان في حوادث الزمان ، مختصر من تاريخ اليافعي «مرآة الجنان» : وهو من مصادر أعيان الشيعة ، استنسخه السيد الأمين العاملي رحمه اللّه في طهران (2).

6 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام وهو هذا الكتاب ، وسيأتي تفصيل الكلام حوله.

7 - كشف الالتباس عن موجز أبي العباس المشهور ب- «شرح الموجز» وهو متداول بين العلماء ، قال الشيخ الطهراني رحمه اللّه : اسم لشرح الموجز الحاوي للفتاوي ولتكاليف الناس ، تصنيف أبي العباس أحمد بن فهد الحلي. ، وهو شرح تمام ما برز من أصله ، يعني إلى آخر كتاب الزكاة رأيته. عناوينه : (قوله - أقول) ، وفي آخره صورة خط المؤلف بعنوان مفلح بن حسن الصيمري ، وانه فرغ من التأليف في 28 رمضان 878 (3).

وعن الشيخ سليمان الماحوزي في رسالة تاريخ البحرين : انه قد أظهر في هذا الشرح اليد البيضاء ، وقد قرأته كثيرا (4).

وكثيرا ما ينقل عن هذا الكتاب السيد العاملي صاحب مفتاح الكرامة في كتابه وينقل عنه أيضا الشيخ الأنصاري في طهارته وغيرهم.

8 - مختار الصحاح أو مختصر الصحاح ، ذكره صاحب رسالة مشايخ الشيعة.

ص: 15


1- الذريعة 16 : 148.
2- الذريعة 15 : 287 ، مصفى المقال : 416 ، نقلا عن رسالة مشايخ الشيعة لتلميذ ابن المؤلف.
3- الذريعة 18 : 21.
4- الذريعة 14 : 95.

9 - منتخب الخلاف أو تلخيص الخلاف : عن رسالة مشايخ الشيعة : ان المؤلف ذكر تصانيفه في إجازته بخطه لتلميذه على ظهر القواعد تاريخها 873 ، ومنها التلخيص ، وينقل عنه صاحب الجواهر في كتاب الذبائح وغيره (1) ، وكثيرا ما يحيل فيه الى غاية المرام.

وقد طبع الكتاب مؤخرا بعنوان : تلخيص الخلاف ، ينقل عنه الشيخ الأنصاري في مكاسبه.

10 - رسالة في تكفير ابن قرقور ، رجل من أعيان البحرين ، وارتداده بسبب تلاعبه بالشرع المقدس.

11 - ورسالة في الطواف (2).

12 - ديوان شعر في المناقب والمثالب والمراثي ذكره في الذريعة ، ثمَّ قال :

وهي ، مذكورة في الكتب والدفاتر ، دوّن أخيرا بعضها [العلامة الأديب الشاعر] الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي النجفي المتوفى سنة 1370 ه (3).

13 - القصائد المليحة ، نسبه الى المترجم في الذريعة (4). ويحتمل كونه الديوان السابق.

نماذج من شعره :

فمن مراثيه لأهل البيت عليهم السلام وذكر مثالب أعدائهم ، قوله :

أعدلك يا هذا الزمان محرم *** أم الجور مفروض عليك محتم

ص: 16


1- الذريعة 22 : 400 ، وج 4 : 422.
2- الذريعة 11 : 88 و - 155.
3- الذريعة 9 : 1089.
4- الذريعة 17 : 89.

أم أنت ملوم والجدود لئيمة *** فلم ترع إلا للذي هو ألوم

فشأنك تعظيم الأراذل دائما *** وعرنين أرباب الفصاحة ترغم

إلى ان يقول :

أزالوهم بالقهر عن ارث جدهم *** عنادا وما شاءوا أحلّوا وحرّموا

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع يوم الطف أدهى وأعظم

ولم أنس سبط المصطفى وهو ظامئ *** يذاد عن الماء المباح ويحرم

تموت عطاشا آل بيت محمّد *** ويشرب هذا الماء ترك وديلم

أهذا الذي أوصى به سيد الورى *** الم تسمعوا أم ليس في القوم مسلم

ثمَّ ينهي قصيدته بهذه الأبيات :

أيا سادتي يا آل بيت محمّد *** بكم مفلح مستعصم ملتزم

فأنتم له حصن منيع وجنته *** وعروته الوثقى بداريه أنتم

ألا فاقبلوا من عبدكم ما استطاعة *** فعبدكم عبد مقل ومعدم

وقد نقلها في «أدب الطف» عن منتخب الطريحي (1).

وله :

الى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** وحتام غيم الجور لا يتقشع

يقولون في أرض العراق مشعشع *** وهل بقعة إلا وفيها مشعشع

فلا فرق إلا عجزهم واقتداره *** وظلمهم فيما يطيقون أفظع

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع آل المصطفى حيث صرعوا

أيا سادتي يا آل بيت محمّد *** بكم مفلح مستعصم متمنع

وهي قصيدة طويلة اخترنا ما اختاره السيد محسن الأمين العاملي رحمه اللّه وقد نقلها في «أدب الطف» عن منتخب الطريحي أيضا (2).

ص: 17


1- أدب الطف 5 : 16.
2- أدب الطف 5 : 19.

حول الكتاب :

إن نسبة الكتاب إلى مؤلفه متفق عليها ، ولم يدع أحد وجود شرح للشرائع بهذا الاسم لغير الشيخ مفلح الصيمري ، وقد وردت تعاريف وشهادات بحق هذا الشرح تدل على قيمته العلمية وأهميته.

ويحسن الابتداء بتعريف مؤلفه الشارح من باب ان صاحب البيت أدرى بالذي فيه وان عبارته أوفى من غيرها في التعريف بالكتاب ، قال رحمه اللّه في مقدمة الشرح بعد إطرائه على كتاب الشرائع ومؤلفه :

فأحببت ان أعمل له شرحا كاشفا لتردداته ، مبينا لمبهمه ومشكلاته ، مبرزا لرموزه ونكاته ، لتزداد به رغبة الراغب ، وتعظم بإضافته إليه منفعة الطالب ، فاستخرت اللّه وعملت الكتاب ، راجيا من اللّه جزيل الثواب.

وسميته ب- «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» مقتصرا على إنشاء الترددات ، وإيضاح الخلافيات ، من غير إطناب في الأدلة والروايات ، مع إضافة ما يليق في الباب من الفروع والتنبيهات (1).

وفي خاتمة الكتاب ، قال :

وفضل هذا الكتاب على ما سواه أنه لم يسبق إلى مثل إيجاز لفظه وبسط معناه. ، يرجع عند الحاجة إليه ، ويعول في المهمات عليه ، لأنه اشتمل على تفصيل مجملات وإيضاح مشكلات ، وفتق مرتقات ، وفروع وتنبيهات ، لم تنهض بها المطولات ، وقصرت عنها المقصورات.

وقد نقل في الذريعة عن الشيخ سليمان الماحوزي أنه قال : قد أجاد في شرحه ، وطبق المفصل وبين الترددات ، وهو كبير في مجلدين.

ص: 18


1- راجع مقدمة المؤلّف في الكتاب.

وأضاف الطهراني رحمه اللّه : وهو شرح ب- (قال - أقول) على مواضع تحتاج إلى الشرح (1).

وفرق فيه بين الرطلين في الزكاتين ، وفاقا لأستاذه ابن فهد الحلّي رحمه اللّه (2).

وينقل عن هذا الكتاب جملة من الجهابذة والأعلام ، كالسيد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة والتستري في المقابيس ، والسيد الطباطبائي في رياض المسائل وهو شرحه الكبير على المختصر النافع ، والشيخ الأنصاري في كتبه الفقهيّة لا سيّما كتاب المكاسب ، وينقل آراءه الشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر في موسوعته الفقهيّة «جواهر الكلام».

هذا ما أحصيناه ، وبأنفسنا تتبعناه ، وهناك جملة أخرى من الاعلام لم يسعنا تتبع كتبهم.

كل هذا يشير إلى أهمّية الكتاب ، وما يؤديه من دور مهم في تبيين دقائق الفقه ونكاته ، وشرح آراء القدماء والوقوف على مقاصدهم. وإبراز الرأي الأصوب بنظره المستقل ، وإن استدعى ذلك مناقشة بعض الاعلام ورد رأيه.

قال بعض الأفاضل عن هذا الشرح :

ويمتاز هذا الكتاب بجمال الأسلوب وسلاسة العبارة وبكثرة الفروع والتنبيهات ، والإشارة إلى مختلف الأقوال والأدلة على اختصاره ، ويظهر منه قدرة صاحبه على البيان وقوته في البحث ودقته في التفريع ، وغوره في تحقيق الحقائق ، ونباهته في التنبيه على مطالب كادت أن لا تجتمع في مؤلف قبله ، وحسن سليقته في إرجاع الفروع إلى أصولها المقررة ، هذا كله مع أدب جم خصوصا مع أعاظم الطائفة كالشهيد والسيد العميدي.

ص: 19


1- الذريعة 16 : 20.
2- أنوار البدرين : 75.

وفي البال أن نضع مقالة حول الكتاب ومكانة مؤلفه العلمية نلحقها بأحد الأجزاء الآتية إن وفق اللّه لذلك ، انتهى.

نسخ الكتاب المعتمدة في التحقيق :

للكتاب نسخ كثيرة ، قد توفر لدينا ست منها ، وهي :

1 - النسخة المحفوظة في مكتبة آية اللّه العظمى السيد الگلپايگاني دام ظله ، ضمن مجموعة تحت رقم (33 - 129) ، وهي من أول كتاب النكاح إلى آخر الديات ، أي الجزء الثاني من الكتاب جاء في أولها كتب من نسخة كتبت عن خط ولد الشارح حسين بن مفلح ، كتبها بخطه مساعد بن بديع في يوم السبت 27 ربيع الأول في السنة الخامسة والسبعين والألف للهجرة ، كما جاء ذلك في خاتمتها ، ونرمز لها ب- «ي».

2 - نسخة أخرى في نفس المكتبة الآنفة الذكر تحت رقم (18 - 84) ، وهي من أول الكتاب إلى آخره ، كاملة في جزءين ، مجهولة الكاتب وتاريخ كتابة الجزء الأول - كما جاء في آخره - يوم الثلاثاء في شهر رمضان سنة ست وخمسين وتسعمائة ، وهي جيدة الخط ، عليها بعض التعاليق وترجمة لبعض الكلمات إلى الفارسية ، ونرمز لها ب- «ي 1».

3 - نسخة مكتبة جامعة طهران المركزية ، ورقمها (8215) ، كتبت في ربيع الأول سنة 966 على يد ضياء الدين علي بن الحسين بن المرتضى الحسيني ، وهي كاملة من الطهارة إلى الديات ، تمتاز بجودة الخط وندرة الأخطاء ، ونرمز لها ب- «ن».

4 - نسخة مكتبة المسجد الأعظم في قم ، تحت رقم (23) وهي كاملة من كتاب الطهارة إلى الديات ، تاريخ نسخها الأربعاء 7 شعبان سنة 1074 ه ، على يد طالب بن حاجي ربيع رديئة الخط مع وجود بعض الأخطاء فيها ، ونرمز لها ب- «م».

ص: 20

5 - نسخة المكتبة الرضوية في مدينة مشهد المقدسة ، تحت رقم (2790) مجهولة التاريخ والكاتب. وهي تامة في جزءين واضحة ونرمز لها ب- «ر 1».

6 - النسخة الأخرى في المكتبة المتقدمة الذكر ، تحت رقم (13123) تاريخ نسخها 7 ربيع الثاني سنة 1084 على يد عبد محمد بن الشيخ مساعد بن بديع. والموجود منها الجزء الأول فقط (من كتاب الطهارة إلى النكاح). وهي واضحة الخط ونرمز لها ب- «ر 2».

نهجنا في تحقيق الكتاب :

لقد تمت مقابلة الكتاب على النسخ المتقدمة الذكر ، وكل ما كان بينها من اختلاف نظرنا فيه ، فأثبتنا الراجح منه ، والباقي إن احتمل وجها من الصواب ذكرناه في الهامش مع الإشارة إلى نسخته ، وإلا أهملناه.

وقد اقتصرنا في التخريجات على مصادر الأدلة التي ذكرها الشارح رحمه اللّه ، من الآيات والروايات ، دون الأقوال ، سوى ما اضطربت فيه النسخ ، فأرجعناه الى مصدره ، بعد ترتيب العبارة كما ينبغي أن تكون.

وما نقله الشارح من الروايات عن المتقدمين ، ولم نجد لها ذكرا في المجاميع الروائية التي بأيدينا أرجعنا فيها إلى كتبهم.

وجرينا على ما تعارف عند المحققين من تقطيع النص وتوزيعه إلى فقر ، ثمَّ إلى جمل ، وحصر الآية بين قوسين منجمين ، والرواية بين أقواس عادية ، وكل زيادة اقتضاها السياق جعلناها بين معقوفتين الى غير ذلك من الأمور الفنية التي بمراعاتها يسهل الرجوع الى الكتاب ، والاستفادة منه على ما يرام.

وقد استخرجنا الروايات من كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي

ص: 21

رحمه اللّه ، وأرجعنا إليه - بالرغم من تقدم تأليف هذا الشرح عليه - لسهولة تناول كتاب الوسائل وسعة انتشاره الذي هو معول مجتهدي الشيعة من عصر مؤلفه الى اليوم ، وما ذاك إلا لحسن ترتيبه وتبويبه ، سيما انه قد طبع أخيرا أكثر من طبعة محققة وخصوصا المشار فيها الى المصادر الأصلية للروايات التي أخذ عنها صاحب هذا الشرح وصاحب الوسائل ، وذلك للتسهيل على المراجع ولتعميم الفائدة.

ص: 22

وفي الختام

لا يسعني إلا أن أنوّه بدور أخي العلّامة الشيخ رضوان شرارة العاملي دام حفظه الذي بذل جهدا مشكورا في تحقيق الكتاب.

وأقدّم جزيل شكري لأولئك الذين أتحفوني بإرشاداتهم الهامة التي كان لها فضل كبير في إخراج الكتاب وتيسير العمل فيه.

وأخص بالذكر منهم سماحة العلامة الجليل والمتتبع الخبير الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي حفظه اللّه الذي أعانني على معرفة وتحصيل نسخ الكتاب. وكذلك سماحة الأستاذ العلامة المحقق السيد محمد رضا الجلالي أطال اللّه بقاه ، إذ أفدت من مراجعته في ما أشكل أمره.

وأخيرا أسأل اللّه ان يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم إنه خير مسؤول وصلّى اللّه على محمد وعلى آله بيته الطاهرين.

جعفر بن الشيخ محمود الكوثراني

عفا اللّه عنهما

قم المشرفة 3 شوال 1413 ه-

ص: 23

ص: 24

الصورة

ص: 25

الصورة

ص: 26

الصورة

ص: 27

الصورة

ص: 28

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

الصورة

ص: 33

الصورة

ص: 34

الصورة

ص: 35

ص: 36

بسم اللّه الرحمن الرحيم

خطبة الكتاب

اشارة

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وأنعم علينا بالتكليف المؤدي إلى دار السلام ، التي يشارك (1) فيها الباري في الدوام ، أحمده حمد معترف بالإنعام ، وأشكره في حالتي العافية والأسقام ، وصلّى اللّه على محمد وآله الكرام ، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأيام ، والشهور والأعوام ، ما أضاء صبح ودجى حندس الظلام.

أما بعد : فان علم الفقه مما تمس الحاجة اليه وواجب (2) ، لتوقف تمام نظام النوع عليه ، وقد صنف فيه العلماء المتقدمون ، والسلف الماضون (عليهم رحمة اللّه ورضوانه) ، كتبا متعددة مطولات ، وأخرى متبددة مقتصرات ، ولم يتركوا شيئا مما يحتاج اليه من الفتوى والروايات ، فمن أفصح ما نهضت به إفهامهم ، وانقح ما جرت فيه أقلامهم ، كتاب «شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام» تصنيف الإمام الأكرم ، والفقيه الأعظم ، عين الأعيان ،

ص: 37


1- في «ر 1» و «ر 2» : تشارك.
2- في «م» و «ي 1» : واجب.

ونادرة الزمان ، قدوة المتقدمين ، وأفضل العلماء الراسخين ، نجم الملّة والحق والدين ، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي (قدّس اللّه نفسه الزكية وأفاض على تربته المراحم الربانية) ، قد ضمّنه جميع أصول الأحكام ، المشتهرة عن الأئمة الكرام ، مع إضافة الفروع اللطيفة ، والتحقيقات الشريفة ، بلفظ رائق حسن محرر ، يفوق على الجمان إذا تشطر ، فرغب فيه لتهذيبه الراغب ، واشتد عليه لفصاحته حرص الطالب ، حتى عمرت به المدارس ، ونصبت على تدريسه المجالس ، وهو مع شدة احتياج الناس اليه ، وعظم اكبابهم (1) عليه ، قد اشتمل على ترددات ، ومسائل خلافيات ، فربما تعسر على الطلبة تحقيقها ، فتعسفوا سلوك طريقها ، فأحببت أن اعمل له شرحا كاشفا (2) لتردداته ، ومبينا لمبهمه (3) ومشكلاته ، مبرزا لرموزه ونكاته لتزداد به رغبة الراغب ، وتعظم بإضافته إليه منفعة الطالب ، فاستخرت اللّه وعملت هذا الكتاب راجيا من اللّه جزيل الثواب. وسميته :

«غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» مقتصرا على إنشاء الترددات ، وإيضاح الخلافيات ، من غير اطناب في الأدلة والروايات ، لئلا يملّه الناظر ، مع إضافة ما يليق في الباب ، من الفروع والتنبيهات ، لينشرح له الخاطر.

هذا مع أنّي قصير الباع في هذه الصناعة ، قليل (4) ما يصحبني من البضاعة ، لكن إذا أمحلت البلاد ، رعي الهشيم ، وإذا تعذّرت (5) الموارد ، ورد

ص: 38


1- في «م» : اكتئابهم.
2- في «ي 1» : كافيا.
3- في «ي 1» : مبهماته.
4- في «ي 1» : وقليل.
5- في «م» وهامش «ي 1» : تعززت.

الآجن المقيم ، فأسأل اللّه : أن يلهمني فيه الصواب ، ويعصمني من الخلل والاضطراب ، وأن يجعله جنة واقية في المعاد ، ومنفعة باقية للعباد ، انه (1) الكريم الجواد ، يعطي السائل فوق المراد.

مقدمة

اعلم أن جميع ما ذكره المصنف في هذا الكتاب من :

الأشهر : أي من الروايات.

والأظهر : من فتاوي الأصحاب.

والأشبه : ما يدل عليه أصول المذهب ، من الأصول المسلّمة والإطلاقات المسلّمة (2).

والأنسب : مثله.

والتردد : ما احتمل الأمرين عنده.

والأحوط : بمعنى الأولوية والندب.

والأكثر : بمعنى أن القائل به أكثر.

والأصح : ما لا احتمال عنده فيه.

والأولى : هو ترجيح أحد قولين متكافئين في النقل بوجه ما.

وعلى قول : أراد به انه وجد قولا لبعض الفقهاء ولم يجد عليه دليلا.

وعلى قول مشهور : أراد ما وجده مشهورا بين العلماء ، ولم يجد عليه دليلا.

ص: 39


1- في «م» : وانه.
2- في «ن» : لم ترد جملة : (والإطلاقات المسلمة).

والتخريج : هو تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه ، إما لكون المسكوت عنه اولى بالحكم من المنطوق به (1) ، كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب ، ويسمى التنبيه بالأدنى على الأعلى ، أو لكونه مساويا في العلة ، كدلالة تحريم بيع التمر بالرطب على تحريم بيع الزبيب بالعنب ، لتشاركهما في العلة ، وهي النقص عند الجفاف ، ويسمى اتحاد طريق المسألتين.

ص: 40


1- من «ن».

كتاب الطّهارة

اشارة

ص: 41

ص: 42

في المياه

اشارة

قال رحمه اللّه : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم ، على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

أقول : اختلفت (1) عبارة الأصحاب في تعريف الطهارة ، قال الشيخ في النهاية : الطهارة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ، وأورد عليه ابن إدريس اعتراضا ، عكسا وطردا.

أما العكس : فوضوء الحائض ، إذ هو طهارة ، ولا يصدق عليه الحد ، وأما الطرد فغسل الثياب والبدن (2) من النجاسات ، فإنه (3) ليس بطهارة ، مع صدق اسم الحد عليه.

ص: 43


1- في «ي 1» : اختلفت.
2- في «م» : اليدين.
3- من «ن» ، وفي باقي النسخ.

وأجيب عن الأول : بالمنع من كونه طهارة ، لما رواه محمد بن مسلم ، عن ابي جعفر عليه السلام «قال : قلت : الحائض تتطهر يوم الجمعة ، وتذكر اللّه تعالى؟ قال : أمّا الطهر فلا ، ولكن تتوضأ وقت كل صلاة ، ثمَّ تستقبل القبلة وتذكر اللّه تعالى» (1). فقد نفى عنه اسم الطهارة.

وعن الثاني : بأنّه إزالة مانع ، فلا يدخل في الحد ، فالاعتراض ممنوع.

وقول المصنف : (اسم) : تنبيه على أن التعريف لفظي.

وقوله : (للوضوء أو الغسل أو التيمم) ليخرج ازالة النجاسات.

وقوله : (له تأثير في استباحة الصلاة) ليخرج وضوء الحائض ، ويدخل وضوء دائم الحدث.

وأورد عليه العلامة : الوضوء المجدد ، إذ هو الطهارة ، والمبيح للصلاة هو الوضوء السابق.

قال رحمه اللّه : ولا يطهر بإتمامه كرا على الأظهر.

أقول : اختلف علماؤنا في الماء القليل - وهو ما نقص عن الكر - إذا تنجس ثمَّ تمم كرا ، هل يطهر أم لا؟

قال السيد المرتضى ، وابن إدريس : يطهر ، لقوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» (2). ولأنه لو وقعت النجاسة بعد بلوغه كرا لم تؤثر فيه ، فكذا قبله إذا حصل البلوغ.

وقال الشيخ لا يطهر ، واختاره العلامة ، لأنه ماء محكوم بنجاسته شرعا ، فلا يرتفع إلا بدليل شرعي ، ولم يثبت ، ولأنه بتنجيسه صار في حكم

ص: 44


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 22 من أبواب الحيض ، حديث 3.
2- مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب الماء المطلق ، حديث 6.

النجاسة ، فإذا لاقى ماء تمم (1) به - وهو أقل من كر - انفعل.

وأجاب العلامة بالفرق بين وقوع النجاسة بعد إتمامه كرا ، وقبل الإتمام ، لأن في الحالة الأولى له قوة الدفع ، فلا يتحمل النجاسة ، وفي الثانية هو قابل للانفعال ، فاذا انفعل لم يبق له قوة دافعة للنجاسة فافترقا.

قال رحمه اللّه : والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الموضع الأول : في تقدير الكر :

وللأصحاب في معرفته (2) طريقان :

الأول : الوزن ، وفي كميته ثلاثة أوجه :

«أ» : رواية محمد بن ابي عمير عن بعض أصحابنا ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر ألف ومائتا رطل» (3). وهي مرسلة ، لكن عليها عمل الأصحاب.

«ب» : رواية عبد اللّه بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر من الماء نحو حبّي هذا» (4). وهي مرسلة أيضا ، وحملها الشيخ على كون الحب يسع (5) الكر.

«ج» : انه ست مائة رطل ، وهي (6) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي

ص: 45


1- في «ي 1» و «ن» : ما تمم.
2- في «ر 2» : تعريفه ، وفي «ي 1» : تقديره.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1 ، لكن بزيادة : (الذي لا ينجسه شي ء) صفة للماء في رواية الشيخ.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 10 من أبواب الماء المطلق ، حديث 7.
5- في «م» : مبلغ.
6- في «ي 1» و «م» و «ر 1» : (وفي). و «ر 2» : (في) ، وما أثبتناه من «ن».

عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر ست مائة رطل» (1).

قال الشيخ : ولم يعمل بهذه الرواية أحد من الأصحاب.

الثاني : المساحة : وفيه ثلاثة أوجه :

«أ» : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار.

«ب» : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته ، والمستند رواية إسماعيل بن جابر (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

«ج» : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذاك الكر» (3).

الموضع الثاني : في تفسير الرطل.

وفيه قولان :

أحدهما : أنه مدني مائة وخمسة وتسعون درهما ، وهو قول المرتضى ، ومحمد بن بابويه ، لأنه أحوط ، ولأن الأكثر يدخل تحته الأقل ، بخلاف العكس ، ولأن الأئمة عليهم السلام من أهل المدينة ، فاجابوا بالمعهود عندهم.

الثاني : أنه عراقي مائة وثلاثون درهما ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المتأخرون.

قال رحمه اللّه : ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران ، والحياض ، والأواني على الأظهر.

ص: 46


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المطلق ، حديث 2 و 3.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 6 بتفاوت يسير.

أقول : المشهور عند علمائنا ان بلوغ الكريّة يقتضي عدم الانفعال بدون التغير ، سواء كان في حوض أو آنية أو غدير ، وقال المفيد وسلار : تنجس الحياض والأواني ، سواء زاد عن الكر أو نقص ، لعموم النهي عن استعمال ماء الأواني مع نجاستها ، ويحمل (1) على الغالب ، من أن الآنية لا تسع الكر.

قال رحمه اللّه : وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه تردد ، والأظهر التنجيس.

أقول : للأصحاب هنا اختلاف ، قال الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط بنجاستها ووجوب النزح ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقال في التهذيب : لا ينجس ويجب النزح تعبّدا ، وقوّاه أبو العباس في المقتصر.

وقال ابن ابي عقيل : لا ينجس إلا بالتغيّر ويستحب النزح ، واختاره العلامة وابنه فخر الدين.

احتج الشيخ ومن وافقه على التنجيس بصحيحة علي بن يقطين ، عن ابي الحسن موسى عليه السلام قال : «سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة ، أو الكلب أو الهرة؟ فقال : يجزيك ان تنزح منها دلاء ، فان ذلك طهرها» (2) ، دلت هذه الرواية على حكمين :

الأول : نجاسة البئر لقوله [عليه السلام] : «ان ذلك طهرها» ، فلو كانت طاهرة لزم تحصيل الحاصل.

الثاني : وجوب النزح لقوله [عليه السلام] : «يجزيك» ، فإن الاجزاء لا يستعمل إلا في الوجوب ، والخلاف نشأ من تعارض الرّوايات (3) التي يطول بذكرها الكتاب.

ص: 47


1- في «ن» : فيحمل.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب الماء المطلق حديث 2 ، لكن ليس فيه : (والفأرة).
3- راجع الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 14 إلى الباب 23 من أبواب الماء المطلق.

قال رحمه اللّه : وأحد الدماء الثلاثة على قول مشهور.

أقول : قال الشيخ : دم الحيض والاستحاضة والنفاس يوجب نزح الجميع ، واختاره ابن إدريس ، قال العلامة : أما الشيخ فلم نظفر (له) (1) بحديث يدل على ما اختاره ، ويمكن ان يحتج له بأنه ماء محكوم بنجاسته ، ولم يرد فيه نص دالّ على تطهيره بقدر (2) معين (فيجب نزح الجميع) (3) ، وقال المفيد : ينزح لقليله خمس ولكثيره عشر ، ولم يفرق.

قال رحمه اللّه : وينزح منها خمسون إن وقعت فيها عذرة فذابت ، والمروي أربعون أو خمسون.

أقول : الرواية هي ما رواه الصدوق في كتابه عن ابي بصير ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «سالته عن العذرة تقع في البئر؟ قال : ينزح منها عشر دلاء ، فان ذابت فأربعون أو خمسون» (4) ، فالصّدوق تبع لفظ الرواية ، وجعل الأربعين على الاجزاء ، والخمسين على الأفضل ، والشيخ فصّل بين الرطبة واليابسة ، فجعل في الرطبة خمسين وفي اليابسة عشرا ، فخالف لفظ الرواية في شيئين :

الأول : الفرق بين الرطبة واليابسة ، ولعل وجهه عدم انفكاك الرطبة عن الميعان والتقطع بعد وقوعها في البئر والحكم بالخمسين معلق على ذلك.

الثاني : الجزم بوجوب الخمسين ، ولعل وجهه ترجيح جانب الأحوطية.

قال رحمه اللّه : وكثير الدم كذبح الشاة ، والمروي من ثلاثين إلى أربعين

ص: 48


1- لفظة (له) من المصدر.
2- في «ر 2» : بمقدر.
3- هذه الزيادة وردت في «ن» ، وكذا في المصدر ، راجع المختلف ص 6 المسألة الثالثة.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 20 من أبواب الماء المطلق حديث 2.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : «سألته عن رجل كان يستقي من بئر ماء فرعف هل يتوضأ منها؟ قال : يرمي منها دلاء يسيرة ، وسألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت في بئر ماء ، هل يتوضأ من ذلك البئر؟ قال : ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين دلوا ويتوضأ» (1).

قال رحمه اللّه : والمروي دلاء يسيرة.

أقول : هذا إشارة إلى رواية علي بن جعفر المتقدمة ، وأقل الدلاء اليسيرة عشرة ، لأن دلاء جمع كثرة ، وأقلّ جمع الكثرة عشرة ، لأن جمع القلة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، واختلفوا في الغاية هل تدخل في ذي الغاية أم لا؟ فعلى القول بدخولها يكون أكثر جمع القلة عشرة ، وأقل جمع الكثرة أحد عشر.

وعلى القول بعدم دخولها يكون أكثر جمع القلة تسعة وأقل جمع الكثرة عشرة ، فعلى القولين لا يجوز نقص جمع الكثرة عن عشرة ، والدلاء جمع كثرة فلا تنقص عن عشرة.

قال رحمه اللّه : اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفي تضاعفه مع المماثلة تردد.

أقول : البحث هنا في مقامين : الأول التضاعف مع المماثلة ، وقد تردد فيه المصنف ، من ان لكل نجاسة مقدرا شرعيا بحيث لو اتحدت لوجب ذلك المقدر قطعا ، فكذلك مع التكثر ، لان التداخل على خلاف الأصل ، فلا بد له من دليل شرعي.

ص: 49


1- مسائل علي بن جعفر ، المستدركات ، منزوحات البئر ص 203 رقم 432 ورقم 430 ، مع اختلافات لا تغير المعنى. ورواه في الوسائل ، الطهارة ب 21 من أبواب الماء المطلق حديث 1.

ومن أن كل جزء من أجزاء (1) هذه النجاسة المماثلة (2) لا يزيد حكمه على الجزء الآخر ، فالكثرة ليست معتبرة ، وإلّا لحصل الفرق بين جزء الحيوان وكله ، وبين صغيره وكبيره ، وإذا لم تعتبر الكثرة لم يتضاعف النزح مع الكثرة (3).

الثاني : التضاعف مع الاختلاف : وقد جزم به المصنف هنا ، لان مع اختلاف النجاسة تختلف اجزاؤها مع القوة والضعف فلا تداخل (4) ، (ولان لكل نجاسة مقدرا كما قلناه أولا فلا يتداخل) (5) ، ويحتمل دخول الأقل تحت الأكثر ، لاشتماله على الأقل وزيادة تقابل قوة تلك النجاسة التي وجب لها ذلك المقدر (6) فتصير كالمماثلة ، ومذهب العلامة في القواعد عدم تضاعف النزح مطلقا ، ومذهب الشهيد في دروسه التضاعف مطلقا.

قال رحمه اللّه : وإذا تغير أحد أوصاف الماء بالنجاسة ، قيل : ينزح حتى يزول التغير ، وقيل : ينزح ماؤها ، فإن تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال ، وهو الأولى.

أقول : القول الأول قول المفيد ، قال : ينزح حتى يزول التغير ، ولم يجعل نزح الجميع شرطا ، وهو مذهب ابن ابي عقيل أيضا ، واختاره العلامة في المختلف ، لما رواه الشيخ في الحسن ، عن أبي أسامة ، عن ابي عبد اللّه عليه

ص: 50


1- من «ن».
2- في «ي 1» : المتماثلة.
3- كما في «ر 2» و «ن» ، وفي الباقي : التكثير.
4- في «ن» : يتداخل.
5- ما بين القوسين من «ن».
6- من «ن» ، وباقي النسخ : القدر.

السّلام «في الفأرة والسنّور والدجاجة والطير والكلب؟ قال : فإن لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء يكفيك خمس دلاء ، فإن تغير الماء فحدّه حتى يذهب الريح» (1).

والثاني : قول علي بن بابويه ، قال : ينزح أجمع ، فإن تعذر تراوح عليه أربعة رجال يوما ، واختاره ابنه محمد بن بابويه ، وفصّل ابن إدريس فقال : إن كانت النجاسة منصوصة المقدر نزح ، فإن زال التغير ، وإلا نزح حتى يزول ، وإن لم تكن منصوصة المقدر نزح أجمع ، فإن تعذر تراوح عليها أربعة يوما ، فان زال التغير في أثناء اليوم أكمل النزح تمام اليوم (2) واجبا.

قال العلامة : وتفصيل ابن إدريس حسن على مذهبه ، لكنه لا دليل قويا عليه.

تنبيه : اختلف عبارة الأصحاب في تحديد اليوم ، وأحسنها ما قاله المصنف في المعتبر ، وهو من طلوع الفجر الى مغيب (3) الشمس ، ولا يجزي الليل ، ولا الملفق منه ومن النهار.

وهل يجزي النساء في النزح؟

استقرب الشهيد عدم الاجزاء ، ونقل أبو العباس عن المصنف الاجزاء ان اعتبر القوم ، وعدمه إن اعتبر الرجال.

وفيه نظر لقوله تعالى : ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب الماء المطلق ، حديث 7 ، وفي المصدر : (فخذ منه) بدل (فحده).
2- في غير «ن» : أكمل باليوم واجبا.
3- في «ن» وهامش «ي 1» : غروب ، وفي «ر 2» : مغرب.

مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ) (1) ، جعل القوم هم الرجال دون النساء ، وقال زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري *** أقوم آل حصن أم نساء (2)

جعل القوم الرجال دون النساء.

فروع :

الأول : لو نزح اثنان نزحا متواليا يوما ، احتمل عدم الإجزاء لمخالفة النص ، والاجزاء لحصول المقصود.

الثاني : لا ينجس جوانب البئر بما يصيبها من المنزوح.

الثالث : يحكم بالطهارة عند مفارقة آخر الدلاء (3) لوجه الماء.

الرابع : هل يغسل الدلو بعد النزح؟ قيل : لا ، لأنه لو كان نجسا لما سكت عنه الشارع ، ولان الاستحباب بالنزح يدل على طهارته ، والا لنجس البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها ، ومعنى قولنا الاستحباب بالنزح إشارة الى ما ورد من النزح المستحب من ثلاثين إلى أربعين ، وحمل الثلاثين على الاجزاء والأربعين على الاستحباب ، فلو وجب غسل الدلو بعد النزح كان منجسا للماء بعد الثلاثين بملاقاة الدلو قبل غسله ، فيكون بالزيادة محدثا لنجاسة البئر ، لا فاعلا مستحبا ، هذا خلف.

الخامس : لو جفّ البئر سقط النزح لتعلقه بالذاهب ، والمتجدد غيره.

السادس : بطهرها يطهر النازح.

ص: 52


1- الحجرات : 11.
2- ديوان زهير بن أبي سلمى 73.
3- في «ي 1» : الدلو.

السابع : لو تمعط الشعر فيها كفى غلبة الظن بخروجه وان كان شعر نجس العين ، ولو استمر خروجه استوعبت ، فان تعذر واستمر عطلت حتى يظن استحالته.

الثامن : لا يعتبر للمزيل للتغيّر دلو حيث لا مقدر له ، وهل يعتبر في المقدر؟ يحتمل ذلك ، لان تكرار الاستيفاء (1) واضطراب الأرشية في البئر ، ربما كان له مدخل في التطهير بتموج الماء واستهلاك النجاسة واستقرب العلامة في القواعد عدم الاعتبار لحصول المقصود ، وهو إخراج ذلك العدد.

التاسع : لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال له لم تؤثر وان احتمل سبقها.

العاشر : لو تغير ماء البئر المقارب للبالوعة تغيرا يحتمل استناده إليها ، وجب الاجتناب.

قال رحمه اللّه : ولا خبثا على الأظهر.

أقول : أجمع الأصحاب على المنع من استعمال الماء المضاف في رفع الحديث وإزالة الخبث الا ابن بابويه ، فإنه جوّز الوضوء وغسل الجناية بماء الورد.

والسيّد المرتضى جوّز ازالة الخبث في كل مائع.

قال رحمه اللّه : والماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر ، وما استعمل في الحدث الأكبر طاهر ، وهل يرفع به الحدث؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

أقول : منشأ التردد من ان المكلّف مكلف بالطهارة بالماء المتيقن طهارته المقطوع على استباحة الصلاة باستعماله ، والمستعمل في غسل الجنابة مشكوك فيه ، فلا يخرج باستعماله من العهدة ، وبه قال الشيخ ، والمفيد ، ومن انه ماء طاهر غير مضاف فلا مانع من جواز استعماله ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة.

ص: 53


1- من «ن» ، وفي البواقي : (استقاء) أو (استسقاء).

قال رحمه اللّه : وفي سؤر المسوخ تردّد ، والطهارة أظهر.

أقول : السؤر بالهمز ما فضل من ماء قليل بعد شرب حيوان ، وفي الحديث «إذا شربتم فاسأروا» (1) أي فضّلوا فضلة من الماء ، وقد اختلف في الأسئار على أربعة أقوال :

الأول : نجاسة سؤر كلّ ما لا يؤكل لحمه عدا الطيور ، وما لا يمكن التحرز منه في الحضر ، كالفأرة والهرّة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثاني : طهارة سؤر كل حيوان طاهر ونجاسة سؤر النجس ، وهو مذهب علم الهدى ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس.

الثالث : نجاسة سؤر الجلال والمسوخ ، وهو مذهب ابن ابي عقيل.

الرابع : نجاسة سؤر آكل الجيف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (2).

قال رحمه اللّه : وما لا يدركه الطرف من الدم لا ينجس الماء ، وقيل : ينجس ، وهو الأحوط.

أقول : بعدم التنجيس قال الشيخ في المبسوط ، لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه [عليه السلام] (3) ، وبالتنجيس قال ابن إدريس ، لأنه ماء قليل لاقته نجاسة ، وكل ماء قليل لاقته نجاسة فإنه ينجس ، واختاره العلامة وشيخنا أبو العباس.

وقوله : (لا يدركه الطرف) اي بعد وقوعه في الماء ، ولم يتميز لقلته ، مع إدراكه قبل وقوعه وتحقيق الوقوع ، وإلّا لم يتصور المسألة.

ص: 54


1- نهاية ابن الأثير 2 : 327 (سأر).
2- في «ن» بزيادة : والمبسوط.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 8 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض في قول ، والأشبه أنه لا ينقض.

أقول : قال الشيخ : إذا خرج البول والغائط من جرح وغيره ، فان خرجا من موضع في البدن دون المعدة نقض الوضوء ، وان كان فوق المعدة لم ينقض.

احتج على الأول بعموم قوله تعالى ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (1) وعلى الثاني - وهو عدم النقض إذا كان من فوق المعدة - بأنه لا يسمى غائطا ، واختار العلامة النقض إذا صار معتادا وعدمه مع عدمه ، ولم يفرق.

فروع :

الأول : لو اتفق المخرج من غير المعتاد خلقة نقض الطهارة بخروج الحدث إجماعا.

الثاني : لو خرج الريح من قبل المرأة نقض بأول مرّة ، لأن له منفذا إلى الجوف ، وكذا الأدرة.

الثالث : لو انسدّ الموضع المعتاد وانفتح غيره ، فحكمه حكم الفرع الأول.

الرابع : (لو لم ينسد الأول فإن ساواها (2) في العادة نقض ، والا فلا على مذهب العلامة.

الخامس) (3) : لو خرجت المقعدة خالية من العذرة لم ينقض ، ولو كانت

ص: 55


1- سورة النساء : 43.
2- كذا في النسخ.
3- ما بين القوسين من «ن».

ملطخة ثمَّ عادت ولم ينفصل منها شي ء احتمل النقض لصدق اسم الخروج ، وعدمه لعدم الانفصال.

قال رحمه اللّه : وكيفيتها أن ينوي الوجوب ، أو الندب والقربة ، وهل يجب فيه رفع الحدث ، أو استباحة شي ء مما يجب فيه الطهارة؟ الأظهر أنه لا يجب.

أقول : للأصحاب هنا خمسة أقوال :

الأول : الاكتفاء بنية القربة لا غير ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، فيقول : أتوضأ قربة الى اللّه ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ ) (1) ، فدل على وجوب نية القربة لا غير.

الثاني : اضافة الوجوب أو الندب إلى القربة ، وهو مذهب المصنف هنا فيقول : أتوضأ لوجوبه قربة الى اللّه ، لوجوب إيقاع الفعل على وجهه ، ولا يتم إلا بنية الوجوب أو الندب.

الثالث : ان يضم إلى القربة الاستباحة أو الرفع ، دون الوجوب أو الندب ، فيقول : أتوضأ لاستباحة الصلاة أو لرفع الحديث قربة الى اللّه ، وهو مذهب المرتضى والمصنف في المعتبر.

الرابع : الجمع بين الندب أو الوجوب ، والرفع أو الاستباحة ، فيقول : أتوضأ لرفع الحدث أو لاستباحة الصلاة ، لوجوبه أو ندبه قربة الى اللّه ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه والشهيد ، لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنما الأعمال بالنيّات» (2).

ص: 56


1- البينة : 5.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.

وانما اكتفى بالرفع عن الاستباحة وبالعكس ، لحصول الملازمة بينهما ، لأنه كلّما ارتفع الحدث جاز الدخول في الصلاة ، وكلما جاز الدخول في الصلاة ارتفع الحدث ، فكفى أحدهما عن الآخر.

الخامس : ضمّ الرفع والاستباحة معا الى الوجوب والقربة ، فيقول : أتوضأ لرفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه قربة الى اللّه ، وهو مذهب ابي الصلاح وقطب الدين الراوندي ومعين الدين المصري ، جمعا بين الأقوال ، ولان الاكتفاء بأحدهما استدلال بالملازمة والإتيان بهما استدلال بالمطابقة ، وهو يقين والأول ليس بيقين وأجيب بأن الملازمة اليقينية (1) يقين أيضا.

قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولو ضم المكلف الجميع ، واعتقد وجوب الضم أخطأ في اعتقاده وصحت الطهارة على القول بعدم وجوب الضم ، والمعتمد المذهب الرابع.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره ، وإذا نوى غيره لم يجزئ عنه ، وليس بشي ء.

أقول : إذا اجتمع على المكلف أغسال وأحدها غسل الجنابة ، قال الشيخ رحمه اللّه : إذا نواه أجزأ عن غيره ، لأنه يبيح الصلاة من غير وضوء ، وغيره يحتاج إلى وضوء ، فكان أكمل منه ، والناقص يدخل تحت الكامل ، وغيره لا يجزي عنه ، لعدم جواز العكس ، فلو كمل بالوضوء احتمل الإجزاء عن غسل الجنابة ، لمساواته له في كون كل منهما يبيح الصلاة ويرفع الحدث ، وفعل احد المتساويين يقوم مقام الآخر.

ويحتمل عدم الاجزاء لكون الجنابة مستمرة بعد الغسل ، والوضوء ليس له مدخل في رفع حدث الجنابة ، والكامل بنفسه أكمل من الكامل بغيره ،

ص: 57


1- في «ي 1» : البينة.

هذا إذا نوى رفع حدث المس مثلا ، أما إذا نوى استباحة الصلاة ولم يقصد رفع حدث الجنابة ولا حدث المس مثلا : فإنه يحتمل الإجزاء أيضا ، لأنه فعل فعلا يصلح لكل منهما ، ولقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «لكل امرئ ما نوى» (1) ، وقد نوى استباحة فعل الصلاة ، فيباح له فعلها.

ويحتمل عدم الاجزاء ، لأنه نوى ما يصلح لكل منهما ، وصرفه إلى أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، والأول أقوى.

تنبيه : لو اجتمع على من فرضه التيمم أغسال اجتزأ بتيمّمين ، أحدهما للغسل والأخر للوضوء ، سواء نوى الأقوى كالجنابة ، أو الأضعف كالحيض مثلا لبقاء حدثه بعد التيمم ، فلا يكفي في الأقوى تيمم واحد ، لان المتداخل هو الغسل خاصّة ، فلا يكفي عن طهارة أخرى ، لأصالة البقاء ، وعدم الخروج عن العهدة إلا بفعله.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يغسل من أعلى الوجه الى الذقن ، ولو غسل منكوسا لم يجزه على الأظهر.

أقول : عدم جواز النكس مذهب الشيخ وأكثر الأصحاب ، والجواز مذهب السيّد وابن إدريس ، ودليل الفريقين الروايات (2).

فرعان :

الأوّل : لا بد من غسل جزء من الرأس وجزء من أسفل الذقن ، لتوقف الواجب عليه.

الثاني : إذا أدخل يده تحت شعر اللحية وغسل بشرة لحيته لم يجز ، لأنها

ص: 58


1- لاحظ الهامش رقم (53).
2- مستند الأكثر : الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 15 من أبواب الوضوء ، حديث 6 وغيره ، ومستند المرتضى من الروايات الحديث 1 من باب 20 من المصدر السابق ، وليراجع المدارك 1 : 199 - 201.

إن كانت كثيفة فالغسل للظاهر ، وان كانت خفيفة فالغسل لهما معا ، فلا يجزي أحدهما.

قال رحمه اللّه : والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ويكره مدبرا على الأشبه.

أقول : الكراهة مذهب الشيخ في أكثر كتبه ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، لصدق امتثال الأمر بالمسح. والتحريم مذهب الشيخ في الخلاف ، والسيّد المرتضى ، لأنه مع النكس يكون منهيا عنه ، فلا يجزي.

وأجيب : بأن النهي يتناول غسل استقبال شعر اليدين ، وحمل الرأس عليه قياس.

قال رحمه اللّه : ويجب المسح على بشرة الرجلين ، ولا يجوز على حائل من خف وغيره الا لتقية أو لضرورة فإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول ، وقيل : لا تجب الا لحدث ، والأول أحوط.

أقول : إذا مسح على حائل لتقية أو لضرورة ، ثمَّ زال السبب ، هل يجب إعادة الطهارة أم لا؟ يحتمل بقاء الطهارة ، لأنها مشروعة ولم يتعقبها حدث ، وكل طهارة وقعت مشروعة لا ينقضها الا الحدث ، فيكون حكمها باقيا ، ويحتمل وجوب الإعادة ، لأنها طهارة شرعت لضرورة فتزول بزوال ما شرعت له.

فرعان :

الأوّل : إذا عاد السبب بعد زواله ، فإن كان قبل التمكن من الطهارة فلا إعادة ، وإلّا وجبت الإعادة وإن كان كالأول.

الثاني : إذا دارت التقية بين المسح على الخفين والغسل كان الغسل أولى.

قال رحمه اللّه : الموالاة واجبة ، وهي ان يغسل كل عضو قبل ان يجف

ص: 59

ما تقدمه ، وقيل : هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

أقول : لا خلاف في وجوب الموالاة ، وإنما الخلاف في تفسيرها على معنيين :

أحدهما : انها المتابعة ، وهو ان يغسل يده اليمنى عقيب غسل وجهه بلا فصل ، واليسرى عقيب اليمنى كذلك ، ويمسح برجليه عقيب مسح رأسه كذلك ، فإن أخّر بعض الافعال لا لعذر أثم ، فان جفّ السابق استأنف الوضوء ، وإلّا أتمّه ، وإن كان التأخير لعذر أو لانقطاع ما (1) ، جاز ولم يأثم ، هذا مذهب الشيخين رحمهما اللّه واختاره العلامة ، لقوله تعالى ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (2) والآية أمر ، فيوخّى (3) فيه بالفورية ، لأنه أحوط.

والآخر مراعاة الجفاف ، وهو اختيار ابن إدريس ، قال : يجوز تأخير اليد اليمنى عن الوجه ما دام الوجه رطبا ، ولا يجوز تأخيره حتى تجف رطوبته ، وكذا باقي الأعضاء.

وهو اختيار ابن حمزة ، واستقربه الشهيد ، لأن الأمر بالغسل ورد مطلقا ، والأصل براءة الذمة من وجوب المبادرة.

قال رحمه اللّه : وإذا زال العذر استأنف الطهارة على تردد.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة (4).

ص: 60


1- في «ن» : ماء.
2- آل عمران : 133.
3- من «ن» ، وباقي النسخ : فيقضى.
4- ص 59.

قال رحمه اللّه : من به السلس ، قيل : يتوضأ لكل صلاة ، وقيل : من به البطن إذا تجدد حدثه في الصلاة ، يتطهّر ويبني.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الذي به السلس ، قيل : يجب عليه الوضوء لكل صلاة ، ولا يجوز له أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والعلامة في كتبه ، لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (1) وهو عام خرج منه من لا حدث عليه ، يبقى الباقي على العموم ، ولأنّه أحوط. وقال في المبسوط : يجوز له ان يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد لأصالة براءة الذمة ، وحمله على المستحاضة قياس.

الثانية : المبطون الذي به البطن ، وهو الذرب ، قيل : يفعل كمن به السلس من تجديد الوضوء لكل صلاة ، لأن الغائط حدث ، فلا يستباح معه إلا الصلاة الواحدة لمكان الضرورة ، أما لو تلبس في الصلاة متطهرا ثمَّ فجأه الحدث ، قال الشيخ : يتطهر ويبني على صلاته ، لما رواه محمد بن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام قال : «صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني» (2).

قال العلامة والوجه عندي ان كان عذره دائما لا ينقطع فإنه يبني على صلاته من غير تجدد وضوء ، كصاحب السلس ، وان كان يتمكن من التحفظ بمقدار زمان الصلاة ، فإنه يتطهر ويستأنف الصلاة.

قال رحمه اللّه : ومن جدد وضوءه بنية الندب ثمَّ صلّى وذكر أنه أخلّ بعضو من أحد الطهارتين ، فإن اقتصرنا على نية القربة فالطهارة والصلاة

ص: 61


1- المائدة : 6.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 237 ، كتاب الطهارة ، باب صلاة المريض ، حديث 11. رواه في الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 19 من أبواب نواقض الوضوء ، حديث 2. باختلاف يسير.

صحيحتان ، وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما ، ولو صلّى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناء على الأول ، ولو أحدث عقيب طهارة ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، وكذا لو صلى بطهارة ثمَّ أحدث وجدّد طهارة أخرى وذكر أنه أخلّ بواحدة من احدى الطهارتين ، ولو صلى الخمس وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات ، أعاد ثلاثة فرائض ، ثلاثا واثنتين وأربعا ، وقيل : يعيد خمسا ، والأول أشبه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من توضأ وصلى الظهر ، ثمَّ جدد وضوءه بنية الندب ، ثمَّ ذكر أنه أخلّ بعضو من احدى الطهارتين بعد أن صلى العصر ، فان اكتفينا بنية القربة أعاد الظهر خاصة ، لأنّ العضو المتروك إن كان من الطهارة الأولى بطلت وصحت العصر بطهارته ، وإن كان من طهارة العصر صحت الصلاتان بالطهارة الأولى ، فالعصر صحيحة على التقديرين ، وإن أوجبنا نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة وجب عليه الصلاتان معا ، لأنّ الوضوء الثاني لم يحصل به رفع الحدث ولا استباحة الصلاة ، والأول مشكوك فيه فلم يبرأ من عهدة التكليف.

الثانية : لو توضأ وصلّى الظهر ، ثمَّ أحدث وتوضأ وصلّى العصر ، ثمَّ ذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارتين ، وأنه أوقع أحد الفرضين بغير طهارة واشتبه ، أعاد الصلاتين ان اختلفتا عددا ، وإلّا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، لأن إحداهما صحيحة بيقين ، وقيل : الصلاتين ، لأنه ما أدّى واحدة منهما بيقين.

ص: 62

الثالثة : لو توضأ لكل صلاة من الخمس وضوءا ، وذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارات ، توضأ وأعاد ثلاثا واثنتين وأربعا مطلقة ، ينوي بها ما في ذمته ، وقال الشيخ يعيد الخمس ، لأنّه ما أدّى إحداها بيقين.

ص: 63

ص: 64

في الجنابة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأظهر.

أقول : روى ابن بابويه (1) : عدم إيجاب الغسل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية لأصالة براءة الذمّة ، ولرواية أحمد بن محمد البرقي (2) ، والوجوب مذهب السيّد المرتضى ، والشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة وأبو العباس لقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (3) ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، قال : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل» (4) ، وللاحتياط.

تنبيه : حكم الدبر حكم القبل إلّا في أماكن :

ص: 65


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 47 باب 19 ، صفة غسل الجنابة ، حديث 185. أورده في الوسائل كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الجنابة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الجنابة ، حديث 2.
3- المائدة : 6.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب الجنابة ، حديث 1.

الأول : الإحصان فلا يثبت به.

الثاني : استنطاقها في النكاح ، لتعلق الحكم بالبكارة وهي باقية.

الثالث : عدم التحليل به.

الرابع : عدم الفئة من المولى.

الخامس : إجبار الزوج على الوطء بعد الأربعة ، ولا يكفي لو كان يطأ في الدبر.

السادس : لو حلف أن لا يطأها في الدبر ، لم يكن إيلاءا.

قال رحمه اللّه : لو وطء غلاما فأوقبه ، قال المرتضى : يجب الغسل معولا على الإجماع المركب ولم يثبت.

أقول : الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، قال : المرتضى :

يجب به الغسل ، واختاره المصنف (1) والعلامة ، لأنه أولج في فرج مشتهى طبعا ، وللإجماع المركب ، لان كل قائل بوجوبه في دبر المرأة ، قائل بوجوبه في دبر الغلام.

قوله : (ولم يثبت) أي لم يثبت الإجماع لوجود المخالف في دبر المرأة ، فيثبت الخلاف في دبر الغلام.

ولا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغسل.

فروع :

الأول : إذا أولج في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغسل ، وإن أولج في قبله لم يجب ، لجواز كونه رجلا فيكون ذلك عضوا زائدا فلا

ص: 66


1- كلمة : (المصنف) ليست في «ن».

يجب الغسل الا مع الإنزال ، فيكون (1) كالتفخيذ ، وقيل : يجب لقوله عليه السلام : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (2) ، والمعتمد الأول.

الثاني : إذا أولج الخنثى في فرج امرأة ، فلا شي ء عليهما ، لجواز كونه زائدا على الأول.

الثالث : إذا أولج الصبي أو وطئات الصبية ، هل يتعلق بهما حكم الجنابة؟ قيل : نعم ، بمعنى أنه يمنع من المساجد ، ومس كتابة القرآن والصلاة تطوّعا ، إلّا مع الغسل ، واكتفى به العلامة عند البلوغ ، والأحوط الإعادة.

الرابع : لو أولج مقطوع الحشفة ، وجب الغسل إن غيّب الباقي ، أو بقدر الحشفة.

الخامس : لا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الغسل مع الإنزال ، فلو احتلمت ، أو حصل لها بمباشرة يدها أو عبث الزوج تلذذ وفتور ، وجب الغسل إن خرج المني ، ولا يكفي انتقاله من الترائب ما لم يخرج إلى ظاهر الفرج كالرجل ، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة ، «قالت : يا رسول اللّه ، إن اللّه لا يستحي من الحق ، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء» (3).

قال رحمه اللّه : إذا غسل بعض أعضائه ثمَّ أحدث قيل : يعيد الغسل من رأس ، وقيل : يقتصر على إتمام الغسل ، وقيل : يتمه ويتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

ص: 67


1- في «ر 1» : لأنه.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب الجنابة ، حديث 2.
3- مستدرك الوسائل 1 : 454 ، باب 4 من أبواب الجنابة ، حديث 5.

أقول : الإعادة من رأس قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لان الحدث الأصغر ناقض للطهارة فلأبعاضها اولى ، وإذا انتقض ما فعله وجب اعادة الغسل ، وهو المعتمد.

والاقتصار على الإتمام مذهب ابن إدريس ، لأن الحدث الأصغر لا يوجب الغسل إجماعا ، فلا معنى لإيجاب الإعادة.

والإتمام مع الوضوء قول السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لان الحدث الأصغر لو حصل بعد إتمام الطهارة لأوجب الوضوء ، فكذا قبل إتمامها ، فلا وجه للإعادة.

تنبيه : هذا إذا كان غسل الجنابة ، فإذا كان غيره وحصل الحدث في أثنائه لم يلتفت ، فان كان قد قدم الوضوء أعاده بعد إكمال الغسل ، وان لم يكن قدمه لم يكن لحصول الحدث في الأثناء أثر ، إذ لا بد من الوضوء بعد الغسل ، ويحرم قبل الوضوء مشروطه خاصة كالصلاة والطواف الواجب ، ويجوز قبله وقبل غسل المس ما ليس مشروطا بالوضوء ، كالصوم ودخول المساجد وقراءة العزائم والطواف المندوب ، والغسل المندوب لا يبطل بتخلل الحدث ولا تقدمه ولا تعقبه إذا كان للزمان ، وان كان للمكان بطل بتخلله وتعقبه دون تقدمه ، وكذا ما كان للفعل.

ولو اجتمعت أغسال مندوبة فإن نوى الجميع كفى غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه ، قاله صاحب التذكرة.

ص: 68

في الحيض

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.

أقول : قال الشيخ إذا اشتبه الحيض بدم القرح أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ، فإن كان خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان خارجا من الأيسر فهو دم حيض ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقال ابن الجنيد : دم الحيض أسود غليظ تعلوه حمرة تخرج من الجانب الأيمن وتحسّ المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق تعلوه صفرة من الجانب الأيسر ، وقد روى الشيخ عن محمد بن يحيى رفعه ، عن أبان بن مالك ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها ، والدم سائل ، لا تدري من دم القرحة أم دم الحيض؟ قال : مرها فلتستلقي على ظهرها ، وترفع بطنها وتستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» (1).

ص: 69


1- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 16 من أبواب الحيض ، حديث 2 وفيه تفاوت : في الوسائل : (فرجها) (فرجها) بدل (جوفها) وبدل (سائل) في بعض النسخ «يتسايل» ، وفي الوسائل : (ثمَّ ترفع رجلها) بدل (بطنها) ، هذا مع تقديم الجانب الأيسر على الجانب الأيمن بالذكر ، ومتن الحديث المذكور مطابق لما رواه الكليني دون ما رواه الشيخ. لاحظ تعليقة صاحب الوسائل في المقام.

قال رحمه اللّه : وهل يشرط التوالي في الثلاثة أو يكفي كونها في جملة العشرة؟ الأظهر الأول.

أقول : أقلّ الحيض ثلاثة أيام بلياليها متتالية بحيث لا يخلو من الفرج في آن من آنات الثلاثة ، وان قلّ تارة وكثر اخرى ، هذا مذهب الشيخ في الجمل وابني بابويه وابن إدريس ، لأن الصلاة ثابتة في الذمة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا بيقين السبب المسقط ، ولا يقين مع عدم التتالي.

وقال في النهاية : لا يشترط بل يكفى كونها في جملة عشرة ، واحتج برواية يونس (1).

فرع : لو خرج الدم من غير الرحم في أدوار الحيض بشرائطه مع انسداد الرحم كان حيضا ، كما حكي أن امرأة في زمان الشهيد كان يخرج الدم في أيام حيضها من فيها.

قال رحمه اللّه : وقيل في غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين سنة.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلّامة في أكثر كتبه ، وفي النهاية (2) حدّه بخمسين مطلقا.

قال رحمه اللّه : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا ، وفي المبتدأة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.

أقول : ترك العبادة برؤية الدم مذهب الشيخ واختاره العلامة في

ص: 70


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الحيض ، حديث 2.
2- المراد : نهاية الشيخ الطوسي رحمه اللّه.

المختلف ، لرواية معاوية بن عمار الصحيحة (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ورواية حفص بن البختري (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا ، واشترط العلامة كون الدم جامعا لصفات الحيض.

وعدم الترك إلّا بعد تجاوز الثلاثة مذهب السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، للاحتياط للعبادة ، ولأن الأصل عدم الحيض.

قال رحمه اللّه : وتسجد لو تلت السجدة ، وكذا إن استمعت على الأظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب السجود على قارئ العزائم ومستمعها ، والاستحباب للسامع ، سواء في ذلك الطاهر والجنب والطاهرة والحائض ، لورود الأمر بالسجود مطلقا ، ولصحيحة علي بن رئاب (3) ، عن ابي عبيدة الحذّاء.

ومنع في النهاية من سجود الحائض ، لقوله عليه السلام : «لا صلاة إلا بطهارة» (4) ، والسجدة جزء ، ولرواية عبد الرحمن (5) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل ، فإن وطئ عالما عامدا وجبت عليه الكفارة ، وقيل : لا تجب ، والأول أحوط.

ص: 71


1- تراجع الرواية ، فإنها لا تدل على المدعى (الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب الحيض حديث 1) ، وراجع المختلف ص 37 المسألة 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب الحيض ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 36 من أبواب الحيض ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 1 وحديث 2.
5- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 1 وحديث 2.

أقول : للشيخ هنا قولان :

أحدهما الاستحباب ، قاله في النهاية واختاره العلامة وأبو العباس ، لأصالة البراءة ، ولأن شغل الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وقال في الجمل بالوجوب ، وهو مذهب السيّد المرتضى ، واختاره ابن إدريس ، للاحتياط ، ولهم عليه روايات (2).

فروع :

الأول : إذا وطئ الحائض مستحلا كفر ، وغير المستحل يفسق ويعزر.

الثاني : إذا أخبرته بالحيض فان كانت ثقة ، وجب عليه الامتناع ، لوجوب قبول قولها ، لقوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (3) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول ، كما في الشهادة ، وإن كانت متهمة بمنع حقه لم يجب حينئذ الامتناع ما لم يتحقق.

الثالث : لا كفارة على المرأة وان غرته لعدم النص على ذلك.

الرابع : الخلاف في وجوب الكفارة في الوطئ في النفاس ، كالخلاف في الحيض ، لان دم النفاس هو دم الحيض ، وانما احتبس مدة الحمل ، لانصرافه الى غذاء الولد ، فاذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان يجري الدم فيه الى الولد ، خرج الدم من الفرج كالحيض.

قال رحمه اللّه : ولو تكرر منه الوطئ في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم

ص: 72


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 29 من أبواب الحيض ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 28 من أبواب الحيض ، حديث 4 ، وتلاحظ بقية أحاديث الباب.
3- البقرة : 228.

تتكرر ، وقيل : تتكرر ، والأول أقوى.

أقول : لو كرر الوطئ في الحيض عامدا عالما ، قال الشيخ في المبسوط :

لا نص لأصحابنا فيه بمعين ، وعموم الأخبار يقتضي ان عليه بكل (1) دفعة كفارة ، ثمَّ قال : ولو قلنا انها لا تتكرر ، لأنه لا دليل عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، كان قويا ، ونحوه قال ابن إدريس ، واختار العلامة عدم التكرار ، إلّا أن تختلف الأوقات كأوّله وأوسطه وآخره ، أمّا التكرار مع التغاير ، فلأنّهما فعلان مختلفان في الحكم ، فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات على الأفعال المختلفة.

فرع : لا يكفي القيمة في كفارة وطي الحائض ولا دينار قيمته أقل من عشرة دراهم شرعية ، وكذا في النصف والربع ، فلا بد ان يكون قيمة النصف نصف العشرة ، والربع ربعها.

ومحلها الفقير المؤمن ، ولا بأس ان يشتريه من الفقير بعد الإخراج عليه من غير شرط لا معه ، ولا يكفي الإخراج حينئذ وإن ترك شراءه لوقوعه فاسدا ولا يملكه الفقير ان علم الفساد ، ويرجع عليه به وان تلف في يده لتصرفه تصرفا غير مشروع ، ومع عدم علمه بالفساد يرجع مع بقاء العين ، لا مع تلفها.

ص: 73


1- في «ن» : لكل.

ص: 74

في الاستحاضة

قال رحمه اللّه : أو يكون مع الحمل على الأظهر.

قال : الدم الذي تراه الحامل هل يكون حيضا أو استحاضة؟ قيل : يكون حيضا ، وهو مذهب محمد بن بابويه والسيّد المرتضى والعلامة ، وبه قال أبو العباس ، ودليلهم الروايات (1).

وقال المفيد ، وابن إدريس : يكون استحاضة واختاره المصنف ، لرواية السكوني (2) ، وقال في الخلاف : انها تحيض قبل ان يستبين حملها ، فاذا استبان لا تحيض.

قال رحمه اللّه : فالمبتدأة ترجع الى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط ان يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ، فإن كان لونا واحدا أو لم يحصل فيه شريطتا التمييز رجعت الى عادة نسائها. إلى آخره.

ص: 75


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 30 من أبواب الحيض.
2- المصدر السابق ، حديث 12.

أقول : المبتدأة إذا تجاوز دمها العشرة عملت على التمييز إن حصل ، وحكمها في الدور الأول ترك العبادة بعد مضي ثلاثة أيام إلى تمام العشرة ، فإذا تجاوز اعتبرت التمييز فيما مضى من العشرة ، فما كان منها بصفة الحيض قضت صومه خاصّة ، وقضت الصوم والصّلاة فيما عداه.

وشروط التمييز اختلاف لون الدم ، وأن لا ينقص ما بصفة الحيض عن ثلاثة أيام ولا يزيد عن عشرة ، وأن لا ينقص ما بصفة الاستحاضة منه عن عشرة ، ومع فقد التمييز ترجع إلى عادة نسائها ، كأمّها وعمّتها وخالتها ، ومع فقدهنّ أو اختلافهنّ ترجع إلى عادة أسنانها من أهل بلدها ، وتقضي صوم عادة نسائها أو أسنانها من تلك العشرة والصوم والصلاة فيما عدا ذلك ، ومع فقد الأنساب والأقران (1) ترجع إلى الرّوايات (2) ، فاذا جاء الدور الثاني عملت على التمييز أو عادة النساء أو الأقران أو الروايات في ظرف العشرة ، قاله (3) الشهيد ، وتتعبد فيما عدا ذلك.

واختلف الأصحاب في حكم الراجعة إلى الروايات ، قال الشيخ في المبسوط : تترك الصوم والصلاة ثلاثة أيام في الشهر الأول ، وعشرة في الثاني ، أو في كل شهر سبعة أيام ، لأن في ذلك روايتين لا ترجيح لإحداهما على الأخرى ، وله فيه قول آخر ، وهو أن تجعل عشرة أيام حيضا ، وعشرة أيام طهرا دائما ، وقال ابن بابويه : أكثر جلوسها عشرة في كل شهر ، وإليه أشار المصنف بقوله : (وقيل : عشرة) ، وقال ابن الجنيد : إذا دام عليها الدم تركت العبادة إلى عشرة أيام وعملت عمل المستحاضة ، وتترك الصلاة في كل شهر

ص: 76


1- في «م» : الأقربين.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 8 من أبواب الحيض.
3- في «ن» : قال.

ثلاثة أيّام وتصلي سبعة وعشرين يوما ، وتقضي من شهر رمضان عشرة أيّام ، من غير العشر الذي أفطرت فيه ثلاثة أيّام ، وإليه أشار بقوله : (وقيل : ثلاثة أيّام) ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وذات العادة تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمييز ، قيل : تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل : تتخير ، والأول أظهر.

أقول : إذا اتفق العادة والتمييز فلا كلام ، وانما البحث إذا رأت زمان العادة بصفة الاستحاضة ، وفي غير ذلك الزمان بصفة الحيض ، وتجاوز المجموع العشرة ، قال الشيخ في الجمل : ترجع إلى العادة ، وهو مذهب السيّد ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال في النهاية : ترجع الى التمييز ، والقول بالتخيير لم أعلم قائله (2).

تنبيه : حكم التمييز جعل القوي حيضا والضعيف استحاضة ، والقوة تعتبر بثلاثة أشياء :

الأول : اللون ، فالأسود أقوى من الأحمر والأحمر أقوى من الأشقر ، والأشقر أقوى من الأصفر ، والأصفر أقوى من الكدر.

الثاني : الرائحة ، فالمنتن أقوى من غير المنتن.

الثالث : الثخن ، فالثخين أقوى من الرقيق.

فلو اتصف أحدهما بصفتين ، والآخر بصفة فذو الصفتين أقوى ، وذو الثلاث أقوى منه.

ص: 77


1- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 8 من أبواب الحيض.
2- القائل به ابن حمزة في الوسيلة : 60.

قال رحمه اللّه : والمضطربة العادة ترجع الى التمييز فتعمل عليه ، ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد ثلاثة أيام على الأظهر.

أقول : الخلاف في المضطربة كالخلاف في المبتدأة ، وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : الأولى : لو ذكرت العدد ونسيت الوقت ، قيل : تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه ، وتقضي صوم عادتها.

أقول : إذا قالت : كان حيضي عشرة من الشهر ، وهي إحدى العشرات وما صرت أعلمها ، هل هي الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ قال الشيخ : هذه ليس لها حيض بيقين ولا طهر بيقين ، فتجعل زمانها زمان الطهر ، فتصلي من أول الشهر إلى آخره بعد ان تفعل فعل المستحاضة ، وتغتسل في آخر كل عشرة لاحتمال انقطاع دم الحيض فيه ، وقال العلامة : تتحيّض بقدر أيام عادتها فتتخيّر بالتخصيص ، واختاره الشهيد (1).

هذا إذا علمت انحصاره في إحدى العشرات.

أما إذا قالت : كنت أحيض في كل شهر عشرة أيام ، ولا أعلم مكانها منه ، فهذه أيضا ليس لها حيض بيقين ، ولا طهر بيقين ، فعلى ما اختاره الشيخ تفعل ما تفعله المستحاضة لكل صلاة في العشر الأول ، ثمَّ تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلا إذا كانت تعلم أنها تطهر في وقت معلوم فتغتسل في كل يوم في ذلك الوقت وتفعل فعل المستحاضة ومنقطعة الحيض في العشرين الأخيرين ، وفي العشرة الأولى فعل الحائض والمستحاضة.

والفرق بين عالمة انحصاره في إحدى العشرات وغيرها : أن العالمة

ص: 78


1- في «ي 1» : (وان منع الزوج) بدل : (واختاره الشهيد).

قطعت على أن ابتداء حيضها من أول إحدى العشرات ، فوجب عليها الغسل في آخر كل عشر ، اما غير العالمة بانحصاره في إحدى العشرات ، لم تعلم أول حيضها ، فجاز أن يكون الأول أو الثاني ، أو الثالث ، وهكذا ، وإنما أوجبنا عليها الغسل عند كل صلاة بعد العشر الأولى ، لجواز انقطاع حيضها عند ذلك ، فهذا فرق بينهما.

ص: 79

ص: 80

في النفاس

قال رحمه اللّه : وأكثر النفاس عشرة على الأظهر.

أقول : إذا تعدى دم النفاس عشرة فللأصحاب فيه أقوال : والمحصل منها : إن كانت ذات عادة رجعت إليها ، وان كانت مبتدأة أو مضطربة كان نفاسها عشرة أيام ، لأن النفاس حيضة حبسها الاحتياج إلى تغذية الولد ، فاذا وضعته انطلقت ، وأقصى مدة الحيض عشرة ، فيكون كذلك لما تبين من أنه دم الحيض ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، وقال في المختلف أقصاه ثمانية عشر يوما ، مستدلا بصحيحة محمد بن مسلم (1) ، عن ابي جعفر عليه السلام. والسيد المرتضى ومحمد بن بابويه جعلاه عشرة مطلقا للمعتادة وغيرها.

تنبيه : التوأمان نفسان إن تخلل بينهما طهر كامل ، بان تطهر بعد نفاسها من الأول عشرة أيام ، ثمَّ تضع الثاني وترى الدم ، فإنه نفاس على حدته ، وإن كان بينهما أقل من ذلك فهو نفاس واحد ، لكن مبتدأة من وضع

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب النفاس ، حديث 15.

الأول ، واحتساب العشرة من وضع الأخير وإن تعدد ، وكذلك حكم خروج الأعضاء متعاقبة.

وهي بين التوأمين حامل تشارك الحوامل في النذر والوصية لهن ، والوقف عليهنّ ، وتطلّق من غير استبراء.

والنفساء كالحائض ، إلّا في أماكن :

الأول : في الأقل.

الثاني : في عدم العمل على التمييز.

الثالث : في تخلل النقاء ، بمعنى أن لا يشترط أن يكون بين دمي النفاس أقل الطهر ، فإنه لو رأت دم النفاس ثمَّ انقطع أقل من عشرة ، ثمَّ وضعت آخر ورأت الدم ، وتعدى الدمان (1) العشرة ، فالدمان وما بينهما نفاس ، ولو اتفق ذلك للحائض ، بأن ترى الدم أيام عادتها ، ثمَّ ينقطع أقل من عشرة ثمَّ ترى الدم أيضا وعبر الجميع العشرة فالثاني يكون استحاضة.

الرابع : إبطاله لما قبله من الحيض ، بمعنى أن النفاس اللاحق للحيض قبل أقل الطهر ، فإنه يبطله ويتبيّن انه كان استحاضة ، والدم المتعقب للنفاس قبل أقل الطهر لا يبطل النفاس ، بل يكون الزائد على العشرة استحاضة.

الخامس : عدم الخروج به من العدة ، بل الخروج بوضع الولد ، إلّا أن تكون حاملا من زنا فالخروج بالدم لا بوضع الولد ، فتحسب الدم حيضة وتخرج به إن كان ثالثا ، وإلّا أكملته بحيضة أو حيضتين.

السادس : عدم رجوع المبتدأة به إلى نسائها مع عبوره العشرة ، بل تجعله عشرة.

ص: 82


1- في «ن» و «ر 2» : الزمان.

السابع : عدم رجوع المعتادة إلى عادتها فيه ، بل إلى عادتها في الحيض.

الثامن : ثبوت الحكم له مع مجاوزة العشرة ، كما لو رأت دم النفاس في الأول عشرة ، ثمَّ وضعت الثاني قبل مضي عشرة أخرى ، فهي نفساء في الجميع إجماعا.

ص: 83

ص: 84

في أحكام الأموات

قال رحمه اللّه : وهو فرض كفاية ، وقيل : هو مستحب.

أقول : وجوب التوجيه هو مذهب المفيد وابن إدريس ، واختاره الشهيد وأبو العبّاس ، والاستحباب مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأصالة البراءة ، ودليل الوجوب الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء ، دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة. وكذا المرأة ، وروي أنهم يغسلون وجهها ويديها.

أقول : هذه الرواية نقلها الشيخ بإسناده الى المفضل بن عمر ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس لها فيهم محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ، ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب اللّه تعالى عليه التيمم ، ولا تمس ولا يكشف لها شي ء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها ، فقلت : كيف يصنع بها؟ قال : يغسل

ص: 85


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 35 من أبواب الاحتضار.

باطن كفيها ، ثمَّ يغسل وجهها ، ثمَّ يغسل ظهر كفيها» (1).

قال رحمه اللّه : وأقل ما يكفي في الماء من السدر أقل ما يقع عليه من الاسم ، وقيل مقدار سبع ورقات.

أقول : المشهور بين الأصحاب الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه الاسم من السدر لحصول الامتثال به ، والأصل براءة الذمة عما زاد ، وقيل : مقدار سبع ورقات ، وقد وردت به رواية (2) ضعيفة السّند ، وعمل الأصحاب بضدها ، لأن التقدير أمر شرعي ، فيتوقف على النص ، ولم يثبت.

تنبيه : لا ينبغي وضع السدر صحيحا ، بل مطحونا ، لأنّ المراد به التنظيف ، والتنظيف إنما هو بالمطحون ، ولو طرحه صحيحا أجزأ.

قال رحمه اللّه : وفي الوضوء تردّد ، والأشبه أنه لا يجب.

أقول : منشأ التردد من عموم قوله عليه السلام : «كل غسل يفتقر الى الوضوء إلّا غسل الجنابة» (3) ، وهذا غسل ، فيفتقر إلى الوضوء ، ومن أنّ افتقار الأغسال إلى الوضوء لأجل استباحة الصلاة ، لا لأنه تمام الغسل ، والميت لا صلاة عليه.

فكلام أبي الصلاح يشعر بوجوب الوضوء ، لأنه قال حين عد الأغسال الواجبة : وغسل الميت وجه وجوبه مصلحة الحي وتكرمة الميت ، وصفته أن يبدأ الغاسل فينحّي الميت ثمَّ يوضيه وضوء الصلاة ، وقال الشيخ في المبسوط : وقد روي ان يوضي الميت قبل غسله (4) ، فمن عمل بها كان جائزا ، غير

ص: 86


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 22 من أبواب غسل الميت ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب غسل الميت ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 35 من أبواب الجنابة ، حديث 1 وحديث 2 بتفاوت يسير.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب غسل الميت.

ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك ، لأن غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة (1).

قال ابن إدريس : وإذا كان الشيخ قال في مبسوطه : غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لم يجز العمل بالرواية ، لأن العامل بها يكون مخالفا للطائفة (2).

ومذهب المصنف في المختصر الاستحباب ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو عدم السدر والكافور غسل بماء القراح ، وقيل :

لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها ، وفيه تردّد.

أقول : منشأ التردد من أن غسل الميت ثلاث : الاولى : بماء السدر ، والثانية : بماء الكافور ، والثالثة : بماء القراح ، فيكون مطلق الغسلات واجبا متصفا بهذه الصفة ، ولا يلزم من تعذر الصفة سقوط الموصوف عن الذمة ، ومن أن المأمور به هو الغسل بماء السدر وماء الكافور وماء القراح ، وقد تعذر فيسقط التكليف بذلك النوع من الغسل ، والقول بعدم السقوط قول ابن إدريس.

تنبيه : يكفي في غسل الميت نيّة واحدة عند الغسلة الأولى ، بأن يقول : (أغسل هذا الميّت لوجوبه قربة الى اللّه) ، ولا يجب ذكر السّدر والكافور ، ويكتفى بها في غسلتي الكافور والقراح ، لأن غسل الميّت في الحقيقة غسل واحد ، والغسلات الثلاث كيفية لذلك الغسل الواحد ، لا أنها أغسال متعددة ، ولهذا لما عدّوا الأغسال الواجبة جعلوها ستة أغسال ، أحدها غسل الأموات.

ص: 87


1- المبسوط 1 : 179.
2- السرائر 1 : 159 بتفاوت.

قال رحمه اللّه : ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأول أولى.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : إذا أصاب كفن الميت نجاسة قرض الموضع بالمقراض ، وقال ابنا بابويه وابن إدريس : يقرض إن وضع في القبر ، وإلّا غسلت ، لأنّه قبل وضعه في القبر يمكن غسله ، فيكون أولى من قرضه ، لوجوب حفظ الكفن.

قال رحمه اللّه : الشهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : الشهيد يدفن بثيابه ولم يغسل ، ويدفن معه جميع ما عليه ممّا أصابه الدم الا الخفين ، وقد روي أنهما إذا أصابهما الدم دفنا معه ، وقال المفيد : يدفن بثيابه التي قتل فيها وينزع عنه من جملتها السراويل ، الا ان يكون أصابها دم ، فلا تنزع عنه وتدفن معه ، وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة ، وان أصابهما دم دفنا معه ، وينزع عنه الخف على كل حال.

فرع : لا يجوز التكفين في الجلود ، لأنها تنزع عن الشهيد مع انه يدفن بجميع ما عليه (1) ، وقال الشهيد في البيان : يجوز التكفين فيه مع عدم غيره.

ص: 88


1- في «ن» بزيادة : (فلا يناسب تكفين غيره بها).

في الأغسال المندوبة

قال رحمه اللّه : واما الأغسال المندوبة ، فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا.

أقول : هذه الأغسال التي عددها من المشهور (1) بين الأصحاب ، وهناك أغسال أخر غير التي عددها وليست بالمشهورة ولم يذكرها هنا ، وذلك مثل ما ورد من استحباب الغسل في كل ليلة وتر من رمضان ، ومن استحباب الغسل عند قتل الوزغ ، ويوم نيروز الفرس.

قال رحمه اللّه : وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر.

أقول : اختلف علماؤنا في وجوب الغسل على قاضي صلاة الكسوف والخسوف إذا تركها متعمدا مع احتراق القرص كله ، قال أبو الصلاح وسلار بوجوبه ، لرواية محمد بن مسلم (2) ، وقال المفيد : انه مستحب ، واختاره

ص: 89


1- في «ي 1» : هي المشهورة.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة ، حديث 11.

ابن إدريس والمتأخرون ، لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليه السلام : «من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (1) ، ولم يجب الغسل عند فوتها ، فلا يجب عند قضائها.

قال رحمه اللّه : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب. وقيل : إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نية القربة ، والأول أولى.

أقول : الأغسال المندوبة لا تتداخل لاختلاف أسبابها ، وقال في التذكرة : فإن نوى الجميع كفاه غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه.

وإن جامعها واجب ، قال الشيخ : اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأ عنهما ، والمشهور خلافه ، لأن غسل الجمعة مستحب ، وغسل الجنابة واجب ، ولا بد من نية الوجه في كل منهما ، فإن نوى الوجوب عن الجنابة والجمعة لم يجزه ، لأنه يكون قد نوى الواجب فيما ليس بواجب ، فيكون قبيحا فلا يتقرب به الى اللّه تعالى ، وان نوى الندب لم يقع غسل الجنابة على وجهه ، وان نواهما معا كان الفعل الواحد قد نوى به الوجوب والندب معا ، وهما ضدان فلا يقع عنهما ولا عن أحدهما ، لأنه ترجيح من غير مرجّح.

ص: 90


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب قضاء الصلوات. والنص الذي ذكره الشارح (رحمه اللّه) مطابق لما في عوالي اللئالي 2 : 54.

في الطهارة الترابية

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : إذا تيمّم قبل الطلب مع تمكنه منه لم يعتد بذلك التيمم ، قال العلامة : وهذا الكلام مع إطلاقه مشكل ، وتقرير البحث أن نقول : إذا تيمم قبل تضيق الوقت بطل لعدم الشرط ، وهو تضيق الوقت ، وان تيمم في آخر الوقت ولم يكن قد طلب مع تمكنه منه ، ففي بطلان تيممه نظر : من ان صحته مشروطة بعدم الوجدان المشروط بالطلب ، والمشروط بالمشروط بالشي ء مشروط بذلك الشي ء ، فيكون التيمم مشروطا بالطلب ، ولم يوجد الشرط فينتفي المشروط.

ومن أنه مأمور بالصلاة ، وبدون فعلها لا يخرج عن العهدة ، وفعلها مشروط بالتيمم ، لتعذر الماء عليه حينئذ ، والطلب قد أسقط عنه لضيق الوقت ، ومع امتثال الأمر يخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة.

فروع :

الأول : لو وجد الماء بعد فراغه في رحله أو عند أصحابه الباذلين له

ص: 91

وجبت الإعادة ، بمعنى القضاء ، ولو طلب ووجده بعد الفراغ ، لم يجب الإعادة.

الثاني : تجوز النيابة في الطلب ، لأن الاعتماد على الظن وهو يحصل بقول الثقة.

الثالث : لو ظن وجود الماء في أزيد من النصاب وجب الطلب.

الرابع : الطلب انما يكون بعد دخول الوقت ، لأنه قبل دخول الوقت غير مأمور بالصلاة ، ولا بتحصيل شي ء من شرائطها ، فلو طلب قبل دخول الوقت وأفاده العلم بعدم الماء اكتفى به على الأقرب ، وإلّا وجب اعادة الطلب في الوقت.

قال رحمه اللّه : ولا يصحّ التيمم قبل دخول الوقت ويصح مع تضيّقه ، وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

أقول : منشؤه أن شرط صحة التيمم فقدان الماء في الوقت ، وانما يتحقّق مع فقده في جميع أجزاء الوقت ، فيجب التأخير حتى يضيق ، ومن ان الأفضل الإتيان بالصلاة في أول وقتها ، والتيمم طهارة شرعية فيسوغ عند إرادتها في الوضوء والغسل ، لعطفه عليه في الآية (1) ، والعطف يقتضي التسوية. وقال ابن الجنيد والعلامة في القواعد : إن كان العذر يرجى زواله وجب التأخير ، وإن كان لا يرجى زواله جاز التيمم في أول الوقت ، لعدم فائدة التأخير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل باستيعاب مسح الوجه والذراعين ، والأول أظهر.

ص: 92


1- النساء : 43 ، والمائدة : 6.

أقول : القائل بذلك عليّ بن بابويه رحمه اللّه ، محتجا برواية سماعة (1) ، ولأنه تعالى بيّن في الغسل الوجه واليدين وأحال في التيمم عليه (2) ، ولأن طهارة الماء أكمل ، وقد وجب فيها الاستيعاب ، ففي الأنقص أولى.

والمشهور بين الأصحاب وجوب مسح الجبهة ، وحدّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجب ، وظاهر الكفين من المعصم إلى أطراف الأصابع ، والدليل صحيحة زرارة (3) عن الباقر عليه السلام وأجابوا عن حجة ابن بابويه بمنع سند رواية سماعة ، وبالمنع من احالة التيمم على الغسل ، لحصول الفاصل وهو الباء الدالة على التبعيض ، وبمنع مساواة الأنقص الأكمل في الفعل ، لأن ذلك غير لائق ، بل اللائق نقصه في الفعل أيضا.

قال رحمه اللّه : ويجزيه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه ، ولا بد من ضربتين ، وقيل : في الكل ضربتان ، وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل ، أظهر.

أقول : حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :

أولها : التفصيل وهو الاكتفاء بضربة واحدة إن كان التيمم بدلا من الوضوء ، وان كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ، واحدة للوجه وأخرى لليدين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، ولهم عليه روايات (4).

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 13 من أبواب التيمم ، حديث 3.
2- المائدة : 6.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب التيمم ، حديث 9 ، ولزرارة روايات أخر في الباب.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب التيمم ، وباب 12.

وثانيها : وجوب الضربتين مطلقا ، سواء كان بدلا من الوضوء أو الغسل ، وهو قول علي بن بابويه ، لصحيحة زرارة (1) عن ابي جعفر عليه السلام.

وثالثها : الاكتفاء بضربة واحدة مطلقا أيضا ، وهو مذهب السيّد المرتضى رحمه اللّه ، لصحيحة زرارة (2) عن الباقر عليه السلام ، ولا يتوهم أحد أنها هي دليل ابن بابويه في وجوب الضربتين ، بل هي مغايرة لها.

في أحكامه

قال رحمه اللّه : من صلى بتيممه لا يعيد ، سواء كان في سفر أو حضر ، وقيل فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء : يتيمم ويصلي ثمَّ يعيد ، وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك ، وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : فيمن تعمد الجنابة ، قال الشيخ : يتيمم مع خوف التلف ويصلي ، فإذا وجد الماء اغتسل وأعاد ، محتجا برواية جعفر بن بشير (3) ، عن عبد اللّه بن سنان ، أو غيره ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

وقال المفيد بعدم جواز التيمم وإن خاف على نفسه ، ويلزمه بطلان الصلاة ، وعدم الاعتداد بها ، لرواية علي بن أحمد (4) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ص: 94


1- راجع نفس المتقدم.
2- راجع نفس المتقدم.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 14 من أبواب التيمم ، حديث 6. وليراجع التهذيب 1 : 96.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب التيمم ، حديث 1.

