منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة المجلد 1

هوية الکتاب

اعمال المؤتر العلمي الوطني الثاني لمؤسسة علوم نهج البلاغة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3663 لسنة 2019

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.02.M8 A4 2019

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي السنوي لمنهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان (2: 2017: كربلاء، العراق).

العنوان: منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة: اعمال المؤتمر العلمي السنوي الثاني

بيان المسؤولية: [اعداد مؤسسة علوم نهج البلاغة. العتبة الحسينية المقدسة].

بيانات الطبع الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (678).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ (177)

سلسلة النشر: سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (2).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الاشتر.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسة وحكومة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاقتصاد - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - معجزات - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في بناء الانسان - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاخلاق - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام - مؤتمرات.

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3663 لسنة 2019

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.02.M8 A4 2019

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي السنوي لمنهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان (2: 2017: كربلاء، العراق).

العنوان: منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة: اعمال المؤتمر العلمي السنوي الثاني

بيان المسؤولية: [اعداد مؤسسة علوم نهج البلاغة. العتبة الحسينية المقدسة].

بيانات الطبع الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (678).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ (177)

سلسلة النشر: سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (2).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الاشتر.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسة وحكومة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاقتصاد - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - معجزات - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في بناء الانسان - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاخلاق - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والمجتمع - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: احاديث خاصة (رد الشمس).

مصطلح موضوعي: الاخلاق الاسلامية مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الفقر - العراق - تاريخ - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية -مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - نحو - مؤتمرات.

مؤلف اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة المؤتمرات العلمية المؤتمر العلمي الثاني (2)

اعمال المؤتمر العلمي الوطني الثاني لمؤسسة علوم نهج البلاغة

الجزء الأول للمدة 13 - 14 / ربیع الأول / 1439 ه الموافق 2 - 3 / 12 / 2017 م

اصدار مؤسسة علوم البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1440 ه - 2019 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@Inahj.org

تنویه: إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة تخلي العتبة الحسینیة المقدسة مسؤولیتها عن أي انتهاك لحقوق الملکیة الفکریة

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا»

صَدَقَ الله العَلِيُّ العَظِيم

مریم: 55

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين أما بعد: فإنّ جوهر بعث الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) هو بناء الإنسان، وما ارتبط به من شؤون حياتية بناءً صلباً، يؤمّنُ له حفظ نفسه وما تعلق به من الأضرار أو التلف والهلاك.

ولا شك أن عملية البناء هي منظومة فكرية وآليات تطبيقية تأخذ جميع ما له علاقة بالنفس الإنسانية ضمن اهتمامها وغايتها وهدفها.

لذا: فإن المكونات الفكرية لهذه المنظومة لم تقتصر على ما جاءت به الرسالات السماوية، وإنما ما توصلت إليه الحركة العلمية والبحثية منذ أن شرعت الإنسانية بوضع أسس البحث والتنقيب والتحقيق والدراسة، فكان من بين أهم عملها المعرفي بناء الإنسان، وما للمؤسسة الحكومية من أثر كبير في تكامل العملية البنائية للإنسان والأسرة والمجتمع.

(فبناء الإنسان بناء للوطن)

من هنا: اتخذت مؤسسة علوم نهج البلاغة من وحي فكر أمير المؤمنين (عليه السلام) رائد عملية بناء الإنسان والوطن هدفها في إقامة هذا المؤتمر العلمي وتحت شعار (منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) في بناء الإنسان وإنسانية الدولة).

ضمن مجموعة من المحاور العلمية سعياً منها في استلهام الحلول العلمية لتحقيق عملية البناء، والله الموفق لكل خير.

والحمد لله رب العالمين

السید نبیل قدوري حسن الحسني

عن: اللجنة التحضیریة

ص: 7

شعار المؤتمر:

(منهج الإمام علي (علیه السلام) في بناء الإنسان وإنسانية الدولة).

أهداف المؤتمر:

1. استلهام الحلول العلمية المستوحاة من فكر الإمام علي (علیه السلام) في بناء الإنسان وتجلي إنسانية المؤسسة الحكومية.

2. تنمية الحركة العلمية والبحثية وخلق سبل التواصل بين الباحثين والمفكرين.

3. إسهام العتبة الحسينية المقدسة ومؤسسة علوم نهج البلاغة في دعم الحركة العلمية وذلك من خلال الإضافات المعرفية في محاور المؤتمر.

4. رعاية النخب العلمية والفكرية من خلال هذه المشاركات البحثية ونشر فعاليات المؤتمر.

5. تحفيز المؤسسات العلمية ومؤسسات المجتمع المدني على ممارسة دورها في بناء الإنسان.

ص: 8

اللجنة العلمية

(1) أ. د. صلاح مهدي الفرطوسي

جامعة الكوفة - كلية التربية الأساسية

(2) أ. د. سعد خضير عباس الرهيمي

جامعة بابل - كلية القانون

(3) أ. د. حسين علي الشرهاني

جامعة ذي قار - كلية التربية - قسم التاريخ

(4) أ. د. علي عبد الفتاح الحاج

فرهود جامعة بابل - كلية الدراسات القرآنية

(5) أ. د. هيثم عبد الله سلمان جامعة

البصرة - مركز دراسات البصرة والخليج العربي / قسم الدراسات الاقتصادية

(6) أ. د. یوسف حجیم سلطان الطائي

جامعة الكوفة - كلية الإدارة والاقتصاد

(7) أ. د. صالح کاظم عجيل الجبوري

جامعة بابل - كلية الآداب

(8) أ. د. رؤوف أحمد الشمري

جامعة الكوفة - كلية الفقه

(9) أ. د. يوسف كاظم الشمري

جامعة بابل - كلية التربية

(10) أ. م. د. عدنان مارد جبر

ص: 9

جامعة كربلاء - كلية التربية - قسم العلوم النفسية والتربوية

(11) أ. م. د. صباح صاحب العریّض

جامعة الكوفة - كلية العلوم السياسية

(12) أ. م. د. جميل محسن منصور

جامعة واسط - كلية الآداب - قسم علم الاجتماع

(13) أ. م. د. مصطفی کاظم شغيدل

جامعة بغداد - كلية الآداب

(14) أ. م. د. حسن حميد فياض

جامعة الكوفة - كلية التربية الأساسية

(15) أ. م. د. فليح خضير شني

جامعة واسط - كلية الآداب

(16) أ. م. د. عبد علي كاظم الفتلاوي

جامعة كربلاء - كلية العلوم السياحية

(17) أ. م. د. عدنان عاجل عبيد

جامعة القادسية / كلية القانون

(18) أ. م. د. محمد حسين الطائي

جامعة كربلاء - كلية العلوم الإسلامية

(19) أ. م. د. فهد نعيمة البيضاني

جامعة كربلاء - كلية التربية للعلوم الإنسانية

(20) أ. م. د. خالد عليوي العرداوي

جامعة كربلاء - مركز الدراسات الاستراتيجية

ص: 10

اللجنة التحضیریة:

1. السيد نبيل قدوري الحسني - رئیساً

2. د. لواء عبد الحسن عطية - عضوا

3. د. خالد جواد جاسم - عضواً

4. م. م. عمار حسن الخزاعي - عضواً

5. م.م. خالد عدنان حسن - عضواً

6 . م. م. علي عباس فاضل - عضواً

7. م. م. عماد طالب موسى - عضواً

8. علي جاسم محمد علي - عضواً

9. أحمد عباس مهدي عباس - عضواً

10. أحمد عدنان المعمار - عضواً

ص: 11

محاور المؤتمر:

أولاً: المحور العقدي والفقهي:

1. آلية تحصين الشباب من الأفكار المضطربة في عقيدة التوحيد في ضوء نهج البلاغة.

2. الإيمان باليوم الآخر وأثره في تقويم السلوك في نهج البلاغة.

3. حدود التزيين بين المواكبة العصرية والضوابط الشرعية عند الإمام علي (علیه السلام).

4. منزلة الصلاة وتعاهد أمرها وأثرها في بناء الإنسان والأسرة في ضوء نهج البلاغة.

5. أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوابط بناء الإنسان والمجتمع في ضوء نهج البلاغة.

ثانياً: المحور القانوني والسياسي:

1. التكافل الاجتماعي وانعكاساته على صلاح الرعية في ضوء نهج البلاغة.

2. رعاية الأيتام وبناء أسرهم أثناء الحرب وتجلّياتها الإنسانية في فكر الإمام علي (علیه السلام).

3. السياسة بين تصريف المصالح و تجنب المآثم وأثره في إنسانية الدولة في ضوء نهج البلاغة.

4. تشريع الأحكام بين الضوابط القانونية والقيم الإنسانية، العهد العلوي إنموذجاً.

5. آليات بناء الثقة بين الفرد والسلطة عبر المشاريع الخدمية في ضوء العهد العلوي المالك الأشتر (رضي الله عنه)

ثالثاً: المحور الإداري والاقتصادي:

1. تنمية الموارد البشرية وانعكاساته في بناء الإنسان في فكر الإمام علي (علیه السلام).

2. محاربة البطالة وأثره في بناء الإنسان والوطن في فكر الإمام علي (علیه السلام).

ص: 12

3. آليات بناء العلاقة بين الموظف والمسؤول في مواجهة الفساد الإداري في فكر الإمام علي (عليه السلام).

4. بناء النظم الإدارية في مؤسسات الدولة على قاعدة المواطنة في فكر الإمام علي (عليه السلام).

5. تشجيع الاستثمار في القطاع الاقتصادي والزراعي وأثره في بناء الإنسان، في فكر الإمام علي (علیه السلام).

رابعاً: المحور الاجتماعي والنفسي:

1. آليات بناء العلاقة الزوجية وتجنب العنف الأسري في فكر الإمام علي (علیه السلام).

2. احتضان ذوي الاحتياجات الخاصة ودور المؤسسة الحكومية الإنساني في ضوء فكر الإمام علي (علیه السلام).

3. تزويج الشباب وإسكانهم وأثره في تجليات إنسانية الدولة في فكر الإمام علي (علیه السلام).

4. أثر القيم الأخلاقية في بناء النفس وانعكاساتها السلوكية في المجتمع في ضوء سيرة أمير المؤمنين (علیه السلام).

5. التدين بين متطلبات الحداثة وثبات الهوية الإسلامية للمجتمع في فكر الإمام علي (علیه السلام)

خامساً: المحور التربوي والأخلاقي:

1. الإرشاد التربوي في الأسرة والمدرسة وأثره في مواجهة التطرف في ضوء فكر الإمام علي (عليه السلام).

2. أثر الثقافة المغايرة في الفرد والأسرة وآلية تحصينها في فكر الإمام علي (علیه السلام)، مواقع التواصل الاجتماعي أنموذجاً.

3. تعزيز المناهج التربوية والتعليمية بالقيم الإسلامية وأثرها في بناء المتعلم في ضوء

ص: 13

فكر الإمام علي (علیه السلام).

4. بر الوالدين يبدأ من الآباء وأثره في بناء الإنسان في فكر الإمام علي (علیه السلام).

5. حصانة المرأة وأثرها في بناء المجتمع في فكر الإمام علي (علیه السلام).

سادساً: المحور اللغوي والأدبي:

1. تسطيح المفردات العربية بدعوى العصرنة وأثرها في هدم الإنسان العربي وآليات المعالجة في ضوء كلام الإمام علي (علیه السلام).

2. أثر المعجم العربي في بناء الهوية الإسلامية في ضوء كلام الإمام علي (علیه السلام).

3. أثر النظريات اللسانية في بناء المفاهيم الإنسانية في ضوء الدراسات التطبيقية في نهج البلاغة.

4. اعتماد كلام الإمام علي (علیه السلام) في المناهج التعليمية وأثره في بناء الشخصية الإسلامية.

5. نشر ثقافة قصار الحكم للإمام علي (علیه السلام) وأثره في صيانة اللسان العربي؛ المؤسسة التعليمية ومواقع التواصل الاجتماعي أنموذجاً

المحور السابع: القضايا المعاصرة:

1. تنمية العلاقة بين المؤسسة الأكاديمية والمؤسسة الدينية لبلورة تحديات الهوية الإسلامية وبناء الذات في فكر الإمام علي (علیه السلام)

2. الشباب وضياع الهدف في ظل اضطراب فرص العمل وأثره السلبي في بناء الإنسان في ضوء فكر الإمام علي (علیه السلام).

3. الخطاب الديني ونفور الشباب منه، وآليات بناء الثقة في ضوء فكر الإمام علي (علیه السلام).

4. كبت الطاقات الشبابية في عملية بناء الوطن وكاشفيته لضعف أداء المؤسسة

ص: 14

الحكومية والحاكم في فكر الإمام علي (علیه السلام).

5. آليات مواجهة الفقر وانعكاساته على إنسانية الدولة في ضوء سياسة الإمام علي (علیه السلام).

ص: 15

ص: 16

المحور العقدي والفقهي

ص: 17

ص: 18

التراث العَلوي ودوره في نمو الأحكام الخلقية لدى الشباب (دراسة تحليلية)

اشارة

د. حليم صخيل العنكوشي

وزارة التربية

مديرية تربية الديوانية

م. حلا يحيى البديري

جامعة القادسية

كلية التربية للبنات

ص: 19

ص: 20

تعريف بالبحث

المقدمة:

إن ازدياد النمو العقلي للشباب من كلا الجنسين يتيح لهم التعامل مع الأمور المجردة مثل الحقيقة والجمال والخلود والعدالة والمساواة، مما يساعد على تشكيل اطار للقيم والمعتقدات لديهم وتصبح لهم نظرة فاحصة متأملة، فنجدهم مثلاً، ينظرون الى مجموعة قواعد السلوك على أنها من صنع الإنسان ومن ثمة يمكن تغيرها. ومن هنا فمرحلة الشباب تعد مرحلة حاسمة للبناء الخلقي للشخص اذ أن تطور الهوية لديهم يتطلب منهم أن يبنوا لأنفسهم فلسفة خلقية (منصور وعبد السلام، 1981: 542 - 544)، لذلك نجد أن اهتمام الشباب بالمشكلة الخلقية واستعدادهم الجوهري لممارسة ذلك النوع العميق من التبصر بالذات وفهمها ما هو الا دليل على سعيهم لبناء فلسفتهم الخاصة بالحياة (عريفج، 2000: 272).

وتعرّف الأخلاق على أنها مجموعة الضوابط ذات المنشأ العقلي أو الالهي، الغرض منها ضمان الروابط الاجتماعية الصحيحة وهذه الضوابط لبني البشر والمجتمعات وهي تتبع قواعد ومقررات معينة (القائمي، 1998: 15).

إن للأخلاق أهمية كبيرة في الدين الاسلامي بل أن الرسول الكريم محمد صلی الله علیه وآله وسلم قد جعل الرسالة الإسلامية متممة للقيم الاخلاقية النبيلة لقوله صلى الله عليه وسلم: (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)، ومما تقدم نرى أهمية الأخلاق في تقويم سلوك الفرد وفي بنائه النفسي والاجتماعي فهي تعتني به وتهذب شخصيته وكذلك تتجه في الوقت ذاته نحو اصلاح المجتمع الإنساني بأسره وأن تأكيد الدين اياها يعطيها خصوصية

ص: 21

أخرى يجب التمسك بها لأنها أصبحت جزءاً من الدين فيجب أن يتربى الفرد ويتشبع بالقيم الخلقية الفاضلة، فإن الاهتمام بها هو لرفع مكانة الإنسان وحثه على الالتزام بالقيم والمبادئ الخلقية السامية. وقد اكدت عليها النظم التربوية وأعطتها خصوصية في مناهجها التعليمية وهذا الاهتمام نابع من مسلمة أساسية مفادها أن الاخلاق والتربية متلازمتان فلا تربية بدون أخلاق ولا أخلاق بدون تربية (النوري، 1985: 115).

كما يُعد النمو الخلقي في هذه المرحلة أحد أهم مظاهر النمو الاجتماعي والعقلي والانفعالي عند الفرد وهو يمثل جانباً مهماً في بناء الشخصية وعلى الرغم من أن بناءه يتكامل مع بناء جوانب الشخصية الأخرى فإنه يُعد جانباً راقيا فيها إذ يختص بالقيم والعادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية، الذي يمكن من خلاله الحكم على مدى سوء الشخصية أو انحرافها (قناوي، 1987: 67)، والاحكام الخلقية لا تصدر أو تتم في فراغ وانما يُمثل العنصر الموقفي عاملاً حيوياً في كل حكم خلقي ولذا فإن الاحكام الخلقية تتفاوت من موقف الى آخر وبذلك يتعين رصدها في عدد من المواقف (حجاج، 1985: 148).

وقد تناول هذا البحث مفهوم الحكم الخلقي والذي يُعد مفهموا نفسياً يحوي الكثير من السلوكيات وهو جانب مهم من جوانب النمو المختلفة وذلك لعلاقته بالنمو النفسي والاجتماعي والذكاء وسمات الشخصية ومفهوم الذات والبعض من الامراض النفسية، فضلاً عن أهميته في السلوك والتقبل الاجتماعي، وأن كثيراً مشکلات مجتمعنا الراهنة هي مشكلات أخلاقية في صميمها، فما يدور حوله الحديث على كل لسان من نفاق ومظاهر التسيب والاهمال والفساد وانحرافات المراهقين وغيرها إنما هي جميعها تعبر عن أزمة خلقية وعن قصور في النمو الخلقي.

ص: 22

وإن القيم والمفاهيم والسلوك الخلقي مستمدة من منطلقات حددها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث الأئمة عليهم السلام، وأصالة مجتمعنا تمنحه الاستعداد لتلقي الواجبات الالهية المتمثلة بالأحكام والتعاليم والأوامر والنواهي والالتزام والعمل بها في اطار السلوك الخلقي السامي فكراً وتطبيقاً، وأن شخصية الإمام علي عليه السلام تُعد من أبرز الشخصيات الإسلامية التي امتازت بنفاذ الذهن، وضخامة الفكر وتكامل الشخصية والقدرة على مخاطبة العقول، ورسم نظام خلقي متكامل فقد ترك لنا موروثاً ضخماً ساهم ويساهم في نمو الاحكام الخلقية لدى جميع شرائح المجتمع، والشباب أحوج ما يكون لكي ينهلوا من هذا الفكر كي تستقيم حياتهم وتتسق أنساقهم القيمية والخلقية مع ما يتوجب أن يكونوا علیه ضمن المجتمع الاسلامي، فكان علينا المساهمة في إحياء هذا التراث العظيم، ونشره وفاءً لأئمتنا، واعترافا بفضلهم، وهذا هو ما دفع الباحثين في عرض هذا البحث.

ونظرا لأهمية مفهوم الحكم الخلقي وحداثته على حد علم الباحثان، فضلاً عن ارتباطه بكل جوانب الحياة السوية، لذا شرع الباحثان بتتبعه والوقوف عند مكوناته ومعرفة الآراء النفسية التي تفسره، فضلاً عن معرفة الوصايا والأحاديث والمواقف والخطب التاريخية التي وردت عن الإمام علیه السلام والتي ساهمت في تطور الحكم الخلقي لدى الشباب.

مشكلة البحث:

لاشك أن علم النفس الديني يُسهم في تفسير كيفية اكتساب الأفراد سلوكهم الديني، وهذه المعلومات يمكن أن تستخدم في نشر الدين، كما يمكن لعلم النفس أن يوضح التأثير الذي يملكه الدين على الجوانب الأخرى من السلوك، مثل

ص: 23

السلوك الحسن والأخلاق الحميدة واحترام الآخرين واختيار المثل الأعلى وتقبل الآخر وغيرها، وهذا قد يساعد في تخفيف مشاكل اجتماعية معروفة وتربوية كثيرة مما يسهم في رسم خارطة طريق خلقية للشباب لتجنب الانزلاق في مغريات الحياة العصرية والابتعاد عن المعايير الخلقية التي ينادي بها الدين الاسلامي.

ترجع معظم الكتابات والأبحاث العديد من المشكلات التي يعاني منها الشباب اليوم إلى اضطراب النسق الأخلاقي والقيمي لديهم فقد يحدث الصراع بين ما تربي عليه الفرد وبين ما يراه وما يسمعه يوميا في تعاملاته من آراء تدعو إلى اعتناق الأخلاق الغير مرغوب بها هذا الصراع يؤدي به إلى اضطراب في هويته ويفقده الإحساس بالهوية ويصبح مضطربًا وجدانيا مما يؤثر على سلوكه وأفكاره.

ولما كان مفهوم الحكم الخلقي من المفاهيم الحديثة على حد علم الباحثان وحيث أنه يمثل خليط متجانس من السلوكيات التي تجعل حاملها يبدو في أروع صوره الفكرية والنفسية والاجتماعية وترتقي كي تكون بمستوى المثل العليا التي يستوجب الاقتداء بها، لذي شرع الباحثان في تقصي هذا المفهوم والوقوف على النظريات والآراء التي فسرته ومعرفة مكوناته وطرق التعرف عليه، فضلا عن تحليل الوصايا والآراء والخطب التي وردت عن الإمام علي عليه السلام التي تؤكد على الجوانب الخلقية كي تكون نبراساً وطريقاً يحتذي به شباب اليوم وقادة المستقبل، وبالتالي يمكن لهذا الإرث العلوي أن يعمم ويطبق كي ننشئ جيلاً بمستوى لائق من السلوك الديني والاجتماعي الذي امتازوا به ائمتنا الأبرار سلام الله عليهم.

أهمية البحث:

يبرز هذا البحث أهميته من خلال ما يأتي:

ص: 24

أولاً: أهمية التراث الفكري والخلقي للإمام علي علیه السلام الذي يروم الباحث دراسته وتحليل محتواه. فهو يُعد واحداً من أبرز الشخصيات الاسلامية التي أحدثت تغيراً فكرياً واجتماعياً وخلقياً لدى المسلمين وأحد أبرز المرجعيات التي تنظم جوانب المجتمع المختلفة.

ثانياً: حداثة وندرة البحوث حول مفهوم الحكم الخلي على حد علم الباحثان.

ثالثاً: الحدود الزمنية التي أُجري فيها البحث وما يتعرض له الشباب من هجات فكرية وخلقية تستهدف النيل من ثوابتهم (الاجتماعية والخلقية) تتطلب منا ابراز جوانب مهمة من التراث الفكري والخلقي للإمام علي عليه السلام وغرسه في نفوس الشباب.

رابعاً: تنبع أهمية البحث من أهمية الموضوع الذي يُبحث فيه، والمتعلق بالأحكام الخلقية ودور الموروث العلوي في تطورها.

خامساً: الاستفادة من وصايا الإمام علي علیه السلام في تطور النمو الخلقي لدى الشباب والتي تناسبت مع الظروف المحيطة والعمل على تعميم تلك الوصايا للارتقاء بالفرد العراقي.

سادساً: يمكن أن يستفيد من نتائج هذه البحث:

أ. القادة السياسيين والعسكريين والقائمين بالأعمال الإدارية وبالأخص التربوية منها من خلال التعرف على النمط القيادي الذي يفعّل أداء العاملين.

ب. قد يقدم هذا البحث تغذية راجعة للأفراد القائمين على التربية والتعليم بتطوير أدائهم وتحسين مهاراتهم.

ص: 25

ج. ربما تكون هذه الدراسة مفيدة لمراكز إعداد وتدريب الخطباء المميزين من حيث الارتقاء بمستوى الشباب والتركيز على الجوانب الإنسانية والخلقية للأئمة الأطهار عليهم السلام وعدم الاقتصار على الجوانب العاطفية.

د. قد يفتح هذا البحث أفاقاً جديدة للباحثين في أنماط التعامل الخلقي اتبعها الإمام سلام الله عليه أثناء حياته ليواصلوا البحث في هذا المجال.

أهداف البحث

يستهدف البحث الحالي الى ما يأتي:

1 - تعرف مفهوم الحكم الخلقي وتحديد مكوناته.

2 - الكشف عن الحكم الخلقي والحث على نموه وتطوره في الوصايا والحطب والمواقف التي وردت عن الإمام علي علیه السلام.

3 - تعرف مدى الإفادة من الموروث الفكري والأخلاقي للإمام علي علیه السلام في عليه تطور الحكم الخلقي لدى الشباب .

حدود البحث:

اقتصرت حدود البحث الحالي على البعض من الوصايا والأحاديث والمواقف والخطب الواردة عن الامام علي علیه السلام والمتفق عليها، واتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي من خلال تحليل النصوص الواردة واستنتاج مدى تأثيرها في نمو الاحكام الخلقية لدى الشباب.

منهج البحث:

إن سلامة المنهج تقتضى منا قبل الحديث عن أية شخصية أو أي فكر أن تتحدث عن البيئة أو الظروف التي أنتجت لنا تلك الشخصية أو ذلك الفكر، وانسجاماً

ص: 26

ومنهج البحث التحليلي التاريخي فقد قسمت بحثي هذا على أربعة مباحث وخاتمة. شمل المبحث الأول تعريفاً بالبحث، فيما جاء المبحث الثاني ليقف عند مفهوم نمو الأحكام الخلقية، اما المبحث الثالث فهو لدراسة القيم الخلقية والحث على تطور الحکم الخلقي في البعض من الأحاديث والخطب والمواقف الواردة عن الامام علي علیه السلام وخصص المبحث الرابع لمناقشة مدى الإفادة مما ورد عن الإمام من حث وإثابة للحكم الخلقي الذي يطابق الشريعة الإسلامية في تربية الجيل الجديد للسير على خطى الائمة الأطهار وامتلاكهم أحكام خلقية ترتقى للمستوى الذي يطمح اليه أئمتنا عليهم السلام.

وخلص البحث الى أن الاساليب والأدوار والوصايا التي اتبعها سلام الله عليه طيلة فترة حياته الشريفة كانت تمثل بحق الرافد الحقيقي لتمسك الشباب بمبادئ وقيم وثوابت الدين الاسلامي، وعلينا أن نتخذ من شخصه وحياته وتراثه أنموذجاً يحتذي به للوصل الى درجة عالية من الرقي النفسي والتطابق الفعلي لقيمنا الشخصية مع قيم المجتمع وثوابت الدين الحنيف.

واستكمالاً لمتطلبات البحث العلمي أوصى الباحثان بمجموعة من التوصيات والمقترحات.

التعريف بمصطلحات البحث:

أولاً - الحكم الخلقي: عرفه كل من:

- (Good، 1973): بأنه حكم يشتمل على اختيار مبدأ، أو سياسة أو سياقات عمل، ويتضمن معياراً للسلوك الصحيح، ويمكن أن يتضمن الحكم أساساً اختيار المبدأ الصحيح وتطبيقه وربما يتضمن الخيار من بين عدة مبادئ أو حل الصراع (Good، 1973: 353.p).

ص: 27

- (جبس، 1977): يَعده وصف وتقييم، وتبرير، ما يتعلق بالعمل الصحيح، والسلوك المقبول اجتماعيا (p: 1977 ،Gibbs. 44).

- (ریست، 1979): يعتقد بأنه البناء الفعلي الأساس الذي يدرك الناس بواسطته الحقوق والمسؤوليات ويتخذون القرارات حولها (p : 1979 ،Rest. 76).

- (الغامدي، 2004): يرى بأنه القرار الذي يتوصل إليه الفرد عندما يواجه مشكلة تتعلق بالصواب والخطأ (الغامدي، 2004: 6)

وقد تبنى الباحثان تعريف (الغامدي، 2004) كونه الأحدث من بين التعريفات وأكثرها شمولاً لمكونات الحكم الخلقي ويتماشى مع أهداف البحث الحالي.

ثانياً - الموروث العلوي:

عرّفه الباحثان بأنه المستودع الثري والضخم الذي تركه الإمام علي بن أبي طالب ال للإنسانية من خطب وأحاديث ومواقف ووصيا ومعالجات علِه السلام اجتماعية وردت عنه ومتفق عليها في أثناء حياته الشريفة.

ص: 28

إطار نظري

النظريات التي تناولت نمو الأحكام الخلقية

إن المفاهيم الخلقية من المفاهيم التي اختلف المنظرون في تفسير طبيعتها، وقد نتج عن ذلك ثلاثة مداخل أساسية لتفسير السلوك الخلقي والحكم الخلقي وتطورهما فضلا عن وجود نظريات لم تحظ باهتمام الباحثين وسوف نستعرضها كما يأتي:

1. المنظور السلوکي Behaviorism perspective))

يعتقد أصحاب هذا المنظور أن النمو الخلقي يخضع لقوانين التعلم شأنه في ذلك شأن أي سلوك مثل (التقليد والتعزيز والثواب والعقاب والإنطفاء والتعميم والتمييز)، لذلك تركزت معظم الدراسات والبحوث التي اجريت وفق هذا المنظور على السلوك الخلقي، وليس على الحكم أو التعليل أو الحكم الخلقي (Greif، 1081: 223.p).

أ. (سكنر) يرى أن السلوك الخلقي يتشكل من خلال التنشئة الاجتماعية، فمن خلال سلسلة من الإجراءات يبدأ الفرد برؤية أنماط معينة من السلوك، فيقوم بتطوير أنماط سلوكه الأخلاقي لكي يتناسب وهذه الاجراءات، وأن قدرة الفرد على اكتساب هذه الأنماط تتأثر بقدرته على الحكم وتنظيمه الذاتي وكذلك على التعزيز المصاحب لذلك السلوك (عباس، 1988: 33 - 34)، فمن خلال استعمال التعزيز الايجابي يمكن أن تتطور سلوكيات خلقية مرغوب فيها ومن ضمنها السلوك اللفظي والنشاط المعرفي.

ب. دولارد وميلر (Dollard Miller) يعطيان الأهمية عينها للتعزيز في

ص: 29

عملية التعليم، فاذا اردنا أن ندعم سلوكا معينا او ان نوقف سلوكا معينا فيمكن فعل ذلك من خلال نمط التعزيز المستعمل، فالسلوك الذي يثاب يميل الى أن يتكرر في مواقف مماثلة، كما أن السلوك الذي ينتهي بالعقاب يميل الى التوقف ويمتنع عن الحدوث (توق، 1980: 24 - 25).

ت. باندورا وولترز (Bandura Walters) يؤكدان على أن التعزيز وحده لا يكفي لحدوث عدد من أنماط السلوك، وأن التعلم عن طريق التقليد مهم في تعلم أي نوع من أنواع السلوك والتعلم عن طريق النمذجة ينطبق على تعلم السلوك الخلقي (Graham، 1972 : 2. 113).

ماورر(Mowrer) اهتم بالآليات التي تتضمنها عملية التقليد والتي تُعد عاملاً جوهرياً لتطور السلوك الخلقي، فالفرد الذي یكون سلوكه متأتياً من خلال تقليد سلوك الراشد، فإن ذلك يعد بمثابة مكافأة لسلوكه اللاحق، وبذلك يزداد احتمال تكراره (p 1972 ،Graham.100-99).

وقد حدد (سيرز وماكوبي وليفين) ثلاثة معايير لنمو الحكم الخلقي، تتعلق بالضمير بوصفه ظاهرة سلوكية متعلمة وهي:

1. مقاومة الاغراء (Resistance of Temptation) وتتضح هذه الظاهرة حين يعزف الفرد عن الاقدام نحو مثير يجذبه أو يغريه لكونه غير أخلاقي من وجهة نظر الثقافة التي ينتمي اليها.

2. توجيه الذات أو التعلم الذاتي: (Self-instruction): إن الفرد يتعلم طاعة القواعد الأخلاقية والمبادئ الأخلاقية من خلال ما يملكه والده من تلك المبادئ والقواعد الأخلاقية. فمن تفاعلات والديه معه ومن خلال ملاحظاته الأناط السلوكية اللفظية لهما، يتعلم هذه الأنماط من دون الحاجة الى من يعلمه اياها.

ص: 30

3. المظاهر السلوكية الدالة على الشعور بالذنب في حالة الخروج على القواعد: إن الفرد عندما يقوم بعمل خاطئ غالبا ما يتعرض لعقاب، أو عدم رضامن الوالدين، ولكي يسترد الفرد عطف والديه: إذا ما اقترف عملاً خاطئا فانه يعترف بخطئه ويكف عن تلك الأفعال (العبيدي، 1995: 44).

2. النظرية المعرفية (Cognitive perspective):

يرى المعرفيين الادراكيين أن اكتساب الأخلاق عملية إصدار أحكام ترتبط بنمو الحكم عند الأفراد، وأن النمو الخلقي جزء من عملية النضج ضمن إطار خبرة العمر العامة، وهو يرتبط بسلسلة من المراحل شبيهة بمراحل النمو المعرفي الإدراكي للفرد، والسلوك الخلقي هو أحد جوانب السلوك الإنساني الذي تحكمه تصورات الفرد وأبنيته المعرفية، وهو أحد نواحي تكيف الفرد المعرفي مع تغييرات بيئته وواقعه الاجتماعي وأدناه آراء أهم المنظرين المعرفيين:

أ. وجهة نظر بياجيه:

الذي يرى أن النمو الخلقي يتضمن مظهرين، هما احترام الفرد للمعايير الاجتماعية وإحساسه بالعدالة.

وقد وضع (بياجيه) إجابات عن التساؤلات التي تمحورت حولها بحوثه في السلوك الخلقي وقدم إجاباته هذه في سياق تطوري نسائي متسق مع نظريته في النمو المعرفي، وتوصل من هذه الصياغة الى تحديد نظريته في الأحكام الخلقية التي حددها بثلاث مراحل:

المرحلة الاولى: هي مرحلة ما قبل الخلقية (Pre moral stage) وفي هذه المرحلة لا يمتلك الأفراد الا معرفة يسيرة عن القواعد الخلقية، وموقع هذه المرحلة هو ما

ص: 31

قبل السنة الخامسة من عمر الفرد (p:1991 ،Turner .134).

المرحلة الثانية: تسمى مرحلة الخلقية التابعة (Heteronomous morality) أو الواقعية الخلقية (Moral Realism) أو خلقية الجبر (Morality of constrain) وتستغرق هذه المرحلة من السنة السادسة الى العاشرة من عمر الفرد، ويتوفر للطفل فيها مستوى من الالتزام الخلقي غير ناضج فكريا، ومما يؤثر فيه على نحو أساس هو احترام الفرد للراشدين.

المرحلة الثالثة: وتدعی الخلقية المستقلة (Autonomous morality) أو خلقية التعاون (Morality of cooperation) يمكن للفرد في هذه المرحلة فهم معنی القاعدة وتعليلها على نحو منطقي، فمع ازدياد سعته المعرفية يكتسب الاستقلالية في أحكامه الخلقية ( p:1991 ،Turner .135).

ومن الملاحظ أن بياجيه يرى أن نضج الأحكام الخلقية يعني مقدرة الفرد على فهم العلاقة بين مصلحة الجماعة والقوانين الموضوعة، بما يكون الحكم الخلقي معه أكثر من مجرد الامتثال الأعمى للقوانين، وبما لا يعكس تصورات ذاتية شخصية لا تراعي وجهات نظر الآخرين، بل يمكن أن يلاحظ من خلاله اعتبار الفرد لمصالح الآخرين وحقوقهم.

ب. وجهة نظر كولبرج:

اهتمت نظريته بمستوى نمو الأحكام الخلقية والمفاهيم الخلقية عن طريق تقديم اجاباته على مواقف اشكالية تولد صراعات. وتتميز المعضلات المقدمة بأنها يمكن أن تتجاذبها عدة وجهات نظر، ولقد خرج کولبرج من دراساته المتعددة بتحديد ثلاثة مستويات أساسية لنمو الحكم الأخلاقي يحتوي كل منها على مرحلتين، وتعبر كل مرحلة من هذه المراحل عن تغير نوعي في البنية المعرفية

ص: 32

واعادة لتنظيمها، فتكون وحدة بنائية معرفية مختلفة عن سابقتها إذ تكون أكثر تركيباً وأكثر اتساقاً مع معيار النضج أو الكفاية الأخلاقية (الغامدي، 2004: 13).

ونوجز هذه المستويات فيما يأتي: المستوى الأول: اخلاقية ما قبل العرف الاجتماعي (The pre-conventional morality)

ترتبط فيه أحكام الفرد الأخلاقية بالالتزام بالقواعد الاجتماعية المحددة لما هو مقبول أو مرفوض وذلك من خلال القوى الخارجية التي تفرضها هذه القواعد والنتائج المادية السارة او غير السارة المترتبة عليها ويشمل هذا المستوى مرحلتين هما :

- المرحلة الأولى: اخلاقية العقاب والطاعة (Punishment and obedience (morality

- المرحلة الثانية: اخلاقية الفردية والغائية النفعية وتبادل المصالح Individualism instrumental purpose and exchange morality.

المستوى الثاني: اخلاقية العرف الاجتماعي Conventional morality

وتسمى اخلاقية التمسك بالقانون نقلة كيفية من الذاتية الى الاجتماعية في الحكم الأخلاقي، إذ ترتبط أحكام الفرد الأخلاقية بالمحافظة على السلوك المتوقع منه، اذ يقوم تفكيره على اساس فكر المجموعة (فتحي، 1983: 39).

ويشمل هذا المستوى مرحلتين هما:

- المرحلة الثالثة: اخلاقية التوقعات المتبادلة والعلاقات والمسايرة Mutual ص: 33

interpersonal expectation: relationships، and conformity morality

- المرحلة الرابعة: اخلاقية النظام الاجتماعي والضمير Social system and conscience morality

- المستوى الثالث: مرحلة ما بعد العرف الاجتماعي - The post morality conventional

وفيه تظهر محاولة واضحة لتحديد واتباع القيم والمبادئ الأخلاقية الإنسانية واتباعها بصرف النظر عن مدى ارتباطها بالقانون والعرف الاجتماعي ويشمل هذا المستوى مرحلتين هما:

- المرحلة الخامسة: اخلاقية العقد الاجتماعي والحقوق الفردية Social contract and individual rights morality

هذه المرحلة يتمكن فيها الفرد من ادراك نسبية القيم والحاجات الفردية، مما يعني تطور نظرته للقانون لا بوصفه قواعد جامدة للمحافظة على النظام الاجتماعي فحسب ولكن بوصفه قواعد متفقاً عليها بوصفها عناصر لعقد اجتماعي بين الأفراد يحمي الجميع، ومن هذا المنطلق ترتبط أحكام الفرد الأخلاقية بقيمه الشخصية المرتبطة بهذا الفهم الجديد لمعنى القانون القائم على احترام الحقوق الفردية والاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية وهذا يعني امكان تغيير هذه القواعد عند فشلها في تحقيق العدالة للجميع (p:1986 ،Kohlberg .296).

- المرحلة السادسة: اخلاقية المبادئ العالمية (الإنسانية) universal ethical و ادب principles morality

وهي مرحلة افتراضية ترتبط حسب بمبادئ عدد من النماذج النادرة، إذ

ص: 34

ترتبط أحكام الفرد الأخلاقية فيها بمبادي اخلاقية مجردة ذاتية الاختيار (-Self chosen ethical principles) ترتبط بالفهم المنطقي والعالمية والضمير مما يعني النظر للعدالة والمساواة والتبادلية وحقوق الأفراد بوصفها مبادئ انسانية عامة تعنى باحترام حقوق الإنسان والإنسانية من دون اعتبار لأية مؤثرات اخرى ( الغامدي، 2004: 16).

ج. وجهة نظر بروفينبرينر Brofenbernner theory

يعتقد أن النمو الخلقي يرتبط بالثقافة وذلك لاعتقاده أن محتوى الأخلاق والقيم التي تكون الحكم الخلقي تتمثل في انماط ثقافية مختلفة، أي أن هنالك أنماطاً معينة تكون موجودة في ثقافة وغير موجودة في ثقافة أخرى.

وقد حدد خمسة أنماط معينة تحكم النمو الخلقي وهي:

1. النمط المتجه نحو الذات (Self - Oriented type) في هذا النمط تتشكل بواعث الاشباع الذاتي للفرد، بغض النظر عن رغبات الآخرين وتوقعاتهم.

2. النمط المتجه نحو السلطة (Authority - oriented type) : يقبل الفرد قيود الوالدين وقيمها كونها قيما مقدسة وينتقل هذا القبول الى الأفراد الآخرين ذوي السلطة المتشابهة (فتوحي، 1994: 56).

3. النمط المتجه نحو الاقران (Porr-oriented type) یکون الفرد ملتزما بكل قواعد الجماعة والأقران. وهذه القواعد تكون مستقلة عن قوانين المجتمع.

4. النمط المتجه نحو المجتمع (Collectively - oriented type) يلتزم الفرد بقواعد ثابتة ترتبط بأهداف المجتمع. لأنها تأخذ الأولوية على رغبات الفرد الخاصة وعلاقته بالآخرين (الزبيدي، 1990: 68 - 69).

ص: 35

5. النمط المتجه نحو الموضوعية (Objectively - oriented type) تتخذ قيم الفرد الذاتية على الرغم من انبثاقها من العلاقات برفاقه وتفاعله داخل المجتمع، لأنها تكتسب الاستقلالية (فتحي، 1983: 152 - 156).

د. وجهة نظر نومان بل (Norman.J. Bull) في النمو الخلقي الشامل:

یری (نومان بل) أن النمو الخلقي لا يعتمد أساسا على النمو العقلي وإنما على النمو الشامل للشخصية الإنسانية ولا يقتصر هذا النمو معه على العقل وإنما يشمل كذلك الرغبات والشعور والعواطف والارادة، ويرى بل أن النمو الخلقي يمر بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: (ما قبل القيم الخلقية) وفي هذه المرحلة يكون أبرز سمات السلوك عدم وجود القيم الخلقية، لأن الفرد لم يكون ضميره بعد.

المرحلة الثانية: (القيم الخلقية الخارجية) وفي هذه المرحلة توجه السلوك عوامل الثواب والعقاب، فما يعاقب الفرد عليه فهو سيء، وما يثاب عليه فهو حسن، وأبرز سمات السلوك في هذه المرحلة هو التبعية.

المرحلة الثالثة: (القيم الخارجية - الداخلية)

في هذه المرحلة توجه التقاليدالاجتماعية سلوك الفرد الناشئ ويترجم هذا التوجيه عمليا بوسائل الثناء والذم، ومع أن هذه التقاليد عوامل خارجية الا انها تشكل رصيدا قويا في نفس الفرد وتفكيره، وابرز سمات السلوك في هذه المرحلة هو التبادلية (Reciprocity) أي أن الفرد في هذه المرحلة يتبادل الأخذ والعطاء مع بيئته الاجتماعية.

المرحلة الرابعة: (القيم الداخلية) وهنا يتحرر سلوك الناشئ من الضغوط الخارجية، سواء كانت مادية أو نفسية، لذلك فابرز سمة لهذا السلوك هی

ص: 36

الاستقلالية، وأبرز مظاهره الاستقلال العاطفي، واستقلال الحكم النفسي، واستقلال الحكم الخلقي وفي هذا المستوى ينضج الضمير ويتمثل في أربعة أنواع:

الأول: الضمير الصارم السلبي، وهو صدى الوالدين اللذين يشتدان في العقوبة.

الثاني: الضمير السلبي المتمسك بالتقاليد والموروثات الاجتماعية.

الثالث: الضمير الجاف المتعصب الدوجماتي.

الرابع: الضمير الملتزم بالمبادئ الخلقية المنفتح على التجارب الجديدة الكيلاني، 1992: 48)

وبعد أن أوجز الباحثان أبرز من كتب في تطور الحكم الخلقي تبنيا وجهة نظر نومان بيل كونه يتماشى مع أهداف البحث وما يرمي الباحثان للتوصل الية.

القيم الخلقية والحث على تطور الحكم الخلقي في البعض من الأحاديث والخطب والمواقف الواردة عن الامام علي (علیه السلام)

إن الحقبة الزمنية التي تولى بها الإمام علیه السلام الخلافة الفعلية للمسلمين وقيادتهم على الرغم من إدارته لشؤونهم الدينية قبل توليه الخلافة، فقد امتازت بكثرة القلاقل والاضطرابات الداخلية والفتن والتناقضات التي نشأت في عهده، فقد عاش الإمام علیه السلام فترة استثنائية فلم يستطع فيها من تحقيق كل ما كان يطمح إليه، وقد بُويع بالإمامة والخلافة العامة يوم الغدير في (18) من شهر ذي الحجة عام (11) للهجرة، وبويع ثانية بعد مقتل عثمان وحصول الفتنة وكان

ص: 37

أعلم الصحابة شجاعاً و حکیماً وقاضياً ومتسماً بالشمائل الحسنة المتكاملة، رجل الإنسانية الذي تدفقت منه الحكمة، والفلسفة، والعلم، استشهد في رمضان ليلة القدر على يد الخارجي ابن ملجم في مسجد الكوفة، وكانت حياته علیه السلام عظيمة زاخرة بالفضائل ولقد تربى سيد الفصاحة والبلاغة والفروسية في كنف وأحضان النبوة، ليترجم ذلك عملياً في أفعاله وأقواله، وهذا ما جسد أحد ركائز نمو الأحكام الخلقية لدى الأفراد من خلال اتخاذه قدوه ومثل أعلى لسلوكهم اليومي.

وسنعرض البعض من المواقف والخطب والوصايا التي تركها لنا سلام الله عليه لتكون نبراساً يضيء لنا دورب المعرفة وينظم انساقنا القيمية بما يحقق لنا السعادة والرضا عن أنفسنا وعن الآخرين، ولا ندعي أننا أحطنا بكل التراث العلوي المبارك ولكننا حاولنا جاهدين انتقاء ما يتلاءم ومجريات البحث الحالي.

إن في قولة العلي علیه السلام ((أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ أو يَتُوبَ)) أراد سلام الله عليه من الفرد المسلم أن يكون عادلاً منصفاً لرعيته سواء أكانت اسرة ام مجموعة فإن شعور الرعية بالعدل والإنصاف يجعلها متفاعلة مع ولي أمرهم (الأب، أو قائد المجموعة) ما يزيد من دافعيتها للإنجاز والعطاء وهذا يجسد مستوى العدل والتحلي بالحكم الخلقي الذي يتماشى مع المنظومة الاسلامية.

ومن الموضوعات المتعاقد عليها في المجتمع والتي تعد من مكارم الأخلاق حماية الجوار أو الدخيل، وقرن معها كظم الغيظ، وعدّهما من مکارم الخصال التي ينبغي للفرد أنْ يتمسك بها، ويحرص عليها: (فإنَّ كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت

ص: 38

فيها المُجَداء والجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل بالأخلاق الرغيبة، فتعصبوا لخِلِال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض).

وقوله سلام الله عليه في عهده لمالك الأشتر رضوان الله عليه (فَلَا تُشْخِصْ

هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ

الْعُيُونُ وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لأولئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ) يدفع بالولاة على الرغم من أنهم ذوي المناصب السيادية والسلطة المطلقة الى التواضع وسماع شكوى الرعية وتفقد أحوالهم مهما كانت منزلته بين الناس، فكل ذلك يجعل القائد متواصل مع رعيته فلا ينظرون اليه على أنه متجبر متسلط عليهم وهذا قطعاً سيدفعهم إلى العمل بوصاياه وطاعة أوامره والاخلاص له، فيلهمهم سلوك قائدهم نحو العمل المثمر وعدم عرقلة أوامر القائد أو من ينوب عنه، وحرص الامام علیه السلام أن يعالج المنظومة القيمية والمعرفية والفكرية الاجتماعية للمجتمع، ويٌقرن صلاحها وصلاح الرعية بصلاح ذات القائد وسلامة منظومته المعرفية والاخلاقية.

والذي يظهر من تتبع ما ورد عن الإمام عليه السلام أنَّ نهجه قد ضم بين طياته نهجًا يختص بالصداقة في ضوء بیان مفهوم الصاحب والصديق وإدراك الفرق بينهما: (والصاحب مناسب، والصديق من صدق غيبه) وفي هذا يعطينا خطوط واضحة عن كيفية التعامل مع الآخرين كل بحسب قربه ومنزلته من النفس، فضلاً عن واجباتنا تجاه الصديق والصاحب والجار والأخ وغيرهم.

في قوله علیه السلام (وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا،

ص: 39

وَلا يَتشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْه أُلْزِمْتَهُ) يدعو مالكاً رضي الله عنه الى تقريب ذوي الرأي والمشورة وتشجيعهم على التقرب من القائد والاهتمام بآرائهم والاستئناس بأفكارهم مما يؤيد ذهاب الباحثان إلى أن أمير المؤمنين علي علیه السلام كان يشجع على الاهتمام بذوي الخبرة والدراية من المسلمين في تسيير أمورهم وجعلهم القدوة الحسنة كي يقارن المسلم بين افعاله وبين ما يصدر من هؤلاء وبالتالي يجعل له محك للحكم على سلوكه قريب منه، يستطيع من خلاله تغيير مساره وتصحيح اخطائه بما يتماشى مع الشارع المقدس، فنراه سلام الله عليه يحث على تقريب الأفراد ذوي الدراية والبصيرة والابتعاد عن الجهلة وقليلي الحيلة والبصيرة ففي النص الوارد عنه سلام الله عليه (ثُمَّ اخْتَرْ

لِلْحُكْمِ بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلاَ يَتَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ) يذهب الى اختيار وانتقاء ذوي الحكمة والقدرة على الإدارة للفصل بين الناس وهؤلاء قطعاً يمتلكون دراية وقدرات عقلية عالية تمكنهم من الخوض في أحكام الدين واستخراج ما يتلاءم مع القضايا المعاصرة والشائكة.

إن تشديد الإمام على ضرورة كظم الغيظ وضبط النفس إنما هو دليل على دراية الإمام وعلمه أن الغيظ والغضب يشتت العقل ويقلل من التركيز ويؤخر الوصول إلى حلول ناجعة للمشاكل بطرق سليمة، وكذلك يعيق الحكم الخلقي لدى الشخص الغاضب فالتركيز وصفاء الذهن والهدوء النفسي من مقومات الوصول إلى أحكام خلقية متوازنة، كما اشار الى ذلك في قوله سلام الله عليه (وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَتَأْخِیرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ

فَتَمْلِكَ الاخْتِيَارَ.

ص: 40

كما أوصى في الكثير من كلامه سلام الله عليه باليتيم وضرورة الاهتمام به فهو فرد له حقوق وعلينا احترامه والالتزام تجاهه بمقتضى القيم الخلقية على ادنی تقدير فإنَّه يوصي به کما أوصى به القرآن الكريم: (والله الله في الأيتام، فلا تُغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم(، ولم يقف الإمام سلام الله عليه عند المنطلق القرآني في الالتزام بالنظام الاجتماعي ولاسیَّما كفالة اليتيم وعدم تكميم فيه، وطي لسانه؛ بغية تربيته التربية الحسنة، بل وجه الفرد الى مراعاة القيم العربية الأصيلة التي توارثوها من قيم قبل الإسلام وهي حسن الجوار، وأسند الأمر فيها إلى توصية النبي به عبر توظيف التكرار في لفظ الجلالة، وهو ما يبين قيمة الجار (والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنَّه سيورثهم).

في هذه النصوص: (وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ، وَلاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ) ((ولْيكُن أَحَبَّ

الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَ الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ

سُخْطَ الْعَامَّةِ يُحْحِفُ بِرِضَ الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ)) يشدد الإمام علیه السلام على ضرورة الاهتمام بمشاعر الآخرين، وما قولة سلام الله عليه (ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَی مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِين وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً) (ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ. وَفِي اللهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ، وَلِكُلٍّ عَىَ الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) دليل بيّن ومثال على مدى اهتمام الإمام عليه السلام بكل شرائح المجتمع فهو لم يؤثر الخاص منهم على العامّ، ولم يميز ما بين قريب منه، أو بعيد عنه، فالكل عنده سواسية في النظرة وفي العطاء كذلك، فهو يدعوا إلى التعامل بالتساوي مع كل الفئات والشرائح إذ هم سواسية أمام الشرع والقانون، وهذا يمثل الرؤيا الإنسانية والدور الأبوي لهذه الأمة، أوليس هو ورسول الله

ص: 41

صلى الله عليه وآله وسلم أبوا هذه الأمة، فهو عليه السلام يعطينا دروساً بليغة في كيفية التعامل بعضنا مع البعض الآخر ويحثنا إلى امتلاك منظومة خلقية عالية المستوى فلو تمسكنا بهالعاش أفراد هذا المجتمع بأمن وأمان وراحة وسعادة وطمأنينة.

وفي قوله علیه السلام (وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَی أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ) أكد على الرحمة بالآخرين واللطف بهم، وعدم ظلمهم، والحذر من دعوة المظلوم، وعدم المساواة بين المحسن والمسيء، وقد أراد منا أن نولي إهتماماً خاصاً بذوي الحاجات والفقراء، وأن نعمل على مداراة اليتامى وكبار السن، والابتعاد عن المَنِّ، ووجوب التواضع ونشر العدل والإنصاف والعفو والصفح، وقضاء حاجات الناس، وقول الحق، والعمل على نشر المساواة بين الناس، كما أشار في احدى وصاياه سلام الله عليه إذ قال (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَی أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ). وهذا يمثل قمة الإنسانية وغاية الكمال الروحي والفكري الذي يتوجب أن يكون عليه المسلم الحق.

وإن عدم تأخير حاجات الناس اذا احتاجوا منك والإسراع في تلبية مطالبهم دليل الاهتمام بهم وعدم تجاهل مشاعرهم، كما أكد ذلك الإمام علیه السلام في قوله ((ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَبُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّلِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ)

إن التواضع يُعد من القيم الأخلاقية المهمة واواجب توافرها لدى المسلمين، ص: 42

والتي يتمكن من خلالها التغلغل إلى القلوب، حتى قلوب الأعداء، وذلك مما يكشف عن طيب السريرة وطراوة النفس وحسن العشرة وإدامة الشكر لله تعالى علی عظیم نعمه، فقد قال الإمام علي علية السلام) وبالتواضع تتم النعمة) ويقول علية السلام (وأعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب) فإن الفرد الذي يقدّر نفسه تقديراً مبالغاً فيه، بحيث لا يرى إلا نفسه، مثل هذا الشخص ستنفر عنه الناس وسيرى نفسه أنه يعيش لوحده في هذا العالم أو أنه الوحيد الذي يستحق العيش. وقال سلام الله عليه ايضاً (ولا وحدة أوحش من العجب) ويشير إلى خطر الغرور والتكبر والتعالي وعدم تقدير الذات بشكل يتلاءم مع الإمكانات المتاحة والقابليات المتوافرة وهذا يؤدي الى عدم التوافق الذاتي لدى الفرد، وكذلك للشعور بالاستقلالية وميول النفس إلى الأنانية والنرجسية.

وفي قوله علیه السلام (وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَی رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْفِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإحْسَانَ) يشير الى أن المَن على الناس يبطل الإحسان، ونعتقد أن عدم المَن هو نوع من أنواع الاهتمام بمشاعر الآخرين والاهتمام بهم، فنجاح المسلم في تأديته لواجباته الاجتماعية يكمن في كسب رضا الناس المحيطين به فهو جزء منهم ولا يمكنه العيش دون وجود مجتمع متكامل يحتاج بعضهم بعض ويعول بعضهم على البعض الآخر.

إن قوله عليه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه (أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ؛ فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ) يؤكد فيه على ضرورة تحلي القائد أو الحاكم بکاریزما خاصة تؤهله لقيادة الجماعة وتؤدي إلى رغبة الآخرين

ص: 43

فيه وطاعتهم له فإن أرقى أنواع الكاريزما تلك التي من الله سبحانه وتعالى فهو إن أطاع الخالق فإن الله تعالى يتكفل بنصره ويضفي الهيبة والوقار على شخصيته و قطعاً سيؤدي هذا إلى رغبة الآخرين اليه وسماع قوله وامتثال أوامره كونه يعطي للقائد حصانة نفسية ومعرفية وأخلاقية تجعله مقبولاً من الرعية، وبعد أنموذج يحتذى به ويطمح الناس الى تقمص شخصيته وتمثيل أدوارها وفي هذا دعوته عليه السلام إلى مالك بضرورة الإبتعاد عن العٌجب بالنفس ((وَإِيَّاكَ وَالاْعْجَابَ

بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الإطْرَاءِ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ)) وما أحوجنا إلى هذه الكلمات في زمن يتناسى المتنفذين وصايا إمامهم وقائدهم ويتشبثون بأمور زائلة لا ترضي الله سبحانه وتعالى ولا أئمتنا الاطهار سلام الله عليهم.

ويجسد الإمام علیه السلام في قوله ((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ)) وجوب الاهتمام بالآخرين بنظرة الفرد العطوف والرحيم الذي يجب اتباعه، ويذكره بقدرة الله عليه إذا ما ظلم أو استكبر، فهو يعطيه الحرية بالسلوك لكنه يقيده بضوابط لابد له من عدم تجاوزها فهي معيار طاعته لله سبحانه وتعالى.

وفي قول الإمام علیه السلام في عهده المالك الأشتر علیه السلام (وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَی لِمَنْ تَقَدَّمَكَ: مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وآله أَو فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عهْدِي هذَا، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِيِ

عَلَيْكَ، لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَّرُعِ نَفْسِكَ إِلَی هَوَاهَا)، نرى فيه أنه يحث الأفراد بضرورة النظر في شؤون اسلافهم وأخذ العبر وتجاوز الأخطاء، وهذا

ص: 44

التوجيه المراد منه تقمص الأدوار الحسنة الاعتماد على القدوة ممن سبقوه. کما تبين ذلك في قوله سلام الله عليه (وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِمَا صُدُورُ هذِهِ الأمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِمَا الألْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ، لاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا)

وفي قوله سلام الله عليه ((وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْضٍ، وَلاَ غِنَىً بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ، ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ؛ وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ وَوَضَعَ عَىَ حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ

أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً)) دليل على اهتمامه سلام الله عليه بالفروق الفردية لدى المجتمع كما أنهم يتمايزون بالميول والإتجاهات ولابد من احترام خصوصية وتوجهات الأفراد والافادة من قدراتهم المتنوعة فلا يمكن لمجتمع أن يعيش دون وجود طبقات متنوعة تحتاج بعضها البعض ويكمل بعضها دور بعض کي تستمر الحياة.

ولاشك أن القدرات والامكانات والاستجابات متفاوتة بين الأفراد فالفروق الفردية من الأمور المسلم بها ولابد أن تكون الإثابة بقدر ما قدم الفرد واستمرار التعزيز يؤدي إلى زيادة دافع الإنجاز، فإذا شعر الأفراد بأنهم يقيمون على وفق عطائهم وطاعتهم ومدى ممارستهم للقيم والمعايير ويفرق بينهم وبين من لا يلتزم تلك القواعد والأحكام مؤكد سيكون اطمئنان نفسي لدى المحسن (أي الأفراد ذوي السلوك المتسق مع المنظومة القيمة الإسلامية)، ومعاقبة المنحرفين عن هذه المنظومة يعطي دافع للمحسنين بالاستمرار والتشبث بتلك المنظومة القيمية

ص: 45

ولاشك أن إثابة المحسنين هي بحد ذاتها عقوبة للمسيئين أو المنحرفين عن تلك المنظومة، وهذا نجده في هذا النص من قوله علیه السلام: (وَلاَ يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيِءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ).

ونستشف مما تقدم أن الإمام علي عليه السلام قد قدم للبشرية منظومة متكاملة من الأحكام الخلقية ولم يترك شاردة ولا وارده الا وقد أشار اليها في خطبة أو وصية او موقف له سلام الله عليه.

ولما كانت الأخلاق الفاضلة والسيئة لها منشأ واحد وهو التجربة والتربية والتعليم فإنها قابلة للإنشاء والتكوين وكذلك للتغيير والتبديل، أي أن أخلاق الإنسان تتغير بمرور الزمن واختلاف التجارب والتربية والتعليم؛ فيمكن أن تحل الأخلاق الفاضلة محل السيئة وبالعكس، ولكن عندما يكون لدينا رصيد خلقي ومثل عليا نقتدي بها ونجعلها میزان لسلوكياتنا مؤكد سوف تكون رادع لنا عند الانحراف عن الطريق السليم. فهو أنه سلام الله عليه كان صاحب التجربة العملية الواقعية الساعية لتأسيس دولة إسلامية على أسس أخلاقية في مواجهة كل خطوط الانحراف عن الدين.

مدى الإفادة مما ورد عن الإمام (علیه السلام) في حث وإثابة للحكم الخلقي الذي يطابق الشريعة الإسلامية في تربية الجيل الجديد

إن مجتمعنا اليوم يمتاز بالتغير السريع وما يتبع ذلك من تغير في نظام القيم والمعايير مما يزيد من عدم وضوح دور الشباب، فقد يثوروا على عدد من القيم والمعايير السائدة في مجتمعه، ليس لمجرد عدم ایمانهم بها، ولكن لعدم قدرتهم على التبصر والتفضيل بينها، لذا تعد مسألة تعلم الشباب وتنشئتهم والاهتمام بمشكلاتهم وقضاياهم الاخلاقية في المجتمعات الحديثة من أهم المسؤوليات التي

ص: 46

تقع على عاتق كل من الأسرة والمجتمع على حد سواء، فبقدر ما ينال هؤلاء الناشئة من اهتمام وحسن تربية وتوجيه ينعكس ذلك على مستقبل الأمة وتطورها.

لقد أفرزت التغيرات الهائلة في البيئة المجتمعية نتيجة للثورة المعلوماتية العديد من الضغوط وأفرزت أنواع من الصراعات والتحديات التي باتت تؤثر بشكل كبير على أداء الأفراد وقد تنذر بخطر الابتعاد عن المنظومة القيمية الاسلامية وبالتالي أصبح للمفكرين دور كبير ووسيلة فعالة في مساعدة الآخرين من أجل تخطي الأزمات النفسية التي قد تحدثها هذه التغيرات. بما يساعد في خلق بيئة خالية من التوتر والازمات، ومما لاشك فيه أن مقدار النجاح الذي تحققه أي أمة من الأمم يتوقف إلى حد كبير على مدى تمسكها بالموروث الاجتماعي والخلقي الذي ترکه هم اسلافهم.

ولا يستطيع أي مجتمع أن يبقى ويستمر من دون أن تحكمه مجموعة من القوانين المعتمدة في توجيه سلوك أبنائه فالمبادئ الأخلاقية تهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية وتعزز تكيف المراهق مع نفسه وتعزز تكوين هويته على وفق معتقداته الخاصة، وما يحقق هذا المنظور هو تبني الأنماط والسبل والاستراتيجيات التي تبناها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، في ترسيخ مبادئ الاسلام والنظم الخلقية

ويُعد الإرث العلمي والفكري والاجتماعي والخلقي الذي تركه الإمام علي علیه السلام من أهم المصادر والمراجع التي يفترض العودة لها كلما ضاقت بنا السبل فهو نسق علمي معرفي حضاري للأسلوب الحياة فهو يعكس صورة عملية لسياسة الإسلام الحكيمة ونظامه، وهو يُعد دستور حکم ناضج ومكتمل القواعد والشروط، وبما يوفر العدل والمساواة ويحفظ كرامة الانسان وحقوقه، ويؤكد على

ص: 47

الالتزام الخلقي، والابتعاد عن الطمع وحب الشهوات، والالتزام بالذكر الحسن، والعمل الصالح.

ولابد للشباب ومن يقوم برعايتهم في مختلف درجات مسؤوليتهم ابتداءً من الأسرة إلى المؤسسات التربوية والمهنية والخدمية ودوائر العمل وانتهاءً بالحكومة والدولة أن يستفيدوا من هذا الإرث العلوي الذي أبدع سلام الله عليه في صياغته وكال فصوله.

وعلينا أن نتمسك بما ورد عن الإمام عليه السلام في تشديده على الأخلاق وتجنب سفك الدماء کا ورد ذلك في: (إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَیْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ

لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ،

مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا).

ونرى أن للأخلاق أهمية في تقويم سلوك الفرد وفي بنائه النفسي والاجتماعي فهي تعتني به وتهذب شخصيته و كذلك تتجه في الوقت ذاته نحو اصلاح المجتمع الإنساني بأسره، وأن تأكيد الدين اياها يعطيها خصوصية أخرى يجب التمسك بها لأنها أصبحت جزءاً من الدين فيجب أن يتربى الفرد ويتشبع بالقيم الخلقية الفاضلة، فإن الاهتمام بها هو لرفع مكانة الإنسان وحثه على الإلتزام بالقيم والمبادئ الخلقية السامية. وقد اكدت عليها النظم التربوية واعطتها خصوصية في مقرراتها التعليمية وهذا الاهتمام نابع من مسلمة أساسية مفادها أن الاخلاق والتربية متلازمتان فلا تربية بدون أخلاق ولا أخلاق بدون تربية.

وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال في احدى وصاياه (أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإنْ بغتكما أوصيكما، وجميع ولدي، وأهلي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم).

ص: 48

نرى هنا وصيته سلام الله عليه ليس فقط لمن عاصروه وإنا للأجيال اللاحقة وكأنه سلام الله عليه يشير إلى موروثه الخلقي والاجتماعي سيكون نبراس وطريق هدى لبناء مجتمع متكامل وتنشئة جيل خالي من التناقضات الفكرية والعقائدية.

وقد قارن الإمام سلام الله عليه في احدى خطبه بينه وبين معاوية وقد اكد فيها أن الإنسان قادر على ترك الفضيلة وطريق الشر يسهل ركوبه لكنه عليه أن يتمسك بما وهبه الله سبحانه وتعالى من روح انسانية ومبادیء سامية عليه أن يرتقي لها ويتقمصها فقد ذكر عليه السلام: ((والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجُر، ولولا كراهية الغدر لکنت من أدهى الناس، ولكن كل غَدْرَةٍ فَجْرَةٍ، وكل فَجْرَةٍ کَفْرَةٍ)، ففي قوله هذا يرشدنا ويحثنا إلى التمسك بالطريق الحق وعدم الانجراف مع الأهواء التي تؤدي بنا إلى مزلق لا تحمد عواقبه.

ونستشف من وصيته لولده الإمام الحسن عليه السلام أنه يحثه على تبني الحكم الخلقي وعلينا أن نتخ من ذلك أنموذجاً لحث الآخرين وبالأخص الشباب الى تبني مشروع الإمام عليه السلام في نمو الحكم الخلقي فقد روي عنه سلام الله عليه أنه قال: (يا بني إجعل نفسك میزانًا في ما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره ما تكره لها، ولا تظلم کا تحب أنْ لا تظلم، وأحسِن کما تحب أنْ يُحسَن إليك)، وقد ناقشت تلك الوصية موضوعًا مهماً يُعد من أبرز المواضيع الاجتماعية وقضايا المجتمع المعاصر، فقد حولها إلى ممارسات اجتماعية نحو: صلة الرحم، والتكافل الاجتماعي، وإصلاح ذات البين، والأُخوة في الله، والتواضع، والتكبر، وحسن الجوار، والأيتام، ونفاق المجتمع، وغير ذلك من ممارسات المجتمع التي قدمتْ بكيفيات أو استراتيجيات معينة حاملة بداخلها النهي، والأمر، والشكوى من بعض المجتمع، والوصف، والوصية، والتوجيه،

ص: 49

وغير ذلك مما يعزز القيم التربوية للفرد، وللمجتمع بالابتعاد عن المنكرات، والآفات، والأوهام الاجتماعية التي لا تسهم في تنظيم حياة الفرد وإسعاده.

التوصيات:

ضرورة تدريس فكر الإمام علي علیه السلام من أجل تنشئة جيل يمتلك الحصانة الفكرية والخلقية بوجه الهجمات التي تروم النيل منهم.

إن الإرث الفكري والخلقي للإمام علي علیه السلام بحاجة إلى دراسة وبحث أكثر لأن هناك مواضع كثيرة فيه تحتاج إلى دراسة وتأمل، يجب أن يتوقف عندها الباحثون، لأنها تعطي توضيح لبعض الحقائق الاجتماعية والنفسية.

تنفيذ برامج تدريبية لاكتساب أحكام خلقية على وفق ما ورد عن أئمتنا الأطهار سلام الله عليهم.

زيادة الاهتمام بالمراهقين والنظر اليهم كقادة للمستقبل وحثهم على تنبني السلوك الخلقي لماله من دور في خلق وصياغة الروح الاسلامية الأصيلة.

تبني المؤسسات التربوية تضمين ما ورد عن الإمام علي علیه السلام في المناهج الدراسية بجميع المراحل الدراسية لتعليم الطلبة الواجبات والحقوق والقيم الخلقية.

المقترحات:

دراسة تحليلية للأحكام الخلقية استعملها بقية الأئمة سلام الله عليهم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

إجراء دراسة مقارنة لدور الإمام علي علیه السلام في نمو الحكم الخلقي بين المسلمين وغير المسلمين.

دراسة السمات النفسية والخلقية لدى الإمام علي علیه السلام.

ص: 50

المصادر العربیة

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. توق، محيي الدين (1980): «المستوى الاقتصادي والاجتماعي والترتيب الولادي وتأثيرها على النمو الخلقي عند عينة ن الأطفال الأردنيين: دراسة تجريبية «، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد3 ، السنة 8، الكويت.

2. حجاج، عبد الفتاح (1985): التربية الخلقية نظرة تحليلية، بحوث ودراسات، مركز البحوث التربوية، مجلد 12، منشورات جامعة قطر، قطر.

3. الزبيدي، بشار خليل اسماعيل (1990): أساليب ضبط الولدين وعلاقتها بالنمو الخلقي لأبناء الشهداء واقرانهم الآخرون، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة بغداد.

4. عباس، مضر طه (1988): النمو الأخلاقي للأحداث الأسوياء والعدوانيين، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة بغداد.

5. العبيدي، نوري جودي (1995): النمو الخلقي للمراهق العراقي وعلاقته بالاتجاه الديني ومراقبة الذات والعمر، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية التربية (ابن رشد)، جامعة بغداد.

6. عريفج، سامي سلطي (2000): مقدمة في علم النفس التربوي، ط 2، دار الفكر، عمان، الأردن.

7. الغامدي، حميد الفارس (2004): النمو الأخلاقي لدى الجانحين وغير

ص: 51

الجانحين بالمنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، مكة، السعودية.

8. فتحي، محمد رفقي محمد (1983): في النمو الأخلاقي (النظرية، البحث، التطبيق)، ط 1 دار القلم، جامعة الكويت.

9. فتوحي، فاتح أبلحد (1994): أثر المناقشة في تعديل الأحكام الخلقية للمراهقين، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية التربية (ابن رشد)، جامعة بغداد.

10. القائمي، علي (1998): الأسرة والمشاكل الأخلاقية للطفل، ط 1، دار النبلاء، بيروت

11. قناوي، هدى محمد (1987): دراسة مقارنة بين أطفال مصر والبحرين في النمو الخلقي، دراسات تربوية، مجلد 2، جزء 6.

12. الكيلاني، ماجد عرسان (1992): اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، دار البشير، عمان، الأردن.

13. المعتزلي، ابن ابي الحديد (2007): شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابراهيم، دار الكتاب العربي - دار الأميرة للنشر والتوزيع، بغداد، العراق.

14. منصور، محمد جميل وفاروق عبد السلام (1981): النمو من الطفولة الى المراهقة، دار تهامة، جدة، السعودية.

15. النوري، عبد الغني فتاح (1985): التربية الاسلامية بين الأصالة والمعاصرة، مجلة التربية، العدد 74، منشورات جامعة قطر، قطر.

ص: 52

المصادر الأجنبية:

1. Gibbs, J.G (1977): Kohlberge Stage of Moral Judgment A Constructive Critique". Harvard Educational Review, Vol.47, PP. (4449-).

2. Good G.V.(1973): Dictionary of Education. (3rd ed). McGraw - Hill: New York P.353.

3. Graham. D.(1972): Moral learning and Development Theory and research. Wiley and Sons New York.

4. Greif. E.B.(1981): "Father Children and Moral Development". In Lamp (M.E.): The Role of the Father in Child Development.

Wiley, New Yourk.

5. Kohlberg. L. (1984): The Psychology of Moral development.

Harper and Row: San Francisco.

6. Rest J. R. (1979a): Development in Judging moral Issues University of Minnesota press Minneapolis Minn.P.(76.49).

7. Turner J. Helms D. B. (1991): Life Span Development (4th ed). Holt Rinehart and Winston Inc. London.

ص: 53

ص: 54

رد الشمس للإمام علي (علیه السلام) الدكتورة زهور كاظم زعيميان وزارة التربية المديرية العامة لتربية الكرخ الثالثة

اشارة

ص: 55

ص: 56

المقدمة

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، نعبده بذّل مخلصين له الدين، اللهم إنا نسألك العفو، والعافية، وحسن العاقبة، وأن تقبل أعمالنا، وتغفر ذنوبنا، وبعد فقد اشتد الخلاف حول كرامة ردّ الشمس للإمام علي (علیه السلام)؛ وذلك لأنه يتعارض مع حديث أخرجه أحمد في مسنده: «ما حُبِسَتِ الشمسُ على بشَرٍ قطُّ، إلَّا على يوشَعَ بنِ نونٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ». وهذا يعني أنها لم ترد للإمام علي (علیه السلام)؛ لأن الحديث حصر الكرامة للنبي يوشع بن نون (علیه السلام) وسوف نثبت في هذا البحث أن الحديث لا يتعارض مع كرامة رد الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام)) وبالأدلة فحوادث الشمسِ مذكورةٌ في الكتب القديمة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة» ومن هذه علیه واله الحوادث:

وقوف الشمس لنبي الله يوشع بن نون (علیه السلام)(3)

وقصة وقوف الشمس للنبي يوشع بن نون(ال): كما جاء في الكتاب المقدس أن أهل جيعون أرسلوا إلى يشوع - هكذا جاءت تسميته في العهد القديم -، يقولون له: لا تترك عبيدك في الضيق، تعال إلينا سريعاً وخلصنا وانصرنا على أعدائنا الآموريين سكان الجبل وأن النبي موسى (علیه السلام) أمر يشوع أن يأخذ خيرة رجاله لمحاربة العاليق، وأن النبي موسى (علیه السلام) سيقف أعلى التل وعصا الله في يده إذا رفع يده ينتصر بنو إسرائيل وإذا حط يده ينتصر العاليق فهزم يشوع بني عماليق بحدّ السيف. بعد أن أمضى الليل كله صاعداً إلى الجلجال وهو يضر بهم ويلحق بهم وساعده الربّ بأن ضربهم بحجارة عظيمة من السماء لكن النصر

ص: 57

لم يتم فدعا يشوع ربه بأن يوقف الشمس وكلم يشوع الرب يوم سلم الرب الأموريين إلى بني إسرائيل، فقال على مشهد من بني إسرائيل: يا شمس قفي على جيعون، وعلى وادي أيلون اثبت يا قمر، فوقفت الشمس وثبت القمر إلى أن انتقم الشعب من أعدائهم وذلك مكتوب في كتاب ياشَرَّ. فتوقفت الشمس في أعلى السماء ولم تغب مدة یوم كامل)). واستراحت الأرض من الحرب.

ووقوفها كان استجابة لدعائه ومعجزة من الله له لتنفيد أوامر الله تعالى.

وكذلك فقد جاء في سفر نحميا أن نحميا بنى سوراً لم تبق فيه فجوة وأنه عيّن حنَنْيا حارساً على السور وأن أبواب السور لا تفتح حتى تحمى الشمس وتقفل قبل أن تميل إلى المغيب وأنه أقام حراساً من سكان أورشليم، بعضهم في مراكز الحراسة، والآخرون كل واحد قبالة بيته.

وقد عاد يشوع من السبي البابلي بعد بناء السور. وكذلك محاربته للعماليق بعد عودته من السبي.

فقد يكون دعاؤه بوقوف الشمس لأن أبواب السور تغلق قبل المغيب فلا يتمكن من الخروج من أورشليم لمحاربة العماليق.

يقول الطبري في تاريخه: ((ثم إن موسى قدّم يوشع بن نون إلى أريحا في بني إسرائيل فدخلها بهم، وقتل بها الجبابرة الذين كانوا فيها، وأصاب من أصاب منهم، وبقيت منهم بقية في اليوم الذي أصابهم فيه، وجنح عليهم الليل، وخشي إن لبسهم الليل أن يُعجزوه، فاستوقف الشمس، ودعا الله أن يحبسها، ففعل الله عز وجل حتى استأصلهم)).

فهي وقفت للنبي يوشع بن نون لأنه كان يحارب يوم الجمعة وعندما صار

ص: 58

النصر قاب قوسين أو أدنى كان وقت العصر قد أزف واليوم التالي هو يوم السبوت ولا عمل فيه لدى اليهود ومنه القتال، وإن دخل عليهم المغیب لدخل بغياب الشمس يوم السبت، فلا يتمكنون معه من القتال فنظر إلى الشمس ودعا ربه بأن لا تغيب حتى يتم استثمار الهجوم والنصر، وبقدرة الله كان له ذلك. لذا وقفت الشمس كرامة له لينتصر على أعدائه قبل مجيء يوم السبت - وجدير بالملاحظة أن الأرض هي التي وقفت أو تباطأت وعبر عن وقوفها بوقوف الشمس لأن ذلك هو الظاهر للرائي، وهو كما نقول أشرقت الشمس، والأرض هي المتحركة، وكذلك فإن ظاهرة الليل والنهار تحدث بدوران الأرض وليس الشمس.

وهناك إشارة لتلك الحادثة في سفر حبقوق: ((الشمس والقمر في برجيهما وقفا، لتطاير سهامك، وضیاء بريق رمحك)).

ولهذه الحادثة حضور في الأحاديث النبوية الشريفة فعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((غزا نبيٌّ من الأنبياءِ، فقال لقومِهِ: لا يَتِّبِعْنِي رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ، وهو يريدُ أن يَبْنِيَ بها ولمَّا يَبْنِ بها، ولا أَحَدٌ بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها، ولا أَحَدٌ اشترى غنمًا أو خَلِفَاتٍ، وهو ينتظرُ ولادها، فغزا، فدنا من القريةِ صلاةَ العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمسِ: إنكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ، اللهمَّ احبسها علينا، فحُبِسَتْ حتى فتحَ اللهُ عليهِ)).

ومن الغريب أن نجد خلطاً في نقل الأحاديث الشريفة فهي تارة تذكر حبس الشمس كالحديث أعلاه وتارة تذكر ردّ الشمس فقد ذكر الطبري (ت 311 ه) أن يوشع بن نون قاتل الجبارین يوم الجمعة قتالًا شديدًا حتى أمسوا وغربت الشمس، ودخل السبت فدعا الله فقال للشمس: إنك في طاعة الله وأنا في طاعة الله، اللهم اردد علي الشمس، فردت عليه الشمس، فزيد في النهار يومئذ ساعة

ص: 59

كما نقل الحافظ ابن شهر آشوب (ت 588 ه) عن ابن عباس بطرق كثيرة: انّه لم تردّ الشمس إلّا لسليمان وصيّ داود، وليوشع وصي موسى، ولعليّ بن أبي طالب وصي محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).

کما ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) ((إن الله تبارك وتعالى ردّ الشمس على يوشع بن نون وصي موسى (علیه السلام) حتى صلى الصلاة التي فاتته في وقتها)).

والحق أن الشمس لم ترد ليوشع بن نون وإنما توقفت أو حبست أو تباطأ سيرها.

وربما تكون قد فاتته الصلاة والصلاة في اليهودية ثلاث مرات، عند الفجر، وفي الظهيرة، وعند غروب الشمس. وهذا يعني أنها وقفت له في وقت وردّت له في وقت آخر وأنه انفرد بكرامة حبس الشمس واشترك مع غيره في كرامة رد الشمس.

وقد ذكر قصة ردّ الشمس للنبي يوشع بن نون عدد كبير من المفسرين منهم السيوطي، وذكرها السيد الطبطبائي.

وقد أنكر بعضهم هذه الكرامة للإمام علي (علیه السلام) وذلك بحجة تعارضه مع حديث أحمد في مسنده: «ما حُبِسَتِ الشمسُ على بشَرٍ قطُّ، إلَّا على يوشَعَ بنِ نونٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ».

وواضح من نص سفر يوشع أن الأمر مختلف بين الإمام علي (العلیه السلام) والنبي يوشع (علیه السلام) فهي وقفت للنبي يوشع بن نون أما حادثة الإمام عليّ (علیه السلام) فهي ليست وقوفاً للشمس وإنما ردّ لها وهو في حقيقة الأمر انعكاس دوران الكرة الأرضية استجابة لدعاء رسول اللہ (صلى الله عليه وسلم) وكرامة لصهره عليُّ بن أبي طالب (علیه السلام).

ص: 60

والحادثة وقعت للنبي يوشع (علیه السلام) قبل الغروب أما للإمام عليّ (علیه السلام) فهي بعد الغروب، حيث إن المطلب مختلف بینهما فالنبي يوشع أراد إطالة النهار بوقوف الشمس بينما رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) طلب من الله عز وجلّ ردّها لرجوع النهار.

وعند البحث في المعاجم العربية فإن الأمر يزداد وضوحاً بأن معنی حبس أي وقف وتأخر، فقد جاء في معنى حبس: وحبسه: أمسكه عن وجهه، ... والحبس، بالضم: ما وقف... وفي الحديث: ذلك حبيس في سبيل الله؛ أي موقوف.

ولوقوف الشمس للنبي يوشع أدلة تاريخية إذ يستدل بعض مفسري الكتاب المقدس بدليل صحة وقوع هذه الحادثة باليوم المفقود وأنه يصادف يوم الثلاثاء وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن حجر العسقلاني وبقية المفسرين الذين ذكرناهم بأن تكون الحرب وقعت يوم الجمعة.

ونرى أن يوم الجمعة أصح لأن فيه علة وقوف الشمس.

((وهذا الحدث بالفعل كان مسکوني شوهد في كل العالم في هذا الزمان وارخ تقريباً في معظم الحضارات مع ملاحظة اننا نتكلم عن حدث تم من 3400 سنه مضت اي تقريباً سنة 1400 ق م... فقد سجله هیرودیت المؤرخ الذي لقب بأبي التاريخ قال في تسجيلاته نقلا عن الكهنة المصريين الذين أروه مخطوطات قديمة تتحدث عن يوم أطول بكثير من المعتاد يصل إلى ضعف اليوم العادي)).

وأيضا دليل آخر قدمه فيرنارد کروبتي الفرنسه وهو ترجمه لنص فرعوني قدیم:

((الشمس ألقيت في الحيرة واستمرت منخفضة في الأفق. وبسبب عدم صعودها انتشر الرعب بين الاطباء. يومين اندمجوا في واحد. الصباح طال إلى مرة

ص: 61

ونصف طول فترة نور النهار. بعد هذه الظاهرة الالهية بفتره معينة السيد بني صورة ليحفظ البلاد من أي كارثة أخرى...)).

أيضاً في بابل الأستاذ جانسون سجل أن هناك تقليد قديم عن يوم طوله ضعف المعتاد، ونشرت الجمهورية المصرية مقالة عن عالم روسي من علماء الطبيعة اسمه إيمانوئيل فليکوفسكي جاء فيها: إن نیزكاً هائلاً مرّ إلى جوار الكرة الأرضية في عهد يوشع خليفة موسی (عليهما السلام) ثم عادت الظاهرة إلى الوجود بعد ذلك بسبعمائة عام... - وهو تقريبا نفس تاریخ رد الشمس للنبي حزقيا، لأن الفرق بينهما 700 عام تقريباً؛ لأن الحادثة للنبي يوشع حدثت قبل 1400 (ق.م) تقريبا وللنبي حزقيا قبل اكثر من 666 (ق.م) - وهذه الظاهرة الكونية الهائلة التي تسيّرها قوى خارقة غير مرئية، تفسّر المعجزات التي جاء ذكرها في الكتب السماوية والتوراة والإنجيل والقرآن.

إنّ اقتراب کوکب أو نیزك كبير من الأرض يحدث ظواهر متعدّدة:

منها: إنّ دوران الأرض حول نفسها يقلّ أو يقف، حتى يخيّل إلى الناس أن الشمس قد وقفت في كبد السماء.

ويقول المؤلّف: أنه في العهد الّذي يقابل عهد موسى يقول المؤرخون الصينيون: إنّ الشمس آنذاك لم تغرب.

وفي نصّ العهد القديم دليل على صحّة حادثة وقوف الشمس فقد جعل وقوف القمر تابعاً لوقوف الشمس وهو ماعرف حدیثاً بأن القمر تابع للأرض.

وفي العهد الجديد: ((وإذا زلزال عظيم يقع، والشمس تسودّ كثوب الحداد، والقمر كله يصير مثل الدم وكواكب السماء تتساقط إلى الأرض.... والسماء تنطوي

ص: 62

على اللفافة)).

وممن صرح بذلك جازماً به الإمام حازم القرطاجني فقال في مقصورته:

والشمس ما ردتّ لغير يوشع *** لماغزا ولعلي إذ غفا.

رد الشمس للنبي حزقيا (سنة 612 ق.م، ونبوته بعد 666 ق.م)

جاء في العهد القديم أن النبي حزقيا مرض مرضا شديدا وبُلّغ أنه سيموت لكنه بعد أن صلی وبکی بلّغه إشعيا أن الله أطال الله عمره خمسة عشر عاماً فقال له حزقيا: وما العلامة أن الرب سيشفيني، فقال إشعيا: ((هذه هي العلامة أن الرب يحقق ما قاله: ما تختار أن يتقدم الظلّ عشر درجات أم يرجع عشر درجات؟ فصلّى إشعيا إلى الرب فتراجع الظل إلى الوراء عشر درجات على الدرج الذي بناه الملك آحاز)).

وفي أخبار الأيام الثاني مرض حزقيا وكبرياؤه ((وحتى أحين أرسل إِلَيْهِ أعيان بابل يَسْأَلُونه عَنِ الأُعْجُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الأَرضِ، فقط لِيُجَرِّبَهُ وِيَعرف کُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ).

يقول مفسر العهد القديم: ((الوقت الذي حدثت فيه المعجزة، في أوقات معينة من النهار كان ظل أحد الأشياء يسقط على الدرجات. ونعلم من سفري الملوك الثاني ونبوة إشعياء أن هذا الظل كان قد نزل - على الأقل - عشر درجات، کما نعلم من نبوة إشعياء أيضاً أن الشمس كانت في طريقها إلى المغيب، فمن ثم لابد أن المعجزة قد حدثت بعد الظهيرة حين كانت الشمس في طريقها إلى المغيب، وعندئذ تمتد الظلال نحو الشرق)).

وهذا يعني أيضاً أن الشمس لم تتوقف وإنما ردت.

ص: 63

((وهذا حسب التقويم الصيني وتقاويم كثيره اكدت انه حدث في يوم 23 مارس 687 ق. م وهو ما يوازي 40 دقيقه)).

ردّ الشمس لنبي الله سليمان بن داود (علیه السلام) (عاش 970 ق.م حتى 931 ق.م)

وهو ما ذكرته كتب التفاسير والأحاديث النبوية الشريفة منه ما روي عن الصادق (ت 148 ه) (علیه السلام) أنه قال: (( إن سلیمان بن داود (علیه السلام) عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردّوا الشمس عليّ حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها، فقام فمسح ساقيه وعنقه، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوءهم للصلاة، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس، وطلعت النجوم، وذلك قول الله عز وجل: «وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * «رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ» (ص / 30 - 33).

وقد ورد في تفسير الآيتين: إنّ ابن عباس حكى للإمام قول کعب الأحبار اليهودي - أنّه قال: (رُدُّوهَا) يعني الأفراس.

فقال الإمام (علیه السلام): كذب کعب، لكنّ سلیمان اشتغل بعرض الأفراس للجهاد حتی توارت؛- أي غربت الشمس بالحجاب، فقال بأمر الله للملائكة الموكلّين بالشمس: (رُدُّوهَا) یعنى الشمس، فردّوها حتى صلّى العصر في وقتها، وإنّ أنبياء الله لا يَظلمون لأنّهم معصومون.

وهو ما ذكره كثير من المفسرين أن يكون المراد بقوله: (تَوَارَتْ بِالْحِجَاب) هي الشمس، والمراد بقوله: (رُدُّوهَا) يعني: الشمس.

ص: 64

وأتفقوا كذلك على أن عرض الخيل شغله عن صلاة العصر حتى فات وقتها، ولم يكن ذلك عن تجبر.

ونقل الطبري حديثاً عن أبي الصهباء البكري: ((سألت علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العصر، وهي التي فتن بها سليمان بن داود)).

قال الشيخ روزنبهان البقلي (ت 606ه): ((من غار لله وتحرك له فإن الله يشكر له ذلك ألا ترى سليمان لما شغله الأفراس عن الصلاة حتی توارت الشمس بالحجاب قال ردّها عليّ)).

وقال الرازي: ((وفي قوله: (رُدُّوهَا) يحتمل أن يكون كل واحد منهما عائداً إلى الشمس، لأنه جرى ذكر ماله تعلق بها وهو العشي...... وروي أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) لما اشتغل بالخيل فاتته صلاة العصر، فسأل الله أن يرد الشمس فقوله: (رُدُّوهَا عَلَيَّ) إشارة إلى طلب رد الشمس)).

وذكر القرطبي (ت 671 ه) أن الهاء للشمس ونقل حديث عليّ بن أبي طالب (علیه السلام): ((وقد قيل: إن الهاء في قوله: «رُدُّوهَا عَلَيَّ» للشمس لا للخيل... قلت: ومن قال إن الهاء في (رُدُّوهَا) ترجع للشمس فذلك من معجزاته، وقد اتفق مثل ذلك لنبينا (صلی الله علیه وآله وسلم)).

وعلل الطبطبائي جمع الضمير في قوله (ردوها) بأن الأمر كان منه إلى الملائكة: ((قيل: الضمير في (ردوها) للشمس وهو أمر منه للملائكة برد الشمس ليصلي صلاته في وقتها)) وذكر أيضا حديث الامام علي بن أبي طالب (علیه السلام).

وفي العهد القديم: ((تجلى الرب لسليمان في الحلم ليلا وقال له أطلب ما ترید... فأنا ألبي طلبك وأعطيك أيضا ما لم تطلبه... وأطيل عمرك إذا سلكت في

ص: 65

طريقي حافظا فرائضي ووصایای))، فإن سلكت طريقي وحفظت وصایای کما سلك داود أبوك فإني أطيل أيامك

...وقد أخفق سليمان في تحقيق هذا الشرط... وكان لسليمان اثنا عشر ألف فرس.

وفي سفر التثنية فإن النبي سليمان (علیه السلام) إشارة إلى نهي النبي عن الاكثار من الخيل لأنه سيشغله عن عبادة الله ويزيغ قلبه ((لاَ يُكَثِّرْ لَهُ الْخَيْلَ.. وَلاَ يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلاَّ يَزِيغَ قَلْبُهُ))

وذكر القصة السيد نعمة الله الجزائري في كتابه قصص الأنبياء: ((وذلك أن سليمان (علیه السلام) كان يحب الخيل ويستعرضها فعرضت عليه يوماً إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر، فاغتم من ذلك ودعا الله أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر فردها عليه إلى وقت العصر فصلاها)).

حبس الشمس للنبي موسى (علیه السلام)

وجاء أيضاً أنّها حبست لموسى لما حمل تابوت یوسف، ((وأخذ موسی عظام يوسف معه؛ لأن يوسف قال لبني إسرائيل محلّفاً: الله سيتفقد كم يوما، فاخرجوا عظامي من هنا معكم)).

وهو ما ذكره ابن إسحاق في المبتدأ من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه: ((أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر أن يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل)).

وهو أيضا مختلف عما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فالنبي موسى (علیه السلام)

ص: 66

دعا ربه أن يحبس طلوع الفجر، ويطيل الليل.

حبس الشمس وردها لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

أما حبس الشمس فهو ما ذكره البخاري في صحيحه: ((إن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) لما أخبر قريشا صبيحة الاسراء إنه رأى العير التي لم تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير)).

وقد ذكره عدد كبير من المفسرين القدماء والمحدثين نذكر من المحدثين الآلوسي الذي أقرّ الحبس وأنكر الرد: ((لفظ الخبر أنه لما أسرى بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا: متى يجيء؟ قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم يجيء فدعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس والحبس غير الرد ولو كان هناك رد لأدرکه قریش و لقالوا فيه ما قالوا في انشقاق القمر ولم ينقل، وقيل: كأن ذلك كان بركة في الزمان نحو ما يذكره الصوفية ممايعبرون عنه بنشر الزمان)).

وهذا يفند حيث أحمد بأن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن نون.

أما ردّها فقد روي في كتب الصحاح ((أن نبينا (صلی الله علیه وآله وسلم) حبست له الشمس مرتين: إحداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتی غربت فردها الله عليه حتى صلى العصر، ذكر ذلك الطحاوي في شكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين وقال: رواته ثقات)).

وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ((قال: وقد حبست الشمس لرسول الله مرتين: إحداهما ما رواه الطحاوي، وقال رواته ثقات وساهم وعدهم واحدا واحدا وهو أن النبي كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي (رضي الله عنه) فلم يرفع رأسه

ص: 67

حتی غربت الشمس ولم يكن علي صلى العصر، فقال رسول الله :» أصلیت یا علي قال: لا. فقال رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس» قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء في خيبر. قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات)).

وفي الحديث خلط للحبس مع الرد وهو كما ذكرنا مختلف المعني.

والثانية ذكرت في البداية والنهاية أيضاً ففي صبيحة الإسراء، أخبر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قريشا عن مسراه من مكة إلى بيت المقدس فسألوه عن أشياء من بیت المقدس فجلاه الله له حتى نظر إليه ووصفه لهم، وسألوه عن عير كانت لهم في الطريق، فقال: إنها تصل إليكم مع شروق الشمس فتأخرت، فحبس الله الشمس عن الطلوع حتی کانت العصر، روى ذلك ابن بكير في زياداته على السنن)).

وهو مشابه لتأخير الفجر مع النبي موسى (علیه السلام)

ومما ذكر يتبين لنا أن ابن كثير أيضاً خلط بين الرد والحبس وهما مختلفان.

ردّ الشمس للإمام علي (علیه السلام)

ولردّ الشمس لأمير المؤمنين ذكر في كتب المفسرين والأحاديث الصحيحة، وهو مما يعتقد به الشيعة وتؤكده المصادر المعتبرة، وللحادثة أثر تاريخي يتوافد إليه المؤمنون من كل مكان.

وقد ردّت الشمس لأمير المؤمنين (علیه السلام) مرّتين

ص: 68

المرة الأُولى: مكاناً وزماناً بالصهباء من أرض خيبر في العهد النبوي الشريف:

خرّج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عُمَيْس من طريقين: ((أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس؛ فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «أصليت ياعلي» قال: لا، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس» قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض، وذلك بالصَّهْباء في)).

ونفهم من بعض المفسرين أنهم جعلوا المعجزة لنبينا (صلی الله علیه وآله وسلم) وكرامة لوصيه أمير المؤمنين علي (علیه السلام).

وقال السيوطي في الخصائص: ((أوتي يوشع حبس الشمس حين قاتل الجبارين وقد حبست لنبينا في الإسراء وأعجب من ذلك رد الشمس حين فات عصر علي)).

ونقل الشيخ الصدوق ابن بابویه عن الشيخ المفيد أنه قال: وممّا أظهره الله تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) ما استفاضت به الأخبار، ورواه علماء السير والآثار، ونظمت فيه الشعراء الأشعار: رجوع الشمس له (علیه السلام) مرّتين، في حياة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) مرّة، وبعد وفاته أُخرى.

وقد ذكر عدد كبير من الشعراء هذه الكرامة نذكر منهم.

قول الأصفهاني:

أمن عليه الشمس ردت بعدما *** کسى الظلام معاطف الجدران

حتى قضى مافات من صلواته *** في دبر يوم مشرق ضحيان

ص: 69

والناس من عجب رأوه وعاينوا *** يترجون ترجح السكران

ثم انثنت المغيبها منحطة *** کالسهم طار بريشة الظهران

وقال السريجي الأوالي (ت 750 ه).

في قصيدته الغديرية:

وآية الشمس إذ ردت مبادرة غراء *** أقصر عنها كل انسان

قال ابن الجوزي:

أول الناس صلاة *** جعل التقوى حلاها

ردت الشمس عليه *** بعد ما غاب سناها

وقال ابن كثير: ((من طريق أبي العباس بن عقدة، حدّثنا يحيى بن زکریا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن حديث ردّ الشمس على علي بن أبي طالب هل يثبت عندكم؟ فقال لي: ما أنزل الله في كتابه أعظم من ردّ الشمس، قلت: صدقت جعلني الله فداك، ولكنّي أحب أن أسمعه منك.

فقال: حدّثني أبي الحسن عن أسماء بن عمیس ونقل حدیث أسماء الذي ذكرناه.

ثم قال: ((قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صریر کصرير الرحى حتی كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمکناً فصلّی، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صریر کصرير الرحي، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجوم)).

ويمكن أن نستنتج من حديث أسماء بنت عمیس دليلاً على صحة الحديث

ص: 70

بأنه من لا ينطق عن الهوى.

ففي قولها فأقبلت الشمس ولها صریر کصرير الرحي يدل على أن الذي تحرك هو الأرض وليست الشمس، فبدوران الأرض یکون الليل والنهار، والصرير ربما كان من تحرك الأرض فبُعد الشمس کما أُثبت علمياً يمنع وصول صوت الانفجارات وصوت فوران الشمس.

فالذي سمُع هو صوت الأرض وليس الشمس، والذي تحرك ليعود النهار هو الأرض، فهو إعجاز علمي ذكر قبل أن يكتشفه العلم الحديث، وأيضا ففي القرآن الكريم قال: ((ردوها عليّ)) لا يمنع تحرك الأرض لتعود الشمس والله أعلم.

أما المرة الثانية في بابل (الحلة).

فقد ذكر الشيخ الصدوق أن الشمس ردّت على أمير المؤمنين علي (علیه السلام) عدة مرات: منها ما ((روي عن جويرية بن مسهر أنه قال: ((أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس، فقال علي (علیه السلام) إن هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات وفي خبر آخر مرتين - وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المؤتفکات وهي أول أرض عبد فيها وثن، وأنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد أن يصلي فيصل، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلون وركب هو (علیه السلام) بغلة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومضى، قال جويرية: فقلت: والله لأتبعن أمير المؤمنين (علیه السلام) و لأقلّدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه فو الله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشککت، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية أشككت؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل علیه السلام عن ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسنه إلا كأنه بالعبراني، ثم نادى الصلاة فنظرت

ص: 71

والله إلى الشمس وقد خرجت من بين جبلين لها صرير فصلى العصر وصليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل کما کان فالتفت إليّ وقال: يا جويرية بن مسهر إن الله عزّ وجلّ يقول: ((فسبح باسم ربك العظيم)) وإني سألت الله عزّ وجلّ باسمه العظيم فردّ عليّ الشمس، وروي أن جويرية لما رأى ذلك قال: أنت وصي نبي ورب الكعبة.

وذكره البخاري في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، إذ ذكر إن الإمام علياً (علیه السلام) کره الصلاة بخسف بابل.

وذكر الخطيب البغدادي أنه ردت الشمس على علي (علیه السلام) وهو في طريقه إلى صفين في بابل.... عن عبد خير قال: كنت مع علي أسير في أرض بابل وحضرت الصلاة (صلاة العصر) قال: فجعلنا لا نأتي مكاناً إلا رأيناه أقبح من الآخر قال: حتى أتينا على مكان أحسن ما رأيناه وقد كادت الشمس أن تغيب قال: فنزل علياً (علیه السلام) ونزلت معه، قال: فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، قال: فصلينا العصر ثم غابت الشمس.

ويوجد في المدينة مسجد رد الشمس (مسجد الفضيخ) وقد هدمه الوهابيون لمحو معالم الإسلام وبقي أرض المسجد يقصده المؤمنون للصلاة خفيةً.

وهو اسم مسجد من مساجد المدينة، روي أن فيه ردّت الشمس لأمير المؤمنين (علیه السلام).

ويعرف بمسجد الشمس اليوم، وهو شرقي مسجد قبا على شفير الوادي مرصوم بحجارة سود، وهو مسجد صغير.

کما جاء في سنن أبي داود ((أن عليا [رضي الله عنه] مر ببابل وهو يسير فجاءه المؤذن

ص: 72

يؤذنه بصلاة العصر فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال إن حبي (صلی الله علیه وآله وسلم) نهاني أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة)).

لكنه لم يذكر السبب.

ومسجد الشمس ببابل - الحلة - معلَمٌ قائم خالد وخير شاهد، وموقعه على يسار الخارج من الحلة إلى كربلاء على ربوة عالية وعليه قبة مثلها.

وينقل الحسني عن كتاب الهروي المتوفي في حلب (ت 611 ه) قوله ان في مدينة الحلة مشهد الشمس «يقال ردّت لحزقيال النبي (علیه السلام) ويقال ليوشع بن نون (علیه السلام) وقيل لعليّ بن ابي طالب والله اعلم».

