نهاية الأفكار المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

الطبعة: 0

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 0 ه.ق

الصفحات: 255

نسخة غير مصححة

الجزء الرابع

من كتابنهاية الأفكار

في مبحث الاستصحاب

لحضره

حجة الاسلام والمسلمين آية اللّه في العالمين الورع التقي الشيخ محمد تقي البروجردي قدس سره

تقرير الفقيه المحقق والأصولي المدقق الشيخ ضياء الدين العراقي قدس سره

منظورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة

ص: 1

اشارة

سرشناسه: عراقي، ضياء الدين، 1240 - 1321.

عنوان و نام پدیدآور: نهاية الأفكار «في مباحث الألفاظ» / تقرير أبحاث ضياء الدين العراقي ؛ تأليف محمد تقي البروجردي النجفي.

مشخصات نشر: قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم ، مؤسسة النشر الإسلامي، 1422ق.=1380.

مشخصات ظاهري: 4 ج. (در 3 مجلد).

فروست: (مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم؛ 196، 198، 199.

شابك: (دورة): 3-272-470-964-978؛ ج. 2-1: 0-950-470-964-978

ج. 3: 7-951-470-964-978؛ ج. 4: 4-952-470-964-978.

یادداشت: عربي.

یادداشت: چاپ قبلی: مؤسسة النشر الإسلامي جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، 1405 ق.= 1365.

یادداشت: ج. 1-4 (چاپ ششم: 1435 ق. = 1393).

یادداشت: كتابنامه.

یادداشت: ج. 3. في مبحث القطع والظن وبعض الأصول العلمية. - ج. 4. في مبحث الاستصحاب.

موضوع: مباحث ألفاظ.

شناسۀ افزوده: جامعۀ مدرسين حوزۀ علميۀ قم. دفتر انتشارات اسلامي.

رده بندی كنگره: 1380 9 ن 4 ع / 164 BP

رده بندی دیویی: 297/31

شمارۀ كتابشناسي ملّي: 17890-81م.

نهاية الأفكار (ج 4)

تأليف: الفقيه المحقّق والأصولي المدقّق الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي (طاب ثراه)

تقرير أبحاث: العلّامة المحقّق آية اللّه العظمی الشيخ آغا ضياء الدين العراقي قدس سره

الموضوع: الأصول

طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي

عدد الصفحات: 608

الطبعة: السابعة

المطبوع: 300

التاريخ: 1438 ه.ق

شابك ج 1-2: 0-950-470-964-978

ISBN 978-964-470-950-0

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

ص: 2

اشارة

هذا هو القسم الاوّل من الجزء الرابع من كتاب نهاية الافكار في مبحث الاستصحاب والتعادل والتراجيح

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على رسوله وخير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين المعصومين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

( المقام الثاني من المقصد الثالث في الاستصحاب )

وتحقيق الكلام فيه يستدعي تقديم أمور ( الامر الأول ) في تعريف الاستصحاب وشرح حقيقته ( اعلم ) ان الاستصحاب استفعال من صحب ، وهو في اللغة اخذ الشيء مصاحبا ، ومنه استصحاب اجزاء مالا يؤكل لحمه في الصلاة ( وفي اصطلاح ) الأصوليين أطلق بالعناية على الأصل المعروف المقابل للأصول الثلاثة ( وقد عرفوه ) بتعاريف أسدها وأخصرها ما افاده العلامة الأنصاري ( قده ) من أنه ابقاء ما كان ( اما ) أخصريته فظاهرة ( واما ) أسديته فلكونه حاويا لجميع المسالك في الاستصحاب على اختلافها في وجه حجيته ( فان الابقاء ) الذي هو مدلول الهيئة عبارة عن مطلق الحكم بالبقاء والتصديق به أعم من حكم الشارع وتعبده بالبقاء ، أو حكم العقل وتصديقه الظني به ، أو حكم العقلاء وبنائهم ( والاستصحاب ) المصطلح المقابل للأصول الثلاثة عند القوم برمتهم على اختلاف انظارهم في وجه حجيته ، عبارة عن الحكم ببقاء ما كان من حيث إنه كان ( حيث إنه ) على التعبد واخذه من مضامين الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ، عبارة عن الحكم الانشائي من الشارع في مرحلة الظاهر وتعبده ببقاء ما علم حدوثه سابقا وشك في بقائه لاحقا ( وعلى اخذه ) ومن العقل ، عبارة عن ادراك العقل وتصديقه الظني ببقاء ما كان للملازمة الغالبية في الأشياء بين ثبوتها في زمان وبقائها في زمان لاحق عليه ، إذ لا نعنى من حكم العقل إلا دركه الوجداني

ص: 2

وتصديقه قطعيا أو ظنيا ( كما ) انه بناء على اخذه من بناء العقلاء عبارة عن التزامهم على الجري العملي على بقاء ما كان بملاحظة كينونته في السابق ما لم يظهر لهم ارتفاعه ( فعلى جميع ) المسالك ينطبق التعريف المزبور على الأصل المذكور ، ويرد النفي والاثبات من الطرفين على معنى واحد ( نعم ) غاية - ما هناك اختلافهم في مصداقه ، ولكنه غير ضائل بوحدة المفهوم بعد كون نظر المثبتين طرا على اختلاف انظارهم إلى اثبات الجامع الذي ينفيه المنكرين ( نعم ) على ذلك يكون الاستصحاب المأخوذ من الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك عبارة عما هو لازم مدلولها ، لا نفس مدلولها ، وهذا المقدار سهل في أمثال المقام « واما » كون البقاء حقيقيا بناء على اخذه من العقل ، وتعبديا بناء على اخذه من الاخبار على مسلك ارجاع النقض في لا تنقض اليقين إلى المتيقن ، لكونه على ذلك عبارة عن تصديق وجداني جزمي بالبقاء التعبدي « فغير ضائر » بوحدة المفهوم ، إذا لا يوجب مثله اختلافا في مفهوم الابقاء ، فإذا كان الظاهر من مدلول الهيئة في قوله ابقاء ما كان هو الحكم بالبقاء فلا جرم يكون ذلك بمفهومه الوجداني حاويا لجميع المسالك ولا يكون في التعريف المزبور من جهة لفظ الابقاء قصور عن إفادة حقيقة الاستصحاب « كما أن » التعبير بما كان أيضا مشعر بخروج الحكم بالبقاء لأجل تحقق علة وجوده في الزمان اللاحق ، أو لقيام الدليل على بقاء المستصحب في الزمان الثاني « كما أنه » لا قصور فيه أيضا في إفادة اعتبار الشك الذي هو أحد ركنية وهو الشك بالمعنى الأعم الشامل لمطلق خلاف اليقين ، بداهة ان حكم العقل ببقاء الشيء استنادا إلى وجوده سابقا ، وكذا حكم الشارع وتعبده في الظاهر أو بناء العقلاء وجريهم عملا على وجوده تعبدا لا يكون الا من جهة كونه مشكوك البقاء في الزمان اللاحق ، والا لما كن لحكم الشارع وتعبده ولا لحكم العقل به ظنا ، ولا لبناء العقلاء على الجري العملي على طبق الحالة السابقة مجال كما هو ظاهر « نعم » في اعتبار الشك الفعلي في حقيقة الاستصحاب بناء على عدم اخذه من الاخبار ، أو اخذه منها على مسلك توجيه حرمة النقض إلى المتيقن لا إلى اليقين كلام سيأتي التعرض له انشاء اللّه تعالى « وانما الكلام » في استفادة الركن الاخر وهو اليقين بالوجود السابق في زمان إرادة الحكم بالبقاء من التعريف المزبور « حيث إنه » بناء على اخذه من العقل بجعله من الاحكام العقلية غير المستقلة ، أو اخذه من بناء

ص: 3

العقلاء ، يمكن ان يقال بعدم دخل الاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب ، إذ الاستصحاب على ذلك عبارة عن مجرد حكم العقل وتصديقه الظني بالبقاء ، ومن الواضح انه لا يكون للاحراز السابق دخل في هذا الحكم ، وان كان يحتاج إليه في مقام احراز الحدوث ومرحلة تطبيق الحكم الاستصحابي على المورد ( واما ) بناء على اخذه من الاخبار ، فعلى مسلك توجيه النقض ، إلى نفس اليقين فلا اشكال في دخل الاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب لكونه من أركانه كالشك اللاحق ، فلا بد من استفادته من التعريف المذكور « واما » على مسلك توجيه النقض إلى المتيقن بجعل اليقين فيه مأخوذا على نحو المرأتية إلى الواقع في مقام ايصال النهي إليه في يكون لليقين السابق دخل في حقيقته ، فان مفاد النصوص على ذلك عبارة عن مجرد تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وترتيب آثار الواقع في مقام الجري العملي ، ومن الواضح عدم احتياج ذلك إلى الاحراز السابق وان كان مما يحتاج إليه في مقام احراز الحدوث وتطبيقه على المورد ، ولكنه غير مرتبط بمقام دخله في حقيقة الاستصحاب « بل على » هذا المسلك يمكن التشكيك في اعتبار الشك الفعلي فيه أيضا وجريانه مع الغفلة والشك التقديري كما سيجيء ، غاية الامر تكون الغفلة مانعة عن تنجزه كسائر الأحكام التكليفية ، بخلاف مسلك توجيه النقض إلى نفس اليقين كما هو المختار ، فإنه عليه لا محيص في حقيقة الاستصحاب من اليقين والشك الفعليين ( وربما يترتب ) على هذين المسلكين نتائج مهمه ( منها ) ذلك ( ومنها ) حكومة الاستصحاب على سائر الأصول العملية على المسلك المختار وعدمها على المسلك الاخر كما سيأتي ومرت الإشارة إليه في الكتاب غير مرة « ومنها » ما ، سيأتي انشاء اللّه تعالى من صحة التفصيل في حجية الاستصحاب بين الشك في المقتضى والشك في الرافع على المسلك الآخر وعدم صحته على المختار « وكيف كان » فالمقصود بالبيان هو قصور التعريف المزبور عن إفادة اعتبار اليقين والاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب بناء على اخذه من الاخبار وارجاع النقض في لا تنقض إلى اليقين بجعله مأخوذا على نحو العنوانية لا المشيرية « الا ان يقال » : انه يستفاد ذلك من لفظ ما كان باعتبار ملازمة كونه كان مع اليقين الفعلي بوجوده سابقا حين الحكم بالبقاء « بل يمكن » استفادته من لفظ الابقاء أيضا باعتبار كونه اثباتا للازم الشيء من حيث إن الجزم بثبوت اللازم ملازم لجزم بثبوت الملزوم

ص: 4

« ولئن » نوقش في الاستفادة المزبورة من دعوى عدم اقتضاء مجرد استلزام الابقاء ، أو الكينونة السابقة لليقين السابق لإفادة اعتباره في حقيقة الاستصحاب المأخوذ من الاخبار ، فلك ان تعرفه بما هو مضمون الاخبار ، وتقول. انه عبارة عن حرمة نقض اليقين بثبوت شيء سابقا بالشك في بقائه لاحقا ، فان الامر سهل في أمثال المقام « ثم انك عرفت » ان الاستصحاب بناء على اخذه من العقل عبارة عن ادراك العقل وتصديقه الوجداني الظني ببقاء ما ثبت تعويلا على ثبوته سابقا للملازمة الغالبية في الموجودات بين الحدوث والبقاء ، ومرجعه إلى كون اعتباره من باب الظن الشخصي لا الظن النوعي ، والا فلا دليل على حجيته الا السيرة وبناء العقلاء وهي فرض تحققها وتماميتها توجب خروج الاستصحاب من الأدلة العقلية لدخوله حينئذ فيما دلت عليه السيرة ، نظير ظواهر الألفاظ وغيرها من الامارات التعبدية فلا يناسب جعله حينئذ من الأدلة العقلية وعده من العقليات غير المستقلة كما هو ظاهر ( وعليه نقول ) انه يكفي في وهن هذا المسلك استلزامه حصول الظن الفعلي بطرفي النقيض في بعض الموارد حسب اختلاف الحالة السابقة ، كما في الماء البالغ إلى حد خاص الجاري فيه استصحاب القلة تارة والكثرة أخرى ، وهو كما ترى من المستحيل ( لا يقال ) الاشكال يتوجه إذا كان الاستصحابان جاريين فيه في زمان واحد ، وأما إذا كانا في زمانين فلا محذور من جريانهما فيه ، إذ لا يلزم منه اجتماع الظنين الفعليين بطرفي النقيض ( والمقام ) من هذا القبيل ، فان الماء الشخصي البالغ إلى نقطة كذا في ظرف يجرى فيه استصحاب القلة لا يجرى فيه استصحاب الكثرة لعدم كونه مسبوقا بالكثرة في ذلك الظرف ، وبالعكس في ظرف يجرى فيه استصحاب الكثرة لا يكون مسبوقا بالقلة حتى يجرى فيه استصحابها ، فمن أين ينتهي الامر إلى محذور لزوم حصول الظن الفعلي بطرفي النقيض في نحو المثال المزبور كي يجعل ذلك من الموهنات لهذا المسلك ( فإنه يقال ) نعم ولكن منشأ الظن الفعلي بكل من الكرية والقلة في الماء البالغ إلى حد خاص لما كان هي الملازمة بين الحدوث والبقاء ، يكون الاشكال في اعتقاد هذه الملازمة في الماء المزبور ، فان ملازمة بلوغ الماء الكذائي للظن الفعلي بالكرية تارة وبالقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيل ، فلا محيص على هذا المسلك من المصير في أمثال هذه الموارد ، اما إلى عدم جريان أحد الاستصحابين ، أو دعوى الغفلة عن أحدهما حين حصول

ص: 5

الظن الاستصحابي بالآخر « بل من لوازم » هذا المسلك أيضا عدم صحة اطلاق التعارض في الاستصحابات المتعارضة ، ولا حكومة الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسببي ، لاستحالة تحقق التعارض بين دليلين يكون حجيتها من حيث وصف الظن الفعلي ، لان اجتماع الظنين الفعليين بالمتنافيين محال فلا يمكن حصول الظن الفعلي بعدم اللازم في فرض حصوله بالملزوم وبالعكس « وهذا » بخلاف القول باعتباره من باب الاخبار ، فإنه لا محذور عقلا في التعبد بطرفي النقيض في زمانين ، فأمكن اجراء كلا الاستصحابين في نحو المثل المتقدم « كما أنه » عليه يصح اطلاق التعارض في الاستصحابات المتعارضة والمصير إلى الحكومة في الاستصحابات السببية « وكذا » يصح ذلك بناء على اعتباره من باب الظن النوعي ودخوله في أدلة السرة كظواهر الألفاظ وغيرها من الامارات المعتبرة من حيث إفادة نوعها الظن ، فإنه عليه أيضا لا يرد محذور في البين كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) هل المسألة من المسائل الأصولية ، أو القواعد الفقهية ، أو من المبادئ التصديقية ، فيه وجوه ( والتحقيق ) كونها من المسائل الأصولية ، لوضوح ان الغرض من هذا العلم بعد أن كان تنقيح ما يصلح ان يقع وسطا لاثبات الاحكام الكلية الفرعية ، أو ما تنتهي إليه الفقيه عند عدم انكشاف الواقع لديه بعلم أو علمي من الوظائف العملية المقررة عقلية أو شرعية ، فلا جرم يكون المقياس في أصولية المسألة بكونها من القواعد التي لها دخل في الغرض الداعي إلى تدوين هذا العلم ( وحيث ) ان مسائله يرجع إلى صنفين صنف منها لوحظ فيه الحكاية والكشف عن الواقع ولونا قصا وكان من شأنه الوقوع في طريق استنباط الاحكام الكلية والوظائف النفس الامرية كالأمارات ، وصنف آخر منها لم يلاحظ فيه هذه الجهة ، بل كان مما ينتهي إليه الفقيه في مقام العمل في ظرف الجهل بالواقع واستتاره كالقواعد العملية شرعية أو عقلية وكان لكل من الصنفين دخل في الغرض الذي لأجله دون هذا العلم ، كان الاستصحاب لا محاله على جميع المسالك معدودا من مسائل علم الأصول بل من أهم مباحثه ( وكذلك الامر ) على ما افاده العلامة الأنصاري قده من الميزان في أصولية المسألة بما يكون تطبيقه على موارده مخصوصا بالمجتهد ، حيث إنه من جهة احتياجه إلى الفحص عن الأدلة في تطبيقه على موارد الشبهات الحكمية يكون داخلا في مسائل

ص: 6

العلم ، لاختصاص امر تطبيقه بيد المجتهد « وان كان » ما افاده قده من الميزان لا يخلو من اشكال ، لاندراج كثير من القواعد الفرعية تحت الميزان المزبور كقاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية ونفوذ الصلح والشرط وعدم نفوذهما باعتبار كونهما مخالفين للكتاب والسنة أو غير مخالفين لهما ، حيث إن تطبيق عنوان مخالفة الكتاب والسنة وتشخيص موارد نفوذ الصلح والشرط عن موارد عدم نفوذهما يكون مختصا بالمجتهد وليس للمقلد فيه نصيب « واما بناء » على جعل ميزان المسألة بما يكون وسطا لاثبات حكم المتعلق كما يقتضيه التعريف المعروف بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الكلية الظاهرية من جهة لفظ الاستنباط في إرادة وقوع القواعد طريقا ووسطا لاستنباط الأحكام الشرعية الكلية « فبناء » على اخذه من بناء العقلاء من باب الا مارية لا الأصلية لا اشكال أيضا في كونه من المسائل الأصولية « وكذلك الامر » بناء على اخذه من العقل الظني المنتهى اعتباره إلى مقدمات الانسداد بمناط الكشف « واما بناء » على التعبد من جهة اخذه من الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ، ففي كونه من المسائل الأصولية اشكال خصوصا على مسلك توجيه النقض فيها إلى المتيقن ، فان مضامينها حينئذ لا تكون الا قاعدة فقيهة ظاهرية منطبقة على مواردها كسائر القواعد الفقهية ، كقاعدتي الضرر والحرج ، وقاعدة الطهارة ونحوها ، واستفادة الاحكام الجزئية منها في مواردها انما يكون من باب التطبيق لا الاستنباط ، هو غير مرتبط بوقوعها وسطا لاثبات الحكم الشرعي الكلي في مقام الاستنباط « ولكن الاشكال » كله في التعريف المزبور لما فيه من اقتضائه خروج مسائل الأصول العملية طرا عن مباحث هذا العلم ، وكذا مسألة حجية الظن بملاك الانسداد على حكومة العقل ، بل وخروج الامارات عنها أيضا بناء على تنزيل المؤدى وجعل حكم المماثل في مرحلة الظاهر « فان » نتيجة دليل اعتبارها حينئذ حكم شرعي كلي ينحل إلى احكام كلية أصولية وفرعية مطابقة لمؤديات الامارات ، لا انها تكون وسطا لاثبات حكم كلي شرعي فرعى واقعي في مقام استنباطه ، مع أنه كما ترى ، فان هذه المسائل من أهم مباحث هذا العلم ، ولأجل ذلك قلنا في مبحث تعريف علم الأصول ان الجري ، هو ان يقال في تعريفه انه هي القواعد الخاصة التي تعمل في استخراج الاحكام الفرعية الواقعية ، أو الوظائف العملية عند التحير وعدم انكشاف الواقع

ص: 7

بعلم أو علمي عقلية كانت أم شرعية وان كان الامر سهلا.

( الامر الثالث ) لا اشكال في مباينة الاستصحاب مع قاعدة اليقين. فان المعتبر في القاعدة ان يكون الشك فيها متعلقا دقة بعين ما تعلق به اليقين بنحو يكون معروض الوصفين واحدا بالدقة العقلية وجودا وحدا ومرتبة ، ولذلك لا بد فيها من اختلاف زمان الوصفين مع اتحاد زمان المشكوك والمتيقن لاستحالة طروهما على محل واحد في زمان كذلك ( بخلاف الاستصحاب ) فان فيه يختلف معروض الوصفين دقة في عالم عروضهما ، حيث إن معروض اليقين فيه هو أصل ثبوت الشيء في زمان ، ومعروض الشك هو حيث بقائه في ثاني زمان حدوثه بحيث يكون المتحقق في هذه المرحلة قضيتان قضية متيقنة أبدية وقضية مشكوكة أزلية بلا ارتباط بينهما من جهة الحدوث والبقاء الا من جهة الذات التي هي منشأ انتزاعهما في مرحلة الاتصاف في الخارج ( وبذلك ) يكون الاستصحاب على عكس القاعدة ، فان يعتبر فيه اختلاف زمان معروض الوصفين لا زمان الوصفين نفسهما ، لجواز اتحاد زمانهما فيه ، كما لو علم يوم الجمعة بعدالة زيد يوم الخميس وشك في يوم الجمعة أيضا في عدالته فيه ، بل المعتبر في الاستصحاب هو اجتماع اليقين والشك حين الحكم بالبقاء سواء كان مبدء حدوث اليقين قبل حدوث الشك ، أو بعده ، أم كان حدوثهما متقارنين زمانا كالمثال المتقدم ( والا ) فبدونه لا يصدق الشك في البقاء ، بل الشك يكون ساريا فيخرج عن موضوع الاستصحاب كما هو ظاهر.

ومن التأمل ، فيما ذكرنا يظهر انه لابد في الاستصحاب من اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة بحسب الموضوع والمحمول ، والمراد بالوحدة المزبورة انما هو وحدتهما وجودا خارجيا كي يصدق تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق ويصدق على القضية المشكوكة انها بقاء للقضية المتيقنة ، لا مجرد وحدتهما بحسب الذات والحقيقة ولو مع تعددهما في الخارج وجودا ( بداهة ) انه لا يكفي في الاستصحاب مجرد الاتحاد في الحقيقة والماهية ولو مع تعدد الوجود خارجا ، والا يلزم جريان الاستصحاب عند اليقين بوجود فرد والشك في فرد آخر وهو كما ترى ( ولذا ) كان بناء المحققين على عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من اقسام الشك في وجود الكلى كما سيجيء تحقيقه انشاء تعالى ( ولا ان المراد ) هو وحدتهما وجودا وحدا ومرتبة ، والا فلا يتصور

ص: 8

فيه الشك في البقاء وينطبق على قاعدة اليقين لا الاستصحاب ( لا يقال ) على هذا يشكل تطبيق الاستصحاب على الأحكام الشرعية ، فان موضوعاتها لما كان عبارة عن الموجودات الذهنية ولو بما هي مرأت إلى الخارج وكان ظرف محمولاتها محضا بكونه ذهنيا لا خارجيا ، لان الخارج ظرف اتصافها بها لا ظرف عروضها ، فلا جرم في ظرف عروض محمولاتها لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية لا فعلية ولا فرضية كي يصدق تعلق الشك في القضية المشكوكة بما تعلق به اليقين ( بل الواحدة ) المتصورة بينهما في هذا الصقع لا تكون الا ذاتية ، والا فموضوع كل قضية لا يكون الا موجودا ذهنيا مغايرا لما هو الموضوع في القضية الأخرى ( فإذا كان ) المفروض عدم كفاية الوحدة الذاتية في جريان الاستصحاب وكان الخارج أجنبيا عن صقع عروض هذه المحمولات ، فمن أين يتصور الشك في البقاء في القضايا الشرعية التكليفية حتى يجرى فيها الاستصحاب ( فإنه يقال ) ان ظرف عروض هذه المحمولات وان كان ذهنيا وبالنسبة إلى هذا الظرف لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية ولو فرضية ولا يتوارد اليقين والشك على محل واحد من حيث الحدوث والبقاء ، لان ما هو معلوم كان معلوما إلى الأبد وما هو مشكوك كان مشكوكا من الأزل ( الا انه ) يكتفى بوحدة منشأ انتزاعهما في مرحلة الاتصاف في الخارج في صدق البقاء والنقض في موضوع القضايا التكليفية ، حيث يصدق على القضية المشكوكة في هذه المرحلة انها بقاء للقضية المتيقنة فيشملها دليل حرمة النقض لكونه مقصورا إلى مرحلة اتصاف الموضوع بحكمه في الخارج ، لا إلى مرحلة العروض كما هو ظاهر.

( ثم إن ) في استصحاب الاحكام الكلية مطلقا وان كان مدركها النقل اشكالا آخر ، وحاصله ان الشك في بقاء الحكم الكلى لا جل اختلاف الحالات وتبادلها راجع إلى الشك في بقاء موضوعه ، لان موضوع الاحكام الكلية انما هو المفاهيم الكلية وباختلاف القيود وتبادل الحالات يختلف المفهوم المأخوذ موضوعا للحكم بعين اختلافه في مرحلة كونه معروضا للحسن والقبح والمصلحة والمفسدة ، فإذا شك في بقاء الحكم الكلي ، اما للشك في بقاء القيد المعلوم قيديته ، أو لفقد ما يشك في قيديته أو لغير ذلك ، يرجع هذا الشك لا محالة إلى الشك في بقاء موضوعه فلا يجرى فيه الاستصحاب ( ومنشأ ) هذا الاشكال هو تخيل رجوع جميع القيود التي تؤخذ في

ص: 9

القضية بحسب اللب إلى الموضوع وان كان بحسب ظاهر القضية راجعا إلى الحكم ( اما لقضاء الوجدان ) بدخل القيود المأخوذة في القضايا الطلبية في مصلحة موضوع الحكم وعدم تعلق الاشتياق والإرادة الفعلية الناشئة عن العلم بالمصلحة في الذات الا في ظرف تحقق جميع القيود ( أو البرهان ) من لا بدية كون موضوع الاحكام بعينه هو معروض المصالح ( فان ) لازمه في جميع موارد دخل القيد في مصلحة التكليف هو رجوعه إلى ما هو موضوع التكليف ، والا فبدونه يلزم اطلاق مصلحة الموضوع لعدم الواسطة بين الاطلاق والتقييد واستحالة الاهمال النفس الأمري ، ولازم الاطلاق المزبور هو تحقق المصلحة في الذات ولو مع عدم وجود القيد وهو مساوق عدم دخله في مصلحة التكيف وهو خلف ( ولكن فيه ) ما لا يخفى من الفرق بين قيود الحكم وقيود الموضوع ( فان ) مرجع كون الشيء قيدا للوجوب والحكم كما أوضحناه في مبحث المقدمة في شرح الواجبات المشروطة إلى دخله بنحو العلية لأصل الاحتياج إلى الشيء الذي به يصير الشيء متصفا بكونه ذات مصلحة كالزوال والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحج في قبال قيود الواجب الراجعة إلى دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجود ما هو المتصف بالمصلحة فارغا عن الاتصاف بكونه صلاحا كالطهور والستر بالنسبة إلى الصلاة ( ومن الواضح ) عدم صلاحية رجوع مثل هذه القيود في لب الإرادة إلى الذات المعروضة للمصلحة ( لان ) كون الشيء من الجهات التعليلية للحكم ومن علل اتصاف الشيء بكونه ذات مصلحة وان كان موجبا لضيق قهري في طرف الحكم والمصلحة ويمنع عن اطلاقهما ، لاستحالة ان يكون للشيء اطلاق يشمل حال عدم علمه ويستتبع ذلك أيضا نحو ضيق فرضي في طرف الذات التي هي معروض هذه المصلحة ، لامتناع أوسعية دائرة الموضوع عن حكمه ، ولكن لا يكاد يقيد به الذات ، لأنه من المستحيل تقيد الموضوع بحكمه أو بما هو من علله ( بل الموضوع ) في نحو هذه القضايا عبارة عن الذات العارية عن حيثيتي الاطلاق والتقييد ، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة إلى عرضه في الاعراض الخارجية وغيرها ( حيث ) ان كل عرض بعروضه على الذات يوجب ضيقا في ذات معروضه بنحو لا يكون لها اطلاق يشمل حال عدم عارضه ومع ذلك لا تكون مقيدة به أيضا وانما هي حصة من الذات التوئمة مع الحكم على نحو القضية الحينية لا مطلقة ولا مقيدة به

ص: 10

( وبعد ذلك ) نقول انه إذا كان مثل هذا الضيق الناشئ عن ضيق العارض في مرحلة عروضه غير مأخوذ في نفس معروض الحكم والمصلحة ، ففي موارد ظهور القضية في رجوع القيد المأخوذ فيها إلى كونه قيدا للوجوب لا للواجب لا مجال للاشكال في استصحاب الحكم الكلي من الجهة المزبورة ، فإنه على ما بيناه يكون الموضوع في أمثال هذه القضايا عبارة نفس الذات القابلة للبقاء حتى مع اليقين بانتفاء قيد حكمه فضلا عن الشك في انتفائه ، فإذا شك في قيدية ما علم انتفائه للحكم أو في بقاء ما علم قيديته له يجري فيه الاستصحاب ، كما يجري فيه عند الشك في بقاء سائر اعراضه الخارجية لأجل الشك في بقاء عللها ، فيقال : ان هذه الذات في ظرف تحقق قيد كذا كانت متصفة بالمرادية وبعد الشك في بقاء القيد يشك في بقائها على الاتصاف المزبور ، فيجري فيه الاستصحاب ولو مع البناء على كون مدار الوحدة في القضيتين على الأنظار الدقية فضلا عما هو التحقيق من كفاية الوحدة العرفية فإنه عليه ربما يجري الاستصحاب ولو كان القيد بحسب الدقة من قيود الموضوع ومن مقوماته ، لأنه ربما يرى العرف بحسب ما هو المرتكز في أذهانهم من مناسبة الحكم والموضوع كون الموضوع للحكم هو نفس الذات وان القيد من الأمور غير المقومة له أو من الجهات التعليلية لطرو الحكم عن ذات الموضوع ( نعم ) لو قلنا ان عموم لا تنقض مسوق بلحاظ ما يستفاد من لسان الدليل ويفهم منه العرف في تشخيص موضوعات الاحكام وتحديد مفاهيم الألفاظ ومداليلها ، لا بلحاظ ما يفهمه بلحاظ ما ارتكز في ذهنه في نظائره من الاحكام العرفية ومناسبات الحكم والموضوع ، كان اللازم التفصيل في جريان الاستصحاب بين الاحكام حسب اختلاف أدلتها من حيث اللسان ، فيفرق بين ان يكون القيد المشكوك دخله ولو بقاء مأخوذا في ظاهر القضية على نحو التوصيف كقوله : الماء المتغير نجس ، أو مأخوذا على نحو التعليل للحكم كقوله : الماء إذا تغير نجس باجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول.

( لا يقال ) ان موضوع الحكم بما هو موضوع وان كان غير مقيد بقيود الحكم ولكنه لا اطلاق له أيضا يشمل حال عدم القيد ، لان ملازمة الحكم لموضوعه وعدم تخلفه عنه موجبة لضيق قهري في ذات الموضوع بنحو لا يكاد ينطبق الا على حصته من الذات الملازمة مع القيد لا مقيدة به ( ومعه ) يتوجه الاشكال المزبور ، إذ يقال : ان

ص: 12

موضوع الحكم بوصف كونه موضوعا غير معلوم البقاء في الآن الثاني مع الشك في بقاء ما علم قيديته للحكم أو العلم بانتفاء ما شك في قيديته له ولا ( يندفع ) ذلك الا بالبناء على كفاية الأنظار العرفية في وحدة القضيتين وتعددهما ، والا فبناء على اعتبار الأنظار العقلية لا محيص من الاشكال حيث يكفي فيه مجرد عدم اطلاق الموضوع بما هو موضوع الشامل لحال عدم القيد ( فإنه يقال ) : ان الغرض من لزوم اتحاد الموضوع بنحو الدقة في باب الاستصحاب ليس الا ذات الموضوع المحفوظ في الحالتين لا بوصف معروضيته ، فلا بد من تجريد متعلق اليقين والشك عن هذه الجهة كي يصدق تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين ، والا فمع عدم التجريد من هذه الجهة لا يتصور اجتماع اليقين والشك في زمان واحد ، ويلزمه انطباقه على قاعدة اليقين لا الاستصحاب ، ولازمه المنع عن استصحاب الاعراض الخارجية أيضا كسواد الجسم وبياضه وهو كما ترى ، فلا محيص حينئذ من تجريد متعلق الشك واليقين من الحيثية المزبورة بجعله عبارة عن ذات الموضوع المحفوظة في حالتي اليقين بعروض العارض وشكه حتى يصدق تعلق الشك بما تعلق به اليقين ، وعليه كما يجري الاستصحاب في الاعراض الخارجية ، كذلك يجري في الاحكام الكلية ، إذ لافرق بينهما من هذه الجهة ( نعم ) غاية ما هناك من الفرق بينهما هو ان القيود بوجوداتها الخارجية في الاعراض علل عروضها على محالها وفى الاحكام علل اتصاف الموضوعات بأحكامها ، لا علل عروضها عليها ، إذ في ظرف عروضها لا تحتاج إلى وجود قيودها خارجا وانما المحتاج إليه في هذه المرحلة هو وجودها لحاظا وتصورا كما أوضحناه في مبحث المقدمة في شرح الواجبات المشروطة.

( ثم إن العجب ) من المحقق الخراساني قدس سره انه كيف يصدق هذا الاشكال في المقام في استصحاب الاحكام الكلية ويلتجى في الجواب عنها إلى دعوى كفاية الأنظار العرفية في اتحاد القضيتين في الاستصحاب ، مع أنه على ما افاده في مبحث المقدمة من تصوير الواجب المشروط في فسحة من هذا الاشكال وحيث إن له تصوير جريان الاستصحاب فيها بنحو ما ذكرناه ولو مع البناء على لزوم اتحادهما بالنظر الدقي العقلي ( نعم ) يتجه هذا الاشكال على مسلك مثل الشيخ قدس سره فيما سلكه من عدم تصوير

ص: 13

الواجبات المشروطة وارجاعها طرا بحسب اللب إلى المعلقة.

( الامر الرابع ) لا شبهة في أنه على المختار من تعلق النقض باليقين يعتبر في الاستصحاب فعلية اليقين والشك لأنهما مما به قوام حقيقته فلا استصحاب مع الغفلة لعدم حصولهما معها ( واما ) بناء على مسلك توجيه حرمة النقض إلى الواقع بجعل اليقين المأخوذ في دليله طريقا لمجرد ايصال النهي إلى الواقع من دون دخل لليقين فيه أصلا ، فقد عرفت انه لا مجال لدعوى ركنية اليقين والشك الفعليين في الاستصحاب والتعبد ببقاء الواقع ( نعم ) غاية ، هناك دخلهما في مقام احراز الحدوث ومرحلة تطبيقه على المورد ، ونتيجة ذلك هي جريان الاستصحاب والتعبد بالبقاء مع الغفلة والشك التقديري أيضا ، غاية الامر تكون الغفلة مانعة عن تنجزه كسائر الاحكام الفعلية الواقعية ، لا عن أصل فعليته.

( وقد رتب ) على ذلك ثمرة مهمة في من كان متيقنا بالحدث ثم غفل وصلى فشك بعد الفراغ من الصلاة في تطهره قبل الصلاة ( فقيل ) في الفرض المزبور بصحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها بناء على اعتبار فعليه الشك واليقين في الاستصحاب ، لقاعدة الفراغ الحاكمة على استصحاب بقاء الحدث الجاري بعد الصلاة عند الالتفات إلى حاله المقتضى لترتب اثر البطلان على المأتى به من حيث وجوب الإعادة والقضاء ، لان المقدار الذي ينفع الاستصحاب المزبور انما هو بالنسبة إلى الصلوات الآتية ، واما بالنسبة إلى الصلاة المأتى بها في حال الغفلة ، فالقاعدة تكون حاكمة عليه ( واما بناء ) على كفاية الشك التقديري ، فلا بد من الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة والقضاء عند الالتفات إلى حاله ، لجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة في حال الغفلة واقتضائه محكومية الصلاة بالفساد.

( أقول ) : ولا يخفى عليك ما في الابتناء والتفريع المزبور فان كل طريق أو أصل معتبر عقليا كان أو شرعيا عند قيامه على شيء انما يجب اتباعه ويترتب عليه الأثر من المنجزية أو المعذرية في ظرف وجوده وبقائه على حجيته لا مطلقا حتى في ظرف انعدامه أو خروجه عن الحجية ( والا ) فلا يكفي مجرد وجوده وحجيته في زمان في ترتب الأثر عليه للتالي حتى في أزمنة انعدامه أو خروجه عن الحجية ( وبعد ذلك

ص: 14

نقول ) انه بناء على كفاية الشك التقديري وان كان يجرى استصحاب الحدث في ظرف الغفلة قبل الصلاة ولكنه لا يترتب عليه الا بطلان الصلاة سابقا ، واما وجوب الإعادة أو القضاء في ظرف بعد الفراغ فلا يترتب على الاستصحاب المزبور ، لأنه من آثار الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ لا من آثار استصحاب الحدث الجاري في ظرف الغفلة قبل الصلاة ، وانما اثر ذلك هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها في فرض دخوله فيها غفلة ، فإذا كان الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ محكوما بالقاعدة فمن حين الفراغ لا بد من الحكم بالصحة للقاعدة لا البطلان لعدم جريان الاستصحاب من ذلك الحين ولا اثر للحكم بالبطلان سابقا بعد كون العمل محكوما بالصحة من الحين بمقتضى القاعدة ( نعم ) لو كانت القاعدة في جريانها منوطة بعدم كون المصلى محكوما بالمحدثية سابقا ، كان لاخذ الثمرة مجال ، ولكن الامر ليس كذلك قطعا ، لعدم كون هذا القيد شرطا في القاعدة ( وانما ) الشرط فيها مجرد كون الشك في الصحة حادثا بعد الفراغ من العمل ، ومن هنا لا تجري فيما لو حدث الالتفات والشك قبل الفراغ ولو لم يجر استصحاب الحدث ولا كان المكلف محكوما بالمحدثية حين الشروع في الصلاة ، كما في موارد توارد الحالتين التي لا يجري فيها الاستصحاب ، اما لعدم جريانه في نفسه مع العلم الاجمالي ، أو من جهة سقوطه بالمعارضة.

( وبذلك ) ظهر اندفاع توهم اقتضاء البيان المزبور للحكم بصحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها حتى في فرض اليقين بالحدث والشك الفعلي في الطهارة قبل الصلاة ، لفرض عدم انقضاء محكومية الصلاة بالفساد حال الاتيان بها بالاستصحاب الجاري قبل الصلاة لبطلانها بعد الفراغ ، وحكومة القاعدة على استصحاب الحادث الجاري في ظرف الفراغ : وهذا مما لا يلتزم به أحد من الأصحاب ( توضيح الاندفاع ) هو ان بنائهم على بطلان الصلاة ووجوب اعادتها في مفروض النقض انما هو لأجل عدم كون المورد مجرى لقاعدة الفراغ ، لاختصاصها بالشك الحادث بعد الفراغ وعدم شمولها لما إذا حدث الالتفات والشك قبله ، إذ حينئذ يجري استصحاب الحدث في ظرف بعد الفراغ لسلامته عما يقتضى صحة العمل ومقتضاه هو الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة ، لا ان ذلك من جهة مجرد استصحاب الحدث الجاري قبل الشروع

ص: 15

في الصلاة واشتراط القاعدة في جريانها بعدم كون الصلاة حال الاتيان بها محكومة بالبطلان ( كيف ولازمه ) هو الحكم بالصحة للقاعدة في فرض طرو الغفلة حين الشروع في الصلاة ، كما لو تيقن بالحدث وشك في الطهارة قبل الصلاة ثم غفل فصلى فتجدد له الشك في الطهارة بعد الفراغ مع القطع بعدم تطهره من الحدث الاستصحابي قبل الصلاة ( لوضوح ) انه لا يكون له حكم ظاهري بتحصيل الطهارة حين الشروع في الصلاة ، فان الاستصحاب وظيفة عملية للشاك بما هو شاك فيكون متقوما بالشك حدوثا وبقاء ، فمن حين طرو الغفلة يرتفع الحدث الاستصحابي بارتفاع شكه : فلا استصحاب حين الشروع في الصلاة يقتضى محكومية المصلى بالمحدثية حتى يمنع عن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ ، مع أن ذلك كما ترى.

( وتوهم ) ان المانع عن صحة الصلاة وعن جريان القاعدة حينئذ هو الحدث الاستصحابي السابق على طرو الغفلة ( فمدفوع ) بان الصالح للمنع عن الصحة انما هو الحدث الباقي إلى حين الشروع في الصلاة ، لا الحدث مطلقا ، فمانعية الحدث الاستصحابي عن صحة الصلاة انما تكون في فرض بقائه على الالتفات إلى حين الشروع فيها ، والا فمع زواله بطرو الغفلة قبل الشروع في الصلاة لا يصلح الحدث الاستصحابي السابق للمانعية عن صحة الصلاة وعن جريان قاعدة الفراغ حين الشك المتجدد بعد الفراغ ، فينحصر المنع عن صحة الصلاة وعن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ في الفرض المزبور بما ذكرنا من اختصاص القاعدة في جريانها بصورة الشك الحادث بعد الفراغ من العمل بحيث لا يكون مسبوقا بالالتفات والشك قبل العمل وان غفل حين الشروع فيه ( وعليه ) نقول : في المقام انه لا مجال لمثل هذا التفريع واخذ الثمرة المزبورة بين القولين ، فإنه بعد أن كان الشك في الحدث ممحضا بكونه بعد الفراغ من الصلاة فمن حين الفراغ تجري فيها قاعدة الشك بعد الفراغ المقتضية لصحتها والحاكمة على أصالة فسادها بعد الصلاة ، قلنا باعتبار الشك الفعلي في جريان الاستصحاب ، أو بكفاية الشك التقديري ( ولعمري ) ان ذلك واضح لا سترة عليه ، وانما أطلنا الكلام في ذلك لما يظهر من العلامة الأنصاري قده من تسليم الثمرة

ص: 16

المزبورة وتعليل بطلان الصلاة وعدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ بسبق الامر بالطهارة والنهى عن الدخول في الصلاة بدونها ( نعم ) يمكن ان يفرض وجود الثمرة بين القولين في عكس المسألة فيما لو علم بالطهارة فشك فيها قبل الصلاة ثم غفل وصلى وبعد الفراغ من الصلاة حصل له شك مقرون بعلم اجمالي بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة ، حيث إنه بناءا على كفاية الشك التقديري في الاستصحاب يحكم عليها بالصحة وعدم وجوب الإعادة ( واما بناء ) على اعتبار الشك الفعلي ، فلا طريق إلى احراز صحة صلاته وفسادها ، لأنه حين حصول الشك المقرون بالعلم الاجمالي بتوارد الحالتين لا مجال لجريان الاستصحاب اما لعدم جريانه في نفسه مع العلم الاجمالي المزبور ، واما لسقوطه بالمعارضة ( واما قاعدة الشك ) بعد الفراغ فهي أيضا غير جارية لاختصاص جريانها بصورة الشك الحادث بعد الفراغ من العمل فيه فتأمل.

( الامر الخامس )

ينقسم الاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب والدليل الدال عليه وباعتبار الشك المأخوذ فيه إلى اقسام ( اما أقسامه ) بالاعتبار الأول ، فلان المستصحب تارة يكون وجوديا ، وأخرى عدميا ( وعلى التقديرين ) تارة يكون حكما شرعيا ، وأخرى موضوعا ذا حكم شرعي ( وعلى الأول ) تارة يكون حكما كليا ، وأخرى حكما جزئيا ( وعلى التقديرين ) فتارة يكون من الأحكام التكليفية ، وأخرى من الأحكام الوضعية ( واما أقسامه ) بالاعتبار الثاني فلان الدليل الدال على ثبوت المستصحب ، تارة يكون عقليا وأخرى شرعيا ( وعلى الثاني ) فتارة يكون لفظيا كالكتاب والسنة ، وأخرى لبيا كالاجماع ( واما أقسامه ) بالاعتبار الثالث « فلان » الشك في بقاء المستصحب تارة يكون من جهة الشك في المقتضى وقابلية المستصحب في نفسه للبقاء ، وأخرى يكون من جهة الشك في الرافع مع القطع باستعداد المستصحب للبقاء « وعلى الثاني » تارة يكون الشك في وجود الرافع ، وأخرى في رافعية الموجود « اما من

ص: 17

جهة » عدم تعين المستصحب لتردده بين ما يكون الموجود رافعا له ومالا يكون كذلك ، كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا للاشتغال بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة لتردده بين كونها هي الظهر أو الجمعة ، وكالوضوء المشكوك كونه رافعا للحدث المردد بين الأصغر والأكبر « واما » للجهل بصفة كون الموجود رافعا كالمذي ، أو الجهل بكونه مصداقا للرافع كالرطوبة المرددة بين البول والوذي « فهذه » اقسام متصورة للاستصحاب بالاعتبارات الثلاثة المتقدمة « والظاهر » هو وقوع الخلاف بين الاعلام في كل واحد من هذه الأقسام « حيث » انهم بين قائل بحجيته مطلقا ، وقائل بعدم حجيته كذلك « وثالث » بالتفصيل بين الوجودي والعدمي باعتباره في الأول دون الثاني ( ورابع ) عكس ذلك ( وخامس ) بالتفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية « وسادس » مفصل بين الأمور الخارجية والأحكام الشرعية « وسابع » بالتفصيل بين الاحكام الجزئية والكلية « وثامن » بين الشك في المقتضى والشك في الرافع « وتاسع » مفصل بين كون الدليل المستصحب عقليا أو شرعيا « وعاشر » بين ثبوت المستصحب بدليل لفظي كالكتاب والسنة ، وثبوته بدليل لبي كالاجماع إلى غير ذلك من التفاصيل التي استقصاها الشيخ قدس سره في فرائده « ولكن الأقوى » هو حجية الاستصحاب في جميع هذه الأقسام باعتبار المستصحب والدليل الدال عليه والشك المأخوذ فيه ، وسيتضح تحقيق ذلك أن شاء اللّه تعالى عند التعرض لذكر أدلة الاستصحاب.

« وقبل الخوض » فيها لا بأس بالتعرض لما افاده الشيخ قدس سره من التفصيل في جريان الاستصحاب بين ان يكون دليل المستصحب عقليا أو شرعيا بجريانه في الثاني دون الأول « حيث قال » الثاني من حيث إنه اي المستصحب قد يثبت بالدليل الشرعي وقد يثبت بالدليل العقلي ، ولم أجد من فصل بينهما الا ان في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو حكم العقل المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا ، نظرا إلى أن الاحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط الحكم الشرعي ، والشك في بقاء الحكم المستصحب وعدمه لا بد وان يرجع إلى الشك

ص: 18

في موضوع حكم العقل لان الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع ، فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون الا للشك في موضوعه ، الموضوع لابد ان يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجيء « ولا فرق » فيما ذكرنا بين ان يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين ان يكون لأجل الشك في استعداد الحكم ، لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون الا بارتفاع موضوعه ، فيرجع الامر بالآخرة إلى تبدل العنوان ، الا ترى إذا حكم العقل بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام ، ومعلوم ان هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا ، لان قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه ابدا ولا ينفع في اثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر ، ولا يجوز ان يقال ان هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه ، لان الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق ، بل عنوان المضر ، والحكم له مقطوع البقاء ( وهذا ) بخلاف الأحكام الشرعية فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي ، انتهى كلامه قدس سره ( أقول ) : ولا يخفى ما فيه ، فان الاشكال المزبور ان كان راجعا إلى شبهة عدم احراز بقاء الموضوع في استصحاب الاحكام المستكشفة من الاحكام العقلية ، بدعوى ان القيود في الاحكام العقلية بأجمعها راجعة إلى نفس الموضوع الذي هو فعل المكلف ، فالشك في بقاء الحكم المستكشف من الحكم العقلي حتى لأجل الشك في وجود الرافع يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه ، كما لعله هو الظاهر بل الصريح من بعض كلامه ( ففيه ) ( أولا ) منع الكلية المزبورة ، لا مكان دخل بعض القيود في الاحكام العقلية بكونه من الجهات التعليلية لطرو الحسن أو القبح على نفس الذات ، كما لعله من هذا القبيل عنوان المضرية للصدق والنافعية للكذب في الحكم عليهما بالقبح والحسن ( فان الظاهر )

ص: 19

من مثل هذه العناوين كونها من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على نفس الذات ، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في الموضوع ، نظير عنوان المؤثرية في الاضرار والانتفاع الذي هو من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على ما هو المؤثر وهو الذات ، وعنوان المقدمية التي هي جهة تعليلية لطرو الوجوب على ما هو مصداق المقدمة من دون ان يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع الحكم ( وعليه ) فلا قصور في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي لان موضوع الحكم حينئذ عبارة عن نفس الذات ومثله مما يقطع ببقائه في الزمان الثاني حتى مع القطع بانتقاء قيد حكمه فضلا عن صورة الشك فيه.

( وثانيا ) على فرض تسلم الكلية المزبورة في القيود المأخوذة في الاحكام العقلية ( نقول ) انه يتوجه الاشكال المزبور بناءا على اعتبار وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بالأنظار العقلية الدقية ( ولكن ) يلزمه المنع عن جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الدليل الشرعي أيضا ، لقيام احتمال تغاير الموضوع في كل مورد يكون الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في انتفاء ما له الدخل في موضوع الحكم قطعا أو احتمالا سواء في الشبهة الحكمية أو الموضوعية ، فإذا حكم الشارع على الصدق الضار بكونه حراما واحتمل مدخلية الوصف المزبور في موضع الحكم فعند الشك في بقائه على مضريته لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز بقاء الموضوع في الزمان الثاني ( بل يلزمه ) سد باب الاستصحاب في الاحكام رأسا الا في الموارد النادرة لأنه ما من مورد يشك في بقاء الحكم الشرعي لأجل الشك في انتفاء بعض الخصوصيات حتى الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود الا ويحتمل مدخلية الخصوصية المشكوكة وجودا أو عدما في موضوع الحكم الشرعي ومناطه ولو بحسب لب الإرادة ، ومع قيام احتمال تغاير الموضوع لا يجري فيه الاستصحاب ( واما ) على ما هو التحقيق من كفاية الوحدة بالأنظار العرفية حسب ما هو المرتكز في أذهانهم في نظائره من أحكامهم العرفية بمناسبات الحكم والموضوع كما هو مختاره قده أيضا فلا قصور في جريان الاستصحاب ، فإنه

ص: 20

كما يجرى الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الدليل الشرعي حتى فيما كان الموضوع مأخوذا في لسان الدليل على نحو التقييد كالماء المتغير والصدق الضار والكذب النافع ونحو ذلك لعدهم الخصوصيات المأخوذة فيه في لسان الدليل من الحالات غير المقومة للموضوع ( كذلك ) يجرى في الحكم المستكشف من الدليل العقلي ( واما الجزم ) بانتفاء الحكم العقلي حينئذ لعدم دركه فعلا مع الشك في مناط حكمه ، فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه ، لما سيجيء من أن استتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا الثبوت ، وانما هو في هذا المقام تابع تحقق مناطه واقعا فيمكن بقاء الحكم الشرعي ثبوتا ببقاء مناطه وان انتفى كاشفه الذي هو الحكم العقلي ( فعلى كل تقدير ) لا مجال للتفرقة في جريان الاستصحاب بين كون دليل الحكم شرعيا وكونه عقليا ( نعم ) بناء على أن عموم لا تنقض مسوق بلحاظ ما يستفاد من لسان الدليل حسب فهم العرف في تشخيص موضوعات الاحكام وتحديد مفاهيم الألفاظ ومداليلها ، لا بلحاظ ما ارتكز في أذهانهم العرفية بما تخيلوه من الجهات والمناسبات ، لا بأس بالتفرقة في جريان الاستصحاب بين الاحكام بلحاظ اختلاف أدلتها ، فيفصل بين الثابت بالدليل اللفظي الظاهر في كون القيد من قيود الحكم كقوله : الماء إذا تغير ينجس والصدق إذا كان ضارا حرام ، وبين الثابت بالدليل العقلي المثبت للحكم لعنوان خاص كالصدق الضار والكذب النافع بجريان الاستصحاب في الأول عند الشك في انتفاء قيده المعلوم قيديته أو الشك في قيديته ما يعلم انتفائه ، لعدم تطرق الشك في أمثال ذلك إلى موضوع المستصحب ، وعدم جريانه في الثاني لعدم انفكاك الشك في بقاء الحكم المستكشف منه عن الشك في بقاء موضوعه ( ولكن ) لازم ذلك هو تعميم الاشكال المزبور من هذه الجهة في الاحكام المستكشفة من الاجماع والسيرة أيضا ، بداهة انه لا خصوصية لهذه الشبهة بالأحكام المستكشفة من الأدلة العقلية ، بل هي تجرى في كل حكم شرعي يكون طريق كشفه غير الأدلة اللفظية من اللبيات عقلا كان أو اجماعا أو سيرة ، فإذا ثبت حكم شرعي لموضوع خاص في حال من الأحوال باجماع أو سيرة قطعيه ، فعند الشك في زوال

ص: 21

ما يقطع بدخله في المناط أو القطع بزوال ما يحتمل دخله فيه تجرى فيه الشبهة المزبورة في الدليل العقلي ، لعدم انفكاك الشك في بقاء الحكم حينئذ عن الشك في بقاء موضوعه ، فلا وجه حينئذ للتفصيل بين الدليل الشرعي والعقلي وتخصيص الاشكال بخصوص الحكم المستكشف من الدليل العقلي ( هذا كله ) إذا كان مبنى المنع عن استصحاب الاحكام المستكشفة من الأدلة العقلية شبهة عدم احراز بقاء الموضوع ( وأما إذا كان ) مبنى المنع المزبور شبهة عدم تطرق الشك فيها من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كما يقتضيه ظاهر بعض كلامه الاخر ، من أن الاحكام العقلية كلها من حيث المناط والموضوع تكون مبينة ومفصلة ، لأنه لا يحكم بشيء بالحسن أو القبح الا بعد درك موضوعه وتشخيصه بخصوصياته وتميز ما له الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فيه ، فلا يتطرق إليه الاهمال والاجمال ، وإذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو المناط والموضوع في الحكم العقلي ، فلا يتصور فيه الشك أيضا حتى يجرى فيه الاستصحاب ( ففيه ) أولا منع لزوم كون حكم العقل بالحسن والقبح عن مناط محرز تفصيلي عنده ، بل كما يكون ذلك ، كذلك قد يكون عن مناط محرز اجمالي أيضا ( بداهة ) انه قد لا يدرك العقل دخل بعض الخصوصيات في مناط حكمه وموضوعه تفصيلا لعجزة عن تمييز ما له الدخل فيه واقعا مما لا دخل له فيه ، وانما يحكم بشيء واجد لبعض الخصوصيات بالحسن أو القبح كحكمه بقبح الكذب الضار وحسن الصدق النافع لمكان ان المشتمل على تلك الخصوصيات هو المتيقن في قيام مناط القبح والحسن به مع احتمال ان لا يكون لبعض الخصوصيات دخل في مناط الحسن والقبح ( ومن الواضح ) حينئذ امكان تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ما له الدخل في العلم بوجوده اجمالا فضلا عن الشك في انتفائه ( وفي مثله ) وان ارتفع الحكم العقلي فيه بالحسن أو القبح ويجزم بانتفائه فعلا ، لأنه فرع دركه المنوط بوجود جميع ما له الدخل في العلم بوجوده اجمالا ( ولكن ) ليس المقصود من الاستصحاب هو استصحاب الحكم العقلي كي ينافيه الجزم المزبور ، بل المقصود منه استصحاب الحكم الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة ، والجزم بانتفاء الحكم العقلي لا يضر

ص: 22

بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه ( لان بقاء ) الحكم الشرعي ثبوتا تابع بقاء مناط القبح واقعا ، لا تابع بقاء نفس الحكم العقلي ، والملازمة المزبورة بينهما انما تكون في مقام الكشف والاثبات لا في مقام الثبوت أيضا بحيث يدور الحكم الشرعي حدوثا وبقاء مدار الحكم للعقلي بالحسن والقبح ( وحينئذ ) فإذا كان كان الشك في بقاء المناط العقلي مستتبعا للشك في بقاء الحكم الشرعي واقعا فلا محالة يجرى فيه الاستصحاب ( وثانيا ) على فرض لزوم كون الاحكام العقلية عن مناط محرز تفصيلي بخصوصياته ( نقول ) : ان غاية ، ما يقتضيه ذلك هو المنع عن تطرق الشك في المناط العقلي من جهة الشك في قيدية شيء فيه ( واما الشك فيه ) من جهة الشك في بقاء ما هو معلوم القيدية كالشك في بقاء الكذب على نافعيته والصدق على مضريته ، فهو امر ممكن ، بل كثيرا ما يقع مثل هذا الشك في المناطات العقلية ، وفى مثله وان يرتفع الحكم العقلي بالحكم العقلي بالحسن أو القبح فعلا ، ولكنه بالنسبة إلى الحكم الشرعي المستكشف منه لا محذور من استصحابه بعد استتباع الشك في بقاء المناط العقلي للشك في بقاء الحكم الشرعي ( مع امكان ) دعوى تطرق الشك في الحكم الشرعي في الأول أيضا ، نظرا إلى احتمال أوسعية مناط الحكم الشرعي من مناط الحكم العقلي بقيامه بالأعم من الواجد لبعض الخصوصيات والفاقد لها ، أو احتمال قيام مناط آخر مقام المناط الأول عند انتفائه الموجب لبقاء شخص الحكم الأول بلا اقتضاء تغيير المناط تغييرا لشخص الإرادة ، نظير تبدل عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الموجودة الشخصية ، فان حال المصالح والمناطات بالنسبة إلى الاحكام كحال عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الشخصية القائمة ، فكما لا يوجب تبدل عمود الخيمة تغييرا في شخص هيئتها القائمة ، كذلك تبدل المصالح والمناطات ( ومع ) امكان تطرق الشك في بقاء الحكم الشرعي المستكشف بأحد الوجهين يجري فيه الاستصحاب ولو مع القطع بزوال بعض ما له الدخل في الحكم العقلي فتدبر ( هذا كله ) في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة الملازمة.

ص: 23

( واما ) استصحاب نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح عند الشك في بقاء مناطه لشبهة حكميه أو موضوعيه ، فلا شبهة في أنه لا سبيل إلى استصحابه ، وذلك لا من جهة ما قيل من عدم ترتب اثر عملي على استصحابه الا باعتبار إرادة اثبات الحكم الشرعي من استصحابه وهو غير ممكن لكونه من أوضح افراد الأصل المثبت ، لأنه من استصحاب أحد المتلازمين لاثبات الملازم الآخر ( بل من جهة ) الجزم بانتفائه حينئذ وعدم امكان تطرق الشك في الاحكام العقلية الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح العقليين ، فان حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة كسائر ملائمات الشيء لدى سائر قواه من الذائقة والسامعة ونحوهما مما هو في الحقيقة من الآت درك النفس ، قبال ما ينافر لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح ( ومن الواضح ) امتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ، إذ هي تدور مدار حصول صفة الانبساط والاشمئزاز ، نظير سائر الحالات الوجدانية كالفرح والحزن ، فإذا انبسط العقل من شيء لكونه ملائما لديه يحكم بحسنه ، كما أنه باشمئزازه عنه لمنافرته لديه يحكم بقبحه ولا يمكن فيه تطرق الشك والاحتمال لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان ( نعم ) ما هو المشكوك انما هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد النفس الامرية ولكنه أجنبي عن الاحكام العقلية الوجدانية ( كما أن ) ما هو القابل لتطرق الشك والاحتمال فيه في العقليات هو الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية كحكمه بثبوت الملازمة بين الشيئين وحكمه باستحالة اجتماع النقيضين والضدين وامتناع التكليف بغير المقدور ( فان درك ) العقل فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه ، كاحكامه الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح كان المجال لتطرق الشك والاحتمال فيها ، كالشك في استحالة الشيء أو الشك في الملازمة بين الشيئين ، بخلافه في احكامه الوجدانية التي يكون دركه وتصديقه مقوم حكمه ، فإنه يمنع تطرق الشك والاحتمال لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان ( وبهذه ) الجهة نفرق بين سنخي الحكم العقلي في باب التخطئة والتصويب أيضا ، حيث نقول ان باب التحسين والتقبيح العقليين الناشئين

ص: 24

من ادراك العقل لما يلائمه وينبسط منه وما ينافره ويشمئز منه ليس مما يتطرق إليه التخطئة كالأحكام العقلية الاستكشافية ، بل لابد فيه من الالتزام بالتصويب المحض ، بخلاف الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها ، فان درك العقل وتصديقه فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه كان لتطرق التخطئة إليها مجال ( بل لا محيص ) من القول بها ، لان الملازمة الواقعية بين الشيئين وكذا الاستحالة الواقعية للشيء قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يدرك عدمها ، وكذا المصلحة والمفسدة الواقعية والحسن والقبح الواقعيان قد يدركها العقل وقد لا يدركها أو يخطئ عنها فيحكم بعدمها ( وبالجملة ) المقصود من هذا التطويل بيان الفرق بين سنخي الحكم العقلي وان عدم جريان الاستصحاب في نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح انما هو من جهة الجزم بانتفائه عند الشك في المناط لعدم امكان تطرق الشك في الاحكام العقلية الوجدانية ، لا انه من جهة كونه من الأصول المثبتة كي يبتنى جريانه فيه على القول بالأصل المثبت ( نعم ) ما هو المشكوك حينئذ هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد الواقعية ، ولكنه غير مرتبط بنفس الحكم العقلي بالحسن والقبح ( كما أن ) ما هو القابل لطرو الشك فيه هو الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من مثل استحالة اجتماع الضدين والنقيضين واستحالة التكليف بغير المقدور من الحكيم تعالى مما يكون درك العقل وتصديقه طريقا لفهمه الاستحالة الواقعية لا مقوما لاستحالة الشيء ( وحينئذ ) فتسليم تطرق الشك في الحكم العقلي بالحسن أو القبح لا يكون الا من جهة الخلط بين سنخي الحكم العقلي وجعلهما على منوال واحد.

( ومن التأمل فيما ذكرنا ) يظهر أيضا فساد ما توهم من ثبوت ايجاب الاحتياط العقلي عند الشك في المناط من المصالح والمفاسد المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح عند دركها ، بخيال انه لا يمكن ان يكون للعقل في موارد الشك في الموضوع حكم على خلاف حكمه على الموضوع الواقعي بالحسن أو القبح ، بل لا بد وأن يكون له عند الشك حكم طريقي آخر بقبح الاقدام على ما لا يؤمن ان يكون هو الموضوع للقبح ، ( بخلاف ) الأحكام الشرعية فان للشارع ان يجعل في رتبة الشك في الموضوع حكما مخالفا لما

ص: 25

رتب على الموضوع الواقعي ( إذ فيه ) ان حكم العقل بايجاب الاحتياط في رتبة الشك في الموضوع الذي حكم بقبحه فرع امكان تطرق الشك في حكمه الوجداني بالحسن أو القبح ، وعلى ما بينا من امتناع ذلك لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان أين يتصور الشك في الحكم كي يبقى المجال لحكمه الطريقي بايجاب الاحتياط ( واما ) توهم كفاية مجرد الشك في الموضوع والمناط في حكمه بايجاب الاحتياط ( فمدفوع ) بان لازمه حكمه به في كل شبهة بدوية حكمية أو موضوعية ، وهو كما ترى ، فان مرجعه إلى القول بأصالة الحذر في الأشياء لدى العقل ( هذا ) في الاحكام العقلية الوجدانية ( واما احكامه ) الاستكشافية من مثل استحالة التكليف بغير المقدور وبما لا يطاق فتصور الشك فيها وان كان صحيحا ، ولكن لا يلزم ان يكون له عند الشك في الاستحالة حكم طريقي على وفق حكمه بالموضوع الواقعي ، والا يلزم حكمه بعدم التكليف مع الشك في القدرة ( مع أنه ) ليس كذلك قطعا ، بل العقل في مثله يحكم عند الشك بوجوب الاحتياط كما هو واضح ( وكيف كان ) فهذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة الملازمة ، واستصحاب نفس الحسن والقبح العقليين.

( واما استصحاب ) الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه الشارع بوجوبه أو حرمته ( فإن كان ) الشك فيه لبعض الأمور الخارجية ، كالشك في بقاء وصف الاضرار في الكذب الذي حكم بقبحه ، فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه ( وان كان ) الشك فيه لأجل انتفاء بعض الخصوصيات التي يحتمل دخله في موضوعية الموضوع ، فالذي يظهر من بعض الاعلام نفى الاشكال عن جريان الاستصحاب فيه أيضا ( ولكن ) دقيق النظر وفاقا للشيخ قدس سره يقتضى المنع عن جريانه فيه ( فان ) الغرض من استصحاب الموضوع في مثل المقام الذي هو من الشبهات الحكمية ، ان كان استصحابه بوصف موضوعية للحكم ، فهو يرجع إلى استصحاب حكمه لان وصف الموضوعية منتزع عن حكمه فيغني استصحاب الحكم عن استصحابه ( وان كان ) الغرض استصحاب ذات الموضوع التي عرض عليها الحكم لا هي بوصف معروضيتها للحكم ، فمثل هذا الاستصحاب غير جار في كلية موضوعات الاحكام في الشبهات

ص: 26

الحكمية ( لان ) مرجع الشك فيها إلى أن الموضوع خصوص الواجد للقيد المحتمل دخله أو هو الأعم من الواجد والفاقد ، وبذلك يدور امره بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ، ومن المعلوم انه لا يجري فيه الاستصحاب لانتفاء الشك في البقاء على كل تقدير فيكون استصحابه كاستصحاب الفرد المردد ( نعم ) ما هو مشكوك البقاء حينئذ انما هو عنوان ما هو المعروض للحكم بنحو الاجمال ، ولكنه بهذا العنوان الاجمالي لم يترتب عليه اثر شرعي حتى يجرى فيه الاستصحاب وإذا الأثر الشرعي انما رتب على ما هو معروض الحكم واقعا ومثله مما لا شك في بقائه لتردده بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فتدبر.

( ثم انك عرفت ) وقوع الخلاف في حجية الاستصحاب بين الاعلام في جميع ما له من الأقسام باعتبار المستصحب ، وباعتبار الدليل الدال عليه ، وباعتبار الشك المأخوذ فيه ( الا انه يظهر ) من بعضهم كصاحب الرياض وغيره فيما حكى عنهم تخصيص النزاع في حجية الاستصحاب بالأمور الوجودية ، حيث نفي الخلاف في الاستصحابات العدمية وجعل الاستصحاب فيها مورد وفاق الجميع ( ولعل ) منشأ ذلك ملاحظة تسالمهم على بعض الأصول العدمية كاصالة عدم القرنية وأصالة عدم النقل وأصالة عدم المعارض والمزاحم ونحوها مما جرت السيرة على الاخذ بها ، فتخيل ان ذلك من جهة وفاقهم على حجية الاستصحاب في مطلق الأمور العدمية وان المذكورات من موارد الاستصحابات العدمية وصغرياتها ( ولكنه كما ترى ) لا ترتبط تلك الأصول العدمية بالاستصحاب المصطلح ، وانما هي أصول عقلائية برأسها جارية في الموارد الخاصة ( اما ) أصالة عدم القرينة فظاهرة ، إذ هي بناء على عدم ارجاعها إلى أصل وجودي تكون برأسها أصلا عقلائيا قد استقرت سيرة العقلاء على الاخذ بها في خصوص باب الألفاظ في مقام اثبات ظهور الكلام واستفادة مراد المتكلم منه عند احتمال احتفافه حين صدوره بما يوجب عدم ظهوره في معناه الموضوع له ، ولذا ترى بنائهم طرا على الاخذ بالأصل المزبور لاثبات ظهور اللفظ

ص: 27

في معناه الموضوع له واستفادة مراد المتكلم من ظاهر لفظه حتى من لا يعتمد على الاستصحاب أصلا ومن لا يرى حجية مثبتات الأصول وينكرها أشد الانكار ( مع وضوح ) ان انعقاد ظهور الكلام واستقراره انما هو من اللوازم العادية لعدم احتفافه بالقرينة الصارفة ، ومثل هذه الجهة لا يكاد تثبت باستصحاب عدم القرينة الا على القول بالمثبت ( فاتفاقهم ) على الاخذ بالأصل المزبور لاثبات ظهور اللفظ مع مصير أكثرهم إلى رفض مثبتات الأصول وذهاب بعضهم إلى انكار حجية الاستصحاب مطلقا ، يكشف عن صدق ما ادعيناه من كونها أصلا عقلائيا برأسها غير مرتبطة بالاستصحاب ( نعم ) بناء على حجية الاستصحاب من باب الا مارية لا الأصلية ، يمكن دعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب المصطلح ، ولكن المبنى سخيف جدا ( هذا ) في القرائن المتصلة المانعة عن انعقاد ظهور اللفظ.

( واما القرائن المنفصلة ) المانعة عن حجية ظهور اللفظ بعد انعقاده واستقراره ( فان قلنا ) بإناطة موضوع الحجية في الظهورات الصادرة بعدم قيام القرينة على إرادة خلاف الظاهر منها ، فلا باس بدعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب ، ولو بناء على اخذه من مضامين الاخبار : لكونه حينئذ من قبيل الموضوعات المركبة أو المقيدة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، حيث إن أصل ظهور اللفظ تكون محرزا بالوجدان وقيده وهو عدم القرينة على الخلاف محرز بالأصل ، فيترتب عليه وجوب الاخذ بالظاهر ، مع امكان منع كون ذلك أيضا من باب الاستصحاب وانه أصل عقلائي استقرت على التمسك به سيرة العقلاء في باب الا لفاظ ( وان قلنا ) كما هو التحقيق ان موضوع الحجية فيها نفس ظهور اللفظ في المعنى ، وان رفع اليد عن الحقيقة والعموم والاطلاق عند قيام دليل منفصل على التجوز والتخصيص والتقييد انما هو بمناط الاخذ بأقوى الحجيتين ، لا بمناط خروج العموم والاطلاق عن موضوع الحجية ( بشهادة ) انه قد يقدم العام على الخاص والمطلق على المقيد إذا كان ظهورهما في العموم والاطلاق أقوى من ظهور دليل الخاص والمقيد في التخصيص والتقييد ، فيخرج مفروض البحث عن مجرى أصالة العدم رأسا فلا يتأتى الكلام فيه بأنه من باب

ص: 28

الاستصحاب أو من باب كونه أصلا عقلائيا برأسه ( إذ ليس ) وجوب رفع اليد عن العموم والاطلاق حينئذ من لوازم قيام القرنية الواقعية على التخصيص أو التقييد وانما هو من لوازم وصول حجة أقوى على خلافه ، فمع عدم العلم بذلك يكون المتبع هو العموم والاطلاق بلا احتياج إلى احراز عدمها بالأصل ( ولذلك ) ترى بنائهم على الاخذ بظهور الخطابات في العموم الاطلاق عند اجمال القرينة المنفصلة ، والا كان اللازم هو التوقف وعدم الاخذ بالعموم والاطلاق مع الشك في قرينية الموجود لعدم أصل في البين يحرز به حال الموجود ( ومن هذا البيان ) يظهر الكلام في المعارض والمزاحم عند الشك في وجودهما ، فان حالهما حال القرائن المنفصلة في أن مانعيتهما انما هي بوجودهما الواصل إلى المكلف ، لا بوجودهما الواقعي النفس الأمري كي يحتاج إلى احراز عدمهما بالأصل.

( واما أصالة ) عدم النقل عند الشك في أصل النقل عن وضعه الأول ، أو الشك في تقدمه على الاستعمال وتأخره عنه مع العلم بأصل النقل وتاريخ الاستعمال ، فهي أيضا قاعدة برأسها مختصة بموردها غير مرتبطة بالاستصحاب ( والا ) فلا تخلو عن اشكال المثبتية : لان حمل اللفظ على المعنى المعلوم وضعة له في الأول ، وعلى المعنى المنقول منه في الثاني انما هو من لوازم ظهور اللفظ ، وظهوره في معناه الموضوع له أولا ، يكون من اللوازم العادية لعدم نقله إلى معنى آخر : والاستصحاب بناء على الأصلية والتعبد من الاخبار لا يثبت تلك اللوازم ( نعم ) لو قيل برجوعها إلى أصالة بقاء ظهور اللفظ في معناه الأول ، أمكن دعوى كونها من باب الاستصحاب على تأمل فيه واشكال ( ولكن ) على ذلك تخرج عن مفروض كلام القائل المزبور ، لكونها حينئذ من الاستصحاب الوجودي لا العدمي ، كخروجها أيضا عن مفروض كلامه في فرض ارجاعها إلى أصالة تشابه الأزمان بنحو الاستصحاب القهقري إلى زمان الاستعمال ( ولكن التحقيق ) فيها وفي غيرها هو ما ذكرناه من كونها أصولا عقلائية مخصوصة بباب الألفاظ.

( واما أصالة ) عدم الحائل التي تمسكوا بها في باب الوضوء والغسل عند الشك

ص: 29

في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة من جص أو قير أو دم برغوث ونحوه ، فيمكن ان يقال : بعدم كونها أيضا من باب الاستصحاب ، بل ولا من باب قاعدة المقتضى والمانع ( وانها ) برأسها أصل عقلائي مدركها الغلبة من حيث إن الغالب هو خلو البشرة عن مثل هذه الموانع ، فعند الشك يلحق المشكوك بالغالب ، ولذلك يمنع عن جريان الأصل المزبور وتسالمهم عليه في الموارد التي تكون الغلبة على الخلاف ، كما في بعض ذي الصنائع المباشر للجص ونحو كالبناء ونحو ( والا ) فلو كان ذلك من باب الاستصحاب والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، توجه إليه اشكال عدم اثباته وصول الماء إلى البشرة الا على المثبت الذي هو مرفوض عندهم ( واما توهم ) حجية المثبت بالخصوص في تلك الموارد بدليل اتفاقهم على الاخذ بالأصل المزبور عند الشك في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة ، فبعيد جدا ، لكونه خلاف اطلاق القول منهم بالمنع في مثبتات الأصول وعدم تعرضهم لخروج هذه الموارد عن عموم الحكم بالمنع ( كما أن دعوى ) كونه من باب خفاء الواسطة أبعد ، إذ عهدة اثباته على مدعيه ( وان أبيت ) الا عن كون ذلك من باب الاستصحاب ، فليكن من الاستصحاب الجاري في المسبب وهو أصالة بقاء الماء المصبوب على جريانه في محال الوضوء والغسل ، نظير الأصل الجاري في الأمور التدريجية ( حيث إنه ) بصب الماء على المرفق مثلا يعلم باتصافه بالجريان على البشرة ، ومن جهة الشك في وجود الحائل في عضو خاص يشك في بقاء جريانه على البشرة ، فيستصحب بقائه ، وبذلك يتم الحكم المزبور ويندفع اشكال المثبتية أيضا ( ولكن ) يدخل حينئذ في الاستصحاب الوجودي لا العدمي الذي هو فرض كلام القائل المزبور ( نعم ) لازم ذلك هو الالتزام بجريان الأصل المزبور حتى في موارد غلبة وجود الحاجب على البشرة وهو أيضا مشكل ( وبالجملة ) المقصود من هذا التطويل مجرد ابطال ما زعمه المستدل في تشبثه بهذه الأصول العدمية لا ثبات اتفاق الأصحاب على اعتبار الأصحاب في مطلق الأمور العدمية ، بابداء الاشكال في كون تلك الأصول المسلمة من باب الاستصحاب ،

ص: 30

لا ان المقصود نفى هذه الأصول برمتها عن كونها من باب الاستصحاب بنحو السلب الكلى ( ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من التشكيك في المنع عن التشبث بهذه الأصول العدمية لاثبات الاتفاق المزبور ، مضافا إلى وجدان الخلاف منهم في اعتبار الاستصحابات العدمية.

( ثم إن في قبال ذلك ) توهم آخر ، وهو دعوى مفروغية عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدمية والاعدام الأزلية الناشئة من عدم تحقق علل وجودها ( بتقريب ) انه لا بد في جريان الاستصحاب من كون المستصحب اثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي حتى يكون التعبد بالبقاء بلحاظ ذلك الأثر ، والا فلا يجرى الاستصحاب بمحض كون الشيء متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا ، والاعدام الأزلية كعدم الوجوب والحرمة وعدم الجعل كلها من هذا القبيل ، لان العدم بما هو عدم ليس اثرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا يجرى فيه الاستصحاب ، ومن غير فرق بين القول برجوع مفاد حرمة النقض إلى جعل المماثل أو إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك أو الشك معاملة الواقع أو اليقين به ، فعلى كل تقدير يحتاج التعبد بالبقاء إلى اثر شرعي وبدونه لا يجرى الاستصحاب ( ولكنه توهم فاسد ) فان العدم بما هو وان لم يكن اثرا شرعيا ، الا انه بقاء واستمرارا يكون من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ( لان ) للشارع ابقاء ذلك العدم وله رفعه وقبله بالنقيض ولو يجعل ما يقتضى الوجود ( ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من الشرعية في جريان الاستصحاب ، إذا لا نعني من شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره الا ما يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو ابقاء واستمرارا ، فإذا كان عدم الجعل وعدم الوجوب والحرمة بهذا الاعتبار أمرا شرعيا يجرى فيه الاستصحاب لا محالة.

( وقد يظهر من بعض الاعلام ) التفصيل في الاعدام بين ان يكون المستصحب هو عدم الجعل الأزلي السابق على تشريع الاحكام ، وبين ان يكون غيره ، فمنع عن جريان الاستصحاب في الأول دون الثاني ( وأفاد ) في وجه التفصيل المزبور بما محصله

ص: 31

ان عدم الجعل وان كان من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فيكون المستصحب شرعيا بهذا الاعتبار ، الا انه لا يكفي مجرد شرعية المستصحب في جريان الاستصحاب ما لم ينته إلى اثر عملي ، فان الأثر العملي مما لا بد منه في صحة التنزيل والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، ولا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يستتبعه من عدم المجعول واثبات عدمه باستصحاب عدم الجعل يكون من المثبت المرفوض عند المحققين ، إذ ليس ترتب المجعول على الجعل ترتبا شرعيا وانما هو ترتب عقلي محض ، فمن هذه الجهة لا يجرى الاستصحاب في عدم الجعل ( بخلاف غيره ) من الاعدام كعدم المجعول ، فإنه يجرى فيه الاستصحاب عند احراز الجعل والشك في تحقق ما أنيط به المجعول ( وفيه ) مضافا إلى عدم ثمرة عملية لهذا التفصيل بعد جريان الأصل باعترافه في المجعول الذي هو المسبب ، لأنه ما من مورد يشك فيه في الجعل الا ويشك فيه في تحقق المجعول فيجرى استصحاب عدمه ( والى ) ما يأتي من اباء الأحكام التكليفية بمراتبها عن تطرق الجعل التشريعي إليها ( ان الجعل والمجعول ليسا في الخارج الا أمرا وجدانيا ، فان مرجع الجعل بعد أن كان إلى لحاظ الشيء وجعله واجبا أم جزء أو شرطا لواجب فلا محالة يكون التغاير بينهما ممحضا بصرف الاعتبار نظير الايجاد والوجود ، فباعتبار اضافته إلى الجاعل جعل وباعتبار لحاظ نفسه مجعول ، وفي مثله لا محذور من استصحاب عدم الجعل وترتيب ما للمجعول عليه من الآثار ( وعلى فرض ) تسلم المغايرة الخارجية بينهما ولو بدعوى ان الجعل عبارة عن انشاء الوجوب والحرمة والمجعول عبارة عن المنشأ بهذا الانشاء ، نظير الانشاء في الاحكام الوضيعة والحقائق الاعتبارية في أبواب العقود والايقاعات ( نقول ) : ان الاشكال انما يرد إذا كان نسبة الجعل إلى المجعول من قبيل العلية والمعلولية نظير العلل الخارجية بالنسبة إلى معاليها ، والا فبناء على كون النسبة بينهما من قبيل نسبة مناشئ الاعتبار للأمور الاعتبارية كالانشاء في أبواب العقود والايقاعات « فلا قصور في استصحاب عدم الجعل ولا يرتبط المقام بالأصول المثبتة ، إذا عدم جعل الوجوب حينئذ واقعيا أو

ص: 32

ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، فكان عدم الوجوب الظاهري من لوازم عدم الجعل الظاهري وهو الاستصحاب لا من لوازم نفس المستصحب واقعا حتى ، يتوجه محذور المثبتية ، فإذا كان عدم الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفى في شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره بهذا المقدار من الشرعية ، فلا محالة يجرى فيه الاستصحاب ، ويترتب باستصحاب عدمه عدم الوجوب الظاهري فتدبر « وكيف كان » فالمهم هو عطف الكلام إلى ذكر الأدلة التي استدلوا بها على حجية الاستصحاب وتنقيح دلالة المختار منها على وجه يتضح ما هو المختار من الحجية مطلقا.

( وهي أمور )

« فمنها » الاجماع المحكى في كلام جماعة كالمبادئ والنهاية « وفيه ما لايخفى » إذ لا وجه لدعوى الاجماع في هذه المسألة التي كثر فيها الاختلاف والأقوال خلفا عن عن سلف ، لاعلى ثبوت الحجية ولا على عدمها « نعم » لا بأس بدعوى قيام الشهرة أو ما يقرب من الاجماع على اعتبار الاستصحاب في الجملة ولو في خصوص باب الطهارة في الشبهات الموضوعية مع كون الشك في الرافع ، بل يمكن دعوى اتفاقهم على ذلك ، لأنه من البعيد جدا إرادة القائل بعدم الحجية النفي المطلق حتى في الموارد المذكورة في الأسئلة الواردة في الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك.

« ومنها » بناء العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على الاخذ بالحالة السابقة عند الشك في انتقاضها في الأمور الراجعة إلى معاشهم ومعادهم ، بل قد يقال : ان عليه بناء ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان من الوحوش والطيور ونحوهما في رجوعها إلى أوكارها ومآويها « وفيه أيضا ما لا يخفى » اما دعوى كون الاخذ بالحالة السابقة من فطريات ذوي الشعور من كافة الحيوان ، فلا ترجع إلى محصل ، بداهة ان ما جرى عليه ديدن الحيوانات من الرجوع إلى مساكنها انما هو من جهة

ص: 33

الاعتياد أو الغفلة عن الجهات المزاحمة لقصورها عن درك هذه الجهات ، لا انه من جهة الاستصحاب والبناء على الجري العملي على طبق الحالة السابقة مع الالتفات والشك في انتقاضها « واما السيرة » العقلائية والطريقة العرفية الارتكازية فهي وان كانت على الاخذ بالحالة السابقة ، ولكن يمنع كون ذلك من باب الاستصحاب والاخذ بأحد طرفي الشك تعبدا ، بل ذلك منهم انما هو من جهة الغفلة عما يوجب زوال الحالة السابقة كما هو الغالب ، أو من جهة حصول الاطمينان لهم بالبقاء ، أو من جهة مجرد الاحتياط ورجاء البقاء كما في المراسلات ونحوها من الأمور غير الخطيرة « وعلى فرض » ثبوت البناء المزبور منهم يمنع تحققه في مطلق الأمور حتى الراجعة إلى معادهم وما يتدينون به من احكام دينهم ، بل المتيقن منه كونه في الأمور الراجعة إلى معاشهم وأحكامهم العرفية.

( كيف ) وثبوت هذا البناء الارتكازي منهم حتى في الأمور الدينية ينافي هذا الخلاف العظيم بين الأعاظم من الاعلام خلفا عن سلف وذهاب جمع منهم إلى عدم الحجية إذ المنكرين للحجية أيضا من العقلاء بل كل واحد منهم بمثابة الف عاقل ، فثبوت هذا الخلاف العظيم بينهم قديما وحديثا يكشف عن عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية والأحكام الشرعية ( وعليه ) فلا يكاد ينفع مثل هذا البناء للاستدلال به على حجية الاستصحاب ولو مع اليقين بعدم ورود ردع من الشارع بنحو العموم أو الخصوص عن البناء المزبور ( إذ بعد ) عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية ، لا يحتاج إلى الردع عن بنائهم لو فرض كونه غير مرضى عند الشارع من جهة كونهم بأنفسهم مرتدعين بالنسبة إليها هذا ( ولكن الانصاف ) ان المناقشة الأولى في غير محلها ، فان ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة من باب الاستصحاب والشك الوجداني في انتقاضها وتساوي احتمال البقاء والارتفاع مما لا سبيل إلى انكاره ، لما يرى منهم بالوجدان والعيان في ترتيبهم آثار البقاء على الشيء عملا مع الشك في ارتفاعه من حيث ارسالهم

ص: 34

المكاتيب والبضايع المهمة إلى من هو في البلاد البعيدة بلا وثوق منهم ببقائه على ما كان من الحياة والعقل والغنى مع مالهم من الاغراض المهمة ، ومن غير تحقيق عن حال من يرسل إليه البضايع من كونه حيا أو ميتا ومن حيث بقائه على عقله وأمانته كل ذلك بمقتضى ارتكازهم وجبلتهم التي أودعها فيهم بارئهم كما يشير إلى ذلك بعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ، كقوله (عليه السلام) : لزرارة لا ينبغي ان تنقض اليقين بالشك الظاهر في كون الاخذ بالحالة السابقة مع الشك في انتقاضها من الارتكازيات العرفية والطريقة العقلائية ( ولا ينافي ) ذلك ما يرى من مداقة بعض الأشخاص وعدم اخذه بالحالة السابقة الا بعد الوثوق والاطمئنان العادي بالبقاء ، فان ذلك منهم نحو احتياط لحفظ أغراضهم وعدم تضييع أموالهم ، ولذلك لا يكون الآخذ بالحالة السابقة بلا تحصيل الوثوق ملوما عندهم ولو مع انكشاف الخلاف ( نعم ) المناقشة الثانية في محلها ، لما ذكرنا من عدم ثبوت تحقق البناء المزبور منهم حتى في الأمور الدينية والاحكام ، الشرعية ، لولا دعوى وضوح انه لا يكون لهم طريقة خاصة في الأمور الدينية وراء ما يسلكونه بارتكازهم في أمورهم الدنيوية مما يرجع إلى معاشهم ونظامهم ، وانه بمقدمات عدم الردع يستكشف امضاء الشارع لتلك الطريقة المألوفة الارتكازية فتكون دليلا على حجية الاستصحاب ( ولكن الشأن ) في اثبات هذه الجهة ، والا فبدونه يكفي في المنع عنه مجرد الشك في ذلك ( وعلى فرض ) ثبوت البناء المزبور منهم في الأمور الدينية لا مجال للتشبث بمقدمات عدم الردع لكشف امضاء الشارع ( إذا يكفي ) في الردع عن بنائهم العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم ( وتوهم ) عدم صلاحية هذه النواهي للرادعية عن بنائهم ، لمكان مضادتها مع أصل وجود هذا البناء والسيرة المزبورة ولاستحالة تحقق هذه السيرة حتى من المتدينين منهم مع ثبوت ردع الشارع عنها ( فمن وجود ) هذه السيرة وتحققها بالوجدان بضميمة المضادة المزبورة يستكشف عدم صلاحية العمومات الناهية للرادعية عن بنائهم ( مدفوع ) بان بناء العقلاء من المسلمين على شيء تارة يكون بما انهم مسلمون ومتدينون بشرايع الاسلام ، وأخرى يكون ذلك منهم لا بما هم مسلمون ومتدينون بها ، بل بما هم

ص: 35

من العقلاء ، ومن أهل العرف ، والذي يضاد وجوده مع الردع الشرعي بحيث يستحيل تحققه مع ثبوته انما هو الأول ( واما الثاني ) فلا يكون ردع الشارع عنه مضادا مع أصل وجوده ، بل هو انما يكون مانعا عن حجيته ( وحيث ) ان المقصود من السيرة المزبورة هي سيرة العقلاء الذين منهم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات عدم الردع لاثبات امضاء الشارع لها ، فينتهي المجال حينئذ إلى دعوى صلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للرادعية عنها ( نعم ) انما لا ينتهي المجال إلى ذلك فيما لو قررت السيرة المزبورة بسيرة المسلمين بما هم كذلك لا بما هم من أهل العرف والعقلاء ( ولكن ) الكلام حينئذ في أصل الصغرى ( واما توهم ) خروج جميع موارد السيرة العقلائية عن العمل بما وراء العلم بالتخصص كما عن بعض الأعاظم قده ، بدعوى اقتضائها لخروج مواردها عن موضوع تلك النواهي ( ففيه ) انه من الغرابة بمكان ، إذ ذلك مخصوص بباب الطرق والامارات كظواهر الألفاظ ونحوها ، حيث إنها باقتضائها لتتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تكون واردة على الآيات الناهية ومخرجه لموردها عن موضوع تلك النواهي بالتخصص ، لا فيمثل المقام الذي هو من الأصول المعمولة عند العقلاء في ظرف استتار الواقع والجهل به ، فان بنائهم حينئذ على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج مورده عن كونه عملا بغير العلم ( نعم ) لو كان بنائهم على الاستصحاب والجري العمل على طبق الحالة السابقة من باب الا مارية نظير ظواهر الألفاظ وباب حجية خبر الواحد ، لا من باب الأصلية ، كان لدعوى ورود السيرة في المقام على العموميات الناهية وخروج موردها عن موضوعها مجال « ولكن ذلك » مع أنه لا طريق إلى اثباته ، يلزم دخول الاستصحاب في الامارات ، وهو مما لا يلتزم به القائل المزبور ، فان المختار عنده كونه من الأصول لا الامارات.

« وبما ذكرنا » يظهر اندفاع ما أورده من الاشكال على الكفاية من منافاة ما افاده في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن السيرة العقلائية لما تقدم منه في مبحث حجية خبر الواحد من عدم صلاحية تلك النواهي للرادعية عن الطريقة

ص: 36

العقلائية « وجه الاندفاع » ما عرفت من الفرق بين المقام وباب حجية خبر الواحد ، حيث إن عدم رادعية الآيات هناك انما هو من جهة قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن موضوع تلك النواهي ، ( بخلاف ) المقام ، فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يكون من باب الا مارية وانما هو من باب الأصلية في ظرف الجهل بالواقع ، فلا يلازم القول بعدم صلاحية الآيات للرداعة عن بنائهم هناك للقول به في المقام أيضا « فما افاده » المحقق الخراساني قده في كفايته من التفكيك بين المقامين في صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن الطريقة العقلائية في المقام دون ما هناك في غاية المتانة « نعم » لو كان المراد من عدم العلم في تلك النواهي هو عدم العلم بمطلق الوظيفة أعم من الواقعية والظاهرية ، لا عدم العلم بخصوص الواقع ، لأمكن المصير إلى عدم الرادعية في المقام أيضا « ولكنه » خلاف الظاهر جدا ، فان الظاهر المتبادر من نحو قوله سبحانه : لا تقف ما ليس لك به علم هو عدم العلم بالوظيفة الواقعية ، لا بمطلق الوظيفة ولو ظاهرية « فالأقوى » حينئذ ما افاده المحقق الخراساني من عدم اعتبار السيرة العقلائية في المقام على الاخذ بالحالة السابقة ، وان فرض كونها أقوى من بنائهم على العمل بالخبر الواحد ، إذ لا اثر لحيث اقوائيتها ما لم تنته إلى كشف امضاء الشارع لها ولو بمعونة مقدمات عدم الردع ، ومع صلاحية الآيات الناهية للرادعية عنها لا مجال لكشف امضاء الشارع لها كما هو ظاهر ( ثم انه من التأمل ) فيما ذكرنا يظهر انه لا مجال للتشبث بالحكم العقلي الظني ببقاء ما ثبت ولو بضميمة اندراجه في صغريات الانسداد بالنسبة إلى الاحكام التي في دائرة الاستصحابات ، إذ ذلك أيضا مخدوش صغرى وكبرى. ( ومنها )

الأخبار الكثيرة البالغة حد الاستفاضة ، وهي العمدة في الباب ( فمنها ) صحيحة زرارة ولا يضر بها الاضمار بعد كون مضمرها مثل زرارة الذي لا يروى الا

ص: 37

عن الإمام (عليه السلام) ، قال قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الحفقة والحفقتان عليه الوضوء ، قال (عليه السلام) : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نام القلب والاذن فقد وجب الوضوء ، قلت : فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، قال (عليه السلام) : لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك امر بين ، والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن تنقضه بيقين آخر ( وتقريب ) الاستدلال بها على حجية الاستصحاب مطلقا انما هو بتجريد اليقين في قوله (عليه السلام) : والا فإنه على يقين من وضوئه عن خصوصية اضافته إلى الوضوء وعدم دخلها في الحكم بحرمة النقض لتكون اللام في كبرى القياس وهي قوله (عليه السلام) : ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد.

( ولتوضيح الكلام ) في ذلك لا بأس بالتعرض لبيان فقه الحديث الشريف ( فنقول ) : الظاهر من السؤال الواقع في الفقرة الأولى من كلام الراوي هو كونه سؤالا عن مفهوم النوم الناقض من أنه بحد يدخل فيه الحفقة والحفقتان أو بحد لا يدخلان في مفهومه ، فان احتمال كونه سؤالا عن ناقضية الخفقة والخفقتان مستقلا بعيد في الغاية ولا يناسب قوله : الرجل ينام ، ولذلك اجابه الإمام (عليه السلام) بخروجهما عن مفهوم النوم الناقض ، ببيان ان النوم الناقض هو خصوص نوم القلب والاذن لا مطلق مراتبه الشامل لنوم العين وحدها ، بل المستفاد من جوابه (عليه السلام) ان المدار في الناقضية على خصوص نوم القلب الذي هو سلطان الجوارح وان نوم الاذن انما اعتبر لكونه امارة على نوم القلب ، لا لخصوصيته فيه « واما السؤال » الثاني وهو قوله فان حرك الخ ، فظاهره كونه سؤالا عن الشبهة الموضوعية بناء على ما فهمه من امارية نوم الاذن لنوم القلب الذي عليه مدار الناقضية ، حيث إنه يشك حينئذ في تحقق نوم القلب بهذه المرتبة من النوم الغالب على الاذن ، فاجابه الامام (عليه السلام) : بما هو نتيجة الاستصحاب بقوله : لا حتى يستيقن أنه قد نام « ويحتمل » كونه سؤالا عن حكم الشبهة المصداقية من أنه مع الشك في تحقق النوم هل يجب عليه الوضوء أم لا « ويحتمل » أيضا كونه سؤالا عن الشبهة المفهومية بناء على فهمه من كلام الامام (عليه السلام) موضوعية

ص: 38

نوم الاذن لا اماريته لنوم القلب فيكون السؤال عن حد النوم الناقض وصدقه على تلك المرتبة من نوم الاذن نظير سؤاله الأول الراجع إلى كونه عن صدقه على الحفقة التي هي نوم العين وحدها « ولكن » الظاهر ما عرفت من كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية أو عن حكمها ، لا عن الشبهة المفهومية : كيف ولازمه تكفل الامام (عليه السلام) لرفع الشك عنه ببيان الواقع كما في الفقرة الأولى ، لا ابقاء السائل على شكه والتعرض لحكم الشبهة الموضوعية بقوله : لا حتى يستيقن انه قد نام ( نعم ) الذي يبعد كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية هو تطبيق الامام الاستصحاب على الوضوء الذي يكون الشك في بقائه مسببا عن الشك في تحقق النوم ، فان من اللازم حينئذ تطبيقه على عدم النوم ، لما قرر في محله من عدم جريان الأصل المسببي مع جريان الأصل السببي ( ولا يرد ) هذا الاشكال على الفرض الأخير ، إذ عليه يكون تطبيق الاستصحاب على الوضوء على القاعدة ، بملاحظة عدم جريانه حينئذ في طرف السبب الذي هو النوم ، لان استصحابه يكون من قبيل الاستصحاب الفرد المردد بين ما هو مقطوع الوجود وما هو مقطوع العدم ، فإنه على تقدير صدقه على تلك المرتبة من نوم الاذن يقطع بتحققه وعلى تقدير كونه عبارة عن المرتبة الأخرى المنطبقة على نوم القلب يقطع بعدم بتحققه ، فعلى كل تقدير لاشك فيه حتى يجرى فيه الاستصحاب « واما المفهوم منه فهو وان كان مشكوكا ، ولكن لا يكون بنفسه موضوعا للأثر كي يجرى فيه الاستصحاب ، لان الأثر الشرعي وهو وجوب الوضوء انما يكون ترتبه على واقع النوم ومصداقه الذي يحكى عنه هذا المفهوم ، وبعد تردده بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه لا يجري فيه الاستصحاب ، كما هو الشأن في جميع المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل والأكثر « ولذلك » نقول : في مسألة الرضاع انه لا مجرى لأصالة عدم تحقق الرضاع المحرم فيما لو تحقق عشر رضعات وشك في تحقق الرضاع المحرم به ، لعدم ترتب اثر شرعي على المفهوم منه ( تردد ) ما له الأثر الشرعي بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه ( ولا مجال أيضا ) لمقايسته أمثال المقام بباب الكلى المردد بين الفردين أحدهما مقطوع الارتفاع والاخر مقطوع البقاء ، كالحدث المردد

ص: 39

بين الأصغر والأكبر « فان جريان » الاستصحاب هناك في الكلى وهو الحدث لعد الاتيان بالوضوء انما هو باعتبار ان لنفس الكلى والجامع اثر شرعي وهو عدم جواز الدخول في الصلاة ، وهذه الجهة مفقودة في المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل والأكثر كما في المقام ومسألة الرضاع وباب الغناء ونحوها ، لعدم ترتب اثر شرعي على عنوان النوم ومفهومه ولا على عنوان الرضاع المحرم ولا على عنوان الغناء بما هي هذه العناوين ( وحينئذ ) فعلى كل تقدير سواء كان السؤال عن الشبهة المفهومية أو المصداقية لا محيص من أحد الاشكالين « نعم » قد يدفع الاشكال الأول ، تارة بمنع تطبيق الاستصحاب في الرواية على الوضوء الذي هو المسبب ، بدعوى ان المستفاد من قوله (عليه السلام) : لا حتى يستيقن انه قد نام انما هو تطبيقه على عدم النوم ببيان انه لا يرفع اليد عن اليقين بعدم النوم الا باليقين بوجوده ، فيكون قوله (عليه السلام) : بعد ذلك والا فإنه على يقين منطبقا على عدم النوم بجعل عدم وجوب الوضوء عليه كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم لما بينهما من شدة الملازمة ولو في خصوص المورد « وأخرى بمنع السببية والمسببية بينهما حقيقة ، بدعوى ان الطهارة والحدث أمران وجوديان عرضيان غير مسبب أحدهما عن عدم الاخر ، غايته انه يلازم ارتفاع أحدهما مع وجود الاخر من جهة ما كان بينهما من التمانع والتعاند بحسب الوجود « وفيه » اما الوجه الأول ، فهو خلاف ظاهر الرواية جدا ، لوضوح ظهور قوله (عليه السلام) حتى يستيقن في كونه في مقام تطبيق الاستصحاب على الوضوء ، لاعلى عدم النوم ، فإنه بعد أن سئل الراوي عن وجوب الوضوء عليه بهذه المرتبة من نوم الاذن ، اجابه (عليه السلام) بما هو نتيجة الاستصحاب من أنه لا يرفع اليد عن اليقين بالوضوء ما لم يعلم بتحقق رافعة الذي هو النوم والحدث ( واما الوجه الثاني ) فلكونه خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء ، ولذلك جرى عليه ديدن الأصحاب أيضا حيث جعلوها من موجبات الوضوء كما هو ظاهر ( وكيف كان ).

فقوله (عليه السلام) : والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ابدا

ص: 40

( يحتمل ) ان يكون جزاء الشرط محذوفا وأقيمت العلة وهي قوله فإنه على يقين من وضوئه مقامه ، نظير قوله سبحانه « وان تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى « و » إن تكفروا فان اللّه غني عنكم » ، فمعنى الحديث انه ان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب عليه الوضوء لأنه على يقين من وضوئه ( ويحتمل ) ان يكون الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه لا علة لجواب الشرط المحذوف ، اما يجعل الجملة انشائية ، فيكون المعنى ان لم يستيقن انه قد نام فليبن على يقين من وضوئه في مقام الجري العملي.

( واما بجعلها ) على ظاهرها في الاخبار فيكون المستفاد منه بدلالة الاقتضاء انه ان لم يستيقن بالنوم فهو متيقن بالوضوء ولا ينقض اليقين بالشك ، والا فلا ترتب بين كونه شاكا في النوم وكونه متيقنا بالوضوء ( ويحتمل ) أيضا ان يكون الجزاء هو قوله (عليه السلام) : ولا ينقض اليقين بالشك ، ويكون قوله فإنه على يقين من وضوئه توطئة للجزاء ، فالمعنى ان لم يستيقن بالنوم فحيث انه كان على يقين من وضوئه فلا ينقض اليقين بالشك ( فعلى كل حال ) سواء جعل الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه ، أو جعل كونه أمرا مقدرا ، أو جعل كونه عبارة عن قوله ولا ينقض اليقين بالشك تكون الرواية دالة على حجية الاستصحاب ولو في خصوص المورد ، حيث لا يتوقف دلالتها على الحجية على تعيين ان الجزاء اي شيء ، ولذلك لا يهمنا البحث عن تعيين الجزاء وتشخيصه ( وانما المهم ) في المقام هو تجريد اليقين عن خصوصية اضافته إلى الوضوء بجعل إضافة اليقين إلى الوضوء لمجرد بيان أحد المصاديق لما يتعلق به اليقين لا لبيان تقييد اليقين به ليكون اللام في كبرى القياس وهي قوله ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد فيفيد قاعدة كلية مطردة في باب الوضوء وغيره ( والا ) فمع عدم تجريده عن الخصوصية المزبورة لا يفيد قاعدة كلية مطردة في جميع الموارد ، بل غايته إفادة قاعدة كلية في خصوص باب الوضوء ، فان شرط الانتاج في الشكل الأول هو ان يكون المحمول في صغرى القياس بما له من القيود موضوعا في كبرى القياس ، ومن المعلوم انه لو كان المحمول في الصغرى هو اليقين المضاف إلى الوضوء بهذه الخصوصية لا مطلق اليقين مجردا عن الإضافة المزبورة ، يلزمه اختصاص الموضوع

ص: 41

في الكبرى أيضا باليقين المتعلق بالوضوء ، ومثله لا ينتج الا حجية الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ، لا حجيته مطلقا حتى في غير باب الوضوء ( بل إن تأملت ) ترى ان العمدة في استفادة التعميم من الرواية هي هذه الجهة أعني تجريد اليقين عن خصوصية اضافته إلى الوضوء والا فبدونه لا تجدي في استفادة التعميم مجرد كون الألف واللام في اليقين للجنس لا للعهد ، لان كون اللام للجنس لا يقتضى الا قاعدة كلية في خصوص باب للوضوء فلا يمكن التعدي منه إلى غيره من الطهارات الثلاث فضلا عن التعميم المطلق ( فلابد ) في استفادة التعميم المطلق من تجريد اليقين عن اضافته إلى طبيعة الوضوء ليكون الموضوع في الكبرى هو مطلق اليقين بالشيء المستتبع قهرا لكون اللام فيه للجنس لا للعهد حتى يفيد قاعدة كلية سارية في جميع أبواب الفقه ( وعليه نقول ) : انه يمكن دعوى الجزم بعدم دخل الإضافة المزبورة في اليقين المحكوم بعدم النقض ، لظهور الرواية حسب ما يفهمه العرف في كونها في مقام الاستدلال على نحو الشكل الأول من القياس لاعطاء قاعدة كلية لمطلق اليقين بالشيء الذي يكون مورد السؤال من جزيئاته ومصاديقه ( فان ) لازم قياسيته بعد ظهور الصغرى في كونها لبيان حكم اليقين بطبيعة الوضوء لا خصوص اليقين المتعلق بالوضوء الشخصي هو كون الكبرى أعني حرمة نقض اليقين كليا شاملا لمطلق اليقين بالشيء الملازم لكون اللام فيه للجنس المندرج فيه صغراه الذي هو من جزئياته ومصاديقه بلا اختصاصه بخصوص اليقين بالوضوء ليكون اللام فيه للعهد المشير إلى اليقين بالوضوء فيفيد قاعدة كلية في خصوص باب الوضوء ( بداهة ) ان ذلك لا يناسب قياسيته الا بفرض جعل الصغرى شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص ، وهو مع كونه خلاف ظهور الصغرى في كونها لبيان اليقين المتعلق بطبيعة الوضوء لا شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص ، يلزمه عدم التعدي من الوضوء إلى غيره من الطهارات وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من جعل الكبرى كليا شاملا لمطلق اليقين بالشيء المندرج فيه صغراه الذي من جزئياته ومصاديقه ، فيكون إضافة اليقين إلى الوضوء في الرواية حينئذ وتخصيصها بالذكر من بين المصاديق من جهة كونه موردا لسؤال الراوي لا من جهة خصوصية فيه كما هو

ص: 42

ظاهر ( ومما يؤيد ) ما ذكرناه بل يشهد له وقوع هذه الجملة كبرى لصغريات متعددة في النصوص الأخرى وتطبيقها على مثل الطهارة الخبثية تارة ، وركعات الصلاة أخرى ، والصوم ثالثة ، فان ذلك قرينة عدم اختصاص الكبرى المزبورة بباب دون باب ( بل ويشهد لذلك ) أيضا ظهور سوق الرواية في كونه في مقام ادراج المورد تحت كبرى ارتكازية لا تعبدية وهي ان اليقين بالشيء لا ينقض بالشك فيه ( وبذلك كله ) لا يبقى مجال توهم اختصاص الكبرى باليقين المتعلق بالوضوء ، مضافا إلى أن التعميم هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع فان اليقين من جهة ابرامه واستحكامه هو المناسب لان يضاف إليه النقض ولا مدخلية في ذلك لخصوصية اضافته إلى الوضوء كما هو ظاهر ( نعم لو اغمض ) عما ذكرنا لا يتم ما افاده المحقق الخراساني قدس سره لاثبات التعميم ولو على عهدية اللام من دعوى قوة احتمال ان يكون من وضوئه متعلقا بالظرف لا باليقين ليكون المعنى انه من طرف وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين بالشك : فان المستفاد منه حينئذ بعد كون الأصغر نفس اليقين لا اليقين المتعلق بالوضوء هو عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشيء بالشك في بقائه ( إذ فيه أولا ) ان مجرد الاحتمال لا يجدى شيئا ما لم يبلغ إلى الظهور المعتد به ، والا فيسقط الكلام عن الحجية لا جماله لو فرض تكافؤ الاحتمالين ( وثانيا ) ان غاية ذلك خروج من وضوئه عن كونه من الجهات التقييدية لليقين إلى التعليلية ، ومثله لا يوجب اطلاقا في اليقين المأخوذ في الصغرى ، فان اليقين على العلية وان كان غير مقيد به ولكن لا اطلاق له أيضا يشمل اليقين المتعلق بغير الوضوء كما هو الشأن في جميع المعاليل بالإضافة إلى عللها ، حيث يستحيل ان يكون لها اطلاق يشمل حال فقد عللها ، وعليه فلا يكون اليقين في الصغرى الا الحصة الملازمة للتعلق بالوضوء العارية عن حيثية الاطلاق والتقيد به ، وحينئذ فإذا كان الألف واللام في الكبرى للعهد تلزمه الإشارة لا محالة إلى اليقين الناشئ من قبل الوضوء ، ومثله لا يدفع دعوى الاختصاص ، ولا يفيد عموم الكبرى لكل يقين كما هو واضح ( وثالثا ) ان استفادة

ص: 43

الاطلاق من الكبرى المزبورة فرع جريان مقدمات الحكمة ، وتماميتها منوط بعدم وجود المتيقن في مقام التخاطب ، وبعد فرض يتقن نوع اليقين المتعلق بالوضوء ، لا يبقى مجال الاخذ باطلاق الكبرى والتعدي عن نوع اليقين بالوضوء إلى غيره ، فلا محيص حينئذ في استفادة عموم الكبرى من جعل اللام فيها للجنس بالتقريب الذي ذكرناه ، ومعه لا يفرق بين جعل من وضوئه من الجهات التعليلية لليقين أو الجهات التقييدية ، فإنه على كل تقدير يتم دعوى التعميم كما هو ظاهر.

( إزاحة شبهة ) قد يورد على دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ولو في خصوص موردها بما حاصله انه لابد في الاستصحاب من أن يكون المستصحب مما يتصور له البقاء والاستمرار ليكون بحدوثه متعلقا لليقين وببقائه متعلقا للشك فيجتمع فيه بهذه العناية اليقين والشك الفعليان ( والوضوء ) باعتبار كونه عبارة عن الغسلات والمسحات الخاصة لا يكون بذاته قابلا للدوام الاستمرار فلا يتصور فيه الشك في البقاء ، حتى يكون ايجاب المضي على طبق اليقين به من باب تطبيق الاستصحاب ، بل لابد وأن يكون ذلك من باب تطبيق قاعدة المقتضى والمانع باعتبار ان الوضوء مقتضى للآثار التي منها جواز الدخول في الصلاة ، والنوم وأمثاله من الاحداث المانعة عن تأثيره فيها ، ولما كان الراوي متيقنا بالمقتضى وهو الوضوء وشاكا في تحقق الحدث المانع عن تأثيره اجابه الإمام (عليه السلام) بعدم نقض اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من مثل النوم وأمثاله ( وفيه ) ان الوضوء بذاته وان كان أمرا حدوثيا غير قابل للبقاء والاستمرار الا انه باعتبار مسببه وهو الطهارة امر قابل للدوام والبقاء : وبهذه الجهة أمكن تطبيق الاستصحاب عليه لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق بالحدوث والشك اللاحق بالبقاء ولذا أضيف إليه النقض في الأخبار الكثيرة ، بقوله (عليه السلام) : لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم ( وان شئت قلت ) : ان اليقين بالوضوء في المقام كناية عن اليقين بأثره من الطهور القابل لتعلق الشك ببقائه ، لا انه بنفسه موضوع النقض كي يقتضى حمل الرواية على قاعدة المقتضى والمانع ، والنكتة ، في التعبير عن اليقين

ص: 44

بالطهارة باليقين بالوضوء هي خفائها عن الأذهان في مورد الوضوء بنحو لا طريق إليها الا من جهة اليقين بسببها الذي هو الوضوء ، ويؤيده جعل اليقين بنفس الطهارة الخبثية في الرواية الآتية صغرى لهذا القياس باعتبار وضوحها وعدم خفائها عن الأذهان بحيث يحتاج الإشارة إليها إلى الإشارة إلى سببها ( وحينئذ ) فبعد ظهور الكبرى المزبورة في الرواية في اليقين الحقيقي بالشيء والشك فيه نفسه الظاهر في اتحاد متعلق الوصفين ولو بنحو من العناية لا وجه لصرفها عما تقتضيه من الظهور في الاستصحاب لاستخراج القاعدة المزبورة باعمال ضرب من المسامحة والعناية في اليقين في الكبرى بجعل اليقين بالشيء هو اليقين بالعناية الذي هو عين اليقين بمقتضيه خصوصا مع ظهور كبرى نقض اليقين بالشك في كونه من جهة المعاندة بين الوصفين لا المعاندة بين متعلقيهما ( ولا أقل ) من تقديم العرف حسب ارتكازه في مثل هذه القضية المسامحة في وحدة متعلق الوصفين بتجريده عن التقطيع الحاصل فيه من جهة تعلق الوصفين على العناية في اليقين بجعل ظهور القضية في وحدة المتعلقين بنحو من الاتحاد قرينة على كون اليقين بالوضوء كناية عن اليقين بالطهارة الحاصلة منه ، خصوصا مع ملاحظة تكرر هذه الكبرى في غير واحد من الاخبار ( وحينئذ ) فلا اشكال في دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ، كما لا اشكال أيضا في استفادة التعميم منها في جميع أبواب الفقه.

( ومنها ) صحيحة أخرى لزرارة مضمرة أيضا ، قال قلت : له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلمت اثره إلى أن أصب عليه الماء فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك ، قال (عليه السلام) : تعيد الصلاة وتغسله .. قلت فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال (عليه السلام) : تغسله وتعيد ، قلت : فان ظننت انه اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه ، قال (عليه السلام) : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك قال (عليه السلام) : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ، قلت فانى قد علمت أنه اصابه ولم أدر أين هو فاغسله ، قال (عليه السلام) : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين

ص: 45

من طهارتك ، قلت. فهل علي ان شككت انه اصابه شيء قال (عليه السلام) : لا ولكن انما تريد ان تذهب بالشك الذي وقع من نفسك ، قلت : ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة ، قال (عليه السلام) تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك.

( وتقريب الاستدلال ) بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب كما في الصحيحة الأولى ( فان ) في فقرتي الرواية صدرا وذيلا دلالة واضحة على المدعي وتطبيق الاستصحاب على المورد خصوصا الفقرة الأخيرة منها فإنها بقرينة ابداء الإمام (عليه السلام) احتمال وقوع نجاسته جديدة حين رؤيتها في الصلاة ظاهرة في تطبيق الاستصحاب على المورد المقتضى لعدم الإعادة ( وحينئذ ) فلا اشكال من هذه الجهة.

( وانما الكلام ) والاشكال فيها في موضعين ( أحدهما ) فيما في الفقرة الثانية المفروضة في كلام الراوي من العلم الاجمالي بنجاسته ثوبه ، وحاصله ان مثل زرارة كيف يتصور في حقه الاقدام على الدخول في الصلاة مع العلم الاجمالي بنجاسة ثوبه ، حيث إن الحمل على غفلته عن نجاسة ثوبه حين الدخول في الصلاة بعيد في الغاية كبعد حمله على صورة حصول القطع بالعدم بعد الفحص ، وابعد منه حمله على عدم منجزية العلم الاجمالي عنده ( ولكن ) يدفع هذا الاشكال بالالتزام بغفلته عن نجاسة ثوبه حين الدخول في الصلاة ( إذ لم يكن ) في البين ما يوجب بعد ذلك منه ، ولا كان في كلامه أيضا ما يبعده غير أنه طلبها ولم يظفر بها فدخل في الصلاة ثم وجدها بعد الصلاة.

( وثانيهما ) في كيفية تطبيق الاستصحاب في الفقرة الثانية على المورد وتصحيح تعليل عدم وجوب الإعادة بعد الالتفات والعلم بوقوع الصلاة في الثوب النجس بقوله (عليه السلام) : لأنك كنت على يقين من طهارتك الخ ، مع أن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة لا تكون من نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها بل هي من

ص: 46

نقض اليقين بها باليقين ، بالنجاسة ، ولأجل هذا الاشكال وقعوا في حيص وبيص وسلك كل في حله سبيلا ( أقول ) : ولا يخفى ان أصل هذا الاشكال مبنى على كون النجاسة المرئية بعد الصلاة هي النجاسة المظنونة التي خفيت عليه قبل الصلاة ، فإنه عليه يتوجه الاشكال بان هذا التعليل انما يصحح مشروعية الدخول في الصلاة مع ظن الإصابة لكون المنع عن الدخول فيها لأجل الظن المزبور نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها ، لا نفى إعادة الصلاة بعد اتمامها وتبين وقوعها في النجاسة ، لان إعادة الصلاة حينئذ لا تكون من نقض اليقين بالشك وانما هي من نقض اليقين باليقين ( واما لو كانت ) النجاسة المرئية مما احتمل وقوعها بعد الصلاة بحيث لم يعلم وقوع الصلاة فيها كما لعله الظاهر أيضا ولو بقرينة تغير أسلوب العبارة من كلام الراوي في هذه الفقرة بقوله : فلما صليت فيه فرأيت فيه خاليا عن الضمير الذي اتى به في الفقرة قبلها بقوله : فلما صليت وجدته مع الضمير ، فإنه لو كانت النجاسة المرئية هي المظنونة التي خفيت عليه قبل الصلاة لكان الجري ان يقول : رأيته مع الضمير لا خاليا عنه ، مؤيدا ذلك بما في الفقرة الأخيرة من الرواية التي ابدأ فيها الإمام (عليه السلام) احتمال وقوع النجاسة حين رؤيتها ، فلا يرد في البين اشكال ( بداهة ) استقامة تعليل عدم وجوب الإعادة حينئذ بعدم نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها ، إذ إعادة الصلاة باحتمال وقوعها في النجاسة عين الاعتناء باحتمال نجاسة الثوب حال الاشتغال بالصلاة وهي نقض لليقين بطهارته بالشك فيها ولكن الذي يبعد ذلك استيحاش السائل عن التفرقة بين الفرضين وسؤاله عن لم التفصيل ، فإنه لولا فرض كون النجاسة المرئية هي المظنونة.

سابقا لا مجال لاستيحاشه مع ارتكازية الاستصحاب في ذهنه ( وكيف كان ) فقد أجابوا في التفصي عن الاشكال المزبور بوجوه.

( منها ) ان حسن التعليل انما هو من جهة اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ، فان الراوي لما كان مستصحبا للطهارة حال الدخول في الصلاة إلى حين الفراغ منها كانت صلاته مجزية عن الإعادة ولو بعد تبين الخلاف ( وفيه ما لا يخفى ) فإنه مع

ص: 47

بعده في نفسه ينافي ظهور الرواية ( إذ عليه ) ينبغي تعليل عدم الإعادة باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ، لا بعدم نقض اليقين بالطهارة بالشك ( واحتمال ) ان عدم التعليل بذلك من جهة كونه مرتكزا في ذهن الراوي ، فمن هذه الجهة لم يتعرض لبيان ذلك بل تعرض لبيان وجود الامر الظاهري باستصحاب الطهارة ( مدفوع ) بأنه مضافا إلى أنه من البعيد كل البعد اقتضاء الأوامر الطريقية للاجزاء عند مثل زرارة اما مطلقا أو في خصوص المورد بحيث كان من المرتكزات الذهنية غير المحتاج إلى التنبيه عليها ، خصوصا مع وجود الخلاف العظيم في تلك المسألة وذهاب المعظم فيها إلى عدم الاجزاء ( انه لا يناسب ) ذلك تعليل عدم الإعادة بحرمة نقض اليقين بالشك ، فان معنى حرمة نقض اليقين بالشك هو حرمة رفع اليد عن آثار المتيقن المترتب عليه ببركة اليقين ووجوب ترتبها عليه ، لا وجوب ترتيب آثار نفس الاستصحاب ، وإذا كان عدم الإعادة من آثار نفس الاستصحاب ولوازمه لا من لوازم المستصحب وآثاره ، فلا يكون نقيضه وهو الإعادة معنونا بكونه نقضا لليقين بالشك كي بذلك يحسن التعليل المزبور ، فحسن التعليل بعدم نقض اليقين بالشك لا يكون الا إذا كانت الإعادة معنونا بعنوان النقض المزبور ، ولا يكون ذلك الا إذا كانت من آثار المستصحب لا الاستصحاب ومعه يتوجه الاشكال المزبور بان الإعادة مع انكشاف الخلاف تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك.

( ومنها ) ما عن المحقق الخراساني قده من أن حسن التعليل بالاستصحاب انما هو باعتبار ان الشرط في باب الطهارة الخبثية حال الالتفات إليها مجردا حراز الطهارة ولو بالأصل لا نفسها ، فالحكم بصحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها انما هو من جهة ان الراوي كان محرزا للطهارة باستصحابها حال الاتيان بالصلاة وواجدا لما هو شرط صحتها واقعا ( وفيه ) انه ينبغي حينئذ تعليل عدم الإعادة بنفس احراز الطهارة حال الاتيان بها ( لا بالطهارة ) المحرزة بالاستصحاب في ظرف انكشاف الخلاف كما هو مقتضى التعليل الظاهر في كونها تمام المناط لعدم الإعادة ، لا انها جزء المناط أو مقدمة لكبري

ص: 48

أخرى تكون هي العلة لعدم الإعادة ( ودعوى ) ان ذلك انما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الخلاف أعني حال الاتيان بالصلاة كما يقتضيه أيضا ظهور القضية في الماضوية ، لا انه بلحاظ حال بعد انكشاف الخلاف ، وذلك أيضا لنكتة التنبيه على كبرى أخرى تكون هي العلة لعدم الإعادة وهي موضوعية الاستصحاب في ذلك الحال في صحة العمل وكفاية احراز الطهارة ولو بالأصل في الشرطية واقعا ( مدفوعة ) بان ذلك انما يوجب حسن التعليل بالاستصحاب إذا كانت الكبرى المزبورة مركوزة في ذهن الراوي من الخارج بنحو يوجب تحذير مثله بقوله (عليه السلام) : فليس لك الخ ، والا فعلى ما هو المرتكز في الأذهان في نحو هذه الأوامر من الطريقية المحضة لا يفيد التعليل المزبور شيئا ولو كان ذلك بلحاظ الحال السابق لا الحال الفعلي ، فإنه مع انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ، يتوجه الاشكال بان الإعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، فصحة التعليل بمثل هذه القاعدة المغروسة طريقتها في الأذهان تحتاج إلى اعمال تعبد على خلاف ما هو المرتكز في ذهن الراوي من الطريقية المحضة غير المفيدة للاجزاء ، ببيان كبرى أخرى وهي موضوعية الاستصحاب وكفاية مجرد احراز الطهارة بالأصل ولو في خصوص المورد في صحة العمل وفي الشرطية واقعا ، وبدونه يبقى الاشكال في الرواية على حاله ولا يمكن الذب عنه بمثل التقريب المزبور ، الا بما ذكرناه من التقريب ( ومن التأمل فيما ذكرنا ) يظهر أيضا انه لا مجال لتصحيح التعليل المزبور بجعله من قبيل التعليل بالاسكار لحرمة شرب الخمر لإفادة كبرى كلية وهي كفاية احراز الطهارة في الشرطية وقاعا وعدم وجوب الإعادة على كل من كان محرزا للطهارة ( إذ فيه ) ان ذلك يتم إذا كان لسان التعليل جريان الاستصحاب في المورد تعبدا ( إذ حينئذ ) بدلالة الاقتضاء يستفاد منه كفاية مجرد احراز الطهارة باستصحاب في الشرطية واقعا أو في الاجزاء وعدم وجوب الإعادة ، لا فيما كان ذلك بلسان ان جريانه في المورد كان بمقتضى الارتكاز كما هو قضية تحذيره بقوله فليس ينبغي لك الخ ( والا ) فبعد ان كان المغروس في الأذهان طريقية الاستصحاب وعدم اقتضائه الاجزاء لا موضوعيته ، فلا بد في الحكم بعدم الإعادة من التنبيه على موضوعية الاستصحاب

ص: 49

في المورد ، وبدونه يبقى الاشكال المزبور على حاله.

مع أنه على ذلك لا مجال لجريان الاستصحاب في المورد لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على الطهارة الواقعية ( فان المراد ) من أمثال هذه الأوامر الطريقية والتنزيلات الظاهرية التي منها حرمة نقض اليقين بالشك انما هو الامر بترتيب ما للواقع من الآثار العملية لولا الامارة أو الاستصحاب ، ومع فرض خروج الطهارة الواقعية عن موضوع الشرطية وعدم ترتب اثر عملي عليها لا يجري فيها الاستصحاب ، فلا تكون حينئذ طهارة استصحابية حتى يترتب عليها الآثار المزبورة.

( واما ) ما افاده في دفع الاشكال من كفاية كونها شرطا اقتضائيا في جريان الاستصحاب ( فمدفوع ) بان مجرد الشرطية الاقتضائية غير كافية في جريان الاستصحاب ما لم تبلغ إلى مرحلة الفعلية ، لان الاستصحاب وظيفة عملية ولابد في جريانه من ترتب اثر عملي على المستصحب ( كما أن ) ما افاده من كفاية كونها من قيود الشرط الذي هو احرازها بخصوصها لا غيرها في جريان الاستصحاب لعدم انعزالها حينئذ عن الشرطية بالمرة وانه بجريان الاستصحاب فيها يتحقق احرازها الذي هو شرط فعلى ( مدفوع ) بان المراد من قيد الشرط ان كان هو الطهارة بوجودها اللحاظي الاعتقادي ، فهو مع أنه منعدم بانعدام اعتقاده غير مجد في جريان الاستصحاب ( لان ) من شرط جريانه ان يكون المستصحب بوجوده الواقعي مما يترتب عليه الأثر ، لا بوجوده الذهني الاعتقادي ( وان كان ) المراد به الطهارة الواقعية فيلزم في المقام بطلان الصلاة بانعدامه حسب الفرض ( فعلى كل تقدير ) لا مجال لتصحيح التعليل المزبور بالبيان المذكور.

( ومنها ) ان حسن التعليل انما هو بلحاظ ان الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية ، حيث إنه باستصحاب الطهارة يتحقق أحد فردي الجامع الموضوع للتكليف أو الوضع ، فيترتب عليه عدم وجوب إعادة الصلاة لكونها واجدة لما هو شرط صحتها واقعا ( وفيه ) ان هذا المقدار لا يصحح امر الاستصحاب ( لوضوح ) ان مقتضى شرطية الجامع بين الطهارتين هو خروج الطهارة

ص: 50

الواقعية بخصوصيتها عن موضوع الشرطية ، ولازمه عدم صحة تطبيق الاستصحاب عليها بخصوصها لعدم ترتب اثر عملي عليها كي يتحقق باستصحابها أحد فردي الجامع ( بل لازمه ) عدم صحة تطبيقه أيضا على الحصة من الجامع المتحقق في ضمنها ، لوضوح ان مثل هذه الحصة انما يترتب عليها الأثر العملي في فرض سبق وجودها الموجب لكونها فرد صرف الجامع الموضوع للتكليف أو الوضع ، وهذا المعنى يلازم مع مطابقة الاستصحاب للواقع ، والا ففي فرض مخالفته للواقع لا يكون لمثل هذه الحصة اثر عملي الا على فرض عدم جريان الاستصحاب ، إذ مع جريان الاستصحاب يكون الأثر للحصة الأخرى من الجامع المتحقق في ضمن الفرد التعبدي ( من الواضح ) انه لا يمكن ان يصحح به امر الاستصحاب في فرض المخالفة للواقع ، لأنه يلزم من وجوده عدمه ( فلابد ) في مثل الفرض من الالتزام بجريان الاستصحاب بلحاظ ما يترتب على نفس الاستصحاب وهو كما ترى.

( وبما ذكرنا ) ظهر انه لا مجال لتطبيق الاستصحاب على نفس الجامع بينهما أيضا من جهة استحالة انطباق الجامع المستصحب على ما يترتب على نفس استصحابه ( فعلى كل تقدير ) لا استصحاب في البين حتى يتحقق به أحد فردي الجامع فيترتب عليه صحة الصلاة واقعا هذا ( مضافا ) إلى امتناع كون الشرط في أمثال المقام هو الجامع بين الطهارة الواقعية والاستصحابية ، فإنه مع تأخر الاستصحاب عن المستصحب رتبة يستحيل قابلية الجامع للانطباق على ما يتحقق من قبل نفس الاستصحاب المتأخر عنه رتبة كما هو ظاهر فتدبر ( اللّهم ) الا ان يلتزم بكون الطهارة الخبثية بنفسها من الاحكام المجعولة الوضعية ويقال : بكفاية مجرد شرعيتها في نفسها لجريان الاستصحاب فيها ، وان الطهارة المستصحبة ولو بلحاظ نفسها شرط واقعي للصلاة ولكنه خلاف التحقيق ، فان التحقيق فيها هو كونه من الأمور الواقعية المكشوفة بنظر الشارع ، وعليه لا يبقى مجال للاستصحاب المزبور بعد عدم ترتب اثر عملي عليه غير صحة هذه الصلاة.

( ومنها ) ان حسن التعليل انما هو من جهة ان في باب الطهارة والنجاسة

ص: 51

يكون المانع عن صحة الصلاة هو العلم بالنجاسة ( اما ) من حيث كونه منجزا لاحكامها فيكون المقصود من التعليل بالطهارة التوطئة لذكر العلة وتنبيه السائل على كونه ممن لم يتنجز عليه احكام النجاسة لمكان يقينه السابق بالطهارة وعدم تبدله باليقين بالنجاسة حين الدخول في الصلاة حتى يتنجز عليه أحكامها ( ببيان ) انك أيها السائل لما كنت على يقين من طهارتك فما كنت محرزا للنجاسة كي يتنجز عليك أحكامها وتجب عليك إعادة الصلاة عند انكشاف وقوعها في النجاسة ، فمفاد هذه الصحيحة حينئذ نظير مفاد الأخبار الدالة على جواز الدخول في الصلاة مع الشك في نجاسة البدن أو اللباس وعدم العلم بها تفصيلا أو اجمالا ، ولا يكون فيها الدلالة على شرطية الطهارة ( وفيه ) انه على هذا المبنى كان المناسب تعليل عدم الإعادة بعدم احراز النجاسة حال الدخول في الصلاة ، لا باستصحاب الطهارة خصوصا مع كونه مسبوقا بعلة أخرى وهي عدم العلم بالنجاسة ( مع أنه ) على ذلك لا اثر للطهارة حتى يصح التعبد بوجودها ، فلا استصحاب حينئذ حتى يصح التعليل به ولو للتوطئة لذكر علة أخرى كما هو ظاهر ( اللّهم ) الا ان يقال ان الاكتفاء بعدم العلم بالنجاسة في صحة الصلاة انما هو في صورة الغفلة عن النجاسة ، واما مع الالتفات إليها فلا بد في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها من احراز الطهارة بوجه ما ، جمعا بين ما دل على اشتراط احراز الطهارة في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها ، وبين ما دل على كفاية عدم العلم بالنجاسة في صحة الصلاة واقعا ، والتعليل المزبور في الرواية ناظر إلى فرض الالتفات إلى النجاسة فلا اشكال حينئذ في صحة التعليل ( ولكن ) يتوجه عليه انه مع كونه خارجا عن الفرض موجب لعود الاشكال في صحة تطبيق التعليل على المورد.

فالأولى في التفصي عن الاشكال هو الجواب عنه بما ذكرناه من احتمال كون النجاسة المرئية غير النجاسة المظنونة سابقا ( ومع الغض ) عنه فالانصاف هو الاعتراف بالعجز عن الجواب عنه ( ولكن ) لا يضر ذلك بما نحن بصدده من عموم الكبرى ، فان دلالتها على حجية الاستصحاب في غاية الوضوح فهمنا كيفية تطبيق الكبرى على المورد أو لم نفهمه.

ص: 52

بقى الكلام

في وجه الجمع بين ما دل على صحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها عند تبين وقوعها في النجاسة ، كهذه الصحيحة على أحد الاحتمالين وبعض النصوص الاخر ، وبين ما دل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن الظاهر في الطهارة الواقعية المقتضى لبطلان الصلاة عند فقدانها ، كسائر الشرائط الاخر من الستر والقبلة والطهارة الحدثية ، بل هذا البحث لا يختص بالمقام فيجري في كل مورد قام الدليل على الصحة وعدم وجوب الإعادة عند فقد بعض الاجزاء والشرائط.

( فنقول ) : ان الجمع بين الأدلة في المقام يتصور على وجوه ( أحدها ) ان يكون للعلم بموضوع الشرطية دخل في أصل الاشتراط واقعا بحيث تدور الشرطية أو المانعية الواقعية مدار العلم بموضوع الشرط أو المانع وبدونه لا تكون النجاسة مانعة عن صحة الصلاة ، ولا الطهارة شرطا لها ( وثانيها ) ان يكون الشرط هو الطهارة بوجودها العلمي لا بوجودها الواقعي ، والفرق بين هذا الوجه وسابقا هو انه على الوجه السابق يكتفى في صحة الصلاة بمجرد عدم العلم بالنجاسة ولا يحتاج إلى احراز الطهارة ، بخلاف هذا الوجه فإنه لا يكفي في مشروعية الدخول في الصلاة وصحتها مجرد عدم احراز النجاسة ، بل لابد في صحة الصلاة من احراز الطهارة حين الدخول فيها ولو بالأصل.

( وثالثها ) ان يكون الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ولو بالاستصحاب أو قاعدة الطهارة.

( ورابعها ) ابقاء أدلة الاشتراط على ظاهرها من الشرطية الواقعية والالتزام بمفوتية المأتى به ناقصا لمصلحة الواقع بمناط المضادة بحيث لا يمكن مع الاتيان به استيفاء المصلحة الكامنة في المأمور به الواقعي.

( وخامسها ) ان يكون الاجزاء وعدم الإعادة بمناط وفاء المأتى به بالطهارة الظاهرية بسنخ ما يفي به الطهارة الواقعية من المصلحة ولو بمرتبة منها على وجه يوجب

ص: 53

تفويت تدارك الباقي الوافي به خصوص الطهارة الواقعية ، لا تفويت أصل المصلحة كما هو مقتضى الوجه الرابع ، ومرجع ذلك إلى وفاء كل منهما بخصوصه بمرتبة من سنخ المصلحة غاية الامر بنحو يكون ترتب الثاني في الوفاء بالغرض على عدم الأول ، ( أو بجامعهما ) مع طولية الفردين بنحو يكون الجامع في كل مرتبة منحصر الفرد ( فهذه ) وجوه خمسة في الجمع بين الأدلة.

( ولكن ) أمتن الوجوه وأوفقها بالقواعد هو الوجه الأخير ( إذ هو نحو جمع ) بين الأدلة لكونه ابقاءا للأدلة الدالة على شرطية الطهارة على ظاهرها في اعتبار الطهارة الواقعية بخصوصها بحسب الجعل الأولى ، وموافقا لما عليه فتوى الأصحاب من لزوم احراز الطهارة بوجه في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها عند الالتفات إليها وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيها من دون مزيل شرعي له ، ومنطبقا أيضا على ظواهر الأخبار الدالة على تمامية الصلاة وعدم وجوب اعادتها عند تبين وقوعها في النجاسة ، اما لكون المكلف غافلا عن النجاسة ، واما لكونه محرزا للطهارة بوجه حال الاتيان بالعمل ( وهذا ) بخلاف الوجوه الاخر ، فإنها تنافي ظواهر الأدلة الدالة على شرطية الطهارة الواقعية بخصوصها ، ومع ذلك لا يسلم بعضها عن الاشكال أيضا ( اما الوجهان الأولان ) فمخالفتها ، لظواهر تلك الأدلة ظاهره ، خصوصا الوجه الأول منها ، فإنه ينافي ما عليه فتوى المشهور من لزوم احراز الطهاة ولو بوجه في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها ، وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيها من دون مزيل شرعي له ( وكذلك الوجه الثاني ) لمنافاته أيضا لما تقتضيه ظواهر الأدلة من شرطية الطهارة الواقعية بخصوصها ، مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في تصوير الجامع بين الطهارة الواقعية والتعبدية من حيث عدم قابلية الجامع للانطباق على ما يترتب على التعبد بوجوده ، مع عدم جريانه أيضا في فرض الغفلة عن النجاسة لعدم وجود مصداق تعبدي لها حينئذ ( نعم ) لو اغمض عن اشكال تصوير الجامع بينهما لا يرد عليه شبهة لزوم صحة توجيه الطلب التخييري نحو الفردين ( إذ ذلك ) انما هو من تبعات عرضية الفردين ، والا فمع طولية فردي الجامع وكونه منحصر الفرد في

ص: 54

كل مرتبة لا يقتضى مجرد وفاء الجامع بالغرض صحة توجيه الامر التخييري نحو الفردين كما هو ظاهر ( واما الوجه الرابع ) فهو أيضا ينافي النصوص الدالة على عدم إعادة الصلاة وكونها ماضية الظاهرة في بدلية المأتى به ووفائه بسنخ ما يفي به الطهارة الواقعية ولو بمرتبة منه ، فيتعين الوجه الخامس لسلامته عن الاشكال وموافقته لظاهر الأدلة ، ولما عليه فتوى الأصحاب ( ولعله ) إلى ذلك أيضا يرجع ما افاده بعض الأعاظم قدس سره في الجمع بين الأدلة من أن الاجزاء وعدم الإعادة انما هو لأجل قناعة الشارع عن المأمور به بما يقع امتثالا له لان الفعل المأتى به في هذا الحال بعنوان امتثال الواقع بدل عن الواقع المأمور به وكان مما يقوم به الغرض من الامر الواقعي في هذا الحال ، فكان المقصود من قوله اشتمال المأتى به على الغرض من الامر هو اشتماله له ولو ببعض مراتبه ، لا بجميع مراتب مصلحة الواقع ( والا ) فلابد اما من الالتزام بتدارك الغرض الواقعي القائم بالطهارة الواقعية بما في المأتى به من المصلحة في هذا الحال ، أو الالتزام بقيام الغرض الواقعي بالجامع بينهما ( والأول ) ينافي البدلية الظاهرة في وفاء المأتى به بسنخ ما يفي به الواقع ( والثاني ) يرجع إلى الوجه الثاني في كلامه الذي استبعده وهو كون الشرط الأعم من الطهارة الواقعية والاحرازية فلا يكون وجها ثالثا في الجمع بين الأدلة.

( ومنها )

صحيحة ثالثة لزرارة أيضا وهي قوله (عليه السلام) : إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه تنقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ( ومحل الاستدلال ) قوله (عليه السلام) ولا ينقض اليقين بالشك بالتقريب الذي تقدم في الأخبار السابقة ( وقد أورد ) الشيخ

ص: 55

قدس سره على الاستدلال بها بما حاصله ان المراد من الركعة في قوله (عليه السلام) : قام فأضاف إليها أخرى ، اما الركعة الموصولة بالركعات السابقة ، واما الركعة المفصولة عنها بتكبير وسلام ( فعلى الأول ) وان كان ينطبق على الاستصحاب ، ولكنه يخالف ما استقر عليه مذهب الإمامية من البناء على الأكثر واتيان ركعة أخرى مفصولة عنها بتكبير وسلام ، ويوافق مذهب العامة ، بل يخالف أيضا ، ما في صدر الحديث من قوله (عليه السلام) : في من لم يدر في ثنتين هو أم في أربع ، يركع بركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه الظاهر بقرينة تعيين فاتحة الكتاب في إرادة ركعتين منفصلتين أعني صلاة الاحتياط ، فلا بد حينئذ من أن يكون المراد من قوله قام فأضاف إليها أخرى الركعة المفصولة المستقلة بعد التشهد والتسليم في الركعة المرددة كما هو مذهب الإمامية ، وعليه لا تنطبق الرواية على الاستصحاب ، إذ يكون المراد من اليقين في قوله لا تنقض اليقين بالشك حينئذ هو العمل الذي يوجب اليقين بالفراغ عن عهدة التكليف أعني البناء على الأكثر والآتيان بركعة الاحتياط ( وقد جرى ) اصطلاح الأئمة علیهم السلام على التعبير عن الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات بالبناء على اليقين ، ومنه قوله (عليه السلام) : في الموثقة الآتية ، إذا شككت فابن على يقين ، فان المراد من اليقين فيه هو البناء على الأكثر واتيان ركعة الاحتياط ( وعلى فرض ) ظهور الرواية في إرادة الركعة الموصولة لابد من صرفها عن ظاهرها بما توافق مذهب الإمامية ، والا فلابد من حملها على التقية وهو أيضا خلاف الأصل ، فان أصالة الجهة فيها تقضي صدورها لبيان الحكم الواقعي ( واما ) ارتكاب التقية في تطبيق القاعدة واجرائها على المورد لا في أصل كبرى القاعدة ، فيحمل قوله ولا تنقض اليقين بالشك على بيان الواقع ، فبعيد جدا ( إذ ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف ظاهر آخر ، ينافي ما في صدر الرواية من الظهور في لزوم الفصل في الشك بين الاثنين والثلاث على خلاف مذهب العامة انتهى ملخص الاشكال ( ولكن فيه ) ان حمل اليقين في الرواية على اليقين بالبرائة والاخذ بالوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات التي علمها الإمام (عليه السلام) في اخبار اخر بقوله الا أعلمك شيئا ان نقصت فكذا وان أتممت فكذا خلاف ظاهر الرواية جدا ، ( كيف ) وان

ص: 56

قوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشك ظاهر بل صريح في اليقين الفعلي فارغا عن ثبوته وتحققه ، ومثله لا يناسب الا الاستصحاب ، والا فلا يناسب مع اليقين المستفاد من أدلة الشكوك ، لان مثل هذا اليقين مما يجب تحصيله باتيان الوظيفة المقررة من صلاة الاحتياط بعد النباء على الأكثر ، خصوصا بعد ملاحظة التعبير بالنقض الذي لا يناسب الا مع الاستصحاب ، وملاحظة ورود هذه الجملة في الأخبار السابقة الظاهرة بل الصريحة في الاستصحاب ( ولما ) ما جرى عليه اصطلاحهم علیهم السلام من التعبير عن الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات فإنما هو بعنوان البناء على اليقين أو العمل على اليقين لا بعنوان نقض اليقين بالشك كما في المقام ، وبينهما بون بعيد.

( واما ما أفيد ) من منافاة الحمل على التقية حتى في مقام التطبيق على المورد لما في صدر الرواية من الظهور في إرادة صلاة الاحتياط على خلاف مذهب العامة ( ففيه ) انه لا ظهور في صدر الرواية في خلاف التقية بنحو بمنع عن حمل هذه الفقرة عليها ، وأعمال التقية في اجراء القاعدة وتطبيقها على المورد لا في نفسها ، لا بعد فيه بعد ظهور الجواب في البناء على الأقل الذي هو مقتضى الاستصحاب ( ولو سلم ) ذلك فلا يكون بأبعد من الحمل على الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات ، بل يكون الحمل على التقية في تطبيق القاعدة على المورد أقرب من حمل اليقين فيها على تحصيل اليقين بالبرائة باتيان الوظيفة المعهودة في الشك في عدد الركعات ، إذ لا يلزم منه التصرف فيما يقتضيه ظهور قوله لا تنقض اليقين بالشك ، لان التصرف انما يكون ممحضا في تطبيق القاعدة التي استشهد بها لحكم المورد ، لا في أصل كبرى حرمة النقض.

( ومثله ) غير عزيز في الأخبار الواردة عنهم علیهم السلام ( وقد ورد ) نظير ذلك عنهم في بعض الاخبار ، كقوله (عليه السلام) للخليفة العباسي بعد سؤال اللعين عن الافطار في اليوم الذي شهد بعض بأنه يوم العيد ، ذاك إلى امام المسلمين ان صام

ص: 57

صمنا معه وان أفطر أفطرنا معه ، ومن هنا اخذ الاستصحاب بقوله (عليه السلام) ذاك إلى امام المسلمين وحملوه على بيان الواقع واستدلوا به على اعتبار حكم الحاكم بالهلال ، مع أن الإمام (عليه السلام) اتقى بقوله ذلك عن اللعين حتى أنه أفطر بعد عرض العباسي عليه الافطار مخافة ضرب عنقه ، وليس ذلك الا من جهة كون التقية في تطبيق هذه الكبرى على المورد لا في أصل الكبرى ( ونظير ) ذلك أيضا ما ورد من استشهاد الإمام (عليه السلام) بحديث الرفع المروى عن النبي صلی اللّه علیه و آله على بطلان الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة بما يملك ( وعلى ذلك ) فلا قصور في الاخذ بما تقتضيه الصحيحة من الظهور في الاستصحاب الموجب للزوم البناء على الأقل غاية الامر من جهة مخالفته للمذهب يصار إلى التقية في تطبيق لا تنقض على المورد.

( لا يقال ) ان احتمال التقية في تطبيق القاعدة على المورد معارض باحتمالها في أصل بيان الكبرى ، ومع الجزم باعمال تقية في البين تسقط أصالة الجهة من الطرفين ومع سقوطها لا يبقى مجال الاستدلال بها بأصل الكبرى أيضا.

( فإنه يقال ) ان تحقق المعارضة بينهما فرع ترتب اثر عمل على أصالة الجهة في طرف التطبيق حتى في فرض صدور الكبرى تقية ، والا فبدونه لا تجري فيه الأصل المزبور ( وحيث ) انه لا اثر عمل يترتب عليها في الفرض المزبور تبقى أصالة الجهة في أصل الكبرى بلا معارض ، فتصح الاستدلال بالرواية حينئذ بالنسبة إلى أصل الكبرى ، ولا يضربه العلم الاجمالي باعمال تقية في البين كما هو ظاهر هذا ( مع امكان ) دعوى تمامية الاستدلال بها على حجية الاستصحاب بلا مؤنة الحمل على التقية حتى في تطبيق الاستصحاب على المورد ( بتقريب ان ما يقتضيه الاستصحاب من البناء على الأقل وعدم الاتيان بالركعة المشكوكة انما هو مجرد وجوب الاتيان بركعة أخرى ، واما كونها موصولة فهو خارج عن مقتضى الاستصحاب حتى من جهة قضية اطلاقه ( وانما هو ) لاقتضاء خصوصية في المورد من الحكم الأولى المجعول فيه من لزوم اتصال اجزاء الصلاة وركعاتها بعضها ببعض المنتزع من حيث مانعية التكبير والسلام في أثنائها ( الا ان ) الاجماع والنصوص الواردة في باب الشكوك بالبناء على الأكثر

ص: 58

واتيان ركعة الاحتياط ، يعينان الوظيفة الفعلية بكونها على الكيفية المعهودة عند الإمامية باتيانها مفصولة عن الركعات بتشهد وتسليم ( ومرجع ) ذلك في الحقيقة إلى تخصيص كبرى الحكم الواقعي المجعول في المورد في ظرف الشك المزبور ، لا تخصيص كبرى الاستصحاب أو تقييد اطلاقه في المورد ( لما عرفت ) من عدم اقتضاء الاستصحاب الا صرف الاتيان بذات ركعة أخرى لا بخصوصية كونها موصولة ولو من جهة قضية اطلاقه كي يلزم التخصيص في دليله أو تقييده كما ظاهر ( لا يقال ) ان اليقين السابق بعد أن كان متعلقا بعدم الاتيان بالركعة الرابعة موصولة بالركعات ، يلزمه تعلق الشك أيضا بما تعلق به اليقين السابق ، ولازم تطبيق عدم نقض اليقين بالشك في المورد انما هو الاتيان بالركعة بخصوصية كونها موصولة على نحو تعلق بها اليقين والشك ، لا مطلقا ولو مفصولة ، فلزوم الاتيان بها حينئذ مفصولة يحتاج إلى رفع اليد عن تطبيق لا تنقض على الخصوصية وهو عين تقييد الاستصحاب ( فإنه يقال ) هذا انما يتم في فرض بقاء كبرى لزوم الاتصال المنتزع عن مانعية السلام والتكبير على حالها في حال الشك ، والا فعلى فرض عدم بقاء الكبرى المزبورة على حالها في هذا الحال ، فلا يلزم تقييدا في كبرى الاستصحاب ، إذ لا يكون تطبيقها حينئذ الا على ذات الركعة العارية عن خصوصية كونها في ضمن الاتصال أو الانفصال فتأمل.

( نعم ) لنا اشكال آخر في تطبيق الاستصحاب في الرواية على الركعة حتى على مذهب العامة القائلين بالبناء على الأقل ولزوم الاتيان بالركعة الموصولة ( ينشأ ) من اختلال ركنه الذي هو الشك اللاحق ( فان الذي ) تعلق به اليقين والشك انما هو عنوان الرابعة المرددة بين الشخصين ، ( إذ هو ) قبل الشروع فيما بيده من الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يقطع بعدم وجود الرابعة وبعد الشروع في أحد طرفي المعلوم بالاجمال أعني الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يشك في تحقق الرابعة ( ولكنه ) بهذا العنوان ليس له اثر شرعي حتى يجرى فيه الاستصحاب ، إذ الأثر انما يكون لواقع ما هو الرابعة الذي ينتزع عنه هذا العنوان وهو الشخص الواقعي الدائر امره

ص: 59

بين ما معلوم الوجود وما هو معلوم العدم ، ومثله مما لا شك فيه أصلا ( إذ هو ) على تقدير كونه ما بيده من الركعة يقطع بوجوده ، وعلى تقدير كونه غيره الذي أفاد الإمام (عليه السلام) بالقيام إليه يقطع بعدم وجوده فعلى التقديرين لا شك فيه حتى يجري فيه الاستصحاب ( وبهذه الجهة ) أيضا منعنا عن الاستصحاب في الفرد المردد. بلحاظ انتفاء الشك فيه لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ( مع أن ) وجوب التشهد والتسليم على ما يستفاد من الأدلة مترتب على رابعية الركعة بما هي مفاد كان الناقصة لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة وباستصحاب عدم الاتيان بالرابعة أو عدم وجودها بمفاد ليس التامة لا يثبت اتصاف الركعة المأتية بعد ذلك بكونها رابعة ، فكان المقام نظير استصحاب عدم وجود الكر غير المثبت لكرية الموجود ( وبهذه الجهة ) نقول : ان عدم جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة انما هو على القواعد ولو لم يكن لنا أدلة خاصة بالبناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة ، لا انه لاقتضاء تلك الأدلة ذلك ( والنكتة ) في ذلك ما ذكرناه من الاشكال تارة من جهة انتفاء الشك الذي هو من أركانه ، وأخرى من جهة عدم اثباته لحيث اتصاف الركعة الموجودة بكونها رابعة ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم ( نعم ) يتم ذلك على مذهب العامة من جعلهم الاستصحاب في عداد القياس والاستحسان من الأمارات الظنية المثبتة للوازمه ، والا فبناء على اخذه من الاخبار وجعله من الأصول التعبدية غير الصالحة لاثبات غير اللوازم الشرعية ، فلا مجال لتطبيقه على الركعة المشكوكة ( وبما ذكرنا ) يندفع ما أفيد في المقام من أنه يكفي في جريان الاستصحاب وتطبيقه على الركعة المشكوكة مجرد اثبات عدم الاتيان بالركعة الرابعة ، لان من آثاره حينئذ لزوم الاتيان بها عقلا من دون احتياج إلى اثباته بمقتضى الاستصحاب ( إذ فيه ) انه بعد العلم الاجمالي وتردد الركعة بين الرابعة والخامسة لا يعلم باتصافها بالرابعة ليترتب عليها وجوب التشهد والتسليم ، لاحتمال كون المأتى به أولا هو الرابعة وهذه خامسته ، ومعه لا حكم للعقل بلزوم الاتيان بها ، لان الزامه بذلك انما هو في

ص: 60

ظرف الفراغ عن تطبيق المستصحب وهو الرابعة عليها ، لا مطلقا حتى مع الشك في انطباق المستصحب عليها ، ( وحينئذ ) فبعد عدم تكفل الاستصحاب المزبور لاثبات حيث اتصاف الركعة بالرابعية لا يتمكن من اتمام هذه الصلاة ، نظرا إلى الوقوع في محذور التشهد والتسليم ، ومعه لا يبقى مجال لجريانه لعدم ترتب اثر شرعي عليه ( وبما ذكرنا ) تظهر نكتة الفرق بين الاستصحاب في المقام وبين أدلة البناء على الأكثر ، فان الالتزام بوجوب التشهد والتسليم في الثاني انما هو من جهة تكفل تلك الأدلة بالبناء على الأكثر ، لاثبات اتصاف الركعة الموجودة بكونها ثالثة أو رابعة ، فيترتب عليه وجوب التشهد والتسليم ( بخلاف الاستصحاب ) فإنه بالنسبة إلى مفاد كان الناقصة وهو ثالثية الموجود أو رابعيته لا يكون له حالة سابقة حتى يجرى فيه الاستصحاب ، واما بالنسبة إلى مفاد كان التامة وهو عدم وجود الثالثة أو الرابعة فهو وان تم فيه أركانه على اشكال فيه أيضا كما تقدم ، ولكنه لا يترتب عليه اثر شرعي ، لان الأثر الشرعي من وجوب التشهد والتسليم مترتب على مفاد كان الناقصة ومثله لا يثبت باستصحاب مفاد كان التامة الا على المثبت المرفوض عند المحققين.

( وقصارى ) ما يمكن ان يجاب به عن هذا الاشكال ، الالتزام بحجية المثبت في خصوص المقام بقرينة تطبيق الإمام (عليه السلام) الاستصحاب على المورد فإنه من جهة حفظ التطبيق عن اللغوية لا بد من الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل آخر في الرتبة السابقة عن هذا التطبيق ، فان ما تسالموا عليه من عدم حجية مثبتات الأصول انما هو لأجل قصور دليل التعبد فيها لاثبات غير اللوازم الشرعية المترتبة على المتعبد به ، لا انه من جهة محذور عقلي أو لقيام دليل بالخصوص على عدم الحجية ، فإذا فرض ان في مورد قام الدليل بالخصوص على حجية كما في المقام يؤخذ به لا محالة ، إذ بعد عدم ترتب اثر شرعي على استصحاب عدم وجود الرابعة بنحو مفاد ليس التامة لابد من استكشاف تنزيل آخر في الرتبة السابقة عن التطبيق المزبور ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعية الموجود ( ولكن ) يرد على هذا التوجيه استلزامه سقوط الاستصحاب عن الجريان في مفاد كان التامة ، لأنه بكشف

ص: 61

تنزيل رابعية الركعة الأخرى في المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور يرتفع الشك تعبدا عن وجود الرابعة فلا يبقى فيه شك حتى يجرى فيه الاستصحاب ، فيلزم من جريان استصحاب العدم في الركعة الرابعة عدم جريانه فيها وهو محال ( ولا يقاس ) ذلك بسائر المثبتات كثبات اللحية بالقياس إلى الحياة ، فان كشف التنزيل فيها في الرتبة السابقة على التطبيق على الحياة لا يقتضى رفع الشك بالنسبة إلى الحياة ، بل الشك فيها بعد على حاله فيجرى فيها الاستصحاب ( بخلاف ) المقام فان كشف تنزيل رابعته الموجود في المرتبة السابقة على التطبيق يقتضى رفع الشك عن وجود الرابعة تعبدا ( ومعه ) لا يجرى فيه الاستصحاب ( فالأولى ) حمل الرواية على وجه آخر لا ينافي الاستدلال بها على المطلوب وهو تطبيق الاستصحاب في الرواية على الاشتغال بالتكليف بالصلاة والشك في ارتفاعه بالاكتفاء بالركعة المرددة كونها بين الثالثة والرابعة ، فيكون المقصود من قوله (عليه السلام) قام فأضاف إليها أخرى هو التنبيه على حجية الاستصحاب وعدم جواز الاكتفاء بالأقل في مرحلة الفراغ ، للشك في مفرغيته لاحتمال نقيصته وانه لا بد في حصول الجزم بالفراغ وسقوط العهدة من الاتيان بركعة أخرى ، ولكن لما كان في المورد اقتضاء التقية وكان المغروس في ذهن السائل أيضا هو الاتيان بالركعة موصولة لم يتمكن الامام من التعرض لكيفية الاتيان بها تفصيلا حذرا من المخالفين ، ومع ذلك لم يدع السائل أيضا ان يأخذ بما هو المغروس في ذهنه أو ما يقتضيه اطلاق الفتوى من جواز الاتيان بالركعة موصولة ، بل تكفل لبيان حكم المسألة للسائل على نحو الايماء والإشارة بقوله (عليه السلام) : ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ايماء بالأول إلى عدم مفرغية الاكتفاء بما في يده من الركعة لاحتمال النقيصة ، وبالثاني إلى عدم مفرغية الركعة الموصولة لاحتمال الزيادة ، وغرضه من هذا التكرار التشكيك على من حضر في المجلس من المخالفين وتلبيس الامر عليهم كي لا يفهم من كلامه (عليه السلام) ما هو مذهبه ، ولكن السائل لما كان من أهل الدراية فهم من كلامه (عليه السلام) حكم المسألة وقنع بما افاده بنحو الايماء ، فكان الإمام (عليه السلام) جمع بما افاده من البيان بين التقية وغيرها فمن جهة ان السائل ليس له الاكتفاء في مقام الفراغ بما في يده من الركعة

ص: 62

المرددة بين الثالثة والرابعة طبق الاستصحاب على المورد بقوله (عليه السلام) قام فأضاف إليها أخرى ولا ينقض اليقين بالشك ، ومن جهة اقتضاء المورد للتقية وعدم تمكنه من التعرض لكيفية الاتيان بالركعة تفصيلا ، وردع السائل أيضا عن الاخذ بما هو المغروس في ذهنه أو ما يقتضيه اطلاق الفتوى ، كرر عليه بقوله ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ايماءا إلى حكم المسألة للسائل وايقاعا للشبهة على غيره ممن حضر في حكم المسألة من الاتيان بها موصولة أو مفصولة ( وعلى ذلك ) ففي الرواية دلالة على حجية الاستصحاب ولا يرد عليه شيء من المحاذير.

( ومنها ) ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين ( وفي رواية ) أخرى عنه (عليه السلام) من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فان اليقين لا يدفع بالشك ( وقد أورد ) الشيخ قدس سره على الاستدلال بهما ، بما حاصله ان الروايتين بقرينة اشتمالهما على لفظ كان الظاهر في اختلاف زمان الوصفين وتعاقبهما ظاهرتان في الانطباق على قاعدة اليقين لا الاستصحاب ، فان المعتبر في الاستصحاب هو اختلاف زمان متعلق الوصفين مع جواز اتحاد زمان الوصفين ، وفي قاعدة اليقين يكون المعتبر اختلاف زمان الوصفين مع وحدة زمان متعلقهما ، كان يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان ثم يشك يوم السبت في عدالته في ذاك الزمان ، فمع ظهور لفظ كان في تعاقب الوصفين يتعين حمل الروايتين على قاعدة اليقين بلحاظ كشفه عن دخل هذه الجهة في الحكم بالمضي كما هو شأن كل عنوان مشتمل على خصوصية مأخوذ في لسان الدليل ( لوضوح ) ان مثل هذه الجهة انما تناسب القاعدة لا الاستصحاب ( ولكن فيه ) أولا منع دلالة مثله على الزمان ، بل أقصى ما تقتضيه هي الدلالة على مجرد السبق الشامل للزماني والرتبي وغيرهما نظير سبق العلة على معلولها والموضوع على حكمه ، كما تشهد له صحة قولك كان الزمان ، وكانت العلة ولم يكن معها معلول ، وقولك ادخل البلد فمن كان مطيعا فأكرمه ومن كان عاصيا فاضرب عنقه بلا عناية أو تجوز ، مع وضوح عدم كون السبق

ص: 63

المستفاد منها هو السبق الزماني ، بل هو اما سبق ذاتي كما في الأول أو سبق رتبي كما في الأخيرين ( والسبق ) المستفاد في المقام بعينه من هذا القبيل فيكون السبق فيه رتبيا بالقياس إلى الحكم الذي هو وجوب المضي عليه لا سبقا زمانيا ( وعلى فرض ) تسليم الدلالة على خصوص السبق الزماني ، لا معين لحمل الرواية على قاعدة اليقين بعد عدم ابلئها عن الحمل على الاستصحاب أيضا خصوصا مع كون الغالب فيه هو حدوث الشك بعد حدوث اليقين ، والا لاقتضى ذلك الحمل عليها في الصحاح السابقة أيضا ، وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ، بل بمقتضى قوله (عليه السلام) فليمض على يقينه لا بد من حملها على الاستصحاب نظرا إلى ظهوره في بقاء وصف اليقين السابق على فعليته في ظرف الشك الذي هو زمان وجوب المضي عليه ، كما هو الشأن في جميع العناوين الاشتقاقية وغيرها المأخوذة في القضايا الطلبية كقوله أكرم العالم ، واهن الفاسق ، ويكره البول تحت الشجرة المثمرة الظاهرة في لزوم اتحاد ظرف الجري والتطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية ، ولذلك خصصوا الكراهة في المثال بما إذا كانت الشجرة مثمرة حين إضافة البول إليها ، والتزموا في نحو مثال أكرم العالم بلزوم اتصاف الذات بالوصف العنواني حين إضافة الاكرام إليها ولو على القول بوضع العناوين الاشتقاقية للأعم من المتلبس الفعلي والمنقضي عنه البدء ، ولا يكون ذلك الا من جهة ظهور هذه القضايا في لزوم اتحاد ظرف التطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية ( وعليه ) نقول : ان من البديهي عدم انطباق هذا المعنى في المقام على غير الاستصحاب ، إذا لا بقاء لوصف اليقين في القاعدة في ظرف الشك الذي هو ظرف المضي على اليقين ، فبذلك لا محيص من حمل الرواية على خصوص الاستصحاب ورفع اليد عن ظهور القيد في الدخل في الحكم بالمضي بحمله على الغالب نظير وربائبكم اللاتي بملاحظة ان الغالب في باب الاستصحاب هو حدوث الشك بعد حدوث اليقين ، أو دعوى ان اعتبار هذا الترتب بين الوصفين عرضي ناشئ من ملاحظة الترتب بين متعلقيهما ( واما توهم ) معارضة هذا الظهور مع ظهور قوله (عليه السلام) من كان على يقين فشك أو اصابه شك في تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين السابق دقة الموجب لتعين انطباقه على خصوص قاعدة اليقين بلحاظ تعلق الشك فيها بعين ما تعلق

ص: 64

به اليقين السابق بحسب الحقيقة والدقة ، بخلاف الاستصحاب ، فان فيه يكون الاتحاد الحاصل بين المتعلقين مسامحيا عرفيا ، لان اليقين فيه بحسب الدقة متعلق بأصل ثبوت الشيء ، والشك متعلقا بحيث بقائه في ثاني زمان وجوده ( فمدفوع ) بمنع ظهور الرواية في الاتحاد الحقيقي بين متعلق الوصفين ، بعد صدق إصابة الشك بالشيء بالشك فيه ولو في بقائه ( وعلى فرض ) تسليم ذلك فلا شبهة في كونه ظهورا بدويا غير صالح للمقاومة مع ظهور قوله (عليه السلام) : فليمض على يقينه في اعتبار فعلية وصف اليقين في ظرف الشك الذي هو ظرف وجوب المضي ( فلا اشكال ) حينئذ في ظهور الرواية في الانطباق على الاستصحاب خصوصا بعد ملاحظة وقوع نحو هذا التعبير المنطبق على الاستصحاب في سائر الموارد.

( ومنها ) مكاتبة علي بن محمد القاساني قال : كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب (عليه السلام) : اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية ( وقد جعلها ) الشيخ قدس سره أظهر الروايات في الدلالة على حجية الاستصحاب ( بتقريب ) ان تفريع تحديد وجوب كل من الصوم والافطار على رؤية هلالي رمضان وشوال لا يستقيم الا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك اي مزاحما به وهو عين الاستصحاب ( ولكن فيه ) انه لا مجال لتطبيق وجوب الصوم والافطار في الرواية على الاستصحاب ، لوضوح ان وجوب الصوم وكذا الافطار انما يكون مترتبا على ثبوت كون النهار المشكوك من رمضان أو شوال بنحو مفاد كان الناقصة ، ومن المعلوم انه بهذا المفاد لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز الحالة السابقة ، فالاستصحاب الجاري في المقام وجوديا كان أو عدميا ممحض بكونه على نحو مفاد كان التامة وليس التامة ، كاصالة بقاء رمضان وأصالة عدم دخول شوال ، وهو بهذا المفاد لم يترتب عليه اثر شرعي ، بل الأثر الشرعي من وجوب صوم رمضان ووجوب افطار أول يوم من شوال مترتب على اثبات كون الزمان المشكوك من رمضان أو من شوال على نحو مفاد كان الناقصة ، لا على مجرد بقاء رمضان في العالم وعدم دخول شوال كك ( وبعد ) ملازمة أحد المفادين للآخر عقلا وعدم تكفل أصالة بقاء شعبان

ص: 65

أو رمضان وأصالة عدم رمضان أو شوال بمفاد كان وليس التامتين لاثبات كون الزمان المشكوك من أيتها يلغو الاستصحابين المزبورين لعدم ترتب اثر شرعي عليهما ، ومعه لا يبقى مجال تطبيق مفاد الرواية على الاستصحاب ( فلا بد ) حينئذ من حمل اليقين في الرواية على اليقين بدخول رمضان ودخول شوال ، فيكون المراد من عدم دخول الشك في اليقين هو عدم ترتب آثار اليقين بدخول رمضان ودخول شوال بالشك بهما ، لا ترتيب آثار اليقين بالشعبان وآثار اليقين برمضان على المشكوك ، وحاصل التحديد بالرؤية فيها هو اعتبار اليقين بدخول رمضان وشوال في وجوب الصوم والافطار وانه لا يجوز الصوم ولا يصح بعنوان رمضان في اليوم الذي يشك انه من شعبان أو من رمضان ، ولا يجوز الافطار في اليوم الذي يشك انه من رمضان أو شوال ( ويؤيد ) ما ذكرناه في مفاد الرواية الأخبار المتواترة المصرحة بان الصوم للرؤية وانه ليس منا من صام قبل الرؤية ( وعلى هذا ) تكون الرواية أجنبية عن باب الاستصحاب.

( ومنها ) رواية عبد اللّه بن سنان الواردة في من يعتريه ثوبه الذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير وفيها هل علي ان اغسله فقال (عليه السلام) : لا لأنك اعترته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه ( حيث ) ان في التعليل دلالة واضحة على أن الوجه في عدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها بعد اعارته إياه ، لا انه من جهة قاعدة الطهارة ، والا لم يكن للتعليل المزبور مجال ، لان الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة ، فتدل الرواية على حجية الاستصحاب في هذا الباب فيتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.

( ومن الاخبار ) التي استدل بها على حجية الاستصحاب في الجملة قوله (عليه السلام) في موثق بكير إذا استيقنت انك توضأت فإياك ان تحدث وضوءا حتى تستيقن انك أحدثت ، ودلالتها على حجية الاستصحاب ظاهرة ، فان في التحذير عقيب قوله إذا استيقنت دلالة على لزوم الجري على طبق اليقين السابق بالطهارة وعدم الاعتناء بالشك في انتقاضها ما لم يستيقن بالحدث ولا نعنى من الاستصحاب المصطلح الا ذلك ، وموردها وان كان مختصا بباب الطهارة ولكنه بضميمة عدم الفصل بينها وبين غيرها

ص: 66

يتعدی الی سائر الأبواب ( واما التحذير ) فيها مع جواز الاتيان بالوضوء رجاءا من باب حسن الاحتياط ، فلعله لدفع الوسواس المحتمل حصوله بالاعتناء بالشك ، أو لردع السائل عن اعتقاد لزوم الاخذ بقاعدة الاشتغال المحكومة بمثل الاستصحاب.

( ومنها ) قوله (عليه السلام) : في رواية مسعدة بن صدقه كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه « وقوله (عليه السلام) » في موثق عمار كل شيء طاهر أو نظيف حتى تعلم أنه قذر « وقوله (عليه السلام) » : في رواية حماد بن عثمان الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس ( وقد استدل بها ) جماعة من الاعلام على حجية الاستصحاب ( بتقريب ) ظهور هذه الروايات بصدرها في الدلالة على ثبوت الحلية والطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الأولية ، وبالاستمرار المدلول عليه في ذيلها بحتى بقرينية جعل الغاية هو العلم بالحرمة والقذارة الظاهر في الحكم الظاهري على حجية الاستصحاب ، فكان المستفاد من تلك الأخبار حكمان مجعولان ، أحدهما الحكم الواقعي بالحل والطهارة للأشياء بعناوينها الأولية ، وثانيهما الحكم الظاهري باستمرار المحكوم به في القضية من الحيلة والطهارة إلى زمان العلم بالخلاف ، والأول مدلول عليه فيها بالمغيا ، والثاني بما في ذيلها من الغاية المدلول عليها بحتى.

( بل عن المحقق الخراساني قدس سره ) في حاشيته امكان استفادة القواعد الثلاثة منها ، أعني الحلية والطهارة الواقعية والطهارة والحلية الظاهرية التي هي مفاد القاعدة واستصحابهما ( وقد أفاد في تقريب ذلك بما ملخصه ان قوله (عليه السلام) : كل شيء لك حلال أو طاهر مع قطع النظر عن الغاية بعمومه الافرادي المستفاد من لفظ ( كل ) يدل على ثبوت الحلية والطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية كالماء والتراب ونحوهما ، وعلى ثبوت الحلية والطهارة الظاهرية لها بمقتضى الاطلاق الأحوالي التي منها حال الشك في طهارة الشيء أو حلية بالشبهة الحكمة أو الموضوعية ، لأن الشك في حكم الشيء مما يصح ان يكون منشأ لانتزاع عنوان عرضي للشيء ، يكون من أحواله كعنوان كونه مشكوك الحلية أو الطهارة ، فتكون الرواية من جهة المغيا دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء وقاعدة الحلية والطهارة فيما اشتبه حليته وطهارته من غير محذور اجتماع اللحاظين في

ص: 67

استعمال واحد ( وبتقريب ) آخر يمكن ان يراد من الموضوع والمحمول في قوله : كل شيء طاهر الجامع بين الموضوعين والحكمين ( بان يراد ) من الموضوع في الصدر نفس ذات الشيء الملحوظ كونها في مرتبين ، تارة في المرتبة السابقة على الحكم عليها بالحلية أو الطهارة الواقعية ، وأخرى في المرتبة المتأخرة عن الشك بحكمها ولو بجعل الشك المزبور جهة تعليلية غير موجبة لتقييد الذات بعنوان مشكوك الحكم في الحكم الظاهري ، لا جهة تقييدية موجبة لذلك ، فتكون الذات بالاعتبار الأول موضوعا للحكم الواقعي وبالاعتبار الثاني موضوعا للحكم الظاهري ( ويراد ) من المحمول وهو قوله طاهر أو حلال طبيعة الطهارة والحلية مهملة والقدر الجامع بين الطهارتين أو الحليتين ( وحينئذ ) فإذا كانت الطهارة الواقعية والظاهرية فردان لطبيعة الطهارة المهملة فلا باس باثباتهما بجامع واحد للذات دفعة بجعل واحد وانشاء فارد وان كانت إحديهما في طول الأخرى ، فتكون الطهارة الثابتة للذات الملحوظة كونها في الرتبة السابقة طهارة واقعية ، والطهارة الثابتة لها في المرتبة المتأخرة طهارة ظاهرية بلا ورود محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد من ذلك في طرف الموضوع أو المحمول أصلا ( غاية الامر ) انه تحتاج في مقام التطبيق إلى تعدد الدال والمدلول ، ولو يجعل الدال على موضوع الأولى هو ذات الشيء وعلى موضوع الثانية اطلاقه وعمومه الا حوالي ( هذا كله ) بالنسبة إلى مدلول المغيا وهو قوله كل شيء طاهر.

( واما الغاية ) فهي بقرينة جعلها عبارة عن العلم بالقذارة تدل على استمرار الطهارة الثابتة للذات عناية في المرتبة المتأخرة عن ثبوتها إلى زمان العلم بالقذارة ، وهو معنى الاستصحاب ، ففي الحقيقة يكون للمتكلم في نحو هذه القضايا نظران ، نظر إلى اثبات أصل الطهارة في قوله طاهر ، ونظر إلى استمرارها ظاهرا إلى زمان العلم في قوله حتى تعلم مع كون نظره الثاني من تبعات النظر الأول حسب تبعية استمرار الشيء لثبوته بلا كونه في مقام استعمال « حتى » في استقلال مفاده عن سابقه كي تخرج عن الحرفية إلى الاسمية ( هذا غاية ) ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب استفادة القواعد الثلاثة من تلك الروايات ( ولكن فيه ) ما لا يخفى ، فإنه من الممتنع استفادة الحلية

ص: 68

والطهارة الواقعية وقاعدتها ثبوتا من هذه الروايات فضلا عن استفادة المعاني الثلاثة منها ، وذلك لا لمحذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد في قوله كل شيء طاهر أو حلال في طرف الموضوع أو المحمول ( بل لامتناع ) شمول اطلاق المحمول الواحد المأخوذ في طي انشاء واحد لمرتبتي الواقع والظاهر ( فان ) الحكم الواقعي بعدما كان ثابتا لذات الشيء في المرتبة السابقة على الشك بنفسه يستحيل ان يكون له سعة وجود يشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه ، كما أن الحكم الظاهري أيضا باعتبار كونه مجعولا في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي يستحيل شمول اطلاقه للمرتبة السابقة عليه ، من غير فرق بين اخذ الشك فيه جهة تعليلية ، أو جهة تقييدية موجبة لتعنون موضوعه بعنوان مشكوك الحكم ( وبهذا الوجه ) نقول بامتناع اطلاق الاحكام الواقعية بالنسبة إلى مرتبة الشك بنفسها فضلا عن المرتبة المتأخرة عن الشك بها ، كامتناع تقييدها أيضا بهذه المرتبة ، وانه لا بد من وقوفها في المرتبة السابقة المقارنة مع الشك زمانا لا رتبة ، فان ما يتصور لها من الاطلاق بالإضافة إلى الحالات المتأخرة انما يكون ذاتيا على معنى مقارنتها زمانا مع الشك بها ، لا لحاظيا بحيث كان لها سعة وجود تشمل المراتب المتأخرة عنها ( كما أنه ) بذلك نقول انه لا بد من أن يكون البقاء الحقيقي للشيء واستمراره في مرتبه ذاته وعدم تعديه من مرتبة ذاته إلى مرتبة الشك بنفسه ، وانه لو حكم عليه أحيانا بالبقاء والاستمرار في مرتبة الشك به فلا بد وأن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب اثره في ظرف الفراغ عن أصل ثبوته ومن هنا لا يمكن ان يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه وفي ضمنه ، بل لابد وأن يكون متعلقا لجعل مستقل في ظرف الفراغ عن وجود مستصحبه واقعا ( وعليه نقول ) : انه من الممتنع ان يكون للمحكوم به في قوله طاهر أو حلال اطلاق يشمل لمرتبي الواقع والظاهر بحيث يتحقق بجعله وانشائه في مرتبة واحدة مجعولان طوليان يكون أحدهما موضوعا للاخر وفي مرتبة سابقة عليه ( بداهة ) ان من لوزام وحدة الجعل ان يكون المجعول على فرض تعدده في مرتبة واحدة ( فإذا كان ) جعل الحكم الظاهري في ظرف الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي وفي المرتبة المتأخرة عن الشك به ، اما بأخذ الشك

ص: 69

المزبور قيدا لموضوعه ، أو بأخذه جهة تعليلية له ، وكان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بنفسه بحيث لا يتعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعله ( يمتنع ) تحقق هذين الحكمين الطوليين بانشاء وجعل واحد في مرتبة واحدة ( ومع امتناعه ) لا مجال لتوهم استفادتهما من المعني من جهة مجرد تعميم الشيء بالنسبة إلى العناوين الثانوية التي منها عنوان كونه مشكوك الحكم ، أو من اطلاقه بالنسبة إلى الحالات وبالإضافة إلى شخص الذات الملازم مع الشك بحكمه ( فإنه ) مضافا إلى منع اطلاق الأول ، واستلزامه لكون الشيء الواحد باعتبار عناوينه المتعددة أشياء متعددة ، وعدم اثمار اطلاق الثاني على وجه يوجب خروج الحكم الثابت للذات الملازم مع الشك بحكمها عن واقعيته ، ( لوضوح ) بقاء الاحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على واقعيتها في جميع الحالات حتى في حال ملازمتها مع الشك بنفسها ( وان الطهارة ) الثابتة للشيء في جميع الحالات التي منها حال الشك فيها في عين الطهارة الواقعية ، لا انها طهارة ظاهرية ، لان قوام ظاهرية الحكم انما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي ، لا انه بصرف ثبوته في حال الشك به ( ان غاية ) ما يجدى البيان المزبور انما هو رفع محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد ، لا رفع استحالة اطلاق المحمول ثبوتا وامتناع تحقق مجعولين الطوليين بانشاء وجعل واحد على وجه يكون أحدهما موضوعا للاخر ( وحيث ) ان هذه الجهة هي العمدة في المنع عن استفادة الحكمين من مدلول هذه الروايات ( فلا بد ) من حمل القضية على أحد الامرين ، اما الحكم الواقعي ، أو القاعدة ( وعليه ) نقول : ان ظاهر صدر الرويات وان كان يعطى كون المحمول فيها حكما واقعيا ( ولكن الغاية المذكورة في ذيلها بقرينة كونها العلم بالخلاف تهدم هذا الظهور وتوجب حصر المفاد منها بكونه حكما ظاهريا هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين المغيا والغاية بارجاع الغاية إلى حيث خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا ، لا إلى ذاته ( من غير فرق ) بين جعل الغاية قيدا للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية ( وذلك ) اما على الأخير فظاهر ، فان مرجع كونها قيدا للنسبة الحكمية إلى كونها مبينة لايقاع النسبة

ص: 70

الخاصة بين ذات الموضوع والمحمول ، ومثل تلك النسبة لما كانت في ظرف الجهل كانت لا محالة نسبة ظاهرية ، وهي تستبع قهرا كون المحمول أيضا حكما ظاهريا ثابتا لذات الموضوع في الرتبة المتأخرة ، فتختص الرواية بخصوص القاعدة ليس الا ( لان ) مفادها حينئذ هو ان الطهارة ثابتة للشيء بثبوت مستمر في ظرف الجهل بالواقع إلى زمان العلم بالخلاف ، ومثل هذا المفاد لا يكون الا عبارة عن القاعدة ، والا ففي الاستصحاب لابد من أن يكون استمرار الحكم في مرتبة غير مرتبة ثبوته ، ومثله خلاف ما تقتضيه ظهور الرواية في اتحاد مرتبة ثبوت الحكم مع مرتبة استمراره ( واما ) على الثاني وهو فرض كون الغاية قيدا للمحمول كما لعله هو الظاهر فكذلك ( توضيح ) ذلك هو ان المعان الحرفية على ما حققناه في محله بعد ما كانت من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالمفاهيم الاسمية المعبر عنها بتقيدات المعان الاسمية نظير الوجودات الرابطية الخارجية لا الوجود الربطي كما زعمه بعض ، فأداة الغاية مثل إلى وحتى انما تدل على تخصص المغيا بخصوصية ينتزع عنها مفهوم الاستمرار وتحدده بما يرتفع عنه الايهام من حيث القصر والطول ، لا انها تدل على مفهوم الاستمرار الذي هو معنى اسمي ، كما هو الشأن في سائر المعان الحرفية حيث كان أداتها موضوعة للدلالة على خصوصيات في غيرها متحدة الوجود معه تكون منشأ لانتزاع مفاهيم اخر كالابتداء والانتهاء ونحوهما ، لا على نفس هذه المفاهيم كي يلزم خروجها عن الحرفية إلى الاسمية ( فالمغيا ) موضوعا كان أو حكما عبارة عن امر وحداني خاص هو مصداق الامتداد والاستمرار ، لا انه مقيد بمفهوم الاستمرار ( وعليه ) نقول : ان من لوازم جعل الغاية قيدا للمحمول في قوله كل شيء طاهر أو حلال ان يكون المحكوم به من الطهارة أو الحلية أمرا وحدانيا حقيقيا خاصا ، غاية الامر على نحو قابل للتحليل بالنظر الثانوي إلى ذات وخصوصية ، لا ان المحكوم به في القضية أمران مستقلان بنسبتين مستقلتين ، أحدهما جعل أصل الطهارة للشيء ، والآخر جعل استمرارها إلى كذا بنحو يكون المحكوم في أحد الحكمين موضوعا للمحكوم به في الحكم الآخر ( بداهة ) وضوح الفرق بين قولنا كل شيء طاهر طاهر حتى تعلم ، وبين قولنا كل شيء طاهر حتى تعلم أو تستمر طهارته إلى كذا.

ص: 71

( والذي ) يستفاد منه تعدد المحكوم به انما هو الثاني لا الأول ( ولازم ) ذلك بعد ظهور القضية في رجوع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى حيث استمراره هو انحصار مفادها بالقاعدة محضا لاقتضائها كون المغيا المحكوم به بشراشر وجوده الخاص المحدود إلى زمان العلم بالخلاف مجعولا بجعل واحد متعلق به استقلالا وبقيده وخصوصية ضمنا ، فتكون مفاد الجملة في قوله كل شيء لك حلال أو طاهر حتى تعلم ، ان الشيء تثبت له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة ، وهو عين مفاد القاعدة ، غاية الامر ان غاية النسبة الحكمية في القضية غير مذكورة ولا مقصودة أيضا ، لان غايتها هو نسخ هذا الحكم الخاص ( وعليه ) فلا مجال لما عن المحقق الخراساني قده من ابتناء استفادة القاعدة من مدلول هذه الأخبار على ارجاع الغاية إلى الموضوع لا المحمول ( كما لا مجال ) لتوهم استفادة القاعدة والاستصحاب معا من تلك الأخبار ( بداهة ) ان لازم اخذ الاستصحاب منها هو ان يكون النظر في اثبات الطاهر المحمول في القضية مقصورا بحيث خصوصية استمراره التي هي مفاد الغاية بلا نظر إلى جعل أصل الطهارة التي هي معروض هذه الخصوصية ، إذ لابد في هذا النظر من أن يكون أصل الطهارة مفروغ الثبوت من الخارج ( كما أن ) لازم اخذ القاعدة منها ان يكون النظر أي اثبات أصل الطهارة التعبدية الممتدة إلى زمان العلم بلا نظر إلى جعل استمرارها ، لان ذلك من لوزام جعلها في كل ان إلى زمان العلم بالقذارة ، لا انه متعلق جعل مستقل ( ومن المعلوم ) ان في انشاء واحد متعلق بالطهارة الخاصة التي هي المحمول في القضية لا يمكن الجمع بين النظرين المستلزم أحدهما لصرفه عن أصل الطهارة وقصره على اثبات الاستمرار ، والاخر لقصره على اثبات الطهارة الممتدة إلى زمان العلم بالقذارة وصرفه عن الاستمرار ( وذلك ) لمناط استحالة استعمال اللفظ في المعنيين وان لم يكن عينه ( وبهذا الوجه ) أيضا نمنع عن استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب معا من مدلول هذه الأخبار ، مضافا إلى ما تقدم من امتناع تحقق الحكم الواقعي الذي هو موضوع استمراره تعبدا في الحكم الآخر بانشاء وجعل واحد ( نعم ) انما يصح ذلك فيما لو كانت القضية المشتملة على

ص: 72

على المغيا والغاية مشتملة على جعلين طوليين ، أحدهما متعلق بذات المغيا ، والآخر بمفاد الغاية الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا في ظرف الشك في بقائه ( كما أنه ) بذلك يمكن تصحيح الجمع بين مفاد القاعدة واستصحابه ، بان يراد من الطهارة في المغيا خصوص المجعول في الرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع بنحو الاجمال بلا اطلاق فيه ، وبلا احتياج في ظاهريته إلى ارجاع الغاية إليه ، ومن الغاية باستمراره الحكم مستقلا إلى زمان العلم بالقذارة ، بحيث يكون العلم المزبور رافعا لموضوع المستصحب الشخصي وغاية لاستصحابه ، وان كان الشك في بقاء الطهارة المجعولة للطبيعة المشكوكة باقيا بحاله حتى مع العلم بالقذارة الشخصية وكان غاية استصحابها هو العلم بنسخها ( ولكن ) ذلك بحسب الامكان محضا ، والا فلا طريق إلى اثباته ، بل هو مخالف لظاهر القضية من وجوه.

( منها ) ما عرفت من ظهورها في كون الجاعل بانشائه بصدد جعل واحد متعلق بأمر وحداني خاص ، لا بصدد جعلين مستقلين ( ولذا ) قلنا بالفرق بين قوله كل شيء طاهر حتى تعلم ، وبين قوله كل شيء طاهر ، طاهر حتى تعلم ، أو تستمر طهارته حتى تعلم ( واما ) الالتزام بالتقدير في الأول فهو وان كان ممكنا ، ولكنه خلاف الأصل.

( ومنها ) ظهور مثل هذه القيود المأخوذة في طي الانشاء في كونها ملحوظة تبعا للمغيا المحكوم به ومنشأ بعين انشائه ، لا بانشاء مستقل في طول انشاء المغيا. ( ومنها ) ظهور الغاية فيها في الاستمرار الحقيقي لا الادعائي ، ومثله لا يلائم مع إرادة الحكم الواقعي من المغيا والاستصحاب من الغاية ( بداهة ) ان الاستمرار الحقيقي للشيء لابد من أن يكون في مرتبة ثبوت الشيء ، لاستحالة بقاء الحقيقي للشيء في المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه ( فلا محيص ) من رفع اليد عن ظهور الغاية في الاستمرار الحقيقي بحمله على الاستمرار الادعائي ، وهو كما ترى لا وجه له بعد امكان الاخذ بظاهره في الاستمرار الحقيقي ( وحينئذ ) حفظا لظاهر القضية من الجهات المزبورة لابد من حملها على خصوص القاعدة محضا ، مضافا إلى ما عرفت من ظهور قوله كل شيء حلال أو طاهر في كونه مسوقا لاثبات الحلية والطهارة الظاهريتين للشيء

ص: 73

إلى أن يعلم الخلاف الذي لازمه الاستمرار ، لا لاثبات مفاد الغاية مستقلا الذي هو عبارة عن استمرارها تعبدا كما هو ظاهر ( وعليه ) فالروايات تكون أجنبية عن الاستصحاب المعروف ، فلا مجال للاستدلال بها في المقام على حجية الاستصحاب ( هذا كله ) على تقدير سوق هذه الروايات في مقام انشاء الحلية والطهارة للأشياء.

( واما ) على تقدير سوقها في مقام الاخبار عن ثبوت الحلية والطهارة لها ولو بانشاءات متعددة كما لعله هو الظاهر من رواية الحلية بقرينية الأمثلة المذكورة في ذيلها ، فلا بأس باستفادة القواعد الثلاثة منها ولو من جهة اطلاق الحلية المحكوم بها للأعم من الواقعية والظاهرية بإرادة الحلية المجعولة لذات الشيء بجعل مستقل في المرتبة السابقة ، والحلية الظاهرية المجعولة لها أيضا يجعل آخر مستقل في طول الجعل الأول ، مع إرادة مطلق الاستمرار الظاهري من ارجاع القيد إلى المحمول الشامل للاستمرار الحقيقي بالنسبة إلى الحكم الظاهري والادعائي منه بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، غير أنه يحتاج إلى تعدد الدال والمدلول وعليه فلا يرد محذور في البين من نحو اجتماع للحاظين في مفاد المحمول أو الغاية أصلا ، غاية الامر حصول العلم بالجعلين من مفاد هذه الأخبار يكون في مرتبة واحدة ( ومثله ) مما لا ضير فيه ، وانما الضير كله في انشائها كذلك ثبوتا وهو غير لازم كما عرفت.

