تعليقة القوچاني على كفاية الأصول المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ علي القوچاني

المحقق: محمّد رضا الدّانيالي

المطبعة: ستاره

الطبعة: 0

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 1430 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-31-7

المكتبة الإسلامية

تعليقة القوچاني علی كفاية الأصول

تأليف: آية اللّه العظمی العلامة المحقق المدقق نادرة دهرة الشيخ علي القوچاني قدس سره

الجزء الثاني

تحقيق: محمد رضا الدانيالي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين

الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم

أعداء الدين أجمعين.

ص: 3

ص: 4

المقصد السادس: الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا

اشارة

ص: 5

ص: 6

القطع

423 - قوله : « وكان أشبه بمسائل الكلام لشدة مناسبته مع المقام ».

423 - قوله : « وكان أشبه بمسائل الكلام لشدة مناسبته مع المقام ». (1)

وجه كون أحكام القطع أشبه بالكلامية : لكون مثل وجوب اتّباعه ، وتنجيزه الواقع والعذر في مخالفته ، وسائر أحكامه الآتية ، عقلية صرفة بدون أن يكون واحد منها واقعا في طريق الاستنباط. نعم الادلة التي صارت سببا لحصول القطع بالحكم الشرعي قاعدة اصولية كانت نتيجتها حكما فرعيا.

ومنه يظهر وجه مناسبته مع المقام ، لانّ القطع بالحكم قطع بالنتيجة للمسائل الاصولية ، فيكون معيارا لتميزها وضابطا لكون المقدمات التي كانت مفيدة له من مهمات الاصول ؛ بخلاف القطع بغير الحكم الشرعي ، فانّه لا ربط له بالاصول ولا نتيجتها كما هو واضح.

فقد ظهر انّ البحث عن المقدمات مثل خبر الواحد والاجماع وغيرهما من سائر الاسباب - وجودا تارة وحجية اخرى - من المهمات ؛ والبحث عن القطع نتيجتها من المناسبات.

424 - قوله : « فاعلم انّ البالغ الذي وضع عليه القلم اذا التفت الى حكم فعلي .... الخ ».

424 - قوله : « فاعلم انّ البالغ الذي وضع عليه القلم اذا التفت الى حكم فعلي .... الخ ». (2)

ولا بد في المقام من بيان المرام مما أخذ في المقسم من القيود ، فنقول :

ص: 7


1- كفاية الاصول : 296 ؛ الحجرية 2 : 3 للمتن ، و 2 : 3 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 296 ؛ الحجرية 2 : 3 ، و 2 : 4 للتعليقة.

انّ المراد منه على ما يظهر من حاشية الاستاذ (1) ليس خصوص من تنجز عليه التكليف وقطع عنه العذر. ولكن الحق انّ المراد منه خصوص الفعلي كما سيظهر وجهه ، وانّ قيد الالتفات احترازي على ما هو الاصل في القيود احترز به عن غير الملتفت ، فعدم تعلق غرض الاصولي به لكون المهم عنده بيان الحكم الذي يصلح أن يستند اليه المكلف في مقام العمل ، ولا يعقل الاستناد الى حكم غير الملتفت.

ثم انّ قيد الالتفات إنما هو لدخالته في حكم الاقسام لا في نفس [ المقسم ] (2) كما لا يخفى. والمراد من الحكم الفعلي هو الحكم الالهي المتعلق بالموضوعات الكلية الذي من شأنه أن يؤخذ من الشارع ، بلا فرق فيه : بين كونه ثابتا للعناوين الاولية للاشياء بما هي هي الذي يسمى في الاصطلاح « واقعيا أوليا » ، أو ثابتا لها بما هي مشكوكة الحكم سواء كان الشك مأخوذا في موضوعه كما في الاصول الشرعية ، أم لا كما في مورد الامارات.

ووجهه عدم الفرق - في جريان آثار القطع وأحكامه من وجوب الاتّباع عقلا ونحوه وأقسامه الآتية من الطريقي والموضوعي والاجمالي والتفصيلي ونحوها - بين أن يتعلق بالحكم الواقعي أو الظاهري.

وتوهم : الفرق بعدم الإجزاء فيما لو انكشف الخلاف في صورة القطع [ بالواقعي ] (3) الاولي ، دون ما اذا تعلق بالظاهري ، فانّ الحكم بحسب القاعدة هو الإجزاء في صورة كشف الخلاف في خصوص مؤدّى الاصول ، أو في مؤدى الامارات أيضا كما مال اليه الشيخ رحمه اللّه كما هو. (4)

مدفوع : بأنّ الإجزاء في موردها - على القول به - إنما هو في صورة تخلف

ص: 8


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 21 ، والطبعة الحجرية : 1.
2- في الاصل الحجري ( القسم ).
3- في الاصل الحجري ( بالواقع ).
4- فرائد الاصول 1 : 33.

المقطوع عن الواقع ، لا فيما تخلف القطع عن متعلقه كما لو قطع بحجية خبر الواحد ثم انكشف عدم الحجية ، فانّه لا اشكال في عدمه أيضا كما في صورة كشف الخلاف في القطع بالواقع.

واذا ظهر عدم الفرق في آثار القطع في موارد تعلقه بالحكم الفعلي ، فلا وجه لمقابلة الامارات والاصول الشرعية مع القطع كما في كلام شيخنا العلامة - أعلى اللّه مقامه في أول الفرائد - ان كان مراده اختصاص آثاره بخصوص ما اذا تعلق بالواقعي الاوّلي ، وإلاّ فلا فائدة في هذه المقابلة فيما هو المهم من بيان الضابط لجريان الآثار الخاصة للشقوق.

ان قلت : ما ذكرت في وجه عدم الاختصاص - من عمومية آثاره لمطلق القطع بالحكم الفعلي - يقتضي جعل المقسم الالتفات الى مطلق الحكم ولو لم يكن شرعيا أيضا ، لا سيّما بناء على كون تعيين وظيفة العمل عقلا من الاصول أيضا ، فما وجه الاختصاص؟

قلت : الوجه : كون المهم للاصولي البحث عما يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي والتوصل الى ما ينتهي اليه في مقام العمل ، فلا وجه لتعميم صور المبحث لأن يشمل مطلق الحكم ولو كان عقليا. وامّا العقلي المتعلق بحكم العمل فانما هو في مورد الالتفات الى الحكم الشرعي ؛ فلا بد من جعل المقسم خصوص الملتفت الى الحكم الشرعي ثم بيان حكمه في صورة القطع به وفي صورة عدمه على حدة ، ولو بناء على كون تعيين وظيفة العمل مطلقا من مسائل الاصول أيضا كما لا يخفى.

ومنه يظهر انّ البحث عن الاصول العقلية مع عدم وقوعها في طريق الاستنباط - لكون البراءة مجرد الأمن من العقاب عند البيان مثل عدم التنجيز العقلي المستلزم لصحة المخالفة عملا ، عكس الاشتغال الحاكم بالعقاب عند المخالفة - إنما

ص: 9

يكون مقصودا بالاصالة بناء على تعميم الفرض.

فان قلت : فعلى ما ذكرت - من جعل المقطوع الحكم الفعلي الشرعي - يخرج من حكم القطع ما جعل منه وهو قيام الامارة مقامه ، لأنها إن كانت حجة فيدخل ذلك في القطع ، وإلاّ فلا تقوم مقامه أصلا.

قلت : وجه جعله من حكمه باعتبار ذات الامارة مع قطع النظر عن دليل اعتباره ، وان كان بملاحظة دلالته على الحجية التي عين قيامها مقام القطع يدخل في أقسامه أيضا.

فان قلت : بعد جعل متعلق القطع مطلق الحكم الشرعي ولو كان ظاهريا ، فما وجه تخصيصه بالفعلي؟

قلت : الوجه انّ للحكم مراتب أربعة :

أولاها : مجرد وجود المقتضي للحكم.

وثانيتها : انشاء الحكم على طبقه دون بعث وزجر على العمل فعلا ، امّا لعدم المقتضي للمرتبة الفعلية كعدم استعداد المكلفين مثلا ، أو لوجود المانع عنها.

ثالثتها : وصولها الى المرتبة الفعلية من قبل الشارع من دون أن يكون منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة والمثوبة على المخالفة والموافقة عقلا ، لعدم العلم به مثلا.

رابعتها : وصولها الى مرتبة التنجز الموجب للاستحقاق المذكور.

ولا يخفى انّه انّ ما هو بحكم العقل بمجرد القطع بالمرتبة [ الرابعة ] (1) كما سيجيء ، كما انّ الثلاثة السابقة [ إنما ] (2) هي من قبل الحاكم.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ آثار القطع من وجوب الاتّباع ونحوه إنما تترتب عليه اذا تعلق بالحكم الفعلي لا بالمرتبتين الأوّلتين ، لعدم التكليف بالعمل فيهما

ص: 10


1- في الاصل الحجري ( الثالثة ).
2- في الاصل الحجري ( انها ).

حقيقة ، وان كان ربّما يترتب عليه آثار أخر غير ما نحن بصدده من بيان أحكامه في مقام العمل المحركة للمكلف اليه.

فان قلت : على ما ذكرت من التقسيم الثنائي يتداخل القسمان في الحكم ، من جهة كون بعض ما لا يحصل فيه القطع بالحكم الشرعي الفعلي بحكمه في وجوب الاتباع عقلا ، مثل الظن في زمان الانسداد بناء على الحكومة.

قلت : الفرق : انّ حكم العقل في القطع إنما هو بنحو التنجيز والعلية ، وفي الظن إنما هو بنحو الاقتضاء والتعليق بعدم المنع الشرعي.

نعم الأحسن في التقسيم الثنائي أن يقال هكذا : « المكلف : امّا أن يحصل له القطع بالحكم الفعلي وما بحكمه في بعض الآثار على بعض الوجوه كالظن المذكور فيتّبع عقلا ، أو لا ، فالمرجع الاصول العقلية » ليشمل قوله : « وما بحكمه الامارات الشرعية » بناء على ما ذهب اليه الاستاذ (1) قدس سره من كون المجعول فيها الحجية ، لا الحكم المماثل لمؤداها على ما هو المشهور. نعم بناء على تعميم متعلق القطع للأعم من الحكم التكليفي والوضعي فلا يحتاج الى الالحاق كما لا يخفى.

ثم انّ الظاهر من كلام شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه - بقرينة تثليث الاقسام باعتبار القطع والظن والشك بقوله : « فامّا ان يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن » - (2) جعل المقسم هو الحكم الواقعي ، والامارات الشرعية من القسم الثاني ، والاصول من الثالث.

ولكنه أورد عليه الاستاذ : (3)

أولا : بأنه يلزم اختلاف القطع مع الظن والشك في المتعلق من حيث لزوم أخذه فيه خصوص الحكم الفعلي - كي يترتب عليه آثاره من وجوب الاتباع عقلا

ص: 11


1- كفاية الاصول : 319.
2- فرائد الاصول 1 : 25.
3- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 21 ، والطبعة الحجرية : 2 السطر 14.

ونحوه كما عرفت - والأعم منه ومن الانشائي فيهما ، حيث انّ العمل على طبقهما :

ان كان بحكم العقل كالظن الانسدادي - حكومة - والاصول العقلية فمتعلقهما الحكم الفعلي ، لعدم حكم العقل بدون أخذه كذلك.

وان كان بحكم الشرع كالامارات المعتبرة والاصول الشرعية فمتعلقهما الحكم الشأني ، حيث انّ الواقع في مورد الامارات والاصول انما يكون شأنيا ، وإلاّ لزم اجتماع المثلين أو الضدين بدونه.

والتحقيق : عدم الفرق بحسب المتعلق ، بأن يجعل في الجميع الحكم الفعلي بمعنى انّه لو علم به المكلف لتنجز ، لا بمعنى الحكم البعثي كما يأتي في بعض المباحث الآتية وان كان واصلا الى حدّه في مورد القطع دون مورد الامارات والاصول الشرعية ؛ إلاّ أنه لا يوجب التفاوت بينهما في جعل المتعلق فعليا بمعنى في الجميع كما لا يخفى.

وثانيا : بأنه يلزم تداخل الاقسام بحسب الحكم مع كون غرضه قدس سره بيان الضابط بحسبه ، حيث انّه ربّ ظن غير معتبر يجري عليه أحكام الشك ، وربّ شك قد اعتبر في مورده أمارة لا تورث الظن ؛ وتعميم الظن الى الشخصي والنوعي لا يجدي بالنسبة الى الامارات المعتبرة تعبدا - لا من باب افادة الظن ولو نوعا - كأصالة الصحة والقرعة ، مع استلزامه الفرق بين الظن وبين القطع والشك بأخذه نوعيا وأخذهما شخصيا ؛ وقد عدل - بناء على جعل المقسم هو الحكم الواقعي - مما ذكره الشيخ (1) رحمه اللّه من التقسيم الثلاثي الى ما ذكره قدس سره في المتن. (2)

ولكنه وان سلم عن التداخل إلاّ أنه يبقى اختلاف المتعلق في الصور الثلاثة - بأخذه فعليا في القطع وشأنيا في غيره - بحاله وان كان متعلق الامارة بحسب مؤداها فعليا ، وإلاّ فلا يجب اتباعها كما لا يخفى ، إلاّ أنه بحسب مقام الاثبات ؛ امّا

ص: 12


1- في بداية فرائد الاصول 1 : 25.
2- كفاية الاصول : 296.

بحسب مقام الثبوت فلا بد من أن يجعل الواقع شأنيا ، دفعا لمحذور الاستحالة.

نعم قد يدفع اشكال الاختلاف بجعل المقسم هو الفعلي - بالمعنى الذي عرفت - بلا لزوم اجتماع الضدين أو المثلين في مورد الامارات أو الاصول ؛ مع أنّه لو جعل الحكم في مؤدّى الامارات هو الحجيّة أو الحكم الطريقي فلا بأس بجعل المقسم في موردها فعليا بقول مطلق كما سيأتي في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي.

ولكنه مع ذلك يختلف البحث في تقسيمه قدس سره بكونه كبرويا في الاول والثالث وصغرويا في الثاني ؛ وان شئت ان يكون فيه كبرويا أيضا فلا بد أن يجعل اللحاظ والاعتبار في ناحية الموضوع ، لا في ناحية الحكم ، بأن يقال : وعلى الثاني فان قامت عنده أمارة ملحوظة شرعا أو عقلا موضوعا للحجية فهي المرجع ، وإلاّ فيرجع الى الاصول العملية عقلية أو نقلية.

ثم انّ تعيين الضابط لمجرى الاصول العملية في القسم الثالث وان كان يتعذر أو يتعسر - بنحو لا يتداخل في المجاري ، لكثرة الشروط لكل منها ، فيتوقف الضبط على ملاحظة شروط كل واحد في تعيين مجراه ، ولذا أورد الاستاذ (1) دام ظله على الضابط المذكور في كلام الشيخ (2) رحمه اللّه بما هو مسطور في تعليقته على الفرائد - إلاّ أنّ الأصوب في الضبط بنحو لا يتطرق اليه الاختلال إلاّ نادرا أن يقال :

التكليف المشكوك : امّا أن يكون ملحوظا فيه الحالة السابقة فهو مجرى الاستصحاب ، أم لا. وعلى الثاني : امّا أن ينهض حجة على المشكوك ، أم لا ، والثاني مجرى البراءة. وعلى الاول : امّا أن يمكن فيه الاحتياط فهو مجرى الاحتياط ، أم لا فهو مجرى التخيير.

والمراد من التكليف المشكوك جنس الالزام.

ص: 13


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 22 ، والطبعة الحجرية : 2.
2- فرائد الاصول 1 : 25.

والمراد من اللحاظ لحاظ الشارع الحالة السابقة موضوعا لحكم الاستصحاب.

والمراد من الحجة ما يصح معه المؤاخذة ولو كان مجرد الاحتمال قبل الفحص.

اذا عرفت ذلك فاعلم :

انّه يدخل في الاستصحاب كل ما يشمله دليله ولم يكن مانع عنه من اجماع وغيره ، كالشبهات البدوية بعد الفحص مطلقا ، وقبله فيما كانت الحالة السابقة للتكليف ، والشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فيما اذا كانت الحالة السابقة لأحد الطرفين ، وفيما اذا كانت الحالة السابقة للتكليف فيهما بناء على ثبوت المقتضي له في مورد العلم ، الى غير ذلك من الموارد.

ويدخل في البراءة الشك في الجنس بعد الفحص سواء أمكن فيه الاحتياط كدوران الامر بين الوجوب وغير الحرمة ، والدوران بين الوجوب والحرمة والاباحة.

ويدخل في الاشتغال الشك في التكليف قبل الفحص ، ومورد العلم الاجمالي مطلقا فيما أمكن فيه الاحتياط مع عدم حالة سابقة ملحوظة للشارع.

ويظهر مما ذكر مجرى التخيير بلا انتقاض لواحد من المجاري على الآخر ، كما في الضوابط المذكورة في الفرائد (1) فراجع.

425 - قوله : « الامر الاول : لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا ».

425 - قوله : « الامر الاول : لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا ». (2)

لا يخفى انّ هذا الحكم إنما هو عند تعلقه بالمرتبة الفعلية ، بلا فرق بين كونه متعلقا بها ابتداء وبين كون الوصول [ الى تلك ] (3) المرتبة بنفس القطع عند تحقق

ص: 14


1- فرائد الاصول 1 : 25 - 26.
2- كفاية الاصول : 297 ؛ الحجرية 2 : 4 للمتن ، و 2 : 10 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( بتلك ).

المقتضي وعدم المانع عنها إلاّ الجهل لو قلنا باستفادة كون القطع بالواقع شرطا في الفعلية من الأخبار ، فيحصل القطع بها ثانيا.

ثم لا اشكال في انّ حكمه في المتن إنما هو ثابت بالضرورة والوجدان بلا احتياج الى اقامة بيان وبرهان ، حيث انّ كل برهان إنما هو لانتهائه الى القطع فحجيته تكون بذاته ، كما انّ سلسلة الموجودات تنتهي الى وجود الواجب وهو يكون موجودا بذاته وإلاّ لدار أو تسلسل ، ولا شبهة في ذلك.

إنما الكلام في انّ هذا الحكم هل هو بنحو العلية التامة أو الاقتضاء؟

وبعبارة اخرى : هل يقبل الحكم المذكور [ الجعل ] (1) التأليفي أصالة ، بمعنى صيرورة القطع ذا حكم كذلك؟ أو لا يقبل ذلك إلاّ بالعرض ، تبعا للجعل البسيط المتعلق بالقطع تكوينا.

ويبتني معرفة ذلك على معرفة الاحكام والآثار الثابتة للاشياء ، وهي على قسمين :

الاول : ما يكون من عوارضه القابل انفكاكها عن الشيء.

والثاني : ما يكون من لوازمه الضرورية.

والقابل للجعل أصالة هو الاول لا الثاني ، لانّ الضرورة مناط الغنى ، وإلاّ لكان مناط الحاجة.

اذا عرفت ذلك فنقول : انّ الحكم المذكور من لوازم القطع بالحكم الفعلي ، بحيث يكون ثبوته عند القاطع من البديهيات عند الالتفات ، فلا يقبل [ الجعل ] (2) اصلا تكوينا :

لا اثباتا ، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل وتسلسل أيضا ، ومع ذلك لا يثبت التنجز بعدم الانتهاء الى ما لا يحتاج الى الجعل. ولا يخفى انّ التسلسل يعرض : تارة : في

ص: 15


1- في الاصل الحجري ( للجعل ).
2- في الاصل الحجري ( للجعل ).

وجوب اتّباع القطع ؛ واخرى : في نفس القطع ، لتكثره بتكثير الحكم المتعلق به ؛ ثالثة : في الارادات الكاشف عنها وجوب الاتّباع. وفرض القضية الطبيعية في الانشاء وان كان يجدي في رفع [ حالة ] (1) التسلسل في وجوب الاتّباع ، إلاّ أنّه لا يجدي بالنسبة الى افراد القطع والارادة المتعلقة باتّباعها كما لا يخفى.

ولا نفيا ، لانّه مع تعلق الجعل برفع هذا اللازم عن القطع بالحكم الفعلي :

فان ارتفع ذلك عن الملزوم لزم تخلف اللازم ، أو نفس الملزوم أيضا لزم الخلف.

وان بقيا لزم التناقض في نفس هذا اللازم ، والتضاد بين الجعل المتعلق برفعه مع الجعل المتعلق بالحكم المقطوع وهو المراد من التضاد في عبارة المتن ، لا التضاد بين الحكم المقطوع كالوجوب مثلا وبين ضده كالترخيص مثلا في موضوعهما وهو عمل المكلف ، لأنّه - مضافا الى انّ الظاهر من التصرف في حجية القطع عدما هو نفي وجوب الاتّباع الفعلي اللازم لحكم المولى عند القطع به مع بقاء الملزوم بحاله بلا تصرف آخر في البين انّه - على تقدير التسليم يلزم منه نفي الوجوب المقطوع ، فيلزم منه الخلف لاجل حكم آخر ، كي يلزم منه اجتماع الضدين ، فتدبر.

واذا عرفت عدم تعلق الجعل التكويني تعرف عدم الجعل التشريعي بطريق أولى لأنّه - مضافا الى ما مر - لا يتعلق بالامور الواقعية ولوازمها كما في ما نحن فيه ، ولا يتفاوت ذلك باختلاف أسباب القطع.

وما نسب الى الأخباريين (2) من عدم حجية القطع الحاصل من الدليل العقلي فسيجيء ما فيه مع توجيهه ان شاء اللّه تعالى.

ص: 16


1- في الاصل الحجري ( الحالة ).
2- الفوائد المدنية : 256 - 259 ؛ غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام ( مخطوط ) : 45 - 47 ؛ الحدائق الناظرة 1 : 125 - 133 ؛ الدرر النجفية : 148 السطر 8.

وقد توهم بعض (1) بكون القطع قابلا للرفع ، قياسا بالظن الثابت في حال الانسداد.

وأجاب عنه الاستاذ (2) قدس سره في التعليقة : بأنّه مع الفارق ، لكون الحجية في القطع بنحو العلية التامة وفي الظن بنحو الاقتضاء والتعليق ، وانّ الموضوع للحكم الظاهري لا يكون محفوظا مع العلم فيلزم المضادة من منع العمل به ، وحيث انّه محفوظ مع الظن فلا يلزم المضادة معه في صورة النهي عنه.

ولكنه يرد عليه : بلزومه فيه أيضا مع تعلقه بالفعلية الحتمية ، حيث انّ الظن باجتماع الضدين كالقطع في الاستحالة. وان أخذ المتعلق الفعلي التعليقي الممكن الاجتماع مع حكم آخر فنقول : كذلك في القطع أيضا ، غاية الامر لا يسمى الحكم الآخر فيه ظاهريا.

نعم يمكن أن يقال : انّ الحكم التعليقي بمعنى لو علم به المكلف لتنجز ، لا بد أن يصل الى الفعلية الحتمية في القطع بحصول المعلق عليه فيه ، وفي الظن يكون كذلك لو لم يمنع عنه بعد امكانه (3) ، فيحصل الفارق.

ثم انّه عند من يذهب بين الحكم الظاهري والواقعي الى الترتب بين الموضوعين - لا الى فعلية الحكم وشأنيته - لا يلزم المضادة من النهي عن القطع المستلزم للترخيص على الخلاف ، لاختلاف الموضوعين أيضا. نعم يثبت الامتناع بالتضاد في اللازم وهو القدرة على الامتثال وعدمه كما لا يخفى.

426 - قوله : « فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الاصابة على التجري بمخالفته ... الخ ».

426 - قوله : « فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الاصابة على التجري بمخالفته ... الخ ». (4)

ص: 17


1- لم نعرف هذا البعض.
2- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 26 ، والطبعة الحجرية : 5 السطر 8 - 11.
3- امكانه فيه. نسخة
4- كفاية الاصول : 298 ؛ الحجرية 2 : 4 للمتن ، و 2 : 14 للتعليقة.

ومن الواضح انّه من حيث وجوب الاتّباع - وكونه سببا تاما لتنجز ما تعلق به بنظر القاطع - مثل قطع المصيب بلا تفاوت ؛ ولكنه لمّا أخطأ ولم يكن الحكم المتعلق به واقعا ، ولا استحقاق اللازم بمخالفته عند وجوده ، يقع الكلام في ايراثه وسببيته بنفسه لحدوث شيء في الموضوع الذي قطع بحكمه ، بحيث يكون عنوان المقطوع تمام الموضوع بالنسبة اليه.

وليعلم انّ المسألة :

تقرر تارة : كلامية ، فيبحث عن كون القطع علة تامة لاستحقاق العقاب على الفعل بعنوان انّه مقطوع الحرمة ، وعليه فهو بالعلية التامة لا بالاقتضاء ، كي يقبل طرو المانع - كما هو ظاهر الفصول (1) في قبح التجري - إلاّ على توهم عدم كون العلم علة تامة لوجوب الاتّباع عقلا فلا بأس بالذهاب اليه حينئذ ؛ إلاّ أنك عرفت خلافه.

كما انّه لو قلنا باستحقاق العقوبة على المخالفة فلا بد من استحقاق المثوبة على الموافقة ، لكونهما توأمين يرتضعان من ثدي واحد معلولين للمعصية والاطاعة والتجري والانقياد على القول بهما فيهما أيضا. فالفرق بالاستحقاق في طرف المثوبة (2) دون العقوبة (3) - كما عن الشيخ قدس سره - لا وجه له ؛ إلاّ أن يرجع الى العفو في طرف العقوبة تفضلا ، وهو خارج عن محل الكلام.

واخرى تقرر : اصولية عقلية ، بأنّ القطع بوجوب شيء ما وحرمته هل يوجب حسنه أو قبحه عقلا ، كي تحصل صغرى الملازمة فيستنبط منها الوجوب والحرمة الشرعيان ، أم لا يوجب شيئا منهما أصلا؟

وثالثة تقرر : فقهية ، بأنّ الفعل المقطوع الحرمة أو الوجوب هل يصير حراما

ص: 18


1- الفصول الغروية ، الفصل الاخير من الاجتهاد والتقليد : 431 السطر 36 - 37.
2- فرائد الاصول 2 : 107.
3- فرائد الاصول 1 : 39 و 41 و 45.

أو واجبا شرعا واقعا بمجرد تعلق القطع بهما أم لا؟ وعليه يكون الوجهان الاوّلان من قبيل المبادئ بالنسبة الى المسألة.

ولكن التحقيق : - على ما سيجيء من عدم امكان القطع بالحرمة موضوعا للحكم الشرعي - عدم صحة تقرير المسألة إلاّ عقلية واقعة في مجرد حكم العقل ، ولو بناء على البحث عن الحسن والقبح. وعلى تقدير الاغماض عنه وتصحيح امكان كونه موضوعا للحكم الشرعي فالصواب تقريرها اصولية ، ولو على البحث عن صحة العقوبة أيضا ، لكونها بناء عليه واقعة في طريق الاستنباط ، غاية الامر بالإنّ لا باللمّ ؛ فلا فرق بين البحث عن الحسن والقبح وبين البحث عن صحة العقوبة وعدمها كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر انّ الحق تقرير المسألة كلامية ثم بعد ذلك هو الاصولية بناء عليه.

وكيف كان فعلى تقرير المسألة اصولية فالتحقيق : عدم كون القطع بالحرمة أو الوجوب - بعد خطئه - من الوجوه المقبحة والمحسنة للفعل ، لوجوه :

الاول : عدم وجود جهة محسنة أو مقبحة فيه مما يتصور كونه مقتضيا لهما ، حيث انّ العناوين الموجودة في مورد التجري امّا شرب مقطوع الحرمة ، أو شرب الخمر ، أو شرب الماء ، والاخيران غير اختياريين لعدم الالتفات اليهما ، والاول لا يمكن أن يكون موضوعا للحكم الشرعي لعدم امكان أخذ القطع بحكم شرعي في موضوع مثله ، ولا عقلا لعدم كونه من العناوين المحسنة والمقبحة كما هو واضح عقلا ، فلا يوجب استحقاق العقوبة عقلا لعدم ما يستتبعه من الحسن والقبح والوجوب والحرمة الشرعيين.

وامّا ما قررناه من عدم الاختيارية بهذا العنوان فهو - على خلاف التحقيق - يكون تبعا للاستاذ (1) قدس سره ؛ وتفصيل ما ذكرنا يحتاج إلى بيان أمرين :

ص: 19


1- كفاية الاصول : 299.

أحدهما : انّه لا بد في اتصاف الفعل بالوجه المقبح والمحسن بنظر العقل من اتيانه بقصد ذاك الوجه مع كون الفعل مما يمكن أن يتصف به بالقصد ؛ وإلاّ فمع عدم الالتفات الى الوجه أو عدم اتيان الفعل بقصده أو عدم قابليته للاتصاف به أو مع عدم كون ذاك الوجه من المقتضيات للحسن والقبح عقلا ، فلا يكون ذلك بمعنى الوجوه المقبحة والمحسنة بنظره.

الثاني : انّه لا موطن للحسن والقبح إلاّ الوجدان ولا حاكم لهما إلاّ العقل ، فمع عدم حكم العقل وخلوّ الوجدان عنهما يستكشف عدم تحققهما واقعا ، بل ولا امكانهما بلا مئونة برهان ، وإلاّ لتسلسل ، للزوم الانتهاء في البرهانيات الى الوجدان.

اذا عرفت ذلك يظهر لك انّ القطع الطريقي الصرف المتعلق بالحكم الشرعي لا يكون من تلك الوجوه ، لا بنفسه ، لعدم الالتفات اليه حين الفعل ، لكونه مرآة لما يتعلق به حين ينظر به اليه فيكون بطبعه ومتلونا بلونه بلا إحداثه لونا من قبل نفسه.

مع انّه على تقدير الالتفات لا يكون عنوانه محسنا أيضا :

لا بنفسه ، لعدم اتيان الفعل بقصده.

ولا ما تعلق به ، لعدم كونه مما يحصل بالقصد ، لكونه من العناوين الواقعية الخارجية كالخمر اذا تعلق به القطع ، أو من العناوين التي لا بد لها من منشأ انتزاع واقعي لها كالحكم الشرعي.

ولا يقاس بالعناوين المتقومة بالقصد التي يتصف الفعل الخالي منها بها اذا أتى به بقصدها ، كعنوان التعظيم اذا نهض الجالس بقصده ، هذا.

مع كون القطع بالحرمة مثلا من الموجبات للقبح الفعلي عقلا ما لم يتصف بقبح في ذاته ، ولا القطع بالمبغوضية موجبا لصيرورته مبغوضا اذا لم يكن الفعل كذلك بنفسه ، خصوصا اذا كان محبوبا بنفسه (1) كما يظهر بالمراجعة الى الوجدان.

فاذا كان كذلك ، فيحكم بعدم امكان كون القطع بالحرمة موجبا لقبح الفعل ،

ص: 20


1- محبوبا في نفسه. نسخة

وإلاّ لكان موجبا للازدياد فيه أيضا في صورة الاصابة ، مع حكم العقل الصريح بكونه بمقدار العنوان الواقعي بلا ازدياد فيه أصلا ؛ مع انّه على تقدير كونه من الوجه المقبح وموجبا لانشاء الحرمة على وفقه يلزم التسلسل ، لعدم كون القطع بالحرمة بالغا الى حده على ذلك ، أو الترجيح بلا مرجح على تقدير الحكم (1) على طبق بعض دون بعض.

الثاني : انّه على تقدير كون القطع بالحرمة من الوجه المقبح لا يمكن توجيه الطلب الى القاطع بثبوت حكم بعنوان القطع بالحكم ولو على تقدير الالتفات اليه وحسنه ، لانّه :

لو كان موضوعا له في صورة المخالفة للواقع فواضح ، لمساوقة التصديق بثبوت الحكم له التصديق بالخطإ حين قطعه ، وهو واضح الفساد.

ولو كان موضوعا له مطلقا مصادفا أو لا فكذلك أيضا ، لاستلزام التصديق به التصديق باجتماع المثلين مطلقا أو بحسب نظر القاطع ، حيث انّه لما قطع بثبوت الحرمة للفعل بعنوانه الواقعي فكيف يذعن بثبوت حرمة اخرى بعنوان القطع؟ وليس ذا إلاّ اجتماع المثلين في نظره.

ولا يخفى انّ ذلك من قبيل النهي في العبادات ، لكون الحرمة - المتعلقة بالعنوان الاوّلي بعنوان انها مقطوعة - موضوعا لحرمة اخرى ، فيكون الموضوع للحرمة الاولى داخلا في موضوع الحرمة الثانية جزءا وقيدا ، فلا يقاس باجتماع عنوانين عرضيين مثل الموطوئية والمغصوبية في الغنم الموجبين لحرمة واحدة مؤكدة ، لعدم كون أحدهما مأخوذا في موضوع الآخر لا بنفسه ولا بحكمه فيوجبان عند اجتماعهما لتأكد الحرمة ؛ بخلاف ما نحن فيه مما يكون القطع بالحكم الفعلي موضوعا لحكم فعلي آخر ، فليس التصديق حينئذ إلاّ التصديق باجتماع المثلين.

ص: 21


1- الحكم الفعلي. نسخة

مع انّه على تقدير صحة القياس يلزم منه الخلف ، لعدم اجتماع القطع بالحرمة الفعلية للعنوان الواقعي بنفسه ، مع الالتزام بتأكد حكمه بعنوان مقطوع الحرمة ، حيث انّ التصديق بالتأكد يوجب ارتفاع ذاك القطع كما لا يخفى.

فظهر مما ذكرنا انّ ما نحن فيه - مع حفظ القطع بالحكم الفعلي للعنوان الواقعي - من قبيل النهي في العبادات ، وليس من قبيل ما يمكن ارجاع الطلب في أحدهما الى عنوان مباين لعنوان الآخر بالعموم من وجه كما أرجع المحقق (1) رحمه اللّه النهي عن الصلاة في الحمام الى النهي عن الكون في معرض الرشاش ، لكون الموضوع فيما نحن فيه مقطوع الحرمة الفعلية ، ولا يتأتّى فيه التأويل إلاّ بالخلف.

الثالث : انّه لا يمكن الحكم المولوي الشرعي من جهة اخرى ، وهي :

انّه لا بد من غرض محرك للمولى لأن يحكم مولويا ، وليس ذا في الاوامر والنواهي المولوية إلاّ إحداث الداعي للعبد الى الاطاعة وترك المعصية ، بحيث لولاه لما كان في نفسه ما يدعوه اليهما ؛ ويختلف ذلك باختلاف درجات العبد فيكون الداعي لبعضهم هو الخوف عن العقوبة ، ولبعضهم هو الرجاء الى المثوبة ، وللآخرين محض التقرب الى اللّه تعالى ، ومع انتفاء الجميع - كما في الامر بالاطاعة والنهي عن المعصية - لا يبقى ملاك الحكم المولوي أصلا ؛ ومن المعلوم حصول هذا الداعي في نفس القاطع بمجرد قطعه بالحكم الفعلي بعنوانه الواقعي ولو كان مخالفا للواقع ، فيكون الامر والنهي المولوي لإحداث الداعي بالنسبة اليه تحصيلا للحاصل ، وبدونه عبثا.

ومن الواضح انّ التجري والانقياد بابهما باب الاطاعة والمعصية ، بل عينهما بنظر القاطع ، فحينئذ :

فان كانت الاطاعة بالحكم بالعنوان الواقعي في نظر القاطع [ انقيادا ] (2)

ص: 22


1- المعتبر في شرح المختصر 1 : 434.
2- في الاصل ( انفادا ).

داعيا وموجبا للحركة نحو اتيان المقطوع فلا يحتاج الى أمر آخر واطاعة اخرى.

وإلاّ فلا يحصل له داع أصلا بأمر آخر أيضا ، لكون المناط في الكل هو الاطاعة ، فيتسلسل على تقدير الانقطاع ، وإلاّ لزم الترجيح من غير مرجح.

الرابع : انّ الفعل المتجرّى به لا يقبل [ تعلق ] (1) امر مولوي به بعنوان التجري به ، لاجل كونه من العناوين التي الى ما تعلقت بغرض على الفعل المقيد بالارادة بأخذ الارادة قيدا للموضوع بنحو الحيثية والتقيدية ، حيث انّ الفعل [ محال ] (2) أن يكون بحكم الارادة في عدم قابليته للتكليف ، لرجوعه الى الامر بتحصيل الحاصل ؛ ولا يقاس بالعناوين. (3)

ص: 23


1- في الاصل ( لتعلق ).
2- غير واضح في الاصل.
3- هذا آخر التعليقة المطبوعة حجريا ، وبعده يبدأ المخطوط.

« .... (1) الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم علیه السلام أو فعله أو تقريره لا انّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان » (2) انتهى ؛ وحينئذ فالكلام معه في صغرى الملازمة بين الحسن والقبح وبين الوجوب والحرمة الفعلية لا في الكبرى من حجية القطع بالحكم الفعلي بعد تسليم الملازمة كما لا يخفى.

الثالث : ان يكون مرادهم ذلك أي انكار الملازمة بين المقدمات العقلية وبين القطع بالحكم الشرعي ولكنه يحصل الظن به منها وهو ليس بحجة مطلقا لعدم الدليل عليه. نعم لو حصل ذلك من العقل الفطري الخالي عن شوائب الأوهام وإن شذّ وجوده في الأنام فيحكم بحجيته لا من جهة الملازمة ، بل من جهة دلالة النقل على حجية الحكم المستفاد منه وأنّه حجة من حجج الملك العلاّم.

وهذا الوجه هو صريح كلام المحدّث البحراني في الحدائق (3) على ما نقله الشيخ عنه في الفرائد ، (4) ولا دلالة في كلامه بعدم حجية القطع الحاصل من العقل ، بل ظاهره عدم حصول القطع منه حيث قال : « لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها ولا سبيل اليها إلاّ السماع عن المعصوم علیه السلام [ لقصور ] (5) العقل المذكور عن الاطلاع عليها .... الخ ». (6)

ص: 24


1- هذا بداية الصفحة الاولى من المخطوط ، ويوجد هنا سقط يحتمل عدة صفحات.
2- هذا تتمة كلام السيد الصدر في شرح الوافية ( مخطوط ) : 215 يستشهد به الشيخ ايضا في فرائد الاصول 1 : 59 - 60.
3- الحدائق الناظرة 1 : 133 في المقدمة العاشرة في بيان حجية الدليل العقلي وعدمها.
4- فرائد الاصول 1 : 56.
5- في الاصل المخطوط « بقصور » ؛ وصححناه طبق فرائد الاصول 1 : 55.
6- هذه الفقرة ليست صريح كلام الحدائق ، وقد ذكرها الشيخ في الفرائد ( 1 : 55 ) واستند اليها واسندها الى الحدائق ، لكنها ليست كذلك. فيحتمل ان الشيخ نقل هذه الفقرة من هداية المسترشدين ( 3 : 542 والحجرية : 443 السطر 37 ) والهداية بدوره قد نسبها الى الحدائق ، لكن يبقى اننا لم نعثر عليه في الحدائق مع الجهد المبذول ( الحدائق 1 :1. 133 ) ولا في الدرر النجفية ( 147 - 148 ) فيحتمل ان تكون هذه الفقرة نقلا بالمعنى لكلام الحدائق اما من الشيخ او من صاحب الحاشية. كما يحتمل ان تكون هذه الفقرة هي من كلام السيد نعمة اللّه الجزائري في شرحه الكبير على التهذيب _ الذي كتبه في ايام شبابه كما يصرح به في اول غاية المرام _ فقد راجعنا شرحه الأخصر على التهذيب المسمى ب_ غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام ( المخطوط والمحفوظ برقم ٢٦٩٠ في مكتبة السيد المرعشي ) في الصفحات ٤٥ _ ٤٧ المختصة بهذا المبحث فلم نعثر على هذه الفقرة ؛ وكذلك الانوار النعمانية في مظانه. والحاصل : انه يحتمل ان صاحب الهداية قد نقل هذه الفقرة للجزائري بعينها من شرحه الكبير على التهذيب ، ثم نقلها الشيخ عن الهداية ، فان الشيخ يصرح في الفرائد ( ١ : ٥٥ ) بانه لم يكن عنده شرح التهذيب هذا ليلاحظ عليه.

ومما ذكرنا من انّ حكمه بحجية العقل الفطري من جهة انتهائه الى دليل الشرع وصيرورته حينئذ حجة شرعية كما هو صريح كلامه ، ظهر وجه توقفه في تقديمه على النقل أو العكس في صورة المعارضة ، من كون المعارضة حقيقة حينئذ بين الدليلين النقليين الظنّيين من حيث الحكم المستفاد منهما بلا ترجيح لأحدهما على الآخر ؛ ومن ذلك ظهر سقوط غالب ما أورده عليه الشيخ قدس سره فراجع.

والحاصل : انّ ظهور كلام الأخباريين (1) في ما ذكرنا من الوجوه ولا أقل من كونها من محتمل كلامهم يمنع عن اسناد عدم حجية القطع بالحكم الفعلي الحاصل من المقدمات العقلية اليهم.

وأمّا الأخبار الناهية عن العمل والقول بغير السماع عن المعصوم علیه السلام مثل قولهم علیهم السلام : « حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا » (2) وقولهم : : « من دان اللّه بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا » (3) وقولهم علیهم السلام : « لو انّ رجلا قام

ص: 25


1- المتقدم تخريجه من الفوائد المدنية وغاية المرام والدرر النجفية والحدائق.
2- وسائل الشيعة 18 : 47 الباب 7 من ابواب صفات القاضي الحديث 25 ، قريب منه.
3- تتمته : « ... الزمه اللّه التيه يوم القيامة ». وسائل الشيعة 18 : 51 الباب 7 من ابواب صفات القاضي - الحديث 37.

ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته اليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه ... » (1) إلى غير ذلك من الأخبار فلا يبعد انّ المراد عدم جواز الاستبداد في الاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الضعيفة والاستحسانات والأقيسة من غير مراجعة حجج اللّه بل في مقابلهم كما هو ظاهر غير واحد من الاخبار.

وامّا خبر نفي الثواب عن التصدق والحج والصيام بدون دلالة ولي اللّه مع القطع بحسنها والأمر بها فظاهر الخبر انّه من جهة نقصان في هذا الشخص وهو فقدانه لما هو شرط القبول بل ركن من أركان الايمان وهو ولاية الأئمّة علیهم السلام لا لأجل انتفاء الوجوب والندب بغير السماع عن المعصوم.

ويحتمل أن يكون المقصود من الاخبار ومراد الاخباريين - على بعد - : انّ السماع عن المعصوم والسؤال [ منهم ] (2) إنّما كان مما له دخل في حصول الغرض من العبادات ، كأن يكون من جملة اغراضها تبجيلهم وتعظيمهم غير الحاصلين إلاّ بالتشرّف بقبّتهم والتخضّع عندهم بالسؤال وتعلّم الاحكام عنهم علیهم السلام ، ولا أقل من احتمال ذلك فلا بدّ من تحصيل الغرض بذلك ، لا من جهة عدم وجوب اتباع القطع الحاصل من المقدمات العقلية كما لا يخفى.

ولا مدفع لهذا الاحتمال إلاّ القطع بعدم دخل التبليغ في تحصيل الغرض ، فتدبّر.

قوله : « فهل العلم الاجمالي كذلك؟ فيه اشكال ». (3)

أقول : الكلام فيه تارة : في اعتباره عند العقل وكونه موجبا لتنجّز التكليف

ص: 26


1- وسائل الشيعة 1 : 91 الباب 29 بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة علیهم السلام واعتقاد امامتهم ، الحديث 2 ، قريب منه.
2- في الاصل المخطوط « عنهم ».
3- كفاية الاصول : 313. لكن فيها : « فهل القطع الاجمالي ... ».

المعلوم بالاجمال ولاستحقاق العقوبة على مخالفته عند الاصابة ومحقّقا لموضوع التجرّي في صورة الخطأ ، واخرى : في كيفية امتثاله بعد الاعتبار.

أمّا الجهة الاولى : فيقع الكلام فيها في انّ العلم الاجمالي بالحكم الفعلي كالعلم التفصيلي علة تامة لتنجّزه بحيث لا يقبل المنع عن ذلك بجعل الجهل التفصيلي عذرا ومانعا عن التنجّز ، أو ليس مثله في العلية التامة للتنجز ، بل يكون مقتضيا له لو لا جعل الجهل التفصيلي شرعا عذرا أو لا يقتضي رأسا؟ فيكون وجوده كعدمه وحاله كالشك البدوي في التكليف؟

وقبل تحقيق الحال في ما هو الحق في المسألة لا بدّ أن يعلم أنّه :

لو قلنا بكونه كالعلم التفصيلي علة تامة لوجوب الاتباع والجري على وفقه فلا يبقى مجال لعقد بحث في البراءة والاشتغال للشك في المكلف به أصلا.

وان قلنا انّه ليس بمؤثر في التنجز أصلا فكذلك لا مجال للبحث عنه بخصوصه في ذاك الباب ، بل يكفي عقد بحث واحد للشك مطلقا.

وان قلنا انّ تأثيره بنحو الاقتضاء لا العلّية فيبقى للبحث عن الشك في المكلف به بخصوصه مجال ، فيعقد له بحث على حدة في انّ الاجمال في المتعلق مانع وعذر شرعا بعد ما لم يكن كذلك عقلا أم لا؟ من دون تفاوت بين كونه كذلك بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية كليهما وكونه كذلك بالنسبة إلى خصوص حرمة المخالفة.

ومما ذكرنا ظهر انّ الاختلاف في البحث في المقام والبراءة والاشتغال في جهة البحث وهو :

انّ البحث في المقام من حيث اقتضاء العلم الإجمالي للتنجّز بالنسبة إلى كلتا المرتبتين من الامتثال أو أحدهما وعدمه في كلتيهما أو أحدهما وفي البراءة والاشتغال من حيث بيان المانع شرعا.

إذا عرفت ذلك ، فالتحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق :

ص: 27

انّ العلم الاجمالي ليس كالشك البدوي في كون المكلف معه معذورا وعدم اقتضائه التنجز أصلا بل يكون منجزا للتكليف المتعلق به ولكنه بنحو الاقتضاء لا العلية التامة كالعلم التفصيلي.

امّا انّه ليس كالجهل الصرف فبشهادة الوجدان على استحقاق التارك للتكليف المعلوم بالاجمال المردد بين أطراف محصورة بدون عذر في البين للعقاب وعدم صحة اعتذاره بجهله التفصيلي ، ويظهر ذلك بالمراجعة إلى العقلاء أيضا فانّه لا إشكال في تقبيحهم لمثل هذا الشخص وحكمهم بحسن العقاب بالنسبة إليه.

وامّا انّه بنحو الاقتضاء والتعليق بعدم الإذن من قبل الشارع في الاقدام في أطراف العلم بالحرام وفي الترك في أطراف العلم بالواجب فلانحفاظ موضوع الحكم الظاهري معه وهو مرتبة من الجهل بالنسبة إلى تعلق الحكم الواقعي بكلّ واحد من الأطراف بخصوصه فيتحقق الشك في حكم كلّ واحد منها بشخصه فيمكن أن يجعل الشارع هذا المقدار من الشك موضوعا للحكم الظاهري ؛ ووجود هذا الشك في العلم الاجمالي دون التفصيلي هو الفارق في صحّة جعل الحكم الظاهري فيه دونه.

فان قلت : انّ محلّ الكلام في العلم الاجمالي :

ان كان هو العلم بالحكم الشأني فلا إشكال في صحّة جعل حكم على خلافه ولو في العلم التفصيلي غاية الأمر بغير عنوان الجهل.

وان كان هو العلم بالحكم الفعلي فكيف يمكن جعل حكم فعلي على خلافه مع البعث والزجر فعلا على طبق الأول؟ وهل هذا [ الاّ ] اجتماع الضدين؟ (1) إلاّ أن ينقلب العلم بالفعلية بعد الجعل ، وهذا خلف.

قلت : هلاّ ينتقض ذلك بجعل الأمارات والاصول مع الظن غير المعتبر أو الشك أو الوهم بالحكم الفعلي على خلافها فانّه على تقدير مطابقة كلّ منها للواقع

ص: 28


1- في الاصل المخطوط : « وهل هذا اجتماع الضدين ».

يلزم اجتماع الضدين واقعا وعلى تقدير عدمها يلزم ذلك بنظر المكلف ظنا أو شكا أو وهما ، ومع الاستحالة فكيف تصدق [ الأمارات ] (1) مع الظن أو الشك بل الوهم بالحكم الفعلي على خلافها؟ وتجعل الاصول في أطراف الشبهة غير المحصورة مع العلم الاجمالي بالحكم الفعلي على خلافها المشارك مع ما نحن فيه في مرتبة الانكشاف ، غاية الأمر الاختلاف بينهما إنّما هو بكثرة الأطراف وقلتها غير المجدي في دفع الاستحالة على تقدير لزومها.

وثانيا نقول : أنّ في العلم الاجمالي جهتان من الكلام :

احداهما : أن نتكلّم في امكان جعل الحكم الظاهري على خلافه وعدمه من حيث ايراد المناقضة بين الحكمين وعدمها وهذه الجهة مشتركة الورود بينه وبين الشبهات البدوية والشبهة غير المحصورة ومضى إجمالا الجواب باختلاف مراتب الفعلية غير المضاد بعضها مع بعض وسيأتي تفصيلا في جواب الإشكال في جعل الأمارات في مبحث الظن.

ثانيتهما : أن نتكلّم كما هو المفروض في أنّه هل يورث العلم الاجمالي إذا تعلق بالحكم الفعلي وصوله إلى مرتبة التنجّز واستحقاق العقاب على مخالفته بنحو العلّية التامّة ، بتوهّم : عدم إمكان جعل الشارع الجهل التفصيلي عذرا أو اقتضاء بدعوى امكانه ، فنقول في هذا المقام مع قطع النظر عن المناقضة المذكورة :

انّه لمّا لم ينكشف الواقع في العلم الاجمالي تمام الانكشاف والمشاهدة بل كان مرتبة من السترة في مقام تعلقه بالموضوع بشخصه باقيا فيمكن أن يكون التنجّز في نظر العقل معلقا على الانكشاف التام وعدم سترة في البين أصلا.

وبعبارة اخرى : لمّا كان العلم الاجمالي في طريقيته ناقصا وغير تام فيجوّز العقل أن يكون هذا المقدار من النقصان بنظر الشارع ذات خصوصية مقتضية لجعل الشارع هذا النقصان عذرا وان لم يكن بنفسه كذلك عند العقل فيمكن أن يجعل هذا

ص: 29


1- في الاصل المخطوط « الامارات والامارات ».

الجهل بمرتبة ما موضوعا للحكم الظاهري وإذا كان ممكنا فتشمله أدلّة الاصول من قوله علیه السلام : « رفع ... ما لا يعلمون » (1) وقوله علیه السلام : « كلّ شيء فيه حلال ... حتّى تعرف الحرام منه بعينه » (2) لصدق عدم العلم بحكم كلّ من الأطراف بخصوصه ، وهذا الجهل ونقصان الانكشاف لما لم يكن في العلم التفصيلي أصلا فلا يبقى مجال للحكم الظاهري أمارة كان أو أصلا ، لعدم سترة في البين أصلا كي يجعل الطريق إلى الواقع ويكون الجهل موضوعا للحكم الظاهري.

والحاصل : أنّه لمكان السترة في العلم الإجمالي فيبقى مجال للحكم الظاهري ولحكم العقل بإمكان تعليق للتنجيز بالانكشاف التام ، بل يحكم بعدم الاقتضاء ايضا في بعض مراتبه كالعلم الاجمالي في غير المحصورة ولو كان تمام الأطراف محل الابتلاء كما في الغنم الكثير في يوم الذبح في الحجّ ، بل قيل بعدمه في المحصورة أيضا كما عن المحقّق القمّي قدس سره (3) والمحقق الخونساري قدس سره (4) وان كان خلاف التحقيق كما عرفت ، إلاّ أنّ ذهابهم إليه يدفع الاستغراب والاستبعاد في امكان جعل الحكم الظاهري كما لا يخفى.

هذا كلّه لو لم يعلم اهتمام الشارع بالحكم المعلوم بالاجمال وإلاّ فلو أحرز ذلك بحيث علم انّ الغرض مما يهتمّ به لا يجوز الاذن في الاقتحام في أطراف العلم بالحرام والاذن في الترك في أطراف العلم الاجمالي بالواجب لأنّ الإذن في ذلك حينئذ يكون نقضا للغرض ، بل لا يجوز الاذن في الاقدام والترخيص في الترك في الشبهات البدوية مع الاحراز المذكور أيضا ، غاية الأمر يكون الفرق بينها وبين العلم الاجمالي استكشاف الاحتياط فيها إذ بدونه تكون المؤاخذة بلا بيان ، بخلافه ،

ص: 30


1- وسائل الشيعة 11 : 295 الباب 56 من ابواب جهاد النفس ، باب جملة مما عفي عنه ، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 12 : 59 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به ، باب عدم جواز الانفاق ... الخ ، الحديث 1.
3- القوانين المحكمة 2 : 25 السطر 3 - 8 ، و 2 : 36 السطر 15 - 16.
4- مشارق الشموس : 281 السطر 29 - 31.

لاستقلال العقل بلزوم الموافقة القطعية معه حينئذ كالعلم التفصيلي ، لوجود المقتضي عقلا وهو العلم الاجمالي وعدم المانع شرعا.

ومن هنا يعلم انّ في صورة احتمال الاهتمام لا يجب الاحتياط في الشبهة البدوية لكون العقاب حينئذ بلا بيان دون العلم الاجمالي ، لعدم جريان ذلك فيه. هذا في البراءة العقلية.

وأمّا النقلية : فلا فرق بينهما في اجرائها بعد عموم أدلتها ما لم يعلم الاهتمام.

هذا كلّه في الجهة الاولى من اعتبار العلم في تنجز التكليف به.

وأمّا الجهة الثانية : وهو كيفية اسقاط التكليف بالامتثال فيقع الكلام [ في ] :

قوله : « واما سقوطه به بأن يوافقه اجمالا فلا اشكال فيه في التوصليات ». (1)

أقول : يقع الكلام في هذا المقام في أنّه : هل يكفي الامتثال الاجمالي بالاحتياط باتيان جميع أطراف المعلوم بالاجمال مع التمكن من الامتثال التفصيلي بتحصيل العلم تفصيلا بخصوص المكلف به؟ أم لا بدّ من التمكن منه من تحصيله ولا يكفي الاكتفاء بالامتثال الاجمالي؟ فنقول :

أمّا في المعاملات والواجبات التوصلية : فلا يكاد أن يشكل في كفاية الامتثال الاجمالي وانّه لا يلزم تحصيل العلم التفصيلي بالواجب ، حيث ان الغرض في التوصليات إنّما تعلق بمجرد إيجادها في الخارج وهو يحصل ولو بلا تشخيصه ، بل ولو بلا مباشرة من المكلف ، بل ولو حصل في الخارج اتفاقا بلا مباشرة من مكلف أصلا كما في غسل الثوب مثلا.

وأمّا في العبادات :

فان كانت الشبهة والترديد بين الأقل والأكثر بلا دوران الأمر بين المحذورين بأن لا يكون المشكوك على تقدير عدم اعتباره مانعا ومخلا بالفردية ، بل يكون من

ص: 31


1- كفاية الاصول : 315.

مشخصات الفرد غير المعتبر في طبيعة المأمور به ، فلا اشكال أيضا في كفاية الاحتياط باتيان جميع ما يحتمل دخله في المأمور به جزءا أو شرطا لعدم الاخلال بكلّ ما يحتمل دخله في الامتثال من قصد القربة والوجه ، بل تميّز المأمور به عن غيره حيث أنّه علم حينئذ بانطباق عنوان المأمور به بشخص وجود هذا الفرد وان لم يعلم بدخل بعض خصوصياته غير المنافي في المأمور به كما في كلّ فرد للطبيعة حيث أنّه يشك في دخل بعض خصوصياته في حصول الطبيعة ، ومع ذلك يكون وجوده وجود الطبيعة ، فاذا كان كذلك فيقصد به التقرب والوجه مع تميّز وجود المأمور به عن غيره فلا شيء في البين يحصل الاختلال به حينئذ كي يمنع عن امتثال الاجمالي. نعم لو قيل باعتبار قصد الوجه في الأوامر الغيرية المتعلقة بالاجزاء والشرائط لاختلّ ذلك مع التميز في خصوص الاجزاء المشكوكة كما لا يخفى ؛ إلاّ أنّ اعتبار الوجه في الاجزاء خلاف التحقيق كما قرر في محله.

وأمّا ان كانت الشبهة بين المتباينين فلا اشكال في التمكن من قصد القربة وقصد الوجه أيضا ، سواء اعتبر توصيفا أو غاية ، بأن يقصد الصلاة الواجبة بين الصلاتين أو يأتي بهما لأجل وجوبها وان لم تتميز تلك عن غيرها ، ومجرّد عدم التميّز لا ينافي قصد الوجه بالصلاة المأمور بها المشتبهة بين الصلاتين بأن يكون الداعي للاطاعة الأمر الواقعي المتعلق بإحدى الصلاتين وينشأ من ذاك الداعي في صورة الاشتباه داع آخر في مقام الامتثال يكون موجبا لإتيان كلا المحتملين لتحصيل العلم بالواقع.

والحاصل : انّ الاشتباه لا ينافي كون الداعي للاطاعة هو الأمر الواقعي وقصد الوجه بالنسبة اليه وان لم يعلم حين الاتيان بكونه هو المأمور به ، إلاّ أنّ قصده بالعنوان الكلي المستحضر عند الإتيان يوجب انطباقه على الفرد الواقعي قهرا ، كما لو أتى بالمشتبهين دفعة فيما لو أمكن ذلك فانّه لا يكاد أن يشكل في كون الداعي الأمر الواقعي المتعلق بأحدهما والتمكن من قصد الوجه. ومن هنا ظهر

ص: 32

انّ إتيان طبيعة المأمور به يكون بالاختيار وان كان التطبيق قهريا ؛ كما أنّه ظهر لزوم الاختلال بالنسبة إلى التميّز في المتباينين ، كما هو واضح.

إذا عرفت ما ذكرنا ظهر : انّ الاشكال في كفاية الامتثال الاجمالي :

إن كان من جهة توهّم الاخلال بقصد الوجه فهو - بعد ما عرفت من التمكن منه معه - لا وجه له.

وان كان من جهة لزوم الاخلال بغيره من تميّز المأمور به بعنوان كونه مأمورا به أو بعنوانه الواقعي كما في المتباينين أو الاخلال بقصد الوجه في الاجزاء - بناء على اعتباره فيها - كما في الأقل والأكثر ، وغير ذلك مما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في العبادات ، فنقول :

انّ ما يلزم الاخلال به مع الامتثال الاجمالي :

ان كان مما يمكن أخذه في متعلق الأمر كما في كل ما لم ينشأ منه ولا يتوقف عليه مثل تميز عنوان متعلق الأمر من الظهرية ونحوها فحكمه في متيقن الاعتبار لزوم تحصيل العلم التفصيلي بالمأمور به وفي مشكوكه كذلك بناء على الاشتغال في الاجزاء والشرائط ، وعدم اللزوم بناء على البراءة.

وامّا فيما لم يمكن أخذه في متعلق الأمر كما فيما ينشأ من قبل الأمر ويتوقف عليه مثل قصد الوجه والقربة والتمييز ونحوه حيث أنّه يلزم من أخذه في متعلق الأمر - مضافا إلى الدور - عدم التمكن من قصد الامتثال والقربة باتيان الصلاة مثلا لعدم تعلق الأمر النفسي بها حينئذ إلاّ بالخلف.

فان علم بدخل ما يحصل الاختلال به مع الامتثال الاجمالي في حصول الغرض الموجب للأمر مع عدم امكان أخذه في متعلق الأمر كما عرفت فلا ريب في عدم الاجتزاء بموافقة المأمور به في مقام الامتثال بحكم العقل حيث انّ امتثاله عنده منحصر على نحو يسقط معه الأمر ، ولا مرية في عدم سقوطه ما لم يحصل الغرض الباعث للمولى عليه والسبب لحدوثه والكافي لعليته للبقاء ، لعدم كونه أكثر

ص: 33

مئونة من الحدوث لو لم يكن بأخف ، فما دام لم يسقط [ لا ] (1) يرتفع الأمر ، فلم يحصل امتثاله اللازم على المأمور عقلا ، فلا بدّ من تحصيل الامتثال التفصيلي حينئذ كي لا يختلّ بما له دخل في الغرض.

وأمّا ان لم يعلم بذلك بل يشك في دخل ما يخلّ به مع الامتثال الاجمالي في تحصيل الغرض فالاجتزاء به حينئذ يبتني على جريان البراءة بالنسبة إلى ما شكّ في دخله فيه.

والتحقيق : انّه لا يصح اجراء البراءة فيه لا عقلا ولا نقلا.

امّا الأوّل : فبيانه : انّ اشتغال الذمة بالأمر اليقيني يقتضي عقلا الامتثال اليقيني بنحو يسقط معه الأمر يقينا وبدون اليقين به لا يؤمّن من العقاب اللازم عند العقل الفرّار عنه ولو عن احتماله ، ولما عرفت انه لا يحصل الامتثال ولا يسقط الأمر إلاّ بتحصيل الغرض فلا بدّ من اليقين بحصوله كي يتيقن بالامتثال وهو لا يحصل إلاّ مع الاتيان بكلّ ما يحتمل دخله في حصوله.

وتوهم قياس الشك في دخل قصد الوجه والتميز في الغرض بالشك في الشرائط المأخوذة في المأمور به في الافتقار إلى البيان من قبل الشارع وانحلال العلم الاجمالي بالأمر إلى العلم التفصيلي بتعلّقه بالشرائط المعلومة والشك البدوي بالنسبة إلى المشكوك فلا يكون الأمر بالنسبة إليه بيانا فيحكم العقل بعدم العقاب بتركه لقبحه بلا بيان ، مدفوع :

أولا : بعدم صحة الانحلال في المقيس عليه ، لعدم العلم بتعلق الوجوب الفعلي المنجز بالعلم بالأقل على تقدير جريان البراءة بالنسبة إلى الزائد ، لكون الأقل على تقدير عدم كونه هو الواجب الواقعي يكون وجوبه من جهة كونه مقدمة للأكثر فيكون وجوبه بناء على ذلك تبعا لوجوبه في الفعلية ، ومع البراءة عنه فكيف يعلم بالوجوب الفعلي للأقل على كل تقدير كي ينحل العلم.

ص: 34


1- في الاصل المخطوط ( فلا ).

وثانيا : بعدم صحة القياس لما نحن فيه بشرائط المأمور به حيث انّه بناء على صحة الانحلال في مسألة الاجزاء والشرائط يكون تعلق الأمر بالأقل معلوما وبالزائد مشكوكا فتكون المؤاخذة بالنسبة إليه بلا بيان ، بخلاف ما شك في دخله في حصول الغرض فانّه بناء على دخله واقعا لا يتفاوت الأمر على ما هو عليه من تعلقه بالاجزاء والشرائط المعلومة ، فليس دخله إلاّ في إطاعة الأمر المعلوم التي لا بدّ من العلم بها بعد الاشتغال اليقيني بحكم العقل فالمؤاخذة عليه تكون مؤاخذة على هذا الامر المعلوم حيث ان الاتيان بدونه على تقدير دخله في الغرض يكون موجبا لعدم تحقق الامتثال بالنسبة إلى ذاك الأمر الذي كفى به بيانا وبرهانا وتحقق معه موضوع حكم العقل بلزوم الإتيان بكل ما له دخل في تحصيل اليقين بالامتثال.

فان قلت : انّ حاصل ما ذكرت عدم امكان أخذ المشكوك في المقام في متعلق الأمر لاستلزامه الدور ولأجل كونه من كيفيات الاطاعة لا المأمور به ولكنه لا يوجب امتناع بيانه من الخارج لدخله في حصول الغرض ، فحيث لا بيان تكون المؤاخذة بلا برهان.

قلت : انّ المراد بالبيان في المقام ليس ما هو المتداول في مباحث الألفاظ من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة الحاصل بالبيان اللفظي المقابل للاجمال والاهمال ، بل المراد به ما يصح معه المؤاخذة والاحتجاج ؛ ومن المعلوم انّ الأمر الموجود في البين بعد حكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بسقوطه بالامتثال وعدم الاجتزاء بالشك مما يصح معه المؤاخذة. نعم يصح القول بعدم كونه تمام البيان على فرض عدم حكم العقل بتحصيل اليقين بسقوطه لا معه كما هو واضح. هذا في البراءة العقلية.

وامّا البراءة النقلية فيشترط في جريان أدلتها من مثل حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها ان يكون ما تجري فيه مما تناله يد التصرف من الشارع وضعا ورفعا توسعة وضيقا كما في الاجزاء وشرائط المأمور به فانّ الجزئية والشرطية

ص: 35

على ما هو التحقيق من كون مثل هذه الأحكام الوضعية قابلة للجعل [ و ] مما ينالهما الوضع فيشملهما حديث الرفع ونحوه ويحكّم على أدلة الاجزاء والشرائط الواقعية ويحكم بالاجتزاء ما دام الاشتباه فعلا وبالاجزاء بعده شرعا على ما هو التحقيق من الحكومة.

ولا يصغى إلى ما قيل : من اشتراطها باتحاد المرتبة بين دليل الحاكم والمحكوم وهو مفقود في المقام لكون الحكم الظاهري متأخرا عن الواقعي.

لأنّه يقال : انّ الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الواقع إلاّ أنّ الواقع يعم مرتبة الظاهري أيضا للزوم التصويب بدونه فتكون أدلته حاكمة على الأدلة الواقعية في مقام الفعلية والحكم بالاجزاء ولو بعد إزالة الاشتباه ، فتحمل الواقعيات على مرتبة الاقتضاء كما حقق في محله.

إذا عرفت ذلك فنقول : انّ كيفيات الاطاعة مثل قصد القربة والوجه والتميّز ونحوها مما لم يمكن أخذها في المأمور به على تقدير دخلها في الغرض يكون دخالتها فيه أمرا واقعيا عقليا نظير منشئية نفس الغرض للأمر ، وليس مما يناله الجعل وجودا على تقدير عدم دخله فيه واقعا ، ولا ذيل الرفع على تقدير دخله في نفس الأمر ، فحينئذ يكون خروج المشكوك منها من إطلاق أدلّة الرفع من باب التخصص لا التخصيص.

لا يقال : كيف لا يقبل مثل ذلك الجعل والحال انّ الاجزاء وشرائط المأمور به مما لها دخل في الغرض فجعلها وجودا أو عدما لا ينفك عن تعلقه به أيضا ولو توسعة وضيقا.

لأنّا نقول : كلاّ ، ولا يكشف ذلك عن تعلق الجعل به بل كان دخل الاجزاء الواقعية فيه على ما هي عليه واقعا. نعم نقول : انّ المركب من الاجزاء المعلومة بعد نفي جزئية غيرها بأدلة الرفع وتحكيمها على أدلة الاجزاء الواقعية يكون بدلا مجعولا شرعا عن المركّب الواقعي فيستكشف عن تعلق غرض آخر بالمأمور به

ص: 36

الظاهري يتدارك به ما فات منه بترك الواقع أو عن حصول مقدار من الغرض به بحيث يكون الباقي منه بعده مما لا يمكن تداركه على حدة كما حقق مثل ذلك في مسألة القصر والاتمام في توجيه وكفاية أحدهما عن الآخر ولو عن تقصير ، أو مما ليس بلازم الاستيفاء بعد تحصيل ذاك المقدار بالمأمور به الظاهري ، وليس ذلك من التصرف في الغرض بنفسه بوجه ، كما يلزم ذلك في المقام بلا توسيط جعل بدل أصلا كما لا يخفى.

والحاصل : أنّه ظهر مما ذكرنا انّه لا مجال للتمسك بالبراءة عقلا ولا نقلا لنفي ما شكّ في دخله في الغرض بناء على التحقيق من تبعية الأوامر والنواهي للغرض ولو عند الأشعري (1) ، فالمحكّم هو ما ذكرنا ولو ايضا عندهم ، غاية الأمر أنّهم لا يقولون بالحسن والقبح الذاتيين (2) ولكن لا ينكرون الغرض في الأمر.

وظهر أيضا عدم مجال للتمسك بنفس المشكوك باطلاق الأوامر ، لأنّه إنّما يصح التمسك بالاطلاق فيما أمكن التقييد لا فيما لا بدّ من الاطلاق ولو على تقدير دخل المشكوك واقعا كما هو واضح ؛ فلا مجال للمقام إلاّ التمسك بالاشتغال وايجاب الاحتياط عقلا.

نعم يمكن أن يقال : انّ ما يشك دخله في الغرض لو كان مما يغفل عنه غالبا ولا يلتفت إليه إلاّ الأوحدي من أهل التدقيق في بعض الأحيان ولم يكن عنه مع

ص: 37


1- لكن اكثرهم يقول بعدم التبعية ، راجع : شرح المقاصد 4 : 296 المبحث الخامس ؛ الاحكام في اصول الاحكام 3 : 124 المسألة الرابعة ؛ شرح المواقف 8 : 202 المرصد السادس في افعاله تعالى ، المقصد الثامن. نعم يقول بالتبعية بعضهم وذلك على نحو الموجبة الجزئية ، راجع : شرح المواقف 8 : 202 قوله : « وقالت الفقهاء لا يجب ذلك لكن افعاله تابعة لمصالح العباد تفضلا واحسانا » ؛ شرح المقاصد 4 : 302 « والحق ان تعليل بعض الافعال الخ ».
2- المستصفى 1 : 59 - 60 القطب الاول / الفن الاول / المسألة الاولى ؛ المنخول : 8 - 9 ؛ المحصول 1 : 35 و 1 : 48 الفصل السابع ؛ الاحكام في اصول الاحكام 1 : 72 القسم الثالث في المبادئ الفقهية والاحكام الشرعية / الاصل الاول / المسألة الاولى ؛ شرح المواقف 8 : 181 المرصد السادس في افعاله تعالى / المقصد الخامس في الحسن والقبح ؛ شرح المقاصد 4 : 282 المبحث الثالث.

ذلك في الأخبار والآثار عين ولا أثر وأحرز ذلك بالقطع فهو مما يقطع بعدم دخله في الغرض وإلاّ لكان على الشارع البيان للزوم نقض الغرض بدونه حيث لم يكن فيه طريق عقلي ، للغفلة ؛ وحيث لا بيان فلا دخل له فيه وإنما الشك كان بدويا زائلا بعد التأمل. نعم لو بقي الشك مع ما ذكرنا لا مجال له إلاّ الاشتغال أيضا.

ويمكن أن يتمسك لنفي اعتبار المشكوك بالاطلاق المقامي الثابت بمقدمات الحكمة أيضا كما لو أحرز في مقام انّ الشارع بصدد بيان جميع ما له دخل في حصول الغرض وتعلّق غرضه بافادة تمام ما اعتبر في الإطاعة من الكيفيات وان لم يكن ذلك واجبا عليه بعد ما عرفت من الطريق العقلي ، بل تبرعا ، ومع ذلك فقد اقتصر على بيان اعتبار البعض ساكتا عن غيره فيستكشف [ عدم ] (1) دخل ما سكت عنه في الغرض أصلا وإلاّ لأخلّ الشارع بغرضه المفروض تعلقه ببيان جميع ما له المدخلية في الاطاعة ، إلاّ أن يمنع بعدم إحراز مثل ذلك منه أصلا.

إذا عرفت ذلك فلا يبعد أن يقال : انّ قصد الوجه والتمييز كانا مما يقطع بعدم دخلهما في تحصيل الغرض بأحد الطريقين خصوصا الأوّل لمكان انّهما مما يغفل عنهما الصدر الأوّل وما احتمل اعتبارهما إلاّ أهل التدقيق من المتأخّرين مع عدم تحقق أثر منهما في الاخبار فيقطع بعدم اعتبارهما أصلا.

فظهر بذلك أنّه لا يعتبر في العبادات ما ينافيه [ من ] الامتثال الاجمالي كي يقدم الامتثال التفصيلي عليه.

هذا كله في دوران الأمر بين الامتثال الاجمالي والعلم التفصيلي.

وأمّا لو دار الأمر بينه وبين الظن التفصيلي فان كان الظن حجة بالخصوص فعلى ما اخترنا من الاجتزاء بالاجمالي ولو مع التمكن من العلم التفصيلي فلا اشكال في الاجتزاء به مع التمكن من الظن ، بل في تقدمه في بعض الصور كما يظهر

ص: 38


1- في الاصل المخطوط ( بعدم ).

[ فيما يأتي ] (1). وأمّا على القول بعدم الاجتزاء به مع العلم التفصيلي بتوهم الإخلال بالوجه معه أو اعتبار التميز مثلا فنقول : لا بدّ من ملاحظة دليل اعتبار الظن :

فان كان دالا على اعتباره ولو مع التمكّن من العلم فيكون حاله حال العلم التفصيلي بناء على القول بجعل الحكم المماثل للمظنون بدليل الاعتبار ؛ وأما على القول بجعل الحجية المستتبعة لتنجز الواقع في صورة المصادفة عقلا ومجرد العذر وتحقيق موضوع التجري في غيرها فيشكل العمل بالظن في العبادات من حيث استلزامه لتفويت قصد الوجه الممكن منه مع الامتثال الاجمالي.

وان كان اعتباره مشروطا بعدم التمكن من العلم أصلا فلا تصل النوبة اليه مع الامتثال الاجمالي كي يقدم عليه.

وأمّا ان كان الظن حجة بدليل الانسداد فان كان تقرير مقدمات الانسداد على نحو الحكومة فلا اشكال في تقدم الامتثال الاجمالي بالاخلال بالوجه مع الظن دونه ، وان كان على نحو الكشف فيبتني الاجتزاء بالاجمالي أو عدمه على الكشف بنحو جعل الحكم أو الحجيّة ؛ إلاّ أنّ الوجه على الكشف على النحو الأوّل التفصيل :

بين أن يكون إحدى مقدّمات الانسداد هو عدم وجوب الاحتياط المستلزم لعدم اعتبار التمييز مثلا فالتخيير.

وبين أن يكون هو عدم جواز الاحتياط ، لاعتبار التميز ، فيتعين الامتثال الظني.

هذا كله فيما كان الاشكال في الامتثال الاجمالي هو توهّم الاخلال بالوجه والتميّز.

وأمّا لو كان الوجه عدم اعتباره في نفسه أمّا لكون هذا الطريق غير معدود

ص: 39


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

من طرق الطاعة لتوهّم اللعب بأمر المولى ، أو لقيام الاجماع على عدم جواز الاحتياط كما اذا استلزم التكرار فلا بدّ من تقديم الامتثال الظني مطلقا إلاّ أن ينزّل الاجماع أو توهّم اللعب على صورة التمكن من الامتثال التفصيلي ففيه التفصيل المتقدم.

تذنيب : اعلم أنّه لو تولّد أحيانا من العلم الاجمالي العلم التفصيلي فتجري فيه الأحكام المتقدّمة : من وجوب الاتّباع ، والجري على وفقه عقلا ، وتنجيز متعلقه في صورة المصادفة ، والعذر عن الواقع ، وتحقيق موضوع التجري في صورة الخطأ ، لأنّك عرفت انّ وجوب الاتّباع من لوازم وجود القطع عقلا بحيث لا يمكن الانفكاك عنه ولا التخصيص بلا تفاوت بين أسبابه عنده.

فما يتراءى من عدم الاعتناء بالعلم التفصيلي الناشئ من العلم الاجمالي في موارد معدودة :

منها : حكم البعض بجواز ارتكاب كلا المشتبهين فانّه يؤدّي إلى العلم التفصيلي بالحرمة كما إذا اشترى بالمشتبهين بالميتة جارية فانّه يعلم تفصيلا بعدم انتقالها بتمامها فيحرم وطؤها.

ومنها : الحكم بالتنصيف في درهم واحد في الودعيين الذين لأحدهما درهم وللآخر درهمان فانّه قد يجتمع النصفان عند شخص ويشتري بهما جارية أو متاعا فيتصرف فيهما مع علمه تفصيلا بحرمته.

ومنها : مسألة تنصيف العين التي تداعاها اثنان المؤدّية إلى الاجتماع عند واحد.

ومنها : الحكم بصحة ائتمام أحد واجدي المني في الثوب المشترك بالآخر مع علمه ببطلان صلاته امّا من جهة بطلان صلاة إمامه أو صلاة نفسه ؛ إلى غير ذلك

ص: 40

من الموارد المؤدّية إلى العلم التفصيلي بالحكم مع لزوم مخالفته كذلك.

فان قام (1) إجماع على جواز المخالفة أو نصّ قاطع عليها كذلك مع ما عرفت من عدم قابلية حكم العقل بوجوب اتّباع القطع التفصيلي فلا بدّ من التصرّف في إحدى المقدّمات المؤدّية إليه بوجوه من التصرفات كلّ في مورد خاصّ من مثل أن يقال بالتخصيص في عموم كون ثمن الميتة سحتا ، والحكم بجواز بيعه في صورة الاشتباه ، والحكم بملكية ثمنه حيث انّ الملكية قابلية للجعل من قبل الشارع.

وكذا الحال في مسألة الودعي والتداعي فانّه يخصص عموم حرمة مال الناس لغيرهم وعدم ملكيته لهم بصورة الاشتباه ؛ ومثل ان يقال في مسألة الائتمام :

بعدم مانعية الحدث إلاّ أن يعلم بصدوره من شخص خاص ، أو بمنع شرطية صحة صلاة الإمام لصلاة المأموم ، بل الشرط مجرد إحراز المأموم انّ الإمام يصلي على نحو لا يخلّ بما يجب عليه ظاهرا ولو ظهر بعد ذلك خلافه ، إلى غير ذلك من التصرفات. والحاصل : انّه بعد التصرف في احدى المقدمات المؤدية إلى القطع من العمومات والاطلاقات فلا علم تفصيلي يلزم مخالفته.

وأمّا ان لم يقم اجماع أو نص على جواز المخالفة فيتبع العمومات ويجتنب مخالفة العلم التفصيلي الناشئ منها كما لا يخفى.

هذا كله بحسب ما يتراءى من لزوم مخالفة العلم التفصيلي الناشئ من العلم الاجمالي في تلك الموارد ، وقد عرفت عدم لزومه أصلا.

وأمّا الكلام في حرمة مخالفة العلم الاجمالي بالتكليف بنفسه بدون أن ينشأ منه العلم التفصيلي وعدمها ، وبعبارة اخرى : في وجوب موافقته وعدمه ، فامّا الموافقة الالتزامية فقد عرفت عدم لزومها في العلم التفصيلي فكيف في العلم الاجمالي ، وأمّا الموافقة العملية فقد عرفت انّ العلم الإجمالي يقتضيها لو لا

ص: 41


1- هذا وشقه الآخر الآتي بقوله : « واما ان لم يقم اجماع » جواب لقوله : « فما يتراءى » قبل عدة سطور.

الترخيص الشرعي في مخالفته والاقتحام في أطرافه في العلم بالحرام ولو لا الإذن في الترك في العلم الاجمالي بالواجب ؛ وأمّا الكلام في وقوع ذلك شرعا وعدمه فيتوقف على شمول أدلة الاصول العملية لأطراف العلم الاجمالي وعدمه ويأتي التكلم في ذلك في الشك في المكلف به في مبحث البراءة ان شاء اللّه.

ص: 42

الظن

ثم انّه بعد الفراغ عن مباحث القطع شرعنا في المقصد الثاني وهو الظن.

قوله دام ظله : « فيقع المقال في ما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان ما قيل باعتباره من الامارات ». (1)

أقول التكلم فيه في مقامين : أحدهما في امكان التعبد به ، والثاني في وقوعه عقلا أو شرعا.

أمّا الأول : فالمعروف المشهور بل المحقق المنصور هو إمكانه ، ويظهر من الدليل المحكي في استحالة التعبد بخبر الواحد عموم الاستحالة لمطلق الظن.

وقبل الخوض في بيان مذهب المشهور إشكالا ودفعا لا بدّ من تقدمة يتبيّن بها المعنى المقصود من الامكان والامتناع الواقعين في محل النزاع من كونهما ذاتيين أو وقوعيين ، وهي انّه لا شبهة ولا اشكال في أنّ الحجية بالمعنى المعهود منها - المستتبعة (2) للآثار المخصوصة عقلا من تنجيز متعلقه في صورة المصادفة وصيرورته عذرا عنه في صورة الخطأ المحكوم بوجوب اتباعه عقلا كما عرفت في القطع - ليست من لوازم ذات الظن وضرورياته بنفسه بلا انضمام أمر خارج عنه من مقدمات انسداد ونحوها به كما كانت من ضروريات القطع.

ويشهد عليه الوجدان فانّه يحكم بعدم صحة المؤاخذة والاحتجاج بمجرد

ص: 43


1- كفاية الاصول : 316.
2- جملة معترضة طويلة.

الظن ؛ ويعلم ذلك بالمراجعة إلى العقلاء فانّهم لا يكتفون به عند عدم مقدمة اخرى في البين في التكاليف المتعلّقة من الموالي إلى عبيدهم لا إثباتا ولا اسقاطا ؛ كما انّ من المعلوم أيضا انّه لا يتأبّى ولا يتعصّى عن ذلك ذاتا بحيث يكون عدم الحجية من لوازم ذاته غير المنفكة عنه كي لا يمكن طروّها عليه أصلا ؛ كيف وقد تكون الحجية من مقتضيات ذاته كما في زمان الانسداد بعد تمامية المقدّمات ويحكم العقل أيضا بعدم كونه ذاتا ممّا يستحيل جعله حجة من قبل الشارع والحكم بوجوب اتّباعه كما كان كذلك النهي عن القطع بالتكليف الفعلي واجتماع النقيضين.

فظهر ممّا ذكرنا انّ طرفي النقيض من الحجية وعدمها ليسا من لوازم وجود الظن وضرورياته فتكون ذاته لا اقتضاء بالنسبة إلى كلا الطرفين وانّ الامكان والامتناع في محلّ النزاع ليسا ذاتيين بل امكانه الذاتي بمعنى كونه لا اقتضاء وفي حدّ سواء بالنسبة إلى الطرفين ذاتا لا ينكره أحد.

وليعلم أيضا : انّ الامكان الاحتمالي بمعنى احتماله عند عدم العلم به ممّا لا يشكّ فيه عاقل فضلا عن فاضل ولا يحتاج الحكم به إلى مئونة برهان بل يكفيه عدم الاطلاع على ما يوجب الاستحالة ، فالذي يصلح أن يكون محلا للنزاع هو الامكان بمعنى عدم ترتّب لوازم مستحيلة وتوال فاسدة عليه على فرض وجوده ، ومقابله الامتناع كما يشهد به ما استدل به ابن قبة (1) : من لزوم تحليل الحرام وعكسه بمعنى لزومها منه ويسمّيان بالامكان والامتناع الوقوعيّين ؛ والامتناع بهذا المعنى إنّما يلزم من ترتّب توال فاسدة على الشيء على فرض وجوده ، وهذا غير الامتناع الغيري الذي [ اصطلحوه ] (2) على كون الشيء معدوما بعدم علته.

ص: 44


1- فرائد الاصول 1 : 105.
2- في الاصل المخطوط ( اصطلحوا ).

ولا يخفى انّ الامكان في مقابله ممّا يتوقف الحكم به على مئونة برهان عليه حيث انّه كالامتناع من جهات القضية المتوقف كلّ منها على الدليل عليه وإلاّ فيكون الحكم به بمجرد عدم ما يوجب الاستحالة تخرّصا بالغيب وتحكّما بلا ريب وترجيحا بلا مرجح ، ولا دليل على كونه أصلا بالنسبة إلى ما يقابله كي يؤخذ به عند الشك إلى ان يقوم دليل على خلافه ، وحيث انّه لا يكون افراده اكثر من مقابله كي يحمل المشكوك على الأغلب ، وعلى فرض التسليم لا بدّ من التوقف أيضا لاحتمال كون المشكوك من النادر الموجب لعدم الحكم به لعدم كون الغالب أصلا للنادر بعد كون كل منهما جهة واقعية للقضية المحتاج في الحكم بطرفه من دليل على ثبوته ، وليس مجرد عدم الدليل على المنع طريقا يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان كما أفاده الشيخ قدس سره . (1)

وأمّا العبارة المحكية من الشيخ الرئيس من قوله : « كلّما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان » (2) فمراده منها حمل المسموع عند عدم القطع بالامتناع على الامكان الاحتمالي الكافي فيه عدم الاطلاع على الطرفين ، وهو وان لم يحتج على تأسيس أصل إلاّ انّ الشيخ في مقام النصح على الامثال في زمانه وزماننا من انّه لا يحسن الانكار والاستغراب فيما لو ادّعاه مدّع بمجرد عدم الاطّلاع به مع عدم الدليل على منعه كما هو عادتهم ، لا انّه في مقام تأسيسه قاعدة لحمل المشكوك على الامكان واقعا بمجرد السمع ، وإلاّ فهو أجلّ من ذلك.

نعم دعوى القطع بالامكان الواقعي فيما نحن فيه باحاطة العقل بجميع

ص: 45


1- فرائد الاصول 1 : 106.
2- الاشارات والتنبيهات 3 : 418 ؛ وشرح المنظومة ، قسم الفلسفة : 51 في اواخر « غرر في ان المعدوم لا يعاد بعينه » ؛ والطبعة الحديثة 2 : 205.

الجهات المحسّنة والمقبّحة وسائر التوالي الفاسدة والجزم بعدم لزوم تال فاسد عليه على فرض وجود التعبد وعدم المحذور فيما يترتّب عليه ، ليس ببعيدة ، حيث انّ هذه المسألة ليست بأعظم وأشكل من المسائل والمطالب المعضلة في الفلسفة وغيرها ممّا يحكم فيها بالقطع المتوقف على إحاطة العقل بتمام الجهات الواقعية.

ومما ذكرنا ظهر انّ الأولى في الحكم بالامكان هو ما ذهب إليه المشهور. وما جعله الشيخ رحمه اللّه أولى (1) من كفاية عدم الاطّلاع على ما يوجب المنع في الحكم به ليس بأولى ، ولا يجدي في محلّ النزاع أصلا.

نعم ان أبيت عن إحاطة العقل بتمام الجهات الواقعية فان قام دليل قطعي على وقوع التعبد بالظن فيستكشف منه اجمالا امكانه وعدم القبح فيه كما لا يخفى.

ثم انّك بعد ما عرفت من توقّف الحكم بالامكان بالمعنى المذكور [ على ] (2) القطع بعدم لزوم تال فاسد على التعبد بالظن وعدم الاستحالة فيما يترتّب عليه فلا بدّ أوّلا من بيان ما هو حقيقة التعبد بالظن ثم بيان وجوه الاشكال الناشئة من توهّم ترتّب الامور المستحيلة أو استحالة الامور المترتبة عليه فنقول :

انّ التعبد بالأمارات :

امّا أن يكون بمعنى جعلها حجة على ما هو التحقيق من كون مثل الحجية والأمارة والملكية والوكالة ونظائرها الموضوعات لآثار خاصة شرعا أو عقلا كالحجية بالنسبة إلى وجوب الاطاعة وتنجيز الواقع والعذر عن مخالفته ، قابلة للجعل وعلى ما هو الظاهر من أدلّة اعتبار الأمارات من عدم الموضوعية فيها ولا

ص: 46


1- فرائد الاصول 1 : 106.
2- في الاصل المخطوط ( الى ).

انشاء أحكام شرعية على طبقها في قبال الأحكام الواقعية إلاّ جعلها حجة بالمعنى المذكور ، ويكون التعبير بوجوب التصديق بها تعبيرا باللازم العقلي.

وامّا ان يكون بمعنى انشاء الحكم الشرعي على طبق مؤداها بعنوان قيام الأمارة ، كما على القول بالموضوعية وعلى ما هو التحقيق في الاصول العملية من كون اعتبارها بمعنى انشاء حكم ظاهري شرعي على طبقها حيث انّ الظاهر من مثل : « كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام » (1) انشاء الإباحة التكليفية في المشكوك الحكم ومن مثل : « كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر » (2) انشاء الطهارة الشرعية في المشكوك.

فالتحقيق في الاصول أن يقال : [ انّ ] مؤداها أحكام واقعية شرعية ، غاية الأمر في المشكوك ، لا صرف الأحكام الصورية كما على التحقيق في الأمارات. والفرق : انّ الأمارات ناظرة إلى الواقع وحاكية عنه بلا نفسية فيها في قبال الواقع ، فان طابقت الواقع وإلاّ فيكون عذرا عنه ؛ دون الاصول لعدم نظر فيها إلى الواقع ، بل مفادها جعل الحكم في المشكوك الحكم الواقعي بعنوان كونه مشكوكا فان كان سند مثل : « كل شيء لك حلال » قطعيا فتكون الاباحة متحققة ، وإلاّ فلو كان بخبر واحد فيكون ظنيا أو مشكوكا ؛ فالحكم الظاهري فيها نظير الحكم الواقعي في الأمارات في كونه متيقّنا مرّة ، ومظنونا اخرى ، ومشكوكا بل موهوما ثالثة.

فاذا عرفت تحقق التعبد بكلا المعنيين أي : انشاء الحكم ؛ وجعل الحجية في الاصول والأمارات ؛ فلا بدّ من دفع الاشكالات المتوهّم ورودها بكلّ من الطريقين :

ص: 47


1- وسائل الشيعة 12 : 60 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به ، الحديث 4 ، قريب منه.
2- في المصادر الروائية : « كل شيء نظيف ». وسائل الشيعة 2 : 1054 الباب 37 من ابواب النجاسات ، الحديث 4 ؛ تهذيب الاحكام 1 : 284 ذيل الحديث 832.

أمّا على الحجية (1) فحيث انّه لم يكن - بناء عليه - انشاء حكم على طبق الأمارة يوافق الواقع مرّة ويخالفه اخرى كما عرفت ، فلا يرد عليه لزوم اجتماع المثلين أو الضدين واجتماع الإرادة والكراهة والحبّ والبغض والمصلحة والمفسدة. نعم يرد عليه انّه يلزم من جعل الأمارة مع تمكّن المكلّف من تحصيل العلم بالواقع لولاه الالقاء في المفسدة على تقدير قيام الأمارة على اباحة فعل كان محرّما واقعا ، وتفويت المصلحة على فرض قيامها على اباحة واجب واقعا. هذا بناء على العدلية من تبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد في الأفعال.

وامّا بناء على مذهب الأشعري (2) من عدم تبعيتها لذلك فلا بدّ أيضا من تعلّق غرض في الفعل وجودا في الواجب وعدما في الحرام ، فيلزم من الترخيص على خلافهما نقض الغرض منه تعالى.

وملخص الجواب عن ذلك :

امّا في صورة الانسداد فلا مناص عن ذلك لو فرض كون الأمارة المعتبرة أغلب المطابقة في نظره تعالى عن غيرها.

وأمّا في صورة الانفتاح فيلزم الالقاء والتفويت لو لم نقل بالتدارك ؛ وامّا لو قلنا عليه بايصال مصلحة إلى المكلف حينئذ بجعلها في الفعل أو خارجا يتدارك بها ما فات منه من مصلحة الواقع او ما وقع عليه من المفسدة ، فلا يلزم ذلك.

هذا مع انّه لا يلزم التدارك أصلا فيما لو دار الأمر :

بين تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة لبعض المكلفين بعد فرض اصابة الأمارة بالنسبة إلى الغالب.

ص: 48


1- يأتي شقه الآخر بعد صفحات بقوله : « واما على القول بانشاء الحكم التكليفي ... الخ ».
2- تقدم تخريجه ، وقد قلنا هناك ان بعضهم يرى التبعية لكن موجبة جزئية. راجع شرح المقاصد 4 : 302 ؛ وشرح المواقف 8 : 202.

وبين التسهيل ورفع العسر والحرج عن النوع ، فانّه مع كون مصلحة الثاني أهم امّا : باستقلال العقل كما فيما لو فرض لزوم العسر الموجب لاختلال النظام في المعاش والمعاد ، أو بالاستكشاف من دليل الشرع بالإن من مثل قوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) بالنسبة إلى العسر غير المستتبع لذلك ، فلا اشكال في عدم المحذور في جعل الأمارات حجة بل في لزومه لأهمية مصلحة التسهيل ولو بلا تدارك بالنسبة إلى من فاتت عنه المصلحة أو القي في المفسدة ، لعدم كون مثل هذا التفويت والالقاء قبيحا ؛ مع انّه يحصل لهذا الشخص ثواب الانقياد لو عمل بالأمارات كذلك.

والحاصل : انّه بناء على أحد الوجهين من لزوم التدارك ، أو أهمية مصلحة التسهيل فلا قبح في جعل الأمارات ولو لزم منه تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة بالنسبة إلى بعض المكلفين كما لا يخفى.

وتوهم : عدم الفائدة في جعل الحكم الواقعي حينئذ ؛ مدفوع : بتحقق الفائدة فيه فيما لو حصل العلم به أحيانا بلا تكلّف فيه.

ومحصّل الكلام : انّه بناء على جعل الحجية لا يحصل الاشكال في الفعل الذي قامت الأمارة على حكمه وإنّما يحصل الاشكال في نفس فعل الشارع وهو الجعل من حيث استلزامه التفويت والالقاء ولا أقل من نقض الغرض ؛ ولكنك عرفت عدم القبح من جهة مزاحمة قبحهما بمصلحة أقوى ، بل الوجه كفاية احتمال ذلك في ردّ استدلال القائل بعدم جواز التعبد بالظن وان لم يتيقن بتلك المصلحة.

نعم في مقام اثبات الامكان الواقعي لا بدّ من العلم بذلك :

امّا تفصيلا باحاطة العقل بالجهات الواقعية وقطعه بالمصلحة الراجحة.

ص: 49


1- سورة الحج : 78.

وامّا اجمالا باستكشاف ذلك من دليل الوقوع على تقدير قيامه على الحجية حيث انّه على ذلك يكون تشريع الشارع يكون (1) كسائر الافعال الموجّهة بالمصلحة غير المزاحمة أو الراجحة على المفسدة الواقعية بعد الكسر والانكسار في مقام التأثير ، ويستكشف تلك المصلحة على تقدير عدم العلم بها من حكم الشرع بقاعدة « كلّما حكم به الشرع حكم به العقل ».

كما انّ الحال على ذلك المنوال في الأفعال المتعلقات للأحكام غير المعلومة الجهة ، فتدبّر.

وليعلم : انّه بناء على جعل الحجية يبقى الاشكال في انّه مع الأمر بالعمل على الأمارة القائمة على خلاف الواقع وجعلها حجة فكيف يتأتّى مع ذلك الطلب الفعلي بالنسبة إلى الواقع؟ وهو وان لم يكن باجتماع الضدين ، إلاّ أنّه من قبيل إيجاد المانع عن مطلوبه مع فعلية طلبه كما لا يخفى.

ولكنّه مشترك الورود بينه وبين القول بانشاء الحكم التكليفي على طبق مؤدّيات الأمارات ، ويأتي الجواب عن ذلك.

كما انّ كلّ ما يتوهم من الاشكال إنّما هو فيما كان التفويت أو الالقاء مستندا إلى فعله تعالى كما في صورة التمكن من العلم ، وامّا مع عدمه كما في حال الانسداد فلا اشكال أصلا ، لكونه حينئذ من قبيل الفوات.

إذا عرفت ما ذكرنا من عدم قبح الالقاء والتفويت مع عدم التدارك أصلا ، فمعه بطريق أولى. هذا على القول بالحجية.

وامّا على القول بانشاء الحكم التكليفي على طبق مؤدّيات الأمارات فالوجوه المتصوّرة فيه من الاشكال على قسمين :

ص: 50


1- الظاهر أنها زائدة.

أحدهما : ما يشترك بينه وبين القول بالحجيّة ، وهو ما مرّ من الالقاء في المفسدة وتفويت المصلحة ونقض الغرض ، والجواب الجواب.

الثاني : ما يختص بخصوصه ، وهو انّه بناء على جعل الحكم التكليفي على طبق مؤدّيات الأمارات بعنوان قيامها ، باستفادة ذلك من مثل : « صدّق العادل » وتحليله إلى أوامر حقيقية بعدد قيام الأمارة على الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين في أبواب الفقه ، غاية الأمر لا تكون تلك الأوامر نفسية كالأحكام الواقعية ، بل طريقية مولوية والأمر الطريقي نحو أمر حقيقي فعلي بين نفسي صرف بأن لم يلحظ فيه غير أصلا وغيريّ صرف بأن لم يلحظ فيه نفسية أصلا كما قرّر في محله.

[ و ] يرجع حاصل ذلك :

إلى اجتماع حكمين متضادين في الافعال على تقدير مخالفة الأمارة للواقع ، ومتماثلين على تقدير الاصابة.

وإلى اجتماع المصلحة والمفسدة المؤثرتين في حسن الفعل وقبحه المستتبعتين للوجوب والحرمة في الأفعال أيضا ، بناء على تبعيتهما للمصالح والمفاسد فيها.

وإلى اجتماع الارادة والكراهة بالنسبة إلى فعل واحد فيما إذا أدّت الأمارة إلى وجوب ما كان محرّما واقعا وبالعكس.

ولا شبهة في انّ كلا منها مضادّ مع مقابله فيلزم اجتماع الضدين من وجوه ، ولا يجدي فيه عدم القطع بمخالفة الأمارة للواقع حيث انّ احتمالها كالقطع بها في الاستحالة ، ولا يخفى انّ ما نحن فيه من قبيل النهي في العبادات حيث انّ الحكم الواقعي إنّما تعلّق بصلاة الجمعة مثلا مطلقة وحكم الأمارة المخالفة إنما تعلق بها مقيدة بعنوان قيام الأمارة على حكمه نظير « صلّ » و « لا تصلي الحائض » ولا

ص: 51

اشكال في استحالته ، فليس من قبيل اجتماع الأمر والنهي كي يبتني الجواز وعدمه في المقام على تلك المسألة.

نعم غائلة الاستحالة ترتفع بحمل الواقعيات على مرتبة الانشاء والحكم الطريقي على المرتبة الفعلية كما في الفرائد (1) وتعليقة الاستاذ (2) دام ظله عليه مفصلا ؛ الاّ انّ الالتزام في جميع الواقعيات في موارد الأمارة ببقائها على مرتبة الانشاء مع استلزامه لعدم تنجزها ووجوب العمل بها ولو على تقدير العلم بها مستبعد في نفسه كما يظهر وجهه [ فيما يأتي ] (3).

إذا عرفت وجوه الاشكال ، فالتحقيق : عدم ورود كلّ منها أصلا.

امّا مسألة اجتماع المصلحة والمفسدة المؤثّرتين في الحسن والقبح فلما عرفت من كون المصلحة في نفس الأمر الطريقي ، وبعبارة اخرى : في فعله تعالى وهو انشاؤه الحكم الطريقي ؛ والمصلحة والمفسدة في الأمر والنهي الواقعيين في متعلقهما وهو فعل المكلف فلا اجتماع في محلّ واحد كي يلزم اجتماع الضدين في مقام التأثير ؛ والتقييد بمقام التأثير من جهة عدم التضاد من حيث ذاتهما أصلا.

وأمّا مسألة الارادة والكراهة :

فبالنسبة إلى الواجب ليستا إلاّ مجرد العلم بالصلاح والفساد ، ومن الواضح أن لا تضاد في العلم بهما إلاّ من حيث المتعلق ، وقد عرفت اختلاف المحل فلا استحالة أصلا.

وأمّا بالنسبة إلى غيره تعالى فالتحقيق : انّ الإرادة والكراهة النفسانية المعبّر عنهما بالشوق المؤكّد ومقابله إنّما هما على طبق الحكم الواقعي ، وامّا

ص: 52


1- فرائد الاصول 1 : 121 - 122.
2- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 76 - 77 ، والطبعة الحجرية : 40.
3- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

بالنسبة إلى الأمر الطريقي فليس إلاّ صرف إيقاع الطلب وانشائه بلا إرادة نفسية بل ولا بعث حقيقي على طبقه ، فيرتفع التضاد. وتوضيحه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : انّ الظاهر من أدلة اعتبار الأمارات من بناء العقلاء والأخبار - كما سيجيء ان شاء اللّه - اعتبارها من باب الطريقية بحيث لم يحدث في متعلقها بسبب قيامها مصلحة غير مصلحة الواقع إلاّ في الأمر بها من مراعاة الإيصال إلى الواقع غالبا والتسهيل ونحوهما لا الموضوعية كي يحدث في متعلقها بسببها ذلك ، بل كان حجيّة ظواهر الألفاظ أيضا من هذا الباب ، كما يظهر بالمراجعة إلى العقلاء.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ جعل الطريق بالنسبة إلى الواقع إنّما يكون فيما وصل إلى المرتبة الفعلية كي يقتضي مصلحته الفعلية لجعل طريق للتوصّل إليها والإيصال إلى المطلوب غالبا ، وإلاّ فبدون ذلك لا معنى للطريق إلاّ جعل ما يوجب تتميم المصلحة وإيصالها إلى المرتبة الفعلية فيصير مأخوذا في موضوع الحكم الفعلي فيخرج عن الطريقية إلى الموضوعية كما لو أخذ العلم في موضوع الفعلية فلا يكون طريقا محضا وهو خلف.

الثاني : انّ للطلب - كما حقق في مبحث الطلب والارادة - مضافا إلى مفهومه الذهني أنحاء من التحققات وأطوار من الوجودات :

أحدها : تحقق مصداقه الحقيقي في النفس صفة لها وهو المعبّر عنه بالحب والبغض مرة ، والشوق المؤكّد ومقابله اخرى ، والارادة والكراهة ثالثة ؛ وكلها بمعنى.

ثانيها : تحققه في مقام الإنشاء بالوجود الانشائي وتشخصه بمشخصات المرتبة صونا لقاعدة « الشيء ما لم يتشخص لم يوجد » وان كان كليا بالنسبة الى مرتبة اخرى.

وثالثها : تحققه في الخارج مصداقا حقيقيا للطلب بالحمل الشائع ، ويكون

ص: 53

تحققه نحو تحقق الامور الاعتبارية التي لا يكون بحذائها شيء في الخارج غير منشأ انتزاعها.

الثالث : انّ الوجود الانشائي والايقاعي خفيف المئونة حيث انّه يكفي فيه قصد مفهوم المنشئ باللفظ ، ولا بدّ في صدوره من الحكيم من داع عقلائي ، وهو يختلف بحسب المقامات فيكون :

تارة : بداعي التنجيز والتعجيز.

واخرى : بداعي السخرية والاستهزاء.

وثالثة : بداعي الامتنان.

ورابعة : بداعي الطلب الحقيقي وإرادة صدور الفعل في الخارج ؛ ويكون الانشاء بهذا الداعي ناشئا من الحب والشوق المؤكّد النفسي.

وخامسة : بداعي جعل الطريق بالنسبة إلى هذا الطلب الحقيقي ان لم يكن معلوما ولا منجّزا وان كان فعليا في الواقع ؛ ويكون الأمر الطريقي موجبا لصيرورته منجّزا في صورة المصادفة ويصير عذرا عنه في صورة الخطأ.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الانشاء والايقاع ان كان ناشئا من الإرادة النفسانية إلى الفعل وبداعي صدوره من المكلف في الخارج ، يكون سببا لتحقق الطلب الحقيقي في الخارج الذي هو مصداقه بالحمل الشائع ؛ وان لم يكن بهذا الداعي بل لغيره من الدواعي ، يكون محض الطلب الايقاعي بدون أن يصير حقيقيا ؛ ومن المعلوم انّه لو لم يصل بتلك المرتبة لم تحصل المنافاة والتضاد بينه وبين الطلب الحقيقي ولو كانا متعلقين بفعل واحد ، لما حقق من عدم المنافاة بين الطلب الانشائي والحقيقي البعثي.

والتحقيق : انّ الطلب الطريقي الذي لم يلحظ فيه غير تنجيز الواقع والايصال إليه في موارد الاصابة وجعل العذر في صورة الخطأ هو مجرد

ص: 54

الطلب الانشائي بلا بعث على طبقه بمتعلقه بما هو متعلقه حتى في صورة الاصابة غاية ، الأمر في هذه الصورة يكون البعث متحققا على طبق الطلب الواقعي ، وحيث انّه لا علم للمكلف إليه ولا طريق كما في صورة الانسداد فأنشأ المولى طريقا غالب المطابقة بالنسبة إليه بداعي تنجّز الأمر الواقعي في بعض الصور والعذر فقط في بعض الصور كما في أطراف العلم الاجمالي حيث انّ التنجّز فيه مستند بالنسبة إلى نفس العلم ، فاذا كان الأمر الطريقي مجرد الحكم الانشائي غاية الأمر بالداعي المذكور بلا بعث وطلب حقيقي بالنسبة إلى متعلقه بما هو متعلقه كما في غير الأمر الطريقي من الأوامر التي ليست المصلحة فيها في متعلقها من الامتحاني والتعجيزي وغيرهما فلا تضاد بينه وبين الأمر الحقيقي النفسي كي يلزم منهما في الفعل اجتماع الضدين.

والحاصل : انّه بعد ما عرفت من كون المصلحة في الأمر الطريقي في نفس الجعل ، والمصلحة في الأمر النفسي في نفس الفعل ، وانّ أثر الأمر الطريقي مجرد التنجيز والعذر عن الواقع ، وأثر النفسي استحقاق العقاب على مخالفته عند تنجّزه واستحقاق المثوبة على موافقته ، وانّهما مختلفان في داعي الانشاء من حيث كونه في أحدهما الأثرين المذكورين وفي الآخر تحقق الفعل خارجا ؛ فيعلم انهما سنخان من الأمر بلا مماثلة لأحدهما ولا مضادته بالنسبة إلى الآخر.

فان قلت : فان تعلق حب على طبق الأمر الطريقي بالفعل المتعلق به ، فيلزم منه الإرادة الحقيقية بالنسبة إليه ، فيلزم اجتماع المثلين أو الضدين ، وإلاّ فكيف يصدر الانشاء؟ وكيف يحصل الأثران المذكوران من مجرد الانشاء بلا تحقق مصداق الطلب حقيقة؟

قلت : امّا الحب فيتعلق بما هو ذا مصلحة وهو نفس الانشاء والجعل في الطريق ، وأمّا الأثران فيتحققان من نفس جعله الانشائي الطريقي ؛ وان شئت قلت :

ص: 55

لا فرق بين جعل الحجية والحكم الطريقي في عدم تحقق الطلب الحقيقي في الفعل ، غاية الأمر :

بناء على قابلية الحكم الوضعي للجعل كما هو المختار في المقام أيضا على ما نشير إليه ، فلا بدّ من الالتزام بجعلها ، ويترتّب عليه الأثر الطريقي عقلا.

وبناء على عدم قابليته للجعل ابتداء ، فلا بدّ من انشاء الحكم الطريقي بداعي أثر الحجة فينتزع منه الحجية ، ويترتب على ذاك الأمر ما هو أثر الحجة ؛ فالأثر لا يدور مدار الطلب الحقيقي ، ولا يلزم من عدم الطلب البعثي الناشئ من ارادة حصول الفعل في الخارج عدم كون هذا الأمر مولويا كما في الأمر الامتحاني.

ولكن الأظهر مع ما عرفت من معنى الأمر الطريقي وعدم منافاته مع الأمر الحقيقي هو الحجية في الأمارات ، لأنّه مع كون الالتزام بانشاء الحكم في الأمارات بعدد مؤدّياتها في قبال الحكم الواقعي مستبعدا في نفسه تكون الحجية هي المتعيّن من طريقة العقلاء في نصبهم الطريق للواقعيات كما هو ديدنهم في جعل الأمارة وسائر ما يكون قابلا للجعل عندهم ومنشأ للآثار الخاصّة بلا التزامهم بجعل حكم تكليفي في مواردها ؛ إلاّ أن يكون التعبير به منهم من جهة بيان ما هو لازمها عقلا ، كما لا يخفى. هذا كلّه في الأمارات.

وامّا الاصول : فالاحتياط وكذا الاستصحاب بناء على حجيته من باب طريقة العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة رعاية للواقع مع حمل دليل الشرع على امضاء طريقتهم يكون حجّيتهما من باب الطريقية بمعنى عدم مصلحة في مؤداها غير مصلحة الواقع ، ويكون مصلحتها في تشريعها ولو كان ذلك هو غلبة إيصالها إلى الواقع أو التسهيل على العباد ، فيكون حالهما حال الأمارات اشكالا وجوابا ؛ ومقتضى هذا الوجه في الاستصحاب عدم الاجزاء.

وامّا بناء على الالتزام بكون مفاده حكما نفسيا كما يظهر من بعض الأخبار

ص: 56

الدالة على احراز الطهارة المستصحبة مع عدم سبق العلم بالنجاسة بحيث يظهر منه انّ في نفس عدم نقض اليقين بالشك مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع ، فمقتضاه الاجزاء.

ولكنه يرد عليه اشكال اجتماع المصلحة والمفسدة مع ما تستتبعانه من الحكمين المتضادّين في الفعل واجتماع الارادة والكراهة في نفس المولى.

وهكذا يرد الاشكال في أصل الاباحة بناء على الالتزام بكون الاباحة حكما حقيقيّا وترخيصا فعليا من الشارع حسب تحقق المضادّة بين الترخيص والحكم الواقعي الثابت على خلافه من الوجوب والحرمة ولو كانت المصلحة في طرف الاباحة في نفس التحليل من التسهيل ورفع المشقة ونحوهما كما في نفي الحرج والعسر من الدين الناشئين من المصلحة في نفس الجعل لا في الفعل ، غاية الأمر يكون الفرق بين الاباحة ونفي العسر بالتقييد في الحكم الواقعي في الثاني دون الأوّل.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ رفع غائلة اجتماع الضدّين من البين من حيث المصلحة والمفسدة :

امّا في مورد الاباحة ، فباختلاف موردهما حيث انّ مصلحة الاباحة في نفس التحليل ومفسدة الحرمة الواقعية في نفس الفعل.

وامّا في الاستصحاب وان اتّحد موردهما على الوجه الأخير إلاّ انّ المضادّة ليست بينهما بذاتهما ، بل من حيث تأثيرهما في الارادة والكراهة.

ولكنّه يدفع : بأنّ الارادة والكراهة في الواجب ليستا إلاّ مجرد العلم بالصلاح والفساد بلا انقداح أمر آخر في ذاته المقدّسة فلا مضادة. نعم توجبان ذلك في المبادئ النازلة من مثل النفس النبوية صلی اللّه علیه و آله فلا بدّ في مثل هذه المرتبة :

امّا من الالتزام بفعلية الحكم الواقعي بالمعنى المذكور في العلم الاجمالي

ص: 57

من كون المصلحة الواقعية بنحو لو علم بها ليتنجّز بلا استتباع لارادة بعثية على طبقها ما دام الجهل ، لكون الارادة البعثية على طبق الحكم الظاهري مانعة عنها على طبق الواقع ، ومثل هذه الفعلية الواقعية لا مضادّة بينها وبين فعلية الحكم الظاهري البعثي.

وأمّا من الالتزام بكون الحكم الواقعي إنشائيا محضا مع تقييد فعليته بالعلم بالانشائي كما هو ظاهر الأدلة.

والفرق بين الوجهين : كون العلم في الأوّل موجبا لرفع المانع في الأوّل ؛ ومكمّلا لمصلحة الحكم في الثاني.

ولا يخفى انّ المضادة بين الترخيص في مورد الاباحة والإرادة أو الكراهة على خلافه على طبق الحكم الواقعي يقتضي الالتزام بمثل هذين الجوابين المذكورين في الاستصحاب.

وأمّا الجواب : بتعدد المرتبة بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي بتأخّر الموضوع في الأوّل عن الموضوع في الثاني بمرتبتين ، حيث انّ الموضوع في الحكم الظاهري المشكوك الحكم الواقعي المتوقف على وجود الموضوع وحكمه ثم الشك فيه بلا اتحاد في المرتبة ؛ فمدفوع :

بأنّ اختلاف المرتبة لا يجدي في رفع التضاد حيث انّ الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الواقع إلاّ أنّ الواقع يكون في مرتبته للزوم التصويب بدونه.

وهذا التوهّم كتوهّم ابتناء ما نحن فيه على مسألة اجتماع الأمر والنهي فيجوز الاجتماع بناء على الجواز في تلك المسألة ؛ وهو فاسد أيضا ، لما عرفت سابقا من كون المقام من قبيل النهي في العبادات فلا يجوز الاجتماع مطلقا ، فينحصر الجواب فيما ذكرنا من الوجهين ؛ هذا كلّه بناء على كون الاباحة والحكم الاستصحابي حكما حقيقيّا وترخيصا فعليا.

ص: 58

وأمّا بناء على حمل أدلة الاباحة على مجرد الانشاء الصوري ، بأن يكون مفادها الارشاد إلى ما حكم به العقل من عدم الحرج وجواز الاقتحام عقلا في مورد الشك في الحكم وعدم البيان بالنسبة إليه ولو كان الواقع فعليا ، فلا إشكال ولا تضادّ كما هو واضح.

كما انه لو قلنا بكون الحكم الاستصحابي حكما طريقيا بمعنى عدم المصلحة فيه إلاّ الايصال إلى الواقع وعدم مصلحة على طبقه على خلافه كما عرفت في الأمارات ، فلا إشكال فيه أيضا على ما عرفت في الأمارات ويكون حاله حالها.

تذنيب : لا يخفى انّ ما ذكرنا في الاصول من رفع اشكال التضاد بحمل الواقعي على الانشائي والظاهري على الفعلي لا يتأتّى بالنسبة إلى الأمارات ، لأنّه بناء على اشتراط فعلية الحكم الواقعي بتعلّق الأمارة على مرتبة الانشائي فيلزم أن تكون الأمارات لمجرد الايصال إلى مرتبة الفعلية على تقدير اصابتها بالانشاء بلا تنجيز منها بالنسبة [ الى ] الواقع الفعلي ، فلا ملزم له ، حيث انّ الأمارات إنّما أخذت موضوعا للفعلية فلا طريقية بالنسبة إليها ، والفرض انّه لا علم باصابتها كي يصير العلم موجبا للتنجّز.

إلاّ أن يقال : بدلالة الأدلّة على كونها طريقا إلى الفعلي حذرا عن اللغوية بدونه ، فيوجب تنجّز الواقع.

ولكنّه مع استلزامه تنزيل مؤداها منزلة الواقع الفعلي - وبعبارة اخرى : جعل مؤداها حكما فعليا مطلقا أصابت أم لا - مع كون التنزيل من الخارج لا بنفس الأمارات لئلاّ يلزم اجتماع النظرين المتضادّين فيها ، يرجع إلى ما ذكرنا من كون رفع التضاد بحمل الأمارات على مجرد الحكم الطريقي غير المنافي مع الواقع

ص: 59

الفعلي ، وحينئذ فلا حاجة إلى ما ذكره الشيخ (1) من اشتراط فعلية الواقع بقيام الأمارة عليه بعد الحاجة إلى ما ذكرنا ، ومع عدم الرجوع إليه بعدم الالتزام بطريقيتها ولو من الخارج فلا يجدي قيام الأمارة في التنجّز والزام العمل على الواقع أصلا فيوجب التفويت من غير تدارك ، لعدم الحكم النفسي فيها مطلقا أو في خصوص صورة الاصابة على ما فرضه قدس سره .

والحاصل : انّ الجواب في رفع التضاد بما ذكره الشيخ قدس سره (2) بحمل الواقع على مرتبة الانشاء وتقييد فعليته باصابة الأمارة عليه غير مجد في تنجّز الواقع على تقدير عدم الرجوع إلى ما ذكرنا ، وغير محتاج إليه على تقدير ذلك.

هذا كلّه في الدليل الاول لابن قبة ودفعه.

وامّا الثاني : وهو انّه لو جاز بالاخبار عن النبي صلی اللّه علیه و آله لجاز التعبد به عنه تعالى والتالي باطل بالاجماع فكذا المقدّم.

وفيه : انّ المدّعى في هذا الدليل :

لو كان هو الامتناع فلا يفيده.

وان كان هو عدم الوقوع فهو مع استلزامه المخالفة من حيث المدّعى بين الدليلين - إلاّ ان يكون المدّعى ذلك في الدليل الأوّل أيضا وكان التمسّك بما يفيده بطريق أولى - يدفعه :

انّ الاجماع على عدم الوقوع :

ان كان شاملا لمطلق التعبد بغير العلم فالأولى التمسك به لا بالقياس.

وان كان في خصوص المقيس عليه فالاجماع هو الفارق بين المقامين.

ثم إذا تبيّن عدم استحالة تعبد الشارع بغير العلم وعدم قبحه ، فيقع الكلام

ص: 60


1- فرائد الاصول 1 : 114.
2- فرائد الاصول 1 : 114.

في المقام الثاني في وقوع التعبد به وعدمه ؛ وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من بيان حكم الشك في الحجية ، وانّه هل يحتاج إلى تأسيس الأصل لصورة الشك أم لا؟

والتحقيق ، على ما يقتضيه النظر الدقيق : عدم الاحتياج إليه.

بيانه : انّ الحجة وما هو طريق بالحمل الشائع إنّما يكون إذا أحرز التعبد ، وبدونه لا يصدق على التعبد واقعا الحجة والطريق حقيقة وان كان يصدق عليه انشاء ، حيث انّ الأثر المرغوب من الحجة ليس إلاّ ما هو أثرها عقلا : من وجوب متابعته ، والحركة على وفقه عملا ، وتنجيز الواقع عند الاصابة والعذر عنه ، وتحقيق موضوع التجرّي عند الخطأ ، بحيث لو لا تلك الآثار لم يتحقق مصداق الحجة بالحمل الشائع ؛ ومن المعلوم انّ العقل لا يحكم بتلك الآثار إلاّ عند احراز التعبد لا بدونه ، فإذا كان كذلك فيعلم : انّ موضوع هذه الآثار متقوّم بالعلم ، بل يكون موضوعا لها ، وبمجرد الشك يحصل القطع بانتفاء الموضوع فتنتفي تلك الآثار بالقطع بلا حاجة إلى الأصل وتأسيسه ؛ كما هو كذلك بالنسبة إلى كل حكم أخذ العلم في موضوعه ولم يكن يترتّب على نفس الواقع.

وأمّا ما أورد الاستاذ دام ظله (1) في بعض كلماته على الشيخ قدس سره (2) - المنكر (3) لاستصحاب البراءة عن التكليف لعدم الأثر له إلاّ عدم الاشتغال وعدم الاطاعة عقلا وهو يترتّب على مجرد الشك في التكليف بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلا حاجة إلى الأصل - : بأنّ الاستصحاب مقدّم على قاعدة البراءة العقلية ،

ص: 61


1- كفاية الاصول : 475 ؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 208 ، والطبعة الحجرية : 125 في التعليق على قول الشيخ : « وموضوع البراءة في السابق » ؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 300 - 301 ، والطبعة الحجرية : 178 في التعليق على قول الشيخ : « واما اذا لم يكن العدم مستندا ».
2- فرائد الاصول 2 : 59 - 60 ؛ 3 : 39 - 40 ؛ 3 : 219.
3- جملة معترضة طويلة.

ففيه :

انّه في مقابل مثل الشيخ (1) المنكر لاستصحاب كلّ ما لم يكن له إلاّ الأثر العقلي ومنه استصحاب البراءة ؛ بأنّ الاستصحاب لا يحتاج إلى الأثر فيما كان نفس المستصحب بنفسه ممّا يقبل الجعل كما في عدم التكليف ، حيث انّه يقبل ذلك باعتبار استمراره بعدم تبديله بوجود التكليف ، وإذا كان كذلك فيترتّب عليه الأثر العقلي لعدم التكليف إذا كان موضوعه أعمّ من العدم الواقعي والاستصحابي. وامّا فيما نحن فيه [ فهو ] في مقام بيان انّ مثل هذه الآثار المذكورة عقلا للحجة لا يحتاج إلى الأصل بل يكفي فيها مجرد الشك للقطع بانتفاء موضوعها بمجرده.

كما انّ ما أورده عليه أيضا في الحاشية (2) في هذا المقام في مقابل قوله قدس سره بعدم (3) الحاجة إلى أصالة عدم الحجية في نفي آثار الحجة : بأنّ الاستصحاب مقدّم على [ القاعدة ] (4) فهو أيضا في قبال مثل الشيخ (5) القائل بكون الآثار مشتركة بين الواقع والمشكوك [ و ] بأنّه على تقدير اشتراك الآثار بينهما كما في قاعدة الطهارة واستصحابها لا مجال إلاّ للاستصحاب ، لحكومته عليها فيما كان المورد مجرى لهما لا في مثل ما ذكرنا من كون الآثار المذكورة للمعلوم لا للواقع بنفسه ، فانّه لا مجال حينئذ للاستصحاب لترتيب هذه الآثار.

مع انّ الشيخ قدس سره لم يصر بصدد بيان الآثار العقلية المذكورة التي عرفتها ، بل بصدد بيان آثار اخرى ؛ ولكنك ستعرف انّ تلك الآثار - التي صار قدس سره بصدد بيان

ص: 62


1- فرائد الاصول 3 : 215.
2- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 81 ، والطبعة الحجرية : 43.
3- فرائد الاصول 1 : 127 - 128.
4- في الاصل المخطوط ( قاعدة ).
5- فرائد الاصول 1 : 112 و 115.

انّها تترتب على مجرد الشك - أجنبية عن التعبد ولم تكن من آثاره وجودا وعدما كي يحتاج إلى الأصل.

فإن قلت : على ما ذكرت من كون الآثار المذكورة منتفية بمجرد الشك لأخذ العلم في موضوعها المقطوع الانتفاء به ، فكيف يجري الاستصحاب في طرف الوجود عند الشك في الحجية مع العلم بها ، مع اشتراطه بكون الآثار مترتبة على المستصحب؟

قلت : قد عرفت عدم الحاجة في الحاجة في الاستصحاب إلى الأثر لو كان المستصحب بنفسه ممّا يتطرّق إليه يد الجعل كما في المقام ، حيث انّ الحجية قابلة للجعل بنفسها فيجري فيها الاستصحاب ، وعند ذلك يكون التعبد محرزا ومصداقا للحجية حقيقة فيترتب عليه الآثار العقلية المذكورة ، لكون موضوعها أعم من أن يكون محرزا وجدانا أو تعبدا.

ومما ذكرنا : من كون الحجية قابلة للجعل ظهر صحة جريان الاستصحاب في طرف العدم أيضا ، لكون طرفي الشيء متساوية الأقدام في القبول للجعل وعدمه ؛ إلاّ أنّ ما ذكرنا من عدم جريانه في المقام إنّما هو بلحاظ نفي الآثار المذكورة ، لكونها للعلم بالتعبد وجودا وللشك فيه عدما ، لا للواقع بنفسه ؛ كما انّه لو كان الاثر لخصوص الواقع لما كان مجال إلاّ للاستصحاب ؛ كما انّه كذلك على التحقيق لو كانت الآثار مشتركة للحكومة.

ثم اعلم : انّ في مورد الشك في التعبد بالأمارة امورا قد توهّم ترتّبها وجودا على وجود التعبد ، وعدما على عدمه ، لا بدّ من الإشارة إليها ودفع توهّم ترتبها على المقام.

منها : جواز استناد الحجية وكذا الحكم المظنون إلى الشارع ، الذي هو من عمل الجارحة ولكن لسانا عند العلم بالتعبد وحرمته عند الشك فيه امّا مع

ص: 63

استصحاب عدمه أو بمجرد الشك فيه.

وفيه :

أولا : انّ جواز استناد الحكم المظنون إلى الشارع لا يكون من آثار التعبد بالظن واقعا ولا من آثار احرازه كي يكون عدم جوازه من آثار عدمه واقعا أو عدم احرازه كما في حجية الظن في زمان الانسداد على تقرير الحكومة ، بل على الكشف أيضا لو كان المنكشف مجرد جعل الحجية على ما هو التحقيق من كون الأحكام الوضعية قابلة للجعل فانّ في هذه الصور كانت الحجية مع عدم جواز استناد الحكم المظنون إليه تعالى ، بل عدمه لا يكون ملازما لعدمها أيضا كما لو دلّ دليل على جواز استناد المشكوك بل على جواز الافتراء بالنسبة إليه تعالى فانّه لا يثبت حجية المشكوك أو المقطوع عدمها كما لا يخفى ؛ فإذا لم تكن الحجية مستتبعة لجواز الاستناد ولا عدمها لعدمه فكيف يصح تأسيس الأصل لهذا الأثر؟

وثانيا : هب انّ الجواز يكون مع الحجية وعدمه مع عدمها ، بل مع الشك فيها بناء على كون جعل الحجية راجعا إلى جعل الحكم التكيفي كما على القول بعدم مجعوليتها ، إلاّ انّه ليس من آثارها وجودا وعدمه ، بل الجواز من آثار كون الاستناد الذي هو العمل اللساني صدقا مع العلم بالتعبد أو كذبا وافتراء مع العلم بعدمه بل مع الشك فيه ، فيكون التعبد المعلوم موجبا لتحقيق موضوع الجواز وهو صيرورة الاستناد معنونا بعنوان الصدق ، والعلم بعدمه والشك فيه موجبا لتحقق موضوع عدم الجواز وهو صيرورة الاستناد معنونا بعنوان الكذب والافتراء ؛ ومجرد الملازمة العقلية بين الموضوعين لا يوجب كون أثر أحدهما أثرا للآخر كي يؤسس الأصل فيه بلحاظه.

فظهر مما ذكرنا : انّ وجه حرمة الاستناد مع الشك في التعبد هو كونه من مصاديق الكذب والافتراء ، ولكنه يشكل صدقهما عليه ، حيث انّ الظاهر تحققهما

ص: 64

عرفا مع العلم بالعدم لا بمجرد الشك ، فحينئذ لا وجه للتمسك في حرمة استناد المشكوك بقوله تعالى : ( قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) الدالّ على التوبيخ على الافتراء ، لما عرفت من عدم تحققه مع الشك.

الاّ ان يقال : انّ قضية المقابلة أن يكون الكلام في قوة أن يقال : « أو لم يأذن لكم بل على اللّه تفترون » فيكون ما عدى المأذون فيه داخلا في الافتراء سواء علم بالعدم أو شك فيه.

ولكنه يدفع : بأنّه يصح التمسك باطلاق الآية لو لم تكن مسوقة لمورد الغالب وهو الاستناد إليه تعالى مع العلم بالخلاف كما هو ديدنهم وربّما يشهد عليه ظهور لفظ الافتراء وصدرها.

وامّا الرواية التي تمسك بها الشيخ قدس سره (2) على حرمة الاستناد مع الشك وهو قوله علیه السلام في عداد القضاة من أهل النار : « ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم » (3) فالظاهر منها انّ استحقاق هذا القاضي للعقوبة لأجل تصدّيه ما ليس له من الحكومة وجلوسه مجلس القضاوة ؛ ويدلّ عليه قوله علیه السلام في رواية اخرى : « لا يجلس هذا المجلس إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي » (4) فلا يدلّ على حرمة الاستناد بغير العلم.

والحاصل : انّ الأدلة الدالة على حرمة الكذب والافتراء لا تدل على حرمة الاستناد مع الشك للشك في كونها مصداقا لهما فيكون التمسّك من قبيل التمسك

ص: 65


1- سورة يونس : 59.
2- فرائد الاصول 1 : 126.
3- وسائل الشيعة 18 : 11 الباب 4 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 6.
4- الكافي 7 : 406 كتاب القضاء والاحكام ، باب ان الحكومة انما هي للامام علیه السلام ، الحديث 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 6 الباب 3 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 2 ، وفيه : « قد جلست مجلسا لا يجلسه الاّ ... ».

بالعام في الشبهات المصداقية.

نعم لو تمسك فيه بمثل قوله علیه السلام « ولا تقولوا ما لا تعلمون » (1) ونظائره بناء على حمل القول على [ الاسناد ] (2) لسانا لا على مجرد الرأي فيدل على حرمة ارتكاب الشبهات المصداقية في خصوص المقام ، فله وجه.

كما انّه لو تمسك بأدلة الكذب على حرمة ما هو لازم الاستناد ظاهرا الذي يسمى لازم الفائدة للخبر وهو علم المخبر بمضمون الخبر حيث انّ ظاهر الخبر يدلّ على الاخبار عن علمه بمضمونه أيضا ، لكان كذلك.

إلاّ انهما - مع انهما لا يجديان في إدراج استناد الحكم مع الشك بأنّه منه تعالى إليه تحت الافتراء والكذب حتى يتمسك بأدلتهما على حرمته - غير مجد في كونه أثرا للتعبد المشكوك ولا للشك فيه ؛ غاية الأمر لكان مثل هذه الأدلة دالة على حرمة موضوع آخر سواء كان هو الكذب والافتراء أو المشتبه بهما يكون ملازما للعلم بعدم التعبد أو الشك فيه ، ولا يكون أثره أثرا للتعبد وجودا وعدما كي يحتاج إلى تأسيس الأصل في مشكوكه.

ومنها : الالتزام قلبا بعقده على كون الحكم المظنون بالظن المشكوك الاعتبار حكم اللّه في حقه وغيره بدون عمل خارجا على طبقه. والكلام فيه :

تارة : في تحقق موضوعه مع الشك ؛ وقد عرفت انّه يتحقق معه في المخالفة الالتزامية للتكليف المعلوم بل مع العلم بعدمه فكيف مع الشك.

ص: 66


1- هذا التعبير غير موجود في المصادر الروائية. ويحتمل ان المصنف قد جرى قلمه اشتباها هنا ، فاراد الاشارة الى مثل قوله تعالى : « أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » البقرة : 80 أو الى « أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » الاعراف : 28 فبدل ان يقول : « بمثل قوله تعالى ... الخ » قال : « بمثل قوله علیه السلام ... الخ ». كما يحتمل انه اراد به مضمون قوله علیه السلام في روايات سابقة « حرام عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا » أو « من دان اللّه بغير سماع من صادق » ونحوها ما يكون بهذا المعنى.
2- في الاصل المخطوط ( الاستناد ).

واخرى : في حكمه وفي انّه حرام أم لا.

ووجه حرمته على القول به ؛ امّا من جهة كونه مخالفة التزامية للتكليف الواقعي المنجّز في مورد المشكوك التعبد ؛ وقد عرفت سابقا عدم ايجاب التكليف إلاّ الموافقة العملية فقط بحيث لا يبقى منه معه تبعة أصلا ، وقد مرّ وجه ذلك.

وامّا من جهة كونه تشريعا ، حيث انّ الالتزام والعقد قلبا على كون المشكوك حكم اللّه يندرج في موضوع التشريع الذي هو من أفعال القلب وهو ممّا يستقل العقل بحرمته واستحقاق العقوبة عليه بلا استتباع لحكم مولوي من قبل الشارع ، بل تكون الأدلة النقلية الدالة على حرمته ارشادية حيث انّ التشريع تصرّف في ما هو سلطان المولى من جعل الأحكام وتشريعها ، وهو بنفسه ممّا يوجب استحقاق الذم والعقاب لكونه هتكا للمولى نظير التجرّي ، فيكون حكمه حكم الاطاعة والمعصية في عدم استتباع حكم العقل بالوجوب واستحقاق العقوبة في الاول والحرمة واستحقاق العقوبة في الثاني الوجوب والحرمة الشرعيين ولو بناء على تسليم الملازمة ، لأنّ المناط في استكشاف الحكم المدّعى به من باب الملازمة تحقق ملاكه في البين من إيراثه الرجاء للمثوبة لواحد والخوف عن العقوبة لآخر والقرب لثالث على اختلاف مراتب العبيد بحيث لولاه لما كان في البين واحد من هذه ، بخلاف ما لو كانت بدونه ، فحينئذ لا يبقى ملاك للحكم المولوي فكيف يتحقق بدونه كما في المقام؟ فانّ التصرف في سلطنة المولى يوجب بنفسه استحقاقا بلا حالة منتظرة وتبعية لنهيه ، فلو كان منه نهي لحمل على الارشاد ، فلا وجه للتمسك بالأدلة الشرعية على حرمة التشريع شرعا.

وكيف كان سواء قلنا بحرمته عقلا أو شرعا فلا ربط له بالتعبد وجودا وعدما - بأن يكون جواز الالتزام من آثار التعبد المعلوم وحرمته من آثار مقطوع الانتفاء منه أو مشكوكه - لعين ما عرفت في الاستناد حيث انّ التعبد يوجب انتفاء كون

ص: 67

الالتزام موضوعا للتشريع والقطع بعدمه ، وكذا الشك فيه يوجب كونه مصداقا له ؛ ومجرد الملازمة بينهما في ذلك لا يوجب كون الحرمة المترتّبة على أحدهما أثرا للآخر كي يؤسّس الأصل فيه بلحاظه.

ومنها : العمل خارجا على طبق الظنّ المشكوك الاعتبار ويكون ذلك مع الالتزام بالحكم المظنون تارة ، وبدونه اخرى ، فعلى الأوّل فالظاهر بل المقطوع عدم تغيّر العمل الملتزم بحكم له عمّا هو عليه واقعا من المصلحة والمفسدة ، ولا يوجب ذلك فيه مبغوضية ولا حرمة شرعية لو لم يكن بنفسه كذلك ، والحاكم في هذا الباب هو الوجدان ، وهو بعد المراجعة إليه يحكم بأنّ العقل الذي يكون ذا مصلحة ومحبوبا لنا لا يصير مبغوضا بمجرد اتيان العبد به ملتزما بأنّه واجب مع عدم علمه بوجوبه ، أو ملتزما بحرمته ، وان كان نفس ذاك الالتزام قبيحا ، لما عرفت من كونه من المآثم القلبية.

وما عرفت من عدم إحداثه قبحا في الفعل لا ينافي مع ما هو التحقيق من كون الحسن والقبح بالوجوه والاعتبار ، حيث انّه ليس كلّ وجه من الوجوه المحسنة أو المقبحة كما عرفت في مبحث التجري.

وأمّا الفعل على طبق الظن بلا التزام على طبقه :

فان لم يكن مخالفا لدليل معتبر من أمارة أو أصل فلا بأس فيه.

وان كان مخالفا لأحدهما :

فان كان مخالفا للأمارة فيدور حرمة العمل مدار مطابقتها للواقع ، وبدونها فلا يترتب عليه إلاّ محذور التجري على ما هو التحقيق من كون حجيّة الأمارات من باب الطريقية وعدم مصلحة في مؤداها بسببها غير المصلحة الواقعية ومفسدته.

وان كان مخالفا لأصل من الاصول المثبتة للتكليف : فعلى تقدير اصابته

ص: 68

للواقع فلا اشكال في استحقاق العقوبة ، وعلى تقدير خطئه عنه فيبتني ذلك على القول بالموضوعية في ذلك الأصل كما في الاستصحاب على احتمال ذكر في السابق.

وعلى القول الآخر من عدم كون المصلحة في العمل على طبق غير المصلحة الواقعية فليس فيه إلاّ التجري أيضا.

وممّا ذكرنا ظهر ما في كلام الشيخ قدس سره (1) فانّه مع ذهابه في الاصول والأمارات إلى ما ذكرنا من عدم إيراثهما المصلحة في مؤداهما حكم (2) فيما نحن فيه باستحقاق العقاب في العمل على طبق الظن المشكوك الاعتبار اذا خالف الأمارات أو الاصول مطلقا بلا تقييده بصورة مصادفتهما للواقع ، فراجع.

إذا عرفت ما ذكرنا من عدم ترتب الآثار المذكورة في كلام الشيخ قدس سره من حرمة العمل والالتزام والاستناد على عدم التعبد أو الشك فيه وترتب الآثار المهمة من وجوب الاطاعة وتنجيز الواقع والعذر عنه بمجرد الشك بلا احتياج إلى الأصل ، (3) ظهر عدم الثمرة في تأسيس الأصل فيما نحن فيه ، فلا طائل في ذكر سائر ما ذكر من الاصول ، ولا إطالة أيضا في التعرض لدلالة ما ذكر من الأدلة من الآيات والأخبار على عدم وجوب العمل بالظن ، بل على عدم جوازه وعدمها بعد ما عرفت من كفاية الشك فيه وانّ عدم الحجية على طبق الأصل.

فالمهم في هذا الباب بيان ما خرج أو قيل بخروجه من هذا الأصل من الامور غير العلمية التي اقيم الدليل على اعتبارها بالخصوص مع قطع النظر عن انسداد باب العلم الموجب للرجوع إلى الظن مطلقا وهي أمور :

ص: 69


1- فرائد الاصول 1 : 117.
2- فرائد الاصول 1 : 373.
3- فرائد الاصول 1 : 128.

منها : الأمارات المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب والسنّة وهي على قسمين :

الأول : ما يعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ ، وتشخيص مجازاتها عن حقائقها ، وتشخيص ظواهرها عن خلافها.

والثاني : ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم بعد إحراز ظهور كلامه عند احتمال إرادته خلاف ذلك ، فنقول في هذا القسم :

انّ الكلام الملقى إلى المخاطب :

امّا أن يقطع بما اريد منه ، فلا شبهة في الأخذ بالمقطوع وحمل الكلام عليه.

وأمّا ان يشك في المراد منه ، فحينئذ :

فامّا أن يكون للكلام مع ما يحفّ به بحسب متفاهم العرف ظهور في معنى ، بأن يكون بينهما نحو اتحاد بحيث يكون اللفظ قالبا له عرفا ويكون القاؤه عين القائه ، لكونه وجودا لفظيا له ، بلا تفاوت بين كون الظاهر هو المعنى الحقيقي أو المجازي أو غيرهما ، كما في استعمال اللفظ في اللفظ على ما حقق في محله من عدم كون ذاك الاستعمال حقيقة ولا مجازا ، وكما في الغلط بعد القرينة على تعيين المراد.

وامّا ان لا يكون له ظهور عرفا بالمعنى المذكور بحيث يتحيّرون في معناه عند إطلاقه لكونه مجملا عندهم ذاتا كما في المشترك بلا قرينة ، أو عرضا كما فيما احتف الكلام بما لم ينعقد معه ظهور في معناه الحقيقي ولا المجازي من حال أو مقال موجب للاجمال الذي يعبّر عن الشك فيه بالشك في قرينية الموجود.

وهذا القسم الظاهر انّ العقلاء [ يتعاملون ] (1) معه معاملة المجمل ، ولا

ص: 70


1- في الاصل المخطوط ( يعاملون ).

يبنون على أصالة الحقيقة في هذه الصورة تعبدا مع اجمال اللفظ. وامّا ما عن الأردبيلي (1) من العمل على أصالة الحقيقة تعبدا فالظاهر إرادته غير هذا القسم.

وأمّا القسم الأول : وهو ما كان للفظ فيه ظهور في البين فالشك في إرادة المتكلم فيه يكون :

تارة : من جهة الشك في وجود القرينة الصارفة وعدمه.

واخرى : من جهة احتمال إرادة خلاف الظاهر لحكمة داعية إلى اخفاء المراد ، مع القطع بعدم نصب القرينة في البين.

وثالثة : من جهة كلا الاحتمالين.

ويكون الظهور في الأوسط قطعيا ، وفي الطرفين ظاهريا بالنسبة إلى الصادر من المتكلم معلقا على عدم وجود قرينة صادرة من المتكلم مع كلامه وان كان قطعيا بالنسبة إلى معلوم الصدور منه كما لا يخفى.

نعم الظاهر بل المقطوع بناء العقلاء على العمل بظهور الكلام قطعيا كان أو احتماليا معلقا على عدم وجود القرينة في الصور الثلاثة ولو لم يحصل قطع بالمراد كما هو ديدنهم في مقام الاحتجاج واللجاج في المحاورات من كلّ من الموالي والعبيد بالنسبة إلى الآخر.

فتوهّم اشتراط العمل بحصول القطع بالمراد ، مخالف للسيرة المستمرة من العقلاء.

إلاّ أنّ الكلام : في انّ بناءهم في مورد الشك في احتفاف الكلام بالقرينة على عدمها أولا ثم البناء على العمل بالظهور ثانيا؟ وبعبارة اخرى : يبنون أولا على أصالة عدم القرينة احرازا لصغرى الظهور ثم يعملون به ثانيا؟

ص: 71


1- لم نعثر عليه.

أو كان بناؤهم على العمل بالظهور والبناء عليه فقط بلا بناء آخر منهم ، ما لم يقطع بخلافه ، وان كان الشك في إرادته من جهة الشك في الشك في احتفاف الكلام بما يكون قرينة على خلافه؟

والظاهر هو الثاني ، حيث انّ الظاهر انّ بناء العقلاء في المحاورات في صورة الشك في وجود القرينة فقط كبنائهم في الصورتين الأخيرتين بلا اختلاف منهم من حيث العمل ، والبناء في الصور الثلاثة ، أو تعدد بنائهم في صورة كون الشك في المراد ناشئا من الاحتمالين ، بل بناء واحد منهم في جميع الصور ؛ ومن المعلوم انّ البناء في غير صورة الشك في الاحتفاف ليس على أصالة عدم القرينة ، للقطع بعدمها حينئذ.

فمن جهة عدم جريانها في صورة الشك من جهة الاختفاء للحكمة ، وعدم تعدد البناء في صورة الشك من جهته ، ومن جهة احتمال الاحتفاف ، ومن جهة عدم مغايرة صورة الشك في الاحتفاف فقط مع غيرها عملا وبناء ، يظهر انّ الأصل المتّبع في المحاورات مطلقا هو أصالة الظهور المنطبق على أصالة الحقيقة تارة ، وعلى أصالة الإطلاق اخرى ، وأصالة الظهور في غيرهما ثالثة ، وقد يعبّر عنها بأصالة عدم القرينة وأصالة عدم التخصيص والتقييد رابعة لو كان الشك فيه ناشئا من جهتها ، فيتوهم انّ مرجعها إلى الأصل العدمي مطلقا كما في كلام الشيخ قدس سره (1) ، مع أنّه كما عرفت غير صحيح امّا مطلقا أو على نحو الإطلاق كما لا يخفى.

ونظير المقام قاعدة المقتضي والمانع على تقدير كونها قاعدة متّبعة في صورة إحراز المقتضي والشك في المانع ، فانّ الظاهر انّ بناءهم على مجرد تحقق

ص: 72


1- فرائد الاصول 1 : 176.

المقتضى ( بالفتح ) بعد احراز المقتضي ولو كان الشك فيه ناشئا من جهة الشك في المانع بلا بناء منهم على عدمه أولا ثم البناء على ثبوت المقتضي ثانيا.

فان قلت : ما ذكرت أولا من عدم الاختلاف في الموارد من حيث العمل والبناء إنّما يجدي في كون المرجع هو أصالة الظهور مطلقا لا أصالة عدم المانع لو لم يكن أصل عدمي في صورة كون الشك في المراد من جهة الشك في اختفاء القرينة فقط وهو بمكان من الامكان لصحة اجراء أصالة عدم المانع عن إرادة الظهور وهو الحكمة الموجبة لاختفائه.

قلت : انّ الحكمة هي مجرد احتمال لتصحيح مقام الثبوت على تقدير عدم الارادة ولم يكن منها في مقام الاثبات عين ولا أثر ، بل المتحقق في مقام الاثبات هو الظهور المقطوع به فهو المعوّل.

فان قلت : انّ ما ذكرت من كون المرجع هو أصالة الظهور في صورة الشك في الاحتفاف أيضا - مع كونه تعليقيا غير مقطوع به - يوجب البناء على الحقيقة أيضا في صورة احتفاف الكلام بما لم ينعقد معه ظهور أصلا ، لتحقق مثل هذا الظهور فيه أيضا المعلق على عدم شيء في البين.

قلت : على تقدير تسليم عدم الفرق من حيث الظهور التعليقي يكون الفرق هو السيرة وبناء العقلاء في صورة الشك في وجود القرينة لا الشك في قرينية الموجود ، وهو المتّبع في مباحث الألفاظ.

ثم الظاهر بناء العقلاء على العمل بالظهور تعبدا ما لم يقطع بحجة معتبرة على الخلاف بلا تفاوت في إفادته الظن أو لا ، بل الظاهر انّه كذلك ولو كان ظن غير معتبر على الخلاف.

ويدل عليه صحة الاعتذار والاحتجاج لدى المخالفة واللجاج بمجرد الظهور اللفظي من كلّ من الموالي والعبيد بالنسبة إلى الآخر ، فانّهم يحتجون بمجرد

ص: 73

الظهور بلا اصغاء منهم إلى الاعتذار بأنّه ما أفاد الظن أو كان الظن غير المعتبر على خلافه ؛ ومن المعلوم انّ المتّبع في ما نحن فيه هو طريقة العقلاء كما هو واضح.

فمن هنا ظهر انّه لو كان ظن معتبر على الخلاف عند العقلاء يتوقفون عن العمل على ذاك الظهور في العرفيات من جهته ، لا يوجب ذلك التوقف في الشرعيات ما لم يحرز انّه حجة عند الشرع أيضا ، لكون كبرى حجية الظهور ما لم يقطع بحجة على خلافه مسلّمة ، غاية الأمر تكون الغاية حاصلة عند العرف دون الشرع ، فلا بدّ من العمل بالكبرى حينئذ.

والحاصل : انّه بعد كون الظهور حجة تعبدية من العقلاء فلا بدّ من متابعته ما لم تقم حجة قطعية على خلافه.

وتوهّم : انّ التعبد من العقلاء غير معقول ، بل بناؤهم على العمل عليه بمجرد الكشف فلا يتّبع مع الظن على خلافه ، مدفوع :

بأنّ عملهم على الظن الشخصي الحاصل من الظهور أيضا يكون تعبدا منهم ، حيث انّ الظن ليس كالقطع بحجة بنفسه ، بل لا بدّ من التعبد ، غاية الأمر التعبد من العقلاء لا يصح بلا مصلحة وحكمة في البين وامّا معها فيصحّ ، فلو كان مثل تلك المصلحة على خلاف الظن فيصحّ التعبد به أيضا وان لم يعلمها بعينها ، وان كنّا نعلم انّها حينئذ غير الرجحان الاعتقادي بعد احراز التعبد بالظهور منهم مطلقا.

ثم انّ حال القرينة المنفصلة حال القرينة المتصلة في وجوب الحمل على الحقيقة مع العلم بعدمها والشك فيها وعدم الحمل عليه مع العلم بها.

نعم الفرق هو انّه مع القرينة المتصلة لم ينعقد للكلام ظهور إلاّ في المعنى المجازي أو فيما بقي بعد التخصيص مثلا ، بخلافه مع القرينة المنفصلة فانّه ينعقد

ص: 74

معها ظهوره في المعنى الحقيقي وفي العموم مثلا ، غاية الأمر تكون القرينة المنفصلة حجة أقوى على الخلاف فلا بدّ من العمل بها دون ظهور الحقيقة أو العموم.

ويثمر ذاك الفرق في القرينة المجملة المراد ، المشكوك قرينيتها ، فانّه لا بدّ من العمل بالظهور في القرينة المنفصلة دون المتصلة كما في قوله : « لا تكرم زيدا » مع التردد فيه بين زيد العالم وغير العالم ، فانّه لا بدّ من الأخذ بالظهور في « أكرم العلماء » حتى بالنسبة إلى زيد في المنفصلة دونه في المتصلة ، كما لا يخفى.

ثم بعد ما عرفت من حجية الظواهر فاعلم : انّه قد اختلف فيها في موضعين :

الأول في حجيتها بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالكلام.

ويظهر من المحقق القمي قدس سره (1) في آخر مسألة حجية الكتاب عدم حجيتها بالنسبة [ إليهم ] (2) وانحصارها بالنسبة إلى من قصد افهامه به.

ومنشأ الفرق هو كون حجية الظهور من باب الظن النوعي بحيث لو خلّي الكلام وطبعه لأفاد الظن بالمراد ، وهو إنّما يحصل بالنسبة إلى المقصود بالفهم حيث انّه لا بدّ من القاء الكلام إليه على وجه لا يقع في خلاف المراد بحيث لو فرض وقوعه فيه لكان امّا :

لغفلة منه في الالتفات إلى ما اكتنف الكلام من القرينة ، أو لغفلة من المتكلم في القائه على وجه يكفي بالمراد ؛ وأصالة عدم الغفلة فيهما هو المتّبع عند العقلاء بالاتفاق. وهذا بخلاف من لم يقصد افهامه فانّ وقوعه في خلاف المراد لا ينحصر فيما ذكر ، لاحتماله نصب القرينة الكافية بالنسبة إلى المخاطب وقد اختفت بالنسبة إليه ؛ ولا دليل على البناء على أصالة عدم القرينة في دفع هذا الاحتمال.

ص: 75


1- القوانين المحكمة 1 : 403 قبل قوله : « قانون : قالوا القرآن متواتر ... » بقليل.
2- في الاصل المخطوط ( اليها ).

وفيه : مع ما عرفت من البناء على الظواهر تعبدا وعدم ابتنائه على حصول الظن بالمراد ، ان الشك في المراد لغير من قصد افهامه يكون :

تارة : مع القطع بعدم نصب القرينة ، وكان الشك لأجل احتمال اختفائها لحكمة في اختفائها.

واخرى : للشك في نصبها وعدمه ، مع القطع بتساوي حاله مع المخاطب المقصود بالفهم بأن يكون هو شاكا في ذلك أيضا ، فيكون شك غيره من جهة كونه شاكا أيضا.

وثالثة : من جهة اختصاصه بسبب الشك ، باحتماله نصب القرينة للمخاطب واختفائها عنه.

ومن المعلوم حجية الظهور لغير المقصود بالفهم في الصورتين الأوليين بلا فرق بينه وبين المخاطب ، مع انّ خصوصية عدم كونه مقصودا بالفهم يقتضي الفرق فيهما ، وإذ ليس فلا خصوصية فيه في الصورة الثالثة أيضا ، غاية الأمر اختصاصه بجهة من الشك غير متحقق لغيره ، ومجرد ذلك لا يوجب التوقّف عن الظهور بعد تحققه بلا حجة على خلافه.

نعم لو كان مناط حجية الظواهر والبناء على كونها مرادا للمتكلم لزوم نقض الغرض لو لا إرادته ذلك مع عدم نصب القرينة لكان لتوهم الفرق مجال ، ولكن المعلوم انّ المناط هو السيرة وبناء العقلاء وهو ليس إلاّ متعلقا بالظهور المحرز مع عدم حجة معلومة على الخلاف وان كانت أسباب الشك في المراد كثيرة ومنها الشك في الاختفاء بالنسبة إلى خصوص غير من قصد افهامه وهو لا يوجب الفرق كما يظهر بالمراجعة إلى بنائهم على العمل بالظهور مطلقا في الأقارير والوصايا وغيرها ، كما لا يخفى.

الثاني : في حجية ظواهر الكتاب.

ص: 76

فانّه ذهب جماعة من الأخباريين إلى عدم حجيتها من دون ورود التفسير وكشف المراد عن الحجج صلوات اللّه عليهم.

وما قيل أو يمكن أن يقال في وجه ذلك بملاحظة الأخبار الناهية وغيرها امور : بعضها راجع إلى منع الصغرى من عدم تحقق ظهور يكون حجة عند العقلاء في الكتاب ، وبعضها راجع إلى منع الكبرى من عدم حجية ظهوره تعبدا مع كونه على وجه يعتبر في غيره.

الاول : المنع عن الأخذ بظهور الكتاب تعبدا ، وان كانت الحكمة عدم وقوع الكتاب محلا للأنظار وعدم تطرّق الاختلاف فيه في فهم المراد ، وهذا هو المنع في الكبرى.

الثاني : انّ المنع من جهة اشتمال القرآن على عظيم المطالب ونفائسه وقصور غير أهله ، كيف وقد تحيّر الأفاضل في فهم بعض كلمات الأوائل لاشتماله على نكات دقيقة ومعاني نفيسة فكيف بكلام الخالق جلّت عظمته.

ويدل عليه قول الصادق علیه السلام : « ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب اللّه ولكن لا تبلغه عقول الرجال » (1) ؛ وعنه علیه السلام : « انّ اللّه تعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء حتى واللّه ما ترك شيئا يحتاج اليه العباد » (2) ؛ ولما ذكرنا استدعاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعلي علیه السلام فهم القرآن بقوله : « صلی اللّه علیه و آله : « اللّهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل » (3) ؛ ويدل عليه قول الصادق علیه السلام لأبي حنيفة في مرسلة [ شبيب ] (4) : « ما ورّثك اللّه من كتابه

ص: 77


1- الكافي 1 : 6 باب الرد الى الكتاب والسنّة وانه ليس ... الخ الحديث 6.
2- الكافي 1 : 6 باب الرد الى الكتاب والسنّة وانه ليس شيء من الحلال ... الخ الحديث 1.
3- بحار الانوار 69 : 92 ؛ المفردات في غريب القرآن : 255 العمود 2.
4- في الاصل المخطوط ( شعيب ) ، وفي الوسائل ( شبيب ) بن أنس. راجع المصدر.

حرفا » (1) ؛ وفي رواية زيد الشحّام ردّا على قتادة : « إنّما يعرف القرآن من خوطب به » (2) ، إلى غير ذلك من الروايات الدالة على علوّ مطالبه وقصور عقول الرجال عن الوصول إليها.

