نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الامام امير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر رحمه الله المجلد 2

هوية الکتاب

أعمال

المُؤْتَمَرِ العِلِميِّ الوَطَنيِّ المُشْتَرَكِ الأوّلِ

لِمُؤْسَّسَةُ عُلُوْمِ نَهْج البَلَاغَةِ وَمَرْكَزِ دِرَاسَاتِ الكُوفَةِ

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1207 لسنة 2018 م

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.02.M8 N5 2018

المؤلف المؤتمر:

المؤتمر العلمي الوطني المشترك (1: 2016: كربلاء، العراق).

العنوان: اعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الاول: نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله /

بيان المسؤولية: الذي اقامته مؤسسة علوم نهج البلاغة، مركز دراسات الكوفة.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 10 جزء ببليوجرافي في 10 مجلد مادي؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (386).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، 141 سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (1).

تبصرة محتويات: المجلد 1، 2: المحور القانوني والسياسي - المجلد 3، 4: المحور الاداري والاقتصادي - المجلد 5: المحور الاجتماعي والنفسي - المجلد 6، 7، 8: المحور الأخلاقي وحقوق الانسان - المجلد 9، 10: المحور اللغوي والادبي.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - نظريته في بناء الدولة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - نظريته في الحكم - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - سياسته وحكومته - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - قضائه - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في التعايش السلمي - مؤتمرات.

موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي الاسلام والدولة - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الإداري في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والاقتصاد - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والتعايش السلمي - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والمجتمع - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة - مؤتمرات.

مؤلف اضافي: شرح ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

اسم هيئة اضافي : مركز دراسات الكوفة (النجف، العراق).

عنوان اضافي: عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1207 لسنة 2018 م

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.02.M8 N5 2018

المؤلف المؤتمر:

المؤتمر العلمي الوطني المشترك (1: 2016: كربلاء، العراق).

العنوان: اعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الاول: نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله /

بيان المسؤولية: الذي اقامته مؤسسة علوم نهج البلاغة، مركز دراسات الكوفة.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 10 جزء ببليوجرافي في 10 مجلد مادي؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (386).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، 141 سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (1).

تبصرة محتويات: المجلد 1، 2: المحور القانوني والسياسي - المجلد 3، 4: المحور الاداري والاقتصادي - المجلد 5: المحور الاجتماعي والنفسي - المجلد 6، 7، 8: المحور الأخلاقي وحقوق الانسان - المجلد 9، 10: المحور اللغوي والادبي.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - نظريته في بناء الدولة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - نظريته في الحكم - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - سياسته وحكومته - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 للهجرة - قضائه - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في التعايش السلمي - مؤتمرات.

موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي الاسلام والدولة - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الإداري في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والاقتصاد - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والتعايش السلمي - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والمجتمع - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة - مؤتمرات.

مؤلف اضافي: شرح ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

اسم هيئة اضافي : مركز دراسات الكوفة (النجف، العراق).

عنوان اضافي: عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة المؤتمرات العلمية

(1)

أعمال

المُؤْتَمَرِ العِلِميِّ الوَطَنيِّ المُشْتَرَكِ الأوّلِ

لِمُؤْسَّسَةِ عُلُوْمِ نَهْج البَلَاغَةِ وَمَرْكَزِ دِرَاسَاتِ الكُوفَةِ

لسنة 1438 ه - 2016 م

(المحور القانوني والسياسي)

الجزء الثاني

إصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر(عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الالكتروني:

www.inahj.org

الايميل:

Inahj.org@gmail.com

الکتاب: أعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الأول، نظام الحکم وإدارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالك الأشر (رحمه الله).

الجهة الراعیة للمؤتمر: الأمانة للعتبة الحسینیة المقدسة ورئاسة جامعة الکوفة.

الجهة المقیمة للمؤتمر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ومرکز دراسات الکوفة.

المدة: أقیم في یومي 24 - 25 من شهر کانون الأول من العام 2016 م الموافق 23 - 24 من شهر ربیع الأول من العام 1438 ه.

رقم الإیداع في دار الکتب والوثاق الوطنیة 1207 لسنة 2018 م

الناشر: العتبة الحسینیة المقدسة.

عدد المجلدات: 10 مجلد

عدد البحواث المشارکة: 128 بحثاً

الإشراف والمتابعة: مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تنويه: إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

التأصيل الفقهي لدور الحاكم في الاسلام قراءة في عهد الامام علي (عليه السلام)

اشارة

الى مالك الاشتر (رضي الله عنه)

د. بتول فاروق محمد علي

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

في ضوء التجاذبات الكبيرة بين الطوائف حول دور الحاكم وسلطته المطلقة او المقيدة في الاسلام، وكذلك التجاذبات الأخرى مع من يرى ان الإسلام ليس له نظرية حكم، وان الحاكم لا يفترض ان يكون له الدور الديني. ومع ملابسات الدور التاريخي الذي لعبه الحاكم الاسلامي عبر العصور، نجد ان التنظير الفقهي بدوره كان ملتبسا نتيجة تغييب ائمة اهل البيت عليهم السلام، عن الحكم. وربما وجدت كتابات متفرقة عن شكل الحكم، ولكن الأدوار التي ينبغي ان يمثلها الحاكم لم تكن موجودة، سواء كان الحاكم خليفة او من الولاة على الامصار الاسلامية. الا ان عهد مالك الاشتر احتوی تفصیلات متعددة يطلب فيها الخليفة الشرعي من واليه ان يقوم بها، كواجب عليه، لإصلاح رعيته، وكانت هذه التعليمات بمثابة دستور على الحاكم أن يطبقه ويعمل على ضوئه.

من هنا جاء البحث ليسلط بعض الضوء على هذه الأدوار بدراسة فقهية أولية، لنرى براعة الامام في رسم ملامح کاملة لها، مما جعلها خالدة تطبق في كل عهد

و مکان.

تناول البحث كما هو معتاد في المبحث الأول، تأصيل العنوان و تعريف المفردات والمصطلحات المستخدمة فيه. كما تناول نظرية الحكم واهمية الحاكم للحياة العامة.

اما المبحث الثاني فانه تناول المعطيات الموجودة في العهد المرسومة بوضوح بكلمات

ص: 7

بليغة شاملة. اما المبحث الثالث فقد تناول التأصيل الفقهي لها، اي للمعطيات وكيفية استخراج حکم عام من خلال هذا النص، يمكن أن يشكل دستورا عاما للحاكم في اي مكان بغض النظر حتی عن انتمائه الديني لأنها مفاهیم انسانية عامة، تنطبق على اي تجمع انساني.

وسيكون للبحث نتائج يمكن أن تكون كتوصيات لنا لنضع العهد في مكانه

التطبيقي وليس في بطون الكتب، ولتكن ثقافة عامة يعرفها السياسي حين يتقلد اي منصب سلطوي عام.

كما أن البحث سيحتوي على مصادر ومراجع يذكر في اخره، كما هو متعارف في البحوث.

ومن الله التوفيق.

ص: 8

المبحث الأول تأصيل العنوان

وسيتناول تعريف المصطلحات الواردة في البحث، تلافيا لحصول لبس في بعض

مفرداته.

المطلب الأول: مقاربات مصطلحية

التأصيل: لغة: ايجاد اصل للشيء، والأصل الذي يبنى عليه غيره

والفقه: هو العلم بالشيء والفهم له، واصطلاحا: هو العلم بالأحكام الشرعية

العملية المستنبطة من ادلتها التفصيلية

الدور: لغة: دور جمعها ادوار: مهمة ووظيفة، قام بدور، اي لعب دورا: شارك

بنصيب كبير.

الحاكم: الحكم هو المنع لغة، والحكم بالشيء: أن تقضي بانه كذا، أو ليس بكذا،

سواء الزمت ذلك غيرك ام لم تلزمه والحاكم يقال لمن يحكم الناس.

والاسلام، لغة، هو الخضوع والانقياد.

الاسلام اصطلاحا: هو الدين الذي اوحی به الله تعالى لنبيه محمد ص، ليوصله

للناس كافة.

الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، هو خليفة المسلمين الرابع، واول الائمة عند الامامية، استمرت خلافته لاربع سنوات وبضعة اشهر 35 ه - 40، وهو اخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة عليها السلام.

ص: 9

العهد او الرسالة: هو كتاب رسالة كتبها الامام الى مالك الأشتر، حينما ولاه بلاد

مصر، وهو من اهم واطول كتب امير المؤمنين عليه السلام.

مالك الأشتر: مالك بن الحارث بن عبد يغوث الكوفيّ، المعروف بالأشتر، من أصحابه أمير المؤمنين عليه السلام ومن أثبتهم. أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهو من ثقاة التابعين. وكان رئیس قومه. وكان الإمام عليّ عليه السلام يثق به ويعتمد عليه، وطالما كان يُثني على وعيه وخبرته وبطولته وبصيرته وعظمته، ويفتخر بذلك. أوّل حضور فاعل له كان في فتح دمشق و حرب اليرموك، وفيها أُصيبت عينه فاشتُهر بالأشتر.

عاش مالك في الكوفة. وكان طويل القامة، عريض الصدر، عدیم المثيل في الفروسيّة. وكان المزاياه الأخلاقيّة ومروءته ومَنعته وهيبته وأُبّهته وحياته، تأثير عجیب في نفوس الكوفيّين.

المطلب الثاني: صفات الحكم في عهد الامام علي عليه السلام

اشتهر الأمام بالقيام بالعدل بين الناس والمساواة في العطاء، وتغيير النظام التمييز بين الصحابة والتابعين وغيرهم من حيث الحسب والنسب، وقد اتّسم موقف الإمام عليه السلام بالشدّة والصرامة على هؤلاء الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حقّ، فأصدر أوامره الحاسمة بمصادرة جميع الأموال التي اختلسوها من بیت المال، وتأميمها للدولة، وقد قال في الأموال التي عند عثمان: «وَاللهِ! لَوْ وجده - أي المال - قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإِماءُ، لَرَدَدْتُهُ، فَإنَّ في العَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أضيَقُ».

ومن ابرز خطواته في المساواة كانت:

ص: 10

1- المساواة في العطاء:

ساوى الإمام عليه السلام في العطاء بين المسلمين وغيرهم، فلم يقدّم عربياً على غيره، ولا مسلماً على مسيحي، ولا قريباً على غيره، وسنتحدّث عن كثير من مساواته في العطاء الأمر الذي نجم منه أنّه تنکّرت له الأوساط الرأسمالية وأعلنوا الحرب عليه .

2- المساواة أمام القضاء:

وألزم الإمام عمّاله وولاته على الأقطار بتطبيق المساواة الكاملة بين الناس في

القضاء وغيره، قال عليه السلام في إحدى رسائله إلى بعض عمّاله:

«فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَألِنْ لَهُم جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتّى لا يَطْمَعَ العُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلا يَیْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ..».

3 المساواة في الحقوق والواجبات:

ومن مظاهر المساواة العادلة التي أعلنها الإمام عليه السلام المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فلم يفرض حقّاً على الضعيف ويعفُ عن القوى، بل الكلّ متساوون أمام عدله.

4- انشاؤه بيتاً للمظالم.

وأنشأ الإمام بيتاً للمظالم أنشاه للذين لا يتمكّنون من الوصول إلى السلطة، وكان عليه السلام يشرف عليه بنفسه ولا يدع أحداً يصل إليه فيطلع على الرقاع، ويبعث خلف المظلوم ويأخذ بحقّه من الظالم، ولمّا صارت واقعة النهروان ورجع إلى الكوفة فتح باب البيت فوجد الرقاع كلّها مليئة بسبابه وشتمه، فألغى ذلك البيت».

ص: 11

5- أمرُهُ بكتابة الحوائج

وأصدر الإمام عليه السلام مرسوماً بكتابة الحوائج وعدم ذكر أسمائهم، فقد قال عليه السلام لأصحابه:

(مَنْ كانَتْ لَهُ إلَيَّ مِنکُم حاجَة فليرفَعْها فِي كتابٍ لأصُونَ وُجُوهَکُم مِن المسألَة.

سياسته المالية:-

كان للإمام عليه السلام منهج خاصّ متميّز في سياسته المالية، ومن أبرز مناهجه أنّه كان يرى المال الذي تملكه الدولة مال الله تعالى ومال المسلمين، ويجب إنفاقه على تطوير حياتهم، وإنقاذهم من غائلة البؤس والحاجة، ولا يختصّ ذلك بالمسلمين، وإنّما يعمّ جميع من سكن بلاد المسلمين من اليهود والنصارى والصابئة، فإنّ لهم الحق فيها کما للمسلمين.

كان الإمام عليه السلام يرى الفقر كارثة اجتماعية مدمرة يجب القضاء عليه

بجميع الوسائل، وقد اُثر عنه أنّه لو كان رجلاً لقتلته

واحتاط الإمام كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة، وقد روى المؤرّخون

صوراً مدهشة من احتياطه فيها كان منها ما يلي:

ص: 12

1- مع عقيل:

وفد عليه عقيل طالباً منه أن يُرفّه عليه ويمنحه الصلة، فأخبره الإمام أنّ ما في بیت المال للمسلمين، وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً، وإذا منحه وأعطاه منه فإنّه يكون خائناً ومختلساً، وإخذ عقيل يلحّ عليه ويجهد في مطالبته، فأحمي له الإمام حديدة وأدناها منه، فظنّ أنّها صرّة فيها مال، فألقى نفسه عليها، فلمّا مسّها كاد أن يحترق من میسمها، وضجّ ضجيج ذي دنف منها.

2. مع الحسن والحسين:

ولم يمنح الإمام أي شيء من بیت المال لسبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وعاملهما كبقيّة أبناء المسلمين. يقول خالد بن معمر الأوسي لعلياء بن الهيثم وكان من أصحاب الإمام: اتّق الله يا علياء! في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تؤمّل عند رجل أردته أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها العيش فأبی وغضب فلم يفعل؟

وهناك الكثير من الاحداث والصور التي تحمل المعاني النبيلة للإمام وتبين ادوار

الحاكم المثالي.

المطلب الثالث: العهد قراءة تاريخية:-

اولا: سند العهد تاريخيا:

رواه:

1 - محمّد بن الحسن الطوسي من أعلام القرن الخامس: ذكر الشيخ الطوسي سنداً

صحيحاً عند المشهور للعهد.

2 - النجاشي: روى العهد بطريق آخر صحيح عند المشهور،

ص: 13

3 - ورواه الشريف الرضي أخو الشريف المرتضى في كتاب نهج البلاغة.

4 - ورواه أيضاً ابن أبي شعبة الحرّاني - الذي كان يعيش في أواسط القرن الرابع

المعاصر للشيخ الصدوق - في كتابه تحف العقول.

5 - ورواه القاضي النعمان، وهو من علماء الإمامية، وكان قاضياً أيام حكم الفاطميين في مصر في القرن الرابع والخامس، رواه في كتابه دعائم الإسلام، إذن عهد مالك الأشتر له العديد من المصادر.

المطلب الرابع: اهمية نظام الحكم في الاسلام والتنظير الفقهي التاريخي:-

نظام الحكم جزء من الدين الاسلامي، فالإسلام ليس نظاما عقائديا بحتا، بل فيه تفصیلات لإدارة شؤون الناس. ويركز الاسلام على ضرورة تطبيق شرع الله في الأرض، من هنا كان لابد من وجود دولة تطبق ذلك في مسألتين:

1 - عرض الإسلام على العالم والقيام بالدعوة الإسلامية.

2 - وجود نظام حکم او هيئة أو جماعة سياسية تتصدى لتطبيق احكام الاسلام

وتطبق العقوبات وتقيم الحدود. يقول تعالى «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» الحج: 41.

وقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» النساء:59

ونظام الحكم في الاسلام لم يدرس بشكل كاف، لما حصل من التباس بين المذاهب الاسلامية، فالأمامية يرون الحكم مسألة دينية ويعود امرها إلى الأمام المعصوم،

ص: 14

والاخرون يرونها للامة أحيانا، وشورى لمجموعة من الناس، وملك عضوض، وخلافة بالوراثة. او استيلاء بالقوة، وكان الحاكم يمارس ادوار الخلافة الدينية والدنيوية بلا رادع من احد وكانوا يرون البيعة لا ترد، حتى لو اخطأ الحاكم، او تحاوز تعاليم الشريعة والعدالة. الأمامية يرون ان اولي الامر المذكورة في الآية هم المعصومون، الذين أذهب الله عنهم الرجس اهل البيت (عليهم السلام)، لان الله لا يأمر باتباع الانسان الخطاء. ان اهم مسألة في حياة المسلم في البلد الاسلامي هي مسألة الحكم والعدل فيه. ومع ذلك وجدنا التاريخ الاسلامي کله مليء بالصراعات والمواقف البعيدة عن الاطار الصحيح الذي رسمه الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). وهناك دعوات لعدم الخروج على الحاكم الظالم، قال ابن كثير :» الامام اذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على اصح قولي العلماء، بل لا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من آثارة للفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام ونهب الاموال...»

ومن هنا نشأت فكرة الاستبداد في التنظير الفقهي الإسلامي، يقول السيد عبد الجبار الرفاعي: «يمكن القول أن الاستبداد ظل على الدوام اشد العوامل تأثيرا في تفكير المسلمين السياسي، فما انجزه هذا التفكير من أحكام وافکار، کانت تصاغ في افاق رؤية المستبد، وتتخذ من اراء المستبد وقناعاته مرجعية له»، وهذا يبين ان المسلمين اعتمدوا رؤية الحاكم لإنتاج فقه الدولة وليس العكس، اي انتاج فقه الدولة اولا وفق مفاهيم الإسلام ليلتزم بها الحاكم والرعية على حد سواء. وهذا التنظير هو الذي جعل التجربة السياسية للحكم الاسلامي متسما بالظلم والجور، والخلاعة والمجون، خلافا لتعاليم الاسلام الواضحة.

ص: 15

المبحث الثاني: المفاهيم التي وردت في العهد لمالك الأشتر في دور الحاكم او الوالي الاسلامي.

يمكن تقسيم ادوار الحاكم الى ادوار عدة:

1 - الدور القيادي في حكم البلد: الولاية على الحكم وتمشية امور الدولة.

وهو الدور الاول للحاکم، ويشمل جوانب كثيرة. منها الدعوة للدين ومراقبة

الحالة العامة للبلد.

2 - الدفاع عن الدولة والحفاظ على أمنها وعلى نظامها.

3 - توجيه القضاء العادل وفق احكام الشرع الاسلامي.

4 - تعيين الموظفين والولاة والجباة.

5 - توجيه السياسة المالية للدولة وفق مفاهيم العدالة وعدم الجور في اخذ الجباية.

و هناك ادوار اخرى للحاکم، يمكن أن يقوم بها، كأدواره الاجتماعية والروحية

التي يكون بها المثل الأعلى للناس.

وهنا سنقرأ العهد ونرى ماهي الأدوار التي رسمها الامام لوليه الذي ولاه مصر.

(عهد الامام علي الى مالك الأشتر حين ولاه مصر.

اولا: ولاه لغرض:

أ - جباية خراجها، اي تنظيم امور الضرائب بالمفهوم الحديث.

ب - مجاهدة عدوها. اي الحفاظ على الأمن والدفاع عن البلد ضد العدو.

ج - استصلاح اهلها، باقامة العدل. والرحمة بهم والعفو عنهم ومسامحتهم.

د - عمارة بلادها. واحیاء اراضيها والعمل على نموها. قال الامام عليه السلام في

ص: 16

عهدة «جباية خراجها ومجاهدة عدوها واستصلاح أهلها وعارة بلادها».

ثانيا: في التعامل مع الرعية / المواطنين:

اسهب العهد بذكر صفات الحاكم والادوار الروحية والدينية والاجتماعية،

والطريقة التي يجب أن يتعامل بها الوالي مع الرعية.

فقد ذكر العهد «أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتّباع ما أمر الله به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها ولا يشقى إلآ مع جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه فإنّه قد تكفّل بنصر من نصره إنّه قوي عزيز.

وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإنّ النفس أمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي إنّ ربّي غفور رحيم. وأن يعتمد کتاب الله عند الشبهات فإنّ فيه تبيان كلّ شيء وهدىً ورحمةً لقوم يؤمنون. وأن يتحرّى رضا الله ولا يتعرّض لسخطه ولا يصرّ على معصيته فإنّه لا ملجأ من الله إلاّ إليه»

هذه هي الصفات التي يرسمها الإمام للحاكم المسلم:-

أ - تقوى الله بكل تجلياتها بالرحمة والايثار. وان على الحاكم الرجوع الى كتاب الله عند الشبهات فهو دستور المسلمين. وانه لابد للحاكم أن لا يصر على الخطأ وعلى المعصية، على العكس من التنظيرات التي لا تجبر الحاكم على أن لا يتجاهر بالمعصية وان لا يعصي الله أصلا، وأن يقوم بالعدل بين الناس.

ب - أن يضع الحاكم ذاته معیارا، فيما كان يكرهه من الحكام:

«ثمّ اعلم يا مالك أنّي وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وأنّ الناس ينظرون من أُمورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أُمور الولاة قبلك

ص: 17

ويقولون فيك ما کنت تقول فيهم وإنّما يستدلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعی به رعيّتك فاملك هواك وشُحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت.

ج - الرعاية والرحمة:

وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بالإحسان إليهم ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتَعرِض لهم العِلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه فإنّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاّك بما عرّفك من كتابه وبصّرك من سنن نبيّه (صلى الله عليه وآله).

هذا الدور للحاكم - الدور الراعي المحب-، لا الحاكم المتسلط الجبار الذي يغتنم اكل الرعية، هو ما يريده الاسلام، دین الرحمة والعطف والمساواة والعدالة. وهذا مالم يتواجد في الانظمة الاسلامية التي حكمت بلاد المسلمين عبر التاريخ الاسلامي، الابتعادهم عن هذه المفاهيم الحية الرحيمة. وذلك لانهم ابتعدوا عن منهج النبوة المحمدية التي تمثلها اقوال الامام علي عليه السلام وحكمه وكتبه وخطبه وسيرته العملية.

د - العفو والصفح:

«فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه..» وقوله: «لا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة..»

ص: 18

ه - عدم التكبر والغرور ومساماة الله في عظمته، أي عدم مباراة الله في سموه.

«اياك ومساماة الله في عظمته، والتشبه في جبروته، فان الله يذل كل جبار، ويهين كل مختال».

ز - انصاف الناس من ذات الحاكم ومن خاصته من اهله، ومن خواص الناس عنده:

يلاحظ أن من المشاكل الكبيرة التي يواجهها الناس والحاكم، هو بطانته السيئة، لذا خذر الامام من هذه الناحية «أنصف الله، وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك، ومن لك فيه هوی من رعیتك «، وعدم ادخال من في مشورة الحاكم من يبحث عن معائب الناس، والبخيل والجبان والحريص الذي يزين للحاكم الشر بالجور ظ: نهج البلاغة.

ح - طلب الامام من الحاكم أن يكون عادلا غير ظالم:

«من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله ادحض

حجته..»

ط - الاكثار من مجالسة العلماء والحكماء. «و اکثر مدارسة العلماء، ومنافثة الحكاء، في تثبیت ماصلح عليه امر بلادك، واقامة نا استقام به الناس قبلك».

ي - سياسة الناس حسب اعمالهم ومهنهم، فالعدل يكون بينهم، والطبقة السفلى من الرعية «يحق رفدهم ومعونتهم».

ص: 19

ويقول عليه السلام «الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمسكين،

والمحتاجين، واهل البؤسي والزمني..، واجعل لهم قسما من بيت مالك..».

ك - اختيار القضاة من افضل الرعية في نفس الحاكم: «ممن لاتضيق به الأمور،

ولاتمحكه الخصوم..».

ل - اختيار العال (الموظفون) بعد الاختبار: «انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا توهم محاباة وأثرة».

م - مراقبة العمال بتفقد أعمالهم: «وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء

عليهم..».

ن - تفقد الخراج بما يُصلِحُ اهله: «وتفقد امر الخراج بما يُصلِحُ أهله، فان في صلاحِه وصلاحِهِم صلاحا لمن سواهم..».

س - على الحاكم أن يعمر الأرض قبل التفكير باخذ الخراج (او الضريبة المالية بالتسمية الحديثة): «ولیکن نظرك عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك الا بالعمارة...».

ع - الاهتمام بالحالة الاقتصادية للرعية، والوضع الاقتصادي للبلد 1 - الوصية

بالتجار واصحاب المهن: «ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات، واوص بهم خيرا المقيم منهم، والمضطرب بماله، والمترفق ببدنه، فانهم مواد المنافع واسباب المرافق..».

2 - المنع من الاحتكار: «فامنع من الاحتكار، فان رسول الله صلى الله عليه و آله منع منه، وليكن البيع بيعا سمحاء بموازین عدل واسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حُکْرَةً، بعد نهيك اياه، فنكل به، وعاقبه من غير اسراف..».

ص: 20

ف - اقامة مجلس لسماع شكاوى الناس وحاجاتهم: «واجعل لذوي الحاجات منك

قسماً تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غیر متتعتع..»، اي غير متردد من الخوف. لا يطول الاحتجاب عن الناس:

«فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور

ص - اقامة الفرائض الدينية كاملة غير مثلومة ولا منقوصة من قبل الحاكم، ولكن

«اذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا، فان في الناس من به العلة وله الحاجة..»، وهذا يمثل الدور الديني للحاكم في الدولة الدينية القائمة على اساس الدين الإسلامي، وليس في الدولة المدنية، بغياب الامام المعصوم علیه السلامعند الامامية وينظر فتاوى السيد السيستاني وموقفه من الدولة المدنية، على سبيل المثال: مشروع المدنية وقيم المواطنة واظهار الحق المخفي واعلام الناس بالحقائق حول الحاكم والحكم:» وإن ظنّت الرعية بك حيفاً فأصحِر لهم بعذرك وأعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإنّ في تلك رياضة منك لنفسك ورفقاً منك برعيّتك وإعذاراً تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحقّ في خفض وإجمال».، واصحراي ابرز لهم وبين عذرك فيه. کما ذکره محمد عبدة في شرحة لنهج البلاغة.

وهذا يبين اثر الاعلام على الناس، وان يفصح الحاكم عن تصرفاته وخطواته لئلا تثير الشكوك في نفوس الرعية، يؤدي بهم الى التذمر وربما العصيان نتيجة لذلك، مما يؤدي إلى انعدام الأمان.

ر - قبول الصلح اذا دعا العدو الحاكم اليه، وفيه رضا الله «فإنّ في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك. ولكنّ الحذر كلّ الحذر من مقاربة عدوّك في

ص: 21

طلب الصلح فإنّ العدو ربا قارب ليتغفّل فخذ بالحزم «وتحصّن كلّ مخوف

تؤتي منه وبالله الثقة في جميع الأُمور».

ش - الوفاء بالعهد للعدو اذا اتخذ الحاكم معهم عقدا:» وإن لجّت بينك وبين عدوّك

قضية عقدت بها صلحاً أو ألبسته منك ذمّة فحُط عهدك بالوفاء وارع ذمّتك بالأمانة واجعل نفسك جُنّة دونه فإنّه ليس شيء من فرائض الله جلّ وعزّ الناس أشدّ عليه اجتماعاً في تفريق أهوائهم وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود» وايضا قوله «فلا تغدرنّ بذمّتك ولا تخفر بعهدك ولا تختلنّ عدوّك فإنّه لا يجترئ على الله إلاّ جاهل وقد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته وحريماً يسكنون إلى مَنَعته ويستفيضون به إلى جواره فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه»

ش - عدم سفك الدماء بغير حلّها:» وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير الحقّ والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصوننّ سلطانك بسفك دم حرام فإنّ ذلك يخلقه ويزيله « فإيّاك والتعرّض السخط الله فإنّ الله قد جعل لولي من قتل مظلوماً سلطاناً قال الله: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا».

الاسراء: 33.

ت - المساواة بين الرعية والحاكم: «وإيّاك والاستئثار بما للناس فيه اسوةٌ «. اي احذر أن تخص نفسك بشيء تزيد به عن الناس وهو مما تجب فيه المساواة من الحقوق العامة.

تتحدد الأدوار هنا، حسب الرؤية الدينية للحاکم، الذي يمثل الشريعة الاسلامية - الانسانية، التي هي الدستور الكامل للحياة في البلاد الإسلامية .

ص: 22

المبحث الثالث: التنظير الفقهي لأدوار الحاكم في الاسلام

ربما من اعقد الامور الاشكالية التي واجهت المسلمين عبر تاريخهم هي مسالة الحكم، فانقسم المسلمون الى فريقين

القسم الأول: يرى أن الأمور في مسالة الحكم قد جرت بشكل عفوي، غير منظم، في فترة الرسول ص وما بعده في الخلافة التي سميت بالراشدة بوقت متأخر عن فترتها، وهذه ما تمثله مدرسة الجمهور، التي ترى أن الحكم يعود للناس، من اهل الحل والعقد.

القسم الثاني: يرى ان الاسلام جاء متكاملا، وقد رسم نظام الحكم القائم على اساس الدين الاسلامي، وهي نظرية الامامة المنصوص عليها من قبل الرسول ص. لان الدين الاسلامي هو خاتم الديانات، ولذلك لابد من طرح نظام الحكم بشكل واضح ويتولاه اشخاص يتحلون بالكمال، لان اقامة الحدود ومجاهدة الاعداء، امر خطير، يحتاج إلى انسان يتمتع بالعصمة. ومن خلال هذا الجدال العقدي، شهد التاريخ الاسلامي تزيفا واسعا وصار الحكم بأشكال متعددة، لا تعطي صورة واضحة لنوع نظام الحكم في الاسلام. فاذا كان الحكم دينيا قائما على الرؤية الشرعية للأحكام الاسلامية المتفق عليها، وهي كثيرة، فكيف شهدنا تناقضا بين تصرفات الخلفاء الذين يدعون خلافتهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، و تطبيقا للإسلام. فاذا نظرنا إلى انظمة الحكم بصورة عامة وجدنا:-

ص: 23

أ - الحكم الديني (مثل الحكم البابوي في المسيحية، والخلافة الاسلامية عند المسلمين)

ب - الحكم المدني (النظام الديمقراطي: حكم الشعب)

ج - نظام امبراطوري.

د - نظام ملكي.

اما نظام الحكم في الاسلام فصار ملوکیا امبراطوريا، فلا هو يحمل شکل الخلافة

الدينية ولا حكم الشعب بل ملكية متوارثة كما في العهد الأموي.

والعباسي وما بعدهم الى العثماني. ثم جاءت الدول الحديثة بعد الاحتلالات الاستعمارية الغربية لحواضر «الخلافة الاسلامية» التي لم تكن تمثل الاسلام حقيقة. بل ملکیات متوارثة متخلفة اوصلت المسلمين إلى الحضيض اقتصاديا وثقافيا وسياسيا.

التنظير الفقهي لأدوار الحاكم عند جمهور المسلمين:

استند التنظير الفقهي لأدوار الحاكم، عند هذه المدرسة، بحسب ما افرزه الواقع العملي للحكام الذين تعاقبوا على تولي « الخلافة«، وصارت تخضع الامور الى مزاجية الحاكم والى مزاجية المحيطين به، بل تدخل بالحكم حتى الجواري والقیان، کما يحدثنا التاريخ العباسي، كمثال بارز على ذلك. فكان كتاب الاحکام السلطانية للماوردي قد ذكر فيه خلاصة ما فعله الحكام وأدوارهم. فالإمامة هي: «الْإِمَامَةُ: مَوْضُوعَةٌ لِخلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ شَذَّ عَنْهُمْ الْأَصَمُّ».

ص: 24

ويقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري: «إنَّ أهل السنَّة والمعتزلة يرون أنَّ الخلافة واجب شرعي، ولكنَّهم يختلفون في أساس هذا الوجوب؛ فأهل السُنَّة يرون أنَّ سند وجوب الخلافة هو الإجماع، أمَّا الرأي الآخرِ وغالب أنصاره من المعتزلة، فيرى أنَّ سند الوجوب هو العقل، وهناك طائفة من المعتزلة ترى أنَّ سند وجوب الخلافة شرعيّ وعقليّ في واقت واحد، ويرى الشيعة كذلك وجوب إقامة الحكومة الإسلامية. وقام هذا الفقه على التنظير لأدوار الحاكم واعطاه الصلاحيات المطلقة بالتصرف، يعطي اموالا بلا حساب ويمنع عن اخرين عطاياهم، بلا مبرر منطقي، بل ربما تعود لأمور شخصية، مثل مدح الخليفة او ذمه، عبر ابيات شعرية يقرأها شاعر في حضرة الخليفة، والتاريخ يحدثنا بالكثير من هذه القصص.

كان الخليفة والوزراء الذين يعينهم يجمعون بين التشريع والتنفيذ، وزارة التنفيذ ووزارة التفويض، وهو الذي له حق عزل الولاة وتعينهم. بحسب تعبير الماوردي: «وَأَمَّا وَزَارَةُ التَّنْفِيذِ فَحُكْمُهَا أَضْعَفُ وَشُرُوطُهَا أَقَلُّ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَتَدْبِيرِهِ، وَهَذَا الْوَزِيرُ وَسَطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعَايَا وَالْوُلَاةِ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا أَمَرَ، وَیُنَفِّذُ عَنْهُ مَا

ذَکَرَ، وَيُمْضِي مَا حَكَمَ، وَيُخْبِرُ بِتَقْلِيدِ الْولَاۃِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوش، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنْ مُهِمٍّ وَتَجَدَّدَ مِنْ حَدَثٍ مُلِمٍّ؛ لِيَعْمَلَ فِيهِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ، فَهُوَ مُعِينٌ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ، وَلَيْسَ بِوَالٍ عَلَيْهَا وَلَا مُتَقَلِّدًا لَهَا، فَإِنْ شُورِكَ فِي الرَّأْيِ کَانَ بِاسْمِ الْوَزَارَةِ أَخَصَّ، وَإِنْ يُشَارَكْ فِيهِ کَانَ بِاسْمِ الْوَاسِطَةِ وَالسِّفَارَةِ أَشْبَهَ، وَلَيْسَ تَفْتَقِرُ هَذِهِ الْوَزَارَةُ إلَى تَقْلِيدٍ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهَا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُؤَهَّلِ لَهَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الْعِلْمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدُ بِوِلَايَةٍ وَلَا تَقْلِيدٍ، فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْحُرِّیَّةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْکُمَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ».

ص: 25

اما وزير التفويض فصلاحياته اوسع وهي: -

«أَحَدُهَا: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ مُبَاشَرَةُ الْحُكْمِ وَالنَّظَرُ فِي الْمَظَالِمِ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِتَقْلِيدِ الْوُلَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ

التَّنْفِيذِ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَسْيِيرِ الْجُيُوشِ وَتَدْبِيرِ الْحُرُوبِ،

وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ.

وَالرَّابِعُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِ بَیْتِ الْمَالِ بِقَبْضِ مَا يَسْتَحِقُّ لَهُ، وَبِدَفْعِ مَا يَجِبُ فِيهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ، وَلَيْسَ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مَا يَمْنَعُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَسْتَطِيلُوا فَیَكُونُوا مَمْنُوعِينَ مِنَ الاِسْتِطَالَة».

ويلزم الامام في عشرة امور، منها:

حفظ الدين بما اجمع عليه السلف، و تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وحماية البيضة، واقامة الحدود، وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، وجهاد من عاند الاسلام، واخذ الفيء والصدقات، واستكفاء الأمناء وتقليد الفصحاء، ومشارفة الأمور بنفسه ليهتم بسياسة الامة.

هذه الأدوار التي على الحاكم أن يؤديها، بحسب فهمه الخاص في ادارة الامور، ولم يكن هناك دستورا واضحا يستعمله الخليفة او الوالي او الوزير للعمل على ضوئه، بينما نجد ان الامام علي (عليه السلام) قد كتب عهدا على مالك الاشتر لیقوم به، لكنه لم ينفذ عبر التاريخ الإسلامي، وهذا مما يؤسف له، أن تكون لدينا مثل هذه الثروة الفكرية التنظيرية، ولا يوجد تطبيق فعلي لها.

ص: 26

کما کتبت في العصر الحاضر، ضمن هذه المدرسة كتابات تنظّر إلى كيفية ادارة الحكم في العهد الحديث، مثل كتاب السنهوري، فقه الخلافة وتطورها لتكون عصبة امم شرقية، تناول فيه مفهوم الخلافة بشكل عصري يلائم الدولة الحديثة، خاصة وانه كتبه عام 1926 باللغة الفرنسية، ونال عليه شهادة الدكتوراه، بعد انهيار الخلافة العثمانية عام 1924.

ان الملاحظ على هذه التنظيرات الفقهية - السياسية تراعي ما جرى بالتاريخ الاسلامي من انواع الحكم، وتسبغ عليها التأويلات الفقهية، إلى أن وصلنا الى من يفكر بإعادة الخلافة على منهاج الخلافة الراشدة التي لم تكن مثالية حتى لمن يؤمن بها. فهذه الخلافة اصطبغت بالتكفير والقتل غير المبرر لصحابة كثر لمجرد الاختلاف في تطبيق بعض البنود التشريعية، مما جعل تاريخ الاسلام يصطبغ بلون الدم. علما انه تاریخ مسلمين ولم يكن يمثل تاريخا اسلامیا بحتا.

التنظير الفقهي لأدوار الحاكم عند الامامية الاثني عشرية:

لم يستلم الامامية زمام السلطة عبر تاريخهم، الا في فترة متاخرة، في دولة حديثة، وفي بقعة محددة من الاراضي الاسلامية وهي ایران، حيث ينص دستورها على أن المذهب الشيعي الأمامي، هو المذهب الاسلامي الذي تعمل به جمهورية ایران الاسلامية.

قام على تنظير فقهي اجتهادي وهي نظرية ولاية الفقيه العامة، اما قبل ذلك فلم يتم بهذا العنوان فخلافة الامام علي والامام الحسن عليهما السلام، كانت مليئة بالفتن والحروب التي افتعلها بعض الصحابة، كانت خلافة عامة لكل المسلمين، وجاءت بناء على مبايعة المسلمين لهم، بعد ان ميزوا بين سياستهم التي تخدم الفرد

ص: 27

المسلم بغض النظر عن مكانته الاجتماعية، وبين غيرهم من الخلفاء، فقد خط الامام علي (عليه السلام) اسلوبا خاصا في الحكم، وكتب عهدا يعد بمثابة دستور اللحاکمین، فيه مبدأ العدالة هو المعيار للحكم بين الناس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ساعة إمام عدل أفضل من عبادة سبعين سنة، وحديقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.« ويمكن استنباط احکام متنوعة من هذا العهد الذي شمل كل اركان الدولة. ليس المهم شكل الحكم، بقدر ان يقوم على مبادئ الاسلام الانسانية، واعار الدولة لخدمة ناسها.

لذا نجد أن الأحكام التي اعطاها الامام علي (عليه السلام) للوالي او الحاكم الذي ارسله على الامصار هذه الامور وهي تعتبر احكاما شرعية ينبغي أن يطبقها الحاكم في ولايته، وهي:

1 - لا نجد فيها صلاحية مطلقة بالتصرف بالمال والعطايا، ولا توزيع المناصب حسب القرابة والمعرفة الخاصة بل انها توزع حسب الكفاءة والاستحقاق کما تم ذكره سابقا.

2 - ليس من حق الحاكم أن يعطي لنفسه امتیازات اكثر من الرعية. وعليه أن يساوي نفسه مع الناس البسطاء.

3 - الأهمية لإعمار البلاد، والضريبة لا ينبغي أن تكون مقدمة على حياة الناس.

«لا تكن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم» كما في العهد، وقوله: «وتفقد الخراج

بما يصلح اهله..»

4 - حفظ الدين، من خلال تحبيب الناس لتطبيق تعاليمه لا بالفرض والتنكيل بل

بالقدوة الحسنة التي يمثلها الحاكم. والعهد به فقرات كثيرة تبين ان الامام عليه ان لا يستخدم الشدة في ذلك انظر قوله عن الناس يفرط منهم الزلل وتَعرِض

ص: 28

لهم العِلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه فإنّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاّك بما عرّفك من كتابه وبصّرك من سنن نبيّه (صلى الله عليه وآله).، وقوله (عليه السلام): «ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة،

ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة..»

5 - حفظ الأمن بالذهاب إلى قبول الصلح احيانا مع العدو، اذا طلب الصلح والهدنة. کما مر سابقا (في المبحث الثاني).

وهناك الكثير من المفاهيم يمكن أن تكون المعيار الدائمي للبلد، لأنها مفاهیم انسانية عامة، تصلح لكل زمان ومكان. يمكن للمجتهد ان يرسم بها شكلا ونظاما صالحا لإدارة البلدان، بما يتماشى مع تعاليم الاسلام السمحة، وليس المتشددة، كما شوهتها بعض التعاليم السلفية المتشددة .

ص: 29

الخلاصة ونتائج البحث والتوصيات:

الاسلام بمنظومته الفقهية على منهج اهل البيت عليهم السلام، فيه تعالیم واضحة لإقامة الحكم وفق المفاهيم الاسلامية الانسانية السمحة، وبمقولات وكتابات موثقة، كعهد الامام علي عليه السلام الى مالك الأشتر، التي تعد ابرز وثيقة توضح كيفية ادارة الحكم الإسلامي، بما يحويه من مفاهیم غاية في التسامح والانسانية، بالإضافة إلى اقامة مفهوم العدالة والمساواة بين الرعية، وهذا ينسف القول ان الاسلام لم يكن لديه رؤية محددة للحكم، كما تدعيها المذاهب الأخرى، الذين برروا للحكام تصرفاتهم، فصار الاسلام هو نفسه التاريخ الاسلامي، وهنا الخطأ الفاحش، الذي انتج لنا داعش، لان التقديس بدلا من ان يذهب الى الدين في ذاته وتعاليمه الرسمية المنصوص عليها، صار الاسلام هو سيرة الخلفاء الذين حكموا المسلمين، بما تحويها سيرتهم من تناقض وابتعاد عن الاسلام في اغلب الاحيان.

وضح البحث أن العهد يمكن الاستنباط منه مفاهيم عامة، وكاملة وتفصيلية الأدوار الحاكم الإسلامي، علما انه لم يطبق عبر تاريخه الا في دستور ایران بعد الثورة عام 1979. حيث استمد من بعض مفاهيمه وضمنها في الدستور. وبعد هذه الظروف التي يمر بها العالم الاسلامي من ضياع بسبب جور الحكام والارهابيين، لابد من اعادة النظر بهذا العهد وتبنيه بالكامل والعمل على اعادة الثقة للمسلمين بان يتبنوا المنهاج الاقوم الذي يمثله اهل البيت ع، وتعاليمهم التي اثبت التاريخ صلاحيتها واستمراريتها، لإنسانيتها العالية ولغتها الواضحة. كما أن عدى الفقهاء والمجتهدين العمل على بلورة العهد على شكل فتاوی تفصيلية يمكن أن تعطي الحكم الشرعي الواضح لمن يعمل بالسياسة ويقوم بأمور الناس، عبر مختلف السلطات في اية دولة في هذه الارض. لأننا مازلنا نعاني من قلة الدراسات في هذا الموضوع المهم.

ص: 30

الهوامش

1 - كتاب التعريفات الجرجاني، علي بن محمد، مؤسسة التاريخ العربي - دار احیاء التراث العربي، بيروت، ط 1، 2003 م، ص 23.

2 - العين، الفراهيدي ابو عبد الرحمن، تح: مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، ط 2، 1409 ه، ص 570.

3 - العدة في الاصول، الطوسي، جعفر بن محمد، تح: مهدی نجف، مؤسسة اهل

البيت، قم، ج 1، ص 21.

4 - قاموس المعاني، معجم المعاني الجامع

http://www.almaany.com

5 - معجم مقاییس اللغة، ابن فارس، تح عبد السلام محمد هارون، مط دار الفكر،

دمشق، 1979، ج 2، ص 91.

6 - التعريفات، الجرحاني، م. س، ص 19.

7 - الاقليات واحکامها في الفقه الاسلامي، بتول فاروق، زيد للنشر، بغداد، ط 1، 2009، ص 28.

8 - تاریخ الخلفاء، السيوطي، جلال الدين، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة الشرق الجديد، بغداد - دار العلوم الحديثة، بیروت، 1986، ص 166.

9 - ظ: شرح نهج البلاغة، ابن ایب الحدید، ج 6، ص 315.

10 - م. ن.

11 - الانترنت:

www.arabic. Shirazir

12- نهج البلاغة للأمام علي، تح: محمد عبدة، انتشارات لقاء، قم، ط 1، 2004، ص 571.

13 - الانترنيت. م. ن

ص: 31

14 - الانترنیت. م. ن

15 - الانترنيت. م. ن

16 - محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، 364 - 363.

17 - البداية والنهاية، مج 4 ج 8، ص 226.

18 - مفهوم الدولة في مدرسة النجف الاشرف، مجلة المعهد، العدد 7، كانون الأول / 2015، العارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، النجف - العراق. ص: 61 - 62

19 - عهد الامام علي الى مالك الأشتر حين ولاه مصر نهج البلاغة، 291 من عهد له ع، شرح محمد عبدة، انشارات لقاء، قم، 2004، ص 571.

20 - محمد عبدة، نهج البلاغة، م. س، ص 573.

21 - م. س، ص 575.

22 - م.ن، ص 577.

23 - م. ن 578 - 579.

24 -م. ن ص 587.

25 -م. ن. ص 579.

26 - م. ن. ص 583.

27 - م. ن. ص 583.

28 - م. ن. ص 584.

29 - م. ن. ص 584.

30 - م. ن. ص 586.

31 - م.ن. ص 587.

32 - ظ: محمد عبدة، ص 588.

33 - م. ن. ص 590.

ص: 32

34 - م. ن ص 590.

35 -: مصطفى الكاظمي، في 13 / 11 2014،

www.al-monitor.com

36 - نهج البلاغة 591 - 592.

37 - م. س، ص: 591.

38 - نهج البلاغة ص: 592.

39 - م س، ص 592.

40 - نهج البلاغة، ص 593.

41 - محمد عبدة، م س، ص 595.

42 - ظ: نظام الحكم في الاسلام، تقي الدين النبهاني، تقديم: عبد القويم زلوم، د. ن، ط 6، 2002، د. م، ص 41.

43 - ظ: عقائد الامامية، محمد رضا المظفر، ط: النجف، 1961 م، ص: 54.

44 - ظ: تاريخ الدولة الاموية، محمد سهيل طقوش، دار النفائس، ط 7، 2010، مصر، ص 14 وما بعدها.

45 - ظ: دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العباسية، سولاف فیض الله حسن، دار عدنان، بغداد، دار صفحات للدراسات والنشر، دمشق، 2013، المقدمة وما بعدها.

46 - الاحکام السلطانية، الماوردي، القاضي ابو یعلا محمد بن الحسين الفراء (ت 458 ه)، علق عليه: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م، ص 19.

47 - «فقه الخلافة وتطورها، عبد الرزاق السنهوري، تح: توفيق محمد الشاوي و نادية عبد الرزاق السنهوري، ن: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ت 2001، ص 59.

ص: 33

48 - ظ: كتاب الأغاني، لابي الفرج الأصفهاني وغيره.

49 - م. ن، ص 32.

50 - ظ: الاحکام السلطانية، م س، ص 27 - 28.

51 - شبكة الانترنت

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread

310563= php?t

=310563http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t

52 - ظ: دستور جمهورية ايران الاسلامية، المادة: 12.

53 - ظ: دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، حسين علي المنتظري، الدار الاسلامية، قم، ط 2، 1988، ج 1 - 3

54 - الوسائل 18 / 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

55 - نهج البلاغة، ص 587.

56 - نهج البلاغة، م س، ص 572 - 573.

57 - م. ن، ص 573.

ص: 34

تأصيل فقه العمران عند الامام علي (عليه السلام) مقاربة في عهده لمالك الأشتر

اشارة

م. د. حيدر حسن ديوان الاسدي

كلية الفقه / جامعة الكوفة

ص: 35

ص: 36

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد واله الطيبين الطاهرين، وبعد:

يستمد فقه العمران وجوده من التصور الإسلامي العام للكون، وربما المعنى اللغوي للفقه يعين على ذلك، وعليه ليس بالضرورة اقتصار المجتهد في المعاصر على تلك الموضوعات التي كانت محل ابتلاء في الماضي، اذا ما اريد للفقه مدي اوسع (الفهم والتمكن)، وان كان التعريف الاصطلاحي محدد ب «العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من ادلتها التفصيلية» لكن ذلك لا يمنع من بحث الموضوعات ذات الافق الأبعد، طالما تنتهي مرجعيتها القران الكريم والسنة الشريفة، وللعقل.

وعليه لا بد من معالجة الجوانب ذات الصلة المنهجية والمعرفية بفقه السياسة وإشكالاته، إذ من المعروف وجود قراءات، وربما تنظير حول «شكل الدول وأحوالها وامدى استمراريتها»، والتملك والتغلب وأنواعه وكيف ينتهي به المآل.

ولذلك سلط البحث الضوء على ثلاثة أمور تضمنها نهج البلاغة ولم تعط حقها

بشكل كاف من قبل كثير من الباحثين:

الأولى: «الحاجة إلى العمران البشري».

الثانية: فتتعلق ب«ضرورة وجود قاعدة سياسية واجتماعية واقتصادية للدولة»؛ لكي ينتظم العمران.

الثالثة: التعامل العلوي العملي مع الضبط النظري والمنهجي لفقه العمران.

ص: 37

لقد كان ابن أبي الحديد في منتهى الدقة والإنصاف حين وصف هذا (العهد) بأنه: نسيج وحده، ومنه تعلّم الناس الآداب والقضايا والأحكام والسياسة... وحقيق مثله أن يُقتني في خزائن الملوك. (الشرح: 2 / 310)

ولم يهمل البحث التطرق لمسألة دعوی اسبقية ابن خلدون في التنظير للعمران، في مقدمته، مع أن نهج البلاغة، وخصوصا عهد الامام علي المالك الأشتر، اشار وفصّل بشكل واضح لهذه المسألة، وبعض جزئیاتها مثل عمران الدولة وبقائها وديمومتها، فمن المعلوم أن ابن خلدون ربط ذلك بمبدأ «العصبية»، وایده بعض الباحثين امثال محمد عابد الجابري، في حين الرؤية العلوية ترهن بقاء وعمران او زوال الدول في مدى تعاطيها مع «الحقوق والواجبات»، مما يرجح اعتماد البعد المؤسساتي في الادارة في الاصطلاح المعاصر.

ولما كان العمران هدفا سام في القران الكريم، وفي السنة المطهرة للنبي الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة أهل البيت عليهم السلام، حاولت البحث في «التأصيل الفقه العمران عند الامام علي مقاربة في عهده المالك الأشتر» فجاء البحث على ثلاثة مباحث:

الأول: المقاربة الاصطلاحية للعمران.

الثاني: مرتكزات فقه العمران عند الامام علي (عليه السلام).

الثالث: اجرائیات فقه العمران عند الإمام (عليه السلام).

وانتهى البحث إلى مجموعة من النتائج، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

ص: 38

المبحث الأول المقاربة الاصطلاحية للعمران

لفظ (عمران) مشتق من الجذر ع.م. ر وله عدة معاني:

الأوّل «سکن، بقي، أقام، استوطن».

الثاني: «تعمير، كثافة، به ناس كثر، استصلح، هذّب جيدا، وعکسها قفر، صحراء، فظاظة»، الثالث: يمكن لمفردة عمران أن تعني أيضاً «بناء منزل، والسكن فيه، جعله مرفها»

هذه المجموعات الثلاثة من المعاني تعود كلها إلى معنيين أساسيين: من جهة إلى النشاط البشري، ومن جهة أخرى، إلى العنصر الجغرافي، أي المكان الذي فيه النشاط الإنساني وتطوره.

والعمارة من أعمر، وأعمره أي جعله آهلا، وفي اللغة أعمرت الأرض وجدتها عامرة، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَ»، أي أذن لكم في عمارتها، واستخراج قوتكم منها، وجعلكم عمارها، وعمر عليه أي أغناه. وقوله تعالى: «وَاسْتَعْمَرَكُمْ» أي أسكنكم فيها ألهمكم عمارتها من الحرث، والغرس، وحفر الأنهار، وغيرها أي خلقكم لعمارتها. وحيث إن قوله تعالى «وَاسْتَعْمَرَكُمْ» هو طلب مطلق من الله تعالى، ومن ثم يكون على سبيل الوجوب.

والاستعمار عند المفسرين هو طلب العمارة، والطلب من الله على سبيل الوجوب أي الفرض. وربط معنى العمارة المادية بالعمارة الروحية. والاستعمار هو جوهر حقيقة

ص: 39

الاستخلاف، حيث المبدأ العام للشريعة إصلاح وعمارة الأرض، وتزجية معاش الناس فيها، وتحقيق التمكين عليها، وتعبيد الفعل البشري لله سبحانه، بحيث تكون جميع فعاليات الكون متوجهة إلى الله، ويكون الإنسان مقتدياً على قدر طاقته البشرية بالأفعال الإلهية، متخلقاً بأخلاق الله، ساعيا نحو أعمال صفات الله في الكون، وبهذا يتحقق الاتساق بين الفعل البشري، والهدف أو المقصد الإلهي من وجود الكون.

وكان لفظ «عمران» يستخدم للتعبير عن أفكار حول الحياة، حول الساكنة، الأماكن الآهلة، واستصلاح أرض ما وتعميرها. وبهذا المعنى نجد في القرآن

«وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا»، واستعمل بمعنى أكثر واقعية بالرجوع إلى جهات الأرض المسكونة، التي يمكن فيها میلاد الحياة وتطورها.

أما فكرة التعمير والاستصلاح فهي مرتبطة بالإنسان مشيرة إلى مكانٍ يمكن الإقامة فيه أو مؤهلٌ لأن يكون عامرا إذا كان للنّباتات فهو مستصلح أو قابل للاستصلاح.

واستعمل ابن خلدون لفظ «عمران» في ثلاث معان، احدهما عام، والاخرين

خاصيَن:

المعنى العام: ويعني به «الحضارة» أي التساكن والتنازل في مصر أو حلة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش»

أما المعنيين الخاصين فنجدهما عندما يتحدث عن نوعين من الحياة بربطها بما ينتج عن كل واحدة منها، وهما «عمران بدوي»، و «عمران حضري».

بينما نجد الامام عليه السلام يصنف الناس وبالتالي محيطهم الاجتماعي الى ثلاث اقسام، يقول:

ص: 40

الناس ثلاثة: فعالم رباني.. ومتعلم على سبيل نجاة.. وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لا يستضيئون بنور العلم؛ فيهتدوا، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق؛ فينجو»، ومن المعلوم ان العلم والتعلم سمة ملازمة للحضارة. وفي الغالب يترجم لفظ عمران في اللُّغتين الإنجليزية والفرنسية بكلمة «حضارة civilisation»

ان تحليل مختلف دلالات لفظ عمران، يسمح لنا بالعودة إلى الوقوف على إختيار ترجمة بعينها لضبط المصطلح وتدقيق المعنى. أحد تلك الألفاظ التي استعملت لجعل «عمران» بمعنى مجتمع، كما فعل الباحث ناصيف نصّار، الذي اعتبر أن العلم الخلدوني، كعلم اجتماع بحق قبل وجود علم الاجتماع الحديث.

في حين يحيلنا لفظ Sociologie الحديث إلى اللفظ العربي اجتماع مشتق من الجذرج. م.ع (ضمَّ بعضه إلى بعض، وضع معاً) ومنها علم الإجتماع (-Sociolo gie). ويبدو ان هناك وحدة هوية بين لفظي «اجتماع» و»عمران».

ولفهم المعنى الفلسفي لكلمة عمران لا بد من الرجوع إلى فكرة العُمْر: لنفس الجذر ع-م-ر التي اشتق منه الفعل عمَّرَ، بمعنى «العيش طويلا»، والإسم عمر الذي يعني حياة أو فترة الحياة.

ان وضع السياسة في قلب «علم العمران»، والتعبّير عن ذلك بعبارات أرسطية کما فعل ابن خلدون في مناسبات عديدة يحتاج الى اعادة نظر ونقد، يقول: «الدولة والملك للعمران، بمثابة الصورة للمادة، وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها»، ما يقصده ابن خلدون هنا بالمادة هو العناصر التي تحيا عن طريق السياسة: «فالدولة دون العمران لا تتصور، والعمران دون الدولة والملك متعذر»

ص: 41

كما أن ربط - ابن خلدون بوصفه منظرا لعلم العمران البشري في القرن الثامن الهجري - من عدم امکان تصور الدولة فكرةً ووجوداً بدون عصبية. وعدها «الامتدادَ المكاني والزماني لحكم عصبية ما»، وما انتهى له محمد عابد الجابري ب» ارتباطَ عُمر الدولة، أي امتدادها في المكان وديمومتها في الزمان، بالعصبية أو العصبيات، وهو ما يفيد ارتهانَ «العمران» وعمارة الأرض بهذه القوَّة التي أخذت في المتن الخلدوني اسم «العصبية» وما يدخل في معناها»، نرى ان هذا الربط اقرب لمنطق التغلب والتصارع منه الى روح الاجتماع والتنظيم الذي تسعى الدول المعاصرة لتحقيقه بغية انتعاش وتطور دولها وظهورها كقوى عظمى وهو ما يسمى ب(دولة الحقوق والمؤسسات) التي تجعل الحاكم او رئيس الدولة من ضمن المنظومة المجتمعية، ولا نبالغ اذا ما قلنا ان نهج البلاغة تضمن هذا الامر بشكل صريح وواضح، يقول الامام علي (عليه السلام): «وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَاليِ، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ - سُبْحَانَهُ - لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَاليِ حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَاليِ بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الِاْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاَحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ».

ص: 42

ويميل الباحث الى ان مسائل علم العمران تتقاسهما علوم أخرى من زوايا متقاربة، وهو ما سمّاه ابن خلدون «الجريان العرضي» الذي به يمكن فهم الجانب الوظيفي للقضايا، وهي المجالات التي يهتم بها علم العمران.

ولقد تجاهل عدد من الباحثين أهمية التركيب الإبداعي الذي دعّم ابن خلدون به أصوليته، وقد نتج عن هذا التجاهل ثلاثة اتجاهات:

الأول: ينكر العلاقة بين علم العمران والعلوم الشرعية.

والثاني: يقر بوجود هذه العلاقة، ولكنه يقلل من أهميتها.

والثالث: يتمثل في التأكيد على أن للمجتمع والتاريخ والعمران قوانين موضوعية يجب الرجوع إليها للحصول على معرفة علمية موضوعية حول حركته وأحواله المتغيرة.

والحقيقة أن الغرض من تسليط الضوء على الفهم الخلدوني لعلم العمران هي من أجل ذكر العلاقة بين ما اكتشفه ابن خلدون من أثر الطبائع والأحوال وفهم الاجتماع الإنساني وما سبق اليه الامام علي في نهج البلاغة وتحويل هذه المؤثرات والمفاهيم إلى آليات عمل ضمها عهده للاشتر، ومشاريع بناء، وعمارة للأرض من اجل المساهمة في صياغة فعل إنساني يتجاوز انحطاط الواقع وغموض المستقبل.

ولذلك لا بد من ربط تاصيل العمران بمنهج معرفي، وقواعد علمية من شأنها

مواكبة المعطيات الحضارية؛ لغرض خدمة المجتمع.

و(فقه العمران) هو من أنواع الفقه الغائب لعقود من الزمن، اندثرت كل محاولات التنظير والترشيد لفقه يحمل المسلم إلى عمارة الأرض وبنائها، وتأسيس نهضة مدنية لمجتمعاتها. وللأسف إن الغفلة عن هذا الفقه ليس في بيانه والتعريف به

ص: 43

فحسب؛ بل تجاوز إلى إلغائه وإنكاره أحياناً من فقه الشريعة، واعتباره من مشاغل الدنيا الفانية على حساب الآخرة الباقية!

يقول الله تعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

ص: 44

المبحث الثاني مرتكزات فقه العمران عند الامام علي

ورد لفظ اشتقاق لفظ العمران والعمارة في نهج البلاغة سبع مرات، اثنان اريد بها العمران المعنوي وخمس منها المادي، وهذه الالفاظ الخمسة وردت جميعها في عهده عليه السلام للأشتر.

ويعد مصطلح العمارة، من أقرب المصطلحات تعبيراً عن التنمية إذ يحمل مضمون التنمية الاقتصادية والعمرانية، وقد يزيد عنه، فهو نهوض في مختلف مجالات الحياة الإنسانية، - بصفة أولية - جوانب التنمية الاقتصادية بمعناها المتعارف عليه - والذي لا يخرج عن تعظيم عمليات الإنتاج المختلفة.

ويؤكد ذلك قول الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلام) لمالك الاشتر النخعي لما ولاه مصر حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر: «وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لِانَّ ذلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلُكُ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً».

إن الإمام يرى في العمارة أبعد من مجرد الزيادة في الإنتاج أو رفع الدخل الاقتصادي للدولة، أو مضاعفة متوسط دخل الفرد، لأنها تتطلب عدالة في توزيع الدخل ورفع مستوى المعيشة لجميع أفراد المجتمع، دون استثناء، سواء من كانت لديه القدرة على الكسب، أم من يعجز عنه، إذ تقوم الدولة بضمان مستوى الكفاية لمن يحتاجها.

ويعتبر عدم الإسراف والتبذير في الاستهلاك، وفي تخصيص الموارد، من

ص: 45

مستلزمات العمارة، حيث ينبغي أن تكون عند حد الكفاية، مع مراعاة الاستمرار في عمارة الأرض. ومع اقتران الاستخلاف بالتسخير للموارد لتسهيل التكليف، واقتران التكريم بحسن الخلق، فكراً وعقلاً وإرادةً، ومن خلال هذا الاستخلاف والتكريم، فان على الإنسان انتهاج السلوك الرشيد في تخصيص الموارد ونمائها وتنميتها.

ويمكن استخلاص جملة من المرتكزات لفقه العمران عند الامام علي عليه السلام:

المرتكز الاول: وحدة العمران البشري والاقتصادي:

بدأ الامام علي عهده لمالك الاشتر بعد البسلمة بقوله: (هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا).

هنا الامام يقدم مهمة جبوة الخراج والجهاد واستصلاح اهل مصر قبل عمارة البلاد، وهذا فيه بعد مرتبي، والاهم والمهم...... لكنه يعود في الايراد الثاني للعمران ليقول: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لِانَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً).

المرتكز الثاني: تحقيق النفع العام:

يقول الامام علي عليه السلام (فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ)

ص: 46

أي إذا شكوا ثِقَلاً أوعلّة، يريد المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته. وكذلك إنقِطاع الماء عن الارض في البلاد التي تسقى بماء الانهار. وكذلك انقطاع الماء عن الارض التي تسقى بالمطر. ويصل الامر الى فساد بذور الفلاحين بالتعفن او عمها من الغرق فغلبت عليها الرطوبة حتى صار البذر فيها غمقاً او أجحفت بالعطش و أتلفت وذهب بمادة الغذاء من الارض فلم ينبت.

وهنا يؤكد الامام على ضرورة تدخل الدولة لإصلاح وعمارة ما فسد.

وهذا الامر اتضح في مقاربات الفقهاء حيث ميزوا بين المرافق العامة وبين المباحات، فالمعيار الفقهي للتمييز بين الأموال المرصدة للنفع العام (المرافق العامة) وبين المباحات الأصلية والاختصاص الناتج عليها يعد:

الأشياء أو الأموال التي تمنع أو تحول طبيعتها دون ان تتحول إلى الملكية الخاصة، تعتبر من المؤسسات العامة كالطرق وغيرها، وما تعلقت به مصلحة الناس ومنافعهم وحاجاتهم العامة كأفنية المدن والميادين العامة والاراضي المتروكة حول القرى، والمعادن الظاهرة والباطنة تكون منافع عامة لكل أفراد الأمة على اختلاف في ذلك.

وما خصص لمنفعة من المنافع العامة بناء على ما يراه الإمام والدولة يكون من

المنافع المشتركة تحقيقاً للنفع العام.

وعليه فان الأموال المباحة: هي الأموال التي اطلقها الشارع ولم يخصصها أو

يرصدها للمنافع العامة، وإنما اباح الانتفاع واباح تمليكها.

والأموال المرصدة للنفع العام هي: الأموال التي اباح الشارع الانتفاع بها واستعمالها دون إعطاء الحق بحيازتها أو وضع اليد عليها، لتغلب طابع النفع العام

ص: 47

علیها، ومنع الافراد تملك هذه الأموال، بسبب تعلق حق الجماعة بها لاهميتها، و

ينتفع بها الناس باعتبارهم جزأ من الجماعة.

وثمة فارق رئيس بين المنافع المشتركة (المرافق العامة) وبين المباحات الاصلية وهو ان المباح الأصلي ناتج من عدم تدخل أي جهة في حصوله سواء كانت هذه الجهة على وجه العموم كالدولة، أو جهة خاصة كفرد من الافراد فان المياه وجدت بشكل طبيعي دون تدخل أي شخص، وهذا غير حاصل في المؤسسات العامة كالوقف الذي هو ناتج من واقف، فما اباح الشارع الانتفاع بمنافعها فقط مؤسسة عامة، وما اباح الانتفاع بمنافعها واعيانها مباحات اصلية.

فقد ذكر أكثر الفقهاء ان المرافق العامة لا يثبت بها اختصاص لاحد والناس كلهم فيها سواء، فعمارة الأرض بالبناء والصناعة والزراعة والانتفاع بما في باطنها من معادن وخيرات مطلوب من النّاس عامّةً، ومن المسلمين خاصّةً، فهو من مقتضيات الاستخلاف العامّ للنّاس في الأرض. قال الإمام الغزالي: «فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم».

وعمارة الارض امر دعا اليه الله تعالى في القرآن الكريم، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»

قال الطبري مؤكداً معنى العمارة في الآية: ««واستعمركم فيها»، يقول: وجعلكم عُمَّارًا فيها».

وقال البيضاوي: ««واستعمركم فِيهَا» عمر كم فيها واستبقاكم من العمر، أو

أقدر كم على عمارتها وأمركم بها».

وقال الطوسي : وقوله «واستعمركم فيها «اي جعلكم قادرين على عمارة الارض،

ص: 48

ومكنكم من عمارتها والحاجة إلى سكناها. والاستعمار جعل القادر يعمر الارض كعمارة الدار».

وعلى ما مر يكون معنى قوله: «هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها» - و الكلام يفيد الحصر - أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الحقيقة المسماة بالإنسان ثم كملها بالتربية شيئا فشيئا و أفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، و يرفع بها ما يتنبه له من الحاجة و النقيصة أي إنكم لا تفتقرون في وجودكم و بقائكم إلا إليه تعالى و تقدس.

وقال مجاهد معنى «استعمركم فيها» أي اعمركم بأن جعلها لكم طول اعماركم، وفي الآية دلالة على فساد قول من حرم المكاسب، لانه تعالى امتن على خلقه بأن مكنهم من عمارة الارض فلو كان ذلك محرما لم يكن لذلك وجه، والعبادة لا تستحق إلا بالنعم المخصوصة التي هي أصول النعم فلذلك لا يستحق بعضنا على بعض العبادة ابتداء، وان استحق الشكر، ولذلك لا تحسن العبادة ابتداء، كما لا يحسن الشكر إلا في مقابلة النعم.

وقال العلامة الطباطبائي:«العمارة ضد الخراب يقال: عمر أرضه يعمرها عمارة قال: «و عمارة المسجد الحرام» يقال: عمرته فعمر فهو معمور قال: «و عمروها أكثر مما عمروها» «و البيت المعمور» و أعمرته الأرض و استعمرته إذا فوضت إليه العمارة قال: «و استعمركم فيها» فالعمارة تحويل الأرض إلى حال تصلح بها أن ينتفع من فوائدها المترقبة منها كعمارة الدار للسكنى و المسجد للعبادة و الزرع للحرث و الحديقة لاجتناء فاكهتها و التنزه فيها و الاستعمار هو طلب العمارة بأن يطلب من الإنسان أن يجعل الأرض عامرة تصلح لأن ينتفع بما يطلب من فوائدها».

ص: 49

والاستعمار عند كثير من المفسرين هو الإعمار، أي جعلكم عامرينها، فالسّين والتاء للمبالغة كالتي في استبقَى واستفاق. ومعنى الإعمار أنهم جَعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع؛ لأنّ ذلك يُعدّ تعميراً للأرض حتى سُمّي الحرث عِمارة؛ لأنّ المقصود منه عَمر الأرض.

فمقصود هذه الآيات وغيرها واضح الدلالة في بيان مقصود العمارة من خلق الإنسان، وأنه واجب على مجموع الخليقة في القيام به، وقد نص على حكم الوجوب الإمام الجصاص في قوله:»(واستعمركم فيها) يعني أمركم من عمارتها بما تحتاجون إليه، وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية».

المرتكز الثالث: مرتكز الاستخلاف والتسخير:

خلق الله الكون من اجل الإنسان وجعله مستخلفاً له في الأرض وسخر له كل

شيء، ويمكن بيان الرؤية القرآنية للاستخلاف والتسخير من خلال الآتي:

أولاً - الاستخلاف:

عقيدة الاستخلاف تقدر ان كل شيء في الوجود انما هو ملك الله تعالى خالقه وخالق السموات والأرض وما بينهما، وان الإنسان فيما لديه من مال انما هو حائز لوديعة أودعها الله بين يديه، فالله وحدهُ الذي له ملك السماوات والأرض، والإنسان هو خليفة الله في الأرض امره خالقه بالانتفاع بهذا المال في صورتيه، ومكنه من هذا الانتفاع

منسجماً مع مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه، ومصلحة الإنسانية بوجه عام.

فالأفراد وفقاً لمبدأ الاستخلاف في الأرض قد جعل الله لهم سلطاناً مباشراً على ما فيها من الخيرات والطيبات ومكّن لهم الانتفاع منها بما اعطاهم ووهبهم من القوى

ص: 50

العقلية والجسمية، وبناءً على هذا الاستخلاف العام فان الأصل اشتراك البشر جميعاً في الانتفاع مما اوجد الله في الأرض من خيرات وطيبات.

ان الله تعالى اوجب على الإنسان كثمرة من ثمرات النيابة الإلهية له باستخلاف وامكانية الانتفاع بالمخلوقات ان يعمر الأرض ويستثمر الموارد، و قد غرست الآيات القرآنية الكريمة عقيدة الاستخلاف، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، أي امرکم بعمارتها.

وعقيدة الاستخلاف تجعل المسلم يحس دائماً (ان الله خالق هاذ الكون ومالکه الأصلي، والمال الذي في ايدي البشر هو مال الله وهم فيه خلفاء لا اصلاء).

قال تعالى: «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»، وقال سبحانه: «وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ».

فقد استخلف الله الإنسان في الكون ليدير موارده ويعمره ويظهر أسرار الله وقدرته في خلقه وهي مهمة ارادت الملائكة أن تكون لها، وارادها الله للانسان تکریماً له: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، وقد ذكر ان المراد من الخليفة المعنى المجازي، قال الطاهر بن عاشور: ((المراد من الخليفة المعنى المجازي وهو الذي يتولى عملاً يريده المستخلف مثل الوكيل والوصي أي جاعل في الأرض مدبراً يعمل ما نريده في الأرض فهو استعارة أو مجاز مرسل وليس بحقيقةٍ، لأن الله تعالى لم يكن حالاً في الأرض ولا عاملاً فيها العمل الذي اودعه في الإنسان وهو السلطة على موجودات الأرض، ولان الله لم يترك عملاً كان يعمله فوكله إلى الإنسان بل التدبير الاعظم لم يزل الله تعالى فالإنسان

ص: 51

هو الموجود الوحيد الذي استطاع بما اودع الله في خلقه ان يتصرف في مخلوقات الأرض بوجوه عظيمة لا تنتهي خلاف غيره من الحيوان)).

ومن هنا فان الخلافة تکلیف بمهمة الانتفاع بموجودات الكون يكون الإنسان فيها سيداً في الكون لا سيداً للكون، فسيد الكون وحاكمه ومالك امره

الله سبحانه وتعالى، ولان الإنسان هو احد مخلوقاته قد تميز بالعقل فقد كرمه الله وانعم عليه نعمة الاستخلاف تمييزاً له عن غيره من المخلوقات. قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».

وقد اثارت مسألة الاستخلاف قضية مهمة تتعلق بسلطنة الإنسان الموارد الطبيعية هل هو نحو ملكية الرقبة ام حق اختصاص بالانتفاع أي ملكية انتفاع - وقد رجح احد الباحثين حق الاختصاص بالانتفاع (ملكية الانتفاع) وذلك للاسباب الاتية.

1 - ان كثيراً من نصوص القرآن الكريم تضيف الملكية إلى الله تعالى: «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»، وقوله تعالى: «وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ»، وقوله تعالى: «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى»، وقوله تعالى: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ»، (فإذا كان المال مال الله، وكان الناس صحيحاً عباد الله، وكانت الحياة التي يعلمون فيها ويعمرونها بمال الله وهي الله، كان من الضروري ان يكون المال - وان ربط باسم شخص معين - لجميع عباد الله يحافظ عليه الجميع وينتفع به المجتمع).

ص: 52

2 - ان وجود الإنسان في هذه الحياة مؤقت واستخلافه فيها مؤقت أيضا ولذلك كان انتفاعه بمواردها مؤقت: «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»، وهذا التحديد الزمني للبقاء يترتب عليه تحديد للاستخلاف والانتفاع ومن هنا تبرز احقية الأجيال المتعددة في الانتفاع بالموارد الطبيعية وضرورة أن يعي الإنسان هذه الحقيقية لكي يحفظ للاجيال التي بعده حقها في الانتفاع بما خلق الله في هذا الكون.

3 - ان شعور الإنسان بملكيته الدائمة للموارد يثير فيه الفساد المؤدي إلى نضوب الموارد، ولذلك كانت الآيات الكريمة واضحة في النهي عن الفساد في الأرض: «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ».

وفي ضوء ذلك قال احد الباحثين : ((ولا نتجاوز روح التشريع الإسلامي إذا قلنا: أن القواعد والمبادئ الأساسية المنظمة لاستخلاف الإنسان في الأرض ومضمونها تنزل (حق الإنسان) على موارد الطبيعية من (حق الملكية) إلى مرتبة (حق الانتفاع) فقط، والذي تقل فيه سلطان صاحبه عن سلطان المالك وفكرة حق الانتفاع تبدو أكثر ملاءمة إذا روعيت القواعد الشرعية في اعاله، فلن يكن الانتفاع قاصراً على شخص دون اخر ومن ناحية أن المنتفع لا يجوز له اهدار أو تدمير أصل أو عين المال الذي ينتفع به، لأن سلطة التصرف الشرعي في المادة لا تكون للمنتفع بل لمالك العين أو الرقبة)).

ان فهم الواقع نافذة تساعد على تحقيق الاهداف والمبادى العليا للتشريع، وهو أمر ضروري يلزم عنه ضرورة النظر في توافق العُرف مع الشرع أو مخالفته، وذلك

ص: 53

لأن مصادر الوحي تتوافر فيها الأدلة والقواعد والأحكام اللازمة والشروط العلمية والمبادئ الأصولية التي تمكّن الفقيه من التمييز بين العُرف المعتبر شرعاً وغيره. وفي مجال فقه العمران يلزم التركز على محورين، هما:

1 - فطرة الإنسان.

2 - طبيعة العمران.

ومن خلالهما فإنَّ علم العمران مؤهل لتقديم خدمات معرفية لتلك الأصول.

والكلام عن عقيدة الاستخلاف في حياة المُسلم ينطوي على نماذج ومشاريع

إصلاحية عديدة، يحاول أصحابها إيجاد طريقة لتفعيلها في حياة المُسلم، فهو ليس معزولاً عن علم العمران، وأهميته لا تقل عن العمران، بدلالة الإرادة الإلهية في خلق الإنسان.

ولذلك يمكن الاستعانة بمفاهيم أخرى لتوضيح عقيدة الاستخلاف، ينبني

بعضها على نظام كلي، تشكل مادته ثلاث قضايا أساسية، هي:

- مرجعية النص الوحياني.

- الفطرة السليمة التي هي عماد العمران البشري.

- الاستناد لمبدأ التسخير، ولاهمية نسلط الضوء عليه بشيء من التفصيل.

ثانياً: التسخير:

تشير آيات كثيرة في القرآن الكريم إلى أن الكون قد سخره الله سبحانه للإنسان أي طوعّه وذله ليستطيع الانتفاع به والتصرف فيه، ويمكن ذكر بعض الآيات الكريمة في ذلك:

- قال تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا».

ص: 54

- قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».

- قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَی أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ».

إلى غيرها من الآيات التي تذكر ما سخره الله للانسان في الكون لينتفع به دون تملكه.

ان النظرة إلى ايات التسخير الواردة في القرآن الكريم يمكن ان تبين امور عدة منها:

1 - ان هذا التسخير المذكور في ايات القرآن الكريم محدود بإرادة الله ولا يستطيع الإنسان مهما أوتي من قوة مادية أو علمية ان يحصر الاستفادة منه بفئة معينة أو افراد محددين، ولذلك فهو لانتفاع الجميع يمكن ان يحصل حق الاختصاص بالانتفاع به عند التزاحم والاسبقية.

2 - إذا كان التسخير الالهي لمظاهر الكون للانسان نعمة فهي إذاً حق من حقوقه التي منحه الله اياها يستطيع من خلاله الانتفاع بكل مافيه صلاح لبناء المجتمع.

3 - ان جميع موارد الحياة خلقها الله لنا، وبالتالي فان الانتفاع بها يعتبر في الإسلام حقاً للجميع، وينبغي ان لا ينظر إليها انها ملكية منحصرة في جيل معين دون غيره بل ملكية مشتركة لجميع الناس، ينتفع بها كل جيل بحسيب حاجته دون اخلال بمصالح الاجيال القادمة.

ومن هنا نعلم أن العمارة الحقيقية إنما تبدأ من فكر الإنسان وتنمية وعيه بقيم

ص: 55

الحقوق والواجبات العمرانية، ولو فُقدت هذه الأحكام والمبادئ لأصبحت مهمة العمران من مفاسد الأرض وجلب الظلم وانتهاك حقوق الأفراد، وهذا ما قصده ابن خلدون في قوله: «إن الحضارة مفسدة للعمران»، من حيث وصولها إلى مرحلة الترف المؤدي إلى فساد الأخلاق، وتمزق المجتمع، وذهاب ثروته نحو طبقة متفردة تنتهي بها الدولة. ولذلك قال الامام في بداية عهده: (وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا).

ومما تقدم يمكن أن ننتهي إلى القول: ان التأسيس النظري لفقه العمران عند الامام علي، مرتبط بعدد من المفاهيم والقواعد الكلية، تشكل المنطلق للفعل العمراني، من دونها لا تتحقق غاية العمران.

ص: 56

المبحث الثالث اجرائيات فقه العمران عند الامام:

اتضح في المباحث السابقة المعالم النظرية لفقه العمران عند الامام علي، وفي هذا المبحث نسلط الضوء على بعض الامور العملية التي اقرها الامام في سبيل عمران الدولة ومواطنيها واقاليمها.

ولعل ما قام الامام علي بتوزیع ثروات الدولة توزيعا عادلا على جميع افراد الامة، من الاجرائيات المهمة في تحقيق العمران:

اولا - اجراءات اولية.

1 - المساواة في التوزيع والعطاء:

بدء الامام علي عليه السلام عهده في الخلافة بتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها تحقيق العمران، يقول: «ولا يتخلّفنّ أحدٌ منكم عربيّ ولا عجميّ، كان من أهل العطاء أم لم يكن، إلّا حضر..».

وفي خطبةٍ له عليه السلام يؤكّد مبدأ المساواة والعدالة، يقول: «فأمّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحد فيه إثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء».

ص: 57

فليس لاحد على أحد فضل أو امتياز، وانما الجميع على حد سواء، فلا فضل للمهاجرين على الانصار ولا لأسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه على غيرهم، ولا للعربي على غيره، وقد طبق الامام (عليه السلام) هذه الجهة بصورة دقيقة وشاملة فكان قد ساوى بين المسلمين في العطاء، ولم يميز قوما على آخرين، فقد وفدت اليه سيدة قرشية من الحجاز طالبة منه الزيادة في عطائها، وقد التقت قبل أن تصل اليه بعجوز فارسية كانت مقيمة في الكوفة فسألتها عن عطائها فاذا به يساوي ما خصص لها، فأمسكت بها وجاءت بها اليه، وقد رفعت عقيرتها قائلة:» هل من العدل أن تساوي بيني وبين هذه الامة الفارسية؟!! «. فرمقها الامام بطرفه، وتناول قبضة من التراب، وجعل ينظر اليه ويقلبه بيده وهو يقول: «لم يكن بعض هذا الترب أفضل من بعض، وتلا قوله تعالى:» إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم».

وقد سببت هذه الاجراءات العمرانية في اثارة بعض النفعيين، فأعلنوا سخطهم وعداوتهم على الامام، ولم يقف الأمر عند هذه الحد بل وصل الامر الى مطالبة بعض اصحابه بالعدول عن اجراءاته، حتى ان الامام اجابهم: «أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لَا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءَ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لَسَوَّيْتُ لسويت بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ، أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهَ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الاخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ».

ص: 58

ويرى المدائني أن من اهم الاسباب التي أدت إلى تخاذل الكثير عن الامام اتباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضل شريفا على مشروف - في العطاء - ولا عربيا على عجمي.

2 - ربط الانفاق بالعمران: تطوير اقتصاد الدولة، وتحقيق العمران من اهم اهداف الانفاق، وقد أكد الامام في عهده للأشتر علی عمران الأرض قبل جباية الحراج يقول: «ولیکن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغیر عمارة اخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره الا قليلا...». ولذلك دعا الامام ايضا الى ترشيد الانفاق.

وهذه اهم المبادئ الاقتصادية التي تشجع على الاستثمار وتحقيق الرفاهية

الاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع، والتخفيف من مستوى الفقر.

ولذلك كانت للأمام وصايا واوامر للولاة تعزز روح التعاون وتحقق مبدا الضمان الاجتماعي وفي هذا المجال جاء في عهده المالك الأشتر «ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي والزمني فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى مثل الذي للأدنى وكل قد استرعیت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر».

ويختلف معنى الطبقة في زمن الامام عليه السلام عن المعاني المتغيرة، للطبقات المتطورة والمستحدثة، في العصور المختلفة، وبخاصة في العصر الراهن، ولذلك يقول في عهده المالك الأشتر: «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ، مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ

ص: 59

الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الاِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصَّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ، وَکُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَى حَدّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً».

أي أن الدلالة الاقتصادية، والدينية والعسكرية، متداخلة تبعا لتداخل الفئات المذكورة في المجرى العام لحركة العمران الخاصة بالمجتمع والدولة في الاسلام، الا ان الامام علي يركز على الوحدة) و (التنوع) في التركيبة الاجتماعية للرعية، فهو يرفض عمومية التحدث عن وحدة الرعية، مقدما رؤية واقعية عن مكان كل طبقة، وفعاليتها الاجتماعية والاقتصادية و(العسكرية).

3 - الفصل بين الأموال العامة وبين اموال الأفراد من قبل رجال الدولة والمتصدين للشأن العام: حرص الامام علي نهي ولاته في الامصار على عدم الاستئثار بأي شئ من الأموال العامة، فقد تحرج الامام فيها كأشد ما يكون التحرج.