( وكيف كان ) فهذه جملة ما وقفنا عليه من الاخبار العامة التي استدل بها في المقام على حجية الاستصحاب ( ولقد عرفت ) وضوح الدلالة في بعضها مع صحة سنده ( نعم يبقى الكلام ) في مقدار دلالة هذه الأخبار وعمومها للأقسام المتصورة المذكورة سابقا للاستصحاب ، باعتبار اختلاف المستصحب من حيث كونه وجوديا أو عدميا موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا ، جزئيا أو كليا ، تكليفيا أو وضعيا ( وباعتبار ) الشك المأخوذ فيه من حيث كون منشأ الشك في بقاء المستصحب من جهة الشك في المقتضي أو في وجود الرافع ، أو في رافعية الموجود ( وباعتبار ) الدليل الدال على ثبوت المستصحب من كونه لبيا من عقل أو اجماع ، أو لفظيا إلى غير ذلك من الأمور التي لأجلها كثرت الأقوال في المسألة ( فنقول ) انه لولا قوله (عليه السلام) في المروى عن الحضال من كان على

ص: 74

يقين فشك فليمض على يقينه ( وقوله ع ) في التعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة بقوله ، فإنه لا ينقض اليقين بالشك ابدا ، لكان للخدشة في عموم دلالة النصوص لمطلق المتيقن المشكوك فيه مجال ( ولكن ) بعد قوة ظهور الاخبار المزبورة في العموم لا مجال لشيء من التفاصيل المذكورة في المقام ، فيجعل حينئذ سائر الأخبار الاخر مؤيدا لتلك النصوص ، كما أنه يجعل التعليل الوارد في بعضها معاضدا لدلالة البقية على العموم لجميع اقسام الاستصحاب ( وعليه ) فلا يهمنا التعرض لما أفادوه من التفاصيل في المسألة ( نعم ) انما المهم هو التعرض للتفصيل الذي أبدعه المحقق الخوانساري وارتضاه العلامة الأنصاري قده سرهما بين الشك في الرافع والمقتضي ( والتفصيل ) الآخر المحكي عن الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية ( فنقول : وبه نستعين ( اما التفصيل الأول ) فقد أفيد في تقريب تخصيص الحجية بالشك في الرافع دون الشك في المقتضي بوجوه

( منها ) ان حقيقة النقض المستعمل في نقض الحبل ومنه قوله سبحانه « كالتي نقضت غزلها » هو رفع الهيئة الاتصالية فيختص متعلقه بما كان له اجزاء مبرمة تأليفا كخيوط الغزل ، ولما امتنع إرادة ذلك في المقام يدور الامر بين حمله على رفع اليد عن الامر الثابت لوجود مقتضيه ، وحمله على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم مقتضي البقاء فيه في الزمان الثاني ( ولا ريب ) في أن الأول أقرب إلى المعنى الحقيقي لأنه من جهة اقتضاء البقاء فيه يشبه خيوط الغزل واجزاء الحبل من حيث الاتصال والاستمرار ، فالنقض في الحقيقة يكون متعلقا بنفس المتيقن وكان المصحح لاستعارته في المقام هو حيث استمراره وبقائه وان اضافته إلى اليقين لأجل كونه مرآة للمتيقن لا انه بنفسه متعلق للنقص.

( ومنها ) ان العناية المصححة لإضافة النقض إلى اليقين انما هي باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما تقتضيه المتيقن ، لا باعتبار صفة اليقين ( لوضوح ) ان اليقين من الأمور التكوينية الخارجية وقد انتقض بنفس الشك ، ولا بلحاظ آثار نفس اليقين بما هو هو فإنه لم يترتب حكم شرعي على وصف اليقين بما هو ، وعلى فرض ترتبه عليه

ص: 75

فليس ذلك مقصودا من اخبار الباب ، إذ هو أجنبي عن الاستصحاب ، فإضافة النقض إليه انما هو بلحاظ كونه مأخوذا طريقا إلى المتيقن بحيث كان لحوق النقض به من ناحية المتيقن لا انه ملحوظ بنفسه وبحيال ذاته ، وبذلك يختص بما إذا كان للمتيقن اقتضاء البقاء والاستمرار بحيث لو خلى وطبعه لكان الجري العملي على وفق اليقين ويصدق عليه نقض اليقين بالشك وعدم نقضه به ( بخلاف ) ما إذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء والدوام ، فان الجري العملي حينئذ ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن ، لان المتيقن حينئذ غير مقتضى بنفسه للجري العملي على طبقه حتى يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء حينئذ ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يندرج في عموم اخبار الباب.

( ومنها ) ان النقض وان كان متعلقا باليقين لا بالمتيقن ولكن صدق النقض في مثله لما كان منوطا بوحدة متعلق اليقين والشك لأنه بدونه يكون الشك مجامعا مع اليقين لا ناقضا له فلا يكون النقض واردا على اليقين ، فتوطئة لاعتبار الوحدة المزبورة وتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى اعتبار وجود مقتضى البقاء في المتيقن لكونه أقرب إلى اعتبار وحدة المتعلقين وعدم ملاحظة التقطيع الحاصل فيه في فرض عدم وجود المقتضى فيه.

( ومنها ) ان صدق نقض اليقين بالشك يتوقف على أن يكون الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو مسامحة بحيث يقتضى اليقين بوجوده حين حدوثه ترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق ( وهذا ) انما يكون إذا كان المتيقن من شأنه البقاء والاستمرار لأجل وجود مقتضيه ( إذ حينئذ ) يكون اليقين به من الأول باعتبار المزبور كأنه يقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ويكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين بوجوده وقد انتقض اليقين به بطرو الشك في البقاء ، فيصدق بذلك النقض عليه ، كما أنه يصح النهى عنه بحسب البناء والعمل ، بخلاف فرض عدم وجود مقتضى البقاء فيه ، فإنه عليه لا يكون المتيقن متعلقا لليقين بالوجود الا محدودا بزمان خاص وحد مخصوص ، ولا

ص: 76

كان لليقين بوجوده اقتضاء ترتب الأثر عليه الا كذلك ، فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهى عنه ( والفرق ) بين هذين التقريبين بعد اشتراكهما في كون المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، انه على التقريب ( الأول ) يكون دخل وجود مقتضى البقاء فيه في قلة المسامحة في اعتبار وحدة المتعلقين ( وعلى الثاني ) يكون دخله في المسامحة في اعتبار تعلق اليقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ، لا في اعتبار وحدة المتعلقين ، بل الوحدة فيهما حينئذ تكون محفوظة دقة لا مسامحة ( هذا ) غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه التفصيل بين مورد الشك في الرافع والشك في المقتضى ( ولكن ) في الجميع مالا يخفى.

( اما التقريب ) الأول ففيه منع كون العناية المصححة لاطلاق النقض في المقام هي جهة اتصال المتيقن الحاصل من استمراره في عمود الزمان كي يصير صور وجود مقتضى البقاء فيه منشأ لا قربية اعتبار النقض من غيرها فيتعين ارادته عند عدم امكان إرادة المعنى الحقيقي للنقض ( كيف ) ومع الغض عن اقتضائه مساوقة مفهوم النقض المستعمل في أمثال المقام مع مفهوم القطع الطارئ على الهيئات الاتصالية ، يلزمه صحة استعارته في الأمور المبنية على الثبوت والدوام ولو لم تكن ذات اجزاء مبرمة فيلزم صحة اطلاقه في مثل نقضت الحجر من مكانه وصحة صدق نقض القيام والقعود ونحو ذلك من الأمور التي يقطع ببقائه ما لم يرفعه رافع ، مع أن ذلك كما ترى ( بل المصحح ) لاطلاقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك نحو الابرام الحاصل في عقود الحبال ، فان مثل هذا العنوان منتزع من مرتبة الجزم الراسخ الذي لا يزول بالتشكيك ، وبهذه الجهة اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة إضافة النقض إليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل ، ولذا لا يضاف النقض إلى غيره من مثل عنوان القطع والعلم والمعرفة فضلا عن الظن والشك ( وما يرى من اطلاقه أحيانا في مورد الشك كما في قوله (عليه السلام) ولكن ينقض الشك باليقين فإنما هو من باب الازدواج والمشاكلة ، لامن

ص: 77

باب استحقاق الشك لصحة إضافة النقض إليه ( كما أن ) نكتة التعبير في أمثال المقام بعنوان اليقين مع كون موضوع الحكم بعدم الانتقاض مطلق الجزم بالشيء انما هو لأجل مناسبة هذا العنوان المبرم مع الحكم بعدم الانتقاض ، فكأنه بعد المسامحة في وحدة متعلق الوصفين ادعى بان مطلق العلم في هذا الباب يقين لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك ، لا ان ذلك من جهة غلبة استعمال اليقين في مورد ترتب آثار الواقع دون العلم والمعرفة كما توهم بخيال ان اطلاق العلم والمعرفة غالبا يكون في مقابل الظن والشك ( بل إن تأملت ) ترى ان ما ذكرناه هو المصحح لاستعارة النقض في غير المقام أيضا ، كمورد البيعة والعهد واليمين ، وكذا في مثل الصلاة والوضوء كما في الاخبار ، حيث كان المصحح لاستعماله فيها اعتبار نحو استحكام فيها يشبه الاستحكام الحاصل في عقود الحبال وخيوط الاغزال ، لا ان ذلك من جهة اعتبار هيئة إتصالية امتدادية في متعلقاتها.

( وعلى ذلك ) نقول : انه بعد أن كان المصحح لاستعارة النقض في المقام كونه متعلقا بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، لا حيث اتصال المتيقن ، فلا يفرق فيه بين ان يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين ان يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء ، إذ لا قصور حينئذ في شمول اطلاق اخبار الباب لكل من مورد اليقين بوجود مقتضى البقاء في المتيقن ومورد الشك فيه ( ومعه ) لا مجال لاعتبار استعداد المتيقن للبقاء تصحيحا للنقض وتوطئة للتفصيل المزبور ، لان حيث استعداده للبقاء حينئذ أجنبي عن الدخل في الصحيح المزبور ( كما لا قصور ) أيضا في شمول اطلاقها لمطلق الآثار العملية المترتبة على اليقين أعم من كونها من آثار نفس اليقين كاليقين المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه ، أو من آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ( فان المراد ) من مادة النقض المتعلق باليقين بعد أن كان هو النقض الادعائي بحسب البناء والعمل ، لا النقض الحقيقي ، يكون مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال الراجع إلى وجوب المعاملة مع اليقين المنقوض معاملة عدمه من حيث الجري العملي ، فكل عمل يجب في حال اليقين

ص: 78

بشئ يجب في حال الشك في بقائه سواء كان العمل من آثار نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من آثار المتيقن المترتب عليه بسبب اليقين كاليقين الطريقي المحض ( وبذلك ) نلتزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي لا الصفتي ما لم يؤخذ في موضوعه نفى الشك ، كما نلتزم بحكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم بنحو تمام الموضوعي كما نبهنا عليه غير مرة.

( وبما ذكرنا ) يظهر فساد ما أفيد من التقريب الثاني أيضا ، حيث إنه مبني كما اعترف به على كون اليقين في القضية ملحوظا في توجيه النقض إليه طريقا لتوجيه التنزيل إلى المتيقن بلحاظ خصوص الآثار المترتبة عليه ، لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية ( ومثله ) بمعزل عن التحقيق ، إذ هو خلاف ما يقتضيه ظهور القضية في كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلا ( كما هو ) الأصل المعول عليه في جميع عناوين الألفاظ المأخوذة في طي القضايا من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة معناه مستقلا ( مضافا ) إلى استلزامه عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ، وعدم حكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية تمام الموضوع للحكم بالحلية والطهارة ( بداهة ) ان قيامه مقام العلم المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه انما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيلي بالواقع ، وهو متفرع على كون نظر التنزيل في القضية إلى نفس اليقين مستقلا ، لا مرآة إلى المتيقن ولا طريقا إلى الواقع كي يختص بخصوص آثار الواقع المترتب عليه لأجل اليقين ولا يعم آثار نفس اليقين ( فان ) هذا المقدار وان كان مجديا في قيامه مقام القطع الطريقي المحض ، الا انه لا يجدي في قيامه مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو جزء الموضوع أو تمامه ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، ولا يصحح حكومته على مثل دليل الحلية المأخوذ فيه المعرفة غاية بنحو تمام الموضوع بلا دخل للحرمة الواقعية ابدا ( ومن هنا ) التجاء المحقق الخراساني قدس سره إلى جعل تقديمه على مثل هذه الأدلة بمناط الورود لا الحكومة ، بدعوى ان الغاية فيها هي المعرفة بمطلق الحرمة والنجاسة ولو ظاهرية ، وان كان ما افاده أيضا لا يخلو من اشكال بلحاظ ظهور هذه

ص: 79

القضايا في اتحاد متعلق الشك واليقين الموجب لكون الغاية فيها خصوص المعرفة بالحكم الواقعي الذي تعلق به الشك لا مطلق المعرفة بحكم الشيء ولو ظاهريا ( فان ) التزامه بتقديمه على تلك الأدلة بمناط الورود لا الحكومة لا يكون الا لما ذكرنا من انتفاء الحكومة على هذا المسلك ( ومن هنا ) نقول : ان كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، وحكومته على سائر الأصول المغيا بالعلم والمعرفة كالشيخ قدس سره لا محيص له من التزام بان اليقين في لا تنقض ملحوظ في تعلق النقض به على وجه الاستقلال بنحو يكون محيط التزيل هو نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المخصوصة المتمشية من المكلف ، ولازمه المصير إلى عمومه لمطلق آثار العلم حتى المترتبة عليه من جهة احكام نفسه ، كما أن لازمه المصير إلى عموم الحجية حتى في مورد عدم احراز استعداد المتيقن للبقاء ( لما عرفت ) من أن حيث استعداد المتيقن للبقاء حينئذ غير مرتبط بصدق النقض حتى يلزم مراعاته تصحيحا للنقض ( نعم ) انما يثمر ذلك في فرض ارجاع التنزيل في القضية إلى المتيقن ، اما بأخذ اليقين في القضية مرآة للمتيقن في توجيه النقض إليه ، أو طريقا لايصال التنزيل إليه بحيث يكون لحوق النقض باليقين من ناحية المتيقن ( ولكن ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف ظاهر القضية ، موجب لانهدام أساس حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة ، وعدم قيامه مقام العلم الموضوعي ( ومن العجب ) ان بعض الأعاظم قدس سره مع التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب خصوص آثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين والتفصيل لأجله بين الشك في الرافع والمقتضى ، التزم بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي ( ويا ليت ) شعري انه مع التزامه بذلك كيف يصح حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي ، ( إذا ) الالتزام بكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول باعتبار احراز استعداد المتيقن للبقاء توطئة لصدق النقض وتصحيحا له ، كما أن تسليم كون المتيقن هو المنزل حقيقة

ص: 80

بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار وان عناية لحوق النقض باليقين كان من ناحية المتيقن لا بما هو هو لا يناسب القول بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم كما هو ظاهر.

( فالتحقيق ) حينئذ ما ذكرناه من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وان اليقين في القضية مع كونه مأخوذا على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به استقلالا بما هو هو بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولا مرآة لمتعلقه ليكون محط التنزيل حقيقة هو المتيقن ، ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقة كسائر العناوين الطرقية ، ليكون مرجع النهي عن نقضه إلى الامر بترتيب خصوص آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ولا يشمل آثار نفسه ( فان لازمه ) هو المصير إلى عموم الحجية لمورد الشك في الرافع والمقتضى ، كما أن لازمه هو الاخذ باطلاق التنزيل لمطلق ما يترتب على اليقين من الأعمال حتى بالنسبة إلى ما يترتب عليه من جهة احكام نفس اليقين لرجوع النهي عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب العمل حال الشك في البقاء عمل حال اليقين به كما لو كان متيقنا بالبقاء وجدانا ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن ( واما توهم ) عدم امكان شمول التنزيل في هذه الأخبار لكل من آثار نفس اليقين وآثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين لاستلزامه محذور اجتماع اللحاظين المتنافيين في اليقين استقلالا ومرآة ( فمدفوع ) بأنه بعد أن كان للأثر المترتب على الواقع أيضا إضافة إلى اليقين لكونه سببا لترتب أعماله عليه ، يكون معدودا من آثاره وبهذه الجهة يكون اليقين ملحوظا في توجيه التنزيل إليه بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالي ( وان شئت ) قلت إن هذا الاشكال انما يرد لو كان التنزيل بلحاظ الآثار الشرعية المتمشية من الشارع ، لا بلحاظ الآثار العملية المتمشية من المكلف ، والا فلا مورد لهذا الاشكال ، لان ترتب هذه أيضا انما يكون على اليقين بالأحكام الشرعية لا على نفس الواقع ، ومعه لا يكون اليقين في القضية الا ملحوظا مستقلا بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولازم اطلاق

ص: 81

التنزيل حينئذ هو العموم لمطلق ما يترتب عليه من الأعمال سواء كان العمل من جهة احكام نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من جهة احكام المتيقن كاليقين الطريقي كما في مورد الرواية ( وبذلك ) انقدح انه لا وجه لما في الكفاية من الاشكال في المقام بقوله لا محيص عنه ، كما لا وجه أيضا لما افاده في الجواب عنه بقوله : انما يلزم ذلك لو كان اليقين بنفسه ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية لا تنقض حيث تكون ظاهرا عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل الخ ( إذ فيه ) أولا منع الاستظهار المزبور ، بل ظاهر القضية خلافه لظهورها في أن اليقين فيها ملحوظ في مقام الاستعمال وتوجيه النقض إليه بما هو هو استقلالا لا مرآة إلى متعلقه ، كما هو الأصل المعمول عليه في جميع عناوين الألفاظ الواقعة في طي القضايا الطلبية وغيرها في ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا ( واما ما افاده ) من الاشكال على هذا التقدير فقد عرفت انه غير وارد وانه لا يكاد ينافي ذلك مع مورد الرواية ( وثانيا ) لا وجه لجعل اليقين في القضية بمفهومه مرآة إلى المتعلق ، لان لازم المرآتية على ما اعترف به في المعان الحرفية ان يكون اليقين بمفهومه مغفولا عنه في مقام الاستعمال ، مع أن اليقين في هذه القضية ليس كذلك قطعا ، بل لازم ذلك هو ان يكون لفظ اليقين الذي هو من الأسماء مستعملا حسب مختاره في خلاف وضعه ، فإنه على مختاره من وحدة المعنى الاسمي والحرفي ذاتا موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مستقلا بما هو هو وفي نفسه ، بخلاف الحرف ، فإنه موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مرآة لمتعلقه ( ودعوى ) سراية المرآتية من مصاديقه الخارجية إلى مفهومه بلحاظ ان الطبيعي عين مصاديقه فيتبع مصاديقه في الآلية والاستقلالية ( مدفوعة ) بمنع سراية المرآتية من المصداق الذي هو اليقين الخارجي إلى المفهوم منه ، بداهة كمال الالتفات حين الاستعمال من مثل هذا اللفظ إلى مفهوم نفسه ولذا قد يجعل كونه تمام الموضوع أو جزئه ( كيف ) ولازم سراية المرآتية من المصداق الخارجي إلى المفهوم منه هو عدم الالتفات إلى حيث استحكامه أيضا ، ومعه كيف يمكن جعل هذه الجهة مصححا لإضافة النقض إليه ، فلابد حينئذ من

ص: 82

الالتزام بان المصحح لاطلاق النقض هو حيث اتصال المتيقن الناشئ من اقتضائه للبقاء والدوام ، وهو خلاف مختاره من كون المصحح له هو ما في نفس اليقين من الابرام ولا استحكام ان يقال : ان شأن المرآت وان كان هو الغفلة عن ذاتها ولكن بعد سراية صفاتها إلى مرئيها كما في تلون السراج بلون الزجاج لا بأس بدعوى اكتساب المتيقن من اليقين حيثية الابرام والاستحكام ، فإنه لأجل هذا الاكتساب يصير المتيقن كأنه مستحكما بنحو استحكام اليقين ويكتفى بهذا المقدار في عناية اطلاق النقض ولو لم يكن فيه اقتضاء البقاء والاستمرار.

( ولعمري ) ان المنشأ كله في الالتزام بمرآتية اليقين وطريقيته في توجيه النقض إليه هو تخيل ان التنزيل في القضية ناظر إلى الأحكام الشرعية لا إلى مطلق الآثار العملية ، ان مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى جعل مماثل المتقين تعبدا إذا كان حكما ولحكمه إذا كان موضوعا ، حيث إنه بعد أن يرى أن اليقين الطريقي المحض ليس له اثر شرعي مجعول وانه لا يمكن ان يراد من النهي عن نقض اليقين بالشك اليقين الموضوعي وآثاره لمنافاته مع المورد بلحاظ ان الحكم المترتب في مورد الرواية على حرمة النقض هي صحة الصلاة ونحوها وهي من احكام الطهارة الواقعية المشكوكة لا من احكام اليقين بها ، التجأ إلى جعل اليقين في القضية مرآة إلى متعلقه أو طريقا لتوجيه التنزيل إليه بلحاظ الأحكام الشرعية المترتبة عليه كي لا يشمل آثار نفس اليقين حذرا من لزوم محذور اجتماع اللحاظين في اليقين استقلالا ومرآة ( والا ) فلو دقق النظر وأبقى اليقين في القضية على ظاهره في كونه ملحوظا مستقلا بلحاظ جميع ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف ، فلا محذور في الاخذ باطلاقه حتى بالنسبة إلى الأعمال المرتبة على اليقين من جهة احكام نفسه ، إذ مرجع النهى عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب ترتيب اعمال اليقين بالبقاء كما لو كان حاصلا له بالوجدان ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين كاليقين الموضوعي ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن كما في مورد الرواية.

( ثم انه ) يترتب على هذين المسلكين نتائج مهمه ( منها ) حكومة

ص: 83

الاستصحاب على مسلك المختار على الأصول المغياة بالمعرفة ، وقيامه مقام اليقين المأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ما لم يؤخذ فيه نفى الشك ( بخلاف المسلك الاخر ) فإنه عليه لا مجال لقيامه مقام اليقين الموضوعي ، ولا لتقديمه على مثل تلك الأصول بمناط الحكومة ، بل لابد وأن يكون بمناط آخر غير الحكومة من الورود أو التخصيص ( ومنها ) انه على المختار لا قصور في شمول الاخبار للموارد التي يكون الشك فيها في بقاء المستصحب ملازما مع الشك في القدرة على امتثال حكمه كالحياة التي هي موضوع وجوب الاكرام والاطعام ونحو ذلك ، فإنه على المختار لا قصور في جريان الاستصحاب فيها فيجب في نحو المثال ايجاد مقدماته إلى أن ينكشف الحال ، بخلاف المسلك الاخر ، فإنه عليه يشكل جريان الاستصحاب في القرض المزبور ، لان جعل الحكم الظاهري مع الشك في القدرة على امتثاله غير معقول ( ومنها ) غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه في تنبيهات المسألة ( وكيف كان ) فهذا كله في الجواب عن التقريبين الأولين.

( واما التقريب الثالث والرابع ) فيرد عليها انه لا اعتبار بمثل هذه الاعتبارات بعد اكتفاء العرف في وحدة متعلق الوصفين وصدق النقض في المقام بصرف وحدتهما ذاتا والتغافل عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، فإنه بذلك يرى كون الشك ناقضا لليقين فيصدق نقض اليقين بالشك ، بلا احتياج إلى اعمال عناية في اليقين في تصحيح إضافة النقض إليه ، خصوصا مع بعده عن أذهان العرف ، واقتضائه للالتزام بشمول اخبار الباب لقاعدة المقتضي والمانع بلحاظ ان اليقين بوجود مقتضى الشيء بالعناية عين اليقين بالشيء الذي شك في بقائه ، مع انحفاظ.

وحدة المتعلقين فيه دقة أيضا ( فإنه ) لا يندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من الارتكاز العرفي في مثل القضية على تجريد متعلق الشك واليقين عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، وتقديم المسامحة في وحدة المتعلقين على العناية في اليقين في صدق النقص واستناده إلى اليقين.

( وبهذه ) الجهة منعنا عن جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس في الرواية

ص: 84

قرينة على تعدد متعلق الوصفين ، لتكون الكبرى دليلا على قاعدة المقتضى والمانع ، ويكون المراد منها عدم نقض اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من نحو النوم وأمثاله ( حيث ) قلنا ان ظهور القضية عرفا في وحدة متعلق الوصفين ، وفي كون نقض اليقين بالشك من جهة المعاندة بين نفس الوصفين لا من جهة المعاندة بين متعلقيهما ، بمثابة لا يكون قابلا للانكار ، فلابد من جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس كناية عن اليقين بأثره وهو الطهارة القابلة لتعلق الشك ببقائها كي بعد التجريد عن التقطيع الزماني يتحد متعلق الوصفين ، فيصدق على اليقين به انه يقين حقيقي بشيء قد شك في بقائه ، لا يقين عنائي ، هذا ( مضافا ) إلى استلزام القول بالتفصيل المزبور لسد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية رأسا في الشبهات الحكمية ، بل الموضوعية أيضا الا في موارد نادرة ، كمورد الشك في النسخ ، أو المبتلى بالمزاحم الأهم ، أو حصول ما يرتفع به فعلية التكليف ، كالشك في لزوم العسر والحرج أو الضرر ونحو ذلك من العناوين الثانوية الموجبة لارتفاع فعلية التكليف ( فإنه ) بعد تبعية التكاليف على مذهب العدلية للمصالح والملاكات الكائنة في متعلقاتها ، لا يكاد مورد يشك فيه في بقاء الحكم الشرعي الا ويشك في ثبوت الملاك الذي اقتضى حدوثه ( وتوضيح ذلك ) هو ان مقتضى الشيء في الأمور التكوينية كما يكون ، تارة مؤثرا في صرف حدوث الشيء لا في بقائه ، نظير البناء والبناء ، وأخرى مؤثرا في بقائه أيضا بحيث يدور الأثر في بقائه مدار بقاء علته نظير الفئ للشيء ( كذلك ) يتصور ذلك في الأمور التشريعية ( فان ) ما يدعو إلى جعلها وتشريعها من المصالح والملاكات النفس الامرية ، تارة على نحو يقتضى صرف تشريع الحكم واحداث جعله بلا دخل له في بقائه بل كان المجعول في بقائه مستندا إلى استعداد ذاته ، وأخرى على نحو يكون مقتضيا لبقائه أيضا ، بحيث يفتقر المجعول في بقائه إلى بقاء ما يقتضى حدوثه من الملاكات والمصالح النفس الامرية ( وبعد ) ذلك نقول : ان الأحكام الوضعية انما تكون من قبيل الأول في أن المقتضى لجعلها من أسبابها مؤثرا في احداثها فقط ، وان بقائها كان مستندا إلى استعداد ذاتها ، ولا ترتفع الا

ص: 85

بطرو رافع لها كالملكية والزوجية ونحوهما من الوضعيات ، فلو شك في بقائها أحيانا كان الشك فيها من جهة الشك فيما يزيلها وهو الرافع لا من جهة الشك في المقتضى ( واما الاحكام ) التكليفية فهي طرا من قبيل الثاني في أن المقتضى لاحداثها من المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتها هو المبقي لها أيضا ( بداهة ) ان الإرادة الحقيقية وكذا الكراهة التي هي روح الوجوب والحرمة انما تتبعان المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتهما ( فمهما ) كان الشيء فيه المصلحة يتعلق به الإرادة الحقيقية من المولى ، فيريد حصوله ويبعث نحوه ( ومهما ) لم تكن فيه المصلحة أو كانت فيه ولكن انتفت عنه بجهة من الجهات تنتفي عنه الإرادة بمباديها فلا يريد حصوله وتحققه ولا يبعث نحوه ( فإذا ) شك حينئذ في بقاء الحكم الشرعي بجهة من الجهات يكون الشك فيه لا محالة راجعا إلى الشك في وجود مقتضى البقاء فيه أعني الملاك والمصلحة لاستحالة استعداد التكليف للبقاء بدون بقاء المصلحة في متعلقه ، فيلزم من القول بعدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضى سد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية الا في موارد نادرة كمورد الشك في السنخ بناء على كونه رفعا لا دفعا ، وموارد الشك في فعلية التكليف من جهة الشك في طرو ما يمنع عن فعليته من وجود مزاحم أو طرو عجز عن امتثاله ونحوه ، وهو كما ترى ، فان حصر مورد تلك الأخبار الكثيرة الدالة بالسنة مختلفة وتأكيدات بليغة على عدم نقض اليقين بالشك في التكليفيات بالموارد النادرة من البعد بمكان لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ( خصوصا ) مع عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند التأمل في أكثر الموارد المزبورة ، بلحاظ ان موارد الشك في وجود المزاحم مما استقرت عليه السيرة العرفية وبناء العقلاء على لزوم الجري على طبق المقتضى وعدم الاعتناء باحتمال وجود المزاحم الأقوى إلى أن ينكشف الحال ، نظير بنائهم على حجية العام ووجوب العمل به عند عدم قيام حجة أقوى على خلافه ، ولذا لا يعتنون باحتمال وجود خاص أو معارض في البين على الخلاف ، كما أن موارد الشك في التكليف من جهة الشك في قيد من القيود زمانا أو زمانيا مما يرجع إلى الشك في القدرة أيضا كذلك ، لاستقلال العقل عند

ص: 86

احراز ملاك التكليف والشك في القدرة بلزوم الاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال عدم القدرة على الامتثال ( فالتحقيق ) حينئذ هو حجية الاستصحاب مطلقا سواء في الشك في المقتضى أو الرافع أو رافعية الموجود ، وسواء فيه بين كون المستصحب مغيا بغاية شك في تحققها من جهة الشبهة الحكمية أو المفهومية أو الموضوعية ، وبين غيره كل ذلك لعموم حرمة نقض اليقين بالشك الشامل لجميع هذه الأقسام : وانما أطلنا الكلام في المقام حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الناشئ من مصير مثل الشيخ قدس سره إلى التفصيل المزبور واللّه العالم بحقائق الأمور ( هذا كله ) في التفصيل الأول.

( واما التفصيل الاخر ) وهو المنسوب إلى الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية بحجية الاستصحاب في الأول دون الثاني ( فمنشئه ) هو تخيل ان الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية لا تكون بنفسها اثرا مجعولا ولا موضوعا لاثر كذلك حتى يجري فيها الاستصحاب ( ولكنه تخيل فاسد ) فان قصر حجية الاستصحاب بما إذا كان المستصحب كذلك دعوى بلا بينة ولا برهان ( فان ما لابد منه ) في باب الاستصحاب هو ان يكون الأثر المصحح لجريانه مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشأ انتزاعه ، إذ لا نعني من شرعية الأثر ومجعوليته في نحو المقام الا هذا المقدار ( وبعد ) ان كانت الأحكام الوضعية طرا مما ينتهي أمرها إلى الشارع وتنالها يد الجعل والرفع التشريعي ولو بتوسيط مناشئها ، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب لعموم أدلته القاضي بعدم اختصاصه بما هو اثر شرعي بنفسه بلا واسطة ( وعليه ) فلا وقع لهذا التفصيل ، ولا يحتاج في دفعه بأزيد مما ذكرناه

وحيث انتهى الكلام إلى ذلك

فالحري هو عطف عنان القلم إلى البحث عن حقيقة الأحكام الوضعية وبيان مجعوليتها أو انتزاعيتها وتفصيل أقسامها بقدر ما يسعه المجال ( فنقول ) : وعليه الاتكال انه قد اختلف كلماتهم في الأحكام الوضعية ( تارة ) في عددها ومقدارها ( وأخرى )

ص: 87

في مجعوليتها وانتزاعيتها ( وذلك ) بعد وفاقهم على مجعولية الأحكام التكليفية ، كما ينبئ عنه تخصيصهم النزاع في المجعولية بالأحكام الوضعية ( ولعل ) نظرهم في تسلم الجعل في باب التكليف إلى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزع من مرحلة انشاء الآمر على وفق ارادته ، بلحاظ ما يرى من احتياج مثل هذه العناوين في تحققها إلى انشاء الحاكم بحيث لولا انشائه لما كان لاعتبارها مجال ولو مع تحقق الإرادة الحقيقية من الآمر فعلا ، لأنه حينئذ وان صدق انه مريد بالفعل ويحكم العقل أيضا بوجوب الامتثال مع العلم بإرادة المولى ، ولكن لا يصدق عليه انه ملزم ولا موجب ولا باعث ( كما ) لعله إلى ذلك نظر من جعل حقيقة الطلب غير الإرادة ، فكان الغرض من الطلب هو هذا الامر الاعتباري المنتزع من مرحلة الانشاء ، لا انه معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة على وجه يحكى عنه الانشاء كحكايته عن الإرادة حتى يتوجه عليه انه لا يتصور معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة يسمى بالطلب ، وباستلزامه للالتزام بالكلام النفسي ( ولكن ) دقيق النظر يقتضى خلافه وانه لا يرتبط باب التكليف بالأمور الجعلية الا بنحو من الادعاء والعناية كما سنشير إليه ( فان ) الحقايق الجعلية عبارة عن اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقايقها على نحو يكون القصد والانشاء واسطة في ثبوتها ومن قبيل العلة التامة لتحققها بحيث لولا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كما هو الشأن في جميع الأمور القصدية كالتعظيم والتوهين والملكية ونحوها من العناوين التي يكون الجعل المتعلق بها مصحح اعتبارهما في موطنها ( وبذلك تمتاز ) عن الأمور الاعتبارية المحضة التي تتبع صرف لحاظ المعتبر وتنقطع بانقطاعه كأنياب الأغوال ، منها الأمور الادعائية في موارد التنزيلات كالحياة ونحوها ، فإنها ليست مما يتعلق به الجعل بالمعنى المتقدم ولا كان لها واقعية ولا تقرر في وعاء الاعتبار وان اطلاق الجعلية عليها انما هو بمعنى الادعاء ( كما انها ) تمتاز بذلك عن الأمور الانتزاعية ، إذ هي تابعة لمنشأ انتزاعها قوة وفعلية ولا تقوم لها بالجعل والانشاء ( نعم ) قد يكون الجعل محقق منشأ انتزاعها فيما إذا كان منشأ الانتزاع من الاعتباريات الجعلية كمفهوم الملكية

ص: 88

بالنسبة إلى حقيقتها الحاصلة بالجعل والانشاء.

( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول : ان من المعلوم عدم تصور الجعلية بالمعنى المزبور في الأحكام التكليفية في شيء من مراتبها ( واما بالنسبة ) إلى مرحلة المصلحة والعلم بها فظاهر ( واما ) بالنسبة إلى لب الإرادة التي هي روح التكليف ، فلأنها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة في الشيء بلا مزاحم لمفسدة أخرى فيه أو في لازمه فلا ترتبط بالانشائيات ( وهكذا ) الامر بالإضافة إلى الانشاء المبرز للإرادة ، فإنه أيضا امر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتباريات الجعلية ، فلا يبقى حينئذ الامر حلة الايجاب والبعث واللزوم ونحوهما من العناوين المنزعة من ابراز الإرادة بالانشاء القولي أو الفعلي وهذه أيضا غير مرتبطة بالجعليات المتقومة بالانشاء والقصد ( لأنها ) اعتبارات انتزاعية من مرحلة ابراز الإرادة الخارجية ، حيث ينتزع العقل كل واحدة منها من الانشاء المظهر للإرادة بعنايات خاصة ( ولذا ) يكتفى في انتزاع تلك الأمور ، وكذا في حكم العقل بلزوم الاتباع بصرف انشاء الآمر بداعي الاعلام بإرادته ولو لم يقصد به مفهوم الطلب ولا خطر بباله عنوان البعث والايجاب ، ( وعليه ) فلا أصل لما اشتهر وتداول في الألسنة من جعلية الأحكام التكليفية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة ، فإنها بهذه الجهة تكون تابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الطلب والامر الذي هو عين انشائه الاختياري بالقول أو الفعل ، فيكون الغرض من جعليتها حينئذ مجرد احتياجها في مقام انتزاع مفاهيمها إلى الانشاء المبرز للإرادة ، لا الجعلية بالمعنى المتقوم بالقصد والانشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعية كما هو ظاهر ( هذا كله ) في الأحكام التكليفية.

( واما الأحكام الوضعية ) فقد عرفت اختلافهم فيها ، تارة في تعدادها وأخرى في جعليتها وانتزاعيتها من التكليف بعد الفراغ عن كونها بحقايقها من الأمور الاعتبارية وخارجات المحمول ، لا المحمولات بالضمية ، وعدم انتزاعها من الجهة التي ينتزع عنها مفاهيم التكاليف ، والا يلزم مرادفتها مع مفهوم التكليف من الوجوب

ص: 89

والحرمة ( ولكن ) الجهة الأولى لا يهمنا التكلم فيها لعدم ترتب ثمرة مهمة عملية أو علمية عليها ، مع وضوح ان ملاك حكميتها انما هو بانتهائها إلى جعل الشارع تأسيسا أو امضاء وارادته في مقام التشريع بلا واسطة أو معها ، حيث إنه بذلك ينضبط وضعية الحكم ويميز عن غيره لانحصار مصداقه حينئذ بالاعتباريات المجعولة أو المنتزعة بحقايقها عن التكليف ( وانما المهم ) هو التكلم فيها من الجهة الثانية في أن حقايقها مجعولة بالجعل المتعلق بها أصالة أو تبعا ، أو انها منتزعة من التكليف محضا ( وتنقيح المقال فيها ) يستدعى افراد كل ما عد كونه من الوضعيات بالبحث ليتضح ما هو المجعول منها استقلالا أو تبعا ، وما هو المنتزع من التكليف محضا.

( فنقول ) ان ما عدا كونه من الوضعيات أمور ( منها ) الجزئية والشرطية والمانعية والسببية ( وقد يتوهم ) كونها بأجمعها أمورا انتزاعية صرفة من التكليف لا تنالها يد الجعل التأسيسي والامضائي لا استقلالا ولا تبعا ( ولكنه ) توهم فاسد ( بل الحري ) الحقيق هو التفصيل بين المذكورات فنقول : ( اما الجزئية ) للواجب فهي كما أفادوه انتزاعية صرفه من التكليف المتعلق بعدة أمور متكثرة خارجية ( بداهة ) ان اعتبار عنوان الجزئية للشيء في المركبات الاعتبارية كعنوان الكلية انما ينتزع من نحو ارتباط بين الأمور المتكثرة الحاصل من طرو وحدة اعتبارية عليها من قبل وحدة التكليف أو اللحاظ أو الغرض ونحوها ، حيث إنه بطرو إحدى الوحدات عليها يحصل نحو ارتباط بين تلك الأمور ، فينتزع به عنوان الجزئية لكل واحد منها وعنوان الكلية للمجموع ويختلف ذلك باختلاف ما يضاف إليه الجزئية من الملحوظ أو الغرض أو الواجب والمأمور به ، والا فمع قطع النظر عن طرو وحدة ما عليها لا كلية ولا جزئية بل لا تكون الا متكثرات خارجية ( وعليه ) فمنشأ اعتبار الجزئية للواجب يتمحض بالوحدة الطارية على المتكثرات من قبل تعلق تكليف واحد بها وانبساطه عليها دون غيرها من الوحدات الاخر لحاظية أو غيرها ، وبدونه لا مجال لاعتبار الكلية ولا الجزئية بالإضافة إلى الواجب ، وان كان هناك وحدات اخر لحاظية أو غيرها ، لان هذه انما تجدي في اعتبار الجزئية بالنسبة إلى الملحوظ وغيره لا بالنسبة إلى الواجب

ص: 90

والمأمور به كما ) هو ظاهر ( هذا كله ) بالنسبة إلى عنوان الجزئية للواجب ولقد عرفت كونها انتزاعية محضة عن التكليف لا مجعولة بالجعل الاستقلالي ، بل ولا التبعي أيضا الا بضرب من المسامحة ولو باعتبار إناطتها لسعة دائرة التكليف وانبساطه بنحو يشمل ذات الجزء الكذائي فيقال بهذه العناية انها مجعولة قهرا تبعا لجعل التكليف وبسطه على الذوات المعروضة له.

( واما الشرطية ) والمانعية ( فيقع الكلام ) فيهما تارة في شرطية الشيء ومانعيته للواجب ، وأخرى للوجوب والتكليف ( اما الأول ) فلا شبهة في عدم كونها من الأحكام الوضعية المجعولة ولا المنتزعة من التكليف ( اما عدم ) مجعوليتها بالجعل المستقل فظاهر ( واما ) عدم انتزاعيتها من التكليف ، فلأنها أمور واقعية منتزعة من الإضافة والربط بين الشيء وذات الواجب في المرتبة السابقة على وجوبه ، بحيث كان الوجوب قائما بالربط المزبور ، كقيامه بذات العمل ( لوضوح ) ان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته انما تنتزع من الجهة التي تكون علة لسراية الوجوب الغيري إلى الذات ، المتصفة بهذا الوصف ، وهي لا تكون الا عبارة عن طرفية الشيء للإضافة والقيد الذي هو معروض الوجوب ( فان ) كون الشيء قيدا للواجب ومقدمه له ليس الا كونه طرفا لشخص الإضافة والتقيد المأخوذ في موضوع الوجوب ، ولأجل هذه الطرفية تكون الإضافة المعبر عنها بالتقيد قائمة به ، فيصير مثله مقدمة للتقيد الذي هو معروض الوجوب ، فيسري إليه الوجوب الغيري ( والا ) فمع قطع النظر عن طرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب لاوجه لمقدميته للواجب ولا لسراية الوجوب الغيري إليه ( لان ) ذات الشرط بالإضافة إلى ذات الواجب ربما يكون في عرض واحد بلا تقدم رتبي لأحدهما على الآخر ( وحينئذ ) فإذا كان عنوان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته منتزعا من جهة دخله وطرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب ، ( نقول ) : ان من البديهي أجنبية مثل هذه الطرفية والإضافة المزبورة عن مرحلة التشريعيات الجعلية والانتزاعيات من التكليف ، إذ هي بذاتها من الأمور الواقعية القائمة بين الشيئين والمحفوظة بذاتها قبل التكليف

ص: 91

( والتشريع ) انما هو يدخل مثلها في موضوع التكليف لا بايجاد حقيقتها ، فيستحيل تحققها من قبل التكليف المتأخر رتبة عنها ( نعم ) ما هو جاء من قبل التكليف انما هو اضافتها إلى الواجب بوصف وجوبه ( حيث ) انه بتشريع دخلها في موضوع الحكم وتعلق الوجوب بالذات المرتبط على نحو خروج القيد ودخول التقيد يصير القيدية المحفوظة بذاتها مضافة إلى الواجب ، نظير إضافة سائر الأمور إليه من نحو مكان الواجب وزمان الواجب ( ففي الحقيقة ) التكليف انما كان مقوم إضافة القيدية إلى الواجب ، لا انه مقوم ذات المضاف وهي القيدية والشرطية ( وهكذا الكلام ) في المانعية حيث إنها كالشرطية منتزعة من تقيد الشيء بعدم امر كذا ولا دخل للامر والتكليف الا في اضافتها إلى الواجب كما هو ظاهر.

( وبما ذكرنا ) اتضح الفرق بين الجزئية وبين الشرطية والمانعية ( فان ) الجزئية بحقيقتها منتزعة من الوحدة الاعتبارية الطارية على الأمور المتعددة من قبل تعلق تكليف واحد بها ، فالتكليف بالنسبة إليها محقق حقيقة المضاف وهي الجزئية واضافتها إلى الواجب بحيث لولاه لا يكون منشأ لاعتبار أصل الجزئية للواجب ، بل وحدة أخرى لحاظية أو غيرها ، بخلاف الشرطية والمانعية ( فان ) حقيقة الشرطية والمانعية انما نشأت من طرفية الشيء للإضافة المحفوظة بذاتها قبل التكليف وبعده والتكليف انما كان منشأ لمجرد إضافة الشرط إلى الواجب كمنشئيته لإضافة سائر الأمور إليه كالمكان والزمان ونحوهما ( وعليه ) فلا مجال لجعل مثل الشرطية والمانعية في عداد الجزئية التي من الانتزاعيات الصرفة هي بذاتها انتزاعية صرفة من التكليف ، الا بالالتزام بانتزاع الشرطية والمانعية من تلك الإضافة الجائية من قبل التكليف ، لا من واقع الإضافة المأخوذة في الموضوع وطرفية الشيء لها ، ومثله كما ترى لا يمكن الالتزام به ( إذ لازمه ) عدم صحة انتزاع قيدية شيء لشيء لولا وجود حكم في البين ، مع أن البداهة قاضية بفساده ، لوضوح ان الشيء قد يكون قيدا للشيء وطرفا لإضافته. ولو لم يكن في العالم حكم كالرقبة المؤمنة وزيد العالم ( بل ولازمه ) ادخال سائر الأمور المضافة إلى الواجب في الأحكام الوضعية أيضا كزمان الواجب ومكانه ونحوهما مما كان تأخره عن

ص: 92

الواجب بصرف اضافته إلى الواجب لا بنفس ذاته ، بلحاظ ان اضافتها إلى الواجب انما هي كإضافة القيد والشرط إليه ، ومثله لا يظن التزامه من ذي مسكة ( فيكشف ) ذلك عن خروج مثل الشرطية والمانعية للواجب عن كونه من الأحكام الوضعية ، فان العبرة في وضعية الحكم انما هو بكون الشيء من الاعتبارات المجعولة بجعل من الجاعل وارادته في مقام التشريع ، أو بكونه من الاعتباريات المنتزعة المتأخرة بذاتها من التكليف ، لا بمجرد اضافتها إليه ( هذا كله ) في الشرطية والمانعية للواجب.

( واما الشرطية ، والسببية ) والمانعية للحكم ، فلا شبهة في أنها من الأمور الاعتبارية ، وانما الكلام في منشأ اعتبارها في أنه هل هو الجعل المتعلق بها بحيث كانت من الاعتبارات المجعولة أصالة أو تبعا ، أو انه هو التكليف المرتب على موضوعاتها ، أو لا هذا ولا ذلك بل هي خصوصية تكوينية في ذات السبب تقتضي الرشح وإفاضة الوجود ، فيه وجوه وأقوال.

( والتحقيق ) ان يقال : ان السببية للشيء انما ينتزع من إناطة الشيء بالشيء وترتبه عليه ( فان ) كان الشيء المنوط من الأمور الخارجية كالاحراق بالنسبة إلى النار فالسببية تكون حقيقة ، لكونها حينئذ عبارة عن مؤثرية الموجود الخارجي في الشيء لخصوصية ذاتية فيه تكوينية اقتضت الرشح وإفاضة وجود المسبب ، لا انها انتزاعية من التكليف ، ولا جعلية ( بداهة ) عدم قابلية هذا المعنى من السببية للجعل التكويني فضلا عن الجعل التشريعي ( كيف ) وان الجعل التشريعي لا يوجب الا احداث امر اعتباري لا يكون وعائه الا الذهن كسائر الأمور الجعلية ، ومثله يستحيل ان يغير الوجود الخارجي عما عليه من الخصوصية الذاتية التي بها قوام مؤثريته ( وان كان ) المنوط من الاعتبارات الجعلية كالملكية والوجوب بناء على جعليته كانت الإناطة والسببية أيضا تبعا لاعتبارية المنوط اعتبارية ومجعولة بتبع جعله ، لا انها واقعية ، ولا منتزعة من التكليف ( حيث ) انه بجعل الملكية أو الوجوب منوطا بأمر خاص في نحو قوله : من حاز ملك ، وقوله إذا تحقق الدلوك تجب الصولة تتحقق الإناطة والملازمة بين الحيازة والملكية ، وكذا بين الدلوك والوجوب ، وبدون هذا الجعل

ص: 93

لا ينتزع الملازمة المزبورة بينهما.

( وحيث ) ان محط البحث في المقام في موضوع السببية هي الأمور المأخوذة في تلو أداة الشرط في القضايا الشرعية المشروطة في نحو قوله : من حاز ملك لا المعنى الأول بمعنى المؤثرية والمتأثرية الخارجية ، فلا محالة تكون السببية مجعولة بعين جعل الملكية والوجوب معلقا على الحيازة والدلوك لا بجعل آخر مغاير ( ومعه ) لا مجال لدعوى انتزاعيتها من التكليف بل ولا التكليف عنها ، كما لا مجال لدعوى كونها واقعية بمقتضى الخصوصية الذاتية التكوينية ( اما الأول ) فظاهر إذ هما حينئذ اعتباران منتزعان من جعل خاص في مرتبة واحدة ، لا ان أحدهما منشأ لاعتبار الآخر ، من غير فرق بين ان يكون الخطاب بلسان جعل المعلق عليه والوجوب المنوط أو بلسان جعل الإناطة والقضية التعليقية ( فان ) مجرد لحاظ الإناطة معنى حرفيا تارة ، واسميا أخرى لا يوجب فرقا من هذه الجهة الا في مجرد التعبير ( واما الثاني ) فكذلك ، كيف وانه لو تم ذلك فإنما هو فيما له الدخل في أصل الإرادة وتشريع الحكم من المصالح والملاكات بوجودها اللحاظي ، لا بالنسبة إلى ما أنيط به المجعول الشرعي في القضايا الشرعية في نحو قوله من حاز ملك كما هو محط البحث ( بداهة ) امتناع كون السببية فيه حقيقية بمعنى المؤثرية ، والا يلزم عدم جعلية حقيقة الجزاء ، لان لازم جعلية الجزاء بحقيقته هو عدم تحققه بدون جعله ، فمع فرض جعليته وكونه فعلا اختياريا للجاعل كيف يمكن دخل مثل الدلوك والحيازة في تحقق الملكية والوجوب بمقتضي الخصوصية الذاتية ( فلا محيص ) حينئذ من نفي السببية الحقيقة عن مثله والالتزام بكونها فيه مجعولة بعين جعل الملكية أو الوجوب معلقا على الحيازة والدلوك ، لا بجعل آخر مغاير لجعله ( نعم ) كما يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا هو الوجوب وتكون الإناطة والملازمة ملحوظة في مقام الجعل تبعا للوجوب ، كذلك يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا نفس السببية والملازمة بلحاظها معنا اسميا على نحو يكون النظر إليها في مقام الجعل استقلاليا والى الوجوب تبعيا ، وبهذين الاعتبارين تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي ، ويفرق بين

ص: 94

كون القضية بلسان جعل الوجوب المنوط بالدلوك ، وبين كونها بلسان جعل الملازمة بين الدلوك والوجوب.

( والى ما ذكرنا ) نظر المحقق الخراساني قدس سره في مصيره إلى نفي كون السببية مجعولة وانها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية ( حيث ) ان التأمل في كلامه يقضى بان تمام همه انكار جعلية السببية بمعنى المؤثرية ، نظرا إلى بنائه على أن السببية الحقيقية عبارة عن خصوص الإناطة المؤثرية الناشئة من خصوصية ذاتية في الشيء تقتضي التأثير والتأثر ، لا مطلق الإناطة والترتب بين الشيئين ولو بنحو ترتب الامر الاعتباري على منشئه ( ففي الحقيقة ) مرجع انكاره إلى نفي السببية الحقيقية عما رتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة وان السببية المنتزعة عنها من إناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات ادعائي لا حقيقي ببيان ان مثل الدلوك لو كان شرطا وسببا حقيقيا يستحيل الجعل ، لأنه اما واجد لملاك الشرطية الواقعية من الخصوصية الذاتية أو فاقد له وعلى اي تقدير لا معنى لجعل السببية له ، لا ان المقصود هو انكار الجعلية في السببية المنتزعة من إناطة الوجوب به في حيز الخطاب ( ولذلك ) أتم مدعاه ، بقوله والا لزم الخ ، وبقوله : ومنه انقدح عدم صحة انتزاع السببية للدلوك من ايجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها كذلك نعم لا بأس باتصافه بها عناية واطلاق السبب عليها مجازا الخ ، ( وعليه ) فلا يبقى المجال لما عن بعض الأعاظم قدس سره من الاشكال عليه بأنه خلط بين علل التشريع وموضوعات الاحكام ( كيف ).

وهذا المعنى مما اعترف به هو قده قبل ذلك وبين بان السببية بمعنى المؤثرية لا تكون مجعولة ولا منتزعة من التكليف المترتب على موضوعاتها لأنها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية التي تقتضيها ذات الشيء وان السببية المنتزعة من مجرد إناطة الوجوب بشيء في الخطاب ادعائي لا حقيقي ، ومع هذا الاعتراف أين يبقى المجال لهذا الرد والاشكال بحيث يجعل له عنوان مخصوص ( نعم ) لو كان محط البحث في كلام المحقق الخراساني قدس سره هي المصالح والملاكات بوجوداتها العلمية

ص: 95

للإرادة وجعل الوجوب ، لصح نسبة الخلط إليه بين سببية الشيء للوجوب الواقع في خير الخطاب وبين شرطيته لأصل الجعل وتشريع الاحكام ( ولكنه ) ليس كذلك ، بل محط البحث في كلامه انما هو في سببية مثل الدلوك للوجوب الواقع في حيز الخطاب غير أنه أنكر فيه السببية الحقيقية بمعنى المؤثرية وجعلها ادعائية كما بيناه ( هذا بناء ) على انتزاع السببية عن الإناطة والترتب بين الشيئين ( واما ) بناء على انتزاعها عما تقوم به الإناطة ، لا من نفس الإناطة ففيها التفصيل المتقدم من كونها في المجعولية وعدمها تابع مجعولية المسبب وعدمه ، فإذا كان المسبب من الأمور المجعولة فلا محالة تكون السببية أيضا مجعولة ، فان كون العقد سببا للملكية والدلوك سببا لوجوب الصلاة لا يكون الا بجعل من الشارع والا فلا اقتضاء لذات العقد للملكية ولا للدلوك للوجوب أصلا ( هذا كله ) في الجزئية والشرطية والمانعية والسببية وقد عرفت اختلافها في المجعولية والانتزاعية وعدم كونها على نمط واحد ، فتكون الجزئية انتزاعية محضة من التكليف ، بخلاف الشرطية والمانعية ، فإنهما بالنسبة إلى الواجب تكون واقعية لا مجعولة ولا منتزعة من امر مجعول ، وبالنسبة إلى نفس الوجوب والتكليف تكون مجعولة بعين جعل الوجوب لا بجعل آخر مغاير لجعله ( غاية الامر ) ان جهة الإناطة والسببية ، تارة تكون ملحوظة في مقام جعل الوجوب تبعا للوجوب فتكون مجعولة بالتبع ، وأخرى تكون ملحوظة في مقام الجعل معنى اسميا فتكون مجعولة بالاستقلال كما شرحناه ( ولعله ) إلى مثل هذه الجهة نظر من يقول : بان للشارع في نحو المقام جعلين ، جعل متعلق بسببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، وجعل متعلق بالملكية والوجوب عقيب العقد والدلوك ، فيكون المقصود من أحد الجعلين هو الجعل التبعي بلحاظ استتباع الجعل الاستقلالي في كل منهما للجعل التبعي للآخر ، لا ان المقصود هو استقلال كل من السبب والمسبب بالجعل المستقل كي ترمى بالغرابة ( كما أنه ) إلى ذلك نظر القائل بان المجعول الشرعي تأسيسا أو امضاء امر واحد وهو سببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، فيكون المقصود من جعلية السببية هو الجعل الاستقلالي المستتبع للجعل التبعي للمسبب ، لا ان المقصود نفى الجعلية عن المسبب

ص: 96

رأسا حتى تبعا ، فان ذلك مما لا يكاد توهمه من أحد.

( ومنها ) الصحة والفساد ، والطهارة والنجاسة ، والرخصة والعزيمة ( اما الصحة والفساد ) فالصحة على ما شرحناه في مبحث الصحيح والأعم عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ( ففساد ) الشيء عبارة عن نقصه وعدم تماميته بلحاظ الأثر المرغوب منه ( نعم ) حيث إن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الآثار والاغراض يختلف الشيء الواحد صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض ، فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ اثر وغرض وفاسدا بلحاظ اثر وغرض آخر ، ( مثلا ) المركب من عدة أمور لتحصيل اثر مخصوص به إذا فقد منه بعض اجزائه الذي يخل ببعض آثاره دون بعض يكون هذا الناقص فاسدا باعتبار خصوص ذلك الأثر ، وصحيحا باعتبار اثر آخر ( وبهذه ) الجهة قلنا ان الاختلاف في تفسير الصحة في العبادة ، تارة باسقاط الإعادة والقضاء كما في لسان الفقيه ، وأخرى بموافقة المأتى به للشريعة وعدمها في لسان المتكلم ، وثالثة غير ذلك ، لا يكون اختلافا منهم في حقيقة الصحة لتكون من متعدد المعنى ( بل الصحة ) عند الجميع بمعنى واحد وهي التمامية ، ( وانما ) الاختلاف بينهم في تطبيق هذا المفهوم الوحداني على وجود واحد باعتبار ما هو المهم عند كل فريق من الجهة المرغوبة منه في انظارهم ( فالاثر ) المهم في نظر الفقيه في العبادة حيث إنه سقوط الإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه ، ( كما ) ان الأثر المهم في نظر المتكلم لما كان موافقة الامر والشريعة الموجبة لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق غرضه.

( وعليه ) نقول انه بعد أن تختلف صحة الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه ، فلا بد في الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من ملاحظة الجهة التي أريد تمامية الشيء بالإضافة إليها ( فان كان ) تلك الجهة من الأمور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية ، لان كون الشيء بحيث يفي بالغرض ويترتب عليه الملاك والمصلحة امر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من امر مجعول ومن هذا القبيل ، جهة المسقطية للقضاء والإعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينها ( فان )

ص: 97

مثل هذه الجهة تكون دائرة مدار الوفاء بالغرض في الجملة ، وبذلك تكون الصحة والتمامية من الأمور الواقعية ( وان كانت ) من الأمور المجعولة من التكليف أو الوضع في أبواب المعاملات ، فالصحة تكون منتزعة من تلك الجهة ( لأنه ) لولا تلك الجهة لما كان مجال لانتزاع صحة الشيء وتمامية من تلك الجهة ، ( فانتزاعية ) الصحة حينئذ وواقعيتها تكون تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالإضافة إليها وعدم جعليتها ( وعليه ) فلا بد في انتزاعيتها من التفصيل بحسب الآثار المقصودة من الشيء التي يراد تماميته بالإضافة إليها ( ولا مجال ) لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ، ولا للمنع عن انتزاعيتها كذلك ( نعم ) لا تكون الصحة من الأمور المتأصلة بالجعل تأسيسا أو امضاء بل هي اما واقعية محضه كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية للإعادة والقضاء ، واما منتزعة من مجعول شرعي كالصحة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات ، فالقول بكونها متأصلة بالجعل ساقط عن الاعتبار.

( واما الطهارة والنجاسة ) فهما بمعنى النظافة والقذارة ، وقد جعلها الشيخ قده من الأمور الواقعية ، وهو كما افاده قدس سره في النظافة والقذارة العرفية المحسوسة ، إذ لا ينبغي الاشكال في كونهما من الأمور الواقعية الخارجية التي يدركها العرف والعقلاء ولذلك تريهم يستقذرون عن بعض الأشياء كعذرة الانسان ولا يستقذرون عن بعض الآخر.

( وانما الكلام ) فيهما شرعا فيما لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية كنجاسة الخمر والكافر ونحوهما في أنهما أيضا من الأمور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع لنا بحكمه بوجوب الاجتناب ، أو انهما من الاعتبارات الجعلية ( ويمكن ) ترجيح الثاني بجعلهما من الاعتبارات الجعلية الراجعة إلى نحو ادعاء من الشارع بنجاسة ما يراه العرف طاهرا وبالعكس بلحاظ ما يرى من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو اطلع العرف عليه لرتبوا عليه آثار النجاسة ( كما يشاهد ) نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق الادعائية للطهارة والنجاسة ، كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى وأيدي من شغله تنظيف البالوعة واخرج الغائط منها واباء طبعهم عن المؤاكلة مع

ص: 98

هؤلاء من اناء واحد ولو كانت أياديهم حين الاكل في كمال النظافة الظاهرية ، وعدم استقذارهم من أيدي مثل الفلاح المستعمل للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ ( ومن المعلوم ) ان ذلك لا يكون الا من جهة ادعائهم القذارة في الأول الموجب لترتيبهم الآثار القذارة الخارجية عليه وعدم اعتبارهم إياها في الثاني.

( وعليه ) نقول : انه يمكن ان يكون حكم الشارع بنجاسة مالا يراه العرف قذرا كالخمر والكافر ونحوهما من هذا القبيل ، فيكون مرجعه إلى نحو ادعاء من الشارع بقذارة ما يراه العرف طاهرا ، وبالعكس بلحاظ ما يرى منه من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا لرتبوا عليه آثار قذاراتهم من دون ان يكون المناط المزبور هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكونان من الأمور الواقعية التي كشف الشارع عنها ببيانه كما توهم ( وبالجملة ) فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا ، وبين كونه طاهرا أو قذرا ادعائيا لمناط مخصوص ( وعليه ) لا وجه لجعلها بقول مطلق من الأمور الواقعية ( نعم ) على كل تقدير لا تكونان من الأحكام الوضعية حتى يأتي فيهما النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف ( إذ هما ) اما من الأمور الواقعية ، واما من الأمور الادعائية ، فعلى الأول لا تكونان من الأمور الوضعية ولا مرتبطة بالجعل ، ( وعلى الثاني ) وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي كما هو ظاهر.

( واما الرخصة والعزيمة ) فقد عدهما بعض من الأحكام الوضعية ( ولكن ) فيه منع واضح ( فان ) الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل والسقوط على وجه الحتم والالزام ، وهما مندرجان في الأحكام التكليفية لا الوضعية.

( ومنها ) الحجية وقد اختار المحقق الخراساني قدس سره وبعض آخر كونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من امر مجعول نظير الملكية ونحوهما من منشئات العقود والايقاعات ( ولكن ) لا يخلو ذلك عن غموض واشكال ( فان ) حقيقة الحجية على ما تقدم ض في مبحث القطع لا تكون الا عبارة أخرى عن منشئية الشيء لقطع عذر العبد

ص: 99

ومصححيته لاستحقاق العقوبة على المخالفة ، ومن المعلوم ان هذا المعنى نظير السببية الحقيقية امر ذاتي للشيء لكونه في الحقيقة عبارة عن الملازمة بين انكشاف الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته ، من غير فرق في ذلك بين القطع وغيره من الامارات والحجج الشرعية ( غير أن ) في القطع يكون المعروض لهذه الحيثية ذات القطع لكونه عين انكشاف الواقع بلا تعلق جعل شرعي بحيث معروضيته ، وفي غيره يكون معروضها مما تعلق به الجعل الشرعي تأسيسا أو امضاء من الطريقية والكاشفية ، كما في الامارات الجعلية ، حيث إنه بتتميم كشفها وادعاء كونه علما تصير الامارة بما يستتبعه من الحكم الطريقي سببا لقطع عذر العبد ومصححا لاستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ، بلا تعلق جعل منه بحيث منشئيتها لاستحقاق العقوبة ، ففي الحقيقية مرجع الجعل فيها إلى تتميم ما هو معروض للحيثية المزبورة ، لا إلى احداث العارض على نفس الذات ، ومرجعه إلى احداث الجزم ببلوغ الحكم المحتمل وجوده في الاهتمام لدى المولى بمرتبة لا يرضى بمخالفته حتى في ظرف الشك به الذي هو بنفسه سبب لاستحقاق العقوبة على المخالفة.

( وبتقريب ) آخر مرجع ذلك إلى قلب عدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة بالنقيض الذي هو البيان على الواقع ( نعم ) لو بيننا على عدم كفاية مجرد هذا الجعل ولو بما يستتبعه من الحكم الطريقي لتنجيز الواقع وقلب اللابيان الموضوع لقبح العقوبة بالبيان المصحح لها ( لاتجه ) القول بمجعولية الحجية بنفسها في الامارات والطرق الشرعية ، ولو بدعوى كونها من الاعتباريات الجعلية التي متى تحققت تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع والقاطعية للعذر ( ولكنه ) مع فساد المبني كما أوضحناه في مبحث الظن عند التعرض لوجه منجزية أو امر الطرق والامارات ، مبني على اعتبار الواسطة في مثل القطع أيضا بين حيث كاشفيته ومنجزيته ، وليس كذلك ( بداهة ) انه لا يرى العقل مصححا في حكمه بمنجزية القطع وقاطعيته للعذر الا حيث كاشفيته بلا اعتبار جهة زائدة عليها ، وعليه لا مجال لاعتبار الواسطة في الامارات والالتزام بكونها مجعولة فيها ، بل لا محيص من الالتزام بانتزاعية الحية في

ص: 100

الامارات اما من المجعول الادعائي أعني تتميم الكشف على فرض كفايته في تنجيز الواقع ، أو مما يستتبعه من الحكم الطريقي كما هو المختار ، هذا في الحجية بمعنى المعذرية والمنجرية.

( واما الحجية ) بمعني الوسطية للاثبات فهي وان كانت مجعولة في الامارات بنفس تكفل دليلها لتتميم كشفها وتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها ، فتقوم بذلك مقام العلم الطريقي بل الموضوعي إذا كان اخذه في موضوع الحكم على الوجه الطريقي لا الصفتي ، وتصح أيضا حكومتها على أدلة الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم الظاهري ( ولكن ) الجعل فيها انما هو بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي ، لما ذكرنا غير مرة من أن تمامية الكشف ليست من الحقايق الجعلية التي تشريعها عين تكوين حقيقتها ، وانما هي نظير الموت والحياة والفسق والعدالة من الأمور الواقعية غير القابلة للتحقق بالجعل والتشريع ( فمرجع ) الجعل فيها إلى نحو عناية وادعاء مستتبع لتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها ، نظير سائر الأمور الادعائية ، ولذا لابد في صحة هذا الادعاء والتنزيل من اثر شرعي مصحح له ولو في طرف المنزل كسائر التنزيلات الشرعية.

( ومنها ) الملكية والزوجية ونحوهما من منشآءت العقود والايقاعات ( ولا شبهة ) في أن هذه العناوين بحقايقها من الاعتباريات القصدية التي تكون حقيقتها بجعل من ينفذ جعله واعتباره بحيث بعد تمامية جعلها يكون لها نحو تقرر في الواقع وكان الاعتبار الذهني طريقا إليها على نحو يلتفت إليها تارة ويغفل عنها أخرى ، نظير العلاقة والاختصاص الحاصل بين اللفظ والمعنى ، والملازمات الذاتية بين الأشياء المحفوظة في عالم تقررها ( لا انها ) من الاعتباريات الصرفة المتقومة بالاعتبار والمنقطعة بانقطاعه التي لا تكون لها واقعية حتى بعد انشاء النفس إياها ، كأنياب الأغوال والوجودات الادعائية التنزيلية ( فان ) كونها أمورا اعتبارية انما هو بمعنى ان الجعل منشأ لاحداثها في قبال الإضافات المقولية والنسب الخارجية الموجبة لنحو وجود هيئة عينية في الخارج لطرفيها كالفوقية والتحتية ونحوهما ، لا بمعنى كونها

ص: 101

بذاتها متقومة بالاعتبار ، كالوجودات الادعائية التنزيلية ، وإلا لزم كونها تابعة لاعتبار معتبرها حدوثا وبقاء ، فيلزم انقطاعها بانقطاع الاعتبار ، بل وبانعدام شخص المعتبر لها ، لقيام اعتباره بشخصه ، الا بفرض اعتبار معتبر آخر لها كالمعتبر الأول.

( مع ) ان الوجدان قاض بخلافه ، إذ لا شبهة في بقاء هذه الأمور بعد جعلها بأسبابها في الوعاء المناسب لها وكونها مما له نحو تقرر في الواقع بحيث كان اللحاظ طريقا إليها حتى من شخص المعتبر لها ، لا انه مقوم ذاتها كالاعتبارات الصرفة ( ففي الحقيقة ) تكون هذه الأمور وسطا بين الوجودات الادعائية ، وبين الإضافات المقولية والنسب الخارجية ( فمن حيث ) عدم احداثها لتغيير هيئة خارجية لطرفيها من المالك والمملوك والزوج والزوجة ، تشبه الاعتباريات الصرفة ( ومن حيث ) ان لها واقعية بنحو كان اللحاظ طريقا إليها بعد جعلها ، وتشبه الإضافات المقولية ( وعليه ) فلا مجال لجعل مثل الملكية والزوجية واضرابهما من منشآت العقود والايقاعات من سنخ الوجودات الادعائية بمحض عدم كونها من الاعتبارات الذهنية ، ولا من الإضافات المقولية والنسب الخارجية ( بدعوى ) ان لمفهوم الملكية وأضرابها نحو ان من من الوجود ، وجود حقيقي ووجود ادعائي هو من منشآت العقود والايقاعات ( كما ) ان مجرد اختلاف العرف والشرع ، بل واختلاف أهل العرف في اعتبار الملكية في الموارد الخاصة لا يقتضى نفي واقعيتها ( إذ مرجع ) اختلافهم انما هو إلى تخطئة العرف بعضهم بعضا فيما يرونه منشأ لاعتبار الملكية ، بلحاظ ان ما يكون منشأ لصحة الجعل عند بعضهم ليس بمنشأ عند بعض آخر ( وكذلك ) في اختلاف العرف والشرع ( والا ) فعلى فرض التوافق على منشئية المنشأ لصحة الجعل لا اختلاف بينهم في اعتبار الملكية عند تحقق المنشأ ( وحينئذ ) فلا ينبغي الاشكال في مجعولية هذه الأمور وتقررها النفس الأمري في الوعاء المناسب لها عند حصول أسبابها على وجه تكون بحقايقها محفوظة قبل التكليف ( لا انها ) انتزاعية من التكليف الشرعي كما يظهر من الشيخ قدس سره ( إذ ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف الوجدان وعدم تماميته في نحو ما دل على سببية الحيازة للملكية بمثل قوله من حاز ملك الا باتعاب النفس لاثبات حكم تكليفي

ص: 102

ينتزع عنه الملكية ، يلزمه عدم امضاء الشارع مضامين العقود على طبق ما يقصده المتعاقدان ( فلابد ) اما من جعل الأدلة كاشفة عن ارتباط خاص واقعي غير ما يقصده المتعاقدان بانشائهما ، أو حاكية عن إضافة خاصة ناشئة من التكليف الخاص المتوجه بالنسبة إلى المبيع أو الزوجة كإباحة التصرفات في المبيع للمشتري وبعوضه للبايع ، وإباحة الاستمتاعات للزوج عند تحقق الانشاء من المتعاقدين ( وهما ) كما ترى غير مرتبطين بما يقصده المتعاقدان في أبواب المعاملات من التوصل بانشائهما إلى تحقق هذه الأمور ( مع أن ) ما افاده قدس سره ينافي ظواهر الأدلة المأخوذ فيها تلك الإضافات موضوعا للتكليف ، من نحو ما دل على حرمة التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه ، وسلطنة الناس على أموالهم ( إذ بعد ) ان يكون الموضوع للسلطنة والحرمة في نحو هذه الأدلة هو المال المضاف إلى الشخص أو الغير ، نقول : ان نشو هذه الإضافة والاختصاص ، اما ان يكون من نفس ذلك التكليف المتعلق بالموضوع المزبور ، واما ان يكون نشوها من تكليف آخر في الرتبة السابقة عن الإضافة المزبورة ، واما ان يكون نشوها من صرف جعلها قبل تعلق التكليف بها ( والأولان ) لا سبيل إليهما ، لكون الأول منهما مستحيل ذاتا ، واستلزام الثاني لاجتماع المثلين ، أحدهما محقق الإضافة المزبورة في المرتبة السابقة والآخر مترتب عليها في المرتبة اللاحقة فيتعين الثالث وهو المطلوب خصوصا في نحو قوله من حاز ملك الذي لا يكون في مورده حكم قابل لان ينتزع منه الملكية ( فتلخص ) انه لا وجه لانكار الجعلية في مثل الملكية ونحوها من مضامين العقود والايقاعات واتعاب النفس فيها بنحو من التكلفات للالتزام بانتزاعيتها من التكليف ( خصوصا ) بعد تداول تلك الاعتبارات بين العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم ممن لا يلتزم بشرع ولا شريعة ، وكونها لديهم من الاعتبارات المتأصلة بالجعل والمتحققة بصرف جعلها بقول أو فعل ، نظير سائر اعتباراتهم الجعلية من التعظيم والتوهين وأمثالهما ( فالتحقيق ) في نحو هذه الاعتبارات العرفية ما ذكرناه من كونها أمورا مجعولة بالاستقلال ، قد أمضاها الشارع.

( واما القضاوة والولاية ) فهما أيضا من الاعتبارات المتأصلة بالجعل كالملكية ونحوها وليستا منتزعتين من التكليف ولا كانتا من الأمور الواقعية ، وقياسهما يمثل

ص: 103

النبوة والإمامة الثابتة لبعض الأشخاص لأجل مالهم من خصوصية كمال النفس كما ترى ( بداهة ) وضوح الفرق بين مثل النبوة والإمامة الناشئة من أقصى مرتبة كمال النفس ، وبين الولاية والقضاوة الجعلية.

( وكذلك الوكالة والنيابة ) فهما أيضا من الاعتبارات العرفية الجعلية التي يقصد التوصل إليها بانشائها المخصوص ( فان ) مرجعهما إلى جعل نحو ولاية للغير على مال أو نفس ( على اشكال ) في الأخير لامكان دعوى خروج النيابة من الأحكام الوضعية وكونها من سنخ الحقايق الادعائية والوجودات التنزيلية بلحاظ رجوع حقيقتها إلى تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو بالنسبة إلى ما يصدر منه من الأمور الراجعة إلى المنوب عنه ، لا إلى جعل الولاية للغير بما هو غير وتفويض الامر إليه ( بخلاف ) الوكالة فان مرجعها إلى جعل الغير بما هو غير وليا وسلطنا على التصرف في مال الموكل أو نفسه ، ومن هنا لا يحتاج الوكيل في ايقاع العمل الموكل فيه إلى قصد وقوعه عن موكله بل هو بعد تحقق وكالته يستقل في ايقاع العمل الموكل فيه عقدا كان أو ايقاعا فيتصرف بما هو هو في مال موكله أو في نفسه بإجارة أو تزويج ونحو ذلك ( وبالجملة ) فرق واضح بين جعل الغير بما هو غير وليا وسلطانا على العمل الموكل فيه ، وبين جعله عناية منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو فيما يصدر منه من الأعمال كما في باب النيابة ( ومن المعلوم ) عدم ارتباط مثله بالأحكام الوضعية والاعتبارات الجعلية ( إذ مرجع ) الجعل فيها انما هو إلى تكوين حقيقتها المصطلحة عند الحكيم بالجعل ، بخلاف الأمور الادعائية ، فان الجعل فيها راجع إلى تكوين حقيقتها الادعائية المصطلحة في ألماني والبيان ( نعم ) نفس الادعاء والتنزيل فيها يكون متحققا بالجعل والانشاء بمثل قوله جعلتك نائبا ، ولكن مجرد ذلك لا يوجب كونها من الأحكام الوضعية ، والا لاقتضى عدم حصرها ، لان باب الادعاء والتنزيل واسع ، فيلزم ان يكون جميع التنزيلات الشرعية من الأحكام الوضعية وهو كما ترى ( هذا تمام الكلام في الأحكام الوضعية ).

ص: 104

( وينبغي التنبيه على أمور )

( التنبيه الأول ) قد تقدم سابقا انه يعتبر في الاستصحاب اليقين بثبوت المستصحب سابقا والشك في بقائه لاحقا ( اما الأخير ) فاعتباره ظاهر لكونه مما به قوام حقيقته ( وفي اعتبار ) خصوص الشك الفعلي أو كفاية الشك التقديري ، كلام قد تقدم تحقيق القول فيه وفيما تترتب عليه من الثمرة وقد ذكرنا ان المختار هو اعتبار خصوص الشك الفعلي فلا موجب لإعادته ( واما الأول ) وهو اليقين السابق ، فاعتباره أيضا في صحة جريانه مما لا اشكال فيه خصوصا على مبنى اخذه من الاخبار كما هو المختار ( وانما الكلام ) في أن اعتباره من جهة كونه مما به قوام حقيقة الاستصحاب ، أو من جهة كونه مما به قوام تطبيقه على المورد لا قوام حقيقته ( ولقد ) تقدم تحقيق القول فيه أيضا ، وانه على المختار من اخذ اليقين في لا تنقض على نحو العنوانية ولو بما هو طريق ، لا بما هو صفة خاصة يكون مما به قوام حقيقة الاستصحاب كالشك اللاحق زائدا عن دخله في مقام تطبيقه على المورد فلا نطيل الكلام بإعادته.

( التنبيه الثاني ) لا فرق في صحة الاستصحاب بين ان يكون المستصحب محرزا باليقين الوجداني أو بغيره من الطرق والامارات بل الأصول المحرزة أيضا كالاستصحاب ( اما ) على المختار في مفاد أدلة حجية الامارات من كونه ناظرا إلى تتميم الكشف واثبات الاحراز فظاهر ، حيث إنها بتكفلها لتتميم الكشف بعناية التنزيل يوسع دائرة اليقين المنقوض والناقض في الاستصحاب بما يعم الوجداني والتعبدي وبذلك يكون المستصحب عند قيام الامارة أو الطريق عليه محرزا باليقين التعبدي ، فمع الشك في بقائه في الزمان المتأخر يجري فيه الاستصحاب لا محالة لتمامية أركانه من الاحراز السابق والشك اللاحق ، قلنا ان اليقين في لا تنقض ملحوظ على نحو العنوانية كما هو المختار أو على وجه المرآتية للمتيقن.

ص: 105

( كما أنه ) بقيام الامارة على ارتفاع المستصحب في الزمان المتأخر تتحقق الغاية واليقين الناقض من غير احتياج إلى جعل اليقين في لا تنقض عبارة عن مطلق الاحراز كما أفيد ، لما عرفت من أن المطلوب يتم ولو بجعل اليقين في دليله عبارة عن اليقين الوجداني ( والا لاقتضى ) المصير إلى تقديم الامارة على الاستصحاب بمناط الورود ، وهو مما لا يلتزم به القائل المزبور ، لان بنائه انما هو على تقديمها عليه بمناط الحكومة ، فحفظ هذه الجهة لا يكون الا بابقاء اليقين في لا تنقض ناقضا ومنقوضا على ظاهره من اليقين الوجداني مع البناء على اقتضاء الامارة بمعونة دليل اعتبارها لليقين بثبوت مؤداها ( فإنه ) بذلك تتم حكومة الامارات على الاستصحاب ويرتفع الاشكال أيضا عن جريان الاستصحاب في مؤدياتها ( هذا ) على على المختار في مفاد أدلة الامارات من كونه ناظرا بعناية التنزيل إلى تتميم الكشف واثبات الاحراز.

( واما ) بناء على استفادة كونه ناظرا إلى تنزيل المؤدى والامر بالمعاملة معه معاملة الواقع ، بلا نظر منه إلى تتميم كشف الامارة واثبات احراز الواقع بها ( فان ) قلنا ان النقض في لا تنقض اليقين متعلق بالمتيقن واقعا وان اليقين فيه ملحوظ عبرة ومرآة للمتيقن ( فيمكن ان يقال ) : انه بقيام الامارة على الحالة السابقة يجري الاستصحاب ، لان مقتضى الامارة السابقة بمعونة دليل اعتبارها وجوب ترتيب آثار الواقع على المؤدى ، ومن جملتها حرمة نقض اليقين به بالشك فيه اللّهم الا ان يقال : ان تعلق حرمة النقض بعد أن كان بغير هذه الحرمة من سائر آثار وجود الشيء فلا جرم مع الشك في وجوده يشك في هذه الحرمة أيضا فلا يصح تطبيق الاستصحاب على المورد ، وعليه فلا يكون المحرك الفعلي على حرمة نقض آثار المتيقن الا الامارة لا نفس حرمة النقض فتدبر ( نعم ) على ذلك يشكل الامر في تقديم الامارة اللاحقة على الاستصحاب بمناط الحكومة كما أشرنا إليه غير مرة ( وان قلنا ) ان حرمة النقض متعلق بنفس اليقين وان اليقين ملحوظ فيه مستقلا على نحو العنوانية ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، فيشكل الاكتفاء بالامارة السابقة في صحة الاستصحاب ، نظرا إلى انتفاء الكاشف وعدم تحققه لا وجدانا ولا تعبدا ( واشكل ) منه ، ما إذا قلنا في دليل الامارة بكونه ناظرا إلى مجرد جعل الحجية المستتبعة لتنجيز

ص: 106

الواقع عقلا على تقدير ثبوته بلا نظر إلى تنزيل المؤدى والتعبد بكونه هو الواقع ، ولا إلى اثبات العلم بالواقع كما هو مختار الكفاية ، فإنه على المسلكين في مفاد حرمة النقض لا مجال للاستصحاب في مؤديات الامارات ( اما ) على مسلك رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن فظاهر ، للشك الوجداني حينئذ في كون المؤدى هو الواقع ، وعدم تكفل دليل الامارة حسب الفرض لتنزيل المؤدى منزلة الواقع ولا لاثبات العلم به ، ومع الشك المزبور يشك لا محالة في توجيه التكليف بحرمة النقض إلى المكلف ( ومجرد ) استتباع جعل الحجية تنجيزا للواقع المحتمل على فرض ثبوته لا يقتضى اثبات ان المؤدى هو الواقع ولا ترتيب آثار الواقع عليه الا من باب الاحتياط ، نظير ما إذا وجب الاحتياط على المكلف عند احتمال مطابقة الامارة للواقع ( ومن الواضح ) ان مثل هذا الحكم الاحتياطي أجنبي عن الحكم الاستصحابي الذي هو من آثار الواقع ، لأنه حكم في ظرف الشك في وجوب ترتيب آثار الواقع وفي مرتبة متأخرة عنه ( نعم ) على تقدير مطابقة الامارة للواقع يكون التكليف الاستصحابي أعني حرمة النقض منجزا عليه بمقتضى جعل الحجية ( ولكن ) الشك في مطابقة الامارة بعد أن كان شكا في ثبوت موضوع حرمة النقض فلا مجال لتطبيق حرمة النقض على المورد ( هذا ) على تقدير تعلق حرمة النقض بنفس المتيقن واقعا ( واما ) على تقدير تعلقه بنفس اليقين فالاشكال أوضح ، إذ حينئذ يقطع بعدم توجيه التكليف بحرمة النقض إليه في الواقع ونفس الامر ، لانتفاء موضوعه الذي هو اليقين وعدم تحققه لا بالوجدان ولا بالتعبد.

( لا يقال ) : انه كذلك إذا كان اليقين في لا تنقض ملحوظا من حيث الكاشفية عن الواقع ( واما ) لو كان مأخوذا من حيث المنجزية والقاطعية للعذر فلا محذور في الاستصحاب ، لان مفاد كبرى المزبورة حينئذ هو ان ما قام عليه المنجز يحرم نقضه بالشك ، دليل الامارة حسب اقتضائه لجعل الحجية موجب لقيام الامارة مقام العلم من حيث منجزيته فيرتفع بذلك الاشكال المزبور ( فإنه يقال ) : ان موضوع حرمة النقض انما هو التكليف الذي قام عليه المنجز ، فمع الشك الوجداني

ص: 107

في مطابقة الامارة للواقع يشك لا محالة في ثبوت موضوع الحرمة ( وبعد ) عدم تكفل دليل الامارة لاثبات العلم بالواقع ، ولا لاثبات ان المؤدى هو الواقع ، لا مجال لتطبيق حرمة النقض على المورد ( فلا يفرق ) حينئذ في المنع عن جريان الاستصحاب على هذا المسلك بين ان يكون اليقين في لا تنقض ملحوظا على نحو المرآتية للمتعلق ، أو العنوانية ( ولا في الثاني ) بين ان يكون ملحوظا من حيث كاشفيته وطريقيته للواقع ، أو من حيث منجزيته له ، فعلى جميع هذه الفروض لا يصح تطبيق حرمة النقض على المورد ( اما ) للقطع بانتفاء موضوع الحرمة ، أو للشك في ثبوته وتحققه واقعا ( فما عن بعض الأعاظم قده ) حينئذ من صح الاستصحاب في فرض كون اليقين في لا تنقض ملحوظا من حيث منجزيته ولو مع عدم تكفل دليل الامارة لتتميم الكشف منظور فيه ( وهكذا ) الكلام فيما لو كان دليل الامارة بلسان مجرد ايجاب العمل على طبق المؤدى بلا تكفله لاثبات كونه هو الواقع ولا لاثبات العلم به ، فإنه على جميع المسالك في مدلول حرمة النقض لا مجال لتطبيق الاستصحاب في موارد الامارات.

( وبما ذكرنا ) ظهر ان ما افاده المحقق الخراساني قده من الاشكال في صحة الاستصحاب في المقام على مسلكه في باب الطرق والامارات من أن المجعول فيها هي الحجية في غاية المتانة ، وانه لا يمكن الذب عنها الا بما افاده من كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب وجريانه بلا احتياج إلى احراز ثبوت المستصحب واقعا ( لان ) شأن الاستصحاب انما هو مجرد اثبات البقاء التعبدي للشيء على تقدير ثبوته الراجع إلى جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشيء وبقائه ( ولكن ) الاشكال كله في أصل هذا المبني ( فان التحقيق ) في مفاد أدلة الطرق والامارات ما أشرنا إليه غير مرة من كونه بنحو تتميم الكشف واثبات الاحراز التعبدي للواقع ، لا بنحو تنزيل المؤدي ، ولا جعل الحجية ، وعليه فلا قصور في استصحاب الاحكام التي قامت الامارات على ثبوتها قلنا ان اليقين في لا تنقض اليقين ملحوظ على نحو العنوانية ، أو المرآتية ( لان ) دليل الامارة بعناية تكفله لاثبات العلم والاحراز

ص: 108

يوسع دائرة اليقين الناقض والمنقوض في الاستصحاب وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات الامارات لكونها محرزة حينئذ بالاحراز التعبدي ، كما أنه به يتم حكومتها عليه عند قيامها على بقاء الحالة السابقة أو ارتفاعها ، بلا احتياج إلى جعل اليقين في لا تنقض كناية عن مطلق الاحراز كي يلزم تقدم الامارة عليه بمناط الورود لا الحكومة ، ولا إلى دعوى كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب.

ثم إن بعض الأعاظم قده أورد على المحقق الخراساني قده على ما في التقرير تارة على كلامه بان المجعول في الطرق والامارات انما هو الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع لا الاحراز والوسطية ، بما حاصله امتناع جعل التنجيز والمعذرية ( بتقريب ) ان التنجيز انما تدور مدار وصول التكليف إلى المكلف ولو بطريقه فالتكليف ان كان واصلا إلى المكلف ولو بطريقه لا يمكن ان لا يكون منجزا ، وان لم يكن واصلا إليه بنفسه أو بطريقه لا يمكن ان يكون منجزا ، بل المكلف كان معذورا لا محالة ، فالتنجيز والمعذورية مما لا تناله يد الجعل الشرعي لكونهما من اللوازم العقلية المترتبة على وصول التكليف وعدمه ( وأخرى ) على ما افاده في دفع الاشكال عن جريان الاستصحاب في مؤديات الطرق والامارات من كفاية الشك في البقاء على تقدير الحدوث في صحة الاستصحاب ( بان ذلك ) لا يحسم مادة الاشكال ، لان حقيقة الاستصحاب وان كان هو التعبد بالبقاء الا ان التعبد انما هو ببقاء ما ثبت عند الشك فيه ولا معنى لتعبد بالبقاء على تقدير الحدوث ، لان الملازمة كالسببية مما لا تناله يد الجعل الشرعي ( فان ) الذي يقبل الجعل هو التعبد بوجود الشيء على تقدير آخر فينتزع من ذلك السببية والملازمة ، فصحة الاستصحاب يتوقف على احراز الحدوث ليصح التعبد ببقاء الحادث عند الشك في بقائه ، ولا معنى للتعبد ببقاء ما شك في حدوثه الا ان يرد أولا التعبد بالحدوث ليكون الحدوث محرزا بوجه ثم يرد التعبد بالبقاء.

( أقول ) ولا يخفى عليك ما في هذين الاشكالين ( اما الأول ) فان كان المقصود من تبيعية التنجيز والمعذورية لوصول التكليف وعدمه عدم قابليتهما بنفسهما للوقوع تحت الجعل بدوا فهو مما لا يدعيه المحقق الخراساني أيضا.

ص: 109

( فان تمام نظره ) إلى أن الحجية كالملكية من الاعتباريات الجعلية التي تستتبع جعلها عقلا للتنجيز والمعذورية ، لا ان المجعول بدوا هو نفس التنجيز والمعذورية ، وليس في الاشكال المزبور أيضا ما يقتضي امتناع جعل الحجية ( وان كان ) المقصود ان التكليف الواقعي لا يكون منجزا على المكلف بنحو يستتبع العقوبة على مخالفته الا بوصوله إلى المكلف ولو بطريقه ، فهذا مما لا اشكال فيه ( ولكن ) المدعى انه يكفي في وصول الشيء بطريقه وصول الحجة عليه ولو جعلية وهي أيضا على مسلكه حاصلة ( وان كان ) المقصود انه لا يكون التنجز الا بالاحراز الوجداني أو الجعلي وبدونهما لا يعقل التنجز ، فهو مع أنه مصادرة محضة ، مناف لما افاده في أول هذا التنبيه بقوله إذا اخذ العلم موضوعا من حيث اقتضائه للتنجيز والمعذورية تقوم مقامه الطرق والأصول المحرزة وغير المحرزة ( إذ على هذا ) البيان أي أصل غير محرز يقوم مقام العلم من حيث التنجيز ( وان كان ) المقصود غير ذلك فلابد من بيانه ( واما الاشكال ) الثاني ، فان كان المقصود منه ان في التعبد بالبقاء يحتاج إلى احراز الحدوث وانه لا يكفيه الشك في البقاء على تقدير الحدوث ، ففيه انه مصادرة محضة يطالب بالدليل ( فان ) شأن الاستصحاب على مرامه قده ، في لا تنقض من اخذ اليقين فيه مرآة إلى المتيقن ووصلة لإيصاله النقض إليه انما هو اثبات الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشيء واقعا وبقائه ، وفي هذا المقدار لا يحتاج فعليه التعبد بالبقاء إلى احراز الحدوث ، نعم في مرحلة محركية التعبد المزبور لابد من احراز الحدوث اما بالعلم الوجداني أو بقيام الحجة عليه حيث كان الحجة على الملزوم حجة على لازمه التعبدي ( وان كان ) المقصود هو عدم جعلية الملازمة المزبورة وانها كالسببية من الأمور الواقعية التي لا تنالها يد الجعل والرفع ، ففيه انه كذلك في الملازمة الحقيقية الواقعية بين حدوث الشيء وبقائه واقعا ( واما الملازمة ) الظاهرية بين ثبوت الشيء وبقائه التعبدي فجعليتها بمكان من الامكان ( كيف ) وان شأن الاستصحاب على مسلكه ومرام كل من عرفه بابقاء ما كان بعد أن كان اثبات البقاء التعبدي للواقع يلزمه قهرا كون البقاء التعبدي من آثار الواقع ( ولازم ) ذلك صيرورة الملازمة المزبورة كملازمة كل حكم لموضوعه مجعولة بعين جعل الحكم لموضوعه ( وان كان )

ص: 110

المقصود هو توقف صحة التعبد بالبقاء على احراز المستصحب لأجل انه بدونه لا ينتهى التعبد المزبور إلى العمل فيلزم لغوية التعبد بالبقاء ( ففيه ) ان اللغو انما هو التعبد بشيء لا ينتهى امره إلى احراز صغراه رأسا ، والا فمع الانتهاء إلى احراز صغراه أحيانا فلا قصور في صحة التعبد به ( فإنه ) يكفي هذا المقدار في خروجه عن اللغوية ، كما هو الشأن في التعبد بجميع الطرق المنوط صحته على احراز الطريق لدى المكلف ، فكون خبر الواحد أو البينة حجة بنحو القضية الحقيقية لا يقتضى الا إناطة فعلية التعبد بوجودهما واقعا غير المنفك كثيرا عن الجهل بهما ، وبالعلم بالصغرى يصير التعبد بالخبر والبينة منتهيا إلى العمل ومحركا فعليا نحوه وخارجا عن اللغوية ( وفي المقام ) تكون الامارة على حدوث المستصحب حجة على لازمه الشرعي من الابقاء التعبدي ، فيترتب عليه عند الشك فيه آثار البقاء من نحو وجوب الإطاعة ونحوه كما هو ظاهر فتدبر.

( ثم انه ) قد يقرب الاستصحاب بوجه آخر يسلم عن الاشكال المزبور ولو مع البناء على استفادة جعل الجية من دليل الامارات ( وحاصله ) تطبيقه على كلي الوجوب أو الحرمة الجامع بين الواقعي والظاهري ( بتقريب ) انه بقيام الامارة على وجوب شيء يقطع بمطلق وجوبه على تقدير مطابقة الامارة للواقع ومخالفته له ( حيث ) انه على تقدير يكون المتحقق هو الوجوب الواقعي ، وعلى تقدير آخر يكون المتحقق هو الوجوب الظاهري ، فإذا شك في ارتفاعه يجري فيه الاستصحاب ( وفيه ) انه لو تم ذلك فإنما هو على القول بالسببية والموضوعية في الطرق والامارات ، والا فعلى ما هو المشهور والمختار من الطريقية فيها ، فلا يصح ذلك ( لان ) مرجع الحكم الطريقي إلى كونه ايجابا حقيقيا على تقدير ، وصوريا على تقدير آخر ، وبعد عدم تصور جامع ذاتي بين الايجاب الحقيقي والصوري يندرج الاستصحاب المزبور لا محالة في استصحاب الفرد المردد بين ما له الأثر وما ليس له الأثر ، لا في استصحاب الكلى ( ومثله ) لا يجرى فيه الأصل ، لعدم تعلق اليقين والشك فيه بموضوع له الأثر ، لان ما له الأثر انما هو الوجوب الواقعي وهو مما يشك في ثبوته من الأول لاحتمال

ص: 111

مخالفة الامارة للواقع.

( وقد يقرب ) الاستصحاب بوجه ثالث ، وهو تطبيقه على الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بالامارة ( بتقريب ) انه بقيام الامارة أو البينة على وجوب شيء أو طهارته ونجاسته يقطع بثبوت الكم الظاهري ووجوب ترتيب آثار الواقع من الطهارة أو النجاسة ، فإذا شك بعد ذلك في نجاسة ما قامت الامارة على طهارته لاحتمال ملاقاته مع النجاسة في الزمان الثاني يستصحب تلك الطهارة الظاهرية لتحقق أركانه جميعا من اليقين السابق والشك اللاحق ، ولا يحتاج إلى احراز الطهارة الواقعية التي هي مؤدى الامارة كي يشكل عليه بعدم احراز الحدوث ( وفيه ) انه يتجه ذلك إذا لم يكن منشأ احتمال مخالفة الامارة للواقع منحصرا بجهة مخصوصة ، والا فمع حصره بجهة مخصوصة ، فلا مجال للاستصحاب ، للقطع بانتقاء الحكم الظاهري حينئذ من غير تلك الجهة ، مثلا لو فرضنا انه شك في طهارة ماء ونجاسته في الصبح من جهة احتمال ملاقاته مع الدم بحيث يكون منشأ الشك في نجاسته منحصرا بالاحتمال المزبور ، فقامت البينة على طهارته في الصبح ، فلا شبهة في أن ما يقتضيه التعبد بالبنية من الطهارة الظاهرية للماء المزبور انما هو طهارته من الجهة المزبورة لا مطلقا ولو من غير تلك الجهة ( إذ لازم ) حصر منشأ الشك في نجاسته عند الصبح بالجهة المزبورة هو اليقين بعدم نجاسته من الجهات الاخر ، ومع هذا اليقين يمتنع اقتضاء التعبد بالبنية طهارة الماء حتى من الجهة المعلومة ، فلو شك في بقاء طهارته من غير تلك الجهة المشكوكة أولا في ثاني الزمان بل من جهة احتمال ملاقاته مع البول أو غيره من النجاسات فلا يجري فيه الاستصحاب للقطع بانتفاء الحكم الظاهري من الأول من غير الجهة المشكوكة أولا ( وحينئذ ) فلولا اجراء الاستصحاب في الحكم الواقعي الذي هو مؤدي البنية لا مجال لاجرائه في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بها كما هو ظاهر ( هذا كله ) في استصحاب مؤديات الطرق والامارات ، وقد عرفت نفى الاشكال عن جريانه فيها على المختار في مفاد أدلة الامارات من كونه على نحو تتيمم الكشف واثبات الاحراز التعبدي حتى على القول بتعلق حرمة النقض في لا تنقض بنفس المتيقن

ص: 112

فضلا عما هو المختار من تعلقه بعنوان اليقين.

( واما الاستصحاب ) في مؤديات الأصول المحرزة كالاستصحاب وقاعدة الطهارة على وجه قوى ، ففي جريانه فيها اشكال أقواه العدم ، وذلك لا من جهة عدم احراز ثبوت المستصحب فيها ، لأنه على المختار في لا تنقض من تعلقه بنفس اليقين ، لا قصور في قيامه مقام القطع الطريقي ( بل من جهة ) حصر الغاية فيها باليقين بالخلاف في قوله (عليه السلام) ولكن انقضه بيقين آخر ( فان لازم ) غائية اليقين بالخلاف فيها هو بقاء الحكم المجعول بالأصل واستمراره إلى حين اليقين بالانتقاض ، فمع عدم اليقين بالخلاف لا وجدانا ولا تعبدا كان الحكم المجعول بالاستصحاب السابق باقيا ، ومع بقائه لا يبقى المجال لاجراء الاستصحاب بالنسبة إلى مؤدياتها ، لان الغرض من استصحابها انما هو اثبات الحكم الظاهري وترتيب آثار البقاء عليها وهو حاصل بالاستصحاب السابق الجاري أولا.

( واشكل ) من ذلك استصحاب مؤديات الأصول غير المحرزة كقاعدة الحلية والطهارة على وجه آخر ، بلحاظ عدم كون مؤدياتها الا مجرد اثبات الطهارة أو الحيلة الظاهرية للشيء في ظرف الشك فيهما بلا نظر منها إلى اثبات ان المؤدى هو الواقع ( واما ) استصحاب الحكم الظاهري المجعول في موردها ، فهو أيضا مما لا مجرى له ، لانتفاء الشك الذي هو من أركانه ، للقطع ببقاء الحكم الظاهري المجعول في مواردها ما دام بقاء الشك وعدم حصول الغاية التي هي العلم بالخلاف.

التنبيه الثالث

المستصحب اما ان يكون كليا أو شخصيا ، ( وعلى الثاني ) اما ان يكون فردا معينا قد شك في بقائه ، أو يكون فردا مرددا من طبيعة واحدة أو طبيعتين أو طبايع ، كما أنه على الأول ( تارة ) يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد الذي كان الكلي متحققا في ضمنه ( وأخرى ) من جهة تردد الخاص الذي كان

ص: 113

الكلي في ضمنه بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر مع فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر ، والحيوان المردد بين كونه قصير العمر أو طويله مع مضى زمان يقطع عادة بعدم بقاء القصير في طول هذا الزمان ( وثالثة ) من جهة احتمال وجود فرد آخر للكلي غير الفرد الذي علم بحدوثه وارتفاعه ، ( وهذا ) أيضا على قسمين ، فان الفرد الآخر المحتمل ، تارة يحتمل وجوده في زمان الفرد الآخر ، وأخرى يحتمل حدوثه مقارنا لارتفاعه ، وذلك أيضا ( تارة ) في الافراد المتواطئة ( وأخرى ) المشككة ( ثم ) الأثر الشرعي في فرض كون المستصحب من الموضوعات ( تارة ) مترتب على نفس الكلى والجامع بين الفردين ( وأخرى ) على أحد الفردين بلا ترتبه على عنوان الجامع ( وثالثة ) على كل منهما ، فهذه جهات وصور لهذا التقسيم.

ولنقدم الكلام في الاستصحاب الشخصي ( فنقول ) : أما إذا كان المستصحب شخصا معينا فلا اشكال في صحة استصحابه لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق والشك اللاحق ( واما ) إذا كان شخصا مرددا بين الشخصين كأحد الفردين أو الانائين في مثال العلم الاجمالي بوجوب أحدهما أو نجاسته ( فتارة ) يكون الشك في بقاء المعلوم بالاجمال من جهة ارتفاع أحد الفردين أو خروجه عن الابتلاء ( وأخرى ) من غير تلك الجهة ( فان كان ) الشك في البقاء من جهة ارتفاع أحد فردي الترديد ، فلا يجري فيه الاستصحاب ( لا لتوهم ) عدم اجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء ( بل لعدم ) تعلق اليقين والشك بموضوع ذي اثر شرعي ( لأنه ) يعتبر في صحة التعبد بالشيء تعلق اليقين والشك به بالعنوان الذي يكون بذلك العنوان موضوعا للأثر الشرعي ، والا فلا يكفي تعلق الشك بغيره من العناوين التي لم يكن كذلك ( والأثر الشرعي ) في أمثال المقام انما هو لمصداق الفرد بما له من العنوان التفصيلي ، كصلاة الظهر والجمعة ، والقصر والتمام ، ونجاسة هذا الاناء وذاك الآخر بواقعه وعنوانه التفصيلي ، ومثله مما اختل فيه أحد أركانه وهو الشك في البقاء ، لكونه بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع الارتفاع ، بل ويختل فيه كلا ركنيه

ص: 114

جميعا ( واما العنوان ) الاجمالي العرضي ، كعنوان أحد الفردين أو الفرد المردد ، أو ما هو موضوع الأثر ونحوها من العناوين العرضية الاجمالية ، فهي وان كانت متعلقة لليقين والشك ، ولكنها بأسرها خارجة عن موضوع الأثر ( إذ لم يترتب ) اثر شرعي في الأدلة على شيء من هذه العناوين العرضية ، فلا يجرى الاستصحاب حينئذ لا في العنوان الاجمالي ، ولا في العناوين التفصيلية ، لانتفاء الأثر الشرعي في الأول ، وانتفاء الشك في البقاء في الثاني.

( وبهذه ) الجهة منعنا عن جريان الاستصحاب في المفاهيم المجملة المرددة بين المتباينين أو الأقل والأكثر ، كالشك في مفهوم زيد المردد بين زيد بن عمرو وزيد ابن خالد ، والشك في أن النهار تنتهي بغياب القرض أو بذهاب الحمرة المشرقية ، والشك في مفهوم الرضاع الموجب لنشر الحرمة في أنه ما بلغ عشر رضعات ، أو خمسة عشر رضعة ، وفي مفهوم الكر المردد قدره بين ما يساوي سبعة وعشرين شبرا ، أو ثلاثة وأربعين تقريبا ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، فلا يصح استصحاب المفهوم المردد بين المفهومين بعد موت زيد بن عمرو ، ولا استصحاب النهار بعد غياب القرض ، ولا استصحاب عدم تحقق الرضاع المحرم بعد تحقق عشر رضعات ، ولا عدم كرية الماء بعد بلوغه الحد الأول ، كل ذلك لما ذكرنا من انتفاء الأثر الشرعي فيما هو المشكوك ، وانتفاء الشك في البقاء فيما له الأثر الشرعي ، لكونه دائرا بين المقطوعين ( وبذلك ) أيضا يتضح الفرق بين الفرد المردد ، وبين القسم الثاني من الكلى ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر ( فان ) صحة الاستصحاب هناك انما هو من جهة ان لنفس الكلى اثر شرعي وهو المانعية عن الصلاة مثلا ، بخلاف الفرد المردد ، فان الأثر الشرعي فيه انما يكون للشخص لا لعنوان أحد الشخصين والفرد المردد ( وهذه ) الجهة هي العمدة في الفرق بين المقامين ، لا بصرف كون الجامع المتعلق للشك واليقين ذاتيا هناك وعرضيا هنا ( ولذا ) لو فرض ترتب اثر شرعي هنا أيضا على مثل هذا الجامع العرضي نقول : فيه بجريان الاستصحاب ( كما ) ان في طرف الكلى لو كان الأثر الشرعي لنفس الحصة أو الفرد لا للكلي والجامع الذاتي بين الفردين نقول فيه بعدم

ص: 115

جريان الاستصحاب.

( وتوهم ) ان الأصل انما لا يجرى في الفرد المردد إذا كان العنوان الاجمالي بما هو هو وفي حيال ذاته مقصودا في الاستصحاب ( واما ) إذا كان ملحوظا على وجه الطريقية والمشيرية إلى ما هو الموضوع للأثر بنحو الاجمال ، فلا محذور في استصحابه ، لأنه بهذا اللحاظ يكون وسيلة لايصال التعبد بالبقاء إلى ما هو الموضوع للأثر الشرعي ( مدفوع ) بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في فرض قابلية ما يحكى عنه العنوان الاجمالي لأعمال التعبد فيه ، والمفروض عدم قابليته لذلك ، لعدم تعلق الشك بعنوان من العناوين التفصلية ( فإنه ) ان اخذ كونه وجها وعنوانا لهذا الفرد كان مقطوع البقاء ( وان ) اخذ كونه عنوانا للفرد الآخر كان مقطوع الارتفاع ( فعلى كل تقدير ) لاشك في البقاء الا بعنوان أحد الفردين أو الفرد المردد أو بغيرهما من العناوين الاجمالية العرضية ، وبعد خروج مثلها عن حيز الأثر الشرعي فلا يجرى الاستصحاب فيها كما هو ظاهر.

( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ظهر الحال فيما لو كان الشك في بقاء الفرد المردد من غير جهة اليقين بارتفاع أحد الفردين ، كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الانائين مع احتمال زوال نجاسته بورود مطهر عليه من مطر ونحوه ، فإنه على ما ذكرنا لا يجرى فيه الاستصحاب أيضا ، لا في العنوان الاجمالي ، لاعتبار قيد الأثر في متعلقه ، ولا في كل واحد من الانائين ، لانتفاء اليقين بالنجاسة بالنسبة إليهما ( لان ) اليقين انما تعلق بأحدهما اجمالا المردد انطباقه على هذا الاناء وذاك الآخر ( وبعد ) احتمال طهارة كلا الانائين فعلا ، يرجع فيهما إلى قاعدة الطهارة ، بل استصحابها لاجتماع أركانه فيهما من اليقين بالطهارة والشك في البقاء ، ( وان أبيت ) الا عن جريان استصحاب النجاسة في هذه الصورة فليكن ذلك باجرائه في كل واحد من الطرفين لا في العنوان الاجمالي الذي لا اثر له ( بتقريب ) استتباع العلم الاجمالي المزبور لليقين بنجاسة كل واحد منهما في فرض انطباق المعلوم عليه ، فإنه مع هذا اليقين المنوط بكل واحد منهما يتحدد متعلق الشك واليقين فيهما فيجرى فيهما الاستصحاب ، وبالعلم الاجمالي بتحقق المعلق عليه في

ص: 116

أحدهما يعلم بتنجز أحد الاستصحابين فيترتب عليه الأثر فتأمل ( ولكن ) مثل هذا التقريب لا يجري في فرض اليقين بارتفاع أحد الفردين ، إذ لا يعلم بتحقق المعلق عليه في طرف المشكوك الباقي ، كي يترتب عليه اثر عملي كما هو ظاهر.

( ثم إن ) ما ذكرنا من المنع المذكور لا يختص بالاستصحاب ، بل يجري في عامة الأصول ، لاطراد وجه المنع في جميعها ( ويترتب ) على ذلك أنه لو صلى عند اشتباه القبلة إلى الجهات الأربع وبعد الفراغ منها علم بفساد واحدة منها معينة ، فإنه على ما ذكرنا لا يجوز الاكتفاء بالبقية في تفريغ الذمة ، بل تجب إعادة تلك الصلاة بعينها ، لعدم جريان قاعدة الفراغ في العنوان الاجمالي المردد ، كالصلاة إلى القبلة المرددة ، أو ما هو المأمورية بهذا العنوان الاجمالي ، وعدم اثمار جريانها في البقية لعدم العلم بان القبلة فيها ( بخلاف ) ما إذا علم بفساد واحدة منها مرددة ، فإنه لا يجب إعادة الصلاة ، لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كل واحدة من الصلوات المأتية ( فان ) كل واحدة منها في فرض كونها إلى القبلة مما يشك في صحته وفساده بشك حادث بعد الفراغ فتجري فيها القاعدة ( غاية الامر ) يعلم اجمالا بمخالفة أحد هذه الأصول للواقع ، وهو أيضا غير ضائر لاحتمال كون الفاسدة هي المأتية إلى غير القبلة ( ومثل هذا ) التفصيل من نتائج عدم جريان الأصل في العنوان الاجمالي المردد ، لاختصاص موضوعه بالشك المتعلق بما له الأثر بعنوانه التفصيلي ( والا ) فعلى فرض اطلاقه بالنسبة إلى الشك بكل عنوان لا مجال للتفصيل المزبور ( بل اللازم ) هو المصير إلى جريان القاعدة حتى في فرض العلم بفساد واحدة منها معينة ( إذ حينئذ ) يصدق الشك في صحة ما هو المأمور به وفساده بهذا العنوان الاجمالي بشك حاصل بعد الفراغ ، مع أنه لا يظن التزامه من أحد ، وعليه فلا يتم التفصيل المزبور بين فرضي المسألة الا بما ذكرناه.

( ثم انه ) لو قلنا بكفاية مرآتية العنوان الاجمالي المشكوك لما له الأثر الشرعي في صحة التعبد ببقائه ، لا يرد عليه اشكال بعض الأعاظم قده باختلاله في أحد

ص: 117

أركانه ، لانتقاء الشك ببقاء العنوان المردد بما هو كذلك بعد العلم بارتفاع أحد الفردين وبقاء الاخر ، واستلزامه التعبد بما هو معلوم البقاء وبما هو معلوم العدم ( بتقريب ) ان معنى استصحاب الفرد المردد انما هو التعبد ببقاء الحادث على ما هو عليه من الترديد وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سواء كان هو الفرد الزائل أو الباقي وهو ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير وبقائه على تقدير آخر ( إذ فيه ) ان هذا الاشكال يتجه في فرض سراية اليقين والشك من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى عناوين الأطراف التفصيلية ( والا ) ففي وقوفهما على العنوان الاجمالي وعدم سرايتهما إلى العناوين التفصيلية ولا إلى المعنونات الخارجية كما حققناه في مبحث البراءة والاشتغال بشهادة اجتماع الشك واليقين في العلوم الاجمالية ، فلا مجال لهذا الاشكال ، ( فإنه ) كما أن اليقين الاجمالي بالعنوان المردد لا ينافي الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف بل يجتمع معه ( كذلك ) الشك الاجمالي ببقاء العنوان المزبور لا ينافي اليقين التفصيلي بارتفاع بعض الأطراف وبقاء البعض الاخر ، ومعه لا قصور في استصحاب العنوان المردد لاجتماع أركانه فيه من اليقين السابق والشك اللاحق ( فإنه ) من جهة احتمال انطباقه على الفرد الزائل يشك في بقاء ما تعلق به اليقين السابق فيجري فيه التعبد بالبقاء من دون اقتضائه التعدي إلى العناوين التفصيلية كي يلزم التعبد بما هو معلوم الوجود وما هو معلوم العدم ( كيف ) وان التعبد الاستصحابي تابع يقينه وشكه وبعد عدم تعديهما من العنوان الاجمالي إلى العناوين التفصيلية لا يكاد يتعدى التعبد بالبقاء أيضا عن مورد يقينه وشكه كما هو ظاهر ( ولعمري ) ان المنشأ كله للاشكال المزبور انما هو تخيل اعتبار كون المستصحب في الفرد المردد مشكوك البقاء في الزمان المتأخر بجميع عناوينه حتى بعنوانه التفصيلي المنطبق على الفرد الزائل أو الباقي ( ولكنه ) كما ترى فان القدر المستفاد من قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك انما هو اعتبار مجرد تعلق الشك في الزمان المتأخر بعين ما تعلق به اليقين السابق من العنوان ، فإذا كان المتعلق للعلم هو العنوان الاجمالي المردد انطباقه على أحد الفردين ، يكون معنى الشك فيه عبارة عن الشك ببقاء ذاك

ص: 118

العنوان المردد انطباقه على أحد المعلومين ، لا ان معناه كونه مشكوك البقاء بجميع العناوين حتى بالعنوان التفصيلي المنطبق على الفرد الزائل أو الباقي ( كيف ) ولازم البيان المزبور هو الاشكال في استصحاب القسم الثاني من الكلى المردد بين القصير والطويل.

( فإنه ) بعد أن كان الكلى بعروض التشخصات عليه يتحصص في الخارج بحصص متعددة بحيث يصير مع كل شخص وخصوصية حصته من الطبيعي غير الحصة الأخرى مع شخص فرد آخر ، كما اشتهر بان مع كل فرد أب من الطبيعي ، لان نسبة الطبيعي إلى الافراد كنسبة الآباء إلى الأولاد ، لا كالأب الواحد ، فلا محالة يكون مرجع العلم الاجمالي في الكلى إلى العلم بحدوث حصة من الطبيعي متخصصة بخصوصية خاصة مرددة بين كونها مقطوع الارتفاع وبين كونها مقطوع البقاء ، فيجئ فيه أيضا ما في الفرد المردد من الاشكال ( وهو ) كما ترى ( إذ هو ) مع كونه خلاف ما عليه المعظم ، لا يلتزم به المستشكل المزبور أيضا ( وحينئذ ) فكما يدفع الاشكال في الكلى بعدم اضرار اليقين بارتفاع أحد الفردين وبقاء الآخر في أركان استصحابه ، بدعوى تعلق اليقين والشك فيه بالجامع الاجمالي المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين لا بالعناوين التفصيلية ، ولا بالمحكيات الخارجية ، فلا ينافي اليقين بارتفاع أحد الفردين وبقاء الآخر مع اجتماع اليقين والشك في نفس الكلى والجامع المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين ( كذلك ) يدفع به الاشكال في الفرد المردد ( إذ لا فرق ) بينهما الا من جهة كون الجامع المتعلق للعلم ذاتيا في الكلى وعرضيا في الفرد المردد ، وهو أيضا غير فارق بعد وقوف اليقين في المقامين على نفس الجامع الاجمالي وعدم سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية للافراد ( ولازم ) ذلك بعد تعلق الشك ببقاء العنوان المزبور ولو من جهة الشك في انطباقه على الفرد الزائل أو الباقي هو جريان الاستصحاب فيه بعين جريانه في الكلى ، لولا شبهة انتفاء الأثر الشرعي فيه ( وقد تقطن ) المستشكل المزبور لهذا الاشكال في الكلى ، فاورد على نفسه بان اليقين في الكلى أيضا لم يتعلق الا بحدوث حصة من الكلى متخصصة بخصوصية

ص: 119

خاصة وتلك الحصة أمرها يدور بين ما يكون مقطوع البقاء ، وما يكون مقطوع الارتفاع فيكون حال الكلى الموجود في ضمن الفرد المردد حال نفس الفرد المردد ( ولكنه ) أجاب عنه بان وجود الكلى وان كان بوجود الفرد وزواله بزواله ، الا انه ليس الكلى مما ينتزع عن الفرد ، بل هو متأصل الوجود في الخارج على ما هو التحقيق من وجود الكلى الطبيعي ، ومن دون فرق بين الأمور العينية التكوينية ، وبين الأمور الاعتبارية أو الشرعية ( فالعلم ) بوجود الفرد المردد يكون منشأ للعلم بوجود الكلى والقدر المشترك خارجا ، وارتفاع أحد الفردين يصير منشأ للشك في بقاء الكلى ، فيثبت كلا ركني الاستصحاب ( أقول ) : وفيه ان المقصود من تأصل الكلى الطبيعي في الخارج ، ان كان وجوده في ضمن الفرد بوجود شخصي مستقل قبال الخصوصيات الفردية ، ففساده أوضح من أن يبين ، فان لازمه اتحاد جميع الافراد المتحدة مع الطبيعي في وجود واحد شخصي ( وان كان ) المقصود وجوده بوجود نوعي أو جنسي ، فهو أوضح فسادا ، بداهة انه لا وجود للكلي بوصف الكلية الصادقة على الكثيرين في الخارج وانما صقعه بهذا النحو في موطن الذهن لا الخارج ، فالخارج هو موطن الحصص المعروضة للتقيدات والتفحصات ( وان كان ) المقصود من وجوده باعتبار وجود حصصه المقرونة بالخصوصيات الفردية ، نظرا إلى تكثر الطبيعي في الخارج بعروض التشخصات عليه وتحصصه بحصص متعدده بنحو يصير مع كل فرد حصة من الطبيعي تغاير الحصة الأخرى الموجودة في ضمن الفرد الآخر ، غاية الأمران العقل ينتزع من هذه الحصص بلحاظ وحدتها السنخية وكونها تحت جنس واحد وفصل فارد مفهوما واحدا فيناله في الذهن بنحو الكلية الصادقة على الكثيرين ، فهو متين جدا ( ولكن ) يتوجه عليه سؤال الفرق بين الكلى وبين الفرد المردد ، في أنه بعد عدم اضرار اليقين بارتفاع إحدى الحصتين وبقاء الأخرى في أركان الاستصحاب في الكلى ولو من جهة دعوى تعلق اليقين بنفس الكلى بصورته الذهنية ووقوفه على الجامع المحتمل الانطباق في الخارج على كل واحد من الفردين ، وعدم سرايته إلى عناوين الحصص الفردية ( فليكن ) كذلك في الفرد المردد ، لان فيه أيضا يكون

ص: 120

اليقين متعلقا بالجامع العرضي والعنوان الاجمالي المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين المعلوم ارتفاع أحدهما وبقاء الآخر ( إذ لا فرق ) بينهما الا بصرف كون الجامع المعروض للعلم ذاتيا في أحدهما وعرضيا في الآخر ( وتوهم ) ان الوحدة السنخية بين الحصص التي هي منشأ انتزاع مفهوم واحد بعد أن تكون جهة زائدة عن الحصص فلا بد من وجودها خارجا ، فلا يمكن انتزاع مفهوم واحد منها مع تغاير كل واحدة من الحصص مع الأخرى ( مدفوع ) بمنع كونها جهة زائدة عنها بنحو يكون لها وجود مستقل قبال وجودات الحصص ، بل هي جهة ذاتية لها وان وجودها بعين وجود الحصص لا بوجود زائد عن وجودها كما هو واضح ( ولعله ) إليه نظر من يقول بان وجود الطبيعي بمعنى وجود افراده فيكون المقصود عينية وجوده مع وجود حصصه المحفوظة في ضمن الافراد وانه لا وجود له مستقلا في الخارج في قبال وجودات الحصص ، لا ان المقصود هو عينية وجوده لوجود افراده ، والا فمن الواضح انه بالنسبة إلى الافراد يكون وجوده ضمنيا لا عينيا ( وحينئذ ) فالعمدة في الاشكال على استصحاب الفرد المردد ما ذكرناه من انتفاء الأثر الشرعي فيما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي العرضي وعدم تمامية أركانه فيما له الأثر الشرعي ، هذا كله في استصحاب الفرد المردد ( واما الاستصحاب الكلى ) فهو على اقسام.

( القسم الأول )

استصحاب الكلى المتحقق في ضمن فرد بعينه كالانسان المتحقق في ضمن زيد ولا اشكال في صحة استصحابه ( فإنه بعد ) ما يلازم العلم بوجود الفرد للعلم بوجود الكلى المتحقق في ضمنه ويلازم الشك في بقاء الفرد للشك في بقاء الكلى ، فلا محاله يجرى الاستصحاب في كل من الفرد والكلي لتمامية أركانه فيهما ( نعم ) لا بد في صحة الاستصحاب من لحاظ ما يترتب عليه الأثر الشرعي ، فان الأثر الشرعي تارة يكون

ص: 121

لكل من الفرد والكلي ، وأخرى لخصوص الكلى دون الفرد ، وثالثة بعكس ذلك ، ورابعة يكون الأثر لمجموع الفرد والكلي بنحو يكون كل من الفرد والكلي جزء الموضوع للأثر ( فعلى الأول ) يجرى الاستصحاب في كل من الفرد والكلي ، ويترتب على استصحاب كل منهما اثره الخاص ( وعلى الثاني ) يجرى الاستصحاب في خصوص الكلى دون الفرد ( وعلى الثالث ) بالعكس ( وعلى الرابع ) يجرى الأصل في كل من الفرد والكلي باعتبار اثره الضمني على ما هو والتحقيق من كفاية هذا المقدار من الأثر في صحة التعبد بالشيء كما يجرى في مجموع الفرد والكلي.

( القسم الثاني من اقسام الكلى )

استصحاب الكلى المتيقن وجوده في ضمن أحد الفردين الذين يعلم بزوال أحدهما بعينه على تقدير حدوثه وبقاء الآخر كذلك ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، والحيوان المردد بين قصير العمر وطويله ، حيث إنه بارتفاع أحد الفردين يشك في بقاء الكلى المتيقن وجوده في ضمن أحدهما ( ولا ينبغي الاشكال ) في جريان الاستصحاب في هذا القسم أيضا لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق والشك اللاحق ، فان العلم بحدوث أحد فردي الترديد علم بوجود الكلى والقدر المشترك بينهما ، والقطع بزوال أحد الفردين لو كان هو الحادث وبقاء الاخر كذلك موجب للشك في بقاء الكلى ، لاحتمال ان يكون الحادث هو الفرد الباقي الذي يلازم بقائه بقاء الكلى ( فإذا ) كان الكلي بنفسه اثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، الحيوان المردد بين قصير العمر وطويله ، فيجري فيه الاستصحاب ، ويترتب على استصحابه ما له من الآثار ، كالمانعية عن الدخول في الصلاة وحرمة مس كتابة القرآن في نحو الحدث المردد ( نعم ) لا يترتب على استصحابه الآثار الشرعية المترتبة على خصوصية الفرد من نحو حرمة الدخول في المسجد والمكث فيه وحرمة قرائة

ص: 122

العزائم ، لأنها من آثار كون الحادث هو الحدث الأكبر والأصل الجاري في الكلي القدر المشترك لا يثبت مثل تلك الآثار.

( ثم ) لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون العلم بوجود الكلي المردد بين الفردين قبل العلم بارتفاع أحد فردي الترديد ، وبين ان يكون بعد العلم بارتفاعه ، كما لو خرج منه بلل تخيل كونه بولا فتوضأ ثم بعد ذلك حصل له العلم الاجمالي بان البلل بول أو مني ، كما لا فرق بين ان يكون الأثر مترتبا على صرف وجود الكلي ، وبين ان يكون مترتبا على وجود الساري على اشكال في الأخير كما سنذكره ( وتوهم ) خروج الفرض الأول عن مجرى الاستصحاب بلحاظ ان اثر المانعية عن الدخول في الصلاة وعدم جواز مس كتابة القران مترتب بنفس العلم الاجمالي بالحدث المردد بين الأصغر والأكبر في المرتبة السابقة عل تحقق موضوع الاستصحاب وهو الشك في بقاء الحادث خصوصا على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فيكون فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر بمنزلة تلف أحد الأطراف بعد العلم الاجمالي في تأثيره في التنجيز ، فلا ينتهي التوبة معه إلى اثبات المانعية باستصحاب بقاء الحدث ( مدفوع ) غاية الدفع ، فان مجرد علية العلم الاجمالي لحكم العقل بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية لا يمنع عن جريان استصحاب الحدث بعد حكومة الأصل المزبور على قاعدة الاشتغال نعم ثمرة الاستصحاب تظهر في صورة حدوث العلم الاجمالي بعد تلف أحد الفردين ولكن ذلك لا يقتضي تخصيص جريانه في هذه الصورة.

( ثم انه ) أورد على استصحاب الكلي بوجوه ( منها ) ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الباقي وأصالة عدم حدوثه ترفع الشك عن الكلي ، لان الأصل الجاري في السبب رافع ومزيل لموضوع الأصل الجاري في المسبب ومع جريان الأصل فيه لا مجال لجريانه في الكلي والقدر المشترك ( وقد ) أجاب عنه الشيخ قدس سره بان ارتفاع القدر المشترك انما هو من لوازم كون الحادث الفرد المقطوع الارتفاع ، لا من لوازم عدم حدوث الفرد الباقي ، وانما لازمه ارتفاع القدر المشترك الذي كان في ضمنه لا ارتفاع القدر المشترك بين الامرين وبينهما فرق

ص: 123

واضح ( وفيه انه ) كما أن احتمال ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث هو الفرد الزائل ، كذلك احتمال بقائه من لوازم كون الحادث هو الفرد الباقي ، فلا وجه لجعل الشك في بقاء الكلى من لوازم خصوص احتمال كون الحادث هو الفرد الزائل ( فالأولى ) في الجواب عن الشبهة منع السببية والمسببية بينهما ( بدعوى ) ان الشك في بقاء الكلى وارتفاعه انما كان مسببا عن العلم الاجمالي بان الحادث هو الفرد الزائل أو الباقي ، ولا أصل يصلح لتعيين ما هو الحادث ( فان ) أصالة عدم كون الحادث هو الفرد الطويل بنحو مفاد ليس الناقصة مع أنها لا مجرى لها في نفسها لانتفاء ركنها الذي هو اليقين السابق ، لا يثبت كون الحادث هو الفرد القصير ، ولا ارتفاع القدر المشترك ( واما ) أصالة عدم حدوث الفرد الطويل بنحو مفاد ليس التامة فهي أيضا غير مثبتة لارتفاع القدر المشترك ولو على فرض السبية والمسببية بينهما ، ( لان ) الترتب بينهما عقلي لا شرعي ، بداهة عدم كون الترتب بين الكلى والفرد في الوجود والعدم من المجعولات الشرعية وانما هو عقلي محض حتى في مثل الحدث والجنابة ( لان ) ما هو مترتب عليها انما هو طبيعة الحدوث مهملة ، لا الطبيعة المطلقة والقدر المشترك بينهما وبين غيرها ، وترتب عدم هذه على عدم الجنابة عقلي لا شرعي ، فتجري حينئذ أصالة بقاء الكلى والقدر المشترك بلا مزاحم ( نعم ) لو اغمض النظر عن هذه الجهة وقيل بشرعية الترتب بين وجود الكلى ووجود الفرد اما مطلقا أو في بعض المقامات ( فلا مجال ) لاشكال بعض الأعاظم عليه بمعارضة الأصل فيه مع أصالة عدم حدوث الفرد القصير فيبقى استصحاب بقاء الكلى والقدر المشترك بحاله بعد تساقطهما ( إذ فيه ) انه مع خروج الفرد الزائل عن مورد الابتلاء لا يجري فيه الأصل كي يعارض مع الأصل الجاري في الفرد الطويل ( ودعوى ) انه بمجرد العلم بحدوث أحد الفردين والشك فيما هو الحادث تجرى أصالة عدم الحدوث في كل منهما فتسقط بالمعارضة ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان العلم الاجمالي حاصلا قبل خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء ، لا ما إذا كان حاصلا بعد تلفه وخروجه عن الابتلاء ( وحينئذ ) لا معنى لجريان أصل العدم في طرف التالف والخارج عن الابتلاء ، مع أن ثمرة استصحاب الكلى انما

ص: 124

تظهر في هذه الصورة ، والا ففي الصورة الأولى تكفي قاعدة الاشتغال لاثبات المطلوب وان لم نقل بجريان استصحاب الكلى كما هو واضح.

( ومنها ) ان الكلى الطبيعي مما ينتزع عن الفرد ولا وجود له في الخارج حتى يتعلق العلم بوجوده وانما الخارج موطن منشأ انتزاعه من الافراد الخاصة الجزئية وهي التي تكون موضوعا للآثار الشرعية ( ومع ذاك ) كيف يجري الاستصحاب في الكلى بما هو كلي ( ويظهر ) فساده مما قد مناه سابقا ، فان المراد من الكلى الذي هو معروض الاحكام هو ما يكون منشأ لانتزاع هذا المفهوم أعني الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية ولا اشكال في تحققه في الخارج بعين وجود الحصص المقرونة بالتشخصات الفردية ( نعم ) هي بنحو الكلية وسعة الانطباق على كل فرد لا يكون موطنها الا الذهن ، حيث ينال العقل من شخص الموجود الخارجي الواجد لحيثية الطبيعي ولحيثيات أخرى صرف الجهة المشتركة بينه وبين غيره فتجيء في الذهن مجردة عن العلائق والضمائم بنحو تكون لها سعة الانطباق على كل فرد من غير أن يكون ما في الذهن من الصورة المجردة مخالفا مع ما في الخارج من صرف الشيء المقرون بالتشخصات كما هو ظاهر.

( ومنها ) انه مع احتمال كون الكلى في ضمن الفرد القصير الذي يعلم بارتفاعه لو كان هو الحادث ، يحتمل انتقاض اليقين السابق بيقين آخر ، ومع هذا الاحتمال لا مجال للتمسك بعموم حرمة نقض اليقين بالشك ، لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام لا للمخصص المنفصل ( وفيه ) ما لايخفى ، فان غاية ما يقتضيه اليقين بانعدام شخص الفرد انما هو اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في ضمنه ، لا اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في الفردين أعني الجهة المشتركة بينهما ، ومتعلق اليقين السابق انما هو الجهة المحفوظة بينهما على نحو يكون له نحو تعلق بكل واحد منهما ( ومثله ) من المستحيل ان يتعلق به اليقين الناقض بمحض تعلقه بفرد واحد ، ومعه كيف يحتمل انتقاض اليقين السابق المتعلق بالجهة المشتركة بين الفردين بمحض اليقين بانعدام أحد الفردين كي يكون التمسك بعموم لا تنقض قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية

ص: 125

لنفس العام.

( ومنها ) معارضة استصحاب الكلى بأصالة عدمه المتحقق في ضمن الفرد الطويل بضميمة عدمه المحرز بالوجدان بالإضافة إلى الفرد القصير ، حيث إنه بذلك يثبت عدم الكلى فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على وجود الكلى ، نظير الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل فيتعارضان.

( توضيح ) ذلك هو ان وجود الطبيعي إذا كان عين وجود افراده يكون عدمه أيضا عين عدم افراده بحيث يتسع ويتضيق دائرته وجودا وعدما بكثرة الافراد وقلتها ( غيران ) في طرف الوجود يكون تحقق الطبيعي بوجود فرد واحد ، وفي طرف العدم يكون عدمه بانعدام جميع الافراد ، بلحاظ ان عدمه هو العدم المنبسط في ضمن عدم تمام الافراد بنحو يكون لهذا العدم الواحد مراتب متفاوتة على حسب قلة افراده وكثرتها ( وبهذه ) الجهة قلنا بجريان البراءة العقلية في موارد تعلق التكليف النفسي أو الغيري بعدم الطبيعي في الشبهات المصداقية عند الشك في كون الشيء من افراد الطبيعي المأخوذ عدمه قيدا للمأمور به ، كالشك في كون الحيوان المأخوذ منه الوبر من مصاديق غير المأكول ، نظرا إلى اندراجه بذلك في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ، باعتبار مراتب عدم الطبيعي ( حيث ) يعلم بتعلق التكليف بمرتبة من العدم المنطبق على عدم الافراد المعلومة ويشك في تعلقه بمرتبة أخرى من العدم المنطبق على عدم ما شك كونه من افراده ومصاديقه ( وعلى ذلك ) نقول انه بعد أن كان لعدم الطبيعي المنبسط على اعدام الافراد مراتب متفاوتة حسب تكثر اعدام الافراد وقلتها ، فلا جرم يصير بمنزلة الامر البسيط الذي له مراتب ، فإذا شك في تحقق مرتبة منه مع العلم ببقية المراتب ، يكون كالمركب المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيجري فيه أصل العدم بالإضافة إلى الجهة المشكوكة ، وبضميمة الجزم بانتفاء الفرد القصير يثبت عدم الكلي والقدر المشترك بينهما في قبال استصحاب بقاء الكلي ، وان لم يثبت به عدم حدوث الجامع من قبل الحادث المشكوك ، ولذا يبقى الشك فيه بحاله ويكون منشأ لجريان استصحاب بقاء الجامع ( وبذلك ) انقدح انه

ص: 126

ليس المقصود من عدم الطبيعي عدمه المستند إلى عدم الحدوث رأسا ، كي يشكل بانتقاضه بالعلم الاجمالي بالحدوث ، بل ولا العدم المستند إلى الارتفاع أيضا ، كي يشكل بان أصالة عدم حدوث الفرد الطويل لا يثبت ارتفاع الكلي والقدر المشترك ، اما لعدم السببية والمسببية بينهما ، واما لكون الترتب بينهما عقليا لا شرعيا ( بل المقصود ) هو العدم الملفق من الارتفاع ببعض المراتب ، ومن عدم الحدوث ببعض المراتب الاخر ( وبمثل ) هذين العدمين يثبت عدم الطبيعي الذي هو نقيض الكلى ، فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على وجود الكلى ، وبعد عدم امكان الجمع بين التعبدين في طرفي النقيض يقع بينها التعارض فيتساقطان ( نعم ) لو كان عدم الطبيعي عبارة عن مرتبة خاصة من العدم الملازم لعدم الافراد خارجا لا عين عدم الافراد ، أمكن الاشكال فيه بمثبتية الأصل المزبور ( ولكن ) ليس كذلك جزما ، والا لاقتضى كونه في طرف الوجود كذلك ، وهو كما ترى خلاف التحقيق ، وحينئذ فإذا كان وجود الطبيعي بعين وجود افراده فلا محالة يكون عدمه أيضا بعين عدمها ، ومعه يتسجل اشكال المعارضة المزبورة ( هذا غاية ) ما يمكن ان يقال في تشييد هذا الاشكال.

( ولكن ) التحقيق ان يقال ان ما أفيد من عينية عدم الطبيعي لعدم جميع الافراد انما يصح بالنسبة إلى غير صرف الوجود مما كان له قابلية الانطباق عرضيا على كل واحد من وجودات الافراد المتعاقبة كالطبيعة المهملة والسارية ( واما بالنسبة ) إلى صرف الوجود الذي ليس له قابلية انطباقه الا على أول وجود الطبيعي لا ثانيه فلا يصح ذلك في مفروض البحث ، لان وجود الطبيعي بهذا المعنى هو ما يكون ملازما للسبق بالعدم ، ومن الواضح ان نقيض هذا المعنى لا يكون الا العدم الخاص الملازم للسبق بنفسه لاعدام الافراد لا عينها ، فان نقيض كل شيء رفعه ، فإذا كان صرف الوجود عبارة عن الوجود الخاص الملازم للسبق بالعدم ، فنفيضه ليس الا رفع هذا المعنى ، ولا يكون ذلك الا العدم الخاص الملازم للسبق لاعدام الافراد لا عينها ( وحينئذ ) فإذا كان الأثر الشرعي مترتبا على صرف الوجود ، كالمانعية وعدم جواز مس كتابة القرآن في مثال الحدث يكون نقيض الأثر مترتبا على نقيض صرف الوجود

ص: 127

الذي هو العدم الخاص ( ومثله ) مما لا يمكن اثباته بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بضميمة الجزم بزوال الفرد القصير ، ولا يجري فيه حكم المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل ، ولو مع جريانه في البسائط بالنسبة إلى مراتبه فيبقى استصحاب بقاء الكلي حينئذ بحاله ( وان شئت ) قلت إن ما يمكن اثباته من ضم الوجدان والأصل على فرض جريان حكم المركب المحرز بعضه بالواجدان وبعضه بالأصل في البسائط التي لها مراتب انما هو العدم المطلق ، وهو من جهة عدم كونه نقيضا لصرف الوجود لا يكون موضوعا للأثر الشرعي ، وما يكون موضوعا للأثر الشرعي انما هو العدم الخاص الذي هو نقيض صرف الوجود ، ومثله مما لا يمكن اثباته بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بعد عدم جريان حكم المركب المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيه ، فتجري أصالة بقاء الكلي حينئذ بلا معارض ويترتب على استصحابه آثاره ، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالتحقيق حقيق.

( ثم انه ) لا فرق في جريان الاستصحاب في هذا القسم بين ان يكون الكلي موضوعا للأثر الشرعي ، كما في مثال الحيوان المردد بين طويل العمر وقصيره إذا فرض ترتب اثر شرعي عليه ، ومثال الحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، وبين ان يكون بنفسه حكما واثرا شرعيا ( كالمردد ) بين كونه واجبا نفسيا ، أو واجبا غيريا لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه ، وكما في العلم الاجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة مع الاتيان بالجمعة ، فإنه على المختار في مفاد حرمة النقض من رجوعه إلى الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن معاملة الباقي من حيث الجري العملي ، يجري الاستصحاب بالنسبة إلى الكلى والقدر المشترك ويترتب عليه آثاره ، سواء فيه بين ان يكون الكلى موضوعا لاثر شرعي ، وبين ان يكون بنفسه تكليفا واثرا شرعيا ، كمثال الوجوب المردد بين الغيري والنفسي ووجوب الصلاة المردد بين الظهر والجمعة ( نعم ) على القول برجوع هذه التنزيلات إلى جعل الأثر والمماثل ، يشكل جريان الاستصحاب في الكلى فيما كان اثرا شرعيا ، ينشأ ذلك من امتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه في ضمن فصل خاص ( فإنه ) كما يستحيل جعل الوجوب الواقعي مجردا عن الخصوصية النفسية والغيرية ، كذلك يستحيل جعل الوجوب

ص: 128

الظاهري مجردا عن إحدى الخصوصتين ( فلا بد ) حينئذ ، اما من الالتزام بعدم جريان الاستصحاب فيه رأسا ، أو الالتزام بجريانه مع المصير إلى كونه محدودا قهرا بالحد النفسي بالملازمة العقلية ، كما التزم به بعض الأعاظم قده على ما حكى عنه ( بدعوى ) ان ذلك من لوازم الأعم من الواقع والظاهر ، فمتى جرى الاستصحاب بالنسبة إلى الكلى وامتنع تحدده بالحد الغيري لمكان اليقين بارتفاع ما ثبت وجوبه لأجله بنسخ ونحوه يتعين كونه محدودا بالحد النفسي ( ولكنهما ) كما ترى ، فان الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في الكلى في نحو المثال مشكل ، كما أن الالتزام بجريانه فيه واقتضائه بالملازمة العقلية لكونه وجوبا نفسيا أشكل.

( ولكن ) الذي يهون الخطب هو فساد أصل المبنى ، لابتنائه على كون المتكفل للتنزيل في أمثال المقام هو الشارع نظير قوله الطواف بالبيت صلاة ( والا ) فبناء على تكفل المكلف لذلك بايجاب من الشارع بالبناء على بقاء اليقين أو المتيقن عملا الراجع إلى الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن السابق معاملة الباقي عند الشك في بقائه بالجري العملي على طبقه من حيث الحركة أو السكون ، فلا مجال لاستفادة جعل الأثر أو المماثل من نحو هذه الأوامر الظاهرية ، لو ضوح ان التنزيل الناشئ من كل شخص لابد من أن يكون بلحاظ الأثر الناشئ من قبله ، والأثر الناشي من قبل المكلف في أمثال المقام لا يكون إلا عمله ، لاجعل الأثر والمماثل كما هو ظاهر ( ولا فرق ) في ذلك بين القول برجوع النقض في لا تنقض إلى نفس عنوان المتيقن ، أو إلى المتيقن بلحاظ اليقين مرأتا إلى المتيقن في ارجاع النقض إليه ، إذا هو على الأول ظاهر لعدم ترتب اثر شرعي على اليقين الطريقي حتى يكون التنزيل راجعا إلى جعل حقيقة الأثر أو المماثل ، فتعين رجوعه إلى الامر بالمعاملة بابقائه عملا ، ( وكذلك ) على الثاني ، فإنه وان أمكن تصدى الشارع بنفسه للتنزيل بلحاظ جعل حقيقة الأثر أو المماثل ، الا انه يلزم كون النهي المستفاد من الهيئة ارشاديا مخصا ، نظير قوله أطيعوا اللّه ، لان التنزيل مستفاد حينئذ من مادة النقض فيكون النهي المستفاد من الهيئة ارشاديا ( بخلاف ) ما ذكرناه ، فإنه عليه تكون الهيئة على ظاهرها من المولوية ( وعليه ) ترتفع الشبهة المتقدمة في استصحاب

ص: 129

الكلى في نفس الآثار.

( وهم ، ودفع ) قد يورد على استصحاب الكلي في هذا القسم باستلزامه المصير إلى نجاسة الملاقى لأطراف العلم الاجمالي في فرض وقوع الملاقاة بعد تطهير أحد أطرافه معينا ، كما لو علم بنجاسة أحد جانبي عباءة من الأسفل أو الأعلى فغسل منها جانب معين يحتمل كونه هو الجانب المتنجس.

ثم لاقى بدن المصلى مع الرطوبة كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر ( حيث ) ان لازم صحة استصحاب الكلى في الفرض المزبور هو الحكم بنجاسة الملاقى لجانبي العباءة المطهر وغير المطهر ، لان ملاقي مستصحب النجاسة كالملاقي للنجس محكوم شرعا بالنجاسة ( مع ) انه باطل قطعا ، ضرورة انه لا يحكم بنجاسة الملاقى للطرف غير المغسول منها ، للشك في ملاقاته مع النجس ، فكيف يحكم بنجاسته بضميمة ملاقاته للطرف المطهر منها ، مع وضوح عدم تأثير ملاقاته للجانب المطهر في نجاسته ( وهذه ) الشبهة مما أورده السيد المحقق السيد إسماعيل الصدر ( قده ) في بعض مجالسه في النجف الأشرف وقد اشتهرت بالشبهة العبائية.

( وقد أجيب ) عنها بوجوه ( منها ) ما عن بعض الأعاظم قدس سره حيث أفاد في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرض المزبور على ما في تقرير بعض تلاميذه بان محل الكلام في استصحاب الكلى هو ما يكون المتيقن السابق مما بهويته وحقيقته مرددا بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ( واما ) إذا كان الاجماع والترديد في محل المتيقن وموضوعه لا في نفسه وهويته ، فلا يكون من استصحاب الكلى ، بل يكون كاستصحاب الفرد المردد الذي تقدم المنع عن جريان الاستصحاب فيه عند ارتفاع أحد الفردين ، كما لو علم بوجود الحيوان الخاص في الدار وتردد بين ان يكون في الجانب الشرقي أو الغربي ثم انهدم الجانب الغربي واحتمل ان يكون الحيوان في الجانب الغربي وتلف بانهدامه ( أو علم ) بوجود درهم خاص لزيد فيما بين الدراهم العشر ثم ضاع درهم من الدراهم واحتمل كونه درهم زيد ( أو علم ) بإصابة العباءة نجاسة خاصة وتردد بين كونها في الطرف الأسفل أو الاعلى ثم ، طهر طرفها

ص: 130

الأسفل ، ففي جميع هذه الأمثلة استصحاب بقاء المتيقن لا يجرى ، ولا يكون من استصحاب الكلى ، لان المتيقن السابق امر جزئي حقيقي لا ترديد فيه ، وانما الترديد في المحل والموضوع ، فهو أشبه شيء باستصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد وليس من الاستصحاب الكلى ، ثم قال : ومنه يظهر الجواب عن الشبهة العبائية المعروفة ( أقول ) : ولا يخفي ما فيه ( اما المثال ) الأول ، فهو وان كانت تام المطابقة مع الممثل في أن الترديد فيه في محل المستصحب لا في حقيقته وهويته ( ولكن نقول ) انه بعدما كان الشك في المحل موجبا للشك في وجود ما هو معلوم الهوية ، فلا قصور في استصحابه وإذ هو نظير ما لو علم بوجود زيد في الدار وقد علم بأنه شرب مايعا مرددا بين كونا ماء أو سما قاتلا من حيث اقتضاء الترديد في المشروب الترديد في حياته ( فكما ) يجري فيه الاستصحاب ويترتب على بقائه في الزمان المتأخر آثاره الشرعية من حرمة تزويج زوجته وعدم جواز تقسيم أمواله ونحو ذلك ( كذلك ) في نحو المثال ، ومجرد عدم كونه من باب الاستصحاب الكلى غير ضائر بالمقصود ، لان المقصود جريان الاستصحاب في نحو المثال المزبور وان لم يكن من استصحاب الكلى المردد في هويته ، بل كان من باب الاستصحاب الشخصي ( واما المثالين ) الأخيرين ، ( ففيه ) أولا في كونهما من قبيل المثال الأول مناقشة واضحة ، وذلك في الأول منهما وهو مثال الدرهم ظاهر ( لوضوح ) ان الترديد فيه انما يكون من الترديد في الوجود الملازم للترديد في الهوية ، لا من الترديد في محل المتيقن وموضوعه ، فكان الاجمال والترديد في شخص الدرهم الذي كان لزيد في كونه هو الدرهم التالف أو الباقي ( وكذلك ) المثال الأخير ، فإنه بعد الجزم بان النجاسة كالقذارات الخارجية من سنخ الاعراض الخارجية المتقومة بالموضوع والمحل والجزم أيضا بامتناع انتقال العرض القائم بالمحل المتقوم به إلى محل آخر ( نقول ) ان الترديد المتصور في المثال يكون من الترديد بين الوجودين الراجع إلى الترديد في الهوية لا من الترديد في المحل والموضوع ، حيث كان مرجع ذلك إلى تردد تلك النجاسة المعلومة في المثال بين الوجودين أحدهما مقطوع البقاء والآخر مقطوع الارتفاع ، فلا يرتبط ذلك بباب

ص: 131

اجمال موضوع المتيقن ومحله كما في مثال الحيوان المردد كونه في جانب الشرقي من الدار أو الغربي منها كما هو واضح ( وثانيا ) على فرض تمامية الأمثلة المزبورة في كونها من باب الترديد في محل المتيقن وموضوعه : لا في حقيقته ( نقول ) : ان الترديد في المحل بعد ما كان موجبا للترديد في وجود ما هو المتيقن سابقا بشخصيته وهويته ، فلا قصور في استصحابه لتمامية أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء ، فيستصحب بقاء شخص الدرهم الذي كان لزيد ، وبقاء شخص تلك النجاسة التي أصابت العبائة بعد غسل الجانب الأسفل منها ، فيترتب على بقائها في الزمان المتأخر آثارها الشرعية من المانعية عن صحة الصلاة معها ، فيتوجه حينئذ الشبهة المعروفة ( إذ هي ) غير مبتنية على كون الاستصحاب المزبور من باب الاستصحاب الكلى ، بل هي جارية ولو على فرض كونه من باب استصحاب الشخصي ( واما ) دعوى عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام ولو شخصيا حتى بلحاظ اثر المانعية عن صحة الصلاة ، فهو كما ترى.

( فالانصاف ) ان ايراد ما أفيد تقريبا للاشكال أولى من كونه دفعا له ( فالتحقيق ) في دفع الشبهة ان يقال : انه بعد الجزم بان الطهارة والنجاسة من سنخ الاعراض الخارجية الطارية على الموجودات الخارجية بحيث لابد في عروضها على الشيء من كونه في ظرف الفراغ عن وجوده خارجا ، لا من سنخ الأحكام التكليفية المتعلقة بالطبيعة الصرفة القابلة للانطباق خارجا ( والجزم ) أيضا بان في صحة استصحاب الشيء والتعبد ببقائه لابد من لحاظ الأثر الشرعي المصحح له في كونه من آثار وجوده بنحو مفاد كان التامة أو من آثاره بنحو مفاد كان الناقصة ( ان عدم الحكم ) بنجاسته الملاقى في الفرض المزبور انما هو لأجل ان نجاسة الملاقى من آثار نجاسة الملاقى بالفتح بنحو مفاد كان الناقصة ، لا من آثار صرف وجود النجاسة بنحو مفاد كان التامة ( ومن المعلوم ) ان مثل هذا العنوان لم يتعلق به اليقين السابق حتى يجري فيه الاستصحاب ، إذ كل واحد من طرفي العباءة من الأسفل والأعلى يكون مشكوك النجاسة من الأزل ، والقدر الجامع بين المحلين أيضا بمقتضى المقدمة

ص: 132

الأولى لا يكون معروضا للنجاسة وانما المعروض لها هو الطبيعي الموجود في ظرف انطباقه على الفرد وهو لا يكون إلا هذا الفرد والمحل أو ذاك الفرد والمحل الآخر الذي عرفت عدم تعلق اليقين به ( واما ) استصحاب نجاسة القطعة الشخصية المرددة فهو من استصحاب الفرد المردد الذي عرفت عدم جريانه فيه ( واما ) صرف وجود النجاسة في العباءة بنحو مفاد كان التامة ، فاستصحابه وان كان جاريا لتمامية أركانه فيه من اليقين بالوجود ، والشك في البقاء ( ولكنه ) بهذا العنوان لا يجدي في الحكم بنجاسة الملاقى بالكسر إذ هي من آثار كون الملاقى بالفتح نجسا بنحو مفاد كان الناقصة بحكم سراية النجاسة من الملاقي إلى الملاقى بالكسر ( نعم ) هو بهذا العنوان موضوع لاثر المانعية عن صحة الصلاة ، فإنها على ما يستفاد من الاخبار وكلمات الأصحاب من آثار وجود النجاسة في ثوب المصلى أو بدنه بمفاد كان التامة ، فيجري فيه الاستصحاب بلحاظ الأثر المزبور ، لا بلحاظ اثر نجاسة الملاقى ( وحينئذ ) تندفع الشبهة المعروفة ، إذا لا يلزم من استصحاب طبيعة النجاسة المرددة انطباقها على الجانب الأسفل من العباءة أو الاعلى بلحاظ اثر المانعية بعد تطهير الجانب المعين منه نجاسة الملاقى لطرفي الزائل والباقي كي ترد الشبهة المعروفة فافهم واغتنم ( هذا كله ) فيما يتعلق بالقسم الثاني من استصحاب الكلى.

( القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلى )

ما يكون الشك في بقاء الكلى لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم الذي كان الكلى في ضمنه ( وهذا ) يتصور على وجوه ( فان ) الفرد المحتمل الآخر ( تارة ) يحتمل وجوده مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، كما لو علم بوجود زيد في الدار يوم الجمعة وخروجه عنها يوم السبت واحتمل وجود عمرو في الدار في حال وجود زيد فيها بحيث بقى هو فيها بعد خروج زيد عنها ( وأخرى ) يحتمل حدوثه مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم ، كما لو احتمل دخول عمرو في الدار مقارنا لخروج زيد

ص: 133

عنها ( وفي هذا القسم ) ( تارة ) يكون المحتمل بقائه فردا مبائنا في الوجود مع الفرد المعلوم وان اشتركا في النوع أو الجنس ، كالمثال المتقدم ( وأخرى ) يكون من مراتبه ، كالسواد الضعيف المحتمل قيامه مقام السواد الشديد ، مع كونه ( تارة ) بمثابة يعد كونه عرفا من مراتب الموجود السابق ( وأخرى ) بنحو يعد كونه عرفا مبائنا معه ، كالحمرة الشديدة التي زالت بورود الماء عليها ولم يبق منها الا مرتبة ضعيفة كادت تلحق الصفرة ، وهذان القسمان تختصان بالتشكيكيات بخلاف الأول فإنه مختص بالمتواطئات وفيه يكون الشك في تبدل فرد بفرد آخر مغاير معه في الوجود ، وفيهما في تبدل حد بحد آخر ( فهذه ) وجوه متصورة للقسم الثالث من اقسام الكلى ( وفي جريان ) الاستصحاب في الجمع ، أو عدم جريانه كذلك ، أو التفصيل فيها بجريانه في الوجهين الأخيرين دون الأولين ، أو جريانه في الوجه الثالث وهو ما يكون المشكوك اللاحق على نحو يعد عرفا من مراتب الموجود السابق ، دون الأولين والوجه الرابع ، وجوه وأقوال ( أقواها الأخير ) اما عدم جريانه في الوجهين الأولين ، وهما صورتا كون الشك في بقاء الكلى لأجل احتمال وجود فرد آخر مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، أو حدوثه مقارنا لارتفاعه ( فلانه ) لا منشأ لتوهم جريان استصحاب الكلى فيهما الا تخيل ان الطبيعي بعد ما كان وجوده في الخارج بعين وجود فرده وحصته ، فلا محالة يكون العلم بوجود الفرد والحصة ملازما للعلم بوجود الكلى في الخارج ، وبارتفاع الفرد المعلوم والشك في وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأول أو مقارنا لارتفاعه ، يشك في بقاء الكلى وارتفاعه ، فيجري فيه الاستصحاب لاجتماع أركانه جميعا من اليقين بالوجود والشك في البقاء ( ولكنه ) تخيل فاسد ، فان الطبيعي وان كان موجودا في الخارج بعين وجود فرده لا بوجود آخر ممتاز عن وجود فرده ( ولكن ) بعد ما يغاير وجوده في الخارج في ضمن كل فرد وجوده في ضمن الفرد الآخر وكان بقائه أيضا كحدوثه تابع بقاء الفرد وحدوثه بلحاظ ان بقاء الشيء هو عين حدوثه حدا في كونه من تبعات الخصوصية الفردية حدوثا وبقاء ، فلا محالة يكون العلم بانعدام الفرد ملازما مع العلم بارتفاع وجود الطبيعي

ص: 134

الذي حدث في ضمنه ( لاستحالة ) بقائه بحده بحدوث فرد آخر منه ، لان ما حدث في ضمن فرد آخر انما هو وجود آخر للكلي غير ما علم بحدوثه في ضمن الفرد السابق ( وحينئذ ) فاحتمال وجود فرد آخر للكلي وان كان احتمالا لوجود الكلى في الخارج في الزمان اللاحق ، ولكن الوجود المشكوك لا يكون بقاء للوجود المعلوم سابقا ، لأنه مما علم بارتفاعه بارتفاع الفرد المعلوم ، فلا يكون الشك في الوجود المشكوك شكا في بقاء ما علم بحدوثه حدا حتى يجرى فيه الاستصحاب ( وبذلك ) يتضح الفرق بين هذا القسم من الكلى وبين القسم السابق ، فان في القسم السابق يكون نفس الكلى والقدر المشترك بين الفردين بوجوده المتحقق في ضمن أحد الفردين مشكوك البقاء والارتفاع في الزمان المتأخر من جهة احتمال كون الحادث هو الفرد الباقي ، ففيه يكون وجود الكلى بحده مركزا لليقين والشك ، بخلاف هذا القسم فان الشك فيه لم يتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق ، وانما هو متعلق بوجود آخر للكلي غير ما علم بحدوثه ، فلذلك لا يجرى فيه الاستصحاب ( نعم ) غاية ما تقتضيه العينية بينهما انما هو العينية الذاتية ( ولكن ) مثله لا يكون مدارا لصدق النقض والابقاء في باب الاستصحاب كما لا يخفى.

( وقد أورد ) على الاستصحاب المزبور بوجه آخر وحاصله منع ملازمة العلم بوجود الفرد للعلم لوجود الكلي والقدر المشترك ، بدعوى ان العلم بوجود الفرد انما يلازم العلم بوجود حصة من الكلى المتحقق في ضمنه ، لا العلم بوجود الكلى بما هو هو ، فمع تغاير الحصص لا مجال لجريان الاستصحاب ، لان ما علم بوجوده هي الحصة المتحققة في ضمن الفرد المعلوم ، وقد علم بارتفاعها ، وما شك فيه هي الحصة الأخرى من الكلى غير الحصة المعلومة سابقا ( وفيه ) مالا يخفي ، فان الكلى بعد ما كان بنفسه موجودا في الخارج بعين وجود فرده وحصته ، لا بوجود آخر مغاير لوجود فرده ، لا وجه للمنع عن ملازمة العلم بوجود الفرد والحصة للعلم بوجود الكلى والقدر المشترك الذي هو منشأ انتزاع هذا المفهوم ( كيف ) ولازم المنع المزبور هو المنع عن استصحاب الكلى في القسم الثاني أيضا ، بلحاظ اقتضاء تغاير الحصص لتردد

ص: 135

المعلوم بين الحصتين الموجب لعدم جريان الاستصحاب فيه بعين ما التزم في المنع عن استصحاب الفرد المردد كما أشرنا إليه سابقا ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن استصحاب الكلى في هذا القسم هو ما ذكرناه ( هذا كله ) في استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلى.

( واما الوجه الثالث ) من القسم المزبور ، وهو ما كان الشك في البقاء لأجل احتمال بقاء مرتبة من المستصحب بعد اليقين بارتفاعه بمرتبة أخرى ، كالسواد الشديد الذي علم بورود الماء عليه فشك في زواله بالمرة أو بقائه بمرتبة أخرى دونه ، فقد عرفت كونه على وجهين من حيث إن المرتبة التي تحتمل بقائها تارة تكون في الضعف بمثابة يحسبها العرف مبائنة مع الموجود السابق ، وأخرى بمثابة تعد كونها عرفا من مراتبه ( اما الوجه ) الأول ، فجريان الاستصحاب فيه مبني على كفاية وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بالمداقة العقلية في جريان الاستصحاب ، والا فعلى ما سيأتي من عدم كفاية ذلك واعتبار وحدتهما بالأنظار العرفية ، فلا يجرى فيه الاستصحاب ( واما ) الوجه الثاني ، فيجرى فيه الاستصحاب بلا كلام لاجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين بالمداقة العقلية والانظار العرفية ، حيث إنه بعد عدم اقتضاء تبادل الحدود اختلافا في ذات المحدود ، كان الموجود السابق بذاته وهويته محفوظا في جميع المراتب المتبادلة شدة وضعفا ، لان التبادل انما كان ممحضا في خصوص الحدود الموجبة لتشخص المرتبة وتميزها عما عداه ، لا في ذات المحدود المحفوظ في جميع المراتب ( فإذا ) احتمل بقاء المستصحب ولو بمرتبة ضعيفة ، فلا جرم يجرى فيه الاستصحاب الكلى لصدق البقاء في مثله على كل من النظر الدقى والعرفي ( بل إن تأملت ) ترى اندراج مثل الفرض في القسم الأول من اقسام استصحاب الكلى الجاري فيه استصحاب كل من الشخص والكلي ، لانحفاظ الموجود الأول بهويته وشخصيته في جميع المراتب المتبادلة وعدم كون الحدودات المختلفة الا من الحدودات العارضة على الفرد فارغا عن فرديته للطبيعي لا من الحدودات المقومة لفردية الفرد فتأمل.

ص: 136

( تذنيبان )

( الأول ) لو كان هناك اثر بسيط للجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة السارية ، لا صرف الوجود ، وقد علم بوجود فرد للكلي المزبور في زمان وارتفاعه في زمان فشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا لارتفاعه بلا تخلل عدم بينهما ، فبالنسبة إلى السبب لا شبهة في أنه لا يجري فيه الاستصحاب ، لما تقدم من انتفاء الشك في البقاء ( واما ) بالنسبة إلى المسبب فالظاهر أنه لا قصور في استصحابه لاجتماع جميع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد متعلق الوصفين ، حيث يصدق انه كان على اليقين من وجود الأثر فشك في بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث ، لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول ( واما الاشكال ) عليه باستلزامه المصير إلى الاستصحاب في نظائره من الأسباب والمسببات الشرعية في أبواب التكاليف والأوضاع ، كالزوجية والوكالة والولاية ونحوها ، ( كما لو علم ) انه تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع إلى مدة قد علم بانقضائها فشك في بقاء زوجيتها بعد ذلك ، لاحتمال تزويجها ثانيا مقارنا لانقضاء الأول بعقد جديد ، أو علم بوكالة زيد لعمرو في التصرف في ما له في زمان محدود فشك بعد انقضاء الزمان في بقاء وكالته ، لاحتمال انشاء وكالة جديدة له مقارنا لانقضاء الأول ( وكذا ) لو علم بوجوب الصوم عليه إلى مدة معينة بنذر وشبهه فشك في حدوث نذر آخر منه متعلق بصومه من حين انقضاء المدة إلى مدة أخرى إلى غير ذلك من الأمثلة ( حيث ) ان لازم البيان المزبور هو الالتزام بجريان الاستصحاب في نحو الأمثلة المزبورة ، وهو كما ترى لا يظن التزامه من أحد ( فمدفوع ) بالفرق بين ما ذكرناه وبين تلك الأمثلة ، فان الاستصحاب الجاري فيها

ص: 137

انما هو من استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي ، لان المعلوم السابق فيها فرد من الزوجية والوكالة وهو مما علم بارتفاعه بانقضاء اجله ، وما شك فيه فرد آخر من الزوجية والوكالة احتمل حدوثه بسبب جديد ، فلا يكون المشكوك في الزمان المتأخر عين الفرد المعلوم السابق ، بل مقتضى الأصل فيها هو عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر ( وأين ذلك ) وما ذكرنا من استصحاب المسبب في نحو مثال هيئة الخيمة ، فان المستصحب فيه امر وحداني شخصي لا يتغير عما هو عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبادل أعمدة الخيمة ( مع أن ) بين مفروض الكلام والأمثلة المزبورة فرق آخر ، وهو ابتلاء الأصل الجاري فيها بالأصل الحاكم عليه وهو استصحاب عدم وجوب السبب الجديد ، فإنه يترتب على استصحابه بضم الوجدان السابق عدم وجود المسبب شرعا ( بخلاف ) ما فرضناه من نحو مثال الخيمة ، فإنه من جهة كونه من الأسباب والمسببات الخارجية لا يجري فيه الأصل في السبب حتى يقدم على استصحاب المسبب أو يعارضه ، لعدم كون الترتب في مثله الا عقليا محضا ، بخلاف الأمثلة المزبورة ، فإنها من جهة كونها من قبيل الأسباب والمسببات الشرعية يكون الترتب فيها شرعيا لا محالة ، وبذلك يجري فيها الأصل في السبب وبانضمام ذلك مع الوجدان السابق يترتب انتفاء المسبب فتدبر.

( التذنيب الثاني ) قد جرى ديدن الاعلام على التمثيل لاستصحاب القسم الثاني من الكلى باستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر عند خروج البلل المردد بين البول والمني ( وحيث ) ان للفرض المزبور شقوق متعددة ، من حيث الجهل بالحالة السابقة على خروج البلل ، أو العلم بها من حيث الطهارة أو الحدث من الأكبر أو الأصغر ( فالحري ) هو التعرض لتلك الشقوق وافراد كل واحد منها بالبحث من حيث كونه مجرى للاستصحاب وعدمه ( فنقول ) : أما إذا لم يعلم بالحالة السابقة أو علم بها وكانت هي الطهارة ، فالأشبهة في كونه مجرى لاستصحاب الحدث ، بل هو المتيقن من مورد كلماتهم ، فإنه حين خروج البلل المردد يعلم بتحقق طبيعة الحدث والحالة المانعة عن صحة الصلاة ، وبعد فعل الوضوء يشك في ارتفاع الحدث فيجرى فيه

ص: 138

الاستصحاب بلحاظ آثار الجامع والقدر المشترك بين الفردين من نحو المانعية عن الصلاة وعدم جواز مس كتابة القرآن ، وان لم يترتب عليه آثار خصوصية الحدث الأكبر ، كحرمة دخوله في المسجد ومكثه فيه ، وحرمة قرائة العزائم ( واما ) إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث ( فان ) كان الحدث المعلوم هو الأكبر اي الجنابة ، فلا شبهة في عدم كونه مجرى للاستصحاب الكلى ، بل هو خارج عن فرض كلامهم في المقام الذي هو فرض الشك في بقاء الحدث بعد فعل الوضوء قطعا ، بداهة عدم كون مثل الفرض من موارد العلم بالحدث المردد بين الزائل والباقي ، فلا محيص حينئذ من الغسل ، وبدونه يقطع تفصيلا ببقاء الحدث السابق ولو مع الاتيان بالوضوء ، من غير فرق بين القول بعدم تأثير الحدث بعد الحدث أو القول بتأثيره كما هو واضح ( واما ان كان ) الحدث السابق هو الأصغر ( فان قلنا ) بعدم المضادة بين الحدثين وامكان اجتماعهما في زمان واحد في محلين بحيث عند طرو الأكبر يكون المتحقق شخصان من الحدث ، غاية الامر انه مع اجتماعهما لا تأثير للأصغر في ايجاب الوضوء ، لانحصار الرافع حينئذ بما يقتضيه الأكبر وهو الغسل ، فلا مجال أيضا لاستصحاب الكلى ، لأنه من استصحاب الوجه الأول من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي كان الشك في بقائه لأجل الشك في مقارنة فرد آخر للفرد المعلوم وجوده سابقا ، فإنه حين صدور البلل المشتبه يقطع بوجود شخص حدث ويشك في حدوث شخص حدث آخر ، فاستصحابه بعد الوضوء يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قلنا بعدم جريانه فيه ( فيكتفي ) حينئذ بصرف الوضوء في فعل كل ما اشترط في صحته أو جوازه بالطهارة ، ولا اثر للعلم الاجمالي حين خروج البلل المشتبه ، إذ لا يعلم بتوجيه خطاب جديد من قبل البلل الحادث بعد تردده بين ما له الأثر وما ليس له الأثر ، واحتمال كونه منيأ شبهة بدوية مدفوعة بالأصل ، حيث تجري أصالة عدم حدوث سبب الجنابة ، ولا يعارضها أصالة عدم صدور البول ، لأنه لا اثر له بعد كونه محدثا بالحدث الأصغر ( وكذلك ) الامر فيما لو احتملنا عدم المضادة بين الحدثين ، فإنه وان علم حين خروج البلل بالحدث المردد بين الوجودين أو وجود واحد مردد بين الأصغر والأكبر بلا علم تفصيلي بما يوجب

ص: 139

انحلاله ( ولكن ) بعد احتمال اجتماعهما وجودا وبقاء الأصغر بحده الخاص لا يجري الاستصحاب الكلى ، لعدم احراز كون المشكوك الباقي بعد الوضوء عين المتيقن السابق ، لاحتمال كون المعلوم السابق غيره ، فيكتفي بموجب الحدث الأصغر وهو الوضوء في فعل كل ما اشترط فيه الطهارة ، باستصحاب بقاء الأصغر بحده الخاص إلى حين خروج البلل المشتبه بضميمة أصالة عدم صدور الحدث الأكبر ( وان قلنا ) بالمضادة بين الحدثين ، فتارة تكون المضادة بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيهما بحيث يكون الأصغر عند طرو الأكبر محفوظا بذات في ضمنه لا بحده ، نظير السواد الضعيف المندك في ضمن الشديد منه ( وأخرى ) تكون المضادة حتى بالقياس إلى ذاتيهما ، نظير ارتفاع لون بطرو لون آخر مضاد له ( فعلى الأول ) لا قصور ظاهرا في استصحاب الكلى بعد الاتيان بالوضوء ، إذ حين طرو البلل يعلم اجمالا بوجود الحدث المردد بين الحدين ، وبعد الوضوء يشك في ارتفاعه ، فيستصحب بقائه ، بل ويجري فيه الاستصحاب الشخصي أيضا ، بناء على عدم ارتفاع الأصغر المقرون مع الأكبر الا بالغسل ، واختصاص رافعية الوضوء له بحال انفراده عن الحدث الأكبر ، إذ حينئذ مع الشك في وجود الأكبر لأجل البلل المردد يشك في ارتفاعه بالوضوء فيستصحب بقائه ( نعم ) لو قلنا برافعية الوضوء للأصغر مطلقا ولو في ظرف وجود الأكبر ، مؤيدا ذلك بما ورد من مشروعية الوضوء للحائض في أوقات الصلوات والنوم الجنب لا يجري استصحب الشخص للقطع بارتفاعه بالوضوء على كل حال ، فينحصر مجرى الاستصحاب حينئذ في الكلى والقدر المشترك بين الأصغر والأكبر ، ولازمه هو الجمع بين الطهارتين وعدم الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع مانعيته للصلاة ( اللّهم ) الا ان يمنع عن هذا الأصل بكونه من استصحاب القسم الثالث الذي كان الشك في بقاء الكلى لأجل الشك في مقارنة فرد آخر مع الفرد المعلوم سابقا ، لمكان العلم التفصيلي حين طرو البلل بثبوت الحدث الأصغر ولولا بحده الخاص ، والشك في حدوث الأكبر ، فأصالة عدم حدوثه محكمة ومقتضاها عدم الحاجة إلى الغسل وجواز الاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة ( واما على الثاني ) من فرض تضاد

ص: 140

الحدثين ذاتا وحدا ، فيجري فيه استصحاب الكلى في الحدث المعلوم المردد وجوده حال خروج البلل بين الأصغر والأكبر لكونه من استصحاب القسم الثاني من اقسام الكلى ( حيث إنه ) باتيان الوضوء يشك في ارتفاع الحدث المعلوم وجوده اجمالا والأصل يقتضى بقائه ، ولازمه وجوب الغسل وعدم جواز الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع اثر المانعية ( وأصالة ) عدم حدوث الأكبر غير مجدية ، لعدم كونها رافعة للشك في بقاء الكلى والقدر المشترك ، ولا لرفع اثره من مانعيته للصلاة الا على القول بالأصول المثبتة ، كما أن أصالة بقاء الأصغر بحده الخاص حال خروج البلل المردد غير مجدية أيضا لرفع الشك الوجداني عن بقاء الجامع ، ولا لرفع اثره ، بل ولا للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الدخول في الصلاة ( لوضوح ) ان رافعية الوضوء للحدث في هذا الحال انما هو من لوازم انحصار طبيعة الحدث بالأصغر وجدانا ، والا فشأنه ليس الا رفع الحدث الأصغر بخصوصه ، واثبات هذه الجهة من الانحصار خارج عن عهدة الأصل المزبور ، الا على فرض القول بالمثبت ( وحينئذ ) فيجري استصحاب كلي الحدث المعلوم بالاجمال حال خروج البلل المشتبه ، ولازمه بحكم العقل هو الجمع بين الطهارتين تحصيلا لليقين بارتفاع الحدث ، هذا ( ولكن ) الظاهر هو عدم التزامهم بذلك ، حيث إن بنائهم على الاكتفاء بالوضوء محضا لمن كان محدثا بالأصغر واحتمل طرو الجنابة عليه لأجل البلل المردد بين البول والمنى ، نظرا منهم إلى قاعدة الاستصحاب ( فلا بد ) حينئذ اما من الكشف عن بنائهم على عدم التضاد بين الحدثين رأسا ، أو يكون التضاد بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيها ، كما لعله هو الظاهر المستفاد من الأدلة أيضا من مثل قوله (عليه السلام) الوضوء نور وان الوضوء بعد الوضوء نور على نور ، وقوله (عليه السلام) اي وضوء أنقى من الغسل ، حيث إن المستفاد منها هو ان الوضوء والغسل ولو باعتبار الأثر الحاصل منهما وهو النورية والنظافة المعنوية من نسخ الحقايق التشكيكية التي لها مراتب متفاوتة شدة وضعفا ، فيستفاد بقرينة المقابلة ان الحدث الذي هو من القذارة المعنوية والكسالة الروحية أيضا من الحقايق التشكيكية المختلفة حدا ومرتبة ، كما يومي إليه قوله (عليه السلام) في المرأة التي ترى الدم وهي جنب قد اتاها

ص: 141

ما هو أعظم من ذلك ( واما ) من دعوى ان موضوع وجوب الوضوء على ما يستفاد من الأدلة عبارة عن المركب من امر وجودي وهو النوم مثلا ، وامر عدمي وهو عدم الجنابة ، فيندرج المثل في الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، فان النائم الذي احتمل جنابته من جهة البلل المردد بين البول والمنى ، قد أحرز جزئي الموضوع لوجوب الوضوء ، أحدهما وهو النوم بالوجدان ، وثانيهما عدم الجنابة بالأصل فيحب عليه الوضوء ويكتفى به في صحة صلوته ، كان هناك استصحاب حدث أم لا ( ولكن ) دعوى الأخير مبنى على أن لا يكون الطهارة شرطا للصلاة ولا الحدث مانعا ، بل كان الشرط هو نفس الوضوء عند تحقق موجبه وهو النوم ونحوه ، ونفس الغسل عند تحقق الجنابة ( والا ) فعلى فرض شرطية الطهارة للصلاة كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) : لا صلاة الا بطهور ، أو مانعية الحدث عن صحة الصلاة ، فلا يجدي هذا التقريب للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة ، نظرا إلى الشك في مؤثرية الوضوء في هذا الحال في الطهارة ورافعيته للحدث المعلوم وجوده باجمال فتأمل.

( تذييل ) الذي يظهر من كلمات الأصحاب قدس اسرارهم هو التسالم على جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان واثباتهم بها حرمة لحمه ونجاسته ( وقد خالف ) في ذلك جماعة منهم الفاضل التوني قده ، حيث أورد على المشهور في حكمهم بنجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية ، بان عدم المذبوحية لازم لامرين الحياة ، والموت حتف الانف ( والموجب ) للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني وهو الموت حتف الانف ، فعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة ( فعدم ) المذبوحية اللازم للحيوة مغاير لعدم المذبوحية اللازم للموت حتف الانف والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأول ، لا الثاني الخ ( وقد استدل ) عليه أيضا بوجهين آخرين ( الأول ) ان الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته امر وجودي ، فموضوع الحرمة والنجاسة هي الميتة التي هي عبارة عن الحيوان الذي مات حتف أنفه ، كما أن موضوع الحلية والطهارة عبارة عن المذكى ، فهما أمران وجوديان ولابد من احرازهما ، وأصالة عدم

ص: 142

التذكية بعد ما لم يثبت عنوان الميتة ، بلحاظ عدم اقتضاء نفي أحد الضدين بالأصل لاثبات الضد الاخر الا على المثبت ، فلا جرم يجري استصحاب العدم من الطرفين ، وبعد تساقط الأصلين بالمعارضة يرجع إلى أصالة الحل والطهارة في الحكم المشكوك ( الثاني ) انه على تقدير ان يكون الموضوع للحرمة والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة التي هي امر وجودي ( فلا شبهة ) في أنه ليس الموضوع للحرمة والنجاسة مطلق عدم التذكية وعدم المذبوحية ، بل هو العدم المقيد في حال خروج روح الحيوان ، فلعنوان الحالية أيضا دخل في موضوع الحكم ( وواضح ) انه ليس لهذا العنوان المقيد حالة سابقة حتى يستصحب ( لان ) خروج الروح اما ان يكون عن تذكية ، واما لا عن تذكية ، فلم يتحقق زمان كان فيه خروج روح الحيوان ولم يكن عن تذكية حتى يجري فيه الأصل ( واما ) عدم التذكية في حال حياة الحيوان بمفاد ليس التامة فهو وان كان على يقين منه سابقا ، ولكن الأصل فيه لا يثبت العدم الخاص الا على القول بالأصول المثبتة فينتهي الامر حينئذ إلى أصالة الحل والطهارة ، هذا ( ولكن ) لا يخفى ما في هذين الوجهين.

( اما الوجه الأول ) ففيه أولا منع كون الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف ، بل هي في عرف الشارع عبارة عن مطلق ما لم يقع عليه التذكية بشرائطها المقررة من الذبح بالحديد وكونه مع التسمية ومستقبل القبلة مع اسلام الذابح ، فمتى اختل أحد هذه الأمور كان الحيوان ميتة وان لم يزهق روحه حتف أنفه ( وعلى فرض ) ان تكون الميتة خصوص الموت حتف الانف ، فلا ريب في عدم اختصاص موضوع الحرمة والنجاسة بالعنوان المزبور ، فان الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة ، كذلك رتب على عدم المذكى في قوله سبحانه : « ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه » وقوله تعالى : « وكلوا مما ذكيتم » فيكفي أصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات الحرمة بل النجاسة ، وان لم يثبت بها عنوان الميتة ( ومع ) الاغماض عن ذلك أيضا لاوجه للرجوع إلى أصل الحل والطهارة فيما شك في تذكيته عند تعارض الأصلين ، بل اللازم حينئذ هو الرجوع إلى أصالة الحرمة

ص: 143

والطهارة الثابتتين للحيوان في حال حياته لحكومتهما على قاعدتي الحلية والطهارة والتفكيك بين الطهارة والحلية في الظاهر غير ضائر ، لأنه غير عزيز في الاحكام الظاهرية ، فيمكن التعبد بطهارة ما شك في تذكيته وحرمة اكله ، وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع ( وهذا ) أيضا بناء على تلازم الحكمين في غير المذكى في نفس الامر والواقع ، والا فعلى احتمال اختصاص موضوع النجاسة بعنوان الميتة والموت حتف الانف فالامر أظهر.

( واما الوجه الثاني ) ففيه أيضا منع دخل الإضافة الحالية في المقام في موضوع الحرمة بل الموضوع لها عبارة عن الجزئين المجتمعين في زمان واحد أعني زهوق روح الحيوان وعدم تذكيته والتعبير بعنوان الحالية انما هو لمجرد الظرفية واجتماعهما في الزمان ، لا من جهة دخل تلك الإضافة في موضوع الحكم ، فيمكن حينئذ اثبات موضوع الحرمة والنجاسة باستصحاب عدم تذكية الحيوان إلى زمان خروج روحه ، لكونه كسائر الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ( وكون ) عدم تذكية الحيوان في حال حياته مما لا اثر له شرعا غير ضائر بعد كونه في ظرف خروج الروح ذا اثر شرعي ( وعلى فرض ) ان يكون لإضافة الحالية دخل في ترتب الحكم ، نقول : ان المقصود من عنوان الحال في نحو هذه المقامات انما هو مجرد إضافة الشيء المشروط إلى شرطه وقيده الأعم من الواقع والظاهر ، نظير الصلاة في حال الطهارة وغيرها من المشروطات والمقيدات ، فيمكن اثباتها باستصحاب عدم التذكية إلى حين زهوق الروح ، فإنه كما أن بوجود القيد واقعا يعتبر العقل الإضافة بين الشيئين ، كذلك يعتبرها باحراز وجوده ظاهرا وتعبدا ، ولا يرتبط ذلك بباب المثبت ( ولذا ) لم يستشكل أحد في الحكم بصحة الصلاة عند الشك في الطهارة باستصحابها إلى حين الدخول في الصلاة بمثبتية الأصل المزبور ، ولا يكون ذلك الا من جهة كون مثل هذه التقيدات من لوازم الأعم من وجدان القيد واقعا أو تعبدا وتنزيلا ( وان ) شئت قلت إن اعتبار مثل هذه الإضافات تابع تحقق طرفيها فمتى تحقق طرفاها بالوجدان أو التعبد يعتبر العقل تلك الإضافة الخاصة بينهما ولا يكون ذلك مرتبطا بباب المثبت ( نعم ) انما يكون كذلك فيما كان الموضوع هو الذات المتصف بالوصف العنواني

ص: 144

بان كان القيد مأخوذا نعتا لموضوع الحكم لا مجرد كونه طرف اضافته ( ولكن ) اني باثباته في نحو المقام فتأمل.

( التنبيه الرابع )

قد يستشكل في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية غير القارة ، كالزمان والزمانيات المبنية على التجدد والانصرام ( بتوهم ) ان مورد الاستصحاب كما يقتضيه تعريفه ويستفاد من أدلته انما يكون في فرض الشك في بقاء ما كان ، ولا يتصور البقاء في مثل الزمان ، ولا في الزمانيات من الموجودات التصرمية التي توجد وتنصرم شيئا فشيئا على التدريج كالحركة والتكلم ونحوهما حتى يشك في بقائها ، فيجري فيها الاستصحاب ( لان ) بقاء الشيء عبارة عن استمرار وجود الشيء بجميع حدوده في الآن الثاني بعين وجوده في آن حدوثه وهو غير متصور في الموجودات التصرمية زمانا كانت أو زمانية ، فإنها بقطعتها الموجودة سابقا كانت منعدمة في الآن الثاني وبقطعتها الأخرى تكون مشكوكة الحدوث ، فلا يجرى فيها الاستصحاب ، بل ولا في القار الذي كان الزمان قيدا له ( ونظير ) هذا الاشكال ، الاشكال المعروف في مبحث المشتق في نحو أسماء الزمان كالمقتل وغيره. حيث قيل بخروجها عن محل النزاع بلحاظ ان الذات المتلبسة بالمبدء فيها بنفسها متقضية مع المبدء لا ان الانقضاء مختص باتصافها بالمبدء ، فلا يصدق على الزمان الفعلي الموجود انه ذات انقضى عنها المبدء كي يجري فيها النزاع ( ولكن ) التحقيق صحة الاستصحاب فيها كغيرها من الأمور القارة ( تنقيح ) المرام يستدعى عقد الكلام في مقامات.

( المقام الأول ) في استصحاب الزمان وما يعرضها من العنوان الطارئ كاليوم والليل والشهر ونحوها من العناوين المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين والمحصورة بين الحاصرين ( ولا ينبغي ) الاشكال في جريان الاستصحاب فيها

ص: 145

فان الآنات والأزمنة المتعاقبة وان كانت في الحقيقة وجودات متعددة متحدة سنخا ، ولكنها لما كانت على نهج الاتصال ولم يتخلل سكون بينها ، كان الجميع بنظر العرف موجودا واحدا مستمرا ، وبهذا الاعتبار يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا ، فيصدق عليه الشك في بقاء ما حدث وتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ، وان لم يكن كذلك بحسب الحقيقة والدقة ( وحينئذ ) إذا صدق الموجود الواحد المستمر على الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال ، وكان مدار الوحدة في متعلق الوصفين على الأنظار العرفية لا على المداقة العقلية ، فلا جرم يجرى فيها الاستصحاب كجريانه في الأمور القارة لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق بالوجود والشك اللاحق في البقاء ( بل ) يمكن ان يقال : انه ليس لعنوان البقاء اثر في أدلة الاستصحاب ، فان الموجود فيها هو النهي عن نقض اليقين بالشك ، ولا ريب في أن دائرة صدق النقض عرفا أوسع من البقاء الحقيقي والمسامحي ، فيكون رفع اليد عن ترتب الأثر على الامر التدريجي الذي ينعدم ويوجد على التعاقب بالشك في انقطاع سلسلة وجوداته ، نقضا لليقين بالشك عرفا ( مع أن ) الانصرام والتجدد المانع عن الاستصحاب كما افاده المحقق الخراساني انما هو في الحركة القطعية في الأين وغيره المنتزعة من الأكوان المتعاقبة على نهج الاتصال الموافية للحدود الواقعة بين المبدء والمنتهى ، وهي الصورة الممتدة المرتسمة في الوهم المجتمعة الاجزاء في مرحلة الخيال والمتفرقة في الخارج ، كحركة الجوالة الموجبة لارتسام دائرة في الخيال ، فهي باعتبار منشأ انتزاعها الذي هي الأكوان المتعاقبة المتفرقة في الخارج تدريجية ، فيأتي فيها الاشكال المزبور ( واما الحركة ) التوسطية وهي الكون بين المبدء والمنتهي والآن السيال في الزمان ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيها ( إذ هي ) بهذا الاعتبار من الأمور القارة ، فيصدق عليها البقاء حقيقة لا مسامحة ، هذا ( ولكن ) الانصاف انه لا سبيل إلى دعوى صدق القار على الحركة بمعنى التوسط كي يتصور فيها البقاء الحقيقي ، لما عرفت من أن البقاء الحقيقي للشيء عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بما له من المراتب والحدود المشخصة له في آن حدوثه ( ومثله ) غير متصور في الحركة التوسطية في مثل

ص: 146

الزمان ونحوه بداهة انها ليست بحقيقتها الا عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل ، فالموجود المتحقق منها في الخارج انما هو الحصول في حد معين وهو أمر آني لا قرار له ، فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة الموافية للحدود المعينة ، لان كل واحد منها كون واقع بين المبدء والمنتهي وفرد للحركة التوسطية ومرتبة من مراتب وجودها خارجا ( ومعه ) كيف يمكن التفكيك بين الحركتين وجعلها بمعنى التوسط من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي ( فلا محيص ) حينئذ من دفع شبهة البقاء بما ذكرناه من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من كون الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال وعدم تخلل السكون بينها ، في صدق البقاء الحقيقي أو دعوى كفاية كون الوجودات التصرمية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا على رفع اليد عن الامر التدريجي بالشك في انقطاع سلسلة الوجودات ، لا وسعية صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي ( وعلى كل ) من التقريبين لا فرق بين الحركة بمعنى القطع أو التوسط ( فان ) المصحح للاستصحاب حقيقة انما هو الاتصال المزبور الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي ، وهو كما يجدى في الحركة بمعنى التوسط ، كذلك يجدى في الحركة بمعنى القطع ( وعليه ) فلا اشكال في جريان الاستصحاب في نفس الزمان ( وكذا ) الكلام فيما يعرضه من العناوين الطارية المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين كاليوم والليل ونحوهما ، فإنه بهذا الاعتبار يكون كل آن جزء من الليل والنهار فيكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جزء منهما وبقائهما بتلاحق بقية الآنات المحدودة كونها بين الحدين ، فإذا شك في بقائهما يجري فيهما الاستصحاب لاجتماع أركانه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين ، هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية ( واما ) لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية ، كالشك في أن النهار ينتهى حده إلى آن غروب الشمس أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري فيه استصحاب ، لكونه من استصحاب العنوان الاجمالي الذي لا يكون مثله موضوعا لاثر شرعي ، لان ما له الأثر انما هو المحدود بأحد الحدين ، ولا شك فيه في البقاء ،

ص: 147

لكونه مقطوع البقاء على تقدير ومقطوع الارتفاع على تقدير آخر.