الثالث : ما ادعاه السيد الصدر (3) من نزول القرآن على طرز جديد واصطلاح خاص سواء كان للاختلاف في الوضع مع اللغة العربية ، أو لأجل اشتماله طريقة خاصة من الاستعمال من اشتماله على مجازات بلا قرينة وعلى تخصيصات وتقييدات كذلك.

الرابع : طروّ العلم الاجمالي بطروّ تلك العوارض امّا بقرائن حالية متصلة مانعة عن انعقاد الظهور للقرآن أو بقرائن منفصلة موجبة لعدم حجية ما كان ظاهرا بنفسه

والفرق بين هذا الوجه وسابقه هو ارتفاع المنع بانحلال العلم الاجمالي فيه دون سابقه.

هذا مع المنع عن العلم الاجمالي في السابق رأسا.

والجواب :

امّا عن الوجوه الراجعة إلى منع الصغرى :

امّا عن الوجه الاول : فبأنّ اشتمال القرآن على عظيم المعاني ونفائس المطالب واصول أحكام الأشياء ممّا يختلف [ فيه ] (4) اثنان أو يحتاج إليه إنسان

ص: 78


1- وسائل الشيعة 18 : 30 الباب 6 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 27.
2- وسائل الشيعة 18 : 136 الباب 13 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 25 ؛ الكافي 8 : 312 الحديث 485.
3- شرح الوافية ( مخطوط ) : 140 - 146 ، من مخطوطات مكتبة السيد المرعشي في قم ، برقم 2656.
4- في الاصل المخطوط ( اليه ).

لا ينافي ظهور بعض الكلمات واشتمالها على معاني واضحة والمنع عن العمل بالظاهر ، مع انّه على تقدير تسليم ذلك يكون مثل ذلك من بطون القرآن غير المنافية مع ظهوره.

وامّا عن الثاني : فبعد العلم بعدم طرز جديد كما يظهر من قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (1) يدفعه اشتماله على المواعظ والنصائح والقصص والحكايات والاحتجاجات على أهل الكتاب وغيره المنافية مع نزول القرآن على وضع جديد لا يعرفه أهل اللسان كما لا يخفى ؛ ويظهر ذلك من موارد ارجاع الأئمّة علیهم السلام أصحابهم إلى الاستدلال بظواهر الكتاب والاستشهاد بها في موارد كثيرة ، فراجع الفرائد. (2)

وأمّا عن الثالث : فبأنّ العلم الاجمالي إنّما كان من أول الأمر بين أطراف معلومة وهي الموارد والمظان التي يمكننا الفحص عنها والظفر بما فيها من المخصصات والنواسخ وغيرها من الطوارئ.

وبعبارة اخرى : إنّما كان العلم الاجمالي بين أطراف بحيث لو تفحصنا عن مظان مخصصاتها لظفرنا بها ، فإذا تفحصنا عن طوارئ بعض الآيات في مظانّها لخرج ذاك البعض عن أطراف العلم الاجمالي سواء ظفرنا بمخصصاتها مع القطع بعدم مخصص آخر أم لم نظفر بها.

امّا على الاول : فواضح.

وامّا على الثاني : فللكشف عن عدم دخول ذاك البعض في اطراف العلم الاجمالي ، وإلاّ لظفرنا بطوارئه ؛ وبعبارة اخرى : كان اطراف العلم معنونة بعنوان كالعلم بغنم موطوءة في البيض واشتبهت بالسود وبعد الفحص ينكشف عدم كون

ص: 79


1- سورة يوسف : 2.
2- فرائد الاصول 1 : 145 - 149.

المتفحص عنه داخلا في ذاك العنوان كما لو انكشفت السود عن البيض.

فان قلت : يعلم اجمالا بوجود الطوارئ في غير ما هو بأيدينا من الأخبار المعتبرة ايضا ، ولا يرتفع ذلك بالفحص في الأخبار المعتبرة.

قلت : مضافا إلى عدم تحقق علم اجمالي بالطوارئ في غير الأخبار المعتبرة ، انّه على تقدير التسليم إنّما يجدي لو علم بمخالفة ما تضمّن منها المخصص والمقيد مثلا مع الأخبار المعتبرة مضمونا ، ومع احتمال الموافقة في مثل تلك الأخبار لا يحصل علم اجمالي بأزيد من المقدار المعلوم بين الأخبار المعتبرة كما لا يخفى.

فان قلت : لو لم يعلم بوجودها في ضمنها بالخصوص فلا أقل من كونها من اطراف الاجمالي أيضا ، امّا بكون العلم الاجمالي ابتداء بين جميع الأخبار بلا علم في خصوص الأخبار المعتبرة فقط ، وامّا بعلم اجمالي كبير بين الجميع ولو مع الاجمالي الصغير في خصوص المعتبرة منها فمع هذا العلم لا يجدي الفحص في خصوص الأخبار المعتبرة ، لبقاء العلم معه أيضا ، وإلاّ لما أثر قبل الفحص أيضا.

قلت : مضافا إلى عدم تسليم العلم الاجمالي مضافا إلى العلم الاجمالي بين المعتبرة أولا وإلى عدم بقائه بعد الفحص والظفر بما كان بينها من المخصصات ثانيا ، انّه على تقدير التسليم مع بقائه بحاله بعد الفحص أيضا لا يجدي في التوقف والمنع عن العمل بالظواهر بعده كما كان كذلك قبله ، للفارق ، وهو كونه قبل الفحص من قبيل الشبهة المحصورة ، لكون الشبهة معه كثيرا في الكثير ، بخلافه بعد الفحص فانّه من قبيل الشبهة غير المحصورة لكون الشبهة معه قليلا في الكثير.

والحاصل : انّه بعد الفحص في الأخبار المعتبرة والظفر بالمخصصات الموجودة بينها لا مانع عن العمل بالظواهر من جهة العلم ، فتدبّر.

وامّا المنع الكبروي : فعلى تقدير تسليمه ، لا بدّ من حمل الأخبار الناهية

ص: 80

- مع استبعاد خصوصية في ظواهر الكتاب موجبة للمنع عن العمل بها تعبدا - على انّ المصلحة في نفس النهي والمنع وهي انفتاح باب الأئمّة علیهم السلام برجوع الناس إليهم والسؤال [ منهم ] (1) والتخضّع والتذلل لديهم ، مع احتمال كون النهي لأجل قصور غير أهل القرآن عن فهمه لعظم معانيه ومطالبه النفيسة فيرجع إلى منع الصغرى.

ولكن الجواب عن ذلك : انّ ظاهر التفسير بالرأي لا يشمل حمل الألفاظ على ما كانت ظاهرة فيه ، بل خصوص حمل المتشابه على ما يعيّنه من عند نفسه بالاستحسانات العقلية والوجوه الاعتبارية ، بقرينة النهي عن المتشابه في بعض الأخبار أو تأويل الظاهر وحمله على المعنى المؤوّل كذلك ؛ ومن المعلوم انّ المتشابه ليس من الألفاظ المتشابهة بل من الألفاظ الظاهرة المعنى.

ويؤيّد ذلك قوله علیه السلام لأبي حنيفة : « ما ورّثك اللّه من كتابه حرفا » (2) فانّ الظاهر منه بقرينة وقوعه في مورد الفتوى : انّه في مقام كان أبو حنيفة يتخيل انّه أهل للفتوى للناس بالقرآن ومرجع لهم في ذلك ، وهو فيما كان له اختصاص من بينهم يوجب ذلك ، ولا يكون ذلك إلاّ في غير المعنى الظاهر.

وان أبيت إلاّ عن اطلاق الأخبار الناهية وعدم اختصاصه بذلك ، فلا بدّ من حملها على ذلك جمعا بينها وبين ما هو أصرح منها الدالة على جواز رجوع الناس إلى ظاهر الكتاب وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، فراجع الفرائد (3) في ذلك.

وينبغي التنبيه على أمرين :

ص: 81


1- في الاصل المخطوط ( عنهم ).
2- وسائل الشيعة 18 : 30 الباب 6 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 27.
3- فرائد الاصول 1 : 144 - 149 ؛ وسائل الشيعة 18 : 75 الباب 9 من ابواب صفات القاضي ، باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ... الخ ، احاديث متعددة.

الاول : الظاهر انّ العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القرآن على تقدير تسليمه لا يمنع عن العمل والتمسك بظواهره لعدم العلم بالتحريف المخلّ بالظاهر ، لاحتمال كون التحريف باسقاط بعض الآيات رأسا بحيث لا يخلّ بما بقي من غيره ؛ وعلى تقدير تسليم كونه باسقاط جزء آية أو تبديل بعض الكلمات بحيث ما بقي ظاهر الآيات الواقعة فيها التحريف على حاله يكون من قبيل الشبهة غير المحصورة غير المؤثر في حكم الأطراف.

وعلى تقدير تسليم كونه من قبيل الشبهة المحصورة لا يؤثر إلاّ إذا علم بوقوعه في الآيات المتصدّية للأحكام بخصوصها وهو ممنوع ، لاحتمال كونه في غيرها المشتمل على القصص والحكايات غير المبتلى بها في مقام العمل واستنباط الأحكام ؛ وخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء يمنع عن تأثير العلم الاجمالي كما في العلم الاجمالي بالتكليف مع خروج بعض اطرافه عن محلّ الابتلاء.

فان قلت : العلم اجمالا بطروّ خلل على أحد الظهورات يوجب الاجمال المانع عن العمل بالظاهر ، وهذا بخلاف العلم بالتكليف فانّ ملاكه تنجّزه الذي لا يكاد يتحقق إلاّ أن يعلم توجهه فعلا على كلّ تقدير ، فالقياس مع الفارق.

قلت : ما ذكرت من تأثير العلم في الاجمال إنّما يصح في العلم بالقرينة المتصلة الواقعة بعد جمل عديدة غير مبتلى بها بعضها مع عدم ظهور القرينة في الرجوع إلى أي منها ، دون القرينة المنفصلة غير المنافية لظهور الكلام حدوثا وبقاء ، غاية الأمر يوجب عدم الحجية ، والمعلوم من بناء العقلاء اتّباع الظهور إذا انعقد ولو علم اجمالا بطروّ خلل من خارج على ظهور الكلام المبتلى به وغيره ، إلاّ أن يعلم بطروّه على الأطرف المبتلى بها ؛ وبناؤهم هو المتّبع ما لم يردع عنه.

الثاني : انّه إذا اختلفت القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في

ص: 82

المؤدى كما في قوله تعالى : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (1) حيث قرأ بالتشديد والتخفيف ، فلا يخلو : امّا أن يقال بتواتر القراءات الدال على ثبوت القرآنية بهما ، أم لا.

فعلى الاول : فهما آيتان تعارضتا ، فان كان بينهما جمع عرفي ، وإلاّ :

فالتخيير ، بناء على حجية الأمارات على نحو الموضوعية.

أو التوقف في العمل باحدى الخصوصيتين ونفي الثالث ، بناء على الطريقية الصرفة على ما قرر من كون القاعدة على الطريقية ما ذكرنا.

وعلى الثاني : فان قام دليل من اجماع ونحوه على ترتيب جميع الآثار الشرعية على القراءات ومنها جواز الاستدلال فحكم القراءتين ما ذكرنا من التفصيل ، بناء على عدم شمول أخبار التخيير غير الأخبار المتعارضة ، وإلاّ فالتخيير مطلقا بعد عدم الجمع العرفي ، كما لا يخفى.

وان لم يقم دليل على ما ذكرنا كما هو الظاهر فلا يجوز الاستدلال بواحد منهما لا ترجيحا ولا تخييرا وان قلنا بشمول أخبار الترجيح والتخيير لمطلق الأمارات حيث انّه بعد ثبوت الاعتبار في كلّ منهما لا مطلقا ، كما لا يخفى.

هذا كلّه في القسم الثاني وهو الأمارات المعمولة لتشخيص المراد بعد إحراز صغرى الظهور.

وأمّا القسم الاول وهو : الأمارات المعمولة لتشخيص صغرى الظهور فنقول :

انّ الظهور المظنون المعلق على عدم وجود القرينة المشكوكة قد عرفت الحاقه بالظهور القطعي ؛ وأمّا المظنون من غير هذه الجهة فالظاهر بل المقطوع عدم بناء العقلاء على العمل بالظن الخارجي المطلق وتشخيصه به ، وإنّما الاشكال في

ص: 83


1- سورة البقرة : 222.

جزئي من هذه المسألة وهو الظن بالظهور الناشئ من قول اللغوي ، فقد اختلف في حجيته ، فانّ المشهور كونه من الظنون الخاصّة التي ثبت حجيّتها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية وان كان الحكمة هو انسداد بابه في غالب موارده.

ولكن التحقيق : عدم حجية قول اللغوي في تعيين الظهور وتشخيص المعاني الحقيقية عن المجازات ، لأنّ ما وراء العلم لما لم تكن حجيته ذاتية فلا بدّ من قيام الدليل عليه ، وهو في المقام ليس ، إلاّ السيرة وبناء العقلاء ، ولم يعلم من حالهم الرجوع إلى قول اللغوي في تعيين الوضع بحيث يحمل اللفظ عليه عند عدم القرينة ، سواء كان المذكور في اللغة معاني متعدّدة لاحتمال الاشتراك وعدم تميّز الحقيقة عن المجاز على تقدير عدمه ، أو معنى واحد لاحتمال معنى آخر مع عدم الظفر به حيث انّ تعيينه ذلك إنّما هو بتفحّصه عن موارد الاستعمالات ولا يمكن الاحاطة بها ، ولا أقل من الاستبعاد ، ومعه لا يتعبدون بقوله العقلاء تعبدا في حمل اللفظ على ذاك المعنى مطلقا.

وتوهّم ثبوته بقولهم بضميمة أصالة عدم الاشتراك وعدم القرينة في فهم المعنى المذكور من اللفظ فيثبت كونه حقيقة فيه بخصوصها وبهما يعيّن المعنى الاول أيضا ، فما ذكر للفظ معاني متعددة فيحمل على كونه حقيقة فيه بخصوصه أو يحمل على المشترك المعنوي فيما كان بينها جامع ؛ مدفوع :

بأنّ القدر المتيقن من عمل العقلاء بهما في عدم صرف الكلام عن الظهور المنعقد له وحمله على المعنى الحقيقي المعلوم فيما لا قرينة في البين لا في تعيين الظهور وتشخيص الموضوع له ، مع انّ حمل الكلام - فيما ذكر معاني متعددة - على الاشتراك المعنوي مخالف لما هو المقطوع من الاشتراك اللفظي في الألفاظ أيضا.

فان قلت : المعلوم من حال العلماء بل العقلاء طرّا الرجوع إلى قول اللغوي

ص: 84

في تشخيص معاني الألفاظ المذكورة في الكتاب والسنّة لإفادة الأحكام الشرعية وتعيين المراد من الألفاظ المذكورة في الخطب والقصائد وغيرها.

قلت : إنّما المعلوم الرجوع إليهم في تعيين موارد الاستعمالات المجهولة لا في تعيين المعنى الحقيقي أو الظهور ، إلاّ أن يحصل العلم بواحد منهما في خصوص مورد الاستعمال بمناسبة القرائن المقامية والمقالية في الكلام فيكون الرجوع بقولهم حينئذ للتنبّه على المعاني المستعملة فيها فيتيقن بالمستعمل فيه بقرينة المناسبة القطعية ، وان شك في مقام آخر في استعمال اللفظ في هذا المعنى فلا يحمل عليه أيضا.

والحاصل : انّه ما أحرز من حالهم الرجوع إليهم من غير جهة التنبّه بالمعاني من قولهم.

هذا كلّه مع انّ علم اللغوي بالوضع ليس مستندا إلى الحس ، بل إلى الاجتهاد ، بإعمال علائم الحقيقة من التبادر ونحوه ، ولا دليل على حجية اجتهاده لغيره مع كونهما في حدّ الاستواء من هذه الجهة.

فمن هنا يعلم انّه على تقدير تسليم حجية كل ذي صناعة في صناعته وجريانه في قول اللغوي أيضا إنّما يفيد في خصوص تعيين كون اللفظ مستعملا في المعاني التي ذكروها لا في تعيين الأوضاع ، حيث انّ صناعتهم ليس أزيد من ذلك ، كما لا يخفى.

فان قلت : يلزم انسداد باب العلم بناء على عدم حجية قول اللغوي في تعيين معاني الألفاظ فينسد باب الاستنباط من الكتاب والسنّة.

قلت : غالب معاني الألفاظ معلوم بالقطع امّا بالرجوع إلى العرف ، أو بقول اللغوي ولو بانضمام المناسبات المقامية كما عرفت ، مع انّه :

لو لزم انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية ولو باشتباه متعلقاتها فيتمّ

ص: 85

مقدمات الانسداد ، فيثبت حجية الظن بها مطلقا من أي سبب كان.

وان لم يلزم انسداد باب العلم بها فلا يلزم حجية الظن عقلا وان لزم من عدم حجية قول اللغوي انسداد باب العلم بالمعنى اللغوي في أكثر الموارد بعد عدم الالجاء إليه في مقام العمل لامكان ، الاحتياط واجراء الاصول العملية لمكان عدم تمامية مقدمات انسداد باب العلم بالأحكام.

نعم يكون ذاك الانسداد حكمة لبناء العقلاء على الحجية لو أحرز ، لا علة موجبة له.

ص: 86

الاجماع المنقول

ومن جملة الظنون الخارجة عن أصالة عدم حجية الظن حكما بل موضوعا الاجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص ، نظرا إلى كونه من مصاديقه ، فيشمله أدلته.

ولا بدّ من التكلم في المسألة في مقامين :

الاول : يبحث صغرويا في انّ ناقل الاجماع هل يحكي قول الإمام علیه السلام بنقله الاجماع امّا حسا أو حدسا أم لا يرجع نقله الاجماع إلى حكاية قوله علیه السلام ؟

الثاني : ان يبحث كبرويا فيما يرجع نقل الاجماع إلى حكاية قوله علیه السلام حدسا في انّه يشمله أدلة حجية خبر الواحد أم لا ، بل تنحصر دلالة الأدلة بحجية الخبر الحسي فقط لا الحدسي ، فلا يكون الاجماع المنقول داخلا في حجية الخبر بالخصوص.

إذا عرفت ذلك فنقدّم البحث في المقام الثاني ، فنقول :

انّه أفاد شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه انّ الأدلّة الأربعة التي أقاموها على حجية الخبر بالخصوص لا تدل على حجية الاجماع المنقول الراجع إلى نقل قوله علیه السلام حدسا.

أمّا الآيات : فعمدتها آية النبأ ، وحاصل ما أفاده قدس سره في وجه عدم دلالتها على حجية الخبر الحدسي - كما يظهر من مجموع كلامه بل صريحه في ذيل الجواب عن ( ان قلت ) الثاني - هو : كونها بصدد بيان الفارق بين خبر العادل

ص: 87


1- فرائد الاصول 1 : 179 - 180.

والفاسق من حيث احتمال تعمّد الكذب وعدمه ، وهو يناسب الخبر الحسي ، فلا يشمل الحدسي.

وفيه : انّه بناء على حملها على تعرض خصوص هذه الجهة يرجع ذلك إلى الالتزام بعدم دلالتها على حجية الخبر مطلقا حيث لو شك حينئذ في اعتبار الخبر من غير هذه الجهة فلا بدّ من عدم العمل به وهو ينافي ما يظهر من صدر كلامه من دلالتها على حجية الخبر فعلا ، ومع ذلك فلا ثمرة في بيان الفرق بين الخبر عن الحس والحدس وكذا خبر الفاسق والعادل بعد اشتراكهما في عدم دلالة الآية على عدم حجيتها فعلا ، غاية الأمر في بعضها من جهات كثيرة وفي بعضها من جهات أقلّ منها.

فالأولى أن يقرر دلالتها على حجية الخبر فعلا ويبحث عن دلالتها عليها مطلقا أو على حجية خصوص الخبر الحسي ؛ والظاهر عدم الاختصاص بناء على الالتزام بدلالتها وعدم الاشكال فيها بظهور التعليل في عدم الحجية وتقدمه على المفهوم وسوقها مساق تحقيق الموضوع كما سيأتي ان شاء اللّه ، حيث انّ استظهار شمول المفهوم للخبر الحدسي وعدمه يتبع لشمول المنطوق له وعدمه. ومن المعلوم انّ شدة المناسبة بين الخبر الحدسي للفاسق والحكم بعدم الحجية يقتضي القطع بدخوله في موضوع الحكم المذكور لو لم يكن بأولى من الحسي ، فإذا شمله المنطوق فيدخل في المفهوم ، لكونه على طبقه سعة وضيقا ، إلاّ في النفي والاثبات.

ويؤيد ما ذكرنا من كون الخبر الحدسي داخلا في المنطوق : انّه بناء على شمول الآية للموضوعات والشهادة فيها - كما في موردها وهو إخبار الفاسق بارتداد الطائفة - لا شبهة في دلالتها على عدم حجية شهادة الفاسق سواء كان في حسّياته أو حدسياته ، فيكون المفهوم هو حجية شهادة العادل مطلقا ؛ واختلاف

ص: 88

العلماء في الشهادة الحدسية ليس من جهة عدم شمول الآية لها ، بل من جهة ظهور بعض أخبارها في خصوص الشهادة الحسية كما في قوله علیه السلام مشيرا إلى الشمس : « بمثل هذا فاشهد أو دع ». (1)

وامّا الروايات الدالة على حجية خبر الواحد فوجه اختصاصها بالحسي :

امّا من جهة ظهور الألفاظ التي جعلت موضوعا فيها للحكم بالحجية من النقل والحكاية والخبر ونحوها في خصوص الخبر الحسي.

ففيه : عدم جهة للاختصاص ، لصدقها على نقل رأي الامام علیه السلام بالقطع ، كان بالحس أو بالحدس.

وامّا من جهة المناسبة بين الحكم وهو الحجية وخصوص الخبر الحسي الموجب لاختصاصها به.

ففيه : انّ المناسبة بينها وبين مطلق الخبر القطعي مطلقا.

وامّا الاجماع وان ادّعي عدم قيامه إلاّ في خصوص الروايات المصطلحة لا الاجماع المنقول ، إلاّ انّ من يحصل من قوله الاجماع ويقوم به لا يفرّق بين الروايات والاجماع المنقول.

وامّا طريقة العقلاء وبنائهم على حجية الخبر - كما هو عمدة الأدلة على حجية الخبر الموثق كما سيأتي ان شاء اللّه - فالظاهر انّهم لا يفرقون ولا يستفسرون من المخبر فيما يخبر بالقطع مع كون خبره ذي أثر عادي وعرفي فيما يعملون بالخبر الحسي مع كون المخبر به هو الواقع لا الحدس به ، بين انّ خبره كان عن الحس أو الحدس ، فلا يرد بعدم العمل بالخبر الحدسي في المطالب العلمية في العلوم لكون المقصود المهمّ منها هو المعرفة وجدانا وهو لا يرتّب على الخبر ولو

ص: 89


1- وسائل الشيعة 18 : 251 الباب 20 من ابواب الشهادات ، الحديث 3 ، قريب منه.

كان عن حس إلاّ أن يفيد القطع ؛ كما انّه لا وجه لتوهّم انّهم لا يعملون بما إذا أخبر بحدسه لكون المخبر به حينئذ هو الحدس لا الواقع.

ودعوى : الفرق بين ما إذا لم يعلم بكون الاستناد في الخبر الى الحدس أو الحس ، فيعملون به ؛ وبين ما إذا علم بكونه عن الحدس ، فلا ؛ بعيدة جدا.

نعم لا يبعد الفرق في الحدس بين حصوله من مقدمات بعيدة عن الحدس أو غالب الخطأ ، وبين مقدمات قريبة منه وغير غالب الخطأ ؛ بالعمل في الثاني دون الاول. كما انّ الظاهر كذلك في الإخبار بالعدالة.

هذا مجمل الكلام في الادلة ، وامّا تفصيلا فسيأتي ان شاء اللّه في مقام التعرض لأدلة حجية خبر الواحد ؛ فالمهم هاهنا [ الإعراض ] (1) عن الصغرى والبحث عن أقسام الاجماع.

وحيث (2) انّه لا فائدة في تعيين ما هو مصطلحهم في الاجماع من أنّه اتفاق الكل في عصر واحد أو مطلقا ، وكذا تعيين ما تسامحوا فيه ابتداء من اطلاقه على اتفاق البعض الداخل فيه الامام علیه السلام ، نفسه أو مطلق اتفاق البعض الكاشف عن قوله علیه السلام بعد العلم بكون المناط عند الخاصة هو الاستناد فيه الى قوله علیه السلام وان اختلف فيما به الاستناد كما تعرف الآن ؛ فالأولى الاشارة إلى أنحاء الاجماع وأقسامه التي هي أسباب الاستناد إلى قوله علیه السلام المشتركات في المناط.

منها : الاتفاق الذي كان الإمام علیه السلام داخلا بين المجمعين كان الاتفاق من الكل أو البعض. وهذا القسم هو النادر التحقق ، بل المعلوم العدم في مثل الأزمنة المتأخرة وان كان ممكنا في أزمنة حضور الامام علیه السلام .

ص: 90


1- في الاصل المخطوط ( التعرض ).
2- يأتي خبره بقوله : « فالاولى الاشارة ».

[ و ] منها : الاجماع على طريقة اللطف (1) كما هو مذهب الشيخ رحمه اللّه وهو اتفاق كل أهل عصر واحد ما عدى الامام علیه السلام فانّه يستكشف منه مطابقة المجمع عليه لقوله علیه السلام ، لاقتضاء اللطف عدم خروج قوله علیه السلام من بين الأمّة واتفاقها على غيره ، فلولا كونه قوله علیه السلام لكان عليه لطفا إظهاره والقاءه بينهم ولو بالقاء الخلاف بينهم بحيث لم يطرح قوله علیه السلام رأسا.

ولكن هذه الطريقة غير مسلّمة ، صغرى لعدم العلم باتفاق كلّ أهل عصر واحد مع الانتشار في أقطار الأرض ، وكبرى لعدم كون تحقق رأيه علیه السلام بين الناس أقوى لطفا من ظهوره علیه السلام بنفسه ، فما هو السبب لعدم وجوب ذلك عليه هو السبب لعدم وجوب ذاك بعد معلومية عدم وجوب إظهار رأيه على النحو غير المتعارف ومع اقتضاء المصلحة لاختفاء بعض الأحكام من بين الأمّة إلى ظهور الحجة علیه السلام كما هو المأثور.

والحاصل : انّه لا تتمّ قاعدة اللطف في استكشاف قول المعصوم علیه السلام بطريق اللزوم ، إلاّ أن يرجع إلى الاجماع الحدسي كما سنشير إليه.

ومنها : ان يدّعى الاجماع في المسألة من جهة سماعه الحكم من الامام علیه السلام باحساسه علیه السلام بشخصه مع معرفته ولو بعد الواقعة ، ولكنه يبرز الحكم بصورة الاجماع حذرا عن تكذيبه في الرؤية فيوجب ذهاب الحكم الواقعي باعتقاده ، كما هو المنسوب إلى بعض العلماء.

ولكنه مع ندرته بنفسه وقلة القطع بشخصه علیه السلام ممّا يكثر فيه الخطأ في معرفة الإمام علیه السلام ، امّا من نفس القاطع بأن يرى في النوم ويتخيل انّه في الرؤية وغيره من أسباب الاشتباه ، أو بسبب المرئي بتلبيسه في بعض المقدمات ونحوها

ص: 91


1- العدة 2 : 630.

بحيث يتخيل انّه الإمام ومع ذلك يرجع إلى الحدس بانّ القائل هو الامام ، وهو أهون من الحدس في نفس الخبر ، كما لا يخفى.

ومنها : ان نستفيد الاجماع على الفتوى في مسألة فرعية من الاجماع أو دليل قطعي آخر على قاعدة كلية ؛ ويعتبر في ذلك أمران :

أحدهما : عموم تلك القاعدة بالنسبة إلى ذاك الفرع.

وثانيهما : عدم المخصص والمعارض في شموله له.

ويثبت الأمران باجتهاد الناقل ، فيرجع إلى الاجماع الحدسي أيضا كاشفا ومنكشفا.

ومنها : الاجماع الحدسي وهو ان يحصل منه الحدس بقوله علیه السلام وهو يحصل :

تارة : من سبب ملازم لقوله علیه السلام عادة كما لو حصل الحدس من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه خطأ في الحس ، ومثل هذا يحصل من اتفاق أزيد من أهل عصر واحد ، ويكون نادر التحقق ثبوتا واثباتا.

واخرى : من سبب ملازم عند المنقول إليه لقوله علیه السلام وان لم يكن ملازما له عند العاقل.

وثالثة : بالعكس من ذلك فيكون الحدس من مثل هذا السبب عند المنقول إليه امّا من مقدمة باطلة أو ممّا لا يرى الحدس منه ، كما لو حصل الحدس من فتوى المشهور والمعروفين بالفتوى أو المعظم ونحو ذلك ، فانّه لا ملازمة بين هذه وبين قوله علیه السلام .

إذا عرفت ما ذكرنا م الأقسام فاعلم انّه لو قلنا بتعميم أدلة حجية الخبر للخبر الحدسي فلا بدّ من الاقتصار على ما إذا حصل للمنقول إليه الوثوق بصحة الحدس ، لما سيجيء من عدم دلالته على أزيد من حجية الخبر الموثوق بصدوره في الخبر

ص: 92

الحسي وبصحة حدسه في الحدسي والموثوق ، كذلك ليس إلاّ فيما إذا حصل الحدس ممّا كان ملزوما لقوله علیه السلام عادة أو عند المنقول إليه ، بل هو المناط بخصوصه ، لعدم العبرة بالسبب العادي لو لم يكن سببا عند المنقول إليه أحيانا.

وأمّا غيره من الأقسام : فامّا غير متحقق الموضوع ؛ أو نادر الوقوع كما في الاجماع الدخولي ؛ أو غير موثوق بكشفه عن رأي الإمام علیه السلام كما في غيره من الأقسام.

وإذا كان كذلك فالناقل :

امّا أن ينقل المنكشف (1) وهو رأي الإمام علیه السلام فسببه قد عرفت انّه لا يخلو بين غير متحقق وغير مفيد. ومن المعلوم انّ غالب الاجماعات :

امّا مبنية على قاعدة اللطف ، كما في الاجماعات المنقولة عن الشيخ رحمه اللّه (2) وأتباعه.

وامّا مبنية على استفادة حكم الفرع عن قاعدة كلية مجمع عليها باعتقاد العموم فيها ، وعدم التخصيص بالنسبة إلى الفرع الذي ادّعي فيه الاجماع ؛ وغالب الاجماعات المدعاة في المسائل غير المعنونة في كلمات القدماء وفي المسائل التي اشتهرت [ بالخلاف ] (3) بعد مدّعي الاجماع - بل في زمانه - من هذا القبيل.

« فمن ذلك ما وجّه المحقق القمي رحمه اللّه (4) به دعوى المرتضى والمفيد انّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات » (5) بقوله في جواب قول

ص: 93


1- يأتي شقه الآخر بقوله : « واما نقل الكاشف ».
2- العدة 2 : 631.
3- في الاصل المخطوط ( الخلاف ).
4- هو المحقق الحلي ( لا القمي ) في « الرسائل المصرية » المطبوعة مع غيرها من رسائل فقهية وكلامية وغيرها في مجموعة باسم « الرسائل التسع » : 215 - 216.
5- راجع فرائد الاصول 1 : 204.

السائل بأنّه : « كيف أضاف السيّد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نص فيه. فالجواب امّا علم الهدى فانّه ذكر في الخلاف (1) : انّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا لأنّ من أصلنا العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل ، وليس في الشرع ما يمنع الازالة بغير الماء من المائعات ». (2)

ومن ذلك ما عن الشيخ في الخلاف حيث انّه ذكر فيما إذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل بعد القتل بانّه يسقط القود وتكون الدية من بيت المال قال : « دليلنا إجماع الفرقة فانّهم رووا : انّ ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين (3) » (4) انتهى ؛ إلى غير ذلك من الموارد بحيث يظهر للمتتبّع انّ غالب الاجماعات المدعاة من هذا القبيل.

وامّا مبني على رؤية الامام علیه السلام باعتقاد الناقل فيبرزه بصورة الاجماع كي يقبل منه ذلك ، كما في الاجماعات المنسوبة إلى بعض الأعاظم مثل الأردبيلي والطباطبائي رحمهما اللّه ولكن قد عرفت ابتناءه على الحدس في القائل ، وهو أهون من الحدس في أصل الخبر.

وامّا مبني على الحدس عما لا يصح أو لا يحصل منه الحدس للمتعارف فيوجب عدم الوثوق بمثله ، كما في الحدس بقوله علیه السلام من فتوى جماعة من الأعاظم يحسن الظن بهم وغيره ممّا اوّل عليه غالب الاجماعات في كلام الشهيد رحمه اللّه (5) على ما حكي عنه. (6)

ص: 94


1- « الخلاف » للمرتضى مفقود.
2- المصنف القوچاني قدس سره ينقل كلام المحقق الحلي ( لا القمي ) من فرائد الاصول 1 : 205 ؛ وفيه اختلاف يسير عن أصله في المسائل المصرية. راجع « الرسائل التسز. المسائل المصرية » : 215 - 216.
3- وسائل الشيعة 18 : 165 الباب 10 من ابواب آداب القاضي ، الحديث 1.
4- الخلاف 6 : 290 المسألة 36.
5- ذكرى الشيعة 1 : 50 - 51 ؛ والحجرية : 4 السطر 30.
6- معالم الدين : 174.

وأمّا مبني على الحدس عن سبب بحيث لو علمناه لكنّا نحدس منه بالقطع قول الإمام علیه السلام ، سواء كان من جهة كونه سببا عاديا أو عند المنقول إليه ، فيكون حجة لحصول ما هو شرط حجّية الخبر من الوثوق به صدورا ومضمونا من حيث المطابقة للواقع.

وحيث انّ هذا القسم فرد نادر فلا بدّ في العمل بالاجماع المنقول من تصريح الناقل به بخصوصه كي يتميز عن غيره ، ومع اجمال كلامه أو اطلاقه فالمتيقن غيره ، ولا أقل من اجماله فلا يحصل شرط العمل به. هذا كله في نقل المنكشف.

وامّا نقل الكاشف : فهو مضافا إلى ما عرفت من الأقسام يكون محصلا بنفسه تارة ، وحدسيا أيضا اخرى ، كما لو حدس من الاجماع على القاعدة الاجماع على فرع منها ، لما عرفت ابتناءه على الحدس من وجهين : العموم بالنسبة إليه ، وعدم عروض تخصيص أو مانع آخر منها بالاضافة إليه ، وكما لو حدس من اتفاق بعض الأعاظم أو المعروفين بالفتوى اتفاق الكل.

والمناط في حجيته أيضا أن يكون بنفسه سببا عند المنقول إليه لقول الإمام علیه السلام أو يحدس منه السبب الصحيح عنده.

ومع عدم كونه سببا بنفسه ولا سببا للحدس الصحيح للسبب الصحيح عنده فلا تشمله أدلة حجية الخبر ؛ وحيث انّ الغالب فيه هو غير القسمين أيضا فلا بدّ من التميّز والتصريح به في كلام الناقل.

نعم عند عدم كونه سببا تاما ، فان كان جزءا للسبب بحيث يحصل منه بضميمة ما يحصله المنقول إليه ولو بنقل شخص آخر أيضا القطع بتمام السبب فلا

ص: 95

إشكال في حجيته ؛ وعلى تقدير عدم القطع بكون نقل ذلك نقل جزء السبب فيشمله أدلة الحجية أيضا كما نشير اليه [ فيما يأتي ] (1).

وينبغي التنبيه على امور :

الاول : الظاهر انه لا فرق في حجية النقل بين نقل المنكشف وبين نقل الكاشف ، تمام السبب كان أو جزءه.

والدليل عليه الدليل على حجية الخبر ، حيث انّ الاجماع وبناء العقلاء - بناء على كونهما المستند - على عدم الفرق : بين العمل بأصل نقل كلام الامام علیه السلام ؛ مثلا وبين نقل متعلقاته وملازماته ممّا يختلف بها ظهور كلامه من الفاظ السؤال ، وتشخيص السائل ، ومكانه لو اختلف به الحكم كما في الكرّ المحدود بالرطل المختلف بكون الراوي مدنيا أو عراقيا ، وغير ذلك ممّا يوجب اختلاف الحكم ، وليس من باب نقل موضوع الأثر الشرعي ، لعدم كون المتعلقات من الموضوع ، بل من الملازم والواسطة في الاثبات ، ولا راجعا نقلها إلى نقل لوازم كلام الامام علیه السلام لمكان اختلاف الراوي مع المنقول إليه ، فلو سئل عمّا يفهمه المنقول إليه لينفيه فكيف ينقله؟

فإذا كان نقل الملازمات والمتعلقات كانت هي تمام المناط في استكشاف مراد الإمام أو جزئه حجة في الخبر الحسي فكذا في الخبر الحدسي ، لمكان اتحاد المدرك ، فحينئذ يكون نقل جزء السبب في الاجماع كجزء الموضوع ذي الأثر الشرعي إذا قام عليه الاستصحاب ، ويكون حجة ولو لم يكن له أثر فعلا ، من جهة عدم تحقق الأجزاء الأخر ، فيثمر إذا كانت الاجزاء الأخر محرزة بالوجدان أو

ص: 96


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

بالنقل أيضا ، بخلاف ما لو لم تكن حجة ، كما لا يخفى.

الثاني : انّه لا يجوز الاستناد إلى نقل المنكشف في الاجماع المنقول ما لم يحرز انّه ليس من طريقة اللطف أو من مقدمة اخرى باطلة ، للعلم الاجمالي باستناد بعض الناقلين إلى ذلك الموجب لعدم الحجية.

ولا إلى نقل الكاشف إلاّ بمقدار كون النقل جزء تمام السبب عند المنقول إليه ، فيضمّ إليه ما يحصّله بنفسه فيتم تمام السبب حينئذ.

الثالث : انّه لا يجوز الاستناد إلى نقل الاجماع أيضا ، ولو لم يكن في البين علم اجمالي لو كان في المسألة المنقول فيها طريق آخر من خبر أو طريق عقلي يحتمل قويا استناد المجمعين كلا أو بعضهم ممن يقوم به الاجماع الى واحد منهما ولو لم يتم دلالتهما عند المنقول إليه ولكن كان من الممكن عادة استناد من ذكر إليهما ، فلا يصح معه الحدس بتلقّي المجمعين ذلك من رأي الامام علیه السلام من غير جهة واحد منهما.

ولا فرق بين كون الناقل غافلا عمّا ذكر ، أو ملتفتا إليه ؛ إذ مع الغفلة يكون الحدس مع عدم العلم بما كان مانعا في البين ومع الالتفات يكون حدسه على غير المتعارف ، وعلى كلّ حال فلا تشمل الأدلة مثل هذا الحدس.

وهذا بخلاف ما لم يكن في البين ما يمنع عن الحدس للمتعارف وكان احتماله بمجرد الشك البدوي لكون الاحتمال مع عدم ذلك غير معتنى به عند العقلاء ، بخلافه مع وجود ذلك كما في قاعدة المقتضي والشك في المانع بناء عليها.

الرابع : انّه لا يجوز الاستناد إليه ولو أحرز انّ الحدس ليس من مقدمة باطلة ، ما لم يتفحص عن حال الناقل انّه ما رجع عن الاجماع بفتواه الخلاف أو نقل هو أو غيره الاجماع على الخلاف ، اذ كثيرا ما يتفق ذلك في الاجماعات

ص: 97

المنقولة فبذلك يصير موهونا ، إذ مع رجوع الناقل بنفسه أو نقل الاجماع على الخلاف لا يحصل منه الحدس للمتعارف ولا يوثق به بل يحصل الوهن في كلا الاجماعين.

وليسا كالخبرين المتعارضين حتى يعمل بهما ما يعمل بهما ، لاحتمال صدق الخبرين الحاكيين لقول الامام علیه السلام ، بخلاف الاجماع الكاشف عن رأي الامام علیه السلام فانّه ليس في البين رأيان له حتى يحتمل صدقهما ويصح الحدس بهما.

وإذا كان كذلك فيصيران موهونين لا يعتنى بهما من حيث نقل المنكشف ولا من حيث نقل الكاشف ، إلاّ أن يصير أحدهما أقوى فيؤخذ بما نفي منه بعد ملاحظة المصادمة حتى ينضم إليه سائر ما يتم معه السبب التام ، بعد القاء قدر المعارضة ، كما لا يخفى.

الخامس : انّ ما ذكرنا في نقل الاجماع من كون حجيته تارة من جهة نقل السبب ، واخرى من جهة نقل المسبب إنّما يجري في نقل التواتر أيضا ، كما إذا نقل التواتر في خبر الثقلين مثلا.

أمّا من الجهة الاولى : فيتوقف ترتيب الآثار الثابتة لصفة التواتر بنفسه على :

كونها للتواتر في الجملة ولو عند غير المنقول إليه.

أو كون المنقول من الأخبار بمقدار يحصل ويتم به عدد التواتر عادة.

أو عند المنقول إليه ؛ وبدون ذلك يكون حجة في كونه جزء السبب فينضم إليه ما يتم به تمام السبب ، سواء كان سائر ما يتم به السبب بتحصيل المنقول إليه بنفسه أو بنقل غيره إليه أيضا.

وأمّا الجهة الثانية : كما لو نقل نفس ما تواتر به من الامام علیه السلام بحيث يكون

ص: 98

من الاخبار بلا واسطة كي يكون عالي السند فيقدم على غيره من الاخبار مع الواسطة ، فيشترط ترتيب أثر المخبر به مثل موت زيد ونحوه بكون السبب وهو المنقول من التواتر ملازما عاديا لوقوعه عادة أو عند المنقول إليه ، وإلاّ يكون داخلا في أخبار الآحاد مع الواسطة بالنسبة إلى المسبب وفي نقل الجزء بالنسبة إلى نقل السبب ، فتدبّر.

ص: 99

الشهرة الفتوائية

ومن جملة الظنون التي توهّم حجيتها بالخصوص : الشهرة الفتوائية. وما يمكن تقريب دلالته على حجيتها أمران :

الاول : آية النبأ الدالة عليه بمفهوم الموافقة ، بأن يقال : انّ هذه الآية لمّا كانت مفصلة بين نبأ الفاسق ونبأ العادل منطوقا ومفهوما مع تعليل الحكم في طرف المنطوق باصابة القوم بالجهالة وحصول الندم ، فكانت دالة بحسب المفهوم على كون حجية العادل من جهة بعده عن معرض الاصابة التي كانت في نبأ الفاسق ، ولا اشكال في أبعدية الشهرة عنه ، فتدل على حجيتها بالأولوية ، فتدل عرفا على حجية كل أمارة كانت أبعد من الاصابة بالجهالة من خبر العدل بمفهوم الموافقة الحاصلة لقضية المفهوم ، ومنها الشهرة.

ولكنه يدفع : بأنّ المستفاد من تعليل عدم الحجية في طرف المنطوق بالاصابة بخصوصه أمران :

تحقق المقتضي للحجية في مطلق النبأ ، وإلاّ لكان الأولى التعليل بعدمه.

وانحصار المانع في النبأ في خصوص الاصابة.

ومن المعلوم انّ الشهرة وان كانت أبعد منه من خبر العدل إلاّ إذا استفيد [ تحقق ] (1) المقتضي في كلّ أمارة ، وانحصار المانع مطلقا في خصوص الاصابة بلا خصوصية لموضوع النبأ فيهما ، وهو بمكان من البعد.

إلاّ أن يدّعى : انّ المستفاد عرفا من المفهوم هو كون عدم المعرضية التي

ص: 100


1- في الاصل المخطوط ( بتحقق ).

كانت في نبأ الفاسق علة تامة للحجية ، فتأمل.

هذا بناء على عدم منع التعليل عن المفهوم بكون المانع هو مطلق الاصابة ، وامّا بناء عليه فلا دلالة للآية على الحجية أصلا ، كما لا يخفى.

الثاني : دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة على ذلك.

ففي الاولى قال زرارة : « قلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل؟ قال علیه السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر ، قلت : سيدي أنهما معا مشهوران مأثوران عنكم ، قال علیه السلام : خذ بما يقوله أعدلهما ». (1)

وفي الثانية : - بعد فرض السائل تساوي الراويين في العدالة - قال علیه السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ... الخ ». (2)

فانّ إناطة الحكم في كلتا الروايتين بالشهرة تدل على اعتبار الشهرة في نفسها مطلقا ولو كانت في غير الرواية كما في الشهرة الفتوائية ، مع احتمال كون المراد من الموصول في الرواية هو مطلق الشهرة ولو في الفتوى.

وفيه :

أولا : انّ المراد من الشهرة في الروايتين بقرينة فرض الراوي الشهرة في كلا الطرفين هو الشهرة في الرواية ؛ ومن المعلوم انّ دخل الشهرة في موضوع خاص في التقدم والتعيّن لا يدل على كونها مناط وجوب الأخذ مطلقا ولو في غير ذلك الموضوع ، كما لو سألت عن انّ : « أيّ المسجدين أحبّ إليك » قلت : « ما كان

ص: 101


1- عوالي اللآلي 4 : 133 الحديث 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 الحديث 2 / 21413. في كليهما باختلاف يسير.
2- وسائل الشيعة 18 : 76 الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 1.

الاجتماع فيه أكثر » لم يحسن للمخاطب أن ينسب إليك محبوبية كلّ مكان يكون الاجتماع فيه أكثر ، بيتا كان أو سوقا ونحوهما.

وثانيا : انّ كون الشهرة هو المناط في وجوب الأخذ في الروايتين إنّما هو في مقام الدوران الذي لا بدّ من الأخذ باحدى الروايتين في نفسهما وكان التحيّر في مجرد التعيين ؛ ومن المعلوم انّ أخذ شيء مناطا للتعيين بعد ثبوت أصل العمل والحجية في نفسه إنّما هو لتعيين ما به التقدم عقلا واعتبارا بحيث لو لا التعيين منه علیه السلام لكان العقل حاكما به في ذاك المقام ، فلا يدلّ على كونه مناطا وعلة لأصل الحجية ابتداء كما فيما نحن فيه.

وثالثا : انّ الظاهر من تعليل الأخذ بالمشهور بعدم الريب في المجمع عليه الذي هو الشهرة كما لا يخفى ، انّ المناط في العمل بالمشهور من الروايتين هو عدم الريب والاطمئنان بالصدق بقول مطلق ، بحيث يصدق عليه انّه ممّا لا ريب فيه مطلقا كما هو كذلك في الشهرة في الرواية بين الأصحاب في الصدر الاول ، فانّه لو انعقدت الشهرة بينهم في رواية تدوينا ورواية تطمئن النفس بصدورها من الامام علیه السلام بحيث يصدق عليها حينئذ انّها لا ريب فيها مطلقا لا بالاضافة إلى الشاذ كما أفاده الشيخ رحمه اللّه (1) لما عرفت من ظهور التعليل في الاطلاق مع كونه أقرب إلى الاعتبار بالنسبة إلى الشهرة في الرواية في الصدر الأوّل خصوصا مع كون انعقاد الشهرة في سماع الرواية الذي تطمئن النفس بالصدق وعدم الخطأ فإذا كان المناط عدم الريب هكذا ، يظهر عدم دلالة الرواية على حجّية الشهرة الفتوائية التي يتطرق فيها احتمالات باب الخطأ في الحدس الموجبة لانفتاح باب الريب من جهات عديدة.

ص: 102


1- فرائد الاصول 1 : 235.

فمن هنا يعلم أنّه لو قلنا - في مقام دوران الأمر بين الأخذ بالشهرة في الفتوى وغيرها - بتعيّن الأخذ بالمشهور [ فهو ] إنّما كان من جهة حكم العقل بالتعيّن حينئذ ، لا من جهة هذه العلة في الرواية ، فتدبّر جيدا.

ص: 103

خبر الواحد

ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بالظن خبر الواحد عند المشهور ، بل يكون هو المجمع عليه في الجملة كما يأتي ان شاء اللّه.

اعلم : انّ استفادة الأحكام الفرعية عن الأخبار المروية عن الحجج صلوات اللّه عليهم يتوقف على جهات شتى :

منها : تشخيص حقائقها عن مجازاتها وتمييز ظهوراتها العرفية ، وقد عرفت عدم حجية الأمارات المعمولة في ذلك من قول اللغوي ونحوه إلاّ ما يحصل منه القطع بصغرى الظهور.

ومنها : تعيين كون ظهورها مرادا ، وقد عرفت حجية الأمارات المعمولة في ذلك من أصالة الظهور ونحوها بالخصوص.

ومنها : كون صدورها لاظهار المطلوب الواقعي من بيان حكم اللّه الواقعي لا لجهة اخرى من تقية ونحوها ، والظاهر بناء العقلاء على حمل كلام المتكلم على بيان مطلوبه الواقعي لا على صدوره لجهة طارئة من خوف واضطرار ونحوهما ، إلاّ أن تقوم قرينة على الخلاف.

ومنها : إثبات حجيتها - من حيث الاخبار - بالصدور منهم علیهم السلام وهو المبحوث عنه في المقام.

وقبل الخوض في البحث عن حجية الأخبار وذكر أدلة الطرفين لا بدّ من أن يعلم وجه إدراجها في المسائل الاصولية ، فانّه قد يشكل فيه كما عن المحقق

ص: 104

القمّي رحمه اللّه (1) بناء على مختاره من كون موضوع الاصول الأدلة بعنوان كونها أدلة لوضوح عدم كون البحث عن الحجية الراجعة إلى الدليلية بحثا عن أحوال الموضوع وعوارضه حينئذ. نعم قد يتكلف في إدراجها في المسائل كما عن الفصول (2) بجعل الموضوع ذات الأدلة بلا ملاحظة الوصف كي تكون الحجية عن عوارضه. (3)

وقد أفاد الشيخ قدس سره (4) وجه إدراجها في المسائل - بحيث لا يحتاج إلى هذا التجشّم - بارجاع البحث عن الحجية راجعا إلى البحث عن اثبات قول الحجة علیه السلام أو فعله أو تقريره باخبار الآحاد بناء على كون الموضوع وهو السنّة أحد هذه ؛ ومن المعلوم انّ حجيتها مفروغة عنها في علم الكلام ، فالمهمّ اثباتها فيما نحن فيه ودخوله في المسائل لا يحتاج إلى التجشّم المذكور.

ولكنه يرد عليه الاشكال من جهة اخرى ، وهو : انّ البحث يرجع إلى البحث عن تحقق الموضوع ووجوده المحمولي الذي هو مفاد كان التامة المسئول عنه ب- « هل البسيطة » ، ولا بدّ في المسألة من كونها من العوارض المسئول عنها ب- « هل المركبة ».

فان قلت : انّ اثباته الحقيقي كذلك ، لا البحث عن اثباته التعبدي كما فيما نحن فيه ، فانّه ليس إلاّ بمعنى ترتيب الآثار الفرعية عليه التي كانت من العوارض

ص: 105


1- النسخة الحجرية القديمة من القوانين المحكمة طبعة 1291 ه ق 1 : 6 الحاشية المبدوة بقوله : « موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ » وآخرها عبارة : « منه رحمه اللّه ». وهذه الحاشية مقلوبة ، اولها الى اسفل ثم تتدرج الى اعلى الصفحة. والنسخة هذه عثرنا عليها في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم 176 / 95.
2- الفصول الغروية : 12 السطر 10.
3- أي كي يكون البحث عن الحجية بحثا عن عوارض الدليل.
4- فرائد الاصول 1 : 238.

بلا كلام.

قلت : انّ الثبوت التعبدي وان كان كذلك إلاّ انّه بالنسبة إلى ما يشك كونه قول الامام وان لم يكن قوله واقعا ، لا بالنسبة اليه نفسه ، فلو كان المراد من السنّة المندرجة في الأدلة الأربعة المأخوذة في موضوع علم الاصول هو قول الامام واقعا لأشكل كون البحث عن الثبوت التعبدي داخلا في المسائل الاصولية وان كان يجدي دخوله في العوارض ؛ كما انّ التجشّم المذكور لا يجدي في ذلك لعين ما ذكرنا.

والتحقيق : انّ مناط دخول مسألة في علم من العلوم ليس بالموضوع ولا تميزه عن علم آخر به كما حقق في محله ، بل المناط في الاندراج هو الدخل ، بلا توسيط بعيد في الغرض الذي دوّن ذاك العلم لأجله بأن يقع في صغرى أو كبرى قياس منتج لذاك الغرض ، وإنّما التميز بالغرض أيضا لا الموضوع ولا المحمول ، وإنّما الموضوع في كل علم هو : الجامع ، القدر المشترك بين شتات موضوعات مسائله ولو كان عنوانا انتزاعيا متاخرا عنها أخذ لضبط الموضوعات بعنوان واحد ؛ ومن المعلوم تحقق هذا المناط في حجية الخبر الواحد حيث انّه قاعدة ممهدة لاستنباط الحكم الفرعي اثباتا ونفيا على ما هو المقرر في تعريف الاصول من كونه العلم بالقواعد الممهدة للاستنباط المذكور ، فيندرج في مسائله بلا احتياج إلى التجشّم المذكور ، ولا إلى ارجاع البحث إلى البحث عن اثبات قول المعصوم علیه السلام باخبار الآحاد.

فإذا عرفت دخول الحجية في المسائل فاعلم : انه لا يبعد كونها في الجملة - ولو عند انسداد باب العلم ولو خصوص قسم منه من الخبر الموثق أو المفيد للظن

ص: 106

الاطمئناني - اجماعية ومقطوع بها بالخصوص حتى من السيّد (1) وأتباعه ، غاية الأمر انّه يدّعي عدم حجيته من جهة ذهابه إلى انفتاح باب العلم بحيث يظهر منه تسليم حجية الأخبار على تقدير الانسداد بأن يكون الانسداد حكمه بنحو الكشف لحجيتها بالخصوص ؛ فلا يردّ بأنّ تسليمه على فرض الانسداد لا يجدي في تحقق الاجماع على كون الأخبار حجة بالخصوص في الجملة كما سيجيء في تقرير الاجماع على حجيتها ان شاء اللّه.

وأمّا حجيتها في الجملة مطلقا ولو من باب الانسداد فهو مقطوع بها في أمثال هذه الأزمنة غاية الأمر إنّما الاختلاف في وجه حجيتها من كونها مقطوع الصدور كما عن الأخباريين ، أو كونها من باب الظن الخاص كما عن أكثر المحققين ، أو كونها من باب الظن المطلق كما عن بعض آخر ؛ وعلى كلّ حال فدعوى القطع بجواز العمل بها في زمان الانسداد - بل وجوبه الثابت ولو ببرهان الانسداد - ممّا لا بعد فيه.

وامّا دعوى : كون وجوب العمل بها من ضرورة المذهب كما عن الشيخ (2) ، فلا وجه له ظاهرا ، لأنّ وجوب العمل بها فرع حجيتها.

فان كان دعوى الضرورة في وجوب العمل من جهة دعوى حجيتها بالخصوص ، ففيه :

انّه بعد عدم كونها ضروريا كذلك ، لا يتناسب مع هذا العنوان جعل المقام الثاني في النزاع في حجيتها بالخصوص في قبال السلب الكلي ، كما لا يخفى.

ص: 107


1- هذا المعنى يدعيه المعالم على السيد صريحا في المعالم : 196 - 197 ؛ لكن كلمات السيد بنفسها غير صريحة بهذا الحد. راجع الذريعة الى اصول الشريعة 2 : 539 و 541 ؛ ورسائل المرتضى 3 : 313 و 1 : 51 هذا ؛ وقد أشبع الكلام حول خبر الواحد في المسائل التبانيات من رسائل المرتضى 1 :1. 96.
2- فرائد الاصول 1 : 239.

وان كان من جهة حجيتها مطلقا أعم من أن يكون بالخصوص أو بدليل الانسداد ، ففيه :

مع اختلاف القائلين بتمامية الانسداد في النتيجة من كونها خصوص الظن بالواقع أو خصوص الظن بالطريق أو الأعم منهما فيشترط وجوب العمل بها عند كل بحصول ما يتوقف عليه عنده من حصول الظن منها بالواقع أو بالطريق المحتمل العدم ؛ انّه على تقدير القطع بحصول كل ما يتوقف عليه العمل عند كل واحد يكون الوجوب العمل قطعيا ثابتا بالبرهان لا من ضروريات المذهب ، مع انّه قد لا يكون الوجوب شرعيا بل عقليا كما على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ، كما لا يخفى.

ثم انّ دعوى : كون الاخبار مقطوعة الصدور مع كثرة الدسّ من الكذابين والتقطيع واختفاء الأخبار الصادرة عنّا ووقوع سائر أسباب الخلل ، لا وجه له ؛ فالأولى أن يقع البحث في حجيتها بالخصوص وعدمه.

فقد استدل المانعون :

بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم.

وبالتعليل المذكور في ذيل آية النبأ المدعى دلالتها على عدم حجية الخبر غير المفيد للعلم.

وبالأخبار الكثيرة الدالة على عدم حجيتها ووجوب طرحها.

أمّا الجواب :

عن الآيات الناهية : فبأنّ دلالتها بالاطلاق المتوقف على عدم الانصراف والمتيقن في البين ؛ وصورة الانفتاح من الحالات والخبر غير الموثق فيما نحن فيه ممّا انصرف إليهما الاطلاق ، ولا أقل من كونهما المتيقن من الآيات ، وعلى فرض الاطلاق فهي مخصصة بما سيجيء من الادلة المجوزة ؛ هذا لو لم نقل بتخصصها

ص: 108

بأن يكون العلم المنهي عما عداه فيها أعم من الحجة.

وأمّا عن آية النبأ : فسيجيء.

وأمّا عن الأخبار : فبأنّ غاية الاستدلال بها بحيث يخرج عن الاستدلال بخبر الواحد انّها :

بين ما كان دالا على عدم جواز مطلق الخبر غير العلمي.

وبين ما كان ناهيا عن خصوص ما لم يوجد له شاهد من الكتاب والسنّة المعلومة.

وبين ما كان آمرا على ردّ ما لا يوافق الكتاب ، وفي بعضها انّه « زخرف ». (1)

وبين ما كان ناهيا عن الأخذ بالخبر المخالف للكتاب.

وهذه الطوائف وان لم يكن كلّ واحد منها ولا المجموع متواترا لفظا ولا معنى لاختلافها بحسبهما إلاّ أنها متواترة اجمالا بمعنى انّه يعلم بصدور بعضها كذلك بحيث يستحيل عادة أن تكون كلّها كاذبة ، وقضية ذلك أن يؤخذ بأخصها مضمونا وهو الخبر المخالف ؛ ومن المعلوم انّه لا يدل على حكم ما لم يوجد مضمونه في الكتاب فلا دلالة له على السلب الكلي. واشتمال القرآن على كلّ حكم وكل رطب ويابس إنّما هو بالتأويل الذي لا يعلمه إلاّ اللّه والراسخون.

ثم انّ ملاحظة عدم كون مخالفة الخاص بالنسبة إلى العام مخالفا له عرفا مع ملاحظة القطع بصدور الأخبار المخالفة للكتاب بنحو العموم والخصوص عنهم علیهم السلام يقطع بكون المراد بالمخالفة هو المخالفة على وجه التباين الكلي ، ولا أقل من لزوم الحمل عليه جمعا ، فلا يشمل ما كان منها مخالفا للكتاب بنحو العموم والخصوص.

ص: 109


1- « وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف ». وسائل الشيعة 18 : 79 الباب 9 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 14.

وامّا الاهتمام في هذه الأخبار بطرح الأخبار المخالفة [ فهو ] لتنبيه الأصحاب على وجود الأخبار الكاذبة المدسوس بها في الاصول ليهذّبونها ويحفظونها أن تنالها يد المخالفين بعد ذلك.

وأمّا توهّم : كون المخالفة في هذه الأخبار هو مطلق المخالفة - لعدم صدور المخالفة على نحو التباين الكلي من الكذّابين - كي صاروا علیهم السلام بصدد التنبيه عليه ، مدفوع :

بأنّ عامة الناس في أزمنة صدور الأخبار ليس لهم مزيد معرفة بحالهم كي لا يقبلوا كلّ ما ينسبوه إليهم من الأخبار المكذوبة ؛ ومن المعلوم انّ غرض المخالفين صرف وجوه الناس عنهم علیهم السلام وهو لا يحصل إلاّ باسناد الأخبار المخالفة على وجه التباين ، فصاروا علیهم السلام بصدد تنبيه الأصحاب على وجود مثل هذه الأخبار في الاصول صونا لهم بقبول مثلها.

والحاصل : انّ هذه الأخبار لا تدل على النهي عن الاخذ بالأزيد من الأخبار المتباينة بنحو التباين الكلي ؛ وبعد اخراج هذه الطائفة يكون التمسك بالباقي تمسكا باخبار الآحاد.

وان أبيت إلاّ عن التواتر الاجمالي بعد هذه الطائفة أيضا فنقول :

أخص الطوائف مضمونا هو الأخبار الناهية عمّا لا يوافق الكتاب والسنّة المعلومة ، وظاهر القضية السالبة عرفا هو السالبة بانتفاء المحمول ، فيحمل غير الموافق على المخالف ، خصوصا بقرينة تقابل المخالفة مع الموافقة في رواية محمد بن مسلم (1) وصحيحة هشام بن الحكم (2) ، فتكون هذه الطائفة مشتركة مع

ص: 110


1- « يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ». مستدرك الوسائل 17 : 304 الباب 9 من ابواب صفات القاضي ( باب وجوب الجمع بين الاحاديث المختلفة ) الحديث 21416 / 5 ؛ بحار الانوار 2 : 244 الباب 29 علل اختلاف الاخبار ... الخ الحديث 50.
2- « لا تقبلوا علينا الاّ ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فانّ المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دسّ في كتب اصحاب أبي احاديث لم يحدّث بها ، فاتقوا اللّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فانّا اذا حدثنا قلنا : قال اللّه وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». بحار الانوار 2 : 250 الباب 29 علل اختلاف الاخبار ... الخ الحديث 62 و 49 ؛ اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) 2 : 489 الحديث 401 في المغيرة بن سعيد.

الطائفة [ السابقة ] في القصور عن النهي عن الاخبار مطلقا ، فتأمّل.

أمّا الاجماع الذي ادعاه السيّد المرتضى (1) على عدم حجية خبر الواحد بل جعله في بعض كلماته كالقياس (2) في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة ، ففيه :

انّ كونه كالقياس عندهم مقطوع العدم ، فلعل هذه الدعوى امّا اشتباه منه ، أو كانت المقايسة بين القياس وكلّ خبر واحد سواء كان ضعيفا أو مجهول الحال وغيرهما من الأقسام التي لا يذهب إليه.

وأمّا الاجماع فموهون : بذهاب الأكثر كالشيخ (3) والعلامة (4) وغيرهما إلى حجيته ، بل ينقل الاجماع على خلافه ، مضافا إلى كونه نقلا واحدا لا يصح التمسك به لعدم حجية خبر الواحد.

وامّا المجوّزون : فقد استدلوا على حجيته بالادلة الاربعة ، فمن الكتاب بآيات ، منها : آية النبأ وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ

ص: 111


1- رسائل الشريف المرتضى 1 : 24 - 25 في جواب المسائل التبانيات ؛ و 1 : 210 - 211 في جواب المسائل الموصليات الثالثة ؛ و 3 : 309 في مسألة ابطال العمل باخبار الآحاد ؛ وراجع الذريعة الى اصول الشريعة 2 : 528.
2- رسائل الشريف المرتضى 1 : 24 - 25 ؛ و 1 : 210 - 211 ؛ و 3 : 309.
3- العدة 1 : 126.
4- مبادئ الوصول الى علم الاصول : 205 « فكان اجماعا ». نهاية الوصول الى علم الاصول الى علم الاصول 3 : 403.

فَتَبَيَّنُوا ) . (1)

وما قيل أو يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بها : وجوه :

منها : من جهة مفهوم الشرط ، حيث علّق وجوب التبيّن في النبأ على مجيء الفاسق فيدل على انتفائه عند انتفائه.

ومنها : من جهة مفهوم الوصف ، حيث حكم بالتبيّن من خبر الفاسق ، فينتفي عند خبر العادل.

ومنها : من جهة دلالة الاشارة ، حيث اقترن بالحكم صفة مناسبة له هو الفسق بحيث لو لم تكن علة له لبعد الاقتران مع شدة المناسبة ؛ وهذه غير جهة مفهوم الوصف كما في قول النبي صلی اللّه علیه و آله : [ « هلكت وأهلكت » (2) بعد قول الأعرابي : « واقعت أهلي في نهار رمضان » ]. (3)

ومنها : انّه تعالى لمّا علل عدم قبول نبأ الفاسق بدون التبيّن بخوف إصابة القوم بدونه ظهر وجود المقتضي للقبول بنفسه ، وإلاّ لكان الأولى تعليل العدم بعدم المقتضي للوجود لا بوجود المانع.

ومنها : من جهة دلالة المنطوق ، بناء على شمول التبيّن للظن والاطمئنان المتحقق في خبر العادل بنفسه ، مع حمل الجهالة في العلة على ما عدى العلم والاطمئنان أو على السفاهة.

ولكن الظاهر عدم تمامية كل منها للدلالة على الحجية.

أمّا مفهوم الشرط ، ففيه :

انّه على تقدير تسليم دلالة القضية الشرطية على المفهوم يكون ذلك

ص: 112


1- سورة الحجرات : 6.
2- وسائل الشيعة 7 : 30 الباب 8 من ابواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
3- في الاصل المخطوط ( بعد قول الأعرابي هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان ).

بالاطلاق بمقدمات الحكمة المتوقفة على كون المتكلم بصدد بيان الحكم الفعلي في القضية الشرطية على كل تقدير كي يتمّ الاطلاق في ترتب الحكم على الشرط ، ومن المحتمل كونه بصدد بيان خصوص حكم المورد وهو اخبار الفاسق بالارتداد لا حكم الاخبار مطلقا.

ولكن الشيخ رحمه اللّه قد أورد على مفهوم الشرط بعد تقريبه بقوله : « ففيه : انّ مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق بالنبإ وعدم التبيّن هنا لأجل عدم ما يتبيّن ، فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما في قول القائل : ان رزقت ولدا فاختنه ... الخ ». (1)

حاصله : انّ ما كان معلقا على الشرط في القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع هو شخص الحكم المترتب على موضوعه ، والتعليق عليه هو التعليق على الموضوع ، فيكون مفهومه انتفاء شخص ذاك الحكم بانتفاء موضوعه من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا السنخ ، فلا يدخل خبر العادل في الموضوع لا مفهوما ولا منطوقا.

ويرد عليه :

أولا : انّه لا وجه لجعل الموضوع هو خصوص نبأ الفاسق كي يصير قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ ) توطئة لتحقق الموضوع ، بل الظاهر انّ الموضوع في الآية هو طبيعة النبأ ولا دلالة فيها على كونه خصوص نبأ الفاسق ، فحينئذ يكون معناها : « ان كان الجائي بطبيعة النبأ هو الفاسق فتبيّنوا » وتكون كالقضايا المتعارفة مسوقة لتعليق الحكم على موضوع على شرط ينتفي ذاك الحكم مثل التبيّن عن طبيعة النبأ فيما نحن فيه عند انتفاء ذاك الشرط وهو مجيء الفاسق فيتم المطلوب وهو عدم

ص: 113


1- فرائد الاصول 1 : 257.

وجوب التبيّن عند خبر العادل.

وثانيا : على تقدير تسليم كون القضية مسوقة لتحقق الموضوع ، انّ الظاهر عدم انسلاخ كلمة الشرط عمّا هو عليه من الدلالة على علاقة لزومية بين المقدم والتالي لازمها انتفاء سنخ الحكم الثابت في التالي عند انتفاء المقدم ، والظاهر انّ مدلول القضية بمقتضى ادوات الشرط ليس بأزيد من العلاقة اللزومية بين طبيعة الحكم في التالي وبين المقدم الذي لازمه انتفاء سنخ التالي عند انتفاء الشرط ؛ ولا فرق بين كون المقدم جزء سبب منحصر ، أو تمام السبب المنحصر ، أو كان ملازما للتالي ، أو كان موضوعا له كما في القضايا المسوقة لتحققه فانّه إذا علّق طبيعة الحكم على موضوع بأداة الشرط لكان مفهومه انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه كما في مفهوم الوصف واللقب - على القول به فيهما - كقوله : « الغنم السائمة فيه زكاة » (1) ؛ ومن المعلوم انّه بناء على ما ذكرنا كان دلالة الآية انتفاء التبيّن عند نبأ العادل ، كما لا يخفى.

وثالثا : على تقدير التنزّل عن دلالة القضايا المسوقة لتحقق الموضوع على انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الموضوع ، فلا وجه للقول بالمفهوم الثابت بالدلالة اللفظية أصلا بالنسبة إلى انتفاء شخص الحكم فانّ انتفاء الشخص عند انتفاء موضوعه عقلي ثابت لكل حكم بالنسبة إلى موضوعه سواء كان بنحو التعليق أم لا.

فما يظهر من كلام الشيخ قدس سره (2) من جعل خبر العادل خارجا عن المفهوم وانتفاء شخص التبيّن في خبر الفاسق عند انتفائه داخلا في المفهوم لا وجه له.

وأمّا مفهوم الوصف ، ففيه :

ص: 114


1- تهذيب الاحكام 1 : 224 / 643 الباب 10 المياه واحكامها ... الخ الحديث 1. قريب منه.
2- فرائد الاصول 1 : 254.

مضافا إلى عدم تسليمه أصلا خصوصا في الوصف غير المعتمد على موصوفه ؛ انّه على فرض التسليم إنّما هو فيما كانت الفائدة منحصرة في العلّية أو كانت هي أظهر الفوائد ، لا فيما كان غيرها أظهرها ، أو كانا متساويين كما فيما نحن فيه فانّه من المحتمل قريبا أن تكون الفائدة في الآية في ذكر الفاسق التنبيه على فسق الوليد ، فلو لم يكن لذكر الفاسق ظهور في هذا التنبيه فلا أقل من احتمالها المساوي الموجب لعدم انعقاد الظهور في المفهوم.

وأمّا دلالة الاشارة ، ففيه :

انّ عمدة السبب والقرينة في تلك الدلالة هو بعد الاقتران لو لا العلية بحيث يوجب اللغو أو عدم الفائدة في كلام الحكيم ، ومن المعلوم انّ اقتران الوصف للنكتة المذكورة ليس ببعيد ، فتنتفي القرينة العقلية.

وأمّا دلالة تعليل عدم قبول نبأ الفاسق باصابة القوم بالجهالة على تحقق المقتضي فيه ، ففيها :

انّها مسلّمة لو كان المعلل هو العدم مع كون العلّة هو الاصابة بالجهالة. ولكن الظاهر المنسبق من الآية انّ المعلل هو القبول مع التبيّن ، والعلة هو الخروج عن المعرضية التي كانت في نبأ الفاسق ، فعليه تكون الآية منساقة لبيان المقتضي في النبأ الذي لم يكن فيه هذا المقدار من الاصابة ؛ فعلى ذلك يرجع الاستدلال الأخير وهو التمسك بتحقق التبيّن والخروج عن معرضية الاصابة في نبأ العادل بنفسه بلا تبيّن خارجي فلا بدّ من القبول بمقتضى تحقق العلة.

ولكن الجواب : انّه كذلك لو لم يكن التبيّن ظاهرا في خصوص التبيّن العلمي ، بل كان أعمّ منه ومن الظني وهو محل منع مع انّه على فرض الاطلاق فيعارضه ظهور الجهالة التي في العلة فيما عدى العلم ، فلو لم تسلّم أظهريتها فيه فلا أقل من التساوي الموجب للاجمال ، كما لا يخفى.

ص: 115

وليعلم : انّ التمسك بهذه الوجوه غير تام. نعم على تقدير التسليم فالأوجه الوجه الأول ثم الثاني.

ولكنه : مضافا إلى ما ذكر من عدم دلالة القضية الشرطية المسوقة لتحقق الموضوع على المفهوم أورد بوجوه من الإيراد :

أحدها : انّ القضية الشرطية بنفسها ظاهرة في المفهوم لو لم يكن معها ما هو أظهر منها على خلافها الموجب لعدم انعقاد ظهور لها فيه وهو العلة في البين الظاهرة في عموم محذورية الاصابة بالجهالة ولو كان في خبر العادل ؛ ومن المعلوم انّ العلة وان كانت دلالتها بالعموم أظهر من المفهوم فلا يستقر للقضية ظهور في المفهوم لو كانت متصلة بها كما فيما نحن فيه.

ولكنه يمكن الجواب عن ذلك : بأنّ الجهالة في العلة وان كانت ظاهرة بنفسها فيما عدى العلم مطلقا ، ولكن مقابلتها مع القضية الشرطية ربما توجب ظهورها في العمل السفهائي المتعارف حملها عليه في بعض المقامات.

والمناقشة : بعدم اقدام جماعة من العقلاء في مورد الآية بالعمل بخبر الوليد لو كان العمل بنبإ الفاسق سفهيا ، مدفوعة :

بأنّ العمل من جهة جهلهم بفسقه مع استبعادهم الكذب في مثل الخبر بالارتداد فنبّههم اللّه على فسقه وكون العمل به سفهيا لا ينبغي الاقدام عليه.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في ما عدى العلم ولو مع هذه المقابلة أيضا فنقول : انّه على تقدير التسليم فلا ظهور لها في الاطلاق مع وجود القدر المتيقن وهو الجهالة التي في خبر الفاسق ولا أقل من كون المقابلة سببا لذلك. إلاّ أن يقال : انّ المقابلة كما توجب عدم الاطلاق في الجهالة توجب عدم انعقاد الظهور للقضية الشرطية أيضا في المفهوم فتصير الآية مجملة حينئذ. نعم استدلال العلماء بالآية على حجية الخبر يكشف عن كونها ظاهرة فيه عرفا وإنّما الاشكال بحسب

ص: 116

الصناعة.

وثانيها : انّه لو سلمنا دلالتها يشكل شمولها للروايات التي بأيدينا لوجهين :

أحدهما : كما هو التحقيق انّ هذه الأخبار - غير ما هو الناقل لقول الامام علیه السلام بلا واسطة - لا أثر لها يهمّ ترتيبه عليها إلاّ نفس الحكم بوجوب تصديق العادل ، وكذا الاخبار بعدالة رواتها بلحاظ ترتيب وجوب التصديق على اخبارها حيث انّه لا بدّ من سوق الآية الحاكمة بوجوب تصديق العادل بترتيب الأثر الشرعي على اخبار بلحاظ أثر شرعي آخر غير نفسه ولا يمكن السوق بلحاظ نفسه بانشاء واحد وإلاّ لزم تقدم الحكم على موضوعه ولا بدّ من التقديم.

نعم لو كان وجوب تصديق نبأ العادل ثابتا له بانشاء آخر سابق وسيقت الآية ثانيا بلحاظ جميع الآثار حتّى بلحاظ وجوب التصديق لما كان فيه بأس ، كما لو أخبر العادل باخبار البينة حيث انّ وجوب تصديق البينة ثابت لها بدليل آخر غير دليل حجية خبر الواحد وهذا بخلاف أخبار الآحاد فانّ وجوب تصديقها لم يثبت لها بغير الآية فكيف تكون مسوقة لأجله؟

وليعلم : انّ الاشكال من هذه الجهة لا فرق في الروايات بين ما لا واسطة فيه بالنسبة إلينا كما لو أخبرنا الشيخ رحمه اللّه بإخبار المفيد إياه ، وبين نفس خبر المفيد الثابت لنا بالواسطة حيث انّ المناط عدم امكان سوق الآية بلحاظ وجوب التصديق الذي لا بدّ منه في جميعها وبدونه لا ينتهي الأمر إلى قول الامام علیه السلام .

ولكن الجواب :

تارة : بأنّه وان لم يمكن لحاظ وجوب التصديق بنفسه في الآية ، إلاّ أنّه يمكن إدراجه فيها بتنقيح المناط القطعي بعدم الفرق بين الآثار الشرعية في الحكم بوجوب ترتيبها على المخبر به ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

واخرى : بأنّه يمكن إدراجه في اللفظ أيضا بجعل الأثر الشرعي المحكوم

ص: 117

بوجوب ترتيبه على المخبر به هو طبيعة الأثر لطبيعة الخبر بجعل القضية طبيعية ولكن تلحظ الطبيعة بوجودها السّعي بنحو يكون الحكم لازما لها كي يسري الحكم إلى جميع وجوداتها ومصاديقها منها نفسه لكن بالغاء لحاظ خصوصياتها المتقوّمة بها التي تكون خارجة عن الطبيعة ولازما لوجودها.

والطبيعة التي هو الموضوع في هذه القضايا غير ما هو المتداول في المنطق من القضية الطبيعية من كون الموضوع نفس الطبيعة بما هي هي بل بوجودها الذهني نحو « الانسان نوع » و « الحيوان جنس » بل ما هو المعروف في الاصول من كون متعلّق الحكم هو الطبيعة بلحاظ وجودها الخارجي السّعي بنحو تكون الخصوصيات خارجة عن المطلوب ، في قبال القائل بكونه هو الأفراد بنحو تكون هي داخلة فيه.

والأول هو التحقيق بلا فرق بين ادراج الوجود في مفاد الهيئة كي يكون هو طلب الوجود والمادة نفس الطبيعة ، أو ادراجه في المادة كي يكون مفاد الهيئة هو الطلب فقط.

الوجه الثاني (1) للاشكال : من جهة الخبرية في الاخبار مع الواسطة حيث انّ الخبرية فيها مثل خبر المفيد في المثال المذكور إنّما هو فرع شمول الحكم بوجوب التصديق لمثل خبر الشيخ وبدونه ليس خبر في البين ومعه يثبت خبر المفيد إلاّ أنّه لا يمكن كونه موضوعا له ، للزوم تقدم الموضوع على الحكم فلا يشمل ما كان مؤخرا عنه ومتفرعا عليه.

وهذا الاشكال قد أثبته الشيخ قدس سره (2) في الرسائل في الدورة الأخيرة على

ص: 118


1- قد مضى الوجه الاول بعنوان ( احدهما ).
2- فرائد الاصول 1 : 265.

ما حكى عنه الاستاذ (1) دام ظله ، وقد أجاب عنه قدس سره بتنقيح المناط وبجعل القضية طبيعية.

ولكنه يرد عليه :

أولا : بأنّه على تقدير تسليم الاشكال أولا في الخبر بلا واسطة وهو خبر الشيخ رحمه اللّه فلا تصل النوبة إلى خبر المفيد حينئذ ، حيث انّه يتوقف كونه خبرا لنا على تصديق خبر الشيخ ، ومع عدمه فلا موضوع حتّى يشكل في كونه مشمولا للآية.

وثانيا : بأنّه على تقدير الفراغ عن الاشكال من جهة الأثر في خبر الشيخ رحمه اللّه فلا يبقى مجال للاشكال في خبر المفيد أيضا ، حيث انّ تصديق الشيخ رحمه اللّه بترتب الاثر على ما أخبر به وهو اخبار المفيد باخبار الصفار واثره ليس إلاّ وجوب التصديق بعد كونه أثرا للأخبار الواقعية بآية النبأ ومنها خبر المفيد فيترتّب على مشكوكه بتصديق الشيخ رحمه اللّه ووجوب تصديقه عبارة عن البناء على ثبوت خبره تعبدا ، وبعد ذلك لا يحتاج إلى ادراجه ثانيا في موضوع الآية كي يشكل باستلزامه الدور كما في سائر الموضوعات المشكوكة إذا أخبر بها العادل ، وكذا يكون تصديق المفيد بترتيب أثر ما أخبر به وهو إخبار الصفّار عليه الذي يكون مساوقا لثبوت خبره التعبدي بلا افتقار إلى ادراجه ثانيا في الموضوع ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى خبر الامام علیه السلام بلا اشكال في البين.

وثالثا : بأنّه على تقدير تسليم الاشكال في خبر المفيد تعبدا بعد الجواب عن الاشكال في خبر الشيخ رحمه اللّه فلا يجدي الجواب بتنقيح المناط أو جعل القضية طبيعية ، حيث انّهما يجديان في تسرية الحكم إلى غير ما يثبت من الأخبار

ص: 119


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 113 - 114 ، والطبعة الحجرية : 65 ذيل قول الشيخ : « واما المجوزون فقد استدلوا ».

بالحكم حقيقة وواقعا ، كما في كلّ خبري صادق لا في ما نحن فيه ممّا كان وجوده الحقيقي يدور مدار واقعه وإنّما يثبت بالحكم وجوده التعبدي حيث انّه يتبع دليل التنزيل ، ولا يجدي فيه مجرد ثبوت الحكم للوجود الحقيقي من الأخبار ، كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره سابقا عليهما من الحل من كون الممتنع هو توقف فردية بعض افراد العام على اثبات الحكم لبعضها الآخر كما في كل خبري صادق لا [ يتوقف ] (1) العلم ببعض الافراد عليه كما فيما نحن فيه ، ففيه :

انّ محل الحاجة في الاخبار مع الواسطة وجودها التعبدي وهو يتوقف حقيقة على ثبوت الحكم للبعض السابق عليها لا مجرد العلم بها ، وأمّا وجودها الواقعي فمع عدم انكشافها بالحكم اصلا وبقائها في الشك انّه على تقدير التسليم يكون الكاشف عنها ظنا هو الأمارة المحكومة بوجوب التصديق لا نفس الحكم وان كان موجبا لحجيتها ، الاّ أن يقال : بكفاية ذلك في عدم توقف الموضوع على الحكم ثبوتا لو احتيج إلى انكشاف وجوده الواقعي اثباتا ، فتدبّر.

وقد أجاب بعض الأعاظم (2) عن الاشكال بحذافيره على ما حكي (3) بما حاصله :

انّه إنّما يتأتّى بناء على كون الأخبار حجة من باب الموضوعية والتعبد كما في الاصول فلا بدّ حينئذ من ثبوت الخبرية واثره له بنفسه كي يترتب عليه ؛ وعرفت عدم تمامية الجهتين.

ص: 120


1- في الاصل المخطوط ( توقف ).
2- هو الميرزا الآشتياني في بحر الفوائد 1 : 152 عند التعليق على قول الشيخ ( فرائد الاصول 1 : 265 ) : « ومنها : ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة ».
3- حكاه الآخوند في درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 114 ، والطبعة الحجرية : 65 - 66.

وأمّا بناء على حجيتها من باب الطريقية الصرفة كما هو التحقيق فيكفي في موضوع وجوب التصديق نفس خبر الشيخ رحمه اللّه وحده مع انتهائه إلى الأثر الشرعي وهو قول الامام علیه السلام ولو بوسائط عديدة ؛ وأنت خبير بأنّ الطريقية إنّما يجدي في الانتهاء إلى الأثر الشرعي ولو بوسائط فيما إذا كانت من اللوازم العقلية أو العادية للخبر الأول ، ولكن الوسائط فيما نحن فيه ليس كذلك كما هو واضح في الأخبار الآحاد.

نعم لو كان اخبار الشيخ عن جماعة يبلغ عددهم التواتر وهذه الجماعة عن جماعة اخرى كذلك إلى أن ينتهي كذلك في جميع الطبقات إلى قول الامام علیه السلام يمكن أن يكون حكمه علیه السلام من الآثار الشرعية للخبر الأول بتوسيط اللوازم العادية بناء على الملازمة بين التواتر ووقوع المخبر به ، كما لا يخفى.

وما ذكرنا هو عمدة ما اورد على الآية من الايراد ، وإلاّ فاورد عليها بأزيد منه كما ذكر في الفرائد (1) إلاّ أنّه لا مهم في الاطناب بالتعرض لها وما عليها.

ثم انّه بناء على الاشكال في دلالة الآية مفهوما فهل يمكن التمسك بمنطوقها على حجية خبر العادل المفيد للظن مطلقا أو الاطمئناني منه ، بل خبر الفاسق إذا حصل أحدهما على طبقه من الخارج بناء على دلالتها على عدم الاعتناء به بنفسه مطلقا أم لا؟ وجهان :

من كون التبيّن من الإبانة الظاهرة في تحصيل العلم ، مؤيّدا بظهور الجهالة في العلة في مطلق ما وراء العلم الشامل لمطلق الظن.

ومن ظهوره بصيغته عرفا في مطلق الظهور ، ويؤيّده ظهور الآية في اشتراط العمل بخبر الفاسق بالتبيّن وإلاّ فمع حمله على تحصيل العلم فلا معنى للعمل به

ص: 121


1- فرائد الاصول 1 : 262 - 276.

أصلا.

ومن هنا يعلم ما في كلام الشيخ رحمه اللّه (1) من انّه بناء على حمله على الظن الاطمئناني تكون الآية دالة على حجيته ولو لم يكن معه خبر فاسق أصلا ، لما عرفت من ظهورها في اشتراط العمل به. نعم بناء على حمله على تحصيل العلم كانت في مقام الردع عن خبر الفاسق مطلقا ، كما لا يخفى.

وأمّا ما اورد على حمل التبيّن على الظن من استلزامه التخصيص المستهجن في مورد الآية وهو اخبار الواحد بالموضوعات خصوصا في الارتداد ، ففيه :

انّه بناء على العمل فيها في غير مورد المرافعة بالخبر الواحد مع الظن الاطمئناني من الخارج على طبقه ، فلا اشكال.

وأمّا بناء على اشتراطه بالبيّنة مطلقا ، ففيه : انّه عمل بخبر العادل أيضا لكن مقيدا بانضمامه بالآخر وهو يستلزم التقييد في حجية الخبر في المورد ، والمستهجن إنّما هو عدم العمل فيه بالخبر أصلا ، كما لا يخفى.

وهذا مثل [ ما ] اورد على ذاك الحمل بمخالفته لظهور الجهالة المقابلة له حيث انّه بناء على ظهور التبيّن في الظن الاطمئناني يكون قرينة على حمل الجهالة على العمل على خلاف الاطمئنان ، كما هو الشائع المتبادر عن إطلاقه عليه عرفا ، فلا يعارض ظهور التبيّن فيما ذكرنا.

ومن جملة الآيات : قوله تعالى في سورة براءة : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) . (2) الآية دلت على وجوب التحذر عند إنذار المنذرين ولو لم يحصل العلم ، فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد.

ص: 122


1- فرائد الاصول 1 : 296.
2- سورة التوبة : 122.

والاستدلال بها على ذلك على وجوه :

الأول : انّ لفظة « لعل » بعد عدم دلالته في المقام على الترجي الحقيقي - لاستلزامه الجهل والعجز في حقه تبارك وتعالى - تدل على محبوبية التحذر له تعالى :

امّا على المشهور من كونها مستعملة في الترجي الحقيقي حقيقة ، فبعد انسلاخها عنه فأقرب المجازات إليه هو محبوبية التحذر له تعالى مع حصوله تارة وعدمه اخرى امّا لأجل اختلاف المنذرين ، أو المتحذرين ، أو الانذارات فيشابه الترجي تمام المشابهة.

وأمّا على التحقيق من كونها كنظائرها من الاستفهام والتمني وصيغة الأمر ونحوها مستعملة في معانيها الايقاعية وتكون الصفات الحقيقية منها القائمة بالنفس من جملة الدواعي لاستعمالها غالبا ولو لانسباقها عنها عند الاطلاق ، كما يكون الداعي غيرها اخرى ، فالظاهر المساق من كلمة « لعل » في المقام - بعد القطع بعدم كون الداعي هو الصفة الحقيقية - هو محبوبية التحذر له تعالى أيضا ، فإذا ثبت محبوبيته وحسنه ثبت وجوبه : عقلا ، لما في المعالم (1) من انّه مع قيام المقتضي له وهو الحجة على التكليف يجب وبدونه لا يحسن ولا يجوز بل لا يمكن للقطع بعدم العقاب حينئذ فلا معنى للتحذر ؛ وشرعا ، لعدم الفصل بينهما.

الثاني : انّه إذا ثبت وجوب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة « لو لا » التحضيضية ثبت وجوب الحذر عقلا للزوم لغويته بدونه كما استدل في المسالك (2) على وجوب قبول قول النساء وتصديقهن في العدّة بحرمة الكتمان

ص: 123


1- معالم الدين : 189 - 190.
2- مسالك الافهام 9 : 194.

عليهن بمقتضى قوله تعالى : ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَ ) (1) قضية للزوم اللغوية بدونه.

الثالث : انّ الحذر جعل غاية للانذار الواجب ، وغاية الواجب بمنزلة ذي المقدمة لا يكون إلاّ واجبا عقلا ؛ ثم لو سلمنا عدم الملازمة العقلية فالملازمة العرفية متحققة.

وأمّا الجواب عن الأول : فبأنّ محبوبية الحذر وحسنه :

لو كان للتحذر عن العقاب ولو لاحتماله فهو كما ذكره في المعالم (2) من انّه مع قيام المقتضي له يجب وبدونه لا معنى له ، بل لا يمكن كما عرفت.

وأمّا لو كان لرجاء إدراك المصالح الواقعية الملزمة في الشبهات الوجوبية والتحذر عن الوقوع في المفاسد الواقعية في الشبهات التحريمية - على ما عليه العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الكامنتين في الأفعال - فلا ملازمة بين حسنه العقلي ووجوبه الشرعي كما فيما لم تتم الحجة على التكليف أصلا كما في الشبهات البدوية ، فانّه لا شبهة في حسن الاحتياط فيها مع عدم وجوب التحذر قطعا ؛ وأمّا الملازمة الشرعية فلم يثبت بين مثل هذا الحسن في خبر الواحد ووجوب القبول ، وانّما المسلّم منها فيما إذا كان الحسن مستتبعا للحكم الشرعي ، لا مطلقا.

وأمّا عن الثاني : فبأنّ لزوم لغوية ايجاب الانذار عند عدم وجوب القبول تعبدا مسلّم لو لم يكن له فائدة اخرى ، وهي هاهنا موجودة وهو افشاء الحقّ واظهاره كي يحصل العلم للمتخلفين أو النافرين على اختلاف التفاسير من جهة كثرة النافرين ، أو المتخلفين ، أو الانذارات ، فيتمّ به الحجة عليهم ليهلك من هلك

ص: 124


1- سورة البقرة : 228.
2- معالم الدين : 190.

عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بينة.

وترتب فائدة افشاء الحق وحصول العلم بكلّ واحد من الانذارات يكفي في كونه جزء سبب له ولو لم يحصل منه بنفسه ، مع انّه لو حصل لهم العلم من الخارج من جهة اخرى سابقة فلا يلزم اللغو في ايجاب الانذار أيضا للتنبيه والترغيب إلى امتثال الأحكام بذكر ما يترتب على مخالفتها من الوعيد والعقاب كما هو ديدن الواعظين.

وأمّا عن الثالث : فبأنّ الحكم بالملازمة بين وجوب الغاية مطلقا ووجوب ذيها إذا كان ذكر الغاية في اللفظ بعد احراز الاطلاق بمقدمات الحكمة ، فيتوقف على احراز كون المتكلّم في مقام البيان من جهتها وهو في الآية غير محرز وإنّما المتيقن احرازه بالنسبة إلى النفر والانذار ، لا الحذر ، والمتيقن منه حينئذ ما إذا حصل العلم من قول المنذرين ، مع انّ الظاهر منه في الآية هو صورة حصول العلم حيث انّ التفقه الواجب والانذار المترتب عليه إنّما هو بالامور الواقعية فلا بدّ من كون التحذر بالنسبة إليها أيضا وهو يتوقف على احراز كون المنذر صادقا ، ومع كون انذاره بالحكم الواقعي فينحصر وجوب التحذر على ذلك في صورة العلم.

نعم لا بدّ من كون الغاية غاية لجميع افراد الانذار ولكن أعمّ من أن يكون ذو الغاية تمام السبب بالنسبة إليها ، أو جزئه ، أو تحمل الغاية على الحكمة ولو لم يطرد في الجميع صحيح ، أو غاية لبعضها حتى يكون المذكور غاية بعض الانذارات لا جميعها.

ثم انّه بعد تسليم تمامية الاستدلال قد أورد عليه شيخنا العلامة (1) أعلى اللّه مقامه بما حاصله :

ص: 125


1- فرائد الاصول 1 : 284 - 285.

انّ مفاد الآية وجوب الحذر عند الابلاغ مع التخويف ، بحيث كان التخويف داخلا في اخباره وكان ابلاغه حجة على المنقول اليه بهذه الخصوصية بمقتضى دلالة الآية على حجية الاخبار الانذاري ؛ ومن المعلوم انّ هذا إنّما يتحقق فيما إذا كان تشخيص كون الحكم المخبر به ممّا يتخوّف به أم لا ، بفهم الناقل ، وهذا إنّما هو شأن المجتهد بالنسبة إلى مقلده حيث كان تعيين انّ الحكم ممّا يتخوّف به أم لا بفهمه وبرأيه ، فتدل الآية على حجية الفتوى ، لا ذكر الأخبار بالنسبة إلى المجتهد ممّا كان تعيين الحكم وانّه ممّا يتخوّف به أم لا بفهم المنقول إليه وكان وظيفة الناقل مجرد نقل الألفاظ بحيث يكون انضمام التخويف منه إليها وضع الحجر في جنب الانسان.

ولكن الظاهر : عدم المنافاة بين حجية القول من باب حجية الأخبار وصحة كونه بنحو الانذار والتخويف ، كما يظهر بالمراجعة إلى حال نقلة الفتاوى بالنسبة إلى المقلدين ، مع وضوح انّهم غالبا ينقلونها بنحو يشتمل على التخويف ويصدق عليهم انّهم منذرين وعلى أخبارهم الانذار.

ومن المعلوم انّ حال المتفقهين المطلعين برأي الامام علیه السلام بالنسبة إلى النافرين أو المتخلفين حال نقلة الفتاوى في صدق كونهم منذرين إذا أخبروا بها بنحو الانذار مع عدم حجية رأيهم للمنقول إليهم ، كما إذا أخبروا كذلك عن موافقة منهم فيكون الناقل للإخبار بنحو الانذار حجة بمقتضى الآية ، وبضميمة عدم الفصل يكون دليلا على تمام المدّعى من حجية الاخبار مطلقا ولو بغير الانذار في جميع الأحكام ولو في غير ما ينذر به من غير الوجوب والحرمة.

ومن جملة الآيات التي استدل بها على حجية أخبار الآحاد قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ

ص: 126

أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) . (1)

وتقريب الاستدلال كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه نظير ما مرّ في آية النفر : من انّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول ، للزوم اللغوية بدونه ؛ وقد أجاب : بما مر في آية النفر من عدم التعرض فيها لوجوب القبول مطلقا ولو لم يحصل العلم ؛ أو ظهورها في خصوص صورة حصول العلم.

ولا يخفى انّ ما مرّ من الجوابين في آية النفر إنّما كان بالنسبة إلى الاستدلال بذكر الغاية لفظا فانّه يجاب حينئذ بعدم الاستكشاف من اللفظ أزيد من ذلك ، وما نحن فيه إنّما كان بالنسبة إلى الاستدلال باستكشاف اللغوية لحرمة الكتمان بدون وجوب القبول بحكم العقل ؛ ومن المعلوم انّه لا إهمال في حكم العقل ولا تخصيص بعد تسليم الملازمة ولزوم محذور اللغوية لولاه.

فالأولى الجواب : بعدم تسليم الملازمة لعدم انحصار الفائدة في وجوب القبول تعبدا ، بل الفائدة هو افشاء الحقّ وإظهاره بكثرة المخبرين كي يحصل للمنقول إليهم العلم بذلك فتتمّ الحجة بذلك عليهم ، كما كان الجواب ذلك في آية النفر بناء على الاستدلال بها بلزوم اللغوية.

ويشهد لذلك فيما نحن فيه ورود الآية في كتمان علماء اليهود علامات النبي صلی اللّه علیه و آله ، ومن المعلوم انّه لا يكتفى فيها بالظن بل المطلوب هو تحصيل العلم.

ومن جملة الآيات التي استدل بها على حجية الخبر قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) . (2)

وتقريب الاستدلال بها : ما مرّ في آية الكتمان.

والجواب عنها : انّ المتبادر من هذه العبارة في المتعارف هو وجوب تحصيل

ص: 127


1- سورة البقرة : 159.
2- سورة النحل : 43 ؛ سورة الانبياء : 7.

العلم ويكون مفادها : « ان كنت لا تعلم فاسأل أهل الذكر حتى تعلم » لا حتى تعمل به بعد السؤال تعبدا ، ولا أقل من الاهمال المقتصر فيه على المتيقن.

وقد أورد على الاستدلال بها الشيخ قدس سره (1) ، بعد تسليم دلالتها على وجوب القبول تعبدا بعد السؤال : بأنّ المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم بشيء ولو من سماع لفظ الرواية من الامام علیه السلام حيث انّ المطّلع على شيء من طريق السمع أو البصر لا يقال انّه من أهل العلم به بل يقال أهل العلم شيء إذا كان العلم به محتاجا إلى اعمال رويّة وفكر بحيث لم يكن كلّ الناس بالنسبة إليه على السويّة بل كان لبعضهم مزيد اختصاص به ، فالمناسب الاستدلال بالآية على حجية الفتوى لا على نقل الأخبار بحيث لم يكن المطلوب فيه إلاّ سماع اللفظ من الامام علیه السلام .

وفيه : انّ بعض الرواة من أمثال زرارة ومحمد بن مسلم المطلعين على آراء الامام علیه السلام يصدق عليهم انّهم أهل العلم بآرائه علیه السلام ، مع انّه لا يصدر منهم إعمال رويّة إلاّ مجرد فهم ظهور الفاظه علیه السلام على طريقة مخاطبة أهل العرف ، كما يصدق ذلك على نقلة الفتاوى المطلعين بآراء المجتهدين ، وحينئذ يصدق على الرجوع إليهم والسؤال عنهم من رأي الامام علیه السلام انّه سؤال من أهل العلم ولو كان السائل أفقه منهم بحيث يكون الرجوع إليهم لمجرد اطّلاعه على رأيه علیه السلام لا من جهة السؤال من فتواه ، فحينئذ يجب العمل بنقلهم رأيه علیه السلام تعبدا بمقتضى دلالة الآية ، ويتمّ في الباقي من الرجوع إليهم لاستماع لفظ الرواية وإلى غيرهم ممّن لا يصدق عليهم أهل العلم وإلى غير المسبوق منهم بالسؤال بضميمة عدم القول بالفصل.

ومن جملة الآيات قوله تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ

ص: 128


1- فرائد الاصول 1 : 290 « وثالثا ».

قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (1) مدح اللّه رسوله صلی اللّه علیه و آله بتصديقه للمؤمنين بل قرنه بتصديقه صلی اللّه علیه و آله به تعالى ، فيدل على حسن التصديق للمؤمن ، وإذا كان حسنا فيكون واجبا كما عرفت.

ولكن يرد عليه :

أولا : بأنّ المراد بالاذن كونه صلی اللّه علیه و آله سريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع به ، أي يبرز نفسه صورة سريع الاعتقاد بقول المؤمنين لحسن الظن بهم وعدم اتهامهم ولو لم يعمل بقولهم كما في مورد الآية كما لا يخفى ، فيدل على مدح من كان كذلك ، فلا دلالة [ لها ] على وجوب [ تصديق ] قول الغير تعبدا بحيث يجب عليه ترتيب الآثار ولو لم يحصل العلم.

وثانيا : بأنّه على تقدير تسليم حمل الآية على تصديق قول الغير تعبدا ولو لم يحصل منه العلم فالأحسن المناسب لموردها التبعيض في الآثار بالاقتصار بترتيب ما كان منها نفعا للمؤمنين جميعا لا أزيد بقرينة كلمة « اللام » في الآية ، كما انّه صلی اللّه علیه و آله صدّق اللّه تعالى بقول مطلق وصدّق النمّام بأن لم يحدّه ولم يهنه وإلاّ فكيف يصير التصديق المطلق في مقابل قوله تعالى.

ويشهد على ما ذكرنا قوله علیه السلام : « يا أبا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انّه قال قولا وقال لم أقله فصدّقه وكذّبهم » (2) حيث انّ الحكم بتصديق الواحد في مقابل قول خمسين قسامة وتكذيبهم لا يكون إلاّ بترتيب ما ينفعه من الأثر ولا يضرّهم وهو مجرد عدم اتهامه وعدم تحديده (3) حيث

ص: 129


1- سورة التوبة : 61.
2- وسائل الشيعة 8 : 609 الباب 157 من ابواب العشرة ، الحديث 4 ، لكن فيه « يا محمد » ؛ الكافي 8 : 147 الحديث 125.
3- الظاهر انه بمعنى عدم اجراء الحدّ الشرعي للكذب على الكاذب.

انّه ينفعه ولا يضرّهم لا انّ المراد ترتيب جميع آثار الصدق على قوله ولو كان مضرا عليهم كما لا يخفى ذلك من ملاحظة سياق الرواية مع استلزام التصديق كذلك الترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح.

ويؤيّد ما ذكرنا من حمل التصديق في الآية على التبعيض في الآثار استدلال أبي عبد اللّه علیه السلام بها في قصة ابنه اسماعيل بعد تسليمه دنانيره إلى رجل من قريش خرج إلى اليمن للتجارة مع قول الناس لاسماعيل بكون الرجل شارب الخمر فانّ تهديد الامام علیه السلام بعدم تصديقهم أو أمره به ليس إلاّ مجرد عدم استيمانه له المستلزم لتصديقهم في بعض الآثار النافع بحاله غير المضرّ بحال أحد ، كما لا يخفى.

وما ذكرنا هو الظاهر من هذه الروايات الواردة بلسان التصديق ؛ وبناء عليه فلا دلالة لها ولا للآية على حجية الخبر الواحد المطلوب فيه ترتيب جميع الآثار ، لا ما ذكره شيخنا العلامة (1) أعلى اللّه مقامه في الجواب من حملها على ما ورد في حمل فعل المسلم على الصحيح أي على الجائز لا على المحرم ، حيث انّه لا يستلزم ذاك الحمل التصديق ولو في بعض الآثار لكونه أعمّ من وجه بالنسبة إليه لكون الكذب جائزا حسنا بل واجبا في بعض الاحيان والصدق حراما كذلك ايضا ، فالحمل على الجائز غير الحمل على الصدق ولو بنحو التبعيض في الآثار كما هو واضح.

ومن جملة الأدلة على حجية خبر الواحد : السنّة ، وهي على طوائف :

منها : ما دل على حجية الخبر مطلقا بظاهر اللفظ أو بفحواه مثل قول الحجة

ص: 130


1- فرائد الاصول 1 : 295.

عجّل اللّه فرجه لاسحاق بن يعقوب : « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم .... الخ ». (1) ومثل قوله علیه السلام : « إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنّا فانظروا إلى ما رووه عن علي علیه السلام ». (2) وقوله علیه السلام للراوي : « اكتب وبثّ علمك .... فانّه يأتي زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم » (3) ؛ إلى غير ذلك من الروايات المشتركة مع ما ذكر في الدلالة على حجية الخبر مطلقا.

[ و ] منها : ما دل على حجية قول الثقة ، مثل ما ورد في الخبرين المتعارضين من الأخذ بالأوثق مثل قوله علیه السلام في رواية المغيرة : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم ». (4) ومثل قوله علیه السلام في رواية اخرى : « خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك » (5) بحيث يظهر منه أنّ الوثوق وحده كاف في أصل الحجية والترجيح ؛ وهكذا غيرها من الأخبار.

ومنها : ما دل على حجية قول الموثق العدل مثل قوله علیه السلام في الرواية المذكورة : « خذ بأعدلهما عندك ». ومثل بعض الروايات الحاكمة إلى ارجاع بعض الرواة إلى آحاد أصحابهم العدول الموثقين ، مثل إرجاعه علیه السلام إلى زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وزكريا بن آدم.

نعم بعض الأخبار تدل على حجية قول من كان فوق العدالة مثل :

ما ورد في العمري وابنه الذين كانا من النواب والسفراء مثل ما في الكافي عن أحمد بن اسحاق قال : سألت أبا الحسن علیه السلام وقلت له : من اعامل؟ أو عمّن

ص: 131


1- وسائل الشيعة 18 : 101 الباب 11 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 18 : 64 الباب 8 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 47.
3- وسائل الشيعة 18 : 59 الباب 8 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 18.
4- وسائل الشيعة 18 : 87 الباب 9 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 41.
5- عوالي اللآلي 4 : 133 الحديث 2 ؛ بحار الانوار 2 : 245 الباب 29 الحديث 57.

آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له : « العمري ثقة فما أدّى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك فعني يقول فاسمع له وأطع فانّه الثقة المأمون ». (1)

وعنه أيضا انّه سأل أبا محمد عن مثل ذلك فقال له : « العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فانّهما الثقتان المأمونان » الخ. (2)

ومثل ما في تفسير العسكري عن الصادق علیه السلام في جواب السائل عن الفرق بين علماء اليهود وعلماء الامّة بعد ذمّ العالم الفاسق وعدم جواز العمل بقوله فقال علیه السلام « .... فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم » (3) الخ ، وظاهره وان كان في الفتوى إلاّ أنّ الانصاف شموله للرواية أيضا كما يظهر من ملاحظة صدرها وذيلها ؛ إلى غير ذلك من الروايات.

ثم انّ هذه الطوائف :

وان كان كلّ واحد منها بنفسه خبرا واحدا غير صالح للاستدلال به على حجية خبر الواحد ولم يكن المجموع منها متواترا لفظيا كما هو واضح ولا معنويا بالنسبة إلى الجامع بينها لعدم كونه مقصودا بالإخبار بحيث كان الإخبار به مقصودا على حدة ولو انتفت الخصوصية : من التعارض في بعض ، وكون المخبر ثقة في بعض ، والارجاع إلى خصوص بعض الرواة في بعض كما هو شرط التواتر المعنوي كما في الإخبار بغزوات أمير المؤمنين علیه السلام المشتركة في الإخبار

ص: 132


1- الكافي 1 : 330 باب في تسمية من رآه علیه السلام ، الحديث 1.
2- الكافي 1 : 330 باب في تسمية من رآه علیه السلام ، الحديث 1.
3- تفسير العسكري (عليه السلام) : 299 - 300 / 143 ؛ وسائل الشيعة 18 : 95 الباب 10 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 20.

بشجاعته الجامعة ولو انتفت الخصوصيات ، وكما في الكنايات الدالة على جود المخبر عنه مثل : زيد « مهزول الفصل » و « جبان الكلب » ونحوهما ولو انتفت الخصوصيات أيضا.

إلاّ أنّها متواترة اجمالا بمعنى انّه يعلم اجمالا بصدق بعض منها وعدم كذب الجميع الناشئ من كثرتها الموجبة للعلم المذكور عادة.

ولازم ذلك أن يؤخذ بأخصّ الطوائف مضمونا ، لكونه متيقنا من حيث المضمون ، فيؤخذ فيما نحن فيه بالطائفة الدالة على حجية خبر العادل الموثوق الصدور ، وبعده فيلحظ : فان كان الباقي بالغا في الكثرة حدّا يعلم بعدم كذب الجميع أيضا فيؤخذ بأخص ما بقي منها مضمونا ، وهكذا إلى أن لم يكن علم عادة بصدق البعض.

كما لا يبعد أن تكون الطائفة الدالة على حجية الخبر الموثق معلوم الصدق مضمونا فيؤخذ بها أيضا فيكون الخبر الموثوق بصدوره حجة وان لم يكن الوثوق من جهة صدق الراوي بل من جهة اخرى ، من : اشتهاره بين الأصحاب ، ووجوده في أسانيد عديدة ، وكونه معمولا به عند بعض ، إلى غير ذلك من أسباب الوثوق.

ويمكن التعدي إلى مطلق الخبر الموثق من جهة اخرى أيضا : بأن قامت الطائفة الاولى على حجية خبر كان كذلك ، ومن المعلوم كفاية الخبر الموثق في الفقه بحيث لا يحتاج إلى اعمال مقدمات الانسداد بعد ذلك.

ومن جملة الادلة على الحجية الاجماع ؛ وتقريره من وجوه : بعضها في مقابل قول السيّد بالمنع (1) وهو على وجهين :

ص: 133


1- الذريعة الى اصول الشريعة 2 : 539 و 541 ؛ رسائل المرتضى 1 : 51 و 3 : 313 ؛ وقد اشبع الكلام حول - خبر الواحد في المسائل التبانيات من رسائل المرتضى 1 : 21 - 96.

الاول : تتبع أقوال العلماء وفتاويهم من زماننا هذا إلى زمان الشيخ قدس سره فيحصل القطع برضاء المعصوم علیه السلام ؛ أو عن وجود نص معتبر عليه ، ولا اعتناء في ذلك بمخالفة السيّد وأتباعه امّا لكونهم معلومي النسب ، وامّا للاطّلاع على حصول الشبهة كما ذكره العلامة رحمه اللّه . (1)

والثاني : تتبع الاجماعات المنقولة كما ذكره شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه في الفرائد (2) فراجع.

ولكن الظاهر عدم تمامية التمسك بهذين الوجهين.

أمّا الاول : ففيه : - مضافا (3) إلى عدم تحصيل اتفاقهم على حجية قسم من الخبر عموما ولا خصوصا بل ذهب كل منهم إلى حجية قسم خاص منه فبعضهم على حجية الخبر الموثق وبعضهم على اعتبار العدالة في الرواة إلى غير ذلك بحيث لا يكشف ذلك عن اتفاقهم على جامع حيث انّ القائل بحجية قول الثقة مثلا لو اخذت خصوصية الثقة عنه لا يقول بحجية الخبر لا أعمّ منه ولا أخصّ منه بل يكون حينئذ من النافين وكذا القائل بحجية مطلق الخبر بالنسبة إلى ذهاب العموم عن يده - انّه على فرض التسليم يكون ذلك تحصيلا لفتاوى العلماء وحدسياتهم - في مقابل السيّد رحمه اللّه وأتباعه - على الحجية ؛ ومجرد الاتفاق على الفتوى على أمر مع احتمال التمسك في ذلك بل التصريح من بعض بما ذكر من الادلة لا يكشف عن دليل قطعي أو عن التلقّي عن المعصوم علیه السلام كما في فتاوى العلماء في سائر المسائل.

وأمّا الثاني : ففيه : مضافا إلى ما ذكرنا في الوجه [ الاول ] ؛ انّ عدد الناقلين

ص: 134


1- نهاية الوصول 3 : 403.
2- فرائد الاصول 1 : 311.
3- جملة معترضة طويلة.

ان لم يكن بقدر التواتر فلا يصح التمسك به على حجية خبر الواحد ، وان كان فكذلك أيضا ، لكون النقل منهم سواء كان راجعا إلى نقل الكاشف أو المنكشف إنّما يكون حدسيا فلا يكون حجة ولو بناء على حجية الخبر عن الحس مع وجود ما يمنع عن استكشاف الدليل القطعي من الاتفاق من الآيات والسنة.

الثالث : أن يدّعى الاجماع العملي من العلماء بل من كافة المسلمين على العمل بخبر الثقة في امورهم الشرعية ، كما في نقل الزوج فتاوى المجتهد بالنسبة إلى الزوجة ، واخبار الوكيل فيما وكّل فيه ، ونقل العالم بالفتاوى بالنسبة إلى المقلدين.

بل السيّد رحمه اللّه داخل في هذا الاجماع في مثل زماننا هذا وشبهه ممّا انسدّ فيه باب العلم حيث أجاب بعد الاعتراض على نفسه بأنّه إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد فعلى أي شيء تعولون في الفقه كله بما حاصله :

انّ معظم الفقه يعلم بالضرورة والاجماع والأخبار العلمية وما يبقى من المسائل الخلافية يرجع فيها إلى التخيير ، فانه يعلم منه انّه على فرض الانسداد لا بأس بالعمل به كما اعترف به على ما حكي عنه في المعالم. (1)

ولكنه يرد على هذا الوجه على فرض تسليمه مضافا إلى ما ذكرنا في الوجهين الأوّلين : انّ العمل غير معلوم الوجه لو لم يدّع انّه من جهة كونهم من العقلاء لو كانت طريقتهم على ذلك ، ومعه فلا يعدّ وجها على حدة ، وبدونه فلا وجه للطريقة العقلائية.

الرابع : استقرار طريقة العقلاء وديدنهم على الرجوع إلى خبر الثقة في امورهم العادية ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد ، وهذه الطريقة كانت

ص: 135


1- معالم الدين : 196.

مأخوذة عندهم خلفا عن سلف سواء كان الوثوق من جهة الراوي أو من جهات اخرى إلى الأديان السالفة والشرائع الخالية وكانت مستمرة إلى زمان النبي صلی اللّه علیه و آله وأوصيائه المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين وكان أصحابهم [ جارين ] (1) على ذلك بمرأى منهم ، فلولا رضاهم علیهم السلام على ذلك مع كونه العمدة والاساس لاثبات الأحكام الفرعية الالهية وعدم المانع من تقية ونحوها في إظهاره لكان عليهم - لئلاّ يلزم نقض الغرض - ردعهم عنها ، ولو كان لبان ، لتوفر الداعي إلى نقله لكون الحاجة إليه ثابتة في اليوم والليلة في إطاعة الأحكام بل في الامور العادية ، فحيث لا نقل فلا ردع ، فيكشف ذلك عن رضاهم علیهم السلام عليها.

فان قلت : يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة والأخبار المتظافرة المانعة عن العمل بما عدى العلم مثل قوله تعالى : ( لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (2) ( وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (3) و ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (4) إلى غير ذلك.

قلت :

أولا : انّ هذه الآيات إنّما وردت في قبال المشركين غير المتدينين بهذه الشريعة الآخذين بدين آبائهم كما حكى اللّه عنهم بقوله تعالى : ( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (5) ومن المعلوم انّ المناسب بحالهم حمل النهي على الارشاد إلى ما هو طريقة العقلاء من عدم صلاحية الظن غير الجاري

ص: 136


1- في الاصل المخطوط ( جارية ).
2- سورة الاسراء : 36.
3- سورة يونس : 36.
4- سورة الانعام : 116.
5- سورة الزخرف : 23.

عليه الطريقة للاستناد إليه والعمل به كما في الاصول وخبر غير الثقة لا حمله على الردع عن مولوية ، كي يشمل الظن الجاري عليه الطريقة المستمرة.

وثانيا : انّه على تقدير حمله على المولوي انّ المحتمل بل الظاهر كونه نهيا تشريعيا دالا على حرمة استناد المظنون بالظن غير المعتبر إليه تعالى ، فيتوقف على كون الظن مع قطع النظر عنه منهيا عنه وغير حجة ، فلا يشمل مثل الموثق القائم على حجيته السيرة إلاّ أن يستكشف من الاطلاق كون جميع الظنون غير حجة كما في استكشاف عدم كون صلاة الحائض عبادة مقربة من قوله علیه السلام : « دعي الصلاة أيام اقرائك » (1) ، إلاّ أنّ منع الاطلاق بناء عليه أظهر.

وثالثا : انّه على فرض تسليم كون النهي مولويا دالا على حرمة العمل بما عدى العلم ذاتيا يكون منع الاطلاق لعدم احراز مقام البيان ، أو لدعوى الانصراف إلى النهي عن الظن في الاصول أو غير الموثق والظنون القياسية ، أو دعوى كونهما القدر المتيقن من الاطلاق في التخاطب بحيث لا ينسبق إلى الذهن غيرهما من الظنون المعتبرة كما هو كذلك في الظواهر ، بمكان من الامكان.

ورابعا : على فرض تسليم الاطلاق عن العمل بما وراء العلم مطلقا ؛ انّه لا تصلح الاطلاقات الناهية عن ذلك للردع عن الخبر الموثق القائم عليه السيرة إلاّ على وجه دائر. توضيحه يحتاج إلى بيان أمرين :

الأول : انّ حجية الاطلاق فعلا حتى في النهي عن غير الموثق يتوقف على عدم المقيد على خلافه وإلاّ فيكون المقيّد مقدما عليه.

الثاني : انّ السيرة المستمرة من الشرائع السابقة إلى زمان النبي صلی اللّه علیه و آله ومنه إلى زمان نزول الآيات الناهية كانت ممضاة وحجة ولم يكن ردع عنها من غيرها

ص: 137


1- وسائل الشيعة 2 : 546 الباب 7 من ابواب الحيض ، الحديث 2.

وإذا كان كذلك فحجية مثل هذه السيرة الممضاة بعد ذلك لا يحتاج إلى عدم ردع عنها واقعا بل يكفي في العمل بها عدم قيام حجة صالحة للردع عنها وان استكشف منه ذلك بالإن وإذا لم يقم ذلك فيصلح لتقييد المطلقات الناهية لخصوصيتها في الخبر.

إذا عرفت [ ذلك ] : تعلم انّ السيرة في المقام صالحة للتقييد بمجرد عدم ثبوت ردع عنها في مقام الاثبات بلا توقف على شيء آخر. وأمّا حجية الاطلاقات في قبالها يتوقف على عدم حجية السيرة وإلاّ فيقدم عليها وعدم حجيتها يتوقف على الردع عنها وحيث انّه لا رادع [ آخر ] (1) غير الاطلاقات فلو ثبت الردع بها للزم الدور. نعم كانت حجة مطلقا ولو لم يثبت الردع عن السيرة لكان لها وجه إلاّ انّه خلاف الواقع وامّا معه فلا يكون حجة إلاّ على وجه دائر كما عرفت ، وإذا لم يكن حجة فيثبت ما تتوقف عليه حجية السيرة من عدم حجّة قائمة على الردع فيقيد بها الاطلاقات.

وتوهّم الدور في العكس : بأنّ حجية السيرة تتوقف على عدم حجية الاطلاق واثباته بها مستلزم للدور ، مدفوع :

بأنّ ثبوت التقييد بها يكفي فيه عدم اثبات حجة على خلافها وعرفت عدم كون الاطلاق حجة قائمة إلاّ على وجه دائر فيحصل ما يتوقف عليه السيرة دون الاطلاق ولو عند ملاحظتهما معا وتعارضهما. نعم لو كانت حجية السيرة متوقفة على عدم الردع عنها واقعا فيشكل العمل بها مع مثل هذا الاطلاق الاّ انه غير صحيح.

الرابع : دليل العقل ، وهو من وجوه : يختص بعضها باثبات حجية الخبر

ص: 138


1- في الاصل المخطوط ( اخرى ).

وحده ، وبعضها يثبت حجية الظن مطلقا أو في الجملة فيدخل فيه الخبر.

أمّا الاول : فتقريره من وجوه :

الاول : ما اعتمد عليه الشيخ المرتضى الأنصاري قدس سره القدّوسي. (1)

وحاصله : انّ من تتبع أحوال الرواة في كيفية نقلهم للروايات ، ولاحظ حال أرباب الكتب من المشايخ الثلاثة وغيرهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم ، وعدم الاكتفاء بأخذ الرواية من كتاب ، وايداعها في تصانيفهم حذرا من كون ذلك مدسوسا فيه من بعض الكذّابين ، وانحصار روايتهم عن طريق السماع لا عن كل من يسمعونها عنه بل عمّن يثقون به بأسباب الوثوق إذا كان ناقلا عن الموثوق به أيضا وإلاّ فلا يعتنون بنقل الموثّق إذا لم يكن جميع الوسائط إلى الانتهاء إليهم علیهم السلام موثوقا به أيضا حتى أنّهم يتركون روايات من عمل بالقياس كروايات الاسكافي ومن عدل عن الحق وان كان إماميا في حال سماع الرواية ونقلها حتى أذن لهم الإمام علیه السلام أو نائبه ككتب بني فضّال المأذون فيها من العسكري علیه السلام وكتب أبي عذافر المأذون فيها من الشيخ أبي القاسم بن روح هذا ، مع كون بعض الرواة المبتنية عليهم قوام الدين كما ورد في شأن جماعة منهم « لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست » (2) إلى غير ذلك من أسباب الوثوق ، يحصل (3) له الجزم بصدور غالب الروايات التي فيما بأيدينا من الكتب الأربعة وغيرها ؛ ولازمه وجوب العمل بكل خبر مثبت للتكليف وناف له إذا لم يكن مخالفا للأصل ، والاحتياط لازم في المسألة.

ص: 139


1- فرائد الاصول 1 : 351.
2- وسائل الشيعة 18 : 103 الباب 11 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 14. والمصنف نقل الحديث هكذا : « لولاهم لاندرست آثار النبوة ».
3- خبر « انّ » في اول المقطع.

هذا لو لم يلزم من العمل بالجميع محذور العسر وإلاّ فيجري فيه تبعيض الاحتياط أو العمل بمظنون الصدور على التفصيل الآتي في دليل الانسداد لا العمل بمظنون الصدور أقلا كما عن الشيخ رحمه اللّه (1) ولذا قد أضرب عنه فراجع.

وقد أجاب عنه الشيخ رحمه اللّه (2) : بأنّ امتثال هذا العلم الاجمالي من جهة وجوب امتثال أحكام اللّه الواقعية المدلول عليها بتلك الأخبار فالعمل بقول الإمام علیه السلام حينئذ من جهة كشفه عنها ، ومن المعلوم انّ العلم الاجمالي بها في ضمن الأخبار منطو في العلم الاجمالي الكبير منها بين الأخبار وسائر الأمارات ؛ والقرينة على هذا العلم انّه مع اخراج ما ينحلّ به العلم الاجمالي في خصوص الأخبار منها يبقى علم اجمالي بالأحكام أيضا بين الباقي منها وسائر الأمارات ، وبانضمام سائر مقدمات الانسداد من تعسّر الاحتياط أو تعذّره وخروج المخالفة القطعية بالرجوع إلى أصالة البراءة وعدم إمكان الاحتياط أو عدم وجوبه يرجع إلى دليل الانسداد المنتج لحجية الظن أو لتبعيض الاحتياط على ما يأتي ان شاء اللّه.

ولكنه يمكن الدفع : بأنّ العلم الاجمالي إنّما يكون منجّزا وواجب العمل إذا لم ينحل بالمصادفة بنفس المعلوم بالاجمال أو بما يحتمل الانطباق عليه ولم يكن الباقي من المعلوم بالاجمال بعد المصادفة بمقدار منه دائرا بين أطراف غير محصورة ؛ وكلّ منها ممنوع في المقام.

أمّا أولا فلا يبعد دعوى كون الأحكام الواقعية بين خصوص الأخبار بمقدار المعلوم بالاجمال منها بين جميع الأمارات وبقاء العلم الاجمالي بعد الاخراج المذكور على فرض التسليم لا يثمر لاحتمال موافقة المعلوم بالاجمال بينها مع

ص: 140


1- فرائد الاصول 1 : 357.
2- فرائد الاصول 1 : 357 « والجواب عنه اولا ».

المعلوم بالاجمال بين خصوص الأخبار.

وأمّا ثانيا : فعلى تقدير عدم كون المعلوم بالاجمال بين الأحكام في خصوص الأخبار بقدر المعلوم بالاجمال بين الجميع إلاّ انّ دعوى كون الاخبار الصادرة من الأئمّة علیهم السلام المتصدّية للحكم الفعلي أعمّ من الواقعية والظاهرية أو الأخبار المعتبرة بينها كذلك بقدر المعلوم بالاجمال من الأحكام الواقعية بين الجميع قريبة جدّا ولا اشكال في حجيته الفعلية ولو لم يكن الحكم واقعيا ومن المعلوم انّ احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ذلك كاف في انحلاله وعدم تأثيره في غير الأخبار كما لو كان معلوم الحرمة من شرب مقدار من الاناء بقدر المعلوم بالاجمال من الخمر بين الاناء.

وأمّا ثالثا : فعلى تقدير تسليم عدم الانحلال لكن الباقي دائر بين أطراف غير محصورة فغير مؤثّر في الحكم أصلا ، كما لا يخفى.

وممّا ذكرناه ثانيا قد ظهر : انّ مقتضى هذا العلم الاجمالي الاحتياط في الأخبار بالعمل بالمثبتة منها للتكليف جميعا وبالنافية منها له لو لم يخالف الأصل المثبت وان كان أصل مثبت على خلافها فلما كان علم اجمالي بنقض بعض الاصول المثبتة للعلم بصدق بعض الأخبار النافية كذلك ، فيثبت جواز العمل على طبق الأخبار النافية على عدم المقتضي للاصول في أطراف العلم الاجمالي مطلقا ؛ وأمّا بناء على وجود المقتضي لها فيها وكون المانع عنها العلم بالتكليف فلا يجوز العمل بالأخبار النافية بل المتعيّن العمل بالاصول المثبتة حينئذ.

وعلى أيّ حال : فالعمل بالأخبار المثبتة بمقتضى العلم الاجمالي بصدور الأخبار الكثيرة أو المعتبرة بينها الوافية بالفقه لا مناص عنه ، ولا يلزم منه العسر والحرج لكثرة توافق الأخبار المثبتة ووفور النافية منها ولا ينجرّ الأمر إلى العمل

ص: 141

بالمظنون الصدور منها من حيث المضمون كما أورده عليه الشيخ رحمه اللّه ثانيا. (1) وأمّا الأخبار النافية فقد عرفت صورة جواز العمل على طبقها عن غيرها. وأمّا حجيتها بحيث يخصص فيها مطلقا بها العموم أو يقيد بها الاطلاق فلا يثبت في صورة العلم الاجمالي. وأمّا وجوب العمل بها فليس فيها مطلقا حتى في صورة العلم بها تفصيلا.

ومن هنا ظهر : انّ ما أورده قدس سره ثالثا من عدم ثبوت حجية الأخبار النافية بالعلم الاجمالي فيصح دون ما أورده فيه من عدم ثبوت وجوب العمل بها ، لكونه مشتركا بين صورة العلم الاجمالي والتفصيلي كما عرفت.

الثاني من دليل العقل : ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر ، بوجوه : قال : « الأول انّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة سيّما بالاصول الضرورية كالصلاة والركوع والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها مع انّ جلّ اجزائها وشرائطها وموانعها إنّما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فإنّما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان » (2) انتهى.

وفيه :

أولا : انّ العلم الاجمالي بالأحكام وبالاجزاء والشرائط إنّما هو في مجموع الأخبار وغيرها من الأمارات لا خصوص الطائفة المشتملة على ما ذكر من الشرائط فلازمه العمل بالجميع ؛ وما ذكرناه من الجواب عن الايراد بالدليل السابق غير متأت هنا حيث انّ العلم بصدور الأخبار بقدر الكفاية أو اعتبار مقدارها هناك

ص: 142


1- فرائد الاصول 1 : 359.
2- الوافية : 159.

موجب للانحلال والعنوان فيما نحن فيه هو الخبر المشتمل على الشرائط المذكورة.

والانصاف انّ المعلوم بالاجمال منه ليس بقدر المعلوم بالاجمال الكبير أو بقدر الكفاية كي يوجب الانحلال.

وثانيا : انّ هذا الدليل لا يثبت به حجية الأخبار النافية للاجزاء والشرائط بحيث تكون هي المعمول بها ولو كان أصل أو عام ومطلق على خلافها.

الثالث : ما ذكره صاحب الحاشية قدس سره . (1)

وحاصله : انّ وجوب العمل بالكتاب والسنّة ثابت بالاجماع بل الضرورة والأخبار المتواترة ، وبقاؤه الينا ثابت أيضا بالأدلة المذكورة وإنّما يكون الخروج عن عهدة هذا التكليف المعين عقلا بأن يرجع إليهما على وجه يحصل العلم منهما أو العلمي بالحكم لو أمكن وإلاّ فعلى وجه يحصل منهما الظن به كما إذا لم يكن الخبر معلوما أو علميا من حيث الصدور. ومراده من السنّة كما هو صريح كلامه : الأخبار الحاكية لقول الإمام علیه السلام أو فعله أو تقريره لانفسها ؛ كما انّ مبنى استدلاله على ثبوت التكليف المذكور وبقائه إلينا بالضرورة لا من جهة العلم الاجمالي بالأحكام الواقعية كي يرجع إلى دليل الانسداد ، ولا من جهة العلم الاجمالي بصدور خصوص الأخبار كي يرجع إلى الدليل الأول ، فلا وجه لا يراد الشيخ رحمه اللّه وتشقيقه بينهما. (2)

نعم يرد عليه :

أولا : بأنّ الاجماع ان كان محققا حتى بالنسبة إلى زماننا هذا ممّا لم يكن فيه الخبر مقطوع الصدور أو الاعتبار فتكون الاخبار حجة بالخصوص تعبدا شرعا فلا وجه لجعل هذا الوجه من الدليل العقلي وإلاّ فلا وجه للتمسك بالاجماع

ص: 143


1- هداية المسترشدين 3 : 373 « السادس » ؛ الطبعة الحجرية : 397 السطر 28.
2- فرائد الاصول 1 : 363.

والضرورة لانعقادهما في الأخبار القطعية صدورا أو اعتبارا لا في مثل هذه الأخبار التي لم تكن قطعيا بوجه أصلا.

وثانيا : بأنّ مقتضى الاجماع على العمل بالسنّة لو كان هو الاقتصار على المتيقن من الأخبار الحاكية المعلوم انعقاده عليه في مثل زمان الانسداد وهو الخبر الصحيح الاعلائي لو كان بقدر الكفاية وإلاّ فيتعدى إلى المتيقن فالمتيقن حتى ينتهي إلى قدر الكفاية ، حيث انّه ممّا يتيقن انعقاد الاجماع على وجوب العمل به لا غيره وان لم يكن متيقن في البين أو لم يكن بقدر الكفاية ولو بانضمام المتيقن الاضافي ، فلا بدّ من الاحتياط بالأخذ بجميع طوائف الأخبار حتى يحصل العلم بالعمل بما انعقد الاجماع على العمل به من طائفة من السنّة حيث انّه ليس مجموع الطوائف ممّا انعقد الاجماع على العمل به وإلاّ فكيف يقتصر على ما يظن منه بالحكم.

وعلى أي حال فحيث انّ مناط الاستدلال على ثبوت التكليف المعيّن وهو وجوب العمل بالسنّة بالاجماع لا على العلم الاجمالي بالحكم الواقعي فمقتضاه هو ما ذكرنا من الأخذ بالمتيقن ممّا يجوز الاستدلال به من الأخبار لو كان وإلاّ فالاحتياط لا للعمل بما يحصل منه الظن بالحكم كما هو مقصود المستدل ، كما لا يخفى.

هذا كله في الادلة العقلية الدالة على حجية خصوص الخبر.

وأمّا الوجه الثاني منها القائم على حجية مطلق الظن بلا خصوصية فيه إلاّ من جهة كونه متيقن الحجية فيما إذا كان مفاد الدليل العقلي حجية الظن في الجملة فهي وجوه :

ص: 144

[ الدليل ] (1) الاول : انّ في مخالفة المجتهد لما ظنه من الوجوب والحرمة مظنّة للضرر ، ودفع الضرر المظنون لازم عقلا.

أمّا الصغرى : فلأنّ الظن بالوجوب والحرمة ظن امّا باستحقاق العقاب على مخالفتهما وامّا بفوت المصلحة الملزمة في الأول ، وتركها امّا مفسدة بنفسه وامّا مثلها في لزوم التحرّز والوقوع في المفسدة اللازمة التحرّز في الثاني بناء على العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.

وأمّا الكبرى ، فلا اشكال فيها عند العقلاء.

واجيب عنه بوجوه :

أحدها : ما عن الحاجبي (2) من منع الكبرى وان الدفع للضرر المظنون يكون حسنا بناء على التحسين والتقبيح العقليين لا واجبا.

وفيه : انّ ملاكات الأحكام العقلية غير منحصرة بالتحسين والتقبيح بل متعددة :

منها : موافقة الغرض والمصلحة ككون قتل زيد العدو مصلحة لعدوه ومفسدة لأحبائه ؛ ولا اشكال في ثبوتهما عند العقل وكونهما ملاكا لحكمه.

ومنها : ملائمة الطبع بحصول الالتذاذ له ومنافرته بوصول الألم عليه ، وكأكل الطعام الموجب لرفع الألم ولحصول اللذة والشرب الموجب للضرر على النفس.

ومنها : الاتصاف بصفة الكمال كالعلم ، أو النقص كالجهل.

ومنها : كون الفعل بحيث يمدح عليه أو يذم عليه شرعا أو عرفا.

وليعلم انّ ما يتوقف عليه باب الملازمة المختلف فيه بين الأشعري وغيرهم

ص: 145


1- أسميناه بالدليل لانه سيأتي من المصنف انه يسمي الثاني والثالث بالدليل.
2- شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب 1 : 163 ؛ منتهى الوصول والامل : 76.

هو هذا الأخير ، بل هو بالحقيقة راجع إلى الثاني ، حيث انّ الداعي على الأفعال الصادرة عن شعور سواء كانت بدواعي عقلية كما في الفعل الصادر عن الانسان عن رويّة وفكر ، أو حسية كما في الفعل الصادر عنه بغير رويّة من العقل بل عن مطلق الحيوان ؛ لا بدّ أن يرجع إلى الملائمات والمنافرات بالنسبة إلى الفاعل بنفسه ، وبعبارة اخرى : إلى الاعراض النفسانية ، فالتحسين والتقبيح العقليين بناء على كونهما ملاكا للعقل انما هما للفرح وللاشمئزاز الحاصلين للعقل.

وإذا عرفت ذلك فاعلم : انّ مسألة الضرر وكونه مناطا لحكم العقل بوجوب الدفع ليست مبتنية على التقبيح العقلي لو لا العكس كما عرفت ، وإذا كان كذلك فكيف يحكم العاقل بكون الاشمئزاز الحاصل من تقبيح العقلاء بناء عليه مناطا لحكم العقل بوجوب الدفع دون الضرر الاخروي وهو الدخول في النار في المقام ، وهل هذا الاّ خلاف بداهة العقل؟ بل الضرورة والوجدان شاهدان بكون الاحتراز عن الضرر فطريا للانسان بل الحيوانات أيضا ، غاية الأمر يكون من منافرات القوة العاقلة تارة ولسائر القوى اخرى فيه وبخصوص سائر القوى فيها ؛ وعلى أي حال فالاحتراز فيه - مقطوعا كان أو مظنونا بل موهوما - مودع في الطبائع ولو لم نقل بالتقبيح العقلي ؛ ولا فرق في الضرر في لزوم الاحتراز عنه عقلا بين كونه اخرويا أو دنيويا.

والأولى الجواب عن هذا الاستدلال :

بأنّ المراد من الضرر لو كان هو العقاب فالصغرى ممنوعة ، لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لعدم كون الظن بمجرده - بلا انضمام علم اجمالي ونحوه إليه كما هو محل الكلام - بيانا عند العقل. نعم بناء على قول البعض من كون الظن كالعلم موجبا لتنجّز التكليف أو احتماله فيكون العقاب محتملا فيجب دفعه عقلا ولا تجري القاعدة المذكورة حينئذ لكونها مع القطع بعدم العقاب ، وبمجرد الاحتمال

ص: 146

ينتفي مجراها ؛ وحيث انّ المراد من البيان فيها عند العقل وعدمه ليس إلاّ عدم الأمن من العقاب ولو احتمالا والأمن منه ، لا البيان النقلي ، كما لا يخفى. ولكن التحقيق استقلال العقل بعدم العقاب مع الظن وعدم تنجيزه الواقع.

وان كان المراد من الضرر هو فوت المصالح والوقوع في المفاسد الكامنة في الأفعال المترتبة عليها قهرا ولا يرتفع بعدم البيان ؛ ومن المعلوم انّ الضرر ولو غير العقاب ممّا يكون بنفسه ملاكا لحكم العقل بلزوم دفعه مظنونا أو محتملا ولا يبتني على التحسين والتقبيح العقليين وان كانا موجودين فيه أيضا. وليعلم انّ التقبيح في الضرر المظنون ممّا لا يستتبع حكما شرعيا ولو على الملازمة ، حيث انّ عنوان مظنون الضرر من العناوين [ الاولية ] (1) التي تدور مدار الواقع وليست بنفسها ممّا يوجب البغض والحب مثل العناوين النفسية كي يتأتّى فيها باب الملازمة ، هذا.

ولكن التحقيق : انّ المصالح والمفاسد في المقام التي تكون ملاكات الأحكام الشرعية ليست من مصاديق الضرر المحكوم عقلا بوجوب دفعه ولو عند القطع بها.

بيانه : انّ المراد من الضرر الضرر الوارد على الفاعل المنافر لطبعه الذي يكون ملاكا لحكم العقل ولو لم يكن عقاب ولا تقبيح وأمّا المفاسد في موضوعات الأحكام فهي بالنسبة إلى النوع غالبا مثل اختلاط الانساب في الزنا مثلا ، ومن المعلوم انّه مع الفراغ عن جهة اخرى غيرها ليس ممّا يدعو الفاعل إلى تركه حتى في صورة القطع فضلا عن غيرها كما كانت مثل كون الهلاكة في السمّ مثلا كذلك. نعم فيها يحترز عنه من جهة التقبيح عليه ولكن في غيرها لا داعي للعقل ، امّا

ص: 147


1- في الاصل المخطوط ( الالية ).

المفسدة فلما عرفت من عدم كونه مناطا للحكم ، وأمّا العقاب فللقطع بعدمه ، وأمّا التقبيح فكذلك للجهل بالعنوان المقبّح مع اعتبار العلم في موضوعه ؛ والحاصل : انّ المصالح والمفاسد في الأحكام ممّا ليست يحكم العقل بلزوم الفعل أو الترك من جهتها كما في غالب الموارد التي اطلع العقل عليها وفي غيرها أيضا كذلك غالبا بالتجريّات التي حصلت من العصاة مثلا وفي الموارد النادرة ممّا يحتمل أن يكون الضرر راجعا إلى شخص الفاعل الذي يكون ملاكا للحكم بنفسه ليس احتماله ممّا يعتني به العقلاء ، وحينئذ فليس الظن بالوجوب والحرمة مستتبعا إلاّ لاحتمال المصلحة والمفسدة غير المعتنى به عند العقلاء.

وحاصل الجواب يرجع إلى منع الصغرى من جهة غير العقاب أيضا فلا يثبت وجوب متابعة الظن عقلا.

ومن هنا ظهر : انّ منع الصغرى من غير جهة العقاب من جهة عدم الضرر في نفسه لا من جهة التدارك بمصلحة اخرى كما في كلام الشيخ قدس سره (1) ؛ ولو تنزّلنا وقلنا بالظن بالضرر فينتقض بالظنون غير المعتبرة من الظن القياسي ونحوه ممّا ليس بحجة وقامت الأمارة أو الأصل على خلافها فانّ في مخالفة تلك الظنون يظنّ بالضرر أيضا.

وما أجاب به الشيخ قدس سره في الفرائد (2) من الالتزام بوجود مصلحة عالية يتدارك بها ما فات من المصلحة الواقعية أو وقع فيه من المفسدة الواقعية ، مدفوع :

بأنّ المصلحة لو كانت في متعلق الأمارة يلزم التصويب ونحوه من الاشكالات الواردة على جعل الحكم على خلاف الواقع ، وان كانت في غيرها فلا يكون ممّا يتدارك بها ضرر المخالفة لعدم كون كلّ منفعة عائدة - على تقدير

ص: 148


1- فرائد الاصول 1 : 109.
2- فرائد الاصول 1 : 109.

التسليم - ممّا يتدارك بها ضرر الوقوع في المفسدة.

والأولى الجواب عن النقض : بعدم القبح في الوقوع على ضرر مخالفة الواقع في موارد الأمارة إذا كان في الأمر بها مصلحة أعظم وأهم من مراعاة الواقع ولو كانت نوعية من مثل التسهيل ونحوه ممّا لم يكن راجعا إلى شخص الفاعل ولا قبح في مثل هذا الضرر لأجل مراعاة الأهم ، كما لا يخفى.

الدليل الثاني : انّ في العمل على خلاف المظنون أو التوقف على العمل به ترجيح للمرجوح على الراجح أو توقف عن ترجيح الراجح وكلاهما وان لم يكونا بمحال - كما في الامور التكوينية المستحيل تحققها بدون العلة التامة - إلاّ انّهما قبيحان فيجب العمل بالظن.

وفيه : انّه كذلك في مقام الدوران ولزوم العمل على أحد الطرفين ، كما لو تعلق الغرض بالواقع ولم يمكن تحصيل العلم به ولم يمكن الاحتياط ولم يجز الرجوع إلى البراءة إلى آخر مقدمات دليل الانسداد لا مطلقا كما هو المطلوب فرجع إلى دليل الانسداد وبدون تلك المقدمات لا يتم الدليل كما لو عمل بالاحتياط أو كان دليل علمي على طرف الموهوم.

الدليل الثالث : ما حكي عن السيد الطباطبائي قدس سره (1) من أنّه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك الاحتياط في المظنونات والمشكوكات والموهومات ؛ إلاّ أنّه لمّا استلزم العسر والحرج الشديدين فيتنزل إلى الظن وترك الاحتياط في غيره ، لعدم صحة التبعيض بغير هذا الوجه.

وفيه : انّه يحتاج تماميته إلى سائر مقدمات الانسداد ، وبدونه لا يكاد يتم ،

ص: 149


1- المنقول انه ذكره في مجلس الدرس. بحر الفوائد 1 : 189 السطر 10.

فلا يكاد يعدّ دليلا على حدة في قباله.

الرابع : دليل الانسداد.

وليعلم انّ عدّه من جملة الادلة العقلية - مع كون بعض مقدماته شرعية كما سيظهر - انّ الحكم الثابت في الموضوع الذي اجتمع فيه المقدمات الآتية يكون عقليا وهو الحكم بوجوب العمل على طبق الظن دون غيره ، لا أن يكون عقليا بمجرد استلزام المقدمات الحكم المذكور وان كان شرعيا ، وإلاّ لكان كل حكم مستفاد من دليل كذلك ؛ فمحصّل الفرق كون النتيجة عقلية في المقام لا مجرد الاستنتاج.

ثم انّ دليل الانسداد مركب من مقدمات خمسة :

الاولى : العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية الكثيرة في غير ما علم بالضرورة والقطع ثبوتها من الدين.

الثانية : انّه لا يجوز الاهمال لنا بالنسبة إليها ، بأن نجعل أنفسنا في غير ما علم بالضرورة والقطع منها ممن لا حكم له أصلا.

الثالثة : انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إليها.

الرابعة : عدم كون طريق الامتثال بالنسبة إليها الطرق المقررة للجاهل من البراءة والاحتياط ؛ والفرق بينها وبين المقدمة الثانية إثبات الفعلية للأحكام فيها وفي الرابعة يثبت التنجّز وتبطل البراءة لأجله.

الخامسة : انّه لا يجوز التنزل إلى الشك والوهم بعد التنزل عن الامتثال العلمي الاجمالي لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

وعند تمامية المقدمات يحكم العقل بوجوب العمل بالظن.

أمّا المقدمة الاولى والثانية : فلا يحتاجان إلى الاثبات لكون كل منهما مبيّنا بنفسه.

ص: 150

وأمّا المقدمة الثالثة : فبالنسبة الى انسداد باب العلم التفصيلي في زماننا هذا فكذلك ؛ وبالنسبة الى العلمي والظن الخاص فهو وان كان يختلف باختلاف الاحوال في حجية خبر الواحد إلاّ انّ الانصاف انّ المستفاد من الادلة السابقة حجية الخبر الموثوق بصدوره ولو للاحتفاف بما يوجب ذلك ، أو من ملاحظة الامور الخارجة وهو في الكتب الموجودة فيما بأيدينا بقدر الكتب ان شاء اللّه ، وعلى تقدير المنع عن ذلك فالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة عنهم علیهم السلام المتصدية للحكم الفعلي بضميمة المعتبرة منها المشتبهة بين الأخبار التي فيما بأيدينا كانت بقدر الكفاية وحينئذ ينحلّ العلم الاجمالي الكبير بالأحكام الواقعية بين جميع الأمارات بالعلم الاجمالي الصغير بالأحكام الفعلية في ما بين الأخبار ، فاللازم مراعاة الثاني بالاحتياط في الأخبار ، أو العمل بالظن بالصادر أو المعتبر منها فلا تصل النوبة إلى مطلق الظن.

وأمّا المقدمة الرابعة : وهي انّه لا تجوز البراءة عن كلّ حكم ولا سائر الاصول المقررة للشاك في كل مسألة على حدة مع عدم ملاحظة الموارد الأخر معها.

وأمّا البراءة : فقد استدل على بطلانها بوجوه :

الاول : الاجماع المدعى في كلام الشيخ قدس سره (1) في المسألة ، قال ما حاصله : انّ المسألة وان لم تكن معنونة في كلام القدماء بل بعض المتأخرين أيضا إلاّ أنّه يحصل القطع من التتبع في طريقتهم انّه ليس مذهبهم اجراء البراءة عن الأحكام في حال الانسداد ، فربّ مسألة غير معنونة يعلم اتفاقهم فيها من ملاحظة كلماتهم في نظائرها.

ص: 151


1- فرائد الاصول 1 : 388.

وفيه : على تقدير تحصيل الاتفاق في المسألة ، انّه ليست المسألة ممّا يتطرق فيه التعبد حيث انّ الكلام فيها في تنجّز التكليف المعلوم بالاجمال وعدمه ، ومن المعلوم انّ مرجع التنجّز وعدمه إلى رفع المعذورية عند العقل وعدمه وهو حكم عقلي صرف ليس للتعبد فيه بمجال ، وعلى تقدير التطرق فلا يستكشف تعبّد عن المعصوم فيه بمجرد الاتّفاق لاحتمال استناده إلى طريق العقل.

الثاني : في انّ الرجوع في جميع الوقائع المشتبهة إلى البراءة مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة المعبّر عنها في لسان جمع من المشايخ بالخروج عن الدين بمعنى انّ المقتصر على التديّن بالمعلومات وترك العمل بغيرها - مع كثرتها وقلة المعلومات - يعدّ خارجا عن الدين وتاركا لشريعة سيد المرسلين ، وهذا أمر يقطع ببطلانه كلّ أحد بعد الالتفات إلى كثرة المجهولات كما لو فرض العياذ باللّه انسداد باب العلم بجميع الأحكام فانّه لا ريب لأحد بطلان البراءة في الجميع وكذا الكثير الملحق به في الحكم.

ويشهد لذلك ملاحظة كلمات الأعلام في هذا المقام من المجوزين لخبر الواحد مثل الشيخ (1) وغيره (2) والمنكرين له مثل السيد (3) وأتباعه (4) فانّه يظهر

ص: 152


1- العدة 1 : 126.
2- وسائل الشيعة 18 : 52 - 75 الباب 8 من ابواب صفات القاضي ، باب العمل باخبار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) المنقولة في الكتب المعتمدة وروايتها وصحتها وثبوتها ؛ يشتمل على 88 حديثا. الحدائق الناضرة 1 :2. 26. هداية الابرار :2. 17. مناهج الاحكام : 167 السطر 18 « المشهور بين اصحابنا اصالة حجية أخبار الآحاد ». المعتبر في شرح المختصر 1 :2. 30. مفاتيح الاصول : 357 « القول في شرائط العمل بخبر الواحد ».
3- الذريعة الى اصول الشريعة 2 : 528 « فصل في اثبات التعبد بخبر الواحد أو نفي ذلك ». رسائل الشريف المرتضى 3 : 309 المسألة 48 في ابطال العمل باخبار الآحاد. و 1 :3. 25 ؛ و 1 : 210 - 211.
4- غنية النزوع 1 : 354 و 356. مجمع البيان 9 : 133 في تفسير الآية 6 من سورة الحجرات « ان جاءكم فاسق بنبإ ». السرائر 1 : 4. الوافية : 158. وكذلك حكاه معالم الدين : 189 عن ابن البراج.

من كلماتهم المحكية في الفرائد (1) التسالم على العمل بالظن على فرض انسداد باب العلم بغالب الأحكام وعدّ تاركه مخالفا لما علم من الشرع خلافه.

وليعلم انّ الخروج من الدين في كلماتهم يحتمل أن يراد منه لزوم الكفر مقابل الايمان باعتبار استلزام اجراء البراءة والالتزام بها انكار ما علم مجيئه من النبي صلی اللّه علیه و آله من غالب الأحكام ولكنه ليس بلازم في المقام ؛ ويحتمل أن يكون المراد انّ اجراء البراءة يستلزم الخروج من الدين من حيث العمل حيث انّ عدم العمل بغالب الأحكام مثل تركه في الجميع في أنّه يعدّ ممن كان خارجا عن الشريعة عملا كمن كان من غير الدين من الملل الاخرى وان لم يكن مثلهم من حيث الاعتقاد.

ولكنه لا يخفى ان عدّ من كان مقتصرا على العمل بالضروريات والقطعيات والاجماعيات والأخبار المتواترة والأدلة المعتبرة من باب الظن الخاص من ظاهر الكتاب وغيره في [ العبادات ] (2) والمعاملات وسائر أبواب الفقه مع الاحتياط فيما علم شرعا الاهتمام به كما في الدماء والفروج ونحوها خارجا عن الدين وتاركا لشريعة سيد المرسلين ممنوع جدا ، وان كان يلزم عليه مخالفة العلم الاجمالي كما في سائر الموارد ؛ وما استشهد به من الكلمات لا تدل على أزيد ممّا عليم بالضرورة من الشرع من محذور مخالفة العلم الاجمالي فراجع.

الثالث : انّه لو سلّمنا انّ الرجوع إلى البراءة لا يوجب محذور الخروج عن الدين إلاّ انّ لزوم محذور مخالفة العلم الاجمالي بنفسه بحاله ولا تجري أدلة البراءة

ص: 153


1- فرائد الاصول 1 : 388 و 390 - 394.
2- في الاصل المخطوط ( المعاملات ).

في أطرافه عقلا فيما كان المعلوم بالاجمال حكما فعليا كما هو المفروض في المقام وجمعا بينها وبين ما دلّ على وجوب الاحتياط بحملها على مورد الشبهة البدوية وحمله على أطراف العلم الاجمالي.

والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق واضح فانّ هذا الوجه لو لم يعدّ محذورا بوجه لكن الوجه السابق لا ريب في كونه محذورا بداهة.

ولكنه لا يخفى انّ تمامية هذا الوجه تبتني على كون العلم الاجمالي كما في غير المقام منجزا للتكليف المتعلق به وذلك إنّما يكون إذا تعلّق بالحكم الفعلي على أي حال ، ومع العلم بالترخيص في بعض الأطراف - كما سيجيء في بطلان الاحتياط الكلام في ذلك - لا علم بتكليف فعلي مطلقا لاحتمال كون المعلوم بالاجمال في ما علم فيه بالترخيص من موهومات التكليف عقلا فيما لو لزم من الاحتياط اختلال النظام وشرعا بالاجماع على عدم كون الطريق في حال الانسداد الاحتياط الكلّي أو بأدلة نفي العسر والحرج في غير ما يختل النظام ، فلا يبقى في البين إلاّ احتمال التكليف الفعلي على فرض كون المعلوم بالاجمال في غير ما علم فيه بالترخيص من مظنونات التكليف ومشكوكاته.

والفرق بين الاضطرار والترخيص المقارنين مع العلم الاجمالي والطاريين عليه : بالتنجّز في الثاني دون الاول ؛ وجعل ما نحن فيه من قبيل الثاني ، لعدم العلم بالترخيص أو الاضطرار من أول الأمر ، مدفوع :

مضافا إلى كون العلم بالترخيص فيما نحن فيه من أول الأمر أيضا ؛ انّه على تقدير التسليم إنّما يكون الفرق المذكور فيما كان سبب الترخيص أو الاضطرار حادثا بعد العلم الاجمالي لا فيما كان العلم بهما بعده وكانا بنفسهما مقارنين معه واقعا كما في المقام ، لكون الترخيص في بعض الاطراف ثابتا من أول الأمر وان كان العلم به متأخرا.

ص: 154

كما انّ الفرق بين الاضطرار ببعض معينا وبين الاضطرار ببعض غير معيّن برفع التنجّز في الأوّل دون الثاني كما في المقام لعدم كون الموهومات أطراف معيّنة ، لا وجه له ، لما سيجيء من عدم الفرق بينهما في كونهما سببا لعدم صيرورة العلم منجزا للتكليف معهما.

وأمّا فرض العلم الاجمالي الصغير في خصوص غير ما علم فيه بالترخيص من المظنونات والمشكوكات واستناد وجوب الاحتياط فيهما به دون العلم الاجمالي الكبير المعلوم بالترخيص في بعض أطرافه ، ففيه :

مع عدم تعيّن الموهومات ودوران الأطراف وانقلابها ظنا وشكا ووهما بالنسبة إلى اشخاص الفقهاء ، بل بالنسبة إلى شخص واحد في حالاته ومع مخالفته لما هو ظاهر كلام الشيخ قدس سره (1) من تعبيره عن الاحتياط في المظنونات بالتبعيض في الاحتياط الظاهر في عدم علم اجمالي فيها على حدة وفي الموهومات على حدة وإلاّ لما كان وجه لتقديم الترخيص في بعض على بعض ، انّه على تقدير التسليم لا بدّ من بيان حكم صورة تقدير علم اجمالي في المجموع فقط بلا علم في البعض أيضا فانّه يشكل فيه وجوب الاحتياط مع الترخيص في بعض أطراف العلم وإلاّ لزم من الترخيص لزوم المناقضة مع التنجيز الفعلي بمقتضى العلم الاجمالي ؛ وسيجيء ما يؤيد ما ذكرناه من عدم كون العلم الاجمالي في المقام كغيره موجبا لتنجز المعلوم بالاجمال كي يوجب الاحتياط وإذا عرفت عدم لزوم الاحتياط من جهة العلم الاجمالي أصلا ، فاعلم انّه يمكن اثبات التنجّز بمجرد احتمال التكليف في مقامين :

الاول : الاحتمال في الشبهة الحكمية للمجتهد قبل الفحص والبحث فانّه لا

ص: 155


1- فرائد الاصول 1 : 397 ، و 2 : 137.