وبالتأكيد ان يحصل مثل هذا الأمر من قبل اهل الطمع، الذين لا يناسبهم زهد الإمام (عليه السلام) وأقواله، حيث يقول: "ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة - ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرّي، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة

ص: 60

المربوطة، همها علفها، أو المرسلة، شغلها تقممها، تكترش من أعلافها، وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدی..».

وتذكر بعض المصادر ان الامام عليه السلام اجاب عمر بن الخطاب عندما سأل عما يصلح لي من بيت المال فقال له الامام علي: «غداء، وعشاءٌ فأخذ عمر بذلك».

وكان يقول الامام عليه السلام لأصحابه في هذا الشأن إني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: «لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله».

ثانيا - بيت المال و الخراج والعمران:

يعد «بیت المال» مجمع الثروة الاجتماعية للدولة الاسلامية، ومصدر تنظيمها وتوزيعها، ويحمل بیت المال معنيين، حسب نوع السياسة العامة لقيادة الدولة:

الاول: قد يكون بیت المال الحكومي الذي يكرس إرادة قيادة سلطة الدولة ومصالح الفئات الاجتماعية المرتبطة والموالية لها، وهو بهذه المعنى ذو دلالة طبقية، ممثلة لمصالح القوى السياسية والطبقة المتنفة ومنافية للمعنى الذي حدده الاسلام البيت المال.

الثاني: وهو المصداق الذي حدده التشريع الإسلامي، ويكون ماثلا في تكريس بیت المال لخدمة المسلمين ومن يعيش في كنف الدولة عموما.

وتتكون خزائن بیت المال بشكل اساس من «الخراج» و»الجزية» وبقية الموارد مثل الزكاة وغيرها، ويعد الخراج الدعامة الأساسية لإقتصاد الدولة في الاسلام في

ص: 61

ذلك الوقت؛ لان اغلب مراتب الجند - مثلا - من موارد الخراج: «فاذا ادت الرعية إلى الوالي حقه، وادي الوالي اليها حقها، عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على اذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الاعداء».

ومن الاخطاء الفادحة التي تمثل انحرافا خطيرا عن المضمون العمراني الاجتماعي لبيت المال، توجه أجهزة الدولة وجباتها الى الافراط في الجباية، على حساب الاهتمام بعمران الأرض، أي أن استجلاب الخراج يصبح سياسة النظام وهمّه الكبير، دونما أي اكتراث بالعلاقة الاقتصادية والسياسية بين الخراج وأحوال الناس.

وكان منهج الامام علي في العمران «وحدة العناية بالخراج والجزية بالانطلاق من الاهتمام بعمران الأرض، فهو يقول في عهده للأشتر «وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، غير ان عمران الأرض «نفسه - مرتبط أصلا بمكانة الانسان و قیمته»، لذك يقول: «وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَیْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً».

وتظهر وحدة الافق بين الانسان وعمران الأرض والخراج وبناء الدولة في ذلك التأصيل المنهجي لوحدة العلاقة الاقتصادية بمضمونها العمراني الانساني بين تلك الأطراف في قوله عليه السلام: «وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاَنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ».

ولكي يؤدي الخراج فاعليته المادية والمعنوية حرص الامام على وضع مجموعة من الأسس التشريعية ليحقق الخراج اثره العمراني:

ص: 62

1 - محاسبة العمال على سياستهم عند المخالفة.

حرص الامام علي بنهجه العادل على محاسبة الولاة والعمال الذين يمثلون سياسة الدولة، ومتابعة أعمالهم، ذلك أن الولاة والعمال هم وجه السلطة، وصورتها المعبرة عنها، في الامصار والمناطق البعيدة عن مركز الخلافة، فالناس يرون في الولاة والعمال عليهم صورة الخليفة ووجه الدولة، والممثل لنهجها و سیاستها، فاذا انهارت ثقة الناس بهؤلاء انهارت الدولة.

ومن كتاب له (عليه السلام) إلى مصقلة بن هُبَيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خُرّة: يلزمه بإعادة المبلغ الذي أخذه من بيت المال، والذي أنقذ فيه من الاسر خمسمائة رجل معظمهم من بني بكر بن وائل قوم مصقلة، قال فيه: بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلهَكَ، وَأَغْضَبْتَ إِمَامَكَ: أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ، وَأُرِيقَتْ عَلَیْهِ دِمَاؤُهُمْ، فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ، فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَئِنْ کَانَ ذلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً، وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ، وَلاَ تُصلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الاْخْسَرِينَ أَعْمَالاً.

2. تحصيل الخراج بالحق، فمن كتاب له عليه السلام إلى قیس بن سعد بن عبادة، وهو عامله على آذربایجان: (اما بعد فاقبل على خراجك بالحق، وأحسن إلى جندك بالإنصاف، وعلم من قبلك مما علمك الله).

وبلغ من احتياط الإمام (عليه السلام) لتحقيق العدل انه كان يوصي عمال صدقاته بالتأدب مع الناس والتزام اللطف بهم، وجاوز ذلك إلى إلزامهم بالرفق بحيواناتهم المستحقة لفريضة الصدقات عليها «ولا تنفرن بهيمة، ولا تفز عنها، ولا تسوءن صاحبها فيها» ونصح بالرفق بما جبي من حيوانات الصدقة والعناية بها،

ص: 63

لأنها ملك لبيت مال المسلمين والمستحقين لها، «ولا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفیظا، غير معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب».

3. اتباع سياسة التحذير لمن يعطل او يؤخر الخراج من الولاة، وسياسة التشجيع والتحفيز لمن يجلبه في وقته، وهذا جانب لتحقيق العمران في اقاليم الدولة، فمن کتاب له عليه السلام إلى يزيد بن قيس الارحبي: «أما بعد فإنك أبطأت بحمل خراجك، وما أدري ما الذي حملك على ذلك، غير أني أوصيك بتقوى الله، وأحذرك أن تحبط أجرك وتبطل جهادك بخيانة المسلمين، فاتق الله ونزه نفسك عن الحرام، ولا تجعل لي عليك سبيلا، فلا أجد بدا من الايقاع بك، واعزز المسلمين ولا تظلم المعاهدين، «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»».

ومن كتاب له عليه السلام إلى سعد بن مسعود الثقفي - عم المختار - عامله على المدائن: «أما بعد فإنك قد أديت خراجك وأطعت ربك وأرضيت إمامك فعل البر التقي النجيب، فغفر الله ذنبك وتقبل سعيك وحسن مآبك».

وتأكيدا للردع والنهي عن الجور والفساد في هذا الشأن - وهو الهاجس الذي يؤرق الإمام (عليه السلام) ويشغل باله لما شهده في زمان العال قبله - حذر الإمام عال الخراج، في كتاب وجهه إليهم، من سوء التصرف والتعسف في معاملة الناس واضطرارهم إياهم إلى ما لا يجوز ولا يصح «ولا تبيعن الناس في الخراج- أي بسببه - كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا عبدا، ولا تضربن أحدا سوطا

لمكان درهم».

ص: 64

4. الحرص على قوة وهيبة الدولة أمام الرعية، مع الاحتفاظ بالرحمة في باطن العمال. وعدم التعدي على حاجات الناس الأساسية، والرحمة بهم والعفو عنهم. ومما يدلل على هذا المنهج العمراني خطابه عليه السلام لاحد قَالَ:» اسْتَعْمَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عَلَى عُکْبُرَاءَ، فَقَالَ لِي، وَأَهْلُ الأَرْضِ معي يسمعون «انْظُرْ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُرَخِّصَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَإِيَّاكَ أَنْ یَرَوْا مِنْكَ ضَعْفًا، ثُمَّ قَالَ: رُحْ إِلَىَّ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَرُحْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا أَوْصَيْتُكَ بِالَّذِي أَوْصَيْتُكَ بِهِ قُدَّامَ أَهْلِ عَمَلِكَ لأَنَّهُمْ قَوْمُ خِدَعٍ، انْظُرْ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ فَلا تَبِيعَنَّ لَهُمْ کِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلا صَيْفٍ، وَلا رِزْقاً يَأْكُلُونَهُ، وَلا دَابَّةً يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا، وَلا تَضْرِبَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَوْطًا وَاحِدًا فِي دِرْهَمٍ، وَلا تُقِمْهُ عَلَى رِجْلِهِ فِي طَلَبِ دِرْهَمٍ، وَلا تَبِعْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ عَرَضًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ، فَإِنَّا إِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ، فَإِنْ أَنْتَ خَالَفْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ يَأْخُذُكَ الله بِهِ دُونِي، وَإِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ ِخلافَ ذَلِكَ عَزَلْتُكَ، قَالَ: قُلْتُ: إِذَنْ أَرْجِعُ إِلَيْكَ کَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، قَالَ: وَإِنْ رَجَعْتَ کَمَا خَرَجْت، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَعَمِلْتُ بِالَّذِي أَمَرَنِي بِهِ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أُنْقَصْ مِنَ الْخَرَاجِ شَيْئاً».

ويستشرف الإمام علي، المصير الذي سارت إليه دولة الأمويين، من خلال نظرتها القصيرة إلى الخراج، مقترناً لديها بالاستغلال، ذلك الذي ألبَّ عليها شعوب البلدان المفتوحة. وخلافاً لذلك، حرص علي على تكريس الشعور بالمساواة لدى هذه الشعوب، محذراً من استغلال أهل الخراج، وموصياً بالتالي أن يؤخذوا باللين والحوار والمودة. ولعل كتابه إلى عمّال الخراج، يشكل نموذجاً في هذا المجال، محدداً وظيفة الخراج وطبيعتها وصفات العامل عليه ورسالته. وقد جاء فيها: «فانصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فإنکم خُزّانُ الرعية ووكلاء الأمة وسفراء الأئمة، ولا تحسموا أحداً عن حاجته ولا تحبسوه عن طِلبتهِ، ولا تبيعُنَّ للناس في

ص: 65

الخراج كسوةَ شتاءٍ ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا عبداً، ولا تضربُنَّ أحداً سوطاً لمكانٍ درهم، ولا تمسُّن مال أحد من الناس مُصَلَّ ولا مُعاهَدٍ، إلا أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يُعتدى به على أهل الإسلام».

أن الامام علي «كان يؤمن بمقولة (الناس على دين ملوكهم) وليس بمقولة (كيفما تكونوا يولَّ عليكم) فأشد ما كان يشغل فكر الإمام هو صلاح ذوي الشأن القائمين على أمور الناس في مجال الإدارة والقضاء والدفاع وغيرها من شؤون إدارة الدولة، انطلاقا من إيمانه بمقولة (صلاح الرعية بصلاح الوالي) لذلك لا نجد في (العهد) کله غير تفصيلات واجب المسؤول تجاه مسؤوليه وتذكيره بإقامة حكم الله وسلطان الحق فيهم، ثم رعايتهم بأقصى ما يستطيع من ذلك»

ثالثا - اولوية العمران على جلب الخراج:

اتبع الامام علي سياسة اقتصادية واقعية في الخراج، توازن بينه وبين الواقع

الاجتماعي والاقتصادي لمواطني الدولة، ليؤدي الخراج دوره العمراني.

من خلال الضبط الإداري والتفويض والصلاحية بحسب كل حالة، فأمر بعض الولاة بطاعة صاحب بیت المال فيما يتعلق به وذلك كنوع من الاستقلال، بينما أعطى ولاة آخرين مسؤولية عامة عن الخراج کالأشتر النخعي جاء في العهد: «هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِیْنَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا...»

وقد عمد الامام علي في بعض الحالات إلى فصل وظيفة الخراج، كذلك بیت المال، ضبطاً لمالية الدولة، وحتى لا تكون السلطات محصورة بكاملها في يد الوالي

ص: 66

الذي قد يلجأ إلى استغلال نفوذه الواسع. ولقد روى اليعقوبي أن علياً كتب إلى قرظة ابن کعب الأنصاري، يأمره بشق نهر كان قد عفا في أرضٍ لأهل الذمة، خاتماً رسالته بالقول: «فلعمري لأن يعمروا أحب إلينا من أنيخرجوا». وهكذا يأتي تشجيع الزراعة في خدمة الاستقرار، ويقترن الخراج بعمارة الأرض وإصلاحها، ولعل هذه السياسة، وإن وجدها البعض «شديدة»، لا سيما المتضرّر من المساواة، حفرت بعمق أمام الإسلام لينتشر بتلك السرعة في البلاد المفتوحة.

اهتم الامام في الحفاظ على عمران الأراضي وأولويتها على أمر الخراج، وان كان الحراج مورداً رئيساً لبيت المال الذي تعتمد عليه الدولة في سد حاجاتها المالية، مع الإضرار به يؤثر على حياة الأفراد، وربما يؤدي إلى هلاكهم.

ولذلك يروي ان الامام عليه السلام كان في احد الايام يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلى من حوله من الناس قائلاً: ما هذا؟ فقالوا: إنه نصراني کبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس.. فقال الإمام - في غضب: استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟ ثم جعل الإمام (عليه السلام) لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت.

وهذا يدل على أن الفقر كاد أن لا يرى لنفسه مجالاً في دولة الإمام حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة مخالفة للعمران الذي اراده الله تعالى على هذه الأرض وغير لائقة بالمجتمع الانساني.

ولذلك امر مالك الاشتر بعمران الأرض اولا وليس جلب الخراج، ليخفف عن الناس ويزدهر العمران، قال الامام (ولیکن نظرُك في إعمار الأرض أبلغَ من نظرك

ص: 67

في استجلاب الخراج، لأن ذلك يُدَركُ بالعمارة ومن طلب الخراج بغیر عمارة أضر بالبلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب، أو إحالة أرض اغتمرها غرق، أو أجحف بها عطش، خفَفتَ عنهم بما ترجوا أن يصلح به أمرهم. فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما إعوازها أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعِبر...).

كانت نظرة الامام علي إلى الخراج - الذي يرتبط عضوياً بالعطاء، خصوصاً

بعد توقف الغنائم إثر رکود جبهات الفتوح. وهي نظرة تؤسس لعلاقة إيجابية مع شعوب البلاد المفتوحة، بما يسهم في عمرانها وتعزيز انتمائها للأمة. لذا يرى ضرورة إصلاح أمر الخراج، بما يتعدى الجباية، إلى المسألة الاقتصادية برمّتها، حيث يشكل الخراج المصدر الأساسي لها في ذلك الوقت، وهذا ما يمكن قراءته بوضوح في عهده للأشتر، فيوصیه قائلاً: «تفقد أمر الخراج با يُصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم، صلاحاً لِمَن سِواهم، ولا صلاح لمن سِواهم إلا بهم، لأن الناس كلّهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغَ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغیر عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً».

فإذا تعرضت الأرض إلى عطش بسبب شحّة المطر أو انقطاع مياه الري أو إلى آثار الفيضان أو الآفات الزراعية لزمه التخفيف عن كاهل أهلها- عند الجباية - بما يصلح أمرهم، وليس في ذلك خسارة على بيت المال بل تشجيع لهم على معاودة الإنتاج بجد ونشاط، وإصلاح عمارة الأرض، فضلا عما فيه من إشاعة الطمأنينة في نفوس الناس تجاه أولياء الأمور، واستعدادهم للبذل والمعونة عند حدوث أزمة أو

ص: 68

إلمام ملمة. فليس من المصلحة استنزاف ما في أيدي المزارعين، لأن خراب الأرض يؤتى من إعواز أهلها الناجم عن إلحاح أهل الجباية والتحصيل، وهو ما حذّر منه الإمام ع، لأنه من مظاهر الفساد والجور وسوء التدبير لان من «طلب الخراج بغیر عمارة الأرض أخرب البلاد وأهلك العباد»

وبالعودة إلى المصادر التاريخية، نجد أن الإمام علياً يلتزم القاعدة التي اشار بها على عمر بن الخطاب بالامتناع عن تقسيم الأراضي التي فتحت عنوة بين الفاتحين، وبالتالي لزوم إبقائها بید اهلها، كي لا تؤول الى الخراب بانتقالها إلى الغير.

وكذلك عرف عن الامام علي (عليه السلام) انه كان يعمل جهده على تحقيق عدالة التوزيع والحيلولة دون تكتل الاراضي والضياع بید افراد قلائل يستأثرون بها، دون عمرانها، ولذلك بادر فور توليه الخلافة الى الأمر بإرجاع القطائع التي اقطعها عثمان الى بيت المال، يقول: «ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة ومن ضاق عنه العدل فالجور عليه أضيق».

وهي سياسة أثارت على الخليفة الأسبق قريشاً وبعض صحابتها، كما أثارت قادة الأمصار الذين استفزهم منح عثمان بن عفان قطائع لهؤلاء ولأقربائه، وهو ما يبدو أنه كان أحد حوافز القادة للثورة على عثمان. ولذلك كان استرداد هذه «القطائع»، جزءاً من الحركة الإصلاحية التي استهدفت من جانب الامام علي عليه السلام مجمل نهج الخليفة السابق، على كافة الصعد السياسية والإدارية والاقتصادية.

ص: 69

الخاتمة

بعد هذه الوقفة الفكرية مع عهد علي عليه السلام، يمكن ذكر بعض

المستخلصات:

1. ورد لفظ اشتقاق لفظ العمران والعمارة في نهج البلاغة سبع مرات، اثنان اريد بها العمران المعنوي وخمس منها المادي، وهذه الالفاظ الخمسة وردت جميعها في عهده عليه السلام للأشتر.

2. وربط معنى العمارة المادية بالعمارة الروحية، حيث المبدأ العام للشريعة،، و تحقیق التمكين، رکن اساس في تأصيل فقه العمران عند الامام علي عليه السلام. 3. تضمن عهد الامام علي المالك الأشتر تأكيدا على اولوية العمران البشري ومن ثم عمارة الأرض بالبناء و الصناعة والزّراعة والانتفاع بما فيها كجزء من مقتضيات الاستخلاف العامّ للنّاس في الأرض.

4. لقد سبق الامام علي في نهج البلاغة في تأصيل مفاهیم فقه العمران وحولها إلى إلى اجراءات عمل ضمها عهده للأشتر، ومشاريع بناء، وعمارة للأرض من اجل المساهمة في صياغة فعل إنساني يتجاوز انحطاط الواقع وغموض المستقبل.

5. في مجال فقه العمران يلزم التركز على محورين، هما: فطرة الإنسان، وطبيعة العمران. ومن خلالهما فإنَّ علم العمران مؤهل لتقديم خدمات معرفية لتلك الأصول، ولذلك فان التأسيس النظري لفقه العمران عند الامام علي، مرتبط بعدد من المفاهيم والقواعد الكلية، تشكل المنطلق للفعل العمراني، من دونها لا تتحقق غاية العمران.

ص: 70

6. تظهر وحدة الافق بين الانسان وعمران الارض وبناء الدولة في ذلك التأصيل المنهجي لوحدة العلاقة الاقتصادية بمضمونها العمراني الانساني بين تلك الاطراف، ولكي يؤدي المنهج فاعليته المادية والمعنوية حرص الامام علي على وضع مجموعة من الاسس التشريعية لتحقق الموارد المالية للدولة اثرها العمراني.

7. حرص الامام علي بنهجه العادل على محاسبة الولاة والعمال الذين يمثلون سياسة الدولة، ومتابعة أعمالهم، ذلك ان الولاة والعمال هم وجه السلطة، وصورتها المعبرة عنها، في الامصار والمناطق البعيدة عن مركز الخلافة، فالناس يرون في الولاة والعمال عليهم صورة الخليفة ووجه الدولة، والممثل لنهجها وسياستها، فاذا انهارت ثقة الناس بهؤلاء انهارت الدولة.

ص: 71

الهوامش

1. (Lane, Arabic-English Lexicon, V, p.2153-2156). عن موقع: موسوعة الأنسنة المتوسطية.

2. المصدر نفسه.

3. سورة هود: 61

4. فؤاد عبد المنعم أحمد، السياسة الشرعية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية وتطبيقاتها المعاصرة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب،

جدة، 2001، ص 51

5. عبد الهادي علي النجار، الإسلام والاقتصاد، سلسلة عالم المعرفة (63)،

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1983، ص 61.

6. نصر محمد عارف، نظريات التنمية السياسية المعاصرة: دراسة نقدية مقارنة

في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، ط 4، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2006، ص 258 - 259.

7. سورة 30 الروم / 9.

8. المقدِّمة، ص 17.

9. نهج البلاغة: ص 808، و حلية الأولياء لأبي نعيم، رقم الحديث: 239

10. (أنظر ترجمات الفرنسية والإنجليزية لكتاب المقدِّمة: ،68 - 1862 De Slane Monteil 1967-68, Cheddadi 2002, et les etudes critiques de Hussein 1917, Bouthoul 1930, Talbi 1973, et, en anglaise, la traduction de la Muqaddima de F. Rosenthal 1958, ainsi que les textes de E. Rosenthal 1958)

ص: 72

11. Nassar، 1967، p. 143 ; voir aussi Oumlil، 1979، et Pizzi) 1985)

12. مقدمة ابن خلدون، ص 150 - 151.

13. المصدر نفسه.

14. المصدر نفسه.

15. 30. محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون، العصبية والدولة، مركز

الوحدة العربية، بيروت، 1994 من ص 213.

16. نهج البلاغة، ص 528

17. مقدمة ابن خلدون، ص 184.

18. قراءة في كتاب علم العمران الخلدوني * تأليف: صالح طاهر مشوش، موقع المعهد العالمي للفكر الاسلامي.

19. مسفر القحطاني، مدخل لفقه العمران، الشبكة العنكبوتية.

20. سورة القصص: الآية 77.

21. فؤاد عبد المنعم أحمد، السياسة الشرعية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية

وتطبيقاتها المعاصرة صض 2 ض 22، ص 51

22. نهج البلاغة، ص 712.

23. د.حسن لطيف الزبيدي، الإسلام والتنمية الاقتصادية: سعة المضمون

وتكامله:http://hasnlz.com/permalink/3393.html

24. حمد إبراهيم منصور، عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية: رؤية إسلامية معاصرة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 327.

25. نهج البلاغة، ص 712.

26. المصدر نفسه.

ص: 73

27. نهج البلاغة، ص 713.

28. ظ: أبو يوسف، الخراج، 97 - 98.

29. ظ: ابن قدامة، المغني: 5 / 426.

30. أبو عبيد : الأموال: 381، و ظ: الشواني، نيل الاوطار: 5 / 349.

31. د. محمود المظفر، الثروة المعدنية، دار الحق، ط 2، بیروت، 1419ه - 1998، ص 86 - 87.

32. المصدر نفسه.

33. د. منذر عبد الحسين الفضل، الملكية ووظيفتها الاجتماعية في الشريعة

الإسلامية، مجلة الحقوق، السنة السادسة، العد الأول 1982، ص 113

الكويت.

34. ظ: الكاساني، بدائع الصنائع، 6 / 192، الطوسي،: 3 / 276.

35. سورة هود: 61

36. القرافي. الفروق 4 / 92. 37. الزركشي. المنثور في القواعد 3 / 35، انظر: السيوطي. الأشباه والنظائر 2 / 251.

38. ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسى التبيان في تفسير القرآن، الناشر: مكتب الاعلام الاسلامي طبع على مطابع: مكتب الاعلام الاسلامي الطبعة: الاولى، 1409 ه.، 6 / 15.

39. الطوسي، التبيان: 6 / 15..

40. الميزان في تفسير القرآن: 10 / 310.

41. ظ: الماوردي: النكت والعيون 1 / 252. البغوي: معالم التنزيل 2 / 89. ابن عاشور: التحرير والتنوير 3 / 186.

ص: 74

42. الجصاص، احکام القران: 3 / 378

43. الشيخ يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام، دار التعارف، ط 1،

1993 م، بیروت، ص 145.

44. فقه البيئة، شبكة المعلومات العالمية (الانترنت).

45. سورة هود: 61.

46. ظ: ابن عربي، احکام القرآن: 3 / 1059، الرازي ، التفسير الكبير،، 18 / 17، الزمخشري الكشاف، 2 / 278 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 9 / 56، الجصاص، احکام القرآن: 3 / 23، الطباطبائي، الميزان: 10 / 310.

47. السيد محمد تقي الشيرازي، الاقتصاد ، ص 37.

48. سورة الحديد: 7.

49. سورة النور: 33.

50. سورة البقرة : 30.

51. التحرير والتنوير: 1 / 398

52. الإسلام والبيئة، ص 3. (انترنت). 53. سورة الإسراء: 70.

54. الإسلام والبيئة، ص 2، الشبكة العنكبوتية (انترنت).

55. سورة الحديد: 7.

56. سورة النور: 33.

57. سورة طه: 6.

58. سورة المائدة: 120.

59. الشيخ محمد شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، ط 19، القاهرة، 2007 م، ص 33.

ص: 75

60. سورة البقرة: 36.

61. سورة الأعراف : 74.

62. احمد سلامة، حماية البيئة في الفقه الإسلامي، مجلة الاحمدية، دبي سنة 1998، 295، عن احمد فتح الله الزيادي، W.W.W.islamicrabta.com. 63. قراءة في كتاب علم العمران الخلدوني تأليف: صالح طاهر مشوش، موقع المعهد العالمي للفكر الاسلامي.

64. سورة الجاثية: 13.

65. سورة النحل: 14.

66. سورة الحج: 65.

67. ظ: د. احمد عبد الرحيم وعوض، ود. احمد عبده، قضايا البيئة من منظور اسلامي، مركز الكتاب للنشر، ط 1، القاهرة، 1425 ه - 2004 م، ص 72 - 76.

68. ابن خلدون ، المقدمة 3 / 877

69. الجابري ، فكر ابن خلدون. العصبية والملك ص 233 وما بعدها.

70. نهج البلاغة،ص 695.

71. ابن ابي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: 7 / 37.

72. المصدر نفسه: 7 / 40.

73. سورة الحجرات: الآية 13.

74. نهج البلاغة، ص 286.

75. شرح ابن أبي الحديد 1 / 180.

76. المصدر نفسه.

77. نهج البلاغة ص 438.

ص: 76

78. نهج البلاغة، ص 704.

79. ظ: عزيز السيد جاسم، علي سلطة الحق، ص 419.

80. المصدر نفسه: 16 / 287.

81. ابو یوسف، الخراج، ص 35.

82. مسند أحمد في المسند، 1 / 78. وظ: ابن كثير،، البداية والنهاية: 8 / 2، مكتبة المعارف بيروت.

83. ظ: عزيز السيد جاسم، علي سلطة الحق، ص 422.

84. نهج البلاغة، ص 419.

85. ظ: عزيز السيد جاسم، علي سلطة الحق، ص 423.

86. نهج البلاغة، ص 712.

87. ظ: عزيز السيد جاسم، علي سلطة الحق، ص 423.

88. نهج البلاغة، ص 712.

89. المصدر نفسه.

90. ظ: عزيز السيد جاسم، علي سلطة الحق، ص 433.

91. نهج البلاغة، ص 673، وذكره البلاذري في انساب الاشراف، ص 160.

92. تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 178

93. نهج البلاغة، ص 611.

94. قال الشيخ الطوسي (تحت الرقم السادس من باب الياء من اصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من رجاله ص 62 -: يزيد بن قيس الارحبي كان عامله على الري وهمدان واصبهان. وفي شرح المختار - 25) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن ابي الحديد: ج 2 ص 4 س 1، عكسا: انه (عليه السلام) شکا قومه ممن كاتب معاوية من اهل (الجند وصنعاء) إليه، وأراد (عليه السلام)

ص: 77

أن يبعثه للتنكيل بهم. فراجع القضية فانها دالة على جلالته، لا سيما باض آفة ما قيل من أنه أخو سعيد بن قيس الهمداني المتفاني في ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) هو خاصة، وقومه عامة. وفي قصة اعتزال الخوارج عليا (أمير المؤمنين عليه السلام) من تاريخ الطبري: ج 4 ص 47، من حوادث سنة 37، وكذلك في كامل ابن الأثير: ج 3 ص 166

95. القصص: 28

96. تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 176. 97. المصدر نفسه.

98. نهج البلاغة، ص 693.

99. الخراج لأبي يوسف، ج 1 ص 15

100. د. ابراهیم بیضون / "الامام علي في رؤية النهج" و"رواية التاريخ"

101. نهج البلاغة، ص 693.

102. الدكتور صاحب أبو جناح، السياسة الإدارية عند الإمام علي (عليه السلام) قراءة في عهد التولية لمالك الأشتر: -

http://arabic.balaghah.net/con- tent.

103. نهج البلاغة، ص 610.

104. تاريخ اليعقوبي، 2 / 192.

105. د. ابراهیم بیضون / "الامام علي في رؤية النهج" و"رواية التاريخ"

106. الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 15 ص 66 ب 19 ح 19996.

107. نهج البلاغة، ص 713.

108. د. ابراهیم بیضون / "الامام علي في رؤية النهج" و"رواية التاريخ"

109. نهج البلاغة، ص 624.

ص: 78

110. الدكتور صاحب أبو جناح، السياسة الإدارية عند الإمام علي عليه السلام قراءة في عهدالتولية لمالك الأشتر: http://arabic.balaghah.net/content.

111. نهج البلاغة، ص 713.

112. ظ: الحنبلي، الاستخراج، ص 37، وظ: باقر شريف القرشي،ص 23.

113. ابن ابي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 269، 270.

ص: 79

المصادر والمراجع:

- القرآن الكريم.

- نهج البلاغة.

1. ابراهيم بيضون،الامام علي في رؤية النهج ورواية التاريخ، الناشر: بيسان للنشر والتوزيع والاعلام، ط، 2 2009، بیروت.

2. ابن أبي الحديد: عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين المعتزلي (ت: 656 ه)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1977 م.

3. ابن خلدون: عبدالرحمن بن محمد التونسي المالكي (ت 808 ه)، المقدمة، دار الكتب العلمية، ط 8، بيروت، 2003 م.

4. ابن عاشور: التحرير والتنوير، الدار التونسية، تونس، د.ت.

5. ابن قدامة (ت 630 ه)، المغني، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.

6. ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف بيروت.

7. أبو عبيدة القاسم بن سلام، الأموال، مكتبة الكليات الأهرية، القاهرة، 1968 م.

8. أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم القاضي، كتاب الخراج، المطبعة السلفية، القاهرة، ط 2، 1352 ه.

9. احمد سلامة، حماية البيئة في الفقه الإسلامي، مجلة الاحمدية، دبي سنة 1998، 295، عن احمد فتح الله الزيادي، W.W.W.islamicrabta.com.

10. احمد عبد الرحيم وعوض، ود. احمد عبده، قضايا البيئة من منظور اسلامي، مركز الكتاب للنشر، ط 1، القاهرة، 1425ه - 2004 م، ص72 - 76.

ص: 80

11. امحمد مالکي، ابن خلدون والعُمران البشري من منظور فقه السياسة (إعداد)،

موقع: تادارات مركز الدراسات الاباضية،

http://www.taddart.org 12. البغوي، ابو محمد الحسين بن مسعود الفراء الشافعي (ت 516 ه)، تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل /، تحقیق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، بیروت، دار المعرفة، ط 1، 1406 ه.

13. البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر المتوفي سنة 279 ه، کتاب جمل من أنساب الأشراف حققه وقدم له الأستاذ الدكتور سهيل زكّار، والدكتور رياض زرکلي / بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / الطبعة الأولى: 1417 ه. 14. الجصاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي المتوفي سنة 370 ه، أحكام القرآن، ضبط نصه وخرج آیاته عبد السلام محمد شاهين / ط 1، 1415 ه - 1994 م / دار الكتب العلمية بيروت لبنان. الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 15 ص 66 ب 19 ح 19996.

15. حسن لطيف الزبيدي، الإسلام والتنمية الاقتصادية: سعة المضمون وتكامله:

http://hasnlz.com/permalink/3393.html

16. حمد إبراهيم منصور، عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية: رؤية إسلامية معاصرة، مركز دراسات الوحدة العربية، بیروت، 2007، ص 327.

17. الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن محمد بن عمر بن محمد (ت 538 ه) تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تح: عبد الرزاق المهدي، بيروت دار إحياء التراث العربي، ب ت ط

18. صاحب أبو جناح، السياسة الإدارية عند الإمام علي عليه السلام قراءة في عهد

ص: 81

التولية لمالك الأشتر:

http://arabic.balagah.net/content

19. الطوسی، ابو جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، الناشر: مکتب الاعلام الاسلامي طبع على مطابع: مكتب الاعلام الاسلامي الطبعة: الأولى، 1409 ه.، 6 / 15.

20. عبد الهادي علي النجار، الإسلام والاقتصاد، سلسلة عالم المعرفة (63)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1983، ص 61.

21. عزیز السيد جاسم، علي سلطة الحق، تحقيق: صادق جعفر الروازق، الغدير للطباعة والنشر،، قم، 2007 م. 22. فؤاد عبد المنعم أحمد، السياسة الشرعية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية وتطبيقاتها المعاصرة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 2001، ص 51

23. فؤاد عبد المنعم أحمد، السياسة الشرعية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية وتطبيقاتها المعاصرة

24. قراءة في كتاب علم العمران الخلدوني تأليف: صالح طاهر مشوش، موقع المعهد العالمي للفكر الاسلامي. 25. قراءة في كتاب علم العمران الخلدوني * تأليف: صالح طاهر مشوش، موقع المعهد العالمي للفكر الاسلامي.

26. القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس (ت: 684 ه)، دار الكتب العلمية،

بیروت ط 1، 1998 م.

27. القرطبي: محمد بن احمد بن أبي بكر (ت 171 ه): الجامع لاحکام القرآن

المعروف ب(تفسير القرطبي)، تحقيق: احمد عبد العليم البردوني، مطبعة دار

ص: 82

الشعب - القاهرة، ط 2، 1372 ه.

28. الكاساني، علاء الدين أبي بكر بن مسعود (ت 587 ه) بدائع الصنائع:، دار

الكِتَاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1402 ه - 1982 م.

29. محمد شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، ط 19، القاهرة، 2007 م.

30. محمد عابد الجابري، فکر ابن خلدون، العصبية والدولة، مركز الوحدة العربية، بیروت، 1994 م.

31. محمود المظفر، الثروة المعدنية، دار الحق، ط 2، بیروت، 1419 ه - 1998.

32. منذر عبد الحسين الفضل، الملكية ووظيفتها الاجتماعية في الشريعة الإسلامية، مجلة الحقوق، السنة السادسة، العد الأول 1982، ص 113 الكويت.

33. موقع: موسوعة الأنسنة المتوسطية.

34. الميزان في تفسير القرآن / العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه) ط 3، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1393 ه. و طبعة ثانية، ط 1 المحققة، بيروت، 1417 ه. 35. نصر محمد عارف، نظريات التنمية السياسية المعاصرة: دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، ط 4، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2006.

36. اليعقوبي: احمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، (ت 284 ه)، تاريخ اليعقوبي، نشر دار صادر - بيروت (د.ط) (ب.ط)

37. يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام، دار التعارف، ط 1، 1993م، بيروت.

ص: 83

ص: 84

أسس النظام الجنائي الموضوعي الإسلامي في فكر الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

أستاذ القانون العام المساعد الدكتور زين العابدين عواد كاظم

ص: 85

ص: 86

المقدمة:

مما لا ريب فيه أن الأمام علي (عليه السلام) هو خير ولد آدم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأدلة والشواهد على ذلك من الكثرة حتى بلغت حد التواتر في كتب الحديث عند العامة والخاصة، إذ رُويَّ أن رسول الله قال: « أدعوالي سيد العرب يعني علياً». قالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: «أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب». لا بل أن الأمام عليه هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال لعلي عليه السلام:» أنت مني وأنا منك».

ولو لم تقضي المشيئة الإلهية أن يكون رسونا الأكرم عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين لكان عليا عليه السلام نبيا أيضا بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «یا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»

أما عن علم الأمام فكان أعلم الناس بعد رسول الله وأقضاهم، حتى ورد ذلك

الأمر على لسان عمر بن الخطاب إذ قال: «أقضانا علي».

وإذا كانت الأمم تفتخر بعلمائها وعظمائها وفقهائها، فلا بد لنا أن نرجع بالزمن إلى حياة الأمام علي عليه السلام، لنقلب ما حفظته لنا ذاكرة التاريخ، لنسترشد ونستنير بضياء الإرث الحضاري والإنساني الكبير الذي خلّفه لنا لتستفيد منه البشرية جمعاء.

وبما أن هذا الإرث من السعة حيث لا تحويه الموسوعات والمجلدات، آثرنا

أن نبحث جزءً محددا منه، وهو مايتعلق بالأسس والمبادئ المتعلقة بالنظام الجنائي الموضوعي الإسلامي، التي وضع لبنتها الأساس نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام، وأقام بنیانها بعده الأمام علي عليه السلام.

ص: 87

أهمية البحث:

تنطلق أهمية البحث من ذات أهمية شخص الأمام علي عليه السلام الذي عُرف بسعة علمه، ونبوغ معرفته، وعلو منزلته، ورفعة شأنه، وقوة عزيمته، وتسيده على أصحابه، إذ كان أكثرهم حلماً وذكاءً، وفطنةً، وورعاً، وزهداً، وشجاعةً، وفصاحةً، وبلاغةً، فعلى الرغم من حداثة سنه ولاّهُ الرسول الأعظم اليمن حاكما وقاضيا، واستشاره الخلفاء من بعده صلى الله عليه وآله وسلم في القضايا التي أعيتهم الحيلة عن الفصل بها، حتى ترك للأمة الإسلامية إرثا حضاريا عظيما في مجال القانون الجنائي، حتى أن المدارس الفقهية الجنائية الغربية الحديثة أخذت الكثير من آرائه والتي لا تزال يعمل بها حتى الوقت الحضر كما سيتضح لنا من ثنايا البحث.

مشكلة البحث:

توجد الكثير من المراجع والمصادر التي تتناول مسألة قضاء الإمام عليه السلام وأحكامه في المسائل التي طرحت أمامه، غير أنه لم تسلط الضوء على الأسس والمبادئ التي يمكن أن نستقيها من تلك الأحكام، وتحديداً في القانون الجنائي.

وأود الإشارة إلى أن هناك معلومة كثيرة التداول مفادها بأن مبادئ القانون الجنائي کمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وأسباب الإباحة وموانع المسؤولية وغيرها، هي من بنات أفكار المدارس الفكرية الأوربية الحديثة. ولو دققنا النظر في تلك المعلومة لوجدنا أن الإمام علي عليه السلام قد عَمِلَ وطبق تلك المبادئ والنظريات قبلهم بأكثر من ألف سنة.

ص: 88

أهداف البحث:

يمكن تلخيص أهداف هذا البحث بما يأتي:

1 - تسليط الضوء على الأسس والمبادئ ذات الصلة بالقانون الجنائي الموضوعي، والمتعلق بالقسم العام تحديدا، التي وضع أصولها الأمام علي عليه السلام.

2 - توضيح وبيان تلك الأسس والمبادئ لتحقيق المنفعة القانونية، ليسترشد المشرع العراقي بها ويضعها في الحسبان عن سن القوانين الجنائية.

3 - اثبات الحقيقة العلمية التي تؤكد بأن أكثر مبادئ القانون الجنائي المطبقة حاليا

تجد أساسها في الحضارة الإسلامية التي أسسها الرسول الأعظم صلى الله عليه

وآله وسلم، وسار على نهجه الأمام علي عليه السلام

منهج البحث:

سيعتمد الباحث في بحثه هذا على المنهج الاستقرائي للانتقال من الأحكام الجزئية لتكوين مبادئ كلية عامة، فضلا عن استخدام المنهج المقارن بين الشريعة الغرّاء والقانون الوضعي.

نطاق البحث:

يتحدد نطاق هذا البحث بالأسس والمبادئ المتعلقة بالقانون الجنائي الموضوعي، لذلك سيكون الجانب الإجرائي الجنائي خارج نطاق البحث بل سنفرد له بحثاً مختصاً به، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب لا بل أن الباحث سيتناول القسم العام من الجانب الموضوعي من دون بحث القسم الخاص للسبب ذاته أعلاه.

ص: 89

المبحث الأول مبدأ الشرعية الجنائية في فكر الأمام علي (عليه السلام)

يُعد مبدأ الشرعية الجنائية من أهم المرتكزات الأساسية التي يتكئ عليها قانون العقوبات، ولتوضيح هذا المبدأ وبيان الأساس الشرعي له وموقف الأمام منه، سیتم تقسيم هذا المبحث إلى مبحثين أثنين وكما يأتي:

المطلب الأول / مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية

أختلف شراح القانون الجنائي في تسمية هذا المبدأ، فبعضهم أطلق عليه مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أو مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وذهب آخرون إلى تسميته بمبدأ شرعية الجريمة والجزاء أو مبدأ لا عقوبة ولا تدبير إلا بنص.

وعلى الرغم من الإختلاف حول تسمية هذا المبدأ غير أن المراد بمدلوله واحداً

وهذا سيتم بيانه ضمن ثنايا البحث.

الفرع الأول / تعريف مبدأ الشرعية الجنائية

الشرعية الجنائية مصطلح مكون من كلمتين، الأولى الشرعية: وهي أسم مؤنث مشتق من الفعل شَرَعَ و أشرع والشَرعُ يعني الطريق المستقيم وما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده.

إذن الشرعية تعني بأن الشيء قائم على أساس صحيح ومشروع.

ص: 90

أما كلمة الجنائية: فهي مشتقة من الفعل جنى، والجناية في اللغة تعني الذنب.

ومن الناحية الاصطلاحية يمكن تعريف مبدأ الشرعية الجنائية بأن المشرع وحده هو من يمتلك سلطة تحديد الأفعال والسلوكيات التي تعد جرائم، وهو أيضا (أي المشرع) من يحدد العقوبات والتدابير الاحترازية المناسبة لمرتكب الفعل المجرم. فالقاضي ليس له الحق في أن يُجرم فعلا لم ينص القانون عليه ولا أن يعاقب بعقوبة لم يذكرها المشرع.

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لمبدأ الشرعية الجنائية

يُثار تساؤل في هذا الموضع من البحث مفاده، هل أن الشريعة الإسلامية الغرّاء عَرَفَت مبدأ الشرعية الجنائية وأقرته؟ أم أن هذا المبدأ هو من نتاج مفكري وفلاسفة أوروبا؟ كما يشير بذلك أحد شراح القانون بقوله ولم يكن هذا المبدأ موجود منذ القدم فقد ظهرت الأصول الأولى له في أوروبا لأول مرة في انكلترا حيث تضمنتها المادة 39 من العهد الأعظم».

و الصواب أن الشريعة الإسلامية المباركة تنبهت إلى مبدأ الشرعية الجنائية قبل انكلترا بمئات السنين، ونجد الأساس الشرعي له في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة أيضاً.

أولا: الأساس الشرعي للمبدأ في القرآن الكريم.

تشير العدید من الآيات القرآنية الكريمة إلى مدلول مبدأ الشرعية الجنائية منها قوله تعالى «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً». وقوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ»، وقوله تعالى «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ».

ص: 91

ومن تلك الآيات الكريمة يستدل الفقهاء

رون على أن الله سبحانه وتعالى لا يُعَذب أحدا من خلقه حتى يُبَيِنُ له الأفعال المحرمة وما يجب عليهم اجتنابه، ويوضح له العقوبات الدنيوية والأخروية لمرتكب تلك الأفعال المحرمة، كل ذلك بوساطة الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ثانيا: الأساس الشرعي للمبدأ في السنة النبوية الشريفة.

يَجِد مبدأ الشرعية الجنائية في عدد من الأحاديث الشريفة للرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد روي عنه أنه قال:» أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟».

الفرع الثالث / مبدأ الشرعية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام

لا يخفى على أحد أن الأمام علي عليه السلام وضع مبادئ الكثير من العلوم، كاللغة والخطابة والفقه والقضاء وغير ذلك، كونه ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو من رَّباه، وعاش في كنفه، فهو أول المؤمنين أسلاماً، فقد روي عن زيد بن أرقم أنه قال:» أن أول من أسلم مع رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام». كما أنه عليه السلام وارث علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد روي أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال:» وصيي، ووراثي، يقضي ديني، ويُنجز موعدي علي بن أبي طالب».

ولكل ذلك فأن الأمام علیه السلام هو خير من طبق القرآن الكريم والسنة الشريفة، لذا أشار أحكامه إلى أنه كان يطبق مبدأ الشرعية الجزائية في القضايا التي تعرض عليه، فتذكر الروايات أنه كان يشترط لإقامة الحد على الجاني أن يكون عالما وقاصدا ارتكاب الفعل المجرم والمحرم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فقال عليه

ص: 92

السلام: «لا حد إلا على من علمه»، وفي عهده عليه السلام جاءته إمرأة فقالت له أن زوجي زنی بجاريتي، فقال الزوج: صدقت، هي ومالها لي. فقال: عليه السلام «إذهب ولا تعد» كأنه درأ عنه الحد بالجهالة».

ويستنتج من ذلك أن الأمام علي عليه السلام لم يعاقب الجاني لأنه لم يكن يعلم

بتجريم هذا الفعل.

المطلب الثاني / مبدأ عدم الرجعية في القانون الجنائي في فكر الأمام علي عليه السلام

من أهم النتائج المترتبة على العمل بمبدأ الشرعية الجنائية، هو مبدأ عدم رجعية قواعد القانون الجنائي على الماضي (كقاعدة عامة). ومن أجل الإحاطة بالموضوع سيتم توزيع المطلب على فروع ثلاثة وكما يأتي:-

الفرع الأول / مفهوم مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي - الموضوعي -

يقصد بمبدأ عدم رجعية القانون الجنائي على الماضي بأن قواعده الجديدة عندما تصدر، تكون ذات تطبيق فوري وأثرها مباشر، بمعنى أنها تحكم الوقائع التي نفاذها، ولا تطبق على الوقائع السابقة بل تبقى الأخيرة خاضعة للقانون القديم.

والجدير بالذكر ان العمل بهذا المبدأ تقتضيه قواعد العقل والمنطق والعدل، فليس من المعقول معاقبة شخص على فعل لم يكن مجرما وقت اقترافه أو يعاقب بعقوبة أشد من تلك المقررة وقت ارتكاب الفعل المجرم.

علماً أن هذا المبدأ أخذت به أكثر القوانين الجنائية في الوقت الحاضر بما المشرع العراقي في المادة (1) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة (1969) المعدل النافذ.

ص: 93

الفرع الثاني/ الأساس الشرعي لمبدأ عدم الرجعية

تبين لنا فيما سبق أن مبدأ الشرعية الجنائية وُجِدَ أساسه الشرعي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكذلك ح-ال مبدأ عدم الرجعية، إذ له أسانيد شرعية واضحة الدلالة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، سنوضحها كما يأتي:

أولا: الأساس الشرعي في القرآن الكريم:

يستند مبدأ عدم الرجعية على عدد غير قليل من الآيات القرآنية الكريمة التي توضح وجوب العمل به، وتدل بعض النصوص القرآنية الكريمة دلالة واضحة لا تقبل التأويل على أن القاعدة الشرعية تطبق بعد نزولها من لدن الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتبليغ المسلمين بها. ومن أدلة ذلك قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ........إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا»، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.....عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ»، وقوله تعالى: «وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ»، وغير ذلك الكثير من الآيات.

ومن يُلاحظ أن أحكام الشريعة الإسلامية تطبق بعد نزول الآية على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتبليغها للناس، والأفعال التي تعد جرائم على وفق أحكام الشريعة الإسلامية فلا يعاقبون عليها إذا كانت مرتكبة قبل نزول الآية التي تُحرمها.

ص: 94

ثانياً: الأساس الشرعي للمبدأ في السنة النبوية الشريفة.

المدُقق في تاريخ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وسنته الشريفة يُلاحظ، بأنه لم يحاسب ويعاقب شخصا على ارتكابه لفعل في عصر الجاهلية أو بتعبير أدق قبل الإسلام، لا بل حتى الذين لم يدخلوا الاسلام في بداية الدعوة ما لم يُسلموا.

لقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا وأن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس بن عبد المطلب فانه كله موضوع، الأ وان كل دم كان في الجاهلية موضوع وأول دم أضع من دم الجاهلية دم الحارث بن عبد المطلب». ويقصد بالموضوع في الحديث الشريف أي متروك لا قصاص ولا دية.

كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عفا عن الذين سببوا له ولأهله وأصحابه الأذى لابل حتى عن المجرمين الذين قاتلوه، وعن قاتل عمه الحمزة عليه السلام، فعندما دخل مكة في عام الفتح قال صلى الله عليه وآله وسلم» يا معشر قريش، ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال:» اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ص: 95

الفرع الثالث / مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي في فكر الإمام علي (عليه السلام)

إذا كان مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي على الماضي يجد أساسه في القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن الإمام علي عليه السلام هو أولى بتطبيق القرآن والسنة، لأنه أعلم الناس بالقرآن والسنة، فقد روي عن زوجة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عائشة أنها قالت: «علي أعلم الناس بالسنة».

فقد كان عليه السلام لا يقيم الحد إلا على المسلم، أمّا اذا ارتكب غير المسلم جريمة فلا يعاقبه بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، احتراما لحرية غير المسلم بعقيدته وفكره.

ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما كتبه واليه على مصر محمد بن أبي بكر رحمه الله في رسالة كتبها للإمام عليه السلام يسأله فيها عن مسلم زنی بنصرانية فأجابه عليه السلام: «وأما المسلم فأقم عليه الحد، وإدفع النصرانية إلى أهل دينها».

ص: 96

المبحث الثاني أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام

لكل شيء جزء يَتَقَّوَم به ويرتكز عليه ويُعَد من ماهيته ويسمى بالركن، والجريمة لا تخرج من هذا الإطار، فما هي أركان الجريمة؟ وعلى الرغم من ارتكاب بعض الأفعال التي تعد جرائم معاقب عليها، غير أن حالات تطرأ على الفعل المجرم وتُخِرجُه من نطاق التجريم إلى الإباحة، لذلك سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين الأول لبيان ماهية أركان الجريمة في فكر الإمام والمطلب الثاني لبيان أسباب الإباحة في فكر الإمام علي عليه السلام.

المطلب الأول / ماهية أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام

قبل التطرق إلى اركان الجريمة لابد من أن نتعرف على المقصود بالركن والفرق بينه وبين الشرط، ويراد بالركن «هو مايتوقف عليه وجود الشيء وكان جزء داخلا في حقيقته»، أو هو ما يتم به الشيء وهو داخل فيه بخلاف شرطه وخارج عنه».

أما الشرط فهو «ما يتوقف عليه المشروط، ولا يكون داخلاً في المشروط......». لذلك فإن البحث سيعني بأركان الجريمة دون شرطها كما سيتضح في الفروع القادمة.

ص: 97

الفرع الأول / مفهوم أركان الجريمة

لم يتفق الفقه الجنائي على أركان الجريمة وانقسم على نفسه في تحديدها، فهناك من يرى بأن للجريمة ركن واحد هو الركن المادي، أي الفعل أو السلوك الذي أمر القانون بمنعه أو القيام به، أمّا الركن المعنوي فلا يعد ركنا وفقا لأصحاب هذا الرأي وإنما هو شرط لقيام المسؤولية الجنائية.

وذهب إتجاه آخر للفقه بأن للجريمة ركن واحد وهو الركن المعنوي أو النفسي، إذ أن السلوك ما هو الاّ تعبير عن نفسيات المجرم. غير أن غالبية الفقه الجنائي لا يأخذ بالرأيين المتقدمين، ويرون بأن للجريمة أركان ثلاثة: الركن الشرعي، والركن المادي، والركن المعنوي. ويضيف جانب من الفقه ركن رابع للجريمة وهو ركن البغي أو العدوان.

ويؤيد ابلباحث الرأي الذي يقول بأن للجريمة ركن واحد الاّ وهو الركن المادي، فالجانب النفسي هو ركن لتحقق المسؤولية الجنائية، أمّا الركن الشرعي فلا نبحثه لأننا ملزمون بمبدأ لا جريمة ولاعقوبة ولا تدبير الاّ بنص، وفيما يتعلق بركن العدوان فهو يدخل أصلا ضمن الركن المادي.

وجدير بالذكر أن للجرائم اركان عامة وخاصة، الأولى متوافرة في الجرائم جميعاً، اما الخاصة فتعد متطلبات لتحقق بعض الجرائم، على سبيل المثال لا الحصر وجوب توافر صفة الموظف في جريمة الرشوة، وجوب قيام حالة الزوجية لتحقق جريمة زنا الزوجية.

وتختلف أركان الجريمة عن ظروفها، فالأخيرة هي حالات تطرأ على الجريمة بعد اكتمال أركانها، فالظروف لاتدخل في تكوين الجريمة، إذ يقتصر تأثيرها على العقوبة بالتشديد أو التخفيف أو الاعفاء.

ص: 98

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لأركان الجريمة

سنتناول في هذا الفرع الأساس الشرعي لأركان الجريمة في القرآن الكريم والسنة

النبوية الشريفة وكما يأتي:

أولا: الأساس الشرعي لأركان الجريمة في القرآن الكريم.

يُعَرِّفُ فقهاء الشريعة الاسلامية الجريمة بأنها «محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو قصاص أو تعزير». ومن التعريف المتقدم يَستَنتَج بأن للجريمة ثلاثة أركان: الأول هو الركن الشرعي وهو المحظور الشرعي الوارد في الدليل الشرعي، والثاني الركن المادي وهو السلوك المنهي عنه أو المأمور به، ولما كانت هذه الأوامر والنواهي المحظورة شرعا تخاطب الشخص المكلف، فلابد أن يكون الأخير فاهما مدركا لما يخاطب به، إذ لا يعقل أن يكون عاجزا عن فهم الخطاب لكل يكون مسؤولا عن أفعاله، وهذا ما يسمى بالركن المعنوي.

مما تقدم يتضح بأنه لابد من وجود نص شرعي يجرم السلوك ويعاقب عليه، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى» السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما»، أو قوله تعالى:» الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة»، فالآية الكريمة هي خطاب موجه للإنسان العاقل المدرك الذي عليه أن يمتنع عن هذا الفعل المجرم والا تعرض للعقوبة المنصوص عليها في الآية المباركة.

ص: 99

ثانيا: الأساس الشرعي لأركان الجريمة في السنة النبوية الشريفة.

تبدأ الجريمة من حيث البدء بتنفيذ الفعل لمكون للجريمة، فمجرد الخواطر

والنوايا والتحضيرات لاتعد سلوكيات مجرمة، فالركن المادي يبدأ عند البدء بالتنفيذ المكون للجريمة، والأساس الشرعي لذلك، ماروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:» قال الله عز وجل: إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هَمَّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً»، كما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: کما «ان الله تجاوي لأمتي عمّا وسوست - أو حدثت به نفسها، ما لم تعمل أو تكلم».

ويجد الركن المعنوي للجريمة أساسه الشرعي في السنة النبوية الشريفة في قوله علیه أفضل الصلاة والسلام» إنما الأعمال بالنيات، وانما لإمرىء مانوى».

الفرع الثالث / تطبيقات أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام

إن المدقق في بعض الأحكام الجنائية التي أصدرها الإمام علي عليه السلام في القضايا التي عرضت أمامه، يمكن أن يستنتج بأنه لم يكن يعاقب شخصا ما لم تكتمل أركان الفعل الجرمي الذي ارتكبه، ومن الأمثلة على ذلك يروى أن رجلا قال لآخر:» أني احتلمت بإمك فاستشاط غضبا وانتفخت أوداجه فاشتكى عليه عند أب بكر، فرفع أمره إلى الإمام علي عليه السلام فقال له: «إذهب به فأقمه في الشمس وحد ظله فإن الحلم مثل الظل». وهذا يعني أن الركن المادي لجريمة الزنا غير متوافر فلا يمكن معاقبته على هذه الجريمة.

ص: 100

المطلب الثاني / أسباب الإباحة في فكر الإمام علي عليه السلام

يكتسب السلوك الصفة الإجرامية إذا أضفى عليه المشرع تلك الصفة، فهو يحدد لكل سلوك إجرامي نموذجا قانونيا، بحيث لا تتحقق الجريمة إلا إذا تطابق السلوك المرتكب مع النموذج القانوني.

وعلى الرغم من وصف السلوك المرتكب بالجريمة، غير أن هناك حالات قد تلحق بالسلوك الإجرامي فتخرجه من نطاق التجريم إلى نطاق الإباحة، وتلك الحالات تسمى بأسباب التبرير أو أسباب الاباحة. ولغرض بحث هذا الموضوع سيتم تقسيم المطلب إلى فروع ثلاثة، نبحث في الأول تعريف أسباب الاباحة، ونخصص الفرع الثاني للأساس الشرعي لأسباب الإباحة، وتناول في الفرع الثالث تطبيقات أسباب الإباحة عند الإمام علي عليه السلام.

الفرع الأول / تعريف أسباب الإباحة

إتضح فيما سبق بأن للجريمة أركانٌ لا تقوم إلاّ بها، وهي الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، وإن السلوك الإجرامي يتحقق عندما يضفي المشرع عليه هذا الوصف، لكن قد تنتفي الصفة الإجرامية عن السلوك إذا وجدت إحدى الحالات التي من شأنها إجراجه من حيز التجريم ورده إلى حيز الإباحة. لذا نرى بأن المقصود بأسباب الإباحة هي» الأسباب التي إذا عرضت لسلوك (فعل) خاضع لنص تجريم أخرجته من نطاق هذا النص وأزالت عنه الصفة غير المشروعة وردته إلى سلوك مشروع لا عقاب عليه»، أو هي حالات انتفاء الركن الشرعي للجريمة بناءً على قيود نص التجريم تستبعد منه بعض الأفعال».

ص: 101

وعُرِّفت بأنها «قيود ترد على بعض نصوص التجريم فتمنع تطبيقها في ظروف معينة».

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لأسباب الإباحة

لاشك بأن الإسلام عقيدةٌ وشريعةٌ، فلم تغفل الشريعة الإسلامية الغراء لا عن صغيرة ولا كبيرة غلاّ وضعت لها حكما، قال تعالى:» ما فرطنا في الكتاب من شيء»، لذا سنبحث الأساس الشرعي لأسباب الإباحة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كما يأتي:

أولا: الأساس الشرعي لأسباب الإباحة في القرآن الكريم.

يُعد الدفاع الشرعي من أسباب الإباحة، فمن تعرض إلى اعتداء كان له الحق بأن يرد بمثل ما أعتدي عليه، والدليل الشرعي على ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى:» فمن اعتدى عليکم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، وقال عز وجل:» وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به».

أمّا عن استعمال الحق، كحق تأديب الزوج لزوجته نجد سنده الشرعي في قوله تعالى» واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن».

كما أن الأدلة الشرعية على أداء الواجب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».

ص: 102

ثانيا: الأساس الشرعي لأسباب الإباحة في السنة النبوية الشريفة.

1 - الدليل الشرعي على حق الدفاع الشرعي، ماروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:» من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد»، ويتضح لنا من هذا الحديث الشريف بأن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال هو حق أقرته الشريعة الإسلامية بحيث أن المدافع عن حقه لا يتحمل المسؤولية

الجنائية في الدنيا، أمّا في الآخرة فانه يحظى بمنزلة رفيعة.

2 - الدليل الشرعي على استعمال الحق: من الأدلة الشرعية على استعمال الحق المقرر وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية هو قول الرسول الأعظم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام:» من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن».

ومن مفهوم المخالفة لهذا الحديث نفهم بأن الطبيب العارف بالطب عند قيامه بعلاج المرضى وتطبيبهم لا يكون ضامنا عند وقوع أذى للمريض متى كان الطبيب متبعا لأصول الطب في العلاج.

الفرع الثالث / تطبيقات أسباب الإباحة عند الإمام علي عليه السلام

يُطرح تساؤل في الموضع من البحث مفاده هل أن الأحكام القضائية التي أصدرها الإمام علي عليه السلام وُجِدَتْ فيها تطبيقات الأسباب الإباحة؟

ان الإجابة عن التساؤل أعلاه تستوجب البحث للتعرف على ذلك، والمتقصي عن ذلك يمكن أن يجيب بأن الإمام عليه السلام قد طبق بعض أسباب الإباحة في أحكامه منها ما يأتي:

ص: 103

أولاً: حق الدفاع الشرعي:

يروى أن واقعة حدثت مفادها أن رجلاٍ عَضَّ يد آخر فنزع يده من فيه فسقطت ثنيتاه، فعرض أمره على الإمام فقال:» إن شئت أمكنت يدك فعضها ثم تنزعها»،

فلم يجعل الإمام على الشخص الذي نزع يده وحَطَّمَ ثنايا من قام بفعل العَضّ

أي دية لأنه دافع عن نفسه بسحب يده.

ثانيا: استعمال الحق.

لم يكن الإمام علي عليه السلام يحمل الطبيب أو البيطري أي مسؤولية جنائية عند قيامه بعمله إلاّ في حالة خطأ الطبيب وهذا ما قضى به عليه السلام، فيروى أنه خطب قائلا:» يا معشر الأطباء، البياطرة، والمتطببين من عالج منکم إنسانا أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة، فغنه إن عالج شيئا ولم يأخذ لنفسه البراءة فعطب فهو ضامن».

ثالثاً: أداء الواجب.

يُعد أداء الواجب من أسباب الإباحة عند الإمام علي عليه السلام، والدليل على ذلك ما يروى أن الإمام لم يكن يحمل الشرطة أو الجند أي مسؤولية جنائية عند تنفيذهم لواجباتهم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فعلى سبيل المثال لو نفذ أحد الشرطة القصاص أو الحد الشرعي في مجرم ما وكان القصاص أو الحد ما دون النفس وأدى ذلك إلى مقتله فإن القائم بالتنفيذ لا يعاقب، فقد قال عليه السلام:» ما كنت أقيم على أحدٍ حداً ليموت فیه فأجد في نفسي شيئاً إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيتُهْ».

ص: 104

المبحث الثالث المسؤولية الجزائية في فكر الإمام علي عليه السلام

إختلف الفقهاء والفلاسفة وشراح القانون الجنائي حول الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية، وكان محور اختلافهم حول الجواب عن التساؤل الآتي: هل أن الإنسان مجبر في أفعاله أم مخيَّر؟

ولبحث هذا الموضوع سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، الأول يُخصص لبحث أساس المسؤولية الجنائية في فكر الأمام علي عليه السلام، والمطلب الثاني نتطرق فيه إلى موانع المسؤولية في فكر الإمام علي عليه السلام.

المطلب الأول / أساس المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام

يُعد الأساس الذي تُبنی عليه المسؤولية الجنائية من الأمور الذي أثارت جدلا واسعا، فهل أن أعمال الإنسان عائدة إلى محض إرادته ومشيئته أم أنها مُقَدَرةٌ عليه ولا سبيل له على دفعها؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي تقسيم المطلب إلى فروع ثلاثة وكما يأتي:

الفرع الأول / تعريف المسؤولية الجزائية

قبل الخوض في أساس المسؤولية الجنائية لابد من التعرف على تعريف المسؤولية الجنائية، يراد بالمسؤولية الجنائية بأنها:» صلاحية الإنسان لأن يتحمل نتائج تصرفاته

ص: 105

المُجَرَّمة شرعاً إيجابا أو سلبا»، وعرفها آخر بأنها:» تحمل الشخص تبعة عمله المجرم بخضوعه للجزاء المقرر لفعله....».

بينما عرف المسؤولية الجنائية الأستاذ عبد القادر عودة ب «أن يتحمل الإنسان

نتائج أفعاله المحرمة التي يأتيها مختارا وهو مدرك لمعانيها ونتائجها».

وبذلك يمكن لنا القول بأن المسؤولية الجنائية هي أن يتحمل الشخص (طبيعيا كان أم معنوياً) الذي يمتلك الأهلية الجنائية تبعة سلوكه الإجرامي بنيله للجزاء الجنائي المناسب.

الفرع الثاني / أساس المسؤولية الجنائية في الفكر الإسلامي

لم يتفق المفكرون المسلمون على رأي واحد على الأساس الذي ترتكز عليه

المسؤولية الجنائية، وذهبوا في ذلك اتجاهات متعددة ويمكن إجمالها بالآتي:

أولا: أنصار مذهب الجبر:

يرى أصحاب هذا الرأي بأن الإنسان مسيرٌ ومجبرٌ في أفعاله وليس محير، إذ أن جميع أفعاله مقدرة عليه، ويسمى أصحاب هذا الرأي (بالجبرية) وأول من قال بهذا الرأي هو (الجهم بن صفوان). ويستند هؤلاء على مجموعة من الآيات الكريمة لتعزيز رأيهم كقوله تعالى «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ»، وقوله تعالى «اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»، وقوله تعالى «وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ».

ثانيا: أنصار مذهب حرية الإرادة:

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن الإنسان حرٌ في أفعاله فهو يخلقها خيرها

ص: 106

وشرها، فهو مختار في كل ما يفعله، وأشهر من قال بهذا الرأي عند المسلمين هو (غيلان الدمشقي القدري) ويطلق على أتباعه بالقدرية.

ومن أدلتهم على قوله بالإختيار المطلق قوله تعالى «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وقوله تعالى «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ».

وجدير بالذكر أن كلا المذهبين تعرض للنقد، فمذهب الجبرية يُعدِم إرادة الإنسان ويجعله مسيراً كالجماد، وهذا القول غير دقيق، فلا يمكن محاسبة المجرم على وفق هذا الرأي لأنه كان مجبورا على ارتكاب هذا الفعل.

وبالغ أنصار الرأي الرأي الثاني قدرة الإنسان وحريته واختيار، إذ منحوه قدرة لا يحدها شيء، وهذا القول فيه شيء من الغلو. لذلك ظهر مذهب وسطاً حاول التوفيق بين الرأيين السابقين.

ثالثا: المذهب التوفيقي:

نتيجة للانتقادات التي تعرض لها مذهب الجبرية ومذهب الأختيار المطلق، ظهر مذهب ثالث حاول أن يمسك العصا من الوسط إن صح التعبير، ومن القائلين بهذا الرأي الأشاعرة وهم الذين على نهج أبو الحسن البصري الأشعري، ويرون بأن الأفعال التي تصدر عن الإنسان تكون بارادته واختياره لكن هذه القدرة والإرادة لا تأثير لها بجانب قدرة الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الإنسان حر في اختياره، فإنه في بعض الأحيان مضطر في اختياره، لاسيما أن فعله وارادته مخلوقتان من لدن الله سبحانه وتعالى.

ص: 107

الفرع الثالث / أساس المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام

سُئِلَ الإمام علي عليه السلام من أحد جنده عند مسيرهم لقتال معاوية، أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله؟ فأجابه عليه السلام قائلاً: «ويحك لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدرا حاتماً. ولو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد. إنّ الله سبحانه وتعالى أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيراً وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطع مُكرِها، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم يُنزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً «ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار».

أن المدقق في قول الإمام علي عليه السلام أعلاه يلاحظ بأن أعمال الإنسان هي من ارادته واختياره، إذ ترك الله سبحانه وتعالى لعباده حرية الإخيار ومن دون إكراه فالله أمر عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا، وهذا يعني بأن الله سبحانه وتعالى لو أراد جبر خلقه أو عباده على شيء لم يستطع أحدٌ على مخالف إرادة الله.

ويقول أحد المفكرين المسلمين بهذا الشأن» وإذا محصنا قول الإمام في القضاء والقدر وجدناه قولا سديدا ورأيا رشیدا، فبينما فرطت طائفة فقالت بالجبر، أفرطت أخرى فقالت بالتفويض، وجاء أئمة أهل البيت عليهم السلام ليصححوا المفاهيم والمعتقدات ويرجعوا بهؤلاء وأولئك فقالوا لاجبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين».

ص: 108

المطلب الثاني / موانع المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام

تخاطب القاعدة القانونية الجنائية الإنسان العاقل المختار المدرك لأفعاله ونتائجها، غير أن هناك بعض الحالات التي تؤثر على اختيار الإنسان وإدراكه، فما القيمة القانونية التلك لأفعال؟ وما الأثر الذي ترتبه تلك الحالات في المسؤولية الجنائية للإنسان؟

أن تلك الحالات تسمى موانع المسؤولية الجنائية، وأثرها يمنع مسألة الإنسان ومعاقبته بالجزاء الجنائي. فما تعريفها وما أساسها الشرعي وهل لها تطبيقات عند الإمام عليه السلام؟ للإجابة عن ذلك سيتم تفريع هذا المطلب إلى فروع ثلاثة وكما يأتي:

الفرع الأول / تعريف موانع المسؤولية الجنائية

تُعَرَّف موانع المسؤولية بأنها« الحالات التي تتجرد فيها الإرادة من القيمة القانونية» أو هي «الحالات التي ينتفي فيها الإدراك أو الإختيار أو كلیهما»، وبينما غالبية الفقه يسيمها بموانع المسؤولية نجد أحدهم يطلق عليها الأسباب الشخصية، ويُعرفها بأنها حالات تُعدم المسؤولية لأنها ترجع إلى شخص الفاعل، إذ أنها تنفي الإختيار أو التميز اللازم توافرهما في شخصه.

وجدير بالإشارة أن المشرع الجنائي العراقي تطرق إلى موانع المسؤولية الجنائية في الباب الرابع، الفصل الأول من الكتاب الأول وتحديدا في المواد من 60 - 65 وتحت عنوان المسؤولية الجزائية وموانعها، و أوضح أن موانع المسؤولية هي 1 - فقد الإدراك والإرادة 2 - الإكراه 3 - الضرورة 4 - السن.

ص: 109

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لموانع المسؤولية الجنائية

سيراً على المنوال المتبع في هذا البحث، سيكون بحثنا للأساس الشرعي لموانع المسؤولية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:

أولا: الأساس الشرعي في القرآن الكريم:

1 - الدليل الشرعي على الإكراه في القرآن الكريم هو قوله تعالى:» لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي».

2 - الدليل الشرعي على حالة الضرورة قوله تعالى» فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه».

3 - الدليل على صغر السن قوله تعالى:» إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما أستأذن الذين من قبلهم».

ثانيا: الأساس الشرعي لموانع المسؤولية في السنة النبوية الشريفة.

1 - الدليل على فقد الإرادة والإدراك لنوم أو وصغر السن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق».

2 - الدليل على الإكراه هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:» أن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

ص: 110

الفرع الثالث / تطبيقات موانع المسؤولية الجنائية عند الإمام علي عليه السلام

لا ريب بأن الإمام علي عليه السلام كان أقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحفظهم لعلمه، فيروى «أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة، فقال له علي(عليه السلام) ما لَكَ ذلك. قال: سمعت رسول الله صلى عليه وآله

وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل فأدرأ عنها عمر».

ومن تطبيقات الإمام علي عليه السلام لحالة الضرورة كمانع من موانع المسؤولية ما روي أن إمرأة أتت عمر فقالت: أني زنيت فإرجمني فرددها، حتى شهدت أربع شهادات فأمر برجمها، فقال عليٌ (عليه السلام) ردها فاسألها ما زناها لعل لها عذراً؟ فردها فقال: ما زناك؟ قالت: كان لأهلي إبل، فخرجت في إبل أهلي، فكان لنا خليط فخرج في إبله فحملت معي ماءً ولم يكن في إبلي لبن، وحمل خليطنا ماء وكان في إبله لبن فنفذ مائي فاستسقيته، فأبى يسقيني حت أمكنه من نفسي فأبيت حتى روحي تخرج أعطيته، فقال عليٌ (عليه السلام) الله أكبر، فمن أضطر غير باغ ولا عاد أرى لها عذرا»

ص: 111

الهوامش

1. ينظر: محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ج 1، مؤسسة الكتاب الإسلامي، كلمة الحق للنشر، قم ، 2009، ص 339.

2. ينظر: صحيح البخاري، مرجع سابق، ص 912.

3. ينظر: صحيح البخاري، مرجع سابق، ص 912، ينظر: صحيح مسلم، مرجع سابق، حديث رقم (2404) ص 1128.

4. ينظر: صحيح البخاري، مرجع سابق، حديث رقم (4481) ص 1098.

5. ينظر: د. سلطان عبد القادر الشاوي، د. محمد عبد الله الوريكات، المبادئ

العامة في قانون العقوبات، ط 1، دار وائل، عمان، 2011، ص 110. ينظر: د. خري عبد الرزاق صليبي الحديثي، شرح قانون العقوبات القسم العام، ط 2، المكتبة القانونية، بغداد، 2007، ص 35؛ ينظر: د. علي حسين الخلف، د. سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ط 2، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 2010، ص 30.

6. ينظر: ابراهيم مصطفى وآخرون: المعجم الوسيط، ط 2، استانبول، 1972، ص 479.

7. ينظر: المرجع نفسه، ص 141.

8. ينظر: د. فخري عبد الرزاق صليبي الحديثي، مرجع سابق، ص 35.

9. من الجدير بالإشارة إلى أن الباحث لم يتعرض لمفهوم مبدأ الشرعية الجنائية بشيء من التفصيل وأنما كانت الغاية من الاشارة إليه في البحث هي أن يتبين لنا ماهو موقف الإمام علي عليه السلام من هذا المبدأ كما سيتضح لنا ذلك في الصفحات القادمة من البحث. فكانت الإشارة بشيء من الإيجاز.

ص: 112

10. ينظر: د. علي حسين الخلف، د. عبد القادر سلطان الشاوي، مرجع سابق، ص 30.

11. الإسراء، من الآية 15.

12. فاطر، من الآية 24.

13. النساء، من الآية 165.

14. ينظر: کمال مصطفی شاکر، مختصر تفسير الميزان، ط 1، ذوي القربى للطباعة والنشر، قم، 1424 ه، ص 129.

15. : ينظر: صحیح مسلم، مرجع سابق، حديث رقم (892) ص 66.

16. ينظر: أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على

الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ج 3، ط 2، دار الكتب العلمية،

بیروت ،2002، رقم الحديث (4663) ص 167.

17. ينظر: ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربی، مرجع سابق، ص 345. 18. ينظر: أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المصنف، ج 7، ط 1، المكتب الأسلامي، بيروت، 1983، رقم الحديث (13648).

19. ينظر: د. علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة مقارنة، ط 1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002، ص 101.

20. ينظر: د. فخري عبد الرزاق الحديثي، مصدر سابق، ص 58 - 59. 21. ينظر: 22.

22. النساء، من الآية 23.

23. المائدة، 95.

24. النساء، 22.

25. ينظر: د. محمود نجيب حسني، دور الرسول الكريم في ارساء معالم النظام

ص: 113

الجنائي الاسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص 2.

26. ينظر: أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، الجامع الكبير، المجلد 5، دار الغرب الإسلامي، 1996، ص 168.

27. ينظر: أبي القاسم عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن أب الحسن الخثعمي السهيلي، الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، ج 4، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون سنة نشر، ص 171.

28. ينظر: أبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم الجعفي البخاري، كتاب التاريخ الكبير، مجلد 2، تحقيق هاشم الندوي وآخرون، من دون سنة نشر، حديث رقم (2377)، ص 255.

29. ينظر: مصنف عبد الرزاق، ج 7، مرجع سابق، حديث رقم (13416)، ص 342.

30. ينظر: محمد طلال العسلي: أحكام إجراءات الشهادة بالوسائل الحديثة، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والقانون، غزة، فلسطين، 2011، ص 13.

31. ينظر: سامر برهان محمود حسن: أحكام جريمة التزوير في الفقه الاسلامي، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح، نابلس، فلسطين، 2010، ص 35.

32. ينظر: أحمد بن مشعل بن عزيز الغامدي، مفهوم الشرط عند الأصوليين، اطروحة دكتوراه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى،

المملكة العربية السعودية، 2008، ص 87.

33. ينظر: د. علي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص 46.

34. ينظر: المصدر نفسه، ص 46.

35. ينظر: د. علي حسين الخلف، ود. سلطان عبد القادر الشاوي، مصدر سابق،

ص: 114

ص 138؛ د. جمال ابراهيم الحيدري، شرح أحكام القسم الخاص من قانون

العقوبات، مكتبة السنهوري، بغداد، 2012، ص 16.

36. ينظر د. علي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص 47.

37. ينظر: د. عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، المطبعة العالمية، القاهرة، 1967، ص 43.

38. ينظر : عبد القادر عودة: التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج 1، دار الكتاب العربي، بيروت، ص 111.

39. ينظر: المصدر نفسه، ص 111. 40. المائدة، من الآية 38.

41. النور، من الآية 2.

42. ينظر: صحيح مسلم، مصدر سابق، حدیث رقم (203)، ص 70.

43. ينظر: صحيح البخاري، مرجع سابق، حديث رقم (6664)، ص، 65. 44. ينظر: صحيح مسلم، مرجع سابق، حدیث رقم (1907)، ص 920.

45. تناول المشرع العراقي أسباب الاباحة في المواد من 39 - 46 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

46. ينظر : د. علي حسن الخلف، د. سلطان عبد القادر الشاوي، مصدر سابق، ص 240.

47. ينظر : لمصدر نفسه، ص 242.

48. ينظر: د. فخري عبد الرزاق صليبي الحديثي، مصدر سابق، ص 103.

49. الأنعام، من الآية 38.

50. البقرة، 194.

51. النحل، من الآية 126.

ص: 115

52. النساء، من الآية 34.

53. التوبة، من الآية 29.

54. ينظر: جلال الدين السيوطي، سنن النسائي، مكتبة المطبوعات الإسلامية،

حلب، ج 7، حديث رقم (4095)، 1984، ص 116.

55. ينظر: أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، ج 4، مرجع سابق، حدیث رقم (7686)، ص 236. 56. ينظر: مصنف عبد الرزاق، جزء 9، مرجع سابق، حديث رقم (17550) ص 355.

57. المصدر نفسه، حديث رقم (18047)، ص 471.

58. صحیح مسلم، مصدر سابق، حديث رقم (1707) ص 816.

59. ينظر: د علي حسين الخلف، د. سلطان عبد القادر الشاوي، مصدر سابق، ص 330.

60. ينظر: جمال عبد الباقي لافي، أثر المرض النفسي في رفع المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية غزة، 2009، ص 37.

61. ينظر: عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام، دیوان المطبوعات الجامعية، جامعة بن عكنون، الجزائر، 2002، 263.

62. ينظر: عبد القادر عودة، مصدر سابق، ص 392.

63. هو ابو محرز الجهم بن صفوان الترمذي ولد في مدينة الكوفة سنة 78 هجرية وتوفي سنة 128 هجرية، مؤسس مذهب الجهمية.

64. ينظر: عمار عباس الحسيني، مبادئ علمي الإجرام والعقاب، التميمي للنشر والتوزيع، النجف الأشرف، 2012، ص 147.

ص: 116

65. الصافات، 96.

66. الزمر، 62.

67. التكوير، 29.

68. ينظر : د. أحمد فتحي بهنسي، المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي، ط 4، دار الشروق القاهرة، 1988، ص 28.

69. الكهف، 29.

70 . المائدة، 30.

71. د. أحد فتحي بهنسي، مصدر سابق، ص 30.

72. ينظر: محمد عبده، شرح نهج البلاغة، ج 4، دار المعرفة، بيروت، من دون سنة نشر، ص 17.

73. ينظر: د. محمد التيجاني السماوي التونسي، لأكون مع الصادقين، المؤسسة الجامعية للدراسات الإسلامية، ط 2، من دون مكان نشر، 1993، ص 182 - 183.

74. ينظر: د. علي حسين الخلف،د. سلطان عبد القادر الشاوي.

75. ينظر: د. أحمد فتحي بهنسي، مصدر سابق، ص 215.

76. البقرة، من الآية 256.

77. البقرة، من الآية 173.

78. النور، من الآية 59.

79. ينظر: أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن إبن ماجة، ج 1، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، من دون سنة طبع، حديث رقم (2041) ص 658.

80. المصدر نفسه، حديث رقم (2043) ص 659.

81. أبي عبد الله أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، بيت الأفكار الدولية،

ص: 117

السعودية، 1998، حديث رقم (1183) ص 133.

82. علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج 5، ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985، حديث رقم (13596)،

ص 456.

ص: 118

التنظيم القضائي في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

اشارة

أ.م.د. سماهر محي موسى

م. د. ظافر اکرم قدوري

ص: 119

ص: 120

الملخص

اولی الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) مسألة القضاء أهمية كبيرة لاسيما عندما ارسى قواعد القضاء والعدل وأكد على ضرورة من يتولى القضاء ان يكون على درجة من الاستقلالية والحيادية في اصدار الحكم.

فالقضاء ركن من اركان الدولة وجزء هام من مقومات المجتمع وتقع مسؤوليته حماية الانفس والارواح والاموال والحقوق وتطبيق الانظمة ليؤمن الطمائنينة والهدوء وتحقيق العدل بين أبناء المجتمع سعياً للوصول إلى نوع من أنواع العدالة الاجتماعية والتي هي غاية كل الحكام والملوك والأمراء، فيها يتحقق الاستقرار وبها تدوم الدول وتتصل ببعضها البعض لذلك فقد ارتأت هذه الدراسة تخصيص موضوع للتعريف بنظام القضاء لغة واصطلاحا ثم نتطرق الى التنظيم القضائي والإداري في عهد الامام علي (عليه السلام)، اما المحور الأخر التنظيم الموضوعي للقضاء في عهد الامام علي (عليه السلام) وبعدها نعرج على قضاة الامام علي ونماذج من أقضية الامام علي (عليه السلام) التي حققت أعلى درجات العدل الاجتماعي بين الناس.

ص: 121

ص: 122

المقدمة

تعد مهمة القضاء من المهن المقدسة، لان عن طريق القضاء العادل يتحقق الأمن والعدل والاستقرار في المجتمع، ذلك أن القضاء هو الملاذ والملجأ الذي يأوي اليه الأشخاص، الذين يلحقهم ظلم أو تعد على اموالهم أو اعراضهم لذا تحتاج وظيفة القضاء إلى أناس يتمتعون بصفات ومؤهلات محددة كي يستطيعوا أن يؤدوا هذه المهمة الخطيرة، وإذا تولى القضاء نخبة من الصفوة الصافية، لا تأخذها في الحق لومة لائم انصاع لحكمها الجميع دون استثناء.

وفي المجتمع الاسلامي ليس القاضي وحده يتصدى لمعالجة الأحداث بل أن الخليفة بنفسه يجلس في مقام القاضي، وكل ذلك بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والرقي الحضاري، وقد ظهرت حالات من تقاضي الخليفة ووقوفه امام القاضي مع ابسط رجل في الدولة.

اولاً: القضاء لغة واصطلاحاً

القضاء: القضاء في اللغة مصدر الفعل قضى يقضي يأتي بعده معاني منها الحكم. ويأتي بمعنى اللزوم، ولهذا سمي القاضي قاضياً لانه يلزم الناس. ومن هذا قول الله عز وجل: «فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ». ويأتي معناه الحكم والفصل بين المتخاصمين، وهذا المعنى هو الأكثر شيوعاً وتداولاً، ومنه جاء قوله عز وجل: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ».

ص: 123

القضاء في الاصطلاح:

أما في الاصطلاح فقد ورد للقضاء العديد من التعريفات منها: «يراد به الفصل في الخصومات وقطع النزاعات». ويتضح من خلال التعريف أعلاه إبراز جانب الإلزام في القضاء وفصل الخصومات.

قال الله عز وجل: «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ». وهذا يعني الفصل بينهم.

ومن التعاريف، قضى القاضي أي الزم الحق أهله. وهو التعريف الذي أورده ابن خلدون قائلاً: (القضاء.. منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع).