وقال ابن إدريس : بصحة التيمم والصلاة ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ، ولما رواه ابن بابويه ، يرفعه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ان فلانا أصابته جنابة ...» (2) إلى آخر الرواية ، ولأنه فعل المأمور به شرعا فيخرج به من العهدة.

الثانية : من منعه زحام الجمعة ، ولم يتمكن من الخروج بسببه ، فتيمم وصلّى في المسجد ، هل تصح هذه الصلاة ويخرج بها من العهدة ، أو يجب قضاؤها؟ قولان : أحدهما الصحة ، لأنه امتثل المأمور به شرعا فيخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، والآخر الإعادة عند وجود الماء ، قاله الشيخ رحمه اللّه ، لرواية السكوني (3) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام.

الثالثة : إذا كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، ويعلم البحث فيها مما تقدم.

فرع : قال العلامة في التذكرة : لو جامع المسافر ومعه ما يغسل به الفرج ، غسله وتيمم وصلى ، ولا إعادة إجماعا ، ولو فقد ، تيمم وصلّى ولا إعادة على رأي.

قال رحمه اللّه : من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس ، قيل : يصلي ويعيد ، وقيل : يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضى ، وقيل : يسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.

ص: 95


1- الحج : 78.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب التيمم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 15 من أبواب التيمم ، حديث 1.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط قال من كان محبوسا بالقيد أو الرباط ، أو مصلوبا على خشبة أو في موضع نجس لا يقدر على طاهر يسجد عليه ولا يتيمم به ، فإنه إما أن يؤخرها أو يصلي وعليه الإعادة ، لأنه صلى بلا طهارة ولا تيمم.

الثاني : قول السيّد المرتضى في المسائل الناصرية ، قال : ليس لأصحابنا فيه نص صريح ويقوى في نفسي أن من لم يجد ماء ولا ترابا أن الصلاة لا تجب عليه ، وإذا تمكن من الماء أو التراب قضى الصلاة ان كان الوقت قد خرج ، واستدل بقوله عليه السلام : «لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور» (1) ، والطهور هو الماء عند وجوده ، والتراب عند فقده وقد عدمهما جميعا ، فوجب أن لا يكون له صلاة.

قال العلامة : وما قواه السيّد قوي ، وما استدل به سديد في موضعه ، واستشكل في وجوب القضاء ، لان وجوبه تابع لوجوب الأداء (ولا يتحقق وجوب الأداء) (2) ، فلا يجب القضاء.

الثالث : سقوط الفرض أداء وقضاء ، وهذا القول نقله المصنف عن بعض علمائنا ، قال العلامة : ولا بأس به.

والمعتمد ان فاقد الطهورين يجب ان يذكر اللّه تعالى بقدر زمان صلاته ، فإن لم يفعل وجب القضاء ، وهو مذهب المفيد في رسالته الى ولده ، ونقله العلامة في مختلفة (3) ، وابن فهد في مهذبه ، وجزم به في موجزه.

ص: 96


1- مستدرك الوسائل 1 : 288 باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 8.
2- ما بين القوسين من «ي 1». وهو في عبارة المختلف : 53.
3- المختلف : 149 ، والمهذب البارع 1 : 457 ، ولم نعثر على رسالة المفيد.

قال رحمه اللّه : إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وان وجده وهو في الصلاة ، قيل :

يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب وهو الأظهر.

أقول : القول الأول - وهو الرجوع ما لم يركع - قول الشيخ في النهاية ، ومحمد بن بابويه ، لرواية عبد اللّه بن عاصم (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

والقول الثاني - وهو عدم الرجوع ، ولو تلبس بتكبيرة الإحرام - هو قول السيّد المرتضى وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا ، فيجب الإتمام ، ويحرم إبطاله.

قال رحمه اللّه : وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له ، أو مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب ، وقيل : يختص به الميت ، وفي ذلك تردد.

أقول : التحقيق في هذه المسألة : أنّ الماء الذي لا يكفي غير واحد مع اجتماع ميت ومحدث وجنب ، إما أن يكون مملوكا لواحد فهو لمالكه ، أو مباحا فهو لمن حازه ولا بحث حينئذ ، وإن كان مبذولا ، أو منذورا ، أو موقوفا أو موصى به للأحوج ، أو مملوكا للجميع ، احتجنا إلى تمييز الأحوج ، فيختص به على سبيل الاستحباب إن كان غير مقيد بالأحوج ، فالقول باختصاص الجنب هو قول الشيخ ، لرواية (2) وردت عن الكاظم عليه السلام ، ولأن الجنب متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميت قد سقط عنه الفرض بالموت.

وقال ابن إدريس باختصاص الميّت ، لأنّ المقصود من غسل الميت

ص: 97


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 21 من أبواب التيمم ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 18 ، حديث 1.

تنظيفه وهو لا يحصل بالتيمم ، ولأنّه خاتمة عمله فينبغي أن تكون طهارته كاملة (1).

وتردد المصنف لعدم ترجيح أحد الدليلين عنده.

فروع :

الأول : لو تغلب المرجوح مع وجوب التخصيص أثم ولم يجزأه الطهارة به ، ومع استحباب التخصيص أساء وأجزأه الطهارة به.

الثاني : لو اجتمع حائض وجنب كان الجنب أولى ، لأنّ الرجل أولى بالكمال من المرأة ، ويحتمل أولوية الحائض ، لأنّها تقضي حق اللّه تعالى وحق زوجها في إباحة الوطئ.

الثالث : لو اجتمع من على ثوبه أو بدنه نجاسة مع جنب أو ميت ، كان مزيل النجاسة أولى ، وإن كانت على الميت وقلنا بتقديم الجنب عليه ، كان إزالتها عن الميت اولى.

الرابع : يقدم العطشان على الجميع.

الخامس : لو لم يكف من خصّه الشارع به صرف الى الآخر ، فان قصر عن الجميع تعيّن للجنب ليصرفه في بعض أعضائه ، ويتوقع للباقي ، لعدم وجوب الموالاة في الغسل ، فان تعذر الإكمال تيمم.

ص: 98


1- في «ن» بزيادة : والحي يرجع الى الماء فيغتسل.

في النجاسات

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي رجيع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد ، وكذا في ذرق الدجاج غير الجلال ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : في رجيع ما لا نفس له سائلة ، ومنشأ التردد عموم الأخبار الدالة على نجاسة رجيع ما لا يؤكل لحمه (1) ، فيدخل ما لا نفس له في العموم ، ومن لزوم الحرج بنجاسته فإنه مما يشق بالاحتراز عنه ، والمشهور بين الأصحاب طهارته.

الثانية : ذرق الدجاج غير الجلّال ، وبنجاسته قال الشيخان ، لرواية محمد بن أحمد بن يحيى (2) ، وبطهارته قال محمد بن بابويه ، وتابعه

ص: 99


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب النجاسات ، حديث 3.

معظم (1) الأصحاب لرواية زرارة (2) ، وأصالة الطهارة ، وكونه مما يشق التحرز منه.

قال رحمه اللّه : وفي منيّ ما لا نفس له تردد ، والطهارة أشبه.

أقول : التردد من عموم (3) نجاسة المني مطلقا من جميع الحيوانات المحللة والمحرمة ، فيدخل غير ذي النفس في العموم ، ومن أصالة الطهارة ، وكونه دما في الحقيقة ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فيكون منيه طاهرا لعدم الدليل الناقل له عن أصله.

قال رحمه اللّه : وما كان منه لا تحله الحياة ، كالعظم والشعر فهو طاهر إلّا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر.

أقول : المشهور نجاسة جميع أجزاء نجس العين ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وصفه بكونه «رجسا نجسا» (4) ، وهو يتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان في مسمّاه ، وقال السيد المرتضى بعدم نجاسة ما لا تحله الحياة منه ، لأنّ ما لا تحله الحياة لا يحكم بنجاسته كشعر الميتة وعظمها من طاهر العين.

والجواب حصول الفرق ، لأنّ المقتضي للتنجيس في نجس العين ذاته ، وفي الميتة صفة الموت ، وهذه الصفة لم تحصل فيما لا تحله الحياة ، فيبقى على أصالة الطهارة.

ص: 100


1- في «ن» : بعض.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب النجاسات ، حديث 4 و 6.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 16 من أبواب النجاسات.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب النجاسات ، حديث 22 ، والرواية عن الصادق عليه السلام ، لا عن النبي صلى اللّه عليه وآله.

قال رحمه اللّه : وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغ تردد ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسائل :

الأولى والثانية : الثعلب والأرنب ، وبنجاستهما قال الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال المفيد ، لرواية يونس (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وبالطهارة قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لرواية الفضل أبي العباس (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالثة والرابعة : الفأرة والوزغة ، وبنجاستهما قال الشيخ والمفيد ، وبطهارتهما قال المصنف والعلامة ، واستدل الجميع بالروايات (3).

قال رحمه اللّه : الثامن : المسكرات ، وفي تنجيسها خلاف ، والأظهر النجاسة.

أقول : قال الشيخ والمفيد والمرتضى ومعظم الأصحاب بنجاسة المسكرات ، وادعى الشيخ والسيد عليه الإجماع ، وقال ابن الجنيد : ومن أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما ، لأنّ اللّه تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان ، وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب ، ونحوه قال محمد بن بابويه ، واستدل الجميع بالروايات (4).

ص: 101


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 34 من أبواب النجاسات ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب النجاسات ، حديث 1. في النسخ (ابن العباس) بدل (أبي ...) ، وصححناه من كتب الرجال والحديث.
3- راجع الوسائل كتاب الطهارة باب 19 من أبواب الماء المطلق حديث 2 ، وباب 9 من أبواب الأسئار حديث 2 و 4 و 7 و 8 ، وباب 33 من النجاسات ، حديث 1 و 2 ، وباب 36 حديث 1 و 2.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 38 من أبواب النجاسات.

قال رحمه اللّه : وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسائل :

الأولى والثانية : عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة ، وبنجاسته قال الشيخان ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بالطهارة ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

الثالثة : المسوخ ، وبنجاستها قال الشيخ وسلار ، لأنّ المسوخ يحرم بيعها ، ولا مانع سوى النجاسة ، وقال المصنف والعلامة بالطهارة ، للأصل ، ولما رواه عبد الحميد بن سعد قال : «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن عظام الفيل ، هل يحل بيعها للذي يعمل منها الأمشاط؟ قال : لا بأس ، قد كان لأبي مشط أو أمشاط» (2) ، والفيل أحد أنواع المسوخ ، فلو كان نجسا كان عظمه نجسا أيضا.

ص: 102


1- راجع الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المضاف ، وباب 27 من أبواب النجاسات ، هذا في خصوص عرق الجنب. وفي مسألة عرق الإبل الجلالة راجع الوسائل ، كتاب الطهارة باب 5 و 6 و 1. من أبواب الأسئار وباب 15 من النجاسات.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 2 وفي بعض النسخ : (عبد الحميد بن سعيد) كما في الوسائل.

في أحكام النجاسات

اشارة

قال رحمه اللّه : وان كان متفرقا قيل : هو عفو ، وقيل : يجب إزالته ، وقيل : لا يجب إلّا أن يتفاحش ، والأول أظهر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال في المتفرق من الدم :

الأول : لا يجب إزالته إلّا أن يبلغ كل موضع منه مقدار الدرهم ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ، لأنّ كل واحد من المتفرق عفو ، لقصوره عن سعة الدرهم.

الثاني : يجب إزالته إذا بلغ الدرهم ، سواء كان متفرقا أو مجتمعا ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) خرج عنه ما وقع عليه الإجماع - وهو ما نقص عن الدرهم - فيبقى الباقي على المنع ، ولأنّ النجاسة البالغة مقدار الدرهم لا تتفاوت بالاجتماع والافتراق في المحل.

الثالث : قوله في النهاية ، وهو أنّه عفو ما لم يبلغ التفاحش ، ولم يذكر

ص: 103


1- المدثر : 4.

وجهه ، وليس في الروايات (1) الواردة في هذا المعنى ما يدل عليه ، ولعله نظر إلى استقذاره واستخباثه ، والخبث علة في التحريم ، لقوله تعالى ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) (2).

فرعان :

الأول : لو تعددت الثياب وفي كل واحد منها قدر ما عفى عنه من الدم ، لم يجب إزالته وإن زاد المجموع عن الدرهم ، والثوب والبدن متعددان لا يضم أحدهما إلى الآخر ، وإذا كان الدم في باطن الثوب وفي مقابله من الظاهر ، فان نفذ أحدهما إلى الآخر فهما واحد.

الثاني : إذا أصاب ما نقص عن الدرهم بصاق أو ماء ، فإن تعدّى عن محله لم يبق العفو ، وان بقي على محلّ الدم ولم يتعدّ ، هل يبقى العفو؟ قيل : لا ، لأنه صار حاملا لمنجّس وهي الرطوبة الملاقية للدم ، وقيل : يبقى ، لان المنجّس شي ء لا يزيد عليه في الحكم.

قال رحمه اللّه : وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن كان يابسا رشّه بالماء استحبابا ، وفي البدن يغسل رطبا ، وقيل : يمسح يابسا ، ولم يثبت.

أقول : الضّابط أن كل نجاسة لا تؤثر في الثوب ولا البدن لا يجب غسلها ، إلا ميّت غير الآدمي فإن نجاسته تتعدى ، وإن كان يابسا على فتوى القواعد والموجز ، واشترط الشهيد في بيانه الرطوبة ، أمّا ميت الآدمي ففي القواعد تتعدى نجاسته مطلقا أيضا ، رطبا ويابسا ، باردا وسخنا ،

ص: 104


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 20 من أبواب النجاسات.
2- الأعراف : 157.

وفي الموجز لا تتعدى إلّا مع الرطوبة حال برده بالموت خاصة.

وقال ابن حمزة بوجوب رشّ الثوب إذا أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر يابسا ، ومسح موضع الإصابة في البدن بالتراب مع يبس الملاقي ، لما رواه حريز (1) عمن أخبره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمشهور الاستحباب ، إذ مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة ، وإلّا وجب غسل المحل.

قال رحمه اللّه : وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه ، فإن لم يعلم ثمَّ علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وقيل : يعيد في الوقت ، والأول أظهر.

أقول : إذا لم يعلم بالنجاسة إلّا بعد الصلاة ، وتيقن سبقها على الصلاة ، فإن خرج الوقت لا إعادة إجماعا (2) ، وهل يعيد مع بقائه؟

قال السيّد المرتضى ، وابن إدريس : لا يعيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية حفص بن غياث (3) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام.

وقال الشيخ في موضع من النهاية ، والعلّامة في القواعد : يعيد ، للاحتياط ، ولرواية وهب بن عبد ربه (4) ، عن ابي جعفر عليه السلام.

ويتفرّع على المذهبين ما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فعلى الأول يطرحها إن أمكن ويتم صلاته ، وإن لم يمكن إلّا بفعل المنافي كالاستدبار والفعل الكثير استأنف ، وعلى الثاني يستأنف مع بقاء الوقت مطلقا ، سواء

ص: 105


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، باب 26 ، حديث 3.
2- كلمة (إجماعا) من «ن».
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 37 ، من أبواب النجاسات ، حديث 5.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 40 من أبواب النجاسات ، حديث 8.

افتقر إلى المنافي أو لا ، وسواء تيقن سبقها على الصلاة أو لا ، وقيد الشهيد ذلك بعلم سبقها على الصلاة ، أمّا لو شك في سبقها أو حدوثها أزالها ولا إعادة ، لأصالة صحة الصلاة الخالية عن معارضة التقدم (1).

قال رحمه اللّه : إذا كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلّى الصلاة الواحدة في كل منهما منفردا على الأظهر.

أقول : مذهب الشيخ رحمه اللّه ومعظم الأصحاب أنّه يصلّي الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا ، لأنّه متمكن من أداء الفرض في ثوب طاهر فيتعين (2) ، وبالصلاة فيهما مرتين يحصل المأمور به ، فيجب عليه فعله.

وقال ابن إدريس : يلقيهما ويصلي عريانا ، لأنّ الواجب عليه عند إيقاع كل فريضة أن يقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عن افتتاح كل صلاة هنا ، ولا يجوز أن تقف الصلاة عليه ما يظهر (3) ، لأنّ الصلاة واجبة على وجه يقع عليه الصلاة ولا يؤثر فيه المتأخر.

والجواب : المنع من وجوب علمه بطهارة الثوب حينئذ ، لأنّ هذا التكليف سقط عنه لتعذره ، والمؤثر في وجوب الصلاة (4) هنا موجود مع الفعل لا متأخر عنه ، لأنّا نحكم بوجوب صلاتين ، إحداهما بالأصالة والأخرى بالاشتباه ، لأنه لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولم يتفطّن ابن إدريس لذلك ، وظنّ أن إحدى الصلاتين واجبة

ص: 106


1- من «ن» ، وفي النسخ : التقديم.
2- في «ن» و «ر 1» : فتتعين الصلاة.
3- في السرائر بزيادة : فيما بعد ، راجع السرائر 1 : 185.
4- في «ن» : الصلاتين.

دون الأخرى ، ثمَّ يعلم المكلف بعد فعلهما أنه فعل الواجب بالجملة ، وليس كذلك.

فروع :

الأول : إذا اشتبه النجس بالطاهر ، وكان النجس محصورا كرّر الفريضة بعدد النجس وزيادة فريضة ، وإن كان غير محصور كررها في الجميع مع تمكنه ، وإلّا سقط التكرار ويصلّي بأيها شاء أو عاريا على الخلاف.

الثاني : إذا صلى في المشتبهين فليصلّي الفريضة في كل واحد منهما ليحصل القطع ببراءة ذمته منها ، ثمَّ يصلّي الأخرى فيهما ، ولو صلّى الأولى في ثوب والثانية فيه أيضا ثمَّ أعادهما في الآخر احتمل الإجزاء لحصول الترتيب قطعا ، ولكن الأول أولى.

الثالث : لو صلّى الأولى في ثوب ثمَّ الثانية في آخر ، ثمَّ الأولى فيه أيضا ثمَّ الثانية في الأول ، صحت الأولى خاصة ، لاحتمال كون الطاهر هو الثاني ، فيكون قد أوقع العصر قبل الظهر فتكون باطلة ، ولو لم يجب الترتيب صحتا معا.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلي عريانا إذا لم يكن هناك غيره ، وإن لم يمكنه صلّى فيه وأعاد ، وقيل : لا يعيد ، وهو الأشبه (1).

أقول : الإعادة مذهب الشيخ رحمه اللّه ومستنده رواية عمار الساباطي (2) عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وعدم الإعادة مذهب ابن إدريس

ص: 107


1- في «ن» : أشبه.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 45 ، من أبواب النجاسات ، حديث 8.

واختاره المصنف ، والعلامة ، لأنّه أتى بالمأمور به فيخرج به عن العهدة ، وهذان المذهبان مشهوران.

واختار المصنف في المعتبر ، والعلّامة في منتهى المطلب ، جواز الصلاة في الثوب النجس مع التمكن من نزعه إذا لم يتمكن من غسله ، وذهبا إلى جواز التخيير أيضا في نزعه والصلاة فيه لوجهين :

الأول : ان طهارة الثوب شرط في الصلاة وستر العورة شرط أيضا فيتخير المكلف بترك أيّهما شاء.

الثاني : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام قال :

«سألته عن رجل عريان وقد حضرت الصلاة ، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم ، أيصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد صلى فيه ، ولا يصلي عريانا» (1).

قال رحمه اللّه : والماء الذي تغسل به النجاسة نجس ، سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء كان متلوثا (2) بالنجاسة أو لم يكن ، وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقي ، وكذا القول في الإناء على الأظهر.

أقول : الماء المستعمل في تطهير الثياب وغيرها للأصحاب فيه أقوال :

قال السيّد المرتضى : حكم المنفصل عن المغسول حكم المحل بعد الغسل ، فعلى هذا يكون طاهرا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، وبه قال الشيخ في باب تطهير الثياب من المبسوط.

قال السيّد : لأنّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل لوروده على النجاسة ،

ص: 108


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 45 من أبواب النجاسات ، حديث 5.
2- في نسخة : متلونا.

لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر عن النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه دفعة ، وهو باطل للمشقّة.

وجزم الشيخ في الخلاف بنجاسة الأولى وطهارة الثانية.

وقال المصنف والعلامة : بنجاسة المنفصل مطلقا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، أو ما زاد على ذلك من الغسلات الواجبة كالسابعة من نجاسة الخنزير والخمر ، لا ما زاد على العدد الواجب ، كما توهّمه ابن فهد رحمه اللّه في مقتصره ومهذّبه ، لأنه قال : وان زاد على الواجب. وهو غلط حصل له من لفظ الإطلاق.

قال العلامة في نهايته : وأن يكون نجسا مطلقا سواء انفصل من الغسلة المطهرة للمحل أو لا ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل عنها كغيره.

فقد تبين من الإطلاق أنّه في المطهرة وغير المطهرة ، لا ما زاد على المطهرة ، وإذا كان العلة في التنجيس كونه ماء قليلا لاقى نجاسة ، فبعد الحكم بالطهارة يلاقي محلا طاهرا (1) ، ولا قائل بنجاسة غسالة المحل الطاهر.

والمراد بالإطلاق خلافا للخلاف ، لأنّ الشيخ في الخلاف حكم بنجاسة الغسالة من الغسلة الأولى دون غسالة الغسلة المطهرة كثانية البول ، وثالثة الفأرة والولوغ وسابعة الخمر والخنزير ، والمصنف والعلامة أطلقا التنجيس في الأولى والمطهرة.

قال الشهيد في الذكرى : فعلى هذا يكون حكم الغسالة حكم مغسولها قبلها ، فمذهب الشهيد والمصنف والعلامة واحد ، وهو طهارة المنفصل إذا ورد على محل قد حكم بطهارته ، وعند ابن فهد (ان مذهب المصنف

ص: 109


1- هكذا وردت هذه الجملة في النسخ إلا «ن» فإنها كالتالي : (فيفيد الحكم بطهارة ما يلاقي ...).

والعلامة) (1) نجاسة الغسالة وإن وردت على محل قد حكم بطهارته ، وهو مخالف للعقل والنقل.

وأجاب العلّامة عن حجة السيد بالمنع من الملازمة ، فإنّا نحكم بتطهير الثوب ونجاسة الماء بعد انفصاله عن المحل ، والفرق بين المتصل والمنفصل لزوم الكلفة والمشقة بتنجيس المتصل دون المنفصل ، هذا مع عدم التغيّر أمّا لو تغيّر بالنجاسة فنجس (2) إجماعا ، ولا فرق بين الثياب والأواني عند المصنف ومن تابعه ، فلا يتوهّم متوهم أن قول المصنف : (وكذا القول في الإناء على الأظهر) أراد به الفرق ، بل أراد أن يبيّن أنّ حكم الأواني حكم الثياب.

وقوله : (على الأظهر) عائد إلى الخلاف الواقع في الماء الذي يغسل به النجاسة ، سواء كانت على الثوب أو في الإناء أو غيرهما.

وأما الشيخ رحمه اللّه فقد حكم في الخلاف بطهارة غسلتي الولوغ سواء كان من الأولى أو الثانية ، وهو موافق لمذهبه في المبسوط ، لأنه حكم بطهارة المنفصل مطلقا كمذهب السيد ، وقد بيّناه في صدر المسألة.

قال رحمه اللّه : وقيل في الذنوب إذا ألقي على نجاسة على الأرض تطهر الأرض مع بقائه على طهارته.

أقول : بالطهارة قال الشيخ وابن إدريس ، لما رواه أنس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، قال : «جاء أعرابي ، فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فلما قضى بوله ، فأمر بذنوب من ماء فأهريق عليه» (3) ، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما يأمر بالطهارة

ص: 110


1- ما بين القوسين مضروب عليه القلم في «ن».
2- من «ن» ، وفي بعض النسخ : حكم بنجاسته.
3- صحيح مسلم ج 1 ، كتاب الطهارة ، باب 30 وجوب غسل النجاسات إذا حصلت. حديث 99.

بالمؤثر في الطهارة ، لا بما يزيد في التنجيس ، فيلزم منه طهارة الماء أيضا.

ومنعه العلّامة ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل بها ، فلا يطهر المحل ، وأجاب عن الرواية بكونها من طريق العامة ، وبكون الذنوب كبيرا يسع كرا (1).

قلت : وهذه الرواية تقوي مذهب السيد المرتضى بعدم نجاسة الماء الذي تزال به النجاسة ، وهو قوي.

تنبيه : تطهر الأرض بأحد أمور ستة :

الأول : إلقاء كرّ فما زاد عليها دفعة مع زوال عين النجاسة عنها.

الثاني : إجراء الماء الجاري عليها حتى يستهلك النجاسة.

الثالث : طلوع الشمس عليها حتى تجف.

الرابع : وقوع الغيث عليها حتى يستهلك النجاسة.

الخامس : كشط النجاسة وما اتصل به أجزاؤها عنها.

السادس : الزيادة عليها ، بأن يطرح فوقها طينا أو ترابا ، وتسمية هذين مطهرين على سبيل المجاز.

تذنيب : إنما يطهر بغير الكثير ما يمكن (انفصال الغسالة عنه ، كالثياب والأواني ، وكل جسم لا يتشرّب الغسالة ، بحيث لا يمكن (2) انفصالها عنه ، وما لا يمكن انفصالها عنه كالمائعات ، والقرطاس ، والطين ، والحب المطبوخ بالماء النجس ، واللحم وشبهه إذا طبخ به ، والخبز المعجون بالنجس ، فهذا جميعه لا يطهر الّا بالكثير إذا تخلّله.

ص: 111


1- في نسخة : يبلغ.
2- في «ي 1» : يمكن.

قال رحمه اللّه : ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على الأصح (1).

أقول : الولوغ هو شرب الكلب من الإناء بطرف لسانه ، ويغسل له ثلاث غسلات ، أولاهنّ بالتراب ، وقال المفيد : الوسطى بالتراب ، والأول هو المشهور.

والمشهور هو اختصاص التراب بالولوغ ، ولم يفرق المفيد بين الولوغ والوقوع والمباشرة بالأعضاء.

فرعان :

الأول : لو عدم التراب وجب التعفير بمشابهه (2) كالأشنان والنورة والدقيق ، ولو عدم الجميع وجب الثلاث بالماء.

الثاني : لو غمسه في الكثير لم يجز عن التعفير ، لان التراب ربما كان أبلغ بإزالة الرطوبة.

ص: 112


1- في بعض النسخ : على الأظهر.
2- في «ن» : بما يشابهه.

كتاب الصلاة

اشارة

ص: 113

ص: 114

في النوافل

قال رحمه اللّه : ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة على الأشهر.

أقول : أطبق الأصحاب في كتب الفتاوي على أن الفرض والنفل أحد وخمسون ركعة في اليوم والليلة ، ولهم عليه روايات كثيرة (1) ، ووردت روايات أخر (2) تتضمن النقيصة عن ذلك ، فمنها : رواية يحيى بن حبيب ، عن الرضا عليه السلام ، ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، فإنهما تتضمنان نقيصة أربع من نافلة العصر ، ومنها رواية زرارة ، عن الصادق عليه السلام فإنها تضمنت إسقاط ركعتين من نافلة المغرب مع سقوط ما تقدم ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب.

ص: 115


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

قال رحمه اللّه : ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر والوتيرة على الأظهر.

أقول : قال الشيخ في الجمل والمبسوط : تسقط ، وقال في النهاية : إنه يتخير ، واختاره أبو العباس.

ص: 116

في أوقات الصلاة

قال رحمه اللّه : والغروب باستتار القرص ، وقيل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.

أقول : المشهور بين علمائنا أن علامة غروب الشمس ذهاب الحمرة المشرقية ، لان الآفاق مختلفة ، وربما حصل غيبوبة القرص قبل غروب الشمس ، لأجل حائل ، فلو لم يكن الاعتبار بزوال الحمرة لما حصل الصلاة بعد دخول الوقت بيقين ، ولرواية بريد بن معاوية (1) في الصحيح عن الباقر عليه السلام.

وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : علامة غيبوبة الشمس هو أنّه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ، ولا حائل بينه وبينها ورآها غابت عن العين علم غروبها.

ومن أصحابنا من قال : يراعى زوال الحمرة من ناحية المشرق ، وهو أحوط.

ص: 117


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب المواقيت ، حديث 1.

فأمّا على القول الأول إذا غابت الشمس عن البصر ورأس ضوءها على جبل يقابلها أو مكان عال مثل منارة الإسكندريّة ، فإنه يصلي ، ولا يلزمه حكم طلوعها بحيث طلعت وعلى الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع (1) ، وهو أحوط ، ويظهر من كلام الشيخ هذا أن الاعتبار بغيبوبة القرص ، ونحوه قال ابن الجنيد ، ولهما عليه روايات (2).

قال رحمه اللّه : وقال آخرون ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شي ء مثله وقت للظهر ، وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير مثليه ، والمماثلة بين الفي ء الزائد والظل الأول ، وقيل : بل مثل الشخص ، وقيل :

أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر ، هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار.

أقول : لكل صلاة وقتان أول وآخر ، قال الشيخان ومن تابعهما : الأول وقت للمختار ، والثاني وقت للمعذور ، وقال المصنف والعلامة : الأول وقت للفضيلة ، والثاني وقت للإجزاء ، وهو مذهب ابن إدريس ، لقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3) ، والدلوك هو الزوال ، والغسق هو الظلمة ، وليس المراد الإتيان في جميع هذا الزمان إجماعا ، فتعين التخيير ، ومستند الشيخ ومن تابعه الروايات (4).

إذا عرفت هذا فنقول : لا خلاف في أن زوال الشمس أول وقت الظهر ، وإنما الخلاف في آخره ، وفيه أقوال :

ص: 118


1- في «ن» بزيادة : يراه.
2- راجع الباب المتقدم.
3- الاسراء : 78.
4- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب المواقيت.

الأول : إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات ، قاله السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : حتى يصير ظل كل شي ء مثله ، وهو قول الشيخ رحمه اللّه ، واختلف في المماثلة ، هل هي بين الظل الحادث بعد الزوال ، أو الظلّ الأول ، أو مثل الشخص؟ قال الشيخ في التهذيب : المعتبر بزيادة الظل قدر الفي ء الأول لا قدر الشخص ، وأكثر الأصحاب على أنه قدر الشخص.

الثالث : حتى يصير الظل أربعة أقدام ، وهي أربعة أسباع الشخص المنتصب ، ثمَّ يختص بعد ذلك بوقت العصر ، وهو قول أبي الصلاح.

قال رحمه اللّه : وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر ، وقيل : إلى طلوع الفجر ، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور ، وعندي ان ذلك كله للفضيلة.

أقول : هنا مسئلتان.

الأولى : العشاء وقد اختلف في أول وقتها أو آخره ، قيل : أوله إذا مضى من الغروب مقدار ثلاث ركعات ، ثمَّ تشترك بينها وبين المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ، فيختص بها ، وهو مذهب المرتضى وابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، وقيل : أوّله بعد ذهاب الحمرة المغربية ، قاله الشيخان وسلار.

واما آخره ففيه أقوال ، قيل : الى ثلث الليل للمختار ، ونصفه للمضطر ، وهو قول المفيد ، وقال السيد وابن إدريس : إلى نصف الليل ، وقيل : الى ثلث الليل للمضطر ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وقيل إلى طلوع الفجر للمضطر ، حكاه الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

ص: 119

الثانية : الصبح ، ولا خلاف في أوّله أنّه طلوع الفجر ، وإنما الخلاف في آخره ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنّه طلوع الحمرة للمختار ، وطلوع الشمس للمضطر ، وقال المرتضى وابن إدريس : طلوع الشمس مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ووقت النوافل اليومية للظهر من حين الزوال الى أن تبلغ زيادة الفي ء قدمين ، وللعصر أربعة أقدام ، وقيل : ما دام وقت الاختيار باقيا ، وقيل : يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأول أشهر.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، والثاني مذهبه في المبسوط ، والثالث لم أعلم القائل به ، ومستند الجميع في هذه المسائل كلها الروايات (1).

قال رحمه اللّه : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض ، وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة ، وجب عليه قضاؤها ، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر.

أقول : قال ابن الجنيد : لو حاضت الطاهرة بعد أن كان يصح لها لو صلت أول الوقت الصلاة أو أكثرها وجب عليها قضاء تلك الصلاة ، والمشهور لا يجب القضاء إلا بإدراك الصلاة كملا مع الطهارة ، لأنّ وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، فلو أوجبنا الأداء في وقت لا يتسع له لزم تكليف ما لا يطاق.

قال رحمه اللّه : ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ، ويكون مؤديا على الأظهر.

أقول : إذا ضاق الوقت إلا عن ركعة من الفريضة ، وجب عليه تلك

ص: 120


1- يراجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 وباب 8 وباب 37 من أبواب المواقيت.

الفريضة ، وهل يكون مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو مؤديا لتلك الركعة وقاضيا لما عداها؟

قال الشيخ بالأول ، لما رواه الأصبغ بن نباته ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس ، فقد أدرك الغداة كملا» (1) واختاره المصنف والعلامة.

وقال السيد المرتضى بالثاني ، لأن آخر العبادة مقابل لآخر الوقت فالركعة الأولى قد فعلت في آخر الوقت ، وليس ذلك وقتا لها ، فتكون قضاء ، وكذا باقي الركعات.

والقول الثالث نقله الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ، وحجة القائل به : أن ما عدا الركعة لم يأت به في الوقت فيكون قضاء.

قال رحمه اللّه : الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت ، إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باق استأنف على الأشبه.

أقول : إذا بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لا يفسدها كإكمال الخمسة عشر سنة ، أو إنبات الشعر.

قال الشيخ في المبسوط : يجب عليه إتمام الصلاة ، لأنها صلاة شرعية ، فلا يجوز إبطالها ، لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (2) وإذا وجب إتمامها سقط الفرض بها لامتثال الأمر.

وقال في الخلاف : إن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنّه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الإتيان بها ، وما فعله أولا غير واجب ، فلا يحصل به الامتثال.

ص: 121


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 30 من أبواب المواقيت ، حديث 2.
2- محمد : 33.

قال رحمه اللّه : وإن كان الوقت قد دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد على الأظهر.

أقول : إذا صلّى ظانا دخول الوقت ، ثمَّ تبين الوهم ، أعاد صلاته ، فإن دخل الوقت وهو متلبس ، قال أكثر الأصحاب بالأجزاء ، لأنه مأمور بالصلاة عند غلبة الظن ، إذ مع الاشتباه لا يجوز التكليف بالعلم ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.

وأوجب السيد المرتضى عليه الإعادة ، وتابعه العلامة ، في المختلف ، لأنه مأمور بإيقاع الصلاة في الوقت إجماعا ، ولم يمتثل الأمر فيبقى في العهدة ، ولأن الصلاة قبل دخول الوقت منهيّ عنها ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

قال رحمه اللّه : لو ظنّ أنّه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته ، وإن لم يذكر حتى فرغ ، فإن كان قد صلّى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلّي على الأشبه.

أقول : هذه المسألة فرع على مسألة غيرها ، وهي أن الظهر هل تختص من أول الوقت بمقدار أربع ركعات أو الوقت كله مشترك بينها وبين العصر؟ فيه خلاف ، والمشهور الاختصاص ، لأنّ القول باشتراك الوقت بين الصلاتين يستلزم تكليف ما لا يطاق ، أو خرق الإجماع ، لأن التكليف حين الزوال إما أن يقع بالعبادتين معا ، أو بواحدة لا بعينها ، أو بواحدة معينة.

والأول يستلزم تكليف ما لا يطاق ، إذ لا يتمكن المكلف من إيقاع عبادتين متضادتين في وقت واحد ، والثاني : يستلزم خرق الإجماع ، إذ لا خلاف في كون الظهر مرادة بعينها حين الزوال ، والثالث : يستلزم المطلوب أو

ص: 122

خرق الإجماع ، لأنّ تلك المعينة إن كانت الظهر لزم المطلوب ، وان كانت العصر لزم خرق الإجماع.

وقال محمد بن بابويه بالاشتراك لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (1) ، والمراد هنا إما الظهر والعصر ، أو المغرب والعشاء معا ، وليس المراد إحداهما ، وإلّا لامتد وقتها من الزوال إلى الغسق ، وهو باطل بالإجماع ، ولما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام : «قال : سألته عن وقت الظهر والعصر؟ قال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا ، إلّا أن هذه قبل هذه ، ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس» (2). فاذا تقرر هذا ظهر فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : ما قاله المصنف ، وهو إذا ظنّ أنه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر ثمَّ ذكر بعد الفراغ ، صحت صلاته وإن كان في أول الوقت ، لوقوعها في وقتها ثمَّ يأتي بالظهر ، والإخلال بالترتيب هنا غير مضرّ لسقوطه حال النسيان ، وعلى القول بالاختصاص ، لم يصح إذا كانت في أول الوقت ، لوقوعها في غير وقتها.

الثانية : لو ظنّ ضيق الوقت إلّا عن قدر العصر تعينت للأداء ، فلو تبين بعد أدائها أن الوقت يسع أربعا صارت الظهر قضاء على القول بالاختصاص ، وعلى الاشتراك تكون أداء ولو بقي مقدار ركعة.

الثالثة : إذا أدرك قبل انتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجب العشاءان على القول بالاشتراك ، وعلى الاختصاص يجب العشاء لا غير.

ص: 123


1- الاسراء : 78.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 من أبواب المواقيت ، حديث 5 ، وفيه : عن عبيد بن زرارة.

ص: 124

في القبلة

اشارة

قال رحمه اللّه : القبلة هي الكعبة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخين ومن تابعهما ، وقال المرتضى : القبلة هي الكعبة ، ويجب التوجه إليها بعينها إن أمكنه ذلك بالحضور والقرب ، وإن كان بعيدا يجزي جهتها ، وصلّى إلى ما يغلب على ظنّه أنّه جهة الكعبة ، وهو مهذب ابن الجنيد وابن إدريس والعلامة للاحتياط ، لأنّ التوجه إلى الكعبة أو جهتها مع العبد يستلزم التوجه إلى الحرم.

قال رحمه اللّه : ولو صلّى على سطحها ابرز بين يديه منها ما يصلي إليه ، وقيل : يستلقي على ظهره ويصلي إلى البيت المعمور ، والأول أصح.

أقول : الاستلقاء مذهب الشيخ في النهاية والخلاف لرواية عبد السلام (1) ، عن الرضا عليه السلام.

وقال ابن إدريس : يصلي قائما ويبرز بين يديه منها شيئا ، واختاره

ص: 125


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 19 من أبواب القبلة ، حديث 2.

المتأخرون لقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (1) وهو عام ، ولأنّ القيام شرط في الصلاة وركن فيها ، ولا يصح مع عدمه اختيارا ، ولأنّ التوجه إنما هو إلى جهة الكعبة ، وهو حاصل لمن صلّى فوقها ، كما لو صلّى على جبل أبي قبيس.

قال رحمه اللّه : ولو اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده ، قيل : يعمل على اجتهاده ، ويقوى عندي أنه إذا كان ذلك المخبر أوثق في نفسه عوّل عليه.

أقول : القادر على العلم بالكعبة ليس له الاجتهاد كالمشاهد لها ، كأن يكون في المسجد الحرام أو في حكم المشاهد كالأعمى وهو فيه ، ولو كان في المسجد وبينه وبين الكعبة حائل ، أو خارج المسجد بحيث لا يخفى عليه الكعبة كأهل مكة ، فإنّه يجب عليه العلم باليقين ولو بالصعود على مرتفع كالسطح والجبل ، وكذلك المصلّي في محراب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو قبلة نصبها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام.

والقادر على الاجتهاد العارف بعلامات القبلة ليس له التقليد ، والعاجز عن الاجتهاد يقلد العدل العارف ولو كان امرأة أو عبدا ، ولو اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده ، قيل : يعمل على اجتهاده ، لأنّ القادر على الاجتهاد ليس له التقليد ، وقال المصنف : إن كان ذلك أوثق في نفسه عوّل عليه ، لأنّ الاجتهاد إنما يفيد الظن ، وقول ذلك المخبر يفيد الظن أيضا ، فيعوّل على أقوى الظنين.

فروع :

الأول : إذا صلّى من فرضه التقليد كالأعمى والعامي - وهو غير العارف

ص: 126


1- البقرة : 44 ، 49 ، 50.

بالأمارات - فأخبره آخر بالخطإ ، فإن كان أخبره عن اجتهاد بعد الفراغ لم يلتفت مطلقا ، وإن كان في الأثناء وكان الثاني أعدل أو أعلم (1) بالأمارات انحرف ، ولو افتقر الى العدول (2) الكثير استأنف ، ولو تساويا أو شك في الرجحان لم يلتفت أيضا ، وإن كان إخباره عن يقين استدرك ما يجب عليه ، وإن كان في الأثناء وهو مستدبر استأنف ، وإن كان متيامنا أو متياسرا انحرف ، ما لم يفتقر إلى فعل كثير ، فيستأنف أيضا ، وإن كان بعد فراغه ، فإن كان مستدبرا أعاد مطلقا ، وان كان بين الشرق والغرب فلا إعادة في الوقت ولا خارجه ، وإن كان إليهما أعاد في الوقت خاصة ، وكذا قيل في المستدبر يعيد في الوقت خاصة ، والأول أحوط.

الثاني : إذا اختلف المخبرون قلد المخبر عن يقين دون المجتهد ، ولو كانا مجتهدين أخذ بقول الأعلم منهما ، فإن تساويا في العلم أخذ بقول الأعدل ، فإن تساويا تخيّر ، ولو كان أحدهما أعلم والآخر أعدل أخذ بقول العالم إذا كان عدلا.

الثالث : مع فقد العدل يقلد الفاسق إذا أفاد قوله الظن لا بدونه.

الرابع : التعويل على قبلة البلد - إذا لم يعلم بناؤها على الخطأ - مقدم على الاجتهاد ، وله أن يجتهد في التيامن والتياسر فيها.

الخامس : لو دخل بلدا خرابا فوجد فيه مساجد ومحاريب ولم يعلم الواضع لها ، لم يكن له الصلاة إليها لجواز أن يكون بناها المشركون ، ووجب عليه الاجتهاد.

ص: 127


1- في «ر 2» : (وأعلم).
2- في هامش «ن» : الفعل.

تذنيب : العلم بدلائل القبلة واجب على الأعيان ، لأنّه من واجبات الصلاة.

ويحتمل وجوبه على الكفاية ، لأنّه من دقائق الفقه ، وهي غير واجبة على الأعيان.

ولكل إقليم علامات ، فللعراق جعل الجدي خلف المنكب الأيمن ، وعين الشمس عند الزوال على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.

وللشام ومن وراءهم جعل الجدي طالعا خلف المنكب الأيسر ، والمراد بطلوع الجدي حال علوّه على الفرقدين ، وجعل سهيل طالعا بين العينين ، وغاربا على العين اليمنى.

وللمغرب والحبشة وما وراء ذلك جعل مطلع الثريّا على اليمين ، والعيوق على اليسار ، والجدي على الخد الأيسر.

ولليمن ومن ورائهم جعل الجدي طالعا بين العينين ، وسهيل غاربا بين الكتفين.

وللبحرين وعمان وجزائر جرون جعل الجدي على الكتف الأيمن ، ومغيب سهيل على العين اليسرى.

وللسند وجزائر الهند وما وراء ذلك جعل بنات نعش على الخد الأيمن ، ومطلع الصليب على فقار الظهر ، ومغيبه على الخد الأيسر.

وللبصرة وفارس وأصفهان وكرمان والأهواز وما وراء ذلك الى الصين جعل الجدي على الاذن اليمنى ، ومطلع النسر الطائر على فقار الظهر.

ولخوارزم والري ونيشابور وخراسان وما وراء ذلك جعل الجدي على الخد الأيمن ، ومغيب الصليب على العين اليسرى.

قال رحمه اللّه : ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع أو السجود

ص: 128

في فرائض الصلاة ، هل يجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : وجه المنع عموم (1) النهي عن الصلاة على الراحلة اختيارا ، ووجه الجواز القدرة على فعل الصلاة بجميع وجوهها المعتبرة.

قال رحمه اللّه : إذا صلّى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثمَّ تبيّن خطؤه ، فإن كان منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية ، وإلّا أعاد في الوقت ، وقيل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر.

أقول : إذا اجتهد وظن القبلة ، ثمَّ تبين الخطأ بعد فراغه ، قال الشيخ : فإن كان في الوقت أعاد الصلاة على كل حال ، وإن كان قد مضى فلا إعادة عليه إلا أن يكون قد استدبر القبلة فإنه يعيد على الصحيح من المذهب ، وبه قال المفيد وسلار وابن البراج.

وقال السيد المرتضى وابن إدريس : ان كان الوقت باقيا أعاد ، وان كان قد خرج فلا إعادة عليه وإن كان مستدبرا.

وقال العلامة : إن كان بين المشرق والمغرب فلا اعادة مطلقا ، لرواية معاوية بن عمار (2) عن الصادق عليه السلام ، وإن كان الى المشرق أو المغرب أو استدبر أعاد في الوقت لا خارجه.

أمّا الإعادة في الوقت لأنّه لم يأت بالمأمور به والوقت باق ، فلم يبرأ من العهدة ، وأمّا عدم الإعادة في الخارج لأنّه امتثل المأمور به ، فيخرج من العهدة ، لأنّه عند غلبة الظن بالقبلة مأمور بالتوجه إليها إجماعا ، وقد فعل ، فيتحقق الامتثال.

ص: 129


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب القبلة.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب القبلة ، حديث 1.

لا يقال : هذا وارد في الوقت أيضا ، لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لأنه في الوقت قد تبين الخطأ وانما يخرج من العهدة بالظن مع استمراره لا مع ظهور خطأه والوقت باق ، وأمّا مع خروج الوقت فالأمر قد سقط ، لأنه مقيد في الوقت ، والقضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت.

ص: 130

في لباس المصلي

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه على كراهية.

أقول : جلد ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات الطاهرة في حياتها كالسباع يجوز استعمالها مع التذكية في غير الصلاة ، واشترط الشيخ في الجواز الدبغ ، وكذلك السيد المرتضى لوقوع الإجماع على الجواز بعده ، فلا دليل على جوازه قبله.

والجواز قبل الدبغ مذهب المصنف والعلامة ، لأنّه ذكي ، وإلّا لكان ميتة فلا يطهر بالدباغ.

قال رحمه اللّه : وما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر.

أقول : تقدمت هذه المسئلة في باب النجاسات (1).

ص: 131


1- ص 100.

قال رحمه اللّه : وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان ، أصحهما المنع.

أقول : تجوز الصلاة في وبر الخزّ الخالص إجماعا ، وفي جلده على خلاف ، ولم يحصل الفرق بين الوبر والجلد إلّا هنا ، فلو كان وبر الخزّ مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب ففيه روايتان :

إحداهما جواز الصلاة ، وهي رواية ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟ قال :

إن كانت ذكية فلا بأس» (1).

وأما رواية الأرانب فما رواه محمد بن إبراهيم ، «قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الأرانب؟ فكتب : مكروه» (2) ولم يقل أحد من الأصحاب بالجواز ، وإنما الخلاف في الروايات ، والروايات (3) المتضمنة للمنع كثيرة.

قال رحمه اللّه : تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنه لا يأكل اللحم ، وقيل : لا يجوز ، والأول أظهر ، وفي الثعالب والأرانب روايتان أصحهما المنع.

أقول : روايتا الثعالب والأرانب تقدمتا (4) ، واما السنجاب ففيه خلاف ، والجواز مذهب الشيخ في كتاب الصلاة من النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه لما رواه مقاتل بن مقاتل ، «قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ فقال : لا خير في ذلك

ص: 132


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب لباس المصلي ، حديث 9.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- أنظر روايات الباب المتقدم.
4- تقدم في المسألة السابقة.

كله ما خلا السنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم» (1).

والمنع مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، كالتكّة والقلنسوة تردد ، والأظهر الكراهة.

أقول : الجواز مذهب الشيخ وابن إدريس ، وعدمه مذهب محمد بن بابويه ، واختاره العلّامة في المختلف ، وهو أحوط ، ودليل الفريقين الروايات (3) ، وتردد المصنف لعدم رجحان احد الطرفين عنده.

قال رحمه اللّه : ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأظهر.

أقول : جواز القيام عليه حالة الصلاة وغيرها مذهب أكثر الأصحاب للأصل (4) ، ومنع بعضهم لعموم (5) المنع من لبسه ، قال العلامة في نهايته (6) : وليس بمعتمد ، لأنّ المنع من لبسه لا يقتضي المنع من الافتراش ، لافتراقهما في المعنى.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز للمرأة إلّا في ثوبين : درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين على تردد في القدمين.

أقول : اختلف الأصحاب فيما يجب على المرأة ستره حالة الصلاة على

ص: 133


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب لباس المصلي ، حديث 2.
2- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب لباس المصلي.
3- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب لباس المصلي.
4- (الأصل) من «ن».
5- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 من أبواب لباس المصلي.
6- (في نهايته) من «ن».

ثلاثة أقوال :

الأول : إنه جميع بدنها ما عدا الوجه فقط ، وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، لأنّه قال فيه : وأما المرأة الحرّة فإنّ جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ، ولا تكشف غير الوجه فقط ، وهذا يقتضي منع كشف القدمين والكفين.

الثاني : إنّه الجسد دون الرأس إلا أن يكون هناك ناظر ليس بمحرم وهو قول أبي علي ، ومستنده رواية عبد اللّه بن بكير (1).

الثالث : إنّه الجسد والرأس دون الوجه والكفين والقدمين ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلّامة وأبو العباس.

قال العلّامة : لأنّ الكفّين ليستا من العورة ، إذ الغالب كشفهما دائما لإمساس الحاجة إلى ذلك للأخذ والعطا وقضاء المهام ، وكذا حكم القدمين ، بل كشفهما أغلب في العادة.

تنبيه : الوجه الذي يجوز كشفه هو محل الوضوء خاصة ، ويجب ستر باطن الذقن وجميع الرقبة.

فروع :

الأول : لا يجب الستر من تحت ، قاله الشهيد واختاره أبو العباس ، وقال العلامة في التذكرة ، ولو كان على سطح ترى عورته من أسفل لم تصح صلاته لعدم الستر ، وقال الشافعي : تصح ، لأن الستر إنما يلزم من الجهة التي يعتاد النظر اليه منها ، والنظر من أسفل لا يعتاد.

الثاني : لو انكشفت عورة المصلّي ولم يعلم حتى فرغ ، صحت صلاته

ص: 134


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 29 من أبواب لباس المصلي ، حديث 5.

سواء طالت المدة أو قصرت ، قليلا كان الكشف أو كثيرا ، لاستحالة تكليف الغافل ، ولو علم في الأثناء ، قال في المبسوط : لا تبطل ، واختاره الشهيد ، بل يجب عليه المبادرة إلى الستر ، وقال العلامة : تبطل ، لأنّ الستر شرط وقد فات ، وعلى القول بالبطلان يحكم به من حين الرؤية فتصح صلاة المأموم إذا نوى الانفراد حينئذ.

الثالث : لو ظن العاري وجود الساتر في الوقت ، وجب التأخير ، وإن لم يظن لا يجب عند الشيخ تحصيلا لفضيلة أول الوقت ، واختاره العلّامة ، وقال السيّد المرتضى بالوجوب مطلقا.

الرابع : لو لم يجد الثوب استتر بالحشيش ، فان فقده ووجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله ، وجب نزوله ويصلي موميا.

الخامس : لو لم يجد غير الطين وجب عليه ان يطين عورته ويجب في الستر بالطين مواراة اللون والحجم مع المكنة فإن تعذرا اكتفى بستر اللون خاصه ، ويومي هنا ، دون ستر اللون والحجم الّا أن لا يأمن تناثره فيومي أيضا.

السادس : لو وجد حفرة ولجها ، ويصلي قائما مع أمن المطّلع ، ويركع ويسجد عند العلّامة ، وذهب بعضهم إلى الإيماء.

السابع : لو لم يجد غير الحرير صلّى عاريا إلّا لضرورة ، ولو اضطر الى الحرير وجلد غير مأكول اللحم قدم الحرير ويقدم النجس عليهما.

ص: 135

ص: 136

في المكان

قال رحمه اللّه : ولا يجوز أن يصلّي وإلى جانبه امرأة تصلّي أو أمامه ، سواء صلّت بصلاته أو كانت منفردة ، وسواء كانت محرما أو أجنبية ، وقيل :

ذلك مكروه ، وهو الأشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ والمفيد رحمهما اللّه ، لرواية عمار (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام وللاحتياط ، والكراهة مذهب السيد والمصنف ، واختاره أكثر المتأخرين للأصل ، ولرواية جميل (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

فرع : على القول بالمنع يشترط صحة صلاتها ، فلو كانت حائضا أو غير متطهرة أو تلحن في القراءة مع القدرة على التعلم لم تؤثر صلاتها في صلاته.

قال رحمه اللّه : ويكره ان تكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب الكراهية في هذه المواضع التي عددها

ص: 137


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب مكان المصلي ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب مكان المصلي ، حديث 3.

المصنف كلها ، وقال أبو الصلاح : ولا يحل ذلك كله ، قال : ولنا في فساد هذه الصلاة نظر ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وقيل تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح.

أقول : قال أبو الصلاح : يكره الصلاة الى إنسان مواجه ، قال : ولا يجوز التوجه الى الباب والسلاح المشهور ، والمصحف المنشور ، قال : ولنا في فساد الصلاة إلى شي ء من هذه نظر ، والمشهور الكراهية.

قال رحمه اللّه : في القطن والكتان روايتان ، أشهرهما المنع.

أقول : للسيّد المرتضى قول بجواز السجود على الثوب المعمول من القطن والكتان ، لرواية داود الصرمي (2) ، والمشهور المنع.

ص: 138


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 27 و 30 و 31 و 32 من أبواب مكان المصلي.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 6. وفي نسخة «ن» و «ر 1» : (الحضرمي) ، وفي «ي 1» : (الصيرفي) ، بدل : (الصرمي).

في الأذان والإقامة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : هما شرط في الجماعة ، والأول أظهر.

أقول : أوجب الشيخان رحمهما اللّه الأذان والإقامة في صلاة الجماعة ، والسيد أوجب الأذان في صلاة الصبح والمغرب على الرجال حضرا وسفرا وفي الجماعة على الجميع ، وأوجب الإقامة في كل فريضة.

ومذهب الشيخ في الخلاف الاستحباب مطلقا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة للأصل ، ومستند الجميع الروايات (1).

تنبيه : المراد بالوجوب في الجماعة ، الشرطية في فضيلة الصلاة لا في صحة الصلاة ، قال الشيخ في المبسوط : لو صلّى جماعة بغير أذان ولا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة ، والصلاة ماضية.

قال رحمه اللّه : ولو صلّى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع الى الأذان مستقبلا صلاته ما لم يركع ، وفيه رواية أخرى.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية ان المتعمد لترك الأذان والإقامة يرجع

ص: 139


1- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 وباب 4 وباب 6 وباب 7 من أبواب الأذان.

ما لم يركع ، واختاره ابن إدريس ، ومذهب السيد في المصباح رجوع الساهي دون العامد ، واختاره المصنف والعلّامة ، لأنّ الأذان والإقامة من وكيد السنن ، والمحافظة عليهما يقتضي تداركهما مع النسيان ، لأنّه محل العذر ، ومع تعمد الترك يكون قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا غير مريد للفضيلة ، فلا يجوز له الابطال لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (1).

وانما يستحب الرجوع مع ترك الأذان والإقامة معا ، فلو أتى بالإقامة حرم الرجوع إجماعا.

قال رحمه اللّه : والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا يختلفون فيه ، وانما الخلاف في الروايات ، ففي رواية الحضرمي (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : اثنان وأربعون ، يجعل التكبير في آخر الأذان كأوله ومساواة الإقامة للأذان ، وفي رواية أخرى (3) : أربعة وثلاثون ، يجعل فصول كل منهما مثنى مثنى ، وفي رواية (4) : تسعة وعشرون (5) يجعل للإقامة مرة مرة إلّا التكبير فإنّه مثنى مثنى.

قال رحمه اللّه : ولو ارتدّ في أثناء الأذان ثمَّ رجع استأنف على قول.

أقول : يعتبر في المؤذّن الإسلام والعقل ، فلو ارتد في أثناء الأذان ثمَّ رجع استأنف إن طال الزمان ، بحيث يخرج عن الموالاة ، ولو حصلت الموالاة تمم ، ولو كان الارتداد بعد الكمال لم يؤثر في الأذان شيئا ، وأقام غيره.

ص: 140


1- محمد : 33.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 ، حديث 9 ، ما ذكره المصنف غير ظاهر منها.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 4 وحديث 8.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 22 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 3.
5- في «ن» و «ر 1» : سبعة وعشرون.

فروع :

الأول : لا يعتدّ بأذان المخالف ولا غير المرتب.

الثاني : استقرب العلامة في التذكرة اشتراط إذن السيد في الاعتداد بأذان العبد ، لأنّ له منعه من العبادات المندوبة ، والأذان مندوب ، ولم يذكر حكم العبد في القواعد ، وأطلق الاعتداد بأذانه في التحرير ، وكذلك صاحب البيان وصاحب الموجز من غير قيد بالإذن وعدمه.

الثالث : إذا اجتمع مؤذنان فما زاد جاز ان يؤذنوا دفعة ، فلو أرادوا أن يرتبوا (1) لم يكن لهم ذلك ، لما يتضمن من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو احتيج الى انتظار الإمام أو المأمومين جاز.

تنبيه : الأذان مستحب استحبابا مؤكدا إلّا في أماكن :

الأول : عصر عرفة.

الثاني : عشاء مزدلفة.

الثالث : عصر الجمعة وسقوط الأذان هنا للجمع لا للمكان والزمان ، بل كل من جمع بين الصلاتين لم يؤذن ثانيا ، بل الأذان لصاحبة الوقت ، فإن كان الوقت للثانية أذن لها ثمَّ صلّى الأولى وأقام للثانية.

الرابع : القاضي يجتزي بالأذان لأول ورده ، والإقامة للباقي وإن كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء ، فإنّه لو أذن للثانية أيضا كان مكروها أو حراما على الخلاف.

قال الشهيد : ويمكن الفرق بان الساقط في الأداء هو أذان الإعلام

ص: 141


1- في «ن» و «ر 1» : يترتبوا.

لحصول العلم بأذان الأولى ، والثابت في القضاء هو الأذان الذكري وسقوطه للتخفيف.

الخامس : الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الأولى ، لأنهم مدعون بالأذان الأول ، وقد أجابوا بالحضور ، فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان ، فإذا كان كذلك جمعوا بغير أذان ولا إقامة ، وصلّوا في ناحية المسجد لا في محرابه ، ولا يبرز لهم إمام لئلا تتكرر الصلاة الواحدة ، ولا بدّ أن تكون الصلاة واحدة ، فلو كان حضور الجماعة الثانية لصلاة غير الأولى أذنوا وأقاموا وإن كانت الأولى لم تتفرق ، بل ولو كانوا في الصلاة.

والمراد بالتفرق : تفرق الجميع فلو بقي بعض في التعقيب لم تؤذن الثانية لبقاء حكم الجماعة ببقاء واحد من المصلّين ، كما لو انفضوا في الجمعة وبقي واحد ، بشرط أن يكون الباقي مشتغلا بالصلاة أو سننها كالتعقيب ، فلو بقيت الجماعة كلها في المسجد مشتغلين بالخياطة مثلا ، أو بغيرها مما ليس بدعاء ولا تسبيح ، فقد تفرقوا.

فرع : لو صلّت الجماعة الثانية في المسجد من غير تأذين فحضرت الثالثة ، فإن كان قبل تفرق الاولى لم يؤذنوا ، وإن كان بعدها أذنوا وأقاموا وإن كان قبل تفرق الثانية ، لأن الضابط أن يحضر جماعة على جماعة أذّنوا والثانية لم تؤذن.

ص: 142

أفعال الصلاة

اشارة

في النية

قال رحمه اللّه : ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر.

أقول : إذا دخل في صلاته ثمَّ نوى أنه خارج منها (أو سيخرج منها) (1) أو نوى ما ينافيها كالحدث ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا تبطل ، لان صلاته قد انعقدت صحيحة وإبطالها يحتاج إلى دليل في الشرع عليه ، ولم ينقل في قواطع الصلاة ذلك ، واختاره المصنف.

ويحتمل البطلان ، لأنّ الاستدامة شرط ، وهذا ما استدامها فتبطل صلاته ، ولقوله عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (2). وقد نوى ما ينافيها فتبطل ، وهو مذهب الشهيد ، واختاره أبو العباس ، وكذا لو نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها ، لأنّه قطع حكم النية قبل إتمام فعله فيبطل ذلك الفعل.

ص: 143


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 6.

فروع :

الأول : يجب نية الإمامة في مشروط الجماعة كالجمعة والعيدين ، قال الشهيد في دروسه : وشرط في استحقاق ثواب الجماعة في غيرهما ، وفي بعض أقوال الشيخ : ويحصل ثواب الجماعة بدون نية الجماعة.

الثاني : لا يشترط نية القصر ولا الإتمام ، لأنّ الفرض معيّن ، واستقرب الشهيد وجوبه (في أماكن التخيير واشتباه القصر بالتمام إذا أراد قضاءه) (1) ، وجزم به صاحب الموجز ، فلو اختار القصر أو التمام في أماكنه لم يتحتم عليه ما قصده حالة النية ، بل له العدول إلى ضده في محله ، سواء قلنا بوجوب القصد أو لم نقل.

الثالث : لا يشترط نية الاستقبال ، بل الشرط أن يعلم كونه مستقبلا.

ص: 144


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

في القيام

قال رحمه اللّه : وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة.

أقول : الرواية المشار إليها هي ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل يصح أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : لا بأس» (1) ، ولم يعمل بهذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته ، وإلا صلى قاعدا ، وقيل : حدّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته ، والأول أظهر.

أقول : المشهور مراعاة التمكن ، وفي رواية سليمان بن حفص (2) : حد العجز ، إذا صار الى الحالة التي لا يقدر على المشي بقدر زمان صلاته.

ص: 145


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب القيام ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب القيام ، حديث 4.

تنبيه : القيام مقول بالاشتراك على معان :

الأول : في النية ، وهو تابع لها في الركنية أو الشرطية.

الثاني (1) : القيام في الركوع ، وهو ركن قطعا.

الثالث : القيام في القراءة ، وهو واجب ليس بركن ، ومثله القيام عن الركوع للطمأنينة.

الرابع : القيام في القنوت ، وهو سنة ، ولهذا أجمع القائلون بركنيته على عدم البطلان بزيادته فيمن رجع ليتدارك تشهدا أو سجودا ، مع أنّ زيادة الركن مبطلة قطعا.

وقال الشهيد في الذكرى : والطمأنينات المستحبات لا ريب في استحبابها ، لأنّ جواز تركها ينفي وجوبها إلا إذا قدم المستحب ، فان الظاهر وجوب الطمأنينة تخييرا ، لأنّه لم يأت بالواجب بعد ، وكذا الكلام في طمأنينة السجود وزيادة القيام للقنوت ، والدعاء بعد فراغ واجب القراءة.

أمّا القيام في القراءة الواجبة فهو موصوف بالوجوب وان كان بسورة طويلة ، لأنّه من قبيل الواجب المخير.

أما لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصلاة ، أو سأل الجنة واستعاذ من النار في أثناء القراءة ففي وجوب هذا القيام نظر ، أقربه الوجوب لما سبق. وكذا القيام للوقف المستحب في أثناء القراءة.

أما القيام الذي يقع فيه السكوت للتنفس ، فلا إشكال في وجوبه ، لأنه من ضرورات القراءة ، انتهى كلامه رحمه اللّه.

وهو جيد ، فعلى هذا يكون القيام للقنوت واجبا لوجوب الركوع عن

ص: 146


1- في «ي 1» : زيادة معنى وهو : (القيام في التحريمة) ، بعد القيام في النية.

قيام ، فلا يجوز الجلوس حالة القنوت ، وعلى القول باستحباب القيام للقنوت ، يجوز ذلك.

قال رحمه اللّه : وقيل : يتورك في حال تشهده.

أقول : إذا صلى الإنسان قاعدا ، اما في الفرض بعذر أو في النفل مطلقا ، قعد كيف شاء ، والأفضل (1) مراعاة ما نقل في ثلاث حالات : القيام والركوع والتشهد ، فيربع رجليه في حال قراءته ، ويثني رجليه في حال ركوعه ، ويتورك في حال تشهده.

والفرق بين التورك وثني الرجلين ، كون التورك أن يجلس على وركه الأيسر ، وثني الرجلين أن يكون كالمقعي ، ولا بدّ أن يرفع دبره عن عقبيه ويجافي فخذيه عن طية ركبتيه وينحني قدر ما يحاذي وجهه موضع سجوده ، ولو اقتصر على ما يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه أجزأ لكن الأول أفضل.

تنبيه : لو خفّ القاعدة بعد القراءة قام بلا طمأنينة ليهوي للركوع

، ولو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة قام منحنيا وأتمه قائما ، ولو خفّ بعد ذكر الركوع وطمأنينته قام منحنيا أو رافعا للاعتدال مطمئنا ، ولو خفّ بعد الرفع منه وقبل طمأنينته قام ليطمئن ، ولو خفّ بعد الطمأنينة قام للسجود عن قيام ، ولو خفّ وقد هوى للسجود استمر.

ص: 147


1- في «م» : الأصل.

ص: 148

في القراءة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يجب ، والأول أحوط (1).

أقول : المشهور أنه (2) يجب على المختار قراءة سورة بعد الحمد في الثنائية والأوليين من الرباعية والثلاثية ، وقال الشيخ في النهاية : الواجب الحمد ، وأمّا السورة فمستحبة غير واجبة ، ومستنده رواية علي بن رئاب (3) عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولا أن يقرن بين سورتين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : بالتحريم قال الشيخ في النهاية ، وهو اختيار العلامة ، وبالكراهة قال في الاستبصار ، وهو مذهب ابن إدريس ، والشهيد في البيان ، والمستند الروايات (4).

ص: 149


1- في النسخ : أظهر.
2- (المشهور انه) من «ن».
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب القراءة ، حديث 1.
4- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 8 من أبواب القراءة ، وأيضا باب 4 ، حديث 2.

فرع : إذا كرّر السورة الواحدة مرتين فهو قارن ، ولو كرر الحمد كان قارنا أيضا ، ولا يجزي عن السورة.

قال رحمه اللّه : ومنهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين ، وليس بمعتمد.

أقول : قال السيد المرتضى وأبو الصلاح ومحمد بن بابويه بوجوب قراءة الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهرها للاحتياط ، لأنّ الصلاة بهاتين يقتضي الخروج عن العهدة بيقين ، بخلاف الصلاة بغيرهما.

والمشهور الاستحباب ، لأنّ الأصل براءة الذمة من الواجب ، فيصار إليه ما لم يحصل دليل ناقل عنه أقوى منه.

قال رحمه اللّه : لا يجوز قول آمين آخر الحمد ، وقيل : هو مكروه.

أقول : المشهور تحريم التأمين وإبطال الصلاة به ، لأنّه يستدعي سبق الدعاء ، ولا يتحقق إلّا مع قصده (1) ، ومع عدمه يخرج عن حقيقته فيكون لغوا.

وقال أبو الصلاح : هو مكروه ، وأطبق العامة على استحبابه ، ودليل الجميع الروايات (2).

فرعان :

الأول : لا فرق في تحريم التأمين وإبطال الصلاة به ، بين أن يكون في آخر الحمد أو في أثناء الحمد أو السورة.

الثاني : معنى «آمين» : اللّهم استجب ، فلو نطق بها فقال : اللّهم

ص: 150


1- من هامش «ن» ، وفي البواقي : فعله.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 17 من أبواب القراءة.

استجب ، لم تبطل صلاته ، قاله الشهيد في الذكرى والبيان ، وحكم الفاضلان في المعتبر والتذكرة بالبطلان ، قال الشهيد في الذكرى : وهو ضعيف ، لان الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا ، وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به ، انتهى كلامه.

وهو قوي ، والأحوط تركه احتياطا للعبادة ، فإنّ العمل بما لا خلاف فيه أولى من العمل بما فيه خلاف.

قال رحمه اللّه : الموالاة في القراءة شرط في صحتها ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة ، وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت ، وفي قول : يعيد الصلاة.

أقول : الموالاة شرط في صحة القراءة ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة ، سواء كان عامدا أو ناسيا ، وقيل : تبطل صلاة العامد ، ويستأنف القراءة لطول السكوت ما لم يخرج عن كونه مصليا فتبطل الصلاة ، ولو قصر زمان السكوت أتمها من حيث قطع ، ولو طال السكوت لأجل التذكر حال اشتباه الآيات لم تبطل الصلاة وأتمها من حيث قطع ، ولو سكت بنية القطع ، قال المصنف : يستأنف القراءة ، وقال الشيخ في المبسوط : يعيد الصلاة ، وبه قال أبو العباس في موجزه ، وهو بناء على تأثير نية المنافي وطول السكوت بحيث يخرج عن اسم الصلاة.

والتحقيق ان السكوت على خمسة أقسام :

الأول : القصير ، ولا حكم له.

الثاني : الطويل لغرض ، كتذكر الآيات إذا ارتج عليه ، وافتقر إلى التروّي والتذكّر ، ولا حكم له أيضا.

الثالث : الطويل بلا سبب ولا يخرج به عن اسم المصلي ، فيجب معه استئناف القراءة.

ص: 151

الرابع : الطويل الذي يخرج به عن اسم المصلي ، فيجب معه استئناف الصلاة.

الخامس : السكوت بنية القطع ، ويجب معه استئناف الصلاة على مذهب المبسوط والموجز ، سواء طال أو قصر.

قال رحمه اللّه : ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر.

أقول : الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف ، لا يجوز إفراد إحداهما عن الأخرى في الفريضة ، وهل تجب البسملة بينهما؟ قال الشيخ : لا تعاد بينهما ، لأنهما سورة واحدة ، فلا يكون فيها بسملتان ، وقال ابن إدريس : تعاد البسملة بينهما ، لأنّها مثبتة في المصحف ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : يجزيه عوضا عن الحمد إثنا عشرة تسبيحة ، وصورتها :

سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، وقيل : يجزيه عشر ، وفي رواية تسع ، وفي أخرى أربع ، والعمل بالأول أحوط.

أقول : أجمع الأصحاب على التخيير بين الحمد والتسبيح في الثالثة والرابعة ، واختلفوا في كميته ، قيل : إنّه أربع ، وهو مذهب المفيد والمصنف في المختصر ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وقيل : إنّه تسع ، سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلّا اللّه ثلاثا ، وهو مذهب ابني (1) بابويه ، وقيل : عشر بإضافة التكبير في الثالثة ، وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في الجمل. وقيل : إنه اثنا عشر بتكرير الأربع ثلاثا ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب ، ومستند الجميع الروايات (2).

ص: 152


1- في «ن» : ابن.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ، حديث 5 وباب 51 حديث 1 و 2. وأما مستند العشر : فمع تصريح كاشف الرموز بأن به رواية ، صرح في المدارك بأنه لم يقف له على مستند. انظر كشف الرموز 1 : 160 والمدارك 3 : 379.

فروع :

الأول : لو نسي الحمد في الأوليين ، هل يبقى التخيير في الأخيرتين أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال : الأول : عدم التخيير وتعيين القراءة ، لئلا تخلو الصلاة عن الفاتحة ، ولما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له ، إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات» (1).

الثاني : بقاء التخيير مع أفضلية القراءة ، لئلا تخلو الصلاة عن القراءة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثالث : بقاء ما كان من التخيير مع أفضلية التسبيح ، وهو مذهب ابن أبي عقيل ، لأصالة بقاء ما كان على ما كان.

الثاني : هل يشترط الترتيب في التسبيح؟ قال العلامة : نعم لحصول يقين البراءة به ، واختاره الشهيد ، وقال ابن الجنيد : لا يشترط لاختلاف الرواية في ذلك فيحمل على التخيير.

الثالث : قال الشهيد بوجوب الإخفات فيه ، وقال ابن إدريس : لا يجب ، وبه قال العلامة في التذكرة.

ص: 153


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 27 من أبواب القراءة ، حديث 4.

ص: 154

في الركوع

اشارة

قال رحمه اللّه : الخامس التسبيح فيه ، وقيل يجزي الذكر فيه ولو كان تكبيرا أو تهليلا ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من وجوب تعيين التسبيح ، ولأن المقتضي لوجوب تعيين التسبيح - وهو التعظيم - موجود في الذكر المطلق ، فكان مجزيا ، ومن الروايات (1) الواردة في تعيينه ، ولأنّه مع تعيين التسبيح يخرج من العهدة بيقين ، بخلاف مطلق الذكر.

وبالأول قال الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وبالثاني قال في النهاية.

فروع :

الأول : يكفي سبحان ربي العظيم ، ولو قال : وبحمده اعتقد وجوبه

الثاني : على القول بإجزاء مطلق الذكر ، يجزي الواحدة الصغرى لأنها ذكر ، ولو أتى بالكبرى اعتقد وجوبها.

ص: 155


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 و 5 من أبواب الركوع.

الثالث : يجب على هذا القول مراعاة الثناء مع ذكر اللّه تعالى ، فلو قال : (اللّه) واقتصر لم يجز ، ويجزي : اللّه الرحيم كما لو قال : اللّه أكبر.

الرابع : لو أتى بالزائد على الواحدة كان الواجب واحدة ، والزائد ندب ، ويتخير في تعيين الواجبة ، ولو لم يعين مع اعتقاده وجوب الواحدة واستحباب الزائد أجزأ.

قال رحمه اللّه : وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد ، والأظهر الندب.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة ، ومن رواية زرارة (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على وجوبه ، والمشهور الاستحباب.

تنبيه : يستحب في كل ركعة خمس تكبيرات : الأولى للركوع بعد القراءة وهو قائم قبل الركوع ، والثانية للسجدة الاولى وهو قائم بعد رفعه من الركوع وقبل هويه للسجود ، والثالثة للرفع منها بعد انتصابه ، والرابعة للسجدة الثانية وهو منتصب عقيب التكبيرة الثالثة وقبل هويه للسجدة الثانية ، والخامسة للرفع من الثانية بعد انتصابه ، فلو فعله وهو آخذ في الهوي أو الارتفاع كان أدون فضلا ، ثمَّ يضاف إلى كل فريضة تكبيرة أخرى للقنوت ، فيكون في الخمس تسعون تكبيرة مستحبة.

ص: 156


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب الركوع ، حديث 1.

في السجود

اشارة

قال رحمه اللّه : ويستحب للسامع على الأظهر.

أقول : يجب سجود العزائم على القارئ والمستمع ، وهو الذي يقصد الاستماع ، وهل يجب على السامع ، وهو الذي لا يقصد (1) الاستماع؟

فيه خلاف ، قال الشيخ في الخلاف : لا يجب للأصل ، ولرواية عبد اللّه بن سنان (2) الدالة على عدم الوجوب ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن إدريس : بالوجوب لرواية أبي بصير (3).

فروع :

الأول : سجود التلاوة واجب على الفور ، فلو تراخى من وجب عليه بمقدار فعله مع القدرة وجب الإتيان به بنية القضاء ، وكذلك السجود المستحب في التلاوة ، يقضيه استحبابا عند فواته ، وقيل : لا يجب القضاء ، بل يأتي به أداء ، لأنّه غير موقت بوقت ، والأول أقوى ، لكونه موقتا بالسبب.

ص: 157


1- في «ي 1» : (يسمع من غير قصد) بدل : (لا يقصد).
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 43 من أبواب قراءة القرآن ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 42 من أبواب قراءة القرآن ، حديث 2.

الثاني : الواجب فيه النية ووضع الجبهة ، وهل يشترط الوضع على ما يصح عليه السجود ، (أو السجود) (1) على الأعضاء السبعة؟ لم يشترط أبو العباس في موجزه غير وضع الجبهة خاصة ولم يقيد ، ومال الشهيد في بيانه إلى اشتراط السجود على الأعضاء السبعة وعلى ما يصح السجود عليه ، واستشكله في الذكرى : من أصالة البراءة عما زاد عن وضع الجبهة فقط ، ومن الرجوع إلى عرف السجود في الصلاة ، وهو وضع جميع أعضاء السجود.

الثالث : لو تكرر السبب تكرر السجود ، فلو لم يسجد للأول سجد للثاني وقضى الأول.

الرابع : يحرم على المصلّي فرضا الاستماع ، فلو فعله أومأ وقضاها بعد التسليم ، لوجود سبب السجود ، وإنما أبيح الترك لأجل العارض - وهو الصلاة الواجبة - فإذا زال العارض وجب القضاء كغيرها من الواجبات.

ص: 158


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

في التسليم

قال رحمه اللّه : التسليم وهو واجب على الأصح.

أقول : الوجوب مذهب السيد المرتضى وابي الصلاح وسلّار ، واختاره المصنف وأبو العباس ، لقوله عليه السلام : «مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» (1) ، وللاحتياط.

والاستحباب مذهب الشيخين وابن إدريس والعلّامة في أكثر كتبه ، لأصالة البراءة ، ولقوله عليه السلام : «إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود» (2) ، ولم يذكر التسليم.

ص: 159


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 من أبواب التسليم ، حديث 1 و 8.
2- عوالي اللئالي 3 : 94 ، حديث 104.

ص: 160

في قواطع

اشارة

الصلاة قال رحمه اللّه : وقيل : لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهّر وبنى ، وليس بمعتمد.

أقول : التروك الواجبة على ضربين : أحدهما متى حصل أبطل الصلاة عامدا كان أو ناسيا ، وهو جميع ما ينقض الطهارة ، قال الشيخ رحمه اللّه : وقد روي أنّه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء ويبني على صلاته ، ولعل وجهه أنّ صلاته قد انعقدت صحيحة وإبطالها يحتاج إلى دليل ، وإنما يبطلها تعمد المنافي وهو لم يتعمد ، والمشهور عدم الفرق.

والضرب الآخر متى حصل وكان المصلي ساهيا أو ناسيا أو لتقية لم تبطل الصلاة ، وهو كل ما عدا نواقض الوضوء.

قال رحمه اللّه : والثاني لا يبطلها إلا عمدا ، وهو وضع اليمين على الشمال ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من وجوب الاقتداء بفعله عليه السلام لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «صلّوا كما رأيتموني أصلي» (1) ولم ينقل أنه كفّر في صلاته ،

ص: 161


1- عوالي اللئالي 1 : 197 ، ذيل حديث 8.

ومن التمسك بالبراءة الأصلية ، لأن الأصل عدم التحريم ، وبه قال أبو الصلاح ، والمشهور التحريم.

ولا فرق بين وضع الكف على الساعد أو بالعكس ، ولا بين وضع الكف على الكف أو الساعد ، ولا بين كون بين العضوين حاجزا أو لا ، وتبطل الصلاة بفعله عمدا اختيارا.

قال رحمه اللّه : والبكاء لشي ء من أمور الدنيا والأكل والشرب على قول ، إلا في صلاة الوتر.

أقول : قال صاحب الصحاح : البكاء يمد ويقصر ، إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها.

إذا عرفت هذا : فالبكاء لأمور الآخرة لا تبطل به الصلاة وإن كان له صوت ، لأنه من دواعي الخشوع ، والبكاء لأمور الدنيا تبطل به الصلاة إذا كان له صوت ، وأما تهامل الدموع بلا صوت فلا تبطل به الصلاة ، سواء كان لأمور الدنيا أو الآخرة.

والأكل والشرب لا يقطعان الصلاة إلّا إذا بلغا الكثرة عند العلامة في المختلف والشهيد في البيان ، لأصالة الصحة ، وأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة.

وقال الشيخ في المبسوط : تبطل الصلاة بالأكل والشرب سواء قلّ أو كثر ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره أبو العباس لمنافاتهما الخشوع ، وإن لم يكن فعلا كثيرا دون ما لا ينافيه كازدراد ما بين الأسنان ، وإنما يجوز الشرب في الوتر بشروط :

الأول : أن يكون عازما على الصوم.

الثاني : أن يلحقه العطش في الصلاة.

الثالث : أن يكون في قنوت الوتر لا في الصلاة.

ص: 162

الرابع : اختصاص الرخصة بالشرب دون الأكل.

الخامس : أن لا يفعل بسبب الشرب ما ينافي الصلاة كالاستدبار ، ويغتفر الفعل الكثير فيه (1) نفسه فإنّه لا يبطل وان طال زمانه ، ويجوز أن يمشي ليتناول الماء ثلاث خطوات فما دون.

قال رحمه اللّه : وفي عقص (2) الشعر للرجل تردد ، والأشبه الكراهية.

أقول : منشؤه أصالة عدم التحريم ، وأصالة صحة الصلاة ، ومن الروايات (3) الدالة على التحريم ، وبالتحريم قال الشيخ ، وبالكراهة قال ابن إدريس والمصنف والعلامة.

قال صاحب الصحاح : عقص الشعر ضفره وليّه على الرأس كالكبة ، وقيل : جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة ، فعلى هذا إن منع من السجود أبطل قطعا.

قال رحمه اللّه : إذا سلّم عليه جاز أن يردّ مثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم ، على رواية.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه عثمان بن عيسى (4) ، قال العلامة في المختلف : وعندي في العمل بهذه الرواية نظر ، فإنّ في طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف ، والمحصّل أنه إذا سلّم عليه وهو في الصلاة وجب الرد وان كان المسلّم صبيا أو امرأة أجنبية ، لعموم قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ

ص: 163


1- في «ر 1» : في.
2- في «ن» : تعمد عقص.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 36 من أبواب لباس المصلي.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب قواطع الصلاة ، حديث 2.

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (1).

وصورة الرد : «سلام عليكم» و «سلام عليك» و «السلام عليك» ، بأي هذه الثلاثة رد خرج من العهدة ، ولا يجوز الرد ب- «عليكم السلام» وإن سلّم بها (لعموم النهي عن الرد بها) (2).

والواجب في الرد إسماع المسلّم ، فإن كان أصمّ لم يجب إسماعه إذا خرج عن العادة ، والأقرب وجوب الإشارة بالرد على الأصم بحيث يعلم أنه رد عليه لكونها قائمة مقام الكلام بعد تعذره في كثير من الأحكام ، فلا يخرج من العهدة بدونها.

فروع :

الأول : إذا حيّاه بغير السلام كالصباح أو المساء أو غير ذلك وجب الرد بلفظ السلام أو الدعاء ، كأن يقول : غفر اللّه لك ، بارك اللّه فيك ، وما شابه ذلك ، فان رد بمثل قوله وقصد الدعاء جاز ، وإن قصد مجرد الرد لم يجز ، وقال الشهيد في البيان : يمكن الجواز.

الثاني : لو لم يرد السلام هل تبطل صلاته؟ يحتمل ذلك ، لأنّ الرد واجب مضيق وهو غير مناف للصلاة ، فإذا فعل شيئا من أفعال الصلاة قبله كان منهيّا عنه ، لأنّه مخاطب بالرد ، والنهي في العبادة يدل (3) على الفساد.

ويحتمل عدم البطلان ، لأنّها انعقدت صحيحة وبطلانها يحتاج إلى دليل وليس ، لأن قواطع الصلاة معدودة مضبوطة وليس ذلك منها ، والنهي الموجب للبطلان هو النهي المتعلق بذات الصلاة كصلاة الحائض ، أو لأمر لازم لذاتها

ص: 164


1- النساء : 86.
2- ما بين القوسين من «ن». والعموم مستفاد من رواية عثمان بن عيسى السابقة.
3- في «ن» و «ر 1» : يستلزم الفساد.

كالصلاة في الثوب المغصوب أو المكان المغصوب ، واختار صاحب الموجز وصاحب البيان عدم البطلان.

الثالث : لو طالبه برد الوديعة وهو في الصلاة وهو قادر على ردّها من غير إبطال الصلاة فلم يردّها كان حكمه حكم تارك السلام في احتمال البطلان وعدمه.

الرابع : المطالب بالوديعة أو الدين قبل دخوله في الصلاة وهو قادر على الدفع ، إذا صلّى قبل تضيّق الوقت ، بطلت صلاته - على المشهور بين الأصحاب - إذا كانت الصلاة منافيه لأداء حق الآدمي ، لكونه مضيّقا والصلاة موسعة ، ولو أمكن الجمع بين الصلاة والدفع لم تبطل. وحكم الزكاة والخمس كذلك وإن لم يطالب المستحق ، لأنه غير متعيّن فلا يتوقف الدفع على مطالبته ، وحكم الدين الذي لا يعلمه صاحبه حكم الزكاة.

تنبيه : يبطل المندوبة كل ما يبطل المكتوبة إلّا خمسة أشياء :

الأول : ترك السورة عمدا.

الثاني : ترك رفع الرأس من الركوع ، قاله في الموجز.

الثالث : ترك الطمأنينة في رفع الرأس من الركوع.

الرابع : الشك في الأوليين.

الخامس : زيادة الركن سهوا ، ولا يحرم قطعها بخلاف المكتوبة.

ص: 165

ص: 166

بقية الصلوات

اشارة

في صلاة الجمعة

قال رحمه اللّه : وكذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول.

أقول : إذا أدرك المأموم الإمام وهو راكع في الثانية فقد أدرك الجمعة إذا ساواه في قوس الركوع ، وان كان بعد ذكر الإمام ، إذا كان الوقت باقيا ، أما مع خروج الوقت مثل أن يتلبس الإمام ولم يبق من الوقت غير قدر ركعة ويصلّي الثانية في غير الوقت ، فإنّه لا يدرك المأموم الجمعة ما لم يلحقه في الأولى ولو في قوس الركوع ، وقال الشيخ في النهاية : يشترط تكبيرة الركوع.

فرع : لو أدرك الإمام راكعا في الثانية فركع ثمَّ زوحم على السجود ، فإن أتى به قبل أن يسلّم الإمام فقد أدرك الجمعة ، وإن استمر الزحام بعد التسليم فقد فاتت الجمعة.

قال رحمه اللّه : وقيل : سبعة ، والأول أشبه.

أقول : يشترط في الجمعة العدد إجماعا ، واختلف علماؤنا على قولين :

أحدهما : سبعة ، وهو قول الشيخ وابن الجنيد رحمه اللّه ، لأنّ الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده ، والاجتماع مظنة النزاع ، والتنازع يوجب اختلال نظام النوع ، فاستدعا كمال نظامه وبقاؤه وجود رئيس يحملهم

ص: 167

على الطاعة ويعدهم عليها الثواب ، ويزجرهم عن المعصية ويتوعدهم عليها العقاب ، فوجب الامام ، ولمّا كان الإنسان محلا للحوادث وجب في بقاء الاجتماع ونظامه وجود نائب الامام ، ولمّا كان التنازع يفتقر إلى مدّع ومدعى عليه وجب اعتبارهما ، ولما كان التجاحد ممكنا وجب اعتبار شاهدين يثبت بهما ما يقع التنازع فيه ، وقد يكون التنازع مؤديا إلى استحقاق الحد في جنب أحدهما ، فوجب وضع مستوف للحد.