تجري البراءة العقلية من قبح العقاب بلا بيان حينئذ لكون المراد من البيان هو الدلالة على النحو المتعارف وهو إنّما يحصل بعد الفحص لا قبله ، ولا النقلية لانصراف أدلتها بما بعد الفحص.

والثاني : احتمال التكليف المحرز اهتمام الشارع وتعلق غرضه فيه بتحقق المكلف به من المكلفين في الخارج ولو حال عدم العلم بالتكليف فيلزم عند العقل حينئذ الاحتياط في أطراف الاحتمال ولو لم يكن علم به فيها ولو كانت الشبهة حينئذ موضوعية مع انّ البراءة فيها مسلّمة وذلك كما في مسألة الاعراض وحفظ الفروج والدماء ونحوها ، ومسألة الزكاة بناء على وجوب المحاسبة عند الشك في بلوغ النصاب.

ومن الموارد ما نحن فيه فانّ معظم الفقه إذا انسدّ فيه باب العلم بالنسبة إلى نوع المكلفين ممّا يعلم بتعلق غرض الشارع بعدم ترك الامتثال فيه في صورة الجهل بالتكليف بحيث لم يحتط في محتملاتها أصلا لأنّه وان ارتفع العلم الاجمالي بها بالترخيص في طرف الموهومات إلاّ أنّ المعظم بعد اختلاف المكلفين في الظن والشك والوهم من حيث المتعلق وتبدّل البعض بحسب حالاته فيها ممّا يعلم بعدم وقوع الخطأ فيه منهم جميعا ، وحينئذ يحكم العقل من جهة عدم لزوم نقض الغرض بالاحتياط في غير ما رخّص فيه عقلا ونقلا.

نعم يصح الكلام في انّه هل يكفي بعد احراز هذا الاهتمام من الشارع التفويض في مقام الامتثال إلى حكم العقل كما في صورة عدم انحلال العلم الاجمالي أو لا بدّ من ايجابه الاحتياط ولو باستكشاف من العقل.

والتحقيق هو الثاني ، حيث انّه بعد الجهل بالتكاليف وانحلال العلم الاجمالي بالترخيص لم يكن عند العقل بيان بالنسبة إليها فيكون موضوع حكمه بقبح العقاب بدونه محققا. ومجرد الاهتمام مع عدم علم كلّ واحد من المكلفين بكون التكليف

ص: 156

المهتمّ به في محتملاته لم يوجب البيان كما في الشبهة البدوية في كل تكليف مع احتمال كونه في أعلى درجة الاهتمام ، مع انّ جلّ التكاليف ممّا علم بالزام الشارع ، فلو كان مجرد الاهتمام مع عدم [ العلم ] (1) بتوجه التكليف الى المكلف بيانا فلا فرق بين الجميع أصلا عند العقل ، وإذا كان كذلك فيكشف العقل بمقدمة لزوم نقض الغرض ايجاب الشارع الاحتياط عند انسداد باب العلم بمعظم الفقه ولو لم يكن علم اجمالي في البين ، وبمقدمة الحكمة يستكشف في مقام الدوران مع عدم البيان بالنسبة إلى المورد انّه في المظنونات حيث انّها عند العقل أقرب إلى الواقع لا غيرها فلو كان المورد عند الشارع غيرها لكان عليه البيان كما يأتي تعيين أصل الظن بذلك بناء على كون نتيجة الانسداد مهملة.

هذا كله في إبطال البراءة.

وأمّا الاحتياط وهو وان كان مقتضى حكم العقل في جميع أطراف العلم الاجمالي إلاّ أنّه لا ريب في حكمه أيضا برفع اليد عنه فيما يلزم منه الاختلال وحينئذ :

فان سقط العلم الاجمالي عن إيراثه التنجز فتكون بقية الأطراف مجرى البراءة ، إلاّ أن يرجع إلى ما ذكرنا من استكشاف ايجاب الاحتياط بمقدمة نقض الغرض فترتفع البراءة بمقدار الاستكشاف ويكون الأصل حينئذ فيما لم يستكشف الاحتياط البراءة.

وأمّا ان قلنا بالتنجّز بواسطة العلم الاجمالي ولو مع الترخيص العقلي في بعض أطرافه امّا للاجماع ببطلان البراءة مع اشكال فيه كما عرفت ، وأمّا للفرق بين الاضطرار بالمعيّن أو المردد ووجوب الاحتياط عقلا في الثاني كما هو كذلك في

ص: 157


1- في الاصل المخطوط ( العدم ).

المقام ؛ فحينئذ يكون الأصل بمقتضى حكم العقل هو الاحتياط الاّ في ما دل على عدم وجوبه عقلا أو نقلا فبعد ما عرفت من لزوم رفع اليد عنه عقلا في قدر الاختلال فيبقى الكلام في وجوبه في غير هذا المقدار مطلقا ولو فيما لزم منه العسر غير المخلّ أو فيما لم يلزم منه ذلك أيضا أو عدم وجوبه مطلقا.

وقد استدل على عدم وجوبه في حال الانسداد بوجهين :

الاول : الاجماع القطعي على عدم وجوبه في جلّ الفقه في مظنوناتها ومشكوكاتها وموهوماتها في حال الانسداد قطعيا من القائلين به وتعليقا على الانسداد من القائلين بانفتاح باب العلم.

ولكن دعوى : تحقق الاجماع مع تطرق الشك في المسألة واحتمال استناد البعض فيها بعدم كون العلم الاجمالي منجّزا للتكليف عقلا وإلاّ فمع تنجيزه عند تعلّقه بالحكم الفعلي فكيف يحتمل الترخيص شرعا ، مشكلة.

الثاني : لزوم العسر الشديد والحرج الأكيد في التزامه لكثرة المحتملات مظنونا أو مشكوكا أو موهوما بحيث لو بنى المجتهد في تشخيص موارده في غير ما علم فيه التكليف بالاجماع أو بالخبر المتواتر ، والمقلد في تعلم تلك الموارد منه مع الابتلاء في كلّ يوم وليلة يلزم منه العسر فضلا عن العمل به فيرتفع وجوب الاحتياط في غير العسر المخلّ بأدلة نفي العسر شرعا.

وفيه : بعد البناء على تقديم أدلة العسر على أدلة التكاليف حكومة أو جمعا لتعرّضها للعناوين الطارئة دونها ؛ انّه بناء على مذهب الاستاذ دام ظله (1) انّ معنى أدلة نفي العسر نفي الحكم كناية بلسان نفي الموضوع وانّها تفيد نفي ما للامور العسيرة والموضوعات الصعبة من الأحكام الشرعية التي كانت المنّة في رفعها ،

ص: 158


1- كفاية الاصول : 358 و 432 ؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 135 ، والطبعة الحجرية : 79 عند التعليق على قوله : « الثاني : العسر الشديد ».

يشكل التمسك بها لنفي الاحتياط في المقام لعدم كون الموضوعات للأحكام الشرعية عسيرة ؛ وما هو العسير من مجموع الأطراف ما كان الحكم فيه وهو وجوب الاحتياط في الأطراف إلاّ عقليا.

وأمّا بناء على المعنى الذي ذكره شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه (1) من انّ مفادها نفي الحكم الذي ينشأ منه العسر ، فيرد عليه :

انّه لو كان المراد العسر بلا واسطة اشتباه ونحوه فلا يشمل المقام.

وان كان المراد أعمّ منه ، ففيه : انّه حينئذ يرتفع الحكم الشرعي فيرتفع الاحتياط رأسا ولو في غير مورد العسر ، لأنّ المرفوع حينئذ مجموع الأحكام التي ينشأ منها العسر ولا دليل على إيجاب الاحتياط في البعض حيث انّ لسان الادلة النفي لا الاثبات.

وتوهّم : انّ المرفوع بها هو وجوب الاحتياط في جميع الأطراف فيبقى في البعض بحاله لا الحكم الواقعي كي لا يجدي في إيجاب الاحتياط في البعض ، مدفوع :

مضافا إلى كون الاحتياط في أطراف العلم عقليا فلا يقبل الرفع ؛ بأنّه على تقدير التسليم لا يجدي في المرام أيضا لما ذكرنا.

نعم فيما كان في البين دوران بين حكمين في عرض واحد أو كانا محققين معا يستلزم أحدهما العسر دون الآخر فبرفع الحكم العسري يتعيّن الآخر لا فيما كان في البين - مع قطع النظر عن أدلة العسر - حكم واحد معيّن فبارتفاعه لا يثبت حكم آخر كما في المقام.

ويظهر من تقريبه قدس سره في أدلة نفي العسر بما ذكرناه منه مع ما عرفت من

ص: 159


1- فرائد الاصول 2 : 460 في قاعدة « لا ضرر » ؛ رسائل فقهية 23 : 114.

لازمه تأييد ما ذكرناه سابقا من عدم تأثير العلم الاجمالي في التنجّز كما وعدناك سابقا.

ثم انّه لو أغمض عمّا ذكرنا من الاشكال وقلنا بوجوب الاحتياط فيما لا يلزم منه العسر وعدمه فيما يلزم فيه لا يثبت به حجية الظن بحيث لم يبق محذور من الرجوع إلى الاصول في غير مورده كما لو انحلّ العلم الاجمالي ، غاية الأمر لمّا كان العمل بمقتضى العلم الاجمالي عسيرا وصعبا فلا بدّ من ترك الاحتياط في البعض ويبقى مقتضى العلم في الباقي بحاله.

نعم بناء على ما ذكرنا من كون الاحتياط من جهة الاهتمام ونقض الغرض لا من جهة العلم الاجمالي يمكن أن يدّعى انّه يستكشف منه حجية الظن لكفايته عند العقل لدفع نقض الغرض كالاحتياط الجزئي لابتناء على مشرب الشيخ (1) من كون الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالي.

وبناء على ما ذكره قدس سره فلو دار الأمر بين ترك الاحتياط بين الابعاض مظنونها ومشكوكها وموهومها وكان ترك الاحتياط في طائفة منها كافيا في دفع العسر فقد ذهب الشيخ (2) حينئذ إلى تركه في الموهومات والالتزام به في المظنونات والمشكوكات قضية للعلم الاجمالي.

وامّا الحاق المشكوكات بالموهومات :

فان كان للزوم العسر ، فقد ردّه بعدم لزومه فيها.

وان كان من جهة الاجماع على عدم وجوب الاحتياط فيها الملازم لحجية الاصول فيها فقد ردّه بقوله قدس سره : « قلت : مرجع الاجماع قطعيا أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الاصول هو الاجماع على الحجة الكافية في

ص: 160


1- فرائد الاصول 1 : 420.
2- فرائد الاصول 1 : 421.

المسائل التي انسدّ فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موردا للاصول ، ومرجع هذا إلى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد » انتهى. (1)

حاصله : انّ الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات راجع إلى حجية الاصول فيها ومرجعه إلى حجية الظن حال الانسداد ، حيث انّ صفة الظن هو الفارق بين المظنونات والمشكوكات وإلاّ لما كان لترك الاحتياط في المشكوكات والرجوع فيها إلى الاصول وجه مع اشتراكها مع المظنونات في كونهما طرفين للعلم الاجمالي المقتضي لوجوب الاحتياط فيهما ، وذلك غير مفيد لأنّ الاجماع : لو كان قطعيا فيخرج حجية الظن عن كونه مقتضى الانسداد ويصير ظنا خاصا ، وان كان ظنيا فلا يكون الظن الحاصل منه بحجية الاصول فيها مفيدا لحجية الظن في المظنونات ما لم تكن حجيته مقطوعة وهو لا يكون إلاّ باثبات حجية الظن المطلق بدليل الانسداد ، فلو انعكس كما هو المدّعى لدار.

فظهر من كلامه قدس سره (2) أمران :

أحدهما : انّ مقدمات الانسداد بنفسها لا تفيد إلاّ تبعيض الاحتياط دون حجية الظن ، بحيث يكون هو المدار في إثبات الأحكام كي يرجع فيما عدى المظنونات إلى الاصول ؛ وأمّا بضميمة الظن الحاصل من الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فلا يفيده أيضا إلاّ على وجه دائر.

وثانيهما : انّ كيفية التبعيض تقديم ترك الاحتياط في الموهومات على

ص: 161


1- فرائد الاصول 1 : 424 في الهامش ؛ والظاهر ان هذه الفقرة زيادة كتبها الميرزا الشيرازي الكبير في هامش الفرائد ، ثم ارتضاها الشيخ الانصاري وأمضاها. راجع فوائد الاصول 3 :1. 271 ، وكذلك نهاية الافكار 2 : 158 ( أو القسم الاول من الجزء الثالث من الطبعة الاقدم : 158 ).
2- فرائد الاصول 1 : 422 - 424.

المشكوكات.

ولكنه لا يخفى انّ الظن بحجية الاصول في المشكوكات الحاصل من الاجماع المنقول على عدم وجوب الاحتياط فيها يوجب صيرورتها بين مظنونات الحكم الفعلي في موارد الاصول المثبتة ومظنونات نفي الحكم الفعلي في موارد الاصول النافية. وحيث انّ مختاره قدس سره عدم الفرق بين الظن بالواقع والظن بالطريق (1) - كما سيجيء - فيدخل القسم الاول في المظنونات [ سواء ] قلنا بوجوب العلم فيها من جهة التبعيض أو من جهة الحجية ؛ ويدخل القسم الثاني في الموهومات فتكون محكومة بحكمها أيضا بل ربما يكون الظن بنفي التكليف الفعلي فيها أقوى من الظن بنفيه في موهومات الواقع إذا كان الظن بحجية الاصول النافية قويّا من جهة بعض الخصوصيات الطارئة في الموارد لا لمجرد الاجماع المذكور كي يرد بقيامه في الموهومات أيضا فيكون الظن بالنفي فيها أقوى لانضمام الظن بنفي الواقع فيها إلى الظن المذكور الموجب لقوته.

إذا عرفت ذلك فظهر ما في ابتنائه قدس سره (2) حجية الظن بالواقع على حجية الظن بحجية الاصول في المشكوكات وانّه لا يكون إلاّ على وجه دائر ، حيث انّ الابتناء إنّما يصحّ إذا كان بينهما فرق في ما يهمّ العقل من تحصيل الأمن من العقوبة ، فلمّا لم يكن فرق بينهما فيتحدان في الحكم ، قلنا بالحجية أم لا ، بلا توهّم دور بينهما ، كما لا يخفى.

ومنه ظهر عدم كلية كيفية التبعيض بناء عليه على النحو المذكور في كلامه قدس سره (3) من ترك الاحتياط في الموهومات مقدما على تركه في المشكوكات

ص: 162


1- فرائد الاصول 1 : 423 - 424 و 427 و 437 و 447.
2- فرائد الاصول 1 : 378 في الهامش ؛ والعبارة من الشيخ قدس سره .
3- فرائد الاصول 1 : 421 و 422 - 423.

لما عرفت من دخول موارد الاصول النافية فيها من جهة الاجماع المنقول في الموهومات ، وربما يكون الظن بحجيتها فيها أقوى من الظن بنفي التكليف فيها فتكون أولى لترك الاحتياط فيها ، وربما يكون بالعكس لكون الظن بالنفي في الموهومات من جهتين في موارد الاصول النافية. فيها وكذا يختلف الحال في الاصول المثبتة في الطائفتين أيضا بل من جهة الاشخاص والأحوال.

ثم انّه قدس سره قد فرّع (1) على التبعيض ما حاصله : انّه بناء عليه لا يكون الظن حجة ناهضة لتخصيص عمومات الكتاب والسنّة وتقييد ظواهر ما كان حجة منهما من باب الظن الخاص.

وفيه : انّ ذلك لا ينحصر بالتبعيض بل هو كذلك ولو قلنا بحجية الظن حكومة أو كشفا ، حيث انّ حكم العقل أو كشفه بمقدمات الانسداد عن حجية الظن إنّما هو فيما لم يكن حجة معتبرة بالخصوص من ظاهر آية أو خبر معتبر ومعها لا يكاد يكشف أو يحكم بحجيته العقل.

ومن هنا ظهر : انّه لو خرج ظاهر عن الحجية من جهة العلم الاجمالي بالتخصيص أو التقييد لا يصير حجة بواسطة الظن المطلق بالمخصص أو المقيد ولا يخرج عمّا هو عليه من الاجمال بواسطة الظن وإلاّ لخرج الظن عن الحجية فيلزم من حجيتها عدمه.

هذا كله في إبطال البراءة والاحتياط الكليين.

وأمّا الاصول الجارية في كل واقعة بنفسها مع قطع النظر عن ملاحظة الموارد الأخر بأن يلاحظ نفس الواقعة فان كان فيها حكم سابق يحتمل بقاؤه استصحب وإلاّ فان كان الشك في أصل التكليف فتجري البراءة وان كان الشك في المكلف به

ص: 163


1- فرائد الاصول 1 : 427.

فالاحتياط ان أمكن وإلاّ فالتخيير ؛ فقد قيل في ردّه :

بأنّ العلم الاجمالي بالتكليف بين الوقائع يسقط الاستصحابات النافية فيها ، وكذا العلم الاجمالي بالانتقاض بنفي التكليف يسقط الاستصحابات المثبتة وتنتفي البراءة أيضا للعلم الاجمالي فيكون المرجع في الكلّ هو الاحتياط ، وقد عرفت حاله.

ولكن التحقيق أن يقال : انّه لا مانع من جريان الاصول مثبتة كانت أو نافية في جميع الطوائف : المظنونات والمشكوكات والموهومات.

أمّا الاولى : (1) فبعد إطلاق أدلتها يكون المانع عنها امّا عقلية أو نقلية.

امّا العقلية : فمنتفية ، لأنّ العلم الاجمالي بالتكليف على وفاقها ، والعلم الاجمالي بالنفي لا أثر له.

وأمّا النقلية :

فان قلنا باطلاق أدلتها في أطراف العلم الاجمالي وعدم شمول الغاية المذكورة فيها كما في الاستصحاب « ولكن تنقضه بيقين آخر » (2) لليقين الاجمالي فلا اشكال.

وان قلنا بعدم الاطلاق في الادلة لاستلزامه التناقض في مدلولها بملاحظة اطلاق الغاية فالظاهر انّه لا مانع في المقام أيضا ، ولو قلنا به في غيره :

نقضا : بالاستصحابات المثبتة الجارية من أول الفقه إلى آخره عند القائلين بالانفتاح ، وكذا في الموضوعات الجزئية مع العلم بالانتقاض في بعضها.

وحلا : بأنّ أخبار الاستصحاب إنّما هي لبيان وظيفة الشك فعلا في بقاء ما

ص: 164


1- اي الاصول المثبتة.
2- وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1 ؛ تهذيب الاحكام 1 : 8 الباب 1 الاحداث الموجبة للطهارة ، الحديث 11. باختلاف الالفاظ في المصدرين.

علم حدوثه سابقا. وبعبارة اخرى : في مقام بيان الحكم الفعلي وهو البناء على الحالة السابقة في مقام التحيّر في حكم العمل ولا يكون ذلك إلاّ أن يكون ما يجري الاستصحاب فيه مبتلى به فعلا وإلاّ فلا مقتضي له ، ومن المعلوم انّ موارد الاستصحابات المثبتة ليست بجميعها مبتلى بها إلا بعضها وفي هذا البعض لا علم اجمالا بالنقض وان كان من أطراف العلم الاجمالي في المجموع ، إلاّ أنّه لا يوجب صدق النقض في الاستصحابات الفعلية.

وعلى تقدير تسليم الابتلاء في جميع الأطراف عملا فنقول :

انّه لا ابتلاء به للمجتهد في مقام الاستنباط إلاّ في البعض ، وبعبارة اخرى : لا شك له فعلا وخارجا إلاّ في موارد استنباطاته الفعلية المبتلى بها للاستنباط وهي لا تكون إلاّ بعض الموارد ، لكون الاستنباطات تدريجية مع عدم الالتفات إلى أدلّتها غالبا ، ومن المعلوم انّ في غير موارد الابتلاء بالاستنباط فعلا - التي كان الالتفات إلى الأدلة في البين - لا يكون الشك إلاّ مفهوما بأن يعلم بتحققه عند الابتلاء بالاستنباط ، ومن المعلوم انّ الشك المأخوذ في قوله علیه السلام : « لا تنقض اليقين بالشك » (1) هو الشك الفعلي الخارجي وهو لا يكون للمجتهد إلاّ في بعض الموارد وفيها لا علم اجمالي بالنقض وفي غيرها لا شك فعلا وان كان علم اجمالي في البين ، فلا يصدق النقض أيضا.

وامّا الاصول النافية : فان كانت الاصول المثبتة بضميمة الظنون الخاصة والقطعيات وافية بمعظم الفقه بحيث لا يبقى محذور من الرجوع في غيرها إلى الأصل النافي ، فلا مانع عنها أيضا.

وإلاّ :

ص: 165


1- في المصادر : « ولا تنقض اليقين ابدا بالشك ». وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1.

فان قلنا بكون العلم الاجمالي موجبا للتنجّز عقلا على نحو التعليق على عدم الترخيص شرعا فباطلاق أدلة الاصول يثبت الترخيص المانع عن تنجيزه ، والعلم الاجمالي بالنقض لا يمنع عن جريانها نقلا لما عرفت من الوجهين في الاصول المثبتة من عدم الابتلاء عملا أو في مقام الاستنباط وعدم العلم الاجمالي في خصوص ما ابتلي به فعلا.

وان قلنا بكونه علة تامة للتنجّز مطلقا أو في خصوص المقام لمحذور المخالفة القطعية الكثيرة المعبّر عنها بالخروج عن الدين فيمنع عن جريان الاصول النافية عقلا وان لم يكن علم اجمالي في خصوص مواردها إلاّ أنّ كون تلك الموارد عن أطرافه مع احتمال أن يكون المعلوم بالاجمال بينها يمنع عقلا عن جريانها لعدم كونها عذرا حينئذ على تقدير الوقوع في مخالفة المعلوم بالاجمال.

ومن هنا ظهر فرق بين الاصول المثبتة والنافية ، حيث انّ العلم الاجمالي في الاولى مع عدم الابتلاء في جميع الموارد فعلا لا يمنع عن جريانها أصلا ؛ بخلافه في الثانية فانّه يمنع عنها إذا قلنا بكونها علة تامة للتنجّز مطلقا أو في خصوص المقام.

إلاّ أنّ الكلام في هذا الشأن للعلم الاجمالي لما هو التحقيق من كون العلم الاجمالي موجبا للتنجّز على نحو التعليق مع عدم محذور الخروج من الدين مطلقا خصوصا بعد اجراء الاصول المثبتة بلا مانع عن جريان الاصول النافية.

وممّا ذكرنا هاهنا من كون العلم مانعا عن الاصول إذا كان بين الموارد المبتلى بها فيها بخصوصها لا بينها وبين غيرها ، ظهر حال الاصول اللفظية وانّها لا تسقط بواسطة العلم الاجمالي بالمخصص والمقيد بينها لعدم العلم الاجمالي بين خصوص المبتلى بها منها في موارد الاستنباط. والعلم الاجمالي بخلاف الظواهر بينها وبين غيرها ممّا لا يبتلى بها فعلا لا يمنع عن جريانها كما يشهد به بناء العقلاء

ص: 166

وديدنهم بالتمسك بالظواهر الصادرة من الموالي مع العلم الاجمالي بخلافها كذلك. نعم لو كان ظواهر مخصوصة مبتلى بها فعلا علم بمخالفة الظواهر بينها بالخصوص لم يتمسكوا بها بل يعاملون معها معاملة المجمل.

المقدمة الخامسة : في انّه إذا وجب التعرض لامتثال الأحكام المشتبهة ولم يجز اهمالها بالمرّة وثبت عدم التمكن من تحصيل العلم التفصيلي مع عدم جواز الرجوع إلى الطرق المقررة للجاهل من البراءة والاحتياط وسائر الاصول ودار الأمر حينئذ بين العمل بالظن والوهم ، لا يجوز عند العقل الامتثال الوهمي ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، فتعيّن عنده الامتثال الظني إذ ليس عند العقل بعد التنزل عن الامتثال التفصيلي والاجمالي والظن الخاص امتثال مقدم على الظن.

وتوهم : انّ المرجع في حال الانسداد لعله طريق آخر لا نعلمه ، فما دام لم ينسد ذاك الاحتمال لم يتعيّن العمل بالظن.

مدفوع : بالقطع بعدمه بناء على الحكومة ، لكونه وهميا ، ولا ريب في تقدم الظن عليه ؛ وكذا بناء على الكشف بناء على ما سيجيء من كون المنكشف هو الطريق الواصل وهو لا يكون غير الظن ، كما لا يخفى.

وينبغي التنبيه على امور :

الاول : انّه بناء على وجوب الامتثال الظني فقد اختلف في كون الحجة هو الظن بالواقع بالخصوص ، أو خصوص الظن بالطريق ، أو كلاهما على أقوال. ذهب صاحب الفصول رحمه اللّه (1) وأخيه البارع المحقق (2) إلى حجية الظن بالطريق بالخصوص ، وبعض آخر إلى خصوص الظن بالواقع ، وبعض آخر إلى كليهما.

والظاهر انّ الخلاف الثاني - بعد التسالم على أنّ همّ العقل التنزل إلى الظن

ص: 167


1- الفصول الغروية : 277 السطر 33 - 40.
2- هداية المسترشدين 3 : 351 - 352 ، والحجرية : 391 السطر 19 - 27.

حال الانسداد فيما يجب تحصيل العلم به حال الانفتاح - إنّما كان في تعيين ما يجب تحصيل العلم به في ذاك الحال كي يتنزل إلى الظن به في حال الانسداد فيكون النزاع صغرويا. كما انّ الخلاف الثاني في حصول الالجاء على التنزل إلى الظن في الطريق بجريان مقدمات الانسداد بالنسبة إلى الواقع أم لا بد من حصول الالجاء على التنزل إلى الظن بالطريق بمقدمات انسداد على حدة فيها ولا يكفي اجراؤها بالنسبة إلى الواقع في التنزل إلى الظن بالطريق بعد الاتفاق على كون العلم بالطريق حال الانفتاح كافيا كبرويا ، فنقول :

التحقيق : حجية الظن بهما مع كفاية مقدمات الانسداد بالنسبة إلى الواقع في العمل بالظن بالطريق أيضا ؛ وبيانه يحتاج إلى مقدمتين :

احداهما : أنّ ما يهمّ العقل في مقام الامتثال ليس إلاّ تحصيل الأمن من العقوبة على مخالفة التكليف المنجّز من قبل الشارع بحيث لا اهتمام له بالعمل بعد القطع بالأمن من العقوبة أصلا.

ثانيتهما : انّ ما يحصل به الأمن منه في نظره يقينا حال الانسداد هو تحصيل الظن وموافقته.

وبعبارة اخرى : الامتثال الظني بما يجب تحصيل العلم به في حال الانفتاح ويكون الظن به حينئذ حال الانسداد كالعلم به في حال الانفتاح بلا تفاوت في نظره أصلا.

إذا عرفت ذلك فنقول : لا ريب ولا شبهة تعتريه في انّ العلم بالطريق المجعول حال الانفتاح والعلم بالواقع سيّان عند العقل في حصول الأمن من العقوبة على الواقع بالعمل على طبق أي منهما بلا تفاوت بينهما أصلا ؛ فكذلك الظن بهما في حال الانسداد في تحصيل الأمن من عقوبة الواقع.

والسرّ : انّ المطلوب في حال الانفتاح هو العلم بالمسقط وهو يحصل بالعلم

ص: 168

بأيّ منهما ، وفي حال الانسداد هو الظن الحاصل بأيّ منهما أيضا ، فمع التمكن من العلم بهما يجب تحصيله بواحد منهما تخييرا ومع عدم التمكن إلاّ من واحد منهما يجب الالتزام به معينا ؛ ومع عدم التمكن منه أصلا يجب تحصيل الظن بهما تخييرا مع التمكن منهما وتعيينا مع عدم التمكن إلاّ من واحد منهما ، وحيث انّ الطريق بما هو كذلك لا نفسية فيه ولا عقوبة على مخالفته أصلا بل هو موجب لرفع العقوبة عن الواقع والأمن منها ، فظهر منه انّ تمامية مقدمات الانسداد بالنسبة إلى الواقع كافية في التنزل إلى العمل بالظن في الطريق ولا حاجة إلى مقدمات انسداد فيه على حدة ، حيث انّ تحصيل الأمن من عقوبة الواقع بالظن بسقوطه والظن به يحصل بالعمل بأي من الظنين بلا تفاوت أصلا وليس العمل بالطريق لأجل تحصيل الأمن من العقوبة على مخالفته بنفسه كي يحتاج العمل بالظن فيه إلى مقدمات انسداد على حدة وبدون تماميتها فيه لا يتمّ فيه العمل بالظن.

ثمّ انّه قد استدل لانحصار نتيجة الانسداد في خصوص العمل بالظن بوجهين :

أحدهما : (1) ما لفظه : « انّا نقطع بأنّا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معيّن يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره ، كذلك نقطع بأنّ الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة وكلّفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها. ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد وهو القطع بأنّا مكلّفون تكليفا فعليا بالعمل

ص: 169


1- هذا الوجه الاول هو لصاحب الفصول بلفظه تقريبا في الفصول الغروية : 277 السطر 33. ويحتمل انه قد تبع فيه صاحب مقابس الانوار المحقق الكاظمي التستري في كشف القناع : 1. وياتي الوجه الثاني بعد عدة صفحات بقوله : « الوجه الثاني : انه ذكر صاحب الحاشية ... الخ ».

بمؤدّى طرق مخصوصة ، وحيث انّه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا بطريق يقطع عن السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذّره فلا ريب انّ الوظيفة في مثل ذلك - بحكم العقل - إنّما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم حجيته لأنّه أقرب إلى العلم وإلى اصابة الواقع ممّا عداه ... الخ ».

حاصله : انّه بعد العلم بجعل الطرق مع ان التكليف بالعمل بمؤداها ليس في عرض التكليف بالواقع بل في طوله للتوصل إليه من هذا السبيل ولتطبيق العمل به على مؤدى الطرق فلم يبق التكليف بالواقع بما هو هو بل بمؤدّى الطرق المجعولة فرجع الأمر إلى تقييد المكلف به فلا بدّ من تحصيل الظن به ولا يحصل إلاّ بالظن بالطرق.

وفيه : انّه ان اريد من التقييد صرف التكليف عن الواقع إلى المؤدّى فان كان الصرف في مرتبة الفعلية ، ففيه :

أولا : انّه مناف بل غير معقول بالنسبة إلى ما فرضه المستدلّ في كلامه من كون التكليف المعلوم أولا بأحكام فرعية فعلية والتكليف المعلوم ثانيا إنّما كان مجعولا طريقا للتوصّل إلى هذه الأحكام الفعلية لأنّه بعد فرض كون ذي الطريق فعليا وكون الطريق لأجله لا يمكن الالتزام بتقييده به لعدم كون الطريق في عرض ذيه بل في طوله فلا يمكن تقييده به وإلاّ لما كان طريقا إليه كما في العلم بالنسبة إلى متعلقه ؛ وان كان الصرف عن جميع مراتب الواقع ، ففيه : انّه مع ما ذكر يلزم التصويب أيضا.

وثانيا : أنّ تقييد الواقع بالطرق حال الانسداد وجودا وعدما على المفروض من عدم جعل طريق خاصّ وتصرف على حدة فرع التقييد في حال الانفتاح فان ثبت كون لازم جعل الطرق في ذاك الحال كذلك فيكون كذلك حال الانسداد أيضا

ص: 170

فيلزم منه كون الظن بالمؤدّى لا بالواقع ، لكنه غير ممكن في حال الانفتاح في صورة العلم بالواقع لعدم كون القطع قابلا لتصرف الشارع من حيث الطريقية والحجية نفيا واثباتا بل حكم القطع المتعلق بالحكم الواقعي عقلي صرف فيتّبع ما هو حكمه فيه ، ومن المعلوم ضرورة لكل من راجع وجدانه انّ الحكم الواقعي لا يتقيد بالقطع وان فراغ الذمة وحصول الامتثال في صورة القطع إنّما هو لأجل إطاعة الواقع لا بما هو مقطوع وان مبرئ الذمة هو نفس الواقع وإنّما القطع قطع به لا انه مبرئ بنفسه وإلاّ لما كان الطريق المجعول مبرئ أيضا بل يكون المبرئ هو القطع به أيضا فيتسلسل ، لكون القطع على مذهبه من الطرق المجعولة شرعا امضاء للعقل كما في بعض كلماته ؛ ولا فرق بين قطع وقطع والفرض انّ الطرق الشرعية هي المبرئ عنده فلا بدّ عند العقل في مقام الامتثال من القطع بالمبرئ فلا بدّ من قطع آخر وهو المبرئ أيضا ، وهكذا.

هذا ، مع وضوح ما عرفت من كون الفراغ بنظر العقل إنّما هو باتيان الواقع بنفسه لا بما هو مقطوع فإذا ظهر عدم التقييد في هذه الصورة وانّ الكفاية من جهة الاتيان بالواقع فينزل من العلم به في حال الانسداد إلى الظن به ، غاية الأمر لمّا كان العلم بالطرق حال الانفتاح كافيا لكان الظن به في حال الانسداد أيضا كافيا ولا يلزم منه الانحصار به.

وثالثا : سلّمنا التقييد لكن اللازم حينئذ هو كفاية الظن بالواقع المقيّد بكونه مؤدّى طريق معتبر لا الظن بخصوص المؤدّى قضية للتقييد ، ومن المعلوم انّ الظن بالواقع لما كان غالبا لا ينفكّ عن كونه مؤدّى طريق معتبر ولو لم يظن بطريقية شيء خاص فيكفي ذلك في مقام الامتثال الظني لعدم كون قضية التقييد أزيد من لزوم تحصيل الظن بالواقع المقيّد بكونه مؤدّى طريق وهو حاصل غالبا بعد العلم بصدور غالب الأحكام منهم علیهم السلام مع اختفائها منّا ، بل الحال كذلك ولو اكتفينا بخصوص

ص: 171

الظن بالمؤدّى فانّه يكفي الظن بكون الحكم مؤدّى طريق معتبر وان لم يظن بطريقية شيء مخصوص أصلا.

وان اريد من التقييد انحلال العلم الاجمالي بالواقعيات الفعلية بالعلم الاجمالي بالطرق حيث انّ مؤدّياتها أحكام فعلية مع كون الطرق موجبة لتنجّز الواقعيات التي كانت موصلة إليها فينحلّ العلم الاجمالي الأوّل بعلم اجمالي بأحكام فعلية في خصوص مؤدّياتها وشكّ بدوي في الخارج عنها كما هو الظاهر من بعض كلمات المستدل مع جلالته عن التقييد بالمعنى الأول ، ففيه :

بعد تسليم العلم الاجمالي والاغماض عن احتمال ايكال الشارع الى ما هو طريقة العقلاء وديدنهم في امتثال أوامر الموالي انّ لازم الانحلال بالطرق أولا الأخذ بالمتيقن الحقيقي منها لو كان وافيا ، وإلاّ فبالاضافي إلى مقدار الكفاية ، وإلاّ فلو لم يكن متيقن أصلا أو لم يكن بقدر الكفاية فلا بدّ من الاحتياط في دائرة الطرق ، لا التنزل إلى الظن بها ؛ ولا يشكل بلزوم محذور الاحتياط في الفروع من العسر لعدم رجوعه إليه بل يوجب رفع الاحتياط فيها في كثير من الموارد.

منها : ما كان خاليا عن أطراف العلم بالطرق رأسا فلا يجب الاحتياط حينئذ قضية للاحتياط.

ومنها : ما كان خاليا عن خصوص المثبت منها بأن كان كلّ ما كان في ذاك المورد من الأمارات نافيا للتكليف.

ومنها : ما تعارض فيه الطرق فانّه يرجع إلى التخيير في صورة عدم المرجّح لو كان المتعارضان من الأخبار ، وإلاّ فمطلقا.

ومنها : موارد الاستصحابات المثبتة في موارد الأطراف النافية إذا كان بعض منها معلوم الحجية اجمالا فانّ الاستصحابات حينئذ بسبب العلم الاجمالي بالانتقاض في بعض منها يسقط عن الحجية رأسا إذا لم يعلم بعدم حجية بعض

ص: 172

الأمارات في الأطراف ولم يكن معلوم الحجية منها متميّزا عن غيره بالعنوان بل كانت الحجية محتمل الانطباق على الكل ، أمّا في مورد الحجة واقعا للعلم بالانتقاض وفي غيره لا يجوز التمسك بدليل الاستصحاب لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم إذا علم بعدم حجية بعض الأمارات في الأطراف أو كان الحجة منها بعنوان متميز عن غيره لا يسقط الاستصحابات في غيره عن الحجية وان اشتبهت بغيرها فلا بدّ حينئذ من الاحتياط في الاستصحابات المثبتة ، وهذا بخلاف العلم الاجمالي بانتقاض بعض غير متميز عن غيره فتدبّر.

والحاصل : انّ الاحتياط في الطريق غير موجب للعسر خصوصا بعد توافق كثير منها في المضمون ، وعلى تقدير تسليم بطلان الاحتياط فيرتفع الانحلال الناشئ من العلم الاجمالي بالطرق بارتفاع أثره وهو الاحتياط لعدم ايراثه التنجز كي ينحل العلم بالحكم الفعلي وحينئذ فيبقى مراعاة العلم الاجمالي بالحكم الواقعي في دائرة الطرق وغيرها على السواء فلا يبقى فرق بين الظن بالواقع والظن بمؤدى طريق معتبر ، وعلى تقدير التسليم نقول : انّ النتيجة هو الظن بالواقع المقيّد بكونه مؤدّى طريق معتبر أو بالظن بخصوص المؤدى ، ولا يستلزمان الظن بطريقية شيء بخصوصه كما عرفت. هذا على ما ذكره الشيخ قدس سره (1) من كون العمل بالظن من جهة كونه من طرق الاطاعة للمعلوم بالاجمال بعد الاحتياط.

وامّا بناء على ما ذكره الاستاذ دام ظله (2) من عدم تأثيره بمجرد ابطال الاحتياط الكلي وانّ العمل بالظن لمجرد كشف اهتمام الشارع بالواقعيات عند

ص: 173


1- فرائد الاصول 1 : 432.
2- كفاية الاصول : 358.

انسداد باب العلم بالنسبة إلى معظم الفقه فالظن بالواقع لو لم يكن أقوى من جهة حصول الأمن مع رجاء إدراك مصلحة الواقع فلا أقل من عدم كونه أدنى مرتبة من الظن بالطريق في نظر العقل في حصول الأمن من العقاب.

والحاصل : انّ القول بحجية الظن بالطريق لا الظن بالواقع لا وجه له. نعم نقض الظنون المتعلقة بالواقع لو كان مظنون الحجية دون غيره ففي ترجيحه على غيره كلام سيأتي لا ربط له بمسألة الفرق بين الظن بالطريق والظن بالواقع.

الوجه الثاني : انّه ذكر صاحب الحاشية (1) ما حاصله :

انّه لا شبهة ولا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية وسبيل سقوط التكليف بها عنّا هو العلم بحكم المولى بالفراغ الحاصل من القطع بالواقع أو الطريق عند انفتاح باب العلم بهما والظن بحكمه بالفراغ عند الانسداد وهو يحصل من الظن بالطريق دون الظن بالواقع لاجتماع الظن بالواقع مع القطع بعدم الفراغ كما لو كان الظن من القياس وأمّا الظن بالطريق فلا ينفكّ عن الظن بالفراغ ولو كان من القياس أيضا كما لو حصل الظن منه بحجية الخبر مثلا فانّه يستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ على تقدير العمل به.

ولا يخفى انّ هذا الوجه لا يبتني على العلم الاجمالي بنصب الطريق حيث انّ اللازم بناء عليه هو تحصيل الظن بحكم الشارع بالفراغ وهو يحصل من الظن بالطريق في حال الانسداد ولو لم يعلم بنصبه اجمالا أصلا ؛ فما ذكره الشيخ قدس سره في آخر كلامه في الاعتراض على هذا الوجه بقوله : « هذا كله مع ما علمت سابقا في ردّ الوجه الأول من امكان منع جعل الشارع طريقا إلى الأحكام الخ » (2) لا وجه

ص: 174


1- هداية المسترشدين الطبعة الحجرية : 391 السطر 19 ، والطبعة الحديثة 3 : 351 - 352 « احدها : انه لا ريب في كوننا ... ».
2- فرائد الاصول 1 : 460.

له.

نعم يرد عليه :

أولا : بما عرفت من انّ همّ العقل هو تحصيل الأمن من العقوبة على الواقع وهو يحصل من الظن به والظن بالطريق بلا فرق بينهما في المهم أصلا ؛ وأمّا حكم المولى بالفراغ :

فان كان المراد منه حكما مولويا منه غير الحكم بالواقع المطلوب ، ففيه : انّه لا يتصور حكم آخر مولوي منه مستتبع للعقوبة على مخالفته على حدة.

وان كان المراد منه حكمه الارشادي إلى حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ بالنسبة إلى الواقع ، ففيه : انّه ليس إلاّ حكم العقل بلزوم تحصيل الأمن من تبعة الواقع.

وقد عرفت عدم الفرق في نظره في حصول الأمن بين الظن بالواقع والظن بالطريق ؛ كما لا فرق في القطع بهما حال الانفتاح ، بل التحقيق انّ الحكم بالفراغ ليس إلاّ الإجزاء المترتب على الاطاعة ومن المعلوم انّه عقلي صرف يترتب على موافقة الأمر الواقعي بالضرورة وعلى الأمر الظاهري في صورة عدم كشف الخلاف وفيه على الخلاف. والإجزاء في صورة الانفتاح كما يترتب على القطع بالواقع والطريق يترتب في صورة الانسداد على الظن بهما بلا تفاوت ؛ هذا بناء على بقاء حكم العلم الاجمالي بعد بطلان الاحتياط وامّا على ارتفاع تأثيره وكون العمل بالظن لكشف الاهتمام بالواقعيات فلو لم يكن العمل بالظن فيها أقوى فلا أقل من التساوي.

وتوهّم : كون الفراغ والإجزاء في صورة القطع بالواقع من جهة كونه طريقا شرعيا ، قد عرفت ما فيه ، وانّ القطع غير قابل للتصرف بوجه ، وان الإجزاء يترتب على الواقع عقلا ؛ هذا مع انّه على تقدير تسليم كون حكم المولى بالفراغ حكما

ص: 175

مولويا ليس طريق استكشافه إلاّ العقل وهو لا يفرق في الاستكشاف قطعا بين القطعين وظنا بين الظنين كما لا يخفى.

وامّا ثانيا : فبما مر في الوجه الأول من كون اللازم على فرض التنزل هو الظن بالمؤدى وهو لا يستلزم الظن بالطريق بل يحصل غالبا من الظن بالواقع لما عرفت من صدور غالب الأحكام المبتلى بها بالطرق المعتبرة ، فالظن بالواقع في المسائل الابتلائية يستلزم الظن بكونه مؤدّى طريق معتبر فيحصل منه الاستكشاف الظني بحكم المولى بالفراغ.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين الظن بالواقع والظن بالطريق باستلزام الثاني الظن بالفراغ مطلقا دون الأول لاجتماعه مع القطع بعدمه فيما كان الظن حاصلا ممّا قطع بعدم اعتباره ، ففيه :

انّه ان اريد من القطع في الصورة المذكورة القطع بعدم الفراغ مطلقا ولو على تقدير المطابقة للواقع فهو ممنوع.

وان اريد منه القطع بعدمه على تقدير الخطأ فهو كذلك في الظن بالطريق أيضا إذا كان حاصلا ممّا قطع بعدم اعتباره كالقياس.

إذا عرفت ما ذكرنا في كلام صاحب الحاشية من مرامه ومنشأ توهمه ظهر :

انّ ما حكي عن بعض في توجيه مراده من انّ مراده انّ الظن بالفراغ والبراءة لا يحصل إلاّ من الظن بالحكم الفعلي المتوقف على كون جميع مقدماته ظنية وإلاّ فيكون الحكم الفعلي مشكوكا فلا يحصل الظن بالبراءة ، ومن المعلوم انّ الظن بالحكم الفعلي على نحو لا يرجع إلى الشك أصلا لا يحصل إلاّ من الظن بالطريق لا الظن بالواقع لا وجه له ، لأنّه لا بدّ من انتهاء الظن بالطريق إلى الشك أيضا ، وإلاّ فلا بدّ امّا من الانتهاء إلى القطع فيكون حجية الظن من باب الظن الخاص ، وامّا لا ينتهي إليهما أصلا فيتسلسل وهو باطل ، وبعد انتهائه إلى الشك يوجب الشك

ص: 176

بالبراءة على ما ذكره في التوجيه من تبعية النتيجة لأخس المقدمات.

هذا كله في التكلم في حجية الظن بالطريق وحده.

وأمّا القول بحجية الظن بالواقع خاصة فقد عرفت انّ منشأ توهمه : تخيل عدم جريان مقدمات الانسداد بالنسبة إلى الطرق مع عدم اجداء جريانها بالنسبة إلى الواقع في الالجاء بالظن في الطرق ، ولكنك عرفت انّه على تقدير تسليم عدم الجريان فيها يجدي جريانها بالنسبة إلى الواقع في الالجاء إلى العمل بالظن في الطرق أيضا لعدم الفرق في تحصيل الأمن من عقاب الواقع في نظر العقل بين العمل بالظن بالواقع أو الظن بالطريق في المسألة التي انسدّ فيها باب العلم والتجأ فيها إلى العمل بالظن كما لا يخفى.

الأمر الثاني : في انّ نتيجة دليل الانسداد هل هي مهملة أو معيّنة؟

فنقول : انّه لو قلنا بجريان مقدمات الانسداد بالنسبة إلى كلّ مسألة مسألة كما هو مختار المحقق القمّي رحمه اللّه (1) فلا اشكال في عدم اهمالها من حيث الأسباب والموارد والمراتب أصلا بناء على اختصاصها بحجية الظن في الفروع وحده ، لأنّه بعد تسليم جريان المقدمات في شخص مسألة لا مناص فيها عن العمل بالظن من أي سبب ومرتبة كان ، وإلاّ فلو اقتصرنا على مرتبة خاصة أو على ما حصل من سبب معيّن فلا بدّ في المسألة التي خلت عنهما من الرجوع إلى الاحتياط أو الأصل أو الوهم ، وقد فرضنا بطلانها في المقدمات.

نعم بناء على عدم اختصاص النتيجة بالظن بالفروع وعمومها للظن بالطرق أيضا او بناء على اختصاصها بالظن بالطريق فقط فيتأتّى تعدد الظن حينئذ في المسألة الواحدة ، كما لو حصل ظن بالواقع وقام طريق مظنون الاعتبار فيها على

ص: 177


1- القوانين المحكمة 1 : 440 - 441.

خلافه وكما لو تعددت الطرق المظنونة الاعتبار وقام كل منها في المسألة الواحدة على خلاف الآخر فيختلف الحال في النتيجة تعيينا واهمالا حسب اختلاف تقرير المقدمات كشفا أو حكومة كما سيظهر ان شاء اللّه ؛ فما صرّح به الشيخ (1) من عدم تأتّي الاهمال في النتيجة مطلقا بناء على اجراء المقدمات في مسألة مسألة لا وجه له كما عرفت.

لكن الظاهر عدم تمامية المقدمات من العلم الاجمالي بالتكليف وبطلان الاحتياط وسائر الاصول في كل مسألة مع قطع النظر عن غيرها ، والمسلّم تماميتها في معظم المسائل التي انسدّ فيها باب العلم ، فحينئذ يتأتّى مسألة الاهمال والتعيين مطلقا موردا وسببا ومرتبة على حسب اختلاف تقرير المقدمات كشفا وحكومة.

وقبل الاشارة إلى ما لكل من التقريرين من الآثار واللوازم اهمالا وتعيينا في كل من الجهات الثلاثة لا بدّ من بيان ما هو الحق من التقريرين ثم الاشارة إلى آثارهما فنقول :

انّ التحقيق هو تقرير الحكومة لا الكشف ، حيث انّه عند تمامية المقدمات من العلم الاجمالي بالتكاليف وبقائها بالنسبة الينا ولزوم التصدّي لامتثالها مع بطلان الاحتياط وسائر الاصول لا يلزم على الشارع أن يجعل حجة في مقام الطريقية والامتثال بالنسبة إليها حتى يستكشف بالمقدمة الخامسة وهو قبح ترجيح المرجوح على الراجح انّه هو الظن لامكان ايكاله إلى طريقة العقلاء وديدنهم في مقام امتثال مواليهم العرفية على حسب مراتب المقامات فانّ ديدنهم هو الامتثال بالعلم التفصيلي مع التمكن عنه ، وإلاّ فالامتثال بالعلم الاجمالي ، وإلاّ فالامتثال

ص: 178


1- فرائد الاصول 1 : 465 - 466.

الظني ، وإلاّ فالامتثال الاحتمالي ، فمع طريقة العقلاء في البين كيف يستكشف على نحو اليقين جعل الشارع حجة في البين ولا بد من كون نتيجة المقدمات قطعية وحينئذ فبمجرد عدم الاستكشاف القطعي بجعل الشارع حجة في البين مع كون الامتثال بنحو لازما بمقتضى تلك المقدمات فيستقل العقل على نحو الحكومة بلزوم الامتثال على طبق طريقة العقلاء وهو الامتثال الظني بعد عدم التمكن من العلم والعلمي.

نعم لو لم يكن في البين طريقة منهم للامتثال أصلا فيحكم العقل بعد جريان مقدمات الانسداد انّه لا بد للشارع أن يجعل في البين حجة يتطرّق بها ، للزوم نقض الغرض بدونه ، وأمّا مع وجود طريقتهم فلا نقطع على الكشف فتصير الحجية من قبل الشارع مشكوكة مثل السابق على اجراء المقدمات فيستقل على الحكومة العقلية من انّه يلزم التطرق بالظن على المكلف ولا يجوز اكتفاؤه بما دونه وإلاّ لما صار معذورا في مخالفة الواقع عند ترك العمل بالظن وانه ليس للشارع مطالبة الأزيد منه لعدم التمكن منه كما انّه لو فرض والعياذ باللّه انسداد باب الظنون أيضا بالكلية يحكم العقل بكفاية الامتثال الاحتمالي وليس له التكليف بغيره مع تلك المقدمات.

والحاصل : انّه مع وجود طريقة العقلاء في مقام الامتثال لا وجه للكشف القطعي بالحجية من قبل الشارع. وأمّا ما ذكرنا سابقا من لزوم كشف ايجاب الاحتياط من قبله - وإلاّ فلا حكم للعقل - فإنّما كان في مقام إثبات التكليف الفعلي بعد خروج العلم الاجمالي عن التأثير ببطلان الاحتياط الكلي والترخيص في بعض أطرافه وإلاّ لما قطع بتكليف فعلي في البين كي يلزم التعرّض للامتثال لا في مقام الاطاعة والامتثال بعد احراز التكليف الفعلي في البين.

ولا يخفى انّ الاشكال على الكشف والاستقلال على نحو الحكومة لا فرق

ص: 179

فيه بين أن نقول بحجية الظن أو بلزوم العمل به من باب التبعيض في الاحتياط الكلّي لاستقلال العقل برفع اليد عن الاحتياط في الموهومات والعمل به في المظنونات في مقام الدوران.

هذا كله مع عدم حصول القطع بحجية الظن مع احتمال حجية طريق آخر غيره في بعض صور الكشف كما سيظهر ان شاء اللّه فهذا موهن آخر للكشف.

فان قلت : بناء على حكومة العقل بحجية الظن فيستكشف ذلك شرعا أيضا من جهة الملازمة بين حكم العقل والشرع وان لم يكشف بالمقدمات ابتداء.

قلت : ليس المقام محل الملازمة ولو على القول بها في سائر المستقلات لأنّ حكم العقل بحجية الظن له طرفان :

أحدهما : انّه لا يجوز للشارع التكليف بالأزيد منه وهو راجع إلى فعل الشارع ولا معنى للملازمة في فعله لعدم معقولية كون فعله محكوما بحكمه.

وثانيهما : انّه لا يجوز للمكلف الاقتصار بما دون الظن وهو وان كان راجعا إلى فعل المكلف ومحلا للملازمة من هذه الجهة الاّ انّ حكم العقل بلزوم العمل بالظن على المكلف إنّما كان راجعا إلى الاطاعة ، وليس في باب الاطاعة بمراتبها ملاك للحكم المولوي من الشارع من كون الأمر داعيا إلى العمل من جهة ايراثه المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة والتقرب به إلى اللّه تعالى ، لكونها متحققة في الأمر الواقعي فلا يكون الأمر بالاطاعة إلاّ ارشاديا ، وإلاّ لزم امّا اجتماع المثلين في الملاك او يحصل الحاصل ، مع استلزامه التسلسل ، كما لا يخفى.

فان قلت : بناء على ذلك يكون تقرير الكشف محالا ، لعدم ملاك للجعل الشرعي المولوي فكيف يبنى على عدمه من جهة عدم الدليل عليه وكيف جعل الطرق الخاصة للاطاعة في زمان الانفتاح.

ص: 180

قلت : انّ ما ذكرنا من عدم جعل الحكم المولوي إنّما هو فيما إذا رجع الجعل إلى نفس الحكم العقلي وهو وجوب الاطاعة الظنية مع بقاء موضوعه وهو عدم التمكن من العلم والعلمي حيث انّه مع بقاء التكليف وعدم التمكن منهما يستقل العقل بوجوب الاطاعة الظنية لا فيما إذا رجع الجعل إلى الموضوع بأن ينقلب ويصير معه الاطاعة علميا وإلاّ فهو بمكان من الامكان ويصير الامتثال بمجرد جعل الشرع الطرق علميا ويكون الحكم بوجوب الاطاعة العلمية أيضا عقليا لا شرعيا إلاّ ارشاديا.

إذا عرفت ما ذكرنا ما هو التحقيق من التقريرين فاعلم : انّهما يختلفان من حيث التعيين والاهمال موردا ومرتبة وسببا ، ومن حيث التعيين أيضا عموما وخصوصا.

بيانه : انّ النتيجة بناء على الحكومة سواء كان من جهة حكم العقل بحجية الظن أو من جهة حكمه باختيار العمل بالظن من باب التبعيض لا بدّ من كونها معيّنة ولا يكاد أن تكون مهملة لعدم الاهمال في حكم العقل لكون موضوعه وما هو ملاك حكمه معيّنا.

إلاّ انّه تختلف الجهات الثلاثة المذكورة بناء عليها عموما وخصوصا.

امّا من حيث الموارد فقد قيل : - كما في الفرائد (1) - بالعموم ، لاستقلال العقل بعدم الفرق في باب الاطاعة والمعصية بين واجبات الفروع من أول الفقه إلى آخره ولا بين محرماتها.

لكنه : يمكن الفرق بعد بطلان الاحتياط الكلي والرجوع إلى الاصول في جميع الموارد بين المسائل بالاطاعة في بعضها بالاحتياط الشخصي ، وفي بعضها

ص: 181


1- فرائد الاصول 1 : 467.

بالظن ، أو في بعضها بالظن وبعضها الآخر بالرجوع إلى الاصول حسب اختلافها في كشف اهتمام الشارع في بعضها كما في الدماء والفروج وعدم الاهتمام في بعضها الآخر كما في باب الطهارة والنجاسة مثلا ؛ وهذا الاختلاف يتصور :

سواء قلنا بأنّ العمل بالظن من جهة التبعيض في الاحتياط وبقاء أثر العلم الاجمالي ، لأنّه كما يمكن التبعيض بحسب الظن والوهم برفع اليد عن الاحتياط في الثاني يمكن التبعيض بحسب اختلاف الموارد من حيث الاهتمام وعدمه فيجب الاحتياط في الأول ولو كان التكليف موهوما دون الثاني ولو كان مظنونا.

أو قلنا به من جهة كشف ايجاب الاحتياط دفعا لنقض الغرض بعد ارتفاع تأثير العلم الاجمالي ، بل الاختلاف في الثاني أوضح من الأول ، كما لا يخفى.

لا يقال : الاختلاف كيف يعقل بعد البناء على كون منجّز الانسداد هو حجية الظن.

لأنّا نقول : هذا بعد التنزل عن اثبات مطلق الظن بنفس الانسداد والاحتياط في التعميم إلى أمر خارج وهو عدم الفرق بين الموارد بناء على الحكومة فيكفي في الرد احتمال الفرق بين الموارد ، كما لا يخفى.

[ و ] أمّا من حيث المراتب فلا ريب في كون المعيّن في نظر العقل الأخذ بالظن الأقوى على تقدير الكفاية لكونه أقرب عنده من غيره فكما انّ الأقربية عنده موجبة لاختيار الظن دون غيره موجبة للأقوى أيضا لوحدة الملاك. نعم مع عدم الكفاية لا بدّ من التعدي.

وامّا من حيث الأسباب : فلا اشكال في العموم في نظر العقل من هذه الجهة وعدم الفرق في نظره بين الأسباب فيما هو المهمّ عنده من مراعاة الواقع بالأخذ بما هو أقرب إليه وهو الظن بلا خصوصية في حصوله من سبب خاص دون غيره وان كان يحتمل ذلك لو كانت الحجية من قبل الشارع ؛ ولا فرق بين كون الأسباب

ص: 182

مظنونة الاعتبار أو لا لعدم إيراث الظن بالاعتبار كون الظن الحاصل منه أقرب إلى الواقع في نظر العقل كما هو المهم عنده. نعم لو صار الظن بالاعتبار موجبا لأقوائية الظن فيكون متعيّن الأخذ من هذه الجهة.

هذا كله حال النتيجة بناء على الحكومة.

وأمّا بناء على الكشف فمن حيث الموارد فقد ادعي كما في الفرائد (1) الاجماع على عدم الفرق في العمل بالظن بين أبواب الفقه. ولكنه لا يخفى انّ دعوى الاجماع فيها بناء على الكشف وان لم يكن مثلها بناء على الحكومة في عدم تحقق موضوع الاجماع رأسا ولم يخرج الظن المطلق بسببه عن كون حجيته بدليل الانسداد وصيرورته ظنا خاصا ، لكون الاجماع على الملازمة بين الموارد في حجية الظن لا على أصل الحجية بل الدليل عليه هو دليل الانسداد ؛ إلاّ أنّ هذه المسألة لمّا كانت من المستحدثات بين المتأخرين مع كون الطريق العقلي وهو مقدمات الانسداد في البين فكيف يدّعى الاجماع القطعي الكاشف عن تعبد قطعي عن المعصوم علیه السلام ، فالتحقيق : أنّه على تقدير الاتفاق لا يكشف منه تعبد منه علیه السلام خصوصا مع اشتراك تقرير الكشف مع الحكومة في المقدمات.

وامّا من حيث الأسباب والمراتب : فيبتني الاهمال والتعيين عموما وخصوصا على استكشاف كون النتيجة هو الحجة مطلقا ولو لم تصل بنفسها ولا بطريقها كما هو مبنى المعمّم الثالث وهو الاحتياط - على ما سنشير إليه - فيتأتّى الاهمال أو كون النتيجة واصلة بنفسها أو مطلقا ولو بطريقها كما هو مبني المعمّمين الأوّلين كما سيظهر [ فيما يأتي ] (2) فلو كانت النتيجة هو الحجة غير الواصلة فلا بدّ من الاحتياط أولا ثم على تقدير عدم التمكن منه التنزل إلى حكومة العقل ثانيا كما

ص: 183


1- فرائد الاصول 1 : 467.
2- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

لو قلنا بالحكومة ابتداء وأمّا لو كانت النتيجة حجة واصلة بنفسها فيستقل العقل بالتعيين ابتداء على نحو العموم أو على نحو الخصوص من دون اجراء مقدمات انسداد على حدة. نعم لو كانت النتيجة واصلة ولو بطريقها فلا بدّ من اجراء مقدمات انسداد على حدة في الطرق مرة أو مرارا حتى ينتهي الأمر إلى الظن الواحد أو المتعدد المتساوي أو المختلف غير الكافي بمعظم الفقه الا المجموع وإلاّ فمع الاختلاف وكفاية البعض لا بد من اجراء مقدمات الانسداد أيضا لتعيين الطريق.

ولا يخفى انّ النتيجة في كل من هذه الوجوه المقررة على الكشف مهملة ابتداء وغير معيّنة بنفس المقدمات وإنّما كان التعيين في ضمن العموم أو الخصوص بضميمة حكم العقل ثانيا.

إذا عرفت ذلك فقد ذكر للتعيين على وجه العموم وجوه :

الاول : عدم المرجح لبعضها على بعض فيثبت التعميم ، لبطلان الترجيح بلا مرجح ؛ والاجماع على بطلان التخيير والتعميم بهذا الوجه يبتني على كون الحجة واصلة بنفسها ، وإلاّ لما كان لاثبات حجية كل ظن بمجرد عدم الترجيح وجه ، كما انّه يتمّ بذكر ما يصلح أو ذكر وجها للترجيح وابطاله وهي وجوه :

الاول : أن يكون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلى بعض آخر بالاجماع أو بالقطع مطلقا بمعنى تحقيق الاجماع على انّه لو كان ظن حجة بدليل الانسداد لكان الظن الفلاني ، مثل الخبر الصحيح المزكّى رواته بعدلين المعمول به عند الأصحاب غير الموهون بشيء من المعارضات حجة أيضا ، ولا يخرج الخبر المذكور بواسطة هذا الاجماع عن الظن المطلق الثابت حجيته بدليل الانسداد إلى الظن الخاص لأنّ الاجماع إنّما هو على الملازمة بين حجية ظن بدليل الانسداد وحجية ظن خاص ؛ والاجماع على الملازمة ليس دليلا على وجود اللازم بل الدليل عليه هو الدليل

ص: 184

على وجود الملزوم وهو مقدمات الانسداد فلا يخرج حجية الخبر المذكور مثلا عن الظن المطلق.

ولا بد من كون القدر المتيقن كافيا بالفقه ولو بضميمة المتيقن الاضافي مع عدم المانع عن حجيته من علم اجمالي بمخصص مثلا بالنسبة إليه في غيره وإلاّ فلا يثمر كونه قدرا متيقنا في الاقتصار عليه من بين الظنون. نعم لو كان كافيا مع عدم محذور في العمل به فلا ريب في كونه سببا للتعيّن بناء على كون النتيجة هو الحجة الواصلة بنفسها حيث انّه يكون بدليل الانسداد بضميمة الاجماع المذكور متيقن الحجية وغيره مشكوك الحجية فيبقى تحت الأصل. فالكلام في هذا المرجح إنّما هو في تحقق الصغرى وهو يختلف بحسب الأحوال والأشخاص وأمّا الكبرى فلا إشكال فيه.

الثاني : أن تكون بعض الظنون أقوى من بعض وقد ذكر كونه مرجحا للقضية المهملة.

ولكنه إنّما يكون كذلك بناء على كون النتيجة هو الحجة الواصلة بنفسها فحيث انّه لا معيّن في البين من قبل الشارع فيعلم انّ التعيين مفوض إلى العقل ، ومن المعلوم انّ الأقوائية ممّا يتطرق إليه العقل في مقام التعيين فيكون غيره مشكوك الحجية أيضا. نعم بناء على عدم لزوم وصول الحجة بنفسها أو مطلقا ولو بطريقها فلا وجه للتعيّن لو كان غير مظنون الاعتبار على الأول أو ولو لم يكن غيره أيضا مظنون الاعتبار على الثاني لاحتمال كون الحجة غير الأقوى وبقي في ورطة الاهمال ، وهذا بخلاف القدر المتيقن بالاجماع على الملازمة فانّه يكون متيقنا على جميع الاحتمالات من حيث الوصول وعدمه حيث انّ تيقنه ليس بالعقل حتى يفرق الصور بنظره.

ص: 185

ومن هنا ظهر انّ ما أورده الشيخ قدس سره في الفرائد (1) على هذا المرجح من أنّ كون الأقوى متيقنا إنّما هو بناء على الحكومة وأمّا على الكشف فلا لاحتمال كون المجعول حجة هو غيره ، إنّما يصح بناء على عدم لزوم وصول الحجة المجعولة بنفسها وأمّا بناء عليه فلا اشكال في كونه مرجحا كما عرفت. نعم لا بدّ من الاقتصار على الأقوى فالأقوى حتى ينتهي إلى قدر الكفاية ؛ وحيث انّ في كل مسألة لا بد من التجسس إلى أن يتحقق ظن لا يوجد فوقه آخر في تلك المسألة لا في مسألة اخرى فلا يشكل الاقتصار على الأقوى كما في الفرائد (2) بعسر الانضباط.

الثالث : أن يكون بعض الظنون مظنون الحجية دون غيره وحينئذ :

فان قلنا : بعدم لزوم وصول الحجة المجعولة أصلا لا بنفسها ولا بطريقها بلا اشكال في عدم كون الظن بالاعتبار مرجّحا لاحتمال كون المجعول واقعا غيره والفرض عدم لزوم الوصول فلا بدّ من الاحتياط أولا ثم التنزل إلى حكومة العقل ثانيا.

وان قلنا : بكون الحجة واصلة ولو بطريقها فلا بدّ من اجراء مقدمات انسداد اخرى لاثبات حجية الظن بالاعتبار مرة أو مرارا حتى ينتهي إلى ظن واحد بالاعتبار أو ظنون متعددة متساوية أو مختلفة غير كافية بمعظم الفقه إلاّ المجموع من حيث المجموع ، وأمّا ان كانت مختلفة وكان كل منها كافيا بالفقه فلا بد من اجرائها أيضا كما عرفت.

وأمّا بناء على لزوم وصول الحجة بنفسها لا بطريقها ففي كون الظن بالاعتبار مرجحا للقضية المهملة وعدمه وجهان.

ص: 186


1- فرائد الاصول 1 : 475 - 476.
2- فرائد الاصول 1 : 475.

فعن غير واحد الأول.

وأورد عليه الشيخ قدس سره في الفرائد (1) بما حاصله : انّ الترجيح كالحجية يحتاج إلى دليل بالخصوص يدل عليه ، وحيث انّه لا يجدي مقدمات الانسداد إلاّ في حجية نفس الظنون المتعلقة بحكم المسائل لا في حجية طريقها والفرض عدم جريان مقدمات اخرى في الطريق لعدم كون وصول الحجة بالطريق بل بنفسها ، فلا وجه لحجية الظن بالاعتبار فيبقى تحت الأصل ، فلا يكون الظن المظنون الاعتبار متيقنا بالنسبة إلى غيره بل احتمال حجيته بالخصوص معارض بحجية غيره بالخصوص لعدم مزية كلّ منهما بنفسه على الآخر ولا اعتبار بطريقه فيكون الحجة عند العقل هو الكلّ مع فرض لزوم الوصول بنفسها ؛ وما ذكر انّ الحجة والمعيّن يحتاج إلى الدليل دون المرجّح لا وجه له ، مع انّ الترجيح في المقام يرجع إلى التعيين أيضا كما لا يخفى.

والحاصل : انّ الظن بالاعتبار ما لم يقطع بحجيته لا يخرج عن الظن ولا يوجب صيرورة متعلقه متيقن الحجية لعدم خصوصية في متعلقه بنفسه ؛ والمزايا الواقعية كما يحتمل أن يتحقق فيه يحتمل ان يتحقق في غيره ايضا ؛ ولا فرق بين الترجيح والتعيين في احتياج كل منهما الى الدليل.

ولكنه لا يخفى انّ المظنون الاعتبار بناء على لزوم وصول الحجة بنفسها وان لم يكن متيقنا عند العقل بالنسبة الى غيره مع قطع النظر عن دليل الانسداد إلاّ انه بملاحظته يمكن ان يكون كذلك حيث ان الوصول لا بد ان يكون بنظره ، ومن المعلوم عدم خصوصية ومزية في غيره حتى يكون متيقنا وأمّا هو فيكون بسبب الظن باعتباره وان لم يكن بحجة أقرب إلى الحجية من غيره وبسبب هذه المزية

ص: 187


1- فرائد الاصول 1 : 474.

يراه العقل عند الدوران بينه وبين الجميع متيقن الوصول والحجية وغيره مشكوك الحجية فيؤخذ به لتيقنه ولا يتعدى إلى غيره لكونه مشكوك الحجية.

وملخص الكلام فيما ذكرنا انّه :

بناء على كون النتيجة هو الحجة الواصلة بنفسها لا بدّ من الترجيح بالقدر المتيقن أولا ، سواء كان من جهة الاجماع على الملازمة أو من جهة الأقوائية أو من جهة الظن بالاعتبار ، ثم التعميم ثانيا.

وبناء على كونها واصلة ولو بطريقها فان كان متيقنا من جهة الاجماع فيؤخذ به وإلاّ :

فان كان كلّ منها متساويا من حيث الظن بالاعتبار وعدمه فيؤخذ بالعموم.

وإلاّ فان كان كل منها مختلفا مع الآخر من هذه الجهة فلا بدّ من اجراء مقدمات انسداد اخرى حتى ينتهي إلى ظن واحد بالاعتبار أو متعدد متساوي.

نعم لو كان بين طرق الظنون قدر متيقن بالاجماع كاف يؤخذ به أيضا بلا اجراء المقدمات وبناء على عدم لزوم الوصول فيؤخذ بالمتيقن بالاجماع لو كان ، وإلاّ فيحتاط ، وإلاّ فيتنزل إلى حكومة العقل.

الثاني من طرق التعميم : ما سلكه غير واحد من انّ مظنون الاعتبار وان كان متيقنا فلا بدّ من أن يقتصر عليه أوّلا ، إلاّ أنّه لا بدّ من التعدي إلى المشكوك ثانيا أيضا ، امّا لعدم كفاية المظنون بالفقه ، أو للعلم الاجمالي بمخصصات بالنسبة إليه في غيره فلا بدّ من الأخذ بالمشكوك أيضا ؛ ثم لا بدّ من التنزل إلى الموهوم ثالثا للوجه المذكور.

ولكنه لا يخفى انّه لا بدّ من الترديد بانّه لو كان النتيجة هو الحجة ولو لم يصل فلا وجه للأخذ بالمظنون وان كانت واصلة ولو بطريقها فلا وجه للأخذ به بنفس مقدمات الانسداد الأولى ، بل لا بدّ من اجرائها ثانيا كما لا يخفى. نعم لو كانت

ص: 188

واصلة بنفسها فالاقتصار بالمظنون في محله ، إلاّ أنّه لا وجه للتعدي بسبب العلم الاجمالي ، لعدم العلم الاجمالي بمخصّصات بالنسبة إلى المظنون الاعتبار في غيره كي يوجب التعدي ؛ وعلى فرض مثل هذا العلم الاجمالي في المشكوك لا يسلّم في الموهوم ، فلا وجه للتعدي إلى مطلق الظن.

الثالث من طرق التعميم : ما حكاه شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه عن بعض مشايخه (2) من قاعدة الاشتغال بناء على انّ الثابت من دليل الانسداد هو حجية الظن في الجملة فإذا لم يكن قدر متيقن في الفقه وجب العمل بكلّ ظن.

ولكنه عرفت مرارا انّ التعميم بهذا الوجه يبتني على كون النتيجة هو الحجة غير اللازم الوصول ولو بطريقه كما انّه يبتني على عدم المتيقن الكافي في الفقه المجمع على الملازمة بين حجيته وحجية شيء بدليل الانسداد وإلاّ لما وصلت النوبة إلى الاحتياط ، ثم بعد وصول النوبة إليه فان لم يمكن ذلك وجب التنزل إلى حكومة العقل من العمل بكل ظن كان يعمل به على تقدير تقرير مقدمات الانسداد على الحكومة ابتداء ؛ هذا كله على تقرير المقدمات على نحو الكشف.

والتحقيق انّه :

بناء عليه تكون النتيجة هي الحجة الواصلة بنفسها أو بطريقها ، فلا بدّ من العمل بالمتيقن في البين لو كان بأسبابه التي عرفت ثم التعميم لو لم يكن بين الظنون اختلاف من جهة الأسباب ، وإلاّ فلا بدّ من اجراء مقدمات انسداد اخرى لتعيين الحجة منها.

وامّا بناء على الحكومة فلا اشكال في الاقتصار على الأقوى على تقدير الكفاية وعلى تقدير عدمها فلا بدّ من التعميم ؛ وأمّا من حيث الأسباب فلا فرق في

ص: 189


1- فرائد الاصول 1 : 497.
2- وهو شريف العلماء ؛ لاحظ ضوابط الاصول : 255 السطر 22 قوله : « وخامسا ».

نظره بينها أصلا.

تذنيبان :

الاول : انّه لا اشكال في خروج الظن القياسي بناء على تقرير المقدمات على نحو الكشف ؛ وأمّا بناء على حكومة العقل فيشكل.

بيانه : ان حكم العقل بحجيته مطلقا أو بحجية مرتبة خاصة منه وهو الاطمئناني منه مثلا وانّه ليس للشارع التكليف بما زاد منه ويقبح على المكلف الاكتفاء بما دونه بالعمل به من جهة التبعيض في الاحتياط ليس إلاّ من جهة كشفه الناقص عن الواقع وأقربيته إلى الواقع عن غيره بلا خصوصية بين حصوله من سبب دون آخر لعدم تفاوت الأسباب فيما هو ملاك الاطاعة في حال الانسداد من الأخذ بما هو أقرب إلى الواقع ، وحينئذ فان حصل من القياس هذا الانكشاف الذي لا اشكال في حجيته إذا حصل في غيره فيشكل في خروج هذا الظن عن الحجية وفي المنع عنه ، لاستلزامه تخلف العلة وهو الانكشاف والأقربية عن معلوله وهو الحجية حيث انّه لا ملاك عند العقل للحجية غير الأقربية بلا دخل لخصوصيات الأسباب عند العقل أصلا ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالحجية الشرعية من باب الكشف لاحتمال دخل ملاكات اخرى في الحجية وعدمها واقعا غير الانكشاف الكاشف عنها الأمر والنهي.

وزاد في الفرائد (1) في تقرير الاشكال : بأنّه لو فرض المنع عن القياس ممكنا لجرى احتماله في غيره أيضا فلا يستقل العقل بالحجية لاحتمال المنع واقعا ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلاّ قبح ذلك على الشارع اذ احتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلاّ بقبحه ، وهذا من افراد ما اشتهر من « انّ الدليل

ص: 190


1- فرائد الاصول 1 : 516 - 517.

العقلي لا يقبل التخصيص ».

ولكن في هذه الزيادة نظر ، حيث انّه قدس سره بعد ذلك يتصدى في دفع القبح عن النهي عن القياس فيرد عليه ما استشكل من ان العقل لا يستقل في غيره ايضا لاحتمال النهي بعد ارتفاع الصحيح ؛ فان أجاب : باستقلال العقل مع الاحتمال أيضا أي ما لم يقطع بالنهي كما صرح به فيما بعد ، فيرد عليه : بأنّه مع استقلال العقل مع عدم القطع بالنهي ؛ فلا توجب هذه الزيادة مزيد الاشكال ويكون ضمّه إليه غير مفيد أصلا.

ثم انّ مناط الاشكال لمّا كان هو قبح الارجاع من الأقرب - وهو الظن - إلى غيره من الشك والوهم فلا اختصاص له بالنهي عن الأمارة المفيدة للظن بل يرد على الأمر بالأمارة غير المفيدة للظن في مقابل الظن لتحقق مناط الاشكال من قبح ترجيح المرجوح على الراجح فيه أيضا كما لا يخفى ، ومع ذلك فلم يصر أحد بصدد اجراء الاشكال فيه.

وتوهم : عدم وقوع الأمر بخلاف النهي ، مدفوع : مضافا إلى انّ الاشكال في امكانه في مقام الثبوت ولو لم يقع في مقام الاثبات أصلا ؛ انّه لا اشكال في وقوع الأمر بالأمارة غير المفيدة للظن ولو في خصوص ما كان منها على خلاف القياس في مورده.

فان اجيب : بأنّ حكم العقل بحجية الظن فيما لم يكن أمارة معتبرة في البين كما هو احدى المقدمات ، وأمّا معها فلا حكم للعقل بحجية الظن أصلا لانفتاح باب العلمي معها.

فيقال : بأنّ النهي مثل الأمر في انفتاح باب العلمي معه فانّ مع كلّ منهما يحصل القطع بحجية الأمارة وعدمها ، فيكون العمل بالأمارة علميا وجودا وعدما ، ومع العلمي لا مجال للظن أصلا إذ لا اشكال في تقديم العلمي على الظن عند العقل

ص: 191

كما هو واضح. نعم لا بدّ من تصحيح كل من الأمر والنهي في حال الانسداد امّا بالمصلحة والمفسدة في مؤداهما أو بغلبة مطابقة الأمارة المأمور بها للواقع ومخالفة المنهي عنها له أو بمصلحة في نفسهما ، وهذا لا دخل له بالاشكال في المقام ، حيث انّه لا بدّ من تصحيح الأمر والنهي باحدى الجهات المذكورة ولو كانا في غير حال الانسداد.

فمن هنا ظهر انّ الاشكال من وجهين :

أحدهما مختص بالمقام وهو : انّ كلا من الأمر بالأمارة غير المفيدة للظن في مقابل الظن والنهي عن المفيدة له مستلزم لتخصيص حكم العقل بحجية الظن من جهة كونه أقرب إلى الواقع من غيره وقبح ترجيح غيره عليه.

والجواب عنه : انّ حكم العقل بحجية الظن معلق على عدم طريق علمي في البين إثباتا ونفيا ، ومن المعلوم انّ الأمارة بمجرد الأمر بها أو النهي عنها يصير علميا ويكون حصول الأمن من العقاب به وعدمه قطعيّا فيخرج عن موضوع حكم العقل بحجية الظن كما هو واضح فلا مجال للاشكال حينئذ ، لرجوع الاشكال في النهي عن القياس المستلزم للأمر بالأمارة في مورده إلى الاشكال في جعل المرتبة الثانية للامتثال وهو العلمي مع وجود المرتبة الثالثة وهو الظني وهو واضح الفساد.

ومن هنا ظهر انّ اشكال النهي عن أمارة أو الامر بها في حال الانسداد أوهن من اشكال جعل الطرق في حال الانفتاح حيث انّ الجعل هناك في جعل المرتبة الثانية مع التمكّن عن المرتبة الاولى للامتثال وربما لا يخلو عن اشكال ، وهاهنا كان في جعل المرتبة الثانية مع التمكن عن المرتبة الثالثة ولا اشكال فيه.

ثانيهما غير مختص به وهو : انّ كلا من الأمر بالأمارة والنهي عنها لا بدّ من اشتماله على مصلحة وبدونه لا يكاد يصح وهو لا يختص بمقام دون مقام

ص: 192

وبخصوص حال الانسداد بل يجري حال الانفتاح أيضا.

ومن هنا ظهر انّ الجواب عن الاشكال في المقام من قبح ترجيح غير الظن عليه لاستلزامه التخصيص في حكم العقل ينحصر في انّ حكم العقل كان على نحو التعليق بعدم المنع ؛ وبعبارة اخرى : انّه معلق على عدم انفتاح باب العلمي ومع النهي ينفتح باب العلمي سواء كان من جهة استكشاف حجية الاصول في مورد الأمارة المنهي عنها أو من جهة القطع بعدم حجيتها فيكون الأمن من العقاب بالعمل على خلافها وعدم الأمن منه بالعمل عليها قطعيا ؛ وبعبارة اخرى : يكون باب العلم بعدم حجية الأمارة مفتوحا ومعه لا حكم للعقل فيها.

وأمّا ما أورده الشيخ رحمه اللّه (1) على هذا الجواب : من انّه لا كلام في وجوب الامتناع عن القياس بعد منع الشارع إنّما الكلام في توجيه صحة نهي الشارع عن العمل به مع انّ موارده وموارد سائر الأمارات متساوية ، ففيه :

انّ الاشكال في تصحيح النهي إنّما هو بالنسبة إلى الاشكال الثاني وقد عرفت عدم ارتباطه بالمقام ، لا بالنسبة إلى الاشكال الأول وهو لزوم التخصيص في حكم العقل من قبح الارجاع إلى غير الأقرب مع وجوده ، وإلاّ فالجواب عنه منحصر بالتعليق والخروج الموضوعي ؛ حتى انّه مع ما ذكره قدس سره في تصحيح النهي من الالزام بالمفسدة في مؤدى القياس أو بكثرة المخالفة للواقع لا محيص عن الجواب بالتعليق أيضا كي يخرج النهي عن كونه تخصيصا في حكم العقل.

وأمّا ما اجيب عن اشكال القياس : بعدم المنع عنه في حال الانسداد واختصاصه بحال الانفتاح أو بعدم افادته بعد ملاحظة النهي عنه للظن ، فمندفع :

بأنّه ليس جوابا عن الاشكال بعد فرض النهي عنه في حال الانسداد

ص: 193


1- فرائد الاصول 1 : 529 - 531.

وحصول الظن منه كما هو الظاهر المحقق ، بل تسليم له ، غاية الأمر انّه منع لتحقق موضوع الاشكال ، وهو واضح الفساد.

وأمّا ما أجاب به الشيخ رحمه اللّه : (1) من توجيه المنع بالمفسدة في مؤدى القياس أو بكثرة مخالفته وان كان وجيها ، إلاّ أنّه كما عرفت جواب عن الاشكال في جعل الأمارة ولو في حال الانفتاح ، لا عن اشكال التخصيص في حكم العقل ، بل يحتاج من هذه الجهة إلى الجواب بالتعليق.

الثاني : أنّه لو قام ظن من افراد مطلق الظن على منع الشارع عن العمل ببعضها بالخصوص لا على عدم الدليل على اعتباره ففي العمل بالظن المانع ، أو الممنوع ، أو الأقوى منهما ، أو التساقط ، وجوه بل أقوال.

وربما ابتنت المسألة كما يظهر من شيخنا العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه على القول في النتيجة ، فانّه بناء على القول بحجية الظن المطلق في الفروع فالمتيقن هو العمل بالممنوع ، وعلى القول بحجية الظن في الاصول فالمتعين هو الأخذ بالمانع ، وعلى القول بحجيته مطلقا فيتأتّى الوجوه.

ولكن الأوجه تأتّي الخلاف على جميع الأقوال :

امّا بناء على حجية الظن في الاصول فيمكن فرض الظن المانع والممنوع كليهما من الاصول فيحتمل الوجوه.

وأمّا بناء على حجيته في الفروع فيحتمل عدم حجيته في كلّ منهما ، امّا المانع فواضح ، وأمّا الممنوع فلاحتمال انّ الحجة ما لا يحتمل فيه المنع من الظنون الفرعية.

وأمّا بناء على حجية الظن مطلقا اصولية أو فرعية فواضح.

ص: 194


1- فرائد الاصول 1 : 531.
2- فرائد الاصول 1 : 532 - 533.

وعلى كلّ حال فقد قيل باختيار الظن المانع مطلقا ، من جهة انّ خروج الظن الممنوع بناء عليه يكون من باب التخصيص حيث انّ الظن المانع يدلّ على عدم حجيته فيكون الممنوع حينئذ ممّا قام على عدم اعتباره دليل. وأمّا لو عمل بالظن الممنوع فيكون خروج الظن المانع حينئذ من باب التخصيص لعدم دلالة الظن الممنوع على عدم اعتبار الظن المانع وان كان ملازما له فيكون خروجه تخصيصا بلا وجه. ونظير ذلك كما في الاستصحاب السببي والمسببي.

ولكنه يرد عليه : بأنّ ما ذكر من الدوران بين التخصيص والتخصص وترجيح الثاني على الأول إنّما يصح فيما إذا كانت المسألة لفظية حيث انّ المتعين حينئذ ترجيح ما لا يلزم منه التصرف في اللفظ ، لا فيما إذا كانت المسألة عقلية كما في المقام فانّ الحاكم فيها هو العقل لا الاستحسانات المعمولة في الاستنباط من اللفظ.

كما انّ ترجيح الظن المانع بما ذكره الشيخ قدس سره (1) من انّ القطع بحجية الظن المانع عين القطع بعدم حجية الظن الممنوع دون القطع بحجية الظن الممنوع فانّه يستلزم القطع بعدم حجية الظن المانع لا انّه عينه ، راجع إلى الترجيح اللفظي أيضا بأنّ العينية غير موجب للتصرف في اللفظ ، دون الاستلزام فانّه موجب له فلا يناط به حكم العقل.

بل التحقيق : أن يقال : - بعد ملاحظة لزوم كون نتيجة مقدمات الانسداد قطعية وقبول حكم العقل بحجية الظن المطلق حال الانسداد للمنع - انّه :

ان كان ما لا يحتمل فيه المنع من الظنون بقدر الكفاية في الفقه فاللازم الاقتصار عليه ، دون التعدي إلى ما يحتمله ظنا أو شكا أو وهما ، حيث انّه بعد كون الأصل في الظنون حرمة العمل بها لا يتنزل إلى الأخذ بها إلاّ إذا قطع بحجيتها وهو

ص: 195


1- فرائد الاصول 1 : 533.

لا يحصل إلاّ إذا ألجئ إلى العمل بها ، ومع احتمال المنع في بعض الظنون وكفاية غيره ممّا لا يحتمل فيه المنع فلا يحصل الالجاء بالنسبة إليه فلا يحصل القطع بحجيته فلا يتنزل إليه ، وذلك ليس من جهة حجية الظن المانع بل من جهة عدم استقلال العقل وعدم الالجاء إلى الأخذ بالظن الممنوع فيبقى تحت أصالة عدم الحجية.

وأمّا ان لم يكن ما لا يحتمل فيه المنع بقدر الكفاية فلا بدّ من التنزل إلى ما يحتمل فيه ذلك حيث انّ النتيجة لا بدّ أن تكون بقدر الكفاية ولكن يتنزل أولا إلى محتمل المنع وهما ويكون احتمال المنع فيه حينئذ بمعنى احتماله لو لا مقدمات الانسداد ، وأمّا مع ملاحظتها فيقطع بعدم المنع وان لم يكن انضمامه إلى ما قطع فيه بعدم المنع كافيا أيضا فينضم إليها المشكوك أيضا ويكون الشك بالمعنى المذكور وإلاّ فينضم ما ظن فيه بالمنع بالمعنى المذكور أيضا.

ثم انّه لا فرق في عدم حجية محتمل المنع في الصورة الاولى بين كونه أقوى من غيره أم لا ، لما عرفت من عدم استقلال العقل بمجرد احتمال المنع وليس ذلك من باب الدوران وترجيح غيره عليه بل من جهة انّ العقل يستقلّ بحجية ما لا يحتمل فيه المنع ولا يكون الضعف مانعا عنده ولا يستقل بحجية ما يحتمل فيه ذلك فيبقى تحت الأصل ، ولا يحصل الالجاء بالنسبة إليه.

الأمر الثالث : انّه لا فرق في نتيجة مقدمات الانسداد : بين الظن الحاصل ابتداء من الأمارة بالحكم الفرعي الكلي كالشهرة أو نقل الاجماع على حكم ؛ وبين الحاصل به من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل كأن يحصل من الظن الحاصل من قول اللغوي بأنّ الصعيد لمطلق وجه الأرض الظن بجواز التيمّم بالحجر مع وجود التراب الخالص ، حيث انّه بعد حكم العقل بحجية الظن لا فرق بين الأسباب كما عرفت

ص: 196

سابقا ، ومنه يظهر عدم احتياج ذكر هذا التنبيه في هذا المقام.

ثم انّ الظن المتعلق بالألفاظ من قول اللغة حجّة من حيث استلزامه للظن بالحكم الفرعي الكلي بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام وان لم يكن باب العلم باللغة في غير المورد مسدودا حيث انّ المتبع هو حجية الظن بالحكم الفرعي فيكفي جريان المقدمات فيه. نعم في حجية الظن بالمعنى اللغوي بالنسبة إلى سائر الآثار المترتبة على تعيينه غير تعيين الحكم الشرعي الكلي - كالوصايا والاقارير - اشكال أقواه العدم ، لأنّ مرجع العمل فيها بالظن إلى العمل بالظن في الموضوعات الخارجية المترتّبة عليها أحكام جزئية غير المحتاجة إلى بيان الشارع حتى يدخل فيما انسدّ فيه باب العلم ؛ وكذا لا فرق في الظن بالحكم بين الحاصل من أمارة متعلّقة به ابتداء وبين الحاصل من أمارة متعلقة بالموضوع الخارجي ككون الراوي عادلا أو مؤمنا وكون زرارة هو ابن أعين لا ابن لطيفة.

ومن هنا ظهر انّ الظنون الرجالية معتبرة بناء على اعتبار الظن بالأحكام ولا يحتاج من حيث دخلها في حصول الظن بها إلى ادراج أقوال أهل الرجال في الشهادة أو في الرواية وان كان يحتاج إليه في سائر الثمرات مثل الأحكام المترتبة على العدالة ونحوها.

ثم انّ استفادة الحكم الكلي من الدليل اللفظي غير العلمي مثل الخبر الواحد يتوقف على جهات عديدة : من الدلالة ، وصحة السند ، وكون وجه الصدور لبيان حكم اللّه الواقعي بلا داع آخر من تقية ونحوها ، فلا يخلو :

فاما أن يمكن تحصيل العلم والعلمي بكل من هذه الجهات.

أو لا يمكن في واحد منها ، فلا اشكال في لزوم تحصيل العلم أو العلمي في كل منها في الصورة الاولى والاكتفاء بالظن في الصورة الثانية.

وامّا ان يمكن منه في بعض منها دون بعض.

ص: 197

ففي الاكتفاء بالظن في كل ما يتمكن من تحصيل العلم فيه من الجهات اشكال ، أقواه تحصيل العلم فيه ، إذ مرجعه إلى لزوم تحصيل الظن القوي أو ما هو بحكمه من حيث تقليل جهات احتمال إطلاق وعدم الاكتفاء بالظن الضعيف ، ومن المعلوم استقلال العقل بلزوم تحصيل ما هو أقرب إلى الواقع بقدر الامكان ، ومع امكانه لا إلجاء بالنسبة إلى الأخذ بالظن الضعيف.

الأمر الرابع : انّ الثابت بدليل الانسداد هو الاكتفاء بالظن في تعيين الأحكام الكلية الإلهية بمعنى انّ المظنون إذا كان موافقا للواقع فيثاب عليه ولو كان مخالفا له فيكون المكلف معذورا في مخالفته وأمّا في مقام الامتثال وتطبيق العمل عليه فلا تدل مقدمات الانسداد على الاكتفاء في هذا المقام بالظن لعدم انسداد باب العلم فيه دون مقام تعيين الحكم الكلي لكونه منسدّا فيه.

مثلا لو كان المظنون في حال الغيبة وجوب صلاة الجمعة فيكون الظانّ معذورا على تقدير كون الواجب صلاة الظهر ، وأمّا لو ظن إتيان الجمعة خارجا فلا يكون معذورا في مخالفتها على تقدير الاكتفاء بالظن مع مخالفته للواقع بل يعاقب على تركها.

والسرّ : انّ الظن بالاتيان ليس ظنا بالحكم مع كون العمل مما يمكن تحصيل العلم به ، ولا يقاس بحجية الظن الحاصل من قول اللغوي ونحوه من حيث استلزامه للظن بالحكم الشرعي كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر انه لو كان موضوع كلي ذا حكم شرعي معلوم أو مظنون لا يعمل فيه بالظن إذا شكّ في انطباقه على مصاديقه الخارجية ؛ وبعبارة اخرى : الظن يكون موضوع جزئي من مصاديق ذاك الموضوع المحكوم بحكم كذا ليس بحجة من جهة اجراء مقدمات الانسداد في الأحكام الكلية ومنها حكم ذاك الموضوع حيث انّ الظن بانطباق الموضوع على المصداق الجزئي ليس ظنا

ص: 198

بالحكم الشرعي المتوقف على بيان الشارع وان كان ظنا بجزئيه غير المتوقف عليه.

نعم يمكن اجراء نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات كما في مثل الضرر ونحوه حيث انّه كان موضوعا لأحكام شرعية كثيرة من وجوب التيمم والافطار ونحوهما وكان العلم في غالب مصاديقه منسدّا وكان اجراء الاصول فيها مستلزما للمخالفة القطعية الكثيرة التي احرز انّها ممّا لا يرضى الشارع في الموضوع الذي يراد اجراء المقدمات فيه فيقطع من تلك المقدمات بحجية الظن. نعم في الموضوعات التي لم يحرز اهتمام الشارع فيها لا يتمّ اجراء المقدمات لعدم العلم بمحذورية المخالفة الكثيرة فيها كما لا محذور فيها في مثل الطهارة والنجاسة.

الأمر الخامس : في اعتبار الظن في اصول الدين وعدمه.

واعلم انّ المطلوب المهمّ في المسائل الاعتقادية ليس مجرد العلم بها بل الأثر المرغوب فيها هو الالتزام بها قلبا وعقد القلب عليها باطنا وهي في مقابل الفروع التي كان المطلوب فيها أولا وبالذات هو العمل جارحا وان وجب الاعتقاد بها جانحا ثانيا من باب الالتزام بما جاء به النبي صلی اللّه علیه و آله .

إذا عرفت المهم فيها فاعلم : انّ البحث فيها في المقام من جهتين ، ولا يكون البحث فيها من كل من الجهتين داخلا في المسائل الاصولية.

الاولى : انّه هل يحكم العقل بوجوب المعرفة والاعتقاد في الاعتقاديات أم لا؟ وانّه هل يكتفى بالظن فيما يحكم فيه بتحصيل الاعتقاد أم لا؟ وكلما يحكم فيه العقل بوجوب الاعتقاد لا يستتبع حكما مولويا شرعيا كما سيظهر ان شاء اللّه ؛ ومن المعلوم انّ البحث عن حكم العقل غير المنتج للحكم الشرعي يكون داخلا في المسائل الكلامية.

ص: 199

والثانية : في انّ بعض ما لا حكم فيه للعقل هل كان للشرع فيها حكم بوجوب المعرفة أم لا؟ وانّ غير العارف باليقين فيها وان كان ظانّا هل كان موضوعا لبعض الأحكام الشرعية وضعية كانت أو تكليفية من النجاسة وعدم التوارث من المسلم والمناكحة ووجوب قتله وسائر آثار الكفر أم لا؟ ومن المعلوم انّ البحث عن هذه الجهة كان داخلا في المسائل الفقهية نظير البحث عن وجوب بعض الأعمال وعدمه ، ولكن البحث عنها في الاصول كان من باب الاستطراد.

إذا عرفت ذلك فنقول : انّه لا بد من التكلم في الاعتقاديات في امور :

الأول : انّ ما يجب معرفته والالتزام به على ثلاثة أقسام :

منها : ما يستقل العقل بلزوم معرفته ووجوب الالتزام به امّا من باب استقلاله بقبح تركه في نفسه ، أو من باب خوف الضرر عليه وهذا كمعرفة المنعم تعالى بذاته المستجمعة لجميع الصفات الوجوبية الكمالية ومنها العدل واختصاصه من بين الصفات لمزيد الاهتمام به والمنزهة عن النقائص الامكانية ومعرفة نبيّة بشخصه ونسبه ومعرفة الامام كذلك على وجه صحيح مقرر في علم الكلام.

وثانيها : ما يجب معرفته والالتزام به لكونه ممّا جاء به النبي صلی اللّه علیه و آله وأخبر به ، والعقل يحكم بوجوب معرفة ما جاء به النبي صلی اللّه علیه و آله بحيث لو لا هذه الجهة لما كان لهذا القسم خصوصية من بين سائر الأشياء يحكم العقل بوجوب معرفته من بينها ، وهذا القسم في الحقيقة من رشحات القسم الأول حيث انّ معرفة النبي صلی اللّه علیه و آله والتصديق بنبوّته المطلقة التي كانت بمعنى عند الخاصة وهو : أن يكون النبي صلی اللّه علیه و آله معصوما عن الزلل والخطأ والنسيان ومنزها عن المعصية وارتكاب القبيح كانت مستلزمة للتصديق بما جاء به وأخبر به وإلاّ لما حصل التصديق بنبوته بالمعنى المذكور ، وان أبيت عن ارجاعه إليه على وجه غير صحيح كما عند العامة فلا دليل

ص: 200

عقلا ولا نقلا على وجوب الالتزام بما جاء به النبي وأخبر به وان وجب العمل به جارحا.

وثالثها : ما وجب معرفته شرعا كمعرفة الإمام على وجه غير صحيح ولقوله صلی اللّه علیه و آله : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » (1) وكمعرفة المعاد ، بداهة انّه من ضروريات الدين وأخبر به سيد المرسلين وان استقل العقل بثبوته أيضا إلاّ أنّه ليس استقلاله على وجه يوجب معرفته بنفسه أو ليتديّن به كما هو كذلك شرعا.

الثاني : انّ ما استقل العقل أو دل النقل على وجوب معرفته كما في الخمسة المذكورة فلا اشكال ، وما لم يدل دليل عقلا ونقلا على وجوب معرفته بالخصوص وشك فيه فقد استدل على وجوب معرفته بقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (2) ، وقوله صلوات اللّه عليه : « ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الخمس » (3) ، وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام علیه السلام بها لوجوب النفر لمعرفة الامام بعد موت الإمام السابق ، وعمومات وجوب طلب العلم.

وفي كل منها نظر.

امّا الآية : فلأنها لو لم تكن مختصة بكون غاية الخلقة هو معرفة اللّه تعالى حيث انّ من المعلوم تعلق قوله تعالى : ( لِيَعْبُدُونِ ) باللّه تعالى وقد فسر بالعرفان بنفسه فيبقى متعلقة بحاله فلا أقل من عدم الاطلاق لها بالنسبة إلى وجوب المعرفة

ص: 201


1- وسائل الشيعة 11 : 492 الباب 33 من ابواب الامر والنهي ، باب تحريم تسمية المهدي علیه السلام ، الحديث 23 ؛ الكافي 2 : 21 باب دعائم الاسلام ، الحديث 9 ، لكن باختلاف.
2- سورة الذاريات : 56.
3- وسائل الشيعة 3 : 25 الباب 10 من ابواب اعداد الفرائض ، الحديث 1. لكن ليس فيه « الخمس ».

لكونها مسوقة لبيان حكم آخر وهو ذكر غاية الخلقة لا حكمها والقدر المتيقن هو معرفته تعالى كما لا يخفى.

وأمّا الرواية : فهي في مقام بيان فضيلة الصلوات الخمس لا في مقام بيان حكم المعرفة.

وآية النفر في مقام بيان ما يتوسل به إلى معرفة ما يجب معرفته لا بيان ما يجب معرفته ، واستشهاد الإمام علیه السلام إنّما هو لبيان انّ النفر طريق المعرفة الواجبة لا لوجوب معرفة الإمام علیه السلام حيث انّه كان مركوزا مفروغا عنه عند السائل وإنّما كان السؤال عن طريق الاهتداء إلى سبيل في تحصيلها.

وأدلة وجوب طلب العلم في مقام الترغيب والتحريض إلى طلبه لا في مقام بيان ما يجب تحصيل العلم فيه.

فلا عموم ولا إطلاق لواحد من المذكورات بالنسبة إلى ما يلزم فيه تحصيل المعرفة. وحينئذ فان لم يبق شك في وجوب الاعتقاد في ما شك فيه ابتداء فهو ، وإلاّ :

فان كان الشك في وجوب المعرفة به شرعا فأصالة البراءة بالنسبة إليه عقلا ونقلا محكمة.

وأمّا لو شك في وجوب المعرفة عقلا ، مثلا شك في وجوب معرفة الإمام علیه السلام من جهة أداء تركه إلى الكفران الموجب للخلود في النار فيحتمل الضرر بتركه فيجب دفعه عقلا بتحصيل المعرفة به ؛ ولا منافاة بين ما ذكر من الشك عند العقل من المقتضي لايجاب المعرفة وهو الضرر بتركها مع ما هو المسلّم من عدم الشك في الأحكام العقلية للقطع بعدمه ابتداء وبايجابه بعد احتمال الضرر وإنّما كان الشك في المقتضي كما لا يخفى.

الثالث : انّه هل يكتفى بالظن فيما يجب المعرفة به أم لا؟ فنقول :

ص: 202

انّ ما كان معرفته واجبة عقلا كما في الواجب تعالى والنبي صلی اللّه علیه و آله والإمام علیه السلام على وجه صحيح فمع التمكن من تحصيل العلم به فلا اشكال في انّ العقل كما يستقل بلزوم المعرفة دفعا للضرر المخوف ، كذلك يستقل بلزوم المعرفة القطعية لاحتمال الضرر بدونها أيضا فيحكم بايجابها وانّه لا تكفي المعرفة الظنية ؛ وأمّا مع العجز وعدم التمكن من تحصيل العلم فبالنسبة إلى موضوعه فالظاهر انّه لا اشكال في تحققه بالنسبة إلى القاصرين الغافلين ، ومن الواضح انّه ليس الأمر في الاعتقاديات بواضح كي يكشف الخطأ عن التقصير فيها.

وأمّا قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (1) وقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ) (2) وقوله تعالى : ( فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) (3) فلا دلالة لها على عدم تحقق موضوع العاجز.

أمّا الآية الاولى : فالجواب عنها : انّ العاجز عاجز عن المجاهدة كما في صورة الغفلة المحضة.

وأمّا عن الثانية : فبأنّ المراد بيان الغرض من خلق نوعي الجن والانس وانّه لتكتمل النفوس بمعرفة [ باريها ] (4) فلا ينافي عجز بعض الاشخاص ، وإلاّ لزم عدم وجود المجنون.

وأمّا عن الثالثة : فبأنّ المراد انّ آيات المعرفة موجودة في الأنفس كما كانت موجودة في الآفاق كما في قوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ

ص: 203


1- سورة العنكبوت : 69.
2- سورة الذاريات : 56.
3- سورة الروم : 30.
4- في الاصل المخطوط ( باريهم ).

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ ) (1) فلا ينافي عروض الحجاب عن النظر إليها والتأمّل فيها بقصر قاصر. نعم الانصاف انّه قليل في مورد الغفلة المحضة وإلاّ فمع الالتفات ولو في بعض الأوقات لو كان الانسان بصدد تزكية النفس والمجاهدة معها وتضعيف القوى الشهوانية والتخلق بالأخلاق الحميدة والملكات الحسنة كما هو الظاهر من المجاهدة في الآية - لا بمعنى الاجتهاد والنظر - فاللّه يهدي إلى السبيل بمقتضاها ، ولكن الغالب انّه مع الالتفات يأخذه التعصب والعناد وحماية طريقة الآباء والأجداد ، اذ حبّ طريقة السلف قل أن يتخلف [ عنه ] (2) الخلف فيعتقد بحقية ما أخذه السلف واعتقد ولو كان مخالفا ، فيكون مقصرا. وعلى كل حال فالجاهل العاجز يسقط عنه التكليف بالمعرفة القطعية المحكومة بها عقلا ، وأمّا وجوب المعرفة الظنية فالظاهر انّ العقل لا يستقل بلزوم تحصيلها لو لم يستقل بعدم لزومها حيث انّ الظن لا يغني من الحق ، ويحتمل معه الوقوع على خلاف الواقع فيكون محذوره أشد خصوصا مع امكان الالتزام بالواقع على ما هو عليه على نحو الاجمال بل هو المتعين عند العقل. هذا فيما يجب تحصيل المعرفة به عقلا.

وامّا ما يجب تحصيل المعرفة به شرعا كما في الإمام علیه السلام على وجه والمعاد وبعض تفاصيله فلا دليل فيها على العمل بالظن سواء كان في صورة التمكن من تحصيل العلم أو في صورة العجز.

أمّا الأدلة الدالة على وجوب المعرفة كقوله صلی اللّه علیه و آله : « من مات ولم يعرف إمام الخ » (3) فلظهورها في المعرفة القطعية وعدم شمولها للظنية.

ص: 204


1- سورة فصلت : 53.
2- في الاصل المخطوط ( عن ).
3- وسائل الشيعة 11 : 492 الباب 33 من ابواب الامر والنهي ، باب تحريم تسمية المهدي علیه السلام ، الحديث 23 ؛ الكافي 2 : 21 باب دعائم الاسلام ، الحديث 9 ، لكن باختلاف.

وأمّا الأدلة الدالة على اعتبار الظن ، ففيها : مضافا إلى انصرافها إلى ما لا بدّ فيه من العمل بأحد الطرفين وعدم خلوّه عن أحد طرفي الفعل فلا يشمل مثل المقام ممّا كان المطلوب فيه الالتزام فانّه يمكن الالتزام بنفس الواقع على ما هو عليه من دون الالتزام بأحد طرفي المظنون تفصيلا انّه :

على تقدير التسليم إنّما تجدي الأدلة الدالة على حجية الظن في المقام لو كان وجوب الالتزام من آثار الواقع لا من آثار العلم به كما هو الظاهر في المقام فانّه من آثار العلم به ، بل ومثله جواز الإخبار فانّه من آثار العلم بالمخبر به فلا يجدي فيهما الأدلة الدالة على تنزيل المظنون منزلة الواقع في ترتيب أثرها عليه ولا دلالة لها على تنزيله منزلة العلم به.

ومن هنا ظهر حال إخبار بعض الواعظين على طريق اليقين عن كيفيات الحشر والنشر بمجرد ورود خبر واحد ، فانّه لا يجوز إلاّ على الابراز بصورة المظنون أو الإخبار بالمستند.

الرابع : في الآثار المترتبة على من لم يحصل له المعرفة ، اخروية أو دنيوية ، وضعية وتكليفية.

أمّا بالنسبة إلى الاخروية فان كان عدم معرفته عن تقصير منه فلا اشكال في استحقاقه العقوبة وما يترتب على الكفار من الخلود في النار ؛ وإلاّ : فان كان عن قصور منه فان كان معاندا للحق فلا يبعد أن يكون كذلك ؛ وإلاّ فلا يستحق العقوبة عقلا حيث انّ مسألة المعذورية وعدمها ليست شرعية كي تدور مدار النقل أو الاجماع على أحد الطرفين بل عقلية محضة وهو يستقل بمعذورية الجاهل العاجز عن تحصيل العلم عن قصور ، وعرفت انّ الاعتقاديات ليست من البديهيات

ص: 205

كي يكشف الجهل عن تقصير فيها. نعم انّ هذا الشخص ليس له في الآخرة من حظ ونصيب ان كان الجهل لقصور ذاته ودناءة رتبته وخساسة فطرته وان كان ذلك لأجل امور غريبة خارجية وإلاّ كان من أجل شرافة ذاته ذا أخلاق كريمة ويطلب الحق وبحثه وان لم يعرفه فهو ممن يرجى [ له ] من رحمة ربه.

وأمّا بالنسبة إلى الآثار الدنيوية من الطهارة والنجاسة وجواز المناكحة والتوارث وغيرهما :

فان لم يقرّ بالشهادتين باللسان فيترتب عليه آثار الكفر من النجاسة وعدم جواز المناكحة وعدم التوارث من مورّث مسلم ، بل يجب قتله وان كان بالنسبة إلى عدم الاعتقاد بالجنان معذورا إذا كان جهله عن قصور ولم يعاند الحق.

وأمّا ان كان مقرّا بالشهادتين باللسان فيترتب عليه آثار الاسلام من الطهارة والمناكحة والتوارث ونحوها ان لم يعلم بعدم التزامه بما يقرّ به لسانا بالجنان ، بل وان علم به ، بل ولو كان ذلك عن تقصير موجب للعقوبة والخلود في النار إلاّ أنّه يترتب عليه آثار الاسلام بحسب تلك الآثار الدنيوية كما يظهر من معاملة النبي صلی اللّه علیه و آله مع المنافقين في زمانه معاملة المسلمين في الطهارة وسائر الآثار ؛ والظاهر عدم اختصاص ذلك بصدر الاسلام ، لأجل التوصل به إلى زيادة الشوكة ، لعموم العلة لغيره وان كان لها مزيد اختصاص بصدر الاسلام وهو لا يوجب الاختصاص كما لا يخفى.

الخامس : انّ الظاهر بل المقطوع عدم وجوب النظر والاجتهاد مستقلا كما نسب إلى الشيخ قدس سره (1) بل طريقا إلى حصول المعرفة القطعية فان حصلت بغيره من التقليد بالنسبة إلى من كان حسن ظنه به من الآباء والامهات وغيرها أو من

ص: 206


1- العدة 2 : 730 - 731.

المجاهدة مع النفس وتزكيتها من الملكات الرذيلة وتحليتها بالملكات الحسنة كما انّ ذلك هو الظاهر من قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (1) فلا شبهة في عدم وجوب النظر بعد ذلك ، بل لا معنى له ، لكونه لغوا بالنسبة إلى حصول المعرفة إلاّ على تقدير تحصيل الحاصل مع انّ المرتكز في ذهنه من المقدمات من حسن الظن وعدم خطأ من قلّده نحو من النظر والاجتهاد.

ولو كان حاصلا من المقدمات الاجمالية فان كان المراد من النظر والاجتهاد المدعى عليه الاجماع في كلام العلاّمة قدس سره (2) وغيره أعمّ من ذلك فلا يبقى مورد للتقليد إلاّ في موارد حصول الظن منه لا العلم وإلاّ فلا اجماع عليه بعد حصول المعرفة القطعية لا بنحو الشرطية للاسلام كما هو الظاهر من العلاّمة قدس سره (3) ولا على كونه واجبا مستقلا معفوا عنه كما نسب إلى الشيخ قدس سره (4) وإلاّ لما كان دليل على العفو. وامساك النكير من العلماء بالنسبة إلى المقلدين لو لم يكن دليلا على عدم الوجوب أصلا لما كان دليلا على العفو ، حيث انّ النظر لو كان واجبا ولو كان ممّا عفي عنه كما في الظهار لم يكن وجه لامساك النكير لكفاية وجوبه في الانكار على تاركه كما كان كذلك في مسألة الظهار.

الأمر السادس : إذا بنينا على عدم حجية ظن أو على عدم حجية الظن المطلق فهل يترتب عليه آثار أخر غير الحجية على الاستقلال مثل كونه جابر الضعف سندا ودلالة أو كونه موهنا لحجة اخرى كذلك بحيث لو لا ذلك لكان حجة أو مرجحا لأحد المتعارضين على الآخر بحيث لو لا ذلك لما كان ترجيح في البين ،

ص: 207


1- سورة العنكبوت : 69.
2- الباب الحادي عشر : 3.
3- الباب الحادي عشر : 5.
4- عدة الاصول 1 : 132 و 2 : 731.

أم لا؟

ويقع الكلام :

تارة : في الظن الذي لا دليل على اعتباره ويكون عدم اعتباره من جهة بقائه تحت أصالة عدم الحجية مثل الشهرة مثلا.

واخرى : في الظن الذي دل الدليل على المنع عنه بالخصوص مثل القياس ونحوه.

وملخص الكلام في الأول : انّه لا بدّ أن يلحظ الدليل على حجية الخبر الذي كان الظن الخارجي على طبقه أو على خلافه ؛ أو الدليل على الترجيح ، فان كان يشمله مع الظن على طبقه وان كان لولاه لما كان يشمله أو لا يعمّه مع ذلك الظن ، وان كان لولاه ليعمّه أو يدل على الترجيح بذلك الظن ، وان كان لولاه لما حصل ترجيح في البين فلا اشكال في ترتب الآثار المذكورة على الظن المذكور مثل الشهرة ونحوها لا من أجل حجيتها بل من أجل تحقق موضوع الحجة أو فقده بسببه وان لم يتحقق أو لم يفقد بدونه.

تفصيله في مقام الجبر أن يقال : لو كان مثلا خبر ضعيف السند وفاقد لشرائط الحجية فان حصل ظن خارجي على طبقه فان كان الدليل على حجية الخبر مثل آية النبأ ونحوها ممّا دلّت على حجية خبر العادل تعبدا وكان عدم حجية ذلك الخبر لأجل فقدانه لما هو المعتبر فيها من العدالة فلا اشكال في عدم حصول الجبر بمجرد الظن الخارجي على طبقه لعدم كونه سببا لتحقق ما هو الملاك من العدالة.

نعم لو كان الدليل على الحجية بناء العقلاء والاجماع وبعض الأخبار ممّا قامت على جواز العمل بالخبر الموثوق الصدور مطلقا ولو حصل الوثوق من الخارج فيصير الظن الخارجي مثل الشهرة على طبق الخبر حينئذ جابرا لضعف

ص: 208

الخبر وموجبا للوثوق بصدوره المعتبر في حجيته ؛ هذا بحسب السند.

وأمّا بحسب الدلالة : فلو كان خبر مثلا غير ظاهر الدلالة وكانت الشهرة قائمة على العمل به فان قطع منها بقرينة على طبقه وكان عملهم لأجل ذلك بحيث لو ظفرنا به لعملنا به أيضا فلا اشكال ، بل كلّما ازداد الخبر ضعفا ازداد صحة بسبب الشهرة القائمة على طبقه حيث انّ اتفاق المشهور على الخبر الضعيف - مع اختلاف آرائهم وقلة اتفاقهم على حجية الخبر الواضح الدلالة فضلا عن ضعيفها - يكشف قطعا عن ظفرهم بما لو ظفرنا به لعملنا على طبقه.

وأمّا ان لم يحصل من الشهرة القطع بالقرينة بل الاطمئنان أو مطلق الظن بها بحيث يطمئن أو يظن بمصادفتهم بما يوجب ظهورا للفظ في معنى خاص ، وحاصله بعد ملاحظة الشهرة انّه يطمئن بالظهور أو يظن به فحينئذ لو كان بناء العقلاء على العمل به كما كان يحمل على العمل بما قطع بظهوره فيكون الظن الخارجي جابرا لضعف الدلالة بمعنى انّه يوجب تحقق موضوع بناء العقلاء لا انّه بنفسه حجة كي يرد بأنّه خلاف الفرض ؛ وأمّا لو لم يكن بنائهم إلاّ على العمل بما قطع بظهوره وان شك في المراد كما هو التحقيق فلا يوجب الجبر.

هذا كله في جبر الضعف بالشهرة ونحوها.

وأمّا الكلام في وهن الحجة بالظن على خلافه وعدمه :

امّا بحسب السند : فيبتني على القول بكون حجية الخبر من جهة العدالة فلا يوجب الوهن ، ومن جهة الوثوق فيحصل الوهن ، لارتفاع الوثوق بالخبر بسبب الشهرة على خلافه ؛ هذا ان لم يقطع بظفرهم بما لو ظفرنا به لما عملنا بالخبر وإلاّ فلا إشكال ، ويختلف الحال بحسب [ اختلافه ] (1) ولذلك قيل : « كلما ازداد الخبر

ص: 209


1- في الاصل المخطوط ( اختلاف ).

صحة لازداد بسبب الشهرة على خلافه وهنا » (1) كما لا يخفى.

وأمّا بحسب الدلالة : ففيما يقطع بالقرينة على خلافه فلا اشكال ؛ وفيما لم يقطع فيبتني حصول الوهن من الشهرة على خلافه وعدمه على كون بناء العقلاء على العمل بالظواهر ما لم يظن على خلافه فيحصل الوهن من جهة ارتفاع موضوع الحجة ، أو على العمل به من باب التعبد أو الظن النوعي. ولو كان ظن غير معتبر على خلافها فلا يحصل الوهن ، لبقاء موضوع الحجة بحاله.

هذا كله من حيث الوهن.

وأمّا الكلام من حيث الترجيح بالظن غير المعتبر في نفسه وعدمه فبعد ما كانت القاعدة بناء على حجية الأخبار من باب الطريقية هي التساقط وعدم حجية كل من المتعارضين في خصوص مضمونه وحجيتهما بالنسبة إلى نفي الثالث سواء كان نفي الثالث مستندا إلى واحد منهما لا بعينه أو إلى كليهما بالنسبة إلى دلالتهما الالتزامية.

وسرّ عدم الحجية هو : عدم دلالة أدلة الاعتبار على الحجية في صورة التعارض وانّ الدليل على الاعتبار في هذه الصورة هو الأدلة المرجحة أو المخيرة كما سيأتي ان شاء اللّه في باب التعادل والترجيح ؛ فلا بدّ أن تلحظ أدلة المرجحات في أنها هل تدل على الترجيح بمطلق المزية في أحد المتعارضين كانت مفقودة في الآخر فيحصل الترجيح بالظن الخارجي ، أو على الترجيح بالمزايا المنصوصة فلا يحصل الترجيح.

هذا كله بحسب الكبرى في المقامات الثلاث.

ص: 210


1- هذا القيل يذكره كثير من المتقدمين والمتاخرين ، لكن لم نعثر له على مصدر ، بل كل من تعرض لهذا المعنى ينسبه الى الى القيل او المشهور او البعض المجهول. راجع على سبيل المثال : المعتبر للمحقق الحلي 1 : 29 مقدمة الكتاب ، الفصل الثالث : في مستند الاحكام.

وأمّا بحسب الصغرى فالتحقيق : انّ الأخبار من حيث السند إنّما تكون حجة إذا كانت موثوقة الصدور ، ومن حيث الدلالة إنّما تكون حجة من باب الظن النوعي وانّ الترجيح [ هو ] بخصوص المرجحات المنصوصة فقط فيحصل الجبر والوهن بالظن المطلق من حيث السند لا من حيث الدلالة ، كما انّه لا يحصل به الترجيح أيضا.

المقام الثاني : في الظن المنهي عنه بالخصوص مثل القياس ونحوه.

فان قلنا : في المقام الأول بعدم حصول الجبر والوهن والترجيح بالظن المطلق فلا إشكال.

وامّا بناء على الحصول فلا بدّ أن تلحظ مع ذلك الأدلة الناهية عن العمل بالقياس أيضا مثل قوله علیه السلام : « انّ السنّة إذا قيست محق الدين » (1) وانّ « ما يفسده أكثر ممّا يصلحه » (2) فان لم يعمّ إلاّ استعمال القياس في الدين على نحو الاستقلال بأن يستنبط منه الأحكام الشرعية فلا اشكال ، وان كان الظاهر منها النهي عن مطلق استعماله في الدين ولو بأن ينجبر به الضعيف أو يوهن به القوي أو كان معقد الاجماع حرمة استعماله كذلك فالظاهر تحكيم الأدلة الناهية عن القياس على أدلة اعتبار الخبر ، فتدبر.

ص: 211


1- وسائل الشيعة 18 : 25 الباب 6 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 5 : 394 الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة ، الحديث 14 باختلاف يسير.

ص: 212

المقصد السابع: الاصول العملية

اشارة

ص: 213

ص: 214

المقصد الثالث من مقاصد هذا المختصر : في حكم الشك.

قد عرفت في أوله انّ المكلف المراد به من أنشئ في حقه التكليف - سواء صار فعليا وتنجز في حقه أم لا - إذا التفت إلى حكم شرعي فامّا أن يحصل له القطع به ، أو قامت عنده الأمارة المعتبرة بالنسبة إليه أم لا ؛ وقد مضى البحث عن أحكام القسمين الأولين على نحو الاختصار وبقي القسم الثالث ، والمرجع فيه ما دل عليه العقل أو عموم (1) النقل من القواعد.

ولا يخفى انّ ما يجري منها في الشبهات الحكمية في جميع أبواب الفقه بلا اختصاص بباب دون باب أربعة ، وان كانت القواعد في الشبهات الموضوعية أو المختصة بباب دون باب كثيرة.

وانحصار القواعد الجارية في مطلق الشبهات الحكمية في أربعة وهي البراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير إنّما هو بحكم الاستقراء وان كان الحصر بين مجاريها الفعلية للاصول الأربعة عقليا دائرا بين النفي والاثبات ؛ والحصر العقلي إنّما هو بين كل من المجاري بالنسبة إلى الآخر وإلاّ فربما يشتمل كل منها على أقسام أيضا.

ثم انّ تحديد موارد الاصول الأربعة بعبارة حاصرة غير سالمة عن انتقاض كل منها بآخر منها طردا وعكسا ، غير مهم ، مع انّه لا يترتب عليه الأثر ، فالأولى

ص: 215


1- والتقييد به لدفع إيراد عدم جريان الاستصحاب في الشكوك الصلاتية فانّه قد قيّد بقوله : « فابن على الأكثر » ( وسائل الشيعة 5 : 318 الباب 8 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 3 ). منه قدس سره

تعيين المجرى الفعلي لكلّ منها على حدة بملاحظة ما اعتبر فيها من الشرائط على الاجمال ثم التحديد بعبارة حاصرة سالمة عن الانتقاض ان تيسّر وإلاّ فليس بلازم أصلا.

فنقول : انّ مجرى البراءة الفعلية هو أن يكون الشك في أصل التكليف الالزامي ولم يكن في البين حالة سابقة كانت موردا للاستصحاب ولا ما يحسن معه العقاب عقلا على التكليف المشكوك كما لو كان في الشك قبل الفحص سواء أمكن فيه الاحتياط كما فيما دار الأمر بين الوجوب وغير التحريم ، أو بين التحريم وغير الوجوب أو لا كما فيما دار الأمر بين الوجوب والتحريم والاباحة مثلا.

وأمّا الاحتياط : فيتوقف على أحد أمرين على سبيل الانفصال مانعة الخلو : اما ان يكون الشك في التكليف مع ما يحسن معه العقاب عقلا على التكليف المشكوك كما في الشك في التكليف قبل الفحص ، أو يكون الشك في المكلف به ولا بدّ أن لا يكون فيهما حالة سابقة يجري فيها الاستصحاب.

أمّا في الأول : كما لو قلنا بجريان الاستصحاب قبل الفحص مع الحالة السابقة.

وامّا في الثاني : فكما لو دار الوجوب أو الحرمة بين الشيئين أو دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر مع كون الحالة السابقة وجوب أحدهما أو حرمته وقلنا بثبوت المقتضي للاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي فانّه حينئذ يجري فيه الاستصحاب وينحل العلم الاجمالي بالتفصيلي والشك البدوي ، دون ما إذا كانت الحالة السابقة نفي التكليف في أحد الشيئين أو قلنا بعدم المقتضي للاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي كما لا يخفى.

وأمّا مجرى التخيير : ففيما لو دار الأمر بين المحذورين ، أي الوجوب

ص: 216

والحرمة في الشيء الواحد مع عدم الحالة السابقة لوجود أحدهما ، فانّه معه يخرج عن الدوران.

وأمّا مجرى الاستصحاب : فيتوقف على تحقق الحالة السابقة للمشكوك وجودا أو عدما. امّا في الشك في التكليف فلا يتوقف على شيء آخر أصلا إلاّ على الفحص بناء على اعتباره ؛ وأمّا في الشك في المكلف به :

فلو كانت الحالة السابقة ، للتكليف ، فيتوقف على ثبوت المقتضي له في أطراف العلم الاجمالي.

وأمّا لو كانت الحالة السابقة ، لنفيه ، فيتوقف على تحقق المقتضي مع عدم كون العلم الاجمالي بالتكليف مانعا عقلا كما على القول بكونه مقتضيا للتنجز لو لا المانع ؛ وأمّا لو كان مانعا عقلا كما لو قلنا بكونه علة تامة للتنجز فلا يجري فيه الاستصحاب هذا بناء على التحقيق من جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي والمزيل ، وفي الوجودي والعدمي وغيرها ؛ وامّا بناء على التفاصيل المذكورة في بابه فيتوقف أخذ كل ما اشترط في جريانه على اختلاف التفاصيل في تحديد مجراه. كما انّ ما ذكر كان مجرى للاصول على نحو الاجمال وامّا على التفصيل فيأتي مجرى كل واحد في بابه.

إذا عرفت ما ذكرنا فلا بدّ من التكلم في مقامات ثلاث :

أحدها : في الشك في التكليف غير الملحوظ فيه الحالة السابقة.

والثاني : في الشك في المكلف به وهو على قسمين : لأنّه : امّا كان ممّا أمكن فيه الاحتياط فيكون مجرى الاحتياط ؛ أو لا ، فمجرى التخيير.

والثالث : في الاستصحاب.

ص: 217

اصالة البراءة

امّا [ المقام ] الأول : فيكون مجرى البراءة بالشروط المذكورة.

اعلم : انّه لمّا جعل في الفرائد (1) التكليف المشكوك هو النوع منه ، وهو اما تحريم مشتبه بغير الوجوب أو وجوب مشتبه بغير التحريم أو مردد بينهما ، فجعل مباحث الشك في التكليف في مطالب ثلاثة. ولمّا كان منشأ الشبهة في كل منها امّا : فقدان النص أو اجمال النص أو تعارض النصين أو اشتباه الامور الخارجية ، فجعل مباحث كل من المطالب في مسائل أربع.

ولكن الأولى أن يجعل الشك في المقام في أصل الالزام إيجابا كان أو تحريما ويكون المردد بينهما حينئذ داخلا في الشك في المكلف به ، ولكنه لمّا كان ممّا لا يمكن فيه الاحتياط فيحكم فيه بالتخيير ويخرج عن أقسام الشك في التكليف ، ولمّا كان القسمان الأولان مشتركين في كون الشك فيهما في أصل الالزام فيجعلان مطلبا واحدا فينحصر مباحث الشك في التكليف في مطلب واحد وهو الشك في الالزام سواء كان متعلقا بالوجود أو الترك وان كان قسم منه وهو الشك في التحريم مختلفا فيه بين الاصولي والاخباري وهو لا يوجب تعدد المسألة بل تفصيلا فيها.

كما انّ الأولى ان يجعل مباحث الشك في الالزام في مسألة واحدة كي لا

ص: 218


1- فرائد الاصول 2 : 17.

تتكثر الأقسام ويسهل الضبط.

بيانه : أنّ الشبهة الموضوعية خارجة عن مباحثه حيث انّ الشك فيه ليس في التكليف بل في موضوعه للاشتباه في الامور الخارجة غير الراجعة إلى الشارع مع انّ البحث عن حكمه كان داخلا في المسائل الفرعية حيث انّ البحث فيه [ هو ] عن تعيين حكم المشتبه بما هو مشتبه الذي كان من أفعال المكلف والبحث عن حكمها بلا توسيط كان من وظيفة الفقيه.

لا يقال : انّ البحث عن الاصول العملية ليس من مسائل الاصول أيضا لعدم وقوعها في طريق استنباط الحكم الفرعي الواقعي ولا بدّ من كونها كذلك.

لأنّا نقول : انّ مسائل الاصول أعمّ من كونها ممّا يجدي المجتهد في طريق الاستنباط بأن يعملها في طريق استنباطه للحكم الشرعي أو ممّا ينتهي إليه [ و ] يستريح إليه ويعتمد إليه في مقام العمل بعد الفحص وعدم الظفر بحكمه الواقعي ، ومفاد الاصول كذلك كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا ظهر : انّ الوجه عدم إدراج الشبهة الموضوعية في المسائل في كل من المطالب ، بل الوجه البحث عنها في مسألة واحدة للجميع استطرادا من دون تكرار في البحث.

وأما مسألة تعارض النصين :

فان قلنا : انّ القاعدة فيها بعد التعارض هو الترجيح لو كان وإلاّ فالتخيير بالأخبار الدالة على الترجيح والتخيير بأن تكون تلك الأخبار دليلا على حجية الخبر تعيينا أو تخييرا في مورد التعارض بعد عدم دلالة الأدلة المطلقة على الحجية في تلك الحالة لا على كليهما على نحو التعيين ولا على واحد كذلك ، ولا معنى لحجية المردد مع كون التخيير موجبا لاستعمالها في المعنيين وحينئذ فتخرج مسألة التعارض عن البراءة المفروض فيها عدم الدليل ، لكونها حينئذ ممّا قام فيها

ص: 219

الدليل.

وان قلنا : انّ القاعدة الاولى تساقط الخبرين عن الحجية في خصوص مضمونهما وان كان الواحد منهما لا بعينه أو كلاهما حجة في نفي الثالث فيندرج موردهما بالنسبة إلى حكم المسألة بخصوصه فيما لا نص فيه فتكون من تلك المسألة لا مسألة على حدة.

وامّا مسألة اجمال النص : فتشترك مع فقدان النص في عدم حجة معتبرة على الحكم وان كان منشؤه في إحداهما الاجمال وفي الاخرى الفقدان ، لكنه لا يوجب انعقاد مسألتين.

كما انّ توهم الفرق بينهما بالذهاب إلى الاحتياط في صورة الاجمال والبراءة في صورة الفقدان كما عن بعض لأجل كون الشك في صورة الاجمال في المحصّل كما في مسألة الغناء كما سيأتي لا يوجب له ذلك أيضا وان كان يوجب التفصيل في المسألة الواحدة.

فالأولى عقد مسألة واحدة للبراءة والتعرض لأدلتها ، ثم التعرض لخصوصياتها المختلف فيها.

إذا عرفت ما ذكرنا فقد ذهب المجتهدون إلى البراءة في مطلق الشك في الالزام واستدلوا عليه بالأدلة الاربعة.

فمن الكتاب آيات :

منها : قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) . (1)

وجه الاستدلال : ان يراد بالموصول الحكم ويجعل الايتاء بعد استعماله في معناه الحقيقي وهو الاعطاء كناية عن الاعلام ، أو يراد منه الأعم من الحكم ومن

ص: 220


1- سورة الطلاق : 7.

الفعل ويجعل الايتاء كناية عن الاعلام والاقدار على الفعل حيث انّ اعطاء كل شيء بحسبه ، فيدل على الأخير على نفي التكليف بغير المقدور وغير المعلوم ؛ لكن إرادة الحكم وحده لا تناسب مورد الآية ، فانّ المناسب له تقريبه ما قبله وهو قوله تعالى : ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللّهُ ) (1) ان يراد من الموصول المال ، بتقدير الانفاق ، أو يراد مطلق الفعل أعم من الانفاق وغيره مع جعل الايتاء كناية عن الاقدار.

وأمّا ارادة الأعم من الحكم والفعل فقد أورد عليه في الفرائد (2) بما حاصله :

انّ إرادة الأعم بالعنوان الجامع بينهما يوجب تعدد تعلق التكليف بالموصول بالمعنى الواحد :

بنحو التعلق بالمفعول به باعتبار أحد مصداقيه وهو الفعل.

وبنحو التعلق بالمفعول المطلق باعتبار مصداقه الآخر وهو الحكم.

وهما ممّا لا يحويهما بحسب الخارج تعلق خارجي مصداقي غير ملتفت إليه الحاصل من اسناد الفعل إلى مفعوله وان كان عنوان التعلق المفهومي المنتفي في المقام ممّا يحويهما ، فلا بدّ على تقدير إرادتهما أن يراد منه كل منهما بخصوصه لتصير بمنزلة لفظين بإزاء متعلقين تعلق الفعل بأحدهما تعلق المفعول به وبالآخر تعلق المفعول المطلق فيلزم استعمال لفظ الموصول في المعنيين وان كان لا يلزم ذلك في الايتاء على ما عرفت من إرادة المعنيين منه على نحو الكناية.

ولكنه يمكن منع استلزام إرادة الجامع لتعدد التعلق بالنسبة إليه باعتبار مصداقيه بل يكون تعلقه به نحو التعلق بالمفعول به مطلقا ، حيث انّ المراد من

ص: 221


1- سورة الطلاق : 7.
2- فرائد الاصول 2 : 22.

التكليف ليس ما هو المتعارف في الاصطلاح من الحكم مطلقا انشائيا كان أو منجزا بل المراد معناه اللغوي وهو : ايقاع الانسان في مشقة ما تعلق به ، وحيث انّ الحكم المراد في الآية ليس هو المنجز بل الانشائي منه فليس مرادفا لمصدر التكليف اللغوي كي يكون تعلقه به تعلق المفعول المطلق بل المراد انّه لا يكلف نفسا شيئا أعم من الحكم والفعل إلاّ ما آتاها منهما بمعنى انّه لا يوقعها في مشقة شيء من الفعل بأن يأمره ويلزم به ومن الحكم بأن ينجزه ويصيّره في حقه فعليا إلاّ ما آتاها منهما بنحو الكناية عن الاقدار والاعلام لا بنحو الاستعمال فيهما كي يلزم استعمال اللفظ بالنسبة إلى الايتاء في المعنيين.

نعم الأولى أن يجاب : بعدم ظهور الموصول في الآية في إرادة الجامع لو لم يكن ظاهرا في خصوص المال بقرينة المورد أو في مطلق الفعل الشامل للانفاق وغيره بقرينة وقوع الآية مساق الامتنان مع أولوية المعنى الكنائي اللازم له في الايتاء من تقدير المضاف في الموصول لو اريد منه المال ؛ وعلى أي حال فلا تكون الآية ظاهرة في إرادة الحكم فتخرج عن قابلية الاستدلال.

وأمّا رواية عبد الأعلى عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « قال : قلت له : هل كلف الناس بالمعرفة؟ قال لا ؛ على اللّه البيان ، لا يكلف اللّه نفسا إلاّ وسعها ، لا يكلف اللّه نفسا إلاّ ما آتاها » (1) فلا ينفع في المطلوب حيث انّ عدم التكليف بالمعرفة المراد بها ظاهرا معرفة اللّه على التفصيل قبل البيان من جهة كونها فعلا غير مقدور بدونه وكون التكليف بدونه تكليفا بأمر غير مقدور لا من جهة كونه تكليفا بما لا يعلم حكمه وان كان مقدورا بنفسه كما في الشبهات الالزامية في المقام.

وممّا ذكرنا ظهر : حال التمسك بقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ

ص: 222


1- الكافي 1 : 163 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ، الحديث 5 باختلاف.

وُسْعَها ) (1) فانّ ظاهرها نفي التكليف عن غير المقدور وعن الامور [ الشاقة ]. (2)

ومنها : قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (3) بناء على انّ بعث الرسول كناية عن بيان التكليف لأنّه يكون به غالبا.

وأورد عليها :

أولا : بأنّ ظاهرها الإخبار عن حال الامم السابقة بوقوع التعذيب الدنيوي عليهم بعد البعث.

وفيه : انّ ظاهرها الإخبار عن دأبه تعالى بأنّه لا يعذّب أحدا قبل بيان تكليفه ، خصوصا مع وضوح كون الأفعال المنسوبة إليه تعالى منسلخة عن الزمان.

وثانيا : بأنّ ظاهرها نفي العذاب الفعلي قبل البيان فلا ينافي الاستحقاق بمخالفة التكليف الواقعي ولذا أورد على من استدل بها لنفي الملازمة في باب الحسن والقبح بأن نفي الفعلية لا يدل على نفي الاستحقاق ؛ فان كان المهم في باب البراءة مجرد الأمن من العقوبة الفعلية فتكون الآية دليلا عليها ، وأمّا إذا كان المهم نفي الذم والاستحقاق كما هو التحقيق فلا.

اللّهم إلاّ أن يقال كما في الفرائد (4) : بأنّ الخصم يلتزم بعدم الاستحقاق على تقدير نفي الفعلية حيث انّه قائل بفعلية العقاب في مورد الشبهة كما يظهر من تمسكه بخبر التثليث الظاهر في الوقوع في العقاب والهلاك الفعلي من حيث لا يعلم ، فيكفي في مقام التمسك عليه لاثبات نفي الاستحقاق باثبات نفي الفعلية.

ص: 223


1- سورة البقرة : 286.
2- في الاصل المخطوط ( المشاقة ).
3- سورة الاسراء : 15.
4- فرائد الاصول 2 : 23 - 24.

وفيه : مضافا إلى كونه جدلا خارجا عن طريقة البرهان فلا يثبت به المدّعى ، ان استدلال الأخباريين بخبر التثليث ونحوه لا يدل على التزامه بالعذاب الفعلي في مورد الشبهة كي يلتزم بنفي الاستحقاق وعلى تقدير نفي الفعلية حيث انّ التوعيد على العقاب فيه نظير التوعيد على ايجاد العقوبات في فعل المحرّمات وترك الواجبات في كونه توعيدا على مجرد المقتضي مع احتمال العفو والشفاعة في حقه ؛ فظهر انّ الآية لا دلالة لها على المطلوب.

ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (1) أي ما يجتنبونه من الأفعال والتروك.

وقد أورد عليه :

تارة : بما أورد على الآية السابقة من كونها إخبارا عن حال الامم السابقة ، وقد عرفت ما فيه.

واخرى : بأنّه لا دلالة لتوقف الخذلان على البيان على توقف العقاب عليه إلاّ بالفحوى.

ولكن الظاهر : انّ الفحوى مسلّمة لو كان الخذلان عدم التوفيق على الطاعة ولو في معصية واحدة وأمّا لو كان بمعنى سدّ باب التوفيق بالطاعة والتأييد بالعبادة عليه وإيكاله إلى نفسه مطلقا المستتبع للخلود في النار كما هو الظاهر منه فليست مسلّمة أيضا كما هو واضح.

ومنها : قوله تعالى : ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (2) بناء على انّ المراد من الهلاك نتيجة فعل المحرمات وترك الواجبات وهو العقاب على مخالفتها ، والمراد من البينة إتمام الحجة عليها وإقامة البيان بالنسبة إليها.

ص: 224


1- سورة التوبة : 115.
2- سورة الانفال : 42.

ولكن المحتمل ان تكون الآية واردة في قضية خاصة وهي غزوة بدر ويكون المراد من الهلاك والحياة هو القتل والحياة ، والمراد من البينة الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات في تلك الغزوة الدالة على حقّية النبي صلی اللّه علیه و آله ؛ فحاصل المعنى : انّ حياة من كان في تلك الغزوة وقبلها كان مع مشاهدة المعجزات ، وليست كلمة المجاوزة دالة على السببية حتى يرد بعدم كون الموت والحياة ناشئة عن الآيات.

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) (1) الآية ، فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرّموه في جملة ما اوحي إليه صلی اللّه علیه و آله من المحرّمات. وعدم وجدانه ذلك وان كان دليلا قطعيا على عدم الوجود إلاّ انّ في التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان في ابطال الحكم بالحرمة.

وفيه تأمّل : لاحتمال كون النكتة في التعبير به هو تلقين النبي صلی اللّه علیه و آله أن يجادلهم بالتي هي أحسن ، فانّ في التعبير بعدم الوجدان بالنسبة إلى التعبير بعدم الوجود من الأدب ما لا يخفى.

ومنها : قوله تعالى : ( وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) (2) فانّ في التوبيخ عن الالتزام بحرمة شيء مع خلو ما فصل من المحرمات عنه دلالة على المطلوب.

وقد اورد على الآية : بأنّ الظاهر من الموصول العموم ، فيكون المراد التوبيخ على الالتزام بحرمة ما لم يكن بين جميع المفصلات ، واللازم من خلو جميع المفصلات عنه العلم بعدم كون المتروك من المحرمات أصلا حيث انّ

ص: 225


1- سورة الانعام : 145.
2- سورة الانعام : 119.

جميعها مفصلات عند النبي صلی اللّه علیه و آله فيكون التوبيخ على الالتزام بحرمة ما يعلم بعدم حرمته.

وفيه : على تقدير كون جميع المحرمات منحصرة في المفصلات ، انّ ما ذكر من كون التوبيخ على التشريع مسلّم لو كان الانحصار عندهم معلوما وهو ممنوع ، بل المسلّم حصول العلم بذلك بنفس الآية مع كون التوبيخ على السابق من فعلهم من الالتزام بالحرمة مع عدم العلم بحرمته.

ثم انّ الآيات - على تقدير تسليم دلالتها - على طائفتين :

إحداهما : ما دلت على البراءة فيما لم تقم الحجة على التكليف المشكوك سواء كان بعنوانه الواقعي أو بالعنوان الأعمّ وهذا مثل قوله تعالى : ( لِيَهْلِكَ ) (1) وقوله : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ ) (2) الخ ، ولا يخفى انّ اخبار الاحتياط على تقدير دلالتها حاكمة بل واردة عليها كما لا يخفى.

وثانيتهما : ما دلت عليها إذا لم يرد البيان بالنسبة إلى الحكم الواقعي بخصوصه مثل ظاهر الآيات الاخرى. وهذه الطائفة [ تتعارض ] (3) مع أخبار الاحتياط فلا بدّ من ملاحظة الجمع والترجيح بينهما.

وأمّا السنّة : فأخبار كثيرة :

منها : ما روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله بسند في الخصال (4) كما عن [ التوحيد ] (5)

ص: 226


1- سورة الانفال : 42.
2- سورة الاسراء : 15.
3- في الاصل المخطوط ( يعارض ).
4- الخصال 2 : 417 باب التسعة ، الحديث 9.
5- التوحيد 353 الباب 56 باب الاستطاعة ، الحديث 24.

« رفع عن امتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا عليه ، ... » (1) الخبر.

وينبغي التنبيه في هذا الحديث الشريف على امور :

الأول : في وجه دلالتها على المطلوب ، وهو أن يراد من الموصول في « ما لا يعلمون » الحكم فيكون الحكم المجهول مثل حكم شرب التتن مرفوعا لعدم العلم به ولا يحتاج - بناء - إلى تقدير المؤاخذة أو [ الاثر ] (2) المناسب ممّا يقدّر في اخواته حيث انّ الحكم الشرعي بنفسه قابل للجعل وضعا كما في الاستصحاب ورفعا كما في المقام فلا يحتاج في تحقق الرفع بالنسبة إلى الحكم إلى تقدير ؛ كما لا بدّ منه لو اريد من الموصول الموضوع لعدم كونه بنفسه قابلا للجعل إلاّ باثره فلا بدّ من تقديره.

فان قلت : الظاهر ان يراد من الموصول الموضوع ولا يدل على إرادة رفع الحكم المجهول مطلقا لا وحده لمخالفته لاتحاد سياقه مع اخواته المراد منها الموضوع كما هو ظاهر ولا مع الموضوع سواء اريد كل منهما مستقلا للزوم استعمال اللفظ في المعنيين أو أريد الجامع بينهما لعدم الجامع في الاسناد الخارجي للرفع إلى الموصول بين الاسناد إلى ما هو له بالنسبة إلى أحد مصداقيه وهو الحكم وبين الاسناد إلى غير ما هو له بالنسبة إلى [ ما هو ] (3) الموضوع مضافا إلى الاحتياج إلى تقدير المؤاخذة في أحدهما دون الآخر.

ص: 227


1- وسائل الشيعة 11 : 295 الباب 56 من ابواب جهاد النفس ، باب جملة مما عفي عنه ، الحديث 1. باختلاف.
2- في الاصل المخطوط ( أثر ).
3- في الاصل المخطوط ( وهو ).

قلت : التحقيق أن يراد من الموصول الحكم لا الموضوع لا مجتمعا لما ذكر في السؤال ولا وحده لترجيح إرادة ما لا يحتاج إلى التقدير مع كون اسناد الفعل إليه إلى ما هو له وهو الحكم بالنسبة إلى ما يحتاج إلى تقدير المؤاخذة مع كون اسناد الفعل إليه إلى غير ما هو له وهو الفعل في مقام الدوران فيقدم.

وأمّا لزوم خلاف السياق من إرادة الحكم مع سائر اخواته فلا بأس به بعد معلومية عدم مراعاته بين جميع الفقرات كما هو الواضح من ملاحظة صدر الحديث من رفع الخطأ والنسيان مع ذيله وهو رفع الطيرة والحسد مثلا مع كون المرفوع في بعضها هو الحكم الشرعي وحده ، وفي آخر هو الوضع ، وفي ثالث كلاهما كما في الخطأ مثلا. نعم المعلوم انّ جمع هذه الامور في الحديث بملاحظة اشتراكها في كون الرفع فيها للامتنان ؛ وأمّا رعاية المناسبة من غير هذه الجهة فغير معلوم بل ظاهر العدم.

فان قلت : على ما ذكرت من إرادة خصوص الحكم من الموصول يلزم عدم شمول الحديث للشبهات الموضوعية.

قلت : بل الظاهر بقرينة سوق الحديث مساق الامتنان إرادة الحكم مطلقا كليا أو جزئيا ، كان منشأ الاشتباه عدم الدليل الشرعي على الحكم أو اشتباه الامور الخارجية فيشمل الشبهات الموضوعية أيضا.

والحاصل : انّ التمسك بالحديث للبراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية لا بأس به ولا يحتاج إلى تقدير المؤاخذة في « ما لا يعلمون » كي يرد باختلافه مع سائر الأخوات في كون المؤاخذة فيها على نفسها دون المؤاخذة على الحكم ، لعدم المعنى له إلاّ على متعلقه فيختلف السياق في تقدير المؤاخذة.

الثاني : الظاهر بل المعلوم كون الحديث في مقام الامتنان فيدل على رفع ما كان في رفعه الامتنان من الأحكام دون ما لم يكن في رفعه الامتنان كما في الحلية

ص: 228

المشكوكة بل في مطلق الأحكام غير الالزامية.

وممّا ذكرنا من ورود الحديث مساق الامتنان ظهر : انّ المراد من الموصول مطلق ما كان قابلا للجعل وكان في رفعه الامتنان من الأحكام تكليفية كانت أو وضعية مثل الجزئية والشرطية والمانعية فيكون جزئية ما شك في جزئيته مرفوعة.

فان قلت : انّ الجزئية والشرطية للمأمور به كالصحة والفساد امور انتزاعية من الأمر بالمركب وموافقة المأتي به للمأمور به وعدمه وليست بقابلة للجعل ؛ ومن المعلوم كما سنشير إليه انّ المرفوع لا بد ان يكون ممّا تناله يد الجعل فيكون مثل المذكورات مشمولة للحديث.

قلت : أولا : انّ الجزئية والشرطية قابلتان للجعل بنفسهما كما يأتي ان شاء اللّه في باب الاستصحاب ؛ وعلى تقدير التسليم فيكفي في شمول الحديث كون المرفوع قابلا للجعل ولو بمنشإ انتزاعه ، وبعبارة اخرى : ولو بواسطة ، كما فيهما فانهما ينالهما يد الجعل بمنشإ انتزاعهما وهو الأمر بالمركب.

وان أبيت إلاّ عن عدم شمول حديث الرفع لمثلهما ولو بالواسطة فنقول : انّه يكفي في رفعهما رفع الأمر بالمركب المشكوك في شرطية شيء وجزئيته له وبإطلاق دليل الأمر بالمركب وبحكم أدلة الرفع في المركب المشكوك يحكم بأنّ المأمور به المركب الأقل فيتبع رفع الأمر عن الأكثر رفع الجزئية مثلا كما يتبعه الصحّة والفساد مع عدم كونهما من الامور المجعولة قطعا. نعم يكون المرفوع الجزئية الفعلية لا الواقعية كما لو قامت أمارة على عدم جزئية ما كان جزءا واقعا فيكون حديث الرفع مثل الأمارة في ذلك ؛ كما انّه لا بدّ أن يكون المشكوك والمنسي ممّا في رفعه الامتنان كما في صورة الترك لا في صورة الاتيان بالجزء نسيانا أو عن جهل لعدم الامتنان في رفعهما حينئذ كما لا يخفى.

ص: 229

ثم انّه يدل على ما ذكرنا من كون المرفوع مطلق الأحكام ممّا كانت ينالها يد الجعل وضعية أو شرعية ولا ينحصر بخصوص ما يترتب عليه المؤاخذة ما روي عن أبي الحسن علیه السلام : « في الرجل يستحلف على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال علیه السلام : لا ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : رفع عن امتي ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطئوا » (1) الخبر فانّ استشهاده علیه السلام على عدم انعقاد الحلف على الطلاق مثلا بحديث الرفع مع كونه كذلك عندنا في حال الاختيار أيضا شاهد على عدم اختصاصه بخصوص المؤاخذة.

واقتصاره علیه السلام في الحديث على ثلاثة لعله من جهة كونها محل الحاجة ولا يدل على كونه حديثا آخر ، مع انّه لو كان كذلك فالظاهر من استشهاد الإمام علیه السلام انّ هذا التركيب ظاهر في رفع مطلق الآثار.

الثالث : انّه لا بدّ أن يعلم انّ المرفوع أي مرتبة من مراتب الأحكام ، فنقول : انّ المصلحة المقتضية لها :

قد تكون مقتضية لانشائها فقط بدون أن يصير فعليا ، لا لوجود المانع عن الفعلية بل لعدم تمامية المقتضي بالنسبة إليها والحكم الانشائي حينئذ بحيث لو علم به لما يصير فعليا.

وتارة : يكون المقتضي للفعلية تاما أيضا بحيث لا حالة منتظرة للبعث على طبقه الاّ انّ الجهل مانع عنه كما يكون مانعا عن التنجز بحيث لو علم به ليتنجز مع كون البعث تاما وما دام الجهل ، تكون الفعلية بهذا المعنى أي مع تمامية المقتضي متحققة. نعم البعث والارادة الفعلية منتفيان ومع علم المكلف بالحكم تكون الإرادة متحققة.

ص: 230


1- وسائل الشيعة 16 : 164 الباب 12 من ابواب كتاب الأيمان ، الحديث 12. وفيه « يستكره » بدل « يستحلف » و « وضع » بدل « رفع ».

ثم انّ الارادة الفعلية التي تكون مغايرة للعلم إنّما هي بالنسبة إلى المبادئ السافلة مثل نفس النبي صلی اللّه علیه و آله والإمام علیه السلام وأمّا بالنسبة إلى مبدأ المبادئ فليس إلاّ العلم بالصلاح وتمامية المقتضي. نعم إرادته هو العلم بالصلاح في الارادة الذاتية ، وأمّا الارادة الفعلية فان كانت تكوينية فهي عين الايجاد والافاضة وان كانت تشريعية فهي عين الارادة التي كانت في النفس النبوية والولوية.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ المرفوع لا يكون هو المرتبة الاولى التي تكون انشائيا محضا بحيث لو علم به لا يصير فعليا ، لبداهة عدم كون حديث الرفع نسخا ولا تقييدا للأحكام الواقعية ، مع انّه يلزم ارتفاع الموضوع للرفع وهو المشكوك بما هو مشكوك بحكمه مع بداهة انّ الموضوع مقتض للحكم لا مناف له بحيث يرتفع بمجيء الحكم ؛ هذا مضافا إلى عدم الامتنان في رفع الحكم الانشائي.

وأمّا المرتبة الثانية التي كان المقتضي للارادة والبعث تاما ويكون انتفاؤهما من جهة الجهل فهو لا ينافي البراءة الفعلية حيث انّه يصدق معها انّ الحكم الواقعي بحيث لو علم به لصار منجزا. نعم الارادة الفعلية والبعث الفعلي إلى الفعل أو الترك يكون منافيا للبراءة سواء ثبتت بلسان الترخيص كما في قوله علیه السلام : « كل شيء حلال » أو بلسان رفع الحكم الذي لازمه الترخيص عقلا أو شرعا ؛ فالمرفوع هو هذه المرتبة وهو ليس مجرد التنجز كي يرد بارتفاعه عقلا مع الجهل فلا منّة في رفعه بل هو الارادة الفعلية وهو ممّا يتوقف عليه التنجز لا نفسه ، ولا يكون الجهل مانعا عنه عقلا بل كان مانعا عنه شرعا بمقتضى حديث الرفع فيحصل الامتنان.

فظهر ممّا ذكرنا : انّ المرفوع هو مرتبة البعث من الأحكام مع كون الرفع أعم من الدفع بأن يبدأ المانع حتى لا يصل إلى هذا الحد ، وعرفت انّ المرفوع أعم من الحكم الكلي بالنسبة إلى الشبهات الحكمية والحكم الجزئي بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية :

ص: 231

امّا بكون المراد من الموصول الحكم المجهول مطلقا.

وامّا بكون المراد منه الجامع بين الحكم والموضوع وهو الشيء.

ولا يرد : باستلزامه الحقيقة والمجاز في اسناد الرفع إليه كما عرفت سابقا حيث انّ الحقيقي من الاسناد يحتاج إلى مصحح بالنسبة إليه عرفا من غير عناية وهو أعمّ من كون المسند إليه قابلا للرفع بنفسه أو بحكمه كما هو كذلك فيما اسند إليه النقض في باب الاستصحاب. هذا كله بناء على عدم الاحتياج إلى التقدير.

وامّا بناء عليه كما عليه شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه فالمراد من المقدّر ليس هو أثر الخطأ والنسيان والجهل بأن يكون الموضوع المقتضي لها نفس هذه الأوصاف حيث انّ الظاهر من الخبر انّ المقتضي للرفع هو هذه الأوصاف والمقتضي للثبوت لا يكون مقتضيا للرفع كما انّه ليس هو أثر ما يضاده من الأوصاف من العمد والعلم ونحوها لبداهة ارتفاعه بارتفاع موضوعه ، بل المراد الآثار الثابتة لما تعلق به هذه الأوصاف لا بشرط بالنسبة إليها وجودا وعدما ، كما انّه لا بدّ أن يكون المراد الآثار الشرعية المترتبة عليها بلا توسيط أمر عقلي أو عادي إلاّ أن تكون الواسطة خفية أو يكون بين رفعها وبين رفع متعلق تلك الأوصاف بملاحظة الآثار ملازمة في التنزيل ولا بدّ أن تكون الآثار ممّا يكون في رفعها الامتنان.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّه لو كان الظاهر من المقدر هو خصوص المؤاخذة فلا بدّ أن يكون رفعها برفع منشئها وهو البعث الفعلي المقتضي لايجاب الاحتياط على طبقه فيما لا مانع عنه في صورة الجهل وإلاّ فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بدونه فيلزم نقض الغرض بالنسبة إلى ما تعلق به الغرض من البعث الفعلي لا برفع

ص: 232


1- فرائد الاصول 2 : 32.