يتضح مما تقدم ان مهمة القضاء والقاضي هو الفصل بين المتخاصمين احدهما متمسك بالحق والاخر على غير ذلك والهدف من قطع النزاع والخلاف بين الاثنين من اجل حفظ الامن والاستقرار وتحقيق العدالة الاجتماعية.

المحور الثاني: التنظيم القضائي والاداري في عهد الامام علي (عليه السلام)

كان الامام علي (عليه السلام) مرجع الناس في القضاء منذ العهد النبوي وطوال العهد الراشدي، واستمر على ممارسة القضاء والفصل في المنازعات أثناء خلافته، واقضيته كثيرة مع رسائلة الشهيرة في القضاء، ومتابعته لشؤون القضاة في الولايات والأمصار.

ان الهدف من القضاء هو تحقيق العداله، واصلاح المجتمع، ويتضح هذا الهدف من خلال القضايا التي قضى بها الأمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» وكذلك في الكتاب الذي أرسله الأمام علي (عليه السلام)، إلى واليه على مصر مالك بن الأشتر

ص: 124

النخعي قال له: ((انظر في القضاء بين الناس نظر عارف بمنزلة الحكم عند الله، فان الحكم ميزان قسط الله الذي وضع في الأرض لأنصاف المظلوم من الظالم، والأخذ للضعيف من القوي، واقامة حدود على سنتها ومنهاجها التي لا يصلح العباد والبلاد وألا عليها).

وفي قضية أخرى عُرضت على الإمام: (أن امرأة جاءت إلى علي (عليه السلام) فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها، فقال: (عليه السلام) أن كنت صادقة رجمناه، وأن كنت كاذبة جلدناك، فقالت ردوني إلى أهلي غير نفرة، قال معناه أن جوفها يغلي من الغيظ والغيرة). فالقضية واضحة أن المرأة أخذتها الغيرة على زوجها، فافتعلت هذا الأمر، وأن أمير المؤمنين أراد الحفاظ على الحياة الزوجية للزوج والزوجة، فوضح للمرأة في حالة كذبها فأن مصيرها الجلد. ولهذا فإن الإمام خيَّرَ المرأة من أجل إعادتها إلى قول الصدق.

فالعدالة أمر مهم وهدف رئيس للقاضي، والحق ومعرفته هو الآخر هدف يجب الوصول إليه لأنه ربّما كان الحق مغموراً والوصول إليه يحتاج إلى قاض متمرس ومحنك وذو معرفة عالية بشؤون القضاء.

ففي عهد أبو بکر ألقي القبض على شخص يشرب الخمر، وعندما وقف أمام ابا بكر، ادعى انه لا يعلم أنّ هناك آية حرمت شرب الخمور، فأصبح ابو بكر في حيرة من أمره، وكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضراً لهذه القضية فَطُلب منه ان يعطي رأيه، فنصحه قائلاً له: (ابعث معه من يدور في مجالس المهاجرين والأنصار، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شيء عليه).

وهنا أيضاً تتضح صورة العدالة، في قضاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 125

فالأمر واضح في القضية، فأما أن يكون ادعاء الرجل كاذباً أو صادقاً، فإذا كان بريئاً، فإن ما قاله الإمام (عليه السلام) هو المخرج الوحيد لبرائته من هذا الأمر.

جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب، وهي متهمة بالزنا فأمر عمر برجمها وهي حامل وهذا الأمر سبب إسقاط الجنين، وكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضر الحادث فقال: (إن کنتم اجتهدتم أصبتم، ولقد كنتم برأيكم قلتم لقد أخطأتم). وقضى الإمام قائلاً لعمر بن الخطاب، (عليك ديّة الصبي).

وواضح من الحادثة أن الإمام (عليه السلام) يريد إثبات الحق والعدالة، حتى لو كانت نتيجة القضية لم ترضي عمر بن الخطاب.

أن مهمة القاضي صعبة يجب أن يكون عارفاً بكل الإحكام وتفسير الآيات والسنة التي وصلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاهم من ذلك أن يكون محايداً بعيداً عن الأهواء وما ذلك إلا لتكون الأحكام صادقة تبتغي العدل والحق حتى الايقع الظلم بين الناس وتكثر الضغائن والاحقاد وكنموذج من تلك المساواة بين المتخاصمين وضرورة أن يكون كل طرف مساوي لخصمه ما نقله الأبشيهي من أدعاء رجل على الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) واشتکاه زمن عمر بن الخطاب فحكم بينهما عمر وعندما نادي على المتخاصمين قال الامام علي (عليه السلام) «یا أبا الحسن قم فاجلس مع خصمك فتناضرا» فلما فرغت المناظرة وانتهى الحكم رجع علي (عليه السلام) إلى مكانه فتبين لعمر التغيير في وجه علي (عليه السلام) «یا ابا الحسن مالي أراك متغيرة أكرهت ما كان قال: نعم، قال: وماذاك، قال: «کنیتني بحضرة خصمي هلا قلت ياعلي قم فاجلس مع خصمك»، وهي رواية تؤكد مسألة بسط العدل الاجتماعي ولو كان ذلك يخص الناس أصحاب المنزلة والمكانة الرفيعة، ولابد أن ذلك الرعيل الأول أحس بضرورة أن يكون القاضي أو من يتولى

ص: 126

مهمة القضاء على درجة تامة من الاستقلال والحيادية حتى في مناداة الخصوم وأصحاب الشكوى مهما علت وأرتفعت مكانتهم.

أعطى الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) حق للقاضي أن يأخذ الرزق، وإغناء القاضي وإشباع حاجاته المادية والمعنوية، حتى لا يشعر بالضعف تجاه الآخرين، حيث أعطى رزقاً للقاضي شريح ما مقداره خمسمائة درهم، بعد ما كان رزقه في عهد عمر بن الخطاب مائة درهم بالشهر، والسبب في زيادة رزق شريح من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو ارتفاع مستوى المعيشة. وان الارتزاق يمنع القاضي التقرب من الرشوة.

ومثال آخر الكتاب الذي أرسله الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى واليه على مصر، مالك بن الأشتر، يقول فيه: (ثم أكثر تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، واعطهِ من المنزلة لديك ما لا يطمعُ فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك أغتيال الرجال عندك).

ويعد الإمام علي (عليه السلام) أول من أنشأ ولاية المظالم، وهذا ما أكده الباحث حسن إبراهيم حسن قائلا: (ولم يجلس للمظالم أحد ممن سبق إلا عليا (عليه السلام. ويذكر الماوردي سبب ذلك إلى (حين تأخرت إمامته، وأختلط الناس فيها وتجوروا). فأحتاج الإمام إلى فصل صرامة في السياسة وزيادة تيقظ في الوصول الى غوامض الأحكام، فكان أول من سلك هذه الطريقة وأستقل بها ولم يخرج فيها الى نظر المظالمِ لاستغنائه عنه.

وقد عرف عن الامام علي (عليه السلام) أنه يقضي في المسجد، حيث أتخذ مكانا في جامع الكوفة سمي بدكة القضاء، وأراد من قضاته ان يقتدوا به، فعندما بلغه أمر قاضيه شريح انه يقضي في بيته، قال له: (يا شريح، أجلس في المسجد فانه أعدل بين

ص: 127

الناس، وانه وهن بالقاضي ان يجلس في بيته). وقد أتخذ بيتا سماه (بیت المظالم، کما انه طلب من المظلومين ان يكتبوا رقاعا يسجلون فيها ظلامتهم، وفي الوقت نفسه كان يباشر الأمر بنفسه).

ومن الأمثلة على تصدي الأمام لحوادث (المظالم)، ما ذكره المجلسي نقلا عن أبو جعفر: (دخل علي عليه السلام المسجد فأستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكتونه فقال علي عليه السلام ما أبكاك فقال: أمير المؤمنين، ان شريحا قضي علي بقضية ما أدري ما هي: ان هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفرهم فرجعوا ولم أبي، فسألتهم عنه فقالوا مات، فسألتهم عن ماله فقالوا ما ترك مالا فقدمتهم الى شريح فأستحلفهم وقد علمت يا أمير المؤمنين، ان ابي خرج ومعه كثير، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أرجعوا فردهم جميعا والفتى معهم الى شريح فقال له يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء قال أمير المؤمنين: أدعى هذا الفتى على هؤلاء النفر إنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه فسألتهم فقالوا مات وسألتهم عن ماله فقالوا ما خلف شيئا فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي، قال: فاستحلفتهم فقال (عليه السلام) لشريح: يا شريح والله لأحكمن فيه بحكم ما حكم به خلف قبلي إلا داود النبي، يا قنبر ادع الي شرطة الخميس فدعاهم فوكل بهم). وعمل الإمام (عليه السلام) على تغويتهم ثم سألهم أسئلة عن سبب وكيفية موت رفيقهم، فأنتبه الى اختلاف أجوبتهم فأخذهم بجر مهم ورد أموال الابن.

التنظيم الموضوعي للقضاء

أهتم الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) بوضع نظام دقيق للقضاء وشرح

المبادئ والاصول التي اقرها القرآن الكريم والسنة النبوية.

وكان التنظيم الموضوعي للقضاء في عهده نظرياً بالكتب والرسائل والتوجيهات

ص: 128

التي كتبها إلى القضاة والولاة وتوجيهم إلى أفضل النظم القضائية لتحقيق العدل وحماية الحقوق ومنع الاعتداء والظلم، وعملياً في التطبيق والممارسة لشؤون القضاء والنظر في الاقضية وفصل الخصومات والخلافات. وأشهر كتبه كتابه الى عامله على مصر الأشتر النخعي. ونص الكتاب هو «أختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لاتضيق به الأمور ولاتمحکه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولايحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولاتشرف نفسه على طمع». يحثهم على التزام الجاد وتطبيق الشرع والتحذير من الظلم والعدوان والاعتداء على الغير. وأكد على مسالة أهمية القضاء ومكانة القاضي سبل اختياره ومكانته مراعياً بذلك مسألة استقلال القاضي حتى تصل تلك الاستقلالية إلى مكانة تسمو فوق الخليفة او الحاكم او الوالي، وأكد على أهمية التثبت دائما من المتخاصمين لكي يقضيا بالعدل بينهما.

أن مسألة تولي القضاء والحكم بين الناس كانت تأخذ في غالب الأحيان بنظر الاعتبار تطبيق الأحكام الشرعية والنصوص الدينية والتي لم تؤول وأنما كان تفسيرها يقع بجزءه الأكبر على براعة المفسر وتبحره في العلوم الدينية والموروث الديني وهي مشكلة بدأت تظهر مع تدوين المسلمين للتفسير، وللحديث النبوي والسيرة النبوية. ومع توسع التدوين واختلاف التفسير كان على القاضي أن يكون بارعاً في أمور عدة ليس أقلها مسألة التثبت من المتخاصمين والسماع لهما.

وكان الاختصاص الموضوعي واضحاً في عدة جوانب باعتبار أن القاضي نائب عن الخليفة ووكيل عنه وللخليفة أن يقيد أو يحدد أختصاص النائب أو الوكيل فكان الامام علي (عليه السلام) يوكل أخاه عقيلاً في المخاصمة ولما أسن عقيل وكل عبدالله بن جعفر بن ابي طالب عنه امام القضاء وكان يقول: «ماقضي لوکيلي فلي، وماقضي على وكيلي فعلي».

ص: 129

كان الامام علي (عليه السلام) ينظر في القضايا الكبيرة والمهمة والخطيرة في الجنايات والقصاص والحدود خشية الفتنة لانها تحتاج الى هيبة القضاة وسلطة الحكام.

قضاة الامام علي (عليه السلام)

ابقى الامام علي (عليه السلام) بعض القضاة الذين كانوا قبل توليه الخلافة لجدارتهم في القضاء، وغير بعض القضاة.. ومنهم شريح بن الحارث الذي كان على قضاء الكوفه فاقره الامام عليها، وابو موسى الاشعري الذي كان على قضاء الكوفة اقره عليها ثم عزله ومالك بن الحارث الاشتر النخعي عينه واليا وقاضيا على مصر وكتب له رساله مهمة ومشهورة، ولكنه مات في الطريق في العريش قبل أن يصل مصر، وقيس بن سعد على مصر وعبيد الله بن مسعود واليا وقاضيا على اليمن، وعبدالرحمن بن يزيد الحداني كان اخا المهلب بن ابي صفرة لامه وبقي قاضيا على البصرة في عهد الامام علي(عليه السلام) ومعاويه حتى قدم زياد فعزله.

وكان ابن عباس يفتي الناس ويحكم بينهم واذا خرج ابن عباس عن البصرة أستخلف أبا الاسود الدؤلي فكان هو المفتي والقاضي يومئذ يدعى المفتي فلم يزل كذلك حتى قتل الامام علي (عليه السلام).

اما عبيدة السلماني محمد بن حكزة الذي عينه الامام علي (عليه السلام) على قضاء الكوفة بعد عزل سعيد الهمذاني وقال له: اقضوا كما كنتم تقضون ثم عزله وعین شريحاً، وكان شريح أعلم الناس بالقضاء وكان عبيدة يوازي شريحاً في القضاء، وكان من علماء الكوفة المشهورين وكان شريح يستشيره ويرجع اليه. وهذه نماذج من القضاة ويوجد الكثير ولكن لايسع البحث لذكرهم.

ص: 130

نماذج من اقضية الامام علي (عليه السلام)

لقضاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في القضايا التي حكم فيها، نمط خاص يختلف عن جميع القضايا التي حُكم فيها، في الخصومات والنزاعات، فهو نحط له مزايا منفردة عن الآخرين، فالقضايا التي حكم فيها، كانت قبل الإسلام أو بعده، لا ترتقي إلى مستوى القضايا التي عرضت على الأمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ولا سيما أسلوبه الذي تعامل فيه مع الخصوم، والطرق التي اتبعها في كشف الحكم، فضلاً عن طبيعة الأحكام التي أنهى بها الخصومات.

وسنروي نماذج من اقضية الامام علي (عليه السلام) ومنها قضية محيرة في النسب وردت الى عمر بن الخطاب فجمع الصحابة وعرضها عليهم لم يجدو لها حلا فقال عمر لشريح: حدث ابا الحسن بالذي حدثتنا فذكر شريح القضية على الامام علي (عليه السلام) أن رجلا أودعته أمراتين حرة مهيرة وأم ولد فقال له: أنفق عليهما أقدم، فلما كان في هذه الليلة وضعتا جميعاً إحداهما ابناً والاخى بنتاً وكلتاهما الابن وتنتفي من البنت من أجل الميراث. فقال الامام علي (عليه السلام) لاحدى المرأتين، أحلبي فحلبت فوزنه، ثم قال للاخرى: احلبي، فحلبت، فوزنه، فوجده على النصف من لبن الاولى فقال لهل: خذي انت ابنتك وقال لاخرى خذي انت ابنك.

ثم قال لشريح: أما علمت أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام، وأن ميراثها نصف ميراثه، وأن عقلها نصف عقله وأن شهادتها نصف شهادته وأن ديتها نصف ديته وهي على النصف في كل شيء. فاعجب به عمراً إعجاباً شديداً ثم قال: أبا حسن، لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا في بلد لست فيه.

ص: 131

اما قضية القتل فقد أتي برجل وجد في خربة وبيده سكينة ملطخة بالدماء، وبين يديه قتيل واعترف الرجل بقتله فاصدر الامام الحكم عليه بالقتل ولكن جاء القاتل الحقيقي واعترف بجريمة القتل يبدو أن شعوره بالذنب هو الذي ادى الى اعترافه. فسال الامام علي (عليه السلام) الأول عن الأسباب التي دفعته الى الاعتراف بالقتل وانه لم يقتل، فقال: يا أمير المؤمنين ما استطيع أن أصنع وقد وقف العسس على الرجل وهو يتشخط بدمه، وأنا واقف وفي يدي سكين، وفيها أثار دم، وقد أخذت بالخربة، وخفت أن لا يقبل مني - فااعترفت بذلك، فقال الامام علي (عليه السلام) بئس ماصنعت. ملخص الرواية ان الرجل قصابا وذبح بقرة وسلخها واراد قضاء حاجته

(البول) فذهب إلى خربة قريبة منه ثم عاد إلى حانوته فوجد القتيل وجاء العسس فوجدوا الرجل يداه ملطخة بالدماء وبيده سكينة والقتيل بجانبه وقال الناس هذا قتل هذا، ماله من قاتل سواه، فاايقنت أنك لاتترك قولهم بقولي فاعترفت بما لم اجنه.

اما الرجل الثاني فساله الامام علي (عليه السلام) فقال له: أغواني الشيطان فقتلت الرجل طمعا في ماله، ثم سمعت حس العسس فخرجت من الخربة وأستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصفها، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به فلما أمرت بقتله علمت أني سأبوه بدمه أيضاً فاعترفت بالحق.

فاستند حكم الامام علي (عليه السلام) على الايه القرانية في قوله تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، صح انه قتل نفساً ولكن في نفس الوقت أحيا نفساً عندما اعترف بجريمته وظهرت براءة الرجل القصاب. فخلي الامام علي (عليه السلام) عنهما واخرج دية القتيل من بيت المال، ولعله فعل ذلك بعد أن أسقط أولياء القتيل حقهم بالقصاص.

ص: 132

الخاتمة

نستنج في خاتمة البحث بان البساطة في سير الدعوة والاجراءات القضائية وقلة الدعاوى والخصومات اذا ما قورنت باتساع الدولة وتعدد الشعوب والامصار وحسن أختيار القضاةة والشروط الكامله فيهم، كذلك مارس الامام علي (عليه السلام) القضاء بنفسه والنظر في المنازعات کما أولى أهتمام الكامل لتولي المظالم وقضاء الحسبة.

اما الاحكام القضائية والتنظيم القضائي في عهد الامام علي (عليه السلام) أصبح مصدر للاحكام الشرعية والاجتهادات القضائية والاراء الفقهية في مختلف العصور عند جميع العلماء والمذاهب مع وجود الاختلاف في التدقيق والجزيئات والتفاصيل.

وفيما يخص التنظيم الاداري الدقيق للقضاء تبين من خلال الرسائل المشهوره التي ارسلها الامام علي (عليه السلام) الى القضاة لتنظيم شؤون القضاء وكذلك تطور التحقيق الجنائي على يد الامام علي (عليه السلام).

ص: 133

الهوامش

1 - السبكي، محمد محي الدين ومحمد عبد اللطيف، المختار من صحاح اللغة، مطبعة الاستقامة، (القاهرة - 1934 م)، ص 426.

2 - اب-ن الشحنة، إبراهيم بن أبي اليمن، لسان الحكام في معرفة الأحكام، بهامش معين الحكام للطرابلسي، ص 4.

3 - سورة طه. من الآية (72).

4 - سورة غافر، أية: 20.

5 - ابن الشحنة، لسان الحكام، ص 3.

6 - سورة الشورى، أية: 14.

7 - ابن عابدين، محمد أمين عمر (ت: 1252 ه). حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، (اسطنبول - د.ت)، ج 5، ص 352.

8 - اورنك، أبو المظفر محي الدين محمد، الفتاوى الهندية، ط 2، المطبعة الأميرية، (القاهرة - 1310 ه)، ج 3، ص 307.

9 - ابن خلدون، عبد الرحمن (ت: 808 ه) المقدمة، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة - د.ت)، ص 221.

10 - النوري، ميرزا حسن، مستدرك وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث،(قم - 1320 ه)،، ج 17، ص 348.

11 - التستري، محمد تقيقضاء أمير المؤمنين، منشورات المكتبة الحيدرية، (النجف - 1966)، ص 189. 12 - الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق (ت 358 ه)، الكافي في الاصول، ط 3، (بيروت، 1968 م)، ج 7، ص 249.

ص: 134

13 - المصدر نفسه، ج 7، ص 249. 14 - المصدر نفسه، ج 7، ص 389.

15 - المصدر نفسه، ج 7، ص 389. 16 - الأبشيهي، بهاء الدين ابو الفتح محمد بن احمد بن منصور(ت 854 ه)، المستطرف في كل فن مستطرف، ط 3، دار صادر، (بیروت - 2007)، ص 140.

17 - الأبشيهي، المستطرف، ص 140.

18 - أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت: 182 ه)، کتاب الخراج، ط 2، المطبعة السلفية، (د. م - 1352 ه)، ص 187. السرخسي، شمس الدين أبو بكر محمد بن سهل (ت 490 ه)، المبسوط: مطبعة السعادة، (مصر - د.ت)، ج 16، ص 102.

19 - ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله محمود (ت 655 ه)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار أحياء الكتب العربية، القاهرة - 1964)، ج 17، ص 55.

20- حسن، حسن ابراهیم ، النظم الإسلامية، ط 2، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة - 1909)، ص 35. 21 - الماوردي. ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (ت 450 ه)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، (بیروت - 1978)، ص 73.

22 - المصدر نفسه، ص 78.

23 - النوري، مستدرك وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب آداب القاضي، الحديث رقم 3.

24 - القرشي، باقر شریف، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، (النجف - 1966 م)، ص 378.

25 - بحار الانوار، ج 4، ص 19. 26 - ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 17، ص 58

ص: 135

27 - الأبشيهي، المستطرف، ص 141 (قصة المامون مع القاضي يحيى بن أكثم)

28 - ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 17، ص 155.

29 - وکیع، محمد بن خلف بن حیان (ت 306 ه)، أخبار القضاة، عالم الكتب، (بیروت - د.ت)، ج 2، ص 227.

30 - الكندي، ابو عمر محمد بن يوسف (ت 350 ه)، الولاة والقضاة، مكتبة المثنی (بغداد - 1908)، ص 13،

26، 22

31 - وکیع، أخبار القضاة، ج 1، ص 288.

32 - وكيع، أخبار القضاة، ج 1، ص 288.

33 - وكيع، أخبار القضاة، ج 2، ص 399 - 401.

34 - العاملي، زين الدين بن علي بن أحمد الشامي (ت 911 ه)، کنز العمال، (النجف الاشرف - د.ت) ج 5، ص 490.

35 - ابن قيم الجوزیه، شمس الدين محمد (ت 751 ه)، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، مكتبة دار البيان، (دمشق -1989)، ص 56.

36 - سورة المائدة، الاية (32).

ص: 136

المصادر والمراجع

الابشيهي، بهاء الدين ابو الفتح محمد بن احمد بن منصور(ت 854 ه).

1 - المستطرف في كل فن مستطرف، ط 3، دار صادر،(بيروت - 2007)،

اورنك، أبو المظفر محي الدين محمد.

2 - الفتاوى الهندية، ط 2، المطبعة الأميرية، (القاهرة - 1310 ه).

التستري، محمد تقي.

3 - قضاء أمير المؤمنين، منشورات المكتبة الحيدرية، (النجف - 1966)

ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله محمود (ت 655 ه).

4 - شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار أحياء الكتب العربية، (القاهرة - 1964).

حسن، حسن ابراهيم.

5 - النظم الإسلامية، ط 2، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، مكتبة النهضة

المصرية، (القاهرة - 1959)

ابن خلدون، عبد الرحمن (ت: 808 ه).

6 - المقدمة، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة - د.ت

ص: 137

السبكي، محمد محي الدين و محمد عبد اللطيف.

7 - المختار من صحاح اللغة، مطبعة الاستقامة، (القاهرة - 1934 م).

السرخسي، شمس الدين أبو بكر محمد بن سهل (ت 490 ه).

8 - المبسوط، مطبعة السعادة، (مصر - د.ت)

ابن الشحنة، إبراهيم بن أبي اليمن.

9 - لسان الحكام في معرفة الأحكام، بهامش معين الحكام للطرابلسي (د.م - د.ت).

ابن عابدین، محمد أمين عمر (ت: 1252 ه).

10 - حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، (اسطنبول - د.ت).

العاملي، زين الدين بن علي بن أحمد الشامي (ت 911 ه).

11 - کنز العمال، (النجف الاشرف - د.ت)

القرشي، باقر شریف.

12 - نظام الحكم والإدارة في الإسلام، (النجف - 1966 م)،

ابن قيم الجوزیه، شمس الدين محمد (ت 751 ه).

13 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، مكتبة دار البيان، (دمشق -1989).

الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق (ت 358 ه).

14 - الكافي في الأصول، ط 3، (بیروت، 1968 م)

ص: 138

الكندي، ابو عمر محمد بن يوسف (ت 300 ه).

15 - الولاة والقضاة، مكتبة المثنى (بغداد - 1908).

الماوردي. ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (ت 450 ه).

16 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، (بیروت - 1978)

النوري، میرزا حسن.

17 - مستدرك وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت الأحياء التراث، (قم - 1320 ه)

وكيع، محمد بن خلف بن حیان (ت 1309).

18 - أخبار القضاة، عالم الكتب، (بیروت - د.ت).

أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 182 ه).

19 - كتاب الخراج، ط 2، المطبعة السلفية، (د.م - 1352 ه).

ص: 139

ص: 140

الموازنة بين العدالة والرعاية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر

اشارة

أ.م.د. سناء كاظم كاطع أ.م.د. إيناس عبد السادة علي

ص: 141

ص: 142

المقدمة

إن التجرد عن الصفات والخصال التي يختص بها علي، لهو ضرورة بحثية بحتة، تفرضها الحقيقة التي عبر عنها لسان علي بالقول: (لا تجعلونا أرباباً، وقولوا فينا ما شأتم، ولن تبلغو)، فلن نبلغ كنه علي وحقيقته، ولن نصل إلى معرفته وهو الذي لا يعرفه إلا الله ورسوله، لذا لن نتحدث عن شخص علي بصفاته الربانية وعلمه اللدني، إنما عن حيثيات دنيوية تتعلق بالدولة والمجتمع في فكر علي بوصفه مؤسس لفكر ينظم العلاقة بين مؤسسة الدولة من حيث كونها الراعي، وبين المجتمع الذي يمثل رعايا هذه المؤسسة.

لقد طرح علي في عهده لواليه على مصر، مالك الأشتر، قضية من بالغة الأهمية، ألا وهي الموازنة بين ضرورتين تشكلان أساس وظائف الدولة التنظيمية في علاقتها مع رعاياها. لقد شكلت الموازنة بين العدل والرعاية جوهراً فكرياً تأسيسياً لهذا العهد، مع ملاحظة أن هذه الموازنة قد حققت علاقة فريدة بين الوظيفتين بالربط بينهما بشكل يجعل كل منهما يتضمن في الآخر ولا يتحقق إلا به.

لقد أخترنا هاتين الوظيفتين لأن الفكر العربي والإسلامي على مدى تاريخه ركز على واحدة منها، وهي العدل، وأهمل الثانية، وهي الرعاية، فنجد هذا الفكر قد أنشغل لردح من الزمان بالجدل حول دولة العدل وقضية المستبد العادل، في حين إن وظيفة الرعاية لا تقل أهمیة عن عن وظيفة العدل، ونحن نعزو ذلك إلى أن الفكر العربي والإسلامي هو فكر سلطوي لا رعوي.

ص: 143

من هنا فضلنا الحديث عن علي المؤسس، الذي أسس لنظام الرعاية ضمن نظام العدل، ونظام العدل ضمن نظام الرعاية، أسس للمعادلة الموازنة بين الوظيفتين، وكان أهمال هذه الموازنة قصوراً في الفكر العربي والإسلامي، وهو الفكر الجهوي المؤدلج المنكفئ على الذات وغير المنفتح على الآخر حتى وإن كان من أبناء جلدته.

لقد كان تأسيس علي لنظام الرعاية في عهده لواليه على مصر، وليد واقع دولة الخلافة التي أستلمها علي وهي تعاني من قصور كبير في وظائفها تجاه رعاياها، فكان العهد برنامج عمل لإحداث التغيير الأجتماعي الشامل، فكانت الرعاية نظاماً دقيقاً لقيادة التغيير الأجتماعي هذا وتوجيه الوجهة الصحيحة ضمن نظام العدل بين الرعية.

المحور الأول: دولة العدالة والرعاية في العهد العلوي.

من المؤكد، أن مفهوم العدل قد جاء في نطاق واسع وشامل ولم يحصر بزاوية أو مجال ما، فالله سبحانه وتعالى ذكر العدل في كتابه الكريم في الفاظ متعددة ومتنوعة وحث عليها كقيمة أساسية وجبت كفرض على المسلمين في كل مجالات حياتهم، أبتداءا من العدل في الحكم الى معاملة الأسرة والزوجة وجميع الناس، لذلك يمكننا القول مع ما قاله مطهري من أنه (إذا دققنا النظر في القرآن وجدناه يدور حول محور واحد وهو العدل من كل الأفكار القرآنية، من التوحيد الى المعاد، ومن النبوة الى الأمامة والزعامة، ومن الآمال الفردية الى الأهداف الأجتماعية، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف تشريع النبوة وفلسفة الزعامة والأمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع). ومن بين الآيات التي ذكرها الله عز وجل في قضية العدل وأهميته نورد ما يلي: -

ص: 144

«وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ». و«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ»**. «إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»***. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»****. «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»*****. «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا»*******. وهكذا يمكن ملاحظة أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه ليكون القاعدة الفكرية والمنهج العملي الذي يريد للأنسان أن يتحرك فيه على أساس قيم الفضيلة.

الى جانب أن العدل صفة من صفات الله جل جلاله، فقد ركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على قضیة العدل مؤكدا أن (عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها)، بل وأن (العدل ميزان الله في الرض فمن أخذه قاده الى الجنة ومن تركه ساقه الى النار). كما كان العدل المنهج الواضح الذي سار عليه اهل البيت عليهم السلام في طيلة مسيرتهم، وما رسالة الحقوق للأمام زين العابدين خير مثال ممكن الأستشهاد فيه على تركيز اهل البيت عموما على حقوق الناس وواجباتهم والحكم بينهم بالعدل وتعليمهم المضامين الأساسية لحقوق كل منهم على بعض.

فضلا عن ذلك، فأن العدل أصل من أصول الدين عند الشيعة الإمامية، حيث جاء كل من العدل والإمامة كأصلين من أصول مذهب التشيع مع سائر أصول الإسلام الأساسية (التوحيد والنبوة والمعاد).

ص: 145

ويعرف العدل بأنه إعطاء كل ذي حق حقه، مما يؤكد أختلافه عن المساواة كمفهوم يختزل مراعاة التساوي بين طرفين أو عدة أطراف، في أشتراط وجوده (العدل) في أمر من قبيل (مراعاة الأستحقاق، وأخذ الأولويات بنظر الأعتبار، وأعطاء كلا نصيبه بموجب ما يستحق) والتي لا يشترط وجودها في المساواة. ويعد تعريف الإمام علي عليه السلام للعدل من أفضل التعاريف وأجزلها معنى، حينها بينه في أنه (وضع الأمور في مواضعها) ليكون بذلك الظلم عند أهل اللغة (وضع الشيء في غير موضعه).

ان التأكيد الرباني على مسألة العدل وضرورته جعل منه الهدف الأسمى والغاية المقصودة من الشريعة الإسلامية، بل هو جوهر الإسلام الصحيح وقيمته العليا التي لا يجوز تجاوزها مع الناس كافة مسلمين كانوا أو غير مسلمين، في وقت السلم والحرب معا. لذلك كان حفظ العدل وإشاعة العدالة في المجتمع مطلب أساس في السياسة الإسلامية النبوية والعلوية ومقوم من مقومات الدولة الإسلامية ببعديها الرسالي والعلوي والتي تميزت فيها القيم السياسية بالبعد الأخلاقي وكان في مقدمتها العدل والإنصاف، فالسياسة الإسلامية عرفت العدل كمفهوم واقعي وتطبيقي ملازم لمقولات الشريعة الإسلامية ومبادئه، فأصبحت للعدالة معنى وظيفيا بحيث شکلت أحدى الأهداف والمهام الأساسية التي تسعى الجماعة السياسية تحقيقها في النظام السياسي الإسلامي القائم آنذاك.

لقد قدم الإمام علي عليه السلام على أرض الواقع ومنذ توليه السلطة دولة العدالة المرتكزة على الأسس الأخلاقية والتكوينية العظيمة لحاكمها، وفي ذلك وصف جورج جرداق في سفره الكامل عدالة الإمام علي عليه السلام بأنها «ليست مذهبا مكتسبا، وأن أصبحت في نهجه مذهبا فيما بعد، وليست خطة أوضحتها سياسة

ص: 146

الدولة، وأن كان هذا الجانب من مفاهيمها لديه، وليست طريقا يسلكها عن عمد فتوصله من أهل المجتمع الى مكان الصدارة... بل لأنها في بنيانه الأخلاقي والأدبي أصل يتحد بأصول، وطبع لا يمكنه أن يجوز ذاته فيخرج عليها، حتى لكأن هذه العدالة مادة ركب منها بنيانه الجسماني نفسه في جملة ما ركب منه، فإذا هي دم في دمه وروح في روحه». وحينما ركز جل وصاياه ورسائله الى الولاة بمحور العدل «إلا لأنه ميزان العدالة الذي لا يميل الى قريب ولا يساير نافذا ولا يجوز فيه إلا الحق».

وبذلك حقق الإمام علي عليه السلام حينما أقام دولة العدالة الواضحة مضامينها في عهده الى الأشتر كل أمنيات البشرية وأحلامها في العيش في مجتمع فاضل عادل صالح لا مجال للظلم فيه، منطلق من مبدأ الإنسانية في التعامل مع الآخر دون أي أعتبار آخر، مشكلا نظاما متكاملا متماسكا من خلال بيان حاجة كل فرد للآخر دون إمكانية لأستغناء أحدهما عن الآخر، حينما قال «وأعلم أن الرعية طبقات لا يصلح

بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض».

لقد عسر على الوجود ولادة هكذا دولة دون أن تنسب لشخص عظيم كعلي أبن أبي طالب عليه السلام، فمفهوم الدولة وتطوره في الفكر السياسي الغربي تطلب بحثا ووقتا طويا للأرتقاء الى مستوى تمدين الحياة المجتمعية التي سيطرت عليها الكنيسة برجالاتها المستبدين وأفكارها المتسلطة والتي ساعدت، فيما بعد، في التأهيل والتأسيس لثورة التحرر والتقاطع مع كل فكر تسلطي. كما أن الظهور السياسي لمفهوم الدولة في التاريخ السياسي الغربي كان متأخرا عن الفكر السياسي الذي لازمه، ومن ثم، لا وجود لظهور الدولة هناك كما ظهرت في التاريخ الإسلامي والتي تجسدت في البيان السياسي الذي أصدره الرسول الأعظم في يثرب والمعروف بوثيقة المدينة. وهكذا بلورت الرسالة النبوية فكرة الدولة التي توضحت في الممارسات السياسية والدينية

ص: 147

التي كان المسلمون يطلقون عليها السنة النبوية. حتى أن مشروعية الدولة وقيامها قد أدركت بالفطرة والعقل وبهما أدركوا بديهية الموضوع السياسي الملازم لتطبيق أحكام الإسلام والملازم لتثبيت قواعد المنهج الإسلامي في المجتمع. وتوضح مرتكز إقامة العدل كمبرر أساس الى وجود الدولة ليتم من خلال الأستناد عليه

توزيع الخيرات، والوقوف بوجه الظالمين الطغاة، ومناصرة الضعفاء ورعايتهم، على أساس ذلك، تضمنت دولة العدالة في العهد الرسالي والإمامي بأعتبارهما خط واحد في السياسة، الجمع ما بين العدالة والرعاية والموازنة بينهما في حالة فريدة من نوعها، لم تكن لها سابقة ولا لاحقة في التاريخ السياسي أجمالا، التي لابد من أن يكون لظلم الفقير والضعيف وإضاعة الحقوق مجالا فيه لصالح طبقة الأثرياء والأقوياء. فأهل البيت عموما كانوا قد تعاملوا مع شرائح المجتمع كافة على أساس إنساني فقط، وذلك واضحا في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر الذي خص رعايته لكل فئات المجتمع لاسيما الطبقة السفلى داعيا الى مشاركتها في إدارة البلاد ليطرح بذلك أسس ومبادئ عامة ليسلكها الناس ولاة وحكاما. حيث أوصى عليه السلام مالك على أن يكون محبا للرعية محترما لمشاعر الناس المنتمين لأي فئة كانت مسلمة أو من أهل الكتاب، وذلك تثبيتا لإنسانية الإسلام وتقوية لبنية النظام السياسي، وهو ما قاله عليه السلام بالنص «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم، فأنهم صنفان، إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق»، مؤكدا أن يغمر عفوه وصفحه الرعية، قائلا «فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه»، کما دعى عليه السلام إلى ألغاء التمييز في العطاء بين الرعية «أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هدى من رعيتك، فأنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده».

ص: 148

ومن كل ذلك، يمكن القول، أن الإمام علي عليه السلام بكل مواقفه وآرائه

وسياساته، كان منهجا فريدا في سياسة الدولة الساعية نحو تحقيق العدالة وتضمينها الرعاية لطبقات المجتمع كافة، ففي عهده الى الأشتر ذكر أمورا كثيرة منها ما يعود الى الوالي ومنها ما يعود الى الرعية ومنها ما يعود لكليها وذلك حينما قال في مستهل عهده اليه «جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها». و» وأن أفضل قرة عين الولاة أستقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية».

وعلى اساس ذلك، عدت قيام دولة العدالة الرعوية العلوية ضرورة ملحة لتحقيق التوازن الأجتماعي والسياسي وكبح النوازع البشرية وتهذيبها، وفض المنازعات الحاصلة بين طبقات المجتمع ورعاية أفراد المجتمع كافة، وأحتضان المحتاجين والضعفاء، الأمر الذي يؤكد الجانب الوظيفي لقيامها وممارسته في نشر الأمن وفض النزاعات وتحكيم سلطة العدل. حيث أكد الإمام علي عليه السلام على وظيفة حكومته (وأي حكومة ممكن أن تؤول إليها الأمور في تسييس أحوال المجتمع) ودورها في أحقاق الحق وأبطال الباطل جاعلا العدل والأنصاف القضية الأساسية والمسؤولية العظمى التي ألقاها على ولاته في دولته العادلة، وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في عهده إلى واليه في مصر مالك الأشتر النخعي.

المحور الثاني: نصوص مختارة من العهد.

إن محاولة تفكيك نصوص وثيقة شمولية تحيط بجوانب إدارة الدولة كافة، وكيفية قيام الحاك-م به-ذه الإدارة، بمستوى وثيقة عهد الإمام علي (عليه السلام) للأشتر، لهي محاولة، وإن كانت معقدة، إلا أنها خطوة مهمة في التعرف على نظرية الحكم وإدارة الدولة في فكر الإمام علي، وفهم المنظور العقلي والإنساني الذي انطلق منه لتأسيس

ص: 149

دولة العدالة والرعاية.

بداية لا بد من عدم الفصل بين وظيفة الحاكم ووظيفة الدولة، فالحاكم موظف خدمة عامة لدى الدولة، وقائم بوظيفتها والمسؤول عن رعايتها ورعاية الرعية والعدل بها وبهم.

في مطلع العهد نقرأ العبارة أدناه: (هذا ما أمر به عبد الله عليٌ أميرُ المؤمنينَ مالكَ بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها).

نرى أن مسألة أستصلاح أهلها تصب في مضمون الرعاية، وعمارة بلادها كذلك، فعمارة البلاد وجه من أوجه الرعاية بالرعية. أما جباية الخراج فأنها، وإن كانت ذات مضامين تتعلق بالعدالة بمضامينها المختلفة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، فإن هذا الأمر يحقق رعاية بالدولة والمجتمع والفرد.

ويمكن تلمس ذلك في موضع آخر من العهد: (وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شئ خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من

ص: 150

إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر).

كل هذه المضامين، أو الوظائف، التي ذكرت في بداية العهد، إنما تأسس لعلاقة الحاكم بالرعية وفق معطيات الرعاية العادلة التي يجب أن تتوفر لدى صاحب السلطة واليد العليا في تسيير مقاليد الأمور: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك).

يرتبط معنى الرعاية هنا بإنصاف الرعية من هوى الراعي وخاصته، فالأحتكام إلى هوى النفس ومحاباة الأقربين يورث معاداة الله والخصومة معه والأبتعاد بالأمة عن طريق الحق والعدل: (وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك

فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون

عباده).

إن الحق والعدل من أوجب الأُسس التي تقوم عليها الدولة، إذ الحكم بالعدل والحق يحقق رضا الرعية ويوفر للراعي شروط الإدارة الصحيحة: (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط

العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره

ص: 151

للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكرا عند الاعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملات الدهر، من أهل الخاصة. وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم).

ويؤدي أستحصال رضا الرعية إلى حسن ظنهم براعيهم، مما يحقق بدوره موازنة في العلاقة بين الطرفين لها في المحصلة نصيب في حسن الإدارة والحكم: (واعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك

عنده).

يستدعي توجه الحاكم نحو أستحصال رضا الرعية بالحق والعدل، أن لا يستشير من هم يحوزون على مداني الصفات والأخلاق: (ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور). لأنهم سيميلون بالحاكم عن جادة الصواب. خلاف ذلك على الراعي الركون إلى من يملكون شرف العلم والحكمة: (وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك).

علاوة على ذلك على الحاكم أختيار الأفضل للبت في قضايا الرعية، وفق شروط حددها الإمام ومزايا: (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم

ص: 152

على تكشف الأمور، وأصر مهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فیه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنیا!).

إن أختيار الأفضل في هذا الجانب ينطلق من حقيقة إن المجتمع متنوع الطبقات والفئات، ولابد من إيجاد الروابط والصلات الصحيحة التي تؤلف بينهم: (واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة).

ص: 153

الخاتمة

في عام 656 م، صك الإمام علي (عليه السلام) عهده لواليه على مصر الأشتر، متضمناً نهجاً للحكم وإدارة الدولة ورعاية الرعية، قدم بهذا العهد صورة إنسانية متكاملة لا يشوبها هوى ولا تشوهها الشبهات، لما أحتواه مضمون العهد من قيم إنسانية قبل كل شيء، قيم لا تفرق بين أبناء الرعية وفق خطوط تمييز زائفة تبتعد بصاحب السلطة عن أداء مهمته التي أوكلت إليه بالشكل الإنساني الأمثل.

إن ما تضمنه العهد من منهج متكامل لإدارة الدولة، وفق مضامين العدل والرعاية، أعطته أستمرارية لم ولن تتمتع بها أي وثيقة أخرى، وقد تجلت هذه الأستمرارية في أعتمادها، بعد ما يقارب 1300 عام، من الأمم المتحدة بوصفها أحد

مصادر التشريع للقانون الدولي.

لقد أستوقفت عبارة «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، ورأى بأنها عبارة يجب ان تنشدها البشرية، ونادي بوجوب أن تعلق على كل المؤسسات الحقوقية في العالم، وجعلته ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع في القانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي.

وفي عام 2002، أصدرت لجنة حقوق الإنسان في نيويورك قرارها التاريخي، أعلنت فيه «يعتبر خليفة المسلمين علي بن أبي طالب أعدل حاكم ظهر في تاريخ

ص: 154

البشرية»، مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الأنجليزية. وقد تمت دراسة هذا العهد من المختصين بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وبعد مرور عدة أعوام أعلنت اللجنة القانونية في الأمم المتحدة التي قامت بطرح قول الإمام علي بن أبي طالب: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) للتصويت، وقد مرّت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول، بأنه أحد مصادر التشريع في القانون الدولي.

ولا يسعنا إلا أن نختم بقول الكاتب المسيحيّ جورج جرداق: (هل عرفت إماماً لدين يوصي ولاته بمثل هذا القول في الناس: «فإنّهم إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، أعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه»). فقد جسدت هذه العبارة كل معاني الإنسانية المتمثلة في رعاية الرعية بالعدل، والعدل بينهم في الرعاية.

فسلام الله عليك يا سيدنا ومولانا يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا.

ص: 155

الهوامش

1. مرتضى المطهري، العدل الألهي، ترجمة - محمد عبد المنعم الخاقاني، دار الفقه للطباعة والنشر ،ص 46.

*. البقرة - 123.

**. النحل - 90.

***. النساء - 58.

****. المائدة - 42.

******. المائدة 8.

******. الحجرات - 9.

*******. الأنعام 152.

2. محمد حسين فضل الله، علي ميزان الحق، أعداد وتنسيق - صادق اليعقوبي،

دار الملاك، 2003، ص ص 30 - 31.

3. للمزيد ينظر: - العلامة الساعدي، شرح رسالة الحقوق للأمام زين العابدين

عليه السلام، دار المرتضى، بيروت، 2005.

4. للمزيد ينظر:- محمد الريشهري، العدل في الرؤية التوحيدية للوجود، تعريب - علي هاشم، دار الحديث.

5. علاء الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، المعاونية الثقافية للمجمع

العالمي لأهل البيت عليهم السلام، 1432، ص 19.

6. عادل عبد الرحمن البدري، معالم الفكر السياسي ونظرية الدولة في الأسلام،

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، 1431ص 75.

ص: 156

7. جورج جرداق، الأمام علي صوت العدالة الأنسانية، مشورات ذوي القربى،

1323 صص 38 - 39.

8. المصدر السابق ،ص 74.

9. نهج البلاغة، شرح الیخ محمد عبدة، مؤسسة التاریخ العربي، بیروت، 2007، ص 426.

10. عادل عبد الرحمن البدري، مصدر سبق ذكره ص ص 236 - 237.

11. نهج البلاغة، مصدر سبق ذكره، ص 458.

12. نهج البلاغة، ص 458.

13. نهجج البلاغة، ص 459.

14. نهج البلاغة، ص 457.

15. نهج البلاغة، ص 464.

16. عادل عبد الرحمن البدري، مصدر سبق ذكره، ص 242.

ص: 157

ص: 158

مالك الاشتر ودوره السياسي في عهد الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

اعداد

أ.م.د سؤدد كاظم العبيدي

أ.م.د وداد جابر الزويني

ص: 159

ص: 160

المقدمة

التاريخ يخلد الزعماء والقادة الفاتحين ويحكي لنا ملاحمهم وسيرتهم حتى أن شابها الطغيان والظلم والتعدّي على حقوق الانسان وكرامته أو كانت عواقب أمورهم سوءاً وخراباً، لكن هذا لا يمنعنا من أن نميّز بين من قدم للإنسانية مصادیق للتضحية والایمان والوفاء وبين من لوث التاريخ بالدماء وأثقله بالمساوئ والمخازي.

فمن تشرّف به التاريخ وتخلّد في صفحاته، مالك الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وأقرب المقربين إليه في سوح القتال ضد الباطل والزيغ والانحراف و ممثله وصورته الناصعة في ميدان الحكم والإدارة، وكيف لا يكون كذلك وقد قال الإمام في رثائه ما لم يقله في غيره: (من مثل مالك...)؟! وقال أيضا عليه السلام: (عقمت النساء عن أن تلد مثل مالك..) وقال: (كان لي مالك كما كنت لرسول الله)..

ص: 161

نبذة عن حياته:

هو مالك بن الحارث بن عبد يَغوث بن سَلِمة بن ربيعة... بن يَعرُب بن قحطان. لُقّب ب«الأشتر» لأن إحدى عينيه شُتِرَت - أي شُقّت - في معركة اليرموك، حين كان يشارك في حروب المسلمين ضدّ الروم والفرس.

1 - قال ابن حَجَر: ذكره ابن حبان في (الثِّقات) قائلاً: شَهِد اليرموك فذهبت عينه

يومئذ، وكان رئيس قومه.

2 - وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: ولَعمري لقد كان الأشتر.. شديد البأس، جواداً رئیساً حليماً، فصیحاً شاعراً، وكان يجمع بين اللين والعنف؛ فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق.

3 - أمّا الزِركْليّ فقد قال: شهد (مالك) اليرموك، وذهبت عينه فيها. على هذا اتّفقت المصادر جميعها.

لا تذكر المصادر التاريخية تاريخاً محدّداً لولادة مالك الأشتر رحمه الله، ولكن توجد قرائن تاريخيّة نستطيع من خلالها معرفة ولادته على وجهٍ تقريبيّ تخمينيّ.. إذ تُقدّر بين سنة 25 - 30 قبل الهجرة النبويّة الشريفة، بعد أن ذكره ابن حجر في (الإصابة) في عداد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ووصفه معاوية مع جماعة بأنّهم ذوو أسنان وألسنة، أي متقدّمون في السنّ والخطابة-

ص: 162

وقائع مهمّة في حياة مالك الأشتر:

ذُكر مالك الأشتر في جملة المحاربين الشُّجعان الذين خاضوا معركة اليرموك،

وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم. وثمّة اشارات تدلّ على أنّ مالكاً رضوان الله عليه كان قبل اليرموك يشارك في فتوح الشام ويدافع عن مبادئ الإسلام وقيمه السامية، ويدفع عن كيان الإسلام وثغور المسلمين شرور الكفّار.

وحينما كان المسلمون في الشام يقاتلون الروم، كان إخوانهم يقاتلون الفرس في جهة العراق، لذا احتاجوا إلى المَدد لمجابهة كسرى، فكان المدد الذي توجّه إلى الشام ألفَ فارس.. فيهم هاشم بن عُتبة بن أبي وقّاص، وقيس بن هُبيرة المُراديّ، ومالك الأشتر، فالتحقوا بجيش اليرموك الذي خفّ عبؤه بعد فتح دمشق، فتوجه إلى العراق ليحسم معركة القادسيّة هناك. قال ابن الأثير: سَيَّر أبو عبيدة بن الجرّاح جیشاً مع مَيسَرة بن مَسروق العَبْسيّ، فسلكوا درب (بغراس) من أعمال أنطاكية إلى بلاد الروم... فلقي جمعاً للروم معهم عربٌ من قبائل غسّان وتَنُوخ وإياد يريدون اللَّحاق بهرقل، فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ لحق به مالك الأشتر النَّخَعيّ؛ مدداً من قِبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية . فيما نقل ابن أعثَم في (الفتوح) أنّ الأشتر تزعّم جيشاً قوامُه ألف فارس ليفتح (آمُد) و (مِیافارقين)، فلمّا رأي مالك حصانةَ حصنِ آمُد أمر جيشَه بالتكبير وتعالت أصواتهم بالتكبير، فظنّ العدوّ أنّهم عشرة آلاف، فأرسلوا إلى الأشتر في طلب الصلح، وكذلك فعل أهل میافارقين حيث صالحوه وانتهى الأمر بنصر المسلمين.

في عهد عثمان عاش المسلمون أوضاعا مضطربة وسيئة جدا بسبب سياسات عثمان الظالمة والمجحفة، فانطلق الاشتر ليسجل الدور الأول والرسالي في جبهة

ص: 163

الاصلاح هذه المرة وتقويم المسيرة ومواجهة الانحراف في الداخل، وهو ما يكون صعباً جداً في كثير من الأحيان ولا يمكن السكوت عليه او مهادنته..

لذا جاهد مالك بلسانه عندما رأى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وقد کُسر ضلعه وأخرجه عثمان من المسجد النبوي، كما أعلن التنديد والاستنكار ضد تنکیله وظلمه الفادح للصحابي أبي ذر العفاري عندما تعرض للضرب بكل قسوة من قبل حاشيته الأموية، وكان جزاؤه النفي ثم الموت وحيدا وسط صحراء الربذة، كل ذلك ليس لذنب أتاه هذا الصحابي سوى أنه صدح بالحق وفضح النهب والسلب وانتهاك حقوق المسلمين جهارا.

بعد مقتل عثمان بن عفان، أتجهت أنظار المسلمين الى الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فخرجوا في طلبه فوجدوه في داره، فقالوا له: (نبايعك فمد يدك، لابد من أمير فأنت أحق بها. فقال: ليس ذلك اليكم أنما، هو لأهل الشورى وأهل بدر فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة... فابی ان یبایعهم فانصرفوا عنه).

وقال الشيخ المفيد، ملخصا بيان ما وقع في ذلك اليوم: (لما قتل عثمان مال،

الناس الى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره وخرجوا في طلب علي، يتقدمهم الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وعمار بن یاسر حتى أتو علياً (عليه السلام)، وهو في بيت سكن فيه، فقالوا له: بايعنا على الطاعة لك فتلكأ ساعة، فقال الأشتر: يا علي، ان الناس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن تختلف الناس)، ولم يزل مالك الأشتر يكلم الامام ويخاف الفتنة فلم يجد الامام علي (عليه السلام) بداً بعد أجتماع الناس اليه، وانثيالهم عليه من الاذعان لذلك والقبول به على الرغم من جميع الصعاب المتوقعة. فمدَّ يده للبيعة وكان مالك الأشتر أول المبايعين.

ص: 164

کما بایعه طلحة والزبير، أما بقية المسلمين فبايعوه في اليوم الثاني في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، وكانت بيعة عامة وبعد اجتماع المسلمين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبايعة الامام علي (عليه السلام) بالخلافة قام مالك الأشتر خطیباً، فقال: (ايها الناس هذا وصي الأوصياء ووارث علم الانبياء، العظيم البلاء، الحسن العناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ورسولهِ بجنة الرضوان من كملت فيه الفضائل ولم يشك في سابقته وعلمه وفضلة الأواخر والاوائل). ولما فرغ من خطبته تقدم نحو الإمام وبايعه و بایع بعده الخاصة والعامة، ثم تعاقب الناس على البيعة حتى لم يبق في المدينة من لم يعلن البيعة وكان ذلك في يوم الثلاثاء من شهر ذي الحجة سنة (35 ه). لقد كانت بيعة الامام عامة في المسجد وقد بایعه جميع المهاجرين والأنصار وسائر (قریش الا ثلاثة نفر... مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة). لقد أختار هؤلاء طريق العناد والتمرد ومخالفة الاجماع فلم يعلنوا البيعة للامام فقال الامام علي (عليه السلام): (انه لا حاجة لنا فيمن لا يرغب فينا، فقال له مالك الأشتر: يا أمير المؤمنين، أننا وان لم يكن لنا في السابقة مالهم، فأنهم ليسوا بشيء أولى من أمور المسلمين منا، وهذه بيعة عامة الخارج منها طاعن علينا، فلا تدعهم أو یبایعوا... وأنما أرادك القوم لانفسهم فردهم لنفسك). ثم بدأ، توافد المسلمين من البلدان والاقاليم، الى المدينة للبيعة وفي مقدمة هؤلاء أهل اليمن فقد جاءوا لمبايعة الامام بالخلافة وعندما قربوا من المدينة المنورة وبلغ وصولهم الإمام (عليه السلام) (دعا مالك الأشتر النفعي وأمره أن يخرج، فيتلقاهم في أهل المدينة. فخرج الأشتر في تعبه حسنه حتی تلقاهم فرحب بهم وقال: (قدمتم خیر مقدم الى قوم يحبونكم وتحبونهم، والى امام عادل و خليفة فاضل قد رضي به المسلمون وبايعة الانصار والمهاجرون). واستمر تقدم الوفود على الامام الى ان تمت له البيعة من قبل كافة المسلمين.

ص: 165

وقد ذكر الطبري في روايته، أن أول يد بايعت الأمام هي يد طلحة. لكن العديد من، المصادر تؤكد على أن أول يد بايعت الامام علي (عليه السلام) هي يد مالك الأشتر، ثم لحقتها ايدي الناس، وبعد مبايعة مالك الأشتر للامام علي (عليه السلام) اخذ يرقب الجموع ويتفقد من يغيب وكان الأشتر حاد المزاج سريع الغضب، فأراد اکراه المحجمين عن البيعة فنهاه الامام فانصاع لأمره.

وبعد إتمام المبايعة اعتلى الإمام (عليه السلام) المنبر، وخطب في الناس ووزع عماله على الأمصار، وقد امتدت خلافته اربع سنوات وتسعة شهور، وعدة أيام انشغل، خلالها بقتال، الناكثين، والقاسطين، والمارقين، أصحاب الجمل وأصحاب صفين، والخوارج.

دوره في استنفار الناس لقتال الناكثين:

وبعد ان تم أمر البيعة للامام (عليه السلام)، وتم تعين العمال على الأمصار، كتب الامام (عليه السلام) کتاباً الى معاوية بدمشق يطلب منه، بيعة أهل الشام فلم يجبه بشيء، فكتب اليه مرة ثانية وجاء في الكتاب: (اما بعد فقد بلغك الذي كان من مصاب عثمان بن عفان، واجتماع الناس على مبايعتهم لي، فادخل في السلم، أو أئذن بحرب). فتباطأ معاوية في الإجابة، حتى مضت ثلاث أشهر، ثم دعي معاوية (رجل من بني عبس فدفع اليه طومار مختوم عنوانه من معاوية إلى علي) ولم يذكر في الكتاب شيء أخر وانما تحدث رسول معاوية مع الامام واخبره بان أهل الشام لا يرضون الا بالقوة وقال: ((ترکت ستين الف شیخ تبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد البسوه منبر دمشق)). وعندئذ تكشفت للامام علي (عليه السلام) نوایا معاوية العدائية وعزمه على المواجهة فقرر، السير الى الشام لأخماد فتنة معاوية

ص: 166

قبل أن يستفعل خطرها، وعندما بلغ ذلك، طلعة والزبير، أستاذناه في العمرة فاذن لهما فلحقا بمكة، بحجة العمرة، وقد كتبا الى عائشة، زوجة الرسول الكريم (صلی الله عليه وآله وسلم) وقد كانت بمكة، بمقتل عثمان بن عفان، وطلبا منها أن تخرج لتطالب بدمه وقالا لها: (ان اطعتنا طلبنا يدم عثمان) فقالت لهما: (وممن تطلبون بدمه) قالا: (أنهم قوم معروفون، وأنهم بطانة علي ورؤساء أصحابه فأخرجي معنا حتى ناتي البصرة فيمن تبعنا من أهل الحجاز، وان أهل البصرة أن رأوكي لكانوا جميعا يدا واحدة معك) فاجابتهم للخروج، فسارت والناس حولها، يمينا وشمالا.

وفي هذه الأثناء سار الامام علي (عليه السلام) من المدينة في تسعمائة راكب (من وجوه المهاجرين، والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعهم بشر کثیر...) متوجها إلى دمشق لاخماد فتنة معاوية قبل أن يستفحل خطرها وكان الامام علي (عليه السلام) لا يعلم بخبر طلحة والزبير ونكثهما للبيعة، وبينما هو في طريقة الى الشام اذ وصل کتاب من اخيه عقيل يخبره بأن طلحة والزبير قد نكثا بيعتهما له وانظمت اليهما عائشة، وأنهم قد سخطوا امارته ودعوا الناس الى الاصلاح والمطالبة يوم عثمان بن عفان. فكان جواب الامام علي (عليه السلام): (سأصبر مالم اخف على جماعتكم واكف آن كفوا واقتصر على ما بلغني، ثم اتاه الخبر بأنهم يريدون البصرة). بل ان طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ومعهما عائشة، وصلوا فعلاً الى البصرة وكان بها عثمان بن حنيف الانصاري واليا من قبل الامام علي (عليه السلام) فبعث عثمان بن حنیف، حکیم بن جبله العبدي، فالتقى مع طلحة والزبير، فقاتلهم قتالا شديداً وقتَل، وقتُل أيضاً مجاشع بن مسعود السلمي وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخرج عثمان بن حنیف من البصرة وأستتب لهم الأمر فيها، وكان ذلك في سنة (36 ه). ولم يكن للامام علي

ص: 167

(عليه السلام) من سبيل لصد هذا التجمع وردع الفتنة وألاقتال الناكثين للبيعة، وقال لأصحابه: (ان هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصرة، لما دبروه بينهم، فسيروا بنا على أثرهم، لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم). وبعد مشاورات الامام مع أصحابه قرر أرسال ابنه الحسن (عليه السلام) وعمار بن یاسر و قیس بن سعد وأخرين الى الكوفة لحمل أهلها واستنفارهم للقتال والمشاركة في معركة الجمل وعند دخولهم الكوفة أصطدموا بمعارضة أبي موسى الأشعري - وكان والياً عليها منذ أواخر عهد عثمان بن عفان - ورفضه التعاون معهم و تخذيلة الناس عن الخروج. ولما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان من أمر أبي موسى الأشعري في تخذيل الناس عن نصرته فقام اليه مالك الأشتر وقال: (فأن رأيت - اكرمك الله - يا أمير المؤمنين ان تبعثني في أثرهم، فأن أهل المصر احسن شيء لي طاعة، وان قدمت عليهم رجوت الا يخالفني منهم أحد. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحق بهم على أسهم الله عز وجل). ولدى وصول مالك الأشتر الى الكوفة ورای الناس مجتمعين في المسجد الأعظم، (فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مسجد أو مجلس الادعاهم ويقول: اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فأقتحم القصر فدخله وابو موسی قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم... وعمار يخاطبه، والحسن (عليه السلام) يقول له: أعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا).

وخرج غلمان لأبي موسى ينادون: يا أبا موسى، (هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر، فصاح به الأشتر: أخرج من قصرنا لا أملك أخرج الله نفسك،... ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر... فكف الناس).

أستطاع مالك الأشتر عند دخوله القصر ان يأخذ زمام المبادرة، وأستطاع من

ص: 168

السيطرة على الموقف المتداعي الذي خلقه الاشعري، ولم يترك لخصمه مجالاً لأكمال ما أبتدأ به من تثبيط عزيمة الناس وأستنفارهم للقتال مع الامام علي (عليه السلام) بل أستطاع أن يجمع المسلمين ويخطب بهم، في المسجد الأعظم خطبة مؤثرة جاء فيها، بعد ان حمد الله واثنی عليه وذكر النبي محمد (صلى الله عليه و آله وسلم) وقال: (وقد جاءكم الله بأعظم الناس مكانا واعظمهم حرمه، واصوبهم في الإسلام سهماً ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وافقه الناس في الدين، وأقربهم لكتاب الله، واشجعهم عند اللقاء يوم البأس وقد أستنفر کم فما تنتظرون؟ أسعيداً، أم الوليد، الذي شرب الخمر وصلى بكم على سكر وهو سكران منها وأستباح ما حرمه الله فیکم؛ أي هذين تُريدون... الا فانفروا مع الحسن ابن بنت نبيكم ولا يتخلف رجل له قوه...).

وما ان اتم مالك الأشتر خطبته، حتی اجابه الناس بالسمع والطاعة، فخرج مالك يتقدم الناس الى ان التقوا مع الامام علي (عليه السلام) في ذي قار على طريق البصرة وكان عدد أهل الكوفة ستة الاف وستمائة رجل.

ولد اجتماع الناس خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبة مفصلة شرح فيها الموقف، وذكر فيها أهل الكوفة واثنی علی کرمهم وشجاعتهم، فأجابوه: (نحن انصارك على عدوك ولو دعوتنا إلى اضعافهم من الناس، احتسبنا في ذلك الخير والاجر ورجوناه).

وبعد انتهاء الامام (عليه السلام) من خطبته قام مالك الأشتر فقال: (الحمد الله الذي مَّن علينا فأفضل، وأحسن الينا فأجمل، قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبت ووفقت وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه، وأول مصدق به ومصل معه شهدت مشاهده كلها فكان لك الفضل فيها على جميع الامة، فمن أتبعك أصاب

ص: 169

... يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير علينا بمخيل، ولقد دخلا في هذا الأمر أختياراً ثم فارقانا على غير جور عملناه ولا حدث في الإسلام أحدثناه؛ ثم أقبلا يثيران الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معها حجة ترى ولا اثر یعرف...).

فسار مالك الأشتر - وهو المسلم الغيور - في مائتي رجل، وفيهم كثير من الصحابة الأتقياء والتابعين بإحسان، فعرضوا مطاليبهم ومعارضتهم لهذه الانتهاكات الواضحة، إلا أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام أرجعهم؛ توقّياً من الفتنة، وحفظاً لدماء المسلمين من أن تُراق، بل حفاظاً على الإسلام من ارتداد الناس عنه. فلمّا رجع المعترضون أمسكوا في الطريق بغلام معه كتاب من عثمان يأمر فيه عامله بالتنكيل ببعض المعترضين وحبس بعضهم وقتل البعض الآخر، فغضبوا ورجعوا إلى المدينة وحاصروا دار الحكومة، ومِن هناك سَرَت نيران الثورة، فكان ما كان.

مواقفه الشامخة في حكومة الامام علي ابن طالب (عليه السلام):

وفي خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله علیه و حکومته، كانت مواقف الأشتر واضحةً جَليّة المعالم، فهذا العملاق الشجاع.. أصبح جُنديّاً مخلصاً لأمير المؤمنين لم يفارقه قطّ، كما كان من قبل تسلّم الإمام لخلافته الظاهريّة، فلم يَرِد ولم يصدُر إلاّ عن أمر الإمام عليّ سلام الله عليه.. حتّى جاء مدحه جلیلاً على لسان أمير المؤمنين عليه السّلام، فكان أن كتب في عهده له إلى أهل مصر حين جعله والياً على هذا الإقليم: اما بعد (فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيّامَ الخوف، ولا يَنکُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع، أشدُّ على الفُجّار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج، فاسمَعوا له وأطيعوا أمرَه فيما طابَق الحقّ، فإنّه سيفٌ من سيُوف الله، لا كليلُ الظُّبّة، ولا نابي الضَّريبة. فإن أمَرَكم أن تَنِفروا فانفِروا، وإن أمَرَكم

ص: 170

أن تُقيموا فأقيموا؛ فإنّه لا يُقدِم ولا يُحجِم ولا يؤخِّر ولا يُقدِّم إلاّ عن أمري. وكتب عليه السّلام له يوماً: وأنت مِن آمَنِ أصحابي، وأوثقِهم في نفسي، وأنصحِهم وأرآهُم عندي).. ولهذا القول الشريف مصاديق مشرقة، إذ كان للأشتر رضوان الله تعالى.

المواقف والأدوار الفريدة لمالك الاشتر:

1 - قيل: إنّه أوّل مَن بايَعَ الإمامَ عليّاً عليه السّلام على خلافته الحقّة، وطالب المُحجِمين عن البيعة بأن يقدّموا ضمانة على أن لا يُحدِثوا فِتَناً، لكن أمير المؤمنين عليه السّلام أمره بتركهم ورأيَهُم

2 - زَوَّد أميرَ المؤمنين عليّاً عليه السّلام بالمقاتلين والإمدادات من المحاربين في معركة الجمل الحاسمة، مستثمراً رئاسته زعامته على قبيلة مِذحج خاصّة والنَّخَع عامة، فحشّد منهم قوّاتٍ مهمّة. فيما وقف على ميمنة الإمام في تلك المعركة يفدّيه ويُجندِل الصَّناديد، ويكثر القتل في أصحاب الفتنة والخارجين على طاعة إمام زمانهم.

3 - وفي مقدّمات معركة صفّين.. عمل مالك الأشتر على إنشاء جسر على نهر الفرات؛ ليعبر عليه جيش الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فيقاتل جيش الشِّقاق والانشقاق بقيادة معاوية بن أبي سفيان. ثمّ كان مالك رحمه الله المحوَر الفعّال في إدارة المعركة، فأزال - هو والأشعث - أبا الأعور السُّلَميّ عن مشرعة الماء بعد أن استولى عليها. وقاد في صفّين أيضاً جيشاً من الفُرسان والمشاة تعداده أربعة آلاف مقاتل، وكان له بَلاء حَسَن يوم السابع من صفر عام 37 ه حين أوقع الهزيمة في جيش معاوية. ولمّا رفع أهل الشام المصاحف، يخدعون بذلك أهل العراق ويستدركون انكسارهم وهلاكهم المحتوم، انخدع الكثير، بَيْد أن مالكاً لم ينخدع

ص: 171

ولم يتراجع حتّى اضطره الإمام عليّ عليه السّلام إلى الرجوع، كما اضطُرّ إلى قبول صحيفة التحكيم - وكان لها رافضاً - خضوعاً إلى رضى إمامه عليه السّلام.

بلوغه الوفاة:

وبعد حياة حافلة بالعزّ والجهاد، وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوّة والإمامة.. يكتب الله تعالى لهذا المؤمن الكبير خاتمةً مشرّفة، هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق. لقد أمضى مالك حياته يخدم الدين والمسلمين، فكان مدّةً في سُوح الجهاد في سبيل الحقّ، ومدّة والياً لأمير المؤمنين عليه السّلام على الموصل ونَصيبينَ ودارا وسِنجار وآمُد وهِيت وعانات، وغيرها من المدن والولايات.

وكان لأعداء الله طمع في مصر، لقربها من الشام ولكثرة خراجها، ولتمايل أهلها إلى أهل البيت وكراهتهم لأعدائهم، بادر معاوية بإرسال الجيوش إليها وعلى رأسها عمرو بن العاص ومعاوية بن حديج ليحتلّها. فكان من الخليفة الشرعيّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أن أرسل مالكَ الأشتر والياً له على مصر.. فاحتال معاوية في قتله، داسّاً إليه سُمّاً بواسطة الجايستار - وهو رجل من أهل الخراج، وقيل: كان دهقان القُلْزُم - وكان معاوية قد وعد هذا ألاّ يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفّذ مهمّته الخبيثة تلك، فسقاه السمّ وهو في الطريق إلى مصر، فقضى رضوان الله عليه شهيداً، فقال عمر و بن العاص مُعرِباً عن شماتته: إنّ الله جنوداً من عسل!

وقال معاوية: إنه لكان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان: قُطِعت إحداهما بصِفِّين - يعني عمّار بن ياسر - وقُطعت الأُخرى اليوم - يعني مالك الأشتر.

وكانت شهادته رحمه الله عام 38 هجريّة، بعد أن امتدّ العمر به فنال ما كان يتمنّاه

ص: 172

أن يقضي مظلوماً على أيدي أعداء الله وقد حاربهم جهده، فاستجاب الله دعوته

وأُمنيّته، إذ كان يقول:

ياربِّ جنّبْني سبيلَ الفجَرهْ

ولا تُخيّبْني ثوابَ البررَهْ

واجعَلْ وفاتي بأكفِّ الكفرَهْ

أمّا أمير المؤمنين سلام الله عليه.. فجعل يتلهّف ويتأسف على فقدان الأشتر ويقول: للهِ دَرُّ مالك! وما مالك؟! لو كان جَبَلاً لكان فِنْدا، ولو كان حجَراً لكان صَلْدا، أمَا واللهِ ليَهُدّنّ موتُك عالَما، ولَيُفرِحَنّ عالَما، على مِثل مالك فلْتَبكِ البواكي. وقال عليه السّلام: كان لي مالك كما كنت لرسول الله صلّى الله عليه وآله.

ص: 173

المصادر

1 - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) - ط 1.

2 - أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين العامليّ، تحقيق السيّد حسن الأمين، ط 5.

3 - الأمالي، لأبي عليّ القالي (ت 356 ه) - ط 2 أوفسيت، بيروت.

4 - تاريخ الطبريّ (ت 310 ه) - ط 1 مصر - المطبعة الحسينيّة 1326 ه.

5 - الحماسة، للبحتري (ت 284 ه) - ط بيروت.

6 - دائرة المعارف، لبطرس البستانيّ.

7 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الإصبهانيّ.

8 - احمد محمد جودي التميمي، مالك بن الحارث الاشتر ودوره في الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري، رسالة غير منشورة مقدمة الى كلية التربية جامعة المستنصرية، بغداد، 2005.

9 - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد (ت 656 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - ط دار إحياء الكتب العربيّة 1385 ه.

10 - تاريخ الطبريّ (ت 310 ه) - ط 1 مصر - المطبعة الحسينيّة 1326 ه.

11 - الطبقات الكبرى لابن سعد - دار صادر، بيروت.

12 - العبر في أخبار من غبر، للذهبيّ.

13 - الغارات، لأبي هلال الثقفيّ.

14 - الفتوح، لابن أعثم الكوفيّ (ت 314 ه) - دار الكتب العلميّة، بيروت 1986.

15 - الكامل في التاريخ، لابن الأثير (ت 630 ه) - مؤسّسة الأعلميّ، بيروت. 16 - مروج الذهب، للمسعوديّ (ت 346 ه)، تحقيق محمّد محيي عبدالحميد - ط 4، القاهرة 1964 م.

ص: 174

17 - المؤتلف والمختلف، للآمديّ (ت 370 ه) - دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة 1961 م.

18 - وقعة صفيّن، لنصر بن مزاحم المنقريّ (ت 212 ه)، تحقیق عبدالسلام محمّد هارون - مكتبة المرعشيّ النجفيّ، قمّ 1403 ه.

ص: 175

ص: 176

المشروع السياسي للأمام علي (عليه السلام) في عهده الى مالك الاشتر

اشارة

م.د. صلاح هاتف حاتم

م.د. اياد كاظم جلو

ص: 177

ص: 178

المقدمة

العدالة والقيم الإنسانية الحقيقية، التي تتجسد في شخصية امير العدالة الإنسانية الإمام علي ابن ابي طالب صوت العدالة الإنسانية لكافة البشر، وليس لفئة محددة، انه يمثل الحق والعدالة والحرية التي جعلها من اساسيات الحكم، يعد افضل نموذج للحاكم العادل في كل مكان وزمان.

انه شخصية عظيمة وفريدة في التاريخ الانساني، تربى في أحضان النبوة، ولم يسجد لغير الله قط (فتفرد بلقب كرم الله وجه)، وقدم أفضل الدروس في الفداء والبطولة والاباء فكان (لا فتى إلا علي ولا سيف الا ذو الفقار)

إمام العلم والفصاحة والبلاغة والحكمة، والحك-م والإدارة، وإمام النحو واللغة والادب يشهد تراثه اللغوي والادبي الذي يعد قمة في الروعة والابداع دونته كتب اللغة والادب

الإمام علي ابن أبي طالب مدرسة في فن التعامل مع كافة الناس بانهم أخوة،

حيث قال: «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».

شخصية اسلامية لا غنى عنها في الدراسة والبحث وفهم منهج الاسلام الاصيل، فهو وليد الكعبة المشرفة، وتربى بين يدي الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هو نفس رسول الله وزوج فاطمة الزهراء البتول، ووالد سبطي النبي الكريم الحسن والحسين، وصاحب التاريخ المشرف في الفداء والبطولة والاباء والعطاء والإعمار والعدالة الانسانية، وهو شهيد المحراب.

ص: 179

شخصية الإمام عظيمة ولد في أطهر بقعة في الكعبة المشرفة، واستشهد في المحراب أثناء صلاة الفجر، في أفضل وأشرف الشهور، في اواخر شهر رمضان المبارك.

معنى السياسة

جاء في لسان العرب لأبن منظور ان السياسة مصدر للفعل ساس يسوس،

وساس الأمر سياسة، قام به، وسوّسه القوم اي جعلوه يسوسهم، وعند الفيروز ابادي في القاموس المحيط: سست الرعية سياسة اي امرتها ونهيتها، ويسوس الشيء اي يتعهد بما يصلحه.

وفي المعنى الاصطلاحي تعرف بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية، وكافة

شؤونها الخارجية، و تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. و بأنها العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة، وعرفت أيضاً بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل رفاه المجتمعات والمجموعات البشرية، هذا و يختلف مفهوم السياسة اصطلاحا تبعا لآراء مفكرين ومدارس فكرية من شعب الى آخر ومن مدرسة الى اخرى وعموما يتفق اغلب منظري الفكر السياسي على ان السياسة هي عقد بين الحاكم والمحكوم وبشكل عام فأن معنى السياسة في اللغة العربية تشير الى القيادة والفطنة.

وفي المصطلح الانكليزي (politics) وفي الفرنسية (politique) وهم من الاصل اللاتيني (polis، politica) وتعني المدنية والدولة، وهما مفهومان يشيران بشكل عام الى الحكومة والسيادة والمدنية والدولة والدستور والشعب.

ص: 180

مفاهيم السياسة

1 - ميكافيلي (1469 - 1527) یری میکافيلي ان السياسة ماهي الا معركة وصراع بين الأفراد والجماعات للوصول الى السلطة وان الغاية فيها تبرر الوسيلة ومن المنظرين الحديثين لهذا الراي هو المنظر اليهودي الأمريكي هانز مورجنثاو

(1904 - 1980)

2 - عند فلاسفة الاغريق قال سقراط (469 - 399 ق م) أن السياسة فن الحكم والسياسي هو الذي يعرف هذا الفن بینما یری افلاطون (428 - 437 ق م) ان السياسة هي فن حكم الافراد برضائهم، حيث اكد هذا المفهوم في ما يعرف اليوم بأدبيات الديمقراطية بالرضا الشعبي برضا المحكومين وليس عن طريق القوة ومن ابرز الامثلة في سياسة الامام علي عليه السلام عندما كاتب معاوية قائلا (اما بعد، فأن بيعتي لزمتك وانت بالشام، فقد بايعني الذين بايعوا ابا بكرا وعمر وعثمان على ما بایعوا، فلم يكن للشاهد أن يختار وللغائب ان يرد) فقد بایعه امير المؤمنين عليه السلام الناس باختيار منهم وليس بالإكراه او الخديعة وقد اختاروه لدفع الضرر ودرء الفتنة التي وقعت بعد مقتل عثمان بن عفان.

3 - السياسة هي فن الخداع، اي فن حكم البشر عن طريق خداعهم وان السياسة هي فن المكر والتضليل وكلما كان السياسي مخادعا استطاع الاحتفاظ بالسلطة لوقت اطول وهذا يحيلنا إلى قول علي بن ابي طالب عليه السلام (والله ما معاوية بأدهی منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لکنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما أُستغفل بالمكيدة، ولا أُستغمز بالشديدة)

ص: 181

4 - الاسلام في نظرية الحكم أكد على مبدأ الشورى وتقديم النصح للحكام، ولأن

الاسلام لم يتعرض للتفصیلات فأن نظام الحكم متروك للظروف والزمان والمكان وما تقرره المصلحة العامة وهو ما أكد عليه شهاب الدين بن أبي ربيع (هي القيام بامر الناس وتدبير احوالهم بالدين القيم والسنة العادلة) کما یذکر ابن خلدون على (حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي بما يحقق مصالحهم الدينية والدنيوية، ويحصل نفع السياسة في الدارين)

سياسة الامام علي عليه السلام

كانت سياسة الامام في خلافته مثيرة للجدل والنقاش، وقد تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض فهناك من قال ان الامام علي لم يدرك مفاهيم السياسة ولم يستخدم الاساليب المتعارفة في المكر والخديعة لمواجهة خصمة معاوية بن ابي سفيان ولم يتفنن في ذلك وأن معاوية كان ادهی منه بل ادعى البعض انه لم يتمكن من ادارة البلاد کما ينبغي وهؤلاء يعتقدون في أن الحاكم عليه ان يتبع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة والسياسة الميكافيلية كمنهج، كما هو حال خصمه معاوية، وانه ليس هناك مُثل او اخلاق في عالم السياسة.

ان هذه الاراء وغيرها تصدر اما عن جهل بشخصية الامام والظروف والاحداث التاريخية التي احاطت به قبل توليه الخلافة او محاول لتشويه الحقائق وثوابت اخلاقية تؤسس للإنسان بوصفه انسانا يسمو عن الخداع والتضليل للوصول الى الاهداف والغايات النبيلة فكلما كانت النفوس كبيرة تعبت في مرامها الابدان ولاشك في ان طريقها شاق وطويل مازالت البشرية الى يومنا هذا تتوق الى القيم والمثل العليا لتتحقق الغايات والاهداف النبيلة وما قرارات الامم المتحدة وحقوق الانسان والحيوان

ص: 182

والطفولة ومنظمات الاغاثة الا تتويج لهذا الجهد البشري الأخلاقي الذي يدعو الى تأسیس مجتمعات تقوم على المثل والاخلاق والفضيلة فقد كان لعلي بن ابي طالب قصب السبق في الدعوة الى المساواة فحينما طلب منه تفضيل القرشيون والاشراف على الموالي في تقسيم العطاءات لكسب ودهم وتأييدهم مقابل شراء معاوية للذمم قال: (أتأمرونني أن اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله لا أطور طور به ما سّمر سمير وما أم نجمٌ)

لقد كانت الفتنة التي وقعت قبل توليه الخلافة مزقت اوصال العرب المسلمين وتعقد الظروف والتباسها على الكثير من العرب المسلمين وقد استفاد معاوية شر افادة في خلق ظروف ومساحة للمناورة والمراوغة ومحاولة الانفصال عن الدولة العربية الاسلامية.

لم يكن علي بن ابي طالب مداهنا او غافلا عما يعمل الظالمون بل انه كان فطنا مدركا ولديه يقين ثابت في معالجاته للحوادث فقد كانت معالجاته تلك تتضمن بعدا اجتماعيا وانسانيا وسناتي على ذكر اهم ما دونته كتب التاريخ

اولا: طلحة والزبير

فقد ذكر المسعودي أن طلحة والزبير استأذنا المام بحجة انها يريدان العمرة فقال لهما امير المؤمنين (لعلكما تريدان البصرة او الشام) اي الالتحاق بمعاوية او عمل فتنة في البصرة وهو ما حدث فعلا لاحقا وقد ادرك امير المؤمنين زيفهما بعد ان اوثقا له القسم بأنهما انما يريدان العمرة وكان يدرك انه امرادبر بليل مع زوجة الرسول وهذا يدل على فطنته وسعة ادراکه لطبيعة الامور ومجريات الأحداث.

ص: 183

ثانيا: خدعة المصاحف

هل ان عليا انطلت عليه خدعة رفع المصاحف؟، حينما قال مالك الأشتر امهلوني عدوة فرس لقادة الجيش وبطون العشائر الذي رفض التقدم لحسم المعركة لصالح جيش امير المؤمنين وقد رفض اغلب جيش الامام الانصياع لأمر الأمام بالتقدم واقر الاحتكام الى خدعة معاوية في رفع المصاحف، اذ يروي المسعودي (قيل لعلي: قد اعطاك معاوية الحق، ودعاك إلى كتاب الله فأقبل منه.. فقال ويحكم ما رفعوها لكم الا خديعة ودهاء ومكيدة.... فقد عصوا الله فيما امرهم ونبذوا كتابه.... الى اخر الحديث) وربما يعترض البعض على علي بن ابي طالب في عدم حسم المعركة واعدام من يرفض الانصياع الى الأوامر فمن المرجح أن هذا الامر يزيد من الامر سوءا ليغير مجرى الأحداث اسوأ مما بدت عليه وستعتبر مثلبة يدونها التاريخ على علي بن ابي طالب ناهيك عن شخصية امير المؤمنين التي تؤسس لمشروع انساني سیاسي.

ثالثا: التحكيم

اراد علي بن ابي طالب ان يكون ممثله في التحكيم هو عبد الله بن عباس كشخص کفؤاوندا لعمرو بن العاص داهية العرب وذلك لمعرفته بشخصية عمرو وقدرته على الخداع والتضليل وحسم الأمور لصالح معاوية ولكن قطعات كبيرة من جيشه رفضوا هذا الأمر ووقع اختيارهم على شخصية هزيلة و مهزوزة هو ابي موسى الاشعري فكانت مؤامرة انخدعت بها العوام ولم ينصاعوا لأوامر امير المؤمنين

وقد حذر الامام من غارات معاوية على اطراف الدولة العربية الاسلامية وكان يحث دائما على المسير الى حسم الصراع مع معاوية الذي تمادی کثيرا في جرأته على سلطة الامام الشرعية.

ص: 184

الامام عليه السلام والأحاديث

ابدی امیر المؤمنين العديد من الأحاديث والتوجيهات لغرض خطورة تلفيق الاحادیث و تفسير الاسلام وفهم النصوص فقال (عليه السلام): «ان في ايدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً و منسوخاً وعاماً و خاصاً و محکماً و متشابهاً وحفظاً ووههماً» ووضع الأسس لمعرفة أصول الحديث الصحيح فيقول: «انما اتاك بالحديث اربعة رجال ليس لهم خامس منافق مظهر للايمان لا يتحرج يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمداً... ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا.. ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر به ثم انه نهی عنه وهو لا يعلم او سمعه ينهي عن شيء ثم امر به وهو لا يعلم.. واخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يهم بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على سمعه لم يزد به ولم ينقص منه.