( ثم إن ) ما ذكرناه من جريان الاستصحاب عند الشك في حدوث الزمان أو بقائه من الليل أو النهار أو الشهر ونحوها انما هو إذا كان الأثر الشرعي مترتبا عليه بنحو مفاد كان أو ليس التامة ( واما ) إذا كان الأثر مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة ، ككون الزمان الحاضر من الليل أو النهار أو من رمضان ، ففي جريان الاستصحاب اشكال ، ينشأ من أن المتصف بمفاد كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب ، لان الزمان الحاضر الذي شك في ليليته أو نهاريته حدث اما من الليل واما من النهار ، فلا يقين باتصافه بكونه من الليل أو النهار ( واستصحاب ) بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لا يثبت نهارية الزمان الحاضر أو ليليته حتى يترتب عليه اثره الخاص من وقوع متعلق التكليف أو موضوعه في الزمان الذي اخذ كونه ظرفا لامتثاله ( ولأجل ) ذلك يشكل الامر في كلية الموقتات كالصلوات اليومية والصوم في رمضان ونحوهما ، نظرا إلى أن غاية ما يقتضيه استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة في مثل تلك الموقتات انما هو اثبات بقاء التكليف بالموقتات ووجوب الاتيان بها ( واما ) اثبات وقوعها في الليل أو النهار أو رمضان الذي اخذ ظرفا لها ليترتب عليه الامتثال والخروج عن العهدة فلا ( لان ) صدق كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا مبني على اثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليليته أو رمضانيته ، ( وبعد ) عدم اثبات الأصل المزبور نهارية الزمان الحاضر أو ليليته ، فلا يترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف بالموقت ( وبذلك ) تقل فائدة استصحاب الوقت والزمان ، لان الأثر المهم فيه انما هو في الموقتات.

( ولكن ) يمكن دفع الاشكال ، ( اما شبهة ) استصحاب مفاد كان الناقصة فبان يقال : ان ذوات الآنات المتعاقبة كما تكون تدريجية ، كذلك وصف الليلية والنهارية الثابتة لها أيضا تدريجية ، تكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها ، فإذا اتصف بعض هذه الآنات بالليلية أو النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية ، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان ، ويدفع شبهة الحدوث فيما كان

ص: 148

اسما لمجموع ما بين الحدين ، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان ، لان صدق البقاء في الزمان كما يكون بتلاحق بقية الآنات بالآنات السابقة ولحاظ المجموع من جهة كونها على نعت الاتصال وجودا واحدا ممتدا ، كذلك بقاء وصف ليلتها يكون بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة ، فلو شك حينئذ في ليلية الزمان الحاضر ، فلا قصور في استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر ، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف الآنات السابقة بالليلية أو النهارية إلى الشك في البقاء لا في الحدوث فيقال : بعد الغاء خصوصية القطعات ولحاظ مجموع الآنات من جهة اتصالها أمرا واحدا مستمرا ، ان هذا الزمان الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان ، فيثبت بذلك اتصاف الآن المشكوك ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية ( والا ) فلو فتحنا باب هذا الاشكال يلزم سد باب الاستصحاب في الزمان في مثل الليل والنهار ولو بمفاد كان التامة ، لجريان الاشكال المزبور فيه أيضا من حيث عدم تصور اليقين بالحدوث في مثل الليل والنهار الذي هو اسم لمجموع ما بين الحدين من حيث المجموع وكون القطعة الحاضرة من الزمان غير القطعة الموجودة سابقا ، ( وكما يصح ) استصحاب الليل والنهار بمفاد كان التامة ، وتدفع شبهة عدم اليقين بالحدوث ، بكفاية اليقين بوجود أول جزء من الليل عرفا في احراز وجود الليل ، كذلك يصح استصحاب اتصاف الزمان الشخصي الممتد إلى زمان الحاضر بالليلية أو النهارية :

( واما ) شبهة المثبتية في استصحاب الزمان بمفاد كان التامة في الموقتات ، فتندفع أيضا بما سيتضح لك من بيان كيفية اخذ الزمان في أدلة الموقتات ( فنقول ) : ان صور اخذ الزمان في أدلة الموقتات بنحو القيدية أو المقارنة : والمعية أربعة ، لأنه اما ان يكون راجعا إلى الهيئة والوجوب بناء على ما حققناه في محله من امكانه ( واما ) ان يكون راجعا إلى المادة ( وكل ) منهما باعتبار القيدية أو الظرفية ، أو المقارنة والمعية ينقسم إلى قسمين ، فتكون الصور أربعة ( بعد ذلك ) نقول : اما ما كان راجعا بحسب ظاهر الدليل إلى الهيئة والوجوب بنحو القيدية أو المقارنة والمعية ، فلا شبهة

ص: 149

في صحة استصحابه عند الشك في بقائه وانه يترتب عليه الوجوب بلا كونه مرتبطا بباب المثبت ، لأنه من قبيل استصحاب الموضوع واثبات الحكم الفعلي به.

( واما ) ما كان راجعا إلى الموضوع والمادة ، فان كان على نحو المقارنة والمعية ، كما لعله الظاهر في أكثر أدلة التوقيت في الموقتات ، من نحو قوله (عليه السلام) : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، وقوله سبحانه أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، حيث كان المستفاد منها مجرد لزوم وقوع المأمور به صلاة أو صوما عند تحقق أوقاتها ، بلا اقتضائها لكون الوقوع في الوقت المضروب لها شرطا شرعيا ، فلا اشكال في جريان الاستصحاب ، فإنه باستصحاب بقاء الليل أو النهار أو رمضان يترتب وجوب الاتيان بالصوم أو الصلاة ، ويترتب عليه تحقق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف عقلا باتيان المأمور به في الوقت المستصحب ، لكونه من اللوازم العقلية المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر ، وان لم يتحقق معنى الظرفية والقيدية ولا يصدق على المأتي به عنوان وقوعه في أزمان الذي كان من الليل أو النهار أو رمضان ( إذ لا يحتاج ) إلى اثبات هذا العنوان بعد عدم اخذ عنوان الظرفية قيدا لموضوع التكليف شرعا.

( واما ) إذا كان الزمان مأخوذا في المأمور به على نحو القيدية أو الظرفية بحيث اعتبر عنوان وقوع الفعل في الوقت المضروب شرطا شرعيا وفيمكن تصحيحه أيضا بما بيناه من صحة استصحاب الليلية والنهارية للآنات التدريجية ( إذ حينئذ ) يصدق وقوع الفعل في زمان كان ذلك الزمان ليلا أو نهارا ، فإنه لا نعنى من القيدية المزبورة الا إضافة الفعل إلى زمان متصف بالليلية أو النهارية ، فوقوع أصل الفعل في زمان كان محرزا بالوجدان واتصاف ذلك الزمان بالليلية أو النهارية كان محرزا بالأصل فيترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف ( ويمكن ) اجراء الاستصحاب أيضا في نقص العمل المظروف أو المقيد ، بتقريب ان هذا العمل الشخصي لو اتى به سابقا قبل الآن المشكوك ليليته أو نهاريته لوقع متصفا بعنوان كذا والآن كما كان ،

ص: 150

وهذا التقريب أولى مما افاده في الكفاية من استصحاب بقاء الامساك النهاري قبل ذلك على حاله في الآن المشكوك ، وذلك ، لما يرد عليه من أنه يتم بالنسبة إلى ما يترتب على بقاء الامساك النهاري بمفاد كان التامة ، لا بالنسبة إلى ما يترتب على كون شخص الامساك الموجود امساكا نهاريا بمفاد كان الناقصة ، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتأمل.

( المقام الثاني )

في استصحاب الزمانيات المتدرجة المبنية على التقضى والتصرم ، كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها ( وملخص ) الكلام فيها هو ان الشك في بقاء الزماني التدريجي ( تارة ) يكون لأجل الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقائه بعد على صفة الجريان ( وأخرى ) يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع عن حركته وجريانه مع القطع باستعداده للبقاء ، كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو صارف عن الداعي الذي اقتضى التكلم ، وكما لو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك ( وثالثه ) يكون لأجل الشك في كمية المبدء ومقدار استعداده ، كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم ( ورابعة ) لأجل احتمال قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول مع العلم بارتفاعه ، كما لو شك في بقاء التكلم من جهة احتمال انقداح داع آخر للمتكلم يقتضى التكلم بعد القطع بارتفاع الداعي الأول ، وكما لو شك في جريان الماء لاحتمال قيام منبع آخر مقام المنبع الأول الذي علم بنفاد مائه ( وهذا ) يتصور على وجهين ( فان ) المبدء الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدء الأول ( تارة ) على نحو يوجب تغييرا في عنوان المستصحب أو في الخصوصية

ص: 151

المقومة لفرديته عرفا ، بحيث يعد معه الموجود اللاحق فردا مغايرا مع الموجود السابق نظير تغيير عنوان التكلم من مثل القرآن إلى الأدعية ، أو الخطبة أو الزيارة أو تغييره من فرد إلى فرد آخر ( وأخرى ) على نحو لا يوجب ذلك ، نظير تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغيير في هيئتها ، كما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغيير في الماء وجريانه ( فهذه ) صور خمسة للشك في بقاء الامر الزماني التدريجي.

( ولا ينبغي ) الاشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الأولى والثانية ( واما الصورة ) الثالثة ، فجريان الاستصحاب فيها أيضا مما لا غبار فيه ، لولا شبهة كونه من الشك في المقتضى ، وهي أيضا مندفعة بما حققناه في بعض المباحث المتقدمة من عموم حجية الاستصحاب حتى في مورد الشك في المقتضى ( واما الصورة ) الرابعة ، ففي الوجه الأول منها لا يجري الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلي الذي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه ( واما الوجه ) الثاني منها ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيه ، لكونه مما تم فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق واتحاد متعلق الوصفين ، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة عند الشك في قيام عمود آخر مقام العمود الأول المنتفي قطعا ( ولعل ) من هذا القبيل استصحاب بقاء جريان الماء وسيلان الدم عند الشك في قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول الذي علم بارتفاعه ، فان مجرد اختلاف المبادئ لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ما لم يوجب اختلافها تغييرا في عنوان المستصحب عرفا أو في الخصوصية المقومة له بنحو يعد الموجود اللاحق مغايرا مع الموجود السابق عرفا ( وكذا ) الحال في مثل التكلم والقرائة في بعض افرادهما فلا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها مجرد تعدد الدواعي ( وحينئذ ) فلا وجه لما في التقرير عن بعض الأعاظم قده من اطلاق القول بالمنع عن جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة

ص: 152

وادراجها بقول مطلق في استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى ، بل لا بد من التفصيل حسب ما أشرنا إليه بين ما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها المخصوصة غير الموجب لتغيير فيها ، وبين ما يكون موجبا لتغيير في المستصحب اما في عنوانه أو في خصوصيته المقومة لفرديته على نحو يعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخرا مغايرا للموجود السابق ، كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغيير الخطبة إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا ، بتخصيص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الأول ( وحيث ) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد حتى في مثل التكلم وجريان الماء وسيلان الدم ، فلابد في تجويز الاستصحاب أو المنع عنه من ملاحظة خصوصيات الموارد ( والضابط ) في ذلك هو بقاء الوحدة العرفية بين القضيتين وعدم بقائها كذلك ، فكل مورد اقتضى تعدد المبدء أو الداعي اختلافا في المستصحب على وجه لا يصدق عليه البقاء عرفا لا يجرى فيه الاستصحاب ، وكل مورد لا يقتضي تعددهما اختلافا فيه ولا تشكيكا في صدق البقاء عرفا على الموجود السابق يجري فيه الاستصحاب.

( المقام الثالث ) في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال مثلا ، فشك في وجوبه بعد الزوال ( وقد وقع ) فيه الخلاف بين الاعلام ( وتحقيق ) الكلام في المقام ان يقال : ان الشك في ثبوت الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان ، تارة يكون من جهة الشك في بقاء القيد ، كالشك في بقاء الليل أو النهار ( وأخرى ) يكون من غير تلك الجهة مع القطع بانتفائه كما في نحو المثال فيما لو شك في بقاء الوجوب لاحتمال كون القيد من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه ، أو احتمال كون الواجب بنحو تعدد المطلوب ( وعلى الأول ) فالشك في بقاء القيد ( تارة ) يكون من جهة الشبهة المصداقية ( وأخرى ) من جهة الشبهة المفهومية مع القطع ببقائه بمعنى ، وزواله بمعنى آخر ، كالشك في أن النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحرمة المشرقية ( وثالثة ) من جهة الشك في اخذ اي واحد من القيدين المبينين مفهوما ( وعلى التقادير ) اما ان يكون الزمان في ظاهر الدليل

ص: 153

مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما لنفس الحكم ، واما ان يكون مأخوذا في الموضوع كذلك ، فهذه شقوق متصورة للشك في بقاء الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان.

( وبعد ) ذلك نقول ، انه لو كان الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في بقاء القيد المبين مفهوما ، فلا شبهة في أنه يجري الاستصحاب في نفس القيد الذي هو الزمان الخاص ، كالنهار الذي قيد به الصوم ، فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ، من غير فرق بين ان يكون الزمان مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما ، لنفس الحكم ، أو لموضوعه كذلك ، فإنه باستصحابه يثبت المقيد ، فيترتب عليه حكمه ، كما أنه يجري الاستصحاب في نفس المقيد ، هذا إذا كان الأثر الشرعي لوجود القيد أو المقيد بمفاد كان التامة ( واما ) لو كان الأثر لوجوده بمفاد كان الناقصة ، ففيه الاشكال السابق من عدم احراز الحالة السابقة لهذا المعنى وعدم اقتضاء الأصل في الوقت المستصحب أو المقيد بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو رمضانيته ، ويأتي فيه أيضا ما دفعنا به الاشكال المزبور على كل من تقريبي الاستصحاب بمفاد كان التامة والناقصة فراجع ( واما ) إذا كان الشك في الحكم الشرعي ناشئا من الشك في القيد من جهة الشبهة المفهومية ، كتردد النهار بين كونه منتهيا إلى غياب القرص ، أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، كما لو شك في وجوب الامساك في النهار بعد غياب القرص ، فلا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، فإنه بالنسبة إلى ما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي المأخوذ في موضوع الحكم ، لا يكون موردا للأثر الشرعي حتى يستصحب ، وبالنسبة إلى ما هو المورد للأثر الشرعي يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي تقدم في طي استصحاب الكلى المنع عن جريان الاستصحاب في أمثاله ( ومثله ) الكلام فيما لو كان الشك في بقاء الحكم من جهة الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين المبينين مفهوما قيدا لموضوع الحكم ، ففيه أيضا لا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، لعدم تصور الشك في البقاء فيما هو موضوع الأثر بعد تردد القيد بين الزائل والباقي ، فينتهى الامر حينئذ إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي ، ولا بأس بجريان الاستصحاب

ص: 154

فيه بناء على فهم العرف ظرفية القيد لا مقوميته لموضوعه ، والا فلا يجري فيه الاستصحاب لرجوع الشك في اخذ أحد القيدين المردد بين الزائل والباقي إلى الشك في بقاء موضوع التكليف ( هذا كله ) إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي ناشئا من الشك في بقاء القيد من جهة الشبهة الموضوعية أو الشبهة المفهومية في القيد أو الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين قيدا للتكليف أو لموضوعه ( واما ) إذا كان الشك فيه ناشئا من جهة أخرى ، بان كان الحكم مبهما من حيث الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد انقضاء الزمان الخاص ( فان كان ) الزمان مأخوذا في ظاهر الدليل على وجه الظرفية أو القيدية للحكم الشرعي ، كقوله : يجب الجلوس في المسجد في النهار ، يجري فيه استصحاب الوجود ، دون العدم ( اما ) جريان استصحاب الوجود ، فعلى الظرفية ظاهر ، وكذلك على القيدية لاجتماع أركانه فيه ( فان ) شخص الحكم الخاص الثابت لموضوع كذلك مما علم بثبوته سابقا فشك في بقائه بعد انقضاء النهار ، لاحتمال كون القيد الخاص من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه في الليل ، أو لاحتمال قيديته لبعض مراتبه ، لا لاصله حتى ينتفي بزواله ( وتوهم ) انه على القيدية يكون الوجوب المجعول وجوبا موقتا ولا يعقل بقائه بشخصه بعد ارتفاع قيده ، وانما المعقول هو ثبوت شخص وجوب آخر مقارنا لارتفاع الوجوب الموقت ، ومعه يكون الاستصحاب المزبور من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي تقدم المنع عن جريانه ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان الحكم الثابت في الوقت محدودا ومبينا بالتفصيل بداية ونهاية ، ولكنه خارج عن مفروض البحث بينهم ( إذ على ذلك ) لا يتصور الشك في بقاء الحكم المجعول حتى يتأتى فيه النزاع بينهم في استصحابه حتى على فرض ظرفية الزمان للحكم المجعول ( فلا بد ) حينئذ من فرض البحث بينهم في مورد يكون الحكم والتكليف مبهما من جهة الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد ارتفاع قيده بأحد الوجهين المتقدمين ، وفي هذا الفرض لا قصور في استصحابه على كل من الظرفية والقيدية ، فان قيدية الزمان ليس الا كسائر القيود المأخوذة في طي الخطاب للحكم أو لموضوعه ، فيجري فيه استصحاب الشخص والكلي القسم الأول ( واما عدم

ص: 155

جريان ) استصحاب العدم فيه ، فللعلم الوجداني بانتقاض العدم الأزلي المطلق بصرف الوجود وانقلابه بالنقيض ( واما توهم ) لزوم كون القيود الراجعة إلى الحكم في ظاهر الدليل قيودا للموضوع ، اما لما افاده الشيخ قدس سره من أن معنى الهيئة معنى حرفي وهو لجزئيته غير قابل للاطلاق والتقييد ، واما لما افاده في الكفاية من أن ما يكون قيدا للحكم لابد من كونه قيدا للموضوع أيضا ، لاستحالة أوسعية دائرة الموضوع من دائرة حكمه ، ومع تقييده به يتعدد الموضوع لا محالة ، فيمتنع استصحاب الوجود لكونه من اسراء حكم ثابت لموضوع خاص إلى موضوع آخر ، ومع امتناع استصحابه يتعين كونه مجرى لاستصحاب العدم ( فمدفوع ) اما التقريب الأول ، فبما حققناه في محله من أن تقييد الهيئة بمكان من الامكان ، لعموم المعنى والموضوع له في الحروف والهيئات ( واما التقريب ) الثاني فبمنع اقتضاء تقييد الحكم والهيئة تقييد الموضوع والمادة ، بل هو من المستحيل لاستحالة قيدية شيء لكل من الهيئة والمادة ، لما يلزمه من لزوم كون الشيء الواحد في مرتبتين ( فان ) لازم قيدية شيء للموضوع هو ان يكون ملحوظا في المرتبة السابقة على الحكم المتعلق به للزوم تأخر كل حكم عن موضوعه ومتعلقه بما له من القيود كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ( ولازم قيديته لنفس الحكم كونه ملحوظا في رتبة متأخرة ، فيلزم من قيدية الشيء لكل من الحكم والموضوع ان يكون ملحوظا في مرتبتين ، وهذا مما لا خفاء في بطلانه واستحالته ( نعم ) قضية لزوم تطابق دائرة الحكم والموضوع في مفروض البحث هو عدم اطلاق موضوع الحكم ولزوم اختصاصه بحصة من الذات التوائمة مع وجود القيد ، ولكن ذلك غير تقييده به كما هو ظاهر ( وعليه ) فلا قصور في استصحاب الحكم الثابت لتلك الذات إلى ما بعد القيد لاتحاد موضوع القضيتين ولو على النظر الدقى العقلي فضلا عن العرفي التسامحي ، فيقال : انه كان على يقين بحكم الذات في الوقت فشك في بقاء حكمه بعده من جهة احتمال كون الوقت المحدود من علل حدوث الحكم ، أو احتمال كونه قيدا لبعض مراتبه لا قيدا لاصله ، ولا ينقض اليقين بالشك ، هذا إذا كان الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا في الحكم على وجه الظرفية أو القيدية.

ص: 156

( واما ) إذا كان مأخوذا في الموضوع ، فان كان على وجه الظرفية ، فاما ان يكون المطلوب صرف وجود الطبيعي الذي لا تعدد فيه ولا تكثر ولو بالتعمل والتحليل ، أو يكون هو الطبيعة السارية في ضمن كل فرد التي لازمها انحلال الحكم المتعلق بها إلى احكام متعددة واختصاص كل فرد بحكم شخصي مستقل غير مرتبط بالآخر في مقام الإطاعة والمعصية ، ومرحلة المثوبة والعقوبة ( فعلى الأول ) لا يجري فيه الا استصحاب الوجود ، دون العدم للقطع بانتقاض العدم الأزلي بصرف الوجود ( وعلى الثاني ) يجري فيه كلا الاستصحابين استصحاب الوجود ، والعدم ( اما ) استصحاب الوجود فباعتبار ذلك الحكم المنشأ والمجعول الحقيقي الذي من شأنه الانحلال إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد الموضوع بتعدد الآنات والأزمنة ، حيث إنه من جهة اهمال أمد ذلك الحكم المنشأ الذي من شأنه الانحلال وقابليته للزيادة والشمول للأفراد الحادثة بعد الوقت يشك في بقائه ، فيجري فيه الاستصحاب واما جريان استصحاب العدم فباعتبار أشخاص حصص الحكم المختصة بالافراد الحادثة بعد الوقت المضروب ، حيث إن كل واحد منهما تبعا لموضوعاتها المقدرة وجودها كان مسبوقا بالعدم الأزلي ، وبعد وجود موضوعاتها يشك في انقلابه إلى الوجود فيستصحب ، فيقع التعارض بين الاستصحابين كما ذهب إليه النراقي قدس سره فيما حكى عنه ( وعلى هذا ) التقريب لا يتوجه اشكال لزوم الجمع بين النظرين المختلفين مع وحدة الملحوظ ، إذ على ما ذكرنا يكون الملحوظ أيضا متعددا كاللحاظ ، أحدهما انقلاب عدم الحكم في الجملة إلى الوجود. ثانيهما عدم معلومية انقلابه بالوجود مطلقا حتى بالنسبة إلى الافراد الحادثة بعد انقضاء الوقت ( هذا ) إذا كان الزمان مأخوذا في الموضوع على وجه الظرفية ( وأما إذا كان ) مأخوذا فيه على وجه القيدية والمفردية بنحو يقتضي تعدد الموضوع بحسب الوقت وخارجه ، فلا مجال فيه لاستصحاب الحكم واثباته لذات الموضوع بعد انقضاء الوقت ، لمبائنة الموضوع مع عدم القيد للموضوع المقيد ، فلا يكون اثبات الحكم له حينئذ ابقاء للحكم الأول الثابت للمقيد ، لأنه مما قطع بارتفاعه بارتفاع موضوعه المقيد بزوال قيده ، بل احداثا له في موضوع آخر

ص: 157

( الا ان يقال ) : ان كون الزمان قيدا مقوما للموضوع انما هو بحسب لسان الدليل والنظر العقلي ( واما ) بالنظر العرفي المسامحي يكون من حالات الموضوع لامن مقوماته ، فيمكن حينئذ استصحابه ( أو يقال ) : انه من المحتمل ان يكون ثبوت الحكم للذات المتقيدة بالزمان من باب تعدد المطلوب بان يكون لذات الامساك مثلا مطلقا مصلحة ملزمة تقتضي مطلوبيته ، ولخصوصية كونه في النهار مصلحة أخرى ملزمة غير المصلحة القائمة بذات الامساك ، فتنبعث من هاتين المصلحتين إرادة قوية نحو المقيد بالنهار وبعد ارتفاع الخصوصية تبقي المصلحة الأولى بحالها فتقتضى مطلوبية ذات الامساك ، فإنه مع هذا الاحتمال لا يقين بارتفاع أصل الحكم الثابت للمقيد بزوال قيده ، بل يحتمل بقاء مرتبة من الحكم الأول المتعلق بنفس الذات حتى مع اليقين بزوال القيد ، غاية الامر يتبدل حده من الضمني إلى الاستقلالي ، وذلك أيضا بضميمة فهم العرف عدم المغايرة بين الذات في الوقت وخارجه الا بصرف الوجدان للقيد والفقدان له ، وبذلك يجري فيه استصحاب الوجود لتمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة القضيتين فتأمل ( واما ) استصحاب العدم فيجري فيه بلا كلام ، لان مرجع اخذ الزمان قيدا مفردا للموضوع بعد أن كان إلى تعدد الموضوع وكون الوجوب الثابت للذات مع القيد غير الوجوب الثابت للذات مع عدم القيد ، فلا محاله مهما يشك في ثبوته للفرد الفاقد للقيد ، يجري فيه استصحاب العدم لليقين بالعدم سابقا والشك في البقاء لاحقا ، لان ما علم بانتقاضه بالوجود انما هو عدم شخص الحكم المختص بالموضوع المقيد ، لا عدم طبيعي الحكم الجامع بينه وبين غيره كما هو ظاهر ( ولكن ) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس سره على ما في التقرير المناقشة في الاستصحاب المزبور ، ( فاورد عليه ) بما ملخصه ان الحكم الثابت للشيء على نحو القضية الحقيقية ينحل إلى احكام تقديرية ثابتة لموضوعات مقدرة الوجود دائرة مدارها في الفعلية والشأنية ، فإذا كان وجود الحكم الثابت للمقيد تبعا لموضوعه مقيدا بقيد خاص من الزمان أو الزماني ، فلابد من أن يكون عدمه أيضا مقيدا بذلك القيد ، لان نقيض الوجود المقيد بشيء هو العدم المقيد بذلك الشيء لا العدم المطلق ، فنقيض

ص: 158

الوجود المقيد كالوجود المقيد يكون متقوما بوجود القيد ، ثم استنتج من ذلك في المقام بأنه إذا أوجب الجلوس في المسجد إلى الزوال على نحو كان الزوال قيدا للحكم أو الموضوع ، فشك في وجوبه بعد الزوال فوجوب الجلوس بعد الزوال حسب مفردية الزمان وان كان من الحوادث المسبوقة بالعدم ، ولكن عدمه المسبوق به لا يكون هو العدم الأزلي المطلق ، لأنه مما انتقض بالوجود قطعا بوجوب الجلوس قبل الزوال ، وانما هو العدم الخاص والمقيد ببعد الزوال ، وهذا العدم الخاص باعتبار كونه كالوجود الخاص مما قوام تحققه بوجود القيد ، فقبل الزوال لا يكون الوجوب المقيد بما بعد الزوال متحققا ولا عدم الوجوب المقيد به متحققا حتى يصح استصحابه الا بنحو السالبة بانتقاء الموضوع ( وبالجملة ) العدم المتحقق سابقا انما هو العدم المطلق وهو مع أنه منتقض بالوجود قطعا ، لا يكون نقيضا للوجود المقيد بما بعد الزوال ، وانما النقيض هو العدم الخاص الذي موطنه بعد الزوال ، وهذا قبل تحقق موطنه لا يكون له تحقق الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلذلك لا يجري فيه استصحاب الوجود ولا العدم ، بل لابد من الرجوع فيه عند الشك إلى البراءة أو الاشتغال ( ثم قال ) نعم لا بأس باستصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى هذا الموطن ، لأنه لا مانع من انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة من يوم الخميس ، بل انشاء الأحكام الشرعية كلها أزلية ، فإذا شك في انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة وجعله أزلا ، فالأصل عدم الجعل ، لان كل جعل شرعي مسبوق بالعدم ، من غير فرق بين اخذ الزمان قيدا أو ظرفا ، غاية الامر انه على القيدية لوجوب الجلوس لم يعلم انتقاض عدم الجعل بالنسبة إلى يوم الجمعة أو بعد الزوال ، لأنه على القيدية يحتاج وجوب الجلوس يوم الجمعة أو بعد الزوال إلى جعل آخر مغاير لجعل الوجوب يوم الخميس أو بعد الزوال ( وحيث ) انه يشك في جعل الوجوب يوم الجمعة أو بعد الزوال ، فالأصل عدمه ، الا انه لا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول ، واثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من أوضح افراد المثبت انتهى ملخص كلامه ( وفيه ما لايخفى ) فان مرجع كون الزمان قيدا للموضوع ومفردا له بعد أن كان إلى تعدد الموضوع بحسب

ص: 159

الأزمنة واختصاص كل موضوع بحكم شخصي مستقل غير الحكم المختص بالآخر ، فلا جرم يكون المجعول في المقام فردين من الوجوب الثابت أحدهما للمقيد بما قبل الزوال والآخر للمقيد بما بعد الزوال ، غاية الامر يكون الفردان تبعا لتدريجية موضوعهما المقيدين بالزمان تدريجيين.

( وحينئذ ) فإذا كان الفردان من الحوادث المسبوقة بالعدم وكان مرجع الحدوث في كل شيء إلى سبقه بعدم نفسه ، لا بعدم الطبيعي الجامع بنيه وبين غيره ، يكون الفرد الثاني أيضا حادثا مسبوقا بعدم نفسه الراجع إلى سبقه بالعدم المضاف إلى المقيد ، لا إلى العدم المقيد بنحو التوصيف ، إذ العدم المقيد لا يكون نقيضا للوجود المقيد وانما نقيضه عدم المقيد بالإضافة لا بالتوصيف ، والا يلزم ارتفاع النقيضين بارتفاع القيد وهو كما ترى من المستحيل ( وبالجملة ) نقول ان مرجع القيد في أمثال هذه القضايا إلى كونه مأخوذا في ذات المهية المسبوقة في اللحاظ على طرو الوجود عليها ، وان الوجود والعدم كانا طاريين على المهية المقيدة ، لا ان القيد مأخوذ في طرف الوجود نفسه ليكون النقيض هو العدم المقيد ( فلا بد ) حينئذ من جعل الوجود والعدم مرسلين عن القيد في مرحلة طروهما على المقيد ، لاستحالة تقييدهما بما هو مأخوذ في معروضهما ( غاية الامر ) يكون تقييد المعروض مانعا عن اطلاقهما كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ، لا انه موجب لتقييدهما ( وحينئذ ) فإذا كان القيد مأخوذا في ذات الموضوع الملحوظ كونه في الرتبة السابقة على طرو الوجود عليه وكان الوجود مرسلا من القيد في مرحلة طروه على المقيد ، فقهرا يصير النقيض للوجود المزبور هو العدم المضاف إلى المقيد ، لا العدم المقيد بالتوصيف ( وحيث ) ان هذا العدم المضاف لا يكون الا أزليا ، لان ما ليس بازلى هو العدم المقيد ، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتحقق أركانه فيه ، حيث إن شخص وجوب الجلوس بعد الزوال من الحوادث المسبوقة بعدم نفسه أزلا ، فإذا شك قبل الزوال أو حينه في ثبوته للمقيد ببعد الزوال يجري فيه استصحاب العدم ( ولعمري ) ان المنشأ كله للمناقشة المزبورة هو تخيل رجوع القيود في نحو هذه القضايا إلى

ص: 160

نفس العدم لا إلى المعدوم ، ولأجل ذلك أنكر الاستصحاب في المقام وفي كلية الاعدام الأزلية ( والا ) فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى المعدوم ، فلا مجال للمناقشة المزبورة كما هو ظاهر ، وتنقيح الكلام بأزيد من ذلك موكول إلى محله ( واما ) ما افاده من المنع عن استصحاب عدم الجعل ، لعدم ترتب اثر شرعي عليه في نفسه ، وعدم اثباته لعدم المجعول ولكون الترتب فيه عقليا لا شرعيا ( ففيه ) أولا ان الجعل والمجعول نظير الايجاد والوجود ، ليسا الا حقيقة واحدة وان التغاير بينهما انما هو بصرف الاعتبار ( وثانيا ) على فرض تغايرهما بحسب الحقيقة نقول : ان شدة التلازم بينهما لما كانت بمثابة لا يرى العرف تفكيكا بينهما حتى في مقام التعبد والتنزيل ، بحيث يرى التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر ، نظير المتضايفين كالأبوة والبنوة ، فلا قصور في استصحابه حيث يكون التعبد بعدمه تعبدا بعدم المجعول ( وحينئذ ) فعلى ما ذكرنا من التقريب في صحة استصحاب الوجود أيضا يتوجه اشكال الفاضل النراقي قدس سره من التعارض بين الأصلين.

( التنبيه الخامس )

قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التعليقي تارة ، والمشروط أخرى ، باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود الحكم على تقدير امر آخر ، كالحكم بحرمة عصير العنبي ونجاسته على تقدير غليانه ( وقد وقع ) فيه الخلاف بين الاعلام في جريان الاستصحاب وعدمه ( فقيل ) : بالعدم ، لان الاستصحاب فرع الثبوت سابقا ولا ثبوت للمستصحب في القضايا التعليقية قبل وجود المعلق عليه الا فرضا ، فان القضايا الطلبية المتضمنة للأحكام المجعولة انما تكون من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون الحكم فيها في الفعلية والشأنية تابعا لفعلية وجود موضوعه. وشأنيته ، فما لم يتحقق الموضوع بقيوده في الخارج لا يكون الحكم الا فرضيا لامتناع فعلية الحكم والتكليف قبل

ص: 161

وجود موضوعه ، ففي مثل قوله : العنب يحرم مائه إذا غلى يكون الموضوع للحرمة هو العنب المغلى لرجوع قيود الحكم طرا إلى الموضوع ، فلو شك قبل تحقق الغليان في بقاء الحرمة لأجل تبدل بعض حالات الموضوع لا يجرى فيه الاستصحاب ، إذ لا ثبوت للمستصحب سابقا ( ولكن ) الأقوى خلافه ( وتحقيق ) الكلام في المقام يستدعي تقديم أمور : ( الأول ) ان الحكم المستصحب اما ان يكون مطلقا غير معلق على شيء حتى بالنسبة إلى وجود موضوعه بحيث يقتضي وجوب تحصيله مهما أمكن بما له من القيود المعتبرة فيه ولو بايجاده وتكوينه في الخارج ، نظير الامر بشرب الدواء ، واما ان يكون معلقا بشيء هو وجود موضوعه ، أو قيوده وحالاته ، أو امر خارج عن حدود موضوعه ( وعلى الأخير ) فالتعليق اما ان يكون واردا في لسان الدليل ، كقوله : العنب يحرم مائه إذا غلى ، واما ان يكون منتزعا من كيفية جعل الحكم الشرعي لعنوان مخصوص بنحو التنجيز كقوله : يجب اكرام العالم ، حيث إن العقل ينتزع من مثل هذا الحكم المنشأ قضية تعليقية بأنه لو وجد انسان وكان عالما لوجب اكرامه ولا يحكم بوجوب تحصيله مقدمة للاكرام الواجب ( ولا فرق ) ظاهرا في اعتبار الاستصحاب على القول به في القضايا التعليقية بين القسمين المزبورين ، إذ لا وجه لتخصيص اعتباره بالأول دون الثاني الا توهم ان القضية المستصحبة في مثله ليست شرعية ولا لها اثر شرعي ، بل عقلية محضة

( ولكنه ) مندفع بما بيناه مرارا من أنه يكفي في شرعية الأثر في باب الاستصحاب. مجرد كون الشيء مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بالواسطة ، فإذا كان منشأ انتزاع هذه القضية العقلية التعليقية قضية شرعية يجري فيها الاستصحاب ( وبذلك ) قلنا : ان البحث في جعلية الأحكام الوضعية وانتزاعيتها من التكليف قليل الجدوى في باب الاستصحاب ، لأنه على الانتزاعية أيضا يجرى فيها الاستصحاب ، لكفاية مجرد انتهائها إلى الشارع وضعا ورفعا في الشرعية المعتبرة في باب الاستصحاب.

( الامر الثاني ) قد تكرر منا مرارا الفرق بين القيود الراجعة إلى مفاد الخطاب أعني الحكم والتكليف ، وبين القيود الراجعة إلى موضوعه ، فان

ص: 162

القيدين وان كانا مشتركين في الدخل في مصلحة المتعلق ، الا انهما مختلفان في كيفية الدخل فيها ، ( حيث إن ) دخل الأول فيها يكون من قبيل دخل الشيء في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصافه بكونه صلاحا ، وبذلك يكون من الجهات التعليلية لطرو الحكم على الموضوع ، بخلاف الثاني فان دخله انما يكون في وجود ما هو المتصف بكونه صلاحا ومحتاجا إليه فارغا عن أصل اتصافه بكونه صلاحا ( ومن الواضح ) حينئذ انه لو ثبت في مورد قيدية شيء للوجوب الذي هو مفاد الخطاب في الواجبات المشروطة لا يكاد صلوحه للقيدية لموضوعه ، لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه أو بما هو من علله وبالعكس ( نعم ) تقييد الحكم به موجب لضيق قهري في موضوعه وللزوم تطابق سعة دائرة كل حكم مع موضوعه وامتناع أوسعية أحدهما من الآخر ، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة إلى عرضه في الاعراض الخارجية وغيرها ، ولكنه غير تقييده به ( وحينئذ ) فارجاع القيود المأخوذة في مفاد الخطاب في القضايا المشروطة إلى موضوع الخطاب بجعله مركبا من الذات والوصف كما عن بعض منظور فيه ، فإنه ناشئ عن الخلط بين نحو القيد في كيفية الدخل في مصلحة المتعلق.

( الامر الثالث ) قد تقدم في بعض التنبيهات السابقة ان حقيقة الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات الشرعية ليست الا الإرادة التشريعية المبرزة بأحد مظهراتها من القول أو الفعل ، وان عنوان مثل البعث والتحريك والايجاب والوجوب ونحوها من العناوين اعتباريات محضة منتزعة من مقام ابراز الإرادة ، حيث إنه بابراز المولى إرادة الشيء واشتياقه إليه باخبار أو انشاء من قول أو فعل ، ينتزع العقل من ارادته المبرزة منه عنوان البعث والوجوب واللزوم ، كل باعتبار خاص ، لا انها هي الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات ، ولذا ترى صحة انتزاع تلك العناوين بمحض وصول إرادة المولى إلى مقام البروز بانشائه أو اخباره ولو لم يخطر ببال المولى التسبب بانشائه إلى تحقق تلك العناوين ( وبذلك ) قلنا : ان الأحكام التكليفية بحقيقتها التي هي الإرادة التشريعية المظهرة بأحد مظهراتها ، أجنبية بجميع مباديها عن الجعليات المتصورة في باب الأوضاع ، لان الحقائق الجعلية عبارة عن أمور اعتبارية التي قوام تحققها في الوعاء

ص: 163

المناسب لها بالانشاء والقصد بحيث كان الانشاء والقصد من قبيل الجزء الأخير من العلة التامة لتحققها ، نظير الملكية والزوجية ونحوهما ، فان روح الجعل فيها عبارة عن تكوين حقائقها بالانشاء والقصد بحيث لولا قصد التسبب بانشائها إلى تحققها في الوعاء المناسب لها لما كان لها تحقق أصلا ، فكان الجعل والانشاء فيها واسطة بينها وبين ارادتها ( وهذا المعنى ) غير متصور في الأحكام التكليفية ، لا بالنسبة إلى نفس الإرادة ، لأنها امر واقعي تدور في تحققها مدار تحقق مباديها من العلم بالمصلحة والعزم والجزم ، ولا بالنسبة إلى حيث ابرازها بانشاء أو اخبار ، لكونها من الأمور المتأصلة الخارجية ومن مقولة الفعل ، فلم يبق الامر حلة البعث والتحريك والوجوب ، وقد عرفت ان هذه أمور اعتبارية انتزاعية ينتزعها العقل من مجرد ابراز الإرادة من المولى فلا ترتبط بالحقائق الجعلية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل بمعنى التكوين فيها باعتبار ايجاد ما هو المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة أعني الاعلام بالإرادة واظهارها خارجا باخبار أو انشاء فعلي أو قولي ، فإنه بهذه العناية تكون الأمور المزبورة منسوبة إلى الجعل التكويني وتابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الامر الذي عين الانشاء الاختياري والتشريع ، ولكن هذا المقدار لا يوجب كونها جعلية بالمعنى المتصور في الأحكام الوضعية كما هو واضح ( وبما ذكرنا ) انقدح ان ما اشتهر وانغرس في بعض الأذهان من أن القضايا الشرعية والاحكام الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله ، فلا يكون الحكم فيها فعليا الا في ظرف فعلية موضوعه بقيوده مما لا أصل له ولا أساس.

( فان ) القضايا الحقيقية المصطلحة انما تصح في مثل الأحكام الوضعية المجعولة والاعراض الخارجية التي يكون الخارج فيها ظرفا للعروض والاتصاف ، لا في الأوصاف الوجدانية التي تكون ظرف عروضها هو الذهن وكان الخارج ظرفا لاتصافها محضا ، كالإرادة والكراهة والحب والبغض والتمني ونحوها ، فإنها من جهة قيامها بالوجودات الذهنية لا تحتاج في فعليتها باي نحو يكون لها من التعلق إلى وجود متعلقاتها في الخارج ، ولذا قلنا كرارا ان معروضات تلك الصفات الوجدانية طرا لا يكون الا الصور

ص: 164

الذهنية ، غايته بما انها ترى خارجية على وجه لا يلتفت إلى ذهنيتها كما يشهد له موارد تخلف القطع والظن عن الواقع ، فالاحكام التكليفية التي لبها الإرادة المبرزة حينئذ أجنبية عن القضايا الحقيقية المصطلحة حتى فيما كان منها بنحو الإناطة والاشتراط ( فان ) مرجع الإناطة والاشتراط فيها بعد قيامها بالملحوظات الذهنية إلى اشتياق فعلى منوط بوجود الشيء في فرض الآمر ولحاظه المتحقق في حال الانشاء في قبال الاشتياق الفعلي المطلق نحو الشيء غير منوط بشيء حتى في فرضه ولحاظه ( لا إلى ) اشتياق تقديري ، فالمنوط به فيها دائما هو الشيء بوجوده الفرضي اللحاظي لا بوجوده العيني الخارجي ، كما هو الشأن في إناطة الإرادة بموضوعه ، ومع فرض وجوده في لحاظ الآمر يكون المبرز بالخطاب حتى في المشروطات فعليا دائما ، غايته كونه منوطا بوجود المنوط به في لحاظ الآمر بلا احتياج في فعليتها إلى وجود المنوط به خارجا ( نعم ) مرتبة محركية هذه الإرادة وفاعليتها منوطة بالعلم بوجود الموضوع والمنوط به خارجا ، لأنها من تبعاث تطبيق العقل عنوان الموضوع والمنوط به على الخارج وبدونه لا يحكم بوجوب الانبعاث ( ولكن ) ذلك لا يوجب إناطة أصل التكليف في فعليته بوجوده خارجا ( كيف ) وهذه المرتبة مرتبة تأثير الخطاب في حكم العقل بلزوم الانبعاث من بعث المولى ، لا مرتبة نفس الخطاب ومضمونه ، ولذا ترى إناطة هذه المرتبة بالعلم بالخطاب أيضا ، مع وضوح حفظ مضمونه في ظرف الجهل جزما ( والا يلزم ) اختصاص مضمون الخطاب بالعالم به وهو كما ترى ( نعم ) لو بنينا على جعلية الأحكام التكليفية كالأحكام الوضعية في أبواب العقود أمكن دعوى كونها من سنخ القضايا الحقيقية التي يكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله ، ولكن عرفت كونه بمعزل عن التحقيق ( فتلخص ) ان المبرز بالخطاب التكليفي الذي هو روح الحكم المتجسم بابرازه في جميع المقامات حتى في المشروطات فعلي دائما قائم بالوجودات اللحاظية وانه لا يحتاج في فعليته باي نحو يكون له من التعلق بقيده أو موضوعه إلى فعلية وجود قيده وموضوعه خارجا.

( وحيث اتضح ) هذه الأمور ( نقول ) انه بعد فعلية الإرادة في الخطابات المشروطة

ص: 165

لرجوع الإناطة والاشتراط فيها إلى اشتياق فعلي في ظرف لحاظ الشيء خارجيا لا إلى اشتياق تقديري ، فلا قصور في جريان الاستصحاب التعليقي فيها قبل حصول المعلق عليه في الخارج لعموم أدلته الشامل لمثله ، غاية الامر انه لا اثر له الا في ظرف وجود المنوط به خارجا الذي هو ظرف تطبيق الخطاب وظرف محركيته ( ولكن ) ذلك لا يمنع عن استصحابه ، لان في استصحاب لا يحتاج الا إلى اليقين بوجود المستصحب وما هو مفاد الخطاب سابقا والشك في بقائه لاحقا ، فإذا فرضنا ان مفاد الخطاب في المشروطات حكم فعلي منوط بوجود الشيء في فرض الآمر ولحاظه ، لا انه حكم فرضي تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا ، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتمامية أركانه ، من غير فرق بين ان تكون الإناطة والتعليق فيه بوجود موضوعه ، أو بأمر خارج عنه ، ولا بين ان يكون التعليق بأمر وجداني بسيط ، أو بأمر مقيد أو مركب من أمرين أو غير ذلك ، ولا بين ان يكون الحكم المعلق كليا أو جزئيا ( فلو علم ) حينئذ بترتب الحرمة والنجاسة على العنب في ظرف غليانه أو على العنب المغلي ، فشك بعد تبدله بالزبيب قبل غليانه في بقاء تلك الحرمة والنجاسة الثابتتين للعنب ، على تقدير غليانه ، يجري فيهما الاستصحاب لا محالة بعد جعل وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته ، سواء فيه بين اخذ الغليان وصفا للموضوع ، كقوله : العنب المغلي يحرم أو ينجس ، أو شرطا للحكم كقوله : العنب يحرم وينجس إذا غلى ، وبذلك ينقدح فساد ما أفيد في المنع عن الاستصحاب المزبور ، من أن الحكم المترتب على الموضوع المركب انما يكون وجوده وتقرره بوجود موضوعه بما له من الاجزاء والقيود ، لان نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول ، ولا يعقل ان يتقدم الحكم على موضوعه ، والموضوع في مثال العنب يكون مركبا من جزئين العنب والغليان لان شرط الحكم يرجع إلى الموضوع ويكون من قيوده ، فقبل فرض غليان العنب لا يمكن فرض وجود الحكم ومع عدم فرض وجود الحكم لا معنى لاستصحابه ، لأنه يعتبر في الاستصحاب الوجودي ان يكون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له ، فبوجود أحد جزئي المركب ، لا يترتب عليه

ص: 166

الحكم الشرعي ما لم ينظم إليه الجزء الآخر ، نعم الأثر المترتب على أحد جزئي المركب هو انه لو انضم إليه الجزء الآخر لترتب عليه الأثر ، وهذا المعنى مع أنه عقلي ، يكون مقطوع البقاء في كل مركب وجد أحد جزئيه فلا معنى لاستصحابه ( وجه الفساد ) ما عرفت أولا من منع رجوع شرائط الحكم في القضايا المشروطة إلى كونها قيودا للموضوع بحسب اللب ليكون الموضوع فيها هو الذات المتقيد ، وانما هي من الجهات التعليلية لطرو الحكم على ذات الموضوع ( ومجرد ) اقتضائها لاخراج الذات عن الاطلاق ، غير تقييدها بنفس الحكم أو بما أنيط به الحكم ( بل الموضوع ) في نحو هذه القضايا هو الذات المجردة عن القيد ، غايته على نحو لا اطلاق لها ولا تقييد.

( وثانيا ) على فرض تسليم رجوع قيود الحكم إلى الموضوع نمنع توقف فعلية الحكم على فعلية وجود موضوعه باجزائه وقيوده ( لما عرفت ) من أن حقيقة الحكم وهي الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب ، فعلية دائما في الخطابات المشروطة وغيرها ، وان مرجع الإناطة والاشتراط فيها إلى فعلية الإرادة والاشتياق التام في فرض لحاظ الشيء خارجيا قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلى الاشتياق إلى الشيء لا في ظرف وجود شيء آخر في لحاظه ( لا ان ) مرجع الإناطة فيها إلى اشتياق تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا ( نعم ) مرتبة محركية مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجا كإناطتها بالعلم به أيضا ، ولكنه غير مرتبة فعلية أصل الإرادة ( نعم ) ما أفيد من عدم فعلية الحكم الا في فرض فعلية موضوعه انما يتم في فرض مجعولية الأحكام التكليفية كما هو المعروف مع البناء على أن حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن نفس البعث والايجاب ، لا الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب ، فإنه على هذا المبنى ، أمكن دعوى كون المجعول في باب التكاليف من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المجعول فيها وجود موضوعه بقيوده في الفعلية والفرضية ، وهذا أيضا لولا دعوى كون المجعول حينئذ على وفق الإرادة في كونه فعليا منوطا بفرض وجود القيد في لحاظه ( وبالجملة ) فعلى ، هذا المبنى يتجه الاشكال في استصحاب الحكم التعليقي قبل وجود المعلق عليه خارجا ، بناء على اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا شاغلا لصفحة الوجود

ص: 167

خارجا ، إذ حينئذ لا فعلية للحكم المستصحب في نحو المثال قبل تحقق الغليان حتى يمكن استصحابه ( ولكن ) على ذلك يلزم المنع عن الاستصحاب في الاحكام الكلية أيضا قبل وجود موضوعاتها فيما لو شك فيها لأجل احتمال نسخ أو تغيير بعض حالات الموضوع ( إذ بعد ) اعتبار كون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود خارجا ( لا فرق ) في المنع عن الاستصحاب ، بين الاحكام الكلية ، والجزئية مع أن المستشكل المزبور ملتزم بجريانه في الاحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها ( فإذا التزم ) فيها بكفاية فرضية وجودا الحكم في صحة استصحاب الحكم الكلى ، يلزمه الاكتفاء به في استصحاب الحكم الجزئي ( وبالجملة ) احتياج الاستصحاب في جريانه إلى وجود الموضوع خارجا بما له من الاجزاء والقيود يستلزم المنع عنه حتى في الاحكام الكلية قبل تحقق موضوعاتها سواء كان الشك فيها من جهة الشك في النسخ أو من جهة أخرى ( كما ) ان الاكتفاء بصرف فرضية وجود الموضوع في استصحاب الحكم الكلى ، يستلزم الاكتفاء به في استصحاب الحكم الجزئي أيضا ( إذ لا فرق ) في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه ، بين فرضية تمام موضوعه باجزائه وشروطه ، وبين فرضية بعضه ( فعلى ) كل تقدير لا وجه للتفصيل المزبور ، بل لا محيص اما من المنع عن استصحاب الحكم التعليقي قبل تحقق الموضوع والمعلق عليه مطلقا حتى في الحكم الكلى ، واما من الالتزام بجريانه مطلقا حتى في الحكم الجزئي بناء على الاكتفاء في جريانه بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه ، هذا ( مع ) امكان اجراء الاستصحاب حينئذ في نفس القضية التعليقية والحرمة أو النجاسة التقديرية الثابتة للعنب قبل الغليان ، فإنه يصدق عليه قبل الغليان انه يحرم أو ينجس على تقدير غليانه وبعد صيرورته زبيبا يشك في بقاء تلك القضية التعليقية بحالها فيستصحب ، إذ لا قصور في أدلته للشمول لمثل الفرض ( ودعوى ) انها ليست بشرعية لأنها عبارة عن الملازمة بين وجود الشيء ووجود الحكم فهي اعتبار عقلي منتزع من جعل الشارع وانشائه الحرمة والنجاسة على العنب المغلي ، ودليل الاستصحاب غير ناظر إلى مثله ، مضافا إلى أن الملازمة انما هي بين الحكم وتمام الموضوع ، ولا يعقل الشك في بقائها الا من جهة الشك في نسخ الملازمة ، فيرجع إلى استصحاب عدم النسخ الذي لا اشكال فيه ، وهو غير الاستصحاب التعليقي

ص: 168

( مدفوع ) بما ذكرنا مرارا من أنه يكفي في الشرعية في باب الاستصحاب مجرد كون المستصحب مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه ، فإذا كانت القضية التعليقية والملازمة المزبورة منتهية إلى كيفية إرادة الشارع وجعله على نحو خاص ، بحيث لولا الجعل الشرعي لما يعتبر العقل تلك الملازمة ، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك بعد انتهائه إلى الأثر العملي ، كما في السببية في الأمور الجعلية حسب ما شرحناه سابقا خصوصا على المبنى المختار في لا تنقض من كونه ناظرا إلى نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال حتى في الاحكام المجعولة ، لا إلى المتيقن ولو بتوسيط اليقين بنحو جعل المماثل ، أو الامر بالمعاملة مع المتيقن معاملة الواقع ( وعليه ) فلا يحتاج في اجراء الاستصحاب في نحو هذه التعليقيات وشرعيتها إلى اتعاب النفس لاثبات ان لها مرتبة من الوجود كي يورد عليه بأنها كالملازمات الواقعية بين الشيئين ليست من الموجودات الخارجية وانما هي اعتبارات عقلية منتزعة من مجرد امتناع انفكاك أحد الشيئين عن الاخر ( نعم ) ما لا يكون جعليا انما هي الملازمة والسببية في الأمور الواقعية التكوينية التي لا يكون لها مساس بالجعل الشرعي ولو بالواسطة ، لا مثل هذه التعليقيات التي عرفت انتهائها بالآخرة إلى الجعل الشرعي ، كما هو ظاهر ( واما شبهة ) عدم تصور الشك في بقاء الملازمة ألا من جهة الشك في النسخ وبدونه يقطع ببقائها لكونها كالصحة التأهلية لجزء المركب ( فمدفوع ) بان المقطوع انما هو الحكم الثابت للذات في حال العنبية لا مطلقا حتى في حال الزبيبة ، إذ هو في هذا الحال مشكوك لا مقطوع ، والمستصحب هو هذا الحكم الضمني الفرضي الثابت للذات في حال العنبية وبقائه مشكوك لا مقطوع.

( ثم ) انه أورد على الاستصحاب المزبور بوجهين آخرين ( أحدهما ) من جهة تغاير الموضوع في القضيتين ، بدعوى ان الموضوع للحرمة والنجاسة المعلقة بالغليان في القضية المتيقنة انما هو ماء العنب وقد انعدم بصيرورته زبيبا ، وفي القضية المشكوكة هو الجرم الخاص وليس هو موضوعا للحرمة والنجاسة ( والثاني ) بمعارضة الاستصحاب المزبور مع استصحاب الطهارة والحلية الثابتة قبل الغليان ، فان

ص: 169

الاستصحاب التعليقي كما يقتضى حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان كذلك الاستصحاب التنجيزي للطهارة والحلية الفعلية يقتضى حليته وطهارته بعد الغليان وحيث إن الشك في أحد الاستصحابين لا يكون مسببا عن الاخر يسقط الاستصحابان فيرجع فيه إلى قاعدة الحلية والطهارة ( ولكن ) الأول مندفع بفهم العرف كون الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.

( واما الثاني ) ففيه ان المعارضة انما تتم إذا كان المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية الثابتتين للعنب قبل الغليان بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو النجاسة المشروطة بالغليان بمناط المضادة ( واما ) إذا كان المستفاد من دليل الغليان علاوة عن شرطية الغليان وسببيته للحرمة والنجاسة ، كونه غاية أيضا شرعا لحكم المضاد أعني الحلية والطهارة الفعلية الثابتتين للعنب قبل الغليان ، ( فلا مجال ) لتوهم المعارضة بين الاستصحابين ، نظرا إلى حكومة الاستصحاب التعليقي حينئذ على الاستصحاب التنجيزي للحلية والطهارة ، فإنه بعد أن يكون الحلية والطهارة مغياة شرعا بعدم طرو الغليان الذي هو سبب النجاسة والحرمة ، فلا جرم بالاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في الحلية والطهارة ولا يبقى معه المجال لاستصحابهما أصلا ( ففي الحقيقة ) مرجع استصحاب الحرمة والنجاسة المشروطة إلى استصحاب بقاء الشرطية للحرمة والنجاسة ولعدم الحكم الآخر المضاد لهما المعبر عنه بالغاية ، فما هو الحاكم على هذا الاستصحاب في الحقيقية هو استصحاب الشرطية والغائية الحاصل في ضمن استصحاب الحرمة المشروطة ، والا فاحد الحكمين كان في عرض الآخر بلا طولية بينهما ولا سببية والمسببية ، وما هو في طولهما هو حيث بقاء الشرطية والغائية التوأمين في الثبوت للقيد المزبور ( حينئذ ) فلا بد في الحكم بتعارض الأصلين وعدمه من لحاظ ان الغليان كما أنه شرط للحرمة والنجاسة المجعولة ، كذلك يكون غاية شرعا للحلية والطهارة ، أم لا يكون كذلك ، بل كان غائيته للحلية والطهارة بحكم العقل محضا بلحاظ مضادة

ص: 170

الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الآخر.

( فعلى الأول ) كما هو التحقيق لا محيص من حكومة الاستصحاب التعليقي بالبيان المتقدم.

( وعلى الثاني ) تستقر المعارضة بين الأصلين ، لان الحكمين حينئذ عرضيان والشرطية والغائية أيضا عرضيتان ( لان ) ما هو في طول الحرمة هو وجود الشرط والغاية ، والأول وان كان شرعيا فيترتب عليه اثره الذي هو الحرمة الا ان الثاني لا يكون كذلك ، فلا مجال لرفع اليد عن استصحاب الحلية باستصحاب الحرمة المشروطة كما هو ظاهر.

( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم قدس سره في تقريب السببية والمسببية بين الأصلين ، ( ببيان ) ان الشك في حلية الزبيب وطهارته الفعلية بعد الغليان وان لم يكن مسببا عن الشك في نجاسته وحرمته الفعلية بعد الغليان وانما كان الشك في أحدهما ملازما للشك في الآخر ، الا ان الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك في كون المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في حال كونه زبيبا ، أو ان المجعول الشرعي خصوص نجاسة العنب المغلي وحمرته ولا يعم الزبيب المغلي ، فإذا حكم الشارع بالنجاسة والحرمة المطلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية الزبيب المغلي وطهارته وجه النظر ان اطلاق الحرمة المشروطة بالغليان لحال الزبيبية وثبوت ضده في هذه الحالة من المتضادين الملازم لكونهما في مرتبة واحدة من دون ان يكون لعدم أحدهما تقدم على وجود الآخر ، ولا لوجود أحدهما تقدم على عدم الآخر ، ومعه لا سببية ولا مسببية بينهما ، بل يقال : حينئذ انه لم لا تعكس الامر ، فإنه كما أن التعبد ببقاء الحرمة المطلقة الشامل لحال الزبيبة ملازم لارتفاع الحلية السابقة عقلا في هذا الحال ، كذلك التعبد ببقاء الحلية السابقة في هذا الحال ملازم عقلا للتعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال ( ولقد تفطن ) هو قدس سره لهذا الاشكال ، حيث أورد على نفسه بان عدم الحلية والطهارة لا تكون من الآثار الشرعية المترتبة على حرمة العنب

ص: 171

المغلي ونجاسته وانما هو من اللوازم العقلية لجعل الحرمة للعنب المغلي مطلقا لمكان امتناع اجتماع الضدين ( ولكنه ) أجاب عنه بالفرق بين السببية والمسببية في الموضوعات وبينهما في الاحكام ، فقال : ان شرطية ترتب المسبب على السبب شرعا انما هي في الاستصحابات الموضوعية ، واما في الاستصحابات الحكمية فعدم ترتب الحكم الآخر على ثبوت حكم آخر من لوازم نفس استصحابه والتعبد به ، فإذا جرى فيه الاستصحاب يترتب عليه جميع الآثار حتى العقلية لا خصوص الآثار الشرعية ( فاستصحاب ) الحزمة التعليقية بما له من المراتب التي منها مرتبة كونه زبيبا والتعبد ببقائه مما يلازم عقلا للتعبد بارتفاع حليته وطهارته ، إذا لا معنى للتعبد بحرمته ونجاسته في هذا الحال الا الغاء حليته وطهارته في هذا الحال ، والا يكون التعبد به لغوا ، فبذلك يكون استصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية حاكما على استصحاب الحلية والطهارة انتهى ملخص ما افاده بطوله.

( وأنت خبير ) بما فيه ( إذ مضافا ) إلى أنه لا فرق في شرعية ترتب المسبب بين الأصول الموضوعية والحكمية ، يمنع الطولية والسببية والمسببية بينهما لما عرفت من المضادة بين الحكمين عقلا المستتبع لملازمة وجود أحدهما لعدم الآخر ، فلو اكتفي بهذا المقدار في الحكم بارتفاع الحلية والطهارة الفعلية باستصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية للعنب بما له من المراتب التي منها المرتبة الزبيبية ، فلم لا تعكس الامر ، لان التعبد بالحرمة التعليقية كما يقتضى التعبد بعدم الحلية الفعلية بعد الغليان ، كذلك التبعد ببقاء الحلية الفعلية الثابتة للعنب بعد الغليان في هذا الحال يقتضي التعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال ، لان لازم تضاد الحكمين انما هو ملازمة وجود أحدهما لعدم الآخر واقعا وظاهرا ، ومع امكان العكس أين يبقى المجال لتقديم الاستصحاب التعليقي وترتيب لازمه ظاهرا من نفي الحلية والطهارة كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالعمدة في تقديم الاستصحاب التعليقي في المقام على الاستصحاب التنجيزي للحلية والطهارة هو ما ذكرناه من الحكومة بالتقريب المتقدم الراجع استصحابه إلى استصحاب بقاء الشرطية والغائية للحلية السابقة الموجب لثبوت ما هو الغاية للحلية والطهارة ، حيث إنه باستصحابه

ص: 172

يرتفع الشك في الحلية والطهارة تعبدا ، ومعه لا يبقى مجال لاستصحابهما فتدبر.

( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده المحقق الخراساني قدس سره في نفى التعارض بين الأصلين رأسا ، من أن التعارض انما يتصور بينهما في فرض اقتضاء بقاء الحلية إلى حين الشك بها اجتماعها مع الحرمة التعليقية المضادة لها بحيث يلزم من جريان الاستصحابين العلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وليس كذلك ، فإنه كما أن الحرمة منوطة بوجود الغليان ، كذلك الحلية السابقة منوطة أيضا بعدم الغليان ، ومن المعلوم ان القطع ببقاء القضيتين وجدانا لا يوجب اؤلهما إلى اجتماع الضدين فضلا عن استصحابهما ( إذ فيه ) ان القطع بالحلية المغياة بالغليان وان كان يجتمع مع الحرمة المنوطة بالغليان ، حيث كان العنب دائما يثبت له الحلية والحرمة المنوطة بالغليان بلا اؤل مثله إلي اجتماع الحكمين الفعليين في زمان بلحاظ ان الغليان الذي هو غاية للحلية وشرط للحرمة بوجوده ينفى الأول ويثبت الثاني ( ولكن ) القطع بالحلية المغياة قبل حصول الغاية لما يلازم القطع بالحلية الفعلية للعنب فلا جرم مهما شك في ارتفاعها ولو من جهة احتمال بقائها في الزمان اللاحق بلا تعليق على عدم الغليان يجرى استصحاب تلك الحلية الفعلية ، كما لو شك في ارتفاعها يمثل مواجهة الشمس أو غيرها من محتمل الرافعية ، فالمعارض لاستصحاب الحرمة التعليقية حينئذ هو هذا الاستصحاب ، لا استصحاب الحلية المنوطة بعدم الغليان كي يقال : ان القطع ببقائها غير ضائر فضلا عن استصحابها ( وعليه ) فالحري هو ابداء أصل المعارضة بين الاستصحابين ثم علاج التعارض بينهما بحكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب الفعلي بالتقريب الذي ذكرناه.

( التنبيه السادس )

لا اشكال في استصحاب الحكم الشرعي عند الشك في النسخ إذا كان المستصحب من احكام هذه الشريعة المقدسة ( واما ) إذا كان من احكام الشرايع السابقة ، فقد يناقش فيه بوجهين

ص: 173

( الأول ) من جهة اختلاف الموضوع ( بتقريب ) ان المكلف بأحكام كل شريعة انما هو المدرك لتلك الشريعة ، المدرك للشرايع السابقة قد انقرضوا ، واما المدرك لهذه الشريعة مع عدم دركه للشرايع السابقة فلم يعلم كونهم مرادا من العمومات الثابتة في الشرايع السابقة ، فلا يجرى الاستصحاب في حقهم ( وبتقرير أوضح ) ان استصحاب بقاء الحكم عند الشك في النسخ انما يجري وينفع في فرض المفروغية عن شمول حكم العام من الأول لجميع الافراد المتدرجة الزمانية وهو متفرع على عدم اختصاص حكم العام بزمان دون زمان ، والا فعلى فرض اختصاصه من الأول بالزمان السابق ولو من جهة ان النسخ تخصيص في الأزمان يستحيل دخول الافراد التدريجية الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام السابق أو اطلاقه ( وحيث ) ان الشك في النسخ يستتبع الشك في دخول الافراد الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام من الأول ، فلا يجتمع الشك في النسخ مع العلم بدخول الافراد اللاحقة بعد زمان النسخ في العام من الأول ، ومعه لا يثمر استصحاب بقاء الحكم الثابت لعنوان عام يشك في دخول الافراد الفعلية فيه لاثبات حكم العام في حقهم ، إذ مثل هذا المعنى لو كان جزميا غير مثمر لاثبات الحكم في حقهم فضلا عن استصحابه ( نعم ) مثل هذا الاستصحاب يثمر في النسخ بمعنى البداء المتصور في حق المخلوقين ، فإنه عليه يمكن دعوى الجزم بدخول الافراد الفعلية في المراد من العام من الأول ، فمع الشك في البداء ونسخ الحكم الأول يجري استصحاب بقائه وعدم نسخه ( ولكن ) هذا المعنى غير متصور بالنسبة إليه سبحانه لأنه غير منفك عن الجهل بمصالح الأمور تعال اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

( الثاني ) من جهة العلم الاجمالي بنسخ كثير من الاحكام الثابتة في الشرايع السابقة في هذه الشريعة ، حيث إن هذا العلم الاجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه ( أقول ) ولا يخفى ما عليك في هذين الوجهين.

( اما الوجه الأول ) فمع انه جار في استصحاب احكام هذه الشريعة عند الشك في نسخها بالنسبة إلى الموجودين في الأزمنة المتأخرة مندفع ، بان الاشكال انما يتوجه إذا كان الحكم الثابت في الشريعة السابقة بنحو القضايا الخارجية المتكفلة للحكم على

ص: 174

الافراد المحققة الوجود في زمان خاص ، إذ حينئذ لا يقين بثبوت الحكم من الأول للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة وانما المتيقن ثبوته بالنسبة إلى الافراد الموجودة في الزمان السابق ( واما ) إذا كان بنحو القضية الطبيعية المتكفلة للحكم على طبيعة المكلفين بنحو السريان في الافراد الفعلية المحققة الوجود والفرضية المقدرة وجودها ، فلا يلزم اشكال ، إذ بعد أن كان مقتضى العموم ثبوت الحكم من الأول لجميع الافراد الفعلية والفرضية لولا النسخ : فلا جرم عند الشك في النسخ وعدم عموم لفظي يقتضي استمراره في جميع الأزمنة يجري فيه استصحاب البقاء وعدم النسخ ولازمه ثبوته للافراد الموجودة في الشريعة اللاحقة ، لان منشأ الشك في ثبوته فعلا للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة انما يكون هو النسخ لا غيره ، فاستصحاب عدمه يكفي لنفي هذه الجهة من الشك ، بلا احتياج إلى اثبات كونهم مرادا من العام بمثل هذا الأصل كي يجيئ فيه شبهة مثبتية الأصل المزبور ( وبالجملة ) الغرض من استصحاب حكم العام انما هو استصحاب الحكم الثابت لجميع الافراد من غير جهة النسخ بلحاظ ان الشك في بقائه يكون من جهة احتمال النسخ فبالاستصحاب المزبور يترتب ثبوت الحكم العام على الافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة ( واما توهم ) ان الاحكام الثابتة للفرضيات ليست بفعلية وانما هي اقتضائية محضة فاستصحابها لا يفيد في اثبات فعلية الحكم بالنسبة إلى الموجودات في الأزمنة المتأخرة الا على الأصول المثبتة ( فمدفوع ) بما تقدم مرارا من منع عدم فعليتها بالنسبة إليها ، إذ لا قصور في فعلية الإرادة وتوجيهها نحو الفرضيات عند تمامية المصلحة ( نعم ) الممنوع انما هو محركية هذه الإرادة بالنسبة إلى الافراد الفرضية قبل وجوداتها بلحاظ ان محركتيها من شؤون حكم العقل بلزوم الامتثال المتوقف على وجود المكلف خارجا ، وترتب هذه على الاستصحاب المزبور لا يكون من المثبت ، لأنه من اللوازم الأعم من الواقع والظاهر ، فمتى يثبت حكم على فرد وجدانا أو تعبدا يترتب عليه حكم العقل بوجوب الامتثال ( نعم ) يتم هذا الاشكال على من التزم بان حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن البعث والزجر الفعليين المنتزعين عن مرحلة محركية الإرادة والكراهة نحو المرام ،

ص: 175

فإنه بعد مالا يمكن توجيه الحكم الفعلي بالمعنى المزبور إلى الوجودات الفرضية حين الخطاب ، لابد من الالتزام باقتضائية الحكم بالنسبة إلى الفرضيات ، فيتوجه عليه الاشكال المزبور ، ولكن نحن في فسحة من هذا الاشكال ( ثم إن ذلك ) في فرض اجراء الاستصحاب في الحكم التنجيزي ، واما الاستصحاب التعليقي بناء على صحته كما هو المختار ، فلا غبار في جريانه بالنسبة إلى الموجودين في الشريعة اللاحقة فيقال : انهم كانوا سابقا بحيث لو وجدوا كانوا محكمين بكذا والآن بقائهم على ما كانوا عليه ، فان مرجع الشك في نسخ حكم العام السابق إلى الشك في بقاء القضية التعليقة والملازمة المزبورة ، وبالاستصحاب المزبور يحكم عليهم بوجوب كذا ( وعلى ذلك ) لا يحتاج في اثبات حكم العام السابق في حق الموجودين في الشريعة اللاحقة إلى فرض وجود المدرك للشريعتين باجراء الاستصحاب في حقه والحاق البقية به بعدم الفصل كي يحتاج إلى اثبات الاشتراك حتى في الحكم الظاهري ، فيشكل ، عليه بان الاجماع على الاشتراك انما هو في الحكم الواقعي لا في الحكم الظاهري ( هذا كله ) فيما يتعلق بالجواب عن الوجه الأول.

( واما الجواب ) عن الوجه الثاني فبانحلال العلم الاجمالي المزبور بالظفر بمقدار من الاحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها ، فتكون الشبهة فيما عداها بدوية يجرى فيه الأصل بلا مزاحم ( ثم ) ان ذلك فيما إذا كان العلم الاجمالي بالنسخ بتبدل الوجوب بالحرمة أو بالعكس ، وأما إذا كان العلم الاجمالي بتبدل الوجوب إلى عدم الوجوب والحرمة إلى عدمها ، فعلى ما اخترناه من جريان الأصول المثبتة للتكليف في أطراف العلم الاجمالي لا يحتاج إلى دعوى الانحلال بل يجري الاستصحاب فيها ولو مع وجود العلم الاجمالي وعدم انحلاله إلى الأبد ، بلحاظ ان المانع عن جريان الأصول في أطراف العلم حينئذ انما هو استتباعه لمحذور المخالفة العملية ، لا لمانعية العلم بذاته عن جريانها في الأطراف ، فمع فرض انتفاء هذا المحذور يكون وجود العلم الاجمالي كعدمه ، فتجري الأصول المثبتة في جميع الأطراف.

( ثم إن ) في التقرير اشكالا آخر على الاستصحاب المزبور ( حاصله ) انه لا جدوى

ص: 176

لاستصحاب حكم الشرعية السابقة ، فإنه على فرض بقائه في هذه الشريعة لابد من أن يكون بامضاء من الصادع به على ما يدل عليه قوله صلی اللّه علیه و آله ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد أمرتكم به ، فمع عدم العلم بالامضاء لا جدوى لاستصحاب بقاء حكم الشريعة السابقة ( ولكن ) فيه انه بعدما كان حكم كل شريعة حكما إلهيا ناشئا عن مصلحة تامة في حق العباد فبقائه في الشريعة اللاحقة ملازم لامضائه في تلك الشريعة ، لان بقائه كاشف عن تمامية ملاكه ومعه يستحيل عدم امضائه ، لان عدم امضائه مساوق لعدم تمامية ملاكه في الشريعة اللاحقة وهو خلف ، فان المفروض كونه على تقدير بقائه واجدا للملاك في حق الموجودين في الشرعية اللاحقة بلا مزاحم ( ومعه ) كيف يمكن فرض عدم امضائه في الشرعية اللاحقة الا بفرض جهل الصادع بها وهو من المستحيل ، وحينئذ يكون مرجع الشك في بقاء الحكم الثابت في الشريعة السابقة إلى الشك في بقاء ما هو ممضاة في الشريعة اللاحقة ، وبالاستصحاب المزبور يثبت بقائه كما هو واضح ولعل الامر بالتأمل في كلامه إشارة إلى ما ذكرنا.

( التنبيه السابع )

قد اختلفوا في اعتبار مثبتات الأصول وعدم اعتبارها على قولين بعد الوفاق منهم ظاهرا على اعتبارها في الامارات ، والمشهور بين المتأخرين العدم وهو الأقوى خلافا لما يظهر من بعض المتقدمين ( وتنقيح المقال ) في المقام ان يقال : ان مرجع التنزيلات الواردة في أدلة الأصول بل الامارات ( اما ) ان يكون إلى تنزيل من الشارع في مقام التشريع ، نظير قوله : الطواف بالبيت صلاة ، ونحوه من التنزيلات الراجعة إلى جعل حقيقة المماثل أو الأثر الثابت للمنزل عليه ( واما ) ان يكون إلى الامر بالبناء على أن المشكوك هو الواقع بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف بلا نظر إلى جعل الأثر أو المماثل أصلا : فيكون مرجع حرمة النقض في الاستصحاب إلى وجوب المعاملة مع اليقين أو المتيقن السابق معاملة بقائه

ص: 177

من حيث الجري العملي على طبقه حركة أو سكونا الراجع في الحقيقية إلى نحو ادعاء منه لبقاء اليقين أو المتيقن السابق وتوسعته بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المقصودة ، لا بلحاظ جعل الأثر الشرعي ، ( فشرعية ) تلك الأعمال كانت مستفادة من الامر بالنبأ بلحاظ استتباع الامر بالبناء وتلك المعاملة بعنوان كونها أعمالا شرعية ، لكونها محكومة بالأحكام الخمسة الظاهرية ( وحيثما عرفت ) ذلك نقول : انه على المعنى الأول الراجع إلى جعل الأثر الحقيقي أو المماثل لا مجال لتصحيح المثبت أصلا ، وذلك لا قصور في الاطلاق التنزيل ، بل لعدم امكان شموله لغير الآثار الشرعية ، لوضوح ان التنزيل من كل شخص لابد وأن يكون بلحاظ الآثار المتمشية من قبله ، والأثر المتمشي من الشارع في تنزيلاته الواردة في مقام التشريع لا يكون الا الآثار التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فلا يمكن شمولها لغيرها من الآثار العقلية أو العادية ( فالمعقول ) من حكم الشارع وتعبده بحيوة زيد في استصحابها انما هو اثبات وجوب الاتفاق من ما له على زوجته وعدم جواز تقسيم ما له على ورثته ونحوهما من الآثار الشرعية الثابتة لعنوان المستصحب ، لا ما يلازمه من الأمور العقلية أو العادية كنموه ونبات لحيته ، لعدم كون هذه من الأمور القابلة للجعل والرفع التشريعي ، ( ولا الآثار ) الشرعية المرتبة عليه بتوسيط الأمور العادية أو العقلية ، كوجوب التصدق المترتب بعنوان النذر على عنوان نموه ونبات لحيته ، لان ترتب هذه لا بد وأن يكون بتوسيط جعل الواسطة وقد فرضنا انه غير معقول ، فلا يمكن شمول التنزيل حينئذ لمثل تلك الآثار ( لا يقال ) : هذا إذا أريد من جعل تلك الآثار جعلها بتوسط جعل الواسطة ( واما ) لو أريد جعلها بلا توسيط جعل الواسطة ، فهو امر معقول في نفسه ، فان للشارع في استصحاب حياة زيد جعل مطلق ما يترتب عليها من الآثار الشرعية أعم من كونه بلا واسطة أو معها ، ومع امكانه في نفسه يتمسك باطلاق التنزيل لاثبات تلك الآثار ( فإنه يقال ) : ان ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكن المنصرف منه هو خصوص الآثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة ( ان قلت ) على ذلك يلزم عدم شمول عموم التنزيل للآثار الشرعية مع الواسطة ولو

ص: 178

كانت الواسطة اثرا شرعيا كما لو نذر ان يصلي ركعتين يوم الجمعة على تقدير حياة ولده يوم الجمعة ونذر أيضا ان يتصدق بما له على تقدير وجوب الصلاة عليه يوم الجمعة وهكذا ، مع أنه ليس كذلك قطعا ( قلت ) : ان شمول التنزيل لهذه الآثار الطولية انما هو من جهة ان قضية جعل الأثر في استصحاب الحياة لما كانت بعناية انه الأثر الواقعي يستتبع قهرا لتنزيل آخر بالنسبة إلى الأثر وهو وجوب الصلاة من حيث موضوعيته لوجوب التصدق ومثله مستتبع لجعل اثر آخر بالعناية المزبورة وهكذا ( وهذا بخلاف ) ما لو كانت الواسطة أمرا عاديا أو عقليا كنموه أو نبات لحيته ، فإنه لا يمكن شمول التنزيل للآثار الشرعية المترتبة بتوسيط الأمور المزبورة الا بفرض وقوع نفس الواسطة مستقلا موردا لتنزيل مستقل من استصحاب أو غيره ( وحينئذ ) فعلى هذا المسلك لا محيص من القول بعدم حجية المثبت ( هذا ) كله بناء على رجوع مفاد التنزيل في لا تنقض إلى جعل الأثر أو المماثل ( واما ) على ما هو التحقيق من رجوعه إلى وجوب المعاملة مع المتيقن السابق معاملة بقائه بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال بلا نظر إلى جعل الأثر خصوصا على المختار من تعلق النقض بنفس اليقين لا بالمتيقن ولو بتوسيط اليقين ( فقد يقال ) : انه من الممكن حينئذ تصحيح الأصول المثبتة ( بدعوى ) ان مرجع التعبد بالبقاء في استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصورية للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ الأعمال المترتبة عليه ، لا بلحاظ جعل الأثر الحقيقي أو المماثل للمتيقن أو لاثره ، فلا قصور في شمول التنزيل والتعبد ببقاء المتيقن لمطلق ما يترتب عليه من العمل ولو بواسطة اثر عقلي أو عادي بأحد الوجهين المتقدمين ، فإنه من الممكن حينئذ التعبد ببقاء الحياة وتوسعتها بلحاظ اثره الشرعي أو العقلي والعادي والتعبد به أيضا بلحاظ التعبد بأثره إلى أن ينتهي إلى العمل ولو بوسائط عديدة ، لان التعبد بالشيء بلحاظ موضوعيته للأثر عين التعبد بأثره ووجود محموله أو ملازم له بملازمة عرفية موجبة للانتقال من التعبد به إلى التعبد بأثره ووجود محموله ، وهكذا التعبد بوجود المحمول من حيث موضوعيته إلى أن ينتهي إلى العمل ( وبعد ) كفاية مجرد الانتهاء إلى الأثر العملي في صحة التعبد بالشيء من أول

ص: 179

السلسلة المنتهى إليه ولو بوسائط عديدة ، فلا بأس بالتشبث باطلاق دليل التنزيل لمطلق ما يترتب عليه من الأثر الشرعي ولو بوسائط عديدة ( ولا مجال ) حينئذ للتشبث في نفي الأصول المثبتة بما تقدم من أن التعبد بالشيء لا بد وأن يكون بلحاظ التعبد بأثره الشرعي لا العقلي والعادي لعدم كونهما مما تناله يد الجعل والرفع التشريعي ، إذ ذلك انما يتوجه إذا كان التنزيل في المقام راجعا إلى انشاء جعل الأثر الحقيقي كما هو المسلك الأول ، لا إلى مجرد التعبد بوجود المتيقن الراجع إلى التوسعة الصورية لوجوده بلحاظ ما يترتب عليه من العمل ، فان مثل هذا النحو من التوسعة في الآثار العقلية والعادية بلحاظ ما يترتب عليها من العمل امر ممكن وتكون من شؤون الشارع ، نظير توسعة الموضوعات الخارجية ( كما أنه ) لا مجال لنفي اعتبارها من جهة الانصراف المدعي في المقام إلى الأثر بلا واسطة ، فإنه على ما ذكرناه من التقريب يكون التعبد بالشيء من حيث موضوعيته للأثر من أول السلسلة المنتهى بوسائط عديدة إلى العمل تعبدا بالأثر بلا واسطة كما هو ذلك في فرض كون الوسائط أمورا شرعية ولذا يكتفي في ترتب الأثر مع الواسطة بالاستصحاب الجاري في أول السلسلة المنتهى إلى العمل بالتقريب المتقدم ( وحينئذ ) فلا يندفع هذه الشبهة الا بدعوى انصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق القضايا الشرعية وتوسعة موضوعاتها ، والا فمع الانصراف المزبور لا يكاد شمولها لغيرها من القضايا العقلية والعادية كما هو الشأن في مثل حديث الرفع ونحوه ( وبذلك ) يفرق بين ان يكون الأثر الشرعي المترتب على المتيقن بتوسيط امر شرعي ، فيترتب عليه بالاستصحاب الجاري في أول السلسلة ، وبين ان يكون مترتبا عليه بتوسيط امر غير شرعي فلا يترتب عليه باستصحابه ، حيث كان الفارق بين الفرضين ما ذكرناه من الانصراف المزبور ، ( ولعمري ) ان مثل هذه الجهة هو العمدة في رفضهم الأصول المثبتة رأسا واقتصارهم على نفس مؤدى الأصل أو ما يترتب عليه من القضايا الشرعية بلا واسطة عقلية أو عادية وعدم اثباتهم شيئا من لوازم المؤدى وملزوماته ولو كانت شرعية ( لا ان ذلك ) من جهة دعوى انصراف التنزيل إلى الأثر بلا واسطة ، أو كون مؤدى دليل الأصل مجرد تطبيق العمل على المؤدى كما توهم ( والا ) يلزم عدم شموله

ص: 180

في الأصول الموضوعية للآثار الشرعية المترتبة على الآثار الشرعية الخارجة عن ابتلاه المكلف في زمان التعبد بالمؤدى ، كما في الماء التالف الذي غسل به الثوب النجس سابقا أو توضأ به غافلا فشك بعد خروجه عن الابتلاء بتلف ونحوه في طهارته أو في اطلاقه ( هذا ) إذا أريد من تطبيق العمل على المؤدى تطبيقه عليه بجميع لوازمه ( واما ) لو أريد به التطبيق في الجملة ولو بانتهائه إلى الأثر الشرعي ( فيتوجه ) عليه اشكال التفكيك بين اللوازم الشرعية المترتبة على المستصحب بتوسيط امر شرعي ، وبين اللوازم الشرعية المترتبة بتوسيط اثر عقلي أو عادى بعد فرض اشتراكهما في الانتهاء إلى الأثر العملي ( وبما ذكرنا ) انقدح بطلان المسلك الأول الراجع إلى جعل مفاد التنزيل من باب جعل الأثر والمماثل بلا واسطه ( إذ لازمه ) تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات بما إذا كان الموضوع مورد ابتلاء المكلف حين توجيه التكليف بعدم النقض ، ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف ، أو اطلاقه في فرض ابتلاء المكلف بأثره وملاقيه حين الشك في طهارته ، أو اطلاقه ، لامتناع جعل الأثر الحقيقي للماء التالف فعلا خصوصا لو قيل بان الطهارة منتزعة من احكام تكليفية قائمة بذات الموضوع من نحو جواز شربه وجواز استعماله في الوضوء ونحوه ، وهو كما ترى ( مضافا ) إلى اقتضائه عدم جريانه في القسم الثاني من اقسام الكلى فيما لو كان المستصحب تكليفا واثرا شرعيا ، كالوجوب المردد بين النفسي أو الغيري لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه ، لامتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه في ضمن فصل خاص ، فإنه كما يمتنع جعل الوجوب الواقعي عاريا عن الخصوصية النفسية أو الغيرية ( كذلك ) يمتنع جعل الوجوب الظاهري بلا كونه في ضمن إحدى الخصوصيتين ( وهذا ) بخلاف المسلك المختار الراجع إلى كون نتيجة التنزيل مجرد التعبد بالمؤدى والامر بالمعاملة مع المتيقن السابق معاملة الباقي من حيث الجري العملي على طبقه حركة وسكونا ، فإنه عليه لا محذور في جريان الاستصحاب في الخارج عن الابتلاء في زمان الشك بلحاظ التعبد بأثره المبتلى به في زمان الشك من نحو طهارة الثوب المغسول به ، وصحة الوضوء السابق وصلاته ، كما لا محذور في التعبد ببقاء

ص: 181

القدر المشترك في المثال بلحاظ الجري العمل على طبقه ، كما أنه على هذا المسلك بمقتضى الانصراف المدعي إلى القضايا الشرعية يصح التفكيك في الآثار مع الواسطة بين ما يكون ترتبه على المستصحب بواسطة شرعية ، وبين ما لا يكون كذلك ( نعم ) لو اغمض عن الانصراف المزبور لا مجال لنفي الأصول المثبتة من جهة ابتلائها بوجود المعارض من طرف استصحاب العدم الجاري في الأثر العقلي المسبوق بالعدم ( إذ ذلك ) انما يتوجه في فرض كون مبنى حجية المثبت اطلاق التنزيل بلحاظ جعل الأثر الحقيقي ولو بالواسطة ( والا فعلى المختار ) في مفاد هذه التنزيلات من كونه مجرد التعبد بوجود الشيء وتوسعته من حيث موضوعيته للتعبد بأثره بلا واسطة ، وكذا التعبد به من حيث موضوعيته لاثر آخر إلى أن ينتهي إلى الأثر الشرعي العملي ، فلا يتوجه الاشكال المزبور ( فان ) الشك في وجود الأثر العقلي الذي هو أحد الوسائط بعد أن كان مسببا عن الشك في وجود موضوعه وسببه وهو الحياة مثلا ، فلا محالة يكون الأصل الجاري فيها من حيث موضوعيته للأثر حاكما على الأصل الجاري في نفس الأثر ورافعا للشك عن وجوده ، فيخرج بذلك عن عموم لا تنقض فلا يجري فيه أصل العدم حتى يعارض استصحاب الحياة ( نعم ) لو كان مقتضى الأصل الجاري في الأثر الذي هو النمو أو نبات اللحية توسعته حتى من حيث أثريته للحيوة لا من حيث ذاته فقط ، بحيث يستتبع توسعته من هذه الجهة توسعة في موضوعه وسببه ، لكان للمعارضة المزبورة مجال ، لاقتضاء كل من استصحاب الموضوع والأثر نفي الشك عن الآخر واخراجه عن عموم لا تنقض ( ولكن ) دون اثباته خرط القتاد ، ومعه يبقي الأصل الجاري في الموضوع بلا معارض ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن اعتبار المثبت ما ذكرناه من انصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق خصوص القضايا الشرعية المترتبة على المؤدى بلا واسطة ، بلا نظر لها إلى غيرها من القضايا العقلية أو العادية كي يقتضى توسعته بلحاظ مطلق ما يترتب عليه من الأثر ولو بواسطة عقلية أو عادية.

( ثم إن ما ذكرناه ) من الانصراف المزبور غير مختص بمفاد خصوص

ص: 182

التنزيلات الواردة في الأصول ، بل هو جار في كل دليل مثبت لمثل هذه التنزيلات سواء فيه الأصول أو الامارات فلا فرق بينهما من هذه الجهة ( وانما الفرق ) بينهما في التزامهم بحجية المثبت في الامارات دون الأصول من جهة اقتضاء الطرق والامارات حكايات متعددة بالنسبة إلى المؤدى ولوازمه وملزوماته وملازماته ، حيث إنه بهذا الاعتبار ينطبق موضوع التنزيل على جميع تلك الحكايات فتكون الامارة الواحدة باعتبار تعدد حكايتها بمنزلة امارات متعددة قائمة بعضها على المؤدى وبعضها على لوازمه وبعضها على ملزوماته وملازماته في أنها باشتمالها على كل حكاية تكون مشمولة لدليل التصديق مستقلا بلحاظ التعبد بأثره في عرض الحكاية الأخرى ، مع انصراف دليل التصديق في كل حكاية كما في التعبد بالأصول إلى توسعة خصوص القضايا الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة عقلية أو عادية ( وهذا ) بخلاف الأصول فإنها من جهة عدم كشفها عن المؤدى ولوازمه وملزوماته يكون التنزيل فيها مقصورا على خصوص المؤدى بلحاظ التعبد بأثره الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية ، فلا يكون المتعبد به في استصحاب الحياة مثلا الا عنوان المتيقن من حيث تيقنه به ، بلحاظ ما يترتب عليه من الأثر الشرعي بلا واسطة ، دون غيره مما هو لازمه أو ملزومه ( فتكون ) الأصول من هذه الجهة نظير ما هو المشهور في باب الرضاع من اختصاص حرمة النشر في قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب بما إذا تحقق من قبل الرضاع إحدى العناوين المحرمة بالنسب كعنوان الام وعنوان الأخت أو العمة أو الخالة ونحوها ، دون غيرها من العناوين الملازمة لها كعنوان أخت الأخت مثلا ، وان كان بينهما فرق من جهة أخرى من حيث كون الاشكال في الأصول المثبتة من جهة قصور دليل التنزيل عن الشمول للعناوين الملازمة ، بلا اشكال في ثبوت أصل الكبرى ، بخلاف باب الرضاع فان الاشكال فيه يكون من جهة ثبوت أصل الكبرى وهي حرمة أخت الأخت بهذا العنوان في باب النسب ، بلا قصور في دليل التزيل في الشمول لكل ما ثبت من الكبرى في النسب ، ففي الحقيقة يكون بين البابين تمام المعاكسة من جهة الملاك والمناط ، ولكن مثل هذه التفرقة لا يضر بما نحن بصدده من تنظير أحد البابين بالآخر ، إذ يكفي في صحته مجرد اشتراكهما في عدم اثبات

ص: 183

اللوازم وان كان ذلك في كل باب بمناط غير المناط في الباب الآخر.

( واما المنع ) عن تعدد الحكاية في الطرق والامارات ، بتوهم عدم حكايتها الا عن خصوص المؤدى دون لوازمه وملزوماته وملازماته ، بدعوى ان المخبر عن الشيء كالموت والحياة قد لا يلتفت إلى لوازمه كالنمو ونبات اللحية فضلا عما يستتبعه من اللوازم الشرعية مع وضوح ان حكاية الخبر عن الشيء فرع التفات المخبر إليه وبدونه يستحيل الحكاية ( فمدفوع ) بان الامر كذلك في الحكاية التصديقية الموجبة للاذعان بكون المؤدى مرادا للمتكلم لا مطلقا حتى بالنسبة إلى الحكاية التصورية ( واعتبار ) خصوصها حتى في لوازم المؤدى وملزوماته ممنوع جدا ( بل نقول ) : انه بعد احراز الحكاية التصديقية بالنسبة إلى المؤدى والمدلول المطابقي يكفي في صحة الاخذ بلوازمه وملزوماته ، مجرد حكاية الخبر عنها ولو تصورية الملائمة مع القطع بعدم التفات المخبر والمتكلم إليها ( ولذا ترى ) بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم وفى باب الاقرار وغيره على الاخذ بلوازم الكلام الصادر من الغير والزامهم إياه بما يقتضيه كلامه من اللوازم حتى مع قطعهم بعدم التفات المتكلم إلى تلك اللوازم وغفلته عنها ( ومن الواضح ) انه لولا كفاية مجرد الدلالة التصورية في صحة الاخذ بلوازم المؤدى وملزوماته لما صح منهم الاخذ بلوازم الكلام الصادر عن الغير واخذه بما يقتضيه كلامه من اللوازم ( نعم ) لابد في صحة الاخذ بها من احراز الدلالة التصديقية بالنسبة إلى المؤدى والمدلول المطابقي ، وبعد احراز هذه الجهة ولو بالأصول العقلائية يؤخذ بجميع ما له من اللوازم والملزومات بمقتضى الدلالة التصورية ( وعلى فرض ) تسليم اعتبار الدلالة التصديقية حتى بالنسبة إلى لوازم المؤدى وملزوماته ، نقول : انه يكفي في الحكاية المزبورة مجرد التفات المخبر والمتكلم إلى لوازم المؤدى وملزوماته ولو بنحو الاجمال ، بان لكلامه لازم وملزوم ولا يحتاج إلى الالتفات التفصيلي بالنسبة إليها ، ومع تحقق ذلك بنحو الاجمال ، لا قصور في شمول دليل التعبد بالامارة لجميع ما يحكي عنه من المؤدى ولوازمه وملزوماته ( وبذلك ) تمتاز الامارات والأدلة الاجتهادية عن الأصول في حجية المثبتات فيهما دون الأصول ( والا ) فمع المنع عن تعدد الحكاية فيهما يشكل التفرقة

ص: 184

بينهما وبين الأصول في حجية المثبتات. ( وأقصى ) ما قيل حينئذ في الفرق بينهما أمران ( أحدهما ) ان الامارة على الشيء وان لم تكن حاكية الا عن نفس المؤدى ولا كان التعبد بها الا تعبدا واحدا بمدلولها المطابقي ( ولكن ) التعبد بالمؤدى يشمل اللوازم المترتبة عليه ولو بوسائط عقلية أو عادية ( وفيه مالا يخفي ) فإنه بعد عدم كون التعبد بها الا تعبدا بمدلولها المطابقي ، كيف يمكن دعوى شموله لما يتبعه من اللوازم ، مع أن هذا الملاك موجود في الأصول أيضا ، فلم لا يقال به فيها ، فيطالب بالفرق بينهما ( وثانيهما ) ما عن بعض الأعاظم قدس سره فإنه بعد التزامه بان للامارة على الشيء كحيوة زيد لا تكون الا حكاية واحدة عن المؤدى وهو الحياة لا حكايات متعددة حكاية عن حياة زيد وحكاية عن نموه ونبات لحيته ، قال : ان الوجه في حجية مثبتات الامارة دون الأصول ، هو ان الامارة تكون محرزة للمؤدى وكاشفة عنه كشفا ظنيا وان الشارع بأدلة اعتبارها قد أكمل جهة نقصها فصارت الامارة ببركة دليل اعتبارها كاشفة عن الواقع ومحرزة له كالعلم الوجداني وبعد انكشاف المؤدى يترتب عليه جميع ما له من الخواص والآثار على قواعد سلسلة العلل والمعلولات ( وحاصل ) ما افاده هو مقايسته الامارة بالعلم الوجداني ، بدعوى انه كما أن بالعلم الوجداني بشيء كحيوة زيد مثلا يترتب جميع ما للمعلوم من اللوازم والآثار ، كذلك بقيام الامارة عليه ، فإنه بعد أن كان المجعول فيها هو الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات تصير الامارة لا محالة ببركة دليل تتميم كشفها كاشفة عن الواقع كالعلم الوجداني فإذا أقامت على حياة زيد فبنفس اثباتها للحيوة يثبت قهرا جميع مالها من الخواص والآثار ولو بألف واسطة عقلية أو عادية على قواعد سلسلة العلل والمعلولات ولا يحتاج في اثبات اللوازم إلى حكاية الامارة عنها كحكايتها عن المؤدى ( بخلاف ) الأصول العملية ، فإنه ليس فيها جهة كشف عن الواقع ولو ناقصا كي يكون المجعول فيها هو الطريقية ، وانما المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على المؤدى ، اما بالبناء على أنه هو الواقع كالأصول المحرزة : أو بدونه كما في الأصول غير المحرزة ، فلا يمكن المصير فيها إلى حجية المثبتات لعدم اقتضاء أدلتها أزيد من اثبات نفس المؤدى أو ما يترتب عليه من الحكم

ص: 185

الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية ( وفيه ما لا يخفى ) فان حيثية الطريقية والكاشفية والمحرزية بعد ما كانت بحقيقتها من الأمور التكوينية الخارجية ، لامن الحقايق الاعتبارية الجعلية ، فلا محالة يكون مرجع جعل الطريقية والكاشفية للامارة تأسيسا أو امضاء إلى الجعل بمعنى الادعاء والتنزيل بادعاء ما ليس بكاشف تام حقيقة كاشفا تاما المستلزم لتطبيق عنوانه على المورد بنحو من الادعاء والعناية ، نظير جعل الحياة أو العدالة لزيد بالجعل التشريعي ، ومرجع ذلك بعد احتياج التنزيل إلى الأثر الشرعي المصحح له ولو في طرف المنزل إلى الامر بالمعاملة مع ما أدت إليه الامارة معاملة الواقع في الجري العملي على طبقه وعدم الاعتناء باحتمال مخالفته للواقع ، لكونه هو الذي زمام امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويصلح أيضا لتنجيز الواقع وقد تقدم تفصيل ذلك في الجزء الثالث من الكتاب عند البحث عن قيام الطرق والأصول مقام القطع فراجع ( وحينئذ ) نقول : انه بعد عدم حكاية الطرق والامارات على ملزوم المؤدى وملازماته ، لا مجال لترتب تلك اللوازم والآثار بمحض التعبد بانكشاف المؤدى والبناء على أنه الواقع بداهة عدم اقتضاء التعبد المزبور الا تطبيق عنوان الكشف والاحراز في مورده ، لا تطبيقه على لوازمه ، وآثاره مع الشك الوجداني فيها وعدم العلم بها لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا. ( وبذلك ) يظهر فساد مقايسة المقام بالعلم الوجداني بالشيء ، فان ترتب تلك اللوازم في مورده انما هو من جهة ملازمة العلم بالشيء كالحياة للعلم بلوازمه وملزوماته كنبات اللحية ، لا انه من جهة اقتضاء مجرد العلم بالملزوم مع قطع النظر عن استتباعه للعلم باللازم كي تصح المقايسة المزبورة ، ولذا لو فرض في مورد عدم استتباع العلم بالملزوم للعلم بلازمه لا يحكم بترتب اللازم عليه بمحض الملازمة الواقعية ، لان لزوم ترتبه منوط عقلا بقيام الطريق عليه من علم وجداني أو تعبدي ( وحينئذ ) فإذا لم يكن العلم الوجداني بالملزوم بنفسه مقتضيا لترتب لوازمه وآثاره الا من جهة استتباع العلم به للعلم بلازمه ، فكيف يقتضيه مجرد العلم التعبدي بالملزوم مع الشك الوجداني في اللازم وعدم العلم به لا وجدانا ولا تعبدا ، ومعه لا مجال لترتب اللوازم والآثار في الامارات دون الأصول الا بفرض كون اللازم من آثار كشف الحياة

ص: 186

تعبدا ، أو كون التعبد بكشف اللازم من لوازم التعبد بكشف الحياة ، ولكنهما من الأغلاط ( إذ الأول ) منهما ظاهر ( الثاني ) أيضا كذلك لعدم الملازمة بين التعبد بكشف الملزوم ، والتعبد بكشف اللازم ( فلا محيص ) حينئذ من ابداء الفرق في حجية مثبتات الطرق والامارات دون الأصول بما ذكرناه من اشتمال كل من الطرق والامارات على حكايات متعددة كل واحدة منها في عرض الأخرى مشمولة لتعبد مستقل بخلاف مفاد الأصول كالاستصحاب ، فإنه لا يشمل الا ما هو متيقن سابقا ومشكوك لاحقا.

بقى التنبيه على أمور : ( الامر الأول ) ان ما ذكرنا من عدم اعتبار مثبتات الأصل انما هو فيما يلازم المستصحب واقعا من الأمور العقلية وما يترتب عليها من الآثار الشرعية ( واما ) الآثار العقلية المترتبة على ما يعم الواقع والظاهر ، فهي مما يترتب قهرا لثبوت موضوعها وجدانا ، كوجوب الإطاعة في الاحكام ، فإذا كان المستصحب حكما شرعيا يترتب باستصحابه جميع ما له من الأثر شرعيا كان أم عقليا ، كوجوب الإطاعة عقلا ووجوب تحصيل مقدمته وحرمة ضده وفساده إذا كان عبادة بناء على اقتضاء الامر بالشيء النهى عن ضده ، بل ذلك غير مرتبط بباب المثبت ، لان مورد الكلام في المثبت اللوازم العقلية المترتبة على وجود المستصحب واقعا ، والاشكال فيها انما كان من جهة عدم احراز موضوعها ولو تعبدا بمعونة التنزيل الجاري في المستصحب ، وأين ذلك ولوازم الامر الظاهري المتحقق بالوجدان كما هو ظاهر ( من هذا القبيل ) باب تطبيق الكليات على الجزئيات كما في استصحاب الاحكام الكلية الثابتة لموضوعاتها ، حيث إن تطبيقها على مواردها يكون من شؤون العقل ولا يرتبط مثل هذا التطبيق العقلي بباب المثبت ( وحينئذ ) فلا مجال لمقايسة مثل هذه الآثار العقلية باللوازم العقلية المترتبة على وجود المستصحب واقعا إزاحة شبهة ، قد يورد على ما ذكرنا من ترتب الآثار العقلية المترتبة على ما يعم الواقع والظاهر ، بأنه يصح ذلك على مسلك ارجاع التنزيل في لا تنقض إلى جعل المماثل ( والا ) فعلى مسلك ارجاعه إلى مجرد الامر بالبناء على وجود الأثر لا إلى جعل حقيقة فلا

ص: 187

يكون التنزيل الا مثبتا لوجوب الشيء ادعاء ، ومثله لا يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الإطاعة ووجوب مقدمته وحرمة ضده ، لان ترتب هذ ، انما هو على الوجوب الحقيقي ولو ظاهرا ، لا على الوجوب الادعائي الذي هو نتيجة التنزيل بلحاظ الأعمال ( ولكن ) يندفع ذلك بما حققناه من رجوع الخطابات الظاهرية طرا باي لسان كانت ، إلى كونها أحكاما طريقية راجعة في صورة المصادفة إلى كونها عين الاحكام الواقعية المبرزة بالخطابات الأولية وفى صورة عدم المصادفة إلى كونها أحكاما صورية وانشاءات محضة خالية عن الإرادة الجدية ، حيث إن كونها أحكاما طريقية مبرزة عن الإرادة الواقعية في فرض المصادفة ، يكفي في ترتب تلك اللوازم والآثار ، وقد تقدم ما يوضح ذلك في أوائل الجزء الثالث من الكتاب وعند البحث عن وجه منجزية أوامر الطرق والأصول.

( الامر الثاني ) يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس سره اعتبار الأصل المثبت إذا كانت الوساطة خفية خفاء يعد الآثار المترتبة عليها بالدقة والحقيقة عند العرف آثارا لذي الواسطة لا لها وقد ذكر الشيخ قدس سره لذلك أمثلة وهو كما أفادوه ، فان ما ذكرنا من قصور أدلة التنزيل بمقتضى الانصراف عن الشمول للآثار الشرعية المترتبة بواسطة عقلية أو عادية انما هو في صورة عدم خفاء الواسطة بنحو يعد الأثر في العرف اثرا للواسطة ( واما ) في صورة خفائها الموجب لعد الأثر في العرف اثرا لذي الواسطة ، فلا قصور في شمول دليل التنزيل لها على كل من مسلك جعل المماثل والامر بالبناء على بقاء المستصحب بلحاظ العمل ( واما ) الاشكال عليه بأنه لا اثر لخفاء الواسطة في التفصيل المزبور ، بتقريب ان الأثر ان كان اثرا لذي الواسطة حقيقة وبحسب ما ارتكز عند العرف من مناسبات الحكم والموضوع بحيث تكون الواسطة من قبيل الجهات التعليلية لترتبه على ذي الواسطة ، فحجية الأصل بالنسبة إليه وان كان مما لا مجال لانكارها الا انه لا يكون تفصيلا في المثبت ، لأنه لا يرجع إلى المثبت ( وان كان ) اثرا لنفس الواسطة حقيقة لا لذيها ، فهو وان كان من المثبت ، ولكنه لا مجال لا ثباته بالأصل الجاري في ذي الواسطة ، ولا ينفع فيه

ص: 188

تسامح العرف فيه بعدهم إياه اثرا لذي الواسطة ، إذ لا عبرة بالمسامحات العرفية فيما هو من هذا القبيل ( والانظار ) العرفية انما تكون متبعة في فهم مداليل الألفاظ واستفادة المرادات من حيث الأعمية والأخصية بحسب ما ارتكز في أذهانهم من مناسبات الحكم والموضوع ، لا في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق بالنظر المسامحي على خلاف ما يقتضيه النظر الدقى العقلي ( فمدفوع ) بمنع رجوع المسامحة العرفية في المقام إلى مقام التطبيق ، وانما هي راجعة إلى تحديد مفهوم حرمة النقض ( فان ) قوله لا تنقض اليقين بالشك بعد أن كان مسوقا بالنسبة إلى ما كان نقضا له بالانظار العرفية ، لا بحسب الحقيقة والدقة ، فلا محالة تصير المسامحة العرفية مرجعا في تحديد مفهوم حرمة النقض والتعبد ببقاء المتيقن ، لا في تطبيق الكبرى المستفادة من لا تنقض على المورد ، فإذا كان الأثر من جهة خفاء الواسطة مما يعد كونه بنظر العرف اثرا للمستصحب ، لا للواسطة وان كان اثرا لها بحسب الدقة والحقيقة ، فلا بد من ترتبه عليه بمقتضى حرمة النقض المسوقة بالنسبة إلى ما يعد كونه نقضا بالأنظار العرفية ، ولا يرتبط مثل هذا التسامح بالتسامح في مقام تطبيق المفهوم على المورد كما هو ظاهر ( ثم ) ان المحقق الخراساني قدس سره الحق جلاء الوساطة بخفائها في اعتبار المثبت فيما إذا كان التلازم بينهما في الوضوح بمثابة لا يرى العرف التفكيك بينهما حتى في مقام التنزيل كالأبوة والنبوة ، وما افاده قدس سره متين جدا في فرض تمامية الصغرى والا فلا اشكال في أصل الكبرى.

( الامر الثالث ) في الفروع التي توهم ابتنائها على المثبت الممنوع حجيته ( فمنها ) ما ذكره المحقق قده وغيره من أنه لو أنفق الوارثان على اسلام أحدهما المعين في أول شعبان والآخر في غرة رمضان ، واختلفا فادعى أحدهما موت المورث في شعبان ، والآخر موته في أثناء رمضان كان المال بينهما نصفين لأصالة بقاء حياة المورث ، مع أن الأصل المزبور مثبت لموضوع التوارث بلحاظ ، ان موضوعه انما هو موت المورث عن وارث مسلم بحيث كان للإضافة الحاصلة من اجتماع موت المورث واسلام الوارث في زمان دخل في موضوع التوارث ، ومثله لا يثبت بأصالة بقاء

ص: 189

حياة المورث إلى غرة رمضان الا على القول بالمثبت ( وفيه ) منع دخل الإضافة المزبورة في موضوع التوارث ، بل الموضوع فيه مجرد اسلام الوارث في ظرف حياة مورثه ( وبعبارة ) أخرى اجتماع اسلام الوارث مع حياة مورثه في زمان موضوع للإرث ولا بأس باثباته بالأصل المزبور ، ولا يكون مرتبطا بباب المثبت ، لكونه من قبيل الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وهو اسلام الوارث في غرة رمضان وبعضها وهو حياة المورث إلى أثناء رمضان بالأصل.

( ومنها ) حكمهم بضمان من كان يده على مال الغير مع الشك في اذن صاحبه لأصالة عدم الرضا من المالك حين وضع اليد على المال ، حيث توهم ابتناء حكمهم بالضمان على اعتبار المثبت ، بلحاظ ان موضوع الضمان هو اليد العادية والأصل المزبور غير مثبت لعنوان العدوان ( وفيه ) مع دخل عنوان العدوان في موضوع الضمان ( وانما ) موضوعه وضع اليد على مال الغير من دون اذن مالكه أو رضاه ، فيكون مركبا من أمرين : أحدهما اليد ، والآخر عدم اذن صاحب المال ، فيدخل في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان ، وبعضها بالأصل.

( ومنها ) ما عن بعض من استصحاب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر لاثبات نجاسة الطاهر منهما ، واستصحاب رطوبة الذبابة التي طارت عن النجاسة لاثبات نجاسة الثوب الذي طارت إليه ، حيث إن نجاسة الملاقى بالفتح في الفرضين انما يكون من لوازم سراية الرطوبة من الملاقي بالكسر إليه واثباته بالأصل المزبور من أظهر افراد المثبت ( ويمكن ان يقال ) : ان المستصحب حينئذ هي الرطوبة المسرية لا الرطوبة الصرفة واستصحابها وان كان مثبتا في الحقيقة الا انه يمكن الاعتذار عنه بخفاء الواسطة في مثله ، إذ العرف لا يفهم من بقاء الرطوبة المسرية في أحد المتلاقيين إلى حين الملاقاة الا سراية النجاسة إلى الطاهر منهما ( ولا يقاس ) ذلك باستصحاب بقاء الماء في الحوض في الحكم بطهارة الثوب النجس الواقع فيه ( للفرق ) الواضح بينهما فان طهارة الثوب من لوازم جريان الماء على الثوب وانغساله به ، ومثله امر خارج عند العرف ملازم لبقاء ماء الحوض إلى حين وقوع الثوب في الحوض عرفا لا عين بقائه ،

ص: 190

فاستصحاب بقاء الماء في الحوض لا يثبت ذلك ، بخلاف بقاء الرطوبة المسرية إلى حين الملاقاة فان العرف لا يفهم من بقاء الرطوبة المسرية إلى حين الملاقاة الا سراية الرطوبة إلى الملاقي لكونها اي السراية بأنظارهم عين بقاء الرطوبة المسرية إلى حين الملاقاة ، بلا نظر منهم إلى امر ثالث هو الواسطة ، فتدبر.

( ومنها ) ما ذكره في التحرير من أنه لو اختلف الولي والجاني في سراية الجناية ، فقال الولي : ان المجني عليه مات بالسراية ، وقال الجاني : بل مات بسبب آخر من شرب سم ونحوه وان جنايته وقعت على الميت ، أو انه كان ميتا قبل الجناية ، ففي ثبوت الضمان وعدمه وجهان من أصالة عدم الضمان ، ومن استصحاب بقاء حياة المجني عليه إلى زمان وقوع الجناية عليه ( أقول ) : لا ريب في أنه لا يمكن تصحيح القول بالضمان في المثال بالأصل المزبور الا على القول بالمثبت ، إذ ليس الموضوع للضمان مركبا من الجناية وحياة المجني عليه إلى حين ورود الجناية عليه ليندرج في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان ، وبعضها بالأصل ( وانما ) موضوعه عبارة عن امر بسيط من القتل أو السراية ونحو ذلك ، وترتب مثله على أصالة بقاء حياة المجني عليه إلى زمان ورود الجناية عقلي محض ، ولا يمكن اثباته بالأصل المزبور ، لكونه من أشنع افراد المثبت ، ولعل صدور هذا الاحتمال من العلامة قدس سره لكونه ممن يرى الاستصحاب من الامارات المفيدة للظن النوعي.

( ومنها ) استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده في محال الغسل أو المسح ، حيث إن بنائهم عند الشك في وجود الحاجب لا في حاجبية الموجود على اجراء أصالة العدم فيه ، وعدم الاعتناء باحتمال وجوده والحكم بصحة الوضوء والغسل ، مع أن صحة الوضوء والغسل من لوازم وصول الماء إلى البشرة وانغسالها به ، ومثله من اللوازم العادية لعدم وجود الحاجب ( وفيه ) ان بنائهم وان كان على الاخذ بأصالة العدم في الفرض المزبور ، ولكن نمنع كونه من جهة الاستصحاب أو من جهة قاعدة المقتضى والمانع ، بل من المتحمل قويا كون الأصل المزبور نظير أصالة عدم القرينة أصلا عقلائيا برأسه غير مربوط الاستصحاب ، وان مدركه هو الغلبة ، كما

ص: 191

هو كذلك في أصالة عدم القرينة ( فإذا ) كان الغالب خلو البشرة عن وجود ما يمنع عن وصول الماء إليها ، فعند الشك في وجوده في محال الغسل أو المسح يلحق المشكوك بالغالب ( ولذا ) نمنع بنائهم على الاخذ بالأصل المزبور في موارد غلبة وجود الحاجب على البشرة كما في بعض ذي الصنايع ، كالبناء المباشر للجص والطين والمستعمل للزفت والقير لاصلاح الحياض ( ومع الاغماض ) عن ذلك يمكن ان يقال : انه من استصحاب بقاء الماء المصبوب على محال الوضوء أو الغسل على وصف الجريان على البشرة ( أو من باب ) اندراج مثله في خفاء الواسطة ، كما يؤيده عدم تعديهم إلى صورة الشك في حاجبية الموجود ( والا ) فعلى فرض كونه من باب العمل بالمثبت فلا يفرق بين صورة الشك في وجود الحاجب وبين صورة الشك في حاجبية الموجود ( ولكن ) التحقيق ما ذكرناه أولا من كون الأصل المزبور أصلا عقلائيا برأسه مدركه الغلبة النوعية ( ومنها ) أصالة عدم تحقق الرد من المالك في عقد الفضول المانع عن اضافته إليه بالإجازة ، حيث إن بنائهم على التمسك بالأصل المزبور عند الشك في رد المالك إياه قبل اجازته ، مع أنه مثبت بالنسبة إلى إضافة العقد إليه بالإجازة ( وفيه ) مضافا إلى امكان دعوى كون الأصل المزبور قاعدة عقلائية برأسها قد أمضاها الشارع في أمثال المورد ، نمنع كونه من باب المثبت ، بل انما ذلك من جهة اندراج المورد في الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل ، حيث إن كل عقد صادر من الفضول يصح ويضاف إلى المالك بإجازته إياه إذا لم يسبقها رده ، فكان القيد العدمي محرزا بالأصل والباقي بالوجدان فتدبر.

( ومنها ) استصحاب عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكون الغد يوم العيد ، حيث إن بنائهم على التمسك بالأصل المزبور لاثبات كون الغد يوم العيد وترتيب احكامه عليه من الصلاة والغسل والفطرة ، مع أن الأصل المزبور غير مثبت لذلك ، بل ولا لكون اليوم المشكوك فيه من رمضان ليترتب عليه وجوب الصوم ، لان كون الزمان المشكوك فيه من رمضان وكون غده يوم العيد وأول شوال من مفاد كان الناقصة ولا يثبت مثله بأصالة بقاء رمضان أو عدم دخول هلال

ص: 192

شوال الذي هو مفاد كان وليس التامتين ، نظير ( أصالة ) بقاء الكر بالنسبة إلى كرية الموجود ( وفيه ) منع كون مبنى التسالم المزبور هو الاستصحاب ، بل العمدة في ذلك هي القاعدة المضروبة في المقام المستفادة من قوله (عليه السلام) صم للرؤية وأفطر للرؤية مكنيا بذلك عن اعتبار العلم بدخول رمضان وشوال في ترتب وجوب الصوم والافطار ، اما برؤية الهلال ، أو بمضي ثلاثين يوما ، فأولية الشهر الذي هو موضوع الاحكام الخاصة من وجوب الصوم أو الافطار عبارة عن اليوم الذي ليلته ليلة رؤية الهلال ، أو الذي سبقه من الشهر الماضي ثلاثون يوما ، كما أن آخريته عبارة عن اليوم الذي ينتهي إلى ليلة رؤية الهلال ، أو اليوم الثلاثين من ذلك الشهر فتدبر ( ويمكن ) تطبيقه على الاستصحاب بنحو لا يلزم منه شبهة المثبتية ، باستصحاب رمضانية يوم الشك بمفاد كان الناقصة بالتقريب المتقدم في استصحاب الأمور التدريجية.

( الامر الرابع ) ان الاستصحاب كما يجري فيما هو تمام الموضوع للحكم الشرعي ، كذلك يجري فيما هو جزئه أو قيده ( فإذا ) كان الموضوع مركبا من جزئين أو أكثر وكان بعض اجزائه مشكوكا يجري فيه الأصل ويترتب عليه الأثر الشرعي إذا كان الجزء الآخر محرزا أيضا اما بالوجدان أو بأصل آخر ، حيث إنه باستصحابه يتحقق الموضوع المركب ، فيترتب عليه الأثر الشرعي ، وهذا مما لا اشكال فيه ( كما لا اشكال ) في جريانه فيما هو من قيود الحكم الذي أنيط به الحكم الشرعي في لسان الخطاب ، كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج ، فإنه مهما شك فيها يجري فيها الأصل وجودا وعدما بلا كلام ويترتب عليه الحكم الشرعي من غير أن يرتبط ذلك بالمثبت ، ( فإنه ) بإناطة الوجوب بالقيد والشرط ، تصير الإناطة والتقيد مجعولا وتكون مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع كما في إناطة الحكم بموضوعه ، فمع الشك فيه وجودا أو عدما يجري فيه الاستصحاب ويترتب على استصحابه ما له من الأثر نفيا واثباتا ( نعم ) الاشكال انما هو في شرائط الواجب وقيود المأمور به ( ينشأ ) من عدم خلو استصحابها عن شبهة المثبتية.

( وتوضيح ) المقال فيه هو ان مرجع القيود المأخوذة في الواجب والمأمور به

ص: 193

في ظاهر الخطاب ، كالطهارة والستر ونحوهما ( اما ) ان يكون إلى دخل التقيد بها في المأمور به على نحو تكون الإضافة والتقيد بالقيد والشرط جزء للمأمور به ومشمولا بحسب التحليل للامر النفسي الضمني كما هو المشهور بحيث يكون مرجع الامر بالصلاة مع الطهارة إلى ايجاب ذات الصلاة مع التقيد بالطهارة ويكون وجوب تحصيل القيد لأجل مقدمتيها للتقيد المأخوذ في الواجب بنحو الجزئية لا لذات الصلاة ( واما ) ان يكون راجعا إلى كونها بنفسها مما له الدخل في تحقق المشروط والمقيد نظير العلة بالنسبة إلى المعلول ، ونظير شرائط الوجوب بالنسبة إلى الوجوب من غير أن يكون للإضافة والتقيد بهما دخل في المأمور به كما في الفرض الأول ، كي يلزمه انحلال الواجب إلى الذات والتقيد بقيد كذا ، فيكون الواجب هو ذات الصلاة غير أن الشارع اعتبر كونها حسب إناطتها بالستر والطهارة على وجه لا يكاد يتحقق الا في ظرف الستر والطهارة ، فتكون الطهارة وكذا الستر مقدمة محضة للمأمور به وخارجة عنه ( وبعد ذلك ) نقول : انه على الفرض الأول ربما يتأتى الاشكال في استصحاب شرائط الواجب وقيوده عند الشك فيها ، بتقريب ان الإضافة والتقيد المأخوذ في الواجب امر واقعي كذات المقيد ، ولا تكون من الجعليات التشريعية وانما التشريع في دخل مثلها في موضوع الحكم ، والاستصحاب الجاري في ذات القيد والشرط مثبت بالنسبة إليها فلا يجدى الاستصحاب المزبور لاثبات مثلها الا على القول بالمثبت ، أو دعوى خفاء الواسطة ( بخلاف ) الفرض الثاني فإنه لا قصور في استصحاب القيد والشرط عند الشك فيهما ، ( إذ ) بإناطة موضوع الحكم بكونه في ظرف وجود القيد تصير الإناطة لا محالة شرعية لكونها مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويصير القيد طرفا لها ، وبهذا الاعتبار يعتبر العقل منه جهة المقدمية للواجب ، وحينئذ فحيث ان الشك في وجود القيد يستتبع الشك في تحقق الإناطة يجري فيه الاستصحاب ويترتب عليه جهة الإناطة المزبورة عقلا لكونها من لوازم الأعم من الواقع والظاهر ، حيث يعتبر العقل بضم الوجدان إلى الأصل تحقق الامر المقيد بكونه في ظرف وجود كذا ( فيكون ) الفارق بين الفرضين في جريان الاستصحاب في قيود الواجب وعدم

ص: 194

جريانه من جهة شرعية الإناطة وعدم شرعيتها ، ففي الفرض الثاني لما كانت الإناطة بين موضوع الحكم وقيده شرعية يجري الاستصحاب في القيد والشرط وتترتب على استصحابهما الإناطة بين موضوع الحكم وقيده عقلا ، بخلاف الفرض الأول فإنه تكون الإضافة والتقيد القائم بين الشيئين أمرا واقعيا كذات الموضوع ولا يقتضى الاستصحاب الجاري في القيد اثبات التقيد المزبور الاعلى القول بالمثبت ( ولا دافع ) لهذا الاشكال ، الا دعوى كونه من باب خفاء الواسطة أو جلائها ، أو دعوى كشف حجية المثبت في نحو هذه الموارد من جهة تطبيق الإمام (عليه السلام) الاستصحاب على الطهارة الحدثية والخبيثية ونحوهما هذا ( ولكن ) يندفع هذا الاشكال بأنه لا نعني من التقيد المأخوذ في الواجب على هذا المسلك الا الإضافة الخاصة المتقومة بذات المقيد والقيد ، ومن الواضح انه كما أن بوجدان القيد واقعا يعتبر العقل تلك الإضافة الخاصة فيحكم بتحقق الصلاة المتقيدة بالطهور والستر مثلا ، كذلك باستصحابه وتعبد الشارع بما هو طرف هذه الإضافة ، فيعتبر العقل باستصحابه أيضا تلك الإضافة والقيد المزبور ( وبالجملة ) ان حكم العقل بتحقق الإضافة والتقيد تابع احراز تحقق طرفيها فمتى أحرز تحقق طرفها وجدانا أو تعبدا يعتبر العقل الإضافة الخاصة ولا يرتبط ذلك بباب المثبت كي يحتاج إلى التشبث بخفاء الواسطة أو جلائها ، فلا فرق حينئذ بين المسلكين من هذه الجهة ( وانما الفرق ) بينهما في مقام الجعل من حيث جعلية الإناطة على أحد المسلكين وعدم جعليتها على المسلك الآخر لكونها أمرا واقعيا فتدبر.

( التنبيه الثامن )

يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما ذا اثر عملي بلحاظ بقائه حين توجيه الخطاب بعدم النقض إلى المكلف الذي هو ظرف التنزيل ، لأنه الذي يقتضيه التعبد ببقاء الشيء عملا ، فلابد في صحة هذا التنزيل من لحاظ الأثر الثابت للشيء حين التعبد بالبقاء والا فلا يكفي في صحة الاستصحاب

ص: 195

مجرد كون المستصحب ذا اثر في الحدوث ما لم يكن ذا اثر عملي في بقائه ، لان ذلك أجنبي عن هذا التنزيل ، ولذا يكتفى في جريان الاستصحاب بمجرد كون المستصحب ذا اثر عملي في بقائه ولو لم يكن لحدوثه اثر شرعي أو عملي أصلا ووجهه ما أشرنا إليه.

( التنبيه التاسع )

لا فرق في جريان الاستصحاب بين ان يكون المستصحب مشكوك الحدوث في الزمان اللاحق رأسا ، كالشك في الطهارة بعد العلم بالحدث وبالعكس ، وبين ان يكون مشكوك الحدوث في جزء من الزمان ومن حيث ظرفه مع الجزم بأصل حدوثه في الجملة ، كالشك في تقدم حدوث الشيء وتأخره ( فكما ) يجري الاستصحاب في الأول يجري أيضا في الثاني ( فلو علم ) يوم الجمعة بموت زيد وشك في أن حدوثه فيه أو فيما قبله يجري فيه استصحاب العدم في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان اليقين بأصل الحدوث اجمالا ، ويترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على عدم حدوثه فيها ، ولا يضر به احتمال انطباق زمان الحدوث الاجمالي على الأزمنة السابقة المتصلة بزمان علمه ، لان ذلك لا يخرجه عن المشكوكية واقعا بعد عدم سراية اليقين الاجمالي من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى المحتملات التفصيلية ( نعم ) لا يثبت بمثله حدوثه في الزمان المتأخر لأنه من المثبت الذي نفينا اعتباره في التنبيه السابق ، الا بدعوى ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، فإذا أحرز وجود الشيء في زمان وثبت بالأصل عدمه قبل ذلك الزمان يتحقق مفهوم الحدوث ، لاندراجه في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، ولكنه ضعيف جدا ( نعم ) لا يجري فيه أصالة عدم حدوثه في الزمان المتأخر الذي هو زمان العلم بحدوث الحادث ، اما فيه ، أو فيما قبله ، لا بالنسبة إلى طبيعي الحدوث : ولا بالنسبة إلى شخص الحدوث المحتمل تحققه في زمان العلم ( والأول ) ظاهر للجزم بانتقاض عدم الطبيعي في ذلك الزمان بيقين

ص: 196

آخر ( وكذلك الثاني ) لأن الشك المتصور فيه انما هو من حيث حده المتنزع عن سبق وجوده بالعدم ، والا فاصل وجوده في الزمان المتأخر معلوم تفصيلا ( ومن الواضح ) ان الحد المزبور لم يكن معلوم العدم سابقا حتى يجري فيه الأصل ، وعلى فرض اليقين به لا يصلح ذلك امر الاستصحاب لوضوح ان اليقين به كذلك ملازم مع اليقين بوجوده سابقا فكيف يمكن ان يجري فه الاستصحاب ( وحينئذ ) فتبقى أصالة عدم حدوثه إلى زمان العلم بلا معارض ( هذا ) إذا كان الحادث على فرض حدوثه في زمان مقطوع البقاء ، كالموت والحياة بحيث اخذ حدوثاته في الأزمنة المتعددة على نحو البدلية ( واما ) إذا كان الحادث من الأمور الآنية التي يمكن ان يفرض له حدوثات عرضية وعلم اجمالا بتحقق أحدها فيجري فيه أيضا أصالة العدم بالنسبة إلى كل واحد من الحدوثات لتحقق أركانه فيها ، غاية الامر العلم الاجمالي بتحقق أحدها موجب لتعارض تلك الأصول ، وذلك في فرض اقتضاء جريان الجميع طرح تكليف الزامي لا مطلقا كما هو ظاهر ( هذا كله ) إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الحادث بلحاظ اضافته إلى اجزاء الزمان.

( وأما إذا كان ) الأثر الشرعي مترتبا عليه بلحاظ اضافته إلى حادث آخر من حيث التقدم أو التقارن أو التأخر ، ففي جريان الاستصحاب فيه خلاف بين الاعلام ( وحيث ) ان للفرض شقوق وصور عديدة فلا بأس بالتعرض لها وبيان أحكامها ( فنقول ) : ان كل حادث أضيف إلى حادث آخر بالقياس إلى اجزاء الزمان ( اما ) ان يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه ، أو مقارنا معه في الزمان ( ثم العنوان ) الذي يكون موضوعا للأثر ، اما ان يكون نفس تلك العناوين أعني تقديم الشيء أو تأخره أو تقارنه للشيء الآخر بنحو مفاد كان أو ليس التامة كالموت المتقدم للأب على موت الابن وبالعكس ( واما ) ان يكون هو الشيء المتصف بكونه متقدما على الحادث الآخر أو متأخرا عنه أو مقارنا معه بنحو مفاد كان أو ليس الناقصة ( واما ) ان يكون هو الشيء في ظرف تقدمه أو تأخره أو تقارنه لحادث آخر بحيث اخذ تلك الأزمنة ظرفا محضا لموضوع الأثر ، أو قيدا ووصفا له ( وكذلك ) حال

ص: 197

الحادث الآخر بالإضافة إلى هذا الحادث ( فإنه ) يكون له هذه الأقسام بعينها ( فهذه ) اقسام متصورة في مفروض البحث للعنوان الذي يكون موضوعا للأثر.

( واما ) حكم هذه الأقسام ( اما القسم ) الأول منها ، فان قلنا في مثل هذه الإضافات ان لها حظا خارجيا عند وجود طرفيها غير متوقفة على الاعتبار بحيث كان الخارج ظرفا لنفسها ولولا لوجودها كما هو التحقيق ، فلا شبهة في جريان أصالة العدم في كل من التقدم والتأخر والتقارن بنحو مفاد ليس التامة ، لكونها من الخارجيات المسبوقة بالعدم أزلا ، غاية الامر بالعلم الاجمالي بانقلاب أحد هذه الاعدام المستصحبة يسقط الجميع بالمعارضة عند استلزام جريانه فيها طرح تكليف الزامي ، وذلك في فرض ترتب الأثر الملزم على كل واحد من عنوان التقدم والتأخر والتقارن أو لحادث آخر كذلك ( والا ) فمع فرض كون الأثر المهم لخصوص عنوان التقدم أو التأخر أو التقارن ، لا لكل واحد منهما ، ولا لحادث آخر كذلك ، فلا معارضة في البين ( واما لو قلنا ) ان هذه الإضافات من خارجات المحمول التي لاحظ لنفسها في الخارج وان الخارج موطن منشأ انتزاعها من الحدوثات الزمانية الخاصة بلا جهة زائدة فيها ، فلا مجال لجريان أصالة العدم فيها ، لعدم كونها بنفسها من الخارجيات المسبوقة بالعدم ، بل لابد حينئذ من جعل محط أصل العدم في منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية ، لأنها هي التي تقوم بها المصلحة والمفسدة وتكون موضوعة للأثر ، فيجري استصحاب الحادث بحسب اجزاء الزمان المتقدم على الحادث الآخر والمقارن له دون المتأخر عنه للعلم الاجمالي حينئذ بانقلابه بالنقيض اما مقدما واما مقارنا واما مؤخرا ( وبذلك ) لا يبقى مجال توهم المعارضة بين تلك الأصول ، إذ هي فرع جريان أصالة عدم الحادث في الزمان المتأخر ( والا ) مع عدم جريانه فيه للعلم المزبور تنتفي المعارضة بين الأصول ( ولا مجال ) في هذا الفرض لجريان أصالة عدم الحدوث المتأخر بلحاظ بقاء وصف التأخر ، إذ ذلك فرع خارجية مثل هذه الإضافات ، الا فمع عدم خارجيتها كما هو المفروض فلا يكون محط الأصل الا شخص الحدوث الخاص بخصوصيته الذاتية ، والمفروض انتقاض العدم الخاص المتيقن

ص: 198

في ضمن اليقين بعدم الجامع بين الحدوثات باليقين بالوجود كما ذكرناه في أصالة عدم الحدوث بالقياس إلى اجزاء الزمان ( واما عدم ) شخص الحدوث الخاص في هذا الزمان فهو أيضا مما لا يجري فيه الأصل ، لما ذكرنا من أن الشك المتصور فيه انما هو بلحاظ حده المنتزع عن سبقه بالعدم ، لا بلحاظ أصل وجوده ، لكونه معلوما بالتفصيل ، وهذا المعنى مع أنه غير متيقن سابقا لا يصلح امر الاستصحاب بلحاظ ان اليقين به كذلك ملازم لليقين بوجوده سابقا ( وحينئذ ) فالقاء المعارضة بين الأصول الجارية في اعدام الحدوثات الخاصة الموصوفة بالتقدم والتأخر والتقارن مبني على جعل هذه الإضافات من الخارجيات غير المتوقفة على الاعتبار الزائدة على الحدوثات الخاصة الزمانية ( والا ) فعلى مسلك جعلها من الاعتبارات المنتزعة التي لا يكون الخارج الا ظرفا لمنشأ انتزاعها من الحدوثات الخاصة الزمانية ، فلا يتم المعارضة بين الأصول ، الا بفرض كون الشيء من الأمور الآنية التي يتصور فيه حدوثات متعددة عرضية ، إذ حينئذ بالعلم الاجمالي بتحقق أحدها تتحقق المعارضة بين الأصول الجارية في اعدام الحدوثات الخاصة الزمانية ، وذلك في فرض اقتضاء جريان الأصل في الجميع طرح تكليف ملزم ( والا فلا ) لما تقرر غير مرة من عدم مانعية مجرد العلم الاجمالي عن جريان الأصول في أطرافه ( وعليه ) فلا مجال لما في الكفاية من القاء المعارضة بين تلك الأصول مع بنائه على اعتبارية تلك الأوصاف وكونها من خارجات المحمول المنتزعة من الذوات الخاصة ، خصوصا مع تمثيله في المقام بمثل موت المتوارثين الذي ليست حدوثاته الا بدلية ، وقد عرفت انه على هذا المبنى لا يكون مجرى الأصل الا الحدوثات الخاصة الزمانية التي هي المناشئ لهذه الاعتبارات لكونها هي الموضوع للآثار الخاصة ، وان مجرى الأصل لا يكون الا عدم الحادث بلحاظ اجزاء الزمان المتقدم على الحادث الآخر أو التقارن دون تأخره عنه ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا انقدح حال القسم الثاني وهو ما كان الأثر مترتبا على اتصاف الذات بهذه الصفات بنحو مفاد كان أو ليس الناقصة ، فإنه على مبنى اعتبارية هذه الإضافات على وجه لا يكون الخارج ظرفا لها ، بل لمناشئها اي الوجودات الخاصة

ص: 199

بحدودها الذاتية وخصوصياتها الواقعية لا مجال لجريان الاستصحاب في اعدام اتصاف الذوات بهذه الأوصاف بنحو السلب المحصل ، بلحاظ ان الذوات الخاصة بالخصوصيات الذاتية التي هي موضوع الأثر حقيقة غير صالحة للانفكاك عن ذاتياتها حتى في عالم تقررها فلا يمكن سلب ذاتياتها في عالم من العوالم ولو قبل وجوداتها ( لان ) ما يمكن سلبه عن الشيء ولو قبل وجوده انما هي اللوازم الزائدة عن حقيقة الشيء اللاحقة لوجوده ، دون اللوازم الذاتية الثابتة للشيء في عالم تقرره ( ومن هنا ) لا يجرى الأصل العدم في لوازم الماهية لأنها لا تنفك عنها ولو قبل وجودها فلا يكون لها حالة سابقة ( واما على المختار ) في أمثال هذه النسب والإضافات من كونها أمورا خارجية ، كالفوقية والتحتية مسبوقة بنفسها بالاعدام الأزلية زائدا عن عدم طرفيها فعليه وان لم يكن مجال لاستصحاب وجود المتصف بالتقدم والتقارن أو بعدمهما ، لعدم اليقين بالحالة السابقة ( ولكن ) في طرف العدم لا بأس باستصحاب عدم اتصاف الحادث بالتقدم أو التقارن ولو قبل وجوده بنحو القضية السالبة المحصلة ، فيقال في الشيء ، الكذائي انه قبل وجوده لم يكن متصفا بكذا فشك في اتصافه به حال وجوده والأصل بقائه على ما كان ، فإذا كان الأثر مترتبا على الذات المتصفة بكذا بحيث كان لحيث الاتصاف المزبور دخل في ترتبه ، فلا محالة يكفي في نفي الأثر نفي اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها ( لان ) نقيض اتصاف الشيء بشيء عدم اتصافه به لا اتصافه بعدمه بنحو القضية المعدولة كي يقتضى وجود الموصوف خارجا كالقضايا الموجبة ويكون الأصل المزبور مثبتا بالنسبة إليه ( وحينئذ ) فبعد كفاية مجرد نقيض الأثر المترتب على النقيض في استصحاب كل طرف من النقيضين بلا احتياج إلى ترتب الأثر على نفس المستصحب ، فلا قصور في استصحاب عدم اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها بنحو السلب المحصل لنفي الأثر المترتب على الذات المتصفة ، وبذلك نلتزم بجريان استصحاب العدم بمفاد ليس الناقصة فيما هو من نظائره من مثل القرشية ونحوها ( نعم ) انما يثمر هذا الاستصحاب فيما إذا اعتبر قيدية الوصف في صقع ذات الموضوع السابق في لحاظ العقل على وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد

ص: 200

بالوصف تارة ، والعدم أخرى ، كما في القضايا التصورية ، حيث إن من نتائج التقييد في هذه المرحلة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم المستتبع لاعتبار نقيضه ما دامت الذات محفوظة في عالم تقررها ( ولازم ) ذلك توسعة نقيض التقيد والاتصاف بل القيد بما هو قيد على نحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع أيضا بلا انحصاره بخصوص السلب بانتفاء المحمول ، فيجرى فيه استصحاب العدم بكل من مفاد ليس التامة والناقصة ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الوصف ملحوضا بما هو شيء في حيال ذاته ، أو بما هو نعت لموصوفه وقائم به خارجا ، فان مجرد كون الوصف نعتا لموصوفه ومتأخرا عن وجوده خارجا لا يقتضى تأخر قيديته المساوق لاعتبار تقييد الموصوف به كي يمنع عن جريان استصحاب عدمه ( والا ) لاقتضى المنع عنه ولو مع لحاظ الوصف في حيال ذاته المعبر عن وجوده بالجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن ( وحينئذ ) فبعد فرض اعتبار قيدية الوصف في صقع ذات الموصوف بنحو القضية التصورية السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجودهما ، فلا محالة عند الشك في اتصاف الموضوع حين وجوده بالوصف ، تجري أصالة العدم في اتصافه ولو قبل وجوده ، كجريانه في ذات القيد والوصف بما هو قيد بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، فيقال : ان الذات الكذائية قبل وجودها لم تكن متصفة بكذا فشك في اتصافها به حين وجودها والأصل بقائها على ما كانت ( والوجه ) فيه ما عرفت من أن من لوازم اعتبار التقييد في هذه المرتبة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم ولازمه توسعة دائرة نقيض التقيد المزبور بنحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع بلا انصحار نقيضه بالسلب بانتقاء المحمول ( هذا ) إذا اعتبر قيدية الوصف في مرتبة ذات الموصوف السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجوده.

( واما ) إذا اعتبر قيديته للذات في المرتبة المتأخرة عن وجودها بنحو القضية التصديقية بحيث اخذ في الموصوف في مقام اعتبار التقييد صفة الموجودية للذات ، كما إذا اخذ الموضوع في طي القضية الشرطية مشروطا بالوجود ثم قيد

ص: 201

بقيد وجودي أو عدمي بمثل قوله ان وجد زيد وكان راكبا فكذا ، ففي مثله لا مجال لجريان استصحاب العدم الثابت في حال عدم الموصوف ، لا في حيث الاتصاف ، ولا في ذات القيد والوصف بما هو قيد ( لوضوح ) ان اعتبار قيدية الوصف في المرتبة المزبورة يقتضى خروج مرتبة ذات الموضوع عن صقع التقيد ، إذ صقع التقيد حينئذ انما هو في ظرف وجود الذات على نحو القضية التصديقية بنحو يرى حيث التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ، ومع خروج مرتبة الذات عن صقع التقيد لا يكاد يصدق نقيض التقيد ولا القيد في ظرف عدم الموضوع ، لان نقيض كل شيء ما كان في مرتبة وجوده ، فإذا كان صقع التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع فلا يكون نقيضه إلا العدم في هذه المرتبة دون العدم في مرتبة الذات ، ( ولأجله ) يتضيق دائرة القيد بما هو قيد أيضا وجود أو عدما بما يكون في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع ( ومن الواضح ) حينئذ انه لا مجال في مثله لجريان استصحاب العدم الأزلي ، لان ما كان نقيضا لموضوع الأثر وهو العدم في ظرف وجود الموضوع لا يكون موردا لليقين السابق بالثبوت حتى يجرى فيه الاستصحاب ، وما كان موردا لليقين بالثبوت انما هو القضية السالبة بانتفاء الموضوع ، وهي من جهة عدم كونها نقيضا لموضوع الأثر لا يجري فيها الاستصحاب ، كما أن ابقائها تعبدا إلى زمان وجود الموضوع لا يثبت العدم الخاص الذي هو نقيض موضوع الأثر الا بالملازمة العقلية التي لا نقول به ( بل إن تأملت ) ترى عدم اجداء الأصل المزبور ولو على القول المثبت ، لمكان عدم الملازمة بين بقاء المستصحب أعني العدم المحفوظ في المرتبة السابقة على وجود الموضوع ، وبين العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ، إذ في مثله لا يكاد يجدي أصالة عدمه الثابت في مرتبة الذات لاثبات العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ولو على القول بالمثبت ( وحينئذ ) فعلى كل تقدير لا يجري استصحاب العدم في الفرض المزبور ( من غير فرق ) بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم اعتبار القيدية نعتا للموضوع المعبر عنه بالوجود النعتي وعن عدمه بالعدم النعتي ، وبين ان يكون ملحوظا بما هو في حيال ذاته المعبر عنه

ص: 202

بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن.

( وبما ذكرنا ) انقدح ما هو المناط في جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية في نحو هذه القضايا التوصيفية وعدم جريانها : وانه يختلف باختلاف مرحلة اعتبار صقع القيدية للوصف المأخوذ في موضوع الأثر ، ( فمناط ) جريان الاستصحاب فيها انما يكون باعتبار القيدية في ظاهر الخطاب في صقع الذات السابق في لحاظ العقل على مرحلة وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد بالوصف ، تارة ، والعدم أخرى ، كما في موارد اخذ الذات بمعناه التصوري في طي التقييد ( كما أن مناط ) عدم جريانه انما هو باعتبار القيدية في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ( لما عرفت ) من أن من نتائج اعتبار القيدية في هذه المرتبة ، خروج مرتبة الذات بالمرة عن صقع التقييد الموجب لخروج العدم الثابت في مرتبة الذات عن كونه نقيضا لموضوع الأثر ، فلا يجرى فيه استصحاب العدم الأزلي ( من غير فرق ) في الصورتين بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم القيدية بما هو في حيال ذاته أو بما هو نعتا لموضوعه ( لا ان ) المناط فيه وجودا بمجرد لحاظ الوصف في حيال ذاته ، وعدما بلحاظه نعتا لموضوعه وقائما به كما توهم ، لما عرفت من أن مجرد لحاظ الوصف شيئا في حيال ذاته لا يقتضى جريان أصالة العدم فيه بنحو السلب المحصل لامكان اعتبار القيدية حينئذ في الصقع المتأخر عن وجود الموضوع ، كما أن مجرد لحاظه نعتا لموصوفه وقائما به لا يقتضى المنع عن استصحاب عدمه الثابت حال عدم الموضوع ، لا مكان اعتبار التقييد في مرتبة ذات الموضوع السابقة في لحاظ العقل على وجودهما بلا لحاظ تقدم وجود الموصوف في مقام اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر كما هو ظاهر ( وتنقيح الكلام ) بأزيد من ذلك موكول إلى محل آخر ( فان ) المقصود في المقام مجرد الإشارة إلى بيان مجرى الاستصحاب العدم الأزلي ، وانه انما يكون بلحاظ اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر في صقع الذات ، لا بلحاظ مرحلة الاتصاف الخارجي وانما أطلنا الكلام فيه حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الصافية.

( ثم إن ) ما ذكرنا من جريان أصالة العدم بالسلب المحصل من نحو أصالة عدم

ص: 203

اتصاف المرأة بالقرشية وعدم اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر ، انما هو إذا كان الأثر لسلب الاتصاف لا للمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة ( والا فعلى ) فرض ان موضوع الأثر هو الامر المتصف العدم في زمان الآخر ، فلا مجري فيه للأصل لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم ، إذا الوجود من الأول غير معلوم الاتصاف بالعدم المذكور لأنه ، اما وجد متأخرا عن زمان وجود الآخر ، أو متقدما عليه ، أو مقارنا له ، وأصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الراجع إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب الذي هو مفاد المعدولة الا على القول بالمثبت ، ومجرد وحدة منشأ هذه المفاهيم في الخارج غير كاف في جريان الاستصحاب في بعضها بلحاظ الأثر المترتب على بعض آخر كما هو ظاهر.

( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بلحاظ اضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم ، والتأخر أو التقارن ، وقد عرفت انه على المختار في مثل تلك الإضافات من كونها بنفسها أمورا خارجية وصفاتا زائدة على الذوات الخارجية مسبوقة بأعدامها الأزلية ، لا قصور في جريان أصالة العدم فيها بمفاد ليس التامة والناقصة وترتب نقيض الأثر المرتب على النقيض عليه ما لم يكن معارضا بجريانه في الحادث الآخر أو فيه بعنوان آخر ( واما ) لو كان الأثر لعدم أحدهما في زمان وجود الآخر بحيث يكون زمان الآخر ظرفا لما هو موضوع الأثر ، كاسلام الوارث وموت المورث ، وكبيع الراهن ورجوع المرتهن عن اذنه وقد شك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتأخره عنه أو تقارنه ( فتارة ) يعلم بتاريخ أحدهما المعين ويشك في تاريخ الآخر في أنه قبله أو بعده أو مقارن له ( وأخرى ) يكون كل منهما مجعول التاريخ ( فعلى الأول ) لا قصور في جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان يقطع فيه بوجوده ، ففي المثال المتقدم لو علم بموت المورث في يوم الخميس مثلا وشك في اسلام الوارث في أنه قبل يوم الخميس الذي هو زمان موت المورث يجري الأصل في المجهول فيترتب عليه آثار عدم اسلامه إلى زمان

ص: 204

موت مورثه التي منها عدم ارثه منه ، حيث إنه يثبت به بضم وجدان موت المورث في الزمان المعين اجتماع عدم اسلام الوارث وموت المورث في الزمان ( وكذلك ) الامر فيما لو انعكس الفرض بان علم باسلام الوارث في يوم معين ويشك في موت المورث في أنه قبله أو فيه أو بعده ، فإنه باستصحاب عدم موته أو حياته إلى زمان اسلام الوارث يثبت موضوع التوارث الذي هو اجتماع الاسلام وحياة المورث في الزمان.

( هذا ) إذا كان الأثر لمجرد عدم أحد الحادثين في زمان الآخر ( واما ) إذا كان الأثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم في زمان الآخر ، فلا يجري فيه أصالة بالعدم لعدم اليقين بالحالة السابقة ، وعدم اثمار استصحاب ذات عدم الامر الكذائي إلى زمان الحادث الآخر لاثبات ارتباط الموجود واتصافه بالعدم ، لان غاية ما يثبت به هو ان زمان وجود الحادث المعلوم ، زمان عدم الآخر ، وأين ذلك واثبات موضوع الأثر الذي هو الذات المتصف بالعدم في زمان الاخر ( والى ذلك ) نظر المحقق الخراساني قدس سره في تفصيله بين ان يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان كذا ، وبين ان يكون الأثر لذات عدم أحدهما في زمان الآخر ( هذا ) في مجهول التاريخ.

( واما ) في معلوم التاريخ منهما فلا مجرى فيه للاستصحاب ، لانتفاء الشك اللاحق بالنسبة إليه فإنه قبل يوم الخميس الذي هو ظرف حدوث الاسلام مثلا كان اسلام الوارث معلوم العدم وفي يوم الخميس كان معلوم التحقق فلا يتصور الشك فيه في زمان كي يجري فيه استصحاب العدم ( وقد يتوهم ) ان المعلوم انما هو وجوده بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، واما بالإضافة إلى زمان الواقعي لحدوث الآخر ، فحدوثه مشكوك فيه فيستصحب عدمه بهذا الاعتبار ، فيعارض مع الأصل الجاري في مجهول التاريخ ( وأجيب عنه ) بأنه ان أريد لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر ظرفا محضا لوجوده على وجه الاجمال فهو عبارة أخرى عن لحاظه بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، وقد عرفت انه مع العلم بتاريخ حدوثه لاشك في وجوده حتى يستصحب ( وان أريد ) لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر قيدا ووصفا لوجوده فلا حالة له سابقا حتى يستصحب ، ولذا يمنع عن استصحاب وجود المتصف بالتقدم

ص: 205

أو بعدمه لمكان عدم الحالة السابقة ( أقول ) : ولا يخفى ان مجرد كون زمان الآخر ظرفا له لا يمنع عن استصحابه بعد صدق الشك في بقاء عدمه بالإضافة إلى زمان وجود الآخر واقعا ، فإنه يصح ان يقال في معلوم التاريخ : ان بقاء عدمه في زمان الواقعي لوجود الآخر مشكوك ( واما ) على التقيدية وان لم يجر فيه الاستصحاب لمكان عدم الحالة السابقة ، الا انه لا بأس بجريان الاستصحاب لسلب اتصاف المعلوم به ولو قبل وجوده ، لما ذكرنا من أن الأثر إذا كان للذات المتصف بكذا ، كان لحيث الاتصاف دخل في ترتبه ، فيكفي في نفي الأثر المترتب على الذات المتصف نفي اتصافها به ولو قبل الموجود إلى حين وجودها ، فيترتب عليه نقيض اثر النقيض الكافي هذا المقدار في باب الاستصحاب.

( فالأولى ) في دفع الشبهة ان يقال : ان عدم جريان الأصل ولو على الظرفية في معلوم التاريخ بلحاظ زمان الواقعي لوجود الآخر انما هو لأجل عدم احراز مقارنة الابقاء التعبدي مع زمان وجود الآخر ، لان معنى ابقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان الواقعي لوجود غيره ، هو ابقائه إلى زمان يقطع فيه بكونه ذاك الزمان الواقعي لوجود الآخر ، والا فبدون اليقين به لا يمكن تطبيق كبرى الأثر على المورد ( وحينئذ ) مع تردد زمان وجود الآخر بين زمانين لا يكاد يمكن الجزم بالتطبيق الا بفرض جر عدم المعلوم في جميع محتملات أزمنة وجود مجهول التاريخ ، وهو غير ممكن ( لان ) من محتملات زمان وجوده زمان اليقين بارتفاع المستصحب وانقلابه بالنقيض ، فلا يمكن جر عدمه إلى هذا الزمان ، ومع عدم جره كذلك كان البقاء التعبدي فيه مشكوك المقارنة مع زمان وجود الغير ، ومع الشك المزبور لا يثمر الأصل في ترتيب اثر البقاء المقارن لزمان وجود الغير ( هذا كله ) إذا كان أحدهما المعين معلوم التاريخ والآخر مجهوله.

( وأما إذا كانا ) مجهولي التاريخ ، فالذي يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس سره جريان الاستصحاب فيهما ذاتا ، غاية الامر سقوطهما بالمعارضة في فرض ترتب الأثر المهم على كل منهما كما في الأمثلة المتقدمة من مثال موت المتوارثين

ص: 206

الوالد والولد غير مقترنين والشك في المتقدم والمتأخر ، أو موت المورث واسلام الوارث كذلك ونحوهما من الأمثلة التي أوردها الشيخ قدس سره .

( ولكن التحقيق ) خلافه وانه لا مجرى للاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( وذلك ) لا لما افاده المحقق الخراساني من شبهة الانفصال باليقين بالانتقاض ( بل لما أشرنا ) إليه آنفا من عدم اجدائه في التطبيق على موضوع الأثر في فرض امكان جر المستصحب ، وعدم امكان جره في فرض احراز التطبيق ( ولتوضيح ) المرام نفرض الأزمنة في الأمثلة المذكورة ثلاثة أيام ( الأول ) يوم الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم اسلام الوارث فيه ( الثاني ) يوم الجمعة الذي هو زمان الشك في حدوث موت المورث واسلام الوارث فيه ( الثالث ) يوم السبت الذي هو زمان اليقين بحدوث كل من موت المورث واسلام الوارث بنحو الاجمال مرددا كل منهما بان يكون حدوثه فيه أو في زمان سابق عليه وهو يوم الجمعة ( بعد ذلك ) نقول : ان شأن الاستصحاب بعد أن كان جر المستصحب وامتداده إلى زمان الشك ، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض ( فتارة ) يكون منشأ الشك في بقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان وجود غيره ، من جهة الشك في أصل بقائه في الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، مع الجزم بان الزمان المتأخر ، الذي حكم فيه بامتداد المستصحب وبقائه فيه هو زمان وجود الآخر ، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين ، فإنه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر ( وأخرى ) يكون منشأ الشك فيه من جهة الشك في مقارنة البقاء التعبدي لزمان وجود الغير ( وبعبارة ) أخرى يكون الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد زمانه بين الزمانين ، حيث إنه بذلك يشك في مقارنة بقائه التعبدي في زمان مع زمان وجود غيره ( فان كان ) الشك في بقاء المستصحب إلى زمان وجود غيره ممحضا بالجهة الأولى ، فلا قصور في جريان الاستصحاب ، فيستصحب في المثال عدم كل من اسلام الوارث وموث المورث إلى زمان وجود الآخر ويترتب على كل منهما اثره في فرض الجزم

ص: 207

بالمقارنة مع زمان وجود الآخر ( واما ) ان كان الشك من الجهتين أو من الجهة الأخيرة ، فلا يجري الاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( لوضوح ) ان شأن الاستصحاب انما هو مجرد الغاء الشك من جهة خصوص امتداد المستصحب إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، لا الغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره ( وحينئذ ) فمع تردد الزمان الذي هو ظرف وجود الآخر بين الزمانين ، زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني ، وزمان يقينه الذي هو الزمان الثالث ، يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الآخر على حاله ، فلو أريد من الابقاء ابقائه إلى الزمان الثاني ، فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد ، الا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها الزمان الثالث ، وهو أيضا غير ممكن ، لان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ( ومجرد ) كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجدي في امكان الجر إلى هذا الزمان بعد كونه زمان انتقاض يقينه كما هو واضح.

( وحيث اتضح ذلك ) نقول : ان المقام من هذا القبيل ، ففي المثال المزبور يكون منشأ الشك في حياة الوارث أو اسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الامرين أعني الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم اسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة ، والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين ( ولقد ) عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير ، لان ما يمكن جره بالاستصحاب انما هو جر عدم اسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ، ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم احراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير ، وعدم تكفل دليل الاستصحاب الا لالغاء الشك من جهة خصوص الامتداد دون غيره ، وما يثمر

ص: 208

في التطبيق انما هو جر المستصحب إلى الزمان الثالث الذي فرضناه يوم السبت وهو غير ممكن لان زمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل واحد منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى مثل هذا الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه.

( لا يقال ) ذلك انما يكون إذا قيس استصحاب عدم أحد الامرين بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية ( واما ) لو قيس ذلك بالنسبة إلى الزمان الواقعي الاجمالي لوجود الآخر ، فلا قصور في استصحاب بقاء كل منهما إلى زمان الواقعي لوجود بديله ، إذ يصدق على كل منهما بالإضافة إليه الشك في البقاء إلى ذاك الزمان ، فيستصحب في المثال عدم اسلام الوارث إلى زمان موت مورثه وبالعكس ( غاية ) الامر يتعارض الاستصحابان ( فإنه يقال ) : ان أريد من استصحاب عدم اسلام الوارث أو حياة مورثه إلى الزمان الاجمالي ، جره إلى زمان يشك فيه في انطباق المجمل عليه فهو غير مثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم تكفل دليل الأصل لالغاء الشك من هذه الجهة ( وان أريد ) جره إلى زمان يقطع فيه بانطباق الزمان الاجمالي عليه بنحو الاجمال ، فهو وان كان مثمرا في التطبيق ، ولكنه يحتاج إلى جره في جميع محتملاته من الأزمنة التي منها الزمان الثالث ، وهو غير ممكن ، وبدون جره كذلك لا يحرز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجوده غيره ( مع أنه ) لو كان هذا المقدار كافيا في جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، فلم لا يلتزم بكفايته في جريانه في معلوم التاريخ في الفرض المقدم ، فإنه يصدق عليه أيضا بالإضافة إلى زمان الواقعي في مجهول التاريخ الشك في بقاء عدمه إلى زمان الواقعي لوجود الآخر ( ومن المعلوم ) انه لا يكون الوجه فيه الا ما ذكرناه ، فتدبر فيما قلناه بعين الانصاف فإنه دقيق وبالقبول حقيق.

( ثم إن للمحقق الخراساني قدس سره ) تقريبا آخرا في منع جريان الأصل في مجهولي التاريخ من جهة شبهة الانفصال باليقين الناقض الموجب لكون التمسك بعموم لا تنقض من باب التمسك بالعام مع الشك في انطباق عنوانه على المورد ( وملخص ) ما أفاد في تقريب الشبهة بتوضيح منا هو ان في فرض العلم بحدوث الحادثين كاسلام

ص: 209

الوارث وموت المورث والشك في المتقدم منهما والمتأخر ، لابد من فرض الأزمنة التفصيلية ثلاثة بفرض الزمان الأول زمان اليقين بعدمهما ، والزمان الثاني زمان العلم بحدوث أحدهما فيه اجمالا ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ، والزمان الثالث زمان اليقين بتحقق الاسلام والموت فيه مع اليقين الاجمالي بكونه ظرفا لحدوث أحدهما ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ( وهناك ) زمانان اجماليان أيضا : ( أحدهما ) زمان اسلام الوارث المحتمل الانطباق على كل من الزمان الثاني والثالث على البدل ، والثاني زمان موت مورثه المحتمل الانطباق أيضا على كل واحد من الزمانين على البدل بحيث لو انطبق أحدهما على الزمان الثاني ، كان الآخر منطبقا على الزمان الثالث ، حسب العلم بتقدم زمان حدوث أحدهما على زمان حدوث الآخر ( وحينئذ ) فبعد احتمال كون الزمان الثاني أعني يوم الجمعة مثلا ظرفا لحدوث الاسلام أو الموت ، لا مجال لاستصحاب عدم اسلام الوارث المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت مورثه ، لاحتمال ان يكون زمان موت المورث يوم السبت الذي هو الزمان الثالث ويكون زمان الاسلام يوم الجمعة الذي هو زمان انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن جر المستصحب من زمان يقينه إلى زمان الآخر المحتمل كونه بعد زمان اليقين بارتفاعه ، وهكذا في استصحاب عدم موت المورث إلى زمان اسلام الوارث ، فإنه مع احتمال كون زمان الاسلام بعد زمان موت المورث يحتمل انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ( وبعد تذيل ) بعض اخبار الباب بقوله : ولكن انقضه بيقين آخر الذي هو من القيود المتصلة بالكلام ، لابد في التمسك بعموم دليل الاستصحاب من احراز تطبيق عنوانه بقيوده على المورد ، فمع الشك في مثل هذا القيد يشك في تطبيق عنوانه ، وفي مثله لا مجال للتمسك بعموم لا تنقض حتى بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصصات المنفصلة ( هذا ملخص ) المقال في تقرير الشبهة المزبورة.

( ولكن ) فيه ان الناقض لليقين السابق ليس الا اليقين بارتفاع المتيقن ، لا نفس ارتفاعه واقعا ولم يتخلل بين اليقين بعدم حدوث كل من الحادثين والشك في

ص: 210

الحدوث يقين آخر بالحدوث ليوجب عدم اتصال زمان الشك بالحدوث في كل منهما باليقين به ( واما ) اليقين الاجمالي بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين ، اما الزمان الثاني ، أو الثالث فهو غير قابل للفصل بين اليقين بالمستصحب والشك في بقائه في زمان وجود الغير الا في فرض قابلية انطباقه على الزمان الثاني الذي هو أحد طرفي العلم ولكنه من المستحيل جدا ( لما عرفت ) غير مرة من أن قوام العلم والشك بل جميع الصفات الوجدانية كالإرادة والكراهة والتمني والترجي وغيرها انما هو بنفس العناوين والصور الذهنية بما هي ملحوضة كونها خارجية بلا سراية منها إلى المعنون الخارجي ، لان الخارج انما هو ظرف اتصافها بالمعلومية ، لا ظرف عروضها بشهادة انه قد لا يكون للمعنون وجود خارجي أصلا كما في موارد تخلف العلم عن الواقع ، فمعروض العلم في جميع موارد العلوم الاجمالية عبارة عن عنوان وصورة اجمالية مبائنة مع ما هو معروض الشك والترديد ، حيث إن معروضه عبارة عن صور تفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء الآخر مثلا بعنوانهما التفصيلي مع وقوف كل من الوصفين في عالم عروضهما على نفس معروضه من الصور الذهنية ، من غير أن يكون وحدة المنشأ والمعنون الخارجي لهما موجبا لسراية أحد الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي مع الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف ، مع وضوح المضادة بين الوصفين ( وبعد ) ذلك نقول : انه بعد استحالة انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على طرفيه ، فلا يعقل احتمال الفصل باليقين بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين بين زمان اليقين بعدم المستصحب وزمان الذي يراد جر المستصحب إليه ، فان المفروض ان الزمان الفاصل بين زمان اليقين بالمستصحب سابقا وزمان وجود غيره الذي يراد جره إليه بالاستصحاب ليس الا ما هو طرف العلم الاجمالي بين الزمانين وهو الزمان الثاني ، ومع استحالة قابلية انطباق المعلوم بوصف معلوميته على هذا الزمان الذي هو طرف العلم الاجمالي ، كيف يحتمل الفصل باليقين الناقض بين زمان اليقين بالمستصحب وزمان الذي يراد جره إليه ليكون التمسك بدليل الاستصحاب في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للعام المزبور ، بلحاظ الشك في قيده

ص: 211

المتصل به.

( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين الناقض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال في موطن الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ، ولكنه مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة الا على توهم مرفوض وهو سراية العلم من معروضه الذهني إلى موطن الخارج ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان استصحاب العدم في كل من الحادثين ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في مجهول التاريخ منهما أيضا بلحاظ ان حدوثه بعد أن كان مرددا بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك بعدمه وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه بانطباق زمان اليقين بالاجمال بحدوثه على ذلك الزمان ، بل وكذلك في جميع فروض العلوم الاجمالية ( وحينئذ ) فلولا ما ذكرناه من الوجه للمنع عن جريان استصحاب العدم في مجهولي التاريخ من لزوم احراز مقارنة زمان بقاء المستصحب ولو تعبدا مع زمان وجود غيره ، وعدم صلاحية جريان الاستصحاب إلى الزمان الثاني لرفع الشك في المقارنة المزبورة ، وعدم جريانه إلى الزمان الثالث الذي هو زمان اليقين بوجود الغير لكونه زمان اليقين بارتفاع المستصحب ، لما يمنع عنه ، شبهة الفصل المزبور.

( ثم لا فرق ) فيما ذكرنا من عدم صلاحية العلم الاجمالي بالارتفاع في الزمان الاجمالي للفاصلية بين ان يكون المعلوم بالاجمال من الأول مجملا مرددا بين أمرين كأحد الانائين أو الثوبين في العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ، وبين ان يكون من الأول عنوانا تفصيليا كاناء ، زيد أو الاناء الشرقي ، فطرء عليه الاجمال والترديد من جهة اشتباهه بغيره ، كما لو علم بنجاسة اناء زيد بخصوصه وطهارة غيره ثم اشتبه بالاناء الآخر ، أو علم بنجاسة الاناء الشرقي وطهارة الاناء الغربي فاشتبه أحدهما بالآخر ، فإنه مع تقوم الصفات الوجدانية التي منها العلم والشك بالصور الذهنية ولولا بما يلتفت إلى ذهنيتها ، بل بما انها ترى خارجية ، يكون معروض العلم الاجمالي بما هو معروضه في جميع تلك الفروض عبارة عن صورة اجمالية مبائنة مع الصورة التي هي معروض الشك

ص: 212

ذهنا بنحو يستحيل اتحادهما في عالم المعروضية للشك واليقين وان كانتا متحدتين وجودا خارجا ، كاستحالة سراية كل من الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، أو سرايتهما إلى موطن الخارج ( لا يعقل ) الفصل باليقين الناقض في شيء من هذه الفروض كي يمنع عن جريان الاستصحاب ( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين في جميع هذه الفروض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو معروض اليقين في الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ( ولكنه ) مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان الاستصحاب ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في كل علم اجمالي بالنسبة إلى طرفه ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وعليه ) فما عن بعض الاعلام من تشقيق تلك الفروض وتسليم احتمال الفصل باليقين الناقض المانع عن الاستصحاب فيما كان من قبيل الاناء الشرقي المتميز عن الاناء الغربي ، اما بفرض الترديد والاجمال مقارنا للعلم ، كالعلم بإصابة المطر لما هو في الطرف الشرقي ، واما بطرو الاجمال والترديد بعد ما علم بإصابة المطر له ، وعدم تسليمه فيما كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كالعلم بإصابة المطر لاحد الانائين اما الشرقي أو الغربي ، منظور فيه ( نعم ) لا بأس بذلك في عالم الاتصاف والانطباق الخارجي ، ولكنه لا يختص بالأمثلة المزبورة بل يجري في جميع موارد العلم الاجمالي ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن جريان مثل هذا الاستصحاب ما ذكرناه ، والا فلا قصور في الاستصحاب إذ لا يمنع عنه الا المعارضة بجريانه في الآخر في فرض ترتب الأثر على كل منهما.

( بقى الكلام )

( في تعاقب الحادثين المتضادين )

مع الشك في المتقدم منهما والمتأخر من حيث جريان الاستصحاب فيهما وعدمه ، كالطهارة والنجاسة ، والطهارة والحدث في المسألة المعروفة ( وفيه ) أيضا تجري

ص: 213

الشقوق السابقة من الجهل بتاريخهما ، تارة وبأحدهما ، أخرى ( والمقصود ) بالكلام في المقام هو الاستصحاب الوجودي دون العدمي ( كما أن ) المقصود هو استصحاب وجود كل منهما في حد نفسه ، لا بلحاظ كونه إلى زمان وجود الآخر أو عدمه ( فنقول ) : انه لو علم بالطهارة والحدث وشك في المتقدم والمتأخر منهما فمع الجهل بتاريخهما ، قد يظهر من الشيخ قدس سره بل نسب إلى المشهور جريان الاستصحاب في كل من الطهارة والحدث وتساقطهما بالتعارض ( وأورد ) عليه المحقق الخراساني قدس سره بما تقدم من شبهة الفصل باليقين الناقض لاحتمال انفصال زمان الشك في بقاء الطهارة عن زمان اليقين بها بزمان اليقين بالحدث بان يكون الطهارة في الساعة الأولى والحدث في الساعة الثانية وكذلك الامر بالعكس ( ولقد ) تقدم الجواب عنه بما لا مزيد عليه.

( والتحقيق ) في المقام عدم جريان الاستصحاب فيهما أيضا ولو مع قطع النظر عن التعارض ( لعدم اتصال ) زمان الشك فيه بزمان اليقين بتقريبات ( ولتوضيح ) المرام نقول : انه حفظا لموضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما انطبق عليه البقاء لابد من فرض الأزمنة فيه ثلاث ساعات مثلا ، الأولى والثانية زمان اليقين الاجمالي بتحقق كل من الحادثين الطهارة والحدث ، والثالثة زمان الشك في بقاء كل منهما ، والا فلو فرض انه ما مضى الا الزمانان اللذان علم بحدوث الطهارة والحدث فيهما وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، فلا مجال لتوهم جريان الاستصحاب فيهما لعدم تصور الشك في البقاء حينئذ ، لان في الزمان الأول لا يقين بحدوث الطهارة ، ولا بالحدث ، وفي الزمان الثاني وان علم بحدوثهما ولكن امر كل واحد منهما فيه مردد بين الحدوث والارتفاع ، فلا يتصور الشك في البقاء في واحد منهما ، وهذا بخلاف فرض الأزمنة ثلاثة ، حيث إن في الزمان الثالث يتصور الشك في البقاء في كل واحد منهما ، فكان موضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما ينطبق عليه البقاء محرزا ( وبعد ذلك ) نقول : ان عدم جريان الاستصحاب في المتضادين المجهولين تاريخهما لوجوه.

ص: 214

( الأول ) ان المستفاد من أدلة الباب بمقتضى لزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ، اعتبار اتصال زمان الشك في بقاء المستصحب بزمان اليقين بوجوده بحيث يصدق الشك في البقاء على الحادث في الزمان المشكوك فيه وليس هنا كذلك ( لان ) ما حدث وهو الطهارة في المثال بعد أن كان زمانه زمانا اجماليا مرددا بين زمان الأول والثاني ، فقهرا يكون زمانه المتصل لحدوثه أيضا مرددا بين زمان الثاني والثالث ، وهكذا في طرف الحدث ، ففي الزمان الثالث لم يحرز اتصاله بزمان اليقين ، لان الطهارة ان كانت واقعة في الساعة الأولى ففي الساعة الثانية كانت مرتفعة قطعا فيكون الزمان الثالث الذي هو زمان الشك في البقاء منفصلا عنه ، وان كانت واقعة في الساعة الثانية ، فزمان الثالث وان كان متصلا بزمان حدوثهما ، الا انه على هذا التقدير لا يكون الزمان الثالث زمان الشك في البقاء والارتفاع للقطع حينئذ ببقاء الطهارة فيه ( وان شئت قلت ) بانتفاء الشك في البقاء في الزمان الثالث بالنسبة إلى كل واحد من الطهارة والحدث ، لأنه على تقدير يقطع بارتفاعه ، وعلى تقدير يقطع ببقائه ، فان ما يتصور من الشك في البقاء فيه انما هو من جهة الشك في الحدوث المتصل به لا من جهة الشك في نفس بقاء ما هو الحادث فارغا عن حدوثه المتصل به ، وموضوع الاستصحاب صرفا أو انصرافا انما كان هو الثاني لا الأول ، ولا مطلق الشك في البقاء ولو كان من جهة الشك في الحدوث في الآن المتصل به ( وحينئذ ) فلا ينتقض ما ذكرناه بموارد الشكوك البدوية ( فإنه ) لو علم بالطهارة في ساعة فشك في بقائها في الساعة الأخرى كان زمان الشك في البقاء متصلا بزمان اليقين بحدوثها حيث يحتمل ملازمة حدوثها في الساعة الأولى لبقائها في الساعة الثانية ويحتمل عدم ملازمة حدوثها للبقاء ، وشأن الاستصحاب ابقاء ما شك في بقائها في الزمان المتصل بالحدوث.

( الثاني ) انه لا شبهة في أن الشك الذي هو موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان المتصل بزمان اليقين بحدوثه ، بحيث يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني ، ويحتمل عدم

ص: 215

ملازمته وانفكاك وجوده في الزمان الثاني عن حدوثه في الزمان الأول ( ومثل ) هذا المعنى لاشك في تحققه في الشكوك البدوية ( بخلاف المقام ) فإنه لا يتصور فيه احتمال بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان الثالث الذي أريد جر المستصحب إليه ( فإنه على تقدير ) ان يكون حدوث الطهارة في الساعة الأولى ، يقطع بارتفاعها في الساعة الثانية بحدوث ضده الذي هو الحدث ، فلا يحتمل فيها البقاء في الساعة الثالثة ( وعلى تقدير ) ان يكون حدوثها في الساعة الثانية يقطع ببقائها في الساعة الثالثة ، فلا يحتمل انفكاك حدوثه عن بقائه في الزمان الثالث ، وهكذا بالنسبة إلى إلى الحدث ، ومع انتفاء الشك في البقاء والارتفاع لا يجري فيه الاستصحاب ( واما ) ما يرى من الشك في البقاء والارتفاع بالنسبة إلى كل من الطهارة والحدث ، فقد عرفت رجوعه في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به ، لا انه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان المتصل به كما هو ظاهر.

( الثالث ) ان المنصرف من دليل الاستصحاب هو ان يكون زمان الذي أريد جر المستصحب إليه على نحو لو تقهقرنا منه إلى ما قبله من الأزمنة لعثرنا على زمان اليقين بوجود المستصحب ، كما في جميع موارد الاستصحابات الجارية في الشكوك البدوية ( وليس المقام ) من هذا القبيل ، فان في كل من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي هو الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب ، بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث ( لان ) كلا من الساعة الثانية ، والأولى إذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك في وجوده إلى أن ينتهى إلى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما ( وحيث ) انه لم نعثر في تقهقرنا على زمان تفصيلي نعلم فيه بالطهارة أو الحدث ، امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه ( هذا بالنسبة ) إلى الأزمنة التفصيلية ( واما بالنسبة ) إلى الزمان الاجمالي المشار إليه بكونه بعد زمان اليقين بحدوث المستصحب ، فاتصاله بزمان اليقين وان كان متحققا بنحو الاجمال ، ولا مانع من هذه الجهة من استصحاب

ص: 216

كل من الطهارة والحدث إلى الزمان الثاني الاجمالي المتصل بزمان اليقين بالحدوث في كل منهما ، ولكنه انما يثمر إذا لم يحتج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا ، والا فعلى فرض الاحتياج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية بلحاظ ترتب الأثر المهم من نحو صحة الصلاة على ثبوت الطهارة في زمان تفصيلي ( فلا مجال ) لهذا الاستصحاب ، لعدم اثماره في التطبيق على واحد من الأزمنة بخصوصه ، بل عدم صحته ( لما عرفت ) من أن الزمان الثاني الذي هو طرف العلم لا يحتمل فيه البقاء لكونه مرددا بين زمان الحدوث والارتفاع ( والزمان ) الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع ، لكونه على تقدير مقطوع البقاء ، وعلى تقدير آخر مقطوع الارتفاع فيه ( هذا ) ( وقال الأستاذ قدس سره ان المحقق الخراساني قدس سره في سالف الزمان في مجلس بحثه قرر شبهة الانفصال بمثل ما ذكرناه ) ( ولكنه ) قررها في الكفاية من جهة شبهة الفصل باليقين الناقض.

( اشكال ودفع ) اما الاشكال فقد يورد على ما ذكرنا من شبهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب ، بان لازم اعتبار الاتصال بالمعنى المزبور في صحة الاستصحاب عدم جريانه حتى في الشك البدوي في الرافع الوارد على المعلوم بالاجمال من حيث الزمان ، كما لو علم اجمالا بطهارته اما في الساعة الأولى أو الثانية وشك بشبهة بدوية في حدوث حدث بعده في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم على فرض حدوث المعلوم في الزمان الأول أو مطلقا ، حيث إنه بمقتضى البيان المزبور لا يجري استصحاب الطهارة ، لا في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم بحدوث الطهارة لكونها مرددة فيه بين الحدوث والارتفاع ، ولا في الزمان الثالث ، لعدم احراز الاتصال بالمعنى المزبور ، إذ لو انتقلنا من زمان الشك إلى الوراء متقهقرا لم نعثر الا على زمان اليقين بعدم المستصحب ، لان كل واحدة من الساعة الأولى والثانية التي هي قبل زمان الشك إذا لوحظت يرى كونها زمان الشك في حدوث المستصحب من حيث احتمال حدوث المعلوم بالاجمال من حيث الزمان فيه أو فيما قبله أو ما بعده ، مع

ص: 217

انه لا يظن التزامه من أحد.

( واما الدفع ) ففيه أولا ان بنائهم على جريان الاستصحاب في مثله ليس باعتبار الأزمنة التفصيلية كي يصير نقضا على ما ذكرنا ، بل هو باعتبار جريانه في الأزمنة الاجمالية لحدوث المستصحب المستتبع لليقين في الزمان الثاني التفصيلي الذي هو طرف العلم الاجمالي ، اما بالطهارة الواقعية أو التعبدية ( ومن الواضح ) عدم جريان هذا التقريب في فرض العلم بحدوث الحدث مع الشك في تقدمه على الطهارة وتأخره عنه ( وثانيا ) يمكن دعوى جريان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض ، فإنه على تقدير عدم حدوثها في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم يشك في بقائه فيه فيستصحب ولازمه العلم الاجمالي في زمان الآخر بوجود طهارة واقعية أو ظاهرية ( وهذا ) التقريب غير جار في المقام أيضا ( إذ في ) فرض العلم بالناقض والشك في المتقدم والمتأخر يكون امر كل واحد من الطهارة والحدث في الزمان الثاني مرددا بين الحدوث والارتفاع ، لا في البقاء والارتفاع ( ودعوى ) ان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض انما يجري في فرض كون موضوع حرمة النقض هو نفس الشيء بوجوده الواقعي ولولا بما هو معلوم ، والا فعلى فرض دخل اليقين في موضوع حرمة النقض فلا يجري الاستصحاب ، لعدم اليقين الفعلي حينئذ بوجود المستصحب ( مدفوع ) بان ما هو غير متحقق فعلا انما هو اليقين المطلق ، لا مطلق اليقين به ولو منوطا ، ولا شبهة في تحقق اليقين الفعلي المنوط فيه ( فإنه ) في فرض عدم حدوث المستصحب في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم يصدق انه كان على يقين فعلي بوجوده غايته منوطا بالتقدير المزبور ، وهذا المقدار من اليقين المنوط يكفي في تحقق موضوع حرمة النقض فتدبر ( فتلخص ) مما ذكرنا انه لا مجال لجريان الاستصحاب في واحد من الحالتين المتضادتين ولو مع قطع النظر عن المعارضة ( هذا كله ) في صورة الجهل بتاريخ الحالتين المتضادتين.

( واما صورة ) العلم بتاريخ إحديهما ، فعلى تقرير شبهة الانفصال بما

ص: 218

افاده المحقق الخراساني قدس من احتمال الفصل بالانتقاض باليقين لا يجري الاستصحاب في هذا الفرض أيضا لا في مجهوله ولا في معلومه ( واما ) بناء على تقريرها بما ذكرناه من اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب فيمكن التفصيل بينهما بجريان الاستصحاب في معلومه دون مجهوله لعدم الاتصال فيه.

( التنبيه العاشر )

يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما تكليفيا كان أم وضعيا ذا اثر عملي حين الاستصحاب ولو بوسائط عديدة كوجوب قضاء الفريضة باستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به ( واما ) مالا يقتضى عملا بالفعل ، كالخارج عن ابتلاء المكلف رأسا ولو بلحاظ اثره ، والحكم التعليقي قبل حصول المعلق عليه ، فلا يجرى فيه الاستصحاب لعدم كفاية مجرد شرعية الأثر بلا انتهائه إلى ترتب اثر عملي في جريانه ، واعتبار هذا الشرط على ما اخترناه من رجوع لا تنقض إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة المتيقن من حيث الجري العملي ظاهر ، فإنه بدونه يمتنع التعبد للغويته ( واما بناء ) على القول برجوعه إلى جعل المماثل أو الأثر فمن جهة ظهور اخبار الباب صرفا أو انصرافا بمقتضى ورودها في مقام بيان الوظيفة الفعلية العملية للشاك والجاهل المتحير في وظيفته في الاختصاص بمورد يترتب عليه اثر عملي حين توجيه الخطاب بحرمة النقض إلى المكلف وهذا مما لا اشكال فيه ، كما لا اشكال في لزوم كون الأثر من لوازم نفس الواقع أو الواقع المعلوم من حيث طريقيته لامن حيث نوريته في نفسه ، والا فلو كان الأثر من لوازم الواقع المعلوم من حيث كونه نورا في نفسه وصفة خاصة قائمة بالنفس ، فلا مجال للاستصحاب ووجهه واضح ( كما أن ) الامر كذلك لو كان المأخوذ في موضوع الأثر عدم استتاره ، كما لعله من هذا القبيل باب الشهادة ، لوضوح ان الاستصحاب انما يجري ويحرز الموضوع في ظرف الشك

ص: 219

بالواقع واستتاره ، فلا يمكن ان يكون رافعا لاستتاره ( وبهذه ) الجهة يمتاز الاستصحاب بناء على اخذه من الاخبار عن الامارة ، فان الامارة بمقتضى لسان دليل اعتبارها الدال على تتميم كشفها ترفع ستره الواقع ، بخلاف الاستصحاب فإنه باعتبار اخذ الشك في موضوعه يمتنع ان يكون رافعا لسترة الواقع ، لامتناع ان يكون الحكم رافعا لموضوعه ، وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة عليه لكونها رافعة للشك المأخوذ في موضوعه ( وحينئذ ) فلابد من ملاحظة كبريات الآثار الواقعية في أنها ثبتت باي كيفية ، والا فبعد الفراغ عن احراز كيفية ثبوتها لا اشكال في جريان الاستصحاب على بعض التقادير وعدم جريانه على بعض التقادير الاخر حسب ما عرفت من التفصيل.

التنبيه الحادي عشر

لا فرق في الاستصحاب بين ان يكون المستصحب من الموضوعات الخارجية ، أو اللغوية ، أو الأحكام الشرعية ، أصولية أم فرعية ، وبين ان يكون من الأمور الاعتقادية التي كان المطلوب فيها عمل الجوانح من نحو التسليم والانقياد والاعتقاد بمعنى عقد القلب على نبوة نبي أو امامة امام ، فيجري فيها الاستصحاب موضوعا وحكما في فرض تحقق أركانه ( فلو شك ) في نبوة شخص أو إمامته بعد اليقين بثبوتهما له سابقا يجري فيهما الاستصحاب ويترتب على استصحابهما الآثار المزبورة من لزوم الانقياد وعقد القلب بناء على كونها من آثار البنوة الواقعية لا من آثار النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ( والا ) فلا مجال للاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق كما تقدم في التنبيه السابق ( من غير فرق ) في ذلك بين ان تكون النبوة وكذا الإمامة من المناصب الجعلية الأهلية ، أو من الأمور الواقعية الناشئة من كمال نفسه الشريفة وبلوغها إلى مرتبة عالية التي بها صار سببا متصلا بين الخالق والمخلوق وواسطة في ابلاغ الأحكام الإلهية ( فإنه ) على كل تقدير

ص: 220

يمكن تصور الشك فيهما ، لامكان تطرق الشك في النبوة أو الإمامة عقلا على فرض الجعلية ، لاحتمال كونهما محدودة في الواقع إلى وقت خاص ، وعلى فرض الواقعية ، لاحتمال الانحطاط عن الرتبة ، أو لوجود من هو أكمل من السابق ( وحينئذ ) فمتى فرضنا ترتب اثر عملي من الأعمال الخارجية أو الجوانحية من مثل عقد القلب ونحوه على واقع النبوة أو الإمامة القابل لترتيبه بالاستصحاب يجري فيهما الاستصحاب ويترتب عليهما الأثر ، وان قلنا بأنهما من الأمور التكوينية الناشئة من كمال النفس ومتى لم يكن اثر عملي لواقع النبوة أو الإمامة بان كانت الآثار المزبورة من لوازم النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ، لا مجال لجريان الاستصحاب فيها ، وان قلنا بأنها من المناصب المجعولة ، لان مجرد جعليتها لا يجدي في صحة الاستصحاب ما لم يترتب عليها اثر عملي ( هذا ) ولكن من البعيد جدا كون تلك الآثار من لوازم النبوة المعلومة ، إذ لم يساعده الدليل ولا الاعتبار ، بل الظاهر كونها آثارا لنفس النبوة الواقعية الثابتة في ظرف العلم والجهل بها ، لأنها من مراتب شكر المنعم ووسائط النعم الحاكم به العقل السليم والذوق المستقيم ، ولازمه بعد الفحص واليأس امكان ترتبها ببركة الامارة أو الأصل المنقح لموضوعها ، لولا دعوى عدم تمشي التسليم والانقياد الحقيقي لنبي أو امام مع التزلزل في نبوته أو إمامته ، وان أمكن دفعه بان مالا يتمشى مع الشك انما هو التسليم والانقياد الجزمي ، واما التسليم والانقياد له بعنوان كونه نبيا أو إماما ظاهرا بمقتضى الامارة أو الأصل المنقح فلا بأس به.

( ولكن ) الذي يسهل الخطب انتفاء الشك الذي هو ركن الاستصحاب في نحو هذه الاستصحابات ، فان المسلم المتدين بالاسلام لا يكون شاكا في بقاء نبوة عيسى (عليه السلام) ، بل هو بمقتضى تدينه قاطع بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ نبينا صلی اللّه علیه و آله ( كيف ) ولا طريق له إلى اليقين بنبوة عيسى (عليه السلام) ولو في سالف الزمان الا القرآن واخبار نبينا صلی اللّه علیه و آله ، والا فمع قطع النظر عن ذلك لا يقين له بأصل نبوته بمحض تدين جماعة بدينه ، ومن المعلوم ان القرآن وكذا نبينا صلی اللّه علیه و آله كما أخبرا عن

ص: 221

نبوته سابقا ، كذلك أخبرا باختتام نبوته ونسخ شريعته ، ومعه ( كيف ) يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق ، الشك في بقاء نبوة النبي السابق وبقاء شريعته كي ينتهى المجال إلى الاستصحاب ، كما أن المتدين بدين النصارى والمتثبت فيه قاطع ببقاء شريعة عيسى (عليه السلام) ( نعم ) قد يتصور الشك في البقاء بالنسبة إلى بعض النصارى ممن اطلع على مزايا الاسلام على ساير الأديان ، فان مثله ربما يشك في نبوة نبينا صلی اللّه علیه و آله ، فيشك في بقاء نبوة نبي السابق وشريعته ( ولكن ) الاخذ بالاستصحاب لمثل هذا الشاك في الشريعتين لو يجدى فإنما هو فيما يرجع إلى عمل نفسه ، ولا ينفع في الزامه المتدين بدين الاسلام ( لان ) الاستصحاب وظيفة عملية للشاك والمتحير ، ولا شك للمسلم في بقاء نبوة السابق لكونه قاطعا بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ النبي اللاحق ، ولا حجة للجاهل على العالم ( كما أن ) صحة اخذه بالاستصحاب ولو في عمل نفسه انما هو في فرض علمه بحجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا حينئذ اما ببقاء السابق واقعا أو بكونه محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب ( والا ) فعلى فرض عدم علمه بحجيته الا في الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة ، فلا يجديه الاستصحاب ولو لعمل شخص نفسه ، لان علمه بحجية على الأول دوري ، وعلى الثاني غير مجد لمكان جزمه بمخالفة الاستصحاب حينئذ للواقع بلحاظ ملازمة حجيته في الشريعة اللاحقة لنسخ الشريعة السابقة ، فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة اما واقعا أو استصحابا كما هو واضح.