نفس إيجاب الاحتياط كما في الفرائد (1) حيث انّه لا معنى لرفعه بدون رفع ما كان مقتضيا له ومعه فيرتفع برفع مقتضيه بنفسه ؛ واذا كان المرفوع خصوص المؤاخذة فتبقى سائر الآثار في صورة الخطأ والنسيان والجهل ونحوها بحسب ادلتها بحاله.

وامّا إذا كان الظاهر هو مطلق الآثار فيكون حديث الرفع نظير قاعدة نفي الضرر والحرج ونحوها مقدما على أدلة الآثار على تقدير إطلاقها في هذه الصور امّا من باب الحكومة كما عليه الشيخ قدس سره (2) وامّا من باب الجمع العرفي بحمل أدلة الواقعيات المثبتة للأحكام للعناوين الواقعية على الحكم الاقتضائي وأدلة القواعد المذكورة المتعرّضة للعناوين الثانوية على بيان المانع في صورة التعارض.

ثم انّ هذا ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الاشكال في إطلاق أدلة الآثار الواقعية بالنسبة إلى صورتي العلم والجهل بالحكم في الشبهة الحكمية حيث انّ إطلاق الحكم بالنسبة إلى حالات موضوعه - ومنها العلم والجهل به - يتوقف على تحققها مع قطع النظر عن ثبوته والحال انّهما ممّا يتوقفان عليه ، فيدور على تقدير الاطلاق المذكور.

نعم يرد الاشكال على تقدير أخذ الاطلاق نظريا ملحوظا في دليله حالات الموضوع ومنها العلم والجهل به وامّا على تقدير كون الاطلاق طبيعيا سريانيا بأن يكون الدليل في مقام إثبات الملازمة بين الحكم وطبيعة الموضوع التي لازمها ثبوت الحكم في جميع حالات الطبيعة بلا نظر إلى حالاته كما في الدليل الواقعي فلا إشكال هذا في الشبهة الحكمية وأمّا الاطلاق بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية

ص: 233


1- فرائد الاصول 2 : 34.
2- فرائد الاصول 2 : 462.

والنظر إلى صورتي العلم والجهل بالموضوع فلا اشكال أصلا كما لا يخفى.

ومنها : قوله علیه السلام : « ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ». (1)

ص: 234


1- وسائل الشيعة 18 : 119 الباب 12 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 28.

(1) فعلية بمقدار المعلوم بالاجمال كافية بالفقه ومع ذلك ينحل ذاك العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بواجبات ومحرمات فعلية في أطراف الامارات وشكّ بدوي في ما عداها فتسقط الاصول في خصوص مورد الأمارات دون غيرها من الأطراف. نعم قبل المراجعة إلى الفقه وتشخيص موارد الأمارات تفصيلا لا بدّ من الاحتياط وعدم اجراء الأصل في جميع الأطراف إلاّ أنّه ليس من جهة نفس العلم الاجمالي بالأحكام الواقعية بل من جهة اشتباه موارد الأمارات بغيرها ولكن بعد تميّز مواردها بتميّز موارد اجراء الاصول عن غيرها.

ونظير ذلك أن يعلم اجمالا بوجود مقدار من المحرمات بين قطيع غنم مردد بين السود والبيض وبحرمة مقدار من خصوص البيض بقدر المعلوم بالاجمال أولا مقارنا ، وحينئذ فلا شبهة في انحلال ذاك العلم إلى العلم التفصيلي بمحرمات في خصوص أطراف البيض وشك بدوي في ما عداها ، غاية الأمر لو كان البيض مشتبها بغيرها لعوارض خارجية لكان الاحتياط عن الجميع واجبا وبعد تميّز البيض عن غيرها فلا بدّ من الاحتياط في خصوص أطرافها دون غيرها.

وقد أجاب في الفرائد (2) :

أولا : بتعلق التكليف بالنسبة إلى غير القادر بما أدّت اليه الطرق غير العلمية لا بالواقع بما هو ولا بمؤدّى الطرق من حيث هي بالواقع من هذه الطرق.

ص: 235


1- هنا سقط كبير في المخطوط يحتمل عدة صفحات.
2- فرائد الاصول 2 : 89.

وفيه : انّه راجع إلى كلام صاحب الفصول (1) ؛ وقد أورد عليه قدس سره (2) بمنع تعلق التكليف بالواقع إذا كان المكلف قادرا على الامتثال ولو بالاحتياط ، وان لازم جعل الطرق تنزيل مؤدّاه منزلة الواقع لا انّ الشارع ما أراد من المكلف الواقع إلاّ من هذه الطرق بحيث لو عمل بنفس الواقع اجمالا بدون الطرق لما كان مجزيا كما هو واضح.

وثانيا : بأنّ المقرر في باب الشبهة المحصورة انّه : لو علم وجوب الاجتناب عن بعض الأطراف لدليل آخر غير العلم الاجمالي لما كان الاجتناب عن غير هذه الأطراف واجبا ولو كان الدليل الآخر بعد تعلق العلم الاجمالي. (3)

وفيه : انّه في صورة العلم بالتكليف من جهة اخرى غير جهة العلم الاجمالي لا يكون ذاك العلم مؤثرا لو كانت تلك الجهة من أول الأمر لا فيما لو كان بعد العلم الاجمالي وإلاّ لكان أثر العلم الاجمالي باقيا ما لم ينحل بالعلم التفصيلي المتعلق بنفس المعلوم بالاجمال أو بزوال أطرافه جميعا.

ثم التحقيق : ان يفصّل حال العلم التفصيلي الحادث بعد العلم الاجمالي ، ثم التعرّض لحال الأمارة الحادثة بعد اشتراكهما في المنع عن تأثير العلم الاجمالي لو كانا مقارنين له فنقول :

انّ العلم التفصيلي بعده ان كان متعلقا بتكليف حدث فيما بعد كما لو علم تفصيلا بحدوث الوطي في بعض أطراف العلم الاجمالي بالغصب فلا شبهة في عدم الانحلال بل يكون كذلك فيما لو علم بحدوث الغصب أيضا بعد تحقق الغصب المعلوم بالاجمال ؛ والعلم به وان تعلق بتكليف مقارن مع العلم الاجمالي أو سابق

ص: 236


1- الفصول الغروية : 356 السطر 2.
2- فرائد الاصول 2 : 89.
3- فرائد الاصول 2 : 89 - 90.

عليه فلا يخلو :

فامّا ان يكون كل منهما بلا عنوان ، مثل أن يكون العلم الاجمالي بحرام بين الإناءين وتعلق العلم التفصيلي بعد ذلك بحرمة واحد معيّن بلا عنوان في البين.

أو يكون كل منهما بعنوان مطابق للآخر ، مثل أن يتعلّق الاجمالي بخمرية واحد منهما والعلم التفصيلي بخمرية واحد بخصوصه ؛ أو يكون العلم الاجمالي بلا عنوان والعلم التفصيلي مع العنوان ، فلا اشكال في انحلال العلم الاجمالي في هذه الصور إلى العلم التفصيلي في خصوص متعلق العلم التفصيلي والشك البدوي فيما عداه فتجري فيه الاصول.

ولا ينافي ذلك ما تقرر من انّ العلم الاجمالي بعد تأثيره التنجز لا يرتفع أثره إلاّ بالموافقة القطعية ولو خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء او أخطر اليه.

لانه : فيما لم ينحل العلم الاجمالي الى التفصيلي ، وكان زواله لارتفاع الموضوع في بعض الاطراف.

وأمّا لو كان منحلا وانطبق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل كما في المفروض فلا يبقى له أثر في البين.

وتوهّم : احتمال كون المعلوم بالتفصيل في هذه الصور غير المعلوم بالاجمال فلا ينحلّ إلاّ إذا علم بالاتحاد ؛ مدفوع :

بأنّ المعلوم بما هو معلوم ليس له واقع غير ما انكشف وارتسمت صورته الذهنية لدى القاطع وهو امّا الحرام بلا عنوان أو مع عنوان مطابق للمعلوم بالتفصيل ؛ وامّا خصوصياته الواقعية فليست بمعلومة فلا يتنجّز على المكلف إلاّ من الجهة المعلومة والفرض مطابقته القهرية مع المعلوم بالتفصيل فينحل إليه كما هو واضح.

ص: 237

وأمّا أن يكون كل واحد منهما بعنوان غير مطابق مع الآخر ، أو كان الأول مع العنوان والثاني بلا عنوان ، فحينئذ لا ينحل العلم الاجمالي لعدم انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل فلا ينحل إليه بل يبقى على اجماله وان كان بعض أطرافه معلوم التكليف بالتفصيل من غير جهة العلم كما لو اضطر إليه فلا يرتفع أثر العلم الاجمالي عن الآخر وهو التنجز ومنع جريان الاصل.

هذا كله في حدوث العلم التفصيلي بعد العلم الاجمالي.

وأمّا لو قامت الأمارة بعده على حرمة بعض الأطراف فلا اشكال في عدم الانحلال بها لو قامت على النحو الذي لو علم به تفصيلا لم يحصل الانحلال.

وأمّا لو قامت على نحو لو علم به تفصيلا لحصل الانحلال كما لو تعلق العلم الاجمالي على حرمة بعض الأطراف بلا عنوان وقامت الامارة على حرمة بعضها المعين كذلك فربما يقال فيما كان وجود الامارة مقارنا مع العلم الاجمالي واقعا أو سابقا عليه بأنّه : يكشف العلم بعده بوجودها سابقا بعدم تأثير العلم الاجمالي من أول الأمر لكون الأصل في غير مورد الأمارة من أول الأمر سليما عن الأصل في طرفها لسقوطه بوجود الأمارة الواقعية المفروض وجوده سابقا ، وهذا بخلاف العلم التفصيلي بعد العلم الاجمالي بوجود تكليف في بعض أطرافه المعيّن من أول الأمر حيث انّ الوجود الواقعي للتكليف لا يمنع عن جريان الأصل ما لم يكن منجزا والفرض انّ تنجزه بالعلم التفصيلي بعد الاجمالي ولا واقع له إلاّ الوجدان فيمنع عن الأصل حين حصوله لا فيما قبل فيكون العلم الاجمالي من أول الأمر مؤثرا معه ، غاية الأمر يوجب انحلاله حين حدوثه ، وهذا بخلاف وجود الأمارة واقعا لمنعها بوجودها الواقعي عن جريان الأصل في طرفها فيكشف عن عدم تأثير العلم الاجمالي في منع الأصل في غير طرفها من أول الأمر. هذا حاصل ما

ص: 238

ذكره الاستاذ دام ظله في الحاشية (1) سابقا.

وقد أورد عليه في الدرس بما حاصله :

انّ الأمارة ما لم تكن حجة من أول الأمر فلا يمنع عن جريان الاصول في موردها - ولا عن تأثير العلم الاجمالي في إيجاب الاحتياط - وجودها الواقعي من دون علم بها ، كما لو حدث أمارة فعلا بالتكليف في بعض أطراف العلم الاجمالي في عدم المنع عن الأصل وعن تأثير العلم.

نعم في كون تعلق الأمارة بالتكليف في بعض الأطراف المعيّن - حين العلم بها - موجبا لانحلال العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي وعدمه وجهان :

من كونه موجبا للعلم التفصيلي بالتكليف الفعلي في مورده فيوجب انحلال العلم الاجمالي إليه وإلى الشك البدوي في غير مورده ، ولا يكون عنوان الأمارة مأخوذا في موضوع الحكم كي يغاير مع المعلوم بالاجمال عنوانا ، ولا يوجب الانحلال وان كان سببا لتعلق الحكم على طبق مؤداها في العنوان الواقعي بما هو هو ؛ وهذا نظير عنوان النذر فانّه بعد تعلقه على فعل شيء مثل التصدق مثلا يوجب تعلق وجوب الوفاء بما هو منذور به بالحمل الشائع لا بعنوان انّه منذور به وان كان واسطة لثبوته ، ولذلك تستصحب الحياة المشكوكة لو نذر التصدق ما دام الحياة فيترتب عليه وجوب التصدق بلا توسيط عنوان المنذورية وإلاّ للزم كون الأصل مثبتا.

ومن انّه على فرض تسليم عدم اخذ عنوان قيام الأمارة في موضوع الحكم كما هو كذلك بناء على الطريقية ، لكنه لا يوجب الانحلال أيضا لكون المثبت بها حكما ظاهريا طريقيا بسببها فكيف يوجب انحلال العلم بالحكم الواقعي بسبب

ص: 239


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 214 ، والطبعة الحجرية : 129.

آخر. ولكن الأظهر الانحلال بعد ملاحظة كون الأمارة مثبتة للحكم في موضوع المعلوم بالاجمال كان بلا عنوان أو مع العنوان كالعلم التفصيلي ولا بدّ من كونها متعلقة بالتكليف السابق وإلاّ لا يوجب الانحلال.

ولا يخفى انّ ما ذكرنا من الانحلال إنّما هو بناء على المشهور من انشاء الحكم الشرعي على طبق الأمارة بدليل اعتبارها ؛ وامّا بناء على مذهب الاستاذ دام ظله من كون المجعول بدليل اعتباره هو الحجية فيشكل الأمر ، لعدم العلم بمطابقة الأمارة للواقع ولا انشاء حكم شرعي على طبقها كي يوجب الانحلال.

فالتحقيق الذي لا محيص عنه ويجدي على كلا القولين من جعل الحجية وانشاء الحكم التكليفي الطريقي الذي لا يخلو من آثار الحجية أن يقال :

انّ الأمارة وان لم توجب انحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي إلاّ انّها بعد ما جعلت حجة في مؤداها توجب اختصاص تنجز الواقع لو كان فيما قامت على حكمها والعذر عنه لو كان في الطرف الآخر كما هو لازم الحجة العقلية وهو العلم التفصيلي ، فلمّا كانت الأمارة حاكية عما ينطبق على المعلوم بالاجمال كما لو تعلق العلم بخمرية أحد الإناءين وقامت الأمارة على خمرية واحد معيّن منهما وكان لها ما للحجة العقلية وهو القطع التفصيلي من الآثار فيترتب عليها ما يترتب عليه من تنجز الواقع في خصوص مؤداها على تقدير الاصابة والعذر عنه على تقدير المخالفة.

والحاصل : انّ الأمارة بعد ما كانت حجة في مؤداها ومنطبقة على المعلوم بالاجمال كالعلم التفصيلي فيترتب عليها ما له من انحلال التنجز وان لم يوجب رفع العلم الاجمالي مثله إلاّ أنّه لا يوجب الفرق بعد ترتيب آثاره عليها واحتمال المخالفة في الأمارة كعدم الاصابة في العلم واقعا.

فان قلت : إذا قامت الأمارة على خمرية أحد الإناءين في المثال المذكور

ص: 240

لا تنفي الخمرية عن الآخر ، فكيف توجب رفع أثر العلم الاجمالي عن الآخر لو كان خمرا في الواقع؟

قلت : أولا : نفرض المثال فيما لو كانت نافية عن الآخر تصريحا أو بالملازمة كما لو علمنا اجمالا بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر وقامت الأمارة على نجاسة أحدهما المعيّن.

وثانيا : انّ المناط قيام الأمارة بحسب الحكاية مقام القطع التفصيلي.

والسرّ : انّ التكليف المنجز ليس أزيد من المقدار المعلوم بالاجمال ، والأمارة صارت موجبة له بهذا المقدار ، والزائد عليه ليس منجزا أصلا ، ولا يخفى انّ الحكم الطريقي في الأثر مثل الحجية ؛ فيكون الجواب ما ذكرنا على كلا القولين.

فظهر ممّا ذكرنا انّ استدلال الاخباريين لوجوب الاحتياط بالعلم الاجمالي بالواقعيات لا وجه له بعد العلم الاجمالي من أول الأمر بالأمارة المعتبرة بهذا المقدار بل أزيد أو المصادفة بهذا المقدار ولو بعد العلم الاجمالي.

ودعوى : عدم كون الأمارة المعتبرة بمقدار المعلوم ، مدفوعة :

مضافا إلى القطع بعدم قلة الأمارات عن المعلوم بالاجمال لو لم يكن أزيد ؛ بأنّ الباقي يكون من قبيل الشبهة غير المحصورة كما هو واضح.

الوجه الثاني : انّ الأصل في الأفعال غير الضرورية الحظر كما نسب إلى طائفة من الامامية فنعمل به حتى يثبت من الشرع خلافه. وما ورد بالعنوان العام على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف والاحتياط فالمرجع الأصل.

ص: 241

واحتج عليه في العدة (1) : بأنّ الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة ؛ وقد جزم بهذه القضية السيد أبو المكارم (2) وان قال بعد ذلك بالاباحة بقاعدة اللطف.

والجواب عن الأصل : مضافا إلى عدم تسلّمه عند الاصوليين فكيف يستدل عليهم ، مع انّه على تقدير تسليم البعض يكون الاستدلال بالنسبة إليه إسكاتيا غير مثبت به المطلوب ؛ انّ مستندهم وهو التصرف في سلطان الشارع بغير اذنه مقطوع الانتفاء في المقام بعد كون مفروض المسألة عندهم في الأفعال المشتملة على المنافع الخالية عن الضرر أو خصوص الخالية عن الضرر وكون الشارع منزها عن الأغراض النفسانية كما هو واضح ؛ وعلى تقدير تسليم الأصل بحكم العقل نقول : انّه مغيّا بعدم الاذن من الشارع وقد وصل بالعنوان العام باخبار البراءة ولا ينافي ذلك فرض المسألة فيما لا نص فيه حيث انّ المراد ما لا نص فيه بالعنوان الخاص ولا معارض لها إلاّ اخبار التوقف والاحتياط وقد عرفت انّها على فرض دلالتها على الوجوب لا بدّ من حملها على الارشاد جمعا بينها وبين اخبار البراءة.

وامّا النهي الذي ذكر غاية لقوله علیه السلام « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » (3) على تقدير كونه من أدلة البراءة فالمراد منه ورود النهي بعنوانه الواقعي ، وعلى تقدير التعميم فيقال بعدم ورود النهي المولوي بالعنوان الأعم أيضا بعد ما عرفت من لزوم حمل الأمر في أدلة الاحتياط على الارشاد.

ص: 242


1- العدة 2 : 742 « والذي يدل على ذلك ... ».
2- غنية النزوع 2 : 416 - 417.
3- وسائل الشيعة 18 : 127 الباب 12 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 60.

وامّا ما استدل به الشيخ قدس سره في العدة (1) ، ففيه : انّ المراد بالمفسدة :

ان كان هو العقاب ، فهو مأمون منه بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

وان كان ملاك حكم الشرع من المصالح والمفاسد ، ففيه : انّ الملاك للأحكام الفعلية هو الجهات الواقعية المتصفة بالحسن والقبح ، ومن المعلوم انّها ما لم يحصل العلم بها لا تتصف بالحسن والقبح ، ومن المعلوم انّ عنوان احتمال المفسدة ليس بنفسه من العناوين والجهات المقبّحة ، والجهة الواقعية قد عرفت حالها ، فلا مقبّح عقلا في البين في صورة احتمال المفسدة إلاّ التجري غير الالزامي.

وامّا ما أجاب به الشيخ قدس سره في الفرائد (2) في صورة اختيار كون المراد غير العقاب :

بأنّ الضرر ممّا يرتكبه العقلاء لبعض الأغراض النفسانية فضلا عن صورة الاحتمال ؛ مضافا إلى كونه شبهة موضوعية لا يجب فيها الاحتياط باتفاق الاخباريين ، ففيه :

انّ المفسدة التي ملاك الحكم الشرعي الموجب للقبح العقلي غير الضرر غير الموجب للقبح ، بل الجهات المقبحة قد تنطبق على الضرر الذي لا يرتكبه العقلاء. وجعله شبهة موضوعية مع انّه لا بدّ فيها من كون منشأ الاشتباه اختلاط الامور الخارجية ، فيه ما لا يخفى ؛ بل لو تنزلنا عما ذكرنا من عدم كون احتمال المفسدة من العناوين المقبحة فلا اشكال في حكم العقل بلزوم الاحتراز عنه فيكون حكم العقل بيانا للحرمة المحتملة ولو على عدم الملازمة ، لكفايته حكم العقل بلزوم دفع المفسدة حجة عليها ولو لم يكن هذا الاحتمال بنفسه للحكم

ص: 243


1- العدة 2 : 742.
2- فرائد الاصول 2 : 91.

الشرعي.

ولكن الحق ما ذكرنا من عدم تقبيح العقل بالاحتمال ولا ضرر آخر في البين غير التقبيح في غالب ملاكات الأحكام.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّه بحسب دلالة أدلة البراءة لا فرق بين فقدان النص واجمال النص بالنسبة إلى الافراد المشكوك دخولها فيه زائدا على المقدار المتيقن كما في الغناء بالنسبة إلى الافراد المشكوكة ، حيث انّ الشك فيها شك في التكليف ، فيذهب كل من الاصولي والاخباري فيه بما اختاره في صورة فقدان النص.

وهاهنا شبهتان :

إحداهما : انّ الشبهة في مجمل النص ترجع إلى الشبهة الموضوعية ، حيث انّ حرمة الغناء في المثال المذكور معلومة وإنّما الشبهة في كون الفرد المشكوك من مصاديقه ؛ ومنشأ الشبهة عدم العلم بالوضع وليس من شأن الشارع ازالتها بل لا بدّ من الرجوع إلى العرف فلا تكون الشبهة حكمية فلا يجب فيه الاحتياط حتى عند الأخباريين.

وفيه :

انّ المراد بالشبهة الموضوعية : ما كان الشك فيها في انطباق المفهوم المعيّن على المصاديق ، للعوارض الخارجية.

والمراد من الشبهة الحكمية : ما كان الشك في مراد الشارع من الخطاب ولو بأن لم يبرز مراده القواعد العربية [ و ] لم يصدر منه لفظ يكون مع ما يحف به من القرائن المقامية والمقالية ظاهرا في معنى بحسب المتفاهم العرفي بل كان ما صدر منه مجملا مرددا بين الأقل والأكثر كما في مثل لفظ الغناء.

ص: 244

ولا فرق بين أن يكون الشك في المراد [ منه ] (1) :

ناشئا من عدم العلم بالوضع.

أو ناشئا من احتفاف اللفظ بما أوجب اجماله.

وثانيتهما : انّ في مثل الخطاب المجمل علم بالتكليف المنجز متعلقا بما هو واقع المعنى كما في الغناء فانّه علم حرمته بما له من المعنى الواقعي فيجب الخروج عن عهدة التكليف بالامتثال القطعي بعد الاشتغال اليقيني وهو لا يحصل إلاّ بالاجتناب عن كل ما احتمل كونه من افراده.

وبمثل هذا التوهم قيل بوجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعية ، بل بطريق أولى ، للعلم بالمكلف به معينا من الخطاب وكون الشبهة من جهة العوارض فيجب امتثال التكليف المتعلق بالمفهوم المبين يقينا بالاحتياط.

وفيه : انّ الاشتغال اليقيني في الخطاب المجمل لم يحصل من أول الأمر بالأزيد من المقدار المعلوم ، وبالنسبة إلى الزائد كان وجود الخطاب كعدمه ، فيكون مثل فقد النص فتجري فيه أدلة البراءة ؛ وفي الشبهة الموضوعية لم يكن الخطاب حجة إلاّ بالنسبة إلى [ ما ] علم انطباقه عليه ، وبالنسبة إلى الفرد الذي لم يعلم انطباقه عليه كان كعدمه في مقام الحجية فلم تنقطع البراءة عقلا ونقلا.

والحاصل : انّ هذين التوهمين فاسدان في مجمل النص كما عرفت.

الأمر الثاني : انّه لا فرق في اجراء البراءة في الشبهة الحكمية بين الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية ، لاطلاق أدلتها من حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها.

نعم مثل قوله علیه السلام « كل شيء لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (2) ظاهر

ص: 245


1- في الاصل المخطوط ( من ).
2- وسائل الشيعة 12 : 60 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به ، الحديث 4 باختلاف.

الاختصاص بالشبهة التحريمية ، ولكنه يلحق بها الشبهة الوجوبية :

امّا لعدم القول بالفصل بالبراءة في الشبهة التحريمية والاحتياط في الوجوبية بعد اختلاف الاخباريين والاصوليين على قولين وخروجه منهما.

وامّا بحمل الحلّية في الرواية بمعنى المضي والاطلاق ، والحرمة بمعنى المنع ، مع جعل متعلقهما أعمّ من الفعل والترك ، وتكون الحلية بهذا المعنى أعم من التكليف والوضع كما في مثل ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) . (1)

ويؤيده إطلاق الحلية والحرمة على هذا المعنى في مضمون الاخبار مثل : « حلّت الصلاة في وبر ما يؤكل وحرمت الصلاة في وبر ما لا يؤكل ». (2) ويؤيده أيضا استعمال لفظ « المطلق » في قوله علیه السلام : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه أمر ونهي » (3) في المعنى الأعم من مقابل الوجوب والحرمة ؛ والظاهر كون الحلية مثله مضمونا.

الأمر الثالث : انّه يعتبر في اجراء البراءة أن لا يكون في مورد الشبهة حكمية كانت أو موضوعية أصل موضوعي يقضي بالحرمة كما في مثل المرأة المرددة بين الزوجة والأجنبية. ومن هذا القبيل اللحم المردد بين المذكى والميتة.

فان كانت الشبهة موضوعية بأن لم يعلم تحقق الذبح الشرعي بعد احراز القابلية في الحيوان فلا اشكال في أصالة عدم التذكية ، لا لاثبات كون اللحم ميتة حتى يرد بأنّه المثبت بناء على كون الميتة أمرا وجوديا بل لاثبات نفس عدم

ص: 246


1- سورة البقرة : 275.
2- وسائل الشيعة 3 : 250 الباب 2 من ابواب لباس المصلي ، احاديث متعددة.
3- الموجود في المصادر « حتى يرد فيه نهي ». راجع وسائل الشيعة 18 : 127 الباب 12 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 60 ؛ و 4 : 917 الباب 19 من ابواب القنوت ، الحديث 3 ؛ ومن لا يحضره الفقيه 1 : 208 الباب 45 باب وصف الصلاة من فاتحتها الى خاتمتها ، الحديث 22 / 937.

التذكية ، لكونه محكوما بحكم الميتة اجماعا.

وان كانت الشبهة حكمية بأن لم يعلم قابلية الحيوان للتذكية مع العلم بورود سائر ما يعتبر في التذكية غير القابلية ولم يكن هناك عموم يدل على قابلية كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج فالظاهر عدم الاشكال في أصالة عدم التذكية الشرعية.

وتوهّم : اجراء أصالة الحلية لكون الشك في حلّية الحيوان على تقدير ورود مثل الذبح والاستقبال ونحوهما فلا يعلم حكمه على هذا التقدير فتجري فيه أصالة الحلية كما لو شك في حكم شيء على كل تقدير ؛ ولا فرق في عدم العلم بحكم الشيء المعتبر في جريانها بين عدم العلم به على كل تقدير كما في شرب التتن وعدم العلم به على بعض التقادير مثل العصير العنبي على بعض التقادير ، مدفوع :

بأنّه مسلّم في المقام لو كانت الحرمة والنجاسة والحلية والطهارة من آثار الحيوان على تقدير وجود الامور المذكورة لا فيما لو كانتا مسببتين من التذكية ، سواء :

كانت التذكية تلك الامور من الفري والاستقبال والتسمية ونحوها بوجوداتها الخاصة من ورودها على الحيوان الواجد لخصوصية به يكون قابلا للتذكية.

أو كان مركبا من مجموع هذه الامور والخصوصية.

وإلاّ ، فأصالة عدم تحقق الوجودات الخاصة المعتبرة في تحقق التذكية بمفاد كان التامة ، أو أصالة بقاء اتصاف الحيوان بعدم التذكية التي كانت حال الحياة بمفاد كان الناقصة في الصورة الاولى ، أو أصالة عدم تحقق التذكية المركبة من تلك الامور في الصورة الثانية ، محكمة ، ولو كان منشأ الشبهة الشك في وجود القيد

ص: 247

أو الجزء وهو الخصوصية المعتبرة في التذكية في الحيوان ولم يجر فيها الأصل إلاّ بمفاد كان التامة غير المجدية لاثبات عدم التذكية في الحيوان إلاّ بالمثبت. نعم لو علم قابلية الحيوان للتذكية - المثبتة للطهارة - وشك في حلية لحمه وقلنا بعدم كون الحلية مثل الطهارة مسببة عن التذكية بل من آثار نفس الحيوان في ظرف تحقق التذكية بأن يقال : انّ الحيوان المذكى على قسمين : قسم منه غير مأكول اللحم ، وقسم منه مأكول اللحم ، فلا بدّ بعد العلم بالتذكية من جهة الطهارة من الرجوع إلى أصل آخر من أصالة عدم تحقق سبب الحرمة من الجلل والوطي لو كانت عارضية ، وأصالة الحلية لو كان الشك لخصوصية ذاتية في الحيوان ، فتدبر.

نعم لو كانت هذه الجهة المشكوكة مأخوذة في التذكية وكانت الحلية مسببة عن التذكية فلا تجري أصالة الحلية في ما كان الشك في الخصوصية الذاتية ، ولا أصالة عدم تحقق الجلل والوطي ، ولا استصحاب الحلية التعليقية في ما كان الشك في تحقق العنوان العرضي المأخوذ عدمه في التذكية ، لعدم احراز التذكية إلاّ بالمثبت. نعم لو كان في تلك الصورة الثانية تكون الواسطة وهي التذكية خفية أو بالملازمة في التنزيل فلا بأس باستصحاب عدم تحقق العنوان العرضي أو الحلّية التعليقية.

ومن هنا علم : انّ المناط في اجراء الأصل موضوعا أو حكما وعدمه هو عدم أخذ القيد المشكوك في التذكية بأن يكون بنفسه موضوعا للحلية وأخذه فيه فلا يجوز إلاّ في بعض الصور على بعض الصور.

[ الرابع ] (1) : انّه لا ريب في حسن الاحتياط وان لم يكن بواجب سواء كان

ص: 248


1- في الاصل المخطوط ( الثالث ) اشتباها ، فقد مضى الثالث.

في الشبهة التحريمية أو الوجوبية في التوصليات أو التعبديات ؛ إلاّ أنّه يشكل تحقق موضوع الاحتياط في العبادات حيث انّه عبارة عن اتيان محتمل الأمر بجميع اجزائه وشرائطه بالقطع ، غير انّه ما علم بوجوبه ، وهو لا يحصل فيما إذا كان محتمل الوجوب عبادة لأنّ من شرط صحتها قصد الامتثال وما دام لم يعلم بالأمر لم يتمكن من قصد الامتثال فلم يتمكن من اتيان الفعل عبادة مع الشك في الأمر ، وحينئذ لا يتحقق موضوع الاحتياط بل يجري الاشكال ولو اكتفى في العبادة باتيانها بداعي رجحانها الذاتي ، لأنّه ما لم يعلم بالأمر فلم يعلم بكون الفعل عبادة فلم يتمكن قصد رجحانها الذاتي.

ودعوى : تحقق قصد القربة من قبل الاحتياط الذي يكون حسنه بهذا العنوان ذاتيا امّا باتيان الفعل بقصد رجحانه أو بقصد امتثال الأمر الاحتياطي أو بقصد أوامر التقوى من قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (1) ( اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (2) إلى غير ذلك ، بل لو لزم قصد امتثال الأمر العبادي بنفسه في العبادة فيستكشف من الأمر بالاحتياط أمر آخر نفسي متعلق بالعبادة ؛ كما انّه بناء على رفع اشكال اخذ قصد القربة في متعلق الأوامر العبادية بما ذهب إليه شيخنا العلاّمة (3) أعلى اللّه مقامه من تعدد الأمر يكون هكذا ، فانّه يستكشف من الأمر اللفظي المتعلق بذات العبادة مجردة عن قصد القربة أمرا آخر لبّا يكون متعلقا باتيان المأمور به بالأمر الأول بقصد امتثال أمره ، مدفوعة :

بأنّ رجحان عنوان الاحتياط وان كان ذاتيا إلاّ أن تحقق ذاك العنوان يتوقف على الاتيان بما يحتمل كونه مأمورا به ممّا اعتبر فيه من الاجزاء والشرائط

ص: 249


1- سورة التغابن : 16.
2- سورة آل عمران : 102.
3- فرائد الاصول 2 : 151.

غير انّه لم يعلم بتعلق الأمر به ، وفيما نحن فيه لما كان من جملة الشرائط المعتبرة هو قصد الامتثال ولا يتمكن من ذلك إلاّ مع الأمر اليقيني فما دام لم يعلم به لم يتمكّن من قصد امتثاله فلم يحصل عنوان الاحتياط حتى يكتفى بقصد رجحانه الذاتي أو بقصد الأمر القطعي المتعلق به ، ولا يمكن إثبات الموضوع بالأمر.

ومن هنا ظهر ما في توهم كفاية قصد امتثال أوامر التقوى من الخلل فانّه يتوقف أيضا على تحقق عنوان التقوى وهو كالاحتياط لا يحصل في محتمل العبادة ما لم يعلم بالأمر.

وأمّا توهم : استكشاف أمر آخر من الأمر بالاحتياط قياسا بالأمر المتعلق بذات العبادة ، فمدفوع :

بأنّه على فرض التسليم في المقيس عليه فإنّما هو من جهة كون الأمر الأول متحققا فيستكشف منه الأمر الثاني ، بخلاف ما نحن [ فيه ] ، فانّ انطباق الأمر الاحتياطي لما كان متوقفا على تحقق موضوعه غير المعلوم وجوده في المقام فليس بمعلوم الانطباق في المقام فكيف يستكشف منه الامر النفسي كي يؤتى الفعل بقصد امتثاله ، مع انّه على فرض تسليم الكشف كما لو ادّعي الاجماع على جريانه في المقام فيخرج عن عنوان الاحتياط ويدخل في متحقق الأمر العبادي كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا من الفارق بين الأوامر العبادية وبين أوامر الاحتياط من القطع بالأول وبموضوعه دون الثاني لعدم العلم بموضوعه فلا يكون بمعلوم فيصح استكشاف الأمر النفسي في الأول دون الثاني :

ص: 250

ظهر ما في كلام الشيخ رحمه اللّه (1) من النقض بأوامر العبادة.

كما انّه ظهر انه على فرض تسليم الملازمة بين الحكم العقلي بحسن الاحتياط وبين الأمر الشرعي ورفع اليد عن امكان عدم كون المقام مقام الملازمة لا يجدي أيضا ، لكون الملازمة بعد تحقق موضوع الاحتياط ؛ والاشكال في تحققه.

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في الاشكال.

والجواب : انّه يبتني على تسليم كون قصد القربة مأخوذا في متعلق الأوامر العبادية فانّه بناء على ذلك لا بدّ من العلم بالأمر حتى يتمكن من اتيان الفعل مشتملا على جميع اجزائه وشرائطه ولا يكفي فيه احتمال الأمر ؛ فمنه انقدح ما في كلام الشيخ رحمه اللّه (2) من احتمال كفاية ذلك مع انّه ذهب إلى اخذه فيه بتعدد الأمر ولذلك ذهب في آخر كلامه (3) إلى انّ الاحتياط في العبادات الاتيان بذات الفعل عدى نية القربة.

وامّا بناء على ما ذهب إليه الاستاذ (4) دام ظله من خروج ذلك عن متعلق الأمر وكونه من كيفيات الاطاعة بحكم العقل بعد العلم بأنّ الغرض في العبادة وهو القرب والتكميل لا يحصل إلاّ بعد كون الداعي في اتيان الفعل العبادي هو امتثال الأمر أو الرجحان الذاتي ، فلا يرد ذلك ، لكون الاحتياط بمعنى الاتيان بمحتمل الأمر بجميع اجزائه وشرائطه وان لم يعلم بأمره حاصلا في المقام حقيقة بلا قصور

ص: 251


1- فرائد الاصول 2 : 152.
2- فرائد الاصول 2 : 150.
3- فرائد الاصول 2 : 153.
4- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 50 ، والطبعة الحجرية : 22 السطر 13 في تعليقه على قول الشيخ : « ولنقدم الكلام في المقام الثاني وهو كفاية العلم الاجمالي » ؛ كذلك درر الفوائد : 249 ، والطبعة الحجرية : 149 عند التعليق على قوله : « مضافا الى ان غاية ما يلزم » ؛ ايضا درر الفوائد : 264 ، والطبعة الحجرية : 158 عند التعليق على قوله : ولا شك ان هذا الاحتياط » ؛ كفاية الاصول : 398 - 399.

فيه أصلا.

غاية الأمر لمّا كان الأمر المحتمل أمرا عباديا فيحكم العقل بأنّه لا بدّ من عدم الداعي للفعل غير امتثال الأمر فان كان قطعيا فلا بدّ من قصد امتثاله وان كان مشكوكا فلا بدّ أن يكون غرض آخر غير الامتثال للأمر الاحتمالي ؛ والعقل في مقام الاطاعة لا يحكم في حصول الاحتياط باتيان الفعل المحتمل أمره بجميع أجزائه وشرائطه مع عدم الداعي لذلك غير موافقة الأمر المحتمل ، وهذا بخلاف ما إذا أخذ القربة في المتعلق لعدم التمكن من الاتيان بما يحكم به العقل حينئذ كما عرفت ، والفرض انّ المأخوذ شرطا هو امتثال الأمر المحقّق الواقعي وليس نظير حكم العقل الذي لا يكون له واقع غير الوجدان غير القابل للشك.

والحاصل : انّه بناء على التحقق من كون قصد الامتثال من كيفيات الاطاعة كما هو المستفاد من المشهور من اجماعهم على جريان الاحتياط في العبادات فلا اشكال أصلا في الاحتياط فيها كما لا يخفى.

ثم انّ هذا كله فيما لم يكن احتمال الوجوب من جهة رواية غير معتبرة دالة عليه ، وإلاّ فيصح قصد القربة ولو بناء على الجزم بالأمر لما ورد من الأخبار الدالة عليه استحباب كل فعل بلغ فيه الثواب وهي كثيرة.

منها : مصححة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « من بلغه عن النبي صلی اللّه علیه و آله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يقله ». (1)

ومنها : المروي عن صفوان عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وان كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يقله ». (2)

ومنها : خبر محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « من بلغه عن النبي

ص: 252


1- وسائل الشيعة 1 : 60 الباب 18 من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 1 : 59 الباب 18 من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث 1.

شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي كان له ذلك وان كان النبي صلی اللّه علیه و آله لم يقله ». (1)

ومنها : خبر آخر لمحمد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « من بلغه من اللّه ففعله التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه ». (2)

ومن طريق العامة : عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من بلغه من اللّه فضيلة فأخذ بها وعمل بها إيمانا باللّه ورجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك وان لم يكن كذلك ». (3)

والكلام في هذه الأخبار يقع من جهتين :

الاولى : انّ البلوغ ظاهر في وصول الأمر والثواب على الفعل بالقطع أو القطعي بحيث يكون العمل معهما بداعي الأمر المحقق وأمّا وصولهما بغير العلم والعلمي فلا ، إلاّ أن يراد بلوغ الخبر بهما فلا يبعد الصدق على الخبر الضعيف ، كما ان السماع في بعض الأخبار كذلك أيضا ؛ إلاّ أنّ الأولين لو لم يكونا بالقدر المتيقن من البلوغ فلا أقل من اطلاقه لهما.

ولا وجه لرفع اليد عن هذا الاطلاق إلاّ توهم كون ظهور التماس الثواب ورجائه وطلب قول النبي صلی اللّه علیه و آله في كون العمل مع عدم أمر معلوم في البين بل باحتماله قرينة على حمل البلوغ على وصول الخبر بدون طريق معتبر.

ولكنه يدفع : بعدم ظهور تلك الألفاظ في كون البلوغ بالطريق غير المعتبر أولا ، وبعدم المنافاة على فرض تسليم ظهور بعضها في ذلك كما سنشير إلى وجههما.

وتوهم : عدم القاعدة في الاخبار عن ترتب الثواب على العمل على تقدير

ص: 253


1- وسائل الشيعة 1 : 60 الباب 18 من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 1 : 60 الباب 18 من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث 7 ، باختلاف.
3- تاريخ بغداد 8 : 296 ؛ عدة الداعي : 13.

حمل البلوغ على الوصول بالطريق المعتبر ، ولا في اظهار التفضل عن ذلك ، مدفوع :

مضافا إلى ما نشير إليه [ فيما يأتي ] (1) من الفائدة في التفضل في أصل الثواب مع ذلك ، بأنّه على فرض التسليم يكون التفضل في بيان استحقاق الثواب البالغ المخصوص وان لم يكن ثواب الفعل واقعا بهذا المقدار.

الثانية : انّه هل الظاهر من الأخبار انّ كيفية العمل الصادر من العامل هو صدوره باحتمال الأمر فيكون الثواب عليه على نحو الانقياد ، أو صدوره بامتثال الأمر المحقق فيكون الثواب عليه لكونه إطاعة حقيقية وإتيانا للمأمور به بالأمر الشرعي.

ولكن الظاهر من البلوغ بعد ما عرفت من كون المتيقن منه هو الوصول بالقطع والقطعي ولا أقل من الاطلاق الشامل لكل منهما وللوصول بطريق غير معتبر بنحو واحد ، هو الثاني ، حيث انّ من المعلوم أنّ العمل بالأمر البالغ - أعم من المقطوع وغيره - بنحو واحد لا يكون إلاّ على نحو الامتثال ، وإلاّ فيلزم الاختلاف في ترتب العمل على البلوغ بالامتثال والانقياد ، وهو خلاف الظاهر.

ويدل عليه أيضا ترتب الثواب في كثير من الأخبار على العمل ، منها :

صحيحة ابن سالم المذكورة في صدر الروايات فانّ المراد من « شيء من الثواب » فيها - بقرينة رجوع الضمير واسم الاشارة إليه - العمل المشتمل على الثواب ؛ ومن المعلوم انّ استناد الأجر إلى العمل لا يكون إلاّ إذا كان مأمورا به وجيء به بقصد امتثال أمره.

إذا عرفت ما ذكرنا من كون العمل الصادر من العامل بسبب الأمر البالغ العامّ

ص: 254


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

الصدق على مطلق الأمر بنحو واحد وكون الظاهر من الأخبار ترتب الثواب على نفس العمل فيستكشف من هذا وجود الأمر الشرعي في مورد الرواية غير المعتبرة ، وإلاّ فلا بدّ من كون العمل في هذا المورد انقيادا محضا ، وهو مخالف لظاهر الأخبار من الجهتين.

والحاصل : انّه لا ينكر انّ الظاهر من الأخبار ترتب الثواب على نفس العمل وهو مسبب عن الأمر الشرعي والرجحان النفسي ، فيستكشف بالإن رجحانه وتعلق الأمر به ، فيحكم باستحبابه ، نظير : « من سرّح لحيته ... فله كذا » (1) وان كان لو لا هذه الاخبار لما حكم باستحبابه في المقام.

وقد أورد على ما ذكرنا من استكشاف الاستحباب الشرعي من هذه الأخبار بمجرّد ورود رواية ضعيفة بوجوه :

منها : انّ الظاهر من بعض الأخبار كون الثواب مترتبا على العمل المأتي به التماس الثواب الموعود وفي بعض آخر ترتبه على العمل المأتي به رجاء ثواب اللّه ، ومن المعلوم انّ صدور العمل التماس الثواب ورجائه لا يكون إلاّ مع احتمال الأمر لا مع العلم به.

وفيه : انّهما صادقان ولو فيما علم فيه بالأمر وأتى بالعمل امتثالا له امّا للخوف عن العقوبة أو لرجاء المثوبة على اختلاف مراتب العبيد ، وإذا كانا صادقين مع العلم بالأمر بلا تكلف أصلا فلا يستكشف منهما ظاهر على خلاف ما ذكرنا. هذا لو كان الثواب ملازما للأمر ، مع انّه غير مسلّم بل المسلّم الملازمة بين الأمر واستحقاق الثواب ومعنى استحقاقه - كاستحقاق المدح عند العقلاء - انّه لو أثاب المولى المطيع لكان في محله لا انّه لا بدّ من اعطائه فعلا بحيث لولاه لكان ظالما

ص: 255


1- وسائل الشيعة 1 : 429 الباب 76 من ابواب آداب الحمام ، باب استحباب تسريح اللحية سبعين مرة .... ، الحديث 1.

في حقه ، كما لا شبهة في كون استحقاق المدح من العقلاء كذلك. ولا يخفى انّ الحاكم بالاستحقاقين هو العقل وهو لا يحكم أزيد من هذا المعنى ؛ وحينئذ فمع العلم بالأمر لا يعلم بالثواب الفعلي فيؤتى بالمأمور به القطعي رجاء ترتبه فعلا والتماسا له.

والحاصل : انّ المقصود عدم ظهور للرجاء والالتماس في احتمال الأمر ، وكون العمل بداعي احتماله كي يرفع اليد عمّا ذكرنا من الظهور.

ومنها : انّ في بعض الأخبار ترتب الثواب على صدور العمل طلب قول النبي صلی اللّه علیه و آله ، والظاهر منه وقوعه بداعي احتمال قول النبي صلی اللّه علیه و آله وإلاّ فمع العلم به لا طلب له.

وفيه : مضافا إلى كون الظاهر منه - ولا أقل من الاحتمال المساوي - اتيان العمل لامتثال قول النبي صلی اللّه علیه و آله ولأجل طلبه في مقابل الاتيان به لا لذلك فلا يكون ظاهرا في خلاف ما ذكرنا ؛ انّه على فرض التسليم يكون الخبر المشتمل عليه يكون (1) في عداد الأخبار الدالة على وعد الثواب على المنقادين ، ولا تنافي بينها وبين سائر الأخبار كي يرفع اليد عن ظاهرها.

ثم انّه لا يرد على ما ذكرنا من صدق الرجاء والالتماس والطلب في صورة العلم بالأمر بعدم الفائدة في الإخبار بالثواب وتفضله لأنّ التفضل حينئذ في مقداره مع صحته في أصله أيضا لما عرفت من عدم الملازمة بينه وبين الأمر.

ومنها : انّ أخبار التسامح على فرض دلالتها معارضة بالأدلة الدالة على عدم حجية الخبر [ غير المعتبر ] (2) فلا يثبت به الاستحباب.

وفيه : مضافا إلى عدم الملازمة بين استكشاف الأمر من الثواب على الفعل

ص: 256


1- زائدة.
2- في الاصل المخطوط ( الغير ).

في موضوع الخبر غير المعتبر وبين حجيته ؛ انّه على تقدير التسليم يكون اختيار التسامح مقدمة على الأدلة المانعة لأخصّيتها عنها.

ومنها : انّ الثواب على الفعل أعمّ من تعلق الأمر به ومن الانقياد.

وفيه : انّ ثواب الانقياد كعقاب التجري على القول به إنّما هو للفاعل بحسن طينته المنكشف بالفعل المنقاد به مثل كون عقاب التجري عليه بخبث طينته المنكشف به لا بنفس الفعل كما هو الأخبار في المقام ، وترتب الثواب عليه لا يكون إلاّ بتعلق الأمر به.

ومنها : ما أورده الشيخ قدس سره في الفرائد (1) من انّ الظاهر من الأخبار كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي عليه أي انّ الداعي الأمر المحتمل المخبر به لا الأمر المحقق ؛ ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من الأخبار بطلب قول النبي صلی اللّه علیه و آله .

وفيه : امّا عن التأييد فما عرفت.

وامّا عن التفريع فبأنّ التفريع كما يكون باتيان العمل بداعي الأمر المحتمل البالغ بالخبر غير المعتبر كذلك يكون بمجرد اتيان العمل عقيب البلوغ وصدوره منه بعده ولو بأن يكون الداعي إلى العمل الأمر المحقق المنكشف باخبار التسامح بعد البلوغ.

والحاصل : انّه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر الأخبار في انكشاف الأمر عن الثواب على العمل ؛ مضافا إلى انجبار ضعف دلالتها بعمل المشهور وذهابهم إلى العمل بها.

الامر [ الخامس ] : (2) انّه لا شبهة في اجراء البراءة في الشبهة الوجوبية في

ص: 257


1- فرائد الاصول 2 : 155.
2- في الاصل المخطوط ( الامر .... ).

كل ما شك انّه من مصاديق الواجب الثابت بدليل لفظي سواء كان الشك في الفردية من جهة اجمال الدليل أو من جهة اختلاط الامور الخارجية لعدم كون العام حجة إلاّ فيما علم انّه من مصاديقه ، ومن المعلوم انّ الحكم الثابت له ينحل إلى أوامر عديدة فكل فرد يعلم انّه من مصاديقه يعلم حكمه منه دون ما لم يعلم انّه من مصاديقه.

وكذا لا اشكال في البراءة في الشبهة التحريمية في الفرض المذكور إذا كان اعدام الطبيعة في ضمن كل فرد مطلوبا على حدة بحيث لو أتى بفرد وترك آخر لحصلت المخالفة بالنسبة إلى واحد والامتثال بالنسبة إلى آخر ؛ وامّا لو كان عدم الطبيعة في ضمن جميع افراده مطلوبا واحدا بحيث لم يلحظ في المطلوب إلاّ عدم الطبيعة بما هي هي بحيث لو ترك جميع افرادها وأتى بواحد منها لكان لم يمتثل أبدا ولحصلت المخالفة بالكلية فيشكل اجراء البراءة حينئذ إذا شك في فرد انّه من مصاديق الطبيعة حيث لو (1) انّه لو أتى به لحصل الشك في امتثال الطلب المتعلق بعدم الطبيعة والفرض انّه لم ينحل إلى أعدام كي يرجع الشك في بعض الافراد إلى تعلق تكليف زائد بالنسبة إليه بعد العلم بتعلقه بالباقي بل الشك في امتثال عين المطلوب متحققا كما لا يخفى ، وهو كما لو تعلق الطلب بايجاد الطبيعة وشك في امتثاله من جهة الاتيان بالشك انّه من مصاديقه فكما يحكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بايجاد الطبيعة بالاتيان بما يعلم انّه من مصاديقه فكذلك يحكم باليقين باعدام الطبيعة في الفرض باعدام جميع افراده اليقينية والمشكوكة.

ودعوى : انتقاضه بطرف الوجود إذا كان العام استغراقيا ولكن بحيث كان جميع افراده موضوعا واحدا لحكم واحد بحيث كان مطلوبية كل منها منوطا

ص: 258


1- زائدة.

بمطلوبية باقي الافراد ومع ذلك يشك في بعض الافراد انّه من مصاديقه فيلزم ممّا ذكرت من رجوع الشك في الفرض المذكور إلى الشك في الامتثال عدم اجراء البراءة في الشبهة الوجوبية أيضا ، مدفوعة :

أولا : بالتزام عدم جريان البراءة عقلا في ما كان مطلوبية كل فرد من العام منوطا بمطلوبية الباقي بحيث كان المجموع من حيث المجموع مطلوبا واحدا مركبا يكون الشك في كون فرد مصداقا للعام موجبا للشك في الامتثال بالنسبة إلى المركب.

وثانيا : بكون القياس مع الفارق حيث انّ المطلوب في طرف الوجود حينئذ لما كان مركبا فينحل العلم الاجمالي بالوجوب المردد بين تعلقه بالأكثر والأقل إلى العلم التفصيلي بوجوب الاجزاء المعلومة بالوجوب المطلق المشترك بين كونه نفسيا وغيريا وشكا بدويا في الزائد وفي أصل تعلق الوجوب به ، وهذا بخلاف عدم الطبيعة فانّه مطلوب واحد بسيط ليس بذي اجزاء حتى ينحل إلى المعلوم التفصيلي والمشكوك البدوي كي يرجع الشك إلى أصل التعلق بل يرجع إلى امتثال الطلب المتعلق بالعدم الوحداني فلا بدّ من الاحتياط ؛ لكن هذا كله مع قطع النظر عن أصل موضوعي في البين.

وامّا بملاحظته كأن يقال : الأصل ايجاد الطبيعة بمفاد كان التامة باتيان الفرد المشكوك وبقائه في العدم الأزلي فيتضح به عدم تحقق موضوع المخالفة للخطاب المعلوم فلا اشكال بعد ذلك لاحراز المطلوب وهو ترك الطبيعة بالأصل ويجري البراءة في الفرد المشكوك بأصل البراءة.

[ الامر السادس ] : (1) انّه لا اشكال في جريان البراءة في الشك في

ص: 259


1- في الاصل المخطوط لا توجد هنا كلمات بل توجد علامة غير واضحة على ان هذا هو الامر السادس.

الوجوب التعييني ذاتيا أو عرضيا كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار وكذا في الشك في أصل تعلق الوجوب التخييري إذا لم يكن تعلق الوجوب معلوما ابدا ، وامّا إذا كان أصل الوجوب في الجملة معلوما وعلم بتعلقه بفرد وشك في انّه هل تعلق بفرد آخر بالخصوص حتى يكون تخييريا شرعيا أو من جهة تعلقه بالكلي المشترك بين الفرد المعلوم تعلقه به والمشكوك تعلقه به حتى يكون تخييريا عقليا أو لا حتى يكون الواجب تعينيا فالظاهر عدم جريان البراءة في الفرد المشكوك عقلا ونقلا.

امّا عقلا : فلكون مدرك البراءة هو قبح العقاب من غير بيان ، ومن المعلوم انّ تعلق الوجوب بالفرد المشكوك على نحو التخيير لا يوجب عقابا زائدا على العقاب المعلوم من تعلقه بالفرد المعلوم كي يتمسك بقاعدة القبح حيث انّ تركب الفرد المشكوك لو كان مع ترك الفرد المعلوم الحكم فيكون العقاب من جهة ترك الواجب المعلوم ، وان كان بدونه فلا عقاب قطعا ولو مع القطع بوجوبه فضلا عن الشك فيه.

وامّا نقلا : فلأنّ أدلة البراءة وان كانت شاملة بظاهرها للفرد المشكوك في حكمه من حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها إلاّ انّ من المعلوم انّها سيقت مساق الامتنان ، ورفع الوجوب من الفرد المشكوك ينافي التوسعة والامتنان فلا تتم مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق في غير مورد الامتنان كي يتشبث في رفع الحكم المشكوك بذيل اطلاق الأدلة ؛ وامّا أصالة عدم تعلق الوجوب بالفرد المشكوك :

فان كان الشك في تعلقه به بالخصوص وكونه واجبا بالتخيير الشرعي فلا بأس بها للعلم بتعلقه بالفرد المعلوم بالخصوص والشك في تعلقه به فتجري أصالة العدم.

ص: 260

وان كان الشك في تعلقه به في ضمن كلي مشترك بينه وبين الفرد المعلوم بأن يكون الشك في تعلق الوجوب بالفرد المعلوم بالخصوص كي يكون واجبا تعيينيا ، أو بالجامع كي يكون من جملة مصاديق الواجب فلا ، لتعارض جريان أصالة العدم في الكلي بأصالة العدم في الفرد المعلوم الوجوب ، والقدر المتيقن تعلقه به أعم من كونه بالخصوص أو في ضمن الكلي كما لا يخفى.

وتوهّم : جريان ما ذكرنا في التخيير العقلي في الشك في التخيير الشرعي أيضا على ما هو التحقيق فيه من تعلق الحكم فيه بالجامع المحصّل للغرض لا بالخصوصيات لعدم دخلها حقيقة في الغرض وإلاّ لزم استناد الشيء الواحد إلى المتباينات ممّا هي كذلك وهو مستحيل ، مدفوع :

مضافا إلى تسليمه فيما كان الغرض في الواجب التخييري واحدا لا فيما كان متعددا متزاحما في الوجود ؛ بانّ ذلك إنّما هو بالدقة العقلية وهو لا ينافي مع كون كل واحد من المصاديق واجبا بالخصوص عرفا بظاهر الدليل كما هو المعيار في باب الاستصحاب فحينئذ إذا شك في وجوب بعض المصاديق كذلك بعد العلم بوجوب فرد آخر بالخصوص فيجري فيه أصالة العدم بلا معارضة.

هذا كله بالنسبة إلى الحكم التكليفي.

وامّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي فأصالة عدم سقوط وجوب الفرد المعلوم الحكم عن الذمة باتيان الفرد المشكوك في كل من القسمين ، ممكنة.

وامّا إذا علم بكون شيء مسقطا للواجب وشك في كونه واجبا تخييريا أو مباحا مسقطا ، نظير السفر المباح المسقط لوجوب الصوم فتجري أصالة عدم تعلق الطلب به فقط في زمان التمكن عن الفرد الآخر المعلوم الحكم ، وأصالة البراءة عن وجوبه التعييني بالعرض أيضا في حال تعذر الفرد الآخر ؛ كما انّه يجري حينئذ في ما لم يعلم بكون الفرد المشكوك مسقطا أيضا.

ص: 261

هذا كله في الشك في الواجب التخييري.

وامّا الكلام في الواجب الكفائي كما إذا علم بتعلق الوجوب بأحد وشك في تعلقه بغيره من المكلفين فأصالة العدم بالنسبة إلى غير من علم بتعلقه به ، وكذا أصالة البراءة بالنسبة إليه عند عدم قيام المكلف المعلوم بالواجب ، وكذا أصالة عدم السقوط عن المكلف المعلوم عند قيام المكلف المشكوك به ، محكّمة ، ووجهه واضح.

ص: 262

اصالة التخيير

ويقع الكلام فيما دار الامر بين المحذورين في الشيء الواحد ، ومحل الكلام فيما لم يلزم مخالفة عملية قطعية كما لو دار حكمه بين الوجوب والحرمة مع عدم كون كليهما أو واحد منهما تعبديا يعتبر فيه قصد القربة وإلاّ لكانت المخالفة العملية ممكنة. ولا فرق بين أن يكون ذلك من جهة عدم الدليل على التعيين بعد قيامه على أحدهما كما إذا اختلفت الامّة على قولين بحيث علم عدم الثالث أو من جهة اجماله أو تعارض الدليلين أو من جهة العوارض الخارجية فلا اشكال في استقلال العقل عند عدم المعيّن بقبح العقاب على الفعل أو الترك لا من جهة عدم الحجة والبيان لكون العلم الاجمالي بأصل الالزام كافيا في البيان بل من جهة عدم القدرة على الاحتياط التام ، ولذلك لو تمكن من الاحتياط كما في صورة دوران الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر لكان العلم الاجمالي كافيا في كونه برهانا للالزام المعلوم اجمالا فعدم العقاب فيما نحن فيه ليس إلاّ من جهة عدم التمكن وليس كل ما يقبح فيه العقاب مستندا إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

فظهر ممّا ذكرنا انّ البراءة العقلية غير جارية في دوران الأمر بين المحذورين.

وامّا البراءة النقلية : فمثل حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها ممّا لا اشكال فيه في كل من الوجوب والحرمة ، وكذا مثل قوله علیه السلام : « كل شيء لك حلال

ص: 263

حتى تعرف انّه حرام » بناء على انّ مقابل احتمال الحرمة أعمّ من أن يكون مباحا أو حكما آخر كما في المقام وانّ الغاية تشمل العلم بالوجوب أيضا بناء على كون الحرمة أعمّ من تعلقها بالفعل أو الترك ؛ فظهر انّ جميع أدلة البراءة النقلية شاملة للمقام ولا مانع عنها إلاّ أمران :

أحدهما : انّه يلزم من الاباحة الظاهرية المخالفة الالتزامية للواقع.

وفيه : أولا : انّه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية حيث انّ الدليل على الحكم ليس إلاّ الخطاب الواقعي الدال عليه وهو يوجب الموافقة العملية لا الالتزامية وليس يجيء من قبله أمران وجوب العمل ووجوب الالتزام ، ولا دليل غيره يدل عليه.

وثانيا : انّه على فرض الدليل ولو من جهة وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلی اللّه علیه و آله فبالنسبة إلى الالتزام بالواقع تفصيلا فهو غير مقدور وإلى أحدهما المعين أو المخير فلا دليل عليه وبالنسبة إلى الواقع على ما هو عليه ان واجبا فواجب وان حراما فحرام فهو حاصل ولو مع الالتزام بالحكم الظاهري ؛ والجمع بين الالتزام بالواقع كذلك وبالحكم الظاهري تفصيلا لا غبار عليه بعد مساعدة الدليل عليه.

ثانيهما : انّ موضوع الاباحة الظاهرية هو المحتمل للحلّية والحرمة وهو مفقود من جهة نفي احتمال الحلّية مع انّ الحكم الظاهري لا بدّ أن يكون محتمل المطابقة للواقع ، والاباحة في المقام مقطوع المخالفة للواقع.

وفيه : انّ الموضوع توأمية الغاية محتمل الحرمة وغيرها وهو يعم المقام أيضا.

وامّا الاشكال في كون هذا الحكم ظاهريا ، ففيه :

مضافا إلى عدم البأس بعدم صدق الحكم الظاهري لمثله إذا كان على طبق

ص: 264

الدليل ؛ انّ المراد من الحكم الظاهري ان يكون ثابتا في الموضوع المشكوك الحكم الواقعي مع عدم تغير واقعه عما هو عليه. وبعبارة اخرى : ما كان في طول الواقع لا في عرضه مع حفظه واقعا وهو حاصل فيما نحن فيه لكون الحكم الواقعي من الوجوب أو الحرمة باقيا بحاله ولو مع جعل الاباحة على خلافه واجماعهم على عدم جواز احداث القول الثالث فيما إذا اختلفت الامّة على قولين ؛ فالمتيقن منه ما إذا لزم مخالفة عليه للواقع فلا يشمل مثل ما نحن فيه.

ثم انّه لو تنزلنا عما ذكرنا من كون مقتضى أدلة البراءة الشمول لما نحن فيه وقلنا بأنّ الظاهر من موضوعها محتمل الحلية والحرمة وبأنّها في مقام الامتنان والتوسعة فلا يشمل مثل المقام الذي لا يفيد الاباحة إلاّ ما هو حاصل بدونه من التخيير في الفعل أو الترك فلا بدّ من التنزل إلى حكم العقل.

فان قلنا : بجريان مقدمات الانسداد من العلم الاجمالي بالحكم الواقعي مع عدم امكان الاحتياط وعدم طريق علمي إليه وعدم جواز اجراء الأصل كما هو المفروض وقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، فلا بدّ من التنزل في تعيين الحكم الواقعي إلى الظن كشفا أو حكومة على الخلاف.

وان قلنا : بعدم الجريان في كل مسألة مسألة :

فان لم يكن في المسألة معيّن ولو ظنا ، أو كان واستقل العقل بعدم كون الظن غير المعتبر مرجحا ، لكون الترجيح مثل الحجية محتاجا إلى الدليل وإذ ليس فليس فيستقل العقل بالتخيير.

وامّا لو حصل عنده لطرف المظنون بسبب الظن به مزية أو احتمالها لم يكن في الطرف الآخر فيتوقف عن الحكم بالتخيير ولا بالتعيين ، فيدور الأمر بينهما ، فيحكم بالاحتياط بالأخذ بطرف المظنون. ولا ينافي التوقف مع كون الحكم بالتخيير أو التعيين عقليا لعدم كون التوقف في الشك في انّ للعقل حكم أم لا بل

ص: 265

يقطع بعدم الحكم إلاّ انّ الشك في الملاك ويمكن أن يختفي عليه ملاك حكمه لعدم العلم به تفصيلا بحدوده أو لاحتمال ملاك آخر لحكمه بالتعيين فيستقل في مقام العمل بالأخذ بمحتمل التعيين لحصول الأمن القطعي فيه عن الضرر واحتماله في الطرف الآخر.

هذا كله في الترجيح بالظن غير المعتبر.

وامّا الترجيح بغيره مثل انّ في العمل على طبق احتمال الحرمة المحتملة دفع المفسدة المحتملة وعلى طبق احتمال الوجوب جلب المنفعة المحتملة ، ومن المعلوم انّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، ففيه :

انّ ما ذكر إنّما يصح في المصالح والمفاسد غير اللازمة التدارك والدفع.

وبعبارة اخرى : في المضار والمنافع الدنيوية.

وامّا في المصالح والمفاسد اللتين كانتا ملاكا للالزام الشرعي من الوجوب والحرمة وكانتا لازمة التدارك والدفع فلا يصح ، لا لأجل انّ في ترك المصلحة مفسدة فيدور الأمر بين المفسدتين كما يظهر من الشيخ في الفرائد (1) حتى يقال بعدم كون ترك المصلحة مفسدة ، بل لأجل انّ المصلحة إذا كانت لازمة التدارك عند الشارع فيكون مثل المفسدة من حيث الحكم بالمراعاة فلا بدّ من ملاحظة الاهمية بينهما ؛ وربّ مصلحة يكون تداركها أهمّ من دفع بعض المفاسد كالصلاة بالنسبة إلى بعض المحرمات ، فليس دفع المفسدة أولى مطلقا بل لا بدّ من ملاحظة الموارد.

ص: 266


1- فرائد الاصول 2 : 187.

اصالة الاشتغال

المقام الثاني من أقسام الشك : في حكم الشك في المكلف به بأن يعلم التكليف الالزامي في الجملة وكان الشك والدوران في متعلقه مع امكان الاحتياط. ولا فرق بحسب الحكم بين كون العلم الاجمالي بنوع التكليف الخاص كالوجوب المردد بين الشيئين أو الحرمة كذلك ، او بجنسه كما لو دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر. والمهم في هذا الباب ان يتكلم في مقامين :

أحدهما : في انّ العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي علة تامة لتنجيز ما تعلق به بحيث لا يقبل الترخيص على خلافه؟ أو مقتض قابل لذلك؟ وعلى الثاني فيبقى مجال للبحث عن البراءة في أطراف العلم الاجمالي وانّه وجد المانع شرعا بعد عدم كون الجهل التفصيلي عذرا عقلا؟ أم لا؟ دون الأول ، لعدم مجال للبحث عن ذلك بناء عليه.

والمتكفل للبحث عن كون تنجيز العلم الاجمالي على نحو العلية أو على نحو الاقتضاء هو مبحث القطع ، وحيث انّا تكلمنا في ذاك المبحث من انّه على نحو الاقتضاء دون العلية التامة فيبقى مجال للبحث عن البراءة في هذا المقام.

ثانيهما : في انّه بعد الفراغ عن كون تأثير العلم الاجمالي على نحو الاقتضاء فيتكلم في بيان المانع وجعل الجهل التفصيلي عذرا شرعا بعد عدم كونه عذرا عقلا.

فنقول : انّ الشبهة في الشك في المكلف به :

ص: 267

تارة تكون حكمية ، كأن يكون الشك في تعلق الوجوب بخصوص عنوان أحد الشيئين الذين علم تعلقه بواحد منهما اجمالا أو في تعلق الحرمة كذلك أو في تعلق الوجوب بشيء أو الحرمة بشيء آخر ، من جهة عدم الدليل على التعين أو من جهة فقدان النص أو من جهة تعارض النصين.

وتارة تكون موضوعية ناشئة من اشتباه الواجب أو الحرام بغيره من جهة العوارض الخارجية ، فعلى الأول فالظاهر جريان أدلة البراءة وشمولها لأطراف العلم الاجمالي بلا تناف وتعارض بين الغاية المذكورة فيها وبين المغيّا.

بيانه : انّه لا بدّ أن تكون الغاية المذكورة فيها هي العلم بخصوص عنوان أو شخص تعلق به الشك لا بعنوان أو شخص آخر وإلاّ لم يكن العلم بشيء غاية للشك في شيء آخر كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّه لا قصور في دلالة كل واحد من أخبار البراءة ، لشموله لأطراف العلم الاجمالي في الشبهات الحكمية ، كما لو علم بحرمة واحد من شرب النبيذ وشرب العصير.

امّا مثل قوله حديث الرفع والحجب والسعة فلعدم العلم بحرمة خصوص شرب النبيذ ولا خصوص العصير ؛ والمعلوم بالاجمال المعيّن واقعا غير المعيّن ظاهرا غير معلوم الانطباق على كل من العنوانين بخصوصه حتى يخرجه عن الشك فبعد ، فإذا كان كل من الخصوصيتين مشكوك الحرمة يكون كل واحد مرفوع الحكم بخصوصه ويكون كل من هذه الروايات مانعا عن تأثير العلم الاجمالي.

وامّا مثل قوله : « كل شيء لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (1) فكذلك ، حيث انّ

ص: 268


1- وسائل الشيعة 12 : 60 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به ، الحديث 4 باختلاف.

المراد من الغاية بقرينة الضمير معرفة نفس ما شك في حرمته من العنوان والخصوصية فإذا شك في حرمة خصوص حرمة شرب النبيذ فتكون معرفته بخصوصه غاية لحليته ، ومن المعلوم انّ العلم الاجمالي بحرمته أو حرمة شرب العصير لا يوجب رفع الشك عنه بالخصوص الموجب لجريان البراءة فيه ؛ وحرمة واحد منهما واقعا بعد عدم العلم بالانطباق لا يوجب حصول الغاية التي يكون المراد منها معرفة حرمة ذاك المشكوك في حليته وحرمته.

ومثل ما ذكرنا من الأدلة قوله علیه السلام : « كل شيء حلال حتى تعرف انّه حرام بعينه ».

وجه الدلالة : ما ذكر من انّ الغاية بقرينة الضمير معرفة حرمة ذاك الشيء من العنوان أو الخصوصية المشكوك في حليته وحرمته وهو غير حاصل في صورة العلم الاجمالي مع كون الشبهة حكمية ، حيث انّ كلا من شرب التتن وشرب النبيذ مشكوك الحرمة وما حصل معرفتها بمجرد العلم الاجمالي بحرمة أحدهما ، وهذا غير دعوى كون الغاية المعرفة التفصيلية المستفادة من قوله علیه السلام : « بعينه » كما توهّم بل لأجل ما عرفت من كون المراد معرفة حرمة العنوان المشكوك الحرمة. ولو لا ما ذكرنا فالظاهر انّ قوله علیه السلام : « بعينه » تأكيد للضمير جيء به للاهتمام في اعتبار المعرفة لا أنّه قيد مقسّم للمعرفة ، فحينئذ لا يفيد أزيد [ ممّا ] (1) يستفاد بدونه.

نعم قوله علیه السلام : « كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه » (2) يدل على اعتبار العلم التفصيلي ، حيث انّ الظاهر منه انّ قوله : « بعينه » قيد للمعرفة لا تأكيد للضمير ، فيدل على اعتبار التفصيل فيه فيكون معناه في ما نحن فيه على الاستخدام : انّ كل شيء من أطراف العلم الاجمالي يكون في نوعه

ص: 269


1- في الاصل المخطوط ( ما ).
2- وسائل الشيعة 1 : 59 الباب 4 من ابواب ما يكتسب به ، الحديث 1 باختلاف.

الجامع بينه وبين عدله قسمان واشتبه كل منهما بالآخر فهو لك حلال حتى تعرف القسم الحرام من نوعه تفصيلا ؛ مثلا يصدق انّ كل واحد من شرب العصير وشرب النبيذ في الجامع بينهما قسم من الحرام وقسم من الحلال فهو لك حلال حتى تعرف القسم الحرام من ذاك الجامع تفصيلا.

فظهر انّه على فرض تسليم عدم دلالة سائر الأخبار على الحلية وكون الغاية فيها أعمّ من العلم التفصيلي والاجمالي وأعم ممّا كان متعلقا بعنوان أحدهما فلا اشكال في دلالة هذا الخبر على الحلّية والبراءة في صورة العلم الاجمالي ولو كانت الشبهة حكمية وان نوقش في دلالته على البراءة في الشبهة الحكمية البدوية.

هذا كله في الشبهة الحكمية.

وامّا الشبهة الموضوعية : فان قلنا : بانّ المراد من الشيء الواقع في الاخبار كناية عمّا هو شيء بالحمل الشائع من الأشخاص والخصوصيات والمراد من الغاية معرفة ذاك الشيء بخصوصياته ، فتدل جميع أدلة البراءة على الحلّية في الشبهة الموضوعية من العلم الاجمالي أيضا.

وان قلنا : بأنّ المراد من الشيء أعم ممّا ذكرنا ومن العناوين الكلية ، فلا دلالة لها ، للعلم بالعنوان المعلوم الحرمة بين المشتبهين ، فيجب الاجتناب عنه وعن أطراف الشبهة مقدمة له. نعم الخبر الأخير يدل على البراءة في الشبهة الموضوعية أيضا بل هي المتيقن منه.

فحصل مما ذكرنا : انّ مقتضى الأدلة بعد البناء على تأثير العلم الاجمالي في التنجز على نحو الاقتضاء لا على نحو العلية هو البراءة حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية ؛ إلاّ أن يقوم اجماع على خلافه ، كما لا يبعد دعوى ذلك في الشبهات الموضوعية.

ص: 270

ولكنه لا بدّ أن يعلم انّ اجراء البراءة في أطراف العلم الاجمالي يتوقف على عدم كون متعلق العلم هو مرتبة البعث والارادة التحريكية من المولى بحيث علم انّه يبعث فعلا إلى الاتيان بالواجب ويزجر عن الحرام وإلاّ فلا يمكن الترخيص بعد ذلك فيلزم رفع اليد عمّا هو ظاهر الدليل عقلا والاحتياط باتيان جميع أطراف الشبهة أو تركها بلا حاجة الى استكشاف الاحتياط من الشارع ، لكفاية احراز البعث منه في حكم العقل بلزوم الاحتياط في العلم الاجمالي وان كان لا بدّ من الاستكشاف في الشبهة البدوية لو كان التكليف المحتمل بهذه المرتبة ولا مجرد الانشاء الذي لا يصير منجزا ولو بتعلق العلم التفصيلي به أيضا ، بل لا بدّ أن يكون المتعلق بمرتبة يمكن اجتماعها مع الحكم الظاهري على خلافه بحيث يوصله العلم إلى المرتبة المستلزمة للتنجز لو لا المانع وهو ما قلنا به سابقا ووفقنا بين الاحكام الظاهرية المخالفة للواقعيات وبينها من كون الواقع بمرتبة لو تعلق التفصيلي به - أو ما يقوم مقامه من الأمارات المطابقة والعلم الاجمالي لو لا المانع - لصار منجزا ولو بأن يحصل عنده البعث أيضا.

وبعبارة اخرى : لا بد أن تكون مصلحة الحكم لشرائط البعث موجودة والموانع مفقودة غير الجهل التفصيلي الذي لم يكن مانعا عنه عقلا فلو لم يجعله الشارع مانعا عنه أيضا لصار إلى مرتبة الارادة والتنجز ولكن بعد شمول أدلة البراءة لأطراف العلم الاجمالي كما عرفت وجه دلالتها لكان ذلك كاشفا عن عدم الوصول إلى تلك المرتبة.

والحاصل : انّ متعلق العلم لو كان مرتبة من الحكم كانت جميع المقتضيات موجودة والموانع مفقودة بحيث لا حالة منتظرة له في طي جميع مراتب الحكم غير الجهل التفصيلي ، فلو دلت الأدلة على الحلية الكاشفة عن جعل ذاك الجهل مانعا عن الإرادة الفعلية لمصلحة من المصالح ولو كانت هي الترخيص فلا مانع عنها لا

ص: 271

عقلا ولا نقلا إلاّ ما ذكره شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه في الفرائد (1) من منافاة الترخيص في أطراف العلم الاجمالي لما دل على حرمة ذاك العنوان المشتبه مثل قوله : « اجتنب عن الخمر » حيث انّ الاذن في كلا المشتبهين ينافي المنع عن العنوان الواقعي المردد بينهما ؛ مضافا إلى منافاته مع نفس غاية هذه الأخبار الدالة على الاجتناب عن معلوم الحرمة.

وفيه :

أولا : النقض بالشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية التي كانت الاصول فيها مخالفة للواقع واقعا وعدم العلم للمكلف بذلك لا يوجب رفع المنافاة واقعا حيث انّ المنافاة بين الحكمين واقعي ليس دائرا مدار العلم بها غاية الأمر كان العلم بذلك علما بالمنافاة لا موجبا للمنافاة بنفسه مع انّه قد يعلم بحصول المنافاة كما في الشبهة غير المحصورة وكما في اجراء الاصول من أول الفقه إلى آخره فانّه يعلم الفقيه باستلزامها المخالفة للواقع يقينا مع عدم الاستشكال في ذلك من أحد ، هذا.

مع انّه لو كان بين الحكم الظاهري والواقعي منافاة فكيف يبقى الشك في الحكم الواقعي في موارد جريان الاصول وهل ذلك على ذلك إلاّ الشك في وجود أحد الضدين مع القطع بالضد الآخر والحال انّ العلم بأحد الضدين يوجب القطع بعدم الضد الآخر.

وثانيا : بالحل ، بأنّ المنافاة ان كان من جهة عدم تحقق موضوع الحكم الظاهري وهو الجهل بالواقع كما في العلم التفصيلي فهو خلاف الضرورة ، لمكان وجود الجهل في الحكم الواقعي في كل من الأطراف بخصوصه.

ص: 272


1- فرائد الاصول 2 : 202.

وان كان من جهة المنافاة بين الترخيص والايجاب وبين الاذن والتحريم والارادة والكراهة ، ففيه : ما مرّ في دفع المنافاة بين الحكم الظاهري والواقعي في الشك في التكليف ؛ امّا بالنسبة إلى المبدأ الأعلى من عدم الارادة والكراهة فيه إلاّ مجرّد العلم بالصلاح والفساد ولا تنافي بينهما وبين الترخيص والاذن في الفعل.

وامّا بالنسبة إلى المبادئ النازلة من النفس النبوية والولوية التي كانت مجلى لارادة اللّه ومشيئته وكانت الارادة والكراهة فيها غير العلم بالصلاح والفساد ، من انّ الارادة والكراهة فيها على طبق الصلاح والفساد التام إنّما هو مع عدم جعل الجهل التفصيلي عذرا ، وامّا معه فيستكشف عن عدم التحقق فيها أيضا غير العلم بالصلاح والفساد والايجاب والتحريم الانشائيين وهي لم تكن منافية مع الترخيص ؛ فظهر انّ المنافاة إنّما هو بينه وبين البعث والزجر الفعليين والفرض إنّهما منتفيان مع البراءة وامّا غيرهما فلا منافاة.

وظهر ممّا ذكرنا : انّه لا مجال لتوهّم انّه مع صحة جعل الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي لا بدّ من صحته مع العلم التفصيلي أيضا.

وجه الفساد : حصول المعلق عليه للتنجز في العلم التفصيلي دون العلم الاجمالي مع كون موضوع الحكم الظاهري وهو الجهل بالواقع محفوظا في العلم الاجمالي دون العلم التفصيلي.

كما انّه ظهر : انّ اجراء البراءة في أطراف العلم الاجمالي إنّما هو إذا لم يتعلق بالبعث الفعلي ، وامّا معه فلا ، وانّه قطع النظر عن الاجماع على عدم جواز اجراء البراءة ، وامّا معه فيستكشف عن الارادة الفعلية أيضا.

وظهر أيضا : انّه لا فرق بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ؛ وانّ ما في

ص: 273

كلام الشيخ رحمه اللّه في الفرائد (1) من استلزام الثاني للإذن في المعصية في نظر المكلف ، ففيه : انّ المعصية مشروطة بوصول الحكم إلى مرتبة التنجز ، وبدونه كما ذكرنا فلا تنجز فلا معصية ولو في نظر المكلف. نعم لو وصل الحكم إلى مرتبة البعث الفعلي وتعلق العلم به بهذه المرتبة فيجب الاحتياط بكلتا المرتبتين من عدم جواز المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّه بناء على تأثير العلم الاجمالي في تنجز المعلوم بالاجمال وعدم جواز اجراء البراءة في أطرافه إنّما يكون وجوب الاحتياط وعدم جواز البراءة بالنسبة إلى ما كان طرفا للعلم الاجمالي ويكون الاجتناب عنه مقدمة علمية للمعلوم بالاجمال من الحرام ؛ امّا ما لم يكن بنفسه طرفا للعلم ولا اجتنابه مقدمة علمية للاجتناب عن المعلوم بالاجمال ممّا كان ملازما لبعض الأطراف بحسب الحكم واقعا سواء كان وجوده الواقعي في عرض ملازمه من الأطراف أو مسببا عنه وواقعا في طوله فلا يجب فيه الاحتياط من جهة كون ملازمه طرفا للعلم الاجمالي ، إلاّ إذا حدث علم اجمالي آخر بالنسبة إلى نفس الملازم على حدة.

امّا مثال الملازم : فكما إذا علم اجمالا بخمرية أحد الإناءين ثم علم بعد ذلك بوجود نصف لأحدهما انشقّ منه قبل العلم الاجمالي بدون علم به حين العلم بشقه الموجود ، فحينئذ لا يسري وجوب الاجتناب عن ملازمه إلى الشق الواقعي ولو كان ملازما لشقه الموجود على تقدير كونه خمرا. بيانه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : انّه بتعدد التكليف تتعدد الافراد ولو بناء على تعلق الأحكام

ص: 274


1- فرائد الاصول 2 : 203.

بالطبيعة ، لأنّ تعلقها بها باعتبار الوجود فبتعدد افراد الحكم يتعدد وجود متعلقه فحينئذ يكون الانشقاق موجبا لكون كل واحد من الشقين فردا للخمر ويكون وجوب الاجتناب متعلقا بكل منهما على حدة بحيث يكون لكل منهما امتثال على حدة يحصل بالاجتناب عنه ولو حصلت المعصية بالنسبة إلى الآخر.

الثاني : انّ العقاب لا يدور مدار الواقع ، بل مدار تنجزه الثابت بالعلم والعلمي ، وبدون أحدهما تكون البراءة بالنسبة إلى المشكوك ممكنة.

الثالث : انّ تنجز التكليف المحتمل بالنسبة إلى بعض الافراد من جهة كونه من أطراف العلم الاجمالي ، وكون العقاب فيه محتملا من جهة احتمال انطباق المعلوم بالاجمال المنجز عليه لا يوجب التنجز واحتمال العقوبة على فرد آخر ملازم له في الاحتمال.

إذا عرفت ذلك ، فظهر : انّه لو علم اجمالا بوجود فرد من النجاسة الخمرية في ذات أحد الشقين وفي طرفه بلا علم بالشق الواقعي ولا بالانشقاق ثم علم بعد ذلك به فلا يكون الشقّ على تقدير كونه خمرا واقعا منجزا ، لعدم كونه مقدمة علمية لشخص الفرد من الخمر المعلوم اجمالا بين شقه وطرفه ولو اتفق انّ الخمر هو شقه واقعا لكونه - ولو على ذاك التقدير - فردا آخرا غير المعلوم اجمالا ، والفرض عدم العلم بخمريته على حدة تفصيلا وما كان من أطراف علم اجمالي آخر أيضا ، فيكون الشك في خمريته شكا بدويا.

وامّا العلم الاجمالي ثانيا بعد العلم بوجوده بخمريته أو بخمرية طرف الشق فلا أثر له بعد كون التأثير في ذاك الطرف مستندا إلى العلم الاجمالي السابق. نعم لو علم بهذا الشقّ مقارنا للعلم الاجمالي بخمرية شقه وطرفه بأن علم بخمرية الطرف أو بخمرية الشقين أو علم ثانيا بوجود شق للطرف أيضا كي يحصل علم اجمالي ثانيا بخمرية واحد من شقي طرفي العلم الاجمالي الأول فيكون الشق واجب

ص: 275

الاجتناب من باب المقدمة العلمية للعلم الاجمالي الأول في الأول وللعلم الاجمالي الثاني في الثاني.

وممّا ذكرنا في الشق ظهر : ما في ملاقي أحد المشتبهين من الأقسام المختلفة بحسب ما لها من التكليف بوجوب الاجتناب وعدمه.

بيانه : انّ للملاقي أقساما بحسب الاجتناب في بعضها دون بعض.

منها : ما لم يكن العلم بالملاقي ( بالكسر ) والملاقاة مقارنا للعلم الاجمالي بوجود فرد من النجاسة بين الملاقي ( بالفتح ) وطرفه بل كان العلم بوجوده بعد ذاك العلم سواء حصل الملاقاة بعده أو كان من قبل ولم يعلم بوجوده إلى ما بعد العلم المذكور.

وحكمه في هذه الصورة عدم وجوب الاجتناب وعدم تنجز التكليف بالنسبة إليه على تقدير مصادفة كون ملاقاه هو الحرام ، حيث انّه على ذاك التقدير فرد آخر من النجاسة مغاير لملاقاه ولا يكون ملازما معه في التنجز وان كانت نجاسته ناشئة من قبله كما في حكم فرد من النجاسة مع فرد آخر لعدم ملاك التنجز فيه كما كان في ملاقاه - وهو المقدمية للفرد المعلوم بالاجمال من النجاسة - لوضوح انّه على تقدير الاجتناب عن الطرفين يحصل الامتثال بالنسبة إلى الفرد المعلوم وان لم يحصل الاجتناب عن الملاقي ، والفرض انّه لا علم تفصيلا بنجاسته أيضا ولا كان من أطراف العلم الاجمالي الأول ، والعلم الاجمالي بنجاسته أو طرف الملاقي لا تأثير له بعد عدم تأثيره في الطرف ، فيبقى مشكوكا بدويا محضا.

والحاصل : انّه لا وجه لوجوب الاجتناب عن الملاقي في هذا القسم إلاّ ما تخيل من كونه لازما لوجوب الاجتناب عن ملاقاه ، بناء على انّ وجوب الاجتناب عن الشيء يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضا كما استدل السيد أبو المكارم

ص: 276

في الغنية (1) على تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دلّ على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى : ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) . (2)

وفيه : انّه ان اريد منه الملازمة الواقعية ، بأن يكون الاجتناب عن الملاقي لا يحصل ولا يتحقّق الامتثال بالنسبة إليه إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه أيضا بحيث يكون الاجتناب عنه من مراتب امتثاله ، ففيه :

انّه لا وجه لذلك بعد ما عرفت من كون كل فرد من النجاسة محكوما بحكم على حدة بحيث لا يرتبط الاجتناب عن كل واحد بالاجتناب وان كان حاصلا بسببه. ومجرد كون نجاسته ناشئا من جهة ملاقاته لا يوجب كون الاجتناب عنه عين الاجتناب عنه.

وان اريد منه الملازمة في مقام الاثبات ، بأن يكون الدليل على الاجتناب عن الملاقي ( بالفتح ) وإلاّ على الاجتناب عن الملاقي ( بالكسر ) وان لم يكن بينهما ملازمة واقعية ، ففيه :

مضافا إلى عدم الملازمة بينهما اثباتا ولذا لم يدل الدال على الاجتناب عن المحرمات على الاجتناب عن ملاقيها إلاّ في خصوص النجاسات بدليل خارجي ، انّه : على فرض التسليم يكون ذلك فيما إذا كان الدليل على الاجتناب عن الملاقي لفظيا كي يدل بالملازمة العرفية على الاجتناب عن ملاقيه ، لا فيما كان الدليل عقليا لملاك في خصوص الملاقاة دون الملاقي وهو المقدمية للاجتناب عن المعلوم بالاجمال فانّه كان في خصوص الملاقى دون الملاقي.

وان تمسك بأدلة المشتبهات اللفظية ، ففيه :

مع كونها ظاهرة في الارشاد أو محمولة عليه جمعا بينها وبين أدلة البراءة ،

ص: 277


1- غنية النزوع 2 : 46.
2- سورة المدثر : 5.

ما عرفت آنفا من : انّ تسليم الملازمة إنّما هو في أدلة النجاسات لا في غيرها ، فلا وجه لهذا التوهم أيضا.

ومنها : ما كان العلم الاجمالي بالنجاسة والعلم بالمتلاقيين والملاقاة بينهما في عرض واحد ، بأن علم اجمالا بنجاسة طرف الملاقي أو بنجاسة هذين المتلاقيين غاية الأمر كانت النجاسة في الملاقى على تقديرها فيه ناشئة عن الملاقاة ففي هذه الصورة يكون المتلاقيان في عرض واحد في كونهما طرفي العلم الاجمالي وعدلين للطرف الآخر كما لو لم يكن بينهما ملاقاة بل كانا اناءين على حدة وقعا عدلين للطرف الآخر ، فحينئذ يكون حكم العقل بوجوب الاجتناب مقدمة للمعلوم بالاجمال جاريا في كلا المتلازمين لكون المناط فيه كون المشتبه طرفا للعلم الاجمالي وهو حاصل في كل من الملاقي والملاقي في مرتبة واحدة.

وما في كلام الشيخ قدس سره (1) من عدم وجوب الاجتناب في هذه الصورة من الملاقي ( بالكسر ) من جهة كون الشك فيه مسببا من الشك في نجاسة الملاقى ( بالفتح ) ومن المعلوم انّه لمّا كان الأصل في المسبب ليس في مرتبة الأصل في السبب فلا يجري ما دام يجري فيه الأصل ولكنه لو سقط بالمعارضة فيكون الأصل في المسبب جاريا بلا حاكم ومعارض كما في المقام ، امّا الأول : فلسقوط الأصل في السبب بالمعارضة مع طرفه ، وامّا الثاني : فلعدم كون الأصل في المسبب في مرتبة الأصل في السبب حتى يعارض مع ما يعارضه.

وفيه : انّه مسلّم لو لم يكن المانع عن جريان الأصل في السبب جاريا في المسبب كما لو لم يكن طرفا للعلم الاجمالي في عرض السبب.

ص: 278


1- فرائد الاصول 2 : 240 و 242.

وامّا فيما كان طرفا لعدل الملاقي ( بالفتح ) في عرض طرفيته له بلا تأخره عنه في كونه عدلا للطرف الآخر وطرفا للعلم الاجمالي كما فيما نحن فيه حيث انّ العلم حاصل امّا بنجاسة الطرف أو بنجاستهما فيكون الملاقي طرفا كما لو لم يكن ملاقاة في البين أصلا ، فيكون الأصل فيه ساقطا كما في ملاقاه بلا تفاوت بينهما في المانع وهو الملاك في السقوط في المقام.

ومنها : ما كان العلم الاجمالي بالنجاسة بين الملاقي ( بالكسر ) والطرف الآخر بلا علم بالملاقي ( بالفتح ) ، امّا بفقدانه وخروجه عن محل الابتلاء حين العلم ، أو بعدم العلم به أصلا أولا ثم علم بوجوده ثانيا.

ففي هذه الصورة يكون وجوب الاجتناب من جهة المقدمية العلمية في خصوص الملاقي دون ملاقاه لجريان الملاك وهو وقوعه طرفا للعلم الاجمالي ومقدمة علمية للمعلوم بالاجمال به دونه وانحصارها به.

ثم بعد الابتلاء بالملاقي والعلم به لا يجري فيه الاحتياط ، لعدم العلم بنجاسة اخرى بسببه ، والفرض انّه ما كان مقدمة للمعلوم بالاجمال الأوّلي والعلم الاجمالي ثانيا بنجاسته أو بنجاسة الطرف لا يجدي شيئا بعد عدم تأثيره في الطرف أصلا كما لا يخفى.

ثم كل ما كان العلم الاجمالي مؤثرا في وجوب الاحتياط فيه لا يرتفع أثره عنه بمجرد فقد الطرف ولو ارتفع العلم الاجمالي منه ، حيث انّ التكليف على تقدير وجوده فيه واقعا صار منجزا بسبب العلم الاجمالي أوّلا فلا بدّ من الفراغ منه قطعا امّا بالامتثال أو بارتفاع الموضوع.

الأمر الثاني : انّه لو زال العلم الاجمالي بعد حدوثه وتأثيره في تنجز التكليف المعلوم بالاجمال :

فان كان بالعلم بسقوط التكليف عن الذمة امّا بالامتثال القطعي ، أو بالمخالفة

ص: 279

كذلك ، أو بفقدان كلا الطرفين من البين ، أو بالعلم التفصيلي بالمكلف به فلا اشكال.

وامّا ان شك في ذلك بسبب بعض الحالات الطارئة من فقدان بعض الأطراف ، أو الاضطرار بالنسبة إليه ، أو الامتثال ، أو المخالفة بالنسبة إلى البعض الموجبة لزوال العلم الاجمالي بلا علم بالتكليف بعده ، ففيه تفصيل وهو انّه :

لو كانت الحالات كالاضطرار العقلي والشرعي ونحوها طارئة على التكليف موجبة لتنويعه وتقييده شرعا أو عقلا بمرتبته الشأنية أو الفعلية ، أو عقلا فقط بمرتبته الفعلية أو التنجز كالخروج عن محل الابتلاء ونحوه فتوجب هذه الحالات تقييد التكليف من حين طروه لو علم بعروضها على مورد التكليف أو تضييق دائرة العلم به لو شك بعروضها على مورده فيوجب الشك في غير ما علم بالاجمال من التكليف فلا يجب فيه الاحتياط.

وامّا ان لم يكن كذلك ، بل كانت موجبة لرفع الموضوع فيرتفع الحكم بارتفاعه قطعا على تقدير القطع بارتفاعه أو شكا على تقدير الشك فيه فطريان أحد هذه الطوارئ على بعض أطراف العلم الاجمالي يوجب الشك في زوال ما علم اجمالا من الحكم عن الذمة فلا يوجب ارتفاع أثر العلم الاجمالي من الاحتياط.

وبعبارة اخرى : كل ما كان من الحالات موجبا للشك في ثبوت أصل التكليف وتعلقه بالذمة غير ما علم أولا فيكشف عن عدم التنجز بالنسبة إليه من قبل العلم الاجمالي ، وكل ما يوجب منها الشك في فراغ الذمة عمّا اشتغلت به فلا يوجب زوال أثر العلم الاجمالي بل يجب فيه الاحتياط.

وبيانه : انّ الاضطرار بمتعلق التكليف المعلوم تفصيلا يوجب رفعه عن مورده مع بقاء المكلف به ؛ وامّا لو تعلق بمورد المعلوم بالاجمال :

ص: 280

فان كان بأحد الطرفين على نحو التخيير فلا اشكال في رفعه مطلقا ، ضرورة منافاة الترخيص في كل من الطرفين تخييرا مع التكليف الالزامي البعثي إلى أحدهما المعين وان كان لا ينافيه انشاء.

وتوهم : ثبوت التكليف الالزامي بأحدهما على البدل بعد ذلك وهو لا ينافي الترخيص بأحدهما على البدل ، مدفوع :

بأنّ العلم الاجمالي بالمحرّم الواقعي مثل الخمر مثلا يوجب تنجز التكليف في نفس الخمر الواقعي لا غيره ، وهو مناف مع تعلق دائرة الترخيص ولو تخييرا بها أيضا كما لا يخفى.

ولا فرق في زوال أثر العلم الاجمالي في صورة الاضطرار ونحوه إلى أحدهما المخير بين كون الاضطرار قبل العلم أو بعده ، علم ابتداء بطروه بعد ذلك أو لا لما عرفت من المنافاة بين الحكمين الفعليين ولو كان أحدهما تخييريا.

فما في كلام الشيخ قدس سره في الفرائد (1) من التنجز في هذه الصورة مطلقا ولو كان الاضطرار قبل العلم بتحقق مناط تأثير العلم الاجمالي فيه وهو انّه لو تبدّل ذلك إلى العلم التفصيلي وتعلق ذلك بكل طرف يوجب التنجيز للزوم العمل به في هذه الصورة ورفع الاضطرار بالآخر ، ففيه :

انّ ذلك ليس كل الملاك في تأثير العلم الاجمالي ، بل هو مع عدم التكليف المنافي كما في العلم التفصيلي فانّ الترخيص الاضطراري فيه يتعلق بغير الحرام لا في صورة العلم الاجمالي لتعلقه من جهة عدم العلم به بكل من الطرفين تخييرا أو هو مناف للتكليف بالمعين ولو بعد ثبوته كما في الاضطرار الطاري فكيف قبل ثبوته كما في الاضطرار السابق. ولا فرق بين تعدد التكليف بتعدد الحالات وعدمه ،

ص: 281


1- فرائد الاصول 2 : 245.

لانقطاعه حين الاضطرار إلى أحدهما مطلقا.

وامّا ان كان بأحدهما المعيّن :

فان كان قبل العلم الاجمالي بالتكليف بينه وبين الطرف الآخر فلا اشكال في عدم تأثيره ، لعدم العلم بتكليف فعلي من أجله كما هو واضح.

وان كان بعده ، فلا يخلو :

فامّا أن تكون الشبهة في أطراف العلم الاجمالي موضوعية ، كما لو علم بوجود خمر بين الإناءين.

أو حكمية ، كما لو علم بحرمة شرب النبيذ أو شرب العصير.

وعلى كل منهما :

فامّا أن يعلم من ابتداء العلم الاجمالي بما يضطر اليه من الطرفين بشخصه تفصيلا.

أو يعلم اجمالا بطروّ الاضطرار بعد ذلك بأحد الطرفين معينا بلا علم بشخصه ابتداء.

وعلى الثاني ، فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن غير المضطر إليه بعد طروّه ، بل المرجع فيه الرجوع إلى الأصل وان كان ساقطا قبل طروه من جهة العلم الاجمالي ؛ وبيانه يحتاج إلى مقدمتين :

احداهما : انّ عنوان الاختيار والاضطرار من العناوين الموجبة لتعدد التكليف ومن الحالات الباعثة لتقييده وانّ التكليف بالاجتناب عن المحرمات فيما لم تكن الطبيعة على نحو الاستمرار مطلوبا واحدا كترك الاكل مثلا في الصوم يتعدد بتعدد الآنات كشرب الخمر والنظر إلى الأجنبية ونحوهما.

وثانيتهما : انّ التكليف الواقعي لا يتنجز بنفسه ، بل يصير كذلك بواسطة تعلق العلم به وانّ العلم يوجب تنجز مقدار من التكليف الذي تعلق به لا أزيد

ص: 282

من ذلك.

فإذا عرفت ذلك فيظهر : انّه لو علم مقارنا للعلم الاجمالي بطروّ الاضطرار بعد ذلك فلا علم إلاّ بالتكليف في حال الاختيار ، وامّا بالنسبة إلى تكليف حال الاضطرار فلا علم به من أول الأمر فيكون الشك بالنسبة إلى حال الاضطرار شكا في التكليف والفرض انّ التكليف متعدد بحسب الآنات والحالات ، فما علم من التكليف إنّما هو بالنسبة إلى حال الاختيار وامّا بالنسبة إلى حال الاضطرار فلا ، والعلم الاجمالي بالنسبة إلى الأول لا يجدي في التنجز بالنسبة إلى الثاني كما لا يجدي العلم بالتكليف في حال الحضر بالنسبة إلى التكليف في حال السفر ، والشك في حال السفر والاضطرار ليس في سقوط ما علم اشتغال الذمة به سابقا كي يرجع إلى قاعدة الاحتياط اللازم.

فان قلت : انّ الاضطرار إلى مورد التكليف يوجب رفعه كما في صورة الاضطرار إلى أحد الطرفين لا الاضطرار إلى غيره ، فحيث انّه لا علم في صورة طروّه إلى أحدهما المعيّن بطروّه إلى مورد التكليف فيكون الشك في سقوط ما علم به الاشتغال عن الذمة ، فيجب فيه الاحتياط.

قلت : انّ الاضطرار إلى المعين وان لم يوجب انقطاع التكليف - إلاّ ان يكون التكليف المعيّن في مورده واقعا - إلاّ انّ العلم ابتداء بطروّه في زمان يوجب عدم تعلق العلم بالتكليف الواقعي إلاّ إلى حال طروّه.

وبعبارة اخرى : انّ الاضطرار الطارئ وان لم يوجب تحديد مصدر التكليف الواقعي مطلقا إلاّ انّه يوجب تحديد دائرة العلم بما قبل طروّه ، وقد عرفت انّ التكليف الواقعي متعدد بحسب الآنات فيكون العلم موجبا لتنجز التكليف الثابت قبل الاضطرار لا الثابت بعده وحينئذ فيكون التكليف بعده مشكوكا بدويا رأسا بلا منجز ولو آناً ما ، فيرجع فيه إلى الاصول.

ص: 283

فان قلت : انّ الاضطرار إلى المعين يوجب كون أحد طرفي العلم قصيرا والآخر طويلا فيكون غير المضطر إليه بطوله طرفا للعلم الاجمالي فيجب فيه الاحتياط ولو بعد طروّ الاضطرار إلى الآخر.

قلت : انّ المضطر إليه واقعا لما لم يكن معينا عند المكلف من أول الأمر ويحتمل انطباق الاضطرار إلى أي واحد منهما يلحظه فكل واحد منهما يكون طرفا عند المكلف إلى حد الاضطرار لا أزيد منه.

فان قلت : أيّ فرق بين طروّ الاضطرار إلى أحدهما وبين طروّ سائر ما يوجب زوال العلم الاجمالي من فقدان أحدهما ونحوه يوجب الاحتياط في الثاني دون الأول.

قلت : انّ التكليف في صورة الفقدان لا يكون محدودا ومشروطا واقعا ولا في كونه متعلقا للعلم ، بل العلم في تلك الصورة تعلق بالتكليف التحريمي مطلقا وبلا قيد غير انّه تعلق بالخمر مثلا لوضوح انّ الفقدان ليس من حدود التكليف وان كان لو صادف بموضوعه يوجب ارتفاعه قهرا ، فحيث انّ التكليف مطلق حتى في تعلق العلم به فلا بدّ من العلم باسقاطه عن الذمة إلاّ أن يعلم بسقوطه برفع موضوعه قهرا كما لو فقد الاناءان ، وامّا مع فقدان أحدهما فيكون الشك في سقوط عين ما تعلق به العلم من حرمة الخمر فتكون قاعدة الاشتغال محكّمة ؛ وهذا بخلاف الاضطرار فانّه من حدود أصل التكليف وان كان موضوعه باقيا في البين فمع طروّه إلى أحدهما يكون الشك في التكليف بدويا.

فمحصل الفرق بين صورة الفقدان والاضطرار : انّ الشك في الأول يكون في سقوط ما تعلق به العلم من حرمة الخمر ما دام الخمر في البين ، فما دام لم يعلم بفقدان الخمر فيجب فيه الاحتياط وفي الثاني يكون بدويا في تعلق التكليف غير ما علم اشتغال الذمة به وهو التكليف إلى ما قبل طروّ الاضطرار.

ص: 284

ومن هنا ظهر الفرق :

بين جميع ما كان من طوارئ التكليف الموجب شرعا أو عقلا لتحديد فعلية التكليف أو تنجزه كالخروج عن محل الابتلاء مثلا.

وبين ما كان من الطوارئ كالفقدان موجبا لرفع الموضوع قطعا لو طرأ على كلا الطرفين وشكا على تقدير فقدان أحدهما ، ويكون الشك في فقدان الموضوع سببا للشك في سقوط الحكم الذي اشتغلت الذمة به ؛ ونحوه المخالفة الاحتمالية والموافقة الاحتمالية فانّهما يوجبان الشك في السقوط أيضا.

هذا كله لو كان المعين المضطر إليه واقعا مجهولا ابتداء.

وامّا لو كان معلوما من أول الأمر فالظاهر بقاء التنجز بالنسبة إلى الآخر حيث انّ غير المضطر إليه يكون بتكاليفه العديدة بحسب حالاته عدلا وطرفا للعلم الاجمالي فانّه تعلق :

امّا بحرمة المضطر إليه إلى حين الاضطرار.

وامّا بحرمة غيره إلى طول أمده وتعدد حكمه فيكون بمنزلة العلم الاجمالي بحرمة فرد في طرف أو حرمة افراد عرضية في طرف آخر فلا بدّ من الاحتياط ، غاية الأمر يكون تعدد الأحكام بحسب الحالات - فيما نحن فيه - بمنزلة الامور التدريجية الواقعة طرفا للأمر الحالي في وجوب الاحتياط.

ثم انّ ما ذكرنا في صورة العلم بطروّ الاضطرار بعد العلم الاجمالي يجري في صورة احتماله ابتداء بعد طروّه ، فانّه لو كان احتمال الاضطرار بالنسبة إلى أحدهما المردد فلا اشكال أيضا في رفع أثر العلم الاجمالي عن كلا الطرفين بعد طروه ؛ وان كان بالنسبة إلى أحدهما المعيّن : فان كان مجهولا عند المكلف فكذلك ، وان كان معينا ابتداء فالحكم هو الاحتياط في الآخر لعين ما مرّ في صورة العلم بطروّ الاضطرار. نعم لو علم بعدم طروّ مزيل ومناف للتكليف المعلوم بالاجمال أصلا ثم

ص: 285

ظهر خلافه وطرأ المنافي فالحق هو الاحتياط عن الباقي في غير ما كان الاضطرار إلى أحدهما المردد.

ثم انّه ممّا ذكرنا من منافاة الاضطرار إلى أحدهما المردد أو المعيّن واقعا المجهول عند المكلف ابتداء مع الحكم بوجوب الاجتناب عن الخمر الواقعي بين الأطراف ظهر عدم جريان الاستصحاب الحكمي بالنسبة إلى الخمر الواقعي في كلتا الصورتين ، لمنافاة وجوب الاجتناب عن الخمر المعيّن ولو كان حكما ظاهريا مع الترخيص الناشئ من جهة الاضطرارين.

وتوضيح ذلك : ما إذا كان الاستصحاب الحكمي للخمر سابقا على الاضطرار من جهة طريان بعض ما يوجب الشك في رفع حكم الخمر غير الاضطرار فانّه يجري الاستصحاب ابتداء ولكن بعد طروّ الاضطرار يحكم بعدم بقاء الحكم الاستصحابي ، فكذا الحال لو كان الاستصحاب من جهة طروّ الاضطرار فانّه ينافي مع الترخيص مطلقا.

نعم لو كان الشك بعد ارتكاب المضطرّ إليه وفقدانه فلا يبعد استصحاب بقاء الموضوع ويكون لازمه بقاء الحكم بحيث لو كان باقيا لكان امتثاله عقلا منحصرا في الاجتناب عن الآخر الباقي بدون لزوم المثبت ، وامّا قبله فالموضوع متيقن التحقق ولا يتأتّى الحكم بوجوب الاجتناب فيه مطلقا مع الاضطرار إلى بعض الأطراف كما لا يخفى.

ثم انّك بعد ما عرفت انّ الخروج عن محل الابتلاء قبل العلم مانع عن حدوث التكليف والخروج بعده مانع عن بقاء التكليف في بعض الصور وانّه من جهة حكم العقل بعدم التكليف الفعلي بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء ، فاعلم :

انّ وجهه انّ ملاك تكليف العبد مولويا وبعثه إلى الفعل وزجره عنه بعد كون

ص: 286

فعله المأمور به ذا مصلحة وفعله المنهي عنه ذا مفسدة ليس عقلا إلاّ احداث الداعي له إلى الفعل أو الترك لو لم يكن في نفسه ما يدعوه إليهما ، وبدون ذاك الغرض لا يتأتّى الأمر أو النهي المولويان لكونهما من الأفعال الاختيارية للمولى ولا يصدر الفعل الاختياري إلاّ لغرض يترتب عليه.

فمن هنا يظهر انّه لا يتمشى صدور النهي المولوي إلاّ إذا أمكن كونه داعيا إلى الترك ، وامّا لو لم يكن كذلك بل كان الفعل خارجا عن محل ابتلاء المكلف عادة بحيث لا يبتلى به إلاّ على خلاف العادة وقلنا بأنّ المطلوب بالنهي مجرد ان لا يفعل كما هو التحقيق فحينئذ يكون الفعل منتركا بنفسه بدون اختيار المكلف وحصول الداعي إليه ، ولا يكون نهي المولى داعيا له إلى الترك بل يكون زجره الفعلي عن الفعل لغوا وعبثا عقلا حيث انّ ملاك كون النهي داعيا إنّما يكون فيما أمكن للمكلف فعل المنهي عادة لا فيما لم يمكن ذلك ؛ وقبح مثل هذا التكليف الفعلي كحسنه فيما أمكن ذلك من الامور الوجدانية وليس من البرهانيات كي يثبت بالبرهان.

ولا ينتقض ما ذكرنا في الخروج عن محل الابتلاء من كون الملاك في الحكم المولوي احداث الداعي المنفي في المقام بما كان في نفس المكلف داعي نفساني يدعوه إلى الفعل أو الترك فان تأكد الداعي وتعدده واحداثه فيما كان داعي المكلف في معرض الانقطاع والزوال آناً فآنا ممّا يحسن عليه عند العقلاء لا في مثل الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى التكليف الفعلي إلاّ على وجه التعليق.

نعم لو علم المولى بعدم تخلف الداعي النفساني عن العبد إلى آخر الفعل لكان تكليفه الشخصي المتوجه إليه فعلا كالتكليف بالخارج عن الابتلاء لغوا ، لا النوعي المتوجه إلى النوع وان كان تعميمه إليه لا بدّ أن يكون لفائدة التأكيد أيضا.

ولا ينتقض أيضا بتكليف العصاة مع العلم بعدم حدوث الداعي لهم إلى

ص: 287

الامتثال فانه يقال بانّ المراد من احداث الداعي اتمام الحجة والتحريك الشرعي فيما ينبغي وكان محلا فعلا للانبعاث والتحرك من المكلف كما فيما كان المكلف به محل الابتلاء ، لا انّ المراد كون الأمر علة تامة لانبعاث المكلف وتحركه وقصده للامتثال تكوينا ومثل هذه الصلاحية العقلية بمعنى انّه لو كان المكلف بصدد الامتثال فعلا لكان له قصد امتثال أمر مولاه ليس فيما كان المكلف به خارجا عن الابتلاء كما لا يخفى.

ثم انك بعد ما عرفت من كون قبح التكليف الفعلي بالنسبة إلى ما خرج عن محل الابتلاء إنّما هو بحكم العقل فاعلم انّه : ان حكم العقل في مورد بقبح التكليف الفعلي أو حسنه فلا اشكال ، وإلاّ ففي صورة التوقف (1) فلا بدّ من الرجوع إلى الاصول والقواعد في الموارد.

الأمر الثالث : انّ المناط في تأثير العلم الاجمالي في تنجز التكليف هو انّه كون التكليف المعلوم بالاجمال واجدا لشرائط الفعلية في أي طرف كان من الأطراف ، فمنه يعلم انّه لا فرق بين كون أطراف العلم امورا حالية وعرضية أو تدريجية وطولية بحسب الزمان لو كان الأمر الاستقبالي واجدا لشرائط التكليف الفعلي ولو بنحو الواجب المعلق وهو ان يكون التكليف الحالي متعلقا بأمر استقبالي كما لو علم بوجوب وطي امرأته في أول الشهر أو آخره بالنذر السابق أو علم بكون إحدى معاملاته الصادرة منه في أول الشهر أو آخره ربوية محرمة.

ص: 288


1- امّا من جهة الشك في الخروج عن الابتلاء ، وامّا من جهة الشك في كون بعض مصاديق الخروج عن الابتلاء موجبا لقبح التكليف الفعلي فيرجع إلى البراءة ولا يصح الرجوع إلى إطلاق دليل الحكم لو كان لأنّه يصح الرجوع اليه فيما شك في اعتبار شيء في متعلق التكليف جزءا أو شرطا لا فيما شك في صحته بوجه التكليف من جهة الشك في فقدان بعض شرائطه. فما في كلام الشيخ ( فرائد الاصول 2 :1. 238 ) من الرجوع إلى الاطلاق في رفع الشك الناشئ من جهة الشك في الخروج عن الابتلاء ، لا وجه له. ( من المصنف قدس سره )

وامّا إذا لم يكن الأمر الاستقبالي واجدا لشرائط الفعلية لو كان المعلوم بالاجمالي في طرفه قبل زمانه كما في الحيض في المضطربة بين أول الشهر أو وسطه أو آخره فانّ التكليف في غير الطرف الأول لم يكن فعليا في أول الشهر بناء على توجه التكليف إلى الحائض.

وبعبارة اخرى : بناء على أخذ الحيض عنوانا في طرف المكلف كما هو ظاهر الأدلة فانّ التكليف بناء عليه متوجه إلى الحائض والمضطربة العالمة اجمالا بكون بعض أيام شهرها حيضا شاكّة في توجه تكاليف الحيض في أول الشهر فتجري البراءة في حقها وبعد مجيء آخر الشهر تجري البراءة ايضا ، لكون بعض أطراف العلم حينئذ خارجا عن محل الابتلاء ؛ فمن هنا ظهر انّ جعل مثال الحيض المردد بين أول الشهر وآخره نظير المعاملة الربوية المرددة بينهما كما في الفرائد (1) لا وجه له.

هذا كله في الشبهة المحصورة.

وأمّا الشبهة غير المحصورة فيقع الكلام فيه في مقامين :

[ المقام ] الأول : في حكمه. والمشهور على عدم وجوب الاحتياط فيه وان قيل به في الشبهة المحصورة. وقد استدل عليه بوجوه :

الأول : الأخبار الدالة على البراءة.

وفيه : انّها على فرض شمولها لأطراف العلم الاجمالي لا فرق فيها بين المحصور وغيره ؛ وكذا لا فرق بينهما أيضا بناء على عدم الشمول وكون الغاية أعمّ من العلم التفصيلي والاجمالي ؛ كما انّه لا فرق بينهما لو قلنا بأنّها وان شملت أطراف العلم الاجمالي إلاّ انّه لا بدّ من رفع اليد عنها من جهة كون العلم الاجمالي

ص: 289


1- فرائد الاصول 2 : 248.

علة تامة عقلا للتنجز لعدم الفرق في تأثير العلم عقلا.

ومن هنا ظهر انّ الوجه عموم أدلة البراءة لأطرافه مطلقا ، وانّه يكون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة له فلا يمنع عنها إلاّ إذا علم من الخارج كون المعلوم بالاجمال حكما بعثيا إراديا ، ومعه لا فرق بينهما في المنافاة العقلي بين الحكم البعثي بالنسبة إلى المعيّن والترخيص سواء كان في المحصور أو في غير المحصور كان في جميع الأطراف أو في بعضها.

الثاني : الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة.

وفيه : مع كون المسألة عقلية واقعة في تأثير العلم الاجمالي في التنجز عقلا وعدمه ، انّه يستكشف منه كون العلم الاجمالي مقتضيا لا علة تامة للتنجز وإلاّ فكيف يحصل الانفكاك بين اللازم والملزوم ، فيكون المرجع ما قلنا من الرجوع إلى أدلة البراءة بحسب عموم أدلتها.

الثالث : لزوم المشقة [ من ] (1) الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ، فتنفيه أدلة العسر والحرج.

وفيه : مع كون الموارد مختلفة وعدم جريان العسر في جميعها ولو قلنا بكونه غالبية للزوم ملاحظة كل مورد بنفسه بعد ان لم يكن عنوان غير المحصور من الموضوعات الشرعية كي تلحظ الموارد بهذا العنوان ، ومع انتقاصه بالشبهة المحصورة التي كان الاحتياط فيها مستلزما للعسر في بعض الموارد واشتراطه بحصوله من جهة كثرة الأطراف لا غيره لا دليل عليه ، انّه على فرض التسليم خارج عن مفروض المسألة لكونها في الفرق بين المحصور وغيره من جهة خصوص كثرة الأطراف وقلتها بلا طروّ جهة اخرى في البين.

ص: 290


1- في الاصل المخطوط ( عن ).

الرابع : انّ ضعف احتمال الحرام المعلوم بالاجمال في كل من الأطراف في الشبهة غير المحصورة لكثرتها وقوته في الشبهة المحصورة أو لقلتها يوجب الفرق بينهما.

وفيه : مع انتقاض ذلك بالشبهة المحصورة فيما كان ظنّ اطمئناني بكون المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف فانّه يكون احتمال وجوده في غيره ضعيفا حينئذ ، انّه لا دليل على اعتبار قوة الاحتمال وضعفه بل لا بدّ من الاحتياط مطلقا لو كان العلم متعلقا بالحكم الفعلي البعثي والبراءة كذلك لو لم يكن متعلقا بمرتبة البعث.

وممّا ذكرنا : من كون محل الكلام في الفرق بين الشبهة المحصورة وغيرها فيما لم يكن فرق بينهما من غير جهة كثرة الأطراف وقلتها ، انّ الاستدلال لعدم وجوب الاحتياط في غير المحصورة بخروج أطرافه عن الابتلاء غالبا ، لا وجه له. نعم ما يمكن أن يعتمد عليه - على تقدير تماميته - أن يقال :

انّ العقل يستقل بعدم كون العلم الاجمالي - ولو كان متعلقا بالحكم الفعلي - بيانا للتكليف المعلوم إذا كثر أطرافه غاية الكثرة بحيث يعدّ العقاب عليه مع كثرة أطرافه كالعقاب على التكليف المشكوك البدوي إذا كان فعليا واقعيا ، مثلا إذا كان الواجب أو الحرام الواحد الفعلي مرددا بين آلاف افراد من المشتبهات يحكم العقل بعدم لزوم الاحتياط على المكلف ويستقل بقبح العقاب عليه كالعقاب على التكليف المشكوك بملاك عدم البيان ، بخلاف ما إذا كان المعلوم بالاجمال مشتبها بين أطراف محصورة فانّه لا يحكم حينئذ بقبح العقاب على مخالفته بل يحكم بحسنه على المخالفة إذا كان بعثيا.

والحاصل : انّه لو تم استقلال العقل بقبح العقاب على التكليف المشتبه بين أطراف غير محصورة فيتم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة ويحكم

ص: 291

العقل بعدم لزوم الاحتياط في الثاني ، لا من جهة عدم اعتنائه باحتمال العقاب إذا كان بين محتملات كثيرة كما يظهر من شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه في الفرائد (1) في الوجه الخامس من وجوه الاستدلال على عدم لزوم الاحتياط في الشبهة غير المحصورة قياسا على الضرر الدنيوي المشتبه بين أطراف غير محصورة لوضوح حكم العقل بلزوم دفع احتمال الضرر الاخروي وان كان مشتبها بين أطراف كثيرة وان لم يحكم بدفع احتمال الضرر الدنيوي إذا كان كذلك ، بل الوجه في حكمه بعدم لزوم الاحتياط في غير المحصورة استقلاله بقبح العقاب على التكليف المعلوم وأمنه منه ، وإلاّ فمع عدم استقلاله بقبحه امّا في مطلق الشبهات غير المحصورة أو في بعض مصاديقها إذا لم تكن أطرافه كثيرة غاية الكثرة أو في المصاديق المشكوكة الاندراج في المحصورة أو في غيرها فلا بدّ من الاحتياط ، سواء كان استقل بصحة العقاب أم لا بل كان متوقفا ، لعدم جريان البراءة حينئذ ، لأنّ ملاكه الأمن القطعي من العقوبة ، وبمجرد عدم أمنه القطعي فتنتفي البراءة بلا حاجة الى كبرى دفع الضرر المحتمل وهو تقبيح العقلاء بارتكاب الضرر المحتمل والزامهم بدفعه لما عرفت سابقا من انّ الوقوع في الضرر المحتمل يدور مدار واقعه لو كان وان لم يحكم العقلاء بتقبيح ارتكابه وانّه لولاه واقعا لم يحصل الوقوع فيه وان كان حكمهم متحققا وانّ ملاك البراءة هو الأمن القطعي لا حكم العقلاء بعدم لزوم الاحتياط.

ثم انّه قد يتوهم الاشكال في توقف العقل عن الحكم بصحة العقاب أو قبحه ، مع انّ الحسن والقبح من الامور الوجدانية التي كانت من الأحكام العقلية ولا معنى للشك في حكمه.

ص: 292


1- فرائد الاصول 2 : 263.

ولكنه يدفع : بأنّ الحسن والقبح وان كانا من الأحكام العقلية غير القابلة لأن يتوقف العقل في انّ له حكم أم لا إلاّ أنّهما بملاكات واقعية قابلة للشك ، فيحصل الشك في وجود ملاك القبح أو الحسن في البين وان كان بمجرد ذلك يقطع بعدم الحكم للعقل لا انّه يحكم بعدم العقاب كما لا يخفى ، هذا.

مضافا إلى كون رجوع الشك بعد عجز العقول القاصرة عن ادراك الملاك لواحد من الحسن والقبح يشك في الحسن والقبح عند العقول الكاملة المحيطة بالجهات الواقعية ، فيتوقف عن الحكم بالبراءة كما عرفت.

ثم انّ هذا كله في حكم الشبهة غير المحصورة.

[ المقام الثاني ] : وامّا الضابط بينها وبين المحصورة فيختلف على حسب اختلاف الأدلة المذكورة.

فعلى التمسك بالأخبار لا فرق ولا ضابط بينهما.

وبناء على التمسك بالاجماع : فان كان في معقده لفظ له ظاهر في بيان غير المحصورة ؛ وإلاّ فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بعدم وجوب الاحتياط على القدر المتيقن من غير المحصورة ؛ وفي غيره لا بدّ من الحاقه بالشبهة المحصورة حكما لما عرفت من وجهه مع عدم الأمن القطعي.

وبناء على كون الدليل هو لزوم المشقة فلا بدّ من الاقتصار على المصاديق التي يكون الاحتياط مستلزما للعسر والحرج ؛ وفي غيره لا بدّ من الاحتياط.

وكذلك لا بدّ من الاقتصار على الموارد التي كان احتمال وجود التكليف المعلوم بالاجمال بين الأطراف ضعيفا ، أو كان بعض أطراف الشبهة غير مبتلى بها بناء على الوجه الرابع والخامس.

وامّا بناء على كون الملاك هو حكم العقل بقبح العقاب على التكليف المعلوم المشتبه بين أطراف غير محصورة فلا بدّ من الاقتصار على الموارد التي استقل العقل

ص: 293

بقبح العقاب على التكليف المشكوك بينها ؛ وامّا في غيرها فلا بدّ من الاحتياط ، سواء استقل بصحة العقوبة أو توقف فيها كما عرفت.

وما ذكرنا في اختلاف الضابط في المقام حسب اختلاف الأدلة نظير اختلاف الضابط في مقدار الفحص عن المعارض للتمسك بالاصول اللفظية من أصالة الاطلاق والعموم حسب اختلاف الأدلة المانعة عن اجراء الاصول قبل الفحص عن معارضها من العلم الاجمالي المعارض او الاجماع أو معرضيتها للتخصيص أو اشتراطها بافادتها للظن بالمراد أو باشتراطها بعدم الظن على الخلاف ، فيختلف على حسبها مقدار الفحص كما لا يخفى.

[ الامر ] الرابع : انّه قد ذهب شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه إلى جواز الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي وجعل البعض الآخر بدلا عن الحرام الواقعي مثلا وعدم جواز الترخيص في الكل بل ذهب إلى قبحه ، نظرا إلى استلزام الترخيص الأول في المخالفة والمناقضة مع دليل الحرام الواقعي في الثاني دون الأول.

وفيه : انّ لزوم القبح في الكل لو كان من جهة عدم كون موضوع الحكم الظاهري محفوظا مع العلم الاجمالي ، ففيه : انّ موضوعه في كل طرف يجري فيه هو الجهل بالواقع في ذاك الطرف ، وهو متحقق في كلا الطرفين ؛ ومجرد العلم بوجود الواقع امّا في هذا الطرف أو في الطرف الآخر لا يوجب ارتفاع موضوعه عن كل واحد بنفسه وإلاّ لزم أن لا يكون موضوع الحكم الظاهري - في الشبهة غير المحصورة وفي الشبهات البدوية الجاري فيها الأصل من أول الفقه إلى آخره مع العلم بمخالفته للواقع في بعضها - محفوظا أيضا. ومجرد قلة أطراف العلم وكثرتها

ص: 294


1- فرائد الاصول 2 : 245.

لا يوجب الفرق بينهما كما لا يخفى.

وان كان مناط القبح المناقضة مع الحكم الواقعي ، ففيه :

انّ الواقع لو كان فعليا بعثيا فلا فرق في حصول المناقضة بين الاذن في الكل والاذن في البعض ، لوضوح انّ البعث إلى الواقع المعين والتحريك إليه فعلا [ يتنافى ] (1) مع الاذن في البعض أيضا ؛ ولا مدخلية للعلم في تحقق المناقضة بل هو علم بالمناقضة ، وإنّما المناقضة بين نفس الواقع والظاهر ، ومعه يشكل الأصل في الشبهات البدوية أيضا لو كان موضوعه فيها الشك في الواقع البعثي ، فكما لا يمكن العلم بتحقق [ المتناقضين ] (2) كذلك لا يمكن الشك فيه أيضا ، كما هو واضح.

وان لم يكن الواقع فعليا في مورد العلم الاجمالي ولو من جهة خصوص الجهل التفصيلي - وان كان فعليا من سائر الجهات - فلا مناقضة بين الواقع بهذه المرتبة والظاهر ولو كان الأصل جاريا في كلا الطرفين ؛ كما انّ لزوم حمل الواقع بهذه المرتبة هو وجه التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي في الشبهات البدوية أيضا.

فالحاصل : انّ الواقع لو وصل إلى المرتبة الفعلية من جميع الجهات فلا يصح الحكم الظاهري على خلافه ، سواء كان في الشبهات البدوية أو في أطراف العلم الاجمالي في بعضها أو في جميعها ؛ وان لم يصل إلى مرتبة البعث ولو من جهة جعل الجهل عذرا - كما هو في غاية الاشكال - فلا مناقضة مطلقا ولو مع جعل الحكم الظاهري في جميع الأطراف.

نعم ، بعد امكان كون الجهل عذرا فكما يمكن أن يكون الجهل التفصيلي

ص: 295


1- في الاصل المخطوط ( ينافي ).
2- في الاصل المخطوط ( المناقضين ).

مطلقا عذرا ، كذلك يمكن أن يجعل عذرا على بعض التقادير وفي بعض الأطراف دون بعض آخر أيضا فيصح الترخيص حينئذ في بعض دون بعض ؛ وامّا انحصار الامكان في خصوص ذلك واخراج الجهل في جميع الأطراف عن الامكان فلا وجه له كما لا يخفى.

[ الأمر الخامس ] : قد عرفت انّ المناط في وجوب الاحتياط في المشتبهين بالشبهة المحصورة هو العلم الاجمالي بالتكليف المتعلق بالمكلف ، وهذا لا فرق فيه بين حصول العلم الاجمالي من اشتباه المكلف به ابتداء أو من اشتباهه من جهة اشتباه المكلف كما في الخنثى المرددة بين كونه من الرجال أو النساء فيعلم اجمالا بكونه مكلفا امّا بالتكاليف المتعلقة بالرجال أو المتعلقة بالنساء ، ويجري فيه ما يجري في غيره من جميع أحكام العلم الاجمالي من وجوب الاحتياط مطلقا أو مع احراز الفعلية من جميع الجهات على الخلاف.

إلاّ أن يدّعى انصراف الخطابات المتوجهة إلى الرجال أو النساء عن الخنثى واختصاصها بما علم كونه من احدى الطائفتين. أو يدّعى الفرق بين العلم الاجمالي بالخطاب التفصيلي مع كون الشك لاشتباه مصداقه وبين العلم الاجمالي بتوجه أحد الخطابين المعلوم وجود أحدهما كما فيما نحن فيه بدعوى وجوب الاحتياط في الأول دون الثاني. وكلا الوجهين لا وجه لهما كما لا يخفى.

ثم انّه لا فرق في كل ما ذكرنا من الأحكام والأقسام بين العلم الاجمالي في الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية فيجري فيها ما يجري في الشبهة التحريمية.

هذا كله في الشك في المكلف به بين المتباينين.

وامّا لو كانت الشبهة بين الأقل والأكثر بأن علم بتعلق الوجوب بشيء وشك

ص: 296

في أخذ شيء جزءا له ، ولا يخلو :

فامّا أن يكون الجزء المشكوك جزءا تحليليا ، بأن يكون الجزء الآخر مع ذاك المشكوك جزئيته على تقدير وجودهما معا متحدين في الوجود الخارجي وكانت المغايرة بينهما في تحليل العقل عند تصوره للشيء وهذا نظير الجنس والفصل ، كما لو علم بالوجوب المتعلق امّا بمطلق الحيوان أو به مأخوذا مع الناطق بحيث لو كان الواجب هو الحيوان والناطق لكانا موجودين بوجود واحد فيدور الأمر بين كون الواجب هو وجود العام أو وجود الخاص ؛ ومثل الفصل كل ما كان من الخصوصية المتحدة مع العام في الوجود الخارجي المتغايرة معه في الوجود الذهني كخصوصيات الفرد ، مثل ان يشك في انّ الواجب هو زيد بخصوصه أو ما يعمّه وغيره من الافراد حيث انّ الحق انّ الطبيعي عين الفرد في الوجود.

وامّا ان يكون الجزء المشكوك ذهنيا ، كما في الشرط ، حيث انّ المأخوذ منه في المشروط هو الاشتراط والتقيد بالشرط لا نفس الشرط وان كان موجبا لانتزاعه ، ومن المعلوم انّ الاشتراط لا يكون من الموجودات الخارجية ولو بنحو الاتحاد مع المشروط بل الذهنية الموجبة لخصوصية في وجود المشروط. نعم منشأ انتزاعه وهو الشرط قد يكون متّحدا مع المشروط في الوجود الخارجي كما في البياض بالنسبة إلى المشروط به ، وقد يكون مغايرا معه في الوجود كما في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة إلاّ أنّه لمّا لم يكن مأخوذا بنفسه في متعلق الأمر بل الاشتراط به ولا يكاد الجزء الذهني أن يتعلق به الأمر فيرجع الشك فيه بالأخرة إلى كون الواجب هو الوجود الخاص أو ما يعمّه وغيره الفاقد لتلك الخصوصية المباينة معه.

وامّا أن يكون الجزء المشكوك جزءا خارجيا ويكون له وجود على حدة في المأمور به كسائر الأجزاء وان كان المركب منها واحدا ولو في اللحاظ.

ص: 297

إذا عرفت أقسام الشك في الجزء فلا بدّ من التكلم في مقامات ثلاث :

[ المقام ] الأول : في الجزء التحليلي ، كما لو علم بالوجوب وشك في تعلقه بوجود خاص مثل زيد أو بما يعمّه وغيره من الافراد وربما قيل بانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب العام المأخوذ بنحو اللاّبشرط المقسمي الجامع بين الخاص واللابشرط القسمي والشك البدوي في تعلقه بالخصوصية فتجري البراءة بالنسبة إليه.

ولكن الحق : عدم صحة مثل هذا الانحلال حيث انّه لا بدّ في الانحلال من وجود خارجي مشترك بين أطراف العلم خارجا وكان الشك في وجوب الزائد عليه من الوجود ولا يكفي مجرد الجامع الذهني في الانحلال ، لعدم تعلق الحكم بالوجود الذهني.

فإذا عرفت ذلك فاعلم : انّ العام في المثال وان كان جامعا ذهنيا بين وجود زيد وغيره من الأفراد إلاّ أنّه لم يكن جامعا خارجيا ، حيث انّ العام متحد مع الخاص ويكون عينه في الوجود الخارجي ، وحينئذ فلو كان الواجب هو الخاص وأتى بغيره من الأفراد لكان وجود العام مع غيره من جهة كونه عين ذاك مباينا مع وجود الخاص غير مرتبط به فلا مشترك خارجا حتى يعلم بوجوبه ويشك في غيره. وسرّه : ما قيل من انّ الطبيعي كالآباء بالنسبة إلى الأبناء ويكون متعدد الوجود بعين تعدد الافراد لا كالأب الواحد بالنسبة إلى الأبناء كي يكون له وجود واحد في الجميع ويكون التعدد في غيره.

فإذا عرفت العينية ظهر انّ العام لا يكون جزءا خارجيا للفرد ولا يكون مقدمة له نظير الأجزاء الخارجية كي يعلم تفصيلا بوجوبه امّا غيريا أو نفسيا ويشك في غيره مع انّه على فرض تسليم كونه جزءا خارجيا لا يكون وجوده في ضمن فرد مقدمة لفرد آخر بل وجوده في ضمن كل فرد يكون مقدمة له لا لغيره.

ص: 298

والحاصل : انّه لا وجه لانحلال العلم الاجمالي بوجوب العام واجراء البراءة عن الخصوصية بعد كونه على تقدير وجوده في ضمن غير الخاص مباينا مع المطلوب لو كان المطلوب هو الخاص.

ثم بعد عدم الانحلال إلى العام ، هل يكون تردد الوجوب التعييني بين تعلقه بالعام بعنوانه أو الخاص بعنوانه بالخصوص نظير المتباينين بناء على جواز اجراء البراءة مطلقا أو على بعض الوجوه؟ أو لا بدّ فيه من الاحتياط واتيان الخاص ولو قلنا بعدم وجوبه في المتباينين؟

التحقيق : أن يقال : انّه بالنسبة إلى الأثر الخاص لكلّ واحد من الوجوب التعييني للخاص أو العام يكون الحكم كالمتباينين لو كان لكل واحد منهما أثر بخصوصه ويكون الحكم هو البراءة لو كان لواحد أثر خاص دون غيره. وأمّا بالنسبة إلى الأثر الثابت لمطلق الوجوب من التعييني والتخييري من وجوب الاتيان خارجا فالحق الانحلال إلى الخاص ، للعلم بوجوب الخاص اما بخصوصه أو لأجل انطباق العام عليه ؛ ومجرد الترديد في الوجوب التعييني لا يضرّ بالانحلال بعد العلم التفصيلي بوجوب الخاص مطلقا كما لا يخفى ، فلا بدّ من اتيانه ويكون الاصل عدم سقوطه لو اقتصر على غيره ، كما انّ الأصل عدم وجوب غيره من أول الأمر لا البراءة لعدم الامتنان في نفي الوجوب عن غير الخاص كي يجري فيه أدلتها.

ثم انّه بعد ما عرفت من اتحاد الخصوصية مع العام وعينيتهما وجودا الموجب للعلم التفصيلي بوجوب الخاص ظهر لك : انّ الوجه عدم البراءة الشرعية كالبراءة العقلية عن وجوب الخصوصية ، حيث انّ ذاك الوجود للخاص معلوم الوجوب تفصيلا ولا وجود زائد فيه يكون مشكوك الوجوب حتى يجري فيه حديث الرفع وغيره من أدلة البراءة فلا بدّ من تحصيل العلم بسقوطه عن الذمة ولا

ص: 299

يعلم ذلك إلاّ باتيانه بخصوصه.

هذا كله في دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين.

وامّا لو دار الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين فالأمر فيه - من حيث انحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الخاص والشك البدوي في غيره واجراء أصالة عدم سقوط وجوب الخاص باتيان غيره - أوضح ، للعلم التفصيلي بتعلق الوجوب بالخاص بخصوصه على كل حال كما لا يخفى.

المقام الثاني : في الشك في الجزء الذهني ، وهو كما لو علم بوجوب الصلاة وشك في اشتراطه بالاستقبال مثلا فالصواب انّه لا تجري فيه البراءة العقلية أيضا حيث انّ الشرط خارج بنفسه عن متعلق الأمر ، والمأخوذ منه جزءا في المشروط إنّما هو الاشتراط ومن المعلوم انّه ليس بموجود في الخارج بل الاشتراط بشرط يوجب خصوصية في المأمور به فيصير المطلوب وجودا خاصا بحيث لو أتى بذاك الوجود وإلاّ لكان الوجود الآخر مباينا بالكلية مع المأمور به ، ومع ذلك فكيف يكون مطلق الوجود ولو مع غير الشرط متيقن المطلوبية حتى ينحل إليه العلم الاجمالي؟

فظهر : انّ الأقوى الحاق الشك في الشرط إلى الشك في التعيين والتخيير العقليين في عدم جريان البراءة العقلية عن التعيين. وامّا البراءة النقلية فالأقوى التفصيل بين الشك في الشرط والشك في التعيين فانّه لا يجري في الثاني حديث الرفع ، لعدم كون الخصوصية في المعين موجودا زائدا فيه حتى يجري فيه الرفع ، دون الأول فانّ شرطية الاستقبال والستر أمر زائد عن أجزاء الصلاة وكان من الأحكام الوضعية يجري فيها حديث الرفع.

ودعوى : انّ مثل الشرطية والجزئية ليس ممّا تنالها يد الجعل التشريعي بل كانت منتزعة من الأمر بالمركب فما دام لم يرفع المنتزع منه ، فكيف يجري الأصل

ص: 300

في المنتزع؟ مدفوعة :

بأنّ الشرطية والجزئية وان لم تكن مجعولة ابتداء إلاّ أنها مما تنالها يد الجعل بالواسطة ، وهذا المقدار يكفي في جريان أدلة الرفع كأدلة الوضع من الاستصحاب ونحوه فيها ، وبعد ارتفاع الشرطية فان كان دليل المركب مطلقا فيوجب حديث الرفع توسعة دائرة موضوعه بحيث يكون المركب الفاقد للشرط من مصاديقه بالاطلاق اللفظي ، وان كان مجملا فيوجب شرحه وبيانه في شموله للأقل.

وان أبيت إلاّ عن عدم كون حديث الرفع دالا إلاّ على مجرد رفع الشرطية وارتفاع الأمر النفسي عن المشروط قهرا ، وامّا اثبات كون الواجب هو الأقل الفاقد للشرط فلا ، فنقول :

انّ تعيّن كون الواجب هو الأقل إنّما هو بمقتضى حكم العقل بعد رفع الشرطية بحديث الرفع بانضمام دليل الواجب الفعلي كما لا يخفى ، وسيجيء ، توضيحه في الشك في الجزئية.

المقام الثالث : في الشك في الجزئية ، كما لو علم بالصلاة وشك في جزئية السورة لها مثلا فقد ذهب شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه إلى انحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي بالنسبة إلى وجوب الأكثر فتجري فيه البراءة عقلا ونقلا.

امّا عقلا : فوجهه : انّه بعد العلم بالوجوب وتردده بين تعلقه بالأكثر أو الأقل فلا ريب في حصول العلم التفصيلي بوجوب الأقل امّا غيريا من باب المقدمية للأكثر أو نفسيا على تقدير كونه هو الواجب بنفسه ، ومعه فينحل العلم الاجمالي

ص: 301


1- فرائد الاصول 2 : 317 - 318 و 328.

ويكون الشك في وجوب الجزء الزائد بدويا فيجري بالنسبة إلى وجوبه قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ولا تعارض بعدم البيان بالنسبة إلى الأقل ، لكون العقاب على تركه بنفسه أو من جهة كونه موجبا لترك الأكثر معلوما على كل حال وإنّما الشك في ترتب العقاب على ترك الجزء المشكوك.

هذا بناء على القول باتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري فواضح.

وامّا على القول بعدم اتصافها به فيمكن ان يقال : انّ الاجزاء متصفة في ضمن الكل بالوجوب الضمني العرضي بعين وجوب المركب ، حيث انّه ليس إلاّ نفس مجموع الاجزاء بالأسر فاتصافه به يستلزم اتصافها به فحينئذ يكون اتصاف الأقل بالوجوب معلوما أيضا ويكون الشك في اتصاف الجزء المشكوك به فتجري فيه البراءة عقلا.

هذا ملخص تقريب الانحلال على مرامه قدس سره وقد أفاد في توضيح مختاره ما يتضح حاله في طي ما علقه.

ولكن التحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق : عدم صحة الانحلال وبقاء العلم بحاله :

امّا بناء على الوجه الثاني من تقريب الانحلال فبيانه : انّ المراد من الوجوب العرضي - بناء على عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري - هو عين الوجوب النفسي البسيط المتعلق بالمركب وكان له نحو تعلق بكل واحد من الاجزاء في ضمن [ الكل ] ويكون اسناد ذاك الوجوب النفسي إلى الكل حقيقيا وإلى كل من الاجزاء عرضيا بتوسيط الكل بنحو الواسطة في العروض ، ومن المعلوم انّ ذي الواسطة في الواسطة في .... (1)

ص: 302


1- الى هنا ينتهي المطلب في الاصل المخطوط في اواسط الصفحة وتبقى بقية الصفحة بيضاء ويبقى المطلب ناقصا.

وامّا بناء على اتصاف الاجزاء بالطلب الغيري فالتحقيق : هو عدم انحلال الطلب الفعلي المعلوم بالاجمال أيضا.

امّا أولا : فبأن انحلال أصل الطلب المردد بين الأقل والأكثر إلى العلم التفصيلي بمطلق مطلوبية الأقل بنحو يصير طلب الأكثر مشكوكا بالشك البدوي كي تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إنّما هو بالنسبة إلى وجوده الذي منه يلتئم الكل لا بوجوده مستقلا الذي لا ينضم إليه الجزء الزائد فلا يلتئم منه الكل ، حيث انّه على تقدير كون الواجب النفسي هو الأكثر يكون الأقل جزءا له والجزء لأجل كونه مقدمة داخلية في مقابل المقدّمات الخارجية يكون بوجوده في ضمن الكل مطلوبا غيريا لا بوجوده مطلقا.

فمن هنا يعرف انّ الأقل الذي لا ينضم إليه الزائد كما هو المفروض لا يتصف بالطلب الغيري على تقدير كونه مقدمة داخلية للأكثر فيبقى احتمال كونه واجبا نفسيا ، فالعلم التفصيلي بمطلق مطلوبيته مع العلم بامتثال الطلب المتعلق به لا ينفك عن امتثال الطلب النفسي مطلقا ولو على تقدير تعلقه بالأكثر كما لا يخفى.

ولا يتوهم رجوع ما ذكرنا إلى القول بالمقدمة الموصلة ، لأنه من أجل خصوصية الجزء من كونه مقدمة داخلية لا من جهة كون مطلق المقدمة كذلك.

وامّا ثانيا : فلأنّه وان سلّم العلم التفصيلي بمطلق مطلوبية الأقل غيريا أو نفسيا ولو بالنسبة إلى وجوده الاستقلالي بناء على كون الاجزاء مأخوذة في مقام

ص: 303

جزئيتها لا بشرط وانّها تتصف بالمطلوبية مطلقا ، أتى معها ببقية الاجزاء أم لا ، غاية الأمر انّه إذا أتى ببعض الاجزاء دون آخر إنّما يحصل الاختلال بالنسبة إلى الأمر بالكل من جهة الاختلال ببعض اجزائه ، دون الأمر بالاجزاء المأتي بها.

إلاّ أنّ العلم التفصيلي بمطلوبية أحد طرفي الشبهة لا يكفي في الانحلال وفي ارتفاع أثر العلم الاجمالي ما لم يعلم بفعلية طلبه وتنجزه على أي تقدير بحيث علم باستحقاق العقاب على تركه مطلقا حتى ينحل العلم الاجمالي بالنسبة إلى المرتبة الفعلية أيضا فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الآخر وهو مفقود في ما نحن فيه بالنسبة إلى الأقل.

بيانه : انّه مع العلم بالوجوب النفسي المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر لو قلنا بوجوب الاحتياط وعدم جريان البراءة العقلية بالنسبة إلى الأكثر وترتب العقاب على تركه على تقدير كونه هو الواجب يكون العقاب على ترك الأقل معلوما امّا بنفسه أو من جهة كونه سببا لترك الأكثر.

وامّا لو قلنا بجريان البراءة عن الأكثر وعن الجزء الزائد الموجب تركه لترك الأكثر لا يعلم ترتب العقاب على ترك الأقل أيضا على كل تقدير ، حيث انّه على تقدير كونه واجبا غيريا يكون فعليته وتنجزه واستحقاق العقاب على تركه من جهة كونه مقدمة للأكثر تبعا لتنجزه واستحقاق العقاب على تركه لكون المقدمة بما هو مقدمة تابعة لذيها غير مترتبة على تركها العقاب إلاّ من جهة سببية تركها لترك ذيها المترتب عليه العقاب ، فمع البراءة عن الأكثر والأمن [ من ] العقوبة على تركه يكون الأقل مأمونا من العقوبة على تركه على تقدير كونه مقدمة للأكثر ، فيبقى احتمال كونه واجبا نفسيا فيكون استحقاق العقاب على تركه مشكوكا فتجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان على فرض جريانها بالنسبة إلى الأكثر.

والحاصل : انّ العلم بتنجز الأقل واستحقاق العقاب على تركه إنّما جاء من

ص: 304

قبل تأثير العلم الاجمالي في تنجيز الوجوب النفسي المتعلق به على جميع التقادير والاحتمالات ومنها احتمال تعلقه بالأكثر ، بحيث لو فرض انتفاء التنجز والعقاب يقينا عن بعض الاحتمالات لما كان العقاب على ترك الأقل معلوما ، فكيف تجري البراءة عن الأكثر.

وان شئت قلت : انّ تنجز الطلب المتعلق بالأقل إنّما كان مسببا عن تنجز الوجوب النفسي المعلوم بالاجمال مطلقا ، فعلى تقدير رفع تنجزه على تقدير تعلقه بالأكثر يرتفع المسبب وهو تنجز الأقل على هذا التقدير ويبقى الاحتمال الآخر بحاله ، وهو لا يجدي في ارتفاع أثر العلم الاجمالي عن الأكثر.

وسرّ ما قلنا من تبعية المقدمة لذيها : انّ همّ الموالي العقلائية في مقام الطلب وهمّ العبيد في مقام الامتثال إنّما هو بالنسبة إلى المطلوب النفسي لا الغيري إلاّ تبعا وترشحا منه ، ومع رفع الاهتمام عن طلب ذي المقدمة لا يبقى اهتمام بالنسبة إليها أبدا ، وحينئذ فكيف يعلم تفصيلا الاهتمام بالنسبة إلى الأقل مطلقا مع رفع الاهتمام عن الأكثر؟

ومن هنا ظهر عدم صحة الانحلال في طلب الموالي العرفية أيضا إذا دار بين الأقل والأكثر.

هذا كله لو لم يعلم بتعلق طلب آخر نفسي لغرض آخر على الاقل غير الطلب النفسي المردد بين الاقل والاكثر ، واما لو علم بطلبه على حدة لغرض حاصل منه بخصوصه وشك في حصول الغرض الآخر الناشئ من قبله الطلب منه أو من الأكثر فلا اشكال في الانحلال كما يظهر وجهه [ قريبا ]. (1)

وامّا ثالثا : على تقدير صحة الانحلال والعلم التفصيلي بالطلب الفعلي للأقل

ص: 305


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

ولو مع اجراء البراءة بالنسبة إلى الأكثر فنقول : انّ اليقين بامتثال نفس الطلب الفعلي المتعلق بالأقل لا يحصل إلاّ مع الاتيان بالأكثر ، وبيانه يحتاج إلى مقدمتين :

الاولى : انّ الامتثال اليقيني لا يكون إلاّ مع القطع بسقوط الأمر عن الذمة ، وإلاّ فمع عدم سقوطه يقينا أو احتمالا لا يحصل الامتثال اليقيني الذي لا بدّ منه بحكم العقل القطعي بعد القطع بالأمر.

الثانية : انّ الأمر من المولى لمّا كان من أفعاله الاختيارية ... (1)

ص: 306


1- هنا ينقطع المطلب وتنتهي الصفحة في هذا الموضع من الاصل المخطوط ، وبعده عدة صفحات بيضاء ثم يأتي قوله : « من ملاحظة مسامحة العرف .... » الخ في رأس الصفحة التالية للصفحات البيضاء.

من ملاحظة مسامحة العرف وعدمها.

ومنها : استصحاب وجوب اتمام العمل وحرمة قطعه بعد الزيادة. ولا يخفى انّ أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق وكون المستصحب بنفسه أثرا شرعيا في المقام متحققة إلاّ انّ موضوع المستصحب وهو إتمام العمل المأمور به يشك في القدرة على احرازه بعد تلك الزيادة المشكوك في مانعيتها واقعا ولا بدّ من احراز القدرة على العمل واقعا في كل حكم سواء كان واقعيا أو ظاهريا ، وهي في المقام غير محرزة.

وتوهّم الاستصحاب التعليقي في الموضوع فيما نحن فيه بأن يقال : انّه لو لا هذه الزيادة كان العمل تامّا بالحاق الاجزاء اللاحقة بالاجزاء السابقة ويشك في كونه كذلك بعد هذه الزيادة فيستصحب تمامية العمل ، مدفوعة :

بعدم الحالة السابقة لتمامية العمل مع هذه الزيادة وبدونها كانت متيقنة إلاّ أنّه لا جدوى له بالنسبة إلى صورة الزيادة المشكوكة ، لعدم الترتب بين الحالة المتيقنة والمشكوكة كما هو الشرط في الاستصحاب ، هذا بالنسبة إلى استصحاب الموضوع.

وامّا بالنسبة إلى استصحاب الحكم فقد عرفت حاله ؛ وسرّه : انّ التمسك حينئذ بعموم « لا تنقض » يكون تمسكا بالعام في الشبهة الموضوعية. نعم لو ورد دليل خاص على وجوب الاتمام في مورد خاص فلا بدّ بدلالة الاقتضاء :

امّا من استكشاف عدم كون المشكوك في مانعيته وقاطعيته مانعا وقاطعا.

أو من حمله على وجوب اتمام العمل صوريا بالحاق الاجزاء اللاحقة

ص: 307

بالاجزاء السابقة ولو لم يكن الاتمام الحقيقي - وهو كون الاجزاء كل واحد منها مع غيره مرتبطا واقعا - غير متيقن.

أو من استكشاف مرتبتين للعمل : الكمال ، والطبيعة ، وانّ المشكوك لا [ يتنافى ] (1) مع مرتبة الطبيعة وان كان [ متنافيا ] (2) مع مرتبة الكمال ، فيكون الاتمام بالنسبة إلى مرتبة الطبيعة مستكشفا من هذا الدليل.

ولكن كلا من الوجوه الثلاثة لا ربط له بالاستصحاب ولا مستكشفا من عموم « لا تنقض » لعدم اللغوية في عدم الشمول لمورده حتى يستكشف أحدها بدلالة الاقتضاء.

هذا كله في الاصول.

وقد استدل للصحة - مضافا إليها - بقوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (3) فانّ حرمة الابطال إيجاب للمضي فيها وهو مستلزم لصحتها ولو بالاجماع المركب ، أو بعدم القول بالفصل بينهما في غير الصوم والحج.

ولكن لا يخفى : انّه لا يتم الاستدلال بالآية الشريفة بناء على كون المراد بالابطال هو احداث البطلان في العمل الصحيح وجعله باطلا بعد تماميته بعد ان لم يكن كذلك لكون الآية حينئذ نهيا عنها بحبط العمل بعجب أو شرك كما في بعض الأخبار ، ويؤيده قوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (4) ؛ ولا بناء على كون المراد منه إيجاد العمل على وجه باطل من أول الأمر نظير قوله : « ضيّق فم الركية » لأنّه بناء عليه نهى عن اتيان العمل مقارنا للوجوه الباطلة ؛ بل يتم

ص: 308


1- في الاصل المخطوط ( ينافي ).
2- في الاصل المخطوط ( منافيا ).
3- سورة محمد (صلی اللّه عليه وآله) : 33.
4- سورة البقرة : 264.

الاستدلال بناء على كون المراد منها قطع العمل المركب ورفع اليد عنه في أثنائه.

ويرد عليه : بعد الاغماض عن ظهور الآية وتفسيرها بالمعنى الأول انّ التمسك بها في المقام يكون من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية التي لم يحرز فيها أصل عنوان العام لعدم احراز كون رفع اليد من العمل بعد وقوع الزيادة المشكوكة ابطالا له لاحتمال البطلان في نفسه.

وهذا نظير ما لو شك في كون زيد مثلا من العلماء كي يجب اكرامه بقوله : « أكرم العلماء » أم لا ، ومن المعلوم انّ هذا القسم من الشبهات المصداقية ممّا لا يجوز فيها التمسك بالعام اتفاقا ؛ وليس نظير القسم الآخر منها الذي كان عنوان العام فيه محرزا وكان الشك في صدق عنوان المخصص كما لو شك في كون زيد العالم فاسقا حتى لا يجب اكرامه أم لا. وهذا القسم من الشبهة المصداقية ممّا اختلف [ فيه ] في جواز التمسك بالعام وعدمه.

وما ذكرنا كاف في ردّ الاستدلال بالآية الشريفة ولا يحتاج إلى اتعاب النفس باثبات انّ الابطال فيها يكون بالمعنى الأول كما في فرائد (1) الشيخ أعلى اللّه مقامه.

الأمر الثالث : في حكم زيادة الجزء سهوا فيما كان زيادته عمدا مبطلا وإلاّ فما لا يقدح عمدا فسهوه بطريق أولى.

ولا يخفى انّ حكم الزيادة السهوية حكم النقص نسيانا وقد مرّ انّ التحقيق فيه جواز التمسك بحديث الرفع لاثبات عدم الاخلال به ، خلافا للشيخ قدس سره في الفرائد (2). هذا مع قطع النظر عن القواعد الخاصة في خصوص بعض المركبات مثل الصلاة مثلا فانّ الزيادة فيها بالنسبة إلى الأركان محكومة بالابطال وبالنسبة إلى

ص: 309


1- فرائد الاصول 2 : 377 - 380.
2- فرائد الاصول 2 : 366 - 367.

غيرها بعدمه بتقديم خبر « لا تعاد إلاّ من خمسة » (1) على ما دل ببطلان الصلاة بمطلق الزيادة.