واوضح (عليه السلام) دعامتي حكمه وحياة الأمة في حواره مع معارضيه،

طلحة، والزبير، حيث قال: «والله ما كانت لي في الولاية اربة، ولكنكم دعوتموني اليها، وحكمتموني، فلما افضت الي نظرت الى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فاتبعته وما استسن النبي (صلى الله عليه وآله) فاقتديته».

الوعي التاريخي عند الأمام عليه السلام

ورد في قوله: «ان لكم في القرون السالفة لعبرة «وهو دليل على دعوته الى معرفة تاريخ الماضي واخذ الدروس منها، ومشورته على عمر بن الخطاب بتسجيل التاريخ الاسلامي من تاريخ الهجرة، بعد رفض كتابة التاريخ بالتقويم الروماني او

ص: 185

الفارسي، وهذا يدل على وعيه بالخصوصية التاريخية للشعوب بصورة عامة ويكتب الامام لولده الإمام الحسن قائلاً: «أي بني، اني وان لم اكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في اعمالهم، وفكرت في اخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت کاحدهم، بل كاني بما انتهى إلي من امورهم قد عمرت مع اولهم الى اخرهم، فعرفت صفو ذلك من کدره، ونفعه من ضرره»

وفي عهده الى مالك الأشتر حيث يوجه الإمام رفيق كفاحه الأشتر قائلا: «ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور» وهذا ما يدل على اطلاع واسع بالتاريخ ومراحل تطور وانحطاط الأمم ناهيك عن مراعاة الخصوصية الحضارية لمصر

اما ما يصهر هذه المعارف والخبرات في بوتقة واحدة، لتوجد لنا اسمى قيمة فكرا وسلوكا، فكانت شخصية علي بن أبي طالب الإنسان الذي وصفه، احد ابناء شعبه، امام الّد اعدائه، معاوية ابن أبي سفيان، إذ قال له معاوية، بعد اغتيال الإمام وهيمنة معاوية على سدة الحكم، صف لي عليا؟ فقال ضرار: أو تعفيني؟ قال لا اعفيك، قال ضرار: «والله كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس ما خشن ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يجيبنا اذا سألناه ويبتدئونا اذا اتيناه ويأتينا اذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه عظمة، ان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم اهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله،... فقال معاوية فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترفاً عبرتها ولا يسكن حزنها»، هذه لوحة انسانية رسمت بصدق، فهي ليست رؤية المحكوم للحاكم المثالي فحسب، انما رأي صادق بإنسان ارتقى ليجسد الإنسانية الدينية والسلطة كواقع ملموس.

ص: 186

الامام عليه السلام ومالك الأشتر رضوان الله عليه

تحدث الإمام عليه السلام عن سمو شخصية مالك و عظيم شأنه في رسالته التي بعثها لأهل مصر حينها ولاه عليهم جاء فيها: ((أما بعد: فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله تعالى لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الكفار من حريق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله تعالى لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم، ولا يحجم، ولا يؤخر، ولا يقدم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شکیمته على عدوكم))

وعندما انتهى اليه خبر وفاة مالك الاشتر حزن الأمام كثيرا فقال ((رحم الله تعالى مالكاً فقد وفي بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، وإنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)..)).

ولا يخفي تأثر الأمام على مالك وشدة فقده اليه بعد الاغتيال السياسي الذي دبره معاوية بن أبي سفيان فيقول بحراة بالغة ((لله در مالك لو كان من جبل لكان فنداً ولوكان من حجر لكان صلداً أما والله ليهدني موتك، وأضاف: على مثل مالك فلتبك البواكِ، وهل موجود کمالك))

وضع الأمام جوهر الحكم والإدارة في عهده لعضده مالك الاشتر واليه على مصر، فقد جعل فيه أدق الأنظمة وأهمها إصلاحاً لحياة الإنسان السياسية والاجتماعية، وعالج فيه بصورة موضوعية وشاملة جميع قضايا الحكم والإدارة، وقد شرع الإمام أروع صور الحضارة، وأبهي ألوان التطور والتقدم الفكري الأنساني، ومن عظيم

ص: 187

ما سنه الإمام في عهده أنه أمر الحكام أن يساووا بين جميع طبقات الشعب حتى في اللحظة والنظرة، وقد أقام بذلك أسمى صور العدالة التي تنشدها الانسانية.

((ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلادٍ قد جرت عليها دول قبلك من عدلٍ وجور وأن الناس ينظرون من أمرك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما کنت تقول فيهم: وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله تعالى على ألسن عباده، فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت..)).

العهد العظيم

عهد الامام علي عليه السلام الى مالك الأشتر في سنة (38 ه / 658 م) تضمن العهد مضامین وحقوق اقتصادية وسياسية واجتماعية انسانية خالدة فقد وضح العلاقة بين الراعي والرعية الخليفة والوالي والامير والرعية هم طبقات وافراد المجتمع الإدارة وحدودها وواجبات كل طرف في الدولة، كان عرض العهد متسلسلا بمنهجية علمية، فضلا عن دقة مفرداته وما اشتمل عليه النص من صور واستعارات وتشبيهات بالإضافة إلى الأسلوب البلاغي الذي أدى لإيجاز کامل النظام الإداري الإسلامي في كتاب واحد لذا جاء الاهتمام ببحث الوثيقة الدستورية الراقية في هذه الدراسة في محاولة لاستخلاص القواعد الأساسية للنظام الإداري في المنهج الإسلامي.

سنركز في هذا العهد على مبدأ انساني ابداه الامام علي في عهده الى مالك في فقرة انسانية خالدة، قال عليه السلام: ((وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين

ص: 188

أو نظيرٌ لك في الخلق، يفرط بينهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤثر على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك، مثل الذي تحب أن يعطيك الله تعالى من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله تعالى فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله تعالى، فإنه لابد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته..))

الناس صنفان لم يفرق بين الذكر والانثى او الاسود والابيض او المسلم وغير المسلم ففي هذه الفقرة اكد على انهم اخٌ او نظیر ولیس کما شرع الفقه الاسلامي بين الذمي والكتابي و المسلم وغيرها من تلك الأمور التي تحط من قدر الانسان ان الناس متساوون في نظر امير المؤمنين كان ينطلق من رؤية أن البشر متساوون في الخلق فهو لا يفرق بينهم في المعاملة والحقوق على أساس اللون أو القومية أو الغني والفقر وكلهم سواء أمام القانون ولم يستثنِ نفسه من الدستور حيث ما نراه اليوم في الحكومات من امتیازات وحصانات خاصة للرئيس أو الحاكم، فهو يعتبر نفسه مسؤولاً أمام القانون في حالة تقصيره وعدم أدائه للحكم بصورة صحيحة بل يعتبر ذلك خيانة عظمی کما جاء في نهج البلاغة وعند اقتراح الناس عليه أن يميز في العطاء بين الكبير والصغير يقول (لو كان المال مالي لسوّيت بينهم فكيف والمال مال الله) ويعقب أحد الكتاب على هذا المقطع فيقول: ومن هذا الاعتبار کان موقفه من طلب عقيل وعبد الله بن جعفر المساعدة، وكان موقفه عندما أبلغ أهل الكوفة انه لن يأخذ حصته من العطاء حيث قال: (يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن) إنها كلمة عظيمة تستحق الوقوف عندها والتأمل في هذا الرجل العادل الذي لم يخرج من الدنيا إلا بمدرعته التي طالما كان يستحي من ترقيعها ويؤكد على انه غير مستبير وليس مرتشيا ولا يرضى بالفساد والخيانة مطلقاً.

ص: 189

ونراه مع (عبد بن زمعة) عندما أتاه يطلب مالا إذ قال له: إن هذا المال ليس لي ولا لك إنما هو فيء للمسلمين.

فهو يرى انه موظف مسؤول أمام أموال المسلمين وأنها مسؤولية مقدسة لا يمكن التفريط بها وأن التقصير خيانة وجريمة كبرى والحفاظ على أموال المسلمين واجب مقدس. والوثيقة التي بعثها الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الاشتر تشعرنا بأنه كان ناذراً نفسه لخدمة الشعب

في هذا المقطع من عهد الإمام مالك الأشتر نجد معاني سامية وعظيمة قلما توجد في حاكم من الحكام. إن هذه الوثيقة هي اعلان عن حقوق الإنسان والمواطنة تجاه السلطة أو الحكومة بشكل عام واعطاء الحقوق للفرد تجاه الحاكم والحاكم تجاه الفرد وتحديد مسؤوليتهما تجاه الآخر وبهذا تحكي الوثيقة مدى العلاقة الإيجابية التي تربط الرعية بالحاكم والعكس وهذا عين ما نراه من الممارسة العملية التي كان الإمام علي یمارسها تجاه أفراد شعبه من الرأفة والحنو والتودد حتى مع الداعداءه بل مع قاتله عبد الله بن ملجم. وكان يشارك الناس في طعامهم وشرابهم وكان يتفقد الأرامل والأيتام والمعوزين ليلاً حاملاً کیس الدقيق على ظهره وطائفاً بين الازقة ليتفقد من لا عهد له بالقرص ولا طمع له بالشبع كان يعطف عليهم کالأب على أولاده بل أكثر، وهم ربما لا يعرفون انه الخليفة ولكن كل ذلك من أجل أن يكون واقعياً في خطابه وكلماته وإيمانه بالله ورغم كل سلبيات الرعية وتقصيرها تجاهه إلا انه لم يكن سبباً ليحول دون الرأفة والرحمة بهم وإن رجلاً مثل الإمام علي ينزل من علياء سلطته إلى بيوتات الناس ليسأل عنهم وعن أحوالهم ويتفقد صغيرهم وكبيرهم حريٌ أن يكون قدوة ومثالاً لباقي الحكام ولكل الإنسانية إذ أن قائد دولة عظمی بل أعظم دول الأرض في عهده الذي يتحمل مئات المسؤوليات الثقيلة في إدارة بلاده يشعر بمسؤوليته إلى هذه

ص: 190

الدرجة بحيث يخرج إلى شيخ مقعد اعمى ويدير شؤونه بنفسه الشريفة ويضع ذلك جزءاً من برنامجه اليومي وبعيداً عن كل أنواع التكبر والاستنكاف يطهر وينظف ذلك الشيخ ويستبدل اثوابه كل يوم بغيرها ويطعمه حتى يشبع. نعم لا وجود لهكذا معاملة وسلوك في تاريخ كل القيادات إلا القيادات القليلة فقط

إن الإمام علي كان من الممكن أن الثيوقراطية (الحكومة الدينية) ضد الشعب کما مارسه بعده الحكام والملوك ضد شعوبهم حتى ينبسط له الحكم والإدارة بصورة اکثر لكنه كان يرى أن الحكم لابد أن ينطلق من رؤية انسانية بحتة اساسها العدل وأن لا يتجاوز الثوابت الإسلامية للحاکم مهما كانت العقبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فكان من اللازم أن تحصل اخفاقات سياسية أو عسكرية نتيجة عدم نضوج الوعي الجماهيري ولذلك نرى أن الإمام اعلن عن ذلك بصراحة بعد اتهامه بأنه عديم الخبرة بالحرب قائلاً: (وافسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش أن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالقيادة لله ابوهم وهل أحد منهم اشدها مراساً واقدم فيها مقاماً مني لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها أنا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع). وهكذا نرى الإمام في اكثر من موقف أن رؤيته السياسية تنطلق من معرفة جيوسياسية تجعل رأيه لا يجانب الصواب، وأن أفقه المعرفي جعله قادراً على استيعاب مجمل القضايا التي كانت تمس الدولة على المستوى الخارجي والداخلي کما نرى ذلك في قضية غزواته وحروبه في صفين والبصرة والنهروان وكيف انه وصلت بشائر الانتصار عندما اقترب القتال إلى رواق معاوية ولكن الدهاء السياسي لمعاوية ورفع المصاحف جعل من المقاتلين ينقسمون فيما بينهم ويوقفون القتال ويؤثرون على قرار الإمام ومثل هذه الوقائع والهزائم كثير مما يؤكد قصور القاعدة الجماهيرية وعدم النضوج الفكري السياسي.

ص: 191

الهوامش

[1] ابن منظور، لسان العرب ج 6، دار احیاء التراث العربي، بیروت 1996، ص 429.

[2] الفيروز آبادي، مجد الدين بن محمد: القاموس المحيط، ج 2، فصل السين

والشين، ص 220

[3] الحمداني، قحطان احمد: الأساس في العلوم السياسية، عمان 2004، ص 15

[4] مجاهد حورية توفيق: الفكر السياسي من افلاطون إلى محمد عبده، القاهرة 2013، ص 310

[5] محمد علي احمد: اصول الاجتماع السياسي، القاهرة،ص 17

[6] بن خلدون، عبد الرحمن بن محمد: مقدمة بن خلدون، تحقیق درویش

الجویدی، بیروت 2009، ص 189

[7] المصدر نفسه.

[8] المفيد، الارشاد، ص: 97 _ 98، والمجلسي، بحار الأنوار: 40 / 251، ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: 1 / 494.

[9] الإرشاد، ص: 98، والمناقب: 1 / 497.

[10] التستري، قضاء أمير المؤمنين، ص: 51.

[11] الكليني، الكافي: 7 / 185 _ 187.

[12] الكليني، الكافي: 7 / 185 _ 187.

[13] الكليني، الكافي: 7 / 289 _ 290.

[14] الحرّ العاملي، الوسائل، الباب 25، أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

[15] المصدر نفسه.

[16] قارن بين مذهب أمير المؤمنين 7 في حقّ الإنسان في الحياة، وبين ما جاء في المادّة (435) من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان: لكلّ فردٍ الحق في الحياة والحرّية

ص: 192

وسلامة شخصه (انظر: ص: 19 من الوثيقة).

[17] - حول حياة الامام الحسن (عليه السلام) ينظر: علي بن عيسى الاردبيلي،

کشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، (بیروت، دار الأضواء، د. ت)، ص 137 وما بعد ها

[18] المجلسی، بحار الأنوار: 14 / 13، روایة 21.

[19] الحرّ العاملي: وسائل الشيعة: 11 / 49.

[20] صحيحة ابن خالد الكابلي عن الإمام الباقر 7: وجدنا في كتاب عليّ 7 ثمّ ذکر الحديث: راجع التهذيب: 4 / 145، رواية 26.

[21] اکتفى الاعلان العالميّ لحقوق الإنسان في المادّة (23) بالقول: لكلّ شخص الحقّ في العمل، ص 24 من الوثيقة.

[22] التستري، قضاء أمير المؤمنین، ص 196.

[23] المصدر نفسه، ص 61.

[24] الحرّ العاملي، الوسائل، الباب 46، جهاد العدو، حدیث 22.

[25] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 2 / 192.

[26] القرشي، العمل وحقوق العامل، ص 327.

[27] باب الرسائل، رقم 53.

[28] ورد في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان المادّة ((17)): لكلّ شخص حقّ

التملّك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملکه تعسّفاً، ص 22 - 23.

[29] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: 1 / 492 _ 493، والمجلسي في بحاره: 40 / 227.

[30] الكليني، الكافي: 5 / 42، الحدیث 2.

ص: 193

المصادر والمراجع:

1 - ابن منظور، لسان العرب ج 6، دار احیاء التراث العربي، بیروت 1996.

2 - الفيروز آبادي، مجد الدين بن محمد: القاموس المحيط، ج 2، فصل السين والشين.

3 - الحمداني، قحطان احمد: الأساس في العلوم السياسية، عمان 2004، ص 15

4 - مجاهد حورية توفيق: الفكر السياسي من افلاطون الى محمد عبده، القاهرة 2013

5 - محمد علي احمد: اصول الاجتماع السياسي، القاهرة.

6 - بن خلدون، عبد الرحمن بن محمد: مقدمة بن خلدون، تحقیق درویش

الجویدی، بیروت 2009.

7. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة؛ دار احیاء التراث العربي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبع القاهرة.

8. ابن الأثير (عز الدين أبو الحسن بن علي)؛ الكامل في التاريخ؛ دار صادر، بیروت.

9. ابن شهر آشوب (رشيد السروي)؛ مناقب آل أبي طالب، طهران.

10. ابن عبد ربه؛ العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر 1953 م.

11. الاربلي (علي بن عيسر) (687)، کشف الغمة في معرفة الأئمة، نشر أدب الحوزة، قم، 1346 ه.

12. الأنصاري (الشيخ مرتضی)؛ القضاء والشهادات المكتبة الفقهية، ط 1، قم، 1410.

13. التستري (محمد تقي)، قضاء أمير المؤمنين، منشورات الشريف الرضي ط 5، قم.

14. الثقفي (أبو هلال إبراهيم)، الغارات، دار الكتاب الإسلامي، ط1، قم 1990 م.

15. الحر العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصیل مسائل الشريعة، تحقيق عبد الرحيم

ص: 194

المرباني، دار احیاء التراث العربي، بيروت.

16. الحلي (المحقق) أبو القاسم نجم الدين، جعفر بن الحسن (676)، شرائع

الإسلام في مسائل الحلال والحرام، انتشارات الاستقلال، طهران.

17. الراغب الأصفهاني (520)، مفردات الفاظ القرآن، تحقيق محمد سید کلاني، ط 2، المكتبة المرتضوية.

18. الراوندي (هبة الدين سعيد بن عبد الله) (573)، فقه القرآن، سلسلة الينابيع

الفقهية، ط، طهران 1406.

19. زیدان (عبد الكريم)، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، ط 1، مطبعة العاني، بغداد، 1984.

20. الصهر شتي (نظام الدين سليمان بن الحسن) اصباح الشيعة بمصباح الشريعة، سلسلة الينابيع الفقهية، طهران 1406.

21. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار سویدان، بيروت.

22. الطحاوي (سليمان محمد)، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي، دار الفكر العربي، 1967.

23. الطوسي: شيخ الطائفة (أبو جعفر محمد بن الحسن) (460 ه) تهذیب الأحکام في شرح المقدمة، دار الكتب الإسلامية، طهران.

24. فقاهتي (ميرزا عبد الرحيم الزنجاني)، کتاب القضاء، مكتبة المرتضوي، طهران.

25. القرشي (باقر شريف)، العمل وحقوق العامل في الإسلام، دار التعارف، مصر، 1966.

26. الكليني (أبو جعفر محمد بن يعقوب)، الكافي (الروضة) المكتبة الإسلامية، قم.

27. المجلسي (محمد باقر)، بحار الأنوار الجامع لدرر الأخبار، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1983.

ص: 195

28. المفيد (محمد بن النعمان 413 ه)، الارشاد، دار التيار الجديد، دار المرتضى، لبنان.

29. الموسوي (محسن)، دولة الإمام علي، دار البيان العربي، ط 1، 1993. 30. النسائي، (أحمد بن شعیب)، سنن النسائي، دار احیاء التراث العربي، بيروت.

31. النوري، مستدرك وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، بيروت.

ص: 196

العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشتر

اشارة

م.م. سند وليد سعيد

أ.د. طه حميد حسن العنبكي

ص: 197

ص: 198

مقدمة

في خضم ما تمر به الأمة الإسلامية في عالمنا المعاصر من تحديات جمة ألقت بظلالها القائمة على وجود امتنا ومستقبلها تبرز قضية (حقوق الإنسان) ببعديها النظري والعملي كتحد مهم وصعب ينبغي الاستجابة له، لاسيما مع محاولة تعميم النموذج الغربي المحصن بمنظومة فكرية تمتلك بعض عناصر القوة، وان احتوت على سلبيات وتناقضات كثيرة، وممارسة عملية مميزة، على الرغم من محدودیتها، فانها تنفرد بكونها الماثلة للعيان والشاخصة في الأذهان دون غيرها.

وقد سعى أمير المؤمنين) علي ابن ابي طالب عليه السلام) لرسم معالم جديدة لمفهوم الحقوق والواجبات، بداها بنفسه كحاکم اعلى للبلاد، ولذلك كانت مفاهيمه عملية بعيدا عن التنظير على الرغم من أن الكثيرين يعتبرونها بعيدة عن الواقع ولا يمكن الالتزام بها، فيما فهمها الغرب بشكل سليم فعمل بها ودعا إلى العمل بها، كما فعلت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي للتنمية والصادر في العام 2001، عندما دعت البلاد النامية إلى التعلم من عهد الامام عليه السلام الى مالك الأشتر عندما ولاه مصر، كمنهج حقيقي وعملي يساعد في تحقيق التنمية وعلى مختلف الأصعدة السياسية والتعليمية والصحية والادارية وغيرها.

انه كان يبذل كل ما في وسعه لايضاح حقوق الناس وواجباتهم، كما انه كان يوضح حقوق الحاكم وواجباته، ولذلك فان اول ما بادر اليه الامام عند توليه الخلافة

ص: 199

وقف خطيبا ليرسم معالم الحقوق والواجبات لكلا الطرفين الحاكم والمحكوم ينطلق البحث من فرضية مفادها «ان للامام (علي بن ابي طالب عليه السلام) رؤية مميزة لحقوق الانسان تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الحقوق من جهة، ويمكن الاستفادة من هذه الرؤية لمعالجة اشكالية حقوق الانسان في واقعنا المعاصر، من جهة اخرى».

فرضية البحث: ينطلق البحث من فرضية مفادها «ان للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية مميزة لحقوق الانسان تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الحقوق، وكذلك وضح حقوق الحاكم وحقوق المحكوم والعلاقة بينهما، ويمكن الاستفادة من هذه الرؤية لمعالجة اشكالية حقوق الانسان في واقعنا المعاصر.

مناهج البحث: ان طبيعة موضوع الدراسة واحتوائه على عدة عناصر رئيسة كالتاريخ، والفقه، والسياسة، قد حددت منهجية البحث بالمنهجين التاريخي بشكل رئيس والاستفادة كذلك من المنهج المقارن كلما اقتضت الضرورة ذلك. هيكلية البحث: تقوم الهيكلية على تقسيم مضامين هذا البحث - فضلاً عن المقدمة

والخاتمة - على المباحث الآتية:

المبحث الأول: مضامين حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك

الأشر...

المبحث الثاني: حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشر...

المبحث الثالث: تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشر...

المبحث الرابع: الخاتمة

ص: 200

المبحث الأول: مضامين حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشتر

ظهرت فكرة حقوق الإنسان في إعلان الاستقلال الأمريكي عام (1776)، وفيه بعض الحقوق كحق الحياة، والحرية، ومبدأ المساواة بين الناس، وان صلاحية

الدولة مستمدة من الشعب، ثم جاء بعد ذلك اعلان) الدستور الامريكي (عام) 1787 (،اذ تعدل عدة مرات مع ما يحتوي عليه من حقوق مهمة، مثل حرية العقيدة وحرمة النفس والمال والمنزل وحرية التقاضي وتحريم الرق لغاية سنة) 1789)، وفي العام نفسه) 1789(صدرت في فرنسا وثيقة حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي التي بدأت بعبارة) يولد الناس احراراً ومتساوين في الحقوق (وقد حرص الفرنسيون على هذا الاعلان وما تضمنه من حقوق، ووضعوه في مقدمة دستورهم عام) 1791)، ثم جاءت المؤسسات الدولية في القرن العشرين فاعلنت حقوق الإنسان في مواثيقه سنة) 1919 (في عصبة الامم، ثم في ميثاق الامم المتحدة سنة 1945) المادة 55 (وتم تأسيس لجنة حقوق الإنسان وعملت على صياغة حقوق الانسان، واصدرت الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في) 1948)، والذي احتل في العالم المعاصر مكانة مهمة، اذ تبنته الامم المتحدة وعدته المثل الاعلى المشترك الذي ينبغي ان تصل اليه الشعوب والامم كافة.

ص: 201

ويبدو ان الحاجة دعت الى استمرار المجتمع الدولي لتعزيز مجالات حقوق الإنسان وتجاوز الانتقادات حول الاعلان العالمي فقد صدر كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد بدأ نفاذهما عام (1976) ويضمن الاول منها الحقوق المدنية والسياسية والحرية الدينية والاجتماعات السلمية وحرية التنقل ويمنع غير الإنسانية والتوقيف والاعتقال التعسفي ويؤكد الحق في الحياة وفي محاكمة عادلة وينص على حماية مختلف الأقليات اما الثاني فيشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحق العمل والتعليم والعناية الطبية وما يرافق ذلك من فوائد اقتصادية.

کما ان هناك ايضا البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبدأ نفاذه عالم (1976)، وتتعهد الدول المنظمة الى البروتوكول بتمكين اللجنة المعنية بحقوق الإنسان من القيام على وفق احكام هذا العهد بتسلم ونظر الرسائل المقدمة من الافراد، الذين يدعون انهم ضحايا أي انتهاك لاي حق من الحقوق المقررة في العهد والبرتكول الاختياري، الذي يهدف الى الغاء عقوبة الاعدام الذي اعتمدته الجمعية العامة وبدأ نفاذه عام (1991)، فضلاً عن كثير من الصكوك الدولية في شتى المجالات.

فقد عد الإمام الحقوق الاساسية الثلاثة وهي حق الحياة، حق المساواة العادلة،

وحق الحرية، المرتكز للانطلاق نحو حقوق الإنسان الاخرى:

اولا: الحقوق الاساسية:

ان حقوق الانسان منظومة متكاملة وكل لا يتجزأ كونها تصب لصالح الإنسان، ولكن هذه الحقوق تتفاوت من حيث الاولوية والاهمية، فالمهم منها يعد اساساً

ص: 202

لغيره، فإذا فقد الاساس والاصل فقد البناء والفرع.

المحور الاول:

وعليه إلى ما يمکن عده حقوق اساسية للإنسان عند الامام علي (عليه السلام) تضمن ثلاثة مسائل الاول منها يتناول حق الحياة، اما الثاني فيتطرق إلى حق المساواة العادلة والمسالة الثالث يختص بحق الحرية:

1 - حق الحياة عند الإمام علي (عليه السلام)، قد يتبادر الى الذهن، وللوهلة الاولى، صورة الإمام الفارس وسيفه ذو الفقار ومجده العسكري الذي اسهم في تدعيم ركائز الاسلام وانتشاره كمنهج وكوسيلة لتكريم الحياة الانسانية وصيرورتها اغلى ثمنا واعلى مقاما من أي شي آخر.

2 - حق المساواة اذ شغلت فكرة المساواة والعدالة حيزاً مهماً من الجهد الفكري والعملي الذي قام به الانسان على امتداد مسيرته في هذه الحياة، ولم يكن الإمام علي(عليه السلام) بعيدا عن هذا المسعى الانساني في سبيل تحقيق وارساء حق المساواة العادلة.

اما الامام علي (عليه السلام) فانه يتعامل مع المساواة والعدالة من منطلقين:

الاول: حق المساواة الانسانية للجميع، ومن اهمها حق الحياة والكرامة، والحرية المنضبطة والتقاضي العادل واحترام الملكية وغيرها من الحقوق.

الثاني: العدالة أي وضع الشيء محله، ان معنى العدالة في نظر الإمام ان تلاحظ الحقوق الواقعية والطبيعية فيعطى لكل شخص ما يستحقه بحسب استعداده وعمله.

وهناك كثير مما يمكن ان يقال عن ايمان الإمام بالمساواة العادلة وعدها قاعدة

ص: 203

للتعامل بين مختلف فئات الناس، ومن هذا المنطلق فان مضمون المساواة العادلة عند علي بن ابي طالب له عدة ابعاد، لعل من اهمها:

الانساني،الاجتماعي، الاقتصادي، القانوني، والسياسي.

أ - البعد الانساني، ينطلق الإمام في سعية نحو المساواة العادلة من النفس البشرية فالعدالة الانسانية الفردية هي الاساس والبنية التحتية للعدالة في المجتمع

ب - البعد الاجتماعي،وبعد ان يهذب الإمام النفس البشرية، ينطلق نحو رحاب المساواة في عنوانها الاشمل المساواة في اطار المجتمعات الانسانية.

ج - البعد الاقتصادي، غير بعيد عن رفض الإمام للمساواة بين الخامل والعامل الكفؤ وبين الذكاء والابداع ونقيضهما، بل انه يقرر عدم شرعية أي مكسب مالي على حساب القوى العاملة في الامة، ناتج عن حسب أو جاه أو منصب وما الى ذلك من اعتبارات لا تفيد الا اصحابها على حساب المجتمع، بل ان ثروة الامة في نظر الإمام علي تكون لابنائها العاملين فقط، وبعد اخذ الحق العام فجناة ايديهم لا تكون لغير افواههم.

د - البعد السياسي، اما البعد السياسي، فان الإمام يتوجه نحو السلطة الحاكمة، ليبين حالة التأثير والتأثر بين الامة والحاكم على محك المساواة العادلة، فيقول الإمام «جمال السياسة العدل».

3 - حق الحرية: ان الامام يؤمن ان الحرية تنبع اولاً من داخل الانسان: من وروحه فيوجه (عليه السلام) امرا او نصيحة او درسا اخلاقيا للانسان في أي مکان او زمان قائلا: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وهنا يحمل الامام الانسان مسؤولية نيل الحرية والمحافظة عل يها. وكذلك نشر الوعي في ضمن

ص: 204

الامة. فحرية الانسان لاتوجد بقانون او دستور ينظمان الحرية نظريا وانما هي هبة الهية لايمتلك سلطان في الارض ان ننتزعها من الانسان الا خاطئا مواجهته ومقاومته.

ويقف الامام من اصحاب الديانات الاخرى بانفتاح اسلامي وحضاري وانساني مميز إذ يمنحهم معظم الحقوق التي للمسلمين إلا من ناحية المناصب السيادية كالحكم وتولي القضاء.

المحور الثاني: الحقوق السياسية:

الحقوق والسياسة هي الحقوق التي تنظم علاقة الانسان بالدولة، اوبالمجتمع باعتبار ان الانسان مدني واجتماعي بطبعه لذلك فان ظاهرة الحكمهي حالة انسانية وان الحقوق السياسية هي حقوق للانسان بشكل عام، وان تطلبت بعض الشروط الخاصة لممارستها، وميدان الحقوق السياسية واسع جداً، فستناول في الحقوق السياسية من حقوق الانسان عند الامام علي (عليه السلام) حق حرية الرأي والتعبير )حق المشاركة السياسية) (حق ضبط الحكام( (حق المعارضة السياسية).

1 - حرية التعبير عن الراي: من السمات الواضحة في تجربة الامام علي بن ابي طالب السياسية، هو سعيه (عليه السلام) الحثيث نحو ايجاد وتوسيع دائرة الحرية السياسية وفتح سبل التعبير سواء بحرية القول والفكر والراي ام بالعمل وتبني المواقف ازاءالاحداث السياسية. فقد كفل الامام حق اختيار الخط السياسي لكل مواطن في اصقاع دولته وشملت هذه الحرية حتى مناوئيه وفق رؤية كاتب معاصر تذهب الى اعطاء الحرية السياسية في ظل مبدأ: «دعوهم وما اختار والانفسهم». وكتب في عهده للاشتر: (والزم كل منهم) المحسن والمسيئ (ما الزم نفسه) ويشير

ص: 205

المفكر محمد حسين فضل الله إلى هذا البعد في مسيرة الامام بأنه (عليه السلام) «كان يفتح باب الحوار امام الافراد والجماعات حرصا منه على حرية المجتمع واسباب تطوره، بمعنى انه لم يعزل الحرية الفردية عن الحرية العامة في مجرى قيادته لشؤون المجتمع الاسلامي. وفي اصعب المحن التي مرت بها خلافة الامام علي ظل تمسكه المبدئي الصارم بالحرية ورفضه الحاسم للاكراه من اي نوع كان».

2 - حق المشاركة السياسية: يعد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) من السباقين في منح الامة حقها في المشاركة السياسية؛ التي يمكن تعريفها بانها «أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير في اختيار السياسات العامة وادارة الشؤون العامة او اختيار القادة السياسين على أي مستوى حكومي او محلي او قومي».

وفي تعريف آخر تعد المشاركة السياسية (عملية تشمل جميع صور) اشتراك او

اسهامات المواطنين في توجيه عمل اجهزة الحكومة او اجهزة الحكم المحلي او لمباشرة القيام بالمهمات التي يتطلبها المجتمع وكان طابعها استشاريا او تقريريا او تنفيذيا او رقابيا.

ووفقاً لذلك يمكننا ان نتناول حق المشاركة السياسية للامة عند الامام علي (عليه السلام) عبر النقاط الآتية:

- السلطة للامة.

- حق الامة في اختيار حكامها.

- حق الشورى.

- الموافقة الشعبية على السياسات العامة.

- عملية الرقابة الشعبية على الحكومة وسنتناول هذه المواضيع تباعاً.

ص: 206

1 - حق ضبط الحكام: بالرغم من دعوة الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) (حول حق الحرية والمشاركة السياسية، الا انه تميز باهتمام خاص بمسألة (الحاكم والحكم والتي يمكن ان نفهمها بشكل اوسع لتعني) كيان الدولة وكامل

مؤسساتها وتشمل تعبئة جهازها بالكفاءات وتطبيق شريعتها وادارة امورها

بالشكل الذي يجعلها محققة لغايات وجودها في النظام السياسي.

2 - حق المعارضة: مع ما وضعه الامام من شروط ومواصفات ومحددات عملية لمن يمسكزمام السلطة؛ خشية من عواقب انحرافها وما هياه من بيئة تترسخ فيها الحرية بشتى ابعادها ولاسيما الحرية السياسية وسبل التعبير عن الرأي الا انتجربة الامام (عليه السلام) تمتاز باقراره لحق المعارضة السياسية كجزء مهم وحيويمن حقوق الانسان، وجعلها من الواجبات الشرعية والسياسية في بعض الظروف والحالات.

المحور الثالث: الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية:

تعد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من المواضيع المهمة في منظومة حقوق الانسان كونها اسلوباً لحياة الفرد وآلية لتنظيم المجتمع مثل:

1 - حق المرآة: ان محاولة الكشف عن جوهر رؤية الاسلام للمرأة وحقوقها ضرورة انسانية واسلامية وسياسية لاسيما في الوقت الحالي، ويقينا ان كشف اللثام عن حقوق المرأة عند الامام هي جزء اساسي من الصورة الكلية لموقف الشريعة الاسلامية من المرأة.

2 - حق الاسرة: ان من اهم الحقوق الاساسية ذات الاثر في الفرد والمجتمع هو حق تكوين الاسرة، إذ عدها الامام اللبنة الاولى في البناء الحضاري للانسان، فقد

ص: 207

وضع الاسلام اساسا متينا لتكوين الاسرة القوية وشرع لها الضمانات التي تؤدي الى انجاح عملية الزواج والانجاب والتربية حتى تكون الاسرة قادرة على مواجهة عملية التنمية والتغيير

3 - حق التعلم: لقد عد الامام (عليه السلام) نيل العلم والتعليم من اهم حقوق الانسان التي يجب ان يتم السعي الحثيث لتحقيقه، ذلك ان من حق كل فرد ان يأخذ من التعليم ماينير عقله ويرقى بوجوده ويعلو من شأنه.

4 - حق العمل والتملك: يكن الامام علي (عليه السلام) للعمل المنتج الصالح احتراماً عميقاً مبينا ان الاسلام هو دعوة للعمل، ويشير الامام كذلك الى البعد الاقتصادي في تنمية مقدرات الفردو المجتمع من خلال العمل، اما التملك فقد اكد الامام المبدأ الاسلامي الذي يمكننا ايجازه بانه لا يعني ان لا يملك الانسان شيئاً وانا ان لا يملكه شيء وان المعيار الاساسي للحكم على الاشياء هو اثرها في المحصلة النهائية لمسيرة الانسان والهدف منها، ويشير الامام (عليه السلام) الى ان الملكية والنزاع عليها هي احد اسباب العداء والنزاع في المجتمع، وقد تكون الملكية ذات اثر سلبي في سلوك الفرد وفقاً لرؤية الامام،، ولكن مع هذا التشخيص لبعض سلبيات الملكية فان الامام علي (عليه السلام) لم يجعلها سببا في القدح بحق الملكية للانسان كونه هو الاساس اما الظواهر السلبية التي قد تترافق معها فهي تخص الانسان نفسه ولا تعود الى حق الملكية.

5 - حق الضمان الاجتماعي: فقد فرض الامام (عليه السلام) على الحكام والولاة والموظفين مساعدة المجتمع وافراده لتحقيق الاهداف الالهية والاخذ بيده نحو الكال والتحرر والرفاه، ومن هذه المسؤولية تنطلق كل الاسس والقرارات التي تتخذ في جميع الاصعدة والتي تصب لصالح انجاز حق الضمان الاجتماعي.

ص: 208

وتضمن حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشتر التالي:

اولا: لا شرعية لحاكم يستولي على السلطة من دون تفويض من الناس او رضاهم او انتخابهم، كان يستولي عليها بالتآمر، فشرعية السلطة من رضى الناس فقط، ولا اعتبار لما يسمونه بالشرعية الثورية او شرعية التوريث او الانقلابات العسكرية، او الخلع بالقوة والقتل بالتآمر، ابدا.

ثانيا: لا سلطة مطلقة للحاكم الذي يصل الى السلطة عن طريق الانتخابات، انها محدودة، فليس من حقه ان يتصرف بالمال العام والموقع والمناصب كيف يشاء، بذريعة انه منتخب، فالسلطة مقيدة وليست مطلقة.

ثالثا: القانون فوق الجميع، فلا احد في النظام الديمقراطي محمي من القانون، بسبب قرابته من الحاكم او صداقته لعائلته او انتمائه لحزبه، ولقد قال (عليه السلام) مثبتا ذلك {وان تكونوا عندي في الحق سواء} و {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه} بغض النظر عن اي شئ.

ولقد وصف مالك الاشتر مبدا (القانون فوق الجميع) عند الامام بقوله: انت تاخذهم، يا امير المؤمنين، بالعدل، وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس لشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك من الحق اذ عموا به، واغتموا من الذل اذا صاروا فيه، وراوا صنائع معاوية عند اهل الغناء والشرف، فتاقت انفس الناس للدنيا، وقل من ليس للدنيا بصاحب، واكثرهم يحتوي الحق ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فان تبذل المال يا امير المؤمنين تمل اليك اعناق الرجال.

ص: 209

رابعا: الحساسية المفرطة ضد الفساد بكل اشكاله. فالحاكم - الانسان لا يعين

المسؤولين لاعتبارات فاسدة كالمحسوبية مثلا او الولاء او القرابة او ما اشبه، ابدا، وانما على اساس قيم ومبادئ حضارية هي حجر الزاوية في عملية البناء والتنمية، كالخبرة والنزاهة والامانة وغير ذلك على قاعدة (الرجل المناسب في المكان المناسب) ولذلك فقد اوصى الامام علي عليه السلام مالكا الاشتر في عهده اليه عندما ولاه مصر، بقوله {ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة واثرة، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم اهل التجربة والحياء} فالامام يعتبر التعيين على اساس المبادئ الفاسدة خيانة للامة، لان من يتبوأ موقع المسؤولية وهو

غير صالح له سيفشل في اداء المهام الموكولة اليه، عجزا وتقصيرا وليس قصورا، ما يؤدي الى ضياع حقوق الناس وهدر طاقات البلد والوقت المصروف على ما فشل في تحقيقه، وكل ذلك خيانة في خيانة.

من اجل ذلك وصف الامام محمد الباقر عليه السلام امير المؤمنين عليه السلام بقوله {انه ولي خلافته خمس سنين، وما وضع أجرة على أجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء ولا حمراء}.

خامسا: الرقابة الشعبية كذلك مكفولة، بل ان الحاكم يشجع عليها ويحث الناس على ممارستها، لان الحاكم وكيلهم ومن حقهم ان يراقبوه ويحاسبوه على كل شاردة وواردة.

ومن الممكن ان تنتهي الرقابة الشعبية الى اسقاط الحاكم اذا لم يلتزم بما الزم به نفسه، فعندما بعث الامام علي عليه السلام قيس بن سعد واليا على مصر في بداية عهده بالخلافة، علمه هذا المعنى في كتابه الذي حمله معه الى اهل مصر، وعندما وصل قيس مقصده قام خطيبا، ومن بين ما قال: فقوموا ايها الناس فبايعوا على كتاب الله

ص: 210

عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فان نحن لم نعمل لكم بذلك، فلا بيعة لنا عليكم.

فالبيعة تسقط اذا فشل الحاكم في تحقيق اهداف الناس، كما انها تسقط عن اعناق الرعية اذا انحرف الحاكم عن برنامجه الانتخابي، ولا يتأتى ذلك للناس، اسقاط الحاكم الشرعي، الا بالرقابة والمحاسبة والحضور الدائم في الشان العام، ولذلك كفل الامام كل ذلك للناس ليمكنهم من ممارسة حق اسقاط الحاكم الشرعي اذا ما انتفت ضرورات وشروط البيعة السليمة، اما ان يكتفي الحاكم المنتخب بالبيعة الاولية ليفعل ما يشاء وانى وكيف يشاء، من دون رقابة من الامة، فهذا ليس من الديمقراطية بشئ ابدا.

ولتحقيق هذا المبدا، يعمد الحاكم - الانسان الى ازالة كل الحواجز النفسية وكسر كل الموانع المادية التي ترهب الناس وترعبهم فتحول بينهم وبين ممارسة هذا الحق، الرقابة الشعبية، ولطالما سمع الناس الامام يقول {فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه، كان العمل بهما اثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل}.

سادسا: الحقوق والواجبات مكفولة للمواطن على اساس المواطنة وليس على

اساس الدين او المذهب او القومية، فالفرص والامن والشان العام مكفول للجميع بلا استثناء او تمييز.

ففي اول خطاب عام له بعد البيعة كخليفة، خاطب الامة بقوله {ايها الناس}

ص: 211

للتعبير عن ان كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات بلا تمييز على اي اساس جاهلي، فالمواطنة بالانتماء للوطن فحسب وليس لاي شئ آخر، ولذلك عمم الامام خطاب الحقوق لكل الناس بقوله {ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فاما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتاديبكم كيما تعلموا، واما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوكم، والطاعة حين أمركم}.

والملفت للنظر في خطاب الحقوق هذا، هو ان الامام حدد واجبات الحاكم وحقوق الرعية قبل ان يحدد واجبات الرعية وحقوق الحاكم، وهو تقديم وتاخير له مدلوله العظيم، الا وهو انه لا يحق للحاكم ان يطالب الرعية بواجباتها الا بعد ان

يمنحها حقوقها كاملة غير منقوصة، فلا واجبات قبل الحقوق، ولا حقوق للحاكم

قبل ان يلتزم بواجباته.

انها اشارة رائعة لحقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان شرعية الحاكم تسقط اذا لم يصن حقوق الرعية، وان حقوقه على الرعية تسقط اذا فشل في صيانة حقوقها اولا وقبل ذلك.

يقول الامام عليه السلام {ولا أؤخر لكم حقا عن محله، ولا اقف به دون مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء، فاذا فعلت ذلك وجبت الله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، والا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات الى الحق}.

سابعا: حق المواطن في الحصول على المعلومة، ولا يحق للحاكم حجبها عنه الا في حرب، قول الامام (عليه السلام) مخاطبا الناس تحت سلطته {الا وان لكم عندي الا

ص: 212

احتجز دونكم سرا الا في حرب}.

وسعى عليه السلام الى ان يثبت هذا الحق في اول خطبة عامة كان قد حدد فيها الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية بقوله {وتعليمكم كيلا تجهلوا} ومن المعروف فان من ابرز اسباب الجهل هو اخفاء المعلومة واحتكارها، الامر الذي حذر منه الامام في هذه الخطبة وفي خطب اخرى كثيرة.

ثامنا: حرية المعارضة مكفولة سواء في القول، حرية التعبير، او في الفعل، کالاعتصام او التظاهر وغيرها من طرق التعبير عن المعارضة بالطرق السلمية، فليس للحاكم ان يمنع المعارضة او يقمعها ابدا، ولذلك، فعندما تناهي الى مسامع الامام خبر خروج (طلحة والزبير وعائشة) الى البصرة لقيادة المعارضة ضده، قال {وساصبر و ما لم اخف على جماعتكم، واكف ان كفوا، واقتصر على ما بلغني عنهم}

ص: 213

المبحث الثاني: حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر.

عندما نتحدث عن واجبات الحاكم، فهذا يعني اننا نتحدث عن حقوق الرعية تجاه الحاكم. وعندما نتحدث عن واجبات الرعية، فهذا يعني اننا نتحدث عن حقوق الحاكم تجاه رعيته. فالحقوق والواجبات ليسا في النهاية الا وجهان لعملة واحدة.

أولاً - واجبات الحاكم:

1. الشفافية والوضوح مع الرعية: من واجبات الحاكم مع رعيته ان يكون واضحا معهم، صريحا، يتسم خطابه بشفافية وصدق. فلا يعقد الصفقات والتسويات خلف ظهورهم، لا يكتم عليهم سرا الا في الضرورات القصوى. المطلوب من الحاكم ان تكون خطواته وقرارته مبررة وواضحة، وبمقدور الرعية تفهمها بدون غموض او لبس. يقول تعالى: «قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني».

يقول علي (عليه السلام) في خطبة له: «الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سرا الا في حرب، ولا اطوي دونكم امرا الا في حكم، ولا اؤخر لكم حقا عن محله، ولا اقف به دون مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء. فاذا فعلت ذلك وجبت الله عليكم النعمة، ولى عليكم الطاعة».

ص: 214

2. عدم الاحتجاب عن الرعية: تواصل الحاكم الدائم مع الناس ليس امرا مطلوبا في الاسلام فحسب، وانما هو من الضرورات التي يتعين على الحاكم الالتزام بها. والا فالمجتمع مشرف على خطرين:

اولهما: عدم وضوح ما يحدث في مؤسسة الحكم عند اذهان الناس، ونتيجة ذلك ان يصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل.

ثانيهما: عدم وضوح ما يحدث بين عامة الناس في ذهن الحاكم، وفي النتيجة سيفقد بالتدريج ملاحقة المجتمع، وستداهمه الاحداث، وتفاجئه المستجدات، وستظهر فجوة تتسع مع الايام، وقد لا يسعفه المستقبل على جبرانها.

لذا نجد امير المؤمنين يوصي مالك الاشتر بان لا يقع في خطا الاحتجاب عن الرعية، فيقول له: «واما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالامور. والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن: ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل. وانما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب».

3. طلب المشورة: من الامور الملفتة في الاسلام اهمية طلب المشورة، في الامور الخاصة، فضلا عن العامة، فقد ورد في الحديث «من شاور الناس شاركهم في عقولهم». وحينما مدح القرآن المؤمنين، نجده يذكر صفة الشورى باعتبار انهم يتصفون بها، فيقول تعالى: «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ». ومن واجبات الحاكم الاسلامي ان يستشير رعيته، فقراراته لا تخصه وحده فقط، وانما ينعكس تاثيرها

ص: 215

على عامة الناس، فلابد ان يستانس بآرائهم. وان كان الرسول (صلى الله عليه وآله) مامورا من قبل الله سبحانه باستشارة المسلمين، فالحاكم الاسلامي اولى بذلك.

ووجوب الاستشارة لا تعني وجوب العمل بها بالضرورة، لان الحاكم قد يرى ما لا يراه العامة. وانما يعني هذا الوجوب ان للعامة دور في صنع القرار، وفي بلورة الصورة واتضاحها لدى الحاكم، وعندئذ - وبعد المشورة - اذا عزم على امر فليتوكل على الله، وان لم يوافق راي بعضهم، يقول تعالى: «وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله». ومع ذلك فالحاكم مامور بمراعاة راي الاكثرية مهما امكن، وان ادى ذلك إلى تذمر الاقلية. يقول علي (عليه السلام) في عهده للاشتر: «وليكن احب الامور إليك اوسطها في الحق، واعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة».

4. الزهد في المعيشة: زهد الحاكم في المعيشة، وبساطته في الماكل والمشرب والملبس والمسكن، ليس امرا محببا في الاسلام فقط، بل يمكن اعتباره واجبا شرعيا يتعين على الحاكم الالتزام به. فلا يمكن في النظرية الاسلامية ان يعيش الحاكم حياة مرفهة مترفة تسمو على حياة عامة الرعية، لان الفقير حينما يقارن حياة الحاكم المترفة بحياته، سوف يشتد احساسه بالفقر، بخلاف ما لو رآه يعيش حياة بسيطة، بمستوى يقترب من بساطة عيشه هو، ففي هذه الحالة سوف تزداد مقاومة وصبر هذا الفقير على فقره وجشوبة عيشه، يقول علي (عليه السلام): «ان الله تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ بالفقير فقره».

ص: 216

5. حفظ الامن: والمقصود بحفظ الامن الاستعداد الدائم والجهوزية المستمرة لقتال العدو الخارجي والداخلي، يقول علي (عليه السلام): «لابد للناس من امير برا كان او فاجرا، يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع به الفي ء، ويقاتل به العدو، وتامن السبل»، ويقول ايضا: «اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شي ء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيا من المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك».

6. التربية والتعليم: ان على الحاكم ان يرسم خطة تربوية، يقوم هو بتنفيذ جزء منها خلال النصيحة والارشاد والموعظة، وباقي اجزائها تنفذها الاجهزة المختلفة التابعة له، وهناك فرق واضح بين التربية والتعليم، فالتربية تعني توفير الاجواء المناسبة لنمو الملكات الروحية والعقلية التي تزيد من انسانية الانسان، والتعليم يعني محو الامية والجهل، وبناء المؤسسات المعنية بتثقيف الرعية. ومن واجب الحاكم على رعيته الا يبخل عليهم بالنصائح التربوية، التي تربط الانسان بالله، وتذكره بانه مجرد عابر سبيل في هذه الحياة. كما ان من واجب الحاكم العمل على محو حالة الجهل والتخلف.

يقول علي (عليه السلام): «انه ليس على الامام الا ما حمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة»، ويقول ايضا: «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق: فاما حقكم علي فالنصحية لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتاديبكم كيما تعلموا».

7. اقامة الفرائض: وهذا البند لا ينفصل عن خطة الحاكم التربوية، فمن واجبات الحاكم الاهتمام بالفرائض، واقامتها، من قبيل صلاة الجماعة يوميا، وصلاة

ص: 217

الجمعة اسبوعيا، وصلاة العيدين في موسمها...الخ. واهمية اقامة الفرائض واضحة، فهي الوسيلة المثلى والفرصة الثمينة التي تمكن الحاكم من الاتصال بالناس؛ فيسمع شكاواهم، ويتعرف على مشاكلهم، ويستفيد من هذه المنابر في ممارسة الوعظ والارشاد والنصيحة، وان اقيمت الفرائض كما ينبغي لها ان تقام، فان معالم الدين ستصبح بالضرورة واضحة، وآثار العملية الاصلاحية ظاهرة.

يقول تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ». ويقول امير المؤمنين في هذا الشان: «اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شي ء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلاد».

8. العمل علي احياء السنة واماتة البدعة: وهذا الواجب لا يمكن القيام به الا من خلال نشر ثقافة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العادات والتقاليد، التي تنسجم مع القيم الاسلامية، وترسخها في المجتمع، على اساس ان احياء السنة واماتة البدعة احد اهم حقوق الرعية - في المجتمع الاسلامي

تجاه حاکمه.

واذا جاء الحاكم فراى ان الرعية قائمة على سنة حسنة، فمن واجبه القيام بالترتيبات اللازمة للمحافظة على تلك السنة، وعدم تغييرها. والا فسيتحمل هو وزر تركها، بوصفه مميتا لسنة حسنة، يقول علي (عليه السلام) في عهده للاشتر: «ولا تنقضن سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة، واجتمعت بها الالفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشي ء من ماضي تلك السنن، فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها».

ص: 218

9. منع الظلم واحقاق حقوق الضعفاء واعمال الشدة مع الظالمين والمنافقين، والقضاء بالعدل واقامة حدود الله، من ضروريات الاسلام حرمة اعانة الظالم، ووجوب نصرة المظلوم ما امكن، وتشتد الحرمة، ويعظم الوجوب على الحاكم العالم؛ فمن المعلوم ان الحاكم اذا اعان الطغاة والظالمين والاقوياء، وخذل المستضعفين والمظلومين، لن يستقر حجر على حجر، فتضيع المعايير والمقاييس، وتختلط الامور على العوام، ولن يعني هذا في النهاية الا اماتة الدين،

وفي الخطبة يقول الامام علي (عليه السلام): «وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم»، ويقول: «لابد للناس من امير برا كان او فاجرا، يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع به الفي ويقاتل به العدو، وتامن السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر»، ويقول: «انه ليس على الامام الا ما حمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والاحياء للسنة، واقامة الحدود على مستحقيها».

10. الحفاظ على الاموال العامة (بيت المال): الحفاظ على اموال الناس، وحرمة اكلها بالباطل من الواجبات الاسلامية الخطيرة. ويتاكد هذا الوجوب على الحاكم، فمن ناحية، لا يجيز له الشارع ادخارها لمصلحة، مع مسيس حاجة الافراد إليها، ومن ناحية اخرى، لا يجيز له التصرف بها الا في مواردها ومصارفها المقررة لها، يقول تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، ويقول تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا».

ص: 219

11. جباية الفيء والصدقات وتوزيعها على مستحقيها: يقول الامام علي: «ايها الناس، ان لي عليكم حقا ولكم علي حق: فاما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم».، يقول ايضا: «انه ليس على الامام الا ما حمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والاحياء للسنة، واقامة الحدود على مستحقيها، واصدار السهان على اهلها»

12. التمييز بين الاخيار والاشرار: يقول تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»، ويقول تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ».

وفي عهده لمالك الاشتر يقول: «ولا يكونن المحسن والمسي ء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لاهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لاهل الاساءة علي الاساءة».

13. اعمال الرفق في غير ترك الحق، فيكون للرعية كالوالد الرحيم: يقول الله سبحانه وتعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».

ويقول تعالى: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ». وامير المؤمنين في عهده لمالك الاشتر يقول: «...واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم..». اما بالنسبة الى مسألة الشروط التي يجب ان يتمتع بها من يشغل هذا المنصب > فلها اهمية عند الامام، بل ان النظر إلى هذه الشروط المفترة - فضلاً

عن كونها مؤهلات ومتطلبات لقيادة امة صاحبة رسالة انسانية عالمية - فانها حق

ص: 220

للامة أن لا يحكمها إلا اشخاص يمتلكون هذه المؤهلات. وهذه ميزة اخرى تضاف لصالح منهج الامام في مجال حقوق الانسان، الا وهو اهتمامه بمن يحكم كأساس المعرفة كيفية الحكم، ويمكن اجمال أهم الشروط او المؤهلات التي طالب الامام ان يتمتع بها الحاكم المسلم بالاتي:

1 - معرفة الاسلام وحسن تطبيقة: ان اول شروط القيادة في الاسلام - على وفق رؤية الامام - هو معرفة الاسلام بالمفهوم الدقيق للكلمة واستيعاب اصوله ومبادئه واحكامه في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية المختلفة.

2 - العدالة: كشرط اساسي للحاكم عند الإمام (عليه السلام) الذي كان مدركاً

لمخاطر الحكم ومسؤولياته الكبرى لذلك كان متشدداً في تحديد مواصفات الوالي

العادل وهي مواصفات نظرية وعملية حقيقية.

3 - الوعي السياسي: ان من اهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها الحاكم هو الفهم الدقيق للمسائل وحسن التشخيص وسرعة الادراك ودقة النظر في جميع الامور التيتحتاج إلى تدبير وحسن سياسة.

4 - الصفات الشخصية للحاکم: وهي مجموعة من الصفات التي طالب الامام ان يتصف بها كل من يقود المجتمع او يطمح لقيادته، ولعل اهم الصفات الشخصية التي اشترطها الامام، تتجسد في أن يكون الحاكم من اسخى الناس، اما الشرط الثاني للحاکم فقد طالب الامام ان يكون من اشجع الناس، ويتطرق الامام إلى مسألة الصبر وكظم الغيض كسمة ضرورية للحاکم، وانتقد الامام حالة الكبر والغرور التي تميز اغلب الحكام واصحاب النفوذ.

ص: 221

ثانیاً - واجبات المحکوم:

1. الوفاء بالبیعة: یعنی اطاعة الحاکم، واجابة دعوته، وعدم تضعیفه بقول او عمل،

وعدم البغي عليه. فطالما ان الحاكم شرعي، جامع للشرائط، ملتزم بواجباته، فعلى المحكوم الا يخذله، ولا يتركه وحيدا في الازمات. فقوة الحاكم وقدرته على القيام بالامر، منوط بالتفاف الناس حوله، ودعمهم له. والا فسيكون مصداقا لكلمة امير المؤمنين: «لا راي لمن لا يطاع»(43).

ويقول الامام علي (عليه السلام): «الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سرا الا في حرب... فاذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة، ولى عليكم الطاعة، والا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات إلى الحق، فان انتم لم تستقيموا لي على ذلك، لم يكن احد اهون علي ممن اعوج منکم، ثم اعظم له العقوبة، ولا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من امرائكم، واعطوا من انفسكم ما يصلح الله به امرکم، والسلام»، ويقول ايضا: «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق... واما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوکم، والطاعة حين آمركم»(44).

2. النصيحة: من حق الحاكم على المحكوم الا يتردد الاخير في اسداء النصيحة، والتذكير، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فالحاكم مهما بلغ بعلمه وتقواه، يبقى في النهاية بحاجة إلى ملاحظات الناقدين، ونصيحة الناصحين. واذا ما تقاعس المحكومون عن القيام بدور الناصح، فلن يسوغ لهم حينئذ اتهام الحاكم بالتفرد بالراي، الا اذا كان الحاكم نفسه يرفض القيام بهذا الدور، تصريحا او تلويحا.، على الحاكم نفسه ان يذكر الرعية بانه على استعداد دائم لقبول نصيحة الناصحين، ونقد

ص: 222

الناقدین، بصدر رحب، ودون اي تبرم او ضيق. ليشجع بذلك حالة النقد البناء، حتى يظل المجتمع حيا، يشترك الجميع في صنع قراراته، ويشترك الجميع في رسم مسيرته(45).

يقول تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(46). ويقول علي (عليه السلام): «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق... واما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوكم، والطاعة حين آمركم» (47).

بل ان عليا يامر الاشتر لما عهد اليه ولاية مصر ان يقرب اليه اكثر الرعية صراحة ووضوحا، وان كان صدقه مؤلما له، يقول: «ثم لیکن آثرهم عندك، اقولهم بمر الحق لك»، ويقول: «فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، فليس احد - وان اشتد على رضا الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده - ببالغ حقيقة ما الله سبحانه اهله من الطاعة له. ولكن من واجب حقوق الله على عباده النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على اقامة الحق بينهم. وليس امرؤ - وان عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته - بفوق ان یعان على ما حمله الله من حقه. ولا امرؤ - وان صغرته النفوس، واقتحمته العيون - بدون ان يعين على ذلك او یعان عليه»(48).

اما الحق الاهم الذي دعا اليه الامام فهو (حق الطاعة) فقد اولى الامام (عليه السلام) هذا الحق اهمية كبيرة حيث يقول: «الطاعة تعظيماً للامامة»، ولكنه (عليه السلام) في الوقت نفسه، وضع عدة محددات وضوابط حول متى وكيفية الطاعة المطلوبة من الامة ازاء حكامها، لعل من اهمها ما يأتي(49):

ص: 223

1. ان تحقق الطاعة مرضاة الله تعالى وتنسجم مع احكام الشريعة الاسلامية إذا

يقول»ع): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ويؤكد الامام هذه المبدأ بقوله (عليه السلام): «لا يسخط الله برضا احد من خلقه، فان في الله خلفا من غيره وليس من الله خلف في غيره».

وعندما تولى الإمام (عليه السلام) سدة الحكم كان وفياً لهذا المبدأ وحريصاً على تنبيه الجماهير له إذ كان يحدد حق الطاعة لولاته قائلاً للرعية): «فاسمعوا له واطيعوا امره فيما طابق الحق» بل انه يضع تحت طائلة مبدأ الطاعة بالمعروف الحاكم نفسه حيث يقول (عليه السلام): «الا واني لست نبياً ولا يوحى الي ولكني اعمل بكتاب الله ما استطعت، فما امرتكم به من طاعة الله فحق علیکم طاعتي فيما احببتم وفيما كرهتم وما امرتكم به او غيري من معصية الله فلا طاعة في المعصية الطاعة في المعروف الطاعة في المعروف الطاعة في المعروف».

ويرفض الامام سلوك بعضهم في الطاعة المطلقة لولاة الامر وما يرتبط بهذا النمط من السلوك إذ يصفهم (عليه السلام) «يلتمسون الحق بالباطل ويطيعون المخلوق في معصية الخالق». ولتأكيد هذا المبدأ ينقل الامام عن الرسول قوله: «يا علي اربعة من قواصم الظهر» ويعدد هذه الاربعة التي من بينها «امام يعصي الله ويطاع امره...»، وهذا الموقف والتحديد للطاعة سيكون له اثر مهم في رؤية الامام لحق المعارضةً.

2. ان حق الطاعة الذي طالب به الامام للسلطة الحاكمة على شقين الاول منهما امر الحاكم في عدم استغلال هذا الحق الا فيما وافق الحق إذ يقول (عليه السلام) «لا تقولن اني مؤتمر امر فاطاع فان ذلك ادغال في القلب ومنهكة للدين وتقريب من الغير»، اما الثاني فهو: من يجب ان تطيع فان الامام قال: «الحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم، وترفعوا فوق نسبهم والقوا

ص: 224

الهجينة على ربهم، وجاحدوا الله على ما صنع بهم مكابرة لقضائه ومغالبة لالآئه فانهم قواعد اسس العصبية ودعائم ارکان الفتنة وسيوف اغتراء الجاهلية». ويحذر الامام بشدة من توظيف البعد الالهي لصالح السلطة السياسية اذ قال

(عليه السلام): (احذروا على دينكم ثلاثة) احدهم (رجلاً اتاه الله سلطاناً فزعم ان طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ).

3. ويقصر الامام لطاعة بشرط الامكانية إذ قال (عليه السلام): (لا تعذبوا خلق الله

ولا تكلفوهم فوق طاقتهم).

ص: 225

المبحث الثالث: تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر

العلاقة بين الحاكم والمحكوم لها تاريخ حافل بالمتناقضات والمتجانسات، وبالاستقرار والاضطرابات، بحسبانها تقوم على فلسفة الأمة وثقافتها تارة، وعلى فلسفة الحاكم وطبيعته تارة أخري.

لقد مر على بعض الأمم فترات كان الحاكم فيها له السلطة المطلقة التي تجعله يتظاهر بأنه إله، أو يدعي الربوبية.

قال تعالى في كتابه الكريم «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(50).

«اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ٭ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ٭ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ٭ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ٭ فَكَذَّبَ وَعَصَى ٭ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ٭ فَحَشَرَ فَنَادَى ٭ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٭ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى»(51).

وإذا ما انتقلنا إلى أوربا (العصور الوسطى) وجدنا أن نظريات غريبة استحکمت في عقول الحكام والمحكومين، مثل نظرية الحلق الإلهي، التي ترى أن الحاكم له سلطة

ص: 226

مطلقة مستمدة من الله تعالى، يمارسها بحسب رغبته، وليس لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته، على اعتبار أن الله اختاره واصطفاه ليسوق الناس بعصاه، وقريب من هذه النظرية نظرية التفويض الإلهي، التي تمنح الحاكم قداسة، وتعطيه سلطة يتصرف باسم الدين، أو (الكنيسة) لا يجوز لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته (52).

وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهرت (الماكيافيلية) المنسوبة إلى نيكولا ماکیادفيلي (الإيطالي) الذي قدم نصائحه للأمير بأن يعتمد على القوة والخداع، بحجة أن الغاية تبرر الوسيلة، ولاسيما أننا نجد في المقابل فترات تاريخية تخللها موجات من الفوضى والاضطرابات والمنازعات بين الشعوب والقبائل، لا تعرف قيادة موحدة، أو دولة ذات سيادة، وكان للعرب في الجاهلية نصيب من ذلك، فلما جاء الإسلام بنظمه المتكاملة، والشاملة لكل شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، كان للجانب السياسي حظ وفير من التنظيم والتشريع (53).

اولا: الأساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

1- الأساس الشرعي:

لم يكن تأسيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الفكر الإسلامي ناشئة من فراغ أو صادرا من بنيات أفكار العلماء، أو من محض الاجتهاد، بل جاءت بذلك التشريعات السماوية التي نزلت على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة. بل إن النصوص المتعلقة بالموضوع كثيرة جدا يصعب على المتتبع حصرها، وبخاصة في السنة النبوية، والآثار الواردة عن علماء الملة(54).

ص: 227

وهنا نثبت بعضًا من تلك النصوص:

أ: من القرآن الكريم :

1 - قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ٭ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً»(55).

ففي الآية الثانية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» خطاب للرعية. وقد اختلفت في المراد بأولي الأمر في الآية، فقيل الأمراء وقيل: العلماء، وقيل الأمراء والعلماء: ورجح كثير من أهل العلم القول الأخير. کابن کثیر والشوكاني، وأما قوله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ».

وجملة ما تضمنته الآيتان الكريمتان: إلزام الولاة والرعية بأداء الأمانات كلها، وعلى الحكام أن يحكموا بالعدل، ثم واجب على الرعية أن يطيعوا الحكام في طاعة الله، فإذن حصل بينهم نزاع فمرجعه کتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله و سلم.

2 - قال سبحانه: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(56)، وفي ذلك ربط للراعي والرعية بالمصادر الشرعية المعتبرة.

3 - قال سبحانه في صفات المؤمنين الصادقين: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ۞ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا

ص: 228

الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» (57).

وقال مثنيًا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (58)، ففي هذه الآيات تشريع لمبدأ سياسي عظيم، هو الشورى.

يقول ابن عطية مفسرًا الآية من سورة آل عمران: «أمر الله تعالى رسوله هذه الأوامر التي هي بتدریج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة وحق، فإذا صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلا للاستشارة في الأمور، والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب (59).

ب: من السنة النبوية:

1- دخل عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عبيد الله بن زیاد فقال له: أي بني، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلسي، فإنما أنت نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم) (60).

2 - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (أن أطاعني فقد أطاع

الله ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) (61).

ص: 229

3 - عن عوف بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((خیار

أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون علیکم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قیل: یا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاکرهوا عمله ولا تنزعوا يدًا من طاعة) (62).

ثانيا: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ربما يتساءل البعض الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكومين في هذه البلاد على وجه الخصوص، بحسبانها نموذجا من النماذج المتميزة في العصر الحاضر في مجال التنظيم والتقنين.

وهذه بعض المواد المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم (63):

أ - يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى السمع الطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره.

ب - الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن، ويبين

النظام الخدمة العسكرية.

ج - مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو

مظلمة.

د - حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين بالمملكة، ويبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك.

ه - يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام، ويشرف على

تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة، والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع.

ص: 230

ثالثا: القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ليست العلاقة بين الحاكم والمحكوم معلقة في هواء أو فراغ أو أنها بنيت على أرض رخوة، بل هي مؤسسة على قواعد متينة، بناها الشارع الحكيم وفرضها من خلال الوحي المطهر، ومن يتأمل نصوص وقواعد الشريعة العامة يمكن أن يخرج بالقواعد الآتية (64):

1- التزام العبودية لله تعالى:

فالناس كلهم، على اختلاف أشكالهم وأجناسهم وطبقاتهم ومسؤولياتهم مطالبون بعبادة الله تعالي، والخضوع لأمره وحكمه، مثلما كانوا خاضعين وتقديره وملكه.

2- المساواة العامة بينهما في:

أ - القيمة الإنسانية: قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (65).

ب - المساواة في التكاليف الشرعية والمسؤولية والجزاء والقضاء أي أن كل إنسان بالغ عاقل فهو مكلف بالحكم الشرعي، منذ بلوغه حتى يأتيه اليقين، فلا تسقط عنه التكاليف مهما بلغت به السن أو النسب، أو الجاه والمال، أو الرتب الدينية والدنيوية، لا فوق بين شريف ووضيع وحر وعبد، وذكر وأنثى، وأمير ومأمور (66).

وقد رد الله سبحانه على كل من يحاول أن يتخلى عن مسؤولية التكاليف ردًا بليغًا، قال سبحانه: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ» (67).

ص: 231

3- القيم الخُلقية العامة:

تبني العلاقة بين الحاكم والمحكوم على قيم عليا. ومن أهم هذه القيم (68):

أ - العدل: وهو قيمة جليلة تحكم العلاقة بين الناس كافة، سواء بين الأفراد والدولة، أو بين الأفراد بعضهم مع بعضهم، منع المسلمين وغير المسلمين.

«والعدل - كما يقول الطرطوشي - میزان الله تعالى في الأرض، الذي به يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل، وليس موضع الميزان بين الرعية فقط، بل بين السلطان والرعية».

ب - النصح، أو النصيحة: ومن النصح الصدق والمصارحة والمكاشفة بين الحكام

والمحكومين، جاء في بعض الحكم: الكذب عدو الصدق، والجور مفسد للملك، فإذا استصحب الكذب استخف به، وإذا أظهر الجور فسد سلطانه». وأبلغ من ذلك ما جاء في الحديث الشريف (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شیخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر).

ج - الرفق واللطف: وهو خلق رفيع لا يستغني عنه مسلم، أيا كان مقامه، معلما کان،

أو داعيا، أو مسؤولا أو غير ذلك. والمقصود بالرفق، معالجة كل قضية بما يناسبها بأسهل الطرق وأيسرها، وليس يقصد من ذلك التلاين في مواقف الحزم والشدة.

4 - المبادئ الدستورية: ويقصد بها القواعد السياسية التي ينهض بها الحكم، بل

التي لا ينهض إلا بتحقيقها، وقد يختلف مفكرو السياسة وأربابها في تعداد هذه القواعد، وفي المصطلحات الخاصة بها والذي أراه أن أهم القواعد التي يقوم عليها الحكم، وتقوم عليها العلاقة بين الحكم والمحكوم هي (البيعة، الشوری، الطاعة، المسؤولية) (69).

ص: 232

الخاتمة:

يتضح من خلال الدراسة أنّ الإسلام جاء بمبادئ عامة تحكم التنظيم السياسي في كل زمان ومكان، مثل مبادئ العدل والمساواة، والشورى وضمان الحريات، وحقوق الانسان، وعلاقة الحاكم والمحكوم، ومسؤولية الحكام وتقييد سلطاتهم بتعزيز إرادة الأمة. وهذه المبادئ أقرتها النصوص القرآنية وما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث وأفعال،، کما دعا اليها وجسدها الامام علي (عليه السلام)، وتلك المبادئ بطبيعتها العامة صالحة لكل زمان ومكان وتتخذ صورًا مختلفة في التطبيق.

ويمكننا تسجيل جملة من الاستنتاجات منها:

أولاً: أنها ربانية. أي أن أساس تشريعها من لدن العزيز الحكيم، وآية ذلك ما قدمناه

من نصوص تشريعية كثيرة ذات صلة بالموضوع.

ثانيًا: أنها جزء من العبادة. فالمسلم وهو يتعامل مع السلطة الشرعية إنما يؤدي عبادة من العبادات، سواء في نصحه لأئمة المسلمين، أو في تنفيذه لأوامرهم وتعليماتهم، أو في توجيههم والأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلامة.

كما أن الحاكم وهو يتعامل مع رعيته، فإنه يؤدي عبادة من أعظم العبادات، سواء في جلب المصالح لهم، أو درء المفاسد عنهم، وسواء في نصرة المظلوم والضعيف، أو في قهر الظالم والمعتدي، بل في كل تصرف يتصرفونه لمصلحة الرعية فهو عبادة محضة، ولذا يقول العز بن عبد السلام: «أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل

ص: 233

الطباعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل».

ثالثًا: أنها علاقة تقوم على الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم، لأن كلأ منهما عرف ماله من حقوق، وما عليه من واجبات. وكل منهما يشعر أن الطرف لآخر أهل للاحترام والتقدير، لأنه يشاركه في المسؤولية، ويقوم بجزء منه، ولا يتأتى ذلك الأمر إلا بالتواضع.

رابعًا: أنها تقوم على الثقة بين الطرفين فكل منهما يأمن جانب الآخر، ولا يخشى منه غدراً أو ظلمًا أو تجاوزًا للحدود المشروعة والمنظمة. ولذلك لا يكون لسوء الظن أو تبادل الاتهام مجال، حيث إن كلأ منهما أعطى للآخر ثمرة فؤاده. والإسلام حسم كل أسباب الشحناء والبغضاء.

خامسًا: أن العلاقة بينهما مبنية على الأخوة الإسلامية، التي هي أقوى الروابط وأجلها، قلل الحق تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» [الحجرات: 10 ] وقال تعالى: «َاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» [آل عمران: 103].

سادسًا: الاعتدال والتوازن في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا إفراط ولا تفريط، ولا شطط.

سابعًا: أنها علاقة قائمة على نظرية (المساواة)، «فلا قيود ولا استثناءات، وإنما مساواة تامة بين الأفراد، ومساواة تامة بين الجماعات، ومساواة تامة بين الأجناس، ومساواة تامة بين الحاكمين والمحكومين، ومساواة تامة بين الرؤساء والمرؤوسين، لا فضل لرجل على رجل، ولا لأبيض على أسود، ولا لعربي على

ص: 234

أعجمي، وذلك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» [الحجرات: 13].

عبر ما تطرقنا اليه سابقاً يمكننا التوصل إلى جملة من الاستنتاجات:

1. اتضح بكل جلاء أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعد تجسيداً حياً

للشريعة الإسلامية برافديها القران الكريم والسنة النبوية مضافاً إليهما ابداع الانسان المتميز في تطبيق النص على أرض الواقع ولاسيما في مجال حقوق الانسان حيث شملت رؤيته مساحة واسعة من تلك الحقوق دعا اليها وجسدها في ميدان التطبيق العملي.

2. تعد الحياة قيمة عليا في الرؤية العلوية ينبغي ان تصان عبر زيادة الوعي بخطورة

سلبها من الانسان وعظم هذه الجريمة وانعكاسها السلبي في الدنيا والآخرة من جهة وفرض العقوبة العادلة على منتهك حق الآخرين في الحياة من جهة أخرى، إلا أن احترم حياة الانسان لا يلغي تشريع القصاص العادل الذي قد يصل الى القتل إذا ما أقدم الفرد على هدم وجود الإنسان.

3. دعا الامام علي (عليه السلام) إلى أن ينعم الانسان بحق المساواة العادلة في ابعاده كافة سواء البعد الإنساني، أو الأجتماعي، او الاقتصادي، او السياسي، او القضائي. إلا أن الدعوة النظرية والممارسة العملية للأمام لترسيخ هذا الحق لم تكن على حساب المعايير الموضوعية للتفاضل بين الناس والتي عمل بموجبها استناداً إلى الشريعة الإسلامية وذلك لتحقيق العدالة بين البشر من جهة والسعي لتطوير المجتمع والارتقاء بالوجود الإنساني من جهة أخرى، إذ أن الايمان والتقوى والعلم والعمل المثمر هي من مقومات الإنسان الفاضل والمجتمع الصالح.

ص: 235

4. في اطار حقوق الانسان ذات البعد السياسي يبرز حق حرية الرأي والتعبير سواء في رؤية الإمام النظرية أو ممارسته العملية، مؤكداً (عليه السلام) جملة من الضمانات لهذا الحق بهدف تفعيله كونه مقصداً الهياً شرعياً وآلية مهمة لاطلاع الحكومة على سلبياتها وأخطائها، وإنشاء وترسيخ الوعي السياسي، والتخلص من سبات العقل والركود الفكري للوقوف بالضد من ظهور الاستبداد في الواقع السياسي الاسلامي والانساني على حد سواء.

5. امتازت الرؤية العلوية لحقوق الإنسان بابراز حق ضمانة ضبط الحكام وذلك لأهمية منصب الحاكم وتأثيره الواسع في المجتمع، لاسيما مع عظم المهمات الملقاة على عاتقه والمتمثلة بالواجبات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا

دعا الامام الى ضرورة ان يشغل هذا المنصب الانسان الذي يتميز بجملة من الصفات لعل من ابرزها معرفة الاسلام وحسن تطبيقه، والعدالة، والوعي السياسي، والصفات الشخصية الحميدة.

6. في حالة المساس بالشريعة الاسلامية أو ظهور حالة الاستبداد والظلم من قبل الحكام أزاء الأمة وتبديد حقوقها نتيجة ضعف الوعي والأداء السياسي والإداري، فإن الامام يمنح الحق للامة بأفرادها ومجموعها بالتصدي للحكومة واخطائها تجسيداً لحق المعارضة وبصورة تدريجية حتى تصل الى الثورة المسلحة للقضاء على الظلم والطغيان وذلك استناداً الى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أولاه الامام أهمية متميزة على الصعيدين النظري والعملي.

7. إن اشاعة وتعميم تجربة الامام علي (عليه السلام) ورؤيته لحقوق الانسان ببعديها النظري والعملي، عبر نشرها والأخذ بها كمنهج عمل في المؤسسات الرسمية والدينية والاجتماعية في مجتمعنا ستسهم بلا شك في تطور الوعي والممارسة

ص: 236

لحقوق الانسان من اجل تقديم نموذج حضاري

متميز لا تنضوي تحت لوائه الامة الاسلامية فحسب وانما تنهل منه البشرية بأسرها.

ص: 237

الهوامش

1. احمد جمال ظاهر، حقوق الإنسان، مر کز النهضة للخدمات الفنية، عمان،

1988، ص 77.

2. نبيل احمد حلمي، "حقوق الانسان في التنمية"، مجلة السياسة الدولية، العدد 68، 1982، ص 88.

3. ينظر النص العالمي لحقوق الانسان، في صباح صادق جعفر، حقوق الانسان

(وثائق)، ط 1، المكتبة القانونية، 2003، ص 8.

4. كاظم دیر، الحكم من كلام الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، ج 1، مشهد، مؤسسة

الطبع. والنشر التابعة للاستانة الرضوية المقدسة، 1417 ه، ص 535.

5. الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي البغدادي (الجامع)، نهج البلاغة،

تعلیق وفهرسة: د. صبحي الصالح، تحقيق فارس تبریزیان، (إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1380 ه، ص 571. وكذلك ينظر؛ صادق الموسوي، نهج الانتصار) بهدی القرآن وسنة محمد واله الاطهار (، قم، مؤسسه انصاریان ،ص 331.

6. نوري جعفر، فلسفة الحكم عند الإمام، ط 2، القاهرة، دار المعلم، 1978، ص 8.

7. السيد محمد الحسيني الشيرازي، اثار الظلم في الدنيا والاخرة، مؤسسة المجتبی،

بیروت، 2001، ص 6.

8. ينظر : محمد رشيد رضا، حقوق النساء في الاسلام، ط 1، دار الاضواء، بیروت، 1989، ص 203.

9. ينظر محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة (محاولة لفهم جديد)، ج 3، ط 1، دار العلم للملايين، بيروت، 1973، ص 373.

10. محمد بن جرير الطبري الامامي، المسترشد في امامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، تحقيق الشيخ: احمد المحمودي، مؤسسة الثقافة الاسلامية، قم،

ص: 238

1415، ص 381.

11. محيي الدين ابو زكريا يحيى النووي، شرح صحيح مسلم، ج 21، دار الكتاب، بيروت، 1987، ص 77.

12. محمود يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: عادل احمد عبد الموجود، ج 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993، ص 337.

13. محسن باقر الموسوي، الادارة والنظام الاداري عند الامام (ع)، ط 1، مرکز الغدير للدراسات الاسلامية، بيروت، 1998، ص 18.

14. باقر شريف القريشي، النظام السياسي في الاسلام، ط 4، دار التعارف، بيروت، 1987، ص 153.

15. المصدر اعلاه، ص 155.

16. الشريف الرضي، (الجامع)، نهج البلاغة، مصدر سبق ذكره، ص 96.

17. المصدر اعلاه، ص 96.

18. المصدر السابق، ص 169.

19. ابو القاسم سليمان بن محمد بن ايوب، المعجم الصغير، ج 1، دار الكتب

العلمية، بيروت، 1985،ص 201.

20. محمد بن جعفر بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والامم والملوك، دار الفكر، بيروت، 1987،ص 67.

21. محمد بحر العلوم، مصدر التشريع لنظام الحكم في الاسلام، ط 2، دار الزهراء،

بيروت، 1983، ص 45.

22. حامد جامع، علي بن ابي طالب (عليه السلام) حاكما وفقيها، القاهرة، دار المعلم، 2003، ص 187.

23. نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، ص 95.

ص: 239

24. نفس المصدر اعلاه، ص 98.

25. محمد حسنين علي الصغير ، الامام علي (سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي)، مؤسسة المعارف، بيروت، 2002، ص 25.

26. نفس المصدر اعلاه، ص 35.

27. علي محمد محمد الصلابي، اسمى المطالب في سيرة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) شخصيته وعصر، دار التوزيع والنشر الاسلامية، القاهرة، 2004 ص 75.

28. سورة الحج، الآية 41.

29. محمد طي، الامام علي ومشكلة نظام الحكم، مركز الغدير للدراسات الاسلامية،

بيروت، 1997،ص 74

30. علي عبد الرزاق، الاسلام واصول الحكم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972، ص 234

31. علي الانصاري، عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الاشتر، ط

1، دار سروش للطباعة والنشر، طهران، 1983، ص 52.

32. حامد جامع، مصدر سبق ذكره، ص 76.

33. القاسم بن سلام ابو عبيدة، كتاب الاموال، تحقيق وتعليق: محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986، ص 83.

34. سورة البقرة، الآية 188.

35. سورة النساء، الآية 10.

36. القاسم بن سلام ابو عبيدة، مصدر سبق ذكره، ص 78.

37. سورة الفتح، الآية 29.

38. سورة السجدة، الآية 18.

39. محمد حسين فضل الله، علي ميزان الحق، تحرير: صادق اليعقوبي، دار الملاك،

ص: 240

بیروت، 2003، ص 91.

40. سورة التوبة، الاية 128.

41. سورة ال عمران، الاية 159.

42. توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ط 3، المعرفة للنشر والتوزيع، بغداد، 1990، ص 187.

43. توفيق الفكيكي، مصدر سبق ذكره، ص 196.

44. محمد حسين فضل الله، مصدر سبق ذكره، ص 67.

45. ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ط 6، دار النفائس،

بیروت، 1990، ص 60.

46. سورة التوبة، الاية 71.

47. محمد جواد مغنية، مصدر سيق ذكره، ص 87.

48. المصدر السابق، ص 90.

49. محمد باقر الناصري، من معالم الفكر السياسي في الاسلام، ط 1، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، 1988، ص 45،

50. سورة البقرة، الآية 258.

51. سورة النازعات، الاية 17 - 25.

52. اندرية ايمار وجانين او بوایه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة: فرید داغر، دار

عويدات، بیروت، 2003، ص 567.

03. محمد بشير الشافعي، قانون حقوق الانسان - مصادره وتطبيقاته الوطنية والدولية، ط 3، منشأة المعارف والاسكندرية، 2004، ص 98.

54. محمد بحر العلوم، مصدر التشريع لنظام الحكم في الاسلام، ط 2، دار الزهراء، بیروت، 1983، ص 183.

55. سورة النساء، الاية 58 -59.