( وبما ذكرنا ) ظهر ان تمسك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد المتبحر السيد باقر القزويني في بلدة ذي الكفل ان كان لأجل اقناع نفسه في عمله بالشريعة السابقة فما ارتكب في دعواه شططا ، واما ان كان ذلك لأجل الزامه المسلمين على التدين بدين النصرانية ، ففساده غنى عن البيان ، لما عرفت من أنهم وان كانوا مذعنين بنبوة عيسى (عليه السلام) حسب اخبار نبينا الصادق الأمين صلی اللّه علیه و آله بذلك وتصديقهم إياه في كل ما قال ، الا انهم عالمون بانقطاع نبوته ونسخ شريعته فلا شك لهم في ذلك

ص: 222

كي ينتهى المجال إلى الزامهم بالالتزام بالشريعة السابقة بمقتضى الاستصحاب المعلوم حجيته لديهم ، ( وان كان ) لا هذا ولا ذاك ، بل لأجل الزام المسلمين على إقامة الدليل على مدعاهم من الدين الجديد ، فله وجه وجيه ، الا ان مدعى بقاء الدين السابق أيضا يحتاج إلى إقامة الدليل على بقائه ، ولا يكفيه الاخذ بالاستصحاب الذي هو الوظيفة الفعلية العملية للمتحير الشاك في اثبات البقاء ، ولكن هذا المعنى خلاف ما هو المحكى عنه من قوله فعليكم كذا وكذا ، فإنه ظاهر بل صريح في أن غرضه الزام المسلمين على الاخذ بالدين السابق بالاستصحاب بمقتضى يقينهم السابق بنبوة عيسى (عليه السلام) ، ولذا أفاد السيد الجليل في جوابه في مجلس المناظرة بما هو مضمون ما ذكره الرضا (عليه السلام) في جواب جاثليق من انا نعترف بنبوة كل موسى وعيسى الخ ، وعليه عرفت ما فيه من أن الاستصحاب وظيفة عملية للشاك في البقاء والارتفاع لا للمتيقن بالارتفاع ، واليه يرجع ما افاده السيد قدس سره من الجواب في مجلس المناظرة من انا نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا صلی اللّه علیه و آله ، فكان الغرض من هذا الجواب بيان ان علمنا بنبوة الشخص الخارجي المسمى بموسى أو عيسى (عليه السلام) لا يلزمنا البقاء على شريعتهما ، لأنا كما نقطع بنبوتهما سابقا كذلك نقطع بنسخ شريعتهما ، بل وباعترافهما بنبوة نبينا صلی اللّه علیه و آله حسب تصديقنا النبوة للنبي الجديد صلی اللّه علیه و آله وتصديقنا إياه في كل ما قال الذي منها اخباره باخبارهما بمجئ نبي بعدهما اسمه احمد ، بل ووجوب البشارة عليهما لا متهما بمجئ نبينا صلی اللّه علیه و آله ، فكان المقصود من ذكر القيد اخذه معرفا للشخص الخارجي المسمى بموسى وعيسى كسائر معرفاته من كونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك ، لا ان المقصود اخذه منوعا قد جيئ به تضييقا لدائرة الكلى كي يتوجه عليه الاشكال بان موسى أو عيسى موجود واحد جزئي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته ( ومن الواضح ) ان اعتراف المسلمين بنبوة هذا الشخص المبشر لا يكاد يضرهم ولا ينفع الكتابي أيضا فتدبر فيه فإنه ظاهر واضح.

ص: 223

التنبيه الثاني عشر

إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الزماني وخرج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة فشك في أن خروجه عنه في تمام الأزمنة أو في بعضها ، فهل المرجع بعد انقضاء الأمد المتيقن خروجه عنه هو عموم العام كما عن بعض ، أو استصحاب حكم المخصص كما عن بعض آخر ، وجهان ( وقد ) عد من ذلك قوله سبحانه أوفوا بالعقود باعتبار أدلة الخيارات كخيار الغبن ونحوه إذا شك في أنه للفور أو التراخي ( وتنقيح ) الكلام فيه يستدعى تقديم أمور.

( الامر الأول ) ان الزمان في دليل العام اما ان يكون قيدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون ظرفا لهما ( وعلى الأول ) تارة يكون مجموع آنات الزمان لوحظ على وجه الارتباطية قيدا واحدا ، نظير العام المجموعي بحيث لو خلا آن واحد عن وجود الموضوع أو الحكم لا ارتفع الموضوع والحكم من أصله ، كما لعله من هذا القبيل باب الصوم من حيث إن حقيقة الصوم المأمور به هو الامساك المتقيد بكونه في مجموع آنات النهار من طلوع الفجر إلى الغروب من حيث المجموع بنحو يتحقق العصيان وينتفى المأمور به بخلو آن من آنات النهار عن الامساك تعمدا ( وانما قلنا ) ان منه باب الصوم احتمالا لا جزما ، لقوة احتمال عدم كونه من باب التقييد بالزمان ( بل من باب ) كونه عبارة عن مرتبة خاصة من الامساك المحدود بالحدين أوله بما يقارن الفجر وآخره بما يقارن الغروب بنحو يكون الفجر والغروب معينين للحدين وكاشفين عنها بنحو كشف اللازم عن الملزوم وكان النهار من أوله إلى آخره ملازما لتلك المرتبة من الامساك الخاص ، لا انه اخذ قيدا فيه ( وعلى كل حال ) فعلى القيدية ، اما ان يكون مجموع الأزمنة من حيث المجموع على نحو الارتباطية لوحظ قيدا

ص: 224

واحدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون لوحظ كل آن من آنات الزمان قيدا مستقلا بنحو يتكثر الموضوع أو الحكم بتكثر آنات الزمان ويصير الموضوع الوحداني الخارجي باعتبار تكثر الآنات موضوعات متعددة يتبعها احكام عديدة نظير العام الأصولي كما لو ورد في الخطاب يجب اكرام زيد في كل زمان ، أو ان اكرام زيد واجب في كل زمان ، فان تقسيم العام إلى المجموعي والأصولي كما يجري في العموم الافرادي ، كذلك يجري في العموم الازماني ، غير أن الارتباط والاستقلال في العموم الافرادي يلاحظان بالنسبة إلى الافراد ، وفي العموم الزماني يلاحظان بالنسبة إلى اجزاء الزمان وآناته ، ومن غير فرق بين سعة دائرة الزمان بكونها ما دام العمر ، أو محدودة بالسنة أو الشهر أو اليوم ( والفرق ) بين هذين القسمين انما هو من حيث وحدة الإطاعة والمعصية وتعددهما التابع لوحدة التكليف والموضوع وتعدده.

( وعلى الثاني ) وهو الظرفية للموضوع أو الحكم ( فتارة ) يكون مفاد العام اثبات حكم شخص مستمر وحداني لكل فرد من افراد موضوعه المستمر على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا بحيث لو انقطع هذا الشخص لم يكن الخطاب متكفلا لحكم آخر لشخص موضوعه ( وأخرى ) يكون مفاده اثبات حكم سنخي لذات كل فرد بما هي سارية في جميع الحالات والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب القطعات المتصورة للفرد الشخصي بحسب الأحوال والأزمان إلى احكام متعددة ثابتة لكل قطعة من القطعات الموجودة للفرد الشخصي المستمر ، ومن غير نظر في تكفله لثبوت ذلك الحكم السنخي لذات كل فرد إلى كل زمان ليكون قطعات الزمان افرادا مستقلة للعام كما يقتضيه فرض اخذ الزمان قيدا للموضوع أو الحكم ( وثالثة ) يكون مفاد العام اثبات حكم سنخي لطبيعة الموضوع القابل للانطباق على كل فرد على وجه الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان مع فرض كون الزمان في جميع هذه الفروض ظرفا بحيث لو اخذ في لسان الدليل كان لمحض الإشارة إلى أمد استمرار الحكم أو موضوعه.

( ومن نتائج ) هذه الفروض انه على الأول لو ورد دليل على نفي الحكم عن فرد في زمان معين فشك في ثبوت الحكم له بعد زمان التخصيص ، لا مجال للتشبث بدليل

ص: 225

العموم لاثبات حكمه بعد زمان التخصيص ( بل لابد ) حينئذ من التماس دليل آخر ( والا ) فالدليل الأول لم يتكفل الا لاثبات حكم شخصي مستمر زمانا لموضوع شخصي مستمر ومثله انقطع بالدليل المخرج ( بخلاف ) الأخيرين ، فان الدليل الأول بلحاظ تكفله لاثبات الحكم الشخصي القابل للانحلال لذات الفرد أو الطبيعي الجامع على نحو الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان يكون مثبتا لحكم هذا الفرد فيما بعد زمان التخصيص ، ومن هذه الجهة لا قصور في التشبث به لثبوت حكمه بعد التقطيع ( من غير فرق ) بين ان يكون التقطيع من الوسط أو من الأول ( والسر في ذلك ) هو ان ما يقتضيه نفس دليل الحكم انما هو ثبوت الحكم لذات الفرد أو الطبيعي في الجملة بحيث لو شك فيه بالنسبة إلى بعض الأحوال أو الأزمان يرجع فيه إلى الأصول العملية ( واما ) ثبوته له مستمرا إلى الأبد وفى جميع الأحوال فإنما هو بمقتضي اطلاق دليله ، وبذلك يستكشف من الدليل المخصص المزبور المخرج للزمان ، تحديده من الأول إلى الزمان الخاص ، فيكون الدليل المخصص في الحقيقة محددا له إلى زمان خاص ، لا انه مخصص ومخرج للفرد عن حكم العام ، والا يلزم عدم ثبوت حكم العام من الأول لمثل هذا الفرد ، وليس كذلك بل العام باق على عمومه حتى بالنسبة إلى هذا الفرد ( غاية الامر ) يرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة إلى بعض الأزمنة ويؤخذ باطلاقه فيما عداه ، إذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة إلى غير هذا الزمان ، لان المطلق لا يخرج عن الحجية بمجرد ورود تقييد على بعض جهاته ( وبهذه ) الجهة نفرق في الفرض الأول بين منقطع الوسط ومنقطع الأول والأخير ، حيث نقول بمرجعية العام باطلاقه المتكفل لشخص الحكم في الأخيرين بلحاظ عدم خروج الحكم الشخصي الثابت للفرد بعد التقطيع المزبور بالنسبة إلى غير زمان المخرج عن الوحدة والشخصية ( بخلاف ) التقطيع من الوسط فإنه من المستحيل بقاء الحكم المزبور على وحدته مع تخلل العدم بينهما ( فلو ) ثبت له حكم بعد الزمان المخرج ، يلزم تكفل دليل العام لاثبات الحكمين ، والمفروض عدم تكفله الا لاثبات حكم وحداني شخصي كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) لا اشكال في أن اعتبار العموم الزماني بنحو القيدية أو

ص: 226

الظرفية لنفس الحكم أو لمتعلقه لابد وأن يكون بقيام الدليل عليه ، والدليل المتكفل لذلك ( كما أنه ) قد يكون هو الدليل الخارجي ( كذلك ) قد يكون نفس الدليل المتكفل للحكم ( فإنه ) يمكن ان يكون هو المتكفل للعموم الزماني بالنصوصية أو بقضية اطلاقه ( من غير فرق ) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم الزمان متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف كقوله يجب اكرام العالم في كل زمان أو دائما ومستمرا إلى الأبد ، وبين ان يكون مصبه نفس الحكم من الوجوب أو الحرمة كقوله يجب مستمرا أو في كل زمان اكرام العالم ، أو ان اكرام العالم واجب في كل آن ، أو واجب بوجوب مستمر في كل زمان مع إقامة القرينة الحافة بكلامه على وجه يصير ظاهرا في رجوع القيد إلى نفس الحكم دون متعلقه ( فعلى كل تقدير ) يمكن ان يتكفل اعتباره نفس دليل الحكم بلا احتياج إلى التماس دليل آخر منفصل كما هو ظاهر.

( ولكن ) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس سره على ما في التقرير عدم امكان تكفل نفس دليل الحكم لبيان التقييد إذا كان مصب العموم الزماني نفس الحكم ( بتقريب ) ان استمرار الحكم ودوام وجوده انما هو فرع أصل ثبوته ووجوده ، فنسبة الحكم إلى عموم أزمنة وجوده نسبة الحكم والموضوع ، والعرض والمعروض ، إذ العموم الزماني كان واردا على الحكم وواقعا فوق دائرته فلا يمكن ان يكون الدليل المثبت لأصل ثبوت الحكم متكفلا لبيان أزمنة وجوده ( بل لابد ) من التماس دليل آخر منفصل يكون هو المتكفل لبيانه ( بخلاف ) ما لو كان مصب العموم المزبور متعلق الحكم ، فإنه يمكن ان يكون المتكفل لبيانه نفس دليل الحكم ، لان العموم الزماني حينئذ كان تحت دائرة الحكم وكان الحكم واردا عليه كوروده على المتعلق ، فلو شك حينئذ في أصل التخصيص أو في مقداره يجوز التمسك بعموم العام الازماني في فرض كون مصب العموم هو المتعلق ، بخلاف فرض كون مصبه نفس الحكم ، فإنه لا يجوز التمسك بدليل الحكم لعدم امكان تكفله لأزمنة وجوده ، ولا بما دل على عموم أزمنة وجوده ، بلحاظ ان الشك في أصل التخصيص الزماني ، أو في مقداره مستتبع للشك في وجود الحكم ( وحيث ) ان وجود الحكم بمنزلة الموضوع للعموم الزماني ، فلا يمكن تكفل

ص: 227

العموم الزماني لوجود الحكم مع الشك فيه ، لأنه يكون بمنزلة اثبات الموضوع بالحكم انتهى ملخص مرامه بطوله.

( وفيه ) ان استمرار كل شيء ودوامه موضوعا كان أو حكما ليس الا عبارة عن سعة دائرة وجوده في أزمنة بعد حدوثه فعنوان البقاء وان كان بمنشأ انتزاعه متأخرا عن الحدوث ، ولكنه ليس من قبيل تأخر المعلول عن علته والحكم عن موضوعه والعرض عن معروضه بنحو موجب لتخلل فاء بينهما الكاشف عن اخلاف مرتبتهما ، بل تأخره عن الحدوث انما كان ذاتا لا مرتبة ، لوضوح انه انما ينتزع عن وجود الشيء في ثاني زمان حدوثه وثالثه ، والا فالباقي عين الحادث وجودا ومرتبة ( وحينئذ ) فإذا كان ذلك شأن الحدوث والبقاء ( نقول ) ان كل مورد يكون مصب العموم الزماني نفس الحكم لابد من جعل الحكم الذي هو مصب هذا العموم مهملة عن هذا القيد ليكون العموم واردا عليه ، كما هو شأن كل موضوع بالنسبة إلى المحمول الوارد عليه ( وحينئذ ) فكلمة يجب في قوله يجب اكرام كل عالم مستمرا انما تدل على ثبوت هذا الحكم المهمل من حيث القيد المزبور لكل فرد ، ويكون الدوام والاستمرار من عوارض هذه الطبيعة المهملة.

( واما ) استفادة العموم الزماني فإنما هو من استمرار وجود هذه الطبيعة المهملة من هذه الجهة في الأزمنة المتمادية لا من نفسها ، لأنها ليست الا المعنى المهمل من هذه الجهة ، فلا يمكن استفادة العموم الزماني منها ( بل لا فرق ) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم الزماني نفس الحكم أو المتعلق ( فإنه ) على كل تقدير لابد من تجريد مصبه حكما كان أو موضوعا من هذه الجهة ، ( ومعه ) يكون استفادة العموم الزماني ممحضا بما دل على استمرار وجوده في أزمنة بعد حدوثه ، لا من نفس ما طرء عليه العموم ( وعليه ) فالتفصيل بين كون مصب العموم الزماني هو المتعلق وبين كونه نفس الحكم في امكان تكفل دليل الحكم لبيان العموم الزماني في الأول وعدم امكانه في الثاني واحتياجه إلى دليل منفصل عنه ( منظور فيه ) لما عرفت من احتياج كل منهما في استفادة العموم الزماني إلى ما دل على استمرار وجوده زائدا عما دل على ما طرء

ص: 228

عليه العموم ( وبما ذكرنا ) انقدح عدم تمامية ما أفيد من التفريع على التفصيل المزبور أيضا من مرجعية أصالة العموم عند الشك في أصل التخصيص أو مقداره في فرض كون مصب العموم الزماني هو المتعلق ، وعدم مرجعية العموم ولزوم الرجوع إلى استصحاب حكم العام عند الشك في التخصيص ، واستصحاب حكم المخصص في فرض كون مصبه نفس الحكم ( إذ نقول ) ان العموم وان كان من قبيل المحمول بالنسبة إلى الحكم ، الا ان دليل الحكم بعد ما لم يكن متكفلا الا للطبيعة المهملة لا الطبيعة السارية في الأزمنة المتمادية ، بل كان المتكفل لحيث الاستمرار الحاكي عن انبساط وجود الحكم في جميع الأزمنة ، غير الدليل المتكفل لأصل ثبوته ، فلا جرم عند الشك في انقطاع هذا الاستمرار يكون المرجع هو الدليل المتكفل لعمومه الزماني بلا احتياج إلى دليل منفصل ( ومعه ) لا يكاد رجوع الشك فيه إلى الشك في أصل وجود الحكم المهمل لان وجوده انما كان محرزا بدليله ، وانما الشك في سعة وجود الحكم من جهة الزمان ( ولا ملازمة ) بين الشك في استمرار الحكم وعمومه ، وبين الشك في أصل وجوده ( وان شئت ) مزيد بيان لذلك فاستوضح بالمثال المعروف من أوفوا بالعقود في ما لو شك في وجوب الوفاء في زمان بعقد من العقود ( فإنه ) بعد أن كان له عموم افرادي متكفل لثبوت الحكم لكل فرد من العقود بنحو الاجمال ، وعموم زماني متكفل لسريان الحكم الثابت لكل فرد في جميع الأزمنة ، وكان عمومه الازماني تابعا للعموم الافرادي لكونه واردا عليه ورود الحكم على موضوعه ، بحيث لو لم يكن له عموم افرادي يقتضى ثبوت وجوب الوفاء لكل عقد لا يتصور له عموم أزماني ( فتارة يكون الشك في حكم فرد من العقود من جهة احتمال التخصيص في عمومه الافرادي بنحو يوجب خروج الفرد عن حكم العام ( وأخرى ) يكون الشك في سعة وجود الحكم الثابت لكل فرد واستمراره في الأزمنة المتمادية ( فان كان ) الشك من الجهة الأولى ، فلا شبهة في أن الرافع لهذا الشك لا يكون الا ما يقتضي عمومه الافرادي ، والا فدليل العموم الازماني غير متكفل لرفع هذا الشك ، لما عرفت من أن العموم الازماني وارد عليه ورود الحكم على موضوعه ، فعلى فرض هذا التخصيص يكون

ص: 229

الفرد المزبور خارجا من أصل الحكم فلا يتحقق موضوع للعموم الازماني بالنسبة إليه ( وان كان ) الشك من الجهة الثانية فالرافع لهذا الشك انما يكون هو الدليل المثبت لعمومه الازماني بلا حاجة إلى التماس دليل آخر منفصل ( ولا مجال ) حينئذ لدعوى استتباع الشك في العموم الزماني بالنسبة إلى هذا الفرد للشك في أصل ثبوت حكم العام لهذا الفرد ( لان ) الشك في الاستمرار والعموم الزماني فرع دخوله في العموم الافرادي ، فكان هذا التخصيص كتعميمه فرع عمومه الافرادي ( ففي المثال ) المزبور لو خرج فرد من العقود عن الحكم في زمان وشك في أن خروجه للتالي أو في بعض الأزمنة ، فمقتضى تبعية العموم الازماني للعموم الا فرادى وان كان لا مجال بدوا للعموم الازماني ( ولكن ) بعد أن كان العموم الافرادي مثبتا للحكم بالنسبة إلى هذا الفرد ، يرجع فيه إلى عمومه الازماني المثبت لاستمرار حكمه في بقية الأزمنة ، ومعه لا يكاد انتهاء الامر إلى استصحاب حكم المخصص كما هو واضح.

( الامر الثالث ) كل ما ذكرنا من الشقوق في دليل العام يجري في دليل المخصص ، ففيه أيضا تارة يكون الزمان مأخوذا في دليله قيدا للموضوع أو الحكم على نحو المفردية بنحو يقتضى تكثر الحكم والموضوع حسب تكثر الأزمنة ، كقوله : لا تكرم زيدا في كل يوم أو زمان بعد قوله : أكرم العلماء في كل يوم أو زمان ، ( وأخرى ) على وجه الظرفية للموضوع أو الحكم بنحو موجب لاثبات حكم مستمر لموضوعه المستمر ، ( وكونه ) على الثاني تارة في مقام اثبات حكم شخصي تبع استمرار موضوعه ( وأخرى ) اثبات حكم سنخي لذات موضوعة المطلق بما هي سارية في جميع الأحوال والأزمان كما هو الشأن في كل مطلق متكفل لاثبات الحكم للطبيعة المطلقة السارية في جميع الأحوال والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب قطعات موضوعه الساري في اجزاء الزمان ، مع كون مفاد دليله ، تارة نقيضا لحكم العام ، وضدا له أخرى ( وحيث ) اتضح هذه الجهات ( نقول ) : ان الدليل المتكفل للعموم الزماني قسمان ( قسم ) يكون الزمان فيه ملحوظا على وجه العموم بحيث يكون كل فرد من افراده بالنسبة إلى كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا مستقلا لحكم

ص: 230

مستقل على وجه لو خرج فرد في قطعة من الزمان عن حكم العام كان العام المزبور وافيا لاثبات حكمه في بقية القطعات ، نظير العموم الافرادي ( وقسم ) منه يكون الزمان ملحوظا فيه على وجه الاستمرار والدوام بالنظر الوحداني ( فمن الأول ) ما لو كان العموم بلسان كل يوم أو كل زمان كقوله : أكرم العلماء في كل يوم أو زمان ( ومن الثاني ) ما لو كان بلسان الدوام والاستمرار كقوله : أكرم العلماء دائما أو مستمرا أو ما يفيد ذلك ( اما القسم الأول ) فلا شبهة في أنه إذا خصص بعض افراد هذا العام في بعض الأزمنة وشك في خروجه للتالي يكون المرجع فيه بالنسبة إلى الأزمنة المشكوكة هو العموم الزماني ، كمرجعية العموم الافرادي فيما لو شك في أصل التخصيص الفردي ، أو في زيادة التخصيص ( من غير فرق ) بين أن يكون الزمان ملحوظا في دليله على وجه القيدية والمفردية للموضوع أو الحكم ، وبين أن يكون ملحوظا فيها على وجه الظرفية ( إذ لا ملازمة ) بين تكثر الحكم والموضوع حينئذ ، وبين قيدية الزمان ومفرديته ، لامكان تعدد الحكم والموضوع حينئذ ولو مع لحاظ الزمان على وجه الظرفية ، بان يكون المشخص لكل فرد من الاكرامات المتصورة في قطعات الزمان أمرا آخرا ملازما مع قطعات الزمان ، فلا يكون تعدد الموضوع والحكم دائرا مدار القيدية كما لا يكون وحدتهما دائرة مدار الظرفية ( ومن غير فرق ) بين أن يكون الزمان مأخوذا في دليل المخصص على نحو القيدية أو على نحو الظرفية ( ولا بين ) أن يكون الخروج من وسط الأزمنة أو من أولها أو آخرها ، فان المرجع على كل تقدير عند الشك في غير مورد دلالة المخصص على الخروج هو العموم الأزماني المتكفل لنحو ثبوت الحكم في كل قطعة من قطعات الزماني ، لبقائه على حجيته في غير ما دل عليه المخصص ، كان استفادة مثل هذا العموم من العموم اللغوي ، أو من قضية الاطلاق المنزل عليه بدليل الحكمة ، ومعه لا ينتهى المجال إلى جريان الاستصحاب مع وجود العموم الذي هو من الأدلة الاجتهادية ، لا في طرف المخصص ، ولا في طرف العام ( بل في بعض ) هذه الفروض لا مورد لجريان الاستصحاب ولو مع قطع النظر عن وجود هذا العام لكونه من اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل في مثله يكون المرجع استصحاب عدم ثبوت حكم

ص: 231

العام له في القطعات المشكوكة من الزمان بلحاظ سبق وجوب كل قطعة بالعدم الأزلي ، الا في فرض اخذ الزمان في طرف المخصص ظرفا محضا ، فإنه حينئذ لولا وجود العام أمكن المجال لاستصحاب حكم المخصص ( ومثل ) هذا العموم الزماني ، ما إذا كان هناك مطلق متكفل لاثبات الحكم للطبيعة المطلقة بما هي سارية في جميع الأحوال وجميع قطعات الزمان ، بلا نظر منه في سريان الطبيعي بحسب الحالات والأزمان إلى كون قطعات الأزمنة قيدا ، فإنه لو قيد مثل هذا الاطلاق بخروج فرد منه في بعض الأحوال أو الأزمان فشك في خروجه ، للتالي ، كان مثل هذا المطلق كالعموم الزماني وافيا لاثبات حكمه في بقية الحالات والأزمان ، اقتصارا ، في تقييده بقدر ما يقتضيه الدليل الدال عليه ، ولو مع الجزم بظرفية الزمان فيه كما هو الشأن في سائر المطلقات ( ومن هنا ) نقول في المطلقات الواردة لاثبات القصر في السفر انه لو خرج المسافر المقيم عن بلد الإقامة أو ما بحكمه كالثلثين مترددا بعد قطع حكم سفره بالإقامة ( لا يحتاج ) في وجوب القصر عليه إلى انشاء سفر جديد ، بل يكفيه مثل هذه المطلقات في وجوب القصر عليه ، لولا دعوى اقتضاء اطلاق التنزيل لاجراء جميع آثار الوطن الحقيقي على اقامته في محل حتى قصد المسافة الجديدة ، وان كان مثل هذا الدعوى لا يخلو عن اشكال لمكان عدم كون مثل هذه الجهة من الآثار الشرعية للوطن الحقيقي كي يكون التنزيل ناظرا إليه ، وانما هي من جهة اقتضاء طبع الوطن لتقطيع أصل السفر عند مروره إليه ، مع اختصاص مثل هذا التنزيل بالإقامة عشرا في محل وعدم شموله لمثل الثلثين مترددا ونحوه ( ولكن ) المسألة فقهية تنقيحها موكول إلى محل آخر ( والمقصود ) في المقام بيان وفاء هذا النحو من المطلقات كالعموم الزماني لتكفل اثبات الحكم لما بعد زمان الخارج من الأزمنة المتأخرة ولو مع الجزم بظرفية الزمان وانه مع وجوده لا ينتهى الامر إلى الاستصحاب ( واما القسم الثاني ) وهو ما كان الزمان ملحوظا في العموم الأزماني على وجه الاستمرار والدوام كقوله : أكرم العلماء دائما أو مستمرا ، فان كان العنوان المزبور ملحوظا في الموضوع أو المتعلق على نحو القيدية أو الظرفية وكان العام ناظرا إلى اثبات حكم سنخي لذات موضوعه المستمر

ص: 232

في أجزاء الزمان على نحو قابل للتكثر تحليلا ، فلا إشكال أيضا في أن المرجع عند الشك هو عموم هذا العام دون الاستصحاب ، من غير فرق بين أن يكون التقطيع من الأول أو الوسط. فان الموضوع حينئذ وان كان واحدا شخصيا مستمرا إلا أن وحدته الشخصية لا ينافي تعدد الحكم المتعلق به تحليلا باعتبار قطعات وجوده التحليلي بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، بل يكفي مجرد قابليته لذلك في حمل الدليل المتكفل لحكم العام على بيان سنخ الحكم الا شخصه الآبي عن التعدد ولو تحليلا « وحينئذ » فإذا خرج بعض أفراد هذا العام عن الحكم في زمان وشك في أن خروجه في جميع الأزمنة أو في بعضها ، فلا قصور في مرجعية العموم المزبور بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين بخروجه ، لوقائه حينئذ في التكفل لحكم الفرد الخارج في زمان ، في الأزمنة المتأخرة ، ومعه لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب لا في مفاد العام ، ولا في مفاد المخصص.

( نعم ) لو كان دليل العام في تكفله لاثبات الحكم لكل فرد ناظرا إلى حيث وحدة الحكم وشخصيته بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، كان للمنع عن الرجوع إلى العام كمال مجال ، لارتفاع ما تكفله دليل العام من الحكم الشخصي المستمر بالتقطيع في بعض الأزمنة وعدم تكفله أيضا لاثبات حكم آخر له بعد التقطيع المزبور ( إذ حينئذ ) لا محيص من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص ، لا إلى عموم العام ، بل ولا إلى استصحاب مفاده ، للقطع بعدم امكان بقائه على وحدته الشخصية بعد انقطاعه وتخلل العدم في البين ( ولكن ) ذلك في فرض كون التقطيع من الوسط ( والا ) ففي فرض كونه من الأول أو الآخر لا قصور في مرجعية دليل العام كما ذكرناه ( وبما ذكرنا ) يظهر الحال فيما لو كان العموم الزماني بنحو الدوام والاستمرار مأخوذا في الحكم لا في الموضوع أو المتعلق ، فإنه يأتي فيه أيضا ما ذكرناه من التشقيق في الدليل المتكفل لثبوته ، من حيث كون النظر فيه ، تارة إلى حيث وحدته واستمراره على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، وأخرى إلى صرف ثبوت الحكم الشخصي لذات موضوعه بما هي سارية في جميع الأحوال والآنات بلا نظر منه في اثباته إلى حيث وحدته الشخصية

ص: 233

ولا إلى خصوصية استمراره إلى أمد مخصوص ، بل تمام النظر في قوله دائما أو مستمرا إلى بيان إطلاقه في نحو ثبوته لذات موضوعه الساري في جميع الآنات والأحوال ( فعلى الأول ) يكون المرجع عند الشك هو الاستصحاب في مفاد المخصص في فرض كون الزمان ظرفا بالنسبة إليه لا قيدا مكثرا ، ولا مجال للتشبث بدليل العام ، بل ولا باستصحابه ولو مع عدم جريان استصحاب الخاص ( وعلى الثاني ) يكون المرجع في غير مورد دلالة الخاص هو دليل العام ، نظرا إلى وفائه لاثبات حكم الفرد الخارج في زمان في الآنات المتأخرة ( ومعه ) لا يكاد انتهاء الامر إلى الاستصحاب لا في مفاد العام ولا في مفاد الخاص كما هو ظاهر ( ولكن ) مرجع ذلك في الحقيقة إلى التمسك بقضية الاطلاق الناشئ من تعليق الحكم على طبيعة موضوعه من حيث هي السارية في جميع الأزمنة والأحوال ، فالعموم الزماني كان مستفادا من هذا الاطلاق لا من جهة أخذ الزمان ولو بنحو الدوام والاستمرار قيدا للحكم ( نعم ) يكفي هذا المقدار في الرجوع إلى حكم العام ولو باطلاقه الا حوالي الراجع إلى تعليق الحكم بذات موضوعه الساري في جميع الأزمنة ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ينقدح ما في كلام الشيخ قدس سره من اطلاق القول بمرجعية استصحاب الخاص في فرض كون العموم الأزماني على نحو الدوام والاستمرار مع اطلاق القول في طرف المخصص من حيث كون الزمان فيه مأخوذا ظرفا أو قيدا مكثرا ( فان ) مجرد أخذ العموم الأزماني في دليل العام بنحو الدوام والاستمرار المستلزم لكون جميع الآنات ملحوظا بلحاظ واحد لا بلحاظات متعددة لا يقتضي سقوط العام عن المرجعية بقول مطلق حتى في فرض عدم تكفل دليله لحيث وحدة الحكم بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، كما أن مجرد فرض تكفله لوحدة الحكم على النحو المزبور لا يوجب صحة التمسك باستصحاب حكم المخصص على الاطلاق ( لوضوح ) ان مدار الاستصحاب حينئذ على ملاحظة دليل المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه وقيديته ، ولا ملازمة بين لحاظ الزمان في طرف العام ظرفا أو قيدا مكثرا ، وبين لحاظه كذلك في دليل الخاص ( فإنه ) يمكن ان يكون الزمان

ص: 234

في العام مأخوذا على نحو الظرفية والاستمرار ، وفي طرف الخاص مأخوذا على نحو القيدية والمكثرية ، كما أنه يمكن أن يكون الامر بالعكس ( وحينئذ ) فإذا كان الاستصحاب تابعا لدليل المستصحب لا لغيره ، فلابد في استصحاب حكم المخصص من ملاحظة دليل المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه أو قيديته ، فإذا كان الزمان مأخوذا فيه قيدا مكثرا لا مجال لاستصحابه لكونه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر ( من غير فرق ) بين أن يكون مفاد المخصص نقيضا لحكم العام أو ضدا له.

( تكملة )

بعد ما تبين لك تشخيص موارد التمسك بالعموم الزماني ، وموارد التمسك بالاستصحاب عند تبين العموم الزماني بنحو المفردية أو الاستمرار وتبين مصبه ، يبقى الكلام فيما يقتضيه الأصل عند الشك في أصل العموم الزماني أو في مصبه ( فنقول ) انه تارة يكون الشك في أصل العموم الزماني للحكم أو المتعلق ، وأخرى يكون الشك في مصبه بعد اليقين بأصله ( اما لو كان ) الشك في أصل العموم الزماني بنحو المفردية أو الاستمرار كما لو قال أكرم العلماء وشك في استمرار وجوبه في جميع الأيام ( ففيه صور ) فإنه ، اما ان يعلم بوجوب الاكرام في خصوص اليوم الأول وانما الشك في تعميم الخطاب حكما أو موضوعا فيما عداه ، واما لا يعلم بوجوبه فيه بخصوصه ( وعلى الثاني ) اما ان يتم البيان ولو بمقدمات الحكمة لاثبات الوجوب لصرف الطبيعة الجامعة بين افراد الأيام وكان الشك في وجوب كل فرد بحسب الأزمنة ، واما أن لا يتم البيان بالنسبة إلى صرف الطبيعة أيضا ( فعلى الأول ) يرجع فيما عدا اليوم الأول الذي ثبت فيه الوجوب إلى البراءة ، لان أخذ العموم الزماني بنحو الاستمرار أو المفردية في المتعلق أو الحكم يحتاج إلى لحاظه ثبوتا وبيانه اثباتا ، فإذا لم يقم عليه بيان فمقتضى الأصل البراءة عن التكليف فيما عدا اليوم الأول ( وعلى الثاني ) ينتهى الامر إلى العلم الاجمالي في الأيام التدريجية فيجب الاحتياط باكرام العلماء في

ص: 235

جميع الأيام ما لم ينته إلى غير المحصور ( هذا الفرض ) وان كان بعيدا في نفسه ، ولكن المقصود من هذا التشقيق بيان عدم صحة اطلاق القول بوجوب خصوص اليوم الأول والرجوع إلى البراءة في غيره كما افاده بعض الاعلام ، وانه يصح في الفرض الأول دون بقية الفرض ، مع احتياجه أيضا إلى قيام دليل عليه يقتضى وجوب خصوصه ( والا ) فصرف الخطاب لا يقتضى الا وجوب اكرام كل فرد في الجملة المساوق لمطلوبية صرف الجامع بين الافراد التدريجية ( ثم إن ) ما ذكرنا من مرجعية البراءة عند الشك انما هو إذا لم يلزم من عدم العموم الزماني لغوية تشريع الحكم ( والا ) فربما تقتضي الحكمة عدم كون الحكم في الخطاب بنحو صرف الوجود ، بل على نحو الدوام والاستمرار خصوصا إذا كان العام افراديا ، فان مقدمات الحكمة تقتضي عدم الاهمال بالنسبة إلى الزمان كما في قوله تعالى أوفوا بالعقود ( وحينئذ ) فإذا كان للعام عموم زماني اجمالا فهل الحكمة تقتضي كونه على نحو العموم الافرادي الملازم للمفردية أو على نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار ( وجهان ) أقربهما عند العرف الثاني ( وعليه ) فلو شك في التخصيص ، فان كان الشك في أصل التخصيص فالمرجع هو العموم ، وان كان الشك في زيادة التخصيص ، ففيه التفصيل المتقدم بين كون الحكم سنخيا أو شخصيا غير قابل للتكثر ولو تحليلا بالرجوع إلى العموم في الأول والى الاستصحاب في مفاد المخصص في الثاني ( وذلك ) أيضا في فرض كون التقطيع وسطا لا أولا كما ذكرناه ( هذا ) إذا كان الشك في أصل العموم الزماني ( واما ) لو كان الشك في مصبه في كونه هو المتعلق أو الحكم بعد العلم بأصل العموم بأحد الوجهين من المفردية أو الاستمرار ( فان ) علم كونه على نحو المفردية ، فالمرجع هو العموم على كلا تقديري كون مصبه هو المتعلق أو الحكم ( ولكن ) يظهر من بعض الأعاظم قده تعين رجوعه إلى الحكم حينئذ من جهة جريان أصالة الاطلاق في المتعلق مبتنيا ذلك على ما تقدم منه ، ومن دعوى عدم امكان تكفل دليل الحكم لبيان أزمنة وجوده ، وانه لابد من كونه بدليل آخر منفصل ، فعلى هذا الأساس ، التزم في المقام بأن مقتضى الأصل اللفظي وهو

ص: 236

أصالة الاطلاق ، عدم اعتبار العموم الزماني في المتعلق فيتعين ان يكون مصبه نفس الحكم الشرعي ، والتزم لأجله بعدم جواز التمسك بالعموم عند الشك في أصل التخصيص أو في مقداره ، وانه لابد من الرجوع إلى الاستصحاب باستصحاب حكم العام في الأول ، واستصحاب حكم المخصص في الثاني ( ولكن ) قد عرفت فساد أصل المبني بما لا مزيد عليه فراجع ، مع أنه على مختاره من كون مصب العموم الزماني نفس الحكم لا معنى لمرجعية الاستصحاب عند الشك في التخصيص أو في مقداره ، إذا لا قصور حينئذ في التمسك بما دل على عمومه واستمراره الثابت لموضوعه ولو بدليل آخر كما هو ظاهر ( هذا إذا كان ) العموم الزماني الذي شك في مصبه على نحو المفردية ، وقد عرفت انه على المختار لا أصل يقتضي اعتباره في خصوص المتعلق أو الحكم ، فكان اعتبار هذا المعنى من السريان في جميع الأزمنة المتمادية مشكوكا في كل من المتعلق والحكم ، وان كان لا ثمرة مهمة على المختار تترتب على هذه الجهة ، باعتبار مرجعية دليل العموم على كل تقدير ( واما لو كان ) العموم الزماني على نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار فشك في مصبه في كونه هو المتعلق أو نفس الحكم الشرعي ، ففيه أيضا لا أصل يقتضي تعيين أحد الامرين ( ولكن ) عند الشك في التخصيص يكون المرجع أصالة العموم ( وكذا ) الشك في مقداره إذا كان التخصيص من الأول لامن الوسط ، والا فالمرجع استصحاب حكم المخصص إذا لم يكن الزمان مأخوذا في طرف المخصص قيدا مكثرا ، فان احتمال كون المفيد نفس الحكم الشرعي دون متعلقه كاف حينئذ في المنع عن الرجوع إلى العموم كما شرحناه سابقا ( وبذلك ) يظهر حال ما لو علم برجوعه إلى الحكم وشك في مفردية العموم أو استمراريته ، فان احتمال عدم مفرديته كاف في المنع من الرجوع إلى العموم ( وهذا ) بخلاف ما لو علم برجوعه إلى المتعلق وشك في مفرديته واستمراريته ، فان المرجع حينئذ عند الشك في مقدار التخصيص كالشك في أصله هو العموم ولا يرجع مع وجوده إلى الاستصحاب ، لما تقدم من امكان كون الحكم المتعلق به حكما سنخيا مستمرا يتبع استمرار شخص موضوعه على نحو قابل للتعدد

ص: 237

تحليلا حسب القطعات التحليلية لموضوعه في الأزمنة المتمادية ، ومعه لا قصور في التمسك بما دل على استمرار هذا الحكم الثابت لموضوعه ( هذا ) في الأحكام التكليفية ( واما ) الأحكام الوضعية ، فما كان منها متعلقا بالأعيان الخارجية كالملكية والزوجية والطهارة والنجاسة ، فيمكن ان يقال فيها بأنه من جهة عدم قابلية الأعيان الخارجية عرفا للتقطيع بحسب الزمان يكون مصب العموم الزماني فيها نفس الحكم الوضعي دون الموضوع ( واما ) ما كان منها متعلقا بغير الأعيان كالمنافع في مثل سكنى الدار ونحوه ، فحيث انها كانت قابلة للتقطيع في الزمان عرفا ، فلا قصور في جعل مثلها مصبا للعموم الزماني ، فإذا شك فيها في مصب العموم الزماني يجري فيها ما ذكرناه في تأسيس الأصل ، ولا مجال حينئذ لاطلاق القول بكون مصب العموم الزماني في الأحكام الوضعية نفس الحكم الوضعي دون المتعلق فتدبر.

( التنبيه الثالث عشر )

في استصحاب صحة العبادة ( وقد ) وقع هذا التنبيه في كلمات السابقين في مواضع عديدة ، ونحن وان ذكرنا شطرا من الكلام فيها في ذيل تنبيهات الأقل والأكثر الا انه لا بأس بالتعرض لها ثانيا لعدم خلوه عن الفائدة ( وتوضيح ) المرام يحتاج إلى بيان أمرين ( الأول ) ان طرو الفساد في العبادة يتصور على وجوه ، فإنه تارة يكون من جهة وجود ما هو ضد للعبادة ومناف لها جعلا أو عقلا أو عرفا باعتبار محدوديتها عند الجاعل أو العقل أو العرف بحد ينافيها بعض الأمور كالوثبة في الصلاة مثلا والأكل والشرب ونحوها مما يضاد وجودها مع العبادة ( وأخرى ) من جهة فقد ما اعتبر وجود في العبادة شرطا ، كالطهارة والستر ونحوهما ( وثالثة ) من جهة وجود ما اعتبر عدمه قيدا فيها المعبر عنه بالمانع ( ورابعة ) من جهة وجود ما يكون قاطعا للهيئة الخاصة المعتبرة فيها ( والفرق ) بينه وبين المانع ظاهر ، فان المانع بنفسه يقدح في العبادة ولو بملاحظة دخل عدمه في صحتها ، بخلاف القاطع فإنه بنفسه لا يمنع عن صحة العبادة وانما شأنه الاخلال بما اعتبر فيها وهو الجزء الصوري

ص: 238

المعبر عنه بالهيئة الاتصالية ( وقد يفرق ) بينهما بوجه آخر وهو كون المانع قادحا في صحة العبادة إذا تحقق في حال الاشتغال بالاجزاء ، بخلاف القاطع فإنه يقدح وجوده في صحتها مطلقا ولو كان في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء ( وفيه نظر ) جدا ، فان المانع كما يمكن ثبوتا كونه مانعا عن صحة العبادة في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ، كذلك يمكن ثبوتا كونه مانعا مطلقا ولو في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء ، لكونه تابعا لكيفية اعتبار الشارع إياه ، وهكذا الامر في القاطع فإنه يتصور فيه ثبوتا كونه قاطعا مطلقا أو في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ، هذا في مقام الثبوت ( واما ) في مقام الاثبات فلابد في استفادة أحد الامرين من ملاحظة كيفية لسان الأدلة الواردة في باب الموانع والقواطع ( ولا يبعد ) دعوى استفادة المانعية والقاطعية المطلقة مما ورد بلسان النهى عن ايجاد المانع أو القاطع في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لعدم وقوع المانع أو القاطع فيها ومع انتهاء الامر إلى الشك يندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ( الامر الثاني ) ان الصحة في اجزاء المركب التدريجي ، تارة يطلق ويراد بها الصحة التأهلية الاقتضائية وهي كون الجزء بحيث لو انضم إليه سائر الأجزاء لا التئم منها الكل وتتصف بالمؤثرية الفعلية ( ولا يخفى ) ان الصحة بهذا المعنى انما يتوقف على تمامية الجزء في نفسه ولا يعتبر فيها لحقوق بقية الاجزاء والشرائط ، ( لوضوح صدق هذه القضية الشرطية ولو مع اليقين بعدم لحوق بقية الاجزاء ، ومن هذه الجهة لا يطرء فيها الشك ولا ينفع استصحابها أيضا ) وأخرى يطلق ويراد بها الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية ، وهذا المعنى من الصحة في الدفعيات والاجزاء المجتمعة في الوجود ، والا ففي التدريجيات لا يتصور اتصاف جزء منها بالمؤثرية الفعلية الا بفرض تدريجية الأثر أيضا بحصوله شيئا فشيئا ( وثالثة ) يطلق ويراد بها الصحة بمعنى قابلية الاجزاء السابقة للحوق الاجزاء اللاحقة منها بنحو يلتئم منها المركب ويترتب عليه الأثر ( وبعد ) ما اتضح ذلك ( نقول ) ان منشأ الشك في صحة العبادة بعد أن كان أحد الأمور المتقدمة ( فلابد ) عند الشك من لحاظ المنشأ المزبور ( فإذا ) تسبب الشك في

ص: 239

الصحة من جهة احتمال انتفاء ما اعتبر وجوده قيدا في العبادة كالشرط ، أو احتمال وجود ما اعتبر عدمه قيدا لها كالمانع ، أو احتمال وجود ما هو القاطع للهيئة المعتبرة فيها ، فلا شبهة في أنه يجري الأصل في طرف السبب ويستغنى به عن جريانه في المسبب وهو الصحة ، لان بجريان الأصل فيه يترتب صحة العبادة ( واما ) لو تسبب الشك فيها من جهة احتمال وجود القاطع ( فان قلنا ) ان القاطع اعتبر عدمه شرطا للهيئة المعتبرة في الصلاة فلا شبهة في أنه مع الشك يجري فيه الأصل ويترتب عليه بقاء الهيئة والصحة ( وان قلنا ) انه لم يعتبر عدمه شرطا لها شرعا وانما قاطعيته من جهة مضادة وجوده عقلا أو عرفا مع الهيئة المعتبرة في الصلاة فلا مجرى فيه للأصل لعدم اجدائه في اثبات ترتب بقاء الهيئة والصحة الفعلية إلا على القول بالمثبت ، فينتهي الامر حينئذ إلى جريانه في نفس الهيئة الاتصالية المعتبرة في العبادة ، ويترتب على جريانه فيها الصحة الفعلية ، فان الهيئة ، حينئذ كسائر الاجزاء والشرائط ، فمتى أحرزت ولو بالأصل يترتب عليها الصحة ( وأما إذا ) تسبب الشك في الصحة من جهة احتمال وجود ما يكون ضدا للعبادة ، فلا يجري الأصل بالنسبة إلى نفس السبب الذي هو الضد لمكان عدم اجدائه لاثبات صحة العبادة بعد كون الترتب فيه عقليا لا شرعيا ( واما ) بالنسبة إلى المسبب وهو الصحة ، ففي جريان الأصل فيها ( خلاف مشهور ) والذي اختاره الشيخ ( قد سره ) هو المنع عنه ( ومحصل ) ما افاده ( قد سره ) في تقريب المنع هو ان المراد من الصحة المستصحبة للاجزاء ، ان كان هو الصحة الشأنية فهي مما لا يطرء فيه الشك حتى يستصحب للقطع ببقائها ولو مع القطع بعدم انضمام بقية الاجزاء والشرائط إلى الاجزاء الماضية فضلا عن الشك في ذلك ( وان كان ) المراد منها الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية ، فهي مما لا سبيل إلى استصحابها لعدم كون الصحة بهذا المعنى مما له حالة سابقة ، لأنها انما تكون في ظرف الاتيان بالمأمور به بما له من الاجزاء والشرائط وعدم الموانع والأضداد ( ومع الشك ) في مانعية الموجود لا يقين بالصحة الفعلية بمعنى المؤثرية للاجزاء السابقة حتى يستصحب ( ولكن فيه ) ان ما أفيد في غاية المتانة إذا كان الأثر المترتب

ص: 240

عليها دفعي الحصول والتحقق عند تحقق الجزء الأخير من المركب ، اما لكون المؤثر الفعلي هو الجزء الأخير ، أو لتكون مؤثرية الفعلية لها منوطة بتحقق الجزء الأخير ( والا ) فعلى فرض تدريجية حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جزء مؤثرا في مرتبة منه إلى أن يتم اجزاء المركب ، فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع ، كما لو كان الأثر من الحقائق التشكيكية المترتبة كل مرتبة منه على وجود جزء من اجزاء المركب التدريجي ، فلا قصور في استصحاب الصحة للاجزاء السابقة ، فإنه بتحقق أول جزء من العبادة تحقق الصحة والمؤثرية الفعلية فيتصف الجزء المأتى به بالمؤثرية ، وبوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة وانقطاعها ، فيجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية ( وان شئت ) قلت إن الصحة بالمعنى المزبور تبعا لمنشأ انتزاعها التدريجي تكون تدريجية ، فإذا علم بتحقق جزء أو جزئين يقطع بتحقق الصحة وبعد تحقق المشكوك المانعية يشك في بقاء الصحة بتلاحق بقية الاجزاء والشرائط ، فتستصحب ( ومن هذا البيان ) ظهر الحال في الصحة بمعنى موافقة الامر ، فإنه على ما ذكرنا لا قصور في استصحابها أيضا ( ومن دون ) فرق بين القول بامكان المعلق وفعلية التكليف الجزء الأخير من المركب في ظرف الاتيان بالجزء الأول منه ولو بالتفكيك بين فعلية الامر المتعلق بالاجزاء وفاعليته ، وبين القول بعدم امكانه والمصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء المركب بجعل فعلية التكليف بكل جزء في ظرف فاعليته الذي هو طرف الاتيان به ( وهذا ) على الأول ظاهر ( وكذلك ) على الثاني فإنه بتبع تدريجية التكليف المتعلق بالاجراء يتدرج الموافقة الفعلية أيضا وبايجاد مشكوك المانعية مثلا في الأثناء يشك في بقاء الموافقة الفعلية التدريجية ، فيجرى فيها الاستصحاب على نحو جريانه في سائر الأمور التدريجية ( واما توهم ) عدم شرعية المستصحب حينئذ لكونه أمرا عقليا ( يدفعه ) كونه مما امر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه الذي هو امره وتكليفه ، ويكفي هذا المقدار من شرعية الأثر في باب الاستصحاب ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في الصحة بمعنى قابلية الاجزاء السابقة

ص: 241

المأتى بها للحوق بقية الاجزاء بها واتصافها بلحوق البقية بالمؤثرية في الفرض ( فإنها ) أيضا مما تم فيه أركانه ، لأنها أي الاجزاء السابقة قبل احتمال وجود المانع أو طرو مشكوك المانعية كانت مقطوعة صحتها بالمعنى المزبور وبعد احتمال وجود المانع يشك في بقائها على القابلية المزبورة فتستصحب ( والصحة ) بهذا المعنى واسطة في الحقيقة بين الصحة الاقتضائية المحضة المجامعة مع اليقين بوجود المانع ، وبين الصحة الفعلية الدفعية أو التدريجية ( نعم ) قد يتوجه على هذا الاستصحاب اشكال المثبتية بلحاظ كون ترتب الصحة الفعلية للكل على بقاء القابلية المزبورة عقليا ، لا شرعيا ( ويمكن ) دفعه بأنه من باب تطبيق الكبرى الشرعي على الصغريات فلا يكون من المثبت الممنوع فتأمل.

( التنبيه الرابع عشر )

قد عرفت تمامية اخبار الباب في الدلالة على حجية الاستصحاب خصوصا بملاحظة الظاهر من الأسئلة فيها ( وانما الكلام ) في استفادة قاعدة اليقين منها ، وذلك بعد الجزم بعدم امكان شمولها لكل من القاعدة والاستصحاب بالخصوص ، بلحاظ ان قوام حقيقة الاستصحاب بارجاع الشك إلى المتيقن مسامحة وقوام القاعدة بارجاعه إليه دقة مع عدم تحمل عبارة واحدة في قوله لا تنقض اليقين بالشك لكلا النظرين واللحاظين ( فنقول ) ان قصارى ما قبل أو يمكن ان يقال في شمول الاخبار لمورد القاعدتين دعوى كون اليقين فيها عبارة عن مطلق اليقين بشيء الأعم من الزائل والباقي حين الحكم بحرمة النقض ، مع اخذ متعلق اليقين والشك المقدر في العبارة مطلق الشيء الأعم من حدوثه وبقائه ( إذ يستفاد ) من مثله حكم صورة اليقين بالحدوث والشك فيه وصورة اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، والأول مورد القاعدة ، والثاني مورد الاستصحاب ( وعلى هذا ) التقريب لا يرد عليه ما أفيد

ص: 242

في المنع عن شمول الاخبار لكل من الاستصحاب والقاعدة من دعوى عدم امكان الجمع بينهما في اللحاظ ، لا من جهة اليقين ، ولا من جهة المتيقن ، ولا من جهة النقض ، ولا من جهة الحكم ( اما ) من جهة اليقين فلانه في الاستصحاب ملحوظ من حيث كونه طريقا ، وفى القاعدة يكون ملحوظا من حيث نفسه لبطلان كشفه مع تبدله بالشك ( واما ) من جهة المتيقن فلانه في الاستصحاب كان معرى عن الزمان وغير مقيد به ، وفي القاعدة يكون مقيدا بالزمان ( واما ) من جهة النقض فلكونه في الاستصحاب باعتبار ما يقتضيه اليقين من الجري العملي على طبق المتيقن ، وفي القاعدة باعتبار نفس اليقين ( واما ) من جهة الحكم فلان المجعول في الاستصحاب هو البناء العملي على ثبوت المتيقن في زمان الشك ، وفي القاعدة البناء العملي على ثبوته في زمان اليقين ، ومع تباين القاعدة مع الاستصحاب في هذه الجهات فلا يمكن ان يعمها اخبار الباب ( إذ فيه ) ان اليقين في كلا البابين لم يؤخذ الا طريقا وكاشفا في زمان وجوده فعلا أم سابقا ، كما أن المتيقن في البابين مجرد عن الزمان ، إذ لا يحتاج في القاعدة إلى أزيد من تعلق اليقين بالحدوث والشك فيه ، وحينئذ للقائل بالجمع بينهما بجامع واحد ان يقول إن المتيقن هو طبيعة العدالة مثلا الجامعة بين الحدوث والبقاء فان هذا المعنى ينطبق على مورد القاعدة والاستصحاب ولا يريد القائل باستفادتهما من عموم الاخبار الا هذا المقدار ( واما ) من جهة النقض والحكم فالمراد بهما أيضا عدم نقض اليقين الجامع بين الزائل والباقي ولزوم الجري العملي على طبقه وان لم يكن اليقين موجودا حين الجري العملي كما في مورد القاعدة ( فالأولى ) حينئذ الاشكال على اخذ الجامع بين القاعدتين في استفادتهما من الاخبار بما ذكرناه أولا ، من محذور الجمع بين اللحاظين في عبارة واحدة في اللحاظ المقوم لاطلاق النقض في ارجاع الشك إلى المتقين لكونه في القاعدة حقيقي وفي الاستصحاب مسامحي لعدم تعلق الشك فيه بعين ما تعلق به اليقين دقة بل بقطعة أخرى تكون عينه مسامحة لا دقة ( وبعد ) عدم امكان الجمع بين هذين اللحاظين في كلام واحد فلا بد من أن يكون بأحد النحوين ، اما الدقى أو المسامحي ( وفي مثله ) يتعين استفادة خصوص الاستصحاب

ص: 243

بقرينة الأسئلة الواردة في اخبار الباب وتطبيق الإمام (عليه السلام) حرمة النقض على الاستصحاب ، فلا يمكن حينئذ استفادة القاعدة منها ( ومع الغض ) عن ذلك نقول ان قوام الاستصحاب بعد أن كان باليقين بالثبوت والشك في البقاء ، كان التعبد به تعبدا ببقاء الشيء في ظرف الفراغ عن أصل ثبوته ، بخلافه في القاعدة فان التعبد بها ناظر إلى الحكم بأصل ثبوته ( ومن المعلوم ) حينئذ اقتضاء الجمع بينهما للجمع بين لحاظ المتيقن في مرحلة التعبد مفروغ الثبوت والتحقق تارة ، وعدم لحاظه كذلك أخرى وحيث لا يمكن ذلك ، فلابد من أن يكون بأحد النحوين اما بإرادة خصوص القاعدة أو الاستصحاب ، فيتعين الثاني بقرينة الأسئلة والتطبيقات الواردة في تلك الأخبار ( وهنا ) تقريب آخر في وجه عدم شمول الاخبار للقاعدة ، وهو ان الظاهر من كل عنوان مأخوذ في حيز الخطاب ومنه عنوان اليقين والشك في اخبار الباب ان يكون جريه بلحاظ حال النسبة الحكمية في الكلام ، ولازمه كونهما فعليا في ظرف الحكم والتعبد بعدم النقض ، ومثله مختص بالاستصحاب ، لان في مورد القاعدة لا يكون اليقين فعليا في ظرف التعبد بعدم النقض ( نعم ) يتوجه على هذا التقريب شبهة معارضة هذا الظهور مع ظهور النقض في النقض الحقيقي الملازم لحملها على إرادة القاعدة ( ولكن ) يمكن ترجيح الأول بملاحظة التطبيقات على النقض الادعائي فتدبر.

( تذنيبان ) ( الأول ) انه أورد الشيخ قدس سره اشكالا على القاعدة على تقدير شمول اخبار الباب لها ، وحاصله معارضة القاعدة دائما مع الاستصحاب ، لأنه ما من مورد يشك في ثبوت ما تيقن به سابقا كعدالة زيد يوم الجمعة الا ويعلم بعدم وجوده قبله ، ومع هذا العلم بالعدم والشك في الثبوت يجري فيه استصحاب عدمه ، كما تجري فيه القاعدة فيتعارضان ، لان مقتضى القاعدة ترتيب اثر عدالة زيد يوم الجمعة ، ومقتضى الاستصحاب المزبور عدم ترتب اثر عدالته يوم الجمعة ، ومع هذه المعارضة الدائمية لا يثمر شمول الاخبار لها شيئا ( وقد أورد عليه ) بانتقاض اليقين السابق بالعدم باليقين بالوجود في ظرف حدوث اليقين ، فكانت القاعدة

ص: 244

مقتضية لاعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق ( ويدفعه ) انه بعد تبدل اليقين بالوجود فعلا بالشك ، يكون انتقاض اليقين السابق بالعدم مشكوكا فعلا ، حيث يشك في بقاء العدم السابق واستمراره إلى زمان اليقين الزائل وبعده فيستصحب ( نعم ) يمكن ان يجاب عن اشكال الشيخ ( قده ) بمنع كون المعارضة دائمية كي توجب الغاء القاعدة بالمرة ، لأنه كثيرا يمكن فرض عدم جريان الاستصحاب ، اما لأجل توارد الحالتين أو من جهة عدم اليقين السابق ، اما لفرض الغفلة ، واما من جهة عدم الحالة السابقة ، فان في مثل تلك الموارد تجري القاعدة بلا معارضتها مع الاستصحاب.

( الثاني ) انه لو بنينا على شمول اخبار الباب للقاعدة فلا شبهة في مورد اليقين بالثبوت والشك فيه كما في اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة والشك فيها يوم الجمعة فيترتب آثار عدالته في يوم الجمعة من صحة الطلاق ونحوه ( وانما ) الكلام في صحة ترتيب اثر الاستصحاب عليه في فرض الشك في بقاء الحادث على تقدير حدوثه ، كما لو علم عدالة زيد يوم الجمعة فحصل له الشك بعد ذلك تارة في أصل عدالته ، أخرى في بقائها على تقدير ثبوتها ، حيث إن فيه ( وجهين ) أقربهما في النظر الجواز ، فان مجرد كون تطبيق إحدى القاعدتين على المورد في طول تطبيق الأخرى عليه لا يمنع عن ذلك ، إذ القاعدة على فرض مشموليتها للاخبار تكون بمنزلة الامارة المثبتة لأصل الثبوت وبذلك يتحقق موضوع الاستصحاب ، لان مفاد لا تنقض انما هو التعبد ببقاء ما ثبت عند الشك في بقائه ، فكل ثابت كان ثبوته بالوجدان أو بالتعبد إذا شك في بقائه يشمله دليل الاستصحاب ( وحينئذ ) فإذا جرت القاعدة وأثبتت عدالة زيد يوم الجمعة تترتب على ثبوت عدالته يوم الجمعة جميع الآثار التي منها وجوب التعبد بالبقاء ( بل يمكن ) دعوى عدم الفرق بين ان يكون للقاعدة اثر عملي آخر غير وجوب التعبد بالبقاء الذي هو مفاد كبرى حرمة النقض ، وبين ان لا يكون لها اثر الا هذا الأثر الاستصحابي ، كما لو كان الأثر العملي لخصوص البقاء لا للحدوث فتجري القاعدة وبعد جريانها يترتب الحكم بالبقاء بمقتضى الاستصحاب فتأمل.

ص: 245

التنبيه الخامس عشر

قد اجرى بعضهم الاستصحاب عند تعذر بعض اجزاء المركب الارتباطي لاثبات وجوب الباقي المتمكن منها ( وقد تقدم ) منا تفصيل الكلام في تنبيهات الأقل والأكثر ، واجمال الكلام فيه في المقام ، هو انه بعد ما استشكل وجوب الاتيان بما عدى الجزء المتعذر نظرا إلى ارتفاع التكليف المتعلق بالمركب لأجل تعذر بعض اجزائه وعدم اطلاق لدليله يقتضي وجوب الاتيان بما عدى الجزء المتعذر ( استدل ) لوجوب الاتيان بالباقي الممكن ، بوجوه ( منها ) الاستصحاب ، وتقريب التمسك به من وجوه ( الأول ) استصحاب مطلق الوجوب الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدى الجزء المتعذر قبل تعذر الجزء وبعد طرو الاضطرار يشك في ارتفاع مطلق الوجوب الثابت للاجزاء الممكنة منها ، لاحتمال بقاء وجوبها ولو بتغيير صفة وجوبها فيستصحب ( الثاني ) استصحاب الوجوب النفسي الثابت للكل بتسامح من العرف في موضوعه بجعله عبارة عن الأعم من الواجد للجزء المتعذر أو الفاقد.

له نظير استصحاب كرية الماء الذي نقص منه مقدار ( الثالث ) استصحاب الوجوب النفسي المردد بين تعلقه بالمركب على أن يكون المتعذر جزء له مطلقا ليسقط الوجوب عن البقية بتعذر الجزء ، وبين تعلقه به على أن يكون المتعذر جزءا اختياريا له ليبقى الوجوب بعد تعذره بحاله ( الرابع ) استصحاب الوجوب الضمني النفسي الثابت للاجزاء الممكنة منها سابقا في ضمن وجوب الكل ، حيث يشك في بقاء هذه المرتبة من الوجوب وارتفاعها فيستصحب وان كان يستتبع بقائه عند ارتفاع الوجوب عن الجزء المتعذر تبدل حده السابق بحد آخر ، نظير استصحاب بقاء مرتبة من اللون المتحقق في ضمن اللون الشديد المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعها أو بقائها ولو بحد آخر ضعيف ( ولكن ) يرد على التقريب الأول مضافا إلى ما فيه من منع كون وجوب الجزء وجوبا غيريا ، لمنع مناط المقدمية للاجزاء كما حققناه في

ص: 246

محله ( انه انما يجري ) الاستصحاب ويكون من استصحاب القسم الثاني من استصحاب الكلى إذا كان ثبوت كل واحد من نحوي الوجوب مشكوكا بحيث يكون الثابت مرددا من الأول بين ما هو مقطوع الارتفاع في الزمان الثاني ، وما هو مقطوع البقاء ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد فعل ما يوجب رفع الأصغر ، وليس الامر كذلك في المقام ( وانما ) هو من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي الذي كان الشك في بقاء الكلى لاحتمال وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم حدوثه ( فان ) ما علم ثبوته سابقا انما هو الوجوب الغيري الذي علم بارتفاعه ، والمحتمل بقائه هو الوجوب النفسي لاحتمال مقارنة مناطه لمناط الغيرية أو قيام مناطه مقام مناطها ، والاستصحاب في مثله غير جار قطعا الا إذا كان المحتمل بقائه من مراتب الفرد الذي ارتفع ، بان يكون من الحقائق التشكيكية شدة وضعفا ، وليس المقام من ذلك أيضا لوضوح مبائنة الوجوب النفسي وكونه غير سنخ الوجوب الغيري ( وثانيا ) ان الشك في بقاء وجوب الاجزاء المتمكن منها مسبب عن الشك في بقاء المتعذر على جزئيته حال تعذره ، فأصالة بقاء جزئيته للمركب يقتضى سقوط التكليف عن البقية ، ومعه لا ينتهي المجال إلى استصحاب بقاء وجوبها ( ودعوى ) مثبتية الأصل المزبور باعتبار ان ترتب سقوط التكليف عن البقية من اللوازم العقلية للاضطرار إلى ترك الكل الذي هو من اللوازم العقلية لترك الجزء ( مدفوع ) بأنه كذلك لولا كونه من اللوازم الأعم من الواقع والظاهر ، والا فلا ضير في ذلك ، نظير وجوب الإطاعة الذي هو من لوازم مطلق الوجوب الأعم من الواقع والظاهر ، فإنه كما أن من لوازم ثبوت الجزئية المطلقة للمتعذر واقعا سقوط التكليف عن الكل بتعذره لاقتضاء تعذره تعذر الكل والمركب ، كذلك من لوازم الجزئية الظاهرية أيضا سقوط التكليف الظاهري عن الكل بالاضطرار إلى ترك الجزء ( وتوهم ) انه لا معنى لاستصحاب الجزئية للمتعذر في حال تعذره ، لأنه بحسب مقام الدخل في المصلحة امر تكويني لا تناله يد التشريع ، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الذي هو منشأ انتزاع جزئيته الفعلية للمأمور به لا يكون التكليف قابلا للثبوت للقطع بارتفاعه

ص: 247

بتعذره ( مدفوع ) بان الجزئية لا يختص اعتبارها بالنحوين المزبورين ، بل لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول عند جعل المركب واختراعه ، وفى هذه المرحلة كانت مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع فان للشارع في مرحلة جعل المركب اعتباره بنحو يدخل فيه الجزء المتعذر ، كما أن له اعتباره بنحو لا يدخل فيه ، وان كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية ، وحينئذ فإذا كانت بهذا الاعتبار من المجعولات الشرعية فلا جرم يجري فيها الاستصحاب ( واما التقريب ) الثاني ، فيرد عليه انه لو يجدي ، فإنما هو إذا كان المتعذر من غير الاجزاء الركنية ، والا فيقطع بارتفاع الحكم ، ومعه لابد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بشخص حكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاعه ولو لاحتمال حدوث مناط آخر في البين ، مع وضوح الفرق بين المقام وبين استصحاب الكرية للماء ، فان منشأ الشك في ذهاب الكرية هناك انما هو ذهاب البعض الذي احتمل دخله في وصف الكرية ، بخلاف المقام فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجزء ، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال تعذره مع الجزم بجزئيته للمركب قبل تعذره ودخله في شخص التكليف المتعلق بالمركب ، ومع هذا لا مجال لمقايسته المقام بما هناك فتدبر ( واما التقريب الثالث ) فقد أورد عليه بأنه من أردء أنحاء المثبت ، ولعله من جهة اقتضائه لاثبات كون متعلق التكليف عند تعذر الجزء ، ما عدى الجزء المتعذر ، والا فلا نفهم وجها لمثبتيته ( ولكن ) يمكن ان يقال ان المقصود في المقام من الاستصحاب انما هو مجرد اثبات التكليف للبقية ، لا اثبات كون موضوع التكليف من الأول هو الواجد للجزء في خصوص حال التمكن كي يتوجه شبهة المثبتية ( ولما التقريب ) الرابع للاستصحاب ، فالظاهر أنه لا بأس به في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط آخر يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل أو احتمال تبدل المناط السابق عند تعذر الجزء بمناط آخر مستقل يقتضي استقلال البقية في الوجوب ، إذ في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الذات

ص: 248

المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو في ضمن حد آخر ، نظير استصحاب بقاء أصل اللون المتحقق في ضمن الشديد منه سابقا فتدبر.

ص: 249

فهرس مطالب

في تعريف الاستصحاب والاشكال على تعاريف القوم... 3

في النتائج المترتبة على بعض التعاريف مثل حكومة الاستصحاب على سائر الاصول... 4

في تضعيف جعل الاستصحاب من الادّلة العقلية... 5

هل الاستصحاب من المسائل الاصولية او القواعد الفقهيّة أولا... 6

في انّ الاستصحاب من المسائل الاصولية وبيان الدليل عليه... 7

في الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين... 8

في اعتبار اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة في الاستصحاب... 9

الاشكال في استصحاب الاحكام الكليّة... 10

في دفع الاشكال عن استصحاب الاحكام الكلية والايراد على الاخوند. ره ... 12

في اعتبار فعليّة اليقين والشك في الاستصحاب على المختار... 13

في بيان الثمرة بين القولين... 14

في ابطال الثمرة بين القولين... 15

في بيان اقسام الاستصحاب... 17

في بيان الاقوال في اقسام الاستصحاب وبيان تفصيل الشيخ ره ... 18

في استصحاب الاحكام المستكشفة من الاحكام العقليّة... 19

في الاشكال الاوّل والثاني على التفصيل المذكور ... 20

في جريان الاستصحاب في الحكم المستكشف من حكم العقل... 21

في جريان الاستصحاب في الحكم المستكشف من حكم العقل ... 23

في عدم تصوّر الشك في العقليات الوجدانية ... 24

الحقّ عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات العقليّة وفاقاً للشيخ ره ... 26

هل النزاع في حجية الاستصحاب مختّص بالوجودية او يشمل العدميّة ايضاً ... 27

ص: 250

في اصالة عدم القرينة... 28

في اصالة عدم النقل... 29

في اصالة عدم الحاجب... 30

في بيان الاشكال في استصحاب الامور العدميّة... 31

في التفصيل المذكور في الامور العدميّة... 32

في ادلّة الاستصحاب من الاجماع وبناء العرف والعقلاء... 33

في الاستدلال بالسيرة العقلائية على حجيّة الاستصحاب... 34

في وجوب الردع عن هذه السيرة العقلائية... 35

في دلالة الآيات الناهية الرادعة عن هذه السيرة ونقل كلام الاخوند. ره... 36

في الاستدلال على حجية الاستصحاب بالاخبار المستفيضة... 37

في بيان صحيحة زرارة على حجية الاستصحاب... 38

في عدم توقف الاستدلال بالرواية على تعيين الجزاء... 41

في عدم اختصاص الرواية بباب الوضوء... 42

في استفادة تعميم الحجيّة من الرواية... 44

في الاستدلال بصحيحة اخرى مضمرة لزرارة... 45

في تقريب الاستدلال بهذه الصحيحة وبيان الاشكال في الموضعين منها... 46

في التفصّى عن الاشكال بوجوه ، منها أنّ حسن التعليل من جهة الاجزاء... 47

في نقل كلام المحقّق الخراساني في التفصيّ عن الاشكال... 48

في التفصيّ عن الاشكال بانّ حسن التعليل بلحاظ انّ الشرط هو الجامع... 50

في حسن التعليل من جهة انّ في باب الطهارة المانع هو العلم بالنجاسة... 51

في الوجوه الخمسة للجمع بين الادلّة... 53

في اختيار الوجه الخامس وبيان الدليل عليه... 54

في الاستدلال لحجيّة الاستصحاب بصحيحة ثالثة لزراره بقوله اذا لم يدر في ثلاث هو الى آخره 55

في الاشكال على الاستدلال بالصحيحة... 56

في حمل الرواية على التقيّة وبيان الاشكال فيه... 57

في دفع الاشكال عن الاستدلال بالرواية... 58

ص: 251

الاشكال في صحة تطبيق الاستصحاب على ركعات الصلوة... 59

في الاستدلال لحجيّة الاستصحاب برواية الخصال بسنده عن محمد ابن مسلم عن ابي عبداللّه (عليه السلام) ... 63

في الاستدلال لحجيّة الاستصحاب بمكاتبة علي ابن محمد القاساني... 65

في الاستدلال لحجيّة الاستصحاب برواية عبداللّه ابن سنان وموثق بكير... 66

حجيّة الاستصحاب باخبار الحلّ والطهارة... 67

في تقريب استفادة القواعد الثلاثة من اخبار الحلّ والطهارة... 68

في تقريب امتناع استفادة القواعد الثلاثة من اخبار الحلّ والطهارة ... 69

تحقيق الكلام في مفاد اخبار الحلّ والطهارة... 71

في حصر مفاد اخبار الحلّ والطهارة بالقاعدة... 72

في مقدار دلالة هذه الاخبار وعمومها للاقسام المتصوّرة للاستصحاب... 74

في تقريب اختصاص حجيّة الاستصحاب بالشكّ في الرافع... 75

في تقريب التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع ... 76

في بطلان التفصيل بين الشكّ في الرافع والمقتضى... 77

تحقيق الكلام في العناية المصححّة لاضافة النقض الى اليقين... 81

في الثمرة بين هذين المسلكين... 83

فيما ورد على القول بالتفصيل... 86

في التفصيل المنسوب الى الفاضل التوني ره بين الاحكام التكليفية والوضعية... 87

في حقيقة الاحكام الوضعيّة وبيان مجعوليّتها وانتزاعيتها وتفصيل اقسامها... 88

في عدم مجعولية الاحكام التكليفيّة... 89

في تحقيق الكلام حول الاحكام الوضعية... 90

في الشرطية والمانعية والجزئية للواجب... 91

في الشرط والسببيّة... 93

في السببيّة والشرطية للتكليف او الوضع... 94

في الصحة والفساد... 97

في الطهارة والنجاسة... 98

في الرخصة والعزيمة... 99

ص: 252

في الحجيّة بمعنى منشئية الشيء لقطع عذر العبد ومصححيته لاستحقاق العقوبة... 100

في الحجية بمعنى الوسطيّة للاثبات... 101

في الملكية والزوجية ونحوهما... 102

في القضاؤة والولاية... 103

في الوكالة والنيابة... 104

في التنبيه الاوّل والثاني من الاستصحاب... 105

في جريان الاستصحاب في مؤديات الأمارة... 106

في استصحاب مؤديات الطرق والامارات وبيان صحة كلام الآخوند. ره... 108

في اشكال بعض الاعاظم على المحقق الخراساني ره... 109

في دفع ما اورد على المحقق الخراساني ره... 110

في تقريب آخر لاستصحاب مؤديات الامارات... 111

في تقريب آخر ايضاً لاستصحاب مؤديات الامارات... 112

في عدم جريان الاستصحاب في مؤديات الاصول وبيان التنبيه الثالث... 113

في التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب... 114

في الاشكال على استصحاب الفرد المردّد... 115

تقريب اشكال بعض الاعاظم على استصحاب الفرد المردّد... 118

الجواب عن اشكال بعض الاعاظم... 119

في القسم الاوّل من اقسام استصحاب الكلّي وصحة استصحاب الكلّي المتحقق في ضمن فرد بعينه ... 121

في القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلّي... 122

في بيان الاشكالات على استصحاب الكلّي ودفعها... 125

في الشبهة العبائية المعروفة... 130

في دفع الشهة العبائية المعروفة... 132

في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكليّ... 133

في الاشكالات على القسم الثالث من اقسام استصحاب الكليّ... 135

في التذنيب الاوّل... 137

التذنيب الثاني في استصحاب الحدث المردّد بين الاصغر والاكبر... 138

ص: 253

اشكال الفاضل التوني ره في اصالة عدم التزكية... 142

التنبيه الرابع في استصحاب الامور التدريجية... 145

استصحاب الزمان وما يعرضه من العتاوين الطارية... 146

في استصحاب الامور الغير القّارة... 151

في استصحاب الامور المقيّدة بالزمان... 153

التنبيه الخامس في استصحاب التعليقي... 161

في الاشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي... 169

في دفع الاشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي... 171

التنبيه السادس في استصحاب احكام الشرايع السابقة... 173

فيما يورد على استصحاب احكام الشرايع السابقة... 174

في دفع ما يورد على استصحاب احكام الشرايع السابقة... 175

التنبيه السابع في الاصل المثبت... 177

في الفرق بين الاصول والامارات في حجيّة المثبتات... 183

في حجيّة الاصل المثبت مع خفاء الواسطة بناء على قول الشيخ ره... 188

في الفروع التّي توهم ابتنائها على الاصل المثبت... 189

في جريان الاستصحاب في الاجزاء والشرائط وقيود المأمور به... 193

التنبيه الثامن في اعتبار ان يكون المستصحب ذا اثر عملي بلحاظ ابقائه حين توجيه الخطاب بلا تنقض... 195

التنبيه التاسع في تعاقب الحادثين... 196

في اصالة تأخر الحادث... 197

في مجرى استصحاب العدم الازلي... 200

في عدم جريان استصحاب العدم في مفاد المعدولة... 204

اقسام الجهل بالتاريخ وجريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ... 205

في عدم جريان الاستصحاب في معمولي التاريخ... 206

في تقريب عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ... 207

في عدم جريان الاصل في مجهولي التاريخ... 208

في تقريب آخر للمحقّق الخراساني ره في مجهولي التاريخ... 209

ص: 254

في الجواب عن شبهة المحقق الخراساني ره في مجهولى التاريخ... 211

في دفع شبهة بعض الاعلام ره... 213

في تقريب عدم جريان الاستصحاب في الحادثين المتضاديّن... 214

في بيان وجوه لعدم جريان الاستصحاب في المتضادين المجهولين تاريخهما... 215

التنبيه العاشر في اعتبار ترتّب اثر عملي حين الاستصحاب ولو بوسائط عديدة... 219

التنبيه الحادي عشر في جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية... 220

في الجواب عن تمسك الكتابي باستصحاب النبوّة... 222

التنبيه الثاني عشر في استصحاب حكم المخصّص... 224

في الامور المتقيّدة بالزمان... 225

في تشخيص مصبّ العموم الزماني... 227

في تأسيس الاصل عند الشك في مصّب العموم الزماني... 235

التنبيه الثالث عشر في استصحاب صحة العبادة... 238

التنبيه الرابع عشر في عدم شمول اخبار الباب لقاعدة اليقين... 242

في عدم امكان شمول اخبار الباب للقاعدتين... 244

التنبيه الخامس عشر في استصحاب حكم المركّب عند تعذّر بعض اجزائه... 246

ص: 255

القسم الثاني من

الجزء الرابع

من كتاب نهاية الافکار

في مبحث الاستصحاب والتعادل والتراجيح

لحضرة

حجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين الورع التقي

الشيخ محمد تقى البروجردى قدس سره

تقریر

بحث استاذ الفقهاء والمجتهدين آيه الله العظمى

الشيخ ضياء الدين العراقي

قدس سره

منشورات

جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

في معنی بقاء الموضوع في الاستصحاب

( خاتمة )

يذكر فيها امور ( الاول ) انه قد اشتهر في كلماتهم اعتبار القطع ببقاء الموضوع الذي هو معروض المستصحب في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضاً له سابقاً في جريان الاستصحاب حتى انه صار مثل هذه الجهة في الوضوح عندهم كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، غير انهم اختلفوا في ان المدار في البقاء بالنظر العقلى او الدليلي او النظر العرفي بحسب مرتكزاتهم ( وعمدة ) المستند فيا افادوه ظهور اخبار الباب في كون قوام حقيقته باتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة موضوعا ومحمولا ، بل هذه الجهة الاتحاد من من مقتضيات طبع الاستصحاب ولو كان اعتباره من باب افادته الظن او من باب بناء العقلاء ، فعلى جميع المسالك لا بد في الاستصحاب من الاتحاد المزبور بين القضيتين ، والا فمع اختلافهما موضوعاً او محمولا فلا استصحاب ( ولاجل ) ذلك التزموا بلزوم احراز الموضوع في الزمان اللاحق في جريان الاستصحاب ( ولكن ) لا يخفى عليك ان غاية ما يقتضيه البرهان المزبور أنما هو اعتبار الجزم بتعلق الشك في القضية المشكوكة بعين ما تعلق به اليقين السابق في القضية المتيقنة ، وفي هذا المقدار لا يحتاج الى احراز وجود الموضوع خارجاً والجزم به في جريان الاستصحاب ، بل يكفي في هذا الاتحاد احتمال بقاء الموضوع ايضا .

فانه مع هذا الاحتمال يصدق الشك في بقاء ما تيقن بثبوته سابقاً بماله من الخصوصية فيكون الشك متعلقاً بعين ما تعلق به اليقين السابق حتى في المحمولات الثانوية والاوصاف الخارجية كمدالة زيد وقيام عمرو او سواد جسم ونحو ذلك ( فاذا علم ) بعدالة زيد مثلا وشك في بقانها يجري فيها الاستصحاب ولو مع الشك في بقاء زيد في الخارج ( فان ) العبرة في اتحاد القضيتين انما هو تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق ،

ص: 3

هل يشترط استعداد موضوع الاستصحاب للبقاء ام لا

وهذا المعنى كما يصدق في الشك في العارض والمحمول من جهة الشك في طرو المانع على نفس المارض في ظرف اليقين بوجود معروضه ، كذلك يصدق عند الشك فيه من جهة الشك في بقاء معروضه ، اذ القضية المتيقنة هي عدالة زيد وهي بعينها مما تعلق به الشك اللاحق ( وحيث ) انه لا دليل على اعتبار ازيد من الاتحاد بين القضيتين موضوعا ومحمولا ، فلا يحتاج فى التعبد الاستصحابي الى احراز بقاء الموضوع خارجا ، بل يكفيه مجرد الشك في بقاء المحمول والمعارض ولو مع الشك في بقاء موضوعه ومعروضه ( من غير فرق ) بين ان يكون المستصحب هو الوجود المحمولي او الوجود الرابط ، فانه على كل تقدير يكفي في التعبد الاستصحابي مجرد اتحاد المتيقن والمشكوك ولا يحتاج الى احراز بقاء الموضوع ( نعم ) قد يحتاج الى احراز وجود الموضوع احياناً فيما اذا كان الاثر مما يحتاج فى ترتبه الى تطبيق الموضوع المتعبد به خارجا ، كاكرامه و اطعامه والاقتداء به، لا مثل التقليد ونحوه ( ولكن ) ذلك الخصوصية في كبرى الاثر تقتضي تطبيق موضوعه خارجا ، والا فطبع الاستصحاب لا يقتضي اكثر من اتحاد المتيقن والمشكوك ، ولذا لو لم يكن الاثر مما يحتاج في ترتبه الى احراز بقاء موضوع المستصحب خارجاً كجواز التقليد عند عدالة المجتهد او إطعام الفقير عند بقاء عدالة زيد، يكتفى في استصحاب عدالته بصرف وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ( نعم ) على القول باختصاص اخبار الباب صرفا او انصرافاً بصورة اليقين باستعداد المستصحب للبقاء والشك في الرافع لا بد في جريان الاستصحاب في الاعراض والمحمولات الثانوية من احراز بقاء الموضوع في الخارج ( لانه ) مع الشك في بقائه يشك في استعداد العرض المتقوم به للبقاء ، لامتناع بقاء العرض بلا موضوع او انتقاله من محله المتقوم به الى محل آخر ، ومع الشك في استعداده للبقاء لا يجري في______ه الاستصحاب ( والى ذلك ) نظر الشيخ ( قدس سره ) في استدلاله على مدعاه بقوله لانه لو لم يعلم بتحققه لاحقا فإذا اريد ابقاء المستصحب الع______ارض له المتقوم به ( فاما ) ان يبقى في غير محل وموضوع وهو مجال واما ان يبقى في موضوع غير

ص: 4

موضوع السابق وهو ايضاً محال ( الخ ) ( فان ) تشبته بالبرهان المزبور انما هومن جهة ملازمة الشك في بقاء الموضوع للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء لامتناع بقائه بلا موضوع ( فما افاده ) ( قدس سره ) على مسلكه من تخصيص الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع في غاية المتانة ( ولا يتوجه ) عليه اشكال الكفاية بان الكلام في البقاء التعبدي لا في الحقيقي والبرهان المزبور انما يتم في الثاني دون الاول ( لان ) مرجع البقاء التعبدي الى لزوم ترتيب اثر البقاء في الظاهر ، ولا استحالة فيه مع الشك في الموضوع ( كيف ) ولا يحتمل من مثل الشيخ الذي هو خريط هذه الصناعة الغفلة عن الفرق بين البقاء الحقيقى والتعبدي كي يورد عليه الاشكال المزبور ( ومن العجب ) ان بعض الاعلام مع سلوكه مسلك الشيخ ( قدس سره ) في تخصيص لا تنقض بصورة الشك في الرافع بعد احراز استعداد المستصحب للبقاء اعرض عن الكبرى العقلية المزبورة واتكل في اعتبار بقاء الموضوع بكبرى اتحاد القضيتين حتى اورد على الشيخ بأن التشبث بالكبرى المقلية لاعتبار بقاء الموضوع تبعيد للمسافة من غير وجه يقتضيه ، لامكان اثبات المدعى بنفس اتحاد كبرى القضيتين بلا احتياج الى ضم الكبري العقلية ( اذ قد عرفت ) انه على هذا المسلك لا محيص من تبعيد هذه المسافة وبدونه لا يمكن اثبات المدعى بنفس كبرى اتحاد القضيتين ( وبذلك ) نقول ان هذه الجهة من الثمرات المترتبة على المسلكين في الاستصحاب ( فانه ) على المختار من تعميم لا تنقض لصورة الشك في المقتضى والرافع لا يحتاج الى احراز وجود الموضوع لاحقا حتى في استصحاب المحمولات الثانوية ، إلا في الموارد المحتاجة إلى تطبيق الموضوع خارجا فيمقام ترتيب الاثر العملى ( وهذا ) لا من جهة اقتضاء التعبد الاستصحابي ذلك ، بل من جهة خصوصية في كبرى الاثر في ترتبه على مفاد كان الناقصة من نحو اتصاف الموجود بوصف كذا كالعالمية والعادلية ، نظير وجوب إكرامه وإطعامه وقبول شهادته خصوصاً على القول بأن مفاد لا تنقض عبارة عن جعل المائل وإن العمل المترتب عليه من شؤن إطاعة الامر الظاهرى المستفاد من جعل المماثل ، فان الاحراز المزبور

ص: 5

حينئذ شرط لتطبيق كبرى حرمة النقض فيمقام الامتثال ، لا انه شرط لاصل الكبرى ( واما ) على القول بالتخصيص بالشك في الرافع بعد احراز استعداد البقاء ، فلابد في اصل التعبد الاستصحابى من الجزم ببقاء الموضوع ، والا فمع الشك فيه لا استصحاب، لملازمة الشك في وجود الموضوع لاحقا للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء (من دون ) فرق في ذلك بين ان يكون الاثر لنفس العارض فقط، او لمجموع العارض والمعروض ( ولا بين ) ان يكون المعروض بنفسه مجرى للاصل ، وبين عدم كونه مجرى له ( ولا بين ) كون الشك في العارض والمحمول مسببا عن الشك في بقاء معروضه وموضوعه بترتب شرعي ام عقلى و بين كونه مسبباً غير الشك في بقاء موضوعه ، كالشك في عدالة زيد لاحتمال فسقه مع الشك فى حيوته ايضاً ( فانه ) على كل تقدير لا يجري الاستصحاب فيه ولو كان موضوعه بنفسه مجرى للاصل ( اذ على هذا المسلك ) لا بد في جريان الاصل في نفس العارض والمحمول من احراز استعداد المستصحب للبقاء ، ومع الشك في الموضوع يشك في استداد العارض والمحمول للبقاء ( ولا يجديه ) مجرد كون موضوعه بنفسه محطا للاصل ، لعدم وفاء الاصل الجاري فيه لاثبات استعداد المستصحب للبقاء الا على الفول بالمثيت ( نعم ) لو كان الشك فيه مسبباً شرعيا عن الشك في بقاء موضوعه ، كالشك في مطهرية الماء لاجل الشك في بقائه على كريته او اطلاقه يجري الاصل في موضوعه ويترتب عليه آثار المحمول المترتب عليه ، بلا مجال لجريانه في محموله ، وذلك لا من جهة حكومة الاصل الموضوعى على الاصل الحكمي ، بل من جهة عدم كونه بنفسه مجرى الاصل ولو مع قطع قطع النظر عن حكومة الاصل الموضوعي ، بلحاظ عدم احراز استعداده للبقاء مع الشك في موضوعه ( وهكذا ) الكلام فيها اذا كان الشك فيه مسبباً عن سبب غير الشك في بقاء موضوعه كالشك في عدالة زيد لا حتمال فسقه الشك في حيوته ايضاً .

( ولكن الذي ) يظهر من الشيخ قده وبعض آخر جريان الاستصحاب في هذا الفرض في الموضوع والمحمول ، في فرض كون الاثر المجموعها ( حيث افاد ) بانه يكفي في استصحاب العدالة حينئذ الشك في بقائها على تقدير الحيوة ،

ص: 6

نظرا الى ان موضوع العدالة انما هو زيد على تقدير الحيوة ، لا ان الموضوع هو زيد مطلقا حيا كان او ميتا ، وليس المستصحب عدالة مطلقاً زید بل عدالته في فرض كونه حياً ، وفي هذا الفرض يحرز استعدادها للبقاء ، اذ لا يكون الشك فيها إلا من جهة احتمال فسقه ، فلا قصور حينئذ في استصحابها على هذا الفرض ، ( وبجريان ) الاستصحاب في الموضوع يحرز ظرفه فيلتئم الموضوع المركب حينئذ من ضم أحد الاصلين الى الآخر ويترتب عليه الاثر ، كما يلتئم من ضم الوجدان الى الاصل فيما كان بعضه محرزا بالوجدان وبعضه بالاصل ( فهنا ) مستصحبان احدهما حيوة زيد والآخر عدالته على تقدير الحيوة وبضم احد الاصلين الى الآخر يلتئم موضوع الاثر ( ولكن ) لا يخفى ما فيه اذ نقول ان الاستعداد المحرز في المقام بعد ان كان تعليقيا لا تنجيزيا ، يلزمه تعليقية اصل استصحابه والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، ( وهذا المقدار ) غير مجد في مقام العمل وتنجيز الاثر الا بعد وصول هذا التعليق الى مرحلته الفعلية والتفجيز ، ولا يصل الى هذه المرحلة الا بعد احراز المستصحب للبقاء تنجيزبا ، ومع الشك في الحياة لا يحرز ذلك لا وجدانا كما هو ظاهر ، ولا تعبدا لعدم وفاء الاصل الجاري في الموضوع لا ثبات استعداد محموله للبقاء الا على المثبت ( ومعه ) كيف يجري الاصل في المحمول كى بضم جريانه في الموضوع يلتئم الموضوع المركب فيترتب عليه الاثر ( نعم ) ذلك يتم على المختار من تعميم لا تنقض الصورة الشك في الرافع والمقتضى وعدم الاحتياج الى احراز الاستعداد ( اذ عليه ) يكفيه مجرد اتحاد القضيتين بمعنى تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق موضوعا ومحمولا الصادق ولو مع الشك في بقاء معروض المستصحب خارجاً ، فمع احراز هذه الجهة لا بأس بجريان الاستصحاب في العارض والمعروض، حيث يلتئم بها الموضوع المركب فيترتب على استصحابها اثر المجموع ( وذلك ) ايضاً اذا لم يحتج فيمقام ترتيب الاثر الى تطبيق موضوع المتعبد به وجداناً ، والا فلا يجري الاستصحاب على المختار ،ايضا لعدم ترتب الاثر العمل المقوم لجريانه ، الا اذا فرض كفاية احرازه تعبدا فيمقام ترتب الاثر العملى عليه ، فيجري الاستصحاب حينئذ في كل من الموضوع

ص: 7

والمحمول ( و بذلك ) ظهر الحال فيما لو كان الشك في العارض والمحمول مسبباً شرعيا عن الشك في الموضوع ، فانه يجري الاصل في الموضوع ويترتب عليه الاثر ، بلا جريانه في طرف المحمول ولو على المختار من تعميم لا تنقض بصورة الشك في المقتضى ، وذلك لا من جهة حكومة الاصل الموضوعي عليه ، بل من جهة عدم ترتب اثر عملى عليه حينئذ الا بعد التطبيق الملازم لسقوطه ، لانه قبل تطبيق الموضوع واجراء الاستصحاب فيه لا يترتب على استصحاب المحمول اثر عملى لما هو الفرض من احتياج تربته الى تطبيق موضوع المتعبد به ولو تعبدا ، وبعد تطبيقه باجراء الاستصحاب فيه يسقط استصحاب المحمول ، لانه باستصحاب الموضوع يترتب عليه الاثر المزبور بلا احتياج الى جريانه في نفس المحمول ( هذا كله ) اذا كان الشك في المحمول المترتب مسبباً عن الشك في بقاء الموضوع ذاتاً او في بقاء قيده الذي له دخل فيه مع العلم بحقيقته بحدوده وقيوده ( واما لو كان ) الشك في المحمول مسبباً عن الشك في حقيقة الموضوع التردده بين الزائل والباقي، في فرض العلم بانتفاء ما يحتمل دخله في حقيقة الموضوع ، كالماء المتغير الذي زال تغيره من قبل نفسه ، اذ يشك حينئذ في بقاء المحمول الذي هو النجاسة من جهة الشك في موضوعها في انه الماء المتغير بوصف تغيره ، او ذات الماء المحفوظ مع التغير وعدمه ( فلا مجال ) لاستصحاب الموضوع ( اذهو ) من جهة تردده بين العنوانين المعلوم انتفاء احدهما وبقاء الاخر مما يختل فيه احد ركنى الاستصحاب وهو الشك على كل تقدير ( نعم ) ما هو المشكوك حينئذ انما هو العنوان المرضى كعنوان موضوع الحكم ، ومثله لا يكون موضوعا لاثر شرعى حتى يجري فيه الاستصحاب ( وبهذه الجهة ) منعنا عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد ، وفي جميع الشبهات المفهومية الحكمية نظرا الى انتفاء الشك فيها كان موضوعا للاثر الشرعي لدورانه بين ماهو المعلوم وجوده وتحققه و بين ما هو المعلوم عدم وجوده، وانتفاء الاثر فيها كان مشكوكاً ( فلابد ) في امثال هذه الموارد من الرجوع الى الاصل الحكمي ( فيتأتي ) فيه التفصيل المتقدم بين المسلكين في لزوم احراز بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب على مسلك تخصيص

ص: 8

الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع بعد احراز استعداد المستصحب للبقاء ، و عدم لزوم احراز بقائه على المسلك الاخر الا في موارد احتياج الاثر العملي في تربته الى تطبيق موضوع المتعبد به في الخارج فتدبر .

فى الاتحاد بين القضية المشكوكه والمتيقنه

( بقى الكلام )

في تحديد الموضوع والوحدة والاتحاد في الاستصحاب في انه بالنظر الدقى العقلى ، أو النظر العرف الدليلي او بالنظر العرف المسامحي حسب ما هو المرتكزه في اذهانهم من مناسبة الحكم وموضوعه ، ولو على خلاف نظرهم الدليلي ( فان للعرف ) نظرين ( أحدهما ) من حيث كونه من أهل المحاورة ومن اهل فهم الكلام وبهذا النظر يحدد الموضوع الدليلى في فهم المرادات ولو بواسطة القرائن الحافة بالكلام ( فيفرق ) بين قوله الماء المتغير ينجس ، وبين قوله الماء اذا تغير ينجس ، من حيث فهمه الموضوع فى الأول هو الماء المتغير بما هو متغير ، وفى الثاني ذات الماء وكون التغير جهة تعليلية لثبوت النجاسة للماء ( وثانيها ) بما هو المرتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه ولو على خلاف ما هو المتفاهم من الكلام ، فيرى ان موضوع النجاسة حتى في مثل قوله الماء المتغير ينجس ذات الماء وان التغير واسطة في ثبوت النجاسة ومن الجهات التعليلة ، لماهو المرتكز في ذهنه من أن النجاسة من عوارض الماء لا من عوارض الماء والتغير ، وان كان بحسب نظره الدليلي خلاف ذلك فيفهم ان موضوع النجاسة في المثال هو الماء بوصف تغير. ( غاية الامر ) لا بد من تحديد هذا الارتكاز بجد لا يكون من القرائن الحافة بالكلام بحيث يمنع عن انعقاد الظهور ، ولا من القرائن المنفصلة الموجبة لرفع اليد عن الظهور ( بل على وجه ) يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من الجهات التعليلية لا بنحو تكون علة منحصرة .

ص: 9

( و بذلك ) يندفع ماقد يتوهم من الاشكال في المقام بانه بعد الجزم ، بمرجعية العرف في تحديد مفاهيم الالفاظ وتشخيص مداليلها بلا مدخلية المعقل في ذلك ، وعدم العبره بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات ولزوم كون التعويل فيها على النظر المقلى الدقى ( لا وجه ) المقابلة بين العقل والعرف والدليل ( فانه ) ان اريد من الرجوع الى العرف الرجوع اليه في معرفة معنى موضوع الدليل وتشخيص مفهومه ، فهو صحيح الا انه لا يختص بباب الاستصحاب لعموم مرجعية نظر العرف في تشخيص مفاهيم الالفاظ وتحديد مداليلها في القضايا الشرعية وغيرها ، فلا معنى لجعل الموضوع العربي مقابلا لموضوع الدليلي في خصوص باب الاستصحاب ، لرجوع موضوع الدليلى حينئذ الى الموضوع العرفي ( وان اريد ) من الرجوع الى العرف الرجوع اليه فيما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق موضوع الدليل فى مقام التطبيق مع عدم كونه بالنظر الدقى من مصاديقه ، نظير اطلاقه مفهوم الكر والفرسخ والحقه على ما ينقص ويزيد بقليل على المقدار أو الوزن المحدود ( فقد عرفت ) انه لا عبرة بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات بعد تشخيص المفاهيم ( وعليه ) فلا وقع لجعل الموضوع العرفي مقابلا للموضوع الدليلي في باب الاستصحاب . ( وجه الاندفاع ) ما عرفت من ان للعرف نظرين ، تارة من حيث كونه من أهل المحاورة وفهم مداليل الالفاظ ، واخرى من حيث ما ارتكز في ذهنه ولو من جهة مناسبات الحكم وموضوعه بنحو يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من الجهات التعليلية لثبوت الحكم ، أو من القيود غير المقومة لحقيقية الموضوع ، مع حكمه بان ماهو ظاهر الدليل مراد الشارع من خطابه ( فالمقابلة ) بين العرف والدليل انها هو بلحاظ النظر الثاني الناشيء من المناسبات المغروسة في اذهان العرف بنحو يرى الموضوع شيئاً صالحا للبقاء ( اذ حينئذ ) احتمال مطابقة الشرع مع العرف في واقع الحكم ولبه ، منشاء للشك في بقائه ( فيقع ) الكلام في ان عموم لا تنقض في توجيه التعبد بالبقاء سيق بای لحاظ ( فان سيق ) بالانظار الدقية

ص: 10

العقلية ، فيشكل امر الاستصحاب في كل مورد احتمل رجوع القيد الى الموضوع ( لان ) مع هذا الشك لا يجزم بأتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة ( وان سيق ) بالنظر الدليلي ، فلابد من لحاظ لسان الدليل بكونه على نحو يكون القيد مأخوذا في الموضوع كقوله الماء المتغير ينجس أو مأخوذا شرطاً للحكم كقوله الماء ينجس اذا تغير بإجراء الاستصحاب في الثاني دون الاول ( وان سيق ) بالانظار العرفية ، فلابد من ملاحظة نظرهم من انه في أي مورد يفي بالاتحاد فيجري الاستصحاب وان لم يساعده العقل والدليل ، وفي أي مورد لا يفي بالاتحاد فلا يجري الاستصحاب وان ساعده العقل والدليل .

( وبعد ما اتضح ذلك ) نقول في تنقيح المرام اولا بعد عدم وقوع عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب الشرعي ، واحتياج الاستصحاب الى اعمال نحو من المسامحة في ارجاع القضية المشكوكة الى المتيقنة في اخبار الباب ، بلحاظ ان ارجاعها اليها دقة يوجب عدم اجتماع اليقين والشك في زمان واحد ، فيلزم استفادة قاعدة اليقين من اخبار الباب لا الاستصحاب ، وهو مع كونه خلاف جرى عنوان اليقين والشك بلحاظ حال النسبة المقتضى لوجود الوصفين حالها ، ينا في التطبيقات الواردة فيها من الامام ( علیه السلام ) على مورد الاستصحاب ( ان استفادة ) البقاء والاتحاد ، تارة يكون من جهة انتزاعها من ارجاع الشك الى اليقين بتوسيط لحاظ اليقين بالشيء في متعلق الشك ، في مثل قوله لا تنقض اليقين بالشك ، حيث ان اللحاظ المزبور في ارجاع الشك الى اليقين يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين الموجب لا نتزاع عنوان البقاء منه ( واخرى ) من جهة اطلاق النقض في المقام الصادق حقيقة على مجرد اتحادها باحد الانظار وان لم يكن واقعياً دقياً ( فعلى الاول ) يكون مرجع الخلاف في المقام الى ان المسامحة المزبورة هل بمقدار الغاء وحدة الزمان فيها مع حفظ سائر الجهات دقة عقلية ، كى يلزم احتياج الاستصحاب في جريانه في المتيقن الى صدق البقاء دقة عقلية ، كما في فرض أخذ عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب ( أو أن المسامحة ) ملحوظة من سائر الجهات أيضاً ( فعلى المسلك الاول )

ص: 11

لا بد من جعل مركز البحث في المقام في اختلاف الانظار، فيما قام به عنوان الاتحاد والبقاء والابقاء التعبدي الذي هو نفس كبرى المستصحب وما هو موضوع الحكم فى القضية المتيقنة ، لا في عنوان البقاء والاتحاد ، اذها كعنوان الماء والكلا من المفاهيم المحرزة من العرف في مقام شرح الفاظها ، مما لا اختلاف فيه بين العقل والشرع والعرف ، ولا بد في تطبيق عنوانها على المورد من كونه دقياً عقليا لا مسامحياً ، نظير الاوزان والمقادير ( وحينئذ ) فبعد اختلاف الانظار في موضوع الحكم باعتبار انه قد يكون عند المقل شيئاً لا يصدق عليه البقاء حتى بنظر العرف لو التفت اليه ، وعند العرف شيئاً يصدق عليه البقاء حقيقة حتى بنظر العقل ( وعدم ) امكان سوق لا تنقض في لحاظ الاتحاد بين القضيتين بجميع الانظار ، لاستلزامه اجتماع اكثر من لحاظ واحد في اللحاظ المقوم لارجاع الشك الى ما تعلق به اليقين ، كما عرفت نظيره في وجه المنع في الجمع بين القاعدة والاستصحاب ( يرجع البحث ) المزبور الى ان سوق التعبد بالبقاء في الكبريات الواقعية بلحاظ اي موضوع من العقلى او الدليلي، او العرفي بلحاظ ما يفهم من نظائره بمقتضى الارتكاز من مناسبات الحكم وموضوعه ( وبعد الجزم ) بعدم كون المدار في اخذ الموضوع واتحاد القضيتين في باب الاستصحاب على الدقة المقلية باجماع منهم ، يدور الامر بين ان تكون الكبريات الواقعية عند توجيه التعبد بالبقاء اليها ملحوظة على نحو يراها العرف من ظاهر الدليل ، كى يفرق بين ان يكون القيد المشكوك دخله مأخوذاً في الدليل بنحو التوصيف، كقوله الماء المتغير ينجس، او بنحو التعليل ، كقوله الماء ينجس اذا تغير باجراء الاستصحاب في الثاني دون الاول ( او ملحوظة ) بانظار العرف المسامحية ، كي لا يفرق بين اللسانين ، ويدور جريان الاستصحاب مدار فهم كون القيد المشكوك دخله في الموضوع من القيود غير المقومة الحقيقة الموضوع او من القيود المقومة ( فيلتزم ) بجريان الاستصحاب في الاول ولو كان اخذه في الدليل بنحو التوصيف ، وعدم جريانه في الثاني ولو كان اخذه في الدليل بلسان التعليل ( وبذلك ) ظهر انه ليس المقصود من المسامحة في المقام المسامحة

ص: 12

في تطبيق كبرى المستصحب على المورد ، كي يورد عليه بان تطبيق الكبريات الواقعية على مصاديقها لا يكون الا عقلياً ( وانما المقصود ) هو المسامحة فيها في مقام توجيه التعبد في بالبقاء اليها ، لا في نفسها مع قطع النظر عن توجيه التعبد بالبقاء نحوها ، بل ولا في البقاء والابقاء المأخوذ في كبرى الاستصحاب ( واما على المسلك الثاني ) وهو كون المسامحة في ارجاع الشك الى اليقين من سائر الجهات أيضاً على نحو يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين ( فلازمه ) كون النظر الى الكبريات الواقعية دقيقياً عقلياً حتى في مقام توجيه التعبد بالبقاء اليها فضلا عن مرحلة تطبيقاتها ( وعليه ) لا بد من جعل مركز الخلاف فى الانظار فى نفس البقاء والابقاء التعبدي الذي هو مأخوذ في نفس الاستصحاب وفي كبرى لا تنقض اليقين ، لا في كبرى المستصحب ( فانه ) يختلف فيه اللحاظ من حيث كونه ، تارة متعلقاً بالشيء بتمام خصوصياته المحفوظة فيه دقة ، واخرى لا بهذه الخصوصية بل بالنظر المسامح الموجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ، مع كون الملحوظ ايضاً تارة ذات الشيء ، واخرى بما هو مدلول الدليل ، اما بدوا او مستقرا ولو بواسطة القرائن المتصلة او المنفصلة ( وبكل نظر ) ينتزع نحواً من البقاء ( وعلى ذلك ) فليس اختلاف العقل والعرف في صدق البقاء من جهة الاختلاف في حقيقة البقاء ، بل ولا من جهة الاختلاف في حقيقة الموضوع المأخوذ في كبرى المستصحب ( وانما كان ) ذلك في ارجاع الشك الى اليقين فى كبرى لا تنقض اليقين بالشك في انه بلحاظ ونظر دقي ، او بلحاظ ونظر مسامحي موجب لا تتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ولو مع فهم العرف حقيقة موضوع كبرى الحكم في الدليل على نحو ما يراه العقل موضوعا بنحو لا يصدق البقاء عليه حقيقة حتى بنظر العرف ( ومن هنا ) يظهر انه لا يحتاج على هذا المسلك الى تنقيح موضوع كبرى الحكم الواقعي ، كى يفرق بين الاحكام المستكشفة من الاحكام المقلية والنقلية ثم التشبث في النقلية بفهم العرف موضوعاً آخراً ولو على خلاف ما يفهم من ظاهر الدليل بمناسبات ارتكازية ( بل الموضوع ) ايما كان يكتفي بالمسامحة في النظر في ارجاع القضية

ص: 13

المشكوكة الى المتيقنة في تطبيق عموم لا تنقض على المورد دقة ( بخلاف المسلك السابق ) فانه يحتاج الى تنقيح موضوع كبرى الدليل ولو بالتشبث بفهم العرف

بمناسبات ارتكازية .

( وحيث اتضح ذلك ) نقول بعد فرض عدم اخذ عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب الشرعي ، وفرض انتزاعها من ارجاع الشك الى اليقين بلحاظ اليقين بالشيء في متعلق الشك الموجب لنحو من الاتحاد بين القضيتين بنحو ينتزع منه عنوان الابقاء والبقاء ايضاً ( انه يكفي ) نفس موارد نصوص الباب والتطبيقات الواردة فيها على الاستصحاب في ترجيح المسلك الثاني من اثبات كون النظر في ارجاع الشك الى اليقين تسامحياً لا دقياً حقيقياً ( اذ مع ) لابدية اعمال المساحة في النظر في ارجاع القضية المتيقنة الى المشكوكة في انطباق أخبار الباب على الاستصحاب ( يكتفى ) بهذا المقدار من الاتحاد المسامحي في تطبيق عمومات الباب دقة على المورد ( ولا يحتاج ) الى الاتحاد الحقيقي ، كى يحتاج الى استفادة كون الموضوع في كبرى المستصحب شيئاً قابلا للبقاء الحقيقى ، ليصدق علي____ه الاتحاد الحقيقى ولو بالتشبث بفهم العرف بمقتضى الارتكاز والمناسبات ( فان ذلك ) كله انما يناسب المسلك الاول ( والا فعلى ) هذا المسلك يكفي مجرد صدق البقاء والاتحاد المسامحي بين القضيتين في جريان الاستصحاب وتطبيق عمومات الباب دقة على المورد ( ومرجع ) هذه المسامحة كما عرفت الى المسامحة في أصل كبري لا تنقض

اليقين بالشك في ارجاع الشك التى اليقين ، لا في تطبيق هذه الكبرى على المورد ، ليكون على خلاف قاعدة تطبيق الكبريات الواقعية على مصاديقها دقة عقلية ، بل التطبيق فيها ايضا يكون على الدقة العقلية ( وعلى ذلك ) لافرق في جريان الاستصحاب بين انحاء الستة الدليل ( بل مهما ) كان القيد المشكوك دخله من القيود غير المقومة يجرى الاستصحاب ( لان ) المناط فيه حينئذ على مجرد اتحاد القضيتين ولو مسامحياً ( هذا كله ) بناء على استفادة ( اتحاد القضيتين من عموم لا تنقض بلحاظ تكفله لارجاع الشك الى متعلق اليقين ) ( واما بناء ) على عدم تكفل

ص: 14

العموم المزور لمثل هذا الارجاع ، وقلنا ان الاتحاد بين القضيتين مستفاد من اطلاق النقض ( فان قلنا ) انه يصدق النقض حقيقة على مجرد وحدة القضيتين باحد

الانظار وان لم يكن حقيقيا ، فلا شبهة في شموله لجميع الانظار ، اذ مفاد العموم المزبور حينئذ حرمة كل ما يكون نقضاً لليقين بالشك سواء كان منشئه الوحدة العقلية أو الدليلية أو العرفية ، ولازمه كفاية الوحدة باحد الانظار في صدق النقض ( وأما إن قلنا ) إن صدق النقض الحقيقي يدور مدار وحدة القضيتين دق__ة عقلية ، فلا يشمل النقض العرفي المسامحي الذي هو في الحقيقة من افراده الادعائية ( لوضوح ) أنه لا جامع بين النقض الحقيقى والادعائي ، كى يشمله عموم حرمة النقض ، فيحتاج حينئذ الى قيام دليل في البين يقتضي الحاق النقض الادعائي بالنقض الحقيقى ، والا فلا يشمل إلا ما كان نقضاً حقيقياً ( اللهم إلا ) أن يقال أن مقتضى الاطلاق اللفظي في النقض و إن كان هو الاختصاص بالنقض الحقيقي ( ولكن ) مقتضى الاطلاق المقامي شموله لما كان : فى الانظار العرفية ( وحينئذ ) فبعد سوق مثل هذه القضية على الانظار العرفية يستفاد مقتضى الاطلاق المقامي كون المدار على ما يكون نقضاً بالنظر العرفي ولو لم يكن نقضاً بمعناه الحقيقي ، ولا يعتنى بما يقتضيه الاطلاق اللفظي من الاختصاص بالنقض الحقيقي المستتبع الوحدة الحقيقة بين القضيتين ( لان ) تمامية هذا الاطلاق فرع عدم تمامية الاطلاق المقامي الذي من مقدماته غفلة العرف غالباً عن كثير من المصاديق الحقيقية ، وإلا فبعد تمامية الاطلاق المقامي من الخطاب المتوجه الى العرف يستكشف عن ان المدار التام على ما هو نقض بنظر العرف لا على النقض الحقيقي ( بل وبناء ) عليه يمكن دعوى عدم شمول مثل هذا الخطاب المتوجه الى العرف للنقض الدقي الذي لا يفهمه العرف كما هو ظاهر ( بل و لعل ) مثل هذه الجهة هو المنشأ أيضاً في مصيرهم الى كون المدار في بقاء الموضوع واتحاد القضيتين على الانظار العرفية ، بلا اعتناء منهم على صدق النقض عممناه الحقيقي والله العالم بالحال .

ص: 15

فى شرح الورود والحكومة والتخصص والتخصيص

( الامر الثاني )

يعتبر في الاستصحاب ان يكون ما احرز ثبوته مشكوك البقاء والارتفاع والا فلو احرز بقائه او ارتفاعه فلا استصحاب ووجهه ظاهر ( وهذا ) في الاحراز الوجداني واضح ( وانما الكلام ) في الاحراز التعبدي الحاصل مما أقامه الشارع مقام الاحراز الوجداني ، كالطرق والامارات المعتبرة ( ومنشأ ) الاشكال بقاء الشك الوجداني فى البقاء والارتفاع على حاله وعدم زواله بقيام الطرق والامارات على البقاء او الارتفاع ( ولكن ) مع ذلك لا اشكال بينهم في الاخذ بالطرق والامارات وعدم الاعتناء معها بالاستصحاب ( وان كان ) قد يظهر من بعضهم في بعض المسائل الفقهية اعمال المعارضة بينها أو الاشكال في تقديم الامارة عليه ( ويمكن ) أن يكون ذلك منهم للبناء على كون الاستصحاب من الامارات الظنية كما يشهد به استدلالهم للاستصحاب بكونه مفيدا للظن بالبقاء وحكم العقل بالاخذ بالراجح ( وإلا ) فبناء على اخذه من الاخبار وكونه من الاصول العملية كما عليه المحققون فلا اشكال في تقديم الامارة ولو على البقاء وعدم جريان الاستصحاب معها ( نعم ) انما الخلاف بينهم في وجه تقديم الامارة من كونه بمناط الورود او الحكومة او التخصيص .

( ولتحقيق ) الكلام في المقام لا بأس بالاشارة الاجمالية الى معنى الورود والحكومة وبيان الفارق بينها وبين التخصص والتخصيص ( فنقول ) : اما الورود فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعاً لموضوع دليل المورود وجدانا وحقيقة بحيث لولا جريانه لمكان المورود جارياً ، كما في الطرق والامارات المعتبرة بالنسبة الى الاصول العقلية ، كالبرائة والاحتياط والتخيير ( حيث ) ان الامارة بقيامها في مورد على الوجوب أو الحرمة مثلا تكون بياناً على الواقع ، فير تفع

ص: 16

اللابيان الذي هو موضوع البرائة العقلية ، كما انه يتحقق المؤمن عند قيامها على الاباحة فيرتفع احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط ، ويرتفع به ايضاً التحير الذي هو موضوع حكمه بالتخيير ( نظير التخصص ) غير ان الميز بينها هو ان في التخصص يكون خروج المورد عن تحت دليل الآخر ذاتيا ، كما في خروج زيد الجاهل عن عموم اكرم العلماء ، بخلافه في الورود ، فان خروج المورد عن تحت دليل المورود عرضي ناشيء عن تصرف من الشارع بالتعبد بدليل الوارد ، بحيث لولا عناية التعبد بدليله لكان دليل المورود جاريا وشاملا للمورد ( ولذلك ) نفرق في الاصول العقلية تخصصاً وورودا بين الادلة القطعية والتعبدية بخروج المورد عن مجرى الاصول في الاول من باب التخصص وفي الثاني من باب الورود ( وأما الحكومة ) فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال مفاد دليل آخر ، اما بعناية التصرف في عقد وضعه توسعة او تضييقاً بإدخال ما يكون خارجاً عنه أو اخراج ما يكون داخلا فيه ، كقوله زيد عالم او ليس بعالم عقيب قوله اكرم العالم ( وأما ) في عقد حمله بكونه ناظرا ولو بدوا الى تعيين مفاده ، كقوله لا ضرر ولا ضرار ولا حرج في الدين بعد تشريع الاحكام ، أو قبله ( وبذلك ) يفترق الحاكم عن المخصص ، فان الحكومة بحسب النتيجة وان كانت تشارك التخصيص من حيث كون خروج المورد عن تحت دليل الآخر حكيا لا حقيقياً ، ( الا ان الفرق ) بينها هو ان في التخصيص يكون خروج المورد عن تحت العام بلا تصرف من المخصص في عقد وضع العام أو عقد حمله كما في قوله لا تكرم زيدا بعد قوله اكرم العلماء ، وفي الحكومة يكون ذلك بعناية تصرف من الحاكم في عقد وضع المحكوم ادخالا او اخراجا ، او في عقد حمله ( وربما ) يكون بينها الفرق من جهات اخرى يأتي تفصيله في مبحث التعادل والتراجيح .

( وبعد ما عرفت ذلك ) نقول ان التنزيل المستفاد ادلة الامارات ، اما من ان يكون ناظراً الى حيث تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع ، واما أن يكون ناظرا الى المؤدى باثبات كونه هو الواقع ، بلا تكفله الحيث تتميم كشف الامارة

ص: 17

( فعلى الاول ) كما هو التحقيق يكون تقديم الامارة على الاصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة لا غيرها ( اذهى ) بدليل تتميم كشفها تكون رافعة المشك الذي اخذ موضوعا في الاصول ، ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية في مثل دليل الحلية ودليل حرمة النقض ، وبهذا الاعتبار تكون ناظرة الى نفى الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع واستتاره ( ومعه ) لا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب من نقض اليقين بالشك ، بل كان من نقض اليقين باليقين

( من غير فرق ) في ذلك بين ان نقول برجوع التنزيل في مفاد لا تنقض الى المتيقن ولو بتوسط اليقين ، او الى نفس اليقين ، فانه على كل تقدير يكون تقديم الأمارة عليه بمناط الحكومة لا بمناط الورود ( اذ لا وجه ) حينئذ لدعوى ورودها عليه بعد بقاء الشك الوجداني على حاله الا باحد الامور ( اما دعوى ) كون المراد من اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للنا قضية عملا كي يشمل اليقين الوجداني والتعبدى ( او دعوى ) ان المراد منه خصوص اليقين الوجداني ولكن متعلقه اعم من الحكم الواقعي والظاهري ( واما دعوى ) كون المراد منه مطلق الحجة سواء كانت عقلية كالعلم او شرعية كالامارات ، وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الاصول ( فانه ) على كل واحد من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الاصول لكونها موجبة لخروج المورد حقيقة عن موضوع دليل الاصول ( ولكن ) الجميع كما ترى تخالف جدا ظواهر ادلة الاصول ( لوضوح ) ظهورها في ان الغاية فيها هي خصوص اليقين الوجداني المتعلق بخصوص الحكم الواقعي ، كظهورها في اختصاص الشك المأخوذ في موضوعها بالشك بالحكم الواقعي ، لا الشك بمطلق الحكم ( ومع هذا ) الظهور ، لا مجال لتوهم ورود الامارة عليها ، بل لا محيص من ان يكون تقديمها عليها بمناط الحكومة بالحكومة الظاهرية، لا الواقعية اذ عليه يكون كل من المعرفة والمتعلق في الاصول على ظاهره في الاختصاص بالمعرفة الوجدانية المتعلقة بخصوص الحكم الواقعي ( واما على الثاني ) الراجع الى كون التنزيل فيها راجعا الى المؤدي بالبناء على كونه هو الواقع بلا نظر الى تتميم كشفها واثبات الاحراز

ص: 18

التعبدي للواقع ( فلا مجال ) لتقريب حكومة الامارات على الاصول ( لوضوح ) عدم اقتضاء الامارة حينئذ لا ثبات الاحراز التعبدي للواقع و نفى الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع ( فان ) غاية ما يقتضيه دليل الامارة حينئذ انما هو مجرد تنزيل المؤدي منزلة الواقع والامر بالمعاملة معه معاملة الواقع ، ومثله غير مثبت للع_ المسلم بالواقع واو تعبدا کي به يتحقق مناظ حكومتها على ادلة الاصول ( وبذلك ) نقول ان ما افاده المحقق الخراساني قده من منع الحكومة على هذا المسلك الذي هو مختاره في غاية المتانة ، وان كان ما افاده حينئذ من تقريب الورود في غير محله كما بيناه ( وحينئذ ) فبعد انهدام اساس حكومة الامارات وورودها على ادلة الاصول، يتحقق التنافي لا محالة على هذا المسلك بين مفاد الامارات وبين مفاد الاصول ( حيث انه ) مع بقاء الشك الوجداني بالواقع على حاله وعدم ارتفاعه

بقيام الامارة لا وجدانا ولا تعبداً وتنزيلا ، يجري فيه الاستصحاب لا محالة ، ومعه لابد وان يكون تقديم الامارة عليه بمناط التخصيص ، لا بمناط الحكومة او الورود ( بل لازم ) هذا المسلك ايضاً عدم قيام الامارة مع مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع او تمامه على وجه الطريقية ( لان ) ذلك من لوازم رجوع زيل فيها الى تتميم الكشف واثبات الاحراز التعبدي للواقع ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد اصل هذا المسلك ( فان التحقيق ) كما حققناه في محله هو المسلك الاول ، وعليه يكون تقديمها على الاصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة ، كما انه عليه يصح قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي جزءاً او تماماً ( ثم ان ) ما ذكرناه من حكومة الامارات على الاصول انما هو بالنسبة الى الاصول الشرعية ، والا فبالنسبة الى الاصول العقلية ، كالبرائة والاحتياط والتخيير فتقديمها عليها لا يكون الا بمناط الورود كما اشرنا اليه ووجهه واضح .

ص: 19

في نسبة الاستصحاب مع مشكوك الاماريه اومع الاصول و وجه تقديمها عليه

( الامر الثالث )

قد ظهر من مطاوى ما ذكرنا الفرق بين الامارة والاصل ، وان الميزان في كون الشيء اصلا انما هو بعدم كون دليل اعتباره ناظراً الى تتميم كشفه وان كان فيه جهة كشف عن الواقع ، كما ان الميزان في كون الشيء امارة انما هو بكونه كاشفاً عن الواقع ولو بمرتبة ما مع كون دليل اعتباره ناظراً الى تتميم كشفه ( فكل ) ما اعتبره الشارع بلحاظ كشفه عن الواقع يكون امارة ( وكل ) مالم يعتبره الشارع من هذه الجهة ، اما بان لا يكون له كشف عن الواقع اصلا ، اوكان له ذلك ولكن لم يكن اعتباره من هذه الجهة يكون اصلا ، وان كان في نفسه مقدماً على بعض الاصول كالاستصحاب مثلا ( وعلى ذلك ) قد يتردد بعض الامور ، بين كونه اصلا ، او امارة ، بلحاظ خفاء وجه اعتباره في انه من حيث كشفه ، او من حيث نفسه تعبدا ، كما في اليد ، واصالة الصحة ، وقاعدتي الفراغ والتجاوز ونحوها ( ومن هنا ) وقع فيها البحث والخلاف في انها من الامارات او من الاصول والقواعد التعبدية ( وكذا ) في وجه تقديمها على الاستصحاب في انه بمناط الحكومة او التخصيص ، كوقوع الخلاف بينهم في وجه تقديم الاستصحاب على سائر الاصول ، وفي حكم معارضته مع القرعة ونحوها ( وتنقيح الكلام ) في هذه الجهات يحتاج الى التكلم في مقامات ( الأول ) في نسبة الاستصحاب مع ما يشك كونه من الامارات او الاصول ، كاليد واصالة الصحة ونحوها ( الثاني ) في معارضة الاستصحاب مع القرعة ونحوها ( الثالث ) في عدم معارضة سائر الاصول مع الاستصحاب ( الرابع ) في حكم تعارض الاستصحابين .

( اما المقام الاول ) فيقع الكلام فيه فى مسائل ( المسئلة الاولى ) في اليد فنقول لا اشكال في اعتبارها في الجملة ، وتقدمها على الاستصحاب والحكم لصاحبها

ص: 20

تقديم اليد على الاستصحاب وهل اليد امارة اواصل

بالملكية ( كما لا اشكال ) ايضاً فى عدم كونها من الامور التي ثبت اعتبارها بتأسيس من الشرع ، بل هي نما استقرت عليه طريقة العرف والعقلاء ، كما يرشدك الى ذلك التعليل الوارد في ذيل رواية حفص بن غياث بقوله ( علیه السلام ) ولو لم يجز هذا ما قام المسلمين سوق ( وانما الكلام ) فى انها من الامارات او من الاصول العملية ( فان ) مجرد بناء العرف والمقلاء على الاخذ بها وترتيب آثار ملكية ما في اليد لصاحبها لا يقتضى اماريتها ( لان ) العقلاء كما ان لهم أموراً يرجعون اليها لكونها كاشفة عن الواقع ، كذلك لهم امور يرجعون اليها عند استتار الواقع باعتبار كونها وظيفة عملية في ظرف الجهل بالواقع ( فيمكن ) ان يكون اعتبارهم اليد في الحكم بالملكية لصاحبها من جهة كونها من الاصول المتوقف عليها نظام معاملاتهم ، لا من جهة كونها من الامارات الكاشفة عن الواقع ( كما ان ) مجرد تقدم الاقرار والبينة عليها لا يقتضي اصليتها ، لا نه كثيرا يتقدم الامارات بعضها على بعض من جهة اقرائية كشفه ، فيمكن ان تكون اليد من الامارات الكاشفة عن الواقع ، ومع ذلك يقدم الاقرار والبينة عليها ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لا مجال للتشبت بالاخبار الواردة في الباب لاثبات امارتيها ( لانها ) انما كانت واردة في مقام تقرير سيرة العقلاء وبنائهم على ترتيب اثر الملكية على ما في اليد لصاحبها ، وهذا المقدار كما يناسب امارية اليد يناسب اصليتها ايضا ( ولكن ) الانصاف هو كونها من الامارات الكاشفة نوعا عن الواقع ( لان ) الظاهر من بناء العرف والعقلاء على الاخذ باليد انما هو لكشفها الناشيء عن غلبة ما في اليد لصاحبها بنحو موجب لركون النفس اليها ، لان الغالب في مواردها كون ذي اليد مالكا لما في يده ، ( لا ان ) ذلك منهم المحض تعبدهم بها لاستقامة نظام معاملاتهم ، فان ذلك وان كان ممكنا في نفسه كما اشرنا اليه الا انه بعيد جدا ( وحينئذ ) فلا ينبغي الاشكال في كونها من الامارات العرفية العقلائية ، وفي تقدمها على الاستصحاب بمناط الحكومة ( نعم ) يبقى الكلام في ان اعتبار اليد في باب الاملاك ، هل هو بنحو الاطلاق ولو مع كونها معلوم العنوان من بدو حدوثها ككونها عادية او امانية او عدم كون المال

ص: 21

اقسام اليد واحكامها

بطبعه مما يقبل للنقل والا نتقال كالوقف مثلا ( اوان ) اعتبارها مخصوص بما كان اليد من الأول مجهول العنوان بحيث يحتمل انتقال المال الى ذي اليد من بدو حدوثها ( وعلى الاول ) فهل يجري الاستصحاب في عنوان اليد وعنوان المال و يقدم على اليد ام لا .

(وتحقيق ) المرام في المقام يستدعى بيان اقسام اليد والشقوق المتصورة فيها ( فنقول ) ان اليد على الشيء تارة يعلم عنوانها عند حدوثها من كونها عادية او امانية باجارة ونحوها الا أنه يحتمل انقلابها بقاء الى يد مالكية بشراء ونحوه ( واخرى ) لا يعلم عنوانها من بدو حدوثها بل يحتمل ملكية ما في اليد لصاحبها حين وضع اليد عليها ( وعلى الثاني ) فتارة تكون اليد على ما كان ملكا للغير واحتمل انتقاله اليه بناقل شرعى من بيع ونحوه ( واخرى ) تكون اليد على ما كان وقفاً قبل وضع اليد عليه واحتمل انتقاله اليه باحد مجوزات بيع الوقف ( وثالثة ) لا يعلم ذلك بل يحتمل ملكية ما في اليد بالحيازة ( وعلى الاول ) فتارة يكون في قباله من يدعى ملكية المال من اجنبي ، او من ذي اليد السابق ( واخرى ) لا يكون في قباله من يدعى الملكية ( وعلى الأول ) فتارة يقيم المدعى البينة على دعواه ( واخرى ) لا يقيم البينة على دعواه ( وعلى الاخير ) فتارة يعترف ذو اليد بملكية ما في اليد للمدعى، واخرى لا يعترف بذلك ( فهذه ) صور متصورة فيها وينبغي افراد كل واحدة منها بالبحث .

( فنقول ) اما الصورة الاولى وهى ما اذا علم عنوان اليد وأنها حدثت على وجه الغصب او الامانة او الاجارة ، ثم احتمل انتقاله اليه بناقل شرعي ( فالظاهر ) عدم شمول دليل اعتبار اليد لمثلها ، لقوة دعوى اختصاص ادلة اليد بغير هذا الفرض ، بل يكفي في عدم حجيتها الشك في شمول دليل الاعتبار لمثلها ( لان ) عمدة الدليل على الحجية انما هى السيرة وبناء العقلاء وهى لكونها لبية لا اطلاق لها والقدر المتيقن منها ما عدا هذا الفرض ( واما الاخبار ) الواردة في الباب ، فقد عرفت ورودها في مقام تقرير سيرة العقلاء من الاخذ باليد وترتيب اثر الملكية

ص: 22

فيما اذا علم عنوان اليد وانها غصب ثم احتمل انتقاله اليه شرعاً

لصاحبها ، لا في مقام التأسيس ، كي يمكن الاخذ بإطلاقها لحجية مثل هذا اليد ( نعم ) لو اغمضنا ذلك وقلنا باماريتها واعتبارها مطلقا ( لا مجال ) لتقديم استصحاب ملكية المال للمالك او استصحاب حال اليد عليها ( بدعوى ) ان استصحاب حال اليد يمنع عن المارية اليد للمسكية لان اليد انما تكون امارة على الملك وتثبت الملكية الفعلية اذا لم تكن معنونه بعنوان الغصب او الامانة او الاجارة، والاستصحاب يثبت بمدلوله المطابقي تعنونها بالغصبية او الامانية، فلا يبقى معه مجال السكشف بها عن الملكية ( اذ فيه ) انه بعد فرض المارية اليد واحتمال انقلابها بقاء الى يد مالكية لا مجال لجريان الاستصحاب المزبور فضلا عن تقدمه عليها ، ( لان ) لازم امارية هذا اليد وشمول دليل الاعتبار لها ، هو كونها بدليل اعتبارها رافعة للجهل عن ملكية ما في اليد لصاحبها ، ولازم تطبيق يد المالكية عليها هو عدم كونها غصبية ولا امانية في الظاهر ، فيرتفع به موضوع الاصل من جهة حكومتها عليه ( كما هو الشأن ) في مطلق معارضة غير الامارات معها ( نعم ) انما يكون لمثل هذا الكلام مجال ، اذا كان الجهل بالعنوان في دليل الاعتبار مأخوذاً في موضوع اليد ، لا مأخوذاً فيها على نحو الموردية ( اذ بعد ) عدم اقتضاء اليد لرفع مثل هذا الجهل المأخوذ في موضوعها تكون الاستصحاب المزبور باثباته لعنوان اليد حاكما عليها ( ولكن ) ليس الامر كذلك بل الجهل فيها مأخوذ على نحو الموردية ، فيرتفع بدليل اعتبارها تعبدا ، وبذلك يرتفع موضوع الاستصحاب المزبور ( مع ان ) لازم ذلك هو كون اليد من الاصول ، لا من الامارات وهو مع انه خلاف التحقيق ، خلاف مختار القائل المزبور ايضاً ( وحينئذ ) فالالتزام بكون اليد من الامارات الملازم لاخذ الجهل بالعنوان فيها على نحو الموردية ، مع دعوى جريان الاستصحاب في عنوان اليد وحكومته على اليد لا يخلو عن تهافت واضح ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن حجية مثل هذه اليد ما ذكرناه من عدم مشموليتها من الاول لدليل الاعتبار ، لا انها تكون بنفسها مشمولة لدليل الاعتبار وان استصحاب عنوان اليد مانع عن حجيتها ( فعلى كل تقدير ) يكون الاستصحاب

ص: 23

المزبور اجنبياً عن مرحلة المانعية عن امارية اليد المزبورة وحجيتها ( لانها ) اما ان لا يشملها دليل الاعتبار من الأول ، واما ان يشملها ( فعلى الثاني ) لا يصلح الاستصحاب المزبور للمنع عن امارية اليد المزبورة وحجيتها ( وعلى الاول ) هى بنفسها غير مشمولة لدليل الاعتبار ولو لم يكن هناك استصحاب ( فالتمسك ) بالاستصحاب المزبور في هذه المرحلة اجنبي غير مفيد ( نعم ) في فرض عدم شمول دليل الاعتبار لليد المزبورة ، يثمر هذا الاستصحاب في مرحلة ضمان صاحب اليد ( حيث ) انه بعد عدم اقتضاء اصالة بقاء ملكية الغير للمال لاثبات الغصبية او الامانية لليد الا على المثبت ، يؤخذ باستصحاب عنوان غصبية اليد او امانيتها للحكم بالضمان وعدمه ( ولكن ) هذه الجهة غير مرتبطة بمقام مانعية الاصل عن امارية اليد كما هو ظاهر .

فيما اذا كان اليد على مالا يكون قابلاً للانتقال الا باحد المجوزات....

( ومن هذا البيان ) يظهر الحال فيما بنوا عليه من قبول السجلات وانتزاع المال من ذي اليد المدعى للملكية اذا كان في يد الطرف ورقة الاستيجار المعتبرة المثبتة لكون اليد على المال يدا اجارية ( حيث ان ) بنائهم على قبول السجلات وانتزاع المال من صاحب اليد ليس من جهة تقديم الاستصحاب المزبور على اليد ، بل انما هو من جهة عدم مشمولية اليد المعلوم حدوثها على مال الغير بعنوان الغصب او الامانة من الاول لدليل الاعتبار ( اذ حينئذ ) يكفي في انتزاع المال عن ي______ده مجرد استصحاب بقاء ملكية الغير للمال ، بلا احتياج الى استصحاب عنوان اليد الا في مقام الحكم بالضمان وعدمه .

( واما الصورة الثانية ) وهي ما اذا كان اليد على مالا يكون قابلا للمنقل والانتقال الاباحد المجوزات كالوقف ( فتارة ) يعلم كيفية حدوثها على المال وانها حدثت على ما كان وقفاً بعنوان الغصب او الاجارة واحتمل بعد ذلك طرو بعض مسوغات انتقاله الى ذي اليد ( واخرى ) لا يعلم ذلك بل يحتمل اقترانها حين حدوثها على المال ببعض المجوزات الموجبة لانتقالها اليه ، و بالجملة يحتمل حدوثها بعد بطلان الوقف وكونها يدا مالكية من بدو حدوثها ( فعلى الاول ) فالحكم

ص: 24

فيه كما تقدم حرفاً بحرف ( واما على الثاني ) فالذي يظهر من السيد الطباطبائي اليزدي قده في كتاب قضائه هو الحكم بإمارية مثل هذا اليد للملكية وعدم انتزاع المال من صاحبها وتسليمها الى ارباب الوقف ، ولعله اخذه من استاذه العلامة السيد محمد باقر الاصبهاني قده ، حيث اشتهر منه هذا الحكم في اصبهان .

( وقد اورد ) عليه بعض الاعلام على ما في التقرير بان اليد انما تكون حجة وامارة على الملك اذا كان المال بطبعه قابلا للنقل والانتقال الى ذى اليد ) والوقف ( لا يكون كذلك ( فان ) قابليته لذلك انما هو بعروض احد مسوغات البيع ، فلابد اولا من اجراز هذه الجهة كى في المرتبة التالية ينتهي الأمر الى امارية اليد للملكية ( ولا يكاد ) يحرز القابلية المزبورة بالمارية اليد ، لان غاية ما تقتضيه اليد انما هو ملكية المال الذى اليد وانتقاله اليه باحد اسباب النقل ، واما اقتضائها لقابلية المال للنقل والانتقال فلا ( لان ) مثل هذه الجهة انما تكون من قبيل الموضوع بالنسبة الى الجهة التي تقتضيه اليد من الملكية ، بلحاظ ان امارية اليد للملكية انما هي في موضوع قابل للنقل والانتقال ( فكان ) مثل هذه الجهة من القابلية مأخوذة في موضوع اليد ، لا انها من قبيل اللوازم والملزومات كى يقال ان الامارة على اللازم امارة على الملزوم وبالعكس ( وحينئذ ) فمع الشك في قابلية المال للنقل والانتقال للشك في طرو مجوزات النقل عليه ، وعدم امکان احراز هذه القابلية بنفس اليد ، تجري اصالة عدم طرو مسوغات النقل عليه وبذاك تسقط اليد عن الحجية ، فيحكم بعدم الملكية لاقتضاء الاستصحاب المزبور ارتفاع موضوع اليد ( اقول ) ولا يخفى ان اناطة اليد في اعتبارها واماريتها ، اما ان تكون بالقابلية الواقعية ، واما ان تكون بعدم العلم بعدم القابلية ، وكفاية الشك فيها في اعتبارها واماريتها ( وذلك ) ايضا تارة باناطة عقلية ، واخرى شرعية ( فعلى الاول ) لا شبهة في انه بمجرد الشك في القابلية تسقط اليد عن الحجية ( لاقتضاء ) الشك في الشرط الذي هو القابلية، الشك في المشروط ( ومعه ) لا يحتاج الى الاستصحاب المزبور وتحكيمه على اليد ، لوضوح انه مع الشك في القابلية المزبورة تسقط اليد بنفسها

ص: 25

عن الحجية والامارية ولو لم يكن هناك استصحاب ، لا انها كانت حجة وبالاستصحاب تسقط عن الحجية ( فتحكيم الاستصحاب ) حينئذ على اليد واسقاطها به عن الحجية ممالا وجه له ( واما على الثاني) وهو اناطة الحجية بالشك وعدم العلم بعدم القابلية ( فان كانت ) الاناطة عقلية فلا مانع عن الأخذ باليد والحكم بالملكية الشك المزبور ( واستصحاب ) عدم القابلية وعدم طرو مجوزات النقل والانتقال ، غير مثمر في المقام بعد عدم اقتضائه لنفي الشك في القابلية ، وعدم كونه ناظرا الى الآثار المقلية من نفي ما هو شرط حجية اليد واماريتها على ملكية ما في اليد ( بل اليد المزبورة ) حينئذ بمقتضى دليل اعتبارها ترفع الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب فتكون حاكمة عليه ( وان كانت ) الاناطة شرعية ( فإن قلنا ) في مفاد لا تنقض بان التنزيل فيه راجع الى المتيقن بلحاظ اليقين مرآتا او طريقا الى المتيقن ، فلا ثمرة ايضا للاستصحاب في اسقاط اليد عن الحجية ، بلحاظ عدم اقتضائه لرفع الشك عن القابلية المزبورة ( لوضوح ) ان مثل هذه الجهة مخصوص بالامارات دون الاصول، فيجري حينئذ دليل اليدو يقتفى الحكم بملكية ما في اليد لصاحبها ( نعم ) غابة ما يقتضيه الاستصحاب المزبور حينئذ وقوع المعارضة بينه وبين اليد ( فانه ) بعد عدم اقتضاء اليد حسب اناطة حجيتها شرعاً بالشك في القابلية ، لرفع هذا الشك الذي انيط به حجيتها ، يجري الاستصحاب ، فيتحقق بينها المعارضة ( وان قلنا ) برجوع التنزيل فيه الى نفس اليقين والامر بالمعاملة مع اليقين السابق معاملة الباقي ، يكون الاستصحاب حاكما على اليد ( من جهة ) كونه بالعناية مثبتاً للمعلم بعدم قابلية المال المنقل والانتقال فيرتفع به ما هو شرط حجية اليد واماريتها .

( فتلخص ) ان الاستصحاب اما ان لا يحتاج اليه اصلا ، كما في فرض اناطة اليد في حجيتها بالقابلية الواقعية ، فان مجرد الشك في القابلية كاف في سقوط اليد عن الحجية بلا احتياج الى الاستصحاب ( واما ) ان لا يجري لحكومة اليد عليه

ص: 26

كما في فرض اناطة الحجية فيها عقلا بالشك في القابلية ، فانه من جهة موردية الشك للامارة تجري اليد وبجريانها يرتفع الشك الذي هو مأخوذ في الاستصحاب ( واما ) ان يجرى ويعارض اليد ، كما في فرض اناطة اليد في حجتها شرعا بالشك في القابلية وعدم العلم بها بعد البناء على رجوع التنزيل في مفاد لا تنقض الى المتيقن ( نعم ) ، على المختار من رجوع التنزيل فيه الى نفس اليقين يجري الاستصحاب في هذا الفرض فيوجب سقوط اليد عن الحجية بمناط الحكومة وذلك بناء على امكان امارية الشيء بالنسبة الى الملزوم دون اللازم او بالعكس ، وإلا فعلى فرض عدم التفكيك بينها في امارية الشيء لا محيص من المعارصة بين اليد والاصل المزبور ( لان ) كل واحد يرفع موضوع الآخر ( وبعد ) انتهاء الامر الى ذلك ، امكن دعوى تعين الأخير ( لانه ) القدر المتيقن من دليل حجية اليد، كما هو الشأن في كل مورد دار الامر في الشيء بين المطلق والمقيد مع لبية دليله ، حيث ان المتيقن منه هو المعنى المضيق دون الموسع ( وعليها )فيندفع احتمال عدم اناطة حجية اليد بشيء اصلا ، أو اناطتها بالشك في القابلية باناظة عقلية المستلزمة الجريان دليل اليد ولو مع قيام الاستصحاب على الخلاف ( واما ) احتمال كون المنوط به هو القابلية الواقعية المستتبعة لسقوط اليد بنفسها عن الحجية بصرف الشك في القابلية فبعيد جدا ، لاقتضائه الفاء اليد في كثير من الموارد التي يرجع الشك فيها الى الشك في قابلية المحل الملكية والنقل والانتقال ( وهو ) كما ترى ينا في التعليل المذكور في الرواية عمانه لو لم يجز هذا لم يبق للمسلمين سوق الظاهر في التوسعة والتسهيل فى ذلك حفظا لنظام المعاملات وعدم اختلال السوق وتعطيله فتدبر .

فيما يكون اليد على ما يقبل الانتقال واحتمل انتقال المال الى صاحب اليدمن بدوحدوثها

( واما الصورة الثالثة ) وهي ما تكون اليد على ما يقبل النقل والانتقال بطبعه واحتمل انتقال المال الى صاحب اليد من بد وحدوثها ( فهي ) على اقسام ( منها ) ما اذا لم يكن في مقابل ذى اليد من يدعى ملكية المال ، ولم يكن اعتراف من ذى اليد ايضا على خلاف ما تقتضيه اليد ، ولا قيام البينة على ملكية ، ما في اليد للغير ( ولا اشكال ) فى الاخذ باليد في هذا القسم ووجوب ترتيب آثار الملكية لذى اليد .

ص: 27

غير فرق في ذلك بين ان تكون مسبوقة بيد اخرى محترمة اولا ( فانه ) على كل تقدير يعامل مع ذى اليد الفعلى معاملة المالك لما في يده ، ولا يعتني باستصحاب بقاء المال على ملك المالك الاول ، لحكومة اليد على الاستصحاب المزبور ( وكذا الحال ) فيما اذا اقر ذو اليد او قامت البينة على الملكية السابقة لشخص آخر ( فانه ) مع عدم من يدعى الملكية لا اثر لاقراره ولا لقيام البيئة المزبورة ، اذ لا يزيد ذلك عن العلم بملكية المال سابقا لغير ذي اليد ، فلا ينتزع المال من يده .

( ومنها ) ما اذا كان في مقابل ذي اليد من يدعى ملكية المال ( فان ) لم تثبت ملكية المال للمدعي ، ببينة ونحوها فلا اشكال في استقرار المال في يده ايضا و عدم انتزاعه منه وتسليمه الى المدعي ( وان ثبت ) كون المال ملكا للمدعي ( فان كان ) الثابت هو الملكية الفعلية ببينة ، أو اقرار من ذي اليد ، او بعلم الحاكم ، فلا اشكال في انه ينتزع منه المال ويسلم الى المدعي ، على اشكال في الاخير ينشأ من جواز حكم الحاكم بعامه ( واما ان كان ) الثابت هو الملكية السابقة قبل استيلاء ذي اليد على المال ، ( فتارة ) يكون ثبوت ذلك بعلم الحاكم ( واخرى ) يكون بالبينة ، ( وثالثة ) باقرار من ذى اليد بالملكية السابقة للمدعي .

( فعلى الاول ) لا اشكال في عدم انتزاع المال عن ذي اليد ، لانه لا اثر لعلم لحاكم بان المال سابقاً كان ملكا للمدعي قبل استيلاء ذي اليد عليه بعد احتمال انتقاله اليه بناقل شرعى ( واستصحاب ) بقاء المال على ملك المدعي، قد عرفت كونه محكوما باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية لذي اليد .

( وعلى الثاني ) فالمحكى عن بعض انه ينتزع المال عن ذى اليد بقيام البيئة على الملكية السابقة للمدعي الا أن يقيم ذو اليد البينة على انتقال المال اليه ( وحكى ) عن آخر انتزاعه عن يده اذا ضم الشاهدان الى شهادتها بالملكية السابقة عدم العلم بالانتقال الى ذي اليد ( ولكن الأقوى ) عدم انتزاع المال عن ذى اليد مطلقا ( لوضوح ) ان البينة على الملكية السابقة لا تزيد حكمها عن علم الحاكم بذلك مع احتمال انتقال المال الى

ص: 28

ذي اليد بناقل شرعي ( اذاقصى ) ما يلزم في المقام هو التشبث باستصحاب بقاء الملكية السابقة للمدعي ، ( وهو ايضاً ) محكوم باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية لذي اليد ( وبذلك ) ظهر انه لا أثر لضم الشاهد عدم العلم بالمزيل بشهادته في انتزاع المال عن ذي اليد في مقابل اليد الفعلية ( نعم ) انما ينتزع المال عن يده اذا شهدا بالملكية الفعلية للمدعى ولو بمقتضى استصحابها الملكية السابقة عملا بالبينة وعدم تعطيلها في الدعاوي ( وتوهم ) عدم جواز ذلك لكونه من التدليس في الشهادة واعمالا منهما للاستصحاب في مورد لا يجوز اعماله ، لكونه محكوما باليد التى تكون حجة على الملكية الفعلية حتى بالنسبة الى الشاهدين ( مدفوع ) بانه كذلك لو لا علم الشاهدين بعنوان اليد من الاول الموجب لعدم حجية اليد عندهما ( والا ) مع علمها بعنوان اليد من الاول لا محذور في الشهادة بالملكية الفعلية استناداً الى استصحاب عنوان اليد وبقاء الملكية السابقة ( خصوصا ) مع ندرة علم البنية في الاملاك بالملكية الفعلية الجزمية لذى اليد السابق ( فان الغالب ) فيها عدم علم الشاهدين بذلك ولو بضم علمها بعنوان اليد من الاول واحتمال انتقال المال الى ذي اليد الفعلى بناقل شرعي ( اذ حينئذ ) مقتضى عدم تعطيل بينة المدعى في الاملاك في الموارد الغالبة ، لابد من الالتزام بانتزاع المال عن ذى اليد اللاحقة بمقتضى البيئة على الملكية الفعلية لذى اليد السابقة .

( واما على الثالث ) وهو ما اذا اقر ذو اليد بالملكية السابقة للمدعي ( فتارة ) لا ينضم الى اقراره دعوى انتقال المال اليه ( واخرى ) ينضم الى اقراره ذلك ( فعلى الاول ) قد يقال انه باقراره ينتزع عنه المال ويسلم الى المدعى ( لان ) اقراره مكذب لدعواه الملكية الفعلية ( فانه ) لا يمكن خروج المال عن ملك من كان مالكا له ودخوله الى ملك ذي اليد بلا سبب ، فدعواه الملكية الفعلية تكون مناقضة لاقراره ، ومقتضى الاخذ باقراره بطلان يده وعدم سماع دعواه الا بالبينة ( وفيه ) ان مجرد اقراره بالملكية السابقة للمدعى لا يقتضي تكذيب نفسه في دعواه الملكية الفعلية وبطلان يده فى الكاشفية عن الملكية الفعلية ( إذ لا تنافي ) بين

ص: 29

اقراره با الملكية السابقة للمدعى ، وبين امارية يده على الملكية الفعلية بعد احتمال انتقال المال اليه حين وضع اليد عليه بناقل شرعي، كي يستبعد بانه لا يمكن خروج المال عن ملك من كان مالكا له بلا سبب ( و مجرد ) عدم ضم دعوى الانتقال الى اقراره لا يقتضي تكذيب دعواه في الملكية الفعلية ( وانما ) المكذب لها هو دعوى عدم الانتقال اليه ، لا عدم دعوى الانتقال ( وحينئذ ) فبعد احتمال انتقال المال اليه واقعاً ، وعدم التنافي بين اقراره وبين ما تقتضيه اليد من الملكية الفعلية ( لاوجه ) لانتزاع المال عن يده وتسليمه الى المدعى.

( وعلى الثاني ) وهو ضم دعوى انتقال المال اليه من المدعى ، فالمشهور ان__ه ينقلب ذو اليد في دعواه الى كونه مدعيا والمدعى منكرا ، وهل تخرج اليد بذلك عن الامارية على الملكية الفعلية فينتزع المال من يده ويسلم الى المدعى اولا ( فيه وجهان ) المشهور الأول ، والمحكى عن جماعة منهم المحقق الخراساني ( قده ) ، الثاني ، حيث افاد بان مجرد عدم آمارية اليد بالنسبة الى مصب الدعوى الثانية وهو الانتقال اليه بشراء ونحوه لا يوجب خروجها عن الامارية رأسا حتى بالنسبة الى اصل الملكية الفعلية بل يبقى ذو اليد على حجته في استمساك المال في يده ، لان غاية ما تقتضيه اصالة عدم الانتقال هو جعل مدعيه مدعيا لكونه على خلاف الاصل الجاري في المسئلة ، واما اقتضائها الاسقاط حكم اليد من الامارية لاصل الملكية الفعلية ، فينتزع عنه المال ، فلا ( بل هي محكومة ) من هذه الجهة باليد لبقائها على اماريتها بالنسبة الى صرف الملكية وان لم تثبت الانتقال ( وحينئذ ) فانتزاع المال من ذي اليد يحتاج الى دليل آخر يقتضى لغوية اليد وسقوطها عن الامارية باقترانها بدعوى الانتقال ( ولكن ) فيه ان تسليم الانقلاب في المقام كما هو المشهور لا يكون الالحجية اصالة عدم الانتقال اذ لولا حجية الاصل المزبور لما كان مجال لجعل مخالفه مدعياً ( ومن المعلوم ) ان لازم البناء على حجية الاصل المزبور في مقابل اليد المزبورة هو سقوط اليد عن الامارية بالنسبة الى الملكية الصرفة ( لان ) معنى حجية الاصل في المقام هو ترتيب اثر بقاء المال على ملك المدعى وعدم انتقاله منه الى ذي اليد ، والا فلا معني لحجيته واقتضائه

ص: 30

لكون مخالفه مدعيا ( فتسليم ) حجبة هذا الاصل حينئذ واقتضائه للانقلاب المزبور ، يلازم سقوط اليد عن الامارية ، فيترتب عليه انتزاع المال من يده وتسليمه الى المدعى عملا باصالة عدم الانتقال ( ومرجع ) ذلك الى ملازمة حجية الاصل المزبور مع سقوط اليد عن الحجية بالنسبة الى الملكية الفعلية ، لعدم امكان الجمع بينها في الحجية ( وبذلك ) يفترق هذا الفرض المقرون بدعوى الانتقال عن الفرض السابق ، فان بنائهم على الانقلاب في هذا الفرض يستدعى حجية اصالة عدم الانتقال ( ومثله ) يلازم ارتفاع حكم اليد ، بخلاف الفرض السابق ، فانه من جهة عدم اقتران الاصل فيه بدعوى الانتقال تبقى اليد على حجتها بالنسبة الى الملكية الفعلية ، ولازم حجتها عدم جريان الاصل المزبور لانتفاء الشك في اثره بمقتضى حكومة اليد عليه ( الا ) اذا فرض هناك اجماع ايضا على الانقلاب وتقديم قول المدعى على ق___ول ذي اليد فيمقام تشخيص المدعى والمنكر ( ولكن ) عهدة اثباته على مدعيه ، او يقال ان الاقرار بالملكية السابقة للمدعى اقرار له باليد الفعلية ، فينتزع منه المال وهو ايضا كما ترى ( هذا اذا كان ) الاقرار بالملكية السابقة للمدعى.

( واما اذا ) كان الاقرار بالملكية السابقة لمورثه فحكمه حكم الاقرار للمدعى في انه بانضمام دعوى الانتقال من المورث ينقلب الى كونه مدعيا ، فينتزع المال من يده ، لا بدونه ( وذلك ) لا من جهة توهم ان الاقرار بالملكية السابقة لمن يرته المدعى اقرار من ذي اليد لوارث المدعى ، بخيال ان الوارث بقيامه مقام مورثه يصير طرفا لاضافة الملكية القاعة بالمالك والمملوك ، وبذلك يكون الاقرار بالملكية للمورث اقرارا بها للوارث ( لوضوح ) ان مجرد الاقرار بالملكية للمورث في زمان لا يكون اقرارا للوارث فعلا، خصوصا مع طولية ملكيته المال لملكية مورثه له ( بل انما ) هو من جهة اصالة بقاء المال على ملك المورث وعدم انتقاله منه الى حين موته المبتني حجتها على عدم حجية اليد من الخارج ولو للاجماع ( هذا ) اذا كان الاقرار الملكية السابقة مع دعوى الانتقال اليه من المدعى او من مورثه.

( واما اذا ) كان الاقرار بالملكية للموسي مع كون المدعى هو الوصي او

ص: 31

فى اقرار ذى اليد الملكية السابقة للموصى

او الموصى له ، ففي كونه كالاقرار للمدعى او المورثه فينتزع المال من يده الاباثبات الانتقال ببيئة ونحوها ، اشكال ( اقواه العدم ) ( وذلك ) لا لما افيد من ان الاقرار بالملكية للموصى كالاقرار بها الثالث اجنبي عن المدعي ، ( لا كالاقرار ) بها لمورث المدعى ( بتقريب ) ان الموصى اجنبي عن الموصي له فلا يجديه اقراره بان المال كان ملكا للموصي وانتقل منه اليه ، فليس له ولا للوصي او الولى انتزاع المال من ذي اليد بدعوى نه اوصى به اليه به اليه ( بخلاف ) الوارث فانه يجديه الاقرار بان المال كان لمورثه ، لانه بقيامه مقام مورثه يصير طرفا لاضافة الملكية القائمة بين المورث والمال بلا تبدل في اصل اضافة الملكية ، فيكون الاقرار للمورث اقراراً للوارث بنفس الملكية السابقة نظراً الى بقاء الملكية السابقة بحالها ، غير انه تبدل احد طرفيها في قبال المعاوضات التي منها الوصية التمليكية ، فان المتبدل فيها اصل الاضافة الملكية ، حيث تنعدم شخص الاضافة الاولى القائمة بين المملوك و المالك الأول ، وتحدث اضافة اخرى بين المالك الثاني والمملوك ( اذ فيه ) بعد الاغماض عن امتناع بقاء شخص الاضافة الخاصة المتقومة بطرفيها الخاص بانعدام احد طرفيها ( انه ) لا وجه لقياس الاعتراف للموصى بالاعتراف لثالث اجنبي ( الوضوح ) ان الاعتراف لثالث اجنبي عن المدعى ولو بالملكية الفعلية غير مجد للمدعى ( بخلاف ) الاعتراف بالملكية السابقة للموصى والانتقال منه ، فانه يجدى الموصى له والوصى ويجديها ايضاً اصالة عدم الانتقال منه الى ذي اليدالى حين موته بعين ما يجدى للوارث ( ومع هذا الفرق ) كيف يصح قياس الاعتراف للموصى بالاعتراف لثالث اجنبي عن المدعى كما هو ظاهر ( بل العمدة ) فى المنع عن انقلاب ذي اليد الى كونه مدعياً في مفروض البحث هو التشبث بقاعدة اليد وعموم اماريتها و تقدمها على اصالة عدم . الانتقال الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى او من مورثه ( وذلك ) ايضاً مقتضى الاجماع على الاخذ بالاصل فيها الملازم لسقوط حكم اليد من الخارج ، ( والا ) فلولا الاجماع المزبور لكانت اليد مقتضيه للاخذبها حتى مع الاعتراف بالملكية السابقة للمدعى والانتقال منه الى ذي اليد لحكومتها على الاصل المزبور ( وحينئذ ) فحيث انه لا اطلاق للاجماع يشمل مورد البحث لكونها لبيا ، فالقدر المتيقن منه ما عدى هذه الصورة ، ولازمه الاخذ

ص: 32

بعموم اليد وتقدمها على اصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص المدعى والمنكر ( وبذلك ) يندفع ماقد يتشبت به الخصم لتصحيح مطالبة الاول بالبينة من الصديقة عليها السلام في اعترافها بكون الفدك نحلة اليها من رسول الله (ص) ، وانتزاعه الفدك من يدها للحديث المجعول عليه ( صلی الله علیه و آله وسلم ) نحن الانبياء لا نورث الخ من دعوى ان فاطمة سلام الله عليها صارت مدعية فى دعوى انتقال الفدك اليها من رسول الله (ص) نحلة فلذلك طالبها الاول بالبينة وانتزع الفدك من يدها للحديث المجعول ، بان ما كان لرسول الله (ص) في حيونه يكون فيئاً للحسين بعد وفاته ( وجه الاندفاع ) ماذكرناه من اطلاق اليد وعموم اماريتها و تقدمها على اصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص المدعى والمنكر ، الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى او من مورثه ، وذلك ايضا مقتضى الاجماع على الانقلاب فيها ، لا لقصور اليد عن الشمول المورد الاقتران بدعوى الانتقال ، كما يشهد له ما في خبر الاحتجاج من محاجة علي (ع) مع الاول حينما سئل عن الزهراء عليها السلام البيئة ( وعليه ) فلا يغنيهم الحديث المجعول ولا يصحح ماصنعوا مع فاطمة ( علیه السلام ) من مطالبة البيئة منها وانتزاع الفدك من يدها ( علیه السلام ) مع ان انتزاع الفدك منها كان قبل دعويها النحلة ، فانه بعد ما استقام له الامر جمع المهاجرين والانصار وبعث الى فدك من اخرج وكيل فاطمة منها ، وبعد ذلك جائت فاطمة سلام الله عليها فوقع بينها وبين الاول من الاحتجاجات وكذا بين علي ( علیه السلام ) وبينه بما اتضح وبان مخالفتهم للكتاب والسنة ( ومع ذلك ) فقد جائت بالشهود ، ولكنهم غضوا طرفهم عنها وعاندوا الحق فلم يقبلوا شهودها حتى جاوزوا الحد معها واسلوا الادب اليها بما يقرح القلوب ويفتت الأكباد ولنعم الحكم الله .

هل يختص اعتبار اليد بالنسبة الى غير صاحبها او يعم حتى بالنسبة الى ذى اليد نفسه

( بقى امور )

( الاول ) هل يختص اعتبار اليد واماريتها بالنسبة الى غير صاحبها ، أو يعم حتى بالنسبة الى ذي اليد نفسه ( فلوشك ) في ان ما بيده ملك له او لغيره يحكم بانه له ( فيه وجهان )

ص: 33

اقوها الثانى لعموم امارية اليد في اختصاص ما في اليد لصاحبها ، فيجوز له التصرف فيما بيده و تحت استيلائه تصرف الملاك في املاكهم ( ويدل ) عليه مضافا الى السيرة عموم التعليل في خبر حفص بن غياث باختلال السوق ونظام المعاملات الشامل لمثل الفرض ( مؤيداً ذلك ) في ذيل صحيحة جميل بن صالح عن الصادق ( علیه السلام ) قلت : فرجل وجد في صندوقه ديناراً ، قال ( علیه السلام ) : يدخل احد يده في صندوقه غيره او يضع فيه شيئاً قلت : لا قال ( علیه السلام ) : فهو له ، حيث يستفاد من حكمه ( علیه السلام ) بان ما في

الصندوق له مع كونه شاكاً فيه ، عموم اعتبار اليد حتى بالنسبة الى صاحبها .

( الثاني ) اذا قامت البيئة على عدم مالكية انسان لما في يده ، او اقر ذو اليد بذلك فهل تسقط اليد عن الاعتبار رأساً حتى بالنسبة إلى سائر الاختصاصات ، فينتزع المال من يده ، او ان سقوطها عن الاعتبار ممحض من جهة خصوص الاختصاص الملكي ( فيه وجهان ) اقوهما الثاني ، لعموم المارية اليد لجميع مراتب الاختصاص التي اعلاها الاختصاص الملكي، فبالاقرار او البنية على نفي الملكية ترفع اليد عن ظهورها في الاختصاص الملكي به ، ويؤخذ بظهورها في بقية مراتب الاختصاص ونفيها عن غيره ، نظير حجية العام المخصص في الباقى ، فاذا ادعى اختصاصه بما في يده من الجهات الاخر من اجارة او عارية او وكالة من صاحب المال ونحو ذلك تسمع منه الدعوى حتى في مقام تشخيص المدعي والمنكر اخذا بامارية يده في نحو تلك الاختصاصات.

هل اليد تكون امارة على الطهارة والتذكيه

( الثالث ) هل اليد كما تكون امارة على ملكية ما في اليد لصاحبها ، تكون امارة ايضا على سائر اضافاته كالطهارة والنجاسة والتذكية ونحوها ، فيحكم على ما في يد المسلم بالطهارة والتذكية اذا كان من الجلود ولو مع عدم احراز معاملة ذي اليد المسلم معه معاملة الطاهر والمذكى ، بان كنانخن ونفس اليد بما هى مع قطع النظر عن اقترانها باخبار ذى اليد بطهارته او نجاسته او تذكيته ، او اقترانها بتصرفه فيه على الوجه الممنوع كونه في الميته ( فيه اشكال ) وان كان الظاهر من بعض كلماتهم كبعض النصوص اعتبارها في الحكم بالتذكية ، كالسوق ( بل قد ) يقال ان الظاهر المستفاد من

ص: 34

نصوص اعتبار السوق واماريته كونه من جهة غلبة يد المسلمين ، كقوله ( علیه السلام ) اذا كان الغالب عليها المسلمون الخ، فيكون اعتباره لكونه امارة على اليد التي هي الامارة على التذكية ، لا لكونه بنفسه امارة عليها في مقابل اليد ( ولكن ) في الاستفادة المزبورة نظر ، فان الظاهر من نصوص السوق كونه بنفسه امارة على التذكية ، كما ان القدر المستفاد من نصوص الباب بعد حمل مطلقاتها على مقيدانها انما هو الحكم بتذكية ما في يد المسلم من اللحوم والجلود في صورة اقتران اليد بالتصرف فيه على الوجه الممنوع كونه في الميتة ، لا مطلقاً ولو مع عدم اقترانها بما لا يليق صدوره من المسلم ( ولقد ) اجاد صاحب الجواهر فيما افاد في المقام بقوله : ان المراد بيد المسلم التصرف فيه على الوجه الممنوع في الميتة او اتخاذه لذلك ، وهل يكفي في الثاني مجرد كونه في يده وان احتمل انه يريد الالقاء مثلا اشكال ، اقواء العدم لاصالة عدم التذكية والشك في انقطاعها بذلك ، اذ ليس ما نحن فيه بعد التأمل في النصوص والفتاوى الا من جزئيات اصالة الصحة في فعل المسلم الخ ( الا ) ان يدعي استقرار السيرة المتشرعة على الحكم بتذكية ما في يد المسلم من الجلود واللحوم ولو مع تجردها عن التصرفات الممنوع كونها في الميئة ( ولكن ) الاشكال في اثبات ذلك ( نعم ) لو اخبر المسلم بتذكية ما في يده من الجلود واللحوم يسمع منه ذلك ، كما يسمع منه اخباره بطهارة ما في يده او نجاسته ( ولكن ) ذلك من جهة قوله ، لا من جهة يده.

هل يقدم قاعدة التجاوز والفراغ على الاستصحاب بمناط الحكومة او التخصيص

( المسألة الثانية )

في قاعدة التجاوز والفراغ ، ولا اشكال في تقدمها على الاستصحاب ( وأنما الكلام ) في مقامين : ( الاول ) في وجه تقدمها على الاستصحاب من انه بمناط الحكومة او التخصيص ( الثاني ) في انهما قاعدة واحدة وان الكبرى المجعولة في احديهما عين الكبرى المجعولة في الاخرى ، او انها قاعدتان مستقلتان وان الكبرى المجمولة

ص: 35

في احديهما غير الكبرى المجعولة في الاخرى ( اما المقام الاول ) فقد يقال ان الوجه في تقدمهما على الاستصحاب كونه بمناط الحكومة، بدعوى انهما الامارات الكاشفة

فى تقريب حكومة القاعدتين على الاستصحاب

من عن الواقع ، كاليد والسوق ونحوهما ( لان الغالب ) عند تعلق الارادة بالفعل المركب من الاجزاء الجرى على وفق الارادة باتيان كل جزء من اجزائه وشرائطه في محالها بحسب القصد الاجمالى المتحقق في اول الشروع في المركب وان لم يلتفت تفصيلا الي الجزء في محله عند الاتيان به ولم يتعلق القصد به كذلك ، وان الشارع قد اعتبر هذه الغلبة بما في بعض نصوص الباب من التعليل بقوله هو حين يتوضأ اذكر ( فاذا ) كانت القاعدة من الامارات الكاشفة عن وقوع الفعل المشكوك فيه في الخارج ، تكون حاكمة على اصالة عدم وقوع الفعل المشكوك فيه ( وفيه ) ان الغلبة وان كانت مسلمة ، لكن مجرد ذلك لا يقتضي صيرورتها من الامارات ما لم يحرز اعتبار الشارع اياها من جهة تتميم كشفها ( واستفادة ) ذلك من اخبار الباب ممنوعة ( بل المستفاد ) من الاخبار المأخوذ في موضوعها الشك خلاف ذلك ( فان ) قوله ( علیه السلام ) اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ، وقوله ( علیه السلام ) كل شيء شك فيه وقد جاوزه فليمض عليه ، وكذا الاخبار الاخر ، تنادي بالغاء جهة الكشف المزبور لظهورها ، في عدم جعل الشك الموجود مانعاً عن المضي في العمل ، لا في الغاء الشك وتتميم كشفها ( وبذلك ) تكون الاخبار ظاهرة في كون القاعدة من الاصول العملية المضروبة في ظرف الشك ، لامن الامارات ، الكاشفة عن الواقع ( فماورد ) من التعليل بالاذكرية في بعض النصوص حينئذ محمول على بيان حكمة الجعل والتشريع ، بقرينة ماعرفت من الاخبار الظاهرة في كونها في مقام التعبد بوجود المشكوك فيه او صحته في ظرف الشك ، لمكان اظهرية تلك النصوص في اصلية القاعدة من التعليل بالا ذكرية في اماريتها ( ولا اقل ) من تصادم الظهورين ، فيجري حكم الاصلية عليها ( ومعه ) لا مجال لتقديمها على الاستصحاب بمناط الحكومة ( واما توهم ) حكومتها على الاستصحاب ولو على الاصلية ، بدعوى مسببية الشك في بقاء الحالة السابقة في الاستصحاب

ص: 36

في انّ قاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة اوقاعدتان مستقلتان

عن الشك في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة ، ومؤدى القاعدة بعد ان كان هو البناء على حدوث ما يكون رافعاً للحالة السابقة ، رافعة لموضوعالاستصحاب ( فمدفوع ) بمنع السببية والمسببية بينها ( كيف ) وان بقاء عدم الشيء مع حدوث وجوده الطارد لبقاء عدمه من النقيضين المحفوظين في مرتبة واحدة . ومعه اين يمكن دعوى السببية والمسببية بينها حتى تكون القاعدة حاكمة على الاستصحاب ورافعه الموضوعه ( فالاولى ) حينئذ في وجه الحكومة ان يقال ان القاعدة لما كانت ناظرة الى نفى الشك وانه ليس بشيء في المنع عن الجري العملي على وفق احتمال الوجود في الاستصحاب تقتضى رفع الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب ، فتكون حاكمة عليه بخلاف الاستصحاب اذهو لم يكن ناظرا الا الى اثبات المتيقن او اليقين في ظرف الشك بلا نظر منه إلى نفي الشك فتكون القاعدة من هذه الجهة نظير ادلة النافية للشك في كثير الشك ، و لشك كل من الامام والمأموم مع حفظ الآخر، بالنسبة الى ادلة الشكوك الدالة على البناء على الاكثر في الشكوك الصحيحة ، وعلى البطلان في صلوة الصبح والمغرب وفي الاوليين من الرباعية ، في انها من جهة تكفلها لنفي الشك وكونه ليس بشيء تكون حاكمة على الاستصحاب ، وان لم تكن ناظرة الى تتميم الكشف لتصير امارة كما هو مبنى الوجه الاول ( ومع الاغماض ) عن ذلك لا محيص في تقديمها على الاستصحاب بكونه بمناط التخصيص ( اما للاجماع ) ، واما من جهة ورود القاعدة في مورد الاستصحاب ( فانه ) لولا تقديمها عليه يلام لغوية جعلها ( لانه ) ما من مورد تجري فيه القاعدة الا ويجري فيه الاستصحاب .

فى ان قاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة

واما المقام الثاني

فقد اختلف كلماتهم في ان ما يسمى بقاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة عامة لموارد الشك في الشيء بعد التجاوز عن المحل ، والشك في صحته بعد الفراغ عن العمل وان الكبرى المجعولة فيها كبرى واحدة ( او انهما ) قاعدتان مستقلتان غير مرتبطة احديهما بالاخرى ولا يجمعها جامع واحد ، ظاهر كلام الشيخ قدس سره وتبعه غير

ص: 37

واحد من الاعلام ( الاول ) حيث ارجع الشك في صحة المأتى به الى الشك في وجود الصحيح وجعل الجامع بينهما الشك في الوجود ( بدعوى ) ان الشك في قاعدة التجاوز متعلق بوجود الشيء ، و في قاعدة الفراغ بوجود الصحيح الراجع الى الشك في وجود العمل بتمام اجزائه وشرائطه ، فالجامع بينهما هو الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، وان الكبرى المجعولة في موردها كبرى واحدة وهى التعبد بوجود ماشك في وجوده بعد التجاوز عنه ، سواء كان الشك في اصل وجوده ، او في صحته و تماميته ( لان ) الشك في الصحة راجع الى الشك في وجود الصحيح ( ولكن التحقيق ) وفاقا لغير واحد من المحققين ، هو الثانى ( وتنقيح ) البحث يحتاج الى التكلم في موردين

في امكان تصور جامع قريب بين مفاد القاعدتين ثبوتاً

( احدهما ) في امكان جامع قريب بين مفاد القاعدتين ثبوتاً ( وثانيهما ) فيما تقتضيه اخبار الباب من الدلالة على الوحدة او التعدد اثباتاً ( اما المورد الاول ) فتوضيح المقال فيه هو ان الشك في الشيء يتصور على وجوه ( فان ) الشك تارة يكون متعلقاً بالشيء بنحو مفاد كان التامة ( واخرى ) يكون متعلقاً باتصاف الشيء بوصف عنواني بنحو مفاد كان الناقصة ، كالشك في اتصاف الشيء المفروغ وجوده بالصحة والتمامية ( وعلى الاول ) تارة يكون تعلق الشك في الشيء مفاد كان التامة بلحاظ الشك في اصل وجوده ( واخرى ) بلحاظ الشك في بعض ما اعتبر فيه من القيود ، كالشك في وجود الصحيح ( فان ) الشك في قيد الشيء شك في وجود المقيد بنحو مفاد كان التامة ( ولا يخفى ) كمال التباين بين المفاهيم الثلاثة ، كالتباين بين الشك في اصل وجود الشيء او وجوده التام ، وبين الشك في صحة الموجود و تماميته بمفاد كان الناقصة ، بنحو لا يجمعها جامع قريب حتى يصح ارادتهما من لفظ واحد ، بلحاظ اقتضاء النسبة في مفاد كان الناقصة مفروغية تحقق ذات الشيء في الخارج ولو تصوراً ، وعدم اقتضائها لذلك في مفاد كان التامة ( وحينئذ ) نقول : ان الشك في قاعدة التجاوز بعد ما كان متعلقاً باصل وجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ بصحة الموجود ، نظير الشك في وجود الكر والشك في كرية الموجود ، فلا يتصور بينهما جامع قريب ثبوتاً حتى يمكن ارادتهما من لفظ واحد ( ولا مجال ) لارجاع الشك في صحة الموجود الى الشك في

ص: 38

وجود الصحيح او التام ( اذ فرق ) واضح بين الشك في وجود الصحيح ، و بين الشك في صحة الموجود ( ومجرد ) كون منشأ الشك في وجود الصحيح هو الشك في بعض ما اعتبر فيه ، لا يخرجه عن الشك في الشيء بمفاد كان التامة الى الشك في صحة الموجود الذي هو مفاد كان الناقصة ( وان كان ) يلازمه خارجا ، نظير ملازمة الشك في وجود الكر مع كرية الموجود ( وحينئذ ) فاذا كان المهم في قاعدة التجاوز اثبات اصل وجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ اثبات صحة الموجود المفروغ الوجود بمفاد كان الناقصة ، لا اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( فلا مجال ) لارجاع اح______د المفادين الى الاخر ، ولا لترتيب اثر المترتب على صحة الموجود ، باثبات الوجود الصحيح بمحض ملازمة احد المفادين مع الآخر واتحادهما بحسب المنشأ ، لأنه من المثبت المرفوض عندهم ( ولذا ) لا يحكمون بترتيب آثار كرية الموجود باستصحاب وجود الكر وبالعكس ( واما توهم ) كفاية مجرد اثبات وجود الصلاة الصحيح في فراغ الذمة وخروج المكلف عن العهدة بلا احتياج الى اثبات صحة المأتى به ( مدفوع ) بان كثيراً ما تمس الحاجة الى اثبات صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ، كما في قضاء السجدة وسجدتى السهو ونحوهما مما اخذ في موضوعها صحة الموجود ، لا مجرد وجود الصحيح ( اذ في نحو ) هذه الآثار لا يكفي مجرد اثبات وجود الصحيح في ترتبها ( مع ) ان قاعدة الصحة تعم الوضعيات ايضا من العقود والايقاعات التي لا بد فيها من اثبات صحة العقد او الايقاع في ترتيب آثارهما ، ولا يكفي في ترتبها مجرد اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( مع انه ) لا يتم فيما لو كان الشك في الصحة من جهة الشك في فقد الترتيب او الموالات مثلا لا من جهة الشك في فقد الجزء ( فانه ) من جهة انصراف الشيء عرفا عن مثل هذه الاضافات الى ما كان له وجود مستقل ، لا يصدق على الكل انه شيء مشكوك ( لانه ) بما هو شيء بلحاظ اجزائه مقطوع الوجود والتحقق ، و بلحاظ الترتيب والموالات لا يصدق عليه الشيء عرفا ، فما منه يكون الكل شيئاً عرفا لا يكون مشكوكا ، وما منه يكون مشكوكا لا يكون شيئاً ، فلا يمكن تصحيح الصلاة الا باثبات صحة الموجود ( نعم ) لواغمض عما ذكرنا لا مجال

ص: 39

للاشكال على الشيخ قدس سره بما في التقرير من ان العنوانين وان كان يجمعها جامع قريب وهو الشك في الوجود بمفاد كان التامة ( ولكن ) لا يمكن ان يعمهما لفظ الشيء في قوله ( علیه السلام ) انما الشك في شيء لم تجزه ( بتقريب ) ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز انما هو اجزاء المركب ، وفي قاعدة الفراغ يكون المتعلق نفس الكل والمركب بما له من الوحدة الاعتبارية ، ولا يمكن ارادتهما من لفظ الشيء ( لان ) لحاظ الجزء شيئاً بحيال ذانه انما يكون في المرتبة السابقة على تأليف المركب ، لان في مرتبة تأليف المركب لا يكون الجزء شيئاً بحيال ذاته في مقابل الكل ، بل شيئية الجزء تندك في شيئية البكل ، ويكون لحاظه تبعياً ( ففى مرتبة ) لحاظ الكل لا يمكن لحاظ الجزء شيئاً آخر امستقلا ، لان الكل ليس الا الاجزاء بالاسر (فلا يمكن ) ان يراد من لفظ الشيء في الرواية ما يعم الكل والجزء ( بل ) اما ان يراد منه الجزء فتختص الرواية بقاعدة التجاوز ، واما ان براد منه الكل ، فتختص بقاعدة الفراغ ( وحاصل ) الاشكال هو ان في قاعدة التجاوز يكون الجزء ملحوظا استقلالياً فيحتاج الى لحاظه بما هو شيء في حيال ذاته ، وفي قاعدة الفراغ يكون الجزء ملحوظا تبعياً بتبع لحاظ لكل ، وارادتهما من لفظ الشيء مستلزم لاجتماع اللحاظين في الجزء وهو محال ( فلابد ) من ان يراد من الشيء في الرواية ، اما خصوص قاعدة التجاوز ، او خصوص قاعدة الفراغ ( اذفيه ) ان الاشكال انما يرد في فرض ارادة الكل من الشيء وارادة جزئه منه يحيث استعمل الشيء فيها ( واما ) لو اريد من الشيء في الرواية معناه الكلي العام الجامع بين المصاديق ، ومن اطلاقه في مقام التطبيق شموله لاى مصداق منه ، بلالحاظ خصوصية كل ولا جزء ، فلا يتوجه الاشكال المزبور ( اذ لا قصور ) حينئذ في شمول اطلاق الشي لكل من عنوان المركب وجزءه ، فيمكن الجمع بين قاعدة التجاوز والفراغ بمثل هذه الرواية بناء على ارجاع الشك في صحة الشيء و تماميته الى الشك في الوجود التام ، بدعوى عموم الشيء لكل من المركب وجزئه ( لا يقال ) على ذلك لم لا تلتزم ا بين مفاد كان التامة ، ومفاد كان الناقصة الذي هو مؤدى قاعدة الفراغ ، فانه على التقريب المزبور لاقصور في شمول اطلاق الشيء لكل من المفادين ( فانه يقال ) نعم وان امكن ذلك ، ولكن

ص: 40

مع عدم كونه من الجامع القريب ، مبني على مقدمة ممنوعة ، وهى صدق الشيء عرفا على حيثية الربط التي هي من الاضافات ( والا فبناء ) على انصرافه الى ما يكون له وجود مستقل بنظر العرف ، فلا يشملها عموم الشيء او اطلاقه ( ولذا ) ترى بناء الشيخ وغيره على انصرافه عما هو أعظم من ذلك كالترتيب والموالات المعتبرة بين الاجزاء والكلمات ، بل واجزاء الكلام الواحد كالباء من البسملة والميم منها ونحو ذلك ( و من هنا ) استشكل الشيخ قدس سره فى جريان قاعدة الشك في الوجود في فرض كون الشك في وجود الكل والمركب من جهة الشك في فقد الموالات والترتيب كما اشرنا اليه آنفاً ( ثم انه ) بما ذكرنا يندفع الاشكال الآخر على الشيخ قدس سره جهة التجاوز ( بتقريب ) ان التجاوز في قاعدة التجاوز انما يكون بالتجاوز عن محل الجزء المشكوك فيه ، وفي قاعدة الفراغ يكون بالتجاوز عن نفس الكل والمركب لا عن محله ، فيلزم على القول باتحاد القاعدتين استعمال التجاوز في المعنيين وهو باطل ( اذ فيه ) انه يمكن ان يكون التجاوز استعمل في معنى واحد وهو التجاوز عن نفس الشيء المشكوك فيه ، وان التجاوز عن محل المشكوك فيه عناية وادعاء تجاوز عن نفس ( غير انه ) اريد في مقام التطبيق بدالين مصداقه الحقيق والادعائي كل بدال خاص ، وهو غير استعماله في المعنى الحقيقي والادعاني ( كما انه ) يندفع عنه اشكال ثالث وهو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو نفس الجزء ، واما في قاعدة الفراغ فمتعلق الشك فيها ليس وجود الكل، بل هو ظرف للشك فلا يمكن ان يجمعها كبرى واحدة ( اذ فيه ) ان مجرد كون المركب في الحقيقة ظرفا للشك لا يمنع عن صدق الشك فيه ( وبعد ) تسليم كون الجامع بين المفادين الشك في وجود الشي. مفاد كان التامة ، فلا قصور في عموم الشيء لكل من الشك في وجود الجزء كالر كرع والشك في الكل بما هو كل ( فالعمدة ) حينئذ في الاشكال ما ذكر ناه من تغاير القاعدتين على نحو لا يجمعها كبرى واحدة ، لتغاير متعلق الشك فيهما من كونه في قاعدة التجاوز اصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ( فان ) هذين المفادين من جهة تغايرهما لا يجمعها جامع وحداني قريب ( نعم ) بين الشك في اصل الشيء او

ص: 41

في وجوده التام يتصور جامع قريب وهو الشك في وجود الشيء مفاد كان التامة، ولكنه غير مرتبط بالشك في صحة الشيء الذي هو مفاد قاعدة الفراغ كما هو ظاهر واضح .

فيما يقتضيه اخبار الباب اثباتا من الوحدة اوالتعدد في القاعدتين

( المورد الثاني ) في ان المستفاد من الاخبار الواردة في المقام هل هو قاعدة واحدة ، وهي حكم الشك في الوجود بمفاد كان التامة ( او ان المستفاد ) منها قاعدتان ( احديهما ) حكم الشك في الوجود ( والاخرى ) حكم الشك في صحة الموجود بنحو مفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( فنقول ) و به نستعين ، اعلم ان العمومات الواردة في المقام على طائفتين ( احديهما ) ما يكون بلسان انه اذا شككت في الشيء بعد الدخول في غيره فشكك ليس بشيء ( والاخرى ) بلسان ان كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( اما الطائفة الأولى ) فمنها مارواه زرارة في الصحيح عن ابي عبد الله ( علیه السلام ) وفيه بازرارة اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس

بشيء ( ومنها ) رواية اسماعيل بن جابر قال قال ابو عبد الله ( علیه السلام ) : ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ( ومنها ) قوله ( علیه السلام ) فى موثقة ابن ابى يعفور : اذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشي ٠ ا نما الشك في شيء لم نجزه ( ومنها ) رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( علیه السلام ) رجل شك بعدما سجد انه لم يركع قال ( علیه السلام ) يمضي في صلاته حتى يستيقن ( ولا يخفى ) ان هذه الطائفة في غاية الظهور في كونها فى مقام ضرب القاعدة الكلية للشك المتعلق باصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، لظهور الشك فيها في الشك المتعلق باصل وجود الشيء خصوصاً بملاحظة تصدرها بالاسئلة المزبورة ( ومع ) قوة ظهورها في ذلك لا يبقى مجال معارضة هذه الجهة بظهور قد جاوزه في التجاوز عن نفس الشيء لا عن محله ( اذ لا بأس ) بارتكاب العناية في المضي عن الشيء والتجاوز عنه بعضى محله بعد مساعدة العرف على اعتبار التجاوز عن الشيء بلحاظ التجاوز عن محله خصوصاً بقرينة الفقرات المذكورة في الاسئلة في صدرها ( نعم لولا ) الروايتان المصدر تان بالاسئلة المزبورة ، لا مكن حمل الشك فيهما على الشك في وجود المركب التام بلحاظ الشك في بعض ما يعتبر

ص: 42

فيه شطر او شرطاً ( لان ) الشك فى الشيء يشمل مثل الشك في وجود المركب التام ، بضميمه ابقاء التجاوز عن الشيء على معناه الحققي ( ولكن ) مع وجود هذا الصدر ، لا يبقى مجال لهذا المعنى ( لان ) مقتضى الصدر هو كون اضافة التجاوز اليه مسامحياً ، بخلاف هذا المعنى ، فانه مستتبع لكون الاضافة المزبورة حقيقياً ( وبذلك ) يمكن دعوى عدم امكان استفادة الجامع بين الشك في اصل وجود الشيء ، والشك فيه بلحاظ بعض ما اعتبر فيه المعبر عنه بالشك في وجود الصحيح او التام ، نظراً الى اوله الى اجتماع اللحاظين في اضافة التجاوز اليه ( فلابد ) حينئذ من حمل الروايتين على خصوص الشك في اصل وجود الشيء مفاد كان التامة .