الأمر الرابع : انّه إذا ثبت جزئية شيء وشرطيته فهل الأصل يقتضي جزئيته وشرطيته المطلقتين حتى إذا تعذرا سقط التكليف بالكل؟ أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن فلو تعذرا لم يسقط التكليف؟ وجهان ، بل قولان.

التحقيق ان يقال : انّه :

لو كان لدليل الجزء والشرط إطلاق ، فيكون موجبا لتقييد الأمر بالكل فيسقط بتعذرهما.

وان لم يكن كذلك ، بل كان دليلهما مهملا من حيث الاختيار والاضطرار ، وحينئذ :

فان كان لدليل الكل إطلاق كما هو بناء على الأكثر مع عدم كون الجزء والشرط مما يتقوم بهما الكل فيتمسك باطلاق دليل المركب في نفي الجزئية والشرطية في حال الاضطرار ويحكم بوجوب الباقي.

وان لم يكن لدليليهما اطلاق فيكون الأصل بحسب الدقة البراءة ، لكون الباقي بعد تعذر الجزء والشرط مشكوك الوجوب بالوجوب النفسي من أول الأمر وغير مسبوق بذاك الوجوب وان كان مسبوقا بالوجوب الغيري إلاّ أنّه غير مجد بعد القطع بارتفاعه ، هذا.

ولكنه لا يخفى انّه يمكن التمسك بالاستصحاب لاثبات الوجوب للباقي :

تارة : باستصحاب القدر المشترك بين الوجوب الغيري المرتفع والوجوب النفسي المشكوك ويكون داخلا في استصحاب القسم الثاني من القسم الثالث في

ص: 310


1- وسائل الشيعة 4 : 683 الباب 1 من ابواب افعال الصلاة ، الحديث 14 باختلاف.

استصحاب الكلي وهو أن يكون الكلي موجودا أولا في ضمن فرد تيقّن بارتفاعه ويشك في وجوده في ضمن فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الزائل.

ولكنه يشكل ذلك بأنّ المستصحب وهو الكلي وان كان بنفسه أثرا شرعيا في المقام فلا يكون الأصل مثبتا إلاّ أنّه يرد عليه بما أورد على استصحاب القسم الثالث : من انّ المستصحب وهو الكلي وان كان بحسب الماهية مشتملا على شرائط الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق إلاّ أنّه بحسب الوجود - كما هو المناط في الاستصحاب - ليس كذلك ، لكونه بحسبه تابعا للفرد في الوحدة والتعدد والارتفاع والبقاء ، ومن المعلوم انّ الشك بالنسبة إلى الفرد إنّما هو في الحدوث لا في البقاء فيكون بالنسبة إلى الكلي أيضا كذلك ، إلاّ أن يتسامح عرفا ويعدّ الوجود اللاحق المشكوك والمتيقن الزائل مضافا إلى الكلي وجودا واحدا كي يكون الشك في البقاء وان كان مضافا إلى الفرد شكّا في حدوث فرد بعد اليقين بارتفاع فرد آخر ؛ وعلى أيّ حال يكون حال استصحاب القدر المشترك من الوجوب حال القسم الثالث من الكلي في الجريان وعدمه.

واخرى : باستصحاب الوجوب النفسي لبقية الاجزاء ولكن بعد المسامحة العرفية في الموضوع بعدّ الباقي عين الموضوع الأوّلي بجعل الجزء المتعذر من قبيل الحالات فيما لم يكن ممّا يتقوم به الموضوع ، ولا أكثر الاجزاء كما في استصحاب الكرّية للماء المسبوق بها بعد نقص بعض اجزائه والمسامحة فيه بجعله من قبيل الحالات.

ولكنه يمكن الفرق : بين ما نحن فيه ، وبين المثال ، بدخل الجزء المتعذر في حال اليقين في الوجوب وعدم العلم بدخله في المثال ، إلاّ أن يدفع بدخله في العلم بالكرّية أيضا ؛ وعلى أيّ حال يبتني استصحاب الوجوب النفسي على المسامحة العرفية في الموضوع وان كان الثاني بحسب الدقة مغايرا للموضوع

ص: 311

الأول.

ويدل على المطلب أيضا : النبوي ، والعلويان ، المرويات في عوالي اللآلي فعن النبي صلی اللّه علیه و آله : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » (1) وعن علي علیه السلام :

« الميسور لا يسقط بالمعسور » (2) و « ما لا يدرك كله لا يترك كله ». (3)

أمّا النبوي : فيتمّ وجه دلالته ببيان محتملات الخبر فنقول :

انّ الأمر للوجوب ، أو للأعم منه ومن الاستحباب ؛ وعلى كلا الاحتمالين يكون المراد من الشيء : امّا عدة امور يجمعها الحكم الواحد مثل « أكرم العلماء » ، أو جملة المركب مثل الصلاة المشتملة على اجزاء ، أو جنس الشيء سواء كان مركبا أم لا ، والمراد من كلمة « من » امّا للتبعيض أو للبيان أو زائدة ، وكلمة « ما » امّا موصولة أو موصوفة أو ظرفية.

والاستدلال يتم على تقدير كون المراد من الأمر هو الوجوب والمراد من الشيء هو المركب أو الأعم [ المشتمل ] (4) عليه مع كون كلمة « من » للتبعيض وكلمة « ما » للموصول ، بل ولو كانت ظرفية مع التبعيض في كلمة « من » وإرادة المركب من الشيء إلاّ انّ الشأن في ظهور الشيء في المركب لقوة ارادة الجنس أو الكلي المشتمل على الافراد التي يتوهّم بينها الارتباط في الحكم ليكون الخبر في مقام دفع توهم السقوط رأسا بسقوط بعض الافراد.

ويؤيده ورود الخبر في مقام الأمر بأصل الطبيعة بعد قول النبي صلی اللّه علیه و آله : « انّ اللّه كتب عليكم الحج » فقام عكاشة فقال : في كل عام يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه

ص: 312


1- عوالي اللآلي 4 : 58 ، ويلاحظ الهامش ؛ بحار الانوار 22 : 31.
2- عوالي اللآلي 4 : 58 ، ويلاحظ الهامش.
3- عوالي اللآلي 4 : 58.
4- في الاصل المخطوط ( الشامل ).

حتى عاد مرتين ، فقال : « ويحك وما يؤمّنك أن أقول نعم ، لو قلت لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ، إذا أمرتكم ... الخ » (1) وحينئذ يمكن كون كلمة « من » للتبعيض ولكن بلحاظ الافراد لا الاجزاء وكلمة « ما » تكون عبارة عن المقدار ، فيكون حاصل المعنى : إذا أمرتكم بشيء ذي افراد فأتوا من افراده مقدارا منها استطعتم به.

ولكن الانصاف : ظهور كلمة « من » في التبعيض مع ارادة المركب أو الأعم منه من الشيء ، [ و ] لا يخلو عن قوّة فيتم الاستدلال فتدبر.

وامّا قوله علیه السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » فوجه دلالته يبتني على أن يكون المراد من « المعسور » هو المركب من عدة اجزاء ومن « الميسور » عدة اجزاء من ذاك المركب بعد تعذر بعض اجزائه غير المقومة لماهيته وكان قوله : « لا يسقط » انشاء حكم نفسي للباقي بعد كونه واجبا غيريا سابقا ؛ وعدم السقوط :

امّا يراد منه عدم سقوط حكم الميسور بلحاظ تلبسه سابقا بالحكم سواء جعل مقدارا أو جعل الموضوع كناية عنه.

أو يراد منه عدم سقوط نفس فعل الميسور على المكلف ، بمعنى ثبوته عليه ، فيكون انشاء طلب بالنسبة إليه مع قطع النظر عن حالته السابقة.

وقد أورد عليه بوجوه :

الأول : انّه يدور الأمر بين كون المراد من المعسور كليا ذا افراد مجتمعة في الحكم الواحد بتوهّم الارتباط بينها في الحكم بحيث يسقط الكل عند تعذر البعض ، والميسور عدة افراد باقية منه بعد تعذر بعضها الآخر وكان الخبر في مقام دفع ذاك التوهم ، وبين كون المراد منهما المركب وبعض اجزائه كما عرفت. ولا أولوية للثاني لو لم يدّعى الأولوية للأول بلحاظ التعبير بعدم السقوط المشعر باتّصاف الثاني بما

ص: 313


1- بحار الانوار 22 : 31.

يحكم عليه من الحكم وهو كذلك بالنسبة إلى افراد الكلي لا اجزاء المركب كما لا يخفى.

إلاّ أن يراد من المعسور الأعم من الكلي والمركب وكان المراد من عدم السقوط بالنسبة إلى الكلي انشاء حكم للباقي من افراده بداعي التنبيه على دفع توهم الارتباط ، وبالنسبة إلى المركب انشاء حكم مولوي نفسي لافراده الباقية ولا بأس باستعمال الجملة في الطلب الانشائي بتعدد الداعي لا انّه يستعمل انشاء بالنسبة إلى أحدهما وإخبارا بالنسبة إلى الآخر حتى يلزم نظير استعمال اللفظ في المعنيين.

أو يدّعى ظهور الخبر في خصوص المركب ويكون التعبير بعدم السقوط من جهة المسامحة العرفية في الموضوع الباقي بعده عين الموضوع السابق بجعل الجزء المتعذر من الحالات ولذا اعتبرنا كونه من غير الاجزاء المقومة وسنشير إلى اعتبار كون الميسور ممّا يعدّه العرف ميسورا للمعسور.

الثاني : انّ اطلاق المعسور والميسور يشمل الواجب والمستحب.

فان اريد من قوله : « لا يسقط الخ » حكم الميسور الثابت له سابقا في كل ميسور بحسبه ان واجبا فواجبا وان مستحبا فمستحبا فيدل على المطلوب كما لا يخفى.

وامّا ان اريد منه عدم سقوط نفس الموضوع ليكون انشاء حكم له ابتداء بلا نظر إلى الحالة السابقة فيشكل الاستدلال ، لأنّه بعد إرادة الأعم من الواجب والمستحب من الميسور فلا بدّ من أن يراد من الجملة الخبرية في مقام الانشاء مطلق الطلب ، وحيث انّه يكفي في صدق عدم سقوط اجزاء الواجب عن المكلف وثبوتها عليه اتصافها بمطلق الطلب ولو في ضمن الاستحباب فلا يدل على اتصاف الميسور من الواجب بالوجوب كما هو المطلوب.

ص: 314

اللّهمّ إلاّ أن يدّعى ظهور الجملة الخبرية في الوجوب فيدور الأمر بين الأخذ بظهورها والأخذ باطلاق الموضوع الشامل للواجب والمستحبّ فيؤخذ بظهورها لا من جهة دوران الأمر بين خلاف الظهور في الجملة وبين زيادة التقييد في الموضوع بعد اخراج المباحات عنه كما توهم ، لوضوح عدم تمامية الاطلاق بالنسبة إلى المباحات لكون المقام مقام بيان كون الميسور مطلوبا فيكون خروج المباح تخصصا لا تخصيصا ، بل لأظهريتها في نفسها في الوجوب خصوصا مع ملاحظة التعبير بعدم السقوط الظاهر في بقائه على ما هو عليه سابقا وهو الوجوب كما لا يخفى.

الثالث : انّ الميسور من المفاهيم العرفية فلا بدّ في تعيين مفهومه من الرجوع إلى العرف ؛ وامّا انطباقه على المصاديق :

فان كان الاشتباه فيها من جهة العوارض الخارجية فليس المرجع هو العرف.

وان كان الاشتباه من جهة عدم الاحاطة بالمفهوم سعة وضيقا فيرجع إليهم في تعيين المفهوم فيزول الشك ثانيا ؛ وعلى كل حال فلا بدّ من كون الميسور ميسورا للواحد عرفا ، وحينئذ فيشكل الأمر في القاعدة :

عكسا ، للزوم التخصيص الكثير باخراج كثير مما يعدّه العرف ميسورا للواحد مع عدم إجراء حكم القاعدة عند الأصحاب في كثير من الموارد ، بل بالدليل القطعي في مثل فاقد الطهورين ونحوه.

وطردا أيضا ، لجريان حكمها في كثير ممّا لا يعدّه العرف ميسورا للمعسور كما في صورة الغرقى ونحوه ، فيكشف ذلك عن عدم كون القاعدة حجة متبعة.

ولكنه يدفع الاشكال من جهة عدم الاطراد والانعكاس : بكون الدخول والخروج من باب التخصيص والحقيقة ، حيث انّ الميسور وان كان من المفاهيم

ص: 315

العرفية إلاّ أنّه كان من منشأ انتزاعي واقعي وارتباط حقيقي بينه وبين المعسور موجب لكونه ميسورا له لا لغيره ، فربما يرى العرف بحسب نظرهم القاصر تحقق المناط مع عدمه واقعا فيكشف الشارع عن عدم تحققه واقعا فيكون تخصيصا ، وبالعكس فيما لا يعدّه العرف ميسورا مع جريان حكم القاعدة فيه فيكشف الشارع عن تحققه واقعا وحينئذ فيكون فهم العرف حجة فيما لا ردع من الشارع وإلاّ فلا تخصيص أيضا كما عرفت ، هذا.

مع انّه على فرض تسليم التخصيص وكثرته يكون موجبا للعلم الاجمالي قبل الفحص عن المعارض بوجود المخصص بالنسبة إليها في الأطراف التي لم يعملوا بها لا في غيرها ، فلا بدّ من الاقتصار في العمل بها على موارد العمل خروجا عن العمل بها في أطراف العلم الاجمالي وجبرا للوهن الحاصل بها من جهة وقوعها في معرض التخصيص.

وأمّا قوله : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » فوجه دلالته يتوقف على ظهور لفظ ال « كل » في المركب ويكون معناه حينئذ : انّ كل مركب لا يدرك جميع اجزائه لا يترك جميع اجزائه حتى الاجزاء الممكنة بل يؤتى منها بقدر الامكان.

وقد اورد على الرواية بعدم ظهور ل- « كل » في المركب بل يحتمل أن يكون المراد منه هو الكلي المشتمل على الافراد فيكون في مقام دفع توهّم الارتباط بينها الموجب لسقوط كل الافراد بسقوط بعضه.

ويدفع ذلك مضافا إلى ظهور لفظ ال « كل » بمادته في المركب دون الكلي إلاّ بالعناية كما يشهد بذلك عدم العناية في اضافته إلى المركب كإضافة لفظ البعض إليه واحتياجه في إضافته الى الطبيعة كاضافة لفظ البعض إليها إلى ارادة مجموع الافراد من حيث المجموع من المضاف إليه كما لا يخفى ؛ بأنّ الظاهر من الموصول هو فعل المكلف وان كان دالا على العموم أيضا ، فإذا انضمّ إليه ظهور الجملة الخبرية في

ص: 316

جريان حكمها في كل فعل من أفعاله فلا بدّ أن يحمل على الأفعال المركبة كما لا يخفى.

وأمّا الجواب : بلزوم اللغو في الجملة لو حمل الموصول على الكلي بنحو الاستغراق في افراده لكون الجملة ظاهرة في عموم السلب ، مدفوع :

بظهور النفي الداخل على العموم في سلب العموم لا في عمومه كما لا يخفى ، الاّ ان يقوم دليل خارجي على ذلك كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) . (1)

واورد أيضا : باطلاق الموصول في الواجب والمستحب ، فلا بدّ من حمل الجملة على مطلق الرجحان.

وقد اجيب : بأولوية ظهور الجملة بعد لزوم التخصيص في الموصول قطعا باخراج المباح ، لكون الدوران حينئذ بين زيادة التخصيص والمجازية فيقدم الأول على الثاني.

وفيه : انّ خروج المباحات من باب التخصيص ، حيث انّ الظاهر من الموصول بعد تقيده بالصلة وهو الادراك هو كونه محبوبا في نفسه ومرغوبا عند المولى ، والمباح ليس كذلك ، فيدور الأمر حينئذ بين أصل التخصيص وخلاف الظاهر في الجملة لو لم يدّعى أظهرية الموصول لكون عمومه بالصلة وضعيا وظهور الجملة في اللزوم اطلاقيا.

هذا كله في تعذر الجزء.

وامّا تعذر الشرط ، فلا يجري بالنسبة إلى الباقي استصحاب مطلق الوجوب ، لعدم اتصافه سابقا بالوجوب أصلا لما مرّ سابقا من المباينة بين واجد الشرط

ص: 317


1- سورة لقمان : 18.

وفاقده.

وامّا استصحاب الوجوب النفسي فيحتاج إلى المسامحة العرفية في الباقي بعدّ الفاقد عين الواجد للشرط ، ولا يبعد ذلك بالنسبة إلى بعض الشروط.

وامّا دلالة قوله : « إذا أمرتكم الخ » فيتوقف على استفادة البعضية من كلمة « من » الواقعة فيه.

وامّا قوله : « الميسور لا يسقط الخ » فيتوقف دلالته على كون الفاقد للشرط ميسورا للواجد عرفا بعد عدم كونه كذلك حقيقة.

وامّا قوله : « ما لا يدرك الخ » فلا يبعد اختصاصه بالمركب الخارجي على ما استظهرناه من لفظ ال « كل ».

ص: 318

خاتمة: في اجراء الاصول قبل الفحص

اشارة

امّا الاحتياط ، فنقول : انّه في مقامين :

[ المقام ] الأول : في مقام العمل في كل أحد بالنسبة إلى عمل نفسه.

ففي التوصليات لا بأس به قطعا.

اما العبادات :

ففي الاقل والاكثر : فكذلك حتى بناء على اعتبار قصد الوجه والتميز ، لحصولهما في الأكثر بعد ما مرّ مرارا من كون الطبيعة عين الفرد خارجا وعدم منافاة الخصوصية الفردية في الاتحاد. نعم بناء على اعتبار التميز في الاجزاء فيشكل ، إلاّ أنّ احتماله سخيف في الغاية.

وامّا في المتباينين : فقد قيل بعدم الجواز بناء على اعتبار قصد الوجه والتميز ، هذا مع انّ التكرار يكون لعبا بأمر المولى. ولكن الحق الجواز لحصول قصد الوجه معه أيضا وعدم اعتبار التميز قطعا بعد كونه مما يغفل عنه غالبا وعدم عين منه في الآثار والأخبار مع انّه لو كان معتبرا لكان على الشارع البيان ، للزوم نقض الغرض بدونه كما لا يخفى.

ص: 319

وامّا اللعب ، ففيه : مع عدمه أصلا لو كان التكرار بداعي عقلائي ؛ انّه على فرض التسليم يكون في الاتيان بالزائد مع التمكن على الاقتصار بالواحد بالفحص لا في أمر المولى مع انّه على فرض التسليم لا فرق بين المقام وغيره في البطلان.

المقام الثاني : في مقام الفتوى للمقلد ، فنقول :

لا يجوز للمجتهد الافتاء بالاحتياط قبل الفحص إلاّ ببيان الحال وانّه من جهة عدم الفحص. نعم بعد الفحص واليأس بالظفر بالدليل فان ظفر بفتوى واحد من الفقهاء :

فان حصل له الاطمئنان بظفره على ما لم يظفر به من خبر في المسألة فان علم بعدم خطئه في فهم المراد من الخبر بالطرق المتعارفة للمجتهد بحيث يكون فهمه منها كفهمه بنفسه كان فتواه بمنزلة نقل الخبر بالمعنى فيكون حجة له على تقدير حجية المنقول بالمعنى.

وامّا لو لم يحصل له الاطمئنان بوجود المدرك أو القطع بصحّة حدس المفتي لما كان فتواه حجة.

ومن هنا ظهر : انّ المجتهد لو اعتقد بأعلميته وكان ممن لا يجوّز تقليد غير الأعلم لا يجوز له في موارد الاحتياطات المطلقة ارجاع مقلديه قبل الفحص أو بعده الاّ إذا علم قبله بحصول الشرطين المذكورين كما لا يخفى.

هذا كله في جريان الاحتياط قبل الفحص.

وامّا اجراء سائر الاصول قبله : فان كان موافقا للاحتياط كالاستصحاب المثبت للتكليف فحكمه حكمه.

وان كان مخالفا له كالبراءة والاستصحاب النافي للتكليف مثلا :

ص: 320

فبالنسبة إلى الشبهة الموضوعية مما لا اشكال فيه ، لاطلاق أدلتها بدون مقيد لها من اجماع ونحوه.

وامّا بالنسبة إلى الشبهة الحكمية :

فبالنسبة إلى أدلتها العقلية : من قبح العقاب بلا بيان في البراءة وقبح الترجيح بلا مرجّح في التخيير فلا اشكال في عدم جريانها قبل الفحص ، لعدم استقلال العقل بقبح العقاب على التكليف المشكوك قبل الفحص لا في الشكّ في أصل التكليف الالزامي كما في مورد البراءة ولا في دوران الأمر بين المحذورين كما في مورد التخيير. ومجرد عدم استقلاله بذلك واحتماله العقاب يكون كافيا في الحجة على التكليف المشكوك ؛ وقد مرّ انّ المراد من الحجة هو ما يصح معه العقوبة على التكليف ، غاية الأمر يكون المحذور في ترك الفحص هو العقاب فيما لو تفحص لظفر بالواقع ؛ ومحذور التجري فيما لم يصل إليه ولو بعد الفحص.

وأمّا بالنسبة إلى أدلتها النقلية : فالظاهر اطلاق أدلة البراءة فيها كما في الشبهة الموضوعية ، ولا تكون مقيدة بحكم العقل على حسن العقاب قبل الفحص لكونه على نحو التعليق بعدم الترخيص الشرعي ، وتكون الأدلة الدالة على الترخيص واردة عليه ولكن تكون مقيدة بما بعد الفحص بوجوه :

الأول : الاجماع القطعي على عدم جواز اجراء البراءة قبل استفراغ الوسع من الأدلة لو لم يناقش فيه باحتمال استناد بعض من يتقوم به الاجماع إلى حكم العقل بعد تطرّق العقل في المسألة وان لم تكن عقلية صرفة ، الاّ ان يعتمد على دعوى الاجماع القطعي من الشيخ قدس سره في الفرائد (1) فان دعواه منه مع التفاته الى

ص: 321


1- فرائد الاصول 2 : 412.

ما يخلّ بالاجماع يطمئن منه بعدم اعتماد المجمعين الى طريق العقل.

الثاني : أدلة الاحتياط بعد الجمع بينها وبين أدلة البراءة بحملها على ما قبل الفحص فيما يتمكن منه وحمل أدلة البراءة على ما بعده ، هذا لو لم يناقش في أدلة الاحتياط أيضا بحملها على الارشاد أو على زمان الانفتاح والتمكن من السؤال عن الامام علیه السلام كما في بعض أخباره.

الثالث : الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم والسؤال ، مثل آيتي النفر للتفقّه وسؤال أهل الذكر والأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم ومؤاخذة الجهّال والذم والتوبيخ بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم ، لحكم العقل بوجوب التحرّز عن مضرة العقاب ، مثل قوله علیه السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء : « ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة » (1) ثم أمره بالتوبة وغسلها ، وما ورد (2) في تفسير قوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (3) من انّه : « يقال للعبد يوم القيامة هل علمت؟ فان قال نعم فقيل له فهلاّ عملت وان قال لا فقيل له فهلاّ تعلّمت حتى تعمل » (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

والانصاف تمامية دلالتها على وجوب الفحص بعد ما سيجيء من كون وجوب تحصيل العلم شرطية للتكاليف لا نفسية ، فيكفي في تقييد أخبار البراءة وان

ص: 322


1- وسائل الشيعة 2 : 957 الباب 18 من ابواب الاغسال المسنونة ، الحديث 1.
2- أمالي المفيد : 228 آخر المجلس السادس والعشرين ؛ أمالي الطوسي 1 : 9 المجلس الاول ؛ تفسير الصافي 2 : 169 ذيل آية 149 من سورة الانعام ؛ بحار الانوار 1 : 177 الحديث 58.
3- سورة الانعام : 149.
4- هذه الرواية وردت هكذا : « ... انّ اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة : أكنت عالما؟ فان قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وان قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه ، وذلك الحجة البالغة ». بحار الانوار 1 : 177 الحديث 58.

لم يتمّ الاجماع وأخبار الاحتياط.

الرابع : العلم الاجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بالبراءة ، لكون الشك حينئذ في المكلف به ولا بدّ من كونه في التكليف.

وقد اورد عليه : بأنّه يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أول الأمر ولو بعد الفحص ، لبقاء العلم الاجمالي ، وإلاّ لم يوجب التوقف من أول الأمر. وقيل في الجواب : بأنّ المعلوم اجمالا وجود التكاليف في الوقائع التي يقدر المكلف عن الوصول إلى مداركها بحيث لو تفحص عنها لظفر بها وبعد الفحص واليأس يعلم بخروج مورده عن أطراف العلم من أول الأمر.

ولكنه يرد على تقرير العلم الاجمالي : مضافا إلى لزوم دعواه بأحكام فعلية منجّزة بحيث كانت منافية مع اجراء البراءة ولا يكفي مجرد دعواه على أحكام واقعية ، وأنّى للمدّعي بذلك ؛ بأنّ مقتضاه عدم لزوم الفحص في المسائل التي يبتلي بها المكلف بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من التكاليف من الاجماعيات والقطعيات والمظنونات التي اطلع عليها اتفاقا أو بالفحص ولكن مع عدمه في تلك المسائل ، والحال انّ من صرح بوجوب الفحص صرح بوجوبه في الجميع حتى في الموارد المذكورة ، فالمقيد هو الاجماع والأخبار الدالة على توبيخ الجاهل ووجوب تحصيل العلم بعد ظهورها في الوجوب الشرطي.

هذا كله في وجوب الفحص.

وامّا مقداره : فيختلف بحسب اختلاف الأدلة على وجوبه.

فبناء على التمسك بحكم العقل بلزوم الفحص من جهة احتمال العقاب فلا بدّ منه حتى يحصل الأمن منه ؛ ولكنه يكفي فيه الفحص بمقدار المتعارف

ص: 323

بالتجسس في مظان وجود المدرك ولا يلزم تحصيل العلم بعدمه بالتجسس عن كل ما احتمل وجوده فيه ولو ضعيفا مثل التفحّص لمسائل الصلاة في باب الديات مثلا.

وكذا لو كان المدرك هو الاجماع ، لعدمه بعد ذلك المقدار.

وامّا لو كان هو الاخبار الدالة على توبيخ الجاهل مثل قوله : « هلاّ تعلّمت حتى تعمل » فيحتمل أن يكون اشارة إلى ما هو المركوز عند العقل من تحصيل العلم بقدر المتعارف فيطابق حكم العقل ؛ ويحتمل أن يكون اشارة إلى ما هو الواجب تحصيله شرعا بالأدلة الدالة عليه مثل طلب العلم فريضة ونحوها.

والظاهر اطلاقها بقدر الامكان فيجب كذلك ، غاية الأمر تكون مقيدة بأدلّة العسر والحرج وقاعدة نفي الضرر بمقدار لا يلزم منه العسر والحرج وامّا إذا لزم منه ذلك فلا يجب.

وامّا إذا كان المدرك هو العلم الاجمالي فيجب الفحص حتى يرتفع العلم الاجمالي.

بقي الكلام في حكم أخذ الجاهل بالتكليف بالبراءة قبل الفحص مع لزومه تارة : في استحقاقه العقاب ، واخرى : في صحة عمله.

امّا الأول : فهو في الحقيقة راجع إلى المسائل الكلامية ، ففي ثبوته مطلقا أو في صورة مخالفة البراءة للواقع مطلقا أو فيما لو تفحص عن الواقع لظفر به ، وجوه.

المحقّق ثبوته في صورة مخالفة الواقع فيما كان يصل إليه على تقدير الفحص ، ولكن في كونه على نفس مخالفة الواقع أو على ترك الفحص؟ المشهور :

ص: 324

خلافا لصاحب المدارك (1) تبعا لشيخه الأردبيلي (2) على الأول وهو الأقوى.

ولكن مخالفة الواقع يتصور على وجوه :

الأول : أن تقع المخالفة مع فعلية الأمر مستجمعا لجميع شرائطه حتى الوقت ، غير انّ المكلف كان جاهلا ببعض اجزاء المأمور به وشرائطه أو بنفس التكليف ولكنه كان ملتفتا وقادرا على رفع جهله وتاركا للتفحص والسؤال مع ذاك الالتفات أو الشك إلى أن خرج الوقت أو عجز عن المأمور به أو عن تحصيل العلم فحصلت المخالفة به ، فتكون المخالفة في هذا القسم بسوء اختياره ملتفتا إلى التكليف إلى آخر الوقت.

ولا اشكال في استحقاق العقاب على مخالفة الواقع حينئذ :

لا عقلا ، لعدم كونه عقابا عليه بلا بيان بل مع البيان والبرهان وهو حكم العقل بحسنه على الواقع على تقدير ثبوته في هذه الصورة ، وعدم كون الجهل مع التمكن عن رفعه عذرا كما هو واضح ؛ وقد عرفت انّ المراد من البيان ليس هو الإبلاغ من الشارع بل الحجة على صحة العقوبة ، ونعمت الحجة حكم العقل بلزوم دفع احتمال العقاب باحتمال التكليف.

ولا نقلا ، لكون الأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم والتوبيخ على الجاهل ظاهرة في كون العقاب على ترك الواقع وكون وجوب العلم غيريا لا نفسيا كما هو واضح فراجع.

الثاني : الصورة بحالها من الالتفات إلى التكليف في أول الوقت مع التمكن

ص: 325


1- مدارك الاحكام 2 : 345 و 3 : 219.
2- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 110.

من رفع الجهل ولكن مع حصول الغفلة في آخر الوقت فيسقط الأمر حين الغفلة ، لقبح توجهه إلى الغافل ، دون العقاب ، فيستشكل بلزوم ترتب العقاب بترك الفعل في آخر الوقت مع عدم الأمر ؛ فمن هنا التجأ صاحب المدارك إلى كون العقاب على ترك التعلم.

ولكنه يدفع : بأنّ العقاب من جهة اسقاط الأمر المنجّز في أول الوقت بالعصيان بامتناع المأمور به على نفسه بترك التعلم مع قدرته عليه ، فحيث انّه صار التكليف منجزا عليه في أول الوقت وصار بنفسه سببا للسقوط يستقل العقل باستحقاق العقاب وهذا كالقاء نفسه عن شاهق في الدار الغصبي مع عدم قدرته على تركه بعد الالقاء بعد القدرة عليه قبله ، وكترك المستطيع السير إلى الحج مع القافلة الأخيرة مع امتناعه بعده فانّه لا اشكال في حكم العقل بكفاية تنجز الأمر في زمان لاستحقاق العقوبة على مخالفته وان سقط بعد ذلك فيما إذا كان السقوط باختياره ؛ فلا وجه لالتجاء مثل صاحب المدارك إلى القول بكون استحقاق العقوبة من جهة ترك التعلم ، إلاّ أن يوجّه كلامه بأنّ استحقاق العقوبة بترك الواقع إنّما هو حين ترك التعلم لحصول العصيان في هذا الوقت فلا وجه لانتظار مضي الوقت بتمامه ، ولا وجه أيضا للقول ببقاء الأمر بعد الغفلة لا انّ مراده انّ العقاب بنفس ترك التعلم.

الثالث : أن يكون الالتفات إلى التكليف والقدرة على التعلّم عليه قبل الوقت مع حصول الغفلة من أوله إلى آخره ، وحيث انّه ما صار الأمر في هذه الصورة منجّزا لا قبل الوقت كما هو واضح ولا بعده لحصول الغفلة فلا وجه على القاعدة لاستحقاق العقوبة على المخالفة ؛ إلاّ انّ المشهور بل ادّعي الاجماع عليه استحقاق العقوبة في هذه الصورة أيضا.

ص: 326

فلا بدّ من المصير إلى أحد وجوه ثلاثة :

الأول : القول بكون تلك الواجبات بالنسبة إلى الوقت معلقة بأن يكون الوقت قيدا للمأمور به لا للأمر فيكون الوجوب قبله فيستمر بالنسبة إلى المقدمات التي يتمكن من تحصيلها قبل الوقت مع العلم بعدم التمكن منها بعده ، فانّه بحسب تحصيل هذه المقدمات حينئذ فيما لم يكن وجودها الاتفاقي قيدا للمأمور به كالاستطاعة بل كان وجودها على نحو الاطلاق - ولو كان بتحصيل المكلف - مأخوذا في المأمور به كالطهارة المائية بالنسبة إلى الصلاة مثلا ومن جملتها التعلم ، لكون الواجبات بالنسبة إليه كما يظهر من المشهور واجبا مطلقا ولو قبل الوقت وان كانت بالنسبة إلى سائر المقدمات واجبا مشروطا بمعنى انّها أخذت في المأمور به بنحو لا يجب تحصيلها ، كأخذ المقدمات التي لا يتمكن المكلف من تحصيلها من الوقت ونحوه.

ولكنه لا يخفى انّه يسقط الأمر عن المكلف حين الغفلة عنه لقبح توجيهه إلى الغافل ، دون ما هو أثره من العقوبة والمبغوضية بسبب العصيان الحاصل بسوء الاختيار من ترك التعلم والتفحص عن الواجب حين الالتفات إليه والقدرة على تعلّمه كالملقي نفسه بالاختيار عن شاهق بالنسبة إلى الالقاء فانّه كان منهيّا عنه قبله وأمّا بعده فيسقط بنفسه دون أثره ، وكالمتوسط في الأرض المغصوبة بالنسبة إلى حال الخروج فانّه كان منهيّا عنه قبل الدخول لا بعده وان كان العقاب عليه باقيا حينئذ.

ثم انّ استحقاق العقاب على مخالفة الواقع عقلا إنّما يحصل بمجرد صيرورة المكلف سببا لامتناع الفعل على نفسه بتركه التعلّم وغفلته بعد ذلك بلا حالة منتظرة إلى زمان الفعل.

ص: 327

ثم انّه لا يتوهم مما ذكره المشهور من فساد الصلاة في الدار الغصبي بالنسبة إلى الجاهل بالحكم والمتوسط فيها في سعة الوقت ولو في حال الخروج ، بقاء النهي الفعلي بالنسبة إليهما مع حصول الغفلة عن الحكم في الأول وعدم القدرة على التخلص عن الغصب بغير الخروج في الثاني ، لانه لو لا النهي الفعلي فلا وجه للحكم بفساد الصلاة كما في الجاهل بالموضوع والناسي له ، ولازم ذلك بقاء الأمر بالنسبة إلى الجاهل الغافل فيكون العقاب على مخالفة الأمر الفعلي لا على مخالفة الأمر الساقط بالغفلة.

لانّه يدفع : بأنّ وجه حكم المشهور بفساد الصلاة إنّما هو مبغوضيّة الفعل وكونه مبعدا للعبد عن ساحة المولى ، ولا بدّ مضافا إلى نية القربة في العبادة لا من كون الفعل صالحا للتقرب به إليه تعالى ، وما كان مبغوضا له فعلا - وان لم يكن فعلا منهيا عنه لعدم قدرة المكلف ولو باختياره - لا يصلح لذلك ، ولا ينحصر وجه الفساد في بقاء النهي حتى يستكشف من ذهابهم إلى الفساد بقاؤه ولو مع عدم القدرة الناشئة بسوء الاختيار مع كون القدرة على التكليف شرطا لتوجه الأمر عقلا مطلقا بحيث يقبح بدونه.

نعم ، لو لم يكن الفعل منهيا عنه فعلا ولا مبغوضا صدورا وان كان منهيا عنه شأنا لا مانع عن صحة العبادة حيث تكون جهة العبادة مع صدورها عن قصد التقرب محسّنة بلا مزاحم في البين ، لأنّ مزاحمة جهة النهي مع جهة الأمر إنّما يكون إذا كانت فعلية ومؤثرة في قبح صدورها من الفاعل لا ما إذا كانت شأنية وغير مؤثرة أصلا فانّه حينئذ يكون التأثير في جهة الأمر فقط مع قصد التقرب به ، كما بالنسبة إلى الناسي والجاهل بالموضوع إذا كان غير غاصب ؛ فالمناط في المزاحمة وعدمها هو كون جهة النهي فعلية في البغض وعدمها.

ص: 328

وقد يشكل الأمر في حكم المشهور بصحة الصلاة بالنسبة إلى المتوسط في حال الخروج في ضيق الوقت مع كونه مبغوضا منه ومعاقبا عليه بالنهي الفعلي السابق عن مطلق الغصب ولو عن الكون الخروجي مع سقوطه بعد الدخول لكونه أقل المحذورين منه ومن البقاء في الغصب.

ولكنه يدفع :

تارة : بكون الخروج من جهة كونه معنونا بعنوان التخلص عن الغصب حسنا وغير منهي عنه أزلا وأبدا.

وفيه : انّه لا يخرج عن كونه تصرّفا في الغصب ومقدورا على تركه قبل الدخول بتركه ، فيكون مبغوضا وان كان النهي ساقطا من جهة كونه أقل المحذورين.

واخرى : بمنع كون الصلاة في تلك الحالة إلاّ النية والأقوال ، فيكون الكون الخروجي خارجا عن الصلاة ، إلى غير ذلك من الأجوبة.

ولكن التحقيق : بعد فرض الاجماع على الصحة انّ المصلحة الصلاتية في تلك الحالة تكون مزاحمة مع المفسدة الغصبية فتكون الصلاة حينئذ بعد الكسر والانكسار محبوبة والكون في تلك الحال غير مبغوض عليه فلذلك تكون الصلاة صحيحة.

الثاني : أن يلتزم بأنّ المستفاد من الأدلة كون التفحص وتعلم التكاليف واجبا نفسيا وان كانت المصلحة في ايجابه تهيؤ المكلف نفسه بسبب التعلم لأن يدخل في دائرة التكليف فلا يفوته مصالح التكاليف الواجبة ولا يقع في مفاسد المحرمات فيكون وجوب التعلم نفسيا وتهيئيا وان كان ناشئا عن المصالح في غيره من التكاليف.

ص: 329

وبعبارة اخرى : يكون واجبا للمصلحة في غيره لا لوجوب غيره ، فيفترق عن الوجوب الغيري المقدمي في المقدمة ، لكون وجوبها ناشئا عن وجوب ذي المقدمة فلا يكون واجبا قبل وجوبه ، وفيما نحن فيه كان التعلم واجبا قبل التكاليف المشروطة. نعم لو حصل شرطها وصارت مطلقة يكون التعلم مقدمة وجودية بالنسبة إليها فيكون واجبا غيريا حينئذ ويسقط وجوبه النفسي حينئذ ، لحصول الغرض منه وهو التهيؤ للتكليف ولو من غير هذه الجهة بالتفات وعلم اجمالي ونحوهما ، نظير مطلق الواجبات التوصلية فانّها بعد حصول الغرض منها يسقط وجوبها كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ العقاب على ترك الواجبات بترك التعلم يكون واحدا دائما ، غاية الأمر يكون ذاك العقاب بنفس ترك التعلم فيما لم يحصل شرط الوجوب وبقيت التكاليف في الاشتراط حتى فات وقتها بسبب ترك التعلم والتهيؤ بسوء الاختيار ؛ وبترك نفس الواجبات فيما صارت مطلقة بحصول شرطها والتهيؤ لها بغير جهة التعلم ، ولا يكون حينئذ على ترك التعلم ، لكونه واجبا غيريا مقدميا ولا عقاب على ترك المقدمات وان كان ترك ذيها مستندا إلى تركها.

فلا يتوهم ، بناء على ما ذكرنا من كون التعلم واجبا نفسيا : تعدد العقاب في ترك الواجبات المطلقة بالنسبة إلى الجاهل ، الأخذ بالبراءة قبل الفحص.

ثم انّه لا اشكال فيما ذكرنا إلاّ ما يدعى من كون الأخبار ظاهرة في كون التعلّم واجبا غيريا وانّ العقاب على ترك نفس التكاليف.

ولكنه لا يخفى انّ الأخبار وان كانت ظاهرة في انّ وجوب التعلم من جهة التكاليف ولمصالحها إلاّ انّه أعم من أن يكون للوجوب الناشئ من ايجابها ، فيكون واجبا غيريا ومقدميا كما عليه المشهور وان يكون واجبا لمصلحة في غيره

ص: 330

ولحصول التهيؤ لغيره وان لم يكن الغير واجبا فعليا بل مشروطا قبل شرطه كما ذكرنا.

ودلالتها على ترتب العقاب حين مخالفة التكاليف - بسبب الجهل بها - أعم من أن يكون على ترك التهيؤ لها أو على تركها بنفسها.

نعم ، قوله صلی اللّه علیه و آله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات : « قتلوه قتلهم اللّه ، ألاّ سألوا ألاّ يمّموه » (1) ظاهر في المذمة والعقاب على نفس الفعل لا على ترك التعلم إلاّ أنّه من جهة كون الفعل في مثله وهو الغسل حراما فعليا لكونه عصيانا للواجب المطلق المنجز وهو انقاذ النفس وحفظها عن المهالك ، فلا دلالة في انّ العقاب في غيره أيضا كذلك.

الثالث : أن يلتزم بترتب العقاب على ترك نفس التكاليف وان كانت مشروطة فيما كان التفويت من قبل العبد فيما يعلم بتكاليف للمولى مشروطة بشروط يتمكّن من تحصيلها مع العلم بفوتها فانّ العقل يحكم حينئذ باستحقاق العقاب على تفويت المصالح الملزمة ولو بتفويت ما يوجب التهيؤ للتكليف بها وهو التعلم ، فتدبر.

هذا كله في استحقاق العقاب في صورة مخالفة الواقع فيما لو تفحص عنه لظفر بها.

وامّا فيما كان الحكم الواقعي لم يظفر بها واقعا ولو بعد الفحص ، ففي استحقاق العقاب على مخالفته؟ أو على التجري؟ وجهان.

ص: 331


1- هذه العبارة ملفقة من روايتين : الاولى عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) : « ... فقال : قتلوه ، الاّ سألوا؟ ألاّ يمّموه؟ انّ شفاء العيّ السؤال » ؛ والثانية في نفس الباب عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) : « ... قتلوه قتلهم اللّه انما كان دواء العيّ السؤال ». وسائل الشيعة 2 : 967 الباب 5 من ابواب التيمم ، الحديث 1 و 6.

ولكنه لا يبعد القول بترتب العقاب على مخالفة الواقع ، لكون حكم العقل بالاحتياط قبل الفحص - مع (1) التمكن من الوصول إليه ولو بالاحتياط وعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا الأدلة النقلية على البراءة لتقيدها بالاجماع على ما بعد الفحص - حجة وبرهانا على الواقع ، وقد مرّ المراد من البيان بالنسبة إلى الواقع وهو ما يصح معه المؤاخذة على مخالفته.

هذا كله في عقاب الجاهل قبل الفحص.

وأمّا الكلام في صحة عمله بعد الالتفات وتعلم التكاليف الواقعية عن اجتهاد أو عن تقليد صحيح فالتحقيق : أن يقال : انّه على وجوه ثلاثة :

الأول : أن يعلم أو يؤدي الطريق المعتبر بصحة عمله ومطابقته للواقع ، فالظاهر الصحة والإجزاء بالنسبة إلى الواقع عبادة كان أو معاملة.

أمّا المعاملة : فواضح.

وامّا العبادة : فلاشتمال المأتي به على جميع ما يعتبر في العبادة من قصد القربة وغيره حتى قصد الوجه وتميز المأمور به عن غيره فيما دار أمره بين الأقل والأكثر ، لكون الجزء المشكوك مثلا جزء طبيعة أو جزء فرد ؛ وعلى كل حال لا يضر بكون الوجود المأتي به وجود الطبيعة ، لما قرر في محله من عينية الفرد مع الطبيعة وجودا.

وامّا احتمال اعتبار تميز الاجزاء الواجبة عن الاجزاء المستحبة ، فسخيف إلى النهاية.

نعم ، فيما دار الأمر بين المتباينين فربما يقال : بعدم الصحة :

ص: 332


1- جملة معترضة طويلة.

امّا للاخلال بقصد الوجه في المأمور به ، ولكنه مدفوع : بتأتّيه من المكلف بتحققه باتيان الفعلين بقصد امتثال الأمر الحاصل بأحدهما.

وامّا لاعتبار التميّز ، ولكنه مدفوع أيضا : بعدم اعتباره ، لعدم دليل عليه بل يقطع بعدمه لأنّه وان كان من الشرائط العقلية التي كان الحاكم بها العقل - ولو مع الشك في اعتباره في مقام الامتثال لا الشرع إلاّ ارشادا - إلاّ أنّه لمّا كان مما يغفل عنه الغالب وليس مما يشك في اعتباره إلاّ النادر نادرا فلو كان له دخل في حصول الغرض لكان على الشارع البيان وإلاّ لزم نقض الغرض في ترك البيان بالنسبة إلى الغالب فيستكشف من عدم البيان عدم الدخل كما لا يخفى.

وامّا لتوهم كون الامتثال بالتكرار لعبا بأمر المولى فلا يتحقق به الامتثال.

وفيه : انّه مضافا إلى عدم اللعب فيه إذا كان بداع عقلائي ؛ انّه على فرض التسليم يكون اللعب في اختيار هذا النحو من كيفية الاطاعة لا في أصل أمر المولى إلاّ إذا جعل ملعبة بخصوصه ، وليس كذلك فيما نحن فيه ، مع انّه على فرضه لا اختصاص بخصوص ما نحن فيه.

الثاني : أن يكون الحكم العملي بعد الاجتهاد أو التقليد الصحيح على طبق البراءة كالعمل التالي لليأس عن الظفر بالواقع ، ففي لزوم الاعادة ، أو القضاء من جهة تنجز الواقع بلزوم الاحتياط وعدم البراءة قبل الفحص وعدمه من جهة مطابقته للاجتهاد ، وجهان.

التحقيق : انّه بالنسبة إلى لزوم التعجيل في الوقت أو بالنسبة إلى تفويت أصل الوقت غير معذور من جهة العقوبة ، وامّا بالنسبة إلى أصل الاعادة أو القضاء فتجري البراءة ، للشك في صدق الفوت المنوط به القضاء.

الثالث : أن يعلم أو يقوم دليل معتبر على فساد العمل المأتي به حال الجهل ،

ص: 333

فالقاعدة تقتضي الفساد وعدم الاجزاء في المعاملة والعبادة ولزوم الاعادة على المكلف في الوقت بدليل أصل الواجب لعدم اتيان المأمور به ، وكذا القضاء لو قلنا بكونه بالأمر الأول ؛ وبناء على كونه بأمر جديد فبالنسبة إلى الملتفت في الوقت ولو في بعضه فلا اشكال أيضا ، وبالنسبة إلى الغافل في مجموعه فيبتني على كون المراد من الفوت في دليل القضاء فوت الفريضة الواقعية كما هو الظاهر فيلزم عليه القضاء أو الفريضة المنجزة المتوجه أمره فعلا إلى المكلف فلا ، لكونه غافلا رأسا فيما توجه إليه الأمر ؛ هذا لو لم تقم قاعدة ثانوية تقتضي الصحة في بعض المركبات مثل : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (1) بناء على عدم اختصاصه بحال السهو والنسيان وكونه شاملا للجاهل المقصر بل العالم العامد وان كان خارجا بالاجماع.

ثم انّه إذا عرفت كون القاعدة في مثل هذه الصورة الفساد فيقع الاشكال في الجاهل المقصر في مسألة الجهر والاخفات والقصر والاتمام بناء على ما هو المشهور من الحكم بصحة القصر في موضع الاتمام والجهر في موضع الاخفات وبالعكس ، وتقريبه حينئذ : انّه لا يخلو الأمر :

فامّا أن يقال : بانقلاب الأمر عن الواقع إلى ما أتى به الجاهل ولو حال الجهل ، فيرد عليه : مضافا إلى التصويب ؛ انّه لا وجه للعقاب حينئذ.

وامّا أن يكون الأمر الفعلي بالنسبة إلى الواقع باقيا بحاله فلا وجه للحكم بصحّة ما أتى به من العمل.

وظاهر المشهور كونه موافقا للأمر كما هو ظاهر الخبر أيضا « تمّت

ص: 334


1- وسائل الشيعة 4 : 683 الباب 1 من ابواب افعال الصلاة ، الحديث 1.

صلاته » (1) وليس على الانسان في حال واحد إلاّ صلاة واحدة مع انّه على تقدير الصحة وضعا مع عدم الأمر به من جهة امكان اسقاط غير الواجب اياه ، فيقع الاشكال في الحكم بالعقاب وعدم الاعادة في صورة كشف الخلاف في الوقت حيث انّه ما صار سببا للتفويت فكيف يعاقب على مخالفة الواقع وان قيل به في خارج الوقت.

هذا كله ، مضافا إلى الاشكال في انفكاك الحكم الوضعي وهو الصحة عن الحكم التكليفي بحسب المعذورية.

والتحقيق في حل الاشكال بحذافيره أن يقال : انّ طبيعة صلاة القصر والاتمام للمسافر والجهر والاخفات للجاهل مثلا بحسب تعذر الجامع بين الصلاتين مشتملة على مقدار من المصلحة اللازمة الكافية في الأمر بكل واحد منهما تخييرا لو لا المانع ، ولكن خصوصية صلاة القصر للمسافر وصنف الاتمام للحاضر مشتمل على مقدار زائد من المصلحة لازم الاستيفاء أيضا بحيث لا تحصل تلك المصلحة الزائدة عن الاتمام في السفر وعن القصر في الحضر كما في المصلحة غير اللازمة الاستيفاء في الصلاة في المسجد بالنسبة إلى الصلاة في الحمّام والبيت بلا تفاوت بين كون تلك المصلحة الزائدة من جنس مصلحة الطبيعة من جهة مناسبة بينها وبين خصوصية الصنف موجبة لتأكّدها أو من غير جنسها بناء على الاختلاف في القلة.

ثم انّ المصلحة الزائدة كانت بحيث يمكن الاستيفاء بها إذا استوفيت مع الجامع وإلاّ فمع استيفائه لا مجال لاستيفائها بالاعادة كما كانت الزيادة غير اللازمة

ص: 335


1- وسائل الشيعة 4 : 766 الباب 26 من ابواب القراءة في الصلاة ، الحديث 1.

في المسجد كذلك.

إذا عرفت ذلك ، فظهر المزاحمة بين صلاتي القصر والاتمام حيث انّه مع اتيان أحدهما لا يبقى مجال للآخر سواء كان هو المشتمل على الزيادة أو لا ، وإذا كانت بينهما مزاحمة كانت بينهما مضادة فيكون الأهم منهما وهو القصر للمسافر والاتمام للحاضر مأمورا به فقط ، ولكن لمّا كان التحقيق هو : عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده كان غير الأهم باقيا على ما هو عليه من المصلحة وصالحا للتقرب به إليه تعالى من جهة محبوبيته الذاتية بناء على ما هو التحقيق في العبادات : من عدم احتياج الصحة فيها إلى الأمر ، فحينئذ إذا أتى المكلف بغير الأهم جهلا لا يبقى مجال لامتثال الأمر بالأهم ، فان كان عن قصور فلا يعاقب على فوت المصلحة الزائدة ، وان كان عن تقصير فيعاقب على تفويتها.

إذا عرفت ذلك فظهر دفع الاشكال بحذافيره : امّا صحة المأتي به غير المأمور به من القصر في موضع الاتمام والجهر في موضع الاخفات وبالعكس ، فلاشتماله على المصلحة الجامعة.

وامّا العقاب على ترك الواقع المأمور به ، فلتفويت ما هو المشتمل عليه من المصلحة الزائدة اللازمة الاستيفاء ولو انكشف الخلاف في الوقت ، لعدم امكان الاستيفاء بعد الاتيان بغير الأهم ، ولذلك ورد في الخبر : « تمّت صلاته ولا يعيد » (1) مع فتوى المشهور على العقاب على مخالفة الواقع.

وقد اجيب عن الاشكال :

تارة : بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي المتروك والعقاب عليه امّا بانقلاب

ص: 336


1- وسائل الشيعة 4 : 766 الباب 26 من ابواب القراءة في الصلاة ، الحديث 1.

التكليف الى المأتي به واقعا أو ظاهرا كما في الجاهل بالموضوع.

واخرى : بمنع تعلقه بالمأتي به بل كان باقيا بحاله مع التزام اسقاط غير الواجب اياه.

وثالثة : كما عن كشف الغطاء (1) وصاحب الحاشية (2) واخيه المحقق (3) ، بالتزام تعدد الأمر على نحو الترتب بأن يكون الامر بالاهم مطلقا غير معلق على شيء والأمر بغيره معلقا على العزم على معصية الامر بالأهم بناء على الشرط المتقدم أو على المعصية الواقعية الحاصلة فيما بعد بناء على الشرط المتأخر.

ولكنه يرد :

على الأول : بعدم كونه موافقا لما هو عليه المشهور ودافعا للاشكال بناء عليه كما لا يخفى.

وعلى الثاني : بأنّه لا وجه حينئذ لصحة المأتي به من العمل ؛ وعلى تقدير اسقاط غير الواجب إيّاه فيقع الكلام في وجهه والعقاب على ترك الواقع في صورة كشف الخلاف في الوقت.

وعلى الثالث : مضافا إلى مخالفته مع ما هو المتفق عليه بينهم من عدم التكليف في حال واحد بصلاتين ، وإلى بقاء الاشكال في استحقاق العقاب في صورة كشف الخلاف في الوقت ؛ باستلزامه الأمر بالضدين في حال واحد وعدم اجداء الترتب بنحو الشرط المتقدم أو المتأخر في دفعه ، لأنّه وان كان مجديا في لزوم الأمر بالضدين مع عدم العزم على معصية الأمر بالأهم والبناء على امتثاله إلاّ

ص: 337


1- كشف الغطاء 1 : 171 ؛ والطبعة الحجرية : 27 البحث الثامن عشر السطر 22 - 23.
2- لم نعثر عليه.
3- الفصول الغروية : 428 السطر 1 - 6.

أنّه لا يجدي في لزومه في حال العزم على معصيته ، إذ حينئذ يكون الأمر بالأهم باقيا على حاله لعدم سقوطه بمجرد العزم على المعصية مع بقاء وقته كما اعترف به القائل بالترتب ، ويتوجه الأمر بغيره أيضا لحصول شرطه وهو العزم حالا أو المعصية الواقعية فيما بعد.

وتوهم : عدم المحذور فيه إذا كان ناشئا من سوء اختيار المكلف بعزمه على المعصية ، مدفوع :

بقبح التكليف الفعلي من المولى بالمتضادين ، بل استحالته مطلقا ولو معلقا على فعل اختياري للمكلف ، وإلاّ فلو صح بالترتب لصح الأمر بهما ابتداء معلقا على فعل اختياري له بدون ترتب في البين.

وتوهم : انّ استحالته إنّما يكون إذا رجع إلى إرادة الأمر الجمع بين الضدين وهو مفقود في المقام بعد فرض خلوّ الوقت عن الأهم وعدم الاتيان به ، مدفوع :

بأنّه كيف لا يلزم ذلك مع عدم التجاوز عن الأمر بالأهمّ ولو مع العزم على معصيته ، والأمر بغيره كما لا يخفى.

وامّا ما يتراءى من ذلك من العقلاء فهو : امّا للتجاوز عن الأمر بالأهم ، وامّا للارشاد إلى محبوبية غيرهم أيضا فلعله يأتي به المكلف بعد عدم اتيانه بالأهمّ ليتدارك به مقدارا من المصلحة الفائتة من تركه ليوجب استحقاق العقاب المترتب على تركه.

هذا كله في لزوم الفحص قبل اجراء البراءة وأحكامه وجودا وعدما وقد اعتبر ... (1)

ص: 338


1- هنا انقطعت العبارة في الاصل المخطوط وبقيت ناقصة.

قاعدة لا ضرر

ثم انّ من القواعد المعروفة المسلّمة عندهم في الجملة قاعدة « نفي الضرر » ، وقد استدلوا عليها بأخبار كثيرة :

منها : ما اشتهر عنه صلی اللّه علیه و آله في قصة سمرة بن جندب ، وقد روي بألفاظ مختلفة ، ففي موثقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : « انّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمرّ إلى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فشكى إليه فأخبره بالخبر فأرسل إليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه وقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن له ما شاء اللّه فأبى أن يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار ». (1)

وفي رواية الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام نحو ذلك إلاّ أنّه قال لسمرة بعد الامتناع : « ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه » (2) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في حكاية سمرة.

ومنها : رواية عقبة بن خالد عن الصادق علیه السلام : « قضى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالشفعة

ص: 339


1- وسائل الشيعة 17 : 341 الباب 12 من ابواب احياء الموات ، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 17 : 340 الباب 12 من ابواب احياء الموات ، الحديث 1.

بين الشركاء في الأرضين والمساكن قال لا ضرر ولا ضرار ». (1)

ومنها : ما عن التذكرة (2) ونهاية ابن الاثير (3) مرسلا عن النبي صلی اللّه علیه و آله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ». (4)

إلى غير ذلك من الروايات المشتركة ، مع ما ذكرنا في نفي الضرر في ضمن مضامين مختلفة ، كما ذكرت أكثرها في تقرير الشيخ قدس سره في القاعدة ، فراجع. (5)

ولا بدّ من التكلم فيها في مقامات :

[ المقام ] الأول : في تصحيح سندها فنقول :

انّ الأخبار الواردة في هذا الباب وان لم يثبت كونها صحيحة باصطلاح المتأخرين إلاّ انّ كثرتها بحدّ الاستفاضة يوجب صحتها باصطلاح القدماء التي كانت عبارة عن كون الخبر موثوق الصدور ولو كان الوثوق بسبب أمر خارجي فضلا عمّا إذا كان حاصلا من كثرة الأخبار في باب واحد ، فيكفي هذا القدر في حجية أخبار القاعدة ويكون مغنيا عن تصحيح سندها ، هذا. مضافا إلى حكاية تواتر نفي الضرر عن فخر الدين (6) فيكون نقله نقل تواتر في هذا الباب.

إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم : انّ مراده من التواتر ليس هو التواتر اللفظي ، لاختلاف

ص: 340


1- وسائل الشيعة 17 : 319 الباب 5 من ابواب الشفعة ، الحديث 1 ؛ و 17 : 341 الباب 12 من ابواب احياء الموات ، الحديث 5.
2- تذكرة الفقهاء 11 : 68 المسألة 252.
3- النهاية في غريب الحديث والاثر 3 : 81 باب الضاد مع الراء.
4- وسائل الشيعة 17 : 376 الباب 1 من ابواب موانع الارث ، الحديث 10 ؛ عوالي اللآلي 1 : 220 الحديث 93 و 1 : 383 الحديث 11. والحديث روته العامة وليس له طريق صحيح عندنا.
5- المكاسب الطبعة الحجرية : 372 رسالة في قاعدة نفي الضرر السطر 3 - 15 ، والطبعة الحديثة بعنوان « رسائل فقهية » طبع محققا في مجموع مؤلفات الشيخ بعنوان المجلد 23 ، رسائل فقهية 23 : 109 - 111.
6- ايضاح الفوائد 2 : 48.

الأخبار لفظا ؛ ولا المعنوي ، لاختلافها مضمونا وعدم كفاية اشتراكها في جامع في كونها متواترة كذلك وإلاّ لكان كل من عدة أخبار في أبواب مختلفة مشتركة في جامع ما متواترة كذلك.

بل المراد التواتر الاجمالي وهو : أن يعلم من كثرة الأخبار الواردة في باب واحد ولو بمضامين مختلفة يصدق بعضها بحيث يمتنع كذب الجميع ، ولازمه ابتداء الأخذ بخبر منها يكون مضمونه أخص من الجميع ومجمعا له ، وبعده : فان كان الباقي يعلم بصدق بعضه كذلك أيضا فيؤخذ بالأخص منه الذي يكون أعمّ بالنسبة إلى الأول.

هذا كله ، مضافا إلى عمل الأصحاب في أبواب الفقه بقاعدة نفي الضرر فيكون جابرا لضعف أخبارها بناء على تسليمه ، وحيث انّه لم يعلم انّ المشتبه أي منها فلا بدّ من الأخذ بالأخص فالأخص ، هذا ؛ مع انّ بعض أخبار الباب كان موثقا فيكون حجة فلا يحتاج السند إلى التصحيح ولو مع قطع النظر عمّا ذكرنا أيضا.

المقام الثاني : في بيان معنى مفرد « الضرر » و « الضرار » لغة ، والمركب منهما مع كلمة « لا » عرفا ، فنقول :

انّ « الضرر » كما عن المصباح (1) بمعنى فعل المكروه ؛ وعن النهاية (2) بمعنى النقص. ولا يخفى انّه من المفاهيم العرضية الواضحة غير المحتاجة إلى التعريف غير المشتبهة مصداقا ، ولكنه لا يبعد ان يكون بمعنى النقص مقابل النفع سواء تعلق بالمال أو بالعرض أو بالنفس ؛ ومقابلته معه ليس تقابل التضاد ، بل تقابل العدم والملكة فيطلق على النقص في مقام يترتب منه الزيادة كما في حبس ذي

ص: 341


1- المصباح المنير 2 : 360.
2- النهاية في غريب الحديث والاثر 3 : 81.

الحرفة عن حرفته لا على حبس من لا يقدر على كسب أصلا ، كما انّهما ليسا من المتقابلين الذين لا ثالث لهما كما لا يخفى.

وامّا الضرار :

فقيل : انّه بمعنى الضرر جيء به للتأكيد كما هو المستفاد عن النهاية.

وقيل : هو فعل الاثنين ، كما انّ الضرر فعل الواحد.

وقيل : هو الجزاء على الفعل الضرري ، كما انّ الضرر ابتداء الفعل ، كما يستفاد هذان المعنيان عن النهاية.

ولكن الظاهر عدم كونه موضوعا لهما وضعا بل يمكن جدا أن يكون لواحد منهما مثل أن يكون بمعنى فعل الاثنين ؛ ولكنه لمّا كان الغالب عدم وقوع الفعلين ابتداء دفعة - بل الغالب وقوع الثاني بعد الأول جزاء عليه فيكون لازما غالبيا لفعل الاثنين - فقد عبّر به عنه مسامحة كما هو ديدن اللغويين في تعداد المعاني اللغوية ؛ كما أنّه يمكن العكس ؛ مضافا إلى عدم حجية قولهم في مثل ذلك فلا بدّ في تعيين واحد منهما من الرجوع إلى القواعد ، ولا شبهة انّ القاعدة في مثل الفعال الذي هو مصدر لباب المفاعلة أن يكون بمعنى فعل الاثنين لا فعل الواحد منهما ثانيا جزاء ، لعدم تعاهده في سائر مصاديق هذا الباب بل المعلوم المعهود منها ما ذكرنا.

ثم انّه لمّا صرح من أهل اللغة في خصوص المقام بكون « الضرار » بمعنى الثلاثي وأطلق مع ذلك في مورد الرواية على ذلك في قوله صلی اللّه علیه و آله : « ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا » (1) فلا يعلم للضرار معنى أزيد على معنى « الضرر » ولا أقل من الاشتباه ، فلا بدّ من الاقتصار عليه والمشي عليه.

ثم إذا عرفت ذلك : فيقع الكلام في معنى التركيب عرفا ، وحيث انّه لا يمكن

ص: 342


1- وسائل الشيعة 17 : 340 الباب 12 من ابواب احياء الموات ، الحديث 1.

حمل هذا التركيب على ظاهره وهو نفي حقيقة الضرر في الاسلام ، لوجوده كثيرا ، فلا بدّ من حمله على أقرب المحامل إليه ، وقد ذكر له معاني عديدة قال بكل منها قائل :

أحدها : حمل التركيب الظاهر في الأخبار على النهي التحريمي بالتصرف في الهيئة.

الثاني : حمل متعلق النفي وهو الضرر على المقيد وهو الضرر المجرد عن التدارك بأن يكون المنفي ضررا مقيدا ، وامّا الضرر المحكوم شرعا بالتدارك فيصح سلب الضرر عنه لأنّه كما انّ الضرر العائد معه النفي لا يسمى ضررا فكذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بالتدارك ، فكلّما وجد ضرر في الخارج كاتلاف مال الغير وتمليك الجاهل بالعين فلا بدّ أن يقترن بلزوم التدارك.

ثم انّه حيث يرد :

على المعنى الأول : مضافا إلى كونه خلاف الظاهر من هذا التركيب ؛ بأنّه : بناء عليه لا يصح التمسك بالخبر في نفي الأحكام الوضعية مطلقا ، خصوصا فيما لم يكن في البين حكم تكليفي تحريمي أصلا كالبيع الغبني مع عدم تدليس من الغابن بل مع جهله ، هذا. مع انّ الأفعال التي تكون ضررا على النفس كالوضوء ونحوها ليس الحكم باستحبابها أو اباحتها ضرريا على المكلف كي يحكم بالتحريم.

وعلى الثاني : مضافا إلى كون هذا التقييد خلاف الظاهر بأنّ ؛ التدارك الخارجي للضرر لا يوجب صحة سلبه ولو بالنسبة إلى خصوص المتدارك فضلا عن الحكم به الأعم من وقوع التدارك خارجا وعدمه ، هذا ؛ مع انّ الضرر المتكلف بنفس المكلف كالوضوء الضرري ونحوه لا حكم للشارع فيه بالتدارك.

هذا كله مع انّ تقييد نفي الضرر بالاسلام لا يناسب نفي الفعل الضرري ، بل

ص: 343

المناسب له الحكم الشرعي ؛ فقد ذهب شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه إلى معنى ثالث وهو : انّ المنفي الحكم الشرعي الذي يلزم منه ضرر على العباد كالحكم بلزوم البيع على المغبون امّا بتقدير الحكم أو بارادته من الموضوع مجازا في الكلمة بعلاقة السببية بحمل المسبب وارادة السبب الخارجي وهو الحكم أعم من أن يكون وضعيّا أو تكليفيا على النفس أو على الغير أو مطلق السبب ، غاية الأمر تكون إرادة الحكم من جهة كونه أحد افراده.

ولكن التحقيق : انّ ما ذكره قدس سره خلاف التحقيق أيضا.

امّا أولا : فلعدم صحة العلاقة السببية بين الحكم الشرعي والضرر الخارجي بل الحكم يكون داعيا للامتثال ، لكونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال لا موجبا للوقوع في الضرر خارجا.

وامّا ثانيا : فلكونه خلاف ظاهر مثل هذه التراكيب المؤتلفة من كلمة « لا » واسم الجنس بل الظاهر منها كما في مثل : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ) (2) و « لا صلاة إلاّ بطهور » (3) أو « بفاتحة الكتاب » (4) أو « لجار المسجد إلاّ في المسجد » (5) و « لا رجل » وغير ذلك انّها مستعملة في المعنى الحقيقي لهذا

ص: 344


1- فرائد الاصول 2 : 462 ؛ المكاسب 5 : 161 في خيار الغبن.
2- سورة البقرة : 197.
3- وسائل الشيعة 1 : 256 الباب 1 من ابواب الوضوء ، الحديث 1.
4- بهذا المعنى في : وسائل الشيعة ٤ : ٧٣٢ الباب ١ من ابواب القراءة ، الحديث ١ ؛ عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ الحديث ٢ و ٣. وعند العامة : صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ الباب ١١ من كتاب الصلاة ، الحديث ٣٤ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٥٩ ؛ مسند احمد ٢ : ٤٢٨.
5- وسائل الشيعة 3 : 478 الباب 2 من ابواب احكام المساجد ، الحديث 1 ، وفيه « في مسجده » بدل « في المسجد » ؛ دعائم الاسلام 1 : 148 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 356 الباب 2 من ابواب احكام المساجد ، الحديث 1 و 2.

التركيب وهو نفي الحقيقة بلا مجاز في الكلمة ، غاية الأمر يكون نفس الحقيقة تارة حقيقة واخرى ادّعاء بنحو المجاز في الاسناد وكناية عن نفي الحكم والأثر ، أو مع عدم المجاز فيه أيضا ، لصحة اسناد النفي إلى الموضوع عرفا فيما كان المقصود الحقيقي نفي الحكم والأثر لكون نفيه مصححا لنسبة النفي إلى الموضوع من جهة شدة المناسبة بين الموضوع وحكمه.

وعلى أي حال يكون المراد من هذه التراكيب نفي الموضوع كناية عن نفي الأثر ، لا نفيه ابتداء ، لأنّ ما ذكرنا هو مقتضى البلاغة والفصاحة في مقام المبالغة والامتنان كما قلنا نظير هذا المعنى في حديث الرفع من انّه لرفع الحكم بلسان نفي الموضوع ، وإلاّ فلو اريد من مدخول « لا » في هذه التراكيب ابتداء نفس الأثر المقصود نفيه حقيقة لما كان الاستعمال بليغا بل يكون مستهجنا في بعض المقامات كما في بعض خطب الأئمة علیهم السلام : « أنتم أشباه الرجال ولا رجال » (1) فان ارادة صفة الكمال منه بدوا يوجب الخروج عن البلاغة كما لا يخفى.

ويؤيد ما ذكرنا فهم المشهور من قاعدة نفي الضرر ذلك بقرينة اطباقهم على التمسك بها لاثبات خيار المغبون في البيع الغبني بين الفسخ والامضاء وإلاّ فلو كان ما فهموه هو ما ذكره الشيخ قدس سره (2) لكان في اثبات الخيار بهذه القاعدة في المثال تأملا بل منعا ، حيث انّ المنفي بناء عليه هو الحكم الذي ينشأ منه الضرر وهو في المثال لزوم المعاملة بلا تدارك في البين ، ونفيه أعم من نفي اللزوم واثبات الجواز ومن بقاء اللزوم مع الالتزام بالتدارك فيكون الأمر مرددا بينهما.

والسرّ : انّ المنفي بناء على ما ذكرنا وان كان هو الحكم أيضا حقيقة إلاّ أنّه

ص: 345


1- « يا اشباه الرجال ولا رجال » ، الخطبة 27 من نهج البلاغة : 66.
2- المكاسب 5 : 161.

لمّا كان بلسان نفي الموضوع فلا بدّ من كونه من أحكامه لو لا قاعدة نفي الضرر ؛ بخلافه بناء على ما ذكره الشيخ قدس سره فانّ المنفي ابتداء هو الحكم المنشأ للضرر بدون لحاظ الموضوع. وعلى هذا المبنى قد أورد الشيخ قدس سره (1) على المشهور في مبحث الخيارات في اثبات الخيار بالقاعدة وتردد بين اللزوم مع التدارك وبين الجواز ؛ ولكن جوابه ما ذكرنا : من انّ مبنى المشهور هو ما ذكرنا.

فتلخص مما ذكره المشهور من اثبات الخيار : ان معنى القاعدة هو ما ذكرنا وان كان في اثبات الخيار بمعنى الحقّ بناء عليه أيضا مشكلا ، بل المسلّم هو الخيار بمعنى جواز الفسخ والامضاء حكما.

ثم انّ المنفي من أحكام الموضوع بناء على ما ذكرنا هو الحكم الثابت له - لو لا القاعدة - الذي كانت المنّة في رفعه ، لا كل ما كان له من الأحكام ، ولذلك يحكم في المثال بنفي اللزوم لا بنفي الصحة ، لعدم المنّة في رفعه بل يحكم بها بمقتضى قوله : ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2).

كما انّه لا بدّ أن يكون المنفي من أحكام العنوان الذي قد يترتب عليه الضرر ويكون بينهما العموم من وجه كالبيع والغسل والوضوء ونحوها ، لا من أحكام نفس عنوان الضرر كحرمة الاضرار بالنفس أو بالغير مثلا ، حيث انّ ظاهر القاعدة كون المقتضي لرفع الأحكام هو الضرر.

ولا يخفى انّه بالنسبة إلى الحكم المترتب على نفسه يكون مقتضيا لثبوته كما هو شأن مطلق الموضوعات بالنسبة إلى أحكام أنفسها ، ومن المعلوم انّ المقتضي للثبوت لا يكون مقتضيا للرفع فلا بدّ من كون المنفي الحكم الذي يترتّب على عنوان آخر قد يكون ضرريا فيرتفع حكمه في ذاك الموقف بواسطة الضرر كما في

ص: 346


1- المكاسب 5 : 161 - 162.
2- سورة البقرة : 275.

مورد الرواية فانّ المنفي فيه سلطنة سمرة على ماله التي تكون ضررية على الأنصاري. وهذا نظير ما حقق في حديث رفع الخطأ والنسيان من كون المرفوع الحكم المترتّب على الموضوع الذي قد يترتب عليه الخطأ ، لا نفس حكم الخطأ والنسيان لما ذكرنا.

المقام الثالث : في بيان تعارض القاعدة مع الأدلة الواقعية المثبتة للأحكام.

ولا بدّ من التكلم [ في ] (1) حالهما ثبوتا تارة ، واثباتا اخرى.

امّا الأول : فنقول : انّ الأمر بين عنوان الضرر ونظيره من سائر العنوانات الثانوية الطارئة على العناوين الأولية الواقعية وبين نفس العناوين الواقعية فيما ثبت المقتضى للطرفين في مورد التعارض في الجملة لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة :

فامّا أن تكون المصلحة المقتضية في العنوان الواقعي علّة تامّة بالنسبة إلى هذا العنوان الطارئ الملحوظ معه بحيث لا يرتفع حكمه بسببه وان لم يكن بالنسبة إلى عنوان آخر طارئا كذلك.

وامّا أن تكون المصلحة في العنوان الطارئ علّة تامّة لرفع حكم العنوان الواقعي. وحاصل هذين الوجهين انّ العلة التامة في أحدهما المعيّن واقعا وان اشتبه إثباتا ، ويكون الحكم الفعلي في الوجهين تابعا لأقوى الجهتين.

وامّا أن تكون المصلحة في كليهما متساوية بحيث لا ترجيح لأحدهما على الاخرى فيتزاحمان في مقام التأثير فلا بدّ من مرجح آخر في مقام العمل.

[ و ] امّا الثاني : فان كان معيّن في البين في مقام الاثبات بالنسبة إلى أحد الوجوه المذكورة فلا اشكال في الحكم وان لم يكن في البين إلاّ نفس دليل العنوان

ص: 347


1- في الاصل المخطوط ( من ).

الواقعي والطارئ ، وحينئذ : فان كان دليل العنوان الواقعي أخصّ كدليل النفقات بالنسبة إلى واجبي النفقة ودليل الخمس والجهاد والزكاة ونحوها ، أو نصا في مدلوله كما في مطلق الأدلة الواقعية بالنسبة إلى مقدار من الضرر يستلزمه بطبعه ذاتا بحيث لو عمل في ذاك المقدار بقاعدة نفي الضرر فلا يبقى للعمل بها مجال فيعمل بالأدلة الواقعية ، لأنصّيتها ، كما لا يخفى.

وان لم يكن كذلك ففي : تقديم قاعدة نفي الضرر على الأدلة الواقعية ، واستكشاف كون عنوان الضرر علة تامة لرفع الحكم الواقعي من جهة حكومة القاعدة عليها ، أو من باب الجمع العرفي بينهما بحمل عنوان الضرر على المانع الفعلي وحمل العنوان الواقعي على بيان المقتضي في ذاك المورد ، وعدم تقديمه بل معارضة التعارض بينهما ، وجوه ؛ قد ذهب شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه إلى حكومة القاعدة على الأدلة ، وبعض آخر إلى التعارض.

ولكن التحقيق : عدم تمامية الحكومة الاصطلاحية ، لتوقفها على كون دليل القاعدة ناظرا بمدلوله اللفظي إلى مؤدّى الحكم الواقعي ونافيا له بما هو مدلول له لا بما هو واقعي من الواقعيات مناف له واقعا ، وإلاّ فمجرد نفيه بدلالته الفعلية بما هو واقع ، لا بما هو مدلول الدليل شأن جميع الأدلة المتعارضة ، حيث انّ لازم اثبات كل منها لمؤداه نفي ما ينافيه واقعا ، وليس هذا بحكومة ، وأنّى له قدس سره باثبات الحكومة بالمعنى المذكور.

ولا وجه للتعارض أيضا ، إذ ملاكه التحيّر عرفا عند القاء كل من المتعارضين إلى أهل العرف وعدم عدهما بمجموعهما قرينة على خلاف الظاهر في أحدهما ، وهنا ليس كذلك ، بل التحقيق تقديم القاعدة من باب الجمع العرفي حيث انّه بعد

ص: 348


1- فرائد الاصول 2 : 462.

ملاحظة دليل القاعدة مع الأدلة الواقعية مثل « الناس مسلطون على أموالهم » (1) وقوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) ودليل الوضوء والغسل ونحوها تحمل الأدلة الواقعية عرفا على بيان المقتضي في مورد التعارض ودليل نفي الضرر على بيان المانع الفعلي ولا يبقى العرف في التحير والاشتباه.

ولذلك ترى الأعلام فيما يعملون بأدلة العناوين الثانوية لا يتوقفون ولا يلاحظون انّها دالة لفظا على نفي مؤدّى الأدلة الواقعية بما هو مدلول لها أم لا بل يعملون بها بمجرد لحاظ تعارضها مع الأدلة الواقعية ، فلولا التقديم من باب الجمع العرفي بل من جهة الحكومة الاصطلاحية فلا بدّ من الاختلاف في الموارد بحسب ملاحظة دلالتها لفظا على نفي مؤدّى الأدلة الواقعية بما هو مدلول لها وعدمها.

وإذا عرفت الجمع العرفي بين القاعدة والأدلة الواقعية فلا وجه لملاحظة التعارض بينها بل القاعدة ما ذكرنا ، إلاّ أن يقوم دليل من الخارج على أهمية العنوان الواقعي أو كان دليله نصا أو كالنص كما عرفت ؛ ولعل أخذ الأصحاب بسائر العمومات في قبال نفي الضرر من جهة أحد الوجوه المذكورة لا من جهة طرح القاعدة رأسا.

المقام الرابع : في تعارض فردين من الضرر ، بحيث لا يمكن العمل بالقاعدة فيهما معا بل العمل بها في أحدهما يستلزم ترك العمل بها في الآخر كما في سائر العمومات لو تعارض فردان منها في العمل بها فيهما.

فنقول : انّه لا يخلو الأمر واقعا :

ص: 349


1- الخلاف 3 : 176 المسألة 290 من كتاب البيوع ؛ عوالي اللآلي 1 : 457 الحديث 198 و 1 : 222 الحديث 99 و 2 : 138 الحديث 383 و 3 : 208 الحديث 49 ؛ بحار الانوار 2 : 272 الحديث 7. وهذا النبوي رواه جمع من العامة ، والظاهر انه ليس له طريق صحيح عندنا.
2- سورة المائدة : 1.

فامّا أن تكون المصلحة في كل منهما مقيدة بعدم التعارض ، ففي صورة التعارض لا مصلحة أصلا ، فحينئذ لا يعمل بالعام في كل منهما رأسا.

وامّا أن تكون المصلحة في أحدهما معينا دون الآخر ، فيعمل به في خصوصه.

وامّا أن تكون المصلحة في أحدهما بلا عنوان واقعا ، بحيث تكون كل من الخصوصيتين لا مدخل له في المصلحة بل هي متقومة بأحدهما المردد بحيث لا تعيين لما يقوم به واقعا كما حقق في تعارض الخبرين بناء على حجيتها من باب الطريقية لا الموضوعية ، حيث انّه لا يمكن كون المصلحة [ طريقية ] (1) في كليهما بعد العلم بكذب أحدهما ؛ ولا وجه لارتفاع المصلحة عن كليهما معا بل بقدر المانع وهو العلم بكذب أحدهما بلا عنوان فيبقى أحدهما كذلك بحاله من الاشتمال على المصلحة ، فيجدي في نفي الثالث وان كان لا يجدي في الأخذ بواحد من الخصوصيتين.

وامّا أن تكون المصلحة في كليهما معا ، فيعامل معهما معاملة المتزاحمين من الأخذ بالأهم على تقدير وجوده في البين والتخيير على تقدير التساوي.

هذا كله حال الفردين المتعارضين في مقام الثبوت وامّا حالهما في مقام الاثبات ، فنقول :

انّ الظاهر من كل دليل كان مطلقا أو عاما بحسب المادة مثل أكرم كل عالم مثلا انّ المصلحة المقتضية للحكم به ثابتة في جميع افراده حتى في صورة التعارض ، غاية الأمر يكون عدم امكان العمل بالمتعارضين في تلك الصورة موجبا لتقييد مفاد الهيئة وهو الطلب التعييني فيها. وامّا المصلحة المستكشفة من اطلاق

ص: 350


1- في الاصل المخطوط ( الطريقي ).

« العالم » بالنسبة إلى جميع افراده فلا وجه لرفع اليد عنه ، ولا ملازمة بين الاطلاق في المادة والهيئة.

وتوهم الملازمة بينهما كما في المخصص اللفظي مثل لا تكرم الفساق من العلماء مثلا ، مدفوع :

بأنّ المخصص اللفظي يكون بمادته وبهيئته خارجا عن العام ، وامّا المخصص العقلي كما في صورة التزاحم فلا إلاّ بمقدار حكم العقل وهو قبح طلب غير المقدور وهو يقتضي تقييد الهيئة لا المادة مع انّ تقييدها بحسب الارادة الجدية ، وامّا بحسب الاستعمال فظهورها باق بحاله غاية الأمر يكون ظهورها مع اطلاق المادة حجة في ثبوت المصلحة في جميع الافراد مع تعلق الطلب التعييني بها فسقطت حجيته بالنسبة إلى الطلب التعييني في خصوص صورة التزاحم فتبقى الحجية في غيره ؛ هذا مع امكان التزام عدم التقييد بحسب الهيئة أصلا بأن تكون مستعملة في مطلق الطلب الجامع بين التعيين والتخيير ويكون التعيين بحسب الموارد تعيينا في غير صورة التزاحم وتخييرا فيها بحكم العقل. وعلى كل حال فالأقوى في كل دليل لم يكن مخصصا بالمخصص اللفظي هو استكشاف المصلحة في صورة التزاحم فيعمل بالأهم لو كان ، وإلاّ فالحكم التخيير لو كان له مجال ، وإلاّ فالمرجع القواعد الاخرى.

إذا عرفت ذلك فنقول في المقام : إذا تعارض فردان من الضرر بحيث يكون العمل بالقاعدة في أحدهما مستلزما لتركها في الآخر :

فلو كان الضرران بالنسبة إلى الشخص الواحد فلا اشكال في كون الحكم هو التعيين بالأهم ولو بالأكثرية ، حيث انّ الامتنان بالنسبة إلى الواحد في نفي الضرر الكثير في مقام التعارض لا في نفي القليل فهو المتعين للرفع.

واما لو كانا بالنسبة إلى الشخصين كما لو ادخلت الدابة رأسها في القدر بغير

ص: 351

تفريط من أحد المالكين أو دخلت في بستان الغير كذلك بحيث لا يمكن اخراجها بعد ذلك إلاّ بهدم الجدار ونحوهما من الأمثلة ، فملخص هذه الصورة أن يقال :

لو كان الضرر بالنسبة إلى أحدهما في مورد مجرد كونه ممنوعا عن التصرف في ماله وبالنسبة إلى الآخر النقص المالي ، فلا اشكال في تقديم الثاني كما في مورد الرواية بالنسبة إلى تقديم نفي الضرر للأنصاري على سمرة.

وان كان بالنسبة إلى كليهما نقصا حقيقيا ، فان كان نفيه عن أحدهما أهم في نظر الشارع بالنسبة إلى الآخر فلا اشكال في تقديمه أيضا ، وامّا لو كان كثيرا بالنسبة إلى الآخر ، ففي تقديمه عليه كما بالنسبة إلى الشخص الواحد أو جعله معه كالضررين المتساويين في الرجوع إلى القواعد الاخرى - لو لا القاعدة - بعد عدم المعنى للتخيير للمالكين وعدم الدليل لتخيير الحاكم ، وجهان :

من كون مجموع العباد بالنسبة إلى اللّه تبارك وتعالى كعبد واحد يلاحظ في حقه نفي الكثير كما تلاحظ في الموالي العرفية بالنسبة إلى عبيدهم في مراعاتهم في نفي الضرر بالنسبة إلى الكثير في مورد التعارض. وسرّه : انّه لا بدّ للمولى من مراعاة النوع لو تعارض مع الشخص ، وهو في تقديم الكثير لا القليل كما ورد في الشرع من قتل جماعة قليلة من المسلمين [ تترّس بهم ] (1) الكفار بحيث لو لا قتلهم لكانت الغلبة مع الكفار.

ومن انّ ذلك مسلّم في صورة كون مراعاة الضرر الكثير أهم في نظر الشارع ولو للنوع كما في مسألة [ التترّس ] (2). وأمّا في غيره فمقتضى ورود الحديث في مقام الامتنان وعطوفيته تعالى بالنسبة إلى كل واحد من العباد وغنائه تعالى وثبوت المنّة في نفي أي منهما بالنسبة إلى صاحبه بلا أولوية لتقديم المنّة على أحدهما

ص: 352


1- في الاصل المخطوط ( تطرّسوهم ).
2- في الاصل المخطوط ( التطرّس ).

على الآخر ، هو التسوية بين الضررين كما هو الأقوى ، فلا معيّن عقلا لتقديم الكثير ، وحيث انّه لا معيّن نقلا أيضا غير قاعدة نفي الضرر غير المقتضية للتقديم ولا وجه للتخيير أيضا فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد الاخرى من قاعدة السلطنة ونحوها.

المقام [ الخامس ] (1) : انّه قد أورد على القاعدة بتخصيص الكثير عليها ، لخروج كثير مما كان ضرريا من الموارد عنها بحيث لا يعمل بها فيها عند الأصحاب فاعراض الأصحاب عنها يوجب الوهن فيها فيشكل التمسك بها في الموارد المشكوكة بل لا بدّ [ في ] (2) العمل بها من جابر ، لوهنها ؛ وقيل انّ المراد منه عمل الأصحاب فلا بدّ من الاقتصار بالقاعدة في موارد العمل.

ثم ليعلم ، انّه على تقدير تسليم تخصيص الكثير فالاحتياج في الجبر إلى عمل الأصحاب : امّا لحصول الوهن في القاعدة من جهة كثرة التخصيص ، أو من جهة العلم الاجمالي بالتخصيص الناشئ من اعراض الأصحاب ؛ فعمل الأصحاب على الأوّل موجب لرفع الوهن لحصول الاطمئنان بعدم كون موارد العمل مما ورد فيها التخصيص ، وعلى الثاني موجب لخروج مورد العمل من أطراف العلم الاجمالي حيث انّه كان في موارد الاعراض وعدم العمل بها غاية الأمر قبل المصادفة بالعمل كانت الأطراف مشتبهة بغيرها وبعدها يرتفع ، لتعيّن كون مورده خارجا عنها.

ولكنه لا بدّ أن يعلم : انّ المراد من العمل ليس العمل خارجا فعلا بل المراد الاعتناء بها وملاحظة شمولها لمورد النزاع ولو لم يعمل بها لأجل المعارض الذي ادّعي أقوائيته ، ولكن ملاحظة التعارض يشهد على الاعتناء بشأن القاعدة فحينئذ

ص: 353


1- في الاصل المخطوط ( الثالث ).
2- في الاصل المخطوط ( من ).

إذا كان نظرهم في اقوائية غيرها خطأ بل كانت القاعدة أقوى بحسب النظر لكانت هي المعمول بها دون غيرها.

ثم انّه ظهر مما ذكرنا : انّه على فرض تسليم التخصيص الكثير في القاعدة واحتياج العمل بها معه إلى الجبر بعمل الأصحاب سواء كان للخروج من الوهن أو للخروج من دائرة العلم الاجمالي بالتخصيص ، ليس بكثير وهن فيها بعد ما عرفت المراد من العمل وانّه مجرد الاعتناء بها دون العمل فعلا على طبقها ، هذا.

مع انّ كثرة التخصيص غير مسلّمة ، حيث انّ ما كان من الأدلة مقدما عليها على أنحاء :

منها : ما كان مثبتا للحكم لعنوان « الضرر » و « الاضرار ».

ومنها : ما كان موجبا للالقاء بالضرر كأدلة الخمس والزكاة والنفقات ونحوها.

ومنها : ما كان في مقام الاقدام على الضرر ، فانّه حينئذ لا يعمل بالقاعدة كما سيجيء.

ومنها : غالب الأدلة الواقعية بالنسبة إلى مقدار من الضرر تستلزمه طبعا ، بحيث لو عمل بها لم يبق لها مجال.

ومن المعلوم انّ كل واحد منها ليس بتخصيص أصلا أو بتخصيص موهن.

امّا الأدلة المثبتة للحكم لعنوان « الضرر » فهو ليس منه أصلا ، لما عرفت من عدم شمول مفاد القاعدة لرفع حكم الضرر بنفسه لعدم اقتضائه لرفع ما كان مقتضيا لثبوته.

وكذا الأدلة المعمول بها في موارد الاقدام كما سيجيء ، لعدم اطلاق القاعدة بالنسبة إلى تلك الموارد.

وامّا الأدلة الموجبة للالقاء بالضرر والأدلة الواقعية بالنسبة إلى مقدار منه

ص: 354

المستلزمة له طبعا فانّما هو لكونها نصا أو كالنص بالنسبة إلى اطلاق القاعدة في رفع الحكم في تلك الموارد ، فتقدمها عليها من جهة الجمع العرفي وتوفيقه بين كل دليلين كان أحدهما أظهر من الآخر أو كانا بمجموعهما قرينة على خلاف الظاهر في أحدهما ؛ ومن المعلوم انّ التوفيق العرفي كالحكومة ليس بتخصيص أصلا أو بتخصيص موهن ، وإلاّ لكان جميع الأدلة الواقعية مخصصة كثيرا ، إذ ما من عنوان منها إلاّ وقد ورد عليه عناوين طارئة كثيرة مقدمة عليه كعنوان الشرط والنذر والحلف والاكراه والاضطرار وغيرها وليس ذلك من قبيل التخصيص بل لعله من باب تقديم أقوى المتزاحمين على الآخر ولو كانت الاقوائية من جهة الفهم العرفي وأظهرية دليل العنوان الطارئ لا من قبيل التخصيص وتقديم المعارض ، وعلى تقدير التسليم فليس بموهن ، من جهة كونه بالعنوان الجامع.

وبعد اخراج ما ذكرنا واحراز حجية القاعدة في الباقي ليس أصل التخصيص على القاعدة بمعلوم فضلا عن كثرتها ، فليس طرح القاعدة إلاّ لمدّعي العلم الاجمالي بالتخصيص الكثير مضافا إلى ما ذكرنا ؛ والعهدة عليه.

المقام [ السادس ] (1) : انّ القاعدة لمّا كانت في مقام المنّة على العباد فلا بدّ أن يكون المنفي به خصوص ما كان المنّة في رفعه من الأحكام كاللزوم في العقد الغبني دون غيره مما لم تكن المنّة في رفعه كأصل الصحة في العقد الثابتة له بقوله : ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2) بل لو فرض عدم الدليل عليه إلاّ دليل لزوم الوفاء بالعقد لكان مقتضى القاعدة عدم رفعه لكونها زائدة على اللزوم وأعم منه بلا ملازمة بينهما كما في بعض العقود.

ومجرد كون الكاشف واحدا وهو دليل لزوم الوفاء بالعقد لا يقضى باتحاد

ص: 355


1- في الاصل المخطوط ( الخامس ).
2- سورة البقرة : 275.

المنكشف ولا الملازمة بينهما ، فلا يحكم بالرفع إلاّ بالنسبة إلى ما قام الدليل على رفعه وهو اللزوم في المقام دون أصل الصحة.

ثم انّه بعد ما عرفت ورود الحديث في مقام الامتنان ، يظهر : انّه لو كان البيع الغبني باقدام المغبون بنفسه ابتداء مع علمه بالضرر كذلك فلا يرتفع حكم العقد أصلا حتى اللزوم ، حيث انّه مع اقدام المتضرّر على الضرر ليس منافيا للامتنان حتى يحكم برفعه بل كان كالصحة بعد وقوع العقد الغبني عن جهل موافقا للغرض وسلطنة الناس على أموالهم وغير شامل لقاعدة نفي الضرر ، لأنها في مقام نفي ما يوجب القاء العباد على الضرر ونقض غرضهم ، منّة عليهم ، دون ما لم يكن كذلك بل كان باقدام منهم ووفقا لغرضهم كما في الصورة المذكورة. هذا في المعاملات.

وامّا العبادات الموجبة للضرر من الوضوء والغسل والصوم ونحوها :

فان كان الضرر الناشئ منها بالنسبة إلى النفس والعرض فلا اشكال في ارتفاع حكمها حتى الصحة ولو مع الاقدام ، لكون المنّة في ذلك كما لا يخفى.

وان كان على المال فلا اشكال في رفع اللزوم أيضا.

وامّا الصحة فلا وجه لرفعها ، لما عرفت سابقا من استكشاف المصلحة مطلقا من اطلاق المادة وان كانت الهيئة مقيدة. ولا ملازمة بين المصلحة والطلب على ما هو التحقيق من عدم الملازمة بينهما ، لكون الطلب تابعا للغرض وقد لا يتعلق بمجرد المصلحة. ومجرد اتحاد الكاشف لا يوجب الملازمة كما عرفت ؛ وبعد ما عرفت من بقاء المصلحة فيكفي في الصحة بناء على التحقيق من كفاية المحبوبية فيها.

ثم انّه لا يتوهم قياس العبادات بالمعاملات في عدم ارتفاع اللزوم مع الاقدام من أول الأمر ، لوجود الفارق وهو كون الداعي إلى الفعل قبل الاقدام في العبادات هو اللزوم ، دون المعاملات ، لتحققه بعده فيكون الداعي حقيقة هو ميله النفساني

ص: 356

فيها دون العبادات كما لا يخفى.

المقام [ السابع ] (1) : لو دار الأمر بين الوقوع في الضرر أو الحرج بحيث لا بدّ من الوقوع في أحدهما - كما في البيع الغبني لو كان جواز الفسخ حرجيا على الغابن - فالظاهر انّه لمّا كان كل واحد منهما من العناوين الطارئة فلو لم يكن معيّن من الخارج التقديم أحدهما فلا دلالة لدليل واحد منهما على تقديمه دائما. نعم الظاهر انّ الدوران بينهما من باب التزاحم لوجود المقتضي في كل منهما - ولو مع الدوران - لا التعارض ، فان كان دليل من الخارج على أهمية واحد منهما فبها ، وإلاّ فمع عدم المعيّن أو مع القطع بتساويهما فالمرجع القواعد الاخرى ؛ والقاعدة في المثال المذكور لزوم الوفاء بالعقود بمقتضى قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) . (2)

ولا يكون الحكم هو التخيير بين الضرر والعسر بمعنى اختيار واحد من دليليهما كما في سائر المتزاحمات لأنّ التزاحم يكون :

تارة : بين الواجبين من جهة عدم امكان اجتماعهما في الخارج وجودا ، بحيث لو كان المكلف قادرا على ايجادهما معا لما كانا متزاحمين في التأثير في الحكم القبلي.

واخرى : يكون التزاحم في مقام التأثير واقعا كما في اجتماع الأمر والنهي ، ولا شبهة انّه بعد التزاحم بين المقتضيين في أصل التأثير لكان المراد كأن لم يكونا في البين واقعا فلا بدّ من الرجوع إلى حكم آخر لولاهما.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، حيث انّ التزاحم بين العسر والضرر إنّما هو في التأثير في رفع الحكم الواقعي في مورد كل منهما فبعده يكون الواقعي الأوّلي كأن لم يكونا عذرا مع التزاحم بين فردين بل من هذا القبيل من الضرر ، فتدبر.

ص: 357


1- في الاصل المخطوط ( السادس ).
2- سورة المائدة : 1.

ص: 358

الاستصحاب

اشارة

ولا يخفى انّه لا يهمّنا التعرض لمعناه اللغوي مع انّه من الألفاظ الظاهرة المعنى عرفا. والظاهر انّه أعم مما ذكره الشيخ قدس سره (1) من أخذ الشيء مصاحبا ، لصدقه على أخذ بعض اجزاء ما لا يؤكل لحمه مع عدم صدق المصاحب عليه ظاهرا.

ثم انّ لفظه وان لم يكن مما ورد في آية أو رواية موضوعا لأثر شرعي أيضا إلاّ أنّه لمّا كان باصطلاح الفقهاء مستعملا في معنى كان لازمه وجوب العمل على طبق الحالة السابقة عند الشك ومتداولا بينهم في ذلك فصار المهم تعيين معناه الاصطلاحي المعتمد عليه في العمل المذكور.

فما قيل أو يمكن أن يقال : انّ المراد منه اصطلاحا ذلك أمور :

منها : ما كان مجمعا لجميع المعاني المذكورة في هذا الباب ونتيجة لكل منها وهو حكم الشارع امضاء أو تأسيسا في حال الشك في بقاء ما كان متيقنا سابقا حكما شرعيا كان أو موضوعا له ببقائه على طبق الحالة السابقة تعبدا بترتيب ما كان له من الأثر شرعا ، وعبارته الجامعة : « إبقاء المتيقن شرعا في حال الشك في بقائه ».

ص: 359


1- فرائد الاصول 3 : 9.

ومنها : الظن بالبقاء.

ومنها : حكم العقل بالملازمة الظنية بين الكون السابق والبقاء.

ومنها : بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة وسيرتهم على ذلك.

ومنها : التمسك بالثبوت سابقا على البقاء.

فان كان بالمعنى الأول فيكون حكما شرعيا فرعيا متعلقا بعمل المكلف.

ولا يكون الاختلاف بينهم - في انّه من باب الظن أو من باب بناء العقلاء أو من باب الأخبار تعبدا إلى غير ذلك - في حقيقته وتعيين معناه اصطلاحا ، بل في وجه ثبوته وملاك حكم الشارع ومناطه من انّه :

الظن على قول.

أو بناء العقلاء على آخر.

أو غيرهما على ثالث.

ولا يكون التعبير عنه بالظن أو الملازمة أو غيرهما حدا حقيقيا بل اسميا يؤتى به اشارة اليه ، تارة : بملاك ثبوته شرعا ، واخرى : بما يكشف عنه ، الى غير ذلك من الجهات ؛ فلا وجه للنقض والابرام في التعاريف حينئذ.

ويؤيده بل يدل عليه : وضوح عدم تعدد معناه اصطلاحا وحقيقة وإلاّ لم يكن الاختلاف بين الانكار والاثبات والاختلاف في الجريان في مورد دون آخر واردا على موضوع واحد ومحل واحد كما لا يخفى ، وما هو المعلوم خلافه.

ويدل عليه أيضا : نفس اختلافهم في استفادته من الأخبار أو بناء العقلاء.

وتعجّب مثل الشيخ الأجل المرتضى الأنصاري قدس سره من الشيخ في العدة (1)

ص: 360


1- العدة 2 : 757 - 758 ؛ وقريب منه في الخلاف 1 : 412 كتاب الصلاة المسألة 157 ؛ وعوالي اللآلي 1 : 380 المسلك الثالث ، الحديث 1 ؛ وبمعناه في وسائل الشيعة 1 : 177 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1 ؛ ومستدرك الوسائل 1 : 288 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 434 / 5.

المنتصر على حجيته بخبر ضعيف انّه : كيف يتمسك بخبر ضعيف مع وجود الاخبار الصحاح الواضحة الدلالة على الاستصحاب ، حيث انّ هذا الاختلاف والتعجب يكشف عن كون المعنى المختلف في وجه اعتباره بمعنى يمكن استفادته وكونه مفادا للأخبار ، والصالح له ليس هو إلاّ حكم الشارع بالبقاء ووجوب المضي على طبق الحالة السابقة ولو لا ذلك - بل كان نفس الظن أو الملازمة - لم يكن مفادا لها ، فلا وجه للايراد والتعجب المذكورين ، كما لا يخفى.

ثم انّه ينطبق على ما ذكرنا تعريفه ب- « الابقاء » كما عن الشيخ (1) و « الاثبات » كما في الزبدة (2) و « الحكم بالابقاء » كما يستفاد عن غاية المأمول (3) بناء على كون الحاكم بالبقاء والثبوت هو الشارع كما يستفاد من الشيخ قدس سره (4) من اختياره حجية الاستصحاب من باب الاخبار ؛ وبناء على ذلك فلا يكون ما ذكره شارح المختصر من انّ في استصحاب الحال : « انّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » (5) منطبقا على الاستصحاب لا بحسب الصغرى ولا بحسب الكبرى ، فلا وجه لتشقيق الشيخ قدس سره (6) في هذه العبارة : من انّ الاستصحاب لو كان هو الصغرى فكذا أو الكبرى فكذا مع عدم كونه عنده بواحد منهما ، إلاّ أن يكون التشقيق بحسب مذاق الخصم.

نعم ، بعد ذلك القياس لو رتب قياس آخر مؤلف من نتيجة ذلك القياس يجعل صغرى لكبرى اخرى بأن يقال : « هذا مظنون البقاء وكلما كان كذلك فهو باق

ص: 361


1- فرائد الاصول 3 : 9.
2- زبدة الاصول : 106.
3- غاية المأمول : ظهر الورقة 177 اي الصفحة الثانية منه ؛ مفاتيح الاصول : 634 السطر 7.
4- فرائد الاصول 3 : 51 و 55.
5- شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب 2 : 453 أواخر الصفحة.
6- فرائد الاصول 3 : 11.

شرعا » يكون المحمول في كبرى القياس منطبقا على الاستصحاب.

وعلى أي حال يكون الاختلاف بعد تسليم الاستصحاب بالمعنى المذكور على أحد عشر قولا - أو أزيد - راجعا إلى النزاع الصغروي من انّه هل الحكم الشرعي بالبقاء في جميع الموارد أو في بعضها دون بعض ، على حسب الاختلافات في هذا الباب.

ثم لا يخفى انّه بهذا المعنى لا ينطبق على سائر اشتقاقاته.

إذا عرفت ما ذكرنا من مساعدة الكلمات وورود النقض والابرام على محل واحد على المعنى المذكور فظهر بطلان تحديد حقيقة الاستصحاب على سائر المعاني لو كان حقيقيّا فتدبر حتى تعرف ما يرد عليها من النقض والابرام ، هذا. مضافا إلى ما في التحديد بالتمسّك من انّه عمل المكلف وليس بدليل للحكم بل الدليل عليه ما يعتمد عليه في العمل ، ومن المعلوم انّ الاستصحاب من جملة الأدلة.

ثم ان كان الاستصحاب بمعنى الظن ينطبق على المحمول في كبرى القياس المذكور وهو قوله : « الشيء الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » لا على نفس الكبرى كما يستفاد من الشيخ قدس سره . (1) نعم لو كان بمعنى الملازمة فينطبق عليها ، حيث انّ الكبرى هي الملازمة بين الكون السابق والظن بالبقاء لا نفس الظن ؛ وعلى أي تقدير فيحتاج كل منهما إلى دليل الحجية ويكون اثبات حجية الظن بقياس آخر مؤلف من صغرى هي نتيجة ذلك القياس وكبرى شرعية بأن يقال في الكبرى : « كلما كان مظنون البقاء فهو باق شرعا » ولو كان من جهة امضاء طريقة العقلاء بالعمل بالظنّ أو العمل بالملازمة الظنية.

ص: 362


1- فرائد الاصول 3 : 11.

ولا يخفى انّ النزاع في الاستصحاب على كلا الوجهين يمكن :

أن يكون صغرويا في ثبوت الظن أو الملازمة الظنية بين الكون السابق والبقاء.

وان يكون كبرويا في عمل العقلاء على طبقهما وعدمه.

كما لا يبعد المنع عن الاستصحاب بكلا الوجهين خصوصا الأخير ، حيث لا يعلم من حالهم انّهم يعملون على مجرد الثبوت السابق من دون انطباق دليل وقاعدة اخرى في المورد.

وما استدل له به ، من كون العمل على طبق الحالة السابقة جبلّيا للحيوانات أيضا كما يعلم من المراجعة إلى أو كارها من الأماكن البعيدة ، ففيه :

انّه يمكن أن يكون ذلك من جهة حضور الصورة الارتكازية في مدركتهم ، بحيث لا يحتملون خلافه.

ومن هنا ظهر : انّ الوجه في حجية الاستصحاب هو الاخبار بعد ما عرفت التحقيق من كونه هو الحكم الشرعي بالبقاء ، لا غيرها من طريقة العقلاء.

ينبغي التنبيه على امور :

[ الأمر ] الأول : انّه لا اشكال في كون الاستصحاب من الأحكام الفرعية بناء على استفادته من الأخبار ، لكونه حينئذ من الأحكام المتعلقة بعمل المكلف بلا واسطة على ما هو المعيار لمسائل الفقه.

وامّا بناء على كونه من باب الظن فان كان هو النتيجة كما عرفت فكذلك.

وان كان نفس الظن أو الملازمة الظنية فقيل : بكونه حينئذ من الأحكام العقلية غير المستقلة بناء على ما هو معيارها من الايصال إلى الحكم الشرعي بتوسيط مقدمة غير عقلية كما في الاستلزامات والمفاهيم ؛ والمقدمة غير العقلية في المقام هو دليل

ص: 363

المستصحب في السابق.

وفيه : انّ الدليل العقلي غير المستقل ما كان موصلا إلى الحكم الشرعي بعد انضمام مقدمة غير عقلية إلى المقدمة العقلية كما في المقيس عليه ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ، حيث انّه بعد ملاحظة الدليل في السابق مع الملازمة أو الظن يحتاج في الايصال إلى دليل من الشرع على الحجية ولو امضاء فهو الموصل حقيقة إليه سواء أدرج في كبرى القياس الأول بأن يقال بعد الصغرى المذكورة وهو انّ الشيء الخ : « وكلما كان كذلك فهو باق شرعا » أو رتّب قياس آخر مؤلف من نتيجة القياس الأول وكبرى اخرى كما عرفت.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : انّ القياس المذكور مع جعل الاستصحاب من باب الملازمة إنّما هو من العامة المتفقين بحجيته من دون احتياج إلى الامضاء وكان اختلافهم في الصغرى ، ومن الظاهر عدم اختلاف الخاصة معهم في حقيقة الاستصحاب فيصح حينئذ جعل الاستصحاب من الأدلة العقلية بطريقتهم ، فتدبر.

ثم انّ جعل البحث عن حجية الاستصحاب من المسائل الاصولية إنّما هو بناء على كونه من باب الظن ، مع جعل موضوع الاصول ذات الدليل مطلقا لا بعنوان الوصفية كما عن المحقق القمّي رحمه اللّه (1) وإلاّ لكان البحث حينئذ من المبادئ لا المسائل ، ولا خصوص الأدلة الأربعة وإلاّ لا يجدي في كونه منها بناء على جعله نفس الظن ، لعدم كونه أحد الأربعة.

نعم بناء على كونه هو الملازمة فيمكن كون البحث عن الحجية من المسائل

ص: 364


1- النسخة الحجرية القديمة من القوانين المحكمة طبعة 1291 ه ق 1 : 6 الحاشية المبدوة بقوله : « موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ » وآخرها عبارة : « منه ; ». وهذه الحاشية مقلوبة ، اولها الى اسفل ثم تتدرج الى اعلى الصفحة. والنسخة هذه عثرنا عليها في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم 176 / 95.

الاصولية لكونه عن عوارض الملازمة وهو من الأدلة العقلية ؛ هذا بناء على كونه من باب الظن.

وامّا بناء على كونه من الأخبار فيكون من المسائل الفرعية كما عرفت. ولا يجدي اختصاص البحث - عن تشخيص مجراه وتعيين مقدار دليله - بالمجتهد في كونه من المسائل الاصولية كما ذهب إليه الشيخ قدس سره في الفرائد (1) من هذه الجهة ، لكون المناط في المسألة الفرعية اشتراك مضمونه بين المجتهد والمقلد في العمل به وهو موجود في مفاد مثل قوله علیه السلام : « لا تنقض الخ » كما لا يخفى. وامّا تشخيص المجرى وتعيين مقدار الدلالة فهو كقاعدة نفي الحرج والضرر من كون الاختصاص بالمجتهد لتمكنه منه دون المقلد فيكون نائبا عنه في ذلك ، كما في غالب المسائل الفرعية.

الأمر الثاني : انّه لا بدّ في الاستصحاب من يقين بالمستصحب في السابق وشك في بقائه في اللاحق بعين الوجود الأول حتى يكون المضي عليه والعمل على طبقه ابقاء واستمرارا له ورفع اليد عنه في اللاحق نقضا لليقين بالشك ، لا ان يكون الشك في حدوثه بوجود آخر كي لا ان (2) يكون الشك في النقض ولا مرددا بينه وبين البقاء وعدمهما بالكلية كي يشك في صدق النقض ، بل لا بدّ من اليقين بصدق النقض المتوقف على كون الشك في خصوص البقاء لا الحدوث ولا المردد بينهما ؛ وكون الشك كذلك إنّما يتحقق باتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا ، غير انّ الفرق في اليقين بالمحمول وهو المستصحب في القضية المتيقنة والشك فيه في المشكوكة ، وامّا الموضوع فلا بدّ من بقائه في اللاحق بعين الوجود الأول.

ص: 365


1- فرائد الاصول 3 : 18 - 19.
2- الظاهر زيادة ( ان ).

إذا عرفت ما ذكرنا فيشكل الأمر في الأحكام الشرعية مطلقا ، حيث انّها بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها مع كونهما مختلفة بالخصوصيات والاعتبارات لا بدّ من كون موضوعها مقيدة بالخصوصيات المنوطة بها المصلحة كي يحكم عليه بها فتكون المقومات للمصلحة مأخوذة فيه ، بل الأمر كذلك بناء على تبعية الأحكام للمصالح مطلقا ولو لم يكن في متعلقها بل في نفس تشريعها ، بل ولو على قول الأشاعرة من عدم تبعيتها للمصالح ، بل لاغراض للحاكم متعلقة حيث انّ الموضوع للحكم فعلا بحيث يتّصف بالعنوان فعلا لا بدّ انّ بوجوده الخاص وهو المقترن بالمصالح والاغراض ولو كانت خارجة عن ذاته بحيث لو لم يكن بذاك الوجود الخاص لما كان محكوما عليه بالحكم كما هو واضح.

فإذا عرفت دخل كل ما له دخل في الحكم حتى الأمر العدمي من عدم الرافع وغيره في الموضوع وكونه متقوما به فاعلم :

انّه لا يكون الشك في بقاء الحكم إلاّ من جهة الشك في ارتفاع احدى الخصوصيات المعتبرة في تحققه المأخوذة في موضوعه وإلاّ فلو كانت معلوم البقاء بجميعها لما يحصل الشك في الحكم أصلا والشك فيها يكون شكا في الموضوع فيكون الشك في الحكم ملازما مع الشك في الموضوع ومعه لا يتحقق بقاء الموضوع فلا يحرز صدق النقض بالشك على رفع اليد عن الحكم السابق فيشكل الأمر في جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية مطلقا ، كان الدليل عليها عقليا أو نقليا لما عرفت من مناط الاشكال وجريانه فيهما كما لا يخفى.

فمن هنا ظهر : عدم اختصاص الاشكال في خصوص الأحكام الشرعية المستكشفة بالدليل العقلي ، بل الاشكال يجري ولو في الأحكام الشرعية الثابتة بالدليل النقلي.

ص: 366

والجواب في كليهما : انّ الاشكال يجري بناء على كون المدار في موضوع الاستصحاب هو النظر الدقيق والموضوع العقلي ؛ وامّا بناء على كون المدار فيه هو الموضوع العرفي المسامحي كما سيجيء ان شاء اللّه فيرتفع الاشكال عن كليهما.

فان قلت : انّ الرجوع إلى العرف في موضوع الاستصحاب إنّما هو فيما إذا كان الدليل مجملا بالنسبة إلى الموضوع مع كون عنوانه عرفيا عامّا بالنسبة إلى حال الشك وكان الملاك خارجا عن الموضوع محتمل الأخصية بالنسبة إليه كما في الدليل النقلي الدال على حرمة العنب على تقدير الغليان ، فلو شك في اختصاص الحكم له في حال الحموضة مثلا دون الحلاوة من جهة الشك في اختصاص المناط غير الداخل في الدليل بتلك الحال فيستصحب بقاؤه لبقاء موضوع الدليل عرفا وهو العنب ؛ وهذا بخلاف الدليل العقلي فانّه لمّا كان المناط معلوما مبيّنا بحيث لا اجمال فيه ولا اهمال فيكون الموضوع مقيدا ومتشخصا به ومحكوما عليه بحدّ ذاك الملاك لا أعم منه ، فإذا كان معلوما بجميع ما له دخل فيه فلم يكن مهملا كي يرجع في تعيينه إلى العرف بل يرجع إلى نفس العقل وهو مع عدم اختلاف قيد منه لا يشك ومعه لا يشك في تبدل الموضوع فلا يشك في الحكم أصلا وعلى تقدير الشك فيه يكون شكا في حدوثه في موضوع حادث.

قلت : ما ذكرت من عدم الاهمال في حكم العقل واجماله ولا في موضوع حكمه فهو مسلّم ، إلاّ أنّه لا يجدي في عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه.

بيان ذلك : انّ في مورد حكمه أربعة أشياء :

أحدها : حكم العقل بالحسن والقبح.

وثانيها : موضوع ذاك الحكم.

وثالثها : الحكم الشرعي المستكشف.

ص: 367

ورابعها : ملاك هذا الحكم.

ولا ريب في عدم تصوير الشك والاهمال في نفس حكم العقل بالحسن والقبح ، ولا في موضوعه بل لا بدّ من التشخيص فيقطع بحكمه وبدونه يقطع بعدمه. وامّا الحكم الشرعي المستكشف فان كان تابعا ثبوتا للحكم الفعلي للعقل وملاكه كما كان كذلك اثباتا فلا يشك فيه أيضا كما لا يخفى.

ولكنه ليس كذلك ، بل هو تابع للمناط الواقعي وهو لا ينحصر دائرته سعة وضيقا بما يراه العقل ملاكا اثباتا بل ربما يساويه وربما يكون أعم منه ولا يرتفع بارتفاعه ، فإذا كان كذلك فيتصور الشك في ملاكه واقعا وان قطع بارتفاع ما عيّنه العقل اثباتا وكشفا.

امّا لأجل عدم تشخيص ما له دخل في الحكم الشرعي في جملة امور يقطع بوجوده فيها بنحو يكون لكل من تلك الجملة دخل في اذعان العقل بالحكم الشرعي بحيث لو ارتفع واحد منها لقطع بعدم اذعانه ولكنه يحتمل في بقاء الحكم الشرعي لاحتمال عدم كون المرتفع ذا دخل فيه ثبوتا ، ولا بعد في دخل شيء في شيء اثباتا لا ثبوتا كما في الملائمات الحسية ومنافراتها من الملاحة وضدها كما لا يخفى.

وامّا لأجل احتمال ملاك آخر للحكم الشرعي واقعا مقارنا لما يراه العقل من الملاك وأعم منه بحيث بنفسه يبقى ويوجب بقاء الحكم الشرعي فيشك - من جهة الشك فيه - في بقاء الحكم الشرعي ولا يوجب اجتماعه مع الملاك المعيّن تعدد الحكم الشرعي وان كان يوجب تأكّده كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا في بيان تصوير الشك في الحكم الشرعي فاعلم :

ص: 368

انّ المراد من كون موضوع الاستصحاب عرفيا - لا [ دقّيا ] (1) - ليس هو موضوع الدليل كي يجاب بعدم الاهمال في الدليل العقلي كي يكون للرجوع إلى العرف مجال ، بل هو موضوع قوله : « لا ينقض ». والمراد من كونه عرفيا أن يكون رفع اليد عن ترتيب أثره المتيقن سابقا في زمان اللاحق نقضا لليقين بالشك عرفا والمضي على طبق الحالة السابقة بترتيب الآثار السابقة عليه ابقاء لها كذلك ، لا اثباتها لها حادثا في موضوع حادث كما في ترتيب أثر العنب على التمر مثلا.

ومن المعلوم انّ موضوع صدق البقاء والنقض بالمسامحة العرفية يكون أعم من موضوع الدليل ولو كان نقليا كما في ترتيب أثر العنب - وهو الحرمة على تقدير الغليان - على الزبيب فانّه يصدق عليه البقاء وعلى عدمه النقض عرفا وان لم يكن بالنسبة إلى موضوع الدليل وهو عنوان العنب كذلك ، لارتفاعه في حال الزبيبية فلا يصدق عليه البقاء بل يصدق عليه بهذا الاعتبار حدوث الحكم في موضوع حادث.

فإذا عرفت عدم الاعتبار بموضوع الدليل ، بل [ كان ] المدار على صدق البقاء والنقض عرفا بملاحظة كون خطاب « لا تنقض » عرفيا ملقى إليهم بحسب نظرهم المسامحي لا [ الدقّي ] (2) فلا فرق في الحكم الشرعي بين كونه مستفادا من الدليل النقلي أو العقلي.

فما ذكر في وجه الفرق بينهما كما في الفرائد : (3) من كون الموضوع في الحكم الشرعي هو المناط في الحكم العقلي في الحكم المستكشف بالدليل العقلي دون المستكشف بالدليل النقلي على تقدير تسليمه ؛ إنّما هو بناء على اعتبار

ص: 369


1- في الاصل المخطوط ( دقيقيا ).
2- في الاصل المخطوط ( الدقيقي ).
3- فرائد الاصول 3 : 38.

موضوع دليل الحكم المتيقن في السابق لا دليل نفس الاستصحاب كما عرفت ، وسيجيء تحقيق ذلك في التنبيه المتعلق باشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب ان شاء اللّه.

الأمر الثالث : انّ الاستصحاب كما عرفت متقوم باليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فلا بد حين اجرائه من احراز وجود المستصحب سابقا وان لم يحرز قبل ذلك ، فلو لم يحرز ذلك حينه بل كان محرزا سابقا ومشكوكا بالشك الساري حين اجرائه فلا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه. نعم على تقدير شمول الأخبار لمثل ذلك - كما نشير إليه - كان ذلك قاعدة اخرى يعبّر عنها بقاعدة اليقين ولا ربط لها بالاستصحاب.

ثم انّه لا بدّ من كون الشك المتقوم به الاستصحاب فعليا لا تعليقيا على تقدير الالتفات إلى الحكم ، حيث انّ المستند :

لو كان هو الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك فلا شبهة في ظهورها في بيان الوظيفة للشاك الفعلي الأعم من الشك بمعنى تساوي الطرفين حتى مثل قوله : « لا تنقض اليقين إلاّ باليقين » (1) حيث انّه عبارة عن النهي عن نقض اليقين بمقابله ظنا كان أو شكا أو وهما وكل منها لا يتأتّى إلاّ بالالتفات إليه ، هذا ، مع إشعار لفظ « النقض » عليه كما لا يخفى.

وان كان الاستصحاب من باب الظن ولو نوعيا فهو لا يحصل ولا يستند اليه في مقام العمل إلاّ مع الالتفات إليه أيضا.

وان كان من باب بناء العقلاء فبناؤهم على العمل على طبق الحالة السابقة

ص: 370


1- الموجود في المصادر : « وانما تنقضه بيقين آخر » أو « ولكن ينقضه بيقين آخر ». وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1 ؛ تهذيب الاحكام 1 : 8 باب الاحداث الموجبة للطهارة ، الحديث 1.

- اعتمادا على الوجود السابق - إنّما هو مع الالتفات إليه والشك فيه وإلاّ فمع الغفلة فلا استناد أصلا ، هذا ؛ مع وضوح انّ بناءهم في حال الغفلة عن الطريق وموضوعه إنّما هو بمعاملة مع الواقع كأن لم يكن في البين طريق أبدا.

ثم انّه هل المعتبر في جريان حكم الاستصحاب الالتفات إلى هذا الحكم الاستصحابي أيضا وانّ المجعول في حقه هو هذا أم لا؟

التحقيق ان يقال : انّ كل حكم كان نفسيا وكان جعله لمصلحة في متعلقه سواء كان واقعيا أوليا أو ثانويا كالأحكام العذرية والاضطرارية وبعض الاصول العملية فتكون المراتب فيه أربع : الاقتضائي ، والانشائي ، والفعلي ، والتنجز ، ولا يتوقف كل منها حتى الفعلية [ على ] (1) العلم ؛ ويترتب عليها آثارها من الإجزاء على تقدير المطابقة ، والقضاء على تقدير عدمها ، والتنجز على تقدير العلم بها إلاّ مرتبة التنجز وهي كون الحكم بنحو بحيث يصح المؤاخذة عليه فعلا ولا عذر في مخالفته ، فانّ هذه المرتبة لا تحصل إلاّ بالعلم بالمرتبة الفعلية.

وامّا ان لم يكن الحكم كذلك ، بل كان طريقيا ولم يكن جعله لمصلحة في متعلقه بل لكونه حجة وموجبا لصحة المؤاخذة على مخالفة الواقع على تقدير الاصابة وعذرا عنه على تقدير الخطأ وغير ذلك من الآثار وعلى أي حال ما روعي فيه إلاّ التوصل بمصلحة الواقع ، فالتحقيق :

انّ فعلية مثل هذا الحكم كتنجّزه لا يكون إلاّ بالعلم وان صار من ناحية المولى تماما ولم يكن له حالة منتظرة إلاّ أنّه ما لم يحصل العلم بانشائه من قبله لا يمكن عقلا ان يكون حقيقيا فعليا ، لأنّ تحقق حقيقة كل شيء بمرتبة فعليته وفعليته بترتب الآثار المرغوبة من تلك الحقيقة عليه ، والمرغوبة منها في الحجة والحكم

ص: 371


1- في الاصل المخطوط ( الى ).

الطريقي كونهما مصححا للمؤاخذة على مخالفة الواقع وعذرا عنه وبدون العلم بجعلهما لا تترتب تلك الآثار عليهما عقلا كما لا يخفى ، فلا يكاد أن يصير المجعول حجة انشاء حجة حقيقية إلاّ بالعلم به عقلا وبدونه يكون انشائيا صرفا فلا يترتب عليه الاثر المرغوب منه. نعم يترتب عليه الأثر الانشائي وهو صيرورته فعليا على تقدير العلم دون ما لم يكن انشاء أصلا.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم : انّ الاستصحاب على القول بحجيته من باب الظن وبناء العقلاء أو من الأخبار على تقدير استظهار الطريقية منها فمثل الأحكام الطريقية في انّ فعليته تتوقف على العلم به. وان كان حجة من باب التعبد لمصلحة نفسية مقتضية للإجزاء - كما هو الظاهر من بعض الأخبار الأخر - يكون كالأحكام الواقعية في عدم توقف فعليتها على العلم بها وان لم يكن في عرضها بل عند الجهل بها كما لا يخفى.

وعلى أي حال فلا بدّ في تحقق موضوعه من الشك الفعلي ببقاء المستصحب وبدونه لا يكاد يتحقق استصحاب أبدا وان فرض الشك فيه على تقدير الالتفات إليه.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم : انّ من صلى غافلا عن الطهارة فشك بعد الصلاة في الطهارة حالها ، فلا يخلو :

امّا أن يكون مسبوقا باليقين بالحدث.

أو باليقين بالطهارة.

أو غير مسبوق باليقين بواحد منهما.

وعلى الأول ، فان لم يكن مسبوقا بالشك بعد اليقين بالحدث أصلا فلا استصحاب له قبل الصلاة حال الغفلة. نعم يجري في حقه بعدها فيحكم بمقتضاه بالاعادة لو لا تقديم قاعدة الفراغ في حقه تحكيما لها على الاستصحاب بناء على

ص: 372

كونها من الأمارات دونه. وان كان مسبوقا بالشك قبل الغفلة بعد اليقين بالحدث فيحكم عليه بالحدث حال الشك ولو في آن ويكون مقتضاه بطلان العبادة المشروطة بالطهارة ، لأنّ الحدث بعد ما حدث لا يحكم بارتفاعه أبدا إلاّ باليقين برافعه.

نعم ان احتمل في حقه ايجاد الطهارة في حال الغفلة بعد الشك المذكور فتجري في حقه قاعدة الفراغ ، لأنّ الاستصحاب الجاري في حقّه إنّما هو بالنسبة إلى احتمال وجود الطهارة إلى حين الشك وامّا بالنسبة إلى احتمال وجودها بعده في حال الغفلة فلا فيكون بالنسبة إليه غافلا غير مسبوق بالشك أصلا فيحكم عليه بالقاعدة.

وعلى الثاني ، فيحكم عليه بصحة الصلاة مطلقا ، غاية الأمر فيما كان مسبوقا بالشك فمن جهة احراز الطهارة بالاستصحاب وفيما لم يكن مسبوقا به فمن جهة قاعدة الفراغ.

وعلى الثالث ، فالحكم هو الصحة لأجل القاعدة فيما لم يسبق بالشك ، والبطلان من جهة عدم احرازها فيما كان مسبوقا به ولا تجري في حقه القاعدة في هذه الصورة لاشتراطها بعدم السبق بالشك قبل الصلاة كما سيجيء ان شاء اللّه.

الأمر الرابع : انّه لا فرق في النزاع وجريان الخلاف في حجية الاستصحاب بين كون المستصحب وجوديا أو عدميا ، وأمرا خارجيا أو حكما شرعيا ، جزئيا أو كليا ، تكليفيا أو وضعيا.

وما يظهر : من خروج العدميات من محل الخلاف قياسا بالاصول العدمية في مباحث الألفاظ من أصالة عدم القرينة وعدم الاشتراك ونحوهما من الاصول ، ففيه :

انّ الاصول في مباحث الألفاظ ولو كانت وجودية كانت محل الوفاق ،

ص: 373

فالوفاق فيها لا يدل على خروج العدميات عن محل الخلاف كما في الوجوديات.

ولا فرق أيضا بناء على القول بحجية الاستصحاب في كل مستصحب بين كون الدليل عليه في الآن السابق هو النقل ، أو العقل ، أو الاجماع ، لوجود مناط الجريان فيها بلا تفاوت وهو الشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكد يمكن دلالة العقل والاجماع في حال الشك ولا بدّ من عدم الدلالة وإلاّ لم يحتج إلى الاستصحاب في الحكم بالبقاء.

وامّا التقسيم من جهة الشك ، فما ذكر من تقسيمه باعتباره :

تارة : إلى انّ منشأه قد يكون اشتباه الامور الخارجية مثل الشك في حدوث البول وكون الحادث بولا أو وذيا ، ويسمى بالشبهة في الموضوع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا أو موضوعا خارجيا ؛ وقد يكون اجمال النص مثلا كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره ، وتسمى الشبهة حكمية.

واخرى : إلى انّ الشك في بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضي ، وقد يكون من جهة الشك في الرافع بأقسامه : من الشك في وجوده ، والشك في رافعية الموجود مستقلا غير الرافع المعلوم ، أو مرددا بين كون شيء رافعا وغيره من جهة تردد المستصحب بين أمرين كما فيما لا يعلم مثلا أن الاشتغال بصلاة الظهر او بالجمعة ، او مرددا بين كونه مصداقا للرافع المبيّن المفهوم أو مصداقا للرافع المجهول المفهوم.

فلا يخفى انّ هذين التقسيمين حقيقة راجعان إلى تقسيم المستصحب من انّه :

يكون حكما جزئيا وموضوعا خارجيا تارة.

وحكما كليا اخرى.

ص: 374

وقابلا للبقاء لو لا الرافع ثالثة.

أو مشكوك البقاء كذلك رابعا.

فليس ينقسم للشك كما في الفرائد. (1) نعم جعله بالمعنى الأعم من كونه مقابلا لليقين من كونه مساوي الطرفين تارة ، أو رجحان البقاء ، أو رجحان الارتفاع يكون تقسيما له بنفسه ؛ والظاهر انّ كلا منها محلّ النقض والابرام والنفي والاثبات.

الأمر الخامس : انّ عدد الأقوال في حجية الاستصحاب :

مطلقا.

وعدمها كذلك.

والتفصيل بين الوجودي والعدمي.

وبين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعي مطلقا بالانكار في الأول.

أو بين الحكم الشرعي الكلي وغيره مطلقا بالانكار في الأول.

أو التفصيل بين الحكم الوضعي وغيره بالانكار في الثاني.

أو التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع بالانكار في الأول.

إلى غير ذلك من التفصيل ، يتجاوز عن أحد عشر قولا بكثير كما ذكره شيخنا العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه.

إلاّ انّ تعدادها ليس بمهم ، وحيث انّ الأقوى الأول فالحريّ صرف العنان إلى ذكر الدليل لحجيته من انّه : بناء العقلاء ، أو الظن ، أو الأخبار.

وحيث انّ بناء العقلاء على العمل في حال الشك على طبق الحالة السابقة بمجرد الكون السابق بلا اعتماد على أمر آخر من قاعدة المقتضي والمانع وغيره

ص: 375


1- فرائد الاصول 3 : 43 و 46.
2- فرائد الاصول 3 : 50 - 51.

مما ينطبق على الاستصحاب موردا ومصداقا ، غير محرز ، والاعتماد على الظن غير مسلّم صغرى وكبرى ، فالمعتمد عليه هو التعبد.

ولكنه ليس بحاصل من جهة الاجماع أو استقراء الأحكام الشرعية كما في القراءة لكون الاتفاق غير حاصل أولا ، ووضوح المدارك واختلافها الموجب لعدم استكشاف دليل تعبدي ثانيا. وامّا الاستقراء فعلى تقدير تسليم حكم الشارع على طبق الحالة السابقة فلا يحرز انّه من جهة مجرد الكون السابق لا من جهة قاعدة المقتضي أو قاعدة اخرى مثلا ، ولا من جهة دخل خصوصية المورد كما لا يخفى.

فما يمكن أن يعتمد عليه هو الأخبار المستفيضة ، فلا بدّ من ذكرها ومقدار دلالتها.

منها : مضمرة زرارة ؛ واضمارها - لكونه من أجلّ الأصحاب - كالاظهار ، قال : « قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء قلت فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال لا حتى يستيقن انّه قد نام حتى يجيء من ذلك بأمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر » الحديث. (1)

ولا يخفى انّ قوله : « الرجل ينام » إنّما هو سؤال عن حكم الخفقة والخفقتين من انّهما هل تكونان من النواقض :

أمّا في ضمن النوم؟ بناء على كونهما مصداقا له عرفا بعد العلم بكونه ناقضا في الجملة مع الشك في كونه كذلك بجميع مراتبه أو بمرتبة واحدة وهو نوم جميع الأعضاء ، ويكون استعمال قوله : « ينام » في نوم العين وحده حقيقيا حينئذ.

أو على حدة؟ بناء على عدم دخولهما تحته مفهوما ولكن مع الشك في

ص: 376


1- وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1.

كونه ناقضا مستقلا مثل النوم أم لا ، أو مرددا بين الوجهين ، بناء على عدم العلم بخروجهما منه.

ولا يخفى انّ استعمال قوله : « ينام » - على تقدير علمه بخروج الخفقة عن النوم مفهوما - يكون مجازا بالمشارفة كاستعماله علیه السلام في الجواب في نوم العين وحده بقوله علیه السلام : « يا زرارة تنام العين الخ » ، وان كان يمكن الفرق بكون استعماله علیه السلام على نحو الحقيقة لتعلق النوم في كلامه علیه السلام ب- « العين » ونوم العضو حقيقة هو خروجه عن الحس دون استعمال زرارة لتعلقه في كلامه ب- « الرجل » والنوم المستند إليه لا يكاد يحصل إلاّ بعدم احساس جميع قواه لا خصوص العين وحدها كما لا يخفى.

وعلى أي حال ، فقول زرارة : « وهو على وضوء » حال عن قوله : « ينام » ولا بأس به بناء على قصد الاشراف على النوم وإرادته منه ، لحصول اتحاد الزمان المعتبر بين الحال والعامل. نعم بناء على إرادة معناه الحقيقي فيشكل ، لكون زمانه حال الشك في الوضوء ، لا ليقين به ، إلاّ أن يكتفى بالمقارنة العرفية كما لا يخفى.

ثم انّ السؤال في هذه الفقرة إنّما هو عن الشبهة الحكمية لا الموضوعية كما يتضح ذلك من جواب الإمام علیه السلام .

ثم قوله علیه السلام : « قد تنام العين » يحتمل أن يكون استعماله في خصوص نوم العين حقيقيا ، وان يكون مجازيا.

وقول زرارة : « قلت : فان حرّك الخ » سؤال عن الشبهة الموضوعية ، فانه لمّا علم بانحصار الناقض في نوم القلب والاذن كأن يحصل من عدم احساس حركة شيء في الجنب للظن بتحقق ذاك النوم لكونه أمارة ظنّية له فاشتبه عليه ذلك وسأل عن تحقق مصداق الناقض وعدمه ، لا عن كون هذه المرتبة ناقضة أم لا بعد الفراغ عن كونه من مراتب نوم القلب ومصاديقه كي تكون الشبهة حكمية ، وإلاّ

ص: 377

لكان على الإمام علیه السلام إزالة الشبهة ببيان الواقع لا بيان حكم الشبهة بعنوان الاشتباه.

ثم انّ قوله علیه السلام : « من وضوئه » في قوله : « وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه » يحتمل أن يكون متعلقا باليقين كي يكون موجبا لتخصيصه وان يكون متعلقا بفعل عام مقدر جعل خبرا لكلمة « انّ » فيكون اليقين مجردا عن الخصوصية ، والفرق بينهما تعرفه [ عن قريب ] (1) ان شاء اللّه ؛ ومحل الاستشهاد قوله علیه السلام : « ولا تنقض اليقين أبدا بالشك » ووجه دلالته على الاستصحاب على نحو الاطلاق يتوقف على أمرين :

أحدهما : اثبات عدم وروده في مقام بيان قاعدة المقتضي والمانع.

وثانيهما : إثبات عدم كون اليقين في كلامه خصوص اليقين بالوضوء ، بل كان المراد اليقين بشيء مطلقا.

امّا الأول : فيتوقف على بيان الفرق بين تلك القاعدة والاستصحاب ، وهو من وجهين :

الأول : اختلاف متعلق اليقين والشك بأن يتعلق الأول بالمقتضي ( بالكسر ) والثاني بالمانع عن التأثير في القاعدة. ووحدة متعلقهما : بأن يتعلق اليقين بثبوت المقتضى ( بالفتح ) والشك في بقاء ذاك المتيقن وان كان منشؤه الشك في الرافع في الاستصحاب.

الثاني : انّ المناط في الحكم الاستصحابي هو مجرد الثبوت والتحقق سابقا ، فلا بدّ أن يكون موضوع حكمه هو البقاء والمضي على طبق الحالة السابقة ؛ والمناط في القاعدة هو اليقين بالمقتضي للتأثير في حال الشك في المانع ، ولا

ص: 378


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

يكتفى فيه باليقين بثبوته سابقا ، كما لا اعتبار فيها بتحقق الأثر خارجا بل المدار في الحكم بترتب الأثر نفس تحقق المقتضي مع عدم الاعتناء بالمانع وامّا وجود الأثر سابقا لو كان فلا دخل له في الحكم كما لو كان الشك في المانع المقارن لوجود المقتضي ابتداء.

فمن هنا ظهر : انّ النسبة بين القاعدة والاستصحاب - بحسب المورد - عموم من وجه لاجتماعهما في مورد الشك في المانع اللاحق كافتراقهما في الشك في المقتضي والشك في المانع المقارن.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ قوله علیه السلام : « لا تنقض اليقين بالشك » لمّا سيق على نحو الكبرى بنحو الاستدلال عليه للحكم يظهر منه انّ له ظهور عرفي مسلّم يلقى إليه بنحو التسلّم ، هذا. مضافا إلى تكرر القضية وانطباقها في الروايات العديدة على الصغريات المختلفة مع كون المخاطب شخصا واحدا ، فانّه مع ذلك يستكشف انّ للقضية ظهور وحداني في معنى واحد ينطبق على الصغريات العديدة بذاك الاعتبار لا انّ في كل مورد لها ظهور على حدة تابع للصغرى فيه ، ومن المعلوم انّ معنى القضية عرفا عند الاطلاق - خصوصا بضميمة مقدمات الحكمة - هو وحدة المتعلق في الشك واليقين وهو المناسب [ لارتكاز العقلاء ] (1) حيث انّ المرتكز عندهم هو انّ ما ثبت يدوم.

ولا ينافي ذلك مع ما قلنا من انكار كون الاستصحاب من باب بناء العقلاء لأنّ المساعدة على ارتكاز البقاء - والميل إليه الموجب لانصراف ذهنه من اللفظ إليه - غير العمل عليه بدون دليل من الشرع عليه ، هذا.

مع ما في لفظ « النقض » - لأجل دلالته على الابرام في المنقوض غير

ص: 379


1- في الاصل المخطوط ( للارتكاز العقلائية ).

الحاصل إلاّ من لحاظ تحقق الوجود فيه - من الإشعار على الاستصحاب دون القاعدة لما عرفت من لحاظ بقاء الوجود المتحقّق فيه دونها لكون المناط فيها هو الحكم بالبناء على الوجود في حال الشك مع قطع النظر عن الوجود السابق ، ولو كان هذا كله مع قطع النظر عن الصغرى.

وامّا بملاحظتها فيمكن أن يكون مفادها ذلك أيضا لأنّ قوله علیه السلام : « فانّه على يقين من وضوئه » محتاج إلى الشك ، لعدم تمامية الصغرى بدونه ولا يخفى انّ اطلاق قضية الصغرى - ولو (1) بضميمة كون الاهتمام في السؤال كما يظهر من قوله : « أيوجب الخفقة الخ » الشك في بقاء الطهارة من جهة اشتراط الصلاة بها - ظاهر في الشك في نفس الطهارة المتيقنة وإنّما ذكر الشك في النوم بيانا لمنشا الشك. ويؤيده ظهور قوله علیه السلام في الصحيحة الآتية : « لأنك كنت على يقين من الطهارة فشككت فيها » (2) كما انّ الوضوء في قوله : « الرجل ينام وهو على وضوء » هو الطهارة لا نفس العمل الخارجي المقتضي لها كما لا يخفى.

والحاصل : انّ الصغرى أيضا كانت ظاهرة في الوحدة المعتبرة في الاستصحاب ؛ وعلى تقدير الاحتمال فظهور الكبرى فيها بحالها.

ويؤيده قوله : « ولكن ينقضه بيقين آخر » حيث انّ الظاهر من لفظ « آخر » تعلق اليقين الناقض بعين ما تعلق به اليقين الأول فيستظهر منه انّ المحكوم بعدم كونه ناقضا هو الشك بين اليقينين المتعلق بمتعلقهما لا بغيره.

إذا عرفت عدم دلالة الصحيحة على قاعدة المقتضي ، فالظاهر عدم اختصاصها بخصوص باب الوضوء صغرى وكبرى.

امّا الكبرى : فلوجوه :

ص: 380


1- جملة معترضة طويلة.
2- وسائل الشيعة 2 : 1061 الباب 41 من ابواب النجاسات ، الحديث 1.

الأول : فلظهور الألف واللام في نفسه في إرادة الجنس من مدخوله.

الثاني : ظهور القضية المجعولة كبرى مطلقا في الكلية.

الثالث : ظهورها في خصوص المقام من جهة تكرّرها وانطباقها على الصغريات المختلفة في المعنى الوحداني العرفي كما عرفت ؛ ومن المعلوم انّ معناها بلا ملاحظة السابق هو طبيعة اليقين والشك.

الرابع : ظهورها من جهة المناسبة العرفية بين الحكم وموضوعه في كون المحكوم بعدم نقضه لليقين هو الشك بلا خصوصية فيه الناشئة من متعلقه ؛ وكذا في اليقين المحكوم بعدم كونه منقوضا ، لكون اليقين كما سيجيء امرا مبرما اعتبارا والشك انفساخا لذاك الأمر المبرم فلا يكون قابلا لنقضه له ، كان متعلقهما هو الطهارة أو غيرها.

الخامس : ارتكاز ذلك الحكم بالنسبة إليهما بنحو الاجمال في المنشأ وقد عرفت انّ المناسبة والارتكاز لا يعتنى بهما بنفسهما في تعيين الحكم الشرعي وان كانا موجبين لانسباق الذهن إلى المعنى المرتكز من اطلاق اللفظ ، وهو المناط في الظهور.

السادس : انّه لو لا ما ذكرنا من إرادة الجنس من اليقين والشك بل كانا للعهد لزم عدم الفائدة في الكبرى ، لأنّ المراد منها حينئذ : لا تنقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ، وهو عبارة اخرى عن عدم وجوب الوضوء ، وهو مفاد الجزاء المقدر القائم مقامه العلة وهي قوله علیه السلام : « فانّه على يقين الخ » هذا. مضافا إلى لزوم تكرار لفظ « اليقين » حينئذ في الكبرى كما لا يخفى.

وامّا احتمال كون الجزاء حقيقة هو قوله علیه السلام : « لا تنقض اليقين » وإنّما كان قوله : « فانّه الخ » توطئة له ، المانع عن الكلية ، ففيه :

انّه خلاف ظاهر الجملة الاسمية في الخبرية ؛ وامّا قيام العلة مقام الجزاء

ص: 381

فمتعارف.

[ و ] امّا الصغرى : فلوجوه أيضا :

الأول : انّ الظرف في قوله : « هو من وضوئه » (1) متعلق بالمقدر العام وهو الخبر لا ب- « اليقين » ، فيكون الحاصل : وهو من طرف وضوئه على يقين ، فيكون اليقين المذكور والشك المقدر عاما.

الثاني : انّه على فرض تسليم تعلق الظرف باليقين فالظاهر الغاؤه عن القيدية وكونه لمجرد ذكر المورد أو لأجل الاشارة إلى انّ اليقين من الصفات ذات الاضافة لا يتحقق إلاّ مع تعلقه بشيء ما ويكون هذا الظهور ناشئا من تعدد الروايات المشتملة على هذه الكبرى مع انطباقها على الصغريات العديدة المشعر بعدم دخل خصوصيات المورد في الحكم وانّ ذكرها من جهة بيان المورد.

الثالث : انّ الغاء خصوصية الظرف هو مقتضى المناسبة والارتكاز المذكورين.

ولا يخفى انّه بناء على هذه الوجوه المحتملة في الصغرى يتمّ الاستدلال ولو مع كون اللام في الكبرى للعهد ، وعلى فرض الاجمال في الصغرى يكون نفس ظهور الكبرى في الاطلاق والجنسية باقيا بحاله ؛ مع انّه يستظهر ذلك أيضا من قوله : « بيقين آخر » ، حيث انّ الظاهر منه انّ الناقض مجرد اليقين بلا دخل للمورد فيه فيكون مشعرا بأنّ المحكوم بعدم نقضه لليقين هو مجرد الشك بلا دخل للخصوصية فيه أصلا ؛ مع انّ كل هذه الوجوه مجرد بيان مناط الظهور ، وإلاّ فلا شبهة في ظهور الصحيحة في نفسها في كلّية الحكم ولكنه مع ظهور قوله : « فانّه على يقين الخ » في كونه علة للجزاء المقدر بأن يكون المراد : فان لم يستيقن انّه نام فلا

ص: 382


1- الرواية هكذا : « فانه على يقين من وضوئه » ؛ وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1.

يجب عليه الوضوء فانّه الخ ، وامّا بناء على احتمال كون الجزاء مستفادا من قوله : « لا ينقض اليقين الخ » وكان قوله : « فانّه الخ » انشاء للحكم وتوطئة له فلا ظهور للرواية في الاطلاق كما لا يخفى ، ولكنه خلاف الظاهر.

ثم انّك بعد ما عرفت من استكشاف الكلية من الرواية وانّها لا تدلّ على قاعدة المقتضي والمانع فيقع الكلام في استكشاف قاعدة اليقين في الشك الساري وحده أو مع الاستصحاب أو الاستصحاب وحده فاعلم : انّه لا شبهة في إرادة الاستصحاب يقينا من جهة المورد وظهور قوله علیه السلام : « فانّه على يقين من وضوئه » في اليقين الفعلي اللازم للاستصحاب كما لا يخفى ؛ وامّا إرادته وحده أو مع القاعدة فسيجيء بيانه ان شاء اللّه.

ثم انّه كما تدل الرواية على حجية الاستصحاب مطلقا : وجوديا كان المستصحب أو عدميا ، كان من الأحكام الشرعية وضعية أو تكليفية كلية أو جزئية ، أو كان من الامور الخارجية الموضوعات للآثار الشرعية ، فهل تدل على حجيته في الشك في المقتضي والرافع كما هو المختار؟ أو يختص بخصوص الشك في الرافع كما اختاره شيخنا المرتضى العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه؟

وحاصل ما استند اليه يتوقف على امرين :

أحدهما : بحسب المادة ، وهو انّه لمّا كان النقض بحسب اللغة قطع الهيئة الاتصالية في الامور المحسوسة - وهو غير مراد جزما - فيدور الأمر : بين ان يراد منه رفع الأمر الثابت فيما كان له مقتضي الثبوت والاستمرار ولو في الامور المعنوية ، وبين أن يراد منه مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضي له ؛ ومن المعلوم انّ الأول لمّا كان أقرب إلى المعنى الحقيقي لمشابهته له في الاستمرار

ص: 383


1- فرائد الاصول 3 : 78 و 82.

والاتصال فهو المتعين عند الاطلاق ، بضميمة مقدمات الحكمة.

وتوهّم : معارضته بعموم اليقين والشك بالنسبة إلى الشك في المقتضي أيضا ، مدفوع :

بأظهرية الفعل عن المتعلق ، فيكون مخصصا له بالنسبة إلى الشك في الرافع كما يخصّص بظهور الضرب في مثل « لا تضرب أحدا » عموم متعلقه بالنسبة إلى خصوص الاحياء.

وثانيهما : بحسب الهيئة ، وهو انّه لمّا كان ظاهرها في مثل النهي ونحوه هو الطلب وهو لا يتعلق إلاّ بالامور الاختيارية ، ومن المعلوم انّ نقض نفس اليقين لما لم يكن اختياريا فلا بدّ أن يراد منه المتيقن الذي كان مستمرا اقتضاء أو آثاره الثابتة له كذلك بحيث كان البناء عليها ابقاء لها ورفع اليد عنها نقضا لها ، حيث انّه المقدور في المقام دون غيره.

فحصل مما ذكرنا : انّ الظاهر من الرواية بملاحظة ظهور المادة والهيئة معا هو حجية الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع.

ولكن التحقيق ، كما اختاره الاستاذ العلاّمة (1) دام ظله : عموم الرواية بالنسبة إلى الشك في المقتضي والرافع مطلقا ، وعدم صحة ما استند إليه شيخنا العلاّمة قدس سره (2) من التمسك لمرامه من ظهور المادة والهيئة ، فلا بدّ من بيان الخلل فيما ذكره قدس سره ثم استظهار المختار ؛ ويتوقف ذلك على ثلاث مقدمات :

الاولى : انّ « النقض » لغة كما في القاموس (3) وغيره هو « ضد الابرام » ويطلق في الامور المحسوسة على فكّ التركيب وانحلاله ، ولازمه كون المنقوض ذا اجزاء

ص: 384


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 318 ، والطبعة الحجرية : 189 قوله : « اذا عرفت ما تلونا عليك ».
2- فرائد الاصول 3 : 78.
3- القاموس المحيط 2 : 510.

مبرمة ولو كان ابرامه واستحكامه لأجل اتصال اجزائه بعضها إلى بعض وفتلها كما في قوله تعالى : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها ) . (1) ومنه ظهر : عدم اعتبار الهيئة الاتصالية في معناه بل المعتبر هو الاستحكام الحاصل من قبل اجزاء الشيء ، ونقض ذاك الشيء عبارة عن : تفاسخ اجزائه ، ثم يستعار في الامور غير المحسوسة لما كان له تشدد واستحكام واتقان اعتبارا ، فيكون حلّ ذاك الشيء وانحلاله نقضا له كما في قوله تعالى : ( يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ ) (2) حيث انّ العهد له تشدد اعتبارا بحيث يكون فسخه وحلّه نقضا له ؛ وكاليقين في المقام حيث انّه لمّا كان من الاعتقاد الجازم فكان له نحو تشدد وابرام ويكون انحلاله بالشك العارض بعده انتقاضا له.

الثانية : انّ الهيئة فيما نحن فيه الظاهرة في طلب النهي عن النقض سواء تعلقت بالمتيقن أو بنفس اليقين لم يكن اختياريا للمكلف.

امّا على الأول : فلوضوح انّ المستصحب المتيقن : لو كان من الموضوعات الخارجية فيدور بقاؤها وانتقاضها مدار واقعها ، وليس كل منهما بيد المكلف واختياره ؛ ولو كان من الأحكام الشرعية فيدور مدار جعل الشارع واقعا ، وليس بيد المكلف أيضا اختياره.

وامّا على الثاني : فلأنّ اليقين في قاعدة اليقين كان منتقضا من دون اختيار المكلف ، وفي الاستصحاب كان اليقين الأول المتعلق بالحدوث باقيا بحاله وغير منتقض أصلا من دون اختيار من المكلف فيه أيضا.

فحينئذ ظهر مما ذكرنا : انّ النقض سواء تعلق بالمتيقن أو باليقين لم يكن اختياريا للمكلف ، ولا بدّ في تعلقه بكل واحد منهما من ارادة عدم النقض تعبدا ، فيرجع إلى انشاء من الشارع آثارا شرعية في حال الشك كانت مماثلة للآثار التي

ص: 385


1- سورة النحل : 92.
2- سورة البقرة : 27.

كانت في حال اليقين سواء كانت تلك الآثار للمتيقن فيما كان من الموضوعات أو كانت نفسه فيما كان من الأحكام.

الثالثة : انّ اليقين لمّا كان له جهتان : نفسية ، ومرآتية ، فيصح : أن يطلق تارة ويراد به نفسه بما هو ، ويطلق اخرى ويراد به معناه بما هو مرآة المتيقن ومرائيا له ويجعل كناية عنه ويكون المهمّ ترتيب آثار المتيقن بنحو الكناية وما دام إليها سبيل ، فلا داعي إلى المجاز فيما كان المراد منه آثار المتيقن عملا بأصالة الحقيقة والطريق الأبلغ في باب كشف المقاصد بنحو الكنايات.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ جعل صحة النقض إلى المتيقن باعتبار ما جعل كناية عنه وقالبا مرآتيا له وهو اليقين بلحاظ اشتماله على نحو من التشدد والتأكد لمعناه اللغوي وهو « الابرام » أولى مما ذكره قدس سره من جعل متعلقه أمرا مستمرا باعتبار المقتضي ، لما عرفت من معناه اللغوي ومناسبته لما ذكرنا لا لما ذكره قدس سره ، ولذلك لا يصح استعماله في رفع الحجر من مكانه ولو فيما كان له مقتضي الثبوت والبقاء فيه ؛ ومن المعلوم عدم التفاوت فيما ذكرنا من صحة الاستناد باعتبار لفظ « اليقين » بين إسناده إلى ما كان الشك فيه في الرافع كما يقال : لا تنقض اليقين بالوضوء بالشك في المزيل ، وبين إسناده إلى ما كان الشك فيه في المقتضي كما يقال : لا تنقض اليقين بالتيمم بالشك في وجدان الماء فلا وجه بناء عليه من رفع اليد عن ظهور اليقين والشك في الرواية في العموم ، حيث انّ المتيقن في كل منهما أمر مبرم باعتبار تعلق اليقين به ويكون الشك فيه فسخا وانحلالا له فيصح أن يقال : لا تنقض اليقين بالشك ، فلا وجه لاختصاصه بالشك في الرافع مع اشتراك الشك في المقتضي معه في مناط صحة الاسناد بلحاظ اليقين وعدم كفاية ثبوت المقتضي في الشك في الرافع فيها ، لما عرفت من معناه اللغوي.

لا يقال : إذا جعل اليقين كناية ومرآة للمتيقن وفانيا أي غير ملتفت إليه

ص: 386

فكيف يلحظ نفسيا حتى يصح اسناد النقض من جهته؟ وإلاّ يلزم اجتماع اللحاظين فيه في استعمال واحد.

لأنّ المدار في المناسبة في المعاني الكنائية لحاظها في التصوّر السابق على الاستعمال ، حيث انّه يلحظ المهم في مقام الافادة قبل الاستعمال مع ما يجعل كناية عنه اشارة اليه مع ما له من المناسبات لو كان هو المقصود ، فيلقى المهم إلى المخاطب بهذا الطريق بنحو الكناية ولو كان المتكلّم حين الاستعمال غير ملتفت إلى الجهة النفسية للمعنى الفاني كما هو المعمول في بعض المناسبات اللفظية أيضا.

فان قلت : على تقدير تسليم ما ذكرت من صحة اسناد النقض إلى المتيقن بلحاظ ابرامه بسبب تعلق اليقين به لا لأجل احراز اقتضاء المقتضي فيه الاستمرار فلا يجدي فيما هو المهم من استكشاف الحجية مطلقا ، لأنّ النقض كما ذكرت ليس باختياري مطلقا فلا أقل في صحة اسناده إلى المتيقن من ثبوت الانتقاض حتى لا يكون استعماله بلا مناسبة ؛ ومن المعلوم انّه على تقدير وحدة متعلق اليقين والشك يثبت الانتقاض كما في قاعدة اليقين دون ما لم يكن كذلك كما في الاستصحاب لكون اليقين بالحدوث والشك في البقاء فلا بدّ في صحة استعماله فيه من الوحدة ؛ ومن المعلوم انّه لو كان المقتضي محرزا وكان الشك في الرافع يكون استمرار المستصحب من أول الأمر متيقنا اعتبارا لكون اليقين باستمرار المقتضي يقينا باستمراره في الجملة فإذا تعلق الشك بالبقاء فانتقض اليقين به لوحدة المتعلق دون ما إذا كان الشك في المقتضي فانّ وحدة المتعلق فيه غير متحققة أبدا ولو اعتبارا ، لعدم اليقين باستمراره مطلقا كذلك.