إن معجزة ردّ الشمس لعلي (علیه السلام) تدخل في دائرة الألطاف والرعاية الإلهية، من حيث إنها تيسر عليهم قبول إمامة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين (علیه السلام)؛ لما تظهره من مقام له عند الله، ومن محل له لديه، من حيث إنه استحق أن يستجيب الله تعالى له إذا دعاه، بسبب انقياده (علیه السلام) له تعالى، وظهور عبودیته وطاعته حتی إن الشمس حين دعاها على قاعدة: (عبدي أطعني تكن مَثَلي).

ص: 73

الخاتمة

بعد هذه الرحلة القصيرة إلى حيث رُدّت الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لا يسعنا سوى أن نذكر أهم ما توصلنا إليه بهذا المبحث المتواضع:

حادثة وقوف الشمس لوصي النبي موسى يوشع بن نون (عليهما السلام) متفق عليها لدى الأديان السماوية والمذاهب الإسلامية فهي حبست في كتب الصحاح والتفاسير ووقفت وحبست وكذلك توقف القمر في العهد القديم.

هناك خلط لدى المفسرين بين (ردّ الشمس) و (وقوف أو حبس الشمس)، هذا الخلط جعل بعض المفسرين ينكر هذه الحادثة بالدليل المنقول عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) (ما حُبِسَتِ الشمسُ عى بشَرٍ قطُّ، إلَّا على يوشَعَ بنِ نونٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ».

أن العلل مختلفة لحوادث الشمس كرامة لأنبياء الله فقد حبست ليوشع بن نون (علیه السلام) کي يطول النهار وينتصر على أعدائه، و للنبي موسى (علیه السلام)؛ أخر الله عز وجل طلوع الفجر حتى فرغ من أمر تابوت يوسف، واختلفت العلة مع حزقيا فالشمس ردّت؛ كعلامة على شفائه وإطالة عمره. وتشابهت علة ردّ الشمس للنبي سليمان (علیه السلام) ولرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وللإمام علي (علیه السلام) فقد ردّت؛ ليقيما صلاة العصر بعد أن فاتهم وقتها.

إن الأوقات متباينة فقد ردت للنبي سليمان علیه السلام)) ولرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وللإمام علي علیه السلام)) بعد غياب الشمس أما النبي موسى فردت له فجراً وردّت قبل الغروب للنبي حزقيا.

وقد كشف هذا البحث عن تجذر هذه المعجزة وتكرارها مع أنبياء سبقوا

ص: 74

رسول الله والإمام علي (صلوات الله عليهم) وتبلورت ملامح المعجزة ولكن بشكل آخر فقد بينا فيه أن وقوف الشمس يختلف عن ردها لكن علاقته بالزمن واحدة.

إن الذين ردت لهم الشمس خمسة وهم النبي موسى (علیه السلام) والنبي حزقيا (علیه السلام) والنبي سليمان (علیه السلام) والنبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) والإمام علي (علیه السلام)

حديث البخاري ((إن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) لما أخبر قريشا صبيحة الاسراء إنه رأى العير التي لهم تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير)) يتناقض مع ما أخرجه أحمد في مسنده: «ما حُبِسَتِ الشمسُ على بشَرٍ قطُّ، إلَّا على يوشَعَ بنِ نونٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ».

هوامش البحث:

(1) الإمام أحمد: 2 / 325، المجلد الثاني الحديث 7964 .

(2) عيون أخبار الرضا: 2 / 200، حلية الأبرار: 2 / 301، بحار الأنوار: 53 / 59 .

(3) وهو الذي ذكر في سورة الكهف / 60 بلفظة فتاه. (يَشُوعُ بْنُ نُونٍ (عند المسيحيين) أو يُوشَعُ بْنُ نُونٍ (عند المسلمين) يقال أنه نبي من أنبياء الله (יְהוֹשֻׁעַ يَهُوشُوع بالعبرية) هو شخصية في العهد القديم المذكور في سفر يشوع عاش بن القرنن ال 13 ق م وال 12 ق م. من قبيلة إفرايم بن يوسف بن يعقوب، وكان قائد بني إسرائيل بعد موت النبي موسى وكان نبياً. انظر: تاريخ

الطري: ذكر يوشع بن نون: 1 / 435.

(4) وهم العماليق الجبارون كما جاء في تاريخ الطبري: 1/ 439.

(5) الكتاب المقدس: الخروج: 17 / محاربة العماليق: 9 - 13 / صفحة 90.

(6) ياشر: هذا السفر أو الكتاب ليس سفرًا من أسفار الكتاب المقدس، لكنه سفر غالبًا سجله رجل علماني أحب الشعر والأدب، فيه سجل بعض الأحداث الهامة الدينية والزمنية، وإذ شاهد

تأخر غروب الشمس أو سمع عنها سجل ذلك في قصيده ضمنها كتابه. وكأن كاتب سفر يشوع يستشهد بهذا الحدث العجيب بكتابات رجل علماني. ينظر: تفسر الكتاب المقدس - العهد القديم

- القمص تادرس يعقوب: / http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations

ص: 75

Old-01-Holy-Bible-Tafsir

(7) انظر: سفر يشوع: 10 / 6 - 13 / صفحة 273.

(8) سفر يشوع: 11 / 23 / ص 275

(9) أنظر: نحميا، اتمام بناء السور: 6 / 15. و 7 / 2 - 3 / ص: 592.

(10) أنظر: نحميا، أسماء العائدين من السبي، / 7 / 7: ص 592

(11) تاريخ الطبري: 1 / 441.

(12) البداية والنهاية: لابن كثر: الجزء السادس. وقد حدد يوم الجمعة في الرابع عر من حزيران في فتح الباري، ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول النبي

صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم، رقم الحديث: 2956.

(13) سفر حبقوق / 3، صفحة 1175. ويذكر ان سفر هذا النبي دون في القرن السادس ق.م ينظر: حبقوق من العهد القديم صفحة 1172.

(14) أخرجه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحلت لكم الغنائم» (4 / 86) برقم (3124)، ومسلم، كتاب الجهاد والسر، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة

خاصة (3 / 1366) برقم (1747).

(15) أنظر: تاريخ الطبري: ذكر يوشع بن نون: 1 / 440.

(16) مناقب ابن شهرآشوب 2: 145.

(17) من لا يحضره الفقيه: 1 / 145 وذكره أحمد: 2 / 325

(18) ينظر: الصلاة في اليهودية، الموقع: /https://ar.wikipedia.org/wiki

(19) الخصائص الكبری: السيوطي: 2 / 183.

(20) تفسير الميزان: السيد الطباطبائي: 17 / 206.

(21) مسند أحمد: 2 / 325، المجلد الثاني الحديث 7964.

(22) ينظر: الجزء الرابع من لسان العرب، مادة (حبس).

(23) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، رقم الحديث: 2956..

(24) راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 1069. ينظر: تفسر الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب: - http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy

Old-01-Bible-Tafsir . و 10764/https://drghaly.com/articles/display

(25) ينظر: مزيل اللبس في مسألتي شق القمر و ردّ الشمس، محمد مهدي الخرسان: 271، نقلا عن جريدة الجمهورية - المصرية - عدد 13 / 12 / 1957 م.

ص: 76

(26) المصدر نفسه: 272.

(27) رؤيا يوحنا / 6 الختوم: 391.

(28) ينظر: أمن اللبس: 423.

(29) ينظر: العهد القديم: الملوك 2 / 20 مرض حزقيا وشفاؤه: 476 - 477.

(30) ينظر: العهد القديم: أخبار الأيام الثاني: 32، صفحة 563.

(31) ينظر: شبهات حول الأسفار التاريخية - تاريخ النر: 2011 - 06 - 04 هل رجوع الشمس عشر درجات مقبول علميا؟: 8.

(32) ينظر: 10760/http://drghaly.com/articles/display.

(33) من لا يحره الفقيه: 144: 1 - 145، وتفسر الصافي: 4 / 298، وتفسر الميزان للسيد الطبطبائي: 17 / 203.

(34) ينظر: معاني القرآن للفراء: 2 / 404، وجامع البيان، الطري: 21 / 194. ومجمع البيان، للطرسي: 8 / 272. و تفسر الجامع لأحكام القرآن / القرطبي: 15 / 176. وفتح القدير الجامع بین فني الرواية والدراية، للشوكاني: 1 / 1263.

(35) جامع البيان: 21 / 194.

(36) عرائس البيان في حقائق القرآن، روزنبهان البقلي: 847.

(37) التفسير الكبير/ الرازي: 7 / 397. وينظر: الجامع لأحكام القرآن / القرطبي: 15 / 177.

(38) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي: 15 / 177. وينظر: معالم التنزيل للبغوي: 7 / 90.

(39) الميزان في تفسير القرآن / الطبطبائي: 17 / 202.

(40) الملوك الأول / 3: 412.

(41) تثنية 17: 16، 17.

(42) قصص الأنبياء: السيد نعمة الله الجزائري: 344.

(43) العهد القديم، سفر الخروج / 13: 84.

(44) فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول النبي ((أحلت لكم الغنائم، رقم الحديث: 2956.

(45) فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أحلت لكم الغنائم، رقم الحديث: 2956.

(46) تفسير روح المعاني، للآلوسي: 23: 175 - 176.

(47) ينظر: شرح النووي على مسلم، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة، الحديث: 1747.

ص: 77

(48) البداية والنهاية، ابن كثر: الجزء السادس قصة حبس الشمس، . https://ar.wikisource

org/wiki. وينظر: الجامع لأحكام القرآن: 15 / 177.

(49) البداية والنهاية، ابن كثر: الجزء السادس قصة حبس الشمس، . https://ar.wikisource

.org/wiki

(50) ينظر: مجمع البيان في تفسر القرآن: 8 / 273. والجامع لأحكام القرآن / القرطبي: 15 / 177،

أخرجه الطحاوي في - مشكل الآثار: 2 / 9، ومن لايحره الفقيه: 1 / 145، والغدير: 3 / 125 - 142، وذكره الشيخ الكليني في الكافي: 4 / 561 - 563.

(51) الخصائص الكبرى: 2 / 183.

(52) ينظر: مزيل اللبس في مسألتي شق القمر ورد الشمس: 481 - 487.

(53) مناقب ابن شهر آشوب 2: 148.

(54) الغدير: 6 / 20.

(55) تذكرة الخواص: السبط ابن الجوزي: 31.

(56) البداية والنهاية: 6 / 83، وينظر: فرائد السمطين، الحمويني: 1 / 32، وتلخيص المتشابه، الخطيب البغدادي: 1 / 225، ومسند أسماء بنت عميس 24: 117، ط الموصل.

(57) من لايحره الفقيه: 1 / 146، الحديث 611، وينظر: المناقب للخوارزمي: 236، ومقتل الحسن: 1 / 47، وغاية المرام: 629، و البحار: 41 / 173 - 174، عن مناقب آل أبي طالب: 1 / 359 - 365.

(58) صحيح البخاري: 1 / 90، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.

(59) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ البغداد: 12 / 305.

(60) .3329/http://www.alnassrah.ccom/threads

(61) ينظر: لسان العرب، مادة (فضخ) وتاج العروس مادة (فضخ)..

(62) الحدائق الناضرة: المحقق البحراني: 17 / 419.

(63) سنن أبي داود: 4 / 113.

(64) مناقب آل أبي طالب: 2 / 44 - 45.

(65) الاشارات الى معرفة الزيارات" لأبي الحسن علي بن ابي بكر الهروي: 144.

(66) جعفر مرتضى العاملي: 15 - 16.

ص: 78

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. الإشارات إلى معرفة الزيارات» لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي، ط دمشق 1953 م.

2. بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) تحقیق: محمد الباقر البهبودي ط 2.

3. البداية والنهاية، للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد الحسين التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية، ط 1، دار هجر، 1997 م.

4. تذکرة الخواص، المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الائمة: العلامة شمس الدين سبط الحافظ إبن الجوزي (ت 654 ه) ط 1، دار العلوم بيروت 1425 ه / 2004 م.

5. التفسير الكبير (مفاتیح الغيب) للإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني (ت 604 ه) ط 1، دار الكتب العلمية 1425 ه - 2004 م بيروت.

6. تفسير الصافي، المولي محسن الملقب بالفيض الكاشاني (ت 1091 ه)، ط 3 مکتبة الصدر، إيران - طهران.

7. تلخيص المتشابه في الرسم، ط دمشق.

8. الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت

ص: 79

671 ه)، دار إحياء الفكر.

9. جامع البيان عن تأویل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 ه)، تحقيق: محمد محمود شاکر، دار المعارف - مصر.

10. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحراني حققه وعلق عليه: محمد تقي الايرواني، ط 2، دار الاضواء - بيروت لبنان.

11. الخصائص الكبرى أو كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب: عبد الرحمن أبي بكر السيوطي جلال الدين، تحقيق: محمد خليل هراس، المكتبة الوقفية 2011.

12. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: لأبي الثناء السيد محمود بن عبدالله الآلوسي (ت 1270 ه)، تحقيق: محمد أحمد الأمد، وعبدالسلام السلامي، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2000 م.

13. سنن أبي داود لأبي داود السجستاني، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط دار الفكر مصر.

41. : شبهات حول الأسفار التاريخية - تاريخ النشر: 2011 - 06 - 04 موقع انترنت.

15. شرح النووي على مسلم: يحيي بن شرف أبو زکریا النووي، دار الخير 1416 ه - 1996 م.

16. صحيح البخاري: ط بولاق.

17. عرائس البيان في حقائق القرآن، تفسیر صوفي كامل للقرآن الكريم: الشيخ روزنبهار البقلي الشيرازي (ت 606 ه)، دراسة وتقديم المستشرق آرثر

ص: 80

أربري، دار ومكتبة بيبليون، جبيل لبنان، 2009.

18. عيون اخبار الرضا: الشيخ الأقدم والمحدث الأكبر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (ت 381 ه): ط 1، منشورات الشريف الرضي.

19. الغدير، الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي ط 2.

20. فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الريان للتراث 1407 ه - 1986 م.

21. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 ه)، تحقيق: يوسف الغوث، دار المعرفة، بيروت لبنان، 1423 ه / 2004 م.

22. قصص الأنبياء والمرسلين: السيد نعمة الله الجزائري، قدم له وعلق عليه علاء الدين الأعلمي، ط بهمن قم - ايران 1426 ه - 2005 م.

23. الكتاب المقدس أي كتب العهد القديم ط 3، 1995 والعهد الجديد ط 30، دار الكتاب المقدس، الشرق الأوسط - 1993. لبنان.

24. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور)، دار صادر: 2003 م.

25. مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو علي الفضل بن المحسن الطَبرسي (ت 548 ه)، ط 2، دارالمرتضى، بيروت - لبنان، 1430 ه - 2009 م.

26. مزيل اللبس في مسألتي شق القمر و ردّ الشمس: السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان عفي عنه.

ص: 81

27. مسند أسماء بنت عميس، ط الموصل.

28. مسند الإمام أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، دار إحياء التراث العربي 1414 ه - 1993 م.

29. معاني القرآن: أبو زكريا يحبى بن زياد الفراء (ت 207 ه) تحقيق: محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي ط 2، عالم الكتب، بيروت 1980 م.

30. مناقب أبي طالب، أبي جعفر محمد بن علي بن شهر اشوب المازندراني، ط الحيدرية 1376 ه.

31. مناقب الخوارزمي: الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي (ت 568 ه) تحقيق: فضيلة الشيخ مالك المحمودي، تقديم العلامة الشيخ جعفر السبحاني.

32. من لا يحضره الفقيه: للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ه) ط 1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان، 1406 ه - 1986 م.

33. الميزان في تفسير القرآن: السيد محمد حسين الطباطبائي، ط 3، دار الكتب الاسلامية (د.ت).

ص: 82

السؤال ودوره في الإثراء المعرفي دراسة في ضوء نهج البلاغة

اشارة

م. د. عدنان عباس البطاط م. م. اركان حسين التميمي

كلية الإمام الكاظم (عليه السلام)

ص: 83

ص: 84

مقدمة

حياة الأُمم المعنوية رهينةٌ باعتزازها بنتاجاتها العلمية والأدبية والثقافية، والحفاظِ عليها، وأُمة لا تعي قيمة نتاج مفكريها وقممها أُمة ميتة، وأُمة لا تحافظ على تراثها الفكري أُمة غادرت الحياة وإن كانت تعيش على الأرض.

عندما تُدير الأُمة ظهرها لإرثها الحضاري والفكري وتمنحه الإهمال فهي تقضي على وجودها، فحياة الأُمم بنتاج مفكريها ومبدعيها.

نهج البلاغة نتاجُ قِمة وتراث أُمة، علينا أن نتساءل كم بلغ اعتزازنا به وحفاظنا عليه، وكم وعيناه ورعيناه؟!!

عندما نعرف أن هناك من سدد سهام التشكيك له، وأثار اللغط حوله، نعرف أن الأُمة تطعن نفسها حين تقضي على مفاخر تراثها.

نهج البلاغة ذلك القنديل المضيء في سماء الإنسانية، ومن الآثار القليلة في مسيرتها الفكرية التي لا تزال غضة طرية، تقفز على الزمان ولا تتحدد بمكان، وهو من الآثار التي «لم توضع لفريقٍ دون فريق، ولم يراع فيها شعبٌ دون شعب، الا وإنما خوطب بها الإنسان أنى وجد وكان، ولأنها تلامس كل قلبٍ، وتضمّد كلّ جرحٍ، وتكفكف كل دمعةٍ، كانت ملكاً للناس أجمعين، وكانت خالدة عند الناس أجمعين»(1)

ووقع اختيارينا في هذا البحث على موضوع حيوي متواجد في كل مفاصل الحياة، وهو موضوع (السؤال وآليته) ففي كل ناحية من نواحيها هناك سائل وسؤال ومسؤول، ونحن يوميا نشهد هذا الموضوع فاعلاً في حياتنا، فما أهمية السؤال، وما هي معالمه وسماته، وما هي الآداب المحمودة في السائل والمسؤول،

ص: 85

وما هي الآداب المذمومة فیهما؟

كل ذلك حاولنا الإجابة عنه باستنطاق نصوص نهج البلاغة، لتتجلى لنا صورة كاملة عن آلية السؤال على لسان سيد البلغاء والمتكلمين أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، سائلين المولى العلي القدير التوفيق والنجاح.

مفهوم السؤال

السؤال في اللغة:

قال الخليل في العين في مادة سأل: "سَأَلَ يَسْأَلُ سُؤالا ومَسأَلةً. والعَرَبُ قاطبةً تحذفُ همزةً سَلْ، فإذا وُصِلَتْ بفأ أو واوٍ هُمِزَتْ، كقولك: فاسأل، واسأل وجَمعُ المَسأَلة: مسائل، فإذا حذفوا الهمزة، قالوا: مَسَلة. والفقير يُسمَّى: سائلاً"(2).

وقال الجوهري في الصحاح: السُؤْلُ: ما يسأله الإنسان. وقرئ " أُوتيتَ سُؤلَكَ يا موسى "بالهمز وبغير الهمز. وَسَأَلْتُهُ الشيءَ وَسَأَلْتُهُ عن الشيء سُؤَالاً ومَسألةً. وقوله تعالى: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» أي عن عذابٍ. قال الأخفش: یقال خرجنا نسأل عن فلانٍ وبفلانٍ. وقد تخفَّف همزته فيقال: سالَ يَسْالُ. وقال: ومُرْهَقٍ سالَ إمْتَاعاً بأُصْدَتِهِ... لم يَسْتَعِنْ وحَوامي الموتِ تَغْشاهُ

والأمر منه سَلْ بحركة الحرف الثاني من المستقبَل، ومن الأوّل: اسْأَلْ. ورجلٌ سُؤَلَة: كثيرُ السؤال، وتَسألوا، أي سَأَلَ بعضهم بعضاً، وأَسْأَلْتَهُ سُؤْلَتَهُ ومسأَلَتَهُ، أي قضيتُ حاجته"(3).

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، في مفردة (سأل): «السُّؤَالُ: استدعاء معرفة، أو ما يؤدّي إلى المعرفة، و استدعاً مال، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان، واليد خليفة له بالكتابة، أو الإشارة،

ص: 86

واستدعاً المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد، أو بردّ.

إن قيل: كيف يصحّ أن يقال السّؤال يكون للمعرفة، ومعلوم أنّ اللهّ تعالى: يَسْأَلُ عباده نحو: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [المائدة / 116]؟

قيل: إنّ ذلك سُؤَالٌ لتعريف القوم، وتبكيتهم لا لتعريف اللهِ تعالى، فإنه علّام الغيوب، فليس يخرج عن كونه سؤالاً عن المعرفة.

والسُّؤَالُ للمعرفة يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت، كقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) [التكوير/ 8]، ولتعرّف الْمَسْئُولِ(4).

والسُّؤَالُ إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه، وتارة بالجارّ، تقول: سألته كذا، وسألته عن كذا، وبكذا، وبعن أكثر: قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء / 85]، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) [الكهف / 83]، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) [الأنفال / 1]، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) [البقرة / 186](5)، وقال تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) [المعارج / 1]، وإذا كان السّؤال لاستدعأ مال فإنه يتعدّى بنفسه وأبدلت الهمزة ألفا. أو بمن، نحو: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب / 53]، (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) [الممتحنة / 10](6)، وقال: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء / 32](7).

ويعبّر عن الفقير إذا كان مستدعيا لشيء بالسّائل، نحو: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) [الضحى / 10]، وقوله: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات / 19]. (8)(9)، انتهى كلام الراغب.

إذن السؤال يكون لطلب المعرفة أو طلب مال، ومن هنا طُرح رأيان في معنى

ص: 87

السائلين في الآية المباركة: «وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ»، قال الزجاج "إِنما قال سَواءً للسائلين لأَن كُلاًّ يطلب القُوتَ ويَسْأَله وقد يجوز أَن يكون للسائلين لمن سَأَل في كم خُلِقَت السمواتُ والأَرضُ فقيل خلقت الأَرض في أَربعة أَيام سواء لا زيادة ولا نقصان جواباً لمن سَأَل."(10)

السؤال في الاصطلاح

لا يختلف السؤال في استخدامه الاصطلاحي عن معناه اللغوي، إذ يطلق السؤال ويراد منه اصطلاحاً طلب المال أو طلب المعرفة بحسب الحال والسياق، وبحثنا هنا عن المعنى الثاني للسؤال وهو آليته في طلب المعرفة، سنتناوله في ضوء نصوص نهج البلاغة بإذن الله وتوفيقه.

السؤال في نهج البلاغة

ورد استعمال السؤال في نهج البلاغة في كلا المعنيين المتقدمَين لغةً واصطلاحاً، وهما:

المعنى الأول: السؤال بمعنى طلب المال، وقد ورد بهذا المعنى في النهج في غير موضع، فقال عليه السلام: «مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ، فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ

تُقْطِرُهُ.»(11)، وقال عليه السلام: «السَّخاءُ ما كانَ ابْتِداءً، فَأمّا ما كانَ عَنْ مَسْألَةٍ فَحَياءٌ وَتَذَمُّمٌ.»(12)

وهذا اللون من السؤال أي التكفّف، وسؤال الناس مذمومُ، ينبغي للإنسان تجنبه، نعم هذا لا يعني إهانة السائل أو عدم اجابته، ولو صدق السائل لهلك المسؤول، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إِنَّ اللهَّ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أمْوَالِ الْغْنِيَاء

أقْوَاتَ الْفُقَرَاء، فَمَا جَاعَ فَقِیرٌ إِلا بِمَا مَتعَ بِهِ غَنِيُّ، وَاللهُّ تَعَالَی سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.»(13)

ص: 88

أما السؤال من الله تعالى فهو الطلب الممدوح، «لِنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِى لاَ يَغِيضُهُ

سُؤالُ السَّائِلِينَ وَلاَ يُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّنَ.»(14)، وهو الذي يُعطي سُئل أم لم يُسأل: «الْحَمْدُ لله الَّذِي لاَ يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجَمُودُ وَلاَ يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ ما خَلاَهُ وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَعَوَائِدِ الْمَزِيدِ وَالْقِسَمِ عِيالُهُ الْخَلاَئِقُ ضَمِنَ أرْزَاقَهُمْ وَقَدَّرَ أقْوَاتَهُمْ وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِنَ إِلَيْهِ وَالطَّالِبِنَ مَا لَدَيْهِ وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأجْوَدَ مِنْهُ بِاَ لَهْ يُسْألْ.»(15)

بل سؤال الله والطلب منه قد أُمرَ به المؤمن: «وَاعْلَمْ أنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ

السَّمَاَوَاتِ وَالْرْضِ قَدْ أذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ، وَأمَرَكَ أنْ تَسْألَهُ

لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ..»(16)

المعنى الثاني: وهو السؤال بمعنى آليته في طلب المعرفة، وهو مورد بحثنا، وسنبين بإذن الله تعالى ما يرتبط به من أهمية وآداب، حريّ بطالب العلم الاطلاع عليها ووضعها موضع الاهتمام والتطبيق.

أهمية السؤال (طلب المعرفة)

السؤال نافذة هامة من نوافذ المعرفة، وكم من المعلومات وكم من المعارف التي حصلنا عليها بطريقة السؤال؟

لو تصورنا والتفتنا إلى هذا الكم المعر في الهائل من المعلومات والمعارف المختلفة عند ذلك نعرف أهمية السؤال..

السؤال عملية تنقيب عن المعلومة كما ينقب الإنسان بحثاً عن الماء أو النِّفط أو المعادن الثمينة، وغالباً ما يشعر الإنسان بالارتياح للجواب المقنع له، كما يفرح بالعثور على ضالته المنشودة..

ص: 89

كم تكشفت لنا أُمور، وكم أحطنا علماً بقضايا بعد سؤالنا عنها!! وكم بقي الجهلُ يلفُّ أموراً لأننا لم نسأل عنها لسبب أو لآخر.

شفاء العمى طول السؤال وإنّما *** تمامُ العمى طولُ السكوتِ عن الجهلِ

وقالوا: الأجوبة أمهات الفوائد، تلدها بتلقيح السؤال.

نلمس ذلك ونحن نطالع نهجَ البلاغة فنرى الكثير من الخطب أثارها السؤالُ ونرى علومَ عليٍّ عليه السلام تنساب لنا بعد أن فجّرها سؤالٌ سأله سائل.

يتألمُ عليٌّ (عليه السلام) أن يصل الحال بالأُمة أن تترك السؤال عما تجهله فيقول: «أَيُّهَا النَّاسُ - إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ كَنُودٍ، يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ

مُسِيئا، وَيَزْدادُ الظّالِمُ فِيهِ عُتُوّا، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَلا نَسْألُ عَمّا جَهِلْنَا»(17)، وعلي عليه السلام وهو باب مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنّه لم يكن يتوانى عن سؤال رسول الله صلّى الله عليه وآله عما يعنّ له من أسئلةٍ واستفسارات وهذا الأمر كان يتفرد به عن الصحابة: «وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه صلّى اللهُ عليه وآله مَنْ كانَ يَسْألُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ حَتَّى إِنْ كانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يحجِيءَ الْأَعْرابِيُّ أَوَ الطَّارِئُ فَيَسْألَهُ عليه السام حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكانَ لا يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلا سَألْتُهُ عَنْهُ وَحَفِظْتُه..»(18)

وفي مسند أحمد ما يقرب ويعضد هذا الحديث: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا

قَدْ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَحجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ..»(19)

كان أمير المؤمنين عليه السلام يحثّ الناسَ على السؤال ويطلب منهم أن يقصدوه بأسئلتهم، فهو خزانة علم النبيِّ، صلّى الله عليه وآله، وعيبةُ علمه، وقد

ص: 90

اشتُهر عنه قوله: (سَلُونِي قَبْلَ أنْ تَفْقِدُونِي)، وقد ورد في نهج البلاغة في موضعين:

الأول: في الخطبة رقم 189، والتي يتحدّث فيها عن الخوارج: «أمَّا بَعْدَ

أيُّهَا النَّاسُ، فَأنَا فَقَأتُ عَنْهَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أحَدٌ غَیْرِي بَعْدَ أنْ مَاجَ

غَيْهَبُهَا، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا.

أيُّهَا النَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أنْ تَفْقِدُونِ فَلَأنَا بِطُرُقِ السَّمَأ أعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الْرْضِ

قَبْلَ أنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا، وَتَذْهَبُ بِأحْاَمِ قَوْمِهَا.»

الثاني: في الخطبة رقم 93، «فَاسْألُونِي قَبْلَ أنْ تَفْقِدُونِي فَوَالَّذِي نَفْيِ بِيَدِهِ لاَ

تَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ فِياَ بَيْنَكُمْ وَبَیْنَ السَّاعَةِ، وَلاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَتُضِلُّ مِائَةً إِلا

أنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا وَمُنَاخِ رِكَابِهَا وَمَحَطِّ رِحَالِهَا وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أهْلِهَا

قَتْلاً وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتا.»

لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يريد التباهي والتعالي بهذه الكلمة، وإنما هي دعوة للاغتراف من نمير علمه الذي أخذه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، والسؤال كفيلٌ بتعريف الناس بالكثير من تلك المعارف والعلوم، ولذا نجد في نهج البلاغة دقائق المعارف جاءت على لسان أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سُئل، فنقرأ مثلا عن التوحيد وصفات الله أن ذِعلبُ اليماني سأل الإمام عليه السلام فقال: هل رأيت ربَّك يا أمير المؤمنين؟، فقال عليه السلام: أفَأعْبُدُ مَا لاَ أرَي؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ تَرَاهُ؟، قَالَ عليه السلام: لاَ تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ

وَلَكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، قَرِيبٌ مِنَ الْشْيَاءِ غَیْرَ مُلاَبِسٍ، بَعِيدٌ مِنْهَا

غَیْرَ مُبَايِنٍ، مُتَكَلِّمٌ لاَ بِرَوِيَّةٍ، مَرِيدٌ لاَ بِهِمَّةٍ، صَانِعٌ لاَ بِجَارِحَةٍ، لَطِيفٌ لاَ يُوصَفُ

بِالْخَفَاءِ، كَبِیرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ، بَصِیرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ، رَحِيمٌ لاَ يُوصَفُ

بِالرِّقَّةِ، تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَتَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ.(20)

ص: 91

وسأله سائلٌ شاميٌّ عن القضأ والقدر فقال: أكانَ مَسِرُنا إِلَ الشّامِ بِقَضأ مِنَ

اللَّهِ وَقَدَرٍ؟ بَعْدَ كَلامٍ طَوِيلٍ هَذا مُخْتارُهُ:

«وَيْحَكَ! لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضاءً لازِما وَقَدَرا حاتِما، لَوْ كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالْعِقابُ، وَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، إِنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ أمَرَ عِبادَهُ تَخْيِیرا، وَنَهاهُمْ

تَحْذِيرا، وَكَلَّفَ يَسِرا، وَلَمْ يُكَلِّفْ عَسِیرا، وَأعْطَى عَلَی الْقَلِيلِ كَثِرا، وَلَمْ يُعْصَ

مَغْلُوبا، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِها، وَلَمْ يُرْسِلِ الْنْبِياءَ لَعِبا، وَلَمْ يُنْزِلِ الْكُتُبَ لِلْعِبادِ عَبَثا، وَلا

خَلَقَ السَّاواتِ وَالْأرْضَ وَمَا بَيْنَهُما بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ

كَفَرُوا مِنَ النّارِ.»(21)

وَسُئِلَ عليه السلام عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: «الْإِيمَانُ عَلَى أرْبَعِ دَعائِمَ: عَلَی الصَّبْرِ

وَالْيَقِینِ وَالْعَدْلِ وَالْجِهادِ.»(22)

وخطبة المتقين الشهيرة إنما جاءت على أثر سؤال من رجل عابد اسمه همّام توجّه به لأمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمِیرَ الْمُؤْمِنِنَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِنَ حَتَّى

كَأنِّي أنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَتَثَاقَلَ عليه السام عَنْ جَوَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: يا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَأحْسِنْ

(فَإِنَّ اللَّ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ محْسِنُونَ)، فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِذِلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى

عَزَمَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى، عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَی النَّبِيِّ صلّی الله عليه وآله، ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وَتَعالَ خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ غَنِيّا عَنْ طاعَتِهِمْ، آمِنا

مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لِنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصاهُ، وَلا تَنْفَعُهُ طاعَةُ مَنْ أطاعَهُ، فَقَسَمَ

بَيْنَهُمْ مَعايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيا مَواضِعَهُمْ، فَالْمُتَّقُونَ فِيها هُمْ أهْلُ الْفَضائِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّواضُعُ، غَضُّوا أبْصارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللُّهَ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أسْاعَهُمْ عَلَی الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخاءِ، ..»(23)

ص: 92

إذن هذه العلوم الغزيرة والمعارف الدقيقة لم يُثرها غيرُ السؤال، فهو الذي أثارها وأخرجها من مكنونها.

ومن أجلّ خطب الإمام علي عليه السلام عن الله تعالى وصفاته الخُطبة المعروفة بخُطبة الأشباح، وسميت بذلك لذكر الأشباح فيها أو لأنها من الطول ما يجعل لها ظلاً وشبحاً، وهذه الخطبة جاءت على أثر سؤال سأله رجلٌ، ولذا قال الشريف الرضيّ رحمه الله تعالى عنها: «وهي مِن جَلائِل خُطبه عليه السلام، رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّه قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِه الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وذَلِكَ أنَّ رَجُلاً أتاهُ فَقَالَ يا أمِیرَ الْمُؤْمِنِينَ

صِفْ لَنَا رَبَّنَا مِثْلَ مَا نَرَاهُ عِيَاناً لِنَزْدادَ لَهُ حُبّا وَبِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ وَنَادَى الصَّلاَةَ

جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأهْلِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَهُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَیِّرُ

اللَّوْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ وَصَىَّ عَلَی النَّبِيِّ صلّی الله عليه وآله، ثُمَّ قَالَ:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجَمُودُ وَلاَ يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ

مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ ما خَلاَهُ وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَعَوَائِدِ الْمَزِيدِ

وَالْقِسَمِ عِيالُهُ الْخَلاَئِقُ ضَمِنَ أرْزَاقَهُمْ وَقَدَّرَ أقْوَاتَهُمْ وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِنَ إِلَيْهِ

وَالطَّالِبِنَ مَا لَدَيْهِ وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْألْ..»(24)

وعلّق ابن أبي الحديد المعتزلي على هذه الخطبة فقال: «هذا موضع المثل إذا جاء نهرُ الله بَطَلَ نهر مَعْقِل(25)، إذا جاء هذا الكلام الرباني واللفظ القدسي بطلت فصاحة العرب وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه نسبة التراب إلى النضار الخالص ولو فرضنا أن العرب تقدر على الألفاظ الفصيحة المناسبة أو المقاربة لهذه الألفاظ من أين لهم المادة التي عبرت هذه الألفاظ عنها ومن أين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه واله هذه المعاني الغامضة

ص: 93

السمائية ليتهيأ لها التعبير عنها أما الجاهلية فإنهم إنما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاة أو صفة جبال أو فلوات و نحو ذلك وأما الصحابة فالمذكورون منهم بفصاحة إنما كان منتهی فصاحة أحدهم كلمات لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة أما في موعظة تتضمن ذكر الموت أو ذم الدنيا أو يتعلق بحرب و قتال من ترغيب أو ترهيب.. ثم قال: وأقسم أن هذا الكلام إذا تأمله اللبيب اقشعر جلده ورجف قلبه واستشعر عظمة الله العظيم في روعه وخلده وهام نحوه وغلب الوجد عليه وكاد أن يخرج من مسکه شوقا وأن يفارق هیکله صبابة ووجدا.»(26)

وهكذا يتوضح لنا أن للسؤال آليته وحضورَه في نهج البلاغة وتأثيرَه ووقعَه، في تعزيز الثقة وتحصيل المعرفة وكأنّ السؤال في نهج البلاغة دلوٌ بدلو به السائلُ في بئرٍ لا يجفُّ ماؤه ولا ينضب، فيأتيه مملوءً بالمعارف والعلوم والجواهر والكنوز..

هل يُزعجُ السؤالُ علياً عليه السلام؟

قد يتسأل البعض فيقول: هل كان أمير المؤمنين عليه السلام ينزعج من بعض الأسئلة؟ فقد يظهر ذلك من بعض المواقف، کجوابه المتقدم للرجل الشامي الذي سأله عن القضاء والقدر فقال: وَيْحَكَ! لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضاءً لازِما وَقَدَرا حاتِما، أو کجوابه للرجل الذي سأله لماذا لم يمت هو کما مات همام عند سماعه للموعظة البليغة فقال عليه السلام: أما وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أخافُها عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: هَكذا تَصْنَعُ الْمَواعِظُ الْبالِغَةُ بِأهْلِها، فَقالَ لَهُ قَائِلٌ: فَما بالُكَ يا أمِیرَ الْمُؤْمِنِنَ؟ فَقالَ عليه السلام: وَيْحَكَ! إِنَّ لِكُلِّ أجَلٍ وَقْتا لا يَعْدُوهُ، وَسَبَبا لا يَتَجاوَزُهُ، فَمَهْاً لا تَعُدْ لِمِثْلِها، فَإِنَّما نَفَثَ الشَّيْطانُ عَلَى لِسانِكَ.»(27)

أو كما مرّ في خطبة الأشباح: «وَكانَ سائِل سَألَهُ أنْ يَصِفْ الله لَهُ حَتى كَانَّه يَراه

ص: 94

عَيانا فَغَضَبُ لذلِك»؟!.

والجواب: في كل الحالات حتى التي قد يبدو فيها انزعاج من قبل أمير المؤمنين عليه السلام لم نلحظ أنه ترك السؤال من دون أن يجيب عنه، بل في السؤال الذي غضب عند سماعه، وصعد المنبر وهو مغضب كان الجواب مفصلاً بخطبة من أطول خطب النهج، ومع ذلك علينا أن نلحظ صيغة السؤال، فصيغة السؤال تكشف عن أن السائل يظن أن الله صفات كصفات المخلوقات، ومن السؤال نستظهر أن هناك ميلاً ولو كان خفياً إلى التجسيم «مثلا نراه عياناً»، ومثل هذا الفهم الساذج للركيزة الأولى والرئيسة للدين وهي التوحيد، أو لمسألة مهمة كالقضاء، وممن يعتبر الرعيل الأول للإسلام لا شك أنه أمرٌ يدعو للتأسف، وأن کون المسلمين بهذا الوعي الساذج لأُمورهم العقائدية مدعاة للغضب والتأسف والحسرة، الغضب والتأسف للحال التي وصل إليها المسلمون لا من السؤال کسؤال ولا من السائل كسائل فكأن غضبه جزء لا يتجزء من الجواب عن السؤال.

معالم السؤال في نهج البلاغة

من خلال مطالعة نصوص نهج البلاغة تظهر لنا معالم السؤال وملامحه کما یعدها أمير المؤمنين عليه السلام، ونستشفها من ثنايا كلامه المبارك، وأبرز معالم السؤال في النهج:

أولاً: السؤال حاجة نفسية ضرورية عند الإنسان، إذ أن حب الاستطلاع بُعدٌ نفساني مهم عند الإنسان، جُبل عليه وفُطر، وهو المحرك والدافع في الحياة الإنسانية لاكتساب العلم والمعرفة، والسؤال آلية مهمة لتلبية هذه الرغبة، ولذا يقول عليه السلام: ««مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ؛ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا.»(28)، ومن هنا

ص: 95

كان عليه السلام يحرك في الناس هذه الغريزة والفطرة الإنسانية المتمثلة بحب الاستطلاع، فيقول لهم: سلوني قبل أن تفقدوني، ويحدثهم عن العلوم التي يحملها صدرُه الشريف: «هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْما جَمّا (وَأشَارَ بِيَدِهِ إِلَ صَدْرِهِ) لَوْ أصَبْتُ لَهُ

حَمَلَةً»(29)

وقال عليه السلام: ««بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَی مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ

اضْطِرَابَ الْرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ.»(30)

ثانياً: السؤال قناة لنقل الأفكار والعلوم من جيل إلى جيل، ولهذا وصلتنا الكثير من العلوم والمعارف على أكف السؤال، ونقرأ في نهج البلاغة أن الناس يسألون علياً عليه السلام عن أُمور وهو يخبرهم أنه سأل عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيجيبهم بما أجاب به الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله.

في كلامه عليه السلام في نهج البلاغة والمرقّم ب: 155، وقد خاطَبَ بِهِ أهْلَ

الْبَصرَةِ عَلی جَهَةِ اقْتِصاصِ الْملاحِمِ.. وَقامَ إلَيهِ رَجُلْ وَقالَ: أخْبِرْنا عَنِ الْفِتْنَةِ،

وَهَلْ سَألْتَ رَسُولَ اللِّه صَلَّى اللِّه علَيْهِ وَآلِهِ؟ فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّهُ لَّمَا أنْزَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ قَوْلَهُ: (الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) عَلِمْتُ أنَّ الْفِتْنَةَ لا تَنْزِلُ بِنا وَرَسُولُ اللِّهَ صَلّی اللُّه عَلَيهِ وَآلِه بَیْنَ أظْهُرِنا، فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، ما هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِى أخْبَرَكَ اللَّهُ بِما؟ فَقالَ: «يا عَلِيُّ إِنَّ أمَّتِى سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: يا رَسُولُ اللَّهِ، أوَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحِيزَتْ عَنِّى الشَّهادَةُ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: «أبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهادَةَ مِنْ وَرائِكَ»؟ فَقالَ لِي: «إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذن»؟ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ هَذا مِنْ مَواطِنِ الصَّبْرِ، وَلكِنْ مِنْ مَواطِنِ الْبُرْى وَالشُّكْرِ، وَقالَ: «يا عَلِىُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بَعْدِى بِأمْوالِهِمْ، وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَتَمَنَّوْنَ

ص: 96

رَحْمَتَهُ، وَيَأمَنُونَ سَطْوَتَهُ، وَفيَسْتَحِلُّونَ حَرامَهُ بِالشُّبُهاتِ الْكاذِبَةِ وَالْأهْوأ السّاهِيَةِ،

فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ، وَالرِّبا بِالْبَيْعِ.»، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَبِأىِّ الْمَنازِلِ أنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ أبِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ؟ فَقالَ «بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ».

ثالثاً: السؤال أسلوب تربوي ناجح، لأنه يتواصل مع حاجة وجدانية عند الإنسان، لأن السؤال يتحدث عن قضية تهم المتلقي وتضغط على وجدانه وتفكيره فيندفع في الاستفسار عنها، فينجذب إلى هذا الأسلوب انجذاباٌ وجدانياٌ بفكره وشعوره، ويبتعد عن الشرود الذهني والابتعاد الروحي الذي قد يعاني منه وهو يستمع إلى المحاضرة والدرس..

ولهذا یُعدّ السؤال من الافتتاحيات المميزة التي يبدأ بها المتحدث لاستدراج الجمهور واستنهاض تفكيره، وحثه على الانشداد إليه.

والسؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لكسب تفاعل المتلّقي.

في حديثه عليه السلام مع بَعْضِ أصْحابه لِما عِزْمِ عَلَى الْمَسير إلى الخَوارج، وقَدْ قالَ له: يا أمير المؤمنين إن سَرت فِي هَذا الْوَقت، خَشيت أن لا تَظْفر بِمُرادك، مِنْ طریق عِلم النُجوم فقال عليه السلام: «أتَزْعُمُ أنَّكَ تَهْدِي إلَی السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيها صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ؟ وَتُخَوِّفُ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ؟ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ، وَاسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأمْرِكَ أنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ، لِنَّكَ بِزَعْمِكَ أنْتَ هَدَيْتَهُ إلَی السَّاعَةِ الَّتِي نالَ فِيهَا النَّفْعَ، وَأمِنَ الضُّرَّ.!

ثُمَّ أقْبَلَ عليه السام عَلَی النَّاسِ فَقَالَ: أيُّهَا النَّاسُ إيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ إلّا

ما يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرِّ أوْ بَحْرٍ، فَإِنَّمَا تَدْعُو إلَی الْكَهَانَةِ، وَالْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ، وَالْكَاهِنُ

ص: 97

کَالسَّاحِرِ، وَالسَّاحِرُ کَالْكَافِرِ، وَالْكَافر فِي النَّارِ، سِیرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ.»(31)

رابعاً: السؤال أسلوبٌ ناجح في تنبيه السامع، فهو يثير اهتمامه ويحرك غريزة حب الاستطلاع لديه، وقد يثير السؤال من الاهتمام والالتفاف عند السامع مالا يثيره نفس الكلام إذا جاء بصياغةٍ أُخرى.

فعندما يتحدّث الإمام عليه السلام عن مَلَكِ الموت وتوفيه الأنفس يصوغ الكلام بجملةٍ من الاستفهامات المؤثرة التي تأخذ بمجامع القلوب وتهيمن على النفوس وتشدها شدّاً إلى الكلام لا يمكن أن يكون بطرح الكلام بصيغته التقريرية، وذلك في الخطبه رقم 111، حيث قال الشريف الرضي رحمه الله تعالى: ومن خطبة له عليه السلام ذَكَرَ فِيها مَلَكَ الْمَوْتِ وَتَوَفِّيَةُ الأنفُسَ:

هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلاً أمْ هَلْ تَراهُ إذا تَوَفَّ أحَدا؟ بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّ الْجَنِینَ

فِي بَطْنِ أمِّهِ؟ أيَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوارِحِها؟ أمْ الرُّوحُ أجابَتْهُ بِإ ذْنِ رَبِّها؟ أمْ هُوَساكِنٌ مَعَهُ فِي أحْشَائِها كَيْفَ يَصِفُ إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ؟!

خامساً: السؤال طريقة ناجحة في رفع الرتابة وكسر الروتين، فعن طريق السؤال يُستجلَب التأثير في المتلقي، وترفع الرتابة التي قد تستولي على الكلام، ويشعر معها السامع بالملل وعدم الانجذاب للكلام.

ومع جمالية كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وهو أمير الكلام وسلطان البيان، كان عليه السلام حریصاً أن يضمّن كلامه بالسؤال ويصوغ الحديث بصيغة الاستفهام ليحرز شدّ السامع إليه، وبذلك نتعلم درساً أن السؤال في وسط الكلام يعمل على ربط المستمع بالمتكلم وشدّه إليه، ونقرأ كمثال على ذلك حديثَ أمير المؤمنين عليه السلام عن الدنيا في الخطبة رقم 110 من خطب النهج: «أمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أحَذِّرُكُمُ الدُّنْيا، فَإِنَّا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ،

ص: 98

وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ، وَتَحَلَّتْ بِالْمَالِ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ، لا تَدُومُ حَبْرَتُا، وَلا تُؤْمَنُ

فَجْعَتُهَا، غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ، زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ، بَائِدَةٌ، أكَّالَةٌ، غَوَّالَةٌ، لا تَعْدُو إِذا

تَناهَتْ إِلى أمْنِيَّةِ أهْلِ الرَّغْبَةِ فِيها؛ وَالرِّضَأ بِهَا أنْ تَكُونَ كَما قَالَ اللهُ تَعَالَی: (كَم أأنْزَلْن اهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيما تَذْرُوهُ الرِّياحُ، وَكانَ اللُّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرا.) لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْها فِي حَبْرَةٍ إلا أعْقَبَتْهُ بَعْدَها عَبْرَةً، وَلَمْ يَلْقَمِنْ سَرَّائِها بَطْنا إلا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْرا، وَلَمْ تَطُلَّهُ فِيها دِيمَةُ رَخَاءٍ إلا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَاءٍ، وَحَرِيُّ إذا أصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، وَإنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَ أمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأوْبَى.

لا يَنالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضارَتِهَا رَغَبا إلا أرْهَقَتْهُ مِنْ نَوائِبِها تَعَبا، وَلا يُمْيِ مِنْهَا

فِي جَناحِ أمْنٍ إلا أصْبَحَ عَلَی قَوادِمِ خَوْفٍ، غَرَّارَةٌ، غُرُورٌ مَا فِيهَا، فَانِيَةٌ فانٍ مَنْ عَلَيْها، لاَ خَیْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أزْوَادِها إلا التَّقْوَى، مَنْ أقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ، وَزالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ.

كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِها قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِي طُمَأْنِينَةٍ إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِي أبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ

حَقِیرا، وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِياً، سُلْطانُها دُوَّلٌ، وَعَيْشُها رَنِقٌ، وَعَذْبُا أجَاجٌ،

وَحُلْوُها صَبِرٌ، وَغِذاؤُها سِامٌ، وَأسْبابُا رِمَامٌ، حَيُّها بِعَرَضِ مَوْتٍ، وَصَحِيحُها

بِعَرَضِ سُقْمٍ، مُلْكُها مَسْلُوبٌ، وَعَزِيزُها مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُها مَنْكُوبٌ، وَجَارُها

مَحْرُوبٌ.

ألَسْتُمْ فِي مَساكِنِ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ أطْوَلَ أعْمارا، وَأبْقَى آثَارا، وَأبْعَدَ آمالاً، وَأعَدَّ

عَدِيدا، وَأكْثَفَ جُنُودا، تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيا أيَّ تَعَبُّدٍ، وَآثَرُوها أيَّ إِيْثَارٍ، ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْها

بِغَیْرِ زادٍ مُبَلِّغٍ، وَلا ظَهْرٍ قَاطِعٍ؟!

فَهَلْ بَلَغَكُمْ أنَّ الدُّنْيا سَخَتْ لَهُمْ نَفْسا بِفِدْيَةٍ، أوْ أعانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ، أوْ أحْسَنَتْ

ص: 99

لَهُمْ صُحْبَةً؟

بَلْ أرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوادِحِ، وَأوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَناخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَناسِمِ، وَأعانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ الْمَنُونِ، فَقَدْ رَأيْتُمْ تَنَكُّرَها لِمَنْ دانَ لَا، وَآثَرَها وَأخْلَدَ إِلَيْها حِینَ ظَعَنُوا عَنْها لِفِراقِ الْبَدِ، وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلا السَّغَبَ، أوْ أحَلَّتْهُمْ إِلا الضَّنْكَ، أوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلا الظُّلْمَةَ، أوْ أعْقَبَتْهُمْ إِلا النَّدَامَةَ؟

أفَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ، أمْ إِلَيْها تَطْمَئِنُّونَ، أمْ عَلَيْها تَحْرِصُونَ؟»

سادساً: السؤال أسلوب قرآني حاكاه الامام علي عليه السلام، فقد جاءت كثير من الآيات المباركات تحمل مضامينها بقوالب سؤال، لما لأسلوب السؤال من جمال وتأثير وبصمة، ومن هنا نلحظ تأثير الاستفهام القرآني في نهج البلاغة، حيث نلحظ المقاربة بين أشكال الاستفهام القرآني وأشكاله في نهج البلاغة، فمن الأساليب التي استخدمها القرآن الكريم في الاستفهام فعلُ الرؤية: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) (الفيل:1)، وهذا الأسلوب نجده كثيراً في نهج البلاغة، فعلى سبيل المثال لا الحصر قال عليه السلام: ««أوَ لَمْ تَرَوْا إلَی الْماضِینَ مِنْكُمْ لا يَرْجِعُونَ؟ وَإلَی اْخَلَفِ الْبَاقِنَ لا يَبْقَوْنَ؟ أوَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أهْلَ الدُّنْيَا يُمْسُونَ وَيُصْبِحُونَ عَلَى أحْوَالٍ شَتَّى؟ فَمَيِّتٌ يُبْكى وَآخَرُ يُعَزَّى، وَصرِيعٌ مُبْتَى، وَعَائِدٌ يَعُودُ، وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ، وَطالِبٌ لِلدُّنْيا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ، وَعَلَى أثَرِ الْاضِ مَا يَمْضِيِ الْبَاقِي.»(32)

وحاكى الإمام عليه السلام أُسلوباً آخر من الأساليب الاستفهامية في القرآن الكريم وهو الاستفهام بصيغة ليس المسبوقة بهمزة الاستفهام كقوله تعالى: «أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ» (العنكبوت: 68)، وقال تعالى: «أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ» (الزمر: 60)، فقال عليه السلام: «أوَ لَيْسَ لَكُمْ فِي آثارِ الْأوَّلِينَ

ص: 100

مُزْدَجَرٌ؟ وَفِي آبَائِكُمُ الْاضِنَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؟!»(33)، وقال عليه السلام: «ألَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعا عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ؟!(34)»(35)

آدابُ السؤال

للسؤال أدب وفن، ومن يُتقن فن السؤال وأُسلوبه سيجني ثمار ذلك نجاحاً ومعرفة، ولا بد لنا ونحن نبحث في السؤال في رحاب نهج البلاغة أن نتبع الآداب التي ينبغي أن تكتنف السؤال، ومن بعد ذلك نثرها في سلوكية السؤال عندنا، لكي يأتي سؤالنا دقيقاً أنيقاً مثمراً، فمَن يُرد أن يكون ناجحاً في سؤاله فعلیه أن يعرف كيف يطرحُ السؤال ومتي، ليكون بذلك ملمّاً ب«فن السؤال»، ونحن نلحظُ أدب السؤال وفنّه في جانبي السؤال، وهما: السائل والمجيب، ولهذا سنقف عند كل واحدٍ منهما على حدة.

أولاً: آداب السائل

يُمكننا إجمال آداب السائل في نهج البلاغة بما يأتي:

أولاً: أن يكونَ الهدفُ من سؤال السائل هو معرفةُ الحقيقة، فالسؤال النموذجي والمثالي هو الذي ينطلق من ساحة الرغبة في العلم والتطلع للمعرفة والاحاطة بالحقيقة، وهذا هو الهدف السامي للسؤال، وهكذا يجب أن يكون، لذا وصف أمير المؤمنين عليه السلام المؤمن العارف بأن غايتَه المعرفة وضالتَه الحكمة: «قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَها، وَأخَذَها بِجَمِيعِ أدَبِها، مِنَ الْإِقْبالِ عَلَيْها، وَالْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَالتَّفَرُّغِ لَا، فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُها، وَحاجَتُهُ الَّتِي يَسْألُ عَنْها.»(36)

فهدفه ومنشوده الحكمة، وهي مطلوبه و ضالته، قال عليه السلام: «الْحِكْمَةُ

ضالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أهْلِ النِّفاقِ.»(37)

ص: 101

وقال عليه السلام: ««خُذِ الْحِكْمَةَ أنّى كانَتْ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ

الْمُنافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَی صَواحِبِها فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ.»(38)

إذن فالسؤال ينبغي أن لا يكون من أجل السؤال، بل من أجل التعرّف والتعلّم والاطلاع، فلا يكن السؤال للتباهي، ولا يكن لإحراج المسؤول، وهذا من أهم آداب السائل وأدب السؤال.

قال أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام لسائل سأله عن مُعضلةٍ (أي مسألة شديدة) والسائل ابن الكواء الخارجي: «سَلْ تَفَقُّها، وَلاَ تَسْألْ تَعَنُّتا، (أي لیکن سؤالك للتفقه والتعلم وليس للعنت وهو المشقة تريد أن تدخل المشقة على مَن تسأله وتوقعه في الخطأ )فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ.»(39)

يقول الشيخ التستري رحمه الله في شرحه: «فان الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم»، حيث أن قصده التفقّه فيتعلّم فيصير عالما بما تعلّمه «و ان العالم المتعسّف» أي: الآخذ على غير الطريق «شبيه بالجاهل» حيث أن عمله نوع جهالة.

إذن من أدب السؤال أن يكون لطلب التعلم والمعرفة لا لحب الظهور وایقاع المقابل في المشقة. وفي (العقد الفريد): كان ابن سیرین إذا سئل عن مسألة فيها أغلوطة، قال للسائل: أمسكها حتى تسأل عنها أخاك إبليس.

ومن جميل إشارات القرآنُ الكريم قوله: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء: 7) فحدد السؤال بعدم العلم.

بل هناك تفسير للرسوخ في العلم في قوله تعالى والراسخين في العلم بأن الرسوخ قد حصل بمعرفتهم حدود علمهم، فقال عليه السلام: «وَاعْلَمْ أنَّ

ص: 102

الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ

الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ ما جَهِلُوا تَفْسِرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ تَعالى اعْتِرَافَهُمْ

بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْما وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِياَ لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ

عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخا فَاقْتَصِرْ عَلَی ذَلِكَ وَلاَ تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللِّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ

فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِنَ.»(40)

ثانياً: أن يكون السؤال للعلم وللعمل فيما يقتضي العمل به، وما فائدة أن يسأل السائل ويتعلّم ولا يعمل بها علم، لننظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يسألُ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) فيتعلّم ويعمل ويعلِّم، ففي عهده لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) من ضمن ما أوصاه أن يكون وسطياً و معتدلاً في صلاة الجماعة: «وَإِذَا قُمْتَ فِ صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّرا وَلاَ مُضَيِّعا، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ، وَقَدْ سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّی الله عليه وآله حِینَ وَجَّهَنِي إِلَی الْيَمَنِ كَيْفَ أصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: (صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِيما).»(41)

ثالثاً: أن يكون السؤال عن الأُمور المهمة، والتي هي مورد الابتلاء، لا أن يترك السائلُ الأُمورَ الواجبة ويسأل عن ماهو أقل من المستحب، فالأهم ثم المهم. فالسؤال المثمر هو الذي يكون عن المهم من الأُمور التي نعيشها وتؤثّر في حياتنا، وفي هذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: ««لاَ تَسْألْ عَمَّا لاَ يَكُونُ، فَفِي الَّذِي

قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ.»(42)

فالسؤال فرصة للتعلم وينبغي استثمارها في أحسن ما یکون، والسؤال عن اُمور ليست من صلب الحياة والواقع إضاعةٌ للفرصة، وقال عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ

افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَمَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُودا فَمَا تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ

ص: 103

أَشْيَاءَ فَمَا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَانا فَمَا تَتَكَلَّفُوهَا.»(43)

وفي نهاية خطبة الأشباح التي أجاب فيها الإمام عليه السلام عن ذلك السائل الذي سأله عن صفات الله قال عليه السلام: «فَانْظُرْ أيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ

عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ

فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَلاَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلِّی اللُّه عَلَيهِ وَآلِه وَأئِمَّةِ الْهُدَى أثَرُهُ فَكِلْ

عِلْمَهُ إلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكَ.»(46)

رابعاٌ: أن يكون السائلُ حَسَنَ السؤال، أي يعرف فنَّ السؤال وأدبَه، لأن السؤالَ نصف الجواب کما یقال. ومن أقوال الإمام عليّ عليه السلام: «مَن أحسنَ السؤالَ عَلِمَ.»(45)

لنقرأ سؤالاً حسناً جميلاً في النهج وفي نفس الوقت هو سؤال دقيق: سأل أميرَ المؤمنين عليه السلام سائلٌ: أيُّما أفضلُ العدل أوِ الجُود؟ فَقَالَ عليه السلام:

«الْعَدْلُ يَضَعُ الْمُورَ مَوَاضِعَهَا، وَالْجُودُ يخْرِجُهَا عَنْ جِهَتِهَا، وَالْعَدْلُ سَائِسٌ عَامُّ،

وَالْجَودُ عَارِضٌ خَاصُّ، فَالْعَدْلُ أشْرَفُهُمَا وَأفْضَلُهُمَا»(46)

العدل يختلف عن الجود، فالعدل يضع الأُمور في مواضعها، أما الجود فيخرجها من مواضعها إلى جهة الخير والإحسان، فإذا كان لك حق على شخص فإن أخذته بإنصاف فهو عدل، وان عفوت عنه فهو جود، هذا أولا، وثانيا: العدل سائسٌ عام أي نظام شامل للحياة بينما الجود عارض خاص، أي له حالات خاص في مواقع معينة في الحياة.

وبهذا يكون السؤال الواضح المختصر الدقيق يعبّر عن فنّ خاص ينبغي أن يتحلّى به السائل.

ص: 104

خامساً: أن يكون السائلُ لطيفاً في سؤاله، فيطرح سؤاله بأدبٍ ولطف ويبتعد عن الخشونة والجفوة، لأنّ السائل بحاجة إلى المجيب فعليه أن يتلطّف في سؤاله، وهذا هو الأدب القرآني الذي نقرؤه في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع العالَم فلقد كان موسى عليه السلام في غاية التلطف عند سؤال الخضر في اتباعه والتعلم منه، قال تعالى: «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا». ولذا يقول الرازي الآداب التي اشتملتها الآية: «اعلم أن هذه تدل على أن موسى عليه السلام راعي أنواعاً كثيرة من الأدب واللطف عندما أراد أن يتعلم من الخضر، فأحدها أنه جعل نفسه تابعاً له لأنه قال «هَلْ أَتَّبِعُكَ»، وثانيها أنه استأذن في إثبات هذه التبعية، فإنه قال هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعاً لك وهذا مبالغة عظيمة في التواضع.»(47)

وهذا ما نلمسه في نهج البلاغة من استحسان للسؤال اللطيف وذمّ للسؤال الخشن، ومثال السؤال اللطيف كثير ومنها سؤال همّام وكان رجلاً عابداً حيث قال لأمير المؤمنين عليه السلام: يا أمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِینَ حَتَّى كَأنِّ أنْظُرُ

إِلَيْهِمْ، فَتَثَاقَلَ عليه السلام عَنْ جَوَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: يا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَأحْسِنْ (فَإِنَّ

اللَّه مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). فَلَمْ يَقْنَعْ هَّمَامٌ بِذِلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ

عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّی عَلَی النَّبِيِّ صلّی الله عليه وآله، ثُمَّ قَالَ..(48)

ومثال السؤال الخشن المتعنت سؤال ابن الكواء الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: «سلْ تفقّهاً ولا تسل تعنتاً»(49)

ثانياً: آداب المجيب

كما أن على السائل أن يُحيط بأدب السؤال فعلى المُجيب أن يتحلّى أيضاً بأدب الجواب وفنّه.

ص: 105

عند التأمل في نصوص نهج البلاغة يمكننا أن نقف عند تصريحات وإشارات الآداب المجيب تحدّث عنها سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومنها:

أولاً: احترام السائل واحترام السؤال، وهذا أدب مهم يجب أن نُدرکَه ونستوعبه إذ على المسؤول أن يُبدي احترامه للسؤال وللسائل ولا يتسهزءُ به لأنه استهزاء بالعلم والمعرفة، فالسائل يُريد أن يسير في طريق العلم ويبتغي التعلّم والتزوّد من المعرفة، وعلى المجيب إعانته على ذلك، بل عليه أن يعرف أن هناك حقّاً للسائل ويجب عليه أن يؤدي هذا الحقّ بإجابته.

قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه وقد سأله: كَيْفَ دَفَعكُمْ

قَوْمُكُمْ عَنْ هذَا الْمَقامِ وَأنْتُمْ أحَقُبِهِ؟

فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «یَا أخَا بَنِي أسَدٍ، إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ(50)، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ(51) وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ(52) وَحَقُّ الْمَسْألَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ، أمَّا

الِاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَنَحْنُ الْأعْلَوْنَ نَسَبا وَالْأشَدُّونَ بِالرَّسُولِ صَلّی اللُّه

عَلَيهِ وَآلِه نَوْطا فَإِنَّمَا كَانَتْ أثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ

آخَرِينَ، وَالْحَكَمُ اللُّهَ وَالْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةِ.

وَدَعْ عَنْكَ نَهْبا صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ (وَلَكِنْ حَدِيثا مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلَ)

وَهَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أبِ سُفْيَانَ، فَلَقَدْ أضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ وَلاَ غَرْوَ

وَاللَّهِ فَيَا لَهُ خَطْبا يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ وَيُكْثِرُ الْأوَدَ، حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ

مِصْبَاحِهِ، وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْبا وَبِيئا، فَإِنْ تَرْتَفِعْ

عَنَّا وَعَنْهُمْ مَحِنُ الْبَلْوَى أحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَی مَحْضِهِ، وَإِنْ تَكُنِ الُأُخْرَى (فَلا

تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَر اتٍ، إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ).»(53)

ص: 106

وقال الراوندي في شرحه: «ويقال للرجل غير الثابت القدم في الأمر هو «قلق الوضين» أي هو مضطرب شاك فيه»(54)، وقوله عليه السلام «ترسلُ من غیر سدد»، قال التُّستري في شرحه: والمراد تتكلم في موضع لا ينبغي التكلم فيه العدم قدرتك على جبران ما يحدث منه لأنه عليه السلام كان في أصعب موقف بصفين.(55)

والمهم عندنا الآن قوله عليه السلام: «وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ الْمَسْألَةِ

وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ.» فالإمام عليه السلام يعدُّ من حقوق السائل على المسؤول أن يُجيبه عن مسألته إذا توفرت شروط الإجابة، بل السؤال هنا قد جاء في غير محله، لأن في أصعب موقف من مواقف حرب صفين، وأنه لن يغير شيئاً بمعرفته ولن يستدرك ما فات.

ثانياً: أن يعتذرَ عن الإجابة إذا كان جاهلاً بها، إذ ليس من العيب أن يقول الإنسان إذا سُئل عن شيء لا يعرفه «لا أدري»، ولكن العيب أنه لا يدري ويستحي من قول «لا أدري»، أو يأنف أن يقولها!!

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ تَرَكَ قَوْلَ لاَ أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ.(56)، ومقاتل الإنسان: المواضع التي إذا أُصيبت قتلته، ولذا قيل: لا أعلم نصفُ العِلم.

لماذا التارك لقول «لا أدري» تُصابُ مقاتلُهُ؟

لأن الذي يُريد أن يجيب عن كل سؤال ويظنّ أنه يعرف كلَّ شي ولا حاجة القول لا أدري فهذا لن يسعَ لكسب علمٍ ولا لتحصیل معرفة، ومن شعر الغرور بالعلم قول عَدي بن الرِّقاع:

وعَلِمْتُ حَتَّى ما أُسائِل عالماً عَنْ عِلْم واحدةٍ لكيْ أَزْدَادَها(57)

ص: 107

ومَن ادعى الاحاطةَ بالعلوم والأشياء فهو جاهل.

قل للذي يدعي في العلم معرفةً عرفتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ

ولهذا قال الله تعالى لنبيه الكريم صلّى الله عليه وآله: (وقل ربي زدني علماً)(58)، ومن يظن أنه يعرف كلّ شيء وبمقدوره الإجابة عن كل سؤال فسيوقع نفسه بالمهالك ففي (العقد الفريد) قال مقاتل وقد دخلته أبهة العلم: سلوني عمّا تحت العرش إلى أسفل من الثرى، فقام إليه رجل وقال: ما نسألك عمّا تحت العرش ولا أسفل من الثرى، ولكن نسألك عمّا كان في الأرض، وذكره اللهّ في كتابه، أخبرني عن كلب أهل الكهف ما كان لونه؟ فأفحمه.

وفيه أيضا قال قتادة: ما سمعت شيئا قط ولا حفظت شيئا قط فنسيته، ثم قال: ياغلام هات نعلي، فقال هما في رجليك!(59)

إذن على المرء ألا يستحي ولا يأنف من قول «لا أدري» جواباً عما لا يعلمه، ولا ينبغي له أن يتحرج من ذلك، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «أُوصِيكُمْ

بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ اَلْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْاً لاَ يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ

رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ، وَلاَ يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لاَ أَعْلَمُ،

وَلاَ يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ اَلشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ اَلصَّبْرَ مِنَ

اَلْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ اَلْجَسَدِ، وَلاَ خَیْرَ فِي جَسَدٍ لاَ رَأْسَ مَعَهُ، وَلاَ فِي إِيمَانٍ لاَ صَبْرَ

مَعَهُ.»(60)

إذن على الإنسان ألا يستحي من: قول لا أعلم إذا سُئل عما لا يعلمه، وأن يتعلّم ما لم يعلم.

وهكذا يرشدنا أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأدب الكبير في الإجابة وفي

ص: 108

تواضع الإنسان للعلم وإقراره بالجهل، وهو أدب غائب عند الكثير من الناس فلذا يقول الإمام عليه السلام: «وَاَلنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اَللَّهُ

سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ اَلرِّضَا

وَاَلسُّخْطُ وَيَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُهُ اَللَّحْظَةُ وَتَسْتَحِيلُهُ اَلْكَلِمَةُ اَلْوَاحِدَةُ.»(61)

ومدخولون أي مصابون بعقولهم، قد دخلت فيها العيوب، كيف ذلك؟ قال: سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ.

وقال عليه السلام في الحكمة 182: «لاَ خَیْرَ فِي اَلصَّمْتِ عَنِ اَلْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لاَ

خَیْرَ فِي اَلْقَوْلِ بِالْجَهْلِ».

ثالثاً: أن يكون الجواب مناسباً للسائل ملائماً له، وقد ورد الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «إنا معاشرَ الأنبياء، أُمرنا أن نكلمَ الناس على قدر عقولهم»(62)، إذن على المجيب أن يجيب السائل على قدر عقله وبجواب مناسب ومفهوم وواضح، ومثاله من النهج قَوله عليه السلام وقد سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَاَلْمَغْرِبِ، فَقَالَ عليه السلام: مَسِیرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ.

يعلق ابن أبي الحديد المعتزلي على هذا الجواب فيقول: وهذا الجواب تسمیه الحكماء جوابا إقناعياً لأن السائل أراد أن يذكر له كمية المسافة مفصلة نحو أن يقول بينهما ألف فرسخ أو أكثر أو أقل فعدل عليه السلام عن ذلك و أجابه بغيره و هو جواب صحیح لا ريب فيه لكنه غير شاف لغليل السائل وتحته غرض صحيح وذلك لأنه سأله بحضور العامة تحت المنبر فلو قال له بينهما ألف فرسخ مثلا لكان للسائل أن يطالبه بالدلالة على ذلك والدلالة على ذلك يشق حصولها على البديهة ولو حصلت لشق عليه أن يوصلها إلى فهم السائل، ولو فهمها السائل لما فهمتها العامة الحاضرون ولصار فيها قول وخلاف وكانت تكون فتنة أو شبيهاً

ص: 109

بالفتنة، فعدل إلى جواب صحيح إجمالي أسكت السائل به وقنع به السامعون أيضاً واستحسنوه، وهذا من نتائج حكمته عليه السلام.»(63)

رابعاً: توضيح الجواب ما أمكنَ للسائل، وهذا من آداب الإجابة عن السؤال، إذ ينبغي للمجيب أن يوضّح الجواب ما أمكن للسائل، وقد يحتاج المجيب إلى استخدام الإشارة وغيرها في توضيح جوابه، وهذا ما نستنتجه من فعل عليِّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يوضّح للسائل جوابه عن سؤاله، عندما قال: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَمَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ اَلرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي اَلرَّامِي وَتُخْطِئُ اَلسِّهَامُ وَيُحِيلُ اَلْكَلاَمُ وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَیْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، فَسُئِلَ عليه السلام عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا، فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَهَا بَیْنَ أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: اَلْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَاَلْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ.(64)

خامساً: ألا يطرح الجواب الصحيح في زحمة الأجوبة العديدة، فيخفي الجواب الصائب في زحمة الأجوبة الكثيرة، يقول الإمام عليٌّ عليه السلام: «إِذَا ازْدَحَمَ

الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ»(65)

فإذا سُئلتَ عن شيءٍ وأعطيت الأجوبة العديدة ستُعطي معها الحيرةَ للسائل بأيها يأخذ، وكذلك إذا كثر المجيبون عن السؤال، كلُّ واحد منهم بجوابٍ مختلفٍ فيكون الجواب كسفينةٍ كثُر سَفَنُها، ولذا قيل: اللغطُ يوجِبُ الغَلط.

وهكذا نعرف أنه في زحمة الأجوبة وازدحامها يخفى الصواب.

وبهذا نكون قد تعرفنا على ما يمتلكه السؤال من أهمية تحدونا للالتفات إليها بغية استثمار السؤال كفرصة ثمينة للتعلم والتزود من المعرفة، وتعرفنا على معالم السؤال وملامحه في نهج البلاغة، وماذا يمثل السؤال في نظر أمير المؤمنين

ص: 110

علي عليه السلام، ثم توقفنا عند أدب السؤال وفنه من خلال تتبع نصوص نهج البلاغة، وما أكدت عليه من أدب وفن في طرفي السؤال وهما السائل والمجيب.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل النفع والفائدة فيها كتبته، وأن يضيف شيئاً ولو يسيراً إلى مكتبة نهج البلاغة الفاخرة.

نتائج البحث

أولاً: السؤال حاجة نفسية ضرورية عند الإنسان.

ثانياً: السؤال قناة لنقل الأفكار والعلوم من جيل إلى جيل.

ثالثاً: السؤال أسلوب تربوي ناجح، لأنه يتواصل مع حاجة وجدانية عند الإنسان.

رابعاً: السؤال أسلوبٌ ناجح في تنبيه السامع، فهو يثير اهتمامه ويحرك غريزة حب الاستطلاع لديه.

خامساً: السؤال طريقة ناجحة في رفع الرتابة وكسر الروتين، فعن طريق السؤال يُستجلَب التأثير في المتلقي.

سادساً: السؤال أسلوب قرآني حاكاه الامام علي عليه السلام، فقد جاءت كثير من الآيات المباركات تحمل مضامينها بقوالب سؤال، لما لأسلوب السؤال من جمال وتأثير على المتلقي.

سابعً: للسؤال أدبٌ وفن، ومن يُتقن فن السؤال وأُسلوبه سيجني ثمار ذلك نجاحاً ومعرفة

ثامناً: آداب السائل: يُمكننا إجمال آداب السائل في نهج البلاغة بما يأتي: 1 - : أن

ص: 111

يكونَ الهدف من سؤال السائل هو معرفةُ الحقيقة، فالسؤال النموذجي والمثالي هو الذي ينطلق من ساحة الرغبة في العلم والتطلع للمعرفة والاحاطة بالحقيقة.

2 - أن يكون السؤال للعلم وللعمل فيما يقتضي العمل به.

3 - أن يكون السؤال عن الأُمور المهمة، والتي هي مورد الابتلاء.

4 - أن يكون السائلُ حَسَنَ السؤال، أي يعرف فنَّ السؤال وأدبَه، لأن السؤالَ نصف الجواب.

5 - أن يكون السائلُ لطيفاً في سؤاله، فيطرح سؤاله بأدبٍ ولطف ويبتعد عن الخشونة والجفوةّ.

تاسعاً: آداب المجيب: كما أن على السائل أن يُحيط بأدب السؤال فعلى المُجيب أن يتحلى أيضاً بأدب الجواب وفنّه.

1 - احترام السائل واحترام السؤال، وهذا أدب مهم يجب أن نُدرکَه ونستوعبه إذ على المسؤول أن يُبدي احترامه للسؤال وللسائل ولا يتسهزءُ به لأنه استهزاء بالعلم والمعرفة.

2 - أن يعتذرَ عن الإجابة إذا كان جاهلاً بها، إذ ليس من العيب أن يقول الإنسان إذا سُئل عن شيء لا يعرفه لا أدري».

3 - أن يكون الجواب مناسباً للسائل ملائماً له.

4 - توضيح الجواب ما أمكنَ للسائل.

5 - ألا يطرح الجواب الصحيح في زحمة الأجوبة العديدة، يقول الإمام عليٌّ عليه السلام: «إِذَا ازْدَحَمَ الْصَّوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ.»

هوامش البحث:

(1) شمس الدین، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، ص 5.

(2) الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العین، ج 7 ص 301.

(3) الجوهري، الصحاح في اللغة، ج 5 ص 1723.

(4) ومن أمثلة السؤال الاستنكاري في نهج البلاغة قوله عليه السلام: وَقَدْ سَمِعَ رَجُلاً يَذُمُّ الدُّنْيَا: «أيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا الْمَنْخَدِعُ بِأبَاطِيلِهَا إتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا، أنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ أمْ مَتَى غَرَّتْكَ؟ أبِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِىَ، أمْ بِمَضَاجِعِ

أمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى؟ كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ؟ وَمَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ؟ تَبْغِي لَهُمُ الشِّفَأ وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ

ص: 112

الْطِبَّأ غَدَاةَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَلاَ يجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ، لَمْ يَنْفَعْ أحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطَلِبَتِكَ وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! وَقَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ.» الخطبة رقم: 131

(5) ومن أمثلة السؤال المتعدي إلى مفعوله بعن في نهج البلاغة قوله عليه السلام لشريح القاضي: ««يَا

شُرَيْحُ أمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ وَلاَ يَسْألُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصا، وَيُسْلِمَكَ إِلَ قَبْرِكَ خَالِصا..» الكتاب رقم: 3

وقوله لأخيه عقيل: «وَأمَّا مَا سَألْتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِ الْقِتَالِ، فَإِنَّ رَأيِي قِتَالُ الْمُحِلِّینَ حَتَّى ألْقَى اللَّهَ، لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِ عِزَّةً وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً..» الكتاب رقم: 36

(6) ومن الأمثلة في نهج البلاغة للسؤال بقصد الحصول على المال في حال تعديه إلى المفعول بنفسه قوله عليه السلام في وصيته لولده الحسن عليه السلام: وَرُبَّمَا سَألْتَ الشَّيْءَ فَمَا تُؤْتَاهُ، وَأوتِيتَ

خَیْرا مِنْهُ عَاجِلاً أوْ آجِلاً، أوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَخَیْرٌ لَكَ..»، وقوله عليه السلام: «نَسْألُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاء، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَأ، وَمُرَافَقَةَ الْنْبِيَاء. الخطبة رقم: 23

(7) ومثال السؤال باستدعا المال المتعدي ب"من" في نهج البلاغة قوله عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: «وَسَألْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَی إِعْطَائِهِ غَیْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الْأعْمَارِ، وَصِحَّةِ

الْأبْدَانِ، وَسَعَةِ الْرْزَاقِ.» الكتاب رقم: 31

(8) و مثال هذا كثير في النهج ومنه قوله عليه السلام: وَبُؤْسا لِمَنْ خَصْمُهْ عِنْدَ اللهِ الْفُقَرأ وَالْمَساکِینُ، وَالسّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ، وَالْغارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ!» الكتاب رقم: 29

(9) الإصفهاني، الراغب، المفردات في غريب القرآن، ص 250.

(10) ابن منظور، لسان العرب، ج 11 ص 318.

(11) الحكمة رقم: 346

(12) الحكمة رقم:53

(13) الحكمة رقم: 328

(14) الخطبة رقم:91

(15) الخطبة رقم: 91

(16) الكتاب رقم: 31

(17) الخطبة رقم 32

(18) الكلام رقم: 210 .

ص: 113

(19) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج 3 ص 143.

(20) الخطبة رقم: 189

(21) الخطبة رقم: 78

(22) الخطبة رقم 31

(23) الخطبة رقم 193

(24) الخطبة رقم 91

(25) هذا من الأمثال ونهر الله أي البحر والمد والسيل فإنه يعلو كل الأنهار، وعقل هو الصحابي مَعْقِل بن يسار المزني و كان زیاد قد حفر النهر وأحضر مَعْقِل المزني تبركاً به فسُمّي بنهر مَعْقِل وتُرك زیاد. (انظر ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري، ج 1 ص 189)

(26) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 6 ص 425

(27) الخطبة رقم 193

(28) الحكمة رقم: 457

(29) الخطبة رقم: 197

(30) الخطبة رقم: 5

(31) الخطبة رقم: 79

(32) الخطبة رقم: 99

(33) الخطبة رقم: 99

(34) الخطبة رقم: 99

(35) انظر كتاب الأثر القرآني في نهج البلاغة دراسة في الشكل والمضمون، د. عباس الفحام، ص 134.

(36) الخطبة رقم 182

(37) الحكمة رقم 80

(38) الحكمة رقم: 79

(39) الحكمة رقم: 320

(40) الخطبة رقم: 91

(41) الكتاب رقم:53

(42) الحكمة رقم: 346

ص: 114

(43) الحكمة رقم: 105

(44) الخطبة رقم: 91

(45) الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 424.

(46) الحكمة رقم: 437

(47) الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي ج 21 ص 151.

(48) الخطبة رقم: 193

(49) الحکمة رقم: 320

(50) الوضين: بطان القتب وحزام السرج، أي أنك مضطرب.

(51) أي أنه يتكلم في غير قصد وصواب.

(52) لأنّ النبيَّ (صلی الله علیه وآله وسلم) كان متزوجاً من زینب بنت جحش وهي أسدية و أمها أميمة بنت عبد المطلب فهي ابن عمة النبيّ ص، وردّ ابن أبي الحديد على الراوندي قوله إن علياً ع كان متزوجاً من بني أسد. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 243)

(53) الخطبة رقم: 162

(54) الراوندي، قطب الدین، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 2 ص 122.

(55) التستري، محمد تقي، بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 19.

(56) الحکمة: 80

(57) البغدادي، خزانة الأدب ج 11 ص 183

(58) سورة طه: 114

(59) الأندلسي، ابن عبد ربه، العقد الفريدج 1 ص 160

(60) الحكمة: 82

(61) الحكمة رقم 344

(62) الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، ج 1 ص 23

(63) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 19، ص 200.

(64) الخطبة رقم: 141.

(65) الحكمة رقم: 243.

ص: 115

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1 - ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، دار صادر، لبنان - بیروت، دت ط.

2 - ابن منظور، لسان العرب، أدب الحوزة، إيران - قم، محرم 1405 ه.

3 - البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق محمد نبيل طرفي - إميل بديع اليعقوب، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1998 م، الطبعة الأُولى.

4. الجوهري، الصحاح في اللغة، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407ه - 1987 م.

5 - الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي، الطبعة الثالثة.

6 - الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات غريب القرآن، مکتب نشر الكتاب، إيران، الطبعة الثانية، 1404 ه.

7. الراوندي، قطب الدين، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة، إيران - قم، 1406 ه.

8. الزمخشري، جار الله، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، تحقيق: عبد الأمير المهنا، مؤسسة الأعلمي، لبنان - بیروت، الطبعة الأُولى، 2012 م.

9 - شمس الدين، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، دار الزهراء، بیروت، 1392 ه - 1972 م، الطبعة الثانية.

10 - عبده، محمد، شرح نهج البلاغة، دار الذخائر، إيران - قم، 1412 ه -

1370 ش.

11 - الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم

ص: 116

السامرائي، مؤسسة الهجرة، إيران، 1410 ه، الطبعة الثانية.

12. الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، الطبعة الخامسة، 1363 ش.

13. المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مؤسسة إسماعلیان، إيران - قم، د ت.

14. الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسن البيرجندي، دار الحديث، إيران - قم، الطبعة الأُولى، د ت.

ص: 117

ص: 118

دور الفرائض الشرعية في التكافل الاجتماعي عهد الإمام علي أنموذجا

اشارة

د. خديجة حسن علي القصير

ص: 119

ص: 120

المقدمة

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وهو مفطور على حب الاجتماع والعيش مع بني جنسه وبما انه غير منعزل عن أبناء جلدته فهو عليه حقوق وواجبات مثلما له احتياجات و مطالب ومن بين الحقوق التي تقع على عاتقه هو المساواة في مجتمعه بين أفراد أمته وعدم وجود فوارق تحد وتصنع الحواجز فيما بينهم وهنا تبرز أهمية التكافل الاجتماعي بوصفة الوسيلة والغاية التي من خلالها تتحق المساواة الاجتماعية ويصبو المجتمع إلى الوحدة والحد من الطبقية أو تقليلها.

أهداف البحث:

يتضمن البحث الأهداف التالية:

1 - تحديد مفهوم التكافل الاجتماعي من حيث تعريفه ونظرة الفقهاء والعلماء له وتركيز الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم السلام على أهميته في المجتمع

2 - إبراز بعض الأمثلة عن التكافل الاجتماعي في عهد الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام.

3 - بیان الروافد المالية التي اعتمدت عليها الدولة الإسلامية في عهد الخليفة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام لتطبيق التكافل الاجتماعي في المجتمع.

وقد اعتمدت في بحثي هذا على المنهج التحليلي وذلك بإيراد بعض الأمثلة التي تدل على مبدأ التكافل الاجتماعي وتوضيح مضامينها، يتألف بحثي هذا من مقدمة ومبحثين وخاتمة تتلو هما قائمة بأهم المصادر والمراجع المعتمدة في إعداد

ص: 121

هذا البحث، يشتمل المبحث الأول: مفهوم التكافل الاجتماعي على تعريف التكافل الاجتماعي في اللغة والاصطلاح وبيان مفهومة في االقرآن الكريم والسنة النبوية للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث الإمام علي عليه السلام وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما المبحث الثاني: دور الفرائض الشرعية في التكافل الاجتماعي عهد الإمام علي عليه السلام وقد وضحت فيه بعض الموارد المالية التي استخدمت في رفد بيت مال المسلمين لتحقيق التكافل الاجتماعي في عهد الإمام علي عليه السلام.

اعتمدت في إعداد هذا البحث على مجموعة من المصادر يأتي في مقدمتها كتاب نهج البلاغة الذي يضم خطب وأقوال الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام فضلا عن كتب أخرى منها كتاب الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، فضلا عن كتاب الامالي للشيخ الطوسي، وغيرها من المصادر الأخرى التي سوف يأتي ذكرها تباعا في قائمة المصادر والمراجع في نهاية البحث.

وقد توصلت في بحثي هذا الى مجموعة من النتائج ومنها: إن التكافل الاجتماعي بمفهومه العام والشامل يعني التزام الأفراد فيما بينهم لإشباع الحاجات المادية والمعنوية لكافة أفراد المجتمع الذي ينتمون له.

فضلا عن تتعدد وتتنوع الموارد المالية للتكافل الاجتماعي في الدولة العربية الإسلامية وبما ان بحثنا يتحدث عن التكافل الاجتماعي في عهد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فان موارد التكافل الاجتماعي في عهده اعتمدت على صور متعددة تأتي في مقدمتها الزكاة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ص: 122

المبحث الأول: مفهوم التكافل الاجتماعي

أولا: التكافل في اللغة والاصطلاح

التكافل في اللغة مشتق من الفعل کفل ومادة كفل في اللغة اشتقاقات كثيرة ومعاني متعددة منها:-

- الكفل بمعنى الضعف والنصيب والحظ ومنه قوله تعالى:» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَیْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ

وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللُّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»(1) أي ضعفين و نصيبين من الأجر، وقوله تعالى:» مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَىَٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا»(2) أي: حظ ونصيب(3).

- الكافل بمعنى العائل والضامن ومنه قوله تعالى :» فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ

وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّاَ دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا

رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللِّهَ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ

بِغَیْرِ حِسَابٍ»(4) أي: ضمن القيام بأمرها والكافل الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه(5) وفي الحديث الشريف:» أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا إذا اتقي الله عز وجل وأشار بإصبعيه، يعني السبابة والوسطى(6)

- الكفيل بمعنى الشاهد والرقيب ومنه قوله تعالى: »وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا

عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِياً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ

مَا تَفْعَلُونَ»(7) أي: شاهدا ورقیبا ویأتي الکفیل بمعنی الضامن(8).

- والكفل المكافل أي المجاور المحالف والمعاقد المعاهد(9) وهناك من أورد أن ص: 123

الكافل اسم فاعل والعائل الذي جعل على نفسه أن لا يتكلم في صيامه(10).

تخلص الباحثة مما سبق أن لفظ التكافل في اللغة والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تتمثل في كافل وكفيل ومكافل.

أما في الاصطلاح فقد وردت عدة تعريفات للتكافل الاجتماعي فقد عرفه البعض على انه: أن يتضامن أبناء المجتمع الواحد ويتساند فيما بينهم سواء أكانوا أفرادا أم جماعات حكاما أم محكومين على اتخاذ مواقف يدعم بها بعضهم بعضا کرعاية الأيتام ونشر العلم وصلة الرحم وسوى ذلك من مظاهر التكافل الاجتماعي المعروفة(11). ويعرفه أبو زهرة بقوله: يقصد بالتكافل الاجتماعي في معناه اللفظي أن يكون آحاد الشعب في كفالة جماعتهم، وان يكون كل قادر أو ذوي سلطان كفيلا في مجتمعه يمده بالخير، وان تكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح الآحاد ودفع الضرر ثم في المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعي وإقامته على أسس سليمة(12). ويعرفه البعض الآخر على انه: يعني التساند والتضامن والاجتماع بمعنى الالتقاء ويقوم بين مجموعة من الناس التي تكون مجتمعا وهي جزء من أمة وقد يكون على مستوى الأمة الإسلامية كله(13).

وبالاعتماد على هذه التعاريف نجد إن المفهوم الاصطلاحي يتألف من كلمتي التكافل الاجتماعي والذي بدوره يدل على التضامن والمساندة بين أبناء المجتمع الواحد لإيجاد المجتمع الأفضل ودفع الضرر عن أفراده وهذا يتفق مع ما يقرره النص القرآني الصريح بقوله تعالى:» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا

الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّنَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهِمْ

وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ

ص: 124

الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(14).

ومن هذا نلاحظ إن التكافل الاجتماعي هو ليس بالظاهرة المستحدثة في تاريخنا وفي مجتمعاتنا وإنما هي ظاهرة قديمة جدا قدم وجود الإنسانية نفسها والدين الإسلامي الحنيف يعده ركيزة أساسية في المجتمع البشري فهناك العديد من الأدلة القرآنية التي تدل على أهمية وجوده في المجتمع ومنها ما ورد في قوله تعالى:»لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّنَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِینَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(15) وفي قوله تعالى: »مَا أَفَاءَ اللُّهَ عَلَیٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(16).

أما عن الأدلة الشرعية على أحقية نظام التكافل الاجتماعي ومشروعية وجودة فهي مأخوذة من القرآن الكريم كتاب الله المنزل والذي قال عنه سبحانه وتعالى: «لا يأتيه الباطل»، فضلا عن السنة النبوية المطهرة والمتمثلة بأحاديث الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إضافة الى أحاديث أهل البيت عليهم السلام في أهمية التكافل الاجتماعي وضرورة وجودة في أي مجتمع من المجتمعات، وعلى الرغم من ان الإنسان لم يجد لفظ التكافل بمعناه الصريح في الآيات الكريمة، أو في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام، وإنما

ص: 125

ورد ما يؤدي معناه، فهناك العديد من الآيات والروايات التي تتحدث عن البذل والإنفاق في سبيل الله وتحث على إعانة المحتاجين والفقراء وقضاء حوائج المؤمنين بل كل إنسان. ففي القرآن الكريم وردت العديد من الآيات القرآنية التي تدل على أهمية التكافل الاجتماعي منها ماورد في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(17)، وقد أورد الطباطبائي (18) في تفسيره لهذه الآية ما نصه: إن الأنصار بعد أن هاجر اليهم المهاجرون من مكة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهم قد قدموا المهاجرين على أنفسهم في الفيء وغيره ففي قوله تعالى:» و يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» إيثار الشيء اختياره و تقديمه على غيره، و الخصاصة الفقر والحاجة، قال الراغب: خصاص البيت فرجه وعبر عن الفقر الذي لم يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة و المعنى: و يقدمون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم فقر و حاجة، وهذه الخصيصة أغزر و أبلغ في مدحهم من الخصيصة السابقة فالكلام في معنى الإضراب كأنه قيل: إنهم لا يطمحون النظر فيما بأيدي المهاجرين بل يقدمونهم على أنفسهم فيما بأيديهم أنفسهم في عين الفقر والحاجة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التكافل الاجتماعي فيما بينهم وضرورة إعطاء الغني الفقير من ما يحتاجه. وكذلك في قوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ

ص: 126

قَرِينًا وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا»(19)، وفي قوله تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(20)، وجاء في سورة البقرة قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(21)، وغيرها من الآيات القرآنية التي تدل على أهمية ومشروعية التكافل الاجتماعي.

أما في السنة النبوية المطهرة فقد وردت الكثير من الأحاديث عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحث على التكافل الاجتماعي وأهميته في تدعيم الألفة والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد فقد كان السنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات اجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم، قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم: «من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليلة»(22)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره»(23). وقال صلى الله عليه و آله: «أكرموا ضعفاءكم فإنا ترزقون وتنصرون بضعفائكم»(24).

وفي أقوال العترة الطاهرة عليهم السلام فقد أورد عن أمير المؤمنين عليه

ص: 127

السلام أنه قال: «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع غني والله تعالى سائلهم عن ذلك»(25).

وأورد عن معلى بن خنيس عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قلت له ما حق المسلم على المسلم؟ قال عليه السلام: «له سبع حقوق وواجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واج-ب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن الله فيه من نصيب، من حق المؤمن على أخيه المؤمن: أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده...» فهنا قد ورد معنى التكافل بمعنى إعطاء الحق والوفاء به(26).

وقال أبو عبد الله الحسين عليه السلام: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه»(27). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس وتوسيعاً على أهله وتعطفاً على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر»(28).

ص: 128

المبحث الثاني الفرائض الشرعية ودورها في التكافل الاجتماعي

في عهد الإمام علي عليه السلام

كما هو معروف للجميع وبالشكل الذي لا يختلف عليه اثنين إن أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام كان يعالج مشاكل الأمة وقضايا الدولة بموقف علمي ونظري في آن واحد ونجد هذا الأمر راسخا في نهج البلاغة والذي يشتمل على الخطب والرسائل والكلمات القصار التي قالها أمير المؤمنين عليه السلام في مناسبات مختلفة وأوقات متباينة وكان الهدف منها هو تغيير أوضاع الأمة الإسلامية وتحقيق السعادة المنشودة لها، والمتمعن النظر في كتاب نهج البلاغة يجد العديد من خطب الإمام علي عليه السلام والرسائل التي يحث فيها عليه السلام على التكافل الاجتماعي وإرساء مبادئه وعمليا فقد باشر عليه السلام بنفسه هذه المهمة حتى استطاع السيطرة على ظاهرة الفقر التي نجمت عن سوء التطبيق في عهد عثمان بن عفان ففي كلمته الرائعة التي تعتبر آية من آيات الجال الأدبي والحكمي قوله عليه السلام الذي أصبح مثلا يضرب في كل مكان: «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك»(29). وهنا يعتبر الإمام علي عليه السلام مبدأ التكافل الاجتماعي امرأ واجبا لا مجال للتملص منه وفي نهج البلاغة إشارات عديدة لهذا الأمر منها ما وجهه الإمام علي عليه السلام الى عثمان بن حنيف الأنصاري عامله على البصرة عندما بلغ الإمام انه قد دعي إلى وليمه من أهلها: «أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْف فَقَدْ بَلَغَنِي أنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَ مَأْدَبَة فَأَسْرَعْتَ إلَيْهَا

ص: 129

تُسْتَطَابُ لَكَ الاَلْوَانُ وَتُنْقَلُ إلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إلَ طَعَامِ قَوْم

عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ. وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إلَی ما تَقْضَمُهُ مِنْ هذَا الْمُقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ

عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ»(30)، وأيضا في كلام قاله عليه السلام لكميل بن زياد النخعي: »یا کمیل، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، و يدلجوا في حاجة من هو نائم. فو الّذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبا سرورا إلآ و خلق اللهّ له من ذلك السّرور لطفا. فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه کما تطرد غريبة الإبل(31).

أما فيما يتعلق بالموارد الضرورية لتنفيذ حق التكافل الاجتماعي فهي وكما يحددها الإمام علي عليه السلام تعتمد على مسألة مهمة ألا وهي إيصال الفقير إلى حد الاكتفاء أي إن التكافل الاجتماعي يحدث عندما تؤدي الفرائض الشرعية الكفاية للفقير ومن المحتمل أن تعجز بعض جوانب هذه الفرائض عن القيام بذلك الأمر فقد تعجز أموال الزكاة عن البلوغ الى هذا المستوى من الحالة الاقتصادية للفقراء فهنا لابد من وجود أموال غير الزكاة والخمس هي المعول عليها لسد الثغرات الاقتصادية في المجتمع وقد تكون أموال الزكاة والخمس جزء منها(32). أما في كيفية توزيع أموال الزكاة في عهد الخليفة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فكانت توزع حسب ما جاء في القران الكريم على مجموعة من الفئات هي: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(33)، أي إن مال الزكاة لا يشمل المقاتلين أو غيرهم، بل يشمل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم فقط. وثبت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من انه وضع الزكاة على أموال غير الأموال التي وضعت عليها الزكاة في الصيغة

ص: 130

التشريعية الثابتة فكما هو معروف إن الصيغة التشريعية الثابتة وضعت الزكاة على تسعة أقسام من الأموال غير انه ثبت عن الإمام علي عليه السلام انه وضع الزكاة في عهده على أموال أخرى أيضا كالخيل مثلا وهذا عنصر متحرك يكشف عن إن الزكاة كنظرة إسلامية لا تختص بمال دون مال وان من حق ولي الأمر أن يطبق هذه النظرية في أي مجال يراه ضروريا(34).

أما الرافد الثاني الذي دعا الإمام الى تطبيقه وتفعيله تأكيداً للضمان الاجتماعي فهو الاعتماد على (خمس المكاسب) والذي يتضمن استنادا الى أدلة شرعية من القران لاسيما قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ»(35) وما ورد في السنة النبوية من إن خمس أرباح التجارات والصناعات والاجارات والعمل والوظائف والهدية والوصية وأرباح مالك المنجم والمدخرات من الكسب الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز، فان تميز اخرج كله واللؤلؤ المستخرج والمواريث التي لم يؤد عنها الخمس، وذلك بعد أن يستنزل المكلف مؤنة الحفظ ومؤنة الذين يعولهم ومركبه ومسكنه ونفقات إضافية لمدة سنة كاملة وما زاد عن ذلك ففيه الخمس(36)، ويمكن القول أن مبدأ خمس المكاسب يمكن أن يكون إحدى الوسائل المجدية لتحقيق الضمان الاجتماعي في مجتمعاتنا المعاصرة. والرافد الثالث هو إشاعة فلسفة البذل والسخاء من الأغنياء إزاء الفقراء إذ يقول الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام: «داووا الفقر بالصدقة والبذل»(37).

أما الرافد الرابع في تغطية نفقات حق الضمان الاجتماعي فنجده في قوله عليه السلام لأحد ولاته:»اجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد» ناهيك عن إلقاء الإمام عليه السلام لمسؤولية الضمان ص: 131

الاجتماعي على عاتق المجتمع وبجميع أفراده ومؤسساته، مع تأكيده عليه السلام على الحفاظ على هذا الأموال، إذ يقول عليه السلام:» كن سمحاً ولا تكن مبذرا، وكن مقدرا ولا تكن مقترا» وتخصيصه للفئات والحالات المشمولة بحق الضمان حيث يقول علیه السلام:» إن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف»(38).

مما تقدم نلاحظ ان للتكافل الاجتماعي جانبان جانب مادي وجانب معنوي، أما الأول: فيتمثل على نحو المساعدات المادية النقدية والعينية التي تقسم وتوزع على الأفراد من الفئات الفقيرة والمعوزة، في حين إن الجانب الثاني: يتمثل فيها يؤسسه هذا النهج من تواصل وتراحم وتآخي وتعاون اجتماعي ونفسي فيما بين الأغنياء الميسورين من جهة وبين الفقراء والمعوزين من جهة أخرى فالغني يعطف على الفقير والقادر يساعد العاجز والمريض ويساعد الكل والمقعد وهكذا تمت آليات التكافل وآثاره لتعم جميع أفراد المجتمع وشرائحه.

ص: 132

الخاتمة

تستنتج الباحثة من هذا البحث مايلي:

1 - إن التكافل الاجتماعي بمفهومه العام والشامل يعني التزام الأفراد فيها بينهم لإشباع الحاجات المادية والمعنوية لكافة أفراد المجتمع الذي ينتمون له.

2 - تتعدد وتتنوع الموارد المالية للتكافل الاجتماعي في الدولة العربية الإسلامية وبما إن بحثنا يتحدث عن التكافل الاجتماعي في عهد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فان موارد التكافل الاجتماعي في عهده اعتمدت على الصور التالية وسوف أورد البعض منها» الزكاة - خمس المكاسب - إشاعة فلسفة البذل والسخاء من الأغنياء إزاء الفقراء - فضلا عن انه عليه السلام حث ولاته على تغطية نفقات الضمان الاجتماعي من خلال قوله عليه السلام له أن يخصص قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد» ناهيك عن إلقاء الإمام عليه السلام لمسؤولية الضمان الاجتماعي على عاتق المجتمع وبجميع أفراده ومؤسساته، مع تأكيده عليه السلام على الحفاظ على هذه الأموال من التبذير والإسراف.

3 - التكافل الاجتماعي له جانبان جانب مادي وجانب معنوي، أما الأول: فيتمثل على نحو المساعدات المادية النقدية والعينية التي تقسم وتوزع على الأفراد من الفئات الفقيرة والمعوزة، في حين إن الجانب الثاني: يتمثل فيما يؤس النهج من تواصل وتراحم وتآخي وتعاون اجتماعي ونفسي فيکا بين الأغنياء الميسورين من جهة وبين الفقراء والمعوزين من جهة أخرى فالغني يعطف على الفقير والقادر يساعد العاجز والمريض ويساعد الكل والمقعد وهكذا تمت آليات التكافل وآثاره لتعم جميع أفراد المجتمع وشرائحه.