فيما يقتضيه اخبار الباب اثباتاً من الوحدة او التعدد

( واما الطائفة الثانية ) من العمومات ( فمنها ) قوله (ع) في موثقة ابن مسلم : كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( ومنها ) قوله ( علیه السلام ) في موثقة اخرى له : كلما مضى من صلاتك وطهورك ، فامضه كما هو وبهذا المضمون ماورد في الموارد الخاصة من نحو قوله ( علیه السلام ) : في من شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ اذكر ( وهاتان ) الموثقتان بصدرها وان يلائم مع الشك في الوجود بمفاد كان النامة اما رأساً او بلحاظ بعض ما يعتبر فيه ( ولكن ) بملاحظة التوصيف الوارد في ذيلهما بكونه مما قد مضى فامضه كما هو ، في غاية الظهور بل الصراحة في ان المشكوك فيه هو صحة الشيء مفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ( خصوصاً ) قوله قامضه كما هو ، فانه كالصريح في ارادة المضى عليه كما ينبغي ان يقع عليه من والتمامية ( ومن الواضح ) ان ذلك لا يكون الا اذا كان الشك في اتصاف الشيء بالصحة مفاد كان الناقصة ( بل ان ) لوحظ ظهور المضى والتجاوز فيها في التجاوز عن نفس المشكوك فيه لا عن محله ، ترى كونه قرينة اخرى على صرف ظهور الصدر عن الشك في وجود الشيء الى الشك في صحة الموجود ، لملازمة التجاوز عن الشيء المفروغية اصل وجوده ( وحينئذ ) اقول انه بعد تباين كل طائفة من حيث المفاد والمدلول مع الطائفة الاخرى ( لا مجال ) لاتعاب النفس في مفاد هذه الاخبار بارجاع الجميع الى مفاد واحد وهو بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة بارجاع الطائفة الثانية الى بيان

ص: 43

حكم الشك في وجود الصحيح ( كما افاده الشيخ قدس سره ) مع اعترافه بظهور هذه الطائفة من جهتين في بيان حكم الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة ، خصوصاً مع اباء كل من الطائفتين عن الحمل على بيان حكم الشك في الوجود التام بلحاظ الشك في وجود بعض ما اعتبر فيه شطراً او شرطاً ( اذ لا داعى ) لارتكاب هذا التعويل في مفاد تلك الاخبار بعد ظهور كل طائفة في معنى غير ما يظهر من الاخرى ( بل يؤخذ ) بظهور كل طائفة فيما يقتضيه من المدلول ، ويستفاد منها قاعدتان مستقلتان ( احديهما ) متكفلة لبيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والاخرى ) لبيان حكم الشك في صحة الشيء وتماميته بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( مع المصير ) الى اعتبار الدخول في الغير في الاولى ، دون الثانية ( بلا وقوع ) معارضة بين الاخبار من هذه الجهة ، كي ينتهي الامر الى اعمال

) قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد ( اذ المعارضة ) انما تكون في فرض اتحاد القاعدتين واستفادة كبرى واحدة من مفاد تلك العمومات وهي حكم الشك في الشىء بمفاد كان التامة ( والا ) فبناء على تمدد القاعدة وتعدد الكبرى المستفادة منها ( فلا تعارض ) بين الاخبار من هذه الجهة ( لان ) ما كان منها متكفلا لاعتبار الدخول في الغير فى الحكم بالمضى انما هو صحيحة زرارة ، وموثقة ابن ابي يعفور ، ورواية اسماعيل بن جابر ( وهذه ) الطائفة متمحضة في الاختصاص بكبرى قاعدة التجاوز ( وما كان ) منها غير متكفل لاعتبار هذا القيد انما هو موثقتا محمد ابن مسلم و موردها انماهو الشك في صحة الشئ و تماميته الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ، لا الشك في اصل وجود الشيء ، او في وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( ومع ) تغاير المفاد في هذه الاخبار من حيث تمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وتمحض بعضها بقاعدة الفراغ ، اين يبقى مجال توهم المعارضة بينها من جهة اعتبار هذا القيد ، كى يحتاج الى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد يحمل المطلق منها على المقيد ( ولعمرى ) ان المنشاء كله لهذه التكلفات انما هو لاجل مصير مثل الشيخ قدس سره الى اتحاد القاعدتين ووحدة الكبرى المجعولة فيهما بارجاعه المختلفات من الاخبار الى مفاد واحد وبيان

ص: 44

كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الذى هو الجامع بين الشك في اصل الوجود والشك في الوجود التام (والا) فبناء على الاخذ بما يقتضيه ظواهر تلك الاخبار من تعدد القاعدة وتمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وبعضها ، بقاعدة الفراغ ، لا يبقى مجال لهذه التكلفات ، ولا لالقاء المعارضة بين مفاد الاخبار كما ظاهر واضح ( واما توهم ) ان وحدة السياق في تلك الاخبار يقتضى حمل الجميع على معنى واحد وبيان كبرى واحدة وهى حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الجامع بين الشك في اصل وجود الشيء ، والشك فى الوجود التام ( فكلام ظاهري ) بالنسبة إلى الاخبار المستقلة المنفصلة بعضها عن بعض المختلفة مفاداً من كونه في كل واحد معنى غير ما يظهر من الآخر ( اذ في مثله ) لا مجال لتوهم وحدة السياق بينها كي تقتضي ارجاع تلك المختلقات مضموناً الى معنى واحد ( فالتحقيق ) في المقام هو ان المستفاد من اخبار الباب قاعدتان ( احديها ) قاعدة الشك في الشيء بمفاد كان التامة بعد خروج وقته وتجاوز محله المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والثانية ) قاعدة الشك في صحة الشيء مفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( واما ) قاعدة الشك في جود العمل الصحيح بمفاد كان التامة ، فلا يستفاد من اخبار الباب ، ولا يكون له في شيء منهاعين ولا اثر ( ثم ان هاتين ) القاعدتين متصادقتان بعد الفراغ عن مركب شك في صحته من جهة الشك فى وجود بعض اجزاءه مما تجاوز محله فما عدى الجزء الاخير ، فانه بالنسبة الى الجزء المشكوك وجوده ، يكون مورد للقاعدة الاولى، وبالنسبة الى نفس العمل المركب الذى شك في صحته ، يكون مورد للقاعدة الثانية ( و تفترق ) الأولى عن الثانية ، فيما لو شك في وجود جزء من اجزاء العمل المركب بعد تجاوز محله وقبل الفراغ عن العمل ، كالشك في الركوع بعد ما سجد ( كما انه ) تفترق الثانية عن الاولى فيما لو شك بعد الفراغ عن العمل في صحته من جهة الشك فى بعض ما اعتبر في صحته كالترتيب والموالات ونحوها مما ليس له وجود مستقل يصدق عليه الشيء .

( ثم انه ) لما يترتب على اتحاد القاعدتين وتمددها ، انه لو علم بفوت سجدة واحدة

ص: 45

او التشهد وقد شك في صحة صلاته من جهة احتمال الاخلال بالترتيب . او الموالات المعتبرة فيها ( فانه ) على ما ذكرنا من تعدد القاعدة وتعدد الكبرى المجعولة فيهما ، تجرى في الصلاة قاعدة الفراغ الحاكمة بصحتها ، ويترتب على صحتها وجوب قضاء السجدة او التشهد وسجدنى السهو ( واما ) على القول بوحدة القاعدتين ووحدة الكبرى المجعولة فيهما ، كما هو مختار الشيخ قدس سره ومن تبعه ، فيشكل اثبات وجوب قضاء السجدة او التشهد في الفرض المزبور ( فانه ) بالنسبة الى المشكوك فيه وهو الموالات او الترتيب لا يصدق عليه الشيء حتى يجري فيه قاعدة الشك في الشيء بعد تجاوز محله ( واما بالنسبة ) الى المركب الذي شك في وجوده التام ، فكذلك ( لانه ) بلحاظ ما يكون منه مشكوكا اعني الترتيب والموالات لا يكون شيئاً حتى تجرى فيه القاعدة ، و بلحاظ ما يكون منه شيئاً وهو الاجزاء لا يكون مشكوكا ( وعلى فرض ) جريان القاعدة فيه واقتضائها لاثبات وجود العمل الصحيح ، لا يترتب عليه وجوب قضاء السجدة او التشهد لانهما من آثار صحة الصلاة بمفاد كان الناقصة فلا يمكن ترتیب مثل هذا الاثر عليه الا على القول بالمثبت .

فى عموم القاعدة لجميع المركبات الا الشك في ابعاض الوضوء والغسل والتيمم

( وينبغى التنبيه على امور )

( الأمر الاول ) قد عرفت دلالة اخبار الباب في قاعدة التجاوز على البناء على وجود ما شك فيه من اجزاء العمل بعد خروج وقته وتجاوز محله وعدم الاعتناء بالشك فيه ، بل مقتضى عموم الشيء في قوله ( علیه السلام ) كل شيء شك فيه وقد جاوزه في رواية اسماعيل بن جابر ، وموثقة ابن ابي يعفور صدراً وذيلا هو عموم القاعدة لجميع المركبات وعدم اختصاصها بباب الصلاة وما يتعلق بها من الاذان والاقامة ( الا ) انه خرج عن هذه الكلية الشك في أبعاض الوضوء قبل اتمام الوضوء ، وكذا ابعاض الغسل والتيمم على قول قوى ، فانهم اجمعوا على ان الشاك في فعل من افعال الوضوء قبل اتمام الوضوء يجب عليه العود لاتيان المشكوك فيه وان دخل في فعل آخر منه

ص: 46

( وقد نص جماعة ) على ذلك في الغسل والتيمم ايضاً على نحو يظهر منهم كونه من المسامات ( والعمدة ) في مستند خروج الوضوء من الكلية المزبورة بعد الاجماع هي صحيحة زرارة ، اذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك ام لا فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله او تمسحه مما سمى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اخرى في الصلاة او في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شيء عليك ( ولا اشكال ) في تخصيص عمومات قاعدة التجاوز بمقتضى الاجماع والصحيحة المذكورة بالنسبة الى الوضوء ، بل الغسل والتيمم ايضاً ( وانما الكلام ) في التوفيق بين الصحيحة وبين موثقة ثقة ابن ابي يعفور المتقدمة ، اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه ( حيث ) ان الظاهر منها هو ان حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها ، لظهورها في عود ضمير غيره الى الجزء المشكوك فيه ، كظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك بنفسه صغرى للكبرى المشتملة على الحصر في ذيلها ، لا انه توطئة لبيان ما هو الصغرى وهو الوضوء الذى شك فيه بلحاظ احتمال الاخلال ببعض ما اعتبر فيه شطراً او شرطاً ( ولاجل ) ذلك ، وقع الاشكال بانه كيف التوفيق بين الصحيحة و بين الموثقة ( فان ) اخراج مورد الموثقة بمقتضى الاجماع والنص المتقدم عن عموم الذيل المضروب لبيان قاعدة كلية غير ممكن ( لان ) عموم الذيل بالنسبة الى المورد المذكور في الصدر كالنص غير القابل المتخصيص ( وقد تفضّوا ) عن الاشكال المزبور بوجوه .

فى اشكال على خروج الطهارات الثلاث عن عموم القاعدة بموثقه ابن ابى يعفور

( منها ) تم حمل الموثقة على بيان حكم الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصه ( بتقريب ) ظهورها في ان المراد من الشيء في ذيلها هو العمل الذي وقع الشك فيه لاجل احتمال الاخلال بشيء من اجزائه وشرائطه ( لا الشيء ) الذي شك في وجوده لتكون دليلا على قاعدة التجاوز ( فانه ) خلاف ما يقتضيه ظهور التجاوز عن العمل المشكوك فيه ، لا عن محله ( فظهور ) الذيل في القاعدة يكون رافعاً لا جمال مرجع الضمير فى الصدر ( لكون ) القاعدة المذكورة في الذيل بمنزلة البرهان لاثبات

ص: 47

الحكم المذكور في الصدر ، فيجب ان يكون الحكم المذكور في الصدر من جزئيات ماهو الموضوع في تلك القاعدة ، حتى يستقيم البرهان المزبور ( فالمستفاد ) من الموثقة حينئذ امران ( احدهما ) انه لو تعلق الشك بصحة عمل مركب بعد الفراغ عنه لا يعتد بالشك ( الثاني ) ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ من الوضوء انما هو لكونه من جزيئات هذه القاعدة ( كما ان ) المستفاد منها هو ان مفهوم الصدر من مصادیق منطوق الذيل ، انتهى ملخص ما افيد بطوله (و حاصله) تخصيص عموم قاعدة التجاوز بباب الصلاة او بغير باب الوضوء بل جميع الطهارات ، وان حكم الامام ( علیه السلام ) بعدم الاعتداد بالشك في الموثقة انما هو لقاعدة الفراغ الحاكمة بصحة العمل المأتى به ، لا لقاعدة التجاوز ، فالموثقة من ادلة قاعدة الفراغ لكونها متحدة السياق مع موثقة ابن مسلم ، لا من ادلة قاعدة التجاوز ( فلاتهافت ) حينئذ بين الموثقة وبين الصحيحة . ( وفيه ) منع ظهور الموثقة في القاعدة المذكورة ( بل هي ) صدر أو ذيلا ظاهرة في بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة

في الوجوه التي تفضوا بها عن الاشكال الوارد على خروج الطهارات الثلاث عن عموم القاعدة

( فان ) ظهور الشك في شيء في عموم الذيل كظهور الصدر في الشك في اصل وجود الشيء بمثابة لا يكون قابلا للانكار ، خصوصاً اذا لوحظ ظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك فيه بنفسه صغرى للكبرى المذكورة في الذيل ، لا انه توطئة لما هو الصغرى وهو الوضوء ( وبالجملة ) جعل المراد من الشيء في الرواية صدرا وذيلا هو العمل المركب الذى شك فيه لاجل احتمال الاخلال ببعض ما اعتبر فيه جزء او شرطاً ، خلاف الظاهر من الشك في الشيء ، ولا يستقيم الا بجعل من فى قوله من وضوئه بيانية لا تبعيضية المستتبع لعود ضمير غيره الى الوضوء الذي شك في صحته ، وهو خلاف ظاهر آخر في تبعيضية من ( مع انه )على ذلك يتوجه اشكال المعارضة بين منطوق هذه الموثقة مع مفهومها في صورة الشك في صحة فعل . من افعال الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم بعد الدخول في غيره كالشك في صحة غسل اليد باعتبار جزء من اجزائه ( فانه ) يتصور له في عمل واحد مصداقان يكون الشك بعد الفراغ في احدهما وقبله في الآخر ، بل الاشكال يعم غير باب الطهارات ، كالشك في صحة القراءة باعتبار جزء من اجزائها بعد الدخول في غيرها

ص: 48

( الا ان يدعى ) انصراف الشيء في الرواية عن مثلها الى ما كان له نحو استقلال بنظر العرف وان كان في اعتبار الشارع جزء لعمل مركب ، كالطواف والسعى ونحوهما . ( ومنها ) تزيل الموثقة على بيان حكم الشك في وجود الصحيح بعد الفراغ منه او تنزيلها على ضرب القاعدة في الشك المتعلق بجزء العمل المركب بعد الفراغ عن العمل ، فيرتفع التهافت بينها وبين الصحيحة المصرحة بوجوب الالتفات الي الشك في جزء من الوضوء مادام الاشتغال به ، حيث لا منافات حينئذ بين ظهور الموثقة في كون حكم الوضوء من باب القاعدة مع وجوب الالتفات الى الشك ما دام الاشتغال بالوضوء ( وفيه ) ما لا يخفى فان دعوى استفادة قاعدة الشك في الوجود الصحيح او الشك المتعلق بجزء من العمل بعد الفراغ عن العمل من الموثقة خارجة عن السداد ، لوضوح ظهورها في بيان حكم الشك المتعلق باجزاء العمل بعد تجاوز محله بالدخول في غير المشكوك فيه ، كظهور التجاوز في كبرى الذيل في مطلق التجاوز عن الشيء ، لا التجاوز الخاص الملازم للفراغ عن اصل العمل المركب ، خصوصاً بملاحظة ظاهر من في التبعيضية ( فالموثقة ) بحسب المدلول مساوق ساتر عمومات الباب ، بلا اختصاصها بجهة زائدة عنها ( بل يمكن ) دعوى عدم استفادة شيء من المعنيين من شيء من عمومات الباب وخصوصاته ( لان اخبار الباب ) باجمعها بين ما يستفاد منه حكم الشك المتعلق باصل وجود الشيء بمفاد كان التامة بعد خروج محله ، مثل قوله كل شيء شك فيه وق_______د جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ، وهذه الموثقة ( وبين ) ما يستفاد منه حكم الشك في صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ، مثل قوله كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ، فلا يكون لشيء من المعنيين عين ولا اثر في شيء من اخبار الباب من عموماته وخصوصاته .

( ومنها ) ما افاده الشيخ قدس سره من ان الوضوء بتمامه باعتبار اثره ومسببه وهو الطهارة فعل واحد في نظر الشارع لا جزء له مؤيداً بما في بعض اخبار الوضوء من ان الوضوء لا يتبعض ، ومع عدم ملاحظة الشارع اجزائه افعالا مستقلة ، فلا يلاحظ كل فعل منه بحياله شيئاً يشك فيه بعد تجاوز محله ليكون مورداً للقاعدة ،

ص: 49

فيتوجه عليه اشكال التهافت ، اذ الشك في فعل من افعال الوضوء حينئذ كغسل اليد قبل الفراغ عن الوضوء لا يكون الاشكاً في الشيء قبل التجاوز عنه ( وفيه ) مضافا الى ان ما ذكر من الوحدة خلاف ظاهر تبعيضية من فى صدر الرواية ( ان مجرد ) بساطة اثر الوضوء لا يقتضي هذا الاعتبار في مؤثره الذي هو نفس الوضوء ( والا ) لا اقتضى جريان المناط المزبور في سائر العبادات ايضاً كالصلاة بالنسبة الى آثارها المترتبة عليها من نحو الانتهاء عن الفحشاء والمقربية ، فيلزم ان يكون الشك في كل جزء منها قبل الفراغ عنها شكاً فيه قبل التجاوز عن ذلك الجزء باعتبار وحدة السبب الناشى عن وحدة الاثر وبساطته ( واما ) ما ايدنا به من الرواية بان الوضوء لا يتبعض فغير مرتبط بالدعوى المذكورة ( فان المراد )من التبعيض الممنوع فيه ، عبارة عن انفراد بعض اجزاءه عن بعض خارجاً ( لا ان المراد ) ان الوضوء باعتبار بساطة اثره اعتبر امراً واحداً بسيطاً لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة الى اجزائه .

( فالتحقيق ) في التقصي عن الاشكالات هو الالتزام برجوع الغير فى صدر الموثقة الى الوضوء ولو بملاحظة قرب المرجع الراجع إلى تقييد التجاوز عن المشكوك فيه في خصوص اجزاء الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم بمقتضى الاجماع والصحيح المتقدم بالتجاوز الخاص المساوق للتجاوز عن الوضوء، مع ابقاء التجاوز في كبرى الحصر في الذيل على اطلاقه في مطلق التجاوز عن الشيء ( و مرجع ) ذلك الى كشف التوسعة بمقتضى الاجماع والنص في خصوص المورد في محل ابعاض الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم الى ما بعد الفراغ عن الوضوء ، مع ابقاء ظهور كبرى الذيل في مطلق التجاوز عن محل الشيء الذي شك فيه على حالها بلا تخصيصه بالتجاوز الخاص ( ولا محذور ) في الالتزام بهذا المقدار ، فان تقييد المورد مع اطلاق الكبرى غير عزیز ( نظیر) تقیید مورد مفهوم آية النباء المفروض كونه في الموضوعات الخارجية بصورة انضمام خبر عدل آخر ، مع ابقاء اشتراط كبرى قبول الخبر الواحد بكون المخبر عادلا على اطلاقه لصورة عدم ضم خبر عدل آخر اليه .

( وعلى هذا ) البيان يندفع الاشكالات الواردة على الرواية ( تارة ) من جهة

ص: 50

لزوم تخصيص مورد الرواية عن العموم المضروب في ذليلها لبيان القاعدة الكلية ( واخرى ) من جهة معارضه منطوق هذه الرواية مع مفهومه في صورة الشك في صحة جزء من الوضوء مع الدخول في جزء آخر قبل الفراغ عن الوضوء ( وثالثة ) من جهة المعارضة مع العمومات الدالة على عدم الاعتداد بالشك في الشيء بعد التجاوز عن محله ( توضيح الاندفاع ) هو ان الاشكال الأول فرع ارجاع ضمير غيره الى الشيء المشكوك فيه ( والا ) فعلى فرض ارجاعه الى الوضوء بقرينة الاجماع والنص المتقدم وقرب المرجع ولو بتقييد التجاوز في المورد بمرتبة خاصة من التجاوز المنطبق على اتمام الوضوء فلايرد هذا الاشكال ( واما الاشكال ) الثاني فانما يرد لوكان المراد من الشيء في كبرى الذيل هو المركب المشكوك فيه باعتبار بعض ما اعتبر فيه جزء او شرطاً ، او كان المراد من التجاوز في الكبرى هو التجاوز عن الشيء باعتبار الخروج عن مركب اعتبر جزئيته له ( اذ حينئذ ) يمكن ان يتصور له مصداقان في عمل واحد يكون الشك بعد الفراغ في احدهما ، وقبل الفراغ في الآخر فيجيء فيه اشكال المعارضة المذكورة ( والا ) فعلى ما ذكرنا من ارجاع القيد في الرواية الى خصوص الصغرى ، بجعله توطئة لتقييد خصوص التجاوز في المورد بالتجاوز الخاص المنطبق على الفراغ من عام الوضوء ، مع ابقاء التجاوز في كبرى الذيل على اطلاقه ، لا مجال لهذا الاشكال ( اذ لا يحتمل ) حينئذ انطباق التجاوز الخاص في باب الوضوء على سائر الافعال كي يتوجه الاشكال الثاني .

( وبذلك ) اتضح حال الاشكال الثالث ( اذهو ) ايضاً فرع كون المراد من الشيء في كبرى الذيل هو المركب الذي شك فيه باعتبار اجزائه ، او كون المراد من التجاوز فيها هو التجاوز الخاص ، بارجاع القيد في الرواية الى كونه توطئة لبيان التجاوز في الكبرى لا شرحا للتجاوز في خصوص الصغرى بكونه هو التجاوز الخاص ، فانه على احد المعنيين يرد اشكال المعارضة بين مفاد هذا العام ، ومفاد عموم قوله كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل فى غيره فليمض عليه في صورة التجاوز عن محل الجزء مع عدم الفراغ عن العمل المركب ( ولقد عرفت ) ان استظهار هذين المعنيين من

ص: 51

الرواية خارج عن السداد ( وان التحقيق ) هو ابقاء الكبرى في الرواية على ظاهرها من الشك فى وجود الشيء بمفاد كان التامة ، مع ابقاء التجاوز فيها ايضاً على اطلاقه بارجاع القيد في الرواية الى كونه توطئة لبيان خصوص التجاوز في المورد ، دون غيره ( وعليه ) تندفع شبهة المعارضة من رأسها ( اذ حينئذ ) يكون الجميع على مفاد واحد ، غاية الامر يقيد خصوص مورد هذه الرواية في الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم كما هو المشهور. مقتضى النص و الاجماع بمرتبة خاصة من التجاوز ( ومن(المعلوم )ان هذا التقييد في الوضوء الذي هو مورد الرواية وما يلحق به من سائر الطهارات كما يوجب رفع اليد عن عموم كبرى ذيل الرواية ، كذلك يوجب رفع اليد عن الكبرى المضروبة في ذيل افعال الصلاة ( وعلى هذا البيان ) تبقى القاعدة ايضاً على عمومها الشامل لافعال الصلاة وغيرها من سائر المركبات ، بلا احتياج الى تخصيصها بأفعال الصلاة ( اذ التخصيص ) المزبور مع كونه خلاف ظاهر كل شيء في الدلالة على العموم والاستيعاب الجميع ما يصلح انطباق المدخول عليه بحسب الوضع كما حققناه في محله ، وقيامه بذلك مقام مقدمات الحكمة الجارية فى المدخول ( انما يثمر ) فى فرض ورود شبهة المعارضة ، كما على المبنيين المتقدمين ( والا ) فعلى ما ذكرنا من المبنى لا موقع لشبهة المعارضة حتى يحتاج الى منع التعميم في مثل عموم كل شيء وعموم قوله ( علیه السلام ) انما الشك في شىء لم تجزه ( مع انه ) على فرض ورود شبهة المعارضة حتى على المبنى المختار ، لا يجدى مجرد منع التعميم في قوله كل شيء في دفع الاشكال ، فانه مع عموم قوله انما الشك وشموله لباب الصلاة يتوجه اشكال المعارضة المزبورة في افعال الصلاة كما هو ظاهر .

يعتبر في القاعدة ان يكون الشك متعلقا بوجود الشى بمفاد كان التامه

( الامر الثانى ) قد عرفت انه بعتبر في قاعدة التجاوز امران (احدهما) ان يكون الشك متعلقاً بوجود الشيء بمفاد كان التامة ، وبذلك يختص جريانها بما لو كان الاثر المهم على وجود المشكوك فيه ، لا على حيث اتصافه بكذا ، ومن هنا لا تجرى القاعدة في الشك في ركعات الصلاة ( لان ) الاثر المهم على ما يستفاد من الادلة من نحو قوله ( علیه السلام ) تشهد وسلم في الرابعة انما هو على حيث انصاف الركبة بالرابعة بمفاد كان الناقصة لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة ( ولا جل ) ذلك قلنا ايضا ان عدم

ص: 52

جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة ولو في غير الموارد المنصوصة انما يكون على القواعد بلحاظ عدم اقتضاء التعبد بعدم الاتيان بالمشكوك لاثبات كون ما في اليد ثالثة او رابعة ، لا انه لقصور فيه عن الجريان فيها ، بخلاف ادلة الشكوك الآمرة بالبناء على الاكثر ، فانها ناظرة الى اثبات كون الموجود ثالثة او رابعة ، فيترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعية الركبة .

في اعتبار الدخول فى الغير في قاعدة التجاوز وانه من جهة كونه محققا للتجاوز او لخصوصية فيه

( وثانيهما ) كونه بعد التجاوز عن محله والدخول في غيره وهذا مما لا اشكال فيه ( وانما الكلام ) في ان اعتبار الدخول في الغير هل هو من جهة كونه محققاً للتجاوز عن محل المشكوك فيه او انه الخصوصية فيه في الحكم بالمضي على المشكوك فيه ( فيه وجهان ) اقويها الاول ، فان الظاهر المستفاد من عمومات الباب وخصوصاته هو كفايه مجرد المضي عن محل المشكوك فيه في الحكم بالمضي ، وان التقييد بالدخول في الغير في بعض تلك الاخبار انما هو لكونه محققاً للتجاوز عن محل المشكوك باعتبار عدم صدق التجاوز عنه الا بالدخول فيما رتب على المشكوك شرعاً بحسب الجعل الاولى ، لا نه بدونه يكون المحل باقياً ، فلا يصدق التجاوز المزبور ( وعليه ) فذكر هذا القيد في بعض نصوص الباب لا يقتضي ازيد مما يقتضيه اطلاق بعض الآخر ، كموثقة ابن ابي يعفور من كونه مقوماً لصدق التجاوز المزبور ( فلا يتوهم ) المعارضة حينئذ بين الاخبار المطلقة ، والاخبار المقيدة بالدخول في الغير ( هذا ) في قاعدة التجاوز ( واما قاعدة الفراغ ) المستفادة من نحو قوله ( علیه السلام ) : كل ما مضى من صلاتك وطهورك قامضه كما هو ( فلا يعتبر ) فيها في الحكم بالمضى كما هو الا مجرد صدق المضى على المشكوك ، ويكفي في الصدق المزبور مجرد الفراغ عن العمل بلا احتياج الى الدخول في عمل آخر ( ولذلك ) اطلق في الروايات المتكفلة لهذه القاعدة ولم يقيد شيء منها بالدخول في غير المشكوك في مقام الحكم بالمضى على المشكوك فيه ( اذ التقييد ) طراً انما يكون في اخبار التجاوز غير المرتبط باخبار قاعدة الفراغ ، فلا يتوهم حينئذ المعارضة بين المقيدات ، وبين هذه المطلقات كما هو ظاهر .

تحديد الغير الذي اعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز

( الامر الثالث ) ظاهر المستفاد من اخبار الباب ، ان المراد من الغير الذي

ص: 53

اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضى ، هو خصوص ما اعتبر الترتيب بينه وبين المشكوك فيه شرعا من الاجزاء والافعال دون غيره مما لم يكن كذلك ، بل كان ترتبه عليه بحكم العقل او العادة ( وحينئذ ) فلا بد في جريان القاعدة من ملاحظة ان الشارع اعتبر الترتيب بين المشكوك فيه واى فعل ( فكل فعل ) اعتبر الشارع الترتيب بينه وبين المشكوك فيه ، يصدق التجاوز عن المحل بالدخول فيما رتب عليه ، فتجري فيه القاعدة ( وكل فعل ) لم يرتب شرعا على المشكوك فيه ، لا يجدى الدخول فيه في الحكم بالمضى لعدم صدق التجاوز عن المحل بالدخول في مثله ، وان كان من مقدمات ما ترتب على المشكوك فيه ( ويترتب ) عليه وجوب العود لتدارك المشكوك فيما اذا شك في السجدة في حال النهوض الى القيام ، او في الركوع في حال الهوى الى السجود ( لان ) مثل النهوض والهوى من مقدمات مارتب على المشكوك فيه ، لا من الأمور المترتبة عليه بنفسه بالجعل الشرعى ( و توهم ) كفاية الدخول في مطلق الغير ولو كان الترتب بينه وبين المشكوك فيه عقلياً او عادياً ( مدفوع ) اولا بما ذكرنا من ان اعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضى على المشكوك فيه انما هو لكونه محدداً للمحل الذي اعتبر التجاوز عنه ، لا انه الخصوصية فيه ، فمع عدم كونه مما رتب عليه شرعا لا يصدق التجاوز عن محل المشكوك فيه ، فلا تجري فيه القاعدة ( وثانياً ) يمنع الاطلاق في اخبار الباب من هذه الجهة ( بل الظاهر ) منها بقرينة الامثلة المذكورة فيها ، هو اختصاص الغير الذي اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضى بخصوص مار تب على المشكوك فيه شرعا ( ولقد ) أجاد المحقق الانصاري قدس سره في جعل الامثلة المذكورة في الاخبار تحديداً للغير الذي اعتبر الدخول فيه ( وحينئذ ) فلا اشكال في خروج مثل الهوى والنهوض ووجوب الاعتداد بالشك في الركوع والسجود اذا كان في حال الاشتغال بهما ( نعم ) يظهر من خبر عبد الرحمن بن عبد الله عدم الاعتداد بالشك في الركوع في حال الهوى الى السجود قال قلت : رجل اهوى الى السجود فلم يدر اركع ام لم بركع قال ( علیه السلام ) : قد ركع ( ولكن ) بعد ضعف الخبر في نفسه يمكن حمله على آخر مراتب الهوى الذي يتحقق به السجود ( وعلى فرض ) القول به لابد من الاقتصار على

ص: 54

مورده وعدم التعدى منه الى غيره من المقدمات .

في عدم الفرق فى الغير بين كونه جزء للمركب و بين غيره و بين كونه جزء مستقلاً و بين كونه جزء الجزء وكذا بين كونه من الواجبات اولا

( ثم لا فرق ) فى الغير المترتب على المشكوك فيه بين كونه جزء للمركب ، و بين غيره ( و احتمال ) اختصاصه ما يكون جزء ( يدفعه ) ظهور هذه النصوص في عدم الاعتناء بالشك في السجود بعد الدخول في القيام الشامل باطلاقه لحال عدم الاشتغال بالقرائة او التسبيحات ، مع وضوح ان وجوبه انما كان في حال القراءة او التسبيحات ، ( ولذا ) لو قرء جالساً نسيانا ثم تذكر بعدها او في اثنائها صحت قرائته ولا يجب عليه القيام لقوات محله ، وان وجب عليه ذلك لاجل الركوع ، للزوم كونه عن قيام ( وكذا ) لا فرق بين كونه جزء مستقلا، وبين كونه جزء الجزء كا بما ض القراءة ، فلوشك المصلى في آية بعد الدخول في آية اخرى من الحمد او السورة ، لا يجب العود الى تدارك المشكوك فيه ، فضلا عما لو شك في أول السورة وهو في آخرها ( ومجرد ) عدم ذكر مثله في امثلة اخبار الباب لا يقتضى المنع عن شمول القاعدة لاجزاء الاجزاء بعد صدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله بالدخول في غيره عليه ، واندراجه في الكبرى الكلية التي افادها الامام ( علیه السلام ) بقوله ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ( والا ) لاقتضى المنع عن جريان القاعدة فيما لو شك في قراءة الفاتحة بعد الدخول في السورة ، بل وبعد الدخول في القنوت ( اذ المذكور ) في الرواية رجل شك في القرأنة بعد ما ركم ، مع انه ليس كذلك ( نعم ) قد يشك في شمول الاخبار للشك في ابعاض آية بعد الدخول في البعض الآخر منها ( و اولى ) بالتشكيك مالو شك المصلى في جزء من الكلمة بعد الدخول في الجزء الآخر منها ، لا مكان دعوى انصراف الشيء وكذا الغير فى الاخبار ولو بقرينة الامثلة المذكورة فيها الى ما يكون له وجود مستقل عرفا ، وان كان في اعتبار الشارع جزء للجزء ، لا جزء مستقلا ( و من التامل ) فيما ذكرنا ظهرانه لا فرق ايضاً في الغير المترتب على المشكوك بين ان يكون من الاجزاء الواجبة ، او المستحبة كالقنوت على اقوى الوجهين ، بل وجلسة الاستراحة ( ولا ) بين كونه جزء مستحباً ، وبين كونه مستحباً نفسياً في حال الصلوة ، كالفنون على الوجه الآخر ( ولا ) بين كونه من المستحبات الداخلية ،

ص: 55

والمستحبات الخارجية كالتعقيب ونحوه ، فلو شك المصلى في الجزء الاخير وهو في حال التعقيب ، تجرى فيه القاعدة ، كل ذلك لاستفادة عموم الحكم بالمضي من الاخبار بالدخول فيما رتب على المشكوك بالجعل كان جزء الصلاة ، او مستحبا نفسياً في حالها ، او في خارجها مما هو من تبعاتها كالتعقيب ( لا انه ) للتعدي عما هو جزء الصلاة الى غير سنخه مما هو مستحب نفسى في حالها او في خارجها .

هل يعتبر فى القاعدة كون الغير متصلا بالمشكوك فيه

( الأمر الرابع ) هل يعتبر في قاعدة التجاوزان يكون الغير الذي اعتبر الدخول فيه متصلا بالمشكوك فيه ، او لا يعتبر ذلك بل يكفي في جريانها الدخول في مطلق الغير ولو كان غير ملاصق بالمشكوك فيه فيه وجهان ( اقواهما الثاني ) لما تقدم من ان المعتبر في القاعدة هو مجرد الشك في الشيء بعد تجاوز محله وان اعتبار الدخول في الغير في الاخبار انما هو لكونه محققاً لعنوان التجاوز عن محل المشكوك فيه الموجب لصدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله ، لا انه لخصوصية فيه تقتضى الحكم بالمضي على المشكوك فيه ( وحينئذ ) فبعد صدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله بالدخول في غير الملاصق بالمشكوك ، تجرى فيه القاعدة )( وعلى فرض ) الخصوصية لعنوان الدخول في الغير ( نقول ) : انه يكفيه اطلاق الغير فى الاخبار الشامل لغير المتصل بالمشكوك ( فان دعوى ) انصرافه الى خصوص المتصل بالمشكوك فيه مما لا شاهد له .

( وتظهر الثمرة ) بين الوجهين فيما لو شك في الجزئين المترتبين ، كما لو شك المصلى في الركوع والسجود وهو في التشهد ( اما ) بان يكون كل واحد منهما متعلقاً لشك مستقل بحيث يحتمل التفكيك بينهما في الوجود والتحقق ( واما ) بان يكون المجموع متعلقاً لشك واحد بنحو لا يحتمل التفكيك بينهما في الوجود ( فانه ) على المبنى المختار لا غبار في جريان القاعدة في الركوع والسجود في الصورتين ( واما على المبنى الآخر ) فيشكل جريان القاعدة فيهما ، فانه الشك في السجود يشك في الدخول في الغير المتصل بالنسبة الى الركوع ، فلا تجرى فيه القاعدة ( ومع ) عدم جريانها فيه لا تجرى في السجود ايضاً ، لعدم ترتب اثر شرعى عليه حينئذ ، لبطلان الصلاة التي لم يحرز فيها الركوع ( وبذلك ) يندفع ماقد يتوهم ، من

ص: 56

امكان جريان القاعدة فيها، باجرائها في السجود اولا ، لمكان تحقق شرطها الذي هو الدخول فى الغير المتصل به ( ثم ) اجرائها بالنسبة الى الركوع ثانياً ( لان ) القاعدة بجريانها في السجود محقق لعنوان الدخول في الغير المتصل بالركوع ولو تعبداً لا وجداناً ، وبتحقق هذا العنوان تجرى في الركوع ايضاً ( وجه الاندفاع ) مضافاً الى عدم اقتضاء التعبد بوجود السجود لاثبات عنوان الدخول في الغير المتصل بالنسبة الى الركوع الا على فرض القول بالمثبت ( ان جريان ) القاعدة في السجود فرع ترتب اثر شرعى عملى عليه لانه مما لابد منه في جريان القاعدة ( وهو متوقف ) على جريانها في الركوع ، اذ لولا جريانها فيه لا يترتب اثر شرعى على وجود السجدة لبطلان الصلاة التي لم يحرز الركوع فيها ، فإذا توقف جريانها في الوكوع على جريانها في السجود يلزم الدور ، وهو باطل ( هذا ) في الصورة الاولى ( واما ) في الصورة الثانية ، فالامر اشكل ( فانه ) مع اليقين بملازمة الاتيان بالسجود مع الاتيان بالركوع وعدم احتمال انفكاك احدهما عن الآخر في التحقق ، يقطع بعدم الاتيان بالسجود في فرض عدم اتيانه بالركوع ، ومع هذا القطع لا تجرى القاعدة في الركوع للقطع بع______دم الدخول في الغير المتصل به ( وبالجملة ) القاعدة انما تجري في مورد يجامع عدم الاتيان بالمشكوك مع الدخول في الغير المتصل به ، وفي هذا الفرض لا يحتمل ذلك كى تجري فيه القاعدة ( ولكن الذى ) يسهل الخطب هو فساد اصل المبنى ، لما عرفت من ان المعتبر في جريان القاعدة هو الشك في الشيء بعد تجاوز محله ، وهذا مما لاشك في صدقه بالدخول في مطلق الغير .

الجزء المشكوك فيه قديكون هو الجزء الاخير وقد لا يكون

( الأمر الخامس ) ان الجزء المشكوك فيه ( تارة ) يكون هو الجزء الاخير من العمل ، كالتسليم في الصلاة ، وغسل جانب الايسر في الغسل ، ومسح الرجل اليسرى في الوضوء ( واخرى ) يكون ما عدى الجزء الاخير ، ( فان كان ) المشكوك فيه ما عدى الجزء الاخير ، فلا اشكال في انه قبل الدخول فيما رتب عليه شرعا يجب العود اليه ، وبعد الدخول فيه بحكم عليه بالمضي وعدم الاعتداد بالشك ( وان كان ) المشكوك فيه هو الجزء الاخير ، كالتسليم في باب الصلاة ، فقد يقال : بوجوب الاعتداد بالشك ،

ص: 57

لعدم جريان قاعدة التجاوز فيه ، لاشتراطها بالدخول في الغير المترتب عليه من الاجزاء ، وليس للصلاة وراء التسليم شيء يتصور الدخول فيه ( ولا قاعدة ) الفراغ عن العمل ايضاً ، للشك في تحقق الفراغ بدونه ( وتحقيق الكلام ) فيه ان الشك في التسليم ( تارة ) يكون في حال الاشتغال بالتعقيب ( واخرى ) بعد فعل ما ينافي الصلاة عمداً وسهواً ، كالحدث والاستدبار ، او عمداً لا سهواً ، كالتكلم ( وثالثة ) في حال السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة عرفا ) ورابعة ) في حال السكوت غير الماحي لصورة الصلاة ( فان كان ) الشك فى التسليم في حال الاشتغال بالتعقيب ، فلا ينبغي الاشكال في عدم الاعتداد بالشك لجريان قاعدة التجاوز فى المشكوك ( فان التعقيب ) ، وان كان من توابع الصلاة الخارجة عن حقيقتها كالاذان والاقامة لا من اجزائها ( ولكن ) الشارع لما اعتبر له محلا خاصاً بكونه عقيب التسليم ، فلا جرم عند الشك في التسليم تجري فيه قاعدة التجاوز ، لصدق الشك في الشيء بعد تجاوز محابه على مثله ( كما انه ) لو كان الشك في التسليم في حال السكوت القصير غير الماحى لصورة الصلاة لا اشكال في الاعتداد بالشك ووجوب التسليم لبقاء محله ( و اما لو كان ) الشك فيه بعد فعل ما ينافي الصلاة عمداً وسهواً ( فقد يقال ) : انه تجرى فيه ايضاً قاعدة التجاوز ( بتقريب ) ان الشارع وان لم يجعل لما ينافي الصلاة محلا خاصاً ، بل جعله من المبطلات ، الا انه لما كان تحليلها التسليم كان محل التسليم قبل فعل المنافي ، وبهذا الاعتبار يجرى عليه حكم المحل الشرعي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز ( وفيه ) ان مجرد كون التسليم تحليلا لفعل المنافي لا يقتضى ترتباً شرعياً بينهما ، بل غاية اقتضائه هو جواز فعل تلك المنافيات بعد ان كانت محرمة على المكلف في اثناء الصلاة ( فما هو المترتب ) على التسليم حينئذا نما هو جواز فعل المنافيات ، لا نفسها ( والغير ) الذي اعتبر الدخول فيه للتجاوز عن محل المشكوك ، هو الغير المترتب عليه بنفسه ، لا ما يكون بحكمه مترتباً عليه ، وبينهما بون بعيد ، فلا مجال حينئذ لتوهم جريان قاعدة التجاوز في التسليم وهكذا الكلام فيه الوشك في التسليم في حال السكوت الطويل الماحى لصورة الصلاة، فلا تجري فيه ايضا قاعدة التجاوز ( واما قاعدة ) الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة ، فجريانها مبنية على

ص: 58

كفاية الاتيان بمعظم الاجزاء في صدق الفراغ عن العمل ( فان قلنا ) به يحكم بصحة الصلاة للقاعدة ، والا فيشكل تصحيح هذه الصلاة ، لانه مع الشك فى التسليم يشك في الفراغ الذي هو موضوع القاعدة ( ولكن ) الالتزام بكفاية صرف الاتيان بمعظم الاجزاء مع الشك في التسليم في تحقق الفراغ الذي هو موضوع القاعدة ، لا يخلو عن اشكال ( فان ) ما يمكن الالتزام به بعد الاخذ بمعظم الاجزاء هو اعتبار امر آخر من كونه عند الشك في حال يرى نفسه فارغا من الصلاة ، او يكون فعل المنافي من الأول صادر أمن المكلف باختياره باعتقاد فراغه ، وبعد فعل المنافي او في اثنائه يشك في الجزء الاخير الذي هو التسليم ، والا فمجرد كون الشك في التسليم في حال الاتيان والمنافي لا يكفي في جريان القاعدة ( وبماذكرنا ) يتضح الحال في الفرع المعروف ، وهو مالو انتبه عن نومه في حال السجدة ، وشك في أنه سجدة شكر او سجدة صلاة ( فانه ) على ماذكرنا لا تجري قاعدة التجاوز في السجدة والتشهد لعدم احراز عنوان التجاوز عن المحل ( ولا قاعدة ) الفراغ ، لعدم احراز موضوعها مع الشك المزبور ، فلا مصحح لتلك الصلاة ، الا في فرض عامه بان نومه من الاول كان عن اختيار منه لزعم فراغه من الصلاة ، هذا كله في الشك في الجزء الاخير في باب الصلاة .

فى حكم الشك فى الجزء الاخير في غير باب الصلوة

( واما الشك ) في الجزء الاخير في غير باب الصلاة ، كالشك في مسح الرجل اليسرى في الوضوء ، وغسل الجانب الايسر في الغسل فحكمه حكم الشك في التسليم ، فلا تجرى فيه قاعدة التجاوز ، وان كان الشك فيه بعد جفاف تمام الاعضاء السابقة ، لعدم صدق التجاوز عن المحل بالنسبة الى الجزء الاخير منها ( الا بتوهم ) ان المحل الشرعى المعتبر في مسح الرجل اليسرى في الوضوء بمقتضى ادلة اعتبار عدم جفاف الاعضاء السابقة ، هو كونه قبل جفاف الرطوبة من تمام الاعضاء السابقة ( وفي غسل الجانب الايسر في الغسل الترتيبي لمن اعتاد الاتيان بغسل الاعضاء متوالياً ، قبل فصل طويل ينافي عادته ( فاذا ) كان الشك في الجزء الاخير من الوضوء بعد جفاف الاعضاء السابقة ، وفي الجزء الاخير من الغسل الترتيبي بعد فصل طويل ينافي عادته ، تجري فيها قاعدة التجاوز ( ولكنه ) توهم فاسد ( اما ) في الغسل فيهما ذكرنا من ان العبرة

ص: 59

في صدق التجاوز عن الشيء ، انما هو التجاوز عن محله الشرعي المقرر له حسب الترتيب المعتبر شرعا بينه و بين غيره، ولا عبرة بالمحل العادي او العقلي ( واما ) في الوضوء ، فبان مجرد اعتبار الشارع عدم جفاف العضو السابق او تمام الاعضاء السابقة في صحة غسل العضو اللاحق او مسحة لو قلنا به ولم نقل برجوع هذه التحديدات الى عدم فوات الموالات العرفية ، لا يقتضى اعتبار المحل الشرعي لغسل العضو اللاحق او مسحه بكونه قبل جفاف الرطوبة من العضو السابق ، كي بالجفاف المزبور يصدق عنوان التجاوز عن محل الشيء ( خصوصاً ) في مسح الرأس والرجلين ، لقوة دعوى كون الامر باعادة الوضوء في الخبر مع عدم بقاء البلة ، لاجل تعذر المسح ببلة الوضوء مع جفاف الاعضاء، لا أنه من جهة اشتراطه بعدم جفاف الاعضاء السابقة ، فضلا اقتضائه الاعتبار المحل الشرعي لمسح الرأس والرجلين بكونه قبل جفاف الاعضاء السابقة ، كما يشهد له ظهور قوله ( علیه السلام ) في مرسلة الصدوق ، وان نسيت مسح رأسك ، فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك الى قوله ( علیه السلام ) وان لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء ( وحينئذ ) فلا يبقى مجال لاجراء قاعدة التجاوز في مسح الرجل اليسرى عند الشك فيه بصرف كون الشك المزبور في حال جفاف تمام الاعضاء السابقة ( نعم ) لا بأس بجريان قاعدة الفراغ في الوضوء ، وكذا في الغسل عند الشك في الجزء الاخير منهما بعد صدق عنوان الفراغ عن العمل عرفا ولو بعضي زمان طويل او الدخول في عمل آخر من صلاة ونحوها .

فى كون المشكوك فيه ممّا يجزم بكونه مأتيا على وفق امره على تقدير وجوده

( الأمر السادس ) يعتبر في جريان قاعدة التجاوز ان يكون المشكوك فيه على تقدير وجوده مما يجزم بكونه مأنياً على وفق امره ، بحيث وقع امتثالا لامره ( لان ) المجعول في قاعدة التجاوز انما هو البناء على وقوع الجزء المشكوك فيه بلحاظ ما يترتب عليه من تحقق الامتثال الموجب لسقوط امره ( فلو لم يكن ) المشكوك فيه كذلك ، بل كان ما يجزم بكونه على تقدير وجوده غير موافق لامره ، فلا تجرى فيه القاعدة امدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بالمضى عليه ( فلو علم ) اجمالا في حال القيام انه ، اماترك الركوع ، او التشهد ، لانجرى القاعدة في التشهد ( لان ) وجوده ملازم

ص: 60

لفوت الركوع وهو مستلزم لبطلان صلاته ، فلا يترتب على وجوده اثر عملي حتى تجرى فيه القاعدة ( وان شئت ) قلت في الفرض المزبور انه يعلم تفصيلا بعدم الاتيان بالتشهد على وفق امره ، اما لعدم الاتيان به رأساً ، واما للاتيان به في صلاة فاسدة ( ومع ) هذا العلم لانجرى فيه قاعدة التجاوز حتى تعارض مع جريانها في الركوع ، لعدم احتمال الاتيان به في صلاة صحيحة ( فتجرى ) القاعدة حينئذ في الركوع بلا معارض ، ومقتضاه وجوب الاتيان بالتشهد بقاء محله ، وبقضائه بعد الصلاة مع عدم بقاء محله بدخوله في ركن آخر ( فان ) احتمال عدم وجوبه حينئذ انما هو من جهة احتمال بطلان الصلاة الناشيء من احتمال فوت الركوع ( وهذا ) الاحتمال مرتفع بقاعدة التجاوز الجارية في الركوع الحاكمة بصحة الصلاة، والا فاصالة عدم الاتيان بالتشهد غير مقتضية لوجوب الاتيان به مع بقاء محله وبقضائه بعد الصلاة مع ع_دم بقائه ( فان ) جريان هذه القواعد الظاهرية حتى قاعدة الاشتغال انما يكون في ظرف احتمال الاتيان بالمشكوك في صلاة صحيحة وعدم الاتيان به كذلك ( ومع ) دوران المشكوك بين عدم الاتيان به رأساً ، او الاتيان به في صلاة فاسدة ، لا يحتمل الاتيان بالمشكوك في صلاة صحيحة ، فلا تجري فيه القواعد الظاهرية المثبتة لوجوب الاتيان به حتی قاعدة الاشتغال ( لان ) مجرى تلك القاعدة انما هو الشك فى فراغ العهدة من جهة احتمال الاتيان بالمفرغ في صلاة صحيحة ، ولا يحتمل ذلك في نحو تلك الموارد ( وهكذا ) الكلام في كل مورد تردد الفائت بين الركن وغيره ( فان ) في جميع تلك الموارد تكون قاعدة التجاوز بالنسبة الى ما عدى الركن غير جارية، لمكان الجزم بعدم الاتيان به على وفق ،امره ، فتجرى بالنسبة الى الركن بلا معارض ، وبجريانها فيه يترتب صحة الصلاة ، فيجب الاتيان بغير الركن مع بقاء محله ، وبقضائه بع______د الصلاة مع عدم بقاء محله ان كان مما له القضاء بعد الصلاة ( فان احمال ) عدم وجوبه حينئذ انما هو من جهة احتمال فساد الصلاة ، وهذا الاحتمال مرتفع بقاعدة التجاوز الجارية في الركن الحاكمة بصحة الصلاة ظاهراً ( نعم ) في فرض بقاء المحل الشكى للركن تجرى القاعدة في غير الركن فيجب الاتيان بالركن في محله لقاعدة الشك

ص: 61

في المحل ( وبما ذكرنا ) يتضح لك الحال في كثير من الفروع التي أوردها السيد الطباطبائي ق______دس سره في العروة الوثقى فراجع وتأمل فيها تجد ما ذكرناه حقيقا بالتحقيق فيها .

فى عمومية القاعدتين لغير باب الطهارة والصلوة

( الامر السابع ) الظاهر انه لا اختصاص لقاعدة التجاوز بياب الطهارة والصلاة ، لعموم قوله ( علیه السلام ) كل شيء شك فيه وقد جاوزه الشامل لغيرهما ايضاً كالحج ونحوه ، ومع هذا العموم لا يحتاج الى استفادة التعميم من لفظ الشيء الوارد في صحيح زرارة في قوله ( علیه السلام ) اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ، كى يقال : ان الشيء في الرواية لولم يكن ظاهراً في الاختصاص باجزاء الصلاة بقرينة الاسئلة فلااقل من التشكيك في ظهوره في التعميم لغير باب الصلاة ( وما يقال ) ان لفظ كل وان كان دالا على الاستيعاب بلا ارتياب الا انه على استيعاب ما يراد من مدخوله الذي هو الشيء ( والاشكال ) انما هو في المراد من المدخول من انه مطلق الشيء او هو الشيء الخاص وهو الصلاة واستفادة العموم مبنى على تمامية مقدمات الحكمة وهى ممنوعة بعد وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب المذكور في صدر الرواية ( مدفوع ) بان التعميم كما يستفاد من قضية الاطلاق ومقدمات الحكة ، كذلك يستفاد من لفظ كل ، لما هو التحقيق من كونه موضوعا للدلالة على استيعاب جميع ما يصلح لانطباق المدخول عليه ، فيقوم حينئذ مقام مقدمات الحكمة ويستفاد منها ما يستفاد من مقدمات الحكمة، هذا في قاعدة التجاوز ( و اما قاعدة الفراغ ) فلا اشكال في عمومها ، بل هى اوسع من قاعدة التجاوز ، فتجرى في جميع الابواب من العبادات والمعاملات ، بل الظاهر عدم اختصاصها ببعد الفراغ الاعمال من المستقلة التي لها خطاب مستقل ، كالصلاة والوضوء ونحوهما ، فتجرى في اثناء العمل الواحد ايضاً اذا كان المشكوك صحته وفساده مما له نحو استقلال بنظر العرف بنحو يعد كونه عملا من الاعمال وان كان في اعتبار الشارع جزء للعمل ، كالسعي والطواف ، بل والركمة في الصلاة فتدبر .

( الامر الثامن ) يعتبر في جريان قاعدة التجاوز والفراغ ان يكون الشك متعلقاً بالعنوان الذى له الاثر الشرعى في كبرى الدليل ( لان ) شأن قاعدة التجاوز

ص: 62

والفراغ وغيرهما من الاصول المحرزة انما هو تطبيق الكبريات الواقعية على الموارد بالعناوين التي لها الاثر الشرعي ، لا بغيرها من العناوين ( فلو صلى ) من وظيفته تكرار الصلاة الى اربع جهات ، وعلم بعد الفراغ منها بفساد الصلاة الواقعة في احدى الجهات الاربع بنحو الاجمال ، لانجرى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة الواقعة الى القبلة المرددة بين الجهات بهذا العنوان الاجمالي كما توهم ، بدعوى صدق الشك في صحة تلك الصلاة وفسادها ( وذلك ) لانه لا أثر للصلاة الى القبلة المرددة بهذا العنوان الاجمالي العرضى ، كى تجري فيها القاعدة ( وانما ) الاثر الشرعي لواقع ما يكون الى القبلة بعنوانه التفصيلي ، كالصلاة الى هذه الجهة وتلك الجهة الاخرى ( والا ) لا قتضى جريان القاعدة حتى في فرض العلم التفصيلي بفساد الصلاة الواقعة الى جهة معينة ( اذ يصدق ) في هذا الفرض الشك في صحة الصلاة الواقعة الى القبلة بهذا العنوان الاجمالي ( مع انه ) لا يظن التزامهم به ( نعم ) لا بأس بإجراء القاعدة في كل واحدة من الصلوات المأتية الى الجهات الاربع بعناوينها التفصيلية ( فان ) كل واحدة منها على تقدير كونها الى القبلة مما يترتب عليه الاثر ( فاذا ) شك في صحتها وفسادها تجرى فيها قاعدة الفراغ ( واما العلم الاجمالي ) بمخالفة بعض هذه الأصول للمواقع، فغير ضائر بعد احتمال كون الفاسدة هى الواقعة الى غير القبلة ( وعلى هذا ) البيان لا يتوجه ما ذكرناه من النقض بفرض العلم التفصيلي بفساد الصلاة الواقعة الى الجهة المعينة ( اذ في هذا ) الفرض لا تجرى القاعدة بالنسبة الى تلك الصلاة ، ولا يجدى جريانها بالنسبة الى غيرها ايضاً ، لعدم احراز كونها صلاة الى القبلة كما هو ظاهر .

في كون الشك متعلقاً بالعنوان الذى له الاثر الشرعي في قاعدتى التجاوز والفراغ معاً

( الامر التاسع ) هل الشك في الشروط ، كالشك في الاجزاء ، فتجري فيها قاعدة التجاوز اولا ( وتنقيح ) الكلام فيها هو ان الشرائط المعتبرة في الصلاة على اقسام ( الاول ) ما يكون شرطاً عقليا في تحقق عنوان المأمور به ، من الصلاتية والظهرية والعصرية ونحوها ، كالنية ( فان ) هذه العناوين باعتبار كونها امورا قصدية لا يكاد يتحقق عقلا الا بالقصد والنية ( والثاني ) ما يكون شرطاً شرعياً لصحة المأمور به فارغا عن اصل تحقق عنوانه من الصلاتية او الظهرية والعصرية ، كالطهور

ص: 63

والستر والاستقبال ونحوها ( الثالث ) ما يكون شرطاً عقلياً لنفس الجزء بمعنى كونه مما يتوقف عليه وجود الجزء عقلا ، كالموالات بين حروف الكلمة ( الرابع ) ما يكون شرطاً شرعياً للجزء ، كالجهر والاخفات بناء على القول بكونها شرطاً للقراءة ، لا شرطاً للصلاة في حال القراءة ، كما هو الظاهر المستفاد من قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك الآية ( ثم ) ان ما يكون شرطاً شرعياً للصلاة ( اما ) ان يكون شرطاً لها في خصوص حال الاجزاء ( واما ) ان يكون شرطاً لها مطلقاً حتى في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء ، كالستر والاستقبال والطهارة الحدثية ( وعلى التقديرين ) ، اما ان يكون له محل مقرر شرعى بكونه قبل الدخول فى المشروط كصلاة الظهر والمغرب بالنسبة الى صلاة العصر والعشاء على ما يقتضيه ادلة الترتيب ، وكالطهارة الحدثية في الجملة ، كما يقتضيه قوله تعالى اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ( واما ) ان لا يكون له محل مقرر شرعی كالستر والاستقبال .

الشك فى الشروط كالشك في الاجزاء فى جريان قاعدة التجاوز فيها ام لا

( وبعد ) ما تبين ذلك ، نقول : ( اما الاول ) وهو ما يكون شرطاً مقوماً لعنوان المأمور به من الصلاتية او الظهرية او العصرية ، كالنية ( فلا اشكال ) في انه مع الشك فيها لا تجري قاعدة التجاوز فيها ( فانه ) مضافا الى اختصاص القاعدة بما اذا كان المشكوك امراً شرعياً له محل مقرر شرعى ، لا يكاد تجدى في احراز عنوان المشروط ، فان جهة نشو الافعال عن قصد الصلاتية او الظهرية والعصرية انما تكون من لوازم وجود القصد والنية عقلا ، والتعبد بوجود القصد لا يقتضى اثبات هذه الجهة ( وحينئذ ) فمع الشك في نشو المأتى به عن مثل هذا القصد يشك في تعنونه من اول شروعه فيه بعنوان الصلاتية او الظهرية او العصرية ، ومع هذا الشك لا تجرى قاعدة الفراغ في المشروط ايضاً ، لاختصاصها بما اذا كان العمل محرزاً بعنوانه، وكان الشك متمحضاً في صحته وفساده ، كما هو كذلك في قاعدة الصحة الجارية في عمل الغير ايضاً ( من غير فرق ) فيما ذكرنا بين ان يكون الشك في النية في اثناء العمل ، وبين ان يكون بعد الفراغ منه ، فأنه على كل تقدير لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة الى الشرط ، ولا قاعدة الفراغ بالنسبة الى المشروط ( فلو شك ) فى ان ما بيده صلاة او غيرها بطل

ص: 64

ويجب استينافه بمقتضى قاعدة الاشتغال بالصلاة ( كما انه ) لو شك في ان ما بیده ظهر و عصر يبطل ايضاً اذا علم انه قد صلى الظهر ، ( لانه ) لا يعلم كونه من حين شروعه بعنوان العصر ( نعم ) لو علم انه لم يصل الظهر ، او شك في الاتيان بها عدل به اليها و صحت صلاته ( ثم ان ) هذا كله في النية بمعنى القصد المقوم لعنوان المأمور به .

في حكم الشك في النية

( واما ) النية بمعنى قصد القربة ، فلو شك فيها في اثناء الصلاة ، فقاعدة التجاوز فيها ايضاً غير جارية ولو قلنا بكونها شرطاً شرعياً معتبراً في العبادة كسار الشروط المعتبرة فيها ، لا شرطاً عقلياً معتبراً في مقام الامتثال ، لعدم كونهما على فرض الشرعية مما له محل مقرر شرعى حتى يصدق عليها عنوان التجاوز عن المحل والدخول في الغير ( واما ) قاعدة الفراغ فجريانها في الاجزاء التي شك في اقترانها بقصد القربة ، مبنى على كونها شرطا شرعياً مأخوذاً في العبادة ولو بنحو نتيجة التقييد ( والا ) فعلى القول بكونها شرطاً عقلياً معتبراً في مقام الامتثال ، فلانجرى قاعدة الفراغ ايضاً ، لا نتفاء الشك في صحة المأتى به بمعنى المستجمع للاجزاء والشرائط الشرعية، ولو مع القطع بعدم اقترانه بقصد القربة ، للقطع بكون المانى به بدونه واجد الجميع ما اعتبر في المأمور به شطراً وشرطاً .

( واما الثاني ) وهو ما يكون شرطاً الصلاة في حال الاجزاء ، او مطلقاً حتى في السكونات المتخللة بين الاجزاء ( فان لم يكن ) للشرط محل مقرر شرعى بكونه قبل الدخول في الصلاة ، وانما المعتبر شرعا مجرد وقوع الصلاة في حال وجود الشرط ، كالستر والاستقبال ( فلا شبهة ) في عدم جريان قاعدة التجاوز فيه ، لعدم صدق عنوان التجاوز عن المحل حينئذ بالنسبة اليه بالدخول في المشروط ( ومجرد ) حكم العقل بوجوب تحصيله قبل الصلاة مقدمة ليكون افتتاح الصلاة بالتكبير في حال وجوده ، غير مجدى في جريان القاعدة فيه ( لما عرفت ) من ان العبرة في جريان قاعدة التجاوز ، انما هو بالتجاوز عن المحل الشرعي للمشكوك فيه حسب الترتيب المقرر شرعاً بينه و بين غيره ( وانه ) لا عبرة بالمحل العقلى او العادي ( وحينئذ ) فاذا لم يكن لمثل هذه الشروط محل شرعى ، فلا يصدق عليه بالدخول في المشروط عنوان التجاوز عن المحل ( ومعه ) لا تجري فيه القاعدة ( ولا فرق ) في ذلك بين ان يكون الشك في الشرط في اثناء

ص: 65

المشروط ، وبين ان يكون الشك فيه بعد الفراغ منه ( نعم ) تجري قاعدة الفراغ في المشروط اذا كان الشك في الشرط بعد الفراغ منه ( فانه ) يشك حينئذ في صحته وفساده والقاعدة تقتضى صحته ( واما ) اذا كان الشك فيه في اثناء المشروط ، فتجري فيه ايضاً قاعدة الفراغ اذا كانت الاجزاء الماضية بنحو يكون لها عند العرف عنوان مستقل بحيث تعد عملا من الاعمال ، كالركعة مثلا ، دون غيره مما لا يكون كذلك ، كالآية ونحوها ( وكون ) الشرط شرطاً لنفس العمل لا للاجزاء ( لا يضر ) بجريان القاعدة فيها بعد رجوع شرائط العمل الى الاجزاء ايضاً ، بلحاظ ان المركب هو عين الاجزاء بالاسر ( ثم ان ذلك ) اذا كان محرزاً للشرط بالنسبة الى ما بيده من الاجزاء المستقبلة ( والا ) فمع الشك فيه حتى بالنسبة الى ما بيده ، فلا تجري القاعدة بالنسبة الى الاجزاء الماضية ايضاً ، لعدم ترتب اثر عملى على جريانها فيها مع الشك في الشرط بالنسبة الى ما بيده ( فلابد ) حينئذ بمقتضى قاعدة الاشتغال من استيناف الصلاة فتدبر .

( واما اذا كان ( المشرط محل مقرر شرعى ، كصلاة الظهر والمغرب بالنسبة إلى صلاة العصر والعشاء على ما تقتضيه ادلة الترتيب من نحو قوله ( علیه السلام ) : الا ان هذه قبل هذه ، وكالطهارة الحدثية على وجه ( ففي جريان ) قاعدة التجاوز في الشرط عند الشك فيه في اثناء المشروط ، و عدم جريانه ( وجهان ) . . وعلى تقدير الجريان ( ففي جواز ترتيب ) جميع آثار وجود الشرط مطلقاً حتى بالنسبة الى مشروط آخر لم يدخل فيه ، فلا يجب تجديد الوضوء فى مثال الطهارة لسائر الأمور المشروطة بالطهارة ، ولا الاتيان بالظهر بعد اتمام العصر لو شك في الظهر في اثناء العصر ( او وجوب ) الاقتصار على خصوص آثار شرطيته بالنسبة الى المشروط الذي دخل فيه ، دون غيره ( فيجب ) في مثال الطهارة تجديد الوضوء لمشروط آخر لم يدخل فيه ( ويجب ) في مثال الظهر والعصر الاتيان بالظهر بعد اتمام ما بيده عصراً ( فيه وجهان ) . . ظاهر المستفاد من العلامة الانصاري وجماعة هو الوجه الثاني ( حيث ) قال : أن معنى البناء على حصول المشكوك فيه انماهو البناء على حصوله بالعنوان الذي يتحقق معه تجاوز المحل لا مطلقاً،

ص: 66

فلو شك في اثناء العصر في فعل الظهر بني على تحقق الظهر بعنوان انه شرط للعصر في عدم وجوب العدول اليه ، لا على تحققه مطلقا حتى لا يحتاج الى اعادتها بعد فعل العصر فالوضوء المشكوك فيه فيما نحن فيه انمافات محله من حيث كونه شرطاً للمشروط المتحقق ، لا من حيث كونه شرطاً للمشروط المستقبل ( وقداورد ) عليه بانه لا وجه للتفكيك بين الآثار ( فان القاعدة ) انما تكون من الاصول المحرزة ، حيث كان مفادها هو البناء على وجود المشكوك فيه وتحققه ( فاذا ) فرضنا جريانها في الشرط عند الشك فيه في اثناء المشروط ، فلابد من ترتيب جميع آثار وجوده التي منها ، في مثال الظهر والعصر ، عدم وجوب الاتيان بالظهر بعد اتمام ما بيده عصراً ، وفي مثال الطهارة عدم وجوب تجديد الوضوء لسائر الغايات المشروطة بالطهارة ( وفيه مالا يخفى ) اذ نقول : ان القاعدة انما تجرى في المشكوك في مورد يصدق عليه عنوان التجاوز عن المحل ( وصلاة ) الظهر أنما يصدق عليها عنوان التجاوز عن المحل من حيث كونها شرطاً الصحة العصر ، لا من حيث نفسها ، فانها من حيث نفسها لا يكون لها في الوقت المشترك محل مقرر شرعي بكونه قبل العصر حتى يصدق عليها عنوان التجاوز المزبور ، بل محلها باق الى الوقت المختص بالعصر ( وحينئذ ) فجريان القاعدة في الظهر بعنوان کونه شرطاً للعصر لا يقتضى الا البناء على وجوده من حيث شرطيته ، لا من حيث عنوان نفسه ( فلا تنافي ) بين البناء على وجود الظهر من حيث شرطيته للعصر ، وبين الحكم بوجوب الاتيان به بعد فعل العصر بمقتضى الاستصحاب ( وحكومة ) القاعدة على الاستصحاب انما تكون بالنسبة الى عنوان شرطية الظهر للعصر ، لا بالنسبة الى عنوان ذاته ( لما عرفت ) من انها بالنسبة الى ذات الظهر غير جارية ، لانتفاء شرطها الذي هو التجاوز عن محله ( وتوهم ( العلم الاجمالي حينئذ بكذب احد الاصلين ، اما القاعدة او الاستصحاب ( مدفوع ) بأنه غير ضائر في المقام ، لعدم استلزام جريانهما لمحذور المخالفة العملية المتكليف ( والتفكيك ) بين المتلازمين في الاحكام الظاهرية ، غير عزيز ، وله نظائر كثيرة ( منها ) في من توضأ غفلة بمايع مردد بين الما. والبول ( فان ) بنائهم فيه على الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث ، مع وضوح

ص: 67

الملازمة التامة في الواقع بين بقاء الحدث ونجاسة البدن بحيث لا يمكن التفكيك بينهما في الواقع هذا .

في حكم الشك في الظهر في اثناء العصر

( ولكن التحقيق ) في المقام هو الوجه الأول ، وهو المنع عن جريان القاعدة في الشرط عند الشك فيه في اثناء المشروط ( اما ) في مثال الظهر والعصر ، فلظهور ادلة تشريع العدول في الأثناء في كون الشرطية ملحوظة بالنسبه الى جميع اجزاء المشروط على وجه يكون كل جزء من اجزاء العصر مشروطاً مستقلا ، ، بحيث ينتزع من الشرطية اشتراطات متعددة حسب تعدد الاجزاء ( لا انه ) اعتبر العصر باجزائه امراً وحدانياً مشروطاً باشتراط واحد ( فان ) لازم ذلك بعد ظهور اخبار الباب في اختصاص الحكم بالمضي بخصوص ما يصدق عليه التجاوز ، لا مطلقاً حتى بالنسبة الى ما لا يصدق عليه التجاوز ( هو عدم ) الغاء الشك في الشرط بصرف الدخول في المشروط ، الا بالنسبة الى الجزء المدخول فيه ، لا مطلقاً حتى بالنسبة الى تمام المشروط به ( وحينئذ ) فبعد الشك الوجداني فيه بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ، لا محيص من العدول الى الظهر ، واتمام ما بيده ظهراً ، ثم الاتيان بالعصر ( وتوهم ) اختصاص ادلة تشريع العدول بصورة العلم بعدم الاتيان بالظهر ، فلاتشمل صورة الشك في الاتيان به ، كي يستفاد منها الشرطية لكل جزء من اجزاء العصر ( مدفوع ) بان تشريع العدول انما هو من لوازم عدم الاتيان بالظهر واقعاً والتذكر والعلم بالعدم طريق اليه ( فباصالة ) عدم الاتيان بالظهر عند الشك يترتب وجوب العدول اليه ظاهراً ( لا يقال ) انه مع تقدم القاعدة على الاستصحاب حكومة او تخصيصاً لا مورد لتطبيق كبرى جواز العدول على المورد ، كي تمنع عن جريان القاعدة ( فانه يقال ) ان عدم جريان القاعدة في المورد ليس من جهة قضية الاستصحاب ( وانما ) ذلك لقصورها فى نفسها عن الجريان في المورد ، لانتفاء شرطها الذى هو التجاوز عن المحل بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ، حسب كشف دليل تشريع العدول في الاثناء عن شرطية تقدم الظهر بالنسبة كل جزء من اجزاء العصر ، وان لم يكن هناك استصحاب ، ولا امر فعلي بالعدول ( وعلى فرض ) المعارضة

ص: 68

بين القاعدة ، وبين دليل تشريع العدول في مقام التطبيق على المورد ، لا ناطة جواز العدول على عدم جريان القاعدة ، وبالعكس ( نقول ) : انه بعد عدم مرجح لاحد الامرين يوجب تقدمه على الآخر ( يصير موردية ) المورد القاعدة مشكوكة ، المشك في تحقق شرطها الذى هو التجاوز عن المحل ( ومع ) هذا الشك لا تجرى القاعدة ، فينتهي الامر الى اصالة عدم الاتيان بالظهر ( فلا بد ) في مقام اسقاط التكليف وتفريغ الذمة من العدول الى الظهر ولو برجاء الواقع واتمام ما بيده من الصلاة ظهراً ، ثم الاتيان بصلاة العصر ( هذا ) اذا كان الشك في الظهر في اثناء العصر ( واما ) لو كان الشك فيه بعد الفراغ عنه ، فلاشبهة في صحة المأتى به عصراً ( لان ) الترتيب بينهما شرط ذكرى لا شرط واقعى ( وفي جريان ) قاعدة التجاوز حينئذ في الظهر ، كي لا يجب الاتيان به ولو مع بقاء الوقت ( اشكال ) تقدم ان الاقوى هو المنع ، لعدم تحقق عنوان التجاوز عن المحل بالنسبة الى عنوان ذاته فى الوقت المشترك .

فى حكم الشك في الطهور في اثناء الصلوة

( وبما ذكرنا ) من البيان يتضح الحال في مثال الشك في الطهارة في اثناء الصلاة ( اذا نقول ) ان الحكم بالمضى فيه والغاء الشك في الوضوء حتى بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ( مبني ) على اعتبار الشرطية المنشاء لا نتزاع المحل ، بين الصلاة باجمعها ، والوضوء بنحو لم يلحظ كل جزء مشروطاً مستقلا، بل اعتبر الصلاة باجزائها أمراً وحدانياً مشروطاً باشتراط واحد بالوضوء السابق ( والا ) فعلى ما هو التحقيق من اعتبار الشرطية المنشاء لانتزاع المحل ، بين الوضوء السابق ، وبين كل جزء بنحو يكون كل جزء منه مشروطاً مستقلا ( فلا يكفي ) في الغاء الشك في الوضوء ، مجرد الدخول في المشروط حتى بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ، بل لا بد من احراز الشرط بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ايضاً ( وبدونه ) لا بد من قطع الصلاة ، واستينافها بعد تجديد الوضوء ( لان ) نسبة الشرط حينئذ الى جميع اجزاء المشروط نسبة واحدة ، وتجاوز محله باعتبار كونه شرطاً للاجزاء الماضية لا يكفي بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة بعد عدم صدق تجاوز المحل بالنسبة اليها .

( ثم ان ذلك ) ايضاً بناء على تسليم ان شرط الصلاة هو الوضوء على ما يقتضيه

ص: 69

قوله سبحانه اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم . الظاهر في كون الشرط هو الوضوء قبل الصلاة ( والا ) فعلى ماهو التحقيق من ان الشرط هو الطهور المسبب عنه ، لقوله ( علیه السلام ) لا صلاة الا بالطهوروان الامر بالوضوء في الآية المباركة من جهة كونه محققاً للشرط الذي هو الطهور ( يدخل ) في الشروط المقارنة العمل ، كالستر والاستقبال ( وعليه ) يمكن المنع عن اعتبار محل شرعى له بكونه قبل الدخول في العمل ، اذ لا طريق الى اثبات هذه الجهة بعد حكم العقل بوجوب تحصيله بايجاد محققه الذي هو الوضوء قبل الصلاة مقدمة ، ليكون الصلاة بمالها من الاجزاء في حال الطهارة ( والآية ) المباركة لا ظهور لها في اثبات هذه الجهة ، لاحتمال كونها ارشادا الى حكم العقل بوجوب الوضوء قبل الصلاة تحصيلا المطهور الذي هو من الشروط المقارنة للصلاة لعدم امکان تحصيله بدونه حال الصلاة ( وبالجملة ) يكون حال الظهور حال سائر الشروط المقارنة المعمل ، ولا مجرى فيه لقاعدة التجاوز اذا كان الشك فيه في اثناء الصلاة ( وعلى فرض ) جريانها ، فحيث انه شرط لكل جزء من اجزاء الصلاة ، لا تجدى القاعدة بالنسبة الى الاجزاء المستقبلة ، بل لابد من احراز الشرط بالنسبة اليها ايضاً، وبدونه لابد من قطع الصلاة واستينافها بعد تجديد الوضوء ( نعم ) لو كان الشك فيه بعد الفراغ عن الصلاة بحكم بصحة الصلاة ، ولكنه لا من جهة قاعدة التجاوز في الشرط، بل من جهة قاعدة الفراغ في نفس المشروط ، لمكان الشك حينئذ في صحته وفساده، فتجرى فيه قاعدة الفراغ الحاكمة بصحته ( ثم انه ) مما يؤيد ما ذكرناه بل يشهد له مارواه الشيخ قدس سره في فرائده من صحيحة على بن جعفر عن اخيه ( علیه السلام ) .. قال سألته عن الرجل يكون على وضوء ، ثم يشك على وضونه هو ام لا .. قال ( علیه السلام ) اذا ذكرها وهو في صلاته انصرف واعادها ، وان ذكر وقد فرغ من صلاته اجزيه ذلك ، بناء على ان مورد السؤال هو الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك في ذلك ( والا فلو كان ) التفصيل المزبور في الاستصحاب لكان مخالفاً للاجماع وللنصوص المستفيضة الدالة على عدم نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها .

( واما الثالث ) وهو ما يكون شرطاً عقلياً للجزء ، كالموالات بين حروف الكلمة

ص: 70

فحيث ان الشك فيه يرجع الى الشك في وجود الكلمة، تجرى فيها قاعدة التجاوز الحاكمة بوجودها ( واما الرابع ) وهو ما يكون شرطاً شرعياً الجزء ، كالجهر والاخفات بناء اعلی حد الوجهين ، فلا تجري فيه قاعدة التجاوز لعدم صدق الشيء على مثله حتى تجري فيه القاعدة ( واما ) بالنسبة الى المشروط وهو القراءة ، فهى وان صدق عليها الشيء الا انه لا يشك في وجودها ( نعم ) الشك انما هو في صحتها ، فتكون موردا لقاعدة الفراغ ( ولكن ) البحث في ذلك قليل الجدوى لورود النص على عدم وجوب العود الى القراءة عند نسيانهما ولو مع التذكر قبل الركوع ، فضلا عن صورة الشك فيهما ( ولم نعثر ) ايضاً على مثال له غير الجهر والاخفات ، كي نبحث عن بيان حكمه.

في كون مجرى القاعدين مورد الشك في الانطباق

( الامر العاشر ) يعتبر في قاعدة التجاوز والفراغ ان يكون الشك فى وجود الشيء او في صحته راجعاً الى الشك في انطباق المأتى به على متعلق التكليف ، بعد العلم با جزائه وشرائطه ومواقعه ( لا نهما ) انما جعلنا لتصحيح العمل المأتى به من حيث انطباقه على المأمور به باجزائه وشرائطه ، فلا بد من ان يكون الشك متمحضأ من جهة خصوص الانطباق ( واما ) لو كان الشك في الصحة راجعاً الى الشبهة الحكمية ، كالشك فى ان الشيء الكذا جزء للمأمور به او شرط له او مانع عنه ، فهو خارج عن مصب قاعدة التجاوز والفراغ ، وان حصل منه الشك في الانطباق ايضاً ( ولا بد ) فيه من الرجوع الى الاصول الاخر من البرائة ، او الاحتياط ( ولقد ) ذكرنا تحقيق القول فيه في الجزء الثالث من الكتاب فى مبحث الاقل والاكثر الارتباطيين فراجع ( نعم ) لافرق في الشك في الانطباق الذي هو مصب قاعدة التجاوز والفراغ بين ان يكون من جهة الشك في اتيان العمل بجزئه او شرطه المعلوم مصداقه ، وبين ان يكون من جهة الشك فى مصداقية المأنى به لما هو جزء المأمور به او شرطه ( فلو صلى ) الى جهة معينة وشك بعد السلام في كونها مصداقا للقبله تجرى فيه قاعدة الفراغ ( ولا وجه ) لتخصيص القاعدة بالشك الاول بعد صدق الشك في انطباق المأتى به على المأمور به باجزائه وشرائطه المعلومة في الصورتين

ص: 71

( و تنظير ) الثاني بفرض الاتيان بالصلاة بلا سورة مع الشك في جزئيتها للصلاة ، كما ترى ( فان الشك ) فيه انما كان ناشأ عن الشبهة الحكمية ( بخلاف ) الفرض ، فان مرجع الشك فيه الى الشك في الاتيان بما هو جزء المأمور به او شرطه المعلوم جزئيته او شرطيته ، ومرجعه الى الشك في انطباق المأتى به على المأمور به المعلوم .

فى الوجوه التي يقع عليها الشك في الصحة والفساد

( ثم ان المراد ) من الشك فى اخبار الباب في قاعدة التجاوز و الفراغ ، هو خصوص الشك الحادث بعد تجاوز المحل وبعد العمل ( لا الاعم ) منه ومن الشك الباقي قبل العمل بلا تخلل غفلة في البين ( فلو كان ) شاكا في الوضوء او في القبلة من حين الدخول في الصلاة ، لا تجرى في صلاته قاعدة الفراغ . وهذا لا اشكال فيه ( وانما الكلام ) في ان المراد من الشك الطاري بعد تجاوز المحل في قاعدة التجاوز و بعد اتمام العمل في قاعدة الفراغ ، هو الشك الناشي عن احتمال ترك الجزء او الشرط غفلة او نسياناً ( او يعمه ) والشك الناشي عن احتمال الترك العمدى ايضاً ( وعلى التقديرين ) فهل المراد من الشك ، هو الشك الذي لم يسبق بشك آخر من سنخه او من غير سنخه ( او يعم ) الشك المسبوق بالشك الآخر ايضاً ( وعلى التقادير ) فهل القاعدة تختص بصورة الجزم بانتفات المكلف الى صورة العمل وما ينبغي ان يقع عليه عند الشروع في العمل ( او نعم ) صورة الجزم بعدم التفاته الى صورة العمل في حال الشروع فيه .

( وتنقيح ) المقال يحتاج الى بيان صور الشك في صحة العمل وفساده ( فنقول ) اعلم ان الشك في صحة العمل وفساده يتصور على وجوه ( الاول ) أن يكون جازماً بالتفاته حال الشروع في العمل الى صورة العمل باجزائه وشرائطه وما ينبغي ان يقع عليه ، ولكن بعد العمل طره الشك في وقوع العمل على ما ينبغي ان يقع عليه ، لاحتمال انه حصل له الغفلة وترك جزء او شرطاً ( ولا ينبغى ) الاشكال في دخول ذلك في اخبار الباب ، بل هو المتيقن منها ، فتجرى فيه قاعدة التجاوز والفراغ .

( الثاني ) هذه الصورة بعينها ، لكن مع احتمال ترك الجزء او الشرط عن

ص: 72

عمد واختيار ، لا عن غفلة ونسيان ( والظاهر ) دخولها ايضاً في اطلاق الاخبار ( والاشكال ) عليه بما في بعض نصوص الباب من التعليل بالاذكرية الظاهر في اختصاص الحكم بالمضي وعدم الاعتداد بالشك، بموردكان احتمال ترك الجزء او الشرط ناشئاً من جهة الغفلة لا من جهة العمد ( مدفوع ) بان قوله ( علیه السلام ) حين يتوضأ اذكر ظاهر في كونه صغرى لكبرى مطوية ، وهى اعتبار ظهور حال المسلم المريد للامتثال في انه لا يتركه سهواً ولا عمداً ، فينفع هذا التعليل لمن احتمل الترك نسياناً،

كما ينفع لمن احتمل الترك عمداً ( بل دلالته ) على الثاني اقوى ، كما هو ظاهر .

( الثالث ) ان يشك بعد التجاوز او الفراغ في صحة العمل مع الجزم بغفلته عن صورة العمل حال الاشتغال به ، بحيث لو كان ملتفتاً حال الاشتغال به ليشك في صحة ما يأتي به وانطباقه على المأمور به ( كما لو علم ) كيفية غسل اليدوانه كان بار تماسها في الماء ، ولكن شك في ان ماتحت خاتمة الغسل بالارتماس ام لا ( وكما ) لوصلي غفاة الى جهة وشك بعد الصلاة فى ان الجهة التي صلى نحوها هي القبلة ( وفي جريان ) القاعدة في هذه الصورة اشكال ( من اطلاق ) اخبار الباب من نحو قوله ( علیه السلام ) كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو ( ومن التعليل ) بالا ذكرية في بعضها ، فانه بمقتضى المفهوم موجب لتقييد مطلقات اخبار الباب بغير فرض الجزم بالغفلة في حال العمل ، بل واحتمالها ايضاً ( ولكن الأول ) اوجه ( ظن ) التقييد المزبور فرع ظهور الاذكرية في العلية للحكم بعدم الاعتداد بالشك ، وهو ممنوع ( بل الظاهر ) كونه حكمة لبيان تشريع الحكم بالمضي ، بلحاظ ان الغالب كون المكلف حين العمل اذكر ( وعلي_ه ) فلا مفهوم له يوجب تقييد المطلقات ( مع ان ) مجرد العلية ايضاً لا يقتضى المفهوم ، الا في فرض ثبوت الانحصار ، وكون الحكم المعلق عليه حكماً سنخياً لا شخصياً وهو اول الكلام ( ولا اقل ) من الشك في ذلك ، فتبقى مطلقات الاخبار على حالها .

( الرابع ) ان يشك بعد الفراغ في الصحة والفساد ، مع الجزم بكونه في حال الشروع في العمل محتملا ايضاً لصحته وفساده ( كما لو كان ) مستصحب الحدث ، ثم غفل وصلى ( وهذا الوجه ) يتصور على وجهين ( احدهما ) ان يكون بعد

ص: 73

الصلاة محتملا لاتيانة بوظيفة الشاك وهو الوضوء فى المثال قبل الصلاة ( وثانيهما ) ان لا يحتمل ذلك ، بل يعلم انه لم يتوضأ قبل الصلاة بعد ماشك في الطهارة ، ولكن يشك في صحة صلاته من جهة احتمال كونه متطهراً واقعاً ( وفي اندراج ) هذين الوجهين في عموم القاعدة ( وجهان ) مبنيان على ان المستفاد من الشك في اخبار الباب هو مطلق الشك الحادث بعد العمل ولو كان مسبوقا بشك آخر قبل العمل من سنخه او غير سنخه ( او هو ) خصوص الشك غير المسبوق بالشك والالتفات قبل العمل ( فعلى الاول ) تجري القاعدة فيحكم بالصحة حتى في الوجه الثاني ، لحكومتها على الاستصحاب الجارى بعد الفراغ ( بخلافه ) على الثاني ، فانه لا تجري في حقه قاعدة الفراغ حتى في الوجه الأول ( لانه ) لاموضوع لها مع سبق الشك في الحدث قبل الدخول في الصلاة ( وحيث ) ان الظاهر من الشك المأخوذ في موضوع القاعدة في اخبار الباب هو طبيعة الشك الحادث بعد التجاوز او الفراغ على الاطلاق الغير الصادق على الشك المسبوق بالشك قبل العمل ، فلا يجرى القاعدة في حقه ، لا في الوجه الاول ، ولا في الوجه الثاني ، كان هناك استصحاب او لم يكن .

( ولكن ) يظهر من بعض الاعاظم قدس سره ، التفكيك بين لوجهين ( فالتزم ) بجريان القاعدة فى الوجه الاول ، وعدم جريانها في الوجه الثاني ( وقد افاد ) في وجه التفكيك بينهما ( بان ) جريان القاعدة في الوجه الاول ، انما هو من جهة انه لا يزيد حكم استصحاب الحدث عن حكم العلم الوجداني بالحدث ( فكما ) انه لو كان عالما بالحدث واحتمل بعد الفراغ عن العمل انه توضأ قبل العمل تجري في حقه قاعدة الفراغ ( كذلك ) لو كان مستصحب الحدث ( واما ) عدم جريانها في الوجه الثاني وهو ما اذا لم يحتمل الوضوء بعد استصحاب الحدث ، فأنما هو من جهة الاستصحاب الجاري قبل العمل ( لان ) قاعدة الفراغ انما تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري بعد العمل ( لا على الاستصحاب ) الجاري قبل العمل ، لانه لا موضوع لها قبل العمل ( ولما كان ) المكلف قبل الصلاة مستصحب الحدث يكون في حكم من دخل في الصلاة عالماً بالحدث ، فلا تجري في حقه قاعدة التجاوز ولا الفراغ

ص: 74

( ولا ينتقض ) ذلك بالوجه الاول ، فان جريانها فيه ليس لاجل حكومتها على الاستصحاب الجاري قبل الصلاة ( بل لاجل ) كون المكلف محتملا للوضوء قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث وهو مانع عن جريانه لرجوع الشك المزبور الى الشك في انتقاض اليقين باليقين ، ومثله مساوق احتمال عدم جريان استصحاب الحدث السابق ، ولا دافع لهذا الاحتمال الا استصحاب الحدث المستصحب ( وهذا ) الاستصحاب انما يجري بعد الصلاة ، فتكون القاعدة حاكمة عليه ، واين هذا مما إذا لم يحتمل الوضوء بعد استصحاب الحدث .

( اقول ) وفيه ان ما افيد في وجه التفكيك بين الوجهين في جريان قاعدة التجاوز والفراغ ، مبني على مقدمتين ممنوعتين ( الاولى ) تعميم الشك المأخوذ في قاعدة التجاوز والفراغ المطلق الشك الحادث بعد التجاوز وبعد الفراغ وان كان مسبوقاً بشك آخر قبل العمل ( وإلا ) فعلى فرض تخصيصه بالشك غير المسبوق بشك آخر قبل العمل من سنخه أو غير سنخه ، كما استفدناه من أخبار الباب فلا تجري القاعدة فيها ( لان ) في كلا الوجهين يكون الشك مسبوقا بشك آخر قبل العمل ( غير ) ان الفرق بينها ، هو ان فى الوجه الأول يكون المتحقق فردان من الشك ( احدهما ) الشك في الحدث ( وثانيها ) الشك في اتيانه بوظيفة الشاك ، فيكون الشك فيه بالنسبة الى احد الشكين مسبوقاً بشك من سنخه ، وبالنسبة الى الآخر بشك من غير سنخه ( بخلاف ) الوجه الثاني ، فان الشك فيه مسبوق بشك واحد من

سنخه ، وهو الشك في الحدث .

( الثانية ) اقتضاء الاستصحاب الجاري في زمان لترتيب الأثر عليه للثالي حتى في ازمنة انعدامه أو خروجه عن الحجية وهى واضحة الفساد ( لوضوح ) ان كل طريق أو اصل معتبر عقليا كان أو شرعياً عند قيامه على شيء انما يجب اتباعه ويترتب عليه الاثر من المنجرية أو المعذرية في ظرف وجوده وبقائه على حجيته ، لا مطلقاً حتى في ظرف انعدامه ، أو خروجه عن الحجية حتى في مثل العلم الذي هو من اقوى الحجج . ( ولذا ) لو شك في صحة فعل أو فساده فعلا ، لا يجدي العلم

ص: 75

السابق بصحته أو فساده لرفع هذا الشك ، ولا لترتيب اثر الصحة أو الفساد عليه فعلا ، بل لا بد من الرجوع الى ما تقتضيه الاصول الجارية في المسئله ( وعلى ذلك ) نقول انه قبل الدخول في العمل وان كان يجري في حقه استصحاب الحدث ( ولكن ) الاثر المترتب عليه انما هو عدم جواز الدخول في الصلاة وبطلانها سابقا لو فرض دخوله فيها ( واما ) وجوب الاعادة والقضاء في ظرف بعد الفراغ ، فلا يترتب على الاستصحاب المزبور ( لانه ) من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ ، لا من آثار الاستصحاب الجارى قبل الصلاة فاذا كان هذا الاستصحاب محكوماً بالقاعدة، فمن حين الفراغ لابد بمقتضى القاعدة من الحكم بالصحة حتى فى الوجه الثاني ، لا البطلان ) لانه ( لا اثر للاستصحاب السابق بعد كون العمل محكوماً بالصحة من حين الفراغ بمقتضى القاعدة ( ولا فرق ) في ذلك بين القول باعتبار الشك الفعلى في الاستصحاب ، والقول بكفاية الشك التقديري ايضاً ( فانه ) على القولين لا قصور في جريان القاعدة في الوجه الثاني ايضاً ( فالتفصيل ) بين الوجهين في جريان القاعدة حينئذ مما لا وجه له ( وبمثل ) هذا البيان ايضاً نفينا الثمرة بين القولين هناك في نحو الفرع المزبور ( حيث ) قلنا بجريان القاعدة فيه حتى على القول بكفاية الشك التقديري في الاستصحاب ، نظراً الى عدم اجداء الاستصحاب الجاري في ظرف الغفلة حال الشروع في العمل ، لترتيب وجوب الاعادة والقضاء بعد الفراغ من العمل ، لكونه من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ الذي هو محكوم بقاعدة الفراغ ( ولقد ) تقدم منا تفصيل الكلام في تلك المسئلة فراجع ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن جريان القاعدة ، ما ذكرناه من خروج المورد عن مجرى القاعدة ، القاعدة ، باعتبار اختصاص موضوعها بالشك غير المسبوق بشك آخر قبل الدخول فى العمل ( اذ حينئذ ) يكون عدم جريان القاعدة مع السبق بالشك والالتفات قبل العمل لاجل انه لا موضوع لها ( لا انه ) لاجل الاستصحاب السابق الجاري في ظرف العمل ( ولازمه ) عدم التفكيك بين الوجهين ، لاشتراكها فى السبق بالشك والالتفات قبل العمل ، كما هو ظاهر واضح .

ص: 76

( الوجه الخامس ) ان يشك بعد الفراغ من العمل في الصحة والفساد ، مع احتمال كونه شاكاً في ظرف العمل في وجدانه لشرائط الصحة ، أو قاطعاً بالع__دم ( ويمكن )ان يقال فيه بالصحة ، لعموم قوله ( علیه السلام ) كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو والتعليل بالاذكرية ، فان مقتضاه هو نفي الغفلة ونفي الترك العمدي أيضاً ( ولكن ) يشكل ذلك على ما اخترناه من تخصيص موضوع قاعدة التجاوز والفراغ بطبيعة الشك الحادث بعد تجاوز المحل وبعد العمل على الاطلاق التي من لوازمها العقلية عدم كونها مسبوقة بالشك والالتفات قبل التجاوز أو الفراغ ، حيث انه مع الاحتمال المزبور يكون التمسك بالقاعدة من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام ( واصالة ) عدم حدوث الشك والالتفات قبل العمل انما تجدى إذا كان الموضوع في القاعدة معنى تركيبياً، وهو الشك الذي لم يكن مسبوقا بالشك والالتفات في ظرف العمل ، لاندراجه حينئذ في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالاصل ( وإلا ) فعلى فرض كون الموضوع امراً بسيطاً ملازماً عقلا لعدم الشك والالتفات في ظرف العمل ، فلا تجدى الاصل المزبور لاثبات عنوان الموضوع ( والمسألة تحتاج الى التأمل ) .

فى ان المضى على المشكوك فيه فى القاعدة عزيمة لا رخصته

( الامر الحادي عشر ) الظاهر ان المضى على المشكوك فيه في قاعدة التجاوز عزيمة لا رخصة ، فلا يجوز الاتيان بالمشكوك ولو برجاء الواقع ( لظهور ) الامر بالمضي في أخبار الباب ، وقوله ( علیه السلام ) بلى قد ركعت في وجوب البناء على وجود المشكوك فيه وتحققه في محله والغاء الشك فيه ( فانه ) مع هذا الأمر وهذا البناء لا يجوز العود الى المشكوك فيه ولو رجاءاً . ( لا نه ) لا موضوع له مع حكم الشارع بوجوده ، فيكون الاتيان به حينئذ من الزيادة العمدية بالنسبة الى نفس المشكوك فيه، و بالنسبة الى الغير الذي دخل فيه ، وهى موجبة لبطلان الصلاة ( مع ان الظاهر ) كون المسئلة اتفاقية ، فلا يعتنى حينئذ بما يختلج بالبال من الاحتمالات ( هذا تمام الكلام ) في قاعدة التجاوز والفراغ

ص: 77

فى بيان مايكون مدركألاصالة الصحة

( المسئلة الثالثة )

في اصالة الصحة في عمل الغير ( وتنقيح الكلام فيها ) انما هو بتوضيح امور ( الامر الاول ) لا اشكال في اعتبارها في الجملة ( ويدل عليه ) بعد الاجماع المحقق فتوى وعملا ، والسيرة القطعية من المسلمين بل من كل ذي دين في جميع الاعصار على حمل الافعال الصادرة من الغير على الصحيح فيما يتعلق بعباداته ومعاملاته وترتيبهم اثر الصحة عليها ( مناط التعليل ) الوارد في اخبار اليد فى رواية حفص بن غياث من لزوم العسر والحرج واختلال النظام بقوله ( علیه السلام ) ولولا ذلك ما قام للمسلمين سوق ( بل الاختلال ) اللازم من ترك العمل بهذه القاعدة ازيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل باليد ، لا نمية موارد القاعدة من موارد اليد ، لجريانها في جميع ابواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات ، والى ذلك ايضاً نظر من استدل على اعتبار هذا الاصل بحكم العقل ( بل لعل ) هذه الجهة هي المستند للمجمعين ، وللسيرة المستمرة من المسلمين ، وذوى الاديان وغيرهم في جميع الاعصار والامصار حسب ارتكاز هم وجبلتهم على حمل الفعل الصادر من الغير على الصحة وترتيب آثارها ( فان ) من البعيد جداً ان يكون ذلك منهم لمحض التعبد ( نعم لو اغمضنا ) عما ذكر ، لا يتم الاستدلال لها بالكتاب والسنة ، من نحو قوله سبحانه : وقولوا للناس حسناً بناء على تفسيره بما في الكافي من قوله ( علیه السلام ) : لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو ( وقوله سبحانه ) اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم وقوله ( علیه السلام ) ضع امر اخيك على احسنه ، ولا تظن بكلمة خرجت من اخيك سوءاً، وانت تجد لها في الخير سبيلا وقوله ( علیه السلام ) ان المؤمن لا يتهم اخاه وانه إذا اتهم اخاه انماث الايمان في قلبه كانميات الملح في الماء : وان من اتهم اخاه فلا حرمة بينها : وان من انهم اخاه فهو ملعون ملعون ( وقوله ( علیه السلام ) ) لمحمد بن الفضل كذب سمعك وبصرك

ص: 78

عن اخيك المؤمن، فان شهد عندك خمسون قسامه انه قال: وقال لم اقل فصدقه وكذبهم الى غير ذلك من الاخبار المشتملة على هذه المضامين او ما يقرب منها ( فان ) من الواضح عدم دلالة شيء من تلك الادلة على ما نحن بصدده من الصحة بمعنى ترتيب آثار الصحيح على الافعال والاقوال الصادرة من الغير ( فانها ) طرا ناظرة الى مقام تعليم آداب المعاشرة مع الناس من عدم ترتيب آثار القبيح على الفعل أو القول الصادر من الاخ المؤمن عند الظن به ، بعد امكان الحمل على الوجه الحسن ، كما يدل عليه قوله ( علیه السلام ) وانت تجد لها في الخير سبيلا ( لا في مقام ) ترتيب آثار الحسن عليه ، كوجوب رد السلام في الكلام الصادر من الغير المردد بين الشتم والسلام ، فرجع الحمل على الوجه الحسن الى حسن الظن بالاخ المؤمن فيما يصدر منه من الافعال والاقوال وعدم السرعة الى ترتيب آثار القبيح عليه عند احتماله أو الظن به مها امكن لا لزوم ترتيب آثار الحسن عليه ، من الحكم بصحة المعاملة المرددة بين الربوية وغيرها، كما هو مفروض البحث في المقام ( فلا ينا في ) الحمل على الوجه الحسن من حيث انه حسن ، مع التوقف عن ترتيب آثار الحسن ( بل الظاهر ) من بعض هذه الاخبار هو ذلك ، كما في رواية اسماعيل المعروفة ( وكيف كان ) فعدم وفاء هذه الأخبار بما يحن بصدده من الصحة بمعنى ترتيب الاثر على ما يصدر من الغير من الافعال والاقوال أوضح من ان يحتاج الى البيان ( فالعمدة ) حينئذ في مدرك القاعدة ما ذكرناه من الاجماع والسيرة ، ولزوم الاختلال الذى علل به في اخبار اليد .

هل المدار فى الصحة على الصحة الواقعية او الصحة باعتقاد الفاعل او الصحة باعتقاد الحامل

( الامر الثاني ) هل المدار في الصحة على الصحة الواقعية ، أو الصحة باعتقاد الفاعل ، أو الصحة باعتقاد الحامل ( فيه وجوه ) والمشهور الاول : وهو الاظهر ، لما ذكرنا من الاجماع والسيرة ولزوم الاختلال ، فلا عبرة حينئذ بالصحة عند الفاعل باعتقاده اجتهاداً ، أو تقليداً ( فان ) اعتقاده ، كاعتقاد الحامل طريق الى الواقع الذي عليه مدار الصحة في مقام ترتيب الاثر ، لا ان له موضوعية في ذلك ( نعم ) لو كان مدرك القاعدة ظهور حال المسلم في عباداته ومعاملاته على الاتيان بها على وجه يراه صحيحاً ، امكن دعوى تخصيص الصحة بالصحيح عند الفاعل

ص: 79

( ولكنه ) مضافا الى اختصاصه بصورة علمه بالصحيح والفاسد ، خلاف التحقيق ( فإن الصحيح ) من مدارك هذا الاصل انما هو الاجماع والسيرة ، وبرهان اختلال النظام ( وعليه ) فمدار الحمل على الصحة الواقعيه لا غيرها ، كما عليه المشهور ( ولازمة ) العموم لصورة علم الفاعل بالصحيح من الفعل وفاسده، وجهله به ( كعمومه ) لصورة الحامل بمخالفة اعتقاده لمعتقد الفاعل في صحيح الفعل وفاسده بنحو العموم المطلق بل التباين ايضاً على وجه ، فضلا عن صورة جهله بالحال ( فان ) المدار في الحمل على الصحة على مجرد احتمال مطابقة العمل الصادر من الغير عبادة أو معاملة الواقع ( فمها ) شك في صحة العمل وفساد. تجرى فيه اصالة الصحة ويترتب عليه اثره ، من غير فرق فيه بين الصور المزبورة ( وهذا ) والمضح بعد ملاحظة اختلاف الفتاوي والابتلاء باعمال عوام الناس من اهل الاسواق واهل الصحارى والبرارى من الرجال والنساء مع عدم معرفتهم بالاحكام فى العبادات والمعاملات ( نعم الاشكال ) انما هو في صورة علم الحامل بمخالفة معتقده اجتهادا أو تقليدا لمعتقد الفاعل كذلك على نحو التباين ، كما لو كان معتقد الفاعل وجوب الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية ووجوب الجهر بالقرائة في يوم الجمعة ، وكان معتقد الحامل وجوب الاخفات فيها ( اذ ليس ) لنا دليل لفظي يكون هو المدرك للقاعدة حتى نتمسك باطلاقه ( بل عمدة ) المدرك لها هو الاجماع والسيرة ، وبرهان الاختلال في النظام ( والاولان ) لا اطلاق لها يعم هذا الفرض ، والاختلال ايضاً غير لازم في عدم العمل بالقاعدة في هذا الفرض لقلة مورده في الفقه ( فالمسئلة ) محل اشكال من اطلاق الاصحاب ، ومن عدم مساعدة الادلة .

هل يجرى الاصل فى الشك في الاثناء كما يجرى بعد الفراغ من الفعل

( الامر الثالث ) ان هذا الاصل كما يجرى ويثبت صحة الفعل إذا كان الشك فيه بعد الفراغ منه ، كذلك يجري ويثبت صحته إذا كان الشك في اثنائه وان لم يصدق عليه المضي ، فمن اشتغل في غسل الميت أو الصلاة عليه وشك في ان ما يوقعه الغير صحيح أو فاسد تجرى فيه اصالة الصحة ويترتب عليه الآثار المقصودة .

( الأمر الرابع ) لا تجرى هذا الأصل إلا بعد احراز صدور العمل المشكوك

ص: 80

صحته وفساده بالعنوان الذي تعلق به الامر أو ترتب عليه الاثر ( فاذا كان ) موضوع الاثر من العناوين القصدية ، كالوضوء ، والصلاة ، والبيع لابد في جريان هذا الاصل من احراز عنوان العمل ( اما ) بالعلم الوجداني ، أو بما يقوم مقامه من الامارات المعتبرة ، أو الاصول العقلائية ، وإلا فلا يكفي في جريان هذا الاصل مجرد اجراز صدور ذات العميل مع الشك في عنوانه الذي تعلق به الامر أو ترتب عليه الاثر ( فلو شوهد ) من يأتي بصورة عمل من وضوء ، او صلاة ، أو زكاة ، أو بيع ونحو ذلك ، وشك في انه قصد بما يأتي به من العمل تحقق العبادة أو المعاملة ، أم لا، لم يحمل على ذلك ولا تجري فيه قاعدة الصحة ( إلا ) إذا كان هناك ظهور حال في كون الفاعل بصدد الانقياد والاطاعة ، وفي مقام التوصل بالانشاء الصادر منه الى حقيقة البيع أو الاجارة ونحوهما (نعم) في العناوين غير القصدية كغسل اليد والثوب يكفي في الحمل على الصحة مجرد احراز ذات العمل ( فاذا ) شوهد من يجري الماء على يده او ثوبه بحيث تحقق عنوان الغسل العرفي وشك في صحته وفساده من جهة الشك في بعض ما اعتبر الشارع فيه في حصول الطهارة ، تجرى فيه اصالة الصحة ويترتب عليه آثار الطهارة الواقعية ، وان لم يحرز كون الفاعل بإجراء الماء على المحل في مقام التطهير الشرعي وازالة الدنس ( نعم ) لو كان مدرك القاعدة ظهور حال المسلم في عدم اقدامه على الفاسد ، لكان للاشكال في جريان اصالة الصحة عند عدم احراز كون الفاعل بصدد التطهير وازالة الدنس مجال ( ولكن ) ليس الامر كذلك ، بل المدرك لها انما هو الاجماع والسيرة وبرهان الاختلال الذي علل به في بعض اخبار اليد ( ولا ريب ) في ان مقتضاها التعميم فتأمل .

في اعتبار احراز صدور العمل بما تعلق به الامر وترتب عليه الاثر

( الامر الخامس ) لا اشكال في جريان اصالة الصحة في ابواب العقود وتقدمها على اصالة الفساد ، كجرياتها في غيرها من العبادات والمعاملات ( بل قيل ) ان جريانها في ابواب العقود بالخصوص معقد الاجماع ( وانما الكلام ) في ان المراد من الصحة فيها استجماع العقد للشرائط المعتبرة فيه بما هو عقد ، كالعربية والماضوية والتنجيز واشباهها ، فتختص اصالة الصحة في جريانها فيها بما إذا كان الشك في الصحة

ص: 81

والفساد مسبباً عن الشك في احد الشرائط المذكورة ( او ان المراد ) ما يعمها والشرائط المعتبرة في المتعاقدين والعوضين ( وبعبارة ) اخرى كل شرط شرعي او عرفي اعتبر في ترتب الاثر وتحقق النقل والانتقال الفعلي سواء كان الشرط راجعا الى العقد بما هو عقد ، او الى المتعاقدين ، او العوضين ، او الى نفس المسبب في قابليته المتحقق ( وحيث ) ان اصالة الصحة في العقود بنفسها من المسائل التي تعم بها البلوى خصوصاً في باب الترافع والتخاصم في تشخيص المدعي والمنكر ( فالحرى ) هو بسط المقال فيها لمعرفة ماهو الموصوف بالصحة والفساد ،

ما معنى الصحة في العقود استجماعه للشرائط المعتبرة فيه بما هو عقدا و يعمها

وما يكون مجرى لاصالة الصحة ( وتوضيح ) الكلام يتم برسم امرين ( الامر الاول ) لا شبهة في ان الشرائط المعتبرة في صحة العقد وتماميته في المؤثرية الفعلية لترتب الاثر لا تكون على نمط واحد ( بل هي ) بين ما يرجع اعتباره الى دخله في نفس السبب الذي هو العقد من حيث تماميته في السببية والمؤثرية ، كالموالات بين الايجاب والقبول والترتيب والتنجيز والعربية والماضوية واشباهها ، وبين ما يرجع اعتباره الى دخله في قابلية المسبب للتحقق عند تحقق سببه باجزائه وشرائطه ( وهذه ) الطائفة بين ما يكون محله المتعاقدين كالبلوغ والرشد والعقل ونحوها ، وبين ما يكون محله العوضين كالمعلومية والمالية ونحوهما، وبين ما يكون محله نفس المسبب كعدم الربوية والغررية في البيع ( فان ) هذه الامور وان كانت معتبرة في فعلية الاثر وترتبه على السبب ( ولكنها ) اجنبية عن مقام الدخل في السبب بما هو سبب و تماميته فى السببية والمؤثرية ( لوضوح ) ان العقد بدونها على تماميته في الاقتضاء والسببية ( وان عدم ) اتصافه بالمؤثرية الفعلية بدون الأمور المذكورة أنما هو لقصور المحل عن قابلية التأثر من قبله ( لا انه ) لقصور في العقد في اقتضائه وسببيته ( كيف ) ولا يزيد ذلك عن العلل والاسباب التكوينية كالنار مثلا ، ( فكما ) ان عدم ترتب الاحراق الفعلي على النار عند وجود الرطوبة المانعة في المحل او انتفاء المحاذات الخاصة لا يوجب قصوراً في النار من حيث تماميتها في السببية والمؤثرية ، كذلك في المقام ( فان ) حال العلل والاسباب في الامور الاعتبارية حال الملل والاسباب التكوينية في الامور الخارجية .

ما معنى الصحة في العقود استجماعه للشرائط المعتبره فيه بما هو عقد او يعمها

( الامر الثاني )

ص: 82

لا ريب فى ان الصحة في كل شيء بحسيه ( لانها ) بمعنى التمامية ، و تمامية كل شيء انما هو بلحاظ وفائه بالاثر المرغوب منه في قبال فاسده الذي هو عدم تماميته في الوفاء بما هو الاثر المرغوب منه ( فصحة الايجاب ) مثلا عبارة عن كونه مؤثراً ضمنياً بحيث لو تعقبه قبول صحيح الحصل اثر العقد، في مقابل فاسده الذى لا يكون كذلك ، كالايجاب بالفارسي بناء على القول باعتبار العربية فيه ، ( فلو تجرد ) الايجاب عن القبول لم يوجب ذلك فساد الايجاب ( لان ) القبول معتبر في العقد لا في الايجاب فالا يجاب يدونه على صحته وتماميته في المؤثرية الضمنية ( كما ان ) صحة العقد عبارة عن تماميته في نفسه فى المؤثرية بحيث لو ورد على محل قابل لترتب عليه الاثر والصف بالمؤثرية الفعلية ، في مقابل فاسده الذي لا يكون كذلك ( وبعبارة ) اخرى ان الصحة في العقد عبارة عن مفاد قضية تعليقية ( وهي ) كونه بحيث لو ورد على محل قابل لا تصف بالمؤثرية الفعلية ، نظير العلل والاسباب التكوينية بالقياس الى معلولاتها ( لا ان ) معنى الصحة فيه هو المؤثرية الفعلية في حصول الاثر على الاطلاق ، كما يتوهم ( فلو تجرد ) العقد عن الاثر ، لاجل انتفاء ما يكون شرطاً لقابلية المسبب للتأثر من قبله ، فلا يوجب ذلك فسادا في العقد ، بل العقد بدونه على تماميته في السببية والمؤثرية ( وحيث ) اتضح ذلك : نقول ان مرجع الشك في الصحة والفساد بعد ان كان الى تمامية الشيء بلحاظ الاثر المرغوب منه ( فلابد ) في جريان اصالة الصحة والفساد في العقود والايقاعات من معرفة ما يكون معروضاً للشك في الصحة والفساد من السبب او المسبب ، وذلك لا يكون إلا بملاحظة منشأ الشك في الصحة في كونه هو الشك في فقد الشرائط الراجعة الى السبب ، أو الشرائطا لراجعة الى المسبب ( مع ملاحظة ) ان الشرط المشكوك فيه من الشرائط العرفية للسبب أو المسبب ، أو من الشرائط الشرعية لها ( فان كان ) الشك في الصحة والفساد مسبباً عن الشك في فقد بعض الشرائط العرفية للسبب أو المسبب : كالشك في التوالي المعتبر عرفاً بين الايجاب والقبول : ومطلق المالية في العوضين ( فلا مجرى ) الاصالة الصحة لا في السبب ، ولا في المسبب الرجوع الشك المزبور الى الشك في مجرى اصالة الصحة ( ولقد )

ص: 83

تقدم في الأمر السابق انه لا بد فى جريان هذا الأصل من احراز عنوان موضوعه عرفاً ( وإلا ) فمع الشك فيه لا تجرى اصالة الصحة ( وأما إذا كان ) الشك في الصحة والفساد مسبباً عن الشك في فقد بعض الشرائط الشرعية ( فان كان ) الشرط المشكوك فيه من الشرائط الراجعة الى العقد كالتنجيز، والعربية والماضوية بناءاً على اعتبارهما فيه والترتيب بين الايجاب والقبول : تجرى اصالة الصحة في العقد ( لانه ) عقد عرفي قد شك في صحته وفساده شرعا ( وان كان ) من الشرائط الراجعة الى المسبب، وهو البيع مثلا ، كالشك في كون المبيع أو التمن خمرا ، أو خنزيرا ، أو الشك في بلوغ البائع أو المشترى ، أو الشك في كون المعاملة ربوية أو غررية ونحوها ( فلا تجرى ) الاصل في العقد بما هو عقد ( لما عرفت ) من ان الصحة فيه عبارة عن تمامية العقد في نفسه في السببية والمؤثرية ، وهذا مما يقطع به ولو مع القطع بعدم ترتب المسبب عليه فضلا عن الشك فيه ( وعلى فرض ) جريانه فيه لا يجدى لاثبات صحة المعاملة ، ولا لاثبات قابلية المسبب للتحقق ورفع الشك من جهته ( ولو قلنا ) بان اصالة الصحة من الاصول المحرزة ( لان ) غاية اقتضائها انما هو اثبات تمامية العقد في نفسه في السببية لترتب النقل والانتقال ( وأما ) اثبات قابلية المحل للتحقق من قبله فلا .

( نعم ) لا بأس حينئذ باجراء اصالة الصحة في عنوان المسبب وهو البيع مثلا وترتيب آثار الصحة عليه بعد احراز عنوانه عرفاً ( لانه ) بيع عرفي قد احرز عنوانه وشك في صحته وفساده شرعا من جهة الشك في صدوره من البالغ ، أو الشك في المالية الشرعية في الثمن أو المثمن ، فتجرى فيه اصالة الصحة ( ومن هنا ) قلنا ايضاً ( انه لا يجدى التمسك بالادلة المتكفلة للاسباب ، كعموم الوفاء بالعقد عند الشك في صحة المعاملة من جهة الشك في شرطية شيء للمسبب لاجل الشبهة الحكمية ، بلحاظ عدم تكفل هذه الادلة لاثبات قابلية المحل ورفع الشك من جهته ( وانه ) لابد في اثبات الصحة من التمسك بالعمومات المتكفلة للمسببات ، من نحو قوله سبحانه : أحل الله البيع ، وتجارة عن تراض ونحو ذلك ( وان كان ) الشرط المشكوك فيه من الشرائط الشرعية الراجعة الى السبب والمسبب ، بان كان الشك في الصحة والفساد

ص: 84

ناشئاً من الجهتين : تارة من الشك فى فقد بعض الشرائط المعتبرة في السبب : واخرى من الشك في فقد بعض الشرائط المعتبرة في المسبب ( فلابد ) في الحكم بالصحة وترتيب الأثر من اجراء اصالة الصحة ، تارة في السبب ، واخرى في المسبب بعد احراز عنوان العقد والبيع العرفي ( ولا يكنى ) في الحكم بالصحة وترتيب الاثر مجرد اجرائها في العقد ، لما عرفت من ان اصالة الصحة في العقد لا تقتضي ازيد من تمامية العقد في المؤثرية ، فليس شأنه اثباث قابلية المحل للتأثر ( وأما ) المنع عن جريان اصالة الصحة في المسبب، بانه لا دليل على اصالة الصحة في العقود إلا الاجماع وليس لمعقد الاجماع اطلاق يعم جميع موارد الشك في الصحة ، بل القدر المتيقن منه هو ما إذا كان الشك في الصحة والفساد مسببا عن الشك في تأثير العقد للنقل والانتقال من جهة احتمال فقد بعض ما يعتبر فيه : بعد الفراغ عن اهلية المتعاملين وقابلية المعقود عليه شرعا للنقل والانتقال ( فمدفوع ) بمنع انحصار الدليل بالاجماع المدعى في المسئلة ( بل العمدة ) في الدليل على المسئلة ، هو برهان اختلال النظام الذي جعل مناطاً لاعتبار اليد في رواية الخفص ولازمه التعميم لجميع موارد الشك في الصحة سبباً كان أو مسبباً ) من غير ( فرق بين انحاء القيود الشرعية للمسبب او المسبب .

( و توهم ) ان اهلية العاقد لا يجاد المعاملة وقابلية المعقود عليه النقل والانتقال مأخوذ في عقد وضع اصالة الصحة ، فلابد من احرازهما ، وإلا فمع الشك فيها لانجرى اصالة الصحة لرجوع الشك فيها الى الشك في عقد وضع هذا الاصل ، فكان المرجع حينئذ هو سائر الاصول العملية حسب ما يقتضيه المقام ( مدفوع ) بانه ان كان المقصود بذلك كونها من القيود العرفية للعقد بما هو عقد بحيث لا يصدق المقد عرفاً على العقد الصادر من غير البالغ ، ولا على العقد الواقع على مالا يقبل الانتقال ، كما هو الظاهر من كلام المحقق الثاني قده في مسئلة اختلاف الضامن والمضمون له من قوله بعد ترجيح قول الضامن ( فان قلت ) ان للمضمون له اصالة الصحة في العقود وظاهر حال البالغ انه لا يتصرف باطلا ( قلنا ) ان الاصل في العقود الصحة بعد استكمال اركانها ليتحقق وجود العقد ، واما قبله فلا وجود له ... الخ ما نقله الشيخ

ص: 85

عنه ( ففساده ) أوضح من ان يخفى ، لوضوح تحقق العقد العرفي مع القطع بعدم صدوره من البالغ وعدم وقوعه على ما يقبل الانتقال شرعاً فضلا عن الشك فيها ( ودعوى ) الفرق في صدق المقد عرفاً بين العقد الصادر من البالغ ، والعقد الصادر من غيره ولو كان مراهقا ، كما ترى ليست إلا المكابرة مع الوجدان ( وان كان ) المقصود ان اهلية العاقد وقابلية المعقود عليه للنقل والانتقال من القيود الشرعية لصحة هو عقد العقد بما من حيث تماميته فى السببية والمؤثرية ( ففيه ) مضافاً الى فساده في نفسه ( انه ) يبقى سؤال الفرق ، بين الشك فى صحة العقد وفساده من جهة الشك في اهلية العاقد لا يجاد المعاملة أو قابلية المعقود عليه للنقل والانتقال ، وبين الشك في الصحة والفساد من جهة سائر القيود الشرعية المعتبرة في العقد كالماضوية والترتيب بين الايجاب والقبول بناء على اعتبارهما فيه ، والتنجيز وعدم الافتران بالشرط الفاسد ( فكما ) انه تجرى اصالة الصحة في الثاني عند احراز موضوعها عرفاً ( كذلك ) تجرى في الاول ( اذ لا فرق ) بينها بعد كون الجميع من القيود الشرعية للعقد ( مع ان ) هذه الدعوى ، دعوى بلا بينة ، ولا برهان حتى بالنسبة الى البلوغ ( لان ) عمدة ما دل على اعتباره في مقابل مطلقات الادلة ، انما هو حديث رفع القلم ، ( وما ورد ) بانه لا يجوزامر الصبي ( وغاية ) ما يستفاد منها انما هو اثبات قصور الصبي عن السلطنة في استقلاله على التصرفات المالية فيما يرجع الى ماله أو نفسه ( لا اثبات ) كونه مسلوب العبارة بحيث يكون العقد الصادر منه لا يجاد المعاملة بمنزلة العدم حتى فى مقام ايجاد المعاملة الغير ( وان كان ) المقصود كونها من الشرائط الشرعية في تأثير العقد وقابلية المسبب للتأثر ( وان ) المنع عن جريان اصالة الصحة في العقد ، لمكان عدم اقتضاء الاصل الجاري في السبب لاثبات قابلية المسبب ورفع الشك من جهته ( لان ) غاية ما تقتضيه اصالة الصحة في العقد انما هو مجرد تماميته في نفسه من حيث السببية والمؤثرية لا اثبات قابلية المحل للتأثر ( فهو وان كان ) متيناً جداً كما ذكرناه ( ولكن ) ذلك مع كونه خلاف الظاهر من كلامه في كون الأمرين مأخوذا في عقد وضع اصالة الصحة ، لا يقتضى المنع عن جريانها بقول مطلق حتى في طرف

ص: 86

المسبب عند احراز مجريها عرفاً ( اذ لا فرق ) حينئذ بين الشك في الصحة من جهة الشك في اهلية العاقد وقابلية المعقود عليه ، وبين الشك فيها من جهة الشك في مالية العوضين شرعا ، أو الشك في ربوية المعاملة أو غرريتها ( اللهم ) الا ان يكون المقصود دخل اهلية العاقد وقابلية المعقود عليه للنقل والانتقال عرفاً فى قابلية المسبب للترتب على السبب ( ولكن ) دون اثباته خرط القتاد ( اذ الظاهر ) انه لا قصور في صدق عنوان البيع والاجارة والضمان ونحوها عرفاً بدون الامور المذكورة.

فى ان التحقيق تعميم مجرى اصالة الصحة في العقود

( فالتحقيق ) حينئذ بالنظر الي الادلة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو التعميم في جميع ما يتصور له الصحة والفساد ، بعد احراز مجريها عرفاً ( ولازمه ) التفصيل في جزيان هذا الاصل بحسب الموارد با جرائه، تارة في خصوص السبب إذا كان الشك في الصحة مسبباً عن الشك في بعض ما اعتبر فيه شرعاً ، واخرى في المسبب دون السبب إذا كان الشك في الصحة مسبباً عن الشك فيما اعتبر فيه شرعا في قابليته للترتب على السبب ، وثالثة في كل من السبب و المسبب ، إذا كان الشك في الصحة وترتب الاثر الجهتين ( من غير فرق ) بين ان يكون الشرط المشكوك فيه مما محله العقد أو المتعاقدين او العوضين ، أو نفس المسبب فإن جميع هذه القيود راجعة ،اما الى السبب أو المسبب لاستحالة تمامية السبب وقابلية المسبب مع عدم الاثر ، فلا بد في جريان هذا الاصل من ملاحظة مجريه بعد احرار عنوانه عرفاً في كونه هو السبب أو المسبب أو كليها .

( ثم انه ) يظهر من الشيخ ( قده ) وبعض آخر الاشكال في جريان اصالة الصحة فى بعص الفروع ( منها ) الشك في صحة بيع الصرف من جهة الشك في تحقق القبض في المجلس بعد العلم بتحقق الايجاب والقبول ، وكذا الشك في صحة البيع من جهة الشك في اجازة المالك لبيع الفضول ( ومنها ) الشك في صحة بيع الوقف ولو من المتولى من جهة الشك في وجود المصحح له ، لمكان ان بيع الوقف لو خلى وطبعه مبنى على الفساد ( ومنها ) الشك في صحة بيع الراهن من جهة الشك في اذن المرتهن أو اجازته ( ومنشأ ) الاشكال انما هو لدعوى ان المتيقن من مجرى هذا

ص: 87

الاصل في عناوين المسببات هو صورة نردده حين وجود العقد بين الصحة الفعلية والبطلان ، لا الصحة التأهلية ( كما في صورة ) الشك في صحة البيع وفساده من جهة بلوغ العاقد أو مالية العوض أو المعوض ، او من جهة ربوية المعامله وغرريتها ( فان ) مجرى الأصل في جميع هذه الصور مردد من حين وجود العقد بين الصحة الفعلية والبطلان محضاً ( وهذا ) المعنى لا يتصور في الامثلة المزبورة ( فانه ) على المشهور من كون القبض في الهبة والصرف والسلم ، واجازة المالك لبيع الفضول شرطا ناقلا من الحين لا كاشفاً ، لا يحتمل فيه الصحة والفساد من حين حدوث العقد ، وانما المحتمل فيه عند وجود العقد هي الصحة الفعلية أو التأهلية ، فلا تجري اصالة الصحة بالنسبة الى عنوان الهبة والصرف والسلم

فى اشكال على جريان اصالة الصحة في الصرف عندالشك في القبض والشك في بيع الوقف للشك في وجود المصحح له

( كما لا تجرى ) بالنسبة الى المقد ايضاً مع الشك في القبض أو الاجازة فى بيع الفضول ( لان ) صحة العقد ليست إلا عبارة عن تمامية العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه للتأثير ، وهذا المعنى مما يقطع به ولو مع اليقين بعدم حصول القبض في المجلس في بيع الصرف وعدم الاجازة من المرتهن لبيع الرهن، ولا اجازة من المالك في بيع الفضول ( وان شئت ) قلت ان الصحة في العقد ليست إلا تأهلية معناها كون العقد بحيث لو تعقبه ما يتوقف عليه الصحة الفعلية من القبض أو اذن من المرتهن في المجلس أو من المالك في عقد الفضول، لكان مؤثراً فعلياً في النقل والانتقال ، لا ان الصحة فيه بمعنى المؤثرية الفعلية ، كي يقال ان القبض وكذا الاجازة بعد ما لا يكون من اجزاء السبب ، بل من شرائط نفوذه وتأثيره ، فالصحة الفعلية فيه تكون مشكوكة بلحاظ الشك في تحقق ما هو شرط نفوذه وتأثيره ( ولا مانع ) من اجراء اصالة الصحة الفعلية فيه للحكم بترتب النقل والانتقال في بيع الصرف والسلم ، إلا بقصر مجرى الاصل على صحة العقد عند حدوثه ، لا مطلقا ولو بقاء ( فانه ) بلحاظ حدوثه مع الشك في القبض لا تكون الصحة فيه الا التأهلية التي هي ايضاً غير مشكوكة ( نعم ) لو كان القبض في الهبة والصرف والسلم من قبيل الشرائط المتأخرة كاشفاً عن تحقق الملكية والنقل والانتقال من حين العقد بالكشف الحقيقي، كما قيل به في اجازة المالك في عقد الفضول ، لكان للتمسك باصالة الصحة في عنوان

ص: 88

المسبب من الهبة وبيع الصرف والسلم وفي بيع الراهن بعد احراز عنوانه العرفي مجال ( ولكنه ) خلاف التحقيق ( فان ) التحقيق هو كون القبض من الشرائط المقارنة الناقلة من حين وجوده ( ومعه ) لا تجرى فيه اصالة الصحة مع الشك في تحقق القبض ( بل الامر ) في اجازة المالك لعقد الفضول حتى على مذاق المشهور من الكشف الحقيقي اشكل ( لان الاثر ) انما هو للبيع المنتسب الى المالك الذي هو الموصوف بالصحة الفعلية، ولا انتساب إلا بالاجازة ، فمع الشك في الاجازة يشك في الانتساب المزبور بور ، فلم يحرز عنوان موضوع الاصل ، وعلى فرض احرازه لا يعقل الشك في العقد المنتسب الى المالك من جهة الشك في الاجازة ( نعم ) لو قلنا انه يكفي في صحة عقد الفضول مجرد رضى المالك في نفس الامر ، وان الاحتياج الى الاجازة في الحكم بالصحة وترتب النقل والانتقال انما هو لكشفه عن رضى المالك ، لا انه لخصوصية فيها تقتضى اضافة العقد الصادر من الفضول الى المالك ( لا مكن ) التمسك باصالة الصحة عند الشك في الاجازة على التفصيل المتقدم في القبض بين الكشف الحقيقى والنقل ( ولكن ) المبني ضعيف جداً ( وبمثل هذا ) البيان انقدح الحال في بيع الوقف عند الشك في عروض ما يسوغ معه بيعه ( فان ) بيع الوقف لو خلى وطبعه لما كان مبنياً على الفساد ، لاباء طبع الوقف بعنوانه الاولى عن قابلية النقل والانتقال يحتاج صحة بيعه الى طرو ما يسوغ معه بيمه ، ومع الشك في ذلك لا مجري لاصالة الصحة فيه ، وذلك لا من جهة . ان اصالة الصحة فيه لا يثبت عروض مسوغات بيعه ، بل من جهة عدم احراز ما هو موضوع الصحة ( الا ان يقال ) انه ليس فى الادلة إلا ان بيع الوقف حال صدوره مع عدم المسوغ فاسد لا يصلحه لحوق الشيء ، ومع المسوغ صحيح ، نظير البيع الصادر من البالغ وغير البالغ ، بلا اخذ هذا العنوان في موضوع الصحة ( ولازمه ) الحمل على الصحة خصوصاً إذا كان البيع صادراً من المتولى ، كما هو الشأن فى كل عمل صادر من الغير بعنوانه الاجمالي القابل للاتصاف بالصحة الفعلية والفساد ، والمسئلة غير نقية عن الاشكال ، فتحتاج الى مزيد تأمل فيها ( ثم ان ذلك ) كله بالنظر الى ترتيب الشاك في الصحة للاثر ، مع قطع النظر

ص: 89

عن تخاصم المتعاملين في بعض ما يتفرع عليه صحة المعاملة ( وإلا ) وجب العمل فيه بالقواعد المقررة لفصل الخصومة بالنسبة الى مورد المخاصمة ، ويختلف الحكم في ذلك باختلاف كيفية تحرير الدعوى .

( تفريع ) إذا علم بوقوع الرهن على مال الغير وصدور اذن ايضا من المالك في رهن ماله مع رجوعه عن اذنه ، وشك في تقدم الرجوع على الرهن وتأخره عنه ( أو علم ) وقوع البيع من الراهن وصدور اذن ورجوع من المرتهن ، وشك في تقدم الرجوع على البيع وتأخرة عنه ( ففى جريان ) اصالة الصحة في الرهن في الفرع الأول ، وفي البيع فى الفرع الثاني ، الاشكال المتقدم من دوران الامر في كل من الرهن والبيع عند وجود العقد بين الصحة الفعلية والتأهلية ، لا بين الصحة الفعلية والفساد ( بل يزداد ) الأول اشكالا بما ذكرناه في بيع الفضول عند الشك في الصحة فعلا من جهة الشك فى اجازة المالك ، من حيث عدم احراز عنوان الموضوع وعدم اثبات اصل الصحة لحيث انتساب البيع الى المالك ( واما ) اصالة بقاء الاذن أو عدم الرجوع عنه الى حين وجود المقد ( فقد ) يقال بجريانها في الفرعين واقتضائها صحة كل من الرهن والبيع ( ولكنه ) مشكل في الفرع الاول ( لان ) مقتضى التجارة عن تراض هو ان يكون الرهن حين وجوده ناشئاً عن اذن مالك العين المرهونة، بل ذلك يكون من مقتضيات طبع الوثيقة عرفاً ( فكان ) لحيث النشو المزبور دخل فى موضوع الاثر ( واصالة ) بقاء اذن المالك ، او عدم رجوعه عن اذنه غير مثبت لمثل هذه الاضافة النشوية ( لان ) نشو الرهن عن كونه من رضى المالك واذنه من اللوازم العقلية لبقاء الاذن الى حين وجود العقد ( نعم ) يتم ذلك فى الفرع الثاني ( فان ( الاحتياج الى اذن المرتهن او اجازته ليس لاجل انتساب الرهن الى المرتهن ، كما فى اجازة المجيز المالك لعقد الفضول ( وانما ) هو لاجل ابطال حقه المتعلق بالعين المرهونة المانع عن نفوذ بيع الراهن المالك ( فاصالة ) ع_______دم الرجوع عن الاذن السابق الى حين وجود العقد تكون مجدية في ترتيب آثار الصحة على البيع الصادر من الراهن

ص: 90

فى ان مقتضى هذا الاصل ترتيب جميع الآثار الثابتة للفعل الصحيح ونقل كلام الشيخ ره فى الاعمال النياتيه

( الامر السادس ) قد عرفت ان مقتضى هذا الاصل ترتيب الشاك الحامل جميع الآثار الثابتة للفعل الصحيح التي لها مساس به ( فلو صلى ) شخص على ميت وشك في صحتها تحمل على الصحيح ويسقط عنه الصلاة عليه ، وكذا لو آجر شخصاً لتطهير ثوبه ، فغسله وشك في صحته من جهة الشك في بعض شروطه من

اطلاق الماء او وروده على النجاسة ونحو ذلك حكم بطهارته بعد احراز الغسل العرفي من غير فرق في ذلك بين العناوين القصدية وغيرها نعم ، في العناوين القصدية كعنوان الصلاة يحتاج في جريان اصالة الصحة إلى احراز القصد المقوم للعنوان ايضاً ، ولا يكتفى فى الحكم بالصحة بصرف احراز ذات العمل مع الشك في تعنونه بالعنوان الذي ترتب عليه الاثر او تعلق به الأمر ( واذا كان ) العمل من الاعمال النيابية كالصلوة عن الميث ، والحج عن العاجز ( لا بد ) في الحكم بالصحة وترتيب الاثر من استحقاق العامل الاجير للاجرة ، وتفريغ ذمة المنوب عنه زائداً عن احراز العمل المعنون من احراز وقوعه من الفاعل النائب على وجه النيابة عن المنوب عنه، اما بالوجدان او بالبينة او باخبار الفاعل اما مطلقاً ، او بشرط عدالته على ما يأتي تفصيله ( فاذا ) احرز صدور العمل من النائب علي وجه النيابة وتفريغ الذمة عن الغير المكلف بالعمل اولا وبالذات ، كالحج عن العاجز والصلاة عن الميت ، وشك في صحته لاجل احتمال اخلاله ببعض ما يعتبر في صحته، يحمل على الصحيح، ويترتب عليه جميع ما له من الآثار .

( ولكن ) الذي يظهر من الشيخ ( قده ) هو الاشكال في الحكم بالصحة في تفريغ ذمة المنوب عنه ولو مع احراز قصد الفاعل بعمله تفريغ ذمة المنوب عنه ( و محصل ( ما افاده قده هو ان لفعل النائب حيثيتين ( الاولى ) كونه فعلا جميع افعال النائب ، وبهذا الاعتبار يترتب عليه آثار صدور الفعل الصحيح منه ، كاستحقاقه للاجرة وجواز استيجاره ثانياً ( الثانية ) كونه فعلا للمنوب عنه عرضا لكونه بمنزلة الفاعل بالتسبيب ، فكان الفعل الصادر منه بعد قصد النيابة قاما بالمنوب عنه ، و بهذا الاعتبار يترتب عليه تفريغ ذمة المنوب عنه وعدم وجوب الاستيجار عليه ثانياً ( والصحة ) من الحيثية الاولى لا يستلزم الصحة من الحيثية الثانية لا نه من هذه الحيثية

ص: 91

فعل من الافعال القائمة بالمنوب عنه والشاك الحامل لا من افعال الصادر من الغير ( فاصالة الصحة ) فيه بماهو فعل من افعال الغير ، لا يثبت الصحة بما هو فعل من افعال المنوب عنه ( فيجب ) التفكيك بين اثرى الفعل من الجهتين ، فيحكم باستحقاق النائب الاجير للاجرة ، وعدم تفريغ ذمة المنوب عنه

( وفيه ما لا يخفى ) فإن الصحة من الجهة الثانية انما هى من آثار الصحة الجهة الاولى ( لوضوح ) ان الفعل الواحد الصادر من الغير بعنوان النيابة عن المنوب عنه اذا كان صحيحاً تعبداً ، فهذا الصحيح بعينه هو المنسوب الى المنوب عنه بنحو من الانتساب ، فكيف لا يكون مبرء للذمة ( اذ لا معنى ) لحكم الشارع البناء على صحة فعل النائب من حيث النيابة عن الغير ولاستحقاق الاجرة عليه بهذا العنوان ، الا البناء على تفريغ ذمة المنوب عنه ( واما حكم ) المشهور باعتب_____ار العدالة فى النائب عن الحى والميت ( فليس ) من جهة عدم كفاية صحة التعبدية في فعل النائب من حيث النيابة للصحه من جهة برائة ذمة المنوب عنه ( بل انما ) هو من جهة احراز صدور الفعل على وجه النيابة بلحاظ اقتضاء العدالة للوثوق بصدور العمل النيابي عنه ( والا ) مع احراز صدوره على وجه النيابة عن الغير ، اما بالوجدان ، او بغيره من الامارات المعتبرة ، لا يظن باحد منهم التشكيك في اقتضاء الصحة من الجهة الاولى للصحة من الجهة الثانية ( مضافاً ) الى منع كون الفعل الصادر عن النائب بعنوان النيابة عن الغير من قبيل الفعل بالتسبيب او الآلة بالنسبة الى المنوب عنه بحيث يصاف ويستند اليه باسناد حقيقي ( اذ نقول ) أنه ليس لفعل النائب حتى بمعناه الاسم المصدر الا اضافة واحدة وقيام واحد بالفاعل المباشر دون المنوب عنه ( وان ) ما يقع عن المنوب عنه انما هو اثره من تفريغ ذمته وتخضعه للمولى وتقربه اليه كما يقع نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد وغيره ( فانه ) بايجاد ما هو آلة الخضوع عن الغير ، يقع الخضوع لذلك الغير مع رضائه به بلا احتياج إلى أمره بذلك، بخلاف باب التسبيب ، فانه يحتاج فيه الى امر من الامر بالايجاد ولا يكفيه صرف رضائه بفعله ( مخضوع ) المنوب عنه وتقربه الى المولى وتفريغ

ص: 92

ذمته انما يكون من آثار فعل النائب بايجاد ما هو آلة الخضوع ووظائف العبودية عن قبله ، كما ان من آثاره فى فرض الاستيجار عليه استحقاق النائب الاجرة عليه ، لا انها من آثار أضافة فعل النائب اليه وقيامه به ولو بمعناه ، الاسم المصدر ،لما عرفت من انه ليس له الا اضافة واحدة قائمة بالنائب ، لا ان له اضافتين ، اضافة الى النائب واضافة الى المنوب عنه ( وما يرى ) احياناً من انتساب العمل واسناده الى المنوب عنه ( فأنما ) هو بنحو من العناية ، لا انه باسناد حقيقي كما في التسبيبيات ( وحينئذ» فإذا كان العمل الصادر من النائب بعنوان النيابة عن الغير وتفريغ ذمته محكوماً بالصحة ، يترتب عليه لا محالة ، كلا الاثرين من استحقاق العامل للاجرة وبراءة ذمة المنوب عنه

فى اعتبار احراز موضوع الاثر في جريان اصالة الصحة

( بقى الكلام ) فيما يحرز به موضوع الاثر ( فنقول ) اما في العناوين غير القصدية ، كتطهير الثوب وازالة الخبث عنه ، فلا اشكال في انه يكتفى في جريان اصالة الصحة مجرد احرازها بصورتها ( فاذا ) شوهد من يأتي بصورة الغسل المزيل عرفاً للخبث وشك في كونه مز يلا شرعاً لاحتمال الاختلال ببعض شروطه ، يحمل على الصحيح ويترتب عليه اثره ( واما في العناوين القصدية ) ، كالعبادات والمعاملات من العقود والايقاعات المتقومة بالقصد ( فالظاهر ) كفاية احراز عناوينها بصورتها ايضاً في الحمل على الصحة ، ولا يعتنى باحتمال كونها مجرد صورة قصد بها التعود او غيره من الدواعي العقلائية ( ولذا ) لا يتوقف احد في الاخبار عمن شوهد كونه متلبساً بصورة هذه الاعمال من صلاة او زيارة، او نسك ، بانه يصلى ويزور ( فلو شوهد ) من يأتي بصورة الصلاة على ميت وشك في صحتها من جهة اجتمال كونها مجرد صورة قصد بها التعليم ، يحمل على كونها صلاة فيسقط عنه التكليف بالصلاة عليه ( وكذا ) من يأتى بصورة عقد في مقام المعاملة من بيع ونحوه ، حيث يحمل على كونه صادرا عن قصد التسبب به الى المعاملة بحيث يقدم قول من يدعي الصحة اذا تنازعا في صحة العقد وفساده لاجل التنازع في القصد وعدمه ( والعمدة ) في ذلك هي السيرة العرفية وبرهان اختلال النظام ( حيث انها ) يقضيان بالحمل على الصحيح

ص: 93

في نحو هذه الامور من حيث اقترانها بالقصد ما لم يعلم كونها مجرد صورة خالية عن قصد عناوينها ، ومن حيث اشتمالها على الشرائط الشرعية المعتبرة في صحتها ، وان لم يكن اخبار من الفاعل باقترانها بالقصد المقوم لعناوينها ( هذا ) في غير الاعمال النيابية ( واما ) في الاعمال النيابية كالصلاة عن الميت ، والحج عن العاجز ( فان كان ) الشك فيها من جهة القصد المقوم لعنوان العمل من الصلاتية ونحوها ، فحكمها ما تقدم من الاكتفاء في احراز عناوينها باحراز صورتها ( وان كان ) الشك من جهة وقوعها عن قصد النيابة عن المنوب عنه ( فلا طريق ) الى احرازها الا اخبار العامل بعمله من كونة قاصدا به عن المنوب عنه ( ولا اشكال ) في قبول قوله ، لكونه مما لا يعلم الا من قبله ( وهل يعتبر ) فيه العدالة ، او يكفى فيه الوثوق ، او لا يعتبر فيه العدالة ولا الوثوق فيه وجوه ( اظهرها ) الاخير ، لكونه مما لا يعلم الا من قبله ، فيكتفى باخباره في الحكم بفراغ ذمته واستحقاق الاجرة ، وفراغ ذمة المنوب عنه ( هذا ) اذا كان العمل بصورته او بعنوانه محرزا بالوجدان ( و اما لو كان ) الشك في اصل وجود العمل وتحققه ( فالظاهر انه ) لا طريق الى احرازه الا العلم او البينة من غير فرق بين العناوين القصدية وغيرها ، فلو استأجر شخصا لتطهير ثوبه او للصلاة عن الميت فشك في اصل صدور الغسل المزيل للخبث منه او اتيانه بالصلوة فلا بد من احراز اصل العمل اما بالعلم أو بالبينة ( ولا يكتفي ) باخب_____اره في احراز العنوان وان كان عدلا او ممن يحصل الوثوق من قوله ( اذ لا دليل ) على حجية اخباره ( بل مقتضى الادلة ) كرواية مسعدة بن صدقة من قوله ( علیه السلام ) حتى تستبين او تقوم بها البينة اعتبار التعدد والعدالة في الموضوعات الخارجية ( وشمول ) ادلة حجية خبر الواحد لمثله ، ممنوع ( لاختصاصه ) بالاخبار القائمة على الاحكام الشرعية ( وعلى ) فرض عمومها للموضوعات الخارجية ، لا بد من تقييدها بما دل على اعتبار التعدد والعدالة فيها ( نعم ) لو فرض كونه مندرجاً في مورد تحت قاعدة من القواعد

المقتضية لقبوله ، كقاعدة من ملك شيئاً ملك الاقرار به ملك شيئاً ملك الاقرار به ، او قاعدة الايمان ، يقبل قوله في ذلك المورد بلحاظ تلك القاعدة ، فيحرز به عنوان الموضوع ،

ص: 94

وتجرى فيه اصالة الصحة عند الشك في صحته وفساده ( والا ) فيشكل اثبات حجيته قوله ولو مع كونه عدلا او ممن يوثق بقوله .

فى عدم حجية مثبتات اصالة الصحة

( الأمر السابع ) ان الثابت بهذه القاعدة انما ان الثابت بهذه القاعدة انما هو خصوص ترتب الآثار الشرعية المترتبة على العمل الصحيح ( دون ) ما يلازم الصحة من الامور الخارجة عنها ( فلو شك ) في صحة عقد من العربية او الماضوية ، او من جهة بلوغ العاقد ، يحمل على الصحة بلحاظ ما يترتب عليها من تحقق الملكية والنقل والانتقال ( لا بلحاظ ) الآثار المترتبة على ما يلازمها من عربية العقد ، وماضويته او بلوغ المتعاقدين ( لقصور ) اصالة الصحة عن اثبات هذه اللوازم ، حتى على القول بامارية هذه القاعدة ، فضلا عن اصليتها ( لان ) مجرد كون الشيء امارة لا يقتضي حجيته بجميع مداليله مطابقة والتزاماً ( وانما ) هو تابع اطلاق دليل تتميم كشفه في الشمول الجميع ما يحكى عنه من المدلول المطابقي والالتزامي ( والا ) فبدونه لا بد من الاقتصار في تتميم كشفه على المدلول المطابقي ( وحيث ) انه ليس في المقام دليل لفظي يقتضى باطلاقه حجية هذه القاعدة وتتميم كشفها في جميع ما تحكى عنه مطابقة والتزاما ( لان ) العمدة في الدليل على حجيتها هو الاجماع ، والسيرة ، ومناط الاختلال ( فلا بد ) من الاقتصار على ما هو المتيقن منها ، ولا يكون ذلك الا تتميم كشفها من حيث الصحة ، دون ما يلازمها ( هذا ) على المختار في وجه حجية مثبتات الامارة من كونه مناط تعدد الحكاية في الامارة مطابقة والتزاما ( واقتضاء ) دليل حجيتها لتتميم كشفها بجميع مداليها ( واما ) على ماسلكه بعض الاعاظم قده ، من كونه بمناط ان المجعول في الامارات في نفسه معنى يقتضى حجية مثبتا تها فلا بد ) من الالتزام بعدم التفكيك ، بين أمارية هذه القاعدة ، ومثبتيتها ( ولكن ) الكلام فى اصل المبني ( ولقد ) اشبعنا الكلام في ضعفه بما لا مزيد عليه في التنبيه السابع في شرح مثبتات الاصول والامارات فراجع .

( ثم ان ) الشيخ قده افاد في التفريع على هذا البحث مسئلة الشك في كون الشراء بما يملك او ما لا يملك ( حيث قال ) : فلو شك في ان الشراء الصادر من الغير

ص: 95

كان بما لا يملك أو بعين من اعيان ماله ، فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته ، بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته الى البايع : انتهى ( وظاهر ) اطلاقة شمول الحكم بعدم الانتقال ، لما اذا كان المبيع عيناً معيناً قد شك بشهة بدوية في كونه خمراً او خلا ( مع انه ) في هذا الفرض ، كما يحكم بصحة الشراء وانتقال الثمن الى البايع، كذلك يحكم ايضاً بانتقال العين المعين الخارجي الى ملك المشترى ( لان ) الحكم بصحة الشراء الصادر ليس إلا الحكم بانتقال كل من الثمن و المثمن من ملك صاحبه الى ملك الآخر ( نعم ) لا يحكم عليه بالمالية الشرعية ، لكونه مما يقصر الحمل على الصحة عن اثباته ( نعم لو كان المقصود ) من التفريع المزبور صوره تردد ما وقع عليه الشراء بين الفردين احدهما الخل والآخر الخمر ( لكان ) ما افاده قدس سره من صحة الشراء وعدم الحكم بانتقال شيء من الى البايع في غاية المتانة ( وذلك ) اما الحكم بصحة الشراء الصادر في الفرض مع الشك في مالية الثمن شرعاً ، فلوجود المقتضى للحمل على الصحة ( لان ) ما به قوام الشراء عرفاً انما هو مطلق المالية في العوضين ، لا خصوص المالية الشرعية فيها ( ولذا ) لا شبهة في صدق عنوان البيع والشراء عرفاً عند كون التمن او المثمن خمراً او خنزيراً

فى شرح كلام الشيخ ره فى الشك فى كون الشراء بما يملك او مالا يملك

( وحينئذ ) فبعد احراز عنوانه العرفي بالوجدان والشك في صحته وفساده من جهة الشك في مالية المن شرعاً وقابليته للانتقال ، تجرى فيه اصالة الصحة ( واما ) عدم الحكم بانتقال عين من اعيان ماله مما له المالية الشرعية ، كالخل مثلا ( فانما ) هو من جهة كونه من لوازم تطبيق العنوان المعلوم بالاجمال الذى وقع به الشراء على خصوص الخل ( ومثله ) خارج عن عهدة هذا الاصل ( لان ) غاية ما يقتضيه الاصل المزبور أنما هو التعبد بانتقال العوض المعلوم بالاجمال المردد بين الحمر والخل الى البايع ( واما ) كونه هو الخل بالخصوص فلا ، وان كان ذلك مما يلازم الصحة واقعاً ( كما نظيره ) في استحباب الكلى المردد بين الباقي والزائل من حيث عدم اثباته لكون الموجودهو الفرد الباقي ( وان كان ) بينها فرق من جهة اخرى ( ولا تنافي ) بين الحكم بصحة الشراء وانتقال المبيع الى المشتري ظاهرا، وبين عدم الحكم بانتقال شيء من تركته الى

ص: 96

البايع ، بل ومع الحكم ببقائه على ملك المشتري ظاهرا بمقتضى اصالة عدم النقل ( لان ) مثل هذا التفكيك في الاحكام الظاهرية ، غير عزيز ( نعم ) ما ينافي الحكم بصحة الشراء انما هو الحكم بعدم انتقال شيء الي البايع ولو بالعنوان الاجمال المردد بين الفردين ( وقد ) فرضنا اقتضاء الحمل على الصحة انتقال المعلوم بالا جمال بالعنوان الاجمالى الى البايع ، غير انه لا طريق الى تطبيقه في الخارج على خصوص الخل .

فى تقريب الاشكال على الشيخ قده ودفعه

( وبما ذكرنا ) من البيان ، يظهر اندفاع ما أورد عليه من الاشكال ( تارة ) على أصل حكمه بصحة الشراء ، من جهة ما توهم من تخصيص مورد القاعدة بما اذا كان الشك في الصحة والفساد من غير جهة الشك في اهلية العاقد وقابلية العوضين شرعا للنقل والانتقال ( واخرى ) على قوله بعدم الحكم بانتقال شي من تركته الى البايع ( بدعوى ) انه لا معنى الحكم بصحة الشراء مع القول بعدم انتقال شيء من تركته الى البايع ( لانه ) اما ان تقول بانتقال المبيع من البايع الى المشترى ، واما ان لا نقول بذلك ( فعلى الاول ) يلزم الحكم بدخول المبيع في ملك المشتري من دون ان يدخل في ملك البايع ما يقابله من الثمن وهو كما ترى ) وعلى الثانى ( لا اثر لاصالة الصحة في شرائه ( لان ) كلا من الثمن والمثمن بعد باق على ملك مالكه ، فای أثر يترتب على اصالة الصحة ( وجه الاندفاع ) يعلم مما بيناه ( اما الاشكال ) الاول ، فيما ذكرنا من ان ما به قوام الشراء عرفاً انما هو مطلق المالية في العوضين ( وبعد ) احراز عنوانه عرفاً والشك فى صحته وفساده شرعا من جهة المالية الشرعية في الثمن او المثمن ، لا قصور في جريان القاعدة والحمل على الصحة ( واما الاشكال ) الثاني ، فاندفاعه انما هو بالالتزام بخروج المبيع من ملك البايع الى ملك المشتري ، ولكن لا بلا عوض، بل بازاء المعلوم بالاجمال المردد بين الخمر والخل ، وان لم يكن طريق شرعى الى تطبيقه على خصوص الخل ، او شيء من اعيان تركته ، بلحاظ عدم كون مثل هذا التطبيق من شؤن هذه القاعدة ، إلا على القول بالمثبت ( فالاستغراب ) المزبور من كلام الشيخ قده في حمل الشراء الصادر على الصحة مع عدم الحكم بانتقال

ص: 97

خصوص شيء من اعيان تركة المشتري الى البايع ، لا يخلو عن غرابة ( اللهم ) الا ان يقال ان الحكم بانتقال المعلوم بالاجمال بعنوانه الاجمالي الى البايع انما يصح ، اذا كان بحيث على تقدير انطباقه على كل من الفردين قابلا للانتقال الى البايع بإزاء المبيع ( والا ) فعلى فرض عدم قابليته لذلك الا على تقدير خاص ، فلا يصح الحكم بانتقاله بازاء المبيع ( وبعد ) عدم الحكم بانتقال شيء من اعيان تركته الى البايع ، يلزمه عدم الحكم بصحة الشراء ايضا ( ولكن ) هذه الدعوى غير وجيهة ( والا ) لاقتضت الحكم بعدم الصحة حتى في فرض العلم بوقوع الشراء بعين معينة محتمل بشبهة بدوية كونها خمرا او خلا ، الجريان المناط المزبور فيه أيضاً ( وهو ) كما ترى ( ثم انه ) قد يورد على الشيخ قده اشكال آخر ، ( وهو ) استلزام الحمل على الصحة في الشراء الصادر ، وعدم الحكم بانتقال شي من تركة المشتري الى البايع ، الوقوع في محذور مخالعة العلم الاجمالى في مجموع التركة ، وفيما لو جمع بعض الورثة أو الثالث بين المبيع ، والعوض الذي حكم ببقائه على ملك المشترى ( ولكنه ) كما ترى فان الوقوع في محذور مخالفة العلم الاجمالى احياناً امر غير مرتبط بصحة الشراء من حيث الشراء في الحكم بانتقال المبيع الى المشتري تعبداً .

فى نسبة اصالة الصحة مع الاستصحاب وتقديمها عليه مطلقا

( الامر الثامن ) في نسبة القاعدة مع الاستصحاب وتقديمها عليه في استصحابات الحكمية والموضوعية ( فنقول ) : اما تقديمها على استصحاب الفساد وما فى معناه من الاصول الحكمية ، فلا اشكال فيه ( من غير فرق ) بين القول بكون القاعدة من الامارات الكاشفة ، أو من الاصول المحرزة ( ولا بين ) جعل الصحة في القاعدة بمعنى التمامية ، او بمعني ترتب الاثر ( فانه ) على جميع التقادير تكون القاعدة مقدمة على الاصول الحكمية المقتضية لفساد المعاملة ، وعدم ترتب النقل والانتقال ( وهذا ) على امارية القاعدة واضح ، فانها بمقتضى دليل تتميم كشفها تكون حاكمة على تلك الاصول لكونها رافعة للشك في ترتب النقل والانتقال المأخوذ في موضوع تلك الاصول ( وهكذا ) الكلام على اصلية القاعدة مع البناء على كون الصحة فيها بمعنى التمامية ، لا بمعنى ترتب الاثر ( بلحاظ ) مسببية الشك في ترتب

ص: 98

الاثر وتحقق النقل والانتقال عن الشك في تمامية العقد في المؤثرية ، وتمامية المسبب فى قابليته للمتأثرية ( واما ) بناء على كون الصحة فيها عبارة عن نفس ترتب الاثر ( فتقديم ) القاعدة عليها يكون بمناط التخصيص ( لانه ) ما من مورد يمكن ان تجري فيه القاعدة إلا وفيه اصل يقتضي الفساد وعدم ترتب الاثر المقصود ( فلولا ) تقديم القاعدة على تلك الاصول ، ليلزم لغوية جعلها ( بخلاف ) المكس ، فانه لا يلزم من تقديم القاعدة على الاصول الحكمية محذور الغوية في جعل الاصول ( لان ) لها موارد كثيرة لا تجرى فيها القاعدة ( مع امكان ) دعوى الحكومة على هذا المبنى ايضا بناء على ما عو لنا عليه من الدليل لهذه القاعدة من السيرة واختلال النظام المستفاد من التعليل الوارد في بعض اخبار اليد بانه لولاه ماقام للمسلمين سوق ( فان ) مثل هذا اللسان ناظر الى تخصيص مجرى الاصول الحكمية المقتضية للفساد ، بغير مجرى هذه القاعدة ( اذ لا نعنى ) من الحكومة الا ما يكون ناظراً الى دليل آخر بتوسعة او تضيق في دائرته ، ولولا يكون بلسان تتميم الكشف .

( واما تقديمها ) على الاستصحابات الموضوعية ، كاصالة عدم البلوغ ونحوها فقد اختلف فيه كلمات الاعلام ( والظاهر ) اختلاف الحكم في المقام باختلاف المباني في مفاد دليل الاستصحاب من حيث جعل المائل والاثر ، او مجرد الامر بالمعاملة من حيث الجري العملي، وكذا في القاعدة من جهة الامارية والاصلية، ومن حيث معنى الصحة فيها في كونه نفس ترتب الاثر ، او التمامية ( فنقول ) : ان جعلنا هذا الاصل من الامارات والظواهر المعتبرة ، كما هو ظاهر جماعة ( فان ) قلنا بحجتيه في جميع ماله من المدلول مطابقة والتزاماً ( فلا شبهة ) في تقديمه على تلك الاستصحابات مناط الحكومة ، لاقتضائه بدليل كشفه ارتفاع الشك المأخوذ في موضوع تلك الاصول ( واما ان قلنا ) بعدم حجيته الا في خصوص مدلوله المطابق دون غيره ، كما هو التحقيق وتقدم الكلام فيه في الامر السابق ( فان بنينا ) في مفاد لا تنقض على كونه ناظراً إلى جعل المماثل في استصحاب الاحكام وجعل الأثر في استصحاب الموضوعات ( فلا محيص ) من التعارض بين هذا الاصل ، وبين استصحاب عدم

ص: 99

بلوغ العاقد حين العقد ( اذ بعد ) عدم اقتضاء هذا الأصل لاثبات بلوغ العاقد ورفع الشك من جهته ، يجري فيه استصحاب العدم ويترتب عليه أثره الذي هو فساد العقد وعدم ترتب النقل والانتقال ، فتقع بينها المعارضة ( ومع ) هذا التعارض لا مجال لتقديم القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص بما ذكرنا من لزوم اللغوية في جعلها لولا تقديمها على تلك الاستصحابات ( كما لا مجال ) لتقديم الاستصحاب عليها من جهة الحكومة ( بتوهم ) تسبب الشك في الصحة والفساد حينئذ عن الشك في بلوغ العاقد ، وباصالة عدمه يرتفع الشك عن صحة العقد تعبداً ( فانه ) لو ذلك فأنما هو فيما اذا كان الشك مأخوذاً في موضوع القاعدة ، لا مورداً لها ( والا ) فعلى فرض اخذه فيها على نحو الموردية ، كما هو المفروض من امارية القاعدة ، فلا حكومة للاستصحاب عليها ( واما ان بنينا ) في مفاد لا تنقض على كونه ناظراً الى مجرد الامر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع من حيث الجرى العملى كما هو المختار ( فيمكن ) ان يقال بتقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة ( لانها ) بمقتضى دليل تتميم كشفها توجب الغاء احتمال فساد المعاملة ( ومعه ) لا يجري استصحاب عدم البلوغ ، لخلوه حينئذ عن الاثر ( لا يقال ) على هذا الفرض لابد من التعارض ايضاً بين الاستصحاب والقاعدة ، كالفرض السابق ، فكيف التفكيك بينها ( فانه يقال ) ان مرجع التنزيل في الفرض الثاني .

في تعارض القاعدة مع الاستصحاب

في استصحاب الموضوع إلى تعبدين تعبد بالموضوع وتعبد بأثره حسب تعدد الشك من حيث الموضوع واثره من الحكم التكليفي أو الوضعي ( فاذا ) كان التعبد الثاني محكوماً باصالة الصحة ، يكون التعبد بالموضوع لغوا لخلوه عن الاثر ( بخلاف ) الفرض الاول ( فان) فيه لا يكون الا تعبد واحد بالموضوع بلحاظ جعل اثره ( ولاجله ) يقع التعارض بين التعبد بالصحة بمقتضى القاعدة ، وبين التعبد بعدمها مقتضى استصحاب عدم البلوغ ( ولا مجلل ) فيه لتقديم القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص من جهة محذور اللغوية في جعلها ، من غير فرق في ذلك بين القول بأن الصحة في القاعدة بمعنى التمامية ، أو ترتب الاثر ( هذا كله ) على القول بامارية هذه القاعدة ( واما

ص: 100

على القول ) بأصليتها ، كما هو التحقيق فيها ( فان جعلنا ) الصحة فيها عبارة عن نفس ترتب الاثر ، كما هو المشهور ( فلا محيص ) من حكومة الاستصحاب على القاعدة ( بلحاظ ) تسبب الشك في ترتب الاثر عن الشك في بلوغ العاقد ، وباستصحاب عدمه يرتفع الشك المزبور ، فيترتب عليه الحكم بالفساد وعدم ترتب الاثر من النقل والانتقال ( من غير ) فرق في ذلك بين القول باستفادة جعل الأثر من دليل حرمة النقض في استصحاب الموضوع ، و بين القول باستفادة الأمر بالمعاملة منه من حيث الجري العملى منه ( وان كانت ) الحكومة على الاول اظهر ( وان جعلنا ) الصحة فيها بمعنى التمامية ، كما هو المختار ( فقد يتوهم ) كونها محكومة ايضا باستصحاب عدم البلوغ ، باعتبار تسبب الشك في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد ، فاصالة عدم البلوغ تكون مزيلة للشك في تمامية العقد ( ولكنه ) توهم فاسد ( إذ نقول ) انها وان كانا متغايرين مفهوما ، ولكنها متحدين منشئاً ، فان تمامية العقد في مرحلة السببية والمؤثرية ، وكذا تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية ليست الاعين واجدية العقد والمسبب للشرائط المعتبرة فيها ( وانما الفرق ) بينها بصرف الاجمال والتفصيل بلا سببية ولا مسببية في البين ( ومعه ) كما تجرى استصحاب عدم البلوغ فيترتب عليه الفساد ، كذلك تجرى اصالة الصحة ، فيتعارضان ولازمه الحكم بسقوطها معاً ( الا ) ان يتشبث لتقديم القاعدة عليه بما ذكرناه من محذور اللغوية في جعل القاعدة ( لانه ) ما من مورد يشك في صحة عمل وفساده في ابواب العقود وغيرها الا وكان الشك في بعض ما يعتير فيه وجوداً وعدماً مما كان في نفسه مجرى الاستصحاب ( فلو قيل) حينئذ بسقوط القاعدة في تلك الموارد لاجل الاصول الجارية فيها لم يبق لجريانها الا الموارد النادرة ، فيلزم من جعلها محذور اللغوية ويلزمه محذور الاختلال في النظام ( بخلاف ) فرض العكس ، فانه لا يلزم محذور من تقديم القاعدة على الاستصحاب في موارد جريانها في طرف الاستصحاب ( فالاقوى ) حينئذ تقديم القاعدة على الاستصحاب مطلقا سواء في الاستصحابات الحكمية الا الموضوعية ، وسواء بين

ص: 101

الصحة بمعنى التمامية ، وبينها بمعنى ترتب الاثر ( ثم ان ) المشيخ الاعظم قده كلاماً في المقام في وجه بيان المعارضة وتقديم اصالة الصحة ، ولاجل تلامذته السيد العلامة الشيرازى قده كلام آخر في وجه المعارضة ، ولا يسعني المجال للتعرض لهما ، خصوصا لماعرض على من ضعف الحال وضيق .. مع تشتت البال واليه شكواى وهو المستعان .

فى اصالة الصحة فى الاقوال والاعتقادات

( بقى الكلام ) في اصالة الصحة في الاقوال والاعتقادات ( اما الاقوال ) فالشك في صحتها يتصور على وجوه ( الاول ) من حيث كونه مباحاً ، او حراما موجباً لفسقه ( ولا اشكال ) في الحمل على الصحة من هذه الجهة ( الثانى ) من حيث كونه على طبق القواعد العربية من حيث المادة والهيئة ، كما ( لو شوهد ) صدور عقد او ايقاع من الغير وشك في كونه على طبق القواعد العربية من حيث المادة والهيئة ( ولا اشكال ) فى الحمل على الصحة من هذه الجهة ايضا وانه يترتب عليه آثار الصحة من حيث النقل والانتقال وغيرهما ( الثالث ) من حيث كونه كاشفاً عن المعنى المقصود ( والشك ) من هذه الحيثية يكون من وجوه ( الاول ) من جهة ان المتكلم قصد المعنى بقوله بعت او ملكت ام لم يقصده بل تكلم من غير قصد ( ولا ريب ) في الحمل على الصحة من هذه الجهة وترتيب اثارها ، بحيث لو ادعى عدم قصد المعنى بقوله بعت او انه تكلم لغواً او للتعلم ونحو ذلك لم يسمع منه ( الثانى ) من جهة ان المتكلم اراد من اللفظ معناه الحقيقي حتى يترتب عليه الاثر او اراد منه المعنى المجازي في مقام الاستعمال بلا ذكر القرينة ( وفي جريان ) اصالة الصحة في هذه الصورة اشكال ينشأ من عدم تصور الفساد في استعماله ذلك . لعدم كون استعمال اللفظة في المعنى المجازى في نفسه بلا ذكر القرينة استعمالا فاسدا ، مع وضوح اختصاص هذا الاصل بما اذا كان مجريه مما له فرد صحيح وفرد فاس_______د ( وكذا الكلام ) فيما لو شك في كون المتكلم معتقدا لمؤدي قوله من الاخبار او الانشاء ( نعم ) في فرض تصور الصحة والفساد في انشائه او اخباره ، لا اشكال في الحمل على الصحيح ( ولكن ) ذلك مع قطع النظر عن اصالة الحقيقة واصالة الظهور ونحوها من الاصول اللفظية المرادية ( والا ) فلا مجال لاصالة الصحة في الكلام

ص: 102

الصادر من المتكلم مع وجود هذه الاصول كما هو ظاهر ( الرابع ) من جهة كون اخباره مطابقاً للواقع في نفس الامر، وهذا معنى حجية خبر المسلم ( ولا ينبغى ) الاشكال في عدم جريان قاعدة الحمل على الصحيح في هذه الصورة ( وذلك ) لا من جهة الاجتماع على عدم قبول كل خبر صدر من مسلم ( بل من جهة ) عدم دخل حيث المطابقه واللامطابقة للواقع في صحة اخبار المسلم ( لان ) هذه الحيثية من الامور الاتفاقية غير الملازمة لخبرية الخبر ( مضافاً ) الى انه لا اثر لحيث مطابقة الخبر للواقع ونفس الاثر ، كى عند الشك في المطابقة وعدمها تجرى فيه اصالة الصحة ( لوضوح ) ان الامر وهو الحجية او المعذرية انما هو من لوازم احراز الواقع بخبره ، لا من لوازم صدق الخبر ومطابقته للواقع في نفس الامر ( ولذا لو اخبر ) بوجوب شيء واحرز كونه مطابقاً للواقع يترتب عليه الحجية ووجوب العمل على طبقه ، وان كان ما اخبر بوجوبه مباحا في الواقع ( و بالعكس ) لو اخبر بعدم وجوب ما كان واجبا في نفس الأمر ، يترتب عليه مع الاحراز المزبور المعذرية ( فاذا كان) عنوان المطابقة واللا مطابقة للواقع اجنبياً عن موضوع الاثر ، وعن حيث دخله في اتصاف الخبر بالصحة والفساد ، فلا تجري فيه هذا الاصل لما عرفت من اختصاصه بما اذا كان مجراه مما له فرد صحيح يترتب عليه الاثر ، وفرد فاصد لا يترتب عليه الاثر ( وحينئذ ) فعدم جريان هذا الاصل من هذه الحيثية انما يكون من جهة عدم المقتضى للحمل على الصحة ، لا انه من جهة عدم وفاء الدليل عليه ، كما يظهر من الشيخ قده .

( واما الصحة في الاعتقادات ) فاجمال الكلام فيها ، هو ان الشك في صحة اعتقاد الغير ( ان كان ) من جهة نشوه عن مدرك صحيح من دون تقصير منه في مقدماته ، او نشوه عن مدرك فاسد لتقصير منه في مقدماته ( فالظاهر ) هو الحمل على الصحيح ، كما في المفتى وغيره ممن يعتبر رأيه واعتقاده بالنسبة الى مقلديه ، فان الحجة بالنسبة الى المقلد انما هو رأي المجتهد واعتقاده في المطلب ، وان حجية قوله بأنه يجب كذا و يحرم كذا انما يكون من جهة كونه كاشفا عما هو الحجة وهو رأيه واعتقاده

ص: 103

( فاذا ) شك في صحة اعتقاده من الجهة المزبورة يحمل على الصحة ( وان كان ) الشك في صحته من جهة المطابقة للواقع ، فلا يحمل على الصحة لما تقدم من عدم

المقتضى للحمل على الصحة من هذه الجهة .

فى القرعة والكلام فى مقدار دلالة دليلها وموارد جريانها

المقام الثانى

في تعارض الاستصحاب مع القرعة ( والكلام ) فيها يقع تارة في مقدار دلالة دليلها وموارد جريانها ( واخرى ) في بيان نسبتها مع الاستصحاب وغيره من الأصول ، كاصالة التخيير ، والاباحة ، والاحتياط ( اما الاول ) فمجمل القول فيه هو ان اخبارها العامة فى بعضها : كل شيء مجهول فيه القرعة ، كما في التهذيب عن محمد بن حكم قال سألت ابا الحسن موسى ( علیه السلام ) عن القرعة في أى شيء : قال ( علیه السلام ) كل شيء مجهول ففيه القرعة فقلت له ان القرعة تخطىء وتصيب : فقال ما حكم الله به فليس بمخطىء ( و في بعضها ) القرعة لكل أمر مشتبة ( وفى ثالث ) انها لكل أمر مشكل ( ولكن ) الظاهر رجوع الاولين الى مفاد واحد، بلحاظ ان المجهول هو المشتبه والمشتبه هو المجهول ( ولازمها ) الاختصاص بالموارد التي يكون للشيء نحو تعين في الواقع ونفس الامر، إلا أنه طره عليه الاشتباه ولم يعلم كونه هذا اوذاك ، فتكون القرعة بالنسبة اليه من قبيل الواسطة في الاثبات ، حيث يتعين بها ما هو المجهول والمشتبه في البين ( بخلاف الثالث ) وهو المشكل ، فانه ظاهر في الاختصاص بالمبهات المحضة التي لا تعين لها في الواقع ونفس الامر ( فتكون ) القرعة بالنسبة اليها من قبيل الواسطة في الثبوت، حيث يستخرج بها ما هو الحق ( كما ) في باب القسمة ، وباب العتق والطلاق فيما لو اعتق أحد عبيده لا على التعيين ، أو طلق احدى زوجاته كذلك بناءاً على صحة هذا الطلاق ( ولا يخفى ) انه على هذا المعنى لا تعارض القرعة شيئاً من الادلة والاصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية ( لا نها ) بنفسها غير

ص: 104

جارية فى مواردها ( فلا يكون ) العمل بأدلة الاصول في مواردها تخصيصاً لدليل القرعة، وان ابيت عما ذكرنا من المعنى للمشكل وقلت انه في العرف عبارة عما يصعب حله وما يتحير المكلف في مقام العمل ، فلا يشمل ايضاً موارد الاصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية ، لانه بجريان تلك الاصول فى مواردها لا صعوبة على المكلف ولا تحير له في مقام الوظيفة الفعلية ( نعم ) انما يتصور ذلك في مثل عنوان المجهول والمشتبه ( حيث ) يقع المجال لتوهم المعارضة بين دليل القرعة ، وادلة الاصول الجارية فى مواردها ( من جهة ) دعوى عموم المشتبه للشبهات الحكمية والموضوعية بالشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالى ( وان كان ) دقيق النظر يقتضي خلافه ( لظهور ) عنوان المجهول والمشتبه في قوله ( علیه السلام ) القرعة لكل امر مجهول او مشتبه في الاختصاص بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالى وعدم عمومها للشبهات الحكمية مطلقا ولا الشبهات الموضوعية البدوية ( بداهة ) ظهور عنوان المشتبه في قوله القرعة لكل امر مشتبه في كونه وصفاً لذات الشيء المعنون من جهة تردده بين الشبئين او الاشياء ( لا وصفا ) لحكمه ولا لعنوانه ، ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ( فالشبهات ) الحكمية مطلقا حتى المقرونة بالعلم الاجمالي خارجة عن مورد جريان القرعة ( لان ) الشبهة فيها انما هي في حكم الشيء لا في ذات الشيء ( كما ) ان الشبهات الموضوعية البدوية ايضا خارجة عن مورد القرعة ( لان ) الشبهة فيها انما تكون في انطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر ونحوها على الموجود الخارجي ( لا فيما انطبق ) عليه عنوان الموضوع فارغاً عن الانطباق في الخارج ، بكونه هذا او ذاك ، كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث ان فيها يكون كل من الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلوماً بالتفصيل ( ولكن ) الشك في ان المنطبق عليه عنوان المحرم أي الامرين ( ومع خروج ) موارد الاصول الجارية في الشبهات الحكمية مطلقا والشبهات الموضوعية البدوية من مورد جريان القرعة ، بالبيان المتقدم، يعمل بتلك الاصول في موارد جريانها ( ولا يحتاج ) الى

ص: 105

ملاحظة النسبة بين القرعة ، وبين تلك الاصول ( إذ لا يلزم ) من العمل بتلك الاصول في موارد جريانها تخصيصاً لدليل القرعة كما هو ظاهر ( نعم ) حيث ان مصب الاستصحاب في القرعة وموارد جريانها يعم الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي بين الشخصين في الحقوق والماليات ، يحتاج الى ملاحظة النسبة بين القرعة ، وبين الاستصحاب وغيره من الاصول كما سنذكره .

( وكيف كان ) فبعد ما عرفت من اختصاص مورد جريان القرعة بموارد العلم الاجمالي في الشبهات الموضوعية نقول : ان الموضوع المشتبه في موارد العلم الاجمالي بين المتبائنين ( اما ) ان يكون متعلقاً لحق الله سبحانه ( واما ) ان يكون متعلقاً لحق الناس ( فان كان ) مما يتعلق به حق الله سبحانه ، فلا مجال لجريان القرعة فيه وذلك لا من جهة قصور القرعة في نفسها عن الجريان فيه ( بل من جهة ) وجود المانع وهو العلم الاجمالي بالتكليف الملزم واقتضائه بحكم المق____ل الجزمي بلزوم الفراغ ( فان ) الوظيفة حينئذ هو الاحتياط في جميع المحتملات مع الامكان ( الا اذا كان ) هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالى ، أو بدلية بعض الاطراف على التعيين عن المعلوم بالاجمال ، فلا يجب معه مراعات الاحتياط في بقية المحتملات ( ومن المعلوم ) ان القرعة في نفسها غير صالحة للانحلال ، ولا لاثبات البدلية عن المعلوم بالاجمال ( اما الاول ) فمن جهة تأخرها عن العلم الاجمالي ( اذ لا تزيد ) القرعة عن العلم التفصيلي المتأخر بثبوت التكليف في بعض الاطراف على التعيين ( فكما ) ان العلم التفصيلي المتأخر لا يوجب الانحلال ( كذلك القرعة ) في المقام ( ولقد ) اشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الثالث من الكتاب في مبحث انحلال العلم الاجمالي فراجع ( واما الثانى ) وهو عدم كونها مثبتة لجعل البدل ولو على القول با ماريتها ( فلان ) غاية ما يقتضيه دليلها هو التعبد بكون مؤديها هو الواقع ، واما اثبات عدم كون المعلوم بالاجمال في المحتمل الآخر ، فلا الا على فرض اقتضاء دليلها لتتميم كشفها بجميع مالها من المدلول مطابقة والتزاماً من المدلول مطابقة والتزاماً ، وهو ممنوع جذاً ( ولكن ) الانصاف انه يكتفى في جعل البدل مجرد قيام امارة أو أصل على تعيين المعلوم بالاجمال

ص: 106

في طرف معين ( وهذا ) مما يتحقق بقيام القرعة عليه ، حيث يتعين بها المعلوم بالاجمال فيرتفع اثر العلم الاجمالي ( فالعمدة ) حينئذ في المنع عن جريان القرعة هو الاجماع وعدم القول بجواز تعيين الحكم الشرعى او موضوعه بالقرعة ، الا في بعض الموارد الخاصة التي ورد النص فيها بالخصوص ، كما في اشتباه الموطوء بغيره في قطيع الغنم .

( وان كان ) مما يتعلق به حق الناس ، كما في الحقوق والاموال ( فان امكن ) فيه الاحتياط التام ( فلا مجرى ) ايضاً للقرعة ، لما ذكرنا من العلم الاجمالى ( وكذلك ) الامر في فرض امكان الاحتياط ولو بالتبعيض ، كما في صورة العلم الاجمالى بكون أحد المالين ملكاً للغير ( فان مقتضى ) العلم الاجمالى وان كان وجوب الاحتياط باعطاء كلا المالين اليه ( ولكن ) بعد ان يكون ذلك ضرراً على الدافع منفياً بقاعدة نفى الضرر ، ويحرم على الغير ايضا اخذها لعامه بكون أحد المالين ملكا للغير يسقط العلم المزبور عن التأثير بالنسبة الى الموافقة القطعية ويبقى تأثيره بالنسبة الى المخالفة القطعية ، فيجب عليه التبعيض في الاحتياط باعطاء احد المالين الى الغير ولو بدسه فى امواله كي يلائم مع حرمة اخذه على الغير بمقتضى الحكم الظاهري في حقه فتأمل ( وان لم يمكن ) الاحتياط ولو تبعيضاً كالولد المردد بين كونه من حر أوعبد او مشرك فيما لو ادعى كل واحد منهم الولد ، و كالمال المردد بين الشخصين ( ففيه ) تجري القرعة ، والظاهر انهم عملوا أيضاً بالقرعة فيما كان من هذا القبيل مما يتعلق بالحقوق والاموال ( وان كانت ) الوظيفة قد تقتضى العمل بمناط النص الوارد في باب الدرهم الودعى من قاعدة العدل والانصاف من التنصيف او التثليث والتربيع اختلاف الموارد والدعاوى ، هذا ( ولكن ) الانصاف ان تشخيص موارد القرعة عن موارد جريان الاحتياط والتخيير وقاعدة العدل والانصاف في غاية الاشكال ( ولنعم ) ما قيل من انه لا يجوز العمل بالقرعة الا في مورد عمل الاصحاب بها .

في بيان نسبة القرعة مع الاستصحاب

( و اما نسبتها ) مع الاستصحاب ( فقد يقال ) انه لا مورد لنا تجري فيه القرعة والاستصحاب حتى يحتاج الى ملاحظة النسبة بينها ( لان ) المورد الذى تجري فيه القرعة لا تجري فيه الاستصحاب ( لان ) التعبد بالقرعة انما يكون في

ص: 107

موارد اشتباء موضوع التكليف و تردده بين الامور المتبائنة ( وفي تلك ) الموارد لا تجري الاستصحاب لسقوطه عن الجريان من جهة العلم الاجمالى ( ولكن ) فيه ان التعبد بالقرعة وان كان مخصوصاً بموارد العلم الاجمالي في الشبهات الموضوعية ( الا ) ان غالب موارد جريانها انما يكون في موارد العلم الاجمالى بين الشخصين في باب الحقوق والاموال ، وحيث ان في تلك الموارد تجرى الاستصحاب ( فلا محالة ) يبقى المجال لملاحظة النسبة بينها وبين الاستصحاب ومعارضتها معه ( وعليه ) نقول ان النسبة بينها و بين الاستصحاب وان كانت على نحو العموم من وجه ( الا ) انه لا بد من تقديمها عليه ، نظرا الى قلة موردها وكثرة موارده ( فانه ) لو ق_____دم الاستصحاب عليها يلزم محذور اللغوية في جعلها ( لانه ) قل مورد تجري فيه القرعة ، ولا تجري فيه الاستصحاب ( بخلاف ) ما لو قدم القرعة على الاستصحاب ( فانه ) يبقى للاستصحاب موارد كثيرة لا تحصى لا تجري فيها القرعة .

فى نسبة الاستصحاب مع سائر الاصول العمليه

المقام الثالث

في نسبة الاستصحاب مع سائر الاصول العملية سائر الاصول العملية من البرائة والتخيير والاحتياط عقليها ونقليها ( فنقول ) : اما الاصول العقلية ( فلا شبهة ) في عدم معارضتها مع الاستصحاب لكونه وارداً عليها ( فان ) حكم العقل بالبرائة ، وكذا الاشتغال انما يكون في ظرف عدم وجود البيان على التكليف وجوداً وعدما وعدم وجود المؤمن من العقوبة المحتملة من قبل الشارع ، والاستصحاب بیان شرعی على وجود التكليف أو عدمه، فيرتفع موضوع حكمه وجداناً ( كما ) انه مؤمن شرعي من العقوبة ، فيرتفع العقوبة ، فيرتفع حكمه بوجوب الاحتياط ( واما الاصول ) النقلية ، كحديث الرفع ودليل الحلية ونحوهما مما مفاده الترخيص في الارتكاب ، او مف__اده وجوب الاحتياط ( فلا اشكال ) ايضا في تقديم الاستصحاب عليها ( نعم ) انما الكلام في وجه تقديمه عليها ، من كونه للورود ، او الحكومة ، او التخصيص ( حيث ) ان فيه وجوه واقوال ( منشئها ) الخلاف المتقدم في مفاد

ص: 108

دليل الاستصحاب من ان قوله ( علیه السلام ) لا تنقض اليقين بالشك ناظر الى اثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك ، او الى المتيقن باثبات كونه هو الواقع ولو بتوسيط اليقين بجعله في القضية مرأتا اليه ( فعلى الاول ) كما اخترناه سابقاً ، يتعين الوجه في تقديمه عليها بكونه بمناط الحكومة دون غيرها ( لانه ) بتكفله لاثبات اليقين بالواقع مثبت لما هو الغاية المأخوذة في حديث الرفع والحجب ودليلى الطهارة والحلية ، وهو المسلم والمعرفة فيكون بهذا الاعتبار حاكماً على الاصول المغياة بالعلم والمعرفة ( وهكذا ) بالنسبة الى قوله ( علیه السلام ) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ، حيث يكون الاستصحاب بدلیل اعتباره حاكما عليه ورافعا لموضوعه تعبدا ، بناء على كون المراد من الورود فيه هو وصول النهى والعلم به ، لا صرف ورود النهي الواقعى حتى يكون اجنبيا عن ادلة البرائة ( واما على الثانى ) وهو رجوع النقض فيه الى المتيقن ( فلا مجال ) لحكومة الاستصحاب عليها ( بل لا بد ) وان يكون تقديمه على تلك الاصول بمناط الورود ، او التخصيص ( فعلى القول ) بان الغاية فيها عبارة عن العلم بمطلق الحكم اعم من الواقع والظاهر يكون الاستصحاب واردا عليها لا محالة ( اذ باستصحاب ) الوجوب او الحرمة يحصل العلم الوجداني بالحكم الظاهري فير تقع موضوع تلك الاصول ( واما على القول ) بان الغاية فيها عبارة عن العلم بخصوص الحكم الواقعي ( فلا محيص ) من ان يكون تقديمه عليها بمناط التخصيص دون الورود ودون الحكومة ( لعدم ) حصول العلم بالحكم الواقعي من قبل الاستصحاب لا وجداناً ولا تعبداً ( لان ) غاية ما يقتضيه دليل الاستصحاب حينئذ انما هو العلم الحقيقي بالحكم الظاهري ، وهذا العلم لم يجعل غاية للحكم الظاهري في هذه الاصول ( ولازمه ) وقوع التعارض بين الاستصحاب ، وبين تلك الاصول ( اذ مفاد ) الاستصحاب هو التعبد ببقاء المتيقن من الوجوب او الحرمة في ظرف الشك بالواقع، ومفاد تلك الادلة هو التعبد بحلية المشكوك فيه ونفى الالزام عليه ( ومعه ) لا محيص في تقديم الاستصحاب عليها من كونه بمناط التخصيص دون الحكومة ( ولا يفيد) في اثبات حكومة الاستصحاب عليها مجرد كونه من الاصول التنزيلية المحرزة

ص: 109

للواقع ما لم يكن بلسان اثبات العلم بالواقع بلحاظ الآثار المترتبة عليه نفسه وآثار متعلقه ( والا ) لاقتضى جريان ذلك في غيره من الاصول التنزيلية ايضا ، كقاعدة الطهارة ( فانها ) ايضا من الاصول التنزيلية المحرزة للواقع ، بشهادة صحة الوضوء والغسل بالماء المشكوك طهارته ونجاسته ( والا ) فلو لم تكن القاعدة ناظرة ولو تنزيلا الى اثباث الطهاره الواقعية ( يلزم ) احد المحذورين ( لان ) المستفاد من ادلة شرطية طهارة ماء الوضوه ( اما ان يكون ) شرطية الطهارة الواقعية ( او الاعم ) من الواقعية والظاهرية ( فعلى الاول ) يلزم عدم جواز الوضوء بالماء المزبور ، لعدم احراز الطهارة الواقعية بقاعدة الطهارة ( وعلى الثانى ) يلزم الحكم بعدم اعادة الوضوء مع تبين الخلاف وكشف نجاسة الماء بعد الوضوء ، لكونه واجداً حين وجوده لما هو شرط صحته واقعاً وهو مطلق طهارة الماء ولو ظاهرية ( مع انه ) لا يلتزم بها احد ( فلا محيص ) حينئذ من الالتزام بان قاعدة الطهارة من الاصول التنزيلية الناظرة الى اثبات الطهارة الواقعية ، حتى يمكن الجمع بين صحة الوضوء بالماء الجارى فيه القاعدة ، وبين الحكم باعادة الوضوء مع انكشاف نجاسته واقعاً بعد الوضوء ومعه يشكل تقديم الاستصحاب على القاعدة بمناط الحكومة بصرف كون الاستصحاب من الاصول التنزيلية الناظرة الى الواقع ، كما هو ظاهر .

( تنبيه ) قد يقع الاشكال في بعض اخبار اصالة البرائة في الشبهة الموضوعية ذكره الشيخ قده ، وهو قوله ( علیه السلام ) في الموثقة كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ( وذلك ) مثل الثوب عليك ولعله سرقة ، والمملوك عندك ولعله قد باع نفسه او قهر فبيع ، او امرأة تحتك وهى اختك او رضيعتك ، والاشياء كلها على هذا حتى تستبين لك غيره او تقوم به البينة ( فانه ) قد استدل بها جماعة كالعلامة في التذكرة وغيره على اصالة الاباحة ، لمكان تطبيق قاعدة الحلية في الموثقة على الامثلة المذكورة ( وجه الاشكال ) ان اصالة الاباحة في الثوب والعبد ان لوحظت باعتبار اليد عليها فالحلية مستندة اليها لا الى اصالة الاباحة وان لوحظت مع قطع النظر عن اليد فهى معارضة باستصحاب حرمة التصرف في الاشياء المذكورة ،

ص: 110

كاصالة عدم التملك في الثوب والعبد لاصالة الحرية فى كل انسان مشكوك الحرية والرقية ، واصالة عدم تأثير العقد في الامرئة ( ولو اريد ) من الحلية في الرواية ما يترتب على اصالة الصحة في شراء الثوب والمملوك ، واصالة عدم تحقق النسب والرضاع في المرأة ، كان خروجاً عن الاباحة الثابتة باصالة الاباحة ، كما هو ظاهر الرواية ( ويمكن ) دفع هذا الاشكال بما ذكرناه في مسئلة اصالة البرائة ( وحاصله ) حمل الرواية على كونها اخباراً منه ( علیه السلام ) عن ثبوت الحلية للامثلة المذكورة لامور منها اليد ، ومنها القاعدة ، ومنها غيرهما ( لا انشاأ ) منه ( علیه السلام ) للحلية بحيث تكون الامثلة من تطبيق قاعدة الحلية عليها حتى يتوجه الاشكال المزبور ( ويمكن ) دفع الاشكال بوجه آخر ( وحاصله ) جعل الامثلة في الرواية تنظيرا منه ( علیه السلام ) للمقام ، لا تفر بعاً على ما افاده من الكبرى ( فكان ) الامام ( علیه السلام ) بعد اثبات الحلية الظاهرية للاشياء بقوله كل شيء الخ صار بصدد التنظير للمقام بالامثلة المذكورة لتقريب ذهن السائل ودفع استيحاشه ، بان الحلية كما هي ثابتة في الامثلة المذكورة لامور خاصة من نحو اليد وغيرها ( كذلك ) هي ثابتة للاشياء المشكوكة حليتها بقاعدة الحلية المستفادة من قوله ( علیه السلام ) كل شيء لك حلال ( وعلى ذلك ) يكون قوله ( علیه السلام ) كل شيء الخ باقيا على ظاهره في كونه في مقام اثبات الحلية للاشياء ، لا في مقام الاخبار عن ثبوتها لها لامور خاصة كما هو مقتضى الوجه الاول .