قلت : ما ذكرت غاية تقريب دلالة الرواية على خصوص الشك في الرافع مع تصحيح الاسناد بتحقق الانتقاض ؛ إلاّ أنّه يبتني على ملاحظة كون اليقين بالمقتضي للشيء يقينا به أولا ، وملاحظة حالة البقاء له ممتازا عنه ثانيا ، كي يتحقق اليقين

ص: 387

بالبقاء مع تعلق الشك به فيتحقق الانتقاض بهذا الاعتبار ، وكلا اللحاظين محتاجان إلى [ التأمل ] (1) الخارج عن طريقة المحاورة المبتنية على ما هو المتبادر في أذهان العوام ابتداء بلا تكلف أصلا ، فيدور الأمر بين تصحيح النقض لأجل ما ذكرت وبين أن يكون لأجل ما سيجيء بعد ذلك من الغاء جهة الاختلاف في متعلق اليقين والشك في الاستصحاب واسنادهما إلى نفس الشيء من جهة كون كل من بقاء الشيء وحدوثه عين وجوده فيكون متعلّقهما حينئذ واحدا ، فيحصل الانتقاض الموجب لصحة اسناد النقض إلى الشيء.

وحيث كان اسناد كل من اليقين والشك إلى نفس الشيء - بنظر العرف بالغاء جهة الحدوث و [ جهة ] البقاء وجعلهما مصححا للنسبة وجهة للقضية لا نفس المسند إليه - فكان ما ذكرنا هو المتعين لمساعدة العرف عليه دون ما ذكرت ، ومن المعلوم انّ مقتضاه إطلاق حجّية الاستصحاب بالنسبة إلى الشك في المقتضي والشك في الرافع.

والحاصل : انّ سوق الرواية هو الأعم ويؤيده صحة اسناد النقض في كل من الموردين بمعنى واحد بلا اختلاف فيه أصلا كما يدل عليه اطلاق الروايات الآتية غير المذكورة فيها لفظ النقض اصلا. وما ذكرنا مجرد الصناعة وإلاّ فالظهور مما لا ينكر.

ومنها : صحيحة اخرى لزرارة مضمرة أيضا قال : « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت انّ بثوبي شيئا وصليت ، ثم إنّي ذكرت بعد ذلك؟ قال علیه السلام : تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انّه أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال : تغسله وتعيد. قلت : فان ظننت انّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم

ص: 388


1- في الاصل المخطوط ( التعمل ).

أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ؛ قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. قلت : فاني قد علمت انّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل عليّ إن شككت انّه أصابه أن انظر فيه؟ قال : لا ، ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك. قلت : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشكّ ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك » (1) الحديث.

ومورد الاستدلال : فقرتان من الرواية ، أحدهما : قوله علیه السلام « لأنك كنت على يقين من طهارتك الخ ».

وتقريب الاستدلال كما مرّ في الصحيحة الاولى ، بل أظهر ، لأبعدية احتمال العهد هنا ، من جهة عدم وقوع القضية في الصغرى جوابا للشرط حتى يوهم كون الجواب هو الكبرى حقيقة وإنّما ذكر الصغرى توطئة لها كما في الصحيحة السابقة.

إلاّ انّ مورد السؤال يحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون النجاسة المرئية بعد الصلاة يتيقّن انّها هي التي خفيت عليه قبلها كما هو الظاهر منها ، وحينئذ فالمراد انّ اليقين بالطهارة قبل ظنّ الاصابة لا ينقض بالشك في النجاسة حين ارادة الدخول فيها.

لكن يرد عليه : انّ عدم جواز نقض ذاك اليقين بذاك الشك إنّما يصلح علّة لجواز الدخول في الصلاة لا علة للإجزاء وعدم الاعادة كما في الرواية ، حيث انّ

ص: 389


1- تهذيب الاحكام 1 : 421 الباب 22 باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، الحديث 1335 ، مع تفاوت يسير ؛ وفي وسائل الشيعة مقطعا في اماكن مختلفة ، مثل : 2 : 1006 الحديث 2 ؛ 2 : 1053 الحديث 1 ؛ 2 : 1061 الحديث 1 ؛ 2 : 1063 الحديث 2 ؛ 2 : 1065 الحديث 1.

معنى النقض بالشك عدم ترتيب آثار الواقع حين الشك لا حين العلم بخلافه فانّ عدم ترتيب آثاره حينئذ إنّما يكون بالعلم بالخلاف لا بالشك فيه كما لا يخفى.

وتخيل : انّ الإجزاء ليس من جهة كونه من آثار نفس الطهارة حتى تكون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين بالخلاف بل من جهة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، غاية الأمر تكون الرواية بملاحظة تعليلها كاشفة عن هذه القاعدة ولو في خصوص الاستصحاب ، مدفوع :

بأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : « وليس ينبغي لك الخ » انّ الاعادة تكون نقضا لليقين بالشك لا انّه يكون مخالفا لتلك القاعدة ، إلاّ على ما سنشير إليه.

كما انّ دعوى : صحة التعليل بعدم نقض اليقين بالشك بملاحظة كون الاعادة من آثار الطهارة الواقعية ولا بدّ من ترتيبها على الطهارة المشكوكة كما هو مقتضى الاستصحاب فلو لم يترتّب عليه لكان نقضا لليقين بالشك.

مدفوعة : لا بما ذكره الشيخ قدس سره (1) من كون الاستصحاب مقتضيا لترتيب الآثار الشرعية للمتيقّن على المشكوك لا الآثار العقلية - والإجزاء من الثانية لا الاولى - حتى يرد عليه بأنّه من الآثار العقلية التي يكون موضوعها أعم من الواقع والظاهر كوجوب الاطاعة ولا بدّ من ترتيبها في الاستصحاب أيضا كنفس الآثار الشرعية ، وما لا يترتب من العقلية هو الآثار التي يكون موضوعها خصوص الواقع ؛ بل بما ذكرنا : من انّ الاعادة في المقام بعد كشف الخلاف إنّما يكون نقضا لليقين باليقين بالخلاف لا بالشك حتى ينافي الاستصحاب.

لا يقال : هب انّه لا بدّ في الاستصحاب من ترتيب مثل هذه الآثار العقلية أيضا إلاّ انّه إذا جرى مع قطع النظر عنها بملاحظة آثار اخرى شرعية ، وليس في

ص: 390


1- فرائد الاصول 3 : 61.

المقام أثر آخر شرعي.

لأنّا نقول : انّ الاستصحاب فيما نحن فيه جار بملاحظة جواز الدخول في الصلاة بل بملاحظة الشرطية المترتّبة على الطهارة وهي من الآثار الشرعية الوضعية المجعولة ولو بواسطة مجعولة التكليف المتعلق بالمشروط ، ويكفي في الاستصحاب مثل هذا الأثر القابل للرفع والوضع. وان أبيت إلاّ عن عدم قابليته للجعل فلا ريب انّ منشأ انتزاعه وهو التكليف قابل لذلك ، فيوسّع بواسطة الاستصحاب موضوعه تارة كما في ما نحن ، فيه ويضيق اخرى كما في استصحاب النجاسة فتترتب عليه الآثار العقلية المذكورة.

إذا عرفت ما ذكرنا من عدم تصحيح التعليل بما ذكر من ظاهر التخيل والدعوى فاعلم :

انّ الجواب الفصل أحد وجهين :

أحدهما : ان يقال كما ذكر في التخيل ، إلاّ انّه لا بدّ من ضم دلالة الاقتضاء بأن يقال : انّ تعليل الإجزاء بعدم نقض اليقين بالشك الظاهر في كونه من آثار الطهارة فيما نحن فيه لمّا لم يكد يصح - لما عرفت من كون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين لا بالشك - فلا بدّ من أن يستكشف انّ العلّة واقعا هو امتثال الأمر الظاهري وانّ الإجزاء لازم له ولو في خصوص الاستصحاب ، وحينئذ فلو لم يترتب الاجزاء بعد كشف الخلاف فلزم امّا انفكاك اللازم عن ملزومه أو عدم وجود الملزوم وهو الأمر الاستصحابي ، وكلاهما خلف ، غاية الأمر تكون النكتة في العدول عن التعليل بالملازمة أو وجود الملزوم إلى موضوع الأمر وهو عدم نقض اليقين بالشك وهي الاشارة إلى حجّية الاستصحاب وانّ الأمر الظاهري فيما نحن فيه هو الأمر الاستصحابي لا غيره.

ص: 391

مضافا إلى ما نشير إليه [ قريبا ] : (1) من انّ التعبير بموضوع الاستصحاب بملاحظة حال المصلّي قبل انكشاف الخلاف وانّ الموجب لعدم الاعادة في ذاك الحال هو نفس الطهارة التعبدية ، غاية الأمر بعد انكشاف الخلاف يستكشف انّ الموجب له حقيقة - مع عدم الطهارة واقعا - هو الأمر الاستصحابي ؛ والتعبير بنفس الطهارة التعبدية لا بالتعبد به لا يخلو عن نكتة تظهر ان شاء اللّه.

الثاني : أن يقال : انّ الإجزاء بعد كشف الخلاف إنّما هو من جهة كون الصلاة واجدة لشرطها الواقعي بجعل الشرط هو احراز الطهارة الحاصلة بالاستصحاب لا نفس الطهارة الواقعية حتى تكون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين بالخلاف ، وإذا كان الشرط هو الاحراز فلا بدّ من الالتزام بالاجزاء ولو بعد الانكشاف وإلاّ لزم الخلف لو لم نقل بكون الشرط هو الاحراز أو عدم اقتضاء الأمر الواقعي للاجزاء وهو باطل.

فان قلت : إذا جعلت الشرط هو احراز الطهارة لانفسها فكيف يجري الاستصحاب في حال الشك فيها حتى يتحقق الاحراز ، حيث انّ الاستصحاب يجري فيما كان نفس المستصحب أثرا شرعيا أو موضوعا له ، ومع عدمه فلا يتحقق الاحراز.

قلت : انّ اجراء الاستصحاب فيما نحن فيه من جهة قيام الشرطية أولا نفس الطهارة ، وباحرازها بعد انكشاف خلافها ثانيا.

بيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي : انّ مصلحة الشرطية :

قد تكون في نفس الواقع وحده فيكون شرطا واقعيا.

وقد يكون في احرازه فيكون شرطا احرازيا.

ص: 392


1- في الاصل المخطوط ( آنفا ).

وقد يكون فيهما معا على سبيل الترتب ، كما فيما نحن فيه ، بأن تكون : مصلحة ابتداء في نفس الطهارة الواقعية بذاتها مقتضية لاشتراط الصلاة بها ، ومصلحة اخرى كافية على تقدير عدم احراز المصلحة الاولى في احراز الطهارة.

وحينئذ : فقد يقوم الدليل على كليهما ابتداء ، ولكن مصلحة الاحراز لمّا كانت مترتّبة على المصلحة الواقعية ويقوم مقامها عند عدمها فيقوم الدليل ابتداء على اشتراط الصلاة بنفس الطهارة ثم يستكشف اشتراطها باحرازها أيضا بدليل ثانوي يدلّ على ترتيب أثر الشرط بعد كشف خلاف الطهارة فيستكشف بدلالة الاقتضاء من هذا الدليل انّ احرازها شرط أيضا كما فيما نحن فيه ، حيث انّ الدليل قام ابتداء بمقتضى قولهم علیهم السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » بناء على شمولها للطهارة الخبثية على شرطية الطهارة الواقعية ؛ ويستكشف أيضا من مثل رواية زرارة (1) الحاكمة بعدم الاعادة بعد كشف الخلاف انّ الشرط في هذا الحال هو الاحراز ولو بدلالة الاقتضاء ، فمع عدم الطهارة واقعا يقوم احرازها مقامها ؛ فإذا عرفت شرطية الطهارة ابتداء فيظهر : صحة اجراء الاستصحاب في نفس الطهارة بملاحظة شرطيتها الواقعية فيترتب عليه الاحراز ، ولكن ما دام لم يستكشف الخلاف لا بدّ أن يستند الإجزاء إلى نفس الطهارة التعبدية لكونها في مرتبة متقدمة بالنسبة إلى احرازها ، وما دام إليها سبيل - ولو ظاهرا - فلا بدّ أن يستند في ترتب الأثر إليه ، وبعد رفع اليد عنها فيتشبث بذيل احرازها في ترتيب آثارها.

فان قلت : على ما ذكرت فلا بدّ أن يتمسك لعدم الاعادة - بعد كشف الخلاف - بالاحراز والتعبد اليقيني بالطهارة لا بنفس الطهارة التعبدية كما في الرواية ، حيث علل بنفسها لا باحرازها كما لا يخفى.

ص: 393


1- تهذيب الاحكام 1 : 421 الباب 22 باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، الحديث 1335 ، مع تفاوت يسير.

قلت : انّ العدول عن التعبير عنه إليها للاشارة إلى حجية الاستصحاب وانّ الاحراز من جهتها لا من غيرها ، هذا. مع انّ ذاك التعليل بلحاظ حال المصلي حال الصلاة وانّ المناسب لتلك الحال الاستناد في الآثار إلى نفس الطهارة ولو تعبدا لا إلى إحرازها كما هو كذلك بحسب المرتكز في الأذهان فيما كان الشرط أمران مترتبان.

والحاصل : انّه لا بدّ في صحة تعليل الإجزاء بعدم نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها من استكشاف أحد الأمرين بدلالة الاقتضاء ، امّا من اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء وامّا من كون الشرط هو الاحراز بعد رفع اليد عن نفس الطهارة.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّه قد يتوهم من التعبير بقوله علیه السلام : « وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين الخ » عدم وجوب العمل بالاستصحاب لظهور هذا التعبير في الاستحباب.

وفيه : انّ قوله : « ليس ينبغي » ليس ظاهرا في خصوص الاستحباب بل أعم منه ومن الوجوب فيبقى ظهور الخبرية في مقام الانشاء في تحريم النقض بحاله ، مضافا إلى تكرر هذه القضية الظاهرة في الحرمة في الروايات الاخرى بدون ضمّ اللفظ المذكور إليه فيكون بقرينة التكرار في الأخبار الأخر ظاهرا في الحرمة في هذه الرواية أيضا ، هذا.

مع انّه على تقدير تسليم الاستحباب فيثبت الوجوب بضميمة عدم القول بالفصل وعلى تقدير عدمه فيكفي الاستحباب في الحجية أيضا.

الثاني : انّه قد يتوهّم منافاة هذه الفقرة الدالة على عدم وجوب الاعادة مع كشف الخلاف والعلم بوقوع تمام الصلاة مع نجاسة الثوب مع الفقرة التي بعدها وهو

ص: 394

قوله : « ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته الخ » حيث انّها دالة على وجوب الاعادة مع كشف وقوع بعض الصلاة مع النجاسة ، فيلزم الفرق بين وقوع تمامها مع النجاسة فلا يعيد ووقوع بعضها معها فيعيد ، وعلى فرض تسليم التفصيل فيلزم التخصيص في الاستصحاب باجرائه خارج الصلاة لا في أثنائها.

وفيه : مع انّه ليست الرواية ظاهرة في الفقرة الأخيرة في عدم العلم بالنجاسة قبل الرؤية في أثناء الصلاة فيمكن حملها على كون الشك في موضع ملاقاتها مع الثوب مع العلم بأصل وقوعها أولا ثم الغفلة عنها في حال الدخول في الصلاة ، فلا تنافي الفقرة الاولى ، هذا.

مع انّه على فرض ظهورها في عدم العلم بالنجاسة قبل الرؤية يكون ذلك موجبا للتفصيل في الاحراز : بين استمراره في تمام الصلاة فيكون شرطا قائما مقام الطهارة الواقعية ، وبين انقطاعه في الأثناء فلا يكون شرطا لا في الاستصحاب بعد ما عرفت من عدم كفاية مجرده في اثبات الإجزاء واحتياجه معه إلى شرطية الاحراز أيضا كما لا يخفى ، ولا أقل من الاجمال ، فيبقى ظهور القضية في الكلية بحاله بعد كون الفقرة الأخيرة منفصلة عنها.

الثالث : انّ الاحراز على الالتزام بشرطيته يكون شرطا واقعيا موجبا لكون الصلاة معه من افراد المأمور به الواقعي غاية الأمر على نحو الترتب كالصلاة مع التيمم المرتّبة على الصلاة مع الوضوء ، لا أن يكون شرطا ظاهريا مع بقاء الطهارة على شرطيّتها مطلقا غاية الأمر في صورة الخطأ يكون شأنيا حيث انّه بناء عليه تكون الصلاة المركبة منه ومن سائر الاجزاء والشرائط مأمورا بها بالأمر الظاهري فيحتاج الاجزاء إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، فيرجع الجواب الثاني إلى

ص: 395

الجواب الأول كما فهمه بعض الأفاضل من كلام الاستاذ العلاّمة (1) دام ظله.

الرابع : انّه قد يشكل في الحكم بعدم الاعادة في مورد الرواية ، من جهة دخول السائل في الصلاة مع الشك في الشرط بلا طريق إلى احرازه فكيف تمشّى منه قصد القربة والفرض انّه فهم حكم الاستصحاب بعد هذا السؤال؟

ولكنه يدفع : بأنّ السؤال إنّما هو عن القضية الكلّية من باب الاستفتاء لا عن القضية الواقعة ؛ مع انّه على تقدير التسليم يكون تمشّي القربة : امّا لحصول الاطمئنان بعد الفحص عن حاله ، وامّا لكون البناء على الحالة السابقة أمرا مركوزا عند العقلاء وكان جوابه علیه السلام تقريرا له ؛ مع انّه على تقدير عدم تمشّي القربة لا يشمل مثل هذه الصلاة حكمه علیه السلام بعدم الاعادة حيث انّه حكم علیه السلام بعدمها على تقدير الاحراز بالاستصحاب.

هذا كله في الوجه الأول. (2)

وامّا الوجه الثاني فهو : أن يكون مورد السؤال في انّ النجاسة المرئية مشكوكة في كونها هي المظنونة قبل الصلاة أو انّها وقعت بعدها ؛ وحينئذ :

فيحتمل أن تكون الرواية منطبقة على الاستصحاب بناء على أن يكون المراد باليقين اليقين الذي كان قبل ظن الاصابة والمراد بالشك هو الظن الذي استمر إلى زمان الرؤية بلا انكشاف الخلاف.

ويحتمل أن تكون منطبقة على قاعدة اليقين بناء على أن يكون المراد باليقين اليقين الحاصل بالفحص بعد الظن بالاصابة ، وحينئذ يكون الشك بعد الصلاة ساريا.

ص: 396


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 304 ، والطبعة الحجرية : 180 قوله : « هذا اشكال على الرواية ... ».
2- وهو قوله : « احدهما : ان تكون النجاسة المرئية بعد الصلاة ... » قبل عدة صفحات.

ولكن الظاهر هو الاحتمال الأول.

ومما ذكرنا ظهر : وجه الاستدلال بالفقرة الأخيرة التي في آخر الرواية بل احتمال العهد فيها من جهة عدم ذكر اليقين سابقا أوهن لو لم يشكل بأنّ ظهور التفريع كان في العهد ، إلاّ انّه لا وجه له بعد ظهور كون مثل هذا التعبير للاشارة إلى ما هو المرتكز عند الأذهان ، خصوصا بعد تكرر هذه القضية في الرواية وانطباقها على الصغريات العديدة.

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : « وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ». (1)

ولا يخفى انّ هذه الرواية تحتمل وجوها من المعاني مع وحدة الفقرات سياقا على نحو التأكيد في بعض واختلافها في بعض آخر.

منها : ما اختاره جماعة تبعا للسيد المرتضى (2) وقد اختاره الشيخ قدس سره في الفرائد (3) من انّ المراد باليقين في الرواية قاعدة اليقين في خصوص باب الصلاة المأخوذة من سائر الأخبار من قوله علیه السلام : « ألا اعلّمك شيئا إذا صنعته ثم ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء الخ » (4) وقوله علیه السلام : « أجمع لك السهو في كلمتين متى شككت فابن على الأكثر » (5) وغيرهما من الروايات.

ص: 397


1- وسائل الشيعة 5 : 321 الباب 10 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 3.
2- الانتصار طبعة جماعة المدرسين : 156 ، وطبعة النجف : 49.
3- فرائد الاصول 3 : 63.
4- وسائل الشيعة 5 : 318 الباب 8 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 3 ، باختلاف.
5- وسائل الشيعة 5 : 317 الباب 8 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 1 ، باختلاف.

وحاصلها : انّه إذا شك في عدد الركعات فلا بدّ من تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلة تكون قابلة لتدارك ما نقص على تقدير النقصان ونافلة على تقدير عدمه.

ولكنه يرد على هذا الاحتمال : مضافا إلى مخالفته بظهورية قوله : « قام فأضاف » في الاتصال انّ قوله علیه السلام : « ولا ينقض اليقين » بقرينة انطباقه في الروايات الاخرى - الواردة عن زرارة في أسئلته عن إمام واحد - على الاستصحاب وارتكاز ذلك المعنى منه في نفسه ظاهر في الاستصحاب ؛ وحمله على قاعدة اليقين في باب الصلاة مستبعد.

ومنها : انّ المراد من عدم نقض اليقين بالشك عدم نقض اليقين بالثلاث بالشك في الرابعة بالبناء على وقوعها بل بحسب البناء على الأقل والاتيان بالمشكوكة ، ولكن مجرد ذلك لا ينطبق على الاستصحاب فلا بدّ من أن يراد من اليقين اليقين بعدم الاتيان بالرابعة سابقا حتى يصير الشك في بقاء المتيقن فينطبق عليه.

وحينئذ ، فامّا أن يحمل قوله : « قام الخ » على الأمر باتيان الرابعة متصلة بالسابقة ، وباقي الفقرات الأخيرة على كونها مؤكدة لقوله : « ولا ينقض الخ » على ما هو مذهب العامة.

ولكنه يرد عليه : بأنّه مخالف لمذهب الخاصة وللأخبار الأخر الدالة على البناء على الأكثر والاتيان بالركعة الاحتياطية منفصلة كما هو ظاهر صدر الرواية أيضا ، فلا بدّ حينئذ من حمل الرواية على التقية بحسب الحكم وهو مخالف للظاهر ثم حمل القاعدة المستشهد بها لمورد التقية على بيان الواقع خلاف ظاهر آخر ، مع انّ الحمل على التقية ينافي ظهور الصدر في كون الركعة الاحتياطية منفصلة.

ومنها : ان يراد من عدم نقض اليقين بالشك هذا الذي ذكرنا ولكن عدم نقض

ص: 398

اليقين بعدم الرابعة بالشك في اتيانها إنّما هو في مجرد البناء على عدم اتيانها فلا بدّ من الاتيان بها ، لا في جميع الآثار حتى الاتيان بنحو الاتصال بل لا بدّ من انفصال الركعة حتى لا ينافي مذهب الخاصة ، ولا لصدر الرواية :

امّا بالالتزام باختلاف السياق للفقرات الأخيرة مع الفقرة وحملها على بيان كيفية العمل بأن يراد من قوله علیه السلام « لا يدخل الشك في اليقين » انّ الركعة المشكوك فيها المبني على عدم وقوعها لا يضمّها الى اليقين بالثلاث بل يأتي بها منفصلة حتى لا ينافي الأخبار الأخر في باب الصلاة وكذا باب الوضوء ، ويكون قوله : « ولا يخلط الخ » مؤكدا له ، ويراد من قوله علیه السلام : « ولكنه ينقض الشك الخ » وجوب نقض الشك في الاتيان بالرابعة باليقين بعد اتيانها سابقا بأن يعامل معاملة اليقين بالعدم ، ويكون قوله : « ويتم على اليقين الخ » مؤكدا له ، ويراد من قوله : « ولا يعتد بالشك » وجوب الاتيان بالمشكوك لاحقا وعدم الاعتناء بالاتيان.

لكن يردّ هذا الوجه : مخالفة السياق في الفقرات الظاهرة في وحدة السياق.

وامّا بالتزام كون الفقرات الاخيرة مؤكدة للفقرة الاولى ولكن مع الالتزام بالتفكيك في ترتيب المتيقن وهو عدم الاتيان بالرابعة سابقا على المشكوك بأن يكون التنزيل في مجرد البناء على عدم تحقق الركعة المشكوكة من المصلي فلا بدّ من الاتيان بها ، لا في كيفية الاتيان على نحو الاتصال أيضا بقرينة الصدر الظاهر في الانفصال والأخبار الأخر ، ولا بعد فيه ، حيث انّ التعميم في الآثار إنّما هو بمقدّمات الحكمة الجارية فيما لم يكن قرينة على اليقين أو القدر المتيقن وهو فيما نحن فيه خصوص البناء على لزوم الاتيان كما عرفت ، هذا.

مضافا إلى أولوية الالتزام بالتقييد في الآثار ابتداء لو دار الأمر بينه وبين مخالفة السياق في الفقرات ، وبين الحمل على التقية لشيوعه وأرجحيته. ويؤيده

ص: 399

ظهور قضية « لا ينقض الخ » في الاستصحاب بلحاظ تكرره في الروايات الأخر وانطباقها على الاستصحاب في موارد عديدة وارتكاز ذلك منها.

وامّا احتمال ارادة قاعدة اليقين بالبراءة منها في خصوص باب الصلاة وإرادة الاستصحاب في غيره كما احتمله بعضهم فسيجيء ما فيه.

ثم انّ الظاهر - بناء على حمل الرواية على الاستصحاب - عدم دلالتها على أزيد من باب الصلاة لو لم نقل بظهورها في خصوصه بقرينة قوله علیه السلام : « ويتم على اليقين فيبني عليه » حيث انّ ظاهره الاختصاص بباب الصلاة.

وتوهم : ارتكاز العموم من القضية الاولى بقرينة وروده في الأخبار الأخر كذلك ، مدفوع :

بمعارضته مع ظهور ارجاع الضمير في هذه الفقرات على « المصلي » وظهور اتحاده في الجميع من جهة المرجع وكذا على العموم بعد ظهور رجوع ضميره إلى المصلي واحتمال ارادة العموم في خصوص باب الصلاة. نعم لا يبعد التعميم في مطلق الموضوعات بضميمة عدم القول بالفصل بينها وبين الصلاة في جريان الاستصحاب وعدمه.

ومنها : قوله علیه السلام : « إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم ». (1)

يحتمل أن يكون المراد من البناء على اليقين تحصيل اليقين بالبراءة بالاحتياط مطلقا أو في خصوص باب الصلاة ، مع كون المراد من الأصل حينئذ القاعدة الكلية في ذاك الباب.

ويحتمل أن يكون المراد منه قاعدة اليقين بالبناء على آثار اليقين الزائل.

ويحتمل أن يكون المراد اليقين في باب الاستصحاب بالبناء على آثار

ص: 400


1- وسائل الشيعة 5 : 318 الباب 8 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 2 ، باختلاف يسير.

اليقين الفعلي من حيث البقاء.

وحيث انّ الرواية كانت ظاهرة في وجود اليقين بالفعل في حال الشك - لا انّه زال كما في القاعدة ولا أنّه لا بدّ من تحصيله مستقبلا كما في قاعدة الاحتياط - فالأوجه ارادة اليقين في باب الاستصحاب. ولا يعتنى بذكر بعض للرواية في شكوك الصلاة ، فتدبر.

ومنها : ما عن الخصال (1) بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه : من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فانّ الشك لا ينقض اليقين ». (2) وفي رواية اخرى عنه علیه السلام : « من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فانّ اليقين لا يدفع بالشك ». (3)

ولا يخفى انّ الروايتين لمّا كانتا ظاهرتين في تأخر زمان وصف الشك عن زمان وصف اليقين وفي اتحاد متعلق الوصفين فيبعد حملهما على الاستصحاب لعدم اعتبار تغاير زمان الوصفين فيه ، بل لا بدّ من اجتماعهما زمانا ولزوم مغايرة متعلقهما فيه بأن يتعلق اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فلا بدّ من حملهما على قاعدة اليقين.

ولكن بملاحظة ظهورهما في اليقين الفعلي مع احتمال كون تقديم زمان اليقين من باب الغلبة كما في باب الاستصحاب ، حيث انّ الغالب تقدمه على الشك حدوثا ويجتمع معه بقاء ، وكون وحدة المتعلق من جهة انّ بقاء الشيء نحو وجود

ص: 401


1- الخصال 2 : 619.
2- وسائل الشيعة 1 : 175 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 6.
3- الارشاد ، طبعة النجف : 159 ، وطبعة مؤسسة آل البيت 1 : 302 ، في فصل : ومن كلامه علیه السلام في الحكمة والموعظة ، ومن كلامه علیه السلام في وصف الانسان. وينقله في بحار الانوار عنه 2 : 272 ؛ مستدرك الوسائل 1 : 228 الحديث 4.

له فيصحّ أن يسند الشك إلى نفس الشيء كما عرفت ؛ فالأقرب حملهما على الاستصحاب.

وان أبيت إلاّ عن عدم الظهور والاجمال فلا أقل من ظهور عبارة « النقض » بملاحظة تكررها في الروايات العديدة واتحادها في الجميع بحسب المعنى ظاهرا ، وكذا عبارة « الدفع » المتحد معها بحسب الظهور في الاستصحاب ، فتكون الروايتان من [ الاخبار ] (1) العامة في الباب ، الجارية في جميع الأبواب.

ثم انّ ما ذكرنا من اسناد « اليقين » و « الشك » في الاستصحاب إلى نفس الشيء دون حدوثه وبقائه إنّما هو في مقام الاسناد واللفظ لا بحسب الارادة واللبّ وإلاّ فبحسبهما لا بدّ منهما كما هو واضح وإلاّ فتكون الرواية مهملة غير دالة على الاستصحاب مع انّهما بحسب اللفظ يكونان جهة للقضية أيضا.

ومنها : مكاتبة علي بن محمد بن القاساني قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب علیه السلام : « اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وافطر للرؤية ». (2)

ولا يخفى انّ تفريع كل من الصوم والافطار على رؤية هلالي رمضان وشوال يدلّ على عدم جواز جعل اليقين السابق مدخولا بالشك ومزاحما به بل لا بدّ من المضي على وفقه ما لم يحصل يقين بالخلاف ؛ ولا مجال لارادة قاعدة اليقين من الرواية كما لا يخفى ولا قاعدة الاحتياط ، لكون الشك في كل من الطرفين في التكليف بناء على ما هو التحقيق من كون صوم كل يوم من رمضان تكليفا مستقلا لا انّ مجموع ما بين الهلالين تكليفا واحدا كما قيل.

واحتمال : دلالة الرواية على اعتبار اليقين في الدخول في الصوم في

ص: 402


1- في الاصل المخطوط ( أخبار ).
2- وسائل الشيعة 7 : 184 الباب 3 من ابواب احكام شهر رمضان ، الحديث 13 ، باختلاف يسير.

خصوص رمضان والخروج منه تعبدا فلا يدل على الاستصحاب.

يدفعه : ظهور تفريع الصوم والافطار على عدم كون اليقين مدخولا بالشك في كون البناء على اليقين السابق كليا ، ولا يختص بخصوص شهر رمضان. هذا بناء على ما عرفت من كون التكليف بالصوم متعددا بعدد الأيام.

وامّا بناء على كون ما بين الهلالين فالظاهر انّ الشك فيه في التكليف أيضا ، لكون المكلف به نفس الخارج المردّد بين الثلاثين وبين تسعة وعشرين غاية الأمر يكون الشك في المقتضي.

نعم بناء على احتمال ضعيف : من كون المكلف به عنوانا منتزعا مما بين الهلالين ، وكون الامساك في الأيام الخارجية محصّلا له يكون الشك في المكلف به ومجرى لقاعدة الاشتغال ؛ إلاّ أنّه خلاف التحقيق كما هو واضح.

ومنها : قوله علیه السلام في موثقة عمّار : « كل شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر » (1) ، وقوله علیه السلام : « الماء كله طاهر حتى تعلم انّه نجس ». (2)

ودلالتها على الاستصحاب تتوقف على جعل الغاية غاية لاستمرار الحكم بالطهارة لا لنفس الحكم بها.

بيانه : انّه يحتمل الغاية لوجهين :

أحدهما : أن يكون المغيّا هو أصل الحكم بثبوت الطهارة وتكون الغاية حينئذ قيدا للموضوع لبّا وان كانت راجعة إلى المحمول ظاهرا ، فيكون الموضوع حقيقة هو مشكوك الطهارة الواقعية ، فيكون مفاد الخبر حينئذ قاعدة الطهارة دالة على ثبوت الطهارة للمشكوك بلا دلالة على الابقاء والاستمرار.

ص: 403


1- في المصادر : « كل شيء نظيف ». وسائل الشيعة 2 : 1054 الباب 37 من ابواب النجاسات ، الحديث 4 ؛ ونفس الرواية مفصلة في تهذيب الاحكام 1 : 284 ذيل الحديث 832.
2- وسائل الشيعة 1 : 100 الباب 1 من ابواب الماء المطلق ، الحديث 5 ، بتفاوت.

وثانيهما : أن يجعل المغيّا هو استمرار الطهارة بعد الفراغ عن ثبوتها امّا بجعل قوله : « طاهر » مفيدا للاستمرار بلا تعرض له لأصل الثبوت ، أو بتقدير الاستمرار بقرينة الغاية مع جعل المحمول وهو قوله : « طاهر » لبيان أصل ثبوت الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الأولية ؛ فتكون القضية الاولى دليلا اجتهاديا دالا على كون الأشياء محكومة بالطهارة الواقعية ، وتكون الغاية مع تقدير الاستمرار دليلا فقاهتيا على استمرار الطهارة الثابتة بالقضية الاولى عند الشك في بقائها إلى زمان العلم بخلافها فيكون دالا على الاستصحاب ، للعلم بعدم كون الحكم الواقعي مغيّا بالعلم بضده.

وبيان استظهار واحد من المعنيين يتوقف على ملاحظة انّ القضايا المغيّاة بالغايات الواقعية كما في قوله : « الثوب طاهر إلى أن يلاقي نجسا » ، هل كانت ظاهرة في كون الغاية لتحديد الموضوع بأن يكون المراد انّ الثوب الغير الملاقي للنجس طاهر؟ أو في كونها غاية لاستمرار الحكم بعد الفراغ عن أصله؟

وبعبارة اخرى : هل كان مفاد مثل هذه القضايا قضيتان إحداهما دالة على أصل ثبوت المحمول ، والاخرى دالة على استمراره؟ أو قضية واحدة دالة على ثبوت الحكم للموضوع المقيد؟

ولكن الظاهر انّ مفادها قضيتان ، وانّ المغيّا هو الاستمرار المقدر بقرينة الغاية لا نفس المحمول حتى يلزم استعماله في معنيين : ثبوت المحمول ، واستمراره ؛ وانّ الغاية لخصوص الاستمرار لا لأصل الثبوت أيضا حتى يعود المحذور في الغاية أيضا بل يكون أصل الثبوت بلا غاية مذكورة في البين.

نعم لمّا كانت الغاية واقعية فيكون دالا على استمرار نفس الواقع فلا تحصل الثمرة بين جعل الغاية للثبوت والاستمرار.

وامّا لو كانت الغاية هي العلم بضد المحمول - كما فيما نحن فيه - فالظاهر انّ

ص: 404

الشيء مع قطع النظر عن الغاية ظاهر في العناوين الأوّلية لكونه عند الاطلاق كناية عنها فتكون قضية المغيّا باقية على ما كانت عليه من الظهور في ثبوت نفس الحكم بالطهارة الواقعية للعناوين الواقعية ، ولكن الغاية لمّا جعلت هو العلم بضد الطهارة ومن المعلوم انّ الطهارة الواقعية لم تكن مغيّاة بذلك فلا بدّ :

امّا من جعلها قيدا للموضوع حتى تكون القضية واحدة دالة على القاعدة.

أو تقدير الحكم بالاستمرار تعبّدا حتى يكون المفاد قضيتان وتكون الثانية دالة على الاستصحاب.

وحيث انّ الغاية في دلالتها على الرجوع إلى المحمول بنحو واستمراره ولو تعبدا يكون أظهر من رجوعها إلى الموضوع فالمتعين حملها على الاستصحاب ، وحمل قضية الصدر على بيان الأحكام الواقعية للعناوين الأولية ، ويكون دليل نجاسة بعض العناوين مخصصا بالنسبة إلى عموم القضية.

ويؤيده بل يدل عليه الخبر الأخير وهو قوله علیه السلام : « الماء كله طاهر الخ » حيث انّه : مضافا إلى ظهور كون لفظ الكل تأكيدا لنفس عنوان الماء بعنوانه لا بما هو مشكوك ؛ لا وجه لتأكيده بما هو مشكوك ، لأنّ المهم حينئذ بيان الحكم من جهة عنوان الشك لا من غير هذه الجهة من سائر خصوصيات الماء وأصنافه ، لعدم الالتفات في القاعدة إليها حتى يتوهم دخلها في الحكم فيحتاج إلى الدفع كما لا يخفى ؛ ومن المعلوم انّ الخبر الأول متّحد السياق معه من حيث الدلالة والمفاد غير انّهما يفترقان في العموم والخصوص فيكون ظاهرا في الاستصحاب أيضا.

نعم يمكن إرادة القاعدة أيضا لا من الغاية بل من عموم الشيء بحسب حالاته مضافا إلى العموم بالنسبة إلى افراده ، ومن الحالات طروّ الشك في الطهارة والنجاسة عليه.

ص: 405

وتوهم : انّ الشك في الطهارة [ المنشأة ] (1) بهذا الانشاء متأخر عنها فكيف يؤخذ في موضوعها.

مدفوع :

بأنّ الشيء بعنوان الشيئية مأخوذ في الموضوع بنحو القضية الطبيعية فلم تلحظ فيها الخصوصيات أصلا حتى يستلزم الدور.

وبأنّ الشك في الطهارة بحسب المرتبة الانشائية يمكن أن يؤخذ في موضوع المرتبة الفعلية فلا محذور في ارادة القاعدة من نفس القضية الاولى بملاحظة اطلاق الشيء بالنسبة إلى حالاته ، كما لا محذور في دلالة الغاية مع ذلك على الاستصحاب أيضا.

وتوهم اللغوية في الاستصحاب بعد جعل القاعدة لجواز التمسك بها لاثبات الحكم في جميع حالات الشك ومنها الشك في البقاء ، مدفوع :

بأنّه مع حجية الاستصحاب لا مجال للقاعدة لحكومته عليها كما سيجيء ان شاء اللّه. نعم يجدي فيما لا يجري فيه الاستصحاب كما في غير مسبوق الطهارة والنجاسة.

نعم بعد الحكم بثبوت الطهارة الظاهرية لو شك في ارتفاعها من جهة الملاقاة ثانيا للنجاسة يمكن القول باستصحابها أيضا لو قلنا بكون الملاقاة غاية للطهارة الظاهرية أيضا ولم نقتصر في الأحكام الظاهرية بكون الغاية فيها هي العلم وحده كما لا يخفى ، ومع ذلك لا يكون كل منهما لغوا على تقدير ارادتهما من الرواية ؛ إلاّ انّ عموم الشيء بالنسبة إلى الحالات الطارئة خلاف الظاهر فيكون المنسبق منه هو العنوان الأولي.

ص: 406


1- في الاصل المخطوط ( المنشئية ).

نعم لا يبعد العموم بالنسبة إلى حالة الشك أيضا فيما حكي عنهم علیهم السلام : « كل ماء طاهر إلاّ ما علمت انّه قذر » (1) إلاّ انه بقرينة الاستثناء الدال على عموم المستثنى منه المفقود فيما ذكرنا من الروايتين ؛ ولا يخفى انّ الرواية المحكية تدلّ على القاعدة دون الاستصحاب عكس الروايتين المذكورتين كما عرفت.

ثم انّه لا يخفى انّ الغاية بناء على القاعدة تكون غاية لأصل الحكم بثبوت الطهارة وبناء على الاستصحاب تكون غاية للحكم باستمراره وكل منهما يكون بحسب الصورة ، وامّا بحسب الدقة فيكون في كل منهما راجعة إلى الموضوع حقيقة ودالة على كونه مشكوك الطهارة رأسا في القاعدة وعلى كونه مشكوك البقاء في الاستصحاب. وامّا وجه الرجوع إلى الموضوع في الصورتين فهو : انّ الحكم بثبوت الطهارة في المشكوك والحكم باستمراره في مشكوك البقاء يكون مغيّا إلى زمان النسخ لا إلى زمان العلم بالقدرة كما لا يخفى. نعم ثبوته في المصاديق يدور مدار الموضوع المنوط بعدم العلم بالقذارة ولعله لأجل هذه الجهة ترجع الغاية إلى الحكم ظاهرا ؛ فراجع الفرائد (2) تعرف مراده مما ذكرنا.

بقي هنا شيء وهو انّ الأخبار المذكورة الدالة على عدم نقض اليقين بالشك هل تدل على حجية قاعدة اليقين مضافا إلى الاستصحاب؟ أو على خصوصه وحده؟

والتحقيق : - على ما يقتضيه النظر الدقيق - عدم إمكان ارادتهما معا منها ثبوتا ؛ وعلى تقدير الامكان فلا اطلاق لها بالنسبة إلى القاعدة اثباتا.

امّا بيان عدم الامكان فيتوقف على مقدمتين :

إحداهما : انّ الفرق بين القاعدة والاستصحاب :

ص: 407


1- وسائل الشيعة 1 : 99 الباب 1 من ابواب الماء المطلق ، الحديث 2.
2- فرائد الاصول 3 : 72 - 77.

مرّة : في وحدة متعلق اليقين والشك في القاعدة ، حيث انّ الشك متعلق بالحد الذي تعلق به اليقين وهو الحدوث كالعدالة في يوم الجمعة مثلا دون الاستصحاب لاختلاف المتعلقين فيه ، حيث انّ اليقين بالحدوث والشك إنّما هو في غير ذاك الحد وهو البقاء.

واخرى : من حيث الزمان فانّه لا بدّ من لحاظ زمان الحدوث في اليقين والشك في القاعدة دون الاستصحاب فانّه لا بدّ فيه من الغائه كي يتحد متعلق اليقين والشك فيه اعتبارا ، فيصح استعمال النقض كما عرفت.

الثانية : انّ الأثر المهم ترتبه قد يكون للحدوث ، وقد يكون للبقاء ؛ وحيث انّ كلا من القاعدة والاستصحاب دليل لتنزيل المشكوك منزلة المتيقن فيرجع كل منهما إلى انشاء الأثر وجعله غاية الأمر إلى جعل أثر الحدوث في القاعدة وأثر البقاء في الاستصحاب ، ومن المعلوم انّ الانشاء والجعل الحقيقي يتوقف [ على ] (1) ملاحظة المنزل عليه بموضوعه وأثره في مقام التنزيل ، وبدونه لا يحصل جعل أبدا.

إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم : انّ المتكلم الجاعل للقاعدة والاستصحاب :

امّا ان لم يلاحظ غير تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أصلا فلم يتحقق منه جعل حقيقي لكلّ منها وان حصل منه جعل انشائي بالنسبة إلى طبيعة النقض على نحو الاهمال ، وهو لا يجدي في واحد منهما ما لم يلاحظ ما به الامتياز بينهما الموجب لكون كل منهما قاعدة على حدة كما لا يخفى.

وامّا ان يلاحظ الجامع بينهما فيتصوره مرآة للخصوصيتين ويأتي بلفظه كأن يقول : لا تنقض اليقين بالشك المتعلق به بأي نحو من التعلق ؛ أو بقرينة تدل على

ص: 408


1- في الاصل المخطوط ( الى ).

ملاحظة الجامع ، فلا بأس به وان كان في جعل القاعدة والاستصحاب بانشاء الجامع بينهما اشكال حيث انّ انشاء العام لا يكون عين انشاء كل من الخاصين ولا بدّ منه. نعم يمكن أن يكون الجامع حاكيا عن جعلين لا أن يكون انشاء لهما ، وعلى أي حال فالأمر سهل.

وان لم يكن كذلك بل كان تعيين متعلق الشك من انّه الحدوث أو البقاء بالاشارة الخارجية الحاصلة باسناد الشك إلى اليقين وتعلّقه به فلا يمكن الجمع بينهما حينئذ حيث انّه لا بدّ في القاعدة من لحاظ زمان المتيقن بحده اليقيني في اسناد الشك إليه ، وفي الاستصحاب من الغائه وتجريده عن الزمان كي يتحد متعلقهما فيصح نسبة النقض إلى الشك ؛ ومن المعلوم انّ الجمع بين حفظ الحد والغاية لا يمكن في اللحاظ الواحد الخارجي ، ولا الجمع بين اللحاظين في وجود واحد لأنّ الوجود الواحد لا يكون أبدا اثنين وإلاّ لزم انخرام قاعدة كون الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ؛ والفرض انّه لا مفهوم جامع لفظا أو مقدرا.

ونظير ذلك يقال في عدم امكان تنزيل الأمارات منزلة القطع موضوعيا وطريقيا بلحاظ واحد خارجي ، لعدم إمكان الجمع بين لحاظي كل من المنزل والمنزل عليه به استقلاليا وفانيا في آن واحد بلا جامع مفهومي كما هو المفروض.

فان قلت : انّ ما ذكرت من عدم امكان الجمع بين القاعدتين إنّما يسلّم فيما لو احتيج إلى لحاظ زمان الحدوث والبقاء ولم يكن الحكم بوجوب المضي على طبق اليقين وعدم نقضه بالشك مع اطلاق كل منهما بالنسبة الى افرادهما كافيا وهو بمكان من الامكان ، غاية الامر يكون المضي على طبق القاعدة بترتيب آثار الحدوث وفي الاستصحاب بترتيب آثار البقاء.

قلت : ما ذكرت من كفاية الحكم بوجوب المضي مع اطلاق متعلقه في الجمع بين القاعدتين إنّما يسلّم على فرض اختلاف اليقين والشك فيهما موردا مع

ص: 409

تحققهما خارجا كما لو سأل اثنان من الإمام علیه السلام أحدهما عن الشك الساري في اليقين بالعدالة والآخر عن الشك في بقاء الحياة المتيقنة مثلا وأجاب علیه السلام في جوابهما بتلك العبارة ، لا فيما كان كل من القاعدة والاستصحاب جاريا في كل يقين في كل مورد وكأنّ القضية في مقام جعل القاعدتين كلّية في الموارد المقدرة الوقوع فانّ في جعل كل منهما ابتداء لا بدّ من لحاظ الموضوع بخصوصيّته وآثاره وبدونه لا يضرب القاعدة أصلا لأنّه مع عموم المورد لكل من اليقينين يكون اليقين المتعلق بكل مورد مشتركا بين القاعدتين ولا يتميزان في أصل اليقين بل في خصوصية تعلق الشك به بحده الزماني في إحداهما وبذات المتعلق مع الغاء الحد في الاخرى فلا بدّ في جعلهما مع عدم مفهوم جامع لفظا أو مقدرا يحوي الخصوصيتين من لحاظ كل منهما خارجا ، ومن المعلوم انّه لا يمكن اجتماعهما في استعمال واحد كما عرفت ، بل التحقيق عدم كفاية افتراق المورد في امكان الجمع بينهما وان صرح به الاستاذ دام ظله في الدرس وكتب سابقا في هامشه (1) لأنّ مجرد ذلك لا يكفي في جعل الأثر بلسان التنزيل بل لا بدّ من ملاحظة المنزل عليه بموضوعه وأثره فمع عدم الجامع لفظا ومقدّرا يتأتّى المحذور أيضا.

فان قلت : لعل الجامع لوحظ مقدرا فلا يصح دعوى الامتناع.

قلت : يكفي فيها عدم القرينة عليه لأنّه ينحصر الاستكشاف بالعبارة المذكورة وعرفت انّه لا يكاد يكون قالبا إلاّ عن إحدى القاعدتين.

هذا كله في مقام الثبوت.

وامّا على تقدير التنزل وتسليم الامكان فالظاهر عدم اطلاق الأدلة في مقام الاثبات أيضا بل القدر المتيقن منها في مقام التخاطب هو خصوص الاستصحاب

ص: 410


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 312 - 316 ، والطبعة الحجرية : 185 - 188.

لكونه مورد السؤال في غالب أخبار الباب المشتملة على لفظ النقض بل في جميعها للانطباق على مورده في الغالب واتحاد البعض الآخر معه في السياق الموجب لعدم الظهور في الاطلاق ومع المتيقن في البين لا تتم مقدمات الحكمة بالنسبة إلى الاطلاق إذ من جملتها لزوم نقض الغرض لو كان المراد البعض ، ومن المعلوم انّه لا يلزم ذلك لو كان المراد ذاك المتيقن ، لانفهامه عند المخاطب وان حصل الشك في كونه تمام المراد أو بعضه ، إلاّ انّه لا ضير فيه لأنّ اللازم على المتكلّم إفادة ما هو تمام مراده واقعا لا بعنوان التمامية مع انّه يثبت ثانيا بمقدمة انّ مراده لو كان غير المتيقن أيضا فيما لا يستكشف الارادة بالنسبة إليه كما عرفت لكان عليه إقامة القرينة وإلاّ لزم نقض الغرض ومع عدمها فيستكشف انّ المتيقن تمام المراد.

ثم انّه قد أورد على تقدير التنزل عما ذكرنا وتسليم ظهور الأخبار في القاعدتين باستلزامه التعارض في مدلولها المسقط للتمسك بها على القاعدة لأنّه لو كان اليقين فيها - كما لو تعلق بالعدالة في يوم الجمعة مثلا - مسبوقا بيقين آخر على الخلاف متعلق بعدمها قبل يوم الجمعة ثم حصل الشك الساري فيها بالنسبة إلى يوم الجمعة فيكون ذاك الشك مسبوقا بيقين تعلق أحدهما بالوجود في يوم الجمعة والآخر بالعدم قبله ويكون لازم كل منهما عدم نقضه بالشك الموجب للتعارض كما هو واضح.

ولا يخفى انّ التعارض على تقدير تسليمه لا يختص بوحدة الدليل في القاعدتين بل يحصل ولو كان كل منهما مختصا بدليل ؛ وحكم التعارض :

قد يكون تساقط المتعارضين رأسا كما لو كان المصلحة في كل منهما مقيدة بعدم التعارض أصلا.

وقد يكون بحجية واحد منهما لا على التعيين كما في الأخبار على الطريقية

ص: 411

وقد يكون بالتخيير لو لا المرجح كما في الأخبار بناء على الموضوعية.

ولكن هذا كله لو لم يكن معين في البين بالنسبة إلى أحدهما كما في المقام بالنسبة إلى القاعدة حيث انّه لو عمل بها وبني على المضي على طبق اليقين بالعدالة في يوم الجمعة في المثال لكان ذلك نقضا لليقين الاستصحابي المتعلق بعدمها قبله باليقين بالخلاف فيلزم التخصيص بالاضافة إليه لا بالشك كي يلزم التخصيص. وامّا لو انعكس الأمر بأن عمل بالاستصحاب لزم نقض اليقين بالعدالة في القاعدة بالشك الساري بلا يقين على خلافه فيلزم التخصيص بالنسبة إليه بلا وجه أو بوجه دائر لو جعل المخصص هو الاستصحاب كما لا يخفى ، ومن المعلوم انّ المتعين هو الالتزام بالتخصص فلا بدّ من العمل بالقاعدة.

فان قلت : انّ ما ذكرت من عدم لزوم التخصيص في الاستصحاب لو عمل على طبق اليقين في القاعدة انما هو ما دام وجود اليقين وامّا بعد زواله بالشك الساري فيلزم التخصيص أيضا كما في العكس لكون الشك حينئذ مسبوقا بفردين من اليقين في طرفي المشكوك من الوجود والعدم ويكونان في عرض واحد في تعلق الشك بهما وليس نقض اليقين المتعلق بعدم العدالة باليقين بها حين وجوده من الآثار الشرعية له حتى يترتّب ذلك في زمان الشك أيضا كسائر آثار المتيقن بل من آثاره العقلية المترتّبة على وجوده الزائل حين الشك وحينئذ فرفع اليد عن مقتضى كل من اليقينين يكون نقضا له بالشك كما لا يخفى.

قلت : انّ الكلام وان كان في تعارض القاعدتين في حال الشك المسبوق بفردين من اليقين في طرفي الوجود والعدم إلاّ انّه لمّا كان زمان متعلق اليقين في القاعدة متأخّرا عن متعلق اليقين الاستصحابي فيصح أن يقال : بعد البناء على عدم نقض اليقين فيها بالشك الساري ؛ انّ اليقين الاستصحابي انتقض بمقتضى ذاك اليقين بحيث لولاه لما يجوز نقضه بالشك ، وهذا بخلاف العكس فانّه لمّا لم يكن يقين

ص: 412

على خلاف اليقين في القاعدة متأخرا عنه فرفع اليد عن مقتضاه لا يكون إلاّ نقضا لليقين بالشك.

وبعبارة اخرى : لمّا كان موضوع الحكم بعدم نقض اليقين بالشك في القاعدة متحققا على كل تقدير فيشمله دليلها ومعه لا يبقى محل لموضوع الاستصحاب أو يكون رفع اليد عن يقينه حينئذ باليقين الآخر ولو بالتعبد بوجوده بعد زواله ولكن بعد صحة التعبير عن ذاك الموضوع بنقض اليقين باليقين مع قطع النظر عن الحكم ومعه يرتفع موضوع الاستصحاب من نقض اليقين بالشك بحسب لسان الدليل دون ما لو عمل على طبق يقينه فانّ موضوع القاعدة باق مطلقا إلاّ بملاحظة حكم الاستصحاب ، وملاحظته لا يوجب التقديم كما لا يخفى ، وهذا المقدار من الفرق يوجب تقديمها عليه ؛ وان أبيت عن الورود فسمّه حكومة كما لا يخفى.

ومما ذكرنا ظهر انّه لا يرفع اليد عن اليقين الاستصحابي بمجرد الشك بل بتوسيط اليقين في القاعدة فيكون أقرب إلى الشك من ذاك اليقين لا في عرضه.

كما انّه ظهر انّ رفع اليد عن مقتضى اليقين الاستصحابي نقض له عملا وليس المراد من النقض أزيد من ذلك فلا يلزم أن يكون أثرا شرعيا لليقين مع انّه يمكن الالتزام بكونه أثرا شرعيا أيضا بأن يكون دليل الاستصحاب بالنسبة إلى الغاية وهي قوله علیه السلام : « ولكن ينقضه بيقين آخر » (1) بصدد البيان أيضا وحينئذ فلا اشكال في تقديم القاعدة كما لا يخفى.

والحاصل : انّه ظهر مما ذكرنا انّ الوجه في عدم العمل على طبق القاعدة هو المناقشة في شمول الدليل لها ثبوتا واثباتا لا المعارضة مع الاستصحاب وإلاّ

ص: 413


1- تهذيب الاحكام 1 : 8 الباب 1 باب الاحداث الموجبة للطهارة ، الحديث 11.

فيكون مقدمة عليه.

ثم انّه بناء على العمل بها فهل اللازم عدم الاعتناء بالشك ولزوم ترتيب آثار المتيقن الثابتة له في خصوص حدّ اليقين كآثار العدالة يوم الجمعة مثلا؟

أو مطلقا ولو بعده فلا بد من ترتيب آثارها ما لم يتيقن بخلافها؟

التحقيق : هو الأول ، حيث انّه وان كان يمكن أن يكون الموضوع في الطهارة هو المشكوك بعنوانه بلا لحاظ حد فيه فيكون حكمها تنزيل المشكوك - ما دام الشك - منزلة المتيقن في آثاره الشاملة لحد اليقين وخارجه ؛ إلاّ أنّه كذلك لو كان مفاد دليلها تنزيل المشكوك منزلة المتيقن مطلقا لا ما لو كان مفادها عدم نقض اليقين الموجود بالشك الساري فانّه ظاهر في كون الشك محدودا بحد اليقين وملحوظا فيه ذلك ومعه فلو اريد الشك الخارج عن ذاك الحد أيضا للزم المحذور السابق من الجمع بين اللحاظين كما لا يخفى.

فظهر : انّ اللازم بمقتضى الأدلة الاقتصار على ترتيب آثار المتيقن الثابتة له في خصوص حد اليقين بمعنى لو تعلق بوجود موضوع في زمان معيّن فلا بدّ من عدم رفع اليد عن آثار الموضوع في حدّ ذاك الزمان وان كان أصل وجود اليقين به في آن ما كما لا يخفى ، فلا يتعدى إلى آثار الخارج عن ذاك الزمان.

نعم يمكن التفصيل :

بين الامور المحرز فيها الاستمرار والبقاء لو لا الرافع كالزوجية والملكية ونحوهما.

وبين غيره مما لم يحرز فيها ذلك.

فيترتب في الأول آثاره مطلقا ما لم يقطع بخلافها ولو في غير زمان القطع بتحققها من جميع الجهات من حيث المقتضي وعدم الرافع ولكن فيما إذا كان الشك في الخارج عن ذاك الزمان من حيث المقتضي من أول الأمر لا من جهة

ص: 414

حصول الرافع وعدمه ، فانّ الشك في تحقق مثل الملكية ونحوه في الخارج عن الزمان المتيقن بتحققه فيه من جميع الجهات من الجهة الاولى يكون مسببا عن الشك الساري في تحققه في ذاك الزمان المتيقن فإذا حكم بتحققه فيه وعدم الاعتناء بالشك الساري يلزمه الحكم بتحققه مطلقا ما لم يقطع بالرافع لكون مثل الامور المذكورة مما تبقى بنفسها ما لم يرفعها رافع ، هذا.

مضافا إلى دخولها من هذه الجهة بنفسها في القاعدة ، حيث انّ اليقين بتحققها في زمان ملازم مع اليقين بتحقق المقتضي لها دائما غاية الأمر بالنسبة إلى مقدار قطع بعدم الرافع لها يدخل الشك فيها في القاعدة من أي جهة كان وبعده يدخل فيها من جهة خصوص الشك في المقتضي لا من جهة الشك في الرافع فيرجع الأمر حينئذ إلى انّه لا فرق في القاعدة بين الموارد مطلقا من جهتها ، غاية الأمر يختلف في طول المدة وقصرها حسب اختلاف الامور طولا وقصرا وهذا لا يوجب الفرق في القاعدة كما لا يخفى.

نعم لو كان الشك في الامور المستمرة من جهة الشك في الرافع في الخارج عن زمان اليقين فلا بدّ من ارتفاع الشك بدليل آخر من استصحاب عدم تحقق الرافع ونحوه ، ولا ربط له بقاعدة.

تذنيب : لا فرق في مفاد الأخبار :

بين أن يكون المستصحب من الامور الوجودية أو الامور العدمية.

ولا بين كونه من الامور الخارجية وبين الأحكام الشرعية.

ولا بين كونه من الأحكام الكلية أو الأحكام الجزئية.

ويكون شمولها للكل بنحو واحد من لزوم التعبد بالبقاء عملا بلا تقدير أثر في ما لو كان المنصوص الموضوعات الخارجية ، غاية الأمر التعبد بالبقاء يرجع

ص: 415

فيها إلى انشاء آثار لها مماثل لآثارها السابقة وفي الأحكام يرجع إلى انشاء المماثل لنفس المستصحب فيما كان الموضوع باقيا عرفا وان لم يكن باقيا دقة.

فما حكي عن المحقق الخوانساري رحمه اللّه (1) من انكار الاستصحاب في الامور الخارجية تخيلا منه انّها ليست بقابله للجعل أو احتياج شمول الأخبار لها إلى التقدير ، وعن الأخباريين (2) من الانكار في الأحكام الكلية تخيلا منهم باختلاف الموضوع دقة ، لا وجه له كما لا يخفى.

ثم انّه لا فرق أيضا بين كون المستصحب من الأحكام التكليفية وبين كونه من الأحكام الوضعية بلا تفاوت على التحقيق بين كون الأحكام الوضعية قابلة للجعل ابتداء أو لا ، بل كانت منتزعة من الأحكام التكليفية ، غاية الأمر بناء على الأخير فان كان التكليف المنتزع منه أولا مما يشك في بقائه ولم يعلم بارتفاعه فيجري فيه الاستصحاب وبتبع جعله يجعل الوضع أيضا. وامّا ان علم بارتفاعه ولكنه يشك في حدوث أثر شرعي آخر يكون بقاء الوضع بتبع حدوثه فيستصحب الوضع ويستكشف بالإن جعل الأثر الحادث.

لا يقال : انّ استصحاب عدم الأثر الحادث حاكم على استصحاب الوضع لكونه من لوازمه المنتزعة منه.

لأنّا نقول : انّه كذلك في مقام الثبوت ولكنه بحسب لسان الدليل الشرعي بالعكس ، فانّ الأثر الشرعي مترتب في الدليل على الوضع فمن هذه الجهة يكون الشك فيه مسبّبا عن الشك في الوضع فيكون استصحابه مقدّما على استصحابه. ومنه يظهر انّ استصحاب الوضع مقدم على استصحاب التكليف ولو كان مما له حالة سابقة كما لا يخفى.

ص: 416


1- مشارق الشموس : 76 السطر 11.
2- الرسائل الاصولية : 425.

ثم إذا انجرّ الكلام إلى هنا فلا بأس أن نشير إلى الخلاف المشهور في كون الأحكام الوضعية مجعولة بنفسها أو انتزاعية من التكاليف ؛ ولا بدّ أولا من تحرير محل الخلاف فاعلم :

انّه لا ريب في مغايرة الأحكام الوضعية من الجزئية والشرطية والمانعية والصحة والفساد والملكية والزوجية والوكالة والحجية ونحوها من الاعتبارات مع الأحكام التكليفية من الايجاب والتحريم وغيرهما مفهوما ولا في قابلية الأول لتعلّق الانشاء به لكونه خفيف المئونة كقابلية الثاني للانشاء والجعل حقيقة.

وكذا لا ريب في انّ النزاع ليس في تسمية الأحكام الوضعية حكما لكونه دائرا مدار إرادة المغيّا الأعمّ الشامل للوضع والتكليف منه أو إرادة الأخص غير الشامل إلاّ لخصوص الأخير.

ولا في كون الحكم الوضعي حكما شرعيا أو لا لكونه تابعا بعد قابليته للجعل لكون الجاعل هو الشارع أو العرف.

ولا نزاع أيضا على كلا القولين في صحة التعبير عن كل واحد منهما إذا كان هو المقصود بالجعل بخطاب يخص الآخر مجازا أو كناية كما هو كذلك في غالب الانشاءات في العقود بناء على عدم كون الوضع قابلا للجعل كما لا يخفى.

ولا نزاع أيضا في كون الأحكام الوضعية ليست من الموجودات التي كان بحذائها شيء في الخارج ولا من أنياب الأغوال ، إذ المسلّم انّها من الاعتبارات الصحيحة التي لها منشأ انتزاع صحيح كما في الأحكام التكليفية.

ولا نزاع أيضا في كونها مع الأحكام الوضعية متحدة مصداقا غالبا.

بل النزاع بعد تسليم كون منشأ الانتزاع في التكاليف نفس انشائها للتوصل اليها في انّ الأحكام الوضعية أيضا كذلك فتكون مجعولة بانشائها بنفسها تشريعا للتسبّب به إليها ويكون نفس قصد حصولها تشريعا هو منشأ انتزاعها الحقيقي أولا ،

ص: 417

بل المنشأ جعل التكاليف وانشائها ، فتكون امورا منتزعة منها نظير لوازم الماهيات في التكوينيات ، فحينئذ يكون المراد من قابلية شيء للجعل التشريعي تحقق واقعيته بانشائه بقصد تحقق مضمونه في مقابل ما ليس كذلك فانّ انشاءه كذلك يكون لغوا أو يفيد فائدة اخرى أو لا تكون مجعولة أصلا ولو بانشاء التكاليف ، فلا تكون مجعولة لا ابتداء ولا تبعا للتكاليف.

فنقول : التحقيق : انّ الأحكام الوضعية على ثلاثة أقسام :

منها : ما ليست بقابلة للجعل أصلا لا ابتداء ولا تبعا.

ومنها : ما كانت قابلة له تبعا لا أصالة.

ومنها : ما كانت قابلة له بكل منهما بحسب الامكان ، وامّا بحسب الوقوع فقابلة لخصوص الجعل [ الأصالتي ]. (1)

امّا الطائفة الاولى : فكالسببية للتكليف بل مطلقا ولو للوضع كالسببية للملكية ونحوها والشرطية والمانعية بالنسبة إلى التكليف.

امّا عدم قبول السببية للتكليف للوضع فيتوقف بيانه على امور :

أحدها : انّ التكليف من الأفعال الاختيارية ، للآمر والناهي ، ومن المعلوم انّ الفعل الاختياري لا بدّ في صدوره عن فاعله من غرض وداعي حامل له عليه وان كان غير الحكيم ، غاية الأمر يكون الغرض في فعل الحكيم هو المصلحة وفي غيره لا يلزم أن يكون كذلك ، وبدونه لا يصدر عنه فعل اختياري أصلا كما هو واضح.

الثاني : انّ محل النزاع إنّما هو في الجعل التشريعي لا في التكويني ، ومن المعلوم انّ الأول لا يوجب تغيير ما تعلق به عما هو عليه واقعا من الخصوصيات

ص: 418


1- في الاصل المخطوط ( الاصالي ).

وان كان الجعل التكويني موجبا لذلك كما هو واضح.

الثالث : انّ محل النزاع إنّما هو فيما إذا لم يرد من خطاب جعل السببية الايجاب أو التحريم مثلا مجازا أو كناية بل نفس السببية لهما ، وإلاّ فيرجع إلى جعل التكليف كما هو واضح.

الرابع : انّ الوجوب والايجاب في التشريع كالوجود والايجاد في التكوين متحدان ذاتا ومتغايران اعتبارا بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فنقول :

انّ مغيّا سببية شيء للتكليف اشتماله على خصوصية موافقة لغرض المكلّف يكون لحاظ اشتماله عليها. وبعبارة اخرى : يكون ذاك الشيء بوجوده الذهني داعيا إلى التكليف وباعثا عليه كما في جميع العلل الغائية. فحينئذ لو كان ذلك الشيء الذي انشئت له السببية مشتملا ذاتا على ما يوافق الغرض فكانت سببيته ذاتية لا مجعولة ، وإلاّ فان اريد من انشائها جعل التكليف مجازا أو كناية فلا جعل لها أيضا وبدونهما فان كان انشاء السببية موجبا لايجاد خصوصية في ذلك الشيء بعد ان لم يكن مشتملا عليها فانقلب الجعل التشريعي إلى التكويني ، وبدون تحققها فكيف يتحقق الايجاب والتحريم اللذان كانا من الأفعال الاختيارية التي قد عرفت عدم تحققها من دون غرض باعث إليها؟ وبدونهما فكيف يتحقق الوجوب والحرمة اللذان قد عرفت عدم انفكاكهما عنهما؟

فان قلت : انّ انشاء السببية للدلوك وان لم يوجب تحقق الغرض الباعث على الايجاب والتحريم إلاّ أنّه يكفي في تحقق الوجوب عنده بلا فعل آخر حين تحققه.

قلت : انّ الوجوب الحقيقي بحيث يصدق عليه بالحمل الشائع لا يتحقق بدون الإرادة والطلب الحقيقي للفعل ، وحينئذ فان كان ذاك الانشاء موجبا لتحقّق

ص: 419

الارادة بعد ما لم يكن فيلزم الانقلاب إلى التكوين لكون الارادة من المحمولات بالضميمة المحتاجة إلى التكوين ، ومع تحقق الارادة قبل الانشاء المذكور فان كانت كافية في انتزاع الوجوب عند العقلاء لكونها إيجابا حقيقيا إذا علم بوجودها ولو لم يتحقق ايجاب بعدها انشاء فلم يؤثّر انشاء السببية في الوجوب أصلا بل الارادة كافية فيه ، وان لم تكن الارادة كافية في انتزاعه بل كان محتاجا إلى انشاء ايجاب على حدة فلا ينتزع من الانشاء المذكور أيضا لما عرفت من ملازمته مع الايجاب بل كان متّحدا معه ذاتا وان كان متغايرا معه اعتبارا وقد عرفت انّه من الأفعال الاختيارية التي لا بدّ فيها من داع عليها ومع عدمه في شيء ذاتا لا يتحقق فيه بالانشاء فلا يحصل ايجاب ولا وجوب. نعم كان مثل الصلاة في وقت الدلوك ذات مصلحة فيكون الدلوك موجبا لتحقق الموضوع لا سببا لايجابه لو لا المصلحة في ذاته.

فان قلت : هب انّ الدلوك لا يتفاوت بسبب انشاء السببية له عما هو عليه من الخصوصيات ، إلاّ انّه يتحقق له عنوان اعتباري وهو كونه مما جعل له السببية انشاء وهو مما يصلح أن يصير داعيا إلى التكليف.

قلت : على فرض كفاية الانشاء المذكور في الايجاب عند الدلوك لا يجدي في المدّعى ، حيث انّه حينئذ من جهة كون الانشاء المذكور بمنزلة وعد على الايجاب عنده فيكون ذلك من هذه الجهة داعيا إليه ، ومن المعلوم انّ المصلحة في الوعد وكونه داعيا على العمل يكون ذاتيا له غايته يكون الانشاء بمنزلة جعل الموضوع المشتمل على المصلحة تكوينا لا جعل السببية تشريعا كما هو المدّعى. هذا على فرض عدم رجوع الانشاء المذكور إلى انشاء التكليف ، وامّا معه فلا اشكال أصلا كما لا يخفى.

فان قلت : لو لم يكن الانشاء مؤثّرا في جعل السببية فكيف في وضع اللفظ

ص: 420

للمعنى؟ فانّه قبله لم يكن سببا للدلالة وبعده صار سببا لها كما لا يخفى ، وهذا كتعين السعر بمجرد جعل المالك ونحوه.

قلت : انّ ما يتصور في مورد استعمال اللفظ المتوهم حصوله من الوضع لا يخلو من ثلاثة أشياء :

أحدها : ارادة المتكلم المعنى منه ؛ ولا ريب في عدم توقفه على الوضع بل يكون ولو مجازا بل غلطا.

ثانيها : علم المخاطب أو ظنه بارادة المتكلم له وتصديقه بذلك ؛ وهو لا يحصل بمجرد الوضع خارجا بل يتوقف على امور غيره بحيث لو لا واحد منها لما حصلت الدلالة بالمعنى المذكور :

منها : علمه بالوضع.

ومنها : علمه بتبعية المستعمل له.

ومنها : علمه أو ظنه بارادته له جدا لينتقل إلى ما هو لازمه من ترتيب آثار الواقع ولا أقل في مقام الاستعمال ليكون حجة وضربا لقاعدة في البين كي تكون هي المرجع عند الشك في مراده في غير ما علم خلافه على أقوى الوجهين في العام المخصص بالمنفصل.

ومن المعلوم انّ مع هذه الامور يحصل التصديق بالارادة ولو لم يكن وضع في البين كما لو كان العلم بالوضع - لكل من المستعمل والمخاطب - جهلا مركبا.

نعم مع كون المستعمل فيه موضوعا له واقعا تتوقف تلك الامور على الوضع لكونه متعلقا لها ، مع انّ هذا التوقف إنّما هو بنفس الوضع لا بما قصد به من جعل السببية للفظ ؛ هذا على تقدير كون المعنى معنونا بعنوان الموضوع له ؛ وامّا التصديق بكونه مرادا بما هو فلا يتوقف على الوضع أصلا.

ثالثها : الدلالة بمعنى خطور المعنى في ذهن السامع عند سماعه أو رؤيته

ص: 421

كتبا ونحو ذلك ، فلا يتوقف على الوضع أيضا بل على الامور المذكورة بل يحصل عند عدمها أيضا بمقدمات اخرى مع التصريح بنفي الوضع له أو بمجرد احساس المقارنة بين اللفظ والمعنى اتفاقا ، وعلى تقدير التسليم فيكون من آثار نفس الوضع لا ما قصد به.

هذا كله في السببية للتكليف.

وكذا الحال في السببية للأحكام الوضعية كجعل معاملة ونحوها سببا للملكية ونحوها فالتحقيق انّها لم تكن مجعولة أيضا ، حيث انّ المسببات كما سيجيء وان كانت من الامور الاعتبارية إلاّ انّها من الاعتبارات الصحيحة التي لا بدّ من منشأ انتزاع صحيح لها بحيث لا بدّ من خصوصية فيه يكون بها منشأ لانتزاع أمر خاص لا غيره الفاقد لها ، ولا هو لغيره ، وإلاّ لكان كل شيء منشأ للانتزاع بالنسبة إلى كل شيء وهو باطل ؛ وحينئذ فان كان ذاك الشيء المجعول له السببية ذات خصوصية فلم تكن السببية مجعولة وإلاّ فلم يتحقق بالانشاء تشريعا لعدم انقلاب الأشياء به عما هي عليها من الخصوصيات الواقعية.

وامّا توهم : تحقق السببية في معاملة ونحوها بالنسبة إلى الملكية ونحوها بمجرد جعل طائفة من العقلاء لها سببا لها بعد عدم كونها كذلك قبله ، فمدفوع على فرض تسليم صيرورتها سببا لها :

امّا بأنّ منشأ انتزاع الملكية هو نفس الجعل المتعلق بالمعاملة الذي كان سببا للانتزاع واقعا ؛ وملاحظتها في مقام الانتزاع إنّما هو من جهة كونها متعلق الجعل الخاص وتحققه عنده لا مطلقا.

وامّا بالتزام انّ السبب الواقعي للملكية إنّما هو العقد الصادر ممن كان سلطانا على متعلقه حينه ومختارا في التصرف فيه ، كانت سلطنته ذاتية واقعية كاللّه تبارك وتعالى أو جعلية من قبله تعالى ولو بالواسطة في كل الامور كالنبي صلی اللّه علیه و آله

ص: 422

والولي علیه السلام أو في بعض دون بعض ، أصالة كالمالك مثلا أو نيابة كولي المحجور عليه أو الوصي مثلا ، كانت دائرته مطلقة أو على تقدير وجدان بعض الشروط دون بعض على اختلاف أنحائها.

فالمجعول منه تعالى للملاّك بدليل « الناس مسلّطون الخ » (1) هو السلطنة والولاية بعد كونها من الامور القابلة للجعل وبعد ذلك يتحقق الموضوع وهو السلطان فيكون عقده سببا ذاتا عند العقلاء بلا جعل السببية فيه ؛ وعرفت انّ جعل الموضوع غير جعل السببية.

لا يقال : انّ السبب لو كان هو العقد الصادر ممّن كان سلطانا من قبله تعالى فكيف يتخلف عنه عند غير المتشرعة؟

لأنّه يقال : انّ السبب هو عقد السلطان على النحو الذي جعلت له السلطنة ، غاية الأمر يكون الخطأ فيما تخلف عن جعله تعالى في السلطان وتخيل انّ السلطنة لا يلزم أن تكون من قبله تعالى.

ومما ذكرنا في جعل المعاملة سببا للملكية ظهر الجواب عن سببية جعل المالك للسعر لو كان من الاعتبارات الواقعية.

والحاصل : انّ السببية بأنحائها غير قابلة للجعل ، وكذا شرط التكليف والمانع عنه لما عرفت في السببية من تبعية التكليف للغرض الداعي إليه ، فان كان لشيء دخل فيه على نحو السببية أو الشرطية وجودا أو عدما فيؤثر فيه ولو لم يتعلق به جعل وإلاّ فلا يحصل له الدخل مطلقا ولو أنشئ له تشريعا لكون هذا الدخل راجعا إلى التأثير في المشروط ولا يكاد يكون إلاّ عن خصوصية واقعية

ص: 423


1- الخلاف 3 : 176 المسألة 290 من كتاب البيوع ؛ عوالي اللآلي 1 : 457 الحديث 198 و 1 : 222 الحديث 99 و 2 : 138 الحديث 383 و 3 : 208 الحديث 49 ؛ بحار الانوار 2 : 272 الحديث 7. وهذا النبوي قد رواه جمع من العامة ، والظاهر انه ليس له طريق صحيح عندنا.

التي لا تكاد تحصل بالانشاء كما لا يخفى. وامّا انتزاع الشرطية للمجيء في مثل « ان جاءك زيد فأكرمه » فإنّما هو لخصوصية الواقعية لو كانت وإلاّ فيطلق عليه مسامحة من جهة تحقق الموضوع عنده كما لا يخفى.

هذا كله في القسم الأول.

وأمّا القسم الثاني ، وهو : ما يقبل الجعل تبعا لا أصالة كالشرطية والجزئية والمانعية للمأمور به ، فليعلم انّ لها اعتبارات ثلاث :

أحدها : دخلها في حصول الغرض من المأمور به بناء على تبعية الأمر لما فيه من المصلحة. ولا ريب في كونها بهذا الاعتبار داخلة في القسم الأول ، وقد عرفت انّه غير قابل للجعل مطلقا.

ثانيها : دخلها في ذات المأمور به في عالم اللحاظ قبل تعلق الأمر به في الماهيات المخترعة التي كانت لها وحدة اعتبارية كالصلاة ونحوها.

وثالثها : كونها داخلة فيه وجودا أو عدما بعنوان كونه مأمورا به. ولا يخفى انّ كلا منها بهذين الاعتبارين منتزعة ومجعولة تبعا ، غاية الأمر للاختراع ولحاظ الماهية في الأول وللأمر به في الثاني ، فان كان اللحاظ الوحداني متعلقا بالمركب من الاجزاء والشرائط أو الأمر ينتزع لها الجزئية أو الشرطية للماهية أو للمأمور به ولو ألف مرة انتفت الجزئية والشرطية ولو لم يتعلق بالمجموع لحاظ وحداني ولا أمر ، فلا يصدق على كل منها الجزئية والشرطية للماهية أو للمأمور به ولو ألف مرّة أثبت لها كما لا يخفى.

وامّا الصحة والفساد :

ففي العبادات فغير قابلتان للجعل أيضا بل الصحة تابعة للاتيان بالمحبوب بنحو يحصل به الغرض وهو اتيانه على نحو قربي ، سواء تعلق به أمر فعلا أو لا لمانع عنه كما في غير الأهمّ من المتزاحمين منتزعة عن الاتيان بالمأمور به الفعلي

ص: 424

أو الشأني على الوجه القربي ، فان أتى به كذلك فينتزع عنها الصحة وإلاّ فلا ؛ والفساد ينتزع عن عدم الاتيان به كذلك.

ومما ذكرنا ظهر المناقشة في تفسير الصحة : بموافقة المأتي به للمأمور به مطلقا ؛ لما عرفت من عدم لزوم الأمر الفعلي وعدم كفاية مطلق الموافقة في انتزاعها.

وكذا الحال في المعاملات بناء على كون الصحة فيها بمعنى تأثيرها في الملكية ونحوها على ما عرفت من عدم كون السببية مجعولة فيها أيضا ، لكون التأثير حينئذ راجعا إلى نفس ذات المعاملة بخصوصياتها الواقعية ؛ والفساد عبارة عن عدم تأثيرها كذلك.

نعم بناء على ما عرفت من كون السبب هو العقد الصادر عن السلطان فلا غرو في قابليتهما للجعل بتبع جعل موضوعهما وهو السلطنة.

وأمّا القسم الثالث : وهو ما يقبل الجعل أصالة وتبعا إمكانا ، وأصالة وحدها وقوعا كالملكية والزوجية والوكالة والولاية والحجية ونحوها من سائر الاعتبارات ، فيقع الكلام فيها في مقامين :

[ المقام ] الأول : في حقيقتها هل هي من الامور الواقعية التي كان ما بحذائها شيء في الخارج أم لا؟ بل من الاعتبارات التي ليست كذلك.

التحقيق : انّ الملكية مثلا من مقولة الاضافة فتكون من الاعتبارات ، إلاّ انّها ليست من أنياب الاغوال التي لا واقع لها ولا منشأ الانتزاع سوى الانتزاع والاختراع بل من الاعتبارات الصحيحة التي كان لها منشأ انتزاع صحيح ، ولذا لا ينتزع من كل شيء بل من أشياء خاصة كعقد المالك مثلا مع شرائط خاصة ، خلافا

ص: 425

لبعض الفضلاء المعاصرين (1) فانّه قال : انّه من مقولة الجدة ، وقد عرفت بأنّها هيئة إحاطة شيء بشيء بحيث ينتقل المحيط بنقل المحاط كالتقمّص والتعمم ونحوهما كما في كتب المعقول من الأسفار (2) وغرر الفرائد (3) للسبزواري وفي الشوارق (4) نقلا عن بعض آخر ؛ ولا ريب في انّ حصول الملكية لا يلازم أبدا مع حصول الجدة بل لا تتغير تلك المقولة أو تكون لشخص مع تغيير الملكية وحصولها لغير من له المقولة كما هو واضح.

ولعل التوهّم إنّما نشأ مما يتراءى من عبارة المحقق الطوسي رحمه اللّه : انّ التملك من مقولة الجدة. (5)

ولكن الظاهر بل المقطوع انّه أراد من الملكية الاتّصاف بالهيئة الحسّية المذكورة ووجدانها ، لا الملكية فيما نحن فيه التي كانت من الاعتبارات المعنونة تحصل بمجرد العقد مثلا بلا تغيير في الواقعيات ، ولذلك صرح في الأسفار (6) في باب مقولة الجدة : انّ الملكية من الإضافات ، فراجع.

المقام الثاني : في منشأ انتزاعها ، فانّه بعد امكان كونه هو جعل التكاليف وانشائها وعدم استحالته عقلا يقع الكلام في وقوع ذلك واقعا وعدمه.

والتحقيق : انّ ما وقع منها في الخارج انّها لا ينتزع من مجرد الحكم التكليفي وان كان يمكن أن يستكشف به وجودها.

ص: 426


1- فوائد الاصول 4 : 383.
2- الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة 4 : 223.
3- شرح المنظومة ، قسم الفلسفة : 143 - 144 « غرر في الاعراض النسبية » ؛ والطبعة الحديثة 2 : 491 - 492.
4- شوارق الالهام : 394 المبحث السابع من الفصل الخامس.
5- اساس الاقتباس : 51 ، كشف المراد : 277 المسألة الثامنة.
6- تقدم تخريجه.

أمّا أولا : فلأنّ التكاليف التي كانت مع كل واحد من الاعتبارات لو كان منشأ لانتزاعها فامّا :

أن يكون ذلك جميع ما كان منها أثرا للملكية والزوجية مثلا فبديهي البطلان لوضوح تخلف البعض بل المجموع عن كل منهما كما في ملك المحجور عليه والصغير والزوجة المنقطعة وزوجة الصغير.

وان كان بعضا معيّنا فباطل أيضا ، لوضوح تخلف كل من آثار الزوجية والملكية عنهما فيوجد في بعض الموارد ولا يوجدان فيه ويتحققان ولا يتحقق ذاك الأثر كما في وجوب النفقة والارث مع الزوجية مثلا وجواز البيع وكل من التصرفات في الملكية.

وان كان غير معيّن فلا معنى له بعد عدم الجامع فتدبر حتى يتضح حقيقة الحال ، هذا.

مع انّه قد يكون غالب أحكام الملك لغير المالك كما في المجاعة ، ولا يكون للمالك إلاّ القليل كما في ملك البطون اللاحقة في الوقف الخاص.

ومما ذكرنا ظهر : انّ القائل بانتزاعية الملكية مثلا كالشيخ قدس سره (1) لا بدّ أن يقول به في كل مورد تحقق فيه الآثار ، وحينئذ فيرد عليه : انّه بناء على مذهبه فلا يتصوّر إباحة جميع التصرفات في المال بدون الملكية ، فكيف هو يتصدى للنقض والابرام على القول بالاباحة في المعاطاة منفكا عن الملكية بكونه مخالفا لأدلة مثل « لا بيع إلاّ في ملك » (2) و « لا عتق الخ » (3) بحيث يظهر منه صحته ذاتا لو لا

ص: 427


1- فرائد الاصول 3 : 130.
2- بهذا المعنى في : وسائل الشيعة 12 : 374 الباب 7 من ابواب احكام العقود ، الحديث 2 و 5 ؛ 12 : 252 الباب 2 من ابواب عقد البيع وشروطه ، الحديث 1 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 230 عدة احاديث.
3- وسائل الشيعة 16 : 8 كتاب العتق الباب 5 من ابواب العتق ، عدة احاديث مختلفة الالفاظ بهذا المعنى.

تلك الأدلة؟ مع انّه على مذهبه لا بدّ أن يردّ ذاك القول بعدم المعنى له بعد القول بانتزاعية الأحكام الوضعية.

وامّا ثانيا : فلأنّه لا بدّ في الامور الاعتبارية الاختراعية في مقام انتزاعها من لحاظ منشئها وتحققه ، مع انّه ليس كذلك في مثل الملكية والزوجية ونحوهما حيث انّه بمجرد وقوع العقد بين المتبايعين والمتناكحين يعتبر لهما الملكية والزوجية مع الغفلة بالكلية عن تكليف شرعي وانّ المنشأ لهما مثلا أيّ الآثار وانّه يتحقق بينهما أم لا ، فيستكشف عن عدم كون الأحكام الوضعية منتزعة عن التكليف.

واما ثالثا : فلأنّه لو كانت منتزعة فلا بدّ في مقام الانشاء من قصد حصول المنشأ وهو التكليف أو قصد ما كان موضوعا له ، وبعد تحققه فيتبعه الوضع قهرا حيث انّه منتزع عنه ولا بدّ في مقام اختراع الأمر الانتزاعي من قصد حصول منشئه ، ومن المعلوم انّ الأمر في المقام ليس كذلك حيث انّه ينشأ الوضع ويتسبب بانشائه إلى تحققه مع الغفلة عن التكليف رأسا.

والحاصل : انّه لا وجه لجعل الأحكام الوضعية منتزعة عن التكليف مع انّ اختلافه لا يوجب الاختلاف فيها ، دون العكس فانّ اختلافها يوجب الاختلاف فيه فيستكشف عن كونها مجعولة بالاستقلال ثم يتبعها التكليف. ويدل عليه قابلية بعض الحقوق - مثل الشفعة وحق الخيار ونحوهما - للصلح والاسقاط والنقل والانتقال ، مع انّ التكليف ليس كذلك وليس اختراعه بيد المكلف واختياره.

ومما ذكرنا في الملكية والزوجية ونحوهما ظهر : انّ الحال في الحجية والولاية والقضاوة وسائر المناصب كذلك فانّها مجعولة بالاستقلال ثم يتبعها الوضع لا بالعكس وان كان يعبّر عنها بآثارها كناية عنها. ويدل عليه كيفية جعل المناصب في العرف ؛ وقوله علیه السلام بعد ذكر صفات القاضي : « انّي قد جعلته قاضيا وحاكما عليكم

ص: 428

الخ » (1) إلى أن قال : « هم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم » (2) فانّ ظاهر العرف في جعل المناصب وكذا ظاهر الخبر هو جعل المنصب ثم يتبعه التكليف لا بالعكس.

ثم انّه يتفرع على ما ذكرنا - من كونه المجعول في الأخبار مثلا هو الحجية - بقاء التكليف الواقعي على حاله وكونه فعليا ولو مع الحجة على خلافه كما ذكرنا في جعل الأمارات.

إذا عرفت ما ذكرنا من عدم كون الحكم التكليفي منشأ لانتزاع الملكية ونحوها فاعلم : انّ انشاءها وهو قصد حصولها باللفظ أو الفعل ونحوهما يكون منشأ لها مع انّه يكون من المحمولات بالضميمة ، وكذا تكون الأسباب الأخر من الموت وسائر ما جعله الشارع بلا جعل سببية فيها بل المراد من جعله امّا كشفه عن السبب أو جعل الموضوع كما عرفت.

ثم انّ ما قلنا : من كون الأحكام الوضعية اعتبارية إنّما هو في غير الطهارة والنجاسة ، وامّا هما فيمكن كونهما من المحمولات بالضميمة بناء على كونهما من المتضادين ، أو أحدهما بناء على كونهما من العدم والملكة. وفي كون الوجودي هو الطهارة أو النجاسة والحدث وجهان.

ولكن الظاهر انّ الخبث الشرعي مثل القذارة العرفية يكون من الامور الواقعية الموجودة كما يتضح ذلك بالرجوع إلى العرف من تنفّر طبائعهم من القذر

ص: 429


1- لم نعثر عليه بهذا التعبير ، بل الظاهر إنها عبارة ملفقة من روايتين : الاولى : « فاني قد جعلته عليكم حاكما » ، وسائل الشيعة 18 : 98 الباب 11 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 1 ؛ والثانية : « فاني قد جعلته عليكم قاضيا » الحديث 6 من نفس الباب.
2- الظاهر أنها تتمة لرواية « واما الحوادث الواقعة » لا لرواية « عليكم قاضيا » أو « عليكم حاكما ». وسائل الشيعة 18 : 101 الباب 11 من ابواب صفات القاضي ، الحديث 9.

عندهم ، ومن المعلوم انّ القذر عند الشرع لا يخالفه بحسب الكبرى وإنّما الردع وجودا أو عدما بحسب تخطئتهم في المصداق حيث انّ الملاك الواقعي فيه إنّما هو تنفّر طبيعة الشرع لا تنفّر طبيعتهم وان كان هو المرجع في استكشاف القذارة الشرعية فيما كان إطلاق في البين بلا معيّن شرعي. وهذا ، كما انّه بحسب الأثر كذلك أيضا ، فيكون المرجع في غسل النجاسة وازالتها ما هو كذلك عرفا لو لم يكن طريق خاص من الشرع على خلافه.

وامّا الطهارة في مقابل الخبث : فالظاهر انّها عدم القذارة عما من شأنه القذارة فتكون المطهرات معدمة للخبث وحده ولا دليل على كونه أمرا وجوديا ، فيكونان من الضدين حتى تكون المطهرات الشرعية محدثة لأمر ومزيلة لأمر آخر وهو الخبث.

وأمّا الطهارة في مقابل الحدث : فالظاهر من أدلة الوضوء من انّه « نور » (1) و « الوضوء على وضوء نور على نور » (2) وأدلة الغسل من انّه « أنقى من الوضوء » (3) والأدلة الدالة على تأثيراتهما في بعض الامور المعنوية من تبعيد الشيطان والأجنّة وتسهيل خروج الروح في حال الاحتضار ونحو ذلك ؛ انّها وجودية ، فراجع الأدلة.

وامّا الحدث : فيمكن أن يكون أمرا وجوديا أو عدميا ، ولا دليل على واحد منهما ، فلا يعلم انّ المزيل للطهارة من البول والنوم ونحوهما هل يحدث أمرا

ص: 430


1- لم نجده في مظانه. ويحتمل انه متصيد من قوله علیه السلام : « الوضوء على الوضوء نور على نور » الآتي.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 26 الباب 8 باب صفة وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الحديث 82 / 9.
3- لم نجده بهذا التعبير ، بل بتعبير : « وأيّ وضوء أنقى من الغسل ». وسائل الشيعة 1 : 516 الباب 34 من ابواب الجنابة ، الحديث 4.

وجوديا آخر وهو الحدث أم لا؟ وتظهر الثمرة في كون الحدث مانعا أو الطهارة شرطا في لزوم الاحراز وعدمه كما في مخلوق الساعة بالغا بلا صدور واحد من الأحداث منه كما لا يخفى ، فتدبر.

ص: 431

وينبغي التنبيه على امور :

[ الامر ] الأول : في جريان الاستصحاب في ما لو كان المستصحب كليا سواء كان حكما شرعيا أو موضوع حكم شرعي وعدمه.

وليعلم : انّ هذا النزاع - بل سائر ما يأتي من النزاع في جريان الاستصحاب في بعض الامور الأخر في التنبيهات الآتية - ليس في الكبرى في تعيين مفاد الأدلة الدالّة على حجية الاستصحاب ومقدار سعته وضيقه ، بل إنّما هو في الصغرى في تطبيق ما استفيد منها من المعنى على بعض الصغريات لاجتماع جميع ما تقوّم به الاستصحاب من الشرائط وعدمه لاختلال بعض الشرائط.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الشك في الكلي يكون على أقسام :

[ القسم الاول ] (1) : أن يكون الشك في بقاء الكلي وارتفاعه من جهة الشك في بقاء الفرد المعيّن الذي تحقق الكلي سابقا في ضمنه وارتفاعه ، كالانسان المتحقق في ضمن زيد المشكوك بقاؤه من جهة الشك في بقائه.

ولا اشكال في جريان الاستصحاب في كل منهما وترتيب آثار كل منهما عليه.

وهل يغني استصحاب أحدهما عن الآخر؟

فنقول : انّ استصحاب الكلي لا يفيد بالنسبة إلى آثار الفرد ، لعدم استلزامه للفرد إلاّ من باب انّه مصداق فرد ما لا بدّ منه في وجود الكلي لا له بخصوصيته.

ص: 432


1- في الاصل المخطوط ( أحدها ).

وامّا استصحاب الفرد فيبتني على اتحاد الطبيعة مع الفرد وجودا عرفا كما كان كذلك دقة أو تعددهما بحسب تخيلهم ولكن مع خفاء الواسطة ؛ وامّا مع تعددهما في نظرهم مع جلاء الواسطة وان كان مخالفا للواقع فيشكل ذلك بناء على عدم حجية الاستصحاب المثبت ، حيث انّ المناط في موضوعه إنّما هو نظر العرف ولو المسامحي منه ، لا الدقة العقلية. إلاّ ان يناقش بانّ نظرهم هو المناط في تعيين المفاهيم لا في مقام التطبيق كما فيما نحن فيه بتخيل التعدد فيمكن أن يكون خطأهم فيما نحن فيه في التطبيق بحيث لو اطّلعوا على الاتحاد في الواقع لقالوا بكفاية استصحاب الفرد في ترتيب آثار الطبيعة فتدبر.

القسم الثاني : أن يكون الشك في بقاء الكلي وارتفاعه في الآن اللاحق من جهة عدم تعيّن الفرد المحقق سابقا وتردده بين ما هو مرتفع جزما وما هو باق كذلك.

فالمشهور جواز استصحاب الكلي في هذا القسم بلا تفاوت :

بين كون الشك من جهة المقتضي ، كالشك في بقاء الحيوان المردد بين طويل العمر وقصيره استعدادا.

وبين كونه من جهة الشك في الرافع ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد التوضي مثلا. وقيّد شيخنا العلاّمة الأنصاري قدس سره (1) هذا المثال بما إذا لم يعلم الحالة السابقة.

ولكن الأوجه عدم صحة هذا التقييد ، حيث انّه لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة فلا اشكال في صحة الاستصحاب المذكور.

وان كانت حدثا أصغر وقلنا بتأثير الحدث الأصغر بعد الحدث بأن يوجب

ص: 433


1- فرائد الاصول 3 : 192.

التأكيد في الوجود وان كان يتداخل في المسبب فكذلك ، حيث انّه يعلم بحدوث نحو جديد من الوجود وهو من جهة كونه تأكّد الوجود الأول ويدور بين الفرد الزائل بالوضوء أو لا يزول إلاّ بالغسل.

نعم لو قلنا بعدم التأثير أو كانت الحالة السابقة هو الحدث الأكبر فلا يكون من القسم الثاني بل يكون المثال الأول من قبيل الشك في تبدّل الفرد الأول بفرد آخر فيكون داخلا في القسم الثالث ، والثاني مما لا يشك في الفرد ولا في الحكم.

هذا بحسب أثر الكلي.

وامّا من جهة أثر الخصوصية فيكون الأصل في كل من الفردين معارضا بجريانه في الآخر في المسبوق بالطهارة أو الحدث الأصغر بناء على التأثير والمشكوك الحالة السابقة فيما لو كان لكل واحد منهما أثر وفي صورة عدم الأثر لواحد منهما في الصور المذكورة تكون أصالة عدم التحقق في الآخر منهما بلا معارض.

وامّا صورة السبق بالحدث الأصغر بناء على عدم تأثير الأصغر بعد الأصغر فيشكل الاكتفاء بأصالة عدم حدوث الأكبر بناء على كونه مباينا مع الأصغر وجودا وغير موجب لارتفاعه ذاتا إلاّ بالغسل الرافع لكليهما حيث انّه بعد الوضوء حينئذ يشك في ارتفاع الأصغر كما لا يخفى فيكون داخلا في القسم الأول من أقسام الكلي الذي عرفت جواز استصحاب كل من الشخصي والكلي.

وامّا بناء على التبدل وصيرورة الأصغر بعد الأكبر شديد الوجود بنحو لا يرتفع إلاّ بالغسل فيشك بمجرد حدوث الحدث المردد بعد الأصغر في تبدل المرتبة الضعيفة بالشديدة فيدخل في القسم الثالث من أقسام الثالث من الكلي الذي سيجيء جواز اجراء استصحاب الكلي فيه فيشكل الاكتفاء بالوضوء في رفع اليد عن آثار مطلق الحدث. وأصالة عدم حدوث الأكبر لا يثبت ارتفاع

ص: 434

الكلي.

نعم لو كان اطلاق دليل يدل على انّ من كان محدثا بالأصغر ولم يحدث منه أكبر ولو بالأصل فيكفيه الوضوء ، لكان الاكتفاء به مطلقا حسنا ، لثبوت الموضوع المركب أحد جزئيه بالوجدان على التباين وبالأصل على الشدة ؛ والجزء الآخر وهو عدم حدوث الأكبر بالأصل كما لا يخفى. لكن الأقوى بناء على التبدل انّ استصحاب بقاء الضعيفة وعدم حدوث المرتبة الشديدة يكون جاريا مطلقا بناء على كون الرفع بالوضوء في الضعيفة وبالغسل في الشديدة أثرا شرعيا فتدبّر.

وامّا صورة المسبوقية بالأكبر فلا يتوقع ، للأصل ، لعدم الشك كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك ، فالتحقيق : جواز الاستصحاب في كل ما كان من القسم الثاني ولا مانع منه من جهة كلية المستصحب سواء كان حكما شرعيا كالطلب المتحقق في ضمن الوجوب المشكوك في بقائه أو ارتفاعه أو غيره كما عرفت من المثالين لتحقق ما هو قوام الاستصحاب من اليقين بالحدوث سابقا والشك في البقاء لاحقا للقطع بتحقق الكلي بنحو من الوجود والشك في بقائه بذاك النحو.

فان قلت : انّه بناء على التحقيق من كون الطبيعي عين الفرد وجودا ويكون تعدده ووحدته وجودا بتعدد الفرد ووحدته فيشكل الاستصحاب في المقام ، حيث انّ الموجود لمّا كان مرددا بين الفرد المرتفع قطعا والباقي كذلك فيتردّد نحو وجود الكلي بين ما ارتفع جزما وبين ما كان باقيا على تقدير حدوثه لكنه مشكوك الحدوث رأسا فيحكم بعدمه بالأصل بعد القطع بعدم الوجود الآخر مع عدم وجود ثالث في المقام.

قلت : انّ الموجود الحادث بالقطع المتردد بين الخصوصيتين مشكوك البقاء ، ولا أصل فيه يتعيّن به انّه الفرد الزائل بالقطع لعدم الحالة السابقة ، لعدم خصوصية

ص: 435

الفرد الطويل فيه ولا خصوصية الفرد القصير ؛ وأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بمفاد كان التامة لا يثبت انّ الحادث هو القصير وان كان ينفع في نفي آثاره فيما لا معارضة مع الأصل في الآخر ، ومع عدم تعيّن خصوصية الوجود الحادث يكون الكلي الموجود بذاك الوجود واجدا لشرائط الاستصحاب.

ونظير هذا التوهم ، توهم : انّ الشك في الكلي بقاء وارتفاعا مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل وعدمه فتكون أصالة عدم حدوثه حاكما على استصحاب الكلي ومقدما عليه.

ولكنه يدفع : بأنّ الشك فيه مسبب عن الشك في كون الحادث هو هذا الفرد أو ذاك مع عدم أصل فيه كما عرفت ، لا عن الشك في حدوث الفرد الطويل بمفاد كان التامة وعدمه ؛ مع انّه على فرض كونه مسببا عنه ولو بواسطة أو بدونها يكون من آثاره عقلا وترتبه عليه عقليا أيضا فلا يترتب عليه إلاّ بالمثبت كما هو واضح.

هذا بالنسبة إلى استصحاب الكلي.

وامّا بالنسبة إلى استصحاب الفرد فقد يقال : - كما قرره الاستاذ (1) دام ظله - بتحقق أركانه فيه ، للعلم بتحقق فرد معيّن واقعا وان كان مرددا في نظرنا والشك في بقاء ذاك الفرد الحادث ، غاية الأمر لا يعتنى به من جهة عدم ترتب الأثر عليه لعدم العلم بخصوصيته.

ولكن التحقيق : عدم جريانه فيه ، لكون المعلوم سابقا فردا مرددا بين الفردين ، والمشكوك لاحقا هو الفرد الطويل معينا وهو غير مسبوق باليقين بالحدوث فتدبّر.

القسم الثالث : ان يكون الشك في بقاء الكلي مستندا إلى احتمال فرد آخر

ص: 436


1- كفاية الاصول : 461.

غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ؛ وهو على أقسام أيضا ، لأنّ الفرد الآخر يحتمل وجوده :

تارة ، مقارنا مع الفرد الزائل من أول وجوده.

واخرى : يحتمل حدوثه بعده مقارنا لارتفاعه.

وثالثة : يحتمل تبدل الفرد المعلوم الزوال إليه فيما كان الجامع بينهما قابلا للشدّة والضعف.

وفي جريان الاستصحاب وعدمه كذلك أو التفصيل ، يبتني على انّ تعدد الوجود مضافا إلى الفرد فيما كانت الأفراد كثيرة هل يوجب كثرة الطبيعة وجودا وان كانت واحدة ماهية في الجميع ، فيكون ارتفاع واحد من الافراد وحدوث آخر منها بالنسبة إلى الكلي أيضا ارتفاع وجود وحدوث وجود آخر كما في الفرد؟ أم لا؟

بل يكون الوجود مضافا إليه واحدا ، فتكون الوجودات مع كونها وجودات كثيرة بالنسبة إلى الافراد وجودا واحدا بالنسبة إلى الطبيعة فكأنها صارت حصصا كثيرة كل منها في ضمن فرد منها وتكون جميع الحصص وجودا واحدا بالنسبة إليه فلا يكون ارتفاع بعض منها أو حدوثه رفعا وحدوثا له؟

التحقيق ، كما عليه أبناؤه : انّ الطبيعي عين الفرد خارجا ، وانّ مثله بالنسبة إلى افراده مثل الآباء بالنسبة إلى الأبناء لا مثل الأب الواحد بالنسبة إلى أبنائه ، لا أن يكون جزءا منها ولا أن يكون حصة منه موجودة في ضمن كل منها بل بنحو الطبيعة بحيث يكون كل منها تمام الوجود بالنسبة إليه فتكون واحدة بوحدة الافراد ومتعددة بتعددها فحينئذ يكون ارتفاع واحد منها ارتفاع واحد من وجودات الكلي وحدوث آخر منها حدوثا لآخر من وحداته فلا يصدق بقاء الوجود الأول في صورة القطع بذلك فكيف يكون الشك فيه شكا في بقائه؟ هذا بحسب الدقة لا

ص: 437

اشكال فيه.

وامّا بحسب العرف فالظاهر انّه كذلك بحيث لا يكون عندهم وجودات الافراد مستندا إلى الكلي وجودا واحدا فلا يجري الاستصحاب بحسب نظرهم أيضا بلا تفاوت بين القسمين ، حيث انّ المناط تعدد وجود الكلي بحيث لا يكون واحد منها بقاء للوجود الآخر منه المرتفع بالقطع. ومجرد كون الوجود المحتمل على تقدير وجوده من أوّل الأمر - كما في الصورة الاولى - لا يوجب الفرق كما هو ظاهر كلام الشيخ (1) أعلى اللّه مقامه.

نعم الصورة الثالثة وهي ان يكون الشك في تبدل وجود الكلي من مرتبة إلى مرتبة اخرى أو ارتفاعه بالكلية كما لو شك في تبدل السواد الشديد إلى السواد الضعيف أو إلى البياض أو لون آخر فالشك فيها بحسب المداقّة العقلية يكون شكا في البقاء بناء على التحقيق من أصالة الوجود وانّ الحركة في الكيف وفي سائر الأعراض بكون المتحرك في كل آن في حدّ مما فيه الحركة دون الحدّ الذي كان فيه في الآن السابق والذي يكون فيه في الآن اللاحق بحيث ينتزع من كل حد منها مفهوم دون المفهوم في الحد السابق واللاحق مع كون الوجود متصلا وحدانيا من أول حد ما فيه الحركة إلى حده الآخر - في عين اتصاله الوحداني - شخصا واحدا ، حيث الاتصال الوحداني مساوق للشخصية ؛ فما لم تنقطع الحدود يكون شخص الوجود الأول باقيا ويكون الشك فيه شكّا في البقاء فيجري فيه الاستصحاب بناء على المداقّة.

وامّا بحسب نظر العرف ففي الصورة :

قد يكون مطابقا للدقّة ، كما إذا عدّت المراتب بحسب نظرهم موجودا واحدا

ص: 438


1- فرائد الاصول 3 : 195 - 196.

كالسواد الشديد والضعيف فيجري فيه الاستصحاب.

وقد يكون مخالفا ، كما لو شك بتبدل السواد إلى مرتبة متوسطة بينه وبين البياض بحيث تكون المرتبة المشكوكة من مراتب وجود السواد دقّة وان لم يعد كذلك عرفا بل يكون مغايرا له بحسب نظرهم ، فلا يجري فيه الاستصحاب لعدم كون الشك في البقاء حينئذ.

وعلى كل حال فالمعيار في جريان الاستصحاب في هذه الصور عدّ الموجود اللاحق بقاء للموجود الأول عرفا.

فإذا عرفت ذلك فاعلم : انّ كل مورد يجري فيه الاستصحاب في الكلي لا يترتب عليه آثار الفرد والخصوصية ؛ وهذا لا يختص بخصوص هذا الباب بل يكون الحال كذلك في كل مورد من موارد الاستصحاب فلا يثبت به إلاّ ما لنفس المستصحب من الآثار الشرعية لا ما كان من ملازماته ومقارناته وما لها من الآثار.

ومن الموارد : استصحاب عدم التذكية في الجلد المطروح واللحم المشتبه ، فانّه يترتب به ما لنفس عدم التذكية من الآثار لا ما لمقارنه من الموت حتف الأنف.

فان كانت الميتة لغة مطلق ما لم يذكّ سواء مع الموت حتف الأنف أم لا أو كانت مستعملة في هذا المعنى في الأدلة الشرعية وان كانت لغة بمعنى وجودي فيثبت حينئذ باستصحاب عدم التذكية ويترتب عليها آثاره الشرعية.

وامّا ان كانت بمعنى وجودي لغة ولم يثبت استعمالها في العدمي شرعا فلا يثبت بالاستصحاب المذكور إلاّ ما لنفس عدم التذكية من الآثار ، لا ما للميتة بخصوصها.

والظاهر ان النجاسة والحرمة من الآثار المشتركة بين الموت حتف الأنف

ص: 439

وعدم التذكية ، بمعنى انّهما يترتبان على الموضوع المركب أو المقيد من كون الحيوان إذا أزهق روحه ولم يذك بالتذكية الشرعية المعتبر فيها امور خاصة من التسمية والاستقبال ونحوهما أو مات حتف أنفه.

وامّا استدلال المشهور لنجاسة اللحم المطروح بأصالة عدم التذكية فيحتمل أن يكون من جهة ثبوت الميتة به بناء على كونها بالمعنى العدمي لغة أو شرعا أو من جهة اشتراك عدم التذكية معها في النجاسة والحرمة لا من جهة إثبات الموت حتف الأنف به كما تخيله الفاضل التوني (1) وأورد عليهم بما ظاهره :

انّ عدم التذكية كلي له فردان أحدهما لازم للحياة وثانيهما لازم للموت حتف الأنف ، وما كان له حالة سابقة هو الأول لا الثاني ، مع انّ الأثر الشرعي يترتب على الملزوم الثاني ، فلا يثبت بالأصل الجاري في اللازم.

وفيه : ما عرفت من ثبوت الأثر الشرعي المذكور على نفس عدم التذكية فيثبت باستصحابه ، وانّ العدم المذكور ليس من الكلي بل شخص واحد من العدم باعتبار ما اضيف إليه من الوجود وهو تذكية الحيوان.

ومما ذكرنا من كون الحرمة والنجاسة مترتبة على نفس عدم التذكية دليلا وإجماعا ظهر : انّه لا يحتاج إلى تجشّم إثبات كون الميتة أمرا عدميا كما ارتكبه شيخنا العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه فراجع.

نعم لو كان أثر شرعي يترتّب على الميتة بخصوصها غيرهما فلا بدّ من إثبات ما ذكره قدس سره وإلاّ لما كان لاستصحاب العدم لاثباته سبيل فتدبر.

ومنها : أصالة عدم الحيض ، فانّه يثبت بها الاستحاضة بناء على كونها مركبة من الدم الذي لم يخرج معه دم حيض من المرأة ، لا بناء على كونها بمعنى الدم

ص: 440


1- الوافية : 210.
2- فرائد الاصول 3 : 197 - 198.

المتصف بعدم الحيضية ، بمعنى سلب الربط لا السلب المحمولي.

ومنها : أصالة بقاء الكرّية في الماء المسبوق بها على نحو الاتصاف مع كون الموضوع باقيا بالمسامحة العرفية فيثبت بها الاتصاف ، لا في الماء المقارن لها غير المسبوق بالاتصاف بها كما فيما كان الباقي من الماء في المحل مغايرا عرفا مع الماء المتصف بها سابقا في ذاك المحل فانّه لا يثبت بأصالة بقاء الكرّ في المحل اتصاف الماء الموجود فيه المغاير مع الأول عرفا.

الأمر الثاني : انّه قد أشكل في جريان الاستصحاب في :

الزمان ، كاليوم والليلة ونحوهما.

والامور غير القارّة التي لا استقرار لوجودها بل تكون متصرمة الوجود بحيث يكون حدوث كل جزء منها مقارنا لارتفاع جزء آخر منها كالحركة والتكلم والقراءة.

والامور القارّة المقيدة بالزمان.

فلا بدّ من التكلم في كل من المقامات الثلاث.

امّا الزمان : فوجه الاشكال : فقدانه لبعض أركان الاستصحاب وهو الشك في البقاء وهو وجود الموجود السابق في اللاحق بعين الوجود السابقي ، وحيث انّ اجزاء الزمان كانت متصرّمة ومتقطعة وغير مجتمعة في الوجود فما كان منها يقيني الوجود في السابق قد علم بارتفاعه ، وغير الجزء المتيقّن مشكوك الحدوث بحيث يكون اليقين بحدوثها مساوقا لليقين بارتفاعها وحينئذ :

فان كان الشك في مثل اليوم والليلة في كون الجزء المشكوك فيه منهما فيرد عليه :

بعدم كون الجزء المشكوك مسبوق الوجود فضلا عن اتصافه بكونه منهما.

وان كان الشك في نفس بقاء اليوم والليلة فيرد عليه :

ص: 441

أولا : بعدم كون كل منهما أمرا واحدا ، بل مؤلفا من الاجزاء غير المقارنة في الوجود ، فكيف يعدّ المجموع المؤلف منها أمرا واحدا؟

وثانيا : على فرض تسليم الوحدة يكون حدوث المركب بحدوث تمام اجزائه وبقائه ببقائها جميعا فكيف ذلك في الاجزاء المتصرمة غير المجتمعة؟

وملخص الجواب في نفس استصحاب بقاء اليوم والليلة لا في اثبات كون الجزء المشكوك منهما وإلاّ فالاشكال فيه باق بحاله ، ان يقال : انّه لا يخلو :

فامّا ان يقال : انّهما عبارتان عن الحركة التوسطية للشمس ، بأن يكون اليوم عبارة عن كون الشمس في قوس النهار بين المبدأ وهو نقطة الطلوع من المشرق والمنتهى وهو نقطة الغروب من المغرب ، والليل عبارة عن كون الشمس في قوس الليل بين المبدأ والمنتهى ؛ ولا يخفى انّ الحركة التوسطية شخص واحد بسيط مستمر من أول القطعة إلى آخرها ، فإذا شك في تجاوز الشمس عن كل من القطعتين فالأصل بقاء حركتها في القطعة المشكوكة فيحكم ببقاء اليوم أو الليلة بلا مسامحة لا في الموضوع ولا في البقاء كما لا يخفى.

وامّا أن يقال : انّ اليوم والليلة عبارتان عن حركة الشمس في تمام كل من القطعتين على نحو الانطباق بأن يجعل مجموع الآنات المنطبقة على مجموع مسافة القطعة أمرا واحدا ، وحيث انّ المعلوم انّ الحركة القطعية لا توجد بجميع حدودها في الخارج إلاّ موهوما ويكون الموجود منه حقيقة في الخارج في كل آن حدّ منه فلا بدّ في اجراء الاستصحاب فيه أولا من جعل المجموع أمرا واحدا ثم جعل حدوث المجموع بحدوث جزء منه ولو مسامحة ، بادّعاء كون وجود الجزء هو وجود الكل وبقائه بعدم حدوث الجزء الأخير منه أو بعدم حدوث جزء مقابله فيصدق حينئذ - إذا شك في تمامية اجزائه - انّه شك في البقاء بلا مسامحة في البقاء بعد المسامحة في جعل حدوث المجموع بحدوث أول جزء منه.

ص: 442

نعم مع عدم المسامحة كذلك تكون المسامحة في الحدوث والبقاء كما لا يخفى.

وعلى كل حال فلا مانع عن جريان الاستصحاب في الزمان بنظر العرف ولو مسامحة امّا في جعل حدوث القطعة المركبة من اجزاء عديدة بحدوث جزء منها ، أو في الحدوث والبقاء حيث انّ المناط في تحقق أركان الاستصحاب هو نظر العرف بهذا النظر.

ثم يتصور في استصحاب الزمان الأقسام الثلاثة المذكورة للكلي.

امّا الأول : فكما لو شك بعد معلومية عدد ساعات الليل المعيّن في تماميته بتماميتها.

وامّا الثاني : فكما لو تردد الليل بين الطويل والقصير من جهة اشتباه الشهور أو الفصول.

وامّا الثالث : كما لو شك في ما بعد التاسع والعشرين من رمضان مثلا انّ هذه الليلة من رمضان مثلا أم لا لتردد الشهر بين ثلاثين وتسعة وعشرين ، فانّه بالنسبة إلى الليل من رمضان يكون من [ القسم ] (1) الثالث من الكلي حيث انّه بعد العلم بتمامية الليالي المعلومة يشك في بقاء الليل الكلي من رمضان في ضمن فرد آخر أم لا ؛ وكما لو ترددت ساعة الليل المعيّن بين الأقل والأكثر فيما كان الأثر مترتبا على الساعة الكلية منه.

والحاصل : انّه بعد جعل اليوم والليلة نفس الحركة التوسطية الباقية حقيقة بعين الوجود الأول ، أو جعلهما عبارة عن الحركة القطعية بعد المسامحة في تحققهما بتمامهما بالجزء الأول منهما ، أو بعد المسامحة في حدوث الأمر التدريجي

ص: 443


1- في الاصل المخطوط ( الاقسام ).

بجعله عبارة عن حدوث الجزء الأول منه وبقائه بجعله عبارة عن عدم حدوث جزء مقابله فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيهما ؛ كما لا اشكال في تصوير الأقسام الثلاثة من استصحاب الكلي فيهما كما عرفت. نعم لا يثبت باستصحابهما كون الآن المشكوك فيه من واحد منهما إلاّ بالمثبت.

وامّا الاستصحاب في الأمر التدريجي : فالاشكال فيه الاشكال في الزمان.

والجواب :

امّا بالنسبة إلى ما كان من أقسام الحركة كالقراءة لكونها أيضا حركة اللسان في مخارج الحروف والحركة الأينية ونحوها فالجواب :

امّا بجعلها عبارة عن الحركة التوسطية ، فيتصور فيها البقاء حقيقة.

وامّا بجعلها المجموع المركب من الاجزاء بعد جعل حدوثه هو حدوث جزء منه بادّعاء الاتحاد ، أو بعد المسامحة في الحدوث والبقاء كما عرفت في الزمان.

ثم انّه يتصور أقسام الكلي في القراءة ونحوها أيضا.

أمّا القسم الأول : فكما لو علم بالشروع في قراءة سورة معيّنة من القرآن وشك في تماميتها بعد مضي مقدار من الزمان.

وأمّا القسم الثاني : فكما لو شك في الشروع من أوّل الأمر بسورة قصيرة يقينية الارتفاع أو بسورة طويلة يقينية البقاء.

وامّا القسم الثالث :

فالقسم الأول منه : كما لو علم بقراءة شخص معيّن قد علم بتمامية قراءته وشك في قراءة شخص آخر طويل القراءة معه أم لا.

والقسم الثاني منه : فكما لو علم بقراءة سورة معيّنة وتماميتها وشك في

ص: 444

الشروع بقراءة سورة اخرى بعدها أم لا.

وأمّا الثالث منه : فلا يجري في الحركة والقراءة ، ولا في الزمان ؛ كما انّ الأول منه لا يجري في خصوص الزمان ؛ وأمّا بالنسبة إلى شخص واحد فلا يجري في القراءة والحركة أيضا إلاّ أن يجعل ذلك بحسب الداعي الباعث إليهما كما لا يخفى.

وأمّا المقيد بالزمان : فالشك فيه على قسمين :

الأول : أن يكون الشك في بقاء المقيد من جهة الشك في زوال قيده وهو الزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال وشك فيه من جهة الشك في الزوال ، وحينئذ :

فان كان المقيد بحسب آنات القيد متجزّيا بحيث كان العمل في الجزء المشكوك كونه قبل الزوال بوصف كونه كذلك موضوعا على حدة فلا يجري فيه الاستصحاب لاثبات كون الجلوس في الآن المشكوك فيه الجلوس قبل الزوال كما هو واضح.

وان لم يكن كذلك بل كان الجلوس إلى الزوال موضوعا واحدا لحكم واحد فيستصحب بقاء الجلوس المقيد أو بقاء نفس الزمان لاثبات قيد الموضوع لو كان مقيدا لا خاصا ولكن يثبت به بقاء المقيد لا كون الجزء الواقع في الآن المشكوك من المقيد كما عرفت.

الثاني : ان يكون الشك في بقاء حكم العمل مع القطع بزوال قيده وهو الزمان الخاص ، فلو كان الاستصحاب جاريا حينئذ لكان في نفس الحكم لا في موضوعه كما في القسم الأول.

ولكنه لا بدّ من الجزم بعدم جريان الاستصحاب حينئذ ، حيث انّه بعد تقيد موضوعه - بحسب الدليل - بالزمان الخاص فيكون الواقع بعد ذاك الزمان موضوعا

ص: 445

آخرا ، يكون إثبات الحكم فيه بالاستصحاب من قبيل اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر به وهو باطل ، بل يشكل استصحاب الحكم فيما كان موضوعه عمل المكلف ولو فيما لم يقيّد بحسب الدليل بالزمان لأنّ تشخص الأفعال يختلف باختلاف المشخصات ومنها الزمان ، لوضوح انّ الفعل الواقع في زمان غير الفعل الواقع في زمان آخر ، وباختلاف المشخصات يختلف الفعل بل تختلف المصلحة والمفسدة اللتان كانتا ملاكا للأحكام وكانتا مقومتين لموضوعاتهما بناء على التحقيق من كونهما بالوجوه والاعتبار فيختلّ بعض أركان الاستصحاب وهو اتحاد الموضوع ، بل يكون استصحاب العدم الأزلي للحكم بعد الزمان الخاص جاريا ، حيث انّ المنقطع منه إلى الوجود إنّما هو بالنسبة إلى الزمان الخاص وامّا بالنسبة إلى ما بعده فلا ، والمفروض كما عرفت تغاير الفعل الواقع فيه مع الفعل الواقع فيما قبل ، ولذلك قد أرجع النراقي (1) في الأفعال المحكومة بحكم في زمان معلوم وصارت مشكوكة الحكم بعده إلى استصحاب العدمي وقد تعرّض لبيان اتصال الشك اللاحق باليقين السابق بتقطيع الأفعال بالنسبة إلى الأزمنة بجعل عدم كل منها متيقّنا سابقا ومشكوكا لاحقا متصلا باليقين لأنّه وقع الشك في حكم الفعل قبل مجيء زمانه ؛ ولكنه قد أوقع التعارض بين استصحاب الوجود مع استصحاب العدم وسيجيء ما فيه.

والتحقيق : أن يقال : انّه بناء على أخذ موضوع الاستصحاب من العقل فلا مجال لاستصحاب أحكام الأفعال الوجودية ، وحيث انّه خلاف التحقيق بل المرجع في الموضوع هو العرف فلا بدّ ان يفصّل في الاستصحاب الوجودي :

بين أن يكون الزمان قيدا للموضوع ومقوّما له بحسب الدليل بحيث كان

ص: 446


1- مناهج الاحكام : 239 السطر 2 - 13 قوله : « فوائد : الاولى : اعلم ان بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين الخ ».

مكثّرا للفعل وكان الفعل في كل جزء من الزمان فردا للموضوع غير الواقع في الجزء الآخر منه فيرجع إلى الاستصحاب العدمي بعد الزمان المتيقّن لكون الشك حينئذ في التكليف بالنسبة إلى موضوع حادث لا في استمرار الحكم الأول. نعم لو تسامح العرف في بعض الموارد بإلغاء الزمان وجعل الفعل مستمرا واحدا موضوعا وحكما لأمكن الاستصحاب ولو مع كون الزمان قيدا في الدليل ، ولكن فيما كان الشك راجعا إلى التعدد المطلوبي لا فيما لم يرجع إلى ذلك كما هو واضح.

وبين أن يكون ظرفا للفعل بحيث لم يلحظ في الدليل إلاّ ظرفا وان كان قيدا دقة فيرجع إلى استصحاب الوجود لا إلى استصحاب العدم الأزلي ، حيث انّ الشك حينئذ في استمرار الوجود الأول موضوعا وحكما ولا يكون الزمان حينئذ موجبا لتكثّر الموضوع واختلافه بل يكون الفعل في الزمان المعلوم وبعده مستمرا واحدا موضوعا وحكما بحسب الدليل والنظر العرفي.

ولا وجه لأن يقال : انّ المتيقن انقطاع العدم الأزلي في الزمان الخاص وامّا بعده فلا ، فيرجع إلى استصحابه بالنسبة إلى القطعة المشكوكة.

حيث انّ تعدد العدم ووحدته إنّما هو بتعدّد الوجود المضاف إليه ووحدته فبوحدته - بحسب الدليل غاية الأمر مع الشك في قصر الموضوع وطوله كما هو المفروض - يكون العدم واحدا أيضا ، فبتبدّله إلى الوجود انقطع استمراره فيكون الشك في الاستمرار بالنسبة إلى خصوص الوجود فالاستصحاب فيه هو المحكّم ليس إلاّ ، فلا وجه لملاحظة التعارض بين استصحاب الوجود والعدم.

فان قلت : بناء على أخذ الزمان ظرفا في الدليل يمكن الرجوع إلى الاستصحاب الوجودي بالنظر العرفي وإلى العدمي بحسب الدقة لتكثّر الفعل بحسب الأزمنة دقّة كما عرفت فباطلاق دليل الاستصحاب بالنسبة إلى كلا النظرين

ص: 447

يحصل التعارض كما ذكره النراقي قدس سره . (1)

قلت : لمّا لم يكن الجامع بينهما مأخوذا في الدليل بل كان سوق الدليل بالنظر الخارجي ولم يمكن اجتماع النظرين لتباينهما مصداقا من حيث استلزام أحدهما لملاحظة الزمان في الموضوع واستلزام الآخر الغاءه فلا بدّ من واحد منهما ، وحيث انّ المتعيّن هو نظر العرف فلا بدّ من الرجوع في المفروض إلى الاستصحاب الوجودي.

ونظير المقام في عدم اجتماع النظرين قد مرّ في عدم قيام الأمارات بحسب دليل اعتباره مقام القطع الموضوعي والطريقي ، فراجع.

هذا كلّه فيما كان الشك من جهة الزمان.

وامّا لو كان الشك من جهة طروّ حالة اخرى - غير الزمان - على الفعل فكذلك لا بدّ أن يلحظ الدليل ويفرّق بين كون الحالة المتيقنة قيدا ومكثرا للفعل بحسب الدليل وبين كونها من حالات الفعل.

ثم انّه لو كان الموضوع للحكم من الموجودات الخارجية كحياة زيد ورطوبة ثوبه ونحوهما :

فان لم يكن في مقام موضوعيته مقيدا بقيد فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه موضوعا لو شك في بقائه بنفسه ، وحكما لو شك في بقاء حكمه.

وان كان مقيدا بزمان أو حال وشك في ثبوت الحكم له بعدهما فيجري فيه التفصيل الذي عرفت من كون أخذ الزمان قيدا أو ظرفا.

وامّا ان كان مشكوك البقاء بعد الزمان الخاص أو بعد حالة خاصة هو الطهارة والنجاسة كما لو شك في بقاء الطهارة بعد خروج المذي مثلا أو شك في

ص: 448


1- مضى تخريجه.

بقاء النجاسة بعد الغسل مرة إلى غير ذلك من الأمثلة :

فان كانت الطهارة والنجاسة من الامور الواقعية المحمولة بالضميمة فحالهما حال الموضوعات.

وان كانتا من الأحكام الشرعية القابلة للجعل فكالأحكام الشرعية.

وعلى أيّ حال لا اشكال في كون الشك فيهما في الرافع ، لوضوح كون الطهارة الحادثة بالوضوء والنجاسة الناشئة من الملاقاة من الامور النافية لو لا الرافع ، فيشك في زوال الاولى بالمذي وفي زوال الثانية بالغسل مرة ، فلا وجه لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي وأصالة عدم كون الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة كما في كلام النراقي (1) المحكي في الفرائد (2) فراجع.

الأمر الثالث : قد يكون المستصحب في السابق موجودا مطلقا غير معلق على شيء فيطلق على استصحابه التنجيزي.

وقد يكون معلقا على شيء وغير منجز في السابق ويشك في بقائه في اللاحق لبعض الجهات الطارئة ويسمى الاستصحاب فيه « التعليقي » مرة و « التقديري » اخرى ، وربما يشكل في الاستصحاب التعليقي لتخيّل الاختلال ببعض أركانه. ولا بدّ في هذا التنبيه من بيان الاشكال من جهة التعليق ، حيث انّه لا بدّ في كل تنبيه البحث من الجهة التي كانت مهمة في ذاك التنبيه.

ثم لا يخفى انّ التعليق لو كان على وجود الموضوع بنفسه أو على القيد المأخوذ فيه بحيث لو وجد الموضوع في السابق لكان الحكم متيقن الثبوت له ولكن وجد في اللاحق بخصوصية شك في ثبوت الحكم معها فلا اشكال في جريان الاستصحاب حينئذ ، لتحقق أركان الاستصحاب فيه بلا فقد شرط فيه حتى

ص: 449


1- تقدم تخريجه.
2- فرائد الاصول 3 : 209.

الاطلاق في الوجود - على تقدير توهم الاشتراط به - حيث انّ الاطلاق في الحكم إنّما هو بعدم تقيد الهيئة بشيء ، والتعليق على وجود الموضوع إنّما كان بحكم العقل كما هو واضح وسيجيء تحقيق عدم الاشتراط بوجود الموضوع في السابق في استصحاب الشريعة السابقة.

وامّا لو كان التعليق بغير وجود الموضوع مما كان شرطا لترتب الحكم عليه بأن كان الحكم التعليقي متيقن الثبوت في السابق للموضوع وصار مشكوك التحقق له ، لبعض الخصوصيات الطارئة الموجبة للشك ، كما لو ثبتت الحرمة في العنب معلقة على الغليان ثم شك بعد صيرورته زبيبا في ثبوت الحرمة كذلك فقد يشكل بعدم جريان الاستصحاب فيه.

ووجه الاشكال :

امّا للاشكال في اتحاد الموضوع.

وامّا لتوهم المعارضة بين الاستصحاب في الحكم التعليقي وبين الاستصحاب في الحكم المنجز.

وامّا من جهة كون التعليق بنفسه مانعا عن جريان الاستصحاب.

ولكن التحقيق : جريان الاستصحاب وعدم صحة الاشكال من هذه الجهات.

امّا توهم اختلاف الموضوع ففيه : مضافا إلى النقض باستصحاب الحكم المنجز ؛ انّه يفرض الشك في الحكم التعليقي فيما كانت الخصوصيات الطارئة من حالاته غير المقوّمة له عرفا.

وامّا توهم المعارضة فسيجيء اندفاعه.

وامّا مانعية التعليق بنفسه :

فان كان من جهة توهم عدم وجود المستصحب في السابق أصلا ؛ ففيه : انّ

ص: 450

ثبوت التعليق في السابق نحو وجود للحكم وان لم يكن وجودا فعليا له ، حيث انّ الحرمة المعلقة على الغليان كانت موجودة بخطاب « العنب إذا غلا ينجس » بعد ما لم يكن شيئا مذكورا ، ولذا كانت الملازمة بينها وبين الغليان متحققة فعلا بذاك الخطاب وهو يستلزم ثبوت الحكم على نحو التعليق.

وان كان من جهة اشتراط الوجود المنجز في جريان الاستصحاب ؛ ففيه : انّه لا مانع من هذه الجهة. توضيحه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : انّه بعد ما عرفت من كون التعليق نحو وجود ثابت للحكم بعد ما لم يكن ؛ لا اشكال في كون هذا الحكم التعليقي حكما شرعيا ثابتا بخطاب الشرع وهو قوله : « العنب إذا غلى ينجس » مثلا فيكون قابلا للوضع والرفع الشرعيين.

الثاني : انّ دليل الاستصحاب يكون موجبا لتعميم دليل المستصحب في السابق المجمل بالنسبة إلى الزمان اللاحق وشارحا لاهماله.

الثالث : انّ دليل الاستصحاب يكون عاما لكل ما كان متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا وكان قابلا للوضع والرفع بنفسه أو بأثره ، فيشمل ما كان موجودا سابقا على نحو الاطلاق وما كان موجودا على نحو التعليق بلا تفاوت بينهما في شمول الدليل ؛ ولا موجب للانصراف إلى الأول.

إذا عرفت ما ذكرنا فيظهر : انّه لا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم التعليقي إذا صار وجوده التعليقي مشكوكا في اللاحق.

وتوهم عدم كونه أثرا شرعيا قد عرفت ما فيه.

وكذا توهم عدم كونه موجودا أو اشتراط الاطلاق ، كتوهم انّه لا بدّ من كون الثابت بالاستصحاب حكما عمليا وليس كذلك الحكم التعليقي ، لعدم وجود المعلق عليه.

ووجه الدفع : انّ الحكم التعليقي وان لم يكن حكما عمليا في السابق إلاّ انّه

ص: 451

يكون كذلك في اللاحق حيث انّ المفروض وجود المعلّق عليه في زمان الشك ويكفي في الاستصحاب ثبوت الأثر كذلك في حال جريانه وان لم يكن كذلك سابقا.

وتوهم : عدم كون الحرمة الفعلية في مثال العنب من آثار الحرمة التعليقية فكيف يجري فيه الاستصحاب بلحاظه؟ مدفوع :

بعدم الاحتياج في استصحاب الحكم التعليقي بعد كونه شرعيا إلى أثر مترتب عليه ، غاية الأمر بعد ثبوت الحكم التعليقي مع وجود المعلق عليه يترتب عليهما الفعلية بواسطة خطاب الشرع ، وعلى فرض تسليم كون الترتب المذكور عقليا لا بأس به أيضا بعد كون الأثر المترتّب لازما أعمّ بالنسبة إلى الوجود الواقعي والوجود الاستصحابي ، مع انّ استصحاب القدر المشترك بين التعليقي والتنجيزي يكفي في ترتب الأثر الفعلي بعد حصول المعلق عليه.

والحاصل : انّ أركان الاستصحاب في الحكم التعليقي متحققة بالتمام فلا وجه للاشكال.

وامّا معارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب الحكم الفعلي السابق وهو الاباحة في المثال المفروض ، ففيه :

أولا : انّ الشك في الاباحة الفعلية بعد الغليان مسبّب عن الشك في بقاء الحرمة التعليقية قبله في حال الزبيبية مثلا بحيث لو علم بقاؤها على نحو التعليق لما شك في ارتفاع الاباحة.

وتوهم العكس أيضا ؛ مدفوع : بأنّ الاباحة الفعلية لمّا لم تكن مضادة مع الحرمة التعليقية ولذا كانت مجتمعة معها في السابق بل كانت ضدا للحرمة الفعلية المسببة عن التعليقية فتكون الاباحة كذلك ، لمكان قضية المضادة من اتحاد الضدين في المرتبة. وهذا كتوهم : انّه بناء على تسليم السببية يكون ارتفاع

ص: 452

الاباحة من الآثار العقلية لا الشرعية ؛ لاندفاعه : بكونها لازما أعمّ كما عرفت في الحرمة الفعلية.

وثانيا : انّ الثابت في السابق ليست هي الاباحة المطلقة بل المغيّاة بالغليان شرعا ، فيكون الثابت حكمان خاصان أحدهما معلق على الغليان والثاني مغيّا به ، فلو شك في حال الزبيبية مثلا بقاؤهما على ما كانا عليه من الخصوصية فالأصل بقاؤهما كذلك ، ولازمه ثبوت الحرمة الفعلية بعد الغليان وارتفاع الاباحة كذلك كما لا يخفى.

فظهر : انّ الوجه عدم صحة معارضة استصحاب الحرمة التعليقية باستصحاب الاباحة وانّه لا مانع عن استصحابها أصلا فلا حاجة إلى الرجوع إلى استصحاب الملازمة الفعلية بين الحرمة وبين الاباحة كما في الفرائد (1) - بناء على الاحتياج إلى الوجود المطلق في اجراء الاستصحاب - حيث انّ الملازمة ليست بأثر شرعي ولا ذي أثر كذلك ، وترتب اللازم عليها كنفسها عقلي محض كما لا يخفى.

الأمر الرابع : لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما ثابتا في هذه الشريعة أو حكما من أحكام الشريعة السابقة ، لاطلاق دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح أن يكون مانعا عنه ؛ عدا ما يتخيل من عدم اتحاد الموضوع حيث انّه كان سابقا هو « الجماعة الثابتة في الشريعة السابقة » وفي زمان الشك يكون هو « الجماعة في الشريعة اللاحقة » وبالنسبة إليهم يكون الشك في أصل حدوث التكليف لا في بقائه كما لا يخفى ، فتختلّ أركان الاستصحاب.

وما أجاب به الشيخ العلاّمة الأنصاري قدس سره (2) عن هذا الاشكال :

ص: 453


1- فرائد الاصول 3 : 223.
2- فرائد الاصول 3 : 225 - 226.

تارة : باثبات الحكم المشكوك نسخه في حق المدرك للشريعتين بالاستصحاب وفي حقّ غيره بأدلة الاشتراك في التكليف من الاجماع والضرورة.

واخرى : بأنّ الحكم الإلهي ثابت للجماعة بنحو لا دخل فيه لاشخاصهم ؛ وبعبارة اخرى : للطبيعة الكلية من المكلفين ، ويقبل الكلي لتعلق الحكم به كما في الملكية القابلة للتعلّق بالكلّي من الفقير ونحوه أيضا غاية الأمر يكون الحكم الاستصحابي من جهة اشتمال موضوعه على اليقين والشك غير القائمين بالكلي متعلقا بالاشخاص فيكون كل واحد من اشخاص الشريعة اللاحقة متيقنا بثبوت الحكم للكلي من المكلفين وشاكا في بقائه كذلك بحيث لو كان ثابتا في اللاحق لكان ساريا إليه بتوسط دليل الاستصحاب.

ففيه : انّه لا يصح الجواب لكل من الوجهين.

امّا الأول : فلأنّ دليل الاشتراك إنّما يجدي بالنسبة إلى كل من كان مشتركا مع المحكومين بالحكم الخاص في العنوان من الحضر والسفر ونحوهما ، غاية الأمر يشك في دخل بعض الاشخاص في الحكم بخصوصه فيدفع الاحتمال بدليل الاشتراك ، لا انّ الحكم الثابت للواجدين لعنوان يثبت للفاقدين له بدليل الاشتراك كما هو واضح ؛ ومن المعلوم انّ الحكم الاستصحابي إنّما هو في حق من كان متيقنا بثبوت الحكم له سابقا وصار شاكا في البقاء فكيف يثبت لغير المتيقن بدليل الاشتراك؟ نعم يكون عاما بالنسبة إلى كل من كان متيقنا وشاكا كما هو واضح.

وأمّا الثاني : فالتحقيق : ثبوت الفرق بين الملكية القابلة لتعلقها بالكلي وبين التكاليف ، فانّها لا تقبل لذلك من جهة استلزامها لبعض آثار خاصة من الاطاعة والعصيان والمثوبة والعقوبة وغيرها غير القابلة للتعلق إلاّ بالاشخاص ، فلا يجدي الجواب بتعلق الأحكام بالكلي.

ص: 454

فالتحقيق في الجواب : بعد النقض بالشك في نسخ أحكام هذه الشريعة بالنسبة إلى المعدومين في زمان الخطاب ، ان يقال : انّ القضايا المتعارفة في العلوم المشتملة على اثبات المحمولات للموضوعات إنّما هي قضايا حقيقية ثابتة فيها الحكم لأفراد الموضوع كانت محققة الوجود أو مقدرة لا خارجية بقصور الحكم لخصوص الافراد الخارجية كما قرر في المنطق ، وإذا كان كذلك فنقول : انّ القضايا الكلية في هذه الشريعة أو في الشريعة السابقة مثل « يا أيّها المؤمنون » أو ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ ) (1) ونحو ذلك يكون لها [ جهتا ] (2) عموم افرادي بالنسبة إلى كل فرد من المكلفين إلى يوم القيامة غاية الأمر يكون بالنسبة إلى الحاضرين الموجودين حكما فعليا وبالنسبة إلى المعدومين حكما شأنيا تكون فعليته معلقة على وجود المكلفين خارجا ، وهذا غير تعلق خطاب المشافهة بالمعدومين كما قرر في محله. وقرر أيضا جواز تعلق الحكم الشأني بالمعدومين.

فاذا كان الخطاب من حيث الافراد عاما افراديا أو مطلقا فان كان من جهة الحالات أيضا كذلك فلا حاجة إلى الاستصحاب.

وأمّا ان كان مهملا من هذه الجهة فيشك في ثبوت الحكم في بعض الحالات فيحتاج إلى الاستصحاب سواء كانت الحالة الطارئة المشكوك ثبوت الحكم معها بعد وجود الموضوع وفعلية الحكم له ، أم كانت مقارنة لأول وجوده كما في المقام حيث انّ الشك في النسخ كان للاّحقين من أول وجودهم ولكن كان تعلق الحكم بهم في زمان صدور الخطاب متيقنا انشاء وان كان لم يكن فعليا وصار مشكوك البقاء من أول وجودهم خارجا فيستصحب بقاء الخطاب بالنسبة إليهم كما كان

ص: 455


1- سورة آل عمران : 97.
2- في الاصل المخطوط ( جهتان ).

فيصير فعليا ، لحصول شرط الفعلية وهو وجود الموضوع.

ولا فرق في استصحاب الحكم وعدم نسخه بين كونه من هذه الشريعة أو الشريعة السابقة بالتقريب الذي ذكرنا إذا كان الشك في النسخ الاصطلاحي بأن علم أوّلا من الدليل أو من الخارج استمراره ثم شك في البقاء من جهة الحالة الطارئة مع عدم إطلاق الحالي للدليل ، وإلاّ فلا حاجة إلى الاستصحاب.

نعم يمكن أن يقال : بعدم احراز العموم الافرادي لدليل الحكم في الشريعة السابقة ، فيكون الشك في أصل التكليف.

ولكنه يدفع : بعدم اختصاص ذلك بالشريعة كما هو المهم.

كما انّ الغاء استصحاب الشريعة السابقة من جهة العلم الاجمالي بالنسخ ، مندفع :

مضافا إلى عدم اجدائه فيما هو المهم في هذا التنبيه من بيان الفارق بين استصحاب الحكم في هذه الشريعة والشريعة السابقة ؛ بانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسخ في غالب الموارد ، مع انّه على فرض تسليم بقاء العلم الاجمالي لا يوجب اسقاط الأصل عن الموارد المشكوكة بعد عدم جريانه في الموارد التي علم حكمها في هذه الشريعة على التفصيل سواء وافق الشريعة السابقة أم لا ، لعدم تأثير الأصل في هذه الموارد في شيء أصلا كما لا يخفى.

وقد ذكر لاستصحاب الشرع السابق ثمرات :

منها : اثبات وجوب نية الإخلاص في العبادة بقوله تعالى حكاية عن تكليف أهل الكتاب : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (1) الخ.

ولكنه لا يخفى انّه يتم الاستدلال بناء على كون اللام للغاية وكانت غاية

ص: 456


1- سورة البينة : 5.

للمفعول المحذوف أي : وما امروا باتيان شيء لغاية من الغايات إلاّ لغاية الإخلاص. وامّا بناء على كونها غاية وعلة لتشريع أصل الأمر فلا ، حيث انّه يحصل بحصول الاخلاص منهم ولو في واحد من الواجبات بل ولو لم يكن لهم واجب عبادي أصلا ولكن حصل لهم الإخلاص في بعض واجباتهم التوصلية كما لا يخفى.

كما انّه لا يتم الاستدلال بناء على كون اللام زائدة وتكون الآية دالة حينئذ على انحصار واجباتهم في التعبدي ، حيث انّه لا يدل على وجوب الإخلاص بالنسبة إلى جماعة لم تكن واجباتهم منحصرة في العبادة بل كان بعض واجباتهم توصلية كما لا يخفى.

الأمر الخامس : قد عرفت انّ مفاد دليل الاستصحاب بلا تجوّز أو تقدير فيه هو الالتزام ببقاء المتيقن عملا أي يكون حرمة النقض كناية عن ذلك.

ومرجع ذلك إلى التعبد بنفس المستصحب وجعل المماثل له لو كان من الآثار الشرعية تكليفا كان أو غيره من المجعولات فيترتب عليه آثاره مطلقا إذا كانت بلا واسطة ؛ والى التعبد بآثاره وجعل المماثل لها لو كان من الموضوعات الخارجية غير القابلة للجعل شرعا.

ومن المعلوم انّ رجوع التعبد بالمتيقن في عدم نقض اليقين بالشك فيما كان من الموضوعات الخارجية إلى انشاء الآثار إنّما هو من جهة عدم كونها قابلة للتعبد والجعل شرعا فلا بدّ من هذه الجهة الاقتصار في طرف الآثار بالشرعية منها دون العقلية أو العادية منها لعدم كونهما مثل ملزوماتها قابلة للجعل والوضع ؛ ولكنه هل يتعدى إلى كل أثر شرعي ولو كان مترتبا عليه بالواسطة حتى يكون الأصل حينئذ مثبتا؟ أو لا بدّ من الاقتصار بخصوص ما لا يترتب عليه إلاّ بلا واسطة؟ قولان.

ص: 457

ولا بدّ أن يعلم انّه لا اشكال في ترتيب مطلق الآثار فيما كانت الوسائط جميعا شرعية حيث انّ حقيقة الواسطة وهو الأثر الشرعي يتحقق بتنزيل ذيها فيترتب عليه ما لها من الآثار فإنّما الكلام في ما إذا كانت الواسطة عقلية أو عادية وعلى القول بالمثبت ، فان لم يكن لذي الواسطة أثر شرعي بلا واسطة فينحصر اثر التنزيل بالنسبة إلى أثر الواسطة وإلاّ فليشملهما.

ثم انّ الواسطة على أقسام :

أحدها : أن تكون خفية بحيث يستند أثرها إلى تعلق المستصحب عرفا.

وثانيها : أن تكون لازما للأعم من الوجود الواقعي للمستصحب والوجود التنزيلي له.

وثالثها : أن تكون ملازما معه في التنزيل عرفا بحيث يفهم من تنزيل المستصحب تنزيلها أيضا.

[ و ] رابعها : أن تكون الواسطة جلية ولازما لخصوص الوجود الواقعي وغير ملازم معه في التنزيل.

والكلام إنّما هو في خصوص الأخير ، وأمّا الثلاثة الاولى فسيجيء حجية المثبت فيها.

ولا بدّ أن يعلم انّه لا شبهة في عدم دلالة الأخبار ولو على القول بالمثبت في أثر اللازم على ترتيب أثر الملازم للمستصحب أو الملزوم له ، حيث انّ المناط في الدلالة في اللازم هو كون أثره أثرا لنفس المستصحب فيرجع جعله غير المعقول إلى جعل أثره. وأمّا ما لم يكن أثرا له أبدا بل لملازمه أو لملزومه فلا وجه لترتيبه ولا يكون رفع اليد عنه نقضا للمستصحب إلاّ إذا كان بينه وبينهما ملازمة في التنزيل.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ القائل بالمثبت امّا يقول به بنفس تنزيل

ص: 458

الملزوم وحده ، أو مع تنزيل الواسطة أيضا. ولا بدّ أن يفرض الكلام فيما لم يكن للواسطة حالة سابقة وامّا معها فلا حاجة إلى القول بالمثبت إلاّ لبعض الثمرات ؛ ولكن نفرض الكلام فيما ليس لها حالة سابقة فنقول : انّه لا اشكال في مقام الثبوت في تنزيل الملزوم بلحاظ أثر اللازم بتوسيط تنزيل اللازم أيضا أو بدونه ، كما لا اشكال في مقام الاثبات لو صرح بالواسطة أيضا أو دلّ الدليل على التنزيل في خصوص مقام لم يكن فيه أثر الاّ للواسطة فيستكشف بدلالة الاقتضاء عن تنزيل الواسطة ، وإنّما الكلام في الدليل العام الشامل لجميع الموارد بلا تصريح بالواسطة أيضا كما في « لا تنقض اليقين بالشك ».

والتحقيق : عدم الدلالة ، لحجية الأصل المثبت سواء كان بلا تنزيل الواسطة أو معه أيضا.

امّا الأول : (1) فلأنّ الدليل يدل على ترتيب أثر المتيقن في السابق بالنسبة إلى كل أثر يكون رفع اليد عنه وعدم ترتيبه نقضا لليقين بالمستصحب بالشك فيه ؛ ومن المعلوم انّ أثر اللازم ليس أثرا له عرفا حيث انّ الكلام في جلاء الواسطة فلا يكون عدم ترتيبه عليه نقضا له بالشك ولا عموم للدليل إلاّ بالنسبة إلى كل أثر يكون رفع اليد عنه نقضا وبعد ما عرفت من عدم استناد الأثر إلى المستصحب فلا يشمله الدليل فترتبه إنّما يكون على وجود اللازم واقعا أو تنزيلا والمفروض انتفاؤه بكلا الوجودين فلا وجه لترتيبه ولا دلالة اقتضاء في البين بعد عدم انحصار المورد فيما لم يكن الأثر إلاّ للواسطة.

وتوهم : عموم اليقين والشك وشمولهما لمورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فيكون كالتصريح بذاك المورد في لزوم ترتيب أثر الواسطة.

ص: 459


1- ويأتي الثاني بقوله : « مدفوع ».

مدفوع : بما نشير إليه في الوجه الثاني وهو القول بالمثبت مع الالتزام بتنزيل الواسطة أيضا.

فنقول : انّ تنزيلها فيما لا حالة سابقة لها لا يكون بالتنزيل الاستصحابي بلسان حرمة نقض اليقين بالشك في البقاء لعدم اليقين بالنسبة إليها ، ولا يكون الشك فيها في البقاء بل في الحدوث ، بل يكون مثل التنزيل في قوله : « الطواف بالبيت صلاة » (1) تنزيلا بدويا غاية الأمر يكون فيما نحن فيه بتنزيل المشكوك منزلة المعلوم دون المثال ، فان كان أثر بلا واسطة لنفس المستصحب أيضا فيرجع التنزيل إلى تنزيلين :

أحدهما : التنزيل الاستصحابي بالنسبة إلى نفس المستصحب.

وثانيهما : التنزيل البدوي بالنسبة إلى اللازم وان لم يكن إلاّ للواسطة ، فيكون حقيقة التنزيل في خصوص اللازم ويكون تنزيل الملزوم توطئة له ومع التصريح باللازم بأن يقال : لا ينقض اليقين بشيء بملازمه ، أو التصريح بخصوص مورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فلا اشكال.

وامّا مع عدمهما كما في المقام فيشكل الأمر ، بل التحقيق عدم الحجية لعدم شمول نقض اليقين بالشك للتنزيل البدوي في اللازم بل يكون دالا في خصوص تنزيل الملزوم.

ص: 460


1- أو « الطواف في البيت صلاة » ، هذا الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا. سنن النسائي 5 : 222 ؛ المستدرك للحاكم 1 : 459 و 2 : 267 ؛ سنن الدارمي 2 : 44 ؛ المعجم الكبير 11 : 29 / 1. وما في بعض كتب احاديثنا فهو منقول عن العامة مثل عوالي اللآلي 1 : 214 / 70 و 2 : 167 / 3 ، هذا. وفي وسائل الشيعة 9 : 445 الباب 38 من ابواب الطواف ، الحديث 6 « فان فيه صلاة » بطريقين احدهما صحيح والثاني ضعيف عند البعض ب- سهل بن زياد. وهناك رواية ثانية بنفس اللفظ « فان فيه صلاة » وطريقها صحيح في الاستبصار 2 : 241 الباب 161 باب السعي بغير وضوء ، الحديث 1. لكن قد يقال : اساسا لفظ « فان فيه صلاة » لا يفيد التنزيل ، فلا ينفع في المقام.

وتوهم : عموم اليقين والشك حتى بالنسبة إلى مورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فيدل بالاقتضاء في ذاك المورد على تنزيل اللازم. نعم فيما لا ينتهي إلى الأثر أصلا فلا بدّ من التخصيص عقلا دون ما فيه أثر ولو بالواسطة كما في المبحوث عنه ، كما لا يخفى.

مدفوع : بأنّه يدور :

بين ظهور نقض اليقين بالشك في اختصاصه بخصوص ما كان من الموارد للملزوم أثر شرعي وعدم شموله للاّزم.

وبين عموم اليقين والشك حتى بالنسبة إلى ما لم يكن الأثر إلاّ للاّزم بحيث لو اخذ بالعموم فلا بدّ من التصرف بتقدير اللازم مع جعل النقض بمعنى مطلق رفع اليد عن أثر الشيء المشكوك الحكم ولو لم يكن له حالة سابقة.

ومن المعلوم أولوية التقييد في ظهور اليقين والشك في العموم عن التكليف في النقض مع تقدير اللازم ولو كان العموم وضعيا فضلا عما إذا كان إطلاقيا. ومن هنا قيل انّ الفعل يكون قرينة لتخصيص المتعلق كما في قوله : « لا يضرب أحدا » في تخصيصه بالاحياء.

هذا كله مع انّ الاطلاق في الآثار بعد جواز التفكيك بينها في التنزيل إنّما يكون بمقدمات الحكمة ، وتتم المقدمات فيما لم يكن متيقن في البين وامّا معه كما في المقام حيث انّ الآثار بلا واسطة هو القدر المتيقن فلا بدّ من الاقتصار عليه كما هو واضح.

فان قلت : ما الفرق بين الأمارات والاستصحاب مع انّ المثبت منها حجة عندهم بلا اشكال؟

قلت : الفرق في انّ الأمارات الحاكية عن الملزوم حاكية عن لازمه بل عن ملزومه وملازمه ؛ وبعد حصول الظن بتمام الأطراف فلو دل دليل بحجية الخبر في

ص: 461

تمام ما يحكيه من السيرة أو اطلاق الدليل اللفظي مثل آية النبأ ونحوها ليتعدّى إلى كل ما يحكيه من الأطراف. نعم لو لم يدل الدليل على حجية الأمارة إلاّ في خصوص ما يحكي عنه بلا واسطة لا يتعدّى إلى غيره كما سيأتي ان شاء اللّه في أصالة الصحّة بناء على كونها من الأمارات.

ثم انّه بناء على القول بالأصل المثبت فالظاهر جعل الملزوم مع لازمه موضوعا طولانيا واحدا ثم تنزيله دفعة واحدة حتى يكون في المجموع بلحاظ رأس السلسلة تنزيل الاستصحابي وان كان دقة منحلا إلى تنزيلات على حدة ، لا جعل كل منهما موضوعا واحدا ذا تنزيل على حدة حتى لا يرتبط التنزيل في اللازم بالاستصحاب ، كما هو ظاهر البعض.

ثم انّ المشهور القائلون بالأصل المثبت ، الظاهر انهم قالوا به من جهة ذهابهم إلى حجية الاستصحاب من باب السيرة وبناء العقلاء وكونه من الأمارات لا أنّهم ذهبوا إليه مع أخذهم له من الأخبار كما يظهر ذلك من بعض استدلالاتهم وكلماتهم في حجية الأصل المثبت.