ص: 133

هوامش البحث:

(1) سورة الحديد، الآية: 28.

(2) سورة النساء، الآية: 85.

(3) ابن منظور، محمد لن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت:711 ه)، لسان العرب، الناشر: دار صادر، بيروت - لبنان، ج 11، ص 589.

(4) سورة آل عمران، الآية: 37.

(5) ابن منظور، لسان العرب، ج 11، ص 589.

(6) الكليني، ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق رحمه الله (ت: 328 أو 329 ه)، الكافي، ط 5، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1363 ه، مطبعة حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران - ایران، ج 1، ص 406.

(7) سورة النحل، الآية: 91.

(8)ابن منظور، لسان العرب، ج 11، ص 590.

(9) الفيروز أبادي، مجد الدين (ت: 817 ه 1414 م)، القاموس المحيط، مطبعة السعادة، مصر، د.ت، ج 4، ص 45.

(10) البستاني، عبد الله، معجم البستان، المطبعة الأمريكانية، بيروت، 1967، ج 2، ص 2100.

(11) محمد، عبد الرزاق هوبي، التشريعات في إدارة الوقف، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1989، ص 61.

(12) محمد، التكافل الاجتماعي في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1991، ص 7.

(13) الخياط، د. عبد العزيز، المجتمع المتكافل في الإسلام، ط 1، مؤسسة الرسالة، مكتبة الأقصى، عمان، 1981، ص 74.

(14) سورة المائدة، الآية: 2.

(15) سورة البقرة، الآية: 177.

(16) سورة الحشر، الآية: 7.

(17) سورة الحشر، الآية: 9.

(18)العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن الكريم، صححه واشرف على طباعته: الشيخ حسين الاعلمي، الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، 1997، ج 19، ص 213 - 214.

(19) سورة النساء، الآية: 36 - 39. (20) سورة البقرة، الآية: 177.

ص: 134

(21) سورة البقرة، الآية: 261 - 262.

(22)الشيخ الصدوق، ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ت: 381 ه)، من لا يحضره الفقيه، اشرف على تصحيحه والتعليق عليه: العلامة الشيخ حسين الاعلمي، الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، 1986، ج 2، ص 190.

(23) الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي(ت: 460 ه)، الأمالي، تحقي-ق وتصحيح: بهراد الجعفري - الاستاذ علي اکبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية، المجلس السابع عشر، ص 481.

(24)المالكي الاشتري، أبي الحسين ورام بن ابي فراس بن حمدان (ت: 605 ه)، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، تحقيق وتعليق: باسم محمد مال الله الاسدي، اصدار قسم الشؤون الفكرية العتبة الحسينية المقدسة، ج 2، ص 221

(25) العاملي، المحدث الشيخ محمد بن الحسن (ت: 1104 ه)، وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث، طبع ونشر: مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، قم - ايران، بلا.ت، ج 9، ص 29.

(26) الكليني، الكافي: ج 2، ص 169، ح 2.

(27) العاملي، وسائل الشيعة، ج 7 ص 142، 8953.

(28) الكليني، الكافي: ج 5، ص 78، ح 5.

(29) نهج البلاغة - باب المختار من حكم أمير المؤمنين - رقم: 328.

(30) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 4، ص 553.

(31) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام،

(32) ص 166.

(33)سورة التوبة، الآية: 60.

(34) الصدر، الشهيد محمد باقر، الإسلام يقود الحياة، ط 2، إصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1403 ه، ص 50.

(35) سورة الأنفال، جزء من الآية: 41 (36) السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ط 2، بغداد، 2008، ص 360.

(37) السعد، حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ص 361.

(38) السعد، حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ص 361.

ص: 135

المصادر والمراجع

خير مانبتدئ به الكلام القرآن الكريم

1. أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام

2. ابن منظور، محمد لن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت: 711 ه)، لسان العرب، الناشر: دار صادر، بيروت - لبنان.

3. الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام، نهج البلاغة

4. البستاني، عبد الله، معجم البستان، المطبعة الأمريكانية، بيروت، 1967.

5. الخياط، د. عبد العزيز، المجتمع المتكافل في الإسلام، ط 1، مؤسسة الرسالة، مكتبة الأقصى، عمان، 1981.

6. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ط 2، بغداد، 2008.

7. الشيخ الصدوق، ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت: 381 ه)، من لا يحضره الفقيه، اشرف على تصحيحه والتعليق عليه: العلامة الشيخ حسين الاعلمي، الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، 1986.

8. الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن بن علي (ت: 460 ه)، الأمالي، تحقيق وتصحيح: بهراد الجعفري - الاستاذ علي اكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

ص: 136

9. الصدر، الشهيد محمد باقر، الإسلام يقود الحياة، ط 2، إصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1403 ه.

10. العاملي، المحدث الشيخ محمد بن الحسن (ت: 1104 ه)، وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث، طبع ونشر: مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، قم - ایران، بلا.ت.

11. العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن الكريم، صححه واشرف على طباعته: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، 1997.

12. الفيروز أبادي، مجد الدين (ت: 817 ه - 1414 م)، القاموس المحيط، مطبعة السعادة، مصر، د.ت.

13. الكليني، ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق رحمه الله (ت: 328 أو 329 ه)، الكافي، ط 5، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1363 ه، مطبعة حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران - ايران.

14. المالكي الاشتري، أبي الحسين ورام بن ابي فراس بن حمدان (ت: 605 ه)، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، تحقيق وتعليق: باسم محمد مال الله الاسدي، اصدار قسم الشؤون الفكرية - العتبة الحسينية المقدسة.

15. محمد، عبد الرزاق هوبي، التشريعات في إدارة الوقف، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1989.

ص: 137

ص: 138

عقيدة التوحيد في شرح نهج البلاغة للسيد هادي كمال الدين الحلي (ت 1406 ه)

اشارة

م. د كريم حمزة حميدي جاسم كلية الإمام الكاظم عليه السلام / أقسام بابل

ص: 139

ص: 140

بسم الله الرحمن الرحيم

المُقدِّمة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على حبيبِ إله العالمين، الرَّسول الأكرم، مُحَمَّد صلى الله عليه وآله، وعلى آله الطيبين الطاهرين. وبعدُ.

فإنَّ مباحثَ التوحيد تُعدُّ من أهم موضوعات العقائد التي تصدرت المفاهيم والتعاليم السماوية على الإطلاق؛ لِمَا فيها من بحثٍ عميقٍ، ودلائل متعددة، فضلًا عن خطورتها؛ إذ قد ينزلق الإنسان فيهاعن جادة التنزيه، كما انحرفت فرق كثيرة. وإنَّ الخوضَ في مباحث التوحيد ليس وليد اليوم، وإنَّما كان مادَّةً دسمة لأرباب الفرق والمذاهب.

وبعد أن وفقني الله في تحقيق شرح نهج البلاغة، للسيد هادي کمال الدين الحليّ؛ إذ وقفتُ عندها على آراءٍ عقائدیَّةٍ كثيرةٍ للسيد المرحوم عزمتُ على جمع ما تعلَّق منها في مباحث التوحيد، و درستها دراسة تحليليَّة، فجاء البحثُ على تمهیدٍ، وأربعة محاور، وَسَمْتُ التمهيد بعنوان: (السيد هادي کمال الدين وشرحه على نهج البلاغة)، في حين تناولتُ في محاور البحث ما يأتي: معرفة الله وتوحيده، والصفات الإلهية، وإبطال رؤية الله، ونفي التجسیم. وقد ختمتُ البحث بخُلاصةٍ بيَّنتُ فيها أهم ما جاء في البحث، ثم ذكرتُ قائمةً بمصادر البحث ومراجعه.

وأخيرًا أسألُ الله تعالى أن يوفقني في عملي هذا، الذي رجوتُ فيه رضا صاحب النهج، وإمام الموحدين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وأسأله الرحمة والغفران لشارح النهج السيد هادي کمال الدين.

ص: 141

التمهيد: السيد هادي كمال الدين وشرحه على نهج البلاغة

السيد هادي بن فاضل بن حمد کمال الدين الحسيني الحِلِّي. ولد في الحِلَّة سنة (1326 ه) جمع بين العلوم الدينية واللغوية والشعر والأدب والسياسة وتوفي سنة (1406 ه)(1).

كان والد المرحوم السيد حمد عالمًا فقيهًا، مما كان له الأثرُ الأكبرُ في توجهات المرحوم السيد هادي العلميَّة والأدبيَّة والسياسيَّة؛ إذ شارك والده في بداية حياته في ثورة العشرين بقصائده الحماسية، وكذلك الاشتراك الفعلي ضد الاحتلال الإنكليزي، وهزموهم في معركة (بَتَّة) الشهيرة(2). وقد كتب له والده کتاب (محجة الاعتقاد في الوصية لثمر المهجة والفؤاد)(3). قال الطهراني عن هذا الكتاب: «للسيد حمد بن السيد فاضل بن السيد حمد آل کمال الدين الحلي المعاصر، كتبه لولده السيد عبد الهادي الشهير بالسيد هادي کمال الدين مؤلف «فقهاء الفيحاء» و»جريدة التوحيد» الصادرة من الحلة وهو في الرد على الطبيعيين وطبعه 1351 «(4).

نال السيد هادي ثقة المراجع، وأصبح وكيلهم في الحلَّة، فقد اتجه إلى الدراسة الحوزويَّة في النجف الأشرف في مدرسة (الشربياني)، وعلى يد أساتذتها، ومنهم العلّامة المرحوم محمد طه نجف، وغيره من علماء ذلك الوقت، فدرس الحاشية، والشمسية، والمعالم، واللمعة. ثم اتجه إلى خدمة أهالي الحلَّة، فقام بتأسيس مدرسة العلوم الدينية، وهي مجازة من وزارة المعارف، وهي المدرسة الدينيَّة الوحيدة المجازة رسميًّا(5). وأصدر جريدة (التوحيد) في مدينة الحلة، مطبعة القضاء 1378 / 1958 م، وهي جريدة أسبوعية، وبعد صدور أعداد منها انتقل بها إلى بغداد واحتجبت(6). يقول نجله السيد علي في مدونته: إنَّ الجريدة أُغلقت؛ لاختلافه مع

ص: 142

الدكتور عبد الحميد شلاش رئيس صحة بابل؛ كونه يتلاعب بالأدوية، ويحرم الفقراء منها، مما اضطره إلى إصدار عد خاص في جريدة التوحيد، موضحًا فيه فساد رئيس الصحة، وقد أغلقت بسبب جهود عم رئيس الصحة، وهو وزير المالية محسن شلاش(7).

للمترجم أكثر من (53) مؤلفا طبع منها (36) كتابا وكراسًا منها: (تحفة الحضر والأَعراب في علم النحو والإعراب) و(مقتبسات من أرجوزة الرياض المشمسة في علم الهندسة) وهو مطبوع، في 102 صفحة، مطبعة النعمان النجف، سنة، 1974، وجناح النجاح أرجوزة في توضيح غريب اللغة، وغير ذلك(8).

أمَّا كتابه شرح نهج البلاغة، فهو واحدٌ من مؤلفاته المخطوطة التي تعرضت إلى الفقدان، أو ربما عدم الإكمال؛ إذ تبقى منه مجلدان فقط، مكتوبة بخط المؤلف، قمنا بتحقيق الجزء الأول منها، وهو قيد الطبع، وبانتظار تحقيق الجزء الثاني إن شاء الله.

أولًا: معرفة الله وتوحیده

إنَّ معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف، بدليل أنه منعم، لذا يجب شكره، فتجب معرفته(9). وتحدث العلماء في هذه الجزئية عن مصطلح واجب الوجود في جواب من سأل عن معرفة الله، قال الشهيد الثاني: «أنْ يعرف أنّ الله تعالى موجود واجب الوجود. والدليل على ذلك أنّ العالمَ وهو ما سوى الله تعالى حادث ممكن، فلو لم يكن واجبُ الوجود موجوداً لم يكن للعمالمَ وجود؛ لأنّ وجود الممكن من غيره، ولا خارج عنه من الموجودات غير الواجب تعالى. وإذا ثبت كونه موجوداً واجبَ الوجود لزم كونه قديماً أزليّاً باقياً أبديّا؛ لأنّه لو جاز عليه العدم لكان ممكناً. وكونُه واحداً ليس بجسم، ولا عرض، ولا في مكان، ولا مَرْئي، ولا مركَّب،

ص: 143

ولا حال في غيره، ولا غيرُه حالّ فيه؛ لاستلزام ذلك كلَّه كونه ممکناً حادثاً، وقد ثبت أنّه واجبُ الوجود»(10). فنفي الجسم والمكان والعرض والمكان والرؤية والتركيب عن الذات الإلهيَّة يؤكِّد أنَّه واجبُ الوجود.

وقد تحدَّث السيد هادي کمال الدين (رحمه الله) عن معرفة الله عند شرحه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ((أَوَّلُ اَلدِّينِ مَعْرِفَتُهُ))، قائلًا: «عدم قبول الدين من الإنسان بدون معرفته بالله تعالى وذلك لا إشكالَ فيه، فإنه إذا لم يعرف الله، فكيف يعبد ما لا يعرف؟ وعبادةُ مثل هذا باطلةٌ؛ ولذلك كانت معرفته تعالى أول الدين، فوجب النظرُ في طريق معرفته سبحانه؛ إذ لا يخلو جلَّ شأنه من أن يكون معلوماً بالبداهة، أو تحتاج معرفته للدليل، والأول باطلٌ وإلّا لتساوی أهل النظر في معرفته كما تساوی بأنَّ الشمس أضوءُ من النجوم، وإنَّ السيفَ أقطعُ من العصا. والثاني ما اخترناه»(11). فاستدلالُ السيد هادي كان عقليًّا منطقيًّا؛ إذ كيف يعبدُ الإنسانُ ما لا يعرف؟ فهو - جلَّ جلاله - معروفٌ بالبداهة، ولم يكتفِ السيد بهذا الدليل، فقد استدلَّ بالسباع المتمثل بقوله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» [سورة آل عمران / الآيتان: 190 - 191] قائلًا: «ووجهُ الدلالة في هذه الآية على توحيد الله تعالى أنَّ تعاقبَ الليل والنهار دلیلُ حدوثهما، والحادثُ محتاجٌ إلى الحد الموجِد، وهو الله سبحانه کما أن انتظارهما دلَّ على علمه وقدرته، وحدوثهما دلَّ على قدمه؛ إذ لو كان مثلهما حادثاً؛ لافتقر کما افتقرا إلى مُحدِث. فأمَّا أن يدور أو يتسلسل، وكلاهما ظاهر البطلان، فتعین کون الصانع

ص: 144

قدیمًا»(12). ويستمر السيد هادي کمال الدين في دائرة الاستدلال القرآني لمعرفة الله وتوحيده، مستدلًّا بقوله تعالى: «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» المذكور آنفًا، قائلًا: «حصولُ معرفته أولاً وبالذات؛ إذ مَن يتفكر فيهما يعلم بالبداهة أن لهما صانعاً قادراً»(13).

وقد عزَّز السيد هادي استدلاله القرآني بقولين أحدهما للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والآخر للإمام علي (عليه السلام)، وهما قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم: ((أعْرَفَكُم بِنَفْسِهِ أعْرَفَكُم بِرَبِّهِ))(14). وقول أمیر المؤمنین (عليه السلام): ((مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ))(15) وقوله: ((بِصُنعِ اللهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ، وبِالعُقولِ تُثْبَتُ مَعرِفَتُهُ،

وبِالفِكرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ، مَعْرُوفٌ بالدَّلالاتِ مَشْهُورٌ بالبياناتِ...))(10). فمن يرتبط بالله عزَّ وجل صاحب النعم والكمالات ويعرفُهُ ويتقرَّبُ إليه، فإنَّه سيستغني عن كلِّ شيء آخر.

ومن استدلاله على معرفة الله تعالى شرحه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «((وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ اَلتَّصْدِيقُ بِهِ))؛ قائلاً: «أي أنَّ التصديقَ به وجهُ کمالٍ لمعرفته، فكأنَّ معرفةَ الله وحدها لا تأتي على الوجه الأكمل بدون التصديق به سبحانه؛ إذ يجوز أن تعرفه ولا تصدق به، فهذه المعرفةُ ناقصةُ»(17) . فعلى هذا من ادَّعی معرفته تعالى وألحَدَ في توحيده، فليس بالضرورة أن يكون قد عرف الله، فالمراد من معرفة التوحيد معرفته تعالى متوحدًا بالألوهية. وهكذا الكلام في جميع نعوته تعالى(18).

وختم كلامه - رحمه الله - في ربط التوحيد بالتصديق به تعالی عند شرحه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَکَمَالَ اَلتَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِیدُهُ)) قائلًا: «فالتصديقُ بالله بدون توحيده تصدیقٌ ناقصٌ تمامه التوحيد، فبانتفاء التوحيد

ص: 145

تقتضي الشركة فإما يحصل فرقٌ ومايز أولاً والثاني تبين عدم الشركة وكونه واحدًا، وعلى الأول يلزم التركيب لاشتمال الشركاء على ما به الافتراق وما به الاشتراك، وهذا يستلزم الحدوث؛ لاحتياجه إلى المركِّب (بكسر الكاف)، فمن عرف الله بكونه واحداً كانت معرفته أكمل من عرفه بدون توحيده كمعرفة النصارى»(19). فالتوحيدُ هو أساسُ الإيمان به تعالى، فبه يأتي التصديق به، وكذلك الإخلاص له جل جلاله، کما قال (عليه السلام): ((وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ اَلْإِخْلاَصُ لَهُ))، لذا هو الرُّكنُ الأساس في أصول الدين، ومن أجله نزلت التشريعات السماويَّة.

ثانيًا: الصفات الإلهيَّة

من يتتبع آيات القرآن الكريم يجد الكثير منها يشير إلى الأدلَّة على وجوده تعالى، وفي الوقت نفسه لا يجد آية واحدة تشير إلى تحديد ذاته القدسية وبيان كنهها وحقيقتها. فالله سبحانه وتعالى يوصف بكل ما وصف به نفسه في كتابه العزيز، قال الشيخ الطوسي: «وإذا ثبت بذلك كونه قادرا عالما بنفسه لوجب أن يكون قادرا على جميع الأجناس ومن كل جنس على ما لا يتناهى؛ لأنَّه لا مخصص له بقدر دون قدر. ويجب مثل ذلك في كونه عالما أن يكون عالما بجميع المعلومات؛ إذ لا مخصص له ببعضها دون بعض، فيجب من ذلك كونه عالما قادرا على ما لا يتناهى. وإذا ثبت كونه قادرا عالما في الأزل وجب كونه حيا موجودا في الأزل، إذ القادر العالم لا بد أن يكون حيا موجودا»(20).

إذن صفاته ضربان: صفات ذات، وصفات فعل، فصفات ذاته، مثل قوله: «وعظمة الله، وجلال الله، وقدرة الله، وعلم الله، وكبرياء الله، وعزة الله»، فإنه إن به المعنى الذي يكون به عالما، وقادرا على ما يذهب إليه الأشعري، لم يكن

ص: 146

يمينا بالله، وإن قصد به گونه عاملا وقادرا. كان يمينا، فإن ذلك قد يعبر به عن کونه عالما وقادرا(21). وإنَّ صفات الأفعال أبعد في الانعقاد من صفات الذات؛ لأنَّ صفات الأفعال مشتركة بينه وبين خلقه، فإنه يقال: خالق الخلق له تعالى، وخالق الافك لغيره تعالى، ويقال: رازق الخلق له تعالى، ورازق الجند لغيره تعالى، وربّ العالمين له تعالى ورب البيت لغيره، وصفات الذات مختصة به تعالى(22).

وذهب بعضهم إلى أنَّ صفاته تعالى غير ذاته وزائدة عليها. ونُسبَ مثل هذا القول إلى الأشاعرة، وقد ردَّ عليهم العلّامة الحليّ بعد أن ذكر معتقدهم، قائلًا: «وقالت الأشاعرة: إنه تعالى يستحقها، لمعان قديم قائم بذاته، فلزمهم المحال من وجوه:

أ - يلزم افتقار الله تعالى إلى غيره، في كونه: قادرا، عالما حيا، وغير ذلك من الصفات؛ لأن المعاني أمور مغايرة لذاته، وكل مفتقر ممكن، والله تعالى ليس بممکن فلا يكون مفتقرا، ولا تكون صفاته تعالى معللة بغيره.

ب - يلزم أن يكون مع الله تعالى في الأزل قدماء كثيرة، بقدر صفاته، وهو محال لاختصاصه سبحانه وتعالى بالقدم»(23). لذا ينبغي نفي الصفات عنه تعالى؛ لأنه لا صفات لذات الله تزيد على ذاته، بل هي نفس الذات القدسية التي تقدر على كل شيء وتعلم كل شيء.

وتحدث السيد هادي کمال الدين عن نفي الصفات عند شرحه لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَ كَمَالُ اَلْإِخْلاَصِ لَهُ نَفْيُ اَلصِّفَاتِ عَنْهُ)) قائلًا: «فالمراد بنفي الصفات العرضية أي: التي فسرها بقوله علیه السلام: إنها غيرُ الموصوف؛ لأنَّ صفاته سبحانه عین ذاته، وإلّا لتعددت القدماء، وذلك كنفي الجسمية والعرضية ولوازمها عنه تعالى»(24).

ص: 147

ثم استعرض أدلَّة أمير المؤمنين عليه السلام في نفي الصفات مع تعليقه على كل عبارة، قائلًا: «وقوله علیه السلام: ((فَمَنْ وَصَفَ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ...)) أي: جمعه إلى تلك الصفات. وقوله علیه السلام: ((وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ...)) أراد بالتثنية هو وصفته. وقوله علیه السلام: ((وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ...)) فق صد عليه السلام أنه لو كان الله غير صفته لكان ممكنا؛ لافتقاده إليها، والافتقار من خواص الممكن، وكلُّ ممكنٍ متحيِّز، وكل متحيِّز متجرئ، وهذا جهلٌ في معرفة الخالق؛ لاقتضائه وجود المرکِّب، وهو المراد بقوله: فقد جزأه، والمركَّبُ حادثٌ، وهو يحتاجُ إلى المُحْدِث کالكتابة تحتاجُ إلى الكاتب، فإن كان محدثه قديماً فهو الله، وإلّا الزمه التسلسل إلى ما لا نهاية له، وذلك باطلٌ بالضرورة، أو يدور وهو مثله في البطلان»(25). فمدرسة أهل البيت عليهم السلام تذهب إلى أنَّ صفاته عين ذاته، أي إنها تُثبت الصفات، ولكن من دون تشبيه وتنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، وهذا هو الرأي التنزيهي الذي استند إليه السيد هادي أيضًا.

ومن استدلاله على قدرة الله من دون الاعتماد على التوصيفات الماديَّة ما ذكره في شرحه قول الإمام علي عليه السلام: «وقوله علیه السلام: ((بِغَیْرِ عَمَدٍ

يدَعْمَهُمَا)) أي بغير عمد يسندها فيمنعها من السقوط تبيّنها للناس على قدرته تعالى، وهذا نحو قوله تعالى: «بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» [سورة الرعد / من الآية: 2]، ثم نفي (عليه السلام) رفع السماء بدسارٍ(26) ينظمها وهو الحبل، فتكون معلقة في الفضاء لانتظامها بدسار ونحوه، بل جعل السبب الوحيد تعلق قدرة الله في رفعها، وهو الأبلغ في وصف قدرته تعالى، ومن هنا ننفي کون الأرض على قرن ثور، والثور على سمكة، والسمكة في بحر؛ لأن هذه خرافة لا أصل لها في الكتب الصحيحة(27)؛ إذ وجود الأرض بدون الثور الذي

ص: 148

يحملها أعظم دليل على قدرة الله تعالى»(28). فالسيد هادي - رحمه الله - نفى بشكل قاطع الاستناد إلى خرافة تناولها بعض المفسرين في الاستدلال على رفع السماء بوساطة شيء مادي، مشيرا إلى قدرة الله تعالى في رفع الساء من دون عمد.

ثالثًا: إبطال رؤية الله

ذهب معظم علماء السلفية إلى إمكان رؤية الله تعالى، وقد قسموا رؤية الله سبحانه وتعالى إلى أقسام، منها رؤيته في الآخرة، أو في الدنيا، أو في المنام، نقل عضد الدين الإيجيِ عن الْآمِدِيّ قوله: «اجْتمعت الْأَئِمَّة من أَصْحَابنَا على أَن

رُؤْيَته تَعَالَی فِي الدُّنْيَا وَالْخِرَة جَائِزَة عقلا. وَاخْتلفُوا فِي جَوَازهَا سمعًا فِي الدُّنْيَا فأثبته بَعضهم ونفاه آخَرُونَ. وَهل يجوز أَن يرى فِي الْمَنَام فَقيل لَا، وَقيل نعم»(29). أمَّا مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فقد ذهبت إلى تنزيه الله تعالى من هذه الفرية؛ إذ إنَّ الله تعالى لا تُدركه الأبصار، ولا تقع عليه الرؤية بالعين الباصرة لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال العلّامة الحلي: «إن أهل السنة والجماعة التزموا برؤية الله تعالى، وهذا اعتقاد مخالف لما قضت به بديهة العقل، فإن الضرورة قاضية بأن الرؤية إنما تكون للمقابل أو في حكمه، وهو مخصوص بذوات الأوضاع، فما لا وضع له لا يمكن رؤيته بضرورة العقل، وكيف يحكم عاقل بأنا ترى ما ليس في جهة ولا يشار إليه إشارة حسية إنه هنا أو هناك»(30). فهذا دليلٌ عقليٌّ على عدم رؤية الله، وهناك أدلَّة قرآنية متعددة سنكتفي بما سيذكره السيد هادي كمال الدين - رحمه الله - منها.

أمَّا موقف السيد هادي كمال الدين من رؤية الله، فقد استدلَّ بأدلَّة كثيرة، منها(31):

ص: 149

- ذهبت أهلُ السنةِ إلى إمكانِ رؤيته جزماً في الآخرة والدنيا إلّا أنَّهم خصصوا رؤيته في الدنيا صلی الله علیه وآله وسلم فقط. وأمَّا في الأحلام، فقد أكثروا من دعوى رؤيته، وإذا امتنعت شرائطُ الرؤية في الدنيا عليه تعالى كان ذلك حاصلاً أيضاً في الآخرة؛ لأنَّ اللهَ لا يتغيرُ؛ إذ كلُّ متغيرٍ حادث محتاج إلى مَنْ يُحْدِثُه، ولوجوب حصول ما يميز ذاته عن غيرها عند رؤيته، والمميز هذا زائدٌ عن الذاتِ، فلَزِمَ بالقول به القول بالترکیب ممَّا به الاشتراك، وممَّا به الامتياز، وكلُّ مرکَّبٍ حادثٌ؛ لاحتياجه للمرکِّب کما مر، وهو محالٌ عليه.

- استدلَّ على عدم الرؤية بقوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(32)، فأخرجه مخرج التمدح، وهذا يفيدُ عموم السلب منعًا لمن يقولُ: إنَّ هذا السَّلبَ سلبُ العموم لا عموم السلب، ويُعضِّدُهُ قولُه تعالى لموسى کلیم الله: «لَنْ تَرَانِي»(33)، ويمنع تجویزها وقوع العذاب على بني إسرائيل عند سؤالهم الرؤية، ولو كانت أمراً ممكنا في ذاته، لما استحقوا العذاب على أمرٍ جائز.

- أمَّا ما يروونه عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: ((سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَر لَا تُضَامُونَ))(35). فأولاً نناقشهم بصحة الرواية، وعلى فرض صحتها فمعنى الرؤية المشاهدة سواء كانت المشاهدة بالبصر، كقولك: رأيت زيدًا، أو بالبصيرة وهي العلم، كقول الشاعر(35):

رَأيْتُ اللهَ أكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ *** مُحَاوَلَةً وَأكْثَرَهُمْ جُنُوْدَا

ومن البديهي أنَّ الشاعرَ لم يرَ الله ببصره مع قرينة نصب المفعولين؛ لأنَّ (رأی) البصرية تتعدى لمفعولٍ واحدٍ(36).

- يعضد هذا قول أمير المؤمنين علیه السلام في هذه الخطبة البليغة عند صفة

ص: 150

الملائكة: إنَّهم ((لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ * وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ اَلْمَخْلُوقینَ كالجسمية والعرضية * وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ))؛ لأنَّه غيرُ جسمٍ منزَّه عن الحركات والسكون، فكلُّ ما جازت عليه الحركة والسكون كان حادثًا؛ لأنَّهما حادثان، وما لا ينفكُّ عنهما مثلهما في الحدوث، وقلتُ في هذا المعنى من الرجز:

لقد رآك العقل يا ربَّ الورى *** لكنَّما عن بصري احتجبتا

إن قلت جسم كل جسم حادث *** أو جوهر أو عرض باينتا

أمَّا الصواب أن أقرَّ عاجزاً *** لم يدر كيف أنت إلّا أنتا

وقلت من بحر الكامل:

بك يا إلهي ظلَّ عقلي حائراً *** دوماً وأنك حيرة الألباب

فبعثت عقلي نحو كنهك مرة *** فأتى وقد لاقاه ألف حجاب

فسألته عن كنه ذاتك مذ أتى *** فأجابني في لهجة المرتاب

لما ذهبتُ وجدته في قبةٍ *** فوقفت أنظره وراء الباب

ولي من مجزوء الكامل:

هيهات یدرك النظر *** إذ قد علوت على الفكر

كالشَّمسِ يزهو نورها *** واليوم يعجزها النظر

فالعقل غاب لكشف كنه_ *** _ك ما أتى حتى عثر

لم يلق كنهك مذ مضى *** لكنّه وجد الأثر

فهذه الأدلَّة كلُّها تؤكِّد صحة رأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، والتي

ص: 151

استعرض السيد هادي كمال الدين - رحمه الله - الجزء الكبير منها، فمنها ما اعتمد فيه على العقل من قبيل قوله إنَّ استحالة رؤيته تعالى في الدنيا تؤكِّد عدم حصول ذلك في الآخرة أيضًا؛ لأنَّ اللهَ لا يتغيرُ. وكذا استدلاله بالقرآن الكريم، وردّ من تأوَّل بعض الآيات القرآنية، كلُّ ذلك يؤكِّد الثقافة الدينية العقائدية التي يملكها السيد هادي - رحمه الله -.

رابعًا: نفي التجسيم

لا شك في أنَّ من اعتقد بتجسيم الذات الإلهية، فإنّه - قطعًا - سيبتعدُ عقيدة التوحيد، فالتجسيمُ يترتبُ عليه التعدد، ومن ثم التشريك كما سيتبين لاحقًا. فعلماء السلفية يعتقدون أنَّ اللهَ تعالى جسمٌ طوله ستون ذراعًا(37)، وله حقوٌ(38)، ينزل كلَّ ليلة جمعة إلى سماء الدنيا نزولاً يليق به(39)، ويأتي يوم القيامة بغير صورته، فينكره أهل المحشر (40)، وأنه يضحك(41)، وأنه يحمل الأرض على أصبع، وغير ذلك ممَّا اعتقدوا به. ويُمكننا أن نثبت ما ذهب إليه علماء السلفية من قول أبي العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (ت 1188 ه): «ومَذْهَبُ السَّلَفِ الْأُوَلِ، وَالرَّعِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَعَوَّلُ أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ للهِ تَعَالَی، وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ فَتُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ. وَيُبْطِلُ مَذْهَبَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ،

وَالْخَطَابِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَی «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ» [سورة الرحمن: 27] فَأَضَافَ الْوَجْهَ إِلَی الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَی الْوَجْهِ، فَقَالَ (ذُو الْجَلَالِ) وَلَوْ كَانَ ذَكَرَ الْوَجْهَ وَلَمْ يَكُنْ صِفَةً لِلذَّاتِ لَقَالَ ذِي الْجَلَالِ، فَلَاَّ قَالَ ذُو الْجَلَالِ عَلِمْنَا أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْوَجْهِ صِفَةٌ لِلذَّاتِ»(42). وهذا القول هو امتدادٌ لروايات وأقوال لأئمة السلف من أبي هريرة وأحمد بن حنبل وغيرهما إلى علمائهم المتأخرين.

أمَّا رأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فيتمثل بقول الإمام الرضا عليه

ص: 152

السلام الذي نقله الكليني عن ««مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِْ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ ومُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ قَالا دَخَلْنَا عَلَی أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا [عليه السلام] فَحَكَيْنَا لَه أَنَّ مُحَمَّداً ص رَأَى رَبَّه فِي صُورَةِ الشَّابِّ الْمُوفِقِ فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَثِنَ سَنَةً وقُلْنَا إِنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وصَاحِبَ الطَّاقِ والْمِيثَمِيَّ يَقُولُونَ إِنَّه أَجْوَفُ إِلَی السُّرَّةِ والْبَقِيَّةُ صَمَدٌ فَخَرَّ سَاجِداً للهَّ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوكَ ولَا وَحَّدُوكَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَصَفُوكَ، سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوكَ لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِه نَفْسَكَ سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَیْرِكَ؟ اللَّهُمَّ لَا أَصِفُكَ إِلَّا بِمَا وَصَفْتَ بِه نَفْسَكَ ولَا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكَ أَنْتَ أَهْلٌ لِكُلِّ خَیْرٍ، فَمَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمینَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا تَوَهَّمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَوَهَّهُوا اللَّ غَیْرَه»(43). وقول الإمام المعصوم عليه السلام خيرُ دليلٍ على تنزيه الذات الإلهية عن الجسم والجسمانية، وأنه ليس له مثل ولا نظير، ولا ند ولا كفو.

وقد عالج السيد هادي كمال الدين موضوع التجسيم والروايات المأثورة ذلك بإيمانٍ كبير ينمُّ عن ثقافته بفكر أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك قوله عند شرحه قوله علیه السلام: ((ومن جهله فقد أشار إليه...)) قائلا: «إنَّ المادي الذي ينكر وجوده المقدس لا يشير إليه، وكيف يشيرُ إلى معدومٍ في نظره القاصر، ولكن من يشير إليه يقول بوجوده إلّا أنَّه لم يعرف الله تعالى كما ينبغي أن يعرفه، فيزعمه جسماً يروح ويجيء، ووجهه كالقمر ليس دونه سحاب، ومن كان كذلك تصح الإشارة إليه، ومن يُشار إليه لا يخلو من الجهة والحيّز، وقد أفسدنا ذلك باقتضائه الافتقار والتركيب، وهذا معنى قوله علیه السلام: ((وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ))، وقوله علیه السلام: ((وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ)) أي: من جعله

ص: 153

محدوداً جعله جسماً مركباً محتاجاً إلى المركِّب فتعدد الواجب»(44). فردَّ السيد هادي الاعتقاد بالتجسيم باقتضائه الافتقار والتركيب، فالافتقار من خواص الممكن، والتركيب من صفات المُحدث المجزء.

وقال في موضعٍ آخر في شرح قول الإمام علیه السلام: ((وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ)): «أي من تصور أنه كائن في شيء فقد جعله في ضمن ذلك الشيء، فلا يخلو من أن يكون إما عرضا فيحتاج إلى ما يعرض عليه، أو جسماً فيحتاج إلى محلِّه، والمحتاج إلى محلِّه باطل، وقد أسلفنا القول فيه. وأمّا قوله علیه السلام: ((وَمَنْ قَالَ عَاَمَ فَقَدْ أَخْىَ مِنْهُ)) أي: إن من تصوره على شيء فقد أخلى منه غيره، وحصره في جهة، والجهة من خصائص الأجسام، والله منزَّهٌ عن الجسمية»(45).

وقد أشار السيد هادي كمال الدين إلى موضوع التجسيم عند حديثه عن الآيات المتشابهة، فبعد أن ذكر عددًا منها قال: «فكلُّ واحدةٍ من هذه الآيات الشريفة تحتاجُ إلى تحقيقٍ ونظرٍ لإخراجها عن مفاهيمها اللغوية؛ لاقتضائها التجسيم المحال الذي يمنعه العقل الصحيح؛ ولقوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(46)، فإن فرضناه جسماً كان مثله شيء، وهو ينافي ما وصف به نفسه بعدم وجود شيء مثله تعالى؛ ولأنَّ الجسم لازمه وجهة واحدة، والله يقول: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»(47)، فهو ليس بجهة، وإذا صح هذا فهو ليس بجسم، فصحة اللازم تقتضي صحة الملزوم والعكس بالعكس، وقد نص تعالى على وجود المتشابهات والمحكات في قرآنه المجيد»(48). فالآيات المتشابهة تحملُ الكثير من المفاهيم المبهمة التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم. ومنْ يأخذ بظاهر هذه النصوص المقدسة، فسوف يقع بالتجسيم الذي أنكره الله تعالى في آياته المحكمة، وزاد السيد هادي باستدلالات عقلية منطقية.

ص: 154

خلاصة البحث

1. خَلُص البحث إلى عدد من النتائج التي يُمكنُ إجمالها على النحو الآتي:

2. حفل شرح نهج البلاغة للسيد هادي كمال الدين الحلِّي بعد كبير من المباحث العقائديَّة التي وقف عندها في شرحه للخطب الأولى من النهج التي تضمنت الأسس العقائدية لفكر الإمام عليّ (عليه السلام)، الذي يُعدُّ بحق إمام الموحدين.

3. مصطلح واجب الوجود من أدلَّة العلماء في معرفة الله وتوحيده، فنفي الجسم والمكان والعرض والمكان والرؤية والتركيب عن الذات الإلهيَّة يؤكِّد أنَّه واجبُ الوجود.

4. استدلَّ السيد هادي كمال الدين - رحمه الله - بأدلَّة عقلية منطقية في معرفة الله؛ إذ كيف يعبد الإنسان ما لا يعرف؟ فهو - جلَّ جلاله - معروفٌ بالبداهة، ولم يكتفِ السيد بهذا الدليل، فقد استدلَّ بالسماع أيضًا.

5. انطلق السید هادي في شرح كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) من مبدأ أنَّ التوحيدَ هو أساسُ الإيمان به تعالى، فبه يأتي التصديق به، وكذلك الإخلاص له جلَّ جلاله، لذا هو الركن الأساس في أصول الدين، ومن أجله نزلت التشريعات السماويَّة.

6. الله سبحانه وتعالى يوصف بكل ما وصف به نفسه في كتابه العزيز، لذا ينبغي نفي الصفات عنه تعالى؛ لأنَّه لا صفات لذات الله تزيد على ذاته، بل هي نفس الذات القدسية التي تقدر على كل شيء وتعلم كل شيء.

7. استعرض السيد هادي أدلَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفي الصفات

ص: 155

مع تعليقه على كل عبارة، فمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تذهب إلى أنَّ صفاته عين ذاته، أي إنها تُثبت الصفات، ولكن من دون تشبيه، وتنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، وهذا هو الرأي التنزيهي الذي استند إليه.

8. نفى السيد هادي - رحمه الله - بشكل قاطع الاستناد إلى خرافة تناولها بعض المفسرين في الاستدلال على رفع السماء بوساطة شيء مادي، مشيرًا إلى قدرة الله تعالى في رفع السماء من دون عمد.

9. ذهب معظم علماء السلفية إلى إمكان رؤية الله تعالى، وقد قسموا رؤية الله سبحانه وتعالى إلى أقسام، منها رؤيته في الآخرة، أو في الدنيا، أو في المنام. أمَّا مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فقد ذهبت إلى تنزيه الله تعالى من هذه الفرية؛ إذ إنَّ الله تعالى لا تُدركه الأبصار، ولا تقع عليه الرؤية بالعين الباصرة لا في الدنيا ولا في الآخرة. أمَّا موقف السيد هادي كمال الدين من رؤية الله، فقد استدلَّ بأدلَّة كثيرة كلّها تؤكِّد صحة رأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وقد اعتمد فيها على العقل من قبيل قوله إن استحالة رؤيته تعالى في الدنيا تؤكِّد عدم حصول ذلك في الآخرة أيضًا؛ لأنَّ اللهَ لا يتغيرُ. وكذا استدلاله بالقرآن الكريم، ورّد من تأوَّل بعض الآيات القرآنية، وذكر جملةً من الأشعار التي نظمها، وقد ضمَّنها عدد من الأدلَّة، كلُّ ذلك يؤكِّد الثقافة الدينية العقائدية التي يملكها السيد هادي - رحمه الله -.

10. من يعتقد بتجسیم الذات الإلهية، فإنَّه - قطعًا - سيبتعدُ عن عقيدة التوحيد، فالتجسيمُ يترتبُ عليه التعدد، ومن ثَمَّ التشريك.

11. إنَّ قول الإمام المعصوم عليه السلام خيرُ دليلٍ على تنزيه الذات الإلهية عن الجسم والجسمانية، وأنه ليس له مثل ولا نظير، ولاند ولا كفو. وقد

ص: 156

عالج السيد هادي كمال الدين موضوع التجسيم والروايات المأثورة عن ذلك بإيمانٍ كبير ينمُّ عن ثقافته بفكر أهل البيت عليهم السلام. فردَّ الاعتقاد بالتجسيم باقتضائه الافتقار والتركيب، فالافتقار من خواص الممكن، والتركيب من صفات المُحدث المجزء.

12. أشار السيد هادي كمال الدين إلى موضوع التجسيم عند حديثه عن الآيات المتشابهة. فالآيات المتشابهة تحملُ الكثير من المفاهيم المبهمة التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم. ومنْ يأخذ بظاهر هذه النصوص المقدسة، فسوف يقع بالتجسيم الذي أنكره الله تعالى في آياته المحكمة، وقد زاد السيد هادي على تفسير هذه الآيات استدلالات عقلية منطقية.

هوامش البحث:

(1) ينظر موسوعة أعلام الحلة منذ تأسيس الحلة حتى نهاية 2000 م (1101 م - 2000 م / 495 ه - 1421 ه)، سعد الحداد، مكتب الغسق للطباعة، الحلة 2001 م: 216.

(2) ينظر مدونة السيد علي الهادي نجل السيد هادي كمال الدين.

(3) ينظر الذريعة، آقا بزرگ الطهراني ت 1389 ه، دار الأضواء - بيروت - لبنان، الطبعة الثانية: 20 / 144.

(4) المصدر نفسه والصفحة نفسها.

(5) ينظر مدونة السيد علي الهادي.

(6) ينظر معجم المطبوعات النجفية، محمد هادي الأميني، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، ط 1 / 1385 ه - 1966 م: 131.

(7) ينظر مدونة السيد علي الهادي.

(8) ينظر مقدمة كتاب فقهاء الفيحاء وتطور الحركة الفكرية في الحلة، للسيد هادي حمد كمال الدين، تقديم نجله السيد علي هادي، مطبعة الزين / 2008 م: 1 - 8.

(9) ينظر الرسائل العشر، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 93.

ص: 157

(10) رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني ت 965 ه، تحقيق: رضا المختاري، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي - قم - ايران، ط 1 / 1422 ه - 1380 ش: 2 / 727.

(11) شرح نهج البلاغة، للسيد هادي كمال الدين الحلي، بتحقيق الباحث (قيد الطبع): 27.

(12) المصدر نفسه: 27 - 28.

(13) المصدر نفسه: 28.

(14) ينظر روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي - قم: 20، والجواهر السنية، الحر العاملي، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، طبع على نفقة المكتبة العلمية لصاحبها محمد جواد الكتبي الكاظمي - بغداد / 1384 ه - 1964 م: 116.

(15) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عیسی البابي الحلبي وشركاه، مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان، ط 1 / 1378 ه - 1959 م: 20 / 292.

(16) ينظر التوحيد، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 35، وروضة الواعظين: 20.

(17) شرح نهج البلاغة: 28.

(18) ينظر توحيد الإمامية، الشيخ محمد باقر الملكي، تنظيم: محمد البياباني الاسكوئي، اهتمام: علي الملكي الميانجي، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مؤسسة الطباعة والنشر، ط 1 / 1415: 86 - 87.

(19) شرح نهج البلاغة: 28.

(20) الاقتصاد، الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، مطبعة الخيام - قم، منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران / 1400 ه: 34.

(21) ينظر السرائر، ابن إدريس الحلي (ت 598 ه)، تحقيق: لجنة التحقيق، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط 2 / 1410 ه: 3 / 37.

(22) ينظر غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ المفلح الصميري البحراني (ت 900 ه)، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1 / 1420 ه - 1999 م: 3 / 462.

(23) الرسالة السعدية، العلامة الحلي (ت 726 ه)، إشراف: السيد محمود المرعشي، إخراج وتعلیق وتحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، المطبعة: بهمن - قم، ط 1 / 1410 ه: 51.

ص: 158

(24) شرح نهج البلاغة: 30.

(25) المصدر نفسه: 30 - 31.

(26) الدِّسارُ: واحد الدُسُرِ، وهي خيوطٌ تُشَدُّ بها أَلْواحُ السفينة، ويقال هي المَساميرُ. ينظر الصحاح، (دسر): 2 / 657.

(27) وردت مثل هذه الرواية - بطرق ضعيفة - عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)» [سورة طه / الآية: 6]، ومضمونها: «الْأَرْضُ عَلَی نُونٍ وَالنُّونُ عَلَی الْبَحْرِ وَأَنَّ طَرَفَيِ النُّونِ رَأْسُهُ وَذَنَبُهُ يَلْتَقِيَانِ تَحْتَ الْعَرْشِ وَالْبَحْرُ عَلَی صخرة خضراء خضرة السَّمَاءُ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَی فِيهَا: «فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ» [سورة لقمان / من الآية: 16]، وَالصَّخْرَةُ عَلَی قَرْنِ ثَوْرٍ والثور على الثرى ولا يَعْلَمُ مَا تَحْتَ الثَّرَى إِلَّ اللَّهُ تَعَالَی». ينظر الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، ط 1 / 1422 ه - 2002 م: 6 / 238، والهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب القيسي، مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي جامعة الشارقة، بإشراف أ.د: الشاهد البوشيخي، مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة، ط 1 / 1429 ه - 2008: 7 / 4612، والجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 / 1384 ه - 1964 م: 11 / 169.

(28) شرح نهج البلاغة: 41.

(29) المواقف: 3 / 172.

(30) تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طبعة حجرية: 2 / 470.

(31) ينظر شرح نهج البلاغة: 44 - 47.

(32) سورة الأنعام / الآية: 103.

(33) سورة الأعراف/ من الآية: 142.

(34) ورد هذا الحديث بروايات مختلفة في صحيح البخاري، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقیم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1 / 1422 ه: 1 / 115، 119، 6 / 139، 9 / 127، وصحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، المحقق:

ص: 159

محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت: 1 / 439، وسنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر وآخرون، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، ط 2 / 1395 ه - 1975 م: 4 / 688.

(35) البيت لخِداش بن زهیر العامريّ، ينظر شعره، صنعة الدكتور يحيى الجبوريّ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق / 1986 م: 41. والروايةُ فيه: (أكثرَ) كلِّ شيءٍ بدلًا من (أكبر).

(36) ينظر المقتضب، للمبرِّد، المحقق: محمد عبد الخالق عظيمة، عالم الكتب. - بيروت: 3 / 277، وشرح المفصل، لابن يعيش، قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1 / 1422 ه - 2001 م: 4 / 324، وشرح التصريح، لخالد الأزهري، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1 / 1421 ه - 2000 م: 1 / 364.

(37) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَی صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا». ينظ-ر صحيح البخاري: 8 / 50. رقم (6227).

(38) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ». ينظر صحيح البخاري: 6 / 134. رقم (4830).

(39) ينظر صحيح البخاري: 2 / 53. (1145)، 9 / 143. (7494)، ونصُّ رواية الحديث: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَی كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِنَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِ، فَأَسْتَجِيبَ

لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِ فَأَغْفِرَ لَهُ».

(40) ينظر صحيح البخاري: 1 / 160. رقم (806)، 8 / 117. رقم (6573).

(41) ينظر صحيح البخاري: 1 / 160. رقم (806)، 4 / 24. رقم (2826).

(42) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، مؤسسة الخافقين ومكتبتها - دمشق، ط 2 / 1402 ه - 1982م: 1 / 226.

(43) الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أك-بر الغفاري، المطبعة الحيدرية، دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 5 / 1363 ش: 1 / 100 - 101.

(44) شرح نهج البلاغة: 31.

(45) المصدر نفسه: 31.

(46) سورة الشورى / من الآية: 11.

(47) سورة البقرة / من الآية: 115.

(48) شرح نهج البلاغة: 105.

ص: 160

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. الاقتصاد، الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، مطبعة الخيام - قم، منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران / 1400 ه.

2. تذكرة الفقهاء (ط. ق)، العلامة الحلي (ت 726 ه)، منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طبعة حجرية.

3. التوحيد، الشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تصحیح و تعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

4. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت 671 ه)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 / 1384 ه - 1964 م.

5. الجواهر السنية، الحر العاملي (ت 1104 ه)، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، طبع على نفقة المكتبة العلمية لصاحبها محمد جواد الكتبي الكاظمي - بغداد / 1384 ه - 1964 م.

6. الذريعة، آقا بزرگ الطهراني (ت 1389)، دار الأضواء - بيروت - لبنان، الطبعة الثانية.

7. الرسائل العشر، الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

ص: 161

8. رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني (ت 965 ه)، تحقيق: رضا المختاري، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي - قم - ایران، ط 1 / 1422 ه - 1380 ش.

9. الرسالة السعدية، العلامة الحلي (ت 729 ه)، إشراف: السيد محمود المرعشي، إخراج وتعليق و تحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، المطبعة: بهمن - قم، ط 1 / 1410 ه.

10. روضة الواعظين، الفتال النيسابوري ت 508 ه، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي - قم.

11. السرائر، ابن إدريس الحلي (ت 598 ه)، تحقيق: لجنة التحقيق، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2 / 1410 ه.

12. شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (ت 905 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1 / 1421 ه - 2000 م.

13. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديدت 656 ه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، مؤسسة مطبوعاتي إسماعیلیان، ط 1 / 1378 ه - 1959م.

14. شرح المفصل للزمخشري، يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت 643 ه)، قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1 / 1422 ه - 2001 م.

ص: 162

15. شعر خِداش بن زهير العامريّ، صنعة الدكتور يحيى الجبوريّ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق / 1989 م.

16. صحيح البخاري الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1 / 1422 ه.

17. صحيح مسلم المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت 261 ه)، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

18. غایة المرام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ المفلح الصميري البحراني (ت 900 ه)، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، ط 1 / 1920 ه - 1999 م.

19. فقهاء الفيحاء وتطور الحركة الفكرية في الحلة، السيد هادي حمد کمال الدين، مطبعة الزين / 2008 م.

20. الكافي، الشيخ الكليني ت 329 ه، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، المطبعة الحيدرية، دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 5 / 1363 ش.

21. الكشف والبيان عن تفسير القرآن، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت 427 ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، ط 1 / 1422 ه - 2002 م.

ص: 163

22. لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، مؤسسة الخافقين ومكتبتها - دمشق، ط 2 / 1402 ه - 1982 م.

23. معجم المطبوعات النجفية، محمد هادي الأميني، مطبعة: النعان - النجف الأشرف، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، ط 1 / 1385 ه - 1966 م.

24. المقتضب، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت 285 ه)، المحقق: محمد عبد الخالق عظيمة، عالم الكتب.

- بيروت.

25. المواقف، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل، عضد الدين الإيجي (ت 756 ه)، المحقق: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل - لبنان - بیروت، ط 1 / 1417 ه - 1997 م.

26. موسوعة أعلام الحلة منذ تأسيس الحلة حتى نهاية 2000 م (1101 م - 2000 م/ 495 ه - 1421 ه)، سعد الحداد، مکتب الغسق للطباعة، الحلة 2001 م

27. الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت 437 ه)، المحقق: مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي - جامعة الشارقة، بإشراف أ.د الشاهد البوشيخي، مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة، ط 1 / 1429 ه - 2008 م.

ص: 164

المحور القانوني والسياسي

ص: 165

ص: 166

إصلاح النظم الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

الدكتور: محمد خضير عباس كلية الشيخ الطوسي الجامعة - النجف الأشرف

ص: 167

ص: 168

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين وصحبه المنتجبين.

وبعد: إنَّ الكلام عن الإمام علي (عليه السلام) ليس بالأمر السهل على الاطلاق؛ لأننا لسنا أمام شخصية تاريخية احتلت مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي فحسب، حتى نقدم ضبطاً لمفردات هذه الشخصية وحركتها الإصلاحية عن طريق التراث التاريخي المكتوب، کما نتعاطى مع أي مصلح وإمام في العالم بلْ نحن أمام شخصية قدمها اللهَّ تعالى كإنسان كامل. ولذا حينما نكتب عن الإمام (عليه السلام) فنحن نقدم الإسلام بأبهى صورة وأدق تطبيق، فعلينا أنْ لا ننظر للإمام (عليه السلام) كشخص عاش في التاريخ؛ بلْ الإمام (عليه السلام) تجاوز زمانه ومكانه ليكون المحور الذي يصاغ على أساسه الحضارة الإسلامية بكل جوانبها. نحن بحاجة لكي نقرأ تاريخ الإسلام، وتاريخ أئمته، قراءة جديدة تساعدنا على معالجة قضايانا، وترفع من مستوى أوضاعنا المترديَّة، ولسنا بحاجة إلى قراءة ترفع من وتيرة البغض والكراهية بيننا، لذلك نبسط الحديث عن سيرة الإمام علي (عليه السلام) في هذا البحث حول إصلاحاته في النظم الإسلامية.

واقتضت الدراسة تقسيم البحث على ستة مباحث، وسبق هذه المباحث تمهید بینت فيه التعريف بمفردات البحث وهي كلّ من: (الإصلاح، النُظم، الفِكر)، لمشاركتها في إعطاء صورة واضحة عن عنوان موضوع البحث.

أما المبحث الأول: فكتبت فيه عن فلسفة وعوامل الإصلاح ونبذة تاريخية عن الإصلاح.

والمبحث الثاني: تكلمت فيه عن الإصلاحات الإدارية للنظم الإسلامية في

ص: 169

فكر الإمام. فكان (عليه السلام) میّالاً بحزم إلى خاصّية النظم الإدارية، ولا سيما الأُمور ذات الصلة بالحُكم.

والمبحث الثالث: تطرقت فيه إلى الإصلاح الاجتماعي؛ إذْ كانت أول مسألة قام بها (عليه السلام) في برنامجه الإصلاحي، ضرب النظام الطبقي الذي خلفته السياسات التي كانت قبله.

والمبحث الرابع: تحدثت فيه عن الإصلاح الاقتصادي؛ إذْ جعل الإمام (عليه السلام) الإصلاح الاقتصادي أساساً للإصلاح الاجتماعي.

والمبحث الخامس: تناول الإصلاح القضائي، وقد تضمن إصلاحاته (عليه السلام) في القضاء ونظام الحُسبة والنظر في المظالم.

وتضمن المبحث السادس: الإصلاح الثقافي والديني في فكر الإمام (عليه السلام) فقد كان (عليه السلام) المؤسس الأعلى للعلوم والمعارف في دنيا الإسلام. وكان يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلى الله تعالى، وإظهار فلسفة التوحيد، وبَثّ الآداب والأخلاق الإسلامية.

هذا وختمت البحث بخاتمة أو جزت فيها إلى أهم ما توصلت فيها من نتائج.

وكانت قائمة المصادر التي نهل منها البحث حاضنة لمظان كثيرة ومتنوّعة، منها: المعجمات اللغويّة، وكتب التاريخ والسير، وكتب الحديث وهي التي تطلّبها موضوع البحث.

ص: 170

التمهيد: التعريف بمفردات البحث

لابدّ من تعريف مصطلحات عنوان البحث، وهي كلّ من: (الإصلاح، النُظم، الفِكر)، لمشاركتها في إعطاء صورة واضحة عن موضوع البحث.

1 - الإصلاح لغةً:

صلح: الصَّلاح: ضدّ الفساد؛ صَلَح يَصْلَحُ ويَصْلُح صَلاحاً وصُلُوحاً.

وأصلح الشَّيء بعد فسادِه: أقامه. وأصلحَ الدّابّة: أحسن إليها فصلحت. والصُّلح: تصالح القومُ بينهم. والصُّلح: السِّلم(1).

وقال الراغب الأصفهاني (ت 502 ه): الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحُكم له بالصلاح(2).

والإصلاح: التغير إلى استقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة. ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى، ومن هذا التعريف يتبين أنَّ كلمة (إصلاح) تطلق على ما هو مادي أو على ما هو معنوي، فيقال: أصلحت العمامة وأصلحت بين المتخاصمين(3).

ويتبين أيضاً أنَّ الإصلاح من الناحية اللغوية، الانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن، أو التحول عن شيء والانصراف عنه الى سواه.

الإصلاح اصطلاحاً:

عرفه الإمام الغزالي (ت 505 ه) بعدما وضح واجب المسلم تجاه نفسه بالإصلاح فقال: فحق على كل مسلم أنْ يبدأ بنفسه فيصلحها، ثمَّ يُعلم ذلك أهل بيته، ثمَّ يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه، ثمَّ إلى أهل محلته، ثمَّ إلى أهل

ص: 171

بلده، ثمَّ إلى أهل السواد المكتنف ببلده، ثمَّ إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم وهكذا إلى أقصى العالم(4).

وقال الآلوسي (ت 1270 ه): الصلاح عبارة عن الإتيان با ينبغي والاحتراز عما لا ينبغي(5).

عُرف الإصلاح اصطلاحاً بعدة تعريفات، ويأتي غالباً بالمعنيين التاليين:

1 - التوفيق بين المتخالفين والمتنازعين، وهو أكثر تداولاً.

2 - إزالة الفساد وإقامة الشيء، ومنه إصلاح العمل، وإصلاح المال، وإصلاح المعيشة، وإصلاح الظاهر، وإصلاح الباطن، ونحو ذلك. لكن المستفاد من الموارد السابقة: إنَّ الإصلاح ربما يكون دفعاً للفساد ولا يلزم أنْ يكون إزالة له بعد وجوده دائماً(6).

إنَّ كلمة الإصلاح ليست جديدة على الفكر الإسلامي، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم وعلى مستوى جذر كلمة الإصلاح (صلح) في أكثر من (مئة وسبعين موضعاً)(7). ومن ثمَّ فانَّ مفهوم الإصلاح ليس جديداً في العقل الإسلامي؛ بلْ هو مفهوم قديم لم يبدأ بظهور الأفكار والتيارات الإصلاحية في القرون الماضية أو المبادرات الإصلاحية في الوقت الراهن، فالدعوة إلى الإصلاح بدأت قديماً في الدولة الإسلامية منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله).

2 - النظم لغةً:

النظم: هي من نَظَمَ أي ألَّفَ، ومنها نَظَمْتُ اللؤْلؤَ أي جمعته في السِّلْك(8).

والنِّظامُ: ما نَظَمْتَ فيه الشيء من خيط وغيره(9). ونِظامُ كل أَمر: مِلاکُه، والجمع أَنْظِمة وأَناظيمٌ ونُظُمٌ. ويقال ليس لأمره نظام، أي لا تستقيم طريقته(10).

ص: 172

والنظم: هي الخطط، وتعني نظام الحكم والإدارة وما يرتبط بها من تشريعات، وأحكام مما يحقق للإنسان الأمن والعدالة والحُكم الصالح.

النظم اصطلاحاً:

مجموعة من التشريعات، والقوانين، والأحكام، والتنظيمات التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني البشر ليستقیم بها أمر الناس في معاشهم ومعادهم في كل مفاصل الحياة. والنظم ليست مجرد عقائد دینية فقط؛ بلْ هي تقوم بعملية التنسيق بين الروح والمادة والعقيدة والتشريع، وبين العبادات والمعاملات.

ونظم أي دولة تتكون من مجموعة من القوانين والمبادئ والتقاليد التي تقوم عليها الحياة في هذه الدولة ومن هذه النظم: النظام السياسي، والإداري، والاجتماعي، والمالي والقضائي، وهناك نظم أخرى كالعبادات العملية من صلاة وصوم وحج وزكاة(11).

نشأة النظم الإسلامية:

لمْ تنشأ النظم الإسلامية عند ظهور الإسلام، ولمْ تنضج في وقت قصير؛ بلْ ترجع أصولها إلى الأنظمة العربية قبل الإسلام، وحين جاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أوجد مبادئ أنظمة جديدة وتعرض لبعض تلك الأنظمة التي تعود إلى ما قبل الإسلام بالتعديل أو التبديل، في حين ترك القسم الآخر على حاله.

وعندما افتتح العرب بلاداً جديدة أفادوا مما كان فيها من الأنظمة ولا سيما تلك التي وجدوها في العراق، وبلاد الشام، ومصر، فتظافرت المبادئ الإسلامية، وبعض التقاليد العربية والمحلية على تكوين نواة الأنظمة الإسلامية.

ص: 173

وبمرور الزمن، وبتأثير الحاجة والتجارب والتطور خلال القرون الثلاثة الأولى نمت تلك النواة وتوسعت وتشعبت وتكونت منها أنظمة اتخذت أشكالاً معينة نطلق عليها اسم: الأنظمة الإسلامية(12).

3 - الفكر لغةً:

قال ابن فارس (ت 395 ه): فکَرَ؛ الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء، يقال: تفکَّر، إذا رَدَّدَ قلبه. معتبراً، ورجل فِکِّیرٌ: كثير الفكر(13).

وقال ابن سيده (ت 458 ه) الفكرة: إعمال الخاطر في الشّيء والجمع فِكَرٌ وهو الفكر(14). ويقول صاحب لسان العرب: الفَكْر والفِکْر: إعمال الخاطر في الشيء(15).

الفكر اصطلاحاً:

معنى الفكر: التحقيق والبحث في موضوع من الموضوعات للحصول على نتيجة معينة. فكما أنَّ المراد من الفكر الرياضي مثلاً، هو الفكر الذي يعطي النتيجة لنظرية رياضية معينة، أو يحل مسألة رياضية. فكذلك الفكر في مثل هذه الموضوعات للوصول إلى توضيح نتيجة معينة.

والفكر هو الوسيلة التي يستخدمها الإنسان في المجالات العلميّة والأدبيّة المختلفة، وعن طريق الفكر يتحقّق الإبداع والتطوّر والتنمية، ولولا الفكر الإنساني وما نتج عنه من الحصيلة المعرفية المتراكمة عبر القرون الطويلة الماضية، لما وصلت البشريّة إلى ما وصلت إليه الآن في زماننا من تقدّم وتطوّر، ففي زماننا قد تنامي الفكر وثارت المعرفة بشكل كبير.

والفكر الإسلامي يعني: الحُكم على الواقع من وجهة نظر الإسلام.

ص: 174

وورد الفكر عند الراغب الأصفهاني فقال: الْفِكْرَةُ: قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتَّفَکُّرُ: جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أنْ يحصل له صورة في القلب(16). وقيل الفكر: ترتيب أمور للتوصل إلى مجهول(17).

وقد وردت مادة (فكر) في القرآن الكريم في نحوِ عشْرین موضعاً(18).

ص: 175

المبحث الأول

فلسفة وعوامل الإصلاح

فلسفة الإصلاح:

تحتاج المجتمعات البشرية إلى مراجعة دائمة، وإلى تفحُّص مستمر لواقعها وأوضاعها، من أجل معالجة نقاط الخلل والنقص؛ لأنَّ كل مجتمع بشري لا يخلو من نقاط ضعف تحتاج إلى تقوية، أو ثغرات تحتاج إلى سدٍّ، لكي يصل ذلك المجتمع إلى مصافِّ المجتمعات المتحضِّرة.

إنَّ الخلل الذي لا يسلم منه أيُّ مجتمع بشري، له أسباب عدَّة، نسرد منها ثلاثة أسباب:

1 - وجود الخطأ: فلا أحد يستطيع ادعاء العصمة والكمال إلا المعصومون الذين عصمهم الله تعالى، أما المجتمعات، والقيادات، والفئات، فوارد أنْ تقع في الخطأ، ف: ((كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطّائين التوابون))(19).

وقد تتخذ أمة من الأمم مساراً خطأً، وقد تسلك قيادة من القيادات نهجاً غير صحيح، وقد يبدي عالم من العلماء أو مجموعة من العلماء آراء وأفكاراً بعيدة عن الصواب.

2 - وجود الانحراف: لا يختلف اثنان على أنَّ الناس في المجتمعات البشرية ليسوا ملائكة، وليسوا أطهاراً لا يحصل منهم الانحراف، فقد يحصل الانحراف من المواقع المتقدمة في الأمة، أو لدى عامة الناس، أو من الجهات الوسيطة بين قيادات الأمة وجمهورها.

ص: 176

هذا الانحراف، سواء كان مقصوداً أم غير مقصود، فهو قد يحصل في طرح الآراء، وفي تطبيق البرامج والخطط، فعلى المجتمع أنْ يتأكد من صحة مسيرته وعدم تعرضها للانحراف.

3 - طبيعة الصيرورة والتطور: قد يكون الرأي صواباً، والاتجاه صحيحاً، ضمن زمن معيَّن، وواقع معيَّن، وحينما تتغير الأوضاع، وتتطور الحياة، فإنَّ ذلك القرار قد يحتاج إلى تغيير وتطوير، فإذا لم تحصل متابعة في التغيير والتطوير يحدث هناك خلل، وهذا الخلل ليس ناتجاً من الرأي ذاته، وليس من وجود انحراف، وإنما هو ناتج من عدم المواكبة للتطورات. ولهذا فإنَّ المجتمعات المتحضِّرة والمتقدِّمة تدرك الحاجة إلى المراجعة الدائمة والتغيير والإصلاح(20).

عوامل الإصلاح والتغيير

من أجل أنْ تحصل نهضة الإصلاح والتغير في أي مجال من مجالات حياة الأمة، لا بد من توافر ثلاثة عوامل:

الأول: مبادرة القيادات: القيادات الدينية والسياسية في الأمة يجب أنْ تبادر، وأنْ تتصدى للإصلاح والتغيير، وإلاَّ فالوضع ينذر بخطر كبير.

الثاني: ثقافة الإصلاح: أيّ قيادة تريد الإصلاح ينبغي أن تفكر في إنتاج الثقافة الداعمة لتوجهات الإصلاح؛ لأنه لا يمكن أنْ يحصل الإصلاح في بيئة ثقافية متخلفة. لا بد من تشجيع ثقافة الانفتاح، والوعي بمتطلبات الزمن، وإتاحة الفرصة لحرية الرأي والتعبير عن الرأي، على المستوى السياسي والديني والاجتماعي.

الثالث: تفاعل الجمهور: وعي جمهور الأمة، واستجابتهم لبرامج الإصلاح والتغيير، هو الذي يؤذن بانطلاق نهضة الإصلاح، أما الاكتفاء باجترار الشعارات،

ص: 177

وتمنيات التغيير، من دون رفع مستوى الفاعلية والإنتاج، والالتفاف حول القيادات المخلصة، والبرامج الصالحة، فإنه لن يغيّر من واقع الأمة شيئاً(21). ولكي تشق برامج الإصلاح طريقها في ساحة الأمة، لابُدَّ من ثقافة داعمة، تشجع الناس على تجاوز ما ألفوه من عادات سيئة، وأفكار غير صحيحة، وتحصّنهم من تأثيرات مراكز القوى المضادة لعملية الإصلاح، وتخلق بيئة مناسبة للتغيير.

وهذا ما توجَّه إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مسيرة حُكمه؛ إذْ أردف قراراته الإصلاحية بهجوم ثقافي، لإحياء قيم العدل والصلاح في نفوس الناس، ولمواجهة تيارات الفساد والانحراف. فهو يقوم بمهمتیه کخليفة حاکم وكإمام مرشد في الوقت نفسه. لذلك كان التراث الفكري والمعرفي للإمام علي (عليه السلام) متميزاً في الكم والكيف عن بقية الخلفاء؛ إذ نقلت عنه المصادر عدداً كبيراً من الخطب التي ألقاها على جماهير الناس، والرسائل التي وجهها إلى ولاته وموظفيه، والوصايا التي خاطب بها أصحابه ومن حوله.

نبذة تاريخية عن الإصلاح

إنَّ التاريخ يحدثنا بأنَّ الإصلاح ظهر مع ظهور أولى حالات الفساد في الأرض، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، وحيرته في أمر أخيه المقتول الذي يحمل جثته؛ إذْ أرسل ربَّ العزة سبحانه وتعالى - في درس إصلاحي للبشرية - غراباً لمواراة سوءة غراب آخر میت، لكي يتعلم منه ابن آدم كيف يواري سوءة أخيه - تعفن جثته و فسادها - وعندما سأل قابيل نفسه السؤال المحير عن عجزه عن مواراة سوءة أخيه، برزت إلى حيز المعرفة الإنسانية ظاهرة (الإصلاح) كمعاكس للفعل الفاسد الذي أتت به ید ابن آدم هذا. کما جاءت به الآيات البينات من سورة المائدة، (الآية ثلاثون والآية احدى وثلاثون).

ص: 178

فضلاً على ما تقدم يحدثنا التاريخ أيضاً، أنَّ السلالات السومرية في أرض العراق عرفت شكل الإصلاح؛ إذْ عثر المنقبون في آثار مملكة أشنونة على رقم طينية لم يتم التعرف على مشرعها وفيها كثير من نواحي الإصلاح، كتحديد أسعار المواد، وتحديد أسعار العبيد، فضلاً عن قوانين عدة تنظم الحياة الاجتماعية.

بعد ذلك ومع تطور شكل الدولة ومعرفة القوانين يذكر لنا التاريخ بأنَّ أهم إصلاحي عرفه عند فجره هو العراقي سادس ملوك سلالة بابل الأولى (حمو - رابي) الذي سن قانوناً موحداً للبلاد في مسلته الشهيرة مضمناً إياه العديد من المناحي الإصلاحية كمعالجة الاتهام بالباطل وشهادة الزور، وتغيير القاضي حُكمه بعد إصداره، ومواد خاصة بالأموال والسرقات، فضلاً عن الأحوال الشخصية وتوجيه المجتمع ضد الفساد الاجتماعي(22).

وبانتقالة من حضارة وادي الرافدين إلى الإغريق يظهر لدينا أنهم عرفوا ظاهرة الإصلاح أيضاً على صعيد ممارستهم السياسية فهذا (سولون)(23) وفي نطاق الإصلاح نراه قد صاغ مبدأ يدعى (حق الجماعة) فيه أنَّ أي جماعة لها عبادة مشتركة - أي مبدأ ما - لها أنْ تضع لنفسها قوانين تعترف دولته بصلاحيتها وشرعيتها. فكانت هذه الجماعات وطبقاً للمبدأ والحق المذكور هي النواة لما يعرف اليوم بالأحزاب، النقابات، والجمعيات(74).

جدير بالذكر أنَّ بروز الأديان إشارة إلى ظهور الإصلاح في الأرض بعد فسادها، لهذا نلحظ أنَّ سيدنا موسى (عليه السلام) ما جاء إلا ليصلح فرعون الذي ادعى الألوهية لقوله تعالى: «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ»(25).

وعلى السبيل نفسها جاءت رسالة سيدنا عيسى (عليه السلام) لقوله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

ص: 179

اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»(22). نرى من الآية دعوة سيدنا المسيح (عليه السلام) الإصلاحية لبني إسرائيل إلى عبادة ربهم والسير في جادة الصواب. فضلاً على ذلك أنَّ المسيحية كانت تحذر وتحث على الإصلاح لهذا نرى أنَّ (الكتاب المقدس) يحدثنا ما نصه: (لا يقدر أحد أنْ يخدم سیدین؛ لأنه إما أنْ يبغض أحدهما ويحب الآخر، وإما أنْ يتبع أحدهما وينبذ الآخر، فأنتم لا تقدرون أن تخدموا الله والمال)(27).

أما الرسالة المحمدية المطهرة فقد جعلت الإصلاح مبدأً رئيساً من مبادئها شأنها شأنْ سائر الأديان السماوية التي سبقتها في تقويم السلوك الإنساني ونشر عقيدة الطاعة لله تعالى وحده لا شريك له، ونبذ كل شكل من أشكال الفساد في الأرض وجعل العمل الصالح منهاجاً للحياة. لهذا نلحظه في النص القرآني الوارد في سورة الأعراف لقوله تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(28).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ((إنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللِّهَ عَلَی مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِنِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِینٌ. الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا))(29).

الذي يستشف من الحديث الحث على ضرورة صلاح الحُكم في جميع مناحيه والقسط في ذلك. وجدير بالذكر أنَّ بعض النظم السياسية اليوم تلزم أعضاء الحكومة والنواب فيها بتقديم كشف تفصيلي عن ممتلكاتهم قبل تولي المنصب وبعد تركهم له وهو أمر تناوله وعالجه الأثر الإسلامي منذ الصدر الأول الإصلاح حال العامل - الموظف المسؤول عن إدارة منطقة ما - الحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول))(30). وهذا يعني أنَّ للعامل أنْ يأخذ ما تحت يده مسکناً

ص: 180

لائقاً به، وزوجة ما يلزمها إذا شاء فإنْ زاد فهو (غال) أي خائن، وهذا إذا لم يجعل له مالاً معيناً، وإلا فلا يجوز له أخذ شيء سواه لأنه أجره وقد رضي به.

إصلاح النظم الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام)

الحديث عن الإصلاح في منهج أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) فيه مضامین واسعة جداً. ولكن سوف نختصر على قسم من هذه الإصلاحات وفي مختلف الجوانب.

في وقت مبكر من تاريخ الأمة الإسلامية، تبنَّى الإمام (عليه السلام) نهجاً إصلاحياً جريئاً. فقد وصل إلى الخلافة بمبايعة شعبية جماهيرية، تختلف عن طريقة مبايعة الخلفاء السابقين. وذلك أنَّ جماهير الأمة ازدحمت عليه وطلبت منه تولي الخلافة كما قال فيها روي عنه: (فَمَا رَاعَنِي إلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ(32).

وامتنع الإمام علي (عليه السلام) عن قبول البيعة أياماً كما تشير بعض مصادر التاريخ، إلّا أنه استجاب إنقاذاً للموقف، وتحملاً للمسؤولية، وصارح الجمهور منذ البدء بأنه سيعتمد سياسة الإصلاح والتغيير، وفق ما يراه من تحقيق القيم الإسلام ومبادئ تعاليمه.

وجاء في تاريخ الأمم والملوك للطبري (ت 310 ه): «عن أبي بشير العابدي قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان، واجتمع المهاجرون والأنصار، فيهم طلحة والزبير، فأتوا علياً، فقالوا: يا أبا حسن هلّم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا، فقالوا: والله ما نختار غيرك. قال فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان مراراً»(33).

ص: 181

وذكر الطبري أكثر من رواية تؤكد هذا المضمون، وأنَّ الإمام (عليه السلام) كان يذكر لهم أنه إنْ تولى الخلافة، فسيطبق منهجه في الإصلاح، كقوله: (واعْلَمُوا

أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ)(34).

ومن المعروف تاريخياً أنه في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حصلت أوضاع للمم يكن أكثر الصحابة يحبذونها ويرضون عنها، وكانت جماهير الأمة منزعجة منها؛ لأنَّ بطانة قد التفت حول الخليفة من أقربائه، الذين كانوا محل ثقته، وهؤلاء أساؤوا استغلال ثقة الخليفة بهم. فأصبح هناك تلاعب بالثروات من هذه البطانة، مما سبَّب حالة من الغضب في أوساط جماهير من الأمة، انتهى بالهجوم على دار الخليفة وقتله بصورة بشعة، مما کرَّس حالة العنف السياسي في تاريخ الأمة.

جاء بعد ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للحُكم، فطرح نهجه الإصلاحي، ولا ننسى أنَّ الإمام (عليه السلام) عُرض عليه أنْ يصبح هو الخليفة بعد مقتل الخليفة عمر، ولكن بشرط تصادر فيه حريته في الإصلاح والتغيير، تحت عنوان: (الالتزام بسيرة الشيخين)، فرفض الإمام الخلافة بهذا الشرط، وقَبِلها عثمان(35).

بدء برنامج الإصلاح

استلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام، وذلك في الخامس والعشرين من ذي الحجة عام خمسة وثلاثين هجرية، فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام، وعلى أثر ذلك وضع خطة إصلاحية شاملة، ركّز فيها على وحدة المسلمين، وشؤون الإدارة، والاقتصاد، والحُكم، والعدالة والحرية.

ص: 182

المبحث الثاني: الإصلاح الإداري

كان الإمام (عليه السلام) میّالاً بحزم إلى خاصّية النظام والانضباط في الشؤون الفرديّة

والاجتماعيّة والإدارية، لا سيما الأُمور ذات الصلة بالحُكم؛ ففي فلسفة الإمام (عليه السلام) كانت واحدة من حِکَم القرآن الكريم إيجاد النَّظم في المجتمع؛ إذْ يقول في وصفه: (أَلَا إِنَّ فِيه عِلْمَ مَا يَأْتِ، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ)(36).

فكان الإمام (عليه السلام) يحثّ العاملين معه على الدوام أنَّ لا يغفلوا عن خاصّية الانضباط الإداري في ممارسة العمل، وأن يبذلوا جهدهم لإنجاز كلّ واجب في وقته المحدّد.

وقد بلغ من اهتمام الإمام (عليه السلام) و فائق عنايته بالنظم، أنه راح يوصي بذلك أولاده حتى وهو على فراش الشهادة(37).

ويركز الإمام (عليه السلام) على أنّ من لوازم الحؤول دون الفساد الإداري، أنْ يتمتّع العاملون في النطاق الحكومي والوظائف العامة بحدٍّ كاف من الحقوق الماليّة تؤمن لهم الحياة الكريمة، لكي تتوافر الأرضيّة المناسبة لإصلاح هؤلاء، ولا يطمعوا بالمال العامّ، ومن ثَمّ تنتفي في حياتهم دوافع الاتّجاه صوب الفساد والخيانة، ومن خرج عن الطريق الصحيح من العاملين فيجب عزله ومحاسبته.

فبادر الإمام عليّ (عليه السلام) من بداية حُكمة لتنفيذ برامج الإصلاح، فعزل الولاة غير الصالحين للولاية، الذين أخذوا مواقعهم ضمن معادلة المحسوبيات،

ص: 183

واستأثروا بالامتيازات وثروات الأم، واسترد أموال بیت المال من أيدي الحائزين عليها بطرق غير مشروعة، ولم يقبل التغاضي في ذلك؛ بلْ أجاب المعترضين بقوله: (وَاللِّهَ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، ومُلِكَ بِهِ الإمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً،ومَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ)(38).

ووضع (عليه السلام) الرقابة على الولاة والعمال، واستخدم الحزم مع أي انحراف أو مخالفة من أحد منهم. ولم يستعمل (عليه السلام) من الولاة أحداً مُحاباة، وإنما استعمل خيار المسلمين على أسس موضوعية لا تعتمد على الحسابات الشخصية والفئوية، أمثال: مالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وسهل بن حنیف، وعبد الله بن عباس، ونظرائهم من الذين توافّرت فيهم الخبرة التامة في شؤون الحُكم والإدارة.

فأرسل عثمان بن حنيف بدلاً عن عبد اللهَّ بن عامر (ابن خالة عثمان) إلى البصرة.

وعمارة بن شهاب بدلاً عن أبي موسى الأشعري إلى الكوفة. وعبد اللهَّ بن عباس بدلاً عن يعلى بن منبه إلى اليمن.

و قیس بن سعد بدلاً عن عبد اللهَّ بن سعد إلى مصر.

وسهل بن حنیف بدلاً عن معاوية بن أبي سفيان (ابن عم عثمان) إلى الشام.

ويقول المؤرخون: إنه أشار إليه جماعة من المخلصين بإبقاء معاوية في منصبه ريثما تستقر الأوضاع السياسية ثمَّ يعزله فأبى الإمام (عليه السلام)، وأعلن أنَّ ذلك من المداهنة في دينه، وهو مما لا يُقرّه ضميره الحي، الذي لا يسلك أي طريق يبعده عن الحق ولو أبقاه ساعة لكان ذلك تزكية له، وإقرارا بعدالته، وصلاحيته

ص: 184

للحُكم(39).

وقد زوّد (عليه السلام) عماله برسائل مهمّة عرض فيها لشؤون الحُكم وسياسة الدولة، وكذلك حدّد من صلاحياتهم ومسؤولياتهم.

وكان من أروع تلك الوثائق السياسية عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر، فقد حفل بتشريع ضخم لإصلاح الحياة السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والقضائية والعسكرية، وهو أرقى وثيقة سياسية تهدف إلى ارتقاء المجتمع وتحقيق مصالحه.

وقد ألزم الإمام (عليه السلام) عُمّاله وَوُلاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قوميّاتهم وأديانهم. وقال (عليه السلام) في حق الولاة وحقوق الرعية على الولاة: (حَقُّ الْوَالِ عَلَی الرَّعِيَّةِ وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَی الْوَالِي، فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّه سُبْحَانَه لِكُلٍّ عَلَی كُلٍّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لأُلْفَتِهِمْ وعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَةِ، ولَا تَصْلُحُ الْوُلَةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ، فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَی الْوَالِي حَقَّه، وأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، واعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وجَرَتْ عَلَی أَذْلَلَهِا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ)(40).

ويقول (عليه السلام) في بعض رسائله إلى عماله: (واخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ

وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ والإِشَارَةِ

والتَّحِيَّةِ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَاَءُ فِي حَيْفِكَ، ولَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ)(41).

يوصي الإمام (عليه السلام) عامله في معاملته مع الرعايا المطيعين بمراعاة أربعة أمور:

1 - التواضع لهم وخفض الجناح تجاههم لحفظ حرمتهم وعدم إظهار الكبرياء في وجوههم كما أمر اللهَّ نبيّه (صلَّى اللهَّ عليه وآله وسلم) في السلوك مع المؤمنين

ص: 185

فقال تعالى: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(42).

2 - لقائهم بالبشر والبشاشة والفرح للدلالة على مودّتهم ولتحكيم الرابطة الأخوية معهم.

3 - الاستیناس بهم والتلطف معهم ليطمئنوا برحمة الحكومة ويخلصوا لها ایمانهم بها.

4 - المواساة بينهم ورفع التبعيض فينسلكون في نظم الأخوّة الاسلامية كمالاً، ولا يطمع العظماء وأرباب الثروة والنفوذ في سوء الإفادة من الحاكم في الظلم على الضعفاء، ولا ييئس الضعفاء من عدل الحاكم والشكاية عن الظالم(43).

وكان (عليه السلام) يتفقّد شؤون ولاته وعمّاله، ويرسل العيون لتحري أعمالهم، فإنْ رأى منهم خيانة أو تقصيراً في واجبات أحد منهم عزله، وأنزل به أقصى العقوبات(44).

وقد تحرّى (عليه السلام) كل بادرة تصدر من ولاته، وقد بلغه أنَّ عامله على البصرة قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فكتب إليه يلومه على ذلك. وقد جاء في رسالته (عليه السلام) لسهل بن حنيف: (أَمَّا بَعْدُ: يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَاكَ إِلَی مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَی طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَی مَا تَقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ)(45).

ومن كتاب له (عليه السلام) إلى المنذر بن الجارود العبدي، وخان في بعض ما ولاه من أعماله: (اَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِ مِنْكَ، وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ

هَدْيَه، وتَسْلُكُ سَبِيلَه، فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً، ولَ تُبْقِي

ص: 186

لِآخِرَتِكَ عَتَاداً، تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ، وتَصِلُ عَشِرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ،

ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً، لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ نَعْلِكَ خَیْرٌ مِنْكَ، ومَنْ كَانَ

بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِه ثَغْرٌ، أَوْ يُنْفَذَ بِه أَمْرٌ أَوْ يُعْىَ لَه قَدْرٌ، أَوْ يُشْرَكَ فِي

أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَىَ جِبَايَةٍ، فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِینَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي)(46).

ومدار الفصل (عليه السلام) على توبيخه للمنذر بسبب خيانته. فذكر سبب غروره وهو قياسه في الصلاح عن أبيه الجارود العبدي في أنّه يتبع ما كان عليه من الهدى(47).

ويرى الإمام (عليه السلام) أنَّ الإمارة وسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي، ولا يجوز أن تمنح إلا للمتحرّجين في دينهم، والذين لا يخضعون للرغبات والأهواء، ويجب أن تُستغلّ لتحقيق ما ينفع الناس، فلا يجوز أنْ تمنح مُحاباة. يقول (عليه السلام) في رسالته لقاضيه رفاعة بن شدّاد: اعلم یا رفاعة أنّ هذه الإمارة أمانة؛ فمن جعلها خيانةً فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومن استعمل خائناً فإنّ محمّداً بريء منه في الدنيا والآخرة)(48).

وفي رؤية الإمام (عليه السلام) ينبغي انتخاب العاملين في النظام الإسلامي على أساس الجدارة لا على أساس المحسوبيّة والمنسوبيّة. وفي هذا السياق ينبغي أنْ تُراعي في عمليّة الاختيار ما يحظى به هؤلاء من تأهيل أخلاقي، وأصالة أسرية، وما يتحلّون به من كفاءة وتخصّص. ولا يجوز للمدراء في النظام الإسلامي أنْ یوزّعوا المناصب على أساس الصلات الأسرية والعلاقات السياسيّة. ولا يحقّ أنْ يلي أمور الناس المحروم من الأصالة الأسرية، ولا أنْ تناط المسؤوليّة بسيّئ الأخلاق، أو أنْ يُعهد بشؤون المجتمع لمن يفتقر إلى الكفاءة والتخصّص ويفتقد للحيويّة اللازمة(49).

ص: 187

وكان (عليه السلام) إذا شعر من أحد أنَّ له میلاً أو هوى في الإمارة فلا پرشحه لها؛ لأنه يتخذ الحُكم وسيلة لتحقيق مآربه وأطماعه. ولما أعلن طلحة والزبير عن رغبتها المُلحّة في الولاية امتنع (عليه السلام) عن إجابتهما(50).

ويعد الإمام (عليه السلام) أول من اوجد نظام التفتيش. فقد كان يكتب إلى ولاته: (وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ)(51).

و نهی الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشدّة عن ممارسة التجسّس والتدخّل بالأُمور

الشخصيّة للمجتمع في أثناء عهده السياسي، بيدَ أنّه مع ذلك كان يرى من الضروري فرض رقابة على العاملين في النظام الإسلامي، وممارسة ذلك عبر جهاز رقابي خاص، وعن طريق موظّفين سريّين (عيون)، لئلاّ يتوانى هؤلاء في أداء وظائفهم، أو يتعدّوا على حقوق الناس بالاتّكاء على ما لديهم من سلطة.

إنَّ عهود الإمام (عليه السلام) واللوائح التي أصدرها بهذا الشأن، وما بعث به من رسائل للولاة المتخلّفين مثل الأشعث بن قیس، وزياد بن أبيه، وقدامة بن عجلان، ومصقلة بن هبيرة، والمنذر بن الجارود، كلّها تحكي تأسيس الإمام (عليه السلام) لجهاز رقابي مقتدر كان ينهض بمهمّة مراقبة العاملين معه في عهده السياسي.

وقد بلغ المخبرون السّريّون والعاملون في جهاز الرقابة الخاصّ في حكومة الإمام (عليه السلام)، حدّاً من العدالة والوثاقة؛ إذْ تحوّلت تقاريرهم وما يُدلون به من معلومات إلى قاعدة تستند إليها سياسة التحفيز الإداري للعاملين؛ إذْ يُشجع المحسنون، ويُعزل الخونة والفاسدون بعد إثبات جرمهم مباشرة، وينزل بهم من العقوبة ما يكون عبرة للآخرين، وعِظة لمن اتّعظ(52).

ص: 188

وشرَّع النظام العلوي مبدأ منع أخذ العاملين في الدولة الهدايا من الناس، فضلاً على حرمة تعاطي الرشوة، إمعاناً في القضاء على الفساد الإداري. فيعدّ (عليه السلام) من (أخذ هدية كان غلولاً، وإنْ أخذ رشوة فهو مشرك)(53).

المبحث الثالث الإصلاح الاجتماعي

كانت أول مسألة قام بها الإمام علي (عليه السلام) في برنامجه الإصلاحي وفي اليوم الثاني من بيعته، ضرب النظام الطبقي الذي خلفته السياسات الخاطئة قبله وذلك عن طريق المساواة بين الناس في العطاء، بعدما عانى الناس من التمييز بينهم، مما عمَّق الطبقية، وراكم الثروات عند طبقة، وزاد الفقر عند باقي الطبقات. وقد واجهته ضغوط كبيرة، لكنه ثبت أمامها، وأصرّ على نهج العدل والمساواة، صارخاً في وجوه المعترضين: (أَتَأْمُرُونِّ أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ؟ واللَّهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْاً، لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ الله)(54). وقال (عليه السلام): (وأيما رجل استجاب لله وللرسول، فصدق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده، فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بینکم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد)(55).

وأول شيء کرهه بعض الناس من الإمام علي (عليه السلام) بعد خلافته تقسيمه العطاء بالسوية، فقد قال سهل بن حنيف: يا أمير المؤمنين! هذا غلامي بالأمس، وقد أعتقته اليوم! فقال (عليه السلام): (نعطيه كما نعطيك)!! وأمر الإمام (عليه السلام) أنْ يبدأوا في العطاء بالمهاجرين، ثمَّ يثنون بالأنصار، ثمَّ من

ص: 189

حضر من الناس كلهم، الأحمر والأسود. «وتخلف عن هذه القسمة يومئذ طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قریش»(56)، ومن هنا بدأت التفرقة، ونشب الخلاف، وتولدت الفتنة.

وقد أدت التغييرات الاجتماعية التي أوجدتها حكومة الإمام (عليه السلام) إلى زيادة الأزمات النفسية في نفوس القرشيين وغيرهم من الحاقدين على الإصلاح الاجتماعي، فأيقنوا أنَّ حكومة الإمام (عليه السلام) ستدمر مصالحهم الاقتصادية وغيرها، فهبوا متضامنين إلى اعلان المعارضة، ومن المؤسف - حقاً - أنَّ تضم المعارضة بعض أعلام الصحابة كطلحة والزبير، ...ومن المؤكد أنه لم تكن للمعارضين أية أهداف اجتماعية أو اصلاحية، وإنما دفعتهم الأنانية والأطماع حسب التصريحات التي أدلوا بها في كثير من المناسبات، وقد كان في طليعة القوى المتآمرة على الإمام (عليه السلام) الحزب الأموي فقد سخر جميع أرصدته المالية التي حصل عليها أيام خلافة عثمان، فجعلها تحت تصرف المعارضين فاشتروا جميع أدوات الحرب ووهبوا كثيراً من الأموال للمرتزقة وقد اندلعت بذلك نار الحرب التي أسماها بعض المؤرخين بحرب الجمل، وقد أسرع الإمام (عليه السلام) إليها فأخمد نارها، وقضى على معالمها، إلا إنها أسفرت عن أفدح الخسائر التي مني بها المسلمون، فقد فتحت باب الحرب بين المسلمين، ومهدت الطريق إلى معاوية أنْ يعلن تمرده على الإمام (عليه السلام)، ويناجزه أعنف الحروب، وأشدها ضراوة، وأخذت الأحداث الجسام يتصل بعضها ببعض، ويتفرغ بعضها على بعض حتى انتهت بمقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)(57).

إنَّ الإصلاح الاجتماعي لا يتم من وجهة النظر الإسلامية السليمة، إلا عن طريق إصلاح الفرد نفسه، ولن يصلح حال الجماعة إلا بصلاح حال الفرد. والعدالة الاجتماعية والإصلاح الاجتماعي المحور الأكثر بروزاً في منهج الحُكم

ص: 190

العلوي، وقد بلغ من اقتران اسم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعدالة وامتزاجه بها، قدراً بحيث صار اسم «عليّ عنواناً للعدالة، وعنوان العدالة باعثاً للإيحاء باسم عليّ»(58).

المبحث الرابع: الإصلاح الاقتصادي

جعل الإمام (عليه السلام) الإصلاح الاقتصادي أساساً للإصلاح الاجتماعي. وقد كان من الطبيعي جداً - حتى عند المفكرين والمصلحين - في عصر الإمام (عليه السلام) وقبله أنْ يوجد أناس جائعون فقراء، وأنْ يوجد أغنياء يحارون كيف ينفقون أموالهم، فلم يكن الفقر بذاته والغنی بذاته مشكلة اجتماعية تطلب حلاً؛ لأنها في نظرهم أمر طبيعي لا محيد عنه. إنما المشكلة هي: كيف السبيل إلى اسکات الفقراء وحماية الأغنياء؟ فكان الامام (عليه السلام) بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أول من کشف أنَّ الفقر والغنى مشكلة اجتماعية خطيرة، ونظر إليها على أساس أفاعيلها الاجتماعية(59).

فالعمال ومن لا يستطيعون عملاً هذه الطبقة، طبقة الفقراء تتألف ممن لا يستطيعون عملاً، لعاهة فيهم لا يقدرون معها على العمل، أو لا يستطيعونه لكبر السن وضعف البنية، أو لا يستطيعونه لصغر السن کالأيتام الذين لا كافل لهم، أو يستطيعون ويعملون، ولكن عملهم لا يمُدهم بالكفاية، ولا ييسر لهم مستوى لائقاً من العيش.

هذه الطبقة تتألف من هذه الطوائف، وإذا لم تلاق عناية من المجتمع ينحرف قويها إلى طريق الجريمة، ويموت ضعيفها جوعاً، وهي في الحالين سبة وخطر على المجتمع.

ص: 191

اذن فلا بد من تدبير يدفع البؤس عن أفرادها، ويحول قويهم إلى خلية إنسانية عاملة وينهض بهم إلى مستوى الحياة الحرة الكريمة.

وقد سن الإمام (عليه السلام) قانوناً تعامل به هذه الطبقة طبقاً إلى أحكام الاسلام.

وفي كلام الإمام (عليه السلام) عن هذه الطبقة نرى تشريعاً عمالياً ناضجاً إلى أبعد الحدود، ومستوعباً تمام الاستیعاب، وهو على نضجه الكامل واستيعابه التام، سابق للتشريعات العالية الحديثة بأكثر من ألف ومائتي عام.

ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ظهرت طلائع الثورة الصناعية في انكلترا، وهي أول بلد أوربي شهد الانقلاب الصناعي الحديث. وقد تمت للثورة الصناعية عناصرها المكونة حين اخترع البخار كقوة محركة، وعمم في صناعة المحركات. واستتبع ذلك اتساع نطاق الصناعة وتركزها في المدن، وحينئذ حدثت الهجرة من الريف إلى المدينة، فقد باع الفلاحون أرضهم من كبار الملاك، وانتقلوا إلى المصانع الجديدة كعمال، وعند ذلك ظهرت طبقة العمال إلى الوجود على نحو فعال، وانتقلت مراكز الكثافة في المجتمع من الفلاحين إليها. ومن هذا الحين بدأت هذه الطبقة تستشعر الظلم أفدح وأقسی ما یکون، فلم يكن لمطامع أصحاب المصانع حد ولا غاية، وكان العامل يعمل أكثر ساعات نهاره بأجر زهيد، فإذا ما استغني عنه صاحب العمل، أو حلت به آفة، أو اعتراه وهن، أو بلغ سناً لا يقوى فيها على العمل، طرد من عمله.

وبدا كأنَّ هذا الوضع الشائن سیستمر إلى الأبد. وبدا كأنَّ الكيان الاقتصادي القائم على هذا الاستغلال سيبقى منيعاً. وبدا كأنَّ واقع العمال التعس أمر لا مفر منه. ولكنَّ شيئاً من هذا لم يستمر، فقد نبهت هذه المظالم الوعي العالي، ودفعتهم

ص: 192

إلى تحسين مستواهم الاقتصادي عن طريق الصراع. وقد عملوا كثيراً، وقد أخفقوا كثيراً، ولكنهم وفقوا أخيراً إلى تخفيض ساعات العمل ورفع الأجور، والتعويض عند الصرف من العمل، والضمان الاجتماعي بإعانة مالية تدفع للعامل المتعطل من صندوق الدولة.

وإذا رجعنا إلى عهد الإمام (عليه السلام) لنقارن بينه وبين ما حصل من النتائج هذه ؟ فماذا نجد؟ نلحظ:

أولاً: أنَّ التشريعات الكافلة للطبقة العاملة ومطلق من لا يستطيع العمل للمرض أو لكبر السن أو لصغره - هذه التشريعات صدرت من فوق - من طبقة الحاكمين، ومغزى أنْ تكون التشريعات الحامية لطبقة العمال قد صدرت من فوق من دون أنْ يحدث من هذه الطبقة تحسس يلجئ إلى هذا، كبير القيمة، فهو يدل على أنَّ الإمام (عليه السلام) كان يفكر في هذه الطبقة ويعمل لخيرها.

وثانياً: أنَّ ما تدفعه الدولة إلى هؤلاء ليس احساناً منها إليهم، وإنما هو حق لهم عليها، يجب أنْ تؤديه.

ومغزى هذه الملحوظة عظيم، فعندما يأخذ المعوز ما يأخذه على أنه (إحسان) يشعر بالدونية، أما حين يأخذه على أنه (حق) فإنه يشعر بشيء من هذا.

وثالثاً: أن التشريع الذي سنه الإسلام وذكره الإمام (عليه السلام) يشمل كل حالة عجز، فمن لا يستطيعون عملاً لمرض أو هرم أو صغر سن، أو يعملون ولكن أجرهم لا يكفيهم هؤلاء جميعاً تكفلهم الدولة، وتعد نفسها مسؤولة عنهم.

وعهد الإمام (عليه السلام) صريح في أنَّ على الحاكم أنْ ينشئ لهذه الطبقة دائرة خاصة ترعى شؤونها، فهو يقول: (فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ

ص: 193

والتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ)(60).

إذن، فعلى الرغم من سبق عهد الإمام (عليه السلام) على التشريعات العمالية الحديثة بأكثر من ألف ومائتي عام نلحظ أنه أوعى لحاجات هذه الطبقة وأرعی لشؤونها، وأشمل لطوائفها من هذه التشريعات.

نعم تمتاز هذه التشريعات بأنها أكثر تفصيلاً من عهد الإمام (عليه السلام)، وبأنها تشتمل على ملحوظات لم ترد في هذا العهد، ولكن ذلك لا يكسبها ميزة حقيقية، فالعبرة بروح التشريع وبشموله، ولا شك، بعدما عرفت، في أنَّ عهد الإمام (عليه السلام) أشمل. قال (عليه السلام): (ثُمَّ اللَّ اللَّ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَ مِنَ الَّذِينَ لَ حِيلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِنَ وأَهْلِ الْبُؤْسَى والزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هَذِه الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْرَّاً، واحْفَظِ للهَّ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّه فِيهِمْ، واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأَدْنَى، وكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّه...)(61).

ولطالما كرّر (عليه السلام): (وإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ ويُقِيمُ أَوَدَكُمْ، ولَكِنِّي لَا

أَرَى إِصْلَحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِيِ)(62).

يُشير الإمام (عليه السلام) في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحُكم التسلّطي على المجتمع، بيد أنّه لا يستطيع أنْ يلجأ إليها؛ لأنّها تنتهي إلى ثمن باهض هو فساد السياسي نفسه! أجل، إنّه الإصلاح الذي يكون ثمنه فساد المصلح! وهذا الكلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) يعلن أنّ حركة الإصلاح قد تنتهي أحياناً إلى فساد المصلح. ومن ثَمّ فإنّ أُصول المنهج السياسي العلوي لا تسمح لحُكم الإمام (عليه السلام) أنْ يلجأ إلى ممارسة ذلك النمط من الإصلاحات القائم على مرتكزات غير مشروعة، مثل

ص: 194

الإصلاح الاقتصادي الذي يكون ثمنه التضحية بالعدالة الاجتماعيّة، ممّا هو سائد في العالم المعاصر.

إنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) يعرف جيّداً كيف يخدع المعارضين الأقوياء ذوي النفوذ السياسي الهائل، ويُغريهم بأنّ مصالحهم سوف تتأمّن في إطار حُکمه، ثمّ يعمد إلى استئصالهم والقضاء عليهم تدريجيّاً، كما يعرف أيضاً كيف يخدع الشعب، ويُغريه بأنّ حقوقه الواقعيّة سوف تتأمن، وأنّه سوف يحترم القيم الإسلاميّة، على حين ينهج في العمل سبيلاً آخر، ليرخ بذلك قواعد حُكمه ويحافظ على استقراره. ولو أنَّ ذلك قد حصل، لما كان عليُّ (عليه السلام) عندئذ، هو عليَّ بن أبي طالب؛ بلْ لكان رجل سياسة محترف مثله كمثل بقيّة السياسيّين المحترفين في التاريخ، له أُسوة بهم وهم يتّخذون السياسة أداة لفرض السلطة على الناس، لا أنْ تكون وسيلة لإقامة الحقّ وتأمين حقوق المجتمع. فلم يكن لحركة الإصلاح العلوي من هدف سوى إحياء منهج الحُكم النبوي، ومن ثَمّ لم يكن بمقدورها أنْ تتحرّك على أسس غير مبدئيّة، مناهضة للقيم والدين و كلّ ما هو غير إنساني.