فظهر احتياج التمدن إلى هذه السبعة : المدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان والإمام وقاضيه والمتولي إقامة الحدود ، فلهذه الحكمة وجب هذا العدد في الصلاة التي لا تجب على غير المستوطنين.

والقول الآخر : خمسة : المدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان والامام ، ويتولى هو الحكم وإقامة الحدود ، كما فعل علي عليه السلام في كثير من الاحكام ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس والمصنف والعلّامة وابي العباس.

قال رحمه اللّه : قيل : يجزي ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب قراءة سورة خفيفة ، وقال في الخلاف : يقرأ شيئا من القرآن ، وأمّا التقييد بالآية التامة الفائدة إنما نقله المصنف والعلامة. والتامة الفائدة هي التي يحسن السكوت عليها ، وحكمها فيها من الوعد والوعيد وغير ذلك من أحكام القرآن لا يتعلق بالآية التي قبلها ولا التي بعدها.

قال رحمه اللّه : ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت ، وقيل : لا يصح إلّا بعد الزوال ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب الإيقاع قبل الزوال ، قاله الشيخ في النهاية والمبسوط ،

ص: 168

وهو مذهب ابن حمزة ، والمستند الروايات (1).

الثاني : وجوبه بعد الزوال ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره العلّامة ، لأنهما بدل من الركعتين ، ولا يجوز المبدل قبل الزوال فكذلك البدل تحقيقا للبدليّة المقتضية للمساواة.

الثالث : الجواز ، وهو مذهب المصنف جمعا بين الأدلة.

قال رحمه اللّه : وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ، والأشبه أنها غير شرط.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ، ومن أن مع الطهارة تحصل البراءة بيقين ، وبدونها لا يحصل يقين البراءة ، فكان العمل بما يحصل به اليقين أحوط ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وبالأول قال ابن إدريس والعلّامة.

وأجيب عن حجة الشيخ بأن الاحتياط لا يقتضي الوجوب ، واعتقاد وجوب غير الواجب خطأ ، فلا يحصل به الاحتياط مع اعتقاد وجوب الطهارة.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفيه تردد.

أقول : هذا فرع على وجوب الاستماع ، ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، ومن أن الفائدة من الخطبة والوعظ إنما يحصل بالإنصات والاستماع ، وبه قال الشيخ وابن إدريس ، والاستحباب مذهب الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنف والعلّامة في القواعد الاكتفاء بسماع العدد.

وقال العلّامة في المختلف : لا يقال : الخطبة إنما تجب مع حضور

ص: 169


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 8 من أبواب صلاة الجمعة.

الخمسة فيكفي سماعهم وانصاتهم ، ويحرم الكلام عليهم لا على الزائد.

لأنّا نقول : لا تخصيص لأحد بكونه من الخمسة دون غيره ، فيحرم على الجميع.

وذهب أبو العباس في المقتصر إلى تحريمه على الخطيب والمستمع ، وليس مبطلا للجمعة ولو (1) صدر من كل منهما ، وقال في الموجز : يكره للخطيب ويحرم على المستمع.

قال رحمه اللّه : الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ، فإن اتفقتا بطلتا ، وإن سبقت إحداهما - ولو بتكبيرة الإحرام - بطلت المتأخرة ولو لم يتحقق السابقة أعادتا ظهرا.

أقول : هذه المسئلة لم يتردد فيها المصنف ولا فيها خلاف ، ولكنها تفتقر إلى كشف وإيضاح ، فنقول : إذا صلى في بلد واحد جمعتان بينهما أقل من ثلاثة أميال بطلت الأخيرة وصحت السابقة ، فإن اقترنتا بطلتا ، فإن حصل اشتباه في السبق ، فإمّا أن يكون حصل بعد أن كانت إحداهما معلومة السبق بعينها أو معلومة السبق لا بعينها ، أو يشتبه الحال بمعنى : ان لا يعلم هل حصل سبق أم لا؟ ففي الصورتين الأوليين يحصل القطع ببراءة الذمة من صلاة الجمعة ، لأنه قد وقع في ذلك البلد جمعة صحيحة لكن كل طائفة شاكة في كون الجمعة الصحيحة هل هي جمعتها أم جمعة الطائفة الأخرى؟ فيتعين عليهما الإتيان بالظهر ، لعدم قطع كل طائفة منهما بخروجها من العهدة.

واما الصورة الثالثة - وهي صورة الاشتباه - فإنهما يعيدان جمعة وظهرا

ص: 170


1- في «م» و «ن» و «ر 2» : لو.

ليحصل يقين البراءة ، لأنهما لو أعادا (1) جمعة فقط أمكن أن يكون جمعة إحداهما صحيحة ، فتبطل الأخرى ، والواجب على من بطلت جمعته الظهر ، وإن أعادا ظهرا فقط أمكن اقتران الجمعتين ، فتبطلان ، فيجب عليهما الجمعة ، فلا يحصل يقين البراءة إلا بالإتيان بهما معا.

ويؤم بالطائفتين إمام من غيرهما ، لاحتمال أن يكون الذي يؤم بهما من طائفة قد سبقت جمعتها وقد برأت ذمته منها ، فلا يجوز أن يكون إماما لمن ذمته مشتغلة بها ، وكذا إن صليا الظهر جماعة ، فلو صلت كل واحدة الظهر وحدها جاز أن يؤم بها إمام منها ، لعدم إمكان اختلاف حكم الإمام والمأموم حينئذ ، ولو افترقتا بفرسخ صلت كل طائفة الجمعة فقط بإمام منها أو من غيرها لا من الطائفة الأخرى.

قال رحمه اللّه : وفي العبد تردّد.

أقول : الجمعة لا تجب على العبد ، ولو حضر وجبت عليه كالمريض ، وهل تنعقد به؟ قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : تنعقد ، وبه قال ابن إدريس ، لعموم (2) الدليل الدال على اعتبار العدد من غير تقييد بحرية أو غيرها ، وعدم وجوبها عليه لا ينافي انعقادها به كالمريض. وقال الشيخ في المبسوط بعدم الانعقاد ، واختاره العلامة وأبو العباس في موجزه ومحررة ، لأن العبد لا يجب عليه الحضور إجماعا ، ولا يجوز بغير إذن سيّده وهو غير معلوم ، فيحكم ظاهرا بقبحه لأصالة عدم الاذن ، فلو اعتددنا به في تكميل العدد الموجب لتكليف الغير ، كان ذلك التكليف قبيحا لاشتماله على التصرف بمال الغير من غير اذنه ،

ص: 171


1- كذا في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الجمعة.

وما ليس ينفك عن القبيح فهو قبيح ، فلا ينعقد به إلا مع إذن سيده بالحضور.

فرع : لو ألزم المولى عبده بحضور الجمعة ، احتمل الوجوب ، لوجوب طاعته في غير العبادة ففيها أولى ، ويحتمل العدم ، لأنه غير مكلف بالحضور ، وإلزام السيد غير صالح لإثبات ما أسقطه الشارع عنه من العبادات ، كعدم صلاحيته لإسقاط ما أوجب عليه منها ، فلا يلتفت إلى إلزامه قبل الحضور كما لا يلتفت إلى منعه بعد الحضور ، بل يكون تكليف العبد مع إذن سيده قبل الحضور تكليفا اختياريا موكولا إلى اختيار العبد ، إن شاء حضر وإن شاء ترك.

قال رحمه اللّه : ولو هاياه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر.

أقول : قال الشيخ لو انعتق بعضه وهاياه مولاه فاتفقت الجمعة في يوم نفسه وجبت عليه ، لأنه ملك المنافع وزال عذر الحضور في ذلك اليوم ، وحكم المصنف والعلامة بعدم الوجوب ، لأصالة البراءة ، ولأن المهاياة ليست واجبة ، فلو وجبت عليه الجمعة في يوم نفسه وجبت مطلقا.

قال رحمه اللّه : الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد ، وكذا تحريم الكلام في أثنائها.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : ويعتبر في إمام الجمعة كمال العقل ، والايمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذكورة ، ويجوز أن يكون عبدا ، وهل يجوز أن يكون

ص: 172


1- ص 169 - 170.

أجذم أو أبرص؟ فيه تردد ، والأشبه الجواز وكذا الأعمى.

أقول : بعض هذه الشروط مجمع عليه وبعضها مختلف فيه ، فالمجمع عليه كمال العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد والذكورة ، والباقي مختلف فيه ، فمما اختلف فيه الحرية ، ولم يعتبرها الشيخ في المبسوط إذا تمَّ العدد بدونه ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد في دروسه ، لأنّه مكلف عدل فجازت إمامته ، واعتبرها في النهاية والمفيد في المقنعة ، لأن الإمامة أحد المناصب الجليلة فلا يليق بحال العبد ، ولما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه ، عن علي عليهم السلام «قال : لا يؤم العبد إلّا أهله» (1) وهو مذهب أبي العباس في موجزه.

ومنشأ التردد في الأجذم والأبرص نفور القلوب عنهما ، وفي الأعمى عدم تحرزه من النجاسة ، ومن هذا شأنه لا يجوز أن يكون إماما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن إدريس ، ومن أصالة الصحة ، وهو المشهور.

قال رحمه اللّه : الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة ، وقيل : مكروه ، والأول أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في وقت الأذان المشروع في يوم الجمعة ، والمشهور أنه حال جلوس الإمام على المنبر.

قال ابن أبي عقيل : إذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر وجلس وقام المؤذن فأذّن ، فإذا فرغ المؤذّن من أذانه قام الإمام خطيبا للناس.

ومثله قال ابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلّامة.

وقال أبو الصلاح : وإذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان ، فإذا فرغوا منه صعد المنبر وخطب.

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 17 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 4.

وقال الشهيد في بيانه : ولو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى الثاني زمانا وإلى غير الشرعي ، فينزل على القولين.

مراده : لو أذّن قبل صعود الإمام المنبر وبعد صعوده كان البدعي هو الأذان الذي بعد صعود الإمام المنبر لكونه ثانيا ، ويحتمل أن يكون البدعي هو غير المشروع منهما.

فإن قلنا : إنّ المشروع هو المشهور ، كان البدعي هو الأول الذي قبل صعود الإمام ، وكان ثانيا لعدم الاعتداد به (وان قلنا : المشروع ما قاله أبو الصلاح كان البدعي الثاني بالزمان ومذهب الدروس كالبيان وقال ابن إدريس) (1) :

الأذان الثاني هو الحاصل بعد نزول الإمام عن المنبر مضافا إلى الأذان الأول الذي عند النزول ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر واستقربه الشهيد في بيانه.

إذا عرفت هذا ، فالتحريم مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في تحريره ومختلفه ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يفعله إجماعا ، وشرع الصلاة بأذان واحد وإقامة ، فالزيادة المماثلة بدعة ، وقيل : أول من أحدثه عثمان ، وقيل : معاوية ، وقال الشيخ في المبسوط بالكراهة لأصالة الإباحة ، وقوّاه صاحب الدروس.

قال رحمه اللّه : يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان ، فإن باع أثم ، وكان البيع صحيحا على الأظهر.

أقول : إذا وقع البيع عند الأذان ممن وجب عليه الجمعة فعل حراما إجماعا ، وهل ينعقد؟ جزم الشيخ في الخلاف بعدم الانعقاد ، لكونه منهيا عنه

ص: 174


1- ما بين القوسين من «ن» ، وفي باقي النسخ عبارة : (وان كان) بدلا عنه.

والنهي يدل على الفساد ، وهو مذهب ابن الجنيد ، وأكثر المتأخرين على الانعقاد ، لأنه بيع صدر من أهله في محله ، لأن العقد سبب لنقل الملك إلى المشتري بالإجماع ، وهو موجود هنا ، والنهي الذي يستلزم الفساد هو النهي في العبادات لا المعاملات.

فروع :

الأول : النداء الذي يتعلق به التحريم هو الأذان المشروع حالة صعود الخطيب المنبر.

الثاني : لو كان بعيدا عن الجمعة ، بحيث يفتقر إلى السعي قبل الزوال وجب السعي ، وحرم البيع إن منع من السعي ، وإلّا فلا.

الثالث : لو لم يمنع البيع حالة الأذان من السعي ولا من سماع الخطبة ، احتمل الجواز لعدم المنافاة ، والعدم لعموم (1) المنع حالة النداء.

الرابع : لو كان أحد المتبايعين مخاطبا بالجمعة دون الآخر حرم على المخاطب إجماعا ، وعلى الآخر أيضا لما فيه من المعاونة على الإثم والعدوان المنهي عنه في الآية (2) ، وقيل : يكره لغير المخاطب.

الخامس : لا فرق بين البيع وغيره من العقود للمشاركة في العلّة.

قال رحمه اللّه : إذا لم يكن الإمام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان ، قيل : يستحب أن يصلّى جمعة ، وقيل : لا يجوز ، والأول أظهر.

أقول : إذا أمكن في حال الغيبة اجتماع العدد المعتبر والخطبتان استحب

ص: 175


1- الجمعة : 9.
2- المائدة : 2.

الاجتماع وإيقاع الجمعة بنية الوجوب ، وتجزي عن الظهر ، هذا مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة والشهيد وأبو العباس ، لعموم قوله تعالى ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) (1) ولهم عليه روايات (2).

والمنع مذهب ابن إدريس والسيد المرتضى ، لأن شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة وهو مفقود ، ولأن الظهر أربع ركعات ثابتة في الذمة بيقين فلا يخرج من العهدة إلا بفعلها ، وأخبار الآحاد مظنونة لا يجوز التعويل عليها.

وأجاب العلامة بأنّ الفقيه المأمون منصوب من قبل الإمام ، ولهذا تمضى أحكامه ، ويجب على الناس مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس.

فروع :

الأول : على القول بانعقاد الجمعة حال الغيبة ، يجوز إيقاع جمعتين في بلد واحد بينهما أقل من فرسخ ، قاله أبو العباس في موجزه ، وفيه نظر حققناه في شرح الموجز ، والأقوى (3) عدم الجواز.

الثاني : يجب على الإمام نية الإمامة ، لأن من شرطها الاجتماع وكل صلاة الاجتماع فيها شرط يجب فيها نية الإمامة.

الثالث : قال الشهيد في البيان : فرع : انما يجوز مع باقي الشرائط ، فإذا اجتمعوا نووا الوجوب ، ويجزي عن الظهر فيكون الوجوب هنا تخييريا.

ووجدت قيدا على بعض نسخ البيان منسوبا إلى بعض الفضلاء أن

ص: 176


1- الجمعة : 9.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب صلاة الجمعة.
3- في «ي 1» : والظاهر.

مراده في قوله (تخييريا) أي التخيير بين نية الوجوب ونية الندب وأيهما نوى أجزأ عن الظهر ، وهو غلط ، بل مراده التخيير بين الجمعة والظهر ، فيكون من باب الواجب المخير ككفارة رمضان وغيرها من الواجبات المخيّرة ، ولا يجوز نيّة الندب ، لأن الجمعة بدل من الظهر ، وحكم البدل حكم المبدل عنه في جميع الأحكام إلا ما أخرجه النص هنا ، من زيادة القنوت ونقصان الركعتين المعوض عنهما بالخطبتين ، ومن بعض احكام المبدل اشتراط نية الوجوب فيجب في البدل تحقيقا للبدلية ،

ولأنها مجزية عن الظهر ، والندب لا يجزي عن الواجب مع تحقق الوجوب في شي ء من الأحكام إجماعا.

فإن قيل : إن هذه الجمعة مندوبة مع أنها تجزي عن الظهر عند القائل بها ، والوضوء المندوب يجزي عن الواجب في بعض الصور ، فكيف قلتم :

إن المندوب لا يجزي عن الواجب إجماعا؟! الجواب عن الأول : إن المندوب هو الاجتماع والعدول إليها عن الظهر ، فإذا اختار المكلف ذلك وأراد الدخول فيها ، تعين عليه نية الوجوب ، لاختياره إيجابها عليه بالدخول فيها ، كاستحباب الجهر يوم الجمعة ، والجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ، فإنّ المستحب هو العدول إلى الجهر ، فإذا أتى به اعتقد الوجوب ، لأن القراءة لها صفتان الجهر والإخفات وكلاهما واجب ، فلا يجوز أن يوقع أحدهما بنية الاستحباب ، فكما أن الواجب في الظهر هو الإخفات ، والعدول إلى الجهر مستحب وإذا أتى به اعتقد وجوبه ولا يجوز أن يوقعه بنية الندب ، كذلك الواجب في الجمعة حال الغيبة هو الظهر ، والعدول إلى الجمعة مستحب مع الإمكان ، فإذا دخل فيها دخل بنية الوجوب ، لأن الأصل فيها الوجوب ، لكون الفرض غيرها ، وهو الظهر ، وقد استحب له العدول إلى الجمعة ، فإذا عدل إليها وجب إيقاعها على أصلها كالجهر ، لأن

ص: 177

الأصل فيه الوجوب ، ولكن فرضه في الظهر غيره ، وهو الإخفات ، وقد استحب العدول إلى الجهر ، فإذا عدل إليه وجب إيقاعه على أصله ، وهو الوجوب ، فلا يجوز إيقاع الجمعة بنية الندب ، كما لا يجوز فعل الجهر بنية الندب لمساواتها له من كل الوجوه.

واما الجواب عن الثاني : - وهو إجزاء الوضوء المندوب عن الواجب - فإنا نقول : انما يجوز إيقاع الوضوء المندوب المجزي عن الواجب في غير وقت التكليف بالواجب (1) ، فلو كان مكلفا به لما جاز إيقاعه بنية الندب ، ولا أجزأ عن الواجب ، وانما أجزأ مع خلوّه عن الواجب ، لأنه أوقع طهارة مشروعة رافعة للحدث ، مبيحة للصلاة ، فإذا دخل وقت الوجوب وهو على تلك الطهارة اجتزأ بها ، لعدم بطلانها بدخول وقت الوجوب ، والجمعة ليس كذلك ، لأنه أوقعها في وقت هو مكلف فيه بأداء الفرض ، فلو أوقعها بنية الندب لم تكن معتبرة ولا مجزية عن الفرض كما لو أوقع الوضوء الندب بنية الفرض لم يكن معتبرا ولا مجزيا عن الفرض.

ولقد نص أبو العباس في مهذبه ومقتصره والشهيد في بيانه على نية الوجوب ، ولم نجد قولا لبعض الأصحاب بجواز نية الندب ، فتعين القول بالوجوب ، لنص الأصحاب عليه ، وسياقة الدليل اليه ، وإنما أطلنا البحث هنا ليظهر بطلان ذلك القيد الذي نقله أكثر الطلبة ، وقال به.

قال رحمه اللّه : إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام في الأولى ، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع وجب ، وإلا اقتصر على متابعته في السجدتين وينوي بهما الأولى ، فإن نوى بهما الثانية ، قيل : تبطل الصلاة

ص: 178


1- في «ن» : بالوجوب.

وقيل : يحذفهما ويسجد للأولى ويتم ثنائية ، والأول أظهر.

أقول : إذا ركع مع الإمام في الأولى ومنعه الزحام عن سجودها ، فإن تمكّن - بعد قيام الإمام من الأولى إلى الثانية - من السجود أتى به ولا كلام ، وإلّا فلا يتابعه في ركوع الثانية ، فإذا سجد الإمام سجد معه ونوى بهما أنهما للركعة الأولى ، ولو لم ينو أنهما للأولى بطلت صلاته.

وقال ابن إدريس : لا يجب تجديد نية أنهما للأولى ، بل الاستدامة كافية والأصل براءة الذمة من وجوب تجديد النية ، واستقربه الشهيد.

والجواب أن المأموم أفعاله تابعة لأفعال الإمام ، والإمام سجد السجدتين بنية أنهما للثانية فيكون المأموم بحكمه ، فلو لم ينو أنهما للأولى انصرفا إلى الثانية تحقيقا للمتابعة.

وقال في المبسوط : إذا لم ينو بهما الأولى لم يعتد بهما ، ووجب ان يحذفهما ويسجد سجدتين للركعة الأولى ، والأول مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة.

ص: 179

ص: 180

في صلاة العيدين

اشارة

قال رحمه اللّه : ثمَّ يكبّر بعد القراءة على الأظهر.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : يبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالقراءة ثمَّ يكبّر بعدها للقنوت ، وفي الثانية يكبر أيضا بعد القراءة ، وهو قول ابن إدريس وابن بابويه وابي الصلاح ، ومذهب المصنف والعلامة ، وقال ابن الجنيد : والتكبير في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي الأمصار عقيب عشر يقول : اللّه أكبر اللّه أكبر ، وفي الثالثة تردّد.

أقول : منشؤه اختلاف الأصحاب المستند إلى اختلاف الروايات (2) ، قال ابن أبي عقيل : يقول اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، ولله الحمد على ما هدانا ، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، ومثله قال ابن الجنيد ، وقال ابن بابويه : «ان عليا عليه السلام كان يقول : اللّه أكبر اللّه

ص: 181


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب صلاة العيد.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 21 من أبواب صلاة العيد.

أكبر ، لا إله إلا اللّه ، ولله الحمد (1).

قال رحمه اللّه : التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدير الوجوب ، هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ؟ الأظهر انه لا يتعين وجوبا.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : التكبير الزائد على المعتاد في سائر الصلوات ، وباستحبابه قال الشيخ في التهذيب ، واختاره المصنف ، لأصل براءة الذمة ، وبالوجوب قال أبو علي ابن الجنيد ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لقوله عليه السلام :

«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (2) ، ولأنهم عليهم السلام نصّوا على وجوب صلاة العيد ، وبيّنوا كيفيتها ، وذكروا التكبيرات الزائدة (3).

الثانية : القنوت ، قال السيد المرتضى : مما انفردت به الإمامية وجوب القنوت بين كل تكبيرتين من تكبيرات العيد ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لقوله عليه السلام : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ، والاستحباب مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف للأصل.

الثالثة : على تقدير وجوبه ، هل يتعين فيه لفظ؟ قال أبو الصلاح : ويلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين ، فيقول : «اللّهم أنت أهل (4) الكبرياء والعظمة» (5) الى آخره ، وهو يشعر بوجوب هذا الدعاء ، والمشهور أنه يقنت

ص: 182


1- راجع المصدر السابق.
2- عوالي اللئالي 1 : 197 ، حديث 8.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 و 10 و 20 و 21 من أبواب صلاة العيد.
4- في «م» و «ي 1» و «ر 1» : اللّهم أنت أهل.
5- وهذا الدعاء موجود في المصدر السابق باب 26 ، حديث 2 و 5.

بما شاء ، لأن الأصل براءة الذمة من وجوب التعيين.

فروع :

الأول : لو قنت قبل القراءة ناسيا تدارك القراءة واستأنف التكبير والقنوت الذي فعله قبلها ما لم يركع ، فان ركع مضى في صلاته وسجد للسهو.

الثاني : لو نسي التكبيرات أو بعضها ولم يذكر حتى يركع لم يكن عليه غير سجود السهو ، وقال الشيخ : يقضيه بعد الصلاة.

الثالث : لو شك في عدد التكبيرات بنى على اليقين.

الرابع : لو أدرك بعضه مع الإمام أتمه لنفسه ، فإن خاف فوات الركوع والى بين التكبيرات من غير قنوت.

الخامس : لو شك بين الركعتين بطلت صلاته.

السادس : يحرم البيع وشبهه بعد الأذان كالجمعة.

قال رحمه اللّه : إذا اتفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة ، وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته ، وقيل : الترخيص مختص بمن كان نائيا عن البلد ، كأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : التخيير مطلقا ، وهو قول الشيخين واختاره العلامة ، لأن في الجمع حرجا وضررا وزيادة تكليف فيكون ساقطا.

الثاني : وجوب الحضور مطلقا ، وهو قول ابن البرّاج وأبي الصلاح ، لأن الأصل وجوب الصلاتين ، ولأن وجوب الحضور على الإمام يدل على وجوب الحضور على غيره ، وإلا لقبح تكليف الإمام لتوقفه على فعل لا يعلم إيقاعه من الغير.

ص: 183

وأجاب العلامة عن هذا بان الواجب على الإمام ليس هو صلاة الجمعة ابتداء ، بل الواجب عليه الحضور ، وهو لا يتوقف على فعل الغير ، فان اجتمع العدد لحقه وجوب آخر ، وإلا فلا.

الثالث : اختصاص التخيير بمن كان قاصي المنزل دون أهل البلد ، بل يجب عليهم الحضور ، واختاره المصنف وأبو العباس في موجزه ، لرواية إسحاق بن عمار (1) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، ولأن في عود قاصي المنزل زيادة في المشقة على أهل البلد فتختص الرخصة بذي المشقة العظيمة دون غيره ، ومذهب الشهيد كمذهب الشيخين.

قال رحمه اللّه : وفي خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : التردد نشأ من ظاهر كلام الشيخ في النهاية ، فإنه قال فيها : وإذا أراد الإنسان الشخوص من بلد فلا يخرج من بعد الفجر إلّا أن يشهد الصلاة ، فإن شخص من قبل ذلك لم يكن به بأس. وهو يدل على عدم جواز الشخوص بعد الفجر وقبل الصلاة.

ومن أصالة الجواز ، ولأن المانع هو التكليف في الصلاة ، وهو لا يتحقق قبل دخول الوقت ، وهو طلوع الشمس.

فرع : لو سافر بعد طلوع الشمس وقبل صلاة العيد مع وجوبها عليه ، وجب عليه العود للحوق بها إن أمكنه ذلك ، فان لم يمكنه لم تعتبر المسافة من البلد إلى الموضع الذي انتفى فيه إمكان العود واللحاق بالصلاة ، لكونه عاصيا في سفره ، ثمَّ تعتبر المسافة من ذلك المكان ، فإن كان الباقي مسافة وجب التقصير حينئذ وإلا فلا.

ص: 184


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 15 من أبواب صلاة العيد ، حديث 3.

وكذلك لو سافر يوم الجمعة بعد الزوال فإنه لا يجوز له صلاة الظهر ولا يعتبر المسافة ما امكنه العود واللحاق بالصلاة ، فإذا انتفى الإمكان اعتبر المسافة وصلى الظهر تماما لوجوبها عليه حالة الإقامة.

ص: 185

ص: 186

في صلاة الكسوف

اشارة

قال رحمه اللّه : فتجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة ، وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل :

نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، بل يستحب ، وقيل : تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب.

أقول : قال الشيخ في النهاية والمبسوط : صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب. ولم يتعرض لأخاويف السماء ، وبه قال ابن إدريس ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينقل عنه أنه صلى لغير ذلك. وأوجبها في الخلاف لجميع الآيات التي تظهر في السماء من الأخاويف وغيرها ، وهو اختيار العلامة وأبي العباس ، لأن المقتضي للوجوب في الكسوف موجود ، وهو أنه خارق للعادة ليحصل به تذكير العباد فيكون لطفا ، فهذه الحكمة مشتركة في الجميع ، ولما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح «قلنا لأبي جعفر عليه السلام هذه الرياح والظلمة التي تكون هل يصلّى لها؟ قال : كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع يصلّى

ص: 187

له صلاة الكسوف حتى يسكن» (1).

قال رحمه اللّه : إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى ، وقيل : الحاضرة أولى ، والأول أشبه.

أقول : إذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة ، فإمّا أن يتسعا أو يتضيقا أو تتسع إحداهما وتتضيق الأخرى ، فإن تضيقتا أو تضيقت الحاضرة بدئ بالحاضرة ، وإن تضيقت الكسوف بدئ بها ، وإن اتسع الفرضان تخيّر على المشهور بين الأصحاب ، لأنهما فرضان اجتمعا ووقتهما متسع فيتخيّر المكلف بينهما ، لأن تعين أحدهما وجوبا يستلزم أحد الحالين : إما ضيق وقت ما فرض اتساع وقته ، أو كون ترك العبادة الواجبة أولى من فعلها ، لأن المتعيّن فعلها وإن كان لضيق وقتها لزم الأول ، وإن كان لقبح تقديم الأخرى لزم الثاني ، وكلاهما محال.

وقال في النهاية : يبدأ بالفريضة ، وهو مذهب ابن البراج ، لأنها أهم في نظر الشرع.

فروع :

الأول : إذا قدمت الحاضرة فخرج وقت الكسوف ، فإن كان قد فرط في تأخير الكسوف أو الحاضرة مع تمكنه وجب قضاء الكسوف ، وإلا فلا.

الثاني : إذا عرض الشك ، فان تعلق بالركعات بطلت ، كما لو شك بين الخامس والسادس ، أو الخامس والعاشر ، وإن تعلق بالركوعات بنى على الأقل ، كما لو شك بين الرابع والخامس ، أو بين السادس والسابع.

ص: 188


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 1.

الثالث : لو صلّى بالتبعيض فأراد تتمة السورة في الرابع أو الخامس فنسي باقيها ، ابتدأ بالحمد ثمَّ قرأ سورة كاملة إن كان في الخامس ، وإلّا جاز تبعيضها ويكمل فيها.

الرابع : يجب تكميل السورة المبعضة في الخامس والعاشر ، لأن كل خمس ركوعات بمنزلة ركعة ، فيجب عليه الحمد وسورة.

الخامس : لو قرأ بعض سورة في الأول جاز له العدول إلى سورة أخرى في الركوع الثاني ، لكن يجب عليه الابتداء بالحمد ثمَّ يقرأ سورة كاملة أو مبعضة ، وهو اختيار الشهيد في البيان.

السادس : يجب أن يقرأ في المبعضة من حيث قطع ، فلو قرأ لا على التتالي لم يصح ، لقول الصادق عليه السلام : «فاقرأ من حيث قطعت» (1) ، وهو يشعر بعدم جواز العدول إلى سورة أخرى.

السابع : إذا قرأ في ركوع بعض سورة ، ليس له أن يقرأ في الركوع الذي بعده بعضا من أخرى قبل أن يكمل الأولى ، وله أن يقرأ من حيث قطع من الأولى حتى يكمل ، ثمَّ يقرأ بعضا من سورة أخرى في ذلك الركوع.

الثامن : جميع الأخاويف - غير كسوف النيّرين - يجب على الفور عند حدوث أسبابها ، ويمتد وقتها مدة العمر ، بمعنى أنها تصلى أداء ولا تصير قضاء ، بخلاف النيّرين فإن وقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء على المشهور.

وقال الشهيد في دروسه : إلى تمام الانجلاء ثمَّ تصير قضاء.

وقيل : إن وقت الرياح المظلمة الشديدة والظلمة الشديدة مدتها ، أما الزلزلة فمدتها العمر ، وكذا الصيحة ، وبالجملة كل آية يضيق وقتها عن

ص: 189


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 6.

العبادة. وهذا مذهب أبي العباس في موجزه.

التاسع : إذا سبق المأموم بركوع فقد فاتته تلك الركعة ، فإن شاء (1) صبر حتى يقوم إلى الثانية ثمَّ يحرم معه لها ، فإذا تممها الإمام وسلّم أتى هو بركعة أخرى ، وإن شاء تابعه في الأولى بنية الندب ، فإذا انتهى إلى الثانية جدد نية الوجوب ، ثمَّ يصلي بعد تسليم الإمام ركعة أخرى ، ولا يحسب ما صلى بنية الندب.

العاشر : لو اجتمع عيد وآية وجنازة قدم ما يخشى فوته ، فان اتسع الجميع قدم الجنازة ثمَّ الآية ثمَّ العيد ، وكذا لو ضاق الجميع ، ولو ضاق العيد قدم ولا يخطب له إلا بعد الفراغ من الجنازة والآية.

الحادي عشر : لو اتفقت الآية والجمعة وضاقا قدمت الجمعة ، ومع السعة تقدم الآية ، قاله في الموجز ، ولو قيل بالتخيير كالفريضة كان وجها.

تنبيه : يحصل العلم بسعة الوقت في الكسوف بقول المعصوم ، أو بغيبوبة الشمس مكسوفة ، أو طلوعها على القمر مخسوفا فهنا يحصل العلم اليقين بسعة الوقت ، ويحصل الظن بقول الرصدي إذا كان عدلا.

قال رحمه اللّه : يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا ، وقيل : لا يجوز ذلك إلا مع العذر ، وهو الأشبه.

أقول : بالجواز قال ابن الجنيد ، لرواية علي بن فضال الواسطي (2) عن الرضا عليه السلام ، والمشهور عدم الجواز ، لأنها صلاة واجبة فلا تجوز راكبا ولا ماشيا مع القدرة ، كغيرها من الصلوات الواجبة.

ص: 190


1- من «ن».
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 1.

في الصلاة على الأموات

قال رحمه اللّه : والدعاء بينهنّ غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين.

أقول : يحتمل عدم وجوب الدعاء ، لأصالة براءة الذمة ، ويحتمل وجوبه للمؤمنين عقيب الثالثة ، وللميت عقيب الرابعة ، لأن المقصود من صلاة الجنازة الدعاء ، ولقوله عليه السلام : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (1) لكنّه لا يتعين لفظا ، فالمؤمن يدعو له بما شاء ، وكذا المنافق يجب أن يدعو عليه بما شاء ، وكذلك المستضعف والمجهول حاله ، ويستحب مراعاة المنقول في الجميع.

فالمؤمن ، يقول : «اللّهم إن هذا عبدك النازل بك وأنت خير منزول به ، اللّهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، واحشره مع الأئمة

ص: 191


1- تقدم ص 161.

الطاهرين» (1).

والمنافق يقول : «اللّهم املأ قلبه نارا ، وجوفه نارا ، وسلّط عليه الحيات والعقارب» (2).

وروي : «أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حضر جنازة عبد اللّه بن أبي سلول لعنه اللّه ، فقيل له : يا رسول اللّه ألم ينهك اللّه أن تقوم على قبره؟! فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم : ويلك ، وما يدريك ما قلت؟! إني قلت : اللّهم احش جوفه نارا وأذقه أشد عذابك» (3) وصلّى الحسن عليه السلام على منافق ، «فقال : اللّهم العن عبدك وأخزه في عبادك ، وأصله نارك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنه يوالي أعداءك ، ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك» (4).

والمستضعف يقول : «اللّهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ، وقهم عذاب الجحيم».

ومجهول الحال يقول : «اللّهم أنت أحييت النفوس ، وأنت أمتها ، تعلم سريرتها وعلانيتها ، أتيناك شافعين فيها فشفّعنا ، ولّها من تولّت واحشرها مع من أحبّت» (5).

ص: 192


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الجنازة ، والمستدرك 2 : 247 ، باب 2 من أبواب صلاة الجنازة.
2- الباب الثالث من المصدرين السابقين.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 4 من أبواب صلاة الجنازة ، حديث 4 (بتفاوت).
4- المصدر المتقدم حديث 2 و 6 ، (لكنه في الوسائل : «الحسين عليه السلام» بدل «الحسن عليه السلام»).
5- راجع في المستضعف ومجهول الحال ، نفس المصدر المتقدم باب 3.

والطفل ، يقول : «اللّهم اجعله لنا ولأبويه فرطا ، ولا تفتنّا بعده ، ولا تحرمنا أجره» (1).

ويستحب الإسرار في صلاة الجنازة ، لأن السرّ أقرب إلى القبول لبعده عن الرياء.

قال رحمه اللّه : ويرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا ، وفي البواقي على الأظهر.

أقول : الرفع في الأولى خاصة مذهب الشيخ في النهاية والمفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وأبي الصلاح.

وقال الشيخ في الاستبصار : يرفع يديه في الجميع ، واختاره المصنف والعلامة ، ومستند الجميع الروايات (2).

تنبيه : أفضل الصفوف في جميع الصلوات المتقدم إلّا الجنازة فإن أفضلها المتأخر ، وسئل الصادق عليه السلام عن الوجه في ذلك ، «فقال : لأنه سترة في النساء» (3).

ص: 193


1- المصدر المتقدم ، باب 12.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب صلاة الجنازة.
3- المصدر المتقدم ، باب 29.

ص: 194

في الصلوات المرغبات

قال رحمه اللّه : والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة.

أقول : هذا هو المشهور ، وادعى سلار عليه الإجماع ، ولأنه شهر شريف يضاعف فيه الحسنات ، فيكون زيادة الصلاة فيه مشروعة عملا بالمناسبة.

وقال محمد بن بابويه : لا نافلة زيادة فيه على غيره ، ومستنده رواية عبد اللّه بن سنان (1) عن الصادق عليه السلام ، ولأصالة براءة الذمة من شغلها بواجب أو ندب ما لم يتحقق الدليل.

قال رحمه اللّه : ثمان بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء ، على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال المفيد والسيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، والمستند رواية مسعدة بن صدقة (2) ،

ص: 195


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان ، حديث 2.
2- نفس المصدر السابق ، باب 7 ، حديث 2.

عن الصادق عليه السلام.

وخيّر في النهاية بين ثمان بعد المغرب وبين اثنتي عشرة ركعة ، والباقي بعد العشاء ، والأول أشهر.

قال رحمه اللّه : وروي أنه يقتصر في ليالي الإفراد على المئة حسب ، فيبقى عليه ثمانون.

أقول : الاقتصار على المئة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال المفيد ، وعدم الاقتصار على المئة بل يضيفها إلى العشرين أو الثلاثين مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس ، واستند الفريقان إلى الروايات (1).

ص: 196


1- راجع نفس الباب المتقدم.

في الخلل الواقع في الصلاة

اشارة

قال رحمه اللّه : وبالسجدتين حتى ركع فيما بعد ، وقيل : يسقط الزائد ويأتي بالفائت ، وقيل : يختص هذا الحكم بالأخيرتين ، ولو كان في الأوليين استأنف ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : إن من ترك سجدتين من ركعة سهوا أعاد الصلاة ، سواء كانتا من الأوليين ، أو من الأخيرتين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، قال به المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس والمصنف والعلامة ، لأن زيادة الركن أو نقصانه مبطل للصلاة ، وقد حصل أحدهما فتبطل صلاته.

الثاني : يحكم بالبطلان إن كان من الأوليين أو ثالثة المغرب ، وبالصحة ان كان من الأخيرتين من الرباعية ، ويبني على الركوع الأول ويعيد السجود ، ويغتفر زيادة الركن هنا ، وهو مذهب الشيخ في الجمل.

الثالث : قول محمد بن بابويه ، وهو البطلان ان كان في الركعة الأولى دون الثانية والثالثة.

قال رحمه اللّه : وقيل : لو شك في الركوع فركع ، ثمَّ ذكر أنه كان ركع

ص: 197

أرسل نفسه ، ذكره الشيخ وعلم الهدى ، والأشبه البطلان.

أقول : إذا شك في الركوع وهو قائم وجب ان يركع ، فان ذكر انه كان قد ركع ، فيه ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الصلاة وإرسال نفسه من غير رفع مطلقا ، أي سواء كان من الأوليين أو من الأخيرتين ، قاله الشيخ في المبسوط والجمل ، لأن الانحناء لا بد منه فلا يكون مبطلا ، وأجيب : بأن الانحناء بنية الركوع غير الانحناء بنية السجود فيكون الأول مبطلا ، لكن بشرط ان يصل إلى حد الركوع.

الثاني : تقييد الصحة في الحكم المذكور بكون الشك في الأخيرتين ، وبطلان الصلاة ان وقع في الأوليين ، قاله الشيخ في النهاية وعلم الهدى ، وهو مذهب ابن إدريس.

الثالث : البطلان مطلقا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وأبي العباس ، لزيادة الركن.

قال رحمه اللّه : وان كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام فيه تردد ، والأشبه الصحة.

أقول : إذا ذكر نقصان صلاته بعد ان تكلم عمدا ، قال في النهاية بوجوب الإعادة ، وهو ظاهر الحسن بن ابي عقيل وابي الصلاح ، لما رواه أبو بصير «قال : سالت الصادق عليه السلام عن رجل صلى ركعتين ثمَّ قام فذهب في حاجته؟ قال : يستقبل صلاته» (1).

وقال في المبسوط : من أصحابنا من قال : إذا نقص ساهيا لم يكن عليه إعادة الصلاة ، لأن الفعل الذي يكون بعده في حكم السهو ، قال : وهو

ص: 198


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، حديث 10.

الأقرب عندي ، واختاره المصنف والعلامة ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو ترك سجدتين ولم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين ، رجحنا جانب الاحتياط ، وان كانتا من ركعتين ولم يدر أيّهما هي ، قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان يقينا والأظهر أنه لا إعادة ، وعليه سجدتا السهو.

أقول : إذا ترك المكلف سجدتين ولم يعلم أنهما من ركعة أو من ركعتين ، علمنا ان الاحتياط بإعادة الصلاة ، لأن المسقط لها في الذمة غير معلوم ، والأصل بقاء التكليف ، ويحتمل عدم الإعادة ، لأن الأصل براءة الذمة من الإعادة ، والأول أحوط ، فلهذا قال المصنف : رجحنا جانب الاحتياط ، لأنه يقابل أصلان : أصالة بقاء التكليف وأصالة براءة الذمة من الإعادة ، لكن الأول مرجح بالاحتياط.

وان تيقن انهما من ركعتين ولم يدر من الأوليين أو الأخيرتين ، قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان ، وهو إشارة إلى ما ذكره الشيخ في التهذيب ، لأنه قال فيه : متى ترك سجدة من الركعتين الأوليين أعاد الصلاة وان كان من الأخيرتين لم يعد.

وقال السيد المرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس بقضائها ويسجد سجدتي السهو ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لو ترك السجدتين أو إحداهما أو التشهد وذكر قبل ان يركع ، رجع فتلافاه ثمَّ قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثمَّ ركع ، ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو ، وقيل : يجب ، والأول أظهر.

ص: 199


1- راجع نفس الباب المتقدم.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 1 و 3.

أقول : اختلف الأصحاب في موجب سجدتي السهو ، قال ابن بابويه : لا تجبان إلا على من قعد في حال قيام أو عكس ، أو ترك التشهد ، أو لم يدر زاد أو نقص ، وقال المفيد : يوجبه ثلاثة أشياء : السهو عن سجدة حتى يفوت محلها ، ونسيان التشهد حتى يركع ، والكلام ناسيا ، وأضاف في المبسوط السلام في الأوليين ناسيا ، والشك بين الأربع والخمس ، والذي عليه عمل المتأخرين وجوبهما في كل موضع لو فعله أو تركه عمدا بطلت صلاته.

فرع : لو سهى عن اربع سجدات في أربع ركعات ، فان ذكر قبل التسليم سجد واحدة لبقاء محلّها ، ثمَّ يعيد التشهد تحصيلا للترتيب ، ويقضي باقي السجدات ولاء ولو بنية واحدة ، ويسجد سجدتين لكل سهو ، ولو ذكر بعد التسليم قضى الأربع كالأول ويسقط جبران الرابعة ، فلو اتى بسجدتي السهو للأولى عقيبها قبل قضاء الثانية وهكذا احتمل الصحة ، لاشتغال الذمة بهما ، وأصالة البراءة من الترتيب بين السجدات ، والعدم لوجوب تقديم اجزاء العبادة على جبرانها ، فإذا خالف لم يأت بالمأمور على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

قال رحمه اللّه : إذا شك في شي ء من أفعال الصلاة فإن كان في موضعه أتى به وأتم ، وان انتقل مضى في صلاته ، سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره ، وسواء كان في الأوليين أو الأخريين ، على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : وعن بعض علمائنا إعادة الصلاة بكل سهو يلحق الركعتين الأوليين ، سواء كان في أفعالها أو عددها (1) ، وسواء كان من الأركان أو غيرها ، والمشهور التفصيل ، فان كان في العدد أعاد ، وان كان في الافعال وذكر

ص: 200


1- في «م» : عددهما.

انه ترك ركنا أعاد ، ولا فرق بين بين ان يكون من الأوليين أو الأخيرتين ، وان كان غير ركن لم يعد الصلاة ، سواء كان في الأوليين أو الأخيرتين ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولما ورد من الأحاديث (1) التي توجب العمل بذلك.

قال رحمه اللّه : لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط ، قيل : تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط ، لأنها معرضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك ، وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم.

أقول : قد ذكر المصنف وجه الخلاف في هذه المسألة وانما أوردناها لنلحقها بفوائد تليق في هذا الباب :

الأولى : لو أحدث قبل الإتيان بالتشهد المنسي ، أو السجدة المنسية ، هل تبطل صلاته أم لا؟ مذهب الشهيد في الدروس والبيان عدم البطلان. وفصل أبو العباس في المحرر فقال : ان أحدث عمدا بطلت صلاته ، وان كان سهوا أو بعد خروج الوقت أو بعد ان مضى بعد التسليم زمان يخرج به عن كونه مصليا لم تبطل صلاته.

والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الساهي والعامد ، وكلما وجهت للفرق هنا وجها ورد عليه الاعتراض ، ولم يفصل في الموجز ، بل جزم بعدم البطلان بتخلل الحدث.

الثانية : إذا أحدث قبل الاحتياط ثمَّ ذكر قبله أو في أثنائه النقصان ، بطلت صلاته لصيرورة الاحتياط جزءا من الصلاة وقد أحدث قبله.

الثالثة : إذا ذكر بعد الاحتياط ما صلى لم يلتفت ، سواء كان زيادة أو

ص: 201


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 13 من أبواب الركوع ، حديث 4 وباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

نقصانا ، وسواء خرج الوقت أو كان باقيا ، وان ذكر في أثنائه ، فإن وافق الاحتياط لما ذكره صحت صلاته ، وان خالف بطلت.

فالموافق كما لو ذكر نقصان ركعتين وقد صلى ركعتين قياما ، أو نقصان ركعة وقد صلى ركعتين جالسا ، هذا في من وجب عليه اربع ركعات ، اما من وجب عليه ركعتان ، فان ذكر نقصانهما وهو في الأثناء اجتزأ بالإتمام ، وان ذكر نقصان واحدة ولم يتجاوزها في الاحتياط سلم عليها ، وان تجاوزها بطلت صلاته ، هذا ما لم يحدث قبل الاحتياط ، ومعه تبطل صلاته كما قلناه أولا.

والمخالف كذكر الزيادة ، أو نقصان ركعة بعد ان صلى من وجب عليه الاحتياط ركعتين من قيام ، أو ذكر نقصان ركعتين وقد صلاهما من جلوس ، هذا مذهب الشهيد في دروسه ، وقال في ألفيته : ولو ذكر بعده أو في أثنائه النقصان لم يلتفت ، وقيل : لو ذكر في أثنائه أعاد الصلاة.

وقال العلامة في قواعده : ولو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا ، ولو ذكر قبله أكمل الصلاة وسجد للسهو ، ما لم يحدث ، ولو ذكر في الاحتياط استأنف الصلاة.

وقال أبو العباس في موجزه ولمعته : ولو ذكر النقص قبله أكملها ما لم يطل الوقت أو يحدث ، وبعده يجزي ان وافق ، وإلا بطل كما في أثنائها.

والمشهور مذهب القواعد ، وهو المعتمد ، فبعد الفعل لا يعتبر الموافقة ولا المخالفة ، وفي الأثناء تبطل مع ذكر النقص سواء طابق أو خالف ، ومن ذكر الزيادة يتخير بين القطع والإتمام هذا في الاحتياط الواحد ، أما في الاحتياطين فيعتبر الموافقة والمخالفة.

الرابعة : يجب الإتيان بالاحتياط في الوقت مرتبا على غيره من الصلوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة عن ركعة فيبدأ بها ، فلو وجب عليه ركعة احتياطا

ص: 202

في صلاة الظهر وقد بقي للغروب مقدار ركعتين بدأ بالاحتياط ، ولو بقي مقدار ركعة واحدة بدأ بالعصر وقضى الاحتياط بعدها مرتبا على غيرها.

قال رحمه اللّه : ويرجع في الكثرة لما يسمى في العادة كثيرا ، وقيل : أن يسهو ثلاثا في فريضة ، وقيل : ان يسهو مرة في ثلاث فرائض.

أقول : قال ابن إدريس : السهو الذي لا حكم له (و) (1) هو الذي يكثر ويتواتر ، وحدّه ان يسهو في شي ء واحد أو في فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس فرائض - أعني ثلاث صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسهى فيها - فيسقط بعد ذلك حكم السهو ولا يلتفت إلى سهوه في الفريضة الرابعة ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن حمزة : لا حكم له إذا سهى ثلاث مرات متواليات ، وأطلق ولم يعين في فريضة أو فرائض ، وجزم به الشهيد.

وروى ابن بابويه عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليه السلام قال : «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو» (2) ، واختار العلامة في المختلف مذهب المصنف هنا ، وهو الرجوع إلى ما يسمى في العادة كثيرا.

تنبيهان :

الأول : معنى سقوط الحكم فيمن كثر سهوه وتواتر عدم التلافي في موضعه ، وسقوط الاحتياط فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبهما ، وعدم الابطال بموجبة كالشك في الأوليين ، ولا يسقط قضاء ما تيقن فواته

ص: 203


1- كذا في ما بأيدينا من النسخ ، والظاهر أنها زيادة مخلة في التعبير ، راجع السرائر 1 : 248.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الخلل ، حديث 7.

كالسجدة المنسية والتشهد المنسي ، ويحكم بالإبطال لو ترك ركنا حتى دخل في آخر ، ويجب تلافيه قبل دخوله في الآخر ، ويزول حكم الكثرة بخلو ثلاث فرائض متوالية.

الثاني : معنى قوله : (من سهى في سهو لم يلتفت) ، مراده : من سهى فيما يوجبه السهو كمن شك في سجدتي السهو ، سواء كان الشك في عددهما أو في أفعالهما فإنه يبني على انّه فعل ما شك فيه ولا يلتفت ، وكذلك الشك في الاحتياط على الظاهر من فتاوي الأصحاب ، ولو قضى السجدة المنسية فشك في أثنائها لم يلتفت أيضا ، ولو سهى عن تسبيحها أو عن السجود على بعض الأعضاء لم يلتفت ، ولا يسجد له سجدتي السهو ، ولو شك في الركوع أو السجود وهو في محله اتى به ، ولو شك في ذكر أو طمأنينة في هذا الذي اتى به تدارك ما شك فيه.

فروع :

الأول : الشاك بين الاثنتين والثلاث جالسا لا يجوز منه التشهد ولا القيام حتى يغلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه ، أو يبني على الأكثر ان لم يحصل الظن ، لأنه قبل ذلك متحير لا قصد له ، فلو فعل شيئا قبل ذلك بطلت صلاته ، وكذلك لو شك قائما في موضع يسلم له حالة القيام فإنه لا يجوز له فعل شي ء حتى يرجح احد الطرفين أو يبني على الأكثر.

الثاني : لو حصل له الشك في الثلاثية ولم يغلب على ظنه احد الطرفين فلم يبطلها وتمم الصلاة ، ثمَّ تيقن صحة ما اتى به لم يجزه ، ما لم يتمسك بظن راجح قبل استمراره ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثالث : لو شك بين الاثنتين والثلاث جالسا وغلب على ظنه الأكثر ،

ص: 204

فقام إلى الرابعة ، فعاد شكه الأول وقال : لا ادري ، كان جلوسي لثانية أو لثالثة؟ وتساوى ظناه ، فإنه يبني على انه لثالثة ويتم الرابعة ويحتاط ، وان كان شكه الأول وهو غير جالس بطلت صلاته ، لأن هذا الشك مقرر للشك الأول وكاشف عنه ، وهو قد حصل منه قبل كمال الأوليين.

اما لو لم يعد شكه الأول ، لكن بعد قيامه إلى الرابعة غلب على ظنه عكس ظنه الأول وكان راجحا عنده ، فإنه يعمل بالأخير لطريانه على الأول ، فيجعل قيامه ذلك للثالثة.

ولو كان شكه الأول وهو قائم ، فغلب على ظنه الثلاث فسبح ثمَّ غلب عنده العكس راجحا فإنه يعمل بالراجح ويقرأ للثالثة ويتم ، ولو كان الثاني غير راجح تساقطا لا إلى بدل ، فان كان الأول وهو جالس بنى على الأكثر وصحت صلاته ، والا بطلت.

الرابع : لو شك بين الاثنتين والثلاث في موضع يصح ، فبنى على الأكثر وقام ليأتي بتمامها ، فشك بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر ، وقعد وتشهد وسلم واتى بالاحتياطين لحصول موجبهما ، ويحتمل قويا وجوب احتياط واحد ، إذ به يحصل الإكمال.

ولو شك بعد قيامه من التشهد هل كان تشهده للأولى أو الثانية؟ فإن رجح احد الطرفين ظنا عمل عليه ، وان تساويا بطلت ان كان شك قبل إتمام الثالثة ، لأنه شك في الأوليين ، وان كان بعد تمامها فهو كالشاك بين الثلاث والأربع ، لأن تشهده ان كان عقيب واحدة فهذه التي أكملها ثانية ، وان كان تشهده عقيب الثانية فهذه ثالثة ، فقد سلمت الأولتان على كل حال ، فيتمم الرابعة ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، قال صاحب السهوية : ويقضي التشهد.

ص: 205

الخامس : لو أعاد صلاته من يجب عليه الاحتياط لم يصح ، لأنه اتى بغير المأمور به ، فلا يخرج من العهدة.

السادس : لو عجز فصلى من جلوس فقرأ للثالثة ثمَّ شك في التشهد ، احتمل التدارك ، لسقوط اعتبار القيام في هذه الصلاة فهو شك في محله ، والمنع ، لأن الجلوس في هذه الركعة بمثابة القيام فهو في غيرها ، فهو شك في شي ء بعد الانتقال عنه إلى غيره.

قال رحمه اللّه : وقيل : في كل زيادة ونقيصة.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان ، وقيل : قبله ، وقيل : بالتفصيل ، والأول أظهر.

أقول : اختلف الأصحاب في محل سجدتي السهو ، قال الشيخ والمفيد والسيد المرتضى وابن إدريس : هما بعد التسليم مطلقا ، واختاره المتأخرون ، لقول علي عليه السلام : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (2) ، ونقل المصنف والعلامة في التذكرة انهما قبل التسليم مطلقا ، لقول الصادق عليه السلام : «هما قبل التسليم ، فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك» (3) ، وقال ابن الجنيد بالتفصيل ، وهو انهما بعد التسليم ان كانتا للزيادة ، وقبله ان كانتا للنقيصة ، لقول الرضا عليه السلام : «إذا نقصت فقبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (4).

ص: 206


1- ص 202.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب الخلل ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 5. لكنه في الوسائل عن الباقر عليه السلام.
4- المصدر المتقدم ، حديث 4.

تنبيه : إذا جعلتا قبل التسليم كان محلهما بعد التشهد ، فإذا سجدهما تشهد بعدهما لهما ، ثمَّ سلم.

قال رحمه اللّه : وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد ، ولو وجب هل يتعين لفظ؟ الأشبه لا.

أقول : منشأ التردد من انهما سجدتان واجبتان فيجب فيهما الذكر كسجود الصلاة ، ومن أصالة براءة الذمة ، وجزم المصنف في المختصر بعدم الوجوب ، واختاره العلامة في المختلف ، والوجوب مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واجتزأ في المبسوط بمطلق الذكر ، واختاره أبو العباس في موجزه.

وأوجب السيّد والمفيد وابن إدريس : بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته ، أو بسم اللّه وباللّه اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.

واحتجوا بما رواه عبد اللّه الحلبي ، «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو : بسم اللّه وباللّه اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، وسمعته مرة أخرى يقول : بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته» (1).

قال المصنف في المختصر : وهي منافية للمذهب ، لرفع منصب الإمامة عن السهو. وليست صريحة في الدلالة على سهو الامام ، بل يجوز ان يسمعه يقول ذلك على سبيل الإفتاء في سجدتي السهو.

ص: 207


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 20 من أبواب الخلل ، حديث 1 ، بتفاوت فراجع.

ص: 208

في قضاء الصلاة

قال رحمه اللّه : أما السبب فمنه ما يسقط معه القضاء ، وهو سبعة : الصغر والجنون والاغماء على الأظهر.

أقول : المشهور عدم وجوب القضاء بالإغماء ، لأن التكليف مشروط بالعقل وهو زائل عن المغمى عليه ، وإيجاب القضاء تابع لوجوب الأداء وهو منتف عن المغمى عليه ، وروى حفص بن البختري في الصحيح ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيام» (1) وحملها الشيخ على الاستحباب.

قال رحمه اللّه : وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم ، وقيل : يقضي عند التمكن ، والأول أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب التيمم (2).

ص: 209


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ، حديث 7.
2- ص 95 - 96.

قال رحمه اللّه : فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة ، وقيل : تترتب ، والأول أشبه.

أقول : لا ترتيب بين فوائت غير اليومية مع أنفسها ، ولا بينها وبين اليومية إلا في صورة التضيق فيبدأ بالمضيقة منهما وجوبا ، وتترتب الفوائت اليومية مع أنفسها ، فلو فاتته عصر ثمَّ ظهر قدم العصر على الظهر في القضاء ، وهل تترتب الفوائت اليومية مع حواضرها؟ فيه أربعة أقوال :

الأول : لا ترتيب مطلقا ، قاله ابنا بابويه ، واختاره أبو العباس.

الثاني : الترتيب مطلقا ، وهو قول السيد والشيخين وابن إدريس.

الثالث : إذا كانت واحدة لا غير ، وهو مذهب المصنف.

ومأخذ هذه الأقوال القول بالمضايقة أو بالمواسعة ، فمن قال بالمضايقة أوجب الترتيب ، ومن قال بالمواسعة لم يوجبه.

الرابع : الترتيب ان كانت الفائتة من يوم واحد ، تعددت الفائتة أو اتحدت ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واستدل الجميع بالروايات (1).

فرع : إذا ذكر سابقة في أثناء لاحقة عدل ما لم يتجاوز محله ، فان تجاوز صحت واتى بالسابقة بعدها ، وقد يترامى العدول كما لو ذكر أسبق من التي عدل إليها وهو في أثناء المعدول إليها ، فإنه يجب عليه العدول إلى تلك السابقة ، فلو ذكر الأسبق منها بعد العدول إليها عدل إلى الأسبق ، وهكذا.

وقد يدور أيضا ، كما لو عدل إلى السابقة فذكر براءة ذمته منها وجب العدول إلى اللاحقة التي عدل عنها ، وقد يجب العدول من الأداء إلى القضاء على القول بالمضايقة ، ويستحب على القول بالمواسعة ، ويجوز من القضاء إلى الأداء ، كما لو شرع في قضاء فائتة فذكر انه اتى بها وهو في وقت حاضرة ، فإنه

ص: 210


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 62 و 63 من أبواب المواقيت.

ان شاء عدل إلى الحاضرة ، وان شاء عدل إلى النفل ، ويجب العدول في الأداء من اللاحقة إلى السابقة ، ويجوز من الواجب إلى النفل كناسي سورة الجمعة والأذانين وخائف فوت الجماعة ، ولا بد في العدول من إحداث نية العدول في قلبه ، ويحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة ، فلو فعل بطلت صلاته.

قال رحمه اللّه : من فاتته فريضة من الخمس قضى صبحا ومغربا ، وأربعا عما في ذمته ، وقيل : يقضي صلاة يوم ، والأول مروي ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الخمس مذهب أبي الصلاح وابن زهرة ، لأنه يجب عليه إعادة الفائتة ولا يتم الا بالخمس وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولوجوب تعيين النية ، ولأنه أحوط ، والمشهور ما اختاره المصنف ، لأن الواجب واحدة وهي تحصيل بالثلاث ، فتكليفه بالزائد يحتاج إلى دليل ، وتعيين النية انما يجب مع العلم ، والا لزم تكليف ما لا يطاق.

قال رحمه اللّه : وإذا لم يكن مستحلا عزر فإن عاد عزر ، فإن عاد ثلاثة قتل ، وقيل : بل في الرابعة ، وهو أحوط.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط ، لما روي : «ان أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» (1) وذلك عام في جميع الكبائر ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى في باب الحدود.

ص: 211


1- المبسوط 1 : 129.

ص: 212

في الجماعة

اشارة

قال رحمه اللّه : وبإدراك الإمام راكعا على الأشبه.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب الجمعة (1) فلا وجه للإعادة.

قال رحمه اللّه : ولا تنعقد والامام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية على تردد.

أقول : المشهور المنع من علو الامام على المأموم بما يعتد به ، والمستند رواية عمار الساباطي (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وقال في الخلاف : يكره ان يكون الإمام أعلى من المأموم على مثل سطح ودكان وما أشبه ذلك ، قال العلامة : إنما قصد به التحريم.

وقال ابن الجنيد : لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله الا ان يكون المأمومون أضراء ، فإنّ فرض البصير الاقتداء بالنظر ، وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع.

ص: 213


1- ص 167.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 63 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 1.

وقدّر العلو بما لا يتخطى ، واستقربه الشهيد في البيان ، وقدّر بشبر أيضا ، واستضعفه في البيان أيضا.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يقرأ المأموم خلف الامام ، وقيل : يحرم ، وقيل :

يستحب ان يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الجهرية ، وفيها قسمان :

[القسم] الأول مع عدم السماع ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب القراءة ، وهو ظاهر ابي الصلاح الحلبي ، الثاني الاستحباب إذا لم يسمع قراءة الامام ولو همهمة ، وهو قول السيد وابن إدريس ، واختاره المصنف في النافع والعلامة في المختلف ، وتخصيص القراءة بالحمد ، الثالث ، قال سلار : وروي ان ترك القراءة خلف الإمام في الجهرية واجب (1).

القسم الثاني مع السماع ، وفيه قولان :

الأول : التحريم ، وهو قول الشيخ وابن حمزة ، الثاني : الكراهية ، وهو قول المصنف في النافع ، والعلامة في القواعد.

المسئلة الثانية : الإخفاتية وفيها ثلاثة أقوال :

الأول : الكراهية ، وهو مذهب المصنف ، الثاني : التحريم ، وهو ظاهر السيد وابن إدريس ، الثالث : الاستحباب ، قاله الشيخ وأبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد (وأبو العباس في موجزه ومحررة) (2).

تنبيه : لو صلى خلف غير المرضي وجبت القراءة ، مع التقية بقراءة

ص: 214


1- المراسم : 87.
2- ما بين القوسين من «ن».

الجهرية مستترا ولو كحديث النفس ، ولو فرغ قبل الإمام أبقى آية ليركع عن قراءة ، ولو لم يبق شيئا جاز ، لكن الأفضل الإبقاء ، ولو فرغ الامام قبله أتمها في ركوعه ان امكنه والا سقط المتخلف ، ولو فرغ من التشهد قبله أتمه قائما ، ثمَّ لا يعيد وان بقي الوقت.

ولا يشترط في التقية عدم المندوحة ، بل يستحب حضور جماعة العامة ، لما روي : «ان الصلاة معهم في الصف الأول كالصلاة خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم» (1).

قال رحمه اللّه : ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وان اختلفت الفريضتان ، والمتنفل بالمفترض والمتنفل ، والمفترض بالمتنفل في أماكن ، وقيل : مطلقا.

أقول : الاقسام هنا أربعة :

الأول : اقتداء المفترض بالمفترض مع اتفاق نظم الصلاتين وان اختلفتا عددا ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال محمد بن بابويه : ويصلي الظهر خلف من يصلي العصر لا بالعكس ، الا ان يتوهمها المأموم العصر ، قال الشهيد في البيان : ولا أعلم وجهه.

الثاني : اقتداء المتنفل بالمتنفل ، وهو جائز في أماكن كالاستسقاء والعيدين ، والصبي بالصبي ، قيل : وفي الغدير.

الثالث : اقتداء المفترض بالمتنفل في الصلاة المعادة ، وفي صلاة بطن النخل في حال الحرب.

الرابع : اقتداء المتنفل بالمفترض في المعادة أيضا ، وكاقتداء الصبي بالبالغ.

وللشيخ قول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس مطلقا.

ص: 215


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : «قد قامت الصلاة» ، على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه وقت الأمر بالقيام إلى الصلاة فيستحب عنده ، وقيل : وقت القيام إليها إذا قال : «حيّ على الصلاة» ، لأن معناه الدعاء إليها ، أي : «هلموا إلى الصلاة» ، فيستحب القيام عنده.

فائدة : إنما أسقط «حي على خير العمل» من الأذان عمر بن الخطاب ، وكان ينادى بها في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وعهد ابي بكر ، وأسقطها عمر ، قال : لئلا يتكل عليها الناس فيسقط الجهاد.

قال رحمه اللّه : يعتبر في الإمام الايمان والعدالة والعقل وطهارة المولد ، والبلوغ على الأظهر.

أقول : الخلاف هنا عائد إلى البلوغ ، والمنع من امامة الصبي مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأن غير البالغ ليس من أهل التكليف ، ولا يقع منه الفعل على وجه يعد طاعة ، لأنها موافقة الأمر ، والصبي ليس بمأمور إجماعا ، ولأنه عالم بعدم المؤاخذة بما يصدر منه من القبائح فلا يؤمن بطلان صلاته بما يوقع من الأفعال المنافية للصلاة ، إذ لا زاجر عن ذلك ، وجوز الشيخ في الخلاف والمبسوط إمامة المراهق المميز العاقل ، لقوله عليه السلام «مروهم بالصلاة لسبع» (1) فتكون صلاته شرعية ، ولأنه جاز ان يكون مؤذنا فجاز ان يكون اماما.

وأجاب العلامة ان مشروعية صلاته للتمرين لا لاستحقاق الثواب.

وقال ابن الجنيد : وغير البالغ ان كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي

ص: 216


1- مستدرك الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 53 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 1.

لعهد المسلمين جاز ان يكون اماما ، وليس لأحد ان يتقدمه ، لأنه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر. وجوز أبو العباس في موجزه امامة المعصوم مع عدم البلوغ ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط الحرية على الأظهر.

أقول : المنع من إمامة العبد مذهب الشيخ في النهاية إلا بمواليه إذا كان أقرؤهم للقرآن ، لأن الإمامة من المراتب الجليلة ، وهي غير لائقة بالعبد ، ولما رواه السكوني عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : «لا يؤم العبد إلا أهله» (1).

والجواز مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وأبو العباس في موجزه ، لقوله عليه السلام : «يؤمكم أقرؤكم» (2) ، وهو عام ، ولأنه مشارك للحر في الصفات الموجبة للإمامة ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (3) ، عن أحدهما عليهما السلام.

تنبيه : مذهب الشيخ في المبسوط جواز إمامة اللاحن إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، سواء كان لحنه يغير المعنى أو لا يغيره ، فالذي يغير المعنى ككسر كاف «إياك» وضم تاء «أنعمت» ، والذي لا يغير المعنى كفتح همزة «إياك» ، ونون «الرحمن» ، وميم «الرحيم» ، وما شابه ذلك ، لأن صلاته صحيحة ، فجاز ان يكون إماما ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس ، فكما لا يصح إمامة الأخرس لا يصح امامة العاجز عن الأعراب.

ص: 217


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الجماعة ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : وإذا علم في أثناء الصلاة ، قيل : يستأنف ، وقيل : ينوي الانفراد ويتم ، وهو أشبه.

أقول : هذا فرع على ان من صلى خلف امام ثمَّ تبين بعد الفراغ انه كان كافرا أو فاسقا أو محدثا ، هل يجب عليه الإعادة أم لا؟ فيه قولان ، فمن أوجب الإعادة - كالسيد المرتضى - أوجب الاستئناف إذا علم ذلك في الأثناء ، ومن لم يوجب الإعادة - كالشيخ وابن إدريس والمصنف والعلامة - لم يوجب الاستئناف ، بل يكفيه نية الانفراد.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنها صلاة مأمور بها ، فيخرج بها من العهدة ، لأنه مأمور بالجماعة خلف من يظن عدالته ، لأن علم العدالة في نفس الأمر غير ممكن.

واحتج القائلون بالإعادة : بأنها صلاة قد تبين فسادها لفوات شرطها وهو عدالة الإمام ، فتجب الإعادة.

فروع :

الأول : لو كان المأموم يخالف امامه في المسائل الخلافية التي تتعلق بالصلاة ، فإن كانت مما لا يقتضي بطلان الصلاة عند المأموم ، جاز الاقتداء كما لو اعتقد الامام وجوب القنوت والمأموم ندبيته ، أو كان يعتقد وجوب التسليم والمأموم ندبيته.

وإن اقتضى بطلان الصلاة عنده كفعل الكتف ، والتأمين أو يعتقد ندبية السورة ، لم يجز الاقتداء به وان اتى بالسورة ، لأن الإتيان بالواجب على وجه الندب لا يجوز ، وقال الشهيد في البيان : ولو اعتقد ندبية السورة والتسليم ، واتى بهما ، جاز الاقتداء به.

الثاني : لو كان المأموم يعتقد تحريم لبس السنجاب ، والامام إباحته ، لم يصح الاقتداء به حالة لبسه ، لا مطلقا.

ص: 218

الثالث : إذا استناب الامام غيره في أثناء القراءة جاز البناء على قراءة الامام ، والاستئناف أفضل ، وكذلك لو استنابه المأمومون.

الرابع : الاستنابة حق للإمام في صورة الحدث ، وللمأمومين في صورة الجنون والاغماء.

الخامس : لا يجب استدامة الاقتداء ، بل له المفارقة متى شاء لعذر وغيره ، فلو فارق قبل شروع الإمام في القراءة قرأ لنفسه ، ولو كان بعد الحمد وقبل السورة احتمل الاكتفاء بقراءة الإمام للحمد والإتيان بالسورة فقط ، واحتمل استئناف الحمد أيضا ، لأن مجموع القراءة فعل واحد ولم يكمل فيجب استئنافه ، وهو أحوط ، وان كان في أثناء الحمد احتمل الاستيناف ، لأنه اختار المفارقة قبل تمام الفعل ، فكأنه اختار إبطاله. واحتمل القراءة من موضع المفارقة ، لأن قراءة الإمام قائمة مقام قراءة المأموم مع إكمال القراءة إجماعا ، فيكون البعض قائما مقام البعض ، فيكفي الإتيان بالباقي.

هذا مع اختيار المفارقة ، اما لو كان الفراق لعذر جاز البناء ، والاستئناف أفضل ، كما في صورة الاستخلاف ، ولا بد من احداث نية المفارقة في القلب ، ولو فارق من غير إحداث نية فعل حراما وصحت صلاته.

قال رحمه اللّه : فإذا سلم قام فاستأنف بتكبير مستأنف ، وقيل : يبني على التكبير الأول ، والأول أشبه.

أقول : إذا أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركعة الأخيرة كبر للافتتاح وسجد معه السجدتين ، فإذا سلم الامام ، هل يجوز له حذف السجدتين والبناء على تكبيره ، أو يجب عليه استقبال صلاته بتكبير مستأنف؟

ذهب المصنف في المختصر إلى البناء على تكبيرة الأول ، لأن القصد بالسجدتين متابعة الإمام ، فلا يعتد بهما ، وهو ظاهر المبسوط ، لأنه قال فيه

ص: 219

ومن أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ، ولا يعتد بهما.

واختار في الشرائع استئناف التكبير ، وجعل مذهبه في المختصر قولا ، لأن السجدتين ركن ، وزيادة الركن مبطلة للصلاة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، والفائدة إدراك فضيلة الجماعة على المختار.

ص: 220

في صلاة الخوف

قال رحمه اللّه : فان صليت فرادى ، قيل : يقصر ، وقيل : لا.

أقول : التقصير مطلقا مذهب ابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وقال ابن إدريس : هي مقصورة سفرا مطلقا ، وحضرا إن صليت جماعة.

قال رحمه اللّه : أخذ السلاح واجب في الصلاة ، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والسلاح الذي يحمله ينبغي أن يكون خاليا من نجاسة ، والمشهور عدم الاشتراط للعموم (1) ، أو لكونه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.

تنبيه : مذهب العلامة في القواعد ان محل المفارقة للفرقة الأولى بعد كمال السجدتين ، لانتهاء الركعة بانتهائهما فينوون حينئذ الانفراد ، ومذهب الشهيد : [ان] محله حال الاعتدال وقيامه إلى الثانية ، لأنه محل الابتداء بالثانية ،

ص: 221


1- النساء : 102.

ولأن الجميع صائر إلى القيام ، فالانفراد قبله لا فائدة له ، فيحدثوا نية الأفراد حينئذ ، ثمَّ استقرب الشهيد في دروسه وجوب نية الانفراد على الفرقة الثانية حين قعود الامام للتشهد.

قال رحمه اللّه : إذا صلى موميا فأمن ، أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي ولا يستأنف ، وقيل : ما لم يستدبر في أثناء صلاته.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، والمشهور عدم الاستئناف وان استدبر ، لأنه مضطر إلى الاستدبار فكان سائغا ، لكنه ان كان راكبا وجب النزول ، ويمسك عن القراءة في حالة النزول حتى يستقر على الأرض.

فرع : إذا تمكن المطارد من النزول والسجود على الأرض وجب ، وان احتاج إلى الركوب بعده ركب ، ثمَّ ينزل للسجود في الثانية إن تمكن ، ويغتفر الفعل الكثير للحاجة.

ص: 222

في صلاة المسافر

اشارة

قال رحمه اللّه : الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا ، تعويلا على المشهور بين الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.

أقول : المسافة التي يجب معها القصر تعلم بأمرين : أحدهما الزمان والآخر التقدير.

أما الزمان فهو مسير يوم الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس للقفول والحمول ، سيرا معتدلا في الزمان المعتدل.

وأما التقدير فهو على ضربين :

أحدهما : ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، وللميل تقديران :

أحدهما : أربعة آلاف ذراع باليد ، كل ذراع ست قبضات ، كل قبضة أربع أصابع ، عرض كل إصبع ست شعيرات متلاصقات البطون ، عرض كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون ، هذا هو المشهور ، وفي بعض الروايات : «الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمس مائة» (1) ، وهي متروكة.

ص: 223


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة المسافر ، حديث 13.

والضرب الآخر : مد البصر في الأرض المستوية ، بحيث يتحقق الفارس من الراجل المستوي البصر.

فروع :

الأول : لو شك في المسافة وجب التمام ، لأنه الأصل ، وكذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.

الثاني : لو شهد عنده عدلان بالمسافة وجب القصر ، ولو عارضهما غيرهما وجب القصر أيضا ، ترجيحا لبينة الإثبات على بينة النفي.

الثالث : التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقص خطوة أو ذراع لم يجز القصر.

الرابع : الزمان مع بلوغ المسافة ليس بمعتبر ، فلو قطعها بأقل من يوم أو أكثر فله القصر.

الخامس : اعتبار المسافة من جدران البلد لا من البساتين والمزارع.

السادس : لو جمع سور قرى لم يعتبر السور في المسافة من قريته ، ولو كان البلد كبيرا يخرج عن العادة فالمعتبر محلته.

السابع : البحر كالبر يقصر مع بلوغ المسافة وان قطعها في ساعة.

الثامن : لو قصر اتفاقا لم يجزه ، كما لو قصر قبل تحقق المسافة ثمَّ تبين ان المقصود مسافة ، أو صلى على التمام قبل تحقق المسافة ثمَّ سلم على الأوليين ناسيا ، ثمَّ تبين بعد الفراغ ان المقصود مسافة لم يجزه فعله ، ووجبت عليه إعادة الصلاة قصرا في الوقت ، فلو خرج فان كان خروجه بعد علمه بالمسافة قضاها قصرا ، وان كان قبله قضاها تماما ، لقوله عليه السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1) وقد فاتته تماما فإنه مكلف بالتمام ما لم يتحقق المسافة ، ولم

ص: 224


1- عوالي اللئالي 2 : 54.

يتحقق الا بعد خروج الوقت. ولم يوجب صاحب الموجز الإعادة إذا سلم على الأوليين ناسيا ثمَّ تبين المسافة.

التاسع : لو لم يقصد المسافة في ابتداء سفره ثمَّ قصدها في أثنائه ، اعتبرت حينئذ ولم يعتبر خفاء الموضع الذي قصد منه المسافة ، بل يجب القصر حين الضرب في الأرض.

العاشر : قصد المتبوع كاف عن قصد التابع ، كالزوجة والعبد والأجير.

الحادي عشر : من لا يجب عليه المتابعة كالولد والصديق والضيف إذا وطن نفسه عليها ، كفى قصد المتبوع عن قصده ، كواجب المتابعة.

الثاني عشر : لو عزم العبد والزوجة الرجوع بالعتق والطلاق وجب الإتمام.

الثالث عشر : المكره على السفر إذا ظن الوصول ولا مندوحة قصّر ، وان عزم الهرب مع الفرصة - وهي ممكنة - أو جهل المقصد فلا قصر.

قال رحمه اللّه : ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر ، ولو كان للتجارة ، قيل : يقصّر الصوم دون الصلاة ، وفيه تردد.

أقول : الصيد على ثلاثة أقسام : الأول : ما كان للهو والبطر ، وهذا لا يقصر إجماعا.

الثاني : ما كان لقوته وقوت عياله أو للصدقة ، وهذا يقصر إجماعا.

الثالث : ما كان للتجارة ، وهذا يقصر الصوم إجماعا ، وفي الصلاة قولان : أحدهما عدم القصر ، لروايات (1) دالة عليه ، وبه قال المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس ومحمد بن بابويه ، والآخر القصر ، لأن السبب الموجب

ص: 225


1- راجع مستدرك الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب صلاة المسافر ، والمبسوط 1 : 136.

للقصر - وهو قصد المسافة مع اباحة السفر - وهو (1) حاصل هنا ، ولأنه كلما وجب قصر الصوم وجب قصر الصلاة إلا ما استثني في أماكن التخيير ، فان القصر في الصوم دون الصلاة ، إذ هو مخير فيها.

فروع :

الأول : العاصي في سفره ، كالساعي بالمسلم إلى الظالم ، وطالب الفتنة بين المسلمين ، والآبق ، والناشز ، والعاق ، وقاطع الطريق ، وطالب قتل معصوم الدم ، أو أخذ مال معصوم ، أو مطالب غريم بريئا ، أو لقصد الزنا ، أو لشرب الخمر.

والضابط : كل ما كان غايته حراما إذا غير نيته إلى المباح ، قصر إذا كان الباقي مسافة ، ولو بالعكس بان كان سفره مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص.

الثاني : إذا قصد الصبي مسافة فبلغ في أثنائها قصر وان كان الباقي دون المسافة.

الثالث : إذا عزم على مسافة فصاعدا ، وفي عزمه الإقامة في أثنائها ، فإن كان من ابتداء مسيره إلى الموضع الذي عزم فيه الإقامة مسافة ، قصر في تلك المسافة إلى موضع الإقامة فيتمم فيه ، ثمَّ ان كان من ذلك الموضع إلى منتهى سفره مسافة قصر فيها ، وان قصر أحد الطرفين عن المسافة فحكمه فيه الإتمام.

قال رحمه اللّه : وقيل : ذلك يختص بالمكاري ، فيدخل في جملته الملاح والأجير ، والأول أظهر.

ص: 226


1- كذا.

أقول : يريد أن كثير السفر إذا أقام في بلده عشرة أيام مطلقا ، أو في غير بلده مع النية ، أو ثلاثين مرددة ، إذا خرج بعد ذلك يكون مقصرا ، ونقل المصنف اختصاص هذا الحكم بالمكاري والملاح دون باقي الأصناف ، والمشهور عدم الفرق بين المكاري وغيره ، وهو الذي عليه الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وإذا أقام خمسة ، قيل : يتم ، وقيل : يقصّر نهارا صلاته دون صومه ، ويتم ليلا ، والأول أشبه.

أقول : المشهور أنه لا بد من العشرة ولا يكفي الخمسة ، واكتفى بها ابن الجنيد فالمسافر عنده إذا نوى خمسة في غير بلده ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : يقصر الصلاة في النهار ويتم في الليل ، وتبعه ابن البراج ، والمستند الروايات (1).

تنبيه : اختلف الأصحاب في تحديد الكثرة التي يتعلق بها وجوب الإتمام ، قال ابن إدريس : بالسفرة الأولى لذي الصنعة كالمكاري والملاح ، لأن صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره ، وبالثالثة لغيرهم.

وقال العلامة في مختلفة : والأقرب ان أرباب الصنائع لا يثبت فيهم التمام بأول مرة ، بل بثاني مرة ، قال : وكذا من لا صنعة له إذا جعل السفر عادته ، فإنه يجب عليه التمام في ثاني مرة إذا لم يتخلل الإقامة عشرة أيام.

وقال الشهيد بالثالثة ، وهو مذهب ابي العباس في موجزه ، لأن اسم الكثرة يراد به الجمع ، واقله ثلاثة ، ويخرج عن حد الكثرة بإقامة عشرة في بلده ، وان كانت متفرقة لا يفصل بينهما بمسافة ، كما لو قام ثلاثة أيام ، ثمَّ خرج إلى ما دون المسافة ثمَّ رجع فأقام ثلاثة ثمَّ خرج الى ما دون المسافة ورجع فأقام

ص: 227


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 12 من أبواب صلاة المسافر.

أربعة ، فهذا يخرج عن حد الكثرة ، وفي غير بلده لا بد من ان يكون منوية أو يقيم شهرا مترددا.

واكتفى ابن الجنيد بالخمسة مع النية في غير بلده ، وفيه مطلقا ، بناء على أصله.

فرع : لو سافر البدوي لا للقطر والنبت ، والملاح وذو الصنعة في غير صنعته ، قصروا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يقصر عند الخروج من منزله ويتم عند دخوله ، والأول أظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار خفاء الجدران والأذان معا ، وهو مذهب الشيخ والسيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وقال محمد بن بابويه : يقصر عند الخروج من منزله ثمَّ يتم عند دخوله ، وتبعه (1) ابن الجنيد ، والذي عليه عمل أكثر هذا العصر اشتراط خفائهما في الابتداء ، وانقطاع الترخص بإدراك أحدهما في العود ، ومستند الجميع الروايات (2).

تنبيه : المراد بخفاء الأذان عدم التمييز بين فصوله ، فلو سمعه ولم يميز فصوله وجب القصر.

والمراد بخفاء الجدران عدم التمييز بين البيوت ، فلو رآها وهو لا يميز بين البيوت وجب القصر ، ولا عبرة بالإعلام كالقباب والبساتين ، إلا ان يتخللها دور تسكن مدة السنة أو بعضها ، ولا سور دونها ، ولا بد من مجاورة السور وان اشتمل على خراب ومزارع ، لا الدور الملاصقة له من خارج ، ولو

ص: 228


1- في «ر 2» : منعه.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 و 7 من أبواب صلاة المسافر.

خرج البلد في العظم عن العادة اعتبر أذان محلته وجدرانها.

والبدوي يعتبر حلته. ولو كان طرف البلد خرابا لا عمارة ، ورآه لم يعتد بالخراب.

ولو جمع سور قرى منفصلة بعضها من بعض لم يشترط مجاوزة السور ، بل خفاء جدران قريته وأذانها ، فإذا خفيا عليه قصر وان لم يتجاوز السور ، ولو لم تكن منفصلة فهي واحدة وان كثرت ما لم يتناه في العظم ، ويحصل الفصل بالنهر والجدار المتخذين للحجز بين القريتين ، والطريق غير فاصل ، إلا أن يزيد عن قدر الحاجة ، فهو فاصل حينئذ.

قال رحمه اللّه : وأما القصر فهو عزيمة ، إلا ان تكون المسافة أربعا ولا يريد الرجوع ليومه على قول ، أو في أحد المواطن الأربعة.

أقول : إذا كانت المسافة أربعة ، وأراد الرجوع ليومه أو لليلته فإنه يقصر.

وإن لم يرد الرجوع ليومه ولا لليلته ، قال السيد المرتضى : يجب عليه إتمام الصوم والصلاة ، وتبعه ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وقال الشيخ : يتم في الصوم ويتخير في الصلاة ، وقال المفيد وابنا بابويه : يتخير فيهما ، ومستند الجميع الروايات (1).

فروع :

الأول : لو نوى قاصد الأربعة الرجوع ليومه أو لليلته قصر ذاهبا وعائدا ، فلو منع عن الرجوع ليومه أو لليلته أو بدا له عنه رجع متما.

الثاني : لا يعيد ما صلى قصرا إذا رجع عن قصد العود وان كان في الوقت.

الثالث : لو تردد هل يرجع ليومه أو لليلته أو لا يرجع ، لم يجز القصر.

ص: 229


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 وباب 3 من أبواب صلاة المسافر.

الرابع : لو رجع المسافر لأخذ شي ء نسيه ولم يكن على رأس مسافة ، أتم في رجوعه ، إلا ان يكون غريبا لم يتخذ ذلك البلد دار إقامة مدة عمره ، وان أقام فيه ثلاثين يوما أو كانت أهله فيه فإنه يبقى على القصر ، لأنه ليس بعائد إلى بلده.

الخامس : لو شرع في أحد الأماكن الأربعة بنية القصر أو الإتمام لم يتحتم عليه ، بل له العدول إلى الإتمام وبالعكس ، وإن قلنا بوجوب نية القصر أو الإتمام هنا كمذهب الشهيد وأبي العباس.

السادس : لو شك المصلي في أحد الأماكن الأربعة بين الاثنتين والأربع جالسا لم يجب عليه الاحتياط ، ولو شك بين الثلاث والأربع وجب ، ولو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع أتى بركعة خاصة.

السابع : لو أدرك قبل غروب الشمس أربعا تحتم القصر.

الثامن : إذا فاتته الصلاة في أحد الأماكن تخير في القضاء ان كان فيها ، وتحتم القصر ان كان في غيرها ، ويحتمل التخيير أيضا وان كان في غيرها ، لقوله عليه السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1) ، وهذه قد فاتته مخيرة فيتخير في قضائها.

قال رحمه اللّه : ولو دخل الوقت وهو حاضر ، ثمَّ سافر والوقت باق ، قيل : يتم بناء على وقت الوجوب ، وقيل : يقصر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل :

يتخير ، وقيل : يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق ، والتقصير أشبه ، وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.

أقول : هنا أربعة أقوال :

الأول : الإتمام اعتبارا بحالة الوجوب ، ولأنه قصر بتأخيره ، وقد وجبت

ص: 230


1- عوالي اللئالي 2 : 54.

عليه في ذمته تماما فيصليها كذلك ، وهو مذهب الصدوق وابن ابي عقيل ، واختاره العلامة وأبو العباس.

الثاني : التمام مع السعة والقصر مع الضيق ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج.

الثالث : التقصير مطلقا اعتبارا بحالة الأداء ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس واختاره المصنف.

الرابع : التخيير بين التمام والقصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، والمستند رواية منصور بن حازم (1).

هذا في حال الخروج إلى السفر ، اما في حال القدوم من السفر ، فعند المصنف يصلي تماما اعتبارا بحال الأداء ، وهو مذهب العلامة والشهيد وأبي العباس ، لأن القصر إنما كان لأجل السفر وقد زال بدخوله منزله في الوقت فيزول الترخيص ، وقال الشيخ : ان اتسع الوقت للتمام والا قصر.