وتلخيص الكلام في عدم حجية الأصل المثبت بناء على استفادة الاستصحاب من الأخبار : انّ معنى عدم نقض اليقين بالشك انشاء الحكم الشرعي المماثل للأثر السابق ابتداء وجعله حقيقة ان كان المستصحب من الأحكام الشرعية ، وبتوسط تنزيل الموضوع الراجع إلى جعل حكمه المماثل للسابق حقيقة ان كان من الموضوعات ؛ فلا بدّ في ترتيب الأثر في الزمان اللاحق من انطباق الدليل في نفسه أو في موضوعه ، ومع عدمهما كما في ما نحن فيه حيث انّ أثر الواسطة ليس موردا لحرمة النقض لا بنفسه ولا بموضوعه ، لعدم الحالة السابقة لهما فلا يسري إليه الجعل بتنزيل ذي الواسطة لعدم كونه من آثاره عرفا كي يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به بالشك عرفا وهو المناط في ترتيب الأثر

ص: 462

في الاستصحاب. ومقدمات الحكمة غير جارية بعد عدم صلاحية مادة الفعل للشمول ، مع انّه على تقدير الصلاحية يكون لحاظ الآثار بلا واسطة في مقام التنزيل هو المتيقن ، ولا يقاس ذلك بالأمارات ، منها خبر العادل ، لكون النبأ في مثل آية النبأ مطلقا بحسب المادة بمقدمات الحكمة ، لكون كل من اللوازم بل الملزومات والملازمات « نبأ » لغة غاية الأمر تكون بالواسطة ، ومع عدم تقييده في الدليل بخصوص النبأ بلا واسطة يكون مطلقا ، بخلاف ما نحن فيه بناء على استفادته من الأخبار.

ثم انّه يستثنى من عدم حجية الأصل المثبت موردان :

أحدهما : أن تكون الواسطة خفية بحيث يعدّ آثارها الشرعية عند العرف آثارا لذيها ، وحينئذ يلزم بانطباق دليل الاستصحاب بالنسبة إلى الملزوم بترتيب آثار الواسطة بلا احتياج إلى تنزيلها. توضيحه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : المراد بخفاء الواسطة الغاؤها عند العرف بحيث يستند آثارها إلى ذيها بلا نظر إليها عندهم وان كانت منظورا إليها دقة.

الثاني : انّ حقيقة حرمة النقض راجعة إلى جعل الأثر وانشائه امّا ابتداء ان كان المستصحب من الأحكام الشرعية أو بلسان تنزيل الموضوع ان كان من الموضوعات.

الثالث : انّ الخطاب لمّا سيق مساق العرف فيكون الظاهر منه ما هو المتفاهم عندهم ، ومن المعلوم انّ الأثر الذي لا بدّ منه في حقيقة التنزيل بنظرهم يكون هو الأثر العرفي.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الظاهر من الخطاب - بعد تمامية مقدمات الحكمة من صدورها في مقام البيان وعدم القرينة على التقييد في الآثار مع عدم المتيقن منها في البين - هو الاطلاق بالنسبة إلى الأثر مع الواسطة أو بدونها ،

ص: 463

لكونهما في عرض واحد في كونهما أثرا للمستصحب عرفا ؛ والرجوع إليهم في تطبيق الدليل على ذي الواسطة إنّما يكون من باب الرجوع إليهم في تعيين أصل المفهوم لا في المصداق بدونه حتى لا يكون فهمهم في ذلك حجة ، لوضوح كون الشك في المصداق فيما نحن فيه من جهة الشك في سعة دائرة المفهوم وضيقه لا من جهة العوارض الخارجية.

ثم انّ ترتيب أثر الواسطة - مع خفائها - على ذيها امّا بمجرد تنزيله بلا تنزيل ذيها لما عرفت من رجوع حقيقة التنزيل في الموضوع إلى جعل الأثر فيصح الانتهاء إليه بكل ما يستكشف به ، ومنه الموضوع العرفي ، وإلاّ فلو احتيج في ترتيب ذاك الأثر إلى تنزيل الواسطة فيشكل :

أولا : بعدم كونها موردا للنقض ولا حكمه والفرض عدم كفاية تنزيل ذيها في ذلك.

وثانيا : بعدم الفرق حينئذ بين خفاء الواسطة وجلائها ، حيث انّ الفرق بينهما بالالتفات إلى الجلي دون الخفي فمع لزوم الاحتياج إلى لحاظه فلا يبقى بينهما فرق أبدا اثباتا ونفيا ، هذا ؛ مع ما عرفت من عدم الاحتياج إليه.

ثانيهما : ما إذا كانت الواسطة جلية ولكن كانت ملازمة مع ذيها في الوجود التنزيلي عرفا بحيث لا ينفك التنزيل في أحدهما عن التنزيل في الآخر كما كانا كذلك في الوجود الواقعي عقلا أو عادة وذلك كما في « النور » مع « الشمس » و « الجود » مع « حاتم » ؛ فمع الملازمة العرفية بين الواسطة وذيها كذلك وكون الملزوم موردا لليقين والشك دون لازمه يدل دليل الاستصحاب على تنزيله ابتداء بالمطابقة وعلى تنزيله تبعا بالالتزام فيترتب عليه آثارها.

فان قلت : ما ذكرت إنّما يتم فيما كان الملزوم ذا أثر شرعي أيضا كي يشمله دليل الاستصحاب بلحاظه فيتبعه لازمه دون ما إذا لم يكن كذلك حيث انّه لا يكون

ص: 464

شاملا له حتى يدل على لازمه بتبعه.

قلت : مضافا إلى عدم القول بالفصل في صحة ترتب أثر اللازم بين ما إذا كان لملزومه أثر شرعي وبين ما لم يكن له أثر كذلك ؛ انّه يمكن أن يكون شدّة اللزوم العرفي بينهما بنحو بحيث يوجب ان يتّحدا في العرف وجودا ويعدّ وجود كل منهما وجودا للآخر وبهذا اللحاظ يصير أثر كل منهما أثرا للآخر.

وبعبارة اخرى : يكونان موضوعا واحدا ذا جهتين متعلقا لليقين والشك من جهة وذا أثر موجب لصحّة التنزيل من اخرى وان لم يكونا كذلك دقة ، وقد عرفت انّ المصحح للتنزيل كون الشيء ذا أثر شرعي عرفا وإذا كان الأثر فلا بأس في تنزيل الملزوم بلحاظ أثر لازمه ولكن مع كون التنزيل واردا على الموضوع بجهتيه لا بخصوص جهة الملزوم وحده كما توهم وإلاّ لم يكن فرق بين الواسطة الخفية والواسطة الجلية وهو فاسد كما لا يخفى.

وامّا التصحيح بوجه آخر من كونهما موضوعين ذا أثر واحد من جهة شدّة اللزوم كما في تعليقة الاستاذ (1) دام ظله على الفرائد فلا وجه [ له ] حيث انّ شدة اللزوم لو لم يوجب الاتحاد لا يوجب استناد أثر أحدهما إلى الآخر مع فرض التعدد كما لا يخفى.

ثم انّه قد يورد على ما ذكرنا من اثبات الأصل في الملزوم لآثار اللازم بمعارضته مع أصالة عدم اللازم الموجب لنفي آثاره بل لنفي آثار الملزوم أيضا بناء على فرض الاتحاد الناشئ من الملازمة.

ولكنه يدفع :

امّا بالنسبة إلى أثر الملزوم : فبثبوت اللازم من طرف وجود الملزوم مع

ص: 465


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 356 ، والطبعة الحجرية : 213 عند تعليقه على قول الشيخ : « نعم هنا شيء وهو ان بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة » ، فرائد الاصول 3 : 244.

لازمه وعدمه من طرف عدم اللازم مع عدم ملزومه.

وسرّه : انّ المعلول لمّا كان من شئونات وجود العلة بل عينه في مقامه النازل ، حيث انّ نحو وجود المعلول منطو بنحو أكمل في وجود العلة فيكون وجود المعلول تنزل وجود العلة في مقام فعله ويكون تنزيلها بوجوده السّعي مشتملا على تنزيله ، وليس وجود العلة بالنسبة إلى وجود المعلول كذلك كما قرر في محله ، لعدم كونه ناشئا منه ، خصوصا في طرف العدم فلا يكون التنزيل في طرف عدمه مستلزما لتنزيل عدمها كي يتعارض ذلك مع الأصل في الملزوم في آثاره كما لا يخفى.

وأمّا بالنسبة إلى أثر اللازم : فبأنّه بعد ثبوت التلازم من طرف الملزوم كما عرفت ، فيكون الأصلان فيهما بمنزلة أصلين في موضوع واحد أحدهما من طرف الوجود والآخر من طرف العدم ، ومن المعلوم انّه في مقام الدوران وعدم الامكان يكون المنسبق إلى الأذهان عرفا دخول الأصل في طرف الوجود في الدليل دون الأصل في طرف العدم خصوصا فيما نحن فيه بعد ما عرفت من السرّ في الوجه الأول ، بل يكون بوجه نظير ما مرّ في دفع ما توهمه الفاضل النراقي من تعارض الأصل في طرف الوجود والعدم من انّه مع كون طرف الوجود موردا للأصل لا وجه لملاحظته في طرف العدم ، فتدبر.

ثم لا بأس بالاشارة إلى بعض المقامات التي توهم كونها من موارد الاصول المثبتة وليست منها :

أحدها : استصحاب الأحكام الشرعية من الايجاب والتحريم ونحوهما ، حيث انّه بعد استصحابها يترتّب عليها آثارها العقلية من وجوب الاطاعة ووجوب المقدمة وحرمة الضد والإجزاء ، مع ما عرفت من عدم جواز ترتيب الآثار العقلية على المستصحب إلاّ بالمثبت.

ص: 466

ولكنه يدفع : بأنّ الانتقاض إنّما يصحّ لو كان الأثر العقلي المترتّب بالاستصحاب لازما عقليا لواقع المستصحب لا فيما كان لازما للأعم من وجوده الواقعي والظاهري كما في غير الإجزاء من الامور المذكورة ، حيث انّ حكم العقل بوجوب الاطاعة وحرمة الضدّ ووجوب المقدمة إنّما هو بالنسبة إلى مطلق الحكم الشرعي واقعيا كان أو ظاهريا لا بالنسبة إلى خصوص الحكم الواقعي الاوّلي.

وامّا الاجزاء : فبالاضافة إلى سقوط الاعادة والقضاء بالنسبة إلى نفس الأمر المتعلق بالمأتي به واقعيا أو ظاهريا فكذلك. وامّا بالنسبة إلى سقوطهما عن الأمر الواقعي بموافقة الأمر الظاهري فيتوقّف على استكشاف المصلحة في المأمور به الظاهري بحيث لا يبقى مع تحصيلها مجال لتحصيلها عن الأمر الواقعي سواء كانت مساوية أو ناقصة على ما قرر في محله.

وعلى كل حال فلا وجه للانتقاض بمثل هذه الآثار بل بسائرها في كل ما كان الأثر للأعم ، حيث انّ الوجود الظاهري في عرض الواقع في كونه موضوعا لها عقلا ، لا من جهة تنزيلها منزلة الواقع بلحاظها كما لا يخفى.

ثانيها : استصحاب الشرط والمانع وجودا وعدما فيتخيل انّه لا أثر لها شرعا ، فلا بدّ :

امّا من ترتيب الشرطية أو المانعية ، وقد مرّ انّ مثلهما ليس بقابل للجعل شرعا مستقلا بل كان تبعا لمنشا الانتزاع وهو التكليف المتعلق بالمشروط والممنوع.

وامّا من ترتيب هذا التكليف ، وقد عرفت انّه متعلق بالكل ، وترتيبه على استصحابهما لا يكون إلاّ بالمثبت. وامّا جواز الدخول في المشروط عند وجود الشرط وعدم جوازه في الممنوع عند وجود المانع والعكس عند العكس فليسا بأثر شرعي بل عقلي ينتزع من الأمر بالمركب كما هو واضح.

ص: 467

ولكنه يدفع :

أولا : بأنّ الشرطية والمانعية وان لم يكونا مجعولين مستقلا إلاّ انّهما مجعولتان بالواسطة فيكونان مما تناله يد الجعل من الشارع وضعا في هذا الباب ورفعا في حديث الرفع ، وليس في أخبار الباب لفظ الأثر والجعل حتى ينصرف إلى المجعول بالاستقلال والتكليف بل يكفي أن يكون في البين ما به يصح التنزيل الشرعي ؛ وكفى بما ذكرنا صحة.

وامّا توهم : انّ الشرطية والجزئية ليسا بمشكوكين حتى يترتبا على المستصحب ، فمدفوع :

بأنّ الشك في موضوعهما الجزئي يوجب الشك في الحكم الجزئي كما في جميع الشبهات الجزئية ، ولا يخفى انّه بعد انشاء الشرطية والجزئية بدليل حرمة النقض بداعي وجودهما الواقعي يستكشف بالإن تعلّق الأمر الظاهري المشروط بوجود الشرط أو عدم المانع فيوسّع بواسطة الاستصحاب موضوع الأمر الواقعي.

وثانيا : على تقدير تسليم عدم صحة الاستصحاب بلحاظ نفس الشرطية والجزئية ، ولكنه لا مانع عن اجرائه في الشرط وكذا في الجزء بلحاظ التكليف المترتب على المشروط والمركب حيث انّ لكل من الجزء والشرط دخلا في الأثر المترتب عليهما ، ولذا قرر في محله اتصاف الاجزاء بالوجوب بعين وجوب الكل لا بوجوب مغاير فلولا دخله فيه فلا وجه لاتصافه به في ضمن الكل.

ومن المعلوم أيضا انّه قد رتب في دليل الشرع أثر المشروط على الشرط فحينئذ لا اشكال في صحة اجراء الاستصحاب في الشرط والمانع والجزء بلحاظ الأثر المترتب على المشروط والكل فيوسع بواسطته الموضوع تارة ويضيّق به اخرى ، وقد عرفت كفاية ما به يصح التنزيل ، وليس في البين لفظ الأثر حتى ينصرف إلى الأثر المستقل ، بل قد عرفت في مبحث القطع صحة تنزيل مؤدّى

ص: 468

الأمارات منزلة الواقع فيما كان القطع به تمام الموضوع فيستكشف به تنزيل القطع بالمؤدّى منزلة القطع بالواقع فضلا عمّا إذا كان القطع جزء الموضوع.

والحاصل : انّه لا بأس في تنزيل جزء الموضوع بلحاظ أثره وإلاّ لانسدّ باب التنزيلات غالبا كما لا يخفى.

هذا كله فيما كان الشرط وعدم المانع مأخوذا في المأمور به.

وامّا لو كانا مأخوذين نظير المقتضي في علة التكليف لا في موضوعه ، فيشكل اجراء الاستصحاب فيهما بلحاظ ذاك التكليف لعدم كونه مترتّبا عليهما إلاّ عقلا فلا يكونان ذا دخل فيه شرعا ولا بدّ منه في تنزيل الموضوعات ولا يكفي الدخل العقلي ، لعدم صحة التنزيل من الشرع توسعة وضيقا في علة التكليف. نعم لو كان الترتب عليهما في لسان الشرع ، لا بأس بجريان الاستصحاب في الشرط مثلا غاية الأمر يحكم بأنّه قيد للموضوع ، فتدبر.

ثالثها : استصحاب الموضوعات الخارجية ، فانّه يتوهم : انّه لا أثر لها شرعا بلا واسطة بل يكون الأثر مترتبا عليها بتوسيط اثبات العناوين الكلية ، حيث انّ الأحكام مترتبة على العناوين الكلية لا بشرط الخصوصيات ، والاستصحاب انما هو فيما كان بشرطها.

ولكنه يدفع - بناء على ما هو التحقيق من وجود الكلي الطبيعي بعين وجود اشخاصه وانّها بوجودها الخارجي موضوعات للأحكام لا بما هي هي - : بأنّ المستصحب وان كان شخصيا إلاّ انّه عين الطبيعة التي كانت موضوعا للحكم ، لأنّ الطبيعة لا بشرط عين الوجودات الخارجية ويكون وجودها عين وجوداتها لا انّها واسطة لوجودها كي يحتاج ترتب الحكم الشرعي إلى توسيط أمر آخر غير إثبات المستصحب بالاستصحاب كما هو واضح.

رابعها : انّه لو كانت الآثار الشرعية مترتبة على العناوين الثانوية الطارئة

ص: 469

على العناوين الأولية وكان الاستصحاب مع ذلك جاريا في العناوين الأولية بملاحظة تلك الآثار فانّه يكون من الأصل المثبت ظاهرا ، حيث انّه يحتاج إلى توسيط العناوين الثانوية وذلك كالزوجية الطارئة على ذوات الاشخاص من زيد وغيره فلو شك في حياته يستصحب وجوده لاثبات بقاء الزوجية فيترتب عليه آثاره ؛ وكما لو شك في حياة الموقوف عليهم في الوقف الخاص فيستصحب حياتهم فيترتب عليه آثار الموقوف عليه ؛ وكما لو شك في بقاء حياة الولد في يوم الجمعة فيما نذر الوالد التصدق فيه بدينار فيستصحب حياته فيه فيثبت به كون اليوم مما التزم فيه بالتصدق وكونه منذورا فيه بالتصدق ويتعلق بعد ذلك عليه آثار تعلق النذر ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

ولكنه يدفع الاشكال : بأنّ مثل هذه العناوين الثانوية إنّما كان حقيقتها مصاديق العناوين الأولية بعناوينها لا انّ حقيقتها أمر ملازم معها. مثلا حقيقة الموقوف عليه تكون ذوات الاشخاص الخاصة بعناوينها ، وحقيقة الزوج الاشخاص الذين وقع بينهم وبين النساء عقد النكاح ، وحقيقة الملتزم به والمنذور نفس التصدق بالدينار في اليوم الخاص ؛ ومن المعلوم انّها بحقيقتها موضوعات للأحكام الشرعية لا بمفاهيمها. فإذا كان الأمر كذلك فيظهر انّ المستصحبات المذكورة بنفسها موضوعات للأحكام بلا واسطة اثبات عنوان آخر أو حقيقة اخرى ملازمة معها كما لا يخفى.

ويشهد على ذلك انّ الناذر لا يقصد في مقام نذره الاّ نفس التصدق بعنوانه ، وحينئذ يكون خطاب مثل « اوفوا بالنذور » إيجابا لواقع ما التزم به الناذر وعرفت انّه التصدق في اليوم المخصوص الذي ثبت فيه حياة الولد ، غاية الأمر يكون استصحاب الحياة من قبيل استصحاب قيد الموضوع الذي ثبت بقية أجزائه وقيوده بالوجدان.

ص: 470

هذا كلّه بناء على استفادة الاستصحاب من الأخبار.

وامّا بناء على كونه من باب الظن ، فيكون من الأمارات التي كان مثبتها حجة إلاّ فيما انحصر دليل حجيتها في خصوص الملزوم دون اللازم كما لو ادّعي في المقام انّ بناء العقلاء على الحجية في خصوص الظن بالبقاء دون الظن بالحدوث ، فلا يتعدى إلى اللوازم إلاّ إذا كانت بنفسها موردا للاستصحاب.

ثم انّ ذهاب البعض إلى حجية المثبت في بعض الموارد والفروع الفقهية.

امّا من جهة ذهابه إلى كون الحجية من باب بناء العقلاء.

وامّا من جهة خفاء الواسطة فيها.

وامّا من جهة الملازمة في التنزيل ولو مع جلاء الواسطة.

وإلاّ فمع الاستفادة من الأخبار مع عدم شيء مما ذكر فلا وجه لذلك كما عرفت.

الأمر [ السادس ] : قد يكون الشك في أصل تحقق حادث رأسا فيحكم بعدم حدوثه أصلا بالأصل. وقد يكون الشك في تحققه في زمان خاص بعد العلم بتحققه فيما بعد ذلك.

وبعبارة اخرى : يكون الشك - بعد العلم بأصل حدوثه - في تقدمه وتأخره ، فهل يجري أصالة عدم الحدوث إلى زمان العلم بحدوثه ويحكم بتأخر حدوثه عن الزمان المشكوك أم لا؟

ثم انّ هذا النزاع أيضا ليس كبرويا بل صغرويا في تحقق ما يتقوم به الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق واتصال الثاني بالأول ليتحقق صدق النقض كما سيظهر.

إذا عرفت ذلك فنقول : انّ تأخر الحادث قد يلاحظ بالنسبة إلى اجزاء الزمان ، وقد يلاحظ بالنسبة إلى حادث آخر.

ص: 471

وعلى الأول ، فلا شبهة في اجراء أصالة عدم الحدوث في الزمان المشكوك إلى العلم بتحققه ، حيث انّه لا فرق في جريانه بين الشك في أصل حدوثه رأسا وبين الشك في حدوثه في زمان معيّن ، ويترتب عليه آثار عدم الحدوث في الزمان المشكوك وامّا اثبات تأخّره عنه فلا ؛ إلاّ بناء على كونه عبارة عن مجرد عدم الحدوث في زمان اريد اثبات تأخره عنه ؛ أو بناء على خفاء الواسطة أو الملازمة في التنزيل وامّا اثبات الحدوث في الزمان الذي علم بأصل تحققه فيه فيبتني على كونه :

عبارة عن أمر مركب من وجود حادث في ذاك الزمان وعدم ذاك الحادث فيما قبله بمفاد كان التامة ، فيثبت ، لكونه حينئذ من قبيل الموضوع المركب الذي يثبت بعض اجزائه بالوجدان وبعض اجزائه الآخر بالأصل.

أو عبارة عن وجود خاص مسبوق بالعدم بحيث يكون ذاك العدم من حالات ذاك الوجود المحقق بمفاد كان الناقصة ، فلا يثبت ، لعدم الحالة السابقة لتلك الحالة في الوجود المحقق. واثباتها بأصالة العدم بمفاد كان التامة لا يكون إلاّ بالمثبت.

وامّا على الثاني ، من لحاظ تأخر الحادث بالنسبة إلى حادث آخر كأن علم بحدوث حادثين ، مثل موت المتوارثين أو حدوث الطهارة والنجاسة وشك في تقدم كل منهما وتأخره عن الآخر ، فامّا :

ان يكونا مجهولي التاريخ.

أو يكون أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلومه.

وعلى الأول فلا يخلو :

فامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على كل منهما بواحد من وجوداته الخاصة من السابق على الآخر أو المقارن معه أو اللاحق بنحو مفاد كان التامّة فلا

ص: 472

اشكال في اجراء أصالة العدم الأزلي لذاك الخاص ان لم يعارض بالأصل الجاري في الطرف الآخر بهذا النحو وبالأصل الجاري في طرفه بالنسبة إلى وجوده الخاص الآخر بأن ينحصر الأثر الشرعي في ذاك الخاص المقارن - مثلا - وجودا وعدما بلا ترتبه على الوجود الخاصّ المقارن من الطرف الآخر وعلى المتأخر واللاحق من طرفه ، وإلاّ فيسقط بالمعارضة كما لا يخفى.

وامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على أن يكون الوجود الواقعي المحقق لأحد من الحادثين متّصفا بكونه مقارنا أو متأخرا بمفاد كان الناقصة ، فلا يجري فيه الأصل أصلا لعدم الحالة السابقة حيث انّ الوجود المحقق لكل منهما امّا أن يكون مقارنا مع الآخر أو لاحقا به أو سابقا عليه من أول الأمر بلا حالة سابقة لواحد من الحالات فيه ، فلا مقتضي للأصل كي يسقط بالمعارضة.

وامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على بقاء أحدهما على العدم الأزلي إلى زمان تحقق الآخر وحدوثه ، وهكذا في الطرف الآخر ، فهل يجريان في هذه الصورة ويسقطان بالمعارضة؟ أو لا يجريان حينئذ أصلا؟

والتحقيق : هو الثاني.

بيانه : انّ الاستصحاب يحتاج إلى امور :

أحدها : أن يكون المستصحب متيقنا سابقا بأن يكون ظرف المتيقن في السابق لا ظرف الوصف ، ومشكوكا لاحقا كذلك.

وثانيها : ان يكون ظرف الشك متصلا بظرف اليقين حتى يكون العمل على طبق اليقين ابقاء له ورفع اليد عنه نقضا له بالشك وبدونه لا يكون نقض اليقين بالشك أبدا.

ثالثها : انّه إذا احتمل التقدم والتأخر لكل من الحادثين بالنسبة إلى الآخر فلا بدّ أن تكون الأزمنة المحتملة لوجود أحدهما مساوية للأزمنة المحتملة للآخر ،

ص: 473

مثلا يفرض كون الحادثين متيقن العدم قبل طلوع الشمس ومتيقن التحقق أول الزوال ، ومشكوك التحقق مع احتمال التقدم والتأخر لكل منهما بين الوقتين.

إذا عرفت ذلك فنقول :

ان لوحظ الأصل بالنسبة إلى كل منهما في نفسه إلى الزوال ، فلا اشكال فيه ويرجع ذلك إلى لحاظه بالنسبة إلى زمانه في نفسه.

وان لوحظ بالنسبة إلى الزمان الواقعي للآخر فيرد عليه أوّلا بعدم اتصال الشك باليقين ، حيث انّ المشكوك هو وجود الحادث في زمان الحادث الآخر وليس وجود المستصحب في الآن السابق المتّصل بزمان الآخر بمتيقن العدم كي يستمر ذلك إلى زمانه حيث انّه يحتمل تقدّم المشكوك على الآخر فيكون الآن السابق على الآخر بالنسبة إلى وجوده وعدمه على السوية وليس أحدهما أولى [ من ] (1) الآخر والأسبق بالنسبة إليه كما قبل طلوع الشمس في المثال وان كان اليقين بعدم المشكوك موجودا في زمان إلاّ انّه لا يعلم اتصاله بزمان الآخر الذي هو زمان الشك لاحتمال تأخره عنه ؛ ورفع اليد عن ذاك اليقين بهذا الشك لمّا لم يعلم باتصالهما لا يصدق النقض عليه ، وحينئذ فيكون التمسك بالخبر تمسكا به في الشبهة المصداقية.

فان قلت : بجعل مجموع زمان الشك إلى آن اليقين بعدم الحادث وهو قبل الطلوع زمان الشك فيكون رفع اليد عنه به نقضا لليقين بالشك.

قلت : فلا يكون الملحوظ حينئذ وجود الحادث في زمان الآخر بل يكون الملحوظ وجود المشكوك بالنسبة إلى زمانه في نفسه ، ويخرج عن محل الكلام.

فان قلت : ان لوحظ زمان الآخر قيدا للحادث المشكوك فيكون المشكوك

ص: 474


1- في الاصل المخطوط ( عن ).

وجوده الخاص في الزمان الواقعي للآخر ، فلا اشكال في كونه مسبوقا بالعدم قبل ذاك الزمان فيستصحب عدم ذاك الخاص. وان لوحظ ظرفا فلا وجه لاختصاصه بالشك بل يجعل ذلك إلى زمان اليقين بالعدم ظرف الشك فيتصل باليقين.

قلت : بل يجعل ظرفا ، إلاّ انّ وجه الاختصاص كون الحادث في ذاك الزمان موضوعا للأثر لخصوصيته فيه لا في غيره فلا يتصل باليقين ؛ وعلى تقدير تسليم جعل مجموع الأزمنة إلى زمان اليقين بالعدم ظرف الشك فنقول :

انّه لمّا كان المفروض تساوي الأزمنة المحتملة لوجود الحادثين وكان الآن المتيقن بوجودهما فيه - وهو أول الزوال في المثال - واحدا مع احتمال كون ذاك الآن زمان حدوث الحادث الآخر فلا يمكن إحراز استمرار عدم المشكوك ولو تعبدا إلى زمان حدوث الآخر بحيث يكون زمان حدوثه زمان التعبد ببقاء عدم المشكوك حيث انّه يحتمل أن يكون الآن المعلوم التحقق آن حدوث الآخر ويكون حدوث المشكوك قبل ذلك فلا يمكن أن يحكم في ذاك الآن بعدم الحدوث.

والحكم باستمراره إلى الآن المتصل به لا يحرز به استمرار عدم المشكوك إلى زمان حدوث الآخر ، بل يدور :

بين أن يكون حدوثه في ما قبل ذاك الآن ، فيثبت استمرار العدم إلى زمان الحدوث.

وبين أن يكون حدوثه في نفس الآن المعلوم التحقق ، فلا يثبت استمرار العدم إلى زمان الحدوث.

وعلى كل حال فلا يحرز بالأصل استمرار عدم المشكوك إلى زمان حدوث الآخر ، لما عرفت.

نعم لو كان احتمالات حدوث الحادث الآخر أقل من محتملات الحادث

ص: 475

المشكوك من طرف الآخر بحيث كان العلم بتحققه قبل آن الزوال في المثال المفروض ، فيمكن استمرار عدم المشكوك إلى زمان الآخر كما لا يخفى ، إلاّ انّه يدخل هذا القسم في المعلوم التاريخ بالنسبة إلى أحد الحادثين كما يظهر.

هذا كله في القسم الأول من الحادثين وهو : ما لو كانا مجهولي التاريخ.

وامّا القسم [ الثاني ] (1) وهو : ما لو كان أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلومه ، فلا يخلو أيضا :

فامّا ان يلحظ الوجود من الطرفين هو الوجود الخاص في زمان الآخر وعدمه بمفاد كان التامة في قبال وجوداتهما الخاصة الأخر من السابق واللاحق بالنسبة إلى الآخر فلا اشكال في أصالة عدم تحقق ذاك الخاص بمفاد كان التامة لو لا معارضته بالأصل في طرف الآخر وبأصالة عدم تحقق أنحائه الاخرى في طرفه كما لا يخفى.

وامّا ان يلحظ الوجود الواقعي لكل منهما متصفا بعدم كونه في زمان الآخر ، فهو ليس مسبوقا بالحالة السابقة في كل منهما لا في طرف المجهول ولا في طرف المعلوم ، لاحتمال اتّصاف الوجود الواقعي لكل منهما بالسبق والمقارنة واللحوق بالنسبة إلى الآخر بلا حالة سابقة لواحد من الحالات وجودا وعدما.

وامّا أن يلحظ بقاء العدم الأزلي لكل منهما مستمرا إلى الزمان الواقعي للآخر بمفاد كان التامة بحيث يكون الملحوظ في كل طرف هو الوجود المطلق لا المقيد بزمان الآخر بمعنى كون لحاظه ظرفا لا قيدا ، فحينئذ يكون الأصل جاريا في طرف المجهول إلى زمان المعلوم.

ولكنه يترتب عليه آثار عدم الحدوث في زمان الآخر لا آثار حدوثه بعده

ص: 476


1- في الاصل المخطوط ( الاول ).

إلاّ بالمثبت ولا يجري الأصل في طرف المعلوم حيث انّه بعد لحاظ الزمان الواقعي للمجهول ظرفا لا قيدا يكون لحاظ المعلوم التاريخ مقيسا إلى زمان المجهول مثل لحاظه بالنسبة إلى زمانه في نفسه ، ومن المعلوم انّه لا جهل في ذلك في طرف المعلوم التاريخ كما لا يخفى.

ومما ذكرنا ظهر عدم التفاوت بين مجهولي التاريخ وبين المختلفين في الوجود الخاصّ بمفاد كان التامّة بجريان الأصل في الطرفين فيهما وفي الوجود الواقعي لكل منهما بمفاد كان الناقصة بعدم جريانه في الطرفين فيهما أيضا ؛ وانّ التفاوت بينهما في استصحاب العدم الأزلي للوجود المطلق بمفاد كان التامة فانّه يجري في طرف المجهول في المختلفين دون طرف المعلوم ولا يجري في كلا الطرفين في مجهولي التاريخ كما عرفت.

ومنه انقدح : عدم صحة إطلاق الفرق بين المجهولين والمختلفين في جريان الأصل في طرف المجهول في الثاني دون المعلوم ؛ وعدم جريانه فيهما في الأول ، فراجع وتدبر.

ثم انّ هذا كله في الشك في الحدوث وتأخر الحادث عن الآخر واستصحاب العدم في كل منهما في زمان الآخر.

وامّا لو كان الشك في بقائهما في الزمان المتأخر عن زمان حدوثهما ، وبعبارة اخرى : في الزمان الثالث مع كون الحادثين مشكوكي التقدم والتأخر فالتحقيق :

عدم جريان الأصل في نفسه في الطرفين في نفسه ، لا انّه يجري ويسقط بالمعارضة ، امّا أولا :

فلعدم اتصال الشك في كل منهما باليقين في طرفه.

بيانه : انّه لو فرض ساعتان من أول النهار كان الانسان في احداهما متطهرا

ص: 477

وفي الاخرى محدثا - مع عدم العلم بتقدم واحد منهما وتأخره - ودخل في الساعة الثالثة فيشك في كونه في هذه الحالة متطهرا أو محدثا مع علمه بحدوثهما قبل ذلك ولكنه لا يدري حاله في كل من الساعتين الأوليين ، فحينئذ لا يجوز له اجراء الاستصحاب في واحد منهما. امّا في الطهارة : فلعدم اليقين بها قبل الساعة الثالثة التي كانت هي زمان الشك لا في الساعة الثانية المتصلة بها ولا في الساعة الاولى ، وأمّا قبلهما فليس بزمان اليقين. وامّا علمه بحصولها في إحداهما فغير مجد بعد عدم التمكن من تطبيقه على إحدى الساعتين السابقتين وبدونه لا يحرز اتّصاله بالشك ، لدورانه بين الساعة الثانية فيتصل وبين الساعة الاولى فلا ، فيكون التمسك باخبار حرمة النقض تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، بل عرفت من التقرير المتقدم انّه [ ينعدم ] (1) اليقين السابق المعتبر في الاستصحاب بعد كون المكلف في حالة سواء بالنسبة إلى زمان الشك وهو الساعة الثالثة وما قبله من الساعتين الأوليين. ومجرد اليقين السابق بالطهارة اجمالا لا يجدي بعد عدم اتصاله بالشك المعتبر في اليقين السابق.

وان أبيت إلاّ عن كفاية اليقين الاجمالي السابق على الشك مع كون الشك في البقاء اجمالا وان لم يدر انطباقه على إحدى الساعتين تفصيلا فيرد عليه ثانيا :

بأنّ الطهارة والحدث لمّا كانا من العدم والملكة أو المتضادين فلا يمكن الحكم التعبدي بلسان الابقاء والتنزيل الاستصحابي بالنسبة إليهما لو لم يرجع إلى تنزيل آخر غير التنزيل الاستصحابي ، حيث انّ تنزيله إنما يكون فيما أمكن بقاؤهما في زمان واحد وعرفت عدم إمكانه من جهة وحدة المحل. والتعبد ببقاء أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح ولا معنى لإبقاء أحدهما المردد.

ص: 478


1- في الاصل المخطوط ( ينصدم ).

وان أبيت عن ذلك فيرد عليه ثالثا :

بعدم جواز التعبد بهما أيضا من جهة تعارضهما دائما بعد العلم بكذب أحدهما وكون كل واحد منهما أمرا شرعيا دائما بناء على كونهما من الآثار المجعولة أو ذا أثر كذلك بعد كون الموجب لأحدهما شرعا رافعا للآخر شرعا ، فمن هذه الجهة إذا كان أحدهما شرطا لعبادة يكون الآخر مانعا وعرفت كون كل من الشرطية والمانعية أثرا شرعيا وحينئذ يكونان من قبيل فردي العام المتعارضين دائما فلا بدّ من الحكم باخراجهما عن تحته دائما ، والفرض انّ الاصول العملية ليست من قبيل المتزاحمين كي يحكم فيهما بالتخيير عند التزاحم بل من قبيل المتعارضين فلا بدّ من التساقط عند التعارض.

هذا كله في صورة كون الحادثين مجهولي التاريخ.

وامّا لو كان أحدهما معلوم التاريخ كما لو علم بتاريخ الحدث مثلا وشك في تقدم الطهارة أو تأخرها عنه فلا شك في استصحاب بقاء معلوم التاريخ ؛ وكما لو غسل الثوب بالإناءين المشتبهين فانّه لا اشكال في استصحاب النجاسة لكونها معلوم التاريخ حيث انّه يعلم بها تفصيلا في أول زمان الملاقاة بالاناء الثاني مرددا بين كونها من الأول فلا يحصل التطهير بمجرد الملاقاة مع الثاني وبين حدوثها بالثاني فيشك في بقائها بعد ذلك فيستصحب ، بخلاف الطهارة ، لكونها مجهول التاريخ وقد عرفت عدم جريان الأصل فيه لعدم احراز اتصال اليقين بالشك المعتبر في الاستصحاب. نعم لو كان الاناء الثاني كرّا وقلنا بحصول التطهير بمجرد الملاقاة به فلا يحصل العلم بالنجاسة أيضا تفصيلا فيدخلان في مجهولي التاريخ.

تذنيب : اعلم انّه قد يعلم بتحقق شيء في الزمان اللاحق ويشك في مبدئه ويحكم بتقدمه بالاستصحاب القهقري. مثاله : انّ صيغة الأمر مثلا تدل على الوجوب في الأزمنة المتأخرة ويشك في كونها كذلك في الأزمنة السابقة

ص: 479

[ عن ] (1) زمان النبي صلی اللّه علیه و آله والامام علیه السلام فيحكم بكونها كذلك في ذاك الزمان.

ولكن التحقيق : انّه أصل لا أصل له ، لعدم دلالة الأخبار ولا بناء العقلاء عليه. نعم كونها في الزمان السابق مثل اللاحق ملازم لنقلها عن المعنى الأول الذي شك في أصله فيحكم بأصالة عدم حدوث نقل أصلا بكونها للوجوب سابقا ، فان كان العمل به من باب بناء العقلاء على طبقه من دون لحاظ الحالة السابقة فلا ربط له بالاستصحاب ، وان كان مع لحاظها فيدخل فيه إلاّ انّه في مباحث الألفاظ من المسلّمات عند العقلاء ويكون مثبته حجة بلا ابتناء على الأخبار وإلاّ فيشكل التمسك فيما لا أثر لعدم النقل شرعا وان كان ينتهي إليه بالواسطة إلاّ انّه بالمثبت ؛ هذا لو شك في أصل تعدد المعنى.

وامّا لو علم به وشك في تاريخ النقل فيحكم بعدم حدوثها إلى زمان القطع به فيترتب عليه آثار العدم لا غير إلاّ بناء على كونه من باب بناء العقلاء أو على الأصل المثبت كما عرفت.

الأمر [ السابع ] : لا اشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية ولا في موضوعاتها الخارجية أو اللغوية ان كان حجية الأصل في مباحث الألفاظ من باب الاستصحاب كما عرفت.

وإنّما الاشكال في جريانه في الأحكام الاعتقادية التي كان المطلوب بالذات فيها الاعتقاد جانحا لا العمل خارجا.

ووجه الاشكال إنّما هو في تحقق ما يعتبر في الباب ، فيرجع النزاع صغرويا لا كبرويا.

فنقول : انّ الكلام في الاعتقاديات :

ص: 480


1- في الاصل المخطوط ( من ).

تارة : في المراد من الاعتقاد المطلوب فيها من انّه اليقين أو أمر آخر متقوم به أو غير متقوم به أصلا.

واخرى : في جريان الاستصحاب فيها حكما أو موضوعا.

امّا الأول : فالظاهر بل المقطوع انّ المراد من الاعتقاد العقد القلبي بها والانقياد الطوعي والتسليم لها في مقابل الجحود والانكار لها قلبا كما في قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (1) حيث انّ الظاهر انّ المراد من الجحود ليس مجرد الانكار باللسان بناء على كون الآية تعريضا على المنافقين المقرّين باللسان صورة ، بل لو كان المراد من الاعتقاد مجرد اليقين لما كان قابلا للتكليف عقلا أو نقلا لكونه من الكيفيات النفسانية والصفات القلبية التي ليست من مقولة الأفعال ؛ إلاّ ان يكون المراد تحصيل اليقين بالأسباب الموجبة له ، كما انّ الظاهر انّ الاعتقاد القلبي بالمعنى المذكور لا يتقوّم باليقين بل يحصل عند عدم العلم بالمعتقد معلقا على وجوده واقعا بل مطلقا بالبناء التشريعي على وجوده كما في التشريع. نعم قد يكون المطلوب عقلا أو نقلا الاعتقاد اليقيني بالمعتقد طلبا مطلقا فيجب تحصيل اليقين عند عدمه مقدمة للواجب المطلق كما في الاعتقادات الخمسة أو مشروطا فلا يجب إلاّ عند حصول العلم بنفسه كما في غيرها من بعض تفاصيل المعاد ونحوه.

[ وأمّا الثاني : أي ] (2) الكلام في جريان الاستصحاب فيها فنقول :

انّ الشك لو كان في نفس الحكم مع العلم ببقاء المعتقد بأن كان الاعتقاد به واجبا سابقا ثم شك في وجوبه لاحقا ؛ فلا اشكال في جريان الاستصحاب ، لعموم دليله مع تحقق شرائطه في المستصحب من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء

ص: 481


1- سورة النمل : 14.
2- في الاصل المخطوط ( أمّا ).

موضوعه. وامّا لو كان الشك في بقاء الموضوع بأن شك في زوال المعتقد بنفسه :

فان قلنا انّ الاعتقاد بشيء عين اليقين به أو متقوما به ؛ فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه كما هو واضح. نعم يجب تحصيل العلم به لو كان واجبا مطلقا لا فيما كان وجوب الاعتقاد مشروطا.

وان كان غير اليقين ولا متقوما به كما هو التحقيق ؛ فالظاهر جريان الاستصحاب في بقاء المعتقد لترتيب وجوب الاعتقاد عليه لو كان معتبرا من باب الظن ولم يكن الأثر - بحسب دليله - مترتبا على خصوص الاعتقاد اليقيني وإلاّ لكان اللازم تحصيل العلم به. وكذا بناء على اعتباره من الاخبار ، لاطلاق الأدلة في مطلق المشكوكات كما هو الظاهر.

فما ذكره في الفرائد من قوله : « وامّا الشرعية الاعتقادية فلا يعتبر الاستصحاب فيها لأنّه ان كان من باب الأخبار فليس مؤداها إلاّ الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين به والمفروض انّ وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به لا يمكن الحكم به عند الشك لزوال الاعتقاد فلا يعقل التكليف الخ » (1) لا وجه له ان كان الشك في نفس بقاء الحكم ، لعدم طريان الشك حينئذ في متعلقه ، وكذا لو كان الشك في بقاء موضوعه لما عرفت من عدم تقوم الاعتقاد بشيء باليقين عقلا به ؛ إلاّ ان يكون مراده قدس سره من وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به اعتبار الاعتقاد اليقيني في الاعتقاديات من الخارج عقلا أو نقلا لا لعدم إمكان الاعتقاد بدونه كما هو ظاهر كلامه زيد في علو مقامه.

ومن هنا ظهر : انّ مراد من لم يعتبر الظن في الاعتقاديات إنّما هو لأجل ما ذكرنا من اعتبار اليقين بحسب الدليل لا لأجل عدم الامكان المذكور.

ص: 482


1- فرائد الاصول 3 : 259.

ثم انّ ما ذكرنا من جريان الاستصحاب في الاعتقاديات إنّما هو في غير الشك في بقاء النبوة ونسخ الشريعة على تقدير تحقق الشك في غيره على اشكال في الشرعيات الاعتقادية.

امّا صفة النبوة : فيقع الشك فيها :

تارة : في كونها معنى قابلا للجعل من دون رجوعه إلى جعل الأحكام ووقوع الشك فيها كذلك وعدمه.

واخرى : في حجية مثل هذا الاستصحاب.

امّا الأول : فالظاهر بل المحقق انّ صفة النبوة منصب من المناصب الإلهية قابل للجعل نظير سائر المناصب من الولاية والخلافة ويكون جعله بيد من بيده الجعل والاختراع وهو في مثل النبوّة إليه تعالى وحده ، وله آثار خاصة :

منها : الإخبار وتبليغ الأحكام منه تعالى بلا توسيط بشيء آخر ، سواء كان بالهام منه تعالى أو بإرسال ملك على اختلاف مراتب الأنبياء.

ومنها : الرئاسة المطلقة على من جعل واسطة بينهم وبينه تعالى في التبليغ على اختلاف المراتب أيضا من كونه نبيّا بالنسبة إلى طائفة ولو خصوص أهل بيته بل ولو خصوص نفسه ، أو إلى كثير إلى أن يبلغ جميع أهل زمانه ، في مدة مغياة من الزمان كثير أو قليل أو غير مغيّاة بل إلى آخر الأبد.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ أصل صفة النبوّة وملكة الرئاسة الثابتة للنبي - بالنسبة إلى طائفة أو أزيد - قائمة بنفسه الشريفة باقية إلى يوم القيام وغير قابلة للنسخ. نعم إذا ثبت بالنسبة إلى أهل زمان فيمكن أن يقع الشك في ثبوت نبوّته بالنسبة إلى أهل غير ذاك الزمان من الأزمنة المتأخرة. وبعبارة اخرى : يشك في انّ رئاسته بالنسبة إلى الاشخاص الواقعة في زمان خاصّ أو بالنسبة إلى غيرهم الواقعين في المدة المتأخرة أيضا.

ص: 483

فبناء على كون النبوة منصبا خاصا أثره في كل زمان يثبت ذاك المنصب فيه وجوب الاطاعة على أهل ذاك الزمان مع عدم الفرق فيه بين حال الحياة والممات ؛ يجري فيه الاستصحاب.

نعم بناء على كون النبوة معنى قائما بالنفس ناشئا من مجرد قابليتها لافاضة الأحكام عليه بلا جعل تشريعي فيه إلاّ تبعا للجعل التكويني في أصل خلقة النفس فلا يجري فيه الأصل بل لا بدّ من اجرائه في جملة أحكام تلك الشريعة المتقوم بها بقاؤها.

ولكن التحقيق : هو الأول فتكون النبوة معنى قابلا للجعل الاستصحابي فيقع الكلام في قيام الدليل عليه.

ولكنه مشكل :

امّا بناء على كون الاستصحاب من باب الاخبار فلأنّه لا يخلو : فامّا أن يكون في الشرع السابق فالمفروض الشك في نسخه ؛ وامّا ان يكون في الشرع اللاحق فلم يثبت حقّيته فكيف يتمسك بالحكم الثابت فيه؟

وامّا بناء على كونه من باب الظن فلا بدّ من دليل تأسيسا أو امضاء من احدى الشريعتين على حجيته بالخصوص ، وإذ ليس دليل خاص في البين فلا بدّ من دعوى طريقة العقلاء على العمل بالظن ببقاء النبوة السابقة مع عدم ردع النبي لتلك الطريقة.

ولكن هذه الدعوى - مضافا إلى عدم صحتها بحسب الصغرى بعد نسخ غالب النبوات - غير صحيحة ، لعدم ثبوت الامضاء لا من الشرع اللاحق لعدم ثبوت النبوّة مع انّ ثبوته مساوق لارتفاع الظن والقطع بنسخ الشرع السابق ، ولا من السابق حيث انّ العمل على هذا الظن لم يكن بمرآه وإلاّ لما بقي الشك بحاله ، كما هو واضح.

ص: 484

إذا عرفت عدم حجية هذا الظن بالخصوص فلا بدّ من اجراء مقدمات الانسداد ، ولم يتمّ بالنسبة إلى العمل بالظن وترك العمل بالاحتياط في غير ما يلزم من ترك العمل به اختلال النظام وان لزم منه الحرج في مقام العمل بأحكام الشريعتين لعدم الدليل على نفيه في الشرع السابق بعد عدم ثبوت اللاحق فلا بدّ من الاحتياط بمراعاة أحكام الشريعتين إلاّ فيما لزم منه الاختلال فيرجع إلى الظن.

فظهر مما ذكرنا انّه لا دليل على جريان الاستصحاب في مثل النبوّة ، ولا في مجموع الشريعة التي شك في نسخها.

ومن هنا ظهر : انّ ما يحكى من تمسك بعض أهل الكتاب في مناظرته مع بعض الفضلاء السادة (1) باستصحاب شرعه مما لا وجه له.

توضيحه : انّ غرض الكتابي من التمسك به في مقام المناظرة :

ان كان مجرد الالزام على المسلمين وإفحامهم في مقام الاستدلال ، ففيه :

انّ كل دليل كان متقوما بالامور الوجدانية من اليقين والشك ونحوهما لا يصح الالزام به على أحد كما في المقام ، حيث انّ الاستصحاب كان متقوما باليقين السابق والشك اللاحق فيمن جرى في حقه الاستصحاب فمع إخبار المسلم بقطعه بنبوّة النبي اللاحق ونسخ الشريعة السابقة فكيف يلزم بالاستصحاب؟

فان قلت : لا بدّ في مقام المناظرة من فرض كل من المتخاصمين قطعه بمنزلة العدم وحينئذ فيفرض شاكا فيلزم بالاستصحاب.

قلت : على تقدير تسليم فرض القطع في مقام المناظرة كذلك فانّما هو فيما لم يكن الدليل متقوما بالشك وامّا معه كما فيما نحن فيه فلا.

وبعبارة اخرى : لا بدّ من تسليم الخصم الذي اريد الزامه الدليل الذي يلزم به

ص: 485


1- يقول الآشتياني في بحر الفوائد 3 : 150 ان السيد المذكور هو السيد باقر القزويني ، وقد ناظر بعض اليهود في بلدة ذي الكفل في العراق.

صغرى وكبرى حتى يلزم بالنتيجة لا فيما لم يتحقق الدليل كبرى أو صغرى كما في المقام ، حيث انّ المسلم وإن يسلّم أصل الاستصحاب لكنه لا يسلّمه بحسب الصغرى في مورد النبوّة ، لدعواه القطع بنبوة النبي اللاحق.

هذا كله فيما كان مقصود الكتابي افحام المسلم.

وامّا لو كان غرضه من الاستصحاب اقناعه بنفسه في مقام عمله وحدّ تديّنه بالدين ، ففيه :

ما عرفت من انّ الاستصحاب :

لو كان من باب الظن فلم يحصل ظن بالبقاء فيما نحن فيه بعد ما كان غالب النبوّات منسوخة. مع انّه على تقدير تسليمه فلا دليل عليه بالخصوص تأسيسا كما هو واضح ، ولا امضاء لعدم ثبوته من اللاحق ولا من السابق لعدم كون هذا الشك بمرآه وإلاّ لزال كما لا يخفى ، ولا بالعموم لعدم جريان مقدمات الانسداد إلاّ فيما يلزم من العمل بالاحتياط العسر المخلّ وهو غير لازم.

ولو كان من باب الأخبار فبعد الاجماع على وجوب الفحص في اجرائه لم يبق شك لو تفحص في مثل المسألة مما كان باب العلم فيه مفتوحا ، ولذلك قالوا بعدم معذورية الجاهل في الاعتقاديات كما يظهر من بعض الأخبار الحاصرة للمكلفين بين المسلم والكافر ، هذا. مضافا إلى عدم تسليم الانسداد لمثل هذا الشخص الناشئ بين بلاد الإسلام بل بين علمائهم ولو سلّم في الجملة لعدم انسداد باب العلم في مسألة النبوّة بالكلّية حتى بالنسبة إلى من كان بصدد الفحص والبحث كما يظهر من قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (1) ، وعلى تقدير الفحص وبقاء الشك فقد عرفت عدم الدليل على حجية الاستصحاب

ص: 486


1- سورة العنكبوت : 69.

في حقه لا في الشرع السابق كما يظهر من مناظرته والتمسك به على طريق الاسلام وعدم ثبوت الشرع اللاحق ؛ فإذا كان حال الاستصحاب كذلك فكيف يجوز للكتابي العمل به؟

نعم لو كان قاطعا بحجيته في حقه من اللّه ولو من جهة ثبوته في الشريعتين مع تحقق الشرائط عنده لما كان للمسلم الزامه بترك العمل به إلاّ باقامة البرهان على اثبات مدّعاه من زوال الشرع السابق ، كما انّه عليه إقامة البرهان على بقائه لو كان غرضه الاثبات على المسلم. وعلى كل حال فلا يكفي الواحد منهما الاستصحاب على خصمه بل لا بدّ من إقامة البرهان لكل منهما على مدّعاه ؛ ولذلك صار الإمام علیه السلام في مناظرته مع الجاثليق (1) بصدد الاثبات لا من أجل كون الأصل في الطرف الآخر كي يدل على تسليمه الاستصحاب في مثل المسألة.

والحاصل : انّه ظهر عدم الوجه في مناظرة الكتابي مع المسلم في ثبوت الاستصحاب لا الزاما ولا اقناعيا من كل من الطرفين ، فلا وجه لتسليم بعض السادة (2) ذلك منه.

ثم انّ منع كون الاستصحاب دليلا الزاميا كما قد يكون من جهة منع الشك في البقاء من المسلمين بل كانوا قاطعين بنسخ نبوة موسى وعيسى علیهماالسلام مثلا كذلك قد يكون لأجل منع اليقين السابق غير المجامع لنبوة نبينا صلی اللّه علیه و آله وإنّما المسلّم اليقين الملازم لنبوّة نبينا صلی اللّه علیه و آله وهو لا يجديه كما هو واضح.

بيانه : انّ العلم بنبوّة النبي السابق إنّما حصل من العلم بصدق إخبار

ص: 487


1- عيون اخبار الرضا 1 : 142 طبعة بيروت و 1 : 157 طبعة ايران ؛ الاحتياج 2 : 417 طبعة بيروت و 2 : 404 طبعة ايران ( اسوة ).
2- قد مضى انه السيد القزويني.

النبي صلی اللّه علیه و آله المتوقف على العلم بنبوته بحيث لو لا كونه نبيا لما يحصل العلم بصدقه فيرتفع العلم السابق بنبوة النبي السابق.

وبعبارة اخرى : اليقين بنبوة نبينا صلی اللّه علیه و آله :

امّا ملازم مع اليقين بنبوة موسى وعيسى علیهماالسلام أو واسطة في الثبوت له ، حيث انّه لا طريق آخر له إلاّ الأخبار الموجب للعلم من جهة العلم بصدقه المتوقف على العلم بنبوته.

أو نقول : انّ المسلّم من العلم بشريعة موسى وعيسى علیهماالسلام إنّما هو العلم بجملة من شريعتهم كان من تلك الجملة الإخبار بمجيء نبينا صلی اللّه علیه و آله بحيث انّا لا نعلم إلاّ بالشريعة الخاصة منهم وهو يلازم مع العلم بنبوة نبينا بحيث لو خرج من تلك الجملة خصوص نبوّة نبينا صلی اللّه علیه و آله لارتفع العلم بالجملة الخاصة فيزول اليقين السابق.

ومما ذكرنا ظهر : انّ ما ذكر في فرائد الشيخ رحمه اللّه (1) من الوجه الأول والثالث والرابع والخامس كلها راجعة إلى وجه واحد من منع كون الاستصحاب دليلا الزاميا من أجل كونه متقوما بالامور الوجدانية فتارة يمنع الشك اللاحق واخرى يمنع اليقين السابق بوجوه من المنع فليس كل منها وجها على حدة فالأولى جعلها وجها واحدا.

كما انّ التحقيق : أن لا يجعل الوجه الثاني من منع الدليل على حجية الاستصحاب وجها على حدة ، بل الأولى أن يجعل مع ما ذكرنا وجها واحدا ويردّد فيه كما ذكرنا سابقا من انّ المقصود لو كان الالزام على المسلم فلا يصحّ بوجوه وان كان المراد الاقناع بلا دليل على حجية الاستصحاب كما ذكره في

ص: 488


1- فرائد الاصول 3 : 266 - 272.

الوجه الثاني.

وامّا ما نقله أولا (1) من جواب المحقق القمّي قدس سره (2) والفاضل النراقي (3) فلا وجه لهما كما هو واضح.

[ الامر الثامن ] : (4) لا شبهة انّ الرجوع إلى استصحاب شيء بعد اليقين به إنّما هو فيما لم يكن الدليل متعرضا له وجودا أو عدما في الزمان اللاحق بل كان مجملا أو مهملا ، وإلاّ فلا اشكال في كونه هو المرجع لا الاستصحاب.

ثم بعد دلالة الدليل وعمومه للآنات اللاحقة لو ورد عليه تخصيص بالنسبة إلى بعض الحالات والأزمنة فشك في الحكم بعد ذلك فهل المرجع هو حكم العام؟ أو استصحاب حكم المخصص؟

فنقول : انّ العموم الزماني في دليل العام :

امّا بنحو يلحظ الزمان مفردا له بحيث يكون الموضوع مقيدا بكل آن من الآنات فردا للعام فتكون الافراد متعددة حسب تعدد آنات وقوع الفعل نظير الافراد العرضية.

وامّا بنحو يكون الزمان ملحوظا ظرفا بحيث لا يتعدد العام موضوعا وحكما بحسب الأزمنة وان كان يتعدد بحسب الافراد العرضية ؛ بل العموم الزماني بالنسبة إلى كل فرد يكون موجبا لاستمرار حكم العام فيه مع وحدة موضوعه وحكمه فيكون استمراره الخارجي امتثالا واحدا للحكم لا متعددا كما

ص: 489


1- فرائد الاصول 3 : 261.
2- القوانين المحكمة 2 : 70 السطر 7.
3- مناهج الاحكام : 239 السطر 2 - 13 قوله : « فوائد : الاولى : اعلم ان بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين ... الخ ».
4- في الاصل المخطوط ( الامر ).

في الصورة الاولى.

وعلى كل منهما فالزمان الملحوظ في الخاص على قسمين أيضا ، بمعنى انّ الزمان : امّا ان يلحظ فيه بنحو القيدية ، أو الظرفية ولو بالنسبة إلى خصوص الزمان الأول ، لا انّه يكون عاما بحسب الزمان أيضا كي يدفع الشك بالرجوع إلى اطلاق دليله.

إذا عرفت ذلك فنقول : لو انقطع حكم العام في فرد منه بالنسبة إلى زمان بدليل المخصص المجمل بالنسبة إلى الزمان الثاني.

فان كان الزمان ملحوظا في العام على النحو الأول فلا اشكال في كون المرجع هو حكم العام في الزمان اللاحق لكون المتيقن من التخصيص فردا واحدا من العام وهو الفعل في الزمان الأول لا أزيد منه وهو الفعل في الزمان الثاني ؛ والشك في زيادة التخصيص مثل الشك في أصله في اتّباع حكم العام. نعم ان سقط العام بالنسبة إلى اللاحق بوجه فيرجع إلى استصحاب حكم المخصص لو كان الزمان ملحوظا فيه على نحو الظرفية وإلاّ فلو كان ملحوظا فيه على نحو القيدية أيضا فيرجع إلى سائر الاصول العملية.

وامّا ان كان الزمان ملحوظا في العام على نحو الظرفية فلا يرجع إليه بعد الانقطاع حيث انّ دلالته على ثبوت الحكم في كل من الافراد العرضية من حيث الزمان إنّما هو على استمرار الحكم الواحد في الموضوع الواحد ، ومن المعلوم انّ الحكم لو كان بعد الانقطاع هو حكم العام أيضا يكون حكما آخرا في موضوع آخر لا استمرارا لحكم الأول وقد فرض انّ العام لا يدل على تعدد الفرد بحسب الزمان وعلى عوده بعد انقطاعه وان دل على استمراره ما لم تدل حجة أقوى على انقطاعه ، فحينئذ يكون المرجع استصحاب حكم الخاصّ لو كان الزمان ملحوظا فيه على نحو الظرفية وإلاّ فإلى سائر الاصول.

ص: 490

فان قلت : انّ استمرار الحكم يصدق ولو كان الفعل بحسب الأزمنة متعددا موضوعا وحكما فمجرد دلالة العام عليه لا يكون موجبا لعدم الرجوع إليه بعد حكم الخاص.

قلت : نعم يكون صدق الاستمرار بحسب مقام الثبوت مشتركا بين كون حكم العام متعددا بحسب الأزمنة موضوعا ومصلحة أو واحدا بنحو يقبل التجزئة في استيفاء المصلحة كشرب الماء لرفع العطش أو لا يقبل ذلك كما في الصوم ، فإذا كان الأمر كذلك بحسب مقام الثبوت فلا يكون الدليل في مقام الاثبات دالا على واحد منها في الفرض المذكور لو لم يكن ظاهرا في خصوص الأول ، لما عرفت انّه لا يدل إلاّ على مجرد الاستمرار لا على التعدد والتكثر فكيف يتمسك به بعد الانقطاع؟

ثم انّ الظاهر انّ دليل الوفاء بالعقد يكون كذلك بناء على التحقيق من كونه دالا على الحكم الوضعي ومجرد لزوم العقد وان دلّ على ثبوت التكاليف ولزوم ترتيب الآثار الخارجية للملك باللّمّ تبعا لدلالته على لزوم الملك لا على التكليف ابتداء كي يدل على لزوم العقد بالإن استكشافا ، ومن المعلوم انّ لزوم العقد أمر واحد مستمر بحسب دليله لا امور متعددة ؛ وحينئذ فإذا انقطع لزوم الوفاء بثبوت الخيار كما في خيار الغبن بعد ظهوره بناء على اشتراط حدوثه به فلا يدل دليل اللزوم على عوده إذا شك في كون الخيار على الفور أو على التراخي بل المرجع استصحاب الخيار كما عن الشهيد الثاني في المسالك (1) خلافا للمحقق الثاني قدس سره . (2)

هذا لو ثبت الخيار في الأثناء.

ص: 491


1- مسالك الافهام 3 : 190.
2- جامع المقاصد 4 : 38.

وامّا لو ثبت من الأول كما في خيار المجلس والحيوان فشك في الفورية ، أو ثبت في الوسط وشك في مبدأ حدوثه وانّه قبل الزمان المعلوم أم لا فالظاهر الرجوع إلى دليل اللزوم ، لكون الشك حينئذ في تخصيص العام في الفرد مضافا إلى تقييد الحالي ، حيث انّ دلالة الدليل بالنسبة الى افراد العقود بالعموم فيكون الشك في خروج الفرد بالكلية أو في خصوص الزمان الأول كي يبقى العموم الفردي على حاله وبعد تقييد الدليل بعنوان المجلس مثلا يكون مقتضى اطلاقه في الاستمرار من الأول فالأول وكذا من الآخر ما لم يعلم بانقطاعه ، هو الرجوع اليه عند الشك من الأول أو الآخر كما لا يخفى.

[ الأمر التاسع ] (1) : قد أجرى بعضهم الاستصحاب فيما إذا تعذر بعض اجزاء المركّب لاثبات الوجوب في الباقي ، وهو بظاهره مشكل ، حيث انّ الثابت للاجزاء الباقية إنّما هو الوجوب الغيري وهو مرتفع قطعا ، والمشكوك اتصافها به إنّما هو الوجوب النفسي وهو مسبوق بالعدم فلا وجه للاستصحاب المذكور.

ولكنه يمكن توجيهه :

امّا باستصحاب الطلب القدر المشترك بين النفسي والغيري.

وتوهم : عدم صحته من جهة انّ الاستصحاب في الأحكام يرجع إلى جعل المماثل للمستصحب حقيقة في الزمان اللاحق ؛ ومن المعلوم انّ القدر المشترك من الطلب لا يقبل الجعل حقيقة بدون تحققه في ضمن الوجوب النفسي إلاّ انشاء ومعه يكون مثبتا.

مدفوع : باتحادهما بنظر العرف بحيث يكون جعل القدر المشترك جعلا للنفسي فلا واسطة في البين وقد عرفت سابقا صحة الاستصحاب في المتحدين

ص: 492


1- في الاصل المخطوط ( الامر ).

عرفا إذا كانا مسبوقين بالحالة السابقة من جهة ومشتملا على الأثر من جهة اخرى وبالملازمة بينهما مطلقا ولو ظاهرا.

وامّا باستصحاب الوجوب النفسي بعد المسامحة في الموضوع عرفا فيما كان المتعذّر بعض الاجزاء غير المقومة كما في استصحاب الكرّية للماء الباقي فيما لو نقص مقدار قليل منه يوجب الشك في بقائها وان كان فرق بينه وبين المقام من جهة احتمال عدم دخل الناقص من الماء حين وجوده للكرّية إلاّ في حصول العلم دون الناقص في المقام لليقين بدخله في موضوع الوصف في حال الاختيار غاية الأمر يكون تعذره بنظر العرف من قبيل الاختلاف في الحالات.

وامّا باستصحاب الواجب النفسي ، وبعبارة اخرى : ذات الموصوف بوصفه العنواني فيما كان المتعذر لا يتسامح فيه ولكن يشك في كونه داخلا في الواجب في جميع الحالات أو في خصوص حال الاختيار فيشك في بقاء الواجب بوصفه كما في مثال الكرّ لو نقص من الماء مقدار كثير منه بحيث لا يكون الباقي متحدا مع الأول عرفا فيستصحب وجود الكرّ في المحل الأول وان لم يثبت به كون الماء الباقي كرا إلاّ بالمثبت كما في المقام ، إلاّ انّ في المقام يحكم بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني ولا يحصل إلاّ بالاتيان بالباقي.

وتظهر فائدة المخالفة بين التوجيهات في تعذر الشرط فانّه لا يجري الأول دون الأخيرين ؛ وفي تعذر معظم الاجزاء فانه لا يجري الوسط دون الأول والآخر ، وحيث انّ بناء العرف اجراء الاستصحاب في تعذر الشرط وعدم اجرائه في تعذّر المعظم فيكشف عن صحة التوجيه الثاني دون الأول والثالث.

والظاهر اجراؤه على الثالث أيضا وان لم يساعد العرف لكونه من جهة الخطأ في التطبيق فلا بأس به فيما كان جاريا حقيقة وواقعا كما في الثالث.

ص: 493

[ الأمر العاشر ] : (1) في مطلب كبروي في مقابل التنبيهات الماضية الراجعة إلى النزاع الصغروي وهو :

انّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين كونه مساويا لاحتمال البقاء أو مرجوحا بالنسبة إليه أو راجحا عليه ، لوجوه :

الأول : الاجماع ، لو لم يناقش فيه بأن مستند المجمعين هو الأخبار فلا يكون وجها على حدة.

الثاني : انّ المستفاد من الاخبار انّ المناط مجرد عدم العلم بالنقض.

أمّا أولا : فلأنّ الظاهر من الشك لغة كما في الصحاح أو في استعمالاته وتعارفه في الأخبار ذلك كما يشهد بذلك مقابلته في أخبار الباب باليقين بالانتقاض بقوله علیه السلام « لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر » فانّه يدل على انّ المنهي عنه نقض اليقين بما عدى العلم وإلاّ لكان الأخبار غير متعرض لصورة الظن بأحد الطرفين وهو خلاف ظاهرها في كونها في مقام التحديد وجعل الضابط بين ما يحرم فيه النقض وبين ما يجب فيه ذلك.

ويدل على ما ذكرنا أيضا : قوله علیه السلام في صحيحة زرارة الاولى : « فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم الخ » (2) فان ظاهرها فرض السؤال فيما كان في البين أمارة على النوم ، ومن المعلوم انّ مثل هذه الأمارة مفيدة للظن بالارتفاع ؛ إلاّ ان يقال : انّ ذكرها في السؤال من جهة اخراج الاحتمال الذي لا يعتني به العقلاء وادخاله فيما يعتنون به لا لإفادة حصول الظن. إلاّ انّ مجرد ذلك لا يلائم جعل غاية الحكم ببقاء الطهارة اليقين بالنوم بقوله علیه السلام بعد السؤال : « لا ، حتى يستيقن انّه قد نام » ؛ ثم ذكر قوله : « لا تنقض اليقين بالشك » بعد هذه الغاية يدل على ارادة المعنى الأعم

ص: 494


1- في الاصل المخطوط ( الامر ).
2- وسائل الشيعة 1 : 174 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1.

من الشك وإلاّ لما صح جعله كبرى لمغيّا هذه الغاية كما لا يخفى.

ويدل على ما ذكرنا أيضا : تفريع قوله علیه السلام : « صم للرؤية وافطر للرؤية » (1) على قوله : « اليقين لا يدخله الشك ».

الثالث : ما ذكره شيخنا العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه : من انّ الظن غير المعتبر ان علم بعدم اعتباره فمعناه :

انّ كلما يترتب على تقدير عدمه - ومنها جريان الاستصحاب - فهو يترتب على تقدير وجوده.

وان كان مما شك في اعتباره فرفع اليد عن اليقين السابق به يكون نقضا بالشك.

ولكنه يرد عليه : بأنّ معنى عدم اعتبار الظن أو عدم العلم باعتباره عدم ترتيب الآثار المترتبة على الطريق - ومنها عدم اثبات الواقع به - لا ترتيب آثار الشك عليه كما في المقام.

هذا بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار.

وامّا بناء على اعتباره من باب الظن :

فعلى الظن النوعي فالظاهر اجراؤه ولو مع الظن الشخصي على الخلاف ، ولذلك قد تمسكوا به في مقامات غير محصورة مع عدم الالتفات إلى الأمارات الموجودة فيها.

نعم ، على الظن الشخصي فلا بدّ أن يقتصر عليه.

ص: 495


1- وسائل الشيعة 7 : 184 الباب 3 من ابواب احكام شهر رمضان ، الحديث 13.
2- فرائد الاصول 3 : 286.

خاتمة

ذكر بعض العلماء (1) للعمل بالاستصحاب شروطا : كبقاء الموضوع وعدم المعارض ، والفحص عنه.

والتحقيق أن يقال : انّ المراد من الاستصحاب لو كان هو مفاد « لا تنقض اليقين الخ » من حرمة النقض ووجوب المضي على طبق الحالة السابقة كما هو الحق بل مطلق حكم الشارع بالبقاء ولو امضاء كما على القول بأخذه من باب طريقة العقلاء فلا شبهة في انّه لا يشترط العمل به بعد تحققه بواحد من الشروط. نعم بدونها لا يتحقق أصلا ، لا انّه لا يعمل به ، حيث انّ حكم الشارع على وجوب المضي والابقاء لا يتوجه بدون بقاء الموضوع وعدم المعارض والفحص ومعها يتوجه ، فلا يشترط الاخذ به [ فيها ] (2) بل :

التحقيق : انّ الاصول العملية كلّها عبارة عن حكم الشارع فعلا بأحكام مخصوصة من حرمة النقض وحلية المشكوك ووجوب الاحتياط ونحوها ، فلا يشترط بعد وجودها بشرط أصلا.

نعم لو اريد من الاستصحاب هو مجرى حكم الشارع تعبدا بحرمة النقض

ص: 496


1- الوافية : 208 ؛ الفصول الغروية : 377 السطر 22 « الثانية » و 381 السطر 10 « الخامسة » ؛ مناهج الاحكام : 234 السطر 14 قوله : « تتميم ... الخ » ؛ ضوابط الاصول : 390 السطر 9 « المقام الرابع : في انه هل يشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ».
2- في الاصل المخطوط ( بها ).

من كون الشيء متيقن الثبوت سابقا ومشكوك البقاء لاحقا كما يعلم ذلك من تحديد القمي له : « بكون حكم أو وصف يقيني الحدوث في السابق الخ » (1) أو امضاء ، كما يعلم من تحديد آخرين (2) له بالظن بالبقاء وغيره من التعريفات ، فيصح ان يجعل شروطا لتعلق حكم الشارع بوجوب المضي على هذا الموضوع حيث انّ الموضوع كان قبلها فلا يتعلق به حكم بدونها.

ولكنه خلاف التحقيق ، بل الحق ما عرفت من كون الاصول العملية نفس حكم الشارع بالأحكام المخصوصة. نعم لمّا كانت الأمارات متعلقات حكم الشارع بالحجية من مثل قول المخبر الواحد والاجماع المنقول والشهرة ونحوها ومن المعلوم انّ لها تحققا بدون الشرائط وحكم الشارع بالحجية ، فيصح أن يجعل لجواز العمل بها وحجيتها شروطا كي يتحقق حكم الشارع بعد ذلك. ومما ذكرنا ظهرت التفرقة بين الاصول والأمارات من حيث الشرائط.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه يعتبر في حقيقة الاستصحاب على وجه وفي تحقق مجراه بناء على وجه آخر امور :

الأول : بقاء الموضوع [ و ] يقع الكلام فيه تارة : في تعيين المراد من بقائه وما به احرازه ؛ واخرى : في الدليل على اشتراطه.

أمّا الأول : فالمراد به أن يتعلق الشك في الآن اللاحق بعين ما تعلق به اليقين سابقا. وبعبارة اخرى : ان تتحد القضية المشكوكة لاحقا مع القضية المتيقنة سابقا موضوعا ومحمولا ، بحيث ما حصل التفاوت بينهما إلاّ في مجرد اختلاف الزمان وتبدل اليقين بالشك وإلاّ فلو اختلفتا موضوعا مثلا لم يصدق انّ الشك في بقاء ما كان بل في حدوث حادث آخر غير ما كان أولا ؛ ولكن لمّا كان اليقين بحسب

ص: 497


1- القوانين المحكمة 2 : 53 بتفاوت يسير.
2- هو العضدي في شرحه على مختصر ابن الحاجب 2 : 453 السطر الثاني قبل الاخير.

متعلقه مختلفا فتارة : كان متعلقا بوجود المعروضات محمولا ونفسيا ، واخرى بالاعراض : بوجودها النفسي بمفاد كان التامة مرة ، وبوجودها الربطي لغيرها بمفاد كان الناقصة اخرى ، فيختلف الشك بحسب اختلاف تعلقه بما تعلق به اليقين بانحائه ، ويختلف أيضا بحسبها احراز الموضوع.

بيانه انّه :

لو كان الشك متعلقا بوجود المعروض كوجود زيد المعروض للقيام فلا اشكال في استصحابه في حال الشك في البقاء وكون المشكوك عين المتيقن بنفسه وهو الوجود النفسي لزيد وبموضوعه وهو ماهية زيد ، ولا معنى لاحراز الموضوع في مثله إلاّ كون الشك في نفس المتيقن وهو وجود زيد لا وجود عمرو.

وان كان متعلقا بوجود العارض كقيام زيد مثلا :

فان كان المنشأ للأثر وموضوعه هو وجوده النفسي بمفاد كان التامّة فلا اشكال في جواز استصحابه ولو كان منشأ الشك في بقائه هو وجود معروضه ، حيث انّ الموضوع للوجود النفسي هو نفس ماهية العارض وهو القيام الخاص والاشارة إلى وجود زيد حينئذ للاشارة إلى خصوصية العارض بنحو يكون وجود المعروض خارجا وان كان التقيد به داخلا ، ولا شبهة في كون المشكوك عين المتيقن بحيث لو كان باقيا لكان عين القيام الأول من قيام زيد الموجود.

وان كان الموضوع للأثر هو وجوده الربطي الثابت للغير بمفاد كان الناقصة :

فبالنسبة إلى استصحاب النسبة بمفاد كان التامة لا اشكال أيضا.

وامّا بالنسبة إلى نفس العارض بوجوده الربطي فقد اختار الاستاذ (1) دام ظله بجواز استصحابه ولو كان منشأ الشك الشك في بقاء معروضه حيث انّه من

ص: 498


1- كفاية الاصول : 486.

جهة الشك في بقائه يشك في بقاء العارض له فيكون الشك في البقاء ، ولا يكون كذلك إلاّ أن يكون المشكوك عين المتيقن بنفسه وبموضوعه وان يكون ذلك قيام زيد لا قيام عمرو.

وامّا احراز وجود الموضوع خارجا في اللاحق فما دلّت عليه آية أو رواية ، بل لأجل تحقق الشك في البقاء وهو متحقق مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا ، بحيث لو كان القيام باقيا لما كان إلاّ قائما في زيد الموجود غاية الأمر يكون تقدير بقاء زيد هو تقدير بقاء القيام وتقدير عدمه هو تقدير عدمه ، فلا يستلزم الشك في البقاء بقاء الموضوع خارجا. نعم يكون التعبد بالعارض غير المتحقق إلاّ بالمعروض تعبدا به في الجملة لكن لا مطلقا بحيث يترتب عليه آثاره مطلقا بل بمقدار يتحقق التعبد بوجود العارض ربطيا. وبعبارة اخرى : يكون التعبد ببقاء القضية لترتيب أثر العارض.

ثم انّ الدليل على بقاء الموضوع بالنحو الذي ذكرنا هو نفس حدود الاستصحاب من قولهم انّه : « إبقاء ما كان » (1) و « انّ الشيء الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » (2) ونحوهما وأدلته ، سواء كان من باب الاخبار من قوله علیه السلام : « لا تنقض اليقين بالشك » أو من باب الظن من باب بناء العقلاء على العمل بالظن بالبقاء الناشئ من الكون السابق ، حيث انّ من المعلوم عدم صدق الشك في البقاء والظنّ به وكذا النقض والارتفاع إلاّ مع كون الموضوع للمشكوك هو عين الموضوع للمتيقّن وبدونه يكون الشك في الحدوث لا في البقاء كما هو واضح.

ومما ذكرنا ظهر : انّ مسألة بقاء الموضوع بالمعنى المذكور في

ص: 499


1- فرائد الاصول 3 : 9.
2- شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب 2 : 453 أواخر الصفحة.

الاستصحاب من القضايا التي قياساتها معها فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان كما تكلفه شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه في الفرائد (1) واستدل له بأنّ [ تشخص ] (2) الاعراض بالموضوع وانّ بقاءه بلا موضوع - وكذا انتقاله من موضوع إلى آخر - محال ؛ فينتج انّ بقاءه في الآن اللاحق لا يكون إلاّ في عين الموضوع الأول ، فلا بدّ من بقائه أولا حتى يحكم بإبقاء الحكم ثانيا ، حيث انّه يرد عليه :

انّه كذلك لو كان المراد الابقاء الحقيقي الواقعي لا التعبدي التنزيلي وإلاّ فهو يتحقق ولو مع القطع بعدم بقاء الموضوع ، أو المغايرة بين المنزّل والمنزّل عليه كما في قوله علیه السلام : « الطواف في البيت صلاة » (3) فضلا عن الشك فالوجه ما عرفت من انّه لمّا كان الموضوع المأخوذ في الاستصحاب هو الشك في البقاء - وهو لا يتحقق إلاّ مع اتحاد الموضوع - فلا بدّ من احرازه.

ثم انّ ما ذكرنا : من انّ المراد من احراز بقاء الموضوع هو اتّحاد القضيتين موضوعا ولو كان مشكوك الوجود خارجا إنّما هو مع عدم التطبيق على موضوع خارجي والاشارة إليه ليثبت اتصافه به انطباقا. وامّا معه فلا شبهة في احراز الوجود

ص: 500


1- فرائد الاصول 3 : 290 - 291.
2- في الاصل المخطوط ( شخص ).
3- أو « الطواف بالبيت صلاة » ، هذا الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا. سنن النسائي 5 : 222 ؛ المستدرك للحاكم 1 : 459 و 2 : 267 ؛ سنن الدارمي 2 : 44 ؛ المعجم الكبير 11 : 29 / 3. وما في بعض كتب احاديثنا فهو منقول عن العامة مثل عوالي اللآلي 1 : 214 / 70 و 2 : 167 / 3 ، هذا. وفي وسائل الشيعة 9 : 445 الباب 38 من ابواب الطواف ، الحديث 6 « فان فيه صلاة » بطريقين احدهما صحيح والثاني ضعيف عند البعض ب- سهل بن زياد. وهناك رواية ثانية بنفس اللفظ « فان فيه صلاة » وطريقها صحيح في الاستبصار 2 : 241 الباب 161 باب السعي بغير وضوء ، الحديث 3. لكن قد يقال : اساسا لفظ « فان فيه صلاة » لا يفيد التنزيل ، فلا ينفعنا في المقام.

الخارجي للموضوع باليقين بكونه عين الموضوع المتصف بالوصف وإلاّ فلا يكون اثبات الحكم لأمر خارجي في الزمان اللاحق مع عدم القطع بكونه عين السابق ابقاء له في موضوعه بل يكون حكما بحدوثه في موضوع آخر.

كما انّه لا بدّ من احراز الوجود الخارجي أيضا لو لم يتمكن من العمل بالأثر خارجا إلاّ مع وجود الموضوع كذلك ، كاستصحاب العدالة لجواز الاقتداء فعلا ، أو لوجوب اكرام العادل فعلا ونحوهما ، لا لمثل ترتيب جواز التقليد لو لم يكن الحياة مأخوذا في موضوعه على حدة أيضا ، للتمكن من تقليده ولو لم يحرز وجوده الخارجي.

والتحقيق : انّه مع اثبات المستصحب في الآن اللاحق لموضوعه يكون كذلك أيضا بأن يقال : انّ القيام كان ثابتا لزيد والآن يكون ثابتا له أيضا ، حيث انّ الحكم بثبوت شيء لشيء فرع على ثبوت المثبت له فينحصر الاستصحاب في عوارض الوجود مع الشك في معروضها بما إذا كان المراد ابقاءها بمفاد كان التامة إلاّ إذا أجرى الاستصحاب في ثبوت النسبة بين المحمول والموضوع كذلك.

ثم انّ احراز وجود الموضوع خارجا فيما ذكره من الصور إنّما هو من جهة أمر خارجي : من التطبيق ، والتمكّن من العمل ، والقاعدة الفرعية ، لا من جهة استلزام الاستصحاب له بنفسه.

وامّا ما يظهر من كلام الشيخ رحمه اللّه في استصحاب الأعراض من احراز الوجود الخارجي بقوله : « فإذا اريد قيام زيد أو وجوده فلا بدّ من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجا فزيد مفروض للقيام في السابق بوصف وجوده

ص: 501

الخارجي الخ » (1) فلا يخفى ما فيه ، لما عرفت من عدم اقتضاء الاستصحاب له بنفسه إلاّ ان يكون مراده من البقاء ما ذكرنا ، أو كان نظره إلى ما ذكرنا من مقام التطبيق والاثبات كما يظهر من اجرائه الاستصحاب في وجود العارض ولو مع الشك في معروضه فيما إذا كان الشك فيه من غير جهة الشك في موضوعه مثل ان يشك في عدالة مجتهده مع الشك مع حياته بقوله :

« فان كان الأول فلا اشكال في استصحاب الموضوع عند الشك لكن استصحاب الحكم كالعدالة مثلا لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد لأنّ موضوع العدالة زيد على تقدير الحياة إذ لا شك فيها إلاّ على فرض الحياة فالذي يراد استصحابه هو عدالته على تقدير الحياة وبالجملة فهنا مستصحبان لكل منهما موضوع على حدة حياة زيد وعدالته على تقدير الحياة ولا يعتبر في الثاني إثبات الحياة » (2) انتهى ، حيث انّ الظاهر انّ مراده ما ذكرنا من انّ العدالة وان كان في وجوده الخارجي محتاجا إلى حياة زيد خارجا إلاّ انّ الشك في بقائها لا يلزم أن يكون مع القطع ببقاء حياته الخارجي. نعم لو كان باقيا لا يكون إلاّ عارضا على زيد ، الحي فإذا كان كذلك فيجوز استصحابها ويكون التعبد ببقائها ملازما للتعبد ببقاء ما لا يكون باقيا إلاّ ببقائه بقدر اثبات أثر العدالة الباقية لا اثبات ما يتوقف عليه بنفسه كي يترتب عليه آثاره بنفسه.

نعم لو كان الحياة ذا أثر على حدة أو كان جزء الموضوع لأثر العدالة كجواز التقليد مثلا - لو قلنا بعدم جواز تقليد الميت - فلا بدّ من استصحاب الحياة أيضا لكن من جهة ترتب استصحاب العارض بل من جهة ترتب أثره الشرعي بنفسه ؛ فان كان مراده قدس سره ما ذكرنا فيكون قرينة على كون مراده من بقاء الموضوع أولا ما ذكرنا

ص: 502


1- فرائد الاصول 3 : 290 ، باختلاف يسير.
2- فرائد الاصول 3 : 291 - 292.

وإلاّ فلو كان مراده من استصحاب العدالة مع الشك في الحياة من جهة كون الاستصحاب فيه تعليقا لا يلزم فيه احراز المعلق عليه ، أو انّ أصل موضوع العدالة هو مفروض الحياة لا متحققه فيرد عليه :

أولا : بعدم الدليل على البقاء بهذا المعنى.

وثانيا : بأنّ الاستصحاب التعليقي إنّما هو فيما إذا كان التعليق بغير وجود الموضوع لا كما في المقام.

وثالثا : بأنّ الموضوع للعدالة هو الحياة التحقيقي لا التقديري كما في القضية المتيقنة فكيف يكتفى فيه بمجرد الفرض.

ثم انّه ظهر مما ذكرنا : انّ احراز وجود الموضوع خارجا لا يلزم إلاّ في بعض الصور ، لأجل أمر خارج عن [ حقيقته ] (1) من مقام تطبيق الاشارة الحسية إلى الموضوع أو توقف العمل على الحكم عليه ، لا مطلقا ؛ وامّا البقاء بمعنى اتحاد الموضوع في القضيتين فهو لازم مطلقا ؛ وامّا على ما هو ظاهر كلام شيخنا العلاّمة (2) فقد عرفت انّ القطع ببقاء الموضوع خارجا في غير استصحاب الموضوعات فهو لازم مطلقا.

وعلى كل حال ، ففي كل مورد لا يقطع بالاتحاد مطلقا أو بالبقاء خارجا في مقام التطبيق أو مطلقا فلا يجري استصحاب الأحكام ، لعدم احراز الموضوع السابق المعتبر في جريان الاستصحاب لأجل توقف صدق النقض عليه ولا يكفي فيه استصحاب الموضوع حيث انّه لا بدّ في استصحابه من ترتيب آثاره الشرعية عليه لا العقلية ، وحينئذ فلو كان الشك في الحكم مسبّبا عن الشك في بقاء الموضوع المعيّن فيترتّب عليه باستصحابه حكمه الشرعي بلا افتقار إلى استصحابه مع انّ استصحابه

ص: 503


1- في الاصل المخطوط ( حقيقة ).
2- فرائد الاصول 3 : 291.

ليس من آثاره الشرعية بل ليس من لوازمه العقلية أيضا حيث انّه لا يترتب عند اليقين بهما ، غاية الأمر يكون استصحاب الحكم عند الشك متوقفا على احرازه عقلا ، ومجرد ذلك لا يكفي في ترتيب استصحاب الحكم على استصحاب الموضوع ولو بناء على المثبت.

هذا كله لو كان الشك في الحكم مسببا عن الشك في الموضوع المعيّن.

وامّا لو كان الشك فيه لأجل عدم العلم بالموضوع وتردده بين الأمر الزائل والباقي فالظاهر عدم جواز الاستصحاب لا في الموضوع ذاتا ولا مع وصفه العنواني لعدم احراز كون الباقي موضوعا حينئذ إلاّ بالمثبت ، ولا في الحكم لعدم احراز الموضوع. واستصحاب وصف الموضوعية للأمر الباقي ليس له حالة سابقة كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه كثيرا ما يقع الشك في الحكم من جهة الشك في انّ موضوعه هو الأمر الباقي أو الأمر الزائل ولو بزوال قيده المأخوذ في موضوعيته ، فلا بدّ من ميزان يقوّم به القيود المأخوذة في الموضوع عن غيرها. وبعبارة اخرى : لا بدّ من تعيين انّ الميزان في تعيين الموضوع أيّ شيء؟

فنقول : انّ تعيينه يمكن أن يكون بأحد امور :

الأول : العقل ومعه تكون جميع القيود التي كانت لها مدخلية في الحكم مأخوذة في الموضوع ؛ وتبدلها بالقطع يوجب القطع بتبدل الموضوع وبالشك يوجب الشك. فلو كان بقاء الموضوع المعتبر في صدق النقض هو الموضوع العقلي فلا بدّ من القطع ببقائه بجميع قيوده ومعه لا يشك في الحكم فينحصر الاستصحاب في وجود الموضوعات الخارجية ولا يجري في الأحكام مطلقا ، خلافا

ص: 504

للشيخ رحمه اللّه (1) فيما إذا كان الشك فيها من جهة اختلاف الزمان أو إذا كان الشك في الرافع ؛ امّا الأول : فلبناء الاستصحاب على الغاء الشك من جهة الزمان وإلاّ فلا يتحقق الشك في البقاء بدونه ؛ وامّا الثاني : فلاستلزام أخذ عدم الرافع في الموضوع الدور كما لا يخفى.

ولكن التحقيق : عدم الفرق ، وعدم الجواز ، حتى في هذين القسمين.

امّا الزمان : فلأنّه قد يكون قيدا للحكم كما في صورة القطع بالقيدية فينتفي الاستصحاب بانتفائه. وقد يقطع بعدمه ولكن يشك في البقاء من جهة اخرى فيجري الاستصحاب من جهة الزمان. وقد يشك في القيدية فيتوقّف عن الجريان على تقدير كون الموضوع عقليا.

وامّا في الشك في الرافع : فيسلّم انّ عدمه غير مأخوذ في موضوع الحكم ، وإلاّ لزم الدور الاّ انه بالنسبة إلى الحدوث لا بالنسبة إلى البقاء وإلاّ فلا بأس بأخذه في الموضوع ، غاية الأمر يفترق بينه وبين عدم المانع بأخذ الثاني في الموضوع مطلقا والأول في خصوص البقاء كما لا يخفى.

الثاني : ان يرجع في معرفة الموضوع إلى الدليل الشرعي ويفترق بين قوله : « الماء المتغير ينجس » فيشك بعد زوال التغير في النجاسة وبين قوله : « الماء ينجس إذا تغير » فيشك كذلك بالاستصحاب في الثاني ، لبقاء الموضوع المأخوذ في الدليل دون الأول ، لعدم بقائه.

فان قلت : إذا كان الموضوع في الدليل باقيا في الثاني فكيف لا يتمسك بالدليل؟

قلت : لعدم اطلاقه في اثبات الحكم في جميع حالات الموضوع ، بل المتيقن

ص: 505


1- فرائد الاصول 3 : 294 - 295.

اثباته له في بعض حالاته فيشك في ثبوته له في بعضها الآخر.

وبعبارة اخرى : كان الموضوع بما هو لا بشرط المقسمي مأخوذا في الدليل لا بنحو اللابشرط القسمي كما لا يخفى.

الثالث : أن يرجع في بقاء الموضوع إلى العرف فكلّما حكم ببقائه فيجري الاستصحاب دون ما إذا لم يحكم به.

فان قلت : ما الفرق بينه وبين الدليلي؟ مع انّه لا بدّ في تعيين مفهوم الموضوع المأخوذ فيه [ من الرجوع ] إلى العرف أيضا.

قلت : الفرق بينهما هو الفرق بين مقام الاثبات ومقام الثبوت ، حيث انّ الرجوع إلى العرف في تعيين موضوع الدليل إنّما هو بالنسبة إلى مقام الاثبات فيحكم بأنّ المبيّن من قبل الشارع وما صار بصدد افهامه هو هذا المقدار.

وامّا بالنسبة إلى مقام الثبوت فلا يقطع بأنّ العنوان المأخوذ في الدليل كعنوان العنب مثلا حيثية تقييدية في الموضوع حتى ينتفي بانتفائه أو بمجرد الاشارة وبيان الحالة وإلاّ كان الموضوع للحكم واقعا هو الذات المشتمل على العنوان لا نفس العنوان ، فقد يشك في ذلك ولا يحكم بشيء فيشك بعد ارتفاع العنوان في بقاء الموضوع.

ولكنه قد يحكم لأجل ما هو المرتكز عنده من المناسبة بين الحكم والموضوع ، أو لأجل المناسبة بين حالتي شيء واحد واشتراكهما فيما يثبت اجمالا وان لم ير المناسبة بين نفس الحكم والموضوع ؛ كما لا يخفى انّ الموضوع في المثال هو طبيعة الجسم الجامع بين حالة العنبية والزبيبية لا خصوص العنب وانّ الموضوع في مثل « الكلب نجس » هو بدن الكلب الباقي بعد موته لا خصوص حالة الكلبية المرتفعة بالموت وان كان لسان الدليل غير متعرض إلاّ لحالة العنب والكلب كما لو لم يتعرض بالنسبة إلى اثبات الحكم إلاّ لبعض حالات الموضوع

ص: 506

المأخوذ في الدليل أيضا لو شك في ذلك في الوجه الثاني.

ولكنه بمجرد ارتكاز المناسبة وحدس انّ الموضوع هو الجامع لا يقطع بثبوت الحكم في الحالة الثانية ، حيث انّه في تعيين الموضوع يأخذ بالجامع بين العنوان المأخوذ في الدليل وعدمه. وامّا انّه موضوع باللابشرط المقسمي أو القسمي فلا وان كان قد يظن بالثاني بالظن غير المعتبر فينتظر لدليل آخر من قبل الشارع دال على الارتفاع أو البقاء غاية الأمر عند قيام الدليل على اشتراك الحالة الثانية مع الاولى في الحكم يرى انّه بقاء الحكم في الموضوع الأول لا انّه حدوث في موضوع آخر بعد انتفاء الموضوع الأول كما لو اقتصرنا في الموضوع على المأخوذ في الدليل.

ثم انّ مفهوم النقض لا يختلف في هذه الوجوه بل النقض بمعنى واحد في جميعها وان كان يختلف مفاد حرمة النقض بحسب هذه الوجوه ، حيث انّه لا بدّ في الحكم بالنقض - بعد ما عرفت من عدم صدقه إلاّ مع وحدة الموضوع - النظر إلى موضوع معيّن عقلي أو دليلي أو عرفي ، فيرجع إلى العرف في تعيين مفاد الدليل ونظره ليكون الرجوع إليه في تعيين المفهوم لا في تعيين المصاديق حتى يقال : انّ فهم العرف ليس بحجة في ذلك كما توهم.

إذا عرفت ما ذكرنا فظهر : انّ المهم تعيين انّ النظر في مفاد قوله : « لا تنقض الخ » أيّ من هذه الوجوه؟ وانّ سوقه بأيّ من الأنظار؟

فنقول : انّه لو كانت قرينة على واحد من هذه الوجوه. وحيث انّه لا قرينة حالية أو مقالية فمقدمات الحكمة تقتضي الموضوع العرفي ، حيث انّ الشارع لمّا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة فلا بدّ أن يكون نظره إلى ما هو المنظور في العرف في مثل هذا الدليل لو كانت المخاطبة منهم ، لأنّه في مخاطباته معهم كواحد منهم.

ص: 507

ومن المعلوم انّ نظر العرف في مثل هذا الدليل إلى حرمة النقض ووجوب ابقاء الحكم فيما هو الموضوع بنظرهم وارتكازاتهم ، وقد عرفت انّه قد يكون مساويا مع موضوع الدليل وقد يكون أوسع منه فلا بدّ أن يتبع في جريان الاستصحاب وعدمه بقاء ما هو الموضوع عندهم وعدمه ، وحيث انّه عرفت مما ذكرنا : انّ النقض لا يصدق إلاّ مع وحدة الموضوع في حال الشك واليقين بحيث تسع دائرته كلا الحالين وانّ الموضوع العرفي يسع الموضوع الدليلي والعقلي وبعدهما.

فظهر : اندفاع توهم لزوم اعتبار الموضوع الدليلي بل الدقيقي لأن تيقّن الحكم لموضوع في حال مع الشك في بقائه في حال آخر لا بدّ أن يكون لأجل احتمال قيد في الحكم قد زال في اللاحق ، ومن المعلوم انّه يرجع إلى الموضوع عقلا وان لم يكن كذلك دليلا وعرفا ، فيكون اليقين منحصرا في الموضوع الدقيقي ؛ وعلى تقدير التنزّل ففي الموضوع الدليلي ، فلا يتعدى إلى العرفي ، لعدم اليقين فيه.

وجه الاندفاع : ما عرفت من أوسعية العرفي وتحققه في حال تحقق الموضوع الدليلي والدقيقي وما بعدهما فيكون في بعض حالاته متيقن الحكم وفي آخر مشكوكا ، بل لا بدّ من فرض حالتي الشك واليقين مع بقاء الموضوع بعينه ولو بناء على الدقيقي غاية الأمر لا يكون ذلك فيه إلاّ في الموضوعات الخارجية كما عرفت.

ثم انّه كما قد عرفت سابقا انّ الرجوع إلى الاستصحاب إنّما هو مع عدم اطلاق الدليل في اثبات الحكم بالنسبة إلى الحالة الثانية فاعلم أيضا : انّ موضوع الدليل لا يقتصر فيه على ما هو المذكور فيه بل المراد منه ما هو المفهوم من الخطاب ولو بقرينة مقامية يعلم بها انّ الخصوصية ملغاة في نظر المتكلم وانّ

ص: 508

الموضوع في نظره في هذا الدليل ما هو أوسع من هذا المذكور ، وامّا بالنسبة إلى الحكم فقد يكون مطلقا أيضا فلا يرجع إلى الاستصحاب وقد لا يكون كذلك فيرجع إليه ، هذا. والعمدة هو تعيين انّ سوق الخطاب بأيّ من الأنظار ؛ وقد عرفت انّ قضية مقدمات الحكمة عند عدم القرينة على التعيين هو استكشاف الموضوع العرفي فيكون دليل الاستصحاب محكّما ما دام مساعدة العرف على صدق الشك في البقاء والنقض وان كان اللازم - لو لا دليل الاستصحاب - الاقتصار على موضوع الدليل بل على أخص منه وهو الحالة التي دل الدليل الواقعي على اثبات الحكم فيها.

فمن هنا ظهر : انّ القاعدة الأولية هو الاقتصار في اثبات الحكم بقدر مساعدة الأدلة الاجتهادية في مقام الاثبات وان كان مشكوك الثبوت ثبوتا بعد زوال العنوان المأخوذ في الدليل. نعم يتعدى عنه بدليل الاستصحاب ، ولعله المراد كما اشتهر بينهم انّ الأحكام تدور مدار الأسماء بمعنى انّها تدور مدار العناوين المأخوذة في الأدلة الاجتهادية اثباتا لو لا دليل آخر لا انّها تدور مدارها ثبوتا بحيث لو انتفى العنوان في الدليل من مثل العنب والكلب مثلا لانتفى الحكم الثابت فيه ثبوتا حتى يكون منافيا لجريان الاستصحاب في الحالة الثانية وإلاّ فلا دليل عليه بهذا المعنى ولم يرد هذا اللفظ في آية ولا رواية ولا ثبت اجماع على طبقه حتى يتكلم في معناه وفي مقدار دلالته ؛ مع انّه يحتمل أن يكون المراد من الأسماء العناوين الحاكية عن المسميات التي ثبت لها الحكم ولو بعد مساعدة الأدلة الثانوية من الاستصحاب ونحوها ؛ وبعبارة اخرى : العناوين الحاكية عن الجامع بين المأخوذ في الدليل وما لم يوجد منه مع صدق البقاء عرفا فلا منافاة حينئذ أصلا.

الثاني : مما يعتبر في قوام الاستصحاب ، أن يكون في حال الشك متيقنا

ص: 509

لوجود المستصحب سابقا حتى يكون الشك في البقاء.

فلو كان شاكا في نفس ما تيقنه سابقا بحده اليقيني كأن يكون شاكا في عدالة زيد يوم الجمعة مع كونه متيقن العدالة سابقا في ذاك اليوم ، وبعبارة اخرى : كان شكه ساريا في يقينه السابق ومزيلا له فلا يبقى مجرى الاستصحاب لعدم صدق دليله وحدوده عليه كما لا يخفى.

نعم لو ثبت وجوب العمل على طبق اليقين بعد حدوثه وان زال بعد ذلك فلا دخل له بالاستصحاب بل يكون قاعدة اخرى وتسمى بقاعدة اليقين وقد تكلمنا [ في ] عدم مساعدة أدلة الباب عليها لا مع الاستصحاب ولا وحدها. والظاهر عدم قيام دليل آخر على طبقها إلاّ أدلّة الفراغ والتجاوز وهي لا تدلّ إلاّ على مجرد البناء على صحة الأعمال الماضية بمجرد الشك في صحتها بلا نظر إلى اليقين السابق بل لو لم يكن يقين أصلا ؛ وعلى تقدير اليقين السابق لا نظر إليه ولا إلى البناء على ثبوت المشكوك مطلقا ولو بالنسبة إلى الآثار اللاحقة ولا إلى البناء على حدوثه وبقائه بعد ذلك كي يترتب آثار البقاء أيضا.

فالتحقيق : عدم دليل على قاعدة اليقين بواحد من المعاني أصلا لا في الأعمال السابقة اعتمادا على اليقين ، ولا في الآثار اللاحقة المترتبة على الحدوث ، ولا على الآثار المترتبة على البقاء على تقدير الحدوث ، فلا وجه لجعلها من القواعد أصلا.

الثالث : أن يكون كل من بقاء المستصحب وارتفاعه مشكوكا في اللاحق حتى يصدق عليه الشك في البقاء ، ومع أحدهما فلا مجال للاستصحاب. وامّا لو لم يعلم وجدانا واحد منهما بل قام الدليل الاجتهادي على واحد منهما فلا اشكال في تقديمه على الاستصحاب أيضا إلاّ انّ الكلام في وجه التقديم من انّه :

ص: 510

الورود والتخصص كما عليه الاستاذ (1) دام ظله؟

أو الحكومة كما عليه شيخنا العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه؟

أو التخصيص كما عليه بعض آخر؟ (3)

فامّا تقريب الورود ، فهو أن يقال : انّ المراد من الشك المأخوذ في قوله : « لا تنقض اليقين بالشك » هو الشك في الحكم في موضوع المستصحب وعدم العلم به فيه بواحد من العناوين أوّلية أو ثانوية لا خصوص الشك في الحكم في العنوان الذي تعلق به الحكم. مثلا لو تعلق اليقين بحلية الغنم بعنوانه الأوّلي ثم شك في بقائه ولكن علم بحرمته بعنوان المغصوبية مثلا فمع هذا اليقين لا يبقى الشك في حكم الغنم من جميع الجهات بل يكون المورد داخلا في الغاية وهو قوله : « لكن ينقضه بيقين آخر » حيث انّ المراد منه اليقين بحكم الغنم من وجه من مقابل الشك المطلق ، بل الظاهر انّه لا يلزم في صدق الغاية ان يحصل اليقين بالحكم من وجه كما في المثال ، بل اللازم ان لا يرفع اليد من اليقين الأوّلي بالشك بل باليقين ولو كان يقينا بالدليل والحجة لا بالحكم بناء على جعل الحجية في الأمارة ؛ فحينئذ لو قام في المثال مقام جهة الغصب أمارة على الحرمة :

فان قلنا : في الأمارة انّ مفاد أدلة حجيتها انشاء الحكم التكليفي على طبق مؤداها فيحصل اليقين بالحرمة بوجه كالغصبية فلا يبقى الشك المطلق فيكون نقض اليقين بالحلية السابقة باليقين بالحرمة بوجه ، لا بالشك فيها كما هو واضح.

وامّا ان قلنا : في الأمارة بأن مفاد أدلة حجيتها هو الحجية المستلزمة لتنجز

ص: 511


1- كفاية الاصول : 488.
2- فرائد الاصول 3 : 313 - 314 و 3 : 317 - 318 و 4 : 13.
3- فرائد الاصول 3 : 315.

الواقع على تقدير الاصابة والعذر عنه على تقدير [ عدم الاصابة ] (1) لا جعل الحكم التكليفي على طبقها فيحصل منها اليقين بالحجة على الحرمة بحيث يكون العمل على طبقها نقضا لليقين بالحلية السابقة باليقين بالحجة لا بالشك فيها.

وان أبيت إلاّ عن كون المراد بالشك الشك في بقاء الحكم المتيقن بعنوانه الأولي لا بوجه آخر وهو باق بحاله ، فنقول :

انّ تقديم الأمارات من باب الورود أيضا ، حيث انّ الموضوع للنهي الاستصحابي ليس مجرد اليقين والشك بل هو نقض اليقين بالشك ومن المعلوم انّ العمل بالأمارة ليس نقضا لليقين بالشك بل باليقين بالحجة وهو داخل في الغاية لما عرفت انّ اليقين فيها لا بدّ أن يتعلق بالمستصحب بوجه ولو بحجة على خلافه. والحاصل : انّ العمل بالأمارة ليس مخالفة لدليل الاستصحاب حتى يكون تخصيصا بالنسبة إليه بل معه لا يبقى مجال له فيكون تخصصا بالنسبة إليه.

وامّا لو انعكس بأن يعمل بالاستصحاب وتترك الأمارة فيكون ذلك تخصيصا بالنسبة إليه حيث انّ موضوعها بنفسها ليس إلاّ العنوان الواقعي وموضوع دليل اعتبارها ليس إلاّ الشك في ثبوت الحكم لنفس الواقع قضية لتصديق العادل ولالغاء احتمال خلافه الذي هو الحكم على خلاف المخبر به واقعا ، ومن المعلوم انّ الشك في الحكم الواقعي باق بحاله مع اجراء الاستصحاب أيضا فيدور الأمر بين التخصص والتخصيص والأول أولى ، فلا بدّ من تقديم الأمارة على الاستصحاب.

ومما ذكرنا ظهر : اندفاع توهم العكس وهو تقديم الاستصحاب بأن يقال : كما انّ مع العمل بالأمارة يحصل اليقين بالحكم فيرتفع موضوع الاستصحاب

ص: 512


1- في الاصل المخطوط ( الموافقة ).

فكذلك العمل بالاستصحاب يستلزم العلم بالحكم فلا يبقى مجال لها.

وجه الاندفاع : ما عرفت من انّ موضوع الاستصحاب هو الشك من جميع الجهات بظاهر لفظ الشك ولا أقل من كونه نقض اليقين بالشك وذلك يرتفع بالأمارة ، وامّا موضوعها فإنّما هو الشك في الواقع قضية لإخبار العادل عن الواقع ودليل اعتباره الدالّ على وجوب الغاء احتمال المخالف له واقعا وعند ذلك يتأتّى الدوران بين التخصص والتخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، فلا بدّ من تقديم الأمارة كما لا يخفى.

ثم ان أبيت عمّا ذكرنا من وجه التقدّم فلا بدّ من الرجوع إلى الوجه الذي ذكره شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه من حكومة دليل الأمارة على الاستصحاب بمعنى شرح دليلها ولو بلحاظ دليل اعتبارها لموضوع دليله ونظره إليه توسعة مرّة وتضييقا اخرى على ما سيجيء في شرح الحكومة ان شاء اللّه.

بيانه : في المقام انّه لو تيقن سابقا على حلية شرب التتن ثم شك في بقائها فيتحقق موضوع الاستصحاب وهو احتمال الحلية المتيقنة سابقا ، فإذا أخبر العادل بعد ذلك بحرمة شرب التتن يكون دليل اعتباره دالا على وجوب تصديقه بأخذ ما أخبره به وهو الحرمة والغاء احتمال خلافه وهو الحلية ؛ ومن المعلوم انّ الغاء احتمال الخلاف لمّا لم يكن باختياري فيرجع إلى الغاء أثره وقد عرفت انّه موضوع لحرمة النقض فيكون ملغى بلسان نفي الموضوع بسبب الأمارة ، وليس ذلك إلاّ بمعنى الحكومة.

فان قلت : انّ تصديق العادل في اخباره بالحكم الاستصحابي يقتضي الغاء احتمال خلافه ولو كان حكم الأمارة.

ص: 513


1- فرائد الاصول 3 : 313 - 314 و 3 : 317 - 318 و 4 : 13.

قلت : انّ الحكم الاستصحابي - وهو حرمة النقض - لمّا كان في الموضوع المشكوك فيكون احتمال خلافه هو جواز النقض في المشكوك بلا نظر له إلى حكم الأمارة - وهو الحرمة في شرب التتن - بعنوانه الواقعي.

فحصل مما ذكرنا : انّ الأمارة ناظرة إلى موضوع الاستصحاب دون العكس ، فتكون حاكمة عليه.

ولكن التحقيق : عدم تمامية الحكومة بالمعنى الذي ذكره قدس سره من كون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول الآخر بما هو مدلوله في مقام الاثبات ولا يكفي مجرد الدلالة العقلية إلى مدلول الآخر ثبوتا كما في المقام حيث انّ تصديق العادل بالعمل بقوله لمّا لم يمكن مع الأخذ بحكم الاستصحاب فيحكم العقل بلزوم طرحه بما هو ينافيه واقعا لا بما هو مدلول دليل الاستصحاب ، فانتفى ما هو قوام الحكومة من الدلالة اللفظية لدليل الحاكم ونظره كذلك إلى مدلول المحكوم ؛ فإذا كان الطرد من جهة منافاة حكم الاستصحاب للأخذ بالأمارة عملا فيكون العكس أيضا كذلك فيحصل التعارض ، هذا.

مع انّ ما ذكره من نظر الأمارة إلى موضوع الاستصحاب - دون العكس - إنّما هو لأجل مفادها بنفسها مع مفاده ، وامّا بلحاظ دليل اعتبارهما وهو الأمر بتصديق العادل فليس كذلك ، بل يدل على كون كل منهما قاعدة للشاك في مقام العمل فيكون موضوع حكم الأمارة والاستصحاب بلحاظ دليل الاعتبار - كما انّه هو المناط - واحدا وهو المكلف الشاك في الموضوع غير المعلوم الحكم. ولو كان مفادهما مختلفا - ولكنه ليس بمناط - فحينئذ يثبت كل منهما بمقتضى دليل اعتبارهما حكما في المشكوك بلا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فيحصل بينهما التعارض.

فلو أغمض عمّا ذكرنا من الورود : امّا بأخذ الشك المأخوذ في دليل

ص: 514

الاستصحاب من جميع الجهات حتى يرتفع بدليل الأمارة ، أو بتعميم اليقين في الغاية لكل يقين في موضوع المستصحب ولو بوجه كي تصدق الغاية على اليقين بالحجّة من قبل الشارع فيرتفع عنوان نقض اليقين بالشك ؛ لأشكل اثبات التقديم على نحو الحكومة. نعم لو كانت الغاية هو خصوص اليقين بالحكم الشرعي على خلاف اليقين الأولي المتعلق بالحكم لأشكل الورود أيضا فيحتاج في التقديم إلى التوفيق العرفي بأن يقال : انّ دليل الأمارة لمّا كانت حجة على الواقع فكأنّه هو ويكون بمنزلته فيقدم على ما دل على الحكم الشرعي في طول الواقع في مرتبة الشك فيه في مقام الدوران والجمع.

ثم انّ وجه تقديم الأمارات على البراءة بناء على انشاء الحكم الشرعي على طبقها هو الورود بناء على كون عنوان إخبار العادل واسطة في الثبوت لانشاء الحكم في نفس العنوان الواقعي الذي أخبر بحكمه الشرعي ، وبعبارة اخرى : كان دليلا على انشاء الحكم فيما يصدق عليه بالحمل الشائع انّه مما أخبر العادل بحكمه بناء على الطريقية في الأمارات أو كان واسطة في العروض بأن يعلق الحكم على العنوان الواقعي المعنون بعنوان إخبار العادل مثلا بناء على السببية فيها مع كون الجهل بالحكم المأخوذ في موضوع حديث الرفع وسائر أدلة البراءة هو الجهل به ولو بغير العنوان الواقعي في نفس الموضوع المعنون به ، ولا يخفى وجهه.

وامّا بناء على الحجية في الأمارات أو بناء على انشاء الحكم ولكن مع كون الجهل بالحكم في موضوع الأصل هو الجهل به في العنوان الواقعي فيشكل الورود خصوصا على ما ذكرنا من كون موضوع حكم الأمارة بملاحظة دليل اعتبارها هو المشكوك حيث انّ دليل كل منهما حينئذ يقتضي وجوب الرجوع في مورد المشكوك إلى الحكم الثابت به وانّ الحكم الشرعي في موضوع الشك هو ما أفاده

ص: 515

فلا بدّ :

امّا من التوفيق العرفي - الذي مرّ - بين الأمارة والاستصحاب.

وأمّا من ملاحظة انّه لمّا كان لا بدّ في غير مورد التكليف الوجوبي والتحريمي من العمل بالأمارات - لعدم مجيء حديث الرفع فيه لكونه في مقام الامتنان ولا امتنان فيه - فإذا عمل بها فيه فيعمل بها في مورد حديث الرفع أيضا بضميمة عدم القول بالفصل القطعي وإلاّ فلو عمل بحديث الرفع فلا بدّ :

امّا من طرح الأمارات في غير مورده أيضا لئلاّ يلزم التفكيك ، فيلزم اللغو في جعلها.

أو يؤخذ بها فيه ، فيلزم الفصل والتفكيك ، و [ قد ] قام الاجماع القطعي على عدم الفصل في موارد حجيتها أصلا ، كما هو واضح.

هذا كله بناء على جعل الحجية في الأمارات.

وامّا بناء على انشاء الحكم الشرعي على طبقها فالتحقيق هو : الورود ، كما لو قامت على حرمة شرب التتن حيث يصدق العلم بالحرمة فيه فيخرج عن كونه مجهول الحرمة. والظاهر عدم التقييد في مفاد الأصل بكون الجهل بالحرمة واقعيا فكذا العلم بها الذي جعل غاية له.

ومن هنا ظهر : وجه تقديم الأمارات على أصل الاحتياط المأخوذ في موضوعه الشبهة توفيقا أو ورودا.

كما انّه ظهر : ورود الاستصحاب عليهما أيضا ، حيث انّ الشيء المعلوم الحرمة أو الوجوب سابقا مثلا يعلم حرمته أو وجوبه لا حقا بعنوان عدم نقض اليقين بالشك بنحو الاشارة الى ما هو المشكوك الحكم لا حقا والمتيقن سابقا بالحمل الشائع أو بنحو الواسطة في العروض ؛ وعرفت انّ الجهل بالحرمة المأخوذ في موضوع الأصل هو الأعمّ من كونه بالعنوان الواقعي أو الظاهري. وكذا الشبهة

ص: 516

في موضوع الاحتياط.

ثم انّ ملاحظة الاستصحاب مع سائر القواعد الخاصة الثابتة للشاك - من مثل قاعدة اليد وأصالة الصحة ونحوهما - فلا شبهة في تقديمها عليه ، حيث انّها :

على تقدير كونها من الأمارات فتكون مقدمة عليه بالوجه الذي عرفت فيها.

وعلى تقدير كونها من الاصول ، فلا بدّ من التقديم أيضا لكونها أخص ومجعولة في مورده بحيث لو لا التقديم لزم اللغو في جعلها.

تنبيه : الفرق بين الأمارات والاصول : انّ الأمارات حاكية وكاشفة عن مدلولها ، وبعبارة اخرى : ناظرة إلى الواقع وكانت حجيتها من هذه الجهة ؛ بخلاف الاصول ، فانّ حجيتها ليست من هذه الجهة بل صارت مجعولة تعبدا سواء كانت بنفسها حاكية عن الواقع كأصالة الصحة مثلا أم لا كأصالة البراءة مثلا.

هذا كله في معارضة الاستصحاب مع غيره :

مع الأمارات مرة ، وقد عرفت تقدمها عليه.

ومع سائر الاصول العملية العامة من أصالة البراءة والاحتياط والتخيير اخرى ، وقد عرفت تقدمه عليها.

ومع القواعد الخاصة من مثل قاعدة اليد وأصالة الصحة ونحوهما ثالثة ، وقد عرفت تقدمها عليه.

نعم يكون الاستصحاب مقدما على قاعدة الطهارة ، لكونهما عامّين من وجه ، مع كون لسان دليلها مثل البراءة والاحتياط في اثبات الحكم للمشكوك المطلق وعرفت انّه يثبت بواسطة الاستصحاب اليقين بالحكم بوجه ، فيكون واردا عليها أيضا.

ص: 517

وامّا لو تعارض فردان منه بنفسهما فامّا :

أن يكون الشك في أحدهما مسببا عن الآخر مع كونه أثرا شرعيا له.

أو لا.

سواء كان الشك فيهما مسببا عن أمر ثالث أو لم يكن واحد منهما أثرا شرعيا للآخر ، وان كان الشك فيه مسببا عن الشك في الآخر.

أمّا القسم الأول : كالشك في بقاء نجاسة الثوب النجس المغسول بالماء المشكوك الطهارة قبل الغسل مع كونه مسبوقا بالطهارة القطعية حيث انّ الشك في نجاسة الثوب مسبب عن الشك في بقاء طهارة الماء مع كون طهارة الثوب المغسول أثرا شرعيا لطهارة الماء قبل الانغسال وان صارت الغسالة نجسا بسبب الثوب ، ولكن الكلام إنّما هو في طهارة الماء قبل الغسل ، فالتحقيق :

تقديم السببي على المسببي دون العكس ، لدوران الأمر بين التخصّص بتقديم السببي والتخصيص بناء على العكس ؛ ومن المعلوم تعين الأول في مقام الدوران.

بيانه : انّه مع اجراء الاستصحاب في طهارة الماء في المثال يحكم شرعا بترتيب آثاره ومنها طهارة الثوب المغسول به فيكون رفع اليد عن اليقين بنجاسته باليقين بحكم الشارع بزوالها وحصول الطهارة بالغسل بالماء المستصحب الطهارة لا بالشك ، فلا تحصل المخالفة لدليل الاستصحاب أصلا. وامّا إذا عمل باستصحاب نجاسة الثوب فليس من آثاره نجاسة الماء الوارد على الثوب المغسول به فيبقى الشك في طهارة الماء بحاله مع عدم التمكن من العمل به إذ معه لا يمكن استصحاب النجاسة في الثوب فلا بدّ من رفع اليد عن اليقين بالطهارة بالشك فيها فيلزم المحذور من تخصيص دليل الاستصحاب بالنسبة إلى السبب بلا وجه أو بوجه دائر كما لا يخفى.

ص: 518

والحاصل : انّ اجراء الاستصحاب في السبب موجب لحكم الشارع بزوال نجاسة الثوب ، وامّا اجراؤه في المسبب فلا يوجب حكم الشارع بزوال طهارة الماء بل لا بدّ من رفع اليد عن اليقين بها سابقا بلا وجه مخصص.

فان قلت : انّ الحكم ببقاء نجاسة الثوب بالاستصحاب مستلزم للحكم بعدم حصول الطهارة فيه ، حيث انّ اثبات أحد الأضداد ولو ظاهرا يوجب رفع أضدادها ظاهرا ومن المعلوم انّ الحكم بنفي الطهارة في الثوب لا يجامع مع عدم الحكم بنجاسة سببه وهو الماء إذ بدونه لا بدّ امّا من الحكم بطهارة الثوب أو لا يحكم بشيء أبدا فلا بدّ مع الحكم بنجاسة الثوب من الحكم تعبدا بعدم طهارة الماء ولو بالملازمة الظاهرية وحينئذ يكون رفع اليد عن اليقين بالطهارة باليقين بحكم الشارع بعدمها لا بمجرد الشك فلا يكون استصحاب الطهارة أولى.

قلت :

أولا : انّ الحكم بعدم طهارة الثوب لا يستلزم التعبد بعدم طهارة الماء بل [ يجتمع ] (1) مع الشك فيها كما لو تعارض الاستصحاب السببي مع ما في عرضه من الاستصحاب ، حيث انّه يعمل بالاستصحاب المسببي بلا حكم بالنسبة إلى طهارة الماء.

وثانيا : انّه على فرض التسليم ، فرق :

بين الحكم بزوال المتيقن السابق ورفع الشك في أحدهما كما في المسبّب بعد العمل بالاستصحاب في السبب.

وبين رفع اليد عن أصل حرمة النقض مع بقاء موضوعه وهو الشك في البقاء كما في السبب لو عمل بالاستصحاب في المسبب.

ص: 519


1- في الاصل المخطوط ( يجامع ).

وبعبارة اخرى : يكون الحكم الناشئ من السبب في طرف المسبّب في نفس متعلّق الشك ، وامّا الناشئ من المسبّب في طرف السبب فإنّما هو في نفس عنوان الشك في مقابل قاعدة الطهارة.

وان شئت قلت : انّ الاستصحاب السببي موجب لحدوث العنوان الواقعي الذي تعلّق به زوال النجاسة في الثوب تعبدا وهو الغسل بالماء الطاهر فيكون كالأمارة بالنسبة إليه ، دون العكس ، لعدم كون أحد أسباب زوال الطهارة في الماء قبل غسل الثوب به بقاء النجاسة في الثوب بعد غسله به وان كان لا بدّ من الحكم برفع اليد عن اليقين الأول ونقضه بالشك بمعنى عدم العمل على طبق اليقين السابق بلا سبب مزيل كما في الحكم بالبناء على الأكثر في الشك في ركعات الصلاة في مقابل الاستصحاب.

والحاصل : انّ نقض اليقين بالشك قد يكون حراما كما في الاستصحاب ، وقد يكون واجبا كما في القواعد المجعولة في قباله ومنها ما نحن فيه لو عملنا به في طرف المسبب ، فليس كلما لو رفع اليد عن اليقين الأول ولو بحكم الشارع كان نقض اليقين باليقين كما توهّم بل المدار في كونه كذلك حدوث عنوان يزول به المتيقن ولو بحكم الشارع وكلّما لم يكن كذلك فليس نقض اليقين الأول باليقين وان كان يقين بحكم من الشارع كما لا يخفى.

وسرّه : انّ اليقين المجعول غاية في دليل الاستصحاب وهو قوله : « لكن ينقضه بيقين آخر » هو اليقين الوجداني المتعلق بزوال المتيقن السابق أو بقائه واقعا أو بالحجّة على أحدهما ، لا اليقين بمطلق الحكم من الشارع وإلاّ لكان كل دليل ولو دليل الأصل واردا على الاستصحاب كما لا يخفى.

فان قلت : انّ ما ذكر - من انّ فردية الشك في المسبب يتوقف على تخصيص الدليل واخراج الشك في طرف السبب عنه دون فردية السبب فانّه فرد مطلقا

ص: 520

فيكون مقدما على المسبب - إنّما هو بلحاظ الحكم الاستصحابي ، وامّا مع قطع النظر عنه فكل منهما فرد للموضوع وهو عنوان نقض اليقين بالشك في عرض واحد وليس فردية واحد منهما قاصرا عن الآخر بنفسه ، ومن المعلوم انّه لا بدّ من لحاظ الموضوع إثباتا ونفيا مع قطع النظر عن الحكم ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بدونه فكيف يلاحظ أولا في طرف السبب حتى يخرج المسبب عن الفردية؟ وليس أولى من العكس حتى يلزم التخصيص بالنسبة إلى السبب.

قلت : نعم ، إلاّ انّ عدم إمكان العمل في كلا الفردين يكون قرينة عقلية على عدم ارادتهما معا منه فيدور الأمر بين اخراجهما معا عنه واخراج السبب دون المسبّب وبالعكس ومن المعلوم انّ لزوم المحذور الزائد عمّا لا بدّ من ارتكابه عقلا من اخراج واحد منهما عنه في الأوّلين وهو عدم الوجه من اخراجهما بعد امكان العمل بواحد منهما ولزوم التخصيص بلا مخصص دون الأخير يكفي ترجيحا له عليهما كما هو واضح.

وتوهم : عدم شمول الدليل لليقين على خلاف المتيقن السابق الناشئ منه بنفسه لاستلزامه الدور فيكونان في عرض واحد مطلقا ، مدفوع :

بامكان شموله له ولو بنحو القضية الطبيعية كما في كل خبري صادق فلا وجه لتوهم الايراد من هذه الجهة أيضا ، هذا.

مع أنّه لو لم يبن على تقديم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي لزم عدم الفائدة في اجرائه في الموضوعات لو كانت مشكوكة حيث انّه ان لم يكن مجديا في ترتيب الآثار التي لم تكن مشتركة معها في الحالة السابقة لم يكن مجديا بالنسبة إلى ما كانت مشتركة فيها إلاّ لأجل احراز الموضوع المعتبر في اجرائه فيها وقد عرفت عدم ترتيب استصحاب الآثار على استصحاب الموضوع والمفروض عدم ترتّبها بنفسها عليه لعدم الفرق بين الموافق مع الموضوع أو

ص: 521

المخالف له في الحالة السابقة وبناء على تقديم استصحاب الموضوع على استصحاب الحكم الموافق فيقدم على المخالف أيضا لعدم التفاوت كما لا يخفى ، هذا.

مع انّ مورد غالب الأخبار تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي مثل استصحاب الطهارة على استصحاب الاشتغال في الصلاة ، واستصحاب عدم دخول هلال رمضان أو شوال على استصحاب عدم وجوب الصوم أو بقاء الاشتغال به إلى غير ذلك من الموارد كما لا يخفى.

هذا كله بناء على أخذ الاستصحاب من باب التعبد.

وامّا بناء على أخذه من باب الظن فكذلك أيضا.

وجهه : انّ المسبب لمّا كان مترشحا من العلة وتابعا لها في الوجود بل يكون من شئون وجوده دون العكس فيكون الذهن مع الالتفات إليهما ناظرا إلى العلة فان حصل من حالتها السابقة ظن ببقائها في نفسها فيحكم بتبعية المعلول إيّاها في الوجود ولا يلتفت إلى حالته السابقة بنفسه ؛ ولا فرق بين كون الاستصحاب من باب الظن النوعي أو الشخصي.

امّا الأول : فلأجل كون الظن النوعي في العلة غير تابع للمعلول بل كان ثابتا لها في نفسها ولو مع الالتفات إلى كون الحالة السابقة في المعلول على خلافها ، بخلاف المعلول فانّه لم يمكن أن يكون الظنّ النوعي فيه على خلافها مع الالتفات إليها وكونها مظنونة على خلافه إلاّ مع الغفلة عنها.

وأمّا الثاني فكذلك لأجل التبعية في الوجود إلاّ إذا لم يكن السبب في نفسه مظنون البقاء شخصا بل كان مظنون الارتفاع ولو مع قطع النظر عن المعلول فيمكن أن يحصل ظن فيه ببقائه ، على خلاف العلة ، وهذا من جهة عدم الظنّ فيها بنفسها لا من جهة تقديم الظن في المعلول عليها.

ص: 522

فظهر مما ذكرنا : انّ الاستصحاب الجاري في السبب مقدم على الجاري في المسبب إلاّ إذا لم يكن جاريا فيه بنفسه :

امّا من جهة معارضته مع ما في عرضه كما في الشبهة المحصورة مع حصول الملاقاة مع أحد الأطراف بعد العلم الاجمالي.

وامّا من جهة عدم المقتضي كما لو لم يظن شخصيا بالبقاء - بناء على كون الاستصحاب من باب الظن الشخصي - فيكون جاريا في المسبب بلا مزاحم.

وأمّا القسم الثاني : وهو ما إذا تعارض فردان من الاستصحاب مع عدم كون المستصحب في أحدهما أثرا شرعيا للآخر :

فان كان التعارض من جهة عدم القدرة على العمل بهما بلا علم اجمالي على انتقاض الحالة السابقة في أحدهما كما في مستصحب الوجوب مع عدم التمكن من العمل بكلا الواجبين فيدخل ذلك في المتزاحمين فيقدم الأهم منهما لو كان وإلاّ فالتخيير.

وان كان من جهة العلم الاجمالي بالانتقاض :

فان كان أحدهما مورد الابتلاء دون الآخر فلا اشكال في العمل بالأول.

وهذا في الحقيقة ليس من قبيل تعارض الاستصحابين لعدم كونه جاريا في الثاني في نفسه ، لما قرّر سابقا من كون الاستصحاب قاعدة مقرّرة لتعيين الحكم الفعلي ولا حكم فعلي في الخارج عن الابتلاء.

وان كان كل منهما موردا للابتلاء فيقع بينهما التعارض سواء كان من جهة استلزامهما مخالفة عملية للعلم الاجمالي كما في مستصحبي الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما ، أو كان من جهة الاجماع على عدم اجتماع المستصحبين في موضوع واحد كما في الماء النجس المتمم كرّا بماء طاهر بناء على ثبوت الاجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الطهارة والنجاسة ولو ظاهرا ، أو لا يلزم

ص: 523

أحدهما كما في التوضي اشتباها بالمائع المردد بين البول والماء فانّ استصحاب الطهارة الخبثية مع استصحاب عدم الطهارة الحدثية يتعارضان ؛ ففي اجراء الاستصحاب في الطرفين ، أو عدمه فيهما مطلقا ، أو التفصيل بين ما إذا لزم من اجرائهما مخالفة عملية للعلم الاجمالي أو للاجماع فيتساقطان وبين ما إذا لم يلزم أحدهما فيجريان [ اقوال ].

ولكن التحقيق : أن يبحث في مقامين :

أحدهما : في ثبوت المقتضي للاستصحابين في أطراف العلم الاجمالي وعدمه.

والثاني : في وجود المانع عن الجريان على تقدير ثبوت المقتضي لهما وعدمه.

امّا الأول : فقد يقال : بعدم المقتضي للاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي ، لعدم شمول دليله لها لأنّه على تقدير الشمول يلزم التعارض في مثل قوله علیه السلام : « لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله » (1) بين صدر الرواية وذيلها حيث انّها بمقتضى الصدر تدل على حرمة نقض اليقين لكل من الطرفين بالشك فيه معيّنا وبمقتضى ذيلها تدل على وجوب النقض في أحد الطرفين لا بعينه ، للعلم الاجمالي بانتقاض أحدهما كذلك ، ومن المعلوم لزوم التناقض بين السالبة الكلية وبين الموجبة الجزئية وطرح أحدهما المعيّن والأخذ بالآخر موجب للتعيين بلا معيّن ؛ والاخذ بأحدهما المخيّر في مورد العلم الاجمالي موجب لاستعمال النهي في المعنيين في الحرمة التعيينية في غير مورد العلم الاجمالي والتخييرية في مورده ولا يخفى انّ العلم الاجمالي إنّما تعلق بأحدهما المردد المصداقي لا

ص: 524


1- في المصادر : « وانما تنقضه بيقين آخر ». وسائل الشيعة 1 : 175 الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث 1.

بأحدهما المفهومي حتى يقال بكون حرمة النقض فيه تعيينا أيضا مع كون التخيير في افراده ، حيث انّ ذاك المفهوم إنّما انتزع عن المورد بعد العلم الاجمالي المذكور لا انّه كان متعلق العلم ابتداء.

فان قلت : انّ الذيل منصرف إلى العلم التفصيلي ، هذا. مع ظهور قوله : « بيقين مثله » في كون متعلق اليقين الناقض العنوان الذي تعلق به اليقين الأول لا مطلق اليقين كما في أطراف العلم الاجمالي.

قلت : امّا الانصراف فلا وجه له بعد عدم قصور في اليقين الاجمالي بالنسبة إلى التفصيلي ، بل دعوى الانصراف في ذلك ليست بأولى من دعوى انصراف الشك إلى الشك المحض من جميع الجهات غير المقرون بالعلم الاجمالي أبدا. وامّا ظهور اليقين المماثل في اتحاده مع اليقين الأول في المتعلق فهو على تقدير التسليم متحقق في أطراف العلم الاجمالي أيضا ، كما لو علمنا بنجاسة اناء زيد بعنوانه الخاص المشتبه شخصه مع العلم بطهارته السابقة بذاك العنوان ، وبضميمة عدم الفصل يلحق غيره به ، هذا.

لكن التحقيق أن يقال : الأخبار ليست بصدد بيان الحكم في طرف الذيل بل إنّما كانت بصدد البيان بالنسبة إلى الصدر وذكر الذيل إنّما هو لمجرد الاشارة إلى ما يحكم به العقل لولاه من عدم تحقق الموضوع في الاستصحاب في مورد اليقين لا أزيد من ذلك فيكون كأن لم يكن مذكورا ، ومن المعلوم انّ العقل لا يحكم بالنقض إلاّ في مورد لم يمكن أن يتطرّق إليه ضرب القاعدة أو لا يشمله الاطلاق كما في العلم التفصيلي والعلم الاجمالي لو لم يكن إطلاق للدليل وامّا معه كما هو المفروض فلا يحكم في مورد العلم الاجمالي ، هذا.

مع انّه على تقدير تسليم كونها بصدد بيان الحكم في طرف الصدر والذيل معا وعدم ترجيح الأول على الثاني تكون الأخبار المشتملة على ذاك الذيل مجملا

ص: 525

في أطراف العلم الاجمالي فيبقى ظهور الأخبار الخالية عن الذيل في الاطلاق والشمول لمورد العلم الاجمالي سليما عن المعارض ولا يوجب اجمال الأخبار المشتملة عليه لاجمال ما كان خاليا عنه ، لانفصالها ، لما قرر في محله من عدم سراية اجمال الخاص المنفصل إلى العام.

[ واما ] المقام الثاني : في بيان المانع بعد الفراغ عن ثبوت المقتضي في أطراف العلم الاجمالي وعدمه ، فنقول :

انّ اجراء الاستصحابين لو لم يكن مخالفة عملية للعلم الاجمالي كما في مستصحبي النجاسة في أطراف العلم بطهارة أحدهما وكما في استصحاب طهارة البدن والحدث في مورد التوضي بالمائع المردد وكما في استصحاب الطهارة لكلّ من واجدي المني في الثوب المشترك فلا اشكال في عدم كون العلم الاجمالي مانعا عن الاستصحابين.

وامّا لو كان مستلزما لذلك كما في مستصحبي الطهارة في مورد العلم الاجمالي بالنجاسة :

فان قلنا : بكون العلم الاجمالي علة تامة للتنجز ، فيكون مانعا عقلا.

وان قلنا : بكونه مقتضيا له في نفسه فان كان متعلّقا بالحكم الواصل إلى مرتبة الفعلية بنفسه ، فكذلك أيضا ، وإلاّ ، فلا بل يكون الاستصحابان بمقتضى اطلاق دليلهما مانعين عن اقتضائه الفعلية كما لا يخفى.

هذا مجمل الكلام في الاستصحابين المتعارضين.

ص: 526

اصالة الصحة

اشارة

ومن جملة القواعد التي تتعارض مع الاستصحاب : أصالة الصحة ، التي كانت مسلّمة في الجملة وتسمى :

في فعل الغير « أصالة الصحة ».

وفي فعل نفس الفاعل الشاك « قاعدة الفراغ » لو كان الشك في الصحة.

و « قاعدة التجاوز » لو كان الشك في أصل الوجود ، بعد التجاوز عن المحل.

ولا يخفى انّ كل مورد يجري فيه ذلك الأصل كان في العبادات أو في المعاملات لا يخلو عن أصل كان مقتضاه الفساد ، بمعنى عدم ترتيب الأثر المقصود : من أصالة عدم موافقة الأمر وعدم الاتيان بالمأمور به وبقاء الاشتغال في العبادات ، ومن أصالة عدم ايجاد السبب المؤثر للنقل والانتقال وعدم حصول الأثر ونحوهما في المعاملات.

ولا يخفى انّ هذه الاصول وان لم تكن مجدية في استكشاف فساد الموجود ، إلاّ انّه يترتب عليها الأثر المهم : من بقاء الاشتغال في العبادة ، وعدم تحقق النقل والانتقال في المعاملات.

ولكن التحقيق : تقديم أصالة الصحة على تلك الاصول بل على الاصول الموضوعية الجارية في الامور التي كان الشك في حصول الاختلال بها منشأ للشك في الصحة من مثل : أصالة عدم الاتيان بالجزء المشكوك ، وأصالة عدم البلوغ ، وعدم تحقق العقد بالعربية مثلا ، لأنّه لو لم يقدم عليها لما يبق لها مورد أصلا لعدم

ص: 527

خلو مورد من أصل من تلك الاصول فيصير جعل هذا الأصل كاللغو. هذا بناء على كون أصالة الصحة من باب التعبد ، وامّا بناء على كونها من باب الظن فالأمر أوضح ، وهذا مما لا اشكال فيه.

وإنّما الاشكال في تعيين مجراها من حيث جريانها في فعل الشخص وفعل الغير في المعاملات والعبادات وفي الكل والجزء ونحوها من الجهات ، ولكنه يتوقف على ذكر الدليل عليها وتعيين ما هو مفاده من الجهات فنقول :

انّ الأخبار الدالة عليها على طائفتين :

إحداهما : ما روى زرارة في الصحيح عن أبي عبد اللّه علیه السلام : قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : « رجل شك في الأذان وقد دخل في الاقامة قال يمضي ... قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته. ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره ف (1) كك ليس بشيء » (2) وفي معناها رواية الحلبي عن الصادق في الفقيه ورواية اسماعيل بن جابر (3) عنه علیه السلام .

ولا يخفى انّ ظاهر الخروج في هذه الرواية والتجاوز في رواية [ ابن ] جابر وان كان هو تحقق الشيء سابقا فيكون الشك في الصحة بعد الفراغ عن أصل وجوده ، إلاّ انّه بقرينة المورد من كون الشك في أصل وجود الاجزاء وتعارف التعبير بعد التجاوز عن المحل مع الشك في الوجود بالشك بعد التجاوز مع لحاظ اسناد الشك في رواية [ ابن ] جابر إلى نفس الشيء لا بدّ من حمل الرواية على الشك في الوجود بعد التجاوز عن المحل ؛ ويمكن الحاق الشك في الصحة به بتنقيح

ص: 528


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 226 الباب 49 باب احكام السهو في الصلاة ، الحديث 997 / 14.
2- وسائل الشيعة 5 : 336 الباب 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 4 : 937 الباب 13 من ابواب الركوع ، الحديث 4.

المناط.

ثم انّ منصرف هذه الرواية ونحوها أو القدر المتيقن منها بقرينة سبق السؤال والجواب مكررا في اجزاء الصلاة هو ضرب القاعدة في خصوص اجزائها ؛ ولا يجدي وقوع لفظة « كل » في قوله علیه السلام في رواية ابن جابر : « كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » الحديث في إفادة العموم ، حيث انّ افادتها للعموم إنّما هو بالنسبة إلى افراد ما اريد من مدخولها فيتبعه سعة وضيقا فإذا كان المتيقن منه جزء الصلاة كان عمومها في اجزائها ؛ ويؤيده النقل عن بعض بالتعبير من اجزاء الصلاة في بعض الأخبار. ثم لو سلّم العموم فلا بدّ من التخصيص بغير اجزاء الوضوء ، للأخبار الخاصة ، وللاجماع ، والحاق باقي الطهارات به بعدم الفصل.

ثم انّ المتيقن من الجزء ما كان له عنوان على حدة من مثل الركوع والسجود لا مثل مقدماتهما من الهوي والنهوض وجزء القراءة مثلا لقراءة تقريبه علیه السلام ضابطة كلية على الأسئلة التي لم يكن فيها ما عدى الاجزاء الاستقلالية مع الاخلال عمّا بينها من غير المستقلات والمقدمات لو كانت عامة للثانية أيضا. كما انّ ظاهر الروايتين اعتبار الدخول في الغير لا مجرد التجاوز عن المحل.

ثم انّه على تقدير عمومهما لمطلق اجزاء المركّبات فلا بدّ من تقييدهما بغير الطهارات الثلاث في ما تحقق التجاوز عن محل اجزائها قبل الفراغ عن الكل ، لخروج الوضوء - مضافا إلى الاجماع - بمفهوم موثقة ابن [ ابي ] يعفور الآتية بناء على ارجاع الضمير في « غيره » فيها إلى الوضوء ومفهوم رواية زرارة وهي قوله علیه السلام : « فإذا قمت من الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو

ص: 529

في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوءه لا شيء عليك » (1) ويلحق به الغسل والتيمم ، بعدم الفصل.

الطائفة الثانية : ما يستفاد منها قاعدة عامة في مطلق المركبات من العبادات والمعاملات بل في أفعال الشخص وغيره وهي كثيرة :

منها : قوله علیه السلام في الموثقة : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو » (2) الحديث ، حيث انّ الظاهر من ال « كل » المضاف إلى الموصول مطلق الفعل الذي قد شك فيه وقد مضى وكان موضوع أثر في زمان الشك للشاك ، سواء كان هو فعل نفسه او فعل غيره ، عبادة كان أو معاملة بلا انصراف ولا قدر متيقن في البين ؛ فهذه الموثقة أحسن دليل لأصالة الصحة ولو في فعل الغير ، فلا وجه معها للتمسك بالآيات والأخبار غير الدالة إلاّ على عدم حمل فعل المسلم على القبيح بلا دلالة لها على حمله على الصحيح الواقعي وبترتيب آثار الواقع عليه.

ومنها : موثقة ابن أبي يعفور : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه » (3) حيث انّ الظاهر انّ ال « شيء » مفهوما ومنطوقا أعم من العبادات والمعاملات لا خصوص العبادة ، وإلاّ لكان منحصرا في خصوص الوضوء فكان ذكر الكبرى تكرارا ولغوا في مقام ذكر القاعدة ؛ ومع التعدي عن الوضوء إلى سائر العبادات فلا وجه للاقتصار على خصوصها بعد الاطلاق في الكبرى ، هذا.

ص: 530


1- وسائل الشيعة 1 : 330 الباب 42 من ابواب الوضوء ، الحديث 1 ؛ تهذيب الاحكام 1 : 100 باب صفة الوضوء الحديث 261 / 110 وفيهما « منه » لا « عنه » ؛ الكافي 3 : 33 باب الشك في الوضوء ، الحديث 2 ، وليس فيه لا « منه » ولا « عنه ».
2- وسائل الشيعة 5 : 336 الباب 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 1 : 330 الباب 42 من ابواب الوضوء ، الحديث 2.

مضافا إلى اشتمال الوضوء على جهتين : جهة العبادة من حيث كونه قربيا ومتوقفا على قصد القربة ، وجهة معاملة من حيث تأثيره في حصول أمر آخر وهو الطهارة ؛ فيتعدى فيه إلى كل ما اشتمل على احدى الجهتين. نعم في شمول الموثقة لفعل الغير نظر : من حيث ظهور اسناد التجاوز إلى الشخص نفيا واثباتا في فعل الشخص نفسه لا فعل غيره إلاّ ان يدّعى الغاء الخصوصية ، وانّ الظاهر منها انّ المناط نفيا واثباتا هو التجاوز وعدمه.

ومنها : ما يستفاد منها القاعدة الخاصة في خصوص باب الصلاة والطهارة مثل قوله علیه السلام : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو » (1) وقوله علیه السلام فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (2) ونحوهما من الأخبار ، إلاّ انّ يدّعى عموم العلة فيه فيصير من الأخبار العامة أيضا.

ثم انّه يقع الكلام في مواضع :

الأول : انّ المعتبر في القاعدة هل هو مجرد الفراغ؟ أو اعتبار الدخول في الغير أيضا؟

فنقول : بناء على حمل الروايتين الأوليين على قاعدة التجاوز في خصوص أجزاء الصلاة وحمل البقية على قاعدة الفراغ والصحة في المركبات فلا اشكال في اعتبار الدخول في الغير في القاعدة الاولى دون الثانية.

وامّا بناء على استفادة العموم في الأوليين ، فيدور الأمر :

بين حمل القيد وهو ال « غير » (3) على الغالب لكون التجاوز عن الشيء

ص: 531


1- وسائل الشيعة 1 : 331 الباب 42 من ابواب الوضوء ، الحديث 6 ، لكن ليس فيه « كما هو ».
2- وسائل الشيعة 1 : 331 الباب 42 من ابواب الوضوء ، الحديث 7.
3- في قوله علیه السلام : « وقد دخلت في غيره » في موثقة ابن أبي يعفور الآنفة.

غالبا متحققا في ضمن الدخول في الغير فيكون الاطلاق باقيا بحاله.

وبين حمل الاطلاق على الغالب ، وانّ الاقتصار على مجرد التجاوز والفراغ في بعض الأخبار من جهة تحقّقهما غالبا في ضمن الدخول في الغير ، وإلاّ فالمناط هو المقيد.

وربما يقال : بكون ظهور القيد في التقييد وضعيا ، وظهور المطلق في الاطلاق حكميا ؛ فيقدم عليه.

ولكنه يدفع :

مضافا إلى عدم الوضع للقيد في تحديد الحكم بل المسلّم منه في مقام تحديد الموضوعات في الحدود انّه على تقدير التسليم وتسليم أظهرية الوضع عن ظهور الحكمة مطلقا.

انّ التعارض ليس بين القيد والمطلق في نفسهما بل إنّما هو : بين ظهور القضية الشرطية في كون المناط نفيا واثباتا هو الدخول في الغير ، وبين ظهور لفظة « إنّما » (1) في حصر المناط نفيا واثباتا في مجرد الفراغ والتجاوز ؛ ومن المعلوم أظهرية الثاني ، هذا.

مضافا إلى تعارف التعبير عن التجاوز المتحقق غالبا في ضمن الدخول في الغير بالدخول فيه.

الثاني : [ هل ] انّ المستفاد من الأخبار ضرب القاعدة في خصوص المركبات؟ أو مطلقا ولو في الاجزاء؟

والظاهر هو الأول ، لوجوه :

الأول : أنّ المضي عن الشيء بقول مطلق إنّما هو في المركب لا في الاجزاء

ص: 532


1- في موثقة ابن ابي يعفور.

فيما لم يحصل الفراغ عن المركب ، لكونه ظاهرا فيه عند الاطلاق. مضافا إلى انّ المضي عن الشيء إنّما ينصرف إلى ما كان موضوعا للأحكام الشرعية والآثار النفسية من العناوين المأخوذة في الأدلة استقلالا وبحيالها لا غيريا وتبعيا ، وهي ليس إلاّ نفس المركبات.

الثاني : انّ الظاهر من موثقة ابن [ أبي ] يعفور - بقرينة الاجماع وبعض الأخبار الدالّة على الاعتناء بالشك في اجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه ولو بعد التجاوز عنها - رجوع ضمير « غيره » إلى الوضوء ، فيدل :

بالمنطوق على انّ الشك في جزء من الوضوء لا يعتنى به إذا حصل الفراغ عن الوضوء رأسا.

وبالمفهوم على وجوب الاعتناء به قبل الفراغ عنه ولو بعد التجاوز عنها. وقوله علیه السلام بعد ذلك : « إنّما الشك » في مقام بيان الكبرى الكلية لكل من طرفي الحكم بأنّ الاعتناء قبل تمامية الوضوء من جهة كونه قبل الفراغ وعدم الاعتناء بعده من جهة كونه بعد الفراغ ، فيستكشف عدم جريان القاعدة في الجزء ، وإلاّ لكان الاعتناء في الوضوء قبل الفراغ عنه مخصّصا للقاعدة لا مطابقا لها كما يظهر من الرواية ؛ الاّ أن لا يكون المنطوق في الكبرى منطبقا على مورد الوضوء فيلزم الخروج الموردي ، وهو مستهجن في الكلام كما لا يخفى.

الثالث : انّه لو كانت الأخبار دالة على ضرب القاعدة في الاجزاء أيضا فيلزم التعارض بينها فيما لو شك في الجزء بعد التجاوز عنه وقبل الفراغ عن الكل فيلزم الاعتناء من جهة كونه شكا في الكل قبل الفراغ وعدم الاعتناء به من جهة كونه شكا في الجزء بعد الفراغ.

ولا يتوهم : انّ الشك في الكل مسبب عن الشك في الجزء فيقدم السبب على المسبب.

ص: 533

لكون الشك فيهما في عرض واحد بل الشك فيهما واحد ذو جهتين فله استناد إلى الجزء ويكون من هذه الجهة شكا بعد التجاوز ، وإلى الكل ويكون شكا قبله من هذه الجهة ، فتتعارض الجهتان حكما على تقدير شمول القاعدة لهما ؛ والمفروض انّ صحة الجزء عين صحة الكل من حيث ترتيب الآثار المترتبة على الكل غاية الأمر بنحو من الدخل كما مرّ في استصحاب الجزء والشرط والمانع وجودا وعدما.

وتوهم : عدم تعرض الأخبار للشك قبل الفراغ أصلا أو في الجملة ولو في خصوص ما كان قبل الفراغ عن الجزء والكل معا ، لا للشك قبل الفراغ بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر كما في ما نحن فيه.

مدفوع : بثبوت المفهوم للقيد في مقام تحديد القاعدة وضربها كما فيما نحن فيه ، فانّ تحديد القاعدة بما بعد الفراغ يدل على الاعتناء بالشك قبل حصول الفراغ فيحصل التعارض بين الجزء والكل فيما ذكرنا ، فلا بدّ من دفعه باخراج أحدهما عن القاعدة موضوعا ، ولا يصير ذلك في الكل لكونه المتيقن بقرينة الضمير المذكور وبقرينة قوله علیه السلام : « كلما مضى من صلاتك الخ » (1) بناء على كون كلمة « من » بيانية كما هو الظاهر ، وبعض الأخبار الاخرى ، فلا بدّ من اخراج الجزء.

نعم لو كان الجزء مما كان له عنوان على حدة وكان بنظر العرف شيئا مستقل الوجود والآثار كما في مناسك الحج فالظاهر جريان قاعدة الفراغ فيها بنفسها لو شك في صحتها بعد الفراغ عنها ولو قبل الفراغ عن تمام الحج.

فان قلت : لزم التعارض بين اجرائها فيها ، وبين اجراء قاعدة عدم التجاوز

ص: 534


1- وسائل الشيعة 1 : 331 الباب 42 من ابواب الوضوء ، الحديث 6.

بالنسبة إلى الحج.

قلت : انّ الحج بعد كون اجزائه مستقلة الوجود والعنوان بنظر العرف يكون مجموع امور متعددة لا أمرا واحدا ، ولا بدّ من وحدة الموضوع في هذه القاعدة.

فان قلت : انّ كون الحج مجموع امور متعددة كالصوم والصلاة خلاف ظهور الدليل عليه وهو قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (1) الآية ، في كونه أمرا واحدا مركبا من اجزاء مرتبطة كما في اجزاء الصلاة.

قلت : نعم ، لا محيص عنه في متعلق الأمر الواقعي كما في الآية من جهة وحدة المصلحة ؛ وأمّا بالنسبة إلى موضوع الأوامر الطارئة كالأمر بالمضي عن الشيء بعد التجاوز عنه كما في القاعدة مثلا فلم يلحظ فيه إلاّ ما كان عند العرف - ولو بنظرهم المسامحي - شيئا واحدا حيث انّه قد أطلق الشيء في موضوع القاعدة بدون التحديد فلا بدّ من الرجوع إلى نظرهم ، ومن المعلوم انّ ما كان شيئا واحدا بنظرهم هو كل واحد من مناسك الحج لا مجموعها فإذا كان الأمر كذلك تكون هي الداخلة في القاعدة لا المركب منها. نعم يكون اجزاء كل منها خارجا عنها كما لا يخفى.

فان قلت : فكيف الأمر لو شك في وجود بعض اجزاء الحج مما بتركه كان مبطلا له عمدا وسهوا بعد الفراغ عنه؟ والحال انّ الظاهر من حالهم عدم الاعتناء به ما لم يعلم بالاخلال.

قلت : نعم لا بأس بالالتزام باجراء قاعدة الفراغ هاهنا في نفس الحج :

امّا من جهة عدم المانع عنه [ من ] (2) لحاظ مجموع اجزائه مربوطا معا بحيث يعدّ المجموع شيئا واحدا ، فتشمله قاعدة الفراغ ، حيث انّ المانع عنه في ما

ص: 535


1- سورة آل عمران : 97.
2- في الاصل المخطوط ( بين ).

كان الشك في صحة اجزائه قبل الفراغ عنه إنّما هو لحاظ استقلاليتها الموجب لدخولها تحت القاعدة المنافي لدخول المجموع تحتها حينئذ. وأمّا لو لم تكن الاجزاء مشمولا وموضوعا للقاعدة كما لو كان الشك في الاتيان بها بناء على انحصار القاعدة في الشك في الصحة فلا منافي لفرض المجموع أمرا واحدا موضوعا للقاعدة ، نظرا إلى ارتباطها الواقعي من جهة وحدة مصلحتها الواقعية.

وبعبارة اخرى : كان للكل جهتان ونظران : من إحداهما يكون مجموع امور متعددة لو لوحظ الاستقلال في اجزائه ، ومن اخراهما يكون شيئا واحدا لو لم تلحظ الاجزاء كذلك ، من جهة عدم كونها مشمولا للقاعدة ، لانتفائها بانتفاء الموضوع ، لعدم الشك في صحتها بعد الفراغ عنها.

وأمّا من جهة تنقيح المناط القطعي بعدم الفرق بين مثل الحج مما كان مؤلفا من اجزاء مستقلة ، وبين سائر المركبات مما كان مؤتلفا من اجزاء مرتبطة للقول بعدم الفرق بينها قطعا.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّ المراد من الشك في الصحة بعد الفراغ في موضوع هذا الأصل هل هو الشك الطارئ مع الغفلة عن صورة العمل؟ أو مطلقا ولو كان ملتفتا إليها كما انّه لو علم بعدم تحريك الخاتم في الوضوء وشك في انغسال تحته بالارتماس ونحوه أم لا؟

من التعليل في بعض الأخبار بقوله علیه السلام : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » فانّه لا تصدق الأذكرية إلاّ حين ما غفل عن صورة العمل ، حيث انّه يكون الانسان حال اشتغاله بالعمل ملتفتا إلى اجزائه غالبا بخلاف ما لو تجاوز عنه ، فيكون أذكر بالنسبة إلى حاله بعده.

ص: 536

ومن اطلاق الشك في ال « شيء » بعد المضي عنه في بعض الأخبار الأخر.

والتحقيق : هو الثاني ، للاطلاق المحكّم. ولا ينافيه التعليل المذكور.

امّا أولا : فلظهور التعليل في الأخبار في كونه حكمة لا علة حقيقية.

وأمّا ثانيا : فلاحتمال كونه علة للغالب من افراد الشك من الغفلة عن صورة العمل بلا انحصار في ذلك فيكون بالنسبة إلى غير الغالب مسكوتا عنه في ذاك الخبر ويبقى إطلاق الحكم بحاله.