ص: 241

56. سورة النساء، الآية 65.

57. سورة الشورى، الاية 37 - 38.

58. سورة ال عمران، الاية 159.

59. ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ط 6، دار النفائس،

بیروت، 1990، ص 30.

60. علي عبد الرزاق، مصدر سبق ذكره، ص 222.

61. محمد بن ابی بکر ابن قيم الجوزية، احکام اهل الذمة، دار ابن حزم، بیروت، 1997، ص 59.

62. نفس المصدر اعلاه، ص 61.

63. نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، 102.

64. ابو بکر احمد بن علي الرازي، احکام القرآن، ط 1، دار الکتب العلمية، بيروت، 1994، ص 38.

65. سورة النساء، الاية 1.

66. صباح صادق جعفر، حقوق الانسان، ط 1، المكتبة القانونية، بغداد، 2003، ص 65.

67. سورة المائدة، اية 18.

68. نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، ص 87.

69. علي محمد جعفر، تاريخ القوانين ومراحل التشريع الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بیروت، 1986، ص 96.

ص: 242

أسس الحكم الصالح ومهام الحاكم الوظيفية في ضوء عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر - قراءة سياسية معاصرة في ضوء واقع العملية السياسية العراقية بعد العام 2003

اشارة

م.م: ميثاق مناحي دشر العيساوي

ص: 243

ص: 244

المقدمة

يقول الأستاذ «نصري سلهب» عن الإمام علي (عليه السلام)، «علي من أولئك البشر الذين كتب عليهم أن يموتوا لتحيا بموتهم شعوب وأمم، وأعداء علي من أولئك النفر الذين آثروا الحياة على الموت فأماتوا، بحياتهم، كل إباء وشمم». فكان الإمام علي (عليه السلام) يمثل «إنسانية التفكير وخيرية العمل وديمقراطية الحكم وإباحة الأرزاق للشعب وحده دون الوجهاء والزعماء والمتنفذين والمترهلين»، في حين كان الأمويون «أبرز من يمثلون الملوك في التاريخ وميلهم إلى الحكم الفردي الاستبدادي وخصائصهم في الاستئثار والاحتكار وجعل الأرض والناس منهبة لهم وعبیداً». هذا ما ينقله «أنور هيفا» في الفصل التاسع من كتابه المعنون ب علي (عليه السلام) ظاهره فوق إنسانية عن المفكر المسيحي المعاصر «جورج جرداق» من كتابه (علي وعصره). وتكتمل هذه الصورة التي يرسمها الأستاذ «نصري سلهب» مع رؤية السكرتير العام لكتلة نواب الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي ومدرس مادة «الاستراتيجية» في جامعة السوربون الاستاذ «فرانسوا توال» بقوله «إنّ الإسلام بمفاهيمه الرّوحية والعقائدية، بما في ذلك التوصيات العلمية التي يدعو إليها، لن يُفهم على حقيقته من قبل الغرب ما لم يقرأ الغربُ الإسلام الحقيقي وينهل من نبعه الأساسي المتمثّل بفكر أهل بيت النبوّة، ذلك الفكر المعروف في الغرب باسم الفكر الشيعي أو المذهب الشيعي. وعلاوة على ذلك، يرى السيد (توال) أيضاً أنّ ديناميكية الإسلام وقوّته الحركيّة في مواكبة الحياة والتفاعل مع التّيارات الروحية لأبنائها تمكن

ص: 245

بالدرجة الأولى في التيار (الفكري - الروحي) الذي يمثّله، بالطبع الإمام علي (عليه السلام).

نستشف من ذلك بأن الإمام علي (عليه السلام) إماماً لكل البشرية من خلال طروحاته الفكرية ونظرته الإنسانية سواء في خلافته وتوليه الحكم أو الفترة التي قضاها بعد الرسول كإمام للأمة وليس حاكماً مدبراً لأمورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الإمام (عليه السلام) كان لا يبخل عن نجدة الأمة ورفد ممن سبقوه في الحكم بالأمور السياسية وغيرها، فكان (علیه السلام) حاكماً عادلاً وسياسياً محنكاً واقتصاديا في تدبير أمور الأمة، وقاضياً حازماً في حل المنازعات، مسترشداً بالقرآن ونهج الرسول. ولهذا فأن الإمام (عليه السلام) أسس قواعد ثابته للحكم الإسلامي، لاسيما في عصر خلافته، على الرغم من كل التحديات السياسية التي واجهته في حكمة من الناكثين والقاسطين والنفعيين الباحثين عن منافعهم ومصالحهم الشخصية، وبالرغم من كل تلك التحديات، إلا أنه ارسی مبادئ الحكم في الإسلام بكل جوانبه (السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والاخلاقية) من خلال وثيقة العهد التي بعث بها إلى مالك الأشتر (رض) عندما ولاه على مصر. قواعد ثابتة للحكم الإسلامي وصالحة لكل مكان وزمان، ووثيقة متكاملة وشاملة تستطيع النظم السياسية الإسلامية المعاصرة الأخذ بها وتطبيقها کوثيقة سياسية معاصرة أرست مبادئ الحكم الصالح في الإسلام بعيداً عن النظرة الضيقة. ففي ظل التحديات السياسية التي تواجه عملية بناء الدولة العراقية بعد العام 2003، يمكن للحكومة العراقية والاحزاب المشاركة في العملية السياسية، لاسيما الاحزاب الشيعية الاستفادة من تلك الوثيقة، لاسيما وأن فكر الإمام ووثيقته لمالك تمثل إنسانية في التفكير وخيرية العمل وديمقراطية الحكم بنظرة متكاملة من

ص: 246

كل الجوانب، لاسيما جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والنظرة إلى المجتمع بنظرة عامة جامعة للكل، بغض النظر عن الانتماء والتنوع والاختلاف الديني، فضلاً عن الحفاظ على أسس الحكم في الفكر الشيعي وبلورته في تنظيم أمور الدولة العراقية امام كل التحديات المعاصرة، والحفاظ على ديناميكية الإسلام وقوته الحركية من خلال بلورة فكر الإمام علي (عليه السلام) - كما يقول الاستاذ (توال).

أهمية البحث

تكمن اهمية البحث؛ لكونه يسلط الضوء على موضوع مهم وأساس في بناء المجتمعات الإسلامية المعاصرة «أسس الحكم الصالح في الإسلام» وفقاً للقرآن والنهج النبوي للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بفکر سماوي تبلور إلى واقع عملي على يد الإمام علي (عليه السلام) خلال فترة حكمه للأمة الإسلامية، وكذلك لأنه يربط بين فكر الإمام الإنساني ووقعنا المعاصر؛ لاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي يعاني منها العراق بعد العام 2003.

فرضية البحث

تّعد وثيقة الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر «منهجاً في السياسة الإسلامية والدولة الصالحة، وهي وثيقة سياسية شاملة ومتكاملة لعملية بناء الدولة بما يتناسب مع التحديات والمعوقات المعاصرة، وهي صالحة لكل زمانً ومکان؛ لاسيما مع المبادئ والأسس التي أرستها تلك الوثيقة في مأسسة الحكم الصالح بكل جوانبه». فلماذا لا يوظف الاطار العام لهذه الوثيقة في عملية بناء الدولة العراقية - على أقل تقدير -، لاسيما مع هذا الفشل المتوالي والمتكرر في عملية البناء، بالرغم من أن الاحزاب السياسية التي إدارة دفت الحكم في البلد بعد العام 2003، احزاباً اسلامية شيعية؟.

ص: 247

مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث في عملية الموائمة التاريخية بين عصر الإمام علي (عليه السلام) وبين ما نعيشه اليوم في ظل التطور التكنولوجي وتغّير مفهوم الدولة، وسيادة مفاهيم العولمة والعالمية وشمولية الدولة؛ لاسيما في ظل حالات عدم الاستقرار السياسي وحالات التطرف الديني والسياسي التي تشهدها المجتمعات الإسلامية التي تهدد عملية بناء الدولة القومية الحديثة. ولهذا ركز البحث في دراسة اسس الحكم الصالح ووظائف الحاكم السياسية طبقاً للعهد وموائمتها مع التغير السياسي المعاصر في العراق بعد العام 2003، لاسيما مع تصاعد حدة الخلافات السياسية بين الاحزاب العراقية وافتقادها بوصلة الطريق الصحيح في عملية بناء الدولة العراقية.

منهجية البحث

اعتمد البحث على بعض المناهج العلمية منها المنهج التاريخي والمنهج التحليلي.

هيكلية البحث

اقتضت الضرورة تقسيم البحث إلى ثلاثة محاور:

تناول المحور الأول أسس الحكم الصالح عند الأمام علي (عليه السلام) في ضوء العهد.

أما المحور الثاني: فقد اختص بدراسة المهام الوظيفية للحاكم.

والمحور الثالث: خصص بدراسة الموائمة بين فكر الإمام علي (عليه السلام) وحالة العراق مابعد 2003، وقد جاء ذلك بعنوان عهد الإمام علي (عليه السلام) «قراءة سياسية معاصرة في ظل معوقات بناء الدولة العراقية». فضلاً عن الخاتمة والاستنتاجات التي خرج بها البحث.

ص: 248

المحور الأول: أسس الحكم الصالح عند الأمام علي (عليه السلام) في ضوء العهد

يعد عهد الإمام عليّ (عليه السلام) إلى مالك الأشتر «مفخرة في المنهج السياسي والدولة الصالحة، وكتب الأمام علي عهداً إلى عامله على مصر مالك الأشتر النخعي، وفيه وصاياه التي تُعد منهجاً في السياسة الإسلامية والدولة الصالحة، ولذا فإنَّ التقرير الدولي لمنظمة الأمم المتحدة قد اقتبس من هذا العهد فقرات كثيرة، لحث الدول العربية على الاقتداء بسياسة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب العادلة، ومنهجه في الحكم، ومساواته للناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين. وإن الوقوف على أرضية لفهم ابعاد حكومة الإمام علي (عليه السلام) ورصد استراتيجيته وايديولوجيته وفق المعطيات التاريخية يوقفنا على حقيقة أن الحكومة في عهده کانت حكومة دينية متكاملة تعتمد على الرؤية الإلهية الشمولية لأبعاد الكون والإنسان والحياة، وانه لا مجال لحكم العقل النظري والعملي بدون الرجوع إلى النص القرآني والنص النبوي، وهذا لا يعني بالضرورة عدم إعمال الاستشارة والخبروية البشرية من قبل المتخصصين في تلك الدولة وخصوصاً في المجال العسكري والاداري» إذ تضمنت الوثيقة التي بعث بها الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الاشتر (رض) والي مصر أهم الأفكار والمفاهيم السياسية والاقتصادية وشؤون الحكم والإدارة بل من أهم الركائز الفكرية والسياسية والادارية التي بعث بها رئيس دولة إلى أحد ولاته1. وقد تضمن هذا العهد «رسم الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظیماً دقیقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة سواءً كان تعامل الحاكم مع الشعب أو مع رجال

ص: 249

السلطة وفق سياسة تكفل للجميع الاستقرار والتقدم، وكما يوضح أسس العلاقات الخارجية مع العدو والصديق بشكل يحفظ للأمة كرامتها وعزتها واستقلالها التام». والذي يمكن ملاحظته في الدولة التي تشكلت في عهد الإمام علي (عليه السلام) هي دولة قائمة على النظام المركزي وهو خضوع المرؤوس للرئيس وتلقي تعليماته وتنفيذها من جهة أخرى (2).

وبما أنَّ هذا العهد من النصوص المهمة في السياسة الإسلامية كان علينا التطرق إليه، إذ يقول فيه أمير المؤمنين (عليه السلام): (هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه، وسننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها؛ وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه؛ فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزه. وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات؛ فإنَّ النفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله. ثم اعلم يا مالك، أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله على ألسن عباده) (3).

ويُعرف عن الامام علي انه «يعمل بثنائية عجيبة لا تغادر منهجه، فهو المقاتل والعاشق لربه وهو الحاكم والفقير والمنظر ورجل التطبيق، وعندما طبق النظم الادارية في الدولة فانه نظرها في تصميم وتشكيل الدولة في رسالته لمالك الاشتر (رض) الوالي على مصر». ولاشك إن للحاکم حقوقا وعليه واجبات فمن حقوق الرعية على الحاكم هو ما أوصى به الإمام علي (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر بقوله «أنك ممن أستظهر

ص: 250

به على إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم وأسُدُّ به لهاة الثغر المخوف. فاستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة بضغث من اللين، وارفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة، والإشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك»(4)، ويلصق الأمام إصلاح الرعية بإصلاح الولاة؛ وذلك لأن الرعية لم تصلح إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل. وفي أحد رسائل الأمام إلى ولاته يحذره فيها من الظلم والعدوان «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارباً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظيراً لك في الخلق»(5). وهذه النصوص تشير الى تحكيم روابط المودة والاخوة وليطمئن الناس برحمة حكومتهم ويخلصوا لها أيمانه بها ويقيموا العدل، ونستشف من خلال هذه الوصايا التي تضمنته وثيقة العهد، بأن هناك أسس جامعة في الحاكم السياسي الإسلامي، وهي كثيرة منها:

1 - الأمانة: إن يشعر الحاكم بان الحُكم أمانة لديه وتكليف الهي له، وليس منحة أو ملكا شخصيا له. وقد بين ذلك (عليه السلام) في رسائله الكثيرة ومنها لعامله «الأشعث بن قيس» على أذربيجان موضحاً له أن عملك ليس له بطعمة ولكنه أمانة في عنقه وانه مسترع لمن فوقه. وقد طبق الإمام ذلك على نفسه، فهو لم يكن لينافس على سلطان، بل لیرد معالم دين الله ويظهر الإصلاح في البلاد فيأمن المظلوم وتقام حدود الله المعطلة. ويقول الأمام علي في هذا الجانب «إلزم الصدق والأمانة فإنها سجية الأخيار» (6).

ص: 251

2 - المشاورة والتعاون: فالحاكم لا يستغني عن نصح ومشاورة الرعية، والمشاورة تعني اليوم في الفكر السياسي المعاصر (الاستشارة) «أي مستشاري السلطة التنفيذية أو التشريعية»، ويشترط الإمام كما في عهده للأشتر بأن لايدخل في مشورته البخيل الذي يعدل به عن الفضل، ويعده الفقر، ولا الجبان الذي يضعفه من الأمور ولا الحريص الذي يزين له الشره بالجور، بقولة (إن يراعي في اختيارهم المحتوى النفسي للمستشار وصفاته النفسية وعواطفه، فيجب أن لا يكون «بخيلاً ولا يكون جباناً لأنه سوف يرهب أن تغيير جوهري يفيد الأمة ويظل متردداً، وألا يكون حريصاً؛ لأنه سوف يحرص الحاكم على امتصاص خيرات الشعب»(7)، فهؤلاء من عوائق نمو الدولة وسبب في تحطيمها، وعلى الحاكم أيضا أن يتعاون مع رعيته، ويمثل الإمام ذلك بقوله «من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق بينهم» «ويقابل ذلك أن من حق الحاكم على الرعية الوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب.

3 - المحبة والتسامح: ويكون ذلك من جهتين: الأولى، «إن لا يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل... أو الجاهل أو الجافي فيقطعهم بجفائه. الثانية: إن يستشعر الوالي الرحمة والمحبة واللطف للرعية، لانهم صنفان «أما أخ له في الدين أو نظيراً له في الخلق»، وهؤلاء كما ينبه الإمام يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلة وقد يصيبوا ويخطئوا فيجب أن يعطى لهم العفو والصفح

مثلما يرجو الوالي من صفح الله وعفوه» (8).

4 - العدل: إن الباحث في التفكير الإسلامي يدرك أن «العدالة هي قمة الشروط اللازمة للخليفة أو الرئيس في الإسلام، وقد رأينا معها العلم والشجاعة وغيرهما، ولكن الخليفة يجد بين المسلمين علماء وشجعان.. يستطيع أن يعتمد عليهم وينتفع

ص: 252

بهم، ولكنه إذا كان جائراً ظلوماً لم يغنيه شيء ولم يغنيه أحد، ومن أجل هذا اهتم الفكر الإسلامي بشرط العدالة في الإمام»(9). وذلك بأن يكون عادلا ولا يحيد عن الحق، ولا تأخذه بالله لومة لائم، وفي النهج وصايا للحاكم بأن يلزم الحق من لزمه من القريب والبعيد من القرابة أو الخاصة، ويوضح الإمام دائما من أن قاعدة العدل يطبقها على نفسه وعلى أولاده، مشيراً إلى أن عدم عدل الوالي يأتي من اختلاف هواه فيمنعه ذلك كثير العدل، في حين يجب أن يكون أمر الناس في الحق سواء؛ لأنه ليس في الجور عوض عن العدل، ومن ضاق عليه الجور فالعدل عليه أضيق (1). وتناول أمير المؤمنين في الفصل الرابع من هذا العهد النواهي والأوامر التي تحقق المصلحة العامة، وترسي العدالة في المجتمع فقال، «واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تُفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتُقعد عنهم جندك وأعوانك م-ن حراسك وشُرَطِكَ حتى يُكلمك متكلمهم غير مُتَتَعتِعٍ، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن: (لن تُقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع) ثم احتمل الخرق منهم والعَي، ونحِّ عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، وأعط ما أعطيت هنيئاً، وامنع في إجمال وإعذار..» (11). ولهذا فأنَّ أساس الحكم في الإسلام هو «العدل بالرعية، فأول ما استهدفته الشريعة في أحكامها وحدانية الله سبحانه وتعالى، وتحقيق العدل بين الناس، والقضاء على الظلم والجور. وإنَّ العدل هو هدف إسلامي في سائر الأحوال والأوقات، لأنه الغاية المقصودة من الشريعة الإسلامية، حيث أمر الله تعالى المسلمين أن يطبقوا العدل حتى مع العدو وغير المسلم، وأن يقوموا بالقسط ولو على أنفسهم»، فقال العزيز في محكم كتابه المجيد (يا أيّها الذِيْنَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بِالقِسْطِ شُهداءَ للهِ وَلوَ على أنفُسِكُم أو الوالِدَينِ وَالأقرَبينَ) (12). ويتلخص جوهر سياسة الإمام من الناحية السياسية في

ص: 253

إشاعة العدل بين الناس في شتى ضروب الحياة وفي مختلف المجالات الاجتماعية.

والعدل عند الإمام افضل من الشجاعة؛ لان الناس لو استعملوا العدل عموما في جميعهم لاستغنوا عن الشجاعة (13).

5 - عدم الاحتجاب عن الرعية: فان ذلك شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور، وذلك الاحتجاب سوف يعظم الصغير ويصغر الكبير من الأمور عند الرعية، وهذا ما جاء في العهد بقوله (وأما بعد، فلا تُطولنَّ احتجابك عن رعيتك؛ فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويُشاب الحق بالباطل) (14). وهذه الملاحظة تنم عن معرفة دقيقة بالسياسة والحالة الاجتماعية والنفسية للمجتمع والناس. أي إن «علاقة الحاكم بالشعب في حكومة الإمام علي (عليه السلام) كانت تنطلق من رؤية أن الحاكم هو أحد أفراد المجتمع واحد منتسبيه بل أحد اكثر المجتمع مسؤولية واجبيه لأنه مسؤول أمام الله وأمام المجتمع بأكمله وبذلك تلغى كل الحواجز والاعتبارات التي تحول دون الاتصال بالشعب وتفهم مشاكله ومسؤولياته ولم يكن منصبه في الدولة يمثل له شيئاً ما لم يحقق الهدف منه وهو العدالة بين المجتمع واقامة الحق بينهم، وهو بذلك يمثل الطراز الأعلى والأمثل من الحكام الذي نادى الحكماء والفلاسفة به» (15).

6 - أن يواسي بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية.

7 - ستر عيوب الرعية وإبعاد الطالب لمعايب الناس، وأن لا يعجل إلي تصديق الساعي فانه غاش وأن تشبه بالناصحين.

8 - التواضع: على الحاكم أن لا يكون متكبرا معجبا بنفسه، يحب الإطراء واستماع الثناء من رعيته، ففي النهج أن من اسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن

ص: 254

بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر، ويقدم الإمام علي نصيحة الى الولاة بالابتعاد عن الفخر والتكبر؛ لان ذلك أسلوب الشيطان ليمحي إحسان المحسنين.

9 - النزاهة: وذلك بأن لا يستأثر بشي من أموال المسلمين لنفسه وأن يساوي الناس بعيشه، وأن لا يسخط العامة برضى الخاصة، وقد ذكرنا شدة الإمام مع الولاة الذين لا يتمتعون بالنزاهة. إن الإمام كان ينطلق من رؤية أن البشر متساوون في الخلقة فهو لا يفرق بينهم في المعاملة والحقوق على أساس اللون أو القومية أو الغنى والفقر وكلهم سواء أمام القانون ولم يستثنِ نفسه من الدستور حيث ما نراه اليوم في الحكومات من امتيازات وحصانات خاصة للرئيس أو الحاكم، فهو يعتبر نفسه مسؤولاً أمام القانون في حالة تقصيره وعدم أدائه للحكم بصورة صحيحة بل يعتبر ذلك خيانة عظمى، كما جاء في نهج البلاغة وعند اقتراح الناس عليه أن يميز في العطاء بين الكبير والصغير يقول (لو كان المال مالي لسوّيت بينهم فكيف والمال مال الله) (16). ويعقب أحد الكتاب على هذا المقطع فيقول: «ومن هذا الاعتبار كان موقفه من طلب عقيل وعبد الله بن جعفر المساعدة، وكان موقفه عند ما أبلغ أهل الكوفة انه لن يأخذ حصته من العطاء» إذ قال: (يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن) (17). ويعد هذا الموضوع «النزاهة» أفة الدولة العراقية على مر التاريخ، ولاسيما بعد حالة التغيير السياسي في العام 2003.

10 - العلم: وهو ما يأتي من الطاعة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعلم بالقران والسنة والعمل بها وأن يكون الحاكم ذا تجربة في الحكم، وبتعبير الإمام أن أحق الناس بأمر الحكم أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه. وفي خطابه إلى أحد عماله أشار إليه بأن يرد إلى الله ورسوله والي الأمر ما يشتبه عليه من الأمور، والرد الى الله هو الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 255

الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

11 - الحلم: ومن ذلك «التروي في إصدار الأحكام فالنهج يحذر من العجلة بالأمور قبل أوانها وعلى الوالي أن يتمتع بالحلم فيملك حمية انفه ويملك سورة الغضب وسطوة اليد والسان، وعلاج غضب الوالي يكمن عند الإمام في كف البادرة وتأخير سطوة اليد حتى يسكن الغضب وعند ذلك يملك الاختيار، وهذا لا يكون حتى يذكر الوالي أو الحاكم نفسه بذكر المعاد إلى ربه». ومن الحلم أن يلبس الوالي للرعية جلبابا من اللين مشوبا بطرف من الشدة وأن يداول لهم بين الرأفة ويمزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء. الحلم هو سلطة لإرغام النفس على اتخاذ حالة الاعتدال، ويقول الأمام بذلك «إنما الحلم كظم الغيظ وملك النفس» وكذلك يقول بهذا الجانب «صاحب الحكماء وجالس الحلماء» (18). وذلك لأن فيه فائدة على سلوك الانسان، ويضعه في مكانة مرموقة داخل المجتمع.

12 - المسؤولية: إن من صفات الحاكم الإحساس بالمسؤولية فالإمام يقول اتقوا

الله في عباده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم.

13 - مشروعية الصلح والأمان مع الآخر (المصالحة): بقوله «ولا تدفعنَّ صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضاً؛ فإنَّ في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإنَّ العدو ربما قارب ليتغفل؛ فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن..». وتأتي مشروعية الصلح والأمان في الإسلام من قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) (19). وقوله عز وجل: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل

ص: 256

الله لكم عليهم سبيلاً) (20). وقوله سبحانه وتعالى: (إلا الذينَ عَاهدتُم عِندَ المسْجِدِ الحَرامِ فَما استَقَامُوا لَكُم فَاسْتَقِيمُوا لَهُم إنّ اللهَ يُحِبُ المتّقينَ) (21). وقوله تعالى: (وإنْ أحدٌ مِنَ المشْرِكِينَ استَجارَكَ فأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلكَ بأنّهُم قَومٌ لايَعْلَمُونَ) (22). وقد بين الإمام عليّ بن أبي طالب في عهده إلى مالك الأشتر ذلك، وأورد أيضاً سلامة عقود الصلح التي تبرمها الدولة الإسلامية، بحيث لا يكون فيها إدغال ولا مدالسة ولا خداع، وليس فيها علل، أي الأحداث المفسدة لها، وهي كناية عن إحكام عقد المعاهدات وعقود الصلح، والابتعاد عن لحن القول والمواراة في الأمان والعهود، لكي يكون كل شيء واضحاً وصريحاً دون لبس وخداع وتدليس (23).

14 - الحرية: ولكي تستقيم الحياة السياسية أكد الإسلام على أنَّ (أفضل الجهاد كلمة حق عند أمام سلطان جائر)، وهذا يقتضي إشاعة جو من الاستقرار والأمان مشبع بالحريات السياسية والفكرية، التي لا تخرج عن الإطار الإسلامي العام، بل تعيش في جوه، وتتنفس داخله. فمن المؤكد أنَّ التنوع شيء إيجابي مطلوب، إذا حافظ والتزم بالمبادئ الأساسية الثابتة، وعمل ضمن آليات ووسائل متحركة ومتغيرة، تختلف باختلاف الأحزاب والفصائل والاتجاهات. بمعنى أوضح أنه تباين سياسي وفكري مرتبط وملتزم بالإسلام، ولا ينفك بالضرورة عن المبادئ والقواعد الإسلامية العامة. وإن ضمان الحريات في حكومة الإمام علي(عليه السلام) تعتبر من أهم الركائز التي بنيت عليها الدولة، إذ أن المواطن يعيش في دولة تضمن للفرد حرية التعبير، وحرية نقد السلطة والحكومة، ويذكر أن أحد الخوارج سب أمير المؤمنين بقوله (قاتله الله ما أفقهه) وهمّ أصحابه بقتله فردع أصحابه عن ذلك وأكد لهم القاعدة الشرعية التي تأمر بعقوبة متناسبة مع الجريمة حتى ولو كانت واقعة على

ص: 257

رئيس الدولة مع عدم نسيان الحث على العفو فقال: «رويداً إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب». إن الإمام علي كان واثقاً من أن إعطاء الحريات وضمانها للآخرين سوف يعزز الثقة المتبادلة بينه وبين الشعب أو بين الحاكم والسلطة بشكل عام، وهو بذلك يؤكد على أحقية الإنسان في حرية حركته السياسية وتعبيره الشخصي ولا يقف حائلاً دون ابداء ما يختلج في ضمائرهم وصدورهم ورغبة في تحقيق مجتمع مثالي تسوده الأخلاق والعدل والقانون (24).

ولذلك فأن هذا العهد السياسي الإداري يمثل منهج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إقامة دولة العدل الإلهية في الأرض، ذلك المنهج الذي استقاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن مبادئ القرآن الكريم. والحركة الإسلامية العالمية المعاصرة بكل أطيافها وتياراتها (سنة وشيعة) جدير بها أن تتخلق بهذا المنهج الإسلامي، وأن تتخذ من عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر ومن مضامين وثيقته الشاملة - وصايا سياسية - في عملها وتحركها من أجل الإسلام، وحوارها مع الآخر، ومن أجل إقامة الدولة وبنائها على أسس صحيحة بغض النظر عن الاختلاف الديني أو الأيديولوجي، والرد على من يدعي أنَّ السياسة الإسلامية هي سياسة استبدادية ظالمة لا تطيق الرأي الآخر. وقد وجدنا في هذا العهد الرائع مبادئ السياسة العادلة للإسلام الصحيح، إسلام الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليه السلام)، وتلمسنا أموراً هي غرض الولاية وأساسها، وشروط الوالي الصالح الذي لا تفارقه تقوى الله، مع عدله بالرعية، والرفق بالمساكين وأهل الحاجة، ومجالستهم والاستماع إليهم، وكذلك شروط المستشارين والكتاب والقضاة والتجار، والاهتمام بالجند، وإصلاح الأرض بالعمران والمدنية، والانتصاف للمظلوم، والوفاء بالعهد مع الغير والصلح مع الأخرين وعدم دفع الصلح مع الاعداء». وهنا لا يمكن أن نتصور تطبيقاً حياً لمبادئ الإسلام إلا في ظل

ص: 258

سلطة منفذة للأحكام والمبادئ بصورة شاملة، ومنظمة للعلاقات بين الأفراد، ومطبقة

لسياسات داخلية وخارجية تخطط على ضوء وهدي السياسة الإسلامية العامة، وبهذا يتناسق ويتناغم سلوك الفرد المسلم مع القواعد والقوانين المطبقة، ولا يتناقض معها. وفي ظل هذه الدولة الإسلامية يصبح مفهوم العبادة شاملاً، لا يقتصر على الصلاة والصوم والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يتعداها ليشمل السلوك الاجتماعي بشكل عام «سلوك الناس ومعاملاتهم وارتباطاتهم»، فكل عمل في هذه الحياة يتقرب به المسلم لله (عز وجل). والسياسة بهذا الفهم الإسلامي تصبح عبادة شاملة «حراسة الدين وسياسة الدنيا»، إذا كانت معبّرة وصادقة مع مبادئ الإسلام وأحكامه، وكانت تهدف إشاعة العدل والمساواة والتسامح بين الجميع، مهما كانت انتماءاتهم واعتقاداتهم الدينية (25). وبهذا فقد وضع الإمام (عليه السلام) في هذه الوثيقة أدق الأنظمة وأهمها إصلاحاً لحياة الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وتنظيم القانون، وعالج فيه بصورة موضوعية وشاملة جميع قضايا الحكم والإدارة. وفيها أكد على التطلع من قبل الرعية لعدالة الولاة والرحمة بهم وأنصافهم، وإرضاء العامة الذي يشكلون الأكثرية من الشعب، وإقصاء الوزراء في الحكومات السابقة، والاتصال بالعلماء ومجالستهم، وتكريم المخلصين من الجند والعسكرين، وأكد كذلك الإمام على ضرورة الابتعاد عن المؤثرات التقليدية في اختيار الحكام، ولابد أن يكون اختيارهم يتم من خلال دراسة جادة للحاكم نفسياً وفكرياً وإدارياً ومعرفة بشؤون الحكم والإدارة. وفيما يخص الخراج وعمران الأرض ووصيته للمزارعين والكتاب والتجار واصحاب الحرف والمصانع، فقد تدل وثيقة الإمام على عمق الدور الذي يقوم به هؤلاء في بناء الدولة، وهو الدور الذي ادركه الإمام منذ وقت مبكر، کما ادرك الإمام على رعاية الإيتام والمتقدمين في السن وتفرغ وقت لذوي الحاجات وعدم الاحتجاب عن الرعية لما له من تماسك اجتماعي

وإظهار الدولة بالمظهر الحسن اتجاه مواطنيها.

ص: 259

المحور الثاني: المهام الوظيفية للحاكم

الدولة عند الأمام علي (عليه السلام) «كيان تدبيري عام تنبثق فيه المسؤولية من الإرادة العامة للمجتمع (الرعية)، وتحدّد وظائف الدولة وسلطاتها، والتي يتولاها المسؤول العام (الراعي) طبقا لمبادئ الدستور (الشريعة)، وتكون العلاقة في ذلك تضامنية، وقد جسد الإمام علي (عليه السلام) في الفترة التي تولى فيها المسؤولية العامة في الدولة، الدور الاجتماعي العام، وفي معادلة تكافأت فيها الحقوق والواجبات مابين الدولة ومواطنيها، وتجسدت فيها آفاق ومعالم الفكر والنشاط التدبيري المثابر، وقد عبر الإمام عن ذلك الدور المسؤول للعلاقة ما بين الدولة ومواطنيها في تطبيق القوانين، واستقرار الدولة» بقوله «فإذا أدَّتْ الرَّعِيَّةُ إلى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إليها حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُم وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ» (26). وقد تولّى الإمام تحديد مؤهلات متولي الشأن العام ومسؤولية الأجهزة الرئيسة في الدولة وشمل ذلك

الجوانب التالية:

1 - الجانب السياسي والتنظيمي.

2 - الجانب القضائي.

3 - الجانب الاقتصادي.

4 - الجانب التعليمي التربوي.

وسيكون الجانب الأول «الجانب السياسي والتنظيمي» محور البحث في هذه الدراسة لما له من أهمية في عالمنا الإسلامي المعاصر، ولاسيما الواقع العراقي الحالي وضرورات المرحلة السياسية القائمة. وكذلك ليتسق ضمن محور البحث بشكل عام.

ص: 260

اهتمّ الإمام علي (عليه السلام) «وفي مبتدأ توليه لمسؤولية الخلافة بالجانب الاعتباري والتنظيمي للدولة، ونظام عملها موجها لما يقتضي للدور المتقدم من المسؤولية، منوّهاً بالقاعدة العامة التي ابتنى عليها تكليفه للمسؤولية العامة والقائمة على أساس المبايعة وفي مشهد عام ألحّ فيه الإمام على اعتماده مع كون إقراره لمنصب الخلافة قد تمّ عن طريق مجلس الشورى»، وجاء في ذلك قوله «أَما بعد، فقَد علمتما، وإِن كتمتما، أَني لم أُرد الناس حتى أَرادوني، ولَم أُبايِعهم حتى بايعوني، وَإِنكُما مِمن أَرادني وبايعني، وإِن العامةَ لم تبايعني لسلطان غاصب، ولا لعرض حاضر». معبراً عن كونه قد أراد الناس أن يكونوا في حكمه على شريعة الله لتحقيق ما اراد الله من جانب الحق في ذلك.

وبيّن الإمام ما يقتضي من المؤهلات لمتولي المسؤولية العامة: «أيها النَّاسُ، إن أَحق الناس بهذا الأمر أَقواهم عليه، وأعلمهم بأَمر الله فيه، فَإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل» (27). وفي عهده الشهير لمالك الأشتر» قدم الإمام التقسيم الوظيفي لسلطات الدولة والذي يجري اعتماده إلى اليوم مع خلاصة لوظائفها، وبيان ما يقتضي لمتوليها ولمواطنيهم من الواجبات والحقوق، مؤكداً فيها الثوابت المبدئية لقيم الحكم الديمقراطي المستند للإرادة الشعبية، والمرتهن لمطالبها وتطلعاتها العادلة، ويستفاد من مضامين ذلك العهد اعتماد النظام الفيدرالي اللامركزي الموجّه بالقرارات النافذة من السلطة المركزية، وقد تفصل الإمام في بيان التقسيمات التدبيرية لسلطات الحكم في الدولة وواجباتها، وما يقتضي لرئيس الاقليم (الوالي) في ذلك من المهام، وما يتوجب عليه تجاه السلطة المركزية، مقدماً الدور العسكري في ذلك لاعتبارات خاصة بطبيعة المرحلة التي كانت تمرّ بها الدولة آنذاك»، وبذلك فقد قسم الإمام فئات الحكم إلى خمسة فئات (العسكريون وسمّاهم (جنود الله)، وفئة الكتاب العموميون والخاصون،

ص: 261

وقضاة العدل، وعمال الخدمات القائمون على الأُمور المالية وسماهم بعمال الإنصاف والرفق، ومنهم أهل الجزية والخراج، وفئة التجار وأهل الصناعات، وما يخص العمل الوزاري فقد وجّه الإمام (عليه السلام) بعدم الاعتماد على الوزراء السابقين ممن عملوا مع الحكام الذين وضح فيهم الشر والبغي (أي عدم اعتماد الوزراء الذين اتهموا أو لم ينجحوا في مسؤولياتهم)، والاعتماد على أهل الورع والصدق واختبارهم، وتجنب ما يكون منهم من المديح والاطراء ما يحصل فيه الزهو والتعالي. وقدّم الإمام جملة وصايا وتعليمات منظمة وضابطة لعمل الولاة والأجهزة العاملة في الدولة انتظمها العهد التاريخي للإمام لمالك الأشتر، والذي يصح ان نسميه ب(عهد النظام التدبيري)، وقد اشتمل على جملة من التوجيهات والقرارات العامة التي تتصل بمجال التنظيم لعمل أجهزة الدولة والخدمة العامة، اضافة إلى ما اشتملته القرارات والوصايا الأُخرى للإمام في ذلك كان من أبرزها:

- التوجيه بمباشرة الأعمال التي تختصّ بالأُمور العامة والهامة التي ترد من الأقاليم (الولايات) ويقتضي اتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة بشأنها وبعيداً عن صيغ المكاتبات التي من شأنها أن تطيل من مجرى المعاملات وتعيق سبل الإنجاز، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وفي ذلك جاء قوله (عليه السلام): «ثم أُمور من أُمورك لاَ بُد لك من مباشرتها: منها إِجابة عمالك بما يعياعنه كتابك، ومنها إِصدار حاجات النّاس عند ورودها علَيك مما تحرج به صدور أَعوانك»، وإنجاز الأعمال في ذات اليوم وفي وقت ورودها وبما يناسبها مع تقدير درجة اهميتها ووجوه المصلحة فيها.

- تخصيص قسم خاص لمقابلة ذوي الحاجات يتفرغ فيه المسؤول للنظر في أُمور الناس بمجتمعهم وعلى وفق ضوابط اعتبارية جاء الإمام (عليه السلام) على ذكرها

ص: 262

لتدعيم النهج الديمقراطي الأوفى في العمل الوظيفي: «واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تُفرّغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شُغل، ثم تأذن لهم عليك، وتجلس لهم مجلساً تتواضع فيه لله الذي رفعك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، تُخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك، وتلين لهم كنفك في مراجعتك ووجهك، حتى يكلّمك متكلّمهم غير متعتع، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن: «لن تُقدس أُمة لا يُؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متعتع».

وبنفس السياق حذر الإمام (عليه السلام) من المحسوبية والمنسوبية والاستئثار

بالمصالح الوظيفية؛ بسبب تقريب المسؤولين حاشيتهم ومن يختص بهم، ودعی (عليه السلام) لاجتثاث هذه الظاهرة المرضية والتي تعد احد عوامل الفساد النظمي وأكثرها خطراً على بنية الدولة «ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول، وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال. ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس، في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة» (28).

أما بخصوص ما يتعلق بمهام الحاكم الوظيفية ذات الأبعاد السياسية كما حددها الإمام علي (عليه السلام)، فقد تنقسم إلى قسمين: (الوظائف الفردية والوظائف الاجتماعية). ويقصد بالوظائف الفردية ما يمارسه الإمام من أعمال تجاه نفسه وذاته، أما الاجتماعية فهي الأعمال التي يقوم بها وتخص الأمة والمجتمع. وستركز الدراسة على المهام الاجتماعية أكثر من المهام الفردية؛ لكون الأخيرة تكون بين الحاكم ونفسه أي عملية تهذيب النفس أتجاه الرعية واتجاه الله سبحانه وتعالى. وتشمل (إصلاح

ص: 263

النفس)، إذ يوصي الإمام عماله وأمراءه وولاته بتقوى اللهّ وتهذيب أنفسهم، إلى جانب تذكيرهم برباطة الجأش، وكبح جماح النفس من طغيانها وغلبتها. وإن إصلاح النفس يشتمل على (ضبط النفس عند الوساوس وإصلاحها بذكر الموت). وهذا ما أمر به عبد اللهّ علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر... «أمره بتقوى اللهّ... وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات، ويزعها عند الجمحات، فإنّ النفس أمارة بالسوء، إلاّ ما رحم اللهّ... فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإنّ الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت» (29). كذلك يشتمل إصلاح النفس على (الابتعاد عن حب الرئاسة)؛ لأن حب التسلط والرئاسة يعد من الأهواء النفسانية، الأمر الذي يشكل خطراً جديا على الحاكم، ولذلك وردت تحذيراته لولاته من هذا المرض. فقد حذر مالك الأشتر من هذه الخصلة المقيتة بقوله «فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك اللهّ من عفوه وصفحه... لا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع، فإنّ ذلك أدغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير». وأيضاً يعد (الكفاف في الدنيا) من وسائل إصلاح النفس، وكان الإمام يمثل منتهى التشدد والصرامة في هذا المجال، فقد بلغه بأن واليه على البصرة «عثمان بن حنيف» قد دعي لمأدبة فخمة، فبعث له بكتاب يدعوه فيه لتقوى اللهّ ويحذره من عذاب نار جهنم، ثم يأمره بالتزود من الدنيا على قدر الكفاف: «فاتق اللهّ يا ابن حنيف ولتكفف أقراصك ليكون من النار خلاصك»(30). كذلك يعد الإمام «الأخلاق الإسلامية» من الوظائف الفردية التي يتحلى بها الحاكم في التعامل مع الأمة. وقد ورد التأكيد والحث عليها في اغلب كتبه «لعمال البلاد وولاتها»، ومنها: (الرحمة والرأفة) بقوله «واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم»، وكذلك منها (الاحتكاك بأوساط الأمة والبشر بوجه الناس) بقوله «فاخفض لهم جناحك والنلهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس

ص: 264

بينهم في اللحظة والنظرة». والتأكيد على (ستر عيوب الناس)؛ لأن الإمام علي (عليه السلام) يرى بأنّ وظيفة الحاكم تقتصر على إصلاح الظاهر من الأمور وأن يفوض ما خفي منها للهّ: «فإنّ في الناس عيوباً، ال-والي أحق من سترها، فلا تكشفن عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، واللهّ يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر اللهّ منك ما تحب ستره من رعيتك». وأخيراً فإنّ إدارة شؤون الأمة تتطلب إحاطة الحاكم وإلمامه بأغلب الأمور التي تجعله يقود المسيرة بكفاءة وحزم، ولذلك يرى الإمام علي (عليه السلام) قضية متابعة ومواصلة العلم والتعلم، بهدف إصلاح شؤون البلاد، تمثل إحدى وظائف الحاكم، الأمر الذي كان يؤكده على ولاته «أكثِر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك».

أما ما يخص الوظائف الاجتماعية «السياسية» للحاكم، فتعد من الوظائف الحساسة التي بأمن ومصلحة الدولة، ولعل أهم وظيفة ينهض بأعبائها الحاكم تتمثل في إدارة شؤون الحكومة. ويمكن خلاصة وظائفه في هذا الجانب بتصنيفها على ثلاثة مستويات (الأعمال المتعلقة بالأمة والتي تشمل أفراد المجتمع، والأعمال المتعلقة بأعضاء الحكومة مثل نصب وتعيين الولاة والعمال الذين يديرون شؤون الولايات والأمصار، وأخيراً الأعمال المرتبطة بالناس كافة أي الأعمال التي ينبغي أن تمارس بحق المجتمع ككل).

ومن بين الوظائف الاجتماعية للحاكم الإشراف على سير أعمال التجار وذوي الصناعات والحرف وكانت من بين الأمور التي أكدها الإمام (عليه السلام) ضمن وظائف الحاكم في عهده لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) حين ولاه مصر، هي العناية الخاصة التي ينبغي أن يوليها للأفراد الذين ينهمكون في توفير أسباب الرفاه والرخاء

ص: 265

الاقتصادي للمجتمع (التجار وأصحاب الصناعات والحرف)، ومعالجة مشاكلهم، والنظر في أمورهم. غير انه لا بد أن يحيط بأخبارهم ومتابعة شؤونهم، ليتسنى له الإشراف على نشاطاتهم الاقتصادية بالرغم من كونهم يمثلون شريحة مسالمة في المجتمع، وليسوا من أهل البلابل والقلاقل والاضطرابات وذلك لاحتمال أن يكون البعض منهم حاملا لبعض الخصال السيئة، من قبيل: البخل، وضيق الرؤية، وما إلى ذلك من الأمور التي تشكل خطرا جديا على سلامة وامن المجتمع. إلى جانب تهديدهم للعدالة الاقتصادية من خلال اعتبارهم يمتلكون زمام المبادرة، وإمكانية التأثير سلبياً على الأوضاع الاقتصادية القائمة من خلال احتكار الثروات والإمكانات الاقتصادية مثلا وجعلها متداولة بين فئة معينة من فئات المجتمع فيقول «ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوصى بهم خيراً... وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك واعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقاً فاحشا، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة». تقديم المصالح العامة يتضح مما مر معنا سابقا، أن الإمام علي (عليه السلام) يرى وظيفة الحكومة في القطاع الاقتصادي تتمثل بمراعاة أوضاع الأمة بأسرها، ولا تقتصر على طائفة معينة. مما يوجب على الحاكم سن القوانين والمقررات، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان الحقوق العامة والأخذ على يد مخالفي القانون فيما إذا طالت عامة الأمة بعض الأضرار والخسائر. ولذلك كان يوصي مالك الأشتر واليه على مصر بالعمل الجاد الذي يجلب رضى العامة، وأن استبطن سخط الخاصة؛ وذلك لان هذا المعنى اقرب للعدالة وابعد عن الظلم والجور «وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فإنّ سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وأن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة»، ويؤكد الإمام على إغاثة الفقراء، وعلى الحاكم أن يولي اهتماماً فائقاً لفقراء المجتمع، بهدف إجراء العدالة الاجتماعية في مجالها الاقتصادي؛ لأن عدم

ص: 266

الاكتراث لهذا الأمر يؤدي إلى شيوع المفاسد الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وبالتالي تفشي الجريمة في المجتمع. ولذلك يوصي (الولاة باستخدام أفراد يضطلعون بهذه الوظيفة، ليمدوه بالتقارير والمعلومات المفصلة التي تستعرض أوضاع الفقراء والمعوزين بغية تلبية حاجاتهم والقضاء على فقرهم) (31). فالحاكم مكلف بالنظر في أمرهم وإحقاق حقوقهم، والحذر من أي غفلة وإهمال بهذا الشأن، فيقول «ثم اللهّ اللهّ في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى

والزمني... فلا يشغلنك عنهم بطر، فانك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم»(32) ويقول الإمام بما يسميه مراعاة المستضعفين من الناس «ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ اْلحَاجَةِ وَاْلمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحقُّ رِفْدُهُم (مساعدتهم وصلتهم) وَمَعُوَنتُهُمْ» (33).

والمحور الآخر من محاور وظيفة الحاكم تجاه الأمة الرفق بالناس حين التعامل معهم، عليه ألا يكلف الأمة فوق طاقتها بما يرهقها ويثقل كاهلها، وأن أدنى ما يترتب على الرفق بالأمة كسب ودها وثقتها. الأمر الذي يجعل الحاكم يشعر بالدعم والإسناد الذي يتطلبه في مواقع الحاجة «واعلم انه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المئونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم». كذلك يرى أن إحدى وظائف الحاكم تتمظهر في سماعه مباشرة لشكاوى الناس والنظر فيها بدون واسطة «واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه للهّ الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع». الوظيفة الأخرى التي يمارسها الحاكم إنما تتمثل في تعليم الأمة وجعلها ملمة بأغلب الأمور، وهناك أسلوبان يمكن من خلالهما تحقيق هذا الأمر. احدهما «الأسلوب التعليمي» الذي يمكن ملاحظته من خلال تأكيدات الإمام (عليه السلام) لولاته بالاهتمام بهذا

ص: 267

الموضوع، فقد جاء في تأكيده لوالي مكة «أما بعد، فأقم للناس الحج وذكرهم بأيام اللهّ، واجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي، وعلم الجاهل، وذاكر العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك، ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها». الأسلوب الثاني: ويتجسد هذا الأسلوب بإيقاف واطلاع الأمة على الحقائق. فقد تسود المجتمع بعض حالات سوء الظن تجاه الحاكم أو الحكومة، الأمر الذي يتطلب منه ممارسة وظيفته في كشف النقاب عن الأمور الغامضة التي تساور أذهان الناس. فقد أوصى مالكاً بهذا الشأن قائلا «وأن ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقا برعيتك». وقد كان هذا الأسلوب مشهوداً في سيرة الإمام علي (عليه السلام)، بحيث لم تطرأ أدنى شبهة لأي من الأفراد، إلا وانبرى لإزالتها والقضاء عليها من خلال التعرض لها بكلماته أو كتبه ورسائله التي كان يبعثها (34). وبنظر الإمام (عليه السلام) أن وظيفة الحاكم تجاه ولاته تكمن في ثلاثة أمور (النصب والاختيار، تفقد أحوالهم، والإشراف على سير أعمالهم). وقد اعتمد الإمام علي (عليه السلام) عض الملاكات في مسالة نصب الولاة واختيارهم، إلى جانب تميزهم واتصافهم ببعض المواصفات التي تؤهلهم لذلك، ونلمس ذلك بوضوح في عهده الذي عهده لمالك الأشتر حين قلده ولاية مصر. فكان مما أمره به في هذا الشأن «أن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الآثمة، وأخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم واوزارهم وآثامهم، ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه، أولئك اخف عليك مئونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا، واقل لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك، ثم لكن آثر هم عندك أقولهم بمر الحق لك، واقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره اللهّ لأوليائه، واقعا ذلك من هواك

ص: 268

حيث وقع. والصق باهل الورع والصدق، ثم رضهم على ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة» (35)، من جانب آخر فإنّ على الحاكم أن يتفقد أحوال ولاته، ويتابع أوضاعهم ويحل مشاكلهم، بحيث يشعرون بالعزة والسمو على الصعيد المعنوي، والغنى وعدم الفاقة على الصعيد المادي، لكي لا يتطاولوا على أموال الآخرين وممتلكاتهم «ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإنّ ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك». أما الوظيفة المهمة الثالثة للحاكم فهي إشرافه الدائم على سير أعمال الولاة، ولا بد له هنا من الاستفادة من العيون الأمنية للوقوف على حالات الخيانة أو الظلم، من ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها «ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم». البعد الآخر من أبعاد الوظائف الاجتماعية للحاكم، هو ما يرتبط بكل المجتمع الإسلامي. ويمكن تقسيمها إلى قسمين (36):

أ - الأحكام الشرعية التي سنها الشارع بهدف إصلاح المجتمع من قبيل: الجهاد،

وإقامة الحدود، وما افترض في الأموال، كالخمس والزكاة.

ب - الشؤون ذات الصلة بأوضاع المجتمع الإسلامي. وقد أشار الإمام (عليه السلام) في احد كتبه لهذين القسمين قائلا «إلا وأن لكم عندي... ولا اطوي دونكم أمرا إلا في حكم».

اعمار البلاد هو الوظيفة الأخرى التي ينهض بها الحاكم. وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) في عهده الذي عهده لمالك إلى هذه الوظائف، إذ منحها الأولوية قبل جباية الضرائب والخراج، على أن جباية الخراج قد تؤدي لخراب البلاد وهلاك العباد ما لم ترافقها عملية إعمار وبناء. الأمر الذي يؤدي في خاتمة المطاف إلى زوال

ص: 269

الدول والحكومات «وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، واهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً». والوظيفة الاجتماعية الأخرى التي يمارسها الحاكم تكمن في رعايته للنظام في أعماله وسلوكه. ويرى الإمام (عليه السلام) أن نظم سير أعمال الحاكم يتجسد في أمرين (37):

1 - انجاز الأعمال اليومية في مواعيدها، وعدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد، وذلك لان

لكل يوم عمله المختص به «وامض لكل يوم عمله، فإنّ لكل يوم ما فيه».

2 - عدم مباشرة الأعمال قبل حينها، وعدم تأخيرها عن وقتها «وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التسقط فيها عند أمكانها».

وقد وضع الإمام علي (عليه السلام) مقياساً للتوظيف لم يصل إليه أرقى القوانين في المجتمع الغربي الحديث، بما يتناسب مع معطيات العصر وتحديات بناء الدول «الداخلية والخارجية». فلم يكتف الإمام بأن تسند الوظائف الحكومية لذوي الكفاءة والاختصاص - دون غيرهم - بل أضاف إلى ذلك جانباً آخر لا يقل أهمية عن الكفاءة هو الأمانة ونزاهة النفس. فالموظف الكفؤ (غير الأمين) قد يتجاوز ضرره الاجتماعي ضرر الموظف غير الكفؤ، فيتخذ من كفاءته وسيلة لإتقان فن الخيانة، وإتقان فن التوازي عن الأنظار من جهة، واتقان فن التباكي على المصلحة العامة من جهة أخرى. أما الموظف الأمين غير الكفؤ فيكون ضرره الاجتماعي في حالة وقوعه - غير مقصود في العادة من جهة وغير موجه نحو الناس على حساب بعض آخر من جهة أخرى. فالموظفين - بعد أن يتم تعينهم على الشكل الذي وصفناه - يجب أن يخضعوا لرقابة حكومية شديدة وأن يتعرضوا بصورة مستمرة لتفتيش دقيق ليعرف الصالح منهم فيكافأ على صلاحه والطالح ليلقي جزاءه. وقد أشار إلى ذلك الإمام بقوله «ثم

ص: 270

تفقد أعمالهم وأبعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية». أي أن المفتشين الحكوميين يجب أن يكونوا من أهل الصدق والوفاء لكي يزودوا الوالي والخليفة بأوثق الأخبار وأدق المعلومات عن الموظفين؛ لأن تقاريرهم وأخبارهم يتوقف مصير الموظف في حالتي الثواب والعقاب (38). وبهذا يضع الإمام (عليه السلام) نظاماً بيروقراطياً للدولة بما يتناسب مع حجم التحديات والمخاطر التي تترتب على الاخلال به، فليست الكفاءة والخبرة كافية لتولي الامور العامة في أجهزة الدولة، وإنما هناك امور أخرى يمكن أن يستغلها أصحاب الخبرة والكفاءة في العمل، الأمر الذي يهدد بنية الدولة بشكل عام.

المحور الثالث: عهد الإمام علي (عليه السلام) «قراءة سياسية معاصرة في ظل معوقات بناء الدولة العراقية»

إن من أهم الصعوبات أو التحديات التي تواجه الحاكم بعد توليه زمام الأمور «الحكم» هي مسألة تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية في الدولة وتطعيم مؤسسات الدولة بالعناصر الكفؤة المختلفة والقادرة على تصريف الأمور؛ لذلك كان على الإمام علي (عليه السلام) أن يغير البناء السياسي والتشكيلة الوزارية التي كانت من قبله (أي في عصر عثمان بن عفان). فاعتمد على عزل العناصر الفاسدة واستبدل مكانها العناصر المؤمنة واصحاب السمعة الجيدة في الوسط الاجتماعي والسياسي، والذين كان لهم بعد ذلك دور كبير في دولته وحكومته أمثال (مالك الاشتر وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس) وغيرهم من الوجوه المعروفة بالورع والإيمان، الذين كانوا من ثقات المسلمين وأكثرهم نزاهة. ثم أنه من الركائز الأخرى التي انتهجها الإمام هو

ص: 271

عدم احتجابه عن الناس والمؤمنين والجلوس لسماع مشاكلهم مع السلطة والموظفين مما يكون ذلك سبباً للمتابعة، فضلاً عن ذلك وضع شرطه سرية ترصد حركات الموظفين والعمال الحكوميين مما يساعد الإمام على سياسة العزل والتنصيب وأيضا التأمين الاجتماعي للعاطلين والعاجزين عن العمل، بحيث يصرف لهم من بيت المال راتباً شهرياً وانعاش الاقتصاد عبر نظام اقتصادي يتيح للفرد التملك ضمن سياسة إحياء الأراضي فكان الإمام (عليه السلام) يشجع على التنمية الاقتصادية والزراعية، فضلاً عن إلغاء المحسوبية والرشوة والطرق الملتوية في نظام الحكم الجديد واعتماده على المساواة وإلغاء الحواجز العنصرية في سبيل مجتمع متكامل (39). ويُمكن تلخيص أهداف الحكومة بنظر الإمام عليّ (عليه السلام) كما ذكرها هو في قوله «لابن عبّاس» عندما دخل عليه بذي قار وهو يخصف نعله فقال له عليه السلام: «ما قيمة هذه النعل؟ فقال: لا قيمة لها. فقال عليه السلام. والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلّا أنْ أُقيم حقا، أو أدفع باطلاً».

ويمكن التطرق ببساطة إلى إصلاحات الإمام السياسية والإدارية في عصره بالرغم من التحديات السياسية التي واجهها الإمام من بني أمية وبعض المنتفعين من تردي الأوضاع، فضلاً عن التركة الثقيلة التي خلفها مقتل (عثمان أبن عفان)، والفساد السياسي والمالي الذي أصاب كل مؤسسات الدولة أنذاك. استلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام، ذلك في (25 ذي الحجة) عام (35 ه)، فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام، وعلى أثر ذلك وضع خطّة إصلاحية شاملة، ركّز فيها على شؤون الإدارة، والاقتصاد، والحكم، وقد ركز البرنامج الإصلاحي للإمام وبشكل مختصر على ما يأتي (40):

ص: 272

الأول: تطهير جهاز الدولة

أي أن الإمام (عليه السلام) التفت منذ تسنمه الحكم إلى جهاز الدولة الإداري والتنظيمي بشكل عام، حتى يتسنى له تطهيه من العناصر الفاسدة وغير الكفؤة والمتحزبة، وأول عمل قام به الإمام (عليه السلام) فور توليته لمنصب رئاسة الدولة عَزل وُلاة عثمان الذين سَخّروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصة، وأُثروا ثراءً فاحشاً مما اختلسوه من بيوت المال، ثم بادر الإمام إلى عزل (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان أيضاً. ويقول المؤرخون: إنه أشار عليه جماعة من المخلصين بإبقائه في منصبه ریثما تستقر الأوضاع السياسية ثم يعزله فأبى الإمام (عليه السلام)، وأعلن أن ذلك من المداهنة في دينه، وهو مما لا يُقرّه ضميره الحي، الذي لا يسلك أي طريق يبعده عن الحق ولو أبقاه ساعة لكان ذلك تزكية له، وإقرارا بعدالته، وصلاحيته للحكم.

الثاني: تأميم الأموال المختلسة

الأمر الثاني الذي تابعه الإمام (عليه السلام) غاية في الأهمية وهو «أرجاع الأموال المختلسة ومحاكمة مختلسيها»، ولذلك أصدر الإمام (عليه السلام) قراره الحاسم بتأميم الأموال المختلسة التي نهبها الحكم المُباد. فبادرت السلطة التنفيذية بوضع اليد على القطائع التي أقطعها عثمان لذوي قُرباه، والأموال التي استأثر بها، وقد صودِرت أمواله حتى سيفه ودرعه، وأضافها الإمام (عليه السلام) إلى بيت المال. وقد فزع بنو أمية كأشد ما يكون الفزع، فهم يرون الإمام (عليه السلام) هو الذي قام بالحركة الانقلابية التي أطاحت بحكومة عثمان، وهم يطالبون الهاشميين برد سیف عثمان ودرعه وسائر ممتلكاته التي صادرتها حكومة الإمام. وفزعت القبائل القرشية وأصابها الذهول، فقد أيقنت أن الإمام سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حق، ولهذا امتعض الكثيرون ممن عاصروا الإمام من «المنتفعين»،

ص: 273

أمثال «عمرو بن العاص» الذي كتب رسالة بدوره إلى معاوية يخبره فيها ما قام به الإمام علي في محاسبة المفسدين وأصحاب المنافع الشخصية الذين لا يريدوا للإسلام النجاح، وجاء فيها «ما كنتُ صانعاً فاصنع إذا قشّرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها». وراح الحسد ينهش قلوب القرشيين، والأحقاد تنخر ضمائرهم، فاندفعوا إلى إعلان العصيان والتمرد على حكومة الإمام (عليه السلام). ولهاتين النقطتين «تطهير جهاز الدولة وتاميم الاموال المختلسة»، دور كبير في عملية بناء الدولة بناءً صحيحاً، وهما في غاية الأهمية في مرحلة بناء الدولة العراقية المعاصرة، لاسيما بعد أن استشرى الفساد المالي والسياسي في كل أجهزة الدولة، وحالة الصراع الحزبي التي تشهدها العملية السياسية العراقية بعد العام 2003 والصراع على الثروة والسلطة بدافع المال والتسلط وليس بدافع رفع الظلم والجور عن الرعية. إذ سُيست كل مؤسسات الدولة العراقية بين الأحزاب مناصفة وأصبحنا نتكلم عن مؤسسات تابعة لأحزاب معينة وليس مؤسسات دولة تعمل على خدمة المواطن، مما تسبب بانهيار سياسي واقتصادي واجتماعي للدولة بمجملها؛ وذلك بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية الجامعة بين الاحزاب السياسية العراقية وتشتتها داخلياً وخارجياً.

ونتيجة للتدهور السياسي والاقتصادي الذي حّل بالمجتمع الإسلامي في عهد الإمام (عليه السلام) أتبع الإمام سياسة إصلاحية من أجل النهوض بالواقع السياسي والاقتصادي الإسلامي، وفيما يلي عرضاً موجزاً للسياسة الإصلاحية التي اتبعها الإمام (عليه السلام) لإدارة الدولة الإسلامية وهي كما يلي

(41):

أولاً: السياسة المالية

كانت السياسة المالية التي انتهجها الإمام (عليه السلام) امتداد لسياسة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية، وإنعاش

ص: 274

الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد، بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج، وذلك بتوزيع ثروات الأمة توزيعاً عادلاً على الجميع. ومن مظاهر هذه السياسة هي:

1 - المساواة في التوزيع والعطاء، فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز، وإنما الجميع على حدٍّ سواء. فلا فضل للمهاجرين على الأنصار، ولا لأسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه على غيرهم، ولا للعربي على غيره. وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم، فأعلنوا سخطهم على الإمام (عليه السلام).

2 - الإنفاق على تطوير الحياة الاقتصادية، وإنشاء المشاريع الزراعية، والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور. وقد أكد الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر على رعاية إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها.

3 - عدم الاستئثار بأي شيء من أموال الدولة، فقد تحرج الإمام (عليه السلام) فيها كأشد ما يكون التحرّج. وقد أثبتت المصادر الإسلامية بوادر كثيرة من احتياط البالغ فيها، فقد وفد عليه أخوه عقيل طالباً منه أن يمنحه الصلة ويرفه عليه حياته المعاشية، فأخبره الإمام (عليه السلام) أن ما في بيت المال للمسلمين، وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً، وإذا منحه شيء فإنه يكون مختلساً. وعلى أي حال فإن السياسة الاقتصادية التي تَبنّاها الإمام (عليه السلام) قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام، فانصرفوا عن الإمام وأهل بيته (عليه السلام)، والتحقوا بالمعسكر الأموي الذي يضمن لهم الاستغلال، والنهب، وسلب قوت الشعب، والتلاعب باقتصاد البلاد، ويضمن لهم الهروب من الحساب والعقاب.

ص: 275

ثانياً: السياسة الداخلية

عنى الإمام (عليه السلام) بإزالة جميع أسباب التخلف والانحطاط، وتحقيق حياة كريمة يجد فيها الإنسان جميع متطلبات حياته، من الأمن والرخاء والاستقرار، ونشير فيما يلي إلى بعض مظاهرها:

1 - المساواة: وتجسّدت في (المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة في العطاء، والمساواة أمام القانون). وقد ألزم الإمام (عليه السلام) عُماله وولاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم. فيقول (عليه السلام) في بعض رسائله إلى عماله: (واخفضْ للرعيّة جناحك... والخ).

2 - الحرية: أما الحرية عند الإمام (عليه السلام) فهي من الحقوق الذاتية لكل إنسان، ويجب أن تتوفر للجميع، شريطة أن لا تستغل في الاعتداء والإضرار بالناس، وكان من أبرز معالمها هي الحرية السياسية. ونعني بها أن تتاح للناس الحرية التامة في اعتناق أي مذهب سياسي دون أن تفرض عليهم السلطة رأيا معاكساً لما يذهبون إليه. وقد منح الإمام (عليه السلام) هذه الحرية بأرحب مفاهيمها للناس، وقد منحها لأعدائه وخصومه الذين تخلفوا عن بيعته.

ص: 276

ثالثاً: الدعوة إلى وحدة الأمة

وجهد الإمام كأكثر ما يكون الجهد والعناء على العمل على توحيد صفوف الأمة ونشر الأُلفة والمحبة بين أبنائها. واعتبر (عليه السلام) الأُلفة الإسلامية من نعم الله الكبرى على هذه الأمة. فيقول «إنّ الله سبحانه قد امتَنّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلها، ويأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن، وأجلُّ من كل خطر». فقد عنى الإمام (عليه السلام) بوحدة الأمة، وتبنّي جميع الأسباب التي تؤدي إلى تماسكها واجتماع كلمتها، وقد حافظ على هذه الوحدة في جميع أدوار حياته. فقد ترك (عليه السلام) حَقه وسالم الخلفاء صيانة للأمة من الفرقة والاختلاف.

رابعاً: تربية الأمة

لم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عنى بالناحية التربوية أو بشؤون التعليم كالإمام (عليه السلام)، وإنما عنوا بالشؤون العسكرية، وعمليات الحروب، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، وبسط نفوذها على أنحاء العالم. وقد أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) المزيد من اهتمامه بهذه الناحية، فاتخذ جامع الكوفة معهداً يلقي فيه محاضراته الدينية والتوجيهية. وكان (عليه السلام) يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلى الله، وإظهار فلسفة التوحيد، وبَثّ الآداب والأخلاق الإسلامية مستهدفا من ذلك نشر الوعي الديني، وخلق جيل يؤمن بالله إيمانا عقائدياً لا تقليدياً.

فقد كان الإمام (عليه السلام) المؤسس الأعلى للعلوم والمعارف في دنيا الإسلام، وقد بذل جميع جهوده على إشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين، وكان دوماً يذيع بين أصحابه قوله «سَلوني قَبلَ أن تفقدوني، سَلوني عن طُرق السَّماء، فإني

ص: 277

أبصَرُ بها من طُرُق الأرض» (42).

فلسفة الحكم عند الإمام علي (عليه السلام) في جوانبها كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية تسير من الناحيتين النظرية والعلمية وفق كتاب الله. كما كان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سائراً في سياسته العامة من الناحيتين النظرية والعلمية وفق مستلزمات القرآن. وقد استشهد الأمام قبل انجاز رسالته الخالدة (المستمدة من القرآن وسنة رسول الله). وهذا لا يعني بأن فكر الإمام السياسي والإداري في قيادته للحكومة الإسلامية أنذاك هو بعيد عن واقع المجتمعات البشرية (أي أن فكر الإمام كان فكر واقعي بما يتناسب مع متطلبات المجتمع الإسلامي وليس ذلك الفكر الطوبائي الذي يتحدث عنه بعض المنظرين)؛ لذلك كان الإمام يتبع مع الرعية سياسة بسيطة وحكيمة لا يترقى بها عن واقع المجتمعات الإسلامية في تلك المرحلة، إذ كان يجالس الرعية ويستمع لهم وما يحتاجونه من رعاية والاستماع لمطالبهم، وهذه من الركائز الأساسية التي اتبعها الإمام في إصلاح الرعية وتقليص الفجوة بين السلطة والمجتمع، وذلك بعدم انحجابه عن الناس والمؤمنين والجلوس لسماع مشاكلهم مع السلطة والموظفين مما يكون ذلك سبباً للمتابعة.

وهذا ما يجعل فكر الإمام فكر قابل لكل زمانً ومكان؛ لأنه جامع بين الأمرين «الدنيوي والآخروي» وهو المستمد من القرآن ونهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وربما يكون هناك اجماع على أن فكر الإمام (عليه السلام) لم يلاقي الأرضية المناسبة طوال الفترة التي اعقبت استشهاده، كالفرصة السياسية التي حصلت عليها الأحزاب السياسية الشيعية بعد العام 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين، في تطبيق فكر الإمام علي (فكره السياسي والإداري) بما عهد به مالك الأشتر حينما ولاه على مصر، لاسيما وأن هذه الوثيقة - وثيقة العهد - وثيقة متكاملة وشاملة لكل الجوانب

ص: 278

(السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية والقانونية والاجتماعية)؛ لتكون الأحزاب

العراقية ولاسيما الشيعية منها على قدر المسؤولية التاريخية في بلورة فكر الإمام إلى فكر سياسي واقعي بما يتناسب مع واقعنا السياسي المعاصر وتحديات بناء الدولة العراقية. فالأحزاب الشيعية ملقاة على عاتقها مسؤولية أخلاقية وسياسية في استنهاض فكر الإمام المغيب عن الواقع السياسي على مدار التاريخ السياسي للحكومات الإسلامية المتعاقبة، لاسيما وأن فكر الإمام صالح لكل زمان ومكان وجامع لكل البشرية باختلاف أديانها ومذاهبها وطوائفها انطلاقا من فلسفته العميقة (اما أخ لك في الدين أو نظيراً لك في الخلق)؛ لأن فقه الإمام وقاموسه السياسي لم يظلم أحد، ويتناسب مع التنوع الديني والمذهبي والقومي العراقي. فأجهزة الدولة ومؤسساتها كافة (السياسية والعسكرية والاقتصادية)، تحتاج إلى المشروع الإصلاحي الذي اتبعه الإمام علي (عليه السلام) بعد توليه الحكم، فهي بحاجة إلى التطهير من العناصر الفاسدة والمسيئة كتلك التي حاربها الإمام عندما أبعد المنتفعين من مؤسسات الدولة الإسلامية أنذاك. كذلك الحكومة العراقية اليوم بحاجة إلى مكافحة الفساد بشكل جدي وإرجاع الأموال المختلسة والمسروقة منذ العام 2003، لاسيما وأن العراق شهد حالات اختلاس كبيرة لم تشهدها الدولة العراقية من قبل، مما تسبب بانهيار الوضع الاقتصادية للبلد، وادخله في أزمة مالية حادة، تسببت بتهديم البنى التحتية وتوقف المشاريع الاستثمارية والخدمية.

إن معالجة وضع الدولة العراقية، وانجاح المشروع الإصلاحي بحاجة إلى أرضية صحيحة، وهذه الأرضية لا يمكن توفيرها في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي واستشراء الفساد، سواء في هرم السلطة أم في القاعدة «مؤسسات الدولة»؛ ولهذا فأن الخطوة الأولى تبدأ من عملية تطهير أجهزة الدولة ومكافحة الفساد (أي الفساد

ص: 279

السلطوي) المتعلق في هرم السلطة، كتلك التي بدئها الإمام علي (عليه السلام) في جهاز الدولة بعد توليه الحكم خلف مقتل عثمان أبن عفان عندما صادر أمواله «بما فيها سيفه ودرعه» وأضافها إلى بيت المال، فضلاً عن عزل ولاته «ولاة عثمان» من المنتفعين والمتسلطين؛ لأن الفساد المالي والسياسي من أكبر الآفات التي تهدد الدول، وقد تكون الآفات الأخرى ما هي إلا نتيجة طبيعية لذلك الفساد.

ولذلك فإن الخطوة الأولى في إصلاح الدولة وبنائها بشكل جدي يتطلب تفعيل الدور الرقابي ودور القضاء، والذي بدوره يمّكن أجهزة الدولة الأخرى من التفعيل في معالجة وإصلاح القطاعات الاخرى التي تنهض بالواقع الاقتصادي للبلد وانعاش الواقع العام للمجتمع كتلك الإصلاحات التي بادر بها الإمام بعد أن حارب الفساد وطهر أجهزة الدولة من العناصر الفاسدة، ليتجه بعدها إلى رسم السياسة المالية للدولة، سواء كان ذلك في التوزيع العادل بين طبقات المجتمع أو في إصلاح الواقع الزراعي أو الاقتصادي بشكل عام، وعدم الاستئثار بأموال الدولة، فضلاً عن المساواة بين كل طبقات المجتمع بعيداً عن أي انتهاء الأخرى، وكذلك المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة في العطاء، والمساواة أمام القانون.

«فلا فضل للمهاجرين على الأنصار، ولا لأسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه على غيرهم، ولا للعربي على غيره»،. وقد أعطى الإمام حرية للجميع ولم يحارب أحد برزقه أو يساومه في سبيل اعتناق دين معين او غير ذلك، واتَاح للناس الحرية التامة في اعتناق أي مذهب سياسي دون أن تفرض عليهم السلطة رأيا معاكساً لما يذهبون إليه. وقد حافظ على وحدة الأمة الإسلامية بنهجه القويم وصراطه المستقيم، وعمل جاهداً على تنوير الأمة والمجتمع الإسلامي بالعلم والدين والتعليم وحارب الجهل بكل جوانبه. وهذه الأمور بحد ذاتها كفيلة بمعالجة أي أخفاق تعاني

ص: 280

منه الدول أو الحكومات المعاصرة. فالإخفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، فضلاً عن حالة عدم التوافق السياسي بين مكونات العملية السياسية، التي منيت بها الحكومة العراقية بعد العام 2003، بحاجة إلى وثيقة سياسية شاملة ويمكن الاستفادة من وثيقة العهد هذه - على أقل تقدير - في الوصول إلى رؤية سیاسية جامعة، يمكن للقوى السياسية أن تلتف حولها بهدف واحد، وهو بناء الدولة العراقية على أسس صحيحة بعيداً عن الولاءات الضيقة التي تحجم مفهوم الدولة المعاصرة.

ص: 281

الخاتمة

بالفعل تعد وثيقة العهد التي بعث بها الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رض)، مفخرة للتاريخ السياسي الإسلامي القديم والحديث، والدليل على ذلك حثت الأمم المتحدة النظم السياسية العربية والإسلامية إلى الاستفادة من هذه الوثيقة في أرسى مبادئ الحكم الصالح في بلدانها. وقد تضمنت هذه الوثيقة رسم الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً دقيقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة، لاسيما وأن بنود هذه الوثيقة ليست حكراً على زمنً معين، فهي صالحة لكل الأزمان؛ لأن الأمام علي (عليه السلام) أراد من هذه الوثيقة أن تكون أساس ثابت ومنطلق صحيح لكل من يتولى الحكم في الدولة الإسلامية على امتداد تاريخها. ولهذا فأن الأحزاب السياسية العراقية اليوم، لاسيما الأحزاب الشيعية منها، امامها مسؤولية تاريخية في احياء فكر الإمام علي (عليه السلام) بجوانبه المتعددة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والعسكرية) التي تضمنته وثيقة العهد هذه، بعدما غيب فكر الإمام (عليه السلام) على امتداد كل الحقب السابقة في الحكومات الإسلامية؛ لأن الدولة الأموية والعباسية والعثمانية التي حكمت الدول

الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي بعد الحكم الراشدي، كان حكمها عضوضا، ويحكم وفق المزاج الشخصي للحاكم ورغباته السياسية، واطماعه الاقتصادية وليس وفقاً للدستور أو القانون والشريعة، وقد ابتعدت عن حكم القرآن ونهج الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفكر الإمام علي، وبالتالي من المؤكد أن تشهد تلك الحكومات المتعاقبة الانتكاسات السياسية وحالات التشرذم والفساد وحالة التقلبات

ص: 282

الاقتصادية، وتكون عرضة للتدخلات السياسية الأجنبية. وقد خرج البحث ببعض الاستنتاجات لرفد صانع القرار العراقي واصحاب الشأن بالرؤية السياسية الجامعة في فكر الإمام علي (عليه السلام) وتوظيفها في إدارة الدولة العراقية الحالية منها:

1 - عدم الاعتماد على الوزراء السابقين ممن عملوا مع الحكام الذين وضح فيهم الشر

والبغي في الحكومات الجديدة أو المتشكلة بعد تلك الحكومات السابقة.

2 - الابتعاد عن الروتين الإداري، والتخلي قدر الإمكان عن مظاهر البيروقراطية

والمشكلات الإدارية والتنظيمية التي من شأنها أن تطيل من مجرى المعاملات وتعيق سبل الإنجاز، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.

3 - مراقبة وتفتیش عمل الموظفين بعد تعينهم واخضاعهم لمراقبة حكومية شديدة؛ لمكافحة حالة الترهل الإداري والوظيفي في مؤسسات الدولة، وانجاز الاعمال اليومية وقت ورودها دون تأجيلها إلى اليوم التالي، وبما يتناسب مع اهميتها.

4 - تطهير جهاز الدولة الإداري والوظيفي من الولاة والوكلاء والمدراء من الذين سخروا جهاز الدولة لمصالحهم، ومكافحة الفساد، ووضع اليد على المال

المختلس.

5 - استنهاض الدولة بأحياء حركتها الاقتصادية والتجارية وسياساتها المالية برؤية

استراتيجية طويلة الأمد.

6 - تبسيط السلطة السياسية وسد الفجوة بين المجتمع والسلطة من خلال مجالسة الرعية والتحدث إليهم وسماع مشاكلهم ومطالبهم وعدم انحجاب الحاكم عن الرعية.

ص: 283

ويمكن الخروج بتوصية عامة وشاملة للبحث وفق التحديات الحالية التي تواجه الدولة العراقية وبما يتناسب مع مطالب الإصلاح الشعبية كتلك التي اتبعها الإمام في برنامجه الإصلاحي في إصلاح الدولة الإسلامية بعد استلامه زمام الحكم ضمن الخطة الإصلاحية الشاملة التي وضعها الإمام (عليه السلام) في عهده، وذلك بالتركيز على شؤون الإدارة والاقتصاد والحكم من خلال تطهير جهاز الدولة من العناصر الفاسدة والولاة السابقين، الذين تبوؤا مناصبهم لمصالح خاصة، ومكافحة الفساد وإرجاع الأموال المختلسة، وتطوير الحياة الاقتصادية من خلال الاهتمام بالمشاريع الزراعية واحياء الحرف والمصانع من خلال خطة اقتصادية شاملة وإزالة جميع اسباب التخلف والانحطاط وتحقيق الحياة الكريمة للمجتمع من خلال توفير الأمن الداخلي والرخاء الاقتصادي، واحساس المواطن بهويته على اساس المواطنة واعطاءه الحرية السياسية والدينية في اعتناق أي مذهب سیاسي دون ان تفرض عليه السلطة رأيا معاكساً.

ص: 284

الهوامش

1. السعيدي، حامد، الامام علي ونظام الحكم، شبكة معلومات دولية: https://goo.gI/IT7YjQ

2. للمزيد عن شرح نهج البلاغة للبحراني، ج 5 ص 118. أنظر شبكة معلومات

دولية: https://goo.gl/pdn5wG

3. الرضي، الشريف، نهج البلاغة، ط 1، مركز الأبحاث العقائدية، النجف

الأشرف، 1998، ص 568.

4. شبكة معلومات دولية: https://goo.gl/ktjB11

5. سلوم، عبد الحكيم، حقوق الإنسان في وصايا الإمام علي (عليه السلام)، شبكة

معلومات دولية: https://goo.gl/jJL7pt .6. الساعدي، رحيم، صفات الحاكم عند الإمام علي (عليه السلام)... من كتاب الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي، مركز النور لدراسات، 2013، شبكة معلومات دولية: https://goo.gl/x4yqLY

7. عهد الأمام علي أبن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر، وثيقة سياسية إسلامية ذات أبعاد قانونية - سياسية - اجتماعية - إدارية - اقتصادية - عسكرية، ص 9.

8. الساعدي، رحیم، مصدر سبق ذكره.

9. شلبي، أحمد، موسوعة النظم والحضارة الإسلامية (السياسة في الفكر

الإسلامي)، مكتبة النهضة المصرية، ط 5، 1983، ص 49.

10. المصدر نفسه.

11. السعيدي، حامد، مصدر سبق ذكره.

12. سورة النساء الآية 135.

13. جعفر، نوري، فلسفة الحكم عند الإمام، ط 2، دار المعلم للطباعة، القاهرة،

ص: 285

1978، ص 45.

14. عبده، محمد، نهج البلاغة، ج 2، المطبعة الأدبية، بیروت، 1885، ص 46. وأنظر أيضاً عهد الأمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر، مصدر سبق ذكره، ص 50.

15. السعيدي، حامد، مصدر سبق ذكرة.

16. عمارة، محمد، الإسلام وفلسفة الحكم، ط 1، دار الشروق، القاهرة، 1977،

ص 96.

17. السعيدي، حامد، مصدر سبق ذكره.

18. القزويني، محسن باقر، خصائص الإدارة عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه

السلام)، مجلة أهل البيت، العدد الأول، ص 75. شبكة معلومات دولية: https://goo.gl/pa61Xx

. وأنظر أيضاً: الساعدي، رحیم، مصدر سبق ذكره.

19. سورة الأنفال الآية 61.

20. سورة النساء الآية 90.

21. سورة التوبة الآية السابعة.

22. سورة التوبة الآية السادسة.

23. شبكة معلومات دولية: https://goo.gl/pdn5wG

.

24. أنظر: الساعدي، رحيم، والسعيدي، حامد، مصدر سبق ذكره.

25. شبكة معلومات دولية: 25.

https://goo.gl/pdn5wG

.

26. التميمي، مهدي حسين، الإمام علي (عليه السلام) التدبير القيادي للدولة،

العتبة العلوية المقدسة، ط 1، النجف الأشرف، 2015، ص 111.

27. المصدر نفسه، ص 12. 28. المصدر نفسه، ص 114 - 118.

ص: 286

29. سوادي، فليح، عهد الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) إلى وليه على

مصر مالك الإشتر (رض)، العتبة العلوية المقدسة، ط 1، النجف الأشرف، 2010، ص 15.

30. رستمیان، محمد علي، وظائف الحاكم ومسؤولياته في الفكر الإسلامي، شبكة

معلومات دولية:

https://goo.gl/zN642r

31. المصدر نفسه.

32. سوادي، فليح، مصدر سبق ذكره، ص 25.

33. المصدر نفسه، ص 20.

34. رستمیان، محمد علي، مصدر سبق ذكره.

30. الأمم المتحدة: عهد الإمام علي لمالك الأشتر مصدر لتشريع القانون الدولي،

العتبة الحسينية المقدسة، 13 / 2 / 2016، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/nWnsxg

36. رستمیان، محمد علي، مصدر سبق ذكره.

37. المصدر نفسه.

38. جعفر، نوري، مصدر سبق ذكره، ص 51 وص 55.

39. السعيدي، حامد، مصدر سبق ذكره.

40. عن إصلاحات الإمام علي (عليه السلام) السياسية والإدارية، انظر مرکز آل

البيت العالمي، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/hHxfdW

.

41. المصدر نفسه.

42. المصدر نفسه.

ص: 287

المصادر

أولاً: القرآن الكريم

1 - سورة التوبة الآية السابعة.

2 - سورة التوبة الآية السادسة.

3 - سورة الأنفال الآية 61.

4 - سورة النساء الآية 90.

5 - سورة النساء الآية 135.

ثانياً: الكتب

1 - التميمي، مهدي حسين، الإمام علي (عليه السلام) التدبير القيادي للدولة، العتبة

العلوية المقدسة، ط 1، النجف الأشرف، 2015، ص 111.

2 - الرضي، الشريف، نهج البلاغة، ط 1، مركز الأبحاث العقائدية، النجف الأشرف،

1998، ص 568.

3 - جعفر، نوري، فلسفة الحكم عند الإمام، ط 2، دار المعلم للطباعة، القاهرة، 1978، ص 45.

4 - سوادي، فليح، عهد الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) إلى وليه على مصر مالك الأشتر (رض)، العتبة العلوية المقدسة، ط 1، النجف الأشرف، 2010، ص 15.

5 - شلبي، أحمد، موسوعة النظم والحضارة الإسلامية (السياسة في الفكر الإسلامي)، مكتبة النهضة المصرية، ط 5، 1983، ص 49.

ص: 288

6 - عبده، محمد، نهج البلاغة، ج 2، المطبعة الأدبية، بیروت، 1885، ص 46.