قال رحمه اللّه : ولو نوى الإقامة عشرا ودخل في الصلاة فعنّ له السفر لم يرجع الى التقصير ، وفيه تردد.

أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج ، لأنه دخلها بنية مقيم فلا يجوز له القصر ، ومذهب العلامة التفصيل ، وهو ان كان قد تجاوز في صلاته محل القصر بان صلى ثلاث ركعات وجب الإتمام ، وان كان محل القصر باقيا بأن يعن له السفر قبل أن يركع في الثالثة ، فإنه يجوز له القصر لبقاء محله.

فروع :

الأول : إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام وجب التمام وإن رجع عن نيته

ص: 231


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 21 من أبواب صلاة المسافر ، حديث 9.

إذا صلى ولو واحدة على التمام ، ولو خرج وقت الصلاة ولم يصل عامدا أو ساهيا فكذلك ، لأنه في حكم المصلي ، هذا مذهب الموجز.

الثاني : الشروع في الصوم كتمام الصلاة ، بمعنى وجوب الإتمام وان رجع عن نية الإقامة.

الثالث : لو عزم السفر وصلى تماما ناسيا أو جاهلا بالتقصير ، أو في أحد أماكن التخيير ، بقي على التقصير.

قال رحمه اللّه : الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضيت كذلك ، وقيل : الاعتبار في القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه.

أقول : إذا دخل وقت الصلاة وهو حاضر ثمَّ فاتت وهو مسافر ، أو دخل وقتها وهو مسافر ثمَّ فاتت وهو حاضر ، هل يكون اعتبار القضاء بحال الوجوب أو بحال الفوات؟ ذهب العلامة إلى قضائها تماما في الحالين ، لأن في الأداء عنده الإتمام فيهما فيقضيهما تماما.

وقال ابن إدريس : ان كان الوقت دخل وهو مسافر ، ثمَّ دخل البلد والوقت باق ولم يصلّ حتى خرج الوقت ، وجب القصر ، وبالعكس الإتمام ، لأن ابتداء الوجوب كان مسافرا وقد فاتت ، فيجب القصر في القضاء ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب ، ومذهب الشهيد كالعلامة.

ص: 232

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 233

ص: 234

في من تجب عليه

قال رحمه اللّه : وتستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه ، وهو أشبه ، وقيل : تجب ، وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه ، وقيل :

حكم المجنون حكم الطفل ، والأصح أنه لا زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : غلّات الطفل ومواشيه هل يجب فيها الزكاة؟ قال الشيخان وابن البراج وأبو الصلاح : نعم ، لعموم (1) الأمر بالزكاة ، وقال ابن إدريس : لا زكاة على الأطفال والمجانين ، ونقله عن ابن أبي عقيل ، واختاره العلامة ، لأن الطفل ليس من أهل التكليف ، والزكاة تكليف ، ولأنها وجبت طهارة عن الذنب للآية (2) ، ولا ذنب على الطفل.

ص: 235


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الغلات ، كالاحاديث 1 و 2 و 3.
2- التوبة : 103.

الثانية : هل المجنون حكمه حكم الطفل فيما تقدم؟ قال الشيخ وأبو الصلاح وابن البراج : نعم ، واستضعف المصنف دخول المجنون في قسم الأطفال ، لأصالة براءة الذمّة ، ولخلو النصوص عنه ، لأن رواية محمد بن مسلم (1) لم يذكر فيها غير اليتيم ، وهو الطفل ، لقوله عليه السلام : «لا يتم بعد احتلام» (2).

قال رحمه اللّه : ولو ملّكه سيده مالا وصرفه فيه لم يجب عليه الزكاة ، وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة ، وقيل : لا يملك والزكاة على مولاه.

أقول : أمّا عدم الوجوب على القول بأنه لا يملك مطلقا فظاهر ، لعدم الملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وأما على القول الآخر بأنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية ، فقد نقل الشيخ خلافا بين علمائنا ، فمنهم من نفى الزكاة لعدم تمامية الملك ، إذ للمولى انتزاعه منه ، وهو اختياره في المبسوط ، ومنهم من أثبتها عليه ، لأنه مالك له التصرف فيه ، وعلى القول بأنها لا تجب على المملوك فإنها تجب على المالك ، لأنه المالك في الحقيقة ، والشرائط موجودة فيه ، لتمكنه تمكنا تاما من التصرف فيه كيف شاء.

قال رحمه اللّه : بنى على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد.

أقول : لو اشترى نصابا زكويا ، واشترط خيارا زائدا على الثلاثة الأصلية ، احتسب الحول من حين انتقال الملك. والمشهور أنه ينتقل إلى المشتري بمجرد العقد فيجري في الحول من حينه ، سواء كان الخيار لازما

ص: 236


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب من تجب عليه ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 9.

أو مشترطا ، وقال الشيخ في المبسوط : وإذا باع نصابا يجب فيه الزكاة قبل الحول بشرط الخيار ، فإن كان الخيار للبائع أو لهما فإنه يلزمه زكاته ، لأن ملكه لم يزل ، وإن كان الخيار للمشتري استأنف الحول ، وهو بناء على مذهبه ، وهو أن المبيع لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار ، ويتفرع على هذا ثبوت الخيار للمشتري لو أخرج من العين.

قال رحمه اللّه : فإن كان تأخيره من جهة صاحبه ، قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

أقول : قال الشيخ بالوجوب إذا كان تأخيره من جهة مالكه ، بأن يكون على غني باذل ، لعموم قوله عليه السلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (1).

وقال ابن إدريس وأكثر المتأخرين بعدم الوجوب ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن الزكاة تجب في العين ولا عين قائمة للدين ، ولرواية عبد اللّه بن سنان في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا زكاة في الدين ولا في المال الغائب حتى يرجع إليك» (2).

ص: 237


1- مستدرك الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 3 من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ، حديث 6.

ص: 238

فيما يستحب فيه الزكاة

قال رحمه اللّه : وفي مال التجارة قولان : أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح.

أقول : أكثر الأصحاب على استحباب زكاة التجارة ، لأصالة البراءة ، ولأنه عليه السلام أوجبها في تسعة أشياء ، وعفى عما عداها (1) ، وهو يعم التجارة وغيرها. وقال ابنا بابويه بالوجوب ، لعموم قوله عليه السلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (2).

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 8 من أبواب ما تجب فيه ، حديث 4.
2- تقدمت في المسألة السابقة.

ص: 240

في زكاة الأنعام

اشارة

قال رحمه اللّه : فإذا بلغت ذلك ، قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربع مائة ، فتؤخذ من كل مائة شاة ما بلغ ، وهو الأشهر ، وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.

أقول : إذا بلغت الغنم مائتان وواحدة - وهو النصاب الثالث - كان فيها ثلاث شياه إجماعا ، فإذا بلغت ثلاث مائة وواحدة - وهو النصاب الرابع - هل يسقط اعتبار الفرض ويجب ثلاث شياه لا غير ، ثمَّ يؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ ، أو لا يسقط إلّا ببلوغ أربع مائة ، ويجب في الثلاث مائة وواحدة أربع شياه؟ فيه قولان مرويان مشهوران ، فالأول مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن حمزة وابن إدريس ، لأصالة البراءة ، ولرواية محمد بن قيس (1) عن الصادق عليه السلام.

والثاني : وهو عدم السقوط ما لم يبلغ أربع مائة مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح الحلبي ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في

ص: 241


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ، حديث 2.

الموجز والمحرر ، للاحتياط ، وللروايات (1) الدالة على وجوب العمل به.

وعلى القولين يتساوى المأخوذ في الأقل والأكثر ، فعلى الأول يتساوى الثلاث مائة وواحدة والمئتان وواحدة في وجوب الثلاث شياه ، وعلى الثاني يتساوى الثلاث مائة وواحدة والأربع مائة في وجوب الأربع لكن المحل متغاير ، ويظهر للخلاف فوائد :

الأولى : لا يكون لزيادة الغنم على مائتين وواحدة إلى ثلاث مائة وواحدة فائدة ، على القول الأول ، لعدم زيادة الفرض بها ، بل فائدته تسميته نصابا رابعا ، وعلى القول الثاني يكون للزيادة فائدة ، وهي وجوب الرابعة.

الثانية : نصب الغنم أربعة على الأول ، وخمسة على الثاني ، وتظهر الفائدة لو نذر أن يتصدق عن كل نصاب يملكه بدرهم مثلا ، فعلى الأول يلزمه أربعة ، وعلى الثاني خمسة.

الثالثة : الواحدة الزائدة على الثلاث مائة ليست جزءا من محل الوجوب على الأول ، بل هي شرط في تعيين الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم يسقط من الفرض شي ء ، لتصريح الرواية بأن في كل مائة شاة (2) ، فلم يتعلق الواجب بشي ء من الزائد ، بل هو شرط في الوجوب ، وعلى الثاني لها مدخل في الوجوب ، وهي جزء من محل الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء قسطت الشاة التالفة على مجموع النصاب.

وللتقسيط طريقان :

الأول : البسط ، وهو ان تبسط الشاة التالفة على مجموع النصاب ، فيقسم على ثلاث مائة وواحدة ، فيكون الساقط عنه أربعة أجزاء ، لأن كل شاة

ص: 242


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ، حديث 2.
2- وهي رواية محمد بن قيس المتقدمة.

من الفرض ينقصها جزء ويبقى الواجب عليه ثلاث شياه ومائتا جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاث مائة جزء وجزء من مجموع شاة.

الثاني : النسبة ، وهو أن ينسب التلف إلى النصاب ، ثمَّ يسقط من الفرض بحسابه ، فلو تلف نصف النصاب أسقطنا نصف الفرض ، ولو تلف ربع النصاب أسقطنا ربع الفرض ، وهكذا فقد ظهر فائدة الضمان على اختلاف المذهبين.

الرابعة : فائدة الوجوب التي ذكر المصنف وهي ظاهرة ، لأنه على الأول - وهو سقوط الاعتبار - يجب ثلاث شياه ، وعلى الثاني يجب أربع شياه.

قال رحمه اللّه : فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند استئناف السوم ، ولا اعتبار باللحظة عادة ، وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه.

أقول : يشترط السوم في الأنعام طول الحول ، فلو اعتلفت بعضه ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : ويعتبر الأغلب ، وبه قال ابن الجنيد ، لاعتبار الأغلب في سقي الغلّات فكذا هنا.

والمشهور اعتبار الاسم ، فان خرجت بالعلف عن اسم السوم سقطت الزكاة ، لأن السوم شرط وقد خرجت عنه ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف ، وبه قال الشهيد وأبو العباس في موجزه ، والمصنف والعلامة في القواعد أسقطا السوم بعلف يوم.

فروع :

الأول : لو صالح رب الماشية ظالما بعوض على المرعى ، لم يسقط السوم.

الثاني : لو اشترى لها مرعى وصارت تسرح وتروح إليه بطل السوم.

الثالث : الربط والحل والسقي لا يسقط السوم.

ص: 243

الرابع : لو استأجر أرضا للمرعى لم يسقط السوم.

الخامس : لو علفها الأجنبي متبرعا لم يسقط السوم ، قال صاحب التذكرة : لأنه لا مئونة على المالك فيه (1).

قال رحمه اللّه : أو عاوضها بجنسها أو مثلها على الأصح ، وقيل : إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل : لا تجب وهو الأظهر.

أقول : يشترط في وجوب الزكاة بقاء الملك والنصاب من أول الحول إلى آخره ، فلو نقص النصاب أو باعه في أثناء الحول سقطت الزكاة ، فإن عاوضه بجنسه أو مثله ، قال الشيخ في الخلاف : إذا كان معه نصاب فبادله بغيره ، لا يخلو اما ان يبادل بجنس مثله مثل ان يبادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، فإنه لا ينقطع الحول ويبني ، وان بادل بغيره مثل ان يبادل إبلا ببقر ، أو بقرا بغنم وما أشبه ذلك انقطع واستأنف في البدل الثاني.

فعلم من هذا ان مراد المصنف بقوله : بجنسها أو مثلها ان المراد بالمثل هو ان يبادل إبلا بإبل أو بقرا ببقر ، كما قاله الشيخ ، وان المبادلة بالجنس هو ان يبادل إبلا ببقر وبقرا بغنم ، كما قاله الشيخ ، لأن الحيوان كله جنس واحد ، والمشهور عدم الوجوب مطلقا ، لأن الزكاة تجب في العين مع بقائها مدة الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه ، فينتفي محل الوجوب فيسقط.

فرع : لو كانت المبادلة فاسدة ، قال الشيخ في المبسوط يبني كل منهما على حوله ولا يستأنف ، وقال العلامة : ان علما بالفساد وكل منهما متمكن من استرجاع ماله متى شاء ، فالحق ما قاله الشيخ ، والا فلا ، لأنه بدون التمكين

ص: 244


1- في «ر 2» لم يذكر إلا ثلاثة فروع : (الأول والرابع والخامس) مرتبة.

يكون بمنزلة المغصوب منه ، فيسقط اعتبار الزكاة حينئذ.

قال رحمه اللّه : ويرجع في النقاص إلى قيمة السوق ، على الأظهر.

أقول : إذا كان التفاوت بين ما عنده وبين ما وجب عليه بأكثر من درجة واحدة ، بأن وجب عليه بنت مخاض وعنده حقة ، قال ابن إدريس : ينتقل إلى القيمة السوقية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والشهيد وأبو العباس في موجزه ، لأن النصوص (1) عن الأئمة عليهم السلام وأقوال الأصحاب المتداولة بينهم : ان هذا الحكم فيما إذا كانت السنن الواجبة انقص بدرجة أو أعلى بدرجة دون ما بعد عنها ، وقال أبو الصلاح : يتضاعف الجبران الشرعي بتضاعف الدرج ، فلو كان عنده حقة ووجب عليه بنت مخاض دفع الحقة واسترد اربع شياه ، أو أربعين درهما ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في المختلف ، قال فيه : لأن المجموع من بنت المخاض والغنم أو الدرهم مساو لبنت اللبون في المصالح المتعلقة بإيجابها ، والضرورة قاضية بأن مساوي المساوي مساو ، فتكون بنت المخاض مع الضعف من الغنم أو الضعف من الدراهم مساوية للحقة في المصلحة المتعلقة بإيجابها ، وإذا كان كذلك جاز الانتقال في الدرجتين فما زاد.

تنبيه : الجبران منوط بالإمام عليه السلام أو عامله ، ولا يجوز للفقيه ، ولا الفقير الجبران ، وهو في الإبل دون غيرها من الأنعام ، ولا يجوز الجبران بشاة دون عشرة دراهم ، إلا على سبيل القيمة السوقية لا الجبران الشرعي.

قال رحمه اللّه : وقيل : سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في الرعي.

ص: 245


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 13 من أبواب زكاة الأنعام.

أقول : التبيع وهو الذي له سنة ودخل في الثانية ، والخلاف في التسمية بين أهل اللغة ، قال أبو عبيدة : وتبيع لا يدل على سن ، وقال غيره : إنما سمي تبيعا ، لأنه يتبع امه في المرعى ، ومنهم من قال : لأن قرنه تبع أذنه حتى صار سواء ، وإذا لم تدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بيّن ذلك قال : تبيع أو تبيعة ، وقد فسره أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهما السلام بالحولي (1) أي الذي له حول ودخل في الحول الثاني.

قال رحمه اللّه : والشاة التي تؤخذ في الزكاة ، قيل : اقله الجذع من الضأن والثني من المعز ، وقيل : ما سمّي شاة ، والأول أظهر.

أقول : المشهور ان الشاة المأخوذة من الإبل والغنم أقلها الجذع من الضأن ، وهو ما كمل سبعة أشهر ، وفي المعز الثني ، وهو ما كمل له السنة ، وقيل : أقله ما سمي شاة ، ومال إليه العلامة في تحريره ، لحصول الامتثال للأمر ، لأن الاسم يتناوله.

فروع :

الأول : لو فقدا في غنمه دفع الأدون وأتم القيمة ، أو الأكمل واسترد الزائد.

الثاني : يجزي في شاة الإبل من غير غنم البلد ، اما شاة الغنم فلا ، إلّا ان يكون أجود أو بالقيمة.

الثالث : لو دفع بعيرا عن الشاة الواجبة في الإبل احتمل الاجزاء ، لأنه يجزي عن ستة وعشرين فعن الأقل أولى ، ويحتمل العدم ، لأنه غير الفرض فلا يجزي الا بالقيمة.

ص: 246


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الأنعام.

الرابع : لو كانت الإبل التي توجب الشاة مراضا وجب الشاة بقيمة المراض ، فيقال : كم قيمة الإبل صحاحا؟ فإذا قيل : مائة ، قيل كم قيمتها مراضا؟ فإذا قيل : خمسون ، فإذا قيل : كم قيمة الشاة الصحيحة المجزية؟

فإذا قيل : عشرة ، أخذت شاة صحيحة ، قيمتها خمسة.

والضابط : كل ما نقص من قيمة الصحاح نقص من قيمة الشاة المجزية بنسبته ، ان كان نصفا فنصفا ، وان كان ربعا فربعا ، وهكذا.

الخامس : يجزي الذكر في الغنم مطلقا ، سواء وجبت في الإبل أو الغنم ، ويجزي التبيع من البقر وابن اللبون من الإبل ، وفي غير هؤلاء لا يجزي الا الإناث.

قال رحمه اللّه : فان وقعت المشاحة ، قيل : يقرع حتى تبقى السن التي تجب.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، فإنه قال فيه : الخيار إلى المالك ، غير انه لا يؤخذ منه الردي ء ، ولا يلزم الخيار ، بل يلزم وسطا ، فان تشاحّا استعمل القرعة.

ص: 247

ص: 248

في زكاة الذهب والفضة

قال رحمه اللّه : وقيل لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين علمائنا ان أول نصاب الذهب عشرون دينارا ، وفيه نصف دينار ، والمستند رواية يحيى بن ابي العلاء (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، ورواية زرارة (2) ، عن الباقر عليه السلام.

وقال ابن بابويه : ليس فيه شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا وفيه مثقال ، ومستنده رواية محمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضل ، عنهما عليهما السلام ، «قالا : في الذهب في كل أربعين مثقالا ، وليس في أقل من أربعين شي ء» (3)

قال رحمه اللّه : وقيل : يستحب فيها الزكاة.

أقول : المشهور عدم وجوب الزكاة في غير المنقوش بسكة المعاملة ،

ص: 249


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث 8.
2- نفس المصدر المتقدم ، حديث 9.
3- المصدر السابق ، حديث 13.

سواء قصد بسبكه الفرار أو لا ، وقال ابن ابي عقيل : ان قصد الفرار وجبت الزكاة مقابلة له بنقيض مقصوده كالقاتل والمطلق ، وعمل الأصحاب على الأول لأصالة براءة الذمة ما لم يثبت الدليل الناقل.

قال رحمه اللّه : إذا شرط المقترض الزكاة على المقرض ، قيل : يلزم الشرط ، وقيل : لا يلزم ، وهو أشبه.

أقول : القول بلزوم الشرط هو قول الشيخ في النهاية في باب القرض ، لقوله عليه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (1). والمشهور بطلان لشرط ، وكون الزكاة على المقترض مع حصول شرائط الوجوب ، لأن الزكاة عبادة ، وهي لا تلزم غير من وجبت عليه ، والشرط فاسد كما لو شرط ان يتحمل عنه غير الزكاة من العبادات.

قال رحمه اللّه : إذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف ، تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل : تجب فيها على التقديرين ، والأول مروي.

أقول : عدم وجوب الزكاة مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنها بمنزلة التالفة لكونها معرضة للإتلاف ، وقال ابن إدريس : حكمها حكم المال الغائب ان قدر على أخذه متى أراد ، فإنه يجب عليه الزكاة ، سواء كان نفقة أو وديعة أو كنزه في كنز ، فإنه ليس يكون نفقة خرجت عن ملكه ، ولا فرق بينه وبين المال الذي في يد وكيله أو مودعه ، وقال : إنما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

ص: 250


1- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.

في زكاة الغلات

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ : العلس نوع من الحنطة ، يقال : إنه إذا ديس بقي كل حبتين في كمام لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، ويزعم أهلها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف ، وأوجب الزكاة في المجموع منه ومن الحنطة إذا بلغ نصابا ، وجعل السلت نوعا من الشعير وأوجب فيه الزكاة ، وقال المصنف : انهما نوعان مغايران للحنطة والشعير فلا زكاة فيهما ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في الموجز ، ومذهب القواعد كمذهب الشيخ.

قال رحمه اللّه : والحد الذي يتعلق فيه الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وقيل : إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه.

أقول : المشهور ان الزكاة تجب في الغلات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها

ص: 251

واحمرارها ، وإذا كانت غلة عند اشتداد حبها ، ولا يجب الإخراج إلا عند الحصاد والجذاذ إجماعا.

وقال ابن الجنيد : انما يجب عند تسميته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب الا مع تحقق السبب ولا يتعين قبل كونه تمرا لتعلق الوجوب بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا ، واحتج الباقون بان البسر يسمى تمرا لغة ، والمرجع إلى اللغة لا إلى العرف. وتظهر فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : لو أكلها أو أتلفها ضمن على الأول دون الثاني.

الثانية : لو باعها أو وهبها بعد الاحمرار أو الاصفرار ، فالزكاة على البائع والواهب على الأول ، وعلى المشتري والمتهب على الثاني.

الثالثة : لو مات بعد الاحمرار وعليه دين مستغرق وجبت الزكاة على الأول دون الثاني ، وعلى الأول تقدم الزكاة على الدين لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، ولقوله عليه السلام : «ولدين اللّه أحق ان يقضى» (1) ، وقيل : تسقط التركة على الدين والزكاة لتساويهما.

تنبيه : للغلات حالات ثلاث :

الأولى : حالة وجوب ولا إخراج ولا ضمان ، وهو عند بدو الصلاح خاصة ، نعم يجوز الإخراج حينئذ فيجوز إخراجه بسرا ، ويجوز ان يقاسم الفقراء أو الساعي على رؤوس النخل ، ولا يجوز للمالك التصرف بأكل ولا غيره حتى يخرجها على نفسه ليعرف قدر ما يؤكل أو يتلفه ليحسبه عليه.

ص: 252


1- مسند أحمد بن حنبل 1 : 224 و 227 و 258 وصحيح مسلم ج 2 : كتاب الصيام ب 27 قضاء الصيام عن الميت ، حديث 155.

الثانية : حالة وجوب وإخراج ولا ضمان ، وهو عند التصفية مع فقد المستحق.

الثالثة : حالة وجوب وإخراج وضمان ، عند التصفية ووجود المستحق.

قال رحمه اللّه : ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان والمؤمن كلها على الأظهر.

أقول : ينبغي معرفة حصة السلطان والمؤمن التي يجب إخراجها ، أما حصة السلطان فإنما تجب في الأرض الخراجية ، وقد اختلفت عبارات الأصحاب هنا ، والأكثر اقتصر على عبارة المصنف وهي : (بعد إخراج حصّة السلطان) ولم يذكر الخراج ، وبعضهم اقتصر على الخراج ولم يذكر حصة السلطان كأبي العباس في محررة.

وقال ابن إدريس : وحصة السلطان ان كانت الأرض خراجية ، وقال العلامة في التحرير : وبعد الخراج وحصة السلطان ، وهو يوهم الفرق بينهما ، وليس كذلك ، لأن هذه العبارات وان اختلفت لفظا فهي متفقة معنى ، فمن اقتصر على الحصة أراد بها الخراج مطلقا ، سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوحة عنوة ، أو مختصا كالأنفال وصدق على المشترك أنه حصة الإمام ، لأنه الجابي له والمتولي عليه.

ومن اقتصر على الخراج أراد به الحصة كذلك ، ومن جمع بينهما أراد بالحصة المختص بالإمام ، وبالخراج المشترك ، قال الشهيد في بيانه : لا تسقط الزكاة في الأرض الخراجية بأخذ الخراج ، بل يجتمعان ، والخراج من المؤن.

وروى رفاعة بن موسى ، عن الصادق عليه السلام ، وسهل بن اليسع عن الكاظم عليه السلام : سقوط العشر بالخراج (1) ، قال : ويتصور هذا

ص: 253


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 10 من أبواب زكاة الغلات ، حديث 1 و 2.

الخراج في موضعين : في المفتوحة عنوة ، وفي أرض صالح عليها الإمام أهلها الكفار على ان تكون الأرض للمسلمين وعلى رقابهم الجزية ، ثمَّ رد الأرض عليهم على ان عليهم الخراج ثمَّ يسلمون ، فإنه يبقى الخراج ولا يسقط بالزكاة ، بخلاف ما لو ضرب على أرضهم المملوكة خراجا ثمَّ أسلموا ، فإن الخراج يسقط وتبقى الزكاة.

والفرق ان الأول أجرة فلا تسقط بالإسلام ، والثاني جزية ، وهي تسقط بالإسلام.

واما المؤن فهي اجرة الساعي والعمارة والحصاد والتصفية ، وثمن البذر إن اشتراه ، وثمن الثمرة وحفر السواقي وكري النهران لا إنشاؤها وعمل المسناة.

والضابط : كل ما يتكرر كل سنة فهو من المؤنة ، وما لا فلا ، وما يؤخذ منه بسبب الثمرة والزرع وإن كان مصادرة إذا تكرر وصار عادة في كل سنة ، ولا يخرج ما ليس يتكرر كثمن أصل النخيل والأرض ، وكذلك اجرة عمله بيده ، واجرة عوامله ، وسهم الدالية ، واجرة الأرض ان كانت له أو مستعارة.

ولو كانت هذه الآلات التي عددناها مستأجرة ، أو كانت الأرض مغصوبة أخرجت الأجرة قبل الزكاة ، ولو اشترى الأصول والثمرة قبل بدو الصلاح صفقة واحدة بثمن واحد ، قسط على الثمرة والأصول ، فما قابل الثمرة احتسب من المؤمن التي تخرج قبل الزكاة ، ولا يحتسب ما قابل الأصول.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في هذه المؤن ، هل تخرج من الوسط وتكون الزكاة في الباقي ان بلغ نصابا ، أو يحسب على المالك؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وجمهور الأصحاب ، وإلّا لزم الضرر المنفي ، وقال الشيخ في المبسوط ، والخلاف : انها على المالك ، لعموم قوله عليه السلام : «فيما سقت السماء العشر» (1).

ص: 254


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الغلات ، حديث 2.

فروع :

الأول : لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها على غير المخاطب بالزكاة كالصبي والذمي ثمَّ اشتراها بعد بدو الصلاح أو استردها بإقالة ، سقطت الزكاة وان كان ذلك فرارا ، وكذا لو كان البيع على مخاطب بالزكاة كالمسلم البالغ ، لكن هنا تجب الزكاة على المشتري لبدو الصلاح في ملكه.

الثاني : تجب الزكاة في غلة الأرض الموقوفة ، سواء كان الوقف عاما أو خاصا ، أو للمساجد والربط إذا أجرها الناظر ، اما لو زرعها الناظر ببذر من مال المسجد ، فلا زكاة لعدم تعين المالك.

الثالث : إذا باع ما وجب فيه الزكاة قبل إخراجها نفذ البيع في حصته إجماعا ، واما حصة الفقراء فيحتمل نفوذ البيع فيها أيضا ، لأن ملك المساكين للعين غير مستقر لجواز إسقاطه بدفع القيمة ، فحينئذ يكون مراعى ان دفع حصة الفقراء من غير العين ، والا كان للساعي بيع العين وانتزاعها من المشتري فيتخير المشتري حينئذ لتبعيض الصفقة عليه ، والى هذا ذهب العلامة في تذكرته وتحريره ، والشهيد في دروسه ، وأبو العباس في موجزه ، وقال فيه : ولو تيقن المشتري عدم إخراجها فالزكاة عليه. وهو جيد لصيرورة عين مالهم في يده فلا يباح له بظلم البائع لهم.

ويحتمل بطلان البيع في حقهم ، لأنهم شركاء ، وإذا بيع المشترك صح في حصة البائع وبطل في حصة الشريك إلا مع الإجازة ، وقال في القواعد : تبطل في حصة الفقراء ما لم يضمن القيمة.

الرابع : لو اخرج عن الزكاة منفعة بدلا عن العين كسكنى الدار سنة مثلا جاز ، ويحتمل المنع ، لأنها تحصل تدريجا ، ولو آجر الفقير نفسه أو داره ، ثمَّ احتسب مال الإجارة عليه من الزكاة جاز وان كانت معرضة للفسخ.

ص: 255

الخامس : إذا أخرج القيمة عن العين كان الاعتبار بالقيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب وان فرط في التأخير حتى نقص السوق ، اما إذا قوم الزكاة على نفسه ثمَّ ضمن حصة الفقراء كان الواجب عليه ما ضمنه خاصة ، ولا عبرة بزيادة السوق ونقصانه قبل الأداء.

السادس : لو عزل الزكاة وباع الباقي صح البيع ، لأنه باع حقه ، ويحتمل المنع ، لأن الزكاة لا تتعين الا بالدفع.

قال رحمه اللّه : إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين ، قيل : لا يضم الثاني إلى الأول : لأنه في حكم ثمرة سنتين ، وقيل : يضم ، وهو الأشبه.

أقول : عدم الانضمام مذهب الشيخ رحمه اللّه لما قاله المصنف : من انه في حكم سنتين (1) ، واختار المصنف الانضمام ، لأنها ثمرة عام واحد ، كما لو اختلف وقت الإدراك ، وهو مذهب العلامة وابي العباس في موجزه.

قال رحمه اللّه : قيل : يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان ، وقيل : تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الأقوى.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (2) ، واختار العلامة والشهيد ما اختاره المصنف ، والتقسيط مذهب الشيخ في المبسوط.

ص: 256


1- في «ن» و «ر 1» : الشيئين.
2- ص 237.

في زكاة التجارة

اشارة

قال رحمه اللّه : لو كان رأس ماله مائة وطلب بنقيصة ولو حبة لم يستحب ، وروي انه إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال ، زكّاه لسنة واحدة استحبابا.

أقول : الرواية المشار إليها هي رواية العلاء (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وأبو العباس في الموجز ، وغير القائل بها تمسك بالأصل ، لأن اشتغال الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ناقل عن الأصل.

قال رحمه اللّه : ولو كان بيده نصاب بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة ، قيل : كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول.

أقول : إذا اشترى متاعا للتجارة لا يخلو اما ان يشتريه بعرض أو بنقد ، فان كان الأول وكان العرض الذي اشتراه به للتجارة أيضا بنى على حول الأصل الذي هو الثمن ، ولا يقدح تبدل الأعيان ، وان كان العرض الذي

ص: 257


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 13 من أبواب ما تجب فيه ، حديث 9.

اشتراه به للقنية فابتداء الحول من حين العقد بقصد التجارة ، وان كان المشترى بنقد ، وكان النقد للتجارة بنى حول المتاع على حول الأصل الذي هو النقد ، وان كان النقد للقنية فهي مسألة الكتاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : كان حول المتاع حول الأصل ، لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فكان كالمال الواحد ، إذ القيمة هي الأثمان قد كانت ظاهرة فصارت مقدرة ، فإذا كمل للقيمة حول استحب الزكاة ، وتقليب المال غير قادح ، إذ لا يحصل الربح الا به ، فلو كان قاطعا للحول لكان السبب الذي ثبتت به الزكاة مانعا منها ، وهو محال ، والمشهور استئناف الحول لعدم قصد التجارة قبل المشتري.

فروع :

الأول : البناء على حول الأصل في موضع الحكم بالبناء ، وفي هذه على القول به انما يكون مع الشراء بعين النصاب ، فلو اشترى في الذمة ونقد النصاب في المثمن انقطع الحول واستأنفه من حين الشراء.

الثاني : لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعا (1) ، بل بقاء القيمة وبلوغها النصاب.

الثالث : إذا اشترى سلعا على التعاقب فان كان قيمة كل سلعة نصابا زكّى كل سلعة عند تمام حولها ، ولا يضم بعضها إلى بعض ، وان قصر قيمة كل سلعة عن النصاب ، ضم إلى الأول ما بعده حتى يبلغ النصاب فيكون مبدأ الحول حين بلوغه ، فإذا حال عليه الحول زكاه ونظر إلى ما اشتراه بعد بلوغ النصاب ، فان بلغ أربعين درهما - وهو النصاب الثاني من الفضة - زكاه عند تمام حوله ، وما نقص عن الأربعين لا زكاة فيه ، إلا ان يبلغ النصاب الثاني من الذهب فيزكيه حينئذ.

ص: 258


1- لفظة : (إجماعا) من «ن».

ولا يضم العقود المتعاقبة بعد بلوغ النصاب بعضها إلى بعض بل كل عقد يحسب حوله من حين وقوعه ان بلغ النصاب الثاني ، والا ضم اليه ما بعده حتى يبلغ النصاب الثاني ، فيجزي في الحول حينئذ ، ولو كان الأول نصابا لم يضم اليه غيره وأخذت زكاته حين تمام حوله وكل عقد بعده بلغ أربعين أخذت زكاته عند تمام حوله.

الرابع : إذا اشترى رقيقا للتجارة وجبت زكاة الفطرة عند شروطها ، ولا تجزي عن زكاة التجارة ، بخلاف المالية فإن الزكاة الواجبة تمنع المندوبة لقوله عليه السلام : «لا ثني في صدقة» (1).

قال رحمه اللّه : إذا ملك احد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا يجتمع الزكاتان ، ويشكل على ذلك القول بوجوب زكاة التجارة.

أقول : تحقيق البحث هنا في موضعين :

الأول : هل يسقط الاستحباب عن هذا النصاب؟ ويوجد في بعض نسخ هذا الكتاب المشروح : (وقيل : يجتمع هذه وجوبا وهذه استحبابا) ، وهو يحتمل ، لأنه مال التجارة في الحقيقة فيثبت حكمه ، وانما وجبت فيه الزكاة لكونه نصابا زكويا سائما حولا فيثبت له حكمه أيضا ، لأن الأصل عدم التداخل.

والمشهور سقوط الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليه السلام : «لا ثني في صدقة» (2).

الثاني : على القول بوجوب زكاة التجارة لا خلاف في عدم اجتماعهما وان

ص: 259


1- نهاية ابن الأثير 1 : 224.
2- تقدم.

الواجب عليه زكاة واحدة ، لكن هل هي للتجارة أو للمال؟ يحتمل الأول ، لأنه مال التجارة بالحقيقة فيكون هو المعتبر ، ويحتمل الثاني لسقوط حكم التجارة بالسوم ، فيكون المعتبر المالية.

وتظهر الفائدة في النية ، فعلى الأول ينوي التجارة وعلى الثاني المال ، وفي متعلق الزكاة ، هل هو العين أو القيمة؟.

قال رحمه اللّه : لو عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والأول أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الوجوب ، والمشهور سقوطها لعدم حصول بعض الشروط ، وهو بقاء عين النصاب مدة الحول ، لأن الزكاة تجب في العين ومع إخراجها عن ملكه ينتفي محل الوجوب ، وأما الاستحباب فلعدم تمام حول (1) التجارة ، فإذا تمَّ استحب حينئذ.

واعلم ان مراد المصنف بقوله : (واستأنف الحول فيهما) إذا كان النصاب الأول للقنية (اما لو كان للتجارة أيضا فإنه يبني حول الثاني على حول الأول بغير خلاف ، وانما الخلاف إذا كان للقنية) (2) أو أحدهما.

وتحقيق البحث لا يخلو اما ان يكونا للقنية أو للتجارة ، أو الأول للقنية والثاني للتجارة ، أو العكس ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان يكونا للقنية ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط ذهب إلى بناء حول الثاني على حول الأول ، فإذا تمَّ الثاني ستة أشهر

ص: 260


1- هذه اللفظة من «ن».
2- ما بين القوسين في «ن» فقط.

أخذت منه الزكاة ، لأنه يصدق عليه انه ملك أربعين سائمة طول الحول ، وقال المصنف والعلامة : يستأنف الحول لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه.

الثاني : ان يكونا للتجارة ، ولا خلاف في بناء حول الثاني على الأول ، لكن إذا انتهى الحول ، هل تثبت زكاة المال أو زكاة التجارة؟ يقول (1) على مذهب الشيخ يثبت زكاة المال ، وعلى مذهب المصنف والعلامة يثبت زكاة التجارة.

الثالث : إذا كان النصاب الأول للقنية والثاني للتجارة ، كما هو مقصود المصنف ، فقد اتفق المصنف والعلامة على عدم بناء حول الثاني على حول الأول ، بل يستأنف الحول للمالية والتجارة معا ، فان استمرت الشرائط المعتبرة فيهما من حين ملك الثاني إلى تمام الحول قدمت المالية ، وان اختلت شرائط احد الزكاتين قبل تمام الحول تثبت الأخرى ، وعند الشيخ تجب الزكاة المالية عند تمام ستة أشهر من ملك الثاني ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب.

الرابع : إذا كان الأول للتجارة والثاني للقنية فالحكم فيه كالحكم في عكسه سواء ، والمعتمد مذهب المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : وهل تخرج قبل ان ينضّ المال؟ قيل : لا ، لأنه وقاية لرأس المال ، وقيل : نعم ، لان استحقاق الفقراء أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الطرفين ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف ، واستقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية ، وهو تأكيد

ص: 261


1- في «ن» و «ر 2» : بقوله.

لجواز إخراج العامل الزكاة من حصته ، وتقريره ان يقال : ولئن سلمنا ان هذا الربح وقاية للمال ، فالأقرب لا منافاة بينه وبين استحقاق الفقراء له ، وذلك بان يقول : ومتى أخرج العامل الزكاة وخسر المال ، بحيث لا يتم الا بذلك القدر أو بعضه ، كان ذلك مضمونا عليه.

وفيه نظر ، لأن تجويز إخراج العامل من حصته يتضمن خطرا على مال المالك لإمكان الخسران ، ويكون العامل معسرا عن ضمان قدر المخرج فيؤدي إلى ضياع مال المالك ، وهو غير جائز ، ولهذا لا يختص بربحه ، ولو كان رأس المال عشرة فربح عشرين ثمَّ ثلاثين ، فالخمسون بينهما ، ولو استقر ملك العامل على الربح لكان له ثلاثون ، لاختصاصه بعشرة من العشرين الأولى ومشاركته في باقي الربح وهو أربعون.

ص: 262

في أصناف المستحقين

اشارة

قال رحمه اللّه : الفقراء والمساكين : وهم الذين تقصر أموالهم عن مئونة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن احد النصب الزكاتية. ثمَّ من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد ، ومنهم من فرق بينهما في الآية ، والأول أشبه.

أقول : الفقراء والمساكين يشملهما من قصر ماله عن مئونة سنته له ولعياله الواجبي النفقة وما يحتاج اليه ولو في احتشامه كعبد الخدمة وفرس الركوب ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال من ملك نصابا يجب فيه الزكاة كان غنيا وتحرم عليه الصدقة ، واختاره في الخلاف ، وإذا أطلق لفظ الفقير دخل فيه المسكين وبالعكس ، وإذا اجتمعا كما في الآية (1) احتيج إلى المائز ، قال الشيخ في الجمل : الفقراء هم الذين لا شي ء لهم والمساكين هم الذين لهم بلغة من العيش ولا يكفيهم ، وهو اختياره في المبسوط والخلاف ، واختاره ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس وسلار ، وقال في النهاية : المسكين اسوء حالا من الفقير ، وهو مذهب المفيد وابن الجنيد وسلار.

ص: 263


1- التوبة : 60.

احتج الأولون بالابتداء بذكره والعرب تبدأ بالأهم ، وبقوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ ) (1) ولتعوذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من الفقر وسؤاله المسكنة (2).

واحتج الآخرون بالتأكيد به ، والتأكيد إنما يكون بالأقوى ، فإنه يقال فقير مسكين ولا يقال العكس ، فدل على ان المسكين اسوء حالا ، وبقوله تعالى : ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (3) اي ذا مجاعة ألصق بطنه على التراب لشدة حاجته وجوعه ، ولا يظهر لهذا الخلاف فائدة في الزكاة لجواز دفعها الى الفريقين ، وانما يظهر فائدته في النذر والوصية كما لو نذر أو اوصى للفقراء دون المساكين أو بالعكس أو جمعهما وفضل بينهما ، وفي الكفارة فإن مصرفها المساكين ، فان كان الفقير اسوء حالا استحق والا فلا.

تنبيه : الغنى المانع من أخذ الزكاة ما يحصل به الكفاية له ولعياله الواجبي النفقة ، وهو أعم من حصوله بالفعل أو بالقوة ، فالمسكين من يكسب المؤنة لا تحل له الصدقة لقوله عليه السلام : «لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب» (4) بشرط ان يكون التكسب لائقا بحاله ومروته ، فلا يكلّف ذو الحشمة والبزاز بيع الحطب والخبز وما شاكل ذلك ، لان تكلف ذلك لذوي الاحتشام أصعب من تكلف بيع الخادم والعبد والفرس ، وقد أسقط الشارع ذلك عنه.

وكذا لو كان ممنوعا من التكسب بفعل واجب أو علم ديني لا بصلاة

ص: 264


1- الكهف : 79.
2- مسند أحمد بن حنبل 5 : 36 ، والجامع الصغير للسيوطي ، حرف الألف : ص 56.
3- البلد : 16.
4- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 8 من أبواب المستحقين ، حديث 8 وهو أقربها لما في المتن.

النوافل والعلوم الرياضية ، واما ما زاد على الواجب من علم الفقه فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد وقد بلغها ويحتاج الناس اليه للتعلم منه جاز ترك التكسب والاشتغال بالفقه ، ويدفع اليه من الزكاة ، وان كان يعلم انه لا يبلغ درجة الاجتهاد ، فان كان في ازدياد ويعلم احتياج الناس الى القدر الذي عنده جاز الاشتغال بالتعلم والتعليم وترك التكسب ، وإلّا فلا.

فرع : لو كان له بضاعة يتجر بها ولا يكفيه نماؤها جاز ان يأخذ التتمة من الزكاة ولا يكلف الإنفاق من أصلها وان بلغت مئونة السنة ، وكذلك الصنعة (1) ودار الغلة.

قال رحمه اللّه : ولو قصرت عن كفايته جاز ان يتناولها ، وقيل : يعطى ما يتمم به كفايته ، وليس ذلك شرطا.

أقول : إذا قصرت الصنعة عن الكفاية جاز ان يأخذ الزكاة مطلقا ، لأنه مستحق للزكاة فلا يتقدر العطاء بقدر ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وقيل : لا يتجاوز قدر التتمة ، لأنه مستغن ، وأجيب بأن الاستغناء بعد الدفع ، فيمنع حينئذ لا قبله.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان له أصل مال ، وقيل : بل حلف على تلفه.

أقول : إذا ادعى الفقر أعطي من غير يمين ، سواء علم صدقه أو جهل الأمران ، وسواء كان قويا أو ضعيفا ، وسواء كان له أصل مال أو لا ، لأن الأصل عدم اقدام المسلم على الكذب والظاهر صدقه ، وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر.

واحتج موجب اليمين على ان الأصل عدم التلف.

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار الحرية تردد.

ص: 265


1- في «ر 2» : الضيعة.

أقول : منشؤه من ان العامل يأخذ نصيبا فيشترط كونه مالكا له ، والعبد لا يملك فلا يجوز ان يكون عاملا ، ومن ان العامل كالأجير والعبد من أهل التكسب فيصح ان يكون عاملا.

تنبيه : من العاملين الكاتب والحاسب والقاسم والكيال والوزان ، والحافظ الذي يحفظ مال الصدقة ، والعريف الذي يعرف أهل الصدقات والكيال والوزان للتقسيم بين أهل الصدقة دون الكيال والوزان حالة الأخذ من المالك ، بل أجرته على المالك ، لأنه يجب عليه تسليم الصدقة إلى أربابها ، وهو لا يتم لا بالكيل والوزن فيكون الأجرة عليه ، ولا يجوز للعامل تفريق الصدقة بنفسه لا بإذن الإمام ، فإن فوض اليه ذلك جاز ، ثمَّ ان عين له أقواما معينين لم يجز العدول إلى غيرهم.

وكذلك لا يجوز له العدول عن التسوية أو التفضيل ، فان خالف أمر الإمام بالتفضيل أو التسوية أو العدول إلى غير المعين ضمن ما خالف فيه ، وإذا جاز له التفرقة بإذن الامام وامره المالك بالدفع إلى أقوام معينين ، فان كان الامام قد عين له أيضا واختلف المحل دفع إلى الفريقين مع السعة ، وان قصر المال دفع إلى معين الامام دون معين المالك ، ولو أطلق الامام وعين المالك احتمل عدم جواز العدول عمّن عينه المالك ، لأن المالك مخير في الدفع إلى من شاء ، فلا يجوز التخطي إلى غير معينة ، ويحتمل جواز التخطي ، لأن المالك زالت ولايته بالدفع إلى الساعي فلا تخيير له حينئذ ، وهو أقرب.

إذا عرفت هذا ، فإذا أذن الامام للعامل بالتفريق وأطلق جاز له أخذ حصته من تحت يده ، لأنه أحد المستحقين وقد اذن له بالدفع إليهم.

قال رحمه اللّه : وروي رابع وهو من وجبت عليه كفارة ولم يجد فإنه يعتق عنه ، وفيه تردد.

ص: 266

أقول : الرواية رواها علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية (1) ، وتردد المصنف : من ان العاجز عن العتق في الكفارة ينتقل فرضه إلى الصيام فلا يجب عليه العتق مع العجز عنه ، ومن دخوله في مسمى الرقاب إذ المقصود عتق الرقبة وقد دلت الرواية على جوازه هنا ، وقال الشيخ : والأحوط عندي ان يعطى من الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقيل : لا.

أقول : أهل الزكاة على قسمين : فمنهم من يأخذ نصيبه أخذا مستقرا بمعنى ان له صرفه في أي وجه شاء ، وهم أربعة : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم.

ومنهم من يأخذ أخذا مراعى ، بمعنى انه إن صرفه في الوجه الذي أخذه بسببه استقر ملكه عليه والا استعيد منه على خلاف ، وهم أربعة أيضا : المكاتبون والغارمون والغزاة وابن السبيل ، لأن ثبوت السهم لهم مشروط بصرفه في السبب الذي أخذوه له ، فإذا صرف في غير ما أخذ له ارتجع لانتفاء الشرط المبيح للأخذ ، وقيل : لا يرتجع ، لأنه ملك المدفوع اليه بالقبض فلا يرتجع.

قال رحمه اللّه : وإذا ادعى انه كوتب ، قيل : يقبل ، وقيل : لا إلا بالبينة أو بحلف ، والأول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل.

أقول : قال الشيخ لا يقبل إلا بالبينة ، لأن الأصل عدم الكتابة ، وقول العبد ليس بحجة ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ما لم يظهر المنافي ، لأن

ص: 267


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب المستحقين ، حديث 7.

الأصل صدق المؤمن ما لم يعلم كذبه ، ولو كذبه مولاه لم يقبل.

فرع : يجوز الدفع الى السيد بإذن المكاتب لا بدونه ، ويدفع الى المكاتب وان لم يأذن السيد ، بل ولو منع ، ويجوز ان يعطى قبل حلول النجم على الأقرب للعموم (1) ولاحتمال التعذر عند حلوله.

قال رحمه اللّه : ولو جهل فيما أنفقه ، قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : الغارمون قسمان : أحدهما من استدان لمصلحته وصرفه في غير معصيته ثمَّ عجز عن أدائه ، وهذا يعطى من الصدقة ما يؤدي به دينه ، والآخر : من استدان لإطفاء الفتنة وإصلاح ذات البين ، ولا فرق بين ان تكون الفتنة في مال أو قتل ، وهذا يعطى من سهم الغارمين وان كان غنيا ، واما من جهل مصرف دينه فقد منع الشيخ من إعطائه لعدم تحقق الشرط ، لأن الشرط صرفه في غير المعصية ، ومع جهل المصرف لا يتحقق انه صرفه في معصية ، والمشهور جواز الدفع اليه تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع.

فروع :

الأول : لو ادى الغارم دينه من ماله لم يجز له الأخذ من الزكاة إلّا ان يكون استدان لقضائه.

الثاني : لو كان السهم بقدر الدين جاز للإمام دفعه إلى الغرماء ودفعه إليه ليقضي هو ، ولو قصر السهم عن الدين فأراد الغارم أخذه ليتجر به ويستفضل ما يحصل به تمام الدين جاز ، وهو اختيار العلامة في التحرير.

الثالث : يجوز مقاصة المستحق وقضاء دينه حيا كان أو ميتا ، ولا يشترط

ص: 268


1- التوبة : 60.

إذن الحي ولا كونه غير واجب النفقة ، وهل يشترط قصور تركة الميت عن وفاء دينه؟ صرح به ابن الجنيد والشيخ في المبسوط ، لأن مع وفاء التركة به يكون كالحي القادر على الوفاء.

ويحتمل عدم الاشتراط لانتقال التركة إلى الورثة فيصير عاجزا ، ويضعف بتأخر الإرث عن الدين ، نعم لو تصرف لوارث في التركة وأتلفها وتعذر القضاء لعسر الوارث ، جاز الاحتساب والقضاء حينئذ عند الشهيد في البيان ، وقال أبو العباس في المحرر : ومن لا يقضي عنه في حياته لا يقضى عنه بعد موته وان تعذر قضاء الدين لمنع الوارث أو تلف التركة.

قال رحمه اللّه : ولو صرف الغارم ما دفع اليه من سهم الغارمين في غير الدين ارتجع على الأشبه.

أقول : سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى ان عليه دينا قبل قوله إذا صدقه الغريم ، وكذا لو تجردت دعواه عن التصديق والإنكار ، وقيل : لا يقبل ، والأول أشبه.

أقول : وجه عدم القبول أصالة عدم الدين فلا يقبل دعواه ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ، لأن ظاهر المسلم عدم الكذب ما لم يعلم منه.

قال رحمه اللّه : وفي سبيل اللّه وهو الجهاد خاصة ، وقيل : يدخل فيه المصالح كبناء القناطر والحج ومساعدة الزائرين وبناء المساجد ، وهو الأشبه.

أقول : الاختصاص بالجهاد مذهب المفيد وسلار ، والأكثر على ان السبيل هو كل ما يتقرب به إلى اللّه تعالى.

تنبيه : الغزاة قسمان : المطوعة الذين ليسوا بمرابطين ولا اسم لهم في

ص: 269


1- ص 267.

الديوان ، وليسوا من الجند الذين لهم نصيب في الفي ء ، وانما يغزون إذا نشطوا ، وهؤلاء يأخذون النصيب إجماعا.

والقسم الثاني : المرتزقة ، وهم الذين لهم سهم من الفي ء وهم جند الديوان الذين برسم الجهاد ، وقد تردد الشيخ في جواز أخذهم من الزكاة ، والمشهور جوازه ، فلا فرق حينئذ بينهما ولا يشترط فيهم الفقر.

قال رحمه اللّه : ويدفع اليه قدر الكفاية إلى بلده ، ولو فضل منه شي ء اعاده ، وقيل : لا.

أقول : المشهور بين الأصحاب إعادة الفاضل عن مئونة ابن السبيل إلى بلده ، لأن استحقاقه مقيد بالسفر وقد زال ، فيجب اعادة الفاضل الى المالك ، فان تعذر فإلى الإمام ، فإن تعذر فإلى الأصناف ، وينويه عن مالكه.

فرع : لو نوى ابن السبيل إقامة عشرة أيام ، قال الشيخ : لم يعط ، لأنه يخرج عن حكم المسافرين بالنية ، فلا يصدق عليه اسم ابن السبيل ، وقال ابن إدريس : لم يخرج ، واختاره العلامة لإطلاق اسم المسافرين عليه.

ص: 270

في أوصاف المستحقين

اشارة

قال رحمه اللّه : العدالة وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا دون الصغائر وإن دخل في جملة الفساق ، والأول أحوط.

أقول : العدالة تعتبر في الساعي إجماعا ، ولا تعتبر في المؤلفة إجماعا ، وهل تعتبر فيمن عداهما؟ اعتبرها الثلاثة فيمن عدا المؤلفة ، ووافقهم ابن إدريس وابن حمزة إلا في الغزاة ، ولم يذكر ابنا (1) بابويه العدالة من الشروط ، وظاهر ابن الجنيد منع أهل الكبائر خاصة ، وذهب العلامة إلى عدم اشتراط العدالة وإعطاء الفاسق مطلقا لدخولهم في عموم الفقراء والمساكين.

قال رحمه اللّه : ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز ان يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة.

أقول : قيل : لا يتجاوز قدر الضرورة ، لأنها العلة في جواز الأخذ فلا يباح مع ارتفاعها. قال أبو العباس في مهذبه : والمراد بقدر الضرورة قوت يوم وليلة لا مئونة السنة ، لأن الخمس لا يملك منه الهاشمي ما زاد عن مئونة السنة ،

ص: 271


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.

وهو له طلق ، فكيف ما لا يحل الا مع الضرورة؟! وهو مذهب العلامة في التحرير ، والشهيد في دروسه وبيانه ، وقيل : لا يتقدر الأخذ بقدر ، لأنه دخل في قسم المستحقين ، والمستحق لا تقدير في طرفه.

قال رحمه اللّه : والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم خاصة على الأظهر ، وهم الآن ولد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لأصالة الإباحة ، ولقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (1) خرج بنو هاشم للنصوص (2) الدالة على تحريم الصدقة الواجبة عليهم ، ولتعويضهم عنها بالخمس ، وجوز المفيد أخذ الخمس لبني المطلب وهو أخو هاشم ، وهو يدل على تحريم الصدقة عليهم ، إذ لا قائل بالجمع ، ومستنده رواية زرارة ، عن الصادق عليه السلام انه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، لأن اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» (3). وأشار عليه السلام بذلك إلى الخمس.

فروع :

الأول : جوّز الشهيد في البيان وأبو العباس في المحرر إعطاء من يجب نفقته ما يزيد عن النفقة الواجبة ليصرفه في توسعته ، كالحمولة وثياب التجمل ان كان من أهل ذلك.

الثاني : يجوز للزوجة ان تدفع زكاتها إلى زوجها ، ومنع ابن بابويه من

ص: 272


1- التوبة : 60.
2- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 29 و 30 و 31 من أبواب المستحقين.
3- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 33 من أبواب المستحقين ، حديث 1. وفي «م» و «ر 1» و «ي 1» : شبعهم.

إعطائه مطلقا ، وقال ابن الجنيد : تعطيه ولا ينفق عليها ولا على ولدها منه ، والأول أشهر.

الثالث : جوز في الدروس إعطاء من تجب نفقته إذا لم يكن مخاطبا بالإنفاق عليه ، واستثنى الزوجة إلا مع إعسار الزوج وفقرها. وبيانه : ان المعسر الذي لا يقدر على نفقة من يجب عليه نفقته ، إذا كان معه نصاب قد استدانه وكان عليه دين يستغرقه فحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة ، لأن الدين لا يمنع الزكاة ، أو كان عنده نصاب من الغلات وكان عليه دين يستغرقه ، فإنه يجوز دفع هذه الزكاة إلى من تجب عليه نفقته ، لعدم مخاطبته بالنفقة لإعساره ، عدا الزوجة فان نفقتها واجبة على الزوج موسرا كان أو معسرا ، لكن مع الاعساره ، ينظر فيها كما ينظر المعسر في الدين ويقضي عند اليسار كما يقضي الدين ، فلا تعطى إذا كانت قادرة على نفقة نفسها ، لأنها غنية فلا يجوز لها أخذ الزكاة من غير الزوج فمنه أولى ، اما لو كانا معسرين جاز لها الأخذ لكونها مستحقة.

الرابع : لا تعطى الزوجة الناشز من الزكاة - وان لم يجب على الزوج نفقتها - وان كانت فقيرة ، لأنها قادرة على الغنى ببذل نفسها فلا تعطى ، كما لا يعطى القادر على التكسب إذا امتنع منه ، وكذلك حكم المملك بها إذا امتنعت من الدخول لغير عذر.

ص: 273

ص: 274

في متولي الإخراج

قال رحمه اللّه : وإذا طلبها الإمام صرفت اليه ، ولو صرفها المالك والحال هذه ، قيل : لا يجزي ، وقيل : يجزي وإن اثم ، والأول أشبه.

أقول : أوجب المفيد وأبو الصلاح حملها ابتداء إلى الامام أو نائبه ، وفي حال الغيبة إلى الفقيه ، والمشهور الاستحباب ، فان طلبها وجب دفعها إليه إجماعا ، فلو لم يدفعها وفرقها بنفسه ، قال الشيخ : لا يجزيه ، ومن قال بوجوب الدفع مع عدم الطلب اقتضى عدم الإجزاء أيضا بطريق الأولى ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنه دفع دفعا غير مأمور به فلا يخرج به عن التكليف.

واحتج القائل بالاجزاء بأنه دفع الحق إلى أهله فيكون مجزيا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يرثه الامام ، والأول أظهر.

أقول : إذا مات المملوك المشترى من مال الزكاة وخلف مالا ولا وارث له ، قال ابن بابويه : يكون ميراثه لأرباب الزكاة ، وبه قال الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، لأنه اشتري بمالهم.

وقيل : يرثه الإمام ، لأنه وارث من لا وارث له ، ولأن أهل الزكاة إنما

ص: 275

يستحقون ويملكون ما دفع إليهم وقبضوه ، وهذا العبد لم يدفع إليهم ولم يقبضوه فلا يستحقونه ، وتوقف العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك ، وقيل : تحسب من الزكاة ، والأول أشبه.

أقول : وجه كونها على المالك : انه يجب عليه تسليم الزكاة وهو لا يتم إلا بالكيل أو الوزن ، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.

ووجه كونها في مال الزكاة : ان اللّه تعالى أوجب على أرباب الزكاة قدرا معلوما فلا يجب عليهم أزيد من ذلك القدر ، فلو أوجبنا عليهم اجرة الكيال أو الوزان لأوجبنا عليهم أزيد مما أوجب اللّه عليهم ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول.

أقول : تقديره بالنصاب الأول مذهب الشيخين وابني (1) بابويه وسلار ، وبما يجب في النصاب الثاني مذهب ابن الجنيد ، ولم يقدره ابن إدريس بشي ء ، واختاره العلامة وأبو العباس ، واستدل الجميع بالروايات (2).

قال رحمه اللّه : إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها وجوبا ، وقيل : استحبابا ، وهو الأشبه.

أقول : القولان للشيخ ، ووجه الوجوب قوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (3) ووجه الاستحباب : أصالة البراءة ، وحمل الأمر على الاستحباب.

ص: 276


1- في «ر 2» : ابن.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 23 من أبواب المستحقين.
3- التوبة : 103.

في الإخراج

اشارة

قال رحمه اللّه : وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين ، والأشبه ان التأخير إن كان لعذر مبيح دام بدوامه ولا يتحدد ، وإن كان اقتراحا لم يجز.

أقول : جواز التأخير مع العزل مذهب الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه تأخير للعبادة عن وقتها اختيارا ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة ، سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.

أقول : التحقيق في هذه المسألة انه إذا دفع الفريضة إلى الفقير قبل الوقت بنية الزكاة لم يملكها الفقير ، وكانت باقية على ملك المالك ، ولم ينثلم بها النصاب ، فإذا حال الحول ، وهي باقية بحالها ، وجبت الزكاة ، فإن اختار المالك إبقاءها في يد المدفوع اليه واحتسابها من الزكاة جاز إن بقي على الاستحقاق ، وان اختار دفعها إلى غيره ، أو دفع غيرها اليه أو إلى غيره جاز أيضا ، وان دفعها قرضا محضا ودينا عليه لا على انها زكاة معجلة - وكانت تمام النصاب - سقطت الزكاة عن المالك ، وكان له مطالبة المدفوع اليه بها متى شاء كسائر الديون الحالة ، وان لم ينثلم بها النصاب كان مخيرا بين الاحتساب عليه

ص: 277

مع بقائه على الاستحقاق ، وبين الأخذ منه والدفع إلى غيره ، والشيخ لم يفصل ، بل جوز الاحتساب عند الحول.

فروع :

الأول : إذا علم الفقير بأنها زكاة معجلة كانت مضمونة عليه.

الثاني : هل يقبل دعوى قصد التعجيل مع اليمين؟ يحتمل ذلك لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم لأصالة عدم الضمان ، وعلى القول بقبول دعوى القصد لو ادعى اللفظ بالتعجيل لم يقبل إلا بالبينة لإمكان إقامتها على اللفظ دون القصد.

الثالث : لو باعها أو وهبها أو وقفها مع عدم التعجيل بطلت العقود في الباطن مع عدم البينة ، ويغرم القيمة للمالك ، ومع البينة يبطل ظاهر أو باطنا ، وتنتزع العين من المشتري والمتهب ويبطل الوقف ويرد إلى المالك مطلقا.

قال رحمه اللّه : لو نقصت قيل : يردها ولا شي ء على الفقير ، والوجه لزوم القيمة يوم القبض.

أقول : إذا دفع إليه شاة فنقصت في يده ، قال الشيخ في المبسوط : كان عليه ردها ، ولا شي ء عليه لأصالة براءة الذمة ولكونها عين ماله. والحق ان كان المقبوض قرضا ملكه الفقير وكان عليه القيمة يوم القبض كما قاله المصنف ، لأن القرض إذا كان من ذوات القيم كان مضمونا بالقيمة يوم القبض ، وان كان المقبوض زكاة معجلة كانت باقية على ملك الدافع ، كما مر في المسألة السابقة.

ص: 278

في النية

قال رحمه اللّه : وتتعين عند الدفع ولو نوى بعد الدفع ، لم أستبعد جوازه.

أقول : تجب النية عند الدفع إلى الوالي أو المستحق ، مشتملة على الوجوب أو الندب ، وكونها زكاة مال أو فطرة أو صدقة ، والنية في الدفع إلى الوالي أو المستحق واحدة ، وهو ان يقول : (أخرج هذا القدر من زكاة مالي أو الزكاة لوجوبه قربة إلى اللّه) ، ولا يجب تعيين المال ، ولا يفتقر الساعي ولا الإمام إلى نية أخرى عند الدفع إلى الفقير بخلاف الوكيل فإن النية تجب عليهما معا ، فينوي المالك عند الدفع إلى الوكيل والوكيل عند الدفع إلى الفقير.

قال أبو العباس في لمعته : ويكفي المالك في الدفع إليه نية الوكالة ، كقوله : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة) ، أو يقول الوكيل : (انا وكيلك في إخراج هذا عنك من الزكاة) ، فيقول : (نعم).

قلت : فحينئذ يلزم من تحقق الوكالة في إخراج الزكاة تحقق النية من الموكل ، إذ لا تتحقق الوكالة إلا بما قاله رحمه اللّه فلا فائدة حينئذ في قولهم : ولو لم ينو الموكل حالة الدفع إلى الوكيل ، الا ان يقال : يتصور ذلك فيما إذا

ص: 279

قال : (وكلتك في إخراج هذا القدر على الفقراء والمساكين) ، ولم يقل : (من زكاة مالي) فيخرجه الوكيل وينوي الزكاة.

والأحسن أن صورة النية في الدفع إلى الوكيل صورتها في الدفع إلى الوالي والمستحق ، لأن المالك مخير بين الدفع إلى الامام أو المستحق أو العامل أو الوكيل ، نص عليه صاحب القواعد ، فحينئذ تكون النية واحدة في الجميع ، فيقول عند الدفع إلى الوكيل : (اخرج هذا القدر من زكاة مالي لوجوبه قربة إلى اللّه) ، ثمَّ يقول : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة المالية أو الفطرة).

ومحلها مقارنة الدفع ، فان نوى بعده احتمل عدم الاجزاء لفوات محل النية ، والتحقيق الاجزاء مع بقاء العين أو تلفها وعلم الفقير بعدم النية لكونها باقية على ملكه مع وجودها ومضمونة مع تلفها ، وعدم الاجزاء مع التلف وعدم علم القابض بعدم النية ، لأنها غير مضمونة حينئذ ، لأنه قبضها صدقة ، والصدقة لا يتعقبها ضمان.

قال رحمه اللّه : ولو اخرج عن ماله الغائب ان كان سالما فبان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : (هذه زكاة مالي ان كان سالما) ، وكان سالما ، أجزأه ، وان كان تالفا لم يجز ان ينقله إلى زكاة غيره ، لأن وقت النية قد فاته ومذهب المصنف جواز النقل ، واختاره العلامة ، لأن الفقير لم يقبض ما أخذه زكاة ، بل قرضا ، لأن المالك نواه مع عدم وجوبه عليه ، فيبقى مستحقا له في يد الفقير ، فإذا نقله إلى زكاة غير ذلك المال أجزأ.

والتحقيق ان يقال : إما ان يكون المدفوع باقيا أو تالفا (فان كان باقيا

ص: 280

جاز له نقله إلى غيره ، لأنه لم يخرج عن ملكه ، وإن كان تالفا) (1) ولم يصرح المالك للفقير بأنه زكاة ماله الغائب على تقدير كونه سالما ، بل دفعه زكاة ونوى ذلك في نفسه ، لم يكن له نقله إلى غيره ، لأنه تصرف فيه تصرفا مأذونا له ، فلا يتعقبه ضمان وليس له احتسابه من زكاة أخرى ، إذ لا عين له في يده ولا دين في ذمته. وهل له انتزاع العين مع بقائها والحال هذه؟ يحتمل ذلك مع اليمين ، لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم ، لأن الفقير قد ملكها بالقبض على انها زكاة فلا يزول ملكه بقول المالك : (اني قصدت الغائب إن كان سالما وقد بان تالفا) ، لأن الأصل بقاء الملك.

وإن كان قد صرح للفقير بأنها زكاة الغائب إن كان سالما ثمَّ تلفت عين المدفوع ، هل يجوز الاحتساب؟ فيه وجهان مبنيان على جواز التصرف قبل علم حال المال وعدمه ، فان منعناه من التصرف لجهالة حصول السبب الموجب للملك - وهو سلامة المال - جاز الاحتساب ، لكونه مضمونا عليه ، لتصرفه فيه تصرفا غير مشروع ، وإن أجزنا له التصرف لأصالة بقاء الملك لم يضمن ، لأنّ إذن الشارع لا يتعقبه ضمان ، ويحتمل جواز التصرف مع الضمان ، لأنه ملك المدفوع بالقبض ملكا مراعى بسلامة المال وعدمه والملك المتزلزل يجوز التصرف فيه ولا ينفي الضمان ، وهو أوجه.

قال رحمه اللّه : ولو لم ينو ربّ المال ونوى الساعي أو الإمام عند التسليم ، فان أخذها الساعي كرها أجزأ ، وإن أخذها طوعا ، قيل : لا يجزي ، والاجزاء أشبه.

أقول : إذا أخذت الزكاة كرها من المالك سقط اعتبار نيته ، ووجب

ص: 281


1- ما بين القوسين من «ي 1».

على الإمام أو الساعي أو الفقيه النية عند الدفع إلى الفقراء ، ويكفي مثل نية المالك - وهو أن يقول : (أخرج هذا القدر من الزكاة لوجوبه قربة إلى اللّه) - وان لم يذكر أربابها وبرأت ذمة المالك ، وان دفعها طوعا ولم ينو عند دفعها إلى أحد الثلاثة ، لم يجب عليهم النية عند الدفع إلى الفقراء ، فلو نوى الدافع منهم إلى الفقراء ، هل يجزي عن نية المالك؟ قال الشيخ : لا يجزي فيما بينه وبين اللّه ، غير أنه ليس للإمام مطالبته بزكاة ثانية ، واختار المصنف الإجزاء مع نية أحدهم ، وهو مذهب العلّامة في المختلف والشهيد في دروسه ، لأن المأخوذ هو الواجب وقد حصلت النية ، عند الدفع إلى الفقراء فهو كما لو لم ينو حالة الدفع الى الوكيل ونوى الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء ، فان المختار الاجزاء.

وقد يجاب بالفرق بأن النية واجبة على الوكيل بخلاف الإمام والساعي والفقيه إذا دفعت إليهم طوعا ، فإن النية لا تجب عليهم ، ونية المالك تجزي من دون نية الثلاثة ولا تجزي من دون نية الوكيل ، فحصل الفرق بينهما فلا يقاس على الوكيل ، وفي قول الشيخ : (لا يطالبه بزكاة ثانية) نظر ، لأن مع عدم الإجزاء تبقى الزكاة في ذمته فيجب على الإمام المطالبة بها ، لعدم جواز إسقاط حق المساكين.

ص: 282

في زكاة الفطرة

اشارة

قال رحمه اللّه : فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية ، وقيل : من تحل له الزكاة ، وضابطه أن لا يملك قوت سنة له ولعياله ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في الغني الذي يجب عليه الفطرة ، والمحصل بان الغني هنا كالغني في زكاة المال ، وهو كل من ملك مئونة سنته المستقبلة له ولعياله الواجبي النفقة ، أو كان ذا كسب ، أو صنعة يقوم بأوده ، وأود عياله مستمرا ، ويفضل عنه صاع فإنه يجب عليه إخراجها ، وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : لا يجب إلا على من ملك نصابا من الأموال الزكاتية ، واختاره ابن إدريس ، وقال ابن بابويه : من حلت له لا تحل عليه ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : يجب الفطرة على الفقير ، والصحيح الاستحباب.

احتج القائل بوجوبها على الفقير بعموم قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ

ص: 283

تَزَكّى ) (1) والمراد به زكاة الفطرة على ما نقله المفسرون ، وهو يدل بمفهومه على عدم الفلاح لغير المزكي ، والآية عامة :

واحتج الباقون بأصالة البراءة ، وبالروايات (2) الدالة على مطلوبهم.

قال رحمه اللّه : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره ، وقيل : لا تجب إلا مع العيلولة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الزكاة هل هي تابعة للعيلولة أو لوجوب النفقة؟ يحتمل الأول ، لسقوطها عن الضيف ووجوبها على الضيف ، ولا وجه لذلك غير العيلولة فتكون تابعة لها. ويحتمل الثاني ، لأنها تابعة لوجوب النفقة بالأصل ، وإنما تحملها العائل بالعارض ، ولهذا لو كان العائل معسرا لم تسقط عن المكلف بها ، وإذا عالت الزوجة نفسها ، وأكل العبد من كسبه فهو كإعالة الزوج والمولى حكما ، لأن ما في يد العبد لمولاه ، وللزوجة الممكّنة الرجوع على الزوج بما أنفقته على نفسها مع عدم التبرع ، فيجتمع حينئذ العيلولة ووجوب النفقة فتجب الزكاة ، ولو تبرعت الزوجة بعيلولة نفسها سقطت زكاتها عن الزوج كما لو عالها غيرها تبرعا.

فرعان :

الأول : لو كان الضيف عنده بعض رمضان أو كله وفارقه ليلة الهلال سقطت زكاته ، بخلاف واجب النفقة إذا لم يعله الغير.

الثاني : لو ملك الولد المعسر أو الأب المعسر - والضابط من يجب نفقته غير الزوجة والعبد - قوت ليلة الهلال ويوم العيد سقطت زكاته إذا لم يعله تلك الليلة ، أما سقوطها عن الأب مثلا فلعدم وجوب النفقة عليه تلك الليلة بيوم

ص: 284


1- الأعلى : 14. راجع مجمع البيان 10 : 722.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 2 من أبواب زكاة الفطرة.

العيد لغناه فيهما ، وأما سقوطها عن الولد فلعسره.

قال رحمه اللّه : إذا أوصي له بعبد ثمَّ مات الموصي فإن كان قبل الوصية قبل الهلال وجبت عليه ، وان كان بعده سقطت ، وقيل : تجب على الورثة ، وفيه تردد.

أقول : السقوط مذهب الشيخ ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن الوصية مانعة من الدخول في ملك الوارث ، والقبول شرط في تمليك الموصى له وهو لم يحصل ، فيبقى على حكم مال الميت.

والتحقيق أن القبول إما كاشف أو سبب مملك ، فان كان الأول لزمت الفطرة الموصى له ، وإن كان الثاني كانت الفطرة على الوارث ، لأن الموت مخرج للملك عن الميت ، وبقاء ملك بغير مالك باطل ، وليس هنا مالك إلا الموصى له أو الوارث فيتعين الزكاة على أحدهما.

قال رحمه اللّه : وقيل لو قبل ومات ثمَّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من أن القبض ، هل هو شرط في صحة الهبة أم لا؟

يحتمل كونه شرطا ، لأن الهبة عقد جائز قبل القبض فيبطل بالموت قبله ، كالوكالة ، ومن أن الهبة عقد يئول إلى اللزوم فلا يبطل بالموت ، ويقوم الوارث مقام الموهوب في القبض ، لأنه حق له فينتقل إلى الوارث ، وبه قال الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : ومن اللبن أربعة أرطال ، وفسره قوم بالمدني.

أقول : الصاع تسعة أرطال من الجميع ، قاله المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة في المختلف ، وقال الشيخ : تسعة من غير اللبن ومنه ستة بغدادية ، وهي أربعة مدنية ، وهو مذهب ابن إدريس وابن

ص: 285

حمزة ، ودليل الجميع الروايات (1).

تنبيه : الرطل العراقي هنا مائة وثلاثون درهما ، يكون الصاع ألفا ومائة وسبعين درهما ، والمدني مائة وخمسة وتسعون درهما فهو رطل ونصف عراقي ، وفي تقدير النصاب في الغلات الرطل مائة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، والمراد بالدرهم من الجميع الدرهم الشرعي الذي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل.

قال رحمه اللّه : ولا تقدير في عوض الواجب ، بل يرجع إلى قيمة السوق ، وقدره قوم بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق.

أقول : لا خلاف في جواز إخراج القيمة بسعر الوقت ، قال الشيخ : وقد روي أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهما ، وروي أربعة دوانيق في الرخص والغلاء ، والأحوط إخراجه بسعر الوقت (2).

قال العلّامة في المختلف بعد أن نقل أقاويل الفقهاء : ولم أقف على فتوى بذلك غير ما نقلناه ، وليس صريحا.

فروع :

الأول : لو أخرج نصف صاع من الحنطة عن صاع من الشعير مع مساواة النصف للصاع قيمة ، هل يجزي أم لا؟ تردد العلّامة في التحرير ، وقال : لم أقف فيه للقدماء على قول ، وجزم في المختلف بالإجزاء ، وتردد الشهيد في الدروس ، واستقرب في البيان عدم الإجزاء ، ووجه التردد من أن الأصول هل يجوز أن تكون قيمة أم لا؟ جزم ابن إدريس بعدم الجواز ، لأن

ص: 286


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 و 7 من أبواب زكاة الفطرة.
2- النهاية : 191.

الأصول هي المقدمة (1) فلا تجوز قيمة ، وقال الشيخ في المبسوط : يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدمناها ، سواء كان الثمن سلعة أو حبّا أو خبزا أو دراهم أو ثيابا أو شيئا له قيمة ، وأنكره ابن إدريس في الحبّ والخبز ، ونسب هذا القول إلى مذهب الشافعي ، قال : فلا يظن بعض غفلة أصحابنا أنه مذهبنا.

الثاني : هل يجوز إخراج الصاع الواحد من جنسين؟ قال الشيخ : لا يجوز ، لأنه يخالف الخبز (2) ، واختاره الشهيد في الدروس ، ومذهب العلامة في المختلف والتحرير الجواز ، سواء كان من جنسين أو أجناس ، لأن المطلوب شرعا إخراج الصاع القوتي وليس تعيين الأجناس معتبرا في نظر الشرع وإلا لما جاز التخيير بين الأجناس ، وإذا جاز إخراج الأصواع المختلفة من شخص واحد عن جماعة جاز اختلاف الصاع الواحد ، لأن التخيير واقع في الجميع فكذا في الأبعاض ، لحصول المساواة في المالية ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى جواز الإخراج من جنسين في العبد المشترك بين اثنين ، ونفاه الشهيد في الدروس.

الثالث : لا يجوز إخراج المعيب ويجوز إخراج القديم ، إذا لم يتغير طعمه وان نقصت قيمته عن قيمة الحديث.

قال رحمه اللّه : وتجب بهلال شوال ولا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض على الأظهر.

أقول : جوّز الشيخ وابنا (3) بابويه إخراجهما من أول رمضان ، واختاره

ص: 287


1- في «ر 2» : المقوّمة.
2- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الفطرة.
3- في «ن» و «ر 2» : ابن.

المصنف في المختصر جزما ، والعلّامة في التحرير والمختلف ، لاشتمال ذلك على اعانة الفقير ، وجبر حاله ، ودفع الحاجة عنه في شهر تضاعف فيه الحسنات ، وللمبادرة إلى تفريغ الذمة والمسارعة إلى الخير ، ولهم عليه روايات (1).

ومنع المفيد وابن إدريس من تقديمها على شوال الا على جهة القرض ، واختاره المصنف هنا والعلّامة في القواعد ، لأنها عبادة موقتة فلا يجوز تقديمها على وقتها ، كسائر العبادات.

قال رحمه اللّه : فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجبا بنية الأداء ، وإن لم يكن عزلها ، قيل : سقطت ، وقيل : يأتي بها قضاء ، وقيل : أداء ، والأول أشبه.

أقول : السقوط مذهب ابني بابويه وابي الصلاح والمفيد وابن البرّاج ، واختاره المصنف (2) ، لأنها عبادة مؤقتة وقد فات وقتها فيسقط أداء وقضاء ، لأن القضاء إنما يثبت بأمر جديد ولم يوجد ، والأصل براءة الذمة من وجوب القضاء.

ووجوبها أداء مذهب ابن إدريس ، لوجوب الأداء بدخول الوقت ثمَّ يستمر وقت الأداء كالمالية.

وأجيب بأن لوقتها طرفين : أول وآخر ، ولو لا ضبطها لما تضيقت عند الصلاة بخلاف المالية إذ ليس لوقتها آخر.

ووجوبها بنية القضاء مذهب سلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة وأبو

ص: 288


1- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 12 من أبواب زكاة الفطرة ، حديث 4. وفي الحدائق : أنه لم يقف على غير هذه الرواية ، 12 : 305.
2- في «م» : العلامة.

العباس ، لأنها عبادة مؤقتة وقد خرج وقتها فيكون قضاء ، لأن سقوطها بعد وجوبها لا دليل عليه.

واختار العلّامة في القواعد مذهب المصنف هنا ، وهو إخراجها بنية الأداء مع العزل.

ومذهب الشهيد في دروسه وبيانه وجوب القضاء وان عزلها.

ص: 289

ص: 290

كتاب الخمس

اشارة

ص: 291

ص: 292

فيما يجب فيه الخمس

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وهو المروي ، والأول أكثر.

أقول : قال الشيخ في النهاية : ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزكاة ، ومثله قال في المبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة ، واختاره العلامة ، وأبو العباس ، لرواية البزنطي (1) ، وأصالة براءة الذمة.

وفي الخلاف أوجب الخمس في المعدن وإن لم يبلغ النصاب ، واختاره ابن إدريس ، واحتج بالإجماع على استثناء الكنوز والغوص ولم يستثنوا غيرهما ، قال : بل إجماعهم منعقد على وجوب الخمس في المعادن على اختلاف أجناسها ، قليلا كان المعدن أو كثيرا ، واعتبر أبو الصلاح مقدار دينار ، ورواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (2).

ص: 293


1- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 4 من أبواب ما يجب فيه ، حديث 1.
2- الفقيه 2 : 21 ، حديث 72 ، ورواه في الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 3 من أبواب ما يجب فيه ، حديث 5.

فروع :

الأول : يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يتخللها ترك العمل ، فلو أخرج دون النصاب دفعة وترك العمل مهملا ، ثمَّ أخرج دون النصاب لم يجب شي ء وإن بلغ المجموع النصاب ، ولو بلغ أحدهما نصابا وجب فيه خاصة ، ولو ترك العمل للاستراحة مثلا ، أو لإصلاح آلة ، أو لأكل ، أو صلاة ، أو طلب معادن وجب الخمس إذا بلغ الجميع النصاب ، ويجب فيما زاد على النصاب وإن قل.

الثاني : النصاب معتبر في الذهب وما عداه بالقيمة ، ولو اشتمل المعدن على جنسين ضم أحدهما إلى الآخر سواء كان ذهبا أو فضة أو غيرهما.

الثالث : لو استأجر على إخراج المعدن فالخارج للمستأجر ، ولو نوى الأجير التملك لنفسه لم يملك.

الرابع : لو وجده في أرض مملوكة فهو للمالك دون المخرج ، لأنه من أجزاء الأرض فيكون لمالكها.

الخامس : لو أخرج خمس التراب لم يجز لاختلافه في الجوهر ، ولو اشترك جماعة في الحفر والحيازة اشترط بلوغ نصيب كل واحد النصاب.

قال رحمه اللّه : إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فان لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه سكة الإسلام ، قيل : يعرف كاللقطة ، وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : يملكه الواجد وعليه الخمس ، واختاره

ص: 294

ابن إدريس ، لعموم ظاهر القرآن (1) ، والأخبار (2) الواردة في إخراج الخمس من الكنوز ، والتخصيص محتاج إلى دليل ، وقال في المبسوط : إنه لقطة ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد ، لأنه مال ضائع عليه أثر تملك الإسلام ووجد في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.

فروع :

الأول : لو استأجر أجيرا ليحفر له طلبا للكنز فوجده فهو للمستأجر ، ولو استأجره ليحفر له بئرا في المباح فوجد كنزا فهو للأجير.

الثاني : يجب الخمس في كل كنز على اختلاف أنواعه ، من الذهب والفضة والنحاس والرصاص وغير ذلك.

الثالث : يجب الخمس على كل واجد حرا كان أو عبدا ، مسلما أو ذميا ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، عاقلا أو مجنونا ، ويكون ما يجده العبد لسيده والخمس واجب عليه ، وما يجده غير المكلف له ، والمخاطب بالإخراج الولي إن كان ، وإلا فالحاكم.

ص: 295


1- الأنفال : 41.
2- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 5 من أبواب ما يجب فيه.

ص: 296

في قسمته

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : بل يقسم الخمس خمسة أقسام ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب قسمة الخمس ستة أقسام لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) (1) الآية ، وفي صحيحة (2) ربعي بن عبد اللّه بن الجارود : أنه يقسم خمسة أقسام بإسقاط سهم الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم.

قال أبو العباس ولا نعرف بها عاملا.

قال رحمه اللّه : ولو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر.

أقول : من انتسب إلى هاشم بالأم ، إذا كان أبوه غير هاشمي ، هل يستحق الخمس ، قال علم الهدى : يستحق ، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، وقد ثبت إطلاقه في الحسنين عليهما السلام «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا» (3).

ص: 297


1- الأنفال : 41.
2- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 1 من أبواب قسمة الخمس ، حديث 3.
3- البحار 43 : 278.

وبعدم الاستحقاق قال الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لأن الانتساب إنما يصدق حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا ، ألا تراهم يقولون فلان بن فلان ويرفعون نسبه إلى الإباء ، ولا يقولون فلان بن فلانة ، ولقوله تعالى ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (1).

قال رحمه اللّه : وفي استحقاق بني المطلب تردد ، أظهره المنع.

أقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة في باب الزكاة فلا حاجة لإعادته ، والمطّلب هو أخو هاشم بن عبد مناف.

قال رحمه اللّه : وابن السبيل لا يراعى فيه الفقر ، بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيا في بلده ، وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

أقول : عدم اعتبار الفقر في اليتيم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، للعموم (2) ، ولان اعتبار الفقر يقتضي تداخل الأقسام ، لأن مع اشتراط الفقر يدخل تحت المساكين ، وقد أفرد اللّه تعالى اليتامى في قسم على حدتهم ، والأصل عدم التداخل ، واعتبره العلّامة في المختلف ، لأنه عوض الزكاة وهي لا يستحقها الغني ، ولأنه جعل جبرا لهم ومساعدة ، فلا يليق بالغني ، ويمنع من له موسر ينفق عليه ، فمنع الغني بماله أولى.

قال رحمه اللّه : فالأيمان معتبر في المستحق على تردد ، والعدالة لا تعتبر على الأظهر.

ص: 298


1- الأحزاب : 5.
2- الأنفال : 41.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الإيمان هل هو معتبر في مستحق الخمس؟ أفتى أكثر الأصحاب باعتباره ، وتردد المصنف للنهي عن مساعدة غير المؤمن (1) ، ولأنه محادّ لله فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة ، ومن أنه يستحق بالقرابة والنسب ، والمسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في الآراء.

الثانية : العدالة ولم يعتبرها أكثر الأصحاب ، لأنه يستحق بالقرابة فلا يشترط أكثر من ذلك عدا الايمان على المختار (2) ، وقيل باشتراطها ، وهو بناء على اشتراطها في مستحق الزكاة ، والخمس بدل منها ، وحكم البدل حكم المبدل.

قال رحمه اللّه : ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ، ومع عدمه قيل : يكون مباحا.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في مطلق الخمس : وفيه أقوال :

الأول : أنه مباح ، قاله سلار وله عليه روايات (3).

الثاني : صرفه إلى فقراء الذرية والشيعة ، حكاه المفيد ، ثمَّ قال : ولست أدفع قرب هذا من الصواب.

الثالث : يجب حفظه بالوصية حتى يصل إليه عليه السلام ، قال المفيد : هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق وجب لغائب

ص: 299


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 42 من أبواب ما يكتسب به.
2- في «ن» بزيادة : عند الأصحاب.
3- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 4 من أبواب الأنفال.

ولم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب المصير إليه ، فوجب حفظه إلى وقت إيابه.

الثانية : في حقه عليه السلام : قال ابن إدريس : يحفظ بالوصية ، ولا يجوز التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وادعى تطابق الأدلة العقلية والنقلية على ذلك.

وقيل : يجب صرفه إلى باقي الأصناف على وجه التتمة ، واختاره المصنف والعلّامة وفخر الدين وأبو العباس ، لأنه لو كان حاضرا وقصر نصيب الأصناف عن كفايتهم وجب أن يتم لهم من نصيبه ، ولاشتماله على دفع ضرر الذرية ونفع محاويجهم.

وأقوال الأصحاب وأدلتهم هنا كثيرة أضربنا عنها لئلا يطول الكتاب.

فرع :

لا يجوز إعطاء السيد من الخمس أكثر من مئونة السنة سواء اتحد الدفع أو تعدد ، لأنه عليه السلام لم يجاوز مئونة السنة في القسمة عليهم والفاضل له عليه السلام كما إذا أعوز كان عليه (1).

ص: 300


1- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 3 من أبواب قسمة الخمس.

كتاب الصوم

اشارة

ص: 301

ص: 302

في النية

اشارة

قال رحمه اللّه : النية ، فهي إما ركن وإما شرط في صحته ، وهي بالشرط أشبه.

أقول : الفرق بين الركن والشرط أن :

الشرط : هو ما يتوقف عليه صحة المشروط ، والشرط متقدم على المشروط وليس جزءا منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من أصله.

والركن : جانب الشي ء الأقوى الذي لا يقوم ذلك الشي ء بدونه ، وهو جزء منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من حينه.

فإذا عرفت هذا ، فهل النية ركن في الصوم أو شرط فيه؟

يحتمل كونها ركنا فيه ، لجواز تلافيها إلى الزوال ، وليس الشرط كذلك لعدم جواز التلافي ، لوجوب تقديمه على الفعل ، وإنما يتلافى ما هو داخل في ماهية الفعل.