في تعارض الاستصحابين

المقام الرابع فى تعارض الاستصحابين

( وتفصيل الكلام ) فيه هو ان في تعارض الاستصحا بين لا يخلو ( اما ان يكون ) الشك في بقاء احد المستصحبين مسبباً عن الشك في بقاء الآخر ( واما ان يكون ) الشك في كل منها مسبباً عن امر ثالث ، وهو العلم الاجمالي الموجود في البين ، ولا ثالث لا ( لان ) كون الشك في كل منها مسبباً عن الشك في الآخر غير معقول ( والتمثيل ) له بالعامين من وجه فاسد ( لان ) الشك في اصالة العموم في كل منها انما يكون مسبباً عن العلم بعدم ارادة العموم في احدهما ( وكيف كان ) فعل الاول اما

ص: 111

ان يكون ترتب المسبب على السبب شرعياً ، واما ان يكون عقلياً ( واما على الثاني ) فله اقسام عديدة ( فان ) الاصلين ، اما ان يكونا نافيين للتكليف المعلوم في البين اما مطابقة أو التزاماً بحيث يلزم من العمل بها طرح تكليف ملزم ( واما ) ان يكونا مثبتين للتكليف بحيث لا يلزم من العمل بها إلا المخالفة الالتزامية ، كما في الم_ الاجمالى بطهارة أحد الا تائين مع كون الحالة السابقة فيها النجاسة ( واما ) ان يكونا مختلفين ، كما في العلم بوجوب أحد الامرين مع كون الحالة السابقة في أحدهما الوجوب ، وفي الآخر الاباحة أو الاستحباب ( وعلى الاخير ) فاما ان يحتمل مطابقة كلا الاستصحابين للواقع ، كما في المثال المزبور ( وأما ) لا يحتمل ذلك ، لما يلزمها التفكيك بين المتلازمين واقعاً ( وعلى الاخير ) اما ان يقوم دليل خارجي على عدم امكان الجمع بين المستصحبين لعدم التفكيك بين المتلازمين ولو ظاهراً ، كما في الماء النجس المشمم كراً بماء طاهر ، حيث قام الاجماع على اتحاد حكم المائين المجتمعين الممتزجين وعدم امكان بقاء الطاهر على طهارته والنجس على نجاسته ( واما ) ان لا يقوم دليل خارجي على عدم ا الجمع بينها ، كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول ( فهذه » اقسام عديدة لتعارض الاستصحابين ( وبعد ) ذلك نقول .

البحث الاول في بيان تقديم الاصل السببي على المسببى

( اما القسم الاول ) وهو ما يكون الشك في بقاء احد المستصحبين مسبباً عن الشك في الآخر ( فان كان ) التسبب عقلياً ، كما في الشك في بقاء الكلى لاجل الشك في كون الحادث هو الفرد الباقي ، يجري الاستصحاب في كل من السبب والمسبب بعد تمامية اركانه فيها ولا يقدم احد الاستصحابين على الآخر ( واما ان كان ) التسبب فيها شرعياً بأن يكون أحد طرفي الشك في أحدهما من الآثار الشرعية لاحد طرفي الشك في الآخر ، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء علم طهارته سابقاً مع كونه في حال التطهير به مشكوك الطهارة والنجاسة ( حيث ) ان الشك في بقاء نجاسة الثوب المغسول به وارتفاعها مسبب شرعاً عن الشك في بقاء طهارة الماء وارتفاعها ( لان ) طهارته من الآثار الشرعية لطهارة الماء ( ولا ينبغى )

ص: 112

الأشكال في تقديم الاستصحاب في السبب على الاستصحاب في المسبب والحكم لاجله بطهارة الثوب ، من غير ملاخطة معارضته بالاستصحاب في المسبب ( بل الظاهر ) ان المسئلة اتفاقية ، فلا يصفى حينئذ بما يظهر من بعض من القاء المعارضة بينها ( بل ما ذكرناه ) يجري في كل أصل سببي وان لم يكن له حالة سابقة ( ومن هنا ) لا اشكال في الحكم بطهارة الثوب النجس المغسول بالماء الجاري فيه قاعدة الطهارة ، من غير ملاحظة المعارضة بين القاعدة الجارية في السبب والاستصحاب في المسبب ( فلا اشكال ) حينئذ في تقديم الاصل السبي على الاصل المسببي ( وانما الكلام ) في وجه تقديمه عليه في كونه للورود ، او الحكومة او التخصيص بعد الفراغ

، عن كون كل من السبب والمسبب موردا للاستصحاب ومشمولا لعموم مادل على عدم نقض اليقين بالشك .

( فنقول ) : الذي يظهر من المحقق الخراساني قده ، هو الأول ، حيث افاد في تفريب الورود بما حاصله ان الاستصحاب الجاري في السبب في المثال والحكم بطهار ته موجب لليقين بطهارة الثوب المغسول به لكونه من آثاره ، فيوجب خروج المسبب حقيقة من افراد عموم حرمة نقض اليقين بالشك ( اذ ) يكون رفع اليد عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقضاً لليقين باليقين ، لا من نقض اليقين بالشك ( بخلاف ) الاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب ، فانه موجب لتخصيص دليل الاستصحاب في طرف السبب وجواز نقض اليقين يه بالشك بعدم ترتيب اثره الشرعي بلا وجه يقتضيه ( لكن ) فيه ما لا يحفى ( فان ) ما افاده من تقريب الورود مبني على شمول اليقين الناقض في لا تنقض اليقين لليقين بالحكم باى عنوان حتى بعنوان عدم نقض اليقين بالشك ( والا ) فعلى فرض انصرافه الى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك وهو اليقين بحكم الشيء بعنوانه الاولى ، فلا يكاد مجال لهذا الورود ( لوضوح ) ان مفاد الاستصحاب حينئذ وان كان حرمة نقض المتيقن بلحاظ اثره ، الا انه لا يكاد يتحقق من قبل استصحاب طهارة الماء الا العلم بطهارة الثوب المغسول به بعنوان كونه نقض يقين بالشك ، بلحاظ ان عدم الحكم بطهارة

ص: 113

الثوب نقض يقين بطهارة الماء بالشك به ( فاذا ) لم يكن اليقين بطهارة الثوب بهذا العنوان مشمولا لليقين الناقض فى اخبار الباب ، فلا محالة يكون الشك في بقاء نجاسته الواقعية على حاله ، من غير ان يرفعه الاستصحاب السببي لا حقيقة ولا تنزيلا، ومع بقاء الشك بحاله يجري فيه استصحاب النجاسة ( اذ يكون ) رفع اليد عن اليقين بنجاسته الواقعية من نقض اليقين بالشك ( نعم ) انما يتجه دعوى الورود لو قلنا ان المأخوذ في كبرى طهارة الثوب واقعا غسله بكل ماء محكوم بالطهارة ولو بعنوان ثانوي ظاهري ( او قلنا ) ان مفاد التعبد في استصحاب طهارة الماء هو جعل الطهارة الحقيقية في ظرف الشك ، لا مجرد البناء العملى على طهارته بلحاظ اثره ( ولكن ) يلزمها الحكم في الثوب بالطهارة الواقعية حتى مع انكشاف كون الماء نجساً واقعاً لا نفساله بالماء الطاهرة حين الغسل ( وهو كما ترى ) مما لا يمكن الالتزام به ( فان ) ما يمكن الالتزام به في فرض نجاسة الماء واقعا انما هو الطهارة الظاهرية ، كالطهارة الظاهرية لاصل الماء المغسول به الثوب النجس ( وعليه ( كيف يمكن تقديم الاصل السببي على الاصل المسببي بمناط الورود .

( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ظهر عدم تمامية تقريب الحكومة ايضا بناء على توجيه التنزيل في لا تنقض الي المتيقن ، لا الى اليقين ( خصوصا ) في قاعدة الطهارة الجارية في الماء المشكوك الذي غسل به الثوب النجس ( لوضوح ) ان غاية ما تقتضيه القاعدة انما هو التعبد بالبناء على طهارة الماء واقعاً وباثره الذي هو طهارة الثوب ، بلا نظر فيه الى الغاء الشك في بقاء النجاسة السابقة في الثوب ، ولا الى اثبات اليقين الناقض بها ، ولو على المختار بكونها من الاصول التنزيلية الناظرة الى الواقع ، فضلا عن القول بعدم كونها من الاصول التنزيلية ( نعم ) لازم التعبد المزبور هو اليقين بطهارته بعنوان ثانوى ( ولكن ) مثل هذا اليقين لا يكون ناقضاً ولا بمنزلته ( الا ) بدعوى عموم اليقين بحكم الشيء ولو بعنوان ثانوى ظاهري ( وهذا المعنى ) مع كونه مستلزما للقول بالورود ، كما اختاره العلامة الخراساني قده ، لا الحكومة، خلاف التحقيق ( فان ) المنصرف من اليقين الناقض في

ص: 114

قوله ( علیه السلام ) ولكن انقضه بيقين آخر هو خصوص اليقين المتعلق بما تعلق به الشك ، ولا ريب في انه لا يكون الا اليقين بالحكم الواقعي الثابت للشيء بعنوانه الاولى ( ومعه ) فلا ورود للقاعدة ولا حكومة ، لبقاء الشك في بقاء النجاسة الواقعية المتيقنة فى الثوب على حاله وعدم ارتفاعه لا حقيقة ولا تبعدا وتنزيلا ( وهكذا الكلام ) في الاستصحابين ( فانه ) على هذا المسلك يكون كل من الاصل السببي والمسببي مثبتاً للتعبد ، بالحكم طهارة ونجاسة في ظرف الشك ، من دون ان يكون لأحدهما النظر الى نفي موضوع الآخر من الشك في الطهارة والنجاسة ، ولا الى اثبات ما هو اليقين الناقض ( وتوهم ) ان تقدم الاصل السببي على الاصل المسببي من جهة سبق رتبة شكه على شكه يقتضي جريانه في المرتبه السابقة بلا معارض ، وبجريانه فيه في المرتبة السابقة واقتضائه طهارة الثوب، لا يبقى المجال لجريانه في الثوب في المرتبة المتأخرة ( مدفوع ) اولا بان مجرد تقدم رتبة المشكوك لا يقتضى تقدم رتبة شكه مطلقا ، كما بينا نظيره في العلم الاجمالي في مسئلة الملاقي والملاقي ( وثانياً ) ان التعبد بالاثر فى استصحاب طهارة الماء انما يكون في طول التعبد بطهارة الماء ( ولازمه ) كونه في عرض التعبد بنجاسة الثوب بمقتضى استصحابها فيقع بينها التعارض لتحقق موضوعها الذي هو الشك في مرتبة واحدة ( وعليه ) فما افاده بعض الاعاظم قده من تقريب الحكومة للاصل السببي تبعاً للشيخ الأعظم قدس سره ، مع التزامه بتوجيه التنزيل في لا تنقض الى المتيقن بلحاظ البناء العملى على كونه هو الواقع ، لا الى نفس اليقين ( منظور فيه ) لما عرفت من بقاء الشك الوجداني الذي هو موضوع استصحاب نجاسة الثوب على حاله وعدم ارتفاعه باستصحاب طهارة الماء على هذا المبنى لا حقيقة ولا تعبداً وتزيلا ( واما ) ما افاده من برهان التخصيص والتخصص بالنسبة الى نجاسة الثوب وطهارتها ( فقد ) عرفت اندفاعه ، حيث انه مبني على اقتضاء الاستصحاب الجارى في السبب لرفع الشك المأخوذ في استصحاب المسبب ، اما حقيقة او تعبداً وتنزيلا ( والا ) فعلى فرض عدم اقتضائه لرفعه ولو تعبداً وتنزيلا يكون تقديم كل منهما على الآخر من هذه الجهة من باب التخصيص محضا

ص: 115

( نعم ) على المختار من توجيه التنزيل في باب الاستصحاب الى نفس اليقين ولو من حيث طريقيته ( يمكن ) تقريب الحكومة للاصل السبي ( ببيان ) ان شأن الاستصحاب حينئذ بعد ان كان هو التعبد بالعلم بالواقع بلحاظ المعاملة ، يتعدي منه الى التعبد بالعلم باثره واثر اثره ، الملازمة التعبد بالعلم بموضوعية شيء للتعبد بالعلم باثره بالملازمة العرفية ، حتى في الموارد التي يكون الاثر المزبور خارجاً عن ابتلاء المكلف ، وكان الاثر المبتلى به هو اثر الاثر ( فلا محالة ) يكون مثل هذا بمنزلة اليقين الناقض في طرف استصحاب المسبب ، فيكون رفع اليد عن النجاسة المتيقنة سابقاً في الثوب ببركة استصحاب طهارة الماء من نقض اليقين بما هو بمنزلة اليقين ( وهذا ) بخلافه على مبنى توجيه التنزيل الى المتيقن ، فانه لا يتحقق اليقين الناقض من استصحاب طهارة الماء لا وجدا ناولا تعبداً وتنزيلا ( ولكن الانصاف) عدم تمامية الحكومة على هذا المبني ايضا ( لما فيه ) اولا منع اقتضاء التعبد بالعلم بالموضوع التعبد بالعلم بائره ( بل نقول ) ان مرجع التعبد ببقاء اليقين السابق في باب الاستصحاب ، انما هو الى الامر بمعاملة عمل اليقين بالواقع في ظرف الشك بالبناء العملى على وجوده في ظرف الشك من حيث ترتيب الآثار المترتبة عليه التي منها في استصحاب طهارة الماء المعاملة مع الثوب النجس المغسول به معاملة المغسول بالماء المعلوم طهارته ، بلا تكفله لاثبات العلم التعبدى بطهارته الواقعية ليتحقق به اليقين الناقض ( وثانيا ) على فرض تسليم ذلك نقول : ان التعبد في استصحاب نجاسة الثوب ايضا مثبتة لليقين ببقاء نجاسته الناظر الى نفي الشك عن طهارته ( ومعه ) يتوجه الاشكال با نه مع اقتضاء كل من الاستصحابين لاثبات العلم ، لم لا يجري اولا استصحاب نجاسة الثوب الناظر الى نفي الشك عن طهارته كى لا يبقى مجال النظر لعموم لا تنقض في استصحاب طهارة الماء الى هذا الاثر ( واما ) توهم تقدم الاستصحاب الجاري في الماء طبعاً على هذا الاستصحاب ( فقد عرفت ) الاشكال فيه ، بان التعبد بالاثر

انما يكون في طول التعبد بالموضوع ، فيكون في عرض التعبد بالنجاسة .

( وحينئذ فالتحقيق ) في تقريب حكومة الاصل السببي على الاصل المسببي

ص: 116

( ان يقال ) ان قوام الحكومة انما هو بكون احد الدليلين او الاصلين بمدلوله ناظراً الى مفاد الآخر ومدلوله ( وهذا ) كما يتحقق برجوع مفاده الى التصرف في عقد وضع الآخر بتوسعة او تضييق فيه بادخال ما يكون خارج عنه او اخراج ما يكون داخلا فيه بنحو من التصرف ( كذلك ) يتحقق بالتصرف في عقد حمل الآخر ، كادلة - نفى الحرج والضرر بالنسبة الى الاحكام الأولية ، حيث ان حكومتها على ادلة الاحكام الاولية انما كانت بالتصرف في عقد حملها ببيان ، ما هو المراد منها ( وبعد ) ذلك نقول ان حكومة الاصل السببي في المقام من قبيل الاخير ( حيث ) ان الاصل السببي بتكفله لاثبات الطهارة للماء المشكوك طهارته ناظر الى اثبات آثار طهارته ، وبذلك يكون ناظراً الى مؤدى الاصل المسببي من نفى ترتيب آثار طهارة الماء ( ولا نعنى) الحكومة الا ما كان ناظراً الى نفى الآخر اما بدواً ، او بتوسيط نظره الى نفى موضوعه

حق حكومة الاصل السببي على المسببي بنحو التصرف في عقد حمل الآخر

( وعلى ذلك ) نقول : انه يكفي في تقديم الاصل السبي هذا المقدار من النظر ، بلا احتياج في وجه تقديمه الى كونه ناظرا الى نفي الشك عن المسبب في الاستصحاب المسببي ( لا يقال ) انه كما ان نظر الاصل السببي الى نفي السببي الى نفي التعبد بعدم آثار طهارة المأللشكوك طهارته ( كذلك ) الاصل المسببي بالتعبد بنجاسة الثوب ناظر الى نفي التعبد باثر طهارة الماء ( فانه يقال ) كلا فان غاية ما يقتضيه الاصل المسببي من النظر انما هو الى نفى ما نظر اليه الاصل السببي الذي هو نقيض مؤداه ، لا الى اصل نظره ( وبالجملة ) نظر الأصل المسببي اما هو الى نفى التعبد بنقيض مؤداه الذي هو عين المنظور في الاصل السبي ، لا الى نفى اصل نظره الى لوازمه وآثاره التي منها نفى التعبد بعدم ترتيب آثار طهارة الماء المشكوك ، بل بالنسبة اليه يكون من باب تخصيص نظر الاصل السبي الى غير هذا الاثر ( وحينئذ ) فمن طرف الاصل السبي كان نفى الاصل المسببي من جهة نظره اليه ، ومن طرف الاصل المسببي كان نفى نظر الاصل السبي الى اثره من باب التخصيص ، لا باب الحكومة والنظر ( ومن المعلوم ) انه عند الدوران بين الحكومة والتخصيص ،

ص: 117

تكون الحكومة مقدمة على التخصيص ( ومن هنا ) ترى بنائهم على تقديم الحاكم بعد ثبوت اصل نظره ، ولو مع كون المحكوم اقوى دلالة من الحاكم ( هذا كله ) في القسم الاول .

البحث الثانى من تعارض الاستصحابين فى كون الشك فى كلّ من المستصحبين مسبّبا عن امر ثالث

( واما القسم الثاني ) وهو ما يكون الشك في كل من المستصحبين مسبباً عن امر ثالث وهو العلم الاجمالي ، فقد عرفت انه على اقسام ( الاول ) ان يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية للتكليف المعلوم بالاجمال ، كما لو علم بنجاسة احد الطاهرين ( وقد وقع ) الخلاف بين الاعلام في جريان كلا الاستصحابين وعدم جريانها ، او جريان احدهما تخييرا ( ومنشأ ) الخلاف فيه هو الخلاف في العلم الاجمالي من حيث الاقتضاء والعلية بالنسبة الى المخالفة والموافقة القطعيتين ( وتفصيل ) الكلام وان تقدم في الجزء الثالث من الكتاب في مبحث الشك في المكلف به ( ولكن ) لا بأس بالاشارة الاجمالية في المقام الى بيان المسالك في العلم الاجمالي وبيان ما يترتب عليها من اللوازم ( فنقول ) اما على القول بعلية العلم الاجمالي حتى بالنسبة الى الموافقة القطعية كما هو التحقيق ( فلا اشكال ) في سقوط الاصول عن الجريان ولو في بعض اطراف العلم حتى مع خلوه عن المعارض ( لان ) مرجع علية العلم الاجمالى حتى بالنسبة الى الموافقة القطعية ، انما هو الى حكم العقل تنجيزاً بثبوت التكليف في العهدة ولزوم التعرض للامتثال بتحصيل الجزم بالفراغ عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف ( ومقتضى ) ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال من حيث الانطباق، ومساوقة احتمال انطباقه على كل طرف لاحتمال وجود التكليف المنجز في مورده المستتبع لاحتمال العقوبة على ارتكابه ، هو استقلال العقل بلزوم الاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه من الاطراف ، وعدم جواز القناعة بالشك في الفراغ والموافقة الاحتمالية ، لعدم الامن من العقوبة عند مصادفة ما ارتكبه مع الحرام المنجز عليه ، فتجري فيه قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ( ولازمه ) اباء العقل أيضا عن مجيء الترخيص الشرعي على خلاف معلومه ولو في بعض الأطراف ، من جهة كونه من الترخيص في محتمل المعصية الذي هو من

ص: 118

الحكيم في الاستحالة كالترخيص في مقطوعها ( وبذلك ) ظهر ان سقوط الاصول المرخصة النافية للتكليف عن الجريان في اطراف العلم ليس من جهة المعارضة ، ولا من جهة قصور ادلة الترخيص عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي ، كي يفرق بين المخالفة القطعية وموافقتها ، بعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الاولى وانحفاظها في الثانية ( وانما ) هو من جهة اباء العقل عن مجيء الترخيص على خلاف معلومه ولو في بعض الاطراف بلا معارض ، لكونه بنظره من الترخيص في محتمل المعصية الذي هو كالترخيص في مقطوعها ( كما يفرض ) ذلك في العلم الاجمالي بنجاسة أحد المايعين مع كون الحالة السابقة في احدهما الطهارة دون الآخر ( فانه ) بعد تعارض استصحاب الطهارة في طرف مع قاعدة الطهارة في الآخر ، تبقى قاعدة الطهارة في الطرف الجاري فيه استصحابها بلا معارض ( فانه ) على القول بعلية العلم الاجمالي لا تجري فيه القاعدة ايضا ، لمكان مانعية العلم الاجمالي ( هذا ) على المختار من علية العلم الاجمالي حتى بالنسبة الى الموافقة القطعية .

فى كون الشك فى كل من المستصحبين مسببا عن امر ثالث

( واما على القول ) باقتضائه بالنسبة الى الموافقة القطعية المستتبع لتعليقية حكم العقل بوجوب تحصيلها على عدم مجيء ترخيص شرعي على خلافه في بعض المحتملات ( فلا اشكال ) ايضا في عدم جواز اعمال كلا الاصلين المشتملين على الترخيص ، لما يلزمه من الوقوع في محذور المخالفة القطعية العملية للتكليف المعلوم في البين ( وانما الكلام ) في جواز اعمال احد الاصلين ولو على نحو التخيير ( فان ) الذي يظهر من جماعة منهم الشيخ قده وتبعه بعض الاعاظم هو عدم جوازه ، والقول بتساقط الاصول الجارية في اطراف العلم ، بتقريب ان ادلة اعتبار تلك الاصول تقتضي اعمال كل اصل بعينه ، فاذا لم يمكن ذلك فلا بد من التساقط ( لعدم ) الدليل على التخيير في اعمال احد الاصلين المتعارضين ( وبهذه ) الجهة جعل الاصل في تعارض الاصول مطلقا التساقط دون التخيير ( ولكن ) لا يخلو من اشكال ( بل نقول ) انه لا ما مانع على هذا هذا المسلك من الالتزام بالتخيير في اعمال احد الاصلين المتعارضين ، وذلك لا من جهة بقاء احدهما المخير تحت عموم دليل الترخيص ، كي يقال ان احدهما المخير ليس من افراد العام ( بل من جهة ) تقييد ا طلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف بحال

ص: 119

عدم ارتكاب المحتمل الآخر ( لان ) منجزية العلم الاجمالي وعليته لحرمة المخالفة القطعية على هذا المسلك انما يكون مانعاً عن اطلاق الترخيص في كل واحد من طرفى العلم المستتبع لتجويز الجمع بينهما في الارتكاب ، وبالتقييد المذكور يرتفع المحذور المزبور ، ولا نعني من التخيير في اعمال احد الاصلين الا ذلك ( ولا فرق ) في ذلك بين الاصول التنزيلية ، وغيرها ، فانه بما ذكرنا من التقييد يرتفع المعارضة من البين البقاء كل من الطرفين حينئذ تحت عموم دليل الترخيص ، غايته يقيد اطلاق كل منهما بصورة عدم ارتكاب الآخر ، من غير احتياج الى ارتكاب التخصيص با خراج كلا الفردين عن عموم ادلة الترخيص ولو بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح

فى ان العلم الاجمالى مانع عن جريان الاصول المرخصه ولوفى بعض المتحملات حتى مع خلو المعارض اذا كان الاصلان نافيين للتكليف

( ثم ان ذلك كله ) فيما اذا كان الأمر لكل من الاصلين ( واما اذا كان ) الاثر لاحدهما المعين دون الآخر ، كما اذا كان احد المستصحبين خارجا عن ابتلاء المكلف حين العلم الاجمالي بحيث لا يعلم بتوجيه تكليف منجز الى المكلف من قبل العلم الاجمالى فلا شبهة في انه يعمل بالاصل الجاري في الآخر على جميع المسالك بل يكون ذلك خارجا في الحقيقة عن تعارض الاصول ( هذا ) على القول باقتضاء العلم الاجمالى بالنسبة الى الموافقة القطعية مع عليته بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ( واما على القول) باقتضائه حتى بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ( فلا اشكال ) في ان لازمه جواز اعمال كلا الاصلين في طرفي العلم لان مرجع اقتضاء العلم الاجمالي حينئذ الى تعليقية حكم العقل في عدم جواز ارتكاب المشتبهين على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف وبجريان الاصول المرخصة يرتفع حكم العقل ( واولى ) بذلك هو القول بعدم الاقضاء في العلم الاجمالي رأسا ( ولكن ) ذلك كله خلاف التحقيق ، حتى القول بالتفصيل في الاقتضاء والعلية بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية ) فان ( التحقيق هو علية العلم الاجمالي مطلقا حتى بالنسبة الى الموافقة القطية ، ولازمه كما عرفت هو المنع عن جريان الاصول المرخصة ولو في بعض المحتملات حتى مع الخلو عن المعارض ( هذا ) اذا كان الاصلان نافيين للتكليف .

( واما اذا كانا ) مثبتين للتكليف ( كما لو علم ) بطهارة احد الثوبين النجسين

ص: 120

( فالظاهر ) انه لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في الثوبين ( اذلا يلزم ) من جريانها محذور المخالفة العملية ( واما ) المخالفة الالتزامية فهى وان كانت لازمة الا انها غير ضارة ( وتوهم ) منافات التعبد ببقاء الواقع في كل منها بمقتضى الاستصحاب مع العلم الاجمالي بعدم بقاء الواقع في احدهما ، فلا يمكن ثبو تا جعل الاستصحابين في الطرفين والتعبد ببقاء الاحراز السابق فيهما ، مع الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في احدهما ( من غير ) فرق بين ان يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال ، وبين أن لا يلزم ذلك ، كما في المثال ( مدفوع ) بمنع المضادة بين الاحراز التعبدى فى كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي ، وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ( فانه ) مع تغاير متعلق اليقين والشك ووقوف كل منهما على نفس معروضه من العنوان التفصيلي ، لا وجه لدعوى المضادة المزبورة ( فان ) موضوع الابقاء التعبدي فيها لا يكون الا المتيقن أو اليقين السابق بنجاسة كل من الثوبين او الاناثين بعنوانه التفصيلي ، وبالعلم الاجمالي المزبور لم ينقلب اليقين السابق في شيء منها الى اليقين بالخلاف ( لان ) كل واحد منها بعنوانه الخاص مما يشك فيه وجدانا في بقاء نجاسته بعد كونه مسبوقاً باليقين بها

فى ان العلم الاجمالي لا يمنع عن الاستصحاب اذا كان الاصلان مثبتين للتكليف و بيان الدليل عيله

( نعم ) ما هو المنقلب بالعلم الاجمالي إنما هو احد اليقينين او اليقين باحد العنوانين بهذا العنوان الاجمالي ( ولكن ) موضوع التعبد بالبقاء لا يكون هو اليقين باحد العنوانين ولا احد اليقينين حتى ينا في العلم الاجمالي ( وانما ) موضوعه خصوص اليقين بنجاسة هذا الثوب ، واليقين بنجاسة ذاك الثوب الآخر بعنوانه التفصيلي ، ولا يعلم بانتقاض شيء منها حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين ( نعم ) لو قيل بسراية اليقين من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي الى الخارج او الى متعلق الشك ، لكان لدعوى المضادة المزبورة وجه وجيه ( ولكنه ) ممنوع بشهادة اجتماع اليقين ، والشك في كل علم اجمالي بتوسيط العنوان الاجمالي والتفصيلى ( فانه ) لولا وقوف كل من الوصفين على عنوان معروضه للزم اجتماع اليقين والشك في موضوع واحد مع ما كان بينها من المضادة ( وحينئذ ) فاذا لم يكن الاحراز الوجداني القائم بالعنوان الاجمالي منافياً مع

ص: 121

الشك القائم بالعنوان التفصيلي ( فكيف ) يكون منافياً مع ما هو من احكام هذا الشك القائم بالعنوان التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدى ( مع ان ) لازم البيان المزبور ، هو المنع عن جريانها في الموارد التي يلزم من الجمع بين الاستصحابين التفكيك بين المتلازمين ، کاستصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن في المتوضى غفلة بمايع مردد بين الماء والبول ( فانه ) كما ان التعبد ببقاء نجاسة الانائين واقعاً ينا في الاحراز الوجداني بعدم بقاء الحالة السابقة في احدهما ( كذلك ) التعبد ببقاء الحدث وطهارة البدن ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء احدهما ( ومجرد ) مخالفة الاصلين في مفروض النقض في المؤدى ، غير مجد في رفع المضادة بين الاحراز التعبدي ببقاء الامرين ، والعلم بعدم بقاء احدهما تفصيلا ( لان ) العقل كما يرى المضادة بين العلم بطهارة أح___د الأمرين واقعا ، وبين التعبد بنجاستها ( كذلك ) يرى المضادة بين التعبد ببقاء طهارة البدن وبقاء الحدث مع العلم بعدم بقاء أحدهما ( مع ان القائل ) المزبور وفاقا للمشهور ملتزم بالجمع بين الاستصحابين ( فالانصاف ) ان ما افاده قده في وج______ه المنع عن جريان الاستصحابين في طرفي العلم من برهان المضادة بين الاحرازين مما الى محصل

ردّ كلام الشيخ ره فى منع جريان الاستصحاب فى طرفى العلم الاجمالى بمناقضة الصدر والذيل في بعض اخبار الاستصحاب

( ومن التأمل ) فيما ذكرنا يظهر عدم تمامية ما افاده الشيخ قده أيضا لمنع جريان الاستصحاب في طرفي العلم ، من محذور مناقضة الصدر والذيل في بعض أخبار الاستصحاب ، في مثل قوله ( علیه السلام ) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ( بتقريب ) ان حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الأمرين ينا في وجوب نقض اليقين في احدهما بمقتضى الذيل ( فمع ) العلم الاجمالي بارتفاع الحالة السابقة في احد المستصحبين ، لا بد من خروجها عن عموم لا تنقض اذ ( لا يمكن ) ابقاء كل منها تحت عمومه لمحذور المناقضة ، ولا ابقاء احدهما المعين ، لعدم الترجيح ، ولا احدهما المخير ، لعدم كونه من افراد العام ، اذ ليس فرداً ثالثا غير الفردين المشخصين ( اذ فيه ) بعد الغض عن انصراف الذيل الى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك واليقين السابق ، وعدم شموله لليقين المتعلق بالعنوان الاجمالي ( والغض ) عن كون الامر بالنقض باليقين في الذيل ارشاديا لا مولوياً ، كما شرحناه

ص: 122

سابقاً ( يتوجه عليه ) ما اوردناه آنفاً حرف بحرف

الحق شمول ادلة الاصول لاطرف العلم الاجمالى مالم يستلزم جريانها طرح تكليف ملزم في البين

( وكيف كان ) فالتحقيق انه لا قصور في شمول ادلة الاصول لاطراف العلم الاجمالي من هذه الجهات ما لم يستلزم جريانها طرح تكليف ملزم في البين من غير فرق بين الاصول المحرزة كالاستصحاب ، وبين غيرها كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب ونحوها ( وان ما ذكرنا ) من عدم جريان الاصول المرخصة في موارد العلم بالتكليف ، قانما هو من جهة مانعية العلم الاجمالي من حيث منجزيته للتكليف ، لا من حيث ذاته ( ولا من جهة ) قصور ادلتها بنفسها عن الشمول لموارد العلم الاجمالي ، ولا من جهة محذور مناقضة الصدر والذيل في اخبار الاستصحاب ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال فيما اذا كان مؤدى الاستصحا بين مختلفين ( فانه ) مع احتمال مطابقة الاستصحابين للواقع يعمل بالاستصحابين بلا كلام ، كما في العلم الاجمالي بنجاسة احد الثوبين مع كون الحالة السابقة في احدهما النجاسة وفي الآخر الطهارة ، فانه يعمل بكلا الاصلين ولا تأثير للعلم الاجمالي ، بل هذا الفرض خارج عن مسئلة تعارض الاصول كما هو ظاهر ( ومع ) عدم احتمال مطابقتها للواقع لاستلزام جريانها التفكيك بين المتلازمين واقعاً ( فان ) لم يقم دليل على عدم جواز التفكيك بينها ظاهراً ، يعمل بهما ايضا بلا كلام ، كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول ( وان ) قام دليل خارجي على عدم جواز التفكيك بينها ولو ظاهرا ، كالماء النجس المتمم كراً بطاهر ، حيث قام الاجماع على عدم تبعض الماء الواحد في الحكم نجاسة وطهارة فيسقط الاستصحابان فينتهي الامر فيه الى اصالة الطهارة ( هذا ) تمام الكلام في الاستصحاب والحمد لله اولا وآخراً و ظاهراً وباطناً ( وقد وقع ) الفراغ من تسويده في جوارابي الأئمة عليهم الصلاة والسلام على يد العبد الآثم محمد تقي ابن عبد الكريم في الثامن من الشهر الثاني سنة ١٣٥٣ ثلاث وخمسين بعد الالف وثلثمائة من الهجرة النبوية عليه وعلى اخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية .

ص: 123

في التعادل والترجيح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه واشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم ومخالفيهم اجمعين الى يوم الدين .

خانة في التعادل والترجيح

ولما كان موردها الدليلين المتعارضين ( كان الحري ) هو البحث عن عنو ان التعارض وشرح معناه، والتكلم فيه بجمل تعارض الادلة عنواناً للبحث، ومقسم للجمع والعنوانين المذكورين ( وتنقيح ) الكلام يقع في امور ( الامر الاول ) في تعريف التع__ارض ( فنقول ) ان التعارض لغة من العرض بمعنى الاظهار ، ومنه عرض المتاع للبيع . ) واطلق ) في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعها باعتبار المدلول والمنكشف بها من حيث أولهما الى اجتماع الضدين وثبوت النقيضين ( ولذلك ) عرفه الشيخ قده تبعاً للمشهور بتنا فى مدلولى الدليلين على وجه التناقض او التضاد من جهة عرض كل واحد من المتنافيين نفسه في مقام الاراثة عن الواقع واثباته على غيره ( ولا يخفى ) وجه مناسبة اطلاق التعارض في الادلة على هذا التعريف ( نعم ) حيث ان التنافي المزبور قائم حقيقة بنفس المدلولين بلا مساس بالدليل بما هو دليل

ص: 124

الا بنحو من العناية باعتبار ان الحاكى عن المتنافيين ، كانه عين المحكى ، عدل في الكفاية عن تعريف المشهور ، الى تعريفه بتنافيها في مرحلة الدلالة ومقام الاثبات من حيث عرض كل من الدليلين نفسه لدليل الاعتبار في مقام الحجية ( حيث ) انه على هذا التعريف يكون التنافي المزبور حقيقة قأما بنفس الدليلين بلا رعاية عناية ، ويكون اتصافها بالتنافى المزبور من باب وصف الشيء بحال نفسه لا بلحاظ حال متعلقه

في تعريف التعارض

( كما انه ) على هذا التعريف يكون التعارض الذي هو محط عنوان البحث ، عين ما وقع موضوعاً للاخبار العلاجية بناء على انصرافها عن موارد الجمع العرفي ( فانه ) على هذا التعريف يخرج موارد الحكومة والجمع العرفي بين العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والاظهر عن موضوع التعارض ( لان الجمع ) العرفي مانع عن حجية الظاهر في قبال النص والاظهر وعن حجية العام والمطلق في مقابل الخاص والمقيد ، فلا يكون بينها التنافي فى مقام الاثبات والدلالة ومرحلة الحجية ( بخلافه ) على تعريف الشيخ قده ( قانة ) يدخل فيه موارد الجمع العرفي بالحكومة وغيرها ، بلحاظ استقرار الظهور لكل من العام والمطلق في العموم والاطلاق ، وعدم انقلابه بالدليل المنفصل ( لان ) غاية ما يقتضيه دليل الخاص المنفصل من تقديم اقوى الحجتين انما هو رفع حجية ظهورهما في العموم والاطلاق لا رفع تنافيها في مقام الدلالة وهكذا فى موارد الحكومة ( وبذلك ) يكون التعارض الواقع في عنوان البحث مغايراً مع العنوان الواقع في موضوع الاخبار العلاجية ( كما انه ) عليه يكون توصيف الدليلين بالتنافي المزبور من باب وصف الشيء بحال متعلقه ( ولكن ) مع ذلك فالمتجه هو عدم العدول عن تعريف المشهور باخراج موارد الجمع العرفي بالحكومة وغيرها عن موضوع التعارض ( اذ لا وجه ) لاخراج مثل هذه المسئلة المهمة عن مقاصد الباب ، لمحض عدم اعمال المرجحات السندية او التخيير في مواردها ، ليكون التكلم في احكام الجمع وما يتعلق به في هذا البحث لمحض الاستطراد ( وكيف كان ) فالظاهر ان المراد بالتن____ا في في كلماتهم هو مطلق تنافي الدليلين ولو كان لامر خارجي ( كما اذا ) كان مفاد احد الدليلين وجوب الظهر يوم

ص: 125

الجمعة ، ومفاد الآخر وجوب الجمعة ( حيث ) ان الدليلين غير متنافيين بحسب المدلول ابتداء ( ولكن ) بعد العلم بعدم وجوب احدهما على المكلف ( يقع ) بينها التنافي والتكاذب ( لان) كل منها يثبت مؤداه وينفى بلازمه مؤدى الآخر ، فيدخل بذلك في عنوان البحث ( ثم ان ) توسعة التنافي على التعريف الاول بكونه على وجه التناقض والتضاد مبني على عدم تعميم المدلول للمدلول الالتزامي ( والا ) فعلى التعميم لا يحتاج الى اضافة قيد التضاد ، بل يكتفي في التعميم بالاقتصار على التناقض فقط ( لان ) الدليلين الدالين بالمطابقة على المتضادين ، كالوجوب والحرمة (دالان) بالالتزام على المتناقضين ايضا ( كما انه ) على التعريف الثاني لا بد من الغاء قيد التناقض ( بلحاظ ) ان التنافي بين الدليلين في مرحلة الاثبات والحجية دائما يكون على وجه التضاد حتى فيا كانا بحسب المدلول من المتناقضين لكون التنافي بينها بين الوجوديين ( فلا وجه ) حينئذ لتوسعة التنافي بكونه على وجه التناقض ، اذ ذلك انما يناسب مع تنافيها مدلولا لا مع تنافيها في مقام الدلالة والحجية كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فحق التعريف على هذا المسلك هو الاقتصار على قيد التضاد ( كما أنه ) على التعريف السابق هو الاقتصار على قيد التناقض بعد تعميم المدلول للمطابقة والالتزام .

فى خروج التزاحم من تعريف التعارض

( ثم انه ) قد يورد على تعريف المشهور باستلزامه دخول باب التزاحم ايضا في موضوع تعارض الدليلين ، كموارد الامر بالضدين و موارد تصادق متعلق الامر والنهى بناء على الامتناع ( بتقريب ) انه بعد امتناع ثبوت الحكمين الفعليين اما ذاتا ، كموارد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع ، واما عرضا كموارد الامر بالضدين لكونه من التكليف بالمحال مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينها في مقام الاستثال ، يقع التنافي بحكم العقل بين المدلولين من حيث اقتضاء كل منها ثبوت الحكم الفعلى تعييناً في مورده ( ولازمه ) اندراج باب التزاحم على هذا التعريف في موضوع التعارض ( ولكن ) يندفع ذلك بان المقصود من تنافي مدلولى الدليلين على وجه التناقض او التضاد ، انما هو تنافيها في مقام الجعل والتشريع حتى في الملاك والمقتضى ، بحيث يعلم بعدم ثبوت الملاك في احدهما ، لا مجرد تنافيها في

ص: 126

مقام الحكم الفعلى ( ومن الواضح ) حينئذ خروج موارد التزاحم عن موضوع التعارض المصطلح ( لان ) باب التزاحم لا يكون الا في مورد الجزم بوجود الملاكين و الغرضين مع ضيق خناق المولى من تحصيل كلا الفرضين ، واين ذلك وباب التعارض الذي يجزم بعدم ثبوت الملاك والمقتضى لاحد الحكمين ( وبالجملة ) مرجع باب التعارض المصطلح الى تكاذب المدلولين حتى فى مرحلة الملاك والمقتضى ، وهذا لا يكون الا في صورة العلم بكذب احد الدليلين فيما يؤدى اليه من الملاك والمقتضى ( ومن هنا ) نقول ان باب اشتباه الحجة بلا حجة خارج من موضوع التعارض ، كصورة العلم بصدور احد المدلولين تقية ولو مع اليقين بصدور كلا الخبرين عن الامام ( علیه السلام ) ( نعم ) لا يختص باب التعارض بما اذا كان الدليلان مؤديين الى ثبوت النقيضين ( بل يعم ) مطلق فرض العلم بتكاذب الدليلين ولو عرضاً لامر خارجي ، كمثال وج_ ، كنال وجوب الظهر والجمعة ( من غير فرق ) بين اتحاد سنخ الحكم فيها كما في المثال وعدم اتحاده ، كمالو كان مؤدى احد الدليلين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مؤدى الآخر وجوب دية الحر في قتل عبد المدبر مع العلم بعدم تشريع احد الحكمين ( فانه ) يدخل ذلك ايضا في باب التعارض بعين ملاك دخول مثال الظهر والجمعة فيه من حيث امكان تشريع كلا الحكمين ذاتا وامتناعه عرضاً ( لا في باب ) اشتباه الحجة بغيرها كما توهم بصرف عدم اتحاد سنخ الحكم فيهما .

فى ضابط التعارض والفرق بينه وبين التزاحم

( الامر الثاني ) قد ظهر من مطاوى ما ذكرناه الفرق بين باب التعارض وباب التزاحم فان الضابط في باب التزاحم انما هو بوجود الملاك والفرض في كل واحد من الخطابين مع ضيق خناق المولى من تحصيلها (سواء) كان تزاحمها في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية الفعلية لدى المولى ، كموارد تصادق الامر والنهى في مثل الصلاة والغصب على القول بالامتناع ( او كان ) تزاحمها محضاً في عالم الوجود ومرحلة الارادة الفعليه ، كما في المتضادين وجوداً ، ومنه مورد التصادق في باب الاجتماع على القول بالجواز خصوصا مع عدم المندوحة ( كما ان ) الضابط في باب التعارض انما هو بعدم الملاك والمقتضى في احد الخطابين ، ولذا قلنا برجوع التعارض بين الدليلين من حيث المدلول الى

ص: 127

تكاذيبها حتى في مرحلة اصل الاقتضاء ( فكل مورد ) احرز ولو من الخارج عدم وجود الملاك والمقتضى الا لاحد الحكمين ، يكون داخلا في صغرى التعارض الذي ملا که تكاذب الدليلين حتى في اصل الاقتضاء فيجب اجراء احكامه عليه من الترجيح بقوة السند مع عدم امكان الجمع العرفي بينها ( وكل مورد ) احرز فيه وجود الملاكين والغرضين في الخطابين يكون داخلا في صغرى التزاحم الذي يكون الملاك في ترجيح احد الخطابين على الآخر بقوة مناطه لا بقوة سنده سواء كان تزاحمها في مرحلة ايراث الحب والبغض الفعلى لدى المولى ، او في مرحلة الوجود محضا كما في المتضادين وجوداً ( اذ لا وجه ) لتخصيص باب التراجم بالمتضادين وجوداً الا الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين ( والا ) فلا نعنى من باب التزاحم الا صورة الجزم بوجود الملاكين والغرضين في الخطابين مع عدم امكان تحصيلها الذي من احكامه تقديم الاقوى ملاكا وان كان اضعف سندا ، بل ودلالة ، وان كان تمانعها في عالم التأثير من حيث الرجحان لدى المولى ( نعم ) قد يحتاج في بعض موارد التزاحم الى اعمال احكام التعارض ، بلحاظ رجوع الامر الي تكاذب الدليلين من حيث الملاك ، كما اذا احرز او احتمل الاهمية لاحدهما لا على التعيين ، فانه من هذه الجهة يقع بين دليلها التنافي والتكاذب لاقتضاء اطلاق كل واحد منها لكونه هو الاهم الذي يجب صرف القدرة اليه .

( وبما ذكرنا ) انقدح فساد الفرق بين البابين بما افيد من الضابط فيها بكونه في باب التعارض بعدم امكان اجتماع الحكمين في مرحلة الجعل والتشريع ثبوتاً ، لما يلزم من تشريعها اجتماع الضدين او النقيضين في نفس الامر ( وفي باب ) التزاحم بعدم امكان اجتماعهما في مرحلة الامتثال ( وحاصله ) تخصيص باب التزاحم بالمتضادين وجودا ( ببيان ) ان التزاحم انما يكون بين الحكمين في عالم الوجود ومرحلة صرف القدرة على الامتثال بعد الفراغ عن اصل تشريع الحكمين حسب ما اقتضته الملاكات ، كما في المتضادين وجودا ، و موارد اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كونها متغايرين ذاتاً وهوية ( واما التزاحم ) ب_____ين

ص: 128

الملاكين في عالم تشريع الاحكام وجعلها ، فهو خارج من باب التزاحم ومندرج في صغرى التعارض الذي ملاكه تنا في الدليلين باعتبار مدلولها في مقام الجعل والتشريع نظير العامين من وجه ، ومنه مورد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع بناء على كون التركيب بين المتعلقين اتحاديا نظير التركيب من الجنس والفصل بحيث كان احد المتعلقين متحداً مع الآخر بالذات والهوية ( فانه ) يندرج مورد التصادق حينئذ في صغرى التعارض ، ولا يكون من باب التزاحم ( اذ فيه ) ما لا يخفى ( اما اولاً ) فبانه لا وجه لارجاع تزاحم الملاكين في التأثير من حيث الرجحان لدى المولى الى باب التعارض المحكوم بالاخذ بالأقوى دلالة وسندا الاتوهم ان في التزاحم في التأثير من حيث الرجحان الفعلي لدى المولى يكون العقل منعز لا عن تعيين مرامه ويكون زمام امربیانه بيد المولى فيمكن ان يوكل امر بيانه الى ما هو اقوى سندا ، بخلاف التزاحم في عالم الوجود ومرحلة صرف القدرة فى مقام الامتثال ، فانه ليس مما امر تعيينه ييد المولى ، لا نه مبين لاصل مرامه بخطابه ، ففي هذه المرحلة لا بد من ايكال امر التزاحم الى العقل المستقل بالاخذ بما هو اقوى ملاكاً لا سنداً ( وهو ) في غاية الضعف ( اذ نقول ) انه بعد اطلاق الخطابين وظهورها في وجود الملاك والغرض في كل منها وعدم المانع عن تأثير هما الفعلى الا تمانعهما ، كيف يمكن للمولى ترجيح اقوائهما سنداً على اقوالها مناطا مع فرض احراز الأقوائية لدى العقل ( نعم ) انما يمكن ذلك في فرض احتمال وجود مانع آخر في البين عن تأثير ما هو الاقوى مناطاً بنظر العقل ، لانعزال العقل حينئذ عن الحكم ، ولكنه خلاف الفرض من عدم احتمال مانع آخر في البين عن تأثير الاقوى مناطاً ( ولذلك ) ترى بناء المحققين في مثل الفرض على اعمال قواعد التزاحم من الاخذ بالأقوى مناطاً ( مع ان لازم ) هذا القول هو الالتزام بفساد الصلاة عند ايقاعها في مكان مغصوب مع الجهل بالموضوع ، بل ومع الجهل بالحكم ايضا قصور الا تقصيراً ( لان ) من لوازم كونه من باب التعارض بعد ترجيح النهى ، اما لاقوائية دلالته ، واما من جهة رجوعه الى حقوق الآدمي التي هي اولى بالمراعات عند التزاحم مع حق الله سبحانه ، هو تقييد التكليف بالصلاة واقعا بغير

ص: 129

مورد تصادق العنوانين ( ولازمه ) هو خروج المأتي به عن دائرة المطلوبية بمباديها من الملاك والغرض الذي هو مساوق بطلانه ( وهو ) كما ترى خلاف ما بنوا عليه من الحكم بالصحة في الفرض المزبور حتى على القول بالامتناع و تقديم جانب الهى ( وثانياً ) ان ما افيد من الضابط في البابين بتخصيص باب التزاحم بتزاحم الحكمين بعد تشريعها في مقام الامتثال ، انما يتم اذا كانت القدرة كالعلم من شرائط تنجيز التكليف ( والا ) فعلى ما هو التحقيق وعليه بنائهم من كونها شرطاً لاصل تشريع الحكم الفعلى وتوجيهه الى المكلف في رتبة سابقة عن تنجزه لاستقلال المقل بقبح توجيه التكليف الفعلى الى العاجز عن الامتثال ( فلا جرم ) بعد عدم قدرة المكلف على الجمع بين الحكمين في مقام الامتتال ، يمتنع تشريع اطلاق الحكمين حتى في المتضادين وجودا ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في العامين من وجه بالنسبة الى المجمع ( و مرجع ) ذلك بعد تقييد مضمون الخطابات بالقدرة على هذا المسلك الى نفي الصغرى لباب التزاحم رأساً ( لا ندراج ) جميع موارد التزاحم بمقتضى الضابط المذكور فى صغرى التعارض بين اطلاقي الخطابين نظير العامين من وجه ( وتوهم ) الفرق بين العجز الدائمى والعجز الاتفاقى بتسليم شرطية القدرة في الاول ، دون الثاني ( فاسد ) فان العقل لا يفرق في قبح توجيه التكليف الفعلى الى العاجز بين العجز الدائمى والاتفاقي ( فكما ) يمتنع عقلا مع العجز الدائم اصل تشريع الحكمين، كذلك يمتنع تشريع اطلاق الحكمين على نحو يشمل مورد العجز ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في العامين من وجه ( وحينئذ ) فعلى ما افيد من الضابط في تزاحم الحكمين ، يلزم من تقييد مضمون الخطابات بالقدرة ارجاع موارد العجز عن الامتثالين الى باب التعارض بين اطلاق الخطابين ، كما في العامين من وجه بالنسبة الى المجمع ، وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من الفرق بين باب التعارض والتزاحم بما ذكرناه من الضابط فيها ( هذا كله ) في اصل الفرق بين باب التعارض والتزاحم ( واما تشخيص ) صغرياتها ، فهو موكول الى نظر الفقيه ( نعم ) يمكن ان يقال في تشخيص صغريات البابين ( ان كل ) مورد اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه

ص: 130

كعنوان الاكرام في قوله اكرم العالم ولا تكرم الفساق كان من صغريات باب التعارض، حيث ان قوله اكرم العالم يدل باطلاقه على ثبوت الحكم بمباديه حتى في حال فسقه كما ان قوله لا تكرم الفساق يدل باطلاقه الشامل لحال كونه عالما على عدم ثبوت الملاك في اكرام الفاسق ، فيقع التكاذب في المجمع بين الدليلين ، حتى بحسب الملاك والمقتضى ( اذ كان ) الاول مثبتا لوجود الملاك للاكرام بالنسبة الى المجمع، وكان الثاني ولو بمدلوله الالتزامي نافيا له ، فيقع بينها التعارض فلا بد من الرجوع فيها الى الجمع الدلالي ان امكن والا فالى المرجحات السندية ان كان لاحدهما مرجح ، وبدونه فالتخيير بمقتضى النصوص العلاجية ( وكل مورد ) تمدد عنوان المأمور به والمنهى عنه بان يكون معروض الحكمين عنوانين مختلفين ، كعنوان الغصب والصلاة في قوله صل ولا تغصب ، وعنوان الاكرام والتوهين كقوله اكرم العالم وأهن الفاسق ، كان من صغريات باب التزاحم ( حيث يستكشف ) من اطلاق المادة بل الهيئة ايضاً في كل من الخطابين وجود الملاك في كل من العنواتين حتى في المجمع كما هو الشأن في الخطابات ، ولذا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على حتى في حال العجز عن امتثالها ، مع الجزم باختصاص فعلية التكاليف بحال القدرة من غير تخصيص للمصلحة بحالها الا في فرض اخذ القدرة قيداً في حيز الخطاب ، كما في الحج ونحوه ( وحينئذ ) فمع كشف قيام الملاك والمقتضى من اطلاق كل من الخطابين بموضوعها من العنوان على الاطلاق حتى في المجمع ، يندرج قهرا في باب التزاحم الذي حكمه هو الاخذ باقوى الملاكين ( وحينئذ ) فينبغى ملاحظة معروض الحكمين من كونه عنوانا واحدا كعنوان الاكرام ، او عنوانين متغايرين ( فعلى الاول ) يندرج في صغرى باب التعارض ، ( وعلى الثانى ) يندرج في صغرى باب التزاحم ، من غ____ير فرق في الصورتين بين ان يكون متعلق معروض الحكم عنواناً واحداً او متعدداً ( لان ) المدار في وحدة العنوان وتعدده على وحدة مايكون معروض الحكم وتعدده لا على وحدة متعلق معروض الحكم وتعدده كما هو ظاهر ( ولقد ) تقدم من______ا في الجزء الثاني من الكتاب في مبحث اجتماع الأمر والنهي شطراً وافياً من

ص: 131

الكلام فيما يتعلق بالمقام فراجع ( و اما مرجحات ) باب التزاحم ، فهي امور ( منها ) اقوائية الملاك ، فيقدم الاقوى ملاكاً على غيره ( ومنها ) ما اذا كان احدهما مشروطا بالقدرة الشرعية دون الآخر ، فيقدم ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية على المشروط بها وان كان اقوى ملاكاً منه ( ومنها ) ما اذا كان احدهما مضيقاً والآخر موسعاً ، فان المضيق مقدم بحكم العقل على الموسع جمعاً بين الفرضين ( ومنها ) ما اذا كان لاحدهما بدل اضطراري ، فانه يقدم بحكم العقل مالا بدل له على ماله البدل ( واما مرجحات ) باب التعارض فسيجى الكلام فيه انشاء الله تعالى .

فى خروج الورود والحكومة عن التعارض

( الأمر الثالث ) لا اشكال في ان التعارض بكل واحد من المعنيين غير صادق في موارد الورود التي يكون احد الدليلين نافياً لموضوع الآخر حقيقة ، نظير الامارات المعتبرة بالنسبة الى الاصول العقلية من البرائة والتخيير والاحتياط ( واما موارد ) الحكومة ، فقد عرفت خروجها عن موضوع التعارض على احد المعنيين للتعارض ( واما ) على المعنى الآخر ، فيمكن دعوى خروجها عن موضوعه ايضا ( اذ بعد ) ان يكون دليل الحاكم متعرضا لحال غيره وناظراً الى شرح مدلوله وبيان المراد منه ، لا يكاد يرى العرف تنافياً بين مدلولیها ، کی تدخل موارد الحكومة في موضوع التعارض ( بل الحاكم ) عند العرف بعناية شارحيته لبيان مدلول الغير وتعرضه له يكون بمنزلة القرائن المتصلة الحاكية مع ذيها عن معنى واحد ، بلحاظ ان مدلول المحكوم هو الذي تكفل الحاكم لشرحه لا غيره ، غير ان في القرائن المتصلة ، كما كان المدلول فيها واحدا ، كذلك الدال يكون واحدا ( وفي الحكومة ) باعتبار عدم اقتضاء الحاكم مع انفصاله قلب ظهور المحكوم، يكون المدلول فيها واحدا والدال متعددا ( وبذلك ) يكون الحاكم وسطا بين القرائن المتصلة والمنفصلة ، فمن حيث وحدة المدلول يشبه بالقرائن المتصلة ، ومن حيث تعدد الدال يشبه بالقرائن المنفصلة .

( وكيف كان ) فقوام الحكومة انما هو يكون احد الدليلين ناظرا الى مفاد غيره ومبيناً لكية مدلوله ولو واقعاً ، لا بما هو مدلوله ، ولا يعتبر فيها كون

ص: 132

الحاكم بمدلوله اللفظي شارحاً لمغاد الغير بما هو مدلوله ، کی يلزم اعتبار کونه دائما بلسان اى التفسيري او مصدراً بإداته ( وان شئت ) قلت ان ما به قوام الحكومة انما هو بنظر احد الدليلين الى مفاد غيره من حيث عقد حمله ( اما ) بعناية التصرف في عقد وضعه ادخالا او اخراجا بتوسعة فيه او تضييق، كقوله زيد عالم عقيب قوله اكرم العلماء ، او ان النحويين ليسوا من العلماء ( واما ) بكون نظره اليه بدواً بلا توسيط عناية تصرف في عقد وضعه ادخالا او اخراجا ، كان ذلك بلسان اى التفسيري ومصدرا بإداته، او بصرف نظره اليه ، كما في ادلة الضرر و الحرج النسبة الى ادلة التكاليف الواقعية ( فان ) جميع ذلك مما ينطبق عليه ضابط الحكومة ويجري فيه خواصها ( ولذلك ) ترى بنائهم على تحكيم ادلة الضرر والحرج على ادلة الاحكام الواقعية الثابتة للموضوعات بعناوينها الاولية ، مع وضوح عدم كونها بلسان اى التفسيري في مقام الشارحية

فى شرح الحكومة وامتياز عنها التحضيص

( مضافا ) الى ان الحكومة ليست مدلول دليل لفظي حتى يدعي ان المستفاد منه ما يكون بلسان اي التفسيري في مقام شرح مدلول الغير ( وانما هو ) اصطلاح خاص نمبر بها عن كل دليل او اصل يكون ناظراً الى مفاد غيره ومبيناً الكمية مدلوله ، ولولا بما هو مدلوله ، بل بما هو امر واقعي ، كان ذلك بلسان اى الشارحة ، او بعناية التصرف في عقد وضعه ادخالا او اخراجا او بصرف النظر الى عقد حمله والتصرف فيه ، بلا توسيط عناية التصرف في عقد وضعه بتوسعة او تضييق ( فكما ) تتحقق الحكومة المصطلحة بما يكون بمدلوله اللفظى شارحا ومفسراً لمدلول الغير بما هو مدلوله ( كذلك ) تتحقق بغيره ( خصوصا ) مع ندرة الحكومة بالمعنى المزبور فيما بايدينا من الادلة المتكفلة للاحكام الكلية ( فان ) الغالب فيها كونه بلسان نفي الموضوع او اثباته ، كقوله لا شك في النافلة ، او مع كثرة الشك او مع حفظ الامام او المأموم ، او بلسان نفى المحمول ، كادلة الضرر والحرج ( ولعل ) الي ماذكرنا يرجع كلام الشيخ قده في الفرق بين الحكومة والتخصيص: بقوله ان كون التخصيص بياناً للعام انما هو بحكم العقل بعدم جواز ارادة العموم مع القرينة الصارفة وهذا بيان لفظى ومفسر للمراد من العام الخ ( فيكون ) المقصود

ص: 133

من البيان مطلق ما يكون ناظراً الي شرح المراد من العام ومبيناً لمقدار مدلوله ولو واقعاً ، لا خصوص ما يكون بلسان شرح اللفظ ( والا ) فقد عرفت ع__دم انطباق الحكومة فيما بايدينا من الادلة على هذا الضابط مع وجود خواص الحكومة فيها .

( وكيف كان ) فالتحقيق في شرح الحكومة ما ذكرناه من انه لا يعتير فيها ازيد من كون مفاد احد الدليلين ناظراً ولو بوجه الى مفاد الآخر وشارحا لكمية مدلوله و لو واقعا لا بما هو مدلوله ( لان ) ذلك ايضا نحو شارح للغير بتضييق المراد منه او توسعته بما هو امر واقعى اما بدواً او بتوسيط عناية التصرف في عقد وضعه ( ثم ان ) هذه الجهة من الشارحية للحاكم بعد ان كان من تبعات الحكم المجعول للغير ، فلا جرم يحتاج صحة تشريعه الى وجود المحكوم وتشريعه حتى تتحقق جهة الحكومة والشارحية ، والا فبدونه يكون دليل الحاكم لاغياً ، كما في قوله لا شك في النافلة ، او مع كثرة الشك ، فانه لو لا تشريع حكم للشكوك عموماً ، او خصوصا ، لما كان مورد للادلة النافية لحكم الشك في الامثلة المزبورة ( وكذلك ) ادلة نفي الضرر والجرح ، فانه لو فرض عدم تشريع حكم في الشريعة لم يكن مورد للادلة النافية للجرح والضرر ( نعم ) لا يعتبر في الحكومة ان يكون تشريع المحكوم متقدما على تشريع الحاكم زماناً ( بل يكفي ) في صحة تشريعه وعدم لغويته مجرد تشريع مفاد المحكوم ولو في زمان متأخر عن زمان تشريع الحاكم ( واما ) المنع عن اصل احتياج الحاكم الى وجود المحكوم ، كما عن المحقق الخراساني قده من دعوى انه لا يعتبر في الحكومة الا سوق الدليل بنحو يصلح للنظر الى كمية موضوع الآخر مستشهداً بادلة الامارات بالاضافة الى ادلة الاصول من حيث صحة التعبد بها ولو مع عدم جعل الاصول الى يوم القيامة ( فمدفوع ) بانه كذلك على مختاره في ادلة الامارات من كون التنزيل فيها راجعا الى نفس المؤدى، لا الى تتميم كشفها والغاء احتمال الخلاف ( اذ حينئذ ) لا نظر لدليل الامارة الى شرح المراد من ادلة الاصول المثبتة للحكم في ظرف الشك واستتار الواقع ، بل

ص: 134

كل منها في ظرف استتار الواقع مثبت لحكم تعبدي على خلاف الآخر ( ولكن ) قد عرفت منع الحكومة على هذا المسلك ( واما على التحقيق ) كما هو المختار من توجيه التنزيل فيها الى تتميم الكشف واثبات كونها عاما تنزيليا الذي هو المايز بين الامارة والاصل ( فلا محيص ) من سوقها لبيان كمية مدلول ادلة الاصول بتوسعة او تضيق ( وبهذه ) الجهة قلنا ان الامارة ، كما تضيق دائرة الاستصحاب السابق برفع شكه ، كذلك توسع دائرة الاستصحاب اللاحق باثبات اليقين السابق ، فيصح بذلكالاستصحاب في الموارد التي كان ثبوت المستصحب بالامارة لا باليقين الوجداني، كما هو ظاهر .

( ثم انه ) بما ذكرنا من الشارحية للحاكم تفترق الحكومة عن التخصيص وسائر موارد الجمع العرفي من جهات ( منها ) هذه الجهة ، فان في باب التخصيص لا يكون دليل المخصص ناظراً الى شرح مدلول العام وبيان كمية مفاده غاية الأمر لا يتحير العرف في تقديمه عليه من جهة اقوالية دلالته ( ومن المعلوم ) ان مجرد ذلك غير ملازم لكونه بلسانه شارحاً للمراد من العام واقعاً ( ولذلك ) ترى صحة التعبد بالخاص الاظهر لكونه مفيدا للفائدة التامة المستقلة ولو مع عدم تشريع حكم العام الى يوم القيامة .

( ومنها ) تقديم الحاكم على دليل المحكوم بعد ثبوت نظره اليه ، وان كان اضعف دلالة على مؤداه من المحكوم من غير ملاحظة النسبة بين دلي__ل الحاكم والمحكوم ولا ملاحظة قوة الظهور وضعفه، بل يقدم الحاكم بعد ثبوت نظره ولو مع كون النسبة بينه وبين دليل المحكوم العموم من وجه ( بخلاف )باب التخصص وسائر موارد الجمع ( فان ) تقديم الخاص والاظهر على العام والظاهر على ما هو التحقيق انما يكون بمناط الاخذ باقوى الدلالتين وطرح الأخرى ) ولذلك ) قد يتوقف في تقديم الخاص على العام ، كما في فرض تساويها في الدلالة ، فيعامل معها في الجهة المشتركة بينها معاملة سائر المتعارضين ( بل قد يقدم ) العام على الخاص في المقدار الذي كان العام نصاً في______ه او اقوى ظهوراً من الخاص ( و بذلك ) ربما يظهر جهة اخرى فارقة بين التخصيص

ص: 135

والحكومة ( وهي ) ان في موارد الحكومة لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار حتى في فرض اقتضاء الحاكم طرح ظهور المحكوم رأسا بحيث لا يبقى تحت ظهوره شيء من مدلوله ( لان ) الحاكم بلحاظ تكفله لشرح مدلول المحكوم يكون بمنزلة القرينة المتصلة في تعيين المراد الواقعى من مدلول المحكوم وانه هو الذي تكفل لشرحه ، وبذلك لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار ، لانتهاء الامر الى العمل بما هو المراد منه ولو بتوسيط شارحه ( وهذا ) بخلاف باب التخصيص وسائر موارد الجمع العرفي ( فان ) دليل المنفصل الاظهر بعد مالا يكون بلسانه ناظراً الى شرح المراد من الظاهر، ولا موجبا لقلب ظهوره كالقرائن المتصلة ) فلا محالة ) يكون العام باقياً على ظهوره في المراد منه مع احتمال كون المراد الواقعي على طبق ظهوره ( غاية الامر ) يجب رفع اليد عن حجية ظهوره في المقام الذي قام الاظهر على خلافه اعنى الجهة المشتركة بينها فيؤخذ بظهوره في المقدار الباقي من الجهة المختصة بالعام ، وهو المصحح للتعبد بسنده ( فاذا ) فرض انتها الأمر في مورد الى طرح ظهوره رأساً ، يلزمه خروج سنده ايضا عن الاعتبار ، لعدم انتهاء امر التعبد بسنده الى العمل ، فيصير مثل هذا الظاهر بعد عدم حجية ظهوره كالمجمل المعلوم عدم التعبد بسنده .

( ومنها ) سرايه الجمال الحاكم الى المحكوم ولو مع انفصاله حتى فيما لا يسرى الاجمال الى العام من الخاص المنفصل المجمل المردد مفهوما بين الاقل والاكثر ( فان ) الحاكم بعد ان كان ناظراً الى شرح مدلول المحكوم وتفسيره بما هو المراد من لفظه واقعاً لا بمقدار ما فيه من الارائة والدلالة ، فلا محالة يكون اجماله وتردده بين الاقل والاكثر موجباً لا جمال المحكوم بمعنى صيرورته بمنزلة المجمل في عدم جواز الاخذ بظهوره ( نعم ) لو كان نظره اليه بمقدار دلالته وارائته ، لكان المتبع عند اجماله هو ظهور المحكوم في مقدار اجمال الحاكم ( ولكن ) مرجع ذلك في الحقيقة الى عدم حكومته بالنسبة الي مقدار اجماله، لا الى عدم اتباعه فارغاً عن نظره ( والا ) فعلى فرض النظر المقوم لحكومته لا محيص من اتباع الحاكم مجملا كان او مبيناً ( لان ) المدار على ما اريد من الشارح ( وتوهم ) انه لا معنى حينئذ لا تباع المجمل

ص: 136

فلا يشمله دليل التعبد بسنده ( مدفوع ) بانه كذلك اذا لم يترتب عليه اثر اصلا ( واما ) لو ترتب عليه هذا المقدار من الاثر من نفي العمل على طبق ظهور المحكوم فيكفي ذلك في صحة التعيد بسنده ( وعليه ) فما افاده المحقق الخراساني قده في الحاشية من الاخذ بظهور المحكوم ورفع اجماله به منظور فيه ( الا ان يقال ) ان كون الحاكم ناظراً الى شرح الغير وتفسيره بما هو المراد من لفظه واقعاً لا بقدار دلالته انما يتم اذا كان بلسان الى الشارحة بمثل قوله المراد من العلماء هو العدول او غير الفساق منهم ( اذ حينئذ ) يسرى اجماله الى المحكوم ( واما ) لو كان بلسان نفي الموضوع او الحكم عن بعض افراده ، كما هو الغالب فيما بايدينا من الادلة ( فلا يكون ( النطر منه الى مدلول المحكوم الا بمقدار ارائته ودلالته ( وعليه ) فعند اجماله لا تكون حكومته الا بالنسبة الى المقدار المعلوم دلالته عليه ( ولازمه ) الرجوع في مقدار اجماله الى ظهور دليل المحكوم ،كما في الخاص المنفصل المجمل المردد بين الاقل والأكثر فتأمل ( ثم ان ) ما ذكرناه من تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان اضعف دلالة منه ( انما يكون ) اذا لم يزاحمه دليل المحكوم في اصل نظره ( والا ) ففيما زاحمه المحكوم في نظره يعامل معها من تلك الجهة معاملة سائر المتعارضين ، ( كما لو كان ) مفاد دليل المحكوم وجوب اكرام العلماء وحرمة لعنهم ، وكان مفاد الحاكم عدم كون النحويين من العلماء ( فانه ) بالنسبة الى حرمة اللعن ولو من جهة انغراس الذهن بعدم جواز لعن المؤمن يزاحمه دليل حرمة اللعن في نظره ، فيوجب صرف نظره الى حيث الاكرام ( ولكن ) ذلك في الحقيقة خارج عن مفروض الكلام من تقديم الحاكم بما هو حاكم على المحكوم ، لرجوعه الى نفى نظره الذي هو مقوم حكومته بالنسبة الى حيث حرمة اللعن .

فى خروج الجمع العرفى عن حكم التعارض وان دخل فى موضوعه

( الامر الرابع ) ان موارد الجمع المصطلح العرفي وان كانت داخله في موضوع التعارض على احد المعنين في شرح التعارض ، لصدق تنا في المدلولين في مثل العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والاظهر المتنافيين بالايجاب والسلب بحسب

ص: 137

مالكل منها في نفسه من الظهور النوعى في المعنى المراد ( ولكن ) لا شبهة في خروجها عن حكمه ( لان ) التعارض الذي هو موضوع الاحكام الخاصة من الترجيح والتساقط والتخيير ، انما هو فيما يتحير العرف في التوفيق بين الظهورين ( ولا تحير ) للعرف في التوفيق بين مثل العام والخاص والمطلق والمقيد ونحوهما من الظهورين المنفصلين الذين يصلح احدهما المعين للقرينية على التصرف في الآخر ( نعم ) حيث ان هذا الجمع لا يكون الا بين الظاهر والاظهر ، يعتبر فيه بقاء مقدار الدلالة المظاهر بعد تقديم الاظهر عليه ليكون هو المصحح للتعبد بسنده والجمع بين الظهورين ( والا ) ففي فرض اقتضاء تقديم الاظهر طرح ظهوره رأساً لا يشمله دليل التعبد بالسند فيخرج عن موضوع هذا الجمع ، كما اشرنا اليه فينتهى الامر فيها الى اعمال قواعد التعارض من التساقط او الترجيح او التخيير ( كما ان ) موضوع البحث في هذا الجمع انما هو في الكلامين الصادرين من شخص واحد او الشخصين ها بمنزلة شخص واحد ، كالاخبار الصادرة بعضها عن امام وبعضها عن امام آخر ( والا ) فني غيره كالبينتين المتعارضتين ونحوها ( لا يجرى ) هذا الجمع ، لعدم الدليل على الجمع بينها بحمل الظاهر منها على الاظهر ، بل لا بدفيها من الحكم بالتساقط الا اذا كان هناك دليل خارجى على الترجيح من بعض الجهات ( ومن هذا ) البيان ظهر اعتبار امر آخر في الجمع بين الاخبار وهو احتمال صدور كلا الخبرين عن الامام ( علیه السلام ) بمعنى عدم العلم بكذب احد الراوييين في حكاية صدور الخبر عن الامام ( علیه السلام ) ، ولو لاشتباهه في نقله عنه ( والا ) ففي فرض اليقين بعدم صدور احد الخبرين عن الامام ( علیه السلام ) لا ينتهى الامر الى التعارض بين الدلالتين فارغاً عن سندها كي تجرى قاعدة الجمع المزبور ( لان ) اصالة التعبد بالسند في كل منها حينئذ تقتضى بالالتزام عدم صدور الآخر من الامام ، ولازمه نفي التعبد بدلالته ايضا ، ومع_ه لا ينتهى الامر الى التعارض بين الدلالتين ( وبعبارة اخرى ) المدار فى هذا الجمع انما هو على التصرف في كلام امام ورد على خلافه اظهر من الامام ( وهذا ) يقطع تفصيلا بعدمه ( لانه ) على تقدير كون الصادر هو الاظهر ، فلا ظاهر في

ص: 138

قباله حتى يقتضى الاظهر التصرف فيه (وعلى تقدير ) كون الصادر هو الظاهر، فلا اظهر في قباله ( ومرجع ) ذلك الى العلم بعدم صدور ظاهر من الامام ( علیه السلام ) يجب التصرف فيه بجمله على الاظهر ، اما لعدم صدور الظاهر نفسه ، واما لعدم صدور اظهر على خلافه ( وحينئذ ) فبعد خروج هذا الفرض عن موضوع الجمع بين الدلالتين ينتهى الامر فيها الي التساقط اذا لم يمكن الاحتياط بالجمع بينها في مقام العمل كما لو كان مفاد العام وجوب اكرام العلماء ، وكان مفاد الخاص حرمة اكرام النحويين من العلماء وسيأتى مزيد توضيح لذلك عند تأسيس الاصل في المتعارضين انشاء الله .

الجمع الدلالي لا يمكن الا بين النص او الاظهر والظاهر لا بين الظاهرين

( وكيف كان ) فموضوع الجمع الدلالي انما يكون في مورد ساعد عليه العرف في التوفيق بين الظهورين ، وهو كما عرفت لا يمكن الا بين النص ، او الاظهر والظاهر ( لا في الظاهرين ) كالعامين من وجه ونحوه اذا تساويا في الظهور ، لعدم الدليل بعد عدم مساعدة العرف عليه ( وعليه ) فما يظهر من بعض الكلمات من وجوب الجمع بين الدليلين ولزوم تقديم الترجيح الدلالي مها امكن على الترجيح السندي والتخيير ، محمول على الامكان العرفي ( والا ) فلا دليل عليه ( مضافاً ) الى ما يلزمه من سد باب الترجيح بالمرة ( لانه ) ما من خبرين متعارضين الا ويمكن الجمع بينهما عقلا ببعض جهات الحمل والتأويل حتى في مثل قوله يجب اكرام زيد ويحرم اكرام زيد ( وهو كما ترى ) يستتبع تأسيس فقه جديد ( ثم ان الارتكاز ) العرفي في الجمع بين الظهورين المنفصلين في مثل العام والخاص ونحوه بعد ما لم يمكن بمثابة يوجب كون المراد الواقعى من العام والمطلق هو الخاص والمفيد ، بل يحتمل مع ذلك كون المراد الجدى منها على طبق ظهورهما في العموم والاطلاق ، وان وجب رفع اليد عن ظهورها بمقتضى النص والاظهر ( يقع الكلام ) في وجه تقديم النص او الاظهر على الظاهر في مثل العام والخاص من انه بمناط الورود ، او الحكومة ، أو بمناط الاخذ باقوى الظهورين والحجتين من جهة الاهمية ، نظير المتزاحمين .

( ومورد ) الكلام انما يكون فيما عدى الخاص القطعي السند والدلالة كالنص الكتابي ، او المتواتر المحفوف بالقرائن القطعية ( والا ) فيقطع بعدم كون العموم

ص: 139

مرادا من ظهور العام فيقطع بخروجه عن موضوع دليل الاعتبار للجزم بعدم صلاحيته عقلا للطريقية واعمال التعبد فيه ( بل عليه ) يكون خروجه من باب التخصص دون الورود ( ثم ان ) مبنى الوجوه المتقدمة ، هو الخلاف المعروف في اصالة الظهور، من حيث تقيد موضوع الحجية بعدم قيام الحجة على وجود الاقوى ، على الخلاف او بعدم العلم او بعدم وجوده واقعا ، ( وعدم ) تقيده بشيء من ذلك ( فانه ) على الأول يكون دليل الخاص ولو كان ظنياً وارداً على اصالة الظهور في العام ، لان التعبد بسنده حجة على وجود الاقوى وبيان على التخصيص ، فيرتفع به موضوع الحجية في العام حقيقة لا حكماً وتعبدا ( من غير ) فرق بين الوجهين في اعتبار اصالة الظهور من كونه بمناط الظهور والكشف النوعي عن المراد ، او لاجل اصالة عدم القرينة ( فانه مهما ) كان التعليق على عدم قيام الحجة على وجود الاقوى على الخلاف ، فلا محيص من الورود ، ولا مجال في هذا الفرض لتقريب الحكومة في تقديم دليل الخاص ( واما ) على فرض كون التعليق على عدم العلم بوجود الاقوى او عدم و وجوده واقعاً ( يكون ) دليل الخاص حاكماً لا وارداً ( لان ) دليل التعبد بسند الخاص باعتبار تكفله لتتميم الكشف و نفي احتمال عدم صدوره ، مثبت لوج_______ود الاقوى ظاهرا ، وللعلم التعبدي بصدوره عن المعصوم ( علیه السلام ) ( فيكون ) رافعاً لموضوع اصالة الظهور في العام تعبداً وتنزيلا لا حقيقة ( من غير فرق ) في هذه الجهة بين فرضى التعليق

في بيان وجه تقديم الخاص على العام فى انه بالورود او الحكومة

( غاية الامر ) ان الحكومة في الفرض الأول من باب حكومة ادلة الاحكام الظاهرية على مثلها ، نظير حكومة الاستصحاب على مثل دليل الحلية والطهارة وحديث الرفع والحجب حيث كان الحاكم والمحكوم في مرتبة واحدة وهي في مرتبة الشك في وجود الاظهر ، فكان الحاكم بتكفله لنفي الشك عن وجود الاظهر ناظرا الى تضييق دائرة اصالة الظهور في العام والظاهر في مرحلة الثبوت فتامل ( وفي الفرض ) الثاني تكون الحكومة فيه من قبيل حكومة ادلة الاحكام الظاهرية على الاحكام الواقعية ( حيث ) ان التعبد بالظهور من جهة تعليقه بعدم وجود الاظهر واقعاً ، يكون من قبيل الحكم الواقعي بالاضافة الى التبعد بالسند في الاظهر فيكون التعبد بالسند في الاظهر بتكفله

ص: 140

لا ثبات وجوده ناظرا الى توسعة موضوع التعبد بالظهور او تضييقه في مرحلة الظاهر وعند الشك في وجود الاظهر وان لم يوجب تضييقاً فيه واقعا ( من غير ) فرق في ذلك ايضا بين الوجهين في اعتبار اصالة الظهور ، ولا بين كون الخاص الظني السند فطعى الدلالة او ظني الدلالة ( فعلى ) كل تقدير في فرض كون الاناطة والتعليق على عدم العلم بوجود الاقوى او عدم وجوده واقعاً، لا محيص من الحكومة، ولا وجه لتقريب الورود ( نعم ) لو كان الخاص قطعيا من جهة السند وظنياً من جهة الدلالة ، كالمتواتر الظاهر في المؤدى، يكون تقديمه على جميع فروض التعليق بمناط الورود ولا مجال للحكومة للقطع الوجداني بوجود ما هو الاقوى ظهوراً من ظهور العام ووروده عن المعصوم ( علیه السلام ) .

( وبما ذكرنا ) انقدح فساد ما عن بعض الاعاظم قده من ابتناء التفصيل في المقام حكومة ووروداً على الوجهين في اعتبار اصالة الظهور : بقوله ان بنينا على كون الوجه فيها اصالة عدم القرينة يكون الخاص حاكما على العام ( وان بنينا ) على كون الوجه فيها الظن النوعى يكون الخاص وارداً عليه حتى انه جعل هذه الجهة منشئاً لترديد الشيخ قده في الحكومة والورود ( وجه الفساد ) يظهر مما عرفت من عدم الفرق حكومة ووروداً بين الوجهين في اعتبار اصالة الظهور ( فان المناط ) كله في ورود الخاص او حكومته على ملاحظة المعلق عليه ( فان كان ) التعليق في اصالة الظهور على عدم قيام الحجة على وجود الخاص والاظهر يكون دليل الخاص ولو كان ظنياً واردا على اصالة الظهور في العام لا حاكماً : قلنا ان الوجه في اعتبارها الظن النوعى الكاشف عن المراد ، او اصالة عدم القرينة ، فانه على كل من الوجهين في فرض التعليق بذلك يكون دليل الخاص حجة على ورود الاقوى على التخصيص ، فيرتفع موضوع اصالة الظهور حقيقة ( وان كان ) التعليق على عدم العلم بورود الخاص ، او عدم وروده واقعاً ، يكون دليل الخاص حاكما عليه لا وارداً كما ذكرناه : قلنا ان الوجه في اعتبار اصالة الظهور هو اصالة عدم القرينة ، او الظهور النوعي ( واما ) ترديد الشيخ قده في الورود والحكومة في المقام ، فليس منشئه

ص: 141

اختلاف الوجهين في اعتبار اصالة الظهور ( بل المنشأ ) فيه اختلاف فروض التعليق من كونه ، تارة على عدم الحجة على التخصيص ، واخرى على عدم ورود المخصص واقعا، وثالثة على عدم العلم بوروده ( كما انقدح ) بما ذكرناه فساد ما التزم به في المقام على ما في تقرير بعض تلامذته من القول بوجوب الاخذ بالخاص وتخصيص العام به مطلقا ولو كان ظهوره اضعف من ظهور العام مستدلا بان اصالة الظهور في الخاص تكون حاكمة على اصالة الظهور في طرف العام ، لكونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام فيقدم على العام ولو كان اضعف ظهوراً منه ، كما يقدم ظهور يرمي في الرمي بالنبل على ظهور اسد في الحيوان المفترس في قوله رأيت اسداً يرمى ، مع كون ظهور الاسد في الحيوان المفترس اقوى من ظهور يرمى في رمي النبل ، لكونه بالوضع ، وذلك بالاطلاق ( اذ فيه ) ما لا يخفى فانه لم يرد تقديم الخاص بما هو خاص على العام بهذا العنوان في دليل لفظى حتى نتمسك بإطلاقه ( وانما العمدة ) في الباب هي السيرة العرفية وبناء العقلاء على الاخذ بالخاص وتخصيص العام به ( والمتيقن ) من بنائهم على ذلك انما هو في مورد يكون الخاص اقوى ظهوراً من العام ، كما هو الغالب في التخصيصات ( واما ) في غيره فلم يعلم بنائهم على الاخذ بالخاص كي يستكشف منه عن تقييد بنائهم على العمل بالعام بعدم ورود مطلق الخاص في قباله ( كما ان ) بناء الاصحاب على تقديم الخاص انما هو من جهة أقوائية ظهور الخاص من العام ( والا ) فلو فرض في مورد يكون العام ملاحظة بعض الخصوصيات اقوى ظهورا من الخاص يكون الأمر بالمكس فيقدم على الخاص ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ) واما التعليل ) الذي افاده لتقديم الخاص بما هو خاص وحكومته ، من كونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام ( فعليل جدا ) : فان كون الخاص بما هو خاص بمنزلة القرينة على التصرف في العام ، مبنى على كونه ناظرا بمفاده الى شرح مدلول العام ، وهو كما ترى لا يكون الا من شؤن الحاكم ( والا فشأن ) المخصص كما اعترف به هو قده لا يكون الا اثبات حكم آخر مضاد او مناقض لحكم العام في بعض افراده بلا سوقه للقرينية على شرح مدلول العام

ص: 142

( ومثله ) لا يكون الا معارضا مع العام ، لا قرينة على التصرف فيه ( وعليه ) فلا بد من الترجيح بالاقواثية واجراء حكم القرينة على الاقوى منها بلا كونه قرينة حقيقة ( فاجراء ) حكم القرينة حينئذ على الخاص لا يكون الا بأقوائية دلالته ، والا فمع تساويها في الدلالة بالنسبة الى الجهة المشتركة يعامل معها معاملة المتعارضين ( ومع ) اقوائية دلالة العام على المورد ولو من جهة ابائه عن التخصيص يقدم العام عليه ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ( فما افاده ) قده في المقام من القول بتقديم الخاص على العام مطلقا ولو كان اضعف ظهورا لا يخلو عن غرابة ( واغرب منه ) استشهاده على مرامه بتقديم ظهور يرمى في رمى النبل على ظهور الاسد في الحيوان المفترس مدعيا بان ظهور الاسد في الحيوان المفترس من جهة كونه بالوضع اقوى من ظهور يرمى في رمى النبل ( اذ فيه ) ان مجرد وضعية الدلالة لا يقتضى الاقوائية خصوصاً في المثال ( فان ) ظهور برمی بمقتضى الانصراف والانسباق في رمي النبال غير المناسب للحيوان اقوى بمراتب من ظهور الاسد في الحيوان الخاص ( فكيف ) يصح قياس المثال بالخاص المنفصل عن العام .

الاشكال في تقريب الحكومة بالاضافة الى الادلة اللفظية ودفعه

( ثم انه ) اورد على جريان تقريب الحكومة بالاضافة الى الادلة اللفظية الثابتة حجيتها ببناء العقلاء بوجهين ( الأول ) ان حقيقة الحكومة عبارة عن كون احد الدليلين ناظراً بمدلوله اللفظي الى تفسير مدلول الآخر وشرح المراد منه ( وهذا العنوان ) مختص بالادلة اللفظيه ، ولا معنى لجريانه في اللبيات التي تكون من مقولة المعنى ( الثاني ) ان في ظرف وجود الاظهر ان كان البناء الفعلى من العقلاء على العمل بالعام الظاهر ، فيستحيل مع وجود هذا البناء بناء آخر منهم على الاخذ بسند الاظهر ) وان كان ( البناء على الاخذ بالاظهر وتخصيص العام به عند المعارضه ، فلا يكون ذلك الا من جهة ان بنائهم على العمل بالظاهر كان معلقا على عدم التعبد بالاظهر ( ولازم ) ذلك هو كون التعبد بالاظهر وارادا على التعبد بظهور الظاهر ، لا حاكماً عليه ، لوضوح ارتفاعه بمثله حقيقة لا حكماً ( فعلى

ص: 143

كل حال ) لا يتصور للعرف وجود بنائين فعليين عموماً وخصوصا يكون احد البنائين رافعاً للآخر حكماً ، كما هو قضية الحكومة ( وانما المتصور ) دائما بناء فعلى واحد ، اما على العمل بالظاهر عند عدم الاظهر ، واما على الاخذ بالاظهر عند وجوده وتخصيص العام به ( ولكن يندفع ) الاشكال الاول بانه انما يتم بناء على الحكومة بمعنى الشرح والتفسير ، وهو كون احد الدليلين شارحاً لفظياً لمدلول الآخر ، اذ حينئذ لا مجال لاطلاقها على الادلة اللبية التي لا يكون فيها لفظ كما في المقام ( واما ) على ماذكرنا سابقاً من الضابط فيها بكونها متقومة بصرف نظر احد الدليلين الى مفاد الآخر بتوسعة او تضييق ولو بما هو امر واقعى ، فلا قصور في تصويره في اللبيات ( اذ لا فرق ) على هذا الضابط بين الادلة اللفظية و اللبية ( واما الاشكال ) الثاني ( فيمكن دفعه ) ايضا بان بناء العقلاء على العمل بالظاهر اذا كان معلقاً على عدم ورود اظهر على من الشارع واقعا ، فلا جرم يكون بنائهم على التعبد بسند الاظهر ناظراً الى توسعة البناء الآخر او تضييقه في مرحلة الظاهر تعبدا لا حقيقة ، وليس هذا الا الحكومة ) وما افيد ) من التنافي بين البنائين حينئذ ( مدفوع ) بانه كذلك اذا كان البنائان عرضيين ( واما ) اذا كانا طوليين وفي مرتبتين فلا تنافي بينها ( وتوضيح ذلك ) هو ان موضوع التعبد بالظاهر بعد ان يكون مقيداً بعدم ورود اظهر على خلافه الشارع واقعا ، يكون التعبد بالظاهر باعتبار قيد موضوعه من قبيل الحكم الواقعى بالاضافة الى التعبد بسند الاظهر، ويكون التعبد بسند الاظهر في رتبة متأخرة عن الشك في ورود الاظهر واقعاً من الشارع ، وبذلك يكون البناثان في مرتبتين بحيث لا يشمل فعلية كل واحد لمرتبة الآخر ، نظير الحكم الواقعي والظاهري غير المتنافيين باختلاف مرتبتها ( غاية ) الامر يكون العمل الفعلى على طبق البناء الظاهرى على وجود الاظهر ووروده من الشارع ( ولكن ) لا بعنوان عدم ثبوت موضوع البناء الواقعي حقيقة ، بل بعنوان عدم ثبوته تعبداً وتنزيلا ، كما هو الشأن في جميع موارد حكومة الادلة الاحكام الظاهرية على الاحكام

ص: 144

الواقعية الراجعة الى توسعه الواقعيات او تضييقها في مرحلة الظاهر ( واما توهم ) ان بناء العرف والعقلاء على شيء ليس الا عبارة عن معاملتهم ( فاذا كان ) عملهم الفعلى في المقام على طبق الاظهر ، يلزمه عدم معاملتهم فعلا على طبق الظاهر ، ولازمه هو تعليق البناء على العمل على طبق الظاهر على عدم البناء على طبق الاظهر، فيلزم ارتفاع البناء على طبق الظهور حقيقة لا حكماً وتعبدا ( فمدفوع ) بمنع كون بناء العرف والعقلاء عبارة عن صرف عملهم ( بل العمل ) انما يكون مترتباً على بنائهم لكونه في الحقيقة اطاعة وامتثالا لبنائهم ( وبالجملة ) نقول ان نسبة العمل الى بنائهم انما هو كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه الطاعة وفي مرتبة متأخرة عن بنائهم ( وعليه ) فلا بأس بالالتزم ببنائين طوليين للعقلاء من حيث الواقعية والظاهرية مع الالتزام بكون عملهم الفعلى على طبق الأظهر بمناط الحكومة بعناية كونه هو الواقع الراجع الى توسعة للبناء الآخر او تضييقه في مرحلة الظاهر حكماً وتنزيلا لا حقيقة ( نعم ) في فرض تقيد موضوع التعبد بالظهور بعدم العلم بورود اظهر من الشارع على خلافه يتجه الاشكال المزبور على تقريب حكومة سند الاظهر على الظاهر ولا يجديه مجرد كون التعبد بسنده ناظراً الى الغاء احتمال الخلاف وتتميم كشفه ( لان ) مقتضى التقييد المزبور هو كون البنائين في مرتبة واحدة وهي مرتبه الشك في وجود الاظهر ، ولازمه تحقق المضادة، بين البنائين ، ومع تضادها وجودا لا وجود للبناء على طبق الظاهر مع البناء الفعلى منهم على الاخذ بسند الاظهر والعمل على طبقه حتى يصلح لرفعه تنزيلا لا حقيقة ، كما هو ظاهر .

فى بيان وجه تقديم الاظهر على الظاهر ثبوتاً

( ثم ان ذلك ) كله في فرض الالتزام بتقييد موضوع التعبد بالظهور باحد الوجوه المتقدمة ( واما في فرض ) عدم تقييده بشيء كما هو المختار فلا سبيل الى تقديم الاظهر بمناط الورود ، ولا بمناط الحكومة بالتقريب المتقدم ، لعدم ترتب شرعى حينئذ للتعبد بالظهور على عدم وجود الاظهر حتى يصلح التنزيل المستعاد من التعبد بسند الاظهر لان يكون ناظراً اليه شرعاً ( بل الوجه ) في تقديم الاظهر على هذا المبنى ينحصر بكونه بمناط الاخذ باقوى الملاكين وتقديمه على اضعفها ،

ص: 145

كما في جميع ابواب المزاحم_ات ( فان المقتضى ) المؤثر في نفوس العقلاء للاخ_______ذ بالكلام الصادر من المتكلم للاستطراق به الى الواقع ، انما هو ظهوره وكشفه النوعي عن المراد الجدي وارائته المتعلق الارادة الواقعية ( وحيث ) ان هذا الملاك يوجد في الاظهر على نحو اقوى من الظاهر ، فلا جرم يكون مورد التزاحم مندرجاً في صغرى باب التزاحم الذى حكمه هو الاخذ باقوى الملاكين والمقتضين ، فيجب الاخذ بالاظهر ، لا قوائية كشفه من الظاهر ، كما هو ذلك في جميع موارد تزاحم الملاكين والمقتضيين ، حيث يكون التأثير الفعلي للاقوى ملاكاً منها ( هذا ) اذا كان الاظهر قطعي السند ( واما ) اذا كان ظنيا ( فلازم ) التزاحم المزبور وان كان هو الاخذ بالظاهر عند الشك في وجود الاظهر وصدوره من الشارع ، لحكم العقل في باب التزاحم بلزوم الاخذ بالمهم مع الشك في وجود المزاحم الاهم بمناط الاشتغال في مطلق الشك في القدرة ( ولكن ) موضوع حكم العقل بذلك لما كان معلقا على عدم الحجة على وجود الاهم ، فلا محالة يكون دليل التعبد بسند الاظهر رافعا لموضوع حكم العقل ، حيث يكون بياناً وحجة على وجود الاظهر وصدوره من الشارع ، فيكون وارداً على هذا الحكم العقلى حقيقة ، وعلى التعبد بالظاهر عناية ، بلحاظ ملازمة ارتفاع حكم العقل بالاخذ بالظاهر لتحقق البناء على طبق الاظهر ، كما هو ذلك في كل مورد قام الدليل على وجود المزاحم الاهم ( ففي الحقيقة ) يكون ذلك نحو تقريب لورود اصالة السند في الاظهر على اصالة الظهور في الظاهر ، ولكن لا بالورود بالمعنى المتقدم في فرض اناطة موضوع التعبد بالظهور بعدم الحجة على وجود الاظهر ( فان اصالة ) السند في الاظهر على التقريب السابق رافع للتعبد بالظاهر حقيقة لارتفاعه بارتفاع موضوعه ( بخلاف ) ما ذكرنا من التقريب ( فان ) المرتفع حقيقة ليس هو البناء على التعبد بالظهور واقعا لكونه وجوداً وعدما تابع قيام الاظهر على خلافه واقعا وعدم قيامه ، وانما المرتفع هو حكم العقل بمقتضى الاشتغال بالاخذ بالظاهر عند الشك في وجود الاظهر والمزاحم الاقوى ، غاية الامر ارتفاعه يلازم للبناء الفعلى على طبق

ص: 146

الاظهر ظاهرا ( هذا كله ) فيما قيل او يمكن ان يقال في وجه تقديم الاظهر على الظاهر ثبوتا .

في تشخيص الاظهر والمزايا التي توجب الاقوائية فى الظهور اثباتاً

( واما ) تشخيص الاظهر وتمييز الاقوائية في الظهور اثباتا ، فلا يدخل تحت ضابط كلي ، وانما هو موكول الى نظر العرف ( وحيث ) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد من حيث اقتران الكلام بالقرائن الشخصية الحافة الخارجة عن تحت الضبط وعدم اقترانه بها ، فلابد للفقيه من اتعاب النفس في تشخيص اقوائية احد الظهورين كتشخيص اصل الظهور من ملاحظة الخصوصيات المكتنفة بالكلام من القرائن الحالية او المقالية ، ومناسبات الحكم والموضوع ، بل وخصوصيات المتكلم والمخاطب و نحوها من الأمور الموجبة لصيرورة احد الكلامين باقترانها به بمثابة من الظهور توجب عرفاً قرب التصرف في الآخر ، لا مجرد كون التصرف في احدهما ابعد من الآخر ( ويمكن ) جعل الضابط فيه ، بفرض كون الجميع في كلام واحد ، ولحاظ ان ايها في هذا الفرض يكون موجباً لقلب ظهور الآخر ، فكل ما يكون منشئاً لقلب ظهور الآخر فهو الاقوى ، هذا بالنسبة الى شخص المتعارضين .

( واما ) بالنسبة الى نوعها ( فقد ذكروا ) اموراً في ضابط الاقواثي____ة والترجيح ( منها ) ما اذا تعارض العام الاصولي مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تخصيص العام او تقييد المطلق ، كما لو قال اكرم العالم ولا تكرم الفساق ( فانه ) بعد تعارضها في مادة الاجتماع يدور الامر بين تقييد قوله اكرم العالم بغير الفاسق و بين تخصيص قوله لا تكرم الفساق بما عدى العالم ( حيث ) قيل بان شمول العام الاصولي المورد الاجتماع اظهر من شمول المطلق له ( لان شمول ) الأول لمادة الاجتماع يكون بالوضع وشمول الثاني له يكون بالاطلاق ومقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بياناً للتقييد ، والعام الاصولي يصلح لذلك ، فلا تم معه مقدمات الحكمة في المطلق الشمولي ، فيقدم العام الاصولي عليه ويقيد به المطلق بما عدى مورد الاجتماع ( وبتقريب ) آخر ان ظهور العام الاصولي من جهة كونه بالوضع ظهور تنجيزي ، وظهور المطلق في الاطلاق ظهور تعليقي على تمامية مقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا على التقييد،

ص: 147

و بعد صلاحية العام الاصولي لذلك لا ظهور للمطلق فى الاطلاق في مقابل العام الاصولي حتى يدور الامر بين الاخذ بالمطلق أو العام ( ولكن ) فيه انه يتجه ذلك اذا كان اساس مقدمات الحكمة على كون المتكلم في مقام بيان مرامه بمطلق كلامه ولو منفصلا عن كلامه الملقى الى المخاطب في مجلس التخاطب ( اذ حينئذ ) يكون لعدم القرينة على التقييد ولو في كلام آخر منفصل دخل في ظهور المطلق في الاطلاق ، فيتجه معه اخذ النتيجة المزبورة فى المقام لصلاحية العام المزبور البيانية على التقييد ( واما ) اذا كان اساس المقدمات على كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بخصوص الكلام الذي وقع به التخاطب ، لا به وبكلام آخر منفصل عنه ولو بعدستين ، كما عليه بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم ( فلا محالة ) عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بكلامه الملقى الى المخاطب في مجلس التخاطب ، ينعقد الظهور الاطلاقي للمطلق وتتحقق الدلالة التصديقية النوعية التي عليها مدار الحجية في باب الالفاظ ( ولازم ) ذلك مع احراز المقدمات جزماً آخر منفصل للجزم بخلافه ، ومع طرح ظهور القيد الوارد في كلام احرازها بالاصل و ظاهر حال المتكلم في كونه بصد تمام مرامه بتمام لفظه الملقى الى المخاطب هو وقوع المزاحمة بين ظهور كلامه في الاطلاق وظهور كلامه المنفصل في التقييد ( وفي مثله ) لا بد من الترجيح بالاقوائية ، بلاورود احدهما على الآخر ( ولا يكفي) حينئذ في رفع اليد عن الاطلاق مجرد وضعية الدلالة فيما دل على التقييد ( لان ) مجرد وضعية الدلالة لا يكون منشئاً للاقواثية كما هو ظاهر ( وحيث ) ان بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم على الاخذ بالاطلاق في الكلام الصادر من المتكلم عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بالكلام الملقى الى المخاطب في مقام الافادة والاستفادة ( فلا محيص ) عند التزاحم في مادة الاجتماع من الاخذ باقوى الظهورين والعمل على طبقه من تخصيص العام او تقييد المطلق على قواعد الاظهر والظاهر .

في بيان تعارض العام الاصولى مع الاطلاق الشمولي

( و بما ذكرنا ) اتضح الحال فيما لو دار الامر بين تقييد الاطلاق البدلى ، وتخصيص العام الاصولى كقوله اكرم عالماً ، وقوله لا تكرم الفساق ( فانه ) قيل

ص: 148

فيه ايضا بتقديم تقييد الاطلاق البدلي على تخصيص العام الاصولي بعين ما تقدم بيانه في فرض الدوران بين العام الاصولي، والاطلاق الشمولي ( بل قيل ) ان الامر في تقديم تقييد الاطلاق البدلي اوضح من تقديم التقييد في الاطلاق الشمولي ( بتقريب ) ان المطلوب في الاطلاق البدلى انما هو صرف الوجود ، ومثله لا يصلح لان يعارض العام الاصولي الذي يكون المطلوب فيه هو الوجود الساري ( لان ) الاول انما يقتضي الاجتزاء باى واحد من الافراد اذا كانت متساوية الاقدام ولم يكن في البين ، ما يقتضي المنع عن بعض الافراد ( والعام الاصولى ) باعتبار شموله لجميع الافراد واقتضائه الحرمة اكرام كل فرد من افراد الفساق يقتضي خروج العالم الفاسق في مادة الاجتماع من دائرة الاطلاق البدلي ( وفيه ما تقدم ) من ابتنائه على كون عدم البيان الذي هو اساس مقدمات الحكمة هو مطلق عدم البيان ولو في كلام آخر منفصل ( والا ) فعلى فرض كون المدار على عدم البيان في مقام التخاطب كما اوضحناه لا مطلقا ولو بعد حين ( فلا جرم ) بعدم نصب القرينة على التقييد ما دام التخاطب يستقر الظهور الاطلاقي ، ( ومعه ) لا محيص في تقديم احدهما على الآخر في مادة الاجتماع من الاقوائية فى الظهور والدلالة من غير فرق بين ان يكون ورود العام قبل المطلق او مقارنا له او متأخراً عنه ( وهذا ) هو الذي اختاره المحقق الخراساني قده ( وما افاده ) في فوائده من لزوم جمع كلمات الأئمة ( علیهم السلام ) المتفرقة في الزمان وفرض ورودها فى زمان واحد والاخذ بما هو المتحصل منها على فرض الاجتماع ، لا ينا في ذلك ( فان المقصود ) من ذلك انما هو بيان تشخيص الاظهرية الموجبة للجمع ، كما اشرنا اليه آنها قبال عدم صلاحية مجرد ابعدية التصرف فيه من غيره ، فلا تنافي بين ما افاده في المقام من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق عند عدم نصب القرينة على التقييد متصلا بالكلام مادام التخاطب ، وبين ما افاده في فوائده حتى يشكل عليه كما هو ظاهر .

فى تعارض الاطلاق البدلى مع الاطلاق الشمولي

( ومنها ) ما اذا تعارض الاطلاق البدلى مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي او الشمولي ، كقوله اكرم عالماً ، ولا تكرم الفاسق

ص: 149

( حيث ) قيل بتقديم الأول على الثاني بالتقريب المتقدم في تعارض الاطلاق البدلي مع العام الاصولى ( ويرد عليه ) ما تقدم من استقرار الظهور الاطلاقي لكل واحد منها عند عدم اتصال الكلام الذي وقع به التخاطب بما يصلح لتقييده ( ومجرد ) كون احد الاطلاقين شمولياً غير موجب لخروج الافراد في الاطلاق البدلى عن كونها متساوية الاقدام في مقام الاطاعة ( لان ) ذلك انما يتم في المتصلات في كلام واحد ( والا ) ففى المنفصلات لا بد في الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لاظهرية احد الاطلاقين و اقواثيته

فى تعارض الاطلاق البدلى مع الاطلاق الشمولى وتعارض بعض المفاهيم مع بعض آخر

( ومنها ) ما اذا تعارض بعض جمل ذوات المفهوم مع بعض آخر ( كتعارض ) مفهوم الغاية مع مفهوم الشرط في مثل قوله يجب الامساك الى الليل ، وقوله ان جائك زيد فلا يجب الامساك في الليل ( فان ) مفهوم الغاية تقتضي عدم وجوب الامساك في الليل ، ومفهوم الشرط يقتضي وجوبه في الليل ( وكتعارض ) مفهوم الشرط مع مفهوم الوصف بناه على كون القضية الوصفية ذات مفهوم ( حيث ) قيل في الأول بتقديم مفهوم الشرط ( لان ) ثبوت المفهوم للقضية الشرطية بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، بخلاف القضية الغائية ، فان دلالتها على انقضاء حكم ما قبل الغاية عما بعدها تكون بالوضع ( وفي الثاني ) بتقديم ظهور مفهوم الشرط على مفهوم الوصف ، لكون القضية الشرطية اظهر في المفهوم من القضية الوصفية ( ويرد ) على الاول ما ذكرناه من ان المدار في عدم البيان المقوم للاطلاق انما هو على عدمه المتصل بالكلام الذى وقع به تخاطب المتكلم في مجلس التخاطب، لا على عدمه مطلقا ولو منفصلا عنه ( فلا مجال ) لهذا الكلام في المنفصلين ، بل لا بد فيها عند الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لا ظهرية احدهما على الآخر ( وعلى الثانى ) بان الحكم باظهرية الجملة الشرطية في المفهوم من القضية الوصفية بنحو الموجبة الكلية ، غير تام ، لاختلافه باختلاف المقامات والخصوصيات المكتنفة بالكلام ومناسبات الحكم والموضوع ونحوها ، فانه بملاحظة هذه الجهات قد تكون القضية الوصفية اظهر في المفهوم من القضية الشرطية ، وقد تكون ظهورهما في المفهوم متكافئين فيتعارضان

ص: 150

( ومنها ) ما اذا دار الامر بين التخصيص والنسخ ( حيث قيل ) بتقديم التخصيص على النسخ، لكثرة الاول وشيوعه ، وقلة الثاني وندرته ( وقيل ) بتقديم الثاني ( وقبل الخوض ) في تنقيح المرام ينبغي التعرض لبيان الشقوق المتصورة للعام والخاص المتخالفين ناسخا ومخصصاً ومنسوخاً ( فنقول ) اذا ورد عام وخاص متخالفان ( فاما ) ان يكونا متقارنين ، واما ان يكونا متعاقبين ( وعلى الثانى ) فالمتقدم منها ، اما ان يكون هو العام ، واما ان يكون هو الخاص ( وعلى التقديرين ) فالخاص او العام المتأخر ( اما ) ان يكون وروده قبل وقت العمل بالمتقدم ( واما ) يكون وروده بعد وقت العمل به ( والظاهر ) ان في جميع هذه الفروض يتأنى الدوران المزبور بين النسخ والتخصيص ( فان في فرض ) تأخر العام عن الخاص كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصاً للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخاً بالعام ( كما ان ) في فرض تأخر الخاص عن العام يتصور احتمال المخصصية والناسخية للخاص المتأخر ( من غير فرق ) بين ان يكون ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام او بعده ( وهكذا ) في فرض ورودها متقارنين ، حيث يتصور احتمال المخصصية والناسخية بل المنسوخية للخاص .

في دوران الامر بين النسخ والتخصيص وبيان الشقوق المتصوره

( ولكن ) الذي يظهر من جماعة هو التفصيل بين الشقوق المذكورة للعام والخاص من حيث الناسخية تارة والمخصصية ، اخرى ، والقابلية للامرين ثالثة ( حيث ) انهم اعتبروا ( في التخصيص ) ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام لا بعده معللين ذلك بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وفي النسخ ) وروده بعد وقت العمل بالعام ( لان ) النسخ رفع للحكم الثابت الفعلى من جميع الجهات ، فلا يكفي فيه مجرد فرضية الحكم ولو بفرض موضوعه مالم يصل الى مرحلة الفعلية ، فقبل وقت العمل بالعام لا يكون الحكم الا فرضياً ( فعلى هذا الضابط ) يكون الخاص المقارن للعام والخاص الوارد بعد العام قبل وقت العمل به مخصصاً محضاً لا ناسخاً ، لعدم حكم فعلى حينئذ للعام كي يقبل النسخ ( وكذا ) في العام الوارد بعد الخاص قبل وقت العمل به ( حيث ) يكون الخاص في هذه الفروض الثلاثة

ص: 151

مخصصاً وبياناً المعام لا ناسخاً ولا منسوخاً ( ويكون ) الخاص الوارد بعد العام و بعد حضور وقت العمل به ناسخا للعام لا مخصصا لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ( فيختص ) مورد الدوران بين النسخ والتخصيص بما اذا كان الخاص مقدماً على العام ، وكان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ( اذ في مثله ) كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصاً للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخاً بالعام ( هذا ) ملخص ما افادوه في المقام من التفصيل بين الصور المذكورة ناسخاً ومنسوخاً ومخصصاً ( وقد عرفت ) ابتنائه ( على مقدمتين ) احديها قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وثانيتها ) كون النسخ رفعاً للحكم الفعلي الثابت ( ولكن لا يخفى ) ما في المقدمتين .

في قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة

( اما المقدمة الأولى ) وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( ففيه ) ان المراد من الحاجة ان كان حاجة المولى الى الفعل او الى البيان ( فالكبرى ) وان كانت مسلمة، فان التأخير حينئذ قبيح بل مستحيل ، لانه من نقض الغرض المستحيل من الحكيم حتى عند الاشعرى ( ولكن ) الصغرى ممنوعة ( اذ يمنع ) تعلق الغرض الجدي من القاء تلك العمومات لبيان المراد الواقعي ( ومجرد ) كونه وقت حاجة المكلف في العمل بالعموم ، لا يقتضي كونه وقتاً لحاجة المولى الى الفعل اوال البيان بل نفس تأخير البيان فى المنفصلات دليل على عدم حاجة المولى اليه ( وان كان ) المراد من الحاجة حاجة العبد إلى العمل ولو لم يكن وقتاً لحاجة المولي ، فقبحه غير معلوم ، بل معلوم العدم ( بداهة ) انه لا قبح فيه اذا كان التأخير عن مصلحة او جبت اخفاء الحكم الواقعى الى زمان ورود المخصص ( فيمكن ) ان تكون المصلحة في القاء الظهور الى المكلف على خلاف المراد الواقعي ليتكل عليه العبد ويكون حجة له وبياناالى ان تقتضي المصلحة بيان المراد الجدي ( وبالجملة ) اخفاء المراد الجدى مع القاء الحجة على خلاف الواقع لمصلحة مما لا قبح فيه ( كما يظهر ) ذلك من ملاحظة نصب الطرق غير العلمية في الموارد التي يؤدى الى خلاف الواقع، كما اجبنا به عن ابن قبة ببعض تقريباته ( وحينئذ ) فكما ان الوظيفة الظاهرية في موارد الطرق المنصوبة المؤدية احيانا الى خلاف الواقعيات هو الاخذ بها حجة وبياناً ، وفي غير مواردها هو

ص: 152

الرجوع الى ما يستقل به العقل من البرائة او الاحتياط ( كذلك ) في المقام ، فقبل ورود البيان على التخصيص يكون المكلف محكوما بالحكم الظاهري بالعمل على طبق العام الى مجىء البيان على المراد الواقعي بلا ورود محذور قبح في البين ( والمراد ) من الحكم الظاهري انما يكون هو الحكم المستفاد المستفاد من اصالة الظهور اصالة الظهور عند الشك في مطابقة ظهور العام للواقع ، لا ما تضمنته العمومات ( فان ) مفاد العمومات ليس الا الحكم الواقعي، فما في تقرير بعض الاعاظم من جعل الحكم الظاهري عبارة عن مفاد العمومات مبنى على المسامحة او طغيان القلم ، والا فبطلانه واضح ( و بما ذكرنا ) ظهر ان مخصصية الخاص للعام لا يتعين بوروده قبل وقت العمل بالعام ، بل كما يصلح للمخصصية في الفرض المزبور يصلح للمخصصية ايضا في فرض وروده بعد وقت العمل بالعام ، فيمكن ان تكون المخصصات المتأخرة الواردة عن الأئمة ( علیهم السلام ) هي المخصصات حقيقة ، لا انها كاشفات عن اتصال كل عام حين صدوره بمخصصه ( وتوهم ان ) مصلحة الحكم الواقعي الذي هو مفاد المخصصات المنفصلة ان كانت تامة فلا بد من اظهاره والتكليف به من الاول ( وان لم تكن ) تامة ولو بحسب مقتضيات الزمان بان يكون للزمان دخل في الملاك فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون مفاد العام حكما ظاهريا، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام الى زمان ورود الخاص ، وفي مثله يكون الخاص المتآخر عن وقت العمل بالعام ناسخاً لا مخصصاً ( مدفوع ) بما ذكرنا من ان مجرد تمامية ملاك الحكم الواقعى في المخصصات المنفصلة لا يلازم وجوب اظهاره والتكليف به من الاول ، لا مكان ان يكون فى التأخير مصلحة ولو كانت هي التسهيل على المكلفين في الصدر الاول او جلب رغبتهم في الاطاعة والعبودية او غير ذلك ( فيمكن ) حينئذ ايكال اظهاره الى اوصيائه عليهم السلام مع اعطاء الحجة فعلا على خلاف الواقع .

هل يكون النسخ رفعاً للحكم الفعلى الثابت اولا

( واما المقدمة الثانية ) ففيها منع كون النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت الفعلى من جمع الجهات ( بل نقول ) انه يكفي في صحته مجرد ثبوت الحكم ولو بمرتبة انشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه في مقابل عدمه كما في الموقتات والمشروطات

ص: 153

قبل تحقق وقتها وشرطها ( فانه ) كما يصدق على جمل مثلها نه ايجاد للحكم كذلك يصدق على رفعه ا نه نسخ له ، بلا حتياج في صحة رفعه الى فعليته ( ولذلك ) ترى صحة النسخ في الاحكام العرفية في الموقتات والمشروطات قبل وقتها وشرطها في مثل قول المولى لعبده يجب اطعام العلماء في شهر كذا ، او ان جائك عالم فاكرمه ( وقوله ) بعد هنيئة نسخت هذا الحكم ( فاذا كان ) هذا المقدار من الثبوت في الاحكام العرفية كافياً في صدق الرفع وصحة النسخ ( كذلك ) في الاحكام الشرعية ، فيكتفي في صحة النسخ فيها كونه رفعاً لما هو المنشأ بالانشاء السابق ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الحكم وشرطه ( ثم ان ذلك ) بناء على المشهور من اناطة فعلية الحكم في الواجبات المشروطة بوجود شرائطها خارجاً ، لجعلهم الخطابات الشرعية الطلبية من سنخ القضابا الحقيقية التي يتبع المحمول فيها فى الفعلية والفرضية فعلية وج_______ود موضوعه وفرضيته ( واما ) على المختار فيها من اناطة الحكم فيها بفرض وج_____ود الشرط في لحاظ الآمر ولو طريقا الى الخارج ، لا بوجوده خارجاً كما شرحناه فى الجزء الاول من الكتاب فى مبحث الواجب المشروط في مقدمة الواجب ، فلا محالة يكون الحكم فعليا فيها، غايته منوطاً بفرض وجود الشرط في لحاظه الآمر ( ومع ) فعلية الحكم فيها قبل وجود شرائطها خارجاً ( لا بأس ) بالالتزام بصحة النسخ فيها قبل تحقق شرطها خارجاً وقبل وقت العمل بها ولو على القول بكون النسخ رفعاً للحكم الفعلى الثابت ( اذ لا يحتاج ) فى صحة النسخ حينئذ الى ازيد من فعلية الخطاب بمضمونه حسب استعداد الخطاب لها ( نعم ) لو كان المقصود من فعلية الخطاب بعمضمونه هى الفعلية المطلقة حتى بالمرتبة المساوقة لمحركية العبد فعلا نحو الامتثال ( لكان ) للاشكال المزبور كمال مجال لاحتياج صحة النسخ حينئذ الى فعلية وجود الشرط خارجا الملازم للمحركية الفعليه المساوق لوقت العمل ( ولكنه) من الاغلاط ( لوضوح ) ان هذه المرتبة من الفعلية أنما هى من شؤن تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد خارجاً ( ومثله ) كما ترى اجنبي عن مضمون الخطاب ، لكونه في مرتبة متأخرة عن الخطاب بمضمونه ، فلا يمكن اخذ هذه المرتبة في

ص: 154

مضمون الخطاب المحفوظ في مرتبة نفسه كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فلو قلنا ان النسخ رفع للحكم الفعلي الثابت ، فلا بد من أن يراد به رفع ما هو مضمون الخطاب الصادر من المولى بماله من الفعلية المناسبة له المحفوظة في المرتبة السابقة عن مرحلة المحركية الخارجية التي هي من شؤن تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد ( وبعد ) تحقق الفعلية بهذا المعنى على المختار في الموقتات والمشروطات ، لا يحتاج في صحة النسخ الى حضور وقت العمل ووجود شرائط الحكم خارجاً ( ولازمه ) بطلان التفصيل السابق ، لتساوى جميع الفروض المتقدمة للعام والخاص في صحة التخصيص والنسخ ، لدوران الامر في الخاص المتقدم على العام بشقيه بين كونه مخصصاً للعام أو منسوخاً ، وفي الخاص المتأخر عن العام بكلا شقيه بين كونه مخصصا او ناسخا ( فلا بد ) حينئذ من وجود مرجح لترجيح احد الامرين على الآخر .

في توهم ترجيح التخصيص على النسخ لكثرته ودفعه

( وبعد ذلك ) نقول : انه قد يرجح التخصيص على النسخ لكثرته وشيوعه حتى قيل ما من عام الا وقد خص ( ولان ) النسخ تخصيص في الازمان وهو اقل مورداً من تخصيص الافراد فيجب تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران ( وفيه ) اما الوجه الاول ، فيرد عليه اولا انه تفرض الكلام في اول زمان ورودها الذي لم يبلغ التخصيص بعد الى حد الكثرة ( فان الظاهر ) هو بنائهم قديما وحديثاً على تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران بينها حتى في الخصوصات الواردة في بدو الشريعة ( ودعوى ) ان المقصود من كثرة التخصيص الموجب للحمل عليه عند الدوران انما هو بالنظر الى الاحكام العرفية ، لا بلحاظ الخطابات الشرعية ، كي ينتقض بفرض ورودها في بدو الشريعة ( مدفوعه ) بمنع اكثرية التخصيص من النسخ في الاحكام العرفية ( بل الامر ) فيها يكون بالعكس ، بلحاظ ما هو الغالب من خفاء الموانع والمزاحمات الواقعية على العرف والعقلاء حين تشريعهم الاحكام وعدم اطلاعهم عليها الا بعد ابتلائهم بها ( بل ان تأملت ) ترى رجوع اكثر التخصيصات الواردة في احكامهم الى النسخ ، كما هو المشاهد بالعيان والوجدان ( وعلى فرض ) تسليم اكثرية التخصيص من النسخ في احكامهم يمنع كون مجرد الاكثرية موجباً

ص: 155

لترجيح احتمال التخصيص ما لم تكن بمثابة توجب انس الذهن به ( واما الوج______ه الثاني ) ففيه مضافاً الى ما أوردناه على الوجه الاول ، انه يمنع كون النسخ تخصيصاً في الازمان الراجع الى التصرف الدلالي ( بشهادة ) صحة النسخ عقيب العموم الازماني ولو بزمان يسير بلا استبشاعه ( في مثل ) قوله اكرم زيدا في كل يوم اوكل زمان ، وقوله عقيب ذلك بزمان يسير نسخت هذا الحكم خصوصاً قبل حضور وقت العمل بالعام ( فانه ) لو كان النسخ تخصيصا في الازمان يلزم في نحو المثال التخصيص المستهجن بل القبيح لكونه من التخصيص المستوعب لجميع افراد الازمنة ( فصح_ة ) النسخ في نحو المثال اقوى شاهد على عدم ارتباط النسخ ب__اب التخصيص الذي هو من التصرف الدلالي ( بل التحقيق ) في النسخ كما بيناه في مبحث العام والخاص كونه من سنخ التصرفات الجهتية الراجعة إلى التصرف في جهة الحكم ، بعدم كونه مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له ، لا الى التصرفات الدلالية الراجعة الى عدم كون الدلالة مطابقاً للمراد الجدي ( ففرق ) واضح حينئذ بين التخصيص والنسخ

فى بيان عدم كون النسخ تخصيصاً في الازمان

( فان ) في باب التخصيص يكون المراد الجدى من العام على خلاف مدلوله ، فيكون الخاص يتكفله للتصرف في الدلالة مبيناً لما هو المراد الجدى من العام ( بخلاف ) باب النسخ ، فان المراد الجدى فيه يكون على طبق مدلول العام بما هو عام ، غاية الامر لا تكون ارادة الجد بالمدلول لبيان الجد بالمراد الواقعي ، كما في التقية وبذلك يكون النسخ تصرفاً في الحكم المجعول في المورد ومبيناً لعدم كونه مجعولا على طبق الجد بالواقع على حسب المقتضيات الموج_______ودة في موضوعه ، من غير فرق بين ان يكون النسخ راجعاً الى اصل ثبوت الحكم ، اوالي دوامه واستمراره من بيان انتهاء أمده أو ابتلائه بالموانع والمزاحمات اوغير ذلك من الوجوه في التي تقتضي الحكمة تحميل شيء على المكلف لامتحان او غيره على خلاف الجهات الواقعية الموجودة من اظهار اصل ثبوت الحكم أو دوام______ه واستمراره مع علمه بانه ليس له في الواقع ثبوت ولا دوام واستمرار ، لوجود

ص: 156

الموانع والمزاحمات المهمة في نظره مع قيام المصلحة على اخفائها على المكلف الى غير ذلك من الوجوه التي يصحح بها النسخ الوارد في الاحكام الشرعية ، بلا ورود محذور جهل او تغيير ارادة في ساحة قدسه سبحانه تعال الله عن ذلك علواً كبيراً ( وكيف كان ) فقد يقال في ترجيح التخصيص على النسخ عند الدوران بوجوه اخر

فيما ذكره بعض الاعاظم فى وجه تقديم التخصيص على النسخ و بيان دفعه

( منها ) ما عن بعض الاعاظم قده من ان النسخ متوقف على ثبوت حكم العام لما تحت الخاص من الافراد من الأول ( ومقتضى ) حكومة اصالة الظهور في طرف الخاص على اصالة الظهور في العام هو عدم ثبوت حكم العام لافراد الخاص ، فيرتفع موضوع النسخ ( وفيه ) انه يتم ذلك بناء على ما سلكناه من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق واستقراره بعدم البيان على التقييد متصلا بالكلام الذي وقع به التخاطب ( واما ) على مختاره من تعميم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة لمطلق البيان ولو منفصلا وتحكيم الظهور الوضعى على الظهور الاطلاقي حتى في المنفصلين : لا مجال لتحكيم اصالة الظهور في الخاص في المقام على اصالة العموم في العام بعد كون ظهور الاول في الدلالة على ثبوت مدلوله من الاول بمقتضى الاطلاق ومقدمات الحكمة وظهور العام فيه بالوضع ( ومنها ) ترجيح التخصيص عليه بما يرجح التصرف الدلالي على التصرف الجهتي عند الدوران بين التخصيص والتقية ، من الجمع بين السندين مها امكن ( بتقريب ) ان الحمل على النسخ يوجب الغاء التعبد بسند المنسوخ رأساً ، لعدم انتهاء الامر في التعبد به الى اثر عملى لا بالنسبة الى الازمنة المتقدمة لخروجه من محل الابتلاء حتى باثره ، ولا بالنسبة الى الازمنة المتأخرة لفرض منسوخيته ( بخلاف ) الحمل على التخصيص فانه معه يبقى للعام مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده ( فعند الدوران ) بين النسخ والتخصيص ، يكون اصالة التعبد بسندهما مها امكن مرجحاً للتصرف الدلالي على التصرف الجهتي ( وفيه ) انه لو تم ذلك ، فأنما هو في الخاص المتقدم ، لما يلزم من فرض منسوخيته بالعام المتأخر طرح اصل مضمونه الموجب للغوية التعبد بسنده ايضا ( واما ) في الخاص المتأخر عن العام ( فلا مجال ) لهذا الكلام ( لبقاء )

ص: 157

العام على حاله فى بعض مدلوله بالنسبة الى بقية الافراد المندرجة تحته على تقديرى مخصصية الخاص وناسخيته ، بلا انتهاء الأمر فيه الى لغوية التعبد بسنده

وجه تقديم التخصيص على النسخ هو الاصل الجهتى المقدم رتبة على الاصل الدلالي

( ومنها ) ان تقديم التخصيص على النسخ انما هو من جهة اقتضاء الاصل الجهتي وتقدمه الرتبي على الاصل الدلالي ( وبتقريب ) ان اصالة الظهور انما تجري في الظهورات الصادرة لبيان الحكم الواقعي ، فيكون الاصل الجهتي كالاصل السندي منقح موضوع الاصل الدلالي وفي رتبة متقدمة عليه ، لكونه مثبتاً لصدور الظاهر لبيان الحكم الواقعي ، لا لتقية ونحوها ( ولازم ذلك ) هو جريانه في المرتبة السابقة على الاصل الدلالي بلا معارض في مرتبة جريانه ( وبعد ) جريانها لا بد من التخصيص والتصرف الدلالى فى العام ( من غير فرق ) بين ظهور الخاص على فرض المخصصية في ثبوت مدلوله من الاول، وبين عدم ظهوره في ذلك او ظهوره في ثبوت مدلوله من الحين ( وان كان ) على الاخير لا ثمرة عملية بين النسخ والتخصيص ، للعلم بحجية ظهور العام ومرجعيته على كل تقدير الى حين صدور الخاص ، ولزوم الاخذ بالخاص ورفع اليد عن عموم العام بعد صدور الخاص كذلك ( وفيه ) ان مجرد تقدم الطبعى لبعض هذه الاصول لا يقتضى الاناطة والشرطية بين بعضها وبعض الآخر في مقام الحجية ( لوضوح ) ان الانتهاء الى العمل شرط في التعبد بكل واحد من الأصول الثلاثة اعنى اصالة الصدور والجهة والظهور ( وبعد ) ان كان الانتهاء الى العمل منوطاً بسد الاحتمالات الثلاثة من احتمال عدم الصدور وعدم كون الصادر لبيان غير الحكم الواقعي ، وعدم مخالفة الظاهر لماهو المراد الواقعي ( فلا محالة ) يكون مجموع الاصول الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الاثر العملي يحيث بانتفاء بعضها ينتفى الاثر فينتفي التعبد عن البقية من غير ترتب في هذه المرحلة لبعضها على البعض الآخر بحيث يكون بعضها مأخوذاً في موضوع الآخر ( نعم ) هى متلازمات في مقام الحجية بحيث لا يكون بعضها حجة الا في ظرف حجية الآخر لاجل ان الاثر العملي لا يكون إلا في ظرف حجية الجميع ، نظير اجزاء المركب المأمور به في كونها متلازمات في مقام الاتصاف بالوجوب بلا اناطة

ص: 158

بعضها بوجود غيره ( ولازم ) ذلك عدم تقدم احد هذه الاصول الثلاثة الجارية في السند أو الجهة أو الدلالة على الآخر في مقام الجريان على وجه يكون جريان بعضها منقحا لموضوع الآخر وفي رتبة متقدمة على جريانه ( بل اللازم ) في مثله تزاحم الاصول الثلاثة عند العلم يمخالفة بعضها للواقع وسقوطها عن الاعتبار الافي الموارد التي يبقى مقدار من الظهور والدلالة القابلة للاخذ بها ، فيؤخذ حينئذ بالجميع بملاحظة العمل المترتب عليه بالنسبة الى هذا المقدار ، كما في موارد الجمع الدلالي العرفي ( وعلى ذلك ) فبعد عدم مرجح خارجي لتقديم التخصيص على النسخ ينتهى الامر الي الاصول العملية ( فاذا كان ) الخاص مقدماً على العام ، كان المرجع بعد تعارض اصالة الجهة في الخاص مع اصالة الظهور في العام وعدم مرجح لاحدهما ، هو استصحاب حكم الخاص المتقدم ( واما ) اذا كان الخاص متأخراً عن العام فان كان الخاص واردا قبل وقت العمل بالعام، فلا ثمرة تترتب على كونه ناسخاً أو مخصصاً ( لان ) العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص المتأخر ( وان كان ) وارداً بعد العمل بالعام ، فان لم يكن له ظهور في ثبوت مدلوله من حين ورود العام ، فلا اشكال في ان المتبع هو اصالة العموم الى حين ورود الخاص، لجريان كل من الاصل الجهتي والدلالي في العام الى حين ورود الخاص ، وبعد ورود الخاص يكون المتبع هو الخاص على كل تقدير ( وان كان ) له ظهور في ثبوت مدلوله من الاول ، فبالنسبة الى الازمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاص ، لا يترتب اثر عملى على كونه ناسخاً أو مخصصاً ، لان العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص دون العام ناسخاً كان أو مخصصاً ( واما بالاضافة ) الى الازمنة المتقدمة عن ورود الخاص ، فيدور الأمر في العام بين التصرف في ظهوره أو التصرف في جهته ( ولكن ) طرف المعارضة بدواً لما كان هو اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مدلوله من الاول لمنافاته مع قضية ظهور العام في العموم ، ( فلا جرم بعد تساقطهما یجري ) عليه حكم التخصيص اذا كان مف__اد الخاص نقيضاً لحكم العام ، وحكم النسخ اذا كان ضدآ له ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب اثر عملي على هذه الفروض بالنسبة الينا مع تأخر زماننا عن

ص: 159

زمان ورود العام والخاص لخروج ذلك كله عن محل ابتلائنا حتى بلحاظ آثارها ( فان الواجب علينا ) هو الاخذ بالخاص المتأخر والعمل على طبقه ناسخاً كان أو

مخصصاً ( نعم ) في الخاص المتقدم على العام يترتب ثمرة عملية مهمة على كونه مخصصاً أو منسوخاً ( ولكن ) عرفت ، ان المرجع فيه بعد سقوط الاصل الجهتي في الخاص بالمعارضة مع الاصل الدلالي في العام هو استصحاب حكم المخصص ( هذا كله ) اذا كان التعارض بين الدليلين لا اكثر .

في بيان صور التعارض بين اكثر من دليلين و بيان ما اذا ورد عام و خاصان متبائنان

( الامر الخامس ) اذا كان التعارض بين أكثر من دليلين ، ففيه صور كثيرة ( الصورة الاولى ) ما اذا ورد عام و خاصان متباثنان ، كما لو قام دليل على وجوب اكرام العلماء ، وقام دليل آخر على عدم وجوب اكرام الكوفيين من العلماء ، وقام دليل ثالث على عدم وجوب اكرام البصريين من العلماء ( فان النسبة ) بين قوله اكرم العلماء ، وبين كل من قوله لا يجب اكرام الكوفيين ، وقوله لا يجب اكرام البصريين فى العموم المطلق ( وبالنسبة ) بين كل من الخاصين مع الآخر هي التباين ( ولا اشكال ) فى تخصيص العام بكل واحد من الخاصين اذا لم يلزم منه التخصيص المستهجن ، أو بقاء العام بلا مورد ( واما ) اذا لزم منه التخصيصا لاكثر المستهجن أو التخصيص المستغرق ( فلا بد ) في مثله من معاملة التعارض بين العام و مجموع الخاصين باعمال المرجحات السندية ( فان ) اخذ بالخاصين ترجيحا او تخييراً طرح العام ولا تعارض بينهما ( وان اخذ ) بالعام كذلك، فحيث ان المعارض للعام هو مجموع الخاصين دون الجميع ، يقع بين الخاصين تعارض بالعرض فيعامل معها معاملة المتعارضين ( فان كان ) لاحد الخاصين مزية على الآخر يؤخذ به ويخصص به العام ويطرح الآخر ( والا ) فيؤخذ باحدهما تخييراً ويخصص به العام ويطرح الآخر ( ثم ان ذلك ) اذا لم يكن بين الخاصين معارضة ذاتية كما في المثال ، والا فلا بد من اعمال الترجيح بينها اولا ، ثم تخصيص العام بالراجح منها ولا وجه حينئذ لاعمال الترجيح فى العام لانه فرع معارضة الخاصين معه ، فاذا كان الترجيح بمنها اقتضى قصر الحجية بذى المرجح منها يسقط الآخر عن صلاحية المعارضة

ص: 160

مع العام ولو بضميمة غيره ، فينحصر المعارض للعام بالخاص الراجح فيخصص به العام لا قوائية دلالته منه ( هذا ) اذا كان الخاصان متساوى الافراد بمعنى عدم اباء العام عن تخصيصه بكل واحد منها منفرداً ( واما ) اذا كان احد الخاصين اكثر افرادا من الآخر بحيث يأبى العام عن تخصيصه به بانفراده ( فلا شبهة ) في انه يخصص العام بالخاص الآخر الذي لا يلزم من التخصيص به محذور الاستهجان ، ويعامل مع ما يلزم منه المحذور معاملة التباين ، الا اذا فرض كون العام اصنافيالا افرادياً ، فلا بضر حينئذ كثرة افراده بتخصيص العام به كما هو ظاهر .

فى بيان ورود عام وخاصان بينهما العموم المطلق

( الصورة الثانية ) ما لوورد عام و خاصان بينها العموم المطلق ، كقوله اكرم العلماء ، وقوله لا تكرم النحويين منهم ، ولا تكرم الكوفيين من النحويين ( فان ) النسبة بين العام وبين كل واحد من الخاصين هى العموم المطلق ( والنسبة ) بين الخاصين أيضاً هي العموم المطلق ( و تحقيق ) الكلام في حكم هذا القسم هوالحكم في الخاصين ، اما ان أحرز كونه على نحو وحدة المطلوب ( واما ) ان احرز كونه على نحو تعدد المطلوب بان يكون اكرام مطلق النحوى مبغوضاً ، واكرام الكوفي من النحوى مبغوضاً آخر بنحو الاشد ( فعلى الاول ) يخصص العام باخص الخاصين ( لانه ) كما يخصص به العام ، يخصص به الخاص الاعم أيضاً حسب احراز وحدة المطلوب فيها ( ومع ) تخصيصه به يخرج عن الحجية فيما عدى مورد الاخص ، فلا يصلح للمعارضة مع العام كي تلاحظ النسبة بينه وبين العام فيخصص به ، بل العام يبقى على حجيته في ما عدى مورد الخاص الاخص وهو الكوفي النحوى من غير ان يزاحمه حجة اخرى ( وعلى الثاني ) وان يبقى المجال في بدو الامر لتخصيص العام بكل من الخاصين ( ولكن ) بعد خروج اخصها من حكم العام على كل تقدير اما مستقلا واما في ضمن الخاص الاعم ، ينقلب النسبة بين العام وبين الخاص الاعم الى العموم من وجه لان النحوى يعم النحوى و غيره ( فعلى القول ) بالانقلاب كما هو مسلك جماعة ، تقع المعارضة بينهما في مورد الاجتماع وهو النحوى غير الكوفي ، حيث كان مقتضى العام وجوب

ص: 161

اكرامه ، وكان مقتضى الخاص الاعم حرمة اكرامه ( لا يقال ) انه لا وجه لتخصيص العام اولا باخص الخاصين ، ثم ملاحظة النسبة بين الباقي تحت العام وبين الخاص الاعم ( بل اللازم ) بعد تسوية نسبة العام الى كل من الخاصين هو تخصيص العام بكل منها دفعة ( فانه يقال ) ان تخصيص العام باخص الخاصين قهرى للعلم بعدم حجية العام بالنسبة اليه لخروجه عن تحته على كل تقدير ( وحينئذ ) فعلي القول لا محيص من لحاظ نسبة العموم من وجه بين العام وبين الخاص الا الاعم ، لا نسبة العموم المطلق بينها كما هو ظاهر ( نعم ) على المختار من عدم انقلاب النسبة في التخصيصات المنفصلة كما سيأتي تحقيقه انشاء الله تعالى يخصص العام بها جميعاً

فى ميزان استهجان التخصيص او قبحه

( وهذا ) اذا لم يلزم من تخصيص العام بكل من الخاصين التخصيص المستهجن أو المستوعب ( واما اذا لزم ) منه ذلك ، فحيث ان المحذور لا يكون الامن جهة عدم صلاحية الاعم من الخاصين لتخصيصه والا فصلاحيته لذلك ملازم لصلاحية الاخص ايضا لتخصيصه ( فلا محالة ) لا بد من تخصيصه بالخاص الاخص والرجوع الى المرجحات السندية بين العام والخاص الاعم كما اشرنا اليه آنفاً ( وبما ذكر نا ) انقدح عدم صحة ما عن بعض الاعاظم قده من الحاق حكم هذا القسم بالقسم الاول خصوصا على مختاره من انقلاب النسة ، فراجع كلامه قده ترى فيه مواقع للنظر .

( تبصرة ) اعلم ان العبرة في استهجان التخصيص أو قبحه انما هو على لغوية القاء العام الى المكلف مع التخصيص الكثير او المستوعب ( وهذا المحذور ) انما يتحقق اذا كان الخاص مستوعباً للعام بما له من الافراد الفعلية والفرضية ( والا ) فمجرد استیعا به لافراده الفعلية لا يوجب لغويته ، فاذا ورد دليل على وجوب اكرام العلماء ، ودليل آخر على حرمة اكرام فساقهم يخصص به العام المزبور وان كان مستوعباً لافراده الفعلية ( اذ يكفي ) في عدم لغوية العام ان يكون له افراد فرضية بعد التخصيص ( نعم ) انما يرد المحذور فيما اذا كان مفاد العام على وبينها كما لا يخفى. نحو القضية الخارجية، نظير قوله كل من في الدار هلك ، لا على نحو القضية

ص: 162

الحقيقية ( وعلى هذا ) الضابط يختلف الحال في ورود محذور التخصيص المستهجن والقبيح وعدم وروده باختلاف الموارد حسب كون مفاد العام وكذا الخاص على نحو القضية الحقيقية او الخارجية ( فكل مورد ) يكون مفاد العام والخاص على نحو القضية الخارجية يتحقق المحذور باستيعاب الخاص للافراد الفعلية الخارجية فيرجع الى المرجحات السندية بين العام والخاص ( وكل ) مورد يكون مفادها على نحو القضية الحقيقية الناظرة الى الافراد الفعلية والفرضية ، فلا يتحقق المحذور الا باستيعاب الخاص لجميع افراده الفعلية والفرضية ،اولا كثرها ، لا بصرف استيعابه للافراد الفعلية كما هو ظاهر ( الصورة الثالثة ) ما اذا ورد عام وخاصان تكون النسبة بينها العموم من وجه ، كما اذا قال اكرم العلماء ، ثم قال لا تكرم النحويين ، وقال ايضاً يستحب اكرام الصرفيين ( فان ) النسبة بين قوله اكرم العلماء وبين كل من قوله لا تكرم النحويين ويستحب اكرام الصرفيين هي العموم المطلق ، والنسبة بينها هي العموم من وجه ومجمع التصادق فيها هو النحوى الصرفي ( وحكمه ) انه يخصص العام بكل واحد من الخاصين امع الامكان حتى بالنسبة الى مجمع تصادق الخاصين ( ومع ) عدم امكان تخصيصه بها يرجع الى التفصيل الذي ذكرناه في الصورة الاولى ( لا يقال ) ان في مجمع تصادق الخاصين يسقط الخطابان عن الحجية بالمعارضة ، فلا وجه لتخصيص العام بها حتى في مجمع تصادقها ( بل لا بد ) حينئذ من ان يكون العام مرجعاً بالنسبة الى المجمع بعد تعارض الخطابين وتساقطها فيه عن الحجية ( فانه يقال ) ان سقوط الخطابين عن الحجية في المجمع انما هو بالنسبة الى مدلولها المطابق ( واما ) بالنسبة الى مدلولها الالتزامي في نفي الثالث فها على حجيتها ، ولازمه هو خروج المجمع عن تحت العام وكونه محكوماً بغير حكمه ، وسيأتي تنقيح البحث في ذلك انشاء الله تعالى .

فى ورود عامان بينهما العموم من وجه وخاص

( الصورة الرابعة ) ما اذا ورد عامان بينها العموم من وجه وخاص ، كما اذا قال أكرم النحويين ، ثم قال لا تكرم الصرفيين ، وقال ايضا يستحب أكرم النحوى غير الصرفى ( فتارة ) يكون مفاد الخاص اخراج مورد اقتران احد العامين كما في

ص: 163

المثال ( واخرى ) يكون مفاده اخراج مورد اجتماع العامين . كقوله يستحب اكرام الصرفي من النحويين ( فعلى الاول ) تنقلب النسبة بين العامين بعد التخصيص الى العموم المطلق ( لانه ) بخروج النحوى غير الصرفي يختص قوله لا تكرم النحويين بالنحويين من الصرفيين ، فتصير النسبة بينه وبين قوله لا تكرم الصرفيين هي العموم المطلق ( وعلى الثاني ) تنقلب النسبة بين العامين بعد اخراج مورد الاجتماع الى التباين ، لاختصاص قوله لا تكرم النحويين بما عدا الصرفيين ، وقوله لا تكرم الصرفيين بما عدا النحويين ، فتوجب هذا الانقلاب على القول به في مقام اخذ النسبة لنحو جمع بين العامين المزبورين .

فى ورود عامان متعارضان بالتبائن و بیان انقلاب النسبة

( الصورة الخامسة ) ما اذا ورد عامان متعارضان بالتباين ، كقوله اكرم العلماء ، وقوله لا تكرم العلماء ( فانه ) بملاحظة ورود دليل ثالث قد يقال بانقلاب النسبة بينها من التباين الى العموم المطلق تارة ، والى العموم من وجه اخرى ( فالاول ) ما لو كان مفاد دليل الثالث اخراج عدول العلماء ن قوله لا تكرم العلماء ، او اخراج فساق العلماء من قوله اكرم العلماء ( فانه ) تنقلب النسبة بذلك بين العامين الى العموم المطلق ( ومن ذلك ) الادلة الدالة بعضها على إرث الزوجة من العقار مطلقا و بعضها على عدم ارثها منها مطلقا، وبعضها على ارثها من المقار ان كانت ام ولد ( والثاني ) في الوورد دلیل رابع يوجب تخصيص قوله اكرم العلماء بالفقهاء منهم ( فانه ) بعد هذا التخصيص تنقلب النسبة بين قوله اكرم العلماء وبين قوله لا تكرم العلماء بعد تخصيصه بما عدى العدول الى العموم من وجه ( وهكذا ) الكلام في النسبة بين اكثر من دليلين ، كقوله اكرم العلماء ، ولا تكرم الفساق ، ويستحب اكرام الشعراء ( فان ) النسبة بين كل واحد من الادلة الثلاثة مع الآخر هى العموم من وجه ( وبعد ) ورود دليل رابع على اخراج مجمع التصادق فيها وهو العالم الفاسق الشاعر تنقلب النسبة بينها من العموم من وجه الى التباين ( وعلى ) اخراج مورد الافتراق عن احدى الادلة الثلاثة تنقلب النسبة بينه وبين الآخرين الي العموم المطلق ، وهكذا ( فانه ) قد يتوهم كون المدار في ملاحظة كون الا دلة متعارضة او

ص: 164

غير متعارضة على هذه النسبة المنقلبة بعد تخصيص بعض الادلة ببعضها لا على النسبة الأولية المتحققة بينها .

في تقريب وجه انقلاب النسبة بين الادلة

( وغاية ما قيل ) او يمكن ان يقال في تقريب الانقلاب ، وجهان ( احدهما ) ان التعارض انما يلاحظ بين الادلة بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الامرى ( ولا شبهة ) في ان العام المخصص بعد التخصيص يتضيق دائرة كشفه وحكايته عن الواقع ولا يبقى حيث كشفه على ما كان له قبل التخصيص ( لان ) دليل الخاص في مثل قوله لا تكرم الفساق من العلماء يكشف عن عدم كون عنوان العام في قوله اكرم العلماء تمام المراد وان المراد الجدي منه هو ما عدا الفساق فيوجب تضييق دائرة كشف العام عن المراد النفس الامري ( ومع ) تضيق دائرة كشفه وحكايته عن الواقع يلزمه انقلاب النسبة بينه وبين العام الآخر المقابل له من حيث كشفه الى العموم المطلق ( وثانيها ) ان ملاحظة النسبة بين المتعارضين لا بد ان تكون بين الحجتين بان يكون كل واحد من المتعارضين من حيث ذاته مع قطع النظر عن معارضه حجة فعلية تصح الركون اليه فى استفادة الحكم الشرعى والافتاء بمضمونه وحيث ان العام المخصص بالمتصل أو المنفصل لم يكن حجة فعلية في تمام مدلوله، وانما حجيته فيما عدا عنوان الخاص وهو المقدار الباقي تحته بعد التخصيص ( فلا محيص ) في مقام لحاظ النسبة من لحاظها بينه وبين العام الآخر في مقدار يكون حجة فعلية فيه لولا معارضه ، ولا يكون ذلك الا بعد تخصيصه بالخاص الوارد عليه ( وهذا ) معنى انقلاب النسبة بين الدليلين او الاكثر .

فى الجواب عن شبهة انقلاب النسبة

( اقول ) ولا يخفى ما فيه من الفساد ( اما الوجه الأول ) ففيه ان تعارض الادلة وان كان باعتبار كشفها عن المراد الواقعي بمعنى الدلالة التصديقية على المراد ، لا الدلالة التصورية ( ولكن ( المدار في الحجية في باب الالفاظ بعد ان كان على الكاشفية النوعية الحاصلة من القاء الظاهر في مقام الافادة والاستفادة ، لاعلى الكاشقية الفعلية المنافية مع الظن بالخلاف ( نقول ( انه مع انعقاد الظهور النوعي العمومي للعام الملقى في مقام الافادة والاستفادة وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة

ص: 165

على التخصيص ، لعدم اقتضاء الخاص المنفصل الاقصر حجية ظهور المدلول ورفع اليد عن البعض الآخر ( لا يبقى ) مجال دعوى انقلاب النسبة بين العام المخصص، بالمنفصل بعد التخصيص و بين العام أو الخاص الآخر المنفصل ( ولا فرق ) في ذلك بين ان يكون المتكلم من عادته افادة مرامه بكلامين منفصلين ، أو لم يكن كذلك ( فان ) مثل هذه العادة غير مغيرة للمكاشفية النوعية التي عليها مدار دلالة الالفاظ على المراد الجدي ، بل غاية ما تقتضيه هو عدم ترتب الاثر على ظهور كلام مثله قبل الفحص عن القرينة المنفصلة على خلاف ما يقتضيه ظهور كلامه ( ولذا ) لا يكون الظفر بالقرينة على التخصيص الارافعاً لحجية ظهوره لا كاشفاً عن عدم ظهوره من الاول ولا رافعاً لظهوره بعد انعقاده ( نعم ) لو قلنا ان القرائن المنفصلة كالمتصلة منها تكون كاسرة لاصل ظهور الكلام ودلالته على المراد ( أو قلنا ) ان مناط الحجية في الظهورات على الكاشفية الفعلية عن المراد الجدى ( لا تجه ) القول بانقلاب النسبة في الموارد المذكورة ، لارتفاع الظهور النوعي العمومي للعام على الاول ، وارتفاع كاشفيته الفعلية عن المراد الواقعى على الثاني بقيام القرينة المنفصلة على التخصيص ( ولكن ) المبنيين مع كونها سخيفان في نفسها لا يلتزم بها القائل بالا نقلاب ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الجواب عن الوجه الثاني ( اذ نقول ) ان التعارض في الادلة وان كان بين الحجتين ، للزوم ان يكون كل من المتعارضين في نفسه مما يصح الركون اليه لولا المعارض ( ولكن ) الكلام في الظهور الذي هو موضوع الحجية وانه ليس ظهورا آخر وراء ما يقتضيه العام اولا من الظهور النوعي العمومي ( لما ذكرنا ) من ان نتيجة التخصيص بالمنفصل ليست الاقصر حجية ظهور العام ببعض مدلوله ورفع اليد عنه ببعضه الآخر ( ومن البديهى ) ان قصر حجيته ببعض مدلوله غير موجب لقلب دلالته النوعية على العموم ، ولا لاقوائية دلالته في مقدار حجيته ( لان ) ظهوره ودلالته في مقدار حجيته انما هو بعين ظهوره ودلالته على تمام مدلوله قوة وضعفاً لا بظهور آخر غيره ( وحينئذ ) فاذا كان هذا الظهور مساوياً او اضعف من ظهور غيره ، فكيف يقدم ظهوره في مقدار الحجية على ما كان مساوياً أو أقوى

ص: 166

ظهوراً منه بصرف اخصيته ( وتوهم ) ان الخاص اينما وجد يقدم على العام ولو كان ظهوره مساويا أو أضعف من ظهور العام ( مدفوع ) بانه على فرض تسليمه انما يتم في الخاص الحقيقي لا في الخاص الاعتبارى الناشيء من طرو حد اعتباري على بعض مدلول العام لاجل قصر الحجية عليه ( نعم ) لو كانت الاخصية حاصلة من قرينة متصلة بالعام لكان لتقديمه على غيره مجال ( ولكن ) أين ذلك والقرينة المنفصلة غير الكاسرة لظهوره في العموم كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالتحقيق في جميع الموارد المذكورة هو ملاحظة النسبة الاولية الثابتة بين الدليلين أو أزيد ، من التباين أو العموم من وجه أو المطلق بفرض وجود المخصص من هذه الجهة كان لم يكن ثم العمل على ما تقتضيه النسبة الأولية من التعارض أو الترجيح .

فى بيان النسبة بين ادلة ضمان العاريه

تکملة

ينبغى تتميم البحث بالاشارة الى بيان النسبة بين أدلة ضمان العارية ( فنقول ) ان الاخبار الواردة في هذا الباب على طوائف اربع

( الاولى ) ما يدل بعمومه أو اطلاقه على عدم ضمان العارية مطلقاً من غير تقييد بشيء ، كصحيحة الحلبي عن الصادق ( علیه السلام ) : ليس على مستعير عارية ضمان

وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ، وقريب منها صحيحة بن مسلم عن الباقر ( علیه السلام ).

( الثانية ) بهذا المضمون الا انه استثنى مطلق الذهب والفضة ، كرواية اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو ابى ابراهيم عليها السلام : قال العارية ليس على مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانها مضمومان اشترطا اولم يشترطا .

( الثالثة ) بهذا المضمون الا انه استثنى الدنانير ، كرواية عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله ( علیه السلام ) لا تضمن العارية الا أن يكون قد اشترط فيها الضمان الا الدنانير فانها مضمونة وان لم يشترط فيها ضماناً .

( الرابعة ) بهذا المضمون الا أنه استثنى الدراهم خاصة ، كرواية عبد الملك

ص: 167

عن أبي عبد الله ( علیه السلام ) قال ليس على صاحب العارية ضمان الا أن يشترط صاحبها الا الدراهم فأنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط ( فهذه ) طوائف أربع من الاخبار قد توافقت على عدم ضمان العارية فى غير جنس الذهب والفضة الا مع اشتراط الضمان فيها ( واما ) في جنس الذهب والفضة فقد اختلف فيها الاخبار المذكورة حيث ان مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي هو عدم الضمان فيها أيضاً ، ومقتضى البقية هو ثبوت الضمان فيها ( كما ان ) بين الطائفة الثانية وبين الطائفة الثالثة والرابعة ايضا اختلاف في مطلق الذهب والفضة ( فان مقتضى ) الطائفة الثانية ثبوت الضمان فيهما ، ومقتضى الطائفة الثالثة والرابعة نفى الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة وبينها العموم من وجه ( وأيضا ) بين الطائفتين الاخيرتين اختلاف آخر في ضمان الدرهم والدينار من حيث اقتضاء العقد السلبي في كل منها ففي ما يثبته الآخر بالعقد الاثباتي ( فلا بد ) حينئذ من العلاج بالجمع بين هذه الاخبار

فى الجمع بين ادلة ضمان العاريه

( فنق______ول ) اما الطائفتان الاخيرتان فالجمع بينهما انما هو بتقييد اطلاق العقد السلبي في كل منها بالعقد الاثباتى في الآخر ، فتصير الننيجة هي عدم الضمان الا في عارية الدراهم والدنانير ( لان ) الروايتين حينئذ بمنزلة رواية واحدة نافية للضمان الا في عارية الدراهم والدنانير ( وبهاتين ) الطائفتين يخصص عموم نفي الضمان في العارية في صحيحة الحلبي ، فيصير نفي الضمان فيها مختصاً بما عدا الدراهم والدنانير ( فيبقى التعارض ) بينهما ، وبين رواية اسحق بن عمار في الذهب والفضة المسكوكين ( فان ) مقتضى رواية اسحاق بن عمار هو ثبوت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة وان لم يكونا مسكوكين ، ومقتضى العقد السلبي في روايتي الدراهم والدنانير هو عدم الضمان فيما عدا الدرهم والدينار مطلقا ، وبينها العموم من وجه ، فيتعارضان في مجمع تصادقها ، وهو الذهب والفضة غير المسكوكين ، ويكون المرجع بعد تساقطها فيه ، عموم ما دل على نفي الضمان كصحيحة الحلبي المتقدمة من قوله ( علیه السلام ) ليس على مستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ( وقد يتوهم ) بان النسبة بين عموم ما دل على نفى الضمان ، وبين ما دل على ثبوت الضمان في مطلق الذهب والفضة بعد

ص: 168

ما كانت على نحو العموم المطلق وجب تخصيص الاول بالثاني كتخصيصه بما دل على ثبوت الضمان في عارية الدراهم والدنانير ، لما تقدم من انه اذا ورد عام وخاصان بينها العموم المطلق وجب تخصيصه بكل من الخاصين ولو كانت النسبة بين الخاصين هي العموم المطلق ( ولكنه ) مدفوع بان عدم تخصيصه به انما هو من جهة عدم حجيته لا بتلائه بالمعارضة مع ما دل على نفي الضمان فيما عدا الدراهم والدنانير ( إذ حينئذ ) يبقى عموم ما دل على نفي الضمان في العارية بالنسبة الى الذهب والفضة غير المسكوكين على حاله ، فيكون مرجعاً في مجمع التصادق عند تصادم الظهورين وتساقطها في المجمع ( هذا ) على ما اخترناه من عدم انقلاب النسبة بين الدليلين بعد تخصيص أحدهما بدليل ثالث ( واما على القول ) بالانقلاب تكون النتيجة أيضاً هي عدم الضمان في عارية غير المسكوك من الذهب والفضة ( لانه ) بتخصيص عموم نفي الضمان في العارية في صحيحة الحلبي بما دل على الضمان في الدرهم والدنانير ، تنقلب النسبة بين العام المزبور وبين ما دل على ثبوت الضمان في مطلق الذهب والفضة الى العموم من وجه وبعد تعارضها في مجمع التصادق وهو الذهب والفضة غير المسكوكين ، يكون المرجع اصالة البرائة عن الضمان في حلى غير المسكوك من الذهب والفضة ، فتكون النتيجة على المسلكين هي عدم الضمان ( غير ان ) عدم الضمان على المختار يكون من جهة الاصل اللفظى وهو عموم نفي الضمان ( وعلى مسلك ) انقلاب النسبة من جهة الاصل العملي ( ثم ان ) ما ذكرناه من مرجعية عموم نفى الضمان في عارية الذهب والفضة غير المسكوكين ، أو مرجعية اصالة البرائة على ! الآخر مبنى على تصادم كلا الاطلاقين وتساقطها ( والا ) فيمكن ترجيح تقييد اطلاق رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوك منها على تقييد اطلاق العقد السلبي في روايتي الحصر في الدرهم والدينار لاظهرية الثاني في العموم بملاحظة الاستثناء الوارد فيه من الاول في اطلاقه لمطلق الذهب والفضة ( واما ) توهم بعد تقييد اطلاق رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوك منها لكونه من التقييد بالفرد النادر المستهجن عرفاً ( لان ) الغالب في عارية الذهب

ص: 169

والفضة هو عارية الحلي غير المسكوك ، لانه هو الذي يستعار للزينة ، فيكون حمل اطلاق رواية ضمان عارية الذهب والفضة على المسكوك منها حملا له على الفرد النادر ( فمدفوع ) اولا بمنع ندرة عارية المسكوك من الذهب والفضة خصوصاً مع كثرة الحلي المتخذ منها ( وثانيا ) ان حمل المطلق على الفرد النادر انما يستهجن اذا لم يكن المتكلم متكفلا لبيان الفرد النادر ، والا فلا استهجان فيه ، وبعد تكفل روايتي الدرهم والدينار لبيان حصر الضمان في العارية بخصوص المسكوك من الذهب والفضة ابن يبقى المجال للتوهم المزبور ( ولا اقل ) من تصادم الاطلاقين فى المجمع وعدم ترجيح احدهما على الآخر ، فيكون المرجع فيه عمومات نفي الضمان في مطلق العارية التي لم يتصل بها استثناء الدراهم والدنانير ( هذا كله ) اذا كان لاحد المتعارضين مزية في الدلالة تقتضي الجمع العرفي بينها ( واما ) اذا لم يكن لا حدها مزية تقتضي ذلك بان كانا متكافئين في الدلالة ( ففيه ) يقع الكلام في مقامين ( الاول ) في حكم المتعارضين بالنظر الى ما يقتضيه الاصل الاولى في المتعارضين بلحاظ عموم دليل الحجية من انه هو التساقط وفرضها كان لم يكونا او هو التخيير ( الثانى ) فى بيان حكمها بالنظر الى ما يستفاد من الاخبار العلاجية من الترجيح او التخيير .

في تأسيس الاصل فى المتعارضين من التساقط او التخيير

اما المقام الاول

فالبحث فيه يقع ( تارة ) على الطريقية في الامارات ( واخرى ) على السببية والموضوعية فيها ( فيقول ) ان تحقيق الكلام في المقام ، هو أن يقال ان التنافي بين الخبرين او ازيد ( اما ان يكون ) من جهة العلم الاجمالي بكذب احد الخبرين مضموناً للواقع ، لتناقضها او تضادها اما ذاتاً او غرضاً ، كما في مثال وجوب صلاة الظهر ووجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة ،مع احتمال صدور الخبرين معاً عن الامام ( علیه السلام ) ( واما ان يكون ) التنافى بينها من جهة العلم بعدم صدور كلا الخبرين

ص: 170

من الامام ( علیه السلام ) ولولاشتباه احد الراويين في حكاية صدور مضمون الخبر عن الامام ( علیه السلام ) ، مع احتمال مطابقة كلا المضمونين للواقع بعكس الفرض الاول ( فانه ) لاجل العلم الاجمالى المزبور يقع التنافي بين الخبرين بلحاظ صدورهما عن الامام ( علیه السلام ) لا بلحاظ مضمونها الاحتمال مطابقتها للواقع ( ولا يخفى ) ان مورد الكلام الذي انعقد هذا البحث لاجله من الحكم بالجمع أو الترجيح أو التخيير انما ه____و في خصوص الفرض الاول ( واما ) الفرض الثانى فهو خارج عن مصب هذه الاحكام ، فلا تجرى فيه الجمع العرفي بين الاظهر والظاهر ولا الترجيح والتخيير ( لان ) ذلك كله فرع تنافي الخبرين بمضمونها للواقع ( بل الحكم ( فيه عند كون الخبرين نصين في المؤدى هو وجوب الاخذ بسند كل منها والعمل علي طبقه لعدم مخالفة عملية من اعمال كل من التعبد بن فيها ( و مجرد ) العلم الاجمالي بعدم صدور احد الخبر بن عن الامام ( ع )، لا يضر بالاخذ بالامر الطريقي في كل منها بعد عدم سراية العلم الاجمالي من متعلقة الذي هو العنوان الاجمالى الى الخارج، وكون كل من الخبرين بعنوانه التفصيلي محتمل الصدور ( اذ في مثله ) لا قصور في شمول دليل السند لكل منها بعنوانه التفصيلي و تتميم كشفه ( كما ان ) عدم شمول الامر الطريقي لما هو معلوم الكذب بنحو الاجمال ، لا يمنع عن شموله لكل منها بعد كون كل منها محتمل الصدق بعنوانه الخاص وقابليته لتتميم كشفه ( وحكمة ) الأوامر الطرقية التي هي غلبة الايصال ايضا غير مانعة عن شمولها لمثل الفرض ( وتوهم ) ان المدلول الالتزامي في التعبد بكل من السندين لما كان نافياً لصدور الآخر بمقتضى العلم الاجمالى ، امتنع دخولهما معاً تحت دليل الحجية لاد ائله الى التناقض ، ودخول احدها بعينه تحته دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، فلابد من الحكم بخروجها معاً عن تحت دليل السند ( مدفوع ) بانه كذلك اذا كان الخبران متناقضى المضمون ( واما ) اذا لم يكونا متناقضى المضمون ، فلا اثر لمدلولها الالتزامى خصوصاً بعد كون الخبرين نصين في المؤدى ( اذ لا اثر ) حينئذ لمجرد عدم صدور الخبر عن الامام ( علیه السلام ) كى يترتب ذلك على ما يقتضيه المدلول الالتزامي فيها ( وانما ) الاثر العملى على مطابقة مضمون

ص: 171

الخبر للواقع ، وعدم مطابقته ( وبعد ) عدم اقتضاء المدلول الالتزامى فيها نفي مطابقة مضمونها للواقع ، لعدم التلازم بين عدم صدور الخبر عن الامام واقعا ، و بين عدم مطابقة مضمونه للواقع ، فلا محالة يسقط المدلول الالتزامي في الطرفين عن الحجية ويكون وجوده كعدمه ( فيصير ) حال الخيرين من هذه الجهة حال الاستصحابين الجاريين في طرفي العلم الاجمالى مع عدم استلزام جريانها للمخالفة العملية ( اذ لا فرق ) بين اوامر الطرق ، وبين نهى لا تنقض من حيث كونها امرين طريقيين ( ومجرد ) اختلافها في كيفية اللسان من حيث التعرض لتتميم الكشف في اوامر الطرق وعدم التعرض له في نهى لا تنقض لا يوجب فرقا بينها من هذه الجهة ( بل الأمر ) في المقام ( اوهن ) لان فيه لا علم بمخالفة احد المضونين للواقع ، بخلاف الاستصحا بين الجاريين في طرفي العلم .

( وبما ذكرنا ) ظهر انه يمكن الالتزام بشمول دليل التعبد للامارتين المعلوم كذب احدهما مضمونا للواقع في فرض عدم حجية مدلولها الالتزامي ( كما لعله ) من هذا الباب حجية الاقرار ، فيمالو أقر بعين لواحد ثم أقر بكونها للآخر ، فأنه يحكم باعطاء العين للاول ، وباعطاء القيمة للثانى مع فرض العلم بمخالفة احد الاقرارين للواقع ( اذ بعد ) عدم حجية المدلول الالتزامي في الاقرارين من نفي استحقاق الغير للعين ، لكونه من الاقرار على الغير غير المسموع منه ( وعدم ) استلزامها المخالفة العملية الموجبة لطرح تكليف ملزم في البين لا من الحاكم ولا المقر له لكونه من العلم الاجمالي بالتكليف بين الشخصين ( فلا جرم ) يؤخذ بكل من الاقرارين بمقتضى التعبد بها بلا ورود محذور في شمول دليل التعبد لهما فيحكم الحاكم على طبق كلا المضمونين حتى على القول بطريقية الاقرار لا موضوعيته كما توهمه بعض ( كما انه بما ذكرناه ) من شمول دليل التعبد بالسند لكل من الخبرين يظهر الحال فيما اذا لا يمكن العمل بمضمون كل واحد منها من جهة العجز عن الجمع بينها ( فانه ) يصار الى التخيير في العمل بكل واحد منها برفع اليد عن اطلاق المنع عن جميع انحاء الترك في كل منها بقصره على بعضها الراجع الى جواز ترك كل

ص: 172

منهما في ظرف الاتيان بالآخر ، وعدم جوازه في ظرف ترك الآخر كما هو الشأن في كل واجب تخييرى على ما حققناه في محله ( هذا کله ) اذا كان الخبران نصين في المؤدى ( واما ) اذا كانا غير نصين في المؤدى بحيث يحتاج في ترتيب الاثر على التعبد بسندهما الى تعبد آخر بالمؤدى ( ففيه ) يسقط الخبران عن الحجية ولكن لا بمناط تصادم الظهورين ( بل من جهة ) اقتضا التعبد بكل واحد من السندين بالالتزام نفي صدور الآخر الملازم شرعاً لنفي التعبد بدلالته ايضا ( لوضوح ) ان التعبد بدلالة كل خير فرع صدوره عن الامام ( علیه السلام ) ، ومع اقتضاء المدلول الالتزامي للتعبد بكل من السندين طرح موضوع التعبد بالدلالة في الآخر ، فلا يعمها التعبد بالدلالة ( ولازمه ) عدم شمول التعبد بالسند لها ايضا لصيرورتها حينئذ في عدم الانتهاء الى الاثر العملي بمنزلة المجمل الذى لا ظهور فيه فلا يشملها دليل التعبد بالسند ، للغوية التعبد بسند ما لا يكون له ظاهر متعبد به ( ولا فرق ) في ذلك بين ان يكونا متعادلين في الدلالة ، وبين ان يكون احدهما اقوى من الآخر ( فان جهة ( الاقوالية في الدلالة غير مثمرة في هذا الفرض ( ولذا ) قلنا يخروج هذا الفرض عن موضوع الجمع العرفي بين الدلالتين ( لان ) المدار فيه انما هو في الكلامين الصادرين من متكلم واحد أو المتكلمين هما بمنزلة متكلم واحد كالاخبار الصادرة من المعصومين ( علیه السلام ) ( ومثله ) مما يقطع بعدمه في مفروض البحث ( لانه ) على تقدير كون الصادر هو الظاهر فلا وجود الاظهر حتى يقتضي التصرف في ظهوره ( وعلى تقدير ) كونه هو الاظهر فلا وجود للظاهر حتى يتصرف فيه ( وهذا ) بخلاف ما لو كان الخبران نصين في المؤدى ( اذ في مثله ) لما لا يحتاج في الانتهاء الى الاثر العملي الى التعبد بالدلالة الفرض كونها نصين في المؤدى ، فلا محالة يعمها الدليل التعبد بالسند فيؤخذ بكل واحد من الخبرين ويعمل على طبقها بلا اقتضاء المدلول الالتزامى فيها شيئاً ( وبذلك ) يظهر الحال فيما لو كان احد الخيرين نصاً في المؤدى والآخر ظاهراً فيه ( فانه ) يؤخذ بالنص منها ويطرح الآخر الظاهر ( هذا كله ) اذا كان التنافي بين الخبرين لاجل

ص: 173

العلم بعدم صدور احدهما من الامام ( علیه السلام ) واقعاً .

فى التنافى بين المتعارضين لاجل التنافي بين مدلوليهما

( واما اذا كان ) التنافي بينهما لاجل التنافي بين مدلوليهما اما على وجه التناقض او التضاد ذاتاً أو عرضاً ( فالبحث فيه ) تارة يكون على القول بالطريقية والكاشفية في الامارات ، واخرى على السببية والموضوعية فيها ( فنقول ) اما على الطريقية ، فلا ينبغى الارتياب في ان مقتضي الاصل في المتعارضين هو سقوطها عن الحجية ( وذلك ) لا لما توهم من مانعية العلم الاجمالى ، لما تكرر منا غير مرة من عدم ما نعية مجرد العلم الاجمالي عن شمول دليل الحجية لكل واحد من المتعارضين الا على مبنى سخيف وهو سراية العلم الى الخارج ( بل ) من جهة ان الدليلين المتعارضين لما كان كل واحد منها دالا على نفى الآخر اما بالمطابقة لو كانا متناقضى المصمون بالايجاب والسلب ، أو بالالتزام لو كانا متضادى المضمون كالوجوب والحرمة ، وكان اطلاق دليل حجيتيها في المدلول المطابقى والالتزامي في عرض واحد ( يمتنع ) دخولهما تحت دليل الحجية ، لا داء التعبد بسند كل واحد منها ما لها من المضمون مطابقة والتزاما الى التعبد بالنقيضين، وهو من المستحيل حتى فيما كان التعارض بينها عرضياً ، كوجوب صلاة الظهر ووجوب صلاة الجمعة ( واما دخول ) أحدهما بعينه تحت دليل التعبد دون الآخر ، فهو ايضا ممتنع لكونه ترجيحاً بلا مرجح ( فلا بد ) من سقوطها معاً عن الحجية ( لا يقال ) انه كذلك اذا كانا نصين في المؤدى ( واما ) اذا كانا ظاهرين فيه فلا محذور في الاخذ بالمتعارضين بمقتضى عموم دليل التعبد بالصدور ثم الجمع بينها مع عدم امكان العمل بها ولو بضرب من التأويل كما في مقطوعى الصدور ( فانه يقال ) اولا منع وجوب التأويل في مقطوعى الصدور بنحو يستخرج مراد المتكلم منها ولو ببعض المحامل البعيدة التي لا يساعد عليها العرف وطريقة المحاورة فضلا عن مظنوني الصدور ( لان ) القطع بالصدور لا يقتضى التأويل حتى يجب ذلك في مظنونه ( بل اللازم ) في مثله ، هو الحكم باجمال المراد والتوقف محضاً ( وعلى فرض ) وجوب التأويل في مقطوعى الصدور ، فأنما هو لاجل ان القطع بالصدور قرينة على عدم ارادة المتكلم ظاهر كل واحد منها

ص: 174

( وفي المقام ) لا ملزم للاخذ بسند المتعارضين حتى يلتجىء الى التصرف في ظاهرهما بضرب من التأويل ( فلا محيص ) حينئذ من القول بتساقطها ، لعدم امكان دخولها معا تحت دليل الحجية ، ولا دخول احدهما المعين لعدم المرجح .

( واما توهم ) التخيير في الاخذ بها بدعوى شمول عموم دليل الحجية للواحد منها بلا عنوان القابل للانطباق على كل واحد ولو بتوسيط اختيار المكلف ، كما لو ورد من الاول التعبد باحدهما المخير نظير التخيير في خصال الكفارة ( فمدفوع ) بان الوجوب التخييري غير متصور في مثل المقام المنتهى الى التعبد بالنقيضين ولو باعتبار المدلول المطابقي والالتزامي ( لان ) مرجع الوجوب التخييرى أنما هو إلى الأمر بكل واحد من الامرين في ظرف عدم وجود بديله، وهذا انما يتصور اذا لم يكونا ما نعتي الخلو بحيث أمكن اعمال المولوية بالنهي عن ترك مجموع الامرين ، لا في مثل النقيضين أو الضدين لا ثالث لهما مما يكون وجود الشيء في فرض عدم ضده أو نقيضه حاصلا قهراً ( نعم ) لو كان مفاد دليل التعبد وجوب الالتزام بمؤدى احد الخبرين ولو مقدمة للعمل ( لا مكن ) تصوير الوجوب التخييري في مفاد دلي_ل التعبد ، وامكن ايضا استفادته من قضية اطلاق دليل التعبد بها برفع اليد عن اطلاق كل من التعبدين في صورة الاخذ بالآخر ( ولكن ) المبنى فاسد جداً ( لوضوح ) ان متعلق وجوب التعبد في الامارات والاصول انما يكون هو العمل محضاً ، ولا يجب الموافقة الالتزامية حتى في مورد الامارات غير المتعارضة ( ومعه ) لا يتصور الوجوب التخييري بعد انتهاء الأمر في التعبد بالمتعارضين بمدلولها المطابقى والالتزامي الى النقيضين او الضدين لا ثالث لهما من وجوب الشيء وعدم وجوبه او حرمته ( هذا كله ) بالنسبة الى خصوص مؤدى الخبرين .

( واما بالنسبة ) الى نفي الحكم الثالث بمقتضى مدلولها الالتزامي ( فلا اشكال ) في عدم سقوطها في الجملة عن الحجية ( وانما الكلام ) في ان نفي الثالث هل يكون بها معاً ( او انه يكون ) باحدهما غير المعين ، حيث ان فيه خلاف ، منشئه الخلاف

ص: 175

المتقدم في سراية العلم الى الخارج وما نعيته عن صلاحية دليل التعبد للشمول لكل من المتعارضين ( فعلى المختار ) من عدم منع مجرد العلم الاجمالي بالخلاف عن شمول دليل التعبد لاطرافه بعناوينها التفصيلية المشكوكة كما مر مراراً ( فلا شبهة ) في ان لا زمه هو القول باشتراكها في نفي الثالث بالدلالة الالتزامية ( لعدم ) مانع حينئذ من الاخذ بمدلولها الالتزامي بالنسبة الى مالا يلزم منه مخالفة عملية للمعلوم بالاجمال واما على القول بما نعيته العلم الاجمالي ذاتاً عن شمول دليل التعبد لكل من المتعارضين، بما لمنافات التعبد بها معامع العلم بكذب احدهما بنحو الاجمال ( فلازمه ) هو خرج معلوم الكذب منها بنحو الاجمال من تحت دليل التعبدر أساً بماله من المدلول المطابقي والالتزامي ، فلايكون الباقي تحته الاغيره المشكوك اجتمالا بلا تعيين ولا عنوان ( ولازمه ) هو تخصيص نفي الثالث باحدهما بلا تعيين لا بها معاً

فى حجيّة المتعارضين فى نفى الحكم الثالث

( ولا مجال ) في مثله لما عن بعض من توهم لزوم استناد نفي الثالث اليها معاً ، بدعوى ان الدلالة الزامية فرع الدلالة المطابقية في الوجود لا في الحجية ، فلا يلزم من سقوط المتعارضين عن الحجية في المؤدى سقوطها عن الحجية في نفي الثالث ( لان ) سقوطها في المؤدى انما هو لاجل التعارض ولا تعارض بينها في نفى الثالث ( اذ فيه ) ان ذلك انما يتم في فرض عدم مانعية العلم الاجمالى ذاتاً عن شمول دليل الحجية لكل من المتعارضين ، فأنه بعد وجود مقتضى الحجية في كل من المتعارضين يقتصر في رفع اليد عنها على مقدار المانع وهو تعارضها في خصوص المؤدى ، فيؤخذ بها بالنسبة الى نفي الثالث الذي لا تعارض بينها ( والا ) فعلى مسلك مانعية العلم الاجمالي ذاتاً فلا يدخل معلوم الكذب بنحو الاجمال من الاول تحت دليل التعبد حتى يفكك بين مدلوله المطابقي والالتزامي ، ولا يبقى تحته الا غيره بنحو الاجمال بلا تعيين ( ولذلك ) يكون التعارض بينهما في المؤدى من باب اشتباه الحجة بغير الحجة لا من باب تعارض الحجتين ( ومعه ) كيف يمكن دعوى اشتراكها في نفي الثالث مع البناء على هذا المسلك في الاصول التنزيلية ( ومن العجب ) شدة انكاره على المحقق الخراساني قده في مصيره الى استناد نفي الثالث الى احدهما لا اليهما معاً ( مع ان )

ص: 176

ما افاده قده على مبناه من خروج معلوم الكذب بالاجمال بلا تعيين ولا عنوان عن تحت دليل الحجية ، وبقاء الآخر كذلك تحته في غاية المتانة ( نعم ) يرد عليه قده بمنافات ما افاده في المقام لما اختاره في الاستصحابين المثبتين من عدم اضرار العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما بجريانه في طرفي العلم ( اذ لا فرق ) في ما نعية العلم الاجمالى وعدم ما نعيته بين الاصول و بين الامارات ( هذا كله ) على القول بحجية الامارات من باب الطريقية .

فى تأسيس الاصل على الموضوعية فى الامارات و بيان الموضوعية فيها تطلق على معان

( واما على القول ) بحجيتها من باب السببية والموضوعية ( فالمصرح ) به في كلام الشيخ قده هو ان الاصل في المتعارضين هو التخيير ( وتحقيق القول ) فيه هو ان السببية في الامارات تطلق على معان ( أحدها ) انحصار المصالح في حق الجاهل بالاحكام مؤديات الامارات ، بلا مصلحة اخرى في البين تقتضى وجوب شيء عليه واقعاً مع قطع النظر عن قيام الامارة ، وهذا هو التصويب الباطل الذى اتفق النقل والعقل على بطلانه واستحالته ( وثانيها ) ما ينسب الى المعتزلة من أن قيام الامارة على وجوب شيء أو حرمته سبب لحدوث مصلحة او مفسدة في المؤدى غالبة على المصلحة او المفسدة الواقعية المقتضية لوجوب الشيء أو حرمته ( وهذا ) أيضا من التصويب الذي قام الاجماع على بطلانه ، لرجوعه الى نفي الحكم الواقعى الفعلى في موارد قيام الامارة على الخلاف ( وثالثها ) اقتضاء الامارة بقيامها على وجوب شيء أو حرمته لحدوث مصلحة او مفسدة في المؤدى تقتضي وجوبه أو حرمته ظاهرا في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعى مع بقاء الحكم الواقعي الناشيء عن المصلحة الواقعية القائمة بذات العمل في المرتبة السابقة على الشك على حاله من الفعلية بلا مضادة بينها ، ففي العمل الذي قامت الامارة على وجوبه اجتمع حكمان فعليان في مرتبتين أحدهما الحكم الواقعي المحفوظ بفعليته في مرتبة ذاته (والآخر ) الحكم الظاهري الحادث بسبب قيام الامارة في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي بلا مضادة بينها ( ولا يخفى ) ان الموضوعية بهذا المعنى امر ممكن في نفسه ولم يتم ايضاً اجماع على بطلانه لبقاء الحكم الواقعى على فعليته بالنسبة الى العالم والجاهل بلا

ص: 177

تغيير فيه ولا تبدل بقيام الامارة على خلافه ، ولا لزوم محذور اجتماع الضدين او المثلين كما أوضحناء في الجزء الثالث من الكتاب في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهرى ( رابعها ) ما ينسب الي بعض الامامية من ان قيام الامارة علي وجوب شيء لا يكون من العناوين المغيرة للمصالح والمفاسد الواقعية ، ولا يكون محدثاً لمصلحة في المؤدى تقتضى وجوبه ظاهرا ( الا ان ) في سلوك الامارة والتطرق بها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند عدم اصابة الامارة للواقع ( وهذا ) ايضاً أمر ممكن في نفسه ولم يقم اجماع على بطلانه لكونه ملائما مع مذهب المخطئة ( وبعد ما عرفت ) ذلك فاعلم ان مورد البحث في المقام انما هو على السببية بالمعنيين الاخيرين الملائمين للتخطئة .

في حكم المتعارضين على السببية

( فنقول ) اما على السببية بالمعنى الاول الموجب لقيام المصلحه بالمؤدى عند الشك ( فملخص ) الكلام فيه هو ان تعارض الامارتين تارة يكون لاجل تضاد المتعلقين ، كما اذا كان مفاد أحد الدليلين وجوب شيء وكان مفاد الآخر وجوب ضده ( واخرى ) يكون لاجل اتحاد المتعلقين ( وعلى الثانى ) فتارة يكون تعارضها بنحو الايجاب والسلب ، كما اذا كان مفاد أحد الدليلين وجوب شيء كالدعاء عند رؤية الهلال ، وكان مفاد الآخر عدم وجوبه عنده ( واخرى ) يكون على وجه التضاد ، كما اذا كان مفاد أحدهما وجوب شيء وكان مفاد الآخر حرمته ( وعلى الاول ) تارة تكون للامارة النافية للوجوب اقتضاء المصلحة في الترخيص في المؤدى ، نظير الاباحات الاقتضائية ( واخرى ) اقتضاء عدم المصلحة فيه ( واما ) حكم هذه الاقسام ( في القسم ) الاول الذي كان التعارض بين الامارتين لاجل تضاد المتعلقين ( فلا شبهة ) في كونه من باب تزاحم الحكمين في مرحلة الامتثال وحكمه انه مع تساويها في الاهتمام هو التخيير عقلا بين الامتثالين بتقييد اطلاق الوجوب التعييني في كل من الحكمين فى مقام صرف القدرة على الامتثال بصورة عدم الاتيان بالآخر المنتج لعدم جواز تركها معاً ( واما ) في القسم الثاني الذي كان التعارض بينها لاجل وحدة الموضوع والمتعلق فيها ( فلا شبهة ) أيضا

ص: 178

في اندراجهما في تزاحم المقتضيين في أصل تشريع الحكم الفعلي على طبقها ، لا في عالم الوجود والتحقق كما في الفرض الاول ( وحكمه ) انه مع وجود مزية لاحدهما على الآخر توجب اقواثيته يكون التأثير الفعلى في تشريع الحكم الفعلى لذي المزية منها دون الآخر ( ومع ) تساويها في الاقتضاء قوة وضعفاً لا تأثير لواحد منها في تشريع الحكم الفعلى على طبقه ، وتكون النتيجة بعد سقوطها عن التأثير الفعلى في الاباحة والتخيير بمعنى اللاحرجية في الفعل والترك ، لا الحكم التخييرى ولو عقليا لوضوح ان الحكم التخييري شرعياً أو عقلياً غير متصور بين النفي والاثبات ، وانما المعقول في مثله هو التخيير العملى محضاً بمقتضى اللاحرجية العقلية في الفعل والترك ( وحينئذ ) فما يظهر من الشيخ قده من ان مقتضى الاصل على السببية في تعارض الامارتين هو التخيير بينها منظور فيه، الا ان يكون المقصود التخيير الناشيء من تقييد اطلاق التعبد بكل واحد منها بصورة الاخذ به الراجع في الحقيقة الي التخيير في المسئلة الأصولية ( ثم لا فرق ) فيما ذكرنا بين أن يكون الاختلاف بين الامارتين على وجه التضاد ، كالوجوب والحرمة او في الايجاب والسلب كالوجوب واللاوجوب ( بل ولا ) في الثانى بين أن يكون للامارة النافية للوجوب اقتضاء المصلحة في الترخيص، كالاباحات الاقتضائية ، او اقتضاء عدم المصلحة في المتعلق في قبال الامارة المثبتة لها فيه ( فانه ) على جميع هذه الفروض يندرج باب تعارض الامارتين على السببية ووحدة المتعلق ، في كبرى تزاحمين المقتضيين في مرحلة التأثير في تشريع الحكم الفعلى على طبقها ( وقد عرفت ) انه مع وجود المزية لاحدهما على الآخر يكون التأثير الفعلي لذى المزية منها دون الآخر ( ومع ) تساويها في الملاك لا تأثير لواحد منها ، وتكون النتيجة هى الاباحة اللا اقتضائية والتخيير العملى في الفعل والترك لا الحكم التخييرى ، حتى فيما كان التزاحم بين الامارتين من حيث اقتضاء المصلحة واقتضاء عدمها ( وتوهم ) ان المتيقن حينئذ هو العمل على طبق الامارة القائمة على الوجوب فانه يكفي في وجوبه اقتضاء الوجوب فيه بعنوان قيام خبر العادل على وجوبه بلا منافاته مع الامارة النافية للوجوب لا في مقام العمل لكون

ص: 179

العمل به عملا أيضا على طبق الامارة النافية للوجوب من حيث كونه اختيار اللفعل ( اذ لم يكن ) مفادها الا جواز الترك لا وجوبها ( ولا ) في مرحلة الحكم الشرعى ، لعدم التنافي بين ان يكون في الشيء اقتضاء الوجوب ببعض العناوين ولم يكن فيه هذا الاقضاء ببعض العناوين الاخر ( فمدفوع ) بانه كذلك لولا اقتضاء الامارة النافية نفي اقتضاء الوجوب فيه خصوصا بملاحظة مدلولها الالتزامي الراجع الى سببية الخبر لنفى المقتضى فيه والا فتقع المزاحمة قهراً بين مقتضى الوجوب ومقتضى عدمه ، ولازمه هو سقوط مقتضى الوجوب من التأثير في الحكم الفعلي ( ومعه ) لا ملزم على اختيار الفعل ، كما هو ظاهر ( هذا كله ) على السببية بالمعنى الاول .

( واما السببية ) بالمعنى الثانى الراجع الى قيام المصلحة الملزمة في سلوك الامارات والتطرق بها الى الواقع في مقام العمل ، فحكمه يظهر مما بيناه من انه بعد وقوع المزاحمة بين المصلحتين في مقام السلوك وعدم امكان الاخذ بكلتا الامارتين لا محيص مع تساويها في الملاك من التخيير عقلا في الاخذ باى واحد منها والعمل على طبق المأخوذ ( وفي فرض ) تعارض الامارتين من حيث وجوب المؤدى وعدم وجوبه يتخير بين الاخذ بالامارة المثبتة للوجوب ليصير الفعل متعينا عليه بعد الاخذ بها ، و بین الاخذ بالامارة النافية للوجوب ليصير الفعل مباحا لا اقتضائياً ( فكان ) التخيير بين الاخذين ، لا بين العمل بهما ليكون من التخيير العملى بين النفي والاثبات.

( وهم ودفع ) قد يورد على ما افاده الشيخ قده من ادراجه السببية بمعنى المصلحة السلوكية في باب التزاحم ( بان ) المصلحة السلوكية على القول بها انما تكون قائمة بالطريق بلحاظ ان سلوك الطريق يكون ذو مصلحة ملزمة، فطريقية الطريق تكون بمنزلة الموضوع للمصلحة السلوكية ( ومع ) سقوط المتعارضين بالنسبة الى المؤدى لا يبقى موضوع للمصلحة السلوكية حتى يقال بوقوع المزاحمة بين المصلحتين في مقام الاستيفاء ( ولكنه توهم ) فاسد ( فان ) لمقصود بالطريق الذى هو موضوع المصلحه السلوكية ( إن كان ) ذات الطريق ، فلا معنى لدعوي سقوطه

ص: 180

بالمعارضة ( لان ) مرجع سقوط الطريقين انما هو الى عدم شمول دليل الحجية لواحد منها بمناط الترجيح بلا مرجح ، ومع فرض عدم دليل في البين يقتضي الاخذ بها سابقاً على المصلحة السلوكية كيف يبقى مجال القول بتساقط الطريقين ( وان كان ) المقصود من الطريق الذي هو موضوع المصلحة السلوكية هو الطريق بوصف الطريقية والحجية الفعلية ، فلا معنى للمصلحة السلوكية الموجبة للامر بالعمل على طبق الطريق ( فان ) الالتزام بالمصلحة السلوكية انما هو لتصحيح الامر بسلوك الطريق والعمل على طبقه ( فمع فرض ) حجية الطريق في رتبة سابقة على المصلحة المزبورة ، لا معنى للالتزام بالمصلحة السلوكية ( مع ان ) لازم ذلك هو كون المصلحة السلوكية دائماً مسبوقة بالامر بالأخذ بالطريق ( ولازمه ) هو الالتزام في باب الامارات بامرين طوليين حتى مع عدم المعارض ، احدهما ما هو المقوم لموضوع المصلحه السلوكية ) والآخر ) هو الأمر الناشيء من المصلحة المزبورة وهو كما ترى لا يلتزم به احد ( هذا كله ) فيما يقتضيه الاصل في المتعارضين بالنظر الى الادلة العامة من حيث الطريقية والموضوعية .