7 - عمارة، محمد، الإسلام وفلسفة الحكم، ط 1، دار الشروق، القاهرة، 1977،

ص 96.

8 - عهد الأمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر، وثيقة سياسية إسلامية ذات أبعاد قانونية - سياسية - اجتماعية - إدارية - اقتصادية - عسكرية، ص 9.

ثالثاً: البحوث ومواقع الأنترنيت

1 - الأمم المتحدة: عهد الإمام علي لمالك الأشتر مصدر لتشريع القانون الدولي،

العتبة الحسينية المقدسة، 13 / 2 / 2016، شبكة معلومات دولية: .

https://goo.gl/nWnsxg

2 - رستمیان، محمد علي، وظائف الحاكم ومسؤولياته في الفكر الإسلامي، شبكة

معلومات دولية: https://goo.gl/zN642r

.

3 - الساعدي، رحیم، صفات الحاكم عند الإمام علي (عليه السلام)... من کتاب

الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي، مركز النور لدراسات، 2013، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/x4yqLY

4 - سلوم، عبد الحكيم، حقوق الإنسان في وصايا الإمام علي (عليه السلام)، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/jJL 7pt.

5 - السعيدي، حامد، الامام علي ونظام الحكم، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/lT7YjQ

6 - القزويني، محسن باقر، خصائص الإدارة عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه

السلام)، مجلة أهل البيت، العدد الأول، ص 75. شبكة معلومات دولية:

.https://goo.gl/pa61Xx

ص: 289

7 - عن إصلاحات الإمام علي (عليه السلام) السياسية والإدارية، انظر مرکز آل

البيت العالمي، شبكة معلومات دولية:

https://goo.gl/hHxfdW.

8 - https://goo.gl/pdn5wG

: انظر شرح نهج البلاغة للبحراني، ج 5 ص 118.

https://goo.gl/ktjB11 - 9 https://goo.gl/pdn5wG - 10 https://goo.gl/pdn5wG - 11

ص: 290

السلطة المؤتمنة ومسؤوليتها في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر

اشارة

أ. م. د. هاجر دوير

ص: 291

ص: 292

المقدمة

طبّق الإمام علي (عليه السلام) أبان فترة حكمه القصيرة مبادئ الإسلام السامية تطبيقاً صحيحاً وعادلاً وفريداً من نوعه، حيث لم يستطع مَنْ تقدّمه في حكم الأمة الإسلامية من الخلفاء بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحققوا ما حقّقه (عليه السلام) على الصعيد السياسي والإقتصادي في واقعهما النظري والتطبيقي، وكذلك على الصعيد العقائدي، حيث كانت هناك حرية التعبير والرأي من أجل خلق مجتمع تسوده قيم العدالة الإجتماعية والحس الإنساني، المشبّع بالرحمةِ والشعور بالمسؤولية، وهذا ضرورري لكونه الإمام المعصوم المنصوص على إمامته، الذي يكون وجوده لطف بهذه الأمة، وطمح (عليه السلام) أن يكون للأمة الإسلامية بعده دستوراً تنظيمياً يكفل لها السعادة في الدارين، وينظّم لهم الحياة السياسية مبيّناً فيه كيفية علاقة الحاكم بمحكوميه، وأيّ نوع من السلطة التي يجب أن تحكم المجتمع الإسلامي، ومن هو الذي يقوم على هذه السلطة، وما هي شروطه، وما مسؤولياته، فإختار من أصحابه أتقاهم وأخشاهم في الله، وأشجعهم، وهو مالك الأشتر لولاية مصر.

ولضرورة وجود الحاكم في حياة الناس وقيادته لهم وما له من دور في صلاح المجتمع أو فساده، وقد أكد (عليه السلام) على هذه الضرورة بقوله: (لا بدّ للناس من إمام برٍ كان أو فاجر)، كانت أهمية البحث.

ولتأكيد القرآن في أكثر من آية على خلافة الإنسان في الأرض هي خلافة إئتمانية

ص: 293

أي هو مؤتمن في الأرض ويتصرف فيها وكيلاً وليس أصيلاً، وعليه أن يتحمل

مسؤوليته، كان سبب إختيار الموضوع.

وقد أتبع البحث منهجاً وصفياً تحليلاً مقارناً، وذلك بعرض نصوص العهد بعد تجزئتها والإستئهاد بها حسب العنوانات المذكورة في البحث، وتحليلها بإعتماد شروح نهج البلاغة والكتب المتخصصة في العقائد والفكر السياسي الإسلامي مع مقارنة ما يتطلب مقارنته بخصوص شرط العدالة في الحاكم مع ما ورد في الآداب السلطانية، وكذلك مقارنة محدودة بين النظام الإسلامي والنظام العلماني من حيث المسؤوليات.

وكانت خطة البحث كالآتي:

المبحث الأول:

المرتكزات العقائدية للسلطة المؤتمنة: وفيه عرض لمرتكزين عقائديين كمنطلق أساس

لسلطة الحاكم المؤتمنة وذلك من خلال مطلبين:

المطلب الأول: مالكية الله، أساس عقائدي. وفيه الإعتقاد المطلق للحاكم المؤتمن،

إن الله هو الماك الحقيقي وما ملكيته للسلطة إلا ملكية بالتبعية.

المطلب الثاني: عدل الله، حقيقة عقلية ونصوص عقدية. وفيه الإعتقاد المطلق إن الله عادل لا يظلم أحداً قط، وعليه ضرورة تطبيق العدالة في الأرض لأقامة مجتمع فاضل.

المبحث الثاني:

شروط القائمين على أجهزة الدولة: وفيه تحديد لشروط كل من يتولى أمور المسلمين ويتسلط عليهم حسب ما نصّ عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في العهد، فكان

ص: 294

في مطلبين:

المطلب الأول: شروط الوالي والقاضي.

المطلب الثاني: شروط المستشارين والوزراء والعمال.

المبحث الثالث:

مسؤوليات السلطة الإئتمانية: وفيه ذكر لوظائف السلطة المؤتمنة التي تسعى تقديم الخدمات الإجتماعية، وحفظ الأمن وإستقرار البلاد، مع مراعاة تطبيق أوامر الله ونواهيه وتحقيق عدالته، فهي إلتزام ديني وأخلاقي وإجتماعي، حيث تكونّ من ثلاث مطالب:

المطلب الأول: الجانب الإقتصادي.

المطلب الثاني: الجانب الدفاعي.

المطلب الثالث: تقنين العقوبات.

ثم أهم ما توصلنا إليه من إستنتاجات.

وفي الختام لا يسعنا إلا شكر القائمين على هذا المؤتمر بإقتراحهم هذا العنوان المكتنز بالدلالات، مما يتيح للباحثين تنوع الموضوعات.

ص: 295

المبحث الأول المرتكزات العقائدية للسلطة المؤتمنة في نصوص العهد

أراد الإمام علي (عليه السلام) بعهده الى مالك الاشتر أنْ يجعل للمسلمين المعاصرين له وللأجيال الكائنة بعد وفاته، دستوراً تنظيمياً ينظم علاقة الحاكم

بمحكومية، يبين لهم فيه حقوق وواجبات كل منهما، لكي يكفل لهما السعادة في الدارين الدنيا والآخرة، ولمثل هذه الوظيفة التنظيمية والغاية الدينية والدنيوية، لا بد ان يستند هذا العهد على مرتكزات عقائدية تمثل أسس الدين الإسلامي، بحيث أن أي مادة من مواد هذا الدستور لا يمكن فصلها أو عزلها عن هذه المرتكزات وهي:

1 - ان الله (عزّ وجل) هو المالك الحقيقي للوجود، والإنسان مؤتمن عليه.

2 - ان الله عادل ولا يظلم احداً قط.

المطلب الأول: مالكية الله، أساسٌ

من الثوابت الكلامية عند المسلمين أنَّ الله هو المالك الحقيقي للكون وكل تشريع لا ينطلق من هذا الثابت فهو باطل، وهذا لا ينفي وجود الملكية الخاصة لأن أي تصرف يقوم به الانسان لا بد ان يستند الى ملكية خاصة، لكنها مندرجة تحت الملكية المطلقة لله، وهو ما اسس له النص القرآني بقوله تعالى: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ»(1)، وقوله تعالى: «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا

ص: 296

»(2) والمقصود بكون الله له الملك او كون صفته (مالك الملك) بأنّ الله (ينفذ مشيئه في الله في مملكته كيف يشاء، وكما يشاء إيجاداً وإعداماً إبقاءاً وإفناءاً والملك هنا بمعنى المملكة والمالك بمعنى القادر التام القدرة، والموجودات كلها هو مالكها وقادر عليها) (3)، وإنّ لهذا التأسيس القرآني مايؤيده في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر منها قوله (عليه السلام): (فانظر الى عظيم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما تقدر عليه من نفسك) (4).

وفي موضع آخر من العهد بيّن فيه الترتيب الهرمي للوالي بين الرعية والمالك الحقيقي (فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك، والله فوق من ولاّكَ ...) (5).

وفي موضع آخر يحذر مالك (إياك ومساماة ٭ الله في عظمته، والتشبه به في

جبروته، فإنّ الله يُذّل كُلَّ جبِّار، ويُهين كُلَّ محتال) (6).

إن هذه النصوص أعلاه، والنصوص الاخرى التي تصب في ذات المضمار تشير الى عظمة ملك الله وقدرته على كل شيء، صغير الاشياء وكبيرها، وفوق كل شيء، وعندما يكون للإنسان سلطة ما، لا يعني أنّهُ لا توجد سلطة اعلى منها، بل أنَّ السلطة العليا الحقيقية الله وحده، وما الانسان الا مؤتمن عليها، وهي أمرٌ اعتباري خاضع لاعتبارات يتوافق عليها المجتمع، لأن الله هو (المالك الاصلي لكل ما يملكه الناس... وله وحده في الاصل الحق في منحه للإنسان) (7).

إذن وبعد أن عرفنا ان الله هو المالك الحقيقي، لنا أنْ نعرف ما موقع الانسان بالنسبة لله؟

الإنسان هو خليفة الله في الأرض والمؤتمن عليها، شرّفهُ بالخلافة وأمر الملائكة السجود له وهذه الخلافة، (ليست استخلاف لشخص آدم فحسب بل للجنس

ص: 297

البشري... قد أُعطيت للإنسانية على الارض) (8). وهذه حقيقة أيدتها النصوص

القرآنية منها قوله تعالى: «ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ» (9). فالحاكم بوصفه خليفة الله في الارض في الإسلام غير مخول أن يحكم باجتهاده منفصلاً عن توجيه الله سبحانه وتعالى لأن هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف وقد بدى هذا واضحاً في عهد علي (عليه السلام) لمالك كما جاء فيه: (وأردد الى الله ورسوله ما يُضلعك في الخطوب، ويشتبه عليك من الامور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» فالرد الى الله: الأخذ بمحكم كتابه والرد الى الرسول: الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة) (10)، هذا بخلاف الأنظمة السياسية الغربية التي انطلقت في تشريعاتها من مبدأ سيادة واصالة الانسان، فأيَّ تشريع مرجعه الإنسان منقطعاً عن الله، حيث النزعة الإنسانية في الفلسفة الغربية التي اخذت تعطي (نظرية جديدة في الانسان يقنع بما يسمى الطبيعية ويستغني عما فوق الطبيعة، والعمل على سلخ الفلسفة عن الدين أو بعيارة أدق العمل على إقامة فلسفة خصيمة للدين) (11).

مما تقدم نصل الى ان الانسان بشكل عام والحاكم بشكل خاص هو خليفة الله في الارض أي مرتبط بتشريعاته وتقنياته بالله (عزّ وجل)، لأنه كائن تبعي لموجده ومتقيد به، وان الله في الإسلام هو المرجع الحقيقي والمصدر الوحيد، وان الدستور الذي خطه علي (عليه السلام) في عهده للأشتر هو خير مجسد لمالكية الله وخلافة الانسان.

ص: 298

المطلب الثاني: عدل الله، حقيقة عقلية ونصوص عقدية

يعد العدل الإلهي أصل من اصول الامامية والمعتزلة الثابتة حتى سمّوا بالعدلية لتبنيهم هذا الأصل بخلاف غيرهم من المذاهب الاخرى الذي إعتبرته مسألة من المسألة المرتبطة بصفة الكرم الإلهي وتابعة للمشيئة والإرادة الإلهية (12)، (وقد خلعوا عنه أية أهمية، ولعله كان امراً مقصوداً) (13).

وحقيقة هذا الخلاف حول مفهوم العدل ينطلق من القول بالتحسين والتقبيح العقليين عند العدلية وبالتحسين والتقبيح الشرعيين عند الأشاعرة، حيث يرى الامامية أنّ العدل حقيقة عقلية تعتمد على أساس التحسين والتقبيح الذاتيين بمعنى ان الشرع يحسن ما حسنه العقل، ويُقبّح ما قبّحه العقل عند عامة الناس، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» (14)، أي محال على الله ان يترك ما أمر به أو

يفعل ما نهى عنه، مما يثبت حسنه او قبحه بالضرورة العقلية والفطرة التي فطر الناس عليها، أما على رأي الأشاعرة أن الحسن ما حسنه الشرع وإنْ قبحه العقل، والقبيح ما قبّحه الشرع وإن حسنه العقل، ولازم كلامهم هذا أنه من الممكن أن يدخل الله المؤمن النار او يجبر عباده على فعل الطاعة او المعصية وغيرها وكلها انكاراً للعدل (15).

وهذا الخلاف النظري، وان لم يبتلور بهذه الصورة في زمن الامام علي (عليه السلام) لكن وردت مجموعة تساؤلات سواء من اتباع الامام او من الداخلين الجدد للإسلام تشكك بعدالة الله تعالى، فكانت الأسئلة العقائدية تدور حول الإيمان بالقضاء والقدر والجبر والاختيار، والإيمان والعمل كلها ترتبط بأصل العدل الإلهي، حيث كانت هذه الاشكالات تخدم معاوية بن أبي سفيان والبيت الاموي عموماً ووجد فيها تبريراً لمظالمهِ، حيث شجّع ثقافة الجبر والإرجاء، حتى يعيش الناس هذه المفاهيم

ص: 299

العقائدية الملتبسة ثم الاستسلام والخضوع التام لهم، فكانوا يقتلون الرجل ويقولون قتله (الله) لأنهم مجبرين على أفعالهم وليس لهم اختيار في قتله (16)، واما عن حقيقة الإيمان فبعضٌ قال: يكفي في الإيمان القول باللسان وان اعتقد الكفر بقلبه، وبعض آخر قال الإيمان عقد بالقلب، وان اعتقد الكفر بلسانه، وأرجئوا العمل الى يوم القيامة (17)، فكان للإمام علي (عليه السلام) دورٌ مهم في تصحيح هذا الفهم الملتبس عن عدالة الله من خلال إجابته على أسئلة السائلين أو من خلال خطبه ورسائله.

ما قدّمه علي (عليه السلام) في هذا العهد هو الأنموذج الاكمل للدولة التي يريد الله تحقيقها على الارض والتي تستند على دعائم الحق وأقامة العدل، والذي لم يتسنى له (عليه السلام) تطبيقها كاملة لقصر مدة استلامه للحكم وبسبب الحروب الأهلية التي زُجَّ فيها، حيث أراد لهذا العهد أن يكون معياراً ينطلق من خلاله في وضع قواعد للحكم ولتصحيح الافكار الخاطئة أو ترد على شبهات موجهة للعقيدة، وخصوصاً ان مصدر هذا العهد هو علي بن ابي طالب، المصدر التشريعي بعد رسول الله، حيث أنه كان قرآناً يمشى على الأرض.

وقد ورد في العهد عدة مضامين متعلقة بإقامة العدل نذكر منها: (ثم اعلم يا مالك اني وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول من قبلك فيها عدل وجور) (18) أي ان البلاد التي تقصدها أي [مصر]، حكمتها دول وضعية، حيث ان قوانينها من وضع البشر ومثل هذه القوانين غير مرتبطة بالله، أي لم يراعى فيها مخافة الله وتقواه، بل شرعت بما ينسجم مع الواقع السياسي، قد تكون عادلة وقد تكون جائرة (19). أما أنت فانك ممثل علي بن ابي طالب، الامام المنصب من قبل الله تعالى لقيادة الأمة الدينية والدنيوية، أي عليك ان تحكم بين الناس بالعدل، بحيث لا يعرف الجور اليك طريقه.

ص: 300

وقوله: (انصف الله وانصف الناس من نفسك) (20).

ومراده بإنصاف الله، (العمل بأوامره والانتهاء عن زواجره مقابلاً بذلك نعمه. وانصاف الناس العدل فيهم والخروج اليهم من حقوقهم اللازمة لنفسه ولأهل خاصته) (21).

قوله: (ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء) (22).

وفيه يبين أن على الحاكم العادل أنْ يميز بين الحق والباطل، والظالم والمظلوم لا يكونان متساويين، المسيء يجب أن يوجه اما بالنصح او بالعقوبة حسب إساءته، حتى يعاد تأهيله وقبوله في المجتمع الإسلامي، أما المحسن يجب أن يراعي ويحترم ويأخذ مكانه الصحيح في بناء المجتمع (فاذا رأى المحسن مساواة منزلته لمنزلة المسيء كان صارفاً له عن الإحسان وداعياً الى الراحة من تكلفه) (23). كما ان الله في الآخرة يجازي كل منهما حسب عمله.

وفي مقطع آخر يقول حول الرعية: (يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ) (24)، أي ان الرعية غير معصومین، وجميع أعمالهم ينظر فيها، والانسان هو الذي يصنع الشرور في العالم، فيكون مسؤولاً عن اعماله، حيث ثبت هذا المقطع حقيقة عقائدية هي أنّ الإيمان وحده لا يكفي، فالإيمان مقرون بالعمل الصالح، وقد توافق هذا المعنى مع نص آخر من العهد عندما قال:

(فليكن أحبّ الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح) (25) ولم يقل ذخيرة المال والجاه

والسلطان.

وفي مقطع آخر من العهد عن اقامة العدل يقول: (والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم) (26). وفيه إشارة الى ان العدل لا يقتصر على تطبيق

ص: 301

القوانين الشرعية وادارة شؤون الرعية فقط بل تتسع دائرته لتشمل الجوانب المعنوية بحيث يكون الحاكم عادلاً في توزيع الرفق والرحمة برعيته، وبهذا تقر عين الوالي او الحاكم اذا تمكن من اقامة العدل بين الناس (وافضل قرة عين الولاة العدل بين الناس) (27).

ولا بد من الاشارة الى ان العهد يزخر بمعاني العدل وتطبيقاته، وما ذكر جزءاً منها، تبنى الامام فيه تسليح القائم بأمر المسلمين تسليحاً عقائدياً صحيحاً ليؤمن على المحكومين إسلامهم من جهة، وتنظيم شؤونهم المتعلقة بالحكم والإدارة من جهة أخرى، فكل كلمة قالها الامام في هذا العهد تجسد عدل الله في الارض، واختار مالكاً للنهوض بأعباء الأمانة وممارسة دور الخلافة.

ص: 302

المبحث الثاني شروط القائمين على اجهزة السلطة في نصوص العهد

عندما اختار علي (عليه السلام) مالك الاشتر لولاية مصر لِحظ فيه مجموعة من

المؤهلات التي تؤهله لهذه المهمة، والتي اصبحت فيما بعد مصدراً لمنظري الآداب السلطانية وقد صيغت بصيغ عده تحت عنوان شروط الإمام.

المطلب الأول: شروط الوالي والقاضي

حدود المقطع الأول من العهد هذه الشروط حيث ورد فيه (امره بتقوى الله، وایثار طاعته، واتباع ما امر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد الا باتباعها، ولا يشقى الا مع جحودها...) (28). من هذا النص يمكننا أن نستخلص الشروط الآتية (29):

1 - تقوى الله وخشيته.

2 - العمل بتقوى الله وسنة رسوله.

3 - نصر الله باليد واللسان والقلب.

4 - کسر شهوات النفس ومقاومة الجمحان.

واضحٌ جداً أن الشخص المرشح لولاية أمير المؤمنين يتصف بكونه يخشى الله

ويأثر طاعته، مصدرهُ في التشريعات وحل المشكلات القرآن والسنة، آمر بالمعروف ناهياً عن المنكر، مؤيداً للحق، يروم نصر الإسلام ورفع رايتهِ عالياً، وغير مبالٍ

ص: 303

بملذات الحياة ومسراتها. ان هذه الصفات لا تجتمع في شخص الا رجل بلغ درجة عالية من الإيمان وعرف موقعه في كونه وكيلاً عن الله، ملتزماً بأوامر ونواهي موكله، ولازم ذلك أن يكون عادلاً، أي لا يظلم احد في مملكته، ولا تنحصر هذه الصفات بشخص مالك الاشتر، بل نجد أن مالكاً عندما كُلّف بإدارة هذه الولاية، بين له الإمام (عليه السلام) الصفات التي يجب أن يكون عليها كل من القضاة والوزراء والمستشارين والعمال والكتاب الذين يختارهم في مسك زمام الامور. يقول الامام علي (عليه السلام) في وصيته لمالك لإختيار القاضي: (ثم أختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولا تمحكهُ الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا تحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع...) (30).

نلحظ من هذا النص ان هناك سبعة شروط (31) لإختيار القاضي:

1 - ان يكون محيطاً بالقضايا مستوعباً لمداخلها ومخارجها.

2 - قوي الشخصية بحيث لا تدفعه الخصومات على تغيير سلوكه.

3 - لا يصرّ على الخطأ بعد اكتشافه.

4 - لا يضعف أمام المال والجاه، بل يبقى قوياً ملتزماً بالحق.

5 - أن يكون دقيقاً في معالجة القضايا والخصومات دون تسرع واضطراب.

6 - اذا اشتبهت عليه الامور يتوقف في الحكم.

7 - اذا اتضح الحق يلتزم به دون تردد.

مما تقدم نجد الإمام ركزّ على القاضي وجعل مجموعة شروط لإختياره، وذلك لأنه إذا كان الإختيار هذا المنصب صائباً إستتتب العدل وتعزز الامن والسلام، كونه يقوم بأعمال الفصل في النزاعات والخصومات.

ص: 304

المطلب الثاني: شروط المستشارين والوزراء والعمال

عندما ذكر الإمام صفات المستشارين قال: (ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الامور ولا حريصاً يزين لك الشدة بالجور، فان البخل والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله) (32)، نهی في النص عن صفات ثلاث مذمومة وهي البخل والجبن والحرص، وقال إن مبدأها سوء الظن بالله وهو عدم معرفة الله (فالجاهل به لا يعرفه من جهة ما هو جواد فیاض بالخيرات، لمن استعد بطاعته فيسوء ظنه به) فيخاف البذل من جانبه وعدم التعويض من ربه، عندئذ يلزم البخل، ويجهله من جهة لطفه وعنايته بعباده، وبأنه يتصور هلاکه، وعدم حفظه من قبل الله، وعندئذ يلزم الجبن، ولجهله بجود الله ولطفه بعباده، يضل الى الحرص المذموم (33)، فيقول الحريص (ان لم اجد واجتهد فاتني ما أروم ولو احسن الظن بالله وكان يقينه صادقا لعلم أن الأجل مقدر وأن الرزق مقدر وان الغني والفقر مقدران وانه لا يكون من ذلك الا ما قضى الله تعالى) (34).

من النص المتقدم وشروحاته نلحظ أنّ الامام كان دقيقاً في وضع المعايير اللازمة للإختيار المستشارين لما لهؤلاء من دور هام في توجيه الحاكم، بعد امداده بالمعلومات والتحليلات، ولما كانوا بهذا التأثير، كان لا بد من التأني في اختيارهم، لأن السياسة ستنطبع بحدود معينة بطابعهم) (35). أي لا يكفي في احدهم الإيمان بالله وعدالته، كفاءة الشخص، بل ترقي في خطابه الى لزوم تشخیص هذه النفس الانسانية من جانب خلوها من الامراض الخلقية التي تتلبس بها النفس الأمارة بالسوء.

وكذلك عندما تطرق الى ذكر الوزراء قال: (ان شرّ وزرائك من كان قبلك وزیراً، ومن شركهم من الآثام) (36)، فلا يكونن لك بطانه، فانهم اعوان الائمة، واخوان الظلمة (أن حرمة التعاون مع الظالم من مسلمات الفقه السياسي) (37)، نهى الإمام

ص: 305

في النص عن الإستعانة بمثل هؤلاء في دولتك، والاشتراك معهم في الآثام والجور، ولم يكتف الإمام بالتحذير والنهي، بل قدم البديل حيث قال (وانت واجد منهم خير الخلق من له مثل آرائهم ونفاذهم) (38) أي يتمتع مع هؤلاء المرضيين في دولة عادلة، بان لهم مثل آراء وخبرة وكفاءة السابقين، الا انهم لم يعهد منهم التعاون مع الظلمة او الاشتراك معهم في الأثم. ثم بين في نهاية هذا المقطع من العهد من يكون اقرب هؤلاء الى الحاكم، ووصفه بأوصاف اخص (39):

أحدهما: ان يكون اقولهم بمر الحق له.

ثانيهما: ان يكون أقلهم مساعدة له فيما یکون منه ويقع من الامور التي يكرهها الله لأوليائه.

إن توخي الحذر والحيطة في إختيار الوزراء في خطاب الامام يعود الى اهمية الوظيفة التي يقومون بها، وهي قول الحق وان كان قاسياً، كذلك على الوالي ان (لا يبحث عن الاطراء والتزلف الكاذبين، لما لهما من الاثر السيء في النفس) (40)، كما يظهر من قوله (والصق بأهل الورع والتقوى...) (41).

ومن الجدير بالذكر أن الوزير المراد به بالنص هو المساعد للحاكم وليس الوزير

بخصوصياته المعروفة في النظم الهيكلية الإدارية الحكم الحديثة .

يؤكد الإمام (عليه السلام) في نص آخر عن العهد على اهمية انتخاب العمال الأمنيين، الذين همْ محط الثقة والإعتماد: (ثم انظر في امور عمالك، فاستعملهم إختياراً ولا تولهم محاباة وآثره...) (42)، على الحاكم ان يختار موظفي الدولة ورؤساء الدوائر على أساس الضوابط والأصول المرعية، ويجب أن يدعمَ هذ الاختيار بالإختبار والتجربة (43) والإبتعاد عن المحاباة، وصلة القرابة، فيكون الإختيار على أساس الإخلاص الديني والكفاءة المهنية، التي تتواجد عند شخص دون آخر، لأهميتها

ص: 306

في حفظ المجتمع السياسي الإسلامي وتنميته، وتلبية حاجاته الأمنية، والمعيشية، والتنظيمية الضرورية (44).

ومع كل هذا فان العامل لا يترك وشأنه، مهما كانت ميزاته، بل لا بد من مراقبته ومتابعته سراً وعلناً، حتى يشعر دائماً أن تصرفاته مکشوفة لمن فوقه) (45). ثم يقول الإمام: (تفقد اعمالهم وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء عليهم...) (46) كذلك اشترط في هذا الجهاز الرقابي الذي يراقب أعمال العمال، الصدق والوفاء لخطورة وسرّية المهمة الموكولة اليهم، بکشف زلات وتهاون العمال في حال انحرافهم عن طريق الصواب.

أما كلام الامام علي (عليه السلام) عن الكتّاب - أي الذين يتلقون الرسائل للحاكم - وخصوصياتهم لا يقل شأناً عن الفئات التي ذكرت في العهد، وقد نبّه فيه الامام علي (عليه السلام) الأخذ بعين الاعتبار الخبرة السابقة التي قد يكون قد حصل عليها الكاتب مع توفر عناصر الإخلاص والأمانة، اما الإعتماد على حسن الظن والثقة لا يكون مجدياً في هذا المورد، وذلك لأن الكاتب عند كتابته يطلع على اسرار الدولة وخططها السرية العسكرية (47)، فالخطأ في الاختيار تكلف جهاز الدولة كثيراً مما قد يؤدي الى القضاء عليها، وهذا ما يعكسه النص بقوله (ثم أنظر في حال كتابك، قول على امورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك واسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق...) (48).

من جملة ما تقدم نجد أنّ الإمام کان دقیقاً في وضع الشروط اللازمة لكل العناصر المهنة والضرورية لتنظيم علاقة الدولة مع رعيتها، من قضاة ومستشارين ووزراء وعمّال وكتاب، وخصوصاً ان الامام (عليه السلام) معصوماً ومفترض الطاعة وما ينطق عن الهوى حسب معتقدات الامامية، فتكون الشروط التي وضعها في اختيار

ص: 307

الولاة ومن يكون تحت امرتهم ضرورية لتطبيق الدين الاسلامي وتحقيق مصالح الناس على خير وجه وانصاف المظلومين، خصوصاً أنّ الرسالات السماوية جاءت الصالح الانسان ولا تتحقق هذه الغاية الا بالتطبيقات الصحيحة التي تكون على ایدی رجال متممين لخط الانبیاء، آمنوا بالله وصدقوا به وحده، فكان أول أمر يأخذ بنظر الاعتبار في شروط هذه الفئات المسؤولة جميعاً، هي تقوى الله بعد الإيمان به، ثم يضيف من الشروط الاخرى بما ينسجم مع طبيعة الوظيفة التي تُؤدي، حيث مرة يركز على الإحاطة بالقضايا وإلتزام الحق کما في حالة القاضي، لفصلهِ في الخصومات، ومرة يركز على خلو وسلامة من يكون مستشاراً من مجموعة من الطبائع والصفات المذمومة، لتأثيره على رأي الحاكم، وأخرى يؤكد على إحراز عدم التعاون مع الظلمة من الحكومات السابقة كما في اختيار الوزير، وذلك لأنه قادر على إفساد كل ما ينظمه الحاكم ويديره، وأخرى أكد على الكفاءة المهنية والخبرات السابقة التي يكون قد حصل عليها كما في حالة العمال والكتاب وذلك لدورهم التنظيمي لشؤون المجتمع والإطلاع على اسرار الدولة.

ان هذا التأكيد والدقة من قبل الإمام (عليه السلام) مستمداً من المرتكزات العقائدية التي جعلها الله أساساً لأنبياءه وأوليائه في قيادة المجتمع وارادها الإمام منطلقاً للحاكم أو الوالي وغيرهم ممن تناط به مسؤولية اجتماعية أي يكون له سلطة یمارسها على الناس. وقد أسسنا في المبحث الأول لهذين المرتكزين:

الأول: ان الانسان عموماً والانسان المسؤول على الرعية خصوصاً هو خليفة الله في الارض، ومسؤولاً فيها وتتضاعف هذه المسؤولية على من يتسلط على رقاب الناس: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» (49).

ص: 308

والثاني: هو إقامة العدل وإنصاف المظلومين، ووضع الأمور في مواضعها.

عندما تتجاهل السلطة هذين الاساسين تتحول الى سلطة ظالمة مستبدة ومنقطعة عن الله، حتى وان تجاهلت أحدهما دون الآخر، حيث أنّ اغلب النظم الغربية السياسية تدعوا الى المبادئ والافكار التي ارتكزت عليها الثورة الفرنسية آبان عصر النهضة، بخصوص مبدأ السيادة للشعب ومبدأ سلطان ارادة الفرد ومبدأ التكافؤ ومبدأ المسؤولية الاخلاقية (50) إلاّ إنها تخطط وتبني انطلاقاً من عقد اجتماعي بين الافراد يضمن حقوقهم، ولا يوجد أي صلة او امتداد بينهم وبين الله بخصوص

طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

حقيقة، ان ما جاء في هذا العهد - بصدد ما نحن فيه - شكّل قواعد وأطر عامة لمنظري الاحکام السلطانية، حيث نجد الشروط المختارة والموضوعة للحاكم من قبلهم مزيجاً من صفات الانبياء التي استنبطها المتكلون من النصوص الدينية والواقع التاريخي، ومن صفات إمام الجمعة كما مبين في كتب الفقه، مع ما ظهر في هذا العهد من شروط للفئات المذكورة فيه، فذكروا شروط الحاكم ومنها (الإسلام، الذكورة، العلم، الحرية، الكفاءة، العقل، العدالة، النسب القرشي، وسلامة الحواس) (51)، ومن هذه الشروط ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه، فشرط العدالة الذي وجدناه اساساً قامت عليه كل تفاصيل عهد الامام (عليه السلام) لمالك لإقامة حكومة الله في الارض، أهمله السلفية كشرط من شروط الحاكم، فعدم الإعتراف بهذا الشرط يعني الإعتراف بالوضع الموجود [أي وضع سياسي ومتعلقاته] (52) ويمهد الأرضية الفكرية والإعتقادية والنفسية اللازمة للرضا الشرعي والديني بأية ممارسة ظالمة وفاسقة، وبالتالي يسوغ للحكام وعلماء السوء أي عمل ظالم ومناقض للدين باسم الدين نفسه، والأهم من ذلك يجعل من الدين أداة للاستغلال السيء (53).

ص: 309

وعند قرائتنا لسيرة الحكّام في التاريخ الإسلامي نجده يزخر بالممارسات الظالمة والجائرة، وكذلك نجد لكل ظالم جائر مجموعة من فقهاء السلطة الذين يبرون تصرفات الحاكم ويشرعنونها، ويعمدون إلى إكمام أفواه الناس، ويشيعون ثقافة وجوب طاعة الحاكم وان كان فاسقاً لا يجوز الخروج عليه (54)، بينما لا نجدّ هذه الثقافة في الفكر الشيعي وذلك لإعتقادهم بأصل العدالة كمبدأ نظري وأساسي، مما انعكس على الواقع التطبيقي لديهم بالأخص الممارسة السياسية، كما يعد السبب وراء میل الشيعة الى التضحية والفداء وحالة الإثارة الذاتية التي يتصفون بها، وخير شاهد على مر الزمان هو واقعة الطف يوم عاشوراء، حيث شكلت مثالاً سامياً في طلب الحرية والعدالة والحياة الكريمة، الامر الذي يعزز تلك الصفات والمفاهيم الهادفة.

ص: 310

المبحث الثالث مسؤوليات السلطة المؤتمنة في نصوص العهد

إن الشروط التي أكد عليها الإمام علي (عليه السلام) في مَن يَتوّلى شؤون المسلمين ويرعى مصالحهم، تنتج ثمرتها عندما تتحمل السلطة ممثلة برئيسها مسؤولياتها فلا سلطة بدون مسؤولية، فان (السلطة بلا مسؤولية تشكل إستبداداً محققاً والمسؤولية بلا سلطة تشكل ظلماً محققاً) (55). وقد ضم العهد بين طياته ما يحدد مسؤوليات الحاكم وهو ما يصطلح عليه (وظائف السلطة) وهي:

1 - جبابة الخراج.

2 - عمارة الارض.

3 - جهاد الأعداء.

4 - استصلاح العباد.

المطلب الأول: الجانب الاقتصادي

وضع الامام علي (عليه السلام) خطوات مهمة لتحسين الوضع الاقتصادي، في حال اتباعها وتحقق ارباحاً كبيرة لبيت المال، فمن اهم المسائل الاقتصادية هي (الخراج) ومصاريفه والإهتمام بإستصلاح الارض.

ص: 311

1- الخراج:

ورد في عهد الإمام مالك عن الخراج: (وتفقد أمر الخراج بما يصلح اهله فان في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم الابهم، لأن الناس كلهم عيالٌ على الخراج واهله (56). ركّز الامام في هذا الجزء على طبقة اجتماعية مهمة، ألا وهي طبقة المكلفين بدفع زكاة الخراج أي المستثمرين الزراعيين وغيرهم من المنتجين في الاراضي التي عليها الخراج. وهي أراضي واسعة تتميز بخصوبتها وكثرة محاصيلها مثل العراق وبلاد الشام ومصر اضافة الى بلاد فارس وغيرها من الأراضي التي تحقق مورداً مالياً كبيراً مقارنة بالموارد الاخرى (57).

قد اشرنا في المبحث الاول الى ان مبدأ مالكية الله وعدالته من المرتكزات التي تبنی عليهما توجيهاته في تأسيسه نظام الحكم والحاكم ومسؤولياته في الدولة والإسلام، فهنا يأمر الامام (عليه السلام) عماله على الخراج باستعمال العدل والإبتعاد عن الظلم والجور، لأن ذلك يولد الكره والبغضاء، ثم التمرد وحمل السلاح والثورة ضد أصحاب الخراج، أي يعني خراب البلاد (58). ويوصي عمال الخراج بإنصاف الناس من أنفسهم.

ويشكل مورد الخراج من الموارد المالية الاخرى (السياسة المالية) التي تمثل اقتصاد الدولة الإسلامية الذي بقوته تستمر وتتوسع آنذاك، وهو ما عبر عنه في الآداب السلطانية كأحد واجبات الامير في وزارة التفويض أي تفويضه من قبل الخليفة (جباية الخراج وقبض الصدقات، وتقليد العمال، وتفريق ما يستحق منها) (59).

ص: 312

2- عمارة الأرض

من الأمور التي تعود على الدولة بالنفع والفائدة في عمارة الارض، إن وضع المساحات الواسعة من ارض الاسلام قبل استصلاحها تحت يدي الامام المعمّر لها ضماناً لوضع تلك في الموارد التي تنسجم مع ما تقتضيه مصلحة المسلمين ولم یکن المقصود منها زيادة ثروة الامام الشخصية (60)، قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا الموطن (ولیکن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك الابالعارة، ومَنْ طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد، ولم يستقم امراً الا قليلاً) (61).

في هذا النص تأكيد على عمارة الارض حيث تعتبر الارض قسم من (مصادر الثروة الطبيعية، ومنها اراضي صالحة بطبيعتها للزراعة وأخرى غير مهيئة لذلك طبيعياً وتحتاج تهيئتها لذلك الى اعداد بشري، فضلاً عن الثروات المادية المتواجدة في الارض) (62).

وهذه جميعها تعد ملك للدولة وهي (النبي أو الامام باعتباره منصباً وينوب عنهما الحاكم الشرعي الذي يتمتع بصلاحياتهما القيادية شرعاً) (63).

فاذا اصبحت الارض منتجة (تكون في خدمة الإنسان، وليس الإنسان يخدم الإنتاج) (64)، وهذا (لأن الخراج لا يدرك الا بالعمارة)، أما ما يترتب على عدم العمارة.

1 - اخراب الارض.

2 - اهلاك العباد لتكليفهم ما ليس في وسعهم.

3 - عدم استقامة امر الطالب للخراج والوالي على اهله) (65).

ومن الأمور المتعلقة بازدهار اقتصاد الدولة الإسلامية التي أرسى اسسها علي

ص: 313

بن ابي طالب (عليه السلام) هو محاربة الإحتكار بعد أن استوصى واليه بالتجار خيراً بأصنافهم جميعاً، وذلك لمنفعتهم وأنه لا مضرة فيهم وأمر واليه بتفقد امورهم بحضرته ثم أمرهُ أنْ يعلم (أنْ في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً وإحتكاراً للمنافع وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة) (66)، وذلك لأن قانون العدل بأيدي الولاة (فاذا اهملوا بترك ردّ هؤلاء عن طريق الجور توجهت اللائمة نحوهم والعيب عليهم) (67).

إن هذا المنع الحاسم من الإحتكار يعني حرص الاسلام على شجب الارباح التي تقوم على أثمان مصطنعة الاحتكار، ان الربح الذي يحصل عن طريق القيمة التبادلية الواقعية للبضاعة) (68).

3- مصارف الخراج

لقد سار الامام علي (عليه السلام) على نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في انفاق اموال المسلمين حين وصولها الى بيت المال على مستحقيها، وعلى المصالح العامة، وعلى عملية الاستثمار والاعمار في البلاد علماً ان الخراج المورد الاساس لبيت المال، فمن هذه الموارد هي (الاعانات الادارية والمقصود بها الأموال التي تنفقها الدولة على المؤسسات العامة والهيئات المحلية والكوادر التي تعمل فيها، والمستلزمات الضرورية لها، لتقديم خدماتها للمجتمع (69) حيث ورد بعهد الامام نصوص توصي بإنفاق الدولة على الفئات الآتية:

- القضاة: ورد نص يأمر بالبذل عليهم (وإفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه

حاجته إلى الناس) (70).

- العمال: حيث أمر (عليه السلام) بالعطاء لهم بقوله: (ثم أسبغ عليهم الارزاق،

فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم، وغنىً لهم عن تناول ما تحت ایدیهم،

ص: 314

وحجة عليهم ان خالفوا امرك) (71).

- الجنود: حيث أوصى بهم: (وليكن آثر، رؤوس جنودك عندك من وأساهم وأفضل عليهم في ما يسعهم، ويسع من وراءهم من خلوف اهليهم) (72).

من هذه النصوص يفهم ان على الوالي، ان يخصص لموظفي الدولة والعاملين فيها، بما يُسيّر ويُيسّر أمور الناس مبلغاً من المال، يحفظ للرجل كرامته، ويمنعه من السؤال، ويعزز مكانته، ويكون دافعاً له على البذل والعطاء.

ومن مصاريف الدولة الاخرى التي تؤخذ من الخراج هي ما يصرف على مراعاة الطبقات المحرومة في المجتمع التي هي بحاجة دائمة الى الرعاية، ويتحمل الوالي المسؤولية الأكبر، فقد ورد في العهد انه (عليه السلام) يوصي بالطبقات المعدمة في المجتمع ويقول: (ثم الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم، والمساكين والمحتاجين واهل البؤس والزّمني..... واجعل لهم قسماً من بيت المال وقسماً من خلات صوافي الاسلام) (73) وكذلك باليتامى والمسنين (وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن) (74).

حيث أمر الامام (عليه السلام) واليه بتشكيل هيئة أو لجنة خاصة لمتابعة احوال هؤلاء وتدبير أمر معيشتهم وجعل فيهم شروطاً تعكس الالتزام الديني والاجتماعي (ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فلترفع اليك امورهم ثم اعمل فيهم بالإنحدار الى الله تعالى يوم تلقاه، فان هؤلاء من بين الرعية أحوج الى الإنفاق من غيرهم) (75).

إن هذه الفئات المشمولة بعطاءات بیت المال كانت في مرحلة الامام علي (عليه السلام)، لكنها اتسعت فيما بعد حسب التطور في هيكلية الدولة، حيث تتنوع المسؤوليات بتعقد الحياة وإتساع مرافقها، وهو ما يقابل استحداث الوزارات في

ص: 315

الوقت الحالي التي ترتبط ميزانيتها بمالية الدولة. كما أن من مصارف الخراج الاخرى هي دعم المشاريع الإستثمارية التي تنمي اقتصاد الدولة، حيث جزء من العهد يستوصي بالتجار وذوي الصناعات (76) خيراً ويدعمهم، وكذلك بتشجيع الزراعة الامر الذي يعود بالنفع على الدولة.

إن هذا الإهتمام بالجانب الاقتصادي في دولة يلتمس فيها إرضاء الله تعالى والإستقامة في الارض وذلك بتطبيق عدله فيها، لا ينفصل فيها ما هو عبادي عما هو اجتماعي، وما هو اخلاقي عما هو عملي، حيث أن خراج الدولة هو من أموال فيها الزام شرعي على الافراد إخراجه، أي تعطى لبيت مال المسلمين وفيها نية القربة لله تعالى، وتوزع فيما بعد لإسعاد طبقات المجتمع التي فرض لها نصيباً منها، بخلاف الانظمة العلمانية التي تحكم المجتمعات والتي تفصل بين الدولة والدين، حيث ترى ان الازدهار الاقتصادي من الانسان والى الانسان (فالمجتمع الذي ينظر للإنسان كفرد حيواني يريد ان ينعم بالراحة والسعادة تختلف متطلباته عن المجتمع الذي ينظر للإنسان کموجود استخلفه الله العظيم لیعمر الارض ويتكامل بالتدريج فيصنع مجتمع الارض العادل العابد الذي لا يشرك بالله) (77).

ص: 316

المطلب الثاني: الجانب الدفاعي

يشكل الجند عصب الحياة السياسية والعسكرية في ذلك الوقت، لما له من دور في تقوية الدولة وتثبيتها، خصوصاً ان دولة الاسلام تعتبر دولة حديثة في زمن الامام علي (عليه السلام) ولها مساعي عظمى في نشر الإسلام في اقاصي الارض استكمالاً للخطوة التي بدأها عمر بن الخطاب في الفتوحات الإسلامية، مع علم الامام ان البلدان التي ستفتح لا بد وان يكون عندها جيش يدافع عنها، مما اضطر الامر الى التركيز على اعداد الجند بشكل صحيح لأجل المواجهة الخارجية، فضلاً عن الصراعات الداخلية التي حصلت في زمنه (عليه السلام) ممثلة بواقع صفين والنهروان، وانسحاب الخوارج من جيش الامام وانتشارهم في اطار عصابات مسلحة، مما دعاه الى تنظيم قواته وتحسين اوضاعها القتالية (78). ولتحقيق مبتغاه في نشر الاسلام وضع مجموعة شروط لإختيار أمراء الجيش ورئيس الجند حيث قال: (فوَلِّ من جنودك أنصحهم في نفسك ولله وللرسول ولإمامك واطهرهم جيشاً وافضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح الى العذر، ويرأف بالضعفاء...) ويمكن ترتيبها بشكل نقاط (79):

1 - ان يكون من عائلة حسنة.

2 - ان يكون معروفاً بالشجاعة والشهامة، وهناك مواقف مشهودة له.

3 - ان يكون معروفاً بهذه الصفة.

4 - ان يكون مسامحاً وله مواقف تسهر على ذلك.

5 - لا يتساهل مع الاقوياء عند اغراضهم.

6 - لا تستثيره اعمال العنف.

7 - ان يتحدى العنف ولا يصيبه العجز.

ص: 317

مما تقدم يفهم انه لا يلتحق بالجيش كل من هّب ودبّ، حيث اراد الامام (عليه السلام) ان يبني جيشه بناءً عقائدياً واخلاقياً بقوله يكون (أنصحهم لله ولرسوله ولإمامك) أي من الموالين الذي يعتقدون أن علي (عليه السلام) امام حق وأن أوامره ونواهيه، يجب أن تنفذً باعتبارها تطبيقاً للدين، فتعد سلطة الجند تنفيذية. صحيحٌ انّ الجند هم اليد الضاربة للامام بوجه من يكيدون للإسلام سوءاً، لكن الامام ايضاً کان یهمه راحة الجند فيقول: (ولا يدفعن صلحاً دعاك اليه عدوك لله فيه رضا، فان في الصلح دَعَةً لجنودك وراحة من همومك، وآمناً لبلادك) (80).

دلالة هذا الكلام تتضمن نهي عن رفض الصلح اذا بادر به الاعداء شريطة أنْ يرضي الله وينبه على وجوه المصلحة فيه، وبالغ في التحذير من العدو بعد صلحة قد يخفي مآرب اخرى تعود بالأذى على الإسلام (81). هذا الموقف من الصلح يعكس روح السلام في الإسلام والميل الى التسامح وقبول الاخر، اذا كان صادقاً وحسن النية، وكذلك تجسد وسطية الاسلام، ونبذ العنف وروح الانتقام).

اذن البعد العلمي لهذه المواد المتعلقة بالجند والجيش في هذا العهد هو تعضيد لما ورد في النصوص القرآنية والسنة النبوية بخصوصها، والتي اصبحت فيما بعد منهلً ینهل منه کتاب الاحکام السلطانية فيما نظموا من شروط وحقوق وواجبات فيقول ابي يعلى الفراء: من اعمال الامير الذي قلده الخليفة النظر في سبعة يذكر اولها (النظر في تدبير الجيش وترتيبهم في النواحي، و تقدیر ارزاقهم، الاّ ان يكون الخليفة قدرها) (82). وهذا الإهتمام من قبل علماء السنة بالجند والجيش يعود الى ان الشرق الاسلامي كان يفتقد الى الثبات والإستقرار السياسي حيث كل شيء يتحقق في ظل الأمن، من حفظ الشعائر والحدود والاحكام الدينية الى الاموال، والانفس والاعراض، الذي يكون من مسؤوليات الدولة، اما الشيعة الإمامية لم يكن قلقهم اقل حساسية

ص: 318

من أهل السنة أزاء هذا الموضوع، لكن اعتقادهم بموضوع العدالة لم يتراجع اما اعتقادهم بموضوع الامن، بسبب إقتدائهم بسيرة الائمة (عليه السلام) والنصوص التي يؤمنون بها (83). كما ان الواقع العملي في العصور الإسلامية الشاهدة على ان السلطة كانت بيد السنة سوى فترات زمنية قصيرة. وكانت بعهدتهم حفظ المجتمع والثغور، فكان الشغل الشاغل لعلمائهم المصالح التي تترتب على الامن والاستقرار، اما علماء (الكلام والفقه) الإمامية، اعتمدوا على المبادئ والأسس النظرية اكثر من اعتمادهم على الحقائق والإلزامات العملية.

المطلب الثالث: تقيين العقوبات

لم يغفل هذا العهد من التحذير والتأكيد على الحفاظ على ارواح الناس وعدم

سفك الدماء دون حکم شرعي (اياك والدماء وسفكها بغير حلها، فانه ليس شيء ادعى لنقمة ولا اعظم لتبعه.... من سفك الدماء بغير حقها) لذلك نجد الفقهاء اعتبروا الانفس غاية قصوى، واحد الضرورات الخمس التي يجب الحفاظ عليها (الدين والنفوس والعقل والعرض والاموال) (84) حيث نجد الاحكام التي تعلقت بها مبينة على الإحتياط، حيث أُسقطت بعض الاحكام التي شرعت لحالات استثنائية كالحكم بوجوب التقية عند الخوف على النفس من القتل (فانه قد رفع، بل حرمت التقية اذا ترتب عليها قتل شخص آخر، وهذا ما عبّر عنه بالحديث المروي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: (انما جعل التقية يحقن بها الدم، فاذا بلغت الدم فليست تقية) (85)، والذي (أعتُمد عليه كمستند لتحريم التقية) (86).

لذلك ورد في العهد ان الحاكم وغيره سواسية في احكام القتل، وإن منصب الحاكم لا يميزه عن غيره من الناس امام العدالة، فالنظرة الإسلامية اليه انه منصب تكليفي يكلف فيه احد القادرين على تحمل المسؤولية، والقيام بمصالح الناس، وهذا ما يظهر

ص: 319

من قوله (عليه السلام): (لا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن، فلا يطمعن بك نحوة سلطانك عن ان تؤدي الى اولياء المقتول حقهم) (87)، وعند مراجعتنا للأحكام السلطانية نجد فيها ما يناظر هذه المسؤولية حيث ذكرت ولاية المظالم، ووظيفتها النظر في ظلامات الناس من الولاة والجباة والحكام، او من ابناء الخلفاء او الاحرار او القضاة (88)، وقدمها الماوردي بعشرة مظالم، ماينفع في المقام اولها: (تعدي الولاة على الافراد او الجماعات من الرعية) (89). ومن الطبيعي ان تستحدث مثل هذه الولاية وينظر لها في الفقه السني، نتيجة السلوكيات الجائرة والظالمة من قبل حكام بني امية وبني العباس، وقد ورد ان علياً (عليه السلام) حينما تأخرت إمامته واختلفوا الناس فيما احتاجوا الى صرامة في السياسة فنظر الى مظالم الناس وان كان لم يعني لذلك يوماً (90).

مما يعني ان الأمام (عليه السلام) في الواقع السياسي العملي أبان فترة حكمه کان ملتفتاً الى ما يمكن ان يصدر من ولاته وعماله، وكذلك في الواقع السياسي النظري كان ملتفتاً بعهده الى مالك الى التأكيد على المساواة بين الحاكم والرعية امام ثوابت الإسلام وبالأخص فيما يتعلق بالأحكام الجنائية، وقد كان للإمام فضل السبق في تسريخ دعائم العدل واشاعة المناخ الإيجابي في ادارة الدولة وكل من تكلم بعده هم نهلوا منه ومن مستنده (القرآن الكريم). (ولا يكون المحسن والمسيء عندك سواء).

بعد ان تتبعنا اهم مسؤوليات الحاكم وولاته في هذه الوثيقة حسب اهميتها لا حصراً لها، نجد اقتران بين هذه المسؤوليات والقيم الاخلاقية التي يزخر بها العهد فضلاً عن التذكير بالصلاة والإهتمام بها على انها عمود الدين ولا يعذر التهاون بها لأي ظرف كان، وما يجب ان يكون عليه امام الصلاة من مراعاة احوال المصلين على اعتبار أنّ الحاكم السياسي يتولى مسؤولية امامة الناس في الصلاة في ذلك الوقت، وبالأخص صلاة الجمعة، لما تتضمنه من خطبة دينية سياسية (91)، ثم يختم العهد

ص: 320

بالتذكير بما عهد اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصاياه (تحضيضاً على الصلاة والزكاة) (1)، أي لا انفصال بين الواجب الديني وتولي شؤون المسلمين، وكذلك مراعاة حفظ أمن الناس من جهة وتوفير الخدمات الإجتماعية من جهة اخرى. كما لاحظنا مسؤولية الامام من خلال التنمية الاقتصادية التي لازمها سعادة الناس وكل هذه المسؤوليات بجميع تفاصيلها يؤطرها العدل الإلهي نظرياً وعملياً.

وبمقارنة بسيطة مع مذهب الدولة الدولة الحارسة الذي هو (فلسفة سياسية رأس مالية تحررية، تكون وظيفتها الشرعية الوحيدة هي حماية الافراد من الاعتداء والسرقة، والإخلال بالعقود والتشريعات، وتكون المؤسسات الحكومية الشرعية الوحيدة هي المؤسسة العسكرية والشرطة) (93)، نجد أنها توفر ما هو امني دفاعي غير مقترن بما هو عبادي وتسعى الى اشاعة مبدأ المساواة وتحقیق حقوق الانسان بين الناس الا انها لا تحقق العدل الإلهي لكونها منفصلة عن الله، فهي تعمل من أجل حماية الحقوق الفردية، تعمل الحكومة كوكيل عن مواطنيها، ولا تمتلك أي حقوق باستثناء الحقوق الموكلة اليها من المواطنين ويجب عليها العمل بطريقة نزيهة وفقاً للقوانين الخاصة والمحددة بشكل موضوعي بخلاف الحكومة في الإسلام التي تكون وكيلة عن الله وعليها أنْ تعمل لإرضاء الله اصلاً.

وفي الختام نقول أن ما نظّر له أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده للأشتر هو اقامة دستور تنظیمي ينظم شؤون الدولة الإسلامية مبني على أساس العدل يتكامل فيه العبادي والاداري، الاخلاقي والعملي، المادي والروحي، السياسي والديني، لكون مصدره علي (عليه السلام) الذي يمثل الانسان الكامل بعد نبيه المصطفى في الارض بحسب العرفاء (94).

والحمد لله رب العالمين

ص: 321

الإستنتاجات

بعد تعرفنا على المرتكزات العقائدية للسلطة المؤتمنة وشروطها ومسؤوليتها في

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر، نستنتج الآتي:

1 - إن الله هو المالك الحقيقي للوجود، والانسان هو خليفة الله في الارض، ومسؤول فيها، وعليه لا يحق له ان يتصرف بما يخالف المالك الأصلي.

2 - إن سلطة الحاكم سلطة إئتمانية، أي مقيدة بالمؤتمن له، وعليه الحفاظ على الأمانة.

3 - إنْ يجعل الحاكم ومن يختاره للعمل في جهاز الدولة ومراكز القرار من العدل

الإلهي میزاناً ومرتكزاً عقائدياً لجميع اعماله وافعاله فيما يتعلق بمحكومية.

4 - إختيار الفئات العاملة في اجهزة الدولة يكون وفق معايير وشروط معينة منها ما هو مشترك لدى جميع الفئات وهو احراز تقوى الله وخشيته والعمل بكتاب الله وسنته، ومنها ما يتعين حسب المهمة المناطة به کالخبرات السابقة والكفاءة المهنية.

5 - تمتع هذه الفئات بالأخلاق النبيلة وخلوها من الطبائع المنفّرة للطباع والصفات المذمومة كالجبن والبخل والحرص والالتزام بالشجاعة والكرم وغيرها من

الصفات.

6 - إهتمام الحاكم بمورد الخراج لأنه المورد الاساسي الذي يمثل اقتصاد الدولة

الإسلامية الذي بقوته تستطيع الدولة تلبية حاجات مواطنيها وتتسع لنشر

الاسلام.

7 - الإهتمام بعمارة الارض، وذلك لما فيها من ثروات طبيعية كالزراعة او إستخراج

المعادن الموجودة فيها، او إستيطان مساحات منها بعد تأهيلها، وذلك لدعم بیت المال بعد ان تكون منتجة.

ص: 322

8 - تتحمل السلطة مسؤولياتها بتخصيص عطاءاتها لجميع العاملين في مرافق الدولة لجهودهم في خدمة المجتمع لتشکیل دافعاً لهم على مزيدا من البذل والعطاء كل حسب موقعه ولحفظ كرامتهم في السؤال.

9 - مراعاة الطبقات المحرومة واليتامى والمسنين وذلك بشمولهم بعطاءات الدولة.

10 - الخدمات الإجتماعية التي تقدم للإنسان في السلطة الإئتمانية غير منفصلة عن الله عز وجل، شرطها ان تكون في مرضاة الله لأنه المالك الأول والغاية الاولى واسعاد الإنسان وارضائه بالحق في الدنيا هو تحقيق لعدل الله.

11 - التركيز على إعداد الجند اعداداً صحیحاً وبناءه بناءً عقائدياً واخلاقياً وذلك لحفظ الأمن والنظام داخلياً وخارجياً.

12 - التورع في سفك الدماء، واقامة العقوبات على مرتكبيها بما يحقق العدل واخذ الحق للمظلوم من الظالم.

13 - الحاكم والمحكوم سيّان أمام القضاء، لا يكون المنصب السلطوي شفيعاً لصاحبه

في حال ارتكاب ما يستحق العقوبة.

14 - لم ينص العهد على شكل نظام محدد للحكم، وانما أكد على اقامة دولة اخلاقية ملتزمة بكتاب الله ورسوله وطاعة وليه.

15- كان للإمام (عليه السلام) فضل السبق على ما نظّر في الآداب السلطانية، فقد قدم المادة الاساس وصبت بقوالب وصنفت على شكل ابواب في كتب الماوردي والفراء وآخرين.

16 - عند المقارنة بين ما يروم الامام تحقيقه في المجال السياسي والاقتصادي والخدمي وبين مذهب الدولة الحاكمة نجد الأخيرة غايتها صيانة حقوق الافراد فقط بينما دولة الامام غایتها صيانة حقوق الله والافراد.

ص: 323

الهوامش

1. المائدة 120.

2. المائدة 17.

3. الكاشاني، محمد بن مرتضى: علم اليقين في أصول الدين، ط 2، تح: محسن

بیدار، قم، 1426، ج 1، ص 208.

4. الإمام علي بن ابي طالب: نهج البلاغة، تح: هاشم الميلاني، نشر العتبة العلوية المقدسة، 2010، ص 451.

5. نهج البلاغة: ص 451.

6. نهج البلاغة: ص 452.

7. ابو يحيي، د. محمد محسن، اقتصادنا في ضوء الكتاب والسنة، ط 1، دار عمار، عمان، 1989، ص 223.

8. زین الدین، حسین رضا: خليفة الارض، ط 1، مركز الرضوان، 2015، ص 18.

9. يونس: ص 14.

10. نهج البلاغة: ص 456.

11. کرم یوسف: تاريخ الفلسفة الحديثة، ط بلا، دار العلم، بیروت، د.ت، ص 706.

12. البهادلي، أحمد كاظم: صفات الله في عقيدة الصفاتية، مجلة كلية الفقه، الجامعة المستنصرية، عدد 1، 1979 م، ص 148 - 149.

13. جامعي، محمد مسجد، الفكر السياسي عند الشيعة والسنة، ط 1، المجمع

ص: 324

العالمي لأهل البيت، 2006، ص 228.

14. النحل: 90.

15. فرج الله عبد الرزاق، نظرات في عقيدة الانسان المسلم، ط 1، مركز الامير

لإحياء التراث، نجف، 1427، ص 36062.

16. )) الآلوسي: حسام، دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي، ط 1، المؤسسة

العربية، بیروت، 198، ص 77.

17. )) ابو ريان، محمد علي: تاريخ الفكر الفلسفي، ط 2، دار المعرفة الجامعية،

مصر، 1990، ص

18. نهج البلاغة، ص 450.

19. عبد الكريم زيدان، مدخل لدراسة الشريعة، ط بلا، دار عمر بن الخطاب، القاهرة، 2001، ص 33.

20. نهج البلاغة، ص 452.

21. نهج البلاغة: ص 456.

22. نهج البلاغة، ص 454.

23. البحراني، میثم بن علي، شرح نهج البلاغة، ط 2، دار الحبيب، البحرين، 1430، ص 894.

24. نهج البلاغة، ص 451.

25. نهج البلاغة، ص 450.

26. نهج البلاغة، ص 458.

27. نهج البلاغة، ص 456.

28. نهج البلاغة، ص 450.

29. البحراني، شرح نهج البلاغة، ص 889.

ص: 325

30. نهج البلاغة، ص 456.

31. ظ: القزويني، د. محسن باقر: علي بن ابي طالب ؇ رجل المعارضة والدولة، ط 1،

دار العلوم، بیروت، ص 232.

32. البحراني: م. س، ص 893.

33. ظ: البحراني: م. س، ص 894.

34. ابي الحديد المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ط 1، مطبعة انوار الهدى،

رقم (1429) ج 17، ص 48.

35. طي، د. محمد الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، ط 2، مركز الغدير، بیروت،

1997، ص 177.

36. نهج البلاغة، ص 453.

37. محمدي، بن ابو الفضل: آفاق الفكر السياسي عند الخوانساري، ط 1، مؤسسة

دائرة معارف الفقه، رقم 2006، ص 90.

38. نهج البلاغة ، ص 453.

39. البحراني: م. س: ص 894.

40. طي: م. س، ص 178.

41. نهج البلاغة: ص 453.

42. نهج البلاغة: ص 457.

43. شمس الدين، محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ط 2، المؤسسة

الجامعية، بيروت، 1991، ص 488.

44. القزويني / م. س، ص 224.

45. طي: م. س، ص 178.

46. نهج البلاغة: ص 458.

ص: 326

47. ظ: البستاني، احمد: الاستراتيجية العسكرية عند الامام علي، ط، مطبعة سید

الشهداء، قم 1313، ص 69.

48. نهج البلاغة: ص 459.

49. الأحزاب: 72.

50. ظ: فرحات، د. محمد: الثورة البورجوازية وقانونها، مجلة المنار، م.س، ص 64.

51. زیباري، شعبان فاضل: الفكر السياسي عند المعتزلة، ط 1، دار ابن الاثير،

الموصل، 2010، ص 212.

52. جامعي، م.س: ص 229.

53. حنفي، د. حسن: من العقيدة الى الثورة، ط 1، مکتبة مدبولي، مصر، بلات، ص 10 - 20.

54. ابن حنبل، احمد: أصول السنة، تح: احمد فرید المزيدي، دار الكتب العلمية،

بیروت، 2006، ص 10.

55. عصفور، د. سعد: النظام الدستوري المصري، دستور سنة 1971، منشأة

المعارف الإسكندرية، 1980، ص 87.

56. نهج البلاغة، ص 458.

57. ابو حمد، رضا صاحب، السياسة المالية في عهد الامام علي، ط 1، مركز الامير، نجف، 2006 م، ص 94.

58. ابو حمد م. س، ص 96.

59. الفرّاء، أبي يعلى: الأحكام السلطانية، ط 1، مكتب الإعلام الإسلامي،

1406 ه، ص 34.

60. الآصفي، محمد مهدي، ملكية الارض في الإسلام، ط 1، دار التوحيد، قم

1409، ص 36.

ص: 327

61. نهج البلاغة، ص 458.

62. الصدر، محمد باقر، الإسلام يقود الحياة، ط 2، مركز الابحاث والدراسات

التخصصية، قم، 1421، ص 77.

63. الصدر م.س، ص 68.

64. م.ن. ص 88.

65. م.ن، ص 88.

66. نهج البلاغة، ص 460.

67. البحراني، ص 898.

68. الصدر م. س، ص 52.

69. ابو حمد، السياسة المالية، م. س، ص 64.

70. نهج البلاغة، ص 457.

71. م.ن، 456.

72. م.ن، ص 456.

73. م.ن، ص 460.

74. م.ن، ص 461.

75. نهج البلاغة، ص 462.

76. ظ: نهج البلاغة، ص 455.

77. التسخيري، محمد علي، الدولة الاسلامية ووظائفها، ط 1، منظمة المكتب

الاسلامي، 1994، ص 19.

78. ظ: بیضون، د. ابراهيم: من دولة عمر الى دولة عبد الملك، ط، نشر شهاب

الدين، 2006، ص 134.

79. القزويني، م.س: ص 223 - 224.

ص: 328

80. نهج البلاغة، ص 462.

81. البحراني، م.س، ص 909؟

82. الفراء، م.س: ص 34.

83. جامعي، م.س، ص 252.

84. ابن عاشور، محمد الطاهر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ط 1، الشركة التونسية للتوزيع، خانقين، 1978، ص 80.

85. العاملي، محمد حسن: وسائل الشيعة، ط 2، دار احیاء التراث العربي بیروت،

ج 1، ص 483.

86. الواعظي، شمس الدين: رسالة في التقية، ط 1، نشر مكتبة المرعشي، قم،

1418 ه، ص 84.

87. نهج البلاغة، ص 464.

88. مدكور، محمد سلام، المدخل للفقه الاسلامي، ط 2، النهضة العربية، مصر،

1963، ص 404.

89. الماوردي: الاحکام السلطانية، نقلاً عن مدخل مدكور لدراسة الشريعة،

م.س، ص 404.

90. مذکور، م.س، ص 405

91. ظ: جامعي، م.س، ص 246 - 247

92. نهج البلاغة، ص 466.

93. مذهب الدولة الحارسة، أنترنت، موقع ويكبيديا.

94. ظ: الأملي، حسن زاد، الانسان الكامل في نهج البلاغة، مؤسسة المعارف

الاسلامية، ط 1، ج 1، ص 136.

ص: 329

المصادر:

- القرآن الكريم

- الإمام علي بن ابي طالب: نهج البلاغة، تح: هاشم الميلاني، نشر العتبة العلوية

المقدسة، 2010.

1 - ابن حنبل، احمد: أصول السنة، تح: احمد فرید المزيدي، دار الكتب العلمية،

بیروت، 2006.

2 - ابن عاشور، محمد الطاهر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ط 1، الشركة التونسية للتوزيع، خانقين، 1978.

3 - ابو حمد، رضا صاحب، السياسة المالية في عهد الامام علي، ط 1، مركز الامير، نجف، 2006 م.

4 - ابو ريان، محمد علي: تاريخ الفكر الفلسفي، ط 2، دار المعرفة الجامعية، مصر،

1990.

5 - ابو یحیی، د. محمد محسن، اقتصادنا في ضوء الكتاب والسنة، ط 1، دار عمار، عمان، 1989.

6 - ابي الحديد المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ط 1، مطبعة انوار الهدى، رقم

(1429) ج 17.

7 - الآصفي، محمد مهدي، ملكية الارض في الإسلام، ط 1، دار التوحيد، قم 1409.

8 - الآلوسي: حسام، دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي، ط 1، المؤسسة العربية، بیروت، 198.

9 - الأملي، حسن زاد، الانسان الكامل في نهج البلاغة، مؤسسة المعارف

ص: 330

الاسلامية، ط 1، ج 1، ص 136.

10 - البحراني، میثم بن علي، شرح نهج البلاغة، ط 2، دار الحبيب، البحرين، 1430، ص 894.

11 - البستاني، احمد: الاستراتيجية العسكرية عند الامام علي، ط، مطبعة سید

الشهداء، قم 1313.

12- البهادلي، أحمد كاظم: صفات الله في عقيدة الصفاتية، مجلة كلية الفقه، الجامعة المستنصرية، عدد 1، 1979 م.

13 - بیضون، د. ابراهیم: من دولة عمر الى دولة عبد الملك، ط، نشر شهاب الدين، 2006.

14 - التسخيري، محمد علي، الدولة الاسلامية ووظائفها، ط 1، منظمة المكتب الاسلامي، 1994.

15 - جامعي، محمد مسجد، الفكر السياسي عند الشيعة والسنة، ط 1، المجمع العالمي لأهل البيت، 2006.

16 - حنفي، د.حسن: من العقيدة الى الثورة، ط 1، مکتبة مدبولي، مصر، بلات.

17 - د. محمد الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، ط 2، مركز الغدیر، بیروت، 1997.

18 - زیباري، شعبان فاضل: الفكر السياسي عند المعتزلة، ط 1، دار ابن الاثير،

الموصل، 2010.

19 - زين الدين، حسین رضا: خليفة الارض، ط 1، مركز الرضوان، 2015.

20- شمس الدين، محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ط 2، المؤسسة

الجامعية، بیروت، 1991.

21 - الصدر، محمد باقر، الإسلام يقود الحياة، ط 2، مركز الابحاث والدراسات

التخصصية، قم، 1421.

22 - العاملي، محمد حسن: وسائل الشيعة، ط 2، دار احیاء التراث العربي بیروت،

ص: 331

ج 1، ص 483.

23 - عبد الكريم زيدان، مدخل لدراسة الشريعة، ط بلا، دار عمر بن الخطاب،

القاهرة، 2001.

24 - عصفور، د.سعد: النظام الدستوري المصري، دستور سنة 1971، منشأة

المعارف الإسكندرية، 1980.

25 - الفرّاء، أبي يعلى: الأحكام السلطانية، ط 1، مكتب الإعلام الإسلامي، 1406 ه.

26 - فرج الله عبد الرزاق، نظرات في عقيدة الانسان المسلم، ط 1، مركز الامير

لإحياء التراث، نجف، 1927.

27 - فرحات، د. محمد: الثورة البورجوازية وقانونها، مجلة المنار، م.س.

28 - القزويني، د. محسن باقر: علي بن ابي طالب (عليه السلام) رجل المعارضة

والدولة، ط 1، دار العلوم، بیروت.

29 - الكاشاني، محمد بن مرتضى: علم اليقين في أصول الدين، ط 2، تح: محسن

بیدار، قم، 1426، ج 1.

30 - کرم يوسف: تاريخ الفلسفة الحديثة، ط بلا، دار العلم، بیروت، د.ت، ص 706.

31 - الماوردي: الاحکام السلطانية، نقلاً عن مدخل مدكور لدراسة الشريعة، م.س.

32- محمدي، بن ابو الفضل: آفاق الفكر السياسي عند الخوانساري، ط 1، مؤسسة

دائرة معارف الفقه، رقم 2006.

33 - مدكور، محمد سلام، المدخل للفقه الاسلامي، ط 2، النهضة العربية، مصر، 1963.

34 - مذهب الدولة الحارسة، أنترنت، موقع ويكبيديا.

35 - الواعظي، شمس الدين: رسالة في التقية، ط 1، نشر مكتبة المرعشي، قم، 1418 ه.

ص: 332

مالك الأشتر رضوان الله عليه قاضياً وحاكماً - إطلالة تاريخية على الجانب القضائي -

اشارة

د. هدى علي حيدر

ص: 333

ص: 334

ملخص البحث:

هذه الدراسة هي صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي، والتي تتناول سيرة أحد رجال الإسلام من القرن الأول الهجري وما قبله، هو (مالك بن الحارث الأشتر)، لإظهار صورة جلية لما غمض من شخصيته وما إلتبس على الكثير من الكتَاب.

أن الأمم المتقدمة تفتخر بأمجادها ورموزها التاريخية، وتطرز أسمائهم في أقباس من التمجيد، ليستمدوا من أفكارهم العظات والعبر نحو العُلى، ويبنون حضارتهم فوق التراكمات الأزلية، لما تبقى من أمجادهم.

وتاريخ الأمة الإسلامية حافل بسيَر العظماء والعلماء والأبطال، الذين يجب استحضارهم في محاولة جادة لإستذكار الماضي واستنباط العبر والدروس منه، وذلك من أجل فهم الحاضر على حقيقته وتجاوز الأخطاء استعداداً للمستقبل واللحاق بما سبق من الأمم من التقدم والحضارة.

وتحديداً، أن التاريخ العربي الإسلامي يمتاز بتراجم جمةّ من الرجال العظام، الذين ثبتوا دعائم الحضارة الإسلامية، وأرسوا أفكاراً نيَرة، وتجاوبوا مع الأمم الأخرى، وحاوروا حضارتها، وأخذوا ما ينمي حضارتهم مما يصلح منه، فنهضوا بحضارة واعدة على مرور الزمن وتعاقب الأجيال دون الالتفات إلى العرق أو اللون أو الجنس.

وأحد رجالات الإسلام هو (مالك بن الحارث الأشتر) کسياسي بارز، وشجاع

ص: 335

شهد له العدو قبل الصديق بذلك، وشاعراً فحلاً وخطيباً بليغاً، دخل التاريخ الإسلامي بكل عنفوان، فكان جبلاً شامخاً وصخراً صلداً، كما وصفه الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام).

وأن (مالك الأشتر) كان قد أدرك الجاهلية والإسلام فهو من المخضرمين، وأسلم

على حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسن إسلامه.

كانت هناك علاقة ودية تربط بين (مالك الأشتر) والإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) عندما كان والياً على اليمن، وذلك في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن جملة إنجازاته السياسية، كان (مالك الأشتر) حكماً وقاضياً بين أهل العراق وأهل الشام، إذ رُشح لشغل القضاء من قبل الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام)، غير أن بعضاً من أهل العراق، والذين صاروا من الخوارج فيما بعد رفضوا ذلك.

- ولادته:

أن العرب في الجاهلية لم يكن يعنيهم تثبیت تواريخ لميلادهم أو وفياتهم، إذ لم يكن هناك تدوین، بل توجد مناسبات أو حوادث يشار إليها في هذا الصدد؛ ومالك الأشتر، لم يكن قد اشتهرت سمعته قبل الإسلام، حتی یذکر مولده في مناسبة معينة

کحرب البسوس أو عام الفيل أو غير ذلك.

ولكن هناك ومضات وإشارات للتحديد التقريبي لولادته، لقد كانت ولادته قبل الإسلام لأسباب عدة منها: في معركة الجمل يذكر ذلك في شعره على أنه شیخاً غير متماسك الأعضاء، فعندما قدم على عائشة بعد المعركة، عتبت عليه في مصارعته

ص: 336

لابن أختها، أسماء، عبد الله بن الزبير، فقال في شعر له:

فنجاه مني في أكله وشبابه ٭٭٭ وأني شيخ لم أكن متماسكاَ.

وبما أن عبد الله بن الزبير كان عمره آنذاك ست وعشرين سنة، لأنه ولد في سنة الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وحرب الجمل وقعت في سنة ستة وثلاثون للهجرة، فلابد من أن يكون مولد مالك الأشتر قبل البعثة النبوية بأكثر من عشرين سنة، حتى يبلغ من العمر ما يضاف إلى من سنة البعثة إلى حرب الجمل، فيكون ما يقارب السبعين حتى يكون غير متماسك.

وعليه، أن مالك الأشتر كانت ولادته قبل البعثة النبوية، وإنه ولد قبل عقدين من البعثة على أقل تقدير؛ علاوةً على ذلك، أنه كان معروفاً ومشهوراً في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي عهد (أبي بكر)؛ وبالتالي فأن الأشتر كان مخضرم وأنه أدرك الجاهلية والإسلام.

- نسبه:

ينسب مالك الأشتر إلى جده النخع واسمه (جسر)؛ وكما جاء في الموارد التاريخية: «مالك بن الحارث ابن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة بن الحارث بن خزيمة بن سعد

ابن مالك بن النخع»2.

وورد أيضاً عن نسبه: نفس سلسلة النسب الواردة، غير أن (سلمة) صححه أحد

المؤرخين إلى (مسلمة) الجد الرابع وأسقط (الحارث الثاني)(3).

وابن سعد أورد في كتابه أيضاً عن سلسلة نسبه مع تسمية الجد الرابع (مسلمة)

بدلاً من (سلمة)(4).

ص: 337

- اسمه:

هو مالك بن الحارث بن يغوث بن مسلمة إلى جده النخع، وهذا الاسم مشهور عند العرب سواء أعدنانية كانت أم قحطانية، ومنهم مالك بن النضر، ومالك بن ربيعة، ومالك بن أدد وغيرهم. ولقد اشتهر مالك ب (الأشتر) حتى كاد أن يطغى على اسمه الحقيقي ولا يعرف إلا به5.

- كنيته:

لمالك الأشتر كنية واحدة، وهو أبو إبراهيم، وإبراهيم هذا هو إبراهيم ابن مالك الأشتر، والمشهور ب (ابن الأشتر)6.

ومن حق مالك أن يكنى بأبي إبراهيم، لما له من مواقف معروفة وشجاعة وبسالة منقطعة النظير، فقال في حقه ابن خلدون (7): "هو إبراهيم ابن الأشتر سيد النخع وفارسها وقتل مع مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين". ويناديه البعض بأبي إبراهيم احتراماً وتبجيلاً له، كونه أميراً وقائداً.

- القابه:

أ) لقب الأشتر:

أما لقب الأشتر، فقد جاء: «الشتر انشقاق جفن العين، وبه سمي الأشتر النخعی»(8).

وعن رواية شتر عين مالك: الأولى: أن عينه شترت في حروب الردة في عهد أبي بكر، وفي جهاده عن الإسلام، عندما ضربه أبو مسيلمة على رأسه؛ والثانية: ذكر أن عینه شترت في وقعة اليرموك، عند مبارزته لرجل مشرك من الروم، وقتله، وقيل:

ص: 338

«ضربه رجل من أياد يوم اليرموك على رأسه فسالت الجراحة قيحاً إلى عينه فشترته...» (9).

وورد أيضاً: «الأشتر النخعي ذهبت عينه يوم اليرموك»(10).

ب) لقب بكبش العراق:

الكبش في اللغة: «الكبش واحد، والأكباش جمع وكبش القوم سیدهم»(11).

أما مناسبة لقب مالك بالكبش، فلقد جاء في وقعة صفين، حيث ورد أنه نادی

رجل من أهل الشام بشعر في سواد الليل سمعه الناس في قصيدة منها:

ثلاثة رهط هموا أهلها ٭٭٭ وأن يسكتوا تخمد الوقدة

سعيد بن قيس وكبش العرا ٭٭٭ ق وذاك المسود من كندة

وكبش العراق الأشتر، والمسود من كندة هو الأشعث بن قيس، وما قاله شاعر وقعة صفين النجاشي، وكان شاعر أهل العراق في حينها، عندما ردَ الأشتر أهل الشام على أعقابهم، يقول (12):

دعونا له الكبش كبش العراق ٭٭٭ وقد خالط العسكر العسكر

فرد اللواء على عقبه ٭٭٭ وحاز بحضوتها الأشتر

- شخصية مالك الأشتر والصفات التي تميز بها:

الرجل الشجاع الذي يفرض نفسه في كل موقف، وهو الذي لم ترد له راية أو ينكسر له جيش، ولقد أبدى في فتوحات الشام والعراق من بطولة فريدة، وفقد بسبب مبادئه النبيلة أعز ما يملك وهو عينه، والجود بالنفس أعلى غاية الجودة(13).

ص: 339

وكان مالك الأشتر من ذوي الصفات البدنية، التي هي من صفات الأبطال الشجعان، وكان يدخل الرهبة في صفوف الأعداء بحماسته وقامته المديدة؛ ومثل هذه الشخصية كانت الفتوحات الإسلامية في الشام والعراق بحاجة إلى أمثالها، وذلك لتعزيز المواقف، ومواصلة الفتوحات، وإدخال الرهبة في صفوف الأعداء، الذين كانوا يتحاشون مبارزته، ويخافون من مجرد صوته (14).

وعن صفاته الشخصية، فلقد كان الأشتر مديد القامة، وهو من الجسامة والضخامة، بأنه يركب الفرس وقدماه تخطان الأرض لفرط طوله، مما يرهب الرجال والفرسان (15).

وكان مالك الأشتر فقئت عينه في حروب الردة أو اليرموك أو كلاهما وهو من العوران الأشراف؛ وعن صفات الأشتر في لباس الحرب، فقد أورد ذلك نصر ابن مزاحم في وقعة صفين بالقول: «عن الحر بن الصباح النخعي أن الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له وفي يده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصباً فإذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها ويضرب بسيفه قدماً وهو يقول: الغمرات ثم ينجلينا» (16).

شجاعة الأشتر:

امتاز الأشتر بالشجاعة، والتي صارت من أساسيات شخصيته، وشهد له بها الأعداء قبل الأصدقاء؛ وقيل في ذلك: «لله در أم قامت عن الأشتر لو أن إنساناً يقسم أن الله ما خلق في العرب ولا في العجم أحداً أشجع منه إلا أستاذه علي بن أبي طالب لما خشيت عليه الإثم ...»(17).

وورد: «... واقتتل مالك الأشتر وعبد الله بن الزبير فاختلفا ضربتين ثن تعانقا حتى خرا إلى الأرض يعتر كان فحجز بينهما أصحابهما وكان عبد الله بن الزبير يقول حين اعتنقا: اقتلوني ومالكاً، وكان الأشتر يقول اقتلوني وعبد الله، فيقال: أن ابن

ص: 340

الزبير لو قال اقتلوني والأشتر، وأن الأشتر لو قال اقتلوني وابن الزبير لقتلا جميعاً وأن الأشتر يقول ما سرني بإمساكه على أن يقول الأشتر حمر النعم وسواها»(18).

ثم يضيف البلاذري بقوله: «قيل لعائشة هذا الأشتر يعارك عبد الله فقالت: والأثكل أسماء ووهبت لمن بشرها بسلامته مالاً»(19).

وشهد الأزدي بشجاعة الأشتر بقوله: «أن الأشتر كان من جلداء الرجال ومن أشدائهم وأهل القوة منهم والنخوة وأنه قتل في يوم اليرموك قبل أن ينهزموا أحد عشر رجلاً من بطارقتهم وقتل منهم ثلاثة مبارزة»(20).

وقيل ايضاً: «... شهد (الأشتر) الجمل وصفين وأبدى يومئذ عن شجاعة

مفرطة...»(21).

وورد كذلك: «والأشتر هو الذي عائق عبد الله بن الزبير يوم الجمل فاصطرعا على ظهر فرسيهما حتى وقفا على الأرض فجعل عبد الله بن الزبير يصرخ من تحته اقتلوني ومالكاً فلم يعلم الذي يعنيه لشدة الاختلاط وثوران النقع ...»(22).

هذه هي شخصية الأشتر الفذة وشجاعته المفرطة كما أوردتها المصادر الأساسية

بكل حيادية وموضوعية.

الجانب القضائي:

القضاء:

القضاء في اللغة: «الحكم، والجمع: (الأقضية) والقضية مثله والجمع (القضايا)

وقضى بمعنى يقضي بالكسر قضاء أي حكم» (23).

ومنه قوله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» (24).

ص: 341

والقضاء في الاصطلاح: هو فصل الحكم بين الناس؛ وقال تعالى: «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» (25).

وورد: «القضاء منصب الفعل في الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً

للتنازع» (26).

كان للقضاء نواة عند العرب قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام تولى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الفصل في الخصومات، ولقد تبين من الحلف الذي عقده بين المهاجرين والأنصار واليهود وغيرهم من المشركين، وجاء هذا الحلف كما ورد في الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فأن مرده إلى الله تعالى وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

اعتنى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنظيم القضاء في الدولة، وقد صار لزاماً على المسلمين جميعاً الرجوع إليه والتسليم بحكمه، قال تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (27).