من هذا المنطلق راحت هذه الحركة الإصلاحيّة تواجه ذات العقبات والمشكلات التي اصطدم بها الحُكم النبوي. لكن الإمام (عليه السلام) استطاع عن طريق تحمله كافّة المشكلات، أنْ يُعيد في التاريخ الإسلامي - ولمرّة أخرى - المعالم الوضّاءة المنهج الحُكم النبوي، وأنْ يُعلّم الآخرين ممّن يأتي في المستقبل منهج حكومة القلوب(63).

ص: 195

المبحث الخامس الإصلاح القضائي

أولى الإسلام القضاء أهمية كبرى، فعدّه من أرفع المناصب وأسماها، وهو من «الوظائف الداخلة تحت الخلافة، لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعا للتنازع»(64).

ويعد القضاء شجرة الرئاسة العامّة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه، وهو المراد من الخليفة في قوله تعالى: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»(65).

فالقضاء، منصب حسّاس ومهامّه حيوية ودقيقة لتعلّقها بحقوق الناس وحرّياتهم، فضلاً على حقوق الباري عزَّ وجلَّ، وحسبه درجة أنْ يكون بادئ ذي بدء من حقوق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذْ أنّه أول قاض في الإسلام، ثمّ أناط أمر القضاء لبعض أصحابه ممّن توسّم فيهم الكفاءة في مركز ولايته وغيرها من الأمصار.

وسلك نهجه المقدّس من بعده الإمام علي (عليه السلام). فكان قد قضى بين الناس في خصوماتهم على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي عهود من تولّى الخلافة من بعده. وحسبه منزلة أنْ وصفه نبي الأمة (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه: (أَقْضَاکُمْ عَلَيَّ)(66).

وعندما آلت الخلافة إليه (عليه السلام)، واتخذ من الكوفة مركز خلافته، اشترط على قاضيه شریح بن الحارث فيها أنْ لا ينفذ القضاء في ما يخص الحدود وبقيّة حقوق الله تعالى حتى يعرضه عليه، ولقد قال له يوماً: (یَا شُرَيْحُ قَدْ

ص: 196

جَلَسْتَ مَجْلِساً لَا يَجْلِسُه إِلَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيٌّ)(67).

وروي عن الإمام عليۀ (عليه السلام): (أنّه كان يفعل ذلك - أي القضاء - في مسجد الكوفة، وله به دكّة معروفة بدكّة القضاء)(68).

وعلى الرغم من اختفاء كثير من آثار الإمام علي (عليه السلام) في هذا الجانب، بفعل الظروف المعروفة التي أعقبت استشهاده، إلاّ أنّ ما بقي منها فيه ما يكفي للوقوف على خصوصيته الفذّة في فقه القضاء وفنّه. فقد أظفرتنا أقواله الشريفة وسوابقه الفريدة في جزئيات المسائل الخاصّة بمفردات الحياة اليومية للإنسان، بكنوز نفيد منها في معرفة ما ينبغي أنْ يكون عليه القاضي من ضوابط و مواصفات، سواء في شخصه أم في سيرته داخل مجلس القضاء أو خارجه.

ويتبين مبلغ اهتمام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالقضاء عند توليته مالك الاشتر قضاء مصر، وقد جاء في الكتاب من مواعظ وحكم، فقال (عليه السلام) لمالك: (اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ

بِهِ اْلأُمُورُ، ولاَ تُمْحِكُهُ الْخُصُومُ، ولاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، ولاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيءِ إِلَی الْحَقِّ إِذا عَرَفَةُ، لاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع ولاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ؛ وأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجِعَةِ الْخَصْمِ، وأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ اْلأُمُورِ، وأَصَرَمَهُمْ عِنْدَ اتَّضَاحِ الْحُكْمِ؛ مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ، ولاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أولئِكَ قَلِيلٌ، ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَه فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَه،

وتَقِلُّ مَعَه حَاجَتُه إِلَی النَّاسِ، وأَعْطِه مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيه غَیْرُه مِنْ

خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَه عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً)(69).

إنَّ ما فعله الإمام (عليه السلام) هو فصل الجهاز القضائي عن السلطة وتأمين الحصانة الكاملة للقاضي؛ إذْ لا يتأثر بحكمة القضائي أي جهة أخرى

ص: 197

وهذا بالضرورة يعطي للقانون صفة النزاهة والموضوعية في الأحكام الصادرة من ذلك الجهاز ويؤمن للمجتمع الحقوق المدنية الكاملة وكانت السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية موحدة غير منفصلة في زمن الإمام علي (عليه السلام) فإذا به يخطو خطوة مبدئية إلى فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية كي يكسب القضاة حصانة ويؤمنهم من عقاب السلطة. وهذا ما نراه في الوثيقة المبعوثة لمالك الأشتر بقوله (عليه السلام): (واعطه - القاضي - من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من حاجتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك وانظر في ذلك نظراً بليغاً). وبهذا يكون الإمام (عليه السلام) أحد المؤسسين للدولة المدنية الحديثة التي تكون فيها الحريات مكفولة مع حماية القانون.

وقالوا: إنَّ (جون لوك)(70) قد قسم السلطة إلى تشريعية تحفظ مصالح المجتمع بوضع القوانين، وسلطة لتنفيذ هذه القوانين، ثمَّ جاء من بعده (مونتسکیو)(71) فزاد عليها سلطة ثالثة، وهي السلطة القضائية، وطالب بفصلها عن السلطتين ضماناً للحرية، فارتبط مبدأ فصل السلطات الثلاث باسم (مونتسکیو)، وأصبح (جون لوك) في خبر كان(72).

ولم يقصد (مونتسكيو) الفصل التام بين السلطات وإنما الفصل المرن بمعنى أنْ يكون هناك توازن و تعاون بين السلطات الثلاث في تحقيق الصلاح العام، وبذلك دعا إلى أنَّ القانون هو الوحيد القادر على حماية الأفراد من السلطة التي تمثل الجهاز التشريعي والتنفيذي وحماية من الأفراد أنفسهم. وبذلك يكون المؤسس الأول لدولة القانون هو الإمام علي (عليه السلام) وهو ما نراه من سيادة المساواة والعدل في دولته التي لم يشهد التاريخ مثلها فقد سبق إنسان العصور الحديثة(73).

وبلغ مدى اهتمام الإمام (عليه السلام) بالقضاء عن طريق توصياته للقضاة

ص: 198

فقد اوصى ب: التحكيم الاختياري، وإحياء روح الصلح بين الخصمين كأصل من أصول القضاء، فكان يدعو (عليه السلام) الخصوم قبل المحاكمة إلى الصلح کما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القضاء. وأمر (عليه السلام) بسهولة القضاء وسرعة تنفيذه، وخلوه من التعقيدات الموجبة لفوات الوقت، وتضرر أصحاب الدعوى. وأعطى (عليه السلام) الحق للدفاع والتوكيل عن المتهم. وكان (عليه السلام) پری تهذیب وإصلاح المجرم لا تحقيره ولا تعذيبه(74).

آداب القضاء في فكر الإمام علي (عليه السلام):

ذكر الفقهاء في كتبهم عندما تطرقوا إلى القضاء وآدابه، مسائل عدة منها:

1 - المواساة بين الخصوم: قال (عليه السلام) لشريح القاضي: (ثُمَّ وَاسِ بَیْنَ

الْمُسْلِمِينَ بِوَجْهِكَ ومَنْطِقِكَ ومَجْلِسِكَ حَتَّى لَا يَطْمَعَ قَرِيبُكَ فِي حَيْفِكَ ولَا يَيْأَسَ

عَدُوُّكَ مِنْ عَدْلِكَ)(75).

وفي كتاب له (عليه السلام) إلى محمّد بن أبي بكر حين قلده مصر. قال: (فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وآسِ بَيْنَهُمْ فِي

اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَاَءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، ولَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ

عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ)(76).

وعنه (عليه السلام) قال: (مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُوَاسِ بَيْنَهُمْ فِي الإِشَارَةِ وفِي

النَّظَرِ وفِي الْمَجْلِسِ(77).

وعنه (عليه السلام) قال: (ينبغي للحاكم أنْ يدَعَ التلفّت إلى خصم دون خصم، وأنْ يقسم النظر فيما بينهما بالعدل، ولا يدَعُ خصماً يُظهر بغياً على صاحبه(78).

ص: 199

2 - أن لا يعلو كلامه كلام الخصم. قال (عليه السلام) لأبي الأسود الدؤلي لما سأله عن علة عزله من القضاء وهو لم يخن ولم يجن: (إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك)(79).

3 - أن لا يتضجر في مجلس القضاء. قال (عليه السلام) لشريح: (إياك والتضجر والتأذي في مجلس القضاء، الذي أوجب الله فيه الأجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق)(80).

4 - أنْ لا يضيف أحد الخصمين دون صاحبه، إما أنْ يضيفهما معاً، أو يدعهما معاً.

روي أنَّ رجلا نزل عند الإمام علي (عليه السلام)، فأدلى بخصومة، فقال له (عليه السلام): (ألك خصم)، قال: نعم، قال (عليه السلام): (تحول عنا، فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين، إلا ومعه خصمه)(81).

5 - أنْ لا يسار أحداً في مجلس القضاء. قال (عليه السلام) لشريح: (لَا تُسَارَّ أَحَداً فِي مَجْلِسِكَ)(82).

6 - التأمل والتروي قبل الحُكم. قال (عليه السلام) لشريح: (لسانك عبدك ما لم تتكلم، فإذا تكلمت فأنت عبده، فانظر ما تقضي؟ وفيم تقضي؟ وكيف تقضي؟)(83).

7 - أنْ لا يقضي القاضي وهو غضبان أو نعسان. قال (عليه السلام) لرفاعة بن شداد: (لا تقض وأنت غضبان ولا من النوم سكران)(84). (إِنْ غَضِبْتَ فَقُمْ فَلَا تَقْضِيَنَّ فَأَنْتَ غَضْبَانُ)(85).

ص: 200

8 - أنْ لا يقضي القاضي وه-و جوعان أو عطشان. قال (عليه السلام) لشريح: (ولَا تَقْعُدَنَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَتَّى تَطْعَمَ)(86).

9 - أن لا يقضي قبل سماع كلام أحد الخصمين. قال (عليه السلام): (بعثني رسول الله إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله! ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟)، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أنْ يتبين لك القضاء))(87). قال (عليه السلام): (فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد)(88).

10 - يجب أن يكون مکان القضاء في المسجد. قال (عليه السلام) لمّا بلغه أنّ شريحاً يقضي في بيته: (يا شريح، اجلس في المسجد؛ فإنّه أعدل بين الناس، وإنّه وهنٌ بالقاضي أنْ يجلس في بيته)(89).

11 - على القاضي الصبر وعدم الملل وهناك أمور أخ-رى ع-لى القاضي الالتزام بها.

قال (عليه السلام) من كتابه إلى رفاعة لما استقضاه على الأهواز: (نِعْمَ عون الدينِ الصبرُ، لو كان الصبرُ رجلاً لكان رجلاً صالحاً. وإيّاك والملالةَ؛ فإنّها من السخف والنذالة، لا تُحضِر مجلسك من لا يشبهك، وتخيّر لوردك، اقضِ بالظاهر، وفوّض إلى العالم الباطن، دع عنك: أظُنُّ وأحسِبُ وأرى، ليس في الدين إشكال، لا تمارِ سفيهاً ولا فقيهاً، أمّا الفقيه فيحرمك خيره، وأمّا السفيه فيحزنك شرّه. لا تجادل أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن بالكتاب والسنّة. لا تعوِّد نفسك الضحك؛ فإنّه يذهب بالبهاء، ويجرّئُ الخصوم على الاعتداء، إيّاك وقبولَ التحف من الخصوم. وحاذر الدُّخْلَة. من ائتمن امرأةً حمقاء، ومن شاورها فقبل منها ندم، احذر من

ص: 201

دمعة المؤمن؛ فإنّها تقصِف من دَمَّعها، وتطفِئُ بَحُورُ النَيِّران عن صاحبها، لا تَنبُزِ الخصُومَ، ولا تنهر السائل، ولا تُجالس في مجلس القضاء غير فقيه)(90).

إصلاحاته (عليه السلام) في نظام الحُسبة

الحسبة: من الناحية الفقهية الأمر المعروف إذا اظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا اظهر فعله، لقوله تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (91).

وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل قوله: (إِنَّ الأَمْرَ

بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الأَنْبِيَاءِ ومِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وتَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وتَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وتُرَدُّ الْمَظَالِمُ وتُعْمَرُ الأَرْضُ ويُنْتَصَفُ مِنَ الأَعْدَاءِ ويَسْتَقِيمُ الأَمْرُ)(92).

والحسبة كوظيفة القاضي، استحدثت لتطبيق أسس العدالة في المجتمع ولتنفيذ مبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). من هنا كانت وظيفة الحُسبة ذات سلطة قضائية، تتوسط بين القضاء والمظالم. ومع أنَّ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كقاعدة اجتماعية تدخل في مجال الأخلاق والتشريع، لا يمكن تحديد اطارها بشكل دقيق، فإنَّ الحسبة، كوظيفة إدارية، اختصت بشكل أساس في تنظيم أحوال السوق ومعاملاته(93). وكان القضاء والحُسبة يسندان بعض الأحيان إلى رجل واحد مع ما بين العملين من التباين فعمل القاضي مبني على التحقيق والأناة في الحكم. أما عمل المحتسب فمبني على الشدة والسرعة في الفصل(94).

ص: 202

واجبات المُحتسب:

من الأمور التي ينظر فيها المحتسب: أنه يحول دون مضايقة الناس في الطرقات، ويمنع الحمالين وأهل السفن من المبالغة في الحمل أو شحن السفن، ويحكم بهدم المباني المتداعية للسقوط حتى لا تقع على المارة، ويمنع معلمي الكتاتيب من ضرب الصبيان، ويحكم في الدعاوى المتعلقة بالغش والتدليس، ويحمل المماطلين على أداء ما عليهم من الديون، مراقبة المكاييل والموازين ويحول دون ارتفاع مباني أهل الذمة على مباني المسلمين.

ومن هذا يظهر بأنَّ هذه الوظيفة تجمع بين صلاحيات القاضي والشرطة؛ بلْ وحتى تفتيشية تربوية تعليمية(95).

نشأة الحُسبة:

ترد بعض الإشارات التاريخية إلى أنَّ الحسبة نشأت منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد مارسها بنفسه، ولاسيما في مراقبة الطعام، فيعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول محتسب في الإسلام.

خرج (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البقيع، فرأى طعاماً يباع في غرائر، فأدخل يده، فأخرج شيئاً كرهه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((مَنْ غَشَّنا

فليس مِنَّا))(96).

وكان الإمام علي (عليه السلام) في خلافته يتجول يومياً في الأسواق، ويرشد الناس للتمسك بالآداب الإسلامية، ويحذر من الغش فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويمارس ذلك كل يوم، فكان يقف في السوق ويقول: (يا معشر التجار إياكم واليمين الفاجرة فإنها تنفق السلعة، وتمحق البركة)(97).

ص: 203

وعن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (كان علي عليه السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرة على عاتقه وكان لا طرفان، وكانت تسمى: السبيتة(98)، فيقف على سوق سوق فينادي: يا معشر التجار قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا، عن الكذب واليمين وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم)(99).

مرّ الإمام (عليه السلام) بالسوق مجتازاً بأصحاب التّمر، فقال: (يا أصحاب التمر اطعموا المساكين فيربو كسبكم، ثمَّ مرّ مجتازاً ومعه المسلمون حتى أتى أصحاب السّمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافٍ، ثمَّ أتى دار فرات وهو سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم ولبسه)(100).

وكان (عليه السلام) يمشي في الأسواق وبيده درّةٌ يضرب بها من وجد من مطفف أو غاش في تجارة المسلمين، قال الأصبغ بن غياث: (قلت له يوماً: أنا أكفيك هذا يا أمير المؤمنين، واجلس في بيتك، قال: ما نصحتني يا أصبغ، وكان يركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الشهباء ويطوف في الأسواق سوقاً سوقاً فأتى يوماً طاق اللّحامين، فقال: يا معشر القصّابين لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق، وإيّاكم والنّفخ في اللّحم، ثم أتى إلى التّمارين فقال: أظهروا من ردي بيعكم ما تظهرون من جيده. ثم أتى الشاكين، فقال: لا تبيعوا إلا طيبا وإياكم وما طفا، ثم أتى الكناسة، وفيها من أنواع التجارة من نخاس وقاط وبائع إبل وصيرفي، وبزّاز، وخياط، فنادى بأعلى صوت: يا معشر التّجار، إنّ

ص: 204

أسواقكم هذه تحضرها الإيمان فشوبوا إيمانكم بالصّدقة، وكفّوا عن الحلف، فإنّ الله تبارك وتعالى لا يقدس من حلف باسمه كاذباً)(101).

وفي باب تأديب الصبيان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم، فقال: أما إنّها حكومة! والجور فيها كالجور في الحُكم، أبلغوا معلّمكم إنْ ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه)(102).

إنَّ الضرب بالمقدار المذكور في الأخبار جائز وليس بحرام ولا يوجب دية ولا قصاصاً، وأمّا الزائد عليه فهو حرام يوجب الدية على الأب والجدّ والقصاص على المعلَّم كما يشير إليه الحديث(103).

وأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) مالكاً الأشتر بمنع التجار من الاحتكار ومعاقبة من يفعل ذلك بعد نهيه. فقال (عليه السلام): (فامنع من الاحتكار، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكره بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقبه من غير إسراف)(104).

س وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام رَأَى قَاصّاً فِي الْمَسَجِدِ فَضَرَبِه بِالدِّرَّةِ وطَرَدَه)(105).

الظاهر أنَّ المقصود من القاصّ من يقصّ قصصاً لهويّةً تشغل الناس عن عبادة الله تعالى، وهو المشار إليه في قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ»(106).

وعن مختار التمار - كان من أهل البصرة -، قال: كنت أبيت في مسجد الكوفة

ص: 205

وأنزل الرحبة وآكل الخبز من البقّال، فخرجت ذات يوم فإذا رجل يصوّت بي: (ارفع إزارك فإنّه أنقى لثوبك وأتقى لربّك)، فقلت: من هذا؟ فقيل: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فخرجت أتبعه وهو متوجّه إلى سوق الإبل، فلمّا أتاها وقف، قال: (يا معشر التجار إيّاكم واليمين الفاجرة فإنّها تنفق السلعة وتمحق البركة)، ثمّ مضى حتى أتى إلى التمارين، فإذا جارية تبكي على تمّار، فقال: (ما لك؟) قالت: إنّي أَمَة أرسلني أهلي أبتاع لهم بدرهم تمراً، فلمّا أتيتهم به لم يرضوه، فرددته فأبى أنْ يقبله، فقال: (يا هذا خذ منها التمر وردّ عليها در همها)، فأبى، فقيل للتار: هذا علي بن أبي طالب، فقبل التمر ورد الدرهم على الجارية، وقال: ما عرفتك يا أمير المؤمنين فاغفر لي، فقال (عليه السلام): (يا معشر التجار اتّقوا الله وأحسنوا مبايعتكم يغفر الله لنا ولكم.

ثمّ مضى وأقبلت السماء بالمطر، فدنا إلى حانوت فاستأذن صاحبه فلم يأذن له صاحب الحانوت ودفعه، فقال: (يا قنبر أخرجه إليّ) فعلاه بالدرّة، ثمّ قال: (ما ضربتك لدفعك إيّاي ولكنّي ضربتك لئلاّ تدفع مسلماً ضعيفاً فتكسر بعض أعضائه فيلزمك)(107).

إصلاحاته (عليه السلام) في النظر في المظالم

ناظر المظالم: ينظر في كل حكم يعجز عنه القاضي، فينظر فيه من هو أقوى منه یداً. كظلم الأمراء والعمال فهذا مما نصب له الخلفاء أنفسهم للنظر فيه(108).

وديوان المظالم: عبارة عن هيئة قضائية عالية يشرف عليها شخص يدعى: (قاضي المظالم)، أو (صاحب المظالم) وهو أعلى مرتبة من القاضي، وأنَّ صلاحياته أوسع، ويمكنْ إجمال مهامه بما يأتي:

1 - النظر في الشكاوى التي يرفعها أفراد الرعية ضد الولاة، والحُكام، وكُتاب

ص: 206

الدواوين، وجباة الضرائب، وإنزال العقوبات بمن تثبت إدانته.

2 - تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة؛ لأنَّ والي المظالم أقوى نفوذاً وسلطة منهم.

3 - النظر في تظلم الجند ولاسيما المرتزقة منهم إذا نقصت أرزاقهم، أو تأخر دفعها.

4 - مراعاة إقامة الشعائر والعبادات كالجمع، والأعياد، والحج، والجهاد وغيرها، وقد أصبحت بعض هذه الصلاحيات في ما بعد من مهام المُحتسب.

5 - النظر فيما عجز عنه الناظرون من الحُسبة في المصالح العامّة، كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه والتعدّي في طريق عجز عن منعه والتحيّف في حقّ لم يقدر على ردّه(109).

وكانت محكمة المظالم تنعقد برئاسة الخليفة، أو الوالي، أو من ينوب عنه، ولمْ تكن هناك مباني خاصة بالمحاكم، وإنما كانت تنعقد المحكمة بالمسجد، فكان الناس يدخلون عليهم مباشرة في اليوم المخصص (الجمعة أو السبت) لعرض ظلاماتهم.

وتعرض ظلامات الناس في رقاع (عرائض)، ينظم ترتيبها موظف خاص، ويعرضها على الخليفة ليتدارسها مع مجموعة من الفقهاء، والعلماء، والقضاة المحيطين بمجلسه، فإذا استقر رأيه فيها أصدر حكمه مثبتاً إياه في العريضة نفسها، وما على الجهة المسؤولة أياً كانت، إلا تنفيذ حُكم الخليفة فوراً.

ومن هنا نرى سلطة ناظر المظالم ونفوذه يفوقان بكثير ما يحظى به القاضي المقيد في إجراءات وأصول النظر في الدعاوى، حتى أنَّ الماوردي (ت 450 ه) يعدد لنا عشر صفات لناظر المظالم يفوق فيها بسلطته سلطة القضاة(110).

أول من نظر في المظالم في الإسلام:

أول من نظر في المظالم في الإسلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في

ص: 207

الشرب الذي تنازع به الزبير بن العوام ورجل من الأنصار، فحضره بنفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال للزبير: ((اسْقِ أَنْتَ يَا زُبَیْرُ ثُمَّ الْأَنْصَارِيُّ)). فقال الأنصاري: إنّه لابن عمّتك يا رسول اللهّ. فغضب من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ((يَا زُبَیْرُ أَجْرِهِ عَلَی بَطْنِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَی الْكَعْبَیْنِ)). وإنّما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أجره على بطنه أدباً له لجرأته عليه))(111).

وظهرت وظيفة المظالم في عهد الخلفاء الراشدين، وكان الإمام علي (عليه السلام) أول من نظر في المظالم وذلك ليرسي العدل، ويرد مظالم الناس(112).

وإِذا تتبّعت كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبه وفي كتبه إِلى عمّاله تجد عنايته واهتمامه كثيراً إِلى ردّ المظالم وإحقاق الحقوق من الوالي نفسه؛ إذْ إنّه بقدرته وقوّته يكون أقدر على ذلك من كلّ أحد.

وكان لأمير المؤمنين (عليه السلام) بيت سماه: (بيت القصص)، يلقى الناس فيه رقاعهم(113).

ولم يعرف الإسلام قبل الإمام عليّ (عليه السلام) هذه البادرة، فلأوّل مرّة في التاريخ الإسلامي بادر الإمام (عليه السلام) في أثناء تولّيه السلطة، إلى تأسيس (بيت القصص) لكي يكون موضعاً لمعالجة مشكلات الناس وتظلّماتهم؛ فمن لا يستطيع من أبناء الشعب أنْ يوصل مشكلته شفوياً أو لا يرغب أن يُعبِّر عنها بهذه الصيغة، بمقدوره أنْ يكتب قصّته، ويوصل قضيّته عن هذا الطريق.

وكان (عليه السلام) يشرف بنفسه على (بيت القصص) ولا يدع أحداً يصل إليه فيطّلع على الرقاع، ويبعث خلف المظلوم ويأخذ بحقّه من الظالم.

ومن جملة الكتب التي أرسلها إلى عماله يحثهم فيها على النظر في المظالم، قال

ص: 208

(عليه السلام) في كتابه لمالك الاشتر: (واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرّغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلس عامّاً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول اللهّ يقول في غير موطن: لن تقدس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع)(115).

بعد ما فرغ (عليه السّلام) من تشريع النّظام العام وتقرير القوانين لتشكيلات الدّولة وتنظيم أمر طبقات الامّة، توجّه إلى بيان ما يرتبط بالوالي نفسه وبيّنه في شعب ثلاث:

الأولى: ما يلزم على الوالي بما يتعلق بعموم من يرجع إليه في حاجة ويشكو إليه في مظلمة ووصّاه بأنْ يعين وقتاً من أوقاته لإجابة المراجعين إليه وشرط عليه:

1 - أنْ يجلس لهم في مكان بلا مانع يصلون إليه ويأذن للعموم من ذوى الحاجات في بالدخول عليه.

2 - أنْ يتلقّاهم بتواضع وحسن خلق مستبشراً برجوعهم إليه في حوائجهم.

3 - أنْ يمنع جنده وأعوانه من التعرّض لهم وينحّى الحرس والشّرطة الَّذين يرعب النّاس منهم عن هذه الجلسة ليقدر ذوو الحاجة من بيان مقاصدهم وشرح مآربهم ومظالمهم بلا رعب وخوف وحصر في الكلام.

4 - أنْ يتحمّل من السّوقة والبدويّين خشونة آدابهم وكلامهم العاري عن كلّ ملاحة وأدب.

5 - أنْ لا يضيّق عليهم في مجلسه ولا يفرض عليهم آداباً يصعب مراعاتها ولا يلقاهم بالكبر وأبهّة الولاية والرّياسة.

ص: 209

6 - أنه إنْ كان حاجاتهم معقولة ومستجابة فأعطاهم ما طلبوا لم يقرن عطاءه بالمنّ والأذى والخشونة والتأمّر حتّى يكون هنيئاً، وإنْ لم يقدر على إجابة ما طلبوا يردهم رداً رفيقاً جميلاً ويعتذر عنهم في عدم إمكان إجابة طلبتهم.

الثانية: ما يلزم عليه فيما بينه وبين أعوانه وعمّاله المخصوصين به من الكتّاب والخدمة كما يأتي:

1 - يجيب عمّاله وكتّابه في حلّ ما عجزوا عنه من المشاكلات المهمة.

2 - يتولَّى بنفسه اصدار الحوائج الَّتي عرضت على أعوانه ويصعب عليهم انفاذها لما يعرض عليهم من التّرديد في تطبيق القوانين أو الخوف ممّا يترتّب على انفاذها من نواح شتّی.

3 - أن لا يتأخر أي عمل عن يومه المقرّر ويتسامح في إمضاء الأمور في أوقاتها المقرّرة.

الثالثة: ما يلزم عليه فيما بينه وبين الله فوضاه بأنّ الولاية بما فيها من المشاغل والمشاكلات لا تحول بينه وبين ربّه وأداء ما يجب عليه من العبادة والتوجّه إلى اللهَّ تعالى(116).

ووقع في كلام الإمام علي (عليه السلام) اهتمام كبير في رفع المظالم الواردة من جانب الوالي وغيره؛ إذْ للحاكم أذناب وأتباع يرون سلطانه سلطاناً لهم، فيشمخون ويتغطرسون زاعمين بأنَّ لهم أنْ يصدروا الأوامر، وأنَّ على الناس أنْ تسمع وتطيع.

وإذا كان الحاكم شخصية ضعيفة تغلبوا على أمره، واتخذوا مال اللهَّ دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً، فقال (عليه السلام): (ثُمَّ

ص: 210

إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ، وتَطَاوُلٌ، وقِلَّةُ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة فَاحْسِمْ

مَادَّةَ أوُلئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ اْلأَحْوَالِ ولاَ تُقْطِعَنَّ لأحَد مِنْ حَاشِيَتِكَ وحَامَّتِكَ

قَطِيعَةً لاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيَها مِنَ النَّاسِ فِي شِرْب أوْ عَمَل مُشْتَرَك يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي

الدُّنْيا والآخِرَةِ. وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ، وكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً

مُحْتَسِباً، واقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ)(117).

من أصعب نواحي العدالة للولاة والحكَّام والسّلاطين والزّعماء العدالة هو في ما يتعلق بالأولياء، والأحبّاء والأقرباء والأرحام من حيث منعهم عن الظلم بالرّعيّة اعتماداً على تقربهم بالحاكم ومن بيده الأمر والنّهي، وقد اهتمّ النبيّ (صلَّى اللهَّ عليه وآله وسلم) في ذلك فحرّم الصّدقات على ذوي قرباه لئلَّا يشتركوا مع النّاس في بیت المال فيأخذون أكثر من حقّهم، ومنع بني عبد المطَّلب من تصدّي العمل في جمع الصّدقات لئلَّا يختلسوا منها شيئاً بتزلَّفهم إلى النبيّ (صلَّى اللهَّ عليه وآله).

وقد عرف الإمام (عليه السّلام) ما لحق من الأضرار بالإسلام من استثار خاصّة الوالي وبطانته وأنّ فيهم تطاولاً وقلَّة انصاف، فأمر الوالي بقطع مادّة الفساد ونهاه مؤكَّداً أقطاع الأراضي لحاشيته و قرابته، زاد عليه أنْ لا يسلَّطه على ما يمسّ بالرّعيّة بواسطة عقد إجارة أو تقبّل زراعة الأراضي ونحوهما لئلَّا يظلمهم في الشّرب ويحمّلهم مئونة لانتفاعه عنهم بلا عوض وأشار إلى أنّ ذلك صعباً فأمره بالصبر وانتظار العاقبة المحمودة لإجراء هذه العدالة الشاقة عليه.

ثمّ توجّه (عليه السّلام) إلى أنّه قد ينقم الرّعيّة على الوالي في أمور يرونها ظلماً عليهم فيتّهمونه بالمظالم والجور فيتنفّر عنه قلوبهم ويفکَّرون في الخلاص منه، وربّما كان ذلك من جهلهم بالحقيقة، فلا بدّ للوالي من التماس معهم وكشف الحقيقة

ص: 211

لهم وإقناعهم وتنبيههم على جهلهم وحلّ العقدة الَّتي تمكَّنت في قلوبهم(118).

وقال (عليه السلام) في ضمن كتاب كتبه إلى بعض عمّاله حين اختطف بعض ما كان في يده من أموال المسلمين: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّ كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي، وجَعَلْتُكَ شِعَارِي وبِطَانَتِي، ولَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِي رَجُلٌ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِيِ، لِمُوَاسَاتِي ومُوَازَرَتِي وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَيَّ، فَلَاَّ رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَی ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ، وهَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وشَغَرَتْ، قَلَبْتَ لِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِنَ وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِینَ، وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِینَ، فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ ولَا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ، وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهً تُرِيدُ بِجِهَادِكَ، وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَىَ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وعَاجَلْتَ

الْوَثْبَةَ واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ، الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ

الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِرَةَ، فَحَمَلْتَهُ إِلَی الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَیْرَ

مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ، كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَیْرِكَ، حَدَرْتَ إِلَی أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وأُمِّكَ،

فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ، أَو مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ، أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِ الأَلْبَابِ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً، وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ، مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِینَ والْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللُّهَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِاَدَ، فَاتَّقِ اللَّهً وارْدُدْ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللُّهَ مِنْكَ، لأُعْذِرَنَّ إِلَی اللِّهَ فِيكَ، ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً، إِلَّا دَخَلَ النَّارَ، ووَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَیْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ولَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا)(119).

ص: 212

ممّا يوجب الأسف المحرق هذا الكتاب المخاطب به أحد خواصّه من بني عشيرته والأكثر أنه عبد اللهَّ بن عبّاس، فالظاهر أنه لما كتب (عليه السّلام) إليه كتابه بعد مقتل محمّد بن أبي بكر... أيس ابن عبّاس من إدامة حكومته العادلة وعلم أنَّ الحكومة تقع في يد أعدائه وأعداء بني هاشم وأقلّ ما ينتقمون منهم منعهم عن حقوقهم وايقاعهم في ضيق المعاش وضنك العيش فادّخر من بیت مال البصرة مقادير يظهر من كتابه (عليه السّلام) أنها كثيرة تسع لابتياع العقار في مكَّة والمدينة والطائف وابتياع العبيد ونكاح الأزواج.

وقد أثر عمله هذا في قلبه الشریف؛ إذْ يتوجّه إلى تأمین معاش عشرات الألوف من الأرامل والأيتام اللَّاتي قتل أزواجهنّ وآباؤهم في معارك الجمل وصفيّن ولا کفیل لهنّ في معاشهنّ، وكان ما يجمع في بيت مال البصرة مبلغاً كثيراً يسدّ كثيراً من حاجته في هذه الأرامل والأيتام فالتهب قلبه الشريف من هذا الاختطاف والاختلاس الَّذي ارتكبه مثل ابن عبّاس أو من يقارنه أو يقاربه من أهله وعشيرته، فرماه من لسانه الشّريف بسهام ما أغرزها في القلب وسيوف ما أقطعها للوتين وكان ابن عباس يتوجّه إلى حالة الإمام (عليه السّلام) الروحيّة فيبادر إلى جوابه بأخصر عبارة ويشير إلى عذره في خيانته. قال ابن أبي الحديد (ت 656 ه): وقد روی أرباب هذا القول - أي القول بأنّ هذا الكتاب خطاب إلى عبد اللهَّ بن عبّاس - (أنّ عبد اللهَّ بن عباس کتب إلى عليّ (عليه السّلام) جواباً عن هذا الكتاب، قالوا: وكان جوابه، أمّا بعد: فقد أتاني كتابك تعظَّم على ما أصبت من بيت مال البصرة، ولعمري إنّ حقي في بيت المال أكثر ممّا أخذت، والسّلام)(120).

فكتب إليه علي (عليه السلام): (أما بعد: فإنَّ من أعجب العجب تزیین نفسك لك أنَّ لك في بيت المال من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين، ولقد

ص: 213

أفلحت إنْ كان ادّعاؤك ما لا يكون وتمنيك الباطل ينجيك من الإثم، عمرك الله إنك لأنت السعيد إذًا! وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطناً، وصيّرتها عطناً، واشتريت مولدات المدينة والطائف، تتخيرهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك، والله ما أحب أنْ يكون الذي أخذت من أموالهم لي حلالاً أدعه میراثاً فكيف لا أتعجب من اغتباطك بأكله حراماً!)(121).

فكتب إليه ابن عباس: (والله لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملّنه إلى معاوية يقاتلك به. فكفّ عنه عليّ)(122).

لم يكن ابن عباس وحده من عمل ذلك من الولاة في خلافة الإمام علي (عليه السلام)، فقد كان النعمان بن عجلان والي البحرين قد أخذ مال البحرين وهرب إلى الشام. ففي تاريخ اليعقوبي: بلغ علياً أنّ النعمان بن عجلان قد ذهب بمال البحرين فكتب (عليه السلام) إليه: (أمّا بعد: فإنه من استهان بالأمانة ورغب في الخيانة ولم ينزّه نفسه ودينه أخلّ بنفسه في الدنيا، وما يشقى عليه بعدُ أمرّ وأشقى وأطول، فخف الله إنّك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظنّ بك، وراجع إنْ كان حقّاً ما بلغني عنك). فلما جاءه کتاب عليّ، وعلم أنه قد علم حمل المال، ولحق معاوية(123).

كان الإصلاح الاستراتيجي لأمير المؤمنين (عليه السلام) يكمن في معرفة موارد الإصلاح في كافة النظم الإسلامية، ولذا يجب أنْ لا نتصور أنَّ ثبات الإمام علي (عليه السلام) وفرار كبار الصحابة في أهم المواقع دليل على بطولة الإمام علي (عليه السلام!! يجب أنْ لا نحصر الأمر في ذلك، فثبات الإمام علي (عليه السلام) بُعد من أبعاد الحِكمة الوجودية له. وفي فلسفة الأخلاق كل الفضائل تترتب على الشجاعة والحكمة، ولا تفيد الشجاعة إلا بالحكمة.

ص: 214

المبحث السادس الإصلاح الثقافي والديني في فكر الإمام علي (عليه السلام)

أولاً - الإصلاح الثقافي:

الإصلاح الثقافي فوق كل إصلاح، فقد كانت الثقافة الإسلامية بجميع أبعادها ومجالاتها هي السبب في تقدم الأمة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، وبلوغها ذروة الحضارة والرقي.

ولم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عنى بالناحية الثقافية أو التربوية أو بشؤون التعليم الإمام (عليه السلام)، وإنما عنوا بالشؤون العسكرية، وعمليات الحروب، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، وبسط نفوذها على أنحاء العالم.

فقد كان الإمام (عليه السلام) المؤسس الأعلى للعلوم والمعارف في دنيا الإسلام، وقد بذل جميع جهوده في إشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين، وكان دوماً يذيع بين أصحابه قوله: (سَلوني قَبلَ أنْ تَفقدوني! سَلونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ)(124).

فكانت الأوضاع في خلافته موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة الناس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري على عهد من كان قبله. على هذا الأساس انطلق الإمام (عليه السلام) بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولى لتسنّمه أزمة السلطة على الرغم من تقديره لجميع التبعات التي تترتّب عليها، والمشكلات التي تؤدّي إليها. على عكس حركة الإصلاح الثقافي التي لم يكن الشروع الفوري بها ممکناً؛ بلْ كانت تحتاج إلى زمان حتى يستقرّ حُكمه. ولذلك كان (علیه السلام) يقول في هذا المضمار: (لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ

ص: 215

الْمَدَاحِضِ لَغَیَّرْتُ أَشْيَاءَ)(125).

لم يكن سهلاً على الإمام (عليه السلام) أنْ يواجه بشكل مباشر وفوري الإرث الثقافي الذي تطبّع عليه الناس واعتادوه في ربع قرن من الزمان؛ لأنّ هذه العمليّة - لو تمّت - كانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه، وتستتبع اختلاف الأُمّة. لذلك كلّه ترك الإمام (عليه السلام) موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلى فرصة مؤاتية(126).

وعندما حانت الفرصة بعث بكتبه إلى عماله، ومن كتاب له (عليه السلام) إلى قُثَم بن العبّاس، وهو عامله على مكّة: (أَمَّا بَعْدُ: فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله، واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وعَلِّمِ الْجَاهِلَ وذَاكِرِ الْعَالِمَ)(127).

أمر الإمام (عليه السلام) قشم بإقامة الحجّ للناس. وإقامته القيام بأعماله، وتعليم الجاهلين کيفيّته، وجمعهم عليه. وأنْ يذکَّرهم بأیّام اللهَّ. أي عقوباته الَّتي وقعت بمن سلف من المستحقّين لها كي يحترزوا بطاعته من أمثالها. وعبّر عنها بالأيام مجازاً إطلاقاً لاسم المتعلَّق على المتعلَّق.

وأنْ يجلس لهم العصرين: أي الغداة والعشيّ لكونها أطيب الأوقات بالحجاز، وأشار إلى أعظم فوائد جلوسه في الوقتين وهي فائدة العلم، وحصره وجوه حاجة أهلها إليها و أمره بسدّ تلك الوجوه، وبيان الحصر أنّ الناس إمّا غير عالم أو عالم، وغير العالم إمّا مقلَّد أو متعلّم طالب، والعالم إمّا هو أو غيره. فهذه أقسام أربعة. فوجه حاجة القسم الأوّل وهو الجاهل المقلَّد أن يستفتي فأمره أنْ يفتيه، ووجه حاجة الثاني وهو المتعلَّم الجاهل أنْ يتعلم فأمره أنْ يعلَّمه، ووجه حاجة الثالث هو مع الرابع وهو العالم أنْ يتذاكرا فأمره بالمذاكرة له(128).

وكان الإمام (عليه السلام) يختار ولاته وعماله على البلدان من ذوي المعرفة

ص: 216

ومن أهل البصائر الذين يحظون بالمعرفة والوعي والصلابة في العقيدة ليكونوا - إلى جانب عملهم الإداري - معلمين ورجال رسالة، وكان يوجههم نحو هذه المهمة التعليمية والتوجيهية. من ذلك ما كتب به إلى قثم بن العباس عامله على مكة.

ومن خطبة له (عليه السلام) في النهي عن كتان العلم وعدم تعليمه، قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وتَوْفِرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا)(129).

الحقوق متبادلة بين الراعي والرعية، وهذا التبادل طبيعي يرتبط بشخصية الاثنين تماماً وهو شرعي؛ لأنَّ واضع الشريعة هو خالق الطبيعة. وأشار الإمام (عليه السلام) إلى (وتعليمكم كيلا تجهلوا). أي: إرشادكم السبيل التي أرشد إليها كتاب اللهَّ وسنّة نبيه؛ لأنَّ جهلكم بدين الحق يبتعد بكم عن مكارم الدنيا وحسناتها، ويغريكم بأقذارها وسيئاتها(130).

فكانت أبرز مرتكزات السياسة الثقافيّة للإمام (عليه السلام)، في المنطلقات الآتية:

1 - تنمية التربية والتعليم: إنّ حاجة الروح إلى التربية والتعليم أكثر من حاجة الجسد إلى الطعام والشراب. وأساساً لا تزيد فلسفة الوحي والنبوّة وفلسفة الحُكم في منهج الأنبياء الإلهيّين، على تربية الإنسان وتعليمه، وإنَّ جميع الجهود ما هي إلاّ مقدّمة لبناء الإنسان الكامل. على هذا الأساس كان الأنبياء والأوصياء يتولّون شخصياً تعليم الناس وتربيتهم، وعلى هذا مضت أيضاً سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) و سیاسته.

2 - تصحيح الثقافة العامّة: تكمن واحدة من أبرز العناصر الأساسيّة لمنهج الحكم العلوي في الإقدام على تصحيح الثقافة العامّة للمجتمع. فعلى قدر ما كان

ص: 217

الإمام (عليه السلام) يدافع عن السنن والتقاليد الاجتماعيّة البنّاءة، كان يهاجم بعنف الأعراف والتقاليد الخاطئة، ولم يكن يسمح أنْ تواصل التقاليد الخاطئة والأعراف الضارّة، حضورها في المجتمع الإسلامي.

3 - النقد البنّاء بدلاً من الإطراء والتملّق: تكمن واحدة من أهمّ مبادرات الإمام عليّ (عليه السلام) وأكثرها ألقاً لجهة تصحيح الثقافة الاجتماعيّة العامّة، بمواجهته لحالة تملّق الأُمراء ومديح القادة السياسيّين.

4 - معیاريّة الحق في اتباع الرجال: تتمثّل واحدة من أهمّ توجيهات الإمام (عليه السلام) لتصحيح الثقافة العامة في نصب الحقّ میزاناً في اتباع الشخصيّات السياسيّة والاجتماعيّة وموالاتها. وتنشأ أغلب الانحرافات السياسيّة والاجتماعيّة من التمحور حول مفهوم الشخصيّة. وفي هذا الاتّجاه حذَّر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المجتمع من أنّ الشخصيات مهما عظمت، ولحظتها العيون بالحبّ والتقدير والإجلال، فلا يمكن أنْ تتحوّل إلى معيار للحقّ والباطل، وإلى ميزان لهما، ثمّ سعى أنْ يرفع المجتمع من زاوية الوعي الثقافي، ويرتقي به إلى المستوى الذي يزن به الشخصيّات الكبيرة ويعرفها بمعيار الحقّ، لا أنْ يزن الحقّ بمعيار الرجال(131).

ثانياً - الإصلاح الديني:

أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) المزيد من اهتمامه بالإصلاح الديني، فاتخذ جامع الكوفة معهداً يلقي فيه محاضراته الدينية والتوجيهية.

وكان (عليه السلام) يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلى الله تعالى، وإظهار فلسفة التوحيد، وبَثّ الآداب والأخلاق الإسلامية مستهدفاً من ذلك نشر الوعي

ص: 218

الديني، وخلق جيل يؤمن بالله تعالى إيماناً عقائدياً لا تقليدياً.

وقد ركز الإمام (عليه السلام) على الحفاظ على الشريعة الاسلامية كمنهج للحياة من ضمن الواجبات التي يجب أنْ يضطلع بها الحاكم؛ إذْ قال (عليه السلام) مخاطباً الأمة عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة: (لَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَی، وسِیرَةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم والْقِيَامُ بِحَقِّه والنَّعْشُ لِسُنَّتِه)(132). وقال ايضاً: (إِنَّه لَيْسَ عَىَ الِإمَامِ إِلَّ مَا حُّمِلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه، الِإبْاَغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، والِجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، والإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ)(133)؛ بلْ نجده يعلن أنه: (حقّ على الإمام أنْ يحكم بما أنزل اللهّ)(134).

أما في اطار تجربة الإمام (عليه السلام) السياسية فإنه قد عدّ هذا الواجب هو محور حركته السياسية كحاکم؛ اذْ قال: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ، أَنَّه لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، ولَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحَطَامِ، ولَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ،

ونُظْهِرَ الإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ)(135).

وقال (عليه السلام): (والله ما تقدّمتُ عليها - الخلافة - إلاّ خوفاً من أنْ ينزو على الأمر تَيْس من بني أُميّة، فيلعب بكتاب الله عزَّ وجلّ)(136).

إذن الحفاظ على الدين وصيانته هو تنفيذ أوامر ونواهي الكتاب والسنة وتفعيلها كمنهج للحياة في المجتمع وكأسلوب للاستجابة الفكرية والعملية لأي تحدٍ فكري أو تشريعي.

وحدد الإمام (عليه السلام) أسباب انحراف الأمة بكلمات مختصرة قال فيها: (إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّ، ويَتَوَلَّی

عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالً عَلَی غَیْرِ دِينِ اللَّ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ، لَوْ يَخْفَ عَلَی الْمُرْتَادِينَ، ولَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ، انْقَطَعَتْ عَنْه أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ،

ص: 219

ولَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ ومِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِ الشَّيْطَانُ

عَلَى أَوْلِيَائِه، ويَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّه الْحُسْنى)(137).

وقام من أجل هذا الإصلاح (عليه السلام) بالخطوات الآتية: فتح باب العلم والحوار وكل ما يتعلق بأمور الدين، والاهتمام بقراءة القرآن الكريم، وربطه بالسنة النبوية الشريفة، والاهتمام بالتدوين. وهو القائل: (قيّدوا العلم بالكتابة)(138).

ص: 220

الخاتمة:

لخلص البحث إلى ما يأتي:

حين تسلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة بدأ في تطبيق منهجه الإصلاحي، على الرغم من علمه بالعوائق الضخمة والعراقيل الهائلة التي ستواجهه. وقد ارتکز برنامجه الإصلاحي على العدل والمساواة، والمحاسبة الدقيقة، والرعاية الكبيرة لجميع أصناف الناس.

في النظام الإداري: لم يستعمل من الولاة أحداً مُحاباة، وإنما استعمل خيار المسلمين على أسس مهنية بعكس ما يحدث في البلاد حالياً. ووضع الرقابة على الولاة والعمال، واستخدم الحزم مع أي انحراف أو مخالفة من أحد منهم. وشرَّع مبدأ منع أخذ العاملين في الدولة الهدايا من الناس، فضلاً على حرمة تعاطي الرشوة، إمعاناً في القضاء على الفساد الإداري.

في الإصلاح الاجتماعي: كانت أول مسألة قام بها في برنامجه ضرب النظام الطبقي الذي خلفته السياسات الخاطئة التي كانت قبله وذلك عن طريق المساواة بين الناس في العطاء.

في الإصلاح الاقتصادي: سن الإمام (عليه السلام) قانوناً للطبقة الفقيرة لضمان حقوقهم. وجعل الإصلاح الاقتصادي أساساً للإصلاح الاجتماعي.

في الإصلاح القضائي: اهتم الإمام بالقضاء عن طريق توصياته للقضاة بكتب عدة. وقد مارس هو بنفسه القضاء. وكذلك الحُسبة؛ إذ كان يتجول يومياً في الأسواق، ويرشد الناس إلى التمسك بالآداب الإسلامية. وقد كان الإمام (عليه السلام) أول من نظر في المظالم وذلك ليرسي العدل، ويرد مظالم الناس.

ص: 221

أما في الإصلاح الثقافي فلم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عنى بالناحية الثقافية أو التربوية أو بشؤون التعليم الإمام (عليه السلام)، وقد بذل جميع جهوده في إشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين.

في الإصلاح الديني أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) المزيد من اهتمامه به، واتخذ جامع الكوفة معهداً يلقي فيه محاضراته الدينية والتوجيهية، مستهدفاً من ذلك نشر الوعي الديني.

هوامش البحث:

(1) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، (مادة: صلح)، 2 / 516 - 517.

(2) ينظر: المفردات في غريب القرآن، 284.

(3) محمود عبد الرحمن، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، 1 / 204.

(4) إحياء علوم الدين، 7 / 67.

(5) روح المعاني، 7 / 214.

(6) الشيخ محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة، 3 / 390.

(7) عماد صلاح عبد الرزاق، الفساد والإصلاح، 29.

(8) ينظر: الجوهري، الصحاح، 5 / 2041.

(9) ابن منظور، لسان العرب، 12 / 578.

(10) الخليل الفراهيدي، كتاب العين، 8 / 165.

(11) ينظر: محمد خضير عباس، النظم الإسلامية، 2.

(12) ينظر: عبد العزيز الدوري، النظم الإسلامية، 13.

(13) معجم مقاییس اللغة، (مادة فكر)، 4 / 446.

(14) المخصص، (مادة: فکر)، 75.

(15) ابن منظور، (مادة: فكر)، 5 / 65.

(16) المفردات في غريب القرآن، 384.

(17) السيد السيستاني، الرافد في علم الأصول، 313.

ص: 222

(18) ينظر: محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، 525.

(19) ابن أبي شيبة الكوفي، مصنف ابن أبي شيبة، 8 / 108.

(20) ينظر: حسن الصفار، الإمام علي (عليه السلام) رائد الإصلاح، 2.

(21) ينظر: من، 4.

(22) تقي الدباغ، العراق في التاريخ، 87، 185.

(23) سولون، أحد الفلاسفة الحكماء، وهو جد أفلاطون لأمه. وكان عند الفلاسفة من الأنبياء العظام بعد هرمس وقبل سقراط وأجمعوا على تقديمه والقول بفضائله. ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل، 2 / 57؛ 2 / 104.

(24) ينظر: طه حسين، نظام الاثنين، 51 - 65.

(25) سورة الفجر، الآية 11 - 12.

(26) سورة المائدة، الآية 72.

(27) الكتاب المقدس (العهد الجديد)، 11.

(28) سورة الأعراف، الآية 56.

(29) الإمام مسلم، صحیح مسلم، 6 / 7.

(30) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1 / 406.

(31) ينظر: عماد صلاح عبد الرزاق، الفساد والإصلاح، 30.

(32) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 49.

(33) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 3 / 450.

(34) م ن، 3 / 456.

(35) ينظر: عبد الله الحسن، مناظرات في الإمامة، 551 - 552.

(36) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 217.

(37) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 26.

(38) الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 57.

(39) باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، 1 / 403.

(40) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 333.

(41) م ن، 421.

ص: 223

(42) سورة الحجر، الآية 88.

(43) الخوئي، منهاج البراعة، 20 / 128.

(44) باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، 1 / 19 4.

(45) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 416.

(46) من، 461.

(47) ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 227.

(48) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، 2 / 531.

(49) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 24.

(50) باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، 1 / 421.

(51) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 383.

(52) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 25.

(53) الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، 261.

(54) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 183.

(55) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 37.

(56) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 38.

(57) ينظر: باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، 2 / 10. (58) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 32.

(59) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، 39.

(60) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 439.

(61) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 80.

(62) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 99.

(63) ينظر: محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 55.

(64) ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر (تاریخ ابن خلدون)، 1 / 220.

(65) سورة ص، الآية 26.

(66) الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 1 / 202؛ التفتازانی، شرح المقاصد، 2 / 300.

(67) الشيخ الكليني، الكافي، 7 / 4 - 6.

ص: 224

(68) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، 2 / 344.

(69) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 434 - 435.

(70) جون لوك: فیلسوف انكليزي (ت 1704 م) عده البعض أول من جدد نظرية المعرفة البشرية.

(71) مونتسکیو: مؤلف فرنسي له «أصول النواميس والشرائع» (ت 1755 م).

(72) ينظر: محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 64.

(73) ينظر: حامد السعيدي، الإمام علي (عليه السلام) و نظام الحكم، 3.

(74) محمد خضير عباس، النظم الإسلامية، 69.

(75) الشيخ الكليني، الكافي، 7 / 413.

(76) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 383.

(77) الشيخ الطوسي، تهذیب الأحکام، 6 / 226.

(78) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، 2 / 533.

(79) الطبرسي، مستدرك الوسائل، 17 / 359.

(80) الريشهري، میزان الحكمة، 3 / 2089.

(81) ابن إدريس الحلي، السرائر، 2 / 166.

(82) الشيخ الطوسي، تهذیب الأحکام، 6 / 227.

(83) ابن عساکر، تاریخ دمشق، 23 / 24.

(84) القاضي النعان المغربي، دعائم الإسلام، 2 / 537؛

(85) الشيخ الطوسي، تهذیب الأحکام، 6 / 227.

(86) الخوانساري، جامع المدارك، 9 / 13.

(87) ابن حزم، المحلى، 9 / 397.

(88) أبو داوود، سنن أبي داوود، 2 / 190.

(89) الطبرسي، مستدرك الوسائل، 17 / 308.

(90) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، 2 / 536.

(91) سورة آل عمران، الآية 104.

(92) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، 9 / 440.

(93) ابراهيم سليان الكروي وعبد التواب شرف الدين، المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، 92.

ص: 225

(94) حسن الأمين، مستدركات أعيان الشيعة، 5 / 76.

(95) ينظر: م ن.

(96) النووي، المجموع، 12 / 9.

(97) ابن کثیر، البداية والنهاية، 8 / 5.

(98) السبتية: وكانت تسمى: (السبيبة) السب بمعنى الشق و وجه تسمية درته بذلك لكونها ذا اسبابتين وذا شفتين (كذا في هامش الكافي).

(99) المجلسي، بحار الأنوار، 100 / 94.

(100) الموفق الخوارزمي، المناقب، 122.

(101) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، 2 / 538.

(102) الشيخ الكليني، الكافي، 7 / 268.

(103) المدني الكاشاني، کتاب الديات، 47.

(104) ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة، 17 / 83.

(105) الشيخ الطوسي، تهذیب الأحکام، 10 / 149.

(106) سورة لقمان، الآية 6.

(107) الشخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، 100.

(108) ينظر: ابن العربي، أحكام القرآن، 4 / 61.

(109) ابراهيم سلمان الكروي وعبد التواب شرف الدين، المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، 90.

(110) ينظر: الماوردي، الأحكام السلطانية، 84.

(111) م ن، 77.

(112) ابراهيم سلمان الكروي وعبد التواب شرف الدين، المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، 89.

(113) ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة، 17 / 87.

(114) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 36.

(115) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 439.

(116) الخوئي، منهاج البراعة، 20 / 282.

(117) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 442.

(118) ينظر: الخوئی، منهاج البراعة، 20 / 290 - 294.

ص: 226

(119) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 414؛ ابن میثم البحراني، شرح نهج ای البلاغة، 5 / 89.

(120) شرح نهج البلاغة، 16 / 170.

(121) البلاذري، أنساب الأشراف، 2 / 175.

(122) ابن عبد ربة، العقد الفريد، 5 / 107.

(123) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 201.

(124) العلامة الحلي، منهاج الكرامة، 163.

(125) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 523.

(129) الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 18.

(127) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 457.

(128) ينظر: ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 217.

(129) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 79.

(130) ينظر: محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 229.

(131) ينظر: الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 27 - 28.

(132) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 295.

(133) ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 24.

(134) ابن أبي شيبة الكوفي، مصنف ابن أبي شيبة، 7 / 566.

(135) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 189.

(136) البلاذري، أنساب الأشراف، 2 / 103.

(137) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة، 88.

(138) ابن میثم البحراني، شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، 261.

ص: 227

المصادر والمراجع:

- خير ما نبتدئ به القرآن الكريم.

- الكتاب المقدس (العهد القديم)، (دار الكتاب المقدس، 1401 ه).

المصادر:

ابن ادریس الحلي، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد (ت 598 ه):

1 - السرائر، (مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه).

البلاذري، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه):

2 - جمل من أنساب الأشراف، تحقيق محمد باقر المحمدي، (مؤسسة الأعلي، بيروت، 1394 ه).

التفتازاني، السعد بن مسعود بن عمر بن عبد الله (ت 791 ه):

3 - شرح المقاصد في علم الكلام، (دار المعارف النعانية، باكستان، 1401 ه).

ابن أبي جمهور، محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي (ت 880 ه):

4 - عوالي اللئالي العزيزة في الأحاديث الدينية، (مطبعة سيد الشهداء، قم، 1403 ه).

الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 ه):

5 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، (دار العلم للملايين، بیروت، 1407 ه).

الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله العتبي بن البيع (ت 405 ه):

6 - المستدرك على الصحيحين، تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (دار المعرفة، بیروت، دت).

ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي (ت 656 ه):

7 - شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العلمية، بیروت، 1378 ه).

ص: 228

ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري (ت 456 ه):

8 - المحلى، تحقیق احمد محمد شاكر، (دار الفکر، بیروت، د ت).

ابن خلدون، عبد الرحمن محمد بن خلدون المغربي (ت 808 ه):

9 - العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم، المسمى (تاریخ ابن خلدون)، (دار إحياء التراث العربي، بیروت، د ت).

الخليل الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت 175 ه):

10 - کتاب العین، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، (دار الهجرة، إيران، 1409 ه).

الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي (ت 568 ه):

11 - المناقب، تحقيق مالك المحمودي، (طبع و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1414 ه).

أبو داوود، سلیمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه):

12 - سنن أبي داوود، تحقیق سعید محمد اللحام، (دار الفكر، بیروت، 1410 ه). الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (ت 502 ه):

13 - المفردات في غريب القرآن الكريم، (الطبعة الثانية، إيران 1404 ه).

ابن سِيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت 458 ه):

14 - المخصص، تحقیق دار إحياء التراث العربي، (الناشر دار إحياء التراث العربي، بیروت، دت).

الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الموسوي (ت 436 ه):

15 - الشافي في الإمامة، تحقيق عبد الزهراء الحسيني الخطيب، (مؤسسة إسماعیلیان، قم، 1410 ه).

الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت 548 ه):

16 - الملل والنحل تحقيق محمد سید گیلاني، (دار المعرفة للطباعة، بیروت، دت).

ص: 229

ابن أبي شيبة، أبو عبد بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة الكوفي (ت 235 ه):

17 - مصنف بن أبي شيبة في الحديث والآثار (المصنف)، تحقيق سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، 1409 ه).

الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابویه (ت 381 ه):

18 - ثواب الأعمال وعقب الأعمال، (مطبعة أمير، قم، 1368 ش).

الشيخ الطبرسي، أبو نصر رضي الدين الحسن بن الفضل (ت 548 ه):

19 - مكارم الأخلاق، (منشورات الشريف الرضي، 1392 ه).

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310 ه):

20 - تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، (مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1403 ه).

الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (ت 460 ه):

21 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه، حققه وعلق عليه السيد حسن الموسوي الخرسان، (مطبعة خورشید، طهران، 1390 ه).

ابن عبد ربة، أبو عمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه):

22 - العقد الفريد، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1404 ه).

ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ت 571 ه):

23 - تاريخ مدينة دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حل بها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها (تاریخ ابن عساکر)، تحقیق علي شيري، دار الفكر، بیروت، 1415 ه).

ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري المالكي (ت 453 ه):

24- أحكام القرآن، تحقيق محمد عبد القادر عطا، (دار الفکر، بیروت، د ت).

العلامة الحلي، أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه):

25 - تذكرة الفقهاء، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، (مطبعة

ص: 230

ستارة، قم، 1419 ه).

26 - منهاج الكرامة، في معرفة الإمامة، (مطبعة الهادي، قم، 1379 ش).

الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطل (ت 40 ه):

27 - نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف ابو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب، ضبط نصّه وابتكر فهارسه العلميّة وحققه صبحي الصالح، (الطبعة الأولى، بيروت، 1387 ه).

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت 505 ه):

28 - إحياء علوم الدين، (دار الكتاب العربي، بيروت، د ت).

ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (ت 395 ه):

29 - معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1414 ه).

ابن كثير، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر القيسي الدمشقي (ت 774 ه):

30 - البداية والنهاية في التاريخ، تحقيق علي شيري، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408 ه).

الشيخ الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الرازي (ت 328 ه):

31 - الكافي (الأصول من الكافي)، تحقيق علي أكبر الغفاري، (دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه).

الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت 450 ه):

32- الأحكام السلطانية والولايات الدينية جمع بين المسائل الشرعية والسياسية، (مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1386 ه).

المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه):

33 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، (مؤسسة الوفاء، بيروت، ص: 231

1403 ه).

الإمام مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه):

34 - صحیح مسلم، (دار الفكر، بيروت، د ت).

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري (ت 711 ه):

35 - لسان العرب، (نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه).

ابن ميثم البحراني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ت 679 ه):

36 - شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، تحقيق مير جلال الدين الحسني (منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، د ت).

37 - شرح نهج البلاغة، عنى بتصحيحه عدة من الأفاضل وقُوبِلَ بعِدَّة نُسَخ مَوثوقٌ بها، (الناشر مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1404 ه).

القاضي النعمان المغربي، النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363 ه):

38 - دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن علي أصغر، (دار المعارف، القاهرة، 1383 ه).

النووي، أبو زكريا محي الدين بن شرف (ت 676 ه):

39 - المجموع في شرح المهذب، (دار الفكر، بيروت، د ت).

اليعقوبي، أحمد بن يعقوب بن واضح (ت 297 ه):

40 - تاريخ اليعقوبي، (دار صادر، بيروت، د ت).

المراجع:

الآلوسي، أبو الثناء شهاب الدین محمود بن عبد الله الحسيني (ت 1270 ه):

41 - تفسير الآلوسي (روح المعاني)، (د مط، قم، د ت).

ابراهيم سلمان الكروي وعبد التواب شرف الدين:

42 - المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، (منشورات ذات السلاسل، الكويت، دت).

الشيخ باقر شريف القرشي:

ص: 232

43 - حياة الإمام الحسين (عليه السلام) دراسة وتحليل، (مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1395 ه).

تقي الدباغ:

44 - العراق في التاريخ، (دار الحرية للطباعة، بغداد، 1983 م).

حسن الأمين:

45 - مستدركات أعيان الشيعة، (دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1408 ه).

الخوانساري، السيد أحمد الميرزا يوسف (ت 1405 ه):

46 - جامع المدارك في شرح المختصر النافع، علق عليه علي أكبر الغفاري، (الناشر، مكتبة الصدوق، طهران، 1355 ه ش).

الخوئي، العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت 1324 ه):

47 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق السيد إبراهيم الميانجي، (منشورات دار الهجرة، قم، 1403 ه).

الريشهري، محمد:

48 - موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنّة والتاريخ بمساعدة محمّد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي، (دار الحديث، قم، 1421 ه).

49 - ميزان الحكمة، (دار الحديث، قم، 1416 ه).

السيد السيستاني، السيد علي الحسيني:

50 - الرافد في علم الأصول، محاضرات آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله، بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي، (مطبعة مهر، قم، 1414 ه).

الطبرسي، ميرزا حسين النوري (ت 1320 ه):

51 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، (مؤسسة آل البيت، بيروت، 1408 ه).

طه حسين:

ص: 233

52 - نظام الاثنين، (دار المعارف، القاهرة، 1921 م).

عبد العزيز الدوري:

53 - النظم الإسلامية، (دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1988 م).

عماد صلاح عبد الرزاق الشيخ داود:

54 - الفساد والإصلاح، (منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003 م).

محمد جواد مغنية (ت 1400 ه):

55 - في ظلال نهج البلاغة، (مطبعة ستار، قم، 1427 ه).

محمد خضير عباس:

56 - النظم الإسلامية، (النجف الأشرف، 2015 ه).

الشيخ محمد علي الأنصاري:

57 - الموسو. الموسوعة الفقهية الميسرة، (مطبعة باقري، إيران، 1415 ه).

محمد فؤاد عبد الباقي:

58 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، (المكتبة الإسلامية، إسطنبول، د ت).

الشيخ محمد مهدي شمس الدين:

59 - دراسات في نهج البلاغة، (دار الزه-راء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1392 ه).

محمود عبد الرحمن عبد المنعم: 60 - معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، (دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، دت).

المدني الكاشاني، أغا رضا ملاَّ عبد الرسول (ت 1366 ه):

61 - كتاب الديات، (مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1408 ه).

ص: 234

الأقراص الليزرية:

عبد الله الحسن:

62 - مناظرات في الإمامة، (المكتبة الشاملة).

شبكة المعلومات (الأنترنيت):

حامد السعيدي،

الإمام علي (عليه السلام) ونظام الحكم.

annabaa.org/nba50 /nezam. -63

حسن الصفار:

الإمام علي (عليه السلام) رائد الإصلاح.

haydarya.com/maktaba_moktasah

ص: 235

ص: 236

الآثار الناجمة عن سياسة الامام علي (عليه السلام) الإدارية والمالية أساليب المعارضة أنموذجا

اشارة

أ. م. د. علاء كامل صالح العيساوي جامعة البصرة كلية الآداب

ص: 237

ص: 238

المقدمة:

أسفرت السياسة التي انتهجها الإمام علي (عليه السلام) في المجالين الإداري والمالي عن بروز آثار سلبية ومواجهة عنيفة تهدف إلى الانقضاض على الخلافة، حيث أن جهود الإمام (عليه السلام) لإصلاح الفساد الإداري الذي كان مستشرياً في كافة مفاصله وفي كل الولايات، فضلاً عن جهوده في تغيير النظم المالية المتبعة أبان خلافة عثمان والتي أدت إلى تردي الوضع الاقتصادي والاجتماع-ي وظه-ور الطبقية في المجتمع.

كل تلك الجهود المباركة اصطدمت بقوة بفئات عديدة كانت متنفذة ومنتفعة، وقد تضررت مصالحها للنهج الذي أتبعه الإمام علي (عليه السلام).

فعثمان وبشكل موجز اسند أدارة ولاياته لعدد من أقرباءه وأصهاره وخاصة ممن كانوا يفتقدون للكثير من المؤهلات الضرورية كالسابقة والكفاءة والصلاح وغير ذلك من الصفات الواجب توفرها في الاشخاص الذين تولون المناصب في الدولة الاسلامية، بل ان البعض منهم وصف بالفساد وشرب الخمر جهارا»(1).

أما من الناحية الاقتصادية فقد كان هناك جملة من المنتفعين السائرين بركاب السلطة، سواء من اقاربه او من غيرهم، الذين منح لهم الاموال والعطايا والاقطاعات، بل وبعض الحقوق الشرعية مثل خمس الغنائم الذي منحه لمروان بن الحکم(2).

هذا فضلاً عن الآثار السلبية الناتجة عن سياسة التفضيل في توزيع والتي أسهمت في أيجاد فوراق طبقية، وبروز فئات منتفعة ذات ثراء وترف ولا سيما من أهل قريش مقابل ذلك وجود الغالبية من أهل العوز والحاجة حيث وصف

ص: 239

الإمام (عليه السلام) الوضع المعاشي حال تسلمه الخلافة: ((...ألا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة(3)، فصار ذلك عليهم عار وشنار..))(4). وهذه الأسباب تضافرت مع أسباب أخرى كثيرة دفعت الجاهير للقيام بثورة شعبية أسفرت عن مقتل عثمان(5).

و بعد أن تسلّم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة لم يكن أمامه سوى إصلاح الفساد ألإداري المستشري و إيقاف التجاوزات على أموال بيت المال دون وجه حق، فبدأ بالعديد من ألإصلاحات والتي يمكن إيجازها بالنقاط الآتية: -

1. إصدار الإمام (عليه السلام) أمراً بعزل أغلب الولاة و استبدالهم بولاة يتمتعون بصفات تؤهلهم للعمل في إدارة الولايات مع إخضاعهم للمراقبة الشديدة و المحاسبة الإدارية الصارمة(6).

2. أتباع سياسة التسوية في توزيع العطاء(7).

3. اتخاذ موقف حازم إزاء الغنائم في المناطق الإسلامية والوقوف بوجه المطالبين بها والاكتفاء بأخذ ما جلب في المعسكر(8).

4. استرداد القطائع التي منحها الخليفة الثالث لبعض الشخصيات من أقربائه وخاصته وأصحابه(9)، وحينما رد الإمام (عليه السلام) قطائع عثمان قام خطيباً وقال: ((والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء، فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق))(10)، وفي رواية أخرى جاء انه (عليه السلام) قال: ((إلا أن كل قطيعة اقتطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فان الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لردته إلى حاله..))(11).

ص: 240

إن إجراءات الإمام (عليه السلام) الإصلاحية شكلت تهديداً سافراً لمصالح المنتفعين يقف على رأسهم بني أمية ومن لف لفهم من الذين تضررت مصالحهم وقضي على امتيازاتهم ونفوذهم فالتحدي الذي مارسه الإمام علي(عليه السلام) كان قوياً مما أدى إلى خلق مواجهة عنيفة تمثلت بالمواقف آلاتية:-

اولا: ظهور الاتجاهات المعارضة لخلافة الإمام علي (عليه السلام)

لاشك أن إصلاحات الإمام علي (عليه السلام) الإدارية والمالية أوجدت فئات معارضة ابتدأت عملها بإتباع أسلوب سلمي سلبي يتمثل بإعلان التذمر والاحتجاج والطعن بسياسته والتحريض ضده وانتهت بتكوين جبهات للعصيان المسلح وكما يلي:-

1 - السخط والتذمر

أسفرت إصلاحات الإمام علي (عليه السلام) الإدارية والمالية إلى خلق حالة من الاستياء والسخط من قبل الفئات المنتفعة سواء كانوا من أهل قريش أو من الأسرة الأموية بوجه خاص، فكان من الذين اظهروا استياء» وتذمراً كل من طلحة(12) والزبير(13) وسعيد بن العاص(14) والوليد بن عقبة(15) ومروان بن الحكم وعمر و بن العاص(16) ومن لف لفهم. فبالنسبة لسعيد والوليد ومروان فإنهم كانوا يكنون للإمام (عليه السلام) كرهاً وحقداً قدياً للدور الذي بذله الإمام علي (عليه السلام) في مواجهة آبائهم في السنوات الأولى للدعوة الإسلامية حيث شكلوا جناح المقاومة للإسلام، فالإمام (عليه السلام) قتل عقبة بن أبي معيط والد الوليد، والعاص(18) بن أمية في معركة بدر(19)، وكان للإمام (عليه السلام) مواقف مع الحكم بن أبي العاص(20) طريد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان من الرافضين للعفو عنه بل انه (عليه السلام) عاب على عثمان السماح له

ص: 241

بالعودة(21)، كما كان الإمام علي (عليه السلام) من الرافضين لفسق الوليد بن عقبة في الكوفة والداعين لإقامة الحد عليه بعد أن شهد وجهاء أهل الكوفة عليه، وقيل أن الإمام علي (عليه السلام) اجبر الخليفة على إقامة الحد عليه أو انه نفسه قام بذلك(22).

وما أن تولى الإمام علي (عليه السلام) الخلافة حتى عزل مروان عن منصبه لما أحدثه من جور وظلم، وعزل الوليد عن ولاية الصدقات أيضا»، أما بالنسبة لطلحة والزبير اللذان بایعا الإمام (عليه السلام) بالخلافة وكانا يطمعان في الحصول على بعض المناصب الإدارية وان تكون لهم المشورة كونهم من الصحابة القدماء، ومواقفهم المعادية للخليفة السابق بل أنهما كانا من المحرضين على قتل عثمان(33)، وقد عبرا عن مطامعهم تلك علناً حيث روي أن طلحة قال للإمام علي (عليه السلام): ((دعني فلات البصرة فلا يفجئوك إلا وأنا في خيل)) وقال الزبير: ((دعني آت الكوفة فلا يفجئوك إلا وأنا في خيل)) فطلب منهم الإمام (عليه السلام) أن يمنحاه الوقت للنظر في طلبيهما بقوله: ((حتى انظر في ذلك))(24)، وجاء في رواية أخرى إن الزبير كان يريد العراق وطلحة يريد اليمن (25)(26)، وفي كلا الحالتين فان الإمام (عليه السلام) رفض إسناد أي منصب إداري لها لأنهما طلبا الولاية وان الإمام (عليه السلام) أكد على ذلك بقوله: ((ولولا ما ظهر من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي))(27)، وأدلى اليعقوبي بان الإمام (عليه السلام) عهد لهما ولايتي اليمامة(28) والبحرين(29) فلما دفع لهما عهديهما قالا له: ((وصلتك رحم)) فقال (عليه السلام): ((وأنتما وصلتکما بولاية أمر المسلمين)) فاسترد العهد منهما وقال: ((لولا ما ظهر من حرصكهما فقد كان لي فيكما رأي))(30)، بينما ذكر ابن أبي الحديد بأنهما حينما قدما على الإمام (عليه السلام) طالبين منه إسناد أي ولاية كانت دون تحديد بقولهم:

ص: 242

((يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها، وعلمت رأي عثمان كان في بني أمية، وقد ولاك الله الخلافة من بعده، فولنا بعض أعمالك)) فطلب الإمام (عليه السلام) منهما أن يمنحانه بعض الوقت للنظر في الأمر مشيراً إلى أنها لا يصلحان للولاية لأنهما أصلاً لم يكونا من الموالين العارفين بحقه من أصحاب النوايا الحسنة و ليس من الطائعين بقوله: ((واعلما إني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه و أمانته من أصحابي و من قد عرفت دخيلته)) فانصرفا عنه(31). فطلحة و الزبير لم يكونا مؤهلين للولاية لأنهما طلبا الولاية بأنفسهم وهذا فعل مكروه عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و الإمام علي (عليه السلام)(33)، كما أنهما ليسا من أنصار أو أتباع الإمام (عليه السلام)(33).

والمهم في الأمر أنه لم تتحقق رغبة طلحة والزبير و طمعهما في الولاية كما لم يستجب الإمام (عليه السلام) لطلبهما في أخذ مشورتهما بقولهما: ((.. أعطيناك بیعتنا على أن لا تقضي الأمور دوننا و أن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا..))(34)، فكان جواب الإمام (عليه السلام) لهما بعدم حاجته لأخذ رأيهما لأنه يعتمد في الأمور على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله: ((.. فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه واتبعته ولم احتج إلى أرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بیانه ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه..))(35).

والجانب الآخر والأكثر تأثيراً وأعظم وقعاً في النفوس والداعي للسخط والتذمر ذلك المتمثل في الإصلاح المالي الذي قام به الإمام علي (عليه السلام) في استرداد القطائع والأموال لبيت المال وفي أتباع سياسة التسوية في العطاء وقد اتفق اغلب الباحثين المحدثين على أن سياسة التسوية كانت الضربة القاصمة لجميع

ص: 243

أولئك المنتفعين من سياسة المفاضلة وكانت سبباً رئيسياً للتذمر والسخط ودافعاً للتمرد والعصيان(36).

حيث إن سياسة المفاضلة ساهمت في خلق مجتمع طبقي وقد شكلت قريش في هذا المجتمع رأس الهرم فهم الذين استأثروا بالامتيازات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حسب التقسيم التفاضلي يحظون بالأولوية كونهم من العرب ومن المهاجرين وذلك منذ عهد عمر بن الخطاب(37)، وزاد الأمر أكثر في خلافة عثمان الذي سار على نهج عمر في التفضيل فأرتفع المستوى المعاشي لعدد من الإفراد من قریش أو من أقرباءه وخاصة الذين شملتهم عطايا واقطاعات عثمان مما انعكس ذلك على وصف حياتهم بالرخاء والترف(38)، إذ أسهبت المصادر في ذكر مقدار ثروات الطبقة المتنفذة، فقيل أن زيد بن ثابت(39) حين مات خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس فضلاً عن الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار(40).

وقيل أن سعد بن أبي وقاص بنی داره بالعقيق(41) فرفع سمكها ووسع فضائها وجعل أعلاها شرفات، وابتنى المقداد(42) داره بالمدينة وجعل أعلاه شرفات وجعلها مجصصة الظاهر والباطن، وخلف يعلي بن منية الأموي خمسمائة ألف دينار إلى جانب العقارات و الأملاك الأخرى بقيمة ثلاثمائة ألف دينار(43). وقيل انه ترك مالاً جزيلاً من الذهب الذي كسر بالفؤوس حتى مُجلت أيدي الرجال(44)، أما الزبير بن العوام فقد بنى داراً له بالبصرة وبنى دور في مصر والكوفة والإسكندرية(45).

وقيل كانت له أحدى عشر داراً في المدينة وبلغ ماله بعد وفاته من الثروة والعقار خمسين ألف دينار وألف عبد وآمة، وغيرها من الأملاك والأموال التي تضاربت بشأنها المصادر(46)، وروي أن طلحة بن عبيد الله كان له قصر في الكوفة يطلق عليه اسم ((دار الطلحيين)) وبلغت غلة مزارعه في العراق كل يوم ألف

ص: 244

دینار، فضلاً عن داره بالمدينة التي بناها بالأجر والجص والساج(47) وضياع كثيرة واقطاعات تدر عليه عشرة ألاف كل سنة، وخلف ألفي ألف درهم ومائتين ألف درهم وغيرها من الأرقام الباهظة(48)، ويكفي للإشارة إلى أموال بني أمية قاطبة للاستدلال بقول معاوية: ((أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، و أما عمر فإرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان فأصاب منها، وأما نحن فتمر غنا فيها ظهراً لبطن))(49). ومقابل ذلك كله كانت هناك طبقات مسحوقة تمثل الأعم الأغلب من الرعية فكان ذلك مدعاة إلى ظهور الصيحات المدوية والمواقف الجريئة لبعض الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبي ذر(50) الغفاري(51) وغيره(52).

ومن ذلك العرض الموجز نلحظ أمرين الأول أهمية تفعيل سياسة التسوية من قبل الخليفة الجديد الذي عبر عن ضرورة فعل ذلك حتى قبل توليه الخلافة بقوله: ((والله لئن وليتها لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة))(53)، أي لأزيلهم کما یزیل عامل اللحام التراب عن الحديد بواسطة النار(54)، وحال توليه الخلافة أعلن الإمام (عليه السلام) إن التميز الطبقي الذي رفع من لايستحق وخفض من يستحق قد حان الوقت لتصفيته بقوله: ((والذي بعث محمداً بالحق انه لابد أن يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلکم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا ارتفعوا))(55)، والأمر الثاني هو حجم التذمر والاستياء الذي انتاب أولئك المتضررين من خلافة الإمام علي (عليه السلام) وإجراءاته، والذين عبروا عنه خلال مناظراتهم مع الإمام (عليه السلام) حيث ذكر أن أفاضل الصحابة نقلوا للإمام علي (عليه السلام) استياء طلحة والزبير من إجراءاته فأرسل إليهما عمار بن یاسر(56) وعبد الرحمن بن حسيل (57) لاستدعائهما فقال لهم: ((..نشدتکما الله، هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها وأنا کاره لها، قالا:نعم، فقال:

ص: 245

غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتهالي بيعتكما وأعطيتاني عهد کما، قالا: نعم، قال: فيما دعاکما بعد إلى ما أرى؟ قالا: أعطيناك بیعتنا على إلا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا وان تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر وتمضي الحکم بغیر مشاورتنا ولا علمنا))(58)، وهنا أعلنا عن تذمرهما واستيائهما إزاء إجراءات الإمام (عليه السلام) ولا سيما في الجانب المالي، وقد كان جواب الإمام علي (عليه السلام) يؤكد على التسوية وتطبيق العدالة إذ لم يكن ظالماً بالإشارة إلى مالهم من الفضل بقوله (عليه السلام): ((لقد نقمتهما يسيراً وأرجأتما كثيراً، فاستغفرا الله يغفر لكما إلا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لکما فضلمتكما إياه؟ قالا: معاذ الله، قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله، قال: افوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجعلته أو ضعفت عنه؟ قالا: معاذ الله، قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟))(59).

وأمام تلك الحجج التي قدمها الإمام (عليه السلام) ما كان لهما سوى الإعلان عن تحديد سبب استيائهم الذي يكمن في سياسة التفضيل بشكل خاص القولهم: ((خلافك عمر بن الخطاب في القسم، انك جعلت حقنا في القسم کحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لايماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً، ممن الايرى الإسلام إلا كرهاً..))، فرد عليهم الإمام (عليه السلام) بأنه تولى الخلافة دون رغبة منه ولكنه خشى اختلاف الأمة لذا فانه استند في حكمه على كتاب الله والسنة وسياسة التسوية كانت متبعة من قبل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله: ((.. وأما القسم والأسوة فان ذلك أمر لم احكم فيه بادئ بدء! قد وجدت

ص: 246

أنا وأنتما رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكیم حميد.))، ثم اخذ الإمام (عليه السلام) بالرد على ما زعموه في أموال الفيء وهو في ذلك لم يختلف عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وما كان يفعله بقوله: ((.. فقديماً سبق إلى الإسلام قوم نصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في القسم، ولا أثرهم بالسيف، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم..))(60).

فالإمام (عليه السلام) يستند على القرآن الكريم والسنة النبوية فأيهما أحق بالاقتداء أسيرة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أم سيرة عمر بن الخطاب؟، بل إن الإمام (عليه السلام) أبدى دهشته واستغرابه ممن تركوا سنة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) واكبوا على سيرة أو سنة غيره بقوله: ((العجب مما اشر أبت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله والتسليم له في شيء أحدثه..)) وقال: ((العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئاً فشيئاً وباباً باباً ثم يرضون ولا ينكرون بل يغضبون له ويعتبون ويتخذون أحداثه سنة وديناً ويتقربون بها إلى الله..))(61).

وقد تجسدت مواقف طلحة والزبير في إعلان السخط من الإمام علي (عليه السلام) بقول الزبير في ملا من الناس: ((هذا جزاؤنا من علي: أقمنا له في أمر عثمان حتى قتل، فلا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه وقال طلحة أيضا»: ((ما اللوم إلا علينا، كنا معه أهل الشورى ثلاثة، فكرهه احدنا - يعني سعداً - وبايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا ترجو غداً ما اخطأناه اليوم))(62)، أي أنهما أقرا بدورهما في

ص: 247

التحريض على قتل عثمان وبنفس الوقت فأنهما حملا الإمام علي (عليه السلام) مسؤولية المشاركة في التحريض على قتله أيضا»، وهم بذلك يحاولون إلقاء تهمة باطلة على الإمام (عليه السلام) لتصعيد الموقف من مجرد التذمر والاستياء إلى التمرد تحت ذريعة المطالبة بالثأر لعثمان کما سیتم إيضاحه فيما بعد(63).

أما موقف الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم في التعبير عن استيائهم فقد تجسد في قدومهم للإمام علي (عليه السلام) وتحدث الوليد بن عقبة نيابةً عنهم بقوله: ((يا أبا الحسن، إنك قد وترتنا جميعاً أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس، وأما سعید فقتلت أباه يوم بدر في الحرب، وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه، ونحن أخوتك ونظراؤك من عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان، وان تقتل قتلته، وإنا إن خفناك تركناك، فالتحقنا بالشام..)(64)، وهذا الموقف لا يخلو من التهديد باتخاذ الخطوة الثانية وهي التمرد والعصيان من خلال الانضواء مع معاوية.

2 - العصيان والتمرد المسلح

لقد تفاقم الوضع حين لم يتراجع الإمام علي (عليه السلام) عن قراراته التي بدأ بتنفيذها فعلياً دون الامتثال للضغوطات السياسية والتهديدات الصادرة عن أولئك المتذمرين أن بدأت المرحلة الثانية والحاسمة في المعارضة والخروج عن الطاعة بإعلان العصيان والتحريض عليه إيذانا» يبدأ التمرد العسكري ومواجهة إجراءات الإمام (عليه السلام) تلك بالسيف والقتال، متخذين من حادثة مقتل عثمان ذريعة لإشعال نار القتال بعد أن لعبو بأوراق خاسرة في السخط والتذمر وتقديم المطالب المشروطة وما إلى ذلك، ولعل أول من أعلن عصیانه دون أية

ص: 248

مقدمات کان معاوية بن أبي سفيان حينما رفض الامتثال إلى أمر الإمام علي (عليه السلام) بعزله عن ولاية الشام، ومبايعته بالخلافة، كما انه رد الوالي الجديد ورفض تسليمه ولاية الشام(65)، وبهذا الإجراء يكون قد عصى الخليفة الشرعي وخرج عن طاعته وانه أصبح على أهبة الاستعداد لخوض المواجهة العسكرية حيث لاسبيل للتعامل معه سوى السيف، فقد روي أن معاوية كتب للإمام علي (عليه السلام) يطلب منه أقراره على الشام مقابل إعلان البيعة، فرفض الإمام (عليه السلام) طلبه بقوله: ((وأما طلبك ألي الشام فاني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس))(66).

وعلى الرغم من ذلك فان الإمام (عليه السلام) اتبع معه أسلوباً سلمياً في بداية الأمر بالاعتماد على المكاتبات والرسل للتوسط في الأمر والحصول على بيعة معاوية وأهل الشام ومن ذلك إرسال جریر بن عبد الله البجلي(67) إلا أن سفارة جرير باءت بالفشل حيث طلب معاوية تقديم الطاعة والبيعة مقابل إقراره على الشام وان يكتب له الإمام علي (عليه السلام) جباية مصر وفي حالة وفاة الإمام (عليه السلام) لايصبح لأحد بعده حق في مبايعته أي أن لا يجعل الإمام (عليه السلام) لأحد بعده في عنق معاوية بيعة وان يختار من أمره ما يحب، إلا إن الإمام (عليه السلام) رفض الاستجابة لمطالب معاوية وكتب لجرير قائلاً: ((.. ولم یکن الله ليراني اتخذ المضلين عضداً)) ثم أردف ذلك بالقول: ((فان بايعك الرجل، وإلا فاقبل والسلام))(68)، وجاء إن الإمام (عليه السلام) کتب لجرير: ((إذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الحزم، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فان اختار الحرب فانبذ إليه، وان اختار السلم فخذ بيعته))(69)، ولكن يبدو أن جرير لم يكن حازما» ولم يكن سفير ذات ثقة وحريص على من ارسله رغم

ص: 249

المدة الطويلة التي بقى فيها في بلاد الشام، والتي قدرت بثلاثة اشهر(70) في حين ذهب ابن أعثم الكوفي انها بلغت اربعة اشهر(71)، وهذا الامر دفع احد الباحثين المحدثين الى تقدير المدة ب(83) يوم معتمدا» على دخول الامام علي(عليه السلام) للكوفة وخروجه منها الى معركة صفين، ووضح ان هذه الفترة الطويلة ساعدت معاوية بان يرتب اموره ويحصن نفسه ويجمع انصاره ومنهم عمرو بن العاص الذي ارسل في طلبه، واكد ان دليل خيانة جرير للإمام علي (عليه السلام) عدم رجوعه عندما سمع رد معاوية وعلى الملاء عندما خطب باهل الشام معلنا» الحرب، وان بقاء جرير لدى معاوية طول هذه المدة تمنع الامام علي (عليه السلام) ((من اتخاذ اي قرار لان رسوله لم يرد جواب معاوية بالدخول في البيعة او الحرب وهذا زاد من قوة معاوية واهل الباطل وضعف من موقف علي (عليه السلام) واهل الحق))(72). وهذا الراي يبدو مقبولا» خاصة وان هناك مواقف متعددة لجرير لا تصب في مصلحة خلافة الامام علي (عليه السلام) سواء قبل سفارته او بعدها(73).

وعلى كل حال وصلت المباحثات الى طريق مسدود، إذ أعطى معاوية للإمام (عليه السلام) الحجة في مقاتلته وهذا ما كان يرجوه، فضلاً عن استخدام معاوية لقميص عثمان حجة أخرى لخوض القتال(74)، وبهذا نجح معاوية في تبرير موقفه وإطماعه في نيل الخلافة بالاعتماد على المكر والخداع والدسائس. وقبل الإشارة إلى الأساليب التي اتبعها معاوية في الخداع والحيلة وصولاً لشن القتال المسلح لابد من الإشارة إلى جذور مطامع بني أمية بشكل عام ومعاوية بشكل خاص في الخلافة فكان حلم قديم راود بني أمية تغلغل في نفوسهم منذ وفاة عمر وترشيح عثمان ضمن الستة من أهل الشورى إذ بذل الأمويين جهوداً دعائية كبيرة لإنجاح عثمان وإيصاله للخلافة حيث لعبت العلاقات القبلية والمصاهرات والتحالفات

ص: 250

دوراً في إيصال عثمان للخلافة(75).

حتى وذكر المسعودي انه عندما بويع عثمان بالخلافة ودخل داره ومعه بنو أمية قال أبو سفيان: ((أفيكم احد من غيركم؟ وقد كان عمي، قالوا لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت ارجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان وساءه ما قال، ونمى هذا القول للمهاجرين والأنصار..))(76)، فكان وصول عثمان للخلافة قد مهد الطريق لنقل الخلافة لبني أمية بإطلاق يد معاوية في الشام وتقريب أقاربه بالمناصب الإدارية، وكان حصار عثمان فرصة ذهبية بالنسبة لمعاوية الذي اظهر تأييده لعثمان واستعداده لإرسال جند الشام، إلا انه لم يتحرك في تقديم أي مساعدة ولم يبعث إليه احد(77)، حتی أن عثمان عرف نوايا معاوية فبعث إليه يستعجله بإرسال المدد فجاء ومعه اثنا عشرة ألف مقاتل تركهم على أبواب الشام وذهب لعثمان وحده فسأله عن المدد فاعتذر بأنه قدم لأخذ رأيه فقال له عثمان: ((لا والله ولكنك أردت أن اقتل فتقول أنا ولي الثأر، ارجع فجئني بالناس فرجع فلم يعد حتى قتل))(78)، ويمكن الاستدلال بشأن خذلان معاوية لعثمان ورغبته في إيصاله لمصير مؤلم طمعاً في الحصول على الخلافة، بما دار بينه وبين عامر بن وائلة(79) من حدیث جاء فيه أن معاوية قال لعامر يوماً: ((الست من قتلة عثمان؟)) فأجابه عامر: ((لا ولكني ممن حضره فلم ينصره)) ثم سأله عامر عن سبب عدم تقديم المساعدة لنصرة عثمان، فأجاب معاوية: ((أليس طلبي بدمه نصرة له)) فضحك عامر

وقال واصفاً حال عثمان ومعاوية بقول الشاعر(80):

لا ألفينك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زاداً

ونجد مصداق ذلك في قول أبي أيوب الأنصاري(81) لمعاوية: ((أن الذي تربص

ص: 251

بعثمان وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت))(82)، ولا شك أن انصع دليل نذكره هو توقف رغبة معاوية في المطالبة بدم عثمان بعد توليه الخلافة، لذا فانه رد على أحدى بنات عثمان التي بكت أمامه مطالبة بالاقتصاص والثأر من قتلة أبيها بأنها ينبغي أن ترضى بان تكون بنت عم الخليفة على أن تكون من عامة الناس.

أما عن أساليب المكر والخداع والدسائس التي اتبعها معاوية لتحقيق مبتغاه فكانت تتمثل بجانبين، الجانب الأول هو مد جسور المعارضة لخلافة الإمام علي (عليه السلام) بتحريض الإطراف الأخرى الساخطة على أن ينتقل نشاطهم من التذمر والاستياء إلى العصيان والتمرد العسكري، حيث وصل لأسماع معاوية موقف الزبير وطلحة في المدينة بعد أن باءت محاولاتهم بالفشل في الحصول على الولاية أو الامتيازات المالية وان تكون لهم معاملة خاصة، لذا فان معاوية شعر بان الفرصة مؤاتيه له لفتح جبهة في العراق معادية للخليفة وكان في ذلك ماكراً بارعاً - حينما أوهم الزبير و طلحة بحقهما بالخلافة و بمبايعتهما على التوالي و إن لهم الحق في المطالبة بدم عثمان و إشعال فتيل القتال، حيث ذكر أن معاوية بعد أن فشل في الحصول على موافقة الإمام (عليه السلام) بإقراره على الشام بعث من جانبه كتابا للزبير و طلحة جاء فيه ((لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا و استوثقوا، كما يستوثق الجلب فدونك الكوفة و البصرة و لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين، و قد بايعت لطلحة بن عبيد الله بعدك. فاظهرا الطلب بدم عثمان، و ادعوا الناس إلى ذلك و ليكن منكما الجدّ والتشمير أظفر كما الله و خذل مناوئكما)) فلما وصل الكتاب للزبير فرح به كثيراً و اعلم به طلحة و من تلك اللحظة أظهرا مخالفة الإمام علي (عليه السلام)(84).

ص: 252

و بذلك حرك معاوية ما كان يجول في نفس الزبير و طلحة من السخط و التذمر و ما يحملانه من أطماع ليس بالولاية فقط و إنما بأوسع من ذلك أي الخلافة، و الدليل على أنهما كانا يطمعان في الخلافة فعلاً أنهما حينما خرجا للبصرة لقيا سعيد بن العاص فسألهما لمن تكون الخلافة إذا ما انتصروا فكان الجواب ((لأحدنا أينا اختاره الناس)) فقال لهم سعيد: ((بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطالبون بدمه))، فقالا: ((ندع شيوخ المهاجرين و نجعلها لأبنائهم))، فخرج عن مناصر تهم سعيد ابن العاص و آخرين عندما سمعوا قولهم(85).

فالزبير و طلحة فشلا في مداهنة الإمام علي (عليه السلام) أو كما قيل قد ((دخلهما اليأس فاستأذنا في العمرة))(86)، و قيل أنهما طلبا من الإمام (عليه السلام) الخروج من المدينة فقال لهم الإمام (عليه السلام): ((.. سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بداً فآخر الداء الكي))(87).

وهذا يعني أن الإمام (عليه السلام) كان عارفاً بنواياهم السيئة و تحذيرهم من الغدر إذ عبّر عن ذلك بشكل صريح بقوله: ((ما العمرة تريدان و إنما تريدان الغدرة و نكث البيعة)) فحلفا له، فطلب (عليه السلام) أن يعيدا البيعة فأعاداها بأشد الأيمان و المواثيق، و على الرغم من ذلك فإنه (عليه السلام) كان متأكداً من غدرهما، و حينما تركا المدينة كانا كلما لاقوا أحداً قالوا له: ((ليس لعلي في أعناقنا بيعة))(88)، فنكثا البيعة و توجها للبصرة و هذا إيذاناً يبدأ إشعال نار حرب أهلية، فاضطر الإمام (عليه السلام) إلى خوض معركة فاصلة معهم سنة (36 ه / 656 م) المعروفة بمعركة الجمل(89).

فطلحة و الزبير كانا من اشد المحرضين للخروج على عثمان، و قد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى دورهم في تألیب الناس على عثمان وادعاءهم فيما

ص: 253

بعد بالمطالبة بدم عثمان وبهذا الصدد قال الإمام (عليه السلام) عن طلحة: ((.. والله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاثة. لئن كان ابن عفان ظالماً كما كان يزعم حين حصره وألب عليه انه لينبغي أن يؤازر قاتليه وان يساند ناصريه، وان كان في تلك الحال مظلوما انه لينبغي أن يكون معه، وان كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانباً فما فعل من هذه الخصال واحدة، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته))(90)، وجاء قول الاشتر في وصف الزبير وطلحة ليؤكد دورهما في معاداة عثمان والموالبة عليه ورد فيه قوله: ((.. فان زعما أنها يطلبان بدم عثمان فليقدا من أنفسهما، فأنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه..))(91).

أما الجانب الثاني من الدور الماكر لمعاوية فكان يتمثل بإعلان التمرد داخل الشام وتحريض بني أمية بشكل خاص وأهل الشام بشكل عام على مجابهة الإمام (عليه السلام) تحت ذريعة المطالبة بدم عثمان أيضاً باعتباره صاحب الحق كونه ابن عمه، وهي حجة استخدمها معاوية لتبرير موقفه في عدم المبايعة والطاعة وان ذلك سوف لن يتم إلا بعد تمكينه من القتلة واخذ الثأر، وهذا ما أشار إليه في رسالة وجهها للإمام علي (عليه السلام) بيد أبي هريرة (92) وأبي الدرداء(93)، جاء فيها قوله: ((..وبلغني انك تعتذر من قتل عثمان وتبرئ من دمه وتزعم انه قُتل وأنت قاعد في بيتك وأنت قلت حين قتل اللهم لم ارض ولم أمال. وقلت له يوم الجمل حين نادوا يالثارات عثمان قلت: كب قتلة عثمان اليوم لوجوههم إلى النار. انحن قتلناه وإنما قتله هما وصاحبتهما وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي، وأنا ابن عم عثمان والمطالب بدمه فان كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقلتهم بابن عمنا ونبايعك ونسلم إليك الأمر))(94).

ص: 254

وقد أدرك الإمام علي (عليه السلام) ما كان يسعى إليه معاوية من أثارة الفتنة وما ينطوي عليه كلامه من مكر وحيلة ومراوغة للتشبث بالعصيان ولتأجيج الموقف كي يسفر عن حرب لا مبرر لها سوى الحصول على السلطة، لذا فان الإمام علي (عليه السلام) أجاب المبعوثين جواباً اسقط كل حجج معاوية وكذبّ مزاعمه وفضح نواياه مؤكداً على مسألة مهمة وضرورية ينبغي للإمام علي (عليه السلام) الحصول عليها إلا وهي وحدة الصف من خلال الطاعة والبيعة ليتسنى له فيما بعد النظر بقضية قتل عثمان والقصاص من قاتليه، فكيف للخليفة أن يقوم بهذه المهمة وهناك أطراف متمردة وخارجة عن الطاعة وهو ما أدلى بقوله: ((.. والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين، بعد ما يموت أمامهم أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالماً، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً، ولا يبدؤ بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم أماماً عفيفاً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم... ثم يحتكمون إليه في أمامهم المقتول ظلماً ليحكم بينهم بالحق، فان كان أمامهم قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه، وان كان قتل ظالماً نظر كف الحكم في ذلك..))(95).

ثم ينتقل الإمام علي (عليه السلام) إلى النقطة الثانية والمهمة وهي التأكيد على وصوله للخلافة باختيار الأمة ومبايعتهم له بعد أن نظروا في الأمر ثلاثة أيام بقوله: ((..أول ما ينبغي أن يفعلوه إن يختاروا أماماً يجمع أمرهم.. ويتابعوه ويطيعوه.. وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان وبايعني المهاجرون والأنصار بعدما تشاوروا بي ثلاثة أيام وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان..))(96)، وأشار إلى أن معاوية ما كان له أن يخرج عن الطاعة، وانه لا يجوز لكل من ظلم أو قتل له قتيل

ص: 255

إن يشق عصا الطاعة ويفرق جماعة المسلمين ويدعوا لنفسه ولم يغفل الإمام (عليه السلام) الإشارة إلى أصحاب الحق الشرعي في المطالبة بدم عثمان إلا وهم أولاد عثمان نفسه إذ أنهم ليسوا صغاراً ويحتاجون لوصاية معاوية أو غيره وهم وحدهم أصحاب الحق الشرعي في تحقيق حقهم بالمطالبة بدم أبيهم أما في حالة عجزهم فعليهم الإقرار بتوكيل معاوية في الأمر ولهم الحق في تقرير العقوبة الملائمة في القصاص أو اخذ الدية أو العفو، فأثنى المبعوثين على الإمام (عليه السلام) وأجابا بالقول: ((..قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة وأزحت علته وقطعت حجته وجئت بحج قوية صادقة ما عليها لوم..))(97). وعلى الرغم من ذلك كله فان معاوية رفض البيعة وأصر على العصيان حيث ذكر الهلالي العامري أن معاوية دعى طغاة أهل الشام للطلب بدم عثمان(98)، وروي أن النعمان بن بشير(99) نقل قميص عثمان الذي قتل فيه وعليه أصابع زوجته نائلة بنت الفرافصة(100) إلى الشام ووضعها بين يدي معاوية، فقام الأخير بتعليق القميص على المنبر لإثارة الناس ضد الإمام علي (عليه السلام) وتحريضهم على التمرد(101).