وأمّا ثالثا : فلصدق العلة في جميع الافراد ، حيث انّ المراد منها الأذكرية الغالبية النوعية لا الدائمية الفعلية وإلاّ يكون غالب صور الغفلة عن العمل خارجا عنها كما لا يخفى.

ومن المعلوم انّ الأذكرية بالظن النوعي تتحقق ولو مع الالتفات إلى الصورة كما في المثال ، حيث انّه مع ذاك الالتفات المذكور ربما يحتمل أن يكون وصول الماء تحت الخاتم كان مقطوعا حال العمل ولو مع عدم التحريك.

والحاصل : انّه لا وجه لرفع اليد عن اطلاق الحكم في الأخبار.

الأمر الثاني : في تعارض القاعدة مع قاعدة التجاوز فيما لو شك في صحة الجزء بعد الفراغ عنه قبل الفراغ عن الكل ، حيث انّه بمقتضى مفهوم قاعدة الفراغ عن الكل لا بدّ من الاعتناء بالشك وبمقتضى قاعدة التجاوز في الجزء لا بدّ من عدم الاعتناء به.

ولكن التحقيق : تقديم قاعدة التجاوز. امّا بناء على اختصاصها بالصلاة فواضح ، لكونها أخص من قاعدة الفراغ الجاري في جميع المركبات. وامّا بناء على تعميمها لجميع اجزاء المركبات فكذلك أيضا ، حيث انّ مفهوم قاعدة الفراغ يدل على الاعتناء بالشك الواقع في الأثناء سواء كان في محل الجزء أو بعد التجاوز عنه وقاعدة التجاوز يدل على عدم الاعتناء به في خصوص ما بعد التجاوز فيكون

ص: 537

أخص منه.

وتوهم : العموم من وجه بينهما من حيث انّ قاعدة التجاوز تعم صورة الشك في صحة الجزء ووجوده و [ تختص ] (1) قاعدة الفراغ بخصوص الشك في صحة الكل ، مدفوع :

بأنّ الشك في الجزء صحة ووجودا لا ينفك عن الشك في صحة الكل بل يكون الشك الواحد مستندا إليهما كما عرفت ، فلا يكونان عامين من وجه كما لا يخفى.

وأمّا توهم : عدم كفاية صحة الجزء لاثبات صحة الكل ، فمدفوع :

بأنّ صحة الكل ليس إلاّ عبارة عن الاتيان بتمام اجزاء المركب صحيحة ، ولا ريب انّه بعد احراز الجزء المشكوك بالأصل يحرز المركب مع فرض احراز سائر الاجزاء بالوجدان كما في احراز الموضوعات المركبة المحرزة اجزاؤها بعضها بالأصل وبعضها بالوجدان ، فيحكم حينئذ بصحتها كما لا يخفى.

نعم ربما يشكل ما ذكرنا بأنّ أخصّية قاعدة التجاوز بناء على جريانها في جميع اجزاء المركبات عن قاعدة الفراغ إنّما هو إذا لوحظ التعارض بين نفس منطوق دليل الاولى مع مفهوم دليل الثانية ؛ وامّا إذا لوحظ بين مجموع كل من الدليلين عند ملاحظة كل منهما بمنطوقه ومفهومه دليلا واحدا فلا ، بل يكون موضوع كل منهما مفهوما ومنطوقا مساويا مع الآخر موضوعا فلا يقدم أحدهما على الآخر عند التعارض.

ولكنه يدفع :

أولا : بأنّ الملحوظ عند الاصوليين هو كون كل من المفهوم والمنطوق حجة

ص: 538


1- في الاصل المخطوط ( يخص ).

على حدة ، ولذلك تلاحظ نسبة الأخصية بمفهوم آية النبأ بالنسبة إلى الآيات الناهية عن الظن ، مع انّ موضوع الآية مفهوما ومنطوقا مساو لموضوع الآيات.

وثانيا : بأنّه على تقدير التسليم تكون قاعدة التجاوز مقدمة أيضا ، لكون دلالتها بالنسبة إلى مورد التعارض بالمنطوق ، ودلالة قاعدة الفراغ بالمفهوم ، ولا اشكال في أظهرية المنطوق على المفهوم فيما نحن فيه.

[ الأمر ] الثالث : انّه لو شك في المشروط بواسطة الشك في الشرط :

فان كان الشك في صحة الشرط مع كونه عملا مركبا ذا اجزاء بنفسه كالغسل والوضوء مطلقا وصلاة الظهر بالنسبة إلى صحة العصر ، فلا اشكال في اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى خصوص الشرط فيحرز وجوده الصحيح فيترتب عليه كل ما يترتب عليه من المشروط كما لا يخفى.

وان كان الشك في وجوده فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليه.

وأمّا اجراء هذه القاعدة بالنسبة إلى المشروط :

فان كان الشك بعد الفراغ عنه كما إذا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها من جهة الشك في أصل الطهارة فلا اشكال في اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إليها ، ولكنه يحكم من جهة القاعدة بصحة خصوص المشروط دون وجود شرطه حتى يترتب عليه صحة ما يترتب عليه بعد ذلك من الصلاة الآتية.

وأمّا ان كان الشك في أثناء الصلاة من الجهة المذكورة فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الطهارة المشكوكة ، لكون الشك في أصل وجودها لا في صحتها ولا في الصلاة بعدم حصول الفراغ عنها ولا في اجزائها الماضية لاختصاص القاعدة بالمركب كما عرفت ؛ مع انّه لا يجدي في صحة الاجزاء الآتية كما لا يخفى.

وامّا اجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى نفس الشرط فيتوقف على أمرين :

ص: 539

أحدهما : عمومها للاجزاء والشرائط معا.

وثانيهما : أن يكون للشرط محل مخصوص قد حصل التجاوز عنه كما في مثل الطهارة فانّ محل احرازها قبل الصلاة دون مثل الستر والاستقبال ونحوهما ؛ فحينئذ يحصل الفرق بين كيفية أخذ الشرائط :

فان كان أخذها لتمام العمل أن يكون محرز الوجود قبل الدخول فيه كما في مثل الوضوء فيحكم بعدم الاعتناء بالشك لو شك فيه في أثنائها.

وان كان أخذها بنحو لا بدّ أن يحرز من أول العمل إلى آخره كالستر مثلا فلا بدّ من الاعتناء به لعدم التجاوز عن المحل كما لا يخفى.

ولكن التحقيق : عدم اجراء قاعدة التجاوز في الشرط مطلقا.

امّا أولا : فلانصراف أدلّتها أو عدم اطلاقها بالنسبة إلى الشرط وان قلنا بعمومها في جميع المركبات.

وأمّا ثانيا : فلعدم الفرق بين الشرائط في كون المحل لاحرازها من أوّل العمل إلى آخره حتى في مثل الطهارة ، حيث انّ الشرط هو الطهارة الحادثة لا سببها وهو الوضوء والغسل.

ثم انّه كلما تجري قاعدة الفراغ في صحة المركب بعد الفراغ عنه - من جهة الشك في الإتيان بشرطه أو جزئه مثلا - يحكم بخصوص صحته ، دون تحقق منشأ الشك فيه وان كان ملازما معه واقعا ، لعدم حجية القاعدة إلاّ في نفس صحة المشكوك لا في لازمه وملزومه ، لعدم حجية المثبت منها. امّا بناء على كونها من الاصول التعبدية كما لو كان مدركها هو مثل قوله : « كل شيء شككت فيه مما قد مضى الخ » ونحوه مما أخذ الشك في موضوعه ، فواضح. وامّا بناء على كونها من الأمارات كما لو كان مدركها مثل قوله علیه السلام : « هو حين يتوضأ أذكر منه الخ » فلعدم دلالة دليلها إلاّ في خصوص أثر صحة المشكوك فيه دون آثار ملازمه ولوازمه

ص: 540

وملزومه.

هذا كله في قاعدة الفراغ الجارية في فعل الشاك بنفسه.

وأمّا أصالة الصحة في فعل غيره لو كان صحيحه موضوعا لأثر بالنسبة إليه فقد عرفت صحة التمسك له بقوله علیه السلام : « كل شيء شككت فيه مما قد مضى الخ » الشامل باطلاق الشيء لفعل الغير فلا يحتاج إلى دليل آخر. نعم دلالة هذا الخبر إنّما هو بعد كون الغير فارغا عن العمل لا فيما كان في أثنائه ؛ إلاّ انّه يكون ملحقا به بعدم القول بالفصل.

وقد استدل بوجوه أخر :

الأول : الآيات :

منها : قوله تعالى : ( قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (1) بناء على تفسير « القول » بالاعتقاد ، حيث انّه عليه لا معنى للأمر بالاعتقاد الحسن في فعل الغير إلاّ ترتيب آثار الحسن.

ومنها : قوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) . (2) وجه التقريب : ما عرفت.

ومنها : قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) بناء على كونه خطابا لعامة الناس ولو لغير الملاّك ، ولا أقل من شمولها لكل من كان صحة العقد موضوعا لأثر بالنسبة إليه.

ولا يضرّ في صحة التمسك بها احتمال كون الفاعل معتقدا لفساد فعله فكيف يجوز التمسك بها لاثبات الصحة؟ فلا بد من احراز كون الفاعل شاكا في صحة

ص: 541


1- سورة البقرة : 83.
2- سورة الحجرات : 12.
3- سورة المائدة : 1.

عمله ، لأنّ المناط في صحة الاستدلال بها كون المستدل المريد لترتيب الأثر شاكا في صحة العمل سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية ، حيث انّ الخارج منها « معلوم الفساد من العقود عند المكلف » فيبقى غيره تحته كما لا يخفى. ولا بأس بعلم غيره بالفساد.

ولكن التحقيق : عدم صحة التمسك بالآيات.

امّا الأوليان : فلكونهما في مقام الوعظ وحسن الخلق والمعاشرة مع الناس بلا دلالة لهما على ترتيب الآثار الواقعية. مضافا إلى ما في الثانية من عدم دلالتها إلاّ على عدم ترتيب آثار الفساد ، ولا ملازمة بينه وبين ترتيب آثار الفعل الحسن.

وأمّا الثالثة : فلكون الشبهة في مقام الشك في الصحة والفساد مصداقية فلا يجوز التمسك ، لما تقرر في محله من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. نعم لا بأس به فيما كان المخصص لبيا ، والمفروض عدم احراز منشأ الشك في صحة فعل الغير وفساده.

الثاني : الأخبار :

فمنها : ما في الكافي (1) عن أمير المؤمنين علیه السلام : « ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير سبيلا ». (2)

ومنها : قول الصادق علیه السلام لمحمد بن الفضيل : « يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انّه قال وقال لم أقل فصدقه وكذبهم ». (3)

ومنها : ما ورد مستفيضا من انّ « المؤمن لا يتّهم أخاه » (4) وانّه « إذا اتّهم أخاه

ص: 542


1- الكافي 2 : 362 كتاب الايمان والكفر باب التهمة وسوء الظن ، الحديث 3 بتفاوت يسير.
2- وسائل الشيعة 8 : 614 الباب 161 من ابواب احكام العشرة ، الحديث 3 بتفاوت يسير.
3- وسائل الشيعة 8 : 609 الباب 157 من ابواب احكام العشرة ، الحديث 4 باختلاف.
4- الخصال 2 : 622 ضمن حديث الأربعمائة ، وفيه : « المؤمن لا يغش أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتهمه ».

انماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء » (1) وانّ « من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما » (2) إلى غير ذلك من الأخبار.

ولكن الانصاف عدم دلالتها إلاّ على انّ الفعل الصادر من المسلم لا يكون على وجه قبيح عنده كما لو دار الصادر منه بين المحرّم القبيح وبين الجائز المباح ، بل لا بدّ من حمله على صدوره على وجه مباح بلا دلالة لها على ترتيب الآثار الواقعية سواء كان الفعل الصادر منه مما له أثر واقعا للشاك كما لو دار كلامه بين السلام والسبّ أو بين البيع الصحيح والربا ، أو لا كما لو دار كلامه بين السبّ وقراءة القرآن مثلا. ويشهد على ذلك تكذيب خمسين قسامة في مقابل الواحد في رواية محمد بن الفضيل حيث انّه لا يصح حملها على التكذيب الواقعي وترتيب آثاره على الخمسين فانّه ترجيح المرجوح على الراجح ، بخلاف ما لو حملت الرواية على مجرد الحمل على عدم ارتكاب القبيح فانّه لا منافاة بين حمل كل من الواحد ، والخمسين ، على ذلك ويكون المراد من التكذيب حينئذ عدم ترتيب آثار الواقع على قولهم بتفسيق الآخر وحدّه مثلا ، هذا.

مع انّه على تقدير تسليم دلالة الرواية على ترتيب الأثر فلا بدّ من ترتيب أثر يكون جمعا بين الطرفين بل نفعا لهم بقرينة رواية اخرى في مقام مدح النبي صلی اللّه علیه و آله بقوله علیه السلام : « يصدق للمؤمنين » (3) ؛ والأثر النافع للمجموع في مثل مورد الرواية عدم التكذيب الصوري بل القبول الصوري لكل من الطرفين وعدم الثقة والائتمان

ص: 543


1- وسائل الشيعة 8 : 613 الباب 161 من ابواب احكام العشرة ، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 8 : 614 الباب 161 من ابواب احكام العشرة ، الحديث 2.
3- تفسير العياشي 2 : 95 الحديث 83 ؛ تفسير الصافي 2 : 353 - 354 الحديث 61 ، لكن في كليهما : « يصدق المؤمنين ».

بذاك القائل الواحد في مقابل الخمسين. ولا ربط له أيضا بما نحن فيه من ترتيب الآثار الواقعية ؛ مع انّه على تقدير تسليم دلالتها على ترتيب جميع الآثار الواقعية فهي أخص من المدّعى أيضا حيث انّ المقصود اجراء أصالة الصحة في فعل الغير مطلقا مسلما كان أو كافرا ، وهي تدلّ على حمل خصوص المسلم بمقتضى أخذ الاخوّة الإيمانية في الموضوع ولا يصح الاستدلال بالنسبة إلى فعل غير المسلم بعدم القول بالفصل ، لأنّه إنّما يتمّ فيما لم يكن ضد المناط المذكور في مورد الرواية وهو الاخوّة موجودا في غيره كما فيما نحن فيه حيث انّ الكفر مناف لحمل فعله على الصحة بملاك الاخوّة.

الثالث : الاجماع القولي الحاصل من تتبع فتاوى الفقهاء ، والعملي الحاصل من سيرة المسلمين في جميع الأعصار على معاملة الصحة في فعل الغير عند الشك في صحته وفساده فيما كان موضوعا لأثر شرعي للشاك.

ولكن الانصاف عدم تمامية الاجماع وعدم استكشافه عن تلقّي المتفقين هذا الحكم عن المعصوم علیه السلام بعد احتمال استناد جلّهم أو بعضهم إلى الأخبار والآيات أو إلى حكم العقل بملاك اختلال النظام لو لا اجراء أصالة الصحة في فعل الغير أو بناء كافة العقلاء على ذلك فلا بدّ من ملاحظة تمامية دليل العقل وبناء العقلاء.

والإنصاف : انّ الاختلال اللازم من عدم اجراء أصالة الصحة أشد من الاختلال الحاصل من عدم حجية اليد أمارة على الملكية ، من جهة اجرائها - مضافا إلى موارد اليد - فيما كان الشك في صحة سببها وفساده بناء على عدم كونها أمارة إلى الصحة في العبادات والمعاملات فيحكم العقل ببطلان ما يستلزم الاختلال وهو عدم اجراء أصالة الصحة وصحة نقيضه وهو الاجراء ، هذا.

مع انّه يظهر من كلام الإمام علیه السلام انّ الاختلال باطل عقلا لقوله علیه السلام في مقام

ص: 544

حجية اليد : « ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق » (1) بل لا يبعد انّ الاختلال في المقام أشدّ من الاختلال الناشئ من عدم حجية ظواهر الألفاظ التي لا اشكال في حكم العقل بحجيتها لو حصل الاختلال من عدمها.

وان أبيت عن حكم العقل تفصيلا يكون هذا القدر من الاختلال علة تامة لحجية أصالة الصحة ، فلا اشكال في بناء العقلاء كافة على اجرائها في فعل الغير سواء كان بملاك الاختلال تعبدا أو من جهة الظن النوعي على صحته ؛ مع كون ذاك البناء من زماننا هذا إلى زمان المعصوم علیه السلام بلا ردع عنه علیه السلام مع كثرة الحاجة والابتلاء ، فيستكشف القطع بعدم ردعه واقعا عن هذه الطريقة كما لا يخفى.

ثم الفرق بين سيرة المسلمين المسمى ب- « الاجماع العملي » وبين بناء العقلاء : انّ الحكم المستفاد من الاول حكم تأسيسي من المعصوم علیه السلام مستكشف منه قولا أو فعلا أو تقريرا مختص بخصوص المسلم ، وامّا المستفاد من الثاني هو حكم عام عقلائي امضائي من المعصوم علیه السلام .

والحاصل : انّه لا اشكال في حجية أصالة الصحة في فعل الغير في الجملة.

وإنّما الكلام يقع في امور :

الأول : انّ المحمول عليه فعل الغير :

هل هو الصحة الواقعية في مقام دوران الأمر بين هذه الصحة - فيما كانت موضوعا لأثر شرعي - والفساد؟

أو الصحة عند الفاعل فيما دار الأمر بينها وبين الفساد فيما كانت تلك الصحة موضوعا لأثر شرعي للحامل أيضا؟

أو كليهما؟

ص: 545


1- وسائل الشيعة 18 : 215 الباب 25 من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوى ، الحديث 2.

والظاهر : انّه لا اشكال في دلالة الأدلة من السيرة ولزوم الاختلال على الحمل على خصوص الصحة الواقعية دون الصحة عند الفاعل ، ولا أقل من كونها المتيقن. ولا عكس ، لبقاء الاختلال على تقدير الاقتصار على الصحة الفاعلية ، لندرة كونها موضوعا للأثر للغير ، وغلبة كون الصحة الواقعية موضوعا للأثر الشرعي للحامل ، وعدم البقاء على تقدير الاقتصار على خصوص الصحة الواقعية كما لا يخفى. ولا يخفى انّ بناء العقلاء معلوم أيضا بالنسبة إلى حمل فعل الغير على الصحة الواقعية وغير معلوم بالنسبة إلى الصحة الفاعلية فاللازم الاقتصار عليه ولزوم ترتيب آثار الصحة الواقعية على الحامل فهذا مما لا كلام فيه.

وإنّما الكلام في اشتراط علم الحامل بعلم الفاعل للصحة الواقعية عند الحامل أو جهله بحاله وعدمه.

والظاهر جريان السيرة على أصالة الصحة ولو مع علم الحامل بجهل الفاعل ولكن مع احتماله الصحة الواقعية في فعله ، وكذلك مع علمه بمخالفة الفاعل له ولكن بنحو التباين الجزئي بحيث يحتمل صدور الفعل عنه على طبق ما هو الصحيح عنده ، هذا.

مضافا إلى لزوم الاختلال على تقدير عدم اجراء أصالة الصحة في الصورتين الأخيرتين والاقتصار على الأولين ، إذ غالب موارد الشك في فعل الغير جهل الحامل بحاله أو علمه بفساده. نعم على تقدير الاقتصار على بعض الصور يرتفع الاختلال ، إلاّ انّ ترجيحه على بعض آخر وتعيينه من بين الصور بلا معين. هذا مع جريان السيرة في الجميع.

نعم لا يبعد عدم لزوم الاختلال على عدم الحمل فيما علم بالمخالفة على نحو التباين الكلي وان احتمل في فعله الاتفاق اتفاقا.

وعلى كل حال فالظاهر عدم الاشكال في انّ السيرة إنّما هو بالنسبة إلى

ص: 546

الصحة الواقعية.

وأمّا ما عن المدارك في شرح قول المحقق : (1) ولو اختلف الزوجان فادّعى أحدهما وقوع العقد في حال الاحرام وأنكر الآخر فالقول قول من يدّعي الاخلال ترجيحا لجانب الصحة ، قال : « انّ الحمل على الصحة إنّما يتمّ إذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما بفساد ذلك امّا مع اعترافه بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة » (2) انتهى ، فالظاهر من اشتراطه علم العاقد بالفساد حال الاحرام إنّما هو من جهة اشتراط علمه بالصحّة في أصالة الصحة لا من جهة كون الصحة المحمول عليها هو الصحة عند الفاعل وهو لا يتحقق إلاّ مع علمه بالصحة والفساد.

ثم انّ ما قلنا : من الحمل على الصحة في صورة جهل الفاعل ، إنّما هو إذا لم يكن الجهل مجامعا مع التكليف بالاجتناب وأمّا معه كما في بيع أحد المشتبهين بالنجس أو الميتة فلا اشكال في عدم جريان أصالة الصحة ، حيث انّه مع العلم الاجمالي بأحدهما يكون البيع باطلا ممّن كان عنده العلم الاجمالي. نعم لو لم يعلم بكون الفاعل عالما اجمالا بل احتمل في حقه العلم بالنجس أو الميتة الواقعيين فيحمل على الصحة لو احتمل كون المشتري كذلك أيضا. وأمّا لو كان المشتري عالما اجمالا فيحمل خصوص الايجاب على الصحة لا الشراء.

فمن هنا ظهر : انّ الحامل العالم اجمالا بكون أحد المشتبهين ميتة لا يصح له الشراء بنفسه ولا ممن كان مثله في العلم الاجمالي ، ويصح له ذلك مع عدم علمه بعلم المتبايعين كذلك واحتماله في حقهما العلم التفصيلي بخصوص النجس من المشتبهين.

ص: 547


1- شرائع الاسلام 1 : 249 « تفريع : الاول : اذا اختلف الزوجان .... ».
2- مدارك الاحكام 7 : 314 - 315.

وسرّه : انّ العالم اجمالا كالعالم تفصيلا ببيع النجس في عدم صحة البيع أو الشراء الصادر منه ، بخلاف من احتمل في حقه العلم بعدم وقوع البيع منه على النجس فلا بدّ فيما ذكرنا عدم كون البيع واقعا على كلا المشتبهين بل بالنسبة إلى أحدهما ، وإلاّ فلا حمل أيضا كما لا يخفى.

الأمر الثاني : انّه لا بدّ في اجراء أصالة الصحة في الموضوع الذي يترتب عليه الأثر من احراز وجوده وصدوره من الفاعل بحيث كان الشك في وجدانه جميع ما يعتبر في صحته وترتب الأثر عليه. وأمّا لو كان الشك في أصل وجوده كمن يرى انّه يأتي بصورة الصلاة ولكن لا يعلم انّه بصدد امتثال أمره الشرعي والاتيان بما هو المعتبر واقعا أو بصدد التعليم أو العبث بصورة الصلاة فلا يجري الأصل في حقه ، لعدم احراز فعل الصلاة المأمور بها كي يحمل على الصحة لو شك في صحتها. نعم لو علم الاتيان بها بمقوماتها المعتبرة في العنوان بقصد المأمور به واسقاط الأمر ثم شك في الاخلال ببعض ما يعتبر في صحته من الاجزاء والشرائط غير المقومة لا بأس بجريان الأصل كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر : انّه لا بدّ في اجراء الأصل في العقود والايقاعات من احراز تحققها من الموجب والقابل وان يكون الشك في الاخلال ببعض ما لا يتقوم بها من شرائط صحتها شرعا.

فمن هنا يتأتّى الاشكال في جريان الأصل فيما لو علم بصيرورة المتعاقدين في صدد العقد أولا ثم شك إنّهما هل قصدا بما تلفظا به المعنى؟ أو تلفظا بغير قصد؟ أو شك إنّهما قصدا [ التوصل ] (1) إلى حقيقة العقد بعد ارادة المعنى؟ أو قصدا معنى اللفظ بداعي الهزل أو التورية ونحوهما من غير قصد

ص: 548


1- في الاصل المخطوط ( التوسل ).

[ التوصل ] (1) إلى الحقيقة جدا؟ حيث انّه مع الشكين يكون الشك في تحقق العقد ، لكون القصد مقوما لحقيقته عقلا لا معتبرا في صحته ، والحال انّ بناء العرف والعقلاء على الأصل.

ولكنه يدفع الاشكال : بأنّ وجود العقد في مثل هذه الموارد محرز باصول اخرى عقلائية :

من أصالة كون التلفظ بقصد المعنى لا لغوا وخطأ.

وأصالة كون ارادة المعنى بداعي تحققه واقعا إخبارا في مقام الإخبار وانشاء في مقام الانشاء ، لا بداعي آخر من هزل ونحوه.

فلولا هذه الاصول لما كان لأصالة الصحة في هذه الموارد معنى.

وما قلنا : من اشتراط الاحراز في الجريان إنّما هو أعم من الاحراز بالوجدان أو بأصل معتبر آخر غير أصالة الصحة ، وإنّما المقصود تعيين مجرى أصالة الصحة وانّها لا تجري إلاّ فيما شك في الاخلال بما يعتبر في الصحة لا في القوام والتحقق. نعم سنشير إلى ما يوهم خلاف ذلك مع دفعه.

ثم انّ ما قلنا : من احراز الوجود في الموارد المذكورة بأصالة القصد الجدّي في المتلفظ في مقام الانشاء إنّما هو من باب الظهور من حال العقلاء فلا بدّ من أن يكون مثل هذا الظهور حجة ولو ببناء العقلاء مع عدم ردع الشارع عنه ، والقدر المسلّم من حجية الظهور إنّما هو ظهور اللفظ ، وأمّا ظهور الفعل فلا ، ولا أقل من عدم الاحراز ؛ فحينئذ لو حصل القبض والاقباض من مالكي الثمن والمثمن في مقام كان ظاهره انشاء معنى البيع بالتعاطي بلا علم بذلك منهما يشكل اجراء الأصل ، لكون الشك في أصل الوجود بلا أصل معتبر يحرز به ذلك كي

ص: 549


1- في الاصل المخطوط ( التوسل ).

تجري بعد ذلك أصالة الصحة لو شك في الصحة ، لعدم احراز بناء العقلاء على الأخذ بظهور الفعل.

ثم انّه لو شك في كون الانشاء الجدّي في العقد اللفظي بداعي الطيب النفساني أو بداعي الإكراه فلا شك في الحمل على عدم الاكراه ؛ وأمّا انّه من جهة الأصل العقلائي المحرز للوجود؟ أو من جهة أصالة الصحة؟

فالتحقيق : انّه مجرى لهما ، وانّ الاكراه غير الواصل إلى حدّ الاجبار ليس بمخل في تحقق قوام العقد عرفا وان اعتبر في صحته شرعا بمثل قوله علیه السلام : « لا يحلّ مال امرئ إلاّ بطيب نفسه » (1) ونحوه. ولكنه لو لا حجية أصالة الصحة أيضا لكان بناء العقلاء على عدم الحمل على الاكراه ، بل على الطيب كما لا يخفى.

ثم انّ المراد بمقومات الوجود : ما كان له دخل في العمل الذي يترتب الأثر عليه شرعا ؛ وبعبارة اخرى : في الموضوع الذي كان له عنوان عرفا بحيث ينتفي الوجود بدونه ، فكل ما اعتبر في ترتب الأثر بعد ذلك إنّما هو من الامور المعتبرة في ترتب الأثر شرعا.

ولا يشكل على الصحيحي : انّ جميع الاجزاء والشرائط كذلك ، حيث انّه كذلك في مقام التسمية واطلاق اللفظ حقيقة لا في مقام تحقق المأمور به وجودا ولو بالمسامحة العرفية ، كيف ووجود الجامع الذي يكون له فردان صحيح وفاسد - بحيث يصدق على كل منهما عرفا - معتبر في موضوع نزاع الصحيحي والأعمّي كما لا يخفى.

ثم انّ ما ذكرنا : من جريان أصالة الصحة فيما لو شك في الامور غير

ص: 550


1- وسائل الشيعة 3 : 424 الباب 3 من ابواب مكان المصلي ، عدة احاديث بهذا المعنى ؛ الكافي 7 : 273 كتاب الديات ، باب القتل ، الحديث 12.

المقومة للماهية عرفا ، لا فرق في كونها من جملة الأركان المعتبرة شرعا كالبلوغ ونحوه أو من غيرها كالشرط المفسد مثلا ، حيث انّ المناط أن يكون الشك في الصحة بعد احراز الوجود.

فما عن المحقق الثاني : (1) من التفصيل بين الأركان من مثل البلوغ ونحوه وغيره بالانكار في الأول دون الثاني فلا وجه له بعد اشتراك البلوغ مع غيره في عدم الاعتبار في التحقق وكون الشك فيه في الصحة ، ولذا جرت السيرة على الصحة في المعاملات الصادرة سابقا من المكلف لو شك في كونها قبل البلوغ أو بعده ، وكذا في معاملات غيره.

نعم لو كان المعدود من الأركان من جملة ما يعتبر في قوام البيع عقلا كالتميّز ، أو عرفا مثل المالية في المبيع فلا يبعد عدم جريان الأصل فيما لو شك في كون ما وقع عليه العقد حرا أو عبدا ، لعدم تحقق حقيقته العرفية على تقدير وقوعه على الحر. نعم لو كان المبيع مالا عرفا - وان لم يكن مالا شرعا - مثل الخمر لو شك في كون المبيع خمرا أو خلا فلا شك في اجراء أصالة الصحة فيه. وعلى أي حال فلا وجه لتفصيل المحقق [ الثاني ] في مثل البلوغ.

وأمّا ما في الفرائد قدس سره (2) من تصحيح كلامه فيما كان الفعل الصادر من شخص واحد شك في بلوغه وعدمه كالضمان فيما لم يكن بقبول من المضمون له ولا بحوالة من المضمون عنه فلا يجري الأصل لو شك في بلوغ الضامن ، لا فيما لو كان له طرف آخر كان بالغا يستلزم أصالة الصحة في فعله صحة فعل المشكوك في بلوغه.

ص: 551


1- جامع المقاصد 4 : 451 - 452.
2- فرائد الاصول 3 : 358 - 359.

فمدفوع بما سيجيء : من عدم حجية المثبت من أصالة الصحة وعدم اثبات أصل الصحة في شيء إلاّ الأثر الذي يترتب على نفس ذاك الشيء ، لا على المركب منه ومن غيره.

[ الامر ] الثالث : انّه يثبت بجريان أصالة الصحة في كل شيء كان مجرى لها من جهة الشك في الاخلال ببعض ما يعتبر فيه الآثار المترتبة عليه المرغوبة منه ، لا الآثار المترتبة على غيره والمرغوبة من غيره ، أو المترتبة على المركب منه ومن غيره. مثلا لو شك في صحة الايجاب ، يترتب بأصالة الصحة فيه أثره المترتب على نفسه وحده وهو كونه بحيث لو انضمّ إليه القبول لحصل منهما أثر العقد.

وبعبارة اخرى : الصحة التأهلية لا الفعلية المرتبة على المجموع ؛ فلو شك في الاتيان بالقبول لا يكفي في اثبات أثر العقد اجراء أصالة الصحة في الايجاب.

وكذا لو شك في تحقق القبض في المجلس في الصرف والسلم لا يثبت بأصالة الصحة في العقد الأثر المترتب على المجموع منه ومن القبض لو اعتبر القبض في الشرع جزء السبب المؤثر.

نعم لو اعتبر شرطا في تأثير العقد بحيث كان السبب التام المؤثر في النقل والانتقال هو العقد وحده ويكون القبض شرطا في تأثيره لا جزء السبب تجري أصالة الصحة في العقد ويترتب عليه النقل والانتقال وان كان الشك في القبض ، ولكن لا يثبت به عنوانه كي يجدي في الآثار المترتبة على خصوص عنوان القبض.

ومثل القبض في المجلس في الصرف قبض الموهوب في الهبة ، والتشاجر المنجرّ إلى الخراب في بيع الوقف ، والاجازة من المالك في بيع الفضولي ، لو شك

ص: 552

في تحقق كل من هذه الامور فانّه لا تجدي أصالة الصحة في العقد في الأثر المترتب على المجموع منه ومن واحد من هذه الامور على تقدير اعتباره جزء السبب المؤثر. نعم لا بأس باجرائها في المعاملة والمبايعة الصرفية أو البيع الوقفي مثلا حيث انّ القبض أو التشاجر مثلا وان اعتبرا خارجا عن العقد في عرضه ولكن كانا معتبرين في صحة المعاملة المركبة من العقد ومن سائر ما اعتبر جزء السبب.

وبعبارة اخرى : كانت المعاملة تمام السبب للنقل والانتقال فيشك في صحته من جهة الشك في الاتيان ببعض ما اعتبر فيها جزءا أو شرطا بشرط أن لا يكون مما يتقوم به عنوان المعاملة عرفا كالقبض في الصرف والتشاجر في الوقف ، لا كالايجاب أو القبول مثلا.

نعم لا تجري أصالة الصحة ولو في المعاملة فيما شك في الاجارة حيث انّه يجري الأصل فيما كان منشأ الشك في الصحة من فعل واحد من المتعاملين حتى يحرز بظهور كونهما في صدد المعاملة الاتيان بجميع ما اعتبر فيها ؛ وأمّا لو كان من فعل الغير كالاجارة مثلا فلا يحرز ذلك ولو بالظن النوعي ولم يكن عليه بناء العقلاء أيضا.

ثم انّ ما ذكره شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه في الفرائد : (1) من عدم جريان أصالة الصحة فيما كان أصل وضعه على الفساد كبيع الوقف مثلا فلا يخفى ما فيه ، حيث انّ المراد من وضعه على الفساد لو كان أصالة الفساد فيما شك في صحة المعاملات فلا يختصّ ذلك بخصوص الوقف ونحوه ، إذ الأصل الأولي في كل معاملة هو الفساد ، وإلاّ فليس فيه أصل ثانوي كان مبناه على الفساد غاية الأمر كان

ص: 553


1- فرائد الاصول 3 : 364.

الشرط في صحة المعاملة في الوقف مثلا أكثر من غيره. ومجرد ذلك لا يوجب الاختلاف في اجراء الأصل فيما أحرز جميع ما يتقوم به عنوانه وكان الشك في الامور المعتبرة شرعا في صحته.

ثم انّه قد ظهر مما ذكرنا : انّه لا تجري أصالة الصحة في كل من : إذن المرتهن ، ورجوعه ، وبيع الراهن فيما لو تحقق كل منها مع كون البيع والرجوع بعد الاذن ولكن مع الشك في تقدم واحد منهما على الآخر فانّه يشك حينئذ في وقوع البيع مع رضاء المرتهن وعدمه فلا يثبت بأصالة الصحة فيه كونه مع إذنه كما عرفت في الفضولي. نعم صحته بمعنى لو وقع برضا المرتهن او لحق عليه اجازته لكان صحيحا لا ضير فيه ولكنه لا يترتب عليه الأثر الفعلي للمعاملة ولا يثبت ذلك بأصالة الصحة في الاذن أيضا حيث انّ أثره المترتّب عليه بالأصل إنّما هو التأهل بمعنى انّه لو وقع بعد الاذن الصحيح بيع الراهن لكان مؤثّرا لا انّه يكون فعلا كذلك.

كما انّه لا يثبت بأصالة الصحة في الرجوع كون البيع فاسدا حيث انّ أثره الفساد التأهلي أيضا بمعنى انّه لو وقع بعده البيع لا قبله لكان فاسدا إلاّ انّه كذلك فعلا ، هذا.

مع انّه قد يشكل في أصل أصالة الصحة فيه لو شك في تقدمه على البيع أو تأخره عنه ، حيث انّه لا بدّ بعد اشتراط احراز العنوان في الأصل المذكور احراز امكان الاتصاف بالصحة أيضا ، غاية الأمر كان الشك في وقوعه بصفة الصحة الفعلية المرغوبة منه كما في اذن المرتهن ابتداء في البيع سواء وقع بعده البيع أم لا وأمّا الرجوع المذكور فليس كذلك ، حيث انّه لو كان واقعا بعد البيع المسبوق بالاذن فلا يمكن اتصافه بالصحة بل يكون لغوا محضا. نعم لو كان سابقا عليه فيكون ممكن الصحة باجتماع شرائطه الاخرى فهنا يكون الشك في امكان صحته ، فليس

ص: 554

مجرى للأصل المذكور ظاهرا.

نعم لو أحرز عدم وقوع البيع متقدما على الرجوع ولكن شك في سائر ما اعتبر فيه شرطا فلا بأس باجراء أصالة الصحة فيه لاثبات الصحة التأهلية ، ويترتب عليه الصحة الفعلية لو ثبت وقوع البيع بعده.

ثم انّ هذا كله في صحة موضوع الأثر في مقام العمل وترتيب الأثر بنفسه بلا ترافع وتشاجر في البين. وأمّا لو كان مرافعة ومشاجرة في البين فسيأتي حكمه من اجداء أصالة الصحة فيه وعدمه.

[ الامر ] الرابع : انّ الثابت بأصالة الصحة في كل فعل إنّما هو نفس صحته بآثاره الشرعية ، امّا ما يترتب من الأثر الشرعي على ما يلازمه أو ملزومه ومما يتوقف عليه الصحة فلا. مثلا يثبت بأصالة الصحة في الصلاة كونها تامة الاجزاء والشرائط بنحو يسقط الأمر ، وأمّا الحكم بوجود الطهارة فيما كان منشأ الشك هي الطهارة بحيث يحكم بصحة الصلاة وصحة كل ما يتوقف عليها فيما بعد فلا. كما انّه يحكم بصحة البيع ولو كان منشأ الشك هو بلوغ البائع ، دون ثبوت عنوان البلوغ كي يجدي في سائر الآثار المترتبة عليه.

وبناء على ذلك : فلو شك في صحة الشراء من جهة وقوعه على عين من جملة أموال البائع ، أو على الخمر ، فيحكم بصحته دون انتقال تلك العين منه إلى المشتري.

ووجه ما ذكرنا : اختصاص دليل أصالة الصحة بالنسبة إلى خصوص صحة المشكوك بآثاره الشرعية دون ما يتوقف عليه ذلك ولا آثاره الشرعية المترتبة عليه بلا فرق بين كونها من جملة الاصول التعبدية للاختلال وغيره ، أو من جملة الأمارات بناء على كون المدرك هو ظهور حال الفاعل. نعم لو وقعت المرافعة في

ص: 555

نفس الشرط فسنشير إليه ان شاء اللّه.

[ الامر ] الخامس : في بيان تقدم هذا الأصل على الاستصحاب.

فبالنسبة إلى أصالة الفساد فلا شبهة فيه :

أمّا الجاري في المسبب ، بأن يقال : الأصل عدم تحقق النقل والانتقال ، فلوروده أو حكومته عليه من جهة احراز موضوع السبب بواسطته ، فيرتفع الشك في المسبب به.

وأمّا الجاري في السبب ، بأن يقال : الأصل عدم تحققه ، فكذلك أيضا ، لكون الشك فيه ناشئا من الشك في اتيان الفعل على نحو الصحة فبإحرازه من جهة كون أصالة الصحة موضوعيا أيضا لا حكميا صرفا يرتفع الشك في الاتيان. مضافا إلى ما سنشير إليه في وجه تقدمه في صورة معارضته مع الاصول الموضوعية من اجراء أصالة العدم في منشأ الشك من أصالة عدم البلوغ ونحوه مما يشك في صحة العقد من جهة الشك فيه.

وهو ان يقال : انّ في البحث مقامان :

المقام الأول : في معاملة الشاك مع المشكوك الصحة معاملة الصحيح وترتيب آثار الصحة عليه في تكليفه بنفسه ، فنقول :

امّا بناء على كون أصالة الصحة من الأمارات مستندا فيها إلى ظهور حال الفاعل فلا اشكال في تقدمها على تلك الاصول الموضوعية ، لكونها من باب التعبد.

وامّا بناء على كونها من باب التعبد فتقدم عليها أيضا ، لوجهين :

أحدهما : انّه لو لم تقدم عليها لم يبق لأصالة الصحة مورد أصلا ، أو بقي فرد نادر ، حيث انّه ما من مورد يشك في صحة الفعل إلاّ ويكون شكه ناشئا من الشك

ص: 556

في تحقق أمر معتبر فيه يكون الأصل فيه عدمه فلو عمل بذاك الأصل لا بدّ أن يحكم على الفساد في جميع الموارد. نعم قد لا يكون منشأ الشك مجرى لأصل من الاصول ، كما لو شك في صحة العقد من جهة الشك في وقوعه في حال الاحرام أو الإحلال حيث انّه لا استصحاب في البين يعيّن عدم وقوعه حال الإحلال حتى يحكم بفساد العقد ، فلو اقتصر في أصالة الصحة على مثل هذا المورد يصير جعله كاللغو.

وثانيهما : انّه على تقدير اجراء الاصول الموضوعية لا يثبت بها فساد العقد إلاّ بالمثبت ، حيث انّه لو شك في صدور العقد من البالغ فلو أجرى أصالة عدم البلوغ في العاقد حال العقد ليثبت به انّ العقد صادر من غير البالغ وليس له أثر شرعي إلاّ أن يثبت به عدم صدور العقد من البالغ لأنّ الصحة مترتبة على عقد البالغ ، وعدمه يترتب على عدم ذاك العقد لا على صدور العقد من غير البالغ ، لأنّه ضد [ لعقد ] (1) البالغ ، وعدم الأثر يترتب شرعا على عدم الموضوع لا على ضده إلاّ بالملازمة العقلية ، فاثبات الأثر المهم في المقام المترتّب على عدم صدور العقد من البالغ لا يترتب على أصالة عدم البلوغ المثبت لكون العقد الصادر من غير البالغ إلاّ بالمثبت وهو ليس بحجة ، فلا يبقى في البين إلاّ أصالة عدم تحقق السبب وقد عرفت تقدم أصالة الصحة عليها.

فقد ظهر : انّه لا تعارض للاصول الموضوعية مع أصالة الصحة. نعم يترتب عليها كلها [ لعقد غير البالغ ] (2) مثلا من الآثار ، لا آثار عدم عقد البالغ كما عرفت.

ص: 557


1- في الاصل المخطوط ( للعقد ).
2- في الاصل المخطوط ( للعقد الغير البالغ ).

المقام الثاني : مقام المرافعة عند القاضي.

فان كان محطّها نفس صحة العقد المشكوك صدوره من البالغ وعدمه ، أو صحة المبايعة الصرفية المشكوك فيها القبض في المجلس ، أو صحة البيع الوقفي المشكوك صدوره مع التشاجر المنجرّ إلى الخراب مثلا إلى غير ذلك من الموارد ؛ فلا اشكال أيضا في العمل بأصالة الصحة وتقديم قول مدّعيها على مدّعي الفساد لكونه منكرا ، لمطابقة قوله لأصالة الصحة كما عرفت في غير مورد المرافعة.

وأمّا لو كان محطّها نفس منشأ الشك وهو وجود الشرط وعدمه ، كما لو قال البائع مثلا : « ما كنت بالغا عند العقد » مع كون غرضه اثبات فساد العقد فان كان تعيين المنكر بالأصل في الغرض على خلاف التحقيق لكان القول قول مدّعي البلوغ ، لمطابقة قوله لأصالة الصحة في الغرض المهم.

وان كان بالأصل في نفس محط النزاع كما هو التحقيق ، فيقدم قول منكر البلوغ بيمينه لأصالة عدم تحققه حال العقد فيحكم على طبقه.

فان قلت : لا أثر لأصالة عدم البلوغ إلاّ فساد العقد وقد عرفت تقدم أصالة الصحة عليها بالنسبة إلى هذا الأثر فلا تكون حجة حتى يقدم قول من كان قوله مطابقا لها.

قلت : انّ الأصل الموجب لتقديم قول المطابق لا يلزم أن يكون له أثر فعلي في مقام المرافعة بل يكفي أن يكون له اقتضاء الأثر.

فبعد الحكم يثبت بسبب حكم القاضي صدور العقد من غير البالغ ، فحكم بالفساد.

وان كان قبل الحكم ، يعمل على طبق اصالة الصحة في العقد ولو مع وقوع الدعوى في نفس الشرط لا في صحة البيع.

ص: 558

وهذا كاليد في الملكية فانّها أمارة لها لا على السبب :

فان كان محطّ الدعوى نفس الملكية فيقدم قول ذي اليد ، ليده.

وان كان محطّها هو وقوع البيع مثلا فيما لو اعترف بعدم السبب له إلاّ ذلك ، فيجمع بين العمل باليد قبل الحكم ويعامل مع ذي اليد معاملة الملكية ، وينتزع عنه المال بعده ، عملا بأصالة عدم وقوع البيع في مقام المرافعة ليحكم على طبقها حتى يترتب عليها الانتزاع بعد الحكم.

والحاصل : انّه لا منافاة :

بين العمل بأصالة الصحة لو وقعت المرافعة في نفس الصحة وكذا قبل الحكم لو وقعت في تحقق الشرط.

وبين العمل بأصالة عدم تحقق الشرط حينئذ لتعيين المنكر بها ليترتب عليها الحكم بالفساد ؛ وبعده يكون حكم القاضي بمنزلة البيّنة القائمة على عدم بلوغ العاقد حال العقد فينتزع المثمن عن المشتري والثمن عن البائع كما لا يخفى.

ولا فرق فيما ذكرنا بين وقوع النزاع في شرط المعاملة الصرفية أو الوقفية أو غيرهما مع جريان أصالة الصحة مطلقا في نفس المعاملة ، فلا بدّ أن لا يختلط المقامان كما اختلط في كلام شيخنا العلاّمة (1) أعلى اللّه مقامه.

هذا كله بناء على عدم حجية المثبت من أصالة الصحة كما هو التحقيق ؛ وإلاّ فيقدم قول من قوله مطابق لها مطلقا كما لا يخفى.

[ الامر ] السادس : انّك قد عرفت انّه لا بدّ في اجراء أصالة الصحة في الفعل الذي يكون موضوعا لأثر شرعي للحامل من احراز عنوانه عنده وكون شكه في تحقق أمر معتبر غير مخلّ فقدانه في العنوان عرفا وبدونه لا مجرى لأصالة الصحة

ص: 559


1- فرائد الاصول 3 : 363 - 364.

أصلا.

وحينئذ فإذا استؤجر شخص للصلاة عن الميت قضاء أو للتوضي على العاجز فيكون للفعل المنوب له بما هو كذلك [ استناد ] (1) إلى المنوب عنه بالتسبيب وإلى النائب بالمباشرة. ويكون الاستناد الأول متفرّعا على الثاني بما هو فعل النائب بالوصف العنواني ، لا في عرضه. ويكون لكل من الجهتين آثار شرعية ، منها :

حصول براءة الذمة عن الميت وسقوط التكليف بالقضاء عن الولي بالنسبة إلى الاستناد الأول.

واستحقاق الأجير الاجرة وجواز استئجاره ثانيا بناء على اشتراط براءة ذمة الأجير في صحة استيجاره ثانيا بالنسبة إلى الثاني.

فان احرز في فعل الأجير عنوان النيابة بأن احرز كونه بصدد الفعل الاستيجاري بقصد ابراء ذمة المنوب عنه وشك في اخلاله ببعض ما يعتبر في العمل مما لا يتقوم به العنوان ، فلا شك في اجراء أصالة الصحة وترتيب جميع ما كان له من الآثار الشرعية من الجهتين.

وان لم يحرز ذلك ، بأن لا يعلم كون الأجير في فعله بصدد الفعل الاستيجاري فلا يجري فيه أصالة الصحة ولا يترتب عليه الأثر الشرعي من الجهتين ، حيث انّ واحدا منهما متفرع على الآخر ، فبمجرد عدم احراز عنوان النيابة لا يحرز فعل النائب بما هو نائب فلا يحرز فعل المنوب عنه بالتسبيب. ولعله من جهة احراز كون الفاعل بصدد الفعل النيابتي اشترطوا عدالته حتى يقبل قوله في ذلك وبعد احراز العنوان تجري أصالة الصحة في سائر ما يعتبر فيه ، بخلافه في

ص: 560


1- في الاصل المخطوط ( استنادا ).

الفاسق فانّه لا يحرز في فعله أصل العنوان غالبا فيختلّ شرط اجراء الأصل في حقه. نعم لو علم كونه بصدد الفعل الاستيجاري أيضا فلا شك في اجراء أصالة الصحة في فعله وترتيب الأثر عليه من كل من الجهتين.

فما في كلام شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه من الفرق : (1)

بين فعله بما هو مستند إلى النائب بما هو نائب بترتيب آثار هذه الجهة.

وبين فعله بما هو فعل المنوب عنه بالتسبيب فلا يترتب عليه إلاّ مع احراز العدالة.

فلا وجه له ، حيث انّه لو احرز عنوان فعل النائب بالوصف فقد عرفت كفايته من الجهة الاخرى أيضا ، وإلاّ فلا يجدي في كل من الجهتين.

نعم لو لم يكن فعل الفاسق بعنوان النيابة كما في الصلاة على الميت فيسقط عن الغير بمجرد احراز الصلاة عليه واجراء أصالة الصحة وان لم يحرز كونه بصدد النيابة ، لكفاية فعله مطلقا في سقوط التكليف عن الغير في الواجبات الكفائية.

هذا كله في أصالة الصحة في الفعل.

وأمّا أصالة الصحة في القول :

فمن جهة الشك في كون صدوره من الفاعل مباحا أو حراما فلا اشكال في حمل فعل المسلم على الحسن من هذه الجهة.

وكذلك لو شك في صدوره منه بقصد المعنى أو صدر منه التلفظ بلا قصد المعنى فيحمل على صدوره منه مع قصده.

وكذلك لو شك في صدوره منه مع مطابقته لاعتقاده أو مخالفته له.

وأمّا لو شك في مطابقته للواقع فيبتني على حجية خبر الواحد ، ولا دليل

ص: 561


1- فرائد الاصول 3 : 368 - 369.

عليه بقول مطلق الاّ في بعض صوره وهو خبر العادل أو الموثق على الخلاف.

وامّا الاعتقاد :

فلو شك في وقوع المعتقد عليه بتقصير منه في مقدماته فيحمل على الحسن.

وأمّا لو شك في مطابقته للواقع فلا دليل عليه على نحو الاطلاق ، وإلاّ فيكون خبر الواحد حجة مطلقا كما لا يخفى ، وقد عرفت خلافه.

المقام الرابع : في تعارض القرعة مع الاستصحاب فنقول انّ موضوع القرعة في بعض أخبارها هو « المشكل » كما عن النبي صلی اللّه علیه و آله مرسلا : « القرعة لكل مشكل » وفي بعض أخبارها هو « المجهول » أو « المشتبه » كما في رواية اخرى : « لكل أمر مشتبه ». (1) وعن الفقيه (2) والتهذيب (3) عن الكاظم علیه السلام : « كل مجهول ففيه القرعة قلت انّ القرعة تخطى وتصيب فقال كلما حكم اللّه به فليس بمخطئ » (4) إلى غير ذلك [ من الروايات في القرعة ]. (5)

والتحقيق : تقديم الاستصحاب على [ القرعة ] (6) ، لوجوه ثلاثة :

الأول : انّ أخباره أخص من أخبارها فيقدم عليها ، حيث انّ أخباره تشمل خصوص المشكوك الذي كان له حالة سابقة مع كونه مما له واقع معيّن اشتبه ظاهرا واخبارها أعم منه من كل من الجهتين ، بمعنى انّ موضوعها مطلق

ص: 562


1- لم نعثر عليه في المصادر بهذا اللفظ ولا بلفظ « مشكل ».
2- من لا يحضره الفقيه 3 : 52 الباب 38 باب الحكم بالقرعة ، الحديث 174 / 2.
3- تهذيب الاحكام 6 : 240 الباب 90 ، باب البيّنتين يتقابلان ، الحديث 593 / 24.
4- وسائل الشيعة 18 : 189 باب 13 من ابواب كيفية الحكم ، باب الحكم بالقرعة ، الحديث 11.
5- في الاصل المخطوط ( من القرعة من الروايات ).
6- في الاصل المخطوط ( الاستصحاب ).

« المشكل » سواء كان له واقع معيّن أو لا وسواء كان له حالة سابقة أو لا ، فيكون أعم ، فيخصص.

لا يقال : ان اخبارها لا يشمل الأحكام إجماعا ، فيكون بينهما أعم من وجه.

لأنّا نقول : انّ المناط في ملاحظة النسبة هو الظهور الأولي لا ما كان حجة بعد التخصيص ، ولا اشكال في أعمية أخبار القرعة بحسب الظهور الابتدائي بل النسبة كذلك أيضا ولو لوحظ في أدلتها خصوص الأخبار المشتملة على « المشتبه » أو « المجهول » حيث انّها أعم من أن يكون لها حالة سابقة أم لا.

الثاني : انّ أخبار القرعة موهونة بكثرة التخصيص فيكون : امّا معلوم التخصيص اجمالا ، أو في معرض التخصيص ، فلا تعارض مع أخبار الاستصحاب ، ولهذا قيل : انّ العمل بها يحتاج إلى الجبر بعمل [ الاصحاب ] (1) بها في الموارد.

فان قلت : لا بدّ من سقوطها عن الاعتبار بمقتضى العلم الاجمالي أو المعرضية ولو مع عملهم فيكف يتخير به؟

قلت : الوجه انّه يخرج مورد عملهم عن طرف العلم الاجمالي وعن المعرضية فلا بأس بالعمل بها ، ولكن لا بدّ أن لا يكون موارد العمل في القلة بحد يلزم على الاقتصار عليها الاستهجان في عموم أخبار القرعة ، فيكشف ذلك عن معنى آخر مراد منها غير ظاهرها فتصير من هذه الجهة مجملة كما لا يبعد ذلك فيها.

الثالث : انّ موضوع أخبار القرعة « المشتبه » بجميع العناوين ؛ ويخرج عن

ص: 563


1- في الاصل المخطوط ( الاستصحاب ).

الاشتباه المطلق لو عمل بالاستصحاب في موردها ، حيث انّ ذاك المورد يكون بعنوان نقض اليقين السابق بالشك اللاحق معلوم الحرمة. وأمّا لو عكس الأمر فلا يكون اختيار القرعة موجبة لانتقاض الحالة السابقة لا وجدانا ولا تعبدا حيث انّ اخبارها حجة تعبدا لا من باب الكاشفية عن الواقع حتى تكون نظير الأمارات.

وبعبارة اخرى : أخبار القرعة كأخبار البراءة بالنسبة إلى الاستصحاب لا كالأمارات بالنسبة إليه ، وقد عرفت دوران الأمر فيهما بين التخصيص بتقديم البراءة أو التخصص بتقديم الاستصحاب ، وانّ الثاني مقدم على الأول بلا اشكال. وقد عرفت أيضا انّ هذه النسبة إنّما تكون سببا لترجيح الاستصحاب عليها وان كان أولا قبل لحاظ حكمهما موضوع كل منهما موجودا في البين.

وعلى أي حال فلا اشكال في تقدم الاستصحاب على القرعة.

ص: 564

الفهارس

اشارة

1 - فهرس الآيات الكريمة.................................................... 567

2 - فهرس الاحاديث الشريفة................................................ 571

3 - فهرس الاشعار والامثال ................................................. 581

4 - فهرس اسماء المعصومين.................................................. 583

5 - فهرس اصحاب الائمة والرواة عنهم والمعاصرين لهم....................... 585

6 - فهرس الاعلام.......................................................... 587

7 - فهرس الطوائف والجماعات............................................. 591

8 - فهرس الأزمنة والأمكنة.................................................. 594

9 - فهرس الكتب الواردة في الكتاب......................................... 595

10 - فهرس الاستبدال...................................................... 603

11 - فهرس مصادر التحقيق................................................. 613

12 - فهرس محتويات الجزء الثاني............................................ 629

ص: 565

ص: 566

1. فهرس الآيات

2 سورة البقرة

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ( الآية : 43 ) 1 / 555

أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ( الآية : 80 ) 2 / 66

قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ( الآية : 83 ) 2 / 541

إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ( الآية : 124 ) 1 / 130

لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( الآية : 124 ) 1 / 130

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ( الآية : 159 ) 2 / 126

فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ( الآية : 197 ) 2 / 344

حَتَّى يَطْهُرْنَ ( الآية : 222 ) 2 / 83

فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ ( الآية : 222 ) 1 / 199

وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَ ( الآية : 228 ) 2 / 124

لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ( الآية : 264 ) 2 / 308

وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ( الآية : 275 ) 2 / 246 ، 346 ، 355

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ( الآية : 286 ) 2 / 222

3 سورة آل عمران

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ( الآية : 97 ) 1 / 496 ؛ 2 / 455 ، 535

اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ( الآية : 102 ) 1 / 173 ؛ 2 / 249

ص: 567

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ( الآية : 133 ) 1 / 209

4 سورة النساء

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ( الآية : 79 ) 1 / 172

5 سورة المائدة

وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ( الآية : 23 ) 1 / 457

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( الآية : 2 ) 1 / 100 ؛ 2 / 349 ، 541

وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ( الآية : 2 ) 1/ 199

فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ ( الآية : 4 ) 1 / 544

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ( الآية : 6 ) 1 / 220 ، 307

6 سورة الانعام

أَقِيمُوا الصَّلاةَ ( الآية : 72 ) 1 / 79 ، 231

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ( الآية : 116 ) 2 / 136

وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ( الآية : 119 ) 2 / 225

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ( الآية : 145 ) 2 / 225

فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ( الآية : 149 ) 2 / 322

7 سورة الاعراف

أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ( الآية : 28 ) 24139

8 سورة الانفال

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ( الآية : 42 ) 2 / 224 ، 226

9 سورة التوبة

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ( الآية : 61 ) 2 / 129

وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ( الآية : 115 ) 2 / 224

فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ( الآية : 122 ) 2 / 122

10 سورة يونس

وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ( الآية : 36 ) 2 / 136

قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ( الآية : 59 ) 2 / 65

ص: 568

12 سورة يوسف

إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ( الآية : 2 ) 2 / 79

إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ( الآية : 53 ) 1 / 172

16 سورة النحل

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( الآية : 43 ) 2 / 127

17 سورة الاسراء

وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ( الآية : 15 ) 2 / 223 ، 226

لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( الآية : 36 ) 2 / 136

21 سورة الانبياء

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( الآية : 7 ) 2 / 127

22 سورة الحج

وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( الآية : 78 ) 2 / 49

24 سورة النور

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ( الآية : 63 ) 1 / 159

27 سورة النمل

وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ( الآية : 14 ) 2 / 481

29 سورة العنكبوت

وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ( الآية : 69 ) 2 / 203 ، 207 ، 486

30 سورة الروم

فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ( الآية : 30 ) 2 / 203

31 سورة لقمان

إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ( الآية : 18 ) 2 / 317

33 سورة الاحزاب

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ( الآية : 9 ) 1 / 500

36 سورة يس

إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( الآية : 82 ) 1 / 169

ص: 569

41 سورة فصلت

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ( الآية : 53 ) 2 / 203

42 سورة الشورى

أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( الآية : 53 ) 1 / 152

43 سورة الزخرف

إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ( الآية : 23 ) 2 / 136

47 سورة محمد

وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ( الآية : 33 ) 2 / 308

49 سورة الحجرات

إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ( الآية : 6 ) 2 / 111 ، 113 ، 152

اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ( الآية : 12 ) 2 / 541

51 سورة الذاريات

وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( الآية : 56 ) 2 / 201 ، 203

62 سورة الجمعة

فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا ( الآية : 10 ) 1 / 199

64 سورة التغابن

فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( الآية : 16 ) 2 / 249

65 سورة الطلاق

وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللّهُ ( الآية : 7 ) 2 / 221

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ( الآية : 7 ) 2 / 220

76 سورة الانسان

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ( الآية : 7 ) 1 / 484

97 سورة القدر

تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ( الآية : 4 ) 1 / 152

98 سورة البيّنة

وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ( الآية : 5 ) 2 / 456

ص: 570

2. فهرس الاحاديث

« أ »

أجمع لك السهو في كلمتين متى شككت فابن على الأكثر 2 / 397

إذا اتّهم أخاه انماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء 2 / 542

إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم 2 / 313 ، 318

إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء 2 / 528

إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم 2 / 131

إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم 2 / 400

اشتراكنا معه في الاسم وافتراقنا في المعنى 1 / 143

اشتركنا معه في الاسم وافترقنا في المسمى 1 / 143

أعربوا حديثنا فانّا قوم فصحاء 1 / 120

أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه ، وذلك الحجة البالغة 2 / 322

أفلا عملت بما علمت؟ 2 / 322

اكتب وبثّ علمك ... فانّه يأتي زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم 2 / 131

ألا اعلّمك شيئا اذا صنعته ثم ذكرت انّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء 2 / 397

اللّهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل 2 / 77

ص: 571

إنّ أفضل الاعمال أحمزها 1 / 278

انّ اللّه تعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء 2 / 77

انّ اللّه تعالى أولى بحسنات العبد منه وانّ العبد أولى بسيئاته منه 1 / 172

انّ اللّه كتب عليكم الحج 2 / 312

انّ ذلك ليس كاتيان ما حرم اللّه عزّ وجل من نكاح في عدة او اشباهه 1 / 421

ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة 2 / 395

انّ السنّة إذا قيست محق الدين 2 / 211

انّ شفاء العيّ السؤال 2 / 331

انّ الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه 1 / 174

ان كنت من الاشقياء فاجعلني من السعداء 1 / 173

ان لله تعالى علمين 1 / 518

انّ ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين 2/94

انما عصى سيده ولم يعص اللّه 1 / 421

إنّما يعرف القرآن من خوطب به 2/78

انّ الوضوء على الوضوء عشر حسنات 1 / 280

انّي قد جعلته قاضيا وحاكما عليكم 2 / 428

أيّ الاعمال افضل؟ فقال : أحمزها 1 / 278

أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ 2 / 376

« ب »

بمثل هذا فاشهد أودع 2/89

بني الاسلام على خمس : الصلاة ... الخ 1 / 81 ، 88

« ت »

تغسله ولا تعيد الصلاة 1 / 226

تمت صلاته ولا يعيد 1 / 551 ؛ 2 / 334 ، 336

تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته 2 / 395

التيمم أحد الطهورين 1 / 281

ص: 572

« ج »

جمعنا الاسم واختلف المعنى 1 / 143

« ح »

حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا 2 / 25 ، 66

حلال محمد حلال ابدا الى يوم القيامة 1 / 504

« خ »

خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك 2 / 131

خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر 2 / 101

خذ بما يقوله أعدلهما 2 / 101

« د »

دعي الصلاة أيام اقرائك 1 / 98 ؛ 2 / 137

« ذ »

ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما 1 / 420

« ر »

رفع عن امتي تسعة : الخطأ ... وما لا يعلمون ... الخ 1 / 224

رفع عن امتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ... 2 / 227

رفع عن امتي ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطئوا 2 / 230

رفع ... ما لا يعلمون 2/29

« ز »

الزكاة في الابل والبقر والغنم السائمة ... الخ 1 / 457

« ش »

الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه 1 / 174

« ص »

صم للرؤية وافطر للرؤية 2 / 402 ، 495

« ض »

ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه 2 / 542

ص: 573

« ط »

الطواف بالبيت صلاة 2 / 460

الطواف في البيت صلاة 2 / 500

« ع »

علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ اللّه وعلم علّمه أنبياءه وملائكته 1 / 518

العمري ثقة فما أدّى إليك عني فعني يؤدي 2 / 132

العمرى وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عني فعني يؤديان 2 / 132

« غ »

الغنم السائمة فيه زكاة 2 / 114

« ف »

فابن على الأكثر 2 / 215

فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء 2 / 376

فأصابه شك فليمض على يقينه 2 / 401

فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه 2 / 132

فانّا اذا حدثنا قلنا : قال اللّه 2 / 111

فان رجع ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حجتين وعمرتين 1 / 278

فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، قال لا 2 / 376 ، 494

فان فيه صلاة 2 / 460 ، 500

فانّ المجمع عليه لا ريب فيه 2 / 101

فان المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دسّ في كتب اصحاب أبي 2 / 111

فانّه على يقين من وضوئه 2 / 380 ، 381 ، 382

فانّ اليقين لا يدفع بالشك 2 / 401

فشككت في بعض ما سمى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوءه ، لا شيء عليك 2 / 530

الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى 1 / 119

الفعل ما دل على حركة المسمى 1 / 120

فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى 1 / 143

ص: 574

فللعوام أن يقلدوه 2 / 132

فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك 2 / 389

في الرجل يستحلف على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق 2 / 230

« ق »

قتلوه ، الاّ سألوا؟ ألاّ يمّموه؟ انّ شفاء العيّ السؤال 2 / 331

قتلوه قتلهم اللّه ، ألاّ سألوا ألاّ يمّموه 2 / 331

قتلوه قتلهم اللّه انما كان دواء العيّ السؤال 2 / 331

القرعة لكل مشكل 2 / 562

قضى رسول اللّه بالشفعة بين الشركاء ... قال لا ضرر ولا ضرار 2 / 339

قلت : شك في الركوع وقد سجد قال : يمضي على صلاته 2 / 528

« ك »

كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف 1 / 511 ؛ 2 / 109

كل شيء حلال حتى تعرف انّه حرام بعينه 2 / 269

كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه 2 / 529

كل شيء شككت فيه مما قد مضى 2 / 540 ، 541

كل شيء طاهر 1 / 224 ، 479

كل شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر 1 / 230 ؛ 2 / 47 ، 403

كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه 2 / 29 ، 269

كل شيء لك حلال حتى تعرف انّه حرام 1 / 495 ، 2 / 47 ، 245 ، 263 ، 268

كل شيء هو لك حلال حتى تعرف انّه حرام 1 / 224 ، 227

كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر 1 / 479 ؛ 2 / 47 ، 403

كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه 1 / 495 ؛ 2 / 30 ، 269

كل شيء مطلق حتى يرد فيه أمر ونهي 2 / 246

كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي 2 / 242

كل ماء طاهر إلاّ ما علمت انّه قذر 2 / 407

ص: 575

كل ما حكم اللّه به فليس بمخطئ 2 / 562

كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو 2 / 530

كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو 2 / 531 ، 534

كل مجهول ففيه القرعة 2 / 562

« ل »

لأنك كنت على يقين من طهارتك 2 / 389

لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض بالشك أبدا 1 / 226

لأنك كنت على يقين من الطهارة فشككت فيها 2 / 380

لا بيع إلاّ في ملك 2 / 427

لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة 2 / 310 ، 334

لا تقبلوا علينا الا ما وافق القرآن والسنة 2 / 111

لا تنقض اليقين إلاّ باليقين 2 / 370

لا تنقض اليقين بالشك 1 / 225 ؛ 2 / 165 ، 459 ، 494 ، 499 ، 511

لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر 2 / 494

لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله 2 / 524

لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين 1 / 174

لا ، حتى يستيقن انّه قد نام 2 / 494

لا صلاة إلاّ بطهور 1 / 461 ؛ 2 / 344

لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب 1 / 95 ؛ 2 / 344

لا صلاة لجار المسجد الاّ في المسجد 1 / 95 ؛ 2 / 344

لا ضرر ولا ضرار 2 / 339

لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 2 / 340

لا عتق الخ 2 / 427

لا يجلس هذا المجلس إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي 2/65

لا يحلّ مال امرئ إلاّ بطيب نفسه 2 / 550

لا ينقض اليقين ... الخ 1 / 225

ص: 576

لعن اللّه بني اميّة قاطبة 1 / 303 ، 481

لكل أمر مشتبه 2 / 562

لكن ينقضه بيقين آخر 2 / 511 ، 520

للوضوء بعد الطهور ... الخ 1 / 280

لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره ... ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه ... 2/25

لو لا أن أشق على امتي 1 / 159

لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست 2 / 139

« م »

المؤمن لا يتّهم أخاه 2 / 542

المؤمن لا يغش أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتهمه 2 / 542

المؤمنون عند شروطهم 1 / 100

الماء كله طاهر حتى تعلم انّه نجس 2 / 403

ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرام على الحلال 1 / 392

ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا 2 / 339 ، 342

ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الخمس 2 / 201

ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم 2 / 234

ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة 2 / 322

ما لا يدرك كله لا يترك كله 2 / 312 ، 316 ، 318

ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب اللّه 77/2

ما ورّثك اللّه من كتابه حرفا 2 / 77 ، 81

ما يفسده أكثر ممّا يصلحه 2 / 211

من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما 2 / 543

من أتى قبر الحسين ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة ... 1 / 278

من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به 2 / 252

من بلغه عن النبي شيء من الثواب فعمله 2 / 252

من بلغه عن النبي شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي 2 / 252

ص: 577

من بلغه من اللّه فضيلة فأخذ بها وعمل بها إيمانا باللّه ورجاء ثوابه 2 / 253

من بلغه من اللّه ففعله التماس ذلك الثواب اوتيه 2 / 253

من دان اللّه بغير سماع من صادق 2 / 25 ، 66

من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت 1 / 410

من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فانّ الشك لا ينقض اليقين 2 / 401

من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية 2 / 201 ، 204

الميسور لا يسقط بالمعسور 2 / 313 ، 314 ، 318

« ن »

الناس في سعة ما لم يعلموا 1 / 224

الناس مسلّطون ... الخ 2 / 349 ، 423

الناس معادن كمعادن الذهب والفضة 1 / 174

« ه- »

هلكت وأهلكت 2 / 112

هل كلف الناس بالمعرفة؟ قال لا ؛ على اللّه البيان 2 / 222

هم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم 2 / 429

هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك 2 / 531 ، 536 ، 540

« و»

واجعل اسمي في السعداء 1 / 173

وإذا لم يدر في ثلاث هو او في اربع وقد احرز الثلاث 2 / 397

والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى 1 / 119

والفعل ما دل على حركة المسمى 1 / 119

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم 2 / 131 ، 429

وان أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الاول 1 / 420

وان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني من السعداء 1 / 173

وان لم يشبهها فهو باطل 1 / 511

وانما تنقضه بيقين آخر 2 / 370 ، 524

ص: 578

وأيّ وضوء أنقى من الغسل 2 / 430

ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم 65/2

الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا 1 / 280

الوضوء على الوضوء نور على نور 2 / 430

الوضوء على الوضوء عشر حسنات 1 / 280

وقد صرت في حال اخرى في الصلاة ... لا شيء عليك 2 / 529

وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف 2 / 109

ولا تنقض اليقين أبدا بالشك 2 / 165 ، 378

ولا يعتد بالشك في حال من الحالات 2 / 397

ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر 2 / 397

ولكن تنقضه بيقين آخر 2 / 164

ولكن تنقضه بيقين مثله 2 / 525

ولكن ينقضه بيقين آخر 2 / 370 ، 380 ، 413

ولكنه ينقض الشك باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه 2 / 397

ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق 2 / 545

وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا 2 / 389 ، 394

وما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله 1 / 511

ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك 2 / 101

ويحك وما يؤمّنك أن أقول نعم ، لو قلت لوجبت ... 2 / 313

« ي »

يا أبا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك 2 / 129

يا اشباه الرجال ولا رجال 2 / 345

يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء 2 / 528

يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن 2 / 376 ، 377

يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك 2 / 542

يحل في المشكوك 1 / 227

ص: 579

يحلف بالنذر 1 / 484

يصدّق للمؤمنين 2 / 543

يقضي ما فاته كما فاته 1 / 410

اليقين لا يدخله الشك 2 / 495

اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وافطر للرؤية 2 / 402

ينظر الى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به 2 / 101

ص: 580

3. فهرس الاشعار والامثال

الاشعار

أيا جبلي نعمان باللّه خلّيا *** نسيم الصبا يخلص اليّ نسيمها

1 / 498

أيا شجر الخابور ما لك مورقا *** كأنك لم تجزع على ابن طريف

1 / 498

الجسم منه بكربلاء مضرّج *** والرأس منه على القناة يدار

1 / 500

لانّ معنى واحدا لا ينتزع *** مما لها توحّد ما لم يقع

1 / 87

هواي مع الركب اليمانين مصعد *** جنيب وجثماني بمكة موثق

1 / 182

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار

1 / 500

ص: 581

الامثال

جبان الكلب 2 / 133

ضيّق فم الركية 2 / 308

مهزول الفصل 2 / 133

ص: 582

4. فهرس اسماء المعصومين علیهم السلام

خاتم النبيين صلی اللّه علیه و آله ، رسول اللّه ، سيد المرسلين ، النبي ، نبينا

1 / 159 ، 169 ، 179 ، 195 ، 278 ، 461 ، 497 ، 498 ، 501 ، 503 514 ، 515 ، 518 2 / 60 ، 77 ، 90 ، 111 ، 112 ، 127 ، 129 ، 136 ، 137 ، 152 153 ، 199 ، 200 ، 201 ، 203 ، 206 ، 225 ، 226 ، 230 ، 231 252 ، 253 ، 256 ، 257 ، 264 ، 312 ، 331 ، 339 ، 340 ، 422 480 ، 487 ، 488 ، 543 ، 562

امير المؤمنين علیه السلام

1 / 174 2 / 77 ، 131 ، 132 ، 312 401 ، 542

الحسين علیه السلام

1/ 118 ، 262 ، 277 ، 278 ، 500 ، 548

الباقر علیه السلام

1 / 420 2 / 253 ، 339

الصادقين علیهماالسلام

1 / 75

ص: 583

الصادق علیه السلام

1 / 120 ، 172 2 / 77 ، 130 ، 132 ، 222 252 ، 331 ، 339 ، 401 ، 528 ، 542

الكاظم علیه السلام

2 / 562

الرضا علیه السلام

1 / 143 ، 2 / 230

الهادي علیه السلام

2 / 131

العسكري علیه السلام

2 / 139

الحجة علیه السلام ، المهدي

2 / 130 ، 201 ، 204

يوسف علیه السلام

1 / 172

موسى علیه السلام

2 / 487 ، 488

عيسى علیه السلام

2 / 487 ، 488

الإمام علیه السلام

2 / 231

الحجج علیهم السلام

2 / 77 ، 104

الولي علیه السلام

2 / 423

جبرئيل علیه السلام

1 / 518

الروح الامين علیه السلام

1 / 518

ص: 584

5. فهرس اصحاب الأئمة

« والرواة عنهم والمعاصرين لهم »

ابن ابي يعفور 2 / 529 ، 530 ، 531 ، 532

اسحاق بن يعقوب 2 / 131

ابن جابر 2 / 528 ، 529

اسماعيل بن جابر 2 / 528

ابن حنظلة 2 / 101

اسماعيل بن الصادق (عليه السلام) 2 / 130

ابن عباس 1 / 278

بشير بن حذلم 1 / 500

ابو الاسود الدؤلي 1 / 119

الجاثليق 2 / 487

ابو بصير 2 / 131

جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 / 253

ابو تمام 1 / 182

الحارثي 1 / 182

ابو حنيفة 1 / 395 ، 422 ، 424 ، 461 2 / 77 ، 81

الحذّاء 2 / 339

ابو عذافر 2 / 139

الحلبي 2 / 528

ابو القاسم بن روح 2 / 139

زرارة 1 / 420 2 / 101 ، 128 ، 131 ، 197 339 ، 376 ، 377 ، 388 ، 393 397 ، 398 ، 494 ، 528 ، 529

ابو هاشم 1 / 216 ، 378

احمد بن اسحاق 2 / 131

ص: 585

زرارة بن أعين 2 / 197

هشام بن سالم 2 / 252 ، 254

زرارة بن لطيفة 2 / 197

الوليد بن طريف 1 / 498

زكريا بن آدم 2 / 131

وليد بن عقبة 2 / 115 ، 116

زيد الشحام 2 / 78

سمرة 2 / 347 ، 352

سمرة بن جندب 2 / 339

سهل بن زياد 2 / 460 ، 500

شبيب بن انس 2 / 77

الشيباني ( محمد بن الحسن ) 1 / 422

الصدوق 1 / 143 ، 420 ، 479

صفوان 2 / 252

الفارعة بنت طريف بن الصلت 1 / 498

قتادة 2 / 78

قيس بن الملوح 1 / 498

عبد الأعلى 2 / 222

عثمان بن سعيد العمري 2 / 131 ، 132

عقبة بن خالد 2 / 339

علي بن محمد بن القاساني 2 / 402

مجنون ليلى 1 / 498

محمد بن عثمان العمري 2 / 131 ، 132

محمد بن مسلم 2 / 128 ، 131 ، 401

محمد بن الفضيل 2 / 542 ، 543

محمد بن مروان 2 / 252 ، 253

المغيرة 2 / 131

المغيرة بن سعيد 2 / 111

موسى بن بكير 1 / 420

ص: 586

6. فهرس الاعلام

الآخوند ، الاستاذ ، الاستاذ العلامة ، شيخنا الاستاذ ، المصنف1 / 25 ، 42 ، 44 ، 52 ، 53 ، 54 ، 76 101 ، 110 ، 119 ، 121 ، 131 ، 135 151 ، 158 ، 162 ، 171 ، 245 ، 254 255 ، 258 ، 295 ، 302 ، 313 ، 321 370 ، 393 ، 409 ، 431 ، 441 ، 442 528 2 / 8 ، 11 ، 13 ، 17 ، 19 ، 61 ، 119 120 ، 158 ، 173 ، 239 ، 240 ، 251 384 ، 396 ، 410 ، 436 ، 498 ، 511

ابن الحاجب ، الحاجبي 1 / 312 ، 427 2 / 145 ، 361 ، 497 ، 499

الآشتياني 2 / 485

ابن قبة 2 / 44 ، 60

ابن الاثير 1 / 278 2 / 340

ابن صاحب المعالم 1 / 177

ابن البراج 2 / 152

الاردبيلي 1 / 364 2 / 71 ، 94 ، 325

الاسترآبادي ( الرضي ) 1 / 529

الاسكافي 2 / 139

الاصفهاني 1 / 326 ، 330 ، 441

الاصفهاني ( الفشاركي ) 1 / 325

الأعرجي 1 / 313

البحراني 2 / 24

البهائي 1 / 313 ، 324 ، 335

بعض 1 / 171 ، 177

ص: 587

2 / 17 ، 176 ، 220 ، 401 ، 529

الروزدري 1 314 ، 325

بعض أعاظم العصر 1 / 37

السبزواري ( صاحب المنظومة ) 1 / 30 ، 87 2 / 426

بعض الأعاظم 2 / 120

السبزواري ( صاحب الذخيرة ) 1 / 313

بعض الافاضل 1 / 85

السكّاكي 1 / 200 ، 203

2 / 396

سلطان العلماء ، السلطان ، السيد السلطان 1 / 89 ، 177 ، 313 ، 316 ، 534 ، 536 549

بعض الاساطين 1 / 154 ، 155

السيد ، السيّد المرتضى ، علم الهدى ، المرتضى

بعض الاصحاب 1 / 53

/ 177 1،434 ، 543 ، 544 2 / 93 ، 94 ، 107 ، 111 ، 133 ، 134 135 ، 152 ، 397

بعض الاصوليين 1 / 429

السيد أبو المكارم 2 / 242 ، 276

بعض أهل النظر 1 / 265

السيد الصدر 2 / 24 ، 78

بعض السادة 2 / 487

السيد الطباطبائي 2 / 94 ، 149

بعض العلماء 2 / 91

السيد القزويني1 / 313

بعض الفضلاء السادة 2 / 485

السيد اليزدي 1 / 131

بعض الفضلاء المعاصرين 2 / 426

الشريف ، السيد الشريف ، المحقق الشريف 2 / 189

بعض المتأخرين 1 / 177

شريف العلماء 2/189

بعض المحققين 1 / 48

الشهيد الاول 2/94

بعض المعاصرين 1 / 36 ، 390

بعض اليهود 2 / 485

التفتازاني 1 / 130 ، 529

الجزائري 2 / 25

الحائري 1 / 326

الحكيم 1 / 441

خليل الميس 1 / 166

الخوانساري 1 / 313 ، 319

الدواني 1 / 313

الرازي 1 / 160 ، 216

الرضي الأسترآبادي 1 / 50

ص: 588

الشهيد الثاني 1 / 438

الشيخ الطوسي 1 / 177 2 / 93 ، 94 ، 111 ، 134 152 ، 206 ، 243 ، 360

2 / 491

الشيرازي ، السيد الشيرازي ، الميرزا الشيرازي 1 / 30 ، 254 ، 314 ، 325 2 / 161

الشيخ ، الشيخ الانصاري ، شيخنا العلاّمة ، شيخنا المرتضى العلامة ، الشيخ العلامة الانصاري 1 / 30 ، 35 ، 193 ، 195 ، 220 ، 264 258 ، 269 ، 271 ، 285 ، 377 ، 380 397 ، 419 ، 474 ، 475 ، 540 544 ، 555 2 / 8 ، 9 ، 11 ، 12 ، 13 ، 18 ، 24 ، 25 45 ، 46 ، 60 ، 62 ، 65 ، 69 ، 87 ، 105 107 ، 113 ، 118 ، 125 ، 128 ، 130 134 ، 139 ، 143 ، 148 ، 151 ، 155 159 ، 160 ، 161 ، 162 ، 173 ، 174 178 ، 186 ، 187 ، 189 ، 193 ، 194 195 ، 232 ، 233 ، 243 ، 249 ، 251 257 ، 266 ، 272 ، 274 ، 278 ، 281 288 ، 292 ، 294 ، 301 ، 309 321 ، 340 ، 344 ، 345 ، 346 348 ، 359 ، 360 ، 361 ، 365 375 ، 383 ، 384 ، 390 ، 397 427 ، 433 ، 438 ، 440 ، 453 465 ، 488 ، 495 ، 500 ، 501 503 ، 505 ، 511 ، 513 553 ، 559 ، 561

الشيرازي ( الشيخ محمد تقي ) 1 / 330

الشيخ الرئيس 2 / 45

صاحب التقريرات - الكلانتري

صاحب الذخيرة 1 / 180

صاحب الحاشية 1 / 325 2 / 25 ، 143 ، 167 ، 169 ، 174 ، 176

صاحب الفصول 1 / 136 ، 140 ، 154 203 ، 285 ، 325 ، 378 2 / 167 ، 169 ، 236

صاحب المدارك 1 / 180 ، 248 2 / 325 ، 326

صاحب المشارق 1 / 180

صاحب المعالم 1 / 177 ، 179 ، 239 287 ، 509

الطهراني 1 / 30

الطهراني ( آغا بزرگ ) 1 / 313

الطوسي - الشيخ الطوس

عبد الجبار 1 / 216

العراقي 1 / 326

العضدي ، الايجي ، عضد الدين ، شارح المختصر

ص: 589

1 / 312 ، 378 ، 422 ، 429 ، 461 ، 523 2 / 361 ، 497

1 / 242 ، 273

العلامة ، العلامة الحلي 1 / 216 ، 257 2 / 111 ، 134 ، 207

اللاهيجي 1 / 130

العميدي 1 / 177 ، 257 ، 258

المجلسي 1 / 410

الفاضل 1 / 87

المحقق الثاني 2 / 491 ، 551

الفاضل التوني 2 / 440

المحقق ، المحقق الحلي 2 / 22 ، 93 ، 94 ، 210 ، 547

الفاضل الجواد ، الفاضل الجواد الكاظمي 1 / 313

المحقق الخوانساري 2 / 30 ، 416

الفاضل النراقي 2 / 466 ، 489

المحقق الطوسي ( نصير الدين ) 2 / 426

فخر الدين 2 / 340

المحقق الكاظمي التستري 2 / 169

الفشاركي 1 / 325

محمد حمد اللّه 1 / 166

القمي 1 / 35 ، 113 ، 256 ، 369 ، 378 403 ، 503 2 / 30 ، 75 ، 93 ، 105 ، 177 ، 364 489 ، 497

المشكيني 1 / 143 ، 330 ، 441 ، 442

القوچاني ، المصنف 1 / 26 ، 36 ، 37 172 ، 330 ، 346 ، 371 ، 441 ، 442 2 / 94

المفيد 1 / 120 2 / 93 ، 94

كاشف الغطاء 1 / 325

المقرّم ( السيد عبد الرزاق ) 1 / 500

الكعبي 1 / 312

النائيني 1 / 325

الكلانتري ( الميرزا ابو القاسم )

النجفي المرعشي 1 / 257 ، 313 2 / 25 ، 105 ، 364

نجم الائمة 1 / 529

النراقي 2 / 446 ، 448 ، 449

النهاوندي 1/265

ص: 590

7. فهرس الطوائف والجماعات

الائمة 1 / 179 ، 195 ، 486 ، 501 ، 516 2 / 26 ، 79 ، 81 ، 141 ، 345

الأصحاب 2 / 102 ، 110 ، 133

الأجلاّء 1 / 180

349 ، 353 ، 354

الاحتلال الانگليزي 1 / 330

أصحاب الأئمة 2 / 79

الاخباري 2 / 218 ، 244

أصحاب الائمة العدول الموثقين 2 / 131

الأخباريين 2 / 16 ، 25 ، 26 ، 77 ، 107 ، 224 241 ، 243 ، 244 ، 246 ، 416

أصحاب المعصومين

الأديان السالفة 2 / 136

الاصولي 2 / 218 ، 244

الاشاعرة 1 / 30 ، 144 ، 145 ، 159 ، 160 ، 165 166 ، 167 ، 168 ، 324 ، 325 ، 498 2 / 145 ، 366

الاصوليون 1 / 77 ، 110 ، 111 ، 122 203 ، 216 ، 258 2 / 242 ، 246 ، 538

الاشراقيين 1 / 340

الأعلام 2 / 77

الاشعري 1 / 193 2 / 37 ، 48

الأكثر 1 / 546

2/37، 48

الامامية 2 / 263 ، 265

الامم السابقة 2/223، 224

ص: 591

الانبياء 1 / 168 ، 173 ، 519

28 ، 44 ، 45 ، 53 ، 56 ، 70 ، 71 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 82 ، 83 84 ، 86 ، 89 ، 96 ، 97 ، 104 ، 116 135 ، 136 ، 145 ، 146 ، 148 ، 166 172 ، 178 ، 179 ، 208 ، 209 ، 210 243 ، 255 256 ، 287 ، 292 ، 338 360 ، 362 ، 363 ، 370 ، 372 ، 375 379 ، 396 ، 420 ، 422 ، 423 ، 462 471 ، 480 ، 484 ، 494 ، 496 ، 499 544 ، 545 ، 546 ، 549 ، 550 ، 553

أهل الادب 1 / 161

العامة 2 / 200 ، 253 ، 340 ، 344 364 ، 398 ، 423

أهل الكتاب 2 / 485

العلماء 1 / 203 ، 207 2 / 84 ، 88 ، 116 ، 134 ، 135 ، 207

أهل اللغة 2 / 342

علماء الاسلام 2 / 486

أهل المعقول 1 / 139 ، 142

علماء الامّة 2 / 132

الأوائل 2 / 77

علماء العربية 1 / 50

أوصياء النبي 2 / 136

علماء اليهود 2 / 127 ، 132

البصريين 1 / 201

الفقهاء 2 / 37 ، 155 ، 359

بني فضّال 2 / 139

فقهاء الشيعة 2 / 132

الحكماء 1 / 250

القدماء 1 / 50 2 / 151 ، 340

الخاصة 2 / 398 ، 399

2/151، 340

الدولة الاموية 1 / 182

الكتابي 2 / 108 ، 110 ، 139

الدولة العباسية 1 / 182

الكفار 2 / 340

الراسخون 2 / 109

الكتابي 2 / 108 ، 110 ، 139

السفراء 2 / 131

الكفار 2 / 340

الشرائع الخالية 2 / 136

المتأخرين 2/340

الشرائع السابقة 2 / 137

شعراء الحماسة 1 / 182

الشيعة 2 / 111

طائفة من الامامية 2 / 241

عالم الدهر 1 / 255

عالم العقول 1 / 255

العدلية 1 / 252 ، 259 ، 324 2 / 48 ، 124 ، 145

العقلاء 1 / 157 ، 177 ، 178 ، 209 ، 277 489 ، 490 ، 492 2 /

ص: 592

المجتهدون 2 / 220

2/342

المخالفين 2 / 110

النحويين 1 / 500

المسلم 2 / 487

النواب 2 / 131

المسلمين 1 / 195 2 / 135 ، 206 ، 352 ، 485 ، 487 544 ، 545

المشّائين 1 / 340

المشايخ 2 / 152

المشركين 2 / 136

المشهور 1 / 26 ، 28 ، 30 ، 39 ، 41 ، 42 47 ، 49 ، 53 ، 59 ، 90 ، 154 ، 233 236 ، 262 ، 312 ، 316 ، 318 ، 319 452 ، 525 ، 526 ، 527 ، 535 ، 539 542 ، 543 ، 547 ، 549 ، 551 2 / 11 ، 43 ، 46 ، 84 ، 92 ، 102 104 ، 123 ، 209 ، 240 ، 252 ، 257 289 ، 324 ، 326 ، 327 ، 328 ، 329 330 ، 331 ، 334 ، 336 ، 337 ، 345 346 ، 433 ، 462

المعتزلة 1 / 30 ، 159 ، 166 ، 168

المعصوم 2 / 24 ، 25 ، 91 ، 106 134 ، 152 ، 183 ، 544 ، 545

المقلدين 2 / 207

المنافقين 2 / 206

المنطقي 1 / 28

اللغويين 1 / 500 2 / 342

ص: 593

8. فهرس الازمنة والامكنة

اصفهان 1 / 30

بلاد الإسلام 2 / 486

ثورة العشرين 1 / 330

ذي الكفل 2 / 485

العراق 1 / 30 ، 330 2 / 485

غزوة بدر 2 / 225

قم 1 / 313 2 / 105 ، 364

المدينة 1 / 500

مقتل الحسين علیه السلام 1 / 118

مكة 1 / 182

النجف 1 / 30 2 / 401

يوم الذبح 2 / 30

يوم عاشوراء 1 / 371

ص: 594

9. فهرس الكتب

القرآن الكريم

اقبال الاعمال 1 / 173

الاتقان 1 / 30

الأمالي ( للطوسي ) 2 / 322

أجود التقريرات 1 / 313

الأمالي ( للمفيد ) 2 / 322

الاحتجاج 2 / 487

الانتصار 2 / 397

الاحكام في اصول الاحكام 1 / 30 ، 216 ، 312 2 / 37

الانوار النعمانية 2 / 25

اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) 2 / 111

ايضاح الفوائد 2 / 340

الارشاد 2 / 401

الباب الحادي عشر 2 / 207

اساس الاقتباس 2 / 426

بحار الانوار 1 / 119 ، 174 ، 224 ، 280 392 ، 410 ، 511 ، 551 2 / 77 ، 110 ، 131 ، 312 ، 313 ، 322 349 ، 401 ، 423

الاستبصار 2 / 460 ، 500

بحر الفوائد 1 / 37 2 / 120 ، 149 ، 485

الأسفار - الحكمة المتعالية الاشارات والتنبيهات 2 / 45

بدائع الافكار 1 / 313

الاعلام 1 / 182 ، 498

البرهان 1 / 378

ص: 595

تاريخ بغداد 2 / 253

حاشية المشكيني 1 / 298 ، 330

تذكرة الفقهاء 2 / 340

حاشية المكاسب ( للشيرازي ) 1 / 330

تشريح الاصول 1 / 265

حاشية المكاسب ( لليزدي ) 1 / 250

التعليقة ، تعليقة الاستاذ - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد

الحدائق الناظرة 2 / 16 ، 24 ، 25 ، 152

تعليقة القوچاني 1 / 298

حقائق الاصول 1 / 441

تفسير الصافي 2 / 322 ، 543

الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة 1 / 81 ، 88 ، 280

تفسير العسكري علیه السلام 2 / 132

الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة 1 / 81 ، 88 ، 280

تفسير العياشي 2 / 543

2 / 226 ، 401 ، 542

التقريب والارشاد الصغير 1 / 73 ، 76

الخلاف 1 / 544 2 / 94 ، 349 ، 360 ، 423

تقريرات المجدد الشيرازي 1 / 314 ، 325

الخلاف ( للمرتضى ) 2 / 94

التقرير والتحبير 1 / 33

دراسات في علم الاصول 1 / 313

تمهيد القواعد 1 / 438

درر الفوائد ( للحائري ) 1 / 314

تهذيب الاحكام 1 / 95 ، 98 ، 278 ، 410 479 ، 484 2 / 16 ، 25 ، 47 ، 114 ، 164 370 ، 389 ، 393 ، 403 ، 413 530 ، 562

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد ، حاشية فرائد الاصول ، الفوائد ، فوائدنا ، التعليقة ، تعليقة الاستاذ 1 / 227 2 / 8 ، 11 ، 13 ، 17 ، 52 ، 61 ، 62 ، 119 120 ، 158 ، 239 ، 251 ، 384 ، 396 410 ، 465

تهذيب الاصول ( للعلامة ) 1 / 257

الدرر النجفية 2 / 16 ، 25

التوحيد 1 / 143 ، 172 ، 174 2 / 226

دعائم الاسلام 1 / 81 ، 88 ، 95 ، 457 2 / 344

جامع الشواهد 1 / 498

ديوان الحماسة 1 / 182

جامع المقاصد 2 / 491 ، 551

ذخيرة المعاد 1 / 180

حاشية سلطان العلماء ، حاشية السلطان 1 / 177 ، 316 ، 534 ، 536 ، 549

حاشية القوچاني - تعليقة القوچاني

ص: 596

الذريعة الى اصول الشريعة

شرح الكافية 1 / 50

1 / 177 ، 208 ، 434 2 / 107 ، 111 ، 133 ، 152

شرح المختصر ، شرح مختصر ابن الحاجب ، شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب

ذكرى الشيعة 2 / 94

1 / 312 ، 378 ، 422 ، 429 ، 461 ، 523 2 / 145 ، 361 ، 497 ، 499

الرسائل ( عدة من العلماء ) 1 / 313

شرح المختصر ( للتفتازاني ) 1 / 529

الرسائل الاصولية 2 / 416

شرح المطالع 1 / 130

الرسائل التسع 2 / 93 ، 94

شرح المقاصد 1 / 30 ، 130 2 / 37 ، 48

الرسائل الفشاركية 1 / 325

شرح المنظومة 1 / 87 2 / 45 ، 426

رسائل فقهية 2 / 159 ، 340

شرح المواقف 1 / 30 ، 130 2 / 37 ، 48

رسائل المرتضى

شرح الوافية 2 / 24 ، 78

2 / 111 ، 107 ، 134 ، 152

شوارق الالهام 2 / 426

الرسائل المصرية 2 / 93

صحيح مسلم 2 / 344

رسالة الخلل 1 / 330

ضوابط الاصول 2 / 189 ، 496

رسالة صلاة الجمعة 1 / 330

العدة ، عدة الاصول 1 / 177 2 / 91 ، 93 ، 152 ، 152 ، 207 ، 242 243 ، 360

رسالة في قاعدة نفي الضرر 2 / 340

عدة الداعي 2 / 253

رسالة في نفي مقدمة الواجب 1 / 313

عوالي اللآلي 1 / 97 ، 457 2 / 101 ، 131 ، 312 ، 340 ، 344 ، 349 360 ، 423 ، 460 ، 500

زبدة الاصول 1 / 324 2 / 361

العدة ، عدة الاصول 1 / 177 2 / 91 ، 93 ، 152 ، 152 ، 207 ، 242 243 ، 360

السرائر 1 / 441 2 / 152

عيون اخبار الرضا 2 / 487

سنن البيهقي 2 / 344

سنن الدارمي 2 / 460 ، 500

سنن النسائي 2 / 460 ، 500

شرائع الاسلام 2 / 547

شرح تنقيح الفصول 1 / 395 ، 422

شرح التهذيب ( الكبير ) 2 / 25

ص: 597

غاية المأمول في شرح زبدة الاصول ( مخطوط )

الفرق بين الماهية والوجود 1 / 30

1 / 313 2 / 361

الفصول الغروية ، الفصول 1 / 30 ، 35 ، 136 ، 137 ، 139 ، 140 141 ، 145 ، 151 ، 153 ، 154 ، 155 198 ، 199 ، 200 ، 203 ، 206 ، 208 255 ، 257 ، 258 ، 285 ، 325 ، 341 361 ، 362 ، 378 ، 384 ، 388 ، 431 527 ، 532 2 / 18 ، 105 ، 167 ، 169 236 ، 337 ، 496

غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام ( مخطوط ) 2 / 16 ، 25

الفصول المختارة 1 / 120

غنية النزوع 2 / 152 ، 242 ، 277

فوائد الاصول ( تقريرات النائيني ، للكاظمي )

فرائد الاصول ، الفرائد ، الرسائل 1 / 35 ، 37 ، 193 ، 195 ، 196 2 / 8 ، 9 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 ، 18 24 ، 25 ، 44 ، 45 ، 46 ، 52 ، 60 ، 61 62 ، 65 ، 69 ، 72 ، 79 ، 81 ، 87 93 ، 94 ، 102 ، 105 ، 107 ، 113 114 ، 118 ، 120 ، 121 ، 122 ، 125 128 ، 130 ، 134 ، 139 ، 140 ، 142 143 ، 148 ، 151 ، 153 ، 155 ، 159 160 ، 161 ، 162 ، 163 ، 173 ، 174 178 ، 181 ، 183 ، 186 ، 187 ، 189 190 ، 193 ، 194 ، 195 ، 218 ، 221 223 ، 232 ، 233 ، 235 ، 236 ، 243 249 ، 251 ، 257 ، 266 ، 272 ، 274 278 ، 281 ، 288 ، 289 ، 292 ، 294 301 ، 309 ، 321 ، 344 ، 348 ، 359 361 ، 362 ، 365 ، 369 ، 375 ، 383 384 ، 390 ، 397 ، 407 ، 427 ، 433 438 ، 440 ، 449 ، 453 ، 465 ، 482 488 ، 489 ، 495 ، 499 ، 500 ، 502 503 ، 505 ، 511 ، 513 ، 551 ، 553 559 ، 561

1 / 312 ، 325 2 / 161 ، 426

فوائد الاصول ، الفوائد ، فوائدنا 1 / 227 ، 254 ، 255 ، 270 ، 409

الفوائد المدنية 2 / 16 ، 25

فواتح الرحموت 1 / 216

القاموس المحيط 2 / 384

القوانين المحكمة 1 / 35 ، 113 ، 256 369 ، 403 ، 503 2 / 30 ، 75 ، 105 ، 177

ص: 598

364 ، 489 ، 497

الكافي 1 / 81 ، 88 ، 98 ، 143 ، 170 172 ، 174 ، 225 ، 281 322 ، 504 ، 511 ، 518 /2 / 65 ، 77 ، 78 ، 129 ، 131 132 ، 201 ، 204 ، 222 530 ، 542 ، 550

162 ، 168 ، 176 ، 181 ، 184 ، 189 190 ، 191 ، 196 ، 197 ، 200 ، 202 203 ، 204 ، 207 ، 208 ، 211 ، 212 213 ، 215 ، 216 ، 217 ، 218 ، 218 219 ، 220 ، 222 ، 233 ، 234 ، 235 236 ، 237 ، 238 ، 239 ، 241 ، 245 246 ، 247 ، 249 ، 256 ، 258 ، 263 264 ، 265 ، 268 ، 269 ، 270 ، 271 273 ، 275 ، 279 ، 283 ، 284 ، 285 286 ، 290 ، 291 ، 292 ، 294 ، 296 297 ، 298 ، 299 ، 300 ، 301 ، 302 303 ، 304 ، 305 ، 306 ، 307 ، 310 311 ، 314 ، 320 ، 321 ، 322 ، 323 325 ، 335 ، 336 ، 337 ، 338 ، 341 342 ، 344 ، 346 ، 348 ، 349 ، 350 351 ، 355 ، 357 ، 358 ، 361 ، 362 363 ، 364 ، 366 ، 368 ، 369 ، 370 371 ، 372 ، 373 ، 374 ، 375 ، 377 385 ، 386 ، 387 ، 388 ، 389 ، 390 391 ، 392 ، 393 ، 394 ، 395 ، 396 398 ، 399 ، 400 ، 401 ، 404 ، 409 411 ، 412 ، 413 ، 414 ، 417 ، 420 422 ، 427 ، 429 ، 431 ، 434 ، 435 436 ، 438 ، 439 ، 440 ، 441 ، 442 446 ، 447 ، 449 ، 454 ، 458 ، 459 460 ، 461 ، 463 ، 464 ، 465 ، 469

الكافية 1 / 529

الكرام البررة 1 / 313

كشف الغطاء 1 / 325 2 / 337

كشف القناع 2 / 169

كشف المراد 2 / 426

كفاية الاصول 1 / 25 ، 39 ، 40 ، 41 ، 43 ، 47 ، 49 55 ، 57 ، 58 ، 61 ، 62 ، 63 ، 65 ، 66 68 ، 69 ، 71 ، 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 77 ، 78 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 89 ، 91 92 ، 93 ، 96 ، 97 ، 98 ، 99 ، 101 103 ، 107 ، 108 ، 109 ، 110 ، 112 113 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117 ، 118 119 ، 120 ، 121 ، 122 ، 123 ، 124 125 ، 126 ، 127 ، 128 ، 129 ، 131 133 ، 134 ، 136 ، 137 ، 138 ، 140 142 ، 145 ، 146 ، 147 ، 151 ، 153 154 ، 155 ، 156 ، 158 ، 159 ، 160

ص: 599

471 ، 473 ، 476 ، 481 ، 483 ، 486 487 ، 488 ، 491 ، 492 ، 501 ، 502 505 ، 506 ، 508 ، 509 ، 511 ، 514 515 ، 516 ، 517 ، 518 ، 523 ، 524 527 ، 528 ، 529 ، 530 ، 533 ، 534 537 ، 538 ، 540 ، 541 ، 542 ، 544 545 ، 554 ، 555 ، 557 2 / 7 ، 12 ، 14 ، 17 ، 19 ، 26 31 ، 43 ، 158 ، 173 ، 251 ، 498 ، 511

المسائل التبانيات 2 / 107

الكنى والالقاب 1 / 257

مسائل الناصريات 1 / 543

گوهر مراد 1 / 130

مسالك الافهام الى آيات الاحكام 1 / 313

لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار 1 / 130

مسالك الافهام الى تنقيح شرائع الاسلام 2 / 123 ، 491

مبادئ الوصول الى علم الاصول 2 / 111

1 / 216

المستدرك للحاكم 1 / 95 ، 224 ، 392 ، 479 2 / 101 ، 344 ، 360 ، 401

المبسوط 1 / 397 ، 419 ، 544

المستصفي 2 / 344

مجمع البيان 2 / 152

المستدرك للحاكم / 95 ، 224 ، 392 ، 479 2 / 101 ، 344 ، 360 ، 401

مجمع الفائدة والبرهان 1 / 364 2 / 325

المستصفى 2 / 344

محجة العلماء 1 / 30

مشارق الشموس1 / 180 ، 313 2 / 30 ، 416

المحصول ( الأعرجي ) 1 / 313

المصباح المنير 2 / 341

المحصول ( الرازي ) 1 / 30 ، 160 ، 165 ، 168 ، 216 2 / 37

مطارح الانظار ، التقريرات

مدارك الاحكام 1 / 248

2 / 547

1 / 220 ، 239 ، 241 ، 249 ، 270 273 ، 281 ، 285 ، 312 ، 313 ، 319 336 ، 339 ، 364 ، 376 ، 378 ، 380 381 ، 403 ، 416 ، 422 ، 436 ، 438 446 ، 474 ، 490 ، 506 ، 535 ، 536 538 ، 540 ، 546 ، 549 ، 555 ، 558

معارج الاصول 1 / 177

معالم الدين ، المعالم 1 / 112 ، 179 ، 237 ، 238 ، 239 ، 316 439 ، 509 ، 523 ، 534 ، 536 ، 549

ص: 600

2 / 94 ، 107 ، 123 ، 124 ، 135 ، 152

منية اللبيب في شرح التهذيب 1 / 257

المعتبر في شرح المختصر

الموافقات 1 / 33

2 / 22 ، 210 ، 512

نقباء البشر 1 / 313

المعتمد 1 / 166 ، 378

نهاية الافكار 2 / 161

المعجم الكبير 2 / 460 ، 500

نهاية الدراية 1 / 36 ، 330 ، 441

مغني اللبيب 1 / 498

النهاية في غريب الحديث والاثر 1 / 278 2 / 340 ، 341

مفاتيح الاصول 2 / 152 ، 361

نهاية الوصول الى علم الاصول 2 / 111 ، 134

المفردات في غريب القرآن 2 / 77

نهج البلاغة 2 / 345

مقابس الانوار 2 / 169

هداية الابرار 2 / 152

مقتل الحسين 1 / 500

هداية المسترشدين

المكاسب 2 / 340 ، 344 ، 345 ، 346

1 / 49 ، 177 ، 240 ، 439

2 / 25 ، 143 ، 167 ، 174

مناقب آل ابي طالب 1 / 119

الوافي ( للمحقق الاعرجي ) 1 / 313

مناهج الاحكام

الوافية 2 / 142 ، 152 ، 440 ، 496

2 / 152 ، 446 ، 489 ، 496

ودائع النبوة 1 / 30

منتهى الوصول والامل

وسائل الشيعة 1 / 98 ، 224 ، 228 ، 278 461 ، 479 ، 511 2 / 25 ، 26 ، 29 ، 47 ، 65 ، 77 ، 78 ، 81 89 ، 94 ، 101 ، 109 ، 112 ، 129 ، 131 132 ، 137 ، 139 ، 152 ، 164 ، 165 201 ، 204 ، 211 ، 215 ، 227 ، 230 234 ، 242 ، 245 ، 246 ، 252 ، 253 255 ، 268 ، 269 ، 310 ، 322 ، 331

1 / 216 ، 312 ، 395 ، 422 ، 427 2 / 145

المنخول 1 / 30 ، 312 ، 378 2 / 37

المنظومة ، شرح المنظومة ، غرر الفرائد

1 / 30 2 / 426

المنظومة الرضاعية 1 / 330

من لا يحضره الفقيه

1 / 281 ، 420 ، 495 ، 551 2 / 246 ، 430 ، 528 ، 562

ص: 601

334 ، 335 ، 336 ، 339 ، 340 ، 342 344 ، 360 ، 370 ، 376 ، 380 ، 382 389 ، 397 ، 400 ، 401 ، 402 ، 403 407 ، 427 ، 429 ، 430 ، 460 ، 494 495 ، 500 ، 524 ، 528 ، 530 ، 531 534 ، 542 ، 543 ، 545 ، 550 ، 562

ص: 602

10. فهرس الاستبدال

الصورة

ص: 603

الصورة

ص: 604

الصورة

ص: 605

الصورة

ص: 606

الصورة

ص: 607

الصورة

ص: 608

الصورة

ص: 609

الصورة

ص: 610

الصورة

ص: 611

الصورة

ص: 612

11. مصادر التحقيق

1 - القرآن الكريم

( أ )

2 - أجود التقريرات : للخوئي ، السيد ابو القاسم بن السيد علي اكبر المتوفى 1413 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق ونشر مؤسسة صاحب الامر ( عج ) قم 1419 ه ق.

3 - الاحتجاج : للطبرسي ، الفضل بن الحسن امين الاسلام المتوفى 548 ه ق ، تحقيق السيد محمد باقر الخرسان ، طبعة بيروت 1403 ، جزءان في مجلد واحد ؛ وطبعة قم ( اسوة ) في مجلدين 1413 ، تحقيق ابراهيم بهادري ومحمد هادي به.

4 - الإحكام في اصول الاحكام : للآمدي ، علي بن ابي علي المتوفى 631 ه ق ، 4 أجزاء في مجلدين ، بتحقيق ابراهيم العجوز ، نشر دار الكتب العلمية بيروت 1405 ه ق 1985 م.

5 - اختيار معرفة الرجال ، المعروف ب- ( رجال الكشي ) : للشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن المتوفى 460 ه ق ، مجلدان ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم 1404 ه ق.

6 - الارشاد : للشيخ المفيد المتوفى 413 ه ق ، طبعة النجف وطبعة مؤسسة آل البيت قم 1413 ه ق.

ص: 613

7 - اساس الاقتباس ( فارسي ) : للطوسي ، الخواجه نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن المتوفى 672 ه ق ، بتصحيح مدرس رضوي ، نشر جامعة طهران 1367 ه ش.

8 - الاستبصار : للشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن شيخ الطائفة المتوفى 460 ، 4 مجلدات ، تحقيق السيد حسن الخرسان ، طبعة طهران 1390 ه ق ، وهي تصوير عن طبعة النجف 1375 ه ق.

9 - الاشارات والتنبيهات : لابن سينا ، الشيخ الرئيس الحسين بن عبد اللّه بن سينا المتوفى 427 ه ق ، 3 مجلدات ، عليه شرحان : الاول : لنصير الدين الطوسي المتوفى 672 ه ق ، والثاني : لقطب الدين الرازي المتوفى 776 ه ق ، طبعة ايران 1403 ، وهي صورة عن الطبعة الاولى في 1377 ه ق.

10 - الأعلام : للزركلي ، خير الدين المتوفى 1408 ه ق ، 8 مجلدات ، الطبعة السادسة دار العلم للملايين بيروت 1984 م.

11 - إقبال الأعمال : لابن طاوس ، السيد رضي الدين علي بن موسى المتوفى 664 ه ق ، تحقيق حسين الأعلمي ، نشر دار الحجة قم 1418 ه ق.

12 - الامالي : للشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن المتوفى 460 ه ق ، مجلدان ، طبعة النجف 1384 ه ق 1964 م.

13 - الامالي : للشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه ق ، تحقيق علي اكبر الغفاري ، طبعة جماعة المدرسين 1403 ه ق.

14 - الانتصار : للسيد المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي المتوفى 436 ه ق ، تحقيق السيد محمد رضا الخرسان ، طبعة النجف 1391 ه ق 1971 م ؛ وطبعة جماعة المدرسين بقم 1415 ه ق.

15 - ايضاح الفوائد : لفخر المحققين ، محمد بن الحسن الحلي المتوفى 771 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق جماعة من الاساتذة ، الطبعة الاولى 1388 ه ق ايران.

( ب )

16 - الباب الحادي عشر : للعلامة الحلي المتوفى 726 ه ق ، ومعه شرحيه مفتاح

ص: 614

الباب والنافع في يوم الحشر ، تحقيق مهدي محقق ، الطبعة الخامسة ، انتشارات آستان قدس ايران مشهد 1376 ه ش.

17 - بحار الأنوار ( الجامعة لدرر الأئمة الأطهار ) : للمجلسي ، العلامة محمد باقر بن محمد تقي المتوفى 1111 ه ق ، 110 مجلدات ، طبعة إيران المكتبة الاسلامية طهران 1406 ه ق.

18 - بحر الفوائد : للآشتياني ، الميرزا محمد حسن المتوفى 1319 ه ق ، حجري 1315 ه ق طهران.

19 - بدائع الأفكار : للرشتي ، الشيخ حبيب اللّه المتوفى 1312 ه ق ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم ، تصوير عن الطبعة الحجرية الايرانية المطبوعة في 1313 ه ق.

20 - البرهان في اصول الفقه : للجويني ( الشافعي الاشعري ) المتوفى 478 ه ق ، جزءين ، تحقيق عبد العظيم محمود الديب ، الطبعة الثالثة 1412 ه ق ، 1992 م دار الوفاء ، الدوحة قطر.

( ت )

21 - تاريخ بغداد : للخطيب البغدادي المتوفى 463 ه ق ، 22 مجلد مع فهارسه وملحقاته ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

22 - تذكرة الفقهاء : للعلامة الحلي المتوفى 726 ه ق ، طبع منه 14 مجلد ، تحقيق مؤسسة آل البيت ، قم ايران 1414 - 1425.

23 - تشريح الاصول : للنهاوندي ، المولى علي بن فتح اللّه المتوفى 1322 ه ق ، حجري طهران 1316 ه ق.

24 - تعليقة القوچاني ( على كفاية الاصول ) : للقوچاني ، المولى الشيخ علي بن قاسم المتوفى 1333 ه ق ، مطبوعة بهامش كفاية الاصول الحجرية المطبوعة في سنة 1341 ه ق.

25 - تفسير الصافي : للفيض الكاشاني ، محمد بن المرتضى المتوفى 1091 ه ق ، طبعة بيروت 1402 ه ق.

26 - تفسير العياشي : للعياشي ، محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي

ص: 615

المتوفى ( اواخر القرن الثالث أو اواخر الرابع ه ق ) ، تحقيق السيد هاشم الرسولي ، طهران.

27 - التفسير المنسوب الى الامام العسكري علیه السلام : الامام العسكري علیه السلام ، تحقيق مدرسة الامام المهدي علیه السلام قم 1409 ه ق.

28 - التقريب والارشاد ( الصغير ) : للباقلاني ( الاشعري ) ، القاضي ابو بكر المتوفى 403 ه ق ، 3 أجزاء ، تحقيق عبد الحميد ابو زنيد ، الطبعة الثانية ، مؤسسة الرسالة 1418 ه ق 1998 م.

29 - تقريرات المجدّد الشيرازي : للروزدري ، المولى علي المتوفى 1290 ، وهو تقرير دروس الميرزا الشيرازي السيد محمد حسن ( صاحب فتوى التنباك ) المتوفى 1312 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام ، قم 1409 ه ق.

30 - التقرير والتحبير : لابن امير الحاج الحنفي ، المتوفى 879 ه ق ، مجلدين ، الطبعة القديمة المطبوعة بمصر 1316 ه ق والطبعة الجديدة من منشورات دار الفكر بيروت 1996 م بتحقيق مكتب البحوث والدراسات.

31 - تمهيد القواعد : للشهيد الثاني ، زين الدين الجبعي العاملي الشهيد في 965 ه ق تحقيق ( عباس تبريزيان ) مؤسسة الاعلام الاسلامي فرع خراسان ، طبعة قم 1416 ه ق.

32 - تهذيب الأحكام ( في شرح المقنعة ) : للطوسي ، شيخ الطائفة محمد بن الحسن المتوفى 460 ه ق ، 10 مجلدات ، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة 1365 ه ش نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران.

33 - التوحيد : للصدوق ، محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفى 381 ه ق ، تحقيق علي اكبر الغفّاري ، 1398 ه ق ايران.

( ج )

34 - جامع الشواهد : للشريف الاردكاني ، محمد باقر ( المعاصر لصاحب الجواهر المتوفى 1266 ه ق ) ، 3 مجلدات ، وهو تلخيص كتابه الآخر المسمى ب- ( الشواهد الكبرى ) ، انتشارات فيروزآبادي قم 1420 ه ق ، والنسخة صورة عن نسخة محمود المير هندي.

35 - جامع المقاصد في شرح القواعد : للمحقق الثاني ، الشيخ علي بن الحسين

ص: 616

الكركي المتوفى 940 ه ق ، 14 مجلد ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت قم 1414.

( ح )

36 - حاشية السلطان على معالم الدين : لسلطان العلماء ، السيد حسين بن الميرزا رفيع المتوفى 1064 ه ق ، حجري مطبوع في ذيل شرح المعالم للمولى محمد صالح المازندراني منشورات مكتبة الداوري قم ؛ وهو صورة عن طبعة طهران الحجرية في 1278 ه ق. وتبدأ حاشية السلطان من صفحة 258 الى 341 ( آخر الكتاب ).

37 - حاشية المشكيني على كفاية الاصول : للمشكيني ، الشيخ ابي الحسن المتوفى 1358 ، الطبعة الحجرية بخط طاهر خوشنويس 1363 في مجلدين ؛ والطبعة الحديثة في 5 مجلدات ، بتحقيق سامي الخفاجي من انتشارات لقمان ، قم 1413 ه ق.

38 - حاشية المكاسب لليزدي : لليزدي ، السيد محمد كاظم الطباطبائي المتوفّى 1337 ه ق ، طبع مؤسسة اسماعيليان قم 1378 ه ش ، وهي صورة عن المطبوع حجريا سنة 1316 ه ق.

39 - الحدائق الناظرة : للمحدث البحراني ، الشيخ يوسف بن احمد المتوفى 1186 ه ق ، 25 مجلد ، نشر جماعة المدرسين بقم ، طبع الجزء الاخير منه 1409 ه ق.

40 - حقائق الأصول : للحكيم ، السيد محسن المتوفى 1390 ه ق ، مجلدين ، من منشورات مكتبة بصيرتي قم 1408 ه ق ؛ وهي صورة عن طبعة النجف.

41 - الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة ( الاسفار ) : للشيرازي ، صدر الدين محمد المعروف بصدر المتألهين المتوفى 1050 ه ق ، 9 مجلدات ، طبعة ايران.

( خ )

42 - الخصال : للصدوق ، محمد بن علي بن بابويه المتوفى 381 ه ق ، جزءين في مجلد واحد ، صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري ، من منشورات جماعة المدرسين في قم 1403 ه ق.

43 - الخلاف : للطوسي ، محمد بن الحسن شيخ الطائفة المتوفى 460 ه ق ، طبعة

ص: 617

طهران في مجلدين سنة 1382 ؛ وطبعة جماعة المدرسين في قم سنة 1407 ، 1417 ه ق في 6 مجلدات.

( د )

44 - دراسات في علم الاصول : للسيد علي الهاشمي الشاهرودي ، 4 مجلدات ، تقرير ابحاث السيد الخوئي ، نشر مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي قم 1419 ه ق.

45 - درر الفوائد : للحائري ، الشيخ عبد الكريم المتوفى 1355 ه ق ، جزءين في مجلد واحد ، تحقيق الشيخ محمد المؤمن ، من منشورات جماعة المدرسين في قم 1418 ه ق الطبعة السادسة.

46 - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : للمحقق الخراساني ، الآخوند الشيخ محمد كاظم المتوفى 1329 ، نشر وزارة الثقافة والارشاد الايرانية 1410 ه ق ؛ وقد طبع معها في نفس المجلد الحاشية القديمة على فرائد الاصول للآخوند. والطبعة الحجرية منه المسماة ب- ( حاشية كتاب فرائد الاصول ) منشورات بصيرتي ، قم ، وهي صورة عن طبعة ايران الحجرية في 1315 ه ق.

47 - الدرر النجفية : للمحدث البحراني ، صاحب الحدائق الشيخ يوسف بن احمد المتوفى 1186 ه ق ، حجري 1380 ه ق.

48 - دعائم الإسلام : لأبي حنيفة المغربي ، القاضي النعمان بن محمد التميمي المتوفى 363 ه ق ، مجلدين ، طبعة دار المعارف ، القاهرة 1383 ه ق ، 1963.

( ذ )

49 - ذخيرة المعاد : للسبزواري ، محمد باقر المتوفى 1090 ه ق ، حجري ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام ، قم ، إيران.

50 - الذريعة إلى أصول الشريعة : للمرتضى ، السيد علي بن الحسين الموسوي المتوفى 436 ه ق ، مجلدين ، تحقيق أبو القاسم الگرجي ، نشر جامعة طهران 1346 ه ش.

51 - ذكرى الشيعة : للشهيد الاول ، محمد بن مكي العاملي الشهيد في 786 ه ق ،

ص: 618

4 مجلدات ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم 1419 ه ق.

( ر )

52 - الرسائل : جماعة من العلماء ، يشتمل على ستة عشر رسالة ، طبع بمناسبة مؤتمر المحقق الخوانساري في 1378 ه ش ، اعداد رضا الاستادي.

53 - الرسائل الاصولية : للوحيد البهبهاني ، محمد باقر بن محمد اكمل المتوفى 1205 ه ق.

54 - الرسائل التسع : للمحقق الحلي ، جعفر بن الحسن المتوفى 676 ه ق ، تحقيق رضا الاستادي ، نشر مكتبة المرعشي قم 1413 ه ق.

55 - رسائل الشريف المرتضى : للسيد المرتضى علم الهدى ، علي بن الحسين الموسوي المتوفى 436 ه ق ، 4 مجلدات باسم : المجموعة الاولى ، الثانية ، الثالثة ، الرابعة ، إعداد مهدي رجائي ، نشر دار القرآن الكريم ، قم ، طبع الرابع منه في 1410 ه ق.

56 - الرسائل الفشاركية : للفشاركي ، السيد محمد الاصفهاني المتوفى 1316 ه ق ، تحقيق ونشر جماعة المدرسين ، الطبعة الثانية 1421 ه ق.

57 - رسائل فقهية : هو المجلد 23 من مجموعة مؤلفات الشيخ الانصاري ، قم 1414.

( ز )

58 - زبدة الأصول : للبهائي ، محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي المتوفى 1031 ه ق ، طبعة حجرية بالمقياس الجيبي مطبوعة في 1319 ه ق ايران ؛ وطبعة حديثة بتحقيق فارس الحسون ، نشر مدرسة ولي العصر ( عج ) في 1423 ه ق.

( س )

59 - السرائر : لابن إدريس ، ابي جعفر محمد بن منصور بن احمد بن ادريس الحلي المتوفى 598 ه ق ، ثلاث مجلدات ، تحقيق ونشر جماعة المدرّسين بقم 1410 ه ق.

60 - سنن الدارمي : للدارمي ، عبد اللّه بن بهرام المتوفى 255 ه ق ، طبعة دار الفكر

ص: 619

القاهرة 1398 ه ق ، 1978.

61 - السنن الكبرى : للبيهقي ، احمد بن الحسين المتوفى 458 ه ق ، طبعة دار المعرفة بيروت.

62 - سنن النسائي : للنسائي ، احمد بن شعيب المتوفى 303 ، 8 مجلدات ، الطبعة الاولى ، دار الفكر بيروت 1348 ه ق 1930 م.

( ش )

63 - شرائع الاسلام : للمحقق الحلي ، المتوفى 676 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق عبد الحسين محمد علي ، طبعة النجف 1389 ه ق.

64 - شرح تنقيح الفصول ( في اختصار المحصول في الاصول ) : للقرافي ، احمد بن ادريس المالكي المتوفى 684 ه ق ، تحقيق طه عبد الرءوف سعد ، الطبعة الثانية ، 1414 ه ق نشر المكتبة الازهرية للتراث ، القاهرة.

65 - شرح العضدي على مختصر المنتهى : للعضدي ، القاضي عضد الدين الايجي المتوفى 756 ه ق ، جزءين في مجلد واحد ، طبعة اسلامبول 1310 ه ق.

66 - شرح الكافية : للرضي ، نجم الأئمة الأسترآبادي المتوفى 686 ، مجلدان ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 ه ق.

67 - شرح المختصر : للتفتازاني ، سعد الدين مسعود المتوفى 793 ه ق ، انتشارات علامة ، قم 1368 ه ش.

68 - شرح المطالع ( لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار ) : للرازي : قطب الدين المتوفى 766 ه ق ، وعليه حاشية للسيد مير شريف الجرجاني المتوفى 812 ه ق ، حجري طبعة طهران 1294 ه ق.

69 - شرح المقاصد : للتفتازاني ، سعد الدين مسعود المتوفى 793 ه ق ، 5 أجزاء تحقيق عبد الرحمن عميرة ، منشورات الشريف الرضي قم 1409 ه ق.

70 - شرح المنظومة : للسبزواري ، الحكيم الشيخ هادي المتوفى 1289 ه ق ، الطبعة الحجرية 1298 ه ق طهران ؛ والطبعة الحديثة ، جزءان في ثلاث مجلدات ، شرح وتعليق

ص: 620

الاستاذ حسن زاده آملي ، نشر ناب ، طهران 1413 ه ق.

71 - شرح المواقف : للشريف ، السيد علي بن محمد الجرجاني المتوفى 812 ه ق ، 8 أجزاء في اربعة مجلدات ، طبعة مصر 1325 ه ق ، 1907 م.

72 - شرح الوافية : للقمي ، السيد صدر الدين المتوفى بين 1160 و 1170 ه ق ، من مخطوطات مكتبة السيد المرعشي في قم تحت رقم 4162.

73 - شوارق الالهام : للاهيجي ، المولى عبد الرزاق المتوفى 1072 ، الطبعة الحجرية ايران 1280 ه ق ، والطبعة الحديثة قم 1425 ه ق بتحقيق اكبر اسد علي زاده.

(ص)

74 - صحيح مسلم : مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى 261 ه ق ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، طبعة دار إحياء الكتب العربية ( عيسى البابي الحلبي ) مصر ، الطبعة الاولى 1374 هق ، 1955 م.

( ض )

75 - ضوابط الاصول : للقزويني ، السيد ابراهيم المتوفى 1262 ، تقرير دروس شريف العلماء ، حجري مطبوع في ايران 1275 ه ق.

(ع)

76 - عدّة الأصول : للطوسي ، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن المتوفى 460 ه ق ، مجلدان ، تحقيق محمد رضا الانصاري ، طبعة قم 1417 ه ق.

77 - عدة الداعي ونجاح الساعي : لابن فهد الحلي المتوفى 841 ه ق ، تحقيق احمد الموحدي القمي ، دار الكتاب الاسلامي 1407 ه ق.

78 - عوالي ( غوالي ) اللآلي العزيزية : للأحسائي ، ابن أبي جمهور ( المتوفى بعد 901 ه ق ) ، 4 مجلدات ، تحقيق مجتبى العراقي ، طبعة قم 1403 ه ق.

79 - عيون اخبار الرضا (عليه السلام) : للصدوق ، محمد بن علي بن بابويه المتوفى 381

ص: 621

ه- ق ، مجلدان ، تحقيق الشيخ حسين الاعلمي ، طبعة بيروت الاولى 1404 ه ق ، وطبعة ايران 1378 ه ق ، انتشارات جهان ، مجلدان ، تحقيق السيد مهدي اللاجوردي.

( غ )

80 - غاية المأمول في شرح زبدة الاصول : للفاضل الجواد ، الشيخ جواد بن سعد اللّه الكاظمي ( المتوفى اواسط القرن الحادي عشر ) ، مخطوط موجود في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم 10495.

81 - غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام : للجزائري ، السيد نعمة اللّه المتوفى 1112 ؛ من مخطوطات مكتبة السيد المرعشي في قم برقم 2690 ، يحتوي على 282 ورقة و 563 صفحة.

82 - غنية النزوع : لابي المكارم ، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المتوفى 585 ، مجلدان ، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري ، نشر مؤسسة الامام الصادق (عليه السلام) قم 1418.

( ف )

83 - فرائد الأصول : للأنصاري ، الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الدزفولي المتوفى 1281 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق لجنة ، نشر مجمع الفكر الاسلامي ، قم 1419 ه ق.

84 - الفصول الغروية : للأصفهاني ، الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم الطهراني الحائري المتوفى 1250 ه ق ، الطبعة الحجرية 1266 ه ق.

85 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن : للمفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري المتوفى 413 ه ق ، منشورات الداوري قم 1396 ه ق.

86 - الفوائد ( فوائد الاصول ) ( فوائدنا ) : للآخوند الخراساني المتوفى 1329 ه ق مطبوعة في ذيل حاشيته على فرائد الأصول ، المطبوع حجريا في ايران 1315 ه ق ، والطبعة الحديثة 1407 ه ق وزارة الارشاد الاسلامي الايرانية.

87 - فوائد الاصول : للكاظمي ، الشيخ محمد علي الخراساني المتوفى 1365 ه ق تقرير دروس النائيني ، 4 أجزاء في ثلاث مجلدات ، تحقيق ونشر جماعة المدرسين في قم

ص: 622

1404 ه ق.

88 - فواتح الرحموت : للأنصاري ، عبد العلي محمد بن نظام الدين المتوفى 1225 ه ق ، مجلدان ، مطبوع بذيل المستصفى للغزالي في بولاق مصر 1322 ه ق.

89 - الفوائد المدنية : للاسترآبادي ، المولى المحدّث محمد امين المتوفى 1033 ه ق ، تحقيق ونشر جماعة المدرسين في قم ، الطبعة الثانية 1426. وبذيله : الشواهد المكية ، للعاملي السيد نور الدين المتوفى 1062.

( ق )

90 - القاموس المحيط : للفيروزآبادي ، مجد الدين محمد بن يعقوب المتوفى 817 ه ق ، 4 مجلدات ، الطبعة الاولى المصححة والمحققة لدار احياء التراث العربي.

91 - القوانين المحكمة ( قوانين الأصول ) : للقمي ، الميرزا ابي القاسم بن محمد حسن المتوفى 1231 ه ق ، مجلدان ، الطبعة الحجرية بطهران 1303 ه ق.

( ك )

92 - الكافي : للكليني ، محمد بن يعقوب الرازي المتوفى ( 328 ، 329 ه ق ) ، 8 مجلدات ، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري ، نشر دار الكتب الاسلامية طهران ، الطبعة الثالثة 1388 ه ق.

93 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء : لكاشف الغطاء ، الشيخ جعفر الجناجي المتوفى 1228 ه ق ، الطبعة الحجرية ايران ، والطبعة الحديثة في 4 مجلدات ، نشر مكتب الاعلام الاسلامي قم 1422 ه ق.

94 - كشف القناع : للتستري ، الشيخ اسد اللّه بن اسماعيل المعروف بالمحقق الكاظمي المتوفى 1234 ه ق ، حجرى مطبوع في ايران 1317 ه ق.

95 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ( شرح التجريد ) : للعلامة الحلي ، الحسن بن يوسف بن المطهر المتوفى 726 ه ق ، تصحيح وتعليق الاستاذ حسن زاده آملي ، نشر جماعة المدرسين بقم 1407 ه ق.

ص: 623

96 - كفاية الأصول للآخوند الخراساني ، الشيخ محمد كاظم المتوفى 1329 ه ق ، الطبعة الحجرية بخط طاهر خوشنويس في مجلدين المطبوع في طهران 1363 ه ق ، ؛ والطبعة الحديثة بتحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السلام في قم 1409 ه ق ؛ والطبعة الحديثة بتحقيق جماعة المدرسين في قم 1420 ه ق.

97 - الكنى والألقاب : للقمي ، الشيخ عباس بن محمد رضا المتوفى 1359 ه ق ، 3 مجلدات ، طبعة طهران 1409 ه ق وهي صورة عن طبعة النجف.

( گ )

98 - گوهر مراد ( فارسي ) : للاّهيجي ، المولى عبد الرزاق المتوفى 1051 أو 1072 ه ق ، نشر وزارت فرهنگ وارشاد اسلامي ، طهران 1372 ه ش.

( م )

99 - مبادئ الوصول الى علم الأصول : للعلاّمة ، الحسن بن يوسف الحلّي المتوفى 726 ه ق ، تحقيق عبد الحسين البقال ، طبعة النجف 1390 ه ق.

100 - المبسوط : للطوسي ، شيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن المتوفى 460 ه ق ، 8 مجلدات ، تصحيح وتعليق محمد تقي الكشفي ، نشر المكتبة المرتضوية مشهد ، طبع المطبعة الحيدرية طهران 1387 ه ق.

101 - مجمع البيان في تفسير القرآن : للطبرسي ، الفضل بن الحسن امين الاسلام المتوفى 548 ه ق ، 10 أجزاء في 5 مجلدات ، طبعة ايران 1380 ه ق.

102 - مجمع الفائدة والبرهان : للأردبيلي ، احمد بن محمد المعروف بالمقدس الأردبيلي المتوفى 993 ه ق ، 14 مجلد ، طبعة جماعة المدرسين في قم 1403 ه ق.

103 - محجة العلماء : للطهراني ، هادي بن محمد امين المتوفى 1321 ه ق ، مجلدان ، طبعة حجرية في 1318 ه ق.

104 - المحصول : للرازي ، فخر الدين المتوفى 606 ه ق ، 4 مجلدات ، بتحقيق عادل احمد عبد الموجود وعلي محمد معوض ، نشر مكتبة الباز 1420 ه ق السعودية.

ص: 624

105 - مدارك الأحكام : للعاملي ، السيد محمد بن علي الموسوي المتوفى 1009 ه ق ، 8 مجلدات ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت 1410 ه ق.

106 - مسائل الناصريات : للمرتضى ، علي بن الحسين الموسوي علم الهدى المتوفى 436 ه ق ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية 1417 ه ق ، 1997 طهران.

107 - مسالك الافهام الى آيات الاحكام : للفاضل الجواد الكاظمي المتوفى اواسط القرن 11 الهجري ، 3 أجزاء في مجلدين ، تحقيق محمد باقر شريف زاده ومحمد باقر البهبودي ، المكتبة المرتضوية طهران 1387 ه ق.

108 - مسالك الافهام الى تنقيح شرائع الاسلام : للشهيد الثاني ، زين الدين بن علي المستشهد 965 ه ق ، 15 مجلد ، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الاسلامية قم 1413 الى 1419 ه ق

109 - مستدرك الحاكم : للحاكم النيسابوري ، محمد بن محمد المتوفى 405 ، 4 مجلدات ، تحقيق يوسف المرعشلي ، دار المعرفة بيروت 1406 ه ق.

110 - مستدرك الوسائل : للنوري ، الميرزا حسين الطبرسي المعروف بالمحدّث النوري المتوفى 1320 ه ق ، 27 مجلد ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم ، الطبعة الاولى 1408 ه ق.

111 - المستصفى من علم الاصول : للغزالي ، ابو حامد المتوفى 505 ه ق ، مكتب التحقيق بدار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى بيروت 1418 ه ق 1997 م.

112 - مسند احمد : لاحمد بن حنبل المتوفى 241 ه ق ، الطبعة الثانية ، بيروت المكتبة الاسلامية 1398 ه ق ، 1978 م.

113 - مشارق الشموس : للخوانساري ، المحقق حسين بن جمال الدين المتوفى 1099 ه ق ، حجري ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم.

114 - المصباح المنير : للفيومي ، احمد بن محمد بن علي المتوفى 770 ، دار الهجرة قم ايران 1405 ه ق.

115 - مطارح الأنظار أو ( التقريرات ) : للكلانتري ، أبي القاسم بن محمد علي الطهراني

ص: 625

المتوفى 1292 ه ق ، تقرير ابحاث الشيخ الانصاري ، الطبعة الحجرية 1308 ه ق طهران ، والطبعة الحديثة في مجلدين ، تحقيق ونشر مجمع الفكر الاسلامي قم 1425.

116 - معارج الأصول : للمحقق الحلي ، جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي المتوفى 676 ه ق ، بتحقيق محمد حسين الرضوي ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام ، قم 1403 ه ق.

117 - معالم الدين وملاذ المجتهدين : للعاملي ، جمال الدين الحسن بن الشهيد الثاني المتوفى 1011 ه ق ، الطبعة الحجرية سنة 1300 ه ق طهران ؛ وطبعة جماعة المدرسين الحديثة قم 1406 ه ق.

118 - المعتبر في شرح المختصر : للمحقق الحلي ، جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي المتوفى 676 ه ق ، مجلدان ، تحقيق لجنة ، نشر مؤسسة سيد الشهداء علیه السلام قم 1364 ه ش.

119 - المعتمد : للبصري ، ابي الحسين محمد بن علي بن الطيب المعتزلي المتوفى 436 ه ق ، مجلدان ، تحقيق محمد حميد اللّه ، نشر المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية دمشق 1384 ه ق 1964 م ؛ وطبعة دار الكتب العلمية بيروت 1403 ه ق 1983 م بتحقيق خليل الميس.

120 - المعجم الكبير : للطبراني ، سليمان بن احمد المتوفى 360 ه ق ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية.

121 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : لابن هشام ، عبد اللّه الأنصاري المصري المتوفى 761 ه ق ، مجلدان ، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد اللّه ومراجعة سعيد الافغاني ، الطبعة الخامسة.

122 - مفاتيح الاصول : للطباطبائي ، السيد محمد المجاهد المتوفى 1242 ه ق ، حجري 1229 ه ق ايران.

123 - المفردات في غريب القرآن : للراغب الاصفهاني ، الحسين بن محمد المتوفى 502 ، الطبعة الاولى مصر 1324 ه ق.

124 - مقتل الحسين علیه السلام : للمقرّم ، السيد عبد الرزاق المتوفى 1391 ه ق ، نشر المكتبة الحيدرية ، قم 1423 ه ق.

ص: 626

125 - المكاسب : للشيخ الانصاري ، مرتضى بن محمد امين المتوفى 1281 ه ق ، طبعة تبريز الحجرية بخط طاهر خوشنويس 1375 ه ق ، والطبعة الحديثة 6 مجلدات ، الطبعة الخامسة ، مجمع الفكر الاسلامي 1424 ه ق.

126 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهرآشوب ، محمد بن علي المازندراني المتوفى 588 ه ق ، 4 مجلدات ، دار الاضواء بيروت ( تصوير عن الطبعة الايرانية ).

127 - مناهج الاحكام : للفاضل النراقي ، المتوفى 1244 ه ق ، حجري مطبوع في ايران 1296 ه ق.

128 - من لا يحضره الفقيه : للصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي المتوفى 381 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق السيد حسن الخرسان ، الطبعة الخامسة ، دار الكتب الاسلامية طهران 1390 ه ق.

129 - منتهى الوصول والامل : لابن الحاجب ، ابو عمرو عثمان الحاجبي المالكي المتوفى 646 ه ق ، الطبعة الاولى ، دار الكتب العلمية بيروت 1405 ه ق 1985 م.

130 - المنخول من تعليقات الاصول : للغزالي ، ابو حامد المتوفى 505 ه ق ، دار الفكر دمشق 1400 ه ق 1980 م ، الطبعة الثانية.

131 - منية اللبيب في شرح التهذيب : للعميدي ، السيد عبد المطلب بن مجد الدين الحسيني المتوفى 754 ه ق ، مخطوط موجود في مكتبة السيد المرعشي العامرة في قم برقم 200.

132 - الموافقات : للشاطبي ، ابراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى 790 ه ق ، 4 مجلدات ، تحقيق محمد عبد اللّه دراز ، دار المعرفة بيروت.

( ن )

133 - نقباء البشر : للطهراني ، محمد محسن المعروف بآغا بزرگ المتوفى 1389 ه ق ، 6 مجلدات ، نشر دار المرتضى مشهد ايران 1404 ه ق ؛ وهو تصوير عن طبعة النجف.

134 - نهاية الافكار : للعراقي ، المحقق الشيخ ضياء الدين المتوفى 1361 ه ق ، 4 أجزاء ، تحقيق ونشر جماعة المدرسين في قم 1405.

ص: 627

135 - نهاية الدراية : للأصفهاني ، المحقق الشيخ محمد حسين المتوفى 1361 ه ق ، 6 أجزاء في 5 مجلدات ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم 1408 الى 1414 ه ق.

136 - النهاية في غريب الحديث والاثر : لابن الاثير ، مبارك بن محمد الجزري الشيباني المتوفى 606 ه ق ، الطبعة الثانية 1399 ه ق دار الفكر بيروت 1399 ه ق ، 1979.

137 - نهاية الوصول الى علم الاصول : للعلامة الحلي ، الحسن بن يوسف المتوفى 726 ه ق ، تحقيق ابراهيم البهادري ، 4 مجلدات احتمالا ، طبع الثالث منه في 1427 ه ق ، قم ايران.

138 - نهج البلاغة : تعليق صبحي الصالح ، تحقيق فارس تبريزيان ، دار الهجرة قم 1422 ه ق.

( ه- )

139 - هداية الابرار الى طريق الائمة الاطهار : للكركي ، الشيخ حسين بن شهاب الدين العاملي ، المتوفى 1076 ه ق ، تحقيق رءوف جمال الدين ، طبعة النجف 1396 ه ق.

140 - هداية المسترشدين : للأصفهاني ، الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية على المعالم المتوفى 1248 ه ق ، الطبعة الجديدة في 3 مجلدات ، نشر جماعة المدرسين في قم 1420 ه ق ، والطبعة الحجرية 1269 ه ق طهران.

( و)

141 - الوافي في شرح الوافية : للكاظمي ، المحقق السيد محسن بن حسن الحسيني المتوفى 1240 أو 1227 ه ق ، مخطوط موجود في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم 1921.

142 - الوافية في اصول الفقه : للفاضل التوني المتوفى 1071 ه ق ، نشر مجمع الفكر الاسلامي 1412 ه ق.

143 - وسائل الشيعة : للحرّ العاملي ، محمد بن الحسن بن علي المتوفى 1104 ه ق ، 20 مجلد ، الطبعة السادسة ، طبع المكتبة الاسلامية طهران 1403 ه ق.

ص: 628

محتويات الجزء الثاني

المقصد السادس

الامارات المعتبرة شرعا او عقلا

القطع

وجه تشبيه القطع بالمسائل الكلامية... 7

احكام المكلف واقسامه... 7

مراتب الحكم... 10

بيان احكام القطع واقسامه ، وفيه امور :

الامر الاول : وجوب موافقة القطع... 14

اقسام الجعل... 15

رد القول بان القطع قابل للرفع... 17

الامر الثاني : التجري... 17

المناقشة مع الاخباريين في عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية... 24

الامر السابع : حجية القطع الاجمالي... 26

ما يناسب باب القطع والبراءة والاشتغال من بحث العلم الاجمالي... 27

كيفية الامتثال للمعلوم بالاجمال... 31

تذنيب : لو تولد من العلم الاجمالي العلم التفصيلي... 40

الظن

المقام الاول : امكان التعبد بالامارة غير العلمية... 43

معنى الامكان والامتناع في محل النزاع... 43

ص: 629

معنى التعبد بالامارة غير العلمية... 46

جعل الحجية للامارة... 46

محاذير التعبد بالامارة ، وردها... 47

الاشكالات على انشاء الحكم التكليفي على طبق الامارة... 50

دفع الاشكالات المتقدمة... 52

انحاء الطلب... 53

المقام الثاني : وقوع التعبد بالظن عقلا أو شرعا ( تأسيس الاصل ) ... 60

حجية ظواهر الالفاظ... 69

حجية الظهور لغير من قصد افهامه... 75

ظواهر الكتاب

تفصيل بعض الاخباريين في ظواهر الكتاب... 76

اختلاف القراءات... 82

احتمال وجود القرينة أو قرينية الموجود... 83

عدم حجية قول اللغوي... 84

الانسداد الصغير... 85

الاجماع المنقول... 87

امكان الاستدلال بالادلة الاربعة على حجية الاجماع المنقول ، وعدمه... 87

انحاء الاجماع ... 91

تنبيهات الاجماع المنقول :

الاول : عدم الفرق في حجية النقل بين المنكشف والكاشف... 96

الثاني : يجوز الاستناد الى نقل المنكشف ما لم يكن من طريقة اللطف... 97

الثالث :... 97

الرابع :... 97

الخامس :... 98

الشهرة الفتوائية... 100

خبر الواحد... 104

ص: 630

في اصولية المسألة ... 104

الاختلاف في وجه حجية خبر الواحد... 107

ادلة المانعين لحجية خبر الواحد ، وردها ... 108

الاستدلال بالآيات على خبر الواحد

آية النبأ... 111

آية النفر... 122

آية الكتمان... 126

آية الذكر... 127

آية الاذن... 129

الاستدلال بالسنة على خبر الواحد... 130

الاستدلال بالاجماع على خبر الواحد ، وتقريره من وجوه :

الاول : تتبع فتاوى العلماء... 134

الثاني : تتبع الاجماعات المنقولة... 134

الثالث : الاتفاق العملي للعلماء بل كافة المسلمين... 135

الرابع : استقرار طريقة العقلاء... 135

الاستدلال بدليل العقل على خصوص خبر الواحد ، وتقريره من وجوه :

الاول : ما اعتمده الشيخ الانصاري... 139

الثاني : ما ذكره صاحب الوافية... 142

الثالث : ما ذكره صاحب الحاشية... 143

دليل العقل على حجية مطلق الظن ، وهو وجوه :

الاول : قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون ، والجواب عنه... 145

ملاكات الاحكام العقلية غير التحسين والتقبيح... 145

الثاني : لزوم ترجيح المرجوح على الراجح ، والجواب عنه... 149

الثالث : ما افاده السيد الطباطبائي ، والجواب عنه... 149

الرابع : دليل الانسداد... 150

مقدمات دليل الانسداد ... 150

ص: 631

مناقشة المقدمة الاولى والثانية والثالثة... 150

مناقشة المقدمة الرابعة... 151

عدم وجوب الاحتياط في حال الانسداد ، ومناقشته... 158

مناقشة المقدمة الخامسة... 167

تنبيهات الانسداد :

الاول : حجية الظن بالواقع او الظن بالطريق... 167

الثاني : النتيجة هل هي مهملة او معينة؟... 177

الظن المانع والممنوع... 194

الثالث : عدم الفرق في الظن الحاصل من مثل الشهرة او من مثل قول اللغوي... 196

حجية الظنون الرجالية في حال الانسداد... 197

الرابع : كفاية الظن الانسدادي في تعيين الاحكام الكلية وعدم كفاية في مقام الامتثال 198

الخامس : في اعتبار الظن في اصول الدين وعدمه ... 199

السادس : الترجيح والوهن بالظن غير المعتبر... 207

الترجيح والوهن بمثل القياس... 211

المقصد السابع

الاصول العملية

تعريف الاصول العملية... 215

حصر مجاري الاصول في اربعة... 215

اصالة البراءة

اعتبارات تقسيم الشك... 218

ادلة البراءة :

الكتاب... 220

السنة :

ص: 632

حديث الرفع... 226

المراد من « ما » الموصولة في الحديث... 227

حديث الحجب... 234

ادلة الاحتياط :

دليل العقل على وجوب الاحتياط ، وهو وجهان :

1 - العلم الاجمالي بوجود محرمات كثيرة ، والجواب عنه... 235

2 - اصالة الحظر في الافعال ، والجواب عنه... 241

تنبيهات البراءة :

الاول : عدم الفرق بين فقدان النص واجماله... 244

شبهتان :

1 - هل ترجع الشبهة في مجمل النص الى الشبهة الموضوعية؟... 244

2 - هل الخطاب المجمل يدل على تنجز التكليف؟... 245

الثاني : عدم الفرق في الشبهة الحكمية بين التحريمية والوجوبية... 245

الثالث : اشتراط جريان البراءة بعدم اصل موضوعي يقضي بالحرمة... 246

الرابع : رجحان الاحتياط... 248

الاشكال في جريان الاحتياط في العبادات... 249

اخبار « من بلغه »... 252

الخامس : جريان البراءة في جميع مصاديق الشبهة الوجوبية... 258

السادس : اختصاص ادلة البراءة بالشك في الوجوب التعييني... 259

الشك في الوجوب الكفائي... 262

اصالة التخيير

الدوران بين المحذورين... 263

اصالة الاشتغال

حكم الشك في المكلف به... 267

منجزية العلم الاجمالي في الشبهة الحكمية وكونه علة تامة او مقتضيا... 267

ص: 633

منجزية العلم الاجمالي في الشبهة الموضوعية... 270

تنبيهات الاشتغال

الاول : حكم الملاقي لاحد المشتبهين... 274

الثاني : الاضطرار الى بعض الافراد ، معيّنا او مرددا... 279

الثالث : شرطية الابتلاء بجميع الاطراف ... 288

في الشبهة غير المحصورة ، في مقامين :

المقام الاول : حكمها ، اي عدم وجوب الاحتياط... 289

المقام الثاني : الضابط بينها وبين المحصورة... 293

الرابع : جواز ارتكاب طرف عند جعل طرف آخر بدلا عن الحرام الواقعي... 294

الخامس : عدم الفرق في وجوب الاحتياط بين اشتباه المكلف به او المكلف... 296

الاقل والاكثر ، وفيه ثلاث مقامات :... 296

المقام الاول : في الجزء التحليلي... 298

المقام الثاني : في الجزء الذهني ... 300

المقام الثالث : في الجزء الخارجي... 301

تنبيهات الاقل والاكثر :... 307

التنبيه الثالث : زيادة الجزء... 309

التنبيه الرابع : تعذر الجزء او الشرط... 310

قاعدة الميسور... 312

خاتمة : في اجراء الاصول قبل الفحص :

الاحتياط... 319

البراءة ... 320

مقدار الفحص... 323

استحقاق العامل للبراءة قبل الفحص للعقاب... 324

في عقاب الجاهل المقصر في الواجبات المشروطة... 326

عدم بقاء النهي الفعلي للجاهل المصلي في الدار المغصوبة... 328

صحة عمل الجاهل قبل الفحص وعدمها... 332

ص: 634

الجاهل المقصر في مسألتي القصر والاتمام والجهر والاخفات ... 334

قاعدة لا ضرر

الاخبار الدالة عليها ، وفيها مقامات :... 339

الاول : في سندها... 340

الثاني : معنى « الضرر » و « الضرار »... 341

المعنى التركيبي للضرر والضرار... 342

الثالث : تعارض القاعدة مع الادلة الواقعية... 347

الرابع : تعارض فردين من الضرر... 349

الخامس : الاشكال على القاعدة بتخصيص الكثير... 353

السادس : المنفي بالقاعدة... 355

السابع : دوران الامر بين الضرر والحرج... 356

الاستصحاب

حقيقة الاستصحاب واختلاف تعاريفه... 359

الاستصحاب من الاحكام الفرعية... 363

الاستصحاب من الاحكام الفرعية... 363

الاستصحاب مسألة اصولية... 364

في ركني الاستصحاب : ثبوت شيء ، والشك في بقائه... 365

الاشكال في استصحاب الحكم الشرعي الكلي... 366

كفاية اتحاد الموضوع عرفا في القضيتين... 368

لزوم احراز المتيقن سابقا حال الشك... 370

اعتبار الشك الفعلي... 371

تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب والدليل والشك... 373

بيان الاقوال اجمالا في حجية الاستصحاب... 375

حجية الاستصحاب بناء على التعبد بالاخبار ، لا غير... 375

اخبار الاستصحاب :

1 - الصحيحة الاولى لزرارة ... 376

ص: 635

عدم دلالة الصحيحة على قاعدة المقتضي والمانع... 378

بيان دلالة الرواية في الشك في المقتضي او مطلقا... 383

2 - الصحيحة الثانية لزرارة... 388

عدم دلالة الصحيحة الثانية على قاعدة اليقين... 396

3 - الصحيحة الثالثة لزرارة... 397

الاحتمالات الواردة في الصحيحة... 397

4 - رواية : « قلت : هذا اصل؟ »... 400

5 - رواية الخصال... 401

6 - مكاتبة القاساني... 402

7 - موثقة عمار : « كل شيء طاهر »... 403

8 - قوله عليه السلام : « الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس »... 403

دلالة اخبار التقييد بغاية على الاستصحاب ، او قاعدة الطهارة ، ومناقشتها... 403

عدم دلالة الاخبار على الاستصحاب وقاعدة اليقين معا... 407

عدم ارادة قاعدة اليقين من الاخبار... 410

تذنيب : شمول الاخبار لجميع اقسام المستصحب... 415

الاحكام الوضعية

تحقيق حال الاحكام الوضعية... 417

اقسام الاحكام الوضعية... 418

القسم الاول : ما لا يقبل الجعل اصلا ، لا ابتداء ولا تبعا... 418

القسم الثاني : ما يقبل الجعل تبعا ، لا اصالة... 424

القسم الثالث : ما يقبل الجعل تبعا واصالة بحسب الامكان... 425

تنبيهات الاستصحاب

الامر الاول : استصحاب الكلي واقسامه... 432

القسم الاول... 432

القسم الثاني... 433

القسم الثالث... 436

ص: 636

الامر الثاني : استصحاب الزمان والامور غير القارة والتدريجية ... 441

الامر الثالث : الاستصحاب التعليقي... 449

الامر الرابع : استصحاب الحكم الثابت في الشريعة السابقة... 453

الامر الخامس : الاصل المثبت... 457

موارد ليست من الاصول المثبتة... 466

الامر السادس : اصالة تأخر الحادث... 471

الامر السابع : استصحاب الامور الاعتقادية... 480

الامر الثامن : في استصحاب حكم المخصص... 489

الامر التاسع : استصحاب الاجزاء الباقية بعد تعذر البعض... 492

الامر العاشر : جريان الاستصحاب ولو مع الظن بالخلاف... 494

خاتمة : شرائط العمل بالاستصحاب... 496

الاول : اشتراط بقاء الموضوع... 497

10 دليل الشرط الاول... 499

كون الموضوع عقليا او عرفيا... 504

الثاني : اشتراط الشك في البقاء... 509

الثالث : اشتراط عدم العلم بالبقاء او الارتفاع... 510

وجوه تقديم الدليل الاجتهادي على الاستصحاب :

1 - الورود... 511

2 - التخصيص... 512

3 - الحكومة... 513

تقديم الامارات على البراءة... 515

تنبيه : الفرق بين الامارة والاصل... 517

تقديم الاستصحاب السببي على المسببي... 518

في الاستصحابين المتعارضين... 523

قاعدة الفراغ ( اصالة الصحة )... 527

ينبغي التنبيه على امور :

ص: 637

الاول : المراد بالشك في القاعدة... 536

الثاني : تعارض القاعدة مع قاعدة التجاوز... 537

الثالث : لو شك في المشروط بواسطة الشك في الشرط... 539

اصالة الصحة في فعل الغير... 541

هل المحمول هو الصحة الواقعية او عند الفاعل؟... 545

اشتراط احراز عنوان الفعل في اجراء الاصل... 548

في ان صحة كل شيء بحسبه... 552

عدم حجية الاصل المثبت في هذا الاصل... 555

تقدم هذا الاصل على الاصول الموضوعية... 556

معارضة الاستصحاب مع القرعة ... 562

ص: 638

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.