ويحتمل كونها شرطا ، كالإسلام والطهارة والعقل لتقدمها عليه ، والركن ليس كذلك ، إذ هو داخل في ماهية الفعل ، ولأن مع الإخلال بها إلى بعد

ص: 303

الزوال يحكم ببطلان الصوم من أصله لا من حين الزوال ، والركن ليس كذلك بل من حينه.

وقول المصنف : (وهي بالشرط أشبه) لا ينبه على وجود مخالف في المسألة ، بل ينبه على أنها مع كونها تشابه الشرط - لوجوب تقدمها على الصوم - ليس حكمها حكم الشرط ، لجواز تلافيها قبل الزوال ، ولكونها جزءا منه ، لأنه الإمساك مع النية فهو مركب من النية والإمساك ، وليس شيئا (1) من الشروط كذلك.

قال رحمه اللّه : ويكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى اللّه ، وهل يكفي ذلك في المعين؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم اشتراط التعيين مذهب ابن إدريس ، نقله عن المرتضى ، لأنه زمان تعين للصوم بالنذر فكان كرمضان ، واشتراط التعيين مذهب الشيخ ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فافتقر الى التعيين ، كالنذر المطلق ، ولأن الأصل وجوب التعيين ، لأن الأفعال إنما تقع على الوجوه المقصودة ، وإنما ترك ذلك في شهر رمضان ، لأنه زمان لا يقع فيه غيره.

فروع :

الأول : لو صام آخر شعبان بنية الوجوب لغير رمضان ، بل للقضاء أو الندب ، ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، وجب العدول وتعيين رمضان في النية ، ليتميز عما نواه ، ولو صام بنية الندب اكتفى بالقربة والوجوب عن التعيين ، لأن التمييز هنا العدول من الندب إلى الواجب ، وهناك يعدل من واجب إلى واجب فلا بد من مائز ، وهو التعيين.

ص: 304


1- كذا فيما بأيدينا من النسخ.

الثاني : لو لم يبق لرمضان غير مقدار ما عليه من القضاء فقد تعين ذلك الزمان للصوم ، فهل يكفي فيه عدم التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان قد تعين صومه فكان كرمضان والنذر المعين ، ويحتمل العدم لعدم تعينه بالأصل.

الثالث : المتوخي لشهر رمضان - كالمحبوس - هل يجب عليه التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان لم يتعين صومه فيجب فيه التعيين ، ويحتمل العدم ، لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان.

قال رحمه اللّه : وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر (1).

أقول : الصوم إما واجب أو ندب ، والواجب إما معيّن أو غير معيّن ، فالأقسام ثلاثة : الأول : المعيّن ، ويجب فيه النية من الليل ولو من أوله مستمرا حكمها ، ولا يجوز تركها إلى بعد الفجر اختيارا ، ويتلافاها الناسي إلى الزوال.

الثاني : الواجب غير المعيّن كالنذر المطلق وقضاء رمضان ، ويجب فيه النية ليلا ويجوز تجديدها إلى الزوال اختيارا ، لأنه زمان لا يوصف نهاره بتحريم الأكل من أوله ، بخلاف الصوم المعين ، لأنه يجب عليه صومه من أول النهار ، فلا يجوز له الإخلال بالنية ، لأنها شرط في صحته.

الثالث : المندوب ، وفيه قولان :

أحدهما : من أول الليل مستمرا إلى الزوال ثمَّ يفوت وقتها كالواجب ، لأنها عبادة مندوبة فيكون وقت نيتها وقت نية فرضها كالصلاة ، وهو مذهب الشيخ وابن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلّامة في المختلف.

والآخر : امتدادها إلى الغروب وهو مذهب السيد المرتضى وابن إدريس

ص: 305


1- في النسخ : أظهر.

وابن حمزة ، واختاره أبو العباس ، لعموم قوله ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (1) ولقوله عليه السلام : «الصوم جنة من النار» (2).

وهل يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من حين النية ، أو من ابتداء النهار؟ قال الشيخ في الخلاف بالثاني ، واختاره العلّامة في التحرير ، والشهيد في البيان ، لترتب الثواب على انعقاد الصوم وقد انعقد ، ولا فرق في تأثير النية فيما مضى من النهار بين أن تقع قبل الزوال أو بعده إذا نص الشارع على ذلك ، إذ المصير فيهما قبل الزوال إلى النص فكذلك ما بعده (3).

قال رحمه اللّه : وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية ، وكذا قيل : تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قدّم نية رمضان على هلاله ثمَّ نسي النية في بعض أيامه هل يكفيه تلك النية المتقدمة؟ قال الشيخ في المبسوط : ولو نوى قبل الهلال أجزأته النية السابقة ، إن عرض له سهو أو نوم أو إغماء ، وان كان ذاكرا فلا بد من تجديدها ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأن الصوم عبادة مشروعة تفتقر إلى نية ، ومن شرط النية المقارنة ، وإلا لجاز تقديمها مع الذكر.

الثانية : هل يجزي نية واحدة لصيام الشهر من أوله؟ قال الثلاثة : نعم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، لأنه عبادة واحدة فيجزي فيه النية الواحدة ، فتؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله ، ومنع العلامة وأبو العباس ، لأن

ص: 306


1- البقرة : 184.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب الصوم المندوب ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 و 3 من أبواب وجوب الصوم.

صوم كل يوم عبادة على حدة ، فيفتقر إلى نية منفردة.

تنبيه : حد النية التي تؤثر في الشهر كله - على القول به - ثلاثة أيام من أوله إلى الثالث ، فإن تجاوز الثالث لم تؤثر قطعا.

قال رحمه اللّه : ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا ، قيل : يجزي ، وقيل : لا يجزي ، وعليه الإعادة ، وهو الأشبه.

أقول : الإجزاء مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية ، وبه قال ابن حمزة ، لأن نية القربة كافية وقد حصلت فالزائد لغو ، وعدم الإجزاء مذهب الشيخ في باقي كتبه ، واختاره المصنف والعلّامة ، لاشتراط الجزم في النية ، والقربة كافية فيما علم انه من الشهر لا فيما لا يعلم انه منه.

واعلم ان المصنف جزم بعدم الإجزاء في المسألة السابقة من الكتاب المشروح ، قال : لا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا ، وقال العلّامة في التحرير كما قال المصنف هنا فربما توهم أنهما مسألتان مختلفتان من حيث التعدد بالشخص والجزم في أحدهما بالبطلان وذكر الخلاف في الأخرى ، وليس كذلك بل هما واحدة ، لأن موضوع البحث فيهما واحد ، إذ هو يوم الشك ، ولاتحاد علة البطلان فيهما وهو الترديد ، والقطع فيهما بحكم واحد وهو البطلان أو الصحة ، إذ القائل بالصحة في إحداهما يقول بها في الأخرى ، وإنما أورد البحث في مسألتين إيضاحا واتساعا في التفريع ، ويمكن أن يقال : إنهما مسألتان ، فموضوع الأولى - وهي التي جزم فيها بالبطلان - مطلق الصوم ، وموضوع الثانية يوم الشك ، لكن الخلاف فيهما وتوجه البحث عليهما واحد.

قال رحمه اللّه : لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثمَّ جدّد قبل الزوال ، قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

أقول : الذي عليه أكثر الأصحاب عدم الإجزاء ، لأن النية شرط وقد

ص: 307

مضى جزء من النهار بغير نية فيبطل صومه ، وإذا بطل جزء العبادة بطلت أجمع ، ويحتمل عند المصنف الإجزاء ، لأن شرط انعقاد الصوم النية وقد حصلت قبل الزوال ، ولأنه لم يفعل ما ينافي الصوم من القدوم على شي ء من المفطرات ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يحصل الدليل الناقل عن الأصل ولم يثبت.

ولا فرق بين أن ينوي الإفطار من الليل أو ينويه في أثناء النهار بعد انعقاد الصوم ، ولا فرق في بطلان الصوم بين أن يجدد النية قبل الزوال أو لم يجددها ، هذا هو المحقق عند أكثر الأصحاب ، والشيخ قطع بالصحة مطلقا سواء جدد أو لم يجدد ، وسواء نوى القطع من الليل أو من أثناء النهار ، والمصنف فرق بين ان يكون نية القطع من الليل وبين أن يكون من أثناء النهار ، وجزم في الثانية بالصحة ولم يجزم في الاولى ، واشترط العود إلى نية الصوم قبل الزوال فيهما.

فروع :

الأول : لو صام يوم الشك بنية الوجوب من غير نية رمضان ثمَّ ظهر أنه منه ، فإن كان في أثناء النهار عدل الى رمضان بالنية ولو كان قبل الغروب بيسير ، وإن كان بعده أجزأ عن رمضان ، وبطل عما نواه.

الثاني : لو صامه قضاء عن رمضان ثمَّ أفطر قبل الزوال لم يجب عليه كفارة عن أحدهما ، أما سقوطها عن القضاء فلوقوع الإفطار قبل الزوال ، وأما سقوطها عن رمضان فلأنه لم يقصد الإفطار في رمضان ، بل في يوم الشك ، فلو لزمه الكفارة لزم تكليف الغافل وهو محال ، وإن كان إفطاره بعد الزوال ثمَّ ثبت أنه من رمضان احتمل سقوطها عنهما أيضا ، أما عن رمضان فلعدم العلم به كما قلناه أولا ، وأما عن القضاء فلعدم وقوعه صحيحا ، لأن رمضان لا يقع

ص: 308

فيه غيره ، ويحتمل وجوبها عن رمضان ، لأنه هتك صوما متعينا عليه فيكفر على ما هو عليه في نفس الأمر ، ويحتمل وجوبها عن القضاء لأنه الثابت ظاهرا في زعمه ، وقد هتك حرمته فيجب عليه الكفارة عنه.

الثالث : كما يتأدى رمضان بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم ، كذلك يتأدى كل واجب معين بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم به للمساواة في العلة ، وهو أنه زمان تعين للصوم فلا يقع فيه غيره.

الرابع : لو قال : (أصوم غدا من رمضان سنة مائة) مثلا وكان لسنة مائتين ، فإن كان غلطا صح الصوم ولغي الغلط ، وإن كان عمدا بطل ، لعدم قصده صوم ما وجب عليه ، أما لو كان عليه أول يوم من رمضان مثلا أو يوم من سنة خمسين مثلا ، فقال : (أصوم غدا قضاء عن اليوم الثاني من رمضان) ، أو قال : (أصوم غدا قضاء عن يوم من رمضان سنة ستين) مثلا فإنه لا يصح وإن كان ذلك غلطا ، لأنه صوم لم يتعين بزمان فلا بد من تعينه بالنية ، والذي عليه لم ينوه فلا يكون مجزيا ، أما لو لم يتعرض لليوم أو للسنة صح قطعا.

ص: 309

ص: 310

فيما يمسك عنه الصائم

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطي الغلام والدابة تردد وإن حرم.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الجماع في دبر المرأة مع عدم الإنزال هل يفسد الصوم ويجب الكفارة؟ قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : نعم ، واختاره المتأخرون ، لأن فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة تابع لوجوب الغسل ، وقد أوجبه أكثر الأصحاب فتجب هذه الأحكام ، وفي رواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينتقض صومها وليس عليها غسل» (1) ، وهي مرسلة.

الثانية : الجماع في دبر الغلام ، وحكمه حكم الجماع في دبر المرأة لما تقدم في باب الجنابة (2).

ص: 311


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الجنابة ، حديث 3.
2- ص 66.

الثالثة : وطي البهيمة فإن أنزل تعلقت الأحكام الثلاثة أعني وجوب الغسل والقضاء والكفارة إجماعا.

وإن لم ينزل وأغاب الحشفة ففيه ثلاثة أقوال :

الأول : قول ابن إدريس إنه لا شي ء عليه ، وهو اختيار المصنف هنا ، لأنه قال : (والأشبه أنه تابع لوجوب الغسل) ، وقد جزم في باب الجنابة بعدم وجوبه ، لأنه فرج غير مشتهى طبعا ، فلا يجب الغسل بالإيلاج فيه من غير إنزال.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الثالث : القضاء والكفارة ، قاله السيد ، وهو ظاهر المبسوط ، وجزم به أبو العباس في المحرر وان لم يجب الغسل ، ومال العلّامة في التحرير إلى مذهب ابن إدريس.

فرعان :

الأول : إذا تساحقت امرأتان فأنزلتا وجب عليهما القضاء والكفارة ، ولو أنزلت إحداهما اختصت بالحكم ، ولو لم تنزلا فلا شي ء سوى الإثم وحكم المجبوب إذا ساحق كذلك.

الثاني : إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، أو نزع بنية الجماع وجبت الكفارة ، وإن نزع لا بنية الجماع لم يكن عليه شي ء ، هذا مع المراعاة وظن السعة ، ومع عدم المراعاة ، يجب القضاء خاصة مع النزع بغير نية الجماع.

قال رحمه اللّه : وعن الكذب على اللّه وعلى رسوله والأئمة عليهم السلام ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : في الكذب على اللّه ، وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم السلام متعمدا مع اعتقاد كونه كذبا يفسد الصوم ، ويجب فيه القضاء والكفارة عند

ص: 312

السيد المرتضى في الانتصار ، وهو مذهب الشيخين ، لما رواه أبو بصير في الموثق (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وقيل : فيه الإثم خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة صحة الصوم ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (2) عن الباقر عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وعن الارتماس ، وقيل : لا يحرم بل يكره ، والأول أظهر ، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا ، وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف ، والأظهر التحريم وفساد الصوم ، وعن البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في الارتماس في الماء ، وفيه أربعة أقوال.

الأول : القضاء والكفارة ، وهو مذهب الشيخين والسيد في الانتصار ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب أبي الصلاح.

الثالث : التحريم فقط ، وهو مذهب المصنف ، واختاره العلامة.

الرابع : الكراهية خاصة نقله المصنف عن المرتضى ، لرواية عبد اللّه بن سنان في الموثق (3) عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، ولا يرتفع حدثه ولو كان جنبا على القول بالتحريم ، سواء وجب القضاء والكفارة ، أو القضاء خاصة ، أو لم يجب شي ء.

الثانية : في إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا ، وفيه القضاء

ص: 313


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 9.

الكفارة عند الشيخ في الجمل والاقتصاد والخلاف ، واختاره العلامة ، لأن ازدراد كل شي ء يفسد الصوم ويجب به القضاء والكفارة ، والغبار الغليظ من هذا القبيل.

ووجوب القضاء خاصة مذهب ابن إدريس ، لأصالة براءة الذمة من الكفارة ، ولرواية عمر بن سعيد (1) عن الرضا عليه السلام.

الثالثة : البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر عامدا ، ذهب الشيخان وابنا (2) بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى وجوب القضاء والكفارة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن تعمد الإنزال نهارا موجب القضاء والكفارة ، فكذا استصحاب الإنزال ، بل هذا آكد ، لأن الأول انعقد صومه في الابتداء وهنا لم ينعقد ، ولما رواه أبو بصير في الموثق (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وقال ابن ابي عقيل يجب القضاء خاصة لأصالة براءة الذمة ولرواية عبد اللّه بن ابي يعفور (4) عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

تنبيه : إذا طهرت الحائض والنفساء ليلا وتركت الغسل حتى تصبح عامدة ، قال ابن أبي عقيل : يفسد صومهما ويجب القضاء خاصة ، كالجنب عنده إذا أهمل الغسل عامدا ، قال العلامة : ولم يذكر أصحابنا ذلك ، استقرب في مختلفة وتحريره أن حكمهما حكم الجنب ، فإن وجبت عليه الكفارة وجبت عليهما وإلا فلا ، لاشتراك الثلاثة في كونها مبطلة للصوم وكل واحد منها

ص: 314


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2 ، وفيه : (عمرو) بدل : (عمر).
2- في «ن» و «ر 1» : ابن.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.

حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الاحكام ، وظاهر الشهيد في الدروس موافقة ابن أبي عقيل.

قال رحمه اللّه : وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى.

أقول : الإمناء إما عقيب النظر ، أو الملاعبة ، أو التسمع فهنا ثلاث مسائل.

الأولى : في الإمناء عقيب النظر ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف ، لأصالة صحة الصوم ، وأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولم يفرقوا بين المحللة والمحرمة.

الثاني : قال الشيخ في المبسوط بوجوب القضاء بالنظر إلى المحرمة دون المحللة.

الثالث : قول العلامة ، وهو إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا ، سواء كانت محرمة أو محلله ، لوجود هتك حرمة الصوم بإنزال الماء متعمدا فكان كالمجامع ، وان لم يقصد فأنزل لتكرار النظر فسبق الماء وجب القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده ، فكان عليه القضاء خاصة ، كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء إلى حلقه.

الثانية : الإمناء عقيب الملاعبة والملامسة ، فإن قصد الإنزال كفّر قطعا ، وإن لم يقصد فكذلك على المشهور ، لأنه أنزل في نهار رمضان عقيب فعل يحصل معه الإمناء فكان كالمجامع ، ولرواية أبي بصير (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 5.

وقال ابن الجنيد : يجب القضاء خاصة ، لأنه أنزل من غير قصد فلا يجب عليه الكفارة ، كالمتمضمض للتبرد.

الثالثة : في الإمناء عقيب التسمع ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي ء عليه ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، ومذهب ابن أبي عقيل ، واختاره المصنف ، لأصالة (صحة الصوم و) (1) براءة الذمة.

الثاني : وجوب القضاء خاصة ، وهو مذهب المفيد وأبي الصلاح الحلبي.

الثالث : وجوب القضاء والكفارة مع قصد الإنزال ، ووجوب القضاء خاصة لا معه ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، ووجهه ما تقدم في النظر.

والتحقيق : أن النظر والسماع إن حصل اتفاقا فأمنى عقبه فلا شي ء عليه مطلقا ، سواء كان معتادا أو غير معتاد ، وإن قصدهما وجب القضاء والكفارة مطلقا أيضا ، وإن قصد النظر خاصة ، فإن كان من عادته الإمناء عقيب النظر كفّر ، وكذلك إن كان من عادته عقيب تكرار النظر فكرره فأمنى ، ولو لم يكن من عادته مطلقا أو من عادته عقيب التكرار فأمنى عقيب نظره لزمه القضاء خاصة.

وحكم الاستماع حكم النظر ، وكذلك الملاعبة والملامسة إلا أنهما لا يتصوران اتفاقا ، فإن قصد بالملاعبة الإمناء كفّر مطلقا ، ومع عدم قصد الإمناء يرجع إلى العادة وعدمها ، فيكفر مع العادة ويقضي خاصة مع عدمها ، ولا فرق بين المحللة والمحرمة.

فرع : إذا خيل في نفسه صورة الفعل فإن قصد الإمناء فأمنى كفّر ، وإن لم يقصد الإمناء وكان من عادته الإمناء عند ذلك كفّر أيضا ، وإن لم يكن من

ص: 316


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

عادته ، بل حصل اتفاقا كان عليه القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده فكان عليه القضاء خاصة ، ولو لم يقصد إلى تخيل الفعل ، بل خطر في خاطره فأمنى لم يجب عليه شي ء ، سواء كان معتادا أو لم يكن ، لعدم قصد الإفساد ومقدمته ، ودفع ما يخطر بالبال غير مقدور.

قال رحمه اللّه : والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، ومن أنه مائع وصل إلى الجوف فكان مبطلا للصوم ، كما لو وصل من الفم ، إذ تحريم الأكل والشرب ليس لكونه في الفم قطعا ، لأن الإجماع منعقد على أن كل ما دخل في الفم ولم يتعد إلى الجوف لم يبطل الصوم ، وإذا كان التحريم لأجل الوصول الى الجوف تحقق ذلك مع الوصول اليه مطلقا ، سواء كان من الفم أو من غيره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والجمل ، واختاره العلّامة في المختلف ، ولم يفرق بين المائع ، والجامد ، فأوجب القائل بالفساد القضاء ، والمرتضى أطلق كراهة الحقنة ولم يفصل بين المائع والجامد ، وأطلق أبو الصلاح وجوب القضاء من غير تفصيل أيضا ، وذهب أبو العباس في مقتصره ومحررة إلى مذهب المصنف هنا وهو كراهة الجامد ، وتحريم المائع ، ووجوب القضاء به.

قال رحمه اللّه : ومن أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء ، وفي وجوب الكفارة تردد ، والأشبه الوجوب.

أقول : منشؤه من أنه أفطر عامدا وهتك صوما صحيحا فكان عليه الكفارة كغيره ، ومن أنه لم يقصد هتك الصوم الصحيح وإنما ظن الفساد ، فأكل فكان كالناسي.

قال رحمه اللّه : ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع مع الاختيار لم يفسد صومه ، ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردد ، ولا كفارة.

ص: 317

أقول : الإكراه على قسمين :

أحدهما : يبلغ حد الإلجاء - وهو الذي لا يبقى للمكره معه قصد النية - وذلك إنما يكون مع الصب في حلقه ، ويفهم من قول المصنف هنا الفرق بين الصب في الحلق وبين الإكراه الذي يرفع القصد ، وغيره لم يفرق.

والثاني : لا يرفع القصد بالكلية - وهو أن يتوعد على الفعل فيفعله بنفسه - فهو كالمختار.

ففي الأول لا يفسد صومه قطعا ، والثاني فيه خلاف ، قال في المبسوط بفساد صومه ، لأنه فعل المفطر اختيارا فيفسد صومه ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن عموم قوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1) وهذا مكره.

قال رحمه اللّه : وقيل : بل هي على الترتيب ، وقيل : يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات ، وبالمحلل كفارة ، والأول أكثر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : كفارة رمضان وقد اختلف الأصحاب فيها ، هل هي مخيّرة أو مرتبة؟ فالتخيير مذهب الشيخ والمفيد وسلّار وأبي الصلاح وابني (2) بابويه وابن إدريس ، وعليه المتأخرون ، وقال الحسن بن أبي عقيل : إنها مرتبة ، واستدل الجميع عليه بالروايات (3).

الثانية : الإفطار بالمحرم هل يجب به كفارة الجمع أو كفارة واحدة؟

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 3 وغيره.
2- في «ن» و «ر 1» و «ر 2» : ابن.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

بالأول قال ابن بابويه وابن حمزة والشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، والأكثر على أنها كفارة واحدة ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

فرع : لو عجز من وجب عليه كفارة الجمع عن بعضها هل ينتقل إلى البدل؟ فيه نظر ، من أصالة براءة الذمة والاقتصار على مورد النص ، وهو الانتقال في المخيرة تخييرا والمرتبة ترتيبا ، وفي كفارة الجمع الثلاثة واجبة بالأصالة فلا يكون بعضها بدلا عن بعض ، ومن مساواتها للمرتّبة في العلة وهي العجز عن الأصل مع القدرة على البدل ، وكون البدل واجبا عليه بالأصل غير مانع من وجوبه ثانيا بالبدلية ، لقبول المحل لهما.

قال رحمه اللّه : إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة ، وقيل : كفارة يمين ، والأول أظهر.

أقول : القول بأنها كفارة يمين هو قول ابن بابويه ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : الكذب على اللّه وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم السلام حرام على الصائم وغيره ، وإن تأكد في الصائم ، لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.

السادسة : الارتماس حرام على الأظهر ، ولا تجب به كفارة ولا قضاء ، وقيل : يجبان به ، والأول أشبه.

ص: 319


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 و 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب ، والباب 2 من أبواب كتاب النذر والعهد.

السابعة : لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح ، ويحرم بالمائع.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسائل كلها فلا وجه للإعادة (1).

قال رحمه اللّه : من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثمَّ انتبه ثمَّ نام كذلك ، ثمَّ انتبه ونام ثالثة حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الكفارة إنما تجب مع التهجم على انتهاك حرمة الصوم بتناول المفطر عامدا وهذا ليس كذلك ، ومن أنه بعد الانتباهتين يكون كالمتعمد لترك الغسل.

فرع : لا فرق بين أن تكون النومات الثلاث في ليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث ، كما لو أجنب ونام ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الليلة الثانية ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الثالثة ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر كان عليه في اليوم الثالث القضاء والكفارة ، وفي الثاني القضاء خاصة ، ولا شي ء عليه في اليوم الأول.

ولو نام في الأولى نومتين ، وفي الثانية نومة مع نية الغسل وعدم الانتباه حتى يطلع الفجر كان عليه في اليوم الأول القضاء خاصة وفي الثاني القضاء والكفارة ، ولو انعكس لم يلزمه في الأول شي ء ، وفي الثاني القضاء والكفارة.

قال رحمه اللّه : ومن نظر الى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا يجب ، وهو الأشبه ، وكذا لو كانت محللة لم يجب.

أقول : قد سبق البحث في هذه مستوفاة فلا وجه للإعادة (2).

ص: 320


1- ص 317.
2- ص 315.

قال رحمه اللّه : لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح ، فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه ، ولو فعل ذلك عبثا ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : يحتمل عدم الفساد ، لعدم قصده الابتلاع فكان كالأكل سهوا ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ويحتمل وجوب القضاء ، لأنه أبلغ من التمضمض للتبرد ، وهو يوجب القضاء في سبق الماء الى الحلق فيه ، فوجوبه بهذا أولى ، لأن التمضمض للتبرد لغرض صحيح ، وهذا ليس لغرض صحيح فيكون أولى بوجوب القضاء.

فرعان :

الأول : لو تمضمض للطهارة فسبق الماء إلى حلقه لم يفطر ، ولا فرق بين أن تكون لصلاة واجبة أو مندوبة على المشهور ، وفي رواية عن الصادق (1) عليه السلام وجوب القضاء إن كان لصلاة مندوبة.

الثاني : هل حكم الاستنشاق حكم المضمضة؟ فيه نظر ، من المساواة في العلة - وهو كونه مندوبا اليه - كالمضمضة ، ومن عدم النص. وظاهر الشهيد عدم الفرق.

قال رحمه اللّه : ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء ، والأشبه القضاء والكفارة ، وفي السهو لا شي ء عليه.

أقول : إذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فابتلعه عامدا ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : وجب عليه القضاء ، وقال المصنف بوجوب القضاء والكفارة ، واختاره العلامة ، لأنه تناول المفطر عامدا فوجب

ص: 321


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

القضاء والكفارة ، كما لو ازدرده من خارج.

قال رحمه اللّه : وقيل : صب الدواء في الإحليل حتى يصل الجوف يفسده ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة لعدم ورود النص عليه ، ومن أنه أوصل إلى جوفه مفطرا فكان كالحقنة بالمائع ، واختاره العلامة في المختلف.

فرع : لو طعن الصائم نفسه طعنة وصلت إلى جوفه ، أو أمر غيره أن يفعل به ذلك ففعل ، قال الشيخ في المبسوط : فسد صومه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه أوصل الجامد إلى جوفه اختيارا فكان كما لو ازدرده.

وقال في الخلاف : لا يفسد ، واختاره ابن إدريس ، لأصالة صحة الصوم وأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء.

قال رحمه اللّه : ما له طعم كالعلك ، قيل : يفسد الصوم ، وقيل : لا يفسده ، وهو الأشبه.

أقول : الإفساد مذهب الشيخ في النهاية ، لأن أجزاء ذي الطعم تشيع في الفم وتتعدى مع الريق إلى المعدة ، وأجيب بأن تخلل الأجزاء غير معلوم ، والريق ينفعل بكيفية ذي الطعم ، والأصل صحة الصوم وعدم وجوب القضاء.

قال رحمه اللّه : وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة ، وإن كان في واحد ، قيل : تتكرر مطلقا ، وقيل :

إن تخلّله التكفير ، وقيل : لا تتكرر ، وهو الأشبه سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، قال الشيخ وابن حمزة بعدم التكرار مطلقا ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الزائد على ما وقع عليه الإجماع ، ولعدم الهتك بالفعل الثاني ، لأنه لم يقع في صوم صحيح ،

ص: 322

فكما لا يتكرر القضاء لا يتكرر الكفارة ، وقال السيد المرتضى يتكرر بتكرر الوطئ مطلقا ، واختاره الشهيد لما روي عن الرضا عليه السلام : «الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ» (1).

وقال ابن الجنيد بالتكرر مع تخلل التكفير ، وعدمه مع عدمه ، وقال العلامة في القواعد والمختلف بالتكرر مع تغاير السبب ، كالأكل والجماع واختاره الشهيد ، لأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات فلا تتداخل مع الاجتماع.

قال رحمه اللّه : ومن فعل ما يجب به الكفارة ثمَّ سقط فرض الصوم لسفر أو حيض وشبهه ، قيل : تسقط الكفارة ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم السقوط مذهب الشيخ رحمه اللّه واختاره المصنف والشهيد ، لأنه أفطر عامدا في صوم واجب في رمضان فوجب عليه الكفارة واستقرّت في ذمته ، لأن سببها التهجم على انتهاك حرمة الصوم وقد فعله ، وقيل بالسقوط ، واختاره العلامة وولده (فخر الدين) وأبو العباس في المحرر إذا كان المسقط من جهة اللّه تعالى ، كالمرض والجنون والإغماء والحيض والنفاس ، أو كان سفرا ضروريا لا اختياريا ، لأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم اللّه تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر ، فلا يجب فيه الكفارة وإلا لزم التكليف بالمحال ، لأنه لو كان مكلفا في أول اليوم بالصوم المشروط بالطهارة مثلا في جميع اليوم مع تعذر حصولها في باقيه ، لزم التكليف بالمحال.

فرعان :

الأول : إذا فعل ما يجب معه الكفارة ، ثمَّ أعتق عبدا عنها ، ثمَّ سقط فرض الصوم بالعذر الضروري بطل العتق ، لبطلان موجبه وهو الكفارة.

ص: 323


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 3.

الثاني : لو دفع ستين مدا إلى ستين مسكينا ، ثمَّ سقط فرض الصوم كان له ارتجاعها مع بقاء العين لا مع تلفها ، لأنهم قبضوها صدقة والصدقة لا يتعقبها ضمان ، ويحتمل الضمان لبطلان السبب الموجب لقبضها.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان الإكراه لأجنبية ، وقيل : لا يتحمل هنا ، وهو الأشبه.

أقول : لو أكره أجنبية على الفجور بها ، هل يتحمل عنها كالزوجة؟

قال الشيخ : ليس لأصحابنا فيه نص ، والذي يقتضيه الأصل أن عليه كفارة واحدة ، وحملها على الزوجة قياس لا نقول به ، قال : ولو قلنا إن عليه كفارتين لعظم الإثم كان أحوط ، وهو مذهب العلامة ، واستقربه الشهيد في دروسه ، لأن الكفارة عقوبة على الذنب وهو في الأجنبية أفحش.

فروع :

الأول : حكم الأمة حكم الزوجة ، لمساواتها لها في الحكم ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثاني : لو وطأها نائمة احتمل تحمل الكفارة ، لمساواته للإكراه لعدم رضاها ، ويحتمل العدم ، لأصالة براءة الذمة ، ولإمكان رضاها لو كانت مستيقظة.

الثالث : لو أكره أجنبي الزوجين على الجماع احتمل تحمله عنهما ، لأنه أكرههما على فعل يجب معه الكفارة لو فعلاه اختيارا فيتحملها عنهما مع الإكراه كالزوج ، ويحتمل العدم ، لأصالة البراءة ، وعدم مباشرة المكره للفعل ، ولأن صومهما لم يفسد فلا كفارة.

الرابع : لو أكره المسافر زوجته احتمل تحمله عنها للعموم (1) ، واحتمل

ص: 324


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

عدم التحمل ، لكونه مباحا له غير مفطر لها.

الخامس : لو أكرهته على الجماع احتمل تحملها عنه لمساواته إكراهه لها ، واحتمل العدم ، لعدم تحقق الإكراه في طرفه ، لأن الخوف يمنع العضو عن الانتشار فلا يتحقق الإكراه.

ص: 325

ص: 326

في الزمان الذي يصح فيه الصوم

قال رحمه اللّه : ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه ، وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ في موضع من المبسوط بعدم القضاء ، وبه قال ابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وقال في موضع آخر من المبسوط : يجب القضاء ، لأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ، ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء.

ص: 327

ص: 328

في من يصح الصوم منه

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا سبقت من المغمى النية كان بحكم الصائم ، والأول أشبه.

أقول : القول المشار إليه هو قول المفيد رحمه اللّه ، لأنه قال : إذا أغمي على المكلف قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثمَّ أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام ، فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل ، فنوى صيامه وعزم عليه ، ثمَّ أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ، ثمَّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصيام بالنية والعزيمة على أداء الفرض.

والمشهور أنه ليس بحكم الصائم ولا يجب عليه القضاء ، سواء كان الاغماء قبل استهلال الشهر أو بعده ، وسواء سبقت منه النية أو لم تسبق ، لأنه غير مكلف بالصوم لعدم حصول شرط التكليف ، وهو العقل.

قال رحمه اللّه : والنذر المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور.

أقول : قد جرت عادة المصنف رحمه اللّه بالإشارة إلى ما استضعف سنده مع عمل الأصحاب به بالمشهور ، كما ذكرناه في مقدمة الكتاب ، وهذه المسألة

ص: 329

لا خلاف فيها عند علمائنا ، ومستندهم رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام «قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصوم أبدا في السفر والحضر» (1) قال الشيخ رحمه اللّه : يحمل هذا على من نذر يوما معينا وشرط صومه حضرا وسفرا ، واستدل على هذا التأويل برواية علي بن مهزيار ، قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل سبت ، فإن أنا لم أصمه ما الذي يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك» (2) وضعفها من كونها مشتملة على المكاتبة.

قال المصنف في المعتبر : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

قال رحمه اللّه : وهل يصوم مندوبا؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في صوم التطوع في السفر ، قال المفيد : لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة ، الأربعاء والخميس والجمعة عند قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام ، وقال الشيخ : يكره صوم النوافل في السفر على كل حال ، وقد وردت رواية (3) في جواز ذلك ، فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا أن الأحوط ما قدمناه.

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب ، وهو صيام ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجائز : وهو ما عدا

ص: 330


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 7.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 1.
3- النهاية : 162.

ذلك ، وروي كراهة صوم النافلة في السفر ، والأول أثبت (1).

وقال ابن البرّاج : إنه مكروه. واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لقوله عليه السلام : «ليس من البر الصيام في السفر» (2) ، وهو عام في الفرض والنفل ، والروايات (3) في هذا المعنى كثيرة.

قال الشيخ : لو خلينا وظاهر هذه الأحاديث لقلنا : إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور ، غير أنه ورد (4) فيه من الرخص ما نقلناه من الحظر إلى الكراهية ، قال ابنا بابويه : لا يصام في السفر تطوعا ولا فرضا.

واستثني من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة ، لأن الصوم في السفر منهي عنه ، والنهي يدل على التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو استيقظ جنبا بعد الفجر لم ينعقد قضاء صومه عن رمضان ، وقيل : ولا ندبا.

أقول : إذا أصبح الصائم جنبا ولم يعلم بالجنابة من الليل صح صوم رمضان ، والنذر المعين خاصة دون غيره من الواجب والندب ، هذا مذهب الشيخ رحمه اللّه ، والمصنف لم يجزم بغير قضاء رمضان ، لرواية ابن سنان في الصحيح (5) عن الصادق عليه السلام المختصة بالقضاء ، وعدم ظفره بدليل

ص: 331


1- الوسيلة : 149.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 10 و 11.
3- راجع الباب المتقدم.
4- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم.
5- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

موجب للحكم بغيره ، والقول الذي أشار إليه في الندب - وهو قول الشيخ - نقله عنه العلامة في التحرير ولم نجزم به أيضا ، فعلى قول الشيخ لو أصبح جنبا في صوم الكفارة فسد صوم ذلك اليوم ولم ينقطع به التتابع لعدم تهجمه على انتهاك حرمة الصوم اختيارا.

قال رحمه اللّه : والبلوغ الذي تجب معه العبادات : الاحتلام أو الإنبات ، أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر ، وتسع في النساء.

أقول : لا خلاف في البلوغ بالقسمين الأولين ، ولا فرق فيهما بين الرجال والنساء ، وانما الخلاف في البلوغ بالسنين ، وبالخمس عشرة قال جمهور الأصحاب ، وقال ابن الجنيد ببلوغ أربع عشرة ، والمشهور في النساء البلوغ ببلوغ تسع سنين ، وقيل : عشر سنين.

وأما الخنثى فإن أمنى من الفرجين حكم ببلوغه ، وكذا ان أمنى من فرج الرجال وحاض من فرج النساء ، ولو امنى من فرج واحد احتمل الحكم ببلوغه ، لاشتراك الذكور والإناث في البلوغ بالمني ، ويحتمل العدم ، لأن الحكم بالبلوغ مع خروج المني هو المني المتحقق خروجه من فرج الرجل أو المرأة ، وهو في الخنثى غير متحقق ، لأن أحد الفرجين زائد بيقين وهو غير معلوم ، فيحتمل كونه هو الذي خرج منه المني ، فيكون خروج المني من غير الفرج ، وهو ليس معتبرا ، فلا يحكم بالبلوغ مع الشك بسببه.

ص: 332

في شهر رمضان

اشارة

قال رحمه اللّه : أو يرى رؤية شائعة ، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان ، قيل : لا تقبل ، وقيل : تقبل مع العلة ، وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر

أقول : القبول مطلقا هو قول السيد وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس وقبول العدلين مع العلة ، ومع العدم لا يقبل إلا القسامة مذهب أبي الصلاح ، ومستند الجميع الروايات (1).

فروع :

الأول : إذا رأى الهلال عدلان ولم يشهدا عند الحاكم ، أو شهدا وردّت شهادتهما لعدم معرفته بهما ، وجب الصوم على من سمع شهادتهما إذا عرف عدالتهما ، وكذا يجب الإفطار ، لقوله عليه السلام : «إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا» (2).

الثاني : إذا صاموا بشهادة العدلين ، فان رؤي الهلال ليلة إحدى وثلاثين

ص: 333


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- راجع المصدر المتقدم. وبمضمونه أحاديث كثيرة ، ولم نعثر عليه بلفظه.

فلا بحث ، وإن لم ير فيها ، قال أكثر العلماء بالإفطار ، لأنهما لو شهدا ابتداء على هلال شوال لوجوب الإفطار ، فيكون الإفطار على ما أثبتاه أولا بشهادتهما أولى.

وذهب مالك الى عدم الإفطار ، لأنا اتبعنا قولهما على الظن ، وقد تبيّنا خلافه فلا يجوز الإفطار.

ويتفرع على هذا ما إذا شهدا بهلال شوال وأفطرت الناس ثمَّ لم ير بعد ثلاثين من شهادتهما ، قضي أول يوم أفطر فيه الناس لظهوره من رمضان ، ولا كفارة للشبهة.

الثالث : لو اختلف الشاهدان في الاستقامة والانحراف بطلت شهادتهما بالنسبة إلى غيرهما ، ولو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة قبلت لعدم التضاد.

الرابع : لا يكفي قول الشاهد : (اليوم الصوم أو الفطر) ، لاحتمال استناده الى عقيدته ، بل يجب على الحاكم استفساره. وهل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ يحتمل ذلك لوجوب قبول قوله في جميع الأحكام ما لم يعلم الخطأ ، وهو هنا غير معلوم ، واختاره الشهيد في دروسه ، ويحتمل العدم ، لعموم (1) عدم ثبوت الهلال بقول الواحد على غير مذهب سلّار ، فإنه قبل قول الواحد في رمضان خاصة احتياطا للصوم ، هذا إذا قال : (اليوم الصوم أو الفطر).

أما إذا قال : (رأيت الهلال) ، لم يقبل وحده ، لكونه شاهدا حينئذ ، وهو لا يثبت بشهادة الواحد ، وهل يجب استفساره على السامع؟

يحتمل الوجوب مطلقا ، لاحتمال استناده إلى عقيدته مع احتمال مخالفتها عقيدة السامع.

ص: 334


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان.

ويحتمل العدم مطلقا ، لقبول قول الحاكم ووجوب اتباعه على ما ثبت عنده من الاحكام وان لم يثبت عند غيره.

ويحتمل وجوب الاستفسار على المجتهد دون غيره ، إذ غير المجتهد فرضه التقليد وقد أفتاه الحاكم فيجب عليه العمل بما أفتاه به ، والمجتهد لا يجوز له التقليد ، فلو لم يستفسره عن وجه الصوم أو الإفطار لينظر في وجه الحكم ، ويعمل على ما يثبت صحته عنده لكان مقلدا للحاكم مع تحريم التقليد عليه ، فوجب استفساره.

الخامس : لو حصل الشياع بقول النساء أو الفسّاق ثبت الهلال ، لأن الشياع لا يشترط فيه أن يكون ممن يقبل شهادته.

قال رحمه اللّه : ولو صام بنية رمضان لأمارة ، قيل : يجزيه ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نوى صوم يوم الشك من شهر رمضان لأمارة مثل قول المنجمين ، أو شهادة الواحد العدل على القول بعدم وجوب العمل بمذهب سلّار ، أو شهادة الفساق ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، احتمل الإجزاء هنا ، لأنه نوى الواجب في نفس الأمر مستندا إلى ظن قد انكشف صدقه فيخرج به من العهدة ، ويلزم ابن أبي عقيل وابن الجنيد العمل به ، لأنهما قالا بالاجزاء من غير أمارة فمع الإمارة أولى ، وكذا الشيخ في الخلاف فإنه أفتى بالاجزاء.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنه اعتقد وجوب ما ليس بواجب عليه ظاهرا حالة النية وإنما تكليفنا بالظاهر ، واعتقاد وجوب غير الواجب ظاهرا قبيح وإن كان واجبا في نفس الأمر ، والقبيح منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد فيفسد صومه ، وهو مذهب معظم الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو غمت شهور السنة عدّ كل شهر منها ثلاثين ، قيل :

ص: 335

ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط - وحكاه عن قوم من أصحابنا - قال : ومتى غمّت شهور السنة كلّها عدّها ثلاثين ثلاثين ، فإن مضت السنة ولم يتحقق فيها هلال شهر واحد ففي أصحابنا من قال : يعد الشهور كلها ثلاثين ثلاثين ، قال : ويجوز عندي العمل على هذه الرواية التي وردت بأنه يعد من السنة الماضية خمسة أيام ، ويصوم اليوم الخامس ، لأن المعلوم أن لا تكون الشهور كلها تامة (1).

وهي رواية عمران الزعفراني قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وعد منه خمسة ، وصم اليوم الخامس» (2) وبه قال العلّامة في المختلف لقضاء العادة بعدم تمام شهور السنة ، ولا يجوز السند على ما يعلم انتفاؤه ، وانما يبنى على مجاري العادات ، والعادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة ، واختاره في تحريره أيضا ، وقال في القواعد : وإذا غمت شهور السنة فالأقرب العمل بالعدد ، وقال في الإرشاد : فالأولى العمل بالعدد.

واختلف في تفسير العدد ، قال في التذكرة : ولا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية ذهبوا إلى انه معتبر وأن شهور السنة قسمان : تام وناقص ، ورمضان تام ابدا وشعبان ناقص ، وبهذا التفسير فسره صاحب الدروس ، والظاهر أن مراد العلامة في اختياره العمل بالعدد غير هذا العدد الذي نقله في

ص: 336


1- المبسوط 1 : 268.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 3.

التذكرة عن الحشوية ، وذكره صاحب الدروس ، لأن هذا لم يعمل به أحد من الأصحاب ، بل يحتمل أمرين.

الأول : ما ذكره المصنف وهو اعتبار عدد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الشهر جملة من الزمان محفوفة بهلالين أو ثلاثين يوما ، وإذا تعذر علمه بالأهلّة لم يبق غير العدد ، والأصل عدم النقيصة ، ويكون موافقا لما نقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

والآخر : رواية الخمسة ، وعليه شرح فخر الدين في إيضاحه ، لأنه مذهب والده في المختلف والتذكرة والتحرير ، ثمَّ قال في آخر بحثه : والأقوى عندي ما قواه المصنف في الدرس ، وهو العمل بالعدد أعني كل شهر ثلاثين ثلاثين ، يعني بالمصنف والده رحمهما اللّه.

ص: 337

ص: 338

في القضاء

اشارة

قال رحمه اللّه : فلا يجب على الصبي ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل

الأولى : في الصبي ، قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : الصبي إذا نوى الصوم وبلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك ، وقال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثمَّ بلغ أمسك بقية النهار تأديبا ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، وهو في أول النهار لم يكن مكلفا بالصوم فلا يقع التكليف به في تاليه ، واحتج الشيخ على الأول بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار ، فيجب عليه إتمامه.

الثانية : في المجنون ، قال في الخلاف : إذا أصبح مجنونا وأفاق ، في بعضه ونوى فلا قضاء عليه ، وهو يدل على وجوب الصوم عليه ، والمشهور عدمه ، لما تقدم في المسألة الأولى.

ص: 339

الثالثة : المغمى عليه ، وقد سبق (1) البحث فيها فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحبابا ويصوم ما يستقبله وجوبا ، وقيل : يصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وان ترك قضى ، والأول أشبه.

أقول : القول بوجوب الصوم مع الإسلام قبل الزوال هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنه زمان يصح فيه ابتداء الصوم فوجب أن يصح صومه كالناسي.

وأجيب بأنه إنما يصح ابتداء الصوم في موضع يصح ابتداء النية كالناسي بخلاف موضع النزاع ، إذ الكافر لا يصح منه النية حالة (2) كفره ، وقال في النهاية بعدم الوجوب واختاره المصنف والعلّامة ، لأنه لم يكن من أهل الصوم في أول النهار وقد بينا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا ينعقد مع تجديد النية.

قال رحمه اللّه : وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا ، وقيل : بل يستحب التفريق للفرق ، وقيل : يتابع في ستة ويفرق في الباقي للرواية ، والأول أشبه.

أقول : المشهور أفضلية التتابع في القضاء ، ذهب اليه الشيخ رحمه اللّه وأبو الصلاح وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأنه مسارعة إلى فعل الخير ومبادرة إلى براءة الذمة ، ولأنه أحوط.

وذهب المفيد رحمه اللّه إلى أفضلية التفريق ، ليحصل الفرق بين الأداء

ص: 340


1- ص 329.
2- وردت هنا زيادة في «ن» و «ي 1» و «ر 2» وهي : (الصوم في أول النهار ، وقد بينا ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا تنعقد مع تجديد النية حالة).

والقضاء ، ولا يحصل إلا به فيكون أولى ، وللرواية المتضمنة لتتابع الستة وتفريق الباقي ، وهي رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أياما ، وليس له ان يتابع أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أو عشرة أفطر بينها يوما» (1).

قال رحمه اللّه : وان استمر المرض الى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر ، وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام.

أقول : سقوط القضاء مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلّامة وأبو العباس ، لأن العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء ، فوجب أن يسقط عنه القضاء كسقوط الأداء.

وعدم السقوط مذهب ابن إدريس وأبي الصلاح ، لعموم قوله تعالى : ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (2) ، لأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالدين.

فرع : لو كان العذر غير المريض كالسفرة الطويلة بحيث يمتد إلى الرمضان الثاني تعين القضاء بعد الثاني ولم يعوض عنه بالفدية ، لاختصاص النص (3) بعذر المرض.

قال رحمه اللّه : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله ، إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية.

ص: 341


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 6.
2- البقرة : 185.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 25 من أحكام شهر رمضان.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «في رجل سافر في شهر رمضان فيموت؟ قال يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لم يقض عنه» (1) ، وبمضمونها افتى الشيخ في التهذيب.

والمشهور مراعاة التمكن ، فان تمكن من القضاء ولم يقض وجب على وليه القضاء عنه ، ومع عدم التمكن لم يجب القضاء ، لأن وجوب القضاء على الولي تابع لوجوبه على الميت ، وغير المتمكن لا يجب عليه فلا يجب على وليه.

قال رحمه اللّه : ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن لفظة الولي يراد بها الواحد ، والتعدد ضد الوحدة فيسقط القضاء ، لأصالة البراءة ، والاقتصار على مورد النص (2) وهو الولي الواحد ، ومن أن كل واحد من المتعددين لو انفرد لوجب عليه قطعا فلا يسقط مع الاجتماع ، وعلى هذا جمهور الأصحاب وابن إدريس على الأول ، وقال ابن البرّاج بالقرعة إذا لم يتبرع به أحدهم.

فروع :

الأول : لو تبرع غير الولي بالقضاء احتمل قويا الاجزاء ، لأنه كالدين فيجوز التبرع بقضائه ، ويحتمل العدم ، لأنه حق بدني وجب على مكلف به وجوبا شرعيا ، فلا يجوز التبرع به عن الغير كالعبادة اللازمة للمكلّف بالأصل ، واستقرب في التحرير عدم الإجزاء مع عدم إذن الولي ، ومعه قال : فيه نظر ، ولم يفت بشي ء.

ص: 342


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان ، حديث 15.
2- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان.

الثاني : لو استأجر الولي غيره جاز ، سواء كان عاجزا أو قادرا عليه ، وكذا الكلام في الصلاة ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس ، ويحتمل المنع لما قلناه في الفرع الأول.

الثالث : لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم ، ولو كان عليه عشرة أيام وصامها عنه عشرة في يوم واحد أجزأ ، بخلاف الصلاة فإن الترتيب فيها واجب.

الرابع : لو مات الولي ولم يقض ، فإن لم يتمكن من القضاء فلا شي ء على وليّه ، وإن تمكن اختار الشهيد الوجوب على وليّه ، ويحتمل الصدقة من تركته ، والاستيجار.

الخامس : لا فرق فيما يجب قضاؤه عن الميت بين أن يكون لازما بالأصل كرمضان ، أو بالعارض كالنذر وشبهه ، إذا تمكن من فعله ومات ولم يفعله.

السادس : إذا فضل يوم مع تعدد الأولياء كان فرض كفاية ، فإن قام به بعض سقط عن الباقين وإن لم يقم به أحدهم ألزم الجميع من غير تخصيص ، فإن استأجروا واحدا منهم عن حصصهم جاز على القول بجواز الاستئجار ، ولو استأجروه عن الجميع بطل في قدر حصته واسترجع منه من الأجرة بقدرها ، ولو صاموه جميعهم أجزأ ، فإن كان قضاء عن رمضان وأفطروا بعد الزوال احتمل سقوط الكفارة ، لأصالة براءة الذمة واختصاصها بالقاضي عن نفسه ، ويحتمل وجوب كفارة واحدة على الجميع ، ويكون فرض كفاية على الجميع كالأصل ، ويحتمل وجوبها على كل واحد منهم بإفطاره في قضاء رمضان بعد الزوال ، ويحتمل وجوبها على من أفطر أخيرا ، لتعيّن الصوم عليه بإفطار اخوته ، ولو بقي أحدهم على الصوم لم يجب على المفطر شيئا لتحقق صوم القضاء.

السابع : لو تصدق الولي - عن كل يوم بمد - عن الواجب على الميت لم يجز ، سواء كان من مال الميت أو من مال الولي ، وظاهر الشيخ في الجمل والمبسوط الجواز ، أما لو كان عليه شهران متتابعان فصام الولي شهرا وتصدق

ص: 343

من مال الميت عن شهر أجزأ لرواية الوشاء (1) ، عن الرضا عليه السلام ، والصدقة عن الشهر الثاني ، وأوجب ابن إدريس قضاءهما إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير.

قال رحمه اللّه : وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد.

أقول : من أن الغالب تساوي الذكور والإناث في الأحكام الشرعية ، ولأن إبراء ذمم المكلفين أمر مطلوب للشارع قضية لحكمته تعالى ورحمة منه على العالمين ، ومن اختصاص النص (2) بالوالد فلا يتعدى الى غيره ، ولأصالة براءة الذمة.

وبالأول قال الشيخ في النهاية والمبسوط والعلّامة في المختلف ، واختاره أبو العباس ، والثاني قاله ابن إدريس.

أما العبد فلا يقضى عنه على المختار عند الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وإذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء ، وقيل : يتصدق عن كل يوم بمد من تركته.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يكن له ولي ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : السقوط لا إلى بدل ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف لأصالة البراءة.

الثاني : الاستيجار من التركة كالاستيجار للحج ، وهو مذهب أبي الصلاح الحلبي.

الثالث : الفدية عن كل يوم بمد ، قاله الشيخ ، واختاره العلّامة

ص: 344


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 24 من أحكام شهر رمضان ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان.

والشهيد ، واستند الجميع الى الروايات (1).

الثانية : إذا كان الأكبر أنثى ، قال : الشيخ بوجوب الصدقة من تركته عن كل يوم بمد ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلّامة ، وقال المفيد : فإن فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور ، فإن فقدوا فالنساء.

وفي هذا الكلام حكمان ، الأول : أن الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني :

مع فقد الذكور يكون الولي هو الأكبر من النساء ، وبه قال ابنا بابويه (2) ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، قال : وهو ظاهر القدماء والاخبار ، والمختار الأول.

احتج الأولون بأصالة البراءة ، والآخرون بأنه يصدق عليه اسم الولي فيتناوله الأمر.

قال رحمه اللّه : إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الأظهر.

أقول : قضاء الصوم والصلاة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لأنه أخلّ بشرط الصوم - وهو الطهارة من الجنابة في أول النهار مع علمه بالحدث - فكان عليه القضاء ، والنسيان عذر في سقوط الإثم وما يترتب عليه من الكفارة لا في سقوط القضاء ، ولأنه لم يأت بالمأمور على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.

وذهب ابن إدريس إلى عدم قضاء الصوم ، واختاره المصنف ، لأن الصوم ليس من شرطه الطهارة من الجنابة مع عدم الذكر ، وإلا لم يصح ممن

ص: 345


1- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان. وصرح السيوري : بأن الحلبي قاس مسألتنا هذه على مسألة الحج ، وهو ينبئ عن عدم وجود نص له في إ.
2- في «ن» و «ر 2» : ابن بابويه.

حصلت له في النهار أو من الليل ثمَّ يغلب عليه النوم حتى يصبح ، وإنما الشرط عدم البقاء على الجنابة ، وهذا لم يتعمد فلا يبطل صومه ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يرد الدليل.

ص: 346

في الكفارات

قال رحمه اللّه : ما يجب فيه الصوم مع غيره : وهو كفارة القتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جميعا ، وألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (1) ولا فرق بين ان يكون محرما بالأصل أو بالعارض.

قال رحمه اللّه : وفي كفارة جزاء الصيد تردد ، وتنزيلها على الترتيب أظهر ، وألحق بهذا كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها بشعر رأسها.

أقول : التخيير في كفارة الصيد مذهب ابن إدريس ، واختاره العلّامة في المختلف ، والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره المصنف ، واستدل الجميع بالروايات (2) ، وسيأتي البحث في كفارة

ص: 347


1- ص 318.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، وباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام.

شق الثوب وخدش الوجه ونتف الشعر إنشاء اللّه تعالى.

فرع : المشهور أن من وجب عليه القضاء والكفارة يقدم ما شاء منهما مع اتساع الوقت ، وإن تضيق القضاء بان تضيق الرمضان الثاني وجب تقديم القضاء ، ومنع ابن أبي عقيل من صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء رمضان ، لأنه كالأصل ، ولأنه وجب بأصل الشرع فيكون أولى ، فالعمل على المشهور ، لاشتراك الجميع في الوجوب فمع عدم التضيق يتخير المكلف في تقديم ما شاء ، فان كان النذر معينا بزمان تعين ذلك الزمان له.

فرع آخر : لو كان عليه قضاء رمضان ونذر صوم شعبان تلك السنة ، أو كان عليه صوم شعبان دائما ثمَّ وجب عليه قضاء رمضان ، احتمل قويا تضيق القضاء في رجب لمساواة شعبان لرمضان في تعين صومه لغير القضاء ، ولو أهمله متهاونا حتى هلّ شعبان ، صام شعبان للنذر وقضى رمضان بعد رمضان ، ثمَّ يكفر عن كل يوم بمد ، وإن كان غير متهاون قضاه بعد رمضان ولا كفارة.

ويحتمل ضعيفا عدم التضيق في رجب لإطلاق الأصحاب عدم التضيق ما لم يتضيق الرمضان الثاني ، فحينئذ يتخير في شعبان إن شاء صامه عن النذر ثمَّ يقضي رمضان بعد رمضان مع الكفارة على التفصيل السابق ، وإن شاء صام القضاء ثمَّ يقضي النذر بعد رمضان ويلزمه كفارة خلف النذر ، لأن العذر ما لا يمكنه معه الفعل كالمرض أو يمكنه ولا يصح منه كالحيض ، وهذا يمكنه ويصح منه فلا عذر له.

قال رحمه اللّه : وألحق به من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا ، وفيه تردد.

أقول : الضمير في قوله : (وألحق به) أي : من وجب عليه شهر متتابع بنذر. ووجه التردد من أن حمله على النذر وعلى الحر قياس لا يجوز العمل به ،

ص: 348

فيبقى على أصالة وجوب التتابع ، ومن أن كفارة العبد نصف الحر فكما كان التنصيف في العدد فكذلك يكون في الوصف ، وكما حصل التتابع بشهر ويوم من الآخر للحر ، فكذا يحصل بنصف شهر للعبد ، لأن الشهر في معرض النقصان ، فلو أوجبنا عليه ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين.

تنبيه : لا يكفي مجاوزة النصف في الشهر المعين مطلقا ، سواء قيده بالتتابع أو لم يقيده لتعينه بالنذر. وإنما يكفي في المطلق المقيد بالتتابع ، كأن يقول : لله عليّ أن أصوم شهرا متتابعا ، فهذا يكفي فيه تتابع النصف ويجوز تفريق النصف الآخر ، وإن لم يقيده بالتتابع لم يجب تتابع شي ء منه ، ولو زاد نذر الصوم المتتابع على الشهر أو الشهرين لم يجز تفريق شي ء منه ووجب متابعة الجميع ، لوجوب مراعاة الشرط في النذر ، خرج منه الشهر أو الشهران لورود النص (1) وفتوى الأصحاب ، يبقى الباقي على المنع من مخالفة ما شرطه الناذر ، والشيخ طرد الحكم في السنة ، والمشهور الأول.

قال رحمه اللّه : وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، والأول أشبه.

أقول : القائل بذلك هو الشيخ معتمدا على رواية زرارة (2) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، والمشهور تحريم صوم أيام التشريق مطلقا ، سواء كان في كفارة أو غيرها ، وإنما يحرم صوم أيام التشريق على من كان بمنى لا مطلقا ، واشترط العلامة كونه ناسكا لا مطلقا ، وجزم به في القواعد ولم يجزم في التحرير ، بل قال : فيه نظر ، وأكثر فتاوي الأصحاب إطلاق التحريم من غير قيد

ص: 349


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 3 وباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب ، حديث 1 و 2.

بنسك حج أو عمرة ، لإطلاق الروايات (1) الخالية عن قيد الإحرام ، وكأن العلامة نظر إلى عدم تحريم صوم أيام التشريق في غير منى فلا علة لتحريمها حينئذ في منى إلا كونه محرما بحج أو عمرة ، ولمانع أن يمنع كون الإحرام علة التحريم.

ص: 350


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

في الصوم المكروه والمحظور

قال رحمه اللّه : وصوم الضيف نافلة بغير إذن مضيفه ، والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي.

أقول : وجه عدم انعقاده مع النهي أنه يكون صوما منهيا عنه والنهي يدل على الفساد ، ويحتمل الانعقاد ، لأصالة الصحة.

قال رحمه اللّه : وصوم الوصال ، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر ، وقيل : هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما.

أقول : مذهب الشيخين هو أن يجعل عشاءه سحوره وعليه أكثر الأصحاب ، واختاره العلامة ، لأنه مخالف لوضع الشرع لأن الشارع أوجب الصيام إلى الليل فمن تعداه كان مبدعا.

وقال ابن إدريس : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما.

تنبيه : انما يحرم الإمساك بعد الغروب ويسمى صوم الوصال على التفسيرين إذا كان مع النية ، أما لو أمسك من غير نية ولا قصد الصوم لم يكن حراما ، سواء كان بعض الليل أو كله ، ومع النية يحرم وإن قل الزمان لمخالفة الشارع ، لأن المخالفة تصدق على القليل كما تصدق على الكثير.

ص: 351

ص: 352

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ، ويزيد على ذلك تبييت النية ، وقيل : لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال ، وقيل : لا يعتبر أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه.

أقول : تبييت النية من الليل مذهب الشيخ في النهاية ، لأنه إذا لم ينو السفر من الليل أصبح صائما صوما مشروعا فلا يبطل بالسفر ، لأنه قد حصل بعد انعقاد العبادة ، وعدم اعتبار النية والاكتفاء بالخروج قبل الزوال مذهب المفيد وابن الجنيد ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لأنه مع الخروج قبل الزوال يمضي عليه أكثر النهار مسافرا وكان له حكم جميعه على ما عهد في عرف الشرع من اعتبار الأكثر كاعتبار الجميع ، ولأن هذا الزمان محل النية للساهي وللجاهل بوجوب صوم ذلك اليوم ، فوجب أن يكون محل النية في الإفطار لمن تجدد له عزم السفر المنافي للصوم ، وأما وجوب الإتمام مع الخروج بعد الزوال فلأنه صام أكثر النهار ، فوجب أن يكون للأقل حكم الأكثر ، لأن حكم الأكثر حكم الجميع.

ص: 353

وأما القصر ولو خرج قبل الغروب فهو مذهب علي بن بابويه ، لصدق اسم السفر عليه فيدخل في عموم الآية (1) الموجبة للقصر على الصائم ، ولان السفر مناف للصوم والصوم عبادة فلا يقبل التجزي ، وقد حصل المنافي في جزء منه فأبطله ، فيبطل أجمع ببطلان جزئه.

قال رحمه اللّه : وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم وبالعكس ، إلا الصيد للتجارة على قول.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في كتاب الصلاة (2).

قال رحمه اللّه : وقيل : يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري.

أقول : قد سبق (3) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه اللّه : الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام. ثمَّ إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط.

وقيل : إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير ، كما يسقط الصوم ، وإن أطاقا بمشقة كفّرا ، والأول أظهر.

السابعة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان ، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الشيخ والشيخة لو عجزا عن الصيام أفطرا وسقط القضاء عنهما ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن البرّاج

ص: 354


1- البقرة : 184.
2- ص 225.
3- ص 226.

بالوجوب ، واختاره المصنف وأبو العباس في المحرر ، وبه قال الشهيد ، والمستند الأحاديث (1).

وقال المفيد تسقط الكفارة مع تحقق العجز ويجب إن طاقاه بمشقة ، وبه قال السيد المرتضى وسلار وابن إدريس ، واختاره العلامة ، لقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (2) دلّ بمفهومه على سقوط الفدية عن الذي لا يطيقه ، ولأنه عاجز عن الصوم فيسقط عنه أداء وقضاء ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، والكفارة إما بدل عن فعل واجب أو مسقط لذنب صدر عن فعل المكلف ، وهما منفيان هنا ، ولو عجز عن الصدقة سقطت إجماعا.

الثانية : ذو العطاش ، وهو قسمان ، إما أن يرجى زواله أو لا ، فالأول يفطر ويقضي مع البرء ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال سلّار وابن حمزة وابن البرّاج ، واختاره أبو العباس في المحرر ، لأنه أفطر لمصلحته فوجب عليه الكفارة كالشيخ العاجز ، وقال المفيد والسيد المرتضى : لا يجب ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه مريض فلا يجب عليه كفارة مع القضاء كغيره ، واختاره العلامة في المختلف.

والثاني - وهو الذي لا يرجى زواله - لا قضاء عليه ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال السيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس في المحرر ، لأنه عجز عن الصيام أداء وقضاء فكان عليه الصدقة ، كما لو استمر به المرض إلى رمضان آخر.

وقال سلّار لا يجب الكفارة ، لأصالة براءة الذمة.

ص: 355


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم.
2- البقرة : 184.

الثالثة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ، والبحث فيهما في حكمين :

الأول : في وجوب القضاء ، وقد جزم به المصنف ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهما أفطرا لمصلحتهما فوجب عليهما القضاء كالمريض ، ولأن القضاء وجب مع الإفطار بأبلغ الاعذار وهو المرض ، فوجوبه مع الأدنى أولى ، وقال ابن بابويه في الرسالة : لا يجب القضاء ، بل يجب الصدقة عن كل يوم بمد ، لأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ولأنه إنما يجب بأمر جديد ، ولأنهما أفطرتا بالعذر فاشبهتا الشيخ الفاني.

الثاني : وجوب الفدية ، وهو المشهور ، وقال ابن الجنيد بالاستحباب.

فروع :

الأول : لو خافت المرأة على نفسها لا على الولد جاز لها الإفطار ، وهل يجب الفدية؟ يحتمل ذلك ، لأن الرواية (1) وردت مطلقة ، ولكن قيدوا بالولد ، ويحتمل عدم الوجوب ، لأن مع الخوف على الولد تكون كالمريض وهو لا فدية عليه ، ولأصالة براءة الذمة.

الثاني : هذه الفدية من مالها وان كانت ذات بعل.

الثالث : لا فرق في خوف المرأة على ولدها نسبا أو رضاعا ، ولا فرق بين المستأجرة والمتبرعة ما لم تقم غيرها مقامها.

الرابع : لو قام غير الأم مقامها في الرضاع روعي صلاح الطفل ، فإن تساوتا وتبرعت الأجنبية بالرضاع من غير أجرة ، أو طلبت أجرة مساوية لأجرة الأم - ان كانت مستأجرة - لم يجز الإفطار ، لعدم الضرورة حينئذ ، وإن كانت

ص: 356


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 17 من أبواب من يصح منه الصوم.

الأم أرفق في الولد أو كان لبنها أنفع من لبن غيرها جاز لها الإفطار وإن تبرعت الأجنبية.

ويحتمل عدم الالتفات إلى الأجنبية مطلقا لعموم قولهم : «أفضل ما يرضع الولد لبان امه» (1) وذلك لا يخلو من حكمة إما ظاهرة في جسمه أو باطنة في أخلاقه ، وهذا ليس بعيدا من الصواب ، والتفصيل الأول مذهب الشهيد في دروسه.

الخامس : هذا الإفطار واجب مع ظن الضرر بتركه ، ولو صامت حينئذ لم يجز صومها ووجب قضاؤه ، لكونه منهيا عنه ، والنهي يدل على الفساد.

السادس : يجوز الإفطار مع خوف التلف ، ولا فرق بين العطش والجوع ، ولا بين الهرمين والشابين ، والذي يسوغ إنما هو قدر دفع الضرورة ، فلو تجاوزها وجب القضاء والكفارة ، ولو خاف التخلف عن الرفقة في الحال أو في المستقبل بسبب ترك الشبع جاز حينئذ ولا إثم ولا كفارة.

قال رحمه اللّه : من نام في رمضان واستمر نومه ، فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه ، وإن لم ينو فعليه القضاء ، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم ، وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : النائم إذا نوى ليلا ثمَّ استمر النوم به إلى آخر النهار صح صومه ولا قضاء عليه ، وان لم ينو فإن استيقظ قبل الزوال جدد النية ولا قضاء عليه أيضا ، وإلا وجب القضاء ، وإن استمر به النوم أياما صح صومه أول يوم

ص: 357


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 68 ، حديث 2 وباب 78 حديث 5 من أبواب أحكام الأولاد.

إن كان قد نوى صومه ووجب قضاء الباقي لعدم حصول النية المشترطة في كل يوم ، وإن نام ولم ينو قضى الجميع ، هذا هو المحقق عند الأصحاب ، وعلى القول بإجزاء النية المتقدمة عليه أو الاكتفاء بنية واحدة من أوله لا يجب القضاء مع وقوع أحدهما منه.

وقال ابن إدريس : النائم غير مكلف بالصوم وصومه غير شرعي ، فعلى هذا لا يجب القضاء مطلقا ، سواء نام يوما أو أياما ، وسواء سبقت النية أو لم تسبق.

الثانية : في المجنون والمغمى عليه ، وأوجب الشيخ القضاء عليهما بتناول المفطر أو طرح في حلق أحدهما على وجه المداواة ، قال : لأن ذلك لمصلحته سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق ، وقال ابن إدريس بعدم وجوب القضاء ، لأنه غير مكلف فلا يجب عليه بتناول المفطر شي ء ، وهو المشهور عند المتأخرين.

قال رحمه اللّه : ومن يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة مذاهب : تحريم الجماع والتملي ، وكراهتهما معا ، وتحريم الجماع وكراهة التملي ، فتحريم الجماع والتملي من الطعام مذهب أبي الصلاح ، وكراهتهما معا مذهب ابن الجنيد ، وتحريم الجماع وكراهة التملي مذهب الشيخ.

وأكثر المتأخرين على الكراهة في الجميع ، لقوله تعالى ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (1) الآية ، فإن معناه تسويغ الإفطار ،

ص: 358


1- البقرة : 185.

والمفطر لا يحرم عليه شي ء ، ولعموم قوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) والمانع لا يصلح للمانعية ، لأن المانع إنما هو رمضان ، وإنما يكون مانعا لو وجب صومه ، والتقدير أنه غير واجب ، فلا يكون مانعا.

واحتج المانع بالروايات (2) الدالة على مطلوبه ، ولأن رمضان له حرمة عظيمة ، وانما رخص للمسافر في الإفطار والتقصير في الصلاة لموضع التعب ووعث السفر رحمة وتخفيفا منه تعالى ، فيقتصر على موضع الحاجة دون الجماع ، إذ لا حاجة فيه.

ص: 359


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 13 من أبواب من يصح منه الصوم.

ص: 360

كتاب الاعتكاف

اشارة

ص: 361

ص: 362

في شرائطه

قال رحمه اللّه : وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر.

أقول : وجوب الثالث مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره أبو العباس في المحرر ، لرواية ابي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام «قال : من اعتكف ثلاثة فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد يوما آخر وإن شاء ان يخرج خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج حتى يستكمل الثلاثة» (1).

وقال في المبسوط بوجوبه بالشروع كالحج ، لأن إطلاق الروايات (2) على وجوب الكفارة على المعتكف بإفساده يدل على وجوبه مطلقا.

وذهب السيد المرتضى وابن إدريس إلى عدم الوجوب مطلقا وجواز الخروج متى شاء ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع فيه كالصلاة والصوم وغير ذلك من العبادات التي لا تلزم بالشروع.

ص: 363


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 4 ، حديث 3. بتفاوت ، فراجع.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 6.

قال رحمه اللّه : ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم.

أقول : قال في الخلاف : إذا قال : (علي لله أن أعتكف ثلاثة أيام) ، لزمه ذلك ، فإن قال متتابعا لزمه بينها ليلتان ، وإن لم يشرط التتابع جاز أن يعتكف نهارا ثلاثة أيام بلا لياليها. وقال في المبسوط : إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى بعد الغروب من ذلك اليوم وكذلك اليوم الثاني والثالث ، هذا إذا أطلقه.

وان شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان ، والمشهور دخول الليالي مطلقا ، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، والمفهوم دخول الليالي ، فيجب الكون في المسجد قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى غروب الشمس من اليوم الثالث.

فرع : هل يجوز ابتداء الاعتكاف في أثناء النهار؟ نص الشيخ في المبسوط على عدم الجواز ، قال : لأنه لا بد من الصوم ، والصوم لا يكون إلا من أول النهار.

وفي هذا التعليل نظر ، لأنا لو فرضنا كونه في رمضان أو غيره من الصوم الواجب أو الندب ، ثمَّ اعتكف في وسط النهار كان الشرط موجودا ، فإن صح اعتكافه بطل حكم الشيخ بعدم الصحة ، وإن بطل اعتكافه بطل تعليل الشيخ عدم الصحة لعدم الصوم ، إذ التقدير أنه صائم ، والشرط هو الصوم مطلقا ، سواء كان لسبب غير الاعتكاف أو به.

والأجود أن يقال : إن الاعتكاف لا يصح أقل من ثلاثة أيام ، واليوم حقيقة ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والملفق من يومين لا يصدق

ص: 364

عليه اسم اليوم وإن صدق عليه اسمه مجازا ، لأن اللفظ إذا أطلق حمل على الحقيقة ما لم يحصل قرينة تصرفه الى المجاز ، ولا قرينة هنا.

تنبيه : لا بد من نية الاعتكاف والصوم معا لكونهما عبادتين متغايرتين فلا يكفي نية أحدهما عن الأخرى لاشتراط النية في كل عبادة ، فإن اتحد السبب جاز جمعهما في نية واحدة ، فيقول : (أعتكف غدا صائما) أو (أصوم غدا معتكفا لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه) ، وان اختلف السببان وجب نيتان ، فيقول : (أعتكف غدا لوجوبه أو ندبه قربة الى اللّه) ، ثمَّ يقول : (أصوم غدا من رمضان ، أو لوجوبه بالنذر ، أو عن كفارة كذا لوجوبه ، أو ندبه قربة إلى اللّه). ويكفي في الاعتكاف نية واحدة ، فيقول : (أعتكف ثلاثة أيام ، أو عشرة ، أو شهر كذا ، لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه) ، لأن الاعتكاف عبادة واحدة ، ولا بد من تجديد نية الصوم في كل يوم ، لأن صوم كل يوم عبادة بانفراده.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يصح إلا في المساجد الأربعة : مسجد مكة ، ومسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، ومسجد الجامع بالكوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل جعل موضعه مسجد المدائن ، وضابطه : كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة ، ومنهم من قال : جمعة ،.

أقول : الاقتصار على المساجد الأربعة التي عددها المصنف أولا مذهب الشيخ والسيد المرتضى ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ولهم عليه روايات (1) كثيرة ، وجعل علي بن بابويه موضع مسجد البصرة مسجد المدائن ، قال : والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل ، وقد جمع النبي

ص: 365


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 3.

صلى اللّه عليه وآله وسلم بمكة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في هذه المساجد ، وقد روي (1) مسجد البصرة ، واكتفى ابن ابي عقيل بمطلق المساجد ، واستدل الجميع بالروايات (2).

ص: 366


1- المصدر السابق ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 3 هذا للمشهور ، ودليل ابن بابويه نقله في السرائر 1 : 421 ، ويظهر من كشف الرموز 1 : 317 والمهذب البارع 2 : 98 انه لم يتمسك برواية.

في أقسامه

اشارة

قال رحمه اللّه : والثاني لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان فيجب الثالث ، وقيل : لا يجب ، والأول أظهر.

أقول : قد سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أيّ وقت شاء ولا قضاء ، ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.

أقول : هذه المسألة لم يتردد فيها المصنف ولا ذكر فيها خلافا ، ولكنها من المسائل المهمة من علم الفقه ، وهي ذات شعب وفروع ، فأحببت أن أكشف رموزها ونكاتها وأبين فروعها وتحقيقاتها وباللّه المستعان ، فنقول :

يجوز اشتراط الرجوع عند العارض قطعا ، لقول الصادق عليه السلام : «واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك بأن لك في اعتكافك ان تخرج عند العارض ، إن عرض لك من علة تنزل بك من اللّه» (2)

ص: 367


1- ص 363.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 9 ، حديث 2.

وهل يجوز اقتراحا ، كأن يقول : (ولي الرجوع متى شئت)؟ عبارة المصنف هنا ، والعلّامة في القواعد تعطي الجواز ، وجزم به الشهيد ، قال : ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يقيد بالعارض ، وهو مذهب أبي العباس في المحرر.

وظاهر الخبر وعبارات الفقهاء التقييد بالعارض ، لأنهم شبهوا الشرط هنا بالشرط في الإحرام ، والاشتراط في الإحرام إنما يصح مع العارض ، ولأن النذر لازم والتخيير ينافيه ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، لأن عبارته فيه : إذا شرط المعتكف على ربه إن عرض له عارض رجع فيه ، وظاهر العلامة في تحريره كذلك.

ووقت هذا الشرط عند عقد النذر إن كان الاعتكاف منذورا ، فيقول : (لله علي أن أعتكف الشهر الفلاني ، أو ثلاثة أيام - مثلا - ولي الرجوع فيه عند العارض) ، أو مطلقا على جواز الاقتراح ، وإن كان مندوبا ففي ابتداء اعتكافه فيقول : (أعتكف ثلاثة أيام أو أكثر - على قدر ما ينويه - ولي الرجوع إذا شئت ، أو مع العارض) ، فلو أطلق عند النذر وشرط في ابتداء اعتكافه لغي الشرط ولم يثمر شيئا.

إذا عرفت هذا فالاعتكاف إما واجب أو مندوب فإن كان مندوبا وشرط فيه الرجوع ، فإن كان الشرط مع العارض يعتد به ، فان قلنا : يلزم بالشروع - كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط - وحصل العارض في الأولين جاز الرجوع قطعا ، وإن حصل في الثالث ، قال في المبسوط : لم يكن له الرجوع ، لأن الشرط إنما يؤثر فيما يوجبه الإنسان على نفسه ، واليوم الثالث وجب بأصل الشرع ، وسببه مضي اليومين.

وقيل : يجوز الرجوع مطلقا قضية للشرط ، وهو مذهب الشهيد نقله عن النهاية.

وان كان الشرط مطلقا من غير قيد جاز الرجوع متى شاء ، سواء كان

ص: 368

في الأولين أو الثالث على مذهب الشهيد ، وعلى مذهب السيد وابن إدريس يجوز الرجوع مطلقا ، سواء شرط أو لم يشرط ، وسواء كان في الأولين أو الثالث.

وعلى وجوب الثالث بمضي اليومين فجواز الرجوع في اليومين مطلقا ، وفي الثالث مع الشرط ، وإن كان الاعتكاف واجبا فإما أن يكون معيّنا أو لا ، وعلى التقديرين إما أن يكون يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة ، اما ان يشترط على ربه الرجوع عند العارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :

الأول : ان لم يعيّن ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ، فإذا زال استأنف من رأس إن لم يعتكف ثلاثة ، وإن اعتكف ثلاثة وجب عليه الإتيان بالباقي ، فإن كان الباقي أقل من ثلاثة أكمله ثلاثة.

الثاني : لم يعيّن ولم يشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ، فاذا زال استأنف إذا كان الماضي أقل من ثلاثة ، وإن كان ثلاثة بني عليها إن كان الواجب أكثر ، وإن بقي أقل من ثلاثة أكمله ثلاثة ، هذا على مذهب المصنف في المعتبر والعلّامة في التذكرة وأبي العباس في المهذب ، لأنهم ذهبوا الى وجوب القضاء مع عدم تعيين الزمان ، وعدمه مع تعيينه ، وذهب العلامة في المختلف والمصنف إلى عدم القضاء مطلقا ، لأن فائدة الشرط سقوط القضاء ، وظاهر ابن الجنيد وجوب القضاء مطلقا وإنما تقسيمنا على المذهب الأول.

ولو كان شرط الرجوع اقتراحا ثمَّ رجع اقتراحا أيضا سقط عنه ما بقي من النذر قضية للشرط ، وان كان رجوعه لأجل العارض ولم يختر قطعه وجب عليه إتمام ما بقي ، لأنه لم يختر قطع الاعتكاف ، وإنما قطعه لعارض ، فإذا زال وجب عليه الإتيان بالباقي ، وإنما يسقط عنه لو اختار قطعه لأجل الشرط ،

ص: 369

وهذا قطعه لغير الشرط فيجب إتمامه ، لأصالة البقاء وعدم صلاحية العارض لإسقاطه.

الثالث : لم يعين واشترط التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنه يخرج مع العارض فإذا زال استأنف اعتكافا متتابعا ، لأنه وجب عليه متتابعا ولم يفعله كذلك وليس يتعين بشروعه في الاعتكاف ، لأنه لم يعينه في نذره فيجب عليه الإتيان به على وصفه الذي شرطه في نذره.

الرابع : عين زمانا ولم يشترط التتابع لفظا ولا شرط على ربه ثمَّ حصل العارض ، فإذا زال العارض فإن بقي منه بقية وجب الإتيان بها على الفور ، ويقضي الفائت بعد الفراغ من تلك البقية ، وإن لم يبق شي ء قضى ما فاته خاصة ولم يجب الفور.

الخامس : لم يعين زمانا لكن اشترط التتابع واشترط على ربه ،

فعند العارض يخرج ثمَّ يأتي بما بقي عليه متتابعا عند زوال العارض ، هذا إن كان اعتكف ثلاثة وإلا استأنف من رأس.

السادس : عين زمانا واشترط التتابع ولم يشترط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ويقضي مع الزوال متابعا.

السابع : عين زمانا ولم يشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج عند العارض ولا يجب عليه الإتيان ولا القضاء عملا بالشرط.

الثامن : عين زمانا واشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج عند العارض فإذا زال لم يجب عليه الإتمام عملا بالشرط ، ولا القضاء ، لأصالة البراءة.

فرعان :

الأول : لو شرط الخروج عند عارض معين تخصص به ، ولا يخرج لغيره

ص: 370

ويخرج له إن عرض ، فإن قال : (إن عرض قطعت اعتكافي) خرج له وبطل اعتكافه ، وإن قال : (أخرج) ، خرج وعاد مع قصر الزمان ، ولا يبطل اعتكافه ، وان طال الزمان بطل.

الثاني : لو شرط المنافي كالأكل ، والنكاح ، والتكسب بالبيع ، أو الشراء ، أو الصنائع بطل نذره لعدم صحة الشرط المقيد به ، وإنما صح شرط الخروج - وإن كان منافيا للإجماع إلا من مالك فإنه لم يجوزه لكونه منافيا كالأكل والجماع ، وخالفه جميع العلماء - لورود النص به عن الصادق عليه السلام ، ولأنه عبادة وجبت عليه بعقده فكان له الشرط فيها ، ولأن الاعتكاف لم يخص بقدر معين ، فإذا شرط الخروج فكأنه نذر ذلك القدر الذي إقامة لا غير ، ولأن فيه استظهارا للمكلف على براءة ذمته من القضاء.

ص: 371

ص: 372

في أحكامه

اشارة

قال رحمه اللّه : وشمّ الطيب على الأظهر.

أقول : تحريم الطيب على المعتكف مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة ، لأنه أحوط.

قال رحمه اللّه : وقيل : ويحرم عليه ما يحرم على المحرم ، ولم يثبت.

أقول : القائل بذلك الشيخ في الجمل ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وقال في المبسوط : وله أن ينكح وينظر في أمور معيشته ، وروي أنه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وقال : وذلك مخصوص بما قلناه ، لأن لحم الصيد لا يحرم عليه ، وعقد النكاح.

وقال ابن إدريس بعدم التعميم ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب ، قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه.

أقول : عبارة المصنف وعبارة العلامة في القواعد والتحرير وعبارة الشيخ في المبسوط توهم أن الموت في أثناء الاعتكاف قبل فواته والتمكن من قضائه ،

ص: 373

لأن قولهم : من مات قبل انقضاء اعتكافه يدل على الموت في أثنائه ولا يدل على الموت قبل القضاء بعد الفوات ، لحصول الفرق بين لفظي القضاء والانقضاء ، مع أن عبارتهم في هذه الكتب التي ذكرناها لا تختلف لفظا ولا معنى ، ولم يتابعهم الشهيد على هذا اللفظ ، بل قال : لو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على الولي قضاؤه ، وهذا هو المقصود وإن أوهم لفظهم غيره ، لأن الموت قبل الفوات والتمكن من القضاء ، والإهمال لا يوجب على الولي القضاء.

إذا تقرر هذا فحجة القائل بالوجوب عموم (1) الأمر بوجوب قضاء الصوم الواجب على الميت ، ولا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا على هيئته - وهي هيئة الاعتكاف - فيكون الاعتكاف واجبا.

واحتج القائل بالعدم بأصالة براءة الذمة ، ووجوب قضاء الصوم لا يدل على وجوب قضاء الاعتكاف ، لعدم الملازمة بينهما.

قال رحمه اللّه : ومنهم من خص الكفارة بالجماع حسب ، واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء ، وهو الأشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في الجماع ، وأوجب الشيخ في المبسوط به الكفارة ، سواء كان الاعتكاف واجبا أو مندوبا ، واختاره العلامة في التحرير والتذكرة ، وأكثر الأصحاب أطلق وجوب الكفارة في الجماع ولم يفصلوا (2) ، وهو اختيار أبي العباس أيضا ، واشترط في القواعد وجوب الاعتكاف لأصالة البراءة ، ولأنه لم يفسد صوما متعينا عليه فلا يجب عليه الكفارة.

ص: 374


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- كذا.

واحتج الأولون بعموم الروايات (1) ، والأخذ بالاحتياط.

وعلى تقدير الوجوب ، هل هي كفارة أو كفارتان إذا كان الجماع نهارا؟

قيل : إن كان في رمضان لزمه كفارتان ، إحداهما لرمضان ، والأخرى للاعتكاف ، وإن كان في غير رمضان فهي كفارة واحدة لأصالة براءة الذمة من الزائد.

وقيل : يلزمه كفارتان أيضا كرمضان ، وهو مذهب ابن إدريس ، واستقربه الشهيد ، لأن في النهار صوما واعتكافا ، فحينئذ لا فرق بين رمضان وغيره في وجوب كفارتين إن وقع الجماع نهارا ، وكفارة واحدة إن وقع ليلا.

الثاني : في الإفطار على غير الجماع ، وأوجبها الشيخ في المبسوط مطلقا في المعيّن والمطلق ، وفي أوّلي المندوب أو ثالثة ، وهو بناء على مذهبه فيه ، وهو أنه يجب بالشروع وغير المتعين يتعين بالشروع فيه ، وقال في النهاية : يجب في المتعين خاصة ، وعليه العلامة وأبو العباس.

فرعان :

الأول : لو نذر اعتكاف زمان معين كرجب مثلا ، ثمَّ أخلّ به من رأس وجب عليه كفارة واحدة لخلف النذر ، ولو اعتكفه وأفسده تعددت الكفارة بتعدد كل يوم يحصل فيه الإفساد ، ولو أفسد بعضه وأخلّ بالباقي وجب عليه عن كل يوم أفسده كفارة ، ووجب عما أخلّ به كفارة واحدة لخلف النذر ، لأن الباقي لا يسقط بإفساد ما قبله ، بل يجب عليه الإتيان به ، فإذا أخلّ به يكون قد أخلّ بالنذر فيجب الكفارة ، ولو نذر صوم شهر معين وأخلّ به من رأس تعددت الكفارة بتعدد الأيام ، قاله أبو العباس في اللمعة بخلاف الاعتكاف ، ولم يذكر الفرق بينهما.

ص: 375


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 6.

والظاهر ان الفرق كون الاعتكاف عبادة واحدة ، لأنه يكفي فيه نية واحدة ، كقوله : (أعتكف هذا الشهر من أوله إلى آخره لوجوبه بالنذر قربة إلى اللّه) ، والصوم عبادة متعددة بتعدد الأيام المنذورة لافتقار كل يوم إلى نية ، وكل من نذر عبادة في زمان معيّن وأخل بها وجب عليه كفارة خلف النذر ، فتتعدد الكفارة بتعدد العبادة المنذورة مع الإخلال.