وبقى طرف مهم في المكر والدهاء والتآمر ضد الإمام علي (عليه السلام) إلا وهو عمر و بن العاص الذي خشى من إصلاحات الإمام علي (عليه السلام) الإدارية والمالية وأبدى استياءً منه، ولاشك انه كان يراقب سير الأحداث عن كثب فتحالف مع معاوية بضمان الحصول على الولاية والأثرة والمال حال نجاحه في الحصول على الخلافة، فقد ذكر انه حينما سمع بإجراءات الإمام علي (عليه السلام) كتب لمعاوية ((ما كنت صانع فاصنع إذا قشرك ابن أبي طالب من كل ما تملكه کما تقشر العصا لحاها))(102).

ويبدو إن الإصلاح المالي كان السبب والدافع الرئيسي لموقف عمر و بن العاص

ص: 256

وانه اعلم بهذا الكتاب تأييده لخطوات معاوية واستعداده للوقوف إلى جانبه لأنه سوف يلاقي نفس المصير من التسوية في العطاء وفي استرداد ما حصل عليه من قطائع وأموال دون وجه حق لبيت المال، وبعد أن حصل معاوية على دعم وتأييد عمر و بن العاص بعث إليه يطلب مؤازرته للعمل معاً، وحينما وصل كتاب معاوية استشار عمر و ولديه في الأمر فرفض عبد الله(103) وأيده محمد(104)، فقال عبد الله: ((باع الرجل دينه)) فقال عمر و بن العاص: ((أن عبد الله خير لي في ديني ومحمد خير لي في دنياي)) ولكن موافقة عمرو في مؤازرة معاوية كانت مشروطة بالحصول على مصر، فوافق معاوية على ذلك(105)، وبعد أن تكاملت حلقات التآمر وإزاء الفتنة التي آثارها معاوية رأى الإمام علي (عليه السلام) أن لا مفر من مواجهة الموقف بالقوة وخوض القتال لمقارعة المتمردين وإعادة وحدة الصف، فوقعت معركة صفين سنة (37 ه / 657 م)، بعد أن فشلت كل المساعي السلمية حيث أعلن الإمام علي (عليه السلام) عن استعداده لمقاتلة معاوية بقوله: ((.. وأنا قد هممنا بالسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما انزل الله، واستأثروا بالفيء، وعطلوا الحدود، وأماتوا الحق، واظهروا في الأرض الفساد، واتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين، فإذا ولي الله أعظم أحداثهم ابغضوه وأقصوه وحرموه، وإذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه، وأدنوه وبروه، وكانوا ظالمين))(106).

3 - تفرق أصحاب الإمام (عليه السلام) وجنده والتحاقهم بمعاوية

ظهر اثر سياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية بشكل كبير وواضح في تفرق العديد من أصحابه ورجاله وجنده عنه والتحاقهم بجبهة التمرد والعصيان في الشام حيث بذل معاوية جهوداً في استقطابهم أو في التحريض أصلا لترك الإمام (عليه السلام) والالتحاق بما وفّره لهم من عطايا وامتيازات لشرائهم وكسبهم

ص: 257

لصفوفه وهو أمر نبه إليه الاشتر الإمام علي (عليه السلام) مشيراً إلى أن معاوية كان يوزع الأموال في الوقت الذي لم يكن الإمام علي (عليه السلام) يفضل شريف ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل لذلك تفرق الناس عنه (107).

وعند التكلم عن اثر السياسة المالية التي اتبعها الإمام علي (عليه السلام) لابد من الوقوف على الأثر الذي تركه مبدأ التسوية في العطاء بشكل خاص والذي مثل ضربة قاصمة لفئات عديدة كانت منتفعة من المفاضلة لذا فقد تخلف بعضهم عن حضور قسمة الأموال للمرة الأولى بعد تولي الإمام (عليه السلام) الخلافة كطلحة والزبير وابن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرهم (108)، وبدئوا بالتسلل والخروج من صفوف الإمام (عليه السلام) واخذ عددهم بالتزايد يوماً بعد أخر، ولعل اقرب مثال يمكن أن نذكره بهذا الصد قدوم عدد من رجال قريش فتكلم نيابة عنهم الوليد بن عقبة مشيراً إلى مقتهم من سياسة التسوية وأنهى كلامه بالقول: ((.. وأنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام))(109).

وبعد أن علم الإمام علي (عليه السلام) بذلك فانه لم يأسف عليهم وبعث إلى عامله على المدينة سهل بن حنيف(110) يدعوه إلى عدم الاكتراث لذلك بقوله: ((أما بعد، فقد بلغني أن رجالا من قبلك يتسللون إلى معاوية، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غیا، ولك منهم شافياً، فرارهم من الهدى والحق، وايضاعهم(111) إلى العمى والجهل؛ وأنماهم أهل دنيا مقبلون عليها، ومهطعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عندنا في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعداً لهم وسحقاً! أنهم - والله - لم ينفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل..))(112)، فالإمام (عليه السلام) في

ص: 258

كتابه هذا أكد على سياسة التسوية بالتوزيع وليس للأثرة والتفضيل إذ انه (عليه السلام) لا يعطي على الاحساب أو الأنساب كما فعل غيره فهربوا إلى من يستأثر ويؤثر(113).

وحينما شعر الاشتر(114) بخطورة الأمر وان سياسة التسوية أدت إلى تفرق الناس وذهابهم للشام شرح للإمام (عليه السلام) خطورة الموقف وطلب منه بذل الأموال لغاية السيطرة على الوضع(115). إلا أن الإمام (عليه السلام) رفض الإذعان لطلب الاشتر في الانحراف عن العدالة وفي أتباع سياسة المراوغة لغرض كسب المؤيدين كما أبدى عدم تخوفه من قلة أتباعه بالتحاق العديد منهم لصفوف أعداءه، فالقلة القليلة المؤمنة قادرة على تحقيق النصر ومجابهة الباطل وهو ما عبر عنه بقوله: ((.. وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال، فانه لايسعنا أن نؤتي امرأ من الفيء أكثر من حقه وقد قال الله سبحانه وقوله الحق: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله والله مع الصابرين)(116)، وقد بعث الله محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) وحده، فكثره بعد القلة واعز فئته بعد الذلة، وان يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان الله عز وجل رضاً، وأنت من امن الناس عندي، وانصحهم لي، وأوثقهم في نفسي أن شاء الله))(117)، ونجد ابن عباس(118) أدرك هذه الحقيقة فكتب للإمام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاد والده قائلا له: ((..واعلم أن علياً (عليه السلام) أباك أنا رغب الناس عنه إلى معاوية انه آسا - أي ساوى - بينهم في الفيء وسوى بينهم في العطاء فثقل عليهم))(119)، فكانت سياسة التسوية دافعاً رئيسياً في التفرق عن الإمام (عليه السلام) والانضمام لمعاوية.

والأمر الأخر ضمن سياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية والذي ساهم في

ص: 259

تفرق أصحابه هو رفضه توزيع الغنائم في معركة الجمل على المقاتلين حيث طلبوا منه أن يقسم بينهم ذراريهم وأموالهم فقال لهم (عليه السلام): ((ليس لكم في ذلك))، فقالوا: ((كيف أحللت لنا دماءهم ولم تحل لنا سبي ذرا ريهم)) فأجاب (عليه السلام): ((حاربنا الرجال فقتلناهم فأما النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهن لأنهن مسلمات وفي دار هجرة فليس لكم عليهن من سبيل وما اجلبوا به واستعانوا به على حربكم وضمه عسكرهم وحواه فهو لكم وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله لذراريهم وعلى نسائهم العدة وليس لكم عليهن ولا على الذراري من سبيل))(120)، فهذا الأمر بالطبع ولد رد فعل قوي لدى الكثير من أولئك الذين كانوا يرغبون في الحصول على السبايا والأموال كما كانوا يحصلون عليها في السابق(121).

ولا يمكن إغفال اثر سياسة الإمام (عليه السلام) في مراقبة ولاته وعماله ومحاسبته المسيئين منهم ولاسيما أولئك الذين تجاوزوا على أموال بيت المال وحقوق الرعية في أظهار التذمر من الإمام (عليه السلام) وفي تفرقهم عنه والتحاقهم بمعاوية كنا مر بنا(122).

کما تفرق العديد من الوجهاء والإشراف عن الإمام (عليه السلام) بسبب شدته في تطبيق العدالة والتسوية في المعاملة وإقراره للحق الذین هم له كارهون(123)، وهذا الأمر أكده طارق النهدي(124) الذي هرب مع عدد من أبناء قومه من اليانيين لمعاوية بعد أن فشلوا في التوسط لدى الإمام (عليه السلام) في عدم إقامة الحد على الشاعر الحارث النجاشي(125) وحبسه لشرب الخمر في شهر رمضان، فأثار ذلك غضب النهدي بقوله للإمام (عليه السلام): ((.. ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة، وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل

ص: 260

سيان في الجزاء، حتى رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا، وشتت أمورنا، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار.))(126)، فالنهدي اخطأ في معرفة عدالة الإمام (عليه السلام)، ظنا منه أن الذين بايعوا الإمام (عليه السلام) وابدوا خلافته سوف تصبح لهم مكانة ونفوذ ومفاضلة في المعاملة وبعكس ذلك أولئك الذين تمردوا وخرجوا عن الطاعة، وعلى الرغم من ذلك فان النهدي أكد لمعاوية أن تركه للإمام (عليه السلام) لم يكن سوى لشدته في الحق وبذلك صرح قائلاً: ((فلم يكن رغبة من رغب عنهم، وعن صحبتهم، إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولوعورته حیث سلكوها غلبت عليهم دنیا مؤثرة، وهوى متبع، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. فلقد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الايهم(137)، فراراً من الضيم، وأنفا» من الذلة.. فلا تفرحن يا معاوية أن نحن شددنا نحوك الرحال وأوضعنا أليك الركاب))(128)، وحينما بلغ الإمام (عليه السلام) قول النهدي قال: ((لوقتل النهدي يومئذ لقتل شهید..))(129)، لأنه قال كلمة حق عند سلطان جائر وهي أعظم من الجهاد(130)، فالنهدي لم يهرب لمعاوية لان الحق معه وإنا هرب لمرارة الحق التي لم يستطع تجرعها.

وتبقى نقطة جديدة بالوقوف عليها ألا وهي مسألة خروج عقيل بن أبي طالب(131) للشام والتحاقه بمعاوية بعد إن امتنع الإمام (عليه السلام) من أعطائه مبلغاً من المال، فالروايات تتضارب بشأن وقت خروجه هل كان عهد الإمام (عليه السلام) أم بعد وفاته، حيث روي إن معاوية أراد استغلال مجيء عقيل إليه للطعن في الإمام (عليه السلام) لذا فانه أعدله منبراً، وطلب منه أن يمدحه فقال عقيل (عليه السلام): ((أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً (عليه السلام) على دینه فاختار دينه، وأردت معاوية على دينه فاختارني على دينه..))(132)، وجاء أن

ص: 261

عقيل (عليه السلام) هرب لمعاوية وشارك في صفين إلا أنه لم يقاتل ولم يترك نصح أخيه والتعصب له حيث ذكر أن معاوية قال يوم صفين: ((لا نبالي وأبو يزيد معنا)) فقال عقيل (عليه السلام): ((وقد كنت معكم يوم بدر فلم اغني عنكم من الله شيئاً))(133)، وهنا شبه عقیل (عليه السلام) معاوية وجيشه بالكفار الذين حاربوا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في معركة بدر.

وهناك روايات تؤكد أن خروج عقيل (عليه السلام) کان بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وانه لم يترك أخاه طوال خلافته، مستدلين بالكتاب الذي بعثه عقیل (عليه السلام) للإمام (عليه السلام) في أواخر خلافته أو على وجه الدقة بعد غارة الضحاك بن قيس الفهري (134) سنة (39 ه / 659 م)، وجواب الإمام (عليه السلام) عليه حيث جاء في كتاب عقيل (عليه السلام) قوله: ((.. فان کنت تريد حملت إليك بني أخيك وولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك إذا مت، فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقاً، واقسم بالأعز الأجل، أن عیشًا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنيء ولا نجيع))(135).

ورأى احد الباحثين المحدثين أن حديث التحاق عقيل (عليه السلام) بمعاوية كان من موضوعات الأمويين بقصد الطعن بالإمام علي (عليه السلام) وبأخيه عقيل (عليه السلام) وموقف آل عقيل المناصر للحق والعدالة في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) المباركة سنة (61 ه / 680 م)، ولاشك أن يكون الحوار المنسوب لعقيل (عليه السلام) مع معاوية قد حدث بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام)(137)، حيث ظل عقيل (عليه السلام) مخلصاً وموالياً لأخيه ومدافعاً عنه حتى بعد استشهاده، فقد طلب منه معاوية أن يصف معسكر الإمام (عليه السلام) مقارنة بعسكره فمدح عقيل (عليه السلام) عسكر أخيه وذكر انه كان

ص: 262

يضم الكثير من أهل بدر وانه يشبه عسكر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وأما عسکر معاوية ففيه المنافقين(137)، وكان عقيل (عليه السلام) مدافعاً عن أخيه في الكثير من المواقف الأخری(138).

ولم تقف معاناة الإمام علي (عليه السلام) في فترة خلافته المباركة عند حد هروب الخونة وأصحاب المنافع الدنيوية وممن لا يستطيع تحمل شدة الحكومة الإلهية العادلة وتحمل مرارة الحق عند ذلك، وإنما نجد مسألة مهمة أخرى وهي عدم طاعة أغلب أفراد جيش الإمام (عليه السلام) وأصحابه له رغم انه على الحق، في حين نجد في جیش معاوية وأصحابه الطاعة العمياء رغم انه على الباطل، فهناك الكثير من الخطب للإمام علي (عليه السلام) مع أفراد جيشه يحثهم فيها على الجهاد ومقارعة الأعداء، فلم يجد منهم إلا التباطؤ والتخاذل فكانوا نفوس موحدة وقلوب مشتتة(139). منها قوله (عليه السلام) في أحدى الغارات التي شنها جيش معاوية على أطراف دولة الإمام علي (عليه السلام): ((فيا عجباً عجباً، والله يمت القلب، ويجلب الهم، من اجتماع هؤلاء على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً(140) حيث صرتم غرضاً یرمی، يغار علیکم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حماره الغيظ(141)، أمهلنا ينسلخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صباره القر(142)، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فانتم والله من السيف افر! یا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لو وددت أني لم أراكم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندماً وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نُغب() التهام أنفاسا»،

ص: 263

وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان... ولكن لا رأي لمن لايُطاع))(143)، وقال (عليه السلام): ((أنكم والله لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات، واني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكني لا أری أصلا حكم بإفساد نفسي، اضرع إلى الله خدودكم، وأتعس جدودكم! إلا تعرفون الحق کما تعرفون الباطل، ولا تبطلون الباطل كأبطالكم الحق))(144). وهذين النصين يدلان على مدى معاناة الإمام (عليه السلام) مع أفراد جيشه والحجج الواهية التي كانوا يتحججون بها من اجل ترك واجبهم المقدس في الدفاع عن دولتهم والانصياع لأوامر خليفتهم.

في حين نجد الطرف الأخر وهم أصحاب معاوية وجيشه أكثر طاعة وتنفيذاً للأوامر رغم أن أميرهم كان عاصياً لله على حد تعبير الإمام (عليه السلام)(145)، والأمثلة على تلك الطاعة متعددة، منها قول النعمان بن بشير لمعاوية عندما أراد أن يرسل جيش ليغير على عين التمر(146): ((ابعثني فان لي في قتالهم نية وهوی))(147)، وقول عبد الله بن الحضرمي(148) لمعاوية: ((أنا سهم في كنانك، وأنا من قد جربت، وعدو أهل حربك، وظهرك على قتلة عثمان، فوجهني إليهم متی شئت))(149)، أي إن هناك تحمس من هؤلاء المرتزقة لأوامر أميرهم العاصي لله تعالى، مقابل تخاذل وتباطؤ عن نصرة أمام الحق والخليفة الشرعي، فما هي يا ترى الأسباب التي دعت إلى ذلك الموقف العجيب؟.

توجد هناك عدة أسباب لهذا الموقف منها ما ذكرناه سابقاً من سياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية وشدته في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها وعدم التساهل في أدنی تجاوز عليها، وحتى ولو كان ذلك المتجاوز اقرب الناس إليه، وفي مقابل ذلك تساهل معاوية وتجاوزه على أحكام الشريعة الإسلامية في سبيل الملك و الحكم لا من اجل تثبيت أركان الدين الإسلامي والدليل على ذلك

ص: 264

قول معاوية: ((أني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا أنكم لتفعلون ذلك. ولكن قاتلتكم لأتأمر عليکم وقد أعطاني الله ذلك وانتم له کارهون))(150)، والسبب الأخر ما بينه الجاحظ في علة عصيان أهل الكوفة وطاعة أهل الشام بقوله: ((أن أهل العراق أهل نظر وذوا فطن ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع البحث والتنقيب يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال، والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء. وأهل الشام ذو بلادة وتقليد وجمود على رأي واحد؛ لايرون النظر، ولا يسألون عن مغيب الأحوال. وما زال العراق موصوفاً أهله بقلة الطاعة، وبالشقاق على أولي الرئاسة))(151)، أي أن الطبيعة النفسية والعقلية لأهل العراق تجعلهم دائمي الاستفسار والسؤال بعكس أهل الشام الموصوفين بالجمود والبلادة وهذا ما أكده الإمام علي (عليه السلام) لواليه على مكة قثم بن عباس(152) واصفاً آهل الشام بقوله: ((.. العمي القلوب، الصم الإسماع، الكمه الإبصار، الذين يلبسون الحق بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق، ويحتلبون الدنيا درهما بالدين، ويشترون عاجلها بأجل الإبرار المتقين..))(153)، وهناك الكثير من الروايات التي تدل على غباء وجمود أهل الشام كصلاة معاوية فيهم صلاة الجمعة في يوم الأربعاء وكادعاء الشامي على الكوفي بأنه سرق جمله وهو ناقة واقر ذلك معاوية(154).

ويضاف إلى ذلك الحملات الدعائية العشواء التي قام بها معاوية ضد الإمام علي (عليه السلام) وغسل أدمغة أهل الشام، الذين لم يكونوا يعرفون من الإسلام إلا الرسول (صلى الله عليه وآله) وان معاوية خال المؤمنين لان أخته أم حبيبة(155) زوجة الرسول (صلى الله عليه واله) وانه كاتب الوحي، وأن بني أمية وعثمان كان لهم الدور الكبير في الإسلام، ذلك التعتيم الإعلامي جعل هؤلاء لا يعرفون من

ص: 265

هو الإمام (عليه السلام) وكل ما يعرفونه عنه انه يجسد الخلفاء وقام بقتل عثمان، والدليل على ذلك ما ذكرته المصادر أن معاوية أرسل کتاب للإمام (عليه السلام) يبين فضائله المزعومة، فأجابه الإمام (عليه السلام) بكتاب يبين فيه فضائله و دوره في الإسلام مع أقربائه فأمر معاوية أصحابه بقوله: ((اخفوا هذا الكتاب لايقرؤه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب))(156)، بل أن أعلامه المغرض أوهم أهل الشام أن الإمام (عليه السلام) لايصلي، فقد ذكر انه عندما استشهد الإمام (عليه السلام) في محرابه استغرب أهل الشام من ذلك، لذلك نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أشار إلى ما ذكرناه أنفا» بقوله: ((..جمعوا من كل أوب، وتلفظوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب، ويعلم ويدرب، ويولي عليه، ويؤخذ على يديه، ليسو من المهاجرين والأنصار))(157).

وهناك سبب أخر أشار إليه الإمام علي (عليه السلام) عندما أجاب على سؤال وجهه إليه عبيدة السلماني(158) عن سبب عزوف الناس عنه وعدم طاعته کما کانوا يفعلون ذلك مع أبي بكر وعمر بان ذلك يعود لتغيير طبائع الناس مع تغيير الظروف التي واكبت عهده(159).

وعلى الرغم من تلك الأسباب التي ذكرناها أنفا» كانت أسباب مهمة في عدم الطاعة، إلا أن هناك سبب مهم جداً أغفله الكثير، وهو أن الأغلبية من أهل الكوفة وجنده لم يكونوا ينظرون للإمام (عليه السلام) بأنه الوصي والولي المأمور بطاعته من قبل الله تعالى ومن قبل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وإنما كانوا ينظرون للإمام (عليه السلام) بأنه الخليفة الرابع حسب الترتيب وانه إنسان عادي كغيره ممن سبقه، لذلك كانوا يعترضون عليه ويؤذوه، فقد ورد أن الإمام (عليه السلام) وبخ أصحابه في أحدى الغارات وذكرهم بالرسول (صلى الله عليه واله

ص: 266

وسلم) وبأصحابه قام إليه أحد الأشخاص وقال له: ((ما أنت كمحمد ولا نحن أولئك الذين ذكرت، فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به..))(160)، فهم لاينظرون له نظرة المؤمنين بولايته والمجاهدين من اجلها، وهذا بالطبع عائد لطول الفترة التي مرت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وتسلم الخلافة أشخاص غيره، فإقرار المجتمع بالوصية والولاية أمر مهم جداً حتى يمتثلوا لأوامره وتوجيهاته ولأهميتها نرى بان الإمام (عليه السلام) يوصي رفاعة بن شداد(161): ((لاتستعمل من لايصدقك ولا يصدق قولك فينا وإلا فالله خصمك وطالبك))(162).

لذلك نجد أن الطاعة العمياء للإمام (عليه السلام) متمثلة بمجموعة من أصحابه الخاص الذين كانوا يشهدون بأنه الولي والوصي والمنصب من قبل الله تعالى وانه يجب أن يتسلم الخلافة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وعدوا من اخذ الخلافة غاصب لها كالأنصار وغيرهم من أصحابه الخلص(163)، فنجد أن المؤمن بأحقية الإمام (عليه السلام) حتى وان تعرض لعقوبات فانه لايهرب إلى معاوية أو يعصي أوامر الإمام (عليه السلام) و نجد ذلك واضح من قول نعیم بن دجاجة(164) للإمام (عليه السلام) عندما أمر بضربه ((يا أمير المؤمنين أن المقام معك لذل، وان فراقك لكفر))(165)، وهذا يدل على صعوبة تطبيق المبادئ التي يريدها الإمام (عليه السلام) من جهة، وإقراره بأحقيته وولايته من جهة أخرى، لذلك فان الابتعاد عنه يعد کفراً وخروجاً على الإيمان.

وعلى العموم فان الإمام علي (عليه السلام) لم يكترث لتفرق الناس من حوله والتحاقهم بعدوه وعدو الإسلام معاوية، وهو بذلك يقول: ((لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، ولا تحسبن ابن أبيك - ولو أسلمه الناس - متضرعاً متخشعاً ولا مقراً للضيم واهناً، ولا سلس الزمام للقائد، ولا

ص: 267

وطئ الظهر للراكب المتعقد، ولكنه كما قال اخو بني سليم:

فأن تسألني كيف أنت فأنني *** صبور على ريب الزمان صليب

يعز عليّ أن ترى بي كآبة *** فيشمت عاد أو يساءُ حبيب)(166).

الخاتمة:

بسم الله أوله وأخره حمدا» كثيرا» وأصلي واسلم على نبي الرحمة محمد واله الطيبين الطاهرين المعصومين، لقد توصلت الدراسة إلى النقاط التالية:-

لقد جاء الامام علي (عليه السلام) بمنهج اصلاحي متكامل للدولة الاسلامية التي فقدت فيها مقومات العدالة في الفترة التي تلت استشهاد الرسول (صل الله عليه واله وسلم)، وخاصة في فترة حكم عثمان بن عفان الذي منح خيرات الدولة إلى اقاربه وغيرهم ممن سار بركاب السلطة.

أثبتت الدراسة مدى أثر السياسة الإدارية والمالية التي انتهجها الإمام علي (عليه السلام) على ظهور جبهات المعارضة التي شكلتها الفئات المتضررة وأصحاب المصالح والمطامع السياسية، حيث اتخذت المعارضة أسلوب التمرد والعصيان وصولاً إلى المواجهات العسكرية وخوض القتال.

للأسف الشديد لم يكن معارضي الامام علي (عليه السلام) متوقف على انصار السلطة السابقة، وانما تفرق عن الامام علي (عليه السلام) بعض المحسوبين عليه بسبب الطمع في الاموال او الحصول على المناصب والحرب الى معاوية وهذا لا يتناسب مع فكر الامام علي (عليه السلام) السياسي والاداري والمالي.

والبعض منهم لم يهربوا بسبب ماذكرنا وانا بسبب عدم تحملهم لطريق الحق الذي يمثله الامام علي (عليه السلام)، حتی وصف احدهم هروبه انه

ص: 268

بسبب ((مرارة الحق)).

هوامش البحث:

(1) اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي (تحقيق: العلامة محمد صادق ال بحر العلوم الطباطبائي، النجف الاشرف / 1939)، ج 2، ص 125، ص 15؛ المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر (تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط - 3، القاهرة / 1958)، ج 2، ص 344، ص 246؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة (تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهیم، ط - 1، بيروت / 1987)، ج 5، ص 11 - 12.

(2) للاستزادة ينظر. ابن سعد: الطبقات الكبرى (تحقيق: محمود ابراهیم زايد، ط 10، بیروت د:ت)، ج 3، ص 64؛ ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء تحقيق: علي شري، بيروت / 1990)، ج 1، ص 50؛ اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 159؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 199.

(3) الروقة بالضم حسان جمع رائق، وغلام وجارية روقة وهي أيضا الشيء اليسير والجميل، وبالفتح الجمال الرائق. ينظر الفيروز آبادي: القاموس المحيط (د: م / د: ت)، ص 1147.

(4) الكليني: الأصول من الكافي (صححه وعلق عليه: علي اکبر الغفاري، ط. 6، طهران / 1998)، ج 8، ص 39؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 37.

(5) للاستزادة عن ذلك ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3، ص 71؛ ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة، ج 1، ص 62 - 64؛ البلاذري: انساب الأشراف (تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط - 2، قم المقدسة / 1995)، ص 206؛ اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 153، 158، 161؛ الطبري: تاريخ الأمم و الملوك (تحقیق وتعليق الاستاذ. عبد أ. علي مهنا، ط - 1، بیروت/ 1998)، ج 4، ص 16، 125، 199 - 1998؛ ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم المنتظم في تاريخ الملوك والامم (تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا، ط 10، بیروت / 1992)، ج 5، ص 44، ص 65؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ ( تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي، ط. 2 بیروت / 1995)، ص 284؛ ابن أبي الحديد المعتزلي:شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 39، ص 41 - 84؛ ابن كثير: البداية والنهاية (تحقيق: د. فالح حسين، ط -

ص: 269

1، بیروت / 1987)، ج 7، ص 188.

(6) ينظر. العيساوي، علاء كامل صالح: الإصلاح الإداري في عهد الإمام علي (عليه السلام) الرقابة والمكافاة في العمل الاداري انموذجا (بحث غير منشور)، ص 1 - 10.

(7) للاستزادة ينظر. اليعقوبي : تاریخ، ج 2، 170 - 171؛ ابن أبي الحديد المعتزلي:شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 38؛ النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب (تحقیق: محمد رفعت فتح الله، مراجعة: ابراهيم مصطفى، القاهرة / 1975) ج 11، ص 92؛ الحر العاملي: وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة (تحقيق: مؤسسة اهل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث، ط. 1، قم المقدسة / 2003) ج 15، ص 107..

(8) للاستزادة ينظر. ابو يوسف: الخراج (د: م / د:ت)، ص 232؛ الضبي الاسدي: الفتنة ووقعة الجمل (تحقيق: احمد راتب عرموش، ط - 1، بيروت / 1971) ص 181؛ الطبري: تاریخ الأمم، ج 4، ص 250؛ ابو حنيفة الدينوري: الإخبار الطوال (تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة / 1959)، ص 151؛ المغربي: دعائم الإسلام (القاهرة / 1965)، ج 1، ص 395.

(9) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 362.

(10) نهج البلاغة (ضبط نصه ونظم فهارسه العلمية د. صبحي الصالح، ط - 2 بیروت / 1982)، ص 57؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 269؛ محمد عبده: شرح نهج البلاغة (القاهرة / د:ت)، ج 1، ص 46.

(11) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 269.

(12) أبو محمد، طلحة بن عبيد الله بن عثمان ابن عمروا التيمي. من أوائل المسلمين اشترك في حروب الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بایع الإمام (عليه السلام) ثم نكث وخرج مع المتمردين في معركة الجمل قتله مروان ابن الحكم في نفس المعركة سنة (36 ه / 657 م) ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3 ص 244 - 250؛ ابن الجوزي :صفوة الصفوة (تحقيق: محمود فاخوري و د. محمد رواسي قلعة جي، بيروت / 1979)، ج 1، ص 336 - 361: الذهبي: تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والاعلام (القاهرة / 1968)، ج 2، ص 163 - 166.

(13) أبو عبد الله، الزبير بن العوام بن خویلد بن أسد بن عبد العزی بن قصي بن كلاب

ص: 270

القرشي الاسدي، اسلم في بداية الدعوة الإسلامية اشترك في جميع حروب الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بایع الإمام علي (عليه السلام) ونکث بیعته وخرج عليه في معركة الجمل قتله ابن جرموز بعد انسحابه في سنة(36 ه / 657 م) ينظر. البلاذري: انساب الإشراف، ص 161 - 170؛ ابن الجوزي: صفوة الصفوة، ج 1، ص 362 - 355، الذهبي: سير أعلام النبلاء (تحقیق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعیم العرقسوسي، بيروت / 1993)، ج 2، ص 153 - 158.

(14) أبو عمرو، سعید بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، قتل والده يوم بدر کافراً على يد الإمام علي (عليه السلام)، نشأ في حجر عثمان - اشترك في الفتوحات الإسلامية وتولى الكوفة لعثمان والمدينة المنورة لمعاوية ثم عزله توفي سنة (53 ه / 673 م) وقيل سنة (59 ه / 679 م) ينظر. ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 5، ص 96 - 289؛ الذهبي تاريخ الإسلام، ج 2، ص 286 - 289؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 8، ص 83 - 87؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة (تحقيق: علي محمد البجاوي، ط. 1، بيروت / 1992)، ج 3، ص 107 - 108.

(15) ابو وهب الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن ابي عمروابن امية بن عبد شمس وامه اروی بنت کریز من بني عبد شمش وهو اخو عثمان في ال رضاعة، ولاه الكوفة ثم عزله بعد آن شرب الخمر وصلى صلاة الصبح باربع ركعات، وصف بالفسق. توفي في الرقة. ينظر. ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 6، ص 26 - 25؛ ابن خیاط: تاریخ خليفة ( تحقيق: د. اکرم ضیاء العمري، النجف الاشرف / 1967)، ص 118؛ ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة (طهران / 1957)، ج 5، ص 90 - 92.

(16) أبو عبد الله، عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي. كان من اشد الناس على الإسلام. اسلم في صلح الحديبية. ولاه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) إمرة جيش ذات السلاسل واستعمله على عمان. اشترك في العديد من الفتوحات في زمن عمر وولاه على مصر. انحاز إلى جانب معاوية وعرف بالمكر والدهاء والخديعة توفي في سنة ( 43 ه / 663 م). ينظر. الكندي: کتاب الولاة والقضاة (تصحیح:رفن کست، بيروت / 1908) ص 6 - 10؛ ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 115 - 118؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، ج 2،

ص: 271

ص 35؛ ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (تحقيق: محمود مصطفی عبد القادر عطا، ط - 1، القاهرة / 1980)، ج 1، ص 113 - 116.

(17) عقبة بن أبي معيط واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ذکوان بن أمية القرشي، كان من ألد أعداء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بالغ في إيذاء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) حتى كان مع أبي لهب يطرحان الروث على بابه عرف بلقب عدو الله أهلكه الله تعالى في معركة بدر کافراً. ينظر. ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 1، ص 201 - 202؛ ابن هشام: سيرة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (تحقیق: طه عبد الرؤوف، ط . 1، بیروت / 1991)، ج 2، ص 207، 263؛ ابن خياط: الطبقات (تحقيق د. اکرم ضیاء العمري، ط - 2، الرياض / 1982)، ص 11؛ ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الاصحاب (تحقيق: علي محمد البجاوي، ط - 1، بیروت / 1960)، ج 2، ص 789.

(18) أبو سعيد العاص بن أمية القرشي، كان عدواً لله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن المناوئين للدعوة الإسلامية أهلکه الله تعالى في معركة بدر کافراً على يد الإمام علي (عليه السلام) ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 5، ص 31؛ ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 622؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة، ج 3، ص 107.

(19)- ابن هشام: سيرة النبي، ج 3، ص 264؛ اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 165؛ ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 622؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 38.

(20) أبو مروان الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي عم عثمان بن عفان، اسلم يوم فتح مكة مجبراً، أخرجه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من المدينة إلى الطائف لأفعاله المشينة و محاولة إيذاء المسلمين ولعنه، أعاده عثمان في خلافته توفي سنة (31 / 651 م) وقيل سن(32 ه / 652 م). ينظر. ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 395 - 360؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، ج 2، ص 95 - 97؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة، ج 2، ص 104 - 105.

(21) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 339.

(22) اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 153؛ الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 22 - 24؛

ص: 272

المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 160؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ج 3، ص 4؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 17، ص 230، 234؛ المجلسي، بحار الأنوار (تحقیق و نشر: مؤسسة الوفاء، بیروت / 1984)، ج 76، ص 99.

(23) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 42.

(24) الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 622.

(25) اليمن: وحدودها مابين عمان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشجر وسميت باليمن لأنها عن يمين الكعبة وقيل أنها سميت بذلك قبل إن تعرف الكعبة لأنها عن يمين الشمس أو بتیمن ابن قحطان لتیامنهم. ينظر. البكري: معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع (تحقيق: مصطفى السقا، ط . 3 / 1983)، ج 4، ص 1401؛ یاقوت الحموي: معجم البلدان (تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، ط. 1، بيروت / 1997)، ج 5، ص 447 - 449.

(26) ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة، ج 1، 71.

(27) العقاد، عباس محمود: عبقرية الإمام علي (بيروت / د:ت)، ص 92.

(28) اليمامة: مأخوذة من اسم طائر يقال له اليمام واحدته یمامة، وهي مدينة تقع في الإقليم الثاني وقيل الثالث وهي معدودة من نجد وتبعد عن البحرين عشرة أيام وقاعدتها حجر وهي من أحسن بلاد الله و أكثرها خيراً وشجر ونخل ينظر یاقوت الحموي: معجم البلدان، ج 5، ص 442.

(29) البحرين: بلد مشهور بين البصرة وعمان وهي في الإقليم الثاني وقيل في الثالث وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند. وهجر قصبتها. وقيل أنها من أعمال العراق. وحدها من عيان ويشمل اليمامة. ينظر البكري: معجم ما استعجم، ج 1، ص 228؛ یاقوت الحموي:

معجم البلدان، ج 1، ص 346 - 349.

(30) اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 167.

(31) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 231.

(32) وكيع: أخبار القضاة (تحقیق وتعليق: عبد العزيز مصطفى المراغي، بيروت / د:ت)، ج 3، ص 21؛ ابن عبد ربه: العقد الفريد (شرح وصححه وعنون موضوعاته ورتب

ص: 273

فهارسه: احمد الزين، احمد امین، ابراهيم الابياري، القاهرة / 1997)، ج 1، ص 121؛ الماوردي: أدب الدنيا والدين (تحقيق: مصطفى السقا، بغداد / 1983)، ص 220؛ محب الدين الطبري: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربی (تقديم ومراجعة: جميل ابراهيم حبيب، بغداد / 1984)، ص 212.

(33) ينظر. ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة، ج 1، 71؛ اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 167: الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 922.

(34) ابن عقدة الكوفي: 218 - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (جمعه و رتبه وقدم له: عبد الرزاق حمد حسين حرز الدين، ط. 1، قم المقدسة / 2001)، ص 93؛ ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) (قم المقدسة، / 1909)، ج 2، ص 21؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 40.

(35) ابن عقدة الكوفي: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ص 93 - 95؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 21؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 41 - 42.

(36) ينظر ذلك في. حسن، إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي (ط 7، القاهرة، / 1964)، ج 1، ص 267 - 268؛ جرداق، جورج: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية (بيروت / 1959) علي وحقوق الانسان، ج 1، ص 191؛ علي وعصره، ج 4، ص 64 - 66؛ احمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ج 1 - العرب قبل الإسلام السيرة النبوية العطرة - الدعوة الإسلامية وفلسفتها - الخلفاء الراشدون (ط - 5 القاهرة / 1970)، ج 1، ص 335، محمد: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية (ط - 2، بیروت / د: ت)، ص 112.

(37) عثمان، محمد عبد الزهراء: المعارضة السياسية في تجربة أمير المؤمنين (عليه السلام) (ط - 1، بيروت / 2003)، ص 47 - 48.

(38) یاسن، نجمان: تطور الأوضاع الاقتصادية في عصر الرسالة والراشدین (ط - 1، بغداد / 1991)، ص 294.

(39) ابو سعید ويقال ابو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك بن زید بن لوذان بن عمرو من

ص: 274

بني النجار الخزرجي الانصاري، من صحابة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) توفي سنة (45 ه / 665) وعمره (65) سنة. ينظر. الذهبي: سير اعلاء النبلاء، ج 2، ص 426 - 441 .

(40) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 342؛ عباس محمود العقاد: عبقرية الامام علي، ص 64.

(41) العقيق: يطلق هذا الاسم على كل مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره ووسعه عقیق، وفي بلاد العرب أربع اعقة وهي أودية عادية شقتها السيول، وهذا هو عقیق تابع للمدينة وفيه عيون ونخل وهو ما يلي الحرة مابين ارض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل. ينظر. ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج 4، ص 138 - 139. (42) أبو الأسود مقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي، يقال له المقداد بن الأسود لأنه تربى في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه وقيل بل انه اسود اللون وقيل انه أصاب دم في کنده فهرب إلى مكة وحالف الازد. وكان من السابقين في الإسلام وشهد بدر توفي سنة (33 ه / 653 م). ينظر أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (تحقيق: حسام الدين المقدسي، ط - 4، القاهرة / 1980)، ج 1، ص 172 - 186؛ ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 1480 - 1482؛ ابن الجوزي: صفوة الصفوة، ج 1، ص 423 - 426؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 385 - 389.

(43) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 342 - 343؛ عباس محمود العقاد: عبقرية الامام علي، ص 63 - 64.

(44) ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3، ص 124 - 139؛ النويري: نهاية الأرب، 19، ص 452؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 7، ص 136 - 164.

(45) الإسكندرية: وهي مدينة في مصر بناها الاسكندر المقدوني فسميت باسمه وهي تقع قرب کوره الجوف الغربي وكورتا أخنا ورشيد ويقال أنها ذات العياد وهناك أيضا» الإسكندرية في العراق. ينظر. یاقوت الحموي: معجم البلدان، ج 1، ص 124، 155.

(46) ينظر ذلك في. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3، ص 108 - 110؛ المسعودي: مروج

ص: 275

الذهب، ج 2، ص 342؛ النويري: نهاية الأرب، ج 20، ص 97 - 100؛ ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب (تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعیم العرقسوسي ط. 9، بیروت / 1993)، ج 1، ص 43؛ عباس محمود العقاد: عبقرية الامام علي، ص 63.

(47) الساج: ضرب من الشجر وهو أيضا» الطيلسان الأخضر والأسود و جمعه سیجان ينظر. الفيروز آبادي: القاموس المحيط، ص 249؛ الرازي: مختار الصحاح (تحقيق: محمود خاطر، بيروت / 1995)، ص 134.

(48) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 342؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 316؛ السخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (تحقيق: عزيز الله العطاري، ط - 1، بيروت / 1993)، ج 2، ص 145 - 146.

(49) ابن كثير البداية والنهاية، ج 7، ص 134.

(50) ابو ذر جندب بن جنادة الغفاري، من خيرة اصحاب الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، وصف بانه صادق اللهجة وعرف بالورع والتقوى والزهد والعلم. كان من الموالين للإمام علي (عليه السلام) . وقام بانتقاد عثمان والثورة بوجهه بسبب تبذيره لمال المسلمين فنفاه لبلاد الشام ثم اعاده معذبا» مهانا» ثم نفاه إلى الربذة وتوفي هناك وحيدا» في سنة (32 ه / 652 م). ينظر اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 159 - 161؛ الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 59؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 2، 348 - 351؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 8، ص 256 - 257؛ الذهبي: تاريخ الاسلام، ج 2، ص 111 - 115.

(51) ينظر اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 159؛ الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 54، ج 4، ص 30 - 31؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 2، 348 - 349؛ ابن الجوزي: صفوة الصفوة ج 1، ص 596؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 10؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 19، ص 442 - 446؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 70؛ الحارثي: منن الرحمن في شرح المنظومة المسماة بوسيلة الفوز والآمان (علق عليها وشرحها الشيخ جعفر محمد النقدي، النجف الاشرف / 1915)، ص 247.

(52) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 114.

(53) نهج البلاغة، ص 114.

ص: 276

(54) عمارة، محمد وآخرون: علي ابن ابي طالب - نظرة عصرية جديدة (ط - 3، د: م / 1980)، ص 272.

(55) نهج البلاغة، ص 42؛ الكليني: الأصول من الكافي، ج 1، ص 369؛ محمد عماره و آخرون: علي ابن أبي طالب نظرة عصرية جديدة، ص 27.

(56) ابو اليقضان، عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس المذحجي العبسي مولى بني مخزوم، من نجباء صحابة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من السابقين للاسلام ومن عذب في الله وابويه اول شهيدين في الاسلام شهد جميع معارك الرسول (صلی الله عليه واله وسلم). كان من الموالين للامام علي (عليه السلام) ومن المدافعين عن حقه اشترك في الجمل وقتلته الفئة الباغية في معركة صنين سنة(37 ه / 657 م)، وعمره (93) سنة ينظر: ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 3، ص 246 - 254؛ ابن الجوزي: صفوة الصفوة ج 1، ص 442 - 446.

(57) لم اعثر على ترجمته.

(58) ابن عقدة الكوفي: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ص 93؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 421؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 40 - 41.

(59) ابن عقدة الكوفي: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ص 93 - 94؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 421؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: ش رح نهج البلاغة، ج 7، ص 41 - 42.

(60) ابن عقدة الكوفي: فضاءل الامام علي (عليه السلام)، ص 93 - 95؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 21؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغه، ج 7، ص 41 - 42.

(61) الهلالي العامري: السقيفة (تحقیق وتعليق: الحسني العلوي النجفي، د: م / د:ت)، ص 132.

(62) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 42.

(63) ينظر. 2 - من هذا البحث (العصيان والتمرد المسلح)، ص 6 - 11.

(64) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 38 - 39، ورواه اليعقوبي: تاریخ،

ص: 277

ج 2، ص 195 [بلفظ مختلف].

(65) الضبي الاسدي: الفتنة ووقعة الجمل، ص 99؛ الطبري: تاريخ الامم، ج 4، ص 165؛ أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، ص 141؛ النويري: نهاية الأرب، ج 20، ص 22.

(66) ابن أبي الحديد المعتزلي : شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 167؛ المجلسي، بحار الانوار، ج 33، ص 110.

(67) ابو عمرو جریر بن عبدالله بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف البجلي القسري، أدرك النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) و بایعه في سنة (10 ه / 631 م)، اشترك في معركة القادسية وارسل من قبل الامام علي (عليه السلام) رسولا» إلى معاوية. توفي سنة (54 ه / 674 م). ينظر. الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 530 - 537؛ ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ط - 1، بیروت / 1984)، ج 2، ص 63 - 64.

(68) المنقري: وقعة صفين (ط - 2، قم المقدسة / 1983)، ص 55؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 87.

(69) نهج البلاغة، ص 318؛ المنقري: وقعة صفين، ص 55؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 87؛ ج 14، ص 45.

(70) الدمشقي: جواهر المطلب في مناقب علي (تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، قم المقدسة / 1995)، ج 1، ص 371.

(71) کتاب الفتوح (تحقیق: علي شيري، ط 10، بیروت / 1991)، ج 2، ص 522.

(72) عبد الكاظم، حارس رمیلي: کتاب وقعة صفين للمنقري - دراسة تحليلية (رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة البصرة / 2014)، ص 144 - 145.

(73) للاستزادة ينظر. ابن ابي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 70؛ البحراني: غاية المرام و حجة الخصام في تعيين الامام من طريق الخاص والعام (تحقيق: علي عاشور، بیروت / د:ت)، ص 287؛

(74) ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة، ج 1، ص 103 بالمسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 362.

(75) ينظر ذلك في. نهج البلاغة، ص 49؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1،

ص: 278

ص 184 - 188؛ جعفر، نوري: علي ومناوئوه (قدم له: الأستاذ عبد الهادي مسعود، راجعه وعلق عليه: السيد مرتضى الرضوي، ط 4، القاهرة / 1976)، ص 69 - 70؛ عبد الزهراء عثمان محمد: المعارضة السياسية، ص 66.

(76) مروج الذهب و معادن الجوهر، ج 2، ص 351 - 352.

(77) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 139 - 140.

(78) اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 163.

(79) أبو الطفيل عامر بن واثلة وقيل واثلة بن عبد الله بن عمر الكناني الليثي رأى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهو شاب وحفظ عنه أحاديث، وهو من الفرسان، وعد أخر من توفي من الصحابة، توفي سنة (100 ه / 719 م) و قيل سنة (102 ه / 721 م) وقيل سنة (107 ه / 726 م). ينظر. أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء، ج 1، ص 190؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، ج 5، ص 205؛ تهذيب التهذیب، ج 7، ص 295.

(80) الشيخ المفيد: الأمالي (ط. 1، قم المقدسة / 1992)، ص 115؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 42.

(81) ابو ایوب خالد بن يزيد بن كليب الخزرجي الانصاري، من خيرة اصحاب الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، تولى ولاية المدينة المنورة بعد سهل بن حنیف الا انه ترکها في غارة بسر بن ارطأة في سنة (39 ه / 659 م). واستخلف شخص من الأنصار مکانه، استشهد في القسطنطينية سنة (51 ه / 671 م). ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3، ص 201، 384 - 385؛ ابن خياط: تاریخ خليفة، ج 1، ص 184؛ الذهبي: سیر اعلام النبلاء، ج 3، ص 404، 410؛ ابن حجر العسقلاني: الاصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص 234؛ السخاوي: التحفة اللطيفة، ج 1، ص 314ا.

(82) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، 8، ص 44.

(83) احمد شلبي: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ج 1، ص 330. (84) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 230 - 231.

(85) الطبري: تاريخ الأمم و الملوك، ج 4، ص 175؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 10.

ص: 279

(86) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة ج 1، ص 231.

(87) الضبي ألأسدي: الفتنة ووقعة الجمل، ص 101؛ ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم، ج 5، ص 179؛ النويري: نهاية الأرب، ج 20، ص 23؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 7، ص 230.

(88) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 232 - 233.

(89) للاستزادة عن معركة الجمل ينظر. الضبي ألأسدي: الفتنة ووقعة الجمل، بمختلف صفحاته؛ البلاذري: أنساب الأشراف، ص 129 - 161؛ اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 168 - 170؛ أبو حنيفة الدينوري الاخبار الطوال، 144 - 153؛ الشيخ المفيد: الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة (ط. 1، قم المقدسة / 1992)، بمختلف صفحاته.

(90) نهج البلاغة، ص 249 - 250؛ الشيخ الطوسي: الأمالي (قدم له: العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف الاشرف / 1964)، ص 172؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 4 - 5.

(91) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 311.

(92) أبو هُرَيْرَة عمير بن عامر بن عبد وقيل سكين بن عمر وقيل عبد الله بن عمرو وقيل عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقيل غير هذا، صحابي محدث وفقیه و حافظ أسلم سنة (7 ه / 128 م)، كان من اكثر الصحابة روايةً وحفظًا للحديث النبوي. وأخذ عنه عبد الرحمن بن هرمز وغيره. تولى أبو هريرة ولاية البحرين في عهد عمر بن الخطاب، کمل تولى إمارة المدينة من سنة (40 ه / 660 م) حتى سنة (41 ه / 661 م). وبعدها لزم المدينة المنورة حتى وفاته سنة (59 ه / 178 م). ينظر. ابن الأثير: اسد الغابة، ج 3، ص 301؛ ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، ج 12، ص 237 - 240.

(93) أبو الدرداء عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي، من صحابة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم). ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر. توفي في الشام سنة (32 ه / 652 م) والأصح توفي بعد صفين. ينظر. ابن الجوزي: صفوة الصفوة، ج 1، ص 627 - 643؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، ج 4، ص 747.

(94) الهلالي العامري: السقيفة، ص 173 - 174.

ص: 280

(95) الهلالي العامري: السقيفة، ص 175 - 179.

(96) الهلالي العامري: السقيفة، ص 176.

(97) الهلالي العامري: السقيفة، ص 177- 178.

(98) السقيفة، ص 109.

(99) ابو عبد الله، النعمان بن بشير بن سعد من بني الحارث الخزرجي الانصاري. وهو اول مولود ولد للانصار بعد الهجرة، انضم إلى معاوية وقاد غاره على عين التمر. ولاه معاوية على الكوفة ثم عزله. قتله اهل حمص سنة (65 ه / 685 م). ينظر: الثقفي: الاستنفار والغارات: ج 2، ص 307 - 310؛ الطبري: تاریخ الامم والملوك، ج 4، ص 384؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، ج 6، ص 44.

(100) نائلة بنت الفرافصه الكلابية. كانت نصرانية ثم أسلمت قبل أن يتزوجها عثمان في سنة (28 ه / 648 م). وهي التي أرسلت لمعاوية قميص عثمان بيد النعمان بن بشير. ينظر ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 8، ص 483؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 136؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 19، ص 284.

(101) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 362؛ بروکلمان، کارل: تاريخ الشعوب الإسلامية (ترجمة: نبيه أمين ومنير البعلبكي، ط - 4، بيروت / 1965)، ص 115.

(102) المسعودي: مروج الذهب، ج 2، ص 383؛ محمد عمارة: الخلافة، ص 113.

(103) أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام السهمي، هاجر مع والده بعد فتح مكة، اشترك مع معاوية في صفين وقيل انه لم يقاتل عدّ من المحدثين. اختلف في تاریخ وفاته والأرجح انه توفي ليالي الحرة سنة (62 ه / 182 م). وعمره (72) سنة. ينظر. البخاري: التاريخ الكبير (تحقيق: السيد هاشم الندوي، بيروت / د:ت) التاريخ الكبير، ج 5، ص 5؛ الربيعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم (تحقيق د. عبد الله احمد سليمان الحمد، ط - 1، الرياض / 1990)، ج 1، ص 176، 186؛ ابن أبي حاتم: الجرح والتعدیل (ط - 1، بيروت / 1952)، ج 5، ص 16؛ أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء، ج 1، ص 283 - 293؛ القيسراني: تذكرة الحفاظ (ط - 1، الرياض / 1995)، ج 1، ص 41 - 42.

(104) محمد بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام السهمي، توفي النبي (صلى الله عليه واله

ص: 281

وسلم) وهو صغير السن، شهد صفين وقاتل مع والده فيها. ينظر ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 1375 - 1376.

(105) ينظر ذلك في ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 4، ص 259؛ البلاذري: انساب الاشراف، ص 193 - 199؛ اليعقوبي: المصدر السابق، ج 2، ص 60 - 64؛ النويري: نهاية الأرب، ج 20، ص 240؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 72.

(106) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 182.

(107) الثقفي: الاستنفار والغارات (ط. 1، قم المقدسة / 1989)، ج 1، ص 46؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 197؛ المجلسي، بحارالانوار، ج 1، ص 133.

(108) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 38.

(109)- اليعقوبي: تاریخ، ج 2، ص 195؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 39.

(110) ابو سعد وقیل ابو عبد الله سهل بن حنیف بن واهب الاوسي الأنصاري، ارسله الإمام علي (عليه السلام) واليا على الشام ففشل في الوصول اليها، وبعدها استخلفه على المدينة عند خروجه لمعركة الجمل ثم اقره عليها واليا. عزل في سنة (37 ه / 657 م) واستخلصه لنفسه في معركة صفين. وعين في نفس السنة عاملا على فارس فاخرجه اهل فارس منها سنة ( 39 ه / 659 م)، توفي سنة (ت 39 ه / 659 م). ينظر ترجمته. الطبري: تاریخ الامم والملوك، ج 4، ص 174 - 350؛ ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 5، ص 82 - 137؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 114، 225؛ ابن حجر العسقلاني: الاصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 375.

(111) الايضاع: الإسراع. ينظر نهج البلاغة، المحقق، ص 708، هامش 4386.

(112) نهج البلاغة، ص 461.

(113) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 53.

(114) ابو ابراهيم مالك بن الحارث بن يغوث ابن مسلمة بن ربيعة النخعي المعروف بالاشتر، كان من خيرة اصحاب الامام علي (عليه السلام) ومن قادة جيشه الموصفين بالشجاعة والعلم والحكمة، تولى ولاية الجزيرة الفراتية منذ سنة (36 ه / 656 م) وكان

ص: 282

مقر اقامته في مدينة الموصل وظل واليا» عليها حتى سنة (39 ه / 659 م) عندما استدعاه الإمام علي (عليه السلام) وولاه على مصر. فدبر معاوية له مؤامرة دنيئة لاغتياله في نفس السنة قبل أن يصل إلى مصر استشهد سنة (39 ه / 659 م). ينظر ترجمته. ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 6، ص 213؛ اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 181؛ الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 1، ص 46؛ الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 199 - 200، ص 209، 270، 278، 237 - 238.

(115) الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 1، ص 46؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 197؛ المجلسي، بحار الانوار، ج 1، ص 133.

(116) سورة البقرة، آية 249.

(117) - الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 1، ص 46؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 197 - 198؛ المجلسي: بحار الانوار، ج 41، ص 133

(118) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 23؛ محمد عمارة: الخلافة ونشأة الأحزاب، ص 114.

(119) ابو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، عرف بالعلم. ارسله الامام علي (عليه السلام) واليا» على بلاد الشام الأنه منع من دخولها، فعينه بعد معركة الجمل على ولاية البصرة وبقي واليا» حتى استشهاد الإمام علي (عليه السلام) واستمر واليا» حتى في خلافة الامام الحسن (عليه السلام). توفي سنة (68 ه / 687 م) وقيل في سنة (70 ه / 689 م) وقيل في سنة (71 ه / 690 م). ينظر. ابن خياط: طبقات، ص 4؛ الطبري: تاریخ الامم والملوك، ج 4، ص 164، 387؛ ابو حنيفة الدينوري: الاخبار الطوال، ص 142؛ ابن الجوزي: صفوة الصفوة، ج 1، ص 746 - 758؛ الذهبي: سیر اعلام النبلاء، ج 3، ص 136 - 139.

(120) المغربي: دعائم الإسلام، ج 1، ص 395؛ النوري، الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي: مستدرك الوسائل (قم المقدسة / 1988)، ج 11، ص 56. (121) المغربي : دعائم الإسلام، ج 1، ص 395؛ الحميري: قرب الإسناد (طهران / د:ت)، ص 62؛ الشيخ الطوسي: تهذیب الاحکام في شرح المقنعة (طهران / 1945)، ج 6، ص 55؛

ص: 283

ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 250؛ الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 15، ص 78؛ الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي النوري: مستدرك الوسائل، ج 11، ص 56. (122) للاستزادة ينظر. الطبري: تاریخ الامم والملوك، ج 4، ص 115؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 171؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 262؛ ج 4، ص 84 - 87؛ ج 14، ص 10؛ ج 18، ص 54؛ النويري: نهاية الأرب، ج 20، ص 117. وغيرها من المصادر.

(123) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغه، ج 7، ص 38.

(124) طارق بن عبد الله بن کعب بن اسامة النهدي، من اصحاب الامام علي (عليه السلام) الا انه فارقه وهرب الى معاوية بعد ان اقام الامام علي (عليه السلام) الحد على النجاشي عندما شرب الخمر، الا أنه رفض المساس بامير المؤمنين (عليه السلام) عند معاوية. وزعم البعض انه عاد ومعه النجاشي الى الامام علي (عليه السلام). ينظر. الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 2، ص 539 - 544؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل ابي طالب، ج 1، ص 408 - 409؛ المجلسي: بحار الانوار، ج 33، ص 273 - 274.

(125) الحارث اليماني النهدي المعروف بالنجاشي، كان شاعر الإمام (عليه السلام) والمدافع عن دولته بلسانه هرب إلى معاوية بعد أن ضربه الإمام علي (عليه السلام) . ينظر . الجاحظ: البيان والتبين (بيروت / د: ت)، ج 1، ص 133، 431، 440؛ أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني (تحقيق: سمير جابر ، دار الفكر، بيروت / 1989)، ج 13، ص 293؛ العسكري: جمهرة الأمثال (تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد الحميد قطامش، ط - 2، بیروت / 1988)، ج 1، ص 573؛ الميداني النيسابوري: مجمع الأمثال (تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد قطامش ط - 2، بیروت / 1988)، ج 1، ص 573.

(126) الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 2، ص 369؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 147 - 148؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 89 - 90.

(127) جبلة بن الایهم الغساني ملك غسان، أرسل له الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كتاب يدعوه فيه للإسلام، فاسلم على اثر ذلك وفي زمن عمر ضرب احد الأشخاص

ص: 284

فطلب منه أن يضربه الشخص المضروب فرفض وارتد نصرانياً وهرب للروم. ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 1، ص 265؛ ابن عبد البر النميري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 2، ص 707.

(128) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 91 - 92؛ عبد المقصود، عبد الفتاح: الإمام علي ابن أبي طالب (بيروت / د:ت)، ح 6، ص 95.

(129) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 91 - 92؛ عبد الفتاح عبد المقصود: الإمام علي ابن أبي طالب، ح 6، ص 95.

(130) الترمذي: الجامع الصحيح . سنن الترمذي ( بيروت / 2000)، ص 597؛ النسائي: سنن النسائي (طبعة جديدة مدققه ومصححه عربي، بيروت / د:ت)، ص 717.

(131) أبو يزيد وقیل عیسی، عقیل ابن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، اسلم وشهد غزوة مؤتة. كان علامة بالنسب وأيام العرب توفي في حکم معاوية سنة (50 ه / 670 م) وقيل توفي في أول سنة من حكم يزيد الملعون ينظر ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 3، ص 295؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 218 - 219؛ ابن حجر العسقلاني: الإصابة، ج 4، ص 513؛ ابن عنبة: عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب (تصحیح: السيد محمد صادق ال بحر العلوم الطباطبائي، بغداد / 1988)، ص 31 - 32.

(132) الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 2، ص 377؛ ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 109؛ الحارثي: منن الرحمان، 1، ص 329؛ عباس محمود العقاد: عبقرية الإمام علي، ص 55؛ عبد الفتاح عبد المقصود: الإمام علي ابن أبي طالب، ج 4، ص 96.

(133) ابن عنبة: عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب، ص 32.

(134) أبو انس وقيل أبو عبد الرحمن، الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب الفهري، اختلف في صحبته للرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، ولاه معاوية على الكوفة سنة (53 ه / 673 م)، بعد وفاة زياد ثم عزله وولاه دمشق. قتله مروان بن الحكم في سنة (64 ه / 684) في معركة مرج راهط. ينظر. أبن سعد، الطبقات الکبری، ج 5، ص 39، 226، ابن خياط: تاریخ خليفة، ج 1، ص 29، المقدسي: البدء والتاريخ (تحقيق: علي محمد البجاوي، ط - 1، القاهرة / 1992)، ج 6، ص 18، ابن حجر العسقلاني: الإصابة، ج 3، ص 478 - 489.

ص: 285

(135) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 118 - 119؛ الحارثي: منن الرحمان، ج 1، ص 329؛ المجلسي: بحار الانوار، ج 3، ص 142.

(136) الحسني، هاشم معروف: سيرة الأئمة الاثني عشر (ط 1، طهران / 2004)، ج 1، ص 311.

(137) - ابن عقدة الكوفي: المصدر السابق، ص 60؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 124 - 125، ص 286.

(137) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 93.

(138) ينظر ذلك في. نهج البلاغة، ص 72 - 73، 81 - 83 وغيرها من الصفحات؛ الهلالي العامري: السقيفة، ص 123؛ الجاحظ: البيان، ج 2، ص 25 - 27؛ اليعقوبي : تاریخ، ج 2، ص 182- 183؛ الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 286؛ ابن عبد ربة الأندلسي: العقد الفريد، ج 1، ص 116؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 118، 300 - 301. وغيرها من المصادر.

(139) ترحاً: الترح بالتحريك أي الهم والحزن. ينظر نهج البلاغة، المحقق، ص 574، هامش 342.

(140) حماره الغيظ حماره الصيف وقاظ بالمكان وتغيظ به أقام في الصيف والموضع مقيظ وقاض يومنا هذا اشتد حره. ينظر. الرازي: مختار الصحاح، ص 233.

(141) صباره القر: أي البارد وليلة قارة بمعنی باردة ينظر الرازي: مختار الصحاح، ص 222.

(142) نُغب: بالضم الجرعة وجمعها انغب والإنسان في الشرب جرع.ينظر. الرازي: مختار الصحاح، ص 279؛ بالفيروزابادي: القاموس المحيط، ص 178.

(143) نهج البلاغة، ص 70، ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 76 - 80.

(144) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 102.

(145) الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 1، ص 27.

(146) عين التمر: بلدة قريبة من الانبار، تقع غربي الكوفة فتحها المسلمون سنة (13 ه / 634 م) عنوة. ينظر البلاذري: فتوح البلدان (تحقيق: رضوان محمد رضوان، القاهرة / 1959)، ص 118؛ یاقوت الحموي: معجم البلدان، ج 4، ص 176.

(147) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 303.

ص: 286

(188) عبد الله بن عامر الحضرمي، ولاه عثمان بن عفان على مكة، وبعد مقتله كان أول من استجاب للطلب بدم عثمان. اشترك في معركة الجمل ضد الإمام علي (عليه السلام)، أرسله معاوية في غارة على البصرة. قتل في سنة(38 ه / 658 م) في هذه الغارة. ينظر. ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 7، ص 59؛ ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 5، ص 79 - 80، 152 - 153؛ ابن الأثير: الكامل في التاریخ، ج 3، ص 75، 101، 232 - 234.

(149) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 35.

(150) الشيخ المفيد: الإرشاد (قم المقدسة / 1992)، ج 2، ص 11؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 45؛ الاربلي : کشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام) تبریز / 1961)، ج 1، ص 541 - 542؛ المجلسي: بحار الانوار، ج 44، ص 48.

(151) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 343.

(152) قثم بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. اسندت له ولاية مكة والطائف في خلافة الامام علي (عليه السلام) بعد عزل أبا قتادة الأنصاري. واستمر واليا حتى استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، توفي سنة (56 ه / 675 م). ينظر. نهج البلاغة، ص 406 - 407، 457؛ الضبي الاسدي: الفتنة ووقعة الجمل، ص 108، 119؛ ابن سعد: الطبقات الکبری، ج 7، ص 397؛ ج 8، ص 278، الطبري: تاریخ الامم والملوك، ج 4، 350 - 476.

(103) نهج البلاغة، ص 406 - 407. (154) عباس محمود العقاد: عبقرية الإمام علي، ص 55 - 56؛ جورج جرداق: علي وعصره، ج 4، ص 956. (155) أم حبيبة، رمله بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، كانت متزوجة من عبيد الله بن جحش الاسدي وعندما تنصر تركته. تزوجها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في سنة 6 ه وقيل 7 ه توفيت سنة(42 ه / 662 م) وقيل سنة ( 44 ه / 664 م). ينظر. ابن ماکولا: الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكني والألقاب (ط - 1، بیروت / 1991)، ج 2، ص 63؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، ج 2، ص 253؛ ابن حزام: تهذيب الأسماء (ط - 1، بیروت / 1996)، ج 1، ص 48.

(156) الهلالي العامري: السقيفة، ص 209؛ الطبرسي: الاحتجاج (بيروت / د:ت)، ج 1،

ص: 287

ص 112.

(157) نهج البلاغة، ص 307؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 309.

(158) أبو مسلم عبيدة بن عمرو بن ناجية بن مراد الكوفي السلماني، اسلم عام الفتح، عد من الفقهاء، سمع من الإمام علي (عليه السلام) وروى عنه ابن سیرین وإبراهيم النخعي توفي سنة (72 ه / 691 م). ينظر البخاري: التاريخ الكبير، ج 6، ص 82؛ مسلم: الكنى والأسماء (دراسة وتحقيق: عبد الرحمن احمد القشقري، ط - 1، المدينة المنورة / 1984)، ص 785؛ الربيعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، ج 1، ص 191؛ ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، ج 6، ص 91؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 40 - 44.

(159) الطرطوشي: سراج الملوك (ط - 1، بیروت / 1990)، ص 272.

(160) الشيخ الطوسي: الامالی، ص 177؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 189.

(161) ابو عاصم رفاعة بن شداد بن عوسجة و قيل ابن عامر القتباني، كان عاملا» على مدينة الاهواز وعلى قضائها في خلافة الامام علي (عليه السلام) وبقي حتى استشهاده (عليه السلام)، توفي سنة ( 66 ه / 685 م). ينظر. البخاري: التاريخ الكبير، ج 3، ص 322؛ المنقري: وقعة صفين، ص 204، ص 488؛ المغربي: دعائم الاسلام، ج 2، ص 534 - 535؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 329، ص 486؛ ج 4، ص 6 - 8؛ الذهبي: سیر اعلام النبلاء، ج 3، ص 395، ص 658؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 8، ص 254، ص 264، ص 267؛ المجلسي، بحار الانوار، ج 79، ص 101.

(162) المغربي : دعائم الاسلام، ج 2، ص 530.

(163) للاستزادة ينظر. المنقري: وقعة صفين، ص 204، ص 446، ص 474؛ اليعقوبي :تاریخ، ج 2، ص 166؛ البلاذری، انساب الاشراف، ص 151، ص 212، ص 369؛ الطبري: تاریخ الأمم والملوك، ج 4، ص 173؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 3، ص 394؛ ابو الفرج الأصفهاني: الأغاني، ج 3، ص 57؛ ابو حنيفة الدينوري» الاخبار الطوال، ص 150 - 151، ص 154، ص 167؛ الشيخ المفيد، الارشاد، ج 2، ص 39؛ ابن الأثير» الكامل في التاريخ، ج 3، ص 114؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 157، ص 310 -

ص: 288

311؛ ج 5، ص 199 - 200؛ ج 18، ص 275. وغيرها من المصادر.

(164) نعیم بن دجاجة بن شداد بن حذيفة بن بكر بن قيس بن منقذ بن طریف بن عمرو بن الحارث الاسدي الكوفي، روي عن الامام علي (عليه السلام) وعن أبي مسعود الانصاري وغيرهم. ينظر. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 6، ص 128؛ ابن حجر العسقلاني: تهذیب التهذیب، ج 10، ص 413؛ البستي: الثقات (حيدر اباد الدكن / 1973)، ج 5، ص 478.

(165) الثقفي: الاستنفار والغارات، ج 1، ص 71؛ الشيخ الطوسي: تهذیب الاحکام، ج 10، ص 87.

(166) نهج البلاغة، ص 409 - 410؛ ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 199 - 200.

ص: 289

المصادر والمراجع

خير ما افتتح به القران الكريم

اولا: المصادر الأولية

* ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن بن أبي الكرم الجزري (ت 630 ه / 1231 م):

1 - أسد الغابة في معرفة الصحابة (المطبعة الإسلامية، طهران، 1377 ه / 1957 م).

2 - الكامل في التاريخ (تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي، ط - 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه / 1995 م).

* الاربلي، علي بن عیسی (ت 693 ه / 1293 م):

3 - کشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام) (مکتبة بني هاشم، تبریز، 1381 ه / 1961 م).

* ابن اعثم الكوفي، ابو محمد احمد (ت 1314 / 929 م):-

4 - کتاب الفتوح (تحقيق: علي شيري، ط - 1، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، 1411 ه / 1991 م).

* البحراني، المفلح الصميري (ت 900 ه / 1494 م):

5 - غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الامام من طريق الخاص والعام (تحقيق: علي عاشور، بیروت / د:ت).

* البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي (ت 256 ه / 869 م):

ص: 290

6 - التاريخ الكبير (تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفکر، بیروت، د:ت).

* البستي، محمد بن حبان بن احمد بن حاتم التميمي (ت 354 ه / 965 م):

7 - الثقات (مطبعة مجلس دائة المعارف العثمانية، نشر: مؤسسة الكتب الثقافية، حیدر آباد الدكن، 1393 ه / 1973 م).

* البكري، أبو عبد الله بن عبد العزيز (ت 365 - 487 ه / 975 - 1094 م):-

8 - معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع (تحقيق: مصطفى السقا، ط - 3، عالم الكتب، بیروت، 1401 ه / 1983).

* البلاذری، احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه / 892 م):-

9 - انساب الاشراف (تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط - 2، مطبعة باسدار اسلام، نشر مجمع احياء الثقافة الاسلامية، قم المقدسة، 1416 ه / 1995 م).

10 - فتوح البلدان (تحقيق: رضوان محمد رضوان، مطبعة السعادة، القاهرة، 1379 ه / 1959 م).

* الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (ت 209 - 279 ه / 822 - 892 م):

11 - الجامع الصحيح . سنن الترمذي (دار احیاء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، 1421 ه / 2000 م).

* الثقفي، ابو اسحاق ابراهيم بن محمد الأصفهاني (ت 283 ه / 896 م):

12 - الاستنفار والغارات (ط - 1، دار الكتاب، قم المقدسة، 1610 ه / 1989 م).

* الجاحظ، ابو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه / 868 م):

ص: 291

13 - البيان والتبين (دار الكتب العلمية، بيروت، د:ت).

* ابن الجوزي، ابو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 ه / 1116 م):

14 - صفوة الصفوة (تحقیق: محمود فاخوري و د. محمد رواسي قلعة جي دار المعرفة، بیروت، 1399 ه / 1979 م).

15 - المنتظم في تاريخ الملوك والامم (تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا، ط - 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 ه / 1992 م).

* ابن أبي حاتم، ابو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327 ه / 938 م):-

16 - الجرح والتعديل (ط - 1، دار احیاء التراث العربي، بیروت، 1371 ه / 1952 م).

* الحارثي، الشيخ محمد بهاء الدين (ت 1030 ه / 1620 م):-

17 - کتاب منن الرحمن في شرح المنظومة المسماة بوسيلة الفوز والامان، 2 ج (علق عليها وشرحها: الشيخ جعفر محمد النقدي، المطبعة الحيدرية، النجف الاشرف، 1344 ه / 1915 م)

* ابن حجر العسقلاني، ابو الفضل احمد بن علي (ت 852 ه / 1448 م):

18 - الإصابة في تمييز الصحابة (تحقيق: علي محمد البجاوي، ط - 1، دار الجيل، بیروت، 1412 ه / 1992 م).

19 - تهذيب التهذيب (ط - 1، دار الفکر، بیروت، 1404 ه / 1986 م).

* ابن ابي الحديد المعتزلي، عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه / 1258 م):-

ص: 292

20 - شرح نهج البلاغة (تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهیم، ط - 1، دار الجيل، بیروت، 1407 ه / 1987 م).

*الحر العاملي، العلامة الشيخ محمد بن الحسن (ت 1104 ه / 1692 م):

21 - وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة (تحقيق: مؤسسة اهل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث، ط - 1، قم المقدسة، 1434 ه / 2003 م).

* ابن حزام، أبو زكريا محي الدين بن يحيى بن شرف بن مري:

22 - تهذيب الأسماء (ط - 1، دار الفکر، بیروت، 1617 ه / 1996 م).

* الحميري، عبد الله بن جعفر (ت - القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي):-

23 - قرب الإسناد (مكتبة نينوى، طهران، د:ت).

* ابو حنيفة الدينوري، احمد بن داود (ت 369 ه / 980 م):-

24 - الإخبار الطوال (تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة، 1379 ه / 1959 م).

* ابن خیاط، خليفة (ت 260 ه / 540 م):-

25 - تاریخ خليفة (تحقيق: د. اكرم ضياء العمري، مطبعة الاداب، النجف الاشرف، 1386 ه / 1967 م).

26 - الطبقات (تحقيق د. اكرم ضياء العمري، ط - 2، دار طيبة، الرياض، 1402 ه / 1982 م).

* الدمشقي، شمس الدين ابي البركات محمد بن احمد الباعوني الشافعي (ت 871 ه / 1466 م):-

27 - جواهر المطلب في مناقب علي (تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1،

ص: 293

مطبعة دانش، قم المقدسة، 1415 ه / 1995).

* الذهبي، ابو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد عثمان بن قایماز (ت 748 ه / 1347 م):-

28 - تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والاعلام (مكتبة القدسي، القاهرة، 1368 ه / 1948 م).

29 - سير أعلام النبلاء (تحقیق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعیم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413 ه / 1993 م).

*الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (ت 721 ه / 1321 م):

30 - مختار الصحاح (تحقيق: محمود خاطر، نشر مكتبة لبنان، بیروت، 1415 ه / 1995 م).

*الربيعي، محمد بن عبد الله احمد بن سليمان بن زیر (ت 298 - 397 ه / 910 - 1006 م):

31 - تاريخ مولد العلماء ووفياتهم (تحقيق د. عبد الله احمد سليمان الحمد، ط - 1، دار العاصمة، الرياض، 1410 ه / 1990 م).

* السخاوي، شمس الدين (ت 902 ه / 1496 م):

32 - التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (تحقیق: عزیز الله العطاري، ط -

1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 ه / 1993 م).

* ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع ابو عبد الله البصري الزهري (ت 168 -

230 ه / 784 - 941 م):-

ص: 294

33 - الطبقات الكبرى (تحقيق: محمود ابراهیم زايد، ط - 1، دار صادر، بیروت / د:ت).

* ابن شهر آشوب، محمد المازندراني (ت 489 - 588 ه / 1095 - 1992 م). 34 - مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) (نشر: مؤسسة العلامة للنشر، قم المقدسة، 1379 ه / 1959 م).

* الضبي الاسدي، سيف بن عمر (ت 180 ه / 796 م):

35 - الفتنة ووقعة الجمل (تحقیق: احمد راتب عرموش، ط - 1، دار النفائس، بیروت، 1391 ه/ 1971 م).

* ابن ابي طالب، الإمام علي (عليه السلام) (ت 40 ه / 660 م):

36 - نهج البلاغة ( ضبط نصه ونظم فهارسه العلمية د. صبحي الصالح، ط - 2، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1402 ه / 1982 م).

* الطبرسي، ابو منصور احمد بن علي بن أبي طالب (ت نحو 560 ه / 1165 م):

37 - الاحتجاج ( مؤسسة الأعلمي، بيروت / د:ت).

* الطبري، ابو جعفر بن محمد بن جرير (ت 310 ه / 922 م).

38 - تاریخ الأمم والملوك (تحقیق وتعليق الأستاذ. عبد أ. علي مهنا، ط - 1، منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1418 ه / 1998 م).

* الطرطوشي، محمد بن محمد بن الوليد (ت 520 ه / 1129 م).

39 - سراج الملوك (ط - 1، دار صادر، بیروت، 1415 ه / 1995 م).

* الطوسي، الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه / 1067 م).

ص: 295

40 - الأمالي (قدم له: العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم، مطبعة النعمان، منشورات المكتبة الأهلية، النجف الاشرف، 1384 ه / 1964 م).

41 - تهذیب الاحکام في شرح المقنعة (دار الكتب الاسلامية، طهران، 1365 ه / 1945 م).

* ابن عبد البر النميري، ابو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463 ه / 1070 م):-

42 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (تحقيق: علي محمد البجاوي، ط - 1، دار الجيل، بیروت، 1380 ه / 1960 م).

* ابن عبد ربه، ابو عمرو احمد بن احمد (ت 328 ه / 939 م):-

43 - العقد الفرید (شرح وصححه وعنون موضوعاته ورتب فهارسه: احمد الزين، احمد امین، ابراهيم الابياري، القاهرة، ج 1 - 1368 ه / 1948، ج 2، 4، 5، 6، 7 - 1387 ه / 1997 م، ج 3 - 1373 ه / 1952 م).

* العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل (ت 395 ه / 1004 م):-

44 - جمهرة الأمثال (تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، عبد الحميد قطامش، ط - 2، دار الفکر بیروت، 1408 ه / 1988 م).

* ابن عقدة الكوفي، احمد بن محمد بن سعيد (ت 332 ه / 943 م):-

45 - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق حمد حسين حرز الدين، ط - 1، مطبعة نكارش، قم المقدسة، 1421 ه / 2001 م).

* ابن العماد الحنبلي، ابي الفلاح عبد الحي (ت 1089 ه / 1678 م):

ص: 296

46 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب (تحقیق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعیم العرقسوسي، ط - 9، دار الكتب العلمية، بيروت ن 1413 ه / 1993 م).

* ابن عنبة، السيد جمال الدين احمد بن علي الحسيني (ت 828 ه / 1424 م):

47 - عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب (تصحیح: السيد محمد صادق ال بحر العلوم الطباطبائي، مطبعة الديواني، بغداد، 1408 ه / 1988 م).

* ابو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين (ت 356 ه / 966 م):

48 - الأغاني (تحقيق: سمير جابر، ط - 2، دار الفکر، بیروت، 1609 ه / 1989 م).

* الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 650 ه / 1252 م):

49 - القاموس المحيط ( د: م / د:ت).

* ابن قتيبة الدينوري، ابو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه / 889 م):

50 - الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء (تحقيق: علي شري، بیروت، 1411 ه / 1990 م).

* القيسراني، محمد بن طاهر (ت 448 - 507 ه / 1056 - 1113 م):

51 - تذكرة الحفاظ (ط - 1، دار الصميدعي، الرياض، 1415 ه / 1995 م).

* ابن کثیر، عماد الدین ابوالفداء اسماعيل بن عمر (ت 1774 / 1372 م):

52 - البداية والنهاية (تحقيق: د. فالح حسين، ط - 1، مكتبة المعارف، بیروت، 1607 ه / 1987 م).

* الكليني، ثقه الاسلام الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي

ص: 297

(ت 328 أو 329 ه / 939 أو 940 م):-

53 - الأصول من الكافي (صححه وعلق عليه: علي اکبر الغفاري، ط - 6، مطبعة حيدري، نشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه / 1968 م).

* الكندي، ابي عمر محمد بن يوسف (ت 350 ه / 961 م):-

54 - کتاب الولاة والقضاة (تهذیب و تصحیح: رفن كست، مطبعة الاباء اليسوعيين، بیروت، 1326 ه / 1908 م).

*ابن ماکولا، ابو نصر علي بن هبة الله (ت 475 ه / 1095 م)

55 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الاسماء والكني والالقاب، 5 ج (ط - 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 ه / 1990 م).

* الماوردي، أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت 650 ه / 1058 م):

56 - أدب الدنيا والدين (تحقيق: مصطفى السقا، مكتبة الشرق الجديدة، بغداد، 1403 ه / 1983 م).

* المجلسي، العلامة محمد باقر (ت 1037 - 1111 ه / 1627 - 1700 م):

57 - بحار الأنوار (تحقیق و نشر: مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه / 1984 م).

* المحب الدين الطبري، احمد بن عبد الله (ت 694 ه / 1294 م):

58 - ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى (تقديم ومراجعة: جميل ابراهيم حبیب، دار القادسية، بغداد، 1404 ه / 1984 م).

* المسعودي، ابو الحسن علي بن الحسين (ت 346 ه / 956 م):

ص: 298

59 - مروج الذهب ومعادن الجوهر (تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط - 3، مطبعة السعادة، القاهرة، 1377 ه / 1958 م).

*مسلم، ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 202 - 291 ه / 817 - 874 م):

60 - الكنى والأسماء (دراسة وتحقيق: عبد الرحمن احمد القشقري، ط - 1 المدينة المنورة، 1404 ه / 1984 م).

* المغربي، نعمان بن محمد التميمي (ت 259 - 360 ه / 872 - 970 م):

61 - دعائم الإسلام (دار المعارف، القاهرة، 1385 ه / 1965 م).

* المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العبكري البغدادي (ت 413 ه / 1022 م):

62 - الإرشاد (طبع و نشر: المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413 ه / 1992 م).

63 - الأمالي (ط - 1، طبع ونشر: المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413 ه / 1992 م).

64 - الجمال والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة (ط - 1، طبع و نشر: المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413 ه / 1992 م).

* المقدسي، المطهر بن طاهر (ت 1322 / 933 م):

65 - البدء والتاريخ (تحقیق: علي محمد البجاوي، ط - 1، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1612 ه / 1992 م).

ص: 299

* المنقري، نصر بن مزاحم بن يسار (ت 120 - 212 ه / 737 - 827 م):

66 - وقعة صفين (ط - 2، نشر مكتبة اية الله المرعشي، قم المقدسة، 1403 ه / 1983 م).

* الميداني النيسابوري، ابو الفضل احمد بن محمد (ت 518 ه / 1126 م):-

67 - مجمع الامثال (تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط - 2، دار المعرفة بیروت، 1408 ه / 1988).

* النسائي، أبي عبد الرحمن احمد بن شعيب الشافعي (ت 303 ه / 915 م)

68 - سنن النسائي (طبعة جديدة مدققه ومصححه، دار احیاء التراث العربي، بيروت / د:ت).

* أبو نعيم الاصبهاني، احمد بن عبد الله (ت 630 ه / 1038 م):-

69 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (تحقیق: حسام الدين المقدسي، ط - 4، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1405 ه / 1985 م).

* النويري، شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب (ت 177 - 723 ه / 1228 - 1322 م):

70 - نهاية الأرب في فنون الادب (تحقیق: محمد رفعت فتح الله، مراجعة:

ابراهيم مصطفی، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1395 ه / 1975 م).

* ابن هشام، ابي محمد بن عبد الملك بن هشام الحميري (ت 213 ه / 828 م):

71 - سيرة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (تحقیق: طه عبد الرؤوف، ط -

ص: 300

1، دار الجيل، بیروت، 1412 ه / 1991 م).

* الهلالي العامري، سليم بن قيس الكوفي (ت 90 ه / 708 م):-

72 - السقيفة (تحقیق وتعليق: الحسني العلوي النجفي، د: م / د:ت).

* وكيع، محمد بن خلف بن حیان (ت 306 ه / 918 م):-

73 - أخبار القضاة (تحقیق وتعليق: عبد العزيز مصطفى المراغي، عالم الكتب، بیروت / د:ت).

* ياقوت الحموي، شهاب الدين ابو عبد الله یاقوت بن عبد الله (ت 626 ه / 1238 م):

74 - معجم البلدان (تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، ط - 1، دار الفكر، بیروت، 1418 ه / 1997 م)

* اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب (ت 292 ه / 904 م):-

75 - تاريخ اليعقوبي (تحقيق: العلامة محمد صادق ال بحر العلوم الطباطبائي، مطبعة الغري، النجف الاشرف، 1358 ه / 1939 م).

* ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم (ت 182 ه / 798 م):-

76 - الخراج (د: م / د:ت):-

ثالثاً المراجع الحديثة:

* برو کلمان، کارل:-

77 - تاريخ الشعوب الاسلامية (ترجمة: نبيه امين فارس ومنير البعلبكي،

ص: 301

ط 4، دار العلم للملايين، بیروت، 1385 ه / 1965 م).

* جرداق، جورج سجعان:-

78 - الإمام علي صوت العدالة الإنسانية (مطبعة الجهاد، نشر دار الفكر العربي، بیروت، ج 1 - علي وحقوق الإنسان ؛ ج 4 - علي وعصره، 1379 ه / 1959 م).

* الجعفر، د. نوري:-

79 - علي ومناوئوه (قدم له: الأستاذ عبد الهادي مسعود، راجعه وعلق عليه: السيد مرتضى الرضوي، ط 4، دار المعلم - مطبوعات النجاح، القاهرة، 1396 ه / 1976 م).

* حسن، د. حسن إبراهيم:

80 - تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي (ط 7، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1384 ه / 1964 م).

* الحسني، السيد هاشم معروف:-

81 - سيرة الأئمة الأثني عشر (ط 1، مطبعة شریعت، نشر: المكتبة الحيدرية، طهران، 1434 ه / 2004 م).

* شلبي، د. احمد:-

82 - التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ج 1 - العرب قبل الإسلام السيرة النبوية العطرة - الدعوة الإسلامية وفلسفتها - الخلفاء الراشدون (ط - 5، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1390 ه / 1970).

ص: 302

* عبدة، الشيخ محمد:-

83 - شرح نهج البلاغة (مكتبة النهضة العربية، القاهرة / د:ت).

* عبد المقصود، عبد الفتاح:-

84 - الإمام علي ابن أبي طالب (طبع: مطبعة الحرية، نشر مكتبة العرفان، بیروت / د:ت).

* العقاد، عباس محمود:-

85 - عبقرية الإمام علي (دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت / د:ت).

* عمارة، د. محمد:-

86 - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية (ط - 2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت / د:ت).

* عمارة، د. محمد و آخرون:-

87 - علي ابن ابي طالب - نظرة عصرية جديدة (ط - 3، المؤسسة العربية للدراسات، 1600 ه / 1980 م).

* محمد، عبد الزهراء عثمان:-

88 - المعارضة السياسية في تجربة أمير المؤمنين (عليه السلام) (ط - 1، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، 1434 ه / 2003 م).

* النوري، الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي (ت 1333 ه / 1914 م):

89 - مستدرك الوسائل (نشر مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة، 1408 ه / 1988 م).

ص: 303

*ياسين، نجمان:-

90 - تطور الأوضاع الاقتصادية في عصر الرسالة والراشدین (ط - 1، طبع ونشر: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1411 ه / 1991 م).

رابعاً الرسائل والاطاريح الجامعية:-

*عبد الكاظم، حارس رميلي:-

91 - کتاب وقعة صفين للمنقري - دراسة تحليلية (رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاداب، جامعة البصرة / 1435 ه / 2016 م).

خامساً: الدوريات:

*العيساوي، علاء كامل صالح:-

92 - الاصلاح الاداري في عهد الإمام علي (عليه السلام) الرقابة والمكافاة في العمل الاداري انموذجا» (بحث غير منشور).

ص: 304

الجانب السياسي في رسائل الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

الدكتورة زينب سمير علي وزارة التربية العراقية

ص: 305

ص: 306

المقدمة

الحمد لله رب العالمين الآمر بالعدل والإحسان والصلاة والسلام علی سید المرسلين الهادي إلى الحق والى صراط الله المستقيم ومن دعا بدعوته وسار على نهجها إلى يوم الدين

أما بعد:

أن الكلام عن سيرة الإمام أبي الحسن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) تضيق به الأسفار الكبيرة، وفضلاً عن كوني في هذا المقام اركز في بحثي على إبراز جانب محدد من سيرة الإمام علي (علیه السلام)، ألا وهو الجانب السياسي من خلافته، تلك الفترة التي شهدت اضطرابات ومنازعات عديدة ومتواصلة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إلى الحد الذي طغت فيه على مجريات الإصلاح والتنظيم الإداري للدولة

فهي فترة كما وصفها الأمام (علیه السلام): ((أنها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت وأستنارت))(1). فكان لابد له من اتباع سياسة حكيمة تهدف الى تهدئة النفوس ونشر الأمن والعدل وكان الأمام حريصا على قيادة الأمة وفق المبادئ والقيم التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والتي آمن بها ودافع عنها والتزم بها واتخذها مسارا في سياسته، وهكذا وجد الإمام (علیه السلام) نفسه أمام موقف صعب جدا إذ يجب عليه أن يوازن بين القيم والمبادئ التي اتخذها مسارا لسياسته وبين الظروف الجديدة التي فرضت عليه واصبحت تتحكم في الأحداث وأفقدت منصب الخلافة هيبته بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

وقد وصف عباس العقاد(2) موقف الأمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في تلك

ص: 307

الاحداث بقوله: ((انه اصعب موقف يتخيله العقل في تلك الأزمة المحفوفة بالمصاعب، فكان عليه أن يكبح الفرس عن الجاح، وكان عليه أن يرفع العقبات والحواجز عن طريق الفرس)).

فقد كانت الأضطرابات بفعل غضاضة قوى البيت الأموي ومواليه من تسلم الأمام (علیه السلام) منصب الخلافة فاتخذوا من حادثة مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ذريعة وصاروا يطالبون الخليفة بالأخذ بالثأر لدم الخليفة عثمان (رضي الله عنه)، رغم معرفتهم بان مسالة تشخيص القتلة أمر ليس بالهين، وقد أكد ذلك امير المؤمنين علي (علیه السلام) عندما وفد عليه طلحه والزبير في عدد من الصحابة يطالبونه بالقصاص من القتلة، فأجابهم: ((يا أخوتاه أني لست اجهل ما تريدون، ولكن كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، و ثابت إليهم إعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا فهل ترون موضعاً لقدرة على شي مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الأمر أمر جاهلية، أن لهؤلاء القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من اخذ بها أبداً أن الناس من هذا الأمر أن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لاترى هذا ولا هذا، حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتوخذ الحقوق فأهدءوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا))(3). ومن حواره معهم نطلع على أسلوب سياسته الهادف الى تهدئة النفوس وأعادة الأمن، واول عمل قام به امير المؤمنين (علیه السلام) طلب من الخارجين على الخليفة السابق ترك المدينة والعودة إلى أمصارهم، فقد خاطبهم (علیه السلام) قائلا: ((يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم))(4). کما طلب من اهل المدينه اخراج الاعراب بقوله: ((يا أيها الناس اخرجوا عنكم الأعراب))(5). ففي هذا

ص: 308

الطلب نجد الخليفة (علیه السلام) أراد إعادة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي واعادة سيطرة الخلافة على الدولة ليتسنى له ادارة شؤونها بشكل سليم.

فخرج الخارجون على خلافته واختلفوا فيه وشقوا عصا الطاعة عنه فانشغل بقتالهم طوال فترة خلافته بمعارك متعددة، فمعركة الجمل مع طلحه والزبير وعائشة سنة 36 ه / 656 م(6). ومعركة صفين مع معاوية سنة 37 ه / 657 م التي كاد أن يقضي فيها على معاوية وجيشه لولا مسالة التحكيم التي تشبث بها معاوية و جنده للخلاص من الهزيمة فنتج عنها أنشقاق الخوارج من جيش الامام وخروجهم عليه ورفضوا التحكيم وعدوا ذلك مخالف للشريعة، فقضى الأمام علي (علیه السلام) عليهم في معركة النهروان سنة 37 ه / 657 م(6) وبقي الصراع مستمراً بينه وبين معاوية إلى أن استشهد (علیه السلام) على يد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 ه / 660 م في العراق، ودفن في النجف(8) ودامت خلافته أربع سنين وتسعه اشهر وبضعة أيام. فنجد كثره الاحداث والصراعات في عهد امير المؤمنين (علیه السلام) قد استغلت من البعض للادعاء بانه رجل حرب وليس رجل دوله وسیاسه، وما يهمنا في هذا البحث هو بيان القدرات السياسية والاداريه لامير المؤمنين (علیه السلام) من خلال رسائله وكتبه الى عماله خلال فترة خلافته التي فيها ردا على كل من يدعي بانه (علیه السلام) رجل حرب وليس رجل دولة وسياسة.

أولا: عهود التولية:

عهد التولية هو إشارة رسمية بتوليه الأمر لحامله(9). فهو وثيقة رسمية توضح واجبات الوالي وحقوق الرعية وصلاحياته، وترسم له السياسة التي يجب السير عليها لتحقيق الأهداف المرجوة من توليته ويتوضح هذا بصورة جلية في عهد الإمام الى واليه مالك الأشتر عندما ولاه مصر، جاء فيه: ((هذا ما أمر به عبد

ص: 309

الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده اليه حينما ولاه مصر جباية خراجها، وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها، وأمره بتقوى الله وأيثار طاعته وأتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد الا بأتباعها..))(10). فمن النص اوضح الإمام علي (علیه السلام) صلاحيات واليه مالك الأشتر في مصر، وهي جهاد العدو وجباية الخراج وعمارة الارض والبلاد وتقوى الله وطاعته فيما أمر به في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فلا يتجاوز الحدود المرسومة له، وكذلك نجد نفس خطوات السياسة المرسومة لمالك رسمها الإمام علي (علیه السلام)، في نص عهد توليته

محمد بن أبي بكر لمصر حيث جاء فيه: ((هذا عهد عبد الله علي أمير المؤمنين الى محمد بن ابي بكر حين ولاه مصر، أمره بتقوى الله في السر والعلانية وخوف الله تعالى في المغيب والمشهد، وأمره باللين على المسلم والغلظ على الفاجر وبالعدل على اهل الذمة وبانصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالاحسان الى ما استطاع والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله الى الطاعة والجماعة فان لهم في ذلك من العاقبة وعظیم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه وأمره أن يجبی خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه ثم يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل وان يلين هم جناحه وأن يواسي بينهم في مجلسه ووجهه وليكن القريب والبعيد في الحق سواء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق وان يقوم بالقسط، ولا يتبع الهوى ولا يخاف في الله عز وجل لومة لائم، فان الله جل ثناؤه مع من أتقي وأثر طاعته وامره على سواه))(11).

و من قراءة نصي هذين العهدين توضحت توجيهات الامام (علیه السلام) الدينيه و

ص: 310

السياسة والاقتصادية والاجتماعية وطرق تحقيقها ونشر الامن والعدل، فضلاً عن الوصايا الخاصة بشخص الولاة انفسهم وتحذيرهم من اتباع الهوى وترك طاعة الله سبحانه وتعالى، متبعا قوله تعالى: «قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ»(12).

ثانياً - سياسة الامام علي (علیه السلام) في عزل الولاة واستبدالهم

كانت أولى خطوات الخليفة علي بن أبي طالب (علیه السلام)، في الجانب الإداري هي القيام بعزل بعض ولاة الخليفة السابق عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وذلك بسبب سوء تصرفاتهم وخروجهم عن الخط الاسلامي، فعلى سبيل المثال قام عبد الله بن عامر والي افريقية بالاستحواذ على خمس غنائم جیش افريقية(13). وكما تصرف الامويون في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض) بالاموال العامة وكأنها أموالهم، فكان لسوء تصرفهم الاداري سببا في عزلهم، واستبدالهم بولاة جدد حيث أرسل الامام علي (علیه السلام) عماله الى الامصار كآلاتي:

عثمان بن حنیف(14) على البصرة، وعمارة بن شهاب(15) على الكوفة، وعبيد الله بن عباس(16) على اليمن، وقيس بن سعد(17) على مصر، وسهل بن حنیف(18) على الشام(19)، وابو ایوب الانصاري على المدينة وخليد بن قرة التميمي(20) على خراسان(21). وقثم بن عباس(23) على مكة(23). ومالك الاشتر(24) على الجزيرة(25).

وعمرو بن أبي سلمة(26) على البحرين ومن بعدة ولاها للنعمان بن العجلان(27) (28)، والحارث بن مرة العبدي(29) على السند(30)، وزياد بن ابيه(31) على فارس، ومخلف بن سلیم(32) علی اصفهان و همدان(33)، ربعي بن كأس العنبري على سجستان(34).

ص: 311

وعلى قضاء البصرة ابو الاسود الدؤلي(35)، وعلى قضاء الكوفة شريح بن الحارث الكندي(36) وعلى الشرطة معقل بن قيس الرياحي(37) (38).

فكان الهدف من هذا التوزيع هو اخراج الامة الاسلامية من ازمتها التي تمر بها، غير أن هذا التوزيع للولاة اوجد مواقف متباينة في قبول ورفض هؤلاء الولاة، فوالي الشام سهل بن حنيف خرج إلى الشام وفي تبوك لقيته خيل، فقالوا: من انت؟ قال: أمير، قالوا: على أي شئ؟ قال: على الشام، قالوا: ((اذا كان عثمان بعثك فاهلا بك وان بعثك غيره فأرجع، قال: اوما سمعتم بالذي حدث، قالوا: نعم، فرجع))(39).

نجد ان رفض أهل الشام للوالي المعين من قبل الخليفة علي بن ابي طالب (علیه السلام) جاء نتيجة مقتل الخليفة عثمان (رضي الله عنه)، واستغلال معاوية لهذه الحادثة في اتهام الخليفة علي (علیه السلام) بالتباطؤ في القصاص من القتلة، واتخاذه من أهل الشام جبهة ضد الإمام (علیه السلام)، فكان رفضهم للوالي المعين من قبل الخليفة علي (علیه السلام) طبيعيا.

اما قیس بن سعد فقد لقي معارضة في مصر لكنه استمر ودخل إلى مصر وتفرق اهلها إلى ثلاثة فرق واحدة دخلت معه واخرى اعتزلت والاخيرة عارضت فكتب بالأمر الى الامام علي (علیه السلام)(40). اما والي الكوفة عمارة بن شهاب فانه لقي طلحة بن خویلد، وهو يدعو بدم عثمان، فقال له: ((ارجع فان القوم لا يريدون بأميرهم بدلا وان أبيت ضربت عنقك))(41) فرجع.

وهكذا نجدان رجوع عمارة كان بسبب ظهور طلحة في الكوفة مطالبا بدم الخليفة عثمان (رضي الله عنه)، فنجد المعارضين للخليفة علي بن ابي طالب (علیه السلام) سواء كانوا ولاة أو أشخاصا من سكان الولايات، اتخذوا من مقتل الخليفة عثمان (رضي الله عنه) حجة للخروج على طاعة الخليفة علي (علیه السلام) في حين انه كان من الحق عليهم أن يدخلوا

ص: 312

في أمر البيعة ويبايعوا ثم يطالبوا بانزال القصاص بالقتلة لكن المطامع الشخصية هي التي تغلبت على الأمر.

اما دواعي استبدال ولاته بغيرهم فمنها ما كان بسبب وجود شخص يجد فيه الخليفة المقدرة والكفاية افضل من الوالي السابق على ادارة شؤون الولاية، هذا هو ما حدث في عزل الخليقة علي (علیه السلام) لمحمد بن أبي بكر(42) عن مصر وتوليتها الى مالك الأشتر اذ جاء في كتابه الذي يوضح فيه لمحمدان عزله لم يكن عن خيانة او قصور وانما لوجود من هو اكفأ منه على إدارة وسياسة المنطقة في خضم الاحداث الجارية بين الخليفة علي (علیه السلام) ومعاوية اذ جاء فيه بقوله (علیه السلام): ((اما بعد فقد بلغني مو جدتك من تسريح الأشتر الى عملك، وإني لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا أزدياداً لك في الجدولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مؤونة عليك وأعجب اليك ولاية، أن الرجل الذي کنت وليته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحاً وهو على عدونا شديداً وناقماً))(43).

وفي مواقف أخرى قد يكون سبب العزل خيانة الوالي للأمانة التي أؤتمن عليها، فقد عزل الخليفة علي (علیه السلام) واليه مصقلة ابن هبيرة(44) بعدما وصلت اليه اخبار خیانته اموال المسلمين والتصرف بها على هواه، اذ بلغه (علیه السلام) انه يقسم اموال المسلمين التي حازته رماحهم على قومه الذين اتخذوه سیداً لهم فارسل له قائلا: ((بلغني عنك أمرء، إن كنت قد فعلته فقد أسخطت إلهك وعصيت إمامك، أنك تقسم فيء المسلمين الذي حازتها رماحهم وخيولهم وأريقت عليه دماؤهم فيمن إعتامك من اعراب قومك فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لئن كان ذلك حقا لتجدن لك عندي هواناً ولتخفَّنَّ عندي میزانا، فلا تستهن بحق ربك، ولا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الاخسرين اعمالا، الا وإن

ص: 313

حق من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذه الفئة سواء يردون عندي عليه يصدون عنه))(45). وورد في كتاب له لبعض عماله قوله: ((فقد بلغني عنك أمراً ان كنت فعلته فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك، بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك واكلت ما تحت يديك فأرفع إلى حسابك وأعلم أن حساب الله اعظم من حساب الناس))(46).

نجد في نصوص هذين الكتابين تهديد الخليفة وتوعده بالحساب لكل من خان امانات المسلمين التي تحت يديه وفي ذات الوقت يذكرهم بأن حسابهم في الحياة هواهون من حساب الله لهم وبالتالي فقد أقسم بالله بأن حسابهم سيكون عسيرا لانهم بخيانتهم الأمانة خسروا دينهم ودنياهم.