في الجمع بين اخبار التوقف والتخيير

( واما بالنظر ) الى ما تقتضيه اخبار العلاج الواردة في خصوص المتعارضين من الاخبار فلا اشكال في عدم سقوطها مع فقد المرجح ( وهل الحكم ) حينئذ هو التخيير او التوقف والعمل بما يوافق منها الاحتياط ان امكن ( فيه خلاف ) منشئه اختلاف الاخبار و تحقيق القول فيه هو أن الاخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما يدل على التخيير المطلق ، كرواية الحسن بن الجهم عن الرضا ( علیه السلام ) : قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم ايها الحق قال (ع) اذا لم تعلم فوسع عليك بايها أخذت ، و بهذا المضمون روايات اخر ذكرها في الوسائل ( ومنها ) ما يدل على التخيير في زمان عدم التمكن من الوصول الى الامام ( علیه السلام ) الشامل لحال الغيبة ، كرواية الحرث بن المغيرة عن ابي عبد الله قال : اذا سمعت من أصحابك الحديث فموسع عليك حتى ترى القائم فترد اليه بناء على ما فهمه الاصحاب من ظهوره في كونه في مقام بيان التخيير في المتعارضين من الاخبار ، لا في مقام بيان التوسعة في الاخذ بالاخبار

ص: 181

المروية عنهم ( علیه السلام ) والعمل بها في نفسها مع قطع النظر عن تعارضها ( والا ) فلا ترتبط الرواية بما نحن بصدده من التوسعة في الاخذ باحد الخبرين المتعارضين ( وقد يتوهم ) اختصاص التخيير فيها بحال الحضور والتمكن من الوصول الى الامام ( علیه السلام ) ( ولكنه ) مندفع بان التحديد في قوله ( علیه السلام ) حتى ترى القائم كناية عن مرور الازمنة السابقة على زمان التمكن من الوصول الى الحجة وبهذه الجهة تكون الرواية كالصريح في الشمول لحال الغيبة ( اذ لا خصوصية ) لزمان الحضور وانما المدار على التمكن من الوصول الى الامام وعدم التمكن منه ( ومنها ) ما يدل على التوقف في زمان الحضور والتمكن من الوصول الى الامام ( علیه السلام ) ، كما في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة من فوله ( علیه السلام ) : اذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك ( وقد يقال ) بوجود طائفة اخرى رابعة تدل على التوقف المطلق ( ولعلها ) هي الخبر المروى عن محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجالي لعلی ابن محمد ان محمد بن على بن عيسى كتب اليه يسئله عن العلم المنقول عن ابالك واجدادك «ع» قد اختلف علينا فكيف العمل به على اختلافه او الرد اليك فيما اختلف فيه ، فكتب ( علیه السلام ) ما علمتم انه قولنا فالزمو . ومالم تعلموا فردوه الينا ( والا ) فلم نقف في الاخبار على رواية تدل على التوقف المطلق في فرض تعارض الخبرين .

( ولا يخفى ) ان هذه الاخبار بظاهرها متعارضة ، ولا بد فيها من العلاج بالجمع بينها ( فنقول ) ان النسبة بين ما يدل على التخيير المطلق وبين ما يدل على التخيير عند عدم التمكن من الوصو : الامام ( ع )، وان كانت هي العموم المطلق، كالنسبة بين ما يدل على التوقف المطلق على تقدير وجوده، وما يدل على التوقف في زمان الحضور ( ولكن ) لما لا تنافي بين التخيير المطلق ، والتخيير في زمان عدم التمكن من الوصول الى الحجة ( علیه السلام ) ( ولا بين ) التوقف المطلق ، والتوقف في حال الحضور لكونها مثبتين ( فلا يحمل ) المطلق منها على المقيد ، بل يبقى اطلاق المطلق في كل منها على حاله ( نعم ) انما التعارض بين ما يدل على التخيير عند عدم التمكن من الوصول الى الامام ( علیه السلام ) ، كرواية الحرث بن المغيرة على ما قويناه ، وبين ما يدل

ص: 182

على التوقف المطلق ( وكذا ) بين مطلقات التخيير ، وما يدل على التوقف في زمان الحضور ( وحيث ) ان النسبة بين كل طائفة مع الاخرى العموم المطلق فمقتضى صناعة الاطلاق والتقييد هو تقييد المطلق من كل منها بعقيده ( وبذلك ) ترتفع المعارضة من بين الاخبار ( اذ بعد ) هذين التقييد بن تختص مطلقات التخيير بغير زمان الحضور، كما تختص مطلعات التوقف على تقدير وجودها بزمان الحضور والتمكن من الرجوع الى الامام ( علیه السلام ) ( هذا ) بناء على ما قربناه في مفاد رواية الحرث بن المغيرة ( واما ) بناء على الاحتمال الآخر الذي توهمه بعض من تخصيص مفاد الرواية بحال الحضور ( فلازمه ) وقوع المعارضة بين ما يدل على التوقف في زمان الحضور ، وما يدل على التخيير في زمان الحضور ( لان ) النسبة بينها يكون بالتبابن وبعد سقوطها عن الحجية بالمعارضة ، ينتهى الامر الى مطلقات التخيير والتوقف لسلامتها عن المقيد ، فيقع بينها التعارض بالتباين وفا نقدح بذلك فساد توهم ان مطلقات التخيير بعد تقييدها بما دل على التوقف في زمان الحضور تختص بما عدا زمان الحضور فيقدم على مطلقات التوقف لانقلاب النسبة بينها الى العموم والخصوص ( اذ فيه ) مضافا الى فساد مبنى الانقلاب ( ان ) ذلك فرع عدم ابتلاء دليل التوقف في زمان الحضور بالمعارضة مع ما دل على التخيير في زمان الحضور ، والافع سقوطه عن الحجية بالمعارضة كيف يصلح لتقييد مطلقات التخيير حتى ينتهى الامر الى الانقلاب المزبور ( وحينئذ ) فبعد ان كانت النسبة بينها هي التباين تستقر المعارضة بينها ( ولكن ) الذي يسهل الخطب انه لم نعثر على رواية تدل على التوقف المطلق في المتعارضين وما ذكرناه من خبر محمد بن علي بن عيسى المروى عن كتاب مسائل الرجال مع ضعف سنده غير ظاهر الدلالة في التوقف المطلق ، لو لا دعوى ظهوره في الاختصاص بزمان الحضور والتمكن من الرجوع الى الامام ( علیه السلام ) ( فان ) قوله ( علیه السلام ) : وما لم تعلموا ، فردوه الينا ظاهر في الرد الى الامام الموجود في ذلك الزمان بالرجوع اليه ، نظير ما في المقبولة من قوله ( علیه السلام ) فارجه حتى تلقي امامك ( لا انه ) من قبيل الرد الى الله ورسوله ( صلی الله علیه و آله وسلم ) الذي هو وارد في الاخبار

ص: 183

( وعلى فرض ) ان يكون لنا دليل آخر في الاخبار يقتضي التوقف في العمل مطلقا ولو في زمان الغيبة ( نقول ) ان التوقف والاحتياط في العمل يقتضي اختصاصه بصورة التمكن من الاحتياط ( ولازمه ) وان كان هو اخصيته مما دل على التخيير المطلق ، فيوجب مقتضى صناعة الاطلاق والتقييد حمل مطلقات التخيير على صورة

عدم التمكن من الاحتياط ( ولكن ) بعد اباء تلك المطلقات عن هذا الحمل وعدم القول به من الاصحاب، لابد من حمل مادل على التوقف في العمل على الاستحباب ( نعم ) لو كان مفاده مجرد التوقف في الفتوى والحكم مع مراعات الاحتياط في العمل ، لا تجه التعارض بينها ، ولا يتأتى الحمل على الاستحباب في اخبار التوقف ( ولكن ) الكلام في وجود مثل هذا الخبر ودلالته على المعنى المزبور ( هذا كله )، فيما لو كان المقصود من الخبر الدال على التوقف المطلق خصوص ما يكون وارداً في موضوع تعارض الخبرين ( واما )، لو كان المقصود منه هو الاخبار الآمرة بالتوقف في مطلق الشبهة ، كقوله ( علیه السلام ) قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ( فلا ارتباط ) لها بالمقام حتى تعارض عمومات التخيير لوضوح ، ان مورد التوقف في تلك الاخبار إنما هو في صورة فقد الحجة وعدم الطريق الى الواقع ومفاد الاخبار الآمرة بالتخيير إنما هو اثبات وجود الحجة وهو احد الخبرين فعلى فرض ، عموم الشبهة في تلك الاخبار لمثل المقام تكون اخبار التخيير بتكفلها لاثبات الحجة حاكماً عليها ( ثم لا يخفى ) ان التخيير المستفاد تلك الاخبار ليس هو التخيير في العمل بمؤدي احد الخبرين ، ليكون من التخيير في المسئلة الفرعية كالتخيير بين القصر والاتمام : لما عرفت ، من ان في باب تعارض الطرق المنتهى فيه الامر في الاغلب الى النفي والاثبات يمتنع الوجوب التخييري بين المدلولين في العمل بهما ( نعم ) لا مانع من التخيير بين الفعل والترك بمعنى اللاحرجية فيها عقلا كما في الدوران بين المحذورين ، ولكنه خارج عن مصب هذه الاخبار قطعا ( بل التخيير )المستفاد من إطلاقات التخيير إنما هو في المسئلة الأصولية أعنى التخيير في الاخذ بأي واحد من الخبرين في مقام الاستطراق به الى

ص: 184

الواقع المنتج لتعين العمل على طبقه ( و مرجعه ) بحسب اللب الى وجوب التعبد بكل واحد من الخبرين والعمل بمضمونه في ظرف اختياره والاخذ به المنتج لصيرورة المأخوذ بعد الاخذ به حجة تعيينه يجب العمل بمضمونه كما لو لم يكن له معارض ( فطرف التخيير )، المستفاد من ظاهر قوله ( ع )، بأيها أخذت من باب التسليم وسعك انما يكون هو الأخذ باى الخبرين في مقام الاستطراق الذى لازمه تعين مضمونه عليه ، ومرجع وجوبه الى كونه ارشاداً الى حكم العقل بلزومه مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية، لا شرعياً مولوياً هذا كله ، فيما يتعلق بالمقام الاول ( وقد عرفت )ان حكم المتعارضين على ما هو التحقيق من الطريقية في الامارات التساقط بالنظر الى عموم أدلة الحجية ، ( وبالنظر )، الى ما يستفاد من أخبار العلاج هو التخيير في الاخذ باى الخبرين .

المقام الثانى فى الترجيح

وهو تقديم أحد الخبرين على الآخر في العمل به المزية له عليه بوجه من الوجوه وفيه ، مطالب ( الاول )، في تأسيس الاصل عند الشك في وجوب ترجيح إحدى الامارتين بالمزايا الداخلية أو الخارجية الموجودة فيها ( الثاني ) في ذكر المزايا المنصوصة في الاخبار ( الثالث )، في وجوب الاقتصار على المزايا المنصوصة أو التعدى التي غيرها .

( اما المطلب الاول ) فقد يقال ان مقتضى الاصل في المقام هو وجوب الترجيح بكل مزية يحتمل اعتبارها عند الشارع ( لانه ) من صغريات مسئلة التعيين والتخيير في المكلف به ، حيث يعلم تفصيلا بوجوب العمل على طبق ذي المزية اما تعيينا او تخييرا ويشك في وجوب العمل على طبق مضمون غيره لاحتمال عدم وجوبه مع وجود ما يحتمل التعيين ( والاصل ) فيه يقتضي التعيين بناء على ما هو التحقيق من الاشتغال في تلك المسئلة ( وفيه ) ما لا يخفى من الفساد ( كان ) جعل المقام من

ص: 185

صغريات تلك المسئله مبني على جعل التخيير في المقام التخيير في المسئلة الفرعية اعنى التخيير في العمل بمؤدي احد الخبرين ( وهو ) باطل قطعا لما عرفت من امتناع الوجوب التخييري في باب التعارض المنتهي فيه الامر الى التناقض في المدلول والا فعلى فرض كون التخيير فيه في المسئله الاصولية الراجع الى كون طرف التخيير هو الاخذ باي الخبرين في مقام الاستطراق به الى الواقع ( فلايرتبط ) بباب التعيين و التخيير ( فان ) مرجع التخيير في المقام انما هو الى ايجاب التعبد بكل واحد من الخبرين مشروطا بالاخذ به ( ولازمه ) بعد دوران ذي المزية منها عند الشك المزبور بين كون التعبد به مطلقاً غير مشروط بالاخذ به، واختياره هو عدم العلم بوجوب واحد منها قبل الاخذ بها و كذا بعد الاخذ بغير ذي المزية ومع هذا الشك كيف يندرح المقام في مسئلة التعيين والتخيير المستلزم للعلم بوجوب المعين على كل تقدير ( وبذلك ) ظهر عدم ارتباط المقام بباب الدوران بين معلوم الحجة ومشكوكها ايضاً ( فالاولى ) في تقريب الاصل ان يقال ان الاخذ بذي المزية لما كان موجبا للقطع بحجيته على كل تقدير ، بخلاف غيره ، فان الاخذ به لا يوجب إلا الشك في حجيته ( فلا جرم )، يحكم العقل بمناط الشك قبل الفحص مع التمكن من تحصيل الحجة الشرعية ، بوجوب الاخذ بذي المزية منها مقدمة لتحصيل الحجة ( لان ) بالاخذ به يعلم تفصيلا بحجيته ( بخلاف ) غيره فانه بالاخذ به لا يعلم بحجيته، فلا يخرج عن عهدة حكم العقل بوجوب تحصيل الحجة الشرعية وبهذا البيان نقول بالتعيين في المقام ولو لم نقل به في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المسئلة الفرعية .

مقتضى الاصل هو الترجيح بكل مزية محتمل الاعتبار عند الشارع

( المطلب الثاني ) في الترجيح بالمزايا المنصوصة ( فتقول ) الاخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما اقتصر فيه على الترجيح بمخالفة العامة أو ما يميل اليه حكامهم ، كالمروى عن القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الحسن بن الجهم في حديث قلت له يعني العبد الصالح ( علیه السلام ) : يروى عن ابي عبد الله ( علیه السلام ) شيء ويروى عنه أيضا خلافه فبايها تأخذ قال ( علیه السلام ) خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه ( والمروي ) عنه ايضا بسنده عن محمد بن عبد الله : قال قلت للرضا ( علیه السلام ) كيف نصنع بالخبرين المختلفين : فقال ( علیه السلام ) إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا الى

ص: 186

ما يخالف منها العامة فخذوه ، وانظروا الى ما يوافق اخبارهم فدعوه ( والخبر ) المروي عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران : قال قلت لابي عبد الله ( علیه السلام ) يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالاخذ به والآخر ينهانا قال ( علیه السلام ) لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك : قلت لا بد ان نعمل قال ( علیه السلام ) خذ بما فيه خلاف العامة .

( ومنها ) ما اقتصر فيه على الترجيح بموافقة الكتاب ( كرواية حسن بن الجهم عن الرضا ( علیه السلام ) ) قلت يجيئنا الاحاديث عنكم مختلفه : فقال ( علیه السلام ) ما جائك عنا فقس على كتاب الله عز وجل واحاديثنا فان كان يشبهها فهو منا وان لم يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم ايهما الحق قال ( علیه السلام ) فاذا لم تعلم فوسع عليك با يهما اخذت ( وخبره الآخر ) أيضا عن العبد الصالح ( علیه السلام ) قال اذا جائك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله واحاديثنا فإن اشبههما فهو حق وان لم يشبههما فهو باطل .

فى الترجيح بالمزايا المنصوصه كمخالفة العامة

(ومنها ) ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ( مثل ما رواه ) القطب الراوندي سعید بن عبدالله بسنده الصحيح عن الصادق ( علیه السلام ) قال اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالف کتاب الله فردوه وان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه .

فى الترجيح بموافقة الكتاب و بالشهرة كما فى مقبولة عمر ابن حنظله

(ومنها ) ما يشتمل على الترجيح بهما وبالشهرة والشذوذ ( كمقبولة ) عمر بن حنظلة قال سئلت ابا عبدالله ( علیه السلام ) عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما منازعة في دين او ميراث فتحاكما الى السلطان او الى القضاة ايجل ذلك قال ( علیه السلام ) من تحاكم اليهم في حق او باطل فانما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فانما ياخذه سحنا وانكان حقه ثابتا لانه أخذه بحكم الطاغوت وانما امر الله سبحانه ان يكفر به قال الله تعالى ويتحاكمون الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به : قلت فكيف يصنعان قال ( علیه السلام ) ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فاني قد

ص: 187

جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله استخف وعلينا قد رد ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله : قلت فان كان كل رجل يختار رجلا من اصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلقا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال ( علیه السلام ) الحكم ما حكم به اعدلهما وافقهها واصدقهما في الحديث واورعها ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر : قلت فانها عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منها على الآخر : قال ( علیه السلام ) ينظر الى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمها ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما الامور ثلاثة ، امر بين رشده فيتبع ، وامر بين غيه فيجتنب ، وامر مشكل يرد حكمه الى الله قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله وسلم ) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم : قال قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ( علیه السلام ) ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامه فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة : قلت جعلت فداك ارأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا باى الخبرين يؤخذ : قال ( علیه السلام ) ما خالف العامة ففيه الرشاد : فقلت جعلت فداك فان وافقها الخبران جميعا قال ( علیه السلام ) ينظر إلى ما حكامهم اليه اميل وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر : قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا قال ( علیه السلام ) اذا كان ذلك فارجه حتى تلقي امامك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ( وهذه ) الرواية وان تضمنت الترجيح بالصفات ايضا كالا عدلية والاوثقية ، الا انها كانت بالنسبة الى الحكمين في مقام تقديم حكم احدهما على الأخر ، لا بالنسبة الى الروايتين ( ولذا ) بعد ان فرض الراوي تساوي الحكمين في الصفات وبين كون الوجه فى اختلاف حكمها هو الاختلاف في مدركها احاله الامام ( علیه السلام ) الى النظر في مستند حكمها ، واول المرجحات في هذا المقام هو الشهرة والشذوذ الذى امر الامام ( علیه السلام ) بالاخذ بالمشهور وترك الشاذ منها ( ومنها )

ص: 188

ما يدل على الترجيح بالمذكورات وبالصفات والاحتياط ( مثل ) ما رواه ابن ابي الجمهور الاحسائى في غوالى اللئالى عن العلامة قده مرفوعا الى زرارة قال سئلت ابا جعفر ( علیه السلام ) فقلت جعلت فداك يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيها آخذ : فقال ( علیه السلام ) يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر : فقلت يا سيدى انها مشهوران مأثوران عنكم : فقال خذ بما يقول اعدلها عندك واوثقها في نفسك : فقلت انها معاً ، عدلان مرضیان موثقان فقال ( علیه السلام ) انظر ماوافق منها لعامة فأتركه وخذ بما خالف فان الحق في خلافهم : قلت ربما كانا موافقين لهم او مخالفين فكيف اصنع : قال ( علیه السلام ) اذا فخذ بما فيه الحائط لدينك واترك الآخر : قلت فانها معا موافقان للاحتياط او مخالفان فكيف اصنع : فقال ( علیه السلام ) اذا فتخير احدهما فتأخذ به ودع الآخر ( فهذه ) طوائف خمس من الاخبار الدالة على الترجيح واجمعها الطائفة الاخيرة وهى المرفوعة ( وهنا ) طائفة اخرى سادسة تدل على الاخذ باحدثها وهي اخبار كثيرة ) ولكن ( نحن ندع تلك الطائفة لاختصاصها بزمان الحضور لشواهد تشهد به مما في نفس تلك الاخبار من نحو قوله ( علیه السلام ) انا والله لا ندخلنكم الا فيما يسعكم ( ولذلك ) لم يكن بناء الاصحاب ايضا على ع__د الاحدثية من المرجحات في تمارض الاخبار .

فى الترجيح بالمذكورات وبالصفات والاحتياط فى مرفوعة زرارة

( ثم انه ) بعد ما تلونا عليك هذه الاخبار يبقى الكلام في انه هل يجب الترجيح بجميع هذه المرجحات ، او لا يجب الترجيح بها ، او يفصل بينها بوجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ، وعدم وجوبه في غيرهما ( فيه ) وجوه واقوال ( اقويها الاخير ) : اما وجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ، فللاخبار الكثيرة الظاهرة في وجوب الترجيح بها المعمول بها بين الاصحاب ( فان ) من تتبع كلماتهم في الفقه يرى ان ديدنهم عند تعارض الاخبار وتنافيها على الترجيح بها من الاخذ بالخبر الموافق لظاهر الكتاب والمخالف للعامة ، وطرح ما يخالف الكتاب ويوافق العامة ( وبمثل هذه ) الاخبار يقيد مطلقات اخبار التخيير بغير صورة ذين المرجحين .

ص: 189

( وما قيل ) من ان اخبار التخيير لورودها في مقام البيان والحاجة آبية عن هذا التقييد ، فلا بد من حمل تلك الاخبار على استحباب الترجيح ( مدفوع ) بان مجرد ورود مطلقات التخيير في مقام البيان والحاجة لا يمنع عن تقييدها بها ( مع ان ) حمل تلك الاوامر الدالة على الترجيح بها على الاستحباب ايضا مما يأبى عنه نفس هذه الاخبار والتعليل الوارد فيها بان الرشد في خلافهم ( ولا ينافي ) ذلك ما في بعض تلك الاخبار من الاقتصار على العرض على الكتاب ، وفي بعضها الاخرى الاقتصار على العرص على الاخبار العامة ( لان ) غاية ذلك هو كونها مطلقين ، فيقيدان بما في المقبولة وخبر الراوندى المشتملين على الترجيح بها ( فلا يكون ) ذلك شاهداً على استحباب الترجيح بها ( كما لا ينافيه ) ايضا ما في بعض الاخبار الواردة في طرح المخالف للكتاب ، من انه زخرف ، او باطل ، او فاضربه على الجدار مما ظاهرة نفى اصل صدور الخبر ولو بلا معارض ، لا نفي حجية ( فان ) ظهور هذه الطائفة في ورودها في نفي صدور الخبر المخالف رأساً ولو بلا معارض وتمييز الحجة عن لا حجة ، لا ينافي ظهور غيرها مما اقترن بالمخالف للعامة فى كونه في مقام الترجيح عند المعارضة ( وحينئذ ) فيحمل الطائفة الاولى على صورة كون مخالفة الخبر للكتاب على نجو التباين الكلى ، والطائفه الثانية على التباين بنحو العموم من وجه ، كما سنذكره الله تعالى .

فى الاشكال على المقبولة باختصاصها بترجيح الحكمين

( و اما عدم ) وجوب الترجيح بغيرهما ، فلعدم دليل صالح يقتضى تقييد مطلقات التخيير ( فان المستند ) لذلك لا يكون الا المقبولة والمرفوعة ، وهما غير صالحين لاثبات الترجيح بالصفات وبالشهرة والشذوذ في مقابل اطلاقات التخيير ( اما المقبولة ) فهى وان كانت مقبوله عند الاصحاب ، ولا مجال للخدشة في سندها ( ولكنها ) بصدرها المشتمل على الترجيح بالصفات من الا عدلية وتالييها مختصة بترجيح الحكمين ، نظير روايتي داود بن الحصين والنميرى ، ولا ترتبط بمقام ترجيح الروايتين وان كان الحاكمين فى الصدر الاول راويين للاخبار ايضا ( لان ) ترجيح احدهما من حيث الحكومة غير مرتبط بترجيحه من حيث الراوية ( واما ) بذيلها

ص: 190

المشتمل على الترجيح بالشهرة والشذوذ فهى وان كان ظاهرة في وجوب الترجيح بها ، ولا مجال لتوهم كونها ايضا من مرجحات الحكمين ( ولكن ) الاشكال فيها انما هو لعدم كونها بمثل هذا الترجيح معمولا بها عند الاصحاب في موردها حتى يتعدى منها الى غير موردها في مقام الفتوي ( اذ ليس ) بناء الاصحاب في مقام ترجيح أحد الحكمين على الرجوع الى مدركها ( بل الحاكم ) بعد ما اخذ بالرواية وحكم في الواقعة على وفق رأيه في الشبهات الحكمية كان ذلك متبعاً حتى بالنسبة الى مجتهد آخر لان الحكم لا ينقض بالفتوى ، ومع تعارضه فرضا يرجح حكم احدهما في مقام فصل الخصومة من حيث صفات الحاكم من الاعدلية والاوثقية والافقهية ، ومع فرض تساويها من حيث الصفات ، فغايته هو سقوط الحكمين والرجوع الى حكم حاكم ثالث في رفع الخصومة ( لا الرجوع ) الى مدرك الحكمين حتى بالنسبة الى مجتهد ثالث فضلا عن المتخاصمين ( وذلك ) أيضا فيما لو حكما في الواقعة دفعة ( والا ) فعلى فرض تعاقب الحكمين يكون المتبع هو الاسبق منهما ، لا ندفاع الخصومة بحكمه في الواقعة ، ولا ينظر الى ما حكم به الآخر ( فلا محيص ) حينئذ من الاعراض عن ذيل المقبولة في موردها ( ومعه ) لا يكون دليلا على لزوم الترجيح ليقيد به مطلقات اخبار التخيير ( واما ) توهم اختصاص الاشكال بقاضي المنصوب ( واما ) في قاضي التحكيم فلا مانع من الارجاع الى مدرك الحكمين ، فيمكن حمل المقبولة عليه ( فمدفوع ) بانه خلاف ظاهرا الرواية ( فان ) قول الراوى قلت : فان كان كل رجل يختار رجلا ظاهر في كونه سؤالا فرض الوقايع المتجددة بعد هذه المقبولة ( ومن المعلوم ) انه بعد نصب الامام ( علیه السلام ) القاضي لا يتصور القاضي التحكيم حتى يصح الامر بالرجوع الى مدرك الحكم.

( واما المرفوعة ) فهي من جهة وهنها سندا غير صالحة لان تكون دليلا على وجوب الترجيح ما ذكر فيها من المرجحات حتى انه ناقش فيها بعض الاخباريين الذين ليس من دأ بهم الخدشة في سند الاخبار ( مضافا ) الى ما فيها من الاشتمال على الترجيح بموافقة

ص: 191

الاحتياط التي ليس بناء الاصحاب على الترجيح بها ( ومثله ) موجب لو هن آخر فيها ( وما يظهر ) من الشيح قده من تصحيحها بدعوى جبر ضعفها بعمل الاصحاب ( فممنوع ) جدا يل بناء الاصحاب على ما يشهد به التتبع في كلماتهم في الفقه انما هو على الاخذ بما يوافق الكتاب ويخالف العامة في مقام الترجيح وطرح ما يقابلها وان كان راويه اوثق واعدل من غير اعتناء منهم الى صفات الراوى ، خصوصا اذا لوحظ الترتيب بين المرجحات حسب ما في المرفوعة وخصوصا مع ندرة الترجيح بها بلحاظ توقفه على احراز هذه الصفات في جميع سلسلة الرواية بالقياس الى ما يقابله ( فان ) ذلك أقوى شاهد على اعراضهم عن المرفوعة ( مع انها ) معارضة ايضا مع المقبولة ( فان ) المقبولة مع كونها في مقام بيان المرجحات وتعرضها للترجيح بالصفات بالنسبة الى الحاكمين في تقديم حكم احدهما على الآخر ، غير متعرضة للترجيح بالصفات عند الاحالة الى مدرك الحكمين بل اقتصرت على الترجيح بالشهرة والشذوذ وبموافقة الكتاب ومخالفة العامة ( وحينئذ ) فما عن الشيخ قده من الجمع بينهما بجعل المدار على ما في المرفوعة والتصرف في المقبولة بتقييد اطلاقها بما تضمنته المرفوعة من الترجيح بالصفات ( منظور فيه ) فان ذلك انما يتم لولا أشمال المقبولة على الترجيح بالصفات بالنسبة الى الحاكمين ( والا ) فسكوتها عن التعرض للترجيح بها في مدرك الحكمين يكون بمنزلة البيان على عدم اعتبار صفات الراوى في مقام الترجيح

فى وجوه المناقشة في المرفوعة

( ولازمه ) معارضتها من هذه الجهة مع المرفوعة ( مع ان ) لازمه هو الالتزام بتقييد الاخبار المقتصرة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة خصوصاً على القول بالترتيب بين المرجحات ( وهذا ) مما تأبى عنه تلك الاخبار ( فتلخص ) ان المقدار الذي يمكن استفادته من الادلة في وجوب الترجيح وتقييد مطلقات التخيير انما هو بالنسبة الى خصوص موافقة الكتاب ومخالفة العامة ( واما بالنسبة ) الى غيرها من المرجحات ، فالمتبع هو مطلقات اخبار التخيير ، لعدم الدليل على الترجيح بها سوى المقبولة والمرفوعة اللتين عرفت عدم صلاحيتها لتقييد مطلقات التخيير ( واما ) الاجماع المدعى في المقام على وجوب الترجيح بالمرجحات

ص: 192

المزبورة ( فعلى فرض ) تسليمه انما يكون دليلا إذا لم يعلم مدرك المجمعين ، وإلا فمع العلم به كما في المقام من كون مستندهم هو المرفوعة والمقبولة ، فلا يعتني بمثله ( مضافا ) الى كونه موهو نا بذهاب الكثير على الخلاف كما أشرنا اليه ( ويكفيك ) في ذلك ما نص به الكلينى قده في ديباجة الكافي بقوله : اعلم يا أخى انه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت الرواية عن العلماء ( علیه السلام ) برأيه الا ما أطلقه العالم ( علیه السلام ) بقوله أعرضو هما على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه ( وقوله ( علیه السلام ) ) دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم : وقوله خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف ذلك إلا أقله ولا نجد شيئاً أحوط ولا اوسع من رد علم ذلك كل الى العالم ( علیه السلام ) قبول ما وسع من الأمر فيه بقوله بايها اخذتم من باب التسليم وسعكم انهى .

فى جواز التعدى عن المرجّحات المنصوصه ونقل مختار الشيخ ره وادلته

( فان ) هذا البيان منه قده مع كونه في عهد الغيبة الصغرى واختلاطه مع النواب والسفراء شهادة على عدم بناء الاصحاب على الترجيح بالمرجحات المذكورة المطلب الثالث في انه بناء على وجوب الترجيح هل يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة أو يتعدى الى غيرها ( فيه وجهان ) ثانيها مختار الشيخ قده ، لوجوه ( منها ) الترجيح بالاصدقية في المقبولة والاوثقية في المرفوعة ( بتقريب ) ان مناط الترجيح بهاتين الصفتين إنما هو الاقربية إلى الواقع في نظر الناظر في المتعارضين فيتعدي إلى كل ما يكون موجباً لا قربية أحد الخبرين إلى الواقع ولو لم يكن من صفات الراوى ( ومنها ) التعليل الوارد فى الاخذ بما يخالف العامة بقوله ( علیه السلام ) فان الرشد في خلافهم ( ومنها ) التعليل الوارد في الترجيح بالشهرة : بقوله ( علیه السلام ) فان المجمع عليه لا ريب فيه الدال على الاخذ بكل ما ليس فيه الريب بالاضافة إلى الخبر الآخر ( ولكن ) الاوفق بالقواعد هو عدم التعدى ، لعدم صلاحية شيء منها للنهوض علي تقييد مطلقات أدلة التخيير ( اما الاول ) وهو الترجيح بالاصدقية والاوثقية ( ففيه ) بعد الغض عن ان الترجيح بالاوصاف في المقبولة راجع إلى الحكمين لا إلى الروايتين كما اعترف به هو قده ( نقول ) ان الترجيح بالوصفين ليس إلا كالترجيح

ص: 193

بالاعدلية والأفقهية ( فكما ) انه يحتمل في الترجيح بها كونه لخصوصية في القرب الحاصل من السبب الخاص في نظر الشارع ، كذلك يحتمل ذلك في الترجيح بالوصفين ايضا ( ومع احتمال ) ذلك لا يستفاد من الترجيح بها كبرى كلية ليتعدى منه الى كل ما يوجب اقربية احد الخبرين بنظر المكلف الى الصدور او الواقع ( واما الثاني ) وهو التعليل بالرشد ( ففيه ) بعد الجزم بعدم كون الرشد في المقام رشداً جزمياً، للقطع بان كثيراً من الاحكام الحقة توافق مذهبهم ، ولاقتضائه خروج الفرض من كون الترجيح به من باب ترجيح الحجة على الحجة ( نقول ) انه يدور الامر فيه بين كونه رشداً واقعيا غالبيا ملحوظاً في نظر الشارع فى مقام الأمر بالترجيح به، نظير غلبة الايصال الى الواقع التي هى الحكمة في جعل الطرق غير العلميه وفي أصل التعبد بالخبر ، وبين كونه رشداً اضافياً بالقياس الى الخبر الموافق لهم ، او رشدا ظياً او اطمينانياً بنظر المكلف ( وفى مثله ) لولا دعوى اظهرية الاول ، فلا أقل من احتماله المانع عن ظهوره في احد الاخيرين ( ومعه ) لا يبقى مجال استفادة المناط من التعليل به حتى يتعدى بحكم التعليل الى الترجيح بكل ما كان معه امارة الرشد والحق وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والبعد عن الصواب

فى ان الحق عدم جواز التعدى و بیان ادلته

( خصوصاً ) بعد العلم بانه ليس كل ما يخالفهم مظنة الحق ، ولا كل ما يوافقهم مظنة خلاف الحق لمكان القطع بان كثيراً من الاحكام الحقة توافق مذهبهم ( فان ) ذلك يوجب خروج التعليل المزبور عن ضابط منصوص العلة التي امر تطبيقها في الموارد بنظر المكلف ( نعم ) غاية ما يكون ، هو غلبة الباطل في احكامهم ( ولكن ) مثله لا يصلح للحكم ما بالترجيح الا بنظر الشارع ، نظير غلبة الايصال الى الواقع في جعل الطرق غير العامية ، لا بنظر المكلف الا في فرض احرازه ( وعليه ) فلا يكون التعليل بالرشد الا بياناً لعلة تشريع الحكم ، لا ضابطاً كلياً للمكلف ، كي ينطبق على منصوص العله فيتعدى منه الى غير مورده كما هو ظاهر .

( ومن التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال في التعليل الوارد في قوله ( علیه السلام ) بان المجمع عليه لا ريب فيه ( فانه ) يأتى فيه جميع ما ذكرناه في التعليل بالرشد حرفا

ص: 194

بحرف ( فلا بد ) من حمله ايضا على بيان علة تشريع الحكم في نظر الآمر ، لا بيان ضابط كلى ليكون من منصوص العلة ( وعلى فرض ) تسليم كون الريب المنفي فيه هو الريب بنظر المكلف ، ولو بملا خطة تثليث الامور والاستشهاد في رد المشكل الى الله تعالى بقول النبي ( صلی الله علیه و آله وسلم ) .. حلال بين ... الخ فلا شهادة فيه على كون المراد من الريب المنفي فيه هو الريب الاضافي بالقياس الى معارضه حتى يتعدى الى كل ما يوجب اقربية احد الخبرين من الآخر الى الصدور أو الواقع ( بل الظاهر ) منه هو عدم الريب بقول مطلق من حيث السند بمعنى كون أحد الخبرين في نفسه مع قطع النظر عن ملاحظة اضافته الى ما يقابله مما يطمئن بصدوره بحيث يصدق عليه عرفا إنه لا ريب في سنده ( فان ) ذلك هو الذي يقتضيه مورد التعليل بالشهرة ( لوضوح ) ان كون الخبر مشهوراً عند الاصحاب لاسيما بين أرباب الاصول في الطبقة الاولى وأرباب الكتب المدونة لروايات الاصول مما يوجب الاطمينان غالبا بسنده بحيث يصح أن يقال عرفا انه مما لا ريب فيه ( بخلاف ) الخبر الذي لم يدون في كتب الاصحاب ولا كان معروفا بين ارباب الاصول من الرواة ( فانه ) مما لا يطمئن بصدوره ( ومن المعلوم ) ان غاية ما يقتضيه التعليل المزبور حينئذ بناء على التعدي إنما هو التعدي الى كل ما يوجب الاطمينان بسند احد المتعارضين في نفسه لا الى كل ما يوجب اقربيته بالاضافة الى معارضه كما هو مرام القائل بالتعدي ( لان ) مثله خارج عن مقتضى التعليل المزبور كما هو ظاهر ( ومع الاغماض ) عن ذلك تقول أنه بعد اختلاف المزايا المنصوصة في مناط الاقربية من حيث سند الرواية و من حيث نفس الخبر ومن حيث مضمونه وجهة صدوره ، كان اللازم على القول بالتعدي هو التعدي من كل مزية الى ما هو الاقرب من سنخه ، فيتعدى من التعليل بالمجمع عليه الى الاقربية بحسب الصدور ومن التعليل بالرشد الى الاقربية بحسب الجهة وهكذا ( لا التعدي ) بقول مطلق الى كل ما يوجب كون أحد الخبرين اقرب الى الواقع أو الصدور ، كما هو مرام القائل بالتعدي ( نعم ذلك ) انما يتم بناء على المختار من إرجاع جميع هذه المرجحات الى مرجح واحد صدوري ولا زمه ايضا هو سقوط

ص: 195

الترتيب بين المرجحات كما سيأتي بيانه خصوصا على القول بالتعدي بلا وقوع محذور معارضة في فرض اشتمال احد الخبرين على مزية من جهة واشتمال الآخر على مزية من جهة اخرى ( ولكن ) القائل بالتعدي لا يلتزم بذلك ، فان بنائه على تعدد المرجحات والترتيب بين المرجحات الصدورية والمضمونية ( وكيف كان ) فالتحقيق هو وجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم جواز التعدي منها في مقام الترجيح الى غيرها .

فى حل الاشكال عن الترجيح بموافقة الكتاب

بقى التنبيه على امور

( الامر الاول ) الاخبار الواردة في الاخذ بما يوافق الكتاب و طرح ما يخالفه على طائفتين ( الاولى ) الاخبار المتقدمة الواردة في مقام العلاج في خصوص الروايات المتعارضة التي منها المقبولة الآمرة بالاخذ بما يوافق الكتاب في مقام الترجيح وطرح ما يخالفه ( الثانية ) الاخبار الواردة في عرض الاحاديث على القرآن الآمرة بطرح المخالف للكتاب في نفسه والاعراض عنه ، بمثل قوله ( علیه السلام ) ما خالف قول ربنا لم اقله .. او فاضر به على الجدار ، وانه زخرف او باطل ونحو ذلك من التأكيدات البليغة الواردة فيها بلزوم طرح المخالف وعدم العمل به ( وبعد ) سقوط الخبر المخالف للكتاب من الاعتبار بمقتضى هذه الاخبار يقع الاشكال في التوفيق بين هاتين الطائفتين ( بتقريب ) ان الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته انما يكون في فرض كون الخبر المخالف في نفسه واجداً لشرائط الحجية .

( فاذا كان ) من شرائط حجية خبر الواحد عدم مخالفته للكتاب، يكون المخالف له ساقطا بنفسه عن الحجية ( فكيف ) تكون الموافقة للكتاب من المرجحات ( ولكن ) حل الاشكال ان يقال بحمل المخالفة في الطائعة الثانية على مخالفة الخبر للكتاب بالتباين الكلي ( وفي الطائفة ) الاولى على المخالفة بنحو العموم المطلق والعموم من وجه ( والوجه ) فيه انما هو للعلم بصدور اخبار كثيرة منهم ( علیهم السلام )

ص: 196

مخالفة لظاهر الكتاب بالعموم المطلق والعموم من وجه ( مع وضوح ) اباء الاخبار الدالة على ضرب المخالف للكتاب على الجدار وانه زخرف او باطل من التخصيص ( فانه ) من ضم الوجدان المزبور الى إباء تلك النصوص وامتناعها من التخصيص يعلم ان المراد من المخالف الذي امر بضربه على الجدار وانه زخرف وباطل هو خصوص المخالف للكتاب بالتباين الكلي بنحو لا يمكن الجمع بينها ، وانه هو الذي يوجب سقوط الخبر من درجة الحجية وخروجه عن موضوع التعارض ومرحلة الترجيح وبذلك يرتفع التنافي بين الطائفتين ويندفع المحذور من البين ( اذ يختص ) موضوع اخبار الترجيح بالموافقة والمخالفة للكتاب على نحو العموم المطلق والعموم من وجه ( فاذا ) كان احد المتعارضين موافقا للعام الكتابي ، وكان الآخر مخالفا له اما بنحو العموم المطلق او العموم من وجه ، يكون الترجيح للخبر الموافق للكتاب ( وبما ذكر نا انقدح ) ضعف الاشكال بان المخالفة للكتاب لفظ واحد وظاهره في المقامين بمعنى واحد فلا وجه لحمل المخالفة في احد المقامين على المخالفة بالتباين وفي المقام الآخر على المخالفة بالعموم من وجه والعموم المطلق ( لما عرفت ) من ان الموجب لهذا الحمل انما هو العلم بصدور الاخبار الكثيرة منهم ( علیهم السلام ) على غير وجه التباين الكلى مع اباء مادل على ان المخالف للكتاب زخرف او باطل من التخصيص ( وعليه ) فلا وجه لاخراج الخبر المخالف للكتاب بقول مطلق من اخبار المقام والمصير الى كون المخالف غير حجة في نفسه مطلقا وان الموجب للترجيح هو عنوان الموافقة للكتاب لا هو وعنوان المخالفة ( كيف ) وان ذلك خلاف ما يقتضيه اخبار الباب كما هو ظاهر ( فلا محيص) حينئذ من المصير الى ما ذكرناه من ادراج المخالفة على غير وجه التباين الكلى في اخبار الباب ( وتوهم ) عدم اندراج المخالف للكتاب بالعموم المطلق في اخبار الترجيح ، لعدم التنافي بين العام والخاص، ولما هو التحقيق من تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كتخصيص المتواتر به ( مدفوع ) بانه كذلك لولا ابتلاء الخاص الخبرى بالمعارض ( فلا تنافي ) حينئذ بين تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وبين دخول هذا النحو من المخالفة في ادلة الترجيح واقتضائها لطرحه

ص: 197

عند معارضته مع الخبر الموافق للكتاب ( كيف ) ولا زم خروج هذا القسم من المخالف للكتاب عن موضوع اخبار الترجيح هو حصر مورد الترجيح بالموافقة والمخالفة بما يكون على نحو العموم من وجه ( وبعد ) ندرة المخالف للكتاب وقلة وجوده في الاخبار المتعارضة ، يلزم حمل ما اطلق فيه الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته على المورد النادر الذي هو بحكم المعدوم ، وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من تعميم المخالفة في تلك الاخبار بما يعم العموم المطلق ( ثم ان ) الحكم بالترجيح بموافقة الكتاب او مخالفته انما يكون اذا كان التنافي بين الخبرين بالتباين الكلى ، كما اذا كان مفاد احد الخبرين حرمة لحم الحمار ، وكان مفاد الآخر حليته ( فانه ) في مقام الترجيح يقدم ما دل على حليته لكونه موافقا للعام الكتابي وهو قوله سبحانه احل لكم ما في الارض جميعا ( واما ) لو كان التنافي بينها بنحو العموم المطلق ، فلا ترجيح بموافقة الكتاب ولا بمخالفته ، بل يقدم الخبر المخالف ويخصص به العام الخبري والكتابي على قواعد الجمع بين الاظهر والظاهر ، لما تقدم من خروج موارد الجمع العرفي عن موضوع اخبار الملاج ( هذا ) اذا كان التنافي بين الخبرين على نحو التباين الكلى أو العموم المطلق ( واما ) اذا كان التنافي بينها بنحو العموم من وجه فسيأني حكمه انشاء تعالى . ( هذا كله ) في الترجيح بموافقة الكتاب .

في الوجوه المتحمله لترجيح مخالف المحتملة العامة

( واما الترجيح ) بمخالفة العامة فلا ريب في أصل الترجيح بها لدلالة غير واحد من الاخبار التي منها المقبولة على وجوب الاخذ بما يخالف العامة وطرح ما يوافقهم ( وانما ) الكلام في وجه الترجيح بها ( فان ) المحتمل بدواً في الترجيح بمخالفة العامة امور ( الاول ) ان يكون وجه الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم ، كما قيل انه ظاهر مرسل داود بن حصين من قوله ( علیه السلام ) من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول او عمل فليس منا ولا نحن منه ( الثاني ) ان يكون لمحض التعبد، لقوله ( علیه السلام ) في رواية سماعة بن مهران خذ بما خالف العامة ( الثالث ) ان يكون

ص: 198

لاجل أن الرشد والصواب في خلافهم ، كما هو ظاهر كثير من الاخبار التي منها التعليل بالرشد ( ومنها ) قول الرضا (ع) في خبر ابن اسباط انت فقي______ه البلد واستفته ، فاذا افتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه ( ومنها ) قوله ( علیه السلام ) في خبر الارجائى : اندري لم امرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة : قلت لا ادرى فقال ( علیه السلام ) : ان عليا ( علیه السلام ) لم يكن يدين الله بشيء الا خالف عليه العامة ارادة لابطال امره ، وكانوا يسئلون عن الشيء لا يعلمونه ، فاذا افتاهم بشيء جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس ( الرابع ) ان يكون لاجل صدور الموافق لهم تقية ، كقوله ( علیه السلام ) ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية ، وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه .

( ولكن ) الاحتمالين الاولين بعيدان جداً عن ظاهر الاخبار خصوصاً الاول منها، اذ لا اشعار لرواية داود بن حصين عليه فضلا عن الدلالة ( فان ) قوله ( علیه السلام ) وافقنا خالف عدونا ... الخ ظاهر في الموافقة معه_ في معتقداتهم الفاسدة وفي أخذ معالم دينه منهم ، كما يدل عليه رواية حسين بن خالد من قوله ( علیه السلام ) شيعتن_____ا المسلمون لا مرنا الخ ( مضافا ) الى اقتضائها لكون الأمر فى الترجيح بمخالفتهم نفسيا لا طريقيا ( فيدور ) الامر بين الاحتمالين الاخيرين ( ولا ينبغى ) الاشكال في ان المتعين منها هو الاحتمال الثالث ، لظهور الاخبار المزبورة في ان الترجيح بمخالفة العامة انما هو من جهة كون الخبر المخالف لهم أقرب الى الواقع من الموافق لا لان الموافق فيه التقية لتكون المخالفة من المرجحات الجهتية ، خصوصا بملاحظة ما اقترن الترجيح بها بموافقة الكتاب كما في المقبولة الظاهر في انها من سنخ واحد ، لا سنخين احدهما المرجح المضمونى الملحوظ فيه الاقربي__ة الى الواقع والآخر المرجح الجهتي ( واما ) قوله ( علیه السلام ) ما سمعته مني يشبه قول الناس في______ه التقية الخ ، فغير ظاهر في مفروض البحث ، بل ظاهره هو كونه في مقام تمييز الحجة من لا حجة ، لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة .

( الامر الثاني ) المزايا المنصوصه المرجحة لاحد المتعارضين وان كانت

ص: 199

على انحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوى الخبر ، كالا وثقية والاعدلية ونحوهما ، و نفس الخبر ، كالشهرة والشذوذ ، ومضمونه كالموافقة للكتاب ووجه صدوره كالمخالفة للعامة بناء على ان الترجيح بها لاحتمال كون الموافق صدر تقية ( ولكن ) مرجع الجميع عند التأمل الى الترجيح الصدوري والتعبد باحد السندين وطرح الآخر ( فانه ) مع سقوط الخبرين بالتعارض من الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل السندلواحد منها بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح بشهادة مرجعية الاصول العملية لولا الاخبار العلاجية ( لا مناص ) من ارجاع الجميع الى الترجيح الصدوري حتى في المخالفة للعامة ( والا ) فبدونه لا يكاد انتهاء النوبة الى الترجيح بها من حيث الجهة ( اذ بعد ) ان يكون التعبد بالجهة والدلالة من آثار كلام الصادر ممن له الحكم ، فلا جرم لا بد في انتهاء الامر الى الترجيح بها من احراز كون الخبر كلاماً واقعياً للامام اما بالوجدان أو بالتعبد ، والا فما لم يحرز موضوعها يمتنع الترجيح بها ومع سقوط عموم دليل السند في اثبات الموضوع الذي هو كلام الامام وعدم مرجح سندى في البين لم يحرز كون ذى الجهة كلاما للامام حتى يترتب عليه آثاره من حجية دلالته وجهته ( ومجرد ) اقتضائه للحجية ومشموليته في نفسه لدليل السند لا يكفي في التعبد الفعلى بالترجيح بها مالم يحرز كونه كلاما للامام بالتعبد به فعلا

فى ان المزايا المنصوصه مرجعها الى الترجيح الصدورى

( واما توهم ) جريان اصالة السند فيها معا ولو من حيث كونها موضوعا لادلة التخيير والترجيح ، فينتهى الامر حينئذ الى الترجيح الجهتي او المضمونى بمخالفة العامة وموافقة الكتاب الموجب لسقوط المرجوح جهة او مضموناً عن الحجية ( مدفوع ) بات شمول ادلة السند لها ولو من هذه الجهة متفرع على ترتب اثر عملى للمكلف على التعبد بها، والا فبدونه لا يكفي مجرد موضوعيتها لاخبار الترجيح في توجيه التعبد الفعلى بها الى المكلف كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فلا محيص من ارجاع الامر بالاخذ بما يخالف العامة وما يوافق الكتاب الى التعبد بالبناء على انه هو الصادر وان الموافق للعامة والمخالف للكتاب غير صادر و مرجع ذلك الى ما ذكرنا من رجوع المرجحات الى الترجيح الصدورى ، اذ لا نعنى من كونها مرجحاً صدوريا الا هذا ، غاية الامر

ص: 200

يختلف وجه ترجيح السند في هذه المرجحات من كونه تارة لاجل قوة احتمال الصدور ، واخرى لاجل قوة المضمون ، وثالثة لاجل قوة الجهة ( نعم ) انما تتمحض المخالفة للعامة في الترجيح بالجهة فيما اذا كان الخبران مقطوعى الصدور ( ولكن ) ذلك لا يقتضى كونها كذلك حتى في غير مقطوعى الصدور .

فى عدم الترتيب بين المرجحات

( ويترتب ) على ما ذكرنا عدم ملاحظة الترتيب بين المرجحات لان الجميع حينئذ في عرض واحد ( ولازمه ) وقوع التزاحم بين المرجحات ، فيما لو كان لاحد الخبرين مزية من جهة كالشهرة في الرواية ، وللآخر مزية اخرى كالمخالفة للعامة فيقدم ما هو أقوى مناطا في القرب الى الصدور ، ومع تساويها فالتخيير بينها ( نعم ) بناءاً على الاقتصار في الترجيح على المرجحات المنصوصة يمكن الالتزام بالترتيب بينها تعبدا حسب الترتيب المذكور في المقبولة والمرفوعة بعد الجمع بينها ، لولا دعوى ان مفادها مجرد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح آخر ( بخلافه ) على القول بالتعدى واناطة الترجيح بالظن أو بمطلق الاقربية العرفية الى الواقع أو الصدور ( فانه ) بعد اقتضائه رفع اليد عن خصوصية المرجحات بمقتضى التعليلات الواردة فيها ( لا محيص ) من الغاء الترتيب بين المرجحات الغاء الترتيب بين المرجحات ، لعدم اجتماع القول بالترتيب بينها مع البناء على التعدى منها ( ولذلك ) اشكل المحقق الخراساني قده على العلامة الانصاري قده ، بعدم امكان الجمع بين القول بالترتيب بين المرجحات مع الالتزام بالتعدى عنها ( هذا ) على المختار استفادة كون الاخبار المرجحة بصدد اثبات مرجح واحد .

( واما ) بناءاً على استفادة كونها بصدد اثبات مرجحات متعددة من حيث الصدور تارة والجهة اخرى والمضمون ثالثة ( فلا شبهة ) في ان لازمه هو الترتيب بين المرجح الصدوري ، والمرجح الجهتي ( لا من جهة ) تقدم رتبة التعبد بالصدور على التعبد مجهة الصدور والمضمون ( لوضوح ) ان التعبد بالجهة والمضمون بعد ان كان من آثار الكلام الواقعى الصادر من الامام يكون التعبد بالسند بالنسبة الى التعبد بالجهة والمضمون بمنزلة المنقح لموضوع الاثر الواقعي ، نظير

ص: 201

التعبد بالحيوة بالنسبة الى الاثر المترتب على الحيوة الواقعية ، ويكون نسبة التعبد بها الى التعبد بالسند من قبيل الحكم الواقعي لموضوع قامت الامارة على اثباته ظاهرا (ولازمه ) هو تقدم التعبد بالجهة والمضمون رتبة على التعبد بالسند، كتقدم الاثر الواقعى المترتب على موضوع قامت الامارة أو الاصل على اثباته ظاهراً ( بل من جهة ) ان موضوع التعبد بالجهة والمضمون هو الكلام الواقعي الصادر من المعصوم ( علیه السلام ) ، فان لازمه هو عدم جريان التعبد بالجهة والمضمون الا بعد الفراغ عن ثبوت اصل السند و احرازه بالوجدان أو التعبد ( فلو كان ) احد المتعارضين واجداً للمرجح السندى كالشهرة في الرواية ، وكان الآخر واجداً للمرجح الجهتي او المضمونى كالمخالفة للعامة والموافقة للكتاب يقدم ذو المرجح السندى على ذي المرجح الجهتي أو المضموني لان المرجح السندى باقتضائه لطرح المرجوح سنداً موجب لسقوط موضوع إصالة الجهة والدلالة فلا يبقى معه كلام الامام حتى تنتهى النوبة الى ترجيح جهته او مضمونه على الآخر ( هذا ) في الترتيب بين المرجح الصدوري، والمرجح الجهتي والمضموني ( وأما المرجح الجهتي ) والمضمونى فالظاهر انه لا ترتيب بينها ( لان ) التعبد بالجهة والدلالة اثران عرضيان للكلام الواقعي بلا تقدم رتبي لاحدهما على الآخر ( وما يرى ) من بنائهم على تقديم الجمع على التقية في مقام الترجيح ، فأنما هو من جهة انطرح الجهة يؤدى الى طرح السند ، بخلاف طرح الدلالة فى مقام الجمع فانه لا يوجب طرح السند رأساً، إذ يبقى معه مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده ( لا انه ) من جهة تقدم الاصل الجهتي على الاصل الدلالي .

( ثم انه ) على هذا المبنى وان صح الجمع بين الترتيب في المرجحات وبين الالتزام بالتعدى ( ولكن ) اللازم حينئذ ان يكون التعدى من كل مرجح الى ما هو الاقرب من سنخه لا مطلقا ، فيتعدى من التعليل بعدم الريب في المجمع عليه ومن تعليق الحكم على الأوصاف الى الاقربية الصدورية ( ومن ) التعليل بالرشد في مخالفة العامة بناء على كونها من المرجحات الجهتية الى الاقربية الجهتية ( ومن الترجيح ) بموافقة الكتاب الى الاقربية المضمونية للواقع ، مع ان هذا التفصيل خلاف

ص: 202

ظاهر كلمات الشيخ قده ( فان ) ظاهره هو التعدى الى مطلق الاقرب الى الواقع أو الصدور ، وهو كما ترى لا يتم الا بارجاع جميع المرجحات الى مرجح واحد صدوری .

فى نقل نظر المحقق الخراسانی ره ودفع ما اورد عليه

( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد اصل هذا المبنى ( لما عرفت )من ان موضوع الاصل الجهتي والدلالى هو الكلام الصادر من المعصوم ( علیه السلام ) ولا بد فى جريانها من احراز موضوعها بالوجدان او التعبد ، و بعد سقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية وعدم شمول عموم السند لها ، وعدم مرجح سندي في البين حسب الفرض لذى المرجح الجهتي او المضمونى لم يحرز كلام الامام حتى ينتهى الى ترجيح اصله العقلانى على غيره ( وحينئذ ) فبعد عدم كفاية مجرد اقتضاء الحجية لمثل هذا الترجيح ، فلا محيص من ارجاع هذين المرجحين الى المرجح الصدورى بارجاع الأمر بالأخذ بما يخالف العامة وما يوافق الكتاب عند التعارض الى التعبد بالبناء على انه هو الصادر وان غيره الموافق للعامة او المخالف للكتاب غير صادر ولازمه هو كون جميع المرجحات في عرض واحد بلا تقدم لاحدها على الآخر .

( والى ما ذكرنا ) نظر المحقق الخراساني قده فيها افاد من عدم الترتيب بين المرجحات ووقوع التزاحم بينها فيما لو وجد في احد المتعارضين مرجح وفي الآخر آخر .. الخ : فلا يرد عليه ما اورد : تارة بان الترجيح بمخالفة الكتاب ، وموافقه العامة يرجع الى التخصيص في الاصول العقلائية التي تقتضي البناء على صدور الكلام على وفق المراد وان مضمونه تمام المراد . والترجيح بالشهرة وبالصفات يرجع الى التخصيص في ادلة حجية خبر الواحد فلا وجه لارجاع المرجحات كلها الى المرجح الصدوري .. واخرى على ما افاده بقوله لا معنى للتعبد بعند ما يتعين حمله على التقيه : بانه ناش. عن الخلط بين الحمل على التقية في باب تعارض الخبرين ، وبين الحمل على التقية في غير باب التعارض ، فان ما لا يمكن فيه التعبد بالصدور مع الحمل على التقية انما هو فيما لو كان الخبر في حد نفسه ظاهراً في التقية ( واما ) لو كان الخير في نفسه غير ظاهر فيها فالحمل على التقية انما هو بعد وقوع التعارض بينه وبين

ص: 203

الخبر المخالف للعامة ، ووقوع التعارض بينها فرع شمول ادلة التعبد بالصدور لكل من الموافق والمخالف ( اذ فيه ) ان مبنى الاشكال على كون المخالفة للعامة من المرجحات الجهتية اذا كان من جهة امتناع جريان اصالة الجهة مع عدم احراز موضوعها الذي هو كلام الامام ( علیه السلام ) ، فكيف يصير ذلك جواباً اشكاله ، وكيف يكون هذا المقدار من البيان مصححا لكون المخالفة والموافقة للعامة من المرجحات الجهتية بعد عدم احراز موضوعها الذى هو كلام الامام لا وجداناً ولا تعبداً ، لسقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل السند لواحد منها بالفعل ، مع عدم مرجح سندى في البين حسب الفرض يقتضي التعبد الفعلى بصدور المخالف ( اذ في مثله ) اين كلام الامام حتى ينتهي الامر الى التعبد بترجيح جهته على الجهة في الآخر ( وشمول ) عموم التعبد بالسند لكل واحد من الخبرين في حد نفسه مع قطع النظر عن معارضه ، غير مجد في التعبد الفعلى بهذا الترجيح ( اذ بمثل هذه ) الحجية الاقتضائية لا يحرز كون الخبر المخالف كلاماً للامام حتى يترتب عليه اثره الذي هو التعبد بترجيح اصالة الجهة فيه على اصالة الجهة في الخبر الآخر الموافق للعامة ( وعلى فرض ) كفاية مجرد اقتضاء الحجية لذلك .. نقول ان اصالة الجهة بعد ان تكون من آثار الكلام الواقعى للامام لا من آثار التعبد به فلازم الترجيح بها هو تقديم هذا الترجيح على الترجيح السندى ، لاقتضاء دليل الترجيح بها في الخبر المخالف للعامة للعلم الاجمالى في الخبر الموافق لهم اما بعدم صدوره ، او بوجوب حمله على التقية ، ومع هذا العلم الاجمالي لا مجال لترجيح سنده في فرض وجود مرجح سندي فيه من اوصاف الراوي او الشهرة في الرواية والى ذلك يرج_____ع مقالة المحقق الرشتي قده فيما أورده في بدايعه على العلامة الانصاري قده ( فلا يتوجه ) عليه اشكال المحقق الخراساني قده بمنع دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا ، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور المخالف المعارض له ( اذ هذا ) الاشكال انما يرد عليه فيما لو اراد بالدوران المزبور في الخبر الموافق الدوران الواقعى مع قطع النظر عن ملاحظة ادلة الترجيح

ص: 204

بالجهة المقتضية لكون الخبر الموافق لهم على تقدير صدوره صادراً تقية ( كيف ) وهذا الاحتمال مما لا يكاد خفائه على الاصاغر من الطلبة فضلا على مثله قده ( بل المقصود ) هو الدوران الحاصل من ملاحظه الادلة المرجحة لاصالة الجهة في الخبر المخالف للعامة على اصالة الجهة في الخبر الموافق لهم المقتضية لحمل الموافق على تقدير صدوره واقعا على التقية ( فانه ) بملاحظة ادلة الترجيح يصير الخبر الموافق محصوراً بين الاحتمالين لارتفاع احتمال صدوره لبيان حكم الله الواقعى ( فعدم ) الالتزام بذلك يشهد بما ذكرناه من رجوع المرجح الجهتي ايضاً الى المرجح الصدورى فتأمل .

فى مرجحيّة الشهره واقسامها واحكامها

( الامر الثالث ) في مرجحية الشهرة ، وهى على اقسام الشهرة الروائية ، والشهرة العملية ، والشهرة الفتوائية ( اما الشهرة ) الروائية فهي عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة وارباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الاصول وفي كتب المحدثين الجوامع للاخبار ( ولا اشكال ) في الترجيح بها ، بل هو المتيقن من المقبولة المصرحة بالترجيح بالشهرة .

( واما الشهرة ) العملية ، فهي عبارة عن عمل المشهور بالرواية واستنادهم اليها في الفتوى ( والنسبة ) بينها وبين الشهرة الروائية هى العموم من وجه ( اذرب ) رواية مشهورة بين الرواة ومدونة في كتب المحدثين ولم يعمل بها المشهور ( ورب ) رواية قد عمل بها المشهور ولم تكن مشهورة بين الرواة وارباب الحديث ( ورب ) رواية اجتمع فيها الامران ( ولا اشكال ) فى الترجيح بهذه الشهرة ، بل الترجيح بها اولى من الترجيح بالشهرة الروائية ، لكونها جابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها وان كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف ( بل اطلاق ) المرجح عليها لا يخلو من مسامحة ( فان ) هذه الشهرة كما تكون جابرة لضعف الرواية ، كذلك تكون موهنة للرواية التي على خلافها وان كانت مشهورة قد رواها الثقات ، نظرا إلى كشف أعراضهم عنها عملا عن خلل فيها يوجب سقوطها عن الاعتبار لارتفاع الوثوق عنها ( فان ) المناط في حجية خبر الواحد بعد ان كان هو الوثوق بسنده وجهته ولو بالاصول العقلائية ، فلا جرم باعراض المشهور من المتقدمين عنه يرتفع الوثوق النوعي بسنده فيخرج عن درجة الاعتبار وان كان بحسب القواعد

ص: 205

الرجالية في منتهى درجة القوة ( ومن هنا ) قيل انه كلما ازداد الخبر صحة ازداد باعراض الاصحاب عنه ضعفاً ( وعليه ) فالعبرة على الشهرة العملية الاستنادية في الوثوق الذى عليه مدار حجية الخبر ( بل مع ) وجود هذه الشهرة لا يكاد انتهاء الامر الى الترجيح بشيء من المرجحات ولكن بشرط ان تكون من المتقدمين من ارباب المتون ، وإلا فلا اثر لشهرة المتأخرين ما لم تتصل بشهرة المتقدمين .

( واما الشهرة ) الفتوائية فهى عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى من المتقدمين على طبق مضمون الرواية مع عدم العلم باستنادهم في الفتوى الى الرواية الموجودة في المسألة ( ولا اشكال ) في كون هذه الشهرة موهنة للرواية التي علي حلافها ( فان ) اشتهار الفتوى منهم في المتون على خلاف مضمون الرواية مع قرب عصر هم بزمان صدور الاخبار وكون الرواية بمريثهم ومنظرهم ، يكشف كشفاً اطمينانيا عن اطلاعهم على خلل فيها سنداً أوجهة، بحيث لو كنا نحن في عصر هم لكنا نطرح الرواية ايضا ( ولا يخفى ) انه على هذا البيان لا يحتاج الى ضم شهرة المتأخرين الى شهرة المتقدمين، بل يكفي في طرح الرواية شهرة الفتوى من القدماء على خلاف مضمون الرواية ، وان كان شهرة المتأخرين على طبق مضمونها ( نعم ) لو احرز ان فتويهم على خلاف مضمون الرواية من جهة مناقشتهم في دلالتها ، لكان المتبع هو الرواية إذا كانت واجدة لشرائط الحجية ولو لم تكن الشهرة المتأخرة ايضا على طبق مضمونها فضلا عما لو كانت على وفقها ( ومع الشك ) في ذلك وعدم العلم بان فتويهم على خلاف مضمون الرواية ، لاجل اعراضهم عن الرواية سنداً أو جهة ، او لاجل المناقشة في دلالتها يحكم عليها بحكم الاعراض ، لعدم الوثوق الذي عليه مدار حجي_____ة الخبر .

( وانما الكلام ) في كون هذه الشهرة مرجحة لاحد المتعارضين ، او جابرة لضعف الرواية ( ومنشأ ) الاشكال ان الترجيح والجبر بها متفرع على استنادهم في الفتوى الى الرواية واعتمادهم عليها ، ولا يكفي فيها مجرد تطابق فتويهم لمضمون الرواية مع عدم احراز استنادهم اليها في الترجيح أو الجبر ، كما لا يكفي فيها عمل المتأخرين

ص: 206

بالرواية مالم يتصل بشهرة المتقدمين ( ولكن ) التحقيق هو التفصيل بين أن يكون الفتوى على طبق القاعدة وبين كونها على خلافها ( فعلى الاول ) لا تكون الشهرة الفتوائية مرجحة لاحد المتعارضين ولا جابرة لضعف الرواية ( فانه ) مع كون الفتوى على طبق ما تقتضيه القاعدة ، يحتمل قريباً كونها هي المستند في فتويهم لا الرواية الموجودة في المسألة ( ومع ) هذا الاحتمال لا يحصل الوثوق باستنادهم في الفتوى اليها ، وان استند اليها المتأخرون في فتواهم ، لما تقدم من انه انه لا عيرة بعمل المتأخرين بالرواية في الترجيح والجبر ما لم يتصل بشهره المتقدمين ( فلا تكون ) الشهرة الفتوائية حينئذ مرجحة للرواية على معارضها ولا جابرة لضعفها اذالم يكن لها معارض ( واما على الثاني ) وهو كون الفتوى في المسألة على خلاف ما تقتضيه القاعدة ، فلا قصور في جابرية الشهرة الفتوائية لضعف الرواية الموجودة في المسألة ومرجحيتها خصوصا اذا توافق شهرة المتأخرين مع شهرة المتقدمين في الفتوى على طبق مضمون الرواية ، لحصول العلم العادي بان مستند فتوى المتقدمين هو تلك الرواية ( والموجب ) لذلك امور ثلاثة بعد انضمام بعضها ببعض ( احدها ) كون الحكم المفتي به على خلاف ما تقتضيه القاعدة ( وثانيها ) إياء عدالتهم وعلو مقامهم عن الفتوى في المسألة بلا مستند صحيح عندهم (وثالنها ) بعد ان يكون لهم مستند آخر غير ما وصل الينا من الرواية بطرقهم ( اذ لو كان ) لهم مستند آخر غير الرواية الموجودة فيها بايدينا لوصل الينا منهم ، ولكان المتأخرون الشارحون للمتون يستندون اليه في فتويهم بعثورهم عليه لقرب عصرهم بعصرهم ( حيث ) انه بانضمام هذه الامور بعضها ببعض مع اتصال شعرة المتأخرين بشهرة المتقدمين يحصل العلم العادي بانه لا يكون المستند في فتويهم إلا تلك الرواية الموجودة في المسألة ( ومعه ) تكون هذه الشهرة

ص: 207

جابرة لضعف الرواية إذا لم لها يكن معارض ومرجحة لها على معارضها على تسامح في ذلك .

فى حكم تعارض العامين من وجه

( الأمر الرابع ) في أنه هل يرجع في تعارض العامين من وجه الى اخبار العلاج باعمال المرجحات الصدورية والجهية والمضمونية ( أو لا يرجع ) فيهما اليها بل يحكم فيها في مورد الاجتماع بالتساقط مع تساويها في قوة الدلالة ويكون المرجع هو الاصل الجاري في المسئلة ( وعلى الاول ) فهل الرجوع الى المرجحات في تمام الخبر فيؤخذ باحد العامين ويطرح الآخر في تمام مدلوله حتى في مادة الافتراق ( اوان ) الرجوع اليها في مورد تعارضها وهو مادة الاجتماع ( فيه وجوه ) من انصراف اخبار الترجيح والتخيير الى صورة تعارض الخبرين بتمام مدلوليها الموجب لخروج العامين من وجه من مصب الاخبار ( ومن صدق ) التعارض ولو في الجملة وكفايته في دخولها في مصب الاخبار ( ومن ان ) التعارض بينها أنما هو في بعض مدلوليها فلا وجه لاعمال المرجحات وطرح احد هما سنداً حتى فيما لا تعارض بينهما ( ولكن الاقوى ) الوجه الاول وهو عدم الرجوع الى المرجحات حتى في مجمع تصادقها الذي هو مورد التعارض وفاقا للمشهور بل المعظم ( وذلك ) لا من جهة عدم قابلية الخبر للتبعيض فى المدلول من حيث السند ، لا مكان دفعه بان ماهو غير قابل للتبعيض أنما هو التبعيض الحقيقي بحيث يكون الخبر صادراً في بعض مدلوله وغير صادر في بعض آخر ( واما التبعيض ) التعبدي ، فلا محذور فيه عقلا ، لا مكان التعبد بصدور الخبر في بعض مدلوله ، وعدم التعبد به في البعض الآخر ، كيف والتفكيك بين اللوازم والآثار في التنزيلات الشرعية فوق حد الاحصاء ، ولا يأبى العرف ايضا عنه ( بل من جهة ) خروجها من مصب اخبار العلاج ، لاختصاصها صرفا او انصرافا بما اذا كان التعارض بين الخبرين بنحو لا يتمكن من الجمع بين سنديها والعمل على طبق مدلولها ولو في الجملة ( وفي العامين ) من وجه يمكن الجمع بين سنديها ولو بلحاظ مادة افتراقها ( فان ) هذا المقدار يكفي في صحة التعبد بسندها وجهتهما ، نظير

ص: 208

التعبد بسند العام المتصرف في ظهوره في قبال الخاص الاظهر ( غاية ) الامر يقع بينها التكاذب في الدلالة في مجمع تصادقها ، وحيث لا ترجيح لاحد الدلالتين يحكم عليهما في المجمع بحكم الاجمال والرجوع الى الاصل الموجود في المسئلة ، كما في مقطوعي الصدور ، لا الى المرجحات السندية ، ولا الى المرجحات الجهتية والمضمونية كالمخالفة للعامة والموافقة للكتاب، كما هو ظاهر بعض الاعاظم قده على ما ذكر في التقرير خصوصا على مسلك المختار من ارجاع المرجح الجهتي والمضموني الى المرجح الصدوري كما تقدم بيانه ( وما ذكرنا ) هو الوجه في تسالم الاصحاب على التساقط في العامين من وجه في مجمع تصادقها والرجوع الى الاصل .

فى ان الاصل مرجع لا مرجح

( الامر الخامس ) في الترجيح بالاصل بناء على التعدي من المرجحات المنصوصة ( فان الذي ) يظهر من بعضهم الترجيح به وتقديم الخبر الموافق للاصل على المخالف له ( ولكن ) فيه نظر واضح ( فان ) الاصول الفقاهية من جهة تأخر مضمونها لا تكون في مرتبة الادلة الاجتهادية حتى تصلح للمرجحية وتقوية مضمونها ( كيف ) ومورد جريانها انما هو ظرف فقد الدليل الاجتهادي المطابق او المخالف أما رأسا ، أو لسقوطه عن الحجية بالمعارضة ، فلا مورد لجريان الاصل قبل سقوط المتعارضين ، وبعد سقوطهما عن الحجية يكون الاصل مرجعا لا مرجحا ، من غير فرق في ذلك بين الاصول العقلية والشرعية ، ولا في الثاني بين الاصول التنزيلية وغيرها ( وأما الترجيح ) بالظنون غير المعتبرة ، فعلى القول بالتعدى من المرجحات ، فلا بأس بالترجيح بها مالم يكن من الظنون المنهى عن اعمالها كالظن القياسي ، والا فلا يعتني به ، لانه نحو اعمال له الذي هو المنهى المنهى عنه .

( بقى الكلام ) فيما يتعلق بالتخيير وهي امور ( الاول ) قد تقدم ان حكم المتعارضين على الطريقية في الامارات بالنظر الى عموم دليل الحجية هو التساقط ( وعلى السببية ) والموضوعية هو التخيير على التفصيل المتقدم بين أن يكون التعارض بين الخبرين لاجل تضاد موضوعى الحكمين ولو عرضا ، وبين ان يكون لاجل وحدة موضوعها ( وبالنظر ) الى ما يستفاد من اخبار العلاج هو عدم سقوطها ووجوب

ص: 209

الترجيح والاخذ بذي المرجح منها ان كان هناك مرجح ، ومع فقده وتساويها فالتخيير بينها ( وقد عرفت ) ان هذا التخيير ليس تخييرا في المسئلة الفقهية ، كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الاربعة ( إذ بعد ) انهاء الامر في المتعارضين ولو بمقتضى المدلول الالتزامي لهما في اغلب الموارد الى النفي والاثبات يمتنع الوجوب التخييري في العمل بمؤدى الخبرين لكونه من ايجاب التخيير بين النقيضين ( بل ولا تخييرا ) عمليا منتجا للاباحة الظاهرية بمقتضى اللاحرجية بين الفعل والترك كما في الدوران بين المحذورين ( فان ) ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكنه لا يساعده ادلة التخيير ( بل هو ) تخيير في المسئلة الاصولية اي في الاخذ باحدهما في مقام الاستطراق الى الواقع المنتج لكون المأخوذ حجة تعيينية يتعين العمل بمضمونه بعد الاخذ به ( فان ) الظاهر من قوله ( علیه السلام ) .. بايها اخذت من باب التسليم وسمك ، هو أن طرف التخيير هو الأخذ باحدهما ليكون المأخوذ حجة وطريقا محرزاً للواقع الذى لازمه تعين العمل بمضمونه ( ومرجعه ) في الحقيقة الى الامر التعييني بالعمل بكل واحد من الخبرين مشروطا بالاخذ به ( فان ) ذلك مما يستتبع تخيير المكلف بالأخذ باحدهما مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية ( ومن هنا ) لا يكون الحكم بالتخيير في الاخذ باحدهما حكما مولويا يترتب العقوبة على تركه من حيث نفسه، وانما هو ارشاد الى حكم العقل بوجو به مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية مع القدرة عليه، كما هو الشأن في حكمه في الشبهة قبل الفحص للقادر على تحصيل الحجة الشرعية .

فى ان التخيير تخيير في المسألة الاصولية

( الثاني ) في انه هل بتعين على الحاكم وكذا على المفتي في مقام الافتاء ان يختار احد الخبرين والافتاء على طبق مضمون ما اختاره من الحكم الفرعي ( اوان ) له الافتاء بالحكم الاصولي وهو التخيير في الاخذ باحد الخبرين ، فيختار المقلدما أحب منها ولو على خلاف ما اختاره مجتهده ( او الافتاء ) بالتخيير في العمل بكل منها ( فنقول ) اما الحاكم والقاضي فلا اشكال في انه يتعين عليه اختيار احدهما والحكم على طبقه ، لعدم فصل الخصومة إلا به ولا معنى لتخيير المتخاصمين في الاخذ او في العمل باحد الخبرين .

فى انه يجوز الفتوى بالتخيير في المسألة الاصولية

( واما المفتى ) في مقام الافتاء ( فقد ) يقال بابتناء الخلاف المزبور على

ص: 210

الخلاف فيما هو المستفاد من أدلة التخيير من كون التخيير في المسألة الاصولية فيكون التخيير للمفتى او كونه في المسألة الفرعية فيكون التخيير للمستفتي في العمل بمضمون أحدهما ( ولكنه ) ليس كذلك لتأتى ، الخلاف المذكور ولو على القول بكون التخيير في المسألة الاصولية ( بل التحقيق ) ابتناء هذا الخلاف على الخلاف في شمول الاحكام الطرقية المستفادة من ادلتها كالاحكام الواقعية للجاهل المقلد ، وعدم شمولها له واختصاصها بالمجتهد ( فان قلنا ) باختصاص الأوامر الطرقية بالمجتهد المتمكن من تحصيل شرط العمل بها من الفحص و نحوه وعدم شمولها للعاجز عنه ( فلا شبهة ) في انه ليس للمجتهد الفتوى بمضمون هذه الوظائف الفعلية غير الشاملة للمقلد العاجز ، لعدم شمول ادلة رجوع الجاهل الى العالم لمثله ( لوضوح ) ان المراد من العالم هو العالم بوظيفة المقلد لا العالم بوظيفة نفسه ، فيتعين عليه حينئذ اختيار احد الخبرين والافتاء بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي ( و توهم ) ان الامر التعيينى بمضمون كل واحد من الخبرين بعد ان يكون مشروطا بالاخذ الذي هو وظيفة المجتهد ، فيلزم اختصاص الحكم التعييني المستفاد من المأخوذ بخصوص المجتهد ، فلا يشمله دليل رجوع الجاهل الي العالم بعد اختصاصه بالعالم بوظيفة المقاد لا العالم بوظيفة نفسه ( مندفع ) بان مجرد اناطة التعبد بمضمون الخبر بالأخذ به لا يقتضي اختص______اص مضمونه بخصوص المجتهد الأخذ بل هو حكم واقعي شامل لجميع افراد المكلفين واحتياج التعبد به الى الفحص والأخذ غير ضار بعد كون فحص المجتهد وأخذه مجزياً فحصه وأخذه ( وبتقريب آخر ) أن أخذ المجتهد بعد ان كان بملاك تحصيل الحجة فبالأخذ باحد الخبرين يصير المأخوذ حجة تعيينيه عليه ( فاذا ) كان دليل تتميم كشفه مثبتاً للعلم التنزيلى بالمؤدى يكون المجتهد بمنزله العالم بالوظيفة الواقعية المقلده فيفتي بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي المشترك بين الجاهل والعالم ، فيترتب عليه رجوع الجاهل اليه ( واما ان قلنا ) ان الاحكام الطرقية الظاهرية كالاحكام الواقعية شاملة للمقلد الجاهل ايضا ، كما هو الظاهر من اطلاق ادلتها ، بلا اختصاص خطاباتها بالمجتهد لا ذاتا ولا عرضا من جهة اشتراطها بالفحص ( لان ) المتيقن من دليل الفحص اشتراطه باعم من فحص نفسه او مجتهده ، فيكون

ص: 211

فحص المجتهد بمقتضى ادلة الافتاء والاستفتاء فحصا للمقلد ايضا ( فلازمه ) جواز الافتاء في التخيير بالأخذ باحد الخبرين ( لان ) رأى المجتهد كما هو حجة في تعيين الحكم الفرعي الواقعي باستنباطه من الادلة ، كذلك حجة في تعيين الحكم الظاهري ، بل قد يقال ان المتعين حينئذ حجية رأيه فيما استنبطه من الادلة عند تكافؤ الخبرين ، لا ما اختاره لنفسه في مقام العمل لعدم الدليل على حجية ما اختاره لنفسه على مقلده بحيث يكون تكليفاً تعيينياً بالنسبة اليه ( نعم ) ليس له الافتاء بالتخيير في المسألة الفرعية بالعمل على طبق احد الخبرين ( اذهو ) مع عدم كونه مفاداً لادلة التخيير ، لا يكون مؤدى واحد من الخبرين ايضا ، فيكون الفتوى بالتخيير بالعمل بها فتوى بلا دليل ، مضافا الى ما تقدم من امتناع الوجوب التخييري بين العمل بها بعد انتهاء الامر بينها في الغالب الى النقيضين ( هذا ) اذا اريد من التخيير الوجوب التخييرى ( واما ) لو اريد التخيير العملي بمعنى الاباحة ، فعليه وان لم يتوجه الاشكال الأخير ، ولكنه يتوجه عليه اشكال كونه فتوى بلا دليل ( نعم ) لا بأس بالفتوى بالوجوب التخييرى بناء على استفادة كون التخيير في المسألة الفرعية ولكنه يتوجه عليه الاشكال الاخير من انه لا معنى للوجوب التخييري بعد انتهاء الامر بينها الى النفي والاثبات ( فعلى كل تقدير ) يسقط القول بالافتاء بالوجوب التخييري .

فى ان التخيير بدوى اواستمراري

( الامر الثالث ) هل التخيير في المسألة بدوى فليس للمكلف ان يختار في الزمان الثانى غير ما اختاره في ابتداء الأمر ، او انه استمراری فلامکلف الاختيار في كل زمان فى الأخذ باي الخبرين شاه ( فيه وجهان ) بل قولان ، ومورد البحث أنما هو في فرض كون التخيير في المسألة الاصولية ( والا ) فني فرض كونه في المسألة الفرعية ، فلا اشكال في استمراره وان للمكلف ان يعمل بمضمون احد الخبرين تارة ويمضمون الآخر اخرى ، كما في التخيير بين القصر والاتمام في المواطن الاربعة ( وبعد ذلك ) نقول .. انه قد يقرب الاول بوجهين ( احدهما ) ما افاده العلامة الانصارى قده من ان الاخبار الدالة على التخيير مسوقة

ص: 212

لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الأمر ، فلا اطلاق فيها بالنسبة الى حال المتحير بعد الالتزام باحدهما ، واستصحاب التخيير غير جار ( لان ) الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير ، فائباته لمن اختار والتزم اثبات للحكم في غير موضوعه ( ويتوجه عليه ) اولا ، منع سوق الاخبار لبيان وظيفة المتحير في بدو الامر ( بل هي ( ظاهرة في سوقها لبيان حكم المتحير من حيث هو ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق في الحكم بالتخيير بين ابتداء الامر أو بعده ( وثانيا ) منع كون موضوع التخيير هو المتحير اذ لا دليل على اخذ عنوانه في موضوع التخيير ( بل الموضوع ) هو من جائه الحديثان المتعارضان ، فالتحير حكمة لجعل الحكم المذكور ، كما هو ذلك في الحكم بالترجيح ( ومن الواضح ) بقاء هذا الموضوع على حاله في جميع الازمنة وعدم انقلابه بالاختيار وبالعلم بالحكم الفعلي ( مع ان ) التحير في الحكم الواقعى متحقق حتي مع الاختيار ، والتحير العقلي في المتعادلين مرتفع بالعلم بالتخيير ( فلا يمكن ، ان يكون عنوانا للموضوع يدور الحكم مداره .

( وثانيها ) ان طبع الاطلاق في التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب يقتضي كون المطلوب صرف وجود الاختيار ، لا الطبيعة المهمله ، ولا السارية ، كما هو ذلك في كلية الأوامر ( ولازمه ) سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الأول بلا احتمال بقائه ( فلو شك ) حينئذ في بقاء التخيير ، فلا بد وان يكون من جهة احتمال تعلق امر جديد به في الزمان الثاني ( وفي مثله ) لا مجال لاستصحاب التخيير ، بل الاستصحاب جار فى وجوب العمل بما اختاره في الزمان الاول ( وفيه ) انه كذلك اذا كان الأمر بالاختيار شرعيا مولويا ، وليس الأمر كذلك ( بل هو ) ارشادي الى حكم العقل به بمناط وجوب تحصيل الحجة الشرعية للمقادر على تحصيلها ، كما ذکر ناه ( وما هو ) شرعى انما هو ملزومه الذي هو الامر بالتعبد بكل منهما في ظرف الأخذ به واختياره فيكون اطلاقه تابع اطلاق ملزومه ( فاذا كان ( الظاهر من اطلاق هذا النحو من القضايا الشرطية هو كون الشرط الطبيعة السارية في كل زمان فلا محالة يتبعة اطلاق الامر بالتخيير ولو ارشادا في كون المطلوب طبيعة الاختيار

ص: 213

السارى في كل زمان ، فيتم المطلوب من استمرار التخيير بلا احتياج الى استصحابه ( اللهم ) الا ان يقال ان ذلك انما يتم لو كانت القضية الشرطية من القضايا الملفوظة، وليس الامر كذلك ( فان ) منطوق الرواية ليس الا مجرد الأمر باختيار أحد المتعارضين ولو ارشادياً ، لا ملزومه الذي هو حجية ما يختاره المكلف في ظرف اختياره ( فاذا ) اقتضت المقدمات الحكمة في التخيير المأخوذ موضوعاً للوجوب ولو ارشاداً كونه على نحو صرف الوجود المنطبق بتمامه على الاختيار في الزمان الاول ، يتبعه اطلاق ملزومه المستفاد منه ( ولا اقل ) من عدم استفادة شرطية الاختيار بنحو الطبيعة السارية في كل زمان ( نعم ) على ذلك يبقى المجال لاستصحاب بقاء التخيير في الزمان الثانى ( فانه ) يكفي فيه مجرد عدم استفادة صرف الطبيعي المنطبق على الاختيار في الزمان الاول ( واما توهم ) معارضته مع استصحاب التعيين في طرف المأخوذ ( فمندفع ( بكون الشك في الثاني مسبباً شرعياً عن الاول فاستصحابه يكون حاكماً على استصحاب التعيين .

هذا تمام الكلام في الجزء الرابع من الكتاب والحمد الله أولا وآخراً وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين ( وقد ) وقع الفراغ من تسويده على يد العبد الآثم المحتاج الى رحمة ربه الغني محمد تقى النجفى البروجردي ابن عبد الكريم على الله عنها في ثلاث بقين من شهر جمادى الثانية سنة ١٣٥٣ ثلاثة وخمسين بعد الالف وثلثمائة من الهجرة النبوية عليه وعلى اخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية .

ص: 214

فى تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحاً

في الاجتهاد والتقليد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه واشرف بريته محمد وآله الطاهرين المعصومين الغر الميامين : ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم اجمعين الى قيام يوم الدين .

( وبعد ) فهذه وجيزة فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد قد حررناها في سالف الزمان فاجبت الحاقها بالكتاب وهو الموفق للصواب ( اما الاجتهاد ) ففيه مواضع للبحث .

الموضع الاول

في تعريفه ( فنقول ) الاجتهاد لغة من الجهد بالفتح بمعنى تحمل المشقة ومن الجهد بالضم بمعنى صرف الطاقة ، وقيل انه بالفتح والضم بمعنى المشقة ( واما اصطلاحا ) فقد اختلف عباراتهم في شرح معناه فمن محكى العلامة قده والحاجي تعريفه باستفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي وعن البهائى قده فيما حكى عنه انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الفرعى ( وعن ) ثالث انه حالة او قوة قدسية الهيئة الى غير ذلك مما هو مذكور في المطولات ( ولكن ) الظاهر ان اختلاف عباراتهم في شرح معناه المصطلح ليس لاجل إختلافهم في حقيقته ( بل هو ) عند الجميع عبارة عن استفراغ الوسع في اعمال القواعد لتحصيل المعرفة بالوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية ( وان ) المقصود من تلك العبارات المختلفة هو مجرد الاشارة اليه بوجه ما ( فمن

ص: 215

جهة ) ان استخراج الاحكام والوظائف الفعلية من ادلتها لا يكون الا عن قوة راسخة في تنقيح القواعد النظرية واعمالها في مواردها ، عرف بالملكة تارة ، وبالقوة القدسية اخرى باعتبار كونها من المواهب الآلهية والنور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء ( ومن جهة ) ملازمة اعمال القواعد في مقام الاستنباط لاتعاب النفس وتحمل المشقة ، عرف باستفراغ الوسع في تحصيل المعرفة بالحكم الشرعي ، كما ان اشتماله على المشقة هو الموجب لصحة اطلاق معناه اللغوي عليه لكونه حقيقة من افراده و مصادیقه، فكان اطلاقه عليه من باب اطلاق الكلى على فرده، لا من باب العناية و المجاز ( نعم ) لا وجه لما عن العلامة قده والحاجبي من شرحه باستفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي ( اذ لا عبرة ) بصرف الظن بالحكم مالم ينته الى الحجية الفعلية ( ومعه ) تكون العبرة بها ( فكان ) الحري هو تبديل الظن بالحكم الشرعي بالحجة عليه عقلية كانت او شرعية ، ليدخل فيه اعمال مسائل الانسداد حتى على الحكومة ( واحرى ) من ذلك تبديل الحكم الشرعى ايضا بمطلق الوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية الشرعية او العقلية ، ليدخل فيه الاجتهاد المؤدي الى البرائة وغيرها من الوظائف العقلية كالاحتياط والتخيير ( وبما ذكرنا ) ظهران الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الحجة جهة مشتركة بين العامة والخاصة الاصوليين منهم والاخباريين ( غاية الامر ) انه تختلف انظارهم في حجية بعض القواعد ، كاختلاف العامة والخاصة في حجية القياس والاستحسان ، واختلاف الاخبارى والاصولى في حجية ظواهر الكتاب والقطع الحاصل من غير الادلة السمعية ، و تمامية البرائة العقلية في الشبهات الحكمية البدوية التحريمية ، فتكون منازعة كل طائفة في حجية ما يقول به الطائفة الاخرى لا في اجتهاده ( ومن الواضح ) ان مثل هذا الخلاف غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بالمعنى المزبور ( اذ هذا النزاع ) كما هو موجود بين العامة والخاصة الاصوليين منهم والاخباريين ( كذلك ) موجود بين اخباری و اخباری و بین اصولی ، واصولى نظير النزاع بين القائل بالظن المطلق من المجتهدين والقائل بالظنون الخاصة منهم ( فلا وجه ) حينئذ لتأبي الاخباريين واستيحاشهم من اطلاق الاجتهاد على تحصيل

ص: 216

المعرفة بالاحكام من ادلتها باعمال القوة النظرية فى تطبيق القواعد الكلية بعد اتقانها على مواردها و إكثارهم التشنيع على المجتهدين في أصل الاجتهاد ، مع كونهم موافقين لمعناه في استخراجهم الاحكام والوظائف الفعلية من ادلتها عصمنا الله الزلات ( وكيف كان ) فالطاهر ان المراد من الاجتهاد المصطلح هو الاستفراغ الفعلى في تحصيل المعرفة بالاحكام ( لان ) الاجتهاد هو الاستنباط الفعلى من الادلة، ولا يكفي فيه مجرد الملكة الموجبة للقدرة على الاستنباط، كما هو الظاهر المتبادر من المواد المأخوذة في كل هيئة في فعليتها ، كالفتوى والقضاء والكتابة والتجارة ( ولا ينافي ) ذلك صدق المجتهد والقاضي والمفتي في حال عدم الاشتغال الفعلى بالاجتهاد والقضاءة والافتاء لنوم او شغل ونحوهما ( اذ من الممكن ) دعوى كون ذلك من جهة اقتضاء الهيئة في المشتقات الوصفية نحو توسعة في التلبس بالمبدء الفعلى على وجه لا ينافيه التخللات العدمية ( او دعوى ) كفاية بقاء المقتضى فيها في صحة اطلاق عنوان المجتهد والقاضي في حال عدم الاشتغال الفعلي بلا اخذها في المادة اصلا كى يلزم اختلاف المادة المحفوظة في ضمن الهيئات المصدرية وغيرها ( فان ) ذلك مما يأبى عنه ارتكاز الذهن ( لا يقال ) على ذلك يلزم عدم صدق المجتهد على من له ملكة الاستنباط ولم يستنبط بعد حكما من الاحكام ( فانه يقال ) انه لا بعد في الالتزام به كما نلتزم فى غيره من الكاتب والتاجر ونحوهما ( وعلى فرض ) صدق عنوان المجتهد عليه ، نقول انه من باب العناية والتنزيل ( فلا شهادة ) حينئذ في صحة اطلاق المجتهد على مثله على ارادة الملكة من المبده ( مع انه ) لم يرد عنوان المجتهد في آية ولا رواية في موضوع حكم من الاحكام ( وانما ) الموضوع للآثار عنوان الفقيه والناظر في حلالهم وحرامهم والعارف باحكامهم كما في المقبولة وغيرها ( ولا ريب ) في عدم صدق هذه العناوين على من له مجرد الملكة على الاستنباط ولم يستنبط حكما من الاحكام .

ص: 217

في اقسام الاجتهاد

الموضع الثانى

ينقسم الاجتهاد الى مطلق وتجزى ( فالاول ) هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الشرعية والوظائف الفعلية من امارة معتبرة ، او اصل معتبر عقلی او نقلی في الموارد التي لم يظفر بدليل معتبر ( والثانى ) ما يقتدر به على استنباط بعض الاحكام الشرعيه والوظائف الفعلية العملية لا كلها اوجلها ( ولا اشكال ) في امكان الاول وحصوله للاعلام ( ولا ينافيه ) ترددهم في بعض المسائل النظرية ( فان ) ذلك انما هو بالنسبة الى الحكم الواقعي لاجل عدم الظفر بدليل صالح مساعد لحكم المسألة بعد الفحص التام عنه ، لا ان ذلك لاجل قصور باعهم او قلة اطلاعهم ( والا ) فلا تردد لهم بالنسبة الى ما هو الوظيفة الفعلية في المسألة كما هو ظاهر ( كما لا اشكال ) في وجوب العمل بهذا الاجتهاد لمن هو متصف به وعدم جواز رجوعه الي غيره ، سواء فيه بين كونه ممن انفتح له باب العلم والعلمى بالاحكام، او ممن انسد عليه بابها فيها في غير الضروريات من المسائل النظرية ( فانه ) على كل تقدير يكون اجتهاده حجة في حق نفسه ( واما ) حجية فتواه لغيره ممن لم يتضف بالاجتهاد سواء كان له نصيب من العلم ام لا ( فان ) كان المجتهد ممن يرى انفتاح باب العلم والعلمي بالاحكام فلا اشكال ايضا في حجية فتواه لغيره وجواز رجوعه اليه خصوصا على القول يتعميم مفاد ادلة الطرق والاصول بالنسبة الى المقلد .

( واما ) ان كان المجتهد ممن يرى انسداد باب العلم والعلمى بالاحكام ، ففي جواز رجوع الغير اليه اشكال ( والذي ) يظهر من المحقق الخراساني قده هو المنع عن جواز رجوع الغير اليه وحجية فتواه بالنسبة اليه ، لعدم صدق العارف بالاحكام على مثله ، وكون الرجوع اليه من باب رجوع الجاهل الى مثله لا الى العالم بناء على الحكومة ( فلا يشمله ) ادلة التقليد، وقضية مقدمات الانسداد ليست الا حجية ظنه في حقه لا في حق غيره ( فلا بد ) في جواز الرجوع الى فتواء من التماس دليل

ص: 218

آخر غير دليل التقليد ودليل الانسداد الجاري في حق المجتهد من اجماع أو جريان مقدمات الانسداد في حقه ( والاول ) مفقود ( والثانى ) غير نام بعد وجود المجتهد الانفتاحي وتمكنه من الرجوع اليه والأخذ بفتواه ( وفيه ) اولا النقض برجوع المقلد الى المجتهد الانفتاحى في مورد الوظائف العقلية او الشرعية الظاهرية من البرائة والاحتياط والتخيير ونحوها مما كان موضوعه عدم العلم بالواقع او بالحجة عليه ، بل مطلقا بناماً على ان نتيجة دليل اعتبار الطرق مجرد جعل الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع مع الاصابة والعذر مع عدمها ، بلا جعل الحكم المماثل ظاهرا ، او تتميم الكشف الموجب للعلم التعبدى بالواقع ، لعدم صدق المعرفة بالاحكام بصرف العلم بالحجة القاطعة للعذر كما هو ظاهر ( وثانيا ) ان الاشكال انما يتوجه اذا كان دليل التقليد هو المقبولة ونحوها مما اعتبر في الموضوع عنوان العارف باحكامهم ( واما ) لو كان الدليل القاعدة المرتكزة المقتضية لرجوع الجاهل بالوظيفة الفعلية الظاهرية من العقلية والشرعية الى العالم بها ) وبعبارة ) اخرى رجوع من لم يكن ذا حجة على الوظيفة الفعلية الظاهرية ولو عقلية الى من كان ذا حجة عليها شرعية أو عقلية ( فلا قصور ) في جواز رجوعه الى الانسدادي بعد كونه ذا حجة عقلية في فتواه بمناط الحكومة أو شرعية بمناط الكشف ( فاذا ) تعلق ظن المجتهد بالتكليف الذي له مساس بالغير وكان ظنه ذلك حجة ولو من باب الحكومة ، كان له الافتاء على طبق ظنونه ( ولازمه ) بمقتضى القاعدة

المرتكزة جوار رجوع الغير اليه وحجبة فتواه في حقه بعد رجوعه اليه .

فى ردّ شبهة عدم جواز الاخد بفتوى الانسدادي

( وبتقريب ) آخر ان المقلد العامي اذا التفت الى الاحكام ( فلما ) ان يعلم بها اجمالا ( واما ) ان لا يعلم بها بل كان شاكاً في جميعها ( وعلي الاول ) اما ان لا يكون له ظنون بان كان محتملا للتكليف في جميع الموارد ( واما ) ان يكون له ظنون ايضا ( اما الصورة الاولى ) وهي علمه بالتكليف اجمالا تساوی احتمالاته ، فعليه وان لم يلتفت المقلد الى وظيفته الفعلية لكونه جاهلا بها ( ولكن ) المجتهد بعد ما يرى عدم تمكنه من الاحتياط التام للعسر والحرج

ص: 219

الشاملين له بعموم دليلها ( ويرى ) انه في ظرف الانسداد يتعين عليه بمقضى المقدمة الرابعة الاخذ بالاقرب الى الواقع ، وان الاقرب الى الواقع من محتملات المقلد ، هو ما يكون على طبق ظنه لكونه هو الاقرب الى الواقع بنطره ، والا فنفس شكوك المقلد من جهة كونها قبل الفحص لا يكون مدارا للحكم ، لان المدار على ما حصله المجتهد بعد فحصه من اقرب الطرق ( فلا جرم ) يفتي على طبق ما هو الاقرب بنظره وهو ما ادى اليه ظنونه التي هى مؤدى احتمالات المقاد ايضا ( واما الصورة الثانية ) وهى ما اذ كان للمقاد ظنون ايضا ولو على خلاف ظنون المجتهد ، ففي مثله لا يرجع الى المجتهد في مؤدى ظنونه ، بل المجتهد يعلمه بان تكليفه هو الأخذ بما هو اقرب الطرق الى الواقع بنظره اعني الأخذ بظنونه ، لا بما هو اقرب بنظر مجتهده ( لان ) الجاهل يرجع الى العالم في المقدار الذى كان جاهلا به لا مطلقا حتى في المقدار الذى لم يكن جاهلا ، فيصير المقلد حينئذ هو المجري لدليل الانسداد ، ويكون ذلك نحو اجتهاد مشوب بالتقليد ، ولازمه هو الأخذ بمؤدى ظنونه وان كان على خلاف ظنون المجتهد ( اللهم ) الا ان يقال ان ظنون المقلد حينئذ لكونه قبل الفحص مما لا عبرة به ، وانما العبرة بما يكون بعد الفحص ، وهو لا يكون الا ظنون المجتهد ( ولازمه ) هو الاقتصار في ظنونه على ما لا يخالف ظنون مجتهده ( الا ) ان يمنع اصل وجوب الفحص فى فرض المسألة حتى في فرض القدرة على الفحص بدعوى ان الفحص انما يجب عقلا في فرض احتمال تحصيل الاقرب الى الواقع ، كما في موارد الشكوك الفعلية المحتمل تبدل بعضها بعد الفحص بالظن بالتكليف، لا في مثل الفرض المحتمل تبدل ظنه الفعلى بالتكليف بالشك او الظن بالخلاف ( فان ) لازم وجوبه حينئذ هو جواز التنزل عما يقطع فعلا باقر بيته الى الواقع الى ما يقطع فعلا بالعديته ( وفي مثله ) يمنع حكم العقل بوجوب الفحص ( ومعه ) لا قصور في مرجعية ظنه قبل فحص نفسه أو فحص من ينوبه على الاطلاق ولو على خلاف ظنون مجتهده فتأمل ( وكيف كان ) فلا فرق في هاتين الصورتين في الرجوع الى الانسدادي في المسألة الاصولية بين وجود القائل بالظنون الخاصة ، وعدمه

ص: 220

( اذ لا يفرق ) العقل في رجوع الجاهل بالوظيفة الى العالم بها ، بين الانفتاحي القائل بانحلال العلم الاجمالى بما في موارد الظنون الخاصة ، وبين الانسدادي القائل بعدم انحلاله ( فكما ) ان الاول عالم بالوظيفة الشرعية الظاهرية ( كذلك ) الثاني عالم بالوظيفة المقلية الظاهرية ، وهو الأخذ بالاقرب الى الواقع الأخذ بالاقرب الى الواقع لعلمه بعدم الوظيفة الشرعية ( وبالجملة ) لا يفرق العقل في حكمه برجوع الجاهل الى العالم بين العالم بالوظيفة الشرعية الظاهرية ، والعالم بعدمها ( فلا يتعين ) عليه الرجوع في هذه المسألة الاصولية الى خصوص الانفتاحي ( بل هو ) مخير بين الرجوع الى الانفتاحى ليدخل في من له الحجة الشرعية فينحل علمه الاجمالى ولا تجري في حقه مقدمات الانسداد ، وبين الرجوع الى الانسدادي ليدخل في من ليس له الحجة الشرعية ، فتجري في حقه مقدمات الانسداد ( فان ) التخيير في المقام كالتخيير في باب تعارض الخبرين راجع الى التخيير في الاخذ باحدى الفتوائين ومرجعه الى حكم العقل بمنجزية فتوى كل واحد منها على تقدير الأخذ به ( نظير ) المجتهد الذى تعارض عنده خبران القائم احدهما على حجية طائفة من الاخبار الوافية عنده بمعظم الفقه ، والآخر على عدم حجيتها بنحو يحتاج الى اعمال مقدمات الانسداد ( فكما ) انه لا يتعين على المجتهد اختيار الاول ( بل كان ) له الاخذ بأي واحد منها بنحو يصير انفتاحيا بالاخذ ياحدهما ، وانسداديا باخذه بالآخر ( كذلك ) المقلد مخير في هذه المسألة بين الأخذ بفتوى الانفتاحى ليدخل في من له الحجة الشرعية فينحل علمه الاجمالي ، وبين الأخذ بفتوى الانسدادى القائل بعدم الحجة الشرعية ، ولا يتعين عليه الرجوع في هذه المسألة الى خصوص الانفتاحي ، كما لا يتعين عليه ايضاً الرجوع الى المجتهد في خصوص المسألة الفرعية الا من جهة توهم تخصيص المسائل الاصولية بالمجتهد وعدم تعميمها للمقلد ( وعلى ما ذكرنا ) لا يبقى موقع لاشكال العلامة الخراساني قده ، بان مع وجود المجتهد القائل بالظنون الخاصة يكون باب العلم منفتحا في حق المقاد، فلا تجري معه مقدمات الانسداد الا بفرض الحصار المجتهد

ص: 221

بالانسدادي ( نعم ) ما افاده قده ، انما يتم في فرض تعين الرجوع الى المجتهد في خصوص المسائل الفرعية ، ولولدعوى اختصاص المسائل الاصولية بالمجتهد و عدم نصيب للمقلد منها ، اما ذاتا او عرضاً لاجل اشتراطها بالفحص الذي يكون المقلد عاجزاً عنه ( وذلك ) ايضاً بضميمة تخصيص أدلة التقليد برجوع الجاهل بالحكم الشرعي الى العالم به لا بمطلق العالم بالوظيفة الفعلية ولو كانت عقلية ( والا ) فعلى ما هو التحقيق من تعميم المسائل الاصولية كالفرعية للمجتهد والمقلد كما هو مختاره قده ، فلا يتعين عليه الرجوع الى المجتهد في خصوص المسألة الفرعية ( بل له ) الرجوع الى المجتهد في المسألة الاصولية أيضاً ( وفي هذا ( الفرض لا يتعين عليه الرجوع الى المجتهد الانفتاحى بالتقريب المتقدم .

( ومن التأمل ) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة ، وهى ما اذا كان المقلد شاكاً في جميع الاحكام وغير عالم بها حتى اجمالا ( اذ بعد ) عدم كون شكوكه مداراً للحكم يجب عليه الرجوع الي العالم بالاحكام ولو اجمالا ، فان صدقه وحصل له العلم الاجمالي بالاحكام من قوله ( وإلا ) يكون عامه اجمالا حجة في حق المقلد ( وبعد ) ذلك تنتهى النوبة الى رجوعه اليه في تعيين وظيفة من له العلم الاجمالي بالاحكام ، فيأتي فيه جميع ما ذكرناه في الصورة الاولى والثانية ، فتكون النتيجة هو التخيير في رجوعه الى كل من المجتهد الانفتاحي والانسدادي بالتقريب المتقدم آنفا .

( و بما ذكرنا ) يظهر أيضاً وجه رجوع المقلد الى المجتهد في مورد الوظائف العقلية أو الشرعية الظاهرية ، كالاحتياط والبرائة والاستصحاب ( فلو كان ) المجتهد عالماً بحكم المسألة اجمالا ورجع اليه الجاهل في حكم المسألة يفتي المجتهد على طبق معتقده من لزوم الموافقة القطعية أو جواز المخالفة القطعية او التفصيل بينها ( ولو لم يكن ) عالما بالحكم لا اجمالا ولا تفصيلا ورجع اليه الجاهل يفتيه بالاحتياط او بالترخيص العقلى او الشرعي ( وكذا ) في موارد الاستصحابات الحكمية ، فانه مع علم المجتهد بوجود الحجة على الحكم السابق وعدم قيام حجة على ارتفاعه يحكم بمقتضى ادلة الاستصحاب بان حكمه وحكم كل من كان على يقين بحكم فشك في بقائه هو عدم

ص: 222

نقض اليقين بالشك ( فاذا ) رجع اليه المقلد مع تشخيصه للموضوع يفتي اياه بحرمة نقض اليقين بالشك ( ومع ) فرض عدم التفات المقلد الى الحالة السابقة وكونه شاكاً في حكم المسألة يكون علم المجتهد وفحصه يمنزلة علم المقلد وفحصه ، فيدخل بذلك تحت عنوان الشاك الفعلى العالم بالحكم السابق فيفتيه بحرمة تقض اليقين بالشك ( ثم ان ) ذلك كله بناء على الحكومة ( واما ) بناء على الكشف عن كون الظن طريقا مثبتاً للتكليف شرعا ، فلا اشكال في جواز الرجوع اليه ( اذهو ) حينئذ كالقائل بالظن الخاص ، حيث يتحقق مورد التقليد في موارد ظنونه لكونه عالما فيها بالحكم الشرعي ، فيكون الرجوع اليه من باب رجوع الجاهل الى العالم لا الجاهل كما هو ظاهر .

فى جواز الرجوع الى الانسدادي في امر القضاوة

( واما قضائه ) ونفوذ حكمه في المخاصمات ، فعلى تقرير الانسداد بنحو ينتهى الى الكشف عن حجية الظن شرعا في مقام اثبات التكليف ، فلا اشكال في نفوذ حكمه ( فانه ) يصدق على مثله انه ناظر في حلالهم ( علیه السلام ) وحرامهم وعارف باحكامهم ( علیه السلام ) فيكون مشمولا للمقبولة ( واما بناءاً ) على تقريره بنحو الحكومة ( ففيه ) اشكال ( ولكن ) يمكن الالتزام بجواز الترافع اليه ونفوذ حكمه ، من جهة كفاية عامه بجملة من الاحكام الضرورية من المذهب والمسائل الواقعة في موارد الاجماعات القطعية والاخبار المتواترة لفظاً او معنى او المحفوفة بالقرائن القطعية ، فانه بذلك يصدق عليه انه عالم بشيء معتد به من الاحكام وقضایاهم ( علیهم السلام ) فتشمله مشهورة ابي خديجة من قوله ( علیه السلام ) انظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا ( وان انسد ) عليه باب العلم والعالمي بمعظم المسائل بحيث يحتاج الى اعمال مقدمات الانسداد ( بل ويمكن ) دعوى التوسعة في صدق العرفان بالنظر الى مثل هذا العرفان الظني الحاكم به العقل المستقل ( وبالجملة ) المدار في صدق المعرفة بحكمهم على قيام الحجة عليه وان كانت عقلية ( بل وبالتوسعة ) في الحكم المتعلق للمعرفة ايضا باعم من كونه بلاواسطة او بتوسيط منشئه بقرينة اضافة الحكم اليهم في الوقايع الجزئية بقوله ( علیه السلام ) فاذا حكم بحكمنا ، كما هو ظاهره من كون المحكوم به على طبق حكمهم من حيث الموازين الثابتة عندهم ( اذ حينئذ )

ص: 223

لا بأس بدعوى شمول الحكم للوظائف المعلومة له ، لانها ناشئة من قبل حكمهم ، فيصدق بهذه العناية انه عارف باحكامهم ، وكيف كان فهذا كله في الاجتهاد المطلق .

فى امكان التجزى فى الاجتهاد

( واما التجزي في الاجتهاد فيقع الكلام فيه من جهات )

( الاولى ) في اصل امكانه ( فنقول ) قد يقال بعدم امكانه لدعوى بساطة الملكة وعدم قابليتها للتجزية ( وان ) الاقتدار على استنباط بعض الاحكام الشرعية ملازم مع الاقتدار على استنباط الجميع ( ولكنه ) كما ترى مما يكذبه الوجدان لما هو المشاهد بالعيان من حصوله لكثير من افاضل الطلاب ( لوضوح ) ان مسائل الفقه ليست على نهج واحد ( بل تختلف ) وضوحا وغموضاً من حيث المدرك عقلا ونقلا ( وكذلك ) الاشخاص يختلف من حيث طول الباع وقصوره ( فرب شخص لمهارته ) في المبادىء العقلية او النقلية يكون له من القوة ما يقتدر به على استنباط طائفة المسائل المرتبطة بتلك المبادى دون غيرها المسائل الاخرى ( ورب ) شخص آخر بعكس ذلك ( فان ) معرفة كل علم من العلوم النظرية انما توجب القدرة على استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادى، دون غيرها ( وحينئذ ) فلا يلزم من الاقتدار التام على استنباط بعض المسائل الشرعية اما لسهولة مدركه او مهارة الشخص في مباديه ، الاقتدار على استنباط الجميع ( وبساطة ) الملكة وعدم قابليتها للتجزية لا تنافي ذلك بعد كونها ذات مراتب مختلفة شدة وضعفاً و اختلاف المسائل وضوحا و غموضاً من حيث المدرك و المبادى. ( مع انه ) لا اثر لهذا الخلاف ( اذ لم يقع ) عنوان الاجتهاد موضوعاً لأثر من الآثار في آية ولا رواية ( وانما ) الآثار المهمة من نحو جواز عمله بفتويه ، ورجوع الغير اليه وجواز تصديه للقضاء وفصل الخصومات ، مترتبة على عنوان الفقيه والعارف بالاحكام ( وترتب ) هذه الآثار تابع شمول ادلة كل باب لمثله وعدمه ، قلنا بامكان التجزي ام لم نقل به ( وعليه ) فترك التعرض له اولى من اطالة البحث فيه بالنقض والا برام .

( الجهة الثانية ) هل للمتصف بهذه المرتبة من الاجتهاد التعويل على نظره

ص: 224

واجتهاده في عمل نفسه ، او يتعين عليه الرجوع الى فتوى المجتهد المطلق او الاخذ باحوط القولين ( فيه وجوه ) اقواها الأول ( اذ بعد ) استقصاء المتجزي ادلة مدرك المسألة وفحصه عن معارضاته وانتهاء امره الى الجزم بحجية الامارة الكذائية في حقه فعلا سندا وجهة ودلالة ، لا معنى للمنع عن تحويله في عمله على ما استقر عليه رأيه في المسألة ( اذهو ) حينئذ يساوي المجتهد المطلق الذى إستقرغ وسعه فيها من حيث القدرة على الفحص ورفع معارضاته ( وعدم ) قدرته على استنباط مسألة اخرى اجنبية غير ضائر بعد فرض عدم الارتباط بينها ( ولازمه ) عدم جواز رجوعه الى الغير في المسألة التي تخالف فتواه لرأيه ، كيف وهو جازم بخطأ غيره في نظره ، فلا معنى لتمويله على رأيه ( وتوهم ) اختصاص ادلة حجية الطرق بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، كما ترى دون اثباته خرط القتاد ( هذا اذا كان ) قادرا على استنباط بعض ابواب الفقه باعمال جميع ما تحتاج اليه المسألة من القواعد ( واما ) لو لم يقدر الاعلى اعمال بعضها بان كان مجتهداً في بعض القواعد المعمولة في كل مسألة لا في جميعها ، فلا شبهة في عدم تحقق الاجتهاد في مسألة من المسائل ، لعدم قابليته للتجزية من هذه الجهة، ولازمه كونه مقلدا في المسألة لا مجتهداً ( وانما الكلام ) في انه هل له الاكتفاء بتطبيق ما يقدر عليه من قواعد المسألة بضميمة التقليد في غيرها وتطبيقها على المسألة واخذ نتيجتها والعمل بها ولو مع مخالفة نظره لرأي غيره ليكون نحو اجتهاد مشوب بالتقليد أو يتعين عليه التقليد في المسألة بتمامه ، فيه وجهان ، من ان الجاهل ببعض جهات المسألة جاهل باصل المسألة ، ومن ان رجوع الجاهل الى العالم انما هو في الجهة التي يكون جاهلا بها لا مطلقا حتى في الجهة التي هو عالم بها مع كونه مخطئاً لنظر غيره ، لا يبعد تعين الاول .

هل للمتجزى التعويل على اجتهاده في عمل نفسه

( الجهة الثالثة ) هل يجوز رجوع الغير الى المتجزي في المسائل التي استخرجها من الادلة ( فيه وجهان ) اظهرهما الاول لعموم ادلة التقليد الشامل لمثله ( وعدم ) اقتداره على استنباط ساير المسائل غير ضائر بجواز الرجوع اليه فيما اقتدر على استنباطه ( بل قد ) يتعين اذا كان اعلم فيه ممن له القدرة على استنباط

ص: 225

جميع الاحكام بناءاً على ما سيأتى من وجوب تقليد الاعلم ( ولا غرو ) في كون المتجزي لمهارته في يعض المبادىء المقلية او اللفظية اعلم من المجتهد المطلق في استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادى ( نعم ) لو كان المتجزي دون المطلق في العلم والفضل فيما اقتدر على استنباطه ، لكان المتجه هو المنع عن حجية فتواه في حق الغير ، ولكن ذلك لا من جهة كونه متجزيا في الاجتهاد ( بل من جهة ) الاشكال في اصل جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل ولو كان مجتهداً مطلقا .

في حجية فتوى المتجزى فى حق الغير ونفوذ حكمه عند الترافع اليه

( الجهة الرابعة ) في جواز تصدي المتجزي للقضاء وفصل الخصومات ( وفيه ) ايضا اشكال بين الاعلام ، ظاهر كلمات جماعة منهم المسالك قدس الله اسرارهم العدم ( ولكن ) الاظهر الجواز اذا كان ما يقتدر على استنباطه جملة معتد بها من الاحكام ( والعمدة ) في ذلك هي مشهورة ابي خديجه من قوله ( علیه السلام ) انظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا او قضايا، على اختلاف النسخ ، فاجعلوه بينكم قاضيا فاني قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه ( فان ) ظاهره كفاية المعرفة بمقدار معتد به من الاحكام وقضاياهم في جواز التصدي للقضاء وفصل الخصومات بلا اعتبار المعرفة بجيع الاحكام ( وتوهم ) ان حرف الابتداء في قوله ( علیه السلام ) من قضايانا للبيانية لا التبعيضية ولازمه اعتبار المعرفة بجميع المسائل في مثل هذا المنصب ، نظير ما في المقبولة من قوله ( علیه السلام ) ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا من حيث افادة الجمع المضاف العموم ( مدفوع ) بظهور لفظة من في المقام في التبعيض دون البيان ( والا ) كان المناسب ان يقول اشياء من قضايانا ليوافق البيان المبين ( واما ) المقبولة فعلى فرض تسليم افادة الجمع المضاف العموم ، فغايته الدلالة على الاذن في التصدى للمجتد المطلق العارف بجميع الاحكام ، ( واما ) نفي الاذن في التصدي عن غيره ممن هو عارف ببعض الاحكام فلا ، فتبقى المشهورة على حالها في الشمول للمتجزي المقتدر على استنباط بعض الاحكام ( نعم ) يعتبر ان يكون ما يقدر على استنباطه جملة معتداً بها من المسائل على وجه يصدق عليه عرفا انه عارف

ص: 226

بشيء من قضاياهم ، لانصرافه جزماً عمن عرف اقل قليل من الاحكام ، نظير انصراف اطلاق الشيء من البحر عن القطرة والقطرات وان كان يصدق عليها بحسب الدقه .

فى احتياج الاجتهاد الى المعرفة بالقواعد التي يتوقف عليه الاستنباط

( ثم انه ) لا بد في الاجتهاد والقوة على الاستنباط من معرفة العلوم التي يتوقف عليها الاستنباط من العلوم العربية وغيرها كالتفسير وعلم الرجال والاصول ونحوها ( فانه ) بدونها يستحيل حصول القوة على استنباط الحكم الشرعي ويكفي من العلوم العربية كالصرف والنحو واللغة معرفة مقدار معتد به بحيث يقدر على استخراج المسائل الشرعية المتوقف عليها ولو بالرجوع الى ما دون فيه هذه العلوم ( وكذا ) التفسير ولو بالمراجعة الى الاخبار المدونة في كتب التفاسير للعلم الاجمالي بإرادة خلاف الظاهر في كثير من الآيات المتعلقة بالاحكام ( وعمدة ) ما يحتاج اليه الاجتهاد معرفة قواعد الاصول ( فانه ) ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها الى اعمال قاعدة او قواعد متعددة من قواعد الاصول ( من غير فرق ) بين الاصولي والاخباري ( فان ) الاخباري ايضاً يحتاج في استنباط الاحكام من ادلتها الى اعمال القواعد المبرهنة عليها في الاصول ، كاحتياجه الى اعمال غيرها من قواعد الصرف والنحو ، وبدونه لا يمكن استنباط الاحكام ( ومجرد ) تدوين هذه القواعد عليحده بعد شتاتها ، وتسميتها باسم خاص لا يوجب كونها بدعة ( والا ) كان تدوين غيرها مما يتوقف علي______ه الاستنباط كالصرف والنحو وغيرهما ايضاً بدعة ( فلا وجه ) حينئذ لمنازعة الاخباري مع الاصولى في ذلك واكثارهم التشنيع عليهم ( كما ان ) علم الرجال أيضاً من عمدة ما يحتاج اليه الاجتهاد في مقام استنباط الاحكام بناءاً على كون مدار حجية الخبر على الصحيح الاعلى المعدل كل من رجاله بعد لين، خصوصا عند تعارض الاخبار بناء على الترجيح بالصفات من الاعدلية والأوثقية والأفقهية ( فان ) احراز هذه الصفات في رجال الاسناد موقوف على الرجوع الى اهل خبرته ، فلا بد من مراجعة الكتيبة الموجودة في كتب الماهرين في هذا الفن والعارفين بالطبقات ( نعم ) بناءاً على ما هو المعروف في زماننا هذا المحرر في الاصول من كون مدار الحجية على الخير الموثوق الصدور ، فتقل فائدة الرجال جدا لمكان حصول الوثوق بصدور الخبر

ص: 227

باتكال المشهور عليه ، وان كان بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف ، كما ان اعراضهم عنه يوجب وهنا فيه وان كان جميع دجال اسناده عدلا ، لكشف مع كونه بين اظهرهم عن وجود خلل في_ه يوجب سلب الوثوق بصدوره ، ، ولذا اشتهر ان الخبر كلما ازداد صحة واعتباراً ازداد باعراض الاصحاب عنه ضعفاً وانكساراً ( وعلى كل حال ) لا بد من كونه مجتهداً في هذه القواعد في استخراج الحكم الشرعى ، ولا يكفي فيها التقليد ، بل لو فرض تقليده في واح___د منها كانت النتيجة تقليدية ، لانها تابعة لأخص المقدمتين ( وفي الاكتفاء ) باجتهاده في سائر القواعد وتطبيقها على المسألة بضميمة تطبيق القاعدة التقليدية عليها واخذ النتيجة الفرعية والعمل بها كلام قد تقدم سابقا .

( هذا كله ) في القواعد المعمولة في طريق استنباط الاحكام الكلية ( واما القواعد ) المعمولة في تطبيق الاحكام الكلية على مصاديقها ، كقواعد الهيئة والحساب ونحوهما ، فهى غير مرتبطة بمرحلة الاجتهاد ولا يضر الجهل بها باصل الاجتهاد ، ولا بأس برجوع المجتهد فيها في مقام تطبيق الاحكام الكلية الى العالم بها من باب الرجوع الى اهل الخيرة .

فى التخطئة والتصويب فى الشرعيات

الموضع الثالث فى التخطئة والتصويب

قد اختلف كلماتهم في التخطئة والتصويب في الشرعيات ، بعد اتفاقهم على التخطئة في العقليات ( ولعل ) هذا الوفاق في المقليات انما هو بالنظر الى العقليات الاستكشافية التي يكون درك العقل طريقاً محضاً الى الواقع لا مقوماً، لحكمه ، كما في باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية ( فان ) درك العقل وتصديقه فيها لما كان طريقا اليها كان لتطرق التخطئة اليها مجال ( بل لا محيص ) من القول بها ( فان ) الملازمة بين الشيئين امر واقعى قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها او يخطىء عنها فيحكم بعدمها ، وكذا الاستحالة الواقعية للشيء والمصلحة والمفسدة الواقعيتين

ص: 228

والحسن و القبح الواقعيين ونحوها ( والا فبالنظر ) الى العقليات الوجدانية التي يكون درك العقل وتصديقه مقوما لحكمه ، كالتحسين والتقبيح العقليين ( فلا يتطرق ) اليها التخطئة، بل لا محيص فيها من التصويب محضاً ( فان ) حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة عن ملامة الشيء لدى القوة العاقلة ، كسر ملائمات الشيء لدى سائر القوى من الذائقة والسامعة والشامة ونحوها مما هو في الحقيقة من آلات درك النفس وجنودها قبال منافرته لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح ( ومن الواضح ) استحالة تطرق التخطئة في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ( لانه ) ليس لها واقع محفوظ وراء حصول صفة الانبساط والاشمئزاز الوجدانية ( ولذلك ) قلنا بامتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ، لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان ( نعم ) ما هو القابل للتخطئة و التطرق الشك اليها انما هو مناط حكمه بالحسن والقبح من المصالح او المفاسد الواقعية النفس الامرية وكذا الحسن و القبح الواقعيان ( واما الاحكام الشرعية ) فالظاهر اطباق القول من اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم على التخطئة فيها لا تفاقهم على ان له سبحانه وتعالى في كل مسألة حكم مخصوص يؤدي الي___ه الاجتهاد تارة، والى غيره اخرى ( وانما القول ) بالتصويب فيها من مخالفينا ، حيث قالوا ان الله سبحانه وتعالى احكاماً بعدد آراء المجتهدين فما يؤدي اليه الاجتهاد فهو حكم الله الواقعي .

فى انحاء التصويب و بيان ما يمكن منها

( وحيث ) انتهى الكلام الى ذلك ، فلا بأس بالاشارة الاجمالية الى انحاء التصويب وبيان ما يمكن منها ( فنقول ) اعلم ان الوجوه المتصورة في المقام ؛ اربعه ( احدها ) ان لا يكون قبل الاجتهاد وحصول الرأي حكم اصلا ، وانما يحدث الحكم حال الاجتهاد وحصول الرأي على معنى انشاء الحكم لنفس الذات لكن لا مطلقا بل في حال اعتقاد المجتهد به لا بشرط الاعتقاد ، نظير ما ذكره المحقق القمي قده في قوله اللفظ موضوع للمعنى لا بشرط الانفراد ولالا بشرط الانفراد ( وثانيها ) ان يكون له سبحانه احكاماً متعددة حسب تعدد الآراء بمعنى انه سبحانه لعلمه بما ينتهى اليه رأي المجتهدين في كل مسألة ينشأ احكاما متعددة على

ص: 229

طبق ما يستقر عليه رأي المجتهدين ( ومرجع ) ذلك ايضا الى خلو الواقعة عن الحكم مع قطع النظر عما يؤدي اليه نظر المجتهد واجتهاده ، غير ان الفرق بينهما هو خلو الواقعة في الاول عن الحكم رأساً قبل اجتهاد المجتهد واستقرار رأيه بالحكم ( وفي الثاني ) كانت الواقعة محكومة عند الله بما سيستقر عليه رأيه من الوجوب او الحرمة او غيرهما ( وثالثها ) خلو الواقعة عن الحكم الفعلى ، بمعنى ان له سبحانه حكم واقعى في كل واقعة يشترك فيه العالم والجاهل ، الا ان الحكم الفعلي يكون على طبق ما يؤدي اليه اجتهاد المجتهد ، فربما يتوافق الحكم الواقعي والفعلي وربما يتخالفان ، فكان التصويب في مرحلة الفعلية ، لا في مرحلة الواقع ( ورابعها ) ان يكون التصويب في مرحلة الحكم الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع مع كون الحكم الواقعي حتى بمرتبة فعليته مشتركاً بين العالم والجاهل ، كما هو لازم القول بموضوعية الامارات وسببيتها .

( ولا ينبغى ) الاشكال في بطلان الوجه الاول وذلك لا من جهة الدور او محذوره وهو تقدم الشيء على نفسه ( فان العلم ) بالحكم او الظن به لا يتوقف على ثبوته التحقيق ( لأن ) معروض هذه الصفات انما هو ذات الشيء بوجوده الزعمي الذهني ولكن لا بما انه يلتفت الى ذهنيته في قبال الخارج ، بل بما يرى كونه عين الخارج، كما ان الحكم بحقيقته غير متوقف على علم المجتهد او ظنه به ، لما ذكرنا من ان حدوث الحكم للذات أنما يكون في حال اعتقاد المجتهد به لا مقيداً به ( بل العمدة ) في المحذور بعد الاجماع على عدم خلو الوقايع عن الحكم الشرعي ، هو عدم تصور الاجتهاد في المسألة والفحص عن حكمها ولو بنظر ذى الرأي ( اذكيف ) يمكن تعلق رأي المجتهد ونظره في حكم المسألة بما لا يكون له في الواقع باعتقاده عين ولا اثر ( واما الوجه الثاني ) فهو وان يسلم من المحذور السابق ، حيث كان المجال لفحص المجتهد عن حكم الواقعة ( الا إنه ) مع كونه خلاف الاجماع وما تواتر عليه الاخبار من أن له سبحانه في كل واقعة حكم يشترك فيه العالم والجاهل ( يلزمه ) اجتماع الظن الفعلى بالحكم واليقين به في زمان واحد، فأنه باعتبار تعلق ظنه بالواقع

ص: 230

يكون مظنونا ، وباعتبار أن مؤدى ظنه هو حكم الله المجعول في حقه يكون مقطوعا فيلزم اجتماع الظن الفعلى بالحكم مع القطع الفعلي به في زمان واحد ( نعم ) لو كان المقصود من جعل الحكم على طبق الرأي جعله على طبق الرأى القطعي الناشيء من الأدلة القطعية ، لا يتوجه هذا المحذور ( ولكن كلام )القائلين بالتصويب يعم موارد الظن بالحكم ايضاً .

( واما الوجه الثالث ) وهو التصويب في مرحلة فعلية الحكم ، فالظاهر امكانه في نفسه لكونه سليماً عن المحذورات المتقدمة ، اذ كان الفحص عن الاحكام الانشائية المنبعثة عن المصالح الواقعية ( ويمكن ) ايضاً ان تكون الأحكام الواقعية المجامعة مع الجهل بها احكاما انشائية وان فعليتها وبلوغها الى مرتبة الانقداح منوطة بالعلم بها بحيث بقيام العلم او العالمى عليها تبلغ الى مرحلة الانقداح والارادة الفعلية فيتنجز ( الا ) انه بعيد عن ظاهر الأخبار ومعاقد اجماعاتهم في كون الحكم المشترك بين العالم والجاهل هو الحكم الفعلى البالغ الى مرحلة الانقداح الفعلى من المولى ، دون الحكم الاقتضائي او الانشائي فصرف هذه الأخبار عن ظاهرها كما أفاده في الكفائية يحتاج الى دليل .

( واما الوجه الرابع ) وهو التصويب فى الحكم الظاهري بناءاً على السببية والموضوعية في الامارات ، لا الطريقية والكاشفية فيها ( فعلى ما اخترناه ) من الوجه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري باختلاف المرتبة بينها ولو يجعل الجهل بالحكم من الجهات التعليلية للحكم الظاهرى ، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في ناحية موضوعه ( فلا اشكال ) لخلوه عن جميع المحاذير المتقدمة ، وملامته لظواهر الأخبار ومعاقد اجماعاتهم في اشتراك العالم والجاهل في الاحكام الواقعية حتى بمرتبة فعليتها الراجعة الى مرحلة الأنقداح الفعلي من المولى ، مع اندفاع شبهة التضاد بين فعلية الاحكام الواقعية والترخيصات الشرعية الظاهرية على خلاف الواقعيات ايضاً من دون احتياج في رفع المضادة بينها الى الالتزام بمراتب الحكم بجعله ببعض مراتبه مشتركا بين العالم والجاهل و ببعضها الآخر مختصاً من قامت عنده الامارة الموافقة للواقع ( واما ) بناء على عدم كفاية هذا المقدار من اختلاف المرتبة بينها في رفع التضاد فلا محيص من

ص: 231

المصير الى ما في الكفاية من حمل الحكم المشترك على الانشائي المحض والالتزام بعدم بلوغ التكليف الى مرحلة الفعلية في موارد الجهل به و موارد قيام الامارات على خلاف الواقع ، اما لمزاحمة مصلحة اخرى اقوى في جعل الحكم الظاهري ، او لمانعية الجهل به عن بلوغه الى مرحلة الانقداح الفعلى ( بل لا محيص ) من الالتزام به حتى على القول بالطريقية والكاشفية في الامارات ( فانه ) كما يضاد الحكم الظاهري مع الواقعى على السببية والموضوعية في الامارات ، كذلك يضاده الترخيص الفعلي على خلاف الواقع على الطريقية ، بل يضاد . الترخيص الناشيء من العذر العقلى ايضاً ( ولكن ) التحقيق في دفع الشبهة ما ذكرناه من اختلاف المرتبة بين الحكمين وقد ذكرنا تفصيل الكلام فيه في الجزء الثالث من الكتاب عند التعرض لدفع شبهة ابن قبة بما يندفع به جميع المحاذير المتوهم ورودها في التعبد بالامارات غير العلمية على الطريقية والموضوعية في ظرف الانفتاح والانسداد فراجع .

( ثم ان ) تمام المنشاء في التفكيك بين مرتبة الانشاء والفعلية في الاحكام الواقعية ( انما هو ) تخيل ان فعلية الحكم الواقعي عبارة عن البعث والزجر الفعلي المنتزع عن مرحلة انشاء المولى بداعي التحريك الفعلى نحو العمل ( فانه ) من جهة مضادة هذا المعنى مع الترخيص الفعلى على خلاف المرام الواقعي في موارد الامارات المؤدية الى خلاف الواقع والوظائف المقررة شرعاً في حق الجاهل، التجىء الى التفكيك المزبور ، فالتزم بان التكليف مالم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعلياً وما لم يصر فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة ( والا ) فبناء على جعل فعلية التكليف عبارة عن الخطاب الصادر من المولى نحو المرام بداعي التوصل الى حفظ مرامه من ناحية خصوص خطابه المجامع مع الجهل به والمذر العقلى لا التوصل اليه بقول مطلق ولو من غير ناحية خطابه ، فلا يحتاج في رفع التضاد الى الالتزام بالتفكيك المزبور ( فان ) الفعلى بهذا المعنى محفوظ في ظرف الجهل به و يجامع مع الترخيص الشرعى كما يجامع مع العذر العقلى ، ولا يكاد اقتضاء تنجزه بقيام الطريق اليه ايضا اختلافاً في مرتبة التكليف في لب الارادة ( بل الارادة )

ص: 232

والانقداح القلبي من المولى في خطابه المتوصل به الى مرامه ليست الا المرتبة الخاصة المتحققة في ظرف الجهل أيضاً ، وانما الاختلاف في حكم العقل بتنجزه عند قيام الطريق اليه ، وعدم تنجزه عند عدمه ( نعم ) لو كان المراد من فعلية التكليف توجيه الارادة المطلقة من المولى نحو مقصوده بانشاء الخطاب بقصد التوصل به الى التحريك الفعلى نحوه في ظرف عدم تحقق اسباب تنجيزه ، لسكان للاشكال المزبور مجال ( ولكن ) لازمه أن لا يقتصر بصرف خطابه المتعلق بذات العمل ، بل اللازم حينئذ كونه بصدد رفع جهل المكلف ولو بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه کی به يرفع عذره العقلى ( لأن ) مثل هذه المرتبة من الفعلية المطلقة كما لا يجامع مع الترخيص الشرعي ، كذلك لا يجامع مع الترخيص المقلي بمناط المذر ايضاً ، فلا بد من انشاء آخر منه في ظرف الجهل بايجاب احتياط ونحوه ، والا فبدونه لا يكاد التوصل الفعلى بانشائه الى مقصوده ( وحينئذ ) يبقى مجال السؤال عن المراد من البعث والزجر الذي يجامع مع الاعذار المقلية ولا يجامع مع الترخيصات الشرعية في موارد الامارات والوظائف المقررة شرعا في حق الجاهل ( فان ) اريد به الانشاء بداعي التوصل به الى التحريك الفعلى نحو المراد في ظرف عدم تحقق اسباب التنجيز فعلا ، فهذا كما لا يجامع مع الترخيص الشرعى على خلاف المراد ، كذلك لا يجامع مع الترخيص المقلى بمناط العذر ، ( فلا بد ) في هذا الفرض من كون المولى بصدد رفع العذر المقلي بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه المتعلق بذات العمل ( وان ارید ) به الانشاء بداعى التوصل به الى مراده في ظرف تحقق أسباب التنجيز من الخارج، فهذا كما يجامع مع الاعذار المقلية، بجامع أيضاً مع الترخيضات الشرعية ( فان ) مرجعه الى ما ذكرنا من فعلية الحكم المجامع مع الجهل به والعذر المقلى و تفصيل الكلام بازيد من ذلك موكول الى مجله فراجع الجزء الثالث من الكتاب .

فى حكم تبدل رأى المجتهد بالنسبة الى الاعمال السابقه

( الموضع الرابع ) اذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي بما يخالفه او بزواله بدونه ( فلا شبهة ) في انه فى الاعمال اللاحقة لا بد من اتباع الاجتهاد الثانى او العمل بما يقتضيه الاحتياط فيها في الاول وتعين الاحتياط في الثاني ( واما

ص: 233

فى الاعمال السابقة ) الواقعة على وفق الاجتهاد الاول المختل بعض ما اعتبر فى صحتها حسب الاجتهاد الثاني ( فقد اختلفت ) فيها كلماتهم في الاجزاء وعدمه ( ونحن ) وان أشبعنا الكلام في المسألة فى مبحث الاجزاء ( ولكن ) لا بأس بالتعرض لها في المقام وتحقيق الحال فيها على نحو الاجمال والاختصار ( فنقول ) ان انکشاف الخلاف تارة يكون قطعياً واخرى ظنياً اجتهادياً بحجة معتبرة ( فان كان ) كشف الخلاف قطعياً ( فلا شبهة ) فى عدم الاجزاء ولزوم المعاملة مع الاعمال السابقة معاملة البطلان ، حيث لا تكليف سابقاً ولا وضع حتى يقال فيه بالاجزاء ، فكان الامر الواقعى على حاله بلا موافقة ولا معنى حينئذ للقول بالمضي عليها ، الا اذا دل دليل خاص من الخارج على المضي فيها ، كما في باب الصلوة من نحو حديث لا تعاد وغيره ( ولا فرق ) فيما ذكرنا بين ان يكون مؤدى الاجتهاد الاول ايضاً قطعياً او ظنياً اجتهاديا ، فمها كان انكشاف الخلاف قطعياً يعامل مع الاعمال الواقعة على وفق الاجتهاد الاول معاملة البطلان ( واما اذا كان ) انكشاف الخلاف ظنياً اجتهادياً اما من حيث اختلاف الرأي في اصل الظهور واما من حيث العثور على مخصص للعموم بعد ان لم يكن أو العثور على المعارض الاقوى من الدليل الاول ( فقد ) يقال بالمضى على الاعمال السابقة وعدم نقضها ( لعدم ) انكشاف الخلاف حقيقة ، حتى ينتقض ، ولعدم حجية الامارة اللاحقة الا من حين قيامها ، فلا تكون حجة الا بالاضافة الى الاعمال المستقبلة دون الماضية مع اقتضاء الأوامر الشرعية الظاهرية للاجزاء ( وفيه ) ان الحجة اللاحقة القائمة على الرأي الجديد وان لم تكن حجة الا من حين قيامها ( ولكن ) بعد قيامها على خلاف الحجة السابقة واقتضائها لكون السورة مثلا جزءاً للصلاة وكون العربية او الماضوية شرطاً في صحة العقد من دون اختصاص بزمان دون زمان، فلا بد من الحين من ترتيب اثر البطلان على الصلاة المأتية سابقاً بلا سورة وعلى العقد الواقع بغير العربية والماضوية ، فإذا كان من آثار بطلان العمل الواقع سابقاً وجوب قضائه واعادته فعلا يجب بمقتضى الحجة اللاحقة تدارك ما وقع قبلا خالياً عن الجزء والشرط لكونه اثراً فعلياً للحجة اللاحقة .

ص: 234

( والتحقيق ) في المسألة هو ان مؤدى الاجتهاد الظني السابق اذا كان ما قامت عليه امارة شرعية كالخبر مثلا ( فاما ) ان نقول بحجيتها من باب الطريقية والكاشفية واما من باب السببية والموضوعية ( وعلى التقديرين ) فتارة تكون الامارة قائمة على نفس الحكم الشرعى ( واخرى ) على موضوعه ( فان كان ) مؤدى الامارة نفس الحكم الشرعي وقلنا بالطريقية فيها ( فلا ينبغى ) الاشكال في أن مقتضاء هو عدم الاجزاء ووجوب نقض الآثار مطلقا الآثار مطلقا من غير فرق في كيفية التنزيل في مفاد ادلة حجيتها بين كونها بنحو تتميم الكشف، او تنزيل المؤذى منزلة الواقع أو مجرد الأمر بالعمل على طبق الامارة ( فانه ) على كل تقدير لا حكم حقيقي في فرض مخالفة الامارة للواقع ، ولا كان في مؤداه ايضا مصلحة قابلة لتدارك المصلحة الواقعية ، فالتكليف المعلى الواقعى كان باقياً على حاله بلا موافقة ومصلحته بلا استيفاء ولا متداركة ( ووجود ) المصلحة في جعل الامارة طريقا إلى الواقع غير صالح لجبر مصلحة الواقع كي يتوهم الاجزاء لاجله ، والا لأقتضى الجبر ولو قبل العمل بها ( لأن ) هذه المصلحة وهي التسهيل على العباد انما كانت قائمة بفعل الآمر وهو جعله ، لا بفعل المأمور ( فان ) المفروض على الطريقية هو خلو العمل عن المصلحة رأساً ( فكيف ) يمكن ان يتدارك بها ما يفوت من المصلحة الواقعية ( نعم ) غاية ما يكون هو اهمية هذه المصلحة وهى التسهيل على العباد لدى الشارع من حفظ المصالح الواقعية الفائتة عند تخلف الامارات عن الواقعيات عند الانفتاح ، ولكن ذلك أجنبي عن تدارك المصالح الفائتة بها كما لا يخف ( لا يقال ) هذا اذا كان الاجزاء بمناط استيفاء المصالح الواقعية او تداركها ( واما ) اذا كان بمناط التفويت فلا بأس باستفادة الاجزاء من نفس الأمر بالعمل على طبق مؤديات الامارات ( فان ) الأمر بسلوك الامارة مع العلم بكونها مؤدية كثيراً إلى خلاف الواقع مع عدم التنبيه على لزوم الاعادة عند انكشاف خطأ الامارة عن الواقع يكشف عن عدم امكان تدارك الواقع بما له من الخصوصية المطلوبة ( فانه ) يقال انه يكفي في التنبيه على وجوب الاعادة عند كشف خطأ الامارة عن الواقع نفس ادلة الاحكام الواقعية الشاملة بفعليتها للعالم والجاهل

ص: 235

( هذا كله ) في الامارات المؤدية الى الحكم الشرعي .

( وأما الامارات ) المؤدية الى موضوع الحكم الشرعى او قيوده، فحكمها على الطريقية حكم الامارات المؤدية الى الحكم الشرعى في عدم الاجزاء ولزوم نقض الأعمال السابقة من حيث الاثر المبتلى به فعلا ( من غير فرق ) بين ان يكون الموضوع الذي قامت الامارة عليه أمراً شرعياً قد اعتبره الشارع في موضوع حكمه كطهارة الماء للوضوء والغسل ، وطهارة التراب للتيمم ، وحلية الأكل في الحيوان في لباس المصلي ونحوها، وبين ان يكون أمراً واقعياً غير شرعي ، كالماء والتراب ، والغنم ونحوها من الامور الواقعية الخارجية التي جعلها الشارع موضوعات لا حكامه .

( فان ) مرجع التعبد بالموضوع بعد ان كان الى التعبد بأثره من الحكم الشرعي ، فيجري فيه على الطريقية ما ذكرناه في التعبد بالامارة القائمة على الحكم الشرعي ( نعم ) لو كان مفاد دليل التنزيل فيها ناظرا الى اثبات التوسعة الحقيقية للمنزل عليه بما يعم الواقعي والظاهري ، او اثبات جعل الأثر ومماثله حقيقة في مرحلة الظاهر ( لكان ) مثله مفيداً للاجزاء قطعاً ( إذ حينئذ ) تكون مؤدى الامارة من المصاديق الحقيقية لما هو موضوع الحكم في الكبريات الواقعية ، حيث يكون له مصداقان أحدهما واقعى والآخر ظاهرى ( فتكون ) الصلاة المأتية مع الوضوء بالماء الذي قامت الامارة على طهارته واجدة لما هو شرطها حقيقة عند الاتيان بها ، وانكشاف الخلاف موجب لارتفاع الموضوع من الحين ، لا من الاول ( ولكنه ) ليس كذلك قطعاً ( والا ) لاقتضى القول بصحة الوضوء والصلاة عند تبين كون المايع الذي قوضاً به بولا او خمرا مع قيام الامارة على كونه ماءاً طاهرا ، وهو كما ترى لا يلتزم به ذو مسكة ( بل نقول ) ان غاية ما يقتضيه مثل هذا اللسان في دليل التنزيل انما هو مجرد توسعة الواقع في ظرف الشك عملا ، لا اثرأ حقيقة ( ولازمه ) عند تبين الخلاف ولو بالامارة الظنية المعتبرة هو عدم الاجزاء ( من غير فرق ) بين العبادات والمعاملات من العقود والايقاعات وغيرها ( هذا ) على المختار من الطريقية في الامارات .

ص: 236

( وأما ) على السببية والموضوعية فيها ( فعلى السببية ) بمعنى انقلاب الواقع حتى بمصلحته الى مؤدى الامارة ( فلا اشكال ) في ان لازمه الاجزاء ( ولكنه ) تصويب محال مجمع على بطلانه ( واما بمعني ) سببية الامارة لحدوث المصلحة في المؤدى عند تخلفه عن الواقع بنحو موجب للأمر باتباعه ( فالظاهر ) عدم الاجزاء ايضاً مطلقاً سواء كان مؤدى الامارة نفس الحكم الشرعى او موضوع______ه وقيوده ( فان ) مجرد اشتمال المؤدى على المصلحة لا يقتضى الاجزاء ما لم تكن مصلحته مسانحة لمصلحة الواقع ، او جابرة ، او مفوتة لها ( فاستفادة ) الاجزاء حينئذ مبنية على احراز كون مصلحة المؤدى من سنخ المصلحة الواقعية الموجبة للتوسعة الحقيقية للأثر في الكبريات الواقعية بما يعم الواقعي والظاهري ، او احراز كونها جابرة للمصلحة الواقعية بخصوصيتها ، او مفوتة لها بمناط المضادة ( والا ) فبدون احراز احدی هذه الامور ، لا يكفي مجرد امكان مسانحة مصلحة مؤديات الامارات للمصالح الواقعية ، او مفوتيتها لها بمناط المضادة ، او جابريتها للمصالح الواقعية الفائتة في الحكم بالاجزاء والمضي على الاعمال السابقة حتى فيما كان دليل تنزيل الامارة بنحو جعل الماثل او الأثر ، فضلا عما لو كان بلسان تتميم الكشف، او مجرد الامر بالعمل على طبق المؤدى ، لا مكان كون نظر التنزيل الى مجرد التوسعة للواقع عملا، لا اثراً ( ومع امكان ) ذلك لا مجال للحكم بالاجزاء لأجل مجرد موضوعية الامارة واشتمال مؤديها على مصلحة ( ما اذ فى مثله ) تبقى الكبريات الواقعية على ظهورها في دخل الخصوصيات الواقعية المقتضية لعدم الاجزاء بالمأتى به الا بمناط التفويت الممنوع في المقام ايضا لعدم اقتضاء مجرد الأمر بالعمل بمؤدى الامارة حينئذ الرضا بتفويت الواقع ( فما عن المحقق الخراساني ) قده من تسليم الاجزاء بالمأتى به على الموضوعية منظور فيه ( وبما ذكرنا ) يظهر الحال فيما لو كان زوال الاجتهاد الاول لاجل الظفر بالامارة المعارضة للامارة الاولى مع تساويها في جهات الترجيح دلالة وسنداً ( اذ في مثله ) يكون مخيراً في الأخذ بأيها ( فان ) اختار الخبر الاول فلا اشكال (واما اذا اختار ) الثاني الحاكم ببطلان العمل على طبق الأول ( فلا بد ) من عدم الاجزاء

ص: 237

وترتيب اثر البطلان من الحين على الاعمال السابقة ( كما انه بما ذكرنا ) من عدم الاجزاء فى الامارات على السببية والطريقية يظهر الحال في الأصول العملية عند انكشاف الخلاف ( فان التحقيق ) فيها أيضاً عدم الاجزاء حتى في الاصول التنزيلية كالاستصحاب وقاعدة الطهارة على وجه قوى وغيرهما ( فانها ) لا تزيد عن الامارات التي قلنا فيها بعدم الاجزاء حتى على السببية ( التحقيق ) حينئذ عدم الاجزاء مطلقا سواء في الامارات او الاصول وسواء في العبادات وغيرها الا اذا قام دلیل بالخصوص في مورد على الاجزاء من اجماع او غيره هذا كله في الاجتهاد .

في تعريف التقليد لغة واصطلاحاً

واما التقليد

( ففيه مقامات ) ( المقام الاول ) : التقليد لغة من القلادة بمعنى جعل القلادة في العنق ، وهو يتعدى الى مفعولين، أحدهما القلادة او ما هو بمنزلتها ، وثانيها ذو القلادة ، ومنه تقليد السيف اي جعل حمالته في عنقه ، وتقليد الهدي ، وفي حديث الخلافة وقلدها رسول الله ( صلی الله علیه و آله وسلم ) عليا ( علیه السلام ) .

( واما اصطلاحا ) فقد إختلف كلماتهم في تفسيره ( فقيل ) أنه عبارة عن الأخذ بمعني الالتزام الكلى بالعمل على فتوى مجتهد معين في الوظائف التكليفية والوضعية ( لأن ) المقلد التزامه الكلى وبنائه على تبعية فتوى المجتهد في مقام العمل من غيرتأمل و نظر كأنه جعل فتواه قلادة في عنقه ، نظير أخذ البيعة والالتزام بالقيام بلوازمها ( وقيل ) أنه عبارة عن نفس العمل بفتوى المجتهد المعين اعتماداً على فتواه وأنه لا مدخل لحيث الأخذ و الالتزام في مفهوم التقليد ، ولا يتحقق عنوانه خارجاً إلا بنفس العمل لا بصرف أخذ الفتوى أو الرسالة ( ولا يخفى ) أن التفسير الاول وإن كان اوفق بالمعنى اللغوي ، ولازمه تحقق عنوانه بصرف أخذ الرسالة وتعلم المسائل ، لصدق المقاد حقيقة على الآخذ بفتوى الغير للعمل بها وان لم يعمل بعد بفتواه لفسق او لعدم وقوع العمل مورد ابتلائه ( إلا ) أن الاشكال في قيام

ص: 238

الدليل على وجوبه بهذا المعنى ( لوضوح ) أن موضوع الوجوب الشرعى في التقليد الذي هو مورد البحث بمقتضى السيرة والادلة الشرعية والفطرة السليمة المقتضية لرجوع الجاهل بالوظيفة الى العالم بها ليس الا ما هو الموضوع للوجوب الشرعى في التعبد بالخبر في حق المجتهد ( فكما ) ان حجية الخبر منشأ لوجوب معاملة المجتهد مع مؤداه معاملة الواقع في جواز الافتاء بمضمونه ووجوب العمل على طبقه بلا وجوب امر آخر عليه من التزام وبناء على العمل به ( كذلك ) حجية الفتوى في حق المقلد منشاء لوجوب العمل على طبقها بلا لزوم بناء والتزام منه على العمل بها ( ولذا ) لو عمل المكلف على طبق رأي المجتهد بلا التفات الى هذا البناء لم يكن عاصياً وكان عمله صحيحا ومجزياً ( فما هو ) الواجب شرعاً في المقامين ليس إلا ما هو مفاد صدق الخبر في حق المجتهد وصدق الرأى في حق المقلد ، ومرجع وجوب التصديق في المقامين الى وجوب العمل على طبق مؤدى الخبر والرأي عند الالتفات اليها، بلا وجوب شيء آخر من بناء والتزام بالعمل بالخبر او الفتوى مقدمة للعمل فإن مثل هذا المعنى مع كونه اجنبياً عن موضوع الوجوب الشرعي في التقليد الذي هو موضوع البحث لا يكون له دخل في حجية الفتوى، بل ولا في صحة العمل ايضاً وانما هو امر مستقل في نفسه يحتاج وجوبه الى قيام دليل عليه بالخصوص، وإلا فهو اجنبي عمادل على وجوب التقليد من السيرة والعقل الفطري الأرتكازي وسائر الادلة الشرعية ( هذا كله ) في فرض انحصار المجتهد المتعين حجية فتواه في حقه .

فى أنّه لا ثمرة على النزاع في شرح التقليد

(واما في فرض عدم ) انحصار المجتهد و اختلاف فتاويهم مع تساويهم في الفضل ( فعليه ) وان لم يكن محيص من الالتزام بفتوى خصوص احد المجتهدين في حجية رأيه في حقه ، فانه بعد عدم امكان حجية فتوى الجميع في حقه للتكاذب الموجب للتناقض ولا احدها المبهم ، ولا المعين لبطلان الترجيح بلا مرجح ، ولا التساقط رأساً والرجوع الى غير الفتوى ، لكونه خلاف الاجماع ، ( فلا جرم ) ينتهي الامر الى التخيير في الأخذ باحدى الفتاوى للاستطراق بها الى الواقع ، نظير التخيير في الخبرين المتعارضين ( وفى مثله ) يتعين الحجة بما يختاره ، فيحب عليه عقلا الاختيار

ص: 239

بمعنى الالتزام بالعمل على طبق احدى الفتويين او الفتاوى معيناً مقدمة لتحصيل الحجة على امتثال الاحكام بمناط حكمه في الشبهة قبل الفحص بوجوب تحصيل الحجة على الجاهل المتمكن من تحصيلها ، لا بمناط وجوب رجوع الجاهل الى العالم وحجية فتويه ( لان ) حجية كل واحدة من الفتويين او الفتاوى مشروطة بالاخذ بها بمعنى الالتزام بحجيتها والعمل على طبق مؤديها ، والافقبل الأخذ باحدى الفتاوى لا تكون واحدة منها حجة في حقه ( وعلى ذلك ) نقول ان الأخذ والالتزام وان كان مقدمة للعمل، لا نفسه وينتزع من هذا الالتزام الكلى عنوان التقليد ، الا ان وجوبه حينئذ لا يكون الا عقليا بمناط تحصيل الحجة على امتثال الأحكام لا شرعياً مولويا ( بل لو ورد ) دليل شرعى على وجوبه يكون ارشاداً الى حكم العقل ( وانما ) الوجوب الشرعي متعلق بما يختاره في ظرف اختياره ، كما ذكرناه في الامر بالتخيير في الخبرين المتعارضين ( فلا مجال ) حينئذ للتشبث على وجوبه بمثل السيرة وسائر الادلة الشرعية ، ولا بالعقل الفطري الارتكازي بوجوب رجوع الجاهل الى العالم ( لما عرفت ) من ان هذه الادلة ، نظير ادلة حجية خبر الواحد ناظرة الى اثبات حجية فتوى المجتهد الراجع الى ايجاب العمل على طبق فتوى المجتهد ، لا الى وجوب تحصيل الحجة على امتثال الأحكام ( بل لا بد ) حينئذ في اثبات وجوبه من التشبث بحكم العقل المستقل بوجوب تحصيل الحجة على المتمكن منها مقدمة لامتثال الاحكام .

(مع انه ) لا ثمرة مهمة تترتب على هذا النزاع ، لا في مرحلة المصححية للعمل ولا في مقام المعذرية ( فانه ) في فرض انحصار المجتهد يكفي في الصحة مجرد تطبيق العمل على فتوى المجتهد المنحصر حجية فتويه في حقه ، بل يكفي فيها مجرد اتفاق مطابقة العمل لرأي من يجب اتباع رأيه تعييناً ولولم يتحقق عنوان التقليد بالاخذو الالتزام او تطبيق العمل على الفتوى معتمدأ عليها ( ولذلك ) تريهم مصرحين في فتاويهم بان المقلدلو عمل عملا واتفق كونه مطابقاً لفتوى المجتهد المنحصر حجية فتويه في حقه اجزئه ( وهكذا الكلام ) في فرض عدم انحصار المجتهد واتفاقهم في الفتاوى ( فان تعدد ) الفتاوى حينئذ كتعدد الخبر الدال على وجوب شيء في كون الجميع حجة على المقلد

ص: 240

من غير احتياج في مرحلة صحة العمل ولا في المعذرية والمنجزية الى تعيين شخص خاص في العمل برأيه ( واما ) في فرض تعدد المجتهد واختلافهم في الفتاوى وتساويهم في الفضل ، وان كان لا محيص من الاخذ والاختيار مقدمة لتحصيل الحجة على امتثال الاحكام ، ويجب العمل شرعا على طبق ما يختاره لصيرورته بعد الأخذ حجة تعيينية على المقلد ( إلا ) انه لا يتفاوت الحال فيه بين القولين في التقليد .

فى وجوب التقليد على العامى و بيان ادلته

( المقام الثانى ) فى وجوب التقليد او جوارة على العامى ، وبيان ادلته ( ولا يخفى ) أن عمدة المستند على لزوم التقليد بالنسبه الى المقلد العامي ، هو الامر الجيلي الفطري الارتكازي في نفوس عامة الناس على لزوم رجوع الجاهل بالوظيفة الى العالم بها بنحو موجب الجربهم عليه طبعاً وعلمهم بالحكم بلا التفاث منهم الى وجه علمهم ، كما في سائر ارتكازاتهم بحسب الفطرة والجبلة التي اودعها فيهم بارئهم ( والى ذلك ) ايضاً يرجع السيرة المعهودة من العرف والعقلاء والمتدينين من الصدر الأول على رجوعهم في كل ما جهلوا به الى العالم، بل ويرشد اليه ما ورد في الادلة الشرعية من ارجاع الجاهل الى العالم ( وعليه ) فيكفي مثل هذا الارتكاز الفطري دليلا على المسألة ( ولا يحتاج ) الى العاب النفس بجعل المستند الحامل للعامي على التقليد بالنسبة الى الوظائف التكليفية والوضعية دليل الانسداد ( بتقريب ) ان المقلد العامي بعد علمه بثبوت المبدأ وارسال الرسل وتشريع الشريعة ، وعلمه بلزوم التعرض للوظائف الشرعية المقررة له ، وعدم تمكنه من الامتثال التفصيلي باستخراج وظائفه من الادلة ، ولا من الامتثال الاجمالى بالاحتياط ، لعدم معرفته بموارد الاحتياطات ، وللعسر والحرج المنفيين في الشريعة ، يحكم عقله السليم بلزوم الرجوع الى فتوى المجتهد لكونها اقرب الطرق لديه الى الواقع (كيف ) وعلى ذلك يشكل في مرجعية فتوى المجتهد فى تعيين وظائفه في الموارد التى يكون المقلد ظانا على خلاف راي المجتهد ( فنفس بنائهم ) على الرجوع الى فتوى المجتهد وعدم اعتنائهم بظنونهم على خلاف رأي المجتهد من غير نكير من احد يكشف عن ان المستند الباعث على حملهم على التقليد هو الامر الجبلى الفطري السليم على لزوم

ص: 241

رجوع الجاهل الى العالم ، لا انه ملاك الانسداد ( ولقد ) عرفت كفاية هذا العلم الارتكازي في لزوم التقليد على العامي في الاحكام الفرعية ( والا ) فبعد ع_دم تمكن المقلد من الرجوع الى الادلة والاجتهاد فيها لا يمكن اثبات هذه المسألة بالتقليد للزوم الدور أو التسلسل ( إلا ) اذا كان العامى غير ملتفت بحصر الوظيفة بالتقليد في الاحكام الفرعية ، بأن كان شاكاً في تعيين وظيفته الفعلية من حيث التقليد او الاحتياط او تحصيل الاجتهاد في المسائل الفرعيه ( حيث ) ان مثله جاهل في مسألة الرجوع الى الغير في المسائل الفرعية ايضاً ( فيجعل ) مركز اجتهاده حينئذ ولو بمقتضى الاركاز في الرجوع الى المجتهد في تعيين هذه الوظيفة ، من غير ان يكون اجتهاده ذلك من أدلة جواز التقليد في الاحكام الفرعية ، فيفتيه المجتهد بما استقر عليه رأيه من كون الوظيفة الفعلية هو التقليد دون الاحتياط او تحصيل الاجتهاد ( وعلى كل حال ) ففي كل تقليد لا بد من من انتهاء امر التعبد بقول الغير الى اجتهاد المقلد العامي وقطعه الوجداني بمرجعية الغير ولو بمقتضى الفطرة الارتكازية في نفوس عامة الناس من مرجعية العالم بالوظيفة للجاهل بها ( فان ) مرجع الحجج التعبدية الى حجتها بالغير ولا بد من انهاء كل ما بالغير الى ما بالذات .

فى الدليل الارتكازى على التقليد

( وكيف كان ) فما ذكرناه من الدليل الارتكازى هو العمدة في المستند لوجوب اصل التقليد ( والا ) فما عداه من الادلة الشرعية قابل للمناقشة ( اما الاجماع ) المدعى في المقام ، وكذا السيرة المستمرة من الصدر الأول فالمناقشة فيها ظاهرة ، لقوة احتمال كون مدرك المجمعين، وكذا مبنى السيرة هي القاعدة المرتكزة في نفوس عامة الناس ( ومع ) هذا الاحتمال لا يحصل الوثوق من هذا الاتفاق بنحو يكشف عن رأي المعصوم ( علیه السلام ) ، ليكون بنفسه دليلا على المسألة في مقابل العقل الفطري الارتكازي ( واما الآيات ) فعمدتها آينى النفر والسؤال ( وهما ( ايضاً قاصرتان عن افادة حجية فتوى العالم في حق العامي ( أما ) آية السؤال ، فلقوة إحتمال كون ايجاب السؤال عن اهل الذكر لاجل حصول العلم بالواقع ، لا لمحض التعبد بقولهم ولو لم يعد العلم للمسائل ( فالمراد ) من الآية والله العالم فأسئلوا اهل الذكر

ص: 242

الذكر إن كنتم لا تعلمون حتى تعلموا ، كما يقال لمن ينكر شيئا لعدم علمه به سل فلانا ان كنت لا تعلم ( مضافاً ) الى ورود الآية المباركة في اصول العقائد التي لا يكتفي فيها بغير العلم ، لظهورها بمقتضى السياق في ارادة علماء اهل الكتاب والسؤال عنهم فيما لديهم من علامات النبوة المكتوبة في كتبهم السماوية ( والى ) ماورد من تفسير اهل الذكر بالأئمة المعصومين ( علیه السلام ) المعلوم إفادة قولهم العلم بالواقع

في الاستدلال على وجوب التقليد بالاجماع وآيتى النفر والسؤال

( واما ) آية النفر ، فاصنع اقتضائها وجوب الحذر مطلقا ولو مع عدم حصول العلم للمنذرين بالفتح ( إذ لا إطلاق ) من هذه الجهة وإنما اطلاقها مسوق لا يجاب الانذار على النافرين بما تفقهوا من الأحكام ، لا لبيان وجوب الحذر والقبول مطلقا ، فيمكن ان يكون الحذر المطلوب عقيب الانذار منوطا بحصول العلم لاقتضاء تراكم إخباراتهم لانشاء الحق الموجب لحصول العلم ( فمعنى الآية ) والله العالم انه يجب على النافرين الانذار بما تفقهوا اذا رجعوا الى المتخلفين لعله يحصل لهم العلم فيحذرون ( وربا يشهد ) لذلك إستشهاد الامام ( علیه السلام ) بالآية على وجوب نفر جماعة من كل بلد لمعرفة الامام اللاحق اذا حدث على الامام السابق حدث ( كقول ابی عبد الله ( علیه السلام ) ) ليعقوب بن شعيب بعد ما سئله عن الامام اذا حدث عليه حدث كيف يصنع الناس . اين قول الله عز وجل فلولا نفر الآية : ثم قال ( علیه السلام ) هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع اليهم اصحابهم ، مع وضوح ان الامامة لا تثبت الا بالعلم ( مؤيداً ) ذلك بما في الآية من التعبير بالطائفة التي هي عبارة عن الجماعة ( اذ من المعلوم ) ان اخبار الجماعة بشيء موجب عادة للعلم بذلك الشيء ( لا يقال ) انه كذلك لو اريد من الجمع في الآية انذار مجموع النافرين من حيث المجموع ( واما ) لو اريد منه العموم الأفرادي ، فلا موقع لهذا الاشكال ( فانه يقال ) ان مجرد كون الجمع في الجملات المذكورة فى الآية على نحو العموم الاستغراقي لا يقتضى اطلاق الآية من حيث مطلوبية الحذر عقيب إنذارهم على الاطلاق ( إلا ) فى فرض كون الانذار الواجب هو انذار كل واحد من النافرين طائفة من المتخلفين ( فان ) وجوب انذارهم كذلك يلازم

ص: 243

اطلاقها على وجه يستفاد منه وجوب القبول تعبداً وإثبات مثله من الآية محل منع ( نعم ) لو اغمض النظر عما ذكرنا لا وجه للمناقشة فيها من جهة تخصيصها بباب الخبر والحكاية عما رووه وسمعوا من الأحاديث المشتملة على التخويف ( كيف ) وان الانذار بما تفقه ظاهر في دخل الفقاهة وانشاء التخويف في الحجية ووجوب الحذر عقيب الانذار ( ومن المعلوم ) أن ذلك إنما يناسب مقام الفتوى لا مقام الرواية والحكاية عن قول المعصوم ( علیه السلام ) الذي لا يكون لحيث فهم الراوي واستفادته دخل في الحجية ووجوب الحذر ( فاذا ( كان ظاهر الآية هو الانذار بما تفقه من حيث فقاهته واستفادته من كلام المعصوم ( علیه السلام ) ( فلا محالة ) تكون من ادلة حجية الفتوى ، ولا يكون لها مساس بباب الانذار في مقام الحكاية والرواية الذي هو اخبار عن قول المعصوم ( علیه السلام ) .

في الاخبار الدالة على جواز الافتاء والاستفتاء مفهوماً ومنطوقا

( وأما الاخبار ) الدالة على جواز الافتاء والاستفتاء مفهوماً ومنطوقاً مطابقة والتزاماً ، فهى وإن كانت احسن ما في الباب ( كقول الباقر ( علیه السلام ) ) لابان بن تغلب . إجلس في المسجد وأنت الناس فاني احب ان يرى في شيعتي مثلك ( وقول الصادق ( علیه السلام ) ) في خبر طويل .. فأما من كان من الفقهاء صائنا لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه ( ومفهوم ) ما ورد في النهى عن الافتاء بغير علم ( وما ورد ) من الارجاع الى مثل الاسدى يعني ابا بصير ، وزكريا بن آدم ويونس بن عبد الرحمن وأضرابهم من ثقات اصحابهم عليهم السلام ( وكذا ) ما ورد من الارجاع إلى رواة الاحكام في الترافع ، كمقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة ابي خديجة ، والتوقيع الشريف لاحمد بن اسحاق .. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى روات أحاديثنا الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ( فيخصص ) بها مادل على النهي عن إتباع غير العلم والذم على التقليد من الآيات والأخبار على فرض شمولها للتقليد في الأحكام الفرعية بالحمل لها على التقليد في الاصول الاعتقادية المطلوب فيها العلم واليقين ، وعلى تقليد الفسقة من العلماء في الفروع الفقهية ( كما يشهد ) به المروى في الاحتجاج من قوله ( علیه السلام ) وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق

ص: 244

الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا الى قوله ( علیه السلام ) . . من قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله سبحانه بالتقليد لفسقة فقهائهم ( ولا مجال ) للمناقشة في دلالة تلك الأخبار بجعلها من ادلة حجية الرواية لا الفتوى بمحض كون الافتاء في الصدر الأول بنقل الرواية بالفاظها او بمضمونها ( اذ نقل ) الرواية منهم في مقام الافتاء بالواقع للجاهل بالأحكام إنما كان باعمال الرأي والنظر في حكم المسألة والاجتهاد في استفادته من ظاهر الرواية ، لا بصرف نقل الرواية عن الامام بما هو ، كيف وان صرف نقل الرواية لا يكون إفتاء لحكم المسألة ، ولا يصدق على مثله عنوان الفقيه والعارف بالاحكام الذي افيد في تلك الأخبار لزوم رجوع العوام اليه في أخذ الفتوى وتقليده في المسائل الفرعية ( ولذلك ) اعتبر في المقبولة حيث النظر والمعرفة بالأحكام فيمن يترافع لديه بقوله ( علیه السلام ) ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا وكذا في مشهورة الى خديجة ( ودعوى ) أن المقبولة ونظرائها واردة في مقام القضاء ولا ربط لها بباب الفتوى ، مندفعة بعدم الفصل بينها ( فحمل ) تلك الأخبار حينئذ على بيان حجية الرواية لا الفتوى ناش عن قلة التأمل فيها ( نعم ) بعد استقلال عقل المقلد بمرجعية فتوى العالم في جميع الأحكام الفرعية لا يثمر بحث المجتهد فيها إلا من حيث اطلاقها من جهة بعض خصوصيات المرجع من حيث الحيوة والأعلمية والاوثقية ونحوها مما كان المقلد جاهلا في اعتبار. في المرجع ( وإلا ) فبالنسبة الى اصل وجوب التقليد لا يكون البحث فيها مثمراً لا في حق المجتهد في افتائه بالوجوب ولا في حق المقاد ( الا ) اذا فرض كون المقلد جاهلا في تعيين الوظيفة الفعلية من حيث التقليد او تحصيل الاجتهاد في الاحكام الفرعية او الاحتياط ، فيكون لبحث المجتهد حينئذ واستنباطه من تلك الأدلة مجال ، فيفتي إياه بكون الوظيفة هو التقليد في الأحكام الفرعية .

( وعلى كل حال ( فالتقليد حيثما قلنا بوجوبه على العامي فوجوبه لا يكون الا طريقياً لا شرطياً لصحة العمل ، كما يوهمه اطلاق كلامهم بطلان عمل تارك

ص: 245

طريقي الاجتهاد والتقليد، بداهة أنه لا مدخلية للتقليد في صحة عمل العامي ( بل يكفى ) في صحته واقعاً مجرد كونه مطابقا للواقع ولو من باب الاتفاق ، وظاهرا مجرد اتفاق كونه على وفق رأي من وجب عليه تقليده تعييناً والاستطراق به الى الواقع ولولم يكن حين العمل ملتفتا الى فتوى من وجب عليه تقليده ، فقولهم بوجوب التقليد على العامى انما هو من جهة كونه طريقا له الى الاحكام الواقعية وأنه بدونه لا يتمكن الجاهل الملتفت من قصد التقرب في عباد انه ( مع أنه ) لا وجه لحصر طريق تصحيح الاعمال الصادرة من المكلف عبادة ومعاملة بالأمرين المزبورين بعد امكان تصحيحها بالاحتياط الحاوي لجميع ما احتمل دخله في صحة العمل وجوداً وعدماً ، كما هو ظاهر .

( ثم ان ) مرجع حجية فتوى المجتهد بالحكم الشرعي على المقاد العامي انما هو باعتبار كشفه عن رأيه واعتقاده الذي هو الحجة على المقلد ، لا باعتبار كشفه بنفسه عن الواقع ، فما هو موضوع الحجية في باب الفتوى انما هو رأي المجتهد بما هو طريق الى الواقع لا نفس فتواه واخباره بالحكم فتكون حجية فتواه في حق المقلد من باب كونها طريقا الى ما هو الطريق الى الواقع وهو رأيه واعتقاده في حكم المسألة ( ولذلك ) يصح للمقاد الاعتماد في مقام العمل على رأيه المستكشف بطريق آخر غير فتواه كما لو علم من مذاقه ان رأيه على اقتضاء الأمر بالشيء للنهى عن ضده الخاص ( فلو افتى ) بوجوب شيء في مسألة ليس له الاتيان بضده ولا يكاد يصح عنه ايضاً اذا كان عبا يا ولو لم يكن له فتوى في تلك المسألة اصلا ( وبذلك ) اتضح الفرق بين باب حجية الفتوى وباب حجية الخبر ( فان ) موضوع الحجية في باب الخبر هو نفس الاخبار بماهو حاك عن الواقع ولا مدخل في الحجية لحيث فهم المخبر واعتقاده ، بخلاف باب الفتوى ، فان الحجة على العامي النماهو رأى المفتى واعتقاده فيكون بين البابين من هذه الجهة تمام المعاكسة ( وبذلك ) يظهر وجه رجوع الاصحاب عند اعواز هم النصوص الى فتاوى على بن بابويه وغيره ممن دأبه على الافتاء بمضامين الاخبار ( حيث ) أن رجوعهم الى مثله انا هو باعتبار كشف فتويه في المسألة عن كونها مضمون رواية عن المعصوم ( علیه السلام ) ، لا باعتبار كشفها عن

ص: 246

رأيه واعتقاده الذي هو موضوع الحجية في باب التقليد ( لوضوح ) ان فتوى الفقيه من هذه الجهة انما تكون حجة في حق العامي ، لا في حق مجتهد آخر مثله .

( ثم لا يخفى ) ان الارتكاز العقلى على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم أنما هو قضية اجمالية لا يكاد يستكشف منها الخصوصيات المحتملة دخلها في المرجع من مثل الحيوة والايمان والعدالة والاعلمية والذكورية والحرية ونحوها لا اثباتاً ولا نفياً ( ولذلك ) كان المجال لرجوع المقلد في هذه الخصوصيات بحكم العقل الاجمالي الى العالم اذا شك في اعتبارها في المرجع كلا او بعضاً ( ولا محيص ) له عند الشك من الرجوع اولا الى من هو جامع جميع ما احتمل دخله في المرجع من الصفات ، فيفتيه العالم بها بما استقر عليه رأيه بمقتضى استفادته من الأدلة الشرعية اطلاقا وتقييداً .

في وجوب تقليد الاعلم

( المقام الثالث ) قد اختلفوا في وجوب تقليد الأعلم عند اختلاف الأحياء في العلم والفضيلة وعدم وجوبه ومساواته مع العالم من هذه الجهة على قولين ( والظاهر ) أن الخلاف كما يظهر من تصريح بعضهم انهما هو في فرض كون فتوى الاعلم مخالفة لفتوى غيره ، بل ومع علم المقلد باختلافها في الفتوى ايضا ( والا ) فني فرض توافقها في الفتوى وعلم المقاد بذلك لا اشكال ظاهراً في التخيير بينها لعدم الدليل على تمين الرجوع الى الاعلم ، بل لا ثمرة للنزاع في هذا الفرض ، لان العمل بفتوى احدهما عمل بالآخر ايضاً ولا تختص الحجية حينئذ بواحد معين لكونها من قبيل تمدد الرواية في حكم المسألة ، وقد عرفت خروج البناء والالتزام في العمل على طبق الحجة عن موضوع الحكم الشرعي والمصححية للعمل ( ودعوى ) سقوط فتوى المفضول عن الحجية مع وجود الأفضل بالمرة واندراجها فيما دل على النهي عن اتباع غير العلم ( يدفعها ) اطلاق الادلة المتقدمة كتاباً وسنة ( بل ويدفعها ) السيرة القطعية والقاعدة الارتكازية الفطرية ( وحينئذ ) فلا ينبغي التشكيك في حجية فتوى غير الاعلم في نفسها ( وانما ) الاشكال كله في فرض كون فتوى

ص: 247

الاعلم مخالفة لفتوى غيره مع علم المقلد بالمخالفة ايضاً ( والا ) ففي فرض عدم العلم بمخالفة الفتويين يمكن احراز عدم المخالفة بالاصل ، نظير احراز عدم المخالفة للكتاب والسنة بمثله في الشرط ونحوه

فى بيان ادلة وجوب تقليد الاعلم

( وقد عرفت ) ان المسألة ذات قولين ( احدهما ) تعين تقليد الأعلم وهو المعروف المشهور بين الاصحاب ، بل عن المحقق الثاني الاجماع عليه ، وعن محكى السيد في الذريعة كونه من المسلمات عند الشيعة ( وثانيها ) جواز الرجوع الى غير الاعلم كما عن جماعة منهم الفصول لامور يأتي ذكرها ان شاء الله تعالى ( ولكن التحقيق ) وفاقا للمشهور هو الأول ( للاصل ) للشك في حجية فتوي المفضول عند معارضتها مع فتوى الأفضل، وهو كاف في عدم حجيتها وعدم جواز الاعتماد عليها في مقام العمل ( بل يمكن ) أن يقال بصيرورة مشكوك الحجية حينئذ مشمولا لما دل على النهي عن اتباع غير العلم كتاباً وسنة بناء على حمل النهي فيها عن العمل المنشأ للتشريع بموداه ولو كان ذلك من جهة عدم الحجية فيها ، لا لاقتضاء عدمها كما في نواهي القياس ( من غير ) أن يكون في البين ما يقتضي خروجه من الاصل ومن مورد تلك النواهي ، عدا ما توهم من أدلة مشروعية التقليد ( وهى ) غير صالحة لذلك ( اما القاعدة ) الارتكازية التي هي عمدة ما في الباب ، فظاهرة ( اذ لا اطلاق ) لها يقتضي جواز الرجوع الى كل عالم ولو مفضولا حتى عند تعارض فتواه مع فتوى الافضل في زمانه ، لولا دعوى اقتضائها تعين الرجوع حينئذ الى الافضل من باب القدر المتيقن في الحجية ( واما سيرة ) المتشرعة فلم يعلم قيامها على الرجوع الى المفضول مطلقا ، بل المتيقن منها في الرجوع اليه مع وجود الافضل انما هو في ظرف عدم العلم بالمعارضة والمخالفة لفتوى الافضل ( وأما الآيات ) كايتى النفر والسؤال فعلى فرض نهوضها على حجية فتوى العالم تعبدا والغض عما ذكرنا فيها من الاشكال ، فغايتها الدلالة على حجية فتوى كل عالم في الجمله موجبة جزئية ( وأما ) اطلاقها لحال تعارض فتوى العالم مع فتوى الاعلم فلا وهكذا ( الكلام في الأخبار ) اذ تقول ان غايتها الدلالة على حجية فتوى كل عالم ولو كان مفضولا في الجملة ( وأما ) اطلاقها لحال المعارضة مع فتوى

ص: 248

الافضل فلا ( وبالحملة ) ان اثبات حجية فتوى العالم مطلقا حتى مع المعارضة والمخالفة لفتوى الاعلم في زمانه منوط بثبوت الاطلاق الاحوالي لتلك الاخبار ( وحيث ) انه لم يحرز ثبوت هذا الاطلاق، ولم تكن قضية اطلاقها الاحوالي ايضا تابعة لعمومها الأفرادي ( فلا جرم ) عند الشك تسقط فتوى المفضول من الحجية عند المعارضة لفتوى الافضل ، للشك في حجيتها حينئذ ، فتبقى تحت فتبقى تحت الأصل والاطلاقات الناهية عن اتباع غير العلم بالتقريب الذي ذكرناه

( ثم لا يخفى ) ان العمدة في تخصيص الحجية عند المعارضة مع فتوى الأعلم هو ما ذكرناه من قضية الأصل ( وإلا ) فلا مجال لاثبات تمين تقليد الأعلم بمقتضى الأخبار الدالة على ترجيح الاعلم والأفقه عند المعارضة التي ( منها ) المقبولة من قوله ( علیه السلام ) الحكم ما حكم به اعدلها وأفقهها ( ومنها ) خبر داود بن حصين من قوله ( علیه السلام ) .. ينظر الى قول أفقهها و أعلمها ) ومنها ) ما في خبر موسى بن اكيل من قوله ( علیه السلام ) ينظر الى أعدلها وأفقهها فيمضي حكمه ( بتقريب ) انها وان كانت ظاهرة في الاختصاص بباب القضاء وفصل الخصومات ( ولكن ) الترجيح بالا علمية والأفقهية فيها لما كان بمناط تقديم الفتوى ، يتعدى الى باب الفتوى ايضاً لوحدة المناط ( لأن ) حكم الحاكم في الشبهات الحكميه ليس الا انشاء الفتوى المستنبطة من الأدلة في الواقعة الجزئية التي وقعت المنازعة فيها ، فالحكم والفتوى مشتركان في المدرك مختلفان في الموضوع ، فتكون الفتوى هو الاخبار عن ثبوت الحكم الكلي للموضوع الكلى ، والحكم هو انشاء تلك الفتوى في الموضوع الشخصى المترافع فيه ، فحجية كل حكم مستلزمة الحجية الفتوى ( مضافا ) الى امكان دعوى عدم الفصل بينها بالاجماع المركب فان كل من قال بتقديم حكم الاعلم في مقام فصل الخصومة قال بتقديم فتواه مطلقا ( بل قد يقال ) ان المراد من الحكم في تلك الأخبار هو معناه اللغوي ، نظير قوله سبحانه وتعالى ومن لم يحكم بما انزل الله الآية .

( ولا يخفى ) ما في هذا الاستدلال من الضعف ( اما الاجماع المركب )

ص: 249

فممنوع جداً مع هذا الخلاف العظيم في المسألة والتزام القائلين بجواز تقليد العالم مطلقاً بالتفكيك بين باب القضاء وباب الفتوى ( ومثله ) في المنع دعوى المناط المزبور واستفادته من الأخبار المزبورة ( فان ) الترجيح بالاعلامية فيها لاجل رفع الخصومة وحسم مادة النزاع عن البين لا يقتضى الترجيح به في باب الفتوى والتقليد ، وكون حكم الحاكم في الواقعة الجزئية انشاءاً للفتوى المستنبطة من الادلة لا يلازم اتحادهما في الترجيح حتى يتعدى الى باب الفتوى والتقليد ( فان ) الخصومة لا بد من رفعها بأي نحو كان ( ولذلك ) ذكر الترجيح بالاعدلية والأورعية والأصدقية في تلك الأخبار ، مع أنها غير معتبرة في باب الفتوى بلا اشكال ( وعليه ) اين يبقى مجال الاستدلال بتلك الأخبار على الترجيح بالاعلمية في باب الفتوى عند المعارضه والمخالفة ، و اين مناط قطعى يتعدى به الى باب التقليد (واما ) احتمال كون المراد من الحكم في تلك الاخبار معناه اللغوى ، نظير ما في الآيه المباركة ، فهو كما ترى لا يستأهل رداً.

( واضعف ) من ذلك الاستدلال على وجوب تقليد الاعلم وتعينه بملاك التعيين والتخيير لكونه في الحقيقة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، حيث يعلم تفصيلا بوجوب العمل على طبق فتوى الاعلم اما تعييناً او تخييراً ويشك في وجوب العمل على طبق فتوى غيره لاحتمال عدم حجيته مع وجود ما يحتمل التعيين ( والاصل ) فيه يقتضى التعيين بناء على ماهو التحقيق من الاشتغال في تلك المسألة ( اذفيه ) ان جمل المقام من صغريات تلك المسألة مبني على جعل التخيير فيه في المسألة الفرعية

وهو باطل قطعا لا متناع الوجوب التخييري في العمل فى كلية باب التعارض المنتهي فيه الأمر الى التناقض في المدلول ( بل التخيير ) فيه راجع الى التخيير في المسألة الأصولية اعني الأخذ باحدى الفتويين الراجع الى ايجاب التعبد بكل منها مشروطاً بالأخذ ( وفى مثله ) يكون المقام من باب دوران الأمر بين حجية فتوى الاعلم و وجوب العمل على طبقها من غير اشتراطها بالاخذ والالتزام بمؤديها ، وبين حجية كل منها مشروطاً بالأخذ بها ( ومن المعلوم ) أن لازم ذلك هو عدم اليقين بحجية

ص: 250

فتوى الأعلم مطلقا ( فانه ) قبل الأخذ بها يشك في حجيتها ووجوب التعبد بها وكذا بعد الأخذ بفتوى غيره ( ومع ) هذا الشك كيف يمكن دعوى اندراج المقام في مسألة التعيين والتخيير المستلزم لليقين بوجوب العمل على طبق المعين على كل تقدير ( نعم ) حيث أن الأخذ بفتوى الأعلم موجب لليقين بحجيتها ، بخلاف فتوى غيره ، فانه مع الأخذ بها يشك في حجيتها ، ينتهى الأمر الى مقطوع الحجية بالأخذ ومشكوكها فيحكم المقل بوجوب الأخذ بماهو مقطوع الحجية دون مشكوكها ) وبذلك ( يفترق المقام عن مسألة التعيين والتخيير في المسألة الفرعية ، حيث نقول بالتعيين في المقام ولو مع عدم القول به في تلك المسألة والمصير فيها الى البرائة ( ولعل ) مثل هذه الجهة ايضاً هو الموجب لمصيرهم الى التعيين في المقام مع تشكيكهم في تلك المسألة .

( وقد استدل ) لوجوب تقليد الاعلم والمنع عن تقليد غيره بوجهين آخرين ( أحدهما ) دعوى الاجماع على وجوب تقليد الاعلم عند التعارض واختلاف الفتوى ( وثانيها ) ان فتوى الأعلم اقرب الى الواقع من فتوى غيره ، فيجب الأخذ به لقضاء العقل بلزوم الأخذ بالاقرب عند التعارض والاختلاف ( وفيها ) من الضعف ما لا يخفى ( أما الاجماع ) فلا وجه لدعواه في المسألة مع وجود هذا الخلاف العظيم ( مضافاً ) الى قوة احتمال كون مدرك المتفقين هو الأصل الذي قررناه ( اذ معه ) لا مجال لتحصيل الاجاع بالظفر باتفاق جماعة من الاعلام ( وأما الدليل ) المقلى فممنوع صغرى وكبرى ( اما الصغرى ) فيمنع كون فتوى الاعلم أقرب الى الواقع من غيره ( بل قد يكون ) فتوى غيره أقرب الى الواقع من فتواه خصوصا لموافقته لفتوى من هو أعلم منه ممن مات، او للشهرة ونحوها من الامور الداخلية والخارجية ( واما دعوى ) ان المناط في الاقربية انما هو على اقربية الفتوى في نفسها مع قطع النظر عن الامور الخارجية ولا شبهة في اقربية فتوى الاعلم من فتوى غيره ( فهى ) مع كونها ممنوعة لا تكون صغرى لتلك الكبرى العقلية ( اذ هي ) غير مختصة بالاقربية الحاصلة من نفس الفتوى ( واما الكبرى ) فبانه لا دليل على اعتبار الاقربية بنظر العقل في الامارات التعبدية

ص: 251

التي منها فتوى المجتهد في حق المقاد ( فان ) حجية فتوى العالم في حق العامى وان كانت من باب الطريقية كغيرها من الطرق التعبدية لا من باب السببية والموضوعية الا انه لم يعلم كون المناط في التعبد بها هو القرب الى الواقع بنظر العقل كي يدور في مقام الترجيح مدار الأقربية ( فلعل ) المناط في نظر الشارع في التعبد بها شيء آخر يكون الاعلم وغيره فيه سيان ( وكون ) غلبة الايصال في نظر الشارع حكمة لجعل مطلق الطرق غير العالمية ( لا يقتضي العلية والا ) لاقتضى القول به في التعبد بساير الطرق والامارات غير العلمية كالبينة ونحوها ( مع انه ) قد يكون فتوى العالم اقرب الى الواقع من فتوى الاعلم لموافقته لفتوى اعلم الميت ، أو لجهة اخرى ، فيلزم الأخذ بفتوى العالم المطابق لفتوى الاعلم الميت ، ولا اقل من تأتي احتمال التعيين في فتوى العالم ايضا ( وفى مثله ) ربما ينتهي الأمر إلى الأخذ باحوط القولين في المسألة ( نعم ) لو كان القولان مخالفين للاحتياط تعين الأخذ بفتوى الأعلم لاحتمال عدم مناطية الأقربية الحاصلة من أمر خارجي ( بل بما ذكرنا ) يمكن الخدشة في مرجعية الاعلم على الاطلاق حتى فيما كان فتواه في المسألة مخالفة للاحتياط وكان فتوى غيره موافقة للاحتياط ( اذ في مثله ) يمكن القول بجواز الأخذ بفتوى غيره لانتفاء ما يقتضي تعين الأخذ بخصوص فتوى الاعلم .