فإن قيل : هذا لازم لكم في الاعتكاف ، لوجوب الصوم فيه ، فالإخلال به إخلال بالصوم الواجب بالنذر ، مع أنه يجب تعدد النية فيه بتعدد الأيام ولا يكفي فيه نية واحدة.

قلنا : لا يلزمنا هذا ، لأن الصوم عبادة منفردة لم يتناولها عقد النذر ، وإنما وجب لكونه شرطا في صحة الاعتكاف ، كما أن الطهارة شرط في صحة الصلاة ، فلو نذر صلاة ركعتين وجبت الطهارة ولو أخلّ بها في الزمان المعين وجبت كفارة واحدة عن ترك الصلاة ، ولا تجب كفارة أخرى عن ترك الطهارة ، لأن نذر المشروط لا يستلزم نذر الشرط ، لجواز تغاير سبب الوجوب فيهما ، لأنه قد تجب الطهارة لصلاة غير المنذور ، ثمَّ يدخل وقت المنذورة فيؤديها فيها ، وقد يجب الصوم لغير الاعتكاف ، ثمَّ يؤدي الاعتكاف فيه ، فلا يلزم ما قلتم.

الثاني : إذا كان الإفساد بالخروج من المسجد ، فإن كان النذر معينا بزمان وجب عليه كفارة خلف النذر ، أو العهد ، أو اليمين بحسب الموجب لتحقق الحنث ، وكذا لو أفسده بما يوجب القضاء دون الكفارة كتعمد القي ء.

ويحتمل ذلك في غير المعين ، لوجوبه بالشروع فيه ، ويحتمل العدم ، لإمكان الإتيان بالنذر لعدم تعينه في زمان فلا يتحقق الحنث.

ولو خرج من المسجد في ثالث المندوب لم تجب الكفارة وان وجب القضاء ،

ص: 376

قاله الشهيد في دروسه ، وأبو العباس في مهذبه ، ولو أفسده بالمفطر وجبت الكفارة.

قال رحمه اللّه : الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف ، وقيل : لا يبطل ، وإن عاد بنى ، والأول أشبه.

أقول : القول بعدم البطلان قول الشيخ في المبسوط لأصالة الصحة ، والقول بالبطلان مذهبه في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه إن كان عن فطرة وجب قتله ، وإن كان عن ملة وجب خروجه عن المسجد ، لأنه نجس ، ووجوب الخروج ينافي الاعتكاف ، ولأن الاعتكاف عبادة مشروعة من شرطها التقرب إلى اللّه تعالى ، وذلك لا يصح من الكافر.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات ، وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه.

أقول : وجوب الأربع مذهب ابن الجنيد وابن إدريس وابن حمزة وابن البرّاج ، واختاره العلّامة ، وقال الشهيد : لا نعلم فيه مخالفا غير المعتبر ، لأنه اقتصر فيه على كفارتين ، واختاره المصنف هنا كاختياره في المعتبر ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن المكرهة لم تفطر فلا كفارة عليها.

احتج القائلون بوجوب الأربع بأنه فعل موجب للكفارة على اثنين فيتضاعف على المكره ، لصدور الفعل عنه أجمع لسقوط اعتبار فعلها باكراهها ، ولأنها لو طاوعته لزمهما أربع ، فمع الإكراه يلزمه ما يلزمها مع المطاوعة.

قال رحمه اللّه : إذا باع أو اشترى ، قيل : يبطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه.

أقول : البطلان مذهب ابن إدريس إذا كان البيع والشراء اختياريا لا

ص: 377

ضرورة داعية إليه ، لأن الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة ، وخرج عن حقيقة المعتكف اللابث للعبادة فيبطل اعتكافه.

وقال الشيخ في المبسوط : يأثم ويصح اعتكافه لأصالة الصحة ، وهو اختيار العلامة.

تنبيه : لو باع المعتكف أو اشترى معاطاة لم يحرم ، لأنها ليست بيعا حقيقة ، لأنه هو الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين من مالك إلى غيره ، فإذا خلا عن الإيجاب والقبول لا يكون بيعا حقيقة وإن كان بيعا مجازا لأصالة الإباحة ، والمنع يحمل على البيع الحقيقي ، لأن اللفظ إذا أطلق انصرف إلى الحقيقة دون المجاز.

ولقد نبه الشهيد على ذلك حيث شرط إباحة بيع ما يضطر إليه أو شرائه ، كشراء الغذاء والقميص المضطر إلى لبسه ، أو بيع شي ء كذلك مع تعذر المعاطاة ، فإن تعذرت جاز له العقد على ذلك ولا إثم حينئذ.

قال رحمه اللّه : إذا اعتكف ثلاثة متفرقة ، قيل : يصح ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصح.

أقول : إذا نذر ثلاثة أيام مثلا ولا عينها بزمان ولا شرط التتابع ، هل يجب عليه تتابعها؟ قال الشيخ : نعم ، واختاره المصنف ، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وقيل : يجوز تفريقها بأن يأتي بيوم من النذر ثمَّ يضم إليه آخرين نفلا ، أو من واجب غيره وهكذا ثلاثا ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط كما قاله المصنف.

ص: 378

كتاب الحج

اشارة

ص: 379

ص: 380

في الشرائط

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ثمَّ كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام ، على تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الافعال المندوبة لا تجزي عن الأفعال الواجبة ، والإحرام من أعظم أركان الحج ، وقد فعله وهو غير مكلف به فلا يكون مجزيا عن الواجب ، ومن أنه زمان يصلح ابتداء الحج فيه فيكون مجزيا. وفتوى الأصحاب قد تطابقت على الإجزاء ولم أجد قائلا بالمنع وإن وجد التردد في بعض المصنفات.

وحكم العبد إذا أعتق قبل أحد الموقفين حكم الصبي إذا بلغ في الإجزاء عن حجة الإسلام.

تنبيه : لو بلغ الصبي ، أو أعتق العبد بعد المشعر والوقت باق ، فان عاد ووقف ثانيا بنية الوجوب أجزأ عن الفرض ، وإن لم يعد لم يجز ، ولا بد من إيقاع الأفعال الواقعة بعد البلوغ بنية الوجوب ، سواء أجزأ عن الواجب أو لم يجزئ ، لوجوب النسك بالشروع على المتطوع البالغ حين الإحرام ، فكذلك يجب الإكمال على من بلغ بعد الإحرام ، وقبل البلوغ لا يجب عليه نية الوجوب

ص: 381

بشي ء من الأفعال ، لأن غير البالغ لا يجب عليه بالشروع كما لا يجب عليه قبله ، لاتصافه بعدم التكليف ، وأكثر الأصحاب أطلق الإجزاء مع إدراك أحد الموقفين بالغا أو معتقا ، ولم يقيد بسبق الاستطاعة ولا عدمها ، ولهذا يستقر الوجوب عليهما مع عدم الفعل ، نص العلّامة في التذكرة على ذلك ، قال : ولو لم يفعلا الحج مع إمكانه استقر الوجوب عليهما ، سواء كانا موسرين أو معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلا يسقط بفوات القدرة بعده.

وقيّد الشهيد رحمه اللّه الإجزاء في العبد بسبق الاستطاعة وبقائها ، وهو مشكل على القول بعدم ملك العبد ، أمّا التقييد لباقي المناسك فهو متوجه ، مع أن حصول الشرط في غير وقت التكليف غير معتبر ، كما لو استطاع الصبي أو العبد - على القول بملكه - ثمَّ فقد الاستطاعة قبل البلوغ أو العتق لم يستقر عليه الحج ، ولا وجب عليه حال التكليف ، ولأن الاستطاعة إنما تشترط مع الافتقار إلى قطع المسافة وهذا لا يفتقر إليها ، لكن هو أعلم بما قال.

تحقيق : الصبي إمّا مميز أو غير مميز ، فالأول يصح إحرامه بإذن الولي ولا يحرم عنه الولي ، ولو أحرم بغير إذن الولي لم يصح إحرامه ، لأنه ممنوع من التصرفات في المال ، والإحرام يتضمن إنفاق المال والتصرف فيه.

والثاني - وهو غير المميز - لا يصح ان يتولى الإحرام بنفسه وإن أذن له الولي ، بل يحرم الولي عنه بمعنى أن يجعله محرما ، قال الشهيد : فيقول : (اللّهم إني أحرمت بهذا ...) الى آخر النية ، ويكون الصبي حاضرا مواجها له ، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرما ، ولا فرق بين أن يكون الولي محرما أو محلا ، ولا يشترط كونه رجلا ، خلافا للشافعي في بعض أقواله ، ثمَّ يلبي عن الصبي إن لم يحسن ، وإن أحسن أمره بها ، ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه محرمات

ص: 382

الإحرام ، وإن طاف به وجب كونهما متطهرين بمعنى أن يوضئ الصبي ، فلو كان الولي غير متطهر لم يجز ، لأن الطواف لا يصح إلا بمعونة الولي فوجب أن يكون متطهرا.

ولو كان الصبي غير متطهر احتمل الإجزاء ، لأن غير المميز لا يصح منه الطهارة فتكون طهارة الولي نيابة عنه ، كما كان إحرامه نيابة عنه لعدم وقوع الإحرام منه.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنّ الطواف بالصبي أخص منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا كان الأولى عدم جواز كون الصبي محدثا.

والمراد بطهارة غير المميز هو أن يأتي بصورة الوضوء ، أو يفعله به الولي ، ويصلّي الولي عن غير المميز ركعتي الطواف ، لأن صلاة غير المميز غير مشروعة ، وقال الشهيد : ولو قيل : يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن ، وقوله رحمه اللّه متوجه ، لكن عمل الأصحاب على الأول.

وإذا أركبه دابة في الطواف أو السعي وجب كون الولي قائدا أو سائقا ، إذ لا قصد للصبي ولا للدابة ، ولا بد من القصد الى الفعل.

وحكم المجنون حكم غير المميز في صورة الإحرام وفي جميع الاحكام.

ولو اتفق بلوغ غير المميز أو عقل المجنون قبل احد الموقفين أجزأ عن الفرض كالمميز والعبد.

فروع :

الأول : يحرم على الصبي كل ما يحرم على البالغ من محظورات الإحرام ، لأن إحرامه شرعي فيترتب عليه أحكامه ، لا بمعنى أن الصبي مخاطب بالتحريم ، بل بمعنى أن الولي يجب عليه ان يجنبه محرمات الإحرام.

الثاني : إذا فعل الصبي ما يلزم البالغ العاقل بفعله الكفارة عمدا أو سهوا كالصيد ، كانت الكفارة على الولي في ماله دون مال الصبي ، لأن الولي

ص: 383

هو الذي ألزمه الحج بأمره أو فعله ، فكان فعل الصبي منسوبا إليه ، وإن فعل ما يختلف فيه حكم البالغ كالطيب والنساء ، فإن فعله سهوا فلا كفارة كالبالغ ، وإن فعله عمدا ، فان قلنا : إن عمده خطأ ، فلا كفارة أيضا ، وإلا وجبت على الولي ، ولو وطئ عامدا ، قال الشيخ : لا إفساد وإن كان قبل أحد الموقفين لمساواة عمده خطأه ، وكما لا يفسد في الخطأ في حق البالغ كذا لا يفسد في حقه ، قال : ولو قلنا بفساد الحج ولزوم القضاء أمكن ، وهو ظاهر أبي العباس في محررة.

الثالث : على القول بوجوب القضاء إنما يجب بعد البلوغ ، ولا يشترط فيه الاستطاعة الشرعية المعتبرة في حجة الإسلام ، بل يكفي الاستطاعة العادية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه الإتيان بالقضاء ، ولا يجزي عن حجة الإسلام إلا أن يبلغ في الفاسدة قبل الوقوف ، على القول بأن الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة.

ولو استطاع لحجة الإسلام قبل القضاء قدّمها على القضاء ، فلو قدم القضاء ، قال الشيخ : أجزأ عن حجة الإسلام وكان القضاء في ذمته ، والمختار عند المحققين البطلان ، لان القضاء غير مأمور به ، وحجة الإسلام لم ينوها فلا يجزي عن أحدهما.

الرابع : هل يجب على الولي مئونة القضاء؟ يحتمل ذلك ، لأنه من لوازم الإحرام المنسوب إلى فعله ، واستقربه الشهيد رحمه اللّه في دروسه ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، ولأن القضاء وجب بسبب فعله عمدا مختارا فيكون الجناية عليه في ماله ، كما لو أتلف مال الغير.

الخامس : لو فعل الولي بالصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه المخيط أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي - كما لو كان

ص: 384

للمداواة ، واللبس لشدة البرد ، والحلق للأذى بالشعر - احتمل أن يكون ذلك كمباشرة الصبي ، لأنه وليه وقد فعل شيئا لحاجته فيكون ذلك كفعله ، فان قلنا : إن عمده خطأ فلا شي ء على أحدهما وإلا كانت على الولي ، أو في مال الصبي على الخلاف ، ويحتمل أن تكون الفدية على الولي ، لأنه المباشر للفعل.

السادس : لو حج العبد الآفاقي ، أو الصبي المميز كذلك ، أو حج الولي بغير المميز ، أو المجنون قرانا أو إفرادا ، وكلفوا قبل الوقوف ، هل يجب عليهم العدول الى التمتع مع سعة الوقت؟ استقرب الشهيد وجوبه لحكم الأصحاب بالإجزاء مطلقا ، ولم يفرقوا بين أن يكون الإحرام موافقا أو غير موافق ، بل حكموا بالإجزاء مطلقا ، ويلزم من هذا الإطلاق العدول إلى الفرض مع القدرة بعد الكمال إن كان الإحرام بغيره ، لأن الآفاقي لا يجوز له القران ولا الإفراد في الفرض اختيارا ، فاذا تلبس به قبل الفرض ثمَّ صار فرضا وجب العدول مع الإمكان ، ويحتمل عدم الوجوب للأمر (1) بإتمام النسك الذي أحرم به ، فلا يجوز له العدول.

وعلى القول بعدم جواز العدول أو تعذره ، هل يجزي عن الفرض؟ يحتمل العدم لمغايرة الفرض للحج الذي أوقعه ، ويحتمل الإجزاء لحصول الضرورة المسوغة لنقل الفرض ، وقواه الشهيد.

قال رحمه اللّه : وقيل : للأمّ ولاية الإحرام بالطفل.

أقول : بثبوت الولاية هنا قال الشيخ ، واختاره العلامة والشهيد ، لأنه طاعة وفعل مرغب اليه فساغ للأمّ فعله.

وظاهر ابن إدريس عدم الجواز ، لأنه خصّ الولاية بمن له ولاية المال ،

ص: 385


1- البقرة : 196.

والأم ليس لها ولاية المال ولا النكاح فلا تثبت لها الولاية هنا.

قال رحمه اللّه : ويجب شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده ، وقيل : إن زاد عن ثمن المثل لم يجب ، والأول أصح.

أقول : عدم الوجوب مع الزيادة على ثمن المثل مذهب الشيخ في المبسوط لاشتماله على الضرر المنفي ، والمشهور الوجوب لتحقق الاستطاعة في حقه بالقدرة على بذل الزيادة.

قال رحمه اللّه : ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه ، ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله.

أقول : يجب الحج بمجرد البذل إذا سلّمه المال ، ولو أهمل استقر في ذمته ولزمه القضاء ، واشترط ابن إدريس لزوم البذل ، والفتاوي والاخبار (1) مطلقة.

والفرق بين البذل والهبة ورود النص (2) في البذل دون الهبة ، وكون الهبة مشتملة على المنة لاشتراط القبول فيها دون البذل ، لعدم اشتراط القبول فيه ، ولهذا يلزم بنفس البذل ، ولا يجوز قضاء الدين منه بخلاف الهبة.

قال رحمه اللّه : وهل تجب الاستنابة ، مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا.

أقول : وجوب الاستنابة : مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وبه قال ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البرّاج.

وذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب ، واختاره العلامة ، لأنه عبادة بدنية فيسقط مع العجز ، ولا يجب الاستنابة إلا مع سبق الاستطاعة ، لأن

ص: 386


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

الوجوب مشروط بالاستطاعة وهي غير متحققة ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

فرع : إذا استناب المعذور فزال العذر قبل الإحرام انفسخ العقد ، وإن كان بعد الإحرام احتمل الإتمام ، لأنه دخل دخولا مشروعا فيجب إتمامه ، فإن استمر زوال العذر حج ببدنه ثانيا ، وإن عاد قبل التمكن من الحج أجزأت النيابة.

قال رحمه اللّه : ولو كان لا يستمسك خلقة ، قيل : يسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقيل : يلزمه الاستنابة ، والأول أشبه.

أقول : البحث في هذه المسألة كالبحث في التي قبلها.

فرع : لو تكلف المريض أو المغصوب ، أو الممنوع بالعدو الحجّ ، هل يجزي عن الواجب أم لا؟

يحتمل الإجزاء ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط وهو لا يجب ، فإذا حصّله وجب وأجزأ ، نعم لو أدى ذلك إلى ضرر يحرم إنزاله في النفس وقارن ذلك بعض الأفعال ، احتمل عدم الإجزاء لكونه منهيا عنه.

ويحتمل عدم الإجزاء مطلقا ، لأنه غير مأمور بالحج حينئذ ، فإذا أتى به يكون قد فعل غير المأمور به ، فلا يجزي عن الواجب.

قال رحمه اللّه : لو كان في الطريق عدو ولا يندفع إلا بمال ، قيل : يسقط وان قل ، ولو قيل : يجب التحمل مع المكنة كان حسنا.

أقول : قال الشيخ لا يجب البذل ، لان تحصيل الشرط غير واجب على المكلف ، وتخلية السرب شرط ولم يحصل.

ص: 387


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 وباب 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

والمشهور الوجوب ، لأن العدو يندفع بمال مقدور عليه فيجب ما لم يجحف ، فلا يجب حينئذ.

قال رحمه اللّه : ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته ، وقيل : يجتزي بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : الحاج على ضربين :

الأول : من حج في عام الوجوب.

والثاني : من حج بعد استقرار الحج عليه ، بمعنى أنه مضى عليه بعد الوجوب زمان يمكنه فيه إيقاع الحج ولم يفعل.

فالأول تبرأ ذمته بالموت مطلقا ، سواء كان قبل الإحرام أو بعده ، وسواء دخل الحرم أو لم يدخل.

والثاني : وهو المراد عند المصنف وقد اختلف فيه ، ذهب الشيخ إلى الإجزاء مع الإحرام ودخول الحرم ، واختاره المصنف والعلامة ، واكتفى ابن إدريس بالإحرام ، واستند الجميع الى الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو حجّ المسلم ثمَّ ارتدّ لم يعد على الأصح.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والمرتدّ إذا حج حجة الإسلام حال إسلامه ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يجب عليه الحج ، ولو قلنا : إن عليه الحج كان قويا ، لأن إسلامه الأول لم يكن إسلاما عندنا ، لأنه لو كان إسلاما لما جاز أن يكفر ، وإذا لم يكن إسلاما لم يصح حجه ، فإذا لم يصح فالحجة باقية في ذمته.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنه فعل فعلا مأمورا به شرعا فيخرج به من العهدة ، وقول الشيخ : (لا يتعقبه الكفر) مردود بقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 388


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 26 من أبواب وجوبه وشرائطه.

ثُمَّ كَفَرُوا ) (1) الآية.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح.

أقول : هذه فرع على التي قبلها ، قال الشيخ في المبسوط : إذا أحرم ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يبطل إحرامه ، لأنه لا دليل على فساده إلا على ما استخرجناه في المسئلة المتقدمة في قضاء الحج ، فإن على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول ، ثمَّ الزم الشيخ نفسه بإسقاط العبادات التي فاتته حال ارتداده ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافرا في الأصل ، وكافر الأصل لا يلزمه قضاء ما فاته حالة الكفر ، مع أنا نوجب عليه قضاء العبادات زمان ردّته ، قال : ولو قلنا بذلك أي بعدم قضاء زمان الردة كان خلاف المعهود من المذهب.

قال رحمه اللّه : وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحج ، قيل : نعم ، لرواية أبي الربيع ، وقيل : لا ، عملا بعموم الآية ، وهو الأولى.

أقول : اشتراط الرجوع إلى الكفاية مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وعدمه مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وقد أشار المصنف إلى حجة كل فريق ، والرواية التي أشار إليها هي رواية أبي الربيع الشامي (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والآية قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (3) ولم تتضمن غير الاستطاعة اليه ، والرواية ليست

ص: 389


1- النساء : 137.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب وجوبه وشرائطه ، حديث 1.
3- آل عمران : 97.

صريحة بالرجوع إلى الكفاية.

فرع : لو ملك مالا يستطيع به إلى الحج ولم يكن له المستثنيات التي استثناها الشارع مثل فرس الركوب ، ودار السكنى ، وعبد الخدمة ، وآلات الصنائع ، وكتب العلم ، وهو محتاج إليها صرف ذلك المال في هذه المستثنيات ، لأنها مقدمة على الحج وسقط عنه الحج ما لم يستطع بعد ذلك.

تنبيه : الشرائط المعتبرة في الحج تنقسم إلى أربعة أقسام :

الأول : ما هو شرط في الصحة خاصة ، وهو الإسلام.

الثاني : ما هو شرط في الصحة والوجوب معا ، وهو العقل.

الثالث : ما هو شرط في المباشرة ، وهو الإسلام والتمييز.

الرابع : ما هو شرط في الوجوب خاصة ، وهو البلوغ والحرية والاستطاعة وإمكان المسير.

قال رحمه اللّه : يقضى الحج من أقرب الأماكن ، وقيل : يستأجر من بلد الميت ، وقيل : إن اتسع المال فمن بلده ، وإلّا فمن حيث يمكن ، والأول أشبه.

أقول : وجوب الاستئجار من بلد الميت مذهب ابن إدريس ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط عن بدنه ، وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من نفقة الطريق من بلده (1).

والوجوب من أقرب الأماكن مع السعة وعدمها مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة إلا أن

ص: 390


1- وفي «ن» بزيادة : والأقرب من بلده.

يكون منذورا من بلد معين فيتعين الاستئجار منه ، لأن الواجب هو الحج ، وقطع المسافة ليس مرادا للشارع ، ولهذا لو سافر المستطيع لا بعزم الحج ثمَّ جدّد نية الحج من الميقات أجزأه ، ولم يجب عليه الرجوع إلى بلده وإنشاء القصد منه ، لأن نفقة الطريق ليست واجبة مع عدم الحاجة إليها ، لأنه لو خرج متسكعا أو في نفقة غيره أجزأ.

وذهب الشهيد في الدروس الى اختيار ابن إدريس ، ثمَّ قال : ولو استأجر من الميقات أجزأ ، وأثم الوارث ، وملك فاضل الأجرة.

تنبيه : الذي يتحقق من عبارات الأصحاب أن أقرب الأماكن هو الميقات ، قال في القواعد : وجب أن يحج من أقرب الأماكن إلى الميقات ، قال عميد الدين وفخر الدين في شرحيهما : هذا مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وقال في التحرير : وهل يجب أن يحج عنه من بلده أو من الميقات؟ الأقرب الثاني ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف ، وإذا ثبت بقول عميد الدين وفخر الدين أن الحج من أقرب الأماكن هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وكذا ثبت بقول العلامة في التحرير أن مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الوجوب من الميقات ثبت أن أقرب الأماكن هو الميقات.

فان قيل : وإن كان عبارة الشرائع لا تدل على المغايرة صريحا ، لأن عبارة القواعد (يجب ان يحج عنه من أقرب الأماكن إلى الميقات) ، ومن المعلوم بالضرورة أن أقرب الأشياء إلى الشي ء مغاير لذلك الشي ء ، فكيف قلتم : إن أقرب الأماكن الميقات؟! الجواب : أما وجه الاتحاد فقد بيّناه من قول العلامة في التحرير وقول ابنه وابن أخته في شرحيهما ، وأما اقتضاء عبارة القواعد المغايرة فمسلم ، ولكن المغايرة لا تقتضي المنافاة بين القولين ، لأن أقرب الأشياء إلى الشي ء هو الملاصق لذلك الشي ء والمتصل به ، ولا شك أن الميقات ملاصق لغيره ومتصل به ،

ص: 391

وذلك الجزء المتصل به من غيره هو أقرب الأماكن إليه ، ولا يتحقق الإحرام من الميقات إلا بإدخال ذلك الجزء المتصل به من غيره فلما امتنع انفكاك أحدهما عن الآخر جاز إطلاق اسم موضع الإحرام على كل واحد منهما ، فمن قال : (من أقرب الأماكن) ، أراد به الجزء المتصل بالميقات من غيره ، إذ هو أقرب الأماكن إلى الميقات ، والعقد إنما يكون قبل الإحرام ، فلا بد أن يقع في جزء من غير الميقات وان كان من موضع إنشاء الإحرام إذ لا ينفك عن جزء من غير الميقات ، ومن قال : (من الميقات) ، أراد به موضع إنشاء الإحرام ، ولا شك أن فيه جزءا من الميقات متصلا بجزء من غيره ، فجاز إطلاق اسم الجزء على الكل.

فقد ظهرت المغايرة من غير منافاة بين القولين ، ومن أوّل أقرب الأماكن بغير ما قلناه يكون قد غلط فخر الدين وعميد الدين في قولهما : (إنه مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف) ، أو غلط العلامة في التحرير أن ما اختاره من الوجوب من الميقات هو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وغلط هؤلاء وان كان ممكنا ، فهو لم تجر العادة ان يغلطوا جماعة من المجتهدين في مسئلة واحدة غلطا لا يقبل التأويل ، وان جرت العادة في غلط أحدهم نادرا ، وقد نبّه بعضهم على ذلك كما جرت عاداتهم في مصنفاتهم ، وإنما أشبعنا البحث في هذه المسئلة ، لأنها من مهمات علم الفقه ، وهي مما يعم بها البلوى ، وربما حصل الاشتباه بسبب اختلاف عبارات الأصحاب فيها فأردنا أن نزيل ذلك الاشتباه بما بيناه ، واللّه الموفق للصواب.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الحج أو أفسد وهو معضوب ، قيل : يجب أن يستنيب ، وهو حسن.

أقول : القول إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قال فيه : فان نوى فيما بعد تولاهما بنفسه ، وإنما كان حسنا ، لأن فعل الإفساد مع العلم بأنه

ص: 392

يوجب القضاء ، وفعل النذر مع العلم بأنه يوجب الوفاء - وهو عاجز عن الحج بنفسه - يكون التزاما بالاستيجار للحج من ماله.

ويحتمل العدم ، لمساواة ذلك لحجة الإسلام ، وقد سبق (1) البحث فيها.

قال رحمه اللّه : إذا نذر الحج فإن نوى حجة الإسلام تداخلا ، وإن نوى غيرها لم يتداخلا ، وإن أطلق ، قيل : إن حج ونوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم يجز عن النذر ، وقيل : لا يجزي إحداهما عن الأخرى ، وهو الأشبه.

أقول : الناذر إذا نوى في نذره حجة الإسلام تداخلتا وكفاه حجة واحدة ، وإن نذر غيرها لم يتداخلا إجماعا.

وان أطلق ففيه الخلاف ، ذهب الشيخ في النهاية إلى الاكتفاء بالحج الواحد عن النذر وحجة الإسلام إذا حج بنية النذر ، ومستنده رواية رفاعة (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وذهب في الجمل والخلاف الى عدم التداخل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لأنهما فرضان متغايران ، فلا يجزي أحدهما عن الآخر.

تحقيق : النذر إما أن يتعلق بزمان معين أو مطلق ، وعلى التقديرين : إما أن يقع بعد الاستطاعة أو قبلها ، فالأقسام أربعة ، وعلى التقادير : إما أن يقصد حجة الإسلام أو غيرها ، أو يخلو عن القصد ، فالأقسام ثلاثة.

القسم الأول من الأقسام الأربعة : أن يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وفيه الأقسام الثلاثة.

ص: 393


1- ص 386.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 27 من أبواب وجوبه.

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، وهذا يكون من باب نذر الواجب ، فان قلنا بانعقاده وأخلّ به في تلك السنة المعينة وجب عليه كفارة خلف النذر.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام وكان التقييد بأول عام ، فان قصد مع بقاء الاستطاعة لم ينعقد نذره ، لأن ذلك الزمان تعين لحجة الإسلام ، فلا يجوز إيقاع غيرها فيه ، وإن قصد مع فقد الاستطاعة كان مراعى بزوالها وعدمه ، فان زالت انعقد النذر ووجب عليه الحج بالنذر ، وإن استمرت الاستطاعة بطل ووجبت حجة الإسلام ، وإن كان التقييد بغير العام الأول انعقد نذره ، فإن أخل بحجة الإسلام إلى عام النذر عامدا حج في عام النذر حجة الإسلام وكفّر عن النذر وقضاه ، لأنه كالمخلّ به عمدا بالإخلال بحجة الإسلام إلى عامة ، مع سبق وجوبها عليه ، وعلمه بعدم جواز تقديم النذر على حجة الإسلام.

ولو حج في ذلك العام بنية النذر لم يقع عن أحدهما ، أما عن النذر فلعدم صلاحية الزمان له ، لأنه زمان يجب فيه إيقاع حجة الإسلام ، وأما عن حجة الإسلام فلعدم القصد لها ، «والاعمال بالنيات» (1) ، ولم ينو حجة الإسلام.

وذهب الشيخ إلى وقوع حجة النذر عن حجة الإسلام.

وهل يجب الكفارة والحال هذه؟ يحتمل ذلك ، لأن مع عدم انعقادها عن النذر يكون كالمخلّ بالنذر لعدم الفائدة بما أتى به من الأفعال ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، وترتب الكفارة على الإخلال بالنذر عمدا ، وهذا لم يخل به لإتيانه بجميع أفعاله على التمام والكمال ، وإنما لم يحكم بالصحة لعدم

ص: 394


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدسة العبادات ، حديث 6.

صلاحية الزمان له ، فلا يجب عليه أكثر من الإعادة ، لأن الكفارة إنما تجب مع الإخلال من رأس ، وهذا لم يخل به.

الثالث : أن يخلو القصد عن حجة الإسلام وعن غيرها ، وهذا يحتمل بطلان نذره مع التقييد بأول عام ، لأنه لا يخلو عن الأقسام الثلاثة المذكورة ، وهو إما أن يصرف إلى حجة الإسلام فيصح على القول بانعقاد نذر الواجب ، أو إلى غير حجة الإسلام مع قصد دوام الاستطاعة فيبطل ، أو إلى غير حجة الإسلام مع زوال الاستطاعة فينعقد مراعى ، وصرفه إلى ما يصح دون ما لا يصح ترجيح من غير مرجح ، ويحتمل انعقاده مراعى لأصالة الصحة في أفعال المسلم ، لأنه عقد صدر من مكلف بالغ عاقل متقربا فيه إلى اللّه تعالى فيكون صحيحا ، وإنما خصصناه بغير حجة الإسلام - مع صلاحيتها لتعلق النذر بها - لأن النذر لا بد له من متعلق ، وهو إما حجة الإسلام أو غيرها ، وتعلقه بحجة الإسلام يكون تأكيدا ، وتعلقه بغيرها يكون تأسيسا ، والتأسيس أولى من التأكيد ، ولما كان غير حجة الإسلام لا يصح تعلقه بها إلا مع فقد الاستطاعة كان مراعى ، فإن زالت الاستطاعة انعقد النذر ووجب الوفاء وإلا بطل من رأس.

[القسم] الثاني : أن يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وهذا لا يكون من باب نذر الواجب ، لأنها لم تجب عليه قبل الاستطاعة ، وهي لم تحصل ، ويتوقف انعقاد النذر على الاستطاعة في ذلك الزمان المعين ، ولا يجب عليه تحصيلها ، فإن حصلت انعقد النذر ووجب الوفاء به ، فإن أخل بالحج في ذلك العام ، ويأتي بحجة الإسلام في غير ذلك العام المعين وجب عليه كفارة خلف النذر ، ولا يجب قضاء النذر للتداخل.

ص: 395

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وهذا ينعقد نذره إجماعا ، ولا يشترط الاستطاعة الشرعية ما لم يشترطها - على ما اختاره نجيب الدين يحيى بن سعيد ، وأبو العباس في المحرر ، وهو ظاهر الشهيد في دروسه - بل الشرط الاستطاعة العقلية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه ، فإن استطاع بعد عقد النذر ، فإن كانت الاستطاعة في العام المقيد بالنذر صرفت الاستطاعة في النذر ، فان تعينت بعده وجب عليه حجة الإسلام وإلا سقطت.

ولو أخل بالحج في عام النذر واستمرت الاستطاعة وجبت حجة الإسلام ، ويقضي بعدها حجة النذر ، ويكفر ، وان كانت الاستطاعة في عام قبل العام المقيد ، فإن تقيد النذر في عام متأخر عن عام العقد ثمَّ يستطيع فيه يجب الإتيان بحجة الإسلام في ذلك العام وبالمنذورة بعده ، فإن أخّر حجة الإسلام اختيارا وجب تقديمها على النذر لوجوبها قبله ، ثمَّ يقضي النذر ويكفّر ، لأنه كالمخل به عامدا.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، وهذا لا خلاف في انعقاد نذره ، وإنما الخلاف في التداخل وعدمه ، وقد سبق البحث في صدر المسئلة ، وعلى المختار من عدم التداخل إذا حصلت شرائط حجة الإسلام قدمت المنذورة لاستحقاق الزمان لها ، ثمَّ يأتي بعدها بحجة الإسلام مع استمرار الاستطاعة ، وإلا سقطت.

[القسم] الثالث : أن لا يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، فان مات بعد التمكن

ص: 396

ولم يحج أخرجت الحجة وكفارة خلف النذر من أصل ماله ، ولا يجب الكفارة قبل الموت لعدم تحقق الفوات قبله.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ولا خلاف في انعقادها ولا في عدم التداخل ، ولكن يجب تقديم حجة الإسلام ، فلو قدم المنذورة وقعت باطلة على المختار ، ولا تتضيق المنذورة إلا عند غلبة الظن بالموت ، فان مات قبل أدائهما أخرجتا من صلب المال ، وقيل : المنذورة من الثلث.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، ولا خلاف في الانعقاد ، وإنما الخلاف في التداخل وقد سبق.

[القسم] الرابع : أن لا يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، والأقسام ثلاثة أيضا كما قد تقدم.

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وحكمها كما تقدم في متعين الزمان ، إلّا عدم تحقق الكفارة في حال حياته مع المخالفة ، بل يجوز بعد وفاته.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وحكمها تقدم أيضا في المعين ، إلا أنها يجوز تقديمها على حجة الإسلام مع حصول الاستطاعة ، سواء حصلت في عام عقد النذر أو تأخرت عنه بأعوام.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، والخلاف في التداخل مع حصول الشرائط كما تقدم ، ولو حصلت الشرائط وجب تقديم حجة الإسلام ، فلو أخلّ بها في عام الاستطاعة مع القدرة ومات ، ولم يأت بإحداهما وجب قضاؤهما ، والكفارة من أصل ماله ، وان فقدت الاستطاعة بعد التمكن من الإتيان بالحج يقدم حجة الإسلام مع قصور التركة عنهما ، لوجوبها في أصل الشرع ، ووجوب النذر بالعارض ، وتقدم حجة النذر على الكفارة مع القصور.

قال رحمه اللّه : وان ركب بعضا ، قيل : يقضي ويمشي مواضع ركوبه ، وقيل : بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه.

ص: 397

أقول : نذر المشي ينعقد على القول بأنه أفضل من الركوب ، وقد قيل بافضليته مطلقا ، لأنه أشق ، والأجر على قدر المشقة (1) ، وقيل بأفضلية الركوب مطلقا لاشتماله على صرف المال في الحج ، وقد روي : أن الدرهم فيه بألف درهم في غيره (2) ، وقيل بالتفصيل ، وهو أفضلية المشي مع عدم الضعف عن القيام بالفرائض ، ومعه يكون الركوب أفضل ، وهذا هو المشهور.

فعلى الأول ينعقد نذر المشي ولا ينعقد نذر الركوب ، وعلى الثاني ينعكس الحكم ، وعلى التفصيل ينعقد نذر المشي لمن لا يضعفه عن القيام بالفرائض ، ونذر الركوب لمن يضعفه المشي.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا ركب ناذر المشي مختارا ، فإن كان معينا بسنة كفّر لخلف النذر ولا قضاء عليه ، وهو ظاهر القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس في محررة ومقتصره لعدم تناول النذر لغير سنة الإيقاع.

وفي المختلف أوجب القضاء والكفارة ، واختاره الشهيد ، أما وجوب القضاء فلأنه أخل بالصفة المنذورة فوجب عليه القضاء لتحصيل تلك الصفة ، وأما وجوب الكفارة فلإخلاله بإيقاع تلك الصفة الواجبة عليه بالوقت المعين بالنذر ، وإن كان النذر مطلقا وجب القضاء ولا كفارة ، فإن ركب بعض الطريق ومشى بعضه ، قال الشيخان وابن البراج : يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشي ليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا ، وقال أكثر الأصحاب : يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشروطة في نذره.

فرع : يجب المشي من بلده على ما اختاره الشهيد ، ويسقط عنه بعد طواف النساء.

ص: 398


1- لم نعثر عليه.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 42 من أبواب وجوب الحج.

قال رحمه اللّه : ولو عجز ، قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة ، وإن كان معينا بوقت سقط فرضه للعجز ، والمروي الأول ، والسياق ندب.

أقول : هنا ثلاثة أقوال.

الأول : يركب ويسوق بدنة كفارة لركوبه ، وهو قول الشيخ لرواية الحلبي (1).

الثاني : يركب ولا يسوق وجوبا بل استحبابا ، وهو قول المفيد ، لأن العجز يقتضي سقوط الذنب فلا يناسب العقوبة بوجوب الكفارة.

الثالث : التفصيل ، وهو مذهب ابن البرّاج ، ووجهه ظاهر ، وقد ذكره المصنف.

قال رحمه اللّه : ولا تصح نيابة من وجب عليه الحج واستقر إلا مع العجز ولو مشيا.

أقول : قوله (ولو مشيا) يتعلق بمضمر محذوف وهو لا مع القدرة ولو كان مشيا ، لأن من استقر عليه الحج ثمَّ أعسر عن الراحلة وقدر على المشي وجب عليه الحج ماشيا ، فلا يجوز أن ينوب عن غيره ، لمخاطبته بالحج ماشيا ، ولا يجوز تعلّقه بالعجز لمنافاته للأصل.

قال رحمه اللّه : ولو تطوع ، قيل : يقع عن حجة الإسلام وهو تحكم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من وجب عليه حجة الإسلام لا يجوز له أن يحج عن غيره ولا أن يتطوع ، فان حج تطوعا وقعت عن حجة الإسلام ، وبه قال الشافعي. وقال ابن إدريس : هذا الكلام غير واضح ، لأن الحج يجب على الفور فلا يجوز التطوع قبل الإتيان به ، وإذا لم يجز يكون منهيا عنه

ص: 399


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 34 من أبواب وجوب الحج ، حديث 3.

فلا يكون صحيحا ولا يجزي عن حجة الإسلام ، لأنها غير منوية ، وقال عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (1) ، ونسب المصنف قول الشيخ إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.

قال رحمه اللّه : ومن الفقهاء (2) من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : تقدم (3) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض ، وقيل : يجوز مطلقا.

أقول : إذا شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها ، لا يخلو إما أن يتعلق بالطريق غرض أو لا ، فهنا قسمان :

الأول : أن لا يتعلق به غرض ، قال الشيخ : يصح ، لأن المقصود هو إيقاع الحج وقد حصل ، قال : ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق رواية حريز في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن رجل أعطى رجلا يحج من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه» (4).

وقيل : يرجع عليه بالتفاوت إن كان ما سلكه أسهل لجريان العادة بنقصان أجرة الأسهل عن الأصعب ، وإن كان ما عدل إليه أشق لم يستحق أجرة تقابل تلك المشقة ، وهو اختيار العلامة في التذكرة.

الثاني : أن يتعلق بالطريق غرض ، فعند الشيخ يصح ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق الرواية ، وقيل : عليه رد التفاوت ، وهو اختيار العلامة في

ص: 400


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 7.
2- في «ن» : فقهائنا.
3- ص 388.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 11 من أبواب النيابة في الحج ، حديث 1.

القواعد والتحرير والشهيد ، ونقل أبو العباس عن العلامة بطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل ، واختاره أبو العباس أقل الأمرين من المسمى وأجرة المثل ، وهو يشعر ببطلان العقد.

فرع : لو أحصر أو صدّ في طريق خالف بسلوكه لم يستحق أجرة ، سواء كان هناك غرض أو لا.

قال رحمه اللّه : وإذا استؤجر بحجة لم يجز أن يؤجر نفسه بأخرى حتى يأتي بالأولى ، ويمكن ان يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى.

أقول : عدم الجواز حتى يأتي بالأولى مذهب الشيخ رحمه اللّه ، والمشهور التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بسنة معينة لم يكن له أن يؤجر نفسه بأخرى تلك السنة بعينها ، وإن أطلق الأول ، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى لم يجز ، لأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، وإن استأجره للثانية جاز ، وإن استأجره مطلقا فالمشهور الجواز أيضا.

ومنع أبو العباس رحمه اللّه في المحرر من المطلقتين وهو قريب ، لأن الإطلاق كما يقتضي التعجيل في الأولى يقتضي التعجيل في الثانية فيصير كالمعينة للأولى فتبطل.

ولو قيل بالصحّة مع علم الثاني بالأولى وبالعدم مع العدم ، كان وجها ، لأن مع العلم بالأولى يتوجه القصد إلى الثانية لعلمه بعدم جواز حجته في الأولى ، ومع الجهل فالقصد متوجه إلى الأولى لعلمه بأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، ولم يعلم بسبق غيره ، فلا يتوجه إلى العام الثاني ، وعلى القول بالمشهور - وهو جواز المطلقتين - يمكن جواز الفسخ للثاني مع عدم العلم بالأولى.

ولو استأجره الأول للسنة الثانية جاز للثاني أن يستأجره للأولى ، إذ لا مانع من الإجارة الثانية إلّا تعين الزمان للأولى ، وهو غير متعين هنا.

ص: 401

تنبيه : يشترط في صحة الإجارة للمتأخر في الإيقاع عدم حصول من يحج في السنة الأولى ، لأن وجوب الاستنابة على الفور والتأخير حرام ، فإذا استأجر للسنة الثانية مع وجود من يحج في السنة الأولى كان فعلا منهيا عنه لتضمنه التأخير المحرم ، فلا يقع صحيحا.

ولو وجد المبادر في السنة الأولى بعد الاستيجار ، قال الشهيد : يحتمل فسخ العقد وهو أبلغ من الأول ، ويحتمل عدم الفسخ ، لوقوعه صحيحا والأصل البقاء.

قال رحمه اللّه : ولو ضمن الحج في المستقبل لم تلزم إجابته ، وقيل : تلزم.

أقول : هنا ثلاثة أقوال ، الأول : وجوب الإجابة مطلقا مع ضمان الحج في المستقبل ، قاله : الشيخان. الثاني : عدم الإجابة مطلقا ، قاله المصنف. الثالث : التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بعام وحصل الصدّ فيه انفسخت الإجارة ، لأنها تعلقت بزمان معين ولم يحصل الفعل فيه وغيره لم يتناوله العقد ، وإن كانت الإجارة مطلقة لم ينفسخ ، وهو مذهب العلامة.

والتحقيق : إن كان الصد في المطلقة بعد الإحرام كان له من الأجرة بنسبة ما فعل ، ولا يجب عليه الحج ثانيا إلا مع اتفاقهما عليه.

فلو اختار أحدهما البقاء على حكم الإجارة والآخر الفسخ ، قدم اختيار الفاسخ على ما اختاره الشهيد وأبو العباس في المحرر ، وكذلك إن كان الصد قبل الإحرام يثبت لكل منهما الخيار في الفسخ وعدمه على اختيارهما.

وذهب العلامة في المختلف الى وجوب الحج ثانيا على الأجير ، بخلاف الصد بعد الإحرام ، والفرق بتعين المطلقة بالشروع فيها ، فيتصير كالمعينة ، وقبل الإحرام لا تتعين فهي باقية على الإطلاق.

أما حكم الأجرة مع الصد قبل الإحرام ، فنقول : إن كانت الإجارة

ص: 402

وقعت على أفعال الحج فلا يستحق شيئا لعدم إتيانه بشي ء من الأفعال التي تقابل مال الإجارة ، وإن وقعت على الحج من بلد معين استحق من الأجرة مقابل قطع المسافة إلى موضع الصد ، لأن مال الإجارة مقابل مجموع أمرين : قطع المسافة وأفعال الحج ، فإذا صد بعد فعل شي ء مما وقع عليه العقد استحق من الأجرة بنسبته ، هذا مع الفسخ لا مع عدمه ، وإن كان الصد في المعينة انفسخ العقد مطلقا ، سواء حصل بعد الإحرام أو قبله.

ولو اتفقا على بقاء حكم الإجارة لم يلزمهما إلا مع تجديد العقد ، والحكم في الأجرة كما قلناه أولا.

فرعان.

الأول : إذا حج النائب في غير السنة المعينة لم يستحق شيئا لانفساخ العقد بمضي السنة المعينة ، ويكون ما أوقعه تبرعا منه.

الثاني : لو أخّر الأجير الحج في المطلقة لغير عذر تخير المستأجر ، ولعذر يتخيران ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس في المحرر.

قال رحمه اللّه : ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه.

أقول : إذا حمل إنسان إنسانا في طوافه فقد وقع الاتفاق على صحة طواف المحمول مع النية منه إن كان بالغا ، ونية الحامل عن المحمول إن كان صبيا ، وأطلق الأكثر جواز طواف الحامل عن نفسه أيضا ، وقال ابن الجنيد - ونعم ما قال - : إن كان الحمل بأجرة لا يجوز أن يطوف عن نفسه لاستحقاق قطع المسافة عليه بعقد الإجارة ، فلا يجوز له صرفه إلى نفسه ، كما لو استأجره للحج ، واختاره فخر الدين وأبو العباس في المحرر ، وهو المعتمد.

واستدل المجوزون مطلقا بعموم رواية حفص بن البختري ، عن

ص: 403

الصادق عليه السلام «في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ قال : نعم (1)» ، وعموم رواية الهيثم بن عروة (2) ، عن الصادق عليه السلام أيضا الدالة على الاجزاء.

قال رحمه اللّه : وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله ، ولو أفسده ، حجّ من قابل ، وهل يعاد بالأجرة عليه؟ يبنى على القولين.

أقول : إذا أفسد الأجير حجة النيابة ، قال الشيخ انتقلت عن المستأجر إليه وصار محرما عن نفسه ، وعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق للمستأجر يلزمه الحج عنه فيما إذا كان الحج في ذمته ، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، وإن كانت معينة انفسخت الإجارة وكان على المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه ، فأوجب عليه حجتين بعد إتمام الفاسدة في صورة الإطلاق ، وإتمام الفاسدة والقضاء واسترجاع الأجرة في صورة التعيين ، لأنه استأجره أن يحج عنه حجة صحيحة شرعية وهذه فاسدة فيجب أن لا تجزيه ، وبه قال ابن إدريس.

والمصنف بنى فسخ الإجارة واسترجاع الأجرة على القولين ، وهو إن كانت الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة برأت ذمة المستأجر بإكمالها والقضاء في القابل عقوبة على الأجير ولا تنفسخ هذه الإجارة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة والثانية حجة الإسلام لزمه إتمام الفاسدة والقضاء من قابل عقوبة لانقلاب الفاسدة إليه بسبب إفساده ، فلا يجزي عن المستأجر ، وتستعاد الأجرة إن تعلقت بزمان معين ، وإلا وجب على الأجير الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء من قابل.

ويحتمل الاكتفاء بحجة القضاء ، لأنها قضاء عن الفاسدة فكما يجزي

ص: 404


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 50 من أبواب الطواف ، حديث 3.
2- المصدر المتقدم ، حديث 1 و 2.

عن الحاج لنفسه فكذا يجزي عن النائب وقواه الشهيد.

قال رحمه اللّه : ويستحقها الأجير بالعقد ، فإن خالف ما شرط ، قيل :

كان له أجرة المثل ، والوجه أن لا أجرة.

أقول : البحث هنا في موضعين.

الأول : استحقاق الأجير الأجرة بالعقد ، ولا ريب في ذلك لكن لا يجب التسليم إليه الا بالعمل ، قاله الشهيد ، ولو توقف الحج على الأجرة استقرب الشهيد جواز الفسخ للأجير ، قال : ولا يجوز لوصي الميت التسليم قبل الفعل إلا مع الإذن صريحا ، أو بشاهد الحال.

والظاهر أن شاهد الحال جريان عادة بلد الميت بتسليم الأجرة قبل الفعل.

الثاني : في مخالفة شرط المستأجر ، فنقول يجب على الأجير أن يأتي بالنوع المشترط عليه ، وجوز الشيخ العدول من القران والإفراد إلى التمتع ، لأنه أفضل ، أو إلى القران لمن استوجر مفردا لاشتماله على الإفراد وزيادة ، والباقون على المنع ، لأنه استوجر لحج معين فلا يتناول غيره.

والتحقيق أن نقول : إن كان الغرض هو القران أو الإفراد لم يجز العدول ، لأنه استوجر لإبراء ذمة المستأجر مما وجب عليه شرعا ، وهو القران أو الإفراد ، ولو عدل لم يجز عن الفرض ولا يستحق أجرة عما عمله ، لأن الأجرة مقابل إبراء الذمة ولم يحصل.

وإن كان الحج مندوبا أو واجبا مخيرا كالنذر المطلق ، ومتساوي الإقامة بمكة وغيرها ، وعلم من المستأجر قصد الأفضل ، جاز العدول إليه واستحق الأجرة ، وإن لم يعلم منه ذلك وعدل إليه استحق الأجرة على قول الشيخ.

والمعتمد : إن علم منه التخيير استحق الأجرة بأي الأنواع أتى ، وإن

ص: 405

لم يعلم ثمَّ عدل عن النوع الذي استؤجر عليه وقع عن المستأجر وبرأت ذمته بما فعله الأجير ، لأنه فعل الواجب عليه فوجب أن يخرج به من العهدة ، ولم يسقط فرض الأجير الذي وجب عليه بعقد الإجارة لعدم امتثال الأمر به. وهل يستحق اجرة عما فعله؟ يحتمل ذلك ، لأنه عمل عملا محترما لم يقصد به التبرع فيستحق أجرة مثل العمل ، ويحتمل العدم ، لأنه تبرع بفعل لم يشترطه عليه المستأجر فلا يستحق عليه أجرة ، وهو المعتمد.

فرع : لو اختلف الأجير والمستأجر في قصد الأفضل والتخيير كان القول قول المستأجر ، لأنه أبصر بنيته.

قال رحمه اللّه : إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ، ثمَّ نقل النية إلى نفسه لم يصح ، فإذا أكمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ، ويستحق الأجرة ، ويظهر لي أنها لا تجزي عن أحدهما.

أقول : وقوعها عن المستأجر مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن النقل غير صحيح ، وظاهر المصنف عدم الإجزاء عن أحدهما ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، أما عدم الإجزاء عن المستأجر [ف] لأن الأجير لم يوقع الأفعال عنه ، وأما عدم اجزائها عن الأجير [ف] لأن النقل غير صحيح.

تنبيه : يجب أن تكون أفعال الحج معلومة عند المتعاقدين لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد فلا يجب ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بد من الإعلام ، وإذا وقعت الإجارة للحج والعمرة معا لا بد من تعيين النوع من التمتع أو القران أو الافراد لاختلاف الأغراض في ذلك ، فإذا وقعت

ص: 406

على الحج خاصة لم يجب التعيين ويتخير بين القران والافراد ، وإن وقعت على العمرة فهي مفردة.

قال رحمه اللّه : وإن قصر حتى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر ، وقيل : يعود ميراثا.

أقول : إذا أوصى بالحج تطوعا وقصر الثلث حتى لا يرغب فيه أجير ، قال الشيخ : تصرف في وجوه البر ، لأنه خرج عن ملك الوارث بالوصية ، وإذا تعذر صرفه في نوع من أنواع الطاعات صرفت في غيره من أنواعها لاشتراكها في مطلق الطاعة ، وقيل : يرجع ميراثا ، لأن الوصية قد تعذر العمل بها فيبقى المال على ملك الورثة ، واختاره العلامة في القواعد وفخر الدين والشهيد.

قال رحمه اللّه : ومنهم من سوّى بين المنذورة وحجة الإسلام في الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور التركة ، وهو أشبه. وفي الرواية : إذا نذر أن يحج رجلا ، ومات وعليه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، والمنذورة من الثلث ، والوجه التسوية ، لأنهما دين.

أقول : العمل بمضمون الرواية مذهب الشيخ رحمه اللّه واحمد بن الجنيد ومحمد بن بابويه ، وهي رواية ضريس بن أعين ، «قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام ونذر في شكر ليحجن رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عن المنذورة ، فان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ان يحج عنه حجة ، حج عنه حجة الإسلام فيما ترك ، وحج عنه وليه النذر ، فإنما هو دين عليه (1)».

والتسوية بينهما في وجوب الإخراج من الأصل ، والقسمة مع القصور

ص: 407


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 29 من أبواب وجوب الحج ، حديث 1.

مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنهما واجبتان فيجب إخراجهما من أصل المال كالدين ، وهو المعتمد.

واعلم أن مرادهم في القسمة مع القصور إذا كان يمكن إخراج الحجتين ولو من الميقات ، أما إذا لم تنهض التركة بهما من الميقات قدمت حجة الإسلام اتفاقا.

ص: 408

أقسام الحج

قال رحمه اللّه : وهذا القسم فرض من كان بين منزله وبين مكة اثني عشر ميلا فما زاد من كل جانب ، وقيل : ثمانية وأربعون ميلا.

أقول : التحديد باثني عشر ميلا مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في القواعد والإرشاد ، والتحديد بثمانية وأربعين ميلا مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وجزم به الشهيد ، وحكى مذهب الشيخ في المبسوط ، قال : ولا نعلم مستنده ، وقال العلامة في المختلف : كأنه نظر إلى توزيع الثمانية والأربعون ميلا من أربع جوانب ، فكان قسط كل جانب ما ذكره في المبسوط ، وليس بجيد.

قال رحمه اللّه : ووقوعه في أشهر الحج ، وهو : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : عشرة من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة ، وقيل : إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وضابط وقت الإنشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك.

ص: 409

أقول : حكى المصنف في تحديد أشهر الحج أربعة أقوال ، فالأول قول الشيخ في النهاية ، واختاره أحمد بن الجنيد والمصنف ، والثاني قول السيد المرتضى وابن أبي عقيل ، والثالث قول الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البرّاج ، والرابع قوله في الخلاف والمبسوط.

والنزاع هنا لفظي لا معنى له ، لأنه لا خلاف في وجوب إيقاع الموقفين فيما حد لهما من الزمان اختيارا أو اضطرارا ، ووجوب إيقاع الإحرام في وقت يعلم إدراك ذلك فيه ، وما زاد على ذلك من الطوافين والسعي والذبح ، فإنه يجزي في بقية ذي الحجة عند الجميع ، فالنزاع لفظي.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها. ولو تعذر ذلك ، قيل : يجزيه ، والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ، ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك ، وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد.

أقول : الإحرام من غير مكة لا يخلو إما أن يكون عامدا أو جاهلا أو ناسيا ، فإن كان عامدا لم يجزه ووجب عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام ، فإن تعذر بطل حجه ، وأطلق الشيخ في المبسوط والخلاف الإجزاء مع تعذر الرجوع وعدم لزوم الدم ، والوجه البطلان مع التعمد وعدم إمكان الرجوع ، لأنه أحرم من غير الميقات عامدا فيكون باطلا.

وإن كان جاهلا أو ناسيا وجب العود مع المكنة ، ومع العدم (1) يستأنف الإحرام ولو بعرفة.

وأما سقوط الدم فقد تردد فيه المصنف واستشكله العلامة في المختلف ،

ص: 410


1- في «ن» : العمد.

ولا أرى لهذا التردد وجها قويا على مذهب الخاصة ، لأن هذا الدم إما دم التمتع أو دم شاة ، والمختار عندهم انه دم التمتع ، وإنما يتوجه التردد فيه على القول بأنه جبران ، وهذا القول ضعيف جدا للإجماع على جواز الأكل منه ، والجبران لا يجوّز الأكل منه إجماعا أيضا ، وقطع في الخلاف والمبسوط أنه نسك لا جبران.

والقول بأنه جبران مذهب الشافعي ، فعنده أنه جبران للإحرام من غير الميقات ، وهو مردود ، لأن ميقات حج التمتع مكة ، وقال الشيخ في المبسوط :

ولو أحرم المتمتع من مكة وخرج منها إلى الميقات ومنه إلى عرفات صح ، واعتد بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم (1) غير دم التمتع.

وهو يشعر بأنه جبران ، وقال الشافعي : إن أحرم بها من خارج مكة وعاد إليها فلا شي ء ، وإن لم يعد إليها ومضى على وجهه الى عرفات ، فان كان إنشاء الإحرام من الحل فعليه دم قولا واحدا ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم عليه قولان : أحدهما لا يجب ، لأن الحكم إذا تعلق بالحرم ولم يختص ببقعة منه كان الجميع فيه سواء بذبح الهدي ، والثاني يجب عليه الدم ، لأن ميقاته البلد الذي هو مقيم فيها ، وإذا ترك ميقاته وجب عليه الدم وإن كان ذلك كله من حاضري المسجد الحرام.

فعلى قول الشافعي هذا يتوجه تردد المصنف ، وهو ضعيف كما تراه إذ بناه على قاعدته ، وهو ان الهدي جبران للإحرام من غير الميقات.

وعلى القول بأن المراد به غير دم المتمتع إنما يتوجه على مذهب ضعيف متروك ، وهو قوله في المبسوط في باب المواقيت : من أخّر الإحرام عن الميقات

ص: 411


1- من «ن» و «ر 2».

عامدا وجب الرجوع إليه ، فإن لم يمكن فلا حج له ، وقد قيل : انه يجبره بدم وقد تمَّ حجه.

وهذا القول ضعيف متروك لا يوجب التردد ، فقد تبين ضعف هذا التردد على كل تقدير.

قال رحمه اللّه : فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز ، وهل يجوز اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأكثر ، ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي.

أقول : جواز العدول اختيارا مذهب الشيخ في المبسوط ، لأنه أفضل ، ولأنه أتى بصورة الإفراد وزيادة غير منافية ، والمنع مذهبه في النهاية ، وهو مذهب ابني (1) بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (2) دل بمفهومه على أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام لم يكن له ذلك.

والجواب عن حجة الأولين المنع من كونه أتى بصورة الإفراد ، لأنه أخلّ بالإحرام من ميقاته ، وأوقع مكانه العمرة ، وليس مأمورا بها ، فوجب أن لا يجزيه ، ولأنه أقل أفعالا لاشتماله على ثلاث طوافات والإفراد أربع طوافات ، ولا فرق عند الشيخ بين جواز العدول ابتداء وفسخا.

وعلى القول بالجواز ، هل يجب الهدي أو لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف بعدم الوجوب ، وهو قول المصنف هنا لقوله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ

ص: 412


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.
2- البقرة : 196.

أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) دل بمفهومه على أن الهدي لا يلزم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

وفيه نظر ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1).

تنبيه : إذا عدل المتمتع إلى حج الإفراد لخوف ضيق الوقت وقصوره عن التحلل من العمرة وأنشأ الإحرام للحج ، أو خوف حصول الحيض قبل أربعة أشواط من طواف العمرة ، أو عدل القارن أو المفرد إلى التمتع لخوف العجز عن العمرة بعد الحج لفوات الرفقة ، أو لخوف طريان الحيض عند إرادتها ، أو للخوف من عدو يمنع الإحرام بها ، لا يخلو إما أن يكون العدول في الأثناء أو الابتداء ، فإن كان في الأثناء وجب نية العدول ، بأن يقول : (أعدل من عمرة التمتع إلى حج الإفراد حج الإسلام لوجوبه قربة الى اللّه) ، ثمَّ يخرج إلى عرفات ، وفي العكس يقول (اعدل من حج الإفراد إلى عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى اللّه تعالى).

وإن كان العدول ابتداء قبل التلبس بالمعدول عنها لا يفتقر إلى ذكر العدول بالنية بل ينشئ الإحرام بالنسك المعدول إليه من غير ذكر العدول ، والعدول واجب عند العذر المسوغ له ، لأنه لا يتم الواجب الا به ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب.

قال رحمه اللّه : لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول ، وقيل : إنما يحل المفرد دون السائق ، والحق أنه لا يحل إلا بالنية.

أقول : القارن والمفرد إذا دخلا مكة جاز لهما التطوع بالطواف قطعا ،

ص: 413


1- البقرة : 196.

وهل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف بالوجوب؟ قال الشيخان وسلار بالوجوب ، لحصول التحليل بالطواف مع وجوب الوقوف محرما ، ووجوب تأخير التحليل إلى الحلق ، والتلبية موجبة يعقد الإحرام ، فتسد الخلل الحاصل للإحرام من الإخلال بالطواف ، فلو لم يلب بطلت حجته وصارت عمرة مفردة ، وفي رواية يونس بن يعقوب (1) : وجوب التلبية على المفرد دون القارن.

وقال ابن إدريس : لا يحل إلا بالنية ولا يجب التلبية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة ، وقالوا باستحباب التلبية ، وهو المعتمد ، لأن الأعمال بالنيات ، وهو لم ينو التحلل ، فهو باق على إحرامه.

تنبيه : هل يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما على المضي إلى عرفات والوقوف بها اختيارا؟ بالمنع قال ابن إدريس لوجوب ترتيب المناسك ، والمشهور الجواز على كراهية.

قال رحمه اللّه : ويجوز للمفرد إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع ، ولا يجوز ذلك للقارن.

أقول : إنما يجوز العدول إذا كان حجه ندبا ، أو نذر مطلقا ، أو متساوي المنزلين ، لا مطلقا ، ولا يلبي عقيب طوافه وسعيه ، ولو لبى أثم ولا تبطل متعته.

قال رحمه اللّه : ولو اقام من فرضه التمتع سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه ، وكان عليه الخروج من الميقات إذا أراد حجة الإسلام ، ولو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من موضعه ، فإن دخل في الثالثة مقيما ثمَّ حج انتقل فرضه الى القران أو الافراد.

ص: 414


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 5 من أبواب أقسام الحج ، حديث 6.

أقول : مذهب المصنف هنا - وهو الانتقال بمضي سنتين - هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير.

وقال في النهاية والمبسوط : لا ينتقل فرضه عن التمتع إلا بمضي ثلاث سنين ، وبه قال ابن إدريس ، وهو ظاهر الشهيد ، والمعتمد الأول ، وعليه دلت الروايات الصحاح (1).

تنبيه : هذا البحث فيمن لا يجب عليه الحج قبل المجاورة ، أما لو كان مستطيعا قبل المجاورة ووجب عليه الحج تمتعا فإنه لم ينتقل فرضه عن التمتع لاستقراره عليه تمتعا ، فلا يسقط عنه بالمجاورة.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ، ولا إدخال أحدهما على الآخر ، ولا نية حجتين ولا عمرتين ، ولو فعل ، قيل : تنعقد واحدة ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف من أهلّ بحجتين انعقد إحرامه بواحدة منهما ، وكان وجود الأخرى وعدمها سواء ، ولا يتعلق بها حكم فلا يجب قضاؤها ولا الفدية ، وهكذا من أهلّ بعمرتين ، أو بحجة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، أو بعمرة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، والكلام فيما زاد عليه كالكلام فيه سواء.

وتردد المصنف في انعقاد هذا الإحرام ، لأن الواجب عليه أحد النسكين ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية ، ولأنه عقده على وجه منهي عنه فلا يقع صحيحا ، وهو المعتمد.

ص: 415


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب أقسام الحج.

ص: 416

في المواقيت

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت ، قيل : يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

أقول : القول الذي حكاه المصنف هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد ، وقال ابن الجنيد : ومن سلك البحر أو أخذ طريقا لا يمر فيه على هذه المواقيت كان إحرامه من مكة بقدر أقرب المواقيت إليها ، وقال ابن إدريس :

وميقات أهل البحر جدّة.

فرعان :

الأول : يكفي غلبة الظن في المحاذاة ، فلو تبين تقدم الإحرام على الميقات أعاد ، ولو تبين تأخره أجزأ.

الثاني : لو لم يحاذ ميقاتا احتمل الإحرام من أدنى الحل ، وهو المعتمد ، لأنه ميقات للمضطرين كالناسي ، وهذا مضطر لتعذر الميقات ومحاذاته عليه ، ويحتمل الإحرام من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، كما ذهب إليه ابن الجنيد ، لأن الاعتبار بالمحاذاة انما هو المساواة.

ص: 417

قال رحمه اللّه : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه ، قيل : يقضي إن كان واجبا ، وقيل : يجزيه ، وهو المروي.

أقول : المشهور عند الأصحاب الإجزاء ، وهو المعتمد ، ومستندهم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما السلام «قال : سالته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تمَّ حجه» (1) ، وفي معناها رواية جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام ، «في رجل نسي أن يحرم ، أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك ، وقد تمَّ حجه وإن لم يهلّ» (2) وفيها دلالة على ان المنسي هو التلبيات دون النية ، وهذه وإن كانت قاصرة الدلالة لكونها مرسلة ، أو لاقتضائها تنزيل الجهل منزلة النسيان - مع ان جاهل الحكم لا يعذر - فهي معتضدة يعمل الأصحاب إلا ابن إدريس ، فإنه أوجب القضاء ، قال : لأنه لم يأت بالعبادة على وجهها فيبقى في العهدة.

ونسب المصنف قوله في المختصر إلى الترجيح ، لأنه اجتهاد في مقابلة نص ، قال في المعتبر : ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال ولا كيف يوجبه ، فإن كان يقول الإخلال بإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك ، فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا انه أحرم أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله. هذا آخر كلامه في المعتبر.

ص: 418


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 20 من أبواب المواقيت ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 20 من أبواب المواقيت ، حديث 2.

في أفعال الحج

قال رحمه اللّه : والمقدمات كلها مستحبة ، وهي : توفير شعر رأسه من ذي القعدة إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه.

أقول : ذهب المفيد رحمه اللّه إلى وجوب توفير الشعر ، قال : إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة ، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهرقه ، وهو ظاهر النهاية أيضا ، لرواية معاوية بن عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال في الجمل : إنه مستحب ، واختاره ابن إدريس وأكثر الأصحاب ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولرواية سماعة (2) ، عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وقيل ان لم يجد ماء تيمم له.

أقول : القول المحكي هو قول ابن إدريس ، وجزم به العلامة في

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الإحرام ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الإحرام ، حديث 3.

القواعد ، وحكاه في التحرير ولم يتعرض له بقوة ولا ضعف ، وكذلك الشهيد.

والتحقيق : إن قلنا : إنه سنّ للتعبد استحب التيمم عند فقد الماء ، وإن قلنا : إنه سن لإزالة الدرن لم يستحب لعدم الفائدة.

قال رحمه اللّه : وان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية : الحمد ، وقل هو اللّه أحد ، وفيه رواية أخرى. ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

أقول : الرواية الأخرى بالعكس ، وهو أن يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل هو اللّه احد ، وفي الثانية : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وبها أفتى ابن إدريس ، وبأي الروايتين (1) عمل أتى بالمستحب.

فإن قيل : إن المصنف قال : ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ، فقد رتب نافلة الإحرام على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قال : ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة. وهذا يشعر بالتناقض ، لأنه رتب في الأول فعل النافلة على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قدم ثانيا النافلة على الفريضة ما لم تتضيق الفريضة ، وهذا هو التناقض بعينه.

الجواب : لا نسلم حصول التناقض ، لأن الشارع قد عين الإحرام نافلة مخصوصة ، وجعل أفضله الواقع عقيب فريضة الظهر ، أو فريضة غيرها ،

ص: 420


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 15 من أبواب القراءة ، حديث 1 و 2 ، وفي المدارك أنه لم يعثر على مستند ما في المتن - 7 : 256.

ولا يلزم من إيقاعه عقيب الفريضة إسقاط النافلة التي قد خصصها الشارع له ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : إذا اتفق الإحرام في وقت الظهر أو وقت فريضة غيرها قدم النافلة التي خصصها الشارع ، ثمَّ أتى بعدها بالفريضة ليوقع الإحرام عقيب النافلة والفريضة معا ليجمع بين الفضيلتين ، وهو فضيلة إيقاعه بعد النافلة وفضيلة إيقاعه بعد الفريضة وهذا مراد المصنف في قوله : (ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة ...) ، وإذا لم يتفق في وقت الفريضة صلى النافلة ثمَّ أحرم بعدها يكون قد أوقعه عقيب فضيلة واحدة ، فلا تناقض بين قوليه.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم بالحج وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما ، وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة ، ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ رحمه اللّه ، والفرق بين أشهر الحج وغيرها كون الزمان صالحا للحج والعمرة إذا كان في أشهر الحج ، ولهذا يتخير عند القائل به ، وفي غير أشهر الحج لا يصلح الزمان إلا للعمرة ، فلهذا يتعين فعلها.

والمعتمد البطلان للنهي عن القران بين النسكين ، وقد تقدم (1) البحث فيه.

قال رحمه اللّه : ولو قال كإحرام فلان ، وكان عالما بما ذا أحرم ، صحّ ، وان كان جاهلا ، قيل : يتمتع احتياطا ، ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما.

ص: 421


1- ص 415.

أقول : إذا أحرم كإحرام فلان ، فإن كان عالما حالة الإحرام بإحرام فلان ، صح إحرامه قطعا ، وإن كان جاهلا ثمَّ علم فيما بعد ، قال الشيخ في المبسوط : انعقد إحرامه بمثله ، لأن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إهلالا كإهلال نبيك وأجازه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم (1).

وإن تعذر العلم بإحرام فلان ، بموته أو غيبته ، قال الشيخ : يتمتع احتياطا ، وإن بان أن فلانا لم يحرم كان إحرامه موقوفا إن شاء صرفه إلى الحج وإن شاء إلى العمرة.

والمعتمد البطلان ، لأن الواجب عليه الإحرام بأحد النسكين ، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية ، ويمنع كون أمير المؤمنين عليه السلام لم يعلم بإحرام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.

فرع : إذا شك بعد الطواف ، هل أحرم بالحج أو بالعمرة؟ قال العلامة : جعلها عمرة متمتعا بها ، واستحسنه الشهيد ، وهو حسن ، لما فيه من الاحتياط بالجمع بين الحج والعمرة ، ولو كان شكه قبل الطواف تخير بين الحج والعمرة ما لم يكن في ذمته أحدهما فيتعين.

فان قيل : ما الفرق بين حصول الشك قبل الطواف وبعده ، وجواز التخيير مع عدم لزوم أحدهما له وتعين الواجب عليه إذا حصل قبل الطواف ، وعدم تعين الواجب عليه ، وعدم جواز التخير إذا وقع بعد الطواف؟.

فإنا نقول : تبيين الفرق يفتقر إلى مقدمة ، وهي أن الشك انما يعتبر ويكون له حكم إذا وقع عقيب الأفعال المشتركة بين الحج والعمرة كالإحرام والطواف والسعي ، أما إذا وقع عقيب الأفعال المختصة بالحج كالموقفين ومناسك منى لم يعتبر ، فلا يكون له حكم ، ويبني على انه أحرم بالحج.

ص: 422


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب أقسام الحج ، حديث 4 و 25.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا حصل الشك عقيب الإحرام قبل التلبس بشي ء من الأفعال كان ذلك الزمان صالحا لإيقاع أفعال الحج وأفعال العمرة فيتخير حينئذ ما لم يكن عليه أحدهما فيتعين لحصول الترجيح ، لجريان عادة المكلف في الأغلب بالبدء بالواجب عليه ، وقد انعقد إحرامه صحيحا فيصرف إلى الواجب ، وإذا حصل الشك بعد الطواف لا يصح أن يصرفه إلى الحج ، لأن الطواف في الحج انما يقع بعد الموقفين ومناسك منى ، والأصل عدم الإتيان بهذه المناسك ، فيتعين صرفه إلى العمرة المفردة ، أو التمتع بها ، فإن صرفه إلى المفردة ، احتمل أن يكون قد أنشأه للحج فلا يبرأ بإتمام أفعال المفردة ، لقصورها عن أفعال الحج من الرمي والمبيت ، ووجوب صرفه إلى عمرة التمتع ليحصل الجمع بين الحج والعمرة بجميع أفعالهما ، فقد ظهر الفرق بين وقوع الشك قبل الطواف وبعده ، وباللّه المستعان.

قال رحمه اللّه : والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها ، وان شاء قلّد أو أشعر على الأظهر.

أقول : مذهب المصنف هو مذهب الشيخ رحمه اللّه وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وهو المعتمد.

وقال السيد المرتضى : لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية ، وتبعه ابن إدريس ، واستند الجميع إلى الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وصورتها أن يقول : لبّيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، وقيل : يضيف إلى ذلك : إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وقيل : بل يقول : لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 12 من أبواب أقسام الحج.

والملك ، لا شريك لك لبيك ، والأول أظهر.

أقول : الخلاف هنا في موضعين :

الأول : في العدد ، والمشهور أربع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والتقي والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، وقال السيد : إنها ست ، وقال ابنا (1) بابويه وابن الجنيد وابن أبي عقيل : إنها خمس.

الثاني : في الكيفية ذهب القائلون بالست إلى أن صورتها : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (2) لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).

وذهب القائلون بالخمس إلى أن صورتها : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).

واختلف القائلون بالأربع في الكيفية على ثلاثة أقوال :

الأول : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك) ، وهو قول المصنف.

الثاني : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك لبيك) ، وهو قول الشيخ في المبسوط والقاضي وابن إدريس.

الثالث : قول العلامة وله عبارتان ، إحداهما : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (3) لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك (4) ، لا شريك

ص: 424


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.
2- من «ن» و «م» و «ر 2».
3- لم ترد في «ر 1» و «ر 2» و «م».
4- في «ن» و «م» و «ر 2» : والملك لك.

لك لبيك) ، وهو مذهبه في المختلف.

والأخرى : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك (1) لبيك) ، وهي المشهورة في كتبه.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسهنّ له في الصلاة ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

أقول : الجواز مذهب المفيد وابن إدريس واختاره العلامة للأصل ، ولصحيحة يعقوب بن شعيب «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والديباج؟ قال : نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالين والمسك» (2) بفتح الميم وحركة السين المهملة ، وهي سوار من ذبل أو عاج تلبسه ، والمنع مذهب الشيخ وابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، للاحتياط ، ولصحيحة العيص «قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين» (3).

تنبيه : القفّازان بالقاف المضمومة والفاء المشددة والزاي بعد الألف : شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة بيديها ، والقفازان أيضا يعمل للجوارح من جلد يمده الرجل على يده ، قال الشاعر :

تبا لذي أدب يرضى بمعجزة *** ولا يكون كباز فوق قفاز

ص: 425


1- لم ترد في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 33 من أبواب الإحرام ، حديث 1.
3- المصدر المتقدم ، حديث 9.

قال رحمه اللّه : فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم للحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي ء ، وقيل : عليه دم ، وحمله على الاستحباب أظهر.

أقول : مذهب الشيخ وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وجوب الدم ، ومستندهم رواية إسحاق بن عمار (1) ، والاستحباب مذهب سلّار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، وهو المعتمد لرواية معاوية بن عمار (2) وعبد الرحمن بن الحجاج (3) ، ولأصالة البراءة ، ولقوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (4).

قال رحمه اللّه : وإن فعل ذلك عامدا ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة ، وقيل : بقي على إحرامه الأول ، وكان الثاني باطلا ، والأول هو المروي.

أقول : إذا أحرم للحج عقيب سعي العمرة المتمتع بها قبل التقصير عامدا ، قال الشيخ رحمه اللّه تبطل متعته وتصير حجته مفردة ، لرواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، ورجحه العلامة في المختلف ، وقال ابن إدريس : يبطل إحرامه الثاني للنهي عنه ، ويبقى على إحرامه الأول. وهو المعتمد.

ويترتب على المذهبين مسائل :

الأولى : بطلان العمرة على مذهب الشيخ وبقاء حكمها على مذهب ابن إدريس ، فمتى رجع وقصر ثمَّ لحق الموقفين فقد أدرك النسكين.

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب الإحرام ، حديث 6.
2- المصدر المتقدم ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 3.

الثانية : كونه مخاطبا بالتقصير من العمرة على مذهب ابن إدريس ، وبالوقوف بعرفات على مذهب الشيخ.

الثالثة : إذا لم يلحق الموقفين انقلب إلى المفردة للتحليل على القولين.

الرابعة : لو قصر كان عليه دم شاة على مذهب الشيخ ، لكونه محرما بالحج ، ولا شي ء عليه عند ابن إدريس ، لأنه فعل الواجب عليه.

الخامسة : لو أوصى إنسان ، أو وقف ، أو نذر شيئا للمحرمين بالحج ، استحق على مذهب الشيخ ، ولا يستحق على مذهب ابن إدريس.

السادسة : لو جامع فسد حجه على مذهب الشيخ ولحقه أحكام المفسد ، وعلى مذهب ابن إدريس يلزمه بدنة ، لكونه بعد السعي وقبل التقصير ، وعمرته صحيحة.

السابعة : لو كان ذلك ممن وجب عليه التمتع عينا كالآفاقي ، أو يكون متعيّنا عليه بنذر ، وجب عليه إكماله ولا يجزيه عما عليه ، لعدم جواز العدول اختيارا على مذهب الشيخ.

وعلى مذهب ابن إدريس يجب عليه التقصير ويتم به عمرته فإن كان الوقت متسعا لتدارك الحج وجب عليه إنشاء الإحرام له وتمت متعته ، وإن لم يتسع الوقت قضاه في القابل.

قال رحمه اللّه : لو نوى الإفراد ثمَّ دخل مكة جاز أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب ، فإن لبى انعقد إحرامه ، وقيل : لا اعتبار بالتلبية وانما هو بالقصد.

أقول : قد تقدم البحث في هذه وأن المراد به حج التطوع ، أو النذر المطلق ، أو حج ذي المنزلين وما عليه في التلبية (1) غير الإثم ، لكن المشهور

ص: 427


1- في هامش «ي 1» : الثلاثة.

اختيار المصنف ، لرواية أبي بصير (1).

قال رحمه اللّه : وروي : إذا كان الصبي مميزا أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.

أقول : لا خلاف في وجوب الهدي على الولي مطلقا ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز ، لأنه من لوازم الإحرام الحاصلة بفعل الولي ، لكن هل يجوز له أمر المميز بالصيام ويكون صومه مسقطا للهدي عن الولي؟ وردت في ذلك رواية (2) ، بمضمونها أفتى العلامة في القواعد ، ولم يجزم به المصنف.

وقيد الشهيد جواز الأمر بالصيام بعجز الولي عن الهدي ، وهو حسن لعدم جواز العدول إلى الصيام مع القدرة على الهدي ، فإذا كان الولي قادرا على الهدي وجب عليه ، وإن عجز عنه انتقل الفرض إلى الصوم ، فإن كان المميز قادرا عليه جاز فعله منه ، ومع العجز عنه وعجز الولي عن الهدي لا خلاف في وجوب الصوم على الولي.

قال رحمه اللّه : إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثمَّ أحصر تحلل ، وهل يسقط عنه الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ، وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر.

أقول : سقوط الهدي مذهب السيد المرتضى وابن إدريس ما لم يكن ساقه ، أو أشعره أو قلّده ، وأوجبه الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب الإحرام ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الذبح ، حديث 8.

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1).

وفائدة الشرط جواز التحلل من غير تربص ، ومع عدم الاشتراط لا يجوز التحلل حتى يبلغ الهدي محله.

وابن الجنيد أجاز التحلل في الحال مطلقا ، سواء شرط أو لم يشرط ، والأقرب الاحتياج إلى التقصير ، ونية التحلل في المحصور والمصدود معا لتوقف تحلل المختار عليهما ، وكذلك هنا إذ لا مانع من الإتيان بهما ، ويحتمل عدم الاحتياج في التحلل إليهما ، لإطلاق التحلل بالهدي ، فلا يحتاج إلى غيره.

قال رحمه اللّه : وإن كان بعمرة مفردة ، قيل : كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة ، وقيل : إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والكل جائز.

أقول : المعتمر عمرة مفردة يستحب له تكرار التلبية ، فإن كان أهله خارج الحرم كرر حتى يدخل الحرم ، وان كان أهله فيه وقد خرج ليحرم بها من خارج أو ميقاتها له أدنى الحل كرر حتى يشاهد الكعبة ، وهو مذهب الشهيد ، وبه قال ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، وقال محمد بن بابويه بالتخيير ، وقال أبو الصلاح : إذا عاين البيت ، والمستند الروايات (2).

ص: 429


1- البقرة : 196.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 45 من أبواب الإحرام.

ص: 430

في تروك الإحرام

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو قيل لها المهر كله كان حسنا.

أقول : إذا ادعى الزوج وقوع هذا العقد حالة الإحرام ، وأنكرت المرأة ، فالقول قولها مع اليمين وعدم البينة ترجيحا لجانب الصحة ، قال الشيخ : ويجب لها نصف المهر إن لم يكن دخل. وفيه نظر ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يقبل في حقه فيجب كمال المهر ، لأن المقتضي لوجوبه - وهو العقد - موجود ، ووجود المقتضي للتنصيف - وهو الطلاق - مفقود فيجب المهر كملا ، وهو المعتمد.

احتج الشيخ بأنه قد حرم عليه نكاحها باعترافه لوقوع العقد حالة الإحرام ، فكان كالطلاق قبل الدخول.

ولو كانت هي المدعية ، والزوج المنكر ليس لها مطالبته بشي ء ان كان قبل الدخول لاعترافها بعدم الاستحقاق ، وإن كان بعده استحقت أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها لا تستحق شيئا ، لكونها بغيه.

ص: 431

فروع :

الأول : لو أشكل الأمر فلم يعلم وقوعه في الإحرام أو الإحلال فالأصل الصحة ، وقال الشيخ : الأحوط تجديده.

الثاني : يلزم المنكر لوازم الزوجية فان كان الرجل حرمت عليه الخامسة وأختها وأمها وبنتها وان كان قبل الدخول ، وان كانت المرأة حرمت عليها الرجال ما لم يطلقها بان يقول ان كانت امرأتي فهي طالق ، ولا يضر هذا الشرط ، لأنه ليس شرطا حقيقيا ، لأن الشرط الحقيقي هو الذي يمكن وقوعه وعدم وقوعه في المستقبل ، وهذا ليس كذلك ، ولا يحل عليها أبوه ولا ابنه وان طلقها.

الثالث : يجوز للمحرم النظر إلى امة يريد شراءها وإلى امرأة يريد نكاحها ، والنظرة المحللة من الأجنبية بغير شهوة.

قال رحمه اللّه : وقيل : إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر.

أقول : للشيخ في الطيب ثلاثة أقوال : الأول : إنه يحرم على العموم ، وهو قوله في المبسوط وهو مذهب السيد المرتضى والمفيد وابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

الثاني : يحرم منه ستة ، المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وهو قوله في النهاية.

الثالث : يحرم أربعة المسك والعنبر والزعفران والورس ، وهو قوله في التهذيب ، والمستند في الجميع الروايات (1).

ص: 432


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب تروك الإحرام.

تنبيه : الطيب ما يطيب رائحته ويتخذ للشم ، والضابط : أن يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض ، كدهن البنفسج والورد والزعفران ، والورس بفتح الواو وسكون الراء : نبت أحمر قان يؤخذ من قشور شجر ينحت منها ويجمع ، وهو شبه الزعفران المسحوق يجلب من اليمن طيب الريح.

قال رحمه اللّه : ولبس المخيط للرجال ، وفي النساء خلاف ، والأظهر الجواز.

أقول : المنع من لبس المخيط للنساء مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لعموم (1) تحريم المخيط على المحرم ، والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنهنّ عورة وإنما يحصل الستر لهن بلبس المخيط.

تنبيه : لبس المخيط حرام ، ويجب بفعله عامدا الكفارة ، وليس شرطا في صحة الإحرام ، فلو لبسه وجب الفداء وصح إحرامه ، ولا يشترط في تحريم المخيط الإحاطة في (2) البدن فلو توشح به وجب الفداء ، وظاهر ابن الجنيد اشتراط الإحاطة ، وهو ظاهر القواعد.

قال رحمه اللّه : والاكتحال بالسواد على قول.

أقول : تحريم الاكتحال بالسواد مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال المفيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف والإرشاد ، لروايتي (3) معاوية بن عمار وزرارة عن الصادق عليه السلام ، وقال في الخلاف : إنه مكروه لأصالة الإباحة.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 35 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1 و 2.
2- كذا في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 33 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 2 و 3.

قال رحمه اللّه : وكذا النظر في المرآة على الأشهر ، ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم ، فإن اضطر جاز ، وقيل : يشقهما ، وهو متروك.

أقول : هنا مسألتان

الأولى : النظر في المرآة ، وفيه قولان :

الأول التحريم ، قاله الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره العلّامة لصحيحة حماد ، عن الصادق عليه السلام «قال : لا تنظر في المرآة للزينة» (1).

وقال في الخلاف : انه مكروه ، وهو مذهب ابن البرّاج وابن حمزة ، لأصالة الإباحة.

الثانية : في وجوب شق الخفين إذا لبسا للضرورة ، قولان ، أحدهما : الوجوب ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف للاحتياط ، ولصحيحة محمد بن مسلم (2).

والآخر : لا يجب ، وهو مذهب ابن إدريس لأصالة البراءة ، ولإطلاق الإباحة مع الضرورة.

قال رحمه اللّه : ولبس المرأة الحلي للزينة ، وما لم يعتد لبسه منه على الأولى.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في المبسوط ، والكراهة مذهبه في غيره ، للأصل.

قال رحمه اللّه : وإخراج الدم إلا عند الضرورة ، وقيل : يكره ، وكذا قيل : في حك الجلد المفضي إلى إدمائه ، وكذا في السواك والكراهية أظهر.

ص: 434


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 34 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 51 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.

أقول : قال المفيد والسيد المرتضى وابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس بتحريم الحجامة لغير ضرورة ، واختاره العلامة في المختلف لرواية الصيقل (1) ، ولأنه أحوط.

وقال الشيخ في الخلاف وابن حمزة : إنه مكروه للأصل.

وللشيخ قولان في دلك الجسد ، والسواك المفضي إلى الإدماء ، أحدهما : الكراهة للأصل ، والآخر : التحريم.

قال رحمه اللّه : ويجوز قلع شجر الفواكه والإذخر والنخل وعودي المحالة على رواية.

أقول : المحالة هي البكرة العظيمة التي يستقون عليها للإبل ، فمع الاحتياج إلى ذلك يجوز قطع العودين لتنصب عليهما البكرة ، لما رواه زرارة (2) ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنه رخص فيهما.

قال رحمه اللّه : ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : تحريم لبس السلاح لغير ضرورة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال أبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، والمستند الروايات (3).