وقد يكون من بين اسباب عزل بعض الولاة هو الحاجة اليهم في مهام أخرى ففي كتاب الإمام علي (علیه السلام) الى عامله على البحرين عمرو بن أبي سلمة المخزومي اوضح انه (علیه السلام) لم يعزله عن خيانة او شك وانما بسبب حاجة الخليفة اليه في حربه مع معاوية لانه من الأشخاص الذين يعتمد عليهم ويستقوي بهم على جهاد أعدائه واقامة حدود الدين فقد جاء فيه: ((اما بعد، فأني قد ولیت النعمان بن عجلان الزرقي، ونزعت يدك بلا ذم لك ولا تثريب عليك فلقد احسنت الولاية وأدّيت الامانة، فاقبل غیر ضنين ولا ملوم، ولامتهّم ولا مأثوم، فلقد أردت المسير إلى ظلمة الشام، وأحببت أن تشهد معي، فأنك ممن استظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين إن شاء الله))(47).

وقد يكون الوالي دون مستوى المسؤولية المناطة به مما يجعل الخليفة يعدل إلى غيره، فقد جاء في كتاب الإمام (علیه السلام) الى واليه المنذر بن الجارود العبدي(48):

((أما بعد، فأن صلاح أبيك غرني منك وظننت انك تتبع هديه وتسلك سبيله

ص: 314

فإذا أنت فيما رقي إلى عنك، لا تدع هواك انقیادا، ولا تبقى لأخرتك عتاداً، تعمر دنیا بخراب أخرتك وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقا بحمل أهلك و شسع نعلك خير منك ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر أو ينفذ به أمر أو يعلى له قدر او يشرك في أمانة او يؤمن له خيانة فأقبل إلي حين يصل كتابي هذا إن شاء الله))(49).

ثالثا - أمر البيعة ومقتل الخليفة عثمان بن عفان:

كان من اول کتب الخليفة علي بن ابي طالب (علیه السلام) بعد مبايعته بالخلافة كتابه الى معاوية بن ابي سفيان والي الشام، مطالباً اياه بالبيعة والدخول فيما دخل فيه أهل الشوری، حيث جاء فيه: ((أنه قد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم)، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا اللغائب ان يرد وانما الشورى للمهاجرين والأنصار فان أجتمعوا على رجل وسموه اماماً كان ذلك لله رضا «(50). وبهذا القول يتجلى المنظور الديمقراطي الشعبي الذي جمع اراء المهاجرين والأنصار لكونهم أهل الحل والعقد فمن يبايعونه ويسمونه إماما یکون اماماً للمسلمين، وقد بایعه اهل الشورى لذا امامته شرعية وعلى معاوية المبايعة والدخول فيها دخل فيه المسلمون.

وقد أوضح الأمام (علیه السلام) أثر أهل الشورى في اختيار الأمام و مقدار سلطتهم في محاسبة هذا الأمام، فيقول (علیه السلام): ((فأن خرج من أمرهم بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فان ابی قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى))(51). فهنا اوضح الامام (علیه السلام) طريق الحق وان أتی بافعال ينكرها عليه أهل الشوری بطعن أو بدعة، لهم حق محاسبته وتحذيره لردعه عن هذا العمل فان لم يستجب حل لهم خلافه او قتاله لأتباعه غير سبيل المؤمنين، ولما طلب معاوية

ص: 315

من أمير المؤمنين (علیه السلام) ابقاءه على ولاية الشام والا سيخرج بأهل الشام معارضاً له، رفض أمير المؤمنين طلبه وارسل (علیه السلام) كتابا الى معاويه يحذره من محاولته في خلط الاوراق والتصيد بالماء العكر لنيل ولايه الشام ويحذره من التمادي والغرور بنفسه واهل الشام و، جاء فيه: ((اما طلبك الى الشام فاني لم اكن لأعطيك اليوم ما منعتك امس... واما استواؤنا في الحرب والرجال فلست بأمضى على الشك مني على اليقين. وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الاخره، واما قولك انا بنو عبد مناف فكذلك نحن و لكن ليس امية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا ابوسفیان کابي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق ولا المحق کالمبطل ولا المؤمن كالمد غل... ولما ادخل الله العرب في دينه افواجاٌ وأسلمت له هذه الأمة طوعاُ وكرهاُ کنتم ممن دخل في دين الله اما رغبه او رهبه على حين فاز اهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الاولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباُ ولا على نفسك سبيلاُ))(52).

ولما طالبه معاویه بالقصاص من قتله الخليفة عثمان واتهم أمير المؤمنين (علیه السلام) بدمه، ارسل له الإمام ينصحه ان ينظر إلى الأمور بعقله دون هواه وما يشتهي فسيجد ان الامام (علیه السلام) بريء من دم الخليفة عثمان، لانه كان في عزلة من الناس وحذر معاوية من توجيه الاتهامات الباطلة اليه، وهذا ما قام به معاوية منذ تولي الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام) امر الخلافة، فجاء في كتابه (علیه السلام): ((ولعمري یا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرى الناس من دم عثمان، ولتعلمن اني كنت في عزلة منه، الا ان تتجني فتجن ما بدا لك والسلام))(53).

وفي هذا الصدد ذكر الطبري (54) ان الامام علياً (علیه السلام) كان عند احجار الزيت(55) عندما وصل اليه خبر مقتل الخليفة عثمان.

ص: 316

فمحاولات معاوية المستمرة بايهام المسلمين بان للامام علي (علیه السلام) يداً في مقتل الخليفة عثمان من جهة وخروج طلحة والزبير والسيدة عائشة من جهة اخرى استدعت قيام امير المؤمنين (علیه السلام) بارسال کتاب الى أهل الكوفة يوضح لهم امر مقتل الخليفة عثمان وبراءته من الاشتراك فيه، وفي هذا العمل شهادة له (علیه السلام) بانه ليس من نوع القادة الذين يوصون بشيء ويعملون بآخر نقیضاً له ومما جاء في هذا الكتاب: ((من عبد الله علي امير المؤمنين، إلى أهل الكوفة جبهة الانصار وسنام العرب، اما بعد فأني أخبركم عن أمر عثمان حتی یکون سمعه كعيانه، انّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلاً من المهاجرين أكثر أستعتابه، وأقل عتابه وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف(27) وأرفق حدائهما العنيف وكان من عائشة فيه فلتة غضب فأتيح له قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخیرین(57).

نستشف من هذا الكتاب ان الامام (علیه السلام) اثنى على أهل الكوفة فنعتهم بسنام العرب لعلو شأنهم ثم أوضح لهم امر الفتنه ومقتل الخليفة عثمان وانه (علیه السلام) كان كأحد المهاجرين يعاتبه اذا ما اشتكى إليه أحد من الرعية في الامور التي نقموها عليه، ثم تحدث الامام (علیه السلام) عن مبايعة طلحة والزبير له (علیه السلام) فوصفها بانها کانت بيعة رضا لا اکراه فيها ثم لم يتعرض لخروجهما من مكة مع السيدة عائشة.

رابعاً - أمن الدولة وسياستها:

من الكتب التي تدخل في هذا الجانب کتاب الامام علي (علیه السلام) الى عماله الذي کتب نسخه واحدة وأخرجها الى العمال بصورة عامه ينبههم فيه الى مراقبة امور امصارهم وما يحدث فيها والحذر من وجود الخارجين ويسألهم فيها عن مرور الخريت بن راشد وجموعه، يقول: «من عبد الله علي أمير المؤمنين الى من قرىء

ص: 317

عليه كتابي هذا من العمال أما بعد، فان رجالاً خرجوا هربا ونظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة فسل عنهم أهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من ارضك، واكتب الي بما ينتهي اليك عني والسلام»(58).

أوضح الإمام (علیه السلام) من خلال نص رسالته لولاته أن عليهم الحذر من وجود الخارجين ووضع العيون عليهم واشعار الخلافة بامرهم ومدى استفحاله للتمكن من اخذ التدابير اللازمة لمعالجة خطر هؤلاء الخارجين، وهذا هو ما حدث عندما اجابه قرظة بن كعب عامله على البصرة على هذه الرسالة يخبره عن امر الخريت(59).

وجرى مثل ذلك في كتاب الإمام (علیه السلام) إلى قثم بن عباس عامله على مكة، والذي جاء فيه: «اما بعد فأن عيني بالمغرب كتب إلي من يعلمني انه وجه الى الموسم اناس من أهل الشام العمي القلوب الصم الاسماع الُکِمْهِ الابصار، الذين يلبسون الحق بالباطل ويطيعون المخلوق في معصية الخالق ويحتلبون الدنيا درها بالدين ويشترون عاجلها بأجلها الأبرار المتقين ولن يفوز بالخير الا فاعله»(60). ففي هذه الرسالة يلفت انتباه عامل مكة الى وجود جماعة من أهل الشام من طرف معاوية قادمين لموسم الحج وقد علم بخبرهم من العيون التي وضعها الامام (علیه السلام) في الشام، فهؤلاء القادمين سيعملون على الباس الباطل بالحق بین الحجيج فيأمره بحسن التصرف لضمان الامن والرعاية للحجاج ولم يرد ذكر أي اجراء عسكري مطلوب من عامله اتخاذه تجاه هؤلاء المشاغبين.

اما في الجانب السياسي، فان كتب الخليفة علي (علیه السلام) ورسائله الى عماله والتي تناولت كيفية ادارة الولايات والاقاليم، والتعامل مع سكانها أفصحت وبشكل جلي عن الكفاية والمقدرة السياسية العالية للخليفة وليس أدل على ذلك من كتابه

ص: 318

الموجه الى مالك الأشتر النخعي حينها ولاه مصر والتي بين فيها السياسة الواجب أتباعها في مصر.

أن أستقراء ما ورد في نص رسالته هذه يفصح عن أستخدام المضمونين السياسي والاداري، ولكني ارتأيت ان اضعها في الجانب السياسي لكونه ينبه على سياسات كانت قائمة في مصر ويبين السياسة الواجب اتباعها تجاه اهل مصر فافصح قائلا: ((ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول من قبلك من عدل وجور، وان الناس ينظرون في امورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما کنت تقول فيهم، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنة عباده فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحببت أو كرهت))(61).

هنا لفت الامام أنتباه مالك الى أنه قد وجهه الى بلاد قد جرت عليها سياسات وحكومات مختلفة تباينت في عدالتها وظلمها، الأمر الذي يتطلب منه التريث والنظر بامعأن وتفحص دقيق للوقوف على تاريخ تلك المنطقة وتطوراتها، ومعرفة عادات سكانها وتقاليدهم خاصة وان مصر من الاقاليم البعيدة عن تأثير شبه الجزيرة العربية بالنسبة لموقعها والاستفادة من تلك المعلومات في إصدار التشريعات التي تلائم عادات وسكان البلاد لتلقي تلك التشريعات قبولاً وتطبيقاً من قبل الرعية لان سياسة الدولة لا يمكن أن تتم مالم تطبق الرعية التشريعات التي تصدر عنها.

ومن المعروف أن مصر تختلف عن شبه الجزيرة العربية من حيث الموقع والمناخ هذا الاختلاف كان له دور في اختلاف طبائع وعادات وسكان مصر عن

ص: 319

سكان شبه الجزيرة العربية.

وان اشارة الامام (علیه السلام) الى واليه بالاخذ بنظر الاعتبار تاريخ مصر والدول المختلفة التي قامت عليها، يوضح القدرة العقلية الفذة للامام (علیه السلام) في ايجاد احکام تحقق العدل والامن للناس وذلك من خلال تنبيهه على دراسة الجانب التكويني والنفسي للرعية ولعل في هذا رد على من يتهم العرب والاسلام بالتخلف والارهاب وان الاسلام سبب رئيسي في التخلف فهنا تطرح بعض الأسئلة نفسها فاذا كان الاسلام سببا في تخلف العرب اذن كيف تصدر مثل تلك التشريعات الادارية عن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) وخلفائه ولا سيما الامام علي بن أبي طالب (علیه السلام).

واننا لو نظرنا في الوقت الحاضر في القوانين الوضعية التي تتكلم عن حقوق الدولة والإنسان لوجدنا أن معظم بنودها مأخوذة من مبادئ ديننا الاسلامي الذي يتهمنا الغرب بانه سبب تخلفنا ولعل في هذا رد بسيط على اتهام الغرب للعرب والاسلام بالارهاب.

ثم يعود الإمام (علیه السلام) فيأمر مالك بن الاشتر بالعمل الصالح لانه أن صلحت سيرته وعمله أحبته الرعية وتحقق لهم الأمان في ظل واليهم الذي يحقق لهم العدل حتى ولو على حساب نفسه وهواه وان يمنع نفسه ويزجرها عمالا يحق لها فيما احبت او کرهت، وان زجر النفس انصاف لها حتى لا تمشي في الطرق التي تؤدي إلى التهلكة.

کما يوضح الامام (علیه السلام) الى واليه على البصرة سهل ابن حنيف الانصاري، في قوم لحقوا بمعاوية فارسل له قائلاً: ((اما بعد، فقد بلغني أن رجالا من قبلك يتسللون إلى معاوية فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ويذهب عنك من مددهم فكفراً لهم غيا ولك منهم شافياً فرارهم من الهدى والحق وأيضاعهم

ص: 320

الى العمى والجهل، وأنما هم أهل دنیا مقبلون عليها ومهطعون اليها وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عندنا في الحق أسوة فهربوا إلى الأثرة فبعداً لهم وسحقاً)(62) فهنا يوضح لعامله عدم التأسف على هؤلاء الهاربين من صفوفه مع علمهم انه على حق، ومعرفته انه عنده الناس بالحق سواء لا فرق بينهم في نسب او جاه فهربوا إلى المكان الذي يرجوا أن يجدوا فيه الاثرة على غيرهم وتضمن كتاب الإمام (علیه السلام) الى اهل البصرة تهدیداً لهم بالعقوبة اذا لم يتوقفوا عن معاداة الخلافة واثارة الفتن فيذكرهم بوقعة الجمل سنة 38 ه / 658 م وما حدث فيها فيقول (علیه السلام) : ((وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه فعفوت عن مجرمکم ورفعت السيف عن مدبر کم، وقبلت من مقبلكم))(63). فيذكرهم بانه (علیه السلام) قد اعفی عن مجرمهم ومنع قتل الهاربين وقبل عودة التائبين کما انه حذر من التمادي في الامر والعودة الى السابق وذلك باتباع الاراء المخالفة له والداعية الى مخالفته ومحاربته، فأن رحله وركابه (جنده) قريبة الموطن منهم، فاذا ما اضطروه الى ذلك فانه سيوقع بهم وقعة قوية تكون وقعة الجمل بالنسبة لها أمر بسيط، فيقول (علیه السلام): ((فان خطت بكم الأمور المردية، وسفه الآراء الجائرة الى منابذتي وخلافي فهأنذا ذا قد قربت جيادي ورحلت رکابي، ولئن الجأتموني إلى المسير اليكم لا وقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل الا كلعقة لاعق))(64).

اما کتاب الامام (علیه السلام) إلى زياد بن ابیه عاملهُ على خراسان الذي يحذره فيه من خديعة معاوية، وهو يوضح وقوف الخليفه على كل ما يجري من أمور في الدوله صغيرها وكبيرها وهي واحدة من مؤثرات الحزم واليقظه في السياسه، وقد جاء فيه: ((وقد عرفت أن معاوية كتب اليك يستنزل ويستغل غربك فأحذره))(65). فهنا يحذر زیاد من خديعة معاوية له بارساله الرسل اليه يعترف

ص: 321

فيها له بانه اخاه من ابيه ابي سفيان وانه سيلحقه بنسب ابي سفيان اذا ما انضم الى جانبه ثم يكمل الامام (علیه السلام) قائلاً: ((فانما هو الشيطان يأتي المرء بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم عقلته ويستلب غرته))(66).

ويبدو لنا أن هذا التشبيه جاب نتيجة الأسلوب الذي اتبعه معاوية مع زیاد بن ابيه وذلك باستمالة قلبه وعواطفه واعطائه وتمنيه بالحاقة بنسب ابي سفيان وهذا الفعل يشبه فعل الشيطان مع الانسان عندما يحاول دفعه الى التهلكة فيتبع كل طرق الاغراء والتضليل للوصول إلى مبتغاه، فيقتحم على المؤمن غفلته ليدفعه لتحقيق نواياه السيئة وقد ذكر في قوله تعالى توعد الشيطان بدفع المؤمنين إلى الهلاك اذ جاء ذلك في قوله تعالى: «قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ»(67).

ويفند الامام (علیه السلام) ادعاء معاوية لزياد، فيقول له: ((وقد كان في ابي سفيان في زمن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فلتة من حديث النفس ونزعة من نزعات الشيطان، لا يثبت بها بنسب ولا يستحق بها ارث والمتعلق بها كالواغل المدفع والنوط المذبذب))(68)، فيذكر الإمام (علیه السلام) لزياد بانه جرت حادثة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حينما كانوا مجتمعين يوما لدى الخليفة عمر (رضي الله عنه) فتكلم زیاد فافصح الكلام وتعجب الحاضرون من بلاغته وبراعته فحدث الشيطان نفس ابي سفيان فادعى أن زياد ولده وانه قد وطئ أمه في الجاهلية محاولاً الحاق زيادة بنسبة لكنه اخفى الأمر، لان الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان حاداً في احقاق الحق، وانه باعترافه بزياد سيعرض نفسه لعقوبة الجلد او الرجم لانه قد زنی فترك أبو سفيان أمر الاعتراف خوفاً على نفسه، فهنا اوضح الامام (علیه السلام) لزياد خطة معاوية ومحاولته المخادعة، ثم نفی لزياد صحة ما ذكره ابو سفیان وان قول الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم): ((ایما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا

ص: 322

يورث))(69)، وهذا دليل الامام (علیه السلام) لزياد وان تعلقه بهذه الأوهام سيدفعه الى الهاوية.

اما کتاب الامام (علیه السلام) الى ابي موسى الاشعري وهو عامله على الكوفة وقد بلغه تثبيطه الناس عن الخروج اليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل، ففيه يؤنب الامام (علیه السلام) ابا موسى على قيامة بتثبيط الناس عن النهوض والمشاركة مع الامام (علیه السلام) في حرب الجمل، فيقول (علیه السلام): ((من عبد الله علي امير المؤمنين الى عبد الله بن قیس اما بعد، فقد بلغني عنك قول هولك وعليك))(70). ويقصد الامام هنا بهذا قول أبي موسى: ((أن ولاية الامام علي (علیه السلام) ولاية حق، اما قتال اهل القبلة فليس حق ويقصد بهم طلحة والزبير وعائشة ومن والاهم من اهل البصرة، فقد أفتى أبا موسى بتحريم ذلك فأنبه (علیه السلام) على ذلك القول قائلاً: ((فاذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك(71) وأشدد مئزرك(72) واخرج من جحرك(73) وأندب من معك فان حققت فانفذ وان تفشلت فابعد))(74)، فهنا وجه الإمام (علیه السلام) أبا موسی واخبره بامرين اما ان ينهض باصحابه ويخرج من منزله وأشار الى وصف منزله بالجحر توبيخاً له والمعروف أن الجحر مسكن الثعلب، فأراد الامام (علیه السلام) بهذا وصف تحايل ابي موسى عندما افتی بامر قتال أهل البصرة بانه على غير حق فكان يقول هذا وقد البس الامر على الرعية فاذا لم يعلن أبا موسی بین اصحابه النفير والسير لمشاركة الامام في حرب الجمل عليه عندئذ اتباع الأمر الثاني، وهو عزل نفسه عن الولاية، كما يهدد الخليفة ابا موسی قاسماً بالله انه اذا تخاذل عن النصرة له ليجمع جموعه ويتجه نحو الكوفة ولا يتركه حتى يخلط زبده بخاثره وذائبه بجامده وقال زبده بخاثره كناية عن خلط الأمور كلها فلا يبصر منها شيء حتى يكون حذره من امامه كما يحذر من عدوه ان ياتيه من الخلف، فيقول (علیه السلام):

ص: 323

((وايم الله لتؤتين حيث أنت ولا نترك حتى يخلط زبدك بخاثرك(75) وذائبك بجامدك وحتی تعجل عن فقدتك ونحذر من امامك كحذرك من خلفك))(76) .

ثم يوضح عواقب هذه الأمور، وانها ليست بالهينة السهلة التي يتوقعها ولكنها المصيبة الكبرى التي سيصاب بها، والتي تركب صعابها فتصبح ذلولة فسيأتيه الامام (علیه السلام) وجنده من جهة وطلحة والزبير واهل البصرة من جهة اخرى متوجهين نحو الكوفة وينزلون به وباهل الكوفة من عظيم العقوبة والخطب الجليل ما لم يكن يتصوره الفكر فيأمره بالتعقل وتبصر الأمور، فاذا لم يفعل ذلك يأمره بالتنحي والاعتزال عن هذا الامر فان بعده افضل من وجوده وعدم مشاركته في الحرب فيقول (علیه السلام): ((وما هي بالحويني التي ترجو ولكنها الداهية الكبرى يركب جملها ويذلل صعبها ويسهل جبلها، فأعقل عقلك، واملك امرك وخل نصيبك وحظك، فان كرهت فتنح إلى غير رحب ولا في نجاة فبالحرى لتكفين وانت نائم حتى لا يقال این فلان والله انه لحق مع محق وما يبالي ما صنع الملحدون))(77)، والاشارة هنا قول الإمام (علیه السلام) انه لحق مع اشارة الى قول الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) في حقه: ((اللهم ادر الحق مع علي حيثما دار))(78).

ص: 324

الخاتمة

تناول موضوع البحث الجانب السياسي لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، لقد أيد الله رسوله الكريم (صلی الله علیه وآله وسلم) برجالاً امنو بالله و رسوله فكانوا جنوده الميامين بحماية الدين و كان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام النموذج الفريد الذي لا نضير له منذ الدعوة الاسلامية و الى وقتنا هذا، تلك الشخصية التي عجز التاريخ عن وصفها فقد تميز عليه السلام بمواقفه البطولية الرائعة في خدمة الاسلام و المسلمين كيف لا وهو؟

من تربى في بيت النبوة وحضي برعاية الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) واهتمامه منذ نعومة أضفاره فكانت له من الفضائل التي تميز بها عن رجال عصره و أشار، اليها الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) في كثير من المواقف ومنها حديث الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) في جعل أمير المؤمنين عليه السلام وصيه وأخاه استنادا إلى الحديث الشريف: ((الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هاون من موسی الا انه لا نبي من بعدي)) وكثير من الأحاديث التي تشير إلى مواقفه ومنزلته و مناقبه عليه السلام.

فتناول البحث المضمون السياسي لرسائل الخليفة علي بن ابي طالب عليه السلام من خلال كتبه في نهج البلاغة، التي وجهها الامام عليه السلام الى ولاته وعماله على الامصار والأقاليم الاسلامية ومنها خراسان والبصره والبحرين والكوفة والشام ومصر وغيرها من الامصار الاسلامية الأخرى. ففيها يوضح الامام عليه السلام لولاته الخطوط العريضة في كيفية إدارة امور الولايات والأقاليم من خلال توضيحه للظروف والملابسات التي قد يستغلها الطامعين بالخلافة والمخالفين له رضوان الله عليه. وان تلك الكتب لم تكن محصورة في الجانب السياسي بل انها لم تكن تخلو من التوجيه للولاة والعمال من الإحاطة علما بالجانب التكويني لتلك

ص: 325

المدن و الامصار والأحداث التي تسيرها.

و لعل أوضحها في ذلك رسالة الامام عليه السلام الى عامله ابو موسی الأشعري في البصره، ورسالته إلى مالك الأشتر حينما ولاه مصر، ففي الاولى يوضح عليه السلام لابي موسى الأشعري سوء تدبيره لامر البصره و عواقب هذا الامر اما في الرسالة الثانية فيوضح لمالك الأشتر کيفية إدارة مصر في الجانب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، کما نعتقد انها من اهم الوثائق السياسية بما تضمنته من أفکار و نظم سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية واخلاقية ترقى الى ارقى الامم المتقدمة تمدنا و حضارة في الوقت الحاضر.

وفي الختام نسال الى عز وجل التوفيق لكل من يسعى إلى حفظ و نشر و تحقیق تراث أمير المؤمنين عليه السلام ونرجو من الله أن لا يحرمنا هذه النعمة.

هوامش البحث:

(1) الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر (ت 310 ه / 923 م)، تاریخ الرسل والملوك، تحقيق: إبراهيم أبو الفضل، ط 4، مطبعة دار المعارف، (القاهرة 1400 ه / 1962 م)، ج 4، ص 450.

(2) عباس محمود، عبقرية الأمام علي بن أبي طالب، مطبعة الهلال، (القاهرة - 1966 م)، ص 53.

(3) الضبي، الفتنة وواقعة الجمل، ج 1، ص 99 - 97؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 37؛ ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني (ت 130 ه / 1232 م)، الكامل في التاريخ، دار صادر، بیروت، 1995، ج 3، ص 83؛ ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن حمد بن الحسين (ت 656 ه / 1258 م) شرح نهج البلاغة، مراجعه وتصحيح لجنه أحياء الذخائر، منشورات مكتبة الحياة، (بيروت - لا. ت)، ج 3، ص 339؛ النويري، شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب (733 ه / 1332 م). نهاية الأرب في معرفة فنون الادب،

ص: 326

مراجعة: ابراهيم مصطفى، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975 م، ج 2، ص 15 - 16.

(4) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 450.

(5) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 450.

(6) الضبي، الفتنة وواقعة الجمل، ج 1، ص 97؛ ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن منيع (ت 230 ه / 845 م)، الطبقات الکبری، (دار صادر / بيروت - 1985)، ج 3، ص 31؛ الطبري، تاریخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 506؛؛ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت 911 ه / 1505 م)، تاریخ الخلفاء، تحقيق: محمد ابو الفضل، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة - لات)، ص 173 - 174.

(7) السيوطي، تاریخ الخلفاء، ص 174. (8) ابن خیاط، خلیفه بن خياط العصفري (ت 240 ه / 853 م)، تاریخ خليفة بن خیاط، ط 2، تحقيق اکرم ضیاء العمري، دار العلم للملايين، مؤسسة الرساله، (بيروت - 1977)، ج 1، ص 198؛ ابن عبد ربه، أبو عمر احمد بن محمد الأندلسي (ت 349 ه / 939 م)، العقد الفريد، تحقیق احمد امين، (القاهرة، 1997 م)، ج 4، ص 121؛ القلقشندي، ابو العباس احمد بن علي (ت 821 ه / 1918 م)، صبح الاعشى في صناعة الانشا، وزارة الثقافة والارشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، لا. م، لا.ت.، ج 1، ص 252.

(9) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4 ص 556؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 5، ص 134

(10) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت مج 5، ، ص 34؛ الهادي، کاشف الغطاء؛ ستدرك نهج البلاغة، ط 2، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، لا. م، 1980 م، ص 106 - 107.

(11) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 556؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 2، ص 39.

(12) سورة الأنعام، اية 57.

ص: 327

(13) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 203 - 254.

(14) عثمان بن حنيف: هو عثمان بن حنیف بن وهب بن عکیم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف الانصاري الاوسي القبائي، من الصحابه شهد بدراً وولاه عمر بن الخطاب السواد ثم ولاه البصرة ولما كانت الخلافة لعلى بن أبي طالب (علیه السلام) ولاه على البصرة، توفي في خلافة معاوية. الذهبي ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان بن قیماز (ت 748 ه / 1347 م)، سیر اعلام النبلاء، ط 9، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعیم العقرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت - 1413 ه)، ج 2، ص 320 - 322. ابن حجر العسقلاني، شباب الدين ابو الفضل احمد بن علي (ت 852 ه / 1448 م)، الاصابة في تمييز الصحابة، ط 1، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، 1992 م، ج 6، ص 385.

(15) عمارة بن شهاب: كان له هجرة واستعمله الإمام علي (علیه السلام) على الكوفة. ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة، ج 4، ص 446.

(16) عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، كان سخياً جواداً يقال أنه أول من وضع المؤائد على الطرق ولاه على اليمن، توفي سنه 58 ه. الطبري، تاریخ، طبعة، ج 4، ص 442. الذهبي، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه / 1367 م)، العبر في خبر من غبر، ط 1، تحقيق: صلاح المنجد، لا. م، 1960 م، ج 1، ص 63.

(17) قیس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن خزیم بن ابي جذيمة بن ثعلبة بن طریف بن الخزرج بن ساعدة بن کعب بن خزرج بن ابي ثابت الخزرجي الانصاري، كان بمثابة صاحب الشرطة للنبي صحابي من دهاة العرب وذو رأي، ولاه الإمام علي (علیه السلام) على مصر. الذهبي، سیر اعلام النبلاء، ط 9، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و محمد نعیم العرقسوسي مؤسسة الرسالة، بیروت، 1913 ه، ج 3، ص 102 - 103. ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة، ج 8، ص 1088.

(18) سهل بن حنیف: هو اخو عثمان بن حنيف بن وهب بن عکیم بن ثعلبة بن الحارث بن

ص: 328

مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف الانصاري، روي عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وزيد بن ثابت، كان من السابقين شهد بدراً وثبت یوم احد وبايع على الموت، ولي على الشام في عهد علي ورفضه أهلها ثم أستخلف على البصرة، توفي سنة 38 ه. الطبري، ت تاریخ الرسل والملوك، طبعة، ج 4، ص 442. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 5، ص 328.

(19) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 442.

(20) خلید بن مرة التميمي:وقيل خليد بن طريف اليربوعي. ابن الاثیر، الکامل، ج 3، ص 157.

(21) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 199.

(22) قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم اخو عبيد الله بن العباس، كان يشبه النبي (صلی الله علیه وسلم)، وقال الإمام علي (علیه السلام) كان قثم احدث الناس عهداً برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولاه الإمام علي (علیه السلام) لما استخلف مكة، خرج أيام خلافه معاويه مع سعيد بن عثمان الى سمرقند فاستشهد فيها. ابن حجر العسقلاني، الاصابة، ج 5، ص 430.

(23) اليعقوبي احمد بن ابي يعقوب بن وهب بن واضح (ت 284 ه / 897 م)، تاريخ اليعقوبي، دار بيروت للطباعة والنشر، لا. م، 1960 م، ج 2، ص 179.

(24) مالك بن الحارث الاستر المخعي ولاه الامام علي المدينة، شهد مع الامام علي موقعه الجمل وصفين، وبعد صفين وجه الامام الى مصر بدلا من محمد بن أبي بكر، فلما علم معاويه بذلك و كان الأشتر أشد عليه من محمد بن أبي بكر دس له سماً، فلما صار إلى القلزم من الفسطاط نزل على رجل من أهل المدينة فخدمه وسقاه السم بعقب فيه عسل فمات بالقلزم سنه 38 ه / 658 م. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 194. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعه بیروت، ج 3، ص 129 - 127.

(20) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 200.

(29) عمرو بن أبي سلمة بن عبد الاسد المخزومي، من الصحابة ولد بالحبشة ورباه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، وولاه الإمام علي (علیه السلام) على البحرين. الزركلي، خير الدين، الاعلام، ج 5، دار العلم للملايين، (بیروت - 1979 م)، ج 5، ص 51.

ص: 329

(27) النعمان بن العجلان بن عامر بن زريق الانصاري، صحابي كان لسلن الانصار وساعدهم فأستعمله الامام علي (علیه السلام) على البحرين، شهد مع الامام علي صفين. المنقري، وقعه صفین، ص 432. أبن حجر العسقلاني، الاصابه، ج 8، ص 164.

(28) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 199

(29) الحارث بن مره العبدي، قلید له ذكر في فتوح السند فقد سار الى بلاد مکران و ظفر وغنم، ولما ولي الخليفة علي تقدم الحارث فولاه علي السند. الذهبي، ابن خیاط، تاریخ خليفه بن خیاط، ج 1، ص 199. الزركلي، الاعلام، ج 2، ص 157.

(30) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 199.

(31) زیاد بن أبيه، أختلفوا في أسم أبيه فقیل عبيد الله الثقفي وقيل أبو سفيان، أمير من دهاه العرب ولاه الخليفة علي أمر فارس. الطبري، تارخ، ج، ص تاریخ الرسل والملوك

(32) مخنف بن سليم بن حارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدووول من الازد، أسلم وصحب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ونزل بالكوفة بعد ذلك ولما كانت الخلافة لعلي (علیه السلام) ولاه اصفهان و همدان، شهد مع علي (علیه السلام) صفين. أبن سعد، الطبقات، ج 6، ص 35. أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، طبعة قم، ج 3، ص 183.

(22) أبن خیاط، تاریخ خليفة بن خیاط، ج 1، ص 199.

(24) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 199

(35) ابا الاسود الدؤلي: ظالم بن عمرو الدؤلي، اسلم في حياة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو اول من وضع العربية بأشارة من الإمام علي (علیه السلام)، كان شاعراً مجيداً، شهد الجمل وصفين مع الإمام علي (علیه السلام)، توفي في البصرة. الذهبي، سیر اعلام النبلاء، ج 4، ص 84 - 85.

(36) شريح ابو امية: شریح بن الحارث الكندي ولي قضاء الكوفة لعمر بن الخطاب، كانت له دراية بالغة بالقضاء. تولى القضاء للامام علي (علیه السلام)، توفي في مكة سنة 76 ه. الذهبي، العبر في خبر من غبر، ط 2، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مطبعة الكويت، (الكويت - 1980 م)، ج 1، ص 89.

(37) معقل بن قيس الرياحي: من بني يربوع، كان رئیس قومه ولي شرطة الخليفة علي و شهد

ص: 330

مع الإمام علي (علیه السلام) حروبه، أرسله الى الخريت بن راشد فاوقع به ولما وقع التحكيم فارق علي (علیه السلام)، ابن حجر العسقلاني، الاصابة، ج 2، ص 359.

(38) ابن خیاط، تاریخ خليفة، ج 1، ص 201 - 203.

(39) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 442.

(40) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 442

(41) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعة القاهرة، ج 4، ص 443.

(62) محمد بن أبي بكر: ويكنى ابا القاسم، وأمه اسماء بنت عمیس الخثعمية أخت میمونة زوجة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، نشأ في حجر علي بن ابي طالب (علیه السلام) وكان على رجالته يوم الجمل وشهد معه صفين، ولاه عثمان مصر وولاه علي (علیه السلام) ايضاً على مصر بعد مرجعه من صفين فوقع بينه وبين عمرو بن العاص حرب فهزم محمد وقتل. المحب الطبري، احمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر (ت 695 ه / 1296 م)، الرياض النضرة في مناقب العترة، ط 1، تحقيق: عيسى عبد الله و محمد مانع الحميري، دار الغرب الاسلامي، (بيروت - 1996)، ج 2، ص 256

(43) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 4، ص 775؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 74.

(44) مصقله بن هبيرة الشيباني بن شبل الثعلبي بن بكر بن وائل قائد من الولاه ولاه الخليفة علي على كور والاحواز واردشير، اشترى أساری بني ناجيه من النصارى من معقل بن قيس وهم خمسمائة أنسان من الصبيان والنساء والشيوخ وثمنهم آلف آلف، لكنه عجز عن تسديد الثمن فهرب إلى معاوية. المنقري، نصر بن مزاحم بن سیار (ت 212 ه / 827 م)، وقعة صفين، ط 2، تحقيق: عبد السلام هارون، مصر الجديدة، 1992 م، ص 486. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، طبعه بیروت، ج 3، ص 146 - 147.

(45) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 4، ص 801؛ البحراني، کمال الدين میثم بن علي بن میثم (ت 172 ه / 1273 م)، شرح نهج البلاغة، منشورات مؤسسة النصر، 1384 ه، ج 5، ص 94 - 95.

ص: 331

(46) ابو يوسف، يعقوب بن ابراهيم (ت 182 ه / 798 م)، الخراج، تحقيق: محمود الباجي (تونس - 1984 م)، ص 142؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 4، ص 792.

(47) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 5، ص 799؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 93.

(48) المنذر بن الجارود، واسمه بشر بن حنش ولقب الجارود لان والد بشر غزا بکر وائل فاستأصلهم فلقبه احد الشعراء بهذا اللقب على اثر هذة الحادثة، كان من رؤساء عبد قيس وكان على رأس قومه في قتال أهل الردة. أبن حجر العسقلاني، الاصابه، ج 1، ص 441.

(49) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، مج 5، ص 239؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 227؛ جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الانسانية، دار الفكر، (بيروت - 1958 م)، ج 3، ص 730 - 736.

(50) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 4، ص 311؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 352؛ کاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة، ص 21. (51) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 4، ص 311؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 352؛ كاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة، ص 21. (52) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 311؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 352؛ کاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة، ص 21. (53) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 311؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 352؛ کاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة، ص 21.

(54) تاریخ الرسل والملوك، طبعة بيروت، ج 2، ص 652.

(55) احجار الزيت: موضع بالمدينة قريب من الزوراء وهو موضع صلاة الاستسقاء، وقيل احجار الزيت موضع بالمدينة وداخلها. البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه / 892 م)، فتوح البلدان، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 ه، ج 1، ص 109.

ص: 332

(56) الوجيف: الوجف سرعة السير، وضرب من سير الخيل والأبل سريع، وفي حديث الامام (علیه السلام) "اهون سيرهما فيه الوجيف" يقصد به ضرب من السير السريع. ابن منظور، ابوالفضل جمال الدين محمد بن مکرم (ت 711 ه / 1314 م)، لسان العرب، ط 1، تحقيق: صلاح المنجد، دار صادر، بیروت، لا. ت، ج 9، ص 352.

(57) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 289؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 339 - 335؛ کاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة، ص 123 - 124.

(58) الطبري، تاريخ الملوك، طبعة القاهرة، ج 5، ص 116؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة قم، ج 17، ص 47.

(59) الطبري، تاريخ الملوك، طبعة القاهرة، ج 5، ص 11.

(60) البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 71 - 72.

(61) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة قم، ج 17، ص 30 - 31.

(62) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 234؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 131.

(63) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 4، ص 530؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 446.

(64) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 530؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 446.

(65) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 4، ص 530؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 446.

(66) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 530؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 446.

(67) سورة الاعراف، اية 16.

(68) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بیروت، ج 4، ص 803؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 95 - 96.

ص: 333

(69) الترمذي، محمد بن عيسى ابو عيسى السلمي (ت 279 ه / 892 م)، سنن الترمذي، تحقيق: احمد شاکر واخرون، دار احیاء التراث العربي، بیروت، لا. ت، ج 4، ص 428.

(70) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 5، ص 174.

(71) ذیلك: الذيل أحد اذيال القميص، والذيل أخر كل شيء. الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (ت 666 ه / 1297 م)، مختار الصحاح، تحقيق: محمود خاطر، مکتبة لبنان، بیروت، 1415 ه، ج 1، ص 95، ج 11، ص 206؛

(72) مئزرك: الازار، وکنی بشدة عن اعتزال النساء، وقيل: اراد تشمير للعبادة. ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 16.

(73) جحرك: كل شيء تحتفره الهوام والسباع لأنفسها، والجمع أحجار. ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 117.

(74) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 4، ص 174.

(75) خاثرك: نقيض الرقة الغليظ. ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 230. (76) ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، طبعة بيروت، ج 5، ص 174.

(77) أبن ابي الحديد، طبعه بیروت، ج 5، ص 174

(78) الترمذي، سنن الترمذي ج 5، ص 297. النويري، نهايه الارب، ج 20، ص 7. الذهبي، الخلفاء الراشدون من تاريخ الاسلام، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 - 1988 م، ص 251. المتقي الهندي، علي بن حسام الدين المتقي الهندي الرهان خوري (975 ه / 1567 م). منتخب کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، طبعه وفسر غريبه: الشيخ بكري حياني صححه ووضع فهارسه: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1399 ه / 1979 م، ج 11، ص 642.

ص: 334

المصادر والمراجع

المصادر الاولية:

ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني (ت 630 ه / 1232 م).

1. الكامل في التاريخ، دار صادر، بیروت، 1965. (10 اجزاء)

وطبعة ثانية، تحقيق: ابو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995.

البحراني، کمال الدین میثم بن علي بن میثم (ت 672 ه / 1273 م). (4 اجزاء)

1. شرح نهج البلاغة، منشورات مؤسسة النصر، 1384 ه.

البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه / 892 م).

1. فتوح البلدان، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 ه.

الترمذي، محمد بن عيسى ابو عيسى السلمي (ت 279 ه / 892 م).

1. سنن الترمذي، تحقيق: احمد شاکر واخرون، دار احیاء التراث العربي، بیروت، لا.ت. (5 اجزاء)

ابن جعفر الطبري، احمد بن عبد الله بن محمد (ت 694 ه / 1294 م).

1. الرياض النضرة في مناقب العترة، ط 1، تحقيق: عيسى عبد الله محمد مانع الحميري، دار الغرب الاسلامی، بیروت، 1996. (2 اجزاء)

ابن حجر العسقلاني، شباب الدین ابو الفضل احمد بن علي (ت 852 ه / 1448 م).

1. الاصابة في تمييز الصحابة، ط 1، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، 1992م. (8 اجزاء)

2. لسان الميزان، ط 3، مؤسسة الاعلمي للطباعة، بیروت، 1989 م.ص 70

ص: 335

ابن أبي الحديد، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن حمد بن الحسين (656 ه / 1208 م)

1. شرح نهج البلاغة، مراجعة وتصحيح: لجنة أحياء الذخائر، منشورات دار مكتبة الحياة، بیروت، لا.ت. (5 اجزاء)

وطبعة قم، 1408 ه. (20 جزء)

ابن خیاط، خليفة بن خياط الليثي العصفري (ت 240 ه / 854 م).

1. تاریخ خليفة بن خیاط، ط 2 تحقیق: اکرم ضیاء العمري، دار العلم الملايين، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1977 م.

الذهبي، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه / 1347 م).

1. الخلفاء الراشدون من تاريخ الاسلام، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 - 1988 م.

2. سیر اعلام النبلاء، ط 9، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و محمد نعیم العرقسوسي مؤسسة الرسالة، بیروت، 1913 ه. (23 جزء)

3. العبر في خبر من غبر، ط 1، تحقيق: صلاح المنجد، لا. م، 1990 م.

الرازي، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر (ت 666 ه / 1267 م).

مختار الصحاح، تحقيق: محمود خاطر، مكتبة لبنان، بیروت، 1415 ه

السدوسي، ابو عبد الله محمد بن زید (ت 273 ه / 886 م)

1. تاریخ الخلفاء، رواية أبي بكر السدوسي، تحقيق: محمد مطیع حافظ، مطبوعات مجمع اللغة العربية، مطبعة المفيد، دمشق، 1979 م.

ابن سعد، محمد بن منيع (ت 230 ه / 844 م).

2. الطبقات الکبری، تحقيق: ادورد سخو، دار صادر للطباعة، بیروت، (8 اجزاء)

السيوطي، جلال الدين بن عبد الرحمن (ت 911 / 1000 م).

3. تاریخ الخلفاء، تحقيق: محمد ابو الفضل، دار نهضة مصر للطباعة والنشر،

ص: 336

القاهرة، لا. ت.

الطبري، ابو جعفر محمد بن جریر (ت 310 ه / 922 م)

1. تاریخ الرسل والملوك، ط 4، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1962 م.

وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 ه. (5 اجزاء)

ابن عبد ربه، ابو عمر احمد بن محمد (328 ه / 939 م).

1. العقد الفريد، تحقيق: احمد امین، طبعة القاهرة، 1967 م. (5 اجزاء)

المحب الطبري، احمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر (ت 695 ه / 1296 م)، الرياض النضرة في مناقب العترة، ط 1، تحقيق: عیسی عبد

الله ومحمد مانع الحميري، دار الغرب الاسلامي، (بيروت - 1996)

القلقشندي، ابو العباس احمد بن علي (ت 821 ه / 1918 م).

1. صبح الاعشى في صناعة الانشا، وزارة الثقافة والارشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، لا. م، لا.ت. (4 اجزاء)

ابن منظور، ابو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم (ت 711 ه / 1314 م)

1. لسان العرب، ط 1، تحقيق: صلاح المنجد، دار صادر، بیروت، لا.ت. (15 جزء)

المنقري، نصر بن مزاحم بن سیار (ت 212 ه / 827 م).

2. وقعة صفين، ط 2، تحقيق: عبد السلام هارون، مصر الجديدة، 1962 م.

النويري، شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب (733 ه / 1332 م).

3. نهاية الأرب في معرفة فنون الادب، مراجعة: ابراهيم مصطفى، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1970 م. (20 جزء)

المتقي الهندي، علي بن حسام الدين المتقي الهندي الرهان خوري (975 ه / 1567 م).

ص: 337

1. منتخب کنز العمال في سنن الاقوال والافعال، طبعه وفسر غریبه: الشيخ بكري حياني صححه ووضع فهارسه: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1399 ه / 1979 م. (22 جزء)

اليعقوبي احمد بن ابي يعقوب بن وهب بن واضح (ت 284 ه / 897 م).

2. تاريخ اليعقوبي، دار بيروت للطباعة والنشر، لا. م، 1960 م. (2 جزء)

ابو يوسف، يعقوب بن ابراهيم (ت 182 ه / 798 م).

3. الخراج، دار المعرفة، بیروت، 1400 ه / 1979 م.

المراجع:

جرداق، جورج سجعان.

الامام علي صوت العدالة الانسانية، دار الفکر، بیروت، 1958 م. (4 اجزاء) حسين، طه.

1. علي وبنوه، مصر، 1975 م.

الزركلي، خير الدين.

1. الاعلام، دار العلم للملايين، بیروت، 1400 ه / 1979 م.

العقاد، عباس محمود.

1. عبقرية الامام علي بن ابي طالب، مصر، 1991 م.

الهادي، کاشف الغطا.

1. مستدرك نهج البلاغة، ط 2، دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع، لا. م، 1980 م.

ص: 338

السياسة الادارية عند الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

الأستاذ المساعد الدكتور احمد عدنان الميالي جامعة بغداد - كلية العلوم السياسية

ص: 339

ص: 340

مقدمة

سنتناول في هذا البحث السياسة الادارية عند الامام علي(عليه السلام) بعد استلامه للسلطة ومجمل الاصلاحات في هذا الاطار.

ترتكز فرضية البحث على: (ان الامام علي (عليه السلام) اعتبر مبارزة الفساد الاداري امر لامفر منه ولا يمكن تطبيق الاحكام الاسلامية وتطبيق منهج العدل واحترام الحقوق في السياق السياسي والاجتماعي دون ان اعتماد سياسة ادارية عادلة).

وسنعتمد لاثبات فرضية البحث المدخل التاريخي والمنهج التحليلي مع الاستعارة بالمنهج المقارن.

وسيقسم البحث الى عدة محاور رئيسة لتغطية متطلبات الفرضية نسبيا.

استهلال تأسيسي

عانت انظمة الحكم وتعاني من امور قد تؤدي الى هلاكها، في مقدمتها توسيد أمر لمن ليس له. فلابد للنظام السياسي الذي يرجو سيادة العدل السياسي، طرح نظرية الرجل المناسب في المكان المناسب. فالعدالة السياسية لاتقوم لمجرد معرفة الاُسس والقواعد التي تقوم عليها. فالعبرة في التنفيذ، صحيح ان التطبيق يبدأ من الحاكم السياسي، ولكنه لا يكتمل الا عند الولاة والعمال وبقية اركان النظام الاداري للدولة.

لذلك باشر الإمام (علیه السلام) في سياسته الادارية بعمليتين: اولاً: بعزل البعض من ولاة عثمان بن عفان على الأمصار، هؤلاء الولاة الذين كانوا من الاسباب المهمة في الثورة على الخليفة الثالث، لظلمهم وبغيهم وعدم درايتهم بالسياسة

ص: 341

واحوال الحكم الاسلامي. ثانياً: اسناد ولايتها الى رجال من اهل الدين والعفة والحزم ممن تتوافر في شخصيتهم موازين الاسلام(1). فقال (علیه السلام): ((وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وإمامة المسلمين، البخيل، فتكون في اموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الجائف للدُّول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الاُمة))(2).

المحور الاول: اصول السياسة الادارية عند الإمام (علیه السلام):

حث الامام علي ع على التنظيم والانضباط الاداري من قبل العاملين. فقد قال (علیه السلام) للأشتر: ((وامضِ لكل يوم عمله؛ فأن لكل يوم مافيه.. اياك والعجلة بالاُمور قبل اوانها، او التسقط فيها عند امكانها، او اللجاجة فيها اذا تنكرت، او الوهن عنها اذا استوضحت. فضع كل امر موضعه، واوقع كل امر موقعه))(3). وفي كتابه الى امراء الخراج : ((اياكم وتأخير العمل ودفع الخير؛ فأن في ذلك الندم))(4). وفي وصيته (علیه السلام) للحسن والحسين (علیه السلام) لما ضربه ابن ملجم: ((اوصيكما وجميع ولدي بتقوى الله ونظم امركم))(5). كان (علیه السلام) ميالاً الى خاصية الانضباط الاداري في الشؤون الفردية والاجتماعية، بالاخص الاُمور ذات الصلة بالحكم. ففي فلسفة الإمام (علیه السلام)، كانت واحدة من حكم القرآن، ايجاد النظم في المجتمع، حيث كان (علیه السلام) يحث العاملين معه على الدوام ان لا يغفلوا عن خاصية الانضباط الاداري في ممارسة العمل، وان يبذلوا جهدهم لانجاز كل واجب في وقته المحدد.

من اصول السياسة الادارية عند الإمام (علیه السلام)، هي اختيار الاكفاء للإضطلاع بمسؤولية العمل الاداري. ففي رؤية الإمام (علیه السلام) ينبغي اختيار العاملين في النظام الاسلامي على اساس الجدارة، لا على اساس المحسوبية والمنسوبية. وفي هذا السياق

ص: 342

ينبغي ان تراعى في عملية الاختيار، ما يحظى به هؤلاء من تأهيل اخلاقي واصالة عائلية ومايتحلون به من كفاءه وتخصص. فيقول (علیه السلام) في عهده للأشتر: ((..فول من جنودك انصحهم في نفسك الله ولرسوله ولإمامك، وانقاهم جيباً، وافضلهم حلماً، ممن يبطيء عن الغضب ويستريح الى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو(6) على الاقوياء، وممن لا يثيره العنف ولا يقصد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات والاحساب، واهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنه ...))(7). حيث في نظر الإمام (علیه السلام) لايجوز للولاة في النظام السياسي التابع لحكومته، ان يوزعوا المناصب على اساس الصلات العائلية والعلاقات السياسية. ولا يحق ان يلي امور الناس المحروم من الاصالة العائلية، ولا تناط المسؤولية بسيء الاخلاق، او ان يتعهد بشؤون المجتمع لمن يفتقر الى الكفاءة والتخصص ويفتقد للحيوية اللازمة لأنهم سينزلقون الى خيانة عملهم الاداري، فالخائن لا وجود له في حكومة الإمام (علیه السلام)، فقد قال(علیه السلام): ((ان المغيرة بن شعبة قد كان اشار عليَّ ان استعمل معاوية عل الشام وانا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضداً))(8). وقد اوصى (علیه السلام) ولاته وعماله بعدم الخيانة بحمل الامانة لمناصبهم الادارية، فقد كتب لرفاعة قاضيه على الاهواز: ((اعلم يارفاعة ان هذه الامارة امانة؛ فمن جعلها خيانة فعليه لعنة الله الى يوم القيامة، ومن استعمل خائناً فان محمد (صلى الله عليه وسلم) بريء منه في الدنيا والآخرة))(9). لذلك كان علیه السلام يستبعد الخائنين والعجزة، فيقول: ((من خانه وزیره فسد تدبيره))(10). وفي نفس المجال يؤكد الامام علي (علیه السلام) ذلك، بقوله: ((آفة الاعمال عجز العمال))(11). لا بل ان الإمام (علیه السلام) كان لا يولي من يكذب، لأن الكذب اداة اساسية لفساد النظام السياسي، فيقول: ((كذب السفير يولد الفساد، ويفوت المراد، ويبطل الحزم وينقص العزم))(12). وقد جاء في كتاب الاستيعاب لإبن عبد البر، يوصف سياسة علي في تعيين كادره الاداري: ((كان علي (رض).. لا

ص: 343

يخص بالولايات الا اهل الديانات والامانات، واذا بلغه عن احدهم خيانة، كتب اليه: قد جاءتكم موعظة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس اشيائهم.. اذا اتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من اعمالنا، حتى نبعث اليك من يستلمه منك..))(13).

من اصول السياسة الادارية عند الإمام (علیه السلام) هو تأمين الاحتياجات الاقتصادية للعاملين، فالإمام من يعتقد ان من لوازم الحؤول دون الفساد الاداري، ان يتمتع العاملون في النطاق الحكومي والوظائف العامة بحدٍ كافٍ من الحقوق المالية، تؤمن لهم الحياة الكريمة، لكي تتوافر الارضية المناسبة لإصلاح هؤلاء، ولا يطمعوا بالمال العام، ومن ثم تنتفي في حياتهم دوافع الاتجاه صوب الفساد والخيانة. فقد قال للأشتر: ((ثم اسبغ عليهم الارزاق، فأن ذلك قوة لهم على اصطلاح انفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم وحجة عليهم، ان خالفوا امرك أو ثلموا امانتك))(14).

ومن اصول سياسة الإمام (علیه السلام) الادارية، هو تأسيس جهاز رقابة على العاملين والولاة. حيث نهى الإمام (علیه السلام) بشدة عن ممارسة التجسس والتدخل في الاُمور الشخصية للمجتمع اثناء عهده السياسي، بيد انه مع ذلك كان يرى من الضروري فرض رقابة على العاملين في النظام الاسلامي وممارسة ذلك عبر جهاز رقابي خاص، ومن خلال موظفين سريين (عيون)، لئلا يتوانى هؤلاء في اداء وظائفهم، او يتعدوا على حقوق الناس بالإتكاء الى ما لديهم من سلطة. ويستدل ذلك من كتاب الإمام علي (علیه السلام) الى كعب بن مالك في هذا المجال: ((اما بعد؛ فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من اصحابك حتى تمر بأرض كورة السواد(16) فتسأل عن عمالي، وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والعذيب(15)،

ص: 344

ثم ارجع الى البهقبا ذات(17) فتول معونتها، واعمل بطاعة الله فيما ولاك منها، واعلم ان كل عمل بني آدم محفوظ علیه مجزي به، فأصنع خيراً، صنع الله بنا وبك خيراً، واعلمني الصدق فيما صنعت. والسلام)(18).

ان عهود الإمام (علیه السلام) واللوائح التي اصدرها بخصوص المراقبة الدقيقة للولاة وما بعث به من رسائل للولاة، كلها تؤيد تأسيس الإمام لجهاز رقابي مقتدر، كان ينهض بمهمة مراقبة العاملين معه. ولا تقف مهمة الإمام (علیه السلام) عند المراقبة بل يتعداها الى اتخاذ الموقف الحازم من العمال الذين لا يؤدوا امانة اعمالهم ويعاقب الخائن منهم. فيقول (علیه السلام) للأشعث بن قيس: ((أدَ وألاّ ضربتك بالسيف. فأدى ما كان عليه، فقال له من كان عليك لو كنا ضربناك بعرض السيف؟ فقال: انك ممن اذا قال فعل))(19). وايضاً من كتابه (علیه السلام) الى زياد بن ابيه: ((اني اقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني انك خُنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً او كبيراً، لاشُدن عليك شدةً تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر ضئيل الأمر. والسلام))(20). وايضاً كتابه الى إبن عباس عامله على البصرة: ((اما بعد، فقد بلغني عنك امر ان كنت فعلته، فقد اسخطت ربك واخربت امانتك، وعصيت إمامك، وخُنت المسلمين بلغني انك جردت الارض واكلت ما تحت يديك. فارفع الي حسابك، واعلم ان حساب الله اشد من حساب الناس. والسلام))(21). ويقول (علیه السلام) في عقوبة العمال الخائنين للأشتر: ((فان احد منهم بسط يده الى خيانة اجتمعت بها اخبار عيونك؛ اكتفيت بذلك شاهداً، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، واخذته بما اصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة))(22).

من مبادئ السياسة الادارية عند الإمام (علیه السلام)، هو اتباع سياسة الحزم المصحوب باللين. اذ يسير النظام السياسي العلوي في التعاطي مع العاملين

ص: 345

والولاة في النطاق الحكومي، على منهج يجمع بين الحزم واللين. فمن وجهة نظر الإمام (علیه السلام)، تعد القسوة المطلقة آفة تهدد النسق الاداري، وفي الوقت ذاته يلحق اللين اللامحدود اضراراً بادارة المجتمع. فيقول (علیه السلام) في كتابه لعماله: ((..فالبس لهم جلباباً من اللين، تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والادناء والابعاد والاقصاء. انشاء الله))(23).

وفي نفس المقام يقول (علیه السلام) لاحد عماله: ((..فأستعن بالله على ما اهمك، واخلط الشدة بضغث من اللين وارفق ما كان الرفق ارفق، واعتزم بالشدة، حين لا تغني عنك الا الشدة..))(24).

ان اساس العدالة في المجال السياسي يرتبط بتكوين جهاز اداري فاعل، وقد اولى الإمام (علیه السلام) الى الجانب الاداري اهمية فائقة، وكان يعد ويعتبر الولاية او المصر الذي يفتقد الى والي وجهاز اداري كفوء، هو من اسوء الأمصار، كما ان من الادلة التي دفعت الإمام علي (علیه السلام) الى قبول الحكم، هي ايجاد الاصلاحات الادارية.

ان الإمام علي (علیه السلام) يحمل العامل والوالي، هَم العدالة السياسية الاسلامية في جميع سلوكه، ويرى ان من اوكل الامانة اليهم من الولاة، فهم مسؤولون امام الخليفة وبالتالي امام الله عن سيرتهم، وطالما ان الولاية امانة في عنق الوالي، وجب ان يحافظ عليها، فلا يترك احداً يدفعه الى الاساءة اليها.

وقد انعكست السياسة الادارية في مدة تسنم الامام علي ع للسلطة بالاجمال على ابراز وتركيز مسألتين اساستين ترتبط بالمنهج الاداري وكانت نتاجا لهذه السياسة، وهما: احترام الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية، ومن ثم تركيز النتيجة ذلك وهو ترسيخ منهج العدل السياسي في جهاز الخلافة الاسلامية

ص: 346

المحور الثاني: احترام الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية

في منطق الإمام علي (علیه السلام)، لا يمكن بقاء الدول في المجتمعات الا اذا احترم النظام الحاكم حقوق الامة، او في الطرف الآخر ابدت الامة احترامها لحقوق النظام الحاكم عليه، والا فمن دون رعاية الحقوق المتبادلة بين الدولة والرعية لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية. وطبيعي ان رعاية هذا الأمر هي عملية شاقة، ففي دائرة الكلام، يحترم الجميع الحق، ولكن في دائرة العمل، يتضائل اهل الحق وينحسر عددهم. وبتعبير جميل للإمام (علیه السلام) ان الحق هو اوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناصف. لهذا كله لم تتخطى العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان على مر التاريخ كله تخوم الشعار، بل تحول الشعار الى اداة لابتزاز حقوق الناس والاعتداء عليها اكثر.

سنحت على مدى التاريخ الاسلامي بعد عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فرصة استثنائية واحدة لجهة استقرار العدل، وتمثلت في العهد القصير الذي امضاه الإمام علي (صلى الله عليه وسلم) في الحكم، بيد ان الاُمة لم تغتنم هذه الفرصة، بل وقع الظلم على حكم الإمام (علیه السلام) من قبل الرعية ذاتها حتى قال: ((ان كانت الرعايا قبل لتشكو حيف رعاتها، فاني اليوم لاشكو حيف رعيتي))(25) و: ((اصبحت الاُمم تخاف ظلم رُعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتي))(26).

يقول حسين علي لمنتظري: رغم كل الالتزامات التي منحها الإمام (علیه السلام) للشعب وهو في موقع السلطة السياسية، كان لزاماً على حكومته ان تمضي قدماً بتعهداتها للاُمة. فان الدولة تأسست ليس لاعمال السلطة والقدرة على الرعية والاستبداد عليهم من قبل النظام السياسي الحاكم بما شاء واراد، بل لادارة امورهم بالقسط والعدل على طبق موازين الشرع ومصالح الاُمة. فالغرض من

ص: 347

الدولة والحكومة هو اصلاح الاُمة وإعطاء حقوقها، وان من واجبات الحاكم بما انه هو الحافظ للدولة والضامن لقدرتها على التنفيذ بما يقوي الاُمة ودفاعها، فلا محالة وجود الارتباط التام بين الحكومة والاُمة والتعرف على حاجات الطرفين وتوقعاتهما بأداء الحقوق بين الحاكم والمحكوم، وافتراض عدم التقصير بأداء هذه الحقوق تحقيقاً للعدل الاجتماعي، فوظائف الحاكم السياسي من جهة منح الحقوق لرعيته تتجسد باقامة الحق ودفع الباطل، كما كان (علیه السلام) يقول، حيث ان اقامة الحق ودفع الباطل، هما اساس الملك وبدونهما لا حاجة للسلطة، لأنها تكون بدون أي سمة تقدير بالنسبة له، وان المسلمين ولاسيما اهل العلم والمعرفة الواقفين على مذاق الشرع هم من تقع عليهم مسؤولية تقويم الحاكم وحثه على العدالة الاجتماعية، ولا يجوز لهم السكوت في قبال التفاوت الطبقي الفاحش وغصب الحقوق العامة من قبل الإمام او الحاكم لحقوق الضعفاء(27).

ويقول (علیه السلام) في واجبات الحاكم تجاه رعيته من ناحية الحقوق: ((انه ليس على الإمام الا ما حمل من امر ربه، الا البلاغ في الموعظة والاجتهاد في النصيحة والاحياء للسنة واقامة الحدود على مستحقيها واصدار السهمان على اهلها))(28). وفي قوله لعثمان بن عفان حد له واجبات الخليفة التي لابد ان يلتزم بها: ((فأعلم ان افضل عباد الله إمام عادل هي وهدى؛ اقام سنة معلومة وامات بدعة مجهولة))(29)، و((على الإمام ان يُعلم اهل ولايته حدود الاسلام والايمان))(30). فهذه الكلمات لا تحتاج الى تفسير وكلها تبين وظائف الحاكم تجاه الرعية. ويرسم (علیه السلام) هذه المسؤولية الالزامية للحاكم بشكل اعمق، فيقول: ((لابد للأمة من امام يقوم بامرهم، فيأمرهم ويناهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد العدو ويقسم الغنائم ويفرض الفرائض ويعرفهم ابواب ما فيه صلاحهم ويحذرهم ما فيه

ص: 348

مضارهم. اذ كان الأمر والنهي احد اسباب الخلق، والاسقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع ولفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد..))(31). ويوضح (علیه السلام) ضرورة وجود الحاكم السياسي، لكنه يقرن هذه الضرورة باقامة واداء الحقوق الواجبة علیه الالتزام بضمان تحقيقها. واول منطلقات اداء الحقوق هو العدل والحكم بما انزل الله تعالى، يقول (علیه السلام): ((حق على الإمام ان يحكم بما انزل الله، وان يعدل في الرعية، فإذا فعل ذلك فحق عليهم ان يسمعوا وان يطيعوا وان يجيبوا اذا دعوا، وايما إمام لم يحكم بما انزل الله فلا طاعة له))(32).

ويضع (علیه السلام) اداء الحاکم حقوق الرعية مقابل اطاعة الرعية للحاكم بأداء ما عليها من حقوق. ويؤكد (علیه السلام) على التقابل في الحقوق بضرورة الالتزام بادائها من قبل الطرفين، فيقول: ((اما بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقاً بولاية امركم ولكم عليَّ مثل الذي لي عليكم، فالحق اوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناصف، لا يجري لأحد الا جرى عليه، ولا يجري عليه الا جرى له... واعظم ما افترض الله سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكلٍ على كل، فجعلها نظاماً لأُلفتهم وعزاً لدينهم...))(33).

وهنا يضع هذا التقابل بالحقوق بين الحاكم والمحكوم موضع الواجب التشريعي بانه شرع الله وضعه للبشر ليكون نظاماً وعزة لحياتهم. حيث يجعل علي ابن الحسين (علیه السلام) حق الرعية على الحاكم ثابتاً مطلقاً سواء اقامت الرعية بما عليها من حق الحاكم او لم تقم.. اما حق الحاكم على رعيته فمقيد بصلاح الراعي بما عليه من حق فان اهمل فلا تجب طاعته، بل يجوز خلعه وعزله(34). وبهذا التقابل يعم العدل وتسعد الرعية وتبقى لا تزول، يقول (علیه السلام): ((فاذا ادت الرعية الى الوالي

ص: 349

حقه، وادى الوالي اليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرى على اذلالها السُنن فصلح بذلك الزمان وطِمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الاعداء))(35).

ويقول علي صلاح؛ ان من واجبات الحاكم، المبادرة السريعة من قبله نحو تحقيق حاجات الناس، ومراقبة الوزراء والولاة الذين يتثاقلون عن تأدية واجباتهم تجاه الشعب، ويطلبون المنفعة والارباح ويماطلون في قضاء الاعمال من جهة، ومن جهة اخرى عدم الاعتماد عليهم كلياً في حل قضايا الشعب، وعلى الحاكم ان يضع له برنامجاً قائماً على رؤية سليمة وان يتعهد بتنفيذ هذا البرنامج ما امكنه عن طريق تأدية كل عمل في يومه ووقته المحد له، واذا التزم الحاكم بذلك، فان النتائج ستكون في مصلحة النظام الاجتماعي، وايضاً من حق الشعب على الحاكم عدم احتجاب الحاكم طويلا عن رعيته، بل عليه ان يخرج لشعبه على فترات متقطعة، کما ان ذلك سيكون داعياً لجهله بأحوال شعبه..(36) کما ان على الحاكم كما يقول علي صلاح: ان لا يبخل على شعبه بأعطاء حقوقه، بل يعمل ما في وسعه لتلبية حقوقهم، ويبذل في ذلك كل ما يملك من طاقات وقدرات، فيتعامل مع الشعب تعاملاً مناقبيا على اساس العطف من اجل ايجاد جو معنوي متلاحم وخلق الانسجام النفسي بين ابناء الشعب وبين الحاكم لذلك ينبغي الابتعاد كلياً عن التعامل بمنطلق استبدادي، بل يجب ان يحترم الحاكم مشاعر واحاسيس الآخرين ويحاول جهد الامكان، الابتعاد عن المواطن التي تؤدي الى خدشها وازعاجها، فالذي يريد ان يقود الناس لابد ان يتعامل مع المجتمع بهذا التعامل من حيث لين الجانب واعطاء الحقوق. ويعتبر (علیه السلام)، ان منصب الحاكم ووصوله للسلطة داخل النظام السياسي الاسلامي، ليست اداة استعلاء وتكبر على الناس، وانما هو

ص: 350

مركز خدمة وتحمل اعباء المسؤوليات العامة، وبما ان الحاكم يقود الشعب على اساس قیم الله تعالى ومن اجل مصلحتهم وسعادتهم، لذلك تحتم عليه ان يسير في سياسته وفق الاوامر الالهية، فلا يخالف شريعة الله بظلم او جور؛ بحيث تكون كل قوانين النظام الحاكم نابعة من الاسلام الاصيل، لا اسلام الذات والاهواء، ويجب على الحاكم أن لا يفكر ان واجبه هو السيطرة على السلطة وصنع القرار واصداره وتمريره، وانما عليه ان يراعي الوضع الذي يعيشه شعبه وان يكون على بصیره تامة من ناحية الظروف الطبيعية التي تمر بالشعب، وان يقوم بالتنسيق بين الفكرة المطروحة والامكانيات الموجودة، ومن ثم الاستفادة من جميع الاراء لصنع القرار الأفضل، المتفاعل والمنسجم مع الوضع القائم في المجتمع(37).

ان الإمام عليه ان لا يطمع بالخلافة ويسطو على السلطة، ولكن عليه تأدية حقوق الشعب، وانصاف المظلومين واصلاح البلاد، يقول (علیه السلام): ((اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان؛ ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك))(38).

والمتتبع لكلمات الإمام علي (علیه السلام) في خطبه وكتبه الى عماله وولاته، يجد عنایته واهتمامه برد المظالم واحقاق الحقوق من قبلهم، حيث لانهم بقدرتهم وقوتهم السياسية، يكونون اقدر على ذلك من كل احد. فالإمام علي (علیه السلام) بعد تصديه للخلافة، رد على المسلمين ما اقطعه الخليفة عثمان بن عفان (رض) من اموالهم. فقد قام بمصادرة ما اقطعه من القطائع ووهبه من الأموال لغير المستحقين بشكل غير مشروع(39). وأكد (علیه السلام) في عهده للاشتر على ضرورة اهتمامه بالنظر في حاجات الرعية والتواضع لهم،: ((واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم

ص: 351

فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً، فتتواضع فيه الله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك واعوانك من احراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإني سمعت رسول اللہ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن: لن تقدس أُمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع))(40)، ويقول للاشتر ايضاً (علیه السلام): ((ثم ان للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف في معاملة، فأحسم مادة اولئك بقطع اسباب تلك الاحوال.. والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع))(41). وقد ركز (علیه السلام) هنا على التواضع من الحاكم السياسي تجاه الرعية وعدم الغلظ وتصنع لغة الأمرة في حديثه مع الرعية وابعاد حاشيته وحرسه الشخصي عند مقابلة شعبه وانصاف الضعيف واخذ الحق له من القوي. ويحسم (علیه السلام) مسؤولية الحاكم تجاه الامة في موقع السلطة بأن السلطة وجدت في الاسلام، للمحافظة على الدين ثم تأتي وظيفة الجوانب الحقوقية والخلقية من الحاكم تجاه الرعية، فيقول (علیه السلام): ((من علامات المأمون على دين الله، بعد الاقرار والعمل والحزم في امره والصدق في قوله، والعدل في حكمه، والشفقة على رعيته، لا تخرجه القدرة الى خرق، ولا اللين الى ضعف، ولا تمنعه العزة من كرم عفوٍ، ولا يدعوه العفو الى اضاعة حق، ولا يدخله الإعطاء في سرف، ولا يتخطى به القصد الى بُخل ولا تأخذه نعم الله ببطر))(42).

يقول محمد باقر الحكيم في تبادل العلاقة الحقوقية بين القيادة والاُمة: في تمام مسؤوليات القيادة للاُمة. فعلى الرعية لزوم الطاعة. فالطاعة مرتبطة بتمام تنفيذ المسؤوليات الملقاة على القيادة السياسية، لأن هذه المسؤوليات تفرض ضرورة الطاعة، لأنها طاعة الله تعالى. وتُمكن القيادة من القيام بدورها في تزكية المجتمع وتعليمه. ومن تطبيقات الطاعة هي الولاء السياسي الذي يتمحور حول القيادة،

ص: 352

وبدون الطاعة لا يصبح الولاء ذا مضمون حقيقي(43). وعندما بايع الناس الإمام علي (علیه السلام) قال:((ايها الناس بايعتموني، على ما بويع عليه من كان قبلي، وانما الخيار قبل ان تقع البيعة فإذا وقعت فلا خيار، وانما على الإمام الاستقامة وعلى الرعية التسليم..))(44). وفي نفس المقام يقول (علیه السلام): ((..ولي عليكم الطاعة، وان لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات الى الحق، فأن انتم لم تستقيموا لي على ذلك، لم يكن اهون عليّ ممن اعوج منكم ثم اعظم له العقوبة، ولا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من امرائكم واعطوهم من انفسكم ما يصلح الله به امركم))(45)، فالطاعة هي الحق الاساس المفترض وجوباً منحها للحاكم الملتزم بأداء حقوق الشعب وضرورة اتباع الحاكم واطاعة اوامره وخوض الحروب معه ومحاربة الفتن والبدع، وعدم الانشقاق والتمرد عليه، والا تعرضوا للعقوبة ويصبحون من الخارجين على السلطة الشرعية.

لقد جسد الإمام (علیه السلام) العلاقة التقابلية بالالتزام بالحقوق من طرف الاُمة والحاكم بقوله (علیه السلام): ((ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً افترضها لبعض الناس على بعضٍ فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يستوجب بعضها الا لبعض))(46). وبهذا التقابل في الحقوق والالتزام بادائها من الحاكم والمحكوم، يحفظ العدل وتشاع العدالة الاجتماعية، التي هي المطلب الاء المطلب الاساسي في السياسة الاسلامية. وكان (علیه السلام) نموذجاً للحاكم العادل الصالح الذي ساوى بين الرعية وبين الحاكم والمحكوم(47).

وعدم الالتزام بالحقوق وادائها بين الحاكم والرعية، يعني ان تتعطل الحياة السياسية ويتعثر تطبيق الدين والشريعة ويعم الظلم، لذلك يقول (علیه السلام): ((واذا غلبت الرعية واليها، او اجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، ظهرت

ص: 353

معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السُنن، وعطلت الاحکام، وكثرت علل النفوس..))(48). ويرى الاسلام، ان حق القيادة السياسية للمجتمع في اطار تعاليمه لا يغایر حقوق الناس، بل هو رهین باداء القائد حقوقهم، وهم مکفولون بطاعته ودعمه اذا روعيت حقوقهم في النظام الذي يقوده(49).

ان من ضرورات الحكم الصالح، هو المشاركة الوجدانية بين الراعي والرعية. اذها يستطيع الحاكم ان يتعرف على آمال المحكومين والآمهم ومطامحهم، وان يعي حاجاتهم ومخاوفهم، فيعمل لخيرهم، ويصنع كل شيء مما يصلحهم موضعه ويشعرهم ذلك برعايته لهم وحياطته لامورهم وعمله لصالحهم، فيدعمون حكمه بحبهم وایثارهم له ويؤازرونه في السراء والضراء على السواء(50).

من هنا نصل الى ان صلاح الراعي ونجاحه مرتبطاً باستقامة الرعية وهذا يرتبط بنجاح النظام السياسي، وعدم الالتزام بالحقوق المتبادلة بين القيادة والاُمة، یهز العدالة السياسية للنظام الحاكم وسيواجه صعوبات عصية في نجاحه. وان الإمام علي (علیه السلام) قد اوكل جميع حقوق الرعية، الا ان الرعية قد تقاعست عن طاعة الإمام (علیه السلام) في اكثر من موطن، مما اثار الصعوبات امام قيامه ببعض الاصلاحات الاضافية التي تحتاج الى فترة طويلة في الحكم. ذلك لأن الشخصيات القيادية السياسية، ليست مسؤولة عن السياسة والاقتصاد وغيرها فحسب، بل تقع على عاتقها مسؤوليات اکبر في مجالات الاخلاق والايمان والعمل والتفوق ومكافحة المنكر واشاعة ثقافة الخير وتكوين المجتمع الاسلامي الايماني المتكامل، وهذا ما يميز النظام السياسي الاسلامي عن غيره.

ص: 354

المحور الثالث: إقامة منهج العدل

تعد العدالة المحور الاكثر بروزاً في منهج حكم وادارة الإمام علي (علیه السلام) وقد بلغ من اقتران اسم علي (علیه السلام) بالعدالة وامتزاجه بها، قدراً بحيث صار اسم علي (علیه السلام) عنوان للعدالة، وعنوان العدالة باعثاً للإيحاء باسم علي (علیه السلام)، ومعنى هذا التصاحب بين الاثنين، ان الحكم الذي يمكنه الادعاء باقتفاء حكومة الإمام (علیه السلام) مثالاً له، هو الحكم الذي يحرص قادته على العدالة اكثر من اي شيء آخر. ويقول محمد الريشهري في عدالة الإمام (علیه السلام): بديهي لا يمكن الاقتداء بالعدالة والتعاطي معها من خلال الشعار والاقوال وحسب، كما دأب على ذلك الجميع في العالم المعاصر عبر رفع هذا الشعار وتكراره، وانما يحصل بترسيخ العدالة من خلال السلوك والعمل. ان الحكم الذي يسعى للاقتداء بمنهج حكم الإمام (علیه السلام)، هو ذلك الذي لا يضحي بالعدالة، فليس في نهج حكومة وادارة الإمام (علیه السلام)، اعلى من مصلحة اقامة العدل، فان بمقدور الحكم ان يعلن ان مثاله الاعلى الذي يحتذى به، هو علي (علیه السلام) اذا ما استطاع ان يحكم القلوب عبر تقديم العدالة على المصلحة، لا ان يحكم الاجساد ويقبض سيطرته عليها، عبر منهج ترجيح المصالح العابرة(51).

لقد ركز (علیه السلام) على عدم تجاوز الفرد الحاكم في موقع السلطة على حقوق الآخرين، وضرورة مناصرته للضعفاء. فالعدل کما يقول مرتضى المطهري: كلمة يقصد بها كون الشيء موزوناً، فمثلاً ان أي مجتمع يريد لنفسه البقاء والاستقرار، فانه لابد ان يكون متعادلاً، أي ان يكون كل شيء فيه موجوداً بالقدر اللازم، وليس بالقدر المتساوي. وكل مجتمع متعادل يحتاج الى فعاليات متنوعة، منها اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وتربوية وقضائية وثقافية.. ولابد من تقسيم هذه الفعاليات

ص: 355

بين افراد المجتمع واستخدام افراد لها بالقدر الضروري، وهذه مسؤولية الحاكم السياسي الذي يبني نظامه السياسي على العدل، فالتعادل الاجتماعي يفرض على القيادة السياسية ان تأخذ بنظر الاعتبار تخصيص ميزان الاحتياجات، من خلال ميزانية مناسبة، وتصرف فيها قوة لازمة. حيث يصل النظام السياسي الى مسألة المصلحة العمومية، التي فيها بقاء ودوام الكل والذي يؤدي الى الاهتمام بالاهداف الكلية ويجعل من العدل اساساً للسلطة(52).

سلسلة ويقول محمد السند: ان غاية الحكومة في النظام السياسي، هو تحقيق الضرورات الاساسية، ثم الضرورات الكمالية اللاحقة المطلوبة لتأمين السعادتين الدنيوية والآخروية للبشر، وهنا ليس من دوران الأمر بين تلك الغايات الدينية التشريعية من الحدود الالهية والحكومة الدنيوية بما هي، بل يجب ضمان الجانبين عن طريق النظام السياسي، فلذلك يجب اصلاح التدبير واصلاح الاعراف والعادات بتوسط من العوامل والمناشيء التي تقوم الوئام والتناسب بين ضرورات العدل الاجتماعي المدني وبين غايات التشريع الالهي، وصولاً الى تعميم العدل لجميع مكونات الاجتماع البشري بضروراته الاولية والكالية وصولاً الى غاية العدل، وبنظرة فاحصة تجد حكومة الإمام علي (علیه السلام) عملت بهذا التوفيق(53).

لقد ذهب (علیه السلام) الى تفعیل العدل في حكومته، وسعى لتثبيت دعائم العدالة عملياً. ففي كتابه للأشتر، يقول (علیه السلام): ((فقد قدم عليَّ رسولك. وذكرت ما رأيت وبلغك عن اهل البصرة بعد انصرافي، وسأخبرك عن القوم: هم بين مقيم لرغبة يرجوها، او عقوبة يخشاها، فارغب راغبهم بالعدل عليه والانصاف له والاحسان اليه))(54). حيث وضح (علیه السلام) ضرورة التمسك بمنهج القسط والعدل حتى بعد الظفر والنصر على المجتمع، لذلك امر بالاحسان اليهم واعتبر ذلك من اركان

ص: 356

السلطة وضروراتها. وايضا جاء بعهده (علیه السلام) للأشتر: ((وليكن احب الاُمور اليك اوسطها في الحق واعمها في العدل واجمعها لرضى الرعية... ان افضل قرة عين الولاة، استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية))(55)، وهنا يربط (علیه السلام) بين بسط العدل في المجتمع باستقطاب الرضى الشعبي ويجعل من القاعدة الجماهيرية اكثر التصاقاً بحكامها، من خلال الوسطية في التعامل السياسي والاجتماعي والديني.. وكل ما يرتبط بالتعامل مع الرعية، فالوسطية أساس العدل.

ويصف لبیب بیضون نظرة وغاية الإمام (علیه السلام) من السلطة: أن الإمام (علیه السلام) يرفض السلطة بصفتها مقاماً دنیوياً يشبع غريزة حب الجاه والتسلط في الانسان، وبصفتها هدفا للحياة وعندئذ لا تساوي في نظره شيئاً.. ولكنه يقدسها تقدیساً عظيماً، اذا كانت تحقق هدفها الأصيل، هو ان تكون وسيلة الى احقاق الحق وخدمة الخلق. ويعتبر(علیه السلام) ان احقاق الحق واقامة العدل، واجب الهي فلا يصح ان يقف المسلم تجاه الظلم وقفة المتفرج، عندما يترك الناس العدل ويعملون بالظلم والتميز الطبقي. ووجد الإمام (علیه السلام) نفسه ملزماً وفق هذا المبدأ، ليزيل مظاهر الجور والظلم من المجتمع ويعيد الحقوق الى اهلها، فهذه غايته من السلطة، وليس المنصب والأمرة. فقد بَيَنَ الإمام (علیه السلام)، ان الحاكم في موقع السلطة السياسية، ما هو في الواقع الا حارس مؤتمن على حقوق الناس ومسؤول امامهم، فالحاكم هو للرعية وليس الرعية للحاكم. ان العدل في نظر الإمام (علیه السلام) هو الاصل الذي يستطيع أن يحقق توازن المجتمع ويرضي جميع افراده، اما الظلم والتمييز الطبقي، فهو لا يرضي حتى نفس الظالم، فكيف بالمظلومين والمحرومين، لذلك لم يهادن الإمام (علیه السلام) احداً في الحق، ولم تأخذه في اقامة العدل لومة لائم، ومن ذلك اكد (علیه السلام)، ان في العدل سعة وان في الجور ضیقاً، فالمؤمن يقنع بالعدل

ص: 357

ولا يتجاوز حدوده فيعيش في استقرار وسعادة، اما المنحرف الذي يتجاوز حدود العدل، فليس امامه حدود تحده فيعيش دائماً في ضيق وقلق ولا يبلغ حد الاستقرار والسعادة. لذلك يحث الإمام (علیه السلام) کل انسان الالتزام اتجاهه باعطاء حقه وهو بدوره ان يعطي غيره ما يستحقه كل حسب استعداده وعمله، لكي يصبح المجتمع كاملاً ومتوازناً، حيث ان العدالة قانون عام يدير جميع شؤون المجتمع، فهو سبيل يسلكه الجميع، لذلك كان يقدم العدالة كمبدأ اجتماعي(56). ومن مصاديق دعوة الإمام (علیه السلام) الى العدل ما اورده الى عماله وولاته وتشديده على التزام مبدأ العدل في معاملة الرعية. ففي كتابه لأحد ولاته: ((اما بعد، فان الوالي اذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل، فليكن امر الناس عندك في الحق سواء؛ فأنه ليس في الجور عوض عن العدل، فاجتنب ما تنكر امثاله))(57).

ويشد (علیه السلام) على انصاف المظلومين وتطبيق العدل الاجتماعي حتى مع اهل الذمة ممن يعيش في محيط الدولة الاسلامية. فقد اكد في كتابه لأحد ولاته: ((.. وبالعدل على اهل الذمة وانصاف المظلوم وبالشدة على الظالم، وبالعفو عن الناس...))(58). ويقول ايضاً: ((ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم..))(59). ويستمر تأكيد الإمام علي (علیه السلام) على استقامة الحاكم وضرورة تأمين صفة العدل الاجتماعي تجاه المجتمع. مؤكداً ان اقامة العدل هو ابتغاء مرضاة الله، وان الظلم هو معصية الله وهو يرتبط بالدنيا، وانما الظلم وصاحبه زائلان، يقول (علیه السلام): ((والله لو اُعطيت الاقاليم السبعة بما تحت املاكها، على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة، ما فعلته وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليٌ ولنعيم يفنى ولذة لاتبقى))(60).

هو والإمام علي (علیه السلام) لا يتهاون في اقامة العدل حتى مع اقرب الناس له، ص: 358

يفرق بين القريب والبعيد. فقد نقل ابن كثير في البداية والنهاية: أن جعدة بن هبيرة جاء الى الإمام علي، وقال له: ((يا امير المؤمنين. يأتيك الرجلان ان انت احب الى احدهما من نفسه او من اهله وماله، والآخر لو يستطيع ان يذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا؟ فلهزه(61) علي وقال: ان شيء لو كان لي فعلت، ولكن انما ذا شيء الله))(62).

ويعتبر الإمام (علیه السلام) ان العدل من افضل مكارم الاخلاق، وهي افضل من الجود بكل امواله. وعندما سئل الإمام (علیه السلام) ايهما افضل العدل اوالجود؟ فقال (علیه السلام): ((العدل يضع الاُمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، العدل سائس عام، والجود عارض خاص، فالعدل اشرفهما وافضلهما))(63).

لقد سعى (علیه السلام) لاقامة الحق وإزهاق الباطل في ظلال حكومته ومن خلال تسنمه السلطة، رغم تلك الازمة العاصفة التي واجهها والمرحلة الحساسة والخطيرة التي عاشها، فكان موقفه في مستوى الشعور بالمسؤولية والحرص على مستقبل الاسلام والدولة الاسلامية بانتهاج العدل كأحد الطرق لتحقيق ذلك(64).

لقد اولى الإمام (علیه السلام) العدل اهمية اولى في منهجه قبل وبعد استلامه السلطة. واولی (علیه السلام) المقومات الشخصية التي يتمتع بها الحاكم اهتماماً بليغاً لأن مسؤولية تطبيق العدالة السياسية كما يرسمها الإمام علي (علیه السلام) تتطلب حاكماً من طراز مرموق يلتزم بتطبيق حكم الله، مما يجذب الطاعة والالتزام من الرعية.

ص: 359

الخاتمة

نستخلص من مرحلة عهد الامام علي (علیه السلام) في الخلافة وممارسة السلطة الشرعية، جملة استنتاجات اساسية تجسد ماهية الاصول السياسية والادارية والتي على الحاكم السياسي أن يلتزم بها ازاء الامة او الرعية، فقد خلف الامام علي (علیه السلام) منظومة فكرية متكاملة يصعب الاحاطة بمضامينها ومعانيها. فقد عالج في خطبه وكتبه وعهده لمالك الأشتر، شؤون المجتمع الاجتماعية والسياسية والادارية وتأمين العيش الكريم لهم، باختصار رسم الامام علي ع سياسة ادارية جسدت بدورها المعالم الأساسية لحقوق الإنسان.

لقد فكر الإمام علي (علیه السلام) في المجتمع الذي يحكمه، وفكر في أفضل الطرق والوسائل التي تنمي مقوماته الاجتماعية وترتفع به إلى الذروة في الرفاهية والقوة والأمن، مع ملاحظة انه مجتمع یدین بالإسلام، وإن شؤونه الاجتماعية تخضع لقوانين الإسلام، وإنه يجب أن يأخذ سبيله إلى النمو والتكامل في إطار إسلامي بحت.

إن ماتم استعراضه حيال الاصول السياسية عند الإمام علي (علیه السلام) في مجال الإدارة والحكم و منهج اقامة العدل، یکشف بجلاء إن السياسة (السلطة)، في منظار الإمام علي (علیه السلام) هي أداة للحكم على أساس الحقوق والواجبات والاحتياجات الواقعية للناس، وليست أداة لترسيخ سلطة الأقوياء على حقوق الشعب، وهذه المواقف التي يتمسك بها الإمام (علیه السلام) من حيث إصراره على التمسك بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي ينشدها الإسلام، أدت إلى انه لم يصل إلى السلطة. وقد أشار الإمام (علیه السلام) في أكثر من مرة، إلى أن السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلطي على المجتمع، بأنه لا يستطيع أن يلجا إليها، لأنها تنتهي إلى

ص: 360

ثمن باهض، وهو فساد السياسي نفسه. فلم یکن لحركة الإصلاح السياسي من هدف سوى إحياء منهج الحكم النبوي، ومن ثَمَ لم يكن بمقدورها أن تتحرك على أُسس غير مبدئية مناهضة للدين والقيم وكل ماهو غير إنساني. من هذا المنطلق راحت سياسة الإمام علي (علیه السلام)، تواجه ذات العقبات والمشكلات التي اصدم بها الحكم النبوي.

إن سياسة الإمام علي (علیه السلام)، أبرزت الواقع الإسلامي بجميع طاقاته في عالم السياسة والحكم. فقد كان (علیه السلام) يهدف في حكمه إلى إزالة الفوارق الاجتماعية بين الناس، وتحقيق الفرص المتكافئة بينهم على اختلاف قومياتهم وأديانهم، ومعاملة جميع الطوائف بروح العدل، من دون أن تتمتع أي طائفة بامتياز خاص. وقد أوجدت هذه السياسة للإمام (علیه السلام) رصيداً شعبياً هائلاً، فقد ظلَّ الإمام علي (علیه السلام) قائماً في قلوب الجماهير الشعبية، بما ترکه من صنوف العدل والمساواة الإنسانية.

إن المجتمع الصالح الذي يعز فيه الحق ولا يطمع فيه العدو يقوم على أمرين: صلاح الحاكم، وصلاح الشعب. أما صلاح الحاكم فبعلمه وأداءه السياسي وكفاءته للقيام بأعباء الحكم. وأما صلاح الشعب، فيقوم بالنصح والإخلاص للحُكم الصالح، والتعاون على الخير والنفع العام، فإذا قصر الحاكم اوتمرد الشعب، فُقد الأمن وعم الذُعر وشُلت الأعمال، وقد اعتبر الإسلام التمرد على الحاكم العادل تمرداً على المجتمع، وسمي الخارجين عليه بالساعين في الأرض فساداً. فقد أولى (علیه السلام) الجانب الأمني أهمية فائقة، وكان يعد البقعة التي تفتقد إلى الأمن، أسوأ ألاماكن، كما إن من الأسباب التي دفعته إلى قبول الحكم، هي إيجاد الإصلاحات الأمنية وتأسيس نظام امني فاعل، من خلال التوازن الايجابي في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

ص: 361

لقد كانت سياسة الإمام علي (عليه السلام) تتضمن مبادی سياسية وادارية شاملة وعامة ودقيقة لا تغفل أي تفصيل، حيث لا تكمن أهمية السياسة والادارة في فكر الإمام علي (علیه السلام) من خلال تعامله مع ماهو أساسي فحسب، ولكنها تتعدى ذلك إلى تعامله مع أدق التفاصيل. وذلك طبيعي، لأن القاعدة واحدة، وهي استشعار رضا الله في كل تصرف يقوم به الحاكم حيال الرعية. والطلب من الحاكم أن يكون عادلاً حتى في توجيه النظرات، ليس بسبب قيمة تلك النظرات مفردة، ولكن بسبب ما يترتب من جور على اختلال میزان العدل في توزيعها.

هوامش البحث:

(1) سلسلة العلوم والمعارف الاسلامية، الحياة السياسية لائمة اهل البيت (علیه السلام) مؤسسة المعارف الاسلامية، الكتاب 14، د.ت .14، ص 73 - 74.

(2) الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، (الجامع)، نهج البلاغة، تعلیق و فهرسة: صبحي الصالح، تحقيق: فارس تبریزیان، (إيران، مؤسسة الهجرة، 1380 ه).، الكتاب 131، ص 232 - 233.

(3) ابي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، تصحیح وتعليق: علي اکبر الغفاري، ط 2، (قم مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه)، ص 143 - 144.

(4) ابو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة في فضائل امير المؤمنين (علیه السلام)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط 1، ( د.م، د.ن، 1402 ه)، ص 223. (5) سليمان ابن ابراهيم القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربی، تحقيق: علي جمال، ط 1، (طهران، دار الأسوة لطباعة والنشر، 1416 ه)، ج 2، ص 30.

(6) ينبو: الجفاء، ينظر: ابن منظور، لسان العرب، (قم، أدب الحوزة، 1405 ه)، ج 15، ص 302.

ص: 362

(7) ابي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، مصدر سابق، ص 132.

(8) ابي محمد بن عتبة الدينوري، الإمامة والسياسة، تحقيق: علي شيري، ط 1، (قم، مكتبة الشريف الرضي، 1413 ه).، ج 1، ص 116.

(9) محمد باقر المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ط 1، (النجف الاشرف، دار النعمان، 1998)، ج 5، ص 33.

(10) ابي الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ط 1، (قم، مؤسسة دار الحديث، 1379 ه).، ص 432.

(11) المصدر نفسه، ص 181.

(12) المصدر نفسه، ص 397.

(13) ابن عبدالبر يوسف القرطبي، الاستیعاب في معرفة الأصحاب، (بیروت، دار الكتب العلمية، 1415 ه)، ج 3، ص 210 - 211.

(14) أبي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، مصدر سابق، ص 137.

(15) كورة السواد: اراضي وقرى في العراق، نسبة إلى النخيل والزرع والاشجار.

(16) العذيب: ماء لبني تميم في الكوفة.

(17) البهقبا ذات: اسم لثلاث كور في بغداد من اعمال سقي الفرات.

(18) احمد بن يعقوب اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، (بیروت، دار صادر، د.ت)، ج 2، ص 204 - 205.

(19) محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، تحقيق: مرکز بحوث دار الحديث، ط 2، (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه)، ج 4، ص 141.

(20) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، ط 2، (بیروت، مؤسسة الوفاء، 1983)، ج 33، ص 489.

ص: 363

(21) احمد بن يحيى البلاذری، انساب الاشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط 1، (مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1974)، ج 2، ص 397.

(22) النعمان بن محمد بن منصور المغربي، دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والاحکام، تحقیق: آصف بن علي اصغر فيضي، ط 3، (مصر، دار المعارف، 1389 ه)، ج 1، 361.

(23) احمد بن يحيى البلاذری، انساب الاشراف، مصدر سابق، ج 2، ص 390.

(24) المفيد، الامالي، تحقيق: حسين استاد ولي وعلي اکبر الغفاري، ط 2، (قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1404 ه)، ص 80.

(25) محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، مصدر سابق

(26) علي الكوراني العاملي، جواهر التاريخ، ط 1، (قم، دار الهدى للنشر، 1425 ه)، ج 1، ص 199 - 20.

(27) حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية، ط 2، (قم، مکتبة الاعلام الاسلامي، 1409 ه)، ج 2، ص 14.

(28) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، شرح: محمد عبدة (قم، دار الذخائر، د.ت)، ج 2، ص 202،

(29) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، فهرسة: صبحي الصالح، الخطبة 164، ص 287.

(30) عبد الواحد الآمدي، تصنیف غرر الحکم و درر الكلم، تحقيق: جلال الدين الآرموي، (طهران، جامعة طهران، 1360 ه)، ج 4، الحكمة 6199.

(31) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، ج 90، ص 41.

(32) زید بن علي، مسند زيد بن علي، ط 1، (بیروت، منشورات مكتبة الحياة، 1966). ص 322

(33) ابي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، اصول الكافي، تصحیح و تعليق: علي اکبر الغفاري، (ایران، دار الكتب الاسلامية، د.ت)، ج 8، ص 352.

ص: 364

(34) علي ابن الحسين (علیه السلام)، شرح رسالة الحقوق، تحقيق وشرح: حسن علي القبانجي، ط 2، (قم، مؤسسة اسماعليان للطباعة والنشر، 1406 ه)، ص 378.

(35) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، فهرسة: صبحي الصالح، مصدر سابق، الخطبة 216، ص 419.

(36) علي صلاح، الحكم والادارة في نهج الإمام علي (علیه السلام)، (د.م، دار البصائر للنشر، 1405 ه)، ص 101 - 103.

(37) المصدر السابق، ص 56 وما بعدها.

(38) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، فهرسة: صبحي الصالح، مصدر سابق، الخطبة، 131، ص 232.

(39) سلسلة العلوم والمعارف الاسلامية، الحياة السياسية لأئمة أهل البيت (علیه السلام)، مصدر سابق، الكتاب 14، ص 72.

(40) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، فهرسة: صبحي الصالح، مصدر سابق، الكتاب 53، ص 564 - 565.

(41) المصدر نفسه، الكتاب 53، ص 567.

(42) ابن ابي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2، القاهرة، دار احیاء الكتب العربية، 1967). ج 2، ص 205.

(43) محمد باقر الحكيم، العلاقة بين القيادة والأمة من خلال رؤية نهج البلاغة، ط 1، (قم، انتشارات الإمام الحسين (علیه السلام) للطباعة والنشر والتوزيع والتبليغ، 1425 ه)، ص 49 - 50.

(44) ابي حنيفة احمد بن داود الدينوري، الاخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: جمال الدين الشيال، ط 1، (القاهرة، دار إحياء الكتاب العربي، 1960). ص 140.

(45) لبيب بیضون، تصنیف نهج البلاغة، ط 3، (قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ه).، ص 661.

(46) المصدر السابق، ص 659.

ص: 365

(47) قاسم خضير عباس، الإمام علي (علیه السلام) رائد العدالة الاجتماعية والسياسية، (بیروت، دار الأضواء، 2002). ص 53.

(48) الشريف الرضي (الجامع)، نهج البلاغة، فهرسة: صبحي الصالح، مصدر سابق، الكتاب، 216، ص 419.

(49) محمد الريشهري، القيادة في الاسلام، تحقيق وتعريب: علي الاسدي، (قم، مؤسسة دار الحديث الثقافية، د.ت). ص 363.

(50) علي ابن الحسين (علیه السلام)، شرح رسالة الحقوق، مصدر سابق، ص 464.

(51) محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي (علیه السلام) للكتاب والسنة والتاريخ، مصدر سابق، ج 4، ص 32.

(52) مرتضى المطهري، العدل الإلهي، ط 1، (إيران، دار الفقه للنشر، 1424 ه). ص 55 - 69.

(53) محمد السند، اُسس النظام السياسي عند الإمامية، جمع و تقریر: مصطفى الاسكندري ومحمد الرضوي، ط 1، (قم، باقيات للطباعة والنشر، 1426 ه)، ص 313.

(54) نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 2، (د.م، المؤسسة العربية الحديثة للنشر، 1382 ه)، ص 105.

(55) أبي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، ص 133.

(56) لبيب بیضون، تصنیف نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 584 - 592.

(57) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، مصدر سابق، ج 33، ص 511.

(58) ابي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، مصدر سابق، ص 176.

(59) المصدر نفسه، ص 177.

(60) محمد بن بابويه القمي الصدوق، الامالي، ط 5، (بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1400 ه)، ص 722.

ص: 366

(61) لهزه: الضرب بجمع الكف على الصدر، انظر: مبارك بن مبارك، النهاية في غريب الحدیث والاثر، مصدر سابق، ج 4، ص 281.

(62) ابي الفداء اسماعيل "ابن کثیر"، البداية والنهاية، (بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1994)، ج 8، ص 5.

(63) لبیب بیضون، تصنیف نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 593.

(64) محمد محمدیان، حياة امير المؤمنين (علیه السلام) عن لسانه في عصر الخلفاء، ط 1، (قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1421 ه)، ج 3، ص 4.

ص: 367

المصادر والمراجع

(1) سلسلة العلوم والمعارف الاسلامية، الحياة السياسية لائمة أهل البيت (علیه السلام) مؤسسة المعارف الاسلامية، الكتاب 14، د.ت.

(2) الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، (الجامع)، نهج البلاغة، تعلیق و فهرسة: صبحي الصالح، تحقيق: فارس تبریزیان، (إيران، مؤسسة الهجرة، 1380 ه).

(3) ابي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، تصحیح وتعليق: علي اكبر الغفاري، ط 2، (قم مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه).

(4) ابو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة في فضائل امير المؤمنين (علیه السلام)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط 1، (د.م، د.ن، 1402 ه).

(5) سلیمان ابن ابراهيم القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربی، تحقيق: علي جمال، ط 1، (طهران، دار الأسوة لطباعة والنشر، 1416 ه).

(6) ابي محمد الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، مصدر سابق، ص 132.

(7) ابي محمد بن قتبة الدينوري، الإمامة والسياسة، تحقيق: علي شيري، ط 1، (قم، مكتبة الشريف الرضي، 1413 ه).

(8) محمد باقر المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ط 1، (النجف الاشرف، دار النعمان، 1998)، ج 5، ص 33.

(9) أبي الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ط 1، (قم، مؤسسة دار الحديث، 1376 ه.).، ص 432.

(10) ابن عبدالبر يوسف القرطبي، الاستیعاب في معرفة الأصحاب، بیروت، دار الكتب العلمية، 1415 ه).

ص: 368

(11) احمد بن يعقوب اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، (بیروت، دار صادر، د.ت)، ج 2، ص 204 - 205.

(12) محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، تحقيق: مركز بحوث دار الحديث، ط 2، (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه)، ج 4، ص 141.

(13) محمد باقر المجلسی، بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، ط 2، (بیروت، مؤسسة الوفاء، 1983).