وأصبح رجوع المسلمين من منازعاتهم وشجاراتهم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أولويات الإيمان مما أوجد عليه الصلاة والسلام فكرة القانون عن طريق التشريع الإسلامي إليهم، وأصبح جزء من حضارة الإسلام والتراث الفكري والتشريعي.

ولقد أرسل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، الإمام (علي بن أبي طالب)

(عليه السلام) قاضياً في اليمن، وكذلك معاذ بن جبل وجماعة من الصحابة.

ص: 342

وقد ذكر أحد المؤرخين: «ومن أهم الكتب في الإدارة والقضاء العهد الذي كتبه الإمام علي للأشتر النخعي عامله في مصر ولو صح هذا العهد لكان من أحسن ما كتب في العالم» (28).

لقد كان تعيين القضاة من قبل الخليفة مباشرةً، وأحياناً من قبل الوالي، إذا كانت

ولايته هامة تشمل الصلاة والخراج والحرب والقضاء، ففي هذا الحالة يقر الخليفة التعيين (29).

والعرب قبل الإسلام، اعتمدوا على مصادر في أحكامهم المختلفة، وهي (30):

أ) الأعراف والتقاليد المستمدة في تجارتهم.

ب) الاحتكام إلى العرافين والكهان.

ج) الاحتكام بالقرعة.

أن النظر بالمظالم ورد حقوق المظلومين، وقد شهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صغره مجلساً من هذا النوع، تحالف فيه القرشيون على نصرة من الظالم وهو ما يسمى بحلف الفضول (31).

وقد رشح الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) مالك الأشتر قاضياً وحكماً (32) عن أهل العراق في وقعة حطين، وهو دليل على علم مالك الأشتر بأحكام القرآن والسنة النبوية والاجتهاد، وهو ثقة لديه، لأن هذا المنصب من الخطورة بحيث يفصل بين طرفي النزاع ويقرر مصير الأمة الإسلامية؛ وورد: «كان يتولى القضاء قضاة مدنيون يعينهم الخليفة وكان هؤلاء مستقلين عن الأمراء.

وفضلاً عن ذلك، يقول الماوردي في شروط القاضي: لا يجوز أن يقلد القضاء إلا

من تكاملت فيه شروطه التي يصح معها تقليده وينفذ بها حكمه، وهي (33):

ص: 343

أ - أن يكون رجلاً ويجمع بين صفتين الذكورية والبلوغ.

ب - العقل: فلا يولي القضاء الصبي أو المجنون.

ج - الحرية: لأن نقص العبد عن ولاية نفسه يمنع انعقاد ولايته على غيره.

ء - الإسلام: لكونه شرطاً في جواز الشهادة؛ قال تعالى: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» (34).

ه - السلامة في السمع والبصر ليصح بهما إثبات الحقوق ويفرق بين الطالب

والمطلوب، ويميز المعروف من المنكر، لتميز له الحق من الباطل، ويعرف المحق من المبطل.

وكان القضاة يجلسون في منازلهم ويفصلون بين الناس ويحكمون في الأقضية دون الخروج من ديارهم. ثم اتخذوا المسجد مكاناً للتقاض. ويذكر في هذا الصدد: «أن مصادر التشريع الإسلامي لدى القضاة تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس عند أهل السنة»(35).

- المظالم:

في اللغة: «المظالم جمع ظلامة، وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد، والظلامة ما

تظلمه وهي المظلمة اسم ما يأخذ منك»(36).

وورد في النظر في المظالم: «قود المتظالمين إلى التناصف، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيئة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع، لأن يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وثبت القضاء فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين وأن يكون بجلالة القادر الأمر في الجهتين»(37).

ص: 344

أما ابن خلدون فقد عرف المظالم بقوله: «وهي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفه القضاء، ويحتاج إلى علو يد، وعظيم رهبة لقمع الظالم من الخصمين وتزجير المعتدي» (38).

وجاء في النظم الإسلامية: «والنظر في المظالم خطة قديمة كانت قريش في الجاهلية حين كثر فيهم الزعماء وانتشرت فيهم الرياسة وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر عقدوا حلقاً بعد حلف الفجار في دار عبد الله بن الجدعان التميمي على رد المظالم وأنصاف المظلوم من الظالم...»(39).

ومما يبدو، أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حضر هذا الحلف وأعجبه ثم أنه أشار به واعتبره نموذجاً في رد المظالم، ومن الأنظمة المهمة في عصر ما قبل الإسلام والتي يمكن اعتمادها وتطويرها(40).

وفيما يخص الاختصاصات التي تتعلق في المظالم، فأنها تفوق اختصاصات القضاء في أمور جمة، ولقد نظر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجل من الأنصار(41).

ومن هذا نستشف أن أول من نظر في رد المظالم هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك عندما أرسل (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) لدفع دية القتلى الذين قتلهم خالد بن الوليد من قبيلة بني حذيفة (42).

وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينتدب أحد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان لرد المظالم إلا في عهد الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام)، وكان يفرد لسماع الشكاوي وقتاً معيناً أو نظاماً خاصاً، وورد في هذا الصدد: «إذا جاء متظلم أنصفه وإنما احتاج إلى النظر بنفسه في ظلامات الرعية، حين تأخرت إمامته

ص: 345

واختلطت الناس فيها ومالوا إلى الجو ومن أمثلة المظالم التي نظرها علي عليه السلام حادثة المرأتين في الولد، كل منهما تدعيه فدعا بسكين يشقه نصفين، فقالت إحداهما من هول المنظر: إنه ابني فكانت أمه حقاً»(43).

وفي واقع الأمر، أن الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) أراد تبيان الحق وليس قصده إجراء العمل هذا، إنما هو إظهار من الأمومة عند الأم الحقيقية وعدم إظهارها فكان موقفاً فيها رد هذه المظلمة.

وما قاله الماوردي: «ولم ينتدب إلى المظالم من الخلفاء إلا القليل النادر لأن الناس في ذلك الوقت كانوا في الصدر الأول من الإسلام لذا كانوا إلى التناصف إلى الحق أو يزجره الوعظ عن الظلم وإنما كانت المنازعات تجري بينهم في أمور مشتبه ومنها حكم القضاء فاقتصر الخلفاء السلف على فصل التشاجر بينهم بالحكم» (44).

ولعل الماوردي قد أشار إلى لفظة (إلا القليل النادر)، هو في عهد الإمام (علي بن

أبي طالب) (عليه السلام)، حيث نظر في المظالم.

ص: 346

- الحسبة:

في اللغة: «الحسبة مصدر احتسابك الأمر على الله وهي اسم من الاحتساب وهو

ادخار الأجر والثواب عند الله» (45).

والحسبة: هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد مارسها ابو بكر وعمر وعثمان في عصر صدر الإسلام يباشرونها بأنفسهم، لعموم صلاحها وجزيل ثوابها وهي أمر بالمعروف، إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر، إذا ظهر فعلة وإصلاح بين الناس، والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه في أحوال الرعية والكشف عن أمورهم ومصالحهم (46).

فضلاً عن ذلك، فأن الحسبة هي من توابع القضاء، وهي وظيفة يتم تعيين صاحبها من قبل القائم بأمر المسلمين، وذلك لمن يراه أهلاً لها وإن كان على غيره فهي من فروض الكفاية، والحسبة هي وسيطاً بين القضاء العام المظالم، فوظيفة القاضي فض المنازعات المتعلقة بالعقود والمعاملات بوجه عام، ووظيفة المحتسب النظر فيما يتعلق بالنظام العام، وفي الجنايات أحياناً، وأما صاحب المظالم فمن أهم ما يقوم به الفصل فيما استعصى من الأحكام على القاضي والمحتسب، وفي بعض الأحيان كان القضاء والحسبة يقوم بها رجل واحد مع مابين العملين من اختلاف، فعمل القاضي مبني على التحقيق والأنات في الحكم، أما عمل المحتسب فمبني على الشدة والسرعة في الفعل (47).

والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أول من باشر بأمر الحسبة، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات على الرسل والأئمة، فلقد باشرها (صلى

الله عليه وآله وسلم) بنفسه، وقلدها واتبعها من بعده الخلفاء، ثم صارت نظاماً من

ص: 347

أنظمة الحكم في الإسلام.

وروي أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مرَ على من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: «يا صاحب الطعام ما هذا؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ثم قال (من غش فليس منا). وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، أنه ولي سعيد بن العاص على أسواق مكة (48).

وكان الإمام (علي بن أبي طالب) (عليه السلام) يمر في الأسواق وينهى عن الغش في الكيل والميزان، ويوصي أصحاب السلع بأخذ الحق وإعطاء الحق (49).

ومن شروط المحتسب: أن يكون مسلماً، حراً، بالغاً، عاقلاً، عادلاً وقادراً (50).

ومن شروط المحتسب كذلك ما قاله ابن بسام: «أن يكون المحتسب فقيهاً عارفاً بأحكام الشريعة الإسلامية ليعلم ما يأمر به وينه عنه وأن لا يكون قوله مخالفاً لعمله فقد قال تعالى في ذم علماء بني إسرائيل: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (51).

ومن واجبات المحتسب، واجبات دينية واقتصادية واجتماعية واسعة منها: منع المجاهرة بشرب الخمر، وعقد المعاملات التجارية المبنية على الربا، ومنع القسوة على الصبيان في الكتاتيب، ومراقبة الأسواق والغش والمكاييل، ومنع الحمالين وأهل السقا

من الإكثار في الحمل وغيرها (52).

ويقول ابن خلدون أيضاً: «لا يتوقف حكمه - أي المحتسب - على تنازع أو استدعاء بل له النظر والحكم في ما يصل إلى علمه من تلك ويرفع إليه وليس له إمضاء الحكم في الدعاوي بل في ما يتعلق في الغش والتدليس في المعايش وغيرها في المكاييل والموازين وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه

ص: 348

سماع بينة ولإنقاذ حكم»

(53).

ص: 349

النتائج

1 - إن أمر القضاء من خلال هذا العرض الموجز يظهر ثقله وأهميته في المنظومة

الفكرية الإسلامية والحيا الإنسانية بنحو عام.

2 - إن شخصية مالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) كانت شخصية فريدة تجسدت فيها أبرز خصال القيادة سواء في المجال العسكري أو التشريعي بلحاظ ما للقضاء من إبراز للفقه الإسلامي ومقتضيات الاجتهاد في الحدود والتعزيرات والديات وغيرها.

3 - إن اختيار الإمام علي عليه السلام لهذه الشخصية في جوانب متعددة من الحياة الإسلامية وتعدد ادواره كقائد عام للجيش وقاضي ووالي يكشف عن صلابة ایمانه وذكائه وعدالته وهو قطب الفضائل والكمالات النفيسة.

ص: 350

الهوامش:

1 - الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر (ت 310 ه / 923 م): تاریخ الرسل والملوك، مط. الأميرة، (لبنان: 2005 م)، ج 2، ص ص 205 - 410.

2- ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (ت 456 ه): جمهرة أنساب العرب،

تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مط. دار المعارف، (القاهرة: 1962 م)، ص 415.

3 - المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسی (ت 374 ه): معجم الشعراء،

تحقيق: عبد الباري أحمد، مط. دار إحياء الكتاب العربي، ط 2، لبنان: 1960 م)، ص 266.

4 - ابن سعد، محمد بن سعيد: الطبقات الکبری، تحقيق: علي محمد عمر، مط. مكتبة الخانجي، (القاهرة: 2001 م)، ج 8، ص 332؛ وللتفصيل أكثر حول مواطن التشابه والاختلاف في سلسلة نسب مالك الأشتر. ينظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد (ت 655 ه / 1255 م): نهج البلاغة، مط. دار الفكر، (بیروت: د.ت)، ج 15، ص 74؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت 825 ه): الإصابة في تمييز الصحابة، مط. دار إحياء التراث، (بیروت: د.ت)، ص 482؛ ابن دريد الأزدي، أبو بكر بن الحسين: الاشتقاق، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مط. مكتبة المثنی، ط 2، (بغداد: 1979 م)، ص 404؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت 825 ه): تهذيب التهذيب، مط. دار إحياء التراث، (بيروت: 1993 م)، ج 5، ص 354.

5 - الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 3، ص ص 285 -300؛ ابن حزم، جمهرة

ص: 351

أنساب العرب، ص 415؛ المرزباني، معجم الشعراء، ص ص 165 - 270.

6 - حسون، نجاح عبيد: إبراهيم بن الأشتر دراسة في سيرته، د.مط، (د.م: 2006 م)، ص ص 8 - 15.

7 - ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808 ه / 1405م): تاریخ ابن خلدون،

مط. دار الكتب اللبنانية، (بیروت: 1966 م)، ج 1، ص 81.

8 - ابن دريد الأزدي، الاشتقاق، ص 297.

9 - المرزباني، معجم الشعراء، ص 263.

10 - ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن سلم (ت 289 ه / 901 م): المعارف،

تحقیق: ثروت عكاشة، د.مط، (طهران: 1415 ه)، ص 586.

11 - الرازي، محمد أبي بكر قادر (ت 666 ه / 1265 م): مختار الصحاح، مط. دار

الكتاب العربي، (د.م: 1981م)، ص 562.

12 - المنقري، نصر بن مزاحم: وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون،

مط. المؤسسة العربية الحديثة، ط 2، (القاهرة: 1382 ه)، ص 260؛ ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن سلم (ت 289 ه / 901 م): الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر وجمال الدين الشيال، مط. دار نشر أقتاب، (طهران: د.ت)، ص 147.

13 - ابن أبي الحديد، نهج البلاغة، ج 1، ص ص 180 -200.

14- البلاذري، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر (ت 379 ه / 989 م): أنساب الأشراف، تحقیق: محمد عبد الله، مط. دار المعارف، (القاهرة: 1959 م)، ج 3،

ص: 352

ص ص 39 - 45.

15 - ابن حبیب، ابن جعفر بن عمرو: المحبر، رواية أبي سعيد السكري، مط. المكتب

التجاري للطباعة والنشر، (بیروت: د.ت)، ص 223.

16 - ابن حبیب، المحبر، ص 302؛ المنقري، وقعة صفين، ص 254.

17 - ابن أبي الحديد، نهج البلاغة، ج 1، ص 185.

18 - البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 39.

19 - البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص ص 39 -45.

20 - الأزدي، محمد بن عبد الله البصري (ت 231 ه / 845م): تاریخ فتوح الشام،

تحقيق: عبد المنعم عامر، مط. مؤسسة سجل العرب، (القاهرة: 1969 م)، ص 210.

21 - ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 482.

22 - ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 76.

23 - الرازي، مختار الصحاح، ص 250 ومابعدها.

24 - سورة الشورى، الآية: 14.

25 - ابن خلدون، المقدمة، ص 220.

26 - ابن خلدون، المقدمة، ص ص 220 - 222.

27 - سورة النساء، الآية: 65.

ص: 353

28 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص 111.

29 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص 112.

30 - الشطاط، علي حسين: المدخل إلى تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، د.مط،

(عمان: د.ت)، ص ص 175 -176.

31 - ابن هشام، أبو محمد عبد الله الحميري (ت 213 ه / 828 م): السيرة النبوية،

تحقيق: همام عبد الرحمن ومحمد عبد الله، مط. مكتبة المنار، ط 3، (الأردن:

1988 م)، ج 2، ص 50.

32 - ابن عبد ربه، شهاب الدين أحمد الأندلسي (ت 327 ه / 938 م): العقد الفريد، مط. دار هلال، (بیروت: 1990 م)، ج 4، ص 145.

33 - الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 133؛ البدوي، إسماعيل إبراهيم، نظام

القضاء الإسلامي، ص 247.

34 - سورة النساء، الآية: 141.

35 - اليوزبكي، توفیق: دراسات في النظم العربية الإسلامية، مط. جامعة الموصل، (الموصل: 1975 م)، ص 183.

36 - ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص ص 373 - 379.

37 - الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 64.

38 - ابن خلدون، المقدمة، ص 222.

39 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص 132؛ ينظر: ابن هشام، السيرة النبوية،

ج 1، ص ص 133 - 134.

ص: 354

40 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص 132.

41 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص ص 131 - 135.

42 - ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 134.

43 - الناطور، شحاذة، النظم الإسلامية، ص 132.

44 - الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 65.

45 - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم بن علي (ت 711 ه / 1242 م): لسان العرب، مط. دار صادر، (بیروت: 1990 م)، ج 1، ص ص 314 - 315.

46 - ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد: القربة في أحكام الحسبة، مط. دار الحداثة، (بیروت: 1990 م)، ص 29.

47 - الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 268.

48 - شلبي، أبو زيد: تاريخ الحضارة الإسلامية، مط. مكتبة وهبي، (القاهرة:

1383 ه)، ص 130.

49 - لجنة وزارة التربية، تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، ص 69.

50 - الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 268.

51 - سورة البقرة، الآية: 44.

52 - ابن خلدون، المقدمة، ص 225؛ إبراهيم، حسن، النظم الإسلامية، ص 298.

53 - ابن خلدون، المقدمة، ص 225؛ شلبي، أبو زيد، تاريخ الحضارة الإسلامية،

ص 132.

ص: 355

ص: 356

أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر

اشارة

الدكتور فوزي خيري كاظم

ص: 357

ص: 358

لا يمكن لصفحات هذا البحث وإن كَثُرتْ أن تستوعب القيم الوارد في عهد الإمام علي (عليه السلام) لواليه مالك بن الحارث المعروف بالأشتر حين بعثه والياً على مصر سنة، فهو دستور شامل ومتكامل للدولة، التي تعالج قضايا الحكم والإدارة وشؤون الدولة وعلاقتها مع الأمة والحقوق والوجبات المترتبة على الحاكم تجاه الأمة، وواجبات الأمة تجاه الحاكم، فقد حوى مختلف النظريات في مختلف جوانب الحياة، فلو أردنا الجانب الديني سنجد فيه القيم الروحية العالية التي جاء بها الإسلام وعمل على إشاعتها بين الناس، والمنظومة القيمية الأخلاقية للإسلام ترتسم بوضوح بين ثنايا سطوره، وترفل بروح التسامح وإشاعة ثقافة التسامح بين عناصر المجتمع كافة. وإن أردنا الجانب السياسي؛ فالعهد بحد ذاته منظومة سياسية متكاملة، تتوضح فيها العناصر الأساسية للإدارة الدولة وتنظيم عملها، وحين نبغي الجانب الاقتصادي؛ فالعهد يمثل اطروحة لنظرية اقتصادية مثالية تؤسس لمجتمع متآلف متراحم، طبقاً لما جاء به الإسلام الحنيف من مبادئ سامية. أما الجانب الإداري في هذا العهد؛ فهو منظمة متكاملة في كيفية إدارة الدولة وتنظيم العلاقة بين الحاكم ومحكومية.

وعليه فلا يمكن أن نتناول بالبحث والدراسة كل هذه الجوانب مجتمعة؛ لأن ذلك يستوجب جهداً ووقتاً ومجلدات لا تستطيع صفحات هذا البحث أن تحتويه. لذا فقد اقتصرنا على جزئية صغيرة من جانب من جوانبه يمكن أن نقف عندها ألا وهي أسس اختيار المسؤولين في الدولة وفق تعاليم الدين الإسلامي، فقد ورد فيه من الوصايا الشيء الكثير حول إدارة الدولة وما يجب أن يتصف به الحاكم من صفات، وما الذي ينبغي أن يتجنبه ليصل بالمجتمع إلى التكامل المطلوب في كل الجوانب.

ولأهمية موضوع اختيار المسؤولين لغرض تسنمهم المناصب العليا في الدولة،

ص: 359

ومراعاة الأسس الصحيحة في اختيارهم وفقاً لما جاء في الشريعة الإسلامية المقدسة، ولكون هذا الموضوع أصبح - في زمننا الحالي - أمراً في غاية الخطورة لما نراه من عملية تخط وعشوائية وانتقائية في اختيار المسؤول في الدولة وفقاً لنظام المحاصصة الحزبية، وعدم الأخذ بكفاءة من يتم اختياره، فقد رأينا أن نسلط الضوء على أهمية اختيار المسؤول في الدولة من وجهة نظر إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما رسمه وحدده من أسس قويمة في اختياره، اتخذناه ليكون موضوعاً لبحثنا هذا الموسوم ((أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر)). متناولين فيه أولاً: نبذة مختصرة عن مالك بن الحارث الأشتر، بعدها دخلنا في الموضوع الأساس من البحث وهو أسس اختيار المسؤولين في الدولة من خلال العهد.

سيرة مالك الأشتر

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد مالك بن النخع1، وكنيتهُ: أبو إبراهيم نسبة الى ولده الأكبر (إبراهيم)2، وسبب تلقيبه بالأشتر لأنه قد شُتِرَت إحدى عينيه في معركة اليرموك التي شارك فيها، وقد ضربه رجل على رأسه فسالت الجراح قيحاً الى عينه، فشترتها(3).

وكان شديد الفخر بهذا اللقب، حتى أنه تفاخر به في معركة صفين حيث قال:

إني أنا الأشترُ معروفُ الشترْ ٭٭٭ إني أنا الأفعى العراقيّ الذّكرْ (4)

اتفقت أغلب المصادر على أنه ولد في الجاهلية (5)، وأدرك الإسلام فأسلم (6)، يؤيد ذلك قيام أغلب المترجمين له بترجمته مع الصحابة، وذكر الواقدي انه شارك في بعض المعارك في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(7).

ص: 360

وكان ولادته في إحدى قرى اليمن، ثم نزل الكوفة واتخذها مسكناً له وموطناً له ولأولاده من بعده(8). إلا أن المصادر لا تعطينا تاريخ محدد لولادته. وقد وثقه أصحاب الحديث وعدوه من ثقاتهم في الرواية(9).

صفاته:

إن الحديث عن شخصية مالك بن الحارث حديث لا يمكن أن تتسع له صفحات البحث القليلة التي نحن بصددها، كما أن الحياة التي عاشها - والمليئة بالأحداث والبطولات - لا يمكن أن يستطيع فيها كاتب مهما حاول الاختصار أن يعطي هذه الشخصية ما يغني عن تلك السيرة التي ملأت صفحات التاريخ بطولة وإقداماً. ولكننا ملزمون بعدد قليل من الصفحات لابد لنا من الالتزام بها، على الرغم من أننا لم نوفي حقّ من نحن بصدد الحديث عنه، ولكنها تكفي للتعريف به ولو ببساطة.

أولى الصفات التي عُرفت عن مالك الأشتر هي شجاعته التي قلّ نظيرها، فقد كان شجاعاً بكل ما لهذه الكلمة من معنی حتی کانت من أبرز خصائصه، وقد امتلأت كتب المؤرخين بالإشادة بتلك الشجاعة، ويكفيه شرفاً قول أمير المؤمنين فيه لما ولّاه مصر، حين بعث له کتاب توليته: «السلام عليك يا مالك، أما بعد فإنك ممن استظهر به على إقامة الدين وأقمع به نغوة الأليم، وأسد به الثغر المغوف» (10).

ومن أبلغ ما وجدناه في هذا الصدد قول الجاحظ فيه: «أن حياتهُ هزمت أهل الشام وموته هزم أهل العراق»(11). كما وصفه الأزدي (ت 231 ه) بأنه: «كان من جلداء الرجال ومن أشداءهم وأهل القوة منهم والنجدة»(12)، أما ابن الأثير (ت 630 ه) فذكر أنه: «أحد الفرسان المعروفين، له المقامات المشهودة في فتح العراق وغيره وفي الجمل وصفين»(13). في حين قدّم ابن أبي الحديد (ت 656 ه) وصفاً دقيقاً

ص: 361

لشجاعته حين قال: «كان شديد البأس جواداً رئيساً حليماً... وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق، وإن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف ولين في غير ضعف»(14)، وقال ابن خلکان (ت 681 ه) انه: «كان من الشجعان والإبطال المشهورين» (15). وذكره الذهبي (ت 748 ه) بقوله: «وكان شريفاً مطاعاً، وفارساً شجاعاً»(16)، أما القلشقندي (ت 821 ه) فقال: «كان من مشاهير شجعان العرب وكان رئیس قومه» (17). وقد عده ابن تغري بردي (ت 874 ه): «أحد الشجعان الإبطال المشهورين»(18).

ولعلنا نحتاج إلى صفحات كثيرة حتى نستطيع إيراد جميع ما وجدناه في كتب

المؤرخين من وصف لمالك وشجاعته، ولكننا سنكتفي بإيراد ما أوردناه.

وكل هذه الصفات جاءت متوافقة مع ما كان عليه من إيمان حمله بين جنبيه، واثق الخطى، يسير بثبات المؤمن، كيف لا وقد صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى صار کما يصفه بالقول: «رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)»(19). فأي إيمان يحمل هذا الرجل حتى يصفه أمير المؤمنين بهذا الوصف؟؟.

وفضلاً عن شجاعته، كان مالك خطيباً يشار إليه بالبنان، لتميزه بقوة خطابية،

فائقة وحجة واضحة، وهذه الصفة أكدها جمع من المؤرخين (20).

کما کان شاعراً شهدت له ساحات الحروب التي خاضها فنطقت بشعره فضلاً عن شجاعته، فكان شعره ورجزه يواكبان سيفه أينما حلّ، وقد أفاضت المصادر التاريخية والأدبية بالكثير منها(21).

كذلك كان مالك إدارياً كفوءاً يشهد له بذلك تقلده العديد من المناصب في زمن

ص: 362

أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد كان والياً للإمام علي (عليه السلام) أثناء خلافته على (الموصل ونصيبين ودارا وسنجار، وآمد وهيت وعانات وغيرها)(22)، كما كان والياً على الجزيرة (23).

وآخر ولاياته كانت على مصر، حيث أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن تناهى إلى سمعه قیام معاوية بن أبي سفيان (41 - 60 ه) بإرسال عمر بن العاص ومعاوية بن حُديج في أربعة آلاف رجل (24) لاحتلالها، قال: ما لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلناه - يعني قيس بن سعد بن عباده - أو الأشتر» (25)، وأستقر رأيه على الأشتر. فبعثه إليها إلا أنه توفي قبل أن يصل.

وفاته:

بعد أن علم معاوية بن أبي سفيان بتولية الإمام علي (عليه السلام) لمالك على مصر، علم أنه لا يستطيع الوصول إليها مادام مالك والياً عليها(26)، ولأن الغدر من شيم الجبناء، فقد احتال معاوية وعمل على قتله، فدس له سماً بواسطة رجل من أهل الخراج (27)، وقيل كان دهقان القلزم (28)، بعد أن وعده معاوية بعدم أخذ الخراج منه، فجعل السم في العسل وسقاه إياه فمات (رحمه الله)، وكانت شهادته عام (38 ه) (29) بالقلزم. غير أن ابن سعد والمسعودي (30) يذكران أنه توفي ب(العريش).

وقد نقلت المصادر التاريخية فرحة معاوية باستشهاد مالك، حين نقلت قوله حين بلغه الخبر: «كان لعلي يدان یمینان، قطعت أحداهما يوم صفين - يعني عمار بن یاسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني مالك الأشتر»(31)، وكذلك نقلوا قوله في هذه المناسبة: «إن لله جنوداً من عسل» (32).

ص: 363

أما الإمام علي (عليه السلام) فقد حزن حزناً شديداً حين بلغه هذا الخبر، فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. اللهم أني احتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر، ثم قال: رحم الله مالكاً فقد وفي بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع إنّا وطّنا أنفسنا على أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنها أعظم المصائب» (33). كما قال (عليه السلام): «رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(34).

وهذا يدل على شدّة تأثر الإمام (عليه السلام) بوفاة هذا الإنسان المخلص في إيمانه وفي صحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وللدين الإسلامي الحنيف.

أسس اختيار المسؤولين في الدولة

بعد التوسع الكبير الذي شهدته الدولة العربية الاسلامية في العصر الراشدي على أثر الفتوحات الإسلامية، وكذلك استحداث مدن جديدة و تمصيرها، ظهرت الحاجة للعديد من الوظائف الإدارية الجديدة لإدارة تلك الأقاليم وحفظ الأمن والنظام فيها، وتنظيم مواردها المالية، وشؤون الناس هناك، فالخلافة أصبحت غير قادرة على إدارة تلك الأقاليم بصورة مركزية لذا اقتضت الحاجة اغلى تعيين ولاة (مسؤولين) يديرون شؤون تلك الولايات، ولم تكن هذه المناصب مستحدثة بل كان امتداداً لإجراءات عمل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان يرسل من ينوب عنه - في بعض الأحيان - لإداء بعض الأعمال في تلك الأمصار منها الدعوة إلى الإسلام وتعليم الناس هناك تعاليمه وتحفيظهم کتاب الله وشرحها لهم، فضلاً عن تولي القضاء للفصل في النزاعات التي تحدث فيها، وكذلك تدبير الأمور

ص: 364

المالية وتنظيمها.

أما في عهد الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) ونتيجة لاتساع رقعة الدولة، وانتشار الإسلام فقد اتسع نطاق عمل هذا الوالي، وصار يحضى بالعديد من الصلاحيات في مختلف الجوانب الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن الدينية.

ومن شروط التولية أن يكون الوالي مسلماً حراً بالغاً عاقلاً (35). كما يجب أن يكون عارفا بالسياسة. والخبرة في الحرب والإدارة، وفي هذا يقول الإمام علي (عليه السلام) لأهل مصر موضحاً لهم سبب اختياره مالك بن الحارث الأشتر بالقول: «أما مالك هذا أشد على الكفار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فأسمعوا له واطيعوا أمره فيما طابق الحق فأنه سيف من سيوف الله ولا كليل الحد، ولا نابي الضريبة فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر إلا عن أمري وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوکم»(36).

إذن علمه بالسياسة وخبرته كانت أحد أسباب اختياره لولاية مصر التي كان الإمام (عليه السلام) يخشى عليها من نفوذ معاوية.

ومن نظرة أولى للعهد يتبين أن الإمام علي (عليه السلام) أوضح أن المجتمع يتألف من فئات عدّة، وليس كله طبقة واحدة، ولكل طبقة - كما هو معروف - لها محدداتها ومتطلباتها الخاصة، فقال: «واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من

ص: 365

أهل الذمة ومسلمة الناس ومن التجار ومن أهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى وذوي الحاجة والمسكنة»(37).

وهذا يعني إن على الوالي أن يكون على دراية وفهم واسعين بمكونات المجتمع الذي يحكمه، فالناس ليست كلها على مستوٍ واحد ولا هم علي شأنٍ واحد، لذا على الوالي أن يفهم ذلك فهماً واعياً، ويراعي مثل هذا التفاوت، وأن يكون تصرفه حکیماً، ومبني على فهمه لطبيعة هذا المجتمع المتعدد الطبقات.

لذلك نراه (عليه السلام) يحثُّ عامله على إشاعة العدل والمساواة بين طبقات المجتمع، هذا العدل الذي هو أساس قيام الدولة ودستور وجودها، هذا الأساس الذي يعتمد على إعطاء كل ذي حقٍ حقه، من غير تعدٍ ولا تفريط، فتكون النتيجة تآلف المجتمع وتحابه، والتفافه حول قيادته تحت کل ظرف.

وحدد أمير المؤمنين (عليه السلام) صفات الولاة وخصالهم، التي يجب أن تكون خصال حميدة محمودة، فإنْ احتاج الوالي إلى بعض المساعدين أو إلى عمال للمناطق التي يحكمها، وجب عليه اختيارهم وفق أسس معينة وضحها أمير المؤمنين بالقول: «فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء، وممن لا يثيرهُ العنف ولا يقعد به الضعف» (38).

ويفهم من هذا النص أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حدَّد أسس اختیار الولاة بالآتي:

1. الإيمان بالله ورسوله.

2. الزهد في الدنيا والتعفف عنها.

ص: 366

3. الصبر والقدرة على ضبط النفس في التعامل مع الأمور.

4. التسامح مع الناس والعفو عن الذنوب.

5. شديد في ذات الله لا تأخذه في الحق لومة لائم.

6. أن يتمتع بالحلم والأناة والشجاعة، وذو رأي حازم غير متهور.

واكد الإمام علي (عليه السلام) على مجالسة الوالي للعلماء وتقريبه الفقهاء ورعايتهم واکرامهم وتعظيم شأنهم، لأنهم وبما يملكون من علم ودراية وتجربة سيكونون خير عون للوالي في تقديم النصح له وإرشاده، وهو ما يوضحه قوله (عليه السلام): «وأكْثِر من مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صَلُحَ عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك» (39).

ومن الأمور التي يجب على الوالي الاهتمام بها هو جلساءه وبطانته الخاصة - وهم المستشارون - إذ أن هؤلاء يجب أن يكونوا من أهل الخير والصلاح لما لهم من دور كبير في تحسين بعض المواقف التي قد تستدعي الحاجة لتدخلهم على نحوٍ مناسب، تجنباً لاتخاذ قرار غير موفق من قبل الوالي أو الحاكم نتيجة التسرع أو عدم تقدير الأمر على الوجه الصحيح فيكون دورهم هنا هو تصحيح الأمور، لذا وجب أن يكون هؤلاء الجلساء من أهل الصلاح، لأن فيهم من يكون قليل الخير لا يحب إلا نفسه، ونتيجة لظلمه نفسه وتعديه على الله ورسوله، فقد يُحسّن للوالي أمور غير صحيحة يُظلم فيها الناس وتُصادر حقوقهم، وفي ذلك يقول (عليه السلام): «ثم إن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول وقلة أنصاف في معاملة، فأحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعن لاحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة، ولا يطمعنَّ منك في اعتقاد عقد تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فیکون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة»40.

ص: 367

ويحذر الإمام (عليه السلام) ولاته من الذين يسعون إلى ذكر عيوب الناس أمامهم، لأن ذلك مما نهى الله عنه في كتابه الكريم بقوله: (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلأَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)(41). وقد جاء في كتابه الى مالك الأشتر موصياً: «ولیکن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس فإن في الناس عيوباً الوالي أحقُّ بسترها، فلا تكشف عما غاب عنك فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فأستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعیتك» (42).

وأوجب (عليه السلام) على الولاة التزام الحق والعدل في القريب والبعيد على حد سواء حتى لو كانت العقوبة في أحد أفراد عائلته أو قرابته أو خاصته لأن تنفيذها وعدم تعطيلها فيه سيرة محمودة للوالي لدى الرعية فيقول (عليه السلام): «والزم الحق من لزمه القريب والبعيد، وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع، وأبتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبّة ذلك محمودة»(43).

هذا فضلاً عما افصحت عنه رسائل الإمام (عليه السلام) الى ولاته من ضرورة الاهتمام بمصالح الرعية وتوخي العدل في الحكم والتزام المسؤولية بأمانة تجاه مصالح الناس المالية والاجتماعية.

كما أشار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى موضوع في غاية الأهمية وهو اختيار الوالي لمستشارين أو وزراء يساعدوه في إدارة أمور الدولة والحكم، ولأهمية هذا المنصب فقد أكد أمير المؤمنين على اختيارهم بصورة دقيقة لأن لهم تأثير على الوالي بما يقدمونه من نصح وإرشاد في ما يستشارون به، لذا اشترط على واليه أن لا يكونوا ممن شغل المنصب للأشرار قبل ذلك؛ كونهم كانوا شركاء لولاتهم وحكامهم في آثامهم باعتبارهم مساعدين لهم ومعاونين على الظلم والآثام، فقال (عليه السلام):

ص: 368

«إن شرّ وزرائك من كان قبلك للأشرار وزیراً، من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الآثمة وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل اصارهم وأوزارهم»(44).

ويتحتم لمن يتقلد هذا المنصب أن يكون ورعاً تقياً نقياً، لا يتوانى عن تقديم النصح والإرشاد عند الحاجة، وأن يكون ممن يقول الحق ولا تأخذه فيه لومة لائم، ويؤكد أمير المؤمنين على اختيار الأفضل منهم والأطوع للحق، وهو ما نلمسه من قوله (عليه السلام): «ثم لیکن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحق لك وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعاً ذلك من هواك حيث وقع»(45).

كما يحذّر الإمام (عليه السلام) الولاة والحكام من مديح المستشارين والعمال والمقربين، لأن الهدف من المديح هو تحقيق غايات ومصالح خاصة لا تتلائم مع المصلحة العامة، فيقول (عليه السلام): «ثم رِضْهُمْ على ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو، وتدني من العزة»(46).

ومن الصفات الواجب توفرها في هؤلاء المستشارين - کما بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) - هي أن لا يكونوا بخلاء أو جبناء، لأن هؤلاء يسعون إلى منع الخير والفضل الذي ينوي الوالي فعله للرعية، فقال (عليه السلام): «ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الامور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور فأن البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله »(47).

وقد ورد النهي عن البخل والتحذير منه في القرآن الكريم في آيات عدة، منها قوله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأمرونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً)(48)، أما الجبن فهو من الصفات التي تعوذ منها رسول

ص: 369

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أصحابها، کما ورد في قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر» (49).

کما ويوصي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولاته بالتمعن باختيارهم للقضاة، إذ يجب أن يتصفوا بالعلم وسعة الصدر، وهو ما أشار إليه بقوله: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحّکه (50) الخصوم، ولا يتمادى في الزلّة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلّهم تبرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل»(51)، فضلاً عن ذلك أشار (عليه السلام) إلى أنه من الضروري قيام الوالي بالإشراف على عمله ليس من باب التدخل في عمله، وإنما من أجل الوقوف على احتياجاته وتأمينها ومنها على وجه الخصوص تأمين مستلزمات معيشته من خلال فرض عطاء مناسب له يؤمن فيه عيش حرّ کریم له ولعائلته، حتى تقل حاجته للناس فلا يشغله عن عمله شغل آخر، ولتطمئن نفسه، وهو ما يتوضح من قوله (عليه السلام): «ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس» (52)، كما أن على الوالي أن يتعاهد القاضي بالمنزلة الرفيعة، ويقربه منه ليطمئن القاضي على نفسه - على أقل تقدير - من منافسة الرجال ووشايتهم عليه عند الوالي، وهو قوله (عليه السلام): «وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك»(53).

ومن المناصب الأخرى التي أولاها الإمام (عليه السلام) عنايته وأوصى الولاة

ص: 370

باختيارهم بصورة دقيقة، هو منصب الكاتب، وهذه الوظيفة الإدارية لها دورها في تنظيم أمور الدولة وحفظ الحقوق، وقد أوضح الإمام أهمية هذه الوظيفة بقوله: «لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الامور وعوامها»(54). فأهمية منصب الكتابة تكمن في اطلاع الكتاب على أسرار الامور وعلانيتها ومعرفة أسرار الدولة، لذلك أوصى الولاة بضرورة العناية باختيار من يتولى هذا المنصب، وهو ما نلاحظه من قوله (عليه السلام): «ثم انظر في حال كتابك، فولِّ على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مکاتبات عمالك عليك، وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ لك ويعطي منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل»(55).

أما أسس اختيارهم، فقد أوضح أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه لا يكون اختيارهم على أساس الفراسة المبنية على حسن الظن - من قبل الوالي -، لأن بعض الناس قد يحاولون التصنع وإظهار غير ما تبطن أنفسهم لغرض الفوز بالمنصب، فضلاً عن ذلك اختبار سيرتهم في الناس حين كانوا يتولون أعمالاً للولاة السابقين، فسيرتهم تلك هي خير مصداق لسلوكهم القادم، لذلك أشار الإمام (عليه السلام) إلى ذلك بالقول: «ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك استنامتك وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً، فإن ذلك دليل على نصيحتك

ص: 371

لله ولمن وليت أمره»(56).

وأشار الإمام (عليه السلام) الى رعاية الوالي لعمالهم وتعهده لهم، من خلال تحديد عطاء هم من بیت المال ومراعاة أن تكون هذا العطاء كافٍ لسد حاجاتهم وحاجات عوائلهم ليغنيهم ذلك عن الحاجة الى الناس، والنظر إلى ما في أيدي الغير، وفي ذلك سبب مهم وضحه أمير المؤمنين (عليه السلام) فحين تسد حوائجهم تكون الحجة للوالي على العمال إذا ما خانوا الامانة وخالفوا أمره: «ثم أسْبغْ عليهم الأرزاق، فإن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم أن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك» (57).

کما حذر أمير المؤمنين (عليه السلام) الولاة من نقض القوانين والسنن الصالحة التي عمل بها مصلحو هذه الأمة قبلهم، واجتمعت عليها الأمة وصلح أمرها؛ لأن نقضها وتغييرها فيه ضرر كبير عليه وعلى المجتمع، وقد يكون هذا الضرر ضرراً مادياً يلحق بالرعية، فضلاً عن الأثر الديني لمسألة التغيير هذه، عملاً بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من سنَّ سُنَّة حسنه فعمل بها كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن سنَّ سنَّة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً»(58). وهو ما عناه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ولا تنقض سنَّة صالحه عمل بها صدر هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تُحدثنَّ سنة تضرُّ بشيء مما في تلك فيكون الأجر لمن سنَّها والوزرُ عليك بما نقضتَ منها»(59).

ومن توجيهاته (عليه السلام) الأخرى للوالي، العمل على كسب ود الرعية وبث روح الرحمة والتآلف بين أفراد المجتمع من خلال نشر العدل والمساواة بينهم، وتخفيف الصعاب عليهم، فيقول (عليه السلام): «وأعلم أنه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنِّ

ص: 372

والٍ برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيف المؤونات عليهم، وترك استكراهه ایاهم على ما ليس قبلهم، فليكن منك في ذلك امر يجتمع لك فيه حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظنّ يقطع عنك نصباً طويلاً، وإنَّ أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤه عنده، وإن أحق من ساء ظنه بك لمن ساء بلاؤك عنده» (60).

وشدّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على أن لا يكون هذا الإحسان من قبل الوالي نحو رعيته منَّاً منهم، وإنما واجب عليهم ذلك بحسب المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فهم ولاة الأمر والمسؤولون عن إشاعة العدل والإحسان بين من يحكموهم، وهذا ذات ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَالأِّذَی)(61). فالوالي يعدُّ مسؤولاً عن رعيته، وتفقدها من قبله وإحسانه إليها من الواجبات التي لابد له من القيام بها، عملاً بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(62). وسيحاسبه الله سبحانه وتعالى عن رعيته مثلما يحاسب رب العائلة عن عائلته، ويتضح ذلك في مفهوم حدیث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ثم إن الله سأل كل راع عمّا استرعاه أحفظ أم ضيّع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»(63).

وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) شرح ذلك ووضحه في قوله: «وإياك والمنّ على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيها كان من فعلك - فإن المنّ يبطل الإحسان والتزيّد يذهب بنور الحق»(64).

كما أوصى (عليه السلام) ولاته بعدم إخلاف الوعود التي يعطونها للرعية، لأنّ ذلك يعدُّ من الصفات غير المرغوبة في الإنسان عموماً، فضلاً عن كونه والياً، وهي من صفات المنافقین کما صرّح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (65) بقوله: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (66). فقال (صلى

ص: 373

الله عليه وآله وسلم): «وإيّاك - أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك - والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله سبحانه: (کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (67)»(68).

ويحذر الإمام (عليه السلام) ولاته أيضاً من القتل والعدوان بغير حق وسفك الدماء كونه لا يُرضي الله سبحانه أولاً؛ فهو من الأمور التي حرَّمها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِکُونَ دِمَاءَکُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ ثُمَّ أَقْرَرتُمْ

وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)(69). وهو أول ما يقضي به يوم القيامة هو الدماء الحرام، وثانياً: إن ذلك يؤدي إلى زوال الملك، إذ أن سفك الولاة للدماء، إن كان بقصد تقوية سلطانهم وتثبيت أركان دولتهم، فإنه سوف يأتي بنتيجة عكسية، فيقول (عليه السلام): «إياك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنه ليس شيء أدعى إلى النقمة، ولا أعظم لتبعه، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوین سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن» (70).

أما إذا حدث القتل عن طريق الخطأ أو دون قصد الوالي، فإن أمير المؤمنين شدّد على الوالي بأن يراجع ذوي المقتول بأن يؤدي حقه لأهله وهي ديّة القتل، حتى يسترضيهم، ولا يتوانى في ذلك مستغلاً منصبه وسلطانه، فيقول (عليه السلام) في ذلك: «وإن ابتليت بخطأ، وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة، فإن في الوكزة (71) وما فوقها مقتله، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم»(72).

وهذا عين ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا کُتِبَ

ص: 374

عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73). فالله سبحانه لا يرتضي بالعدوان، وأن الشريعة السمحاء منعت التعدي بين الأفراد سواء كان ذلك عمداً أو بغير عمد، فحفظ الحقوق والعدالة والمساواة هي الأسس التي قام عليها الإسلام الحنيف، فضلاً عن إبداء التسامح والعفو عند المقدرة، وهو من شيم الكرام، ومما جاءت به الشريعة المقدسة وأكدت عليه.

ومن الأمور التي أكد عليها الإمام علي (عليه السلام) الابتعاد عن اعجاب المرء بنفسه، فإن ذلك سيكون سبباً في عدم النظر إلى الأمور بمنظارها الصحيح، وبالتالي يكون هذا سبب هلاكه فيقول (عليه السلام) محذراً: «إياك والاعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها» (74).

کما نهی (علیه السلام) عن التغافل عن أخطاء خاصته وعماله، وعدم نصرة المظلوم على الرغم من علمه بظلمه ومن ظلمه، لأن الله سبحانه وتعالى لن يدع ذلك دون عقاب، بل وسينتصر لذلك المظلوم منه أولاً كونه المسؤول عن الرعية، وعن الناس وأخذ الحقوق والانتصار للمظلومين، فهذا واجبه الذي أوصاه به الله تعالى، وهو أيضاً واجب المسؤولية الملقاة على عاتقه بحكم تصديه لها، وقد يعد شريكاً للظالم في ظلمه لأنه رأى الظلم فتركه، ولم ينصف المظلوم، قال (عليه السلام) : «إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما تعني به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك المظلوم»(75).

کما حذّر (عليه السلام) ولاته من الغضب وأمرهم بأن يملكوا أنفسهم، وأن يكونوا حذرين من الوقوع تحت سطوته، فقد يطلقوا أحكاماً على أشخاص أو في

ص: 375

القضايا التي بين أيديهم وهم في تلك الحالة من اللاشعور، وهذا ما تقود - بكل تأكيد - إلى أحكام ظالمة قد تودي بهم إلى التهلكة من خلال عدم رؤيتهم للحق بفعل وقوعهم تحت سيطرة الغضب، وهو ما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: «املك حميّة انفك، وسورة حدّك، وسطوة يدك، وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة، حتى يسكن غضبك، فتملك الاختيار» (76).

ودعاهم إلى اتباع السنن الصالحة لمن سبقهم من الحكام الأخيار العدول، ولاسيما ما نُقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من آثارٍ، والفرائض التي جاءت في كتاب الله عز وجل، وأن لا يتبعوا هوى أنفسهم سواء في الحكم أو في التعامل مع الناس، وجعل المضي على تلك السيرة الصالحة واجب وفرض محتّم عليهم وليس في الأمر اختیار، ولعل ذلك يعود إلى كون الإلزام نابع من المسؤولية الملقاة على عاتقهم والتي ارتضوا القيام بها، ولهذه المسؤولية واجب محدّد هو إشاعة العدل والمساواة والحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وهو ما نراه واضحاً من قوله (عليه السلام): «الواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة فاضلة، أو أثر عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، من فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك الى هواها» (77).

کما حذر الإمام (عليه السلام) ولاته من الاحتجاب عن الرعية، فهذا الأمر يجعلهم بعيدين عن المجتمع الذي يتوجب عليه مراعاته وحفظه، فضلاً عن أن مسؤوليته تجاه المجتمع تحتم عليه أن يكون قريباً من الناس لمعرفة احتياجاتهم ومشاكلهم والعمل على حلِّها، لأن ذلك يقع ضمن مسؤلياته التي ارتاضها لنفسه،

ص: 376

وقبل أن يكون بموضع القيادة في المجتمع، وهذا يوجب عليه الاطلاع على شؤون الناس ومراعاتها، وهو ما وضحه (عليه السلام) بقوله: «فلا تطولنّ احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتاجوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ویشاب الحق بالباطل، وانما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليس على الحق سات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب» (78).

فضلاً عن ذلك بيَّن الإمام (عليه السلام) أن حاجات الناس للوالي لا تتعدى

طلب الإنصاف في المعاملة أو رفع مظلمة وقعت عليه، وأغلب حاجات الناس مما لا يكلف الوالي شيئاً قد يخاف اعطاءه، مع أن إحدى صفاته والتي يجب أن يتصف بها هي الكرم والسخاء، وهذا ما نتلمسه من قوله (عليه السلام): «إن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة» (79).

فضلاً عن ذلك، يؤكد الإمام (عليه السلام) على ضرورة عمارة الأرض وإصلاحها لما فيه من أهمية اقتصادية كبيرة تعود بالنفع على المسلمين عامة، ونتلمس ذلك بقوله: «... وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. ولیکن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغیر عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً» (80).

ويؤكد الإمام (عليه السلام) على عامله، أن ينظر إلى رعيته بعين الرأفة وأن يأخذ

ص: 377

حالهم وحال الأرض بعين الاعتبار، فإن ساءت الأحوال فعليه التخفيف عنهم بما

يصلح معه أمرهم، وفي هذا الصدد يقول: «... فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم...»(81).

نلاحظ من خلال هذا العهد، أن الإمام ربط صلاح الأرض بصلاح الدولة نفسها، إذ إن الاهتمام بعمارة الأرض وصيانتها مما قد يلحق بها من أضرار طبيعية وعدل العامل واستعماله الرأفة في استحصال الخراج يؤدي إلى إشاعة الثقة والمحبة وروح التعاون بين عامة الناس وولاة أمرهم، ويؤدي إلى صلاح المجتمع ككل.

يتبين بوضوح حرص الإمام (عليه السلام) على جباية الخراج والاهتمام بذلك، کونه (عليه السلام) إمام هذه الأمة والإمام مسؤول عن رعيته. كما أن الرفق مع الرعية من الإيمان، دلًّ على ذلك حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله يحب الرفق ويعين عليه» (82)، وما روي عن الإمام الباقر (علیه السلام) إنه قال: «إن لكل شيء قفلاً وقفل الإيمان الرفق» (83).

ص: 378

الخاتمة

توصل البحث في نهايته إلى النتائج الآتية:

1. يعد مالك بن الحارث الأشتر من الشخصيات المهمة التي نالت ثقة الإمام علي (عليه السلام) وکان على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها على طول تاريخه الحافل في الإسلام عموماً ومع أمير المؤمنين خاصة.

2. يعد عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك بن الحارث من أهم العهود والوثائق التي رسمت خارطة طريق متكاملة لعملية تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ورسم سياسة الدولة تجاه رعيتها، فهو بحث يعد دستوراً شاملاً ومتكاملاً يؤسس لعدالة اجتماعية قلّ نظيرها لو طبقت بشكلها الصحيح، وتضمن حقوق الناس والدولة بالكامل.

3. شدد أمير المؤمنين - من خلال العهد - على ضرورة أن يكون اختيار المسؤولين في إدارة الدولة مؤسس وفق النظام الإسلامي الذي يضمن أن يكون هذا الاختيار من باب (الرجل المناسب في المكان المناسب).

4. إن الأسس التي رسمها الإمام علي (عليه السلام) لاختيار المسؤول نابعة من شريعة سمحاء يؤدي السير وفقها إلى ضمان إشاعة العدالة الاجتماعية بين عموم طبقات المجتمع، من خلال وجود حاكم عادل يطبق ذلك النظام وفقاً للشريعة ومقتضياتها.

5. إن العهد يؤسس لإدارة ناجحة على كل المقاييس والسبل، ولعل تطبيقها يحتاج بداية إلى أن يكون رأس الإدارة من عوامل نجاحها، وهذا يعني إن الاختيار الأمثل يجب أن يبدأ من اختيار المسؤول عن الإدارة، لأنه سيكون الأداة المنفذة للمسؤولية. فقد ضم العهد بين طياته أسس الإدارة الناجحة.

6. شدد أمير المؤمنين على وجوب أن يتحلى المسؤول بصفات عدة لعل أبرز تلك

الصفات: التحلي بالأمانة والنزاهة، والابتعاد عن مجالسة المنافقين وعديمي الضمير، والاكثار من مجالسة العلماء لأنهم الأنفع والأقدر على تقديم النصح والإرشاد حين يطلب المسؤول استشارتهم.

ص: 379

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم

المصادر

- ابن الأثير، علي بن عبد الواحد الشيباني (ت 630 ه)،

1. الكامل في التاريخ، دار صادر، دار بيروت، (بیروت 1966).

2. اللباب في تهذيب الأنساب، دار صادر، (بیروت د.ت).

- أبن الأثير، ضياء الدين، (ت 637 ه)

3. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: د. احمد الحوفي، دار الرفاعي، ط 1، (الرياض 1982).

- أحمد بن حنبل، أبو عبدالله احمد بن حنبل الشيباني (ت 241 ه)،

4. المسند، دار صادر، (بیروت د.ت).

- الآمدي، ابو عبد الله محمد بن عمران (ت 384 ه)

5. 12 - المؤتلف والمختلف، تحقیق: محمد بن محمد الشنوفي، مكتبة القدس (القاهرة 1935 م).

- الأندلسي، أبن سعيد علي بن موسي (ت 685 ه)

6. المغرب في حلى المغرب، تحقیق: زكي محمد حسن وآخرون، مطبعة فؤاد الأول (د.م، 1953 م)

- البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه)،

7. التاريخ الكبير، المكتبة الإسلامية - ديار بكر، (تركيا د.ت).

8. صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1981).

- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 ه)،

9. المحاسن، تصحیح وتعليق: جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، (طهران

1370 ه).

- البكري، أبو عبيد بن عبد العزيز الاويني (ت 487 ه)

ص: 380

10. سمط الألي في شرح امالي القالي، تحقيق: عبد العزيز الميمني، ط 1 (الهند، د، ت)

- البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه)،

11. انساب الأشراف تحقیق وتعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بیروت 1974 ه).

- ابن تغري بردي، جمال الدين يوسف الأتابكي (ت 874 ه)،

12. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، (مصر د.ت).

- أبو تمام، حبیب بن اوس الطائي (ت 231 ه)

13. ديوان الحماسة، شرح العلامة التبريزي، دار القلم، (بیروت د.ت).

- الثقفي، إبراهيم بن محمد (ت 283 ه)،

14. الغارات، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي، مطابع بهمن، د.ت.

- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه)

15. البيان والتبيين، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، ط 5 (القاهرة 1985).

- ابن حبان، محمد بن حبان بن احمد البستي (ت 354)،

16. الثقات، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن، ط 1 (الهند 1973).

17. الصحيح، تحقیق: شعيب الأرنؤوط، ط 2، مؤسسة الرسالة، (بیروت 1993).

- ابن حجر العسقلاني، احمد بن علي (ت 852 ه)،

18. الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1415 ه).

19. تهذيب التهذيب، ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1984)

- ابن أبي الحديد، أبو حامد بن هبة الله المدائني (ت 656 ه)،

20. شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، 1959

- أبن حزم، أبو محمد علي بن احمد بن سعيد الأندلسي (ت 456 ه - 1063 م)

ص: 381

21. جمهرة انساب العرب، تحقق: عبد السلام محمد هارون، دار المعارف ط 3، (مصر، 1971)

- الحموي، یاقوت بن عبدالله (ت 626 ه)،

22. معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، (بیروت 1979).

- ابن خلکان، احمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681 ه)،

23. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقیق: إحسان عباس، دار الثقافة، (بیروت

د.ت). خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة العصفري (ت 240 ه)،

26. الطبقات، تحقيق: الدكتور سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1993).

- الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام (ت 255 ه)،

25. السنن، مطبعة الاعتدال، (دمشق 1349 ه).

- أبو داود، سلیمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه)،

26. السنن، تحقیق: سعيد محمد اللحام، ط 2، دار الفكر للطباعة، بیروت 1990.

- الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه)،

27. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والإعلام، تحقیق: عمر عبد السلام تدمري، ط 1، دار الكتاب العربی، (بیروت 1987).

28. دول الإسلام، ط 2 (بيروت، 1985).

29. العبر في خبر من غبر، تحقيق: صلاح الدين المنجد، ط 2، مطبعة حكومة الكويت،

(الكويت 1984).

- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت 230 ه)،

30. الطبقات الکبری، دار صادر، (بيروت .د.ت).

- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه)،

31. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، (بیروت د.ت).

ص: 382

- السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور (ت 562 ه)،

32. الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، ط 1، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 1988).

- الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه)،

33. تاريخ الرسل والملوك، تحقيق ومراجعة: نخبة من العلماء، ط 4، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بيروت 1983).

- العجلي، احمد بن عبد الله بن صالح أبي الحسن (ت 261 ه)

34. تاريخ الثقات، تحقيق: د. عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1(لبنان 1984).

- أبن العماد، شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي بن احمد محمد (ت 1089 ه)

35. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الارناؤوط بيروت، ط 1، (لبنان

1986).

- القالي، ابو علي اسماعيل بن القاسم (ت 356 ه)

36. الامالي، (د،م)، (د،ت)

- أبن قايماز، ابو عبد الله محمد بن احمد (ت 748 ه)

37. المشتبه في الرجال اسمائهم وانسابهم، تحقيق: محمد علي البجاوي، دار احياء الكتب العربية، ط 1 (بيروت، 1962)

- ابن كثير، إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه)،

83. البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، ط 1، دار إحياء التراث العربي، (بيروت 1988).

- أبن الكلبي، هشام بن محمد بن السائب (ت 204 ه)

39. نسب معد واليمن الكبير، تحقيق: د. ناجي حسن، مكتبة النهضة العربية، ط 1 (بيروت 1988).

- الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه)،

ص: 383

40. فروع الكافي، تحقيق: محمد جواد الفقيه ويوسف البقاعي، ط 3، دار الأضواء، (بیروت 1992).

- ابن ماجه، محمد بن یزید (ت 275 ه)،

41. السنن، تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط 2، دار الفكر للطباعة، (بیروت د.ت).

- المازندراني، مولي محمد صالح (ت 1081 ه)،

42. شرح أصول الكافي، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، ط 1، دار إحياء التراث العربي

للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 2000).

- الماوردي، علي بن محمد البصري (ت 450 ه)،

43. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق: احمد عبد السلام، ط 2، دار الكتب العلمية، (بیروت 2006).

- المرزباني، ابو عبد الله محمد بن عمران (384 ه)

44. معجم الشعراء، تحقیق: محمد بن محمد الشنوفي، مكتبة القدس (القاهرة 1935)

- المزي، جمال الدین یوسف (ت 742 ه)،

45. تهذيب الكمال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ط 4، مؤسسة الرسالة، (بیروت 1985).

- المسعودي، علي بن الحسين بن علي (ت 346 ه)،

46. مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: مصطفى السيد، المكتبة التوفيقية، (القاهرة د.ت).

- مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 ه)،

47. الصحيح، دار الفكر، (بیروت د.ت).

- ابن منظور، أبو الفضل بن مکرم (ت711 ه)،

84. لسان العرب، نشر أدب الحوزة، (قم 1405 ه).

- نصر بن مزاحم، المنقري (ت 212 ه)،

94. وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة للطبع

ص: 384

النويري، شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه)

50. نهاية الإرب في فنون الأدب، المؤسسة المصرية العامة ط 2 (القاهرة د، ت) والنشر والتوزيع، (القاهرة 1382 ه).

- الواقدي، محمد بن عمر (ت 207 ه)،

51. فتوح الشام، دار الجيل، (بیروت 1995).

- ياقوت الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله یاقوت بن عبد الله (ت 626 ه)

52. معجم البلدان، منشورات مكتبة الاسدي (طهران 1965) - اليعقوبي، احمد بن اسحق بن جعفر (ت 292 ه)،

53. تاریخ، دار صادر، (بیروت د.ت).

المراجع

- آل یاسین، محمد حسن

54. مالك بن الحارث الاشتر، ط 1، (بیروت 2000 م)

- الأمين، محسن العاملي (ت 1371 ه)،

55. أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف، (بیروت 1986).

- التستري، محمد تقي،

56. قاموس الرجال، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (قم 1419 ه).

- الزركلي، خير الدين

57. الاعلام ، ط 3، (د. م 1969)

- صفوت، أحمد زکی

58. جمهرة خطب العرب (د، م)، (د، ت)

- قلعجي، محمد رواس،

59. معجم لغة الفقهاء، دار النفائس للطباعة والنشر، (بیروت 1988).

ص: 385

الهوامش

1. ينظر: ابن الكلبي، نسب معد واليمن الكبير، ج 1 / ص 291؛ ابن سعد، الطبقات الكبری، ج 6 / ص 213؛ ابن خیاط، الطبقات، ص 148؛ البلاذري، انساب الأشراف، ج 5 / ص30؛ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ص 415؛ السمعاني، الأنساب، ج 5 / ص 476؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 2 / ص 121.

2. ابن الكلبي، نسب معد واليمن الكبير، ج 1 / ص 292؛ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ص 415؛ ابن قايماز، المشتبه في الرجال، ج 1 / ص 27.

3. المرزباني، معجم الشعراء، ص 262 - 263؛ المزي، تهذيب الكمال، ج 7 / ص 15؛ ابن حجر، الإصابة، ص 3 / ص 482. والشتر: هو انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل وتشنجه، وقيل هو أن ينشق الجفن حتى ينفصل وقيل هو قطع الجفن الأسفل والأصل انقلابه الى الأسفل. ينظر ابن منظور، لسان العرب، ص 60 - 61.

4. المنقري، وقعة صفين، ج 6 / ص 451.

5. الجاحظ، البيان والتبيين، ج 2 / ص 78؛ البكري، سمط اللالي، ج 1 / ص 277؛ ابن

حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 10 / ص 10.

6. ابن حجر، الإصابة، ج 3 / ص 482.

7. الواقدي، فتوح الشام، ج 1 / ص 62.

8. ابن الأثير، اللباب، ج 3 / ص 304؛ الأندلسي، المغرب في حلى المغرب، القسم الخاص بمصر، ج 1 / ص 68.

9. العجلي، تاريخ الثقات، ص 417؛ ابن حبان، الثقات، ج 5 / ص 389؛ المزي، تهذيب الكمال، ج 7 / ص 15؛ ابن الأثير، الكامل، ج 3 / ص 178؛ ابن حجر، تهذيب

ص: 386

التهذیب، ج 10 / ص 10.

10. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 4 / ص 119؛ صفوت، جمهرة رسائل العرب،

ج 1 /ص 547.

11. البيان والتبيين، ج 3 / ص 257.

12. الواقدي، فتوح الشام، ص 233.

13. اللباب في تهذيب الأنساب، ج 3 / ص 304.

14. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3 / ص 417.

15. ابن خلکان، وفیات الأعيان، ج 7 / ص 195؛ الأندلسي، المغرب في حلى المغرب، ج 1 / ص 68.

16. الذهبي، دول الإسلام، ص 24.

17. نهاية الإرب، ص 194.

18. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 105.

19. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 3 / ص 416.

20. الذهبي، العبر، ج 1 / ص 45؛ اعيان الشيعة، ج 9 / ص 38؛ الزركلي، الأعلام، ج 6 / ص 131؛ آل یاسین، مالك بن الحارث، ص 12.

21. أبو تمام، ديوان الحماسة، ج 1 / ص 39 - 40؛ أبو علي القالي، المالي، ج 1 / ص 85؛ الآمدي، المؤتلف والمختلف، ص 28؛ المرزباني، معجم الشعراء، ص 362؛ ابن الأثير، المثل السائر، ج 2 / ص 232؛ البكري، سمط اللالي ج 1 / ص 277.

22. الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 526.

23. ابن الأثير، الکامل، ج 3 / ص 177؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 103.

24. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 169؛ المسعودی، مروج الذهب، ج 2 / ص 420.

25. الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 526؛ ابن الأثير، الکامل، ج 3 / ص 177؛ ابن تغري

بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 103.

ص: 387

26. ابن کثیر، البداية والنهاية، ج 7 / ص 324.

27. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 170.

28. القلزم: وهي مدينة مبنية على البحر ليس بها زرع ولا شجر ولا ماء، وتعتد على

الآبار في استخراج الماء، وتقع بين الحجاز ومصر بالقرب من مدينة السويس. یاقوت

الحموی، معجم البلدان، ج 7 / ص 645.

29. اليعقوبي، تاریخ، ج 2 / ص 170؛ الطبري، تاریخ، ج 4 / ص 585؛ المسعودي، مروج

الذهب، ج 2 / ص 420؛ الذهبي، العبر، ج 1 / ص 45؛ ابن حجر، الاصابة، ج 3 / ص 482؛ السيوطي، حسن المحاضرة، ج 1 / ص 583؛ ابن العماد، شذرات الذهب،

ج 1 / ص 218.

30. الطبقات الکبری، ج 6 / ص 213؛ مروج الذهب، ج 2 / ص 420.

31. الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 257؛ ابن الأثير، الکامل، ج 3 / ص 178؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 6 / ص 76.

32. البخاري، التاريخ الكبير، ج 7 / ص 188؛ البلاذري، انساب الأشراف، ج 5 / ص 110؛ المسعودی، مروج الذهب، ج 2 / ص 421.

33. الثقفي، الغارات، ج 1 / ص 264؛ التستري، قاموس الرجال، ج 8 ص 645 - 647.

34. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3 / ص 416.

35. ينظر: الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 4.

36. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 194؛ الطبري، تاریخ، ج 3 / ص 127؛ ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 16 / ص 156.

37. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 48.

38. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 51.

39. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 47.

40. المصدر نفسه، ج 17 / ص 96.

ص: 388

41. سورة النساء: اية 148.

42. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 36.

43. المصدر نفسه، ج 1 / ص 97.

44. المصدر نفسه، ج 17 / ص 42.

45. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 42.

46. المصدر نفسه، ج 17 / ص 44.

47. المصدر نفسه، ج 17 / ص 36.

48. سورة النساء: آية 37.

49. البخاري، صحيح البخاري، ج 3 / ص 209.

50. المحك: اللجاج. ابن منظور، لسان العرب، ج 10 / ص 486.

51. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 58 - 59.

52. المصدر نفسه، ج 17 / ص 59.

53. المصدر نفسه والصفحة.

54. المصدر نفسه، ج 17 / ص 49.

55. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 76.

56. المصدر نفسه، ج 17 / ص 75 - 76.

57. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 69.

58. أحمد بن حنبل، المسند، ج 4 / ص 361؛ الدارمي، السنن، ج 1 / ص 130؛ ابن ماجة، السنن، ج 1 / ص 74.

59. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 47.

60. المصدر نفسه، ج 17 / ص 46.

61. سورة البقرة: اية 264.

62. البخاري، الصحيح، ج 1 / ص 215؛ مسلم، الصحيح، ج 6 / ص 8؛ أبو داود، السنن،

ص: 389

ج 2 / ص 13.

63. ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج 1 / ص 345.

64. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113.

65. البخاري، صحيح البخاري، ج 1 / ص 21.

66. المصدر نفسه، ج 3 / ص 163.

67. سورة الصف: اية 3.

68. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113.

69. سورة البقرة: اية 84.

70. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 110- 111.

71. الوكز: وكزه أي دفعه وضربه. الجوهري، الصحاح، ج 3 / ص 901. وقيل: هو الضرب بجمع الكف مع الدفع. قلعجي، معجم لغة الفقهاء، ص 509.

72. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 111.

73. سورة البقرة: اية 178.

74. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113.

75. المصدر نفسه، ج 17 / ص 113.

76. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113.

77. المصدر نفسه، ج 17 / ص 114.

78. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 90 -91.

79. المصدر نفسه، ج 17 / ص 91.

80. المصدر نفسه، ج 17 /ص 70.

81. المصدر نفسه، ج 17 / ص 71.

82. البرقي، المحاسن، ج 2 / ص 361؛ الكليني، الكافي، ج 2 / ص 120.

83. الكليني، الكافي، ج 2 / ص 118؛ المازندراني، شرح اصول الكافي، ج 8 / ص 347.

ص: 390

فقه الدولة في العهد العلوي لمالك الأشتر دراسة معاصرة للبنى التحتية للدولة المدنية

اشارة

الدكتور حميد جاسم الغرابي

ص: 391

ص: 392

لقد اثبتت التجارب أن الدول القائمة على المؤسسات والأنشطة المدنية هي القادرة على تقديم افضل الخدمات لشعوبها وهي التي تكون عامرة ومستمرة يسودها الأمن والسلام والعدل والمساواة لأنها تقوم على أسس صحيحة غايتها وهدفها المواطن.

لذا دعا الإسلام الى بناء الدولة المدنية القائمة على المواطنة وتجد مصاديق ذلك في قيام دولة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) ففي المشهور قوله (صلى الله عليه وآله): (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)(1)وفي دولة الإمام علي (عليه السلام)، الحادثة المعروفة أنه (عليه السلام) مر بشیخ مکفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين انه نصراني. فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!!. انفقوا عليه من بيت المال(2). وقد تجد ذلك واضحا في عهد الامام علي الى مالك الأشتر حين ولاه مصر. فعند تأمل هذا العهد المبارك الذي بعض بنوده عدت وثيقة رسمية من وثائق الامم المتحدة يتبين لنا أنه منظومة حقوقية متكاملة في ادارة الدولة ومؤسساتها. يمكن تصنيف عهد الامام علي (عليه السلام) على قسمين:

القسم الأول: المحاور العامة

القسم الثاني: المفاهيم الخاصة

فما يتعلق بالمحاور العامة فقد انتظم العهد في محاور عدة من شأنها بیان الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها الحاكم وحكومته. ومن جملة تلك المحاور التي تضمنها العهد المبارك

ص: 393


1- مسند أحمد 5: 411. البحار 22: 348، ح 64
2- الوسائل ج 11، ص 49، الحدیث 19997

المبحث الأول: بیان مفاهيم البحث

اولاً: الفقه لغة واصطلاحاً

الفقه کا قد تتوافق على ذلك جميع المصادر لغويا: بأنه العلم بالشئ والفهم له. فقد ذكر الجوهري في الصحاح: الفقه: الفهم. قال أعرابي لعیسی ابن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه: فقه الرجل، بالكسر. وفلان لا يفقه ولا ينقه. وافقهتك الشي(1). وجاء في القاموس المحيط: الفقه (بالكسر): العلم بالشي والفهم له والفطنة، غلب على علم الدين لشرفه(2). وفي لسان العرب: الفقه: العلم بالشئ والفهم له، والفقه الفطنة(3). وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى في كتابه الكريم (قالوا یا شعیب ما نفقه كثيرا مما تقول)(4)(أي لا نعلم ولا نفهم حقيقة كثير مما تقول(5). يقول ابن القيم: والفقه أخص من الفهم، وهو فهم مراد المتكلم من كلامه، هذا قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة، وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم. ويقول الآمدي: الفهم عبارة عن جودة الذهن، من جهة تهيؤه لاقتناص كل مايرد عليه من المطالب، وإن لم يكن المتصف به عالما، کالعامي الفطن(6).

ص: 394


1- الصحاح - فقه 6: 2243
2- القاموس المحيط 4: 289
3- لسان العرب 13: 522
4- هود 11: 91
5- تفسير الطبري 12: 64
6- الأحكام في أصول الأحكام 1: 7

وأما اصطلاحا فإن كلمة الفقه في أول الأمر كانت تطليق على معارف الشريعة، حيث فسر بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "(1). وبهذا المعنى فسر قوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)(2). وكذلك قوله صلى الله عليه وآله: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "(3). إلا أن التمايز التدريجي للمعارف الدينية المختلفة، وتبلور الشكل المستقل لهذا العلم، واستقلاله بقواعد وأحكام حيث انحصر بحدود الأحكام الشرعية الخاصة بأفعال المكلفين أدى إلى خروج الفقه اصطلاحا عن حدود المعنى السابق ليدخل مرحلة أخرى من مراحل تطوره، وليصبح له مدلوله المقتصر على الأحكام العملية، أي ما يسمى بالعبادات والمعاملات، وحيث يستمر في التطور والترقي عندما يتوسع الفقهاء في مدلول كلمة الفقه هذه، وذلك الاجتهاد المختص، فأصبحت هذه الكلمة تطلق على العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية بطرقها المختلفة، أو المستمدة من الأدلة التفصيلية(4).

ص: 395


1- وسایل الشیعه، ج 18، باب 8 از ابواب صفات قاضی، حدیث 43
2- التوبة 9: 122
3- روى البخاري (1 / 164) ومسلم (2 / 718)، ورواه أحمد (1 / 306) وغيره بسند صحيح من حديث سیدنا ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أحمد (2 / 34) وابن ماجة (1 / 80) وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة. وعند الطحاوي في «مشکل الآثار» (2 / 281) من حديث ابن عمر وهو حسن
4- في كتاب معالم الأصول ( ص 66): والفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية

ثانياً: الدولة المدنية

الدولة: لغة واصطلاحا(1):

بفتح الدال وضمها يقال: الدَولة والدُولة هي بمعنى واحد يراد بها مادار وانقلب من حال الى حال. يقال: دالت له الدولة أي صارت اليه ومداولة الله الايام بين الناس بمعنی صرّفها بينهم، فصيّرها لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى وتداولت الايدي أي تعاقبته، بمعنى أخذته هذه مرة وهذه مرة اخرى ومنه قولهم: تداولوا الشیيء بينهم أي تناقلوه وقلّبوه بين أيديهم وتناوبوه، والدولة هنا مصدر وجمعها دِول بكسر الدال وضمها، ويراد ما يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك، وعلى هذا المعنى تطلق على المال والغلبة کما تطلق على البلاد، فيقال: الدول الاسلامية أو الدول العربية والأوربية كما تطلق على الهيئة الحاكمة، يقال: لكل زمان دولة ورجال بلحاظ إن الجميع مما يتداول بينه لكونه بحاجة الى تدبير ونقل وانتقال أو بلحاظ التقلّب والتصرّف من جماعة الى اخرى، اذ لااستقرار للسلطة ولاثبات لجهة النقص والحيف والظلم کما في الدول المستبدة او الشوروية القاصرة، او لجهة الاختبار والامتحان الالهي للبشر في تقلب القدرة ومنه اشتهر: (الدهر دول) كناية عن الانتقال، ومن ذلك يظهر انها ليست حقيقة شرعية ولا متشرعية وانما هي مصداق من مصاديق المعنى اللغوي وعليه فهي عرفية خاصة او عامة وقد أمضاها الشارع بحسب ما تعارف عليه عند العقلاء نعم ورد استعمال الدولة في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي وكذا في كلمات امير المؤمنين (عليه السلام)، اذ ورد في بعض ما ظاهره المعنى اللغوي وفي آخر ماظاهره الحكم

ص: 396


1- الراغب: المفردات، ص 322 (دول)، ابن منظور: لسان العرب، 11 / 252 (دول) الطريحي: مجمع البحرین، 5 / 373 - 377 (دول)

والسلطة، وهو لا يثبت حقيقة شرعية بناءً على عدم كون الإمام (عليه السلام) شارعا؛ لانحصار المشرع بالخالق تبارك وتعالى، او لشموله للرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) فقط دون شموله للامام (عليه السلام) على الخلاف بين الاصوليين في تحديد

الشارع.

وعليه فإن ما ورد من استعمالات في الكتاب والسنة ليس تأسياً جديداً حتى يحمل على الحقيقة الشرعية، وانما يحمل على المعنى اللغوي، وبحسب ما تعارف عليه عند العقلاء من الحقيقة العرفية الخاصة أو العرفية العامة.

ومما ورد بلفظ الدولة في القرآن الكريم قوله عز وجل: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»(1)، فمفهوم الدولة هنا ورد بالمعنى اللغوي أي التقلّب من حال الى آخر وورد في الاحاديث الشريفة ما يحتمل الأثنين وبعظها ظاهر في المعنى اللغوي والآخر في المعنى الاصطلاحي فعن الامام الصادق (عليه السلام): (إن للحق دولة وللباطل دولة )(2)فالدولة هنا تحتمل الاثنين الا انها ظاهرة في المعنى اللغوي، وكذلك في قول الامام علي (عليه السلام): (الدولة كما تقبل تدبر)(3)، وفي قوله (عليه السلام): (دولة الاكابر من افضل المغانم)(4)، و(دولة اللئام مذلة الكرام)(5)، وهنا ظاهر في المعنى اللغوي بقرينة مابعده وهو قوله (عليه السلام):

ص: 397


1- آل عمران: 140
2- الكليني: الكافي 2 / 447 ح 12
3- الامدي: غرر الحكم 33، رقم 802
4- م.ن 205، رقم 51
5- م.ن 205، رقم 59

(دولة الكريم تظهر مناقبه)(1)، الا يقال بأن المتبادر من الدولة في مثل هذه الاحاديث هو الحكومة، فحينئذ تحمل على الحقيقة العرفية الخاصة.

ومما ورد ما ظاهره الحكومة حديثا الغرر عن امير المؤمنين (عليه السلام): (زوال الدول باصطناع السفل)(2)، و: (يستدل على أدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الاراذل، وتاخير الافاضل)(3)أي الحكومات، وفي نهج البلاغة عنه (عليه السلام): (واعظم ما افترض اللهَّ سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرّعيّة، وحقّ الرّعيّة على الوالي، فريضة فرضها اللهَّ سبحانه لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لألفتهم، وعزّا لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلَّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة، إلَّا باستقامة الرّعيّة؛ فإذا ادّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة، ويئست مطامع الاعداء)(4)، وهو ظاهر بل صريح في الحكومة بقرينة خارجية هي حديثه (عليه السلام) عن الولاة وحقوقهم وداخلية هي السياق، وقال (عليه السلام): (ماحصّن الدول مثل العدل)(5)، ويتبين أن للدولة معاني عدة منها:

الأول: الحكومة.

ص: 398


1- م.ن 205، رقم 58
2- م.ن 222، رقم 40
3- م.ن 441، رقم 2
4- نهج البلاغة: ص 333، خ 216
5- الامدي: غرر الحکم، 382، رقم 153. وللمزيد: (ظ): ص 183، رقم 6، وص 353، رقم 1062، وص 241، رقم 82، وص 372، رقم 59

الثاني: السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.

الثالث: مايشمل الأمة ايضا(1). والمراد من الدولة في مفهوم البحث هو المعنى

الثاني.

رابعاً: العهد العلوي

يقول محمد عبده في شرحه لنهج البلاغة: (ومن عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر وهو أطول عهد وأجمع كتبه للمحاسن)(2).

ثالثاً: المدنية

مدنية من الفعل مدن وفي لسان العرب مدن بالمكان يعني اقام به ومنه المدينة علي وزن فعيلة(3)، المدينة ايضا تعني الحصن. ومن الفعل مدن اشتقت مدينة، مدني، مدنية، تمدن ومتمدن.. المدينة هي مكان الاستقرار والعمران. والمدنية في اللغة اما اسم معرف مثل قول المدنية بمعني الحياة الحديثة أو الحضارة، أو صفة لوصف حياة المدينة في طورها المتقدم في شتي مجالات الحياة من العلوم والمعارف والاداب والثقافة والصنائع والحرف والخدمات والتجارة والمباني والملابس والاكل والشراب والترف والرفاهية. والمدنية لغة تعني ضد البداوة. وفي السياسة يستخدم مصطلح الدولة المدنية في مقابل الدولة الدينية التي مازال البعض يدعو لها.. والدولة المدنية ليست ضد الدين انما هي ضد المشروع السياسي الذي يدعي اصحابه انه يحكم باسم الدين، وقد شهد القاصي والداني بأنه مشروعا عاريا تماما من مقاصد الدين واخلاق الدين.. وكذلك الدولة المدنية ضد اي مشروع سياسي يسعي اصحابه أو يظنوا انهم يمكنهم ان يقيموا مرة اخري سلطة بأسم الدين. مدني، متمدن ومدنية يقابلها في القاموس الانجليزي كلمة Civil، ومديني يقابلها Civic. اما كلمة Civics فهي تعني علم التربية المدنية وعلم

ص: 399


1- فاضل الصفار: فقه الدولة 1 / 16 - 20
2- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 571
3- ابن منظور، لسان العرب 13 / 402

حقوق المواطنين وواجباتهم.. Civilization تعني مدنية وحضارة.. Civil service تعني

خدمة مدنية.. Civil society تعنی مجتمع مدني.. Civil Demogratic State تعني دولة مدنية ديمقراطية. مما سبق ذكره من كلمة مدني ومدنية لا تشير الي العلمانية او اللادينية. والكلمة الانجليزية التي تعني العلمانية او اللادينية هي كلمة سیکیولار Secular. وفي القاموس الانجليزي تعني هذه الكلمة وصف شيئ ليس له علاقة بالدين. وسیکیولاریزم Secularism في القاموس تعني النظام الذي لا يلعب الدين فيه اي دور في التعليم أو تنظيم المجتمع.. بمعني فصل الدين عن الدولة، وهي العلمانية كما في اوروبا.. ومعظم الكلمات الانجليزبة التي تبدأ بالمقطع sec يفيد معناها الفصل، القطع، الحجز، الحماية(1).

خامساً: البنى التحتية

البني في اللغة: تعني هيئة البناء.

وفي الاصطلاح: هي الانشطة ذات السمة الاقتصادية والتي لها علاقة ببناء الدولة

ص: 400


1- net.alrakoba.www//:http / جمال ادريس الكنين: الدولة المدنية معناها ومغزاها

على كافة المستويات التعليمي والاداري والزراعي والصناعي والتنمية البشرية على وفق النظام المؤسساتي اللامركزي.

وفي الموسوعة الحرة (ويكبيديا):

البنية التحتية عبارة عن الهياكل المنظمية اللازمة لتشغيل المجتمع أو المشروع(1)أو الخدمات والمرافق اللازمة لكي يعمل الاقتصاد(2)ويمكن تعريفها بصفة عامة على أنها مجموعة من العناصر الهيكلية المترابطة التي توفر إطار عمل يدعم الهيكل الكلي للتطوير. وهي تمثل مصطلحًا هامًا للحكم على تنمية الدولة أو المنطقة.

وهذا المصطلح يشير في الغالب إلى الهياكل الفنية التي تدعم المجتمع، مثل الطرق والجسور وموارد المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات عن بعد وما إلى ذلك، ويمكن أن يتم تعريفه على أنه «المكونات المادية للأنظمة المترابطة التي توفر السلع والخدمات الضرورية اللازمة لتمكين أو استدامة أو تحسين ظروف الحياة المجتمعية(3)وعند النظر إليها من الناحية الوظيفية، فإن البنية التحتية تسهل إنتاج البضائع والخدمات، بالإضافة إلى توزيع المنتجات المنتهية في الأسواق، بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل المدارس والمستشفيات،

ص: 401


1- Infrastructure //:http , Dictionary English Oxford Compact Online infrastructure (accessed January/oed concise/com.askoxford.ww w 17,2009)
2- Steven M. Sheffrin (2003) Economics: Principles in action. Sullivan Arthur صفحة 474. ISBN 13
3- ^ Fulmer Jeffrey" (2009) What in the world is infrastructure."?PEI Infrastructure Investor (July/August): 32-300

فعلى سبيل المثال، تتيح الطرق القدرة على نقل المواد الخام إلى المصانع(1)وفي اللغة العسكرية، فإن هذا المصطلح يشير إلى المباني والمنشآت الدائمة اللازمة لدعم القوات العسكرية وإعادة انتشارها وتشغيلها(2). ولتبسيط الأمر، فإن البنية التحتية هي أي شيء يلزم للحياة اليومية، أي كل شيء يستخدم بشكل يومي.