وقيل : إنه مكروه ، للأصل ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : والنقاب للمرأة على تردد.

أقول : منشؤه من وجوب كشف الوجه ولا يتم الا بترك النقاب ، وما لا

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 62 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 87 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب تروك الإحرام.

يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وفي رواية معاوية : «لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة» (1).

ومن أصالة الجواز وحمل الرواية على الكراهة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : من دخلها لقتال جاز ، أن يدخل محلا كما دخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الفتح وعليه المغفر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب أن من دخل لقتال مباح لا يجب عليه الإحرام ، لا أعلم فيه خلافا ، ولا أجد قائلا بوجوب الإحرام عليه.

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 48 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.

في الوقوف

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا أو وقف بها ليلا ثمَّ لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.

أقول : التحقيق أن الوقوف ينقسم بالنسبة إلى الاختياريين والاضطراريين ، والاختياري وحده ، والاضطراري وحده ، واختياري عرفة ، واضطراري المشعر وبالعكس ، ثمانية أقسام :

الأول : لا خلاف في الإجزاء مع إدراك الاختياريتين.

الثاني : اختياري عرفة وحده ، والمعتمد الإجزاء ، وخرج العلامة وجها بعدم الإجزاء ، ولعله نظر إلى قول الصادق عليه السلام : «والوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة» (1) ، وهو محمول على ثبوته بالسنة لحصول الإجماع على وجوب الوقوف بعرفة.

الثالث : اختياري المشعر وحده ، وهو مجزي إجماعا.

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 19 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، حديث 14.

الرابع : الاضطراريان ، ذهب المفيد إلى الاجزاء بهما ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار ، وقيل : بالمنع لرواية محمد بن سنان (1) ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

الخامس : اختياري عرفة واضطراري المشعر ، وهو مجزي أيضا.

السادس : العكس ، يجزئ أيضا.

السابع : اضطراري المشعر وحده ، يجزئ عند محمد بن بابويه وابن الجنيد ، والمعتمد عدم الإجزاء.

الثامن : اضطراري عرفة وحده ، وهو لا يجزي إجماعا.

فروع :

الأول : الركن من الوقوف مقدار النية لا غير ، وما عداه واجب غير ركن ، ولهذا لو خرج (2) منها بعد النية لم يبطل حجه وكان عليه بدنة ، ولو خرج قبلها عامدا بطل حجه ، ويجوز إيقاع النية في جميع الحالات ماشيا وقاعدا وراكبا.

الثاني : قصد الوقوف بعرفة يستلزم معرفتها ، فلو مر بها وهو لا يعرفها ، أو سارت به دابته نائما لم يجز.

الثالث : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي العقدة فوقف الناس تاسع ذي الحجة ، ثمَّ قامت البينة أنه العاشر ، احتمل الإجزاء دفعا لمشقة العود ، واحتمال أن يحصل مثله في القابل ولقوله عليه السلام «حجكم يوم

ص: 438


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث 4.
2- في «م» : أخرج.

يحجون» (1) ، ويحتمل عدم الاجزاء ، لقوله عليه السلام : «الحج عرفة» (2) ، ولم يحصل الوقوف بها فيفوت الحج.

الرابع : لو وقفوا يوم التروية غلطا في العدد كان احتمال عدم الإجزاء أقوى ، والفرق : أن نسيان عدد الشهر لا يتصور من الحجيج فلا يعذرون في ذلك ، لأنهم فرطوا ، ولا يحتمل تصور ذلك في القضاء.

الخامس : لو شهد واحد فما زاد برؤية هلال ذي الحجة فرد الحاكم شهادتهم ، وقفوا اليوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس العاشر عندهم.

السادس : لو غلطوا في المكان فوقفوا في غير عرفة لم يجز.

قال رحمه اللّه : ولو نوى الوقوف ثمَّ نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه ، وقيل : لا ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : المواضع التي يجب أن يكون الإنسان فيها مفيقا حتى تجزيه أربعة : الإحرام والوقوف بالموقفين والطواف والسعي ، وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء ، وكذلك طواف النساء ، وكذا حكم النوم ، قال : والأولى أن يقول : ويصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر ، قال ابن إدريس : هذا غير واضح ولا بد من نية الوقوف بغير خلاف ، قال : والأولى عندي أنه لا يصح منه شي ء من العبادات والمناسك إذا كان مجنونا ، لأن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : «الاعمال بالنيّات» (3) ، والمجنون لا إرادة له ، والمعتمد ما اختاره المصنف ،

ص: 439


1- الدروس الشرعية 1 : 420.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب إحرام الحج ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 6.

أنه (1) إذا نوى حالة الإفاقة ثمَّ نام ، أو جن أو أغمي عليه أجزأ ، لأن الواجب الكون مع النية وقد حصل ، ولا يجب استمرار الإفاقة في جميع الوقت.

قال رحمه اللّه : وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ، فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات وجبره بشاة.

أقول : مبنى هذه المسئلة على أن الوقوف بالمشعر ليلا وقت المضطرين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن العليل والمريض وخائف الزحام يجوز لهم الخروج من المشعر قبل طلوع الفجر ، وظاهر ابن إدريس عدم كون الليل وقتا ، وحكم ببطلان حج من أفاض قبل طلوع الفجر وإن وقف ليلا ، قال : لأن الوقوف في وقته ركن من أركان الحج إجماعا ، ولا خلاف أن من أخلّ بركن عامدا بطل حجه.

والمشهور عدم البطلان وهو المعتمد ، لأنه أتى بالمأمور به وهو ذكر اللّه تعالى عند المشعر الحرام لقوله تعالى ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (2) ، وإن عنى ابن إدريس بالركن الذي يبطل الحج بالإخلال به عمدا الوقت الاختياري خاصة فهو ممنوع ، وإن عنى به الاختياري والاضطراري فقد أتى بأحدها ، فلا يكون قد أخلّ بالركن.

قال رحمه اللّه : وقيل : يستحب الصعود على قزح ، وذكر اللّه عليه.

أقول : القائل بذلك الشيخ وتبعه الباقون ، ولما لم يظفر المصنف بسنده من الروايات قال : (وقيل) ، كما جرت عادته في هذا الكتاب. وقزح جبل صغير بالمشعر وعليه مسجد اليوم.

ص: 440


1- في «ن» : لأنه.
2- البقرة : 198.

قال رحمه اللّه : وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف.

أقول : المشهور عند المتأخرين من الأصحاب منع إخراج الحصى من سائر المسجد ، لعموم (1) المنع من إخراج الحصى من المسجد ، ولم يرد الأمر من الشارع بالإباحة ولم يستثن قدماء الأصحاب عدا المسجدين لأصالة الإباحة ، وعدم ورود الأحاديث بالمنع من غيرهما.

ص: 441


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 26 من أحكام المساجد.

ص: 442

في نزول منى

قال رحمه اللّه : ولا يجزي واحد في الواجب إلا عن واحد ، : وقيل : يجزي مع الضرورة وعن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد ، والأول أشبه ، ويجوز ذلك في الندب.

أقول : القول بالإجزاء عن أكثر من واحد عند الضرورة ، مذهب المفيد والقاضي وأكثر المتقدمين ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال علي بن بابويه يجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت واحد ، وبه قال سلار ، وقال الشيخ في الخلاف لا يجزي الواحد إلا عن واحد ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، وهو المعتمد ، ومع العجز ينتقل إلى الصيام ، والمراد بالندب الأضحية لا الحج المندوب ، لأنه يصير واجبا بالشروع ، ولا فرق في الأضحية بين الاختيار والاضطرار ، ولا بين منى وغيرها من الأمصار ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : والوقوف بعرفات المستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد ، وتبرك في سواد وتمشي في مثله ، أي يكون لها ظل تمشي فيه ، وقيل : أن تكون هذه

ص: 443


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب الذبح.

المواضع منها سودا ، وأن تكون مما عرف به.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تفسير هذه الصفات ثلاثة أقوال :

الأول : أن يكون هذه المواضع منها سواد ، وهو قول ابن إدريس ، قال : وقال أهل التأويل : أن يكون من عظمه وشحمه ينظر في شحم ويمشي فيه ويبرك في ظل شحمه.

الثاني : أن يكون قد رعى ومشى وبرك في الخضرة فسمن لذلك.

الثالث : أن يكون سمينا ، كما نقله ابن إدريس عن أهل التأويل ، واختاره العلامة ، لأنه أنفع للفقراء ، وقال الراوندي : والثلاثة مروية (1) عن أهل البيت عليهم السلام وفي رواية : «ويبعر في سواد» (2).

الثانية : أن يكون قد حضر عرفات سواء كان الذي أحضره مشتريه أو بائعه ، ويكفي فيه قول البائع ، وقال ابن حمزة بوجوب الصفتين ، أعني السمن والتعريف ، لقول الصادق عليه السلام : «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد» (3) ، وروى أبو بصير عنه عليه السلام «انه ما كان يضحي إلا بما عرّف به» (4) ، والمشهور الاستحباب.

قال رحمه اللّه : وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر.

أقول : الوجوب مذهب ابن إدريس للآية ، واختاره العلامة وأبو

ص: 444


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب الذبح.
2- المصدر المتقدم ، حديث 6.
3- نفس المصدر ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب الذبح ، حديث 2.

العباس ، وهو المعتمد وظاهر الشيخ والتقي الاستحباب.

تنبيه : وعلى القول بوجوب الأكل يجزي أقل ما يكون ولو قطعة من كبده ، ولو أخل به فعل حراما ولا ضمان ، ولا يكفي في الصدقة والإهداء أقل من الثلاثين ، ولو أخل بهما أو بأحدهما ضمن إن أكله ، أو تلف بتفريط منه ، ومع عدم التفريط لا ضمان.

قال رحمه اللّه : ومن فقد الهدي ووجد ثمنه ، قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو الأشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابني بابويه ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد ، لأن واجد الثمن كواجد الهدي ووقته باق وهو ذي الحجة ، فإن وجده في ذي الحجة ، وإلا اشتراه في القابل في ذي الحجة وذبحه ، وعليه دلّت رواية (1) حريز.

والثاني مذهب ابن إدريس والحسن بن ابي عقيل ، واختاره المصنف هنا ، احتج ابن إدريس بأن اللّه تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي الا إلى الصوم (2) ، ولم يجعل واسطة ، فمن أثبتها فعليه الدلالة.

قال رحمه اللّه : وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ، ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح.

أقول : المعتمد عدم وجوب التتابع في السبعة ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة براءة الذمة عن وجوب التتابع ، وللأخبار (3) الدالة على عدم وجوبه.

ص: 445


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 44 من أبواب الذبح ، حديث 1.
2- البقرة : 196.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 55 من أبواب الذبح ، حديث 1.

وقال أبو الصلاح بوجوب الموالاة ، لأن الأمر يقتضي الفور ، ولأنه أحوط.

قال رحمه اللّه : ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم ، وجب ان يصوم وليّه عنه الثلاثة دون السبعة ، وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : من مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون العشرة ، وهو قول ابن حمزة ، وقال ابن إدريس بوجوب قضاء ما يتمكن الميت منه ولم يقضه.

وقال أبو العباس في محررة : ولو مات من وجب عليه الصوم صام الولي عنه ما عليه ، قال : ولا يراعى في وجوبها وصول بلده ولا تمكنه من صيامها ، لأنها بدل النسك.

فإن كان مراده في وجوبها على الميت دون وجوب القضاء على الولي فهو مسلم ، لكنه كلام موهم ، لأنه في سياقه بحث وجوب القضاء على الولي ، ومع إيهامه فهو خال عن الفائدة لسقوط التكليف عن الميت ، وعدم مخاطبة الولي بما وجب على ميته ، فلا فائدة في تحقيق سبب الوجوب.

وإن كان مراده في الوجوب على الولي ، فهو خلاف فتاوي الأصحاب ، أو معظم فتاويهم التي تدل على وجوب القضاء على الولي مقيدة بتمكن الميت من الصوم ، ولم يصم ، ولم أجد في فتاويهم ما يساعده غير ظاهر القواعد ، ولا دلالة فيه على عدم التمكن ، لأنه قال : ولو مات من يجب عليه الصوم قبله صام الولي عنه العشرة وجوبا على رأي وإن لم يصل بلده ، وعدم الوصول إلى البلد لا يدل على عدم التمكن بمضي زمان كان يمكنه فيه إيقاع الصوم.

قال فخر الدين : المدعى ان من وجب عليه الصوم بدل الهدي وتمكن من صوم العشرة ولم يفعل ثمَّ مات وجب على الولي قضاء العشرة. وقال في

ص: 446

التحرير : ولو لم يتمكن من صيام السبعة أو بعضها وجب على الولي قضاء ما تمكن الميت من فعله ولم يفعله ، واستحب له قضاء الباقي.

وقال في الدروس : ولو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة ، لرواية معاوية بن عمار ، وخص الشيخ الوجوب بالثلاثة وأكثر فتاويهم على هذا المنوال ، ولعله رحمه اللّه نظر إلى إطلاق رواية معاوية بن عمار ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام «قال : من مات ولم يكن له هدي فليصم عنه وليه» (1) والرواية وان كانت مطلقة فالفتاوي مقيدة ، ولكن هو أعلم بما قال ، وهو أكرم أن يقول لا عن علم.

ص: 447


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 48 من أبواب الذبح ، حديث 1.

ص: 448

في الحلق والتقصير

قال رحمه اللّه : ويتأكد في حق الضرورة ومن لبّد شعره ، وقيل : لا يجزيه إلا الحلق ، والأول أظهر.

أقول : التخيير بين الحلق والتقصير مطلقا مذهب الشيخ في أحد قوليه وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (1) والجمع غير مراد فتعين التخيير.

وقال الشيخ في النهاية : لا تجزي الصرورة والملبّد إلا الحلق ، لرواية أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على وجوب الحلق للصرورة ، ورواية معاوية بن عمار (3) الدالة على وجوب الحلق على الملبد.

تنبيه : تلبيد الشعر أن يأخذ عسلا وصمغا ويجعله على رأسه لئلا يقمل ،

ص: 449


1- الفتح : 27.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 7 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 5.
3- المصدر المتقدم ، حديث 1.

والحلق أفضل مطلقا ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم «قال : رحم اللّه المحلقين ثلاثا ، ثمَّ قال : والمقصرين مرة» (1).

وزيادة الترحم تدل على الأولوية.

قال رحمه اللّه : ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي ، فلو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء ، وعليه اعادة الطواف على الأظهر.

أقول : عدم وجوب إعادة الطواف على الناسي مذهب محمد بن بابويه ، رواه فيمن لا يحضره الفقيه عن جميل بن دراج (2) ، وقال الشيخ : إن فعل ذلك عمدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء وكان عليه إعادة الطواف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه طاف على غير ما أمر به فيبقى في عهدة التكليف ، ولرواية علي بن يقطين (3) الدالة على وجوب إعادة الطواف.

والعامد يجب عليه الدم دون إعادة الطواف.

قال رحمه اللّه : ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه.

أقول : هل إمرار الموسى واجب أو ندب؟ نقل الشيخ في الخلاف الإجماع على استحبابه ، واستشكله العلامة في التحرير ، وأصل الفتوى : «إن رجلا من خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتي الصادق عليه السلام فأمر أن يلبى عنه ويمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك

ص: 450


1- نفس المصدر ، حديث 13.
2- الفقيه 2 : 301 ، والوسائل ، كتاب الحج ، باب 39 من أبواب الذبح ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 4 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 1.

يجزي عنه» (1) ، ولا اشكال أن الأمر للوجوب ، ولأن الاجزاء إنما يستعمل في الوجوب ، وقوله عليه السلام يدل عليه لقوله : «فإن ذلك يجزي عنه».

ومن أن الحلق انما يكون للشعر ، فمع عدمه يسقط لفوات محله فيكون إمرار الموسى مستحبا (2) ، وهو أقوى.

ص: 451


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 11 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 3.
2- في «ن» بزيادة : وهو يجزي عنه.

ص: 452

في الطواف

اشارة

قال رحمه اللّه : الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الأظهر ، وفي النافلة مكروهة.

أقول : مراده بالزيادة هنا القران بين طوافين من غير أن يفصل بينهما بصلاة ، ولا بظن ظان أن مراده بالزيادة غير هذا المعنى ، لأن تعمد الزيادة على غير هذا المعنى مبطل إجماعا ، قال في المختصر : والقران مبطل في الفريضة على أشهر الروايتين.

قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره بعد تفسير معنى القران : وهل هو محرّم أو مكروه؟ بالأول قال الشيخ والمصنف في كتابيه ، يعني المختصر والشرائع ، وهو لم يذكر القران في الشرائع في غير هذه المسئلة ، فدل على أن مراد أبي العباس في اختيار المصنف في الشرائع تحريم القران هذه المسئلة.

إذا عرفت هذا فالتحريم مذهب الشيخ والمصنف والعلامة ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه شديد الكراهية ، وحجة الأولى الروايات (1) الدالة على

ص: 453


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 30 من أبواب الطواف.

مطلوبهم ، وحجة ابن إدريس الأصل ، وصحيحة زرارة (1). والمعتمد التحريم.

قال رحمه اللّه : واستلام الحجر على الأصح.

أقول : المشهور الاستحباب لأصالة البراءة ، وقال سلّار بالوجوب.

قال رحمه اللّه : وان يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله على سكينة ووقار مقتصدا في مشيه ، وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.

أقول : المشهور الأول ، وهو الاقتصاد في المشي لا إسراع ولا إبطاء ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو العباس وابن إدريس وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، واختاره العلامة.

وقال في المبسوط : يستحب ان يرمل ثلاثا ويمشي أربعا ، هذا في طواف القدوم فحسب اقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، لأنه كذلك فعل ، رواه جعفر بن محمد عليهما السلام (2).

تنبيه : الرمل هو الإسراع بالمشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ، ويسمى الخبب.

والمراد بالطواف المسنون استحباب الرمل فيه على الخلاف هو طواف القدوم ، فلا رمل في طواف النساء والوداع إجماعا ، ولا في طواف حج التمتع ولا المفرد إذا كان قد دخل مكة أولا ، ولو لم يدخل مكة حتى وقف رمل في طواف الحج ، لأنه قادم الآن ، ولا فرق في طواف القدوم بين أن يكون واجبا أو ندبا ، ولا بين أن يكون عقيبه سعي كطواف العمرة المتمتع بها وطواف المفرد الذي

ص: 454


1- المصدر السابق ، حديث 7.
2- المبسوط 1 : 356. والرواية في المستدرك 9 : 2. حديث 2.

لا يدخل مكة إلا بعد الوقوف ، أو لا يكون عقيبه سعي كطواف المفرد إذا دخل مكة قبل الوقوف فطاف بها ندبا.

فروع :

الأول : على القول باستحباب الرمل ، لو أدّى إلى أذاه أو أذى غيره ترك قطعا ، ولو أدى إلى مخالطة النساء ترك أيضا خوف الافتتان.

الثاني : لو تعذر الرمل في موضع من الطواف (1) رمل في غيره ، ولو احتاج إلى التباعد عن البيت ففي ترجيحه تحصيلا للرمل على التداني من البيت نظر ، من حيث أن الرمل فضيلة متعلقة بموضع العبادة ، ومراعاة ما تعلق بنفسها أولى من مراعاة ما تعلق بموضعها ، ومن وقوع الخلاف في الرمل دون القرب من البيت ، فيكون مراعاة المجمع عليه أولى من مراعاة المختلف فيه.

الثالث : لو كان محمولا رمل الحامل به إذا لم يؤد الى أذى أحدهما.

الرابع : لا رمل على النساء ولا الخنثى ولا المريض.

الخامس : لو ترك الرمل في شوط أتى به في شوطين ، ولو تركه في شوطين أتى به في الثالث ، ولو تركه في الثلاثة فات محله ولم يأت به فيما بعده.

قال رحمه اللّه : من نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع ، قيل : عليه بدنة والرجوع إلى مكة ، وقيل : لا كفارة عليه ، وهو الأصح ، ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر.

أقول : وجوب الكفارة مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : لا كفارة إلا على من واقع بعد الذكر ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، أما وجوب العود مع القدرة فمجمع عليه ، لأن طواف الزيارة ركن ، ومن ترك

ص: 455


1- في هامش «ن» و «ي 1» : المطاف.

ركنا نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه.

تنبيه : الفرق بين الركن والفعل في الحج أن الركن يبطل الحج بتركه عمدا ، وإن تركه نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه. وفسر التعذر هنا بمعنيين ، أحدهما : المشقة الكثيرة ، والثاني : تعذر الاستطاعة المعهودة.

وأما الفعل فإن تركه نسيانا جاز الاستنابة فيه وإن قدر على الإتيان به بنفسه ، وان تركه عامدا لم يبطل حجه إذا لم يترتب عليه ركن ، كطواف النساء أو رمي الجمار ، وإن ترتب عليه ركن بطل حجه من حيث ترك الركن ، لأن الركن المترتب على الفعل المتروك عمدا كلا فعل كركعتي الطواف إذا تركهما عمدا لا يبطل حجه من حيث تركهما ، لأنهما فعل ، فإذا سعى بعد تركهما عامدا وقع سعيه باطلا ، فإذا استمر ولم يتدارك صلاة الطواف والسعي بطل حجه لا من حيث تعمد ترك الصلاة ، بل من حيث بطلان الركن المترتب عليهما ، فهذا فرق بين الركن والفعل.

وأركان الحج والعمرة أربعة عشر ، ستة للعمرة وهي النية ، والإحرام بالعمرة ، والتلبيات الأربع ، والطواف ، والسعي ، والترتيب بين هذه الأفعال ، وهذه أركان في الحج ، ويزيد على العمرة ركنان : الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر.

وأفعال عمرة التمتع ثلاثة ، لبس ثوبي الإحرام ، وصلاة الطواف ، والتقصير ، وتزيد المفردة طواف النساء وركعتاه.

وأفعال الحج تسعة ، لبس ثوبي الإحرام ، ومناسك منى ثلاثة ، وهي : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، وركعتا طواف الزيارة ،

ص: 456

وطواف النساء ، وركعتاه ، والمبيت بمنى ليالي التشريق ، ورمي الجمرات الثلاث.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة ، ومنهم من خصّ ذلك بطواف العمرة ، نظرا إلى تحريم تغطية الرأس.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في النهاية ، والكراهة مذهبه في المبسوط ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه في طواف الحج حرام في طواف العمرة ، واختاره العلامة ، لأن تغطية الرأس في طواف العمرة حرام ، وفي طواف الحج جائز على كراهية.

وهذا حكم عام في البرطلّة وغيرها ، فإن كل تغطية فهي محرمة في طواف العمرة مكروهة في طواف الحج ، فلا فائدة في التخصيص بالبرطلّة ، ويلزم من التخصيص بالنسكين جوازه في غيرهما.

والظاهر أن طواف العمرة خارج عن هذا البحث للإجماع على تحريم تغطية الرأس فيه بكل ساتر.

يبقى البحث في طواف الحج أو مطلق الطواف وإن كان مندوبا ، ويكون على الكراهية الشديدة لما في لبسها من التشبه باليهود ، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم (1) ، ولهذا يكره لبس السواد ، لأنه لباس فرعون (2) ، وروى الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن يزيد بن خليفة ، قال : «رآني أبو عبد اللّه عليه السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة ، فقال لي بعد ذلك : فقد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة فلا تلبسها حول الكعبة ، فإنها من زي اليهود» (3) فيكون شدة كراهة لبسها لهذه العلة.

ص: 457


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 من أبواب لباس المصلي ، حديث 8.
2- نفس المصدر ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 67 من أبواب الطواف ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : من نذر أن يطوف على أربع ، قيل : يجب عليه طوافان وقيل : لا ينعقد النذر ، وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : انعقاد النذر ويجب طوافان ، أحدهما ليديه ، والآخر لرجليه ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه محتجا برواية السكوني (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثاني : بطلان النذر من رأس ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه لم يتقيد بصورة هذا النذر ، فكأنه نذر صورة غير مشروعة ، فيقع باطلا.

الثالث : بطلان النذر إن كان الناذر رجلا ، وصحته إن كان امرأة وقوفا على موضع النص (2).

ص: 458


1- الباب 70 من المصدر المتقدم حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 1 و 2.

في السعي

قال رحمه اللّه : ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم ، فأحل وواقع النساء ثمَّ ذكر ما نقص ، كان عليه دم بقرة على رواية ، ويتم النقصان ، وكذا قيل : لو قلّم أظفاره ، أو قصّ شعره.

أقول : العمل بمضمون الرواية (1) مذهب الشيخ في أحد قوليه ، وابن إدريس في أحد قوليه أيضا ، وهو مذهب العلامة وفخر الدين وأبي العباس ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في باب الكفارات من النهاية : لا كفارة عليه لأصالة براءة الذمة ، وهذا الحكم مختص بعمرة التمتع على ما تضمنته رواية سعيد بن يسار (2) ، فالحج لا يتأتى فيه ذلك لحلقه قبل السعي بمنى ، فلا يحرم عليه القلم ، والمفردة لم يرد النص فيها بشي ء ، فينبغي ان يرجع فيها إلى القواعد الممهدة ، ولا شك أن مواطن التحلل في المفردة إتيان الحلق أو التقصير بعد السعي ، ويحل به ما عدا النساء وطواف النساء بعد الحلق ، ويحللن به ، فإذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعة في المفردة كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي ،

ص: 459


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب السعي ، حديث 2.
2- لاحظ الباب السابق من المصدر المتقدم.

وان ذكر النقص بعد قلم الأظفار كان عليه في كل أظفر مد ، فإن قلم أظفار يديه أجمع كان عليه فيها شاة ، وإن قلم أظفار رجليه أيضا واتحد المجلس اجتزأ بالشاة ، وإلا فشاتان.

وأما عمرة التمتع : فاختصت بالنص في وجوب البقرة. وخالفت هذه الرواية الأصول الممهدة من أربعة وجوه :

الأول : عدم إعذار الناسي ، وهو خلاف فتاوي الأصحاب ، بإسقاط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد.

الثاني : أن مع الجماع يجب بقرة ، والواجب فيه مع العمد وفي غير هذا الموضع بدنة.

الثالث : وجوب البقرة في تقليم الأظفار ، والواجب في جميعها وفي غير هذا الموضع شاة.

الرابع : مساواة الجماع لتقليم الأظفار في الكفارة.

لكن يجب ترك الاعتراض (1) ، واتباع النقل عن أهل البيت عليهم السلام ، لأن قوانين الشرع لا يضبطها العقل ، ولا يستقل بعللها ، فيرجع إلى النقل عنهم عليهم السلام.

ص: 460


1- في «ن» و «ر 2» : الاعراض.

في الأحكام المتعلقة

بمنى قال رحمه اللّه : فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة أو يخرج من منى بعد نصف الليل ، وقيل : بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر ، وقيل : لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه ، وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو لم يتق الصيد والنساء.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ، وقال الشيخ في التبيان باستحبابه ، وهو نادر.

وحدّ المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل ، فلو خرج بعده لم يكن عليه شي ء ، وهل يجب عليه تأخير الدخول إلى مكة حتى يطلع الفجر؟.

قال الشيخ : نعم ، والمشهور عدم الوجوب ، بل هو مخير إن شاء دخل مكة ، وإن شاء بات بقية ليلته بغير مكة وغير منى ، ولا يجب في المبيت بمنى غير النية ، وإذا بات بغير منى لا يخلو : إما أن يبيت بمكة أو غيرها.

الأول : أن يبيت بغير مكة ، وهذا لا يخلو : إما ان يكون متقيا ، أو غير متق ، فإن كان متقيا وكان خروجه من منى قبل غروب الشمس وجب عليه

ص: 461

شاتان ، وإن لم يكن متقيا ، أو كان خروجه منها بعد الغروب لزمه ثلاث شياه.

هذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف وابن إدريس بوجوب الثلاث ، ولم يفصلوا ، ووجوب الكفارة عن الليلة الثالثة عند القائل به من غير تفصيل مترتب على الإخلال بالليلتين السابقتين ، أما لو بات بها ليلتين وبات الثالثة في غيرها ، وكان متقيا ، وخرج منها قبل الغروب لم يلزمه شي ء إجماعا لجواز نفور المتقي يوم الثاني عشر.

الثاني : أن يبيت بمكة ، ولا يخلو : إما أن يبيت مشتغلا بالعبادة ، أو غير مشتغل ، فإن كان الثاني وجبت الكفارة أيضا ، وإن كان الأول لم يجب.

تنبيه : إذا جاز مبيته بمكة للعبادة ، جاز خروجه من منى إليها وإن كان بعد غروب الشمس ، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء ، أو شرب ، أو نوم يغلب عليه لا يمكنه دفعه.

ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى - وهو أن يتجاوز نصف الليل متعبدا - ثمَّ له الترك بعد ذلك ، لأن مبيته بمكة مشتغلا بالعبادة عوض المبيت بمنى ، والواجب المبيت بها إلى بعد نصف الليل ، فيكون حكم العوض - وهو الاشتغال بالعبادة - حكم المعوض ، وهو قريب.

ولا فرق بين أن تكون العبادة واجبة أو مستحبة ، والعبادة أعم من أن تكون طوافا ، أو صلاة ، أو قراءة قرآن أو دعاء ، أو تسبيحا ، بأي شي ء أتى من هذه الأقسام خرج من العهدة ، لكن المبيت بمنى أفضل وإن لم يتعبد ، لأنها دار الضيافة والقوم أضياف اللّه تعالى ، وللخروج عن الخلاف ، لأن ابن إدريس أوجب الكفارة على من بات بمكة وإن كان مشتغلا بالعبادة.

ص: 462

قال رحمه اللّه : والتكبير بمنى مستحب ، وقيل : واجب ، وصورته : اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، اللّه أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.

أقول : الوجوب مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، والمشهور الاستحباب للأصل.

احتج الموجب بقوله تعالى ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (1) ، والمراد به التكبير لرواية محمد بن مسلم الحسنة ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن قول اللّه تعالى ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : التكبير في أيام التشريق» (2).

قال رحمه اللّه : يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة ، وقيل : يحرم والأول أصح.

أقول : التحريم مذهب الشيخ وابن البرّاج لقوله تعالى ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (3) ، والخلاف هنا مبني على تفسير المسجد الحرام ، هل هو مجموع مكة ، أو المسجد نفسه؟ قيل بالأول لقوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (4) ، وكان الإسراء من دار أم هاني ، وهي خارجة عن المسجد نفسه ، فدلّ على أن جميع مكة مسجد ، ولقوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَالْمَسْجِدِ

ص: 463


1- البقرة : 103.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 من أبواب العود إلى منى ، حديث 4.
3- الحج : 25.
4- الاسراء : 1 ، وفي مجمع البيان أن الاسراء كان من دار أم هاني.

الْحَرامِ ) (1) ، وكان صد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن مكة ، وأجيب بأن تسمية مكة بالمسجد مجاز للحرمة والشرف ، والضمير الراجع إلى المسجد الحرام حقيقة ، فعلى الأول يحرم المنع ، وعلى الثاني - وهو أن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد نفسه - يكره المنع لقوله عليه السلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (2) ، وقد قال اللّه تعالى ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) (3) ، أضاف الديار إليهم ، والمفهوم من الإضافة الملك ، فإن الإضافة قد تكون للملك ، وقد تكون لغيره ، ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ ، لتعظيم الكعبة شرفها اللّه تعالى ، ولقول أبي جعفر عليه السلام : «لا ينبغي لأحد رفع بناء فوق الكعبة» (4) ، وهو يحتمل الوجوب والاستحباب ، وقضية الاحتياط حمله على الوجوب ، والقائل بالكراهية حمله على الاستحباب ، لأصالة الجواز.

ص: 464


1- الحج : 25 ، وفي كنز الدقائق ان سبب نزول الآية هو صدّ قريش للنبي صلى اللّه عليه وآله عن مكّة.
2- عوالي اللئالي 1 : 222.
3- الحج : 40.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب مقدمات الطواف ، حديث 1.

في الإحصار والصد

قال رحمه اللّه : ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ، ثمَّ يتحلل بعمرة.

أقول : معناه : إذا كان له طريق غير موضع الصد ، وكان معه نفقة تكفيه وجب عليه سلوكها ، ولم يجز له التحلل ، سواء بعدت أو قربت ، خاف الفوات مع سلوك تلك الطريق أو لم يخف ، لأنه إنما يجوز له التحلل بالصد لا بخوف الفوات ، وهو غير مصدود عن الأبعد فيمضي في إحرامه ، فإن كان محرما بعمرة لم تفت ، وأتى بها في وقت الإمكان لعدم تعينها بزمان ، وإن كان إحرامه بحج صبر حتى يتحقق الفوات ، ثمَّ يتحلل بعمرة ، كما قاله المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو كان ساق ، قيل : يفتقر إلى هدي التحلل ، وقيل : يكفيه ما ساقه ، وهو الأشبه.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور الذي عليه أكثر الأصحاب ، وهو الاكتفاء بهدي السياق عن هدي غيره للتحلل ، لأنه مملوك لم يخرج عنه بالسياق.

وقال ابن الجنيد : إن أوجبه لله بإشعار أو بغيره لم يجز عن هدي التحلل

ص: 465

ووجب غيره ، وظاهر المختلف ترجيحه ، وأوجب ابنا بابويه غيره مطلقا ، وبه قال ابن الجنيد (1).

وقال في القواعد بالإجزاء إن كان مندوبا ، وعدمه إن كان واجبا بنذر وشبهه ، واختاره أبو العباس ، وهو المعتمد ، لوجوب أحدهما بالنذر والآخر بالصد ، والأصل عدم التداخل.

قال رحمه اللّه : ويتحقق الصد بالمنع عن الموقفين ، وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة ، ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب الثلاث في الرمي.

أقول : هذه المسئلة لم يذكر المصنف فيها خلافا ولا ترددا ، ولكنها تفتقر إلى تبين أحكامها ، وتفصيل ما أجمل من كلامها ليسهل تناولها على من رامها ، فنقول : الصد قد يكون عن مكة قبل الموقفين ، وقد يكون عن الموقفين دون مكة ، وقد يكون عن أحد الموقفين دون الآخر ، وقد يكون عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وقد يكون عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، فالأقسام خمسة :

الأول : أن يكون الصد عن مكة قبل الموقفين ، وهذا مصدود بإجماع المسلمين.

الثاني : أن يكون الصد عن الموقفين دون مكة ، وهذا مصدود بإجماع الإمامية. وقال أحمد وأبو حنيفة : ليس له أن يتحلل.

الثالث : أن يكون الصد عن أحد الموقفين دون الآخر ، وهذا القسم حكم الشيخ بتحقق الصد فيه ، والمعتمد عدم جواز التحلل ، والاجتزاء بالآخر ، فإن صد عن أحدهما وفاته الآخر جاز التحلل ، فإن بقي على إحرامه

ص: 466


1- كذا في النسخ.

حتى فاته الموقفان معا تحلل بعمرة مفردة ولا دم عليه ، لفوات الحج بفوات الموقفين ، ويقضي من قابل مع الوجوب.

الرابع : أن يكون الصد عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وهذا لا يخلو : إما أن يكون قبل التحلل الأول بمناسك مني ، أو بعده.

فان كان قبله تحقق الصد وجاز له التحلل ، على ما اختاره الشهيد في دروسه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لكنه مخير بين التحلل والبقاء على الإحرام ، فإن تحلل كان عليه دم التحلل والحج من قابل ، وإن بقي على إحرامه ، فإن لحق أيام منى رمى وذبح وحلق وإلا أمر من ينوب عنه في ذلك ، فإن تمكن من الإتيان إلى مكة في طول ذي الحجة طاف وسعى وقد تمَّ حجه ، ولا قضاء عليه ، وإن هلّ المحرم قبل ان يطوف ويسعى كان عليه الحج من قابل ، لأنه لم يستوف أركان الحج من الطواف والسعي.

وإن كان الصد بعد التحلل بمناسك منى وقبل الطواف والسعي ، ذهب الشهيد في دروسه إلى عدم جواز التحلل ، وأوجب البقاء على الإحرام بالنسبة إلى الطيب والنساء ، والصيد لا غير ، حتى يأتي بباقي المناسك فإن أدرك الطواف والسعي في ذي الحجة وإلا كان عليه إعادة الحج من قابل ، لعدم استيفاء أركانه.

الخامس : أن يكون الصد عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، وهنا لا يتحقق الصد إجماعا ، لأنه قد استوفى جميع أركان الحج ، فقد تمَّ حجه ومناسك منى ، وهي : المبيت ، والرمي من الواجبات التي ليست بأركان ، وكان عليه أن يستنيب في الرمي خاصة.

قال رحمه اللّه : لو أفسد حجه فصدّ ، كان عليه بدنة ودم التحلل والحج

ص: 467

من قابل ، ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية.

أقول : في كلام المصنف هنا نظر من وجهين :

الأول : أنه يوهم التناقض ، لأنه قال : (لو أفسد فصد كان عليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل) ، وظاهره أن عليه حجا واحدا ، وهو بناء على أن الأولى عقوبة ، وهي تسقط بالتحلل منها ، وإلا لوجب عليه حجان. ثمَّ قال : (ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون باقية إلا على أحد وجهين :

إما على القول ، بأن الأولى حجة الإسلام ، أو على القول بأنها عقوبة ، وهي لا تسقط بالتحلل منها ، وعلى أحد هذين الوجهين يجب عليه مع عدم الإتيان بالحج في سنته حجان : حجة الإسلام وحجة العقوبة ، لأن حجة الإسلام لا تسقط بالتحلل إجماعا ، والفرض أن العقوبة لا تسقط أيضا ، فالجمع بين بقاء حجة العقوبة إذا قضى الحج لسنته ، وبين وجوب حج واحد إذا لم يقضه مناقضة بيّنة.

الثاني : في قوله : (وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون إلا على أحد الوجهين المذكورين ، وهو لم يذكر في هذه المسألة شيئا يدل دلالة ظاهرة على اختيار أحدهما ، بل ولا في غير هذه المسألة من هذا الكتاب المشروح ، والظاهر أن مراده في قوله : (وعلى ما قلناه) ، هو قوله : (وهو حج يقضى لسنته) ، لأنه لا يكون حجا يقضى لسنته إلا إذا كانت الأولى حجة الإسلام ، فيكون هذه المأتي بها قضاء لتلك الفاسدة ، فهو حج يقضى لسنته ، ولو قلنا : الأولى عقوبة ، فهذه حجة الإسلام فهو ليس حجا يقضى لسنته فقوله

ص: 468

(وهو حج يقضى لسنته) حكم بأن الأولى حجة الإسلام. ويترتب على القولين فوائد

الأولى : إذا قلنا إن الأولى حجة الإسلام ، والثانية عقوبة ، كانت نيته في الثانية : (أحرم بالحج الواجب علي بالإفساد) ، وهكذا.

الثانية : إذا نذر أن يحج العام حجة الإسلام ثمَّ أفسد ، فإن قلنا : الأولى حجة الإسلام ، فلا كفارة عليه ، ووجب القضاء خاصة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، كان عليه القضاء والكفارة ، لإخلاله بالنذر عمدا في العام المعين.

الثالثة : لو أفسد النائب ثمَّ مات قبل القضاء ، فان قلنا : الأولى حجة الإسلام ، استأجر ولي النائب من أصل تركته لإيقاع حج بسبب الإفساد ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، استأجر ولي المنوب عنه لإيقاع حجة الإسلام ، ثمَّ يرجع على تركة النائب بالأجرة التي أخذها النائب الميت ، سواء زادت عن الأجرة الثانية التي دفعها إلى النائب الثاني أو نقصت.

تنبيه : قال المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر : العبد إذا أعتق في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حجة الإسلام ، ولو كان العتق بعد الوقوف ، وقلنا : الأولى فرضه ، لم يجزه ، ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء ، وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام لصدق عتقه قبل الوقوف.

هذا كلامه ، وفيه غلط ظاهر في حكمين :

أحدهما قوله : (ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء) ، إذ لا خلاف في وجوب تقديم حجة الإسلام هنا على حجة القضاء ، وإنما الخلاف إذا قدم القضاء ، هل تجزي عن حجة الإسلام أو يقع باطلا؟ قال الشيخ : يجزي عن حجة الإسلام ، لأن الزمان متعين لها ، وقال أكثر الأصحاب : يقع باطلا ،

ص: 469

لأن القضاء منهي عنه قبل حجة الإسلام ، وحجة الإسلام غير منوية ، فلا يقع صحيحا للنهي عنه ، وهو المعتمد. وكيف يقدم القضاء وهو هنا واجب على التراخي وحجة الإسلام واجبة على الفور ، وإنما يجب القضاء على الفور ، إذا كان الأصل الذي أفسده واجبا على الفور ، والفرض هنا غير ذلك الحكم؟!

الثاني الذي فيه الغلط ، قوله : (وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام ، لصدق عتقه قبل الوقوف).

مراده أن عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء ، وقد قلنا : إن الثانية هي حجة الإسلام ، والأولى عقوبة ، وهو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام ، فتكون مجزية ، لعموم قولهم : «العبد إذا أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام» (1) ، وهذا يصدق عليه انه أعتق قبل الوقوف فيجزيه.

هذا وجه استدلاله رحمه اللّه ، وهو غلط ، لأن القضاء إنما يجزي عن حجة الإسلام على القولين في موضع لو سلمت من الإفساد لأجزأت عن حجة الإسلام ، وهذه لو سلمت من الإفساد لم تجزه عن حجة الإسلام ، لوقوع العتق بعد الموقفين ، ولأن القضاء قد صار واجبا عليه بسبب الإفساد ، فلا يجزي عن حجة الإسلام التي لا تجزي عنها الفاسدة على تقدير عدم إفسادها ، ولأنه لو حج الصرورة قبل الاستطاعة ندبا ثمَّ أفسد كان عليه الإتمام والقضاء ، ولو استطاع قبل القضاء لم يجز القضاء عن حجة الإسلام ، لأن الفاسدة لو سلمت لم تجز عن حجة الإسلام ، ولا أعلم كيف يخيل للمقداد رحمه اللّه هذا ، مع أن جميع مصنفات أصحابنا مصرحة بضد ما ذهب إليه رحمه اللّه.

قال ابن إدريس رحمه اللّه : وإن أحرم بإذن سيده فأفسد الحج لزمه القضاء ، وعلى سيده تمكينه منه ، وإذا أفسد العبد الحج ولزمه القضاء على ما

ص: 470


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب وجوبه وشرائطه.

قلناه فأعتقه السيد ، فلا يخلو أن يكون بعد الوقوف بالمشعر ، أو قبله ، فإن كان بعده ، كان عليه أن يتم هذه الحجة ، ويلزمه حجة الإسلام فيما بعد وحجة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام ، هذا قول ابن إدريس رحمه اللّه ، أوجب عليه حجة الإسلام وحجة القضاء معا إذا كان العتق بعد الوقوف ، مع ان مذهبه أن الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.

وقال العلامة في التحرير : لو أذن له مولاه فأحرم ، ثمَّ أفسد حجه ، وجب عليه إتمام الفاسد كالحر ، ويجب القضاء وإن كان رقيقا ، ولا يجب إجابة المولى في طلب الصبر إلى حين العتق ، ولو أحرم بغير إذن سيده ثمَّ أفسد لم يتعلق به حكم ، ولو أعتقه مولاه بعد إفساده ، فإن كان قبل فوات أحد الموقفين أتم حجه ، وقضى في القابل ، وأجزأ عن حجة الإسلام ، وان كان بعد الموقفين أتم حجه وقضى في القابل ، وعليه حجة الإسلام ، ويجزي القضاء عنها ، هذا كلام العلامة في التحرير مع أن مذهبه فيه كون الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.

وقال في القواعد والتذكرة كذلك ، ومثله قول الشهيد في الدروس ، وهذه العبارات كلها مصرحة بضد الحكمين اللذين ذكرهما بما لا يقبل التأويل ، وبغير اختلاف بين الأصحاب ، لكن السهو جائز على غير المعصوم ، والغلط متطرق اليه ، وإذا حصل مثل هذا الغلط الظاهر الذي لا يقبل التأويل من مثل هذا العالم المحقق ثبت أن غير المعصوم لا يوثق بقوله لاحتمال غلطه ، فقبّح اللّه كل من يقول : إن اللّه يكلف الخلق جميعا اتباع شخص ، ويوجب عليهم الأخذ بقوله وهو غير معصوم ، فنسأل اللّه تعالى العصمة من الزلل ، الموجب للخلل في القول والعمل.

قال رحمه اللّه : ولو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب ، سواء غلب على الظن

ص: 471

السلامة أو العطب ، ولو طلب مالا لم يجب بذله ، ولو قيل : بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.

أقول : العدو لا يخلو إما أن يكونوا مسلمين أو مشركين ، فإن كانوا مشركين جاز قتالهم ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنعه الشيخ لاشتراط إذن الامام عليه السلام في الجهاد ، وهو مدفوع ، لأن قتالهم من باب النهي عن المنكر ، لا من باب الجهاد ، وإن كانوا مسلمين فالأولى ترك قتالهم ، لكن لو فعلوه جاز لما قلناه من أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا مع ظن الظفر في الموضعين.

أما لو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان سقط الجواز في الموضعين ، ولو بدأوا بالقتال جاز دفاعهم مع المكنة في الموضعين ، فلو لبسوا جنة القتال من الجلباب ، والجواشن والمغافر والمخيط ، وجب عليهم الفدية ، ولو طلبوا مالا احتمل عدم الوجوب ، سواء قل أو كثر ، مشركين كانوا أو مسلمين ، فإنه من باب تحصيل الشرط ، وهو غير واجب ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وظاهر المصنف وجوب الدفع ما لم يجحف ، واختاره العلامة ، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به ، فيكون واجبا ، وكره العلامة دفعه مع الكثرة وإن لم يجحف إذا كانوا مشركين لما في ذلك من الصغار للمسلمين ، ولو لم يوثق بهم ، لم يجب الدفع مطلقا.

قال رحمه اللّه : والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل.

أقول : اختيار المصنف مذهب الشيخ في التهذيب ، لصحيحة معاوية (1) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره أبو العباس ، والأكثر على

ص: 472


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 1 من أبواب الإحصار والصد ، حديث 3.

الثاني ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في أقل ما يكون بين العمرتين ، وهو يأتي إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا. وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل.

أقول : عدم جواز الإتيان بغير ما خرج منه مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : يأتي بما شاء ، والمعتمد التفصيل ، وهو إن كان القران متعينا عليه ، بنذر وشبهه لم يجز العدول عنه إلى غيره ، وإلا كان مخيرا ، والأفضل أن يأتي بمثل ما خرج منه.

تنبيه : الصدّ والحصر بمعنى واحد ، وهو : المنع ، قال اللّه تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1) أي منعتم ، وخصص الفقهاء الصد :

بالمنع بالعدو ، والحصر : بالمنع بالمرض ، وإنما فرقوا بينهما مع الاتحاد في الآية ، للفرق بين أحكامهما ، إذ الفرق بين الحصر والصد يحصل من وجوه :

الأول : جواز التحلل للمصدود موضع الصد ، من غير تربص ، سواء شرط أم لم يشرط ، والمحصر لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله مع عدم الشرط إجماعا ، ومعه يتحلل في الحال ، على المختار.

الثاني : أن المصدود يحل من كل شي ء ، والمحصر لا يحل له النساء حتى يحج من قابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء ان كان ندبا.

الثالث : افتقار المحصر وقت المواعدة إلى التقصير قطعا ، والمصدود لا يفتقر على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وقيل : يفتقر ، وهو المعتمد.

ص: 473


1- البقرة : 196.

قال رحمه اللّه : وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ، ثمَّ يجتنب ما يجتنبه المحرم ، فإذا كان وقت المواعدة أحلّ ، لكن هذا لا يلبي ، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفّر استحبابا.

أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وعليه أكثر الأصحاب ، ومنع ابن إدريس جواز هذا الحكم ، وجعل الروايات (1) المتضمنة للجواز أخبار آحاد.

والمعتمد الجواز ، لأن الوارد في هذا الحكم أخبار كثيرة ، مشهورة بين الأصحاب ، منها ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب ، قال : فيواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أحل» (2) وقال الصادق عليه السلام : «ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ قيل له : ما يبلغ ذلك أموالنا ، قال : ما يقدر أحدكم إذا حج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية ، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح ، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ وأتى المسجد ، ولا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس؟» (3) ومنها : رواية عبد اللّه بن سنان (4) ، وغير ذلك من الروايات الدالة على مطلوبهم.

ص: 474


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب الإحصار والصد.
2- حديث 5 من المصدر السابق. وفيه : (يواعد) بدل : (فيواعد) كما في النسخ.
3- حديث 6 من المصدر السابق.
4- حديث 3 من المصدر السابق.

في أحكام الصيد

اشارة

قال رحمه اللّه : إلا الأسد ، فان على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف.

أقول : بمضمون الرواية (1) أفتى ابن بابويه وابن حمزة ، والأكثر ، على عدم وجوب الكفارة لأصالة البراءة ، ولرواية حريز (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لا كفارة فيما يتولد من وحشي وإنسي ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل : يراعى الاسم كان حسنا.

أقول : المشهور : مراعاة الاسم لورود النص (3) على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم ، وما لا فلا ، ومنع في المبسوط من الجزاء [في] مثل المتولد بين الوحشي والإنسي ، وكذا في المتولد بين ما يحرم قتله على المحرم وبين ما لا يحرم لأصالة براءة الذمة ، والمعتمد الأول

ص: 475


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 39 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 81 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1.
3- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، أبواب كفارات الصيد.

قال رحمه اللّه : وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطأ ، وفي قتله عمدا صدقة ولو كف من طعام.

أقول : منشأ التردد من مشاركته للسباع وللحية والعقرب في العلة المبيحة للقتل ، وهي : الخوف من الأذى ، لأنه من المؤذيات ، وقد أباح الشارع قتل المؤذيات (1) ، ومن ورود النص على أن من قتله عمدا أطعم شيئا من الطعام وروى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام ، «عن محرم قتل زنبورا؟ ، فقال : إن كان خطأ فلا شي ء ، وإن كان عمدا أطعم شيئا من الطعام» (2) ، والمصنف عوّل على هذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية.

أقول : جواز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهية مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره المصنف والشهيد للأصل ، ولما رواه عيص بن القاسم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء القماري يخرج من مكة أو المدينة ، قال : ما أحب أن يخرج منهما شيئا» (3) ، وهو يدل على الكراهية ، والمنع مذهب ابن إدريس ، واختاره فخر الدين لعموم (4) المنع من إخراج القماري.

قال رحمه اللّه : وفي فراخ النعامة روايتان ، إحداهما مثل ما في النعامة ، والأخرى من صغار الإبل ، وهو أشبه.

ص: 476


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 81 من أبواب تروك الإحرام.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 1 و 2.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 3. وفيه : (منها) بدل : (منهما).
4- المائدة : 996. راجع إيضاح الفوائد 1 : 4. وليراجع السرائر 1 : 560.

أقول : الأول : مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط للاحتياط ، لأن الفرخ يسمى باسم النوع فيثبت فيه ما يثبت في الكبير لتعلق الحكم بالاسم ، ولرواية أبان بن تغلب (1) الدالة على مطلوبه.

والمشهور الثاني ، وهو أن في الفرخ إبل في سنة لقوله تعالى ( مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2) ، ولأصالة البراءة عما زاد عن المثل.

قال رحمه اللّه : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي ، وقيل : فيه ما في الظبي.

أقول : لا خلاف في ان في كل واحد من الظبي والثعلب والأرنب شاة ، وإنما الخلاف في مساواة شاة الثعلب والأرنب لشاة الظبي في البدل عند فقد الشاة ، ذهب السيد والشيخ والمفيد إلى المساواة ، واختاره ابن إدريس وأبو العباس ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (3).

والحسن بن أبي عقيل وعلي بن بابويه لم يتعرضا لبدل الثعلب والأرنب ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين ، وإذا لم نقل بالمساواة رجعنا إلى عموم رواية معاوية بن عمار : «ان من كان عليه شاة ولم يجد أطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج» (4).

قال رحمه اللّه : والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ، وقيل : على الترتيب ، وهو الأظهر.

أقول : التخيير مذهب ابن إدريس نقله عن الشيخ في الجمل والخلاف ،

ص: 477


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 11.
2- المائدة : 95.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد.
4- حديث 3 من المصدر المتقدم.

والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وولده فخر الدين في شرحه ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي كسر بيض النعام إذا تحرك فيها الفرخ ، بكارة من الإبل.

أقول : قال ابن إدريس : لا يظن ظان أن البكارة الأنثى ، وإنما البكارة جمع بكرة بفتح الباء ، فأوجب الشارع في كل بيضة تحرك فيها الفرخ واحدا من هذا الجمع ، وقال : قال ابن الأعرابي في نوادره : بكار بلا هاء تثبت فيها للإناث ، وبكارة بإثبات الهاء للذكران ، وقال أبو عبيدة : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكارة : بمنزلة الفتاة ، والقلوص بمنزلة الجارية ، والبعير بمنزلة الإنسان ، والجمل : بمنزلة الرجل ، والناقة : بمنزلة المرأة.

قال رحمه اللّه : وفي كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم ، وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم ، وقيل : التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ، فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام.

أقول : ذهب العلامة في القواعد إلى اختيار المصنف هنا ، وهو : أن الواجب مع التحرك من صغار الغنم ، وهو قوي لأصالة البراءة من الزائد ، ولأن الشاة تجب في القطاة لا يساويها المتحرك من بيضها ، كما لا يتساوى النعام المتحرك من بيضها لقوله تعالى ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2)

ص: 478


1- الأحاديث 1 و 7 و 11 من المصدر المتقدم للترتيب ، وأما التخيير فدليله الآية (96) من سورة المائدة بضميمة الحديث الأول من الباب 14 من أبواب كيفية كفارات الإحرام.
2- المائدة : 95.

ووجوب المخاض من الغنم مذهب الشيخ ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (1).

والمراد بالمخاض : ما يصح أن يكون حاملا ، ولا يلزمه الحامل بل ما من شأنها ذلك ، وهذا مع تحرك الفرخ ، ومع عدمه يجب إرسال فحولة الغنم في إناث بعدد البيض ، ولا يجب تعدد الفحل ، بل لو أنزى فحلا واحدا على الجميع جاز ، وكذلك في الإبل.

وإن عجز عن الإرسال كان عليه إطعام عشرة مساكين عن كل بيضة ، فإن عجز صام عن كل بيضة ثلاثة أيام ، كما في بيض النعام ، هذا تفسير المتأخرين.

وقال ابن إدريس : معناه أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال ، وجب في كل بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما فصار حكمه حكمه ، ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه.

وهذا التفسير ضعيف ، لأن الشاة لا تجب مع القدرة على الإرسال ، فكيف يجب مع العجز عنه؟! والقطا إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال وجب في كل بيضة شاة مع العجز ، لأن حكم العجز الانتقال من الأقوى إلى الأضعف لا العكس ، فلو أوجبنا الشاة مع العجز عن الإرسال يكون قد نقلناه من الأضعف إلى الأقوى ، لأن الإرسال أضعف من الشاة في التكليف ، لأنه لا ثمن ولا قيمة عليه في الحال ، وربما لم يحصل النتاج فيما بعد ، فكان الإرسال أضعف ، فلا ينتقل من الأضعف إلى الأقوى مع العجز ، لأنه خلاف المعهود من الشرع ، فيتعين التفسير الأول ، وهو المعتمد.

ص: 479


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 25 من أبواب كفارات الصيد.

قال رحمه اللّه : الحمام ، وهو اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء ، وقيل : كل مطوّق.

أقول : قال الكسائي : الحمام كل مطوق ، وهو الذي فسره الشيخ في المبسوط ، وقال صاحب الصحاح : الحمام عند العرب ذوات الأطواق من الفواخت والقماري والقطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى ، وعند العامة : فهي الداوجن فقط ، وهو الذي يألف البيوت ، فعلى هذا التفسير لا يدخل القطا والوراشين ، بل يكون مختصا بالحمام الذي يهدر ويعب الماء.

والهدر : تواصل الصوت ، وعب الماء : شربه دفعة من غير أن يعطف كالدجاج ، بل يضع منقاره في الماء ويكرع كرع الشاة.

قال رحمه اللّه : في قتل الجرادة تمرة ، والأظهر كف من طعام ، وكذا في القملة يلقيها عن جسده.

أقول : وجب التمرة في الجرادة مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة. وخيّر في المبسوط بينها وبين كف من طعام ، وأوجب المفيد وعلم الهدى الكف من الطعام.

والأخبار (1) واردة بالطرفين معا ، فيحمل على التخيير جمعا بين الأدلة ، وأما القملة ففيها كف من طعام خاصة.

قال رحمه اللّه : وقيل : في البطة والإوزّة والكركي شاة ، وهو تحكم.

أقول : قال في المبسوط : البط والإوز والكركي يجب فيه شاة ، وهو الأحوط ، وان قلنا : فيه القيمة - لأنه لا نص فيه - كان جائزا.

ص: 480


1- المصدر المتقدم باب 37 من أبواب كفارات الصيد.

وقال ابن حمزة : في صيد الكركي شاة على رواية (1) ، وهو يدل على عدم الجزم ، وقال ابن بابويه بوجوب الشاة في كل طير عدا النعامة ، ويلزم منه وجوب الشاة في البطة والإوزة والكركي ، ومستنده رواية ابن سنان الصحيحة (2) ، عن الصادق عليه السلام. وكأن المصنف لم يعتبر هذه الرواية ، ولهذا نسب القول بالشاة إلى التحكم ، وهو : القول بغير دليل.

قال رحمه اللّه : وقتل الصيد موجب لفديته ، فإن أكله لزمه فداء آخر ، وقيل : يفدي ما قتل ، ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لرواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ، «قال : سألته عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان على حدته فداء صيد كامل» (3).

والثاني : مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، واستحسنه في التحرير لأصالة براءة الذمة من الفداء الثاني. وأما وجوب القيمة فلأن لحم الصيد لا يضمن لاختلاف الأسباب ، ولأن الفداء كفارة ، وضمان الأكل ضمان مالي ، لأنه أعظم تشديدا من المملوك ، فكما ان المملوك يضمن بالأكل ، فكذا يضمن الحرمي ، وموضوع هذه المسئلة كون الأكل والقتل في الحل لا في الحرم ، ويتضاعف لو كان في الحرم وهو محرم.

قال رحمه اللّه : ولو جرحه ثمَّ رآه سويا ضمن أرشه ، وقيل : ربع قيمته.

ص: 481


1- الوسيلة : 167.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 6.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 2.

أقول : القول بوجوب ربع القيمة قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال ابن البرّاج وابن إدريس لرواية علي بن جعفر (1) عن أخيه ، ووجه اختيار المصنف أنها جناية مضمونة فكان عليه أرشها ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه ، وفي الرواية ضعف.

أقول : القول المحكي في الكتاب قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، واستضعف المصنف مستند الحكم ، لأن مستنده رواية سماعة (2) ، عن ابي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، وسماعة واقفي ، فلهذا استضعفها المصنف.

وذهب العلامة في المختلف إلى كمال القيمة في العينين ، لأنه مع الجناية كالميت ، وأوجب في إحداهما الأرش ، وفي القرنين أو أحدهما الأرش ، وأوجب علي بن بابويه في القرنين الصدقة بشي ء ، وكذا في العينين.

قال رحمه اللّه : وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق لظاهر الرواية ، والأول أشبه.

أقول : المشهور بين الأصحاب اشتراط الهلاك مع الإغلاق ، لأنه مع عدم الهلاك لم يحصل منه جناية على الصيد ، فيكون بمنزلة من رمى صيدا ولم يؤثر ، وقيل : يضمن بنفس الإغلاق لإطلاق الروايات (3) الدالة على الضمان ،

ص: 482


1- باب 27 من المصدر المتقدم ، حديث 1. ورواه في التهذيب 5 : 359 بزيادة ، هي محل الشاهد هنا.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 28 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 3.
3- باب 16 من المصدر السابق.

وحملت الروايات على الجهل بالحال ، كمن رمى صيدا وجهل حاله.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا نفّر حمام الحرم ، فإن عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة.

أقول : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب ، ولم يجزم به المصنف ، لعدم ظفره بالدليل عليه. قال الشيخ رحمه اللّه : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مستندا. وقال ابن الجنيد من نفر طيورا كان عليه عن كل طائر ربع قيمته.

والظاهر أن مراده مع العود ، إذ لا معه يكون متلفا ، فيجب عليه في كل واحدة شاة.

فروع :

الأول : لو نفر واحدة ثمَّ عادت ، هل يجب عليه فيها شي ء؟ يحتمل عدم الوجوب ، لأنهم قالوا : إذا نفر حمام الحرم فعاد فعليه شاة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة ، فلو أوجبنا في الواحدة ، مع العود شاة لزم مساواة العود وعدمه ، ولأن حمام الحرم يراد به الجمع فلا يصدق على الواحدة.

ويحتمل الوجوب ، لأنه اسم كالتمر ، فيصدق على الواحدة ، ولمساواة الجزء للكل في فداء الصيد ، كما لو اشترك اثنان فما زاد في قتل صيد ، فإنه يجب على كل واحد فداء كامل ، ومذهب العلامة في القواعد عدم الوجوب ، وذهب فخر الدين إلى الوجوب ، وهو ظاهر الشهيد.

والمراد بالعود : العود إلى السكون في المواضع المعتادة لها في الحرم.

الثاني : هل ينسحب الحكم في الظبا وغيرها؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، ويحتمل العدم ، لعدم النص وأصالة البراءة.

الثالث : هل يجتمع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم مع العود وعدمه؟

ص: 483

يحتمل ذلك لعموم قولهم : (كلما يلزم المحرم في الحل يلزم المحل في الحرم) ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، فيدخل تحت هذه الكلية ، ويحتمل العدم لأصالة البراءة.

الرابع : لو شك في العدد وبنى على الأقل لأصالة عدم الزيادة ، وأصالة براءة الذمة ، ولو شك في العود فيتعين العدم.

الخامس : يكفي إعادتهن بفعله وفعل غيره.

قال رحمه اللّه : إذا أوقد جماعة نارا ، فوقع فيها صيد ، لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد ، وإلا ففداء واحد.

أقول : هذا الحكم لا اشتباه فيه ، وإنما يحصل الاشتباه مع اختلاف القصد ، فلو قصد بعضهم دون بعضهم تعدد الفداء على من قصد ، وعلى الباقي فداء واحد ، ولو كان غير القاصد واحدا ، هل يجب عليه الشاة؟ فيه إشكال ، ينشأ من عموم (1) وجوب الشاة مع عدم القصد ، ولأنه لو كان الموقد واحدا وجبت عليه الشاة مطلقا ، سواء قصد أو لم يقصد ، ومن مساواة القاصد لغير القاصد مع حكم الشارع بالفرق بينهما.

ويحتمل مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين في القصد كان على القاصد شاة ، وعلى غير القاصد نصف شاة ، والأول أحوط.

قال رحمه اللّه : ويحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه ، ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء ، وفيه تردد.

ص: 484


1- باب 19 من المصدر السابق ، حديث 1.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الواجب على المحل في الحرم ، والمشهور بين الأصحاب أن على المحل في الحرم القيمة ، وعلى المحرم في الحل الفداء ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، وقد يوجد في بعض عبارات الشيخ : من ذبح صيدا في الحرم ، وهو محل كان عليه دم لا غير ، وتابعه ابن إدريس ، وقال أبو الصلاح : وإن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداه بمثله من النعم ، وهو ظاهر المصنف هنا ، والعمل على المشهور ، وهو وجوب القيمة على المحل في الحرم ، ووجوب الفداء على المحرم في الحل.

الثانية : إذا اشترك جماعة محلين فقتلوا صيدا ، فهل يتعدد الفداء أو يلزمهم فداء واحد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أصالة براءة الذمة من وجوب التعدد ، خرج وجوب التعدد على الجماعة المحرمين ، فيبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مشاركة المحلين للمحرمين في العلة الموجبة للتعدد ، وهو الإقدام على الصيد المحرم قتله ، ويجب القيمة على كل واحد ، وهو أحوط.

ولو كان بعضهم محرمين والبعض محلين ، كان على كل واحد من المحرمين الفداء والقيمة ، وعلى كل واحد من المحلين القيمة خاصة ، أو قيمة واحدة على المحلين على التردد.

قال رحمه اللّه : وهل يحرم وهو يؤمّ الحرم؟ قيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ، لكن لو اصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحريم الصيد وهو يؤم الحرم ، ذهب الشيخ في النهاية إلى

ص: 485

التحريم ، وأوجب الفدية ، لرواية عقبه بن خالد (1) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبه.

ومنعه ابن إدريس لأصالة براءة الذمة ، وتبعه المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الموجب للتحريم والضمان هو الإحرام ، أو كون الصيد في الحرم ، وكلاهما منتف.

الثانية : إذا أصابه وهو خارج ، ثمَّ دخل الحرم ومات فيه ، فعلى القول بالتحريم وهو يؤم الحرم فهو يضمن قطعا ، وعلى القول بالعدم ، هل يضمن؟

يحتمل ذلك لحصول السراية في الحرم ، وحرمة الحرم شاملة ، ومن أن السبب غير مضمون ، بل هو مباح ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، في رجل رمى صيدا وهو يؤم الحرم ، فيما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ قال : ليس عليه جزاء ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاء ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي ء ، فقلت : هذا هو القياس عند الناس ، فقال : إنما شبهت لك الشي ء بالشي ء لتعرفه» (2).

قال رحمه اللّه : ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه.

أقول : تحريم الصيد على المحل بين البريد والحرم مذهب الشيخين رحمه اللّه ، والبريد أربعة فراسخ ، من صاد فيه صيدا كان عليه الفداء عندهما ،

ص: 486


1- باب 30 من المصدر السابق ، حديث 1.
2- حديث 3 من المصدر السابق.

لرواية الحلبي الصحيحة (1) الدالة على مطلوبهما.

والمعتمد الكراهية كما هو المشهور ، لأن المقتضي للإباحة - وهو الأصل - موجود ، والمقتضي للتحريم وهو الإحرام أو الحرم مفقود ، فتثبت الإباحة.

قال رحمه اللّه : هل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في أحد قوليه ، لأن للحرم حرمة ليست لغيره فناسبت تحريم الملتجئ إليه ، وإن خرج عنه حيث صار منسوبا إليه ، ولرواية على بن جعفر (2) ، عن أخيه موسى عليه السلام ، وبه قال : العلامة في المختلف.

والقول الآخر للشيخ وهو : الجواز على كراهية ، لأن الموجب لتحريم الصيد أمران : الإحرام ، والحرم ، وكلاهما منتف ، فينتفي التحريم لأصالة الإباحة ، وهو مذهب المصنف في المختصر.

قال رحمه اللّه : ولا يدخل في ملكه شي ء من الصيد على الأشبه ، وقيل : يدخل ، ويجب عليه إرساله إن كان حاضرا معه.

أقول : الضمير - في قوله : (ولا يدخل في ملكه شي ء من الصيد) - عائد إلى المحل في الحرم ، وهو معطوف على قوله : (ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة) ، ولا يتوهم أحد أنه عائد إلى المحرم ، لأن المحرم يأتي فيما بعد في قوله : (ولا يدخل الصيد في ملك المحرم) إلى آخر المسئلة.

قال في المختصر : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنه يملك ، ويجب عليه إرسال ما يكون معه ، هذه عبارته في المختصر. قال أبو

ص: 487


1- باب 32 من المصدر المتقدم ، حديث 1.
2- باب 13 من المصدر المتقدم ، حديث 4.

العباس رحمه اللّه في شرحه : هذا هو المشهور لا أعرف فيه مخالفا ، وذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك ، هذا كلام أبي العباس. ثمَّ قال : أما المحرم فموضع الإشكال ، ثمَّ بحث على جواز تملك المحرم للصيد وعدمه ، ولم يتعرض للمحل في مهذبه.

فإذا كان موضوع المسئلة في المحل ، فينبغي أن يكون البحث على موضوعها فأما ثبوت الملك ، ووجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس ، إذ لا مانع منه ، ووجوب الإرسال لا ينافي الملك ، وأما وجه اختيار المصنف - وهو عدم الملك - [ف] لأن ثبوت الملك يستلزم جواز التصرف ، فمع وجوب الإرسال وعدم جواز التصرف ، فلا يظهر للملك فائدة ، فلا يدخل في ملكه.

وهو ضعيف لاجتماع الملك وعدم جواز التصرف كما في أم الولد ، والرهن ، وتملك المحرمات نسبا ، وخروجهم عن الملك في ثاني الحال.

وقد يجاب عن المصنف : بأن تملك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة ، أما الرهن وأم الولد ففائدتهما ظاهرة ، لأن الرهن مملوك له يباع بدينه مع الإعسار ، ويفكه مع اليسار ، ففائدته ظاهرة ، وأما أم الولد فهي مملوكة يتصرف بها بجميع أنواع التصرف عدا البيع ، ففائدتها ظاهرة أيضا ، وأما فائدة تملك المحرمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال ، فهي أعظم الفوائد وأجلها ، وهي إنقاذ الرحم عن الملك وإخراجه من ذل الرق إلى عز الحرية ، وأما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شي ء من الفوائد الدينية ولا الدنيوية ، فوجب ان لا يدخل في ملكه.

وقد يجاب عن منع فائدة تملك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة ولو لم تكن حاضرة فهي مقدرة ، وهي تتقدر بوجوه :

الأول : لو قتل الصيد قاتل ، فإن قلنا بثبوت الملك كان الفداء للمالك ،

ص: 488

وان قلنا بعدم الدخول كان الفداء لله تعالى.

الثاني : لو خرج هذا الصيد من الحرم فصاده صائد لم يملكه الصائد ، لأنه ملك حلال في الحل فلا يزول ملكه عنه ، بخلاف ما لو قلنا : إنه يدخل في ملك المحرم ثمَّ يزول ملكه عنه ، فإنه لو خرج إلى الحل فصاده صائد محل ملكه الصائد ، لأن ملك المحرم زال بسبب الإحرام ، وكون الصيد في الحرم ، فلا يعود بسبب خروجه إلى الحل ، وعلى القول بعدم الملك يملكه الصائد.

الثالث : لو باعه على محل ملك الثمن على القول بدخوله في ملكه ، وعلى العدم لا يملكه لكونه بيعا فاسدا ، وكذا لو باعه على محرم على القول بملك المحرم له في أول آن ثمَّ خروجه عن ملكه ، وعلى عدم الملك لا يملك الثمن.

قال رحمه اللّه : وقيل : تتكرر ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في تكرر الكفارة مع الخطأ ، وإنما الخلاف مع العمد ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى تكررها ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس.

وذهب في النهاية إلى عدم تكررها ، ويكون ممن ينتقم اللّه منه ، وبه قال محمد بن بابويه وعبد العزيز ابن البراج ، واختاره المصنف.

والمعتمد الأول ، لأن قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1) ، فهو كما يتناول الأول يتناول الثاني والثالث وما زاد على ذلك ، وللاحتياط على براءة الذمة.

احتج المانع من التكرير ، لقوله تعالى ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ ) (2) فقد أخبر اللّه تعالى بأن عقوبة تعمد العود الانتقام ، وفائدة الكفارة

ص: 489


1- المائدة : 95.
2- المائدة : 95.

إسقاط الذنب ، وإذا أخبر اللّه تعالى بعدم الإسقاط انتفت فائدة الكفارة فلا يجب.

والجواب أن الذنب مع العمد أفحش ، فناسب ذلك التغليظ بوجوب الكفارة في الدنيا والانتقام في الآخرة ، والروايات (1) واردة بالطرفين.

قال رحمه اللّه : ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم ، فأكله على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل عن كل بيضة درهم.

أقول : أما وجوب الكفارة على المحل فلأنه عاون المحرم على فعل الحرام ، وهتك حرمة الإحرام فكان عليه الكفارة ، كما لو عقد المحل لمحرم فإنه يلزمه كفارة ، وأما وجوبها على المحرم فهو ظاهر ، لأنه أكل بيض الصيد المحرم.

وموضوع البحث أن يشتريه مسلوقا أو مشويا ويأكله ، أما لو اشتراه نيا ثمَّ كسره المحرم ، فإن أكله بعد ما كسره كان عليه عن كل بيضة شاة بسبب الأكل ، وكان عليه إرسال فحولة الإبل في إناث بعدد البيض ردّا للمسئلة إلى أصلها ، ولا فرق بين كون المحل في الحل أو في الحرم ، للعموم (2).

فروع :

الأول : لو كان المحرم في الحرم كان عليه في صورة الإرسال القيمة عن كل بيضة درهم مع الإرسال ، وهل يتضاعف في غير صورة الإرسال ، كما هو موضوع المسئلة ، وهو : إذا كسره المحل أو اشتراه مشويا ، أو مسلوقا؟ يحتمل التضاعف لعموم (3) تضاعف الجزاء على المحرم في الحرم ، ويحتمل العدم

ص: 490


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 47 و 48 من أبواب كفارات الصيد.
2- باب 24 من المصدر المتقدم ، حديث 5.
3- باب 44 من المصدر ، حديث 5.

لسبق التلف على مباشرة المحرم ، فلا يضمن ما أتلفه غيره فلا يجب غير فداء واحد.

الثاني : لو كان المشتري محرما ، هل يجب عليه عن كل بيضة شاة أو درهم؟ يحتمل وجوب الدرهم لأصالة البراءة ، وعموم النص (1) ، ويحتمل وجوب الشاة ، إذ لا فرق في ضمان المحرم بين (2) المباشرة والتسبيب ، وهو أقوى من الأول.

الثالث : لو اشتراه المحرم لنفسه ، هل يجب عليه ما يجب على المحل لو اشتراه له زيادة على الواجب عليه بفعله؟ يحتمل ذلك ، والأقرب العدم.

الرابع : لو ملكه المحل بغير الشراء ثمَّ بذله للمحرم فأكله ، هل يجب عليه الدرهم؟ يحتمل العدم لأصالة البراءة وتخصيص البيض بالشراء ، ويحتمل الوجوب ، لأن العلة إعانته للمحرم على فعل الحرام ، ولا أثر لخصوصية سبب الملك.

الخامس : لو اشترى غير البيض من المحرمات ، هل ينسحب الحكم أم لا؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، وهي الإعانة على فعل الحرام ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، فيقتصر على مورد النص.

قال رحمه اللّه : ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ، ولا هبة ، ولا ميراث ، هذا إذا كان عنده ، ولو كان في بلده فيه تردد ، والأشبه أنه يملك.

أقول : إذا أحرم وجب عليه إرسال ما معه من الصيد ، فلو كان وديعة أو عارية وجب دفعه إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل على الترتيب ، فلو

ص: 491


1- باب 24 من المصدر المتقدم ، حديث 5.
2- من «ن».

خالف اختيارا ضمن ، ولو لم يتفق أحد من هؤلاء أرسله وضمن وزال ملكه عن الحاضر عنده دون النائي ، هذا حكم المملوك.

قيل : وهل يدخل في ملكه بالإرث؟ المشهور دخول النائي ، واستقرار الملك عليه ، ولو كان حاضرا عنده ، قال الشيخ : يدخل في ملكه ثمَّ يزول عنه لعموم (1) الملك بالميراث ، ومنع العلامة دخول الحاضر في ملكه ، وهو مذهب فخر الدين ، لأن الإحرام يزيل الملك عن المملوك ، فمنعه لدخول غير المملوك في الملك اولى.

وعلى القول بعدم الانتقال ، قيل : يبقى على حكم مال الميت ، فإذا أحل المحرم ملكه ، وقيل : ينتقل إلى باقي الورثة ، لأن الإحرام من موانع الإرث بالنسبة إلى الصيد ، فإذا أحل قبل القسمة شارك ، وإلا فلا ، وفتاوي الأصحاب بالأول أكثر.

قال رحمه اللّه : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه ، وإن لم يكن مملوكا تصدق به.

أقول : غير المملوك إن كان من حمام الحرم اشترى بقيمته علفا لحمامه ، وإن كان من غير حمام الحرم تصدق بما يلزمه فيه على الفقراء ، وإن كان مملوكا فالبحث فيه في موضعين :

الأول في تقدير الملك : وهو يتقدر كما في القماري والدباسي ، سواء كان في الحل أو الحرم ، وكما لو كان الصيد ومالكه في الحل ، على القول بملك الصيد للمحرم ، أو يكون الصيد في الحرم وصاحبه محل ، وإن وجب عليه إرساله فالملك يتقدر في الصور.

الثاني في كيفية الضمان : وقد اختلفت عبارات الأصحاب في ذلك ،

ص: 492


1- راجع الوسائل ، كتاب الإرث ، أبواب موجبات الإرث.

قال المصنف : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لمالكه. وقال الشيخ في المبسوط : وإذا كان الصيد مملوكان فعليه الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك ، ومثله عبارة التحرير.

وقال الشهيد : ولو كان مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك ، وفي القماري وفي الحرم نظر ، أقربه وجوب الجزاء وقيمته للمالك ، فعلى هذا يجب جزاء آخر لله تعالى ، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي وغيره هنا كان قويا ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وقال في القواعد : وفداء المملوك لصاحبه وإن زادت على القيمة على إشكال.

إذا عرفت هذا فالمصنف أطلق كون الجزاء للمالك ، ولم يوجب لله شيئا ، وكذلك العلامة في القواعد ، إلا أنه استشكل فيما إذا زاد الجزاء عن القيمة ، هل تكون الزيادة للمالك أو يتصدق بها؟

قال فخر الدين : ينشأ من عموم قولهم : وفداء المملوك لصاحبه ، ومن أن المضمون للمالية المحضة إنما هو القيمة ، فيتصدق بالزائد ، والأقوى أنه للمالك ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه. فقد اتفق اختيار فخر الدين وأبيه في القواعد والمصنف على وجوب الفداء للمالك ، ولم يوجبوا لله شيئا ، وعبارة المبسوط والتحرير والدروس متفقة على وجوب الفداء لله والقيمة للمالك ، إلا أن صاحب الدروس استقرب - إذا كان الصيد في الحرم - وجوب جزاء آخر وقيمة للمالك ، ثمَّ فرع عليه وجوب جزاء آخر لله ، ثمَّ قوى الاقتصار على الجزاء الواحد مع القيمة الواحدة ، وأنه لا فرق بين الحل والحرم ، فيكون قد وافق إطلاق المبسوط والتحرير ، وهو المعتمد.

ص: 493

وهنا فروع :

الأول : لو تعددت القيمة أو الفداء أو هما كان للمالك قيمة واحدة والباقي صدقة ، كما لو اجتمع الحافر والدال والممسك والذابح والآكل في الحرم ، كان على كل واحد فداء وقيمة ، فإن لم يفرق بين الحل والحرم - كما هو إطلاق المبسوط والتحرير ، وكما قواه الشهيد - كان للمالك قيمة واحدة من هذه القيم والباقي صدقة ، وان فرقنا بين الحل والحرم كما استقربه الشهيد ، كان للمالك قيمة أخرى موزعة على الجميع ، وإن كانوا في الحل كان على كل واحد فداء ، وقيمة واحدة للمالك موزعة عليهم.

الثاني : لو كان المملوك طيرا وضربه على الأرض في الحرم ، ألزم الضارب دما وقيمتين ، إحداهما للمالك ، والأخرى صدقة.

الثالث : لو كانت الجناية على بيض الصيد المملوك قبل أن يتحرك فيه الفرخ وجب الإرسال لله ، والقيمة للمالك.

قال رحمه اللّه : وروي أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة معاوية بن عمار (1) ، وصورتها ما حكاه المصنف في الكتاب ، وبمضمونها أفتى القاضي عبد العزيز بن البراج والمصنف في المختصر.

ص: 494


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 11 من طبعة رباني و 13 من طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

في باقي المحظورات

قال رحمه اللّه : وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك الموضع حتى يقضيا المناسك إذا حجا على تلك الطريق.

أقول : المشهور وجوب التفريق في القضاء من المكان الذي أفسدا فيه حتى يقضيا المناسك ، والروايات (1) تعطي وجوب التفريق أيضا في الحجة الأولى التي أفسداها من موضع الإفساد حتى يقضيا المناسك ، واختاره العلامة في التذكرة واستحسنه في التحرير ، وهو مذهب علي بن بابويه ، وهو أحوط ، لأن تحريم الجماع ثابت في الفاسدة كالصحيحة فوجب التفرقة ، وقيل للصادق عليه السلام : «المحرم يقع على اهله؟ فقال يفرق بينهما ، فلا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله» (2) ، وأوجب ابن الجنيد التفريق في الحجتين معا ، وحرم الاجتماع والجماع بعد الإخلال في الأولى حتى يبلغا في الرجوع إلى مكان الخطيئة ، وفي الثانية حتى يبلغ الهدي محله ،

ص: 495


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 3 و 4 من أبواب كفارات الاستمتاع.
2- نفس المصدر باب 3 ، حديث 5.

والمعتمد جواز الاجتماع والجماع بعد قضاء جميع المناسك ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي الاستمناء بدنة ، وهل يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : إفساد الحج ووجوب القضاء من قابل مذهب الشيخ في المبسوط والجمل وابن البرّاج وابن حمزة والعلّامة في المختلف ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين.

والاقتصار على البدنة خاصة مذهب ابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين.

والأول أحوط ، لأنه إنزال على وجه محرم غير مباح في وجه من الوجوه ، فكان أفحش من الجماع ، لأنه لا يباح في وجه دون وجه فناسب المساواة ، أو الزيادة في العقوبة دون القصور ، ولرواية إسحاق بن عمار (2) الدالة على الإفساد ، ووجوب القضاء.

واحتج ابن إدريس ومن تابعه بأصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمَّ واقع لم يلزمه الكفارة وبنى عليه طوافه ، وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف ، والأول مروي.

أقول : المراد بقوله : (وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف) أي في سقوط الكفارة دون جواز البناء ، إذ لا خلاف في جواز البناء مع مجاوزة النصف ، وانما الخلاف في سقوط الكفارة ، هل تسقط حيث يسقط الاستئناف أو لا

ص: 496


1- راجع باب 3 و 4 من المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع ، حديث 1.

تسقط إلا بمجاوزة الخمسة؟ قال الشيخ بالأول ، وقال ابن إدريس بالثاني ، قال في السرائر : أما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، وأما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجب عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة.

وذهب العلامة في المختلف إلى اختيار الشيخ ، ونسب قول ابن إدريس في التحرير إلى الخطأ ، ودليل الشيخ الروايات (1) مع أصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل منهما كفارة ، وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.

أقول : المشهور العمل بمضمون هذه الرواية (2) ، وذهب فخر الدين إلى الاستحباب ، لأصالة البراءة ، وهو معارض بالاحتياط مع الرواية ، ووجوب مخالفة الأصل مع قيام الدليل على خلافه.

قال رحمه اللّه : حلق الشعر وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد ، وقيل : ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام.

أقول : التخيير بين الشاة وصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين ستة امداد مذهب الشيخان رحمهما اللّه قال الشيخ : وروي عشرة مساكين ، وهو أحوط ، والمفيد لم يذكر الرواية ، بل اقتصر على إطعام الستة بستة أمداد.

وقال ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل : يطعم ستة مساكين اثني عشر مدا ، وقواه العلّامة في المختلف ، لأنه أحوط.

ص: 497


1- باب 11 من المصدر المتقدم.
2- باب 21 من المصدر السابق ، حديث 1.

وذهب المصنف والعلامة في القواعد والشهيد إلى إطعام العشرة عشرة أمداد.

والمعتمد على التخيير بين الشاة والصوم وإطعام العشرة ، لأن دفع ضرورة عشرة مساكين ونفعهم أعظم من نفع ستة ، فلا يحصل الاحتياط بزيادة مدين مع حرمان أربعة مساكين.

قال رحمه اللّه : قلع شجر الحرم ، وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضهما قيمته ، وعندي في الجميع تردد.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، لأنه إتلاف شي ء منهي عنه ، فكان قيمته الكفارة ، وللروايات (1) الدالة على وجوب الكفارة ، وللاحتياط.

ومنشأ التردد من حيث وجوب التمسك بأصالة البراءة حتى يثبت الدليل الناقل ، والدليل ما ذكرناه ، وظاهر ابن إدريس عدم وجوب الكفارة ، وأوجب ابن البراج في الشجرة بقرة ، ولم يفرق بين الصغيرة والكبيرة.

تنبيه : المرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف ، وقال بعض الشافعية الشجرة التي يجب فيها البقرة هي التي تشبع البقرة ، والتي يجب فيها الشاة هي التي تشبع الشاة ، والمعتمد الأول ، والمتوسطة صغيرة لأصالة براءة الذمة ، لأن اسم الصغيرة يتناول ما ليس بكبيرة.

قال رحمه اللّه : ولو قلع شجرة منه أعادها ولو جفّت قيل : يلزمه ضمانها ولا كفارة.

أقول : هذه فرع على المسئلة الأولى ، فإن قلنا بالضمان في قلع الشجر

ص: 498


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب بقية الكفارات. ولا دلالة فيها على التفصيل المذكور ، راجع التنقيح الرائع 1 : 567.

كان عليه الضمان مع جفافها إذا أعادها ، وإن قلنا بعدم الضمان وجبت الإعادة فإن جفت فلا كفارة.

قال رحمه اللّه : ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول ، وكذا قيل فيمن قلع ضرسه ، وفي الجميع تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في الدهن الطيب ، والمراد به : ما فيه طيب ، ووجوب الكفارة باستعماله مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس.

وقال الشيخ في الجمل : إنه مكروه ، والمعتمد الأول.

الثانية : في قلع السن ، وفيه شاة عند الشيخ ، معولا على رواية محمد بن عيسى (1) وهي مرسلة ومقطوعة ، وقال محمد بن بابويه وأبو علي بن الجنيد لا بأس به مع الضرورة ولم يوجبا شيئا ، وهو المعتمد.

ص: 499


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 19 من أبواب بقية الكفارات ، حديث 1.

ص: 500

في العمرة

قال رحمه اللّه : ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من شهر ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : للأصحاب هنا أربعة أقوال :

الأول : لا يصح الاتباع بين العمرتين إلا بعد مضي شهر بينهما ، وهو المشهور (بين الأصحاب و) (1) في الروايات (2) ، واختاره العلامة في المختلف ، قال : لأن هذه الأحكام شرعية متلقاة من الشارع ، فيجب اعتبار ما وقع الاتفاق عليه ، وقد أجمعت الإمامية - إلا ابن أبي عقيل - على تسويغ العمرتين في الشهرين ، فيجب المصير إليه أخذا بالمتيقن.

الثاني : لا يصح أن يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الثالث : لا يكون بين العمرتين أقل من سنة ، وهو مذهب ابن أبي عقيل.

ص: 501


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن» و «ر 1» و «ر 2».
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 6 باب 7 من أبواب العمرة.

الرابع : عدم التقدير ، بل يصح في كل يوم ، وهو مذهب ابن إدريس ، وفخر الدين ، واختاره أبو العباس في محررة ، احتج ابن إدريس بأن العمرة عبادة مشروعة ، وذكر مطلوب ، والتقدير منفي بالأصل ، والإجماع منعقد على جواز الاعتمار ، فمن قدره يحتاج إلى دليل ، وأخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.