(14) احمد بن يحيى البلاذری، انساب الاشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط1، (مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، 1976).

(15) النعمان بن محمد بن منصور المغربي، دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والاحکام، تحقيق: آصف بن علي اصغر فيضي، ط 3، (مصر، دار المعارف، 1389 ه).

(16) المفيد، الامالي، تحقيق: حسين استاد ولي وعلي اکبر الغفاري، ط 2، (قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1404 ه)، ص 80.

ص: 369

ص: 370

ثلاث نظريات ابداعية في السلطة السياسية للحكومة العلوية تأسيس الامام علي (عليه السلام) لوظائف السلطة بين التشريع والواقع

اشارة

الدكتور محمد نعناع

ص: 371

ص: 372

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على فخر الانسانية وخاتم الرسالات الالهية النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى اله الهداة المهديين سيما فخر الاوصياء امير المؤمنين المحارب بين يدي رسول الله على التنزيل والمدافع بعده عن علوم التأويل.

اما بعد فمن دواعي الفخران يوفق الانسان للحديث عن الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لما في سيرة هذا الامام العظيم من طاقة سافرة ومعرفة كامنة سيتحصل عليها كل من يطلع عليها باحثا عن الحقيقة وطالبا للعلم والايمان على حد سواء، ومن الشرف لنا المشاركة في المؤتمر العلمي السنوي الثاني الذي ينعقد تحت شعار منهج الامام علي عليه السلام في بناء الانسان وانسانية الدولة، وقد اخترنا البحث في المحور الثاني المخصص للجوانب القانونية والسياسية ضمن الفرع الثالث منه والمعنون (السياسة بين تصريف المصالح و تجنب المأثم واثره في انسانية الدولة في ضوء نهج البلاغة)

وعنوان بحثنا هو (ثلاث نظریات ابداعية في السلطة السياسية للحكومة العلوية - تأسيس الامام علي عليه السلام لوظائف السلطة بين التشريع والواقع).

ونحاول في هذا البحث ان وضع الامور في نصابها والفات النظر علميا الى بعض الممارسات العلوية اثناء فترة حكم امير المؤمنين للبلاد الاسلامية لما في هذا البحث من نتائج ايجابية تنعكس بالضرورة على طريقة التفكير المعاصرة خصوصا خلال المنهج المقارن باستدعاء التطبيقات العلوية للاستفادة منها في مجال بناء معادلة السلطة على الاقل في الجوانب الاخلاقية وميدان القيم الانسانية التي

ص: 373

تفتقر لها انظمة الحكم السائدة.

املين أن يكون بحثنا اضافة لمؤتمركم الكريم، داعين الباري عز وجل أن ينفع بكم الاسلام والمسلمين ويوفقكم لكل ما فيه الخير والصلاح... واول واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين..

تمهيد

من اهم الاهداف التي تسعى الشريعة المحمدية السمحاء لتحقيقها هي ترسيخ القيم الانسانية، او بالبتعبير المعاصر (اعلاء الاكسولوجيا) رغم أن بعض المفكرين او الباحثين يطرحون هذا المفهوم في مقابل (تمدد الأنطولوجيا) الا اننا نحاول الوصول الى مساحة مشتركة تتمثل في تحكيم (الابستمولوجيا) على (الانطولوجيا) لانتاج (الاكسولوجيا - القيم) وخصوصا القيم الانسانية التي تعتبر من الثوابت في التعاملات الاسلامية وتحديدا في المنهج المحمدي العام والمنهاج العلوي بشكل خاص.

وكما أن للفكر الاسلامي عموما ثوابت لا يمكن ان تتغير الى قيام الساعة، فان هناك ثوابت للفكر السياسي هي الاخرى لا تتغير.

واذا اردنا التدقيق اكثر فمن الممكن القول بان القرأن الكريم والسنة الشريفة تضمنا اساسيات سياسية لبناء الدولة والتشكيل السلطة وادارة الحكم لا يمكن تجاوز هذه الاساسيات لفهم الفكر السياسي الإسلامي، سيما اذا علمنا بان هذا الفكر الذي نتحدث عنه ليس نتاجا مرتبط بمجهودات بشرية وانا بفقه شرعي مسند للكتاب والسنة.

ومع أن الفكر السياسي يمكن ان يكون ابداعا بشريا في مجالات معينة ككيفية

ص: 374

بناء مؤسسات الدولة وتسمياتها الا انه بالاساس يعود الى ثوابت لا يمكن تجاوزها.

ومن ثوابت الفكر السياسي الاسلامي:

1 - شرعية الحكومة أو السلطة: هناك العشرات من الآيات القرانية الدالة على ضرورة شرعية السلطة في الدولة الاسلامية، فالسلطة يجب ان تكون شرعية من جهة تطابق اعمالها مع النصوص المثبتة لشرعيتها، بمعنى أن الحاكم عليه ان يطبق النصوص الأخرى التي تحافظ على حقوق العامة وليس فقط العناية بالنصوص التي اتت به الى الحكم، ومن جهة اخرى يجب ان تكون السلطة شرعية باستجابتها لحقوق الناس واذا خالفت هذا الأمر فعلى المجتمع وضع حد لهذه السلطة المخالفة البديهي من بدیهیات توليها للحكم.

وتنقسم ایات تحديد الحكام ومسؤولياتهم في الفكر السياسي الاسلامي الى ستة أقسام وهي:

الأول: آيات الحكم، ومنها: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله)(2).

الثاني: آيات الولاية، ومنها: (انما ولیکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(3).

الثالث: ایات الطاعة، ومنها: (قل اطیعوا الله والرسول)(4).

الرابع: ایات الاتباع، ومنها: (قل ان کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)(5).

الخامس: ایات الاستخلاف، ومنها: (یا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)(6).

السادس: ایات العدل، ومنها (وامرت لاعدل بينكم).(7)

ص: 375

وهذه الايات القرانية تشترط الشرعية الالهية وتفرض على الحاكم تطبيق الشريعة وتلزم الناس با طاعة من تتوفر فيه هذه الشروط فقط وتعينهم على متابعة ممارسات الحاكم.

2 - اهلية الحاكم، وتتضمن مجموعة مواصفات کالعدالة والعلم: وهذا من البديهيات فكيف لحاكم في امة اسلامية لا يكون عارفا بامور دينه ودنياه والاسلام يحث على العلم حتى كاد ان يوجبه، بل وجبه کواجب کفائيا حسب بعض الفقهاء ويصبح عينيا في حالة حاجة المجتمع لعلماء في اختصاص من الاختصاصات.

ومما يفرض على الحاكم رعايته لامور الناس والعدالة بينهم، قال الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام): (على الوالي أن يتعهد أموره ويتفقد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان المحسن ولا إساءة المسيء ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء فإن ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء وضاع العمل)(8).

3 - تعزيز الحرية والحقوق الاساسية: يجب ان يكون الانسان حرا في تصرفاته، فهذا من حقوقه الانسانية، ولكن الاسلام يضع الحرية في نطاق قوانین واحکام ليضمن تنفيذ الأحكام الشرعية وفي الوقت نفسه يحقق حرية الانسان.

کما ان الاسلام يريد الموازنة بين المجتمع فلا بد من تحقيق متطلبات الخاصة والعامة، قال الامام علي (علیه السلام): (فأن سخط العامة يجحف برضا الخاصة) وقال: (وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة)(9).

ويقول الامام علي: (.. ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا...)(10) مما يعني ان الحرية في الفكر السياسي الاسلامي اساسية مرتبطة بكرامة الانسان.

واذ يوجب الاسلام تنظیم امور الامة فانه يفتح مجالا واسعا أمام تفصیل

ص: 376

الامور ووضع كل شيء في نصابه فالفكر الانساني المرتبط بادارة الدولة ينظم العلاقات بشكل متكامل ومنها شبكة علاقات الحقوق والحريات المنبثقة من الاية القرانية الكريمة (ولقد کرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)(11).

4 - ترسيخ السلام الداخلي والخارجي: من ضروريات الحكم الاسلامي توفير السلم الاهلي او المحلي وكذلك السلام الخارجي ورفع الضغوطات الناتجة عن التحديات والتهديدات على المجتمع والدولة، ورغم أن الفكر السياسي الاسلامي المبني على قاعدة (قل يا اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء....)(12) يركز على فن التجمع الا انه يوجب اعداد العدة والعدد لمواجهة العدو، ولكن تبقى القاعدة الاساسية في الفكر الاسلامي هي تحقيق الصلح والامن مع الاخر، يقول الامام على (علیه السلام): (ولا تدفعن صلحا دعاك اليه عدوك، ولله فيه رضا، فان الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وامنا لبلادك...)(13).

ومن هذه المنطلقات سنبحث في ممارسة امير المؤمنين عليه السلام للسلطة لنرى مدى تطابق هذه الممارسات مع الاهداف الانسانية التي اكتنزت بها النصوص الأصلية في الرسالة المحمدية.

ص: 377

الفصل الاول: نظرية بناء معادلة السلطة بين حاجات الامة وتطبيق الشريعة

قال تعالى: (وقل امنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بینکم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم)(14)

انفرد امیر المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام بممارسات نادرة في مجالات ابداعية مختلفة ورسخ ممارسات اخرى تطبيقية قل أن سبقه احد اليها، ولكن العدل كان ابرز ما انفرد به عمن سبقه، ومن هذه المزية الاستثنائية انطلق عليه السلام ليؤسس نظاما اجتماعيا متوازنا يضمن تطبيق الشريعة السمحاء من جهة ويلبي الحاجات الانسانية الواقعية من جهة اخرى، لذلك كانت السلطة في وعي الامام عبارة عن عملية استقطاب بدوافع انسانية باتجاه الشريعة الاكمل وفقا لالية عدالة الوسائل ونظافتها و احقية الغايات وسلامتها، بمعنى اخر اقرب الى الفهم المتعدد والادراك المتغير (وسائل نظيفة شفافة يفهما جميع الناس، تؤدي الى تحقيق غايات سليمة تستفيد منها كافة شرائح المجتمع، وفقا لاليات شرعية وانسانية بسيطة لا يكتنفها التعقيد ولا تشوبها المراوغة ولا تعتورها الازدواجية) وهذه هي نظرية بناء السلطة التي نعتقد ان الامام علي سعى لها لتكون قاعدة ثابتة لنظام الحكم السياسي الإسلامي، نظرية طبق منها الامام ما استطاع اليه سبيلا، وما اتسع له الوقت قبل استشهاده وارتحاله إلى الرفيق الأعلى جل وعلا.

وكانت تطبيقات معادلة السلطة ذات ابعاد شاملة فهي مستوعبة لكل الاختلافات الاجتماعية ومتعالية عن كل التفضيلات الشخصية ومتوجهة نحو كافة أفراد المجتمع مها اختلفت ارائهم وميولهم وثقافاتهم وقدرتهم على الاستيعاب العقلي

ص: 378

المبحث الاول: الحاكمية في فكر الامام علي - تجربته عليه السلام مع الخوارج

قال الامام علي عليه السلام: (كان رسول الله عهد الي عهدا فقال: یابن ابي طالب لك ولاء امتي، فأن ولوك في عافية واجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وان اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه فان الله سيجعل لك مخرجا)(15)

هذا النص النبوي تعبير مباشر عن الحالة التي عاشها الامام علي عليه السلام، فقد تحقق ما قاله الرسول الخاتم صلى الله عليه واله وسلم بالكامل، وفي مقابل ذلك جنح الامام علي ليطبق حرفيا ما قاله له الرسول الاكرم، وبتحليل علمي لهذا النص نرى فصلا واضحا بين مفهوم (الامرة - السلطة) ومقام (الامامة الشرعية) فمفهوم السلطة لا يساوي مفهوم الحاكمية الوارد في التنزيل الحكيم والذي حاول الخوارج استخدامه لتخطئة الامام علي والحكم عليه بالخروج عن الحاكمية الالهية حسب شعارهم الشهير (لا حکم الا لله)(16)، کما ان امير المؤمنين لم يرد على الخوارج من موقعه الشرعي كأمام مفترض الطاعة بل رد عليهم باسلوب علمي مبتكر نسميه في الدراسات المعاصرة (علم المفاهيم) الذي يحدد وظيفة كل مفهوم واستخداماته (concept)(17)، ادراك جديد او فهم اخر يعيد وضع الأمور في نصابها ويصحح استخداماتها، لم يقل الامام للخوارج عندما قالوا (لا حکم الا لله) انتم مخطئون، قال لهم نعم صحيح (لاحکم الا لله) ولكن انتم لا تطلبون حكم الله بل تطلبون الامرة أي السلطة وهناك فرق بين الحاكمية التي مازلنا ملتزمين بها وبين الامرة التي هي السلطة او الحكم السياسي او ادارة المجتمع او قيادة الحرب وهذا ما بایعتم على السمع والطاعة عليه، كأنه يقول لهم (عليكم أن تفصلوا عمليا بين السلطة والحاكمية، فالسلطة للبر والفاجر لانها

ص: 379

تمشية امور المجتمع، اما الحاكمية فهي لله حيث فرضها على عباده بما ينسجم مع فطرتهم ونحن لم نخرج عنها، فلم نحرم حلالا ولم نحل حراما).

روي عن أبي إسحاق، قال: لما حكمت الحرورية قال علي (عليه السلام): ما يقولون؟.

قيل: لا حكم إلا لله.

قال: الحكم لله، وفي الأرض حكام، ولكنهم يقولون: لا إمارة، ولابد للناس من إمارة يعمل فيها المؤمن، ويستمتع فيها الفاجر والكافر، ويبلغ الله فيها الأجل(18).

التحليل العلمي لهذا النص تؤكد قيام الامام علي عليه السلام بعمليتين علميتين عقليتين شرعيتين مستندتين إلى الكتاب والسنة، فالحاكمية في آيات سورة المائدة (من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.... الظالمون.....الفاسقون)(19) ليس محلا للتطبيق في الحادثة التي وقعت بين الامام و معاوية، وبين الخوارج والامام، فلو سلم معاوية للامام عليه السلام امور الشام لما حاسبه على انحرافاته الشخصية بل يحاسبه على بيت مال المسلمين وقضايا تخص العدالة الاجتماعية، بمعنى اخر لا علاقة لامير المؤمنين بصلاة وصيام معاوية من الناحية الشخصية بل له علاقة بتنظيم شؤون المجتمع الاسلامي التي كان معاوية يشكل خطرا عليها وفقا لرؤية الامام علي عليه السلام.

کما ان آیات الحاكمية في سورة المائدة جاءت على شكل عملية مقارنة بين الشريعة الموسوية والشريعة المحمدية وركزت على المحرمات التي اصبحت واضحة في شريعة خاتم النبيين، وهنا يصبح مفهوم الحاكمية مفهوم شرعي انساني لا علاقة له بالابعاد السياسية التي نبه عليها الامام بقوله (ولكنهم يقولون الا امارة).

ص: 380

اما العمليتين العلميتين اللتين قام بهما امير المؤمنين ردا على سوء سلوك الخوارج وخروجهم عن جادة الصواب:

الاولى: تصحيح المفاهيم، وتحديدا لاصحابه ليقوموا بعملية اعلامية توضيحية لعامة الخوارج وقد نجح ابن عباس في هذه المهمة نجاحا باهرا وحقق نصرا انسانيا لدولة الامام عليه السلام.

الثانية: التأكيد على توسيع رعاية الدولة الاسلامية لتشمل غير المؤمنين والحفاظ على انفسهم وممتلكاتهم وتفضيلاتهم الشخصية حد الاستمتاع بها وليس فقط احترامها وحمايتها، طبعا بالتأكيد مع حماية الثوابت الاسلامية وعدم شیوع ما يخالفها.

وهذا البيان يعد ردا على جميع التخرصات الخوارجية بل حتى على اتباع النزعات المتشدة والارهابية او المؤسسة للجماعات المتطرفة او المستفيدة منها الاحزاب السياسية المستقطبة باسم الدين كأفكار ابو الاعلی المودودي وسيد قطب حول الحاكمية حيث ساوى هؤلاء بين الحاكمية الالهية المباشرة التي جاءت مع النبي موسى عليه السلام، و حاکمية الخلافة التي كانت مع داود وسليمان عليهما السلام، والحاكمية الإنسانية التي اعطيت للرسول الخاتم صلى الله عليه واله وسلم، وتفسيرات واستنباطات هذه المستويات من الحاكمية تزخر بها الايات القرانية وهي تتطابق مع منهج امير المؤمنين في تعاملاته العامة في دولته وبالتحديد في تجربته مع الخوارج.

تسبب الخوارج بمشكلة كبيرة للدولة الاسلامية ولامير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام) فقد سلبوا الامام نصره الوشيك على معسكر معاوية(20)، وهذا انتج ازمات استراتيجية في جسم الدولة والسلطة ظلت مستمرة حتى اليوم، ورغم ان الامام

ص: 381

كان يعرفهم حق المعرفة ويعرف افكارهم كما قال له الرسول الاكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) عنهم، بانهم يمرقون من الاسلام کما يمرق السهم من الرمية(21)، الا انه كان عادلا معهم واعطاهم ما يعتقد بانه حقهم.

بعد ان رفعوا شعارهم «لا حكم الا الله» قال علي (علیه السلام): (الله اکبر، کلمة حق اريد بها باطل، اما ان لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت ایدیکم في ايدينا، ولا نقاتلكم حتی تبدأونا)(22).

هل هناك عدل في حرب لقوم نزعوا نصرا وشیکا من قائد كان بأمس الحاجة لهذا النصر للقضاء على الفتن واعادة بناء الدولة والمجتمع على اسس صحيحة بعد ان طال الخراب السياسي البنى التحتية للدولة الاسلامية؟.

بمثل هذا الفقه تعامل علي (علیه السلام) مع مخالفيه، فقه الم نبصره منذغاب الرسول (علیه السلام) حتى قام علي (علیه السلام)، هكذا نكص قوم عن بيعته فتركهم وشأنهم ولم يمنعهم عطاءهم(23).

قال الامام علي عليه السلام: (إن خالفوا إمامًا عادلاً فقاتلوهم وإن خالفوا إمامًا جائرًا فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً)(24)

بعد أن انتهى من حرب النهروان فإنه (عليه السلام) لم يغير سياسته هذه معهم، فقد روي عن أبي خليفة الطائي، قال: «لما رجعنا من النهروان لقينا - قبل أن ننتهي إلى المدائن - أبا العيزار، فقال لعدي: يا أباطریف، أغانم سالم؟ أم ظالم آثم؟

قال: بل غانم سالم.

ص: 382

قال: الحكم إذن إليك!

فقال الأسود بن يزيد، والأسود بن قيس المراديان - وكانا مع عدي: ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر، وإنا لنعرفك برأي القوم.

فأخذاه، فأتيا به علياً، فقالا: إن هذا يرى رأي «الخوارج»، وقد قال كذا وكذا لعدي.

قال: فما أصنع به؟! قالا: تقتله. قال: أقتل من لا يخرج علي؟! قالا: فتحبسه.

قال: وليست له جناية أحبسه عليها؟! خليا سبيل الرجل))(25)

تجربة الامام مع الخوارج کشف عن عمق تفكير الامام عليه السلام ومدی معرفته بتقنيات التعاطي العقلي مع حاجات المجتمع وفي الوقت نفسه الحفاظ على ثوابت الشريعة وعدم السماح باختراقها من قبل المتشددين وغير الواعين لطبيعة تنظيم شؤون المجتمع.

ص: 383

المبحث الثاني: حدود التعددية والحرية في مقابل الاكراه المرفوض قرانيا

هنا لنا وقفة مع ثلاث صور في مجال التعددية والحرية في المجتمع الاسلامي اثناء حكومة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، ففي مجال التعددية سنعطي صورة عن الوجود الديني المتعدد، وعن الحرية السياسية سنوضح موقف الإمام علي ممن لم يعطوا بيعتهم له، والصورة الثالثة سنبين موقف الامام من التلاعب بالالفاظ وسوء استخدام المصطلحات التي تؤدي إلى خطوات عملية سيئة في المجتمع وهذه الحالة تحديدا هي ما نعاني منه الان في واقعنا المعاصر.

الصورة الاولى: كان الإمام (علیه السلام) إذا اقيمت دعوى على أحد من النصارى واليهود لا يحلّفهم في الأماكن المقدّسة في الإسلام کالجوامع، وإنّما كان يأمر باستحلافهم في بيعهم وكنائسهم، وأمّا المجوس فكان يحلّفهم في بيوت النار.(26)

يستخدم الكثير من الباحثين هذا النص للاستدلال على عدم ثقة المسلمين بايمان اصحاب الشرائع الاخرى عند طلب اليمين منهم في داخل المساجد، ولكننا هنا نستخدم هذا النص للاستدلال من وجه آخر، فنقول اذن المجتمع الاسلامي كان مجتمعا تعددا والدولة الاسلامية كانت تسمح بالاختلاف في العبادات داخل دور عبادة مجازة رسميا، وتجيز التعاملات التجارية مع غير المسلمين داخل وخارج المجتمع الاسلامي.

الصورة الثانية: قال ابن عبد البر: (بويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة يوم قُتل عُثمان، فاجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلَّف عن بيعته نفرٌ منهم، فلم منهجهم ولم يُكرههم..)(27)

وهذا النص يؤكد بما لا يقبل الشك بأن أمير المؤمنين كان ينظر الى الامارة على انها حالة سياسية تستند إلى قبول الاغلبية بالحاكم الذي ينظم امور المجتمع

ص: 384

بشرط ان لا يتعدى على الثوابت الشرعية، وهنا نرى الامام عليه السلام مكتفيا ببيعة المهاجرين والانصار تاركا للعازف والرافض حرية العزوف والرفض بشرط عدم الاخلال بالنظام العام، وهذا ان دل فيدل على مساحة من الحرية في الحياة السياسية، قال أمير المؤمنين: ((ولا اراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف))(28)

وقال لمن سبه بل لمن اتهمه بالكفر واراد اصحابه معاقبته (رویدا، انما هو سب بسب او عفو عن ذنب)(29).

الصورة الثالثة: عندما عاد الامام امير المؤمنين من حرب الجمل قال له عبد الله بن وهب الراسبي انهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون.

فقال له امير المؤمنين عليه السلام: (ثكلتك أمك! ما اقواك بالباطل واجراك على أن تقول ما لم تعلم! ابطلت يا ابن السوداء، ليس القوم کما تقول لو كانوا مشرکین سبینا وغنمنا أموالهم وما ناک حناهم ولا اورثناهم))(30)

فقد نفى الامام عن اصحاب الجمل تهمة المشركين تصحيحا للمفاهيم وردا على من يريد استخدامها للتضليل وتبشيع وجوه المسلمين وتشويه سمعتهم ومن ثم اغتيالهم معنويا وصولا إلى تصفيتهم جسديا، مع امكانية استقامتهم من جديد وعودتهم الى جادة الصواب واندماجهم بالمجتمع مرة أخرى.

مع العلم أن الذي قال هذا الكلام لامير المؤمنين وهو عبد الله بن وهب الراسبي هو نفسه كفر الامام فيما بعد واصبح خليفة للخوارج، وهذا يفسر رد الامام عليه بهذه الحدة وكأنه قرأ مستقبله السياسي والعقائدي واستشرف اعاله وتنبئ بافعاله.

هذه الصور الثلاثة تدل على اتساع مساحة التعديدية والحرية في الحكومة العلوية انسجاما مع المطلب القراني (لا إكراه في الدين من اجل ضمان الاستقرار

ص: 385

الاجتماعي والتفاعل السلمي المفضي إلى قبول الشريعة لسماحتها ومرونتها وحمايتها للنوع الانساني، فعملية تأمين التفاعل السلمي والتعاون الايجابي ليست بالعملية السهلة اطلاقا، فهي عملية تحتاج الى الكثير من الجهد النوعي، وهذا الجهد النوعي لابد ان يمر بعد مراحل، ولكن المرحلة الاولى هي المرحلة الاهم حيث بناء الافكار الصالحة للانتشار، فمشاكلنا اساسا عبارة عن افکار متراكمة، افکار متضاربة، افکار متناقضة، افکار یدوس بعضها على البعض الاخر من اجل فرض فكرة محددة او العمل على سيادتها بأي شكل من الأشكال، ونحن هنا لا نريد ان نوحد الافكار ولا ندخل الناس كلهم في مرحلة واحدة دون رغبتهم بذلك ولكن نقول لهم اذا اختلفتم فاتركوا مساحة للخصوصية فأن أي اجراء غير هذا سيكون المصير سيئا لان حرب الافكار هي الأخطر على الاطلاق في عالم تنتقل فيه الفكرة بسهولة بعد تمكن الميديا من اخذ مكان مركزي في العصر التكتروني.

لذلك هي دعوة نطلقها لتهذیب الافكار ومنها الفكر السياسي الذي به يقود القائمين على ادارة المجتمعات مجتمعاتهم ومنه تتفرع كل انواع التأثيرات في حياة الناس، وهذا التهذيب الذي نطالب به يرتكز على ركيزتين محترمتين عند كل الناس على اختلاف توجهاتهم والسنتهم، الركيزة الأولى هي قدسية النفس الانسانية، والخطيئة الكبرى التي يرتكبها بنو البشر هي محو نفس من الوجود بسهولة وبسبب اختلاف فکري او تناقض مصلحي، فلا مجال لاعادة التفكير مرتين بأن هذا المعنى محترم عند جميع الناس ولكن المشكلة في استيعابه والعمل به، اما الركيزة الثانية فهي ما اتفق عليه جميع البشر ايضا من أن الذي يحكم سلوكيات الانسان ويفرض العدل بينه وبين غيره هو القوانين التي ثبت بالدليل في انها طريق لاقامة العدل ولابد ان نشيع العمل بالقوانين لضمان اخذ كل ذي حق حقه بدون العنف والارهاب والضغط والفرض.

ص: 386

الفصل الثاني: نظرية النزاهة اساس الحكم

قال امير المؤمنين عليه السلام (فأمَّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحدٍ فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون.. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتولَّ كيف يشاء! فإنَّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه)(31)

هذا النص ونصوص اخرى كثيرة تثبت متوالية منطقية في سلوكيات وتصرفات الامام امير المؤمنين عليه السلام، فهو يبدأ من قاعدة عامة ذات تأثير نفسي محکم وذات مدلول اجتماعي مقبول لذوي النفوس النظيفة، ثم يستدل على هذه القاعدة بكتاب الله كمصدر اول للتشريع والمعرفة، ثم يستشهد بالسنة النبوية وايستحضرها کتطبيق على القاعدة التي اسسها، ليضع المجتمع امام حكم شرعي منطقي قبوله مرهون بطاعتهم لولاتهم الذين بعد تحكيمهم الكتاب والسنة سيكون لا مناص من مشايعتهم.

واكثر هذا الانواع من المتواليات المنطقية التي عمل بها الإمام أمير المؤمنين كانت في مجال النزاهة الشخصية للحاکم، يقول الامام علي (يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان، فأنا خائن..)(32). وفي هذا القول تطبيق عملي لزهد الحاكم ومساواة نفسه بالاخرين من عامة الناس.

وفي رسالته لعامله على اذربيجان يقول الامام علي: (وإن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، وأنت مسترعى لمن فوقك، ليس لك أن تفتات في رعية...)(33). وليس غريبا أن يوصي الامام علي ولاته وعاله في الأقاليم البعيدة

ص: 387

بما يقوم به هو بنفسه حفاظا على حقوق الناس.

لقد ابرزت ممارسات قام بها امير المؤمنين حرصه على النزاهة كأساس للحكم منها تتفرع المزايا الأخرى وهي - أي النزاهة - التي تصنع المميزات الاخرى للحاكم، وبدونها حتى لو كان شجاعا او داهية سيثلم حكمه وتزول سلطته.

فاقواله (علیه السلام) توضیحا لتطبيقاته في مجال النزاهة هي مما تعد مداميك لنظرية النزاهة اساس الحكم، فتصريحاته في هذه المناسبات: ((بیت المال للمسلمين وانا خازنهم وامين لهم - لاسوين بين الاسود والاحمر - لم اجد لولد اسماعیل علی ولد اسحاق فضلا - لا ينبغي ان نصحبكم في ضوئه - أتأمروني ان اطلب النصر بالجور - والله لو كانت اموالهم مالي لسويت بينهم - اليس رسول الله كان يقسم بالسوية - لا يسعنا أن نؤتي امرأ في الفيء اكثر من حقه)) تمثل اعمدة النظام الاقتصادي العادل، والصياغات الملزمة المستندة إلى الكتاب والسنة المضمنة في هذه التصريحات تعتبر قوانین ضامنة لتحقيق المساواة التي تلازم اعتزاز الانسان بحكومته ومجتمعه الذي يعيش فيه.

ص: 388

المبحث الاول: ابداعات تعزيز الثقة بالنفس والمجتمع

لا اشکال في عدل علي (علیه السلام) بل الاشكال في انه عادل حازم في عدله الى ابعد الحدود، او كما يسميه البعض جهلا بشخصه «مفرط في عدله، غير مجامل في حكمه» او بالمعنى السياسي الحديث «ليس براغماتيا» ولربما يقصدون انه ليس «ذرائعيا او نفعيا» لانهم بالتأكيد لا يقصدون انه غير مرن في تعامله مع الاخر المختلف فكريا وسياسيا، والا فانهم سيقعون بخطأ تاريخي لا يغتفر بلحاظ احداث «فتنة الخوارج» و»لعبة التحكيم» فمواقفه في هاتين الواقعتين تنمان عن عدالة مثالية وواقعية وموضوعية لا تجاری.

فكيف بالقائد الذي ينصف «نملة» لا يفكر في سلبها جلب شعيرة، أن يظلم انسانا بعث الرسل من اجل تربيته وهدايته.

وهو القائل: ((.. والله لئن ابيت على حسك السعدان مسهدا واجر في الاغلال مصفدا احب الي من أن القى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشئ من الحطام.. والله لو اعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وان دنیاکم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي، ونعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل و قبح الزلل وبه نستعين))(35).

في هذا النص تجتمع ثلاثية (العدل والزهد والعلم) ولا يمكن لرجل هذا حاله الا ان يكون عادلا يعلم تمام العلم بان الحكم بلا عدل لیس حکاعلى الطريقة المثلى التي شرعها الله في دينه الحنيف.

ص: 389

ان الحكم الاسلامي بهذا الشكل يعطي للاسلام وجوده الحقيقي وغايته الكبرى، وما جاء الاسلام الا ليعلم الناس ان الرب الكريم لم يرسل عليهم حکاما متجبرين كما في الايديولوجيات القديمة والحديثة، وانا ارسل لهم انبیاء وائمة واولياء قسطون بين الناس ولو على انفسهم والاقربين، وهذه هي سياسة علي (علیه السلام).

ويبدو العدل ومضامينه الواقعية والانصاف و مصادیقه الموضوعية مبدأ في الفكر السياسي للامام علي (علیه السلام) وليس وسيلة لاستقطاب الاتباع، فما انفك (علیه السلام) يقرن القول بالعمل في طريقة بنائه للدولة، ومن اشد الافكار اعجابا في سيرته السياسية عند قيادته للامة الاسلامية تحريضه الناس على المطالبة بحقوقهم، فأي حاکم يفعل ما يفعله الامام علي (علیه السلام) حينما يقول: (فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني با يتحفظ به عند اهل الباردة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه! فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشهور بعدل)(35).

فأي علاقة تلك التي يرسيها حاکم اسلامي منصف عادل مع شعبه عبر اليات التواصل المفتوحة حسب التعبيرات السياسية الديمقراطية المعاصرة. ولو امعنا النظر بجزء من هذا النص وهو قوله: (فانه من استثقل الحق أن يقال له او العدل أن يعرض عليه كان العمل بها اثقل عليه) لوجدنا خارطة طريق لتلافي «عملقة الحواشي» ونمو دورهم الطفيلي على جوانب سدة الحكم.

وفي هذا النص يسعى امير المؤمنين الى تعزيز ثقة الناس ببعضهم ليكونوا حالة ضاغطة على الحاكم ولا يتركوا السلطة تتلاعب بهم وتشتت جهودهم فيفقدوا

ص: 390

ثقتهم ببعضهم البعض، ولا يتحقق هذا المطلب الا بوجود امير عادل يربيهم على ثقافة طلب حقوقهم ويدربهم على معادلة ثقة شاملة.

لهذا يبدو ان الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ركز على العدل في شخصية الامام علي (علیه السلام) كبعد حيوي لدوره القيادي في المجتمع الاسلامي وخصوصا حينما قال (صلی الله علیه وآله وسلم): (على كفه وكفي في العدل سواء)(36).

وينتقل الامام عليه السلام ليعرف الناس بحقهم عليه فيقول: (ان حقكم علي النصيحة لكم ما صحبتكم، والتوفير عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كي تعلموا، فأن يرد الله بكم خيرا تنزعوا عما اكره وترجعوا الى ما احب، تنالوا ما تحبون وتدركوا ما تأملون)(37)

ثم ينتقل عليه السلام الى نوع آخر من تعزيز الثقة يتمثل في وضع ثقته الكاملة في اشخاص معينين ليكونوا نموذجا يقتدى به، فحينما نمی الله سمعه انتقاد بعض اصحابه لمالك الاشتر قال: (بلى الاشتر يرضى اذا رضيت.....وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوه مثل رايه اذن لخفت علي مؤونتكم ورجوت ان يستقيم لي بعض اودكم)(38)

اذن تعزيز الثقة بالنفس وتقوية اواصر المجتمع ورد الشائعات عن المخلصين كانت ابداعات علوية يستهدف من خلالها تقوية الجماعة الصالحة لضمان حكم عادل يخدم المصالح العليا للمجتمع.

ص: 391

المبحث الثاني: تعرية الفساد للحفاظ على مقدرات الامة

سنذكر ها هنا موقفين للامام امير المؤمنين عليه السلام لمعرفة مواقفه الصريحة من الفساد الذي اجتاح السلطة السياسية الاسلامية خلال عهد الخلفاء وتحديدا في عهد عثمان بن عفان حيث المحسوبية كانت السمة البارزة لتعاملات الخليفة وحواشيه، وبعض الاجراءات التي قام بها الامام عليه السلام كانت عبارة عن احتجاج على الفساد المستشري والمحسوبية الفاضحة

الموقف الاول: لما دخل الامام علي (علیه السلام) الكوفة، قيل: أي القصرين نزلك؟ قال: ((قصر الخبال لا تنزلونيه))(39). فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي.

والخبال كما في الفائق للزمخشري والنّهاية لابن الأثير و مقاييس اللغة لابن فارس، مادة (خبل)، الخبل: الفساد، و حراقة صديد أهل النّار.

والمراد هنا منزل أهل الجَور والفساد.

وهذا تعبير شديد اللهجة من امير المؤمنين (علیه السلام) حيث اعترض على النزول في هذا القصر المليء بالمخالفات الشرعية والموبوء بالاشكالات الاجتماعية والاخلاقية، وقد كانت كلمته هذه ووصفه لقصر الامارة بقصر الخبال تعرية للفساد وكشفا للفاسدين وفي الوقت نفسه تأسيسا لمنهج جديد في تعامل السلطة مع الناس وخصوصا حقوقهم المالية والمعاشية التي هدرت على يد من تصدوا لادارة شؤون الامة.

الموقف الثاني: قال ابن عباس: ان عليا خطب في اليوم الثاني من بيعته في المدينة فقال: (الا ان كل قطيعة اقطعها عثمان، وكل مال اعطاه من مال الله، فهو

ص: 392

مردود في بيت المال، فان الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته الى حاله، فان في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه اضيق)(40)

كان قد عرض على امير المؤمنين عليه السلام خلافة المسلمين بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب، ولكن الشرط الذي وضع على تسلمه للامر وقيامه بادارة شؤون الامة كان ثقيلا على نفسه الابية وهو السير بطريقة الشيخين والحكم بما حكما، وهذا يعني وضع القيود في يديه مما يؤدي الى تعويق جهوده الاصلاحية، وبمعنى آخر سيكون حاكما بصلاحيات محدودة لا يحق له الاعتراض على ممارسات غير صحيحة لانه قبل بشرط الهيئة التي رشحته للخلافة، وهذا مما لا يرضاه الامام علي لنفسه، وعلى عكس ذلك جرت الامور فاصبح الامام بعد مقتل عثمان هو من يشترط الشروط من اجل ان يتولى امرة المؤمنين وقيادة المسلمين وادارة المجتمع، واول شروطه بعد توضيحه لمعالم مشروعه في الحكم كان قبولهم بمنهجه وعدم اعتراضهم على اجراءاته، وعلى هذا الاساس تمت مبايعته، لانه عازم على ارجاع الحقوق الى اهلها وتحجيم نشاط المنتفعين كما في النص السابق الذي يوضح بان امير المؤمنين قام بمراجعة حسابية لممارسات عثمان بن عفان وحاشيته.

وهذين الموقفين يبرزان بما لا يقبل الشك حرص الامام علي عليه السلام على مقدرات الامة ولو شاء لابقى امتيازات حاشية عثمان ليقربهم ويكسب نفوذهم ليقوي سلطته ولكنه لم يفعل ذلك، وحتى من عينهم كولاة ورعاة للمصالح كان يحاسبهم اشد حساب حتى لا يهدروا اموال المسلمين.

ص: 393

الفصل الثالث: نظرية صناعة القوى الفاعلة

قال تعالى: (الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ)(41)

بالاضافة الى نشر الدين واحقاق الحق والعدل بين الناس كانت هناك مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق امير المؤمنين وهي وظيفة خاصة اختص بها استكالا للمشروع الالهي بعد الرسول الخاتم وهي عملية تأويل التنزيل.

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (إنَّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن) فقال أبو بكر: أنا هو؟ وقال عمر: أنا هو؟ فقال رسول اللہ (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا، لكنَّه عليٌّ)(42)

وفي نص اخر نقله الامام علي (علیه السلام) بنفسه، قال الامام امير المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لاصحابه ((ان فيكم من يقاتل على تأويل القران کما قاتلت على تنزيله واشار الي))(43)

وهذا يدل على ان لعلي (علیه السلام) صلاحيات حصرية ضمن خطوات ترسيخ الشريعة السمحاء وتمتين اسسها وتثبيت ركائزها وتقوية مداميكها وتعزيز البعد المعنوي والنفسي للمؤمنين بها واستقطاب الخارجين عنها، وهذه الصلاحيات الحصرية لا ينبغي لغيره الاختصاص بها لانه الاقدر على تطبيقها، واهم هذه الصلاحيات المخصوصة هي عملية التأويل لايات القرآن الكريم التي تنطوي على عملية علمية بحثية عميقة تكشف عن حقائق غائبة، وعندما يمارس رأس

ص: 394

السلطة في النظام الاسلامي هذه العملية بالتأكيد سيكون جاذبا للطاقات ومفعلا للقابليات، وهذا بالضبط ما يسمى في الدراسات المعاصرة بنظرية (المغناطيس) أي ان يكون الشخص جاذبا للقوى لتتحلق حوله ولا تنفك عنه ويكون هو قطبها والمؤثر فيها، وهذا الدور لامير المؤمنين يتحقق من خلال عملية التأويل.

والتأويل كما نفهمه من ايات التنزيل الحكيم هو تحويل او تحول النبأ الى خبر، والخبر هو الحقيقة التي لا تتناقض مع الواقع ولا يختلف عليها طرفين.

وهذا التعريف الذي التزمنا به لتوضيح وظيفة التأويل يحتاج الى ان يكون الموؤل على درجة عالية من العلم وعلى استعداد تام للعمل من اجل تحويل الانباء الى اخبار وبالتالي اكتشاف الخبايا المودعة في الكون والطبيعة.

ولتوضيح عملية التأويل حسب التعريف اعلاه سنعطي مثالا من القران الكريم وتحديدا من قصة يوسف النبي عليه السلام، فرؤيا يوسف في المنام كانت نبأ لم يتحقق بعد عندما قال لابيه يعقوب عليه السلام (اذا قال يوسف لابيه يا ابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(44) ولكن بعد ثلاثون عاما تقريبا قال تعالى (ورفع ابويه على العرش وخروا سجدا وقال یا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا)(45) وهذا يعني كما يوضح القران بأن منام يوسف وهو نبأ تحول الى خبر يعرفه جميع الناس وهو حق، وهذا الحق جاء بعد عملية علمية وهي التفكر في قوانين الكون والطبيعة، وقابلية على العمل حيث قام النبي يوسف بكل ما يستطيع للوصول الى المنصب والمقام الرفيع الذي من خلاله جذب اهله ليأتوا اليه من الشام الى مصر.

وهذا المعنى للتأويل هو الذي كان يمارسه امير المؤمنين باظهار الحقائق امام اصحابه واتباعه وعموم الناس ليجذبهم الى الشريعة السمحاء.

ص: 395

المبحث الاول: معرفة الحاكم بالجغرافيا التي يحكمها

اراد الامام علي عليه السلام ان يوصل اصحابه واتباعه الى اعلى مستوى من العلم لتحقيق الهدف المنشود الذي تتطلبه المرحلة التي عاشها والتي تستدعي الافصاح عن علوم معينة وتطبيقات خاصة، بما ينسجم مع المستوى الفكري والمعرفي في ذلك الوقت.

ومن خلال حروب الامام وترحاله بين المناطق التي يحكمها افصح لاصحابه عن بعض تلك الخفايا التي اصبحت حقائق في واقع الامة اثناء حكم الامام عليه السلام.

قال زيد بن وهب: كنت مع علي عليه السلام يوم النهروان فنظر الى بيت وقنطرة فقال: ((هذا بيت بوران بنت كسرى، وهذه قنطرة الديز جان، حدثني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اني اسير هذا المسير وانزل هذا المنزل)(46)

ووفقا لهذا التعبير فأن الانباء المحمدية اصحبت اخبارا علویة من خلال عملية تأويلية قام بها امير المؤمنين وهدف هذه العملية هو صناعة القوى الفاعلة وجذبها الى محيط العلم والمعرفة.

لما عزم امير المؤمنين على حرب الخوارج، قيل له: القوم عبروا جسر النهروان، فقال عليه السلام: ((مصارعهم دون النطفة، والله لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة))(47)

وصدق امير المؤمنين رغم كثرة من قال له ان الخوارج عبروا الجسر وتجاوزوا المنطقة التي يريد ان يقاتلهم الامام فيها، وهذا يجعله حاكما عالما بالجغرافيا التي

ص: 396

يحكمها ويقود المعارك فيها.

وينتقل امير المؤمنين الى مساحة اخرى من التأويل وهي مرحلة متقدمة من العلم والمعرفة، فعندما نصحه بعض المنجمين وعلماء الفلك بعدم التحرك للحرب لان النجوم ليست في صالحه خالفهم وقال للدهقان ((یا دهقان، انا مخبرك اني وصحبي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون، انما نحن ناشئة القطب، وما زعمت البارحة انه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب ان تحكم معه لي، لان نوره وضياءه عندي، فلهبه ذاهب عني)(48)

ويعني امير المؤمنين بان الشهاب الذي انطلق من برج الميزان كانت ناره ذاهبة الى الطرف الاخرى متجهة الى منطقة اخرى فهذا يعني انه منطلق ليفتك بعدوي لان لهبه عندي، وعند هذا التأويل اعترف الدهقان بأن علم الامام مادته السماء وهو فوق علوم وفنون المنجمين، خصوصا بعد تصديق الواقع ما قاله الامام وتحقيق الانتصار في حرب النهراوان.

ص: 397

المبحث الثاني: المعادلة العلمية بين تقوية الذات واستقطاب الطاقات

قال الرسول الاكرم «صلى الله عليه واله وسلم»: (أخصمك يا علي بالنبوة فلا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع لا يحاجّك فيها أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم بالرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية)(49).

فهذه شهادة لا تعدلها شهادة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب «عليه السلام» من خير الخلق وصاحب الدعوة الى الحق الرسول الاكرم محمد «صلى الله عليه واله وسلم»، وهي بمثابة اجازة علمية لاستلام وظيفة كبرى، ولهذه الشهادة العلمية الالهية محل عالٍ ومقام سامٍ لا يحل مقابلها أي شهادة اخرى، سيما في بُعدها العقائدي ومجالها القيادي، فمعنى ان القائد الاوحد المختص بالقيادة حصرا العارف بامور الشريعة ظاهرها وباطنها يشخص نقاط القوة في القائد المستقبلي للامة الاسلامية فذلك لا يمكن ان يسمى الا تخطيطا علميا استراتيجيا للمرحلة المقبلة، وخصوصا في جوانب الولاية الحقيقية وتثبيت معايير مصداقها، فقول الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم): (واقومهم بامر الله) مطابق للاية القرآنية الكريمة (وجعلنا ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون)(50).

اما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وابصرهم بالقضية) فذلك معيار ومقياس علمي بحت للدلالة على حجم العلم الذي يمتلكه امير المؤمنين علي (علیه السلام) مما يجعله نافذ البصيرة غير محتاج الا الله سبحانه وتعالى لاكمال المسيرة الاسلامية على الطريقة منهم علیه المحمدية.

ص: 398

ولا يمكن لاي متتبع لسيرة الامام مع الرسول الخاتم ان يغفل الجوانب العلمية بينهما بطريقة العالم والمتعلم، يقول امير المؤمنين (علیه السلام): (وقد كنت ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يوم دخلة، وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها ادور معه حيث دار، وقد علم اصحاب رسول الله انه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، ... وكنت اذا دخلت عليه بعض منازله اخلاني واقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، واذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بني. وكنت اذا سألته اجابني، واذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله اية من القرآن الا اقرأنيها او املاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها... ودعا الله ان يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله تعالى، ولا علما املاه الله علي وكتبه منذ دعا الله لي ما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهي كان او يكون، ولا كتاب منزل على احد قبله من طاعة او معصية الا علمني اياه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً... ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي ان يملأ قلبي فهماً وعلماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا رسول الله - بابي انت وامي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا، ولم يفتني شئ لم اكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد، فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل»)(51).

ومضمون هذه الرواية ذات الجوانب العلمية هي ان الرسول الخاتم (صلی الله علیه وآله وسلم) يعتني علميا بخليفته من بعده وفق منهجية دقيقة تتكون من عدة ركائز، ومنها:

1 - الاهتمام الشخصي، وذلك بالسماح للامام علي (علیه السلام) بالدخول على الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) في اوقات لا يمكن ان يدخل فيها غيره ليوفر له الدعم النفسي الكامل لتلقي العلم الخاص.

ص: 399

2 - المشاركة الرسالية، وذلك عبر المدد القراني بجديد القرآن ومكنون الافكار الرسالية الجديدة.

3 - الاحكام والالزام، وذلك بمعرفة حقيقة المدد القراني وتثبيته في القلب والعقل بكتابته، او باصطلاح الحديث «ارشفته» والزام الكاتب بفهمه وحفظه.

4 - الشمولية الشرعية والفكرية، وذلك بحرص الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على استيعاب الامام علي (علیه السلام) لكل جوانب الشريعة، حرامها وحلالها، والصيانة الفكرية للمتلقي من الوقوع في اخطاء متشابهها.

5 - الديمومة والاستمرارية، وذلك بدعوة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وسلم) لعلي (صلى الله عليه وسلم) لتلافي النسيان وعدم الوقوع في الفتنة.

فهذه ركائز للمنهجية العلمية بين القائد وخليفته، وقد عبر عنها الامام علي (علیه السلام) بقوله: (من ينصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه)(52).

وهذه المعادلة العلمية التي طبقها الرسول الخاتم صلى الله عليه واله وسلم مع علي عليه السلام اراد الامام تطبيقها مع اصحابه لتقويتهم ذاتيا ولاستقطابهم علميا فها هو يقول لكمیل بن زياد (يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ

فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَی سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَی رُكْنٍ وَثِيقٍ، يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَیْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ

يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

ص: 400

يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ:

أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ)(53).

هذه معادلة متكاملة ووصفة جاهزة تجعل من العلم اهم شيء في حياة الانسان، تجعل منه احدى اهم الغايات واسمى الأهداف للوصول الى القيمة الحقيقية لوجود الإنسان.

ولكن امير المؤمنين المعلم لاصحابه والمواظب على تدريبهم وتأديبهم لم یکن مجاملا لهم ولا متجاهلا لاخطائهم لانهم مقربين منه لانه لا يريد کما الحكام الاخرين ان يستقوي بهؤلاء المقربين على الناس ليطيعوه بل يريد ان يطيعه الناس لانه اهل للطاعة، فكميل بن زياد الذي أغدق عليه امير المؤمنين بالعلوم واهداه صنوفا من المعرفة لمم يسلم من معاتبة الامام بل توبيخه باشد الكلمات بل ومقاطعته وعدم السماح له بالدخول عليه حتى يصلح خطأه بعد ان انهزم امام عصابات معاوية في ولاية هيت غرب الأنبار، حيث خاطبه امير المؤمنين قائلا: ((اما بعد فان تضييع المرء ما ولي وتكلفه ما كفي لعجز حاضر، ورأي متبر وان تعاطيك الغارة على اهل قرقیسیا و تعطيلك مسالحك التي وليناك ليس لها ما يمنعها ولا يرد الجيش عنهالراي شعاع... فقد صرت جسرا لمن اراد الغارة من اعدائك على اوليائك، غير شديد المنكب ولا مهيب الجانب، ولا ساد لثغرة، ولا کاسر لعدو شوكة، ولا مغن عن اهل مصر ولا مجز عن اميره))(54)

وبعد هذا الخطاب تأثر کمیل بن زیاد كثيرا ولم يدخل الى امير المؤمنين حتی اعاد هیت وساعد في تحرير قرقیسیا، وعندها قال له امير المؤمنين عليه السلام: (وقد احسنت النظر للمسلمين ونصحت امامك... فأنظر لا تغزون غزوة، ولا تخطون إلى حرب عدوك خطوة بعد هذا حتى تستأذنني في ذلك)(55)

ص: 401

ومثل ذلك ايضا تعامل امير المؤمنين مع المسيب بن نجبة الفزاري الذي اخطأ في مسؤولي ولاه اياها امير المؤمنين فحجبه عن العمل، فكلمه في امره وجوه الكوفه فلم يجبه، فاستدعاه وقال له (انه قد كلمني فيك من انت ارجي عندي منه، فكرهت ان يكون لاحد منهم عندك يد دوني) وهذا يعني ان امير المؤمنين لا يريد لاصحابه ان يشفع لهم من هو ابعد منهم عن امير المؤمنين لانه يريدهم اقوياء مهابون ليس لاحد عليهم فضل الا في طاعة الله، وعندما ولى الامام المسيب بعد ذلك على قبض الصدقات في الكوفة بالتعاون مع عبد الرحمن بن محمد الكندي قال عنهما: ((لو كان الناس كلهم مثل هذين الرجلين الصالحين، ماضر صاحب غنم لو خلاها بلا راع، وما ضر المسلمات لا تغلق عليهن الابواب، وما ضر تاجر لو القى تجارته بالعراء))(56).

هذه هي الاهداف الحقيقية للدولة والحكومة في رؤية الامام السياسية والاجتماعية وهي ان يكون الناس امنين في بيوتهم ومطمئنين على اموالهم، وهو الذي ما انفك يوصى ولاته وقادة حربه قائلا: ((اتق الله الذي تصير اليه الامور، ولا تحتقر مسلا، ولا معاهدا، ولا تغصبن مالا ولا ولدا ولا دابة، وان حفیت وترجلت، وصل الصلاة لوقتها))(57).

لقد كانت نظرية امير المؤمنين لصناعة القوى الفعلة قائمة على العلم والمعرفة من جهة والمحاسبة والمراقبة من جهة اخرى، اضافة الى العامل الشرعي المتمثل بالفرائض والعامل المعنوي والنفسي المتمثل بقوة الارادة.

ص: 402

الخاتمة

سيظل الامام علي (علیه السلام) نبراسا في علمه وعدله وثباته على المبدأ، وسيظل اعدائه في زمنه وفي وقتنا الحاضر مجرد لوحة موحشة رسمتها الوان الحقد الاعمى، وبأي طريقة يحاولون اطفاء نوره فأن مصيرهم الفشل.

وفي هذه الخاتمة المختصرة يطيب لنا أن نعرض بعض التوصيات لذوي الشأن في المجال الذي كتبنا فيه:

اولاً: ان يعقد مؤتمر خاص بفكر الامام علي (علیه السلام) السياسي والقواعد السياسية التي ابدعها في عهد الخلفاء الثلاثة واثناء قيادته للمجتمع الاسلامی كخليفة للمسلمين، ويدعى لها القادة السياسيون والمفكرين الاجتماعيين والباحثين من شتى أنحاء العالم للوقوف على طريقة الامام علي (علیه السلام) في الحكم، خصوصا اننا نمر بازمة سياسية خانقة نحتاج من اجل الخلاص منها إلى قواعد حكم رشيد كالتي اسسها الامام علي (علیه السلام).

ثانياً: دعوة الشباب وعبر مؤتمر ايضا لمناقشة فكر الامام علي (علیه السلام) الاعتدالي الرافض للمارسات الارهابية، وهذا ينسجم مع المرحلة الحالية التي تعمل فيها المجموعات الارهابية والمتطرفة على استقطاب الشباب و تجنيدهم للعمل کارهابيين يشوهون الفكر الاسلامي.

ثالثاً: البحث في الفكر التسامحي والسلمي للامام علي (علیه السلام) الذي يفوق الافكار الديمقراطية سلمية وتسامحا، وجمع مفردات هذا الفكر في موسوعة تطبع بعدة لغات وتوجه الى كافة انحاء العالم.

ونكتفي بهذا القدر من التوصيات وهي مهمة وتحتاج إلى جهد كبير للقيام بها، ويحبذ ان تكون ضمن منهجية مدروسة وبتفاعل من عدد كبير من الباحثين والخبراء

ص: 403

لتخلق تأثيرا في العالم.

دعواتنا الى الله عز وجل بان يوفق جميع العاملين لنشر فكر الامام علي (علیه السلام) واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين.

هوامش البحث:

1 - معالم الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي، راجع ص 44 وص 63 وص 90

2 - سورة الشوری 10

3 - سورة المائدة 55

4 - سورة ال عمران 32

5 - سورة ال عمران 31

6 - سورة ص 26

7 - سورة الشورى 15

8 - موسوعة الامام علي (علیه السلام) - باقر شريف القرشي ج 10 ص 48، نقلا عن ربيع الابرارج ص 224

9 - من عهد الامام علي لواليه على مصر مالك الأشتر النخعي - وسنده من: رجال الكشي، والفهرست للشيخ الطوسي، و تحف العقول لابن شعبة الحراني.

10 - شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد المعتزلي ج 16 ص 93

11 - سورة الاسراء 70

12 - سورة ال عمران 64

13 - من عهد الامام علي لمالك الاشتر - المصادر السابقة.

14 - سورة الشوری 15

15 - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 6 ص 94 / الامامة والسياسة ج 1 ص 174 / حياة

ص: 404

امير المؤمنين عن لسانه ج 7 ص 342

16 - نهج البلاغة - الشريف الرضي ص 103 تحقيق السيد هاشم الميلاني

17 - Concept تعني المفهوم وايضا تستخدم بمعنى الادراك

18 - نهج البلاغة ص 104

19 - سورة المائدة الآيات 44 - 46 - 47

20 - انظر تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي - صائب عبد الحميد ص 598 الى ص 605 ط 2 2006 مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي

21 - البداية والنهاية - ابن كثير ج 7 ص 321

22 - دعائم الإسلام - القاضي النعمان ج 1 ص 363، الطبعة الأولى 1426 ه، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت، الكامل في التاريخ ابن الاثير ج 3 ص 335

23 - تاریخ الاسلام الثقافي والسياسي ص 604

24 - عبارة فتح الباري في جزئه 12 ص 300 تختلف عما جاء في نهج البلاغة ص 118 فهناك نهي كامل عن قتال الخوارج من قبل امير المؤمنين في النهج بينما في فتح الباري هناك التفصيل المذكور في النص.

25 - تاريخ بغداد ج 14 ص 365 - 366

26 - وسائل الشيعة ج 18 ص 219 / قرب الاسناد ص 42

27 - تهذیب الکمال ج 13 ص 304

28 - شرح النهج ج 3 ص 128

29 - حياة امير المؤمنين عن لسانه - ج 7 ص 54

30 - بحار الانوار ج 32 ص 354

31 - شرح النهج ج 7 ص 40

ص: 405

32 - المصدر السابق ج 2 ص 200

33 - المصدر السابق ج 2 ص 180

34 - نهج البلاغة - الخطبة 224

35 - المصدر السابق خ 207

36 - مستدرك الصحيحين - الحاكم النيسابوري ج 3 ص 14، تاریخ الطبري ج 2 ص 272، ينابيع المودة - القندوزي ص 57

37 - تاريخ الطبري ج 4 ص 67 / بحار الانوار ج 34 ص 49

38 - شرح النهج ج 2 ص 240 / تاريخ الطبري ج 4 ص 42 / الارشاد للمفيد ج 1 ص 269

39 - بحار الانوار ج 32 ص 355

40 - نهج البلاغة - صبحي الصالح الكلمة 15 ص 57 / شرح النهج ج 1 ص 269

41 - سورة الزمر 23

42 - مسند احمد ج 3 ص 83 / المستدرك ج 3 ص 123

43 - حياة امير المؤمنين عن لسانه ج 1 ص 223

44 - سورة يوسف 4

45 - سورة يوسف 100

46 - تاریخ بغداد ج 8 ص 442

47 - نهج البلاغة - تحقيق الميلاني ص 117

48 - الاحتجاج ج 1 ص 239 / بحار الانوار ج 41 ص 336 / دلائل الامامة ص 58

49 - حلية الاولياء لأبي نعيم ج 1 ص 312

50 - سورة السجدة 24

51 - اصول الكافي ج 1 ص 64، الغيبة للنعماني ص 80، بحار الانوار ج 2 ص 228

ص: 406

52 - شرح النهج ج 4 ص 155

53 - نهج البلاغة - الميلاني - الحكمة 137 ص 543

54 - نهج البلاغة - صبحي الصالح - الكتاب 61 ص 450 / شرح النهج ج 17 ص 149

55 - انساب الاشراف للبلاذری ج 2 ص 474

56 - المصدر السابق ج 2 ص 449

57 - الغارات ج 2 ص 428 نقلا عن حياة امير المؤمنين عن لسانه ج 7 ص 311

ص: 407

ص: 408

العدل كقيمة أخلاقية دراسة استكشافية لفلسفة وتطبيقات مفهوم العدالة في ضوء عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر مقارنة بالاتجاهات الحديثة لمفهوم العدالة

اشارة

نظرية العدالة عند الفيلسوف الامريكي جون رولز أنموذجا

الباحث حسين جويد الكندي عضو اتحاد الحقوقيين

ص: 409

ص: 410

مقدمة

مصادر التشريعات والقوانين في الفكر الاسلامي مُعَينة ومُحَددة، ويأتي في مقدمتها القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي يصفه الله تعالى بقوله: «لاريب فيه... «فهو في الاطار العام «لا ينطق عن «هوى «او «ميول« او حتى استجابة لاتجاهات دينية او عرقية، كونه کتاب «هدى للناس« فانه ايضا يتوفر على مقدار كبير من «البينات« التي فيها الهدي بالإضافة الى «الفرقان« الذي يستطيع الانسان من خلاله التمييز بين الحق والباطل، بل والوقوف على الحق وسط مقالات الباطل وشبهاته.

ثم تأتي بعد الكتاب المجيد والمعجزة المحمدية الخالدة (القرآن الكريم)، ما صح من احادیث اهل بيت العصمة والنبوة علیه السلام والتي وصلت الينا عن طريق الثقات من رواة احاديثهم في كتب الحديث والفقه والتفسير، وبعد هذه المصادر الرئيسية، تأتي مصادر أخرى صحح العمل بها علماء مجتهدين، وان أكثر ما ورد عنهم علیه السلام وحتى ما أُثر ممَن كتب في موضوعات الشريعة، قد تأثر بخطب ورسائل ووصايا الإمام علي علیه السلام، بل كان تأثير الادب العلوي - ان جاز التعبير - شاملا لنواحي وجهات اخرى غير ما ذكرناه من اصناف المعارف، فشمل علوم الفكر واللغة والقانون والاجتماع بل ربما العلوم التجريبية والحياتية ايضا، ولعل في اقتباسات الشعراء واصحاب صنعة البديع نموذجا حيا لما نشير اليه، ولانزال نستشعر ذلك التأثير الى اليوم، على أن قسم كبير من المصنفين جاؤوا على ذكر هذه الخطب في مواطن الاستشهاد ولم ينسبونها إلى انفسهم، لشهرتها بين المسلمين بل وغير المسلمين كذلك.

وسنتناول في هذا البحث عهد مولی الموحدين علي بن ابي طالب علیه السلام الذي

ص: 411

عهد به الى واليه على مصر مالك الاشتر النخعي، واثر ذلك العهد في الصياغات التشريعية والقانونية الاسلامية ومدی موائمتها مع القيم الإنسانية التي يهدف الاسلام كدين قبل كل شيء الى ايجادها في المجتمع الاسلامي، ومقارنتها مع احدث النظريات العالمية فيما يتعلق بالعدل باعتباره قيمة اخلاقية وانصاف قبل کونه قيمة قانونية تهدف التشريعات والقوانين الى ايجاده، وقد تطلب ذلك مجموعة من الخطوات للوصول الى هدف البحث ومبتغاه.

خطوات البحث:

1. القراءة النظرية الواعية وجمع المعلومات القانونية والاخلاقية ذات العلاقة بالبحث، ثم القيام بدراسة المصادر لإنارة جوانب الغموض في بعض فقرات البحث اذ تعتبر خطب وعهود امير المؤمنين علیه السلام مصدر مهم من مصادر التشريعات في مختلف المذاهب الاسلامية، بل وحتى القوانين والتنظيمات غير الاسلامية، وامكانية دخول وما لا يتفق مع المبادئ الاسلامية العامة من تفسيرات في مجموعة الصياغات المفسرة والموضحة لكلماته علیه السلام ومن هنا كانت مهمة دراسة المصادر امر في غاية الأهمية.

2. جدولة البيانات والمعلومات بطريقة تخدم منهج البحث، وذلك لان تصنيف هذه البحوث والتي تقترب من كونها في خانة البحوث القانونية المقارنة يتطلب استيعاب نماذج التشريعات التي تأثرت بعهد مولى الموحدين علیه السلام او بخطب نهج البلاغة بصفة عامة، ولا جدال في كون تلك النصوص القانونية خاضعة للمسبقات القيمية والاخلاقية والفلسفية لطائفة المشرعين والمُقننين والتي تلعب دور مهم في الصياغات القانونية المتبعة في مختلف المدارس القانونية، وهكذا كان لجدولة البيانات التي توفر عليها البحث اثر في فرز مايتناسب مع السياقات

ص: 412

العامة المتبعة في البحوث القانونية المقارنة بين التشريعات والنصوص الأصلية والصياغات القانونية.

3. رسم خارطة طريق للبحث ثم البدء بعملية التحليل وإيجاد العلاقات بين البيانات المتعلقة بموضوعه ومن ثم البدء بالكتابة حتى الخروج بمجموعة استنتاجات تعبٌر عن الفكرة الأساسية التي يشير إليها البحث في مطالبه، وذلك لان المصادر التاريخية وكتب التراجم والأدب والبلاغة تتضمن وصفاً لأحداث سیاسية مرت في التاريخ الإسلامي، القت بظلالها على الصياغات القانونية لجزء مهم من التشريعات المتداولة أو التي كونت عبر الزمن مصادر للقوانين المعاصرة او حتى القيم الاجتماعية، والتي يعتبر العرف الاجتماعي جزء مهم منها.

مشكلة البحث:

لابد لكٌل بحث علمي من مشكلة يبدأ فيها ويهدف بصورة منظمة إلى العمل لأن يصل الى طريقة لمعالجتها، ولذا يهدف هذا البحث للإجابة عن الأسئلة التالية:

1 - هل كان لخطب نهج البلاغة بصورة عامة أثر في الفكر السياسي والقانوني الاسلامي، خاصة عند طبقة الفلاسفة الذين أثروا في الفكر المسيحي والاوربي بصورة عامة كأبن رشد.

2 - هل هناك ارتباط ما، بين القيم الاخلاقية التي يشير اليها العهد، ومنظومة القيم الانسانية التي تتردد تأثيراتها في مختلف القوانين حول العالم، والى أي حد يمكن أن نعد نظرية العدالة كانصاف التي قدمها جون رولز تصور سیاسی قابل للتحقق على ارض الواقع يجد صداه في كلمات امير المؤمنين علیه السلام، والى أي حد تمكن هذا المشرع الاسلامي من التوفيق بن الحرية والمساواة الاجتماعية كما فعل

ص: 413

رولز في نظرية العدالة كانصاف.

هدف البحث:

دراسة طبيعة العلاقة بين التشريعات والقوانين في الدول الاسلامية و مصادرها الاساسية، الذي يمثل التراث الاسلامي ونصوصه الحاكمة احد مواردها المهمة، ومدى الاخذ بتلك النصوص في الموارد التشريعية، ومن ثم امكانية الاخذ بنظر الاعتبار قابلية تلك القوانين الوضعية للعمل بالقيم الانسانية والأخلاقية الواردة في عهد المولى امير الموحدين علیه السلام.

فرضية البحث:

ينطلق البحث من فرضية مفادها اساهم المقالات الواردة عن أمير المؤمنين علیه السلام سواء ما كان منها في نهج البلاغة او غيره، في اثراء الجانب القانوني في اغلب الدول الاسلامية، بل وغير الاسلامية كذلك، كما وأثرت التراث الإنساني خاصة في نهضته الحديثة من خلال التضمينات الخارجة عن حد الاحصاء التي توافرت عليها كتب الفقه والاخلاق والفلسفة الاسلامية والتي كان لها الاثر الواضح في کینونة الفلسفة الاوربية في العصور الوسطى، وعصر الانوار، والتي تم الاطلاع عليها ودراستها حديثا في فترة ما بعد عصر الانوار الاوربي من قبل طائفة من الفلاسفة، حيث القت هذه المقالات بظلالها على مجمل الفلسفة الاخلاقية - القانونية في اوروبا، خاصة فيما يتعلق بمفاهيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان.

منهجية البحث:

من أهم المناهج البحثية التي تم استعمالها في البحث هي:-

1. المنهج التاريخي: لأهمية هذا المنهج في استقصاء الحقائق التاريخية، حيث

ص: 414

اقتضت طبيعة البحث أن يكون هذا المنهج حاکيا على أغلب مرتسماته البحثية، بسبب كوننا نبحث في اصل نص تاريخي قبل أن يكون نصا قانونا او قيميا.

2. المنهج التحليلي: لم يزل هذا المنهج كاشفاً عن ما أغفله التاريخ في نصوصه وآثاره، فهناك مجموعة من النصوص التاريخية غير واضحة الاشارة الى حقيقية او موقف بعينه، ومن هنا كانت الحاجة إلى تحليل تلك النصوص في ضوء الظروف الزمكانية والحالية المحيطة بوجود النص.

خطة البحث:

اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وتركز في مبحثين وخاتمة، وقد تناول المبحث الاول (العدل كقيمة اخلاقية) من خلال مطلبين كان المطلب الأول يتتبع مفهوم العدالة كقيمة اخلاقية في نصوص عهد امير المؤمنين علیه السلام لمالك الاشتر النخعي، أما المطلب الثاني فقد تناول روح القانون ونظرية تطابق العدل والخير عند الإمام علي علیه السلام.

وجاء المبحث الثاني (العدالة كانصاف) في اول مطالبه مهتما بدراسة مفهوم العدالة كانصاف في كتاب (نظرية في العدالة) لجون رولز، اما المطلب الثاني فقد تتبع الجذور الفلسفية لنظرية العدالة كانصاف.

وختاماً أرجو أن يكون في بحثي المتواضع سداد من عوز، وأن يكون فاتحة لدراسات قادمة اكثر رصانة، واظهار دور الفكر القانوني الإسلامي في الحضارة الانسانية، وأظن أن هذه أول محاولة في هذا المجال، يتم فيها إجراء هذا النمط من الموازنة والمقابلة بين عهد امير المؤمنين علیه السلام وراس الفلسفة القانونية الغربية جون رولز، بقصد الكشف عن بعض جوانب الشبه والتشابه، على مستوى الآراء

ص: 415

والأفكار، مما يولد القناعة باتکاء الفلسفة الغربية على التراث القانوني والحقوقي الإسلامي، ورجوعها اليه في كثير مما تدعي انتسابه الى حضارتها 0 ولا ادعي الكال فيما فعلت حسبي اني توخيت فيه جهد المستطاع و ابتهل إلى الباري عزٌ وجل أن يكون هذا البحث عند حسن المستوى ورفعة الجهد.

والله ولي التوفيق.

تمهيد

احتلت كلمات امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام مكانا مهما في التمظهرات الفلسفية والتشريعية والاخلاقية بل وحتى في المُخرجات الادبية الاسلامية وفي فترات متقدمة جدا عن تأليف الشريف الرضي لكتاب نهج البلاغة الجامع لكلامه وخطبه ووصاياه علیه السلام ولعل ذلك كان كائنا في فترة سابقة ايضا عن محاولات ابن المقفع وتضميناته لحكم ووصايا أمير المؤمنين علیه السلام في مجمل نتاجه الادبي والسياسي، والذي وجد طريقه الى الجانب التشريعي في الاقاليم والانحاء الاسلامية التي عمل فيها ابن المقفع (ت 142 ه) كاتبا و وزیرا.

فقد حاول ابن المقفع وغيره في مجمل نتاجهم الادبي - السياسي أن يستنبطوا أفكاراً سياسية تحقق لهم أغراضهم التي وضعوا كتبهم من أجلها، فمنهم من حاول أن يستنبط نظرية سياسية من المصادر الأولى، وبعض آخر حاول أن يُقدم دراسة شافية للسلطان كي يتمكن من إدارة دفة الأمور، من خلال تشريعات وقوانين لها سند شرعي من كلام امام وخليفة للمسلمين، وبعض حاول أن يقدم من خلال دراسته رؤية عن المشاكل السياسية التي تعاني منها الأمة، وطرق معالجتها، ومنهم من جاء على ذكر المواضيع السياسية عرضاً في صلب ارادة التشريع، باعتبار ان السياسة لابد وان تكون محكومة بقانون قادر على انفاذها في

ص: 416

أي مجتمع. ولاريب إن أكثر مَن كتبوا في هذه الموضوعات تأثروا بخطب الإمام علي علیه السلام.

تعتبر تجربة ابن المقفع المولع بالمنطق والسياسة من اوائل التجارب التي عنيت بخطب ووصايا الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام حتى إنه اعتاد على نقل نصوص من خطب الإمام علیه السلام دون أن يذكر اسمه، تخفياً من السلطة التي كان يعمل موظفاً لديها، وقد أشار إلى ذلك دون أن يُدلي بما هو أكثر فذكر في الأدب الصغير: وقد وضعت في هذا الكتاب من کلام (الناس) المحفوظ حروفاً(1)، فهو يرى أن البناء الأول في النثر العربي الأدبي الفني كان عند أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام، وقيل أنه تخرج في البلاغة بخطب علي بن أبي طالب(2)، ولعل الجانب السياسي كان واضحا في مجمل حركة نصوص امير المؤمنين علیه السلام عند ابن المقفع فمثلا نسمعه يقول: ومن نصب نفسه للناس إماماً في الدين فعليه بتعليم نفسه وتقديمها في السيرة والطعمة(3)، وهي كما هو واضح مأخوذة من كلمة الإمام علي علیه السلام: من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه(4)، وغير ذلك كثير في كتبه (الأدب الصغير والأدب الكبير ورسالة الصحابة).

ولم يكن ابن المقفع يتيما في هذا المجال، فقد كان لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه) وهو كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة(5)، اسهامه في هذا المجال، وذلك لشدة اهتمامه بالبلاغة فقد تأثر بخطب وكلمات الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، حتى أنه ألف مجموعة اختار فيها مائة كلمة الأمير المؤمنين(6) علیه السلام، اختار الشريف الرضي جملة منها وأثبتها في النهج(7)، وقد أورد الجاحظ كلمات الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في جميع كتبه، البيان والتبيين، الحيوان، والمحاسن والأضداد، التاج، وهو القائل: «علي بن ابي طالب علیه السلام محنة

ص: 417

للمتكلم، إن وفي حقه غلى، وإن بخسه حقه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادة اللسان، صعبة الترقي إلا على الحاذق الذكي»(8).

ففي كتابه الحيوان الذي يتناول الحيوانات وما يرتبط بها من أدب، وأخبار، وروایات، يحاول الجاحظ أن يستنبط من حياة الحيوان العبر التي تنفع الإنسان في مجالات حياته المختلفة، على غرار (حكمة العجم) التي تنسب الى ملوك الفرس والهند وحكمائهم وهي وان كان يُراد منها ان تكون مؤطرة للسلوك موجهة للرؤية الا انها لم تكشف عن نظام للقيم خاص ومتجسد بحيث تعمل على اذاعته وتكريسه ولذلك اقتصر النظر اليها في احسن الاحوال من زاوية انها مادة لغرس الأدب في النفوس(9)، ولم ينجو الجاحظ من هذا الاسفاف الا عندما استغرق في كلمات الإمام أمير المؤمنين علیه السلام خاصة ما تعلق منها بالفكر السياسي - القانوني. فحول إمارات النباهة، يذكر ما يلي: وكان يُقال يُستدل على نباهة الرجل في الماضين بتباين الناس فيه، وقال: ألا ترى أن علياً (عليه السلام)، قال: يهلك فيّ فئتان، محب مفرط، ومبغض مفرط. وهذه صفة أنبه الناس وأبعدهم غاية في مراتب التدين وشرف الدنيا(10)، وذلك كما هو واضح تحقيق لما يشترط اليوم في صفات وخصائص القضاة والمراكز السياسية والدبلوماسية وللجاحظ بالإضافة إلى هذا الكتاب، کتاب البيان والتبيين وكتاب التاج في أخلاق الملوك، وهو كتاب أخلاقي سیاسي كتبه على نسق وصايا أمير المؤمنين علیه السلام لولده الحسن علیه السلام، وقد جمع فيه جملة أفکار استعارها من كلمات وحكم الأولين ومنهم أمير المؤمنين علیه السلام(11).

وقد استفاد اهل الحدیث کما استفاد الفقهاء من جمل ووصايا امير الموحدين للوقوف على المدارك التشريعية(12) والقانونية، باعتبارها مصدرا من مصادر التشريع، وقد كان محدثي الكوفة في مقدمة هؤلاء النفر ممن وثب إلى تلك الخطب

ص: 418

فجمع شتات التشريعات في صعيد فهمها وادراك المعاني القانونية والسياسية التي تشير اليها، ومن هؤلاء أبو جعفر البرقي (ت 274 ه او 280 ه) الذي وثقه الطوسي(13)، وذكره ابن النديم، وذكر أنه من أصحاب الرضا علیه السلام، وذکر کتبه: کتاب العويص، کتاب التبصرة، کتاب المحاسن، کتاب الرجال، وفيه ذكر من روي عن أمير المؤمنين(14) علیه السلام، وفي كتاب البرقي المسمى (المحاسن)(15)، والذي قيّمه المحقق السيد محمد صادق بحر العلوم في المقدمة، وإن كتابه هذا كان مرجعاً لعلماء التأريخ، والجغرافية والتراجم، کما کان مرجعاً لعلماء الحديث، بل عدّهُ العلامة عبد الزهراء الخطيب من مصادر نهج البلاغة(16)، فقد أورد البرقي فيه كلمات الإمام علي علیه السلام في الموضوعات السياسية بالإضافة إلى الموضوعات الأخرى كالقانونية وغيرها فذكر(17) عن صفات الإمام علیه السلام أنه قال: ثلاث موبقات، نکث الصفقة، وترك السنة، وفراق الجماعة، ومن النظرة الاولى يُلحظ انها تشير الى سياسات عامة تتعلق بالمواثيق والعهود وتطبيق القوانين والحفاظ على نسيج الامة، وهي بمجموعها تمظهرات سياسية وقانونية مبكرة في منظومة القيم الاسلامية.

ان الاثر الذي تركته كلمات امير المؤمنين علیه السلام ووصاياه وجد اهل النظر من الامة عندها ظالتهم المنشودة فتواتر نقل كلماته في مختلف شؤون المعرفة عند كبار ادباء البديع وفقهاء التشريع، في الفقه كما في السياسة، كأبي محمد عبد الله بن قتيبة (ت 276 ه) وكتابيه عيون الاخبار(18) والامامة والسياسة، وابراهيم بن محمد البيهقي (حیا 320 ه) وكتابه المحاسن والمساوى(19)، و أبو الحسن الأشعري (ت 324 او 330 ه) الذي اورد مقالات امير المؤمنين علیه السلام في أبرز كتبه (الرد على المجسمة) و (مقالات الإسلاميين) و(الإبانة عن أصول الديانة) و (الرد على ابن الرواندي) و(اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) وعلى سبيل المثال يذكر في

ص: 419

قضية التحكيم قول أمير المؤمنين علیه السلام: قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سالوا، فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق.. وليس يسوغ لنا الغدر(20).

وكذلك كان تأثير تلك النصوص واضحا في مخرجات عالم اخلاقي فذهو أحمد بن مسکویه (ت 421 ه) فقد اورد في أهم كتبه (تجارب الأمم وتعاقب الهمم) وهو كتاب تاريخي انتهى به إلى السنة التي مات فيها عضد الدولة (372 ه) مفردات من خطب امير المؤمنين علیه السلام، وله كتاب آخر هو (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)(21)، هو كتاب يخرج بين الأخلاق والسياسة والاجتماع، فيعتبر بذلك من مصادر الفكر السياسي والقانوني، حيث أتخذ ابن مسکويه من الإمام علي علیه السلام مثله الأعلى في الحاكم الملتزم والإنسان المتشرّب بالأخلاق الفاضلة، وقد انعكس ذلك جلياً في موضوعات الكتاب المتنوعة التي تناولها، وكثيراً ما استشهد بكلمات الإمام علیه السلام أو مواقفه(22)، يقول: منها كثرة المزام التي قد يتصور البعض أنها تتناقض والشجاعة، وكان من كثرة مزاحه أن عابه بعض الناس، فقال: لو الادعابة فيه(33)، ولو أردنا احصاء من نهل من خطبه علیه السلام ووصاياه استشهادا بها لحكم شرعي او حدث باعتبارها اصلا تشريعيا او قانونيا، لضاق بنا المقام، ولكننا نكتفي بهذه الأمثلة لتقدمها على تالیف کتاب نهج البلاغة.

ولعل من اكثر الموارد التي كانت نظر حکماء السياسة وفقهاء القانون، ذلك العهد الذي عهد به امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام الى عامله على مصر مالك الاشتر النخعي(24)، لما وجهه اليها، فقد كان هذا العهد دلیل عمل ومصدر تشريع لدى المسلمين طيلة القرون الماضية، فهو عهد في كيفية إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب وفيه نظريات الإسلام في الحاكم والحكومة

ص: 420

ومناهج الدين في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحرب والإدارة والأُمور العبادية والقضائية. والقانونية.

وهذا العهد يمثّل نظاماً وقانوناً سیاسي وإدارياً، وهو لا يتناول البحث في عموميات العدالة، بنحو العموم، بل يتناول مباحث التشريعات العامّة التي تتناول تفاصيل و جزئیات قانونية كما هو معمول اليوم في القوانين التنظيمية لمختلف شؤون الحياة، ووصلت شهرته الى الحد الذي قال فيه فقهاء القانون انه يعتبر من اكثر نماذج نضوج العقل القانوني الاسلامي، وواضع تلك المرتسمات القانونية في نظر مفكري العالم شخصية خصبة، و مظهرا من مظاهر التكامل الانساني، بدا بتطبيق برنامجه الإصلاحي في اشاعة العدل والمساواة بين ابناء الأمة الاسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية. لقد امر الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم كما تجلى ذلك في رسالة الامام الى والي مصر(25).

وقد كانت كلمات هذا العهد مصدر الهام لكثير من فلاسفة الغرب ومفكريهم فضلا عن فقهاء القانون، الامر الذي لم يستطع ميشيل هاملتون الا ان يظهر أعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة لشخص خليفة المسلمين علي بن ابي طالب علیه السلام بعد أن اطلع على رسائله التي حررها إلى ولاته في الامصار الاسلامية ومنهم مالك الأشتر مؤكدا عليهم أن يعاملوا المواطنين من غير المسلمين بروح العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، فهاملتون اعتبر ذلك انعكاسا صادقا لسلوكيات الخليفة الحميدة المؤطرة بفضائل الاخلاق التي أهلته للدخول في تاريخ الانسانية من ابوابه العريضة(26)، ولا يخفى ما للفكر الفلسفي والديني الاسلامي من اثر واضح وجلي على فلسفة العصور الوسطى المسيحية والحديثة

ص: 421

المعروفة بعصر الانوار، بالرغم من اختلاف فکر فلاسفة المسلمين ومتفلسفة المسيحية، الا ان تسلل ما حصل للعديد من الحلول الفلسفية (الرشدية)(27) للمشاكل المختلفة الى الفكر (الاكويني)(28) وغيره من حاول عقلنة المسيحية، انتج هذا التاثر الكبير بشروحات ابن رشد في اوروبا، وبفضل هذا التسلل تحقق اتجاه تجريبي مادي ارسطي رشدي في النمط الفكري السائد في العصور الوسطى - كما يدعي ماکسیم جورس - احد علماء العصور الوسطى المسيحين العظام(29)، وهذا الاتجاه في تاویل افکار فلاسفة اوروبا، يطرح قضية التشابه على مستوى الأفكار والمنهج بين بعض فلاسفة المسلمين القدماء من أمثال الغزالي و الفرابي وابن سیناء وابن رشد وغيرهم ممن تشربوا بالفلسفة الاخلاقية والعقلية لامير المؤمنين علیه السلام، وبعض فلاسفة أوربا المحدثين من أمثال دیکارت وهوبز باسكال واسبينوزا روسو وكانط وغيرهم، مما دعى بعض الكتاب المشتغلين بحقل الدراسات الفكرية والفلسفية بإجراء مقارنات ومقاربات استطلاعية واستكشافية و تحليلية في هذا الشأن، على أن العصر الوسيط الاوربي كما هو معلوم له اسهام كبير في صيرورة افکار وفلسفات عصر التنوير(30) الذي لازالت الفلسفة الاوربية تنتمي له باخلاص في مجمل فلسفاتها الحية (القانونية والاقتصادية والاجتماعية).

الا أن هذا الشبه بين فلاسفة المسلمين والفلاسفة المحدثين لم يعره الباحثون من قبل عناية تذكر، ظنا منهم ان هذه الصلة وهذه العلاقة ربما تبدو غريبة، فقد جرت عادة مؤرخي الفلسفة الإسلامية أن يقفوا بها عند حدود القرون الوسطى، ولم يفكر واحد من هؤلاء بجدية أن يدرس هذه الصلة بين الفلسفة الإسلامية وفلسفة العصور الحديثة دراسة منظمة، الصلة والتي يرى فيها الدكتور ابراهیم مدكور أنها جديرة بالبحث والدرس(31).

ص: 422

وقد اعتمدت الأمم المتحدة هذه الرسالة كونها من أوائل الرسائل الحقوقية والتي تحدد الحقوق والواجبات بين الدولة والشعب، وفي ذلك يقول الامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أن يقول: إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة هي: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ...، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق»(32)، في ذات الوقت الذي نادت مراكز بحثية قانونية والأجهزة الحقوقية والقانونية حول العالم إلى ضرورة أن يكون عهد امير المؤمنين علیه السلام أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب علیه السلام لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي(33).

تعتبر هذه الوصية من اوضح وادق اللوائح التي وائمت بين حقوق الانسان والتي يعبر عنها علیه السلام (حقوق الرعية) و التنظيمات القانونية الحاكمة والمنظمة لمختلف شؤون الحياة، في فترة زمنية لم يكن العقل القانوني والتنظيمي الانساني، قد توصل الى تلك الاواصر بين حق الفرد وحق الدولة وحق المجتمع وحق الاخر (السياسي والديني)، ومن خلال هذا الفهم اعتبر فقهاء القانون هذا العهد نموذج نادر للعقل القانوني والسياسي الاسلامي الذي تمكن من ايجاد تلك الرابطة بين تلك الحقوق في الفترة التي كانت فيها البشرية في حالة جهل تام بتلك المرتسمات والخطوط القانونية بشكلها العام فضلا عن التفصيلي.

ص: 423

المبحث الاول: العدالة كقيمة أخلاقية

يختلف اسلوب سن التشريعات والقوانين بتنوع الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وربما كان الطبيعة نظام الحكم اثر في فلسفة سن القوانين، اذ يلعب الأسلوب المتبع في وضع القوانين دوراً هاما في كشف المذهب السياسي وحتی الاقتصادي احيانا للتكوينات الاجتماعية ذات العلاقة، وذلك لأن كل قانون هو نتاج مستوى التطور الذي بلغه النظام الاجتماعي والاقتصادي والقانوني ومنظومات التقاليد والأعراف والخبرات السياسية، والتي تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من الدول، وفي هذا السياق جاء عهد امير المؤمنين علیه السلام لمالك الاشتر ممثلا لتطور النظرية السياسية والقانونية والاجتماعية الاسلامية خاصة فيما يتصل بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم وكذلك تمظهرات الوعي السياسي الجديد الذي اتضح بصورة جلية بعد قتل عثمان بن عفان.

ولما كان الغرض الاساسي لوضع القوانين هو تنظيم احتياجات أي مجتمع بما يتوافق مع مقتضيات التعايش بين طبقاته، فكان لزاما أن يصبح القانون بهذا الاعتبار برمجة اجتماعية للعلاقات داخل أطر ذلك المجتمع، منشأه الحاجة إلى قواعد معيارية ملزمة تحقق التوازن والتناسق بين المصالح المختلفة لأفراد المجتمع، وإيجاد تنظیم لمختلف العلاقات القانونية بصفة دائمة ومستمرة، وهذا ما يتحقق عن طريق حفظ النظام وتحقيق العدل الاجتماعي والتقدم الإنساني في إطار احترام حقوق الإنسان والحق في المساواة، و من أجل تحديد الواجبات والحقوق لكل من السلطات المتعددة وعموم المجتمع وتفضيلاته، وذلك بإتباع طرق تختلف باختلاف الدولة ودرجة النضج القانوني والسياسي والاخلاقي لدى

ص: 424

الرأي العام فيها، لان هناك من يرى انه: مهما كان النظام الاجتماعي عقلانيا أي متبعا للمعايير القانونية الصحيحة، فانه قد لا يساوي شيئا على الصعيد الاخلاقي اذا لم يعالج الظلم الصارخ، لذلك فان أي تصور للعدالة لابد ان يكون معتمدا على اعتبارات اخلاقية مستقلة(34)، وهو مايمكن فهمه وبوضوح في عبارات امیر المؤمنين علیه السلام في عهده المالك الاشتر، قال علیه السلام في عهده المالك الأشتر: (أَنْصِفِ اللهَ وَأنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِن خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوَى مِنْ رَعِيَّتِكَ،

فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ! وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَيْسَ شَءٌ أَدْعَى إِلَ تَغْيیرِ نِعَمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَی ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِینَ بِالْمِرْصَاد)(35) وهو ما سوف نركز الضوء عليه في هذا المبحث، حيث يتناول المطلب الأول منه: استیضاح فلسفة العدالة عند امير المؤمنين علیه السلام، اما المطلب الثاني فيتناول: روح القانون ونظرية تطابق العدل والخير عند الإمام علي علیه السلام.

المطلب الاول: مفهوم العدالة كقيمة اخلاقية في نصوص عهد الإمام علي علیه السلام لمالك الاشتر

من الخصائص المميزة لأي حضارة انسانية، مجموعة تشريعاتها وانظمتها القانونية والتنظيمية، لارتباط تلك التنظيمات بمنظوماتها ألأخلاقية وتقاليدها وثقافتها، فهي مظهرها، وتجلي واضح لمدى استفادة تلك الحضارة من عمق وجودها الانساني، ومرآة لحالتها الاقتصادية والسياسية، وهي بذلك لا تبتعد في مقصودها عن غاية الشريعة الإسلامية ومقاصد تشريعها في جلب المصالح ودفع المفاسد وتحقيق مصالح الإنسان، وبالرغم من تسليم جل المتاخرین محن عرضوا لموضوع تاريخ الفكر الاخلاقي في الحضارة العربية الاسلامية بفكرة:

ص: 425

ان العرب لم ينتجوا لا في الجاهلية ولا في الاسلام فكرا اخلاقيا باستثناء ماردده بعض فلاسفتهم من اراء في اطار مانقلوه عن فلاسفة اليونان(36)، الا ان المتتبع يجد استثناءآت واضحة لهذا التعميم لعل ابرزها واوضحها يقف شامخا في الفكر القانوني الذي يُعد احد ابرز اركان التشريع الإسلامي، وهو مايمكن تلمسه في مواد العهد المشهور لامير المؤمنين علیه السلام الذي ارسله لعاملة على مصر، والذي يظهر منه جليا ارادته علیه السلام لخلق نظم القيم بعيدا عن الصراعات السياسية والاجتماعية التي كانت محاثية لخلافته، حيث جعل مفهوم العدالة كقيمة اخلاقية، ثابت بنيوي يخترق مفعوله جميع نظم القيم الاخرى.

فكون الإسلام دينا اجتماعيا يجعل من شريعته قانونا اجتماعيا معیاريا بامتياز، بحيث يكون القانون متناغما مع طبيعة أي مجتمع يدين بمناهجه، ويستنير بمبادئه العامة، امر يعتبره امير المؤمنين علیه السلام محوريا ومركزيا في حركة وفهم المُشرع والمُقنن، ومقدار وعيه للنصوص، بما تقتضيه طبيعة ذلك المجتمع، هي المعيار في انتخاب مضامین معينة وتشكيلها في اطار قانوني يستجيب للحاجات المتجددة والمصالح المتداخلة في الاطار الاسلامي العام، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين علیه السلام في عهده للاشتر النخعي، في اشارة منه إلى اتخاذ المساعدين والاعوان سواء في الجانب التنفيذي او التنظيمي في اطاره القانوني، قال: «وتوخ منهم(37) أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا«(38)، وفي ذلك اشارة الى معرفة هذه الطبقة من الناس بالمعايير الاجتماعية التي ينبغي أن تكون مناط اهتمام المشرع لكي لا يحدث عدم انسجام بين القيم الاجتماعية والمنظومة التشريعية والقانونية الحاكمة على الناس.

ص: 426

وإذا رجعنا للتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول قانون عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم تلك الوثائق التي أعدها النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم لتنظيم أحوال مجتمع المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة، والذي كان في مقاربات كثيرة منه اشبه مایکون ببلورة لمفاهيم فكرة القوانين التنظيمية الاجتماعية، مع فرق اساسي يتمثل في دائمية التشريعات الدينية ومرحلية التشريعات الوضعية، وهذا بحد ذاته ما اعتبره بعض الباحثين اختلافا جوهريا بين قسمي التشريعات في المنظومة القانونية الاسلامية وهو ما يعبر عنه باختلاف جهة المقاصدية في التشريع، ذلك أن التشريع الوضعي قابلٌ للتعديل والتغيير باستمرار، فليس بحاجة ماسَّة إلى نظرة مقاصدية، تستخرج منه الحِكَم والغايات المصلحية المقصودة منه(39)، بلحاظ تغير الاسباب الداعية الى وجود القانون مثلا، او انتفاء الحاجة إلى وجود قانون قدسن في فترة معينة لمعالجة ظاهرة ما، ايضا.

تعتبر التشريعات القانونية اليوم صورة عاكسة لمدى استجابة الشعوب والأنظمة على حد سواء لإثبات سیادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظیم جزئیات و مفاصل حركة المجتمعات، والسلطة بوضعها قانون يبين حدود السلطات الممنوحة في الدولة، فأن هذه الدولة بوضع القانون تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية بمفهومها السياسي التي تتكفلها القوانين وتحرص على وجودها، فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي والقانوني، يقول امير المؤمنين علیه السلام: الحرية منزهة من الغل والمكر(40)، والدولة بذلك ترعی مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة الآمرة و المكملة و الملزمة، فالحرية هي الشرط الاول في المسؤولية سواء تعلق الأمر بالمسؤولية امام الله او القانون او الضمير أعني (المسؤولية الأخلاقية) بمعناها المجرد، فالحرية اساس المسؤولية

ص: 427

فهي اذن شرط قيام الاخلاق نفسها(41)، لان المكره على فعل ما، لايخضع للمسألة القانونية، وهو مبدأ ثابت ايضا في الشريعة الاسلامية «فالضرورات تبيح المحظورات «فمسلوب الحرية كالمكره المجبر على اتيان عمل او ترك آخر، وفي کلا الحالين لا يكون خاضعا للمسالة القانونية، لانه وببساطة لم يصدر عنه الفعل عن قصد واختيار، ومن هنا استشعر فقهاء القانون الحاجة إلى مقاصدية معينة خاصة في عملية الإصلاح التشريعي والقانوني(42)، بعد ان اصبحت المقاصد الاصلية في اطارها العام مفضية إلى النتيجة ذاتها في ضرورة الاصلاح.

مفهوم المؤسسات الاجتماعية عند امير المؤمنين علیه السلام

ادراك المصالح الاجتماعية عند امير المؤمنين علیه السلام يبدا وينتهي بالمؤسسة الاجتماعية أو المؤسسات الاجتماعية العادلة، التي لابد ولها أن تكون هادفة لايجاد العدالة باعتبارها مؤسسة للحريات والحقوق الفردية في مجتمع منظم وحر، وعند ذلك يكون هذا المجتمع وفي ظل ظروف احساسه بالحرية والمساواة داعما للمؤسسات التي تحقق له هذا المقدار من العدالة، والتي كونت بمجملها صورة البنية الأساسية (الدستور) الذي ينظم المؤسسات والأفراد على حد سواء ويجعلها هادفة لتحقيق الاستقلال الذاتي لكل شخص يقول علیه السلام: «وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية»(43).

تمثل النصوص القانونية التي وصلت الينا في عهد الامام علي علیه السلام للاشتر النخعي قمة الاشتغال القانوني ببعده السياسي الاصلاحي فهي تشير إلى منطلقات وركائز کانت غائبة في الوعي القانوني من قبيل نظرية التعايش في الاسلام، والتي زرعاها ورعاها الرسول الأكرم علیه السلام أيما رعاية، حتى اصبحت مثار اعجاب مفكري الانسانية واصحاب الالباب منهم، قال العلامة الفرنسي جوستاف

ص: 428

لوبون: رأينا من آي القرآن أن مسامحة محمد لليهود والنصاری کانت عظيمة للغاية(44)، وقد تجسدت تلك المبادى في سلوك وافکار امير الموحدين علي بن ابي طالب علیه السلام ایما تجسيد، فهو القائل في عهده المشهور لمالك الأشتر:» وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكونّن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزّلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه و صفحه»(45)، وذلك يُظهر بوضوح الخطاب المألوف منه علیه السلام المؤيد لمبادئ العدالة في الحريات الأساسية لمختلف الانتماءآت العرقية والدينية الاساسية المتساوية والمساواة المنصفة في الفرص وجملة الواجبات الطبيعية للافراد اللازمة لدعم المؤسسات العادلة، التي تنادي بها النظريات الحديثة لمفهوم العدالة باعتباره قيمة انسانية واخلاقية(46)، وقد ضرب الامام علي علیه السلام اروع امثلة توفير الدولة للحريات الأساسية (الشخصية والسياسية)(47) والاقتصادية وغيرها.

وهو بذلك يؤسس الى مفهوم قانوني ضامن للتعايش بين الافراد الاحرار والمكونين للجماعة (سواء كانت الجماعة اسلامية خالصة ام فيها مجتمعات غير اسلامية) في رقعة جغرافية معينة، في وقت مبكر جدا من تاريخ العقل القانوني، لا يكتفي بمجرد رعاية السلطة للرحمة والمحبة واللطف في التعامل مع الرعية وبجميع مكوناتها المختلفة، بل يدعو الى الانطلاق من الذات، باعتبارها مسؤولة عن اختياراتها، الانطلاق من القلب، لتبدأ بزراعة الحب والرحمة واللطف، حتى يتحول ذلك الحب الذي يسع جميع مكونات النسيج الاجتماعي إلى ملكة، فتحب الرعية بتعدديتها وحريتها حبّاً متواصلاً و نابعاً من القلب، ذلك أن أي تشريع

ص: 429

متعلق بتنظيم حياة الإنسان وسلوکه داخل الجماعة؛ يكون في أصل وضعه مبنيا على غاية يريد واضعه تحقيقها في حياة المخاطبين بهذا القانون، وتلك الغاية هي المقصودة من تشريعه ووضعه في جملته وتفاصيله؛ لا فرق بين أن يكون هذا القانون قانونا وضعيا أو کان تشريعا سماويا(48).

ان تطبيق العدل باعتباره قیمة أخلاقية (حَسِن) ويمكن للشخص أن يؤديه بصورة وجدانية ذاتية بعيدا عن المصلحة المتحصلة من فعل ماهو عدل أي باعتباره واجبا عقليا ولكن هذا الواجب العقلي هو ذاته خير الانسان اذ لولا تعدد الواجبات العقلية التي يكون فعلها لذاتها حسن مع توفر الارادة لما تعرفنا على القيم الاخلاقية الموجبة لخير الاشخاص بغض النظر عن مدى فائدة هذا الخير في صلاح الفرد او المجتمع بمعنى أن الواجب العقلي هادف الى الخير بالمعنی المجرد العقلي بعيدا عن المنفعة التي يجلبها الايمان بذلك الخير على مستوى الفرد وهو بذلك يوافق الطبيعة البشرية، ومن المثير للانتباه أن هذه الافكار هي ذاتها الافكار التي نادى بها فلاسفة عصر الانوار، ومن ذلك يظهر أن هناك مواطن شبه والتقاء يحمل على الظن بأن ما بين التفكير الفلسفي في الإسلام وفلسفة العصر الحديث، وفي تشابه الأفكار والآراء ضربا من النسب والقرابة.

الا ان الحضارات الحديثة، و الحضارة الأوروبية الغربية على وجه الخصوص، التي عرف عنها أنها أخذت ما أخذت من إرث وتراث الثقافات والحضارات السابقة عليها، وبالذات الحضارة الإسلامية، قد تنكرت لكل ذلك الإرث والتراث، وأغفلته وتعمدت إغفاله، وأعطت لنفسها صفة الحضارة، وحاولت احتکار هذه الصفة لذاتها، وعرفت الحضارة على أساس أنها نقيض التوحش، في دلالة على تقريب صفة التوحش بالمجتمعات التي تقع خارج الغرب.

ص: 430

ان الهدف الاساسي للمؤسسات الاجتماعية عند امير المؤمنين علیه السلام تاسيس مبدا احترام الانسان للانسان على اختلاف الاعراق والاديان أي حماية الحريات الاساسية الخاصة فيما يتعلق بالانتماء والهوية في ظل قانون متفق عليه بين جميع افراد المجتمع وتوفير القدر المناسب والمتساوي لجميع الافراد لتحقيق فرص منصفة وصولا الى بلوغ مستوى الاستقلال الاجتماعي والاكتفاء الفردي الحر والارادي.

مفهوم الحريات الاساسية

ربما یرى بعض الدارسين ان مصطلح الحريات من المصطلحات الحديثة، لكن ذلك من التجني على الفلسفة السياسية الاسلامية بمكان، اذ تداولت هذه الفلسفات مصطلح الحرية بشكل لم نعهده في الفلسفات الحديثة اليوم، وان كان ثمة مائز للفكر السياسي الاسلامي هو ذلك التاثير في الفلسفة الاوربية الحديثة خاصة في مجال فكر الحريات، وعلى سبيل المثال فان اغلب نظريات الفيلسوف مانويل كانط في كتابه (نقد العقل المحض) جاءت كمحاولة لفهم كتاب (تهافت الفلاسفة) للغزالي، ونقد «كانط» للميتافيزيقا في القسم الثالث من كتابه والمعنون بالجدل المتعالي، فهذا النقد جاء مطابقا لما ورد في كتاب التهافت للغزالي من دون أن يتقدم عليه خطوة واحدة، وأما نظريات «كانط» عن الزمان والمكان والأحكام، کما وردت في القسم الأول من كتابه السالف الذكر، القسم المعنون بالحساسية المتعالية، فهذه النظريات تمثل خلاصة الصراع في الفكر الإسلامي بين ما يسمى بعلاء الكلام من جهة، وفلاسفة الإسلام من جهة أخرى، كما وردت كذلك عند الغزالي في كتابيه (التهافت) و(معيار العلم)، وبشأن ما تحدث به «كانط» في القسم الثاني من كتابه المذكور، القسم المعنون بالتحليل المتعالي، والمتعلق بمشكلة العلية، فإنه وإن ادعى أنه يرد على ديفيد هيوم، إلا أنه ينتقد موقف الغزالي من علاقة السبب

ص: 431

بالمسبب، باعتبار أن فلسفة هيوم، تعتمد أولا وأخيرا على تحليل المسألة السابعة عشر من التهافت، لهذا فإن نقد «كانط» ليس جديدا، إذ اعتمد فيه على نظرية الأحوال الكلامية، التي رفضها الغزالي في تهافته حفاظا على منهجه الجدلي(49).