المبحث الثاني: البنى التحتية للدولة المدنية

بعد بيان معنى البنى التحتية فإن المراد بها في البحث يقترب نوعا ما عن المعنى الحقيقي فالامام عليه السلام في عهده المبارك قد أستعرض مجموعة من القواعد والتعاليم التي بمجموعها تشكل قاعدة رصينة وبنى تحتية للدولة المدنية العادلة وتارة تكون هذه البني مبادىء معنوية وتارة تكون مؤسسات مجتمعية وتكنوقراط فمنها:

1 - البناء الديني (العبادي)

لقد تضمن عهد الامام علي (عليه السلام) نصوصا كثيرة تدعو الى بناء شخصية الحاكم الايمانية والالتزام بشرع الله والعمل بكتاب الله وسنة رسوله وطاعة الله وطاعة من أمر الله بطاعته وكذلك التقوى والورع ولزوم الحق واقامة الفرائض واتباع السنن

ص: 402


1- Infrastructure, American Heritage Dictionary of the English Language, http://education.yahoo.com/reference/dictionary/entry/ infrastructure (accessed January 2009 ,17)
2- Infrastructure, JP1-02, Department of Defense Dictionary of Mili- 32 tary and Associated Terms, p. 260, 12 April 2001 (rev. 31 August 2005) http://www.dtic.mil/cgi-bin/GetTRDoc?AD=ADA439918Loca (tion=U2doc=GetTRDoc.pdf(accessed January 17,

واجتناب المعاصي والبدع وهو بذلك يؤسس لمرجعية الكتاب والعترة في بناء الدولة المدنية ومن تلك النصوص

قوله (عليه السلام): (أَمَرَه بِتَقْوَى اللهَّ وإِيْثَارِ طَاعَتِه - واتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِه فِي كِتَابِه مِنْ فَرَائِضِه وسُنَنِه....)(1).

(ولَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِه الأُمَّةِ - واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ - ولَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ - فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا - والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا)(2).

(وارْدُدْ إِلَى اللهَّ ورَسُولِه مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ - ويَشْتَبِه عَلَيْكَ مِنَ الأُمُورِ - فَقَدْ قَالَ اللهَّ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ - وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ - فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» ٭ - فَالرَّدُّ إِلَى اللهَّ الأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِه - والرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الأَخْذُ بِسُنَّتِه الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ)(3).

(ولْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِه للهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِه - الَّتِي هِيَ لَه خَاصَّةً - فَأَعْطِ اللهَّ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ ونَهَارِكَ - ووَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِه إِلَى اللهَّ - مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ ولَا مَنْقُوصٍ - بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ - وإِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ - فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً ولَا مُضَيِّعاً - فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِه الْعِلَّةُ ولَه الْحَاجَةُ - وقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ - كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ - فَقَالَ صَلِّ

ص: 403


1- محمد عبده: نهج البلاغة، رقم 291 / 571
2- م.ن ص 577
3- م.ن، ص 581

بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ - وكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(1).

2 - البناء الأخلاقي (التربوي)

في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر منظومة اخلاقية متكاملة على الحاكم أن يتحلى بها وينهجها في سبيل الوصول الى المعنى القرآني والنبوي في مفهوم الحكم والقيادة فلم تغب الاخلاق عن ذهنية الامام (عليه السلام) وهو يوجه ولاته ومنهم الأشتر وكيفية التعامل مع النفس أولا والرعية، فهناك نصوص كثيرة تدعو الى محاسن الأخلاق وترك مساوئها وخصوصية الحاكم في التمسك بها من أولويات العمل القيادي وبناء حكومة مدنية قائمة على قيم خلقية نابعة من القرآن والسنة، ومن تلك النصوص:

كقوله (عليه السلام): (وأَمَرَه أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَه مِنَ الشَّهَوَاتِ - ويَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ - فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللهَّ)(2).

(فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ - فَامْلِكْ هَوَاكَ وشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ - فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ - والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ - ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أکْلَهُمْ - فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ - وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)(3)

ص: 404


1- م.ن ص 589
2- محمد عبده: نهج البلاغة، رقم 291، ص 572
3- م.ن

3 - البناء الارشادي (العظة والنصحية)

لانجاوب الصواب عندما نقول أن نصوص العهد كلها ارشادية أراد منها الأمام (عليه السلام) تنبيه عامله ونصحه وارشاده وهو مقبل على مهمة هو بأمس الحاجة الى النصح والارشاد لاسيما من قبل الامام المعصوم (عليه السلام) وهو الحاكم العادل ذو الحكمة تعلم مكارم الاخلاق من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي العهد نوعيم من الارشاد هما الترغيب والتحذير مثال الترغيب قوله (عليه السلام): (ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ - أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ - مِنْ عَدْلٍ وجَوْرٍ - وأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ - فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيه مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ - ويَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ - وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحينَ - بِمَا يُجْرِي اللهَّ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِه - فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ - فَامْلِكْ هَوَاكَ وشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ - فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ - والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ - ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ - فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ - وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)(1).

ومثال التحذير قوله (عليه السلام): (إِيَّاكَ ومُسَامَاةَ اللهَّ فِي عَظَمَتِه والتَّشَبُّه بِه فِي جَبَرُوتِه - فَإِنَّ اللهَّ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ ويُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ أَنْصِفِ اللهَّ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ - ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ - ومَنْ لَكَ فِيه هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ - فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ - ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهَّ كَانَ اللهَّ خَصْمَه دُونَ عِبَادِه - ومَنْ خَاصَمَه اللهَّ أَدْحَضَ حُجَّتَه)(2).

ص: 405


1- م.ن
2- () محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 573

4 - البناء السياسي

بناء سياسة الدولة من ضرورات الدولة المدنية وقد بين الامام (علیه السلام) ذلك في أكثر من عهده للاشتر النخعي وقد لخصها البحث في بيان مفاهيم العهد العامة ومن تلك السياسات مبدأ الشورى وأختيار الوزراء والولاة والعمال كما في قوله (عليه السلام): (ولَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الفَضْلِ - ويَعِدُكَ الْفَقْرَ - ولَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ - ولَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَه بِالْجَوْرِ - فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى - يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهَّ إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً - ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً)(1)

5 - البناء العلمي (الثقافي)

فسح المجال للعلماء والمبدعين ووضع الخطط المدروسة والقائمة أسس علمية رصينة وتقريب الحكماء وذوي الخبرة من المشاركة في بناء الدولة منهج اتبعه الامام علي (عليه السلام) في حكومته لذا أراد من واليه ان يحذو حذوه في هذا المجال حتى يصل الى دولة المؤسسات والحكم المدني وقد تضمنت فقرات عديدة من العهد الى الاهتمام بالمؤسسات العلمية والعلماء والحكماء وذوي الخبرة ودورهم الفاعل في بناء الدولة المدنية فمن ذلك: قوله (عليه السلام): (وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ ومُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ - فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْه أَمْرُ بِلَادِكَ - وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِه النَّاسُ قَبْلَكَ)(2).

ص: 406


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 575
2- م.ن، ص 577

6 - البناء الاجتماعي

الحفاظ على النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي بين طبقات المجتمع تعد من ضرورات الدولة المدنية فحري بالحاكم أن يكون عاملا مساعدا في ديمومة العلاقة الطيبة بين فئات الشعب ويعالج النزاعات القائمة بين العشائر والقبائل وطبقات المجتمع بالطرق الكفيلة بسيادة الأمن والأمان في الدول وأن ينتهج النهج الذي رسمه الامام علي (عليه السلام) لعامله على مصر في عهده اليه: قال الإمام (عليه لسلام): (وأَشعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعيَّةِ - والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ - ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ - فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ - وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ - يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ - ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَإِ - فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ - مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللهَّ مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه - فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ ووَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ - واللهَّ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ - وقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وابْتَلَاكَ بِهِمْ)(1) (ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ - فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ

الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ - وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ)(2).

(ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ والأَحْسَابِ - وأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ - ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ والسَّخَاءِ والسَّمَاحَةِ - فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ - ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا - ولَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِه - ولَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِه وإِنْ قَلَّ - فَإِنَّه

ص: 407


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم، 291، ص 572
2- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم، 291، ص 576

دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ - ولَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّکَالًا عَلَى جَسِيمِهَا - فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِه - ولِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْه - ولْيَكُنْ آثَرُ رُءوُسِ جُنْدِكُ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِه - وأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِه - بِمَا یَسَعُهُمْ ويَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ - حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ - فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ)(1). وتلحظ في النص توجيه من الامام (عليه السلام) الى واليه من التقرب الى ذوي الحسب والنسب وشرفاء الناس وساداتهم وهي سياسة ناجحة في كسب القبائل والعشائر وتوجيهها نحو أهداف الدولة المدنية.

(وإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ - واعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ - فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ورِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وإِعْذَاراً - تَبْلُغُ بِه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ)(2).

7 - البناء العسكري

حماية ثغور المسلمين وتطوير المؤسسة العسكرية والاهتمام بها واختيار ذوي الخبرة والشجاعة تعد من أهم البنى التحتية للدولة المدنية فهي التي تدفع الشر عن البلاد والعباد وهي التي تحمي الحاكم والمحكوم فكلما كانت على أهبة الاستعداد والامكانيات كانت الدولة بخير لذا ركزت بعض نصوص العهد العلوي على دور الجنود والقادة في حماية بيضة الاسلام والمسلمين ولابد من أختيار ذوي الكفاءات والخبرة في والشجاعة في هذا المجال ومن تلك النصوص، قول الامام (عليه السلام):

ص: 408


1- م.ن، ص 579
2- م.ن،ص 591

(فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللهَّ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وزَيْنُ الْوُلَاةِ - وعِزُّ الدِّينِ وسُبُلُ الأَمْنِ - ولَیْسَ

تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ)(1).

(ولْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعونَتِه - وأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِه - بِمَا يَسَعُهُمْ ويَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِم - حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ - فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ - وإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ وإِنَّه لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ ولَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الأُمُورِ - وقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهمْ - وتَرْكِ

اسْتِبطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ - فَافْسَحْ فِي آمَالِهمْ ووَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ - وتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ - فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ - وتُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللهَّ)(2).

8 - البنى الاقتصادية

الاقتصاد هو شريان الحكومة ومتى ما كان الاقتصاد متينا ومنتعشا فإن جميع بني

الدولة ومؤسساتها تعيش رخاءا وقادرة على القيام بواجباتها تجاه الشعب وبعكس ذلك تكثر الازمات والاعتراضات والمظاهرات مما يؤدي الى تقويض العملية السياسية وفشلها لذا نبه الامام علي (عليه السلام) عامله مالك الاشتر الى ضرورة الاهتمام بالمصادر المالية للدولة ورعايتها وتطويرها وتحقيق العدالة في التوزيع مما يؤمن احتياجات السوق ومنع الاحتكار وتحقيق المستوى المعاشي العادل لجميع

ص: 409


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 578
2- م.ن، ص 580

افراد المجتمع وهذا لايتحقق الا بالحفاظ على ثروات الشعوب وتحقيق النظم المالية المتطورة واحترام المال العام وتطوير الخطط الاستتراجية لخدمة الشعب بجميع طبقاته وقد تنبه الامام عليه السلام الى ذلك سواء في حكومته أو في توصياته الى ولاته ومنهم الاشتر في عهده اليه اذ قال (عليه السلام): (إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللهَّ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ - الَّذِي يَقْوَوْنَ بِه عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ - ويَعْتَمِدُونَ عَلَيْه فِيمَا يُصْلِحُهُمْ - ويَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ) وقال (عليه السلام): (وتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَه - فَإِنَّ فِي صَلَاحِه وصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ - ولَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ - لأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وأَهْلهِ - ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ - أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ - لأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ - ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ - وأَهْلَكَ الْعِبَادَ ولَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُه إِلَّا قَلِيلًا - فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ - أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ - أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ - خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِه أَمْرُهُمْ - ولَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِه الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ - فَإِنَّه ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِه عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ - وتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ - وتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ - مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ - بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ - والثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ ورِفْقِكَ بِهِمْ - فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ - مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيه عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوه -

- طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِه - فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَه - وإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا - وإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ - وسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وقِلَّةِ انْتِفاعِهِمْ بِالْعِبَرِ)(1)

ص: 410


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 583 - 584

9 - بناء القضاء

نزاهة القضاء واستقلاله من الأمور التي أكد عليها الامام (عليه السلام) في عهده الى الأشتر فضلا عن أختيار القضاة المهنيين المعروفين بتحقيق العدالة والنزاهة والتزام الشرع الحنيف والقضاء بقضاء الله ورسوله لا يحيد عنه ولا يجامل في الحق ولاتاخذه بالله لومة لائم ولا يخفى أهمية المؤسسة القضائية في ترسيخ الحق والعدل وحماية حقوق الرعية فلذا نبه الامام علي (عليه السلام) عامله لهذا الأمر وأن استقلال تلك

المؤسسات من أبجديات الديمقراطية والحكومة المدنية فقال (عليه السلام):

(ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ - مِنَ الْقُضَاةِ والْعُمَّالِ والْكُتَّابِ - لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ ويَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ - ويُؤْتَمَنُونَ عَلَيْه مِنْ خَوَاصِّ الأُمُورِ وعَوَامِّهَا)(1).

وقال (عليه السلام): (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ - مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِه الأُمُورُ ولَا تُمَحِّكُه الْخُصُومُ - ولَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ - ولَا یَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَه - ولَا تُشْرِفُ نَفْسُه عَلَى طَمَعٍ - ولَا يَكْتَفِي بِأدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاه - وأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ - وأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ

الْخَصْمِ - وأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأُمُورِ - وأَصْرَ مَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ - مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيه إِطْرَاءٌ ولَا يَسْتَمِيلُه إِغْرَاءٌ - وأُولَئِكَ قَلِيلٌ - ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِه - وافْسَحْ لَه فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَه - وتَقِلُّ مَعَه حَاجَتُه إِلَى النَّاسِ - وأَعْطِه مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا

لَا يَطْمَعُ فِيه غَيْرُه مِنْ خَاصَّتِكَ - لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَه عِنْدَكَ - فَانْظُرْ فِي

ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً - فَإِنَّ هَذَا الدِّين قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الأَشْرَارِ - يُعْمَلُ فِيه بِالْهَوَى

ص: 411


1- م.ن، ص 578

وتُطْلَبُ بِه الدُّنْيَا)(1)

10 - البناء الاداري

ان العمل بنصوص العهد يعد حسن ادارة من قبل الحاكم لأن وظيفة الحاكم هي إدارة تلك المؤسسات بما يلائم ثوابت الشريعة وتعزيز بناء الدولة المدنية ينطلق من الادارة الصحيحة والتوظيف الصحيح واستثمار الفرص واحترام الوقت وتكامل البنى التحتية لها ويبدو لي أن أفضل عبارة تعبر عن البناء الاداري قول الامام (عليه السلام) لعامله مالك الأشتر : (فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعهَ وأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقعَه)(2)(3).

11 - البناء الصناعي (المهني)

بناء المصانع والمؤسسات الانتاجية والتجارية والزراعية وتشجيع القطاعات كافة العامة والخاصة والمختلطة من أولويات العمل المؤسساتي ومن ثوابت الدولة المدنية فازدهار تلك المؤسسات وتعزيز كفائتها يؤدي الى الاكتفاء الذاتي وتشجيع المنتج الوطني المحفز على استقرار الامن الغذائي الذي يؤدي الى نجاح مفاصل الدولة كافة وقد تنبه الامام (عليه السلام) في عهده الى مالك الأشتر فنصحه على الاهتمام بأهل الصناعات والتجار فقوام الحكومة بهم وبأعمالهم فقال (عليه السلام): (ولَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ - فِيمَا يَجْتَمِعوُنَ عَلَيْه مِنْ مَرَافِقِهِمْ - ويُقِيمُونَه

ص: 412


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 581 - 582
2- م.ن، ص 595
3- (ظ): فاضل الصفار، فقه الدولة، ص 115 - 118

مِنْ أَسْوَاقِهِمْ - ويَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ - مَا لَا يَبْلُغُه رِفْقُ غَيْرِهِمْ)(1)وقوله (عليه السلام): (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ وأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً - الْمُقِيمِ مِنْهُمْ والْمُضْطَرِبِ بِمَالِه والْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِه - فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ - وجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ والْمَطَارِحِ - فِي بَرِّكَ وبَحْرِكَ وسَهْلِكَ وجَبَلِكَ - وحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَواَضِعِهَا - ولَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا - فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُه - وصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُه - وتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ - واعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً - وشُحّاً قَبِيحاً - واحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ - وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ - وعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِكَارِ - فَإِنَّ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْه - ولْيَكُن الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَواَزِينِ عَدْلٍ - وأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ والْمُبْتَاعِ - فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاه فَنَكِّلْ بِه - وعَاقِبْه فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ)(2). ويلحظ هنا الدور الرقابي للحكومة في منع الاحتكار ومراقبة الاسواق و الاسعار بما يؤمن الحاجات الاستهلاكية لطبقات المجتمع كافة.

12 - البناء الخدمي

تتكاتف جميع مؤسسات الدولة وبناها التحتية من أجل تقديم أفضل خداماتها للمجتمع بكافة طبقاته على السواء الا أن هناك طبقات هي بأمس الحاجة للرعاية والأهتمام وقد أشار اليها الامام علي (عليه السلام) في عهده اذ قال (عليه السلام): (ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ - الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ ومَعونَتُهُمْ - وفِي اللهَّ لِكُلٍّ سَعَةٌ - ولِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُه - ولَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي - مِنْ

ص: 413


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 295، ص 578
2- م.ن، ص 586

حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَه اللهَّ مِنْ ذَلِكَ - إِلَّا بِالاِهْتِمَامِ والاِسْتِعَانَةِ بِاللهَّ - وتَوْطِينِ نَفْسِه عَلَى

لُزُومِ الْحَقِّ - والصَّبْرِ عَلَيْه فِيمَا خَفَّ عَلَيْه أَوْ ثَقُلَ)(1).

وقال: (عليه السلام): (ثُمَّ اللهَّ اللهَّ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ - مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَي والزَّمْنَی - فَإِنَّ فِي هَذِه الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً - واحْفَظِ للهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّه فِيهِمْ - واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ - وقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ - فَإِنَّ لِلأَقْصَى مِنْهُمْ مِثلَ الَّذِي لِلأَدْنَى - وكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّه - ولَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ - فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِه لإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ - فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ - وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ - مِمَّنْ تَقْتَحِمُه الْعُيُونُ وتَحْقِرُه الرِّجَالُ - فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ - فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ - ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللهَّ يَوْمَ تَلْقَاه - فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ - وكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهَّ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّه إِلَيْه - وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْیُتْمِ وذَوِي الرِّقَةِ فِي السِّنِّ - مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَه ولَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَه - وذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ - والْحَقُّ كُلُّه ثَقِيلٌ وقَدْ يُخَفِّفُه اللهَّ عَلَى أَقْوَامٍ - طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ - ووَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهَّ لَهُمْ: واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيه شَخْصَكَ - وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً - فَتَتَوَاضَعُ فِيه للهِ الَّذِي خَلَقَكَ - وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وشُرَطِكَ - حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع - فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ - لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّه مِنَ الْقَوِيِّ - غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ - ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ والْعِيَّ - ونَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ والأَنَفَ - يَبْسُطِ اللهَّ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِه - ويُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِه - وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ

ص: 414


1- محمد عبده، نهج البلاغة رقم 291، ص 578

هَنِيئاً وامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وإِعْذَارٍ - ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا - مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْه كُتَّابُكَ - ومِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ - بِمَا تَحْرَجُ بِه صُدُورُ أَعْوَانِكَ - وأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَه فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيه)(1).

المبحث الثالث: المبادىء والمفاهيم الدستورية المرتبطة بالدولة المدنية

عند استقراء عهد الامام علي (عليه السلام) نستنتج مجموعة من المفاهيم والنصائح والتوصيات والتحذيرات تتعلق بوظيفة وعلاقة الحاكم بالرعية والتي من شأنها أن ترتقي بالعمل الحكومي والمجتمعي الى أن تكون دولة مدنية ومؤسسات والمتأمل للعهد العلوي يجد أن الإمام علي (عليه السلام) قد استعمل كلمات معينة لها دلات معجمية خاصة وهي:

(هذا ما أمر به): دلالته الوجوب والطاعة

(ثم اعلم) العلم يعني المعرفة والفهم والتذكر

(واشعر قلبك) التلطف والتحنن

(اياك) تحذير عن فعل محرم

(ثم انظر) النظر يعني المراقبة والاختبار والفحص

(وتفقد امر الخراج) التفقد الحركة والمراقبة والزيارة والمسائلة والمتابعة

(ثم استوص) اراد خير وفعله

(واجعل لذوي الحاجات) وهذا الجعل شرعي لأمر الشرع به ومعناه التخصيص

(والزم الحق) اتبعه ولاتميل

ومن تلك المفاهیم:

ص: 415


1- م.ن، ص 588

1 - القرب من الرعية

(وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ - والْمُحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ - ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبعُاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ - فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ - وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ..) (58)

وليس في قواميس الأديان ومذاهب السياسة مثل ما سنه قائلاً: من الرفق بالرعية على اختلاف ميولها وأديانها، فليس للوالي إلا اللطف والمبرة بها، وأن لا يشمخ عليهم بولايته ويكون سبعاً ضارياً عليهم، وعليه أن لا يحاسبهم على ما صدر منهم من علل أوزلل، ويمنحهم العفو والرضا لتنعم البلاد بالأمن وتسود فيها(59

(وأَمَّا بَعدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احتِجَابَكَ عَن رَعِيَّتِكَ - فَإنَّ احتِجَابَ الوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعبَةٌ مِنَ الضِّيقِ - وقِلَّةُ عِلمٍ بِالأُمُورِ - والاِحتِجَابُ مِنهُم يَقطَعُ عَنهُم عِلمَ مَا احتَجَبُوا دُونَه - فَيَصغُرُ عِندَهُمُ الكَبِيرُ ويَعظُمُ الصَّغِيرُ - ويَقبُحُ الحَسَنُ ويَحسُنُ القَبِيحُ - ويُشَابُ الحَقُّ بِالبَاطِلِ - وإِنَّمَا الوَالِي بَشَرٌ - لَا يَعرِفُ مَا تَوَارَى عَنه النَّاسُ بِه مِنَ الأُمُورِ - ولَيسَت عَلَى الحَقِّ سِمَاتٌ - تُعرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدقِ مِنَ الكَذِبِ - وإِنَّمَا أَنتَ أَحَدُ رَجُلَينِ - إِمَّا امرُؤٌ سَخَت نَفسُكَ بِالبَذلِ فِي الحَقِّ - فَفِيمَ احتِجَابُكَ مِنَ وَاجِبِ حَقٍّ تُعطِيه - أَو فِعلٍ كَرِيمٍ تُسدِيه أَو مُبتَلًى بِالمَنعِ - فَمَا أَسرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَن مَسأَلَتِكَ - إِذَا أَيِسُوا مِن بَذلِكَ - مَعَ أَنَّ أَكثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيكَ - مِمَّا لَا مَئُونَةَ

58 محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 572.

59 باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر.

ص: 416

فِيه عَلَيْكَ - مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ)(1).

حكى هذا الخطاب ضرورة الانفتاح مع الشعب وعدم الاحتجاب عنه فإن الوالي الذي يدافع عن شعبه ويكون بمعزل عنهم يعود بالأضرار البالغة عليه والتي منها فتح أبواب المعارضة عليه ونقمة المجتمع منه وكراهيتهم لحكمه وسلطانه(2).

2 - عدم التكبر

(إِيَّاكَ ومُسَامَاةَ اللهَّ فِي عَظَمَتِه والتَّشَبُّه بِه فِي جَبَرُوتِه - فَإِنَّ اللهَّ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ ويُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ)(3)

3 - الانصاف

وفي عهد الإمام عليه السلام لمالك الأمر بإنصاف الناس في سياسته وإنصافهم من خاصة أهله والتابعين له، فإن ذلك من أسمى ألوان العدل الذي تبناه الإمام في حكومته، وهذه كلماته (أَنصِفِ اللهَّ وأَنصِفِ النَّاسَ مِن نَفسِكَ - ومِن خَاصَّةِ أَهلِكَ - ومَن لَكَ فِيه هَوًى مِن رَعِيَّتِكَ - فَإِنَّكَ إِلَّا تَفعَل تَظلِم - ومَن ظَلَمَ عِبَادَ اللهَّ كَانَ اللهَّ خَصمَه دُونَ عِبَادِه - ومَن خَاصَمَه اللهَّ أَدحَضَ حُجَّتَه - وكَانَ للهِ حَرباً حَتَّى يَنزِعَ أَو يَتُوبَ)(4)حكى هذا المقطع العدل الصارم في سياسة الإمام التي تسعد بها الأمم

ص: 417


1- محمد عبده، نهج البلاغة، ص 590
2- اقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر
3- م.ن، ص 573
4- م.ن، 574

والشعوب وتكون آمنة من الظلم والاعتداء(1).

4 - العدل

(فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ - ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهَّ كَانَ اللهَّ خَصْمَه دُونَ عِبَادِه - ومَنْ خَاصَمَه اللهَّ أَدْحَضَ حُجَّتَه - وكَانَ للهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ - ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهَّ وتَعْجِيلِ نِقْمَتِه - مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ - فَإِنَّ اللهَّ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ - وهُوَ لِلظَّالِمينَ بِالْمِرْصَادِ - ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ - وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ)(2).

5 - الاستجابة لعامة الناس

وشيء بالغ الأهمية في سياسة الإمام والحق في رضاء العامة من المشروعة الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من الشعب من ذوي المهن والحرف وغيرهم فإن الحكومة مدعوة لإرضائهم وتنفيذ رغباتهم المشروعة، يقول الإمام عليه السلام:

((لْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ - وأَعمُّهَا فِي الْعَدْلِ وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ - فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ یُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ - وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ

رِضَی الْعَامَّةِ - ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ - وأَقَلَّ مَعُونَةً لَه فِي الْبَلَاءِ - وأَكْرَه لِلإِنْصَافِ وأَسْأَلَ بِالإِلْحَافِ - وأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ وأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ - وأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ - مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ - وإِنَّمَا عِمَادُ

ص: 418


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر
2- م.ن، ص 574

الدِّينِ وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ - والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ - فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ

ومَيْلُكَ مَعَهُم.ْ..)). حكى هذا المقطع مدى أهمية العامة عند الإمام وأن رضاهم موجب لنجاح الحكومة وسخطهم موجب لدمارها، وأن العامة هم الذخيرة للدولة بخلاف الخاصة الذين هم أكره للإنصاف وأقل شكراً عند العطاء وإن عماد الدين وقوام السلطة إنما هو بالعامة دون الخاصة(66)

5. الحذر من الهاتكين لحرم الناس

وكان من رحمة الإمام بالناس إبعاد الساعين لذكر معائبهم، وطردهم، ولزوم

ستر معائب المواطنين، وهذا جزء من سياسته العامة، وهذا نص كلامه:

قال عليه السلام: ((وليَكُن أَبعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنكَ وأَشنَأَهُم عِندَكَ - أَطلَبُهُم لِمَعَايِبِ النَّاسِ - فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الوَالِي أَحَقُّ مَن سَتَرَهَا - فَلَا تَكشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنكَ مِنهَا - فَإِنَّمَا عَلَيكَ تَطهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ - واللهَّ يَحكُمُ عَلَى مشا غَابَ عَنكَ - فَاستُرِ العَورَةَ

مَا استَطَعتَ - يَستُرِ اللهَّ مِنكَ مَا تُحِبُّ سَترَه مِن رَعيَّتِكَ - أَطلِق عَنِ النَّاسِ عُقدَةَ كُلِّ حِقدٍ - واقطَع عَنكَ سَبَبَ كُلِّ وِترٍ - وتَغَابَ عَن كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ - ولَا تَعجَلَنَّ إِلَى تَصدِيقِ سَاعٍ - فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وإِن تَشَبَّه بِالنَّاصِحِينَ..))(1). إن من مناهج سياسة الإمام إبعاد السعادة في ذكر مثالب الناس الأمر الذي يؤدي إلى إسقاط كرامتهم، وتحطيم منزلتهم، وهذا مما يرفضه الإمام الذي جهد على تهذيب المجتمع

حسن سلوكه(2).

ص: 419


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر 67 م.ن ص 575
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

6 - الاستشارة

(ولَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ - ويَعِدُكَ الْفَقْرَ - ولَا

جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ - ولَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَه بِالْجَوْرِ - فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى - يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهَّ)(1)، منهج قويم يؤسسه الامام (عليه السلام) للحكام لكي يبتعدوا عن بعض سييء الخلق وأن لايكونوا جزءا من المستشارين لأنهم سيهلكوا الحرث والنسل باستشاراتهم الخاطئة.

7 - دور الوزراء وصفاتهم

(إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً - ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ

لَكَ بِطَانَةً - فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ - وأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ

- مِّمَنْ لَه مِثْلُ آرَائِهِمْ ونَفَاذِهِمْ - ولَيْسَ عَلَيْه مِثْلُ آصَارِهِمْ وأَوْزَارِهِمْ وآثَامِهِمْ -

مِّمَنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَی ظُلْمِه ولَا آثِماً عَلَی إِثْمِه - أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً - وأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً - فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لَخَلَوَاتِكَ وحَفَلَاتِكَ - ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ - وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَ يَكُونُمِنْكَ مِمَّا كَرِه اللهَّ لأَوْلِيَائِه)(2) وأمر الإمام في عهده بإقصاء الوزراء في الحكومات السابقة لأنهم كانوا أشراراً وخونة خصوصا في حكومة عثمان فحكى هذا المقطع أسمى ما تصل إليه الحكومة من التطور في خدمة الشعب، فقد عهد الإمام عليه السلام إلى مالك أن لا يتخذ وزيراً قد شارك في وزارة الحكومة السابقة التي جهدت في ظلم الشعب ونهب ثرواته كما كان في أيام حكومة عثمان بن عفان عميد الأمويين

ص: 420


1- محمد عبده، نهج البلاغة،رقم 291، ص 575
2- م.ن، ص 576

فقد وهب ثروات الأمة وما تملكه من قدرات اقتصادية لبني أمية وآل بني معيط، کما صحح المناصب المهمة في الدولة، وكان ذلك من الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بحكومته(1).

8 - الاحسان، وإقامة السنة

(فَإِنَّ كَثْرَةَ الإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ - ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ

عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ - فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ - وتَدْرِيباً

لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَی الإِسَاءَةِ - وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَه واعْلَمْ أَنَّه لَيْسَ شَيْءٌ

بِأَدْعَى - إِلَی حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِه - مِنْ إِحْسَانِه إِلَيْهِمْ وتَخْفِيفِه الْمُئُونَاتِ عَلَيْهِمْ -

وتَرْكِ اسْتِكْرَاهِه إِيَّاهُمْ عَلَی مَا لَيْسَ لَه قِبَلَهُمْ - فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ - يَجْتَمِعُ لَكَ بِه حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ - فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً - وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِه لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَه - وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِه لَمَنْ سَاءَ بَلَؤُكَ عِنْدَه - ولَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالَحِةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِه الأُمَّةِ - واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ - ولَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُّرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِ تِلْكَ السُّنَنِ - فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا - والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا)(2).

9 - دور العلماء

وأكد الإمام في عهده على ضرورة الاتصال بالعلماء والحكماء للتذاكر في شؤون

ص: 421


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر
2- م.ن، ص 577

البلاد وما يصلحها اقتصادياً وأمناً وغير ذلك قال عليه السلام:

(وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَماَءِ ومُنَاقَشَةَ الْحُكَماَءِ - فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْه أَمْرُ بِلاَدِكَ -

وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِه النَّاسُ قَبْلَكَ)(1).

10 - العلاقة بين طبقات المجتمع

(واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ - لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ - ولَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ)(2). وهذا أنموذج من سياسة الإمام الهادفة لإصلاح المجتمع بجميع ما يحتاج إليه طبقات الشعب، ونظر الإمام بعمق إلى طبقات الشعب التي يرتبط بعضها ببعض وهي: الكتاب: ذي به قوام الدولة والشعب. الكتاب: وهم كتاب العامة والخاصة. قضاة العدل وهم من يحكمون بين الناس فيما شجر بينهم من خلاف. عمال الإنصاف والرفق، وهم صنف من العمال يلاحظون أمور الناس. الذين يأخذون الجزية التي هي من مداد الاقتصاد في الإسلام. التجار وهم الذين يمثلون العصب الاقتصادي في البلاد. أهل الصناعات: وهم الذين يقومون بما يحتاج إليه المجتمع في شؤونه الاقتصادية(3).

التواصل مع الأشراف والصالحين

من بنود عهد الإمام أنه أمر مالك بالاتصال بالأشراف والصالحين الذين يمثلون القيم الكريمة ليستعين بهم في إصلاح البلاد وهذا قوله:

ص: 422


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 577
2- م.ن، ص 577
3- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

(ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ والأَحْسَابِ - وأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوَابِقِ

الْحَسَنَةِ - ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ والسَّخَاءِ والسَّماَحَةِ - فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ - ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِهَا - ولَا

يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِه - ولَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِه وإِنْ قَلَّ - فَإِنَّه

دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَ بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ - ولَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ

اتِّكَالًا عَلَی جَسِيمِهَا - فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِه - ولِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْه)(1). حكى هذا المقطع أصالة ما ذهب إليه الإمام من إشاعة الفضيلة وتوطيد أركان الإصلاح الاجتماعي بين الناس وهذه النقاط المهمة التي أدلى بها الإمام عليه السلام توجب التفاف المصلحين حول الولاة وتعاونهم معهم فيما يصلح أمر البلاد(2).

11 - دورقادة الجيوش والعلاقة بهم

(ولْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِه - وأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ

جِدَتِه - بِماَ يَسَعُهُمْ ويَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ - حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً

وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ - فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ)(3). أرأيتم هذا العمق في سياسة الإمام ودراسته لنفوس الجيش، والوقوف على إخلاصهم وطاعتهم لقادتهم ولم يحفل أي دستور عسكري وضعه قادة الجيوش بمثل هذه الدراسة الوثيقة لطبائع نفوس العسكر، وكيفية إخلاصهم وطاعتهم لقادتهم وقد أوصى الإمام عليه

ص: 423


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 579
2- م.ن
3- م.ن، ص 580

السلام بإشاعة ذكر المخلصين من الجند فإن ذلك يهز عواطف الشجعان منهم ويحرض الناكل على الطاعة والإخلاص لدولته، فحكى هذا المقطع بعض الوصايا الذهبية في تكريم المخلصين من الجيش، وأنه ليس له أن يعظم الأشراف على ما صدر منهم من خدمات ما كان قليلاً ويستهين بالفقراء ما صدر منهم من خدمات جليلة وأن الواجب عليه الإشادة بهم وذكرهم بأطيب الذكر وأنداه(1).

12 - اختيار القضاة

ومن الامور المهمة في عهد الإمام (عليه السلام) وهو أن يكون انتخاب الحكام غير خاضع للمؤثرات التقليدية وإنما يكون عن دراسة جادة للحاكم نفسياً وفكرياً وإدارة ومعرفة بشؤون الحكم والإدارة على ضوء الشريعة المقدسة وهذا حديث الإمام.

(ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ - مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِه الأُمُورُ

ولَا تُمَحِّكُه الْخُصُومُ - ولَا يَتَماَدَى فِي الزَّلَّةِ - ولَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَی الْحَقِّ إِذَا عَرَفَه- ولَا تُشْرِفُ نَفْسُه عَلَی طَمَعٍ - ولَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاه - وأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ - وأَقَلَّهُمْ تَبَّرُماً بِمُرَاجَعَةِ)(2). حكى هذا المقطع شأن القضاة أموراً بالغة الأهمية، منها:

أولاً: أن يكون الحاكم أفضل الرعية في تقواه وورعه، وأن تتوفر فيه هذه الصفات: أ: أن يكون واسع الصدر لا تضيق به محكات الناس ويمل منها.

ص: 424


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لوالیه مالك الأشتر على مصر
2- م.ن، ص 581

ب: أن يمعن وينظر بجد في القضايا التي ترفع إليه ويتبع سبيل الحق فيها يحكم به.

ج: أن لا يتهادى في الزلل والخطأ فإنه يكون ضالاً عن الطريق إذا لم يعن بذلك. د: أن يتبع الحق فيها يحكم به.

ه: أن يكون شديداً في حكمه إذا اتضح له الحق.

ثانياً: أن يتعاهد الوالي قضاء الحاكم خشية الزلل فيها حكم به.

ثالثاً: أن يوفر له العطاء ولا يجعله محتاجاً لأحد حتى يخلص فيها يحكم به. رابعاً: أن تكون للحاكم منزلة كريمة عند الوالي لا يطمع بها غيره.. هذه بعض

النقاط في هذا المقطع(1).

13 - اختيار العمال والولاة

وشيء بالغ الأهمية في عهد الإمام وهو أن يكون انتخاب الحكام غير خاضع للمؤثرات التقليدية وإنما يكون عن دراسة جادة للحاكم نفسياً وفكرياً وإدارة ومعرفة بشؤون الحكم والإدارة على ضوء الشريعة المقدسة وهذا حديث الإمام.

(ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّلِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً - ولَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً - فَإِنَّهُمَ جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيَانَةِ - وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ - مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والْقَدَمِ فِي الإِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ - فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَقاً وأَصَحُّ أَعْرَاضاً - وأَقَلُّفِ الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً - وأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الأُمُورِ نَظَراً - ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأَرْزَاقَ - فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَحِ أَنْفُسِهِمْ - وغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أيْدِيهِمْ - وحُجَّةٌ

ص: 425


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ - ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ - وابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ

الصِّدْقِ والْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ - حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِعْمَلِ

الأَمَانَةِ والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ - وتَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ - فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَه إِلَی خِيَانَةٍ - اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْه عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ - اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً - فَبَسَطْتَ عَلَيْه الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِه - وأَخَذْتَه بِماَ أَصَابَ مِنْ عَمَلِه - ثُمَّ نَصَبْتَه بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ووَسَمْتَه بِالْخِيَانَةِ - وقَلَّدْتَه عَارَ التُّهَمَةِ)(1).

حكى هذا المقطع شأن القضاة أموراً بالغة الأهوورعه منها:

أولاً: أن يكون الحاكم أفضل الرعية في تقواه وورعه، وأن تتوفر فيه هذه الصفات:

أ - أن يكون واسع الصدر لا تضيق به محكات الناس ويمل منها.

ب - أن يمعن وينظر بجد في القضايا التي ترفع إليه ويتبع سبيل الحق فيها يحكم به.

ج - أن لا يتمادى في الزلل والخطأ فإنه يكون ضالاً عن الطريق إذا لم يعن بذلك. د - أن يتبع الحق فيها يحكم به.

ه - أن يكون شديداً في حكمه إذا اتضح له الحق.

ثانياً - أن يتعاهد الوالي قضاء الحاكم خشية الزلل فيها حكم به.

ثالثاً - أن يوفر له العطاء ولا يجعله محتاجاً لأحد حتى يخلص فيها يحكم به. رابعاً - أن تكون للحاكم منزلة كريمة عند الوالي لا يطمع بها غيره.. هذه بعض النقاط في هذا المقطع(2). ومايتعلق بالعمال في أجهزة الحكم فقد أولاهم المزید من الاهتمام لأنهم العصب في الدولة وكان مما أولاهم به.

ص: 426


1- محمد عبده، نهج البلاغة رقم 291، ص 583
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

أولاً: إن الوظيفة لا تمنح لأي شخص إلا بعد اختباره ومعرفة سلوكه وإدارته.

ثانياً: أن منح الوظيفة يجب أن لا يكون محاباة أواثرة، وإنما يكون عن استحقاق

ودراية.

ثالثاً: إن العمال في الحكومات السابقة كانوا شعباً من الجور وفي عهده يجب أن

يكونوا أمثلة للنزاهة والشرف.

خامساً: أن يكون العمال من ذوي البيوتات الشريفة فإنهم يكونون بعيدين من اقتراف الإثم وما يخل بالكرامة.

سادسا: أن يوفر لهم المال فإنه ضمان لهم من أخذ الرشوة.

سابعاً: أن يجعل عليهم العيون والرقباء خشية انحرافهم عن الحق.

ثامنا: إذا بدت منهم خيانة فعلى الوالي أن يأخذهم بالعقاب الصارم. الخراج:

الإجراءات مع العمال تضمن للأمة العدل، وتشيع فيها الإخلاص للحكم(1).

14 - الخراج ومالية الدولة

أما الخراج فهو شرايين اقتصاد الأمة حكومة وشعباً في عصورها الأولى أوقد أمر الإمام في عهده بمراقبته وتفقده والاهتمام به، وهذا كلامه.

(وتَفَقَّدْ أَمْرَ الَخَرَاجِ بِماَ يُصْلِحُ أَهْلَه - فَإِنَّ فِي صَلَحِه وصَلَحِهِمْ صَلَحاً لِمَنْ

سِوَاهُمْ - ولَا صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّ بِهِمْ - لأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَی الَخَرَاجِ وأَهْلِه

- ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِماَرَةِ الأَرْضِ - أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِ اسْتِجْلَبِ الَخَرَاجِ - لأَنَّ ذَلِكَ

ص: 427


1- م.ن

لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِماَرَةِ - ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِماَرَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ - وأَهْلَكَ الْعِبَادَ

ولَمْ يَسْتَقِمْ أمْرُه إلِّا قَليِلاً - فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ - أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ - أَوْ أَجْحَفَ بِمَا عَطَشٌ - خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِماَ تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِه أَمْرُهُمْ - ولَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِه الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ - فَإِنَّه ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِه عَلَيْكَ فِي عِماَرَةِ بِلاَدِكَ - وتَزْيِينِ وِلَيَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ - وتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ - مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ - بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ - والثِّقَةَ مِنْهُمْ بِماَ عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ ورِفْقِكَ بِهِمْ - فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ - مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيه عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوه - طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِه - فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَه - وإِنَّماَ يُؤْتَى خَرَابُ الأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا - وإِنَّمَ يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَةِ عَلَی الْجَمْعِ - وسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ)(1).

حكى هذا المقطع مدى اهتمام الإمام بعمارة الأرض وتوفير جميع الوسائل لإصلاحها لأنها مصدر الحياة الاقتصادية في الأمة. وكذلك اهتمامه بتنمية الاقتصاد القومي الذي يمثله قطاع الفلاحين فقد أوصى بعمارة الأرض، وتوفير ما تحتاجه من المياه، وإصلاحها فيما إذا غمرتها المياه وغير ذلك من وسائل الإصلاح، وقد فقد المسلمون هذه الرعاية أيام الحكم الأموي والعباسي، فقد شكا والي مصر إلى عاهل الشام سوء حالة المزارعين وتخفيف الخراج عنهم فكتب إليه بعد التأنيب ((احلب الدر فإذا انقطع فاحلب الدم)) وقد اضطر المزارعون إلى هجر مزارعهم فراراً من ظلم الولاة وجورهم كما حكى هذا المقطع البر بالمزارعين والإحسان إليهم ومراعاة حياتهم الاقتصادية بما لم يألفوا مثله في الحكومات السابقة(2).

ص: 428


1- م.ن ص 583 - 584
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

15 - الكتاب وأصحاب الديوان

وهم من أهم الموظفين في جهاز الدولة فهم يتولون كتابة ما يصدر من الوالي من قرارات وشؤون اقتصادية وعسكرية وغير ذلك مما يتعلق بأمور الدولة والمواطنين وقد أولاهم الإمام المزيد من الاهتمام وهذا نص حديثه.

(ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ - فَوَلِّ عَلَی أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ - واخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي

تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وأَسْرَارَكَ - بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوه صَالِحِ الأَخْلاَقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُه

الْكَرَامَةُ - فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَفٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلإٍ - ولَا تَقْصُرُ بِه الْغَفْلَةُ عَنْ

إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّلِكَ عَلَيْكَ - وإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَی الصَّوَابِ عَنْكَ - فِيماَ يَأْخُذُ

لَكَ ويُعْطِي مِنْكَ - ولَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَه لَكَ - ولَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ

عَلَيْكَ - ولَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِه فِي الأُمُورِ - فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِه يَكُونُ بِقَدْرِغَيْرِه أَجْهَلَ - ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَی فِرَاسَتِكَ - واسْتِنَامَتِكَ وحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ - فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَةِ - بِتَصَنُّعِهِمْ وحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ - ولَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ والأَمَانَةِ شَيءٌ - ولَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِماَ وُلُّوا لِلصَّالِحينَ قَبْلَكَ - فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً - وأَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَةِ وَجْهاً - فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَی نَصِيحَتِكَ لله ولِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَه - واجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ - لَا يَقْهَرُه كَبِيرُهَا ولَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْه كَثِيرُهَا - ومَهْماَ كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْه

أُلْزِمْتَه)(1).

حكى هذا المقطع مدى أهمية الكتاب لأن قرارات الدولة، ومهام الأمور بأيديهم، ولابد أن تتوفر فيهم الصفات الفاضلة من الأمانة والضبط، وعدم التهاون في أعمالهم

ص: 429


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 858

وأن يكون اختبارهم وثيقاً، فلا يصح الاعتماد على الفراسة، وحسن الظن ولا على ما يبدونه من الخدمات لجلب مودة الوالي لأن ذلك ليس له أي وزن في ترشيحهم لهذه الوظيفة المهمة، فلا بد أن يكون الاختبار وثيقاً غير خاضع للرغبات الشخصية وتتمثل اليوم بمكاتب رئاسة الجمهورية والبرلمان والوزراء(1).

16 - تشجيع التجار ومنع الاحتكار

يشكل القطاع من التجار وذوي الصناعات دوراً مهماً في إدارة الشؤون الاقتصادية

في البلاد وقد أوصى الإمام برعايتهم والاهتمام بشؤونهم وهذا قوله:

(ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ وأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً – الْمُقِيمِ مِنْهُمْ والْمُضْطَرِبِ بِمَالِه والْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِه - فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ - وجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ والْمَطَارِحِ - فِي بَرِّكَ وبَحْرِكَ وسَهْلِكَ وجَبَلِكَ - وحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَواضِعِهَا - ولَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا - فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُه - وصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُه - وتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ - واعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً - وشُحّاً قَبِيحاً - واحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ - وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ - وعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِكَارِ - فَإِنَّ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْه - ولْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ - وأَسْعَارِ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ والْمُبْتَاعِ - فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاه فَنَكِّلْ بِه - وعَاقِبْه فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ)(2).

ص: 430


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر
2- م.ن، ص 586

عرض الإمام عليه السلام إلى دور التجار في جلب ما تحتاج إليه الناس من المناطق البعيدة والأماكن النائية ليوفروا لهم ما يحتاجون إليه من ضروريات الحياة والواجب على الوالي رعايتهم وتسهيل أمورهم وعرض الإمام إلى مراقبة السوق خشية من الاحتكار الذي يفر بالعامة وعلى الوالي أن يمنع المحتکر فإن أصر على احتكاره فيعاقبه من غير إسراف أ الاحتكار يودي إلى شل الحركة الاقتصادية في البلاد ويلقي الناس في ضائقة اقتصادية(1).

17 - الاهتمام بالفقراء

وليس في تأريخ الإسلام وغيره مثل الإمام أمير المؤمنين في اهتمامه بالفقراء فقد شاركهم في جشوبة العيش وخشونة اللباس، فهو أبو الفقراء، وصديق المحرومين وملاذ البائسين، وهذا نص حديثه في عهده: (ثُمَّ اللهَّ اللهَّ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ - مِنَ الْمَسَاکِینِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَى والزَّمْنَی - فَإِنَّ فِي هَذِه الْطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً - واحْفَظِ لله مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّه فِيهِمْ - واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالكَ - وقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ - فَإِنَّ لِلأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأَدْنَی - وکُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّه - ولَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ - فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِه لإِحْکَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ - فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ - وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ - مِمَّنْ تَقْتَحِمُه الْعُيُونُ وتَحْقِرُه الرِّجَالُ - فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ - فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ - ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللهَّ يَوْمَ تَلْقَاه - فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ

ص: 431


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر علی مصر

غَيْرِهِمْ - وکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهَّ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّه إِلَيْه - وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ - مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَه ولَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسِه - وذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ - والْحَقُّ کُلُّه ثَقِيلٌ وقَدْ يُخَفِّفُه اللهَّ عَلَى أَقْوَامٍ - طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ - ووَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهَّ لَهُمْ)(1).

أرأيتم هذا العطف والحنان على الفقراء والضعفاء، فقد احتضنهم الإمام وجعلهم من أهم مسؤولياته وواجباته إن رعاية الفقراء والبر بهم والإحسان إليهم عند الإمام جزء من رسالة الإسلام التي أكدت على محو الفقر وإزالة شبحه ونشر السعة والرخاء بين المسلمين. كان الإمام أباً عطوفاً للأيتام، وكان يجمعهم فيطعبذلك. عسل، وكان شديد العناية بهم والرعاية لهم والعطف عليهم، وكان من ذاتیاته وعظيم أخلاقه، وأثرت عنه وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام كوكبة من الأحاديث تحث على رعاية اليتيم والبر به، وتذكر ما أعد الالحاجات من الأجر الجزيل للقائم بذلك(2).

18 - اصحاب الحاجات والمصالح

ومن بنود عهد الإمام عليه السلام أنه حث على أن يجعل لذوي الحاجات وقتاً

لينظر فيها وهذا قوله:

(واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيه شَخْصَكَ - وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً - فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ - وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وشُرَطِكَ - حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ - فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله

ص: 432


1- محمد عبده، نهج البلاغة، ص 587 - 588
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر علی مصر

عليه وآله) يَقُولُ فِي غَیْرِ مَوْطِنٍ - لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّه مِنَ الْقَوِيِّ - غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ - ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ والْعِيَّ - ونَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ والأَنَفَ - یَبْسُطِ اللهَّ عَلَيْكَ بِذَلكَ أَکْنَافَ رَحْمَتِه - ويُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِه - وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وإِعْذَارٍ)(1).

وكان خائف أأعدل عدل الإمام عليه السلام في أيام حكومته أنه يحين وقتاً للنظر في قضايا ذوي الحاجات، فكان يأخذ بحق الضعيف من القوي وبحق المظلوم من الظالم، وكذلك عهد إلى ولاته مثل ذلك، وقد أمر عليه السلام في عهده بتنحية الشرطة والجنود حتى يتكلم ذوالحاجة غير متعتع ولا خائف وهذا منتهى العدل الذي أسسه رائد الحضارة والعدالة في الإسلام(2).

19 - واجبات الحاكم

(ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا - مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْه كُتَّابُكَ - ومِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ - بِمَا تَحْرَجُ بِه صُدُورُ أَعْوَانِكَ - وأَمْضِ لِکُلِّ يَوْمٍ عَمَلَه فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيه: واجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ اللهَّ - أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وأَجْزَلَ تِلْكَ الأَقْسَامِ - وإِنْ كَانَتْ کُلُّهَا لله إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّیَّةُ - وسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِیَّةُ)(3).

حکی هذا المقطع أموراً يتعين على الوالي القيام بنفسه في مباشرتها منها. إجابة

ص: 433


1- م.ن، ص 588 - 589
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشترعلی مصر
3- م.ن ص 589

العمال فيما إذا عجز الكتاب عن القيام بها وهي إما أنها ترجع إلى الشؤون العامة. إلى مصلحة العمال تنفيذ كل عمل من أعمال الدولة بنفس اليوم من دون تأخير لأن التأخير يضر بالمصلحة العامة. أن يخصص الوالي لنفسه وقتاً للاتصال بالله تعالى وعبادته باخلاص(1).

20 - أداء الفرائض

وعهد الإمام مالك أن يقيم فرائض الله تعالى بإخلاص، وإذا أقيمت صلاة الجماعة فعليه أن يلاحظ المصلين فلا يطيل في صلاته وإنما يصلي کما يصلي أضعف الناس، وهذا حديث الإمام:

(ولْيَکُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِه لله دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضَه - الَّتِي هِيَ لَه خَاصَّةً - فَأَعْطِ اللهَّ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ ونَهَارِكَ - ووَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِه إِلَى اللهَّ - مِنْ ذَلِكَ کَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ ولَا مَنْقُوصٍ - بَالِغاً مِنْ بَدَنِك مَا بَلَغَ - وإِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ - فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً ولَا مُضَيِّعاً - فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِه الْعِلَّةُ ولَه الْحَاجَةُ - وقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ - كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ - فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ کَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ - وکُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(2).

شملت تعاليم الإمام عليه السلام للولاة الحث على الصلاة وكيفية أدائها جماعة، ولم يعرض لذلك من ولي أمور المسلمين قبله وبعده(3).

ص: 434


1- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر
2- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 589 - 590
3- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

21 - عدم الاحتجاب عن الناس

(وأَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ - فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاۃِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ - وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ - والاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَه - فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ويَعْظُمُ الصَّغِیرُ - ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ - ویُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ - وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ - لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْه النَّاسُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ - ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ - تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ - وإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ - إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ - فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيه - أَوْ فِعْلٍ کَرِیمٍ تُسْدِيه أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ - فَمَا أَسْرَعَ کَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْألَتِكَ - إِذَا أَيِسُوا مِن بَذْلِكَ - مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ الَّناسِ إِلَيْكَ - مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيه عَلَيْكَ - مِنْ شَکَاۃِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ) (99).

22 - مراقبة الحاشية

حذر الإمام في عهده من إتباع بعض الذين يتخذهم الوالي خاصة له فإن فيهم تطاولاً وقلة انصاف، وعليه أن يحسم شرورهم وأطاعهم ولا يقطعهم قطيعة أرض فيكون المهنأ لهم والوزر عليه وهذا كلامه:

(ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً - فِيهِمُ استِئْثَارٌ وتَطَاوُلٌ وقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ - فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ - ولَا تُقْطِعَنَّ لأحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وحَامَّتِكَ قَطِيعَةً - ولَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَۃٍ - تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ - فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكَ -يَحْمِلُونَ مَئُونَتَه عَلَى غَيْرِهِمْ - فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ -

99 م. ن، ص 590.

ص: 435

وعَيبُه عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ - وأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَه مِنَ الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ - وكُنْ فِي ذَلكَ صَابِراً مُحْتَسِباً - وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ - وابْتَغِ عَاقِبَتَه بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْه - فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ - وإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَیْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ - واعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ - فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ورِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وإِعْذَاراً - تَبْلُغُ بِه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ)(1).

لقد كان أمر الإمام حاسماً في شؤون خاصة الولاة وبطانتهم، فقد سد عليهم

جميع ألوان الطمع والتلاعب بأموال الدولة واتباع الحق من قبل الحكام فإن الحق هو المنهج الواضح في سياسة الإمام وسيرته وليس للباطل أي التقاء به(2).

23 - العلاقة بالأعداء والعهود معهم

(ولَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْه عَدُوُّكَ ولله فِيه رِضًا - فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ - ورَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وأَمْناً لِبِلَادِكَ - ولَكِنِ الْحَذَرِ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِه - فَإِنَّ الْعَدُوَّ رَبُّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ - فَخُذْ بِالْحَزْمِ واتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ - وإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً - أَوْ أَلْبَسْتَه مِنْكَ ذِمَّةً - فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ - واجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ - فَإِنَّه لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهَّ شَيْءٌ - النَّاسُ أَشَدُّ عَلَیْه اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ - وتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ - مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ - وقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِکُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ - لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ - فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ولَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ - ولَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ - فَإِنَّه لَا

ص: 436


1- م.ن، ص 591
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

يَجْتَرِئُ عَلَى اللهَّ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ - وقَدْ جَعَلَ اللهَّ عَهْدَه وذِمَّتَه أَمْناً أَفْضَاه بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِه - وحَرِیماً يَسْکُنُونَ إِلَى مَنَعَتِه ويَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِه - فَلَا إِدْغَالَ ولَا مُدَالَسَةَ ولَا خِدَاعَ فِيه - ولَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيه الْعِلَلَ)(1)، حكى هذا الخطاب المناهج العسكرية، وهذه شذرات منها:

أولاً: أن الإمام أكد على ضرورة قبول الصلح إذا دعا إليه العدوأ وذكر فوائده: إن فيه راحة للجيش لأنه يستريح من الجهد العسكري.

ثانياً: احة للوالي من الهموم التي تنشأ من العمليات العسكرية. في الصلح أمناً

للبلاد وعدم تعرضها للأزمات.

ثانياً: على الوالي أن يراقب بيقظة العدو وبعد الصلح خشية أن يكون ذلك تصنعاً منه للكيد من المسلمين.

ثالثاً: إذا أبرم الوالي الصلح فعليه أن يحيط بالإسلام بالوفاء والأمانة ولايخیس بأي شيء منه فإن الوفاء بالعهد والوعد من صميم الإسلام والغدر ونكث العهد يتجافي مع الإسلام فقد جعل الله تعالى الوفاء بالعهد حصناً وثيقاً من حصونه ليس الأحد أن يقتحمه.. هذه بعض البنود في هذا المقطع(2).

24 - التحذير من سفك الدماء

يعد سفك الدماء من الموبقات والجنايات التي توجب الحدود الشرعية فحذر

ص: 437


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 291، ص 591
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر علی مصر

الامام منها قائلا: (إِيَّاكَ والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا - فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ ولَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ - ولَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ - مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا - واللهَّ سُبْحَانَه مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ - فِيمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فَلَا تُقَوِّیَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ - فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُه ويُوهِنُه بَلْ يُزِيلُه ويَنْقُلُه - ولَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهَّ ولَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ - لأَنَّ فِيه قَوَدَ الْبَدَنِ - وإِنِ ابْتُلِیتَ بِخَطَإٍ - وأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ - فَإِنَّ فِي الْوَکْزَۃِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً - فَلَا تَطْمَحَنَّ

بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ - عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ)(1).

إن سفك الدماء وترك القاتل دون عقاب من أعظم الجرائم ومن أفحش الموبقات في الإسلام، فقد أعلن القرآن الكريم أن من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً وإطلاق النفس شامل لجميع أصناف البشر من ذوي الأديان السماوية وغيرهم، كما أعلن القرآن أن من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه نار جهنم خالداً فيها، وقد شدد الإمام في عهده على ضرورة حفظ دماء المسلمين وحرمة سفكها، وحذر أن يقوى سلطان ولاته بإراقة الدماء، کما دية قتل العمد وهوقتل القاتل کما ذکر دية المقتول خطأ وهو الدية ولايته ما يكون التحذير من سفك الدماء(2).

25 - التحذير من العجب

وأوصى الإمام في عهده بأن لا يعجب الوالي بنفسه وولايته، وأن لا يحب الإطراء وهذا حديثه: (وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ - والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وحُبَّ

ص: 438


1- م.ن ص 593
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

الإِطْرَاءِ - فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْث فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه - لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ

إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ)(1)

26 - التحذير من المن على الرعية

(وإِيَّاكَ والْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ - أَوِ التَّزَیُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلكَ)(2)

27 - التحذير من خلف الوعد

أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ - فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلَ الإِحْسَانَ والتَّزَیُّدَ یَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ - والْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللهَّ والنَّاسِ - قَالَ اللهَّ تَعَالَى - * (کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(3). حکي هذا المقطع تحذير الإمام لواليه من أمرين، وهما - أولاً: أن يمن على رعيته بما يسديه من إحسان عليهم فإن ذلك واجب عليه ولا مجال للتبجح بأداء الواجب، وثانياً: أن يعدهم بالإحسان ثم يخالف ما وعده فإن ذلك مما يوجب مقت الله تعالى ومقت الناس(4)

28 - التحذير من العجلة بالامور

(وإِيَّاكَ والْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا - أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا - أَوِ اللَّجَاجَةَ

ص: 439


1- م.ن، ص 594
2- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 219، ص 594
3- م.ن 594
4- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

فِيهَا إِذَا تَنَکَّرَتْ - أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ - فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَه

وأَوْقِعْ کُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَه)(1).

29 - التحذير من الاستئثار

حذر أمير المؤمنين عليه السلام الوالي من الاستئثار بما فيه الناس سواء قائلا:

(وإِيَّاكَ والاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيه أُسْوَةٌ - والتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَی بِه مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ - فَإِنَّه مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَیْرِكَ - وعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأُمُورِ - ویُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ - امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وسَوْرَةَ حَدِّكَ - وسَطْوَةَ يَدِكَ وغَرْبَ لِسَانِكَ - واحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِکَفِّ الْبَادِرَةِ وتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ - حَتَّى يَسْکُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاِخْتِيَارَ - ولَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ - حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِکْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ)(2).

لقد عهد الإمام عليه السلام إلى واليه التحلي بمكارم الأخلاق وليس له ادبياً أن يستأثر بما الناس فيه سواء وإنما عليه أن يتركه لهم لينظروا إلى نزاهة الحكم وشرف الوالي لقد أوصاه الإمام بكل فضيلة تخلد له الذكر الحسن وتكون له وسام شرف(3).

30 - التذكر والاقتداء

وآخر ما وصى به الإمام (عليه السلام) واليه على مصر تلك الوصية الجامعة

ص: 440


1- م.ن، ص 595
2- م.ن، ص 595
3- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

للمحاسن والكمال والورع والتقى والتأسي بما سبقه من تجارب على مستوى الأدارة والحكم قوله: (والْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَکَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ - مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ - أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله) أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللهَّ - فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِه فِيهَا - وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا - وَاسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ - لِکَیْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفسِكَ إِلَى هَوَاهَا: وأَنَا أَسْأَلُ اللهَّ بِسَعَةِ رَحْمَتِه - وعَظِيمِ قُدْرَتِه عَلَى إِعْطَاءِ کُلِّ رَغْبَةٍ - أَنْ يُوَفِّقَنِي وإِيَّاكَ لِمَا فِيه رِضَاه - مِنَ الإقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْه وإِلَى خَلْقِه - مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ و جَمِيلِ الأَثَرِ فِي الْبِلَادِ - وتَمَامِ النِّعْمَةِ وتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ - وأَنْ يَخْتِمَ لِي ولَكَ بِالسَّعَادَةِ والشَّهَادَةِ - (إِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ) - والسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهَّ - صَلَّى اللهَّ عَلَيْه وآلِه وسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً والسَّلَامُ)(1).

وانتهى هذا العهد الذي يمثل العدل في السياسة والحكم بجميع رحابه ومكوناته وهو من أفضل ما خلفته الإنسانية من تراث عالج فيه قضايا الحكم والإدارة بمنتهی الحكمة والدقة، في وقت لم يكن فيه المسلمون وغيرهم يعرفوا هذه الأنظمة الحلاقة وهي جزء من مواهب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و عبقرياته التي لا تحد و حسبه علوا أنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وباب مدينة علمه، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى(2).

ص: 441


1- محمد عبده، نهج البلاغة، رقم 291، ص 595 - 596
2- باقر شريف القرشي: شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر

الخاتمة والتوصيات والمقترحات

1 - يجسد العهد نظرية الحكم عند أهل البيت (عليه السلام).

2 - هناك كتاب أرسله الامام علي (عليه السلام) لأهل مصر حين ولى مالك الاشتر يخبرهم بشخصية مالك (رضي الله عنه).

3 - من الممكن صياغة بعض فقرات العهد كمواد دستورية للحكومات الاسلامية

4 - تشكل البنى التحتية التي تضمنها العهد قواعد مهمة في بناء الدولة المدنية.

5 - هناك مفاهيم تضمنها العهد تتوافق مع مفاهيم عصرية لها علاقة بالحكم المدني الديمقراطي، مثل دولة المؤسسات (واعلم ان الرعية طبقات) والتكنوقراط (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك) والقطاع الخاص، (ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات).

6 - أكد العهد على ضرورة الاهتمام بالبنى الاقتصادية والمالية للدولة فبصلاحه صلاح سواهم.

7 - كذلك اهتم العهد بالمؤسسة العسكرية جنودا وقادة كونها حصون الرعية

وزين الولاة ودعا الى الاهتمام بالجنود وبشؤونهم.

8 - اذا كانت البنى التحتية تتمثل اليوم بالقطاعات الخدمية والانتاجية فقد اشار الامام (عليه السلام) في عهده الى تلك البنى من حيث الاهتمام بالفقراء وذوي الحاجات وعمارة الارض وتزيين البلاد.

9 - البناء التعليمي والثقافي وتقريب العلماء من اولويات الدولة المدنية والحاكم

ص: 442

العادل لذا اشار الامام علي (عليه السلام) إلى ذلك في أكثر من موضع في العهد.

10 - اقامة الفرائض والسنن بناء ديني ضروري للحاکم ورعيته لاصلاح العباد

والبلاد.

11 - التأكيد على بناء المبادى الدستورية كالعدل والمساواة والحرية والشورى في

الحكم.

12 - التأكيد على البناء الاخلاقي للحاكم والتحلي بمكارم الاخلاق والابتعاد عن الخلق السيء كالتزام الرحمة والحب والعفو والاحسان والصفح والمسامحة والانصاف والامانة وحسن الظن والشجاعة والكرم والوفاء بالعهود والابتعاد عن العجب والتكبر وسفك الدماء والظلم ونقض العهود والمن على الرعية والعجلة في الامور والاسستئثار والطمع وغير ذلك.

13 - الدقة في بناء مؤسسات الحكم والدولة مثل حسن اختيار الوزراء والعمال والولاة والكتاب واصحاب الديوان والحاشية.

14 - بناء الحاكم معنويا وسلوكيا من حيث حسن الاقتداء بالنماذج الحسنة والسيرة العادلة وفرائض الكتاب العزيز. وسلوكيا من حيث عدم الاحتجاب عن الرعية ولزوم الحق وعدم الركون الى السعاة والوشاة.

15 - تنبيه العهد الى مجموعات واصناف ومهن واشخاص دلالة على الرؤية

الثاقبة والصحيحة لطبيعة المجتمعات وعمارتها والعلاقة فيما بينها والتركيز على أهل الخبرة والمهنية في الاعمال.

16 - هناك مجموعة من المفاهيم السياسية والادارية والاقتصادية ترتبط ارتباطا

ص: 443

وثيقا بعمل الحاكم وعمل الحكومة بما يؤسس الدولة المدنية.

17 - البنى التحتية التي ذكرها الامام علي (عليه السلام) في عهده الى مالك الاشتر (رض) وكذلك المفاهيم والمبادىء السياسية والدستورية هي ملخص تجربة الامام علي (عليه السلام) في الحكم وقد مارسها اذبان خلافته المباركة فحري بعماله وولاته أن يستفيدو من تلك التجربة الفريدة في تطبيق نظرية الامام علي (عليه السلام) في الحكم وبناء الدولة المدنية

التوصيات

يوصي البحث بما يأتي

1 - ان تكون هناك ورشة عمل من قبل الاساتذة والمتخصصين والباحثين في الجامعات والمعاهد ذات العلاقة والمؤسسات الحقوقية لدراسة بنود هذا العهد المبارك وجعلها كمواد دراسية في الكليات والمعاهد ذات العلاقة.

2 - صياغة العهد كبنود دستورية تلتزم بها الحكومات الاسلامية لاسيما الحكومة

العراقية.

3 - يتم مفاتحة البرلمان العراقي بأن يكون هذا العهد من جملة نظامه الداخلي لحث

الرئاسات الثلاث والوزراء واعظاء مجلس النواب لتطبيقه.

المقترحات

طبع هذا العهد مستقلا ويكون ملحقا بالدستور العراقي.

حث الطلبة بجميع مستوياتهم ليكون العهد المبارك مادة لعنوانات بحوثهم وفي جميع المستويات.

ص: 444

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

الإحكام في أصول الأحكام». لسيف الدين الآمدي علي بن سالم (551 - 631). إعداد سيّد الجميلي. الطبعة الثانية، 4 أجزاء في مجلَّدين، بيروت، دار الكتاب العربي، 1406 - 1986 م.

تفسير الطبري: محمد بن جرير الطبري (310 ه) - دار المعرفة - بيروت - 1403 ه.

سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني (275 ه) - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي

- دار الفكر.

الصحاح: للجوهري (393 ه) - تحقيق أحمد عبد الغفور العطار - دار العلم للملايين - بيروت.

صحیح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (256 ه) - عالم الكتب - ط 5 - 1406 ه.

صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيسابوري (261 ه) - دار الفكر - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد بن محمّد التميمي الآمدي، مكتب الإعلام

الإسلامي، قم.

فقه الدولة: فاضل الصفار، دار الانصار، ط 1، 2005 م، مطبعة باقري، ايران.

القاموس المحيط، مجد الدین محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي، دار الجيل، بيروت.

الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م 329 ه)، تحقيق عليّ أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه.

لسان العرب، ابن منظور أبو الفضل محمّد بن مكرم (630 - 711 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408 ه.

مجمع البحرين، ومطلع النيّرين، فخر الدين بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن طريح،

(979 - 1087 ه)، مكتبة الهلال، بيروت، 1985 م.

مسند أحمد، أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241 ه)، دار الفكر، بيروت.

مشكل الآثار: للطحاوي المصري الحنفي محمد بن سلامة المتوفی 321 ه ط. دار

الباز دائرة المعارف النظامية في الهند - حیدر آباد 1333 ه.

معالم الأصول (معالم الدين وملاذ المجتهدين) تأليف: جمال الدين الشيخ الحسن

ص: 445

بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي (1011 - 959 ه)، نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1406 ه. ق.

مفردات ألفاظ القرآن: تأليف: أبي القاسم حسين بن محمّد المعروف ب: الراغب

الأصفهاني (.. - 502 ه)، نشر دار الفكر، بيروت.

نهج البلاغة، شرح محمد عبده، نشر لقاء، قم 1425 ه

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 110 ه)، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، سنة 1409 ه. ق.

جمال

ومغزاها

معناها

المدنية

الدولة

الكنين:

ادريس

/net.alrakoba.www//:http

Dictionary English Oxford Compact Online • Infrastructure() infrastructure/oed concise/com.askoxford.www//:http

(2009,17 (accessed January action. in Principles :Economics (Fo.) Sheffrin .M Steven()

Sullivan

Arthur صفحة 474. ISBN 13-0

is world the in What» .(2009) Jeffrey ،Fulmer -

(August/July) Investor Infrastructure PEL.«?infrastructure

English the of Dictionary Heritage American Infrastructure^ /dictionary/reference/com.yahoo.education//:http , Language

(2009 ,17 infrastructure (accessed January/entry

Dictionary Defense of Department ,02-JP1 ,Infrastructure() 31 .rev) 2001 April 12 ,290.p ,Terms Associated and Military of ADA=AD?GetTRDoc/bin-cgi/mil.dtic.www//:http (2005 August ,17 accessed January)pdf. GetTRDoc=docU2 =Location39918

(2009

ص: 446

المحتويات

التأصيل الفقهي لدور الحاكم في الاسلام

قراءة في عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رضي الله عنه)

المقدمة...7

المبحث الأول: تأصيل العنوان...9

المطلب الأول: مقاربات مصطلحية...9

المطلب الثاني: صفات الحكم في عهد الامام علي عليه السلام...10

1 - المساواة في العطاء:...11

2 - المساواة أمام القضاء:...11

3 - المساواة في الحقوق والواجبات:...11

4 - انشاؤه بيتاً للمظالم...11

5 - أمرُهُ بكتابة الحوائج

سياسته المالية:...12

1 - مع عقیل:...13

2. مع الحسن والحسين:...13

المطلب الثالث: العهد قراءة تاريخية:...13

اولا: سند العهد تاريخيا:...13

رواه:...13

المطلب الرابع: اهمية نظام الحكم في الاسلام والتنظير الفقهي التاريخي:...14

المبحث الثاني: المفاهيم التي وردت في العهد لمالك الاشتر في دور الحاكم او الوالي الاسلامي...16

ص: 447

اولا: ولاه لغرض:...16

ثانيا: في التعامل مع الرعية / المواطنين:...17

المبحث الثالث: التنظير الفقهي لأدوار الحاكم في الاسلام...23

التنظیر الفقهي لأدوار الحاكم عند جمهور المسلمين:...24

التنظير الفقهي لأدوار الحاكم عند الامامية الاثني عشرية:...27

الخلاصة ونتائج البحث والتوصيات:...30

الهوامش...31

تأصيل فقه العمران عند الامام علي (عليه السلام) مقاربة في عهده لمالك الاشتر

المقدمة...37

المبحث الاول: المقاربة الاصطلاحية للعمران...39

المبحث الثاني: مرتكزات فقه العمران عند الامام علي...45

المرتكز الاول: وحدة العمران البشري والاقتصادي:...46

المرتكز الثاني: تحقيق النفع العام:...46

المرتكز الثالث: مرتكز الاستخلاف والتسخير:...50

أولاً - الاستخلاف:...50

ثانیاً: التسخیر:...54

المبحث الثالث: اجرائیات فقه العمران عند الامام:...57

اولا - اجراءات اولیة...57

ثانیا - بیت المال والخراج والعمران:...61

ثالثا - اولویة العمران علی جلب الخراج:...66

الخاتمة...70

الهوامش...72

المصادر والمراجع:...80

ص: 448

أسس النظام الجنائي الموضوعي الإسلامي في فكر الإمام علي (عليه السلام)

المقدمة:...87

أهمية البحث:...88

مشكلة البحث:...88

أهداف البحث:...89

منهج البحث:...89

نطاق البحث:...89

المبحث الأول: مبدأ الشرعية الجنائية في فكر الأمام علي (عليه السلام)...90

المطلب الأول / مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية...90

الفرع الأول / تعريف مبدأ الشرعية الجنائية...91

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لمبدأ الشرعية الجنائية...91

أولا: الأساس الشرعي للمبدأ في القرآن الكريم...91

ثانيا: الأساس الشرعي للمبدأ في السنة النبوية الشريفة...92

الفرع الثالث / مبدأ الشرعية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام...92

المطلب الثاني / مبدأ عدم الرجعية في القانون الجنائي في فكر الأمام علي علیه السلام...92

الفرع الأول / مفهوم مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي - الموضوعي...93

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لمبدأ عدم الرجعية...94

أولا: الأساس الشرعي في القرآن الكريم:...94

ثانياً: الأساس الشرعي للمبدأ في السنة النبوية الشريفة...95

الفرع الثالث / مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي في فكر الإمام علي (عليه السلام)...96

المبحث الثاني: أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام...97

المطلب الأول / ماهية أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام...97

الفرع الأول / مفهوم أركان الجريمة...98

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لأركان الجريمة...99

أولا: الأساس الشرعي لأركان الجريمة في القرآن الكريم...99

ص: 449

ثانيا: الأساس الشرعي لأركان الجريمة في السنة النبوية الشريفة...100

الفرع الثالث / تطبيقات أركان الجريمة في فكر الإمام علي عليه السلام...100

المطلب الثاني / أسباب الإباحة في فكر الإمام علي عليه السلام...101

الفرع الأول / تعریف أسباب الإباحة...101

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لأسباب الإباحة...102

أولا: الأساس الشرعي لأسباب الإباحة في القرآن الكريم...102

ثانيا: الأساس الشرعي لأسباب الإباحة في السنة النبوية الشريفة...103

الفرع الثالث / تطبيقات أسباب الإباحة عند الإمام علي عليه السلام...103

أولاً: حق الدفاع الشرعي:...104

ثانيا: استعمال الحق...104

ثالثاً: أداء الواجب...104

المبحث الثالث: المسؤولية الجزائية في فكر الإمام علي عليه السلام...105

المطلب الأول / أساس المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام...105

الفرع الأول / تعريف المسؤولية الجزائية...105

الفرع الثاني / أساس المسؤولية الجنائية في الفكر الإسلامي...106

أولا: أنصار مذهب الجبر:...106

ثانيا: أنصار مذهب حرية الإرادة:...106

ثالثا: المذهب التوفيقي:...107

الفرع الثالث / أساس المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام...108

المطلب الثاني / موانع المسؤولية الجنائية في فكر الإمام علي عليه السلام...109

الفرع الأول / تعریف موانع المسؤولية الجنائية...109

الفرع الثاني / الأساس الشرعي لموانع المسؤولية الجنائية...110

أولا: الأساس الشرعي في القرآن الكريم:...110

ثانيا: الأساس الشرعي لموانع المسؤولية في السنة النبوية الشريفة...110

الفرع الثالث / تطبيقات موانع المسؤولية الجنائية عند الإمام علي عليه السلام...111

الهوامش...112

ص: 450

التنظيم القضائي في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

الملخص...121

المقدمة...123

اولاً: القضاء لغة واصطلاحاً...123

القضاء في الاصطلاح:...124

المحور الثاني: التنظيم القضائي والاداري في عهد الامام علي (عليه السلام)...124

التنظيم الموضوعي للقضاء...128

قضاة الامام علي (عليه السلام)...130

نماذج من اقضية الامام علي (عليه السلام)...131

الخاتمة...133

الهوامش...134

المصادر والمراجع...137

الموازنة بين العدالة والرعاية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر

المقدمة...143

المحور الأول: دولة العدالة والرعاية في العهد العلوي...144

المحور الثاني: نصوص مختارة من العهد...149

الخاتمة...154

الهوامش...156

مالك الاشتر ودوره السياسي في عهد الإمام علي (عليه السلام)

المقدمة...161

نبذة عن حياته:...162

وقائع مهمّة في حياة مالك الأشتر:...163

دوره في استنفار الناس لقتال الناكثين:...166

ص: 451

مواقفه الشامخة في حكومة الامام علي ابن طالب (عليه السلام):...170

المواقف والأدوار الفريدة لمالك الأشتر:...171

بلوغه الوفاة:...172

المصادر...174

المشروع السياسي للأمام علي (عليه السلام) في عهده الى مالك الاشتر

المقدمة...179

معنى السياسة...180

مفاهيم السياسة...181

سياسة الامام علي عليه السلام...182

اولا: طلحة والزبير...183

ثانيا: خدعة المصاحف...184

ثالثا: التحكيم...184

الامام عليه السلام والأحاديث...185

الوعي التاريخي عند الأمام عليه السلام...185

الامام عليه السلام ومالك الاشتر رضوان الله عليه...187

العهد العظيم...188

الهوامش...192

المصادر والمراجع:...194

العلاقة بين الحاكم والمحكومين

في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشتر

مقدمة...199

المبحث الأول: مضامين حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه...201

اولا: الحقوق الاساسية:...202

المحور الأول:...203

ص: 452

المحور الثاني: الحقوق السياسية:...205

المحور الثالث: الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية:...207

المبحث الثاني: حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام

علي عليه السلام لمالك الأشتر...214

أولاً - واجبات الحاكم:...214

ثانياً - واجبات المحكوم:...222

المبحث الثالث: تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر...226

اولا: الأساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:...227

1 - الأساس الشرعي:...227

أ: من القرآن الكريم:...228

ب: من السنة النبوية...229

ثانيا: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:...230

ثالثا: القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم:...231

1 - التزام العبودية لله تعالى:...231

2 - المساواة العامة بينهما في:...231

3 - القيم الخُلقية العامة :...232

الخاتمة:...233

الهوامش...238

أسس الحكم الصالح ومهام الحاكم الوظيفية

في ضوء عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر - قراءة سياسية معاصرة في

ضوء واقع العملية السياسية العراقية بعد العام 2003

المقدمة...245

أهمية البحث...247

فرضية البحث...247

مشكلة البحث...248

ص: 453

منهجية البحث...248

هيكلية البحث...248

المحور الأول: أسس الحكم الصالح عند الأمام علي (عليه السلام) في ضوء العهد...249

المحور الثاني: المهام الوظيفية للحاكم...260

المحور الثالث: عهد الإمام علي (عليه السلام) «قراءة سياسية معاصرة في ظل معوقات بناء الدولة العراقية»...271

الأول: تطهير جهاز الدولة...273

الثاني: تأميم الأموال المختلسة...273

أولاً: السياسة المالية...274

ثانياً: السياسة الداخلية...276

ثالثاً: الدعوة إلى وحدة الأمة...277

رابعاً: تربية الأمة...277

الخاتمة...282

الهوامش...285

المصادر...288

السلطة المؤتمنة ومسؤوليتها

في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر

المقدمة...293

المبحث الأول: المرتكزات العقائدية للسلطة المؤتمنة في نصوص العهد...296

المطلب الأول: مالكية الله، أساسٌ...296

المطلب الثاني: عدل الله، حقيقة عقلية ونصوص عقدية...299

المبحث الثاني: شروط القائمين على اجهزة السلطة في نصوص العهد...303

المطلب الأول: شروط الوالي والقاضي...303

المطلب الثاني: شروط المستشارين والوزراء والعمال...305

المبحث الثالث: مسؤوليات السلطة المؤتمنة في نصوص العهد...311

ص: 454

المطلب الاول: الجانب الاقتصادي...311

1 - الخراج:...312

2 - عمارة الأرض...313

3 - مصارف الخراج...314

المطلب الثاني: الجانب الدفاعي...317

المطلب الثالث: تقيين العقوبات...319

الإستنتاجات...322

الهوامش...324

المصادر:...330

مالك الأشتر (رضوان الله عليه) قاضياً وحاكماً

- إطلالة تاريخية على الجانب القضائي -

ملخص البحث:...335

- ولادته:...336

- نسبه:...337

- اسمه:...338

- کنیته:...338

- القابه:...338

أ) لقب الأشتر:...338

ب) لقب بكبش العراق:...339

- شخصية مالك الأشتر والصفات التي تميز بها:...339

شجاعة الأشتر:...340

الجانب القضائي:...341

- القضاء:...341

- المظالم:...344

- الحسبة:...347

ص: 455

النتائج:...350

الهوامش...351

أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)

في ضوء عهده لمالك الأشتر

سيرة مالك الأشتر...360

صفاته:...361

وفاته:...363

أسس اختيار المسؤولين في الدولة...364

الخاتمة...417

المصادر والمراجع...380

الهوامش:...386

فقه الدولة في العهد العلوي لمالك الأشتر

دراسة معاصرة للبنى التحتية للدولة المدنية

المبحث الأول بیان مفاهیم البحث...394

اولاً: الفقه لغة واصطلاحاً...394

ثانياً: الدولة المدنية...396

ثالثاً: المدنية...399

رابعاً: العهد العلوي...400

خامساً: البنى التحتية...400

المبحث الثاني: البنى التحتية للدولة المدنية...402

المبحث الثالث: المبادئ والمفاهيم الدستورية المرتبطة بالدولة المدنية...415

الخاتمة والتوصيات والمقترحات...442

المصادر والمراجع:...445

ص: 456

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.