قال العلامة في المختلف : واحتجاج ابن إدريس ضعيف جدا ، وما عنده إلا التشنيع على الشيخ.

ص: 502

كتاب الجهاد

اشارة

ص: 503

ص: 504

في من يجب عليه

قال رحمه اللّه : إذا كان عليه دين مؤجل فليس لصاحبه منعه ، ولو كان حالا وهو معسر ، قيل : له منعه ، وهو بعيد.

أقول : أطلق الشيخ في المبسوط اشتراط إذن صاحب الدين الحال ، وكذا ابن الجنيد ، وهو يعطي منع الموسر والمعسر ، والمشهور عدم منع المعسر ، لأنه مع الإعسار بالدين مخاطب بالجهاد للعموم (1) ، فيجب عليه عملا بالمقتضي السالم من معارضة صاحب الدين ، إذ لا سبيل له عليه حينئذ ، وإنما يتوجه المنع على القول بان له مؤاجرته ، وهو ضعيف.

قال رحمه اللّه : لو تجدد العذر بعد التحام الحرب لم يسقط فرضه على تردد إلا مع العجز عن القيام به.

أقول : إذا تجدد العذر بعد التحام الحرب ، فإن كان العذر من قبل

ص: 505


1- المراد بالعموم ما دل على وجوب الجهاد على المكلفين عموما. راجع كنز العرفان كتاب الجهاد ، النوع الأول في وجوبه - 1 : 341.

نفسه كالعمى والمرض كان له الانصراف ، لأنه لا يمكنه القتال ، وان كان من قبل غيره ، كما لو أمره صاحب الدين ثمَّ رجع عند التحام الحرب أو الأبوان ثمَّ رجعا كذلك ، قال الشيخ : ليس له الرجوع ، لأنه لا دليل عليه ، وهو جيد.

وقال ابن الجنيد : لا يجوز له الرجوع بعد التحام الحرب مطلقا ، سواء كان العذر من قبل نفسه أو من قبل غيره لعموم قوله تعالى ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ) (1) الآية ، ونحن نقول بالموجب مع القدرة لا مع العجز ، لأن اللّه تعالى أسقط الجهاد عن العاجز في الابتداء ، فكذلك في الأثناء ، والمعتمد تفصيل الشيخ.

قال رحمه اللّه : ومن عجز عنه بنفسه وكان موسرا وجب إقامة غيره ، وقيل : يستحب ، وهو أشبه.

أقول : الوجوب مذهب الشيخ وابن البراج وابن إدريس لعموم الأمر بالجهاد على الكفاية (2) ، وهو فعل يقبل النيابة في الحياة لا بعدها ، فإذا تعذرت المباشرة وجبت الاستنابة تحصيلا لأمر الشارع.

واحتج القائلون بالاستحباب بسقوطه مباشرة لعجزه فيسقط استنابة ، لأن الاستنابة تابعة لوجوب المباشرة ، وقد سقط وجوب المباشرة فيسقط وجوب الاستنابة ، وهو المعتمد. نعم لو احتيج إلى الاستنابة - بأن يعجز القائمون عن المقاومة - وجبت.

قال رحمه اللّه : ولو نذر المرابطة وجبت مع وجود الامام وفقده ، وكذا لو نذر أن يصرف شيئا في المرابطين وجب على الأصح ، وقيل : يحرم ، ويصرفه في وجوه البر إلا مع خوف الشنعة ، والأول أشبه.

ص: 506


1- الأنفال : 16.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 1 من أبواب جهاد العدو.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب صرف ما نذره للمرابطين إليهم مطلقا ، سواء كان الامام ظاهرا أو مستورا ، لأنها مستحبة في حال الغيبة ، لأنها تتضمن حفظا أو إعلاما بدخول عدو فيتأهبوا لدفعه ، والممنوع منه حال الغيبة الجهاد ، وهي ليست جهادا ، فإذا نذر إنسان لهم شيئا وجب صرفه إليهم ، لأنه بذل مال في إعانة مسلم على طاعة فيكون لازما.

وقال الشيخ وابن البراج : يصرفه في وجوه البر إلا أن يكون نذره ظاهرا ، أو يخاف الشنعة ، فحينئذ يجب الوفاء به ، والمستند رواية علي بن مهزيار (1) الدالة على هذا التفصيل ، وهي مشتملة على المكاتبة ، فلا يجب التعويل عليها مع قيام الأدلة القاطعة على وجوب الوفاء بالنذر.

قال رحمه اللّه : ولو آجر نفسه وجب عليه القيام بها ولو كان الإمام مستورا ، وقيل : إن وجد المستأجر أو ورثته ردّها ، والا قام بها ، والأولى الوجوب من غير تفصيل.

أقول : هذه المسئلة فرع على المسئلة التي قبلها ، فمن أخذ من غيره شيئا ليرابط به حال الغيبة وجب عليه القيام به عند القائلين بوجوب المرابطة حال الغيبة ، أو استحبابها مع الحاجة ، لأنه أخذ مالا على فعل مباح ، فيجب عليه القيام إن أخذه بعقد لازم كالإجارة ، وإن أخذه بعقد جائز كالجعالة جاز له القيام والترك ، وهذا هو المعتمد. وقال الشيخ : يجب ردّه على مالكه أو ورثته ، لأن الواجب صرفه في وجوه البر ، والولاية في ذلك إلى المالك ، أو من يقوم مقامه عند فقده ، وهم الورثة ، فإن لم يجد المالك وورثته وجب القيام به ، وهو بناء على مذهبه من عدم جواز المرابطة حال الغيبة.

ص: 507


1- باب 7 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

ص: 508

في كيفية القتال

قال رحمه اللّه : ولو غلب العطب ، قيل : يجب الانصراف ، وقيل : يستحب ، وهو أشبه.

أقول : إذا زاد المشركون على ضعف المسلمين لم يجب الثبات إجماعا ، ومع ظن الظفر (1) يستحب الثبات ، ولا يجب عملا بالأصل ، ومع ظن العطب هل يجب الفرار أو يستحب؟ نقل الشيخ في المبسوط وجوب الفرار ، وجزم به العلامة في القواعد ، واختاره في المختلف ، وقيل : يستحب ، واختاره المصنف ، واستحسنه العلامة في التحرير.

احتج الأولون : بقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (2) ووجوب حفظ النفس ، ولأن المقصود من الجهاد يحصل بعد ذلك.

واحتج الآخرون : بأصالة عدم الوجوب ، واستحباب تحصيل الشهادة.

قال رحمه اللّه : ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات ، وقيل : يجب ، وهو المروي.

ص: 509


1- في «ن» : (ومع عدم ظن العطب) بدل : (مع ظن الظفر) ، وفي «ر 2» : (الغلب) بدل : (الظفر).
2- البقرة : 195.

أقول : عدم وجوب ثبات الواحد من المسلمين للاثنين من المشركين مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال العلامة ، وقواه فخر الدين لأصالة البراءة ، والآية (1) انما دلت على وجوب ثبات المئة بإزاء المئتين ، وهو يقتضي وجوب الثبات على الكثرة في مقابلة الضعف ، ووجوبه على الكثرة لا يقتضي وجوبه على الواحد.

والوجوب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس لرواية الحسين بن صالح ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : كان يقول : من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فر ، ومن فرّ من ثلاثة من الزحف فلم يفر» (2).

قال رحمه اللّه : ويحرم بإلقاء السم ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس والشهيد.

والكراهية مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، ولو لم يمكن الفتح إلا به جاز قطعا ، والدليل الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولا يلزم القاتل دية ، ويلزمه الكفارة ، وفي الأخبار : ولا الكفارة.

أقول : لا خلاف في سقوط الدية ، وأما الكفارة فالمشهور عدم سقوطها وللشيخ قول بسقوطها لأصالة البراءة ، وللأخبار (4) الدالة على السقوط ،

ص: 510


1- الأنفال : 66.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 27 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1. وفي المصدر (الحسن بن صالح) بدل : (الحسين ...).
3- باب 16 و 18 من المصدر المتقدم.
4- نفس المصدر المتقدم ، حديث 2.

والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والمبارزة بغير اذن الإمام ، وقيل : يحرم.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد لما في ذلك من الحرص على الجهاد ، ولأن المبارزة جهاد ، وقد أمر الإمام بالجهاد فلا يحتاج إلى أمر آخر ، ولرواية عمر بن جميع (1) ، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والتحريم مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس ، لأن الإمام أعرف بما تقتضيه المصلحة ، وهو أعلم بفرسان المسلمين والمشركين ، ومن يصلح للبراز ومن لا يصلح له.

والتحقيق أن المبارزة تنقسم إلى الأحكام الخمسة :

واجبة : وهي إذا ألزم الإمام. ومستحبة : وهي إذا ما طلب المشرك البراز ، فيستحب لمن فيه قوة من المسلمين مبارزته بإذن الإمام.

ومكروهة : وهي مبارزة الضعيف من المسلمين للقوي من المشركين.

ومباحة : بأن يخرج المسلم ابتداء فيطلب المبارزة.

ومحرمة : مع منع الإمام منها.

قال رحمه اللّه : فإن شرط أن لا يقاتله غيره وجب الوفاء له ، فإن فرّ وطلبه الحربي ، جاز دفعه. ولو لم يطلبه لم يجز محاربته ، وقيل : يجوز ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول في لزوم الشرط ، والمشهور لزومه ، لأنه عقد أمانا لنفسه ، فيجب الوفاء به.

ص: 511


1- باب 32 من المصدر المتقدم ، حديث 1. وفي المصدر : (عمرو) بدل : (عمر).

وذهب ابن الجنيد إلى بطلان هذا الشرط ، لأن اللّه ألزم المؤمنين الدفع عن المؤمن من كل من أراد البغي عليه ، ولا شك ان المشرك باغ على المؤمن ، ولقوله عليه السلام : «المؤمنون يد على من سواهم» (1).

الثاني : إذا قلنا بلزوم الشرط ، ثمَّ فرّ المسلم من القتال ، فإن طلبه المشرك جاز دفعه قطعا ، وإن لم يطلبه ، هل يجوز قتاله؟ قال المصنف لم يجز محاربته ، واختاره العلامة في القواعد لوجوب الوفاء بالشرط ، وقال الشيخ :

يجوز قتاله ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن الشرط اقتضى أن لا يقاتله غير المبارز ما دام في القتال ، وقد زال القتال بفرار المسلم ، فيزول الشرط ، فيباح القتال.

ص: 512


1- سنن البيهقي 9 : 94.

في الذمام

قال رحمه اللّه : وهل يذم لقرية أو لحصن ، قيل : نعم ، كما أجاز علي عليه السلام ذمام الواحد لحصن من الحصون ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : المشهور المنع من ذمام الواحد لأهل قرية أو حصن ، لأن الأمان عقد شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي.

واحتجاج المجوزين ذلك بفعل علي عليه السلام (1) ضعيف بما قاله المصنف ، إذ هو قضية في واقعة فلا يتعدى ، واقتضاء المصلحة إجازته في تلك الواقعة لا يقتضي جوازه في كل واقعة ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويراعى في الحاكم كمال العقل والإسلام والعدالة. وهل يراعى الذكورة والحرية؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه حكم متعلق بالمعرفة وحسن الرأي ، فيصح ممن له معرفة وحسن رأي مع باقي الشرائط المجمع عليها ، فلا يتخصص بنوع دون نوع ، ومن أنه من المناصب الجليلة ، لأنه حكم على فريقي المسلمين

ص: 513


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 20 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2.

والكفار ، فلا يليق بالعبد ، ولا بالمرأة لضعف رأيها.

وذهب العلامة في التحرير إلى اشتراط الحرية والذكورة ، وفي القواعد اشتراطهما في مختار الفريقين ، أو الإمام دون مختار المشركين خاصة ، ولم يعدّهما الشهيد من الشرائط ، وهو يدل على اختياره عدم كونهما شرطا.

ص: 514

في الأسارى

قال رحمه اللّه : وحكم الطفل المسبي حكم أبويه فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد. ولو سبي منفردا ، قيل : يتبع السابي في الإسلام.

أقول : الطفل لا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يسبى مع أبويه ، أو مع أحدهما ، أو منفردا.

الأول : أن يسبى معهما ، وهذا لا خلاف في أنه يتبعهما في الكفر والإسلام ، فإن أسلم أحدهما دون الآخر تبع المسلم منهما.

الثاني : أن يسبى مع أحدهما خاصة ، قال الشيخ رحمه اللّه : إنه يتبع أحد أبويه في الكفر ، فلا يتوهم أحد أنه يتبع أحد أبويه في الكفر مع إسلام الآخر ، فإن هذا لا يقول به أحد ، إذ لا خلاف في أن الطفل يتبع أحد أبويه في الإسلام ، سواء كانا معه أو فرق بينه وبينهما ، وإنما مراد الشيخ : أنه لو بقي المسبي معه على الكفر مع كفر غير المسبي كان حكمه حكمه ، وهذا القول لازم لكل من قال بأنه لو سبي منفردا لم يتبع السابي في الإسلام ، وإنما يتوجه الإشكال على القول بأنه إذا سبي منفردا تبع السابي في الإسلام.

إذا عرفت هذا فنقول : يحتمل عدم الحكم بإسلامه مع عدم إسلام أحد

ص: 515

أبويه ، لأنه لو سبي معهما كان حكمه حكمهما ، فكذا إذا سبي مع أحدهما لعدم الانفراد عنهما ، ويحتمل الحكم بإسلامه لقوله عليه السلام : «كل مولود يولد على الفطرة ، وانما أبواه يهودانه وينصرانه» (1) ، فقد أضاف التهود والتنصر إلى الأبوين معا ، والحكم إذا علق على سببين لا يثبت بأحدهما دون الآخر ، فإذا كان معه أحدهما دون الآخر لا يتبعه في كفره وكان كما لو سبي منفردا يتبع السابي في الإسلام.

الثالث : أن يسبى منفردا عن أبويه ، قال الشيخ : يتبع السابي في الإسلام ، لأن الكفر انما يثبت له تبعا لأبويه ، وقد انقطعت تبعيته لهما بإخراجه عن دارهما ودخوله في دار الإسلام منفردا عنهما ، فيكون تابعا لسابيه في دينه.

والمعتمد عدم تبعيته للسابي في غير الطهارة ، لأنه محكوم بكفره لكونه مولودا بين كافرين ، فلا يحكم بإسلامه إلا بإسلام أحد أبويه ، أو بالإقرار بالشهادتين بعد بلوغه ، وإنما حكم بطهارته خاصة نفيا للحرج ، فيجوز بيعه على الكافر ، ولا يحكم بارتداده مع إعرابه الكفر بعد بلوغه ، ولا يدخل في الوصية والوقف للمسلمين ، وعلى القول بالتبعية بالإسلام يثبت ضد هذه الاحكام.

قال رحمه اللّه : ولو كان الزوجان مملوكين لم ينفسخ النكاح ، لأنه لم يحدث رق ، ولو قيل بتخير القائم في الفسخ كان حسنا.

أقول : المتعمد تخييره ، لأنه مالك تجدد له ملك الزوجين فكان مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، كما لو ملكهما بغير الاغتنام.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر ، فلحق بدار الحرب

ص: 516


1- باب 48 من المصدر المتقدم ، حديث 3.

فأسره المسلمون جاز استرقاقه ، وقيل : لا ، لتعلق ولاء المسلم به ، ولو كان المعتق ذميا استرق إجماعا.

أقول : هذا بناء على جواز عتق الكافر بالنذر ، وسيأتي البحث فيه إنشاء اللّه تعالى.

أما وجه عدم الاسترقاق ، فقد ذكره المصنف وهو تعلق ولاء المسلم به ، وفي تعليل المصنف مع تقييده العتق بالنذر والكفارة نظر ، لأن ولاء العتق إنما يثبت مع التبرع بالعتق ، لا مع وجوبه بالنذر والكفارة ، وهذا ظاهر مسطور في جميع مصنفاتهم ، والعلامة في تحريره لم يقيد العتق بالنذر ، فيتوجه التعليل.

وأما وجه الاسترقاق فلعموم (1) ، الإذن بالاسترقاق من غير قيد ، فيصح الاسترقاق ، ويبطل ولاء المسلم.

قال رحمه اللّه : إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه ، ملك نفسه بشرط أن يخرج قبله ، ولو خرج بعده كان على رقه ، ومنهم من لم يشترط خروجه ، والأول أصح.

أقول : لا خلاف في حريته مع الخروج إلينا قبل مولاه ، لما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، حيث حاصر أهل الطائف ، «قال : أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر ، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (2).

وإنما الخلاف إذا لم يخرج إلينا قبل مولاه ، والمشهور بقاؤه على الرق ، وهو المعتمد للرواية المتقدمة ، ولأصالة بقاء الملك ما لم يعلم السبب المزيل له ، ولأنه لم يقهر مولاه على نفسه ، فيبقى على الرق.

ص: 517


1- باب 23 من المصدر المتقدم.
2- باب 44 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

وقوى الشيخ في المبسوط صيرورته حرا وإن لم يخرج ، لقوله عليه السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) فإذا أسلم صار حرا ، وإلا كان يعلى عليه.

والجواب بيعه على المسلمين قهرا ، كما لو أسلم عبد الذمي في دار الإسلام ، فلا يعلى على الإسلام لعدم استقرار يد الكافر عليه.

ص: 518


1- الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 11.

في أحكام الغنيمة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يجوز لهم التصرف بشي ء منه إلا بعد القسمة والاختصاص ، وقيل : يجوز لهم تناول ما لا بد منه ، كعلف الدابة وأكل الطعام.

أقول : ظاهر الشيخ في النهاية ، وابن إدريس وابن البراج وأبي الصلاح عدم جواز التصرف بشي ء من الغنيمة قبل القسمة مطلقا ، واختاره المصنف ، لأنه مال مشترك فلا يجوز التصرف فيه قبل قسمته ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز علف الدواب وأكل الطعام قبل قسمته ، وبه قال ابن الجنيد ، قال : ما كان للمسلم محللا أكله من طعام المشركين فمحلل اكله من الغنيمة قبل القسمة لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (1) ، ولم يشترط في ذلك قسمة ولا غيرها ، وهذا هو المعتمد ، لأن الضرورة تدعو إلى ذلك فكان سائغا ، وللآية المذكورة.

ولهم ان يذبحوا البهائم مع الحاجة إلى ذبحها وأكل لحمها ، ويجب رد الجلود إلى الغنيمة ، ولا يجوز إطعام البزاة والصقور ولا غيرهما من الجوارح شيئا

ص: 519


1- الأنفال : 69.

من الغنيمة ، لأنه لا حاجة داعية إلى ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا باع أحد الغانمين غانما شيئا أو وهبه لم يصح ، ويمكن أن يقال : يصح في قدر حصته ويكون الثاني أحق باليد على قول ، ولو خرج هذا إلى دار الحرب أعاده إلى المغنم لا إلى دافعه ، ولو كان القابض من غير الغانمين لم تقر يده عليه.

أقول : وجه إمكان الصحة في قدر حصته ، لأنه باع مالا مشتركا بينه وبين غيره فيصح في قدر حصته ويبطل في قدر حصة غيره ، والصحة في قدر حصته مبنية على أن الملك ، هل يحصل بمجرد الاستيلاء ، أو به مع اختيار التملك ، أو بالقسمة ، أو تكون القسمة كاشفة عن سبق الملك بالاستيلاء ، وان حصلت تبينا سبق الملك بالاستيلاء ، وإن تلف المال أو أعرض الغانم عن حصته تبينا عدم ملكه بالاستيلاء؟ الجميع محتمل ، أما احتمال الملك بالاستيلاء من غير افتقار إلى غيره ، لأن الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سبب لتملكه ، ولأن ملك الكافر يزول عنه بالاستيلاء عليه ، فلو لم يدخل في ملك من استولى عليه بقي بغير مالك ، وهو غير جائز.

وأما احتمال الملك إن قصد التملك عند الحيازة ، [ف] لأن الأصل عدم تجدد الملك إلا مع ثبوت السبب المقتضي له ، وقد بينا أن الجهاد ليس لقصد الملك ، بل لحفظ ملة الإسلام ، فلا بد للملك من سبب غيره وهو القصد إلى التملك بعد الحيازة ، وأما وجه التملك بالقسمة ، [ف] لأنه لو ملك قبل القسمة بالاستيلاء ، لما جاز مشاركة من لا يحضر الاستيلاء ، ولما زال بالإعراض عنه ، لأن سبب زوال الملك أشياء مخصوصة ليس الإعراض هاهنا (1) منها.

ص: 520


1- من «ن».

وأما وجه كون القسمة كاشفة عن سبق التملك بالاستيلاء ، [ف] لأن القسمة ليست سببا صالحا للتملك ، لأنها تميز حقوق الملاك ، فإذا حصلت القسمة تبينا حصول الملك حالة الاستيلاء ، وإذا لم يحصل لتلف الغنيمة أو لإعراض الغانم عن حقه ، تبينا عدم حصول الملك بالاستيلاء ، فالقسمة كاشفة عن سبق الملك ، وعدمها كاشف عن عدم سبقه.

إذا تقرر هذا فنقول : إن قلنا بحصول الملك بالاستيلاء من غير قيد اختيار التملك ولا قيد القسمة صح البيع في حصته وبطل في غيرها ، وإن قلنا بافتقاره إلى اختيار التملك والقسمة بطل في الجميع ، وكان الثاني أحق بإثبات اليد عليه دون الأول ، لأنه غانم قد استولى على شي ء من الغنيمة فيكون أحق بإثبات اليد عليه من غيره ، ولو كان المشتري من غير الغانمين لم تقر يده عليه ، لأنه ليس له في الغنيمة حق فلا يستحق إثبات يده على شي ء منها.

قال رحمه اللّه : ولو وجد شي ء في دار الحرب يحتمل أن يكون للمسلمين ولأهل الحرب كالخيمة والسلاح فحكمه حكم اللقطة ، وقيل : يعرّف سنة ، ثمَّ يلحق بالغنيمة ، وهو تحكم.

أقول : القائل بردّه إلى الغنيمة الشيخ في المبسوط ، وقال المصنف : إنه تحكم لعدم الدليل عليه ، والمعتمد ثبوت أحكام اللقطة له ، كما لو لقطة في غير دار الحرب ، لأنه مال ضائع لا يد لأحد عليه ، فيكون لقطة.

قال رحمه اللّه : إذا كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين ، قيل : ينعتق نصيبه ولا يجب ان يشتري حصص الباقين ، وقيل : لا ينعتق إلا ان يجعله الإمام في حصته أو في حصة جماعة هو أحدهم ثمَّ يرضى هو فيلزم لشراء حصص الباقين ان كان موسرا.

أقول : القائل بعتق النصيب هو الشيخ ، وهو بناء على أن الملك

ص: 521

يحصل بمجرد الاستيلاء ، لأنه ملك جزءا من قريبه فينعتق ذلك الجزء عليه ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر القواعد ، لأنه بناه على الملك بالاستيلاء ، وهو قد استقرب حصول الملك به.

والمعتمد عدم وجوب شراء حصص الباقين على القول بعتق الحصة ، لأنه لم يملك الجزء باختياره.

ونقل الشيخ قولا بعدم العتق ما لم يجعله الإمام في حصته أو حصة جماعة هو أحدهم ، لأن للإمام أن يدفعه إلى غيره ويدفع غيره إليه فيكون قد ملكه.

والجواب أن التخصيص بالقسمة لا يمنع سبق الملك المشاع ، فالإيراد غير وارد ، لأن حقيقة القسمة تخصيص كل واحد بجزء من المشترك ، والأول هو المعتمد.

فرع : لو اشترى أباه منفردا لم ينعتق عليه ، لأن الأسير لا يصير رقيقا بنفس الأسر ، لأن الإمام مخيّر بين المن والفداء والاسترقاق والقتل ، فإن اختار استرقاقه عتق على السابي أربعة أخماسه ، وقيل : يقوم عليه الخمس الباقي إن كان موسرا.

قال رحمه اللّه : ثمَّ يخرج الخمس ، وقيل : بل يخرج الخمس مقدما ، عملا بالآية. والأول أشبه.

أقول : المشهور أن السلب والجعائل والرضخ يستحقها المجعول له من أصل الغنيمة ، ثمَّ يخمس الباقي ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل هذه الأشياء ، ولم ينقل أنه أخرج منها الخمس.

ونقل الشيخ في المبسوط قولا : بأن هذه الأشياء تكون من الأربعة الأخماس ، لعموم الآية وهي قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ

ص: 522

لِلّهِ خُمُسَهُ ) (1) الآية ، وقال ابن الجنيد : في النفل (2) الخمس لأهله ، لما روي ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : «لا نفل إلا بعد الخمس» (3) ، قال : واما السلب للقاتل [ف] لا يشاركه فيه أهل الغنيمة ولا أهل الخمس ، والمعتمد عدم وجوب الخمس في الجميع عدا النفل فإنه يجب فيه الخمس ، لأنه غنيمة حقيقة.

تنبيهان :

الأول : النفل هو ما يجعله الإمام لبعض الغانمين زيادة على سهمه بشرط ، مثل أن يقول : «من قتل فلانا ، أو تولى السرية ، أو دلّني على القلعة ، أو من يحمل الراية فله كذا» ، ولا يتقدر بقدر ، وروي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل في البدأة الربع ، وهي السرية الأولى ، وفي الرجعة - وهي السرية الثانية بعد رجوع الأولى - الثلث (4). وقيل بالعكس ، وليس ذلك لازما ، بل بحسب ما يراه الإمام من المصلحة ، ولا يجوز النفل إلا مع الحاجة.

الثاني : السلب المستحق للقاتل بجعل الإمام ، وهو كل ما يد المقتول عليه من جنة القتال كالبيضة والدرع والجوشن ، أو كان سلاحا كالسيف والرمح والخنجر ، وكذلك الثياب التي لابسها والفرس التي راكبها دون الجنائب التي تساق خلفه ، ودون ما معه وليس آلة للحرب كالمنطقة ، والخاتم ، والمعضد ، والدراهم على الأقرب ، لأن المفهوم من السلب هو الثياب مع آلة

ص: 523


1- الأنفال : 41.
2- في «ر 1» : انتقال.
3- سنن البيهقي 6 : 614 ، وكنز العمال 2 : 272 الرقم 5825.
4- رواه في المبسوط 2 : 68.

الحرب التي يستعين بها على القتال ، يبقى الباقي غنيمة ، ويحتمل كونها سلبا ، لأنها تسلب عنه كالثياب ، وانما يستحق السلب بشروط :

الأول : أن يكون المقتول من المقاتلة ، فلو قتل من لا يستحق القتل كالصبي والمرأة والشيخ الفاني فإنه لا يستحق سلبه.

الثاني : أن يكون المقتول ممتنعا ، فلو قتل (1) أسيرا له أو لغيره ، أو مثخنا بالجراح لم يقدر على المقاومة لم يستحق سلبه.

الثالث : يشترط أن يعرف (2) القاتل بنفسه ، بأن يبارز (3) بين الصفين ، فلو رمى سهما فقتل به قتيلا لم يستحق سلبه.

الرابع : لا بد من البينة مع التجاحد ، لأنه مدع فعليه البينة ، وهل يفتقر إلى شاهدين أو يكفي الشاهد الواحد مع اليمين؟ يحتمل الأول ، لأنها دعوى قتل فلا تثبت إلا بشاهدين ، ويحتمل الثاني ، لأن المقصود منها المال فيثبت بشاهد ويمين.

الخامس : يشترط كون القاتل ذا نصيب من الغنيمة إما بسهم ، أو رضخ ، أو جعل ، ولو لم يستحق كالمرجف والمخذل (4) لم يستحق السلب.

ويتفرع هنا فروع لا حاجة لنا في ذكرها لسقوط أصل هذا الحكم عنّا في غيبة الإمام ، فلا نطول الكتاب بما لا تدعو الحاجة إليه.

قال رحمه اللّه : ثمَّ يعطى الراجل سهما والفارس سهمين ، وقيل : ثلاثة ، والأول أظهر.

ص: 524


1- في «ر 1» و «ي 1» و «ن» : أقبل.
2- من «ر 2» ، وفي الباقي : يقرر.
3- من «ن» و «ر 2» ، وفي الباقي : يبادر.
4- في «ر 2» : المجدل.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : وفي أصحابنا من قال : وللفارس ثلاثة أسهم ، سهم له وسهمان لفرسه ، وكذلك نقل ابن إدريس ، والمعتمد الأول ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وإنما يسهم للخيل وان لم تكن عرابا ، ولا يسهم من الخيل للقحم والرازح والضرع لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وقيل : يسهم مراعاة للاسم ، وهو حسن.

أقول : يستحق الفارس السهم الثاني للفرس ، سواء كان عتيقا ، أو برذونا ، أو هجينا ، أو مقرفا ، وسواء أدركت إدراك العراب أو لا ، وهذا إجماع ، وإنما الخلاف في الحطم ، والقحم ، والضرع ، والأعجف ، والرازح ، فالشيخ (2) أوجب السهم لها لصدق اسم الخيل عليها ، ومنع ابن إدريس من ذلك لعدم الانتفاع بها ، وهو معارض بوجوب السهم لمن لا ينتفع به كالطفل ، ومن لحق من المدد ، وإن لم يحضر القتال.

تنبيه : العتيق هو الذي أبوه وأمه عتيقان عربيان خالصان ، والبرذون ضد العتيق ، والهجين : هو الذي أبوه عتيق وأمه برذونة ، والمقرف عكس الهجين ، وهو الذي أمه عتيقة كريمة ، وأبوه برذون ، قال الشاعر :

وما هند الا مهرة عربية *** سليلة أقوام تحللها بغل

ص: 525


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 38 وباب 42 من أبواب جهاد العدو.
2- في «ن» و «ي 1» : قال الشيخ.

فإن نتجت مهرا كريما فبالجري *** وإن يك إقراف فمن جهة الفحل (1)

والحطم : هو الذي ينكس بصاحبه ، والقحم : هو الكبير الذي لا يمكن القتال عليه لكبر سنه وهرمة ، والضرع : هو الذي لا يمكن القتال عليه لصغره ، والأعجف : هو المهزول الذي لا يمكن القتال عليه لهزالته ، والرازح : هو الذي لا حراك به.

قال رحمه اللّه : المرصد للجهاد لا يملك رزقه من بيت المال إلا بقبضه ، فإن حل وقت العطاء ثمَّ مات كان لوارثه المطالبة به ، وفيه تردد.

أقول : المرصد الذي أرصد نفسه للجهاد ، وكان من جند الديوان ، الذين برسم الجهاد ، وهؤلاء يرزقهم الامام من بيت المال ، فلو مات قبل القبض بعد حلول العطاء ، هل لوارثه المطالبة؟

يحتمل ذلك ، لأن المطالبة حق لمورثه ، وقد انتقل اليه بموته ، فكان له المطالبة كما (2) كان لمورثه ، ويحتمل العدم ، لأن مورثه لا يملك رزقه إلا بالقبض ، ولم يقبض شيئا فلا يملك شيئا ، فلا يكون له المطالبة بما لا يملكه مورثه.

قال رحمه اللّه : قيل : ليس للأعراب من الغنيمة شي ء وان قاتلوا مع المهاجرين ، بل يرضخ لهم ، نعني بهم : من أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصولح على إعفائه من المهاجرة وترك النصيب.

أقول : هذا هو المذهب المشهور بين الأصحاب لما روي أن النبي صلّى

ص: 526


1- أنظر لسان العرب 11 : 339 (سلل) و 13 : 433 (هجن).
2- في «ن» و «ر 1» : لو.

اللّه عليه وآله وسلّم صالح الأعراب عن المهاجرة بترك النصيب (1) ، ونازع ابن إدريس في ذلك ، وقال : هذه رواية شاذة مخالفة لأصول مذهب أصحابنا ، لأنه لا خلاف بين المسلمين أن كل من قاتل من المسلمين كان من جملة المقاتلة ، وأن الغنيمة للمقاتلة فلا يخرج عن هذا الإجماع إلا بإجماع مثله. والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال ، وفي رواية يعاد على أربابها بالقيمة ، والوجه إعادتها على المالك ، ويرجع الغانم بقيمتها على الامام مع تفرق الغانمين.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى اختصاص الغانمين بها وإعطاء المالك القيمة من بيت المال ، سواء عرفها قبل القسمة أو بعدها ، لرواية هشام بن سالم (2) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي مرسلة.

وذهب في المبسوط إلى دفعها إلى المالك مطلقا ، فإن كان قبل القسمة خرجت من أصل الغنيمة ، وإن كان بعد القسمة أعطي الغانم قيمتها من بيت المال لئلا تنتقض القسمة ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

واشترط المصنف في دفع القيمة إلى الغانم من بيت المال تفرق الغنمين.

وقبل التفرق تنقض القسمة لظهور بطلانها ، لاشتمالها على قسمة ما ليس من الغنيمة ، ولا يجوز تملكه للغانمين ، ومع ظهور بطلانها يجب نقضها ، وهو قوي ، لكن في نقض القسمة ، وإعادتها ثانيا مشقة عظيمة مع دخول

ص: 527


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 3.
2- باب 35 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

النقص على الغانمين ، فكان دفع القيمة إلى الغانم أولى ، لما فيه من ترك المشقة ، وتوفر حق الغانمين من غير نقص يدخل على من انتزعت العين منه ، لأنه يأخذ قيمتها تماما ، ومع نقض القسمة يرجع إليه أقل من قيمتها ، لنقص الغنيمة بالعين المنتزعة ، فكان أولى ، وذهب العلامة في القواعد إلى مذهب المصنف.

ص: 528

في أحكام أهل الذمة

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل تسقط عن الهم؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، وقيل : تسقط عن المملوك.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الشيخ الفاني ، وبسقوطها عنه قال أحمد بن الجنيد ، لرواية حفص بن غياث (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على سقوطها.

وبعدم السقوط قال الشيخ في المبسوط ، لأنها وضعت للصغار والإهانة ، وهو يناسب الكفر الثابت في الشيخ الفاني وشبهه ، كالأعمى والمقعد ، ولعموم الآية (2).

والمعتمد التفصيل ، وهو : سقوطها عمن لم يبق له رأي ولا قتال ، وثبوتها على من له أحدهما.

الثانية : في المملوك ، والمشهور سقوط الجزية عنه ، وهو اختيار الشيخ

ص: 529


1- باب 18 من المصدر المتقدم ، حديث 1.
2- التوبة : 29.

في المبسوط ، وأبي الصلاح ، واختاره العلامة في أكثر كتبه ، لأنها تكليف يتعلق بالملك ، والعبد لا يملك شيئا فيسقط عنه.

وذهب محمد بن علي بن بابويه في كتاب المقنع إلى وجوبها على المملوك ويدفعها المولى عنه ، واختاره في التحرير ، للعموم.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الرجال قبل عقد الجزية فسأل النساء إقرارهن ببذل الجزية ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، وهو الأصح ، ولو كان بعد عقد الجزية كان الاستصحاب حسنا.

أقول : القولان ذكرهما الشيخ رحمه اللّه قال : يعقد لهن بشرط أن يجري عليهن أحكامنا ، وليس له سبيهن ، ولا أن يأخذ منهن شيئا ، فإن أخذ منهن شيئا ردّه ، قال : وقيل : إنه يحتال عليهن حتى يفتحن فيسبيهن ، ولا يعقد لهن الأمان لعدم جواز أخذ الجزية من النساء ، فيكون عقدا مخالفا للمشروع فيكون باطلا.

أما لو كان قتل الرجال بعد عقد الجزية ، قال المصنف : كان الاستصحاب حسنا. وجه حسنه أن الأمان قد ثبت لهن بعقد الرجال فيستحب استصحابه ، إذ الممنوع هو عقد الجزية عليهن ، والعقد قد جرى على الرجال لا عليهن ، والمعتمد عدم الجواز مطلقا ، لما تقدم من أنه مخالف للمشروع.

قال رحمه اللّه : والمجنون المطبق لا جزية عليه : فإن كان يفيق وقتا ، قيل يعمل بالأغلب. ولو أفاق حولا وجبت عليه.

أقول : لا خلاف في سقوطها عن المطبق مدة الحول ، ولا خلاف في وجوبها مع الإفاقة مدة الحول ، وإنما الخلاف في المجنون أدوارا ، وقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أقوال :

الأول : أنه يحكم للأغلب منهما ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ،

ص: 530

لا اعتبار الأغلب في كثير من الأحكام.

الثاني : أنه يلفق أيام الإفاقة ، فإذا بلغت حولا وجبت الجزية ، لأنه يصدق عليه أنه أفاق حولا فيجب عليه.

الثالث : السقوط ، وهو المعتمد لرواية طلحة (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على سقوطها عن المغلوب عليه عقله ، وهو يصدق على المطبق وغيره.

قال رحمه اللّه : ويجوز وضعها على الرؤوس أو على الأرض ولا يجمع ، وقيل بجوازه ابتداء ، وهو الأشبه.

أقول : عدم جواز الجمع مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وجواز الجمع مذهب ابن الجنيد وابي الصلاح والعلامة في القواعد ، لأن الجزية لا حد لها فجاز ان يضع قسطا على أرضهم وقسطا على رؤوسهم.

والمعتمد : إن وقع الصلح ابتداء على قدر معين من المال جاز أخذه منهما ومن أحدهما ، وإن وضعت على أحدهما وقدرت بمعين لم يجز تخطيه ، وإن لم يقدر بمعين جاز الأخذ منهما ، وكذلك لو وضعت عليهما ، فان قدرت بمعين لم يجز الأخذ من أحدهما دون الآخر ، وإن لم يقدر جاز الأخذ منهما ومن أحدهما.

قال رحمه اللّه : ويجوز أن يشترط عليهم مضافا إلى الجزية ضيافة مارة العسكر ، ويحتاج ان تكون الضيافة معلومة ، ولو اقتصر على الشرط وجب ان يكون زائدا على أقل مراتب الجزية ، ولو أسلم قبل الحول أو بعده قبل

ص: 531


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 51 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1.
2- الفقيه 2 : 27 ، حديث 98 ، ورواه في الوسائل باب 68 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1.

الأداء سقطت الجزية على الأظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في شرط الضيافة ، ولا خلاف في جواز اشتراطها مضافة إلى الجزية وغير مضافة ، فإذا أضيفت إلى الجزية لم تحد بقدر ، ولو اقتصر على الضيافة خاصة من غير جزية وجب أن تقدر على أقل مراتب الجزية ، وأقلها دينار على الفقير على ما قدره أمير المؤمنين عليه السلام (1) قيمة الدينار اثنا عشر درهما ، وفي غير الجزية قيمته عشرة دراهم.

ويجب ان تكون معلومة بأن يعين عدد من يطعمونه وعدد الأيام التي يطعمون فيها ، وقيل : لا يزيد على ثلاثة أيام ، والمعتمد الجواز مع الشرط بحسب ما يراه الامام.

ولا بد من تعيين القوت قدرا وجنسا ، وتعيين الأدم من لحم أو سمن أو شيرج أو زيت. وتعيين علف الدواب من قت أو تبن أو شعير لكل دابة شي ء معلوم ، وينبغي ان تكون الضيافة على قدر أحوالهم ، ويكثرها على الغني ، ويقللها على الفقير.

الثانية : إذا أسلم الذمي بعد الحول وقبل الأداء ، هل تسقط عنه الجزية أم لا؟ المشهور بين الأصحاب سقوطها ، لأنها وضعت للاصغار والإهانة وللرغبة في الدخول في الإسلام ، وقد حصل الإسلام فلا يجوز اهانة المسلم ولا تصغيره ، وقيل : بعدم السقوط ، لأنها وجبت بحئول الحول ، فلا يسقط بالإسلام بعده ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : ان لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ، ولو تظاهروا بذلك نقض العهد ، وقيل :

ص: 532


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 68 من أبواب جهاد العدو ، حديث 7.

لا ينقض ، بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزير.

أقول : هذه الأشياء يجب الكف عنها سواء شرط الامام عليه السلام عليهم في العقد ذلك أم لا ، فلو فعلوها قال الشيخ : لا ينقض العقد ، لأنه وقع صحيحا فلا ينقض عهدهم سواء شرط الامام عليهم الكف عن ذلك أو لا ، والمعتمد النقض مع شرط الكف ، لأنهم خالفوا ما شرط عليهم في العقد ، فينتقض عهدهم ، لأن الإمام ما أقرهم على دينهم إلا على جميع ما شرط عليهم ، فإذا خالفوا ما شرطه عليهم انتقض عهدهم ، لعدم الرضى بدونه ، وإن لم يشترطه عليهم في العقد لم ينتقض العهد بفعلهم ، وقاتلهم الامام بما يوجبه الجناية في شرع الإسلام.

تنبيه : جملة ما يشترطه الامام على أهل الذمة ستة أقسام :

أحدها : يجب شرطه ولا يجوز تركه ، وذلك اشتراط الجزية والتزام احكام المسلمين ، فلو أخلّوا بهما أو بأحدهما عمدا أو سهوا لم تنعقد الهدنة ، وصورة العقد أن يقول العاقد : اقررتكم على دينكم بشرط دفع الجزية ، والتزام احكام المسلمين ، فيقول الذمي : قبلت ، فإذا وقع على هذه الصفة انعقد ووجب الوفاء ، سواء شرط غير هذين الشرطين أو لا.

وأحدها : يستحب شرطه ولا يجب ، لكن إذا انعقدت الهدنة وجب الكف عنه وإن لم يشترط ، ومع المخالفة ينتقض العهد ، سواء شرط في العقد أو لم يشترط ، وهو كل ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالمعونة ، فهذان الشرطان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرطا في العقد أو لم يشترطا.

وأحدها : يجب الكف عنه ولا يجب شرطه ، وهو الزنا بنساء المسلمين وما شابه ذلك ، وقد ذكره المصنف ، ولا ينتقض العهد بمخالفتها الا مع الشرط.

ص: 533

وأحدها : المسألة المشروحة ، وهي التظاهر بالمناكير ، وقد ذكرنا الخلاف فيها.

قال رحمه اللّه : إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام كان للإمام ردهم إلى مأمنهم ، وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انهم دخلوا دار الإسلام بأمان فلا يقتلون بل يجب ردهم إلى مأمنهم ، ولأنهم لو دخلوا بشبهة أمان وجب ردهم ولا جاز اغتيالهم ، فمع دخولهم بالأمان يكون وجوب الرد أولى ، ومن أنهم مع خرق الذمة صاروا حربا لا ذمة لهم ، فيكون الامام مخيرا بين ردهم وقتلهم ، واسترقاقهم ومفاداتهم ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

والمعتمد إن كان خرقهم للذمة بقتال المسلمين ، أو اعانة الكفار عليهم ، جاز قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم ، وإلا وجب ردهم.

قال رحمه اللّه : وإذا انهدمت كنيسة مما لهم استدامتها جاز اعادتها ، وقيل : لا.

أقول : القائل بعدم الجواز هو الشيخ في المبسوط ، قال : لأنه لا دليل على ذلك ، وبناؤها محرم ممنوع منه ، قال : ولو قلنا : إن لهم ذلك كان قويا ، لأنا اقررناهم على التبقية فلو منعناهم عن العمارة لخربت.

وذهب العلامة في المختلف إلى جواز الإعادة ، وكذلك ولده في الإيضاح.

قال رحمه اللّه : فكل ما يستجده الذمّي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ، ويجوز مساواتهم على الأشبه.

أقول : لا خلاف في عدم جواز العلو ، وإنما الخلاف في المساواة ، ووجوب القصور مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، والعلامة في المختلف لقوله عليه السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) ، ومع

ص: 534


1- كنز العمال 1 : 17 ، رقم 246 ، والجامع الصغير 1 : 123.

المساواة لا يتحقق علو الإسلام ، ولأن منعهم من العلو لأجل الإهانة والصغار ، ولا يتحقق مع المساواة.

وقيل بجواز المساواة ، واختاره المصنف ، لأن للمالك أن يتصرف بملكه ما شاء ، خرج منه عدم جواز العلو للإجماع عليه ، فيبقى الباقي على أصالة الجواز ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور ، وقيل : المراد به مكة والمدينة.

أقول : هذا القول لا اعلم فيه خلافا بين الأصحاب ، وقال العلامة في التذكرة : ولا يجوز لكافر حربي ولا ذمي سكنى الحجاز إجماعا ، لكن المصنف لما لم يظفر بدليل مقنع عنده على هذا القول لم يجزم به ، وقال : (على قول مشهور) ، كما جرت عادته في هذا الكتاب ، وقد ذكرنا ذلك في مقدمة هذا الشرح.

واستدل عليه العلامة في التذكرة ، بقول ابن عباس ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «انه اوصى بثلاثة أشياء : أحدها إخراج المشركين من جزيرة العرب» (1) ثمَّ استدل بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» (2).

قال صاحب التذكرة : والمراد بجزيرة العرب في هذه الاخبار : الحجاز خاصة ، قال : ويعني بالحجاز مكة والمدينة والإمامة ، وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها ، ومثله قوله في التحرير : وسمي حجازا لحجزه بين نجد وتهامة ، واقتصر في القواعد على مكة والمدينة ، قال : وهي داخلة في جزيرة العرب.

والأول هو المعتمد ، لأن دليل المنع الأخبار الواردة بالمنع من جزيرة

ص: 535


1- سنن البيهقي 9 : 207.
2- سنن البيهقي 9 : 207.

العرب ، والأماكن التي عددها في التحرير والتذكرة داخلة في جزيرة العرب بلا خلاف ، فيجب أن يمنعوا منها بلا خلاف أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي الاجتياز به والامتيار منه تردد ، ومن أجازه حده بثلاثة أيام.

أقول : جزم العلامة في قواعده بجواز الاجتياز والامتيار ، قال : ولا يمكن من الإقامة أزيد من ثلاثة أيام على موضع سوى يوم الدخول والخروج ، ونقله في التحرير عن الشيخ ، وهو يدل على عدم الجزم به.

وتردد المصنف من أصالة الجواز ، ومن عموم المنع الشامل للاجتياز والامتيار وغيره ، ويجوز مع اذن الامام قطعا ، وانما يأذن لهم مع المصلحة كحمل الميرة ، وإذا أقام في بلد ثلاثة أيام أمر بالانتقال إلى بلد آخر.

قال رحمه اللّه : ولا جزيرة العرب ، وقيل : المراد بها مكة والمدينة واليمن ومخالفيها ، وقيل : هي من عدن الى ريف عبادان طولا ، ومن تهامة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا.

أقول : اختلف أهل اللغة في تحديد جزيرة العرب ، نقل صاحب التحرير عن الأصمعي وابي عبيدة : انها ما بين عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا ، ونقل صاحب الصحاح عن أبي عبيدة : انها من حفر أبي موسى الأشعري إلى اليمن طولا ، ومن رمل يبرين إلى منقطع السماوة عرضا.

تنبيه : ريف عبادان الذي ذكره المصنف داخل في ريف العراق ، والريف قال صاحب الصحاح : أرض فيها زرع وخصب ، والجمع أرياف ، ورافت الماشية : اي رعت الريف ، وأريفنا أي صرنا إلى الريف ، وأرافت الأرض أي أخصبت ، وهي أرض ريّفة بتشديد الياء.

ص: 536

فعلى هذا يكون حد الجزيرة ما زرع وكان ذا خصب من ارض العراق ، وانما سميت الجزيرة ، لأن بحر الحبش وبحر الفارس والفرات أحاطت بها ، وانما نسبت إلى العرب ، لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.

قال رحمه اللّه : ويجوز الهدنة أربعة أشهر ، ولا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور ، وهل يجوز أكثر من أربعة أشهر؟ قيل : لا ، لقوله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وقيل : نعم لقوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) .

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحديد الكثرة بالسنة : وهو المشهور بين الأصحاب ، والمصنف لم يجد دليلا مرضيا على هذا القول ، فلم يجزم به ، واستدل العلامة في القواعد بقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (1).

وفي صحة الاستدلال بهذه الآية على السنة نظر ، لأنها دلت على ترك القتال أربعة أشهر لا غير ، فكيف يستدل بها على السنة ، والمانع من الزيادة على الأربعة جعلها دليلا له ، وهي دالة على مطلوبه.

ويمكن أن يقال : إذا دلت على المنع من الزيادة على الأربعة فدلالتها بالمنع من الزيادة على السنة أولى ، ونقل في التحرير عن الشيخ وابن الجنيد تقدير الزيادة مع حاجة المسلمين بعشر سنين ، فلو عقده أكثر من عشر سنين بطل الزائد خاصة ، وجنح إليه في القواعد.

الثانية : في الزيادة على أربعة أشهر ، وقد ذكر المصنف وجهي الفريقين ، والمعتمد اعتبار المصلحة ، وهذا تكليف راجع إلى غيرنا فلا ضرورة في ترك الاستقصاء في تحقيقه.

ص: 537


1- التوبة : 5.

قال رحمه اللّه : لو قدم زوجها وطالب بالمهر فماتت بعد المطالبة دفع اليه مهرها ، ولو ماتت قبل المطالبة لم يدفع اليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من السبب الموجب لدفع المهر وهو الإمساك والحيلولة ، ومن أن الحيلولة انما تحقق بعد المطالبة والمنع لا قبله ، وجزم العلامة في القواعد والتحرير بعدم الدفع مع موت أحد الزوجين قبل المطالبة وبعدها ، وإن كان الميت الزوج دفع المهر إلى ورثته.

تنبيه : كل موضع يجب فيه رد المهر فهو من بيت مال المسلمين المعد للمصالح ، وإنما يجب رد المهر على الزوج إذا قدمت على بلد الإمام أو نائبه الذي استخلفه وكان الإمام أو الخليفة هو المانع من ردها ، اما لو قدمت على بلد من بلاد المسلمين غير بلد الامام وبلد الخليفة منع الزوج من أخذها ، ولا يجب على الامام ان يدفع إليه شيئا ، سواء كان المانع من ردها العامة أو رجال الامام ، ولا يجب على المانع شي ء أيضا.

قال رحمه اللّه : اما لو انتقل إلى دين يقر أهله عليه كاليهودي ينقل إلى النصرانية أو المجوسية ، قيل : يقبل ، لأن الكفر كالملة الواحدة. وقيل : لا ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ، وإن عاد إلى دينه ، قيل : يقبل ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ، ولو أصر فقتل ، هل يملك أطفاله؟ قيل : لا ، استصحابا لحالتهم الأولى.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : جواز إقراره على ما انتقل اليه وعدمه ، وبالجواز قال ابن الجنيد والشيخ في الخلاف ، واختاره العلامة في المختلف لما ذكره المصنف من أن الكفر كالملة الواحدة ، ولأن ابتداء الكون على المذهب المنتقل اليه مقبول ، فيقبل بالانتقال إليه ، ولأن الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع على ذلك ، ودعوى

ص: 538

الشيخ حجة ، وقوى في المبسوط عدم الإقرار عليه للاية (1) التي ذكرها المصنف ، ولقوله عليه السلام : «من بدل دينه فاقتلوه» (2) ، وهو عام إلا فيما إذا بدل الكفر بالإسلام ، وهذا هو المعتمد.

الثانية : على المختار من عدم جواز إقراره على ما انتقل اليه ، هل يقبل رجوعه إلى دينه الذي انتقل عنه؟ قوى في المبسوط عدم جواز الرجوع اليه ، بل لا يقبل منه إلا الإسلام ، أو القتل للآية والخبر ، وهو المعتمد ، لأنه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه صار كالمرتد لا يقبل منه إلا الإسلام ، وقال في المبسوط أيضا : فإنه يصير مرتدا عن دينه ، فيطالب بالرجوع إلى الإسلام أو الدين الذي خرج منه ، ثمَّ قال بعد ذلك : ولو قيل : لا يقبل منه الا الإسلام أو القتل كان قويا.

الثالثة : في حكم أطفاله مع الإصرار والقتل ، فنقول : لا يخلو إما أن تكون أم الأطفال كتابية أو وثنية ، فإن كانت كتابية أقروا الأطفال ، وإن كانت وثنية قال الشيخ : يقرون أيضا لما سبق لهم من الذمة ، واختاره العلامة في التحرير ، ويحتمل جواز تملكهم للإمام ، لأنهم أطفال كافر وجب عليه قتله فيصيرون فيئا للإمام ، لأنهم لم يوجف عليهم بخيل ولا ركاب.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى الكافر مصحفا لم يصح البيع ، وقيل : يصح وترفع يده ، والأول انسب بإعظام الكتاب العزيز ، ومثل ذلك كتب أحاديث النبي المنقولة عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقيل : يجوز على كراهية ، وهو أشبه.

أقول : المشهور عدم جواز شراء الكافر المصحف ، قال الشيخ : ومن

ص: 539


1- آل عمران : 85.
2- المستدرك 18 : 163 ، باب 1 من أبواب حد المرتد ، حديث 2.

الناس من قال : يملك ويلزم بالفسخ ورفع يده عنه ، والمعتمد عدم دخوله في ملك الكافر لما قاله المصنف.

وأما كتب الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فقد منع الشيخ أيضا من شرائها للكافر وللتعظيم أيضا ، والمشهور الكراهية ، لأصالة الجواز ولأن حرمتها أقل من حرمة المصاحف فلا يتعدى حكم المصاحف إليها.

ص: 540

في قتال أهل البغي

قال رحمه اللّه : وهل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل ويحول؟ قيل : لا ، لما ذكرناه من العلة ، وقيل : نعم عملا بسيرة علي عليه السلام ، وهو الأظهر.

أقول : القول بغنيمة ما حواه العسكر ، وقسمته بين المقاتلة مذهب الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن ابي عقيل وابي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وعدمه مذهب السيد المرتضى.

وفصل في المبسوط ، قال : إن كان الباغي ممن له فئة يرجع إليها كأهل الشام جاز غنيمة ما حواه العسكر من أموالهم ، وإن لم يكن له فئة ورجعوا إلى طاعة الإمام كأهل البصرة لم يجز غنيمة أموالهم ، واختاره أبو العباس ، ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك لعدم تكليفنا به.

ص: 541

ص: 542

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

ص: 543

ص: 544

في شروطهما

قال رحمه اللّه : والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إجماعا ، ووجوبهما على الكفاية ، يسقط بقيام من فيه غناء ، وقيل : بل على الأعيان ، وهو أشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن حمزة إلى الوجوب على الأعيان ، واختاره المصنف ، لعموم الآية (1) والروايات (2) الدالة عليه.

وذهب السيد وابن إدريس وأبو الصلاح إلى وجوبه على الكفاية ، لأن المطلوب في نظر الشرع تحصيل المعروف وارتفاع المنكر ولم يتعلق غرضه من مباشر بعينه فيكون واجبا على الكفاية.

والمعتمد الوجوب بالقلب على الأعيان ، وبالفعل على الكفاية.

قال رحمه اللّه : ولو افتقر إلى الجرح أو القتل ، هل يجب؟ قيل : نعم ،

ص: 545


1- آل عمران : 110 راجع كنز العرفان 1 : 406.
2- راجع الوسائل ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب 1 من أبواب الأمر والنهي.

وقيل : لا ، إلا بإذن الإمام ، والأول أظهر.

أقول : الأول مذهب السيد المرتضى والشيخ في التبيان وابي الصلاح ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف ، لعموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والثاني : مذهب الشيخ في النهاية والاقتصاد ، وبه قال سلار وابن البراج ، واختاره المصنف والشهيد لعصمة النفوس ، وتحريم الاقدام على إراقة الدماء بغير اذن الامام.

قال رحمه اللّه : وهل يقيم الرجل الحد على زوجته وولده؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من أن اقامة الحدود حكم شرعي منوط بالإمام أو من نصبه الامام ، ومن عموم الأمر بإقامة الحدود مع الأمن من الضرر (1) للحذر من تعطيلها وانتشار الفساد.

والجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، والعلامة في المختلف ، قال : لأنه لا يشترط ان يكون فقيها ، ومذهبه جواز اقامة الحدود للفقهاء ، مع أن جوازه للفقهاء عند القائل به على العموم لا يختص بالولد والزوجة ، مع أن سلار قائل بالمنع من إقامة الحدود على الولد والزوجة مع قوله بجوازه للفقهاء على العموم ، فيكون للولد والزوجة حكم بانفرادهما.

وكذلك المملوك ، لأن ابن إدريس أجاز إقامة الحد عليه مع منعه من اقامته على غيره مطلقا.

قال رحمه اللّه : ولو ولي وال من قبل الجائر ، وكان قادرا على إقامة الحدود ، هل له إقامتها؟ قيل : نعم بعد ان يعتقد انه يفعل ذلك بإذن إمام الحق ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

ص: 546


1- راجع الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب مقدمات الحدود وأحكامها.

أقول : الرجعة في الجواز وعدمه إلى جواز اقامة الحدود للفقهاء حال الغيبة ، فالقائل بالجواز - كالشيخ وابن الجنيد والعلامة - قائل بالجواز هنا ، والمانع عنه - كابن إدريس - مانع هنا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود حال غيبة الإمام.

أقول : هذا قول الشيخ وابن الجنيد وسلار ، واختاره العلامة.

ومنع ابن إدريس من اقامة الحد في حال الغيبة مطلقا على غير مملوكه لاختصاص هذا الحكم بالإمام أو نائبه.

ص: 547

ص: 548

محتويات الجزء الأوّل

مقدمة التحقيق... 5

حياة المؤلّف... 7

اسمه... 7

والده... 7

نسبته... 7

ولادته... 8

مشايخه... 9

تلامذته... 9

جملة من أحوال الشيخ حسين ولد المؤلف... 9

مؤلفات الشيخ حسين الصيمري... 10

وفاة الشيخ مفلح... 11

مدفنه... 12

أقوال العلماء فيه (ذكره الخالد)... 12

مؤلفاته... 13

ص: 549

نماذج من شعره... 16

حول الكتاب... 18

نسخ الكتاب... 20

نهجنا في تحقيق الكتاب... 21

خاتمة المقدمة... 23

نماذج مصورة... 25

كتاب غاية المرام... 36

خطبة الكتاب... 37

مقدمة في توضيح بعض المصطلحات... 39

كتاب الطّهارة

في تطهير القليل باتمامه كراً... 44

تحديد الكر... 45

في تفسير الرطل وحكم الحياض والغدران والاواني... 46

في ماء البئر... 47

في منزوحات البئر... 48

حكم ما لو تغير احد اوصاف ماء البئر بالنجاسة... 50

تنبيه في تحديد اليوم... 51

فروع عشرة... 52

في الماء المضاف... 53

حكم الماء المستعمل في رفع الحدث... 53

في الاسئار... 54

حكم ما لايدركه الطرف من الدم... 54

ص: 550

حكم الغائط والبول الخارجان من غير المعتاد... 55

فروع خمسة... 55

في نية الوضوء... 56

في الاجتزاء بنية غسل الجنابة عن باقي الاغسال لو اجتمعت... 57

تنبيه في الاجتزاء عن الاغسال المتعددة بتيممين... 58

حكم النكس في غسل الوضوء... 58

فرعان... 58

الوضوء... 59

في حكم المسح على الحائل... 59

فرعان... 59

الموالاة... 60

المسلوس والمبطون... 61

مسائل ثلاث في الخلل... 62

في الجنابة... 65

تنبيه في مواضع اختلاف حكم الدبر والقبل... 66

فروع خمسة تتعلق بالايلاج المسبب للجنابة... 67

فيمن أحدث أثناء غسل الجنابة... 68

تنبيه فيمن أحدث اثناء غسل الجنابة... 68

في الحيض... 69

في أقل الحيض... 70

فرع... 70

وقت ترك العبادة للحائض... 70

في وجوب السجود على الحائض إذا ثبت عليها العزائم... 71

ص: 551

في وجوب الكفارة بوطء الحائض عمداً وعدمه وفيه فروع أربعة... 72

في تكرر الكفارة وعدم تكرر الوطء... 73

فرع في قيمة الكفارة ومصرفها... 73

في الاستحاضة... 75

في شروط التمييز وحكم الراجعة الى الروايات... 76

في من اجتمع لها العادة والتمييز... 77

تنبيه في حكم التمييز ومعنى القوة المعتبرة فيه... 77

في ناسية الوقت... 78

في النفاس... 81

أكثر النفاس... 81

تنبيه في حكم التوأمين... 81

في أن النفساء كالحائض إلا في مواضع... 82

في أحكام الأموات... 85

في أقل ما يكفي في الماء من السدر... 86

تنبيه في لزوم طحن السدر... 86

في وجوب الوضوء مع غسل الميت وعدمه... 86

حكم الغسلة مع عدم السدر والكافور... 87

تنبيه في كفاية نية واحدة عند الغسلة الاولى... 87

في حكم الشهيد... 88

فرع في عدم جواز التكفين بالجلد... 88

في الأغسال المندوبة... 89

في تداخل الاغسال... 90

في الطهارة الترابية... 90

ص: 552

فيمن أخل بالضرب حتى ضاق الوقت... 90

فروع أربعة... 91

في حكم التيمم قبل دخول الوقت ومع الضيق والسعة... 92

في كفاية الضربة أو الضربتين... 93

في أحكامه... 94

في فاقد الطهورين... 95

في حكم وجدان الماء بعد فقدانه... 97

في اجتماع ميت ومحدث وجنب... 97

فروع خمسة... 98

في النجاسات... 99

رجيع ما لا نفس له سائلة... 99

ذرق الدجاج... 99

مني ما لا نفس له... 100

ما لا تحله الحياة... 100

الثعلب والارنب والفأرة والوزغ... 101

المسكرات... 101

عرق الجنب من الحرام وعرق الابل الجلالة والمسوخ... 102

أحكام النجاسات... 103

المتفرق من الدم... 103

فرعان... 104

فيمن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الصلاة مع علمه بسبقها عليها... 105

في حكم الصلاة بالثوب الطاهر المشتبه بالنجس... 106

فروع ثلاثة... 107

ص: 553

حكم الغسالة... 108

حكم الذنوب الملقى على نجاسة على الأرض... 110

تنبيه في مطهرات الأرض... 111

تذنيب فيما يطهر بغير الكثير... 111

حكم الولوغ... 112

فرعان :... 112

كتاب الصلاة

في النوافل... 115

في أوقات الصلاة... 117

في أوقات النوافل... 120

فيمن قدم العصر على الظهر... 122

في القبلة... 124

حكم القادر على العلم بالكعبة والاجتهاد فيها والعاجز عنهما... 126

فروع خمسة... 127

تذنيب في كون العلم بدلائل القبلة واجب عيني... 128

في علامات الاقاليم... 128

حكم من تبين له خطأ الجهة التي صلّى إليها... 129

في لباس المصلي... 130

فيما يجب على المرأة ستره حال الصلاة... 133

فروع خمسة... 135

في المكان... 137

في الأذان والإقامة... 139

ص: 554

في عدد فصول الأذان وحكم من ارتد في اثنائه ثم رجع... 140

فروع ثلاثة... 141

تنبيه في تأكد استحباب الأذان إلا في مواضع خمسة... 141

فرع... 142

أفعال الصلاة... 143

في النية... 143

حكم من نوى الخروج من الصلاة... 143

فروع ثلاثة... 144

في القيام... 145

حكم القادر على القيام في بعض الصلاة... 145

تنبيه في أنّ القيام مقول بالاشتراك على معان متعددة... 146

في الفرق بين التورك وثني الرجلين... 147

تنبيه... 147

في القراءة... 149

حكم التأمين بعد قراءة الحمد... 150

فرعان... 150

في أنّ الموالاة شرط في القراءة... 151

تحقيق في ان السكوت على خمسة أقسام... 151

فيما يجزى عوضاً عن الحمد من التسبيحات... 152

فروع ثلاثة... 153

في الركوع... 155

في وجوب التسبيح وما يجزي فيه... 155

فروع أربعة... 155

ص: 555

في وجوب التكبير للركوع وعدمه... 156

تنبيه في استحباب خمس تكبيرات في كل ركعة... 156

في السجود... 157

حكم القاريء والمستمع والسامع لتلاوة والعزائم... 157

فروع أربعة... 157

في التسليم... 159

في قواطع الصلاة... 161

في أنّ الشروط التي يجوز فيها الشرب في الوتر خمسة... 162

حكم رد المصلّي للسلام وصورته... 163

فروع أربعة... 164

تنبيه في أن كل ما يبطل المكتوبة يبطل المندوبة إلّا خمسة أشياء... 165

بقية الصلوات... 167

في صلاة الجمعة... 167

في وقت إيقاع الصلاة... 168

حكم الجمعتين في بلد واحد... 170

في وجوب الجمعة على العبد وعدمه... 171

فرع... 171

في شروط امام الجمعة وحكم الأذان الثاني... 173

حكم البيع يوم الجمعة بعد الأذان... 174

فروع خمسة... 175

حكم الجمعة زمن الغيبة... 176

فروع ثلاثة... 176

تعقيب على الفرع الثالث وتفسير عبارة الشهيد في البيان... 177

ص: 556

حكم المأموم الذي لا يتمكن من السجود مع الامام... 178

في صلاة العيدين... 181

حكم التكبير الزائد في القنوت... 182

فروع ستة... 183

في حكم الخروج بعد الفجر وقبل الطلوع يوم الجمعة... 184

فرع... 184

في صلاة الكسوف... 187

وقت وجوبها... 187

حكم ما اذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة... 188

فروع إحدى عشرة... 188

تنبيه في حصول العلم والظن بسعة الوقت في الكسوف... 190

في الصلاة على الأموات... 191

في وجوب الدعاء فيها وعدمه... 191

حكم رفع اليدين في التكبير... 192

تنبيه في كون أفضل الصفوف في الصلاة المتقدم إلا صلاة الجنازة فإن أفضلها المتأخر... 192

في الصلوات المرغبات... 195

في الخلل الواقع في الصلاة... 197

فيمن فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط وفيها فوائد أربعة... 201

في اعتبار خفاء الجدران والأذان... 203

في حد السهو الكثير... 203

تنبيه في معنى سقوط الحكم فيمن كثر سهوه... 203

تنبيه آخر في معنى قوله من سهى في سهو لم يلتفت... 204

ص: 557

فروع ستة... 204

في موضع سجدتي السهو... 206

في وجوب الذكر في السجدتين وتعين لفظ خاص وعدمه... 207

في قضاء الصلاة... 209

في ترتيب الفوائت... 210

فرع... 210

في من فاتته فريضة من الخمس... 211

في الجماعة... 213

حكم قراءة المأموم خلف الامام... 214

في ائتمام المفترض والمنتفل... 215

في وقت القيام الى الصلاة... 216

فائدة في من اسقط حي على خير العمل من الأذان... 216

شروط امام جمعة... 216

شرط الحرية... 217

تنبيه في جواز امامة اللاحن... 217

في من صلّى خلف إمام ثم تبين كونه كافراً أو فاسقاً أو محدثاً... 218

فروع خمسة... 218

في لزوم استئناف التكبير وعدمه لمن أدرك الامام في السجدتين... 219

في صلاة الخوف... 221

في لزوم التقصير مطلقاً وعدمه... 221

حكم أخذ السلاح فيها ولو كان نجساً... 221

تنبيه في محل مفارقة إحدى الطائفتين للأخرى في الصلاة... 221

حكم من صلّى مومياً فأمن... 222

ص: 558

فرع... 222

في صلاة المسافر... 223

في ما يعلم به المسافة التي يجب معها القصر... 223

فروع ثلاثة عشر... 224

حكم صلاة وصوم من سافر للصيد... 225

فروع ثلاثة... 226

حكم المقيم خمسة أيام... 227

تنبيه في تحقيق الكثرة في السفر التي يتعلق بها وجوب الاتمام... 227

في اعتبار خفاء الجدران والأذان... 228

تنبيه في المراد منهما... 228

في أن القصر عزيمة... 229

حكم المسافر أربعة الذي لم يرد الرجوع ليومه وليلته... 229

فروع ثمانية... 229

إذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر وبالعكس... 230

فيمن نوى الاقامة عشراً ودخل في الصلاة فعنّ له السفر... 231

فروع ثلاثة... 231

في أن إعتبار القضاء هل هو بحال الفوات أو بحال الوجوب؟... 232

كتاب الزكاة

فيمن تجب عليه... 235

فيما يستحب فيه الزكاة... 239

في زكاة الأنعام... 241

في أن للتقسيط طريقان البسط والنسبة... 242

ص: 559

في أن المعتبر في السوم الاسم أو الاغلب... 243

فروع خمسة... 243

في اشتراط بقاء الملك والنصاب من اول الحول في وجوب الزكاة... 244

فرع... 244

حكم النقاص... 245

تنبيه في الجبران وأنه منوط بالامام لا بالفقيه... 245

في الشاة التي تؤخذ في الزكاة... 246

فروع خمسة... 246

في زكاة الذهب والفضة... 249

حكم شرط المقترض الزكاة على المقرض... 250

في زكاة الغلات... 251

في حد اجناس الزكاة... 251

مسائل ثلاث... 252

تنبيه في حالات الغلات... 252

في أن وجوب الزكاة بعد إخراج حصة السلطان والمؤن... 253

الضابط في المؤنة... 254

فروع ستة... 255

في من ملك نخلاً بعضه يطلع مرة وببعضه مرتين... 256

في زكاة التجارة... 257

فيمن اشترى متاعاً للتجارة... 257

فروع أربعة... 258

تحقيق في حكم من ملك أحد النصب الزكاتية... 259

تحقيق في حكم من عاوض أربعين سائمة بأربعين للتجارة... 260

ص: 560

في أصناف المستحقين... 263

تنبيه في معنى الغنى المانع من أخذ الزكاة... 264

في اعتبار الحرية في العامل وعدمه... 265

تنبيه في وظيفة العامل وأقسامه... 266

فيما لو صرف الغارم الزكاة في غير ما أخذ له... 267

فيما لو ادعى العبد انه مكاتب... 267

فرع... 267

في أقسام الغارمين... 268

حكم من جهل مصرف دينه... 268

فروع ثلاثة... 268

في اختصاص السبيل بالجهاد وعدمه... 269

تنبيه في أقسام الغزاة... 269

في لزوم اعادة الفاضل عن مؤنة ابن السبيل... 270

فرع... 270

في أوصاف المستحقين... 271

في من يحرم عليه الصدقة الواجبة... 272

فروع أربعة... 272

في متولي الإخراج... 275

في الإخراج... 277

تحقيق في مسألة من يتم نصابه بالقرض... 277

فروع ثلاثة... 278

في النية... 279

تحقيق فيما لو اخرج من ماله الغائب فبان تالفاً... 280

ص: 561

في وجوب النية على المالك والامام والساعي والفقيه وعدمه... 281

في زكاة الفطرة... 283

في عدم وجوبها على الفقير... 283

ضابط الفقير... 283

في تحديد الغني... 283

متى تجب الزكاة عن الزوجة والمملوكة... 284

فرعان... 284

تحقيق في وجوب الزكاة عن العبد الموصى به... 285

تنبيه في مقدار ووزن الزكاة... 286

في تقدير عوض الواجب... 286

فروع ثلاثة... 287

في لزوم العزل في نية الوجوب وعدمه... 288

كتاب الخمس

فيما يجب فيه الخمس... 293

في اشتراط بلوغ النصاب في معادن الذهب والفضة وعدمه... 293

فروع خمسة... 294

في حكم واجد الكنز في أرض موات من دار السلام... 294

فروع ثلاثة... 295

في وجوب الخمس في كل كنز... 295

في وجوب الخمس على كل واجد... 295

في قسمة الخمس... 297

في أن قسمة الخمس ستة أقسام... 297

حكم المنتسب بالأم الى هاشم... 297

ص: 562

وجوب مراعاة الفقر في اليتيم وعدمه... 298

حكم ابن السبيل... 298

في اعتبار الايمان والعدالة وعدمها... 298

حكم صرف الخمس مع وجود الامام (عليه السلام) وغيبته... 299

فرع في مقدار ما يعطى السيد من الخمس... 300

كتاب الصوم

في النية... 303

الفرق بين الركن والشرط... 303

في اشتراط التعيين في صوم رمضان وعدمه... 304

فروع... 304

في محل النية في الصوم الواجب والمندوب... 305

في اختصاص رمضان بتقديم نيته عليه... 306

وفي اجزاء نية واحدة للشهر كله وعدمه... 306

تنبيه في حد النية... 307

في الترديد في النية... 307

حكم من نوى الافطار ثم جدد قبل الزوال في رمضان... 308

فيما يمسك عنه الصائم... 311

حكم الوطيء في الدبر... 311

فرعان... 312

حكم المساحقة... 312

حكم المجامع اذا طلع الفجر فاستدامه... 312

حكم الكذب على اللّه ورسوله... 313

حكم الارتماس... 313

ص: 563

ايصال الغبار الغليظ الى الحلق... 313

حكم البقاء على الجنابة عمداً حتى طلوع الفجر... 314

تنبيه في الحائض والنفساء التاركة للغسل حتى تصبح... 314

فيمن نظر إلى امرأة فأمنى وفيه تحقيق... 315

فرع... 316

حكم الحقنة بالمائع والجامد... 317

حكم من أكل ناسياً فظن فساد صومه... 317

حكم المكره على الافطار... 317

في كفارة رمضان... 318

حكم المفطر في رمضان على محرم... 318

فرع في حكم من وجب عليه كفارة الجمع وعجز عن بعضها... 319

فيمن أجنب ونام ناوياً للغسل... 320

فرع... 320

فيمن سبق إلى حلقه ما يفسد صومه... 321

فرعان... 321

في صب الدواء في الاحليل... 322

فرع... 322

في تكرر الكفارة بتكرر الموجب وعدمه... 323

حكم من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط عنه فرض الصوم... 323

فرعان... 323

في تحمل المكره الكفارة عن المكره... 324

فروع خمسة... 324

في الزمان الذي يصح فيه الصوم... 327

ص: 564

في من يصح الصوم منه... 329

حكم المغمى عليه... 329

صوم النذر في السفر... 329

حكم صوم التطوع في السفر... 330

حكم من أصبح جنباً بعد الفجر... 331

في البلوغ الذي تجب معه العبادات... 332

في شهر رمضان... 333

حكم شهادة الشاهدين بالرؤية... 333

فروع خمسة... 333

لو صام يوم الشك بنية رمضان لأمارة... 335

فيما لو غمت الشهور... 335

في القضاء... 339

حكم الصبي والمجنون والمغمى عليه... 339

فيمن أسلم أثناء اليوم... 340

حكم التتابع والتفريق في القضاء... 340

فيمن استمر به المرض الى رمضان آخر... 341

فرع... 341

في ما يقضيه الولي... 341

فيمن كان له وليان أو أولياء متساوون في السن... 342

فروع سبعة... 342

في لزوم القضاء عن المرأة وعدمه... 344

حكم من لم يكن له ولي ذكر... 344

حكم من نسي غسل الجنابة ومرَّ عليه أيّام... 345

ص: 565

في الكفارات... 347

في لزوم الترتيب وعدمه في كفارة الصيد... 347

فرعان... 348

حكم من وجب عليه شهر متتابع بنذر... 348

تنبيه في حكم المتابعة المشروطة في النذر... 349

حكم صوم ايام التشريق... 349

في الصوم المكروه والمحظور... 351

في اللواحق... 353

اعتبار تبييت النية في قصر الصوم وعدمه... 353

حكم الشيخ والشيخة... 354

حكم ذي العطاش... 355

حكم الحامل المقرب... 356

فروع ستة... 356

حكم النائم اذا استمر به النوم وقد نوى الصوم ليلاً... 357

المجنون والمغمى عليه... 357

حكم التملي والجماع لمن ساغ له الافطار في شهر رمضان... 358

كتاب الاعتكاف

في شرائطه... 363

فيمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام دون لياليها... 364

ص: 566

فرع... 364

تنبيه في لزوم نية الاعتكاف والصوم معاً... 365

ضابط الموضع الذي يصلح فيه الاعتكاف... 366

في أقسامه... 367

حكم ما لو شرط الرجوع عند العارض... 367

فرعان... 370

في أحكامه... 373

في كون المعتكف كالمحرم وعدمه... 373

فيمن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب... 373

في وجوب القضاء وأن الكفارة تلزم بالجماع أو مطلقاً... 375

فرعان... 377

حكم الارتداد والاكراه على الجماع والبيع والشراء أثناء الاعتكاف... 377

تنبيه في عدم ابطال بيع المعاطاة اعتكاف المعتكف بناءاً على ابطال البيع... 378

في لزوم التتابع في الاعتكاف وعدمه... 378

كتاب الحج

في الصبي والمجنون الذي أدرك المشعر كاملاً... 381

تنبيه في الكمال بعد المشعر وبقاء الوقت... 381

تحقيق في حكم إحرام الصبي مميزاً كان أم لا... 382

فروع ستة... 383

في ثبوت ولاية الاحرام بالصبي للأم وعدمه... 385

حكم من بذل له زاد وراحلة ونفقة أو وهب ذلك... 386

في وجوب الاستنابة على المانع... 386

فرع... 387

حكم عدم المستمسك خلقة... 387

ص: 567

فرع... 387

فيمن أصبح مسلماً ثم ارتد ثم تاب... 388

في اشتراط الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج وعدمه... 389

فرع... 390

تنبيه في اقسام الشرائط المعتبرة في الحج... 390

في لزوم القضاء من بلد الميت وعدمه... 390

تنبيه في أن أقرب الأماكن هو الميقات... 391

حكم من نذر الحج أو افسد وهو معضوب... 392

فيمن نذر الحج ونوى حجة الاسلام ، هل يتداخلا ام لا؟ وهل يجزي احدهما عن الآخر 393

تحقيق مسهب للشارح... 393

حكم من نذر المشي في الحج... 398

حكم التطوع أو النيابة لمن عليه حجة الاسلام... 399

فيما لو شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها... 400

فرع... 400

حكم ايجار النفس ثانية لمن استؤجر بحجة... 401

تنبيه في شرط صحة الاجارة للمتأخر في الايقاع... 402

في ضمان الحج في المستقبل... 402

تحقيق في حكم الأجرة مع الصد... 402

فرعان... 403

في ما لو حمل إنسان إنساناً في طوافه... 403

ص: 568

اذا أفسد الاجير حجة النيابة... 404

في استحقاق الأجير الأجرة بالعقد... 405

في مخالفة شرط المستأجر... 405

فرع... 406

حكم عقد الاحرام عن المستأجر عنه ثم نقل النية الى نفسه... 406

تنبيه في وجوب كون افعال الحج معلومة عند المتعاقدين... 406

في من أوصى بالحج تطوعاً وقصر الثلث... 406

في أن حكم المنذورة كحجة الاسلام في كونها تخرج من الاصل... 407

أقسام الحج... 409

حكم من أحرم بحج التمتع من غير مكة... 410

حكم العدول الى التمتع إختياراً واضطراراً... 412

تنبيه في عدول المتمتع إلى حج الافراد... 412

في وجوب تجديد التلبية على القارن والمفرد اذا دخلا مكة عقيب صلاة الطواف... 413

تنبيه في جواز تقديم المفرد والقارن الطواف والسعي على المضي الى عرفات والوقوف بها اختياراً    414

في الانتقال بمضي سنتين عن فرض التمتع... 414

تنبيه في من وجب عليه الحج تمتعاً ثم جاور... 415

حكم القران بين الحج والعمرة بنية واحدة... 415

المواقيت... 417

حكم من حج من غير طريق المواقيت... 417

فرعان... 417

حكم من نسي الاحرام حتى أكمل مناسكه... 418

ص: 569

في أفعال الحج... 418

في استحباب المقدمات... 418

حكم من قال كإحرام فلان وكان عالماً بما أحرم... 421

فرع... 421

في أن القارن يتخير بين التلبية والتقليد أو الاشعار... 422

في صورة التلبية... 423

في جواز الاحرام بالحرير للنساء... 424

تنبيه في معنى القفازين... 425

فيمن أحرم للحج عقيب سعي العمرة المتمتع بها قبل التقصير... 426

في حكم اشتراط التحلل من الاحرام... 427

في استحباب تكرار التلبية للمعتمر بالعمرة المفردة... 428

في تروك الإحرام... 431

حكم الاختلاف في وقوع العقد قبل الاحرام وبعده... 431

فروع ثلاثة... 432

في تحريم الطيب... 432

تنبيه في ضابط الطيب... 433

حكم لبس المخيط... 433

تنبيه في لزوم الكفارة بلبس المخيط... 433

حكم الاكتحال بالسواد... 433

حكم النظر في المرآة وشق الخفين ولبس المرأة الحلي واخراج الدم وحك الجلد والسواك 434

حكم قلع الشجر والنخل وعودي المحالة ولبس السلاح والنقاب للمرأة... 435

في جواز الدخول إلى مكة من غير إحرام لمن دخلها لقتالٍ جائز... 436

ص: 570

الوقوف... 437

تحقيق في حكم من لم يتفق له الوقوف بعرفات نهاراً... 437

فروع ستة... 438

في من نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه... 439

في لزوم كون الوقوف بعد طلوع الفجر واستحباب الصعود على قزح... 440

حكم إخراج الحصى من المسجد... 441

في نزول منى... 443

في صفات ما يضحَّى به وأن من جملتها أن يكون قد حضر عرفات... 444

في وجوب الاكل منه... 444

تنبيه في أقل ما يجزي من وجوب الاكل... 445

حكم من فقد الهدي ووجد ثمنه... 445

من مات قبل أن يصوم شيئاً مما وجب عليه... 446

في الحلق والتقصير وأنّه يتأكّد في حق الصرورة ومن لبد شعره... 449

تنبيه في تلبيد الشعر... 449

حكم تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي... 450

حكم من ليس على رأسه شعر... 450

في الطواف... 453

في ما يستحب أن يكون عليه الطائف... 454

تنبيه في معنى الرمل ومحله... 454

فروع خمسة... 455

حكم من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله وواقع... 455

تنبيه في الفرق بين الركن والفعل في الحج... 456

حكم تغطية الرأس في الطواف... 457

ص: 571

حكم من نذر أن يطوف على أربع... 458

في السعي... 459

فيمن تمتع بالعمرة وظن أنه أتم فأحل وواقع ثم ذكر... 459

في الأحكام المتعلقة بمنى... 461

حكم من بات في غير منى... 461

تنبيه في جواز الخروج من منى إلى مكة للعبادة... 462

حكم التكبير في منى... 463

حكم المنع من سكنى دور مكة... 463

حكم رفع البناء فوق الكعبة... 464

في الإحصار والصد... 465

في أقسام الصد وهي خمسة... 466

في من صد بعد إفساده الحج... 467

فوائد ثلاث... 468

تنبيه على غلط في المقام... 468

حكم اندفاع العدو بالقتال أو المال... 471

في أن المعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر... 472

في أن القارن المحصر يحج في القابل قارناً أو لا... 473

تنبيه في معنى الصد والحصر وان الفرق من وجوه ثلاثة... 473

حكم باعث الهدي تطوعاً... 474

احكام الصيد... 475

في أن قتل الصيد موجب لفديته... 481

في استقرار الضمان بالاغلاق وعدمه... 482

حكم من نفَّر حمام الحرم... 483

ص: 572

فروع خمسة... 483

فيمن أوقد ناراً فوقع فيها صيد... 484

في الواجب على المحل في الحرم... 485

في اشتراك جماعة محلين في صيد... 485

في تحريم الصيد وهو يؤم الحرم... 485

فيما لو أصاب الصيد وهو خارج... 486

كراهية الصيد بين البريد ولحرم... 487

حكم صيد حمام الحرم في الحل... 487

في عدم دخول الصيد في ملكه... 487

في أنه يجب ارسال الصيد أو لا؟... 487

في تكرر الكفارة وعدمه... 489

في ما لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله... 490

فروع خمسة... 490

في عدم دخول الصيد في ملك المحرم... 491

في أن فداء الصيد المملوك لصاحبه ، وغيره يتصدق به... 492

في كيفية الضمان... 492

فروع ثلاثة... 494

في باقي المحظورات... 495

في الاستمناء... 496

حكم من واقع محرماً بعد أن طاف خمسة اشواط من طواف النساء... 496

فيما لو عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها... 496

فيما يجب في حلق الشعر... 497

ص: 573

فيما يجب في قلع شجر الحرم... 497

تنبيه في أن المرجع في الصغيرة والكبيرة هو العرف... 498

في الدهن والطيب وقلع السن... 499

في العمرة... 501

حكم الاتيان بعمرتين بينهما أقل من شهر واحد... 501

كتاب الجهاد

في من يجب عليه... 505

في من نذر المرابطة أو أن يصرف شيئاً في المرابطين... 506

فيما لو زاد المشركون على ضعف المسلمين... 508

في كيفية القتال... 509

في تحريم القاء السم ، والمبارزة بغير إذن الامام وعدمه... 509

تحقيق في انقسام المبارزة الى خمسة اقسام... 510

في لزوم الوفاء بشرط من شرط أن لا يقاتله غيره... 510

في الامام... 511

في الأسارى... 515

حكم الطفل المسبي... 515

في ما لو اعتق المسلم عبداً ذمياً بالنذر فلحق بدار الحرب فأسره المسلمون... 516

في ما لو أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه... 517

أحكام الغنيمة... 519

حكم التصرف قبل القسمة... 519

فيما لو باع أحد الغانمين شيئاً أو وهبه للآخر... 520

حكم ما لو وجد في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين... 521

ص: 574

فرع... 522

في خمس السلب والجعائل والرضخ... 522

تنبيهان في النفل وفي السلب المستحق للقاتل... 523

في شروط السلب وهي خمسة... 524

في سهم الراجل والفارس... 524

في ان الاسهام للخيل هل هو مطلق أم لا؟... 525

تنبيه في أوصاف الخيل... 525

في أن المرصد للجهاد لا يملك رزقه إلا بالقبض... 526

في أنه ليس للاعراب من الغنيمة شيء... 526

حكم ما لو عرفت الغنيمة بعد القسمة... 527

أحكام أهل الذمة... 529

الشيخ الفاني والمملوك... 529

حكم قتل الرجال قبل عقد الجزية وبعده وحكم النساء في تلك الحال... 530

حكم المجنون المطبق... 530

فيما لو شرط على الذمي ضيافة مارّة العسكر... 531

فيما لو أسلم الذمي بعد الحول وقبل الأداء... 532

حكم التظاهر بالمناكير... 532

تنبيه في جملة ما يشترطه الامام على أهل الذمة... 533

في ما لو خرقوا الذمة في دار السلام... 534

حكم الكنيسة المهدومة... 534

في عدم جواز أن يعلو الذمي على المسلمين من مجاوريه... 534

حكم الاستيطان في الحجاز... 535

في تحديد جزيرة العرب... 536

ص: 575

تنبيه في الريف... 536

حكم الهدنة أكثر من اربعة أشهر... 537

في جواز إقرار الذمي على ما انتقل إليه وعدمه... 538

في أنه هل يقبل رجوعه الى دينه الذي انتقل عنه؟... 539

حكم الاطفال مع الاصرار والقتل... 539

في ملك الكافر المصحف وعدمه... 539

في قتال أهل البغي... 541

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في شروطهما... 545

حكم اقامة الحدود للوالي من قبل الجائر مع القدرة... 546

في جواز إقامة الحدود للفقهاء حال الغيبة وعدمه... 547

فهرست الكتاب... 549

ص: 576

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.