فى ادلة القول بجواز تقليد العالم مطلقا ومساواته مع الاعلم

( بقى الكلام ) في أدلة القول بجواز تقليد العالم مطلقا ومساواته مع الاعلم وهي امور ( منها ) إطلاقات الأدلة كتاباً وسنة ( ومنها ) سيرة المتشرعة من الصدر الأول على الرجوع الى اصحاب الأئمة وارباب النظر والاجتهاد مع العلم باختلافهم في العلم والفضيلة ، بل واختلافهم في الانظار ( ويظهر ) الجواب عنها مما تقدم سابقاً فراجع ( ومنها ) أن وجوب الرجوع الى الاعلم عمر منفى في الشريعة ، ( لانحصاره ) في واحد مضافاً الى لزوم المشقة الشديدة في حق المرجع من رجوع جميع المقلدين اليه لاخذ الفتوى منه ( وفيه ) منع عسرية تقليد الاعلم، لا عليه ولا على المقادين خصوصاً في زماننا الذي تداول فيه طبع الكتب والرسائل العمليه ( فان ) الرجوع الى كتبه ورسائله لأخذ الفتوى امر سهل في نفسه ( وأما ) تشخيص

ص: 252

الأعلمية ، فليس باشكل من تشخيص أصل الاجتهاد ( فكما أن ) المرجع في تشخيص الاجتهاد هو اهل الخبرة ، كذلك في تشخيص الاعلمية ( واما العمل ) على طبق فتوى الاعلم ، فليس فيه ايضاً صعوبة ، بل الصعوبة في العمل بفتوى غ__يره لكثرة إفتائه بالاحتياط بلحاظ عدم اقتداره على استخراج حكم المسألة عن مداركها كما هو خصوصا اذا كان مغمورا في بحر التقوى والورع ( ومنها ) انه لو وجب تقليد الأعلم لما جاز رجوع الشيعة في الصدر الاول الى فتاوى اصحاب الأعة ( علیه السلام ) تمكنهم من الوصول الى الامام واستعلام حكم الواقعة منه ( علیه السلام ) والتالى باطل فالمقدم مثله ، ومنافاته ايضا لما يظهر من الاخبار من ارجاع الأئمة إلى فتاوى اصحابهم واظهارهم الشوق في جلوسهم للفتيا ( ومنها ) ما استند اليه المحقق القمى قده من دليل الانسداد القاضي بجواز الرجوع الى العالم مطلقا ( ولكن ) في الاول ما لا يخفى من فساد المقايسة ( لوضوح ) أن مورد البحث في المقام إنما هو فى فرض العلم بمخالفة فتوى العالم لفتوى الأعلم ، وفي هذا الفرض يقطع بعدم رجوع الشيعة الى من يخالف قوله قول الامام ( علیه السلام ) ، لمكان البقين ببطلان قوله ومخالفته للواقع ، واين ذلك ومفروض البحث في المقام ( واما ) ما استند اليه المحقق القمى قده ، فله وجه على اصله ( لان ) المدار عنده على الظن بالواقع من ايها حصل ( ولكن ) الكلام معه فى اصل المبنى ( لما تقدم ) سابقاً من أن عمدة المستند على وجوب رجوع الجاهل الى العالم ولزوم التقليد انما هو الارتكاز الفطري الجبلي في نفوس عامة الناس بضميمة تقريم الشارع وامضائه اياه ، لا انه قضية مقدمات الانسداد ( ولذا ) ترى بناء كل من تعرض للمسألة على جعله من الظنون الخاصة ، كساير الطرق والامارات التعبدية ، لا من الظنون المطلقة الثابتة حجيتها بدليل الانسداد ( هذا كله ) بالنظر الى ما يستفيده المجتهد من الادلة .

( وأما بالنظر الى ) ما يصلح ان يكون مستنداً للمقلد العامي في حكم المسألة ( فان ) استقل عقله بتساوى الاعلم وغيره في الرجوع اليه لأخذ الفتوى ( وإلا ) فلا بد من رجوعه الى الاعلم في تعيين هذه الوظيفة ( اذ بعد ) ان كانت قضية

ص: 253

الارتكاز الفطري قضية اجمالية من حيث الخصوصيات المحتملة دخلها شرعاً في موضوع الحجية بحيث لا يكاد يستكشف منها هذه الخصوصيات لا نفياً ولا اثباتاً ( فلا جرم ) يستقل عقله بمناط حكمه الاجمالي بالرجوع الى من هو مجمع جميع ما احتمل الصفات ، فيجب عليه الرجوع في هذه المسألة الى الاعلم ، وليس له الرجوع بدواً الى غيره في استعلام حكم المسألة إلا على نحو دائر ، اذ لم يثبت بعد جواز تقليده ( نعم ) لا بأس بالرجوع اليه في سائر المسائل الفرعية اذا افتى الاعلم بجواز تقليد المفضول، فصح تقليده اياه في المسائل الفرعية حينئذ بمقتضى فتوى الاعلم بجوازه .

فى معنى الاعلم وتقديم الاعلم على العالم الاعدل

تنبيهات

( الأول ) المراد من الأعلم من كان أحسن استنباطاً من غيره لكونه أقوى نظراً في تنقيح قواعد المسألة ومداركها ، واكثر خبرة في كيفية تطبيقها على مواردها ، وأجود فيها للاخبار في استنباط المسائل الفرعية من مضامينها مطابقة والتزاماً واشارة وتلويحاً ، واكثر اطلاعاً بمدارك المسألة ونظائرها ، كما يرشد اليه قوله ( علیه السلام ) أنتم أعلم الناس ان عرفتم معاني كلامنا ( نعم ) لا عبرة بكثرة الاستنباط والاحاطة بالفروع الفقهية ( لان ) ذلك يجامع مع ضعف الملكة ايضاً .

(الثاني ) اذا دار الامر بين الاعلم العادل والعالم الاعدل الاورع ففى تقديم الاعلم على الاورع او التخيير بينها وجهان ، اقويها الاول لبناء العقلاء

على تعينه وعدم دخل لحيث الاعدلية والاورعية فيما هو مناط التقليد وحجية الفتوى ( نعم ) لو كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة مختلفان في الفتوى ، وكان احدهما اورع من الآخر ، فقد يقال كما عن جماعة من الاساطين بلزوم تقديم الاورع ( ولكنه ) لا يخلو عن اشكال ، لعدم الدليل على الترجيح بالاورعية سوى ما يظهر من اخبار العلاج كالمقبولة ونحوها ( ومثله ) مختص بباب القضاء وفصل الخصومات ( وعلى فرض ) التعدي الى باب تعارض الاخبار لا يتعدي الى باب الفتوى الا بعدم الفصل

ص: 254

بينها ، وهو ايضاً غير معلوم ، بل المعلوم عدمه ( ومعه ) يكون الحكم هو التخيير في الأخذ باحدى الفتويين كما لو كانا متساويين في الورع والعدالة ( نعم ) لو انتهى الأمر الى الشك يمكن دعوى وجوب تقديم الأورع لكونه هو المتيقن في الحجية عند التعارض والاختلاف في الفتوى ( ولكن ) أنى ينتهى الأمر إلى ذلك .

انّما يجب تقليد الاعلم والفحص عنه فيما لوعلم بالتفاضل والاختلاف في الفتوى

( الثالث ) انما يجب تقليد الاعلم ويجب الفحص فيما لو علم بالتفاض______ل والاختلاف في الفتوى تفصيلا أو اجمالا ( واما ) اذا لم يعلم باختلاف الفتوى لا تفصيلا ولا اجمالا ، فلا يجب تقليد الاعلم ولا الفحص ايضاً ( وتفصيل ) الكلام في ذلك ، هو أنه تارة يعلم تفصيلا أو اجمالا بالتفاضل والاختلاف في الفتوى ( واخرى ) يعلم بالتفاضل دون الاختلاف ) وثالثة ) بعكس ذلك ( ورابعة ) لا يعلم بالتفاضل ولا بالاختلاف في الفتوى ( اما الصورة الاولى ) فمع العلم التفصيلى باختلاف الفتوى وافضلية شخص معين ، لا اشكال في لزوم الرجوع الى الافضل ، ومع العلم الاجمالي بها يجب الفحص ولا مجال للرجوع الى فتوى احدهما المعين او المخير قبل الفحص ، لكونه من باب اشتباه الحجة بغير الحجة ، ومع العجز عن معرفة الافضل يجب الأخذ باحوط القولين ( واما الصورة الثانية ) وهي صورة العلم بالتفاضل تفصيلا ام اجمالا مع الجهل في اصل الاختلاف في الفتوى ، فلا يحب عليه تقليد الافضل ولو مع العلم به تفصيلا ولا الفحص ايضاً ( اذ لا مانع ) حينئذ عن الأخذ بإطلاق دليل الحجية بالاضافة الى فتوى المفضول المنتهى بعد تمارض الفتويين الى التخيير في الأخذ بايهما ( ولا يعتنى ) باحتمال الاختلاف الموجب لسقوط فتوى المفضول من الحجية الفعلية ، لاندفاعه بالاصل ، نظير اصالة ع_دم المخالفة للكتاب والسنة في الشرط ونحوه ( واما الصورة الثالثة ) وهي صورة العلم بالاختلاف في الفتوى والجهل بالتفاضل ، فتتصور على وجهين ( قانه ( تارة يكون احتمال الاعلامية ثنائيا بان يحتمل تساويها في الفضيلة ويحتمل أعلمية زيد ( واخرى ) يكون الاحتمال ثلاثياً بان يحتمل كونها متساويين ، ويحتمل اعلامية زيد من عمرو ، ويحتمل العكس ايضاً ( وقد يقال ) في الأول بوجوب الأخذ بفتوي محتمل

ص: 255

الاعلمية للقطع بحجية فتواه والشك في حجية فتوى غيره ( وفي الثاني ) بلزوم العمل باحوط القولين ( لان ) مع العلم باختلاف الفتوى والشك في الاعلمية بالنسبة الى كل واحد منها تصير كل من الفتويين مشكوكة الحجية ولا مجال في مثله للأخذ بواحدة منها ولو تخييرا ( ويندفع ) الاول باصالة عدم التفاضل ( فان ) المانع عن جواز العمل بفتوى الآخر انما هو حيث الافضلية المدفوعة بالاصل ( فاذا جرى ) الاصل المزبور يترتب عليه جواز الاخذ بفتوى غيره وعدم تعين الأخذ بفتوى من احتمل اعلميته ( واذا ) ثبت هذا الجواز الشرعى فلا جرم ينتهي الأمر الى التخيير في الأخذ بها ، بلا احتياج الى احراز عنوان تساويها في الفضل كي يقال بمثبتي__ة الأصل المزبور بالنسبة اليه ( وتوهم ) انتفاء اليقين السابق في مثله مدفوع بان______ه لا نعني من افضلية شخص الا مزيد فضل لشخص لا يكون لغيره تلك المزية ، ومن المعلوم كون ذلك بنفسه أمراً حادثاً مسبوقاً بالعدم فاذا شك في حدوثه له فالاصل عدمه ( ولو سلم ) عدم اجداء مثل هذا الاصل في المقام ، لكون المجدي هو نفي افضليته بالقياس الى المجتهد الآخر نقول أنه يمكن تصويره فيما لو علم سابقا بتساويها في الفضل فشك في حصول مزيد فضل لاحدهما بالقياس الى الآخر ، حيث يقال انه لم يكن ذلك افضل من هذا والآن كما كان ( ويمكن ) تقريب الاصل بوجه آخر وهو ان يقال ان هذا المجتهد قبل بلوغه مرتبة الاجتهاد لم يكن افضل من هذا المجتهد الآخر وبعد بلوغه مرتبة الاجتهاد يشك في افضليته منه والاصل عدمه ) وهكذا ) الكلام في فرض احتمال الافضلية في كل منهما ( فانه ) يجري اصالة عدم التفاضل بالنسبة الى كل منها ونتيجة ذلك عدم وجوب الفحص وجواز الأخذ بفتوى كل منها بمقتضى حكم العقل بالتخيير وحجية ما يختاره من الفتويين ( واما الصورة الرابعة ) وهي عدم العلم لا باختلاف الفتوى ولا بالتفاضل فالحكم فيها اظهر مما ( سبق ) .

ص: 256

في جواز تقليد الميت ابتداء أو البقاء عليه استدامة

المقام الرابع

( قد اختلف ) كلمات الاعلام في اشتراط الحيوة في المفتى وعدمه على اقوال ( ثالها ) التفصيل بين التقليد ابتداء ، والبقاء عليه استدامة ( ويظهر ) من بعضهم تفاصيل اخر ( كالتفصيل ) بين صورة وجود المجتهد الحى وتمكن المقلد من الرجوع اليه في اخذ المسائل الفرعية ، وصورة عدم وجوده بالاشتراط في الاول دون الثاني ( والتفصيل ) بين ان يكون المفتي ممن يعلم من حاله انه لا يفتى الا بمنطوقات الادلة كالصدوقين واضرابها من المتقدمين فيجوز تقليده حيا وميتاً ، وبين من يعلم أن__ه يعمل بالافراد الخفية للعمومات واللوازم غير الجلية للملزومات فلا يجوز تقليده حيا وميتاً ( ولكنها ) في الحقيقة ليسا تفصيلا فيما هو مورد البحث في المقام ( لأن ) الاخير تفصيل في اصل التقليد ولذلك لم يفرق جوازا ومنعا بين الحى والميت (والاول) خارج عن مورد البحث ( فان ) مورد البحث جوازا ومنعا انما هو في فرض وجود المجتهد الحى وتمكن المقلد من الرجوع اليه ( وإلا ) ففي فرض الحصار الطريق للعامى بالرجوع الى فتاوى الاموات فلا يظن باحد الاشكال في جواز الرجوع الى فتاوى الاموات ( ثم الظاهر ) ايضا ان مورد الكلام إنما هو في صورة مخالفة رأى الميت لرأي المجتهد الحى، وإلا ففي صورة موافقة رأيه لرأيه ، فعلى ما ذكرنا سابقا من ان الواجب على المقلد هو العمل على طبق رأي الغير واحدا كان او متعدداً ، لا تترتب على هذا النزاع ثمرة عملية من حيث صحة العمل وعدم صحته ( اذ العمل ) المطابق لرأي الميت المطابق لراي المجتهد الحى مما يقطع بصحته مطلقاً قلنا بجواز تقليد الميت ام لم نقل به ، غاية الامر تكون صحته على فرض القول بالجواز لأجل موافقته لرأي الجميع ، وعلى فرض عدم الجواز لاجل موافقته لرأي المجتهد الحى فعلى كل حال تكون صحة العمل محرزة عند العقل ( نعم ) ثمرة النزاع على ذلك انما يكون من حيث التشريع وعدمه في العمل الناشيء عن التعبد برأى الميت ( وكيف كان ) فتنقيح البحث في هذه المسئلة تارة يكون فى جواز تقليد الميت ابتداء ( واخرى ) في جواز البقاء عليه استدامة

ص: 257

( اما الاول ) فالمعروف بين الاصحاب عدم الجواز ، وهو المختار ، للشك في حجية رأى الميت ولو مع الأخذ به والاصل عدم الحجية بالتقريب المتقدم في المسئلة السابقة ( بعد ) عدم ثبوت قيام السيرة وبناء العقلاء على الرجوع الى الاموات ابتداء ، واجمال الارتكاز الفطري من هذه الجهات على نحو لا يمكن ان يستكشف منه الاطلاق من جهة هذه الخصوصيات ، وقصور الادلة اللفظية من الآيات والاخبار عن اثبات حجية فتوى الميت بالنسبة الى التقليد البدوي لعدم كونها مسوقة في مقام الاطلاق من جهة هذه الخصوصيات ، وعدم امكان شمولها للفتاوى المختلفة على فرض كونها مطلقة ( مضافا ) الى استفاضة نقل الاجماع على عدم الجواز من اعاظم العلماء واكابر الفقهاء الذين لهم المقام الرفيع في الضبط والاتقان ( بل يمكن ) تحصيل الاجماع في المسئلة من اصحابنا الامامية من نقل هذه الاجماعات ( فان ) كل من تعرض المسئلة إدعى الاجماع و اتفاق الامامية على عدم الجواز في التقليد الابتدائي ، مع تلقي الاصحاب لنقلهم له بالقبول بلا تشكيك او توقف من احد، مع ما يرى من بنائهم غالبا على التشكيك في الاجماعات المنقولة في الموارد الاخرى ( فان ) ذلك كله موجب للحدس القوى بالاتفاق المزبور ويستكشف به رأي المعصوم ( علیه السلام ) فى المسئلة ( مضافا ) الى انه لم ينقل الخلاف في المسئلة إلا من جماعة من علمائنا الاخباريين ، وبعض المجتهدين ، كالاردبيلي والفاضل التوني والمحقق القمي و نظرائهم ( ومن المعلوم ) عدم إضرار خلافهم بالاتفاق المزبور ( خصوصا ) مع ظهور كلمات بعضهم في غير ما هو مورد الكلام ( اذ الظاهر ) ان مخالفة الاخباريين في التقليد بمعنى آخر غير ما هو مورد البحث ( لأن ) ما يجوز عندهم من الفتوى التي يعول عليها عبارة عن نقل الأحاديث بالمعنى ، وهو الذي قالوا يجواز التعويل عليها حيا وميتاً ، لا ما يدعيه المجتهدون من العمل بالرأي الحاصل من اعمال الظنون الاجتهادية في الادلة ( فان ) ذلك مما لم يجوز الاخباري العمل على وفقه لا في حق المجتهد نفسه ولا في حق المقلد ، ( بل هو ) جار عندهم مجرى العمل بالاستحسان والقياس ، ولذا منعوا عنه اشد المنع وشددوا النكبر على المجتهدين وارباب الفتاوي بانه من

ص: 258

العمل بالرأي المنهى عنه في الاخبار ( ومثله ) خلاف فاضل التوني قده ( فان ) الظاهر منه كون خلافه كالأخباريين في التقليد بمعنى آخر ( ولذا ) بني على التفصيل فيما حكي عنه بين من لا يفتي إلا بمنطوقات الادلة ومداليلها الظاهرة ، وبين من يفتي بالمداليل الالتزامية ويأخذ بالافراد الخفية للعمومات ، فالتزم في الاول بجواز التقليد حياً وميتا ، وعدم جوازه في الثاني كذلك

في البقاء على تقليد الميت مطلقا او فى المسائل التي قلده فيها وعمل بها في حياته

( واما ) سائر المجتهدين فظاهر خلاف بعضهم ايضا إنما هو في فرض عدم وجود المجتهد الحي او عدم تمكن المقلد من الرجوع اليه ( ومثله ) ايضا خارج عن مفروض البحث وعن مورد الا جماعات ( وحينئذ ) ففي هذه الاجماعات كفاية في حكم المسئلة وسقوط مايتصور في المقام من الاستصحابات الجارية أو المتوهم جريانها بتقريبات مختلفة من استصحاب حجية الفتوى تارة ، ووجوب العمل على طبقها اخرى، واستصحاب الاحكام الظاهرية من نحو وجوب السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ووجوب القصر في الثمانية الملفقة الذهاب والاياب وغيرها بنحو التنجيز أو التعليق على وجود المكلف او الأخذ او البلوغ ونحوها من انحاء التعليق ( فان ) العمدة في سقوط هذه الأصول إنما هو هذا الاجماع ( وإلا ) فلا قصور في جريانها ولو ببعض تقريباتها ، كما سنشير اليها في المسئلة الآتية ( ولا ينتهى النوبة ) مع جريانها الى اصالة عدم الحجية ( لأن ) جریانها موقوف على عدم جریان هذه الاصول الشرعية ( وإلا ) كان هى المعول عليها دونها ( بل لولا ) هذا الاجماع يشكل تعين مرجعية المجتهد الحي مطلقا حتى في فرض كون الميت اعلم فضلا عما لو كان فتواه موافقة للمشهور او الاحتياط (فان) في مثله يمكن دعوى حكم العقل بتعين الأخذ بفتوى الميت لأقربيتها الى الواقع ( ولكن ) اطلاق معاقد اجماعاتهم على عدم جواز تقليد الميت ابتداءاً يمنع عن ذلك كله ( فاذا ) العمدة في المسئلة هو الاجماع و به كفاية والله العالم ( هذا كله في تقليد الميت بدواً ) .

( وأما البقاء عليه استدامة ) ففيه ايضا خلاف بين الاعلام في الجواز مطلقاً او العدم كذلك ، او التفصيل بين المسائل التي قاده فيها وعمل بها في حيوته، وبين غيرها،

ص: 259

بالجواز في الاول وعدم جوازه فى الثاني ( ولكن ) المختار وفاقا لغير واحد من الاعاظم هو الجواز مطلقا حتى في المسائل التي لم يعمل بها إما لفسق او لعدم وقوعها مورد ابتلائه الفعلى ( فانه ) وإن لم يكن مجال للاستدلال له بالادلة اللفظية كتابا وسنة ولا بالعقل الارتكازى لاجما له من جهة هذه الخصوصيات ( إلا انه ) قضية استصحاب بقاء الاحكام التكليفية والوضعية الظاهرية الناشئة عن قيام رأي المجتهد وحجيته الثابتة في حق المقاد سابقا في زمان حيوته بناءاً على ما هو التحقيق من كون مفاد دليل حجية الفتوى كسائر ادلة حجية الامارات هو الامر بالمعاملة واحداث احكام تكليفية ظاهرية على طبق المؤدى ( فاذا افتى ) المجتهد بوجوب السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ونحو ذلك تكون هذه الاحكام بدليل حجية الفتوى ثابتة في حق المقلد ظاهرا ومنجزة عليه في زمان حيوته وإن لم يعمل بها فسقا ( فاذا ) شك في بقائها بعد موته لأجل الشك في حجية رأيه بعده يجرى فيها استصحاب البقاء التمامية اركانه من اليقين بالثبوت سابقا والشك في البقاء لاحقا واتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا ) وذلك ( بعد عدم قيام اجماع منهم بالخصوص على المنع في المسئلة واختصاص معقد الاجماع المتقدم بالتقليد البدوي للميت ( واما الاشكال ) على هذا الاستصحاب بأن ثبوت تلك الاحكام الظاهرية لمعروضاتها في حق المقلد سابقا إنما هو باعتبار كونها مما قام عليه رأي المجتهد ، لأنه من جزيئات وجوب اتباع رأي المجتهد وظنه ( فإذا كان ) لرأي المجتهد دخل في الموضوع ، فلا بد في استصحاب بقائها من احراز بقاء الرأي بعد الموت ( والا ) فمع اليقين بزواله بالموت عند النزع كما قيل او الشك فيه ، فلا استصحاب لعدم احراز اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا مع الشك الوجداني في بقاء الرأي الذي هو مقوم المعروض ( إلا ) بتوهم كفاية مجرد حدوث الرأي في زمان في بقاء حجيته وثبوت تلك الاحكام الى الابد ( وهو ) واضح البطلان ، بشهادة بنائهم على عدم جواز اتباع رأيه عند زواله بنسيان غير عادي او جنون او اغماء ونحو ذلك ( كيف ) وان حجية رأي المجتهد بالاضافة الى المقلد ليست باعظم منها بالاضافة الى المجتهد

ص: 260

نفسه ( ومن المعلوم ) أن حجية الرأي بالاضافة اليه في كل زمان منوطة ببقائه في ذلك الزمان لا بمجرد حدوثه سابقا ( فمد فوع ) بانه كذلك اذا كان رأي المجتهد في المسئلة من مقومات المعروض والجهات التقييدية لثبوت تلك الاحكام لمعروضاتها ولو عرفا ( وإلا ) فعلى ما هو التحقيق من كون رأي المجتهد كسائر الححج التعبدية من علل ثبوت تلك الاحكام الظاهرية ، بلا دخل لعنوان قيامه فيما هو معروض تلك الاحكام، فحرمة العصير العنبي ظاهراً على المقلد العامي مثلا لاجل انه افتى المجتهد بحرمته لا بعنوان كونها مما قام عليه رأي المجتهد ( فلا قصور ) في استصحاب تلك الاحكام الظاهرية مع الشك في بقاء الرأي ، بل ومع القطع بزواله عند النزع مثلا لتمامية اركانه جميعا من اليقين بالثبوت سابقاً والشك في البقاء لاحقا لاحتمال دخل الحيوة في حجية الرأي مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا عرفا ودقة ( ولا ينتقض ) ذلك يتبدل الرأي في زمان الحيوة ( فان ) عدم جواز اتباع الرأي في مفروض النقض إنما هو من جهة اشتراط حجية الرأي بعدم عدول المجتهد عنه بظهور الخطأ في مستنده ، لانه بذلك يخرج الرأي عن الصلاحية للطريقية والكاشفية عن الواقع ، نظير ما اذا ظهر للشاهد الخطأ في مستنده ، لا انه من جهة اشتراط حجية الرأي وثبوت الاحكام الظاهرية ببقاء الرأى ( فبين ) البابين فرق واضح ومقايسة احدهما بالآخر ناشيء عن قلة التأمل ( لا يقال ) على ذلك يلزم جواز البقاء على تقليد المجتهد مع زوال رايه بالجنون او الاغماء او النسيان غير العادي ونحوها ، مع أنه ليس كذلك اجتماعا ، فاذا لم يجز البقاء على التقليد والعمل بالرأي السابق في الموارد المذكورة لم يجز البقاء في الموت الذي يوجب زوال الرأي ويصير الذهن معه جماداً لاحس فيه بالاولوية ( فانه يقال ) ان بناء الاصحاب واجتماعهم على ذلك إنما هو لانتفاء ما اعتبر في المفتى من العقل والضبط وغيرهما في حجية رايه ، نظير سائر ما اعتبر فيه من الايمان والعدالة ونحوهما مما ترتفع حجية الرأي بارتفاعه ، لا أنه لاجل زوال الرأي ( وعلى فرض كون المناط فيها ) هو هذه الجهة فالفارق هو الاجماع ، ولا اجماع في مورد الكلام الذي اختلف فيه كلمات الاصحاب ( والاجماع ) المتقدم ذكره في المسئلة

ص: 261

السابقة مختص بالتقليد الابتدائي للميت ولا يشمل الاستدامة على تقليده ، هذا ( مع انه ) لاقصور ايضا فى استصحاب بقاء الرأي السابق عند الشك في زواله بالموت وتبدله بانكشاف كونه على خلاف الواقع في تلك النشأة ، لو لا شبهة كونه بانظار العرف متقوما بحيوته وبدنه العنصري في النشأة الدنيوية لكون الموت عند العرف منشأ لا نعدام الميت ورأيه ( فانه ) كما يجري في الرأي استصحاب البقاء عند الشك في زواله وتبدله في ظرف الحيوة ويترتب عليه آثاره من الحجية وغيرها ، كذلك يجري فيه الاستصحاب عند الشك في زواله فى ظرف بعد الموت ( إذ لافرق ) بينها إلا من حيث كون منشأ الشك في تبدل الرأي في ظرف الحيوة احتمال ظهور خطائه فى المدرك بنظره من حيث عثوره على مالم يعثر عليه او لا من قرينة أو معارض ارجح بنظره وغيرهما وفي التبدل في ظرف الموت احتمال انكشاف كون مؤدي المدرك على خلاف الواقع لانكشاف الواقع لديه في تلك النشأة وهذا المقدار لا يوجب فرقا بينها في جريان الاستصحاب ( واما توهم ) كفاية هذا المقدار من الفرق في عدم جريان استصحاب بقاء الرأي بعد الموت كما عن بعض بان تبدل الرأي في عالم الحيوة انما هو بتبدل منشأه في نظره مع احتمال مطابقة الرأى الاول للواقع بخلاف تبدل الرأي في ظرف الممات فانه لا يكون إلا بانكشاف كونه مخالفا للواقع ، فما لا ينبغي الاصغاء اليه ( كيف ) وكثير أما يكون تبدل رأي المجتهد في حيوته بالقطع الوجداني بمخالفة الرأي الاول للواقع .

( واما ) توهم ان آراء المجتهد ليست إلا عبارة عن ادراكاته الظنية الحاصلة له من النظر في الأدلة ( وهي ) باعتبار كون موطنها الذهن الذي هو من القوى الجسمانية مما تزول بالموت و بذهاب القوة الجسمانية ، بل وتزول ايضا بضعف القوى وعروض العوارض من مرض ونحوه ، فلا يمكن بقائها بعد الموت وفناء البدن ، لامتناع بقاء العرض بعد زوال موضوعه ( وفيه ) ما لا يخفى ، فان ادراكات المجتهد وإن كانت حاصلة بتوسيط القوى المتعلقة بالبدن العنصري من الواهمة او المتخيلة ونحوهما ( إلا ) انها قائمة بالنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلاله ، فالقوى المتعلقة

ص: 262

بالبدن العنصري هي آلات درك النفس فى هذه النشأة والنفس هي المدركة لها بتوسيطها ، ، كما تدرك الاشياء الخارجية المحسوسة بتوسيط القوى الحساسة ، فانه بالنظر الى الامور الخارجية المحسوسة والتدبر فيها وفي اتفانها وكونها على ما ينبغي يحصل للنفس العلم بوجود صانع حكيم فتتحلى بذلك بحلية العارفين وتنال مقام المقربين في النشأة الآخرة ( كيف ) ولولا قيام الادراكات بالنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلال القوى الجسمانية يلزم زوال العلوم والمعارف الحاصلة للانسان في مدة عمره بعد اتعاب شديد ومجاهدات عظيمة فتبطل الحكمة الالهية والعناية الربانية في بعث الرسل وانزال الكتب ( لأن ) الغرض من ذلك ليس إلا تكميل العباد لاجل المعرفة بالمبدأ والمعاد وبلوغهم بما حصل لهم من المعارف الآلهية والقوانين الشرعية المتعلقة باعمالهم الجوارحية والجوانحية مع العمل بها في هذه النشأة الى الدرجات الرفيعة ومقام المقربين ومنزلة المرسلين ( فالقضايا ) المتعلقة بالاحكام الشرعية المدركة للمجتهد باستنباطها من الادلة التي اتقنها بنظره بعد اتعاب شديد علمية تكون ام ظنية كالمعارف الآلهية لا نكون محلها إلا نفس المجتهد فتكون باقية ببقائها ، ولا يطره عليها الزوال بالموت إلا بانكشاف خلافها في النشأة الاخروية التي هي دار الكشف والشهود ولا تزول ايضا بمثل الهرم والنسيان والمرض والجنون والاغماء وانما هي باقية وفى خزانة النفس محفوظة ( غاية الامر ) النفس غير متمكنة عند عروض هذه العوارض على البدن العنصري في هذه النشأة من ترتيب الاثر عليها، لمكان اشتغالها بتدبير البدن او التوجه الى نشأة اخرى ، كما في حال النوم ونحوه ( وحينئذ ) فاذا كان الحامل لتلك الادراكات القوة العاقلة والنفس الناطقة الباقية بعدفناء البدن واضمحلاله وذهاب القوى الحيوانية المتعلقة به ( فلا جرم ) مها شك في زوال آراء المجتهد بالموت لأجل احتمال انكشاف مخا لفتها للواقع لديه في النشأة الاخروية يجري فيها الاستصحاب ، ويترتب على بقائها مالها من الاثار كجواز التقليد والحجية ( لا يقال ) ان الامر كذلك في الاراء القطعية ، ( واما الآراء ) الظنية فلا مجال لاستصحاب بقائها للقطع بزوالها بانكشاف الواقع في تلك النشأة نفياً او اثباتا ( فانه يقال ) ان

ص: 263

انقلابها الى اليقين ليس إلا خروجها من حد الضعف الى الشدة ، موضوع الحجية في مثله باق بذاته ولو لا بجده، ولا مدخلية في خصوصية حده في موضوع الحجية ( لان ) الحجة انما هو مطلق تصديقه واعتقاده ، فإذا شك في انقلابه في تلك النشأة باليقين بالخلاف ، يجري فيه الاستصحاب ويترتب على بقائه ماله من الآثار لولا شبهة تقوم الرأي بالحيوة في انظار العرف .

( فتلخص ) مما ذكرنا انه على ما هو التحقيق من كون مفاد دليل اعتبار الرأي كسائر أوامر التصديق في الامارات هو احداث احكام تكليفية ظاهرية في مواردها يجري فيها الاستصحاب ، ولا مجال لشبهة الشك في الموضوع في استصحابها من غير فرق بين القول بكون المجعول الظاهري جعل المماثل ، او القول بكون المجعول هو الحكم الطريق ( واما ) بنا على كون مفاده مجرد جعل الحجية واحداث احكام عقلية في موارد رأي المجتهد من تنجيز الواقع عند المصادفة وصحة الاعتذار للعبد عند المخالفة بلا جعل حكم تكليفي ظاهري ولا امر بالمعاملة مع المؤدي معاملة الواقع إلا من باب الاحتياط فلا مجال للاستصحاب ، لا لعدم كون المستصحب اثراً مجعولا ( لأنه ) يكفى في شرعية الاثر في باب الاستصحاب مجرد كون المستصحب مما ينتهي امر رفعه ووضعه بيد الشارع ، كما في غيره من المقليات المنتهية الى جعل شرعي وبعض الاحكام الوضعية كالجزئية والسببية ( بل من جهة ) انتفاء الشك الذي هو ركن الاستصحاب في الحكم المقلي ( لان ) قوام حكم العقل انما هو بدركه الوجداني فهو إما جازم بالوجود واما بالعدم ومع الشك يجزم بعدم حكمه ودركه ( فلا يبقى حينئذ ) إلا اجراء الاستصحاب في الحكم الواقعي المجعول ( وهذا ) وان تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب من كفاية قيام الحجة على الوجود السابق في الحكم بالبقاء وصحة الاستصحاب عند الشك في البقاء بلا احتياج الى احراز ثبوت المستصحب واقعا بالعلم الوجداني او التعبدي ( لان ) شأن الاستصحاب انما هو اثبات البقاء التعبدي للشيء على تقدير حدوثه الراجع الى جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشيء وبقائه ، فيكفى فى جريانه مجرد قيام الحجة على الوجود السابق ( إلا انه )

ص: 264

يتوقف على قيام الحجة الفعلية على الوجود السابق حال الاستصحاب ولا يكفي فيه قيام الحجة سابقا على الوجود مع الشك في حجيته فلا ، كما هو المفروض من الشك في حجية الرأي بعد الموت ( نعم ) لو قلنا ان الحجية بنفسها من الاحكام الوضعية المجعولة كالملكية ونحوها بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها ويترتب عليها آثارها العقلية من صحة احتجاج المولى واعتذار العبد بها ، كان لاستصحابها مجال لولا شبهة الشك في الموضوع ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد اصل المبنى ( فان ) التحقيق في جميع أدلة اعتبار الطرق والامارات التي منها دليل حجية الفتوى باي لسان تكون من تتيمم الكشف او غيره انما هو كونها متكفلة لاحداث احكام ظاهرية طريقية في موارد الطرق الراجعة الى الامر بالمعاملة مع مؤدي الطريق معاملة الواقع ظاهراً من حيث الجري العملى على طبقه ( وعليه ) فلا قصور في صحة استصحاب بقاء الاحكام الظاهريه الناشئه عن قيام رأي المجتهد الثابتة في حق المقلد سابقاً في زمان حيوته ، ومقتضاه هو جواز البقاء على تقليد الميت في المسائل التي استقر رأيه عليها في زمان حيوته مطلقاً عمل بها المقلد سابقاً ام لم يعمل ( إذ بعد ) ان تكون فتوى الميت في المسئلة حجة تعيينية على المقلد اما مطلقاً ، لانحصاره او لكونه اعلم ، وإما بعد الاخذ بها عند التعارض ومثبتة بدليل اعتبارها لاحكام ظاهرية فى حق المقلد ، فلا يفرق في استصحابها بين ان يكون المقلد عمل على طبق فتوى الميت فى زمان حيوته ام لم يعمل بها فسقاً او لعدم الابتلاء بالعمل بها اتفاقا ( ولذلك ) قلنا ان النزاع في مفهوم التقليد في انه الالتزام بالعمل بفتوى المجتهد او نفس العمل بها غير مثمر لشيء حتى في مسئلة البقاء على تقليد الميت ( فالقول ) بالتفصيل في المسئلة حينئذ بتخصيص الجواز بالمسائل التي قلد الميت فيها وعمل بها في زمان حيوته دون غيرها من المسائل التي لم يعمل فيها بفتواه مما لا يساعده دليل ولا برهان ، وان كان القائل به من الاعلام ( نعم ) لو كان دليل الجواز سيرة المتشرعة في عصر المعصومين عليهم السلام على البقاء على تقليد الميت كما هو المظنون قوياً يمكن ان يقال ان القدر المتيقن من السيرة على البقاء انما هو في المسائل التي عمل بفتوى الميت فيها في زمان

ص: 265

حيوته لا مطلقا ، ولكن الكلام فى اتمام هذه السيرة بنحو يصح ان يعتمد عليها في المسئلة ( فانه ) وان قلنا بكونها مظنونة بالظن القوي ولكن النفس بعد في دغدغة من ذلك ( فالعمدة ) حينئذ هو الاستصحاب ( وإلا ) فمع المناقشة فيه ايضا لا محيص من الاخذ باحوط القولين من الميت او الحى ان كان ، والا فمع احتمال التعيين في كل منها ينتهى الامر الى التخيير بينها بالتقريب الذي تقدم شرحه سابقاً في المجتهدين المختلفين في الفتوى المتساويين في الفضيلة حذرا من الترجيح بلا مرجح وبطلان تساقطها وبقاء المقلد بلا طريق الى الاحكام الواقعية او رجوعه الى غير الفتوى ( ولكنك ) عرفت انه لا قصور في الاستصحاب ( ولا زمه ) هو تعين البقاء على تقليد الميت اذا كان اعلم ، بل ومع تساويها اذا قلنا بكون التخيير بدويا لا استمراريا وإلا فيجوز العدول الى الحى بلا كلام بل مطلقا اذا كان هناك اجماع منهم على عدم وجوب البقاء على تقليد الميت وجواز الرجوع الى الحى حتى في فرض كون الميت اعلم ( ولكن ) الاشكال في تحقق هذا الاجماع ( وحينئذ ) فالقول بوجوب البقاء اذا كان الميت أعلم لا يخلو من قوة ( نعم ) في فرض كون الحى اعلم يتعين الرجوع اليه بلا اشكال .

فى انّ حكم المقلد هو الرجوع الى المجتهد الحي في يقين هذه الوظيفة

( ثم ان ذلك ) كله بالنسبة الى المجتهد فيما يستفيده من الادلة جوازا اومنعا ( واما ) بالنسبة الى المقلد العامي فحكمه عند الالتفات والشك هو الرجوع الى المجتهد الحى في تعيين هذه الوظيفة ولو على القول بجواز البقاء ، لانه المتيقن في الحجية وليس له البقاء على تقليد الميت مع الشك المزبور إلا اذا افتى المجتهد الحي بوجوبه او جوازه بعد رجوعه اليه ( ومن ذلك ) تكون ثمرة هذا البحث جوازاً او منعا كالبحث في الاعلامية مختصة بالمجتهد في افتائه بالجواز او المنع اذا رجع اليه العامى واستفتى منه حكم المسئلة كما هو الشأن في جميع الشروط الخلافية في المفتى ( فان ) وظيفة المقاد في جميع هذه الامور عند الالتفات والشك هو الرجوع الى المجتهد كما هو ظاهر .

فيما لو قلد مجتهد أفمات فقلد آخر فمات ايضاً فقلد من يقول بوجوب البقاء

( فرعان ) الاول لو قلد مجتهدا فمات فقلد آخر فمات ايضا فقلد من يقول

ص: 266

بوجوب البقاء على تقليد الميت او جوازه ( فهل ) يبقى على تقليد الأول ، او الثاني او يتخير فى البقاء على ايها ، او يفصل بين ان يكون مذهب الثالث وجوب البقاء فيبقى على تقليد الأول ، او جوازه فعلى تقليد الثاني، وجوه واقوال اظهرها الاخير فانه مع كون مذهب الثالث وجوب البقاء يكون رجوعه الى الثاني بنظره في غير محله و تقليده اياه تقليداً غير صحيح ( ولازمه ) تعين البقاء على تقليد الاول ( بخلاف ) ما إذا كان مذهبه جواز البقاء ( فانه ) معه يكون رجوعه إلى الثاني بنظره في محله ، وتقليده اياه من التقليد الصحيح ( فاذا ) اراد البقاء على تقليد الميت يتعين البقاء على تقليد الثاني دون الاول ، لانقطاع تقليده برجوعه منه الى الثاني بتقليد صحيح فلا يكون رجوعه الى الاول حينئذ من البقاء على تقليده ، بل هو من التقليد الابتدائي للميت ( ويحتمل ) التخيير في البقاء على ايها في هذا الفرض ، بل مطلقا بناءاً على القول بعدم انتقاض التقليد الواقع في زمان سابق بتقليد مجتهد آخر في زمان لاحق بالاضافة الى اثره المبتلى به في الزمان اللاحق ( فان مستند ) الثالث بوجوب البقاء او جوازه انما يكون هو الاستصحاب لاحتمال بقاء الاحكام المأخوذة من المجتهد السابق ولو واقعاً ( وحيث ) ان هذا الاحتمال بنظره بالاضافة الى الاحكام المأخوذة من كل منها على السوية بلا ترجيح لاحدهما على الآخر ( يلزمه ) التخيير في البقاء على تقليد ايها من الاول او الثاني ( وما ذكرناه ) من عدم صدق البقاء على التقليد بالاضافة الى الاول ، لانقطاع تقليده برجوعه الى الثاني بتقليد صحيح ( مخدوش ) باشتراكها في هذه الجهة ( فانه ) كما انقطع تقليد الأول برجوعه الى الثاني بتقليد صحيح ، كذلك انقطع تقليد الثاني برجوعه الى المجتهد الحى فالحكم الظاهري في كل من التقليدين تبعا لموضوعه مرتفع قطعاً ، فلا يبقى إلا احتمال بقاء الاحكام المأخوذة من السابق ولو واقعاً ( وبعد ) ان كان هذا الاحتمال بالاضافة الى كل من الحكمين السابقين على السوية ، بلا ترجيح لاحدهما على الآخر ، يلزمه اعتقاد الثالث جريان الاستصحاب في حق مقلده بالاضافة الى كل منها من غير ترجيح لاحدهما ، ولازمه تخيير المقلد في البقاء على تقليد ايها من الاول او الثاني بلا ترجيح

ص: 267

للثاني على الأول ، ولذا لو سئل المجتهد الحي عن ذلك ليفتيه بالتخيير في البقاء على الاول او الثاني ، فاحتمال تعين البقاء على تقليد الثاني كما افاده السيد الطباطبائي قده في عرو ته ضعيف على كل تقدير خصوصاً على مبنى انتقاض التقليد الواقع في زمان سابق بتقليد مجتهد آخر في زمان لاحق على خلاف فتوى السابق بالاضافة الى الآثار المبتلى بها في الزمان اللاحق .

فيما لوقلّد من يقول بحرمة البقاء فمات فقلّد من يقول بوجوب البقاء

( الثاني ) اذا قلد من يقول بحرمة البقاء على تقليد الميت فمات ، فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت او جوازه ( فهل ) الحكم بالبقاء وجو با او جوازاً يختص بسائر المسائل الفرعية ولا يعم مسئلة حرمة البقاء ، او انه يعم الجميع حتى هذه المسئلة ، فللمقلد البقاء على تقليده في مسئلة حرمة البقاء كي يلزمه العدول في المسائل الفرعية ( فيه وجهان ) اقويها الاول ، لا لاستلزامه التخصيص المستهجن كي يندفع بالالتزام بالتقييد فى مثله ( بل من جهة ) امتناع اخذ مثل هذا المضمون في موضوع فتوى المجتهد بجواز البقاء على تقليد الميت لامتناع فتوى المجتهد بوجوب البقاء على تقليد الميت او جوازه في حرمة البقاء على تقليد الميت او جوازه ، او الفتوى بحجية فتوى الميت في عدم حجية فتوى الميت ، فلا محيص من كون التقليد الذى هو موضوع الجواز في البقاء على التقليد هو التقليد في غير هذه المسئلة ولا يمكن شمول اطلاقه للتقليد في نفس هذه المسئلة ، بل لا يفرق في الامتناع بين ان يكون رأي الميت على حرمة تقليد الميت او جوازه ، فانه على كل تقدير يمتنع اخذ هذا الحكم او نقيضه في موضوع الحكم بجواز تقليد الميت ولو من حيث اطلاقه لاستلزامه شمول اطلاق الشيء لمرتبة الشك بنفسه ( وبهذه ) الجهة قلنا بعدم امکان شمول مفهوم آية لنباء لمثل خبر السيد الحاكي للاجماع على عدم حجية الخبر الواحد ، بل ولا لمثل خبر الشيخ الحاكي للاجماع على حجيته ، بلحاظ ان شموله للتعبد بخبر السيد بعدم الحجية انما هو في ظرف الشك في الحجية واللاحجية الذي هو عين مضمون الآية فيستحيل شمول اطلاق مضمون الآية لمرتبة الشك بنفسه ( هذا كله ) مضافا الى ما يلزم من شمول اطلاق الحكم بجواز البقاً على تقليد الميت لنفس هذه

ص: 268

المسئلة خروجها عنه ( لان ) فتوى الميت بحرمة البقا على تقليد الميت كما تشمل المسائل الفرعية، كذلك تشمل نفسها في هذه المسئلة فلا يمكن الرجوع الى الميت في نفس هذه المسئلة فتأمل ( مع انه ) برجوع المقاد الى الحى في مسئلة جواز البقاء على تقليد الميت لا يبقى المجال لرجوعه ايضا فيها الى الميت لان المسئلة الواحدة لا تتحمل تقليدين ولو مترتبين ( لان ) بافتاء المجتهد الحى بجواز البقا" او وجو به يصير المقلد ذو حجة في البقاً على تقليد الميت في المسائل الفرعية وعالماً بجوازه بالعلم التعبدي فلا يبقى له الشك في الجواز وعدمه حتى ينتهى الامر الى الرجوع الى الميت في هذه المسئلة كما هو ظاهر واضح، فالمتعين حينئذ هو البقاً على تقليد الميت في جميع المسائل الا مسئلة حرمة البقاً ( هذا ) آخر ما أوردناه في الاجتهاد والتقليد والحمد لله اولا وآخراً وظاهراً وباطناً وقد وقع الفراغ من تسويده على يد العبد الآثم الراجي لعفو ربه محمد تقي النجفي البروجردي ابن عبد الكريم على الله عنها في يوم الثلاثا فى الرابع من شهر صفر المظفر سنة ثلثمائة وستين بعد الالف من الهجرة النبوية عليه وعلى ابن عمه والأمة من ذريته آلاف الثنا والتحية ١٣٦٠ والرجا من اخواني ان لا ينسوني من الدعاء في حيوتي و بعد مماتي .

ونسئله التوفيق لطبع الجزء الاول والثاني

ص: 269

فهرس مطالب

في معنی بقاء الموضوع في الاستصحاب....3

هل يشترط استعداد موضوع الاستصحاب للبقاء ام لا....4

فى الاتحاد بين القضية المشكوكه والمتيقنه....9

فى شرح الورود والحكومة والتخصص والتخصيص....16

في نسبة الاستصحاب مع مشكوك الاماريه اومع الاصول و وجه تقديمها عليه....20

تقديم اليد على الاستصحاب وهل اليد امارة اواصل....21

اقسام اليد واحكامها....22

فيما اذا علم عنوان اليد وانها غصب ثم احتمل انتقاله اليه شرعاً....23

فيما اذا كان اليد على مالا يكون قابلاً للانتقال الا باحد المجوزات....24

فيما يكون اليد على ما يقبل الانتقال واحتمل انتقال المال الى صاحب اليدمن بدوحدوثها....27

فى اقرار ذى اليد الملكية السابقة للموصى....32

هل يختص اعتبار اليد بالنسبة الى غير صاحبها او يعم حتى بالنسبة الى ذى اليد نفسه....33

هل اليد تكون امارة على الطهارة والتذكيه....34

هل يقدم قاعدة التجاوز والفراغ على الاستصحاب بمناط الحكومة او التخصيص....35

فى تقريب حكومة القاعدتين على الاستصحاب....36

في انّ قاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة اوقاعدتان مستقلتان....37

فى ان قاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة....38

في امكان تصور جامع قريب بين مفاد القاعدتين ثبوتاً....39

فيما يقتضيه اخبار الباب اثباتا من الوحدة اوالتعدد في القاعدتين....42

فيما يقتضيه اخبار الباب اثباتاً من الوحدة او التعدد....43

فى عموم القاعدة لجميع المركبات الا الشك في ابعاض الوضوء والغسل والتيمم....46

فى اشكال على خروج الطهارات الثلاث عن عموم القاعدة بموثقه ابن ابى يعفور....47

ص: 270

في الوجوه التي تفضوا بها عن الاشكال الوارد على خروج الطهارات الثلاث عن عموم القاعدة....٤٨

يعتبر في القاعدة ان يكون الشك متعلقا بوجود الشى بمفاد كان التامه....52

في اعتبار الدخول فى الغير في قاعدة التجاوز وانه من جهة كونه محققا للتجاوز او لخصوصية فيه....53

تحديد الغير الذي اعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز....54

في عدم الفرق فى الغير بين كونه جزء للمركب و بين غيره و بين كونه جزء مستقلاً و بين كونه جزء الجزء وكذا بين كونه من الواجبات اولا....55

هل يعتبر فى القاعدة كون الغير متصلا بالمشكوك فيه....56

الجزء المشكوك فيه قديكون هو الجزء الاخير وقد لا يكون....57

فى حكم الشك في الجزء الاخير من الصلوة....58

فى حكم الشك فى الجزء الاخير في غير باب الصلوة....59

فى كون المشكوك فيه ممّا يجزم بكونه مأتيا على وفق امره على تقدير وجوده....60

فى عمومية القاعدتين لغير باب الطهارة والصلوة....62

في كون الشك متعلقاً بالعنوان الذى له الاثر الشرعي في قاعدتى التجاوز والفراغ معاً....٦٣

الشك فى الشروط كالشك في الاجزاء فى جريان قاعدة التجاوز فيها ام لا....64

في حكم الشك في النية....65

في حكم الشك في الظهر في اثناء العصر....67

فى حكم الشك في الطهور في اثناء الصلوة....69

في كون مجرى القاعدين مورد الشك في الانطباق....71

فى الوجوه التي يقع عليها الشك في الصحة والفساد....72

فى ان المضى على المشكوك فيه فى القاعدة عزيمة لا رخصته....77

فى بيان مايكون مدركألاصالة الصحة....78

هل المدار فى الصحة على الصحة الواقعية او الصحة باعتقاد الفاعل او الصحة باعتقاد الحامل....79

هل يجرى الاصل فى الشك في الاثناء كما يجرى بعد الفراغ من الفعل....80

في اعتبار احراز صدور العمل بما تعلق به الامر وترتب عليه الاثر....81

ما معنى الصحة في العقود استجماعه للشرائط المعتبرة فيه بما هو عقدا و يعمها....82

ما معنى الصحة في العقود استجماعه للشرائط المعتبره فيه بما هو عقد او يعمها....83

فى ان التحقيق تعميم مجرى اصالة الصحة في العقود....87

ص: 271

فى اشكال على جريان اصالة الصحة في الصرف عندالشك في القبض والشك في بيع الوقف للشك في وجود المصحح له....88

فى ان مقتضى هذا الاصل ترتيب جميع الآثار الثابتة للفعل الصحيح ونقل كلام الشيخ ره فى الاعمال النياتيه....91

فى اعتبار احراز موضوع الاثر في جريان اصالة الصحة....93

فى عدم حجية مثبتات اصالة الصحة....95

فى شرح كلام الشيخ ره فى الشك فى كون الشراء بما يملك او مالا يملك....96

فى تقريب الاشكال على الشيخ قده ودفعه....97

فى نسبة اصالة الصحة مع الاستصحاب وتقديمها عليه مطلقا....98

في تعارض القاعدة مع الاستصحاب....100

فى اصالة الصحة فى الاقوال والاعتقادات....102

فى القرعة والكلام فى مقدار دلالة دليلها وموارد جريانها....104

في بيان نسبة القرعة مع الاستصحاب....107

فى نسبة الاستصحاب مع سائر الاصول العمليه....108

في تعارض الاستصحابين....111

البحث الاول في بيان تقديم الاصل السببي على المسببى....112

الحق حكومة الاصل السببي على المسببي بنحو التصرف في عقد حمل الآخر....117

البحث الثانى من تعارض الاستصحابين فى كون الشك فى كلّ من المستصحبين مسبّبا عن امر ثالث....118

فى كون الشك فى كل من المستصحبين مسببا عن امر ثالث....119

فى ان العلم الاجمالى مانع عن جريان الاصول المرخصه ولوفى بعض المتحملات حتى مع خلو المعارض اذا كان الاصلان نافيين للتكليف....120

فى ان العلم الاجمالي لا يمنع عن الاستصحاب اذا كان الاصلان مثبتين للتكليف و بيان الدليل عيله....121

ردّ كلام الشيخ ره فى منع جريان الاستصحاب فى طرفى العلم الاجمالى بمناقضة الصدر والذيل في بعض اخبار الاستصحاب....122

ص: 272

الحق شمول ادلة الاصول لاطرف العلم الاجمالى مالم يستلزم جريانها طرح تكليف ملزم في البين....123

في التعادل والترجيح....124

في تعريف التعارض....125

فى خروج التزاحم من تعريف التعارض....126

فى ضابط التعارض والفرق بينه وبين التزاحم....127

فى خروج الورود والحكومة عن التعارض....132

فى شرح الحكومة وامتياز عنها التحضيص....133

فى خروج الجمع العرفى عن حكم التعارض وان دخل فى موضوعه....137

الجمع الدلالي لا يمكن الا بين النص او الاظهر والظاهر لا بين الظاهرين....139

في بيان وجه تقديم الخاص على العام فى انه بالورود او الحكومة....140

الاشكال في تقريب الحكومة بالاضافة الى الادلة اللفظية ودفعه....143

فى بيان وجه تقديم الاظهر على الظاهر ثبوتاً....145

في تشخيص الاظهر والمزايا التي توجب الاقوائية فى الظهور اثباتاً....147

في بيان تعارض العام الاصولى مع الاطلاق الشمولي....148

فى تعارض الاطلاق البدلى مع الاطلاق الشمولي....149

فى تعارض الاطلاق البدلى مع الاطلاق الشمولى وتعارض بعض المفاهيم مع بعض آخر....150

في دوران الامر بين النسخ والتخصيص وبيان الشقوق المتصوره....151

في قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة....152

هل يكون النسخ رفعاً للحكم الفعلى الثابت اولا....153

في توهم ترجيح التخصيص على النسخ لكثرته ودفعه....155

فى بيان عدم كون النسخ تخصيصاً في الازمان....156

فيما ذكره بعض الاعاظم فى وجه تقديم التخصيص على النسخ و بيان دفعه....157

وجه تقديم التخصيص على النسخ هو الاصل الجهتى المقدم رتبة على الاصل الدلالي....158

في بيان صور التعارض بين اكثر من دليلين و بيان ما اذا ورد عام و خاصان متبائنان....160

فى بيان ورود عام وخاصان بينهما العموم المطلق....161

فى ميزان استهجان التخصيص او قبحه....162

ص: 273

فى ورود عامان بينهما العموم من وجه وخاص....163

فى ورود عامان متعارضان بالتبائن و بیان انقلاب النسبة....164

في تقريب وجه انقلاب النسبة بين الادلة....165

فى الجواب عن شبهة انقلاب النسبة....166

فى بيان النسبة بين ادلة ضمان العاريه....167

فى الجمع بين ادلة ضمان العاريه....168

في تأسيس الاصل فى المتعارضين من التساقط او التخيير....170

فى التنافى بين المتعارضين لاجل التنافي بين مدلوليهما....174

فى حجيّة المتعارضين فى نفى الحكم الثالث....176

فى تأسيس الاصل على الموضوعية فى الامارات و بيان الموضوعية فيها تطلق على معان....177

في حكم المتعارضين على السببية....178

في الجمع بين اخبار التوقف والتخيير....181

مقتضى الاصل هو الترجيح بكل مزية محتمل الاعتبار عند الشارع....185

فى الترجيح بالمزايا المنصوصه كمخالفة العامة....186

فى الترجيح بموافقة الكتاب و بالشهرة كما فى مقبولة عمر ابن حنظله....187

فى الترجيح بالمذكورات وبالصفات والاحتياط فى مرفوعة زرارة....189

فى الاشكال على المقبولة باختصاصها بترجيح الحكمين....190

فى وجوه المناقشة في المرفوعة....192

فى جواز التعدى عن المرجّحات المنصوصه ونقل مختار الشيخ ره وادلته....193

فى ان الحق عدم جواز التعدى و بیان ادلته....194

فى حل الاشكال عن الترجيح بموافقة الكتاب....196

في الوجوه المتحمله لترجيح مخالف المحتملة العامة....198

فى ان المزايا المنصوصه مرجعها الى الترجيح الصدورى....200

فى عدم الترتيب بين المرجحات....201

فى نقل نظر المحقق الخراسانی ره ودفع ما اورد عليه....203

فى مرجحيّة الشهره واقسامها واحكامها....205

فى حكم تعارض العامين من وجه....208

ص: 274

فى ان الاصل مرجع لا مرجح....209

فى ان التخيير تخيير في المسألة الاصولية....210

فى انه يجوز الفتوى بالتخيير في المسألة الاصولية....211

فى ان التخيير بدوى اواستمراري....212

فى تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحاً....215

في اقسام الاجتهاد....218

فى ردّ شبهة عدم جواز الاخد بفتوى الانسدادي....219

فى جواز الرجوع الى الانسدادي في امر القضاوة....223

فى امكان التجزى فى الاجتهاد....224

هل للمتجزى التعويل على اجتهاده في عمل نفسه....225

في حجية فتوى المتجزى فى حق الغير ونفوذ حكمه عند الترافع اليه....226

فى احتياج الاجتهاد الى المعرفة بالقواعد التي يتوقف عليه الاستنباط....227

فى التخطئة والتصويب فى الشرعيات....228

فى انحاء التصويب و بيان ما يمكن منها....229

فى حكم تبدل رأى المجتهد بالنسبة الى الاعمال السابقه....233

في تعريف التقليد لغة واصطلاحاً....238

فى أنّه لا ثمرة على النزاع في شرح التقليد....239

فى وجوب التقليد على العامى و بيان ادلته....241

فى الدليل الارتكازى على التقليد....242

في الاستدلال على وجوب التقليد بالاجماع وآيتى النفر والسؤال....243

في الاخبار الدالة على جواز الافتاء والاستفتاء مفهوماً ومنطوقا....244

في وجوب تقليد الاعلم....247

فى بيان ادلة وجوب تقليد الاعلم....248

فى ادلة القول بجواز تقليد العالم مطلقا ومساواته مع الاعلم....252

فى معنى الاعلم وتقديم الاعلم على العالم الاعدل....254

انّما يجب تقليد الاعلم والفحص عنه فيما لوعلم بالتفاضل والاختلاف في الفتوى....255

في جواز تقليد الميت ابتداء أو البقاء عليه استدامة....257

ص: 275

في البقاء على تقليد الميت مطلقا او فى المسائل التي قلده فيها وعمل بها في حياته....259

فى انّ حكم المقلد هو الرجوع الى المجتهد الحي في يقين هذه الوظيفة....266

فيما لو قلد مجتهد أفمات فقلد آخر فمات ايضاً فقلد من يقول بوجوب البقاء....267

فيما لوقلّد من يقول بحرمة البقاء فمات فقلّد من يقول بوجوب البقاء....268

ص: 276

أ : الكتب التي أنجز طبعها ونشرت وهي:

إسم الكتاب / إسم المؤلف

الآداب الطبية / للسيد جعفر مرتضى العاملي

الإختصاص / للشيخ المفيد

الأمالي / للشيخ المفيد

تحرير الوسيلة / للامام الخميني

التوحيد / للشيخ الصدوق

الحدائق الناظرة المجلدات ٩ الى ١٣ / للشيخ الصدوق

الحياة / لمحمد رضا الحكيمي

الحياة السياسية للامام الرضا (ع) / للسيد جعفر مرتضى العاملي

شرح مئة كلمة / لابن ميثم البحراني

العدل الألهي / المفكر الاسلامي الكبير الشهيد مرتضى المطهري

كتاب الخمس والأنفال /

السماحة آية الله المنتظري /

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان / للمقدس الأردبيلي

المحجة البيضاء ثمانية اجزاء / للفيض الكاشاني

معاني الأخبار / للشيخ الصدوق

المعجم المفهرس لألفاظ وسائل الشيعة ١-٩ / للسيد حسن طبيبي

المنتخب من سياق تاریخ نیشابور / لابى اسحاق ابراهيم بن محمد بن الازهر الصريفينى

نهاية الافكارج ٣ / لضياء الدين العراقي

ص: 277

ب : الكتب التي تحت الطبع هي:

إسم الكتاب / إسم المؤلف

إيضاح الفوائد / لفخر المحققين

تحف العقول / لفخر المحققين

تفسير الميزان / للعلامة الطباطبائى

تقريب المعارف / لابى الصلاح الحلبي

الحاشية في المنطق / لملا عبد الله

الحدائق الناظرة المجلدات ١٤ الى ٢... / للبحراني

الحكم الزاهرة عن النبي وعترته الطاهرة / للصابري

الخصال مع فهرس الأعلام / للشيخ الصدوق

الرسائل / للشيخ الطوسي

شرح تبصرة المتعلمين ج 7 / للعراقي

شرح نهج البلاغة / لابن ميثم البحراني

كشف المراد / للعلامة الحلّي

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ج 2 و 3 / للمقدس الأردبيلي

منتقى الجمان / للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني

من لا يحضره الفقيه / للشيخ الصدوق

نهاية الحكمة / للعلامة الطباطبائي

ج : الكتب التي في طريقها الى المطبعة هي:

أحاديث العترة من طرق أهل السنة

إصباح الشيعة بمصباح الشريعة / للصهرشتي

الأمالي / للشيخ الطوسي

تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة / للسيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادى

التدوين / للرافعي

ص: 278

إسم الكتاب / إسم المؤلف

تفسير التبيان / للشيخ الطوسي

تهذيب الأحكام / للشيخ الطوسي

الدروس الشرعية / للشهيد الاوّل

الذخيرة في علم الكلام / للسيد المرتضى علم الهدى

الرجال / للنجاشي

الرسائل / للشيخ الانصاري

الرسائل / للشيخ المفيد

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقيه / للشهيد الثاني

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي / لابن إدريس الحلّي

شرح المنظومة / للسبزواري

عدة الاصول / للشيخ الطوسي

فقه الرضا /

قاموس الرجال / للتستري

الكافي / للكليني

كشف الرموز / للفاضل الآبي

كفاية الأصول / للآخوند الخراساني

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان / للمقدس الأردبيلي المجلدات ٤ - ٥

معالم الأصول مع حاشية لسلطان العلماء / للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني

المقنعة / للشيخ المفيد

المقنع والهداية / للشيخ الصدوق

المكاسب / للشيخ الانصاري

الملخص في اصول الدين / للسيد المرتضى علم الهدى

المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد (المعروف بالتعليق العراقي) / للشيخ سديد الدين الحمصي

المهذب / لابن البراج

المهذب البارع / لا بن فهد الحلى

ص: 279

ص: 280

رسالة نخبة الافكار في حرمان الزوجة من الاراضي والعقار

من مؤلفات فقيه العصر

حجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين الورع التقي

الحاج شيخ محمد نفى النجفى البروجردي

منشورات

جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة

ص: 1

رسالة نخبة الافكار في حرمان الزوجة من الاراضي والعقار

من مؤلفات فقيه العصر

حجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين الورع التقي

الحاج شيخ محمد نفى النجفى البروجردي

منشورات

جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة

ص: 1

رسالة نخبة

الافكار فى حرمان الزوجة من الأراضي والعقار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه واشرف بريته محمد ( صلی الله علیه و آله وسلم ) وآله الطاهرين المعصومين الغر الميامين ، ولعنة الله على أعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين .

بیان عدم الخلاف بين الاصحاب في حرمان الزوجة من بعض تركة زوجها في الجمله

( وبعد ) فأعلم انه لا خلاف معتد به بین اصحابنا الامامية رضوان الله تعالى عليهم في حرمان الزوجة في الجملة من بعض تركة زوجها ، بل في الانتصار أنه مما انفردت به الامامية حرمان الزوجة من رباع الارض، و في الخلاف والسرائر الاجماع على حرمان الزوجة من الرباع والدور والأرضين ( مضافاً ) الى ما يأتي من النصوص المتواترة المصرحة بحرمانها في الجملة من تركة زوجها ( ومخالفة ) الاسكافي في المسئلة غير ضائرة، اذ يكفي في رده سبقه ولحوقه بالاجماع فقوله حينئذ بعدم حرمانها من التركة متروك ، كما عن كاشف الرموز التصريح به ، وفي المحكي عن غاية المراد بعد حكاية اجماع أهل البيت على حرمان الزوجة من شيء ما من تركة زوجها ، أنه لم يخالف فيه الا ابن الجنيد وقد سبقه الاجماع وتأخر عنه ( مع انه ) لاصراحة لكلام الاسكافي في المخالفة في اصل المسئلة ، فانه قال إذا دخل الروج أو الزوجة على الولد والابوين كان للزوج

ص: 2

الربع وللزوجة الثمن من جميع التركة عقاراً وأثاثاً وصامتاً ورقيقا انتهى ،

تضعيف كلام الاسكافي قدس سره على فرض ظهور كلامه فى المخالفة في اصل المسئلة

فيمكن ان يكون خلافه في بعض فروع المسئلة أعني حرمان ذات الولد بان كان مقصوده بقرينة

كر الولد أن الزوجة إذا كانت ذات ولد من الزوج ترثه من جميع تركته ، لا أن المقصود هو الخلاف في أصل المسئلة ( وعلى فرض ) ظهور كلامه فى المخالفة في أصل المسئلة قد عرفت ضعفه بسبقه ولحوقه بالاجماع ( وأما ) خلو جملة من كتب الاصحاب من ذلك على ماقيل كالمقنع والمراسم والايجاز ونحوها ، فغير مؤيد لهذا القول ، فان الظاهر أن عدم تعرضهم للمسئلة لمكان وضوحها عندهم من كون حرمانها من بعض التركة مذهب أهل البيت عليهم السلام ( مع ) أن المتبع في المسئلة هو الدليل ، ويكفي فيه بعد الاجماع وتسالم الفتاوى النصوص الآتية التي هي فوق مرتبة التواتر ( حيث ) يخصص بها عمومات الكتاب والسنة المقتضية لارتها من جميع تركة زوجها ( فلا يبقى ) حينئذ مستند للاسكافى إلا بعض الأخبار ، كرواية ابن أبي يعفور وأبان والفضل بن عبد الملك عن ابي عبدالله ( علیه السلام ) قال سئلته عن الرجل هل يرث من دار امرأته اوأرضها من التربة شيئاً أو يكون ذلك بمنزلة المرئة فلا يرث من ذلك شيئاً قال ( علیه السلام ) يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت ، وموثقة عبيدة بن زرارة والبقباق عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) قلنا ماتقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق فقال ( علیه السلام ) لها نصف الصداق وترثه من كل شيء ( ولكنهما ) محمولان على التقية فلا يصلحان للمقاومة مع النصوص المتواترة الصريحة في حرمان الزوجة من بعض تركة زوجها ، كما يؤيده بل يشهد له ظهور الرواية الأولى فى مفروغية حرمانها من الأرض والدار عند الراوي من حيث جعل محط سؤاله عن الرجل فى أنه كالزوجة في الحرمان من الأرض والدار على ما هو المسلم عند الشيعة فاجابه الامام ( علیه السلام ) بجواب متكفل للتقية بالنسبة الى حكم الزوجه لعدم تمكنه من الاقتصار علي بيان حكم الزوج فقط لمكان وجود من

ص: 3

يتقيه الامام ( علیه السلام ) في المجلس ( لأن ) سكوته عن حكم الزوجة مع كونه غير مسؤل عنه يكون تقريراً للسائل على معتقده بنظر من في المجلس ممن يتقيه الامام ( علیه السلام ) ، مع إمكان حملها على ذات الولد من الزوج ، أو الالتزام فيهما بالتخصيص بمقتضى الأجماع والنصوص الآتية ( ولكن ) الالتزام بالتخصيص بعيد جداً في الرواية الاولى فيتعين حملها على النقية ، أو على ذات الولد من الزوج ( وكيفكان ) فلا اشكال في اصل المسئلة بين الامامية فتوى و نصاً ( وإنما ) الكلام والاشكال في مقامين (الاول) في الذي تحرم منه الزوجة عيناً وقيمة أو عيناً لاقيمة ( الثاني ) في أن الحرمان مخصوص بغير ذات الولد من الزوج ، أو انه عام يشمل ذات الولد من الزوج أيضا ( فنقول ) وبالله التوفيق .

( اما المقام الاول )

اشارة

فقد اختلف فيه كلماتهم تبعاً لاختلاف الاخبار على أقوال ( احدها ) وهو المنسوب الى المشهور حرمانها من مطلق الارض عيناً وقيمة خالية كانت الأرض أو مشغولة ببناء أو زرع ، وحرمانها عينا لاقيمة من الأبنية والأشجار ( وثانيها ) حرمانها عينا وقيمة من خصوص أرض الرباع وهي الدور والمساكن لا من مطلق الارض كالضياع والبساتين وحرمانها عيناً لاقيمة من البناء والآلات والاخشاب المستدخلة فيها تقليلا للتخصيص في عمومات الكتاب والسنة المقتضية لارثها من جميع التركة وهذا القول منسوب الى المفيد في المقنعة و ابن ادريس فى السرائر وكاشف الرموز ، ( ونسب ) الى بعض الأجلة من المحققين من أعاظم العصر اختيار هذا القول ( وثالثها ) ما ارتضاه المرتضى ( قدس سره ) فيما حكى عنه من تخصيص حرمانها بخصوص اعيان الرباع أرضاً وعمارة لا من قيمتها وحاصله توريثها من جميع تركة زوجها عدا الرباع فتحرم من خصوص أعيانها لا من قيمتها ( ورابعهما ) حرمانها من عين الارض مطلقا لا من قيمتها

ص: 4

جمعاً بين أدلة الارث وأدلة الحرمان بجعل الحرمان المذكور فى الاخبار الحرمان من اعیان الاراضي لامن قيمها ، وقد نسب في الجواهر هذا القول الى المرتضى ( قده ) لا القول المتقدم ، ولم يحضرني كلامه فى الحال حتى اتأمل فيه ( وخامسها ) ما نسب الى الشيخ ( قده ) واتباعه ، وهو التفصيل فيما تحرم منه عيناً لاقيمة بين الابنية وبين النخيل والاشجار بتوريثها من أعيان النخيل والاشجار ( ولعل ) منشأ هذه النسبة اليهم من جهه تخصيصهم الحرمان في الذكر بالارض واقتصارهم فيما تحرم منه عيناً لا قيمة على ذكر الابنية والآلات المعلوم عدم شمولها للاشجار ، و الا فلم أجد من صرح منهم بارئها من اعيان النخيل والأشجار .

( وعلى كل حال ) فهذه اقوال خمسة في المسئلة، ومنشئها كما قلنا اختلاف السنة اخبار الباب مع اختلاف انظار هم في فهم المراد منها من حيث اقتصار ( بعضها ) فيما تحرم منه الزوجة عيناً على عنوان الرباع وهي الدور والمساكن والمنزل كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) ترث المرئة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً ( وفي بعضها ) على الأرض والتربة داراً او عقاراً اوضيعة ( وفي ثالث ) على عنوان العقار تارة وباضافة الدور اليها أخرى، والعقار ثالثة ( ولكن ) المختار ما هو المشهور وهو حرمانها عينا وقيمة من مطلق الارض والتربة ، من غير فرق بين الدور والمساكن وغيرهما ، وعيناً لا قيمة من كل ما هو ثابت في الأرض من الابنية والنخيل والاشجار « لنا على ذلك » الأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح والموثق البالغة في الكثرة حد التواتر على اختلاف اساليبها من حيث اشتمال بعضها على عنوان الدور والعقار ، وبعضها على عنوان العقار ، وبعضها على عنوان الضيعة وبعضها على عنوان الارض والتربة .

( فمنها ) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) ترث المرئة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً قال قلت كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئاً .

ص: 5

فقال ( علیه السلام ) ليس لها منه نسب ترثه به واتماهي دخيل عليهم فترت من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسبها .

( ومنها ) ما رواه الفضلاء الخمسة وهم زرارة ، وبكير وفضيل ، وبريد ، ومحمد ابن مسلم منهم عن أبي جعفر ( علیه السلام ) وابي عبدالله ( علیه السلام ) ، ومنهم عن أبي عبد الله ( علیه السلام ) ومنهم عن أبي جعفر ( علیه السلام ) ، ومنهم عن أحدهما : أن المرئة لاترث من تركة زوجها من تربة دار أو ارض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها ان كان له ولد من قيمة الطوب والخشب .

( ومنها ) صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر ( علیه السلام ) النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً .

( ومنها ) رواية ميسرة بياع الزطى عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) قال سئلته عن النساء مالهن من الليراث . فقال ( علیه السلام ) قيمة الطوب والخشب والقصب ، فاما الارض والعقار فلا ميراث لهن فيه : قلت فالبنات قال ( علیه السلام ) البنات لهن نصيبهن قال قلت كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمى قال ( علیه السلام ) لان المرئة ليس لها نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم وإنما صار هكذا لئلا يتزوج المرئة فيجي، زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوما في مقارهم .

( ومنها ) صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر ( علیه السلام ) ان النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئاً ، إلا أن يكون قد احدث بناء فير تن ذلك البناء .

( ومنها ) رواية يزيد الصائغ عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) قال سئلته عن النساء هل يرثن الارض .. فقال ( علیه السلام ) لا ولكن يرثن قيمة البناء قال قلت ان الناس لا يرضون بهذا فقال ( علیه السلام ) إذا وليناهم ضر بناهم بالسوط فان لم يستقيموا ضر بناهم بالسيف .

( ومنها ) صحيحة زرارة عن أبي جعفر ( علیه السلام ) ان المرأة لاترت مما ترك زوجها

ص: 6

من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقها منه .

( ومنها ) صحيح الاحول لا يرثن النساء من العقار شيئا ولهن من قيمة البناء والشجر والنخل يعني من البناء والدور وإنما عني من النساء الزوجة .

( ومنها ) صحيحة زرارة عن أبي جعفر ( علیه السلام ) ، ومحمد بن مسلم عنه ( علیه السلام ) قال لاترث النساء من عقار الارض .

( ومنها ) رواية حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (ع ) قال انما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم .

( ومنها ) رواية حماد بن عثمان عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله ( علیه السلام ) قال لا ترث النساء من عقار الدور شيئا ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها قال (ع ) وانما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم .

( ومنها ) المروي في بصائر الدرجات عن عبد الملك بن اعين قان دعى أبو جعفر ( علیه السلام ) بكتاب على فجاء به جعفر ( علیه السلام ) مثل فخد الرجل مطويا ، فاذا فيه ان النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا توفى عنهن شيء فقال أبو جعفر ( علیه السلام ) هذا والله خط علي واملاء رسول الله ( صلی الله علیه و آله وسلم ) .

( ومنها ) رواية بن سنان فيما كتب اليه الرضا ( علیه السلام ) في جواب مسائله : علة ان المرأة لاترث من العقار شيئاً الا قيمة الطوب والنقض لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمرئة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينهم من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك ، لانه لا يمكن التفصى منهما والمرئة يمكن الاستبدال بها فما يجوز أن يجي. ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذاً شبيها وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام .

ص: 7

( ومنها ) رواية عبد الملك بن أعين عن أحدهما ( علیه السلام ) قال ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً ولهن من قيمة البناء والشجر والنخل .

( ومنها ) رواية طربال بن رجاء عن ابي جعفر ( علیه السلام ) إن المرئة لا ترث فيما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً وترث من المال والرقيق والثياب

ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطي حقها منه .

( ومنها ) رواية موسى بن بكير الواسطي قال قلت لزرارة ان بكيراً حدثني عن أبي جعفر ( علیه السلام ) ان النساء لاترث مما ترك زوجها من تربة دار ولا ارض إلا أن يقوم البناء والجذوع و الخشب فتعطى نصيبها من قيمة البناء وأما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض ولا ترية دار قال زرارة هذا مما لاشك فيه ( الى غير ذلك )، من الأخبار الصريحة على اختلاف السنتها في حرمان الزوجة مطلقا من مطلق الأرض والتربة عيناً وقيمة فارغة كانت الأرض أو مشغولة ببناء أو زرع أو غرس ، وعينا لاقيمة من كل ما هو ثابت في الأرض من البناء والآلات والأشجار بعد حمل مطلقاتها على مقيداتها ( فيخصص ) بها حينئذ عموم ما دل من الكتاب والسنة على توريث الزوجة ربعاً أو ثمناً من تركة زوجها بما عدا الأرض والتربة دوراً كانت أم ضياعاً ، ( كما ) أنه بالنسبة الى ما يكون ثابتا في الأرض كالبناء والاشجار والنخيل يقيد ايضا كيفية ارثها منها بكونه من قيمتها لا من أعيانها كل ذلك بمقتضى صناعة الاطلاق والتقيد .

دفع المناقشات في اخبار الباب

( ولا ينافي ذلك ) ما فى بعض تلك الأخبار من الاقتصار في حرمان الزوجة على

عنوان الرباع وعقار الدور ( لوضوح ) ، ان حرمانها منها لا ينافي حرمانها من مطلق الأرض والتربة ، إذهو من قبيل قولك لا تضرب الرجال ولا تضرب زيداً في اتفاقها فى النفي بنحو العموم تارة والخصوص اخرى ( فليس ) لتلك النصوص المقتصرة على الحرمان من الرباع ورباع الأرض وعقار الدور مفهوم يقتضي توريثها مما عدا الرباع

ص: 8

وعقار الدور كي تصلح للمعارضة مع النصوص الأخر الدالة بالصراحة على حرمانها من مطلق الأرض والتربة من الضياع وغيره ( وأنما ) غايته سكوتها عن حرمانها مما عدا الرباع المعروف كونه بين اللغويين عبارة عن المنزل والدار والمسكن ( فتبقى ) النصوص النافيه لأرثها من العقار والأرض والتربة والضيعة على حالها سليمة عما يصلح للمعارضة معها ( فيخصص ) بها حينئذ عمومات الارث كتاباً وسنة ، كتخصيصها بما دل على حرمانها من الرباع والدار ( وعلى ) فرض دلالتها على ارثها مما عدا الرباع فغايته كونها بالاطلاق ، فيقيد بالنصوص المصرحة بحرمانها من مطلق الأرض والتربة بمثل قوله المرئة لا ترث من تربة دار ولا أرض أولا يرثن النساء من الأرض ولا من العقار شيئاً ، كما يخصص بها عمومات الأرث .

( وأما المناقشة ) فيها من جهة ضعف السند ، فمندفعة جداً ( اذ مضافا ) الى كون اكثرها من المعتبرة والصحاح كانت منجيرة بالشهرة وفتوى الأصحاب ( كاندفاع ) المناقشة فيها ايضا ، تارة بعموم النساء فيها الشامل للزوجة وغيرها ، واخرى بعدم صراحتها بل ولا ظهورها فى المنع عن مطلق الأرض والتربة، لاحتمال كون المراد من العقار والأرض والتربة في النصوص هو عقر الدار وارضها ،وثالثة باشتمالها على مالا يقول به أحد وهو حرمانها من السلاح والدواب ، ورابعة غير ذلك من المناقشات.

( اذ فيه ) أما المنافشة من جهة عموم النساء فيها وشمولها للبنات ( فلا وجه ) لتوهم العموم فيها بعد تبين المراد منها من كونه خصوص الزوجة ، كما وقع التصريح به في رواية الميسرة المتقدمة في قوله قلت فالبنات قال ( علیه السلام ) البنات لهن نصيبهن ، وفي رواية الأحول من قول الراوي إنما عنى بالنساء الزوجة ، وفي التعليل الوارد في رواية

ابن سنان بقوله ( علیه السلام ) لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمرأة قديجوز أن ينقطع ما بينها

ص: 9

و بينهم من العصمة الى قوله وليس الولد والوالد كذلك الى قوله فما يجوز أن يجي. ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا شبيها و كان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام ( وأما المناقشة ) في دلالتها على عموم المنع عن ارثها من مطلق الأرض والتربة فواهية جداً ( إذ كيف ) ، يمكن المناقشة في دلالة قوله ( علیه السلام ) النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، وقوله ( علیه السلام ) في صحيحة الفضلاء لا ترث المرئة من تربة دار أو ارض ، وقوله ( علیه السلام ) في صحيحة اخرى لزرارة ومحمد بن مسلم لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئاً ، وقوله ( علیه السلام ) في رواية عبد الملك بن أعين ليس للنساء من الدور والعقار شيء ، وقوله «ع » لا تعطى من الارض شيئا . ( مع وضوح ) كون المراد من العقار بالفتح في غير مورد اضافته الى الدور هو الضيعة كما اعترف به في كشف اللثام وجعله الأشهر في معناه وفسره في مجمع البحرين بكل ملك ثابت له أصل كالدار والأرض والنخل والضياع وفى لسان العرب العقار بالفتح المنزل والضيعة يقال ماله دار ولا عقار وفي الحديث من باع داراً أو عقاراً ( وعلى كل حال ) فلا ريب في أن المراد منه في غير مورد اضافته الى الدور هو الضيعة وأرض الغلة ( وأما ) ما اشتمل منهما على ما لا يقول به الأصحاب ، فليس الا روايتا زرارة وطربال بن رجاء الكوفي من حيث تضمنهما لعدم ارثها من السلاح والدواب ( ولكن ) نقول ان مجرد ذلك لا يضر بصحة الاستدلال بهما فيما عدا السلاح والدواب ، لما قرر في محله من أن اشتمال الرواية على مالا يكون حجة لا يخرجها بالمرة من الحجية حتى بالنسبة الى غيره فهي من هذه الجهة من قبيل العام المخصص في كونه حجة في الباقي هذا ( مع امكان ) حملهما على أعيان الحبوة كما قيل بارادة السيف من السلاح والراحلة من لدواب كما ورد ذلك في بعض أخبار الحبوة وان كنا لا نقول بكون الزاحلة من الحيوة ( مع ان ) في بقية النصوص

ص: 10

الدالة على حرمان الزوجة من مطلق الأرض غنى وكفاية في تخصيص عمومات الأرث بها.

تضعيف قول المفيد والسيد والمنسوب الى الشيخ قدس سرهم

( و بذلك ) كله يظهر لك ضعف سائر الأقوال في المسئلة ( أما قول ) المفيد ومن تبعه من تخصيص المنع بالدور والمساكن فظاهر ، اذ لاوجه له الا الاقتصار في تخصيص عمومات الارث بما هو المتيقن من المجمع عليه والمتواتر به الأخبار والرجوع فيما عداه الى العمومات لكون الشك فيها في أصل التخصيص ( ولكنك ) عرفت ضعفه من أنه مع وجود هذه الأخبار الصحيحة الصريحة في حرمان الزوجة من مطلق الأرض والتربة وعمل المشهور بها لا يشك في تخصيص عمومات الارث بها ( نعم ) ما افاده من تخصيص الحرمان بالدور والمساكن والرباع انما يتم على القول بعدم تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، إذ حينئذ مع اختلاف أساليب تلك الأخبار لابد من الاقتصار في التخصيص على ما هو المجمع عليه والمتواتر به الأخبار ولا يكون ذلك الا الرباع المفسر بالدور والمساكن ( ولكن ) الشأن في أصل المبنى لما حقق في محله من جواز التخصيص الكتاب بالخبر الواحد كتخصيصه بالمتواتر .

( وأما قول السيد قده ) بانها تحرم من عين الأرض دون قيمتها ، فمع تفرده به وعدم موافق له من الاصحاب لا يكاد يتصور له وجه الاكونه جمعاً بين أدلة الارث وأدلة الحرمان كما عن المختلف وكونه ايضا هو المتيقن من الاجماع وما تواتر عليه الأخبار ( وهو ) كما ترى ، اما الاجماع فمن جهة تصريحهم بحرمانها من الأرض في الجملة عيناً وقيمة وان اختلفوا في ما تحرم منه من انه مطلق الأرض والتربة أو خصوص الدور والمساكن ( وأما الأخبار ) فلما عرفت من صراحتها بقرينة المقابلة بين البناء والارض في حرمانها من الأرض عينا وقيمة ( وأما الجمع ) المزبور بين أدلة الارث وأدلة الحرمان ، فمع انه لا شاهد عليه ، يكون طرحاً للاخبار حقيقة ، لمنافاته بالضرورة لما هو

ص: 11

المصرح به في تلك النصوص المتواترة من حرمانها من نفس الارض عيناً وقيمة خصوصاً بملاحظة المقابلة في تلك الأخبار بين الأرض والبناء والآلات بالتصريح باعطاء القيمة من البناء والخشب والقصب ونحوها دون الارض ( مضافا ) الى ان اندراج العين و القيمة في العمومات ليس من قبيل اندراج المصاديق في مفهوم العام ليكون حمل كل منهما على بعض أفراده عملا بهما في الجملة فتأمل .

( وأما ما نسب ) الى الشيخ ( قده ) واتباعه من القول بتوريثها من أعيان النخيل والاشجار تقليلا للتخصيص ، فيدفعه رواية الاحول المتقدمة القاضية بالصراحة بالمساوات بين الابنية وبين النخيل والاشجار في كون توريثها من قيمتها لا من اعيانها ( وأما المناقشة ) فيها بضعف السند فضعيفة بكونها من الصحيح لان طريق الصدوق ( قده ) الى الحسن بن محبوب صحيح فكانت الرواية صحيحة ( ويمكن ) الاستدلال لذلك ايضا بالنصوص النافية لارتهن من العقار والضياع، نظراً الى دخول الاشجار فيها كدخول الحائط والبناء ، غاية الامر بالنسبة الى الابنية والأشجار يخصص بما دل على تقويمها واعطاء القيامة اليها ربعاً أو ثمناً فتأمل ( فالتحقيق ) حينئذ وفاقاً للمعظم بل المشهور القول الأول وهو حرمانها من مطلق الارض عينا وقيمة داراً كانت أو غيرها مشغولة بغرس أو زرع أو خالية ، وعينا لا قيمة من مطلق ما هو ثابت في الارض كالبناء والأشجار ( هذا كله ) في المقام الاول .

( وأما المقام الثاني )

في أن الحرمان يعم مطلق الزوجة ، أو يختص بغير ذات الولد منها ( فنقول ) ان في المسئلة قولان متكافئان ( أحدهما ) اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج الميت ، وهو منسوب الى جماعة من أعاظم الفقهاء رضوان الله عليهم ، كالصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط ، والسبزواري في الوسيلة ، والشهيد في الدروس

ص: 12

واللمعة ، والمحقق في الشرايع ، والعلامة في القواعد ، وشرحها مفتاح الكرامة ( بل قيل ) انه المشهور بين المتأخرين كما في المسالك والروضة ، بل ادعى عليه الاجماع ( وثانيهما ) عموم الحرمان المطلق الزوجة ولو كانت ذات ولد ( وهو على ما في الجواهر) خيرة اكثر الاصحاب، كالكليني ( قده ) ، والمفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة والحلي ، بل هو المشهور بين بين المتأخرين شهرة كادت تكون اجماعاً، بل هو ظاهر كل من أطلق حرمانها من الأرض، بل في محكي السرائر الاجماع عليه وفي المحكي عن المفيد في الرسالة التي ردفيها على رجل ناصي اجماع الشيعة على ذلك ( ولكن التحقيق ) هو الثاني ، إذ لم نقف للاول على دليل معتد به يقتضى التفصيل المزبور ، بل ظاهر النصوص المتقدمة خلافه خصوصاً المشتمل منها على التعليل بقوله ( علیه السلام ) لئلا يتزوجن فيدخل عليهم يعني أه__ل المواريث من يفسد مواريثهم ( فان ) مقتضاها عدم الفرق في الحرمان بين ذات الولد وغيرها ، وكذا المشتمل منها على أعطاء الربع والثمن من قيمة البناء والطوب والخشب كصحيحة الفضلاء من قوله ( علیه السلام ) إلا ان يقوم الخشب فتعطى ربعها أو تمنها انكان له الولد الشامل باطلاقه لكون الولد من الزوجة التي يعطى اليها منها أو من غيرها .

( وأما ) ما استدل به للقول الأول من روايتي عبيد بن زرارة وابن أبي يعفور المتقدمتين من قوله ( علیه السلام ) يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت بعد حملها على ذات الولد ففيه انه لا شاهد لهذا الحمل ( نعم ) في مقطوع ابن اذينة الذي رواه الصدوق قده في الفقيه عن ابن أبي عمير النساء إذا كان لهن ولد اعطين من الرباع ( ولكنه غير صالح ( للاستدلال به وتقيد مادل على حرمان الزوجة من الرباع والمقار والأراضي والضياع بغير ذات الولد ( لان ) ذلك فرع أحرار كونه رواية عن الامام ( علیه السلام ) ، وهى مشكوكة لاحتمال كونها رأيا من الراوي لارواية عن الامام (ع ) ( ورواية ) أجلاء الرواة كابن ابن عمير للحديث عنه لا يدفع الاحتمال المزبور ، فان غايته كونه

ص: 13

مفيداً للظن بكونه رواية عن الامام ( علیه السلام ) ( ولكن )، ذلك لا يقتضى حجيته مالم يقطع بكونه زواية عن الامام ( علیه السلام ) ( وبذلك ) ظهر وضوح الفرق بينه وبين المرسل المجبور ضعفه بالشهرة وفتوى الاصحاب ( فان ) الشهرة إنما تجير بها الخير إذا استدالى الامام ( علیه السلام ) دون مالا يكون كذلك مما شك في كونه رواية عن الامام ( علیه السلام ) ، فلا مجال حينئذ لمقايسته المقام بالمرسل المنجير ضعفه بالشهرة بمحض رواية الاجلاء للحديث عنه بارسالهم له على نسق الرواية وتدوين مشايخ الحديث له في اصولهم المعمولة لتدوين الروايات فيها وتكرره في الجوامع الثلاثة الفقيه والاستبصار والتهذيب ( فكيف ) يمكن حينئذ رفع اليد بمثله عن تلك المطلقات الكثيرة النافية لارثهن من الدور والمقار والأراضي والضياع مع ما فيها من التعليلات والتأكيدات وورودها في مقام البيان وعدم تعرض شيء منها على كثرتها واختلاف أساليبها وتفاوت أزمنة صدورها للتفصيل المزبور ( ودعوى ) كون التفصيل بين ذات الولد وغيرها جمعاً بين أدلة حرمانها من جميع ما ترك من الأراضي وأدلة ارتها من الجميع وتقليلا التخصيص في عمومات الارث مما لا شاهد لها وكثرة أفراد المخصص مما لاضير فيه بعد قيام الدليل المعتبر عليه.

( وأما الاستدلال ) للتفصيل المزبور بأنه قضية صناعة الاطلاق والتقييد في الاخبار المتعارضة ( بتقريب ) أن النسبة بين عمومات الارث كتابا وسنة والمطلقات النافية لارثهن من الأراضي والدور والعقار والضياع وإن كانت هي العموم المطلق ( ولكن ) بعد تخصيص العمومات بالاجماع على حرمان غير ذات الولد تنقلب النسبة بينها وبين المطلقات المانعة بعكس الاول ، حيث انه تصير عمومات الارث بعد التخصيص بالاجماع أخص مطلقا من المطلقات المانعة من الارث فتخصص تلك المطلقات بها ونتيجة ذلك هي التفصيل المزبور بين ذات الولد وغيرها ولو مع قطع النظر عن المقطوعة المزبورة ( ففيه ) مالا يخفى ( أما أولا ) فبأن المسلم من فرض انقلاب

ص: 14

النسبة إنما هو في التخصيص بالمتصل الموجب لقلب ظهور العام ، لا في التخصيص بالمنفصل الذي لا يوجب إلا قصر حجية ظهوره ببعض مدلوله لاسلب أصل ظهوره ( فان ) في مثله لا موقع لدعوى إنقلاب النسبة بين الدليلين بمحض تخصيص أحدهما بدليل منفصل كما في مفروض البحث المدعى فيه تخصيص عمومات الارث بالاجماع الذي هو دليل منفصل ( وتوهم ) ان النسبة في المتعارضين من الأدلة انما تلاحظ بين الحجتين لا بين الظهورين بما هما مع قطع النظر عن حجيتهما ، فلا بد في مقام لحاظ النسبة بين المتعارضين من أن يكون كل واحد منهما في ذاته مع قطع النظر عن التعارض حجة فعلية يصح الركون اليه فى استفادة الحكم الشرعي والافتاء بمضمونه ، ولا ريب في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل لا يكون كذلك إذ هو بعد التخصيص لا يكون حجة إلا فيما عدا عنوان الخاص وهو المقدار الباقي بعد التخصيص ( ولازم ) ذلك هو لزوم لحاظ النسبة بينه وبين العام الآخر في خصوص المقدار الذي يكون حجة فعلية لولا المعارض ، ولا نعنى من انقلاب النسبة بين الدليلين بعد تخصيص أحدهما بالخاص الوارد عليه الا هذا ( فمدفوع ) بان التعارض بين الأدلة وإن كان بين الحجتين للزوم أن يكون المتعارضين كل منهما لولا التعارض حجة في نفسه يصح الركون الي__ه ( ولكن ) الكلام في الظهور الذي هو موضوع الحجية ( فان ) تعارض الأدلة في باب الألفاظ بعد أن يكون باعتبار كشفها النوعي عن المراد الواقعي الحاصل من القاء الظاهر فى مقام الافادة والاستفادة ، لا باعتبار كشفها الفعلي المنافي مع الظن الفعلى بالخلاف، و يكون تقديم الخاص المنفصل على العام بمناط تقديم أقوى الحجتين على الاخرى ، لا من باب تعبد مخصوص اقتضى تقديم الأخص مضموناً على الاعم، ولا من جهة اقضتائه لقلب ظهور العام الى ظهور آخر أقوى في المقدار الباقي بعد التخصيص ( فلا محالة ) يكون ظهور العام بعد التخصيص في ما عدا عنوان المخصص بعين ظهوره النوعي الثابت

ص: 15

له قبل التخصيص لا بظهور آخر غيره ( فاذا فرضنا ) ان ظهور العام في مقدار حجيته بعد التخصيص بعين ظهوره النوعي ودلالته على تمام مدلوله قوة وضعفاً لا بظهور آخر غيره وكان هذا الظهور مساوياً أو اضعف من ظهور غيره ( فكيف ) يمكن تقديم ظهوره في مقدار حجيته على ما كان مساوياً أو أقوى ظهوراً منه بصرف اخصيته في مقدار حجيته ( نعم ) لهذا الكلام مجال لو كان المناط في تقديم الخاص في المنفصلات من باب التعبد بصرف أخصية مضمونه ( وليس ) كذلك وإنما هو من باب تقديم أقوى الظهورين والحجتين ، ولذا قد يقدم العام على الخاص فيما كان ظهوره في العموم أقوى من ظهور الخاص المنفصل في الخصوص (واممرى) ان المنشاء لهذا التوهم إنما هو تخيل كون الخاص المنفصل كالمتصل منه موجباً لقلب ظهور العام إلى ظهور آخر فما عدا عنوان الخاص ، والا فعلى فرض عدم اقتصائه الاقصر حجيته في المقدار الباقي لا مجال لدعوى انقلاب النسبة بين الظهورين بمجرد ورود مخصص لاحد العامين ، هذا .

( وثانياً ) لو بنينا على انقلاب النسبة في المخصصات المنفصلة ، نقول أنه لا يكاد جريانه في مثل المقام ( فانه لم يقم ) اجماع بالخصوص على حرمان غير ذات الولد بعنوانه المخصوص كي ينتهى الأمر الى دعوى الانقلاب المزبور ( ومجرد ) كونه هو القدر المتيقن من الاجماع على حرمان الزوجة لا يجدى في أخذ النتيجة المزبورة لعدم اقتضاء هذا المقدار للكشف عن كونه بالخصوص رأى المعصوم ( علیه السلام ) ( لان ) من المحتمل كون رأيه ( علیه السلام ) على حرمان مطلق الزوجة ذات الولد وغيرها ( ومع ) هذا الاحتمال أين يبقى المجال لدعوى كون مفاد الاجماع المستكشف منه رأى الامام أخص مطلقاً من تلك الاخبار لامبائنا معها ( فالتحقيق ) حينئذ هو عموم الحرمان لمطلق الزوجة ذات الولد وغيرها ( ولكن ) مع ذلك فالاحوط هو التصالح في المقام حذراً من مخالفة هؤلاء الاعلام الذين هم من أئمة الفقه ، وان كان الأقوى ماعرفت

ص: 16

من عموم الحرمان المطلق الزوجة .

( التنبيه على أمور )

( الامر الاول )

الظاهر أنه لا فرق في حرمان الزوجة من الأراضي عيناً وقيمة ومن البناء والأشجار عيناً لا قيمة بين أن يكون معها وارث غير الامام من الطبقات السابقة وبين أن لا يكون معها وارث غير الامام ( فانه ) بناء على ماهو المشهور بين الاصحاب من عدم الرد عليها لا يكاد يفرق بين الصورتين ، فتحرم مع الامام ايضا كما تحرم مع وجود وارث آخر غير الامام ( اذلاوجه ) لتخصيص حرمانها بصورة كون الوارث غير الامام ، عدا توهم انصراف الاخبار المتقدمة الى صورة وجود وارث آخر معها غير الامام مؤيداً بما في بعضها من التعليل بقوله ( علیه السلام ) لئلا يتزوج المرأة فيجي، زوجها أو ولدها فيزاحم قوماً آخرين فى عقارهم ( وهو ) توهم فاسد لمنع الانصراف اولا و كونه على فرض تسليمه بدويا يزول بادنى تأمل فيها ( والتعليل ) المزبور مع كونه حكمة لتشريع الحكم لا علة غير مجد بعد اقتضاء التدرج في طبقات الارث قيام كل لاحقه مقام سابقتها ( فان ) لازمه هو حرمانها مع الامام كحرمانها مع غيره من الطبقات السابقة كما هو ظاهر واضح .

( الامر الثاني )

(قد عرفت ) ان ما تحرم منه الزوجة عيناً وقيمة من تركة زوجها انما هو عين مطلق الارض دوراً كانت أو غيرها من الضياع والعقار ( واما ) بالنسبة الى الأبنية والآلات فلا تحرم منها الا من أعيانها لا من قيمتها ، بل تقوم البناء والآلات فتعطى حصتها من القيمة ربعاً أو ثمناً ( من غير فرق ) بين الرباع المفسر بالدور والمساكن وبين غيره كالدكاكين والخانات والحمامات ( فان المدار ) في ذلك على مانص عليه بعض أخبار الباب إنما هو على عنوان البناء والآلات فتحرم عيناً لا فيمة من مطلق

ص: 17

الأبنية داراً كانت أو غيرها كالخانات والحمامات والدكاكين والارحية ، بل وبيوت الدواب والغم ومحارز الغلة وعلف الدواب ، وبالجملة تحرم الزوجة من أعيان كل أبنية أعدث لأي مصلحة وتعطى حصتها من قيمتها ، ويدخل فيها ايضا حيطان البساطين الصدق اسم البناء عليها ( و ان ) قبل بارئها من أعيان الأشجار ( اذ لاتلارم ) بين ارثها من أعيان الأشجار وارثها من عين الحيطان المحيط بها ( فان ) كل من المحيط والمحاط يتبع دليله ، فاذا صدق البناء على الحائط المحيط بالاشجار يلزمه حرمانها من__ه عيناً ، قلنا بارثها من الاشجار أو لم نقل بذلك .

( وأما الآلات ) التي تعطى حصتها من قيمتها فالمراد بها كل ما يعد كونه جزءاً للبناء ، فيدخل فيها الأخشاب والآجر والأبواب والاعتاب والشبابيك ولو كانت من حديد وغيرها مما هو مستدخل في البناء ويدخل فيها الأعمدة المنصوبة في الأرض المعمولة للطوارم في عصرنا ولو كانت من حديد ، وكذا السلم المنصوب للصعود والنزول اذا كان ثابتاً على نحو يعد كونه جزء البناء، دون المنفصل الذي ينقل من مكان إلى مكان ( وكذا ) يدخل المرآني والزجاجات المنصوبة في سقف البيت وجدرانه للزينة كل هذه لصدق كونها جزء البناء ( من غير فرق ) بين اشراف البناء على الخراب وعدمه فما دام البناء باقياً بحاله يترتب عليه وعلى ما يتبعه من الآلات والادوات المستدخلة أو المنصوبة فيه الحكم المزبور ( نعم ) لا يدخل فيها الآلات المنفصلة عن البناء كالآجر والأخشاب والأعمدة والشبابيك وغيرها ، لعدم كونها جزء البناء مع فرض انفصالها عنه ( من غير فرق ) بين طرو الانفصال عليها بهدم ونحوه و بين كونها معدة للبناء و بعد لم تبن ( لأن ) العبرة في الحرمان من تلك الآلات على فعلية ثباتها في البناء وكونها جزء فعلياً البناء ، لا على مجرد قابليتها لأن تكون جزء البناء فلا تحرم الزوجة من أعيانها ( نعم ) قد يشك في الأعمدة المنصوبة في الأرض لاجل وضع البناء والطوارم

ص: 18

عليها بعد ذلك بلا كونها مشغولة ببناء فعلى عليها ( وكذا ) في الجذوع والأخشاب الموضوعة على جدران البيت لأجل التسقيف بلا وضع بنيان عليها ولا نصب للاخشاب المزبورة بمسامير ونحوها ( وبالجملة ) مورد الشك في صورة مجرد وضع الاعمدة والاخشاب على الهيئة التي يبنى عليها الطوارم والسقف مع عدم وضع شيء عليها من بناء ونحوه ، حيث أن فيها اشكالا من صدق كونها جزء البناء بهذا المقدار من الوضع على الهيئة الخاصة ، ومن عدم وضع بناء بعد عليها ( ويحتمل ) الفرق بين الأعمدة المنصوبة في الأرض لاجل وضع البناء والطوارم عليها ، وبين الجذوع والأخشاب الموضوعة على جدران البيت لاجل التسقيف بلا نصبها ببناء أو مسمار ، بالقول بحرمان الزوجة منها عيناً في الأول لكفاية مجرد نصبها في الأرض على الهيئة الخاصة في صدق كونها جزءاً فعليا للبناء ، دون الثاني لعدم الصدق فيها ومثله ) في الاشكال القدور المنصوبة في بعض الدكاكين لطبخ الهريسة والرؤس ، وكذا الظروف المنصوبة في محال صنع الحلوى ، والظروف الكبيرة والأنجانات المنصوبة في محال صبغ اللباس ( وان كان ) الأظهر عدم حرمان الزوجة منها ( لأن ) مناط التقويم في الأدوات والآلات إنما هو يكونها جزءاً للبناء ، لا أنه بصرف ثباتها في الارض كى يقال باقتضائه التعدي الى كل ثابت في الارض ولو لم يصدق عليه كونه جزءاً للبناء ( وحينئذ ) فاذا لم يصدق عليها كونها جزءاً للبناء فلا جرم ترث منها الزوجة كسائر الأمتعة ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فالمرجع هو عمومات الارث ( وما في بعض ) الكلمات من التعبير بالآلات المثبتة وغير المثبتة تارة ، وبالمنقولة وغيرها أخرى ، فليس المراد منه مجرد ثبات الشيء في الارض ، بل المراد منه ما يكون جزء البناء لأجل ثباته في الارض، ولذلك لم يلتزم أحد بحرمان الزوجة من الزرع ونحوه مما هو ثابت فى الأرض ، كما أن قولهم بحرمانها من الأشجار إنما هو لأجل النص وهو صحيح الاحول ، لا أنه من جهة ثباتها في

ص: 19

الارض ( اذ لا أثر ) لمثل هذا العنوان في موضوع هذا الحكم ( وبالجملة ) أن الخارج من عمومات الارث بمقتضى الاجماع والنصوص المتقدمة فيما تحرم منه الزوجة عينا لاقيمة إنما هو عنوان الأشجار وعنوان البناء والطوب والخشب والقصب المستدخل في البناء ، ففي ماعدا عنوان الأشجار من سائر الامور التي لها نحو ثبات يدور حرمان الزوجة منها مدار صدق عنوان البناء عليها أو جزئيتها له دوراً كانت أم حانوتا أو غير ذلك ، فمتى لم يصدق عليها عنوان البناء ولا جزئيتها له ، أوشك في الصدق المزبور كالا مثلة المزبورة في نحو القدور والأنجانات المنصوبة في الدكاكين المعدة لطبخ الرؤس والهريسة ومصانع صبغ الألبسة ونحوها بحكم عليها بارثها من اعيانها ، لعمومات الارث ( نعم ) في مثل صفرية الحمام وأحجار الرحي في الارحية ومعصرة الزيت والسمسم، فالظاهر دخولها في آلات البناء للصدق العرفي ( كما أن الظاهر) دخول أعيان النواعير المنصوبة في البساتين لسقى الأراضي على اشكال في دولابها ( وأما البيوت ) المتخذة من البواري وسعاف النخل ونحوهما مما هو المتعارف عند أهل القرى والمعدان فى عصرنا هذا فلا يبعد أن يقال بحرمان الزوجة منها لكونها من قبيل البيوت المتخذة من الأخشاب والألواح ، لا من قبيل الخيم والفسطاط .

( وأما ) العيون والآبار فلا ينبغي الاشكال في الحرمان منها عيناً وقيمة كالأراضي بل هي هي عينا ( نعم ( الظاهر هو ارتها من عين المياه المجتمعة في الآبار الموجودة حال موت المورث ( وتوهم ) المنع عن ارئها منها أيضاً لكونها تابعة لنفس الآبار ( مدفوع ) بمنع تبعيتها حتى من حيث الحكم بالحرمان وإنما هي مملوكة بملكية مستقلة في قبال الارض والعيون والآبار ( ولا أقل ) من الشك فيحكم عليها بالارث بمقتضى العمومات ( وأما المياه ) المتجدده بعد الموت فلا اشكال في عدم ارثها منها لكونها ملكا للورثة محضاً .

ص: 20

( وأما الأشجار ) فقد عرفت حرمانها منها عيناً لا قيمة لرواية الأحول المتقدمة (من غير ) فرق بين الكبار منها والصغار والمثمرة وغيرها ، بل وما لا ينتفع بها لصدق الشجر عليها ( بل وكذا ) الأشجار اليابسة على اشكال فيها ، ويدخل فيها الأغصان والسعاف المتصلة بها على اشكال في اليابسة منها مما صار حطبا ، وترت عيناً مما كان مقلوعا من النخيل والأشجار حال موت الزوج وان كانت معدة للغرس في محل آخر كما أنها ترث من الثمار عيناً ولو على الشجرة ، كارثها من الزرع الموجود في الارض حال موت الزوج وان لم يستحصد ، بل وان كان بذراً لعموم أدلة الارث، وعدم اقتضاء الحرمان من الارض والشجر حرمانها من الزرع والمرة ( وقد يتوهم ) حرمانها من عين الزرع بلحاظ ثباته فى الارض ( ولكنه ) توهم فاسد ، لما تقدم من أنه ليس المدار فيما تحرم منه الزوجة عيناً لاقيمة على مجرد الثبات في الأرض ( وإنما ) المدار كله على العناوين المخصوصة المأخوذة في لسان الأدلة وهي لا تكون إلا عنوان الشجر وعنوان البناء واجزائه من الطوب والخشب والقصب ونحوها ، ففي ماعدا هذه العناوين بحكم عليها بالارث بمقتضى عمومات الارث ( وترث ) ايضا من العريش المتخذة الأخشاب التي توضع عليها اغصان الكرم ، وكذا من الاخشاب المربوط بها الأشجار الصغار الحفظها من الرياح العاصفة للعمومات .

( الامر الثالث )

في تقويم البناء والآلات التي ترث الزوجة من قيمتها لا من أعيانها وكيفيته أن تقوم البناء والآلات ، على الهيئة التي هي عليها باقية في الارض بلا اجرة الى أن تفنى، وكذلك الأشجار والنخيل فيفرض كون البناء داراً كانت أو حانوطاً أو غيرها كأنها مبنية في ملك الغير بنحو يستحق البقاء فيه بلا اجرة الى أن تقنى ، فيقوم ويعطى من القيمة ربعها أو ثمنها ، لا أنها تقوم نفس ذوات الأخشاب مجردة من الهيئة البنائية وعن

ص: 21

ملاحظة استحقاقها للبقاء في الارض ، أو تقويمها باقية فيها بما لها من الهيئة مع الاجرة ( فان ) ذلك كل خلاف ظواهر الاخبار المتقدمة المقتضية لارتها بما هي ثابتة في

الارض على مالها من الهيئة البنائية المخصوصة ، خصوصاً المشتمل منها على ارتها من البناء كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم ، وكذا المشتمل منها على ارئها من قيمة البناء ( اذ لا شبهة ) فى ظهور هذه النصوص في ارثها من البناء والدور ولو من قيمتها من حيث البناء والعمارة ( نعم ) قد يتوهم في بدو النظر من قوله ( علیه السلام ) فى بعض نصوص الباب قيمة الطوب والخشب والقصب والجذوع كون المراد تقويمها بنفسها مجردة عن البناء ( ولكن ) التأمل فيها يقضى كون المراد تقويمها بما هي ثابتة ومعروضة للهيئة البنائية الخاصة الطارية عليها ، لا بما هي ذوات الاخشاب والأحجار مع قطع النظر عن كونها معروضة للهئية الخاصة البنائية ( وحينئذ ) فلا ينبغي الاشكال في لزوم تقويمها على النحو الذي ذكرناه من ملاحظة هيئة البناء الخاص في مقام التقويم باقية في الارض الى أن تفنى مع كون بقائها ايضا مجاناً ، لا باجرة .

( نعم ) ربما احتمل كما عن محكى ثاني الشهيدين ( قده ) في رسالته لزوم تقويمها باقية في الارض لكن باجرة لا مجاناً ، بل عن المحقق الفمي (قده) التصريح به في موضع من أجوبة مسائله ( ولكنه ) ضعيف جداً ( فان ) الاجرة مما تنفيه ظواهر النصوص المتقلمة في استحقاق الزوجة من قيم ما تركه الميت من الأبنية والأشجار على الكيفية التي فارقها الميت وانتقلت الى الورثة ، وهي لا تكون الا كونها مستحقة للبقاء بلا أجرة ( مع أنه ) لا موجب يقتضي استحقاق الورثة للاجرة على بقائها ليكون ذلك نحو جمع بين الحقين ( اذا السبب ) في ذلك ليس إلاكون ملك شخص شاغلا لملك الغير بوضع ونحوه ( ومثله ) مفقود في المقام لان الزوجة على ماهو المشهور ونطق به أخبار الباب لم تملك شيئاً من أعيان البناء والاشجار، وإنما استحقاقها كان من المالية القائمة بتلك

ص: 22

الاعيان ( فاعيان ) البناء والأشجار التي هي شاغلة للارض إنما كانت ملكا لسائر الورثة دون الزوجة ( فاين ) يتصور حينئذ وجه لدعوى استحقاق الورثة الاجرة على بقائها في الارض ( ومجرد ) كون أعيان البناء والاشجار متعلقاً لحق الزوجة باعتبار قيمتها لا يقتضى استحقاق الاجرة على بقائها كما لا يخفى .

( نعم ) بناء على القول بتعلق ارث الزوجة بدواً بأعيان البناء والاشجار ، و أن إستحقاقها للقيمة إنما هو من جهة بدليتها عن العين المملوكة لها بالارث من باب الارفاق على الورثة ، لا انه من باب الارث القهري كما هو ظاهر المحقق القمى ( قده ) في غير موضع من أجوبة مسائله ( امكن ) دعوى لزوم تقويم الأبنية والاشجار بما هي باقية في الارض مع الاجرة ، بلحاظ تحقق سبب الاستحقاق حينئذ وهو شاغلية مالها لملك الغير ، كما هو الشأن في نظائره في من ملك الحال والمظروف دون الظرف والمحل فان في مثله لا محيص من الالتزام بلزوم دفع الاجرة لأجل الوضع الشاغل لملك الغير حتى في فرض استحقاق الوضع الشاغل البقاء في ملك الغير ، لعدم اقتضاء مجرد استحقاق الشاغل للبقاء كونه بلا اجرة وعلى نحو المجان ( إلا ) ان يثبت المجانية من الخارج من اجماع ونحوه ( وإلا ) فقاعدة احترام الاموال تقتضي الاجرة على الوضع الشاعل لملك الغير ، هذا ( ولكن ) يتوجه عليه بأنه يتم ذلك في فرض طرو الوضع الشاغل على ملك الغير ولو عن حق كما في موارد اجارة الاملاك للغرس والبناء ( لافي مثل المقام ) الذي انتقل الارض الى ملك الورثة من مورثهم مشغولة بالأبنية والأشجار التي هي ملك الزوجة أو متعلقة لحقها ( اذ في مثله ) لا مجال لدعوى استحقاق الورثة الأجرة علي تبقيتها في أرضهم ( فالمقام ) من قبيل ما اذا اشترى الشخصان بعقد واحد أو بعقدين من شخص أحدهما نفس الاشجار أو الزرع بما أنها باقية في الأرض من غير اشتراط الاجرة على بقائها فيها ، والآخر عين الارض بما هي مشغولة لا باشجار

ص: 23

أو الزرع ، فانه لا شبهة في عدم استحقاق مشترى الأرض بعد شرائها مشغولة بالشجر والزرع الأجرة على تبقيتهما في ملكه ( ولا أقل ) من الشك في ذلك والاصل يقتضي برائه ذمتها عن وجوب دفع الاجرة ( ثم ان ذلك ) أيضا مع قطع النظر عما استظهر ناه من الأدلة من لزوم تقويم الأبنية والأشجار بما هي باقية بلا اجرة في بقائها ( وإلا ) فمع ملاحظة ظواهر تلك الأخبار لا يبقى مجال التشكيك في لزوم تقويمها بما هي مستحقة للبقاء محاناً الى أن تفنى ( ولعله ) الى ماذكرنا نظر المحقق القمى قده في موضع آخر من أجوبة مسائله في اختيار كون التقويم على نحو المجان ( وإلا ) ، فهو ظاهر المنافات لما افاده من المبنى الذي قرره مراراً من عدم كون استحقاق الزوجة القيمة من باب حكم إجبارى ، وإنما هو من باب بدليتها عن العين المملوكة لها بأصل الارث ، فكان للوارث بلحاظ الارفاق المستفاد من الأخبار دفع القيمة اليها بدلا عما ملكتها بالارث ، كما كان له دفع حصتها من العين ، بلا أن يكون لها الامتناع من قبولها والمطالبة بقيمتها ( ولكن ) الشأن في تمامية هذا المبني ، كما يأتي في التنبيه الآتي ان شاء الله .

( ثم انه ) قد يقال في كيفية التقويم بوجه آخر ، وهو أن تقوم الارض مجردة عن البناء والغرس ، وتقوم مبنية ومغروسة فتعطى حصتها من تفاوت القيمتين ، وقد استحسنه في الجواهر معللا بأنه يمكن زيادة قيمة الأرض بملاحظة مافيها من الغرس والشجر والنخل واستحقاقها لهذه الزيادة مناف لما دل على حرمانها من الارض عينا وقيمة ( وفيه ) أن الارض والشجر والنخل إنما كانت ملكا لمن عدا الزوجة من الورثة ، والتقويم إنما كان لاجل إعطاء ماتستحقه الزوجة من قيمة الشجر والنخل والطريق فيه منحصر بما ذكرناه من تقويم نفس الشجر والنخل والبناء بما لها من الخصوصية الخاصة التي كونها في محل خاص ، وإلا فتقويم الارض تارة فارغة ومجردة عن البناء والفرس واخرى مشغولة بالبناء والغرس مع كونه أجنبياً قد يكون موجباً

ص: 24

لتنقيص حق الزوجة من قيمة البناء والأشجار ، فلا محيص حينئذ من الاقتصار في التقويم على النحو الذي ذكرناه .

( الأمر الرابع )

في ان استحقاق الزوجة للقيمة هل هو باصل الارث من باب حكم اجباري أو أن استحقاقها لها من باب بدليتها عن العين على معنى تعلق حقها أولا باصل الارث بالعين كغيرها من أعيان التركة وأنتقالها ثانياً إلى القيمة بدلا عن العين ارفاقا لحال الوارث كما هو خيره جماعة منهم المحقق القمي ( قده ) من دعوى ظهور الأخبار في كون العلة في الحرمان هو الارفاق بالوارث فيكون للوارث ولاية التبديل بدفع القيمة اليها ، نظير تعلق حق الفقير بالعين الزكوى بنحو الاشاعة أو الكلى في المعين ، مع ولاية مالك النصاب على التبديل بدفع القيمة من الخارج كي يلزمه عدم اجبار الوارث على التقويم لو أراد دفع حصتها من العين ، بل اجبار الزوجة على الرضا بها ( وعلى الأول ) قبل يكون حقها متعلقاً بخصوص المالية المنقومة بالعين بحيث كان دفع القيمة خارجاً من باب كونها تداركا لما تستحقه من المالية القائمة بأعيان البناء والأشجار ، نظير قيم المتلفات كما هو خيرة كثير من الأصحاب ، أو يكون حقها من الأول متعلقاً بمطلق القيمة في ذمة الوارث ولو باعتبار تنزيل الشارع حرمانها من العين وتخصيصها بمن عداها من الورثة منزلة التالف عليها في ضمانهم لها بالقيمة ، كما هو مختار الجواهر وثاني الشهيدين وبعض آخر ، ومال اليه ايضا السيد العلامة الاستاذ الأصبهاني دام ظله العالى ( أو أن ) وجوب دفع القيمة اليها مجرد حكم تكليفي على الوارث من دون أن يكون لها حق في ذمة الوارث فضلا عن تعلقه بأعيان البناء ( فيه وجوه ) وأقوال ( أضعفها الاخير ) لكونه مخالفاً لظواهر الأخبار المتقدمة ، بل لم نجد القول به صريحاً لاحد من الأصحاب ، وإنما هو مجرد احتمال احتمله بعضهم .

ص: 25

( و يتلوه ) في الضعف ما افاده صاحب الجواهر و بعض آخر من تعلق حقها بقيمة البناء في ذمة الورثة وانتقال الأعيان بماليتها إلى ملكهم بموت مورثهم ( وذلك )

لبعده ايضا عن ظواهر النصوص من نحو قوله ( علیه السلام ) يرثن قيمة البناء والشجر والنخل خصوصاً المتضمن منها لا رثها من عين البناء ( إذ لا شبهة ) ، في ظهور تلك النصوص ، بل صراحة بعضها في أن محل القيمة التي ترثها الزوجة هو أعيان الأبنية والأشجار لا ذمة الورثة ( وبالجملة ) لا شبهة في أن المستفاد من ظواهر تلك النصوص هو كونها في مقام التفكيك في إرث الزوجة وحرمانها من البناء والآلات والأشجار بين أعيانها وماليتها القائمة بها بتخصيص حرمانها من الارث من جهة خصوص أعيانها لا مطلقا حتى من حيث ماليتها القائمة بها كي يكون محل استحقاقها من القيمة ذمة الوارث تعبداً ( فان ) ذلك يحتاج الى قيام دليل عليه بالخصوص ( وإلا ) فلا يكاد استفادته من أخبار الباب كما لا يخفى .

( مضافاً ) ، الى استلزامه للقول بوجوب دفع القيمة على الوارت في فرض تلف العين بعد الموت بآفة مماوبة من سيل ونحوه ، بل ومع غصب غاصب اياها بعد الموت ( لأن ) محل القيمة على هذا المبني هو ذمة الوارث دون العين ( والعين ) قد انتقلت بماليتها الى ملك الوارث بلا مساس لها بالزوجة ، فكان التلف والغصب واردين على ملكه لا على متعلق حقها ( فلا بد ) من خروج الوارث عن عهدة ما استقر في ذمته كسائر دیونه «وهذا» وإن التزم به بعض القائلين بهذا الملك كما عن محكى ملحقات البرهان ( ولكن ) الالتزام بمثله كما ترى .

ومن التأمل ، فما ذكرنا يظهر ضعف القول بتعلق ارث الزوجة بدواً بأعيان الأبنية والأشجار وأن للوارث تحويل حقها من العين بدفع القيمة اليها بدلا عنها ( فان ) ذلك وإن كان يوافق عمومات الارث ( ولكن ) مضافاً إلى كونه خلاف المشهور

ص: 26

بين الاصحاب ، يدفعه ظواهر الأخبار المتقدمة من نحو قوله ( علیه السلام ) يرثن قيمة البناء والشجر والنخل ، وقوله ( علیه السلام ) لا ترث من العقار شيئاً إلا قيمة الطوب والنقض ، لوضوح ظهور هذه النصوص بل صراحتها في تعلق ارثها بدواً بقيمة البناء والشجر والنخل وحرمانها من أعيانها ( وكذا ) ما كان منها بلسان الأمر بالتقويم واعطاء نصيبها ربعا أو ثمناً من القيمة ، لظهوره ايضا في أن ما يعطى اليها من القيمة من باب حكم اجباري نظیر سائر المواريث ، لا انه من باب كونه ارفاقاً بحال الوارث بحيث كان حقها متعلقاً باصل الارث بالعين وللوارث إعطاء القيمة اليها بدلا عن العين ( و أما المناقشة ) في دلالتها يكونها واردة في مقام دفع توهم استحقاقها من أعيان الأبنية والاشجار بنحو يكون لها المطالبة بها ومجير الوارث على اعطاء ارتها منها اذا لم ترض إلا بها كسائر أعيان التركة من الثياب والرقيق ومتاع البيت ، فلا يستفاد منها أزيد من جواز دفع القيمة اليها ، نظير الأمر الوارد عقيب توهم الحظر الذي لا يفيد مثله أزيد من مجرد الاباحة والترخيص ( فمدفوعة ) مضافا الى عدم مجيء هذا الاحتمال فيما كان منها بلسان حصر الارث بالقيمة ، كقوله ( علیه السلام ) لا ترث المرأة من تركة زوجها من تربة دار أو ارض إلا قيمة الطوب والنقض ( وقوله ع ) المرأة لا ترث من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو تمنها ، نظراً الى قوة ظهورها في أن استحقاق القيمة من باب حكم اجباري ) انه ليس ( باولى من دعوى كونها فى مقام دفع توهم حرمانها عيناً وقيمة من البناء والآلات والأشجار نظير حرمانها من الاراضي والضياع ( لولا ) دعوى كون الثاني هو الأولى ( وأما التعليل ) الوارد في بعض تلك الأخبار بعدم الاضرار بالورثة ، بقوله ( علیه السلام ) لئلا يتزوجن الخ ( ففيه ) مع أن التعليل إنما هو لنفي إرثها من الأراضي والعرصات ، لا لارثهن من قيمة الأبنية والأشجار دون أعيانها ( فغاية ) مايستفاد منه كونه حكمة لتشريع الحكم المزبور ، لا كونه علة له كى

ص: 27

يقتضى إرثها من أعيانها، بحيث تجبر الزوجة على الرضا بالعين مع إعطاء الوارث نصيبها منها ( ولا أقل ) من الشك في ذلك بعد تصادم الاحتمالين فيحكم عليه بالحكمة ، كما هو الشأن في كل موردشك في كون الشيء حكمة أو علة فيبقى ظهور غيرها من الأخبار بحالها في نفي إرثها من عين البناء والأشجار وتخصيص حقها باصل الارث من قيمتمها سليمة عن المعارض ( إذ لم يكن ) في قبالها ما يقتضي تعلق إرثها بعين البناء والأشجار ولو في ظرف رضاء الوارث بذلك حتى يعارض معها ( وبذلك ) ظهر فساد مقايسته المقام بباب الزكاة الذي ثبت ولاية مالك النصاب على تبديلها بالقيمة ( إذ في باب ) الزكاة ثبت تعلق حق الفقير بالعين الزكوى بمقتضى ظهور أخبارها من نحو قوله ( علیه السلام ) فيما سقت السماء العشر الظاهر في تعلق حق الفقير بالعين على نحو الاشاعة أو الكلي في المعين ، غير أنه قام الدليل على جواز إعطاء مالك النصاب القيمة بدلا عن العين ( وفي المقام ) لم يقم دليل على تعلق إرثها بالعين ولو برضاء الوارث عدا ظواهر عمومات الارث التي عرفت لزوم تخصيصها بتلك الأخبار الكثيرة الظاهرة بل الصريحة في تخصيص ارث الزوجة بقيمة البناء والاشجار دون اعيانهما ( هذا ) مع احتمال تعلق حق الفقراء في الأعيان الزكوية ايضا بماليتها لا باعيانها كما لعله قضية الجمع بين مادل بظاهره على تعلق حق الفقير بالعين الزكوى ، وبين مادل على الشاة في الابل الظاهر في كونها تقديراً لما يستحقه الفقير من مالية الابل فتامل ( نعم ) ظاهر بعض أخبار الباب تعلق إرث الزوجة بعين البناء ، كقوله ( علیه السلام ) في رواية بن مسلم وزرارة المتقدمة إلا أن أحدث البناء فيرثن ذلك البناء ( ولكنه ) محمول على ارادة قيمة البناء بقرينة تلك الأخبار الكثيرة الشارحة لكيفية إرث الزوجة بكونه من قيمة الطوب والقصب والخشب، وقرينة نفي إرثها في صدر الرواية من الدور ( وإلا ) فابقاء ذيل الرواية على ظاهره والتصرف فى ظواهر تلك النصوص الكثيرة بحملها على جواز إعطاء الوارث

ص: 28

نصيبها من القيمة بدلا عن العين بعيد جداً لا يكاد يساعد عليه العرف وأبناء المحاورة ( فالمتجه ) حينئذ هو المسلك المشهور دون غيره من المسالك الآخر ( وكيف كان ) فيترتب على هذه المسالك مرات مهمة .

بيان بعض الثمرات المترتبة على الوجهين

( الثمرة الاولى )

( منها ) كون المدار في القيمة على مبنى تعلق حق الزوجة في ذمة الوارث على قيمة وقت الموت ، لأنها هي التي إعتبرها الشارع في ذمة الوارث بدلا عن العين ولو باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها منزلة الاتلاف عليها فيضمنوا لها القيمة ، فالقيمة ، تكون حقاً لها تتعلق بالموت في ذمة الوارث كسائر ديونه ( فلا محيص ) من ملاحظة خصوص القيمة في ظرف الموت ولا وجه لرعاية القيمة وقت الأداء ( وأما على المبنيين ) الأولين ، فيتعين القيمة بكونها قيمة وقت الأداء ( وهذا ) على مبنى تعلق إرثها بعين البناء وكون القيمة بدلا عنها فظاهر ، لبقاء حقها المتعلق بالعين على حاله وعدم تحوله إلى القيمة إلا بدفعها اليها أو بتقويم الوارث على نفسه ( وأما ) على ماهو المختار والمشهور من تعلق حقها بمالية تلك الأعيان ( فلان ) دفع القيمة اليها خارجاً إنما يكون تداركا لحقها المتعلق بمالية العين ، فلابد من رعاية القيمة وقت الأداء ( وإلا ) فمع إختلاف القيمة في الوقتين بزيادة القيمة وقت الدفع عن قيمة وقت الموت لا يكون دفع قيمة وقت الموت تداركا لتمام حقها من المالية القائمة بالعين، كما أنه في صورة العكس لا تستحق الزوجة تلك الزبادة ( وتوهم ) عدم اقتضاء مجرد تعلق حقها بمالية العين لاعتبار خصوص القيمة وقت الدفع، بل هو مطلق من هذه الجهة فيمكن الاكتفاء بدفع القيمة وقت الموت ( بل لعل ) ذلك هو المتعين بلحاظ كون زمان الموت ظرفاً لتعلق حقها بقيمة العين فيراعي تلك القيمة ( مدفوع ) بأن مجرد ظرفية زمان الموت لاستحقاق القيمة لا يقتضي إطلاق القيمة فضلا عن اقتضائه تخصيصها بخصوص وقت الموت ( بل نقول ) أنها تابعة لنفس العين في جميع الأزمنة

ص: 29

فما لم يدفع القيمة اليها من الخارج تستحق من العين ماليتها الفعلية القائمة بها ( وبالجملة ) فرق واضح بين كون زمان الموت ظرفا لتعلق حق الزوجة بمالية العين ، وبين كونه قيداً لمتعلق حقها. وما أفيد إنما يتم في الثاني دون الأول ، ولا دليل إيضا يقتضى التقييد المزبور ( هذا ) اذا لم يقومها الوارث على نفسه بعد الموت الى وقت الأداء .

( وأما لوقومها ) على نفسه بعد الموت بتصديق أهل الخبرة ولو بمحضر الحاكم فالظاهر أن المدار على القيمة وقت التقويم وإن لم يدفعها بعد اليها ( قانه ) بعد أن يكون

المدار فى القيمة على القيمة الواقعية لا القيمة الجعلية المنوطة برضاها ، ويكون للوارث ايضا التقويم وإعطاء ما قابل حقها من مالية العين من الخارج ، فلا جرم مع تقويم الوارث العين على نفسه تكون العبرة على تلك القيمة وان أخر فى أدائها اليها ( ودعوى) أنه لا تأثير لتقويم الوارث على نفسه بقيمة في ذمته في تحويل حقها من مالية العين ، وإنما المؤثر في ذلك دفع القيمة اليها خارجاً لكونه نظير المعاطات التي لم يتحقق عنوان النقل والانتقال إلا بالتعاطى الخارجي فما لم يدفع القيمة اليها من الخارج كان حقها المتعلق بالعين أو بماليتها باقياً بحاله ولازمه لزوم رعاية القيمة وقت الأداء ( منظور فيه ) يظهر وجه مما عرفت من أن للوارث الولاية على التقويم ودفع القيمة اليها ( فاذا ) قومها على نفسه بتصديق أهل الخبرة ومحضر الحاكم يلزمه تحويل حقها من العين الى القيمة في ذمته ، من غير فرق بين القول بتعلق حقها بنفس العين أو بماليتها فتأمل .

( الثمرة الثانية )

( ومنها ) أنه على مبنى تعلق حق الزوجة بالقيمة في ذمة الوارث يجوز للوارث التصرف في أعيان البناء والأشجار باتلاف أو نقل أو غير ذلك ولو قبل دفع القيمة اليها ، بل ومع عدم دفعها اليه إلى الأبد ( لأن ) العين على هذا المبني كانت ملكاً طلقاً للوارث فله التصرف فيها بانحاء التصرفات المتلفة والناقلة وغيرهما ( والقيمة ) انما كانت حقا لها في ذمته فكانت كسائر ديونه التي لا يمنع اشتغال ذمته بها عن التصرف

ص: 30

في ماله حتى مع الامتناع عن أداء حقها، غاية الامر يجبره الحاكم على الأداء مع الامتناع كسائر الممتنعين من أداء الحق ، ويجوز لها التقاص من ماله مع عدم إمكان الاجبار ( اللهم ) إلا أن يدعى أن حق الزوجة وإن كان متعلقاً بالقيمة في ذمة الوارث إلا أن له نحو تعلق ايضا بالعين على نحو يمنع عن تصرف الوارث فيها باتلاف أو نقل لها بماليتها قبل أداء حقها اليها نظير تعلق حق الرهانة بالعين المرهونة ( ولأجل ) ذلك يكون الوارث قبل دفع القيمة اليها كالمحجور عليه فى التصرفات المتلفة للعين والنافلة لها ( ولكنه ) يحتاج الى دليل عليه بالخصوص ( وإلا ) فلا يكون حقها في ذمته إلا كسائر ديونه في عدم اقتضائه المنع عن تصرفه في الأعيان المملوكة له بالارث ( ولذلك ) التزم في الجواهر تبعا للمحكي عن ثاني الشهيدين في رسالته بأنه يجوز للوارث التصرف في العين باتلافها أو نقلها حتى مع إمتناعه عن دفع القيمة اليها لبقاء حقها في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهرا كغيره من الممتنعين من أداء الحق ، أو تتمكن الزوجة من تخليص حقها ولو مقاصة منها أو من غيرها من أعيان ماله ( هذا ) على مبنى تعلق حقها بالقيمة في ذمة الوارث بالموت ( واما على مبنى ) تعلق إرثها بدواً بالعين وان كان للوارث تحويله عنها بدفع القيمه اليها ، فلا يجوز للوارث قبل دفع القيمة اليها التصرف فيها لكونه من التصرف في مال الغير بدون رضاه فيكون باطلا غير نافذ ( وكذا الحال ) على مبنى تعلق حقها بماليه العين إما مطلقا أو منوطاً بعدم رضاء الوارث على اعطاء حصتها من العين وإلا فيكون حقها متعلقاً بنفس العين كما هو أحد المحتملات في المسئلة وصرح به المحقق القمي ( قده ) ( فان ) إرثها حينئذ وان كان متعلقاً بمالية العين لا بخصوصية العين إلا ان قضية كونها بماليتها متعلقة لحقها تمنع عن ذلك ، فيتوقف جواز تصرفه فيها باتلاف أو نقل لها بماليتها على تدارك ما للزوجة من مالية العين ( وإلا ) فبدونه يكون حقها ثابتاً في المالية القائمة بالعين ، فيمنع عن التصرف فيها باتلاف أو نقل

ص: 31

كما في الصورة الاولى ( لأن ) نسبة تعلق حقها بمالية العين كنسبة تعلقه بنفس العين في المنع عن تصرف الوارث فيها قبل تدارك حقها بدفع القيمة اليها ( نعم ) بينهما فرق من جهة اخرى وهي اقتضاء تعلق حقها بنفس العين عموم المنع عن مطلق التصرف فيها قبل دفع البدل اليها حتى التصرفات اليسيرة غير المتلفة للعين أو الناقلة لها ( بخلاف ) هذا المبني ( فان ) لازمه تخصيص المنع بالتصرفات الناقلة والمتلفة للعين أو المنقصة لما ليتها ولا يعم مطلق التصرفات حتى السيرة غير المنقصة لما ليتها ( لعدم ) اقتضاء هذا المقدار من الحق الثابت فى مالية العين منع مالكها عن مطلق التصرف فيها ، كي يتوقف جوازه على تدارك مالها من المالية القائمة بها .

( وكيف كان ) فلو باع الوارث العين قبل دفع القيمة اليها أو تقويمها على نفسه بمحضر الحاكم يقع البيع فضولياً بالنسبة الى ما يخص الزوجة من حصتها ربعاً أو ثمناً ( فان ) أجازت نفذ البيع فى التمام وترجع الزوجة الى الوارث في مقدار حصتها من المسمى بناء على تعلق إرثها بعين البناء والأشجار ، ومن القيمة الواقعية بناء على تعلق إرثها بمالية العين ، ولها الرجوع الى المشترى ايضا وأخذ حصتها منه ، فترجع المشتري بما دفع اليها الى الوارث البايع ( وان لم تجز ) بطل البيع في مقدار نصيبها مطلقا على مبنى تعلق حقها بالعين ولو مع رد القيمة البها بعد البيع الا على القول بصحة البيع فيمن باع شيئاً ثم ملك ( ومع عدم ) دفع القيمة اليها على المبنى الآخر فتأمل فان الظاهر بنائهم على صحة البيع ونفوذه في التمام اذا دفع اليها حقها من القيمة بعد البيع حتى ممن التزام بعدم الصحة فيهن باع شيئا ثم ملك ( فان ) ذلك يكشف عن كون البطلان مراعى بعدم اعطاء القيمة اليها .

( ومنها ) ما تقدم من وجوب دفع القيمة على الوارث مع تلف العين أوغصب غاصب اياها بعد الموت على مبنى تعلق حق الزوجة بقيمة العين في ذمة الوارث لورود

ص: 32

التلف و الغصب على ملكه وإستقرار القيمة لها بالموت في ذمته فيجب عليه الخروج عن العهدة كسائر ديونه ( وأما على مبنى ) تعلق حقها بدواً بالعين فلا يجب عليه دفع القيمة اليها مع تلف العين أو مغصوبيتها ( لأن ) التلف أو الغصب كما أنه وارد على مال الوارث ، كذلك وارد على متعلق حق الزوجة ( وكذلك ) الأمر بناءاً على ماهو المشهور من تعلق حقها بقيمه العين لا بشخصها ( فان ) العين حينئذ وان كانت ملكا للوارث إلا انها من جهة ماليتها القاعة بها كانت متعلقة لحق الزوجة ( فاذا » تلفت باقة سمارية من سيل ونحوه لا بتفريت من الوارث أو أنه غصبها غاصب كان التلف أو الغصب وارداً على متعلق حقها ايضا ، ومعه لاوجه لضمان الوارث لها بالقيمة ( بخلاف ) المبني المتقدم ( فانه ) عليه يكون محل القيمة ذمة الوارث دون العين ، فلا يتصور فى مثله ورود التلف على متعلق حق الزوجة ( لا يقال ) أن محل القيمة على هذا المبنى وإن كان ذمة الوارث ، إلا ان استقرار القيمة في ذمته منوط ببقاء العين وتمكنه من التصرف فيها ، وبدونه لا إستقرار للقيمة في ذمته حتى يجب عليه الخروج عن العهدة بدفع القيمة اليها ( فلاثرة ) حينذ من هذه الجهة بين تلك المسالك ( فانه يقال ) أنه يكفي في أخذ الثمرة المزبورة كونها مقتضى القاعدة المستفادة من الأدلة بعد إطلاق النصوص وإنتفاء ما يقتضي الاناطة المزبورة في استقرار القيمة فى ذمته ( ومجرد ) قيام الاجماع في مفروض الكلام على عدم وجوب دفع القيمة على الوارث لا يقتضي الكشف عن التقييد والاناطة المزبوره ، لولا دعوى كشفه عن بطلان المبني ( نعم ) لو ثبت منهم الاجماع على عدم وجوب شي. على الوارث في مفروض الكلام حتى على المبنى المزبور ، لكان لاستفادة الاناطة المزبورة مجال ( ولكن ) الشأن في هذا الاجماع فان دون إثباته خرط القتاد ( وحينئذ ) فيمكن قوياً أن يكون إتفاقهم على عدم شيء على الوارث من جهة رفضهم هذا المبنى وبنائهم في المسئلة على ما تقتضيه ظواهر الأدلة

ص: 33

من تعلق حق الزوجة بمالية العين لا بقيمتها في ذمة الوارث ( ولذا ) جعلنا هذا المعنى من المحاذير والتوالى الفاسدة للمنى المزبور .

( الثمرة الثالثة )

( ومنها ) إختصاص المنافع و التماآت المتصلة والمنفصلة المتجددة المتخللة بين الموت وزمان دفع القيمة بالوارث بناءاً على مبنى تعلق حق الزوجة بالقيمة في ذمة الوارث ( وكذلك ) على مبنى تعلقه بمالية العين ( لأن ) المنافع والتماآت من توابع ملك العين لا ملك المالية ( وأما بناءاً ) على مبنى تعلق حقها بالعين وأن للوارث دفع القيمة بدلا عنها ، فتشترك الزوجة مع الوارث فيها بحصتها ربعاً أو ثمنا كما صرح به المحقق القمي وقواه في موضع من أجوبة مسائله لكونها نماءاً لما ملكتها بالارث فلا وجه لتخصيص الوارث بها دون الزوجة ( نعم ) فى موضع آخر منها التزم باختصاصها بالوارث دون الزوجة معللا بان الزوجة لا تملك من العين حتى تستحق المنافع المتجددة بين الموت وزمان دفع القيمة ، وإنما هي ملك لغيرها من الورثة ( ولعل ) ذلك منه ( قده) رجوع عما اختاره اولا ( وإلا ) فهو مناف لما اسسه من المبنى الذى قرره مراراً في كلامه .

( الثمرة الرابعة )

( ومنها ) ما تقدمت الاشارة اليه سابقاً من إجبار الوارث على التقويم واعطاء القيمة إذا لم ترضى الزوجة الا بها بناءاً على مبنى تعلق حقها بمالية العين أو بقيمتها في ذمة الوارث ( وأما بناءاً ) على مبنى تعلقها بالعين أو بماليتها بمناط الارفاق بالوارث وعدم الاضرار به المنتفى مع رضائه باعطاء العين ، فلا يجب عليه دفع القيمة ولا يجبر على التقويم ، بل لو أراد الوارث إعطاء نصيب الزوجة من العين تجبر الزوجة على القبول ، كما أنه لو أراد دفع القيمة اليها تجبر ايضا على القبول وليس لها الامتناع من قبولها ( وقد يتوهم ) أن الامر كذلك حتى على مبنى تعلق حقها بمالية العين بخيال أن دفع حصتها من العين دفع لعين حقها من المالية القائمة بالعين مع زيادة خصوصية

ص: 34

العين فلاوجه لامتناعها من قبولها ومطالبتها بالقيمة و لكنه» توهم فاسد « فان العين» بعد أن كانت ملكاً للوارث كان لها الامتناع من قبولها لقاعدة السلطة المقتضية لعدم دخول شيء في ملك شخص الا باذنه ورضاه ، و مجرد رضاء الوارث باعطاء العين اليها لا يوجب دخولها في ملكها قهراً ولا يقتضي ايضا إجبارها على القبول كما هو ظاهر .

( الامر الخامس )

إذا اجتمعت ذات الولد وغيرها وقلنا باختصاص الحرمان من مطلق الارض عيناً وقيمة ، ومن البناء والأشجار عينا لاقيمة بالثانية ، فهل ترث الاولى كمال الثمن من رقبة الأرض من غير مشاركة أحد من الورثه معها وكماله من أعيان البناء والآلات والأشجار ، وعليها للاخرى نصف ثمن قيمة البناء والأشجار ، أو انها لاترث إلا نصف الثمن من رقبة الأرض والبناء والأشجار ونصفه الآخر لسائر الورثة وعليهم دفع قيمة نصف الثمن من الأشجار والبناء الى غير ذات الولد ( فيه وجهان ) بل قولان ثانيهما مختار المحقق القمي ( قده ) و بعض آخر ، نعم ما هو الموجود في موضع من أجوبة مسائله تخصيص نصف الثمن من البناء والأشجار بغير ذات الولد دون الورثة ولعل ذلك على أصله من ارث الزوجة من عين البناء والأشجار ( ولكن الاقوى ) وفاقاً للمشهور الأول ( فان الزوجة ) بوجودها ترث ثمن التركة بالفريضة واحدة تكون أم متعددة غير أنه مع التعدد يقسم الثمن بينهن حسب تعدد الزوجات ( فاذا حكم ) الشارع بحرمان غير ذات الولد من العرصات مطلقا ومن أعيان البناء والآلات والأشجار تصير المحرومة من هذه الجهة بحكم المعدومة في ( ولازمه ) إختصاص ذات الولد بتمام الثمن من العرصات من غير مشاركة أحد من الورثة معها فيها ، وتمام الثمن من البناء والآلات والأشجار كما في فرض انحصارها وعليها للاخرى نصف ثمن قيمة البناء والأشجار ،

ص: 35

فلاوجه حينئذ لدعوى رجوع نصف الثمن منها الى الورثة ( فان ) ذلك يحتاج الى دليل بالخصوص يقتضي حجبها من نصف المن عند إجتماعها مع غيرذات الولد ، وهو مفقود في المقام ( ولا فرق ) في الولد على التفصيل المزبور بين الذكر والانثى، ولا بين الولد وولد الولد ، بل ولا بين الحمل وغيره ولكن مع مراعات الولادة حياً، ولا بين الخشى وغيرها ولا بين كون الولد من نكاح دائم أو متعة، كما لو اولدها وهي متعة ثم تزوجها بعقد دائم ومات عنها ، ولا بين كون الولد من نكاح صحيح أو شبهة منهما بل ومن أحدهما ايضا على اشكال فيه خصوصاً إذا كانت الشبهة من طرفها كل ذلك لاطلاق المقطوعة المتقدمة المؤبدة بالعمومات ( نعم ) لا يلحق بذلك ولد الزنا منهما لا نتفائه شرعاً وكون المنصرف من المقطوعة ذات الولد الشرعي .

( الأمر السادس )

إذا كان على الميت دين ونحوه يوزع على مجموع التركة مما ترث منه الزوجة وما تحرم منه فلا يدفع جميعه من غير الأرض ليلزم الضرر على الزوجة ، ولا من خصوص الأرض ليلزم الضرر على الورثة دونها ( فان ) ذلك هو مقتضى تعلقه بمجموع التركة من الأراضي وغيرها ، مضافاً الى كونه مقتضى قاعدة العدل والانصاف الذي هو عدم توجيه الضرر على بعض الورثة دون بعضها ( وكذلك الأمر ) في كفن الميت ووصاياه فيخرجان من مجموع التركة على معنى توزيعها على ما تحرم منه الزوجة وماترث منه فتنقص من نصيبها ما يقابله من الدين والكفن والوصية كما هو الشأن في الحبوة ايضا حيث يوزع الدين والكفن على مجموع التركة فينقص منها شيء بازاء ما يقابله لما هو الظاهر من الآية من ان الميراث لا يثبت إلا بعد أداء الدين والحيوة من جملة الميراث.

ص: 36

( الأمر السابع )

حق الزوجة حق مالي يجوز الصلح عليه لأجنبي أو لبعض الورثة وبالصلح ينتقل حقها الى المصالح له فيجب على الورثة دفع القيمة الى من انتقل اليه الحق أجنبياً كان أو بعض الورثة ، من غير فرق في ذلك بين المسالك المتقدمة كما هو واضح ( نعم ) بناء على ما أحتمله بعض في دفع القيمة من كونه مجرد حكم تكليفي محض بلا شائبة وضع كما أشرنا اليه سابقاً يكون الصلح باطلا سواء كان الصلح لأجنبي أو لبعض الورثة ولكن الاشكال في المبنى ، فانه مخالف لما هو المصرح به في اخبار الباب من إرثها من القيمة مع أنه لم أجد القول به صريحا لأحد من الأصحاب ( وما في البلغة ) من نسبته الى بعض معاصريه لعله كان منه المحض إبداء الاحتمال كما هو ديدن المحققين ( وعلى فرض ) القول به فلا ريب في ضعفه .

( الامر الثامن )

لا فرق فيما تحرم منه الزوجة عيناً لا قيمة بين أن تكون الأرض التي فيها البناء والأشجار ملكاً للزوج الميت ، وبين أن تكون ملكا للزوجة قد ملكتها بأح___د الأسباب المملكة من بيع أو ارث ونحوهما ( فان ) حكم البناء والأشجار حكمهما فيما لو لم تملك شيئاً من العراص فتحرم منها عيناً لا قيمة من جهة الارث منها كما هو ظاهر .

( الامر التاسع )

إذا كان في الارض التي تحرم الزوجة منها مطلقا زرع ، فلا إشكل في أنها ترث نصيبها ثمناً أو ربعاً من عين الزرع وان لم يبلغ أوان حصاده ، بل ولو كان بذراً لعموم الأدلة وإنتفاء ما يوجب حرمانها ، عدا توهم قياسه بالبناء والأشجار، بلحاظ ثباته في الأرض ( ولقد عرفت ) فساده من أنه ليس المدار فيما تحرم منه الزوجة عيناً لاقيمة على عنوان الثبات فى الأرض أو عنوان غير المنقول كما يوهمه بعض تعابيرهم حتى يتعدى

ص: 37

من البناء والأشجار الى كل ماله ثبات في الارض ، وإنما المدار فيه على العناوين المأخوذة في الأدلة من نحو عنوان البناء وما يكون جزءاً منه كالطوب والخشب ، بل لولا صحيح الأحول ، لكنا نقول بارئها من عين الأشجار بمقتضى عمومات الارث ( وحينئذ ) فبعد إقتضاء الأدلة توريثها من عين الزرع فلا مجال لتوهم حرمانها منه عيناً بمحض ثباته في الأرض كما لا يخفى ( نعم ) انما الكلام فى أنه هل للزوجة ابقاء الزرع في الأرض إلى أن يحصد بدون الاجرة أو معها بحيث لم يكن للوارث الامتناع من بقائه في الارض حتى مع بذل الاجرة ( أو انه ) ليس لها ذلك ، وأن لمالك الارض الذي هو الوارث أمرها بقلعه وإزالته مع الأرش أو بدونه ( فيه وجوه ) أوجهها بظاهر المستفاد من أخبار الباب الأول لعين ماذكرناه في الأشجار والبناء من ظهور الأدلة في استحقاق الزوجة إبقائها في الارض بلا اجرة من غير أن يكون للوارث الأمتناع من ذلك ولا المطالبة بالاجرة على التبقية ، بلحاظ انتقال الارض اليه من مورثه مشغولة بالزرع والفرس .

( نعم ) لو نوقش في استفادة ذلك من أخبار الباب كان المتجه بمقتضى قاعدة تسلط الناس على أموالهم وعدم حل مال المسلم الا بطيب نفسه عدم حق لها على تبقية الزرع في الأرض الى وقت حصاده حتى مع الاجرة فضلا عن كونها بلا اجرة فالوارث أمرها بقلعه وإزالته ، ( فان ) هذه المسألة من صغريات مسئلة من ملك غرساً أوزرعاً في أرض لم يملك إبقائه فيها مع كون الوضع فيها بحق لعارية أو مزارعة أو اجارة ونحو ذلك ، كما إذا أعار أرضاً أو استأجرها في مدة لغرس أو زرع فمضت المدة والزرع باق ، ولولا بتفريط من المستأجر ، بل لاتفاق كثرة الأمطار وتغيير الأهوية ونحوهما ( فانه ) وإن اختلف فيها كلماتهم على أقوال ( ولكن ) التحقيق فيها وفاقاً للمعظم أنه ليس لمالك الزرع إبقائه بعد المدة ولو بالأجرة ، بل لمالك الأرض الأمر

ص: 38

بقلعه وإزالته بلا أرش لقاعده تسلط الناس على أموالهم وعدم حل التصرف في مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه ( وعدم ) اقتصاء مجرد كون الوضع بحق في مدة الاجارة لاستحقاق بقائه بعد مضي المدة كي يجب على المالك ابقائه في أرضه ( والاستدلال ) على ذلك بمفهوم قول الصادق عليه السلام في رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي أو اندر اوردى .. ليس لعرق ظالم حق ، أما بتنوين العرق أو باضافته ، بدعوى دلالته بالمفهوم على أن لعرق المحق وغير ظالم حق ، كما نرى فان الكلام ليس في مدة الاجازة وإنما الكلام فيما بعد انقضاء المدة وزوال اهو الموجب لصحة التصرف ، ولا شبهة في دخول ذلك في منطوق الرواية، لعدم حق للمزارع على إبقاء زرعه فى ملك الغير بعد إنقضاء المدة ( وما أفاده ) فخر المحققين ( قده ) من أنه أجمع الأصوليون على دلالة الوصف على المفهوم في هذا الحديث وإن اختلفوا في دلالة مفهوم الوصف في غيره من غرائب الكلام ، فان شأن الأصولي إنما هو بيان القواعد الكلية المنطبقة على مواردها كقولهم بحجية مفهوم الشرط ومفهوم الوصف مطلقا أو بشرط خاص فلا معنى لدعوى إجماعهم على دلالة الوصف على المفهوم في مورد خاص في المسئلة الفقهية إلا باعتبار كون المورد من أفراد ما بنوا على دلالة الوصف على المفهوم و إلا فلا وجه لتخصيص دلالة المفهوم بمورد هذا الحديث إلا من جهة فهمهم من الحديث ثبوت الحكم تعبداً ، ومثله غ_ي_ر مرتبط بدعوى الاجماع على حجية المفهوم في المورد الخاص كما لا يخفى ( مع أن ) مجرد فهمهم المفهوم من الحديث غير صالح لأن يكون دليلا في المسئلة ، لعدم كشف مثله عن رأى المعصوم كما هو ظاهر .

( وأما التشبث ) بقاعدة نفي الضرر لاستحقاق مالك الزرع ابقائه الى وقت حصاده ولو بالاجرة من غير أن يكون لمالك الأرض إزالته ( بتقريب ) أن في قلعه قصیلا ضرر على مالكه خصوصاً في المقام الذي لا يكون ذلك بتسبيب من الزوجة

ص: 39

وهو أي الضرر منفي في الشريعة لعموم قوله ( صلی الله علیه و آله وسلم ) لاضرر ولا ضرار في الاسلام كما في بعض أخبارها بزيادة لفظ الاسلام، فيتعين تبقيته على مالك الأرض ، غاية الأمر بالاجرة لا مجاناً لينا فى قاعدة إحترام الأموال في حقه ( ففيه ) مالا يخفى ( إذ بعد ) الاغماض عن كونه معارضا مع تضرر المالك في بقاء الزرع في ملكه وعدم تسلطه على تفريغ ماله من مال الغير وتخليصه منه ( نقول ) أنه لا مجال لتطبيق عموم نفي الضرر في أمثال المقام من موارد تزاحم الحقوق ( فان ) لازم سوق العموم المزبور مساق الامتنان على الامة إختصاص مورده بما إذا لا يلزم من نفي الضرر فيه في حق شخص خلاف الامتنان في حق شخص آخر ) ولازمه ) عدم صلاحيته لرفع الاحكام الارفاقية التي منها قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ( فلا يمكن حينئذ تطبيق ) عموم نفي الضرر على مورد البحث لرفع سلطنة مالك الأرض على ملكه في تفريغ ماله من زرع الغير وتخليصه من_____ه لكونه خلاف الامتنان في حقه ( ومعه ) يكون للمالك بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم الامتناع من بقاء الزرع في ملكه و او بالاجرة فكان له الامر يقلعه بل له از الته وتفريغ ماله منه .

( وتوهم تعارض ) السلطنتين والضررين في المقام فيؤخذ بأقلهما دفعاً لكثرة الضرر الوارد في البين ( مدفوع ) بأن قاعدة السلطنة على الأموال لا تقتضى الا سلطنة كل من المالكين على ماله في تفريغ ماله من مال الغير وتخليصه منه ( وأما السلطنة ) عليه بنحو يقتضى التصرف في مال الغير بحبسه في ماله أو باشغاله ، فهي خارجة عن مقتضى هذه القاعدة ( إذ هي ) من جهة كونها من الأحكام الارفاقية قاصرة عن الشمول المطلق انحاء تصرفات المالك في ملكه حتى المستتبع منها للتصرف في مال الغير باتلاف أو حبس ونحوها ( إذ عمومها ) من هذه الجهة ينافي الارفاق في حق الغير ، فتكون منافية لا رفاقية نفسها ( فالمالك ) إنما يكون سلطانا على التصرف

ص: 40

فى ماله اذا لم يكن مستلزماً للتصرف في مال الغير و إلا فلا يكون له السلطنة على مثله، ومن هنا ليس لمالك المعول مطلق السلطنة على التصرف فيه حتى بما ينطبق عليه عنوان الضرب على جدار الغير و بتحريبه ، بل كان لمالك الجدار السلطنة على منعه من التصرف المزبور ( وحينئذ ) نقول أن لكل من مالك الأرض والزرع وإن كان السلطنة على ماله بأنحاء التصرفات فيه ( و لكن ) ليس لمالك الزرع مطلق السلطنة عليه بنحو يقتضي إبقائه في ملك الغير من غير إذنه وطيب نفسه ، كي يزاحم سلطنة مالك الأرض على تفريغ أرضه من زرع______ه وتخليصها منه ( كما أنه ) ليس لمالك الارض ايضا مطلق السلطنة على ماله بنحو يمنع مالك الزرع عن قلع زرعه وإزالته ، كي براحم سلطنة مالك الزرع على زرعه، لعدم سلطنته على ابقاء مال الغير في ملكه ( فاذا ) لم يكن لمالك الزرع السلطنة على اشغال ملك الغير بابقاء زرعه فيه ولا لمالك الأرض السلطنة على ابقاء زرع الغير في أرضه من غير إذنه وطيب نفسه ( فلا يبقى ) إلا سلطنة كل منهما على تفريغ ماله وتخليصه من مال الغير ( وفي هذا ) المقدار ليس للآخر منعه من ذلك ( فكان )، لمالك الزرع السلطنة على قلع زرعه من غير أن يكون لمالك الأرض منعه من ذلك ، كما أن لمالك الأرض السلطنة على تفريغ أرضه من زرع الغير بازالته أو الامر بقلعه من غير أن يكون لمالك الزرع السلطنة على ابقائه في أرضه ( ومعه ) ابن تقع المزاحمة بين السلطنتين كي يقال بانه مع تزاحمهما وتعارض الضررين يؤخذ بأفل الضررين ( هذا ) مع أن الأخذ باقل الضررين إنما يصح ويصار اليه إذا دار الأمر بين أحد الضررين الواردين على شخص واحد فيختار أقلهما ( وأما ) إذا دار الامر بين أحد الضررين الواردين على شخصين فلا وجه للحكم بتقديم أقلهما (وتوهم) أن حكم الضرر الوارد على أحد الشخصين حكم أحد الضررين الوارد على شخص واحد في لزوم تقديم أقلعها ( مدفوع ) بأنه لا دليل عليه بل مقتضى القاعدة خلافه ( كاندفاع ) توهم لزوم التبقية بالاجرة على مالك الأرض

ص: 41

إن أراد صاحب الزرع الابقاء، بتخيل أن شمول لاضرر للضرر المجبور بالاجرة في جانب مالك الأرض وتوجهه نحو الزارع أضعف ظهور أمن شموله لضررا لقلع المجبور بالأرش المتوجه نحو مالك الأرض، فيقدم دليل نفي الضرر في جانب مالك الزرع عليه في جانب المالك ولا يتمسك بعموم دليل السلطنة بالنسبة الى مالك الأرض لكونه محكوماً بدليل نفي الضرر ( وجه الاندفاع ) يظهر مما قدمناه من أن عموم نفي الضرر باعتبار كونه مسوقاً في مقام الامتنان غير صالح لنفي الأحكام الامتنانية من نحو سلطنة المالك وذى الحق على ملكه وحقه ( مضافا ) الى منع أضعفية شموله لضرر المالك المجبور بالاجرة من شموله لضرر مالك الزرع المجبور بالا رش وتدارك نقصان ماليته ( فالتحقيق ) هو أن لمالك الارض عدم التبقية واو بالاجرة وجواز تفريغ ملكه من مال الغير زرعاً أو غرساً بازالته بلا أرش، من غير فرق بين أن يكون الوضع بحق أو بغير حق كالغصب ونحوه ( اللهم ) إلا أن يدعى الفرق بينهما من حيث عدم ضمان الارش في فرض كون الوضع من غصب لان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال فلا احترام لماله ( بخلاف ) فرض كون الوضع عن حق ( فان ) قاعدة احترام الاموال تقتضي وجوب الأرش على مالك الارض عوض نقصان مالية زرع الغير وغرسه إذا كان هو المقدم والمتولى للقل_ ( لعدم ) اقتضاء تسلطه على تفريغ أرضه من زرع الغير أو غرسه لسلب احترام مال الغير بحيث لا يجبر نقصان ماليته بالأرش، كافتضائها وجوب أجرة علم حفر الأرض على مالك الزرع والغرس لو كان هو المقدم والمتولى لازالته الزرع والفرس ، لضمانه النقص الوارد على مالك الأرض بقلع ماله ( نعم ) لو كان الاقدام من الطرفين فلا جبران عليها لمكان اقدامها .

( ثم أنه ) لا فرق فيما ذكرنا من تسلط مالك الأرض على الازالة وتفريغ ملكه من مال الغير بين مثل الزرع الذي له أمد قريب محدود يتربص وبين مثل

ص: 42

البناء والاشجار الذي ليس له أمد محدود مترص ( فانه ) على كل تقدير لا يجب على مالك الأرض التبقية ولو بالاجرة ، بل له الازالة لتخليص ماله من مال الغير من غير أن يكون لمالك الزرع أو الغرس الابقاء ( فما يظهر ) من بعضهم من التفصيل بين الزرع ونحوه، و بين مثل البناء والشجر بوجوب التبقية على مالك الارض بالاجرة في الأول ( وعدم ) وجوبه في الثاني وجواز قلعه مع الارش أو بدونه (منظور فيه) إذ لا أصل لهذا التفصيل عدا توهم قاعدة نفي الضرر التي عرفت قصورها عن الجريان في امثال المقام والتحكيم على قاعدة السلطنة على الاموال التي هي من الاحكام الارفاقية لذوى الاموال والحقوق على اموالهم وحقوقهم .

( نعم ) ربما يتمسك لوجوب التبقية في نحو الزرع بالنصوص الواردة في بيع الزرع الظاهرة في أن لصاحب الزرع التبقية الى أن يسنبل ( كقوله ) عليه السلام في خبر حريز لا بأس أن تشتري الزرع والقصيل ثم تتركه إن شئت حتى يسنبل ثم تحصده ( وإن ) شئت ان تعلف دابتك قصيلا فلا بأس قبل أن يسنبل فاما اذا سنبل فلا تعلقه رأساً فانه فساد ( وقوله ) عليه السلام فيما رواه ثقة الاسلام و الشيخ قدسر هما في الصحيح أو الحسن عن الحلبي لا بأس أن تشترى زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلفه قبل أن يسنبل وهو حشيش ( وقوله ع ) فيما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن خالد لا بأس أن تشترى زرعاً أخضر فإن شئت تركته حتى تحصد وإن شئت بعته حشيشاً ( لكنها ) كما ترى لا إطلاق لها بنحو يشمل صورة إطلاق العقد من حيث إشتراط التبقية أو القطع فصيلا لتكون صالحة لتخصيص عموم مادل على سلطنة المالك على ملكه ( بل المنساق ) منها إنما هو صورة اشتراط التبقية على البايع إن أراد إبقاء الزرع إلى أن يسنبل ويحصد ، أو إقتضاء العادة على تبقية الزرع بنحو موجب لانصراف العقد اليه الذى هو بمنزلة إشتراطها ( ولذا ) ترى بناء

ص: 43

غير واحد في فرض الطلاق العقد وانتفاء العادة المقتضية للتبقية الى أن يحصد على كون البايع بالخيار إن شاء قطعه وإن شاء تركه لقاعدة السلطنة المقتصية لتسلط مالك الارض على تفريغ أرضه من مال الغير ( وعلى فرض ) إطلاق تلك النصوص من حيث إشتراط التبقية على البايع في بيع الزرع وعدم اشتراطها في فرض عدم اقتضاء العاده أيضا التبقية في شراء الزرع حال كونه أحضر ( فلا بد ) من تقييدها في موردها بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الموثق عن سماعة .. قال سئلته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيراً أو حنطة وقد اشتراه من أصله على أن ما يلقاه من خراج فهو على العلج : فقال ع إن كان إشترط عليه إلا بقاء حين اشتراه إن شاء قطعه قصيلا وإن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلا وإلا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا، فان فعل فعليه طبقه و نفقته وله ما خرج منه ( فان ) ظاهره عدم جواز الابقاء بدون الاشتراط على البايع لكونه من التصرف في ملك الغير بغير الوجه المشروع ، فيقيد به إطلاق النصوص المتقدمة لو فرض إطلاقها من هذه الجهة كما هو مستند الاصحاب فيما قدمنا نقله عنهم من انه متى بيع لاجل الفصل من غير إشتراط الابقاء إن شاء لا يجوز التبقية بل يجب ازالته ( وما في الجواهر ) والرياض من حمل لا ينبغي على الكراهة ( منظور فيه ) لظهور الرواية في كون المراد به الحرمة وكون الحكم على طبق القاعدة المقتضية لمنع التعدى والتصرف في ملك الغسير من غير طيب نفسه ( نعم ) لا بأس بحمل ذيله على الندب وهو كون الطبق عليه إذ لا معنى لوجوب كونه عليه مع فرض اشتراط كونه على العلج ( ومع الاغماض ) عن ذلك كله يجب الاقتصار في مخالفة القاعدة على خصوص موردها والمصير في غير موردها الى العمومات المقتضية لسلطنة مالك الأرض على تخليص ملكه من مال الغير ( ولازمه ) كما قدمناه عدم الفرق بين مثل الزرع الذي له أمد

ص: 44

متربص ، وبين غيره كالبناء والأشجار ( إلا ) أن يدعى قيام الاجماع على الفرق بينهما في التفصيل المزبور كما قيل ) ولكن ) دون اثباته خرط القتاد.

لا فرق فيما ذكرنا من عدم وجوب التبقية على مالك الأرض بين أن يكون ملكية الزرع ونحوه بالاجارة أو المزارعة أو غيرهما ) ولكن ) يظهر من جماعة منهم العلامة ( قده ) التفصيل بين كون ملكية الزرع بالاجارة او بالمزارعة بوجوب التبقية على مالك الارض بالاجرة في الاول وعدم وجوبها في الثاني وكونه مخيراً بين التبقية بالاجرة وبين الازالة مع الأرش : قال في القواعد ما لفظه فان إستأجر للزرع وانقضت المدة قبل حصاده ، فان كان لتفريط من المستأجر كأن يزرع ما يبقى بعدها فكا لغاصب ، وإن كان لعروض برد وشبهه فعلى الموجر التبقية وله المسمى عن المدة واجرة المثل عن الزائد ( وقال ) في باب المزارعة ، فلو ذكر مدة يظن فيها الادراك فلم يحصل فالاقرب أن للمالك الازالة مع الأرش أو التبقية بالاجرة ، سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير أو من قبل الله سبحانه كتأخير الأهوية وتأخر المياه إنتهى ونحوه عبارة البلغة .

( أقول ) ولم يعلم وجه التفصيل المزبور بين البابين ( فان ) قاعدة نفي الضرر إن كانت جارية في أمثال المقام وصالحة للحكومة على قاعدة سلطنة الناس على أموالهم فلا فرق بين البابين ( وإن لم تكن ) صالحة للجريان كما في باب المزارعة حيث حكم فيه بتخيير المالك بين التبقية بالاجرة والازالة مع الأرش ، فلتكن كذلك فلتكن كذلك في باب الاجارة إيضا [ لأن ] المناط في أمثال هذه الموارد أمر واحد وهو عدم إقتضاء مجرد ملكية الحال والمظروف لشخص لاستحقاق ابقائه في محل يملكه غيره إلا بدليل خارج ولم يقم دليل على استحقاق بقائه الزرع في باب الاجارة دونه في باب المزارعة فالتفصيل بين البابين مما لم نقف له على مستند ( وما أفيد ) في البلغة في وجه التفرقة

ص: 45

المزبورة بين البابين ، من أن تخيير المالك في باب المزارعة بين الابقاء بالاجرة والازالة مع الأرش إنما هو لأجل أن الزرع مشترك بينهما ولا يجبر المالك على إبقاء حصته من الزرع لأن له قلعه قصيلا ، كما كان للمستأجر ذلك ، غير أن قلعه لحصته لما كان مستلزماً لضرر الزارع في حصته وجب عليه تداركه بالا رش ( منظور فيه ) فان المالك وإن لم يجبر على ابقاء حصته من الزرع فكان له القلع قصيلا ( ولكن ) مجرد ذلك لا يقتضي تخيره بين الابقاء والقلع بالنسبة الى حصة الزارع ، لامكان تقسيم الزرع بينهما بنحو لا يلزم من قلع حصة نفسه قصيلا إضراراً بالزارع في حصته ( وحينئذ ) فلو بنينا على جريان قاعدة نفى الضرر في امثال المقام وتحكيمها على قاعدة السلطنة على الأموال كما التزم به في باب الاجارة فلا محيص من القول به في باب المزارعة ايضا ( وإلا ) يلزم القول بجواز القلع في الاجارة ايضا ، فعلى كل تقدير لاوجه للتفرقة بين البابين ( بل المتعين ) بمقتضى ما ذكرناه هو القول بعدم وجوب التبقي_ة على المالك مطلقا مالم يثبت استحقاقه للبقاء بدليل خارج ، من غير فرق بين أن يكون ملكية الزرع أو الغرس بالنحو المزبور بالاجارة أو المزارعة أو الشراء أو الانتقال بالارث أو غيرها ( نعم ) في خصوص مانحن فيه وهو الانتقال بالارث الى الزوجة يمكن دعوى استحقاقه للبقاء، كما استظهرناه من أخبار الباب .

( الأمر العاشر )

لا خلاف ظاهراً بين الاصحاب في استحقاق الزوجة في الجملة من الخيار بأنواعه لكونه من الحقوق الموروثة فترث منه الزوجة كما ترث من غيره من الحقوق والأموال ( وإنما الكلام ) في الخيار المتعلق بما تحرم منه الزوجة كالاراضي والعقار في انها هل تحوم من هذا الخيار مطلقا أولا تحرم منه كذلك ( حيث ) ان فيه وحوه بل أقوال ، ثالثها التفصيل بين كون ما تحرم منه الزوجة منتقلا إلى الميت أو عنه ،

ص: 46

فترث في الأول دون الثاني ( ولكن التحقيق ) عدم الحرمان مطلفا ، لعموم أدلة الارث والبنوى : ماترك الميت من حق فهو لوارثه [ وإنتفاء ] ما يقتضى حرمانها منه ( عدا ) ما افيد من اعتبار التسلط على العوضين من حيث الرد والاسترداد في حقيقة الخيار ( لأنه نه ) علاقة لصاحبه فما انتقل عنه توجب السلطنة على إسترداده في ظرف تسلطه على التصرف فيما انتقل اليه بازائه ليكون له رد ما في يده لملك ما انتقل عن____ه وهذا المعنى لا يتصور في حق الزوجة المحرومة بالنسبة الى الأراضي والعقار ( اما ) في صورة كون الارض منتقلة الى الميت ، فلكونها ملكاً فعلياً لسائر الورثة دونها ولا معنى لتسلطها على مال الغير ( وأما ) في صورة كونها منتقلة عنه ، فهي وان كانت مسلطة على ما يخصها من الثمن ، ولكن مجرد ذلك لا يوجب سلطنتها على استرداد ما انتقل عن الميت ، إذ لا ينتقل اليها بإزاء ما ينتقل عنها من الثمن شيء من الثمن ( لأنه ) يعتبر في الخيار تملك الرد والاسترداد الى نفسه ( وفيه ) مالا يخفى ، إذ يمنع كون الخيار من تبعات السلطنة على العوضين، بل هو حق متعلق بالعقد، لا بما انتقل عنه أو اليه ، فليس حقيقة الخيار إلا مجرد السلطنة على حل العقد الذي لازمه القهري رجوع العوضين كل منهما بعد الفسخ الى ملك مالكه السابق ، وفي هذا المقدار لا يعتبر الملكية ، بل ولا كون صاحبه مسلطاً على العوضين أو أحدهما حتى تحرم عنه الزوجة ، بشهادة ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة ، وللاجنبي المجمول له الخيار ، مع وضوح عدم كونهما مسلطين على العوضين ، بل على مجرد حل العقد ( ولا دليل ) على اعتبار أزيد من ذلك في حقيقة الخيار حتى في المالكين ، وكون المالك مورداً للرد عن نفسه والاسترداد الى نفسة غير مرتبط بحقيقة الخيار التي هي ملك فسخ العقد و اقراره كعدم ارتباط تسلطها الخارجى على العوضين من حيث الرد والاسترداد في حقيقته ، فان لملك فسخ العقد و اقراره مقام وللسلطنة على المنتقل اليه أو عنه مقام آخر .

ص: 47

( وحينئذ ) نقول إن اريد من السلطنة على العوضين من حيث الرد والاستراد السلطنة عليهما إعتباراً من حيث كونه من لوازم حل العقد وفسخه ، فهو مسلم ( ولكن ) المدعى ، ثبوت ذلك للزوجة ايضاً بأدلة الارث حتى في الخيار المتعلق ببيع الأرض والعقار، حيث لا يمنع عن إرثها من الخيار حرمانها منهما ( لان ) ثبوت الخيار لها أنما كان بدليل الارث ، لا يمناط التبعية لارثها من المال حتى يقتضى حرمانها من الارض حرمانها من الخيار المتعلق بها ( ومن هنا ) تقول بثبوت الخيار للوارث في صورة كون الدين مستوعباً للتركة حتى على القول بعدم انتقال التركة الى الوارث مع استيعاب الدين لها ( وكذا ) في غير الولد الاكبر بالنسبة الى الحبوة ( وان اريد ) اعتبار أزيد من هذا المقدار في حقيقة الخيار من التسلط على استرداد ما انتقل عنه الى نفسه والتسلط على المنتقل اليه ، فهو مما يطالب بالدليل حتى في المالكين فان مجرد كونهما موردين لهذين لا يقتضى اعتبارهما في حقيقة الخيار .

( وحينئذ ) فاذا لا يعتبر في الخيار الثابت للمالك إلا مجرد السلطنة على حل العقد وجعله كأن لم يكن بلا إعتبار أمر زائد فلا يعتبر في إرثه ايضا ذلك ( لأن ) معنى أرث الخيار إنما هو تملك الوارث ما كان للميت ، ولازمه هو إرث الزوجة من الخيار الثابت المميت ولو كان متعلقاً بما تحرم منه الزوجة ( من غير ) فرق بين أن يكون ما تحرم منه الزوجة منتقلا إلى الميت أوعنه ( اذ لا يعتبر ) في الخيار الذي هو حل العقد التبعية لملك المال او السلطنة عليه ولا استرداد الفاسخ الى نفسه والرد عن نفسه بشهادة ما عرفت من ثبوته للوكيل والأجني المجعول له الخيار وإن أبيت الا من اعتبار الرد والاسترداد اما الى نفسه أو الى من هو منسوب من قبله وأن خيار الوكيل والاجنبي انما هو باعتبار كونهما منصوبين من المالك كما أفاده الشيخ قده ( نقول ) أن الزوجة باعتبار واريثيتها تكون خليفة عن الميت فيما كان له وباعمالها الخيار تسترد أحد الموضين الى الميت وترد الآخر وان

ص: 48

كانت هي محرومة من أصل المال ( وتنقيح ) الكلام بأزيد من ذلك موكول الى محل آخر ( ولقد ) ذكر نا شطراً وافياً من الكلام فيما يتعلق بالمقام في باب البيع في مبحت أحكام الخيار ( والمقصود ) في المقام مجرد الاشارة الى ثبوت الخيار لها فيما يتعلق بالأراضي والعقار وأنه ليس إرثها من الخيار من توابع إرثها لاصل المال ، ولا كان معنى الخيار حق الرد والاسترداد الى نفسه وعنه وانما هو مجرد حق حل العقد وجعله كأن لم يكن الذي لازمه رجوع العوضين كل منهما الى مالكه السابق .

( الامر الحادي عشر )

إذا كان للميت أرض مشتراة بخيار له أو لصاحبه ، ففي استحقاق الزوجة حصتها من المن بعد الفسخ أو حرمانها منه خلاف بين الاعلام ( ولا يخفى ) ان الخلاف فى هذه المسئلة غير مبتنى على الخلاف في المسئلة السابقة ، لامكان القول بارئها من الثمن في هذه المسئلة مع البناء على حرمانها من الخيار في المسئلة السابقة ، كامكان القول بالعكس فبين المسئلتين تكون النسبة العموم من وجه ولا تلازم بينهما .

( ثم ان المختار ) في المسئلة هو استحقاقها مما قابلها من الثمن بعد فسخ المعاملة ، لاقتضاء الفسخ ولو من الحين تبديل عنوان التركة من الخصوصية الموجبة لحرمان الزوجة منها الى عنوان آخر غير موجب لذلك ( ولازمه ) إرثها في مقدار حصتها مما قابل العين من الثمن بعد الفسخ ( لا يقال ) أن الأمر كذلك اذا كان قضية الفسخ كونه ح____لا للعقد من الاول ( وإلا ) فبناءاً على كونه حلا للعقد من الحين كما هو التحقيق فلازمه رجوع العوضين كل منهما بالفسخ الى المالك الفعلى الاخر دون غيره ( فاذا ) كان المفروض ملكية الأرض المشتراة لسائر الورثة دون الزوجة ودون الميت لفرض إنتقالها بالموت الى الوارث ، فلا بد من رحوع ماقابلها من الثمن الى الوارث الذي خرج الأرض بالفسخ من ملكه ، فلا وجه لرجوعه الى الميت ، ولا لصيرورته بحكم

ص: 49

ماله كي يتجدد الارث فترث منه الزوجة ( و بهذه ) الجهة منع ايضا من ارثها من الخيار المتعلق بمعاملة الأراضي والعقار ( فانه يقال ) أن مجرد كون الفسخ حلا للعقد من الحين لامن الأول غير مجد في منع الزوجة من إرث الثمن ، إلا بضميمة مقدمة خارجية ممنوعة ( وهي ) دعوى كون مفاد العقد عبارة عن مجرد أحداث العلقة البدلية بين المالين في عالم الاعتبار من دون ملاحظة إضافتها الى طرفي العقد أعنى المالكين من حيث الدفع والجذب ( إذ حينئذ ) يمكن منع استحقاق الزوجة نصيبها من الثمن «لأن» حل العقد في كل زمان يقتضي قلب العلقة البدلية بين المالين في ذلك الزمان ( فني ) زمان ملكية الأرض للميت تكون قضيته الفسخ رجوع الثمن إلى ملكه بمقتضى الملكية السابقة ( وفى زمان ) ملكيتها للوارث يكون الفسخ موجباً لرجوع الثمن إلى خصوص الوارث المالك للارض ولازمه حرمان الزوجة من الثمن المسترد بالفسخ ( كما ان ) لازمه ، فى فرض عكس المسئلة وهو كون الأرض منتقلة عن الميت ، الالتزام باستحقاق الزوجة نصيبها من الأرض المستردة بالفسخ ، لعدم كون إستحقاقها منها حينئذ بعنوان الارث من الميت حتى يمنع عنه ، وأنما هو بعنوان الفسخ الموجب لرجوع العوضين كل منهما إلى المالك الفعلى للآخر .

( ولكن ) الشأن في تمامية هذا المبني ( بل نقول ) أن مفاد العقد الذي اقتضى الفسخ حله عبارة عن العلقة البدلية بين المالين على نحو لو حظ ايضا اضافتها الى المالكين ولو باعتبار إشراب حيث الدفع الى الغير والجذب منه فى الالتزام العقدي من المتعاقدين في مقام المعاوضة والمبادلة ( ولازمه ) إقتضاء الفسخ قلب عنوان دافعية البائع للمثمن من الحين الى جاذبيته له ، وبالعكس في طرف المشتري ( الملازم ) في الفرض لاعتبار خروج الأرض من ملك الميت ودخول الثمن في ملكه ولو حكما المساوق لقلب عنوان التركه من الحين بعنوان آخر ينتقل مثله اليها ولازمه هو الالتزام بارث الزوجة من الثمن ( كما ان )

ص: 50

لازمه فى عكس المسئلة هو الالتزام بحرمان الزوجة ، لصيرورة الأرض المستردة بالقنح يحكم مال الميت الذي لا ينتقل مثله الى الزوجة .

( وإن شئت )قلت أن مقتضى كون الفسخ حلا للعقد ولو من الحين وجعله كان لم يصدر من المتعاقدين هو رجوع كل من العوضين الى من له العقد بمقتضى الملكية السابقة ولا يكون من له العقد الا البايع الميت دون الوارث ، ولازمه إستحقاق الزوجة من الثمن المقابل للعين ، لتبدل عنوان التركة من الحين الى عنوان آخر لا تحرم

الزوجة من مثله .

( وأما ) توهم عدم قابلية الميت لان ينتقل اليه المال حقيقة ولا حكما بصيرورة الثمن بحكم ماله ( فمدفوع ) بانه لو سلم عدم قابلية الميت للانتقال الجديد ، فلا مانع من صيرورته بحكم ماله ( فان ) الملك الحكمي مما لا محذور فيه ، كما في نماء ثلثه وأرش جنايته .

( ودعوى ) أن من له العقد بعد الموت إنما يكون هو الوارث ( فانه ) باعتبار كونه خليفة عن الميت الموجب لاعتبار كون العقد على مال الميت واقعاً على ماله المستقبع الرجوع الثمن بالفسخ اليه لا الى الميت حتى يرثه الوارث منه ( مدفوعة ) بأن كون الوارث خليفة عن الميت ونازلا منزلته في كون العقد الواقع على المال واقعاً على ماله إنما يقتضي رجوع المال اليه في فرض عدم امكان رجوعه الى الميت ومن له العقد التحقيقي ( والا ) فعلى فرض امكان رجوعه الى الميت ولو حكما فلا مجال لرجوعه الى من هو نازل منزلته في كونه ممن له العقد ( وحينئذ ) فاذا كان قضية الفسخ عود المال الى من له العقد التحقيقي ، يلزمه ارث الزوجة من الثمن المسترد بالفسخ ، كما أن في عكس المسئلة يلزمه حرمانها من الأرض المستردة ، من غير فرق في ذلك كله بين أن يكون الخيار للميت أو لطرفه .

ص: 51

( ولكن ) يظهر من بعض من عاصر ناه التفصيل في المسئلة بين أن يكون الخيار للمشتري الميت أو للبايع فقال بارث الزوجة من الثمن في الأول دون الثاني ببيان ، أن الزوجة وان لم ترث من العقار شيئاً ، الا أنها بارتها للخيار ملكت أن ملك بالفسخ ، فاذا فسخت ملكت بقدر نصيبها لارثها للعلقة ( ولكنه ) كما ترى فان الفسخ لو اقتضى رجوع ما قابل العين الى ملك الميت ولو حكما ، فلا فرق فيه بين كون الفسخ بخيار للمشتري الميت أو للبايع ، فان الزوجة في الصورتين تستحق من الثمن بقدر نصيبها ، بلحاظ تبدل عنوان التركة من الحين بعنوان آخر ينتقل مثله اليها ( وان اقتضى ) رجوعه الى المالك الفعلى للأرض حين الفسخ الذي هو الوارث يلزمه حرمان الزوجة من الثمن في الصورتين ( ومجرد ) ارئها للخيار لا يؤثر في ارتها من المال ، ولذلك أشرنا في أول المسئلة بانه لا تلازم بين ارئها للخيار وبين ارثها من المال ، لان النسبة بين المسئلتين تكون بنحو العموم من وجه ( هذا ) آخر ما أوردناه في هذه المسئلة والحمد لله أولا وآخراً ( وقد حصل ) الفراغ من تسويدها على يد العبد الجاني على نفسه الراجي رحمة ربه محمد تقي النجفي البروجردي ابن عبدالكريم على الله عن جرائمهما بالنبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين في شهر ذى القعدة الحرام سنة الالف وثلاث مائة و احدى وستين من الهجرة النبوية عليه وعلى وصيه وابن عمه وعلى الأئمة المعصومين من ذريته آلاف الثناء والتحية .

ص: 52

فهرس

فهرس ما فى رسالة نخبة الافكار فى حرمان الزوجة من الاراضي والعقار

بیان عدم الخلاف بين الاصحاب في حرمان الزوجة من بعض تركة زوجها في الجمله....2

تضعيف كلام الاسكافي قدس سره على فرض ظهور كلامه فى المخالفة في اصل المسئلة...3

المقام الاول : بيان الاقوال والاخبار الدالة على حرمان الزوجة من مطلق الارض....4

دفع المناقشات في اخبار الباب....8

تضعيف قول المفيد والسيد والمنسوب الى الشيخ قدس سرهم....11

المقام الثاني: اثبات عموم الحرمان لمطلق الزوجة و هو ثاني القولين في المسئلة....12

التنبيه على بعض الامور المهمة....17

الامر الاول : عدم الفرق في حرمان الزوجة من الاراضى مطلقا ومن البناء والاشجار عيناً بين ان يكون معها وارث غير الامام (ع) و بين ان لا يكون معها وارث غيره....17

الامر الثاني: الامور التي تحرم الزوجة من اعيانها....17

حرمان الزوجة من اعيان الابنيه....17

حرمانها من اعيان آلات البناء....18

حد حرمانها من العيون والآبار....20

حرمانها من اعيان الاشجار و غصانها....21

الامر الثالث: في كيفية تقويم البناء والآلات....21

ص: 53

الامر الرابع: في تحقيق ان استحقاق الزوجة للقيمة هل هو باصل الارث او من حيث بدليتها عن العين....25

بيان بعض الثمرات المترتبة على الوجهين....29

الثمرة الاولى : كون العبرة في القيمة على وقت الموت او الاداء....29

الثمرة الثانية : عدم جواز تصرف الوارث فى العين الا بعد دفع حق الزوجة وجوازه....30

جوب دفع القيمة على الوارث اذا تلف العين، وعدم وجوبه....32

الثمرة الثالثة : اختصاص المنافع والنماءات الحاصلة بين الموت و زمان دفع القيمة بالوارث او اشتراك الزوجة معه فيها....34

الثمرة الرابعة : وجوب دفع القيمة على الوارث و اجباره على التقويم و عدمهما....34

الامر الخامس : في حكم اجتماع ذات الولد و غيرها....35

الامر السادس: لزوم توزیع دین الميت على مجموع التركة مما ترث منه الزوجة و ما تحرم منه....٣٦

الامر السابع : في ان حق الزوجة حق مالي يجوز الصلح عليه للاجنبى او لبعض الورثة....37

الامر الثامن : في عدم الفرق فيما تحرم منه الزوجة عيناً بين ان تكون الارضى التي فيها البناء والاشجار ملكاً للزوج الميت او للزوجة....37

الامر التاسع : فى ان الزوجة ترث نصيبها من عين الزرع و ذكر بعض ما يتعلق به....٣٧

الامر العاشر : في ارث الزوجة من الخيار المتعلق بالاراضي والعقار....46

الامر الحادى عشر : فى استحقاق الزوجة مما قابلها من ثمن الارض المشتراة بخيار للميت او لصاحبه بعد فسخ المعاملة....49

ص: 54

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.