ان التاكيد على مصطلح الحريات في الفكر الاسلامي يستدعي استحضار النماذج الواقعية لتطبيقات مفهوم الحرية في الحياة السياسية الاسلامية، وكذلك الحديث عن خلق فرص مقوّمات التعايش المستدام، بالاضافة الى تثبيت مفهوم اصالة التعددية، وواقعية، وعدالة وعقلانية التعامل معها، إضافة إلى معالجة وتصحيح النظرة إلى كل من الذات والآخر، بتأكيد وحدة الأصل الانساني في قوله: فإنهم - أي الناس - صنفان إما أخ لك في الدين أو نظیر لك في الخلق(50)، يعتبر حالة واعية للتنظيمات القانونية التي شهدها العالم حدد اطرها العامة واوضح مرتسات تفصيلاتها الامام علي علیه السلام في فترة خلافته على المسلمين، لتجسد الواقع القانوني والتشريعي للفكر الاسلامي ببعده التنظيمي، لانه علیه السلام ادرك ماستؤول اليه الامور ان استطاع الفكر الاموي تعمية الفلسفة الحقيقية للتشريعات الاسلامية، فقد بدأ معاوية بن ابي سفيان يشيع عقيدة الجبر في صفوف الامة كبديل رسمي عن نظرية الحرية والاختيار، وخطبته بجنوده في صفين(51) خير دليل على الفلسفة التي يرمي الى تثبيتها في العقل القانوني والسياسي الاسلامي، وسار على هذا النهج اتباعه من بعده.

وفي هذا العهد ايضا اشارة إلى عدم جدوى المعرفة بالانا والاخر ومن ثم خلق حالة التعاون في اطار التعدد، ما لم يعزّز بتكريس حقوق مختلف الفروق الاجتماعية، وتجنب الإضرار بها، و بتوليفاتها المختلفة يقول علیه السلام: ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً - أي تضرهم - تغتنم أكلهم - أي تهضم حقوقهم، ثم يوصّل علیه السلام

ص: 432

العفو والصفح لخلق الأرضية الخصبة للتسامح والتعايش بقوله: يفرط - أي يسبق - منهم - أي من الناس - الزّلل - وتعرض لهم العلل - أي علة الأعمال السيئة، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ - وهذا طبيعة الإنسان -، فأعطهم من عفوك وصفحك... و لاتندمن على عفو(52) - إذ العفو أحسن عاقبة من الانتقام، ولان الهدف الحفاظ على استقرار الاوضاع في ظل العدالة كقيمة اخلاقية، اذ ان هدف التشريع تحقيق تلك المقاصد(53)، ومقاصديته هنا استباب الاوضاع السياسية في مجتمع متعدد الانتماءآت العقائدية، ولا يمكن ان يتكفل غير القانون في ايجاد ذلك الاستتباب المنشود كقصد غائي للتنظيمات القانونية باختلافها.

وهذه بمجموعها تاصيلات كافية لارتسام مفهوم العدل عند السلطة السياسية أو القضائية، باعتبار ان كليهما له اسهام واضح في كينونة الحالة القانونية، فمجرد التعدد في اثنيات المجتمع الاسلامي وغيره لايوجب الجور الى جهة او مكون من مكوناته، اذ يبقى توخي العدل معيارا لاستبيان الحق وفرز الباطل مادام محكوما بقانون الأسلام وسنته، يقول علیه السلام: فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، ولعله علیه السلام اشار في خطبه اخرى الى هذا المفهوم بما يرتبط بمقومات التعايش وتحديداً بما يتعلّق بإنصاف الناس والصبر على حوائجهم ودون تمييز: أنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمّة، اذ الغاية تاسيس حقوق تحمي الحريات الاساسية(54)، فلابد ان تُراعى البعد المقاصدي في فهم النصوص القانونية وتفسيرها على اعتبار أن المقاصد لا تُبحث في الأحكام، ولكن في ثمرات الأحكام ومآلاتها الشَّرعية، وتحصيل الثمرات المرجوة منها والمتمثلة في المصلحة المأمور جلبها، والمفسدة المطلوب درؤها أو رفعها حال التوقع أو الوقوع؛ وهو أهم تشوف لدى الشارع

ص: 433

من الاهتمام بمجرد معرفة الأحكام ذاتها، او انزال العقوبة في من يخالفها(55)، يقول الشاطبي: «لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما تقصد بها أمور أخرى هي معانيها وهي المصالح التي شرعت لأجلها»(56).

ان استقامة العدل لا يحول دون كتم تخرصات المعارضة السياسية فحسب، بل تعمل على تبادل الاحترام اللائق بين المجتمع الحر والسلطة السياسية، وهو أكثر تقدماً من وجود حالة الوئام الاجتماعي، قال علیه السلام: إن أفضل قرّة عين الولاة - الموجب لفرح واطمئنان الولاة - استقامة العدل في البلاد -(57)، فيأمن كلّ إنسان للعدالة المطبّقة فلا يتعدّى بعض الرعية على الآخر فينتعش التعايش - وظهور مودّة الرعية - أي حبّهم للدولة -، وإنهم لا تظهر مودّتهم إلا بسلامة صدورهم - بسبب تكريس العدل، وهنا تاتي اجابة التساؤل الكبير الذي اطلقه رولز في كتابه (نظرية في العدالة) حول سبب اندفاع الناس الى الاهتمام بالعدالة، فليس السبب الذي اورده فريان كافيا لتبرير ذلك الاهتمام(58)، فالإمام علیه السلام لم يكتف بمجرّد إرساء أسس العدالة كقيمة اجتماعية في مجتمع حر، بل يدعو للتعامل والتعاطي على أساس الحبّ الصادق الذي يستند إلى العدالة، أي محبة العدل بذاته لا لأجل منفعة ثانية، ومن ثم حب من يعمل على وجوده، وهو من قبيل اعرف الحق تعرف اهله، وهو علیه السلام بذلك يشير بوضوح الى اعتبار العدل انصافا أي باعتباره قيمة اخلاقية اولا وبالدرجة الاساس، قبل اعتباره قيمة قانونية تهدف التنظيمات والشرائع الى توخي غاياته.

سار امير المؤمنين علیه السلام في اثبات مقاصدية التشريعات والقوانين في طريق جديد، فاتحا الباب على مصراعيه للولوج الى هذه المقاصد الشرعية، فهو يريد ان يؤسس للعدالة كقيمة مركزية في مجمل الصورة القانونية، بعيدا عن شخصنة

ص: 434

القانون او السلطة، لانه ادرك ومن البداية ان الفكر الذي ينطلق منه الامويين يحاول ترويج نظام خاص من القيم يحتل فيه السلطان موقع القيمة المركزية(59)، ومن هنا تبرر الصفة الإنسانية للعدالة حينما تخضع علاقاتها لمجموعة من المبادئ والمؤسسات القانونية من أجل تحقيق الخير، وهو ما يتطلب بالضرورة تغير وظيفة الدولة التقليدية المكلفة بالحراسة والأمن، إلى الوظيفة الجديدة المتمثلة بفكرة الدولة الحانية القائمة على تحقيق الخير لمواطنيها ولجميع البشر، بفعل انتشار أفكار المساواة والعدل التي تخطت الحدود الوطنية إلى نطاق انساني اوسع، وما يصاحب ذلك من اعتبار هذه القيم ضرورية لتحقيق السلام والأمن، انطلاقا من مبدأ السيادة بصفتها مفهوماً قانونياً، والعدل باعتباره انصافا للمجتمع، اي اعتبار العدل قيمة اخلاقية بالدرجة الاساس، لذلك أدت العلاقة بين المفاهيم القانونية والعلاقات الاجتماعية المؤثرة إلى انفصال المفاهيم القانونية عن الوقائع كي تصبح مستقلة عنها تماماً، حيث الحق في التشريع وتحقيق العدالة وغيرها من مضامين تصبح اخلاقیة بصورة ادق مما كانت عليه من قبل، فان اسمى الدوافع الاخلاقية الرغبة في فعل ماهو حق وعادل لمجرد كونه حقا وعدلا دونما حاجة الى اي توصيف آخر(60)، وذلك هو جوهر الحق في نظرية امير المؤمنين علیه السلام القانونية، والتي تعتبر الحق والعدل قيم لابد من تحقيقها بدوافع انسانية تحتمها الفطرة، ومن دون توصيفات اخرى ربما تشير الى دوافع واسباب اخرى لضرورات معينة بعيدة عن تلك المقاصد الاساسية لوجود هذه المعاني في فلسفة التشريعات، قال أمير المؤمنين علیه السلام «أَنْصِفِ اللهَ وَأنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِن خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوَى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِم»(61).

ص: 435

المطلب الثاني: روح القانون ونظرية تطابق العدل والخير عند الإمام علي علیه السلام

ينطلق امير المؤمنين علیه السلام في خطابه من خلال تاسيسه لمشروع اجتماعي عادل وایمانه بان هذا المشروع قابل للتطبيق العملي، وهذا بالذات التحول الرئيسي في الفلسفة السياسية - الاخلاقية المعاصرة التي احالت مسالة العدالة الى الاخلاق بدلا من السياسة، وهي بذلك تمثل نسخة مطورة لمقولات المازق القديم والسؤآل الاكثر الحاحا: هل العدالة جزء من الخير البشري، ووفقا لكلمات امير المؤمنين علیه السلام يصبح الجواب بالايجاب امرا بديهيا بمراجعة بعض فقرات عهده للاشتر النخعي او رسائله الاخرى الى عماله في الامصار والتي ينبه فيها الى ضرورة العدل بين الرعية بمختلف اعراقهم واديانهم فهم «اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق» وذلك بطبيعة الحال ناظر الى انصاف اخلاقي باعتبار الاشتراك في الانسانية اولا وقبل كل شي.

يشمل مصطلح التعايش جوانب متعددة ومتداخلة، فبداً من تعايش الانسان مع ذاته، الى تعايشه مع افراد آخرين من جماعته او من غيرها، مرورا بتعايش الجماعة مع الفرد العضو فيها او مع الفرد من الجماعات الأخرى، وايضا التعايش بين الجماعات الأفقية ك (المؤسسات والهيئات والنقابات) والعمودية ك (الأديان، والمذاهب والطوائف والقوميات)، والتعايش بين الأكثرية أو الأغلبية مع الأقلية أو الأقليات من جهة اخرى.

فالحاجة إلى التعايش ضرورة أينما وجدت علاقة بين افراد المجتمع، وهي مسؤولية مشتركة اطراف ذلك المجتمع، وعملية التعايش تبدأ من قيم الانسان التي يؤمن بها وصولا الى طبيعة تقييم الفرد لذاته، ومدى امكانيته في إقرار حالة التعايش مع ذاته اولا، فالتعايش يبدأ من دائرة الذات ويمتد ليؤثر، ويتأثر بجميع

ص: 436

الحالات المختلفة، فالأصل الانساني واحد، والجميع مكرمون، والاختلاف والتنوّع والتعدّد في اللغات والألوان من آياته ومعجزاته للعالم، ومدار ادراك هذا الواقع هو التجربة الانسانية في الحكم عبر التاريخ، ولعل هذا الاتجاه يمكن التماسه في كلمات امير المؤمنين علیه السلام قال: اعلم يا مالك، إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم(62)، وبالرغم من اعتقاد البعض ان اخضاع اعلى سلطة سياسية الى حدود قوة القانون لا يعدو الا ان يكون فكرة نظرية سياسية معيارية(63)، ومن ثم استتباع هذا الاعتقاد عدم تبنيها لمفاهيم حقوق الانسان والتعايش المجتمعي اسقاطا على تجربة الكنيسة الكاثوليكية التي رفضت الاقرار بحقوق الانسان والمواطن اذ لم تعتمد اولا على الاقرار بحقوق الله(64)، أي انها تخضع لمجموعة من الشروط والمحددات العرفية المختلفة باختلاف المجتمعات، الا ان هذه الفكرة كانت في صلب وظيفة الحاكم بمثالية مفرطة في طبيعة حركته عند علي بن ابي طالب علیه السلام، في تجسيد واقعي للافكار السياسية بصيغتها المثلى.

فإذا كانت التعددية والاختلاف في الظواهر والتجليات من آياته سبحانه وتعالى، وهي الأصل في الحياة؛ فما هو الاسلوب الامثل للتعامل بين تلك المكونات التعددية في ضوء التطابق المفترض بين العدل والخير، ومدى امكانية تحقيق ذلك، ولان مفهوم الخير عادة ما يمهد للتفاهم، والتقارب، والتعاون، وكل ذلك مقدمات في غاية الاهمية وصولا الى حالة التعايش، كما في قوله تعالى: وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وفي الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: خير الناس من ينفع الناس، وكل هذه الاشارات تؤكد

ص: 437

على ان مفهوم التعددية هو الأصل، وهو بالإضافة لكونه مجالا لظهور حالات الابداع في المجتمع كذلك هو مجال لإختبار قدرة الفرد على الاندماج في المجتمع، وقدرته ايضا على التنافس الخلاق لتحقيق ذلك المبدا.

مقاصدية الاخلاق عند الامام علي علیه السلام

تصور امير المؤمنين علیه السلام للعدالة اخلاقي بالدرجة الاساس ويعتمد على معايير اخلاقية وتطبيقاتها العملية ويمكن فهم صيغ الاستقرار الاجتماعي التي يهدف خطابه علیه السلام لا يجادها من خلال المفهوم الاخلاقي للعدالة الذي يقدم رعوية السلطة وتبنيها لمجمل الفعاليات الاجتماعية على القسر السياسي - القانوني لتطبيقات مفهوم العدالة وهو بذلك يقدم الاعتبارات الاخلاقية بصورة مستقلة لمعالجة الظلم الاجتماعي، التوزيع العادل للثروة، التنافس الطبقي، الانتماء الايدلوجي، حرية التعبير، حرية الدين، المعارضة السياسية، هذه الفلسفة اثارت انتباه فلاسفة عصر التنوير الاوربي، يقول الدكتور مصطفى عبد الرزاق: «فإن الناظر فيما بذل الغربيون من جهود في دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخها، لا يسعه إلا الإعجاب بصبرهم ونشاطهم، وسعة إطلاعهم، وحسن طريقتهم»(65).

يقوم الإسلام النظرة إلى الذات ويجعلها في ميزان خاص خاضع لا بجديات مقاصده أولاً، ويصحح النظرة الى الآخر باعتبار عدم ظهور الانا (السالبة) في صحيفة القيم الاخلاقية الداعية الى الايثار والتماهي في الاخر ثانياً، ويمهد الى حالة الوعي بضرورة التعددية في أي مجتمع ثالثاً، ومن ثم يساعد على ايجاد متطلّبات حالة التعايش رابعاً، فنكون امام اطوار مصححة لحالت التحجيم والتضخيم التي تنتاب النفس الانسانية سواءً في النظرة إلى الذات أو إلى الأخر، من خلال تأصيل وحدة الأصل الانساني، قال امير المؤمنين علیه السلام: الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير

ص: 438

لك في الخلق(66)، وهنا يحق لنا التساؤل: أليس ذلك قمة التسامح المنشود لدعم وترسيخ التعايش، ومن ثم حصول التطابق بين دواعي الخير، ومبادى العدالة التي يهدف القانون الى حصولها واقعا معاشا بدل وجودها كفكرة خاضعة للمعايير الاجتماعية المختلفة؟، ولعل هذا الجانب من النظرية القانونية لامير المؤمنين علیه السلام يكشف عنه النقاب بالصورة التي يكون فيها مساهما في بلورة مفاهيم سياسية تشبع فلسفة التعددية باطارها القانوني الا في العصور المتاخرة التي تلت حصول نظرياته السياسية - القانونية في الواقع الخارجي، وهو مايعبر عنه رولز بعبارة يراها مكافئة عن مدى: قدرة عقائد معقولة متناقضة بعمق على التعايش والاجماع على صواب التصور السياسي لاي نظام قانوني(67)، وهو فهم يقترب كثيرا من اعتقادنا اليوم بامكانية تحقق مشروعية سياسية في مجتمعات تعددية من خلال شروط قانونية لازمة للسلطة السياسية من خلال مبرر اخلاقي لفرض تلك القوانين ياتي في مقدمتها اعتبار العدالة كانصاف او تحقيق العدالة باعتبارها قيمة اخلاقية تلتزم بها السلطة السياسية بذلك الاعتبار وليس باعتبار الزامها القانوني الصرف.

وقد جسد جون رولز كل ذلك من خلال تبنيه لمبدا التعاقد الدستوري بين الحاكم والرعية بحيث يكون كل فرد متاثر يحاكم بكفاءة اعتمادا على الراي القائل بان رؤية المرء للقانون منسجا على نحو مقبول مع اسباب منطبقه عليه ومن منطلق مصالحه(68)، فلا يمكن بعد ذلك ان يكون التطابق الا في اطار الخير والعدالة لهما وجه واحد يعبر عنه القانون الذي يضعه في حيز التطبيق مجموعة محترمة من القضاة، ومن هنا جاء تاكيد امير المؤمنين علیه السلام في عهده على اختيار دقيق للقضاة لانهم الوسيلة الاولى لتحقيق مصالح الافراد الخاضعين بالارادة للقانون، قال علیه السلام: ثم لا قوام لهم(69) الا بالقضاة والعمال والكتاب، لما يحكمون

ص: 439

من المعاقد [العقود] ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها(70)، وقوله علیه السلام، يجمعون من المنافع، هو ما قصده ميتشلمان الانسجام على نحو مقبول مع اسباب انطباق الخضوع للقانون مع المصالح الفردية.

خطاب الاستقرار عند امير المؤمنين علیه السلام

هاجس الاستقرار الاجتماعي احد الركائز الاساسية للخطاب السياسي - الاخلاقي عنده علیه السلام وهو احد الملامح العامة لوجهات النظر القائلة بالعقد الاجتماعي (النظرية الاكثر شيوعا في فلسفة الانوار) فهو يرى ان تحقيق العدالة بين الرعية لابد وان يكون عبر وجود مؤسسات سياسية - قانونية، يقودها افراد متساوون في في القيمة الاخلاقية والاجتماعية وبذلك فانه ينظر الى العدالة بوصفها معايير اخلاقية حاكمة على عمل المؤسسات الهادفة الى بلوغ حالة الاستقرار الاجتماعي في ظل جو من التعاون السلمي والمنتج ومن ثم امكان الوصول الى حالة انعدام القسر السياسي لتحقيق العدالة.

أعلن الإسلام المساواة بين الناس في القيمة الإنسانية المشتركة وفي الحقوق المدنية وشؤون المسؤولية والجزاء والحقوق العامة عندما أعلن أن: «الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»(71) ووضع اساسا للتفاضل بينهم فجعل المعيار مقدار التقوى فقال: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(72)، وساوى الإسلام في الحقوق المدنية بين الرجل والمرآة واعترف لها بإنسانيتها كاملة، ومنحها الأهلية الكاملة في جميع تصرفاتها فالنساء شقائق الرجال، كما ساوي الإسلام بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع فقرر أن لغير المسلمين لهم ما للمسلمين من حقوق وتطبق عليهم القوانين نفسها التي تطبق على المسلمين، كما وكفل الحريات في العقيدة اذ «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»(73)، وكما كفل حرية التعبير، فقال: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ

ص: 440

بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(74)، والحرية الفكرية هي التي كانت أساس ظهور المذاهب الفكرية المتعددة، وضمن الحرية المدنية، ويراد بها أن تكون للإنسان حرية التصرف في أموره الشخصية والمالية، كما ولم يمنع الحرية السياسية، وحق الأمة في اختیار انسب الاشخاص لتسيير امورها الحيوية.

هذه الافكار تجسدت وبوضوح في النزعة الانسانية التي اتسمت بها كلمات امير المؤمنين علیه السلام، سواء ما كان منها في التوجيهات والوصايا الاخلاقية، او تلك التي تشير الى الجانب القانوني والتي تهدف من وراءها الى بيان حكم او اثبات حقيقة ما، فالجانب الانساني هو القيمة العليا في تنظيم شؤون المجتمع، وهو بذلك يخلق مرتسمات صفة الراعي التي وصفها رسول الانسانية صلی الله علیه وآله وسلم في حديثه المشهور (كلكم راع...) خاصة وإنه يمثل اعلى سلطة تشريعية، تعنى بسن القوانين والانظمة لمختلف التنظيمات والمظاهر الاجتماعية، ومن هنا كان الربط عنده علیه السلام بين العدل والخير متلازم بما يحقق وحدة الانتظام في خط التكامل سواء على صعيد الفرد او المجتمع.

في منظور أمير المؤمنين علیه السلام فإنّ دائرة العدل أوسع مما أوردها الفقهاء أثناء معالجاتهم القضائية، فتحقيق العدل عنده علیه السلام هي الركن القانوني في نظام العلاقات الاجتماعية فالمسلم مسؤول عن تطبيقاته الحياتية او تجلياته كمفهوم اجتماعي، فيجب على الإنسان المسلم أن يُؤدّي دوره في تحقيق مرتسماته العامة التي یاطرها القانون، ونتيجة لهذه العلاقة المتبادلة يقوم نظام العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، والتي ياتي في مقدمتها نظامي الحقوق والواجبات، التي تحكم الأفراد كونهم يعيشون في الوسط الاجتماعي، أمّا حقّ الله فهو الدائرة الواسعة التي تشمل حقّ المجتمع، فهو غير منفصل عن حقوق الناس، بل هو تبعٌ لحقوق الناس،

ص: 441

وليس العكس. تأمَّل ما يقوله أمير المؤمنين علیه السلام: «جعل الله سبحانه حقوق عباده مُقدِّمة لحقوقه»(75)، وهو ربط واضح لفكرة انسياق حق الفرد في سلسلة نهايتها حق الله تعالى المتعالي عن أي منفعة.

ان مصدر حقوق الانسان والمواطن عند امير المؤمنين علیه السلام ليس في ارادة كل فرد بل في ارادة المجتمع المتحرك في اطار الشريعة الضامنة لحق كل فرد، فمفهوم الانسان في الشريعة هو الكيان المتفاعل لتحقيق المصلحة العامة التي تعتبر تحقیق مصلحة الفرد في طول تحقيقها بما في ذلك حريته في حياته الخاصة كما في اختياره الایمان بدین من الاديان، فالانسان حر في كل مايختاره مادام الاختيار لا يمس حياة المجتمع الذي يعيش ويتحرك في اطاره، هذه العلاقة بين الانسان او الفرد والدولة اشبه ما تكون بالتعاقد، يتم من خلال هذه العلاقة العيش بالحرية الشخصية في اطار جامع يحترم حرية المجتمع بافراده، وهو ماتمت تجربته في العقل الاسلامي خلال حکم امير المؤمنين علیه السلام وليس حكرا على العقل الاوربي بعد عصر الانوار کما یری ارکون(76)، وهو واضح في مجمل خطابه علیه السلام الاخلاقي - السياسي وبصورة خاصة في عهده لمالك الاشتر الذي يشدد فيه على جانب الحريات الشخصية قال: واعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً، ...، ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن فیکون الأجر لمن سنها. والوزر عليك بما نقضت منها(77)، وفي ذلك اشارة الى ضرورة اعطاء الحرية للافراد المجتمع وعدم اکراههم على شي ليس لهم به قبل، والمحافظة على العادات والتقاليد المالوفة لديهم.

ص: 442

المبحث الثاني: العدالة كإنصاف

بعد نهاية الحرب الكونية الثانية بدأت الديمقراطيات الأوربية بمراجعة منظومات الفلسفة السياسية والاجتماعية التي انطلقت منها في التاسيس للنموذج الليبرالي الديمقراطي، والتي اتكأت على مبادئ وصيغ معدلة من نظرية العقد الاجتماعي لروسو وغيره من فلاسفة عصر الانوار، الذين اطلعوا على فلسفة التشريع لدى الامم الاخرى من خلال تبنيهم للقطيعة مع التراث الكنسي، ويبدو لنا اليوم ان ان جاك روسو ومن في طبقته من فلاسفة الانوار اطلعوا على فلسفة وآراء الامام علي علیه السلام سواء في القانون او السياسة، فلا يستغرب الباحث بعد ذلك أن يسمع روسو يقول: ما وجدت في التاريخ ما يستحق كلمة استاذ بتمام مفهومها سوى رجل واحد هو علي بن ابي طالب.

وقد كان النزاع الفلسفي محتدما حول التوافق المفترض بين الليبرالية كفلسفة سياسية وما يستتبعها من نظم اجتماعية، و مبادئ العدالة ومفاهيم الحرية والمساواة وتمظهراتها القانونية، ومن خلال الصياغات المقترحة لهذا التوافق كان التركيز يتصاعدعلى اعتبار العدالة مبدأ اخلاقي قبل ان یکون مبدأ تشريعي تهدف القوانين الى تحقيقه في الواقع العملي، وفي ذلك احالة إلى أن فلاسفة الانوار قد استعملوا مبادئ الاسلام كوسيلة النقد الكنيسة(78)، اذ تعتبر هذه المنظومة التي تحدث من خلالها فلاسفة عصر الانوار تواصلا مع المبادئ العامة لحقوق الانسان في الاسلام في الوقت الذي اعتبرت قطيعة ابستمولوجيه مع فلسفة القرون الوسطى.

ص: 443

وبهذا الاعتبار الوجداني، اقترح جون رولز نظريته في العدالة التي ركز البحث فيها بكتابه (نظرية في العدالة) حيث اعتبر تحقيق العدالة كأنصاف رؤية سياسية هادفة الى احلال القيم والاخلاق کمحور ارتکازي للقوانين والتشريعات ذات العلاقة بتحقيق هذا المبدأ، وافترض ايضا ان نظريته قابلة للتحقيق في المجتمعات الليبرالية ذات التقاليد الديمقراطية وان كانت رؤيته تلك لاتخلو من البعد الطوباوي، المختلف نوعيا عن عقل الانوار، اذ لايخلو الفكر الغربي من محاولات نقدية لمبادئ عقل الانوار ومقدماته ومواقفه المعرفية.

نظرية رولز في العدالة تلقي الضوء بشدة على التراث القيم والأخلاقي المُؤطر للمنظومات القانونية في التراث القانوني - السياسي الإسلامي، حيث تعتبر عوده الى تلك المُثل اتي تدعوا اليها الاديان السماوية، ومن هذا المبدا اتهم خصوم رولز هذه النظرية بالميتافيزيقا معتبرين انها غير قابل التحقق في المجتمع الليبرالي، ولذلك نجده (رولز) يشدد على (التطابق بين الخير والحق) في استذکار قسري لنظرية (كانط) في التطابق، ولا يعدم التاريخ السياسي - القانوني نموذج آخر سبق عهد الانوار وفلاسفته، تعامل مع هذا المبدأ من منطلق القيمة الاخلاقية - واعتبار تحققه انصافا للناس من السلطة او الحاكم، قبل أن ينظر اليه باعتباره مبدا قانوني يتحقق بمجموعة من القوانين والتنظیمات - تمت صياغة مبادئه في العهد المشهور لامير المؤمنين علیه السلام لوالي مصر الأشتر النخعي، وفي هذا المبحث سنركز على بيان اهداف رولز المتمثلة في اظهاران مجتمعا حسن التنظیم قائم على اساس العدالة كانصاف ممکن واقعيا، ومن خلال مطلبين احدهما يتناول مفهوم العدالة کانصاف عند رولز، والثاني الجذور الفلسفية لنظرية رولز في العدالة. والذي يتمظهر في كتابات ورؤى الفيلسوف جون رولز (1920 م)(79).

ص: 444

ولا غرابة في ذلك الاتكاء من رولز على مفاهيم العهد المشهور لامير المؤمنين علیه السلام ففكرة السببية لدى الغزالي هي نفسها لدى ديفيد هيوم، ومذهب الذرات الروحية لدى ليبنتز له ما يماثله في مذهب الجوهر الفرد لدى فلاسفة المسلمين ومتكلميهم، وهناك صلة وثيقة بين اسبينوزا والفكر الإسلامي عن طريق الترجمات اللاتينية، وعن طريق موسی بن میمون، ولدى ابن عربي أفكار لهاما يماثلها لدى اسبينوزا، ولابن سينا أفكار لها ما يماثلها لدی دیکارت وغيره، ولا نعدم أن نجد صلة بين ميتافيزيقا الغزالي وكانط(80)، وهذه كلها مجرد أمثلة وليس حصرا للمجالات التي يمكن البحث فيها عن صلات بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة.

ومن خلال هذا المبحث ستتضح ملامح نظرية رولز في كتابه (نظرية في العدالة)(81) التي اجتهد فيها بحل مشكلة العدالة في (التوزیع): التوزيع العادل للحقوق، وكذلك حل مشكلة (التحرر): التحرر من قيود التبعية للسلطة او منظومة القيم ذاتها، باستخدام نسخة معدلة من نظرية العقد الاجتماعي، عرفت ب (العدالة كونها انصافا) والتي اشتق منها رولز مبدايه في العدالة: مبدا التحرر ومبدا الفرق، وهو بذلك يشاكس منهجيا القطيعة الإبستمولوجية لنظرية العقد الاجتماعي - لان عقل الانوار انفصل عن العقل الديني انفصالا جذريا(83) - من خلال احالته العدالة الى الاخلاق.

المطلب الاول: مفهوم العدالة كانصاف في كتاب (نظرية في العدالة) لجون رولز

يكافح رولز في كتابه (نظرية في العدالة) من اجل التوفيق الجوهري بين التحرر والعدالة، سائرا في ذات الطريق الذي يوافق فيه جان جاك روسو(83) بين الحرية والعدل، لاعتبار بسيط ومبدئي مهيمن على قراءة فكرة العدالة عند رولز

ص: 445

يؤكد كونها امتداد لنظرية العقد الاجتماعي ذائعة الصيت، بالرغم من الفوارق الواضحة بين تصورات رولز لذات المسالة في الاطر الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، من قيبل تصوراته ل المركز القانوني للافراد والمستوى الاجتماعي الطبقي لهم والتوجه السياسي والثقافة المكتسبة والموروث الديني والخلفية الايدلوجية والمستوى التعليمي واختلاف الموقف بالنسبة الى النظرية ذاتها باعتبار اختلاف الظروف الموضوعية وتفضيلات الافراد بین زماني روسو ورولز... وغيرها من العوامل التي تحدد طبيعة تحقيق العدالة بين الافراد (ولا اجد مايشير الى اعتبار العدالة كانصاف مفهوما سياسيا للعدالة فقط، في الوقت الذي يرفض فيه رولز مثل هذه الاحالات في معرض دفاعه عن النظرية قبالة انصار النفعية(84)، بالاضافة الى انها تعد في مقدمة النظريات التي ساعدت على اعادة تاويل النظرية الاخلاقية الكانطية)(85) واشارات هذا الاتجاه من التفضيلات لطبقات المجتمع واضحة في مجمل الخطاب القانوني - الاخلاقي لامير المؤمنين علیه السلام في عهده المشهور للاشتر النخعي قال: «اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنی ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة»(86)، هذه الطبقات الاجتماعية لها تمایز ضروري في مجمل کینونة العدالة واقعا اجتماعيا يقدم اساسا اكثر يقينية ومقبولية للمبادی والحقوق والحريات الاساسية، يقول رولز: «اذا كنا نتطلع لايجاد توافق عمومي (بين طبقات المجتمع)، يقول جون رولز: علينا ان نقوم بتنظيم افكار ومبادئ معروفة جيدا بكيفية جديدة بهدف تشکیل تصور للعدالة»(87)، وهو ما دعى اليه امیر المؤمنين علیه السلام ايجاده في التنظيمات الطبقية الواردة في عهده القانوني المشهور.

ص: 446

خطاب تطابق العدل والخير عند جون رولز

انطلق رولز مؤسسا بتجريدية مبتكرة فكرة أن في المجتمع حسن التنظيم قائم على اساس العدالة كأنصاف ممكن واقعيا، وهو بذلك يعود الى ذات الجذور التي انطلق منها كانط في تاسيسه لذات المبدأ، فتجدد الحديث عن التطابق بين العدالة وخير البشر، تلك النظرية التي درسها كانط في اغلب كتبه والتي حاول فيها فك عری ارتباط العدالة عن الاخلاق وازاحتها الى السياسة، الا انه شعر بمرارة المازق الذي وقع فيه عندما اخفق في انجاح تلك الازاحة، لنشهد فصول احالته العدالة الى الدين (الاخلاق) في نهاية المطاف، مقررا ان العدالة تتطابق مع خير البشر، ولعل مأزق كانط هذا هو الذي قاد رولز الى الليبرالية السياسية، غير انه رجع وتنازل عن رايه حينما قرر بان العدالة وفي ظل ظروف اجتماعية معينة ممكن ان تكون جزء من خير البشر (اي كونها مبدا اخلاقي) في حالة وجود مشروع اجتماعي قابل للتطبيق العملي.

وبالرغم من كون نظرية رولز في العدالة جاءت کردة فعل على مجموعة الاحداث التي شهدها العالم خاصة ما يتعلق منها بانتهاء القطبية التي حكمت العالم عقود طويلة وتراكمات الهواجس السلبية للمجتمع الاوربي التي تركتها الحرب الكونية الثانية، والتي كانت بمثابة اشعار يعبر عن تجذر ازمة المثل ومنها تصور نموذج للعدالة في الوجدان البشري بصفة عامة والغربي بوجه الخصوص، الا ان نظرية رولز في العدالة تعتبر بمثابة حفريات (ارکولوجيا) في عمق الوعي الاخلاقي الانساني، وليس فقط في اساسيات عصر التنوير وفلسفتها التي نهضت على يد جان جاك روسو وایمانويل كانط وتوماس هوبز(88) (الذي ساهم بشكل كبير في بلورة كثير من الأطروحات التي تميز بها القرن السابع عشر على المستوى

ص: 447

السياسي والحقوقي، کما عرف بمساهمته في التأسيس لكثير من المفاهيم التي لعبت دورا كبيرا ليس فقط على مستوى النظرية السياسية بل كذلك على مستوى الفعل والتطبيق في كثير من البلدان وعلى رأسها مفهوم العقد الاجتماعي، كذلك يعتبر هوبز من الفلاسفة الذين وظفوا مفهوم الحق الطبيعي في تفسيرهم لكثير من القضايا المطروحة في عصرهم).

خطاب الاستقرار عند جون رولز

يقصد رولز بخطاب الاستقرار کون العدالة كانصاف ممكنة في ظل مجتمع مؤمن بمشروع اجتماعي عادل ويسعى في تطبيقه وهو بذلك يتوافق مع هوبز الذي يرى بان الاستقرار هو الموضوع الأول بالنسبة الى اي تصور للعدالة السياسية فالمجتمع العادل عنده لابد وان يكون مستقرا، فهو يرى العدالة متمثلة بقبول وتطبيق الناس المتبادل لجملة المعايير والمؤسسات الازمة لتحقيق تتعاون اجتماعي قائم لى السلم الهادف إلى بلوغ حالة الاستقرار في ظل مساومة أو تبادل منفعة بين جملة المصالح المتضاربة.

من الواضح تاثر رولز بنظرية العقد الاجتماعي وقد ظهر هذا التأثر في مجمل خطابه السياسي - الاخلاقي، لكن مفهوم الاستقرار لديه يختلف نوعا ما عن مؤسسي النظرية ف(لوك وروسو وكانط) يرون الاستقرار رؤية مغايرة يكون فيها للاخلاق السهم الاوفي فالاخلاق هي الموضوع الاول للعدالة السياسية ومن ثم ياتي طرح حالة الاستقرار للنظام الاجتماعي، لا لشي الا من اجل اختبار مدى ادراك المجتمع للعدالة وفق معالم هذا التصور(89).

وجدت نظرية العدالة كانصاف جذورها في فلسفات اخلاقية لاتنتمي الى الفلسفات اليونانية بالضرورة - والتي يُرجع بعض الباحثين اهمية فلسفة عصر

ص: 448

الانوار الاوربي اليها - بل في اخلاقيات السياسة الاسلامية، ونظريات التشريع ومقاصديته الاجتماعية، التي طورت الفكر الديني والفلسفي المسيحي من الأجواء الاسطورية إلى عالم العلم والفلسفة العقلانية الجديدة(90)، ونتيجة لهذا الشعور بالانتماء الى المنظومة الاخلاقية الاسلامية ببعدها الانساني والقانوني، واقتراب مرتسمات نظرية العدالة عند جون رولز من بعض مقاصدیات نظرية العدالة في التراث الاسلامي، كان الإهتمام بها كبيرا من قبل مختلف الباحثين في العالم العربي، فتناولها في كتاباتهم بتعدد انتماءآت الطيف الفكري، نظير طائفة من الكتاب مثل: محمد الهاشمي ونوفل الحاج لطيف ومراد دیاني ومنير لكشو... وغيرهم، غير ان هذا الاهتمام بالنظرية الرولزية لايعبر بالضرورة عن تایید بمعناه الدقيق لها بقدر تعبيره عن محاولات لفهمها وتفكيك مرتكزاتها وتطويرها ونقدها من دون الانتقاص منها من جهة القيمة العلمية، ومن ثم الاشارة الى وجودها المسبق في التراث الاخلاقي والقانوني الإسلامي، واشارته اليها في منظومته السياسية والقانونية، قبل عصر الانوار الاوربي بقرون، ولا ادل على وجدان هذا الاتجاه القانوني - الاخلاقي واصالته في المنظومة السياسية الاسلامية من العهد المشهور الامير المؤمنين علیه السلام لعامله الاشتر النخعي.

ذلك الخطاب الذي لم يزل معتمدا على التوافق بين العدل والخير في ظل اوضاع متساوية، تتكفله مؤسسات اجتماعية راعية تعالج اسباب الظلم في النظام الاجتماعي ومن ثم تبلور مفهومها الخاص للاستقرار حسب طبيعة كل مجتمع ومنظومته القيمية بكل زخمها الحضاري، في ظل تنامي الاحساس بضغط التراث القيمي في بلورة مفهوم الاستقرار الاجتماعي، ولعل هذا الاتجاه في احترام المنظة مات القيمية للمجتمع جعلها في صلب البنية الأساسية القانونية وفلسفتها

ص: 449

الاخلاقية المهيمنة والتي اشار اليها امير المؤمنين علیه السلام في قوله: «ولا تنقض سنة صالحة..، اجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن»(91)، هو ذاته مايشير اليه رولز عندما: «ناشد قناعات اخلاقية معينة يزعم انها كامنة في عمق احساسنا بالعدالة»(92).

خطاب الواجب عند رولز

يقول رولز بنظرية أن فعل العدل لدى الانسان هو كونه واجبا، فهویری ان المبادی الاخلاقية بوصفها احدی حقائق البشر «تشغل ضمائرنا»(93)، وان الاحساس بالعدالة موجود بين «غاياتنا النهائية»(94)، اننا نستطيع ان نتصرف لا مسايرة لاحساسنا بالعدالة وحسب، بل والانطلاق منها ايضا(95)، وهو بذلك يرى بان الاحساس بالعدالة متوافق مع الطبيعة البشرية او من خير البشر.

مبادى العدالة عند رولز تتمثل في (الحريات الأساسية المتساوية، المساواة في توزيع الفرص، مبدأ الفرق، واجب الفرد دعم المؤسسات الاجتماعية) كل ذلك يعتبره رولز التصور الصحيح للمبادئ العامة التي تحدد البنية القانونية الاساسية لاي مجتمع، وهو بذلك يقدم للمؤسسات الاجتماعية المؤسسة لحقوق دستورية تحمي الحريات الاساسية والقوانين تضمن المساواة المنصفة في الفرص ولديمقراطية قائمة على حيازة الملكية توفر حدودا اجتماعية دنيا تمكن الافراد من ممارسة الحقوق الأساسية وبلوغ مستوى الاستقلال الفردي.

وهنا نری رولز مقتنعا بان (الافراد في اي مجتمع حسن التنظیم قائم على اساس العدالة كانصاف سيصبحون على نحو طبیعي متوفرين على نزوع مستقر إلى دعم المؤسسات التي تفيدهم) مؤكدا: ان الاحساس بالعدالة متواصل مع عواطفنا الطبيعية وهو جزء طبيعي من حياة البشر(93)، وهذا الاحساس سوف

ص: 450

يكون جزء من خير اي شخص وذلك هو خطاب التطابق عند رولز.

المطلب الثاني: الجذور الفلسفية لنظرية العدالة كانصاف

في البدء لابد ان نذكر اهمية نظرية العدالة الرولزية التي اكتسبت هذا القدر من الاهتمام نتيجة كونها بديل مرحلي - فرضته ضرورات اجتماعية واقتصادية - عن النظرية النفعية لديفيد هيوم(97) و آدم سميث(98)، والتي كانت مهيمنة على الفكر السياسي والاقتصادي الاوربي، يقول رولز في هذا المضمون: «ان نظرية العدالة كانصاف هي تصور ممنهج ومعقول بشكل كافي ومؤهل لان يقدم بديلا عن النفعية التي هيمنت في اطار تقليد فلسفتنا السياسية(99)، فالنفعية تؤكد استناد التمييز الاجتماعي على معيار الرفاهية او المنفعة المترتبة علیه وهي في الغالب الاعم لاتهتم بالعدالة الا اذا كانت في مصلحة طائفة خاصة من المجتمع، فهي اذن تضحي بحقوق الاقليات، وهذا التحول الفلسفي لرولز والذي تظهر فيه القطيعة مع افكار فلاسفة عصر النهضة وتثره الشديد بالجانب الاخلاقي لنظرية العدالة مايؤكد استشرافه تلك المبادئ من الفلسفة الحقوقية لامير المؤمنين علیه السلام في عهده اذ قال: «وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، ...، من أهل الخاصة»(100) يقصد بذلك اصحاب المنافع والمغانم، يقول رولز في هذا المنحى: «ان المنفعية لاتاخذ بعين الاعتبار الطريقة التي يتم بها توزيع المجموع الاجمالي للاشباعات بين الافراد»(101) فالنفعية من اهل الخاصة - حسب تعبير امير الموحدين علیه السلام - لاتابه بالحريات والحقوق الاساسية للافراد بل هي تضحي بها في سبيل تحقيق اكبر قدر من النجاعة الاقتصادية، بالرغم من ان: «عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء (العامة من الأمة)»(102) فالنفعية يهمها في المقام الاول تجميع المنافع وحسابها وتاويجها وهو

ص: 451

مايتعارض كليا مع المبادئ الاساسية للنظرية الرولزية (مبدأ الفارق الخاص) القائمة على ضرورة تمتع كل الافراد بحرياتهم الاساسية على قدم المساواة، وبذلك فهي تمنع فضيلة المؤسسات الاجتماعية(103)، ذات العلاقة والشان العام، والتي القضاء بل مجمل المنظومة القانونية من اهم عناصرها، وفي هذا السياق ياتي الدور المتقدم الذي وضعه امير المؤمنين علیه السلام لهذه المؤسسة الاجتماعية الفاعلة والرئيسية خاصة في اختيار من يتمكن من اقامة العدل بين مختلف الطبقات الاجتماعية قال في عهده للنخعي: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ...، ولا تشرف نفسه على طمع، ...، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك»(104)، كل ذلك من اجل ان تاخذ هذه المؤسسة الاجتماعية الهامة دورها في تمتع جميع افراد المجتمع بالمقدار ذاته من الحريات، وهو ما يمكن ملاحظته في كلمات رولز التي يؤكد فيها الهدف الرئيسي لنظريته باعتباره هدفا عمليا بالدرجة الاولى يتمثل في تاسيس توافق سياسي واعي وطوعي بين مواطنين احرار وانداد.

بنية الخطاب السياسي عند رولز

بنية الخطاب السياسي عند رولز تنتمي الى اراء كانط الذي دمج في تصوراته للعدالة القانونية بين الاخلاق والسياسة، فهو يرى ان الوصول الى دستور عادل (البنية القانونية الأساسية) هي كبرى مشكلات الجنس البشري وحل هذه المشكلة

ص: 452

يكون عبر (التصور الصحيح لدستور عادل مضافا الى معرفة التجربة البشرية في هذا المجال ومن ثم ارادة خيرة على استعداد لقبول هذا الدستور) فالتصور والتجربة البشرية وارادة الخير قادت رولز الى القول (بضرورة التوافق المعقول بين الاشخاص الاحرار والعقلانيين في ظل اوضاع متساوية) واستدرار القناعات الاخلاقية الكامنة في عمق الاحساس بالعدالة عند الافراد، سوف تبلور التصور الانسب للعدالة الدستورية وهو بذلك احال المسالة مرة اخرى الى الاخلاق في الوقت الذي يشد على التوافق السياسي النظري.

الامر المركزي في هذه المحاولة هو استفادة رولز من الهام ديفيد هيوم، خاصة فيما يتعلق بعدم الثقة بالتامل الفلسفي(105) في تحقيق العدالة، فهو يعتقد متاثرا بروسو: ان الحرية هي امكانية الفرد دون اي جبر او شرط او ضغط خارجي على اتخاذ قرار او تحديد هدف معين، وهو بذلك يوافق كانط ايضا الذي يرى ان الحرية خروج الانسان من سباته العقلي الذي وضع نفسه بنفسه فيه عن طريق استخدام العقل(106)، مع لحاظ ان علم الانثربولوجيا استطاع الاهتمام بالتراث الفلسفي في اطاره التقليدي بالرغم من وجود هذا التراث بعدة مستويات او طبقات متراتبة فوق بعضها البعض والذي تندرج فيه بعض التقاليد والعقائد القديمة(107)، الامر الذي تمكن رولز من خلاله تاييد فكرة اننا نفعل ماهو صواب وعادل لانه صواب وعادل (المبادئ الاخلاقية تشغل ضمائرنا)(108)، في ذات الوقت الذي ايد فكرة ان الناس يستطيعون طبيعيا ان يؤدوا واجباتهم من منطلق الاحساس بالواجب أو كرامة لعين العدالة (الاحساس بالعدالة موجود بين غاياتنا النهائية)(109)، مسلطا الضوء على وجوب قيام العدالة بتعزيز خير الانسان(110)، ويترتب على ماتقدم التاكيد على ان المؤسسات وسائر الانشطة الاجتماعية لا يمكننا فهمها الا اذا بحثنا

ص: 453

فيما وراء اشكالها عن الفعالیة التي تولدها، «فالبنى الجماعية لاتظهر ككليات ذات دلالة ذاتية بل مجرد شروط خارجية وموضوعية لفاعلية الاشخاص الذين يضفون دلالة ما على هذه الانشطة وذلك في ضوء التوجه الذاتي للفاعل»(111)، ان خيرا فخير وان شرا فشر، لذلك شدد امير المؤمنين علیه السلام على اختيار ذوي الكفاءة ومن ينطلق من واعز الخير باعتباره مرتكزا اخلاقيا قال في عهده للاشتر: «إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، فلا يكونن لك بطانة»، فاكد على جانب الكفاءة من خلال تقلده الوزراة سابقا، وفي ذات الوقت اشار الى جانب الخير والشر في ارادة الفعل وادارة المؤسسة، فبين ان المؤسسة الاجتماعية او ذات الشان العام لابد ان يتم اختيار خبرائها من ذوي الكفاءة والفضيلة من ينطلقون في افعالهم من ارادة الخير، فاشار لضرورة استبدال هؤلاء بمن هم «خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل أصارهم وأوزارهم» يتقلدون ذات الشان العام، «ثم لكن آثر هم عندك أقولهم بمر الحق لك، ...، والصقْ بأهل الورع والصدق...»(112)، لانهم الاقدر على ايجاد مجتمع حسن التنظيم مع الاخذ بنظر الاعتبار تصور كل شخص لمفهوم الخير، وهو مانجده في صلب اعتقادات رولز في العدالة الاجتماعية(113)، وفي ذلك يختلف رولز كليا مع فلاسفة آخرين في علم الاخلاق الذين يرون ان السياق والجماعة يخترقان محاكماتنا الاخلاقية بعمق شديد، اي ان النمط الاجتماعي والعقل العمومي يؤثران في مقدار تحقيق الخير ومطابقته للعدالة في مختلف المؤسسات الاجتماعية، في الوقت الذي يتوافق مع المبادى العامة للخطاب السياسي الموجود في تظمينات العهد المشهور له علیه السلام.

يعتقد رولز تماما ان الحرية صفة اساسية للانسان وحق غير قابل للتفويت فاذا تخلى الانسان عن حريته فقد تخلى عن انسانيته وعن حقوقه كانسان مرددا

ص: 454

افکار روسو ذاتها، وهي نظرية تعني بمجملها تمتع الفرد بجميع حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في اطار قانوني، وهو مايدعوه رولز بالمجتمع المنظم او يراد منه ان يطبق على الهيكل الاساسي لمجتمع جيد التنظيم(114)، ووضع اختيار منصف لاطراف العلاقة في مثل تلك الظروف، بسبب البنية الاساسية للمجتمع - التي تنطبق عليها مسائل العدالة الاساسية - هي التي تستدعي نوعا خاصا من التبرير(115) يتوافق مع اختيار اطراف العلاقة،

ان مشابهة رولز لبعض اراء كانط(116)، وبصورة خاصة في فكرة الحرية، حين يرى ان البحث الاساسي في مسالة الحرية والعدالة يكمن في اطاعة الالزامات القانونية والاجتماعية والتوفيق بين هذه الالزامات والحرية الفردية(117)، مع بقاء الطابع الاخلاقي شرطا في الاذعان للالزامات القانونية، كمحدد للحرية الفردية، وليس عن طريق الاكراه السالب لكل معنى رضائي حر، ويرى كانط ان الانسان لابد وان يكون حرا اذا اُريد منه ان يكون مسؤولا لان من لا اختيار له لا واجب عليه، وبالتالي لايكون مكلفا بالالتزام بالالزامات القانونية، ويرى كانط ان الحرية او كما يسميها حكم الارادة «المبدأ الاعلى للاخلاق»(118)، وهو بذلك قد وقع تحت تاثير روسو الذي يُتطلع إلى مبادئ العدالة لتوجيه سلوك الاطراف، اي تحقيق المصلحة الفردية(119)، من المعترف به ان تلك الاطراف تواجه شحة معتدلة، كما ان شخوصها ليسوا موثرين بالفطرة ولا انانيين بصورة محضة، لديهم اهداف يتطلعون الى تحقيقها، لكنهم يفضلون اداء ذلك بالمشاركة مع الآخرين وفق شروط يتم التوافق عليها.

مبدأ الاختيار عند رولز

يعرض رولز نموذجا لحالة اختيار منصفة حيث يفترض فيه ان تختار

ص: 455

الاطراف مبادي عدالة يقبل بها الجميع، اعتمادا على اختيار يعتمد قيمة الحياة الاجتماعية والمعاشرة والالفة كمعيار اساسي، وان الاشياء الجديرة بالالتاس ليست محصورة بالغايات الخاصة التي يحققها المرء لذاته وحسب، بل في تحقيق غايات مشتركة معينة ايضا يتعاون الجميع بغية تحقيقها، وبهذا المعنى هي ايضا غايات خاصة، لاهميتها لدى كل فرد، باعتبار تقاسم منافعها مع بقية الافراد، الا ان العمل على بلوغها او حصولها - في مجتمع حر و متساوٍ - يبدو مشتركا، بل يكون كل شخص مستمتعا بمشاركة الاخرين في الفعالية ذاتها(120)، وفي ذلك اشارة الى الارادة العامة المفهوم الاصلي للعقد الاجتماعي عند روسو(121)، حيث توصف الاطراف بالتشاور وفق مبادئ الاختيار العقلاني(122)، واعتقاد الافراد بدون ادنی شك ان العقل هو المعيار الذي يمكن به ادراك الحقائق وبلوغ الخيرات(123)، هذا الاعتقاد الذي استطاع روسو ان يطيح به ويمزج هذه الفكرة مع اراء كانط، والتي كان تمظهرها في نظرية رولز الجماعوية التي يتضح بين ثناياها ايمانه الراسخ بأولوية النسيج الاجتماعي على الفرد(124)، يقول رولز: الحياة الاجتماعية شرط لتطوير قابلياتنا، حتى تصورتنا كثيرا ماتستبق افتراض خلفية اجتماعية معينة الى جانب منظومة معتقدات وافكار هي حصيلة جهود جمعية لتقليد عريق(125)، ومن هنا نجد التركيز على هذا الجانب واضحا في عهد امير المؤمنين علیه السلام، واعتبار التجربة الانسانية ومنظومة القيم والمعتقدات المتحصلة منها تجربة انسانية جديرة بالرعاية والاهتمام بسبب هيمنتها الواضحة على مدى استجابة الجماعة وتفاعلها مع القوانين والتنظيمات التي تفرضها السلطة عليها، قال: «اعلم یا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم»(126).

ص: 456

وهو الامر الذي دفعه للقول بمبدأ (حجاب الجهل) عند تاسيسه للوضعية الاصلية التي سيتعاقد في اطارها الافراد الاحرار والعقلانيون بعيدا عن اصولهم الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية والايدلوجية بحيث يصبح المتعاقد عاجزا عن تصميم مبادئ تخدم وضعيته الخاصة، لايجاد المجتمع حسن التنظيم بعيدا عن اي تصور ميتافيزيقي غارق في التجريد.

يعتقد رولز ان الاطراف قد ترى مبادى العدالة التي تفضلها ذات جاذبية بشكل خاص تتفوق على بدائل متنوعة، ومن هنا رحب الليبراليين بكتابه (نظرية في العدالة) باعتباره الاعلان الاكثر منهجية للنظرية الليبرالية، التي تؤكد على حرية كل فرد باعتباره طرفا واغفال الاهمية التكوينية للسياقات الاجتماعية واهمية العلاقات البينية الاخلاقية(127) بين تلك الاطراف، وبذلك تظهر اهمية الخطا المنهجي الذي كشف عنه الجماعويٌن الذين وقفوا ضد نظرية الليبرالية الرولزية، باعتبار ان ذلك الخطا احدث حركة في عمق الوعي(128) للقضايا الحقيقية والمهمة التي يثيرها النقد الجماعوي، ومن ذلك يمكن التماس اهمية (الجماعة) وتفضيلها على حرية الفرد ليس فقط عند الميالين الى نقض الليبرالية بل حتى عند غيرهم لان الجماعة عبارة عاطفية ومفهوم مطمئن من شان اي عقيدة سياسية ان تكون راغبة في تبنيها واستيعابها(129)، وقد نجد اشارات هذا المعنى في كلام امير المؤمنين علیه السلام عندما قال: «فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً»(130) فجعل للعامة (الجماعة) في مقام اسمى من الفرد (الخاصة) في الحقوق والحريات بحيث تلجا السلطة لاختيار الكتاب وباقي الوظائف ذات الشان العام بما يتناغم وتفضيلات الجماعة بوحدتها الموضوعية باعتبارها تكوينا واحدا مع غض النظر بالكلية عن تفضيلات الافراد (الخاصة) لان «سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع

ص: 457

رضى العامة»(131).

فالقانون ليس مجرد تنظيم للعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة و ضابط للسلوك الإنساني، بل هو في نفس الوقت وسيلة لتطوير هذه العلاقات باتجاه إيديولوجي معين، بمعنى ان القانون يمكن السياسي بالدرجة الاساس من تطوير نظريته السياسية ويجعلها اكثر مقبولية لدى المجتمع، لان الايدلوجيا بالمعنى الصحيح والدقيق لها عبارة عن الافكار المقبولة التي تستند الى وجود العلة، لكنها بذات الوقت افكار (باطلة)(132) او ليست حقة بالمقدار المتعارف عليه بالحقانية لدى المجتمع كونها لاتستند الى دليل، وهكذا يخرج القانون وهو عبارة عن عمل سياسي أولا وقبل ان يكون عملا تنظيميا يعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية السائدة في الدولة، ذلك ان أي قانون عادل لن يكون ممكنا الا اذا كان يقضي بالتوافق المعقول بين افراد عقلاء واحرار في اوضاع متساوية(133) (امام القانون) ومشيرا الى قيم اخلاقية مرتكزة في عمق الوعي الاجتماعي، ولعل لهذا المعنى اشارات في عهد امير الموحدين علیه السلام في عهده المشهور اذ قال: «ولا تنقض سنة صالحة عمل بها...، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعیة»(134)، أي ان هناك سنن وقيم وسلوكيات في أي مجتمع يجب مراعاتها والحفاظ عليها وتقويمها لان فيها تآلف المجتمع ووئامه وانتظام حريته في انتقاء خياراته المؤطرة بالتوافق المعقول بين افراده.

ص: 458

الخاتمة

يؤشر هذا البحث الى جهة تاثير الطروحات التشريعية للعدالة (ذات النظرة الاخلاقية) التي ينطق منها عهد امير المؤمنين علیه السلام لمالك الاشتر، على مجمل نظرية الفيلسوف جون رولز في العدالة خاصة في كتابه (نظرية في العدالة)، وعلى الرغم من ان رولز في فلسفته الاخلاقية والسياسية لم يصل إلى حد التطابق التام على مستوى المنهج الفلسفي او المفاهيمي مع الفلسفة الاخلاقية للامام علي علیه السلام، الا ان نظريته تلك تعد مدخلا ممكنا للنظر في مجمل تاثير تلك النظرية في المتبنيات القانونية والاخلاقية عند طيف واسع من فلاسفة الغرب، يعد رولز في مقدمتهم، وفي الوقت الذي دافع رولز فيه عن فكرة تبنيه اراء فلسفية قديمة، او لاتنتمي الى مرحلة الحداثة التي عاصرتها فلسفته السياسية، نجده يحاول اثبات الاسس الاخلاقية لتصورات سياسية في العدالة، بالاتكاء على الدوافع الاخلاقية واسئلة الميتافيزيقيا التي ذاع صيتها عند فلاسفة عصر ماقبل الانوار، في مفارقة واضحة للنظريات السائدة في الفكر القانوني والتشريعي الغربي، واقتراب حذر من ذات الاسس التي تؤسس عليها الفلسفة الحقوقية الاسلامية للعدالة.

ينطلق رولز في تاسيسه للعدالة كقيمة اخلاقية من ذات الاسس التي تعتبر العدالة في أي مجتمع هو انصاف له من الدولة الراعي الرسمي للتنظيمات التشريعية، وهذا هو جوهر نظرية العدالة كانصاف التي قال بها رولز، والتي نجد لها اثار واضحة في الفلسفة السياسية - الاخلاقية التي تتضمنها فقرات العهد العلوي، الذي يمكن اجمال اهم مبادئه باعتبار العدالة كانصاف او قيمة اخلاقية، وهي:

1 - مبدأ الحريات: يصنف امير المؤمنين علیه السلام الحريات الاساسية اخلاقيا، وهي في نظريته السياسية اهم من حرية الافراد مقارنة بغيرها من الحريات غير

ص: 459

الاساسية، لانها قوام القيم المركزية في المجتمع، وهذا يعني ان الحريات الاساسية متفق عليها بحيث اصبحت عاكسة لمقدار الالفة والخير في المجتمع، وانها ضرورية لمتابعة الاحساس بالعدل اللازم للانخراط في التعاون الاجتماعي، وكذلك في حصول حالة الاستقرار، وهو بذلك يجزم بصلاحيتها لايجاد مجتمع حسن التنظيم، يقول: «ولا تنقض سنة صالحة (مجموعة الحريات والعادات والتقاليد الاساسية المتفق على صلاحيتها الاجتماعية في توليد الخير لدى الفرد ومن ثم المساهمة في بناء المجتمع الصالح) عمل بها صدور هذه الأمة (أي انها حازت على توافق اجتماعي متناسب)، واجتمعت بها الألفة (تصورات الفرد للخير)، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن «، لان احداث خرق في منظومة الاعراف والسنن والعادات المألوفة والمعروفة بصلاحها، تسبب عرقلة في طريق توفير اكبر قدر من السعادة الاجمالية في المجتمع (الرفاه) وكذلك تقليل قيم الكمال في تصورات الناس لحياة صالحة.

2 - مبدأ تكافؤ الفرص: يرفض امير المؤمنين علیه السلام أي اختلاف في تحقيق المساواة المنصفة، ويدعوا الى توزيع الفرص بصورة متكافئة، ويرفض التوزيع غير العادل نتيجة الاختلاف في الخلفية الطبقية الاجتماعية، كما يرفض استبعاد أي فرد تعسفا واعتباطا، ويدعوا الى اعطاء الفرصة لمستحقها اذ الاشخاص لديهم نفس الحقوق السياسية والقانونية المتساوية، وذلك تفرضه طبيعة كونهم «صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق «، وفي كلتا الحالتين لابد من اتيان كل ذي استحقاق فرصته المتلائمة مع قابلياته.

3 - مبدأ عمومية العدل ووسطية الحق: ينطلق امير المؤمنين علیه السلام من فكرة اخضاع اعلى السلطات السياسية في البلد الى حدود وشروط متمتعة بقوة القانون،

ص: 460

بحيث تكون احب الامور للسياسي (اوسطها في الحق واعمها في العدل) وبالرغم من كون هذه الفكرة معيارية بامتياز، الا انه علیه السلام دعمها لتكون في موضع التطبيق بالمساهمة الكفؤة لترصين السلطة السياسية بذوي القابليات الأخلاقية مع فرض القانون الاساسي حدود وشروط معينة على الحكم السياسي، قال علیه السلام: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك... وتوخ منهم اهل التجربة «، مع مراعاة جانب الكفاءة والياقة المناسبتين لبسط العدل واحقاق الحق قال علیه السلام: وأنت واجد منهم (اهل الخبرة والكفاءة) خير الخلف، ممن له مثل آرائهم (في السياسة والتدبير) ونفاذهم (في الامور)، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم (بنقض شروط التعاون الاجتماعي الاساسية)، ممن لم يعاون ظالماً على ظلمه ولا آثما على إثمه.

4 - مبدأ الفرق: يؤشر امير المؤمنين علیه السلام إلى أن وجود نسبة من اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية باعتبارها ضامنة لتثبيت الخيار الاصلح واقامة الشؤون العامة للمجتمع فأن: «الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض «، في ظل توزیع عادل للحقوق والواجبات، وبذلك ضمان لوجود شروط التعاون الاجتماعي بما يخدم الطبقة الأسوأ في المجتمع والذي يعبر عنهم علیه السلام ب: «الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين والمحتاجين، وأهل البؤسي والزمنی، ...، و اجعل لهم قسماً من بيت مالك (الضمان الاجتماعي)، وقس من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، (الفائض الذي تتولد منه نسبة القيمة الزائدة والموزعة على اهل الزمني من المجتمع دونا عن غيرهم)...».

وفي المقابل ظل عمل جون رولز منذ البداية مسترشدا بسؤال ( التصور الاخلاقي) الانسب للعدالة وطبيعتها الاجتماعية ومدى توافقها مع الطبيعة البشرية وخير الفرد، وهنا يمكن ملاحظة اهم مبادئ نظرية رولز في العدالة

ص: 461

کانصاف وهي:

1 - مبدأ رولز في الحريات (حجاب الجهل): لان رولز يجزم بعدم امكانية اتفاق الافراد بطبقاتهم على مفهوم معين للعدالة، ومن ثم فهو يشك في استقرار هذا المجتمع، فقد افترض القطيعة الإبستمولوجية مع كل ایان المرحلة السابقة، أي حجب جميع المسبقات الايدلوجية والفكرية والسياسية بحيث يكون المجتمع على الحالة البدئية الاصلية، وهذا الحجاب افترضه رولز ليبرر وجود المجتمع حسن التنظيم، أي المجتمع الذي يكون فيه الافراد والمؤسسات الاجتماعية على اتفاق بمبادئ معينة للعدالة، وهو بذلك يحاول وضع حد للاختلاف على مبادی العدالة، وايجاد حق متساو مع غيره في النسق الشامل من الحريات الاساسية المتساوية حيث ينسجم ذلك مع نسق مماثل من الحرية للجميع.

2 - مبدا تكافؤ الفرص: یری رولز بضرورة منح الفرصة ذاتها لكل فرد، ويبقى وجود الموهبة او القابلية هو المحدد لنيل تلك الفرصة للاكثر كفاءة.

3 - مبدأ الفرق: يبرر رولز اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية بين الافراد الى انها في صالح الافراد الاقل حظا من داخل المجتمع مؤكدا انه يكفي ان تتحسن وضعية الفئات الاسوأ حالا لكي تعتبر الوضعية النهائية اكثر عدالة من الوضعية الاولى.

واجد في نهاية هذا البحث أن هناك تأثير كبير للمبادئ والقيم الانسانية والحقوقية التي طبقها الامام علي بن ابي طالب علیه السلام في حكومته - والتي اصبحت فيما بعد مصدرا من مصادر التشريعات للقوانين والمبادئ الأساسية الاسلامية فيما بعد - على احدث النظريات في العدل والحق والمساواة التي قال بها فلاسفة اوربيين كبار يعد الفيلسوف جون رولز في طليعتهم، ومن هنا ادعوا الباحثين

ص: 462

الى حث الخطى وافراغ الوسع في اظهار تلك المبادئ وبيان تلك المشتركات التي استطاع فلاسفة عصر الانوار الاتكاء عليها في تاسیس منظوماتهم الدستورية والقانونية والحقوقية، بما يتوافق وطبيعة المدخرات والمسبقات الأخلاقية التي تكون بمجملها المنظومة القيمية في العالم الإسلامي، ومن هنا ينبغي أن يتجه بعض الباحثين في الحقل الفلسفي، إلى الاهتمام بصلة الفلسفة الإسلامية بالفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة، واظهار جوانب التاثر بالزخم القانوني والتشريعي للحضارات الحية بالفلسفة السياسية والقانونية الاسلامية. هوامش البحث:

(1). ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - بيروت، طبعة 1961 م، 1: 6، مقدمة التحقيق.

(2). ابن الاثير، محمد بن محمد الشيباني، الكامل في التاريخ، دار صادر - بیروت، طبعة 1965 م، 4: 125.

(3). ابن المقفع، اثار ابن المقفع، الادب الصغير والادب الكبير، منشورات دار مكتبة الهلال - بیروت، بلات، ص 276 وما بعدها.

(4). ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، دار الكاتب العربي، بیروت، بلات، ص 37.

(5). ابن المقفع، الدرة اليتيمة، تصحيح الأمير شكيب أرسلان، المطبعة الأدبية، بیروت، 1897 م، ص 69.

(6). الموفق بن أحمد الملكي الخوارزمي: المناقب، تقديم محمد رضا الموسوي، المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف، طبعة . 1965 م.ص 271، وهو ابو المؤيد مؤلف (مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) كان فقيها، أديبا له خطب و سفر، أصله من مكة أخذ العربية عن الزمخشري بخوارزم، وتولى الخطابة بجامعها. والخطيب الخوارزمي روی بسنده عن أبي

ص: 463

بكر محمد بن الحسن بن درید، قال: قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر صاحب أبي عثمان الجاحظ: كان الجاحظ يقول لنا زماناً: إن الأمير المؤمنين مائة كلمة، كل كلمة منها تعني بألف كلمة من محاسن کلام العرب، قال: وكنت أسأله دهراً بعيداً أن يجمعها لي، ويمليها علي، وكان يعدني بها، ويتغافل عنها ظناً بها، قال: فلما كان آخر عمره أخرج جملة مسودات مصنفاته فجمع منها تلك الكلمات وأخرجها إلي بخطه.

(7). عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة و أسانیده، مؤسسة الأعلمي - بیروت، ط 2 - 1975 م، 1: 60.

(8). عباس القمي، سفينة البحار، دار الاسوة للطباعة . قم، ط 2 - 1416 ه، 1: 146، مادة جحظ.

(9). محمد عابد الجابري، العقل الاخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية . بیروت، ط 2 - 2006، ص 26.

(10). الماوردي، التاج في أخلاق الملوك، تحقيق أحمد زكي، مطبعة الأميرية، القاهرة، ط 1، 1916 م، ص 174.

(11). الحلي: جمال الدين الحسن بن يوسف، منهاج الكرامة في إثبات الإمامة طبع حجري، بخط حجي هلال السرحان، مطبعة الإرشاد، 1971 م، ص 77.

(12). حاجي خليفة، کشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الفكر - بيروت، طبعة 1982 م، ص 169.

(13). محسن الامين أعيان الشيعة، تحقیق حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات - بیروت، ط 5 - 1998 م، 9: 399.

(14). ابن النديم، محمد بن اسحق، الفهرست، طهران، طبعة شعبان 1391 ه / 1971 م، ص 323.

(15). البرقي، المحاسن، تقديم محم صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف، طبعة - 1964، ص 9.

(16). الخطيب،، مصادر نهج البلاغة وأسانیده، مصدر سابق، ص 40.

ص: 464

(17). ألبرقي، المحاسن، مصدر سابق، ص 208.

(18). الدينوري، عيون الاخبار ضبط يوسف الطويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 2003، ص 23.

(19). كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، الناشر دار صادر - بيروت.، طبعة 1961 م، ص 89.

(20). البيهقي، المحاسن والمساويء، دار المعارف - بیروت، طبعة 1991 م، ص 49 - 55.

(21). الأشعري: علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين، المكتبة المصرية - القاهرة، طبعة 1990، 1: 64.

(22) الزركلي: خير الدين، الاعلام، مصدر سابق، 1: 212.

(23). حاجي خليفة (ت 1067 ه)، کشف الظنون، دار احیاء التراث العربي - بيروت، طبعة 1941 م، 1: 514.

(24). هذا العهد رواه محمّد بن الحسن الطوسي - من أعلام القرن الخامس -؛ فيذكر الشيخ الطوسی سنداً صحيحاً عند المشهور للعهد، وكذلك النجاشي - الذي هو أحد رجالات العلم في الطائفة الإمامية- أيضاً روى العهد بطريق آخر صحيح عند المشهور، ورواه الشريف الرضي أخو الشريف المرتضى في كتاب نهج البلاغة، ورواه أيضاً ابن أبي شعبة الحرّاني - الذي كان يعيش في أواسط القرن الرابع المعاصر للشيخ الصدوق - في كتابه تحف العقول، ورواه القاضي النعمان، وهو من علماء الإمامية، وكان قاضياً أيام حكم الفاطميين في مصر في القرن الرابع والخامس، رواه في كتابه دعائم الإسلام، إذن عهد مالك الأشتر له العديد من المصادر (الشيخ محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، مرکز الأبحاث العقائدية. قم، ایران، ط 1 - 2000 م، 364 - 363).

(25). توفيق ابو العلم، في علي بن ابي طالب، مؤسسة اهل البيت - القاهرة، ط 1 - 2003، ص 37.

(26). میشیل هاملتون مورغان، التاريخ الضائع، مکتبة الكونغرس - واشنطن، ط 1 - 2007، ص 12.

(27). ابن رشد (1126 - 1198 م) فیلسوف و فقیه و لغوي مسلم واعظم شراح ارسطو. كان

ص: 465

لامير المؤمنين اثر واضح في ابن رشد فلسفته وهو القائل: أن في كلام علي من عجائب البلاغة ونواقب الحكم ما لايوجد في كلام.

(28). توماس الاكويني (1225 - 1274 م) فیلسوف و لاهوتي مسيحي.

(29) زینب محمود الخضيري، اثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، دار التنوير للطباعة - بیروت، طبعة 2007 م، ص 12.

(30) أ. و. سدرن، نظرة الغرب الى الاسلام، تعريب علي فهمي، دار الفكر - طرابلس ليبيا، ط 1 - 1975 م، ص 161.

(31). ابراهيم مدكور، في الفلسفة الاسلامية منهج وتطبيق، دار المعارف - بیروت، ط 1 - 1947 م، المقدمة.

(32). الشريف الرضي (ت 406 ه) نهج البلاغة، تحقیق هاشم الميلاني، العتبة العلوية المقدسة - النجف الاشرف، طبعة 2011، العهد. ص 325 وما بعدها.

(33). الشيخ محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، مصدر سابق، ص 365.

(34). صموئيل فریمان، التطابق وخير العدالة، مقال، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، المركز العربي للابحاث وراسة السياسات - الدوحة، قطر، ط 1 - 2015 م، ص 343.

(30). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 333.

(36). الجابري، العقل الاخلاقي العربي، مصدر سابق، ص 8.

(37). يقصد أهل المشورة.

(38). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 374.

(39). محمد سليم العوا، فكرة المقاصد في التشريع الوضعي، - مقاصد الشريعة و قضایا العصر-، منشورات مؤسسة الفرقان للتراث الثقافي - لندن، ط 1، 2011، ص 271.

(40). الامدي، الغرر، تصحيح حسين العلمي، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت، ط 1 - 2002 م، 1: 385.

(41). الجابري، العقل الاخلاقي العربي، مصدر سابق، ص 79.

(42). محمد کمال الدين إمام، مدخل أصولي للمقاصد الشرعية، منشور ضمن کتاب مقاصد

ص: 466

الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص 12.

(43). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 360.

(44). جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة - القاهرة، طبعة 2012 م، ص 128.

(45). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 366.

(46). صموئيل فريمان، التطابق وخير العدالة، مقال اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، مصدر سابق، ص 345.

(47). الطبري، محمد بن جریر (ت 225 ه 837 م)، تاریخ الامم والملوك، دار الكتاب العربي - بغداد، ط 1 - 2005، 5: 72، انظر ايضا: ابن الأثير، عز الدين ابو الحسن علي (ت 630 ه / 1232 م)، الكامل في التاريخ، مطبعة دار الفكر، (بیروت / 1978 م): 3 / 334. حواره مع الخوارج في مسالة التحكيم، وانظر: ابن الأثير، الکامل: 3: 335، وحواره مع طلحة والزبير في أمر خروهما عن طاعته.

(48). عبد المجيد النجار؛ مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي؛ ط 2 - 2008، ص 5.

(49). محمد ياسين عريبي، مواقف ومقاصد في الفكر الإسلامي المقارن، الدار العربية للكتاب . طرابلس طبعة - 1982 م، ص 9.

(50). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 327.

(51). الطبري، تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، 3: 252.

(52). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق العهد - ص 363.

(53). عبد النور بزا؛ مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية؛ الناشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1 - 2008، ص 18.

(54). صموئيل فریمان، التطابق وخير العدالة، مقال، مصدر سابق، ص 345.

(55). سلطان العميري، التداول الحداثي لنظرية المقاصد، دراسة نقدية، موقع مجلة البيان الكتروني، العدد 295، بتاريخ 16 / 1 / 2012 م.

ص: 467

(56). الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط 1، سنة 1417 ه / 1997 م، ج 2، ص 375.

(57). الشريف الرضي، نهج الباغة، مصدر سابق، العهد - ص 351.

(58). صموئيل فریمان، اتجاهات معاصره في فلسفة العدالة، مصدر سابق، ص 346. (یری فریمان ان السبب يكمن في: التوجهات الطبيعية لدى البشر).

(59). الجابري، العقل الاخلاقي العربي، مصدر سابق، ص 227.

(60). صموئيل فریان، اتجاهات معاصره في فلسفة العدالة، مصدر سابق، ص 347.

(61). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 351.

(62). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 344.

(63). فرانك. أ. ميتشلان، رولز عن النزعة الدستورية والقانون الدستوري، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 - 2015 م،، ص 481.

(64). محمد آرکون، این هو الفكر الاسلامي المعاصر، دار الساقي، بیروت، ط 4 - 2010، المقدمة.

(65). مصطفى عبد الرزاق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، بلات، ص 27.

(66). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد. ص 329.

(67). جون رولز، السياسة الليبرالية، مقال، صحيفة جامعة كولومبيا - نيويورك، 1996 م، ص 217.

(68). فرانك. أ. ميتشلان، رولزعن النزعة الدستورية والقانون الدستوري، مصدر سابق، ص 483.

(69). يقصد اصناف المكون الاجتماعي التعددي.

(70). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 330.

(71). الحجرات 0110

(72). الحجرات: 13.

ص: 468

(73). البقرة: 201.

(74). ال عمران: 104.

(75). علي بن عيسى الاربلی، کشف الغمة في معرفة الأئمة، نشر أدب الحوزة. قم، طبعة. 1346 ه، 2: 163.

(76). محمد اركون، این هو العقل الاسلامي المعاصر، مصدر سابق، المقدمة.

(77). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 375.

(78). محمد اركون، این هو الفكر الاسلامي المعاصر، مصدر سابق، المقدمة.

(79). جون رولز (1921 - 2002) فیلسوف اخلاقي و سياسي امريكي، يعتبر رولس من منظري و مؤسسي ليبرالية اجتماعية، حيث اهتم بالعدالة الاجتماعية، يقول الفيلسوف الإنجليزي جوناثان وولف أنه - قد يكون هناك نزاع حول الفيلسوف السياسي الثاني الأكثر أهمية في القرن 20، ولكن لن يختلف أحد على أن الفيلسوف الأول الأكثر أهمية هو: جون رولس -.

(80). محمود حمدي زقزوق، المنهج الفلسفي بين الغزالي و دیکارت، دار المعارف - بیروت، ط 1 - 1998 م، ص 6.

(81). جون رولز، نظرية في العدالة، دار نشر جامعة هارفرد - نيويورك، طبعة 1971 م.

(82). محمد ار کون، این هو الفكر الاسلامي المعاصر، مصدر سابق، المقدمة.

(83). جان جاك روسو (1712 - 1778) کاتب و ادیب و فیلسوف وعالم نبات من جنيف في سویسرا، يعد من ابرز کتاب عصر التنوير ساعدت كتابات روسو في الحرية والعدالة على قيام الثورة الفرنسية.

(84). جون رولز، العدالة كانصاف اعادة صياغة، ترجمة حيدر الحاج اسماعيل، المنظمة العربية للترجمة - بيروت، ط 1 - 2009، ص 249 - 250.

(85). محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز: نحو تعاقد اجتماعي مغایر، دار توبقال للنشر- الدار البيضاء، ط 1 - 2014 م، ص 159.

(86). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد. ص 368.

ص: 469

(87). جون رولز، العدالة كانصاف، مصدر سابق، ص 101،

(88). توماس هوبز: احد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا وأكثرهم شهرة خصوصا في المجال القانوني حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ، فقيها قانونيا.

(89). جون رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 6.

(90). عبد الکریم سروش، العقل والحرية، ترجمة احمد القابنجي، دار الفكر الجديد - النجف الاشرف، بلات، سلسلة ثقافة اسلامية معاصرة (14)، ص 215.

(91). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 359.

(92). صموئيل فریمان، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، مصدر سابق، ص 344.

(93). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 416 - 476.

(94). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 432 - 494.

(95). صموئيل فریمان، اتجاهات معاصرة، مصدر سابق، ص 349.

(96). صموئيل فریمان، اتجاهات معاصرة، مصدر سابق، ص 346.

(97). ديفيد هيوم (1711 - 1776) فیلسوف و اقتصادي و مؤرخ اسكتلندي، من الشخصيات المؤثرة في تاريخ التنوير الاسكتلندي، كانت كتاباته الفلسفية الى حد ما مثار اهتمام المتاخرین، قال عنه كانط "ايقظني هيوم من السبات الدوغمائي".

(98). آدم سميث (1723 - 1790)، فیلسوف أخلاقي وعالم اقتصاد اسكتلندي. يُعدّ مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي ومن رواد الاقتصاد السياسي. اشتهر بكتابيه الكلاسيكيين: "نظرية الشعور الأخلاقي" (1759)، وكتاب "بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها" (1776). وهو رائعة آدم سميث ومن أهم آثاره، وهو أول عمل يتناول الاقتصاد الحديث وقد اشتهر اختصاراً، باسم "ثروة الأمم". دعا إلى تعزيز المبادرة الفردية، والمنافسة، وحرية التجارة، بوصفها الوسيلة الفضلى لتحقيق أكبر قدر من الثروة والسعادة.

(99). جون رولز، العدالة بين السياسة والميتافيزيقيا، ترجمة محمد هاشمي، مجلة مدارات فلسفية، سنة 2004، ص 99.

ص: 470

(100). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد .- ص 348.

(101). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 51.

(102). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 346.

(103). حوار مع نوفل الحاج لطيف، حول طروحات حول العدالة في الفكر الفلسفي المعاصر، منشور في الموقع الرسمي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث.

(104). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 311.

(105). عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بیروت، طبعة 1984 م، مادة ديفيد هيوم، 2: 611 - 612.

(106). إمانويل كانط "تأملات في التربية" ترجمة: محمود بن جماعة، دار محمد علی للنشر، سلسلة أضواء، ط 1 / 2005، ص 285.

(107). محمد اركون، الفكر الاسلامي من نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي - بيروت، ط 5 - 2009، ص 107.

(108). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 416 - 476.

(109). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 432 - 494.

(110). صموئيل فريمان، التطابق و خير العدالة، مقال، مصدر سابق، ص 348.

(111). فيليب رینارد، ماكس فيبر والحداثة السياسية، بي يواف - باريس، ط 1 - 1996 م، ص 44 - 45.

(112). الشريف الرضي، نهج البلاغة، العهد، ص 326

(113). مارتاك. نوسباوم، رولز والحركة النسوية، مقال، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 ۔ 2015 م، ص 595.

(114). صموئیل فریمان، التطابق وخير العدالة، مقالة، مصدر سابق، ص 357.

(115). ت. م. سکانلون، رولز عن التبرير، مقال، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 - 2015 م، ص 205.

(116). ایمانویل کانت (1724 - 1804): فیلسوف الماني عاش كل حياته في مملكة بروسيا،

ص: 471

يعتبر آخر فلاسفة عصر التنوير.

(117). طيبة ماهروزادة، فلسة كانت التربوية، تعريب عبد الرحمن العلوي، دار الهادي بيروت، ط 1 - 2001، ص 218.

(118).، صموئیل فریمان، اتجاهات معاصرة، مصدر سابق، ص 192.

(119). طيبة ماهر وزادة، فلسفة كانت، مصدر سابق، ص 192.

(120). صموئيل فريمان، التطابق وخير العدالة، مصدر سابق، ص 357.

(121). طيبة ماهروزادة، فلسفة كانت، مصدر سابق، ص 68.

(122). تشارلز لارمور، العقل العمومي، مقال، المركز العربي للابحاث والدراسات - بيروت، ط 1 - 2015، ص 451.

(123). طيبة ماهر وزادة، فلسفة كانت، مصدر سابق، ص 78.

(124). ستيفن مولهال وآدم سويفت، رولز والجمعاوية، مقال، المركز العربي للابحاث والدراسات - بيروت، ط 1 - 2015، ص 565.

(125). رولز، نظرية في العدالة، مصدر سابق، ص 458 - 522.

(126). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 362.

(127). ستيفن مولهال، رولز والجاعوية، مصدر سابق، ص 555.

(128). سروش، العقل والحرية، مصدر سابق، ص 555.

(129). ستيفن مولهال وآدم سویفت، رولز والجمعاوية، مصدر سابق، ص 557.

(130). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 342.

(131). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - ص 347.

( 132). سروش، العقل والحرية، مصدر سابق، ص30.

( 133). صموئيل فريمان، التطابق وخير العدالة، مقال، مصدر سابق، ص 344.

(134). الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، العهد - 376.

ص: 472

المصادر والمراجع

1. أ. و. سدرن، نظرة الغرب الى الاسلام، تعريب علي فهمي، دار الفكر - طرابلس ليبيا، ط1 - 1975 م.

2. ابراهيم مدكور، في الفلسفة الاسلامية منهج وتطبيق، دار المعارف ۔ بیروت، ط 1 - 1967 م.

3. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - بيروت، طبعة 1961 م.

4. ابن الأثير، عز الدين ابو الحسن علي (ت 630 ه / 1232 م)، الكامل في التاريخ، مطبعة دار الفكر (بیروت - 1978 م).

5. ابن الاثير، عز الدين ابو الحسن علي (ت 630 ه / 1232 م)، الكامل في التاريخ، مطبعة دار الفكر، (بیروت - 1978 م).

6. ابن المقفع، اثار ابن المقفع، الادب الصغير والادب الكبير، منشورات دار مكتبة الهلال - بيروت، بلات.

7. ابن المقفع، الدرة اليتيمة، تصحيح الأمير شكيب أرسلان، المطبعة الأدبية، بیروت، 1897 م.

8. ابن النديم، محمد بن اسحق، الفهرست، طهران، طبعة شعبان 1391 ه / 1971 م.

9. ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، دار الكاتب العربي، بیروت، بلات.

10. الأشعري: علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين المكتبة المصرية - القاهرة، طبعة 1990 م.

ص: 473

11. إمانويل كانط «تأملات في التربية« ترجمة: محمود بن جماعة، دار محمد علی للنشر، سلسلة أضواء، ط 1 - 2000 م.

12. الامدي، الغرر، تصحيح حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت، ط 1 - 2002 م.

13. البرقي، المحاسن، تقديم محم صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف، طبعة - 1964 م.

14. البيهقي، المحاسن والمساويء، دار المعارف - بیروت، طبعة 1991 م.

15. ت. م. سکانلون، رولز عن التبرير، مقال، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 - 2015 م.

16. تشارلز لارمور، العقل العمومي، مقال، المركز العربي للابحاث والدراسات - بیروت، ط 1 - 2015 م.

17. توفيق ابو العلم، في علي بن ابي طالب، مؤسسة اهل البيت - القاهرة، ط 1 - 2003 م.

18. جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة - القاهرة، طبعة 2012 م.

19. جون رولز، السياسة الليبرالية، مقال، صحيفة جامعة كولومبيا - نیویورك، 1996 م.

20. جون رولز، العدالة بين السياسة والميتافيزيقيا، ترجمة محمد هاشمي، مجلة مدارات فلسفية، سنة 2004 م.

21. جون رولز، العدالة كانصاف اعادة صياغة، ترجمة حيدر الحاج اسماعیل، المنظمة العربية للترجمة - بيروت، ط 1 - 2009 م.

ص: 474

22. جون رولز، نظرية في العدالة، دار نشر جامعة هارفرد - نيويورك، طبعة 1971 م.

23. حاجي خليفة (ت 1067 ه)، كشف الظنون، دار احياء التراث العربي - بيروت، طبعة 1941 م.

24. حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الفكر - بيروت، طبعة 1982 م

25. الحلي الحسن بن يوسف، منهاج الكرامة في إثبات الإمامة طبع حجري، بخط حجي هلال السرحان، مطبعة الإرشاد، 1971 م.

26. حوار مع نوفل الحاج لطيف، حول طروحات حول العدالة في الفكر الفلسفي المعاصر، منشور في الموقع الرسمي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث.

27. الدينوري، عيون الاخبار ضبط يوسف الطويل، دار الكتب العلمیة - بيروت، ط 2 - 2003 م.

28. زينب محمود الخضيري، اثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، دار التنوير للطباعة - بيروت، طبعة 2007 م.

29. ستيفن مولهال وآدم سويفت، رولز والجمعاوية، مقال، المركز العربي للابحاث والدراسات - بيروت، ط 1 - 2015 م.

30. سلطان العميري، التداول الحداثي لنظرية المقاصد، دراسة نقدية، موقع مجلة البيان الكتروني، العدد 295، بتاريخ 16 / 1 / 2012 م.

31. الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط 1، سنة 1417 ه / 1997 م.

ص: 475

32. الشريف الرضي (ت 406 ه) نهج البلاغة، تحقیق هاشم الميلاني، العتبة العلوية المقدسة - النجف الاشرف، طبعة 2011 م.

33. صموئيل فريمان، التطابق وخير العدالة، مقال، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، المركز العربي للابحاث وراسة السياسات - الدوحة، قطر، ط 1 - 2015 م.

34. الطبري، محمد بن جریر (ت 225 ه - 837 م)، تاریخ الامم والملوك، دار الكتاب العربي - بغداد، ط 1 - 2005 م.

35. طيبة ماهر وزادة، فلسة كانت التربوية، تعریب عبد الرحمن العلوي، دار الهادي بيروت، ط 1 - 2001 م.

36. عباس القمي، سفينة البحار، دار الاسوة للطباعة - قم، ط 2 - 1416 ه.

37. عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت، طبعة 1984 م.

38. عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة و أسانیده، مؤسسة الأعلمي -

بیروت، ط 2 - 1975 م.

39. عبد الکریم سروش، العقل والحرية، ترجمة احمد القابنجي، دار الفكر الجديد. النجف الاشرف، بلات، سلسلة ثقافة اسلامية معاصرة (14).

40. عبد المجيد النجار؛ مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة؛ دار الغرب الإسلامي؛ ط 2 - 2008 م.

41. عبد النور بزا؛ مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية؛ الناشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي؛ ط 1، سنة 2008 م.

42. علي بن عيسى الاربلی، کشف الغمة في معرفة الأئمة، نشر أدب الحوزة -

ص: 476

قم، طبعة. 1346 ه.

43. فرانك. أ. ميتشلمان، رولز عن النزعة الدستورية والقانون الدستوري، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 - 2015 م.

44. فيليب رینارد، ماكس فيبر والحداثة السياسية، بي يواف - باريس، ط 1 - 1996 م.

45. كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، الناشر دار صادر - بيروت.، طبعة 1961م.

46. كوبلستون، فردريك، تاريخ الفلسفة، « کانت«، المشروع القومي للترجمة - القاهرة، طبعة 2002 م.

47. مارتاك. نوسباوم، رولز والحركة النسوية، مقال، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات - الدوحة، ط 1 - 2015 م.

48. الماوردي، التاج في أخلاق الملوك، تحقيق أحمد زكي، مطبعة الأميرية، القاهرة، ط 1، 1914 م..

49. محسن الامين أعيان الشيعة، تحقیق حسن الامین، دار التعارف للمطبوعات ۔ بیروت، ط 5 - 1998

50. محمد اركون، الفكر الاسلامي من نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي - بيروت، ط 5 - 2009 م.

51. محمد آرکون، این هو الفكر الاسلامي المعاصر، دار الساقي، بیروت، ط 4 - 2010 م.

52. محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، مركز الأبحاث العقائدية . قم، ایران، ط 1 - 2000 م.

ص: 477

53. محمد سليم العوا، فكرة المقاصد في التشريع الوضعي، - مقاصد الشريعة وقضايا العصر-، منشورات مؤسسة الفرقان للتراث الثقافي - لندن، ط 1، 2011 م.

54 - محمد عابد الجابري، العقل الاخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، ط 2 - 2006.

55. محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز: نحو تعاقد اجتماعي مغاير، دار توبقال للنشر - الدار البيضاء، ط 1 - 2014.

56. محمد ياسين عريبي، مواقف ومقاصد في الفكر الإسلامي المقارن، الدار العربية للكتاب - طرابلس طبعة - 1982 م.

57. محمود حمدي زقزوق، المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، دار المعارف - بيروت، ط 1 - 1998 م.

58. مصطفى عبد الرزاق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، بلات.

59. الموفق بن أحمد الملكي الخوارزمي: المناقب، تقديم محمد رضا الموسوي، المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف، طبعة - 1965 م.

60. ميشيل هاملتون مورغان، التاريخ الضائع، مكتبة الكونغرس - واشنطن، ط 1 - 2007 م.

ص: 478

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المحور العقدي والفقهي

التراث العَلوي ودوره في نمو الأحكام الخلقية لدى الشباب (دراسة تحليلية)

د. حلیم صخيل العنكوشي م. حلا يحيى البديري

تعريف بالبحث...21

المقدمة:...21

مشكلة البحث:...23

أهمية البحث:...24

أهداف البحث:...26

حدود البحث:...26

منهج البحث:...26

التعريف بمصطلحات البحث:...27

أولاً - الحكم الخلقي: عرّفه كل من:...27

ص: 479

ثانياً - الموروث العلوي:...28

إطار نظري...29

النظريات التي تناولت نمو الأحكام الخلقية...29

1. المنظور السلوكي (Behaviorism perspective)...29

النظرية المعرفية (Cognitive perspective):...31

أ. وجهة نظر بياجيه:...31

ب. وجهة نظر کولبرج:...32

ج. وجهة نظر بروفينبرینر Brofenbernner theory...35

القيم الخلقية والحث على تطور الحكم الخلقي في البعض من الأحاديث والخطب والمواقف الواردة عن الامام علي (علیه السلام)...37

مدى الإفادة مما ورد عن الإمام (علیه السلام) في حث وإثابة للحكم الخلقي الذي يطابق الشريعة الإسلامية في تربية الجيل الجديد...46

التوصيات:...50

المقترحات:...50

المصادر العربية...51

المصادر الأجنبية:...53

ردّ الشمس للإمام علي (علیه السلام) الدكتورة زهور کاظم زعیمیان

المقدمة...57

وقوف الشمس لنبي الله يوشع بن نون (علیه السلام)(3)...57

رد الشمس للنبي حزقيا (سنة 612 ق.م، و نبوته بعد 666 ق.م)...63

ردّ الشمس لنبي الله سليمان بن داود (علیه السلام) (عاش 970 ق.م حتى 931 ق.م)...64

حبس الشمس للنبي موسى (علیه السلام)...66

ص: 480

حبس الشمس وردها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)...67

ردّ الشمس للإمام علي (علیه السلام)...68

المرة الأُولى: مكاناً وزماناً بالصهباء من أرض خيبر في العهد النبوي الشريف:...69

أما المرة الثانية في بابل (الحلة)....71

الخاتمة...74

هوامش البحث:...75

المصادر والمراجع...79

السؤال ودوره في الإثراء المعرفي دراسة في ضوء نهج البلاغة

م.د عدنان عباس البطاط م.م. ارکان حسین التمیمي

مقدمة...85

السؤال في اللغة:...86

السؤال في الاصطلاح...88

السؤال في نهج البلاغة...88

أهمية السؤال (طلب المعرفة)...89

هل يُزعجُ السؤالُ علياً عليه السلام؟...94

معالم السؤال في نهج البلاغة...95

آدابُ السؤال...101

أولاً: آداب السائل...101

ثانياً: آداب المجيب...105

نتائج البحث...111

المصادر والمراجع...116

ص: 481

دور الفرائض الشرعية في التكافل الاجتماعي عهد الإمام علي أنموذجا د. خديجة حسن علي القصير

المقدمة...121

أهداف البحث:...121

المبحث الأول: مفهوم التكافل الاجتماعي...123

أولا: التكافل في اللغة والاصطلاح...123

المبحث الثاني: الفرائض الشرعية ودورها في التكافل الاجتماعي...129

في عهد الإمام علي عليه السلام...129

الخاتمة...133

المصادر والمراجع...136

عقيدة التوحيد في شرح نهج البلاغة للسيد هادي كمال الدين الحلي (ت 1406 ه) م. د كريم مزة ميدي جاسم

المُقدِّمة...141

ثانيًا: الصفات الإلهيَّة...146

ثالثًا: إبطال رؤية الله...149

رابعًا: نفي التجسيم...152

المصادر والمراجع...161

ص: 482

المحور القانوني والسیاسي

إصلاح النظم الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام) الدكتور: محمد خضير عباس

المقدمة:...169

التمهيد: التعريف بمفردات البحث...171

1 - الإصلاح لغةً:...171

الإصلاح اصطلاحاً:...171

2 - النظم لغةً:...172

النظم اصطلاحاً:...173

نشأة النظم الإسلامية:...173

3 - الفكر لغةً:...174

الفكر اصطلاحاً:...174

المبحث الأول...176

فلسفة وعوامل الإصلاح...176

فلسفة الإصلاح:...176

عوامل الإصلاح والتغيير...177

نبذة تاريخية عن الإصلاح...178

إصلاح النظم الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام)...181

بدء برنامج الإصلاح...182

المبحث الثاني: الاصلاح الإداري...183

المبحث الثالث: الإصلاح الاجتماعي...190

المبحث الرابع: الإصلاح الاقتصادي...192

ص: 483

المبحث الخامس: الإصلاح القضائي...197

آداب القضاء في فكر الإمام علي (عليه السلام):...200

إصلاحاته (عليه السلام) في نظام الحُسبة...203

واجبات المُحتسب:...204

نشأة الحُسبة:...204

إصلاحاته (عليه السلام) في النظر في المظالم...207

أول من نظر في المظالم في الإسلام:...208

المبحث السادس: الإصلاح الثقافي والديني في فكر الإمام علي (عليه السلام)...216

أولاً - الإصلاح الثقافي:...216

ثانياً- الإصلاح الديني:...219

الخاتمة:...222

المصادر والمراجع:...229

المصادر:...229

المراجع:...233

الأقراص الليزرية:...236

شبكة المعلومات (الأنترنيت):...236

الآثار الناجمة عن سیاسة الامام علي (علیه السلام) الإداریة والمالیة أسالیب المعارضة أنموذجا أ.م.د. علاء کامل صالح العیساوي

المقدمة:...239

اولا: ظهور الاتجاهات المعارضة لخلافة الإمام علي (عليه السلام)...241

1 - السخط والتذمر...241

2 - العصيان والتمرد المسلح...248

3 - تفرق أصحاب الإمام (عليه السلام) وجنده والتحاقهم بمعاوية...257

ص: 484

الخاتمة:...268

المصادر والمراجع...290

اولا: المصادر الأولية...290

ثالثاً المراجع الحديثة:...301

رابعاً الرسائل والاطاريح الجامعية:-...304

خامساً: الدوريات:-...304

الجانب السياسي في رسائل الإمام علي (عليه السلام) الدكتورة زينب سمير علي

المقدمة...307

أولا:عهود التولية:...309

ثانياً - سياسة الامام علي (علیه السلام) في عزل الولاة واستبدالهم...311

ثالثا - أمر البيعة ومقتل الخليفة عثمان بن عفان:...315

رابعاً - أمن الدولة وسياستها:...317

الخاتمة...325

المصادر الاولية:...334

المراجع:...338

السياسة الادارية عند الإمام علي (عليه السلام) الأستاذ المساعد الدكتور احمد عدنان الميالي

مقدمة...341

المحور الاول: اصول السياسة الادارية عند الإمام (علیه السلام):...342

المحور الثاني: احترام الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية...347

ص: 485

المحور الثالث: إقامة منهج العدل...355

الخاتمة...360

المصادر والمراجع...368

ثلاث نظریات ابداعیة في السلطة السیاسیة للحکومة العلویة تأسیس الامام علي (علیه السلام) لوظائف السلطة بین التشریع والواقع الدکتور محمد نعناع

مقدمة...373

تمهید...374

الفصل الاول: نظرية بناء معادلة السلطة بين حاجات الامة وتطبيق الشريعة...378

المبحث الاول: الحاكمية في فكر الامام علي - تجربته عليه السلام مع الخوارج...379

المبحث الثاني: حدود التعددية والحرية في مقابل الاكراه المرفوض قرانيا...384

الفصل الثاني: نظرية النزاهة اساس الحكم...387

المبحث الاول: ابداعات تعزيز الثقة بالنفس والمجتمع...389

المبحث الثاني: تعرية الفساد للحفاظ على مقدرات الامة...392

الفصل الثالث: نظرية صناعة القوى الفاعلة...394

المبحث الاول: معرفة الحاكم بالجغرافيا التي يحكمها...396

المبحث الثاني: المعادلة العلمية بين تقوية الذات واستقطاب الطاقات...398

الخاتمة...403

العدل کقیمة أخلاقیة دراسة استکشافیة لفلسفة وتطبیقات مفهوم العدالة في ضوء عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر مقارنة بالاتجاهات الحدیثة لمفهوم العدالة نظریة العدالة عند الفیلسوف الامریکي جون رولز أنموذجا الباحث حسین جوید الکندي

مقدمة...411

خطوات البحث:...412

ص: 486

مشكلة البحث:...413

هدف البحث:...414

فرضية البحث:...414

منهجية البحث:...414

خطة البحث:...415

تمهید...416

المبحث الاول: العدالة كقيمة اخلاقية...424

المطلب الاول: مفهوم العدالة كقيمة اخلاقية في نصوص عهد الإمام علي علیه السلام لمالك الاشتر...425

مفهوم المؤسسات الاجتماعية عند امير المؤمنين علیه السلام...428

مفهوم الحريات الاساسية...431

المطلب الثاني: روح القانون ونظرية تطابق العدل والخير عند الإمام علي علیه السلام...436

مقاصدية الاخلاق عند الامام علي علیه السلام...438

خطاب الاستقرار عند امير المؤمنين علیه السلام...440

المبحث الثاني: العدالة كإنصاف...443

المطلب الاول: مفهوم العدالة كانصاف في كتاب (نظرية في العدالة) لجون رولز...445

خطاب تطابق العدل والخير عند جون رولز...447

خطاب الاستقرار عند جون رولز...448

خطاب الواجب عند رولز...450

المطلب الثاني: الجذور الفلسفية لنظرية العدالة كانصاف...451

بنية الخطاب السياسي عند رولز...455

مبدأ الاختيار عند رولز...459

الخاتمة...459

المصادر والمراجع...473

ص: 487

ص: 